مجموع المواضع حول سيرة النبي الاعظم

اشارة

المولف : مجله حوزه
الناشر : مجله حوزه

اسراء رسول الله ومعراجه

قال الله تعالي: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الإسراء: 1.الإسراء والسري: السير بالليل، والمسجد الأقصي: بيت المَقْدِس، والقصي: البعيد، وسُمِّي أقصي: لكونه أبعد مسجد عن مكة.إن الروايات المرويَّة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصرِّح بوقوع الإسراء مرَّتين، وهو المستفاد من آيات سورة النجم.حيث يقول سبحانه: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي) النجم: 13.واختلف المؤرخون في كيفية الإسراء، فقيل كان إسراءه (صلي الله عليه وآله) بروحه وجسده من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، ثمَّ، ومنه إلي السماوات العُلَي، وعليه الأكثرية.وقيل: كان بروحه وجسده من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، ثم بروحه من بيت المقدس إلي السماوات، وعليه جماعة.وقيل: كان بروحه (صلي الله عليه وآله)، وهو رؤيا صادقة أراها الله نبيَّه، ونُسب ذلك إلي بعضهم.لكن المتأمِّلُ إلي آية الإسراء الكريمة ينكشف له أنَّ الله سبحانه أسري بشخص الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله)، وليس بروحه مجرَّدة عن الجسد.فالآية صريحة في دلالتها أن الله أسري بعبده، وليس بروحه، كما أنه إسراء وليس رؤيا صادقة، كما يدَّعي البعض.وكان الغرض من الإسراء رؤية بعض الآيات الإلهيَّة الكبيرة العظيمة، فقال تعالي: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) الإسراء: 1، وقال: (لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي) النجم: 18.إضافة إلي ذلك فإن هذه المعجزة الكريمة تزيد من ثبات المؤمنين وإيمانهم بقدرة الله سبحانه.وبنفس الوقت زعْزَعَتْ ضِعاف الإيمان، ومَن في نفوسهم مرض، فارتدُّوا عن الإسلام، ولم يثبت إلا من ثبت الإيمان في نفوسهم.وبهذه الطريقة عُرف من ارتدَّ عن الإسلام، ومن لم يثبت الإيمان في قلبه.ذُكر في أمالي الصدوق، بسنده عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: (لَمَّا أُسريَ برسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي بيت المَقْدس، حَمَله جبرائيل علي البراق، فأتَيَا بَيت المقدس، وعَرضَ عليه مَحاريب الأنبياء، وصلَّي بها، وَرَدَّه (إلي مكة)).أمَّا المِعراج: فالمَعْرَج: المَصْعَد، والطريق الذي تصعد فيه الملائكة.وقد حدث المعراج في نفس الليلة التي حدث فيها الإسراء من المسجد الأقصي إلي السماوات العُلي.وهي معجزة كبيرة للنبي محمد (صلي الله عليه وآله)، فقد سخَّر الله سبحانه وتعالي لنبيِّه محمد (صلي الله عليه وآله) البراق.فارتفع به ومعه جبرائيل، ليُرِيَه مَلَكوت السماواتِ، وما فيها من عجائِب صُنعِهِ، وبدائِعِ خَلقه تعالي.وقد تحدَّثت سورة النجم عن هذه المعجزة الكبري، فقال تعالي:(بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ، وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَي، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي، فَأَوْحَي إِلَي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي، إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي، لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي) النجم: 1 - 18.

انشقاق القمر لرسول الله

قال الله تعالي: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) القمر: 1 - 2.جاء في تفسير مجمع البيان ما مضمونه: اجتمع المشركون، وجاءوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فقالوا: إن كنت صادقاً، فَشُقَّ لنا القمرَ فرقتين.فقال لهم النبي (صلي الله عليه وآله): (إنْ فعلتُ تؤمِنون بِنبُوَّتي).قالوا: نعم.فسأل رسول الله (صلي الله عليه وآله) ربَّه، أن يعطيه ما قالوا، فانشقَّ القمر نصفين، والرسول ينادي: (يا فلان، يا فلان، اِشهدوا).فقال ناس: سَحَرنا محمد، فقال رجل: إن كان سَحَركم فلَمْ يَسْحَر الناس كلهم.إن هذه الحادثة رواها كثير من الصحابة، في كتب العامة والخاصة، ولم ينكرها إلا قليل، واشتهارها بين الصحابة يمنع القول بخلافها.ثم أن الآية الأولي ذكرت اقتراب الساعة مع انشاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد (صلي الله عليه وآله)، ونبوَّتُه وزمانُه من شروط اقتراب الساعة.كما تتحدث الآية الثانية عن عناد قريش، وعدم انقيادها للمعجزات، وأنهم متي رأوا معجزة باهرة، وحجة واضحة، اعرضوا عن تأمُّلها، والانقياد لصحَّتها، وقالوا: سِحْرٌ مستمر، يشبه بعضه بعضاً.ثم تتناول الآيات الشريفة اللاحقة أنباء الهالكين من الأُمَم السابقة، ثم يعيد سبحانه عليهم نبذة من أنبائهم، إعادة ساخطٍ معاتبٍ، فيذكر سوء حالهم في يوم القيامة عند خروجهم من الأجداث، وحضورهم للحساب.

بعثة رسول الله

الوحي الإلهي منذ بزوغ أنواره علي سطح هذه الأرض، وإلي يومنا هذا، وسيبقي كذلك يشكِّل لدي الجاهليين مشكلة فكرية وعقائدية صعبة الفهم، عسيرة الاستيعاب.أما بالنسبة للفكر الإيماني فليست ظاهرة الوحي لديه، إلا تعبير عن استمرار العناية الإلهية، وتتابع الألطاف الربانية، رحمة بالإنسان الضال المنحرف، وإنقاذاً له.لأن الله تعالي لم يخلُق الإنسان ويتركه مهملاً ضائعاً بلا رعاية، بل جعل له الوحي وسيلة لتعريفه بنفسه، وبربِّه، وبخالقه، وبعالمه، وسبيلاً إلي هدايته، لتنظيم حياته، وتعامُله مع أبناء جنسه، وكيفية توجهه إلي خالقه.وهكذا شاء اللطف الإلهي والعناية الربَّانية للعباد أن يختار لهم أفراداً مخصوصين ومؤهلين للاتصال بالألطاف الإلهية، لحمل الرسالة، وتبليغ الأمانة إلي البشر، فكان الأنبياء والرسل.فقال تعالي: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الحج: 75.وقال تعالي: (وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّي نُؤْتَي مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) الأنعام: 124.كان النبي (صلي الله عليه وآله) في أواخر العقد الثالث من عمره الشريف يلقي إليه الوحي عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه، والانكشاف له من خلال الرؤية الصادقة، فكان يري في المنام الرؤية الصادقة، وهي درجة من درجات الوحي.وجاء في تفسير الدر المنثور: أول ما بدئ به رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الوحي الرؤية الصادقة، فكان لا يري رؤياً إلا جاءت مثل فلق الصبح.ثم حبَّبَ الله إليه الخلاء، فكان يخلو بِغار حراء، وهو كهف صغير في أعلي جبل حراء، في الشمال الشرقي من مَكَّة، فكان (صلي الله عليه وآله) يتحنَّث فيه ويتعبَّد، إذ ينقطع عن عالم الحِسِّ والمادَّة، ويستغرق في التأمّل والتعالي نحو عالم الغيب والملكوت، والاتجاه إلي الله تعالي.وحينما بلغ (صلي الله عليه وآله) الأربعين من عمره، عام (13) قبل الهجرة، (610 م)، أتاه جبرائيل في غار حراء، فألقي إليه كلمة الوحي، وأبلغه بأنَّه نبي هذه البشرية، والمبعوث إليها.وتفيد الروايات أن أوَّل آيات القرآن الكريم التي قرأها جبرائيل علي محمد (صلي الله عليه وآله) هي:(بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق: 1 - 5.وبعد تلقِّيه (صلي الله عليه وآله) ذلك البيان الإلهي، عاد النبي إلي أهله، وهو يحمل كلمة الوحي، ومسؤولية حمل الأمانة التي كان ينتظر شرف التكليف بها.فعاد واضطجع في فراشه، وتدثَّر ليمنح نفسه قِسطاً من الراحة والاسترخاء، ويفكِّر ويتأمل فيما كُلِّف به.فجاءه الوحي ثانية، وأمره بالقيامِ وتَرْكِ الفراش، والبدء بالدعوة والإنذار، إذ جاء هذا الخطاب في قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر: 1 - 4.فانطلق مستجيباً لأمر الله تعالي، مبشِّراً بدعوته.وكان أول من دعاه إلي سبيل الله وفاتَحَه زوجته خديجة بنت خويلد (رضوان الله عليها)، وابن عمِّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي كان صبيّاً في العاشرة من عمره، فآمَنَا به، وصدَّقاه، ثم آمن به مَمْلوكه زيد بن حارثة، فكانت النوات الأولي لبدء الدعوة الإلهية الكبري.فقد كان (صلي الله عليه وآله) يختار أصحابه فرداً فرداً، ولم يوجِّه دعوته إلي الجميع في تلك المرحلة، إلي أن جاء الأمر الإلهي: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء: 214.

تأسيس رسول الله الدولة المباركة

توفَّرَتْ للرسول (صلي الله عليه وآله) في المدينة المنوَّرة عناصر بناء الدولة، وهي: الأرض، والأمة، والسلطة السياسية.فشرع ببناء الدولة منذ وصوله إلي هناك، وأول ما توجَّه إليه هو تقوية الجبهة الداخلية، وبناء الكيان السياسي، والاجتماعي، والأخلاقي.ثم بدأ في تكوين الجيش والقوات المسلَّحة بعد دخوله إلي المدينة بستة أشهر، وذلك بعد أن أذِنَ الله له بالقتال.ويذكر المؤرخون بأن مجموع غزوات النبي (صلي الله عليه وآله) وسراياه ثمانون غزوة وسرية، خاضها ضِدَّ قِوي الكُفر، والشرك، والنفاق.

جزاء المستهزئين بالنبي

كان الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحارث بن طلاطلة، بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يستهزئون من دعوته، ويهدّدونه بالقتل إن استمر في الدعوة.فقالوا له: يا محمد، ننتظر بك إلي الظهر، فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك.فدخل النبي (صلي الله عليه وآله) منزله، وأغلق عليه بابه مُغتَمّاً لقولهم، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) عن الله سبحانه من ساعته فقال: يا محمد، السلام يقرأ عليك السلام، وهو يقول لك: (فَاصدَعْ بِمَا تُؤْمَرَ وَاعْرِضْ عَنِ المُشرِكِينَ) (الحجر: 94).يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلي الإيمان.قال (صلي الله عليه وآله): يا جبرئيل، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟قال له (عليه السلام): (إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر: 95).فأظهر (صلي الله عليه وآله) أمره عند ذلك.وأما المستهزئين الخمسة فقد قتلهم الله، وكل واحد تختلف قتلته عن الآخر.فأما الوليد بن المغيرة، فمرَّ بنبل - السهام العربية - لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق، فأصابه شَضِيَّةً منه، فانقطع أكحله، فمات وهو يقول: قتلني رَبّ مُحمد.وأما العاص بن وائل السهمي، فإنه خرج في حاجة له إلي موضع فتدحرج تحته حجر، فسقط، فتقطَّع قطعة قطعة، ومات وهو يقول: قتلني رَبّ محمد.وأما الأسود بن عبد يغوث، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظلَّ بشجرة، فأتاه جبرئيل (عليه السلام)، فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني، فقال الغلام: ما أري أحداً يصنع بك شيئاً إلا نفسك، فَقُتِلَ وهو يقول: قتلني رَبّ مُحمد.وأما الأسود بن المطلب، فإن النبي (صلي الله عليه وآله) دعا عليه أن يعمي الله بصره، وأن يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتي صار إلي موضع أتاه جبرئيل(عليه السلام) بورقة خضراء، فضرب بها وجهه فعمي، وبقي حتي أثكله الله عزَّوجلَّ ولده، ثم مات وهو يقول: قتلني ربّ مُحمد.وأما الحارث بن الطلاطلة، فإنه خرج من بيته في السموم فتحوَّل حبشياً، فرجع إلي أهله فقال: أنا الحارث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: قتلني رَبّ مُحمد.كل ذلك كان في ساعة واحدة.وروي أيضاً أن الأسود بن الحرث أكل سمكاً مالحاً فأصابه عطش فلم يزل يشرب الماء حتي انشق بطنه، فمات وهو يقول: قتلني رَبّ مُحمد.

حفظ النبي من قبل الله

قدم عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة يريدان رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقيل: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك.فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): دعه فإن يرد الله به خيراً يهده.فأقبل حتي قام عليه، فقال: يا مُحمد مالي إن أسلمت؟قال (صلي الله عليه وآله): لك ما للمسلمين، وعليك ما عليهم.قال: تجعل لي الأمر بعدك.قال (صلي الله عليه وآله): ليس ذلك إليَّ، إنما ذلك إلي الله يجعله حيث شاء.قال: فتجعلني علي الوبر وأنت علي المدر؟قال (صلي الله عليه وآله): لا.قال: فماذا تجعل لي؟قال (صلي الله عليه وآله): أجعل لك أَعِنَّةَ الخيل تغزو عليها.قال: أَوَ ليس ذلك إلي اليوم؟فكان عامر قد قال لأربد: إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف.فدار أربد ليضربه (صلي الله عليه وآله) فاخترط من سيفه شبراً، ثم يبست يده علي سيفه ولم يقدر علي سلِّه، ولم يستطع تحرير يده، وحاول جاهداً دون جدوي، فقال: اكفنيها بما شئت.فأرسل الله تعالي علي أربد صاعقة فاحرقته، وعصم الله نبيّه، وولَّي عامر هارباً.وقال: يا محمد دعوت ربَّك فَقتل أربد؟ والله لأملأنَّها عليك خيلاً جرداً وفتيانا مرداً.فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة (يعني الأوس والخزرج).فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضمَّ عليه سلاحه وخرج وهو يقول: والله لئن أصحر إليَّ محمد وصاحبه - يعني ملك الموت - لأنفذهما بِرُمحِي.فأرسل الله تعالي ملكاً فأثراه في التراب - أي لطمه بجناحيه فأثراه في التراب - وخرجت عليه غُدَّة كَغُدَّة البعير عظيمة، فعاد إلي بيت السلولية وهو يقول: أَغُدَّةً كَغُدَّةِ البعير، وموت في بيت سلولية.ثم ركب فرسه فمات علي ظهر الفرس.فانزل الله تعالي: (وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبَ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) (الرعد: 15).

دعوة رسول الله إلي الله

علم الرسول (صلي الله عليه وآله) أنه ليس بوسعه أن يُجاهِر بدعوته في أول الأمر، لأنَّه سيُجابَه من قِبَل المشركين بكل وسائل الرفض والمقاومة.فلجأ (صلي الله عليه وآله) إلي أسلوب السرِّية والكتمان، وظَلَّ يدعو في مَكَّة سِرّاً كل من يراه مؤهلاً للانضمام إلي الدين الجديد، حتي تكامل عدد أصحابه أربعين شخصاً.فدامت هذه المرحلة ثلاث سنوات، ثم من بعدها أعلن (صلي الله عليه وآله) دعوته في مكة مدة عشر سنوات.وهكذا بدأت مرحلة الصراع بين النبي محمد (صلي الله عليه وآله) وأصحابه وبين قِوي الكفر، والشرك، والضلال.فاحتلَّت المواجهة بين الطرفين مساحة واسعة، استخدمت قُرَيش فيها كل وسائل الضغط والقمع والإرهاب.وكانت البداية في الصراع مع النبي (صلي الله عليه وآله) هي الحرب النفسيَّة، التي تمثَّلت بالسخرية والاستهزاء، لكنه (صلي الله عليه وآله) واصل دعوته مع الثُلَّة الخَيِّرة من أصحابه، ممَّا اضطرَّ الأعداء إلي تغيير أسلوبهم ضد الدعوة الجديدة.فأخذوا بإيذاء الرسول (صلي الله عليه وآله) وأصحابه، وبشكل مباشر، وبأساليب مُنحطَّة، تتناسب مع مُستَوَاهم الأخلاقي.أما النبي محمد (صلي الله عليه وآله) فقد اتَّخذ أسلوباً آخر لمواجهتهم، وهو أن يضع عَمَّه أبا طالب في مواجهة الطغاة، لأنه كان من المناصرين له ولدعوته، ولأن قريش كانت تَهابه وتَخافه.وتصاعدت المِحنة، وأخذَتْ قريش تستخدم كل أنواع الإرهاب والتعذيب، لكن النبي محمد (صلي الله عليه وآله) وأصحابه كانوا أشِدَّاء، لا تُزعْزِعُهم تلك الوسائل.وبعد أن فشلت كل وسائل الإرهاب والتعذيب، وكذلك فشلت جميع المحاولات للفصل بين النبي (صلي الله عليه وآله) والمحامي عنه عمُّه أبو طالب، استخدموا أسلوباً جديداً معهم، ألا وهو أسلوب المحاصرة الاقتصادية.فتمَّت محاصرة الرسول (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته من بني هاشم، وبني عبد المطَّلب في شعب أبي طالب (شعب بني هاشم)، وكان ذلك في السنة السابعة من البعثة.ثم انتهت المحاصرة الاقتصادية، وأساليب التجويع والإرهاب، وخرج منها الرسول (صلي الله عليه وآله) ظافراً منتصراً.وشاء الله بعد ذلك أن يتوفَّي خديجة (رضوان الله عليها) وأبا طالب في السنة العاشرة للبعثة النبوية.فشعرَ الرسول (صلي الله عليه وآله) بالحزن والألم، حتي سَمَّي ذلك العام بـ(عام الحزن)، وعلي أثر ذلك اشتدَّ أذي قريش له، وحاولوا مِراراً النيل منه، والتآمر علي حياته.

روايات رسول الله حول الصحة

وردت عدّة روايات عن النبي محمّد (صلي الله عليه وآله) حول صحّة البدن، نذكر منها:1ـ قال (صلي الله عليه وآله): (كل وأنت تشتهي، وأمسك وأنت تشتهي).2ـ قال (صلي الله عليه وآله): (أصل كل داء البرودة).3ـ قال (صلي الله عليه وآله): (المعدة بيت كل داء، والحمية رأس كل دواء، فأعط نفسك ما عوّدتها).4ـ قال (صلي الله عليه وآله): (برد الطعام، فإنّ الحار لا بركة فيه).5ـ قال (صلي الله عليه وآله): (كثرة الطعام شؤم).6ـ قال (صلي الله عليه وآله): (تسحّروا، فإنّ السحور بركة).7ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالهريسة، فإنّها تنشط للعبادة أربعين يوماً، وهي التي أنزلت علينا بدل مائدة عيسي (عليه السلام)).8ـ قال (صلي الله عليه وآله): (تخلّلوا علي أثر الطعام وتمضمضوا، فأنّهما مصحّة الناب والنواجد).9ـ قال (صلي الله عليه وآله): (ثلاث لقمات بالملح قبل الطعام، تصرف عن ابن آدم اثنين وسبعين نوعاً من البلاء، منه الجنون والجذام والبرص).10ـ قال (صلي الله عليه وآله): (من أكل الملح قبل كل شيء، دفع الله عنه ثلاثمائة وثلاثين نوعاً من البلاء، أهونها الجذام).11ـ قال (صلي الله عليه وآله): (من تعوّد كثرة الطعام والشراب قسا قلبه).12ـ قال (صلي الله عليه وآله): (خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم).13ـ قال (صلي الله عليه وآله): (اللحم ينبت اللحم، ومن ترك اللحم أربعين صباحاً ساء خلقه).14ـ قال (صلي الله عليه وآله): (من أكل اللحم أربعين يوماً صباحاً قسا قلبه).15ـ قال (صلي الله عليه وآله): (اسقوا نساءكم الحوامل الألبان فإنّها تزيد في عقل الصبي).16ـ قال (صلي الله عليه وآله): (أوحي الله تعالي إلي نبي من أنبيائه حين شكا إليه ضعفه، أن اطبخ اللحم مع اللبن، فإنّي قد جعلت الشفاء والبركة فيهما).17ـ قال (صلي الله عليه وآله): (أكل الجبن داء، والجوز داء، فإذا اجتمعا معاً صارا دواء).18ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالألبان، فإنّها تمسح الحر عن القلب، كما يكسح الإصبع العرق عن الجبين، وتشد الظهر، وتزيد في العقل، وتذكي الذهن، وتجلو البصر، وتذهب النسيان).19ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عشر خصال تورث النسيان: أكل الجبن، وأكل سؤر الفأرة، وأكل التفّاح الحامض، والجلجلان، والحجامة علي النقرة، والمشي بين المرأتين، والنظر إلي المصلوب، والتعاز، وقراءة لوح المقابر).20ـ قال (صلي الله عليه وآله): (ثلاثة يفرح بهن الجسم ويربو: الطيب ولباس اللين، وشرب العسل).21ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالعسل، فو الذي نفسي بيده، ما من بيت فيه عسل إلاّ وتستغفر الملائكة لأهل ذلك البيت، فإن شربها رجل دخل في جوفه ألف دواء، وخرج عنه ألف ألف داء، فإن مات وهو في جوفه، لم تمس النار جسده).22ـ قال (صلي الله عليه وآله): (نعم الشراب العسل، يربي ويذهب درن الصدر).23ـ قال (صلي الله عليه وآله): (من أراد الحفظ فيأكل العسل).24ـ قال (صلي الله عليه وآله): (إذا ولدت المرأة فليكن أوّل ما تأكل الرطب الحلو والتمر، فإنّه لو كان شيء أفضل منه أطعمه الله تعالي مريم حين ولدت عيسي (عليه السلام)).25ـ قال (صلي الله عليه وآله): (كل التمر علي الريق، فإنّه يقتل الدود).26ـ قال (صلي الله عليه وآله): (نعم السحور للمؤمن التمر).27ـ قال (صلي الله عليه وآله): (من وجد التمر فليفطر عليه، ومن لم يجد فليفطر علي الماء، فإنّه طهور).28ـ قال (صلي الله عليه وآله): (لحم البقر داء، ولبنها دواء، ولحم الغنم دواء، ولبنها داء).29ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالفواكه في إقبالها، فإنّها مصحّة للأبدان، مطردة للأحزان، وألقوها في أدبارها، فإنّها داء الأبدان).30ـ قال (صلي الله عليه وآله): (أفضل ما يبدأ به الصائم الزبيب والتمر، أو شيء حلو).31ـ قال (صلي الله عليه وآله): (أكل التين أمان من القولنج).32ـ قال (صلي الله عليه وآله): (أكل السفرجل يذهب ظلمة البصر).33ـ قال (صلي الله عليه وآله): (تفكّهوا بالبطيخ، فإنّها فاكهة الجنّة، وفيها ألف بركة وألف رحمة، وأكلها شفاء من كل داء).34ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالبطيخ، فإنّ فيه عشر خصال، هو طعام وشراب، وأسنان وريحان، يغسل المثانة، ويغسل البطن، ويكثر ماء الظهر، ويزيد في الجماع، ويقطع البرودة، وينقّي البشرة).35ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالرمّان، وكلوا شحمه، فإنّه دباغ المعدة، وما من حبّة تقع في جوف أحدكم إلاّ أنارت قلبه، وحبسته من الشيطان والوسوسة أربعين يوماً).36ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالأترج، فإنّه ينير الفؤاد، ويزيد في الدماغ).37ـ قال (صلي الله عليه وآله): (كل التين، فإنّه ينفع البواسير والنقرس).38ـ قال (صلي الله عليه وآله): (إذا اتخذ أحدكم مرقاً، فليكثر فيه الدباء، فإنّه يزيد في الدماغ والعقل).39ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالزبيب فإنّه يطفئ المرّة، ويسكن البلغم، ويشد العصب، ويذهب النصب، ويحسن القلب).40ـ قال (صلي الله عليه وآله): (شكي نوح إلي الله تعالي الغم، فأوحي الله إليه أن يأكل العنب، فإنّه يذهب الغم).41ـ قال (صلي الله عليه وآله): (العنّاب يذهب بالحمي والكحة، ويجلي القلب).42ـ قال (صلي الله عليه وآله): (شكا نوح إلي الله تعالي الغم، فأوحي الله إليه أن يأكل العنب، فإنّه يذهب الغم).43ـ قال (صلي الله عليه وآله): (ما من امرأة حاملة أكلت البطيخ، إلاّ يكون مولودها حسن الوجه والخلق).44ـ قال (صلي الله عليه وآله): (شموا النرجس، ولو في اليوم مرّة، ولو في الأسبوع مرّة، ولو في الشهر مرّة، ولو في السنة مرّة، ولو في الدهر مرّة، فإنّ في القلب حبّة من الجنون والجذام والبرص وشمّه يقلعها).45ـ قال (صلي الله عليه وآله): (الحناء خضاب الإسلام، يزيد في المؤمن عمله، ويذهب بالصداع، ويحد البصر، ويزيد في الوقاع، وهو سيّد الرياحين في الدنيا والآخرة).46ـ قال (صلي الله عليه وآله): (إذا دخلتم بلداً فكلوا من بقله أو بصله يطرد عنكم داؤه ويذهب بالنصب ويشد العصب ويزيد في الباه ويذهب بالحمي).47ـ قال (صلي الله عليه وآله): (كلوا الجبن، فإنّه يورث النعاس، ويهضم الطعام).48ـ قال (صلي الله عليه وآله): (كلوا الثوم، فإنّ فيها شفاء من سبعين داء).49ـ قال (صلي الله عليه وآله): (عليكم بالكرفس، فإنّه إن كان شيء يزيد في العقل فهو هو).50ـ قال (صلي الله عليه وآله): (لا تأكلوا الطين، فإنّ فيها ثلاث خصال: تورث الداء، وتعظم البطن، وتصفر اللون).

زواج رسول الله

لا بُدَّ للنبي (صلي الله عليه وآله) من الاقتران بامرأة تتناسب مع عظمة شخصيته، وتتجاوب مع أهدافه السامية.ولم يكن في دنيا النبي محمد (صلي الله عليه وآله) امرأة تصلح لذلك غير خديجة (رضوان الله عليها)، لما ينتظرها من جهاد، وبَذْل، وصَبْر.وشاءت حكمة الله تعالي أن يَتَّجه قلب خديجة نحو النبي محمد (صلي الله عليه وآله)، وأن تتعلَّق بشخصيته، وتطلُب منه أن يقترن بها.فيقبل النبي محمد (صلي الله عليه وآله) بذلك، وكان حينذاك عمره الشريف لم يتجاوز الخامسة والعشرين.

عبادة النبي في غار حراء

اشاره

كانت عند العرب بقايا من الحنيفية، التي ورثوها من دين النبي إبراهيم (عليه السلام)، فكانوا - مع ما هم عليه من الشرك - يتمسكون بأمور صحيحة، توارثها الأبناء عن الآباء.وكان بعضهم أكثر تمسكاً بها من بعض، بل كانت قِلَّة منهم تعاف وترفض ما كان عليه قومها من الشرك، وعبادة الأوثان، وأكل الميتة، ووأد البنات، ونحو ذلك من العادات التي لم يأذن بها الله، ولم يأت بها شرع حنيف.وكان من تلك الطائفة ورقة بن نوفل، وزيد بن نفيل، ورسولنا (صلي الله عليه وآله).والذي أمتاز عن غيره بإعتزاله (صلي الله عليه وآله) الناس للتعبُّد، والتفكُّر في غار حِرَاء، فما هو خبره (صلي الله عليه وآله) في هذا الشأن؟، هذا ما سنقف عليه في المقال التالي:كان النبي (صلي الله عليه وآله) يتأمَّل منذ صغره، ما كان عليه قومه من العبادات الباطلة، والأوهام الزائفة، التي لم تجد سبيلاً إلي نفسه، ولم تلقَ قبولاً في عقله.وذلك بسبب ما أحاطه الله من رعاية، وعناية، لم تكن لغيره (صلي الله عليه وآله) من البشر، فبقيت فطرته علي صفائها، تنفر من كل شيء غير ما فطرت عليه.

التعبد في الغار

هذا الحال الذي كان عليه (صلي الله عليه وآله) دفع به إلي إعتزال قومه، وما يعبدون من دون الله، وحبَّب الله إليه عبادته بعيداً عن أعين قومه، وما كانوا عليه من عبادات باطلة، وأوهام زائفة.فكان (صلي الله عليه وآله) يأخذ طعامه، وشرابه، ويذهب إلي غار حِرَاء، كما ثبت في الحديث المُتَّفَق عليه، أنه (صلي الله عليه وآله) قال:(جاورت بِحِرَاء شهراً).وحِراء هو غار صغير، في جبل النور، علي بعد ميلين من مكة، فكان (صلي الله عليه وآله) يقيم فيه الأيام والليالي ذوات العدد.فيقضي (صلي الله عليه وآله) وقته في عبادة ربه، والتفكَّر فيما حوله، من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك الباطلة، والتصورات الواهية.ولكن ليس بين يديه (صلي الله عليه وآله) طريق واضح، ولا منهج مُحدَّد، يطمئِنُّ إليه ويرضاه.وكان اختياره لهذه العزلة، والانقطاع عن الناس بعض الوقت، من الأسباب التي هيَّأها الله تعالي له، لِيعدَّه لما ينتظره من الأمر العظيم، والمهمّة الكبيرة التي سيقوم بها، وهي إبلاغ رسالة الله تعالي للناس أجمعين.واقتضت حكمة الله تعالي أن يكون أول ما نَزَّل عليه (صلي الله عليه وآله) الوحيَ في هذا الغار.فهذا ما كان من أمر تعبده (صلي الله عليه وآله)، وإعتزاله قومه، وما كانوا عليه من العبادات والعادات.وقد أحاطه الله سبحانه بعنايته ورعايته، وهيَّأ له الأسباب التي تعدّه لحمل الرسالة للعالمين.وهو (صلي الله عليه وآله) في حالِهِ التي ذكرنا ينطبق عليه، قوله تعالي في حق موسي (عليه السلام): (وَلِتُصْنَعَ عَلَي عَيْنِي) طه 93.إنه الإعداد لأمر عظيم، تنوء الجبال بحمله، إنها الأمانة التي كان يُعدُّ (صلي الله عليه وآله) لحملها إلي الناس أجمعين، ليكون عليهم شهيداً يوم القيامة، تحقيقاً لقوله تعالي: (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَي هَؤُلاءِ) النحل 89.فجزاه الله عن أمته، وعن العالمين خير الجزاء، وجمعنا معه (صلي الله عليه وآله) تحت ظِلِّه، يوم لا ظِلَّ إلا ظِلّه.

فضل الصلاة علي رسول الله

وردت عدّة روايات في فضل الصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله)، نذكر منها:1ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (أكثروا الصّلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم).2ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (من صلّي عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي).3ـ قال سهل بن سعد: قدم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فإذا بأبي طلحة، فقام إليه فتلقّاه، فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله إنّي لأري السرور في وجهك؟ قال (صلي الله عليه وآله): (أتاني جبرائيل آنفاً فقال: يا محمّد: من صلّي عليك مرّة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له بها عشر درجات).4ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (إنّ الله أعطي ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم علي قبري إلي يوم القيامة، لا يصلّي عليَّ أحد صلاة إلاّ سمّاه باسمه واسم أبيه، وقال: يا محمّد صلّي عليك فلان بن فلان، وقد ضمن لي ربّي تبارك وتعالي أنّه أردّ عليه بكلّ صلاة عشراً).5ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ فقد شقي).6ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (من ذكرتُ عنده فخطئ الصلاة عليّ خطئ طريق الجنّة).7ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ).8ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (لا صلاة لمن لا يصلّي عليّ).9ـ قال النبي (صلي الله عليه وآله): (من صلّي عليّ واحدة، صلّي الله عليه عشراً).10ـ قال فضالة بن عبيد: سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله) رجلاً يدعو في الصلاة، ولم يذكر الله عزّ وجل، ولم يصلّ علي النبي، فقال (صلي الله عليه وآله): (عجل هذا)، ثمّ دعاه وقال له ولغيره: (إذا صلّي أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثمّ ليصلّ علي النبي، ثمّ ليدع بعدما شاء).

مواخاة رسول الله بين المهاجرين والأنصار

شرع رسول الله (صلي الله عليه وآله) منذ وصوله إلي المدينة ببناء الدولة الإسلامية المباركة.فأسس المسجد ليكون منطلقاً للقيادة، ومركزاً لبناء الدولة، إلي جانب مهامِّ المسجد العبادية والفكرية، ثم توجَّه إلي بناء الجبهة الداخلية، وتقوية البُنْية الاجتماعية.وفي الثاني عشر من شهر رمضان، من السنة الأولي للهجرة النبوية المباركة، آخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين المهاجرين والأنصار.ورُويَ أنَّه آخي بين أبي بكر وخارجة بن زيد، وبين عمر وعتبان بن مالك، وبين معاذ بن جبل وأبي ذر الغفاري، وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، ومصعب بن عمير وأبي أيوب، وبين سلمان وأبي الدرداء و...ولمَّا آخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين أصحابه، جاء الإمام علي (عليه السلام) تدمع عيناه، فقال الإمام (عليه السلام): (يَا رَسولَ الله، آخيتَ بين أصحابِك، ولم تُؤاخي بيني وبين أحد؟).فقال له الرسول (صلي الله عليه وآله): (أنْتَ أخي في الدُّنيَا والآخِرَة).ويقول الشاعر أبو تمام في هذا المعني:أخوه إذا عدَّ الفخَار وصِهْرُه فَمَا مثلُهُ أخٌ ولا مِثلُه صِهْرُوقد كان مشروع المؤاخاة الذي دعا إليه الرسول (صلي الله عليه وآله) من أقوي السياسات الإسلامية، التي حثَّ عليها القرآن الكريم.فقد ورد بصيغة الحصر في قوله تعالي: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10.

مجلس رسول الله

كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يجلس ولا يقوم إلا علي ذكر، لا يوطن الأماكن وينهي عن ايطانها.وإذا انتهي (صلي الله عليه وآله) إلي قوم جلس حيث انتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه بنصيبه، فلا يحسب جليسه أنَّ أحداً أكرم عليه منه.وكان مجلسه (صلي الله عليه وآله) مجلس حِلم وحياء، وصدق وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات، ولا تؤبَّن فيه الحرم.وكانوا جلسائه متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوي، متواضعين، يوقِّرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) دائم البِشر، سهل الخُلق، لَيِّن الجانب، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صَخَّاب، ولا فحَّاش، ولا عَيَّاب.وكان (صلي الله عليه وآله) يتغافل عمَّا لا يشتهي، فإذا تكلَّم أطرق جلساؤه كأنَّما علي رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلَّموا، ولا يتنازعون عنده.

من أدعية رسول الله القصيرة

1 - من دعائه (صلي الله عليه وآله) في شهر رمضان بعد الصلاة الواجبة:(اللهمَّ أدخل علي أهل القبور السرور، اللهم أغنِ كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكسُ كل عريان، اللهم اقضِ دين كل مدين، اللهم فرِّج عن كل مكروب، اللهم رُدَّ كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كل مريض، اللهم سُدَّ فقرنا بغناك، اللهم غيِّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر إنَّك علي كل شيء قدير).2 - دعاؤه (صلي الله عليه وآله) يوم بدر:(اللهم أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدَّة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعُدَّة، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقلُّ فيه الحيلة، ويخذل فيه القريب، ويشمت به العدو، وتُعييني فيه الأُمور، أنزلته بك وشكوته إليك راغباً فيه إليك عمن سواك ففرَّجته وكشفته عني وكفيتنيه، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حاجة، ومنتهي كل رغبة، فلك الحمد كثيراً ولك المنُّ فاضلاً).3 - دعاؤه (صلي الله عليه وآله) يوم الأحزاب:(يا صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، اكشف عني همي وغمي وكربي، فإنَّك تعلم حالي وحال أصحابي، فاكفني حول عدوي فإنه لا يكشف ذلك غيرك).4 - دعاء علّمه (صلي الله عليه وآله) لبعض أصحابه يتَّقي به شرَّ العدو:(يا سامع كل صوت، يا محيي النفوس بعد الموت، يا من لا يعجل لأنه لا يخاف الفوت، يا دائم الثبات، يا مخرج النبات، يا محيي العظام الرميم الدارسات، بسم الله، اعتصمت بالله، وتوكلت علي الحي الذي لا يموت، ورميت كل من يؤذيني بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).5 - دعاؤه (صلي الله عليه وآله) لقضاء الدين، علمه للإمام علي (عليه السلام):(اللهم اغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك).6 - دعاؤه (صلي الله عليه وآله) إذا وضعت المائدة بين يديه:(سبحانك اللهم ما أحسن ما تبتلينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعطينا، سبحانك اللهم ما أكثر ما تعافينا، اللهم أوسع علينا وعلي فقراء المؤمنين والمسلمين).

من كلمات رسول الله القصار

1 - إنما بُعِثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق.2 - أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها.3 - أحبُّ الأعمال إلي الله أدومُها وإن قلَّ.4 - بالبرِّ يستعبد الحرُّ.5 - بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.6 - ثلاث تقسي القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، واتيان باب السلطان.7 - جبلت القلوب علي حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها.8 - حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.9 - حب الدنيا رأس كل خطيئة.10 - رأس الحكمة مخافة الله.11 - سادة الناس في الدنيا الأسخياء، سادة الناس في الآخرة الأتقياء.12 - السعيد من وُعظ بغيره.13 - شر الناس من باع آخرته بدنياه، وشرٌ من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره.14 - طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.15 - عليك بالجماعة فإن الذئب يأخذ القاصية.16 - عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار.17 - الغني غني النفس.18 - كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامس فتهلك.19 - لا مال أعود من العقل.20 - لا فقر أشد من الجهل.21 - من أحب قوماً حشر معهم.22 - من يصلح ما بينه وبين الله يصلح الله ما بينه وبين الناس.23 - ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه.24 - مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش.25 - يسِّروا ولا تعسِّروا.26 - يطبع المؤمن علي كل خصلة ولا يطبع علي الكذب ولا علي الخيانة.

موقف رسول الله في شعب أبي طالب

بعد أن فشلت جميع وسائل الإرهاب، والحرب النفسية والدعائية ضد النبي (صلي الله عليه وآله) ومن آمن معه، امتنع زعماء قريش، وقرَّروا أن يقاطعوا أبا طالب، وبني هاشم، ومحمداً، وأصحابه، مقاطعة اقتصادية واجتماعية، وكتبوا عهداً بذلك وعلّقوه في جوف الكعبة.وكان ذلك في اليوم الأول من شهر محرم الحرام، في السنة السابعة للبعثة النبوية.ومما جاء في تلك الصحيفة الظالمة: ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتي يدفعوا إليهم محمداً فيقتلوه.وتعاهدوا علي ذلك، وختموا الصحيفة بثمانين ختماً، ثم حصرت قريش رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته من بني هاشم، وبني عبد المطلب في شعب أبي طالب، ويقال له (شعب بني هاشم).استمرَّ الحصار وطال حتي أنفق أبو طالب والنبي (صلي الله عليه وآله) مالهما، كما أنفقت خديجة أموالها الطائلة في هذه المحاصرة الظالمة.وأشتدَّ خلالها الخطب علي المسلمين، وراحوا يعانون من الجوع والأذي، ويأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يصلهم من الطعام شيء، إلا ما كان يتسرب سراً من بعض المتعاطفين معهم، واستمرت الأوضاع علي هذه الشاكلة ثلاث سنوات تقريباً.وحين اشتدَّ العسر والأذي، وصبر المسلمون، جاء الفرج، وتدخل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأرضة علي صحيفة المقاطعة فأكلتها، ما عدا ما كان فيها من اسم الله سبحانه.فعندها هبط جبرائيل (عليه السلام) وأخبر محمداً (صلي الله عليه وآله) بذلك.أخبر النبي أبا طالب بهذا النبأ العظيم، وأطلعه علي ما حدث للصحيفة الظالمة، فتوجها مع باقي بني هاشم نحو البيت الحرام، ليُحدثوا طواغيت قريش بما أخبر به رب العزة، وليؤكدوا لهم دليلاً أخراً علي صدق نبوَّة محمد (صلي الله عليه وآله).فجلس أبو طالب بفناء الكعبة، وأقبلت عليه قريش فقالوا له: آنَ لك يا أبا طالب أن تذكر العهد، وأن تشتاق إلي قومك، وتدع اللُّجاج في ابن أخيك.فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلَّنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة، فأحضروها.فخاطبهم أبو طالب: هذه صحيفتكم.قالوا: نعم.قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً.قالوا: اللَّهُمَّ لا.فقال لهم: إنَّ مُحمَّداً أعلمني عن رَبِّه، أنه بعث الأرضة، فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ماذا تصنعون؟قالوا: نكف ونمسك.فقال: فإن كان كاذباً دفعته إليكم.قالوا: قد أنصفْتَ وأجملْتَ.وبدأت اللحظات الحاسمة.فإذا بالأرضة قد أكلت كل ما في الصحيفة، إلا مواضع اسم الله عزَّ وجلَّ، فَبُهِت الطغاة، وأخذَتْهم العزة بالإثم، وقالوا: ما هذا إلا سحر.لم يستطع كفار مكة مصادرة هذا الحدث العظيم بهذا الرد التافه، بل راح الناس يتفاعلون معه، فأسلم كثيرون، وصدَّقوا هذه المعجزة.وعلي أثر ذلك فُكَّ الحصار، وخَرج النبي محمد (صلي الله عليه وآله) ومن معه من الشعب أعِزَّةً مُنتصِرين.

موقف رسول الله في صُلح الحُدَيْبيَّة

قرَّر رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن يسير بأصحابه من المدينة المنورة إلي مكة، ليزور بيت الله الحرام، بعد أن رأي في منامه أنه يدخله هو وأصحابه آمِنين من غير قتال.كما روت ذلك الآية الشريفة: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح: 27.فتوجَّه الرسول (صلي الله عليه وآله) نحو مكة، ومعه ما يقرب من ألف وأربعمِائة من المهاجرين والأنصار.وذلك في الأول من ذي القعدة، من السنة السادسة للهجرة، وقد ساقوا معهم سبعين بَدَنة هديّاً، لتُنْحَر في مكة.فلما تناهَي الخبر إلي قريش فزعت، وظنت أنَّ محمداً (صلي الله عليه وآله) يريد الهجوم عليها، فراحت تتدارس الموقف، وتعدُّ نفسها لِصدِّه عن البيت الحرام.ولما بلغ الرسول (صلي الله عليه وآله) أخبار إعداد قريش، والتهيّؤ لقتاله، غيَّر مسيره، وسلك (صلي الله عليه وآله) طريقاً غير الطريق الذي سلكته قُوَّات قريش المتوجهة لقتاله.ثم استقرَّ في وادي الحُدَيْبيَّة، وأرسل إليهم أحد أفراد قبيلة خزاعة، ليُبلِّغهم بالأهداف التي جاء من أجلها، أي أنه جاء ليزور البيت، تقرُّباً إلي الله عزَّ وجلَّ لتبليغ دعوته، فإنْ هم رفضوا فسيقاتلهم حتي النصر.فاستجابت قريش لنداء الرسول (صلي الله عليه وآله) لما رأتْ قوَّته وإصراره علي ما يريد، وأدركت ما بها من ضعف وعجز عن المقاومة.وبدأ الحِوار، وثُبِّتَت مبادئ الصلح، ودعا الرسول (صلي الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) لكتابة بنود الاتفاقية التي جاء فيها ما يأتي:1 - إيقاف الحرب بين الطرفين لِمُدَّة عشر سنين.2 - مَن أحبَّ أن يدخل في عهد محمد (صلي الله عليه وآله) فعل، ومَن أحبَّ الدخول في عهد قريش فعل.3 - أن يكون الإسلام ظاهراً بمكة، لا يُكرَه أحدٌ علي دينه، ولا يؤذي، ولا يُعيَّر.4 - أن يرجع الرسول (صلي الله عليه وآله) هذا العام، ثم يعود إلي مكة في العام القادم، بدون سلاح.فتأثّر بعض المسلمين من الاتفاقية السالفة الذكر، وأحَسُّوا بِخَيْبة الأمل، وأخذوا يُظهرون جزعهم وتساؤلهم.لكن النتائج جاءت علي خلاف تصوُّراتهم وأوهامهم، فقد بدأت نتائج الصُلح وآثاره الإيجابيَّة تظهر، وتتفاعل لتمهِّد إلي تحول كبير.وبدأ المسلمون يدركون قِيمة هَذِه الاتِّفاقية التي شَلَّت نشاط قريش المعادي، وفسحت المجال أمام الدعوة الإسلامية، لِشَقِّ طريقها بين صفوف القبائل العربية.فأقبل الناس علي الدخول في الإسلام، وأمِن المستخِفُّون بإسلامهم، فأعلنوا دينهم، ومكَّن الله نبيَّه من دخول مكة وأداء مراسم العمرة في العام القادم.وأخيراً، فلقد وصف القرآن الكريم هذا الصُلح بـ(الفتح) في بعض آياته، لأنه كان حقاً الممهِّد للنصر الكبير، وهو فتح مكة في سنة (8 هـ).

موقف رسول الله في غزوة الخندق

لما نقضت بنو قريظة صلحها مع الرسول (صلي الله عليه وآله)، وانضمَّت إلي صفوف المشركين، تغيَّر ميزان القوي لصالح أعداء الإسلام.فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل، ممَّا أدَّي إلي انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين، وتزَلْزَلَتْ نفوسهم، وظَنّوا بالله الظنونا.فبدأ العدو هجومه علي المسلمين بعبور الخندق - الذي حفره الرسول (صلي الله عليه وآله) وأصحابه حول المدينة - بقيادة أحد أبطال الشرك والكفر، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري، فازداد الخطر علي المسلمين، لأن العدو بدأ بتهديدهم من داخل حصونهم.فراح ابن عبد ودٍّ يصول ويجول، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته، وينادي: هل من مبارز؟فقام الإمام علي (عليه السلام) وقال: (أنَا لَهُ يا رَسولَ الله).فأذن (صلي الله عليه وآله) له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه دِرعه، وعمَّمه بعمامَتِه.ثم قال (صلي الله عليه وآله): (اللَّهُمَّ هذا أخي، وابن عمي، فلا تَذَرْني فرداً، وأنت خير الوارثين).ومضي الإمام علي (عليه السلام) إلي الميدان، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله: (يا عمرو، إنَّك كنت عاهدْتَ الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلي إحدي خلتين إلا قبلتها).قال عمرو: أجل.فقال الإمام علي (عليه السلام): (فإني أدعوك إلي الله، وإلي رسوله، وإلي الإسلام).فقال: لا حاجة لي بذلك.فقال الإمام علي (عليه السلام): (فإنِّي أدعوكَ إلي البراز).فقال عمرو: إنِّي أكره أن أُهريقَ دمك، وإنَّ أباكَ كان صديقاً لي.فردَّ الإمام علي (عليه السلام) عليه قائلاً: (لكنِّي والله أحِبّ أنْ أقتلَكَ).فغضب عمرو، وبدأ الهجوم علي الإمام علي (عليه السلام)، فصدَّه برباطة جأش، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين، وكان ذلك في الثالث من شوال، في سنة (5 هـ).ولمَّا عاد الإمام (عليه السلام) ظافراً، استقبله رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يقول: (لَمُبَارَزَة عَليّ بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أمَّتي إلي يوم القيامة).فلولا الموقف البطولي للإمام (عليه السلام)، لاقتحم جيش المشركين المدينة علي المسلمين بذلك العدد الهائل.وهكذا كانت بطولة الإمام علي (عليه السلام) في غزوة الخندق (الأحزاب)، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان علي معسكر الكفر والضلال.

موقف رسول الله في فتح خيبر

لم يكن بين رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبين يهود خيبرٍ عهدٌ، بخلاف بني قنيقاع والنضير وقريضة، فقد كان بينه الرسول (صلي الله عليه وآله) وبينهم عهد.ومعني ذلك أن النبي (صلي الله عليه وآله) توجَّه إليهم ليدعوهم إلي الإسلام، أو قبول الجزية، أو الحرب، فلمَّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم.وكان يهود خَيْبَر مضاهرين، ليهود غطفان علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكان هذا سبب خروج النبي (صلي الله عليه وآله) إليهم.فقد ذكر ابن الأثير وغيره، أن يهود خَيْبَر كانوا مضاهرين ليهود غطفان علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وإنَّ غطفان قصدت خَيْبَر ليضاهروا اليهود فيها، ثم خافوا المسلمين علي أهليهم وأموالهم فرجعوا.وكان المسلمون في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة ومعهم مِائتي فرس، فلما نزلوا بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة، حتي طلعت الشمس، وأصبح اليهود، وفتحوا حصونهم، وغدوا إلي أعمالهم.فلما نظروا إلي رسول الله (إلي الله عليه وآله) قالوا: محمد والخميس ـ أي: الجيش ـ وولّوا هاربين إلي حصونهم.فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذرين).فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وكان أول حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم، ثم القموص، ثم حصن الصعب بن معاذ، ثم الوطيح والسلالم، وكان آخر الحصون فتحاً حِصْن خَيْبَر.وفي خيبر بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله) أبا بكر برايته، وكانت بيضاء، وعقد له، فرجع ولم يَكُ فتح وقد جهد.ثم بعث في الغد عمر بن الخطاب برايته، وعقد له أيضاً، ومعه الناس، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبِّنُونَه ويجبِّنُهم كسابقه.وخرجت كتائب اليهود يتقدمهم ياسر أو ناشر ـ أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتي انتهوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله).فاشتدَّ ذلك علي رسول الله، وقال (صلي الله عليه وآله): (لأبعَثَنَّ غداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبَّانه، لا يولي الدبر، يفتحُ الله علي يَدَيه).فتطاولت الأعناق لتري لمن يعطي الراية غداً، ورجا كل واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً.وكان الإمام علي (عليه السلام) أرمد شديد الرمد، فدعاه (صلي الله عليه وآله)، فقيل له أنه يشتكي عينيه.فلما جاء الإمام علي (عليه السلام) أخذ (صلي الله عليه وآله) من ماء فمه، ودَلَّك عينيه، فَبَرئَتَا، حتي كأنْ لم يكن بهما وجع.ثم قال (صلي الله عليه وآله): (اللَّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ والبَرْد).فما اشتكي من عينيه، ولا من الحَرِّ والبرد بعد ذلك أبداً.فعَقَد (صلي الله عليه وآله) للإمام (عليه السلام)، ودفع الراية إليه، وقال له: (قَاتِل ولا تَلتَفتْ حتي يَفتح اللهُ عليك).فقال الإمام علي (عليه السلام): (يَا رَسولَ الله، عَلامَ أقاتِلُهُم؟).فقال (صلي الله عليه وآله): (عَلي أن يَشهدوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله، وأنِّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك حَقَنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحِسابُهُم عَلي اللهِ عزَّ وَجلَّ).فقال سلمه: فخرجَ والله يُهروِل وأنا خلفه، نتَّبع أثره، حتي ركز رايته تحت الحصن، فاطَّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟قال الإمام (عليه السلام): (أنَا عَلي بنَ أبِي طَالِب).فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم.وخرج إليه أهل الحصن، وكان أول من خرج إليه منهم الحارث - أخ مرحب -، وكان فارساً، شجاعاً، مشهوراً بالشجاعة، فانكشف المسلمون، وثَبَتَ الإمام علي (عليه السلام)، فتضاربا، فقتله الإمام عليٌّ (عليه السلام)، وانهزم اليهود إلي الحصن.فلما علم مرحب أخاه قد قتل نزل مسرعاً، وقد لبس درعين، وتقلَّد بسيفين، واعتمَّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفراً وحَجَراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول:قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ شَاكي السِّلاح بَطلٌ مُجرَّبُأطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُفردّ عليٌّ (عليه السلام) عليه، وقال:أنَا الذي سَمَّتْني أمِّي حَيْدَرة أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السَّـندَرَةلَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسْوَرَة وحيدرة: اسم من أسماء الأسدفاختلفا ضربتين، فبدره الإمام علي (عليه السلام) فضربه، فقدَّ الحَجَرَ والمغفر ورأسه، حتي وقع السيف في أضراسه، فقتله.فكبَّر الإمام علي (عليه السلام)، وكبَّر معه المسلمون، فانهزَم اليهود إلي داخل الحصن، وأغلقوا بابَ الحِصْن عَليهم.وكان الحِصْنُ مُخَندقاً حوله، فتمكَّن الإمام علي (عليه السلام) من الوصول إلي باب الحصن، فعالجه وقلعه، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة، التي طولها ثمانون شبراً، أي: أربعون ذراعاً، فجعلها جِسراً فَعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن، ونالوا الغنائم؟ولما انصرَفَ المسلمون من الحصن أخذ الإمام علي (عليه السلام) الباب بيمناه، فَدَحي بِهَا أذرعاً من الأرض - أربعون ذراعاً -، وكان الباب يعجزُ عن فَتحِه أو غَلقِه اثنان وعشرون رجلاً منهم.

موقف رسول الله في فتح مكة المكرمة

استمرَّت نتائج صُلحِ الحُدَيْبِيَّة الذي عُقِد بين النبي (صلي الله عليه وآله) وقريش في سنة (6 هـ) تتفاعل لصالح النبي.فانضمَّت قبيلة خزاعة إلي معسكر رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وانضمَّت قبيلة كنانة إلي معسكر قريش، فأصبح هناك حِلفان خلال فترة الصُلْح والسلام.وشاء الله سبحانه أن تتهيّأ أسباب النصر الكبير والفتح المبين، فينشُب الصراع بين قبيلَتَي كنانة وخزاعة علي أثر هجوم الأولي علي الثانية، فانضمَّت قريش إلي كنانة.فشعر أبو سفيان بخطورة الموقف بعد نصره لكنانة، فاضطرَّ إلي الذهاب للنبي (صلي الله عليه وآله) ليكلِّمه، فلم يرد النبي (صلي الله عليه وآله) عليه شيئاً.ثم حاول أن يستنجد ببعض الصحابة وبأهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله) فلم يشفعوا له، وعاد إلي مكة يجر أذيال الهزيمة.وأخذ الرسول (صلي الله عليه وآله) وأصحابه يتجهَّزون لقتال كُفَّار مكة، حتي بلغ تعدادهم عشرة آلاف مقاتل.وكان (صلَّي الله عليه وآله) يخطِّط لِئَلاَّ يقَع القِتال بينه وبين قريش في داخل مكة، لأنَّها حرم الله الآمن.وفي الثاني من شهر رمضان سنة (10 هـ) - علي رواية - توجَّه النبي (صلي الله عليه وآله) وجيشه نحو مكة، وقاموا بتطويقها، وإشعال النيران في الصحراء علي مقربة منها، ممّا أثار الرعب في نفوس الطغاة، وعلي رأسهم أبو سفيان.وأخيراً استسلم أبو سفيان للنبي (صلي الله عليه وآله)، ونطق بالشهادتين خوفاً ورعباً.وأمر النبي (صلي الله عليه وآله) العباس بن عبد المطلب أن يقف بأبي سفيان حيث تمرُّ جنود الله، ليري بِعَينه عظمة الإسلام.فيقول أبو سفيان للعباس: لقد أصبح مُلْك ابن أخيك عظيماً.فيردُّ عليه العباس: وَيْحك، إنها النبوَّة.وهكذا تحقَّق النصر الكبير، ودخل رسول الله (صلي الله عليه وآله) مكة المكرمة، فاتحاً منتصراً من غير قتال، ولا سفك دماء، متواضعاً، مستغفراً، مسبِّحاً بحمد ربه.وقال تعالي: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) النصر: 1 - 3.

موقف رسول الله في معركة أحد

في الخامس عشر من شهر شوال سنة (3 هـ) وقعت غزوة أحد، وأحُد: جبلٌ يبعد عن المدينة المنوَّرة ميلين أو ثلاثة.ولمَّا كانت نتائج معركة بَدْرٍ قاسية علي مشركي مكة، فقريش لا يقرّ لها قرار حتي تثأر لكرامتها، ولمن قُتِل من أشرافها، فمضت تستعدُّ لقتال المسلمين، وتجهِّز لأخذ الثأر، ومحو العار.فخرجت قريش بثلاثة آلاف رجل، يقودهم أبو سفيان نحو المدينة، فتعبَّأ رسول الله (صلي الله عليه وآله) مع أصحابه، وسَوَّي الصفوف، وأعطي الراية بيد أمير المؤمنين (عليه السلام).ثم وضع مجموعة من الرماة خلف الجيش، وأوصاهم بالثبات وعدم ترك أماكنهم، وأكَّد علي ذلك.حتي روي أنه (صلي الله عليه وآله) أوصاهم بأنْ يلزموا مراكزهم ولا يتركوها، حتي في حالة النصر أو الهزيمة.فنشبَتْ الحرب بين الجانبين، فَصَاحَ طَلْحَة بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين: مَنْ يُبارز؟فبرز إليه الإمام علي (عليه السلام)، فبدره بضربة علي رأسه فقتله، ثم تقدَّم بلواء المشركين أخوه والنساء خلفه، يحرِّضن ويضرِبْن بالدفوف، فتقدَّم نحوه حمزة عم النبي (صلي الله عليه وآله)، وضربه ضربة واحدة وصلت إلي رئته، فمات.وفي إرشاد المفيد: كان أصحاب اللواء يوم أُحُد تسعة، قتلهم الإمام علي (عليه السلام) عن آخرهم.وفي تاريخ الطبري: لما قُتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين، وانتقضت صفوفهم، ونساؤهم يَدعين بالوَيل بعد الفرح وضرب الدفوف.وقال الواقدي: لما انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا، حتي أخرجوهم من المعسكر، وانشغلوا بجمع الغنائم.فلما رآهم الرماة الذين أوصاهم الرسول بعدم ترك أماكنهم قال بعضهم لبعضٍ: لمَ تقيمون هنا في غير شيء، لقد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم مشغولون بجمع الغنائم، فاذهبوا واغنموا معهم.فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال لكم: (احمُوا ظُهُورَنا، وإنْ غَنِمْنا فلا تشرِكُونا).فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا.وأخيراً ذهبوا إلي معسكر المشركين يجمعون الغنائم، وتركوا أماكنهم من الجبل، ولما نظر خالد بن الوليد إلي خلاء أماكنهم كرَّ بالخيل إلي موضع الرماة، وحملوا عليهم، فرماهم القوم حتي أصيبوا.وعندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم، وكرُّوا علي المسلمين من أمامهم، وهم مشغولون بجمع الغنائم.فأصبح المسلمون وسط الحلقة، وانتقضت سيوفهم، وأخذ يضرب بعضهم بعضاً من العجلة والدهشة!!فتفرَّق أصحاب النبي (صلي الله عليه وآله) عنه، وأخذ المشركون يحملون عليه يريدون قتله، ويقول ابن الأثير في ذلك: قاتل رسول الله (صلي الله عليه وآله) يومَ أحُد قِتالاً شديداً، فرَمَي بالنبل حتي انتهي، وانكسر قوسه، وانقطع وتره.وفي رواية الشيخ المفيد: كُسِر أنفُه ورباعيته السُفلي، وسال الدم علي وجهه الكريم.شهادة حمزة (عليه السلام):قالت هند بنت عتبة - زوجة أبي سفيان - لِـ(وَحْشي): إن أنت تَمكَّنْتَ من قتل محمد، أو علي، أو حمزة بن عبد المطلب، سأعطيك جائزة، فأوعدها بقتل حمزة.ويقول وحشي: واللهِ إني لأنظر إلي حمزة يَهدُّ الناس بسيفه، ما يلقي أحداً يمرُّ به إلا قتله، فهززت حربتي فرميتُه، فوقعت في أربيته (أصل الفخذ)، حتي خرجت من بين رجليه، فوقع، فأمهلته حتي مات، وأخذت حربتي وانهزمت من المعسكر.وروي أن هند وقعت علي القتلي، ولما وصلت إلي حمزة بقرتْ كبده، فلاكته، فلم تستطع أن تَسيغه، فلفِظَتْه، ثم قطعت أنفه وأذنيه، وجعلت ذلك كالسوار في يديها، وقلائِد في عنقها.وبعد انصراف جيش المشركين بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله) الإمام علياً (عليه السلام) وقال له: (أُخرُجْ في آثَار القَوم، فإن كَانُوا قد اجتنبوا الخَيل، وامتطوا الإبل فإنَّهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وسَاقوا الإبل، فهم يُريدون المَدينة، فوَ الله لَئِن أرادوها لأسِيرَنَّ إليهم فيها، ثم لأُنَاجِزَنَّهم).فقال الإمام علي (عليه السلام): (فخرَجْتُ في آثارهم، فرأيتهم امتطوا الإبل واجتنبوا الخيل).وروي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد انتهاء المعركة، أخذ عمه حمزَة بن عبد المطلب، ووضعه إلي القبلة، ووقف علي جنازته، وانتحب حتي نشق، أي: شهق، حتي بلغ به الغشي.وكان (صلي الله عليه وآله) يقول: (يَا عَمّ رسول الله، وأسد الله، يا حمزة، يا فاعِلَ الخيرات، يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله).وبعد أن عاد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأصحابه إلي المدينة، استقبَلَتْه فاطمة (عليها السلام)، ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه.ولحقه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد خضَّب الدم يده إلي كتفه، ومعه سيفه ذو الفقار، فناوله فاطمة وقال (عليه السلام) لها: (خُذي هَذا السَّيف، فقد صدَّقني).وقال لَهَا الرسول (صلي الله عليه وآله): (خُذيهِ يا فَاطِمة، فقَدْ أدَّي بَعلُك ما عليه، وقد قتل اللهُ بِسيفِه صَنادِيد قُريش).

موقف رسول الله في معركة بدر الكبري

بعدَ أنِ استقرَّ الرسول (صلي الله عليه وآله) في المدينة، بدأ يخطِّط عسكرياً لضَرْبِ رأس المال الذي كانت قريش تعتمد عليه اعتماداً مباشراً في تجارتها.ولتحقيق هذا الهدف خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومعه ثلاثمِائة وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه، للسيطرة علي القافلة التجارية التي كان يقودها أبو سفيان.فعلم أبو سفيان بخُطَّة المسلمين، فغيَّر طريقه، وأرسلَ إلي مكة يطلب النجدة من قريش.فأقبَلَتْ بأحقادها وكبريائها بألف مقاتل، وقَرَّروا الهجوم علي جيش النبي (صلي الله عليه وآله) وأصحابه، بالقرب من بئرِ ماءٍ يُدعَي (ماء بدر)، ويبعد (160) كيلو متراً عن المدينة المنورة.وقد تجلَّت العناية الإلهية بالنبي (صلي الله عليه وآله) وأصحابه منذ ليلة المعركة، إذ بعث الله المطر الغزير، والمسلمون يغشاهم النعاس.فأرسل النبي (صلي الله عليه وآله) عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود سِرّاً، لاستطلاع أحوال جيش العدو، فَطَافا في معسكرهم، ثم رَجعا، فأخبَرا بأنَّهم مذعورون فزعون.وهو قوله تعالي: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَي قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَي الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) الأنفال: 11 - 12.فدفع الرسول (صلي الله عليه وآله) الراية إلي الإمام علي (عليه السلام)، ولواء المهاجرين إلي مصعب بن عمير، ولواء الخزرج إلي الحباب بن المنذر، ولواء الأوس إلي سعد بن معاذ، وقال (صلي الله عليه وآله): (اللَّهُمَّ إنْ تُهلِكَ هَذه العصَابَة لا تُعبَد في الأرض).فبرز الإمام علي (عليه السلام) إلي الوليد بن شيبة، فضربه علي يمينه فقطعها، فأخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامة علي، ويقول الإمام (عليه السلام): (ظنَنتُ أنَّ السماءَ وقعت علي الأرض).ثم ضربه الإمام (عليه السلام) ضربة أخري فقتله.وبرز له حنظلة بن أبي سفيان فضربه الإمام (عليه السلام)، فسالت عيناه، ولزم الأرض.وأقبل العاص بن سعيد، فلقيَه علي الإمام (عليه السلام) فقتله، وسأل رسول الله (صلي الله عليه وآله): (مَن له عِلْم بِنَوفل بن خُوَيْلِد).فأجاب الإمام علي (عليه السلام): (أنَا قَتلتُه).فكبَّر النبي (صلي الله عليه وآله) وقال: (الحَمدُ للهِ الذي أجَابَ دَعوَتي فِيه).ورُوِي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أخذ كفّاً من الرمل، فرمي به الأعداء، وقال (صلي الله عليه وآله): (شَاهَت الوُجوه، اللَّهُمَّ أَرعِبْ قلوبهم، وزَلْزِل أقدامهم).فانهزم المشركون، والمسلمون يتبعونهم يقتِّلون ويأسِّرون.ووقعت أحداث هذه المعركة في السابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة.وهكذا حقَّقَ الله عزَّ وجلَّ النصر للمسلمين، واندحرت قريش، وتشتَّتَ جَيشُها، وفقدت هيبتها وسُمعتها.كما تحققت للمسلمين في هذه المعركة مكاسب مالية، وعسكرية، وعقائدية، وإعلامية، ساهمت في خِدمة الإسلام، وتثبيت أركانه، وأوجدت منعطفاً كبيراً في مجمل الأحداث في الجزيرة العربية.

موقف رسول الله في يوم المباهلة

قال الله تعالي: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ) آل عمران: 61.كَتب رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي أهل نَجْران يدعوهم إلي الإسلام: (أما بعد، فإني أدعوكم إلي عبادة الله من عبادة العباد، أدعوكم إلي ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبَيْتُم فقد أذنتم بحربٍ، والسلام).فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به، وذُعِر ذُعراً شديداً، فبعثَ إلي رجل من أهل نجران يقال له: شَرْحَبيل بن وداعة.فدفع إليه كتاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله تعالي إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوَّة، فما يؤمن أن يكون هذا الرجل نبياً، وليس لي في النبوَّة رأي، لو كان أمراً من أمور الدنيا أشرف عليك فيه وجهدت لك.فبعث الأسقف إلي واحد بعد واحد من أهل نجران فكلَّمهم، فأجابوا مثل ما أجاب شرحبيل.فاجتمع رأيهم علي أن يبعثوا شرحبيل، وعبد الله ابنه، وحبار بن قنص، فيأتوهم بخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله).فانطلق الوفد حتي أتوا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فسألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتي قالوا: ما تقول في عيسي ابن مريم؟فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (إنَّهُ عَبدُ الله).ومثل هذا الجواب يختلفُ عند المغالين بعيسي، فَهُم يزعمُونه ابن الله، وهو من جوهرة الألوهية، وذلك لخلقه دون أب، فيكون ابناً لله.فنزلت آية المباهلة الكريمة، حاملة إجابة وافية، قاطعة لأعذار مُؤلِّهِي المسيح ومُتبنِّيه، وهي بنفس الوقت من غُرَر الآيات بشأن الكرام من آل الكساء (عليهم السلام).حيث تعبِّر عن الإمام علي (عليه السلام) بـ(أَنفُسَنَا)، وعن فاطمة (عليها السلام) بـ(نِسَاءنَا)، وعن الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) بـ(أَبْنَاءنَا).مما يدلُّ علي أخَصِّ الاختصاصات لهؤلاء بالرسالة القدسية المحمدية، وهي بنفس الوقت دعوة صارخة لِمُباهلة الكاذبين المصرِّين علي كذبهم، فيما يخص عيسي (عليه السلام).فدعاهم (صلي الله عليه وآله) إلي اجتماع حاشد، من أعزِّ الملاصقين من الجانبين، لِيبتَهِل الجميع إلي الله تعالي، في دعاءٍ قاطع، أن ينزل لَعنَتَه علي الكاذبين.فخرج (صلي الله عليه وآله) وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الإمام الحسين (عليه السلام)، وأخذ بيد الإمام الحسن (عليه السلام)، وفاطمة (عليها السلام) تمشي خلفه، والإمام علي (عليه السلام) خلفها، وهو (صلي الله عليه وآله) يقول: (إذا دَعوتُ فأمِّنوا).فقال أسقف نجران: يا معشر النصاري!! إني لأري وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة.فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أنْ لا نُبَاهلك، وأن نقرّك علي دينك.فقال (صلي الله عليه وآله): (فإِذَا أبَيْتُم المباهلة فأسلِموا، يَكُن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما علي المسلمين).فأبَوا.فقال (صلي الله عليه وآله): (فإنِّي أناجِزُكم القتال).فقالوا: ما لنا بحرب العَرَب طاقة، ولكن نصالحك علي أن لا تغزونا، ولا تردَّنا عن ديننا، علي أن نؤدِّي إليك في كل عام ألفي حُلَّة، ألف في صَفَر، وألف في رَجَب، وثلاثين دِرعاً عادية من حديد.فصالحهم (صلي الله عليه وآله) علي ذلك وقال: (والذي نَفسِي بِيَده، إن الهَلاك قد تَدَلَّي علي أهل نجران، ولو لاعنوا لَمُسِخوا قِرَدة وخنازير، ولاضطَرَم عليهم الوادي ناراً، ولاستأْصَلَ الله نجران وأهله حتي الطير علي رؤوس الشجر، ولما حَال الحول علي النصاري كلُّهم حتي يهلكوا).وقوله: ألفٌ في صَفَر، المراد به شهر محرَّم، وهو أول السنة عند العرب.وقد كان يسمي صَفَراً في الجاهلية، فيقال صفر الأول، وصفر الثاني، وقد كانت العرب تنسئ في صفر الأول.ثم أقرَّ الإسلام الحرمة في صفر الأول، فَسُمِّي لذلك بشهر الله المحرَّم، ثم اشتهر بالمُحرَّم.

نجاة رسول الله من منافقي العقبة

لما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) في غزوة تبوك، مرَّ علي عقبة - والعقبة هي المرقي الصعب الوَعر الضيِّق في الجبل - وتُسَمَّي عقبة ذي فتق.وقد رام المنافقون قتل رسول الله (صلي الله عليه وآله) عليها بنفر ناقته فيها، فنـزل رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل العقبة.وقبل منتصف الليل الأخير أمر رسول الله بالرحيل، وأمر مناديه فنادي: ألا يسبق رسول الله أحد إلي العقبة، ولا يطأها حتي يجاوزها رسول الله (صلي الله عليه وآله).ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة، فينظر من يمرّ بها ويخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله).فقال حذيفة: يا رسول الله، إني أتبين الشرَّ في وجوه رؤساء عسكرك، وإني أخاف إن قعدت في أصل الجبل.وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلي هناك للتدبير عليك، فَيَحِسّ بي ويكشف عنِّي فيعرفني، ويعرف موضعي من نصيحتك فَيَتَّهِمُنِي، ويخافني فيقتلني.فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنك إذا بلغت أصل العقبة، فاقصد أكبر صخرة هناك إلي جانب أصل العقبة.فأدي حذيفة الرسالة، وجاء الأربعة والعشرون علي جمالهم، يقول بعضهم لبعض: من رأيتموه هاهنا كائناً من كان فاقتلوه لِئَلاَّ يخبروا محمداً أنهم قد رأونا هاهنا فينكص - يرجع -، ولا يصعد هذه العقبة إلا نهاراً، فيبطل تدبيرنا عليه، وسمعها حذيفة، واستقصوا فلم يجدوا أحداً.وكان الله تعالي قد ستر حذيفة بالحجر عنهم فتفرَّقوا، فبعضهم صعد علي الجبل وعدل عن الطريق المسلوك، وبعضهم وقف علي سفح الجبل عن يمين وشمال، وهم يقولون: الآن ترون محمداً كيف أغراه بأن يمنع الناس عن صعود العقبة حتي يقطعها هو لنخلو به هاهنا فنمضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل.وكل ذلك يوصله الله تعالي إلي إذن حذيفة ويعيه.فلما تمكن القوم علي الجبل حيث أرادوا، نهض حذيفة وانطلق إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي انقضَّ بين يديه، فأخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بما رأي وسمع.فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله): أَوَعَرفتَهُم بِوُجُوهِهِم؟قال حذيفة: يا رسول الله كانوا متلثمين - ما يوضع علي الأنف وما حوله من ثوب أو نقاب - وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم.فلما فتَّشـوا الموضع فلم يجدوا أحداً، أحدروا اللثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم، وأسمائهم: فلان وفلان وفلان.. حتي عدَّ أربعة وعشرين.فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنهض بنا يا حذيفة أنت وسلمان وعماروتوكلوا علي الله، فإذا جزنا الثنية - الطريق العالي من الجبل - الصعبة فأذنوا للناس أن يتبعونا.فصعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو علي ناقته، وحذيفة وسلمان وعمار أحدهما آخذ بزمام ناقته يقودها، والآخر خلفها يسوقها، وعمار إلي جانبها، والقوم علي جِمَالهم، منبثون حوالي الثنية علي تلك العقبات.وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله (صلي الله عليه وآله) وتقع به في المهوي الذي يهول الناظر إذا نظر إليه من بُعد.فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله (صلي الله عليه وآله) جاوزتها، ثم سقطت في جانب المهوي، وناقة رسول الله (صلي الله عليه وآله) كأنها لا تحسّ بشيء من تلك القعقات التي كانت للدباب.ثم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعمار: اصعد إلي الجبل فاضرب - بعصاك هذه - وجوه رواحلهم فارم بها.ففعل ذلك عمار، فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسر عضده، ومنهم من انكسرت رجله ومنهم من انكسر جنبه، واشتدَّت لذلك أوجاعهم.فلما جبرت واندملت، بقيت عليهم آثار الكسر إلي أن ماتوا.ولذلك قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لحذيفة: إنه أعلم الناس بالمنافقين، لقعوده في أصل الجبل ومشاهدته من مرَّ سابقاً لرسول الله (صلي الله عليه وآله).وعاد رسول الله (صلي الله عليه وآله): إلي المدينة سالماً وألبس الله الخزي من دبَّرَ عليه.

نزول القرآن الكريم علي رسول الله

في رأي عدد من العلماء أن القرآن الكريم نزل علي النبي (صلي الله عليه وآله) مرتين:الأولي: نزل عليه في ليلة القدر جملة واحدة، علي سبيل الإجمال.الثانية: نزل عليه تدريجاً، علي سبيل التفصيل، خلال المدة التي قضاها النبي (صلي الله عليه وآله) في أمَّته، منذ بعثته، وإلي وفاته.ومعني نزوله علي سبيل الإجمال: هو نزول المعارف الإلهية، التي يشتمل عليها القرآن، وأسراره الكبري علي قلب النبي (صلي الله عليه وآله)، لكي تمتلئ روحه بنور المعرفة القرآنية.فقال تعالي: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) القدر: 1.ومعني نزوله علي سبيل التفصيل، هو نزوله بألفاظه المحددة، وآياته المتعاقبة، والتي كانت في بعض الأحيان ترتبط بالحوادث والوقائع في زمن الرسالة، وكذلك مواكبة تطورها.(الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هود: 1.

نوضح مزايا التدرج بالنقاط الآتية

الأولي: مرَّت علي النبي (صلي الله عليه وآله) والدعوة حالات مختلفة جداً خلال ثلاث وعشرين سنة، تبعاً لما مرَّت به الدعوة من مِحَن، وقاسته من شدائد، وما أحرزَتْه من انتصار، وسجَّلَتْه من تقدم.وهي حالات يتفاعل معها الإنسان الاعتيادي، وتنعكس علي أقواله وأفعاله، ويتأثر بأسبابها وظروفها.ولكن القرآن واكب تلك السنين بمختلف حالاتها من الضعف والقوة، والعسر واليسر، والهزيمة والانتصار.وكان يسيرُ دائماً علي خطه الرفيع، فلم ينعكس عليه لون من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره مثل تلك الحالات.الثانية: إنَّ القرآن بتنزيله تدريجياً كان إمداداً معنوياً مستمراً للنبي (صلي الله عليه وآله).كما قال الله تعالي: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) الفرقان: 32.فإن الوحي إذا كان يتجدَّد في كل حادثة، كان أقوي للقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك نزول الملك إليه، وتجدد العهد به، وتقوية أمله في النصر، واستهانته بما يستجد ويتعاقب من مِحَن ومشاكل.ولهذا نجد القرآن يأمر النبي (صلي الله عليه وآله) تارة بالصبر، فيقول: (وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) المزمل: 10.وينهاه تارة أخري عن الحزن، كما في قوله: (وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يونس: 65.الثالثة: إن القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي، وإنما هو عملية تغيير الإنسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وإرادته.وهدفه الأساس هو صنع أمة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن أن يوجد مرة واحدة، وإنما هو عمل تدريجي بطبيعته.ولهذا كان من الضروري أن ينزل القرآن الكريم تدريجياً، ليُحكم عملية البناء، وينشئ أساساً بعد أساس، ويجتثّ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة، وقصة تحريم الخمر خير شاهد علي ما نقول.الرابعة: إن الرسالة الإسلامية كانت تواجه الشبهات، والاتهامات، والأسئلة المختلفة من قبل المشركين.وكان النبي (صلي الله عليه وآله) بحاجة إلي أن يواجه كل ذلك بالموقف والتفسير المناسبَين، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بشكل تدريجي.لأن طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجية، وتحتاج إلي معالجة ميدانية مستمرة.لعل هذا هو المراد من سياق قوله تعالي: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) الفرقان: 33.

هجرة رسول الله إلي المدينة

بعد أن فشلَتْ جميع الطرق التي اتَّبعها مشركو قريش في صدِّ النبي (صلي الله عليه وآله) عن أداء رسالته الإلهية، اتَّفقوا علي أن يرسل كل فخذ من قريش رجلاً مسلحاً بسيفه، ثم يأتي إلي النبي (صلي الله عليه وآله) وهو نائم علي فراشه، فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمهم، وبذلك يذهب دمه هدراً.فأخبر جبرائيل (عليه السلام) النبي (صلي الله عليه وآله) بأنَّ الله عزَّ وجلَّ يأمره بالهجرة إلي المدينة.فدعا (صلي الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام)، وأخبره بذلك وقال له: (أمَرَني اللهُ عزَّ وَجلَّ أنْ آمُركَ بالمبيتِ في فراشي، لكي تُخفِي بمبيتك عليه أثري، فما أنت صانع؟).فقال الإمام (عليه السلام): (أوَ تسلمنَّ بِمَبيتي يا نبيَّ الله؟).قال (صلي الله عليه وآله): (نَعَمْ).فتبسَّم ضاحكاً، وأهوي إلي الأرض ساجداً.فخرج النبي (صلي الله عليه وآله) في أول الليل، والرصد من قريش قد أحاطوا بداره، ينتظرون انتصاف الليل ونوم الأعين.فخرج (صلي الله عليه وآله) وهو يقرأ قوله تعالي: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُون) يس: 9.وأخذ النبي (صلي الله عليه وآله) بيده قبضة من تراب، فرَمَي بها علي رؤوسهم، فما شعر القوم به حتي تجاوزهم ومضي إلي غار ثور، وفي طريق صحب معه أبا بكر.فخرج القوم في طلبه، فعمي الله أثره وهو نصب أعينهم، وصَدَّهم عنه، وأخذ بأبصارهم دونه، وهُم دُهاة العرب.ثم بعث الله العنكبوت، فنسجت في وجه الغار فسترته، وبعث الله حمامتين فوقفتا بفم الغار، فأيَّسهم ذلك من الطلب.وكانت هجرة النبي (صلي الله عليه وآله) من مَكَّة إلي المدينة في الواحد من شهر ربيع الأول، في السنة الثالثة عشر للبعثة.وكان وصوله إلي (يَثْرِب) التي سُمِّيَت فيما بعد بـ(المدينة المنوَّرة) في الثاني عشر من الشهر نفسه.وبعد أن استقرَّ النبي (صلي الله عليه وآله) في المدينة المنوَّرة كتب إلي الإمام علي (عليه السلام) كتاباً أمره فيه بالمسير إليه.

وفاة النبي

لما قَفَلَ النبي (صلي الله عليه وآله) راجعاً من مكة إلي المدينة المنورة بدأت صحته تنهار يوماً بعد يوم، فقد أَلَمَّ به المرض، وأصابته حُمّيً مبرحة، حتي كأنَّ به لَهَباً منها.وهرع المسلمون إلي عيادته، وقد خَيَّم عليهم الأسي والذهول، فازدحمت حجرته بهم، فنعي (صلي الله عليه وآله) إليهم نفسه، وأوصاهم بما يضمن لهم السعادة والنجاه قائلاً:(أيُّها الناس، يوشك أن أُقبَضَ قَبضاً سريعاً فينطلق بي، وقدمت إليكم القول معذرة إليكم، أَلاَ إني مُخَلِّفٌ فيكم كتاب الله عزَّ وجلَّ وعترتي أهل بيتي).ثم أخذ (صلي الله عليه وآله) بيد وَصِيِّه، وخليفته من بعده، الإمام علي (عليه السلام) قائلاً لهم:(هَذا عَلِيٌّ مَعَ القُرآن، والقُرآنُ مَعَ عَلِيٍ، لا يفترقان حتي يَرِدَا عَلَيَّ الحوض).

رَزِيَّة يوم الخميس

لقد استَشفَّ الرسول (صلي الله عليه وآله) من التحركات السياسية التي صدرت من أعلام صحابته - كما في سَريَّة أُسَامة - أنهم يبغون لأهل بيته (عليهم السلام) الغوائل، ويتربّصون بهم الدوائر، وأنهم مجمعون علي صرف الخلافة عنهم.فرأي (صلي الله عليه وآله) أن يصون أمّته من الزيغ ويحميها من الفتن، فقال (صلي الله عليه وآله):(اِئتُوني بالكَتفِ والدَوَاة أكتبُ لَكُم كِتاباً لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ أَبَداً).فَرَدَّ عليه أحدهم: حسبنا كتاب الله.ولو كان هذا القائل يحتمل أن النبي (صلي الله عليه وآله) سوف يوصي بحماية الثغور أو بالمحافظة علي الشؤون الدينية لَمَا رَدَّ عليه بهذه الجُرأة، ولكنّه عَلم قصد النبي (صلي الله عليه وآله) من النص علي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).واشتدَّ الخلاف بين القوم، فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وطائفة أخري أصرّت علي معارضتها خوفاً علي فوات مصالحها.وبدا صراع رهيب بين القوم، وكادت أن تفوز الجبهة التي أرادت تنفيذ ما أمر به الرسول (صلي الله عليه وآله)، لكن انبري أحدهم فَسَدَّدَ سهماً لما رامه النبي (صلي الله عليه وآله) فقال: إن النبي لَيَهجُر.فقد أنسَتْهم الأطماع السياسية مقام النبي (صلي الله عليه وآله)، الذي زَكَّاه الله وعَصَمَهُ من الهَجر وغيره مما يُنقِص الناس.أَوَلم يسمعوا كلام الله تعالي يُتلَي عليهم في آناء الليل وأطراف النهار، وهو يُعلن تكامل النبي (صلي الله عليه وآله) وتوازن شخصيته، فقد قال تعالي:(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَي، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي، عَلَّمَهُ شَدَيدُ القُوَي) (النجم: 2 - 5).وقال تعالي: (إِنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ، وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (التكوير: 19 - 22).فإن القوم قد وَعَوا آيات الكتاب في حَقِّ نَبِيِّهم (صلي الله عليه وآله)، ولم يُخَامرهم شَكٌّ في عِصمَتِه وتكامل شخصيته، لكن الأطماع السياسية دفعتهم إلي هذا الموقف الذي يَحِزُّ في نفس كل مسلم.وكان ابن عباس إذا ذُكر هذا الحادث الرهيب يبكي حتي تسيل دموعه علي خديه، ويُصعِد آهاتَه ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس؟!!.حَقاً إنها رزية الإسلام الكبري، فقد حيل بين المسلمين وبين سعادتهم وتقدمهم في ميادين الحق والعدل.

الي جنة المأوي

وقد آن الوقت لتلك الروح العظيمة التي لم يخلق الله نظيراً لها فيما مضي من سالف الزمن، وما هو آتٍ أن تفارق هذه الحياة، لِتَنعَم بِجِوار الله ولطفه.فَهبط جبرائيل علي النبي (صلي الله عليه وآله) فقال له:(يَا أَحمَدْ، إِنَّ اللهَ قَدِ اشتَاقَ إِلَيكَ).فاختار النبي (صلي الله عليه وآله) جِوارَ رَبِّهِ، فأذِن لملك الموت بقبض روحه العظيمة.ولما علم أهل البيت (عليهم السلام) أن النبي (صلي الله عليه وآله) سيفارقهم في هذه اللحظات خَفّوا إلي توديعه.فجاء السبطان الحسن والحسين (عليهما السلام) وألقيا بأنفسهما عليه (صلي الله عليه وآله) وهما يذرفان الدموع، وكان النبي (صلي الله عليه وآله) يُوَسِّعُهُمَا تقبيلاً.فعندها أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يُنَحِّيهِمَا فأبي النبي (صلي الله عليه وآله) وقال له:(دَعْهُمَا يَتَمَتَّعَانِ مِنِّي وأَتَمَتَّعُ مِنهُمَا، فَسَتُصِيبهُمَا بَعدِي إِثْرَة).ثم التفت (صلي الله عليه وآله) إلي عُوَّادِهِ فقال لهم:(قَدْ خَلَّفْتُ فيكم كتابَ الله وعترتي أهل بيتي، فَالمُضَيِّع لِكِتَابِ الله كَالمُضَيِّع لِسُنَّتِي، وَالمُضَيِّع لِسُنَّتِي كالمُضَيِّع لِعَترَتِي، إِنَّهُمَا لَن يَفترِقَا حَتي يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ).وقال لِوصيِّه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):(ضَعْ رأسي في حِجرِكَ، فقد جَاءَكَ أمرُ الله، فإِذا فاضت نَفسي فتناوَلْهَا وامسح بها وجهَك، ثُمَّ وَجِّهْني إلي القبلة وَتَولَّ أمرِي، وَصَلِّ عَلَيَّ أوَّل النَّاس، وَلا تُفَارِقني حتي تُوَارينِي في رمسي، وَاستَعِنْ بِاللهِ عَزَّ وَجلَّ).فأخذ أمير المؤمنين رأس النبي (صلي الله عليه وآله) فوضعه في حجره، وَمَدَّ يَدَه اليمني تحت حَنَكَه، وقد شَرعَ مَلك الموت بقبض روحه الطاهرة والرسول (صلي الله عليه وآله) يُعاني آلامَ الموتِ وشِدَّةَ الفَزَع، حتي فاضَتْ روحُهُ الزكيَّة، فَمَسحَ بِهَا الإِمَامُ (عليه السلام) وجهه.ووجم المسلمون وطاشت أحلامهم، وعَلاهُم الفزع والجزع والذعر، وهَرعت نساء المسلمين وقد وَضعْنَ أزواج النبي (صلي الله عليه وآله) الجَلابِيب عن رؤوسهن يلتدمن صدورهن.ونساء الأنصار قد ذَبُلَت نفوسُهُن من الحزن وهُنَّ يضرِبْنَ الوجوه، حتي ذُبِحَت حُلوقَهُنَّ من الصيَاح.وكان أكثرُ أهل بيته (صلي الله عليه وآله) لوعة وأشَدُّهم حزناً بضعتَهُ الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد وقعت علي جثمانه (صلي الله عليه وآله) وهي تبكي أَمَرَّ البكاء وأقْسَاه.

تجهيز النبي

تَولي الإمام علي (عليه السلام) تجهيز النبي (صلي الله عليه وآله) ولم يشاركه أحد فيه، فقام (عليه السلام) في تغسيله (صلي الله عليه وآله) وهو يقول:(بِأَبي أنتَ وأُمِّي يا رسول الله، طِبْتَ حَياً وَمَيِّتاً).وبعد ما فرغ (عليه السلام) من غُسله (صلي الله عليه وآله) أدَرجَهُ في أكفانه ووضعه علي السرير.

الصلاة عليه

وأوَّل من صلَّي علي الجثمان المقدّس هو الإمام علي (عليه السلام)، وأقبل المسلمون للصلاة علي جثمان نَبِيِّهم، وأمير المؤمنين (عليه السلام) واقف إلي جانب الجثمان وهو يقول:(السَّلامُ عَليكَ أَيُّهَا النَّبي ورحمة الله وبركاته، اللَّهُمَّ إنا نَشهدُ أَنَّهُ: قد بَلَّغ ما أُنزِلَ إِليه، وَنَصحَ لأُمَّتِه، وجاهد في سبيل الله حتي أعزَّ اللهُ دينَه وتَمَّت كلمتُه، اللَّهُمَّ فَاجْعَلنا مِمَّن يتبع ما أُنزِل إليه، وثَبِّتنَا بعده، واجمَعْ بيننا وبينَه).وكان الناس يقولون (آمين).

دفنه

وبعد أن فرغ المسلمون من الصلاة علي الجثمان العظيم، وودّعوه الوداع الأخير، قام الإمام علي (عليه السلام) فواري الجثمان المقدّس في مثواه الأخير، ووقف علي حافة القبر، وهو يروي ترابه بماء عينيه، وقال بصوت خافت حزين النبرات:(إنَّ الصبر لَجَميل إلا عنك، وإنَّ الجزع لَقَبيح إلا عليك، وإنَّ المُصابَ بك لَجَليل، وإِنَّه قَبلَكَ وبَعدَكَ لَجَلَل).وكانت وفاته (صلي الله عليه وآله) في (28) من صفر، في السنة الحادية عشرة للهجرة المباركة، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.

ولادة رسول الله

كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام تعيش حالة من التخلّف والانحطاط في جميع المجالات، فالجهل، والأمِّيَّة، والخرافة، تسيطر علي العقول.إذ لم يكن في مكة من يَعرف القراءة والكتابة، غير عدد قليل يُعدُّ بأصابع اليد، كما ذكره المؤرخون.وأمَّا في مجال الحياة العقائدية والفكرية، فقد كانت الجاهلية هي السائدة في هذا المجال، فكان الشائع عندهم عبادة الأصنام، والأوثان، والجِنّ، والنجوم والملائكة، وقليل منهم كان علي دين إبراهيم أو المسيح (عليهما السلام).وقد شاء الله عزَّ وجلَّ أن يولد محمد (صلي الله عليه وآله) في رحاب مكة، ويشعّ في سَمائها المقدس، ويتعالي صوت التوحيد في الحرم الآمن، حرم إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام).وكان ذلك الحدث العظيم في السابع عشر من شهر ربيع الأول، من عام (571) للميلاد، وهو العام الذي يسمي بـ(عام الفيل)، الذي تعرَّضت فيه مكة لعدوان أبرهة الحبشي، صاحب جيش الفيل.فجعل الله كيدهم في تضليل، كما ورد في سورة الفيل من القرآن الكريم.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.