النبي محمد قدوة و أسوة

اشارة

نويسنده : مجله حوزه
ناشر : مجله حوزه

تمهيد

كل من وقف أمام الشخصية الفذة التي خلقها الله تعالي. كأفخر وأروع شخصية في الحياة. ثم تأمل في سيرة هذه الشخصية، انبهر بها أيّما انبهار.فشخصية النبي محمد (ص) هي اللوحة الجميلة الجليلة التي رسم فيها كل سمو، وكل جمال تأخذ بمجامع قلوب الناظرين إليها، سواء كان الناظر مسلماً أو غير مسلم.. وسواء كان ممن يدرك معني الجمال والكمال، أولا يفهم ذلك، فإن هذه اللوحة الباهرة تبلغ من الظهور والوضوح مبلغاً لايدع فرداً نظر إليها إلاّ وجذبته نحوها جذباً.إن هذه اللوحة الرائعة، التي أريد أن أبدي جانبا منها - بعرضي هذا - هي لوحة تاريخ رسول الإسلام. محمد بن عبد الله (ص)، التي يصعب عليَّ - وأنا أحاول أن أوجزها في صفحات قليلة - أن أقحم كل ما في العالم من مظاهر الجمال والكمال في قطعة صغيرة.ولذلك فليُعلم أن كل نقص يظهر في هذا الجانب من اللوحة ليس نقص المعبَّر عنه من واقع التاريخ النبويّ، بل هو لنقص في الريشة التي رسمته، لانها حاولت تركيز الدنيا في مكان صغير.. وهكذا أعتذر من كل نقص يري في هذه القطعة من اللوحة.. وأسال الله القدير، ان يتقبل مني هذا اليسير، وهو المستعان.مكة المكرّمة.. مدينة حجازية أنشئت منذ عهد إبراهيم الخليل (ع)، الذي أمره الله تعالي أن يرحل ببعض ذريّته إلي أرض الحجاز، ليبني هناك بيتاً لله يعبد فيه ولا يشرك به، فجاء وعمَّر البيت الذي سُمي الكعبة.ومن نسل إبراهيم انحدرت قبائل استعربت فيما بعد.. وكانت إحدي هذه القبائل تسمّي بقريش وكانت هذه القبيلة منقسمة إلي عشرة فروع.. وكان لكل فرع سيادته واستقلاله، كما كان لكل منها نظامه القبلي الخاص الذي يتكوّن من رئيس للقبيلة النافذ الكلمة، المُطاع الأمر، ومن سائر أفراد القبيلة التابعين له اتباع الفصيل لأمه.

بنو هاشم

وكانت إحدي هذه القبائل العشر تسمي ب " بني هاشم " كما كانت لفظة " بني أمية " قد وضعت لقبيلة أخري.وبنو هاشم، هي القبيلة التي كان النبي محمد (ص) ينتسب إليها، حيث إنه كان من أحفاد عبد المطلب الذي كان بدوره من أبناء هاشم، شيخ العشيرة.

عبدالله و آمنة

كان عبد المطلب، شيخ بني هاشم، ورئيسها المطاع. وكان له عشرة أولاد، أصغرهم وأفضلهم هو عبد الله.وكانت في مكة قبيلة قريبة تعرف ببني زهرة، منحدرة من نسل زهرة بن كلاب بن مُرة.. وكانت امرأة من هذه القبيلة تسمي ب " آمنة " بنت أحد شرفائها " وهب بن عبد مناف ".فلمّا شبَّ عبد الله، زوّجه والدُه بآمنة، وتمَّ الزواج علي أسعده.

الميلاد المبارك

ولم تمض إلاّ مدة يسيرة حتي حملت آمنة بسيّد البريّة النبي محمد (ص) في حين أن عبد الله، واده الكريم، كان قد سافر في رحلة تجارية إلي الشام. فلما بلغ مدينة " يثرب" التي سميت فيما بعد بمدينةالرسول، توفاه الله تعالي، فولد النبي يتيما.ورافقت ميلادَه الكريم حوادث خارقة حيث انخمدت نيران فارس المجوسية، وغاضت بحيرة ساوة وسقطت شرفات قصر كسري ملك الفرس، ونُكّست الأصنام.

عهد الرضاع

واحتفلت أسرة بني هاشم بمولده المبارك احتفالاً باهراً، وذلك لأن عبد الله كان أحبّ بني هاشم إلي أنفسهم. غير أن المنيّة اختطفته وهو في نُضرة شبابه.. وبقيت منيته ثلمة في قلوبهم وجرحا عميقا في نفوسهم. فكان ميلاد محمد (ص) بلسماً لذلك الجرح، وسدَّاً لذلك الفراغ، وذكري لذلك الشاب العظيم.وحيث كان من عادة الشرفاء في مكة ان يطلبوا لأبنائهم مراضع من أهل البادية، لتكون نشأة أولادهم سليمة عن الضعف الجسمي والنفسي، فقد اتخذ عبد المطلب - شيخ بني هاشم، وكفيل النبي محمد - امرأة عربية من أفصح القبائل العربية لساناً وأكرمهم خُلقاً لتكون مرضعةً ومربيةً له. تلك كانت " حليمة " المنسوبة إلي قبيلة " بني سعد " التي كانت تسكن أطراف مدينة طائف.ودرج الطفل المبارك في أحضان القبيلة البدوية التي كانت تنظر إليه نظرة المحبة والود، لانه كان منشأ البركة والخير فيها، وأخذ ينمو نمواً سريعاً.ولما بلغ السادسة من عمره، رافق أمه آمنة في سفرة ودّية الي يثرب " المدينة ".. وحينما قفلوا راجعين. توفيت آمنة في منزل " الأبواء " تاركة ابنها الوحيد يتيم الأبوين.ولما بلغ الثامنة توفّي عبد المطلب جد النبي وكفيله، وترك كفالة محمد (ص) إلي أبي طالب، كما خوّل إليه سيادة بني هاشم. ووفادة الحاج.ولم يكن أبو طالب كفيل النبي فقط، بل كان بمثابة والدٍ حنون يري في إكرام ابن أخيه " محمد " وفاءً لحق أخيه عبد الله، وإطاعةً لأمر أبيه عبد المطلب، وأداءً لمسؤولية سيادته علي بني هاشم، وعملا بوظيفته الإنسانية المقدسة في الحياة.فكان النبي (ص) يذهب معه الي المرافق العامة، حتي تلك المناطق التي كانت محرّمة علي غير السادة والأشراف، مثل دار الندوة التي كانت بمثابة رئاسة الوزراء في المملكة. وكان لايدخلها إلاّ من كان سيداً في قومه، ذلك لأن أبا طالب كان حريصا علي حياة محمد وتربيته، حتي أنه لما أراد أبو طالب أن يواصل رحلة قريش التي كانت تتّجه إلي كل من اليمن في الشتاء، والشام في الصيف لغرض التجارة، اصطحب معه النبي (ص) وهو فتيً لم يبلغ مبلغاً من العمر يؤهله الي مثل هذه الرحلة المليئة بالأخطار.وحينما سارت القافلة، رأوا شيئا غريباً لم يكونوا عرفوه من قبل. فقد رأوا أن سحابة ترفرف علي القافلة فَتُظللهم من الشمس. وتُبدِّل الرحلة الخطيرة إلي رحلة سعيدة مريحة.

الراهب بحيرا

بالقرب من مدينة بصري القديمة، كانت تقوم صومعة يسكن فيها عابدٌ مسيحيٌّ اشتهر في الناس انه صاحب كرامات وتنبؤات صادقة.ولم يكن هذا الراهب يعتني بالقوافل التجارية التي كانت تمرّ بمنطقته في سيرها إلي الشام وإلي الحجاز، لأنه كان مستغنياً عنهم، في الوقت الذي كانوا محتاجين إليه..وكانت قد مَّرت قافلة قريش التجارية بهذه المنطقة مرات عديدة، ولم يرمقهم هذا الراهب بطرف ولا خطروا عنده ببال.أما في هذه المرة فقد تبدلت الأمور.. قبل أن يصل الركب، رأي الناس أن الراهب يتطلع إلي الصحراء.. ثم يقلب وجهه في السماء كأنه يطلب شيئاً في الأرض وشيئاً في السماء.. فلما اقترب الركب، لاحظ الناس أن الراهب يراقب سحابة في السماء كأنها تسير علي أثر خطوات الخيل والجمال سواء بسواء. وحينما وصلت قريش إلي رحاب الصومعة دعاهم الراهب إلي الإقامة فيها للعشاء تلك الليلة، وتعجب الناس كلهم من هذه البادرة، إلا أن الراهب أزال دهشتهم بتصريح أدلي به علي مأدبة العشاء حيث قال: إن إكرامه وإعظامه لقريش إنما هو لوجود هذا الفتي السعيد بينهم، وبشّرهم بما سوف يكون من أمره من الرسالة المقدسة.وتكررت هذه البشارة مرة أخري في الشام، حيت التقي بالنبيِّ راهب آخر كان يدعي ب " ابو المويعب " وبشر الناس قائلاً: هذا نبيّ الزمان.ورجع النبي الي مكة وامتلأ رفاقه في تلك الرحلة إعجاباً به وإعظاماً له. فلما قصّوا علي الناس قصصهم في السفرة، اشتهر أمر النبيّ أيَّما اشتهار.ثم بَدرت من النبي بوادر طيبة جعلت الناس تنظر إليه نظر التوقير والإحترام. فحينما هدم السيل بنيان الكعبة، وأرادت قريش ترميمها، اختلفت في الذي يجب أن يحظي بفخر وَضْع الحجر الأسود في مكانه من ركن الكعبة، فقد كان لذلك الحجر شأن عظيم في نظر قريش وسائر العرب. وكاد الزعماء في قريش يحارب بعضهم بعضا، بيد أنَّ حكماءها قالوا: لنحتكم إلي أول داخل من هذا الباب، فرضي الجميع بذلك.ووقف الناس ينتظرون أول الداخلين من ذلك الباب، فإذا بطلعة النبيِّ محمدٍ قد أشرقت عليهم، وإذا صوت واحد يقول: هذا الأمين قد رضينا به. فعرف النبيُّ ماجري بينهم، فأمر بأن يؤتي بثوب، ثم أمر بأن يأخذ كل زعيمٍ بطرف منه ثم وضع الحجر فيه وأمر برفعه حتي إذا تساوي مع الحائط أخذه النبيُّ ووضعه في موقعه. وهكذا حفظ النبي بهذا الحكم العادل المنصف حقوق القبائل كلها، كما أنه فاز بفخر تركيز الحجر بنفسه، ورضيت به قريش صاحب فخر ومجد بالغين.وكانت الرذيلة والأخلاق السيئة متفشّية بين الشباب بصورة فاحشة، حتي أنه لم يكن في العرب شاب لم يتدنس بسيئاتها إلاّ الشاذ النادر.ومع كل ذلك فلم يسجل العرب المعاصرون للنبي والمراقبون لأيام شبابه، أي ميل إلي الباطل أو أي مشاركة في لهو أو لغو، بل العكس فقد لاحظ الناسُ في النبيِّ (ص) كلَّ معاني الشرف والنبل، وكل سمات الإنسانية والصلاح.والمعروف أنه كان قد تم الإقتراح علي شرفاء مكة وساداتها، أن يكوّنوا لجنة تدافع عن حقوق الضعفاء، وتراعي أمورهم. فاستجابت النفوس الطيبة إليه، وأقسموا قسماً شرفيّاً بذلك؛ وسُمِّيَ ب " حلف الفضول " وسواءً كان النبي هو المقترح أو غيره، فإنه قد حضره وقد أشاد به بعد الرسالة حيث قال: " لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دُعيت إليه في الإسلام لأجبت ".

الأمين.. الحكيم

وحيث عرف أهل مكة فيه هذا السموّ الخُلقي والنبل المعنوي، فقد ائتمنوه علي أمورهم، وسلَّموا إليه ودائعهم، كما أفشوا إليه أسرارهم، واستشاروه في قضاياهم الخاصة.. فكان يعرف بينهم بالأمين وبالصادق الحكيم.أما ما يخصّ أمر كفيله أبي طالب، فقد كان النبي وفياً له، بّراً به. فلقد كان أبو طالب فقيراً معيلاً، حيث إنَّه كان سيداً يتحمل مسؤوليات السيادة الخطيرة التي كانت تحتاج إلي المال قبل كل شيء، وكانت موارده قليلة جدّاً، فلذلك أخذ النبي يفكر منذ صباه في طريقة للعيش يخفف بها مسؤولية الكفالة عن عمه أبي طالب.فاشتغل برعي الغنم شأن صبيان العرب في مكة، بفارق أنه كان يتأهل بذلك لمسؤولية الرسالة ايضاً، وذلك أنه ما بعث الله نبيّاً إلاّ وقد كان راعياً في يوم من أيام حياته!ومرّت الأيام، وشبّ النبي، ولم تعد هذه الطريقة لائقة به في مثل سنّه، فأخذ يمارس التجارة. ثم سعي عمه في إرساله بتجارة إلي الشام تخص السيدة خديجة بنت خويلد، المرأة الثرية التي كان يتاجر بأموالها كثيرون من سكان مكة، علي ان يكون الربح بينها وبينهم، فتمَّ له ذلك.وحينما ذهب النبي (ص) في هذه الرحلة التجارية، كان من أوفق التجارات التي تمت بمال خديجةإلي ذلك الحين. وقد كان ظهر من النبي (ص) في تلك الرحلة معاجز كثيرة، لما قُصت علي خديجة رغبت بالزواج بالنبيّ، فقبل النبيّ بذلك، ووافق عليه عمه أبو طالب. فتم الزواج السعيد في السنة الخامسة والعشرين من عمر النبيّ الشريف. وكان زواجه تحولاً في حياته الإجتماعية. حيث لم يعد الآن صاحب بيت وأولاد فقط بل وصاحب ثروة كبيرة ضخمة أيضاً.ورزق النبيَّ من خديجة خمسة أولاد هم (زينب) و (أم كلثوم) و (فاطمة) و (رقيّة) و (القاسم، أو الطاهر) عليهم السلام.لقد كان هذا الزواج أوفق زواج يعرف في صدر الإسلام. أما بالنسبة إلي خديجة فإنها أصبحت به: زوجة النبيّ، والأم الكبري للمسلمين. بعد أن اتَّصل بها أشرف الخلائق أجمعين. وأمّا بالنسبة للنبيّ (ص) فقد كانت خديجة أول من آمن به، ثم نصرته وبذلت ما لديها من المال والجاه والحكمة في سبيله وفي سبيل نشر دعوته المقدسة. ولم يزل النبيّ يذكر لها ذلك حتي آخر لحظة من حياته. وقد كانت وفاة خديجة تعادل عند النبيِّ (ص) موت عمه أبي طالب، فلقد تأثر بهما تأثراً بالغاً. ثم فقدهما في عام واحد حينما كان أحوج ما يكون إليهما معاً.

و بعد الرسالة

العالم في ذلك الوقت أحوج ما يكون إلي رسالة. وإلي رسول.فهذي عربٌ تئد البنات وتقول: نِعْمَ الصهرُ القبر. وتُكثر الحرب، وتحسب أنها مفخرة للإنسان. وتؤمن بالخرافات بالكهّان والعرّافين، وتعبد الأصنام وقد شاع بها الظلمُ، فهناك طائفة من المستغلين الذين لايعرفون للطمع حدوداً، ولا للاستغلال قيودا. وهناك طائفة من الكادحين الذين تُستنزف جهودهم استنزافاً وتُستثمر قواهم استثماراً. وهذه سائر مناطق الأرض في مملكة الروم، وفي امبراطورية الفرس، شاع فيها الفساد والعدوان، وكثرت فيها الفواحش والموبقات.وهؤلاء حكماء العرب الذين يطلعون علي الكتب السماوية مثل: ورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وغيرهم، يبشَّرون بنبيٍّ يُبعث، وينقذ الإنسانية من هذه الهاوية السحيقة.وهؤلاء يهود يثرب يتطاولون علي العرب بنبيٍّ يبعث فيهم ويأتي بكتاب عظيم، ويخضع لدعوته العالم، فيصبحون أعزاء في الحياة.وهؤلاء الكهنة والعرّافون لايزالون ينتظرون النبيّ الذي يكون خاتم النبيين. وسيَّدهم.فمن هو هذا النبيَّ، ومتي يبعث.؟؟.هنا في بيت خديجة - بمكة وفي أرض الحجاز - يُعرف رجل لم يشترك في باطل قط، ولم يعزف عن حق قط. ولم يَعرف الإثم جنابه ولا غاب الخير والصلاح عن رحابه.إنَّ هذا الرجل تجتمع فيه جميع مؤهلات الرسالة؛ وكل ما ذكر في الكتب من علائمها. فهو من أعرق العرب فخراً ومجداً، ومن أسمي أُسَر العرب شرفاً وكَرماً.. وهو أحسن الناس خُلقاً، وأفضلهم عملاً، وأقربهم إلي الحق وابعدهم عن الباطل.وقد حدث مرات عديدة، أن فقدته مكة فَوُجِدَ في غار حِراء يعبد الله ويطيعه، ويمارس نُسكاً خاصة لايعرفها أهل مكة.ففي الشمال الشرقي من مكة، يرتفع جبل النور، وفيه غارٌ أعتاد النبيّ (ص) أن يظلّ فيه أياماً يواصلفيها عبادةً مجهولة عند الناس.وذات يوم يروح محمدٌ (ص) إلي حِراء فيري كلَّ شيء قد تبدّل. فإن روحانية جديدة تشمل كيانه، وتستوعب شعوره.. وإذا به يري السماء قد فتحت أبوابها، والْمَلك علي أرجائها، وجبرائيل يهبط إليه ويقول له: اقرأ.. فيقول له الني ّ: ما أقرأ؟فقال له جبرائيل (ع):(بِسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأََكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلقِ/1-5).وكان هذا الحادث في السابع والعشرين من شهر رجب حيث يحتفل المسلمون بعيد " المبعث النبويّ " باعتباره بَدْءَ حياة الخير والسعادة للإنسان علي وجه الأرض.وهكذا بُعث النبي بالرسالة.. وابتدأت مرحلة جديدة من حياته الكريمة، حيث لم يعد الإنسان الطيب الذي يعمل المعروف فقط، ويؤدي الأمانة ويصدق الحديث، ويعيل الأقرباء، بل أصبح الآن البشير النذير الذي يحمل علي كتفه مسؤولية قيادة الإنسان الي كل خير. وصيانته من كل شر.كما أنها ابتدأت بالبعثة مرحلة جديدة للجزيرة العربية، بل للعالم كله. فسوف لايبقي العالم يسوده الظلم والظلام، والشر والطغيان، بل ستفتح فيه أبواب الخير التي تنتهي إلي سيادة العدل والنور والخير والمعروف.ورجع النبي إلي مكة فبلَّغ خديجة ما جري له، وقص عليها القصة فآمنت به، كما أنه حدَّث بها ابن عمه عليّاً - وهو فتي مراهق كان النبي قد تكفل تربيته - فآمن ثم آمن كذلك جعفر أخو علي.. ثم أعلن النبي (ص) دعوته حينما نزلت هذه الآية:(يَآ أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (المدّثِّر/1-3)وابتدأ بعشيرته حيث نزلت عليه آية اخري تقول: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ) (الشعراء/214).فجاء النبيُّ (ص) حتي وقف علي الصفا فنادي: " يا صباحاه. فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك؟ قال: أرأيتكم إن أخبرتُكم أنَّ العدوَّ مُصبحكم أو مُمسيكم، ما كنتم تصدقوني؟قالوا: بلي.قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ".فقام أبو لهب - أحد أعمام النبيّ - وقال: تبّاً لك، ألهذا دَعوتَنا!.وخطب فيهم مرةً أخري وقال:أيها الناس!. إن الرائد لايكذب أهله. ولو كنت كاذباً لَمَا كَذَبتكم. والله الذي لا إله إلاّ هو، إني رسول الله إليكم خاصة، وإلي الناس عامة؟ والله لَتموتون كما تنامون. ولَتُبعثون كما تستيقظون ولَتُحاسبون كما تعملون؛ ولَتُجزون بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً. وإنها الجنة أبداً، والنار أبداً. وإنكم أول من أنذرتم ".ولكن لم تكن تلبية القوم إلاّ مثل تلبية أبي لهب. فقد أعرضوا عنه، واستهزأوا به، وسخروا بدعوته. أما هو فقد ظلَّ يواصل دعوته بشتي الأساليب، حتي اشتهر خبرها في مكة وما حولها. وبلغت دعوته بعض النفوس النيِّرة الخيِّرة التي كانت تريد الحق والخير، فآمنت بها، واتَّبعتها. بيد أن أكثرية التابعين لها كانوا من الطبقة الفقيرة التي لم تكن تملك لنفسها نفعاً ولاضراً.أما سادة قريش وأشرافها.. أما المستغلون المرابون.. أما الذين كانت مصالحهم ترتبط بالأصنام والأزلام. أما ذوو العقول المتحجرة، والنفوس المتصلبة.. أما هؤلاء فقد اعتبروا هذه الدعوة شرّاً يجب أن يقاوَم وأن يحاربّ بكل وسيلة.ولذلك فهؤلاء لم يمتنعوا عن قبول الدعوة فقط، بل أخذوا يسلكون معها مسلكاً معادياً، وساروا في جبهة معاكسة تماماً.. فكل من أسلمَ قابلوه بالكبت والإضطهاد، وحاولوا ردَّه إلي دينهم الخرافي السخيف. فكم من رجل منشرح الصدر، ومنوَّر القلب اعترف بالنبي، فتعرّض للتعذيب والتنكيل من جانب قريش؟ وكم من عبد أو أمة آمن بالرسالة فَهُدِرَ دَمُه ومات فداء إيمانه! فهذا عمار قد عذَّبوه ونكَّلوا به. وهذا ياسر أبوه، وهذه سُميّة أمّه قد قتلوهما قتلاً!.ولم يكن نصيب النبي (ص) من هذا التعذيب والأذي قليلاً. فإنه كان كلما سمع أنَّه عُذِّب أو أوذيَ أحدٌ في سبيل دعوته تألَّم وتأثَّر، ولربما فاضت عيناه بالدموع.. وبالإضافة الي ذلك فقد كانت قريش تتعرض للنبي بالذات، إذ كان أبو لهب يرمي النبيّ بالحجارة، وكانت زوجته تُلقي في طريق الرسول الأشواك. وكان أبو جهل يحاول إثارة غضبه بإلقاء الغرث علي رأسه وهو في الصلاة، أو يرمي القذر في طعامه وهو يأكل؟وشجَّ أحد الكفَّار رأسه الشريف بالقوس حتي جرت دماؤه علي وجهه الكريم!. وكان بعض آخر منهم يلطِّخون داره بالأقذار، وقد يلقون بها في فناء داره..أما السخرية والاستهزاء والتقريع، فقد كانت تمتلئ بها افواه الكفاّر. ويصبُّونها علي النبيَ كلَّ حين!.وكان النبيّ (ص) يقابل كلّ ذلك بصبر حكيم، وحلم قائد. وأناة نبيّ.. فإذا جاءت إليه طائفة منالكفّار استقبلهم بكل طلاقة، ودعاهم إلي الدِّين بأحسن طريق. فإذا لبّوا دعوته يكون ذلك خيرٌ، وإلاّ فانه كان يطلب منهم أن يأتوا بمثل ما أتي به من القرآن.. ثم يتلو عليهم: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَي أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء/88).ولطالما كانوا يسخرون منه ويستهزئون بدعوته، فكان يعظهم ويدعو الله لهم بالهداية دون ان يغضب أو يثور.وكان في بعض الأحيان يتجوَّل في العشائر والمجامع، ويدعو الناس إلي ربهم. بيد أن كفار قريش كانوا يعرقلون طريق دعوته بأمرين:الأول: أنهم كانوا يحذرون الناس من ان يتأثروا بدعوته قائلين لهم: إنَّ الرجل منّا، وهو ساحر ومجنون أو كذّاب. حتي أن الناس كانوا يضعون القطن في آذانهم لكي لايسمعوا قول النبي (ص).الثاني: أنه كان يسير خلفه رجل منهم ويصيح إنه كذاب فلا يُسمع قولُه، ولا تُلَبَّي دعوتُه.وعجز كفارُ قريش عن أن يمنعوا سير الدعوة الحثيث واشتهارها بهذه المعارضات. ففكّروا في انتهاج مسلك آخر في منع الناس عن الإسلام، فجاؤوا إلي النبيِّ (ص) وقالوا له: يا محمد شتمت الآلهة، وسفَّهت الأحلام، وفرَّقت الجماعة. فإن طلبت مالاً أعطيناك، أو الشرف سوَّدناك، أو كان بك علة داويناك.فقال (ص): " ليس شيء من ذلك، بعثني الله إليكم رسولاً، وأنزل كتاباً فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه أصبر حتي يحكم الله بيننا ".وفكروا هذه المرة بأن يستأصلوا الشجرة الطيبة من أصلها وأن يغتالوا النبيَّ (ص) نفسه، بيد أنَّه كان يومئذ يأوي إلي ركن شديد، وسندٍ قويّ، لم يقتدر الكفار أن يأتوا عليه، وهو عمُّه وناصره أبو طالب سيد قريش وشيخ بني هاشم. فحاولوا أوّل الأمر إغراء أبي طالب فقالوا له: إننا نعطيك ولداً وسيماً من أبنائنا ونأخذ محمداً ونقتله. فقال: ما انصفتموني. آخُذ ولدكم فأُطعمه وأسقيه، وتأخذون ولدي فتقتلونه. فقالوا له: إنَّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفَّه أحلامنا، وضلل أباءنا. فإما أن تكفه عنّا، وإمّا أن تخلِّي بيننا وبينه فنكفيكه.لكن أبا طالب الذي لم يشك في صدق مقالة ابن أخيه والرسول المبعوث إليه، ردّهم ولم يقبل أيَّ واحد من اقتراحاتهم؛ وخاطب النبيَّ (ص) قائلا: أُدع إلي ربّك. فإني لن أتخلَّي عنك أبداً..وحينما رأت قريش أن أبا طالب لن يتخلي عن النبي، دبّرت له خطة أخري، حيث أجمعت أمرها علي مقاطعة النبيِّ وكلّ من يؤازره من بني هاشم. وكتبوا صحيفة بشأن هذا القرار، ومنعوا الناس من أن يبيعوا شيئاً إلي بني هاشم. فجمع أبو طالب بني هاشم وجعلهم في شِعْبٍ كان له في أطراف مكة، وبقوا هناك ثلاث سنين في اشدّ ما يكون من سوء العيش. وأكثر ما يكون من الخوف والقلق، حتي أن أبا طالب كان يبدل فراش النبي في كل ليلة مرات خوفاً علي حياته الكريمة.وشاء الله بأن تنقضي مدة هذا النفي فأمر بالأرضة " وهي دابة صغيرة " بأن تأكل الخطوط الملعونة التي رسمت علي الصحيفة. فأكلتها، وأَلْهَم نبيَّه بشأن ذلك، فأخبر النبيُّ أبا طالب (ع) - وهو بدوره - ذهب إلي الكفار وحدثهم بذلك. وقال إن ذلك علامة صدق ابن أخي في ادّعائه الرسالة، وكذبكم في إنكاركم أمره.. فجعلوا الاطلاع علي الصحيفة حكماً بينهم فإن كانت الصحيفة كما أخبر الرسول أخرجوهم من المنفي، وإن لم تكن فإنهم ماكثون فيه.وحينما اطَّلعوا عليها وجدوها كما أخبر الرسول. فخرج بنو هاشم من المنفي منتصرين. وتمَّ بذلك عهد كان من أشد العهود علي النبيِّ وآله. وأصعبها جميعاً.وإنّ الضراء التي مست الأسرة الهاشمية في منفاها بِشِعْب أبي طالب كانت شديدة للغاية. ولذلك فإن خسارتها كانت بالغة وكبيرة أيضاً، حيث نتج عن الحصار الإقتصادي والإجتماعي علي بني هاشم موت خديجة زوجة النبي (ص)، وموت أبي طالب عمه وكفيله.لقد كانت خديجة شريكة النبيِّ (ص) في كلّ آلامه وآماله، والمسلّية له بما أصابه من أذيِ، بل كانت المعينة له علي مكاره قريش، كما كان أبو طالب حامي النبي الذي كان قد ألقي بينه وبين أذي قريش حجاباً ثقيلاً.لقد كان أبو طالب سيّد قريش وشيخ بني هاشم؛ وكان له حق مشروع في الدفاع عن النبيّ محمد (ص) في منطق النظام الإجتماعي السائد في تلك الأيام، حيث إنه كان يعتبر النبيَّ ابناً له. والمرء يمكنه الدفاع عن ولده في ذلك النظام بكل أسلوب وفي جميع الأحوال حتي ولو كان ابنه خارجاً عن طريقة أهل البلاد ودينهم.فموت أبي طالب وخديجة كان بمثابة هدم حصن حصين ذي ركنين ثابتين بالنسبة إلي النبي (ص) في تلك الظروف، ولذلك سميت تلك السنة بعام الحزن. وحيث اشتدّ فيه حزن النبيِّ وتاثره بموت حامِيَيهِ والمدافعين عن دعوته ورسالته. وكان ذلك بين العام السابع والثامن من البعثة.واشتدت الأزمة بالنبي (ص) بعد وفاة أبي طالب. لأن قريشاً أجمعت أمرها علي سحق المسلمين ومحق الدعوة الإسلامية، فقامت بضغط عنيف علي المسلمين، وبأذيً كثير للنبيِّ (ص) وحاولوا مراتٍ عديدةً قتله إلاّ أنَّ الله منعه منهم. فأخذ النبي (ص) يعدّ تدابير لهذه الأزمة المحيطة به وبالمسلمين.. فبالنسبة إلي المسلمين أمرَهم بالهجرة إلي الحبشة.. وقد تمت هذه الخطة بترحيل طائفتين كبيرتين منهم إليها عن طريق البحر، فتخلصوا من شرّ الكفار وكيدهم، وقد آواهم ملك الحبشة. وأكرم وفادتهم.وأما بالنسبة إليه نفسه (ص) فقد ذهب إلي الطائف - وهي مدينة قريبة من مكة تقطنها ثقيف القبيلة الكبيرة - لعله يستطيع أن يهدي أهلها فيمنعوه من قريش. بيد أن هذه الخطة لم تحظ بنجاح، فقبيلة ثقيف لم تقبل الإسلام، بل سلّطت سفهاءَها وجُهَّالها علي النبي (ص)؛ فآذوه شر أذية وأرسلوا إلي مكة ينقلون إلي قريش قصة دعوته لهم إلي الإسلام، فاستعدت قريش له من جديد، فلم يأمن النبي (ص) يومئذ علي نفسه من الرجوع إلي مكة بصورة عادية، فاضطرّ إلي أن يراسل بعض سادات قريش ورؤسائها يطلب منهم أن يجيروه من قريش، فأجاره واحد منهم حتي جاء إلي مكة تحت حمايته.وعرف النبي (ص) أخيراً أن أهل مكة لايمكن أن يكونوا الحاملين للرسالة الإسلامية المقدسة إلي الآفاق، لأنَّ دعوته الملحَّة المستمرة التي ظلت فيها زهاء عشر سنوات لم تجده نفعا أبدا، ولم تُنتج غير اصرار من الكفار وعناد بالغين.فصمَّم علي نشر الدعوة بين سائر القبائل العربية الأخري، فإذا استطاع أن يهدي قبيلة واحدة ذهب إليها وظلّ ينشر نور الإسلام من خلال أفرادها. فأخذ يدعو الناس في المواسم التي كانت العرب تتدفق فيها علي مكة لغرض العبادة أو التجارة فيذهب إلي القبيلة ويقول لها:" يا بَني فلان: إني رسول الله إليكم، وأنا آمُركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وان تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني حتي أبيِّن عن الله ما بعثني به ".وكانت قريش ترسل وراءه من يعقّب علي كلامه بتحذير العرب من طاعته، وتهجّن دعواه، وكان عمّه أبو لهب يتولي هذه المهمّة في أغلب الأحوال.أما القبائل العربية فكانت تتعصّب لآلهتها المزعومة، وتؤثر البقاء علي تقليد الآباء. كما كانت تحذر من قريش إذ لو كانت تُسلم لكانت تتعرض لحرب قريش قطعاً. فكانت تردّ النبي ولا تقبل دعواه وتردُّه إما ردّاً جميلاً أو قبيحاً.إلاّ أن قبيلة واحدة استجابت إلي دعوة النبي (ص)، تلك كانت القبيلة العربية الساكنة في يثرب، والتي كانت منقسمة إي طائفتين. الأوس والخزرج، وكانت الحرب بينهما قائمة علي أشدها، وكانوا قد ملّوها.نعم، استجاب أهل يثرب إلي قول النبي (ص) وقبلوا دعوته. وبذلك أخذ الإسلام ينتشر في المدينة " يثرب " انتشار الضياء بعد ليل طويل.وتمّت بيعة مسلمي المدينة الثانية مع محمد (ص) في العقبة بمني في السنة الثانية، وتمت بهاالاتفاقية العسكرية بين النبي وأنصاره من أهل المدينة. وكان اللازم بموجبها علي المسلمين من أهل المدينة الدفاع عن النبي (ص) وعن سائر المسلمين من أتباعه بكل ما لديهم من قويٍ حربية.وابتدأ النبي (ص) بتنظيم الهجرة الي المدينة. فأخذ يرحّل أصحابه إليها واحداً بعد آخر علي حين غفلة من كفّار قريش.وحينما سمع الكفّار بذلك قالوا في ما بينهم: إنَّ المسلمين إذا اجتمعوا في المدينة، كَوَّنوا قوةً معارضة تكلفنا كثيراً من المال والدم.. ففكروا في إعاقة الهجرة بمنع المسلمين ترغيباً أو ترهيباً.. بيد أنَّ المسلمين أخذوا يفلتون من أيديهم تحت أجنحة الظلام وفي غياهب الليل.. فقال الكفَّار لأنفسهم: إنَّ النبيّ لايزال بين ايدينا، وليس له منعة عنّا. فلو هاجر إلي المدينة وجمع أنصاره حوله، فهنالك يصبح من الصعب القضاء عليه. فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في الأمر. حتي استقر رأيهم علي أن يأتوا من كل قبيلة برجل، ثمَّ يهجموا علي النبيِّ هجمةً واحدةً فيقتلوه ويضيع دمه بين قبائل العرب، فلا يستطيع بنو هاشم من أخذ الثأر منهم.واختاروا من كل عشيرة رجلاً، فجاؤوا وأحاطوا بدار النبيِّ (ص)، ولكن الوحي نزل وأمره بأن يتخذ الليل جملاً مهاجراً إلي المدينة، ثم أوضح له كل شيء من تدابير قريش وخططهم.فجعل النبي الإمام عليّاً مكانه يبيت في فراشه لكي يظن الكفار ان النبيّ (ص) موجود فيشتغلوا به ويخرج هو من طريق آخر.. فبات الإمام علي فراش الموت ينتظر المصير الكائن.. بينما ذهب النبيّ يلتمس طريقه إلي غار ثور.. حيث بقي هناك وقتاً كافياً ثم سار إلي المدينة علي غير الجادة، لكي لا تلحقه قريش أو عملاؤها الذين جعلت لكل من أخذ محمدً منهم مقداراً كثيراً من المال.وعندما وصل النبيّ إلي المدينة احتفلت احتفالاً رائعاً بقدومه، وسارت فيها مواكب السرور بأهازيج الفرح.وتمت بذلك الهجرة النبويَّة التي كانت بداية حياة جديدة للمسلمين، حياة العزة والمنعة، وحياة الدفاع عن حقوقهم، والجهاد لأعدائهم، وحياة التوسع والانطلاق إلي آفاق العالم.. وفي الواقع كانت الهجرة بدء تكوين الأمة الإسلامية الموحدة ولذلك اتخذ المسلمون منها بدء تاريخهم الديني، لأنها كانت أهم الأحداث بالنسبة إليهم.وبقيت في مكة طائفة من المسلمين تَمَّ ترحيلُهم ايضاً بقيادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، بعد التغلب علي صعوبات شديدة. وهناك فكّرت قريش في أساليب أخري للقضاء علي الإسلام والمسلمين بعد ما فات وقت الأساليب السابقة.الأساليب الجديدة كانت توجز في خطتين اتبعتهما قريش الواحدة تلو الأخري:الخطة الأولي: كانت بعث رسائل إلي أهل المدينة يريدون فيها منهم تسليم محمد (ص) إليهم مع شيء من الترهيب والترغيب، بيد أن المسلمين هزئوا بهذه الفكرة، وسخروا من أهلها، وبعثوا بقصيدة هجائية إلي قريش بيَّنوا بها جوابهم الصريح بعد أن أثبتوا حقيقة النبي (ص) وحقيقة قريش التي تناوئه.والخطة الثانية: وضع الحصار الإقتصادي علي المدينة حيث كانت لقريش كل التجارة العربية.. وكانوا قد أمَّنوا طرق تجارتهم بالتحالف مع القبائل البدوية التي كانت تسكن في طريق الشام وطريق اليمن. فأصدروا إليها بياناً حظروا فيه بيع المواد الغذائية لأهل المدينة، أو الإجازة لمرور القوافل التجارية لأهل المدينة التي ترمي إلي استيراد المواد إليها.وأما النبي (ص) الذي أخذ علي عاتقه مسؤولية الدفاع عن المدينة والذي كان يري أن الحصار الإقتصادي الذي ابتلي به أهل المدينة إنما هو لأجله وبسببه. فإنه دبر خطة دفاع عن هذا الحصار بما سيأتي من أمر غزوة بدر، إلاّ أنه يجب علينا أن نلقي نظرة عاجلة علي حالة أهل المدينة وامكانيتهم المادية والمعنوية قبل الحديث عنها.فقد جاء النبي (ص) إلي المدينة فوجد فيها عناصر ثلاثة:1- المسلمون: وهم يتألفون من أوس وخزرج ومهاجرين، وكل منهم يختلف عن الآخر.. فاستطاع النبي (ص) أن يصهرهم في قالب واحد، حتي صاروا أخوة متألفة قلوبهم، متراصة صفوفهم، وأصبحوا " أمة واحدة كأسنان المشط.. في التساوي والتعاون ".2- المنافقون: وهم طائفة كبيرة من العرب. أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر. وقد قدر النبي (ص) علي أن يشل حركات هذه الطائفة ونشاطاتها باللُّطف حينا، وباعطائهم بعض المناصب التي تشغلهم، وبعض المسؤوليات التي تسدّ فراغهم حيناً آخر.. واشترك الوحي في تقويمهم بالآيات التي نزلت في المنافقين وكانت تؤكد علي (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (النساء/145).3- اليهود: الذين كانوا قوة رهيبة يملكون من المال والسلاح والحيلة الشيء الكثير. ولقد وضع النبي (ص) اتفاقيات سياسية وعسكرية معهم، تضمن للفريقين التعايش السلمي والدفاع المشترك عن البلاد وأهلها.وكانت مسؤوليات الرسول (ص) في المدينة أكثر منها في مكة، وإن كان الضغط هناك أكثر. حيث كان الرسول يريد أن يكوِّن أمة، قبل ان يشيد دولة. فمسؤولية التبليغ لغير المسلمين، ومسؤولية تهذيب المسلمين، ومسؤولية تطبيق نظم الإسلام، ومسؤولية الدفاع عن المسلمين في الجزيرة العربية التي كان شعارها الحروب والغزوات، ودثارها السيوف والرماح، هذه المسؤوليات كانت بعض ما أخذ النبيُّ (ص) علي عاتقه أداءها من المسوؤليات الخطيرة. ففي نفس الوقت الذي كان النبيُّ (ص) يقود الجيش الإسلامي إلي جبهات القتال كان يوصيهم بأداء الأمانة والوفاء بالعهد ولو مع العدو اللدود. وفي نفس الوقت الذي كان يلقنهم دروس التضحية والجهاد للدين، كان يشرح لهم معاني العفو والصفح، واشاعة السلام وإطابة الكلام. وفي نفس اللحظة التي كان يتولَّي دفن الشهداء في أُحُد وقد مُثِّل بهم شرَّ تمثيل فامتلأت قلوب المسلمين حقداً علي الكفار وغيظاً وأملاً بالثأر، كان النبي (ص) يتلوا عليهم آيات العفو وتحريم المثلة ولو بالكلب العقور..ومن كل هذا نكتشف مدي خطورة مسؤولية النبيِّ (ص) التي كانت تهدف إلي تكوين الأمة الموحدة، كأفضل وأمجد أمة في الحياة.وهنا نرجع الي الحصار الإقتصادي الذي ضربه كفّار مكة علي المدينة لنعرف ما كان موقف النبيِّ (ص) وكيف فكه عنها.فالخطة التي اتَّبعها النبيُّ (ص) في رد هذا الحصار كان شيئا مماثلاً.. فالقوافل التجارية التي كانت تريد أن تسير إلي الشام من مكة كان الواجب عليها أن تقطع المضيق البرّي بين البحر الأحمر والمدينة. فجعل النبيُّ (ص) سرية مسلحة لمراقبة هذه المنطقة.. وكانت هذه السرية من المهاجرين حيناً ومن الأنصار حيناً آخر، وكانت وظيفة هذه السرية منع القوافل التجارية. ولكن القوافل هذه كانت قد تعاهدت مع القبائل البدوية في الطريق علي أن تمنعها من المهاجمات التي كان يقوم بها قراصنة الصحراء، علي أن تعطي القوافل التجارية لها ضرائب معلومة كل سنة. ولذلك فقد فشلت هذه الخطة مرات عديدة حيث كانت هذه السرية المسلحة تريد التعرض للقوافل، فكانت القبائل البدوية تدافع عنها بحجة المعاهدة التي بينهما.بيد أن النبي (ص) ذهب الي هذه القبائل البدوية العربية وعقد معها اتفاقية في شأن الأمور الحربية، وبذلك أَمِنَ من دفاعها عن قوافل مكة.وأرسل النبيّ (ص) طائفة من أصحابه إلي موضع بين مكة والطائف ليترصدوا له قافلة قريش التجارية، فكتب رسالة مختومة وأعطاها قائد هذه الطائفة المدعو ب " عبد الله بن جحش " وقال له: اذهب في اتّجاه مكة، فإذا سرت يومين فافتح الكتاب واعمل بما فيه. فلما فتحه وجد فيه ما يلي:إذا نظرت كتابي هذا فامضِ حتي تنزلَ نخلَة بين مكة والطائفة فتَرصد بها قريشاً وتَعلم لنا من أخبارها.فذهب إلي نخلة ورأي قافلة تجارية تمر بها في طريقها إلي مكة، فاستولي عليها. وأتي بها إلي المدينة بعد أن أسر منها رجلَين وقتل رجلاً وهرب آخر.والنبيُّ (ص) وإن كان لم يرضَ بفعل هذا القائد إلاّ أنه استفاد من هذا المال.. في حين كان أحوج ما يكون إليه. كما أنه ربح الموقف بإلقاء الرعب في قلوب الكفار.وقاد النبيُّ (ص) السرية المسلحة في المرة الثانية، وأخذ يراقب بنفسه الركب التجاري لقريش وسمع غير مرة بمسيرة قريش للتجارة. وخرج إليها. غير أن الركب كان قد فاته ولم يلحق به.. ولقد سبق أن قلنا: إن إعاقة مسير قريش للتجارة كان دفاعاً مشروعاً للنبيِّ، باعتباره عملا مماثلا لمنع القوافل التجارية عن أهل المدينة؛ وفكّاً للحصار الإقتصادي، وإدانة لقريش مقابل ما استولوا عليه من أموال المسلمين في مكة ولم يرضوا إعطائها لهم.وذات مرةٍ خرج النبيُّ (ص) لهذه الغاية - حيث سمع بركب قرشي للتجارة فخرج إليه ليستولي عليه - فوصل الخبر إلي الركب، فأرسل بخبر ذلك إلي مكة واستنفرهم بأن أموالهم في خطر والعرب في مكة كانوا يفدون أنفسهم لأموالهم، ويبذلون أرواحهم في سبيل حفظها، فحينما سمعوا بالنبأ، وهو أن محمداً (ص) يتعرض لأموالهم، خرجوا إليه مسرعين نحو المدينة.وكان أبو سفيان يتولي رئاسة القافلة التجارية، فتنكب بها عن الطريق حتي سيّرها علي ساحل البحر الأحمر بعيداً عن النبي (ص) وعن سريته المسلحة، وأنقذها بذلك من سيطرة واستيلاء المسلمين عليها.وأما كفّار قريش فإنهم ساروا إلي جهة المدينة. ومع أنهم سمعوا بنجاة القافلة التجارية، فإنهم لم يسمحوا لأنفسهم بالرجوع إلي مكة إلاّ بعد إبادة المسلمين وكسر شوكتهم.وكان النبيّ (ص) لايزال في طريقه إلي مكة - وهو يطلب عير قريش - وقريش في طريقها إلي المدينة تريد إبادة المسلمين، فالتقيا علي ماء كان يسمي ببدر ولم يكن النبيُّ (ص) قد استعد للحرب، بل كما سبق كان هدفه الاستيلاء علي أموال التجارة القرشية. ومع ذلك فإنه رأي رجوعه إلي المدينة انهزاماً، ولم يسمح لنفسه بذلك حتي لايدبَّ الطمع في قلوب الكفّار بالقضاء علي المسلمين.وكانت هذه أول حرب يخوضها المسلمون وكانت في السنة الثانية من الهجرة، وكان عدد الكفار يتجاوز تسعمائة وخمسين رجلا، بينما لم يكن عدد المسلمين يبلغ أكثر من ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ومع كل ذلك فقد ربحها المسلمون وألحقوا خسارات فادحة بأعدائهم وهزموهم بإذن الله.لقد كان التكتيك الحربي في الجزيرة العربية لايعدو عن مقابلة الفرد بالفرد في مشهد ينظر إليه الفريقان، حتي إذا قتل الأبطال، هاجم الفرد، أو الجبهة - الجبهة المعادية - حتي ينهزم أحد الفريقين.بيد أن النبيَّ (ص) اتبع في حرب بدر طريقة جديدة حيث شكَّل مثلثاتٍ حربيةً فريدةً من نوعها. وذلك بأن أمر باصطفاف المسلمين علي شكل مثلث كبير علي شرط أن يكون ظهر كل فرد داخل المثلث - أي إلي سائر أفراد المثلث - ووجهه إلي الخارج - أي إلي الكفار -.ولقد نصره الله بجنودٍ من الملائكة أنزلهم لِنُصرة نبيَّه (ص) فانهزم الكفّار بعدما قُتل أبطالهم علي يد الإمام علي بن أبي طالب (ع). وانجلت الحرب عن سبعين قتيلاً من الكفّار أكثرهم من رؤسائهم وأبطالهم، وأربعة عشر شهيداً من المسلمين، ثمانية منهم من الانصار، وستة من المهاجرين.وهذه الحرب الدامية فتحت باب الحروب بوجه النبي (ص)، الذي تصدي لها ببسالة وصمود.. فجعلت قريشا موتورة بقتلاها، وطالبة لثاراتها؛ كما جعلت المسلمين مؤمنين بنصر الله لهم وقدرتهم علي صد كلَّ هجومٍ مسلَّح من أيِّ طراز كان.وهذه الحرب دعت قريشاً إلي حبك المؤامرات الكائدة للنبيِّ (ص). فقد أرسلت ببعض أبطالها إلي المدينة خفية للغدر بالنبي وقتله. بيد أن الله تعالي فضحه. فلما جيء به إلي النبي (ص) وتكلم النبي معه وأخبره بالمؤامرة تفصيلاً اسلم الرجل الذي كان يدعي " عمير بن وهب " وذهب إلي مكة داعياً للإسلام متحمساً نشيطاً.وهكذا فشلت هذه المؤامرة الماكرة.ثم قامت قريش بمحاولة فاشلة أخري، إذ خرجوا وهم مائتا نفر يقودهم أبو سفيان، وأغاروا علي المدينة ليلاً فقتلوا رجلَين. فلما لحقهم المسلمون بقيادة النبيّ (ص) ولَّوا هاربين، وخلفوا بعض أمتعتهم ليخففوا عن أنفسهم في السير.. وتسمي هذه الغزوة ب " السُّوَيق " حيث إن المسلمين غنموا من السويق ما كان زاداً للكفار.وأخذ أبو سفيان قيادة قريش هذه المرة، إذ نصب لواء الكفر وحشد تحته خمسة آلاف رجل مقاتل، وزحف نحو المدينة. فلما بلغ جبل أُحُدٍ علي بعد كيلو مترات من المدينة، تصدّي له الرسول (ص) بجيش لم يتجاوز عدده ستمائة محارب. ووضع النبيُّ خطة حربية باهرة، إذ اتَّخذ من الجبل ظهراً للجيش، وجعل علي ثغور الجبل الذي وراءَه سريّة برئاسة " عبد الله " وأمرهم بأن لايغادروا موقعهم الحربي الخطير مهما كان الأمر، غلب المسلمون أو غُلِبوا، ثم أمر المسلمين بالهجوم الموحد علي الكفار.والكفار الذين لم يكونوا يعرفون نظام الهجوم الموحّد لأنهم لم يروه من ذي قبل انهزموا بعد ساعات من الاشتباك الدامي، فاستولي المسلمون علي امتعتهم - فرأي أهل الثغور خلف المسلمين فوق جبل اُحُد رأي هؤلاء ان اخوانهم - في تقدم باهر وفي جمع الغنائم فنزلوا عن الموقع الخطير واشتركوا في جمع الغنائم. وكلما ناشدهم قائدهم عبد الله بالبقاء لم يقبلوا منه، وحينما رأي الكفَّار ذلك داروا من خلف الجيش الإسلامي، وهجموا علي ما بقي من أصحاب عبد الله - صاحب الثغر - بقيادة خالد بن الوليد وكان في جيش قريش، وقتلوهم وهجموا علي المسلمين من ورائهم ونادوا بالكفار المنهزمين ليرجعوا. فأحاط جيش قريش بالجيش الإسلامي، وهرب القسم الأكبر من المسلمين. بيد أن الذين بقوا مع النبيِّ والإمام علي عليهما الصلاة والسلام وطائفة أخري من المسلمين المخلصين، ربحوا الموقف. وأخيراً قتل الإمام عشرة أفراد من حاملي ألوية الكفار حتي وقع لوائهم وانهزموا راجعين..وبعد ذلك غنم المسلمون غنائم كثيرة.. مع أنهم خسروا خسارات باهظة، مثل قتل حمزة بن عبد المطلب الشجاع البطل والقائد الثالث للقوات الإسلامية بعد النبيِّ والإمام عليّ، والذي سمَّاه النبيُّ (ص) " بسيد الشهداء ".وجمع أبو سفيان فلول جيشه وعسكر في بعض المواقع بين مكة والمدينة. فخرج الرسول (ص) إلي الروحاء مع كل ما لحقه من خسارات الحرب الباهظة، وكل ما أضر باصحابه من متاعبها ومصاعبها. وحينما وصل إليه هابه ابو سفيان وفرَّ هارباً إلي مكة.وكان خروج النبي هذا كسباً للموقف بعد خسارته، وإرجاعاً لمكانة الجيش الإسلامي في نفوس أعدائه بعد زوالها.ثم بعد مدة جمع أبو سفيان ألف مقاتل وزحف بهم إلي المدينة، فلما سمع النبيُّ (ص) بخبره خرج حتي بلغ بدراً ولكن الكفار لما سمعوا بذلك ولَّوا هاربين ولم يبق من أمر كفار قريش مع النبيِّ إلاّ غزوة واحدة فقط، وهي غزوة الخندق التي اشترك فيها قريش وغيرها.وقاد هذه الغزوة ابو سفيان بوصفه قائداً للقوات العربية في مكة، حيث جمع قريشاً والأعراب وتحالفوا مع بعض اليهود في المدينة، وجاؤوا إلي إبادة المسلمين.والحروب التي خاضها المسلمون في حياة النبيِّ (ص) كانت تنقسم إلي ثلاثة أنواع:الأول: الذي كان بينهم وبين قريش.والثاني: الذي كان بينهم وبين اليهود الساكنين في حصون اليهود حول المدينة.والثالث: الذي كان بينهم وبين سائر الأعراب الذين تصدوا لمنع تقدُّم الإسلام، ووقفوا أمام انتشاره.وقد اجتمعت الحروب بأنواعها الثلاثة في غزوة الخندق. ولذلك سميت ب " الأحزاب " أيضا، حيث تحالفت قريش مع " بني سليم " و " أسد " و " فزارة " و " أشجع " و غطفان " ومع " بني قريظة ". وبعض يهود المدينة تحالفوا جميعا علي محاربة النبيّ (ص).وحينئذٍ تمَّ رأي المسلمين علي أن يبقوا في المدينة، ويحفروا بينهم وبين الأحزاب خندقاً عميقاً وعريضاً.وجاءت الجيوش المعادية كالسيل الهادر يملأ السهل والجبل، فرأوا الخندق فقالوا: هذه حيلة جديدة. وجاء شجعانهم، وهما: " عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل " واقتحما الخندق حتي توسَّطا بينه وبين المسلمين.. فأخذا يطلبان المبارزة فتقدم الإمام علي بن ابي طالب (ع) إلي أشجع العرب في زمانه عمرو بن عبد ود فقتله. وبموته ساد الرعب في صفوف الكفار. وتبادل الفريقان المُراماة بالسهام. وبقيت الجيوش الكافرة أكثر من عشرين يوما، ثم رجعوا علي أعقابهم خائبين بعدما كلفهم الأمر خسائر معنوية ومادية كثيرة.وشاع في الجزيرة العربية خبر صمود المسلمين أمام القوي مهما تضاعفت وتجمَّعت. فهذا جيش الإسلام لم يتجاوز عدده ثلاثة آلاف، بينما الكفار كانوا عشرة آلاف. ومع ذلك كان النصر للإسلام.وبغزوة الخندق انتهت السلسلة الكبري من حروب النبيِّ (ص) مع قريش. ولم يخض النبي بعدها أيَّة معركة، إلاّ فتح مكة التي لم تكن حرباً في الواقع بل كانت انتصاراً وغلبة نهائية للمسلمين علي الكفار.وبقيت هناك سلسلتان من الحروب الإسلامية.الأولي: حروب المسلمين مع اليهود.والثانية: حروبهم مع القبائل العربية الأخري.أما حروب المسلمين مع اليهود فَتُوجَزُ بما يلي: اليهود كانوا أحجاراً ناتئة ناشزة وضعت في الجزيرة العربية لترد ما لحقهم من سيوف الملوك والسلاطين. وكانت الأكثرية الساحقة منهم يسكن في المدينة، وهم بنو قينقاع وبنو النضير، وبنو قريظة ويهود خيبر، ويهود فدك، ويهود وادي قرن، ويهود تيماء.فأما بنو قينقاع فقد كانت قبيلة مهنية تستولي علي صياغة الجزيرة.. وقد ذهبت امرأة من المسلمين عند أحد الصاغة منهم فراودها ليكشف عن وجهها فأبت فعمد اليهودي إلي طرف ثوب المرأة فعقده إلي ظهرها من حيث لم تعلم المرأة بذلك. فلما قامت انكشفت سوأتها فضحك اليهودي منها، فصاحت تستصرخ المسلمين. فوثب أحد المسلمين وقتل اليهودي، فاجتمع اليهود وقتلوا ذلك المسلم.ثم احتدم النزاع بين المسلمين واليهود. وجاء النبيُّ (ص) إلي اليهود ينصحهم بالدخول إلي الإسلام وقبول نُظمه المقدسة، فاستهزأوا به، وطلبوا النزال. فذهب الرسول إلي حصونهم وحاصرهم خمسة عشر يوما فانتهي إلي الصلح مع النبيِّ بالخروج عن المدينة مع أموالهم وذراريهم وخلفوا تركاتهم وأمتعتهم لتكون للمسلمين ففعلوا ذلك وذهبوا إلي أطراف الشام.واما بنو النضير، فقد كانت قبيلة ثريّة تعطي أموالها قرضاً للناس، فذهب النبيُّ (ص) إليها يطلب منها القرض. فأرادوا اغتياله، حيث أصرُّوا عليه بالدخول إلي دورهم فأبي ذلك، واتكأ علي الحائط فأرادوا القاء حجر الدفن علي رأسه من فوقه. فتنحي عنه، ورجع إلي المدينة قبل أن يقترض منهم، وارسل إليهم أن اخرجوا من دياري حيث نقضتم ميثاقي. وقد أجَّلتكم عشرة ايام. فأخبروا النبيَّ (ص) بأنهم لن يخرجوا فليفعل ما شاء.فخرج النبي (ص) إليهم، وحاصرهم وهدم مساكنهم فأخذوا يتنقلون من حصن إلي حصن. حتي ضاق عليهم الأمر فطلبوا من النبيِّ (ص) أن يخرجوا بأثقالهم عن المدينة، فلم يقبل منهم. فخرجوا وخلَّفوا أموالهم غنائم للمسلمين.أما بنو قريظة فإنهم كانوا حلفاء للاوس، ثم أصبحوا معاهدين مع الرسول (ص). ولكنهم انضموا إلي الأحزاب في غزوة الخندق.. فبعد انتهاء الغزوة بانتصار المسلمين أمر الرسول (ص) الجيش بالمسير إلي بني قريظة. فجاؤوا حتي حاصروهم مدة خمسة وعشرين يوما. ثم أراد الإمام أمير المؤمنين (ع) أن يقتحم حصونهم. فنزلوا علي حكم رسول الله (ص).فأمر بهم فأُوثقوا. ثم جاء إليه بعض الأوس يستشفعونه في أمرهم فقال لهم: الا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا بلي. فاختاروا سيّدهم " سعد بن معاذ " فلما جاء سعد حكم فيهم بحكم التوراة (الكتاب المقدس الذي يتبعونه) بأن يقتل رجالهم، ويسبي نساءهم، ففعل ذلك بهم.وفي السنة السابعة من الهجرة حيث تم صلح الحُديبية فكّر النبيُّ (ص) في محاربة يهود خيبر الذين كانوا يكثرون الضغط علي المسلمين ويعاونون أعداءهم عليهم دائما. فلما سار إليهم الجيش كان لهم حصون سبعة كلها منيعة أشد ما تكون المنعة. فحاصروا الحصون مدةً مديدة.. حتي ضاق اليهود ذرعاً بالحصار. بيد أنهم قاوموا حتي فتح المسلمون تحت قيادة الإمام علي بن أبي طالب (ع) حصونهم واحداً تلو الآخر، وقتل الإمامُ أشجعَ أبطالهم " مرحب " وقلع الباب الكبير الذي كان يعجز عنه أربعون فارساً ورمي به بعيدا. وانتهت المعركة بقتل مائة من اليهود، واستشهاد سبعة عشر من المسلمين. وقد غنم المسملون الشيء الكثير من المال والسلاح والأسري.وبعد هذه الغزوة لم يبق لليهود شأن يذكر في الجزيرة العربية فقد أصبحوا - بعدها - عبيداً بينما كانوا قبلها اسياداً.ولذلك فإن يهود فدك ويهود تيماء رضوا بأن تكون أراضيهم للرسول (ص) ويعملوا فيها علي أن تكون الغلة بينهما نصفين.وكانت طائفة من اليهود في وادي قرن لم يستسلموا للنبيّ (ص) فذهب الرسول إليهم، ونازلهم وحاربهم حتي قبلوا أن يكونوا مثل إخوانهم..أما حروبهم مع سائر العرب فهي كما يلي:1- بنو سليم ذهب إليهم الرسول (ص) بعد تجمعهم لمحاربته في موضع كان يسمي ب " الكدر " ولكنهم تفرّقوا خوفاً منه (ص).2- " بنو ثعلبة " و " محارب " اجتمعوا تحت قيادة رجل كان يدعي ب " دعثور " في واحة عطفان في أطراف نجد، فرحل إليهم النبي (ص) وقبل أن يحاربهم اتَّفق أنه (ص) اضطجع علي تلّ فعرف بذلك دعثور قائد الجبهة المعادية فجاء إليه. ووقف علي رأسه شاهراً سفيه وقال من يمنعك مني؟. فقال النبي: " الله ". وفيما أراد دعثور إنزال سيفه دفعه جبرائيل فوقع بجانب التل، فوثب النبيُّ (ص) وأخذ سيفه ووقف عليه وقال: من يمنعك مني؟. فقال: عفوك. فعفا عنه النبي (ص) وأسلم، ودعا قومه إلي الإسلام ولم تقع محاربة قط.3- بنو سليم ايضاً أرادوا الحرب فخرج إليهم النبي (ص) فولَّوا هاربين قبل ان يلحقهم.4- بنو ثعلبة ومحارب، وبنو غطفان أيضاً، اجتمعوا للحرب في نجد، فلحقهم الرسول (ص) ففرُّوا من وجهه قبل النزال وخلّفوا نساءهم وأموالهم غنيمةً للمسلمين.5- البدو في دومة الجندل. وكانت هذه المنطقة قرب الشام، وكانت هذه القبيلة قد عاشت علي السلب والنهب مما قَوَّض الأمن والاستقرار؛ فذهب النبيُّ (ص) لتأديبهم بيد أنهم فرّوا هاربين قبل بلوغ النبي (ص) إلي هناك.6- ومن هذه الحروب الحرب التي قامت بين المسلمين وبين الكفار في مؤتة.. وانتهت بغلبة المسلمين بعد تحملهم خسارات فادحة. ولكن هذه الحرب لم تكن تختص بالنبي مباشرة، ولذلك فإنا نُعرض عن ذكرها كما نُعرض عن ذكر سائر الغزوات التي قام بها الجيش الإسلامي دون أن يشترك فيها النبيّ (ص)،. ونعطف إلي ماهو المهمّ من أعماله (ص) في الحقلَين السياسي والديني.

و اليك موجزا لاهم الاحداث السياسة و الدينية

صلح الحديبية: منذ أن أخرجت قريش المسلمين وعلي رأسهم رسول الله (ص) عن وطنه مكة، كان يشتاق إلي الرجوع إليها، لأنها البلد الأمين والمقدّس عند الله.. ولأنها - مع ذلك - محطُّ أنظار العرب جميعاً.ولكن الحروب والغزوات التي اكتنفت السنوات السبع بعد الهجرة، والضعف الذي كان يراه في اصحابه، منعاه من المسير إلي مكة. ولذلك فإنه حين رأي الوقت مناسباً عزم علي الزحف إلي مكة وأعلن في المسلمين ذلك. وقال: إنه يريد مكة لأداء مناسك البيت فقط، فسار بألف واربعمائة رجل من المهاجرين والأنصار.بيَد أن كفار قريش الذين رأوا أن دخول القوم مكة بعد أن أُخْرِجُوا منها من دون أن يلحقهم أذيً، إنَّما هو ضعف وانهزام صريح في وجه المسلمين.ولذلك فإنهم أرادوا منعه منها، وأرسلوا بطلائع من جنودهم ليقفوا في وجه المسلمين. وحين ذاك تنكّب النبيُّ (ص) عن الطريق المألوف لئلا يصطدم بهذه الطلائع. ولما عرف الكفار تنكُّبه، وأنه بلغ ثنية المرار اسفل مكة، أرسل النبي (ص) أحد المسلمين ينبئ قريشاً بأنه لم يأتهم محارباً بل معتمراً.وأرسلت قريش سفراء يريدون من النبي (ص) الرجوع عن عزمه. وكانت من قبل قد أرسلت سرية لمقاومة أعمال النبي (ص) فأخذها المسلمون وحبسوا جميع أفرادها..ولما أصرت قريش علي منع النبيِّ (ص) عن البيت قال النبي لأصحابه: " لا نبرح حتي نُناجز القوم " وطلب من المسلمين البيعة فبايعوه علي الفتح أو الشهادة..وحينما بلغ قريشاً نبأ البيعة الجديدة للنبيِّ (ص) هابوه فراسلوه علي الصلح، فاصطلح معهم بما يلي وكان أهم بنوده:1- إيقاف الحرب بين الفريقين لمدة سنتين.2- القادم إلي المسلمين يُردّ وليس بالعكس.3- رجوع المسلمين هذه السنة وإتيانهم في المقبلة.4- يستطيع الفريقان قبول عهد من شاء.وكانت هذه السياسة السليمة التي اتَّبعها النبيُّ (ص) هي التي فتحت عليه طرق التقدم والنجاح، حيث زحف المسلمون لمواجهة العالم الخارجي بعد أن أمنوا الجانب الداخلي، وكان بذلك الحدث التالي.2- بعد هذا الصلح مباشرة بعث النبيُّ (ص) رسائل إلي زعماء وملوك كافة الدول المجاورة. فراسل ملك الروم، والفرس، والحبشة، والقبط، كما ارسل رسائل إلي كلِّ من أمير بصري، وأمير دمشق، وملك البحرين، وأميرَي عمان، وملك اليمامة بشأن الرسالة التي حمّل مسؤولية تبليغها. وقد كان لهذه الرسائل آثارها البيعدة في نشر لواء الإسلام ومحق آثار الكفر..أما أجوبة هؤلاء فمنهم من اسلم - وهو كلٌّ من ملك الحبشة، وأمير البحرين، وملكَي عمان - فكان ذلك فتحا مبيناً للإسلام. ومنهم من لم يسلم ولكنه احترم الرسول فايَّده، وهو كلٌّ من ملك الروم وملك القبط وملك اليمامة.. ومنهم من أساء " إلي الرسول واستهزأ به وهو كلٌّ من ملك الفرس، وأمير بُصري وأمير دمشق ".3- وفي السنة التالية - السابعة للهجرة - اعتمر النبيُّ (ص) علي رأس أصحابه الذين كانوا في الحديبية. وفسح الكفار المجال أمامهم، وخرجوا عن مكة لئلا يقع تضارب بين الفريقين - علي ما كان يتضمنه أحد بنود الصلح الماضي -. وكانت هذه المرة أول مرة يدخل فيها النبيُّ (ص) مكة بعد هجرته عنها بسبعة أعوام.4- ورجع النبي (ص) إلي المدينة بعدما بقي في مكة ثلاثة أيام. وبعد ذلك نقضت قريش بعض بنود الصلح بأن كانت قبيلة تسمي ب خزاعة " معاهدة مع النبيّ " وكان علي قريش ألا تُحاربها والاّ تُعين عليها أعداءها، لكنها فعلت ذلك.وحلّ للنبي (ص) بذلك قتالها، فجمع أصحابُه وجمع من القبائل المسلمة التي كانت تقطن حول المدينة عدداً كبيراً، وزحف نحو مكة بعد أن ملأ الطريق عيوناً ورقباء علي السائرين، لكي لايصل خبر خروجه إلي قريش فيتم الأمر بالحرب التي لايريدها النبي (ص) أبداً.ولما بلغ النبيّ بجيشه حي ظهران بقرب مكة، أمر أصحابه بأن يُكثروا من إيقاد النار، ففعلوا ذلك. فاسترهب ذلك قلوب الكفار أَيَّ استرهاب، وكان أبو سفيان يراقب طريق مكة إذ رأي النار فملكه الرعب؛ والتقي بالعباس - عمّ النبيّ (ص) فحمله إلي النبي (ص) ودار بينهما محادثات تمت بإظهار ابي سفيان للإسلام وبإسلام بعض أبطال قريش وزعمائها قبله، ففقدت مكة قوَّتها. ومنعتها، ولم تملك قوة تدافع ضد دخول النبيِّ إليها. وقد انتهج النبيّ (ص) مسلكاً فريداً في هذا الهجوم العسكري، وذلك بأن أعلن قبل الزحف إلي مكة أنَّ من ألقي السلاح أو دخل دار أبي سفيان أو دخل داره أو فناء الكعبة أو تحت لواء أبي رويحة فهو آمن. ثم أمر قواته بإحاطة البلد والزحف عليها من جميع جهاتها، وألاّ يقاتلوا إلاّ من قاتلهم.. ثم دخل مكة من دون أن يعترض أحد طريقه إلاّ من جهة أسفل مكة حيث جاء منها خالد بن الوليد، وقَتل اثنَي عشر نفراً ممن عارضه، وقُتل من المسلمين واحد. ثم أعلن النبيّ (ص) في البيت الحرام العفو العام عن المشركين جميعاً، أثناء خطبة ألقاها عليهم..وبفتح مكة تمت السيطرة المطلقة للمسلمين علي الجزيرة العربية التي كانت تعتبر مكة دينها ودنياها معاً.ثم أمر النبيّ (ص) بهدم - الأصنام - التي كانت تُعبد من دون الله فهدمت جميعاً. وبعد ذلك سمع النبيّ بأنَّ قبائل عربية اتَّحدت تريد الانقضاض علي مكة للقضاء علي المسلمين، ومن بين تلك القبائل هوازن وثقيف.. فلما تحقق النبيّ (ص) الخبر جند اثنّي عشر ألفاً من المسلمين وتوجه إليها، فالتقي الجمعان في وادي حُنين، حيث كان مضيق جبليٌّ واقع بين جبلَين. وقد كان العدو قد سبق المسلمين إلي احتلال المواقع العسكرية في الجبلين. وحينما زحف المسلمون إلي العدو بين الجبلين انقض الكفار عليهم انقضاضاً، فهزمت طائفة منهم ثم التقت بالطائفة التي بعدها فسادت الفوضي في الجيش الإسلامي، وهُزموا هزيمة قبيحة. بيد أن النبيّ (ص) بقي صامداً. وبقي معه بعض المسلمين ثم اجتمع فلول المسلمين حتي كوَّنوا جبهة حاربوا بها الكفار وغلبوهم. وحيث إن الكفار كانوا قد أخرجوا جميع ممتلكاتهم ونسائهم إلي ساحة الحرب لعل ذلك يسبّب قوةً لمعنويات الجيش، فإن المسلمين ربحوا غنائم كثيرة. واستعمل النبيُّ (ص) تلك الأموال في تأليف قلوب قريش، ثم عزم الرجوع إلي المدينة.وقبل الرجوع أرسل سرايا من المسلمين في ملاحقة المنهزمين من الكفار الذين أرادوا التجمع مرة أخري وايقاد نار الحرب.ومن تلك السرايا، قوة مسلحة إلي الطائف حيث تحصَّن الكفار فيها.. بيد أن حصون الطائف كانت أمنع من أن يتغلب عليها المسلمون فرجعوا وعندما بلغ النبيّ (ص) المدينة تقاطرت عليه الوفود من جميع أنحاء الجزيرة يعلنون دخولهم في الإسلام ويطلبون منه ارسال المبلّغين المرشدين لهم.وفي السنة التالية لفتح مكة نزلت سورة البراءة التي أعلنت انتهاء الدور المظلم للجزيرة وابتداء الدور المشرق.فأرسل النبي (ص) الإمام علي بن أبي طالب إلي مكة حيث تلا هذه السورة في الحجَّاج المحتشدين في مني.. وأعلن بصراحة منع دخول المشركين إلي المسجد الحرام لأنهم نجس ولإن الله بريء منهم.. كما أعلن أنه لا عهد ولا ذمة لمشرك، وان دم كل مشرك حلال بعد أربعة أشهر.وبعد هذا الإعلان لم يبق في الجزيرة من يظهر الشرك، إلاّ فلول منهزمة مختفية علي خوف من المسلمين. فأخذ الرسول يتأهب لمقاتلة الروم، وقد كانت طلائعهم تستقي في أرض الشام التي كانت إمارة عربية تابعة للأمبراطورية الرومية. فزحف بالجيش الإسلامي، الذي كان عدده أكثر من ثلاثين ألفاً. وكانت الخيل عشرة آلاف. وكان المسلمون مدججين بالسلاح الكامل.وكان فعلُ النبيِّ (ص) ذلك بعد اشاعة راجت في المدينة بأن جيش الروم قاصد لفتح الجزيرة العربية وإبادة المسلمين. ولكن حينما وصل النبيُّ بجيوشه إلي تبوك عرف كذب الإشاعة، فصالح أهل تلك البلاد وملك الروم. ثم رجع بعدما جعل من أهل الحدود الشامية الحجازية مرابطين له ضد الأعداء، وبعدما زرع الخوف والذعر في قلوب الرومانيين بمباغتة المسلمين لهم.وفي السنة العاشرة بعد الهجرة اعتزم النبيُّ (ص) أن يحج، فاجتمع إليه المسلمون من كل مكان.. فلما اكتمل عددهم سار بهم إلي مكة حيث أراهم كيفية الحج بعدما مُنع المشركون من إجراء مراسم الحج في السنة التاسعة.فلما أتم النبيُّ (ص) مناسكه خطب في المسلمين خطبته المشهورة التي بيَّن بها تعاليمه الدينية والخلقية ورجع قاصداً المدينة.ولعل بعض من رافق النبيَّ (ص) في هذه الرحلة المقدسة لاحظوا بوضوح مظاهر القلق والاضطراب في ملامحه كل حين، كأنِّه يريد إبداء شيء يخاف منه أو يرتقب فرصة أخري أفسح وأولي!!ولكنَّ هذه الحجة كانت الحجة الأخيرة للنبيِّ (ص). ولذلك سمّيت بحجة الوداع. ومن الضروري أن يبيِّن فيها النبيُّ كل شيء يتعلق بمصالح المسلمين وشؤونهم السياسية والدينية. وإنّ أهم هذه الشؤون هي السلطة. فإذا توفي النبيّ (ص) اختلفت العرب الذين لم يتسرّب الإسلام إلي قلوبهم كما هو في واقعه، وتنازعت أمرها وذهب الدين ضحية للإختلاف.ولقد أنبأه الوحي بأنَّ السلطة تكون من بعده لعليِّ بن أبي طالب (ع)، أوّل من آمن بالله وبرسوله (ص)، وأشدَّ من أَبلي في سبيله، وأقضي المسلمين وأفضلهم. ولقد ذكر النبيُّ (ص) ذلك للمسلمين مراراً إِلاّ أن خوف النبيّ (ص) كان شديداً لمستقبل الأمة، حيث رأي في المسلمين بعض الذين يهدفون للسيطرة وقد التفوا حول النبيِّ لها فقط.. فلما كان النبيُّ (ص) بمنزل " كراع الغميم " من أراضي عسفان نزلت عليه الآية المباركة تقول: (فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَي إِلَيْكَ وَضَآئِقُ بِهِ صَدْرُك) (هود/12).ولمّا بلغ غدير خم نزلت عليه هذه الآية:(يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة/67).واطمأن النبي بنصرة الله في خلافة علي (ع) فعزم علي الأمر وأمر المسلمين بأن ينزلوا في ذلك المكان وبأن يجتمعوا. فلما اجتمعوا قام فيهم خطيباً وأعلن خلافة علي (عليه السلام) قائلاً، بعد خطبة كريمة: " من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه واحبَّ من أحبَّه، وأبغضْ من أبغضه، وانصر من نصره، وأعزْ من أعانه وأخذلْ من خذله، وأَدِرِ الحقَّ معه حيث دار ". ثمَّ أمر المسلمين بالبيعة له، والسلام عليه بإمرة المؤمنين.. ولما تمَّ أخذُ البيعة جاءت الآية الأخيرة التي أعلنت إكمال الدين وتمامه:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة/3).وبعد رجوعه إلي المدينة.. سيّر جيشاً كبيراً فيه أبو بكر و عمر وكثير من المهاجرين والأنصار، وأَمَّر عليه أسامة بن زيد وهو فتيً لم يبلغ العشرين - سيّر هذا الجيش إلي الشام حيث قُتل جعفر وزيد أبو أسامة القائدان للجيش الإسلامي..ومع حِرصِ النبيِّ (ص) علي أن يخرج هذا الجيش في أقرب وقت ليبعد العناصر الفاسدة في المسلمين الذين كان يخشي منهم علي مستقبل الأمة ومصيرها، في حين كان يري اقتراب أجله.. ومع ذلك فإن المنافقين أرجأوه، حتي أمر النبي (ص) أسامة بكل إصرار علي متابعة سيره فعسكر بالجرف علي فرسخ من المدينة.بيد أنَّه اشتد خلال ذلك مرض النبي (ص) الذي كان سببه السم الذي سُقيه علي ما يذهب إليه بعض الرواة، وقد دس إليه بيد بعض اليهود. فرجع أفراد الجيش إلي المدينة مع أن النبي (ص) لعن من يتخلف عن الجيش أشد لعنة.وفي الثامن والعشرين من شهر صفر من السنة الحادية عشرة بعد الهجرة، وبعد ثلاث وستين سنة قضاها في الله، ثلاثة وعشرين عاماً منها بصورة خاصة في حمل الرسالة العالمية إلي الآفاق، عشرة منها في مكة، وثلاثة عشر في المدينة، الْتَحق النبي محمّد (ص) بالرفيق الأعلي؛ وكان ذلك في ضحي يوم الاثنين من سنة " 633 " ميلادية.وكانت وفاة النبي (ص) نكبة فادحة في الإسلام لم يسبق لها مثيل.. كما كان فيها انحراف مباشر لخط السير السريع لتقدم الإسلام. وقام الإمام علي بي أبي طالب (ع) بمراسم الغسل والتكفين وصلَّي عليه هو والمسلمون، ثمَّ دفن في بيته حيث مرقده الآن.فعليك يا رسول الله أفضل الصلاة والسلام وعلي آلك الطيبين الطاهرين.

الخلق العظيم

- تعدّد الزوجات:لقد حسب العدو أنه يستطيع أن يتخذ من تعدد زوجات النبيِّ (ص) نقطة ضعف ليفتري منها عليه من يشاء.بيد أن الدراسة الواعية لتاريخ النبيِّ (ص)، توحي بالفلسفة الواقعية لزيجات رسول الإسلام، فإذا هي من صميم أخلاقه الطيبة، ومن مظاهر إنسانيته ونشاطاته الدينية المقدسة..ونحن إذ لانستطيع أن نوجز ما يحتاج إلي سِفْرٍ في صفحة، نأمل أن نُشير إلي موجز من فلسفة زيجات النبي، ومجملها أُبيِّنه في ما يلي:1- إن الرسول (ص) لم يتزوج في شبابه حينما تبلغ غريزة الإنسان الجنسية مشهاها. بل اكتفي بالسيدة خديجة وهي كما يعلم الجميع - كانت امرأة ثَيِّباً.. ولم يتزوج بامرأة بِكْرٍ إلاّ بعائشة، وذلك حيث لم تكن له زوجة، وكان بدء التبليغ الإسلامي وتأسيس شرائعه التي كانت تخالف الرهبانية المسيحية التي تحظر الزواج. وكان النبي يريد أن يكون عاملاً قبل أن يكون قائلاً ليكون أسوة حقة للمسلمين؟2- إن الرسول (ص) تزوج بنساء " أرامل " كانت العادة العربية تنبذها نبذاً، فتذهب إما فاجرة أو فقيرة " معدمة ". تلك الأرامل التي كانت الحروب الإسلامية تكثر منها. كما أنه تزوج بنساء لكي يستميل أهلهن إلي الإسلام.فمن القسم الأول: أم سلمة وسودة بنت زمعة ورملة أم حبيبة وحفصة بنت عمر وميمونة وغيرهن.ومن القسم الثاني: صفية بنت ثابت أحد زعماء اليهود، ولعل النبي تزوج بها لتأليف قلوب اليهود الذين هُدّمت حصونهم، وأُبيد مجدهم. وجويرة التي تزوجها بعد هزيمة أربابها في غزوة بني المصطلق، فأعتق بسببها كل من اسر من بني المصطلق. وأسلموا ببركة هذا الزواج الميمون. أضف إلي ذلك كله أن النبيَّ (ص) لم يبعث الي الرجال فقط بل الي النساء أيضاً فكان يتصل هو مباشرة بالرجال.. وبالنساء فيربيهم ويهذب نفوسهم. فإن لم يكن يتزوج هذا المقدار لم تتح له الفرصة الكافية للاتِّصال بالنساء إلاّ من بعيد. وهو لايكفي في تربية المرأة التي تؤهل لقيادة النساء فكريّاً وتربويّاً.ومع أن الرسول (ص) تزوج بهؤلاء النساء المختلفات الجنسية، فقد استطاع أن يكون المثل الأعلي فيتدبير الشؤون العائلية مع ما كان له من مشاكل إجتماعية بالغة التعقيد.اما في سائر الشؤون فقد استطاع النبيُّ (ص) بفكره وسعة صدره وحسن تدبيره وبما آتاه الله. من تفوُّق كامل علي جميع الناس في جميع العصور، لقد استطاع: ان يكوّن - وهو اليتيم المطارَد - من جحيم الصحراء العربية، جنة البلاد الإسلامية، ومهد الحضارات الإنسانية. ومن أهلها شر أهل الأرض وأسوأهم خُلقاً ومبدءاً وعادات، كوَّن منهم قادة العالم وسادته علي طول الخط.. كما سبق تفصيل بعض أحداثه آنفاً. أفلا يدلّ هذا علي حسن التدبير وسعة التفكير. وجميل السيرة والاكتمال في السمو النفسي والعقلي.أما إذا تكلَّمنا عن رحابة الصدر وسعة النفس في مجال التدبير للشؤون الخاصة والعامة - إلي سائر مظاهر السمو النفسي والخلقي - فإنا يجب أن نعترف بالعجز عن التعبير الكامل لكل جوانب التفوق والتسامي في الأخلاق بالنسبة إلي النبي (ص) الذي جعله الله خاتم النبيين الذين كانوا قادة النّاس وسادتهم في كِلاَ الحقلَين المادي والروحي.ولقد احتج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بعجز الإنسان عن التعبير الكامل عن أخلاق النبيّ (ص)، احتج لذلك احتجاجاً لطيفاً بأن الله يقول في كتابه: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَآ) (اِبراهيم/34)، في حين يقول في آية أخري: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) (التوبة/38) فالحياة الدنيا مع أنها قليلة عند الله، فإنها لايمكن الإحاطة بها. واحصاء ما فيها.. فكيف بأخلاق النبي الذي يقول فيه الله تعالي: (وَإِنَّكَ لَعَلَي خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القَلَم/4) حيث عبّر عنه بالعظيم.. فإذا لم يكن إحصاء القليل ممكناً فكيف يمكن إحصاء العظيم.ومع كل ذلك فاني أسرد لك شيئا من مظاهر الْخُلق العظيم، تاركاً الشيء الكثير منه.كان النبي - أشجع، وأحلم، وأعدل، وأعف، وأسخي الناس جميعاً، وكان لايبيت عنده دينار ولا درهم.وكان أزهد الناس، وأبسطهم في العيش، حيث كان يخصف النعل ويرقع الثوب، ويخدم في البيت مع سائر أهل بيته.وكان أشد الناس حياءً، فلا يثبت بصره في وجه أحد أبداً.وكان أسمح الناس وأسهلهم. وكان يجيب دعوة الحر والعبد، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، ويكافئ عليها أحسن مكافأة. وكان لايستكبر عن اجابة أَمَةٍ أو مسكين.وكان يغضب لله ولا يبغض لنفسه؛ ويُجري حكم الله وإن تضرَّر هو أو أحد من أصحابه به. فقد أشارعليه أصحابه ذات مرة بأن ينتصر علي أعدائه المشركين بسائر المشركين، فأبي قائلا: انّا لا نستنصر بمشرك مع أنه كان أحوج ما يكون إلي ذلك.وكان يربط الحجر علي بطنه من الجوع. فإذا حضر الأكل. أكل ما وجد ولم يردّ شيئاً.. وكان متواضعاً في أكله، فلا يأكل متوكئا، ولا علي خو ان. ويؤاكل المساكين ويجالس الفقراء، ويكرم أهل الفضل، ولا يجفو أحداً.أما في شؤونه الإجتماعية، فكان يعود المريض كائناً من كان وكيف كان، ويشيّع الجنائز، ويمشي وحده ولا يتخذ حاشية أبداً. ويركب ما حضر إن فرساً، أو بغلة، أو حماراً، إن حافياً أو ناعلاً، مع الرداء حيناً، وحيناً بلا رداء وبلا عمامة ولا قلنسوة. ولكنه كان يسير بمظهر القوة لا الضعف. فإذا مشي اقتلع رجليه عن الأرض اقتلاعاً حتي كأنه ينحدر من عل.وكان يحب الطِّيب حبّاً جمّاً.. وكان له عبيد وإماء، ولكن لم يكن يترفع عليهم أبداً. وكان لا يمضي عليه وقت ليس في طاعة الله.وكان يبدأ مَن لقيه بالسلام، ومن قام معه في حاجة سايَرَه حتي يكون هو المنصرف. وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة، ثم أخذ يده وشابكه ثم قبض عليها.وكان لايجلس إليه أحد وهو يصلِّي إلاّ خفَّف صلاته والتفت إليه قائلا: ألك حاجة؟. فإذا تمت حاجته قام إلي صلاته.وكان أكثر جلوسه جلسة التواضع وهي أن يرفع ساقيه ويمسكها بيديه، ويجلس حيث ينتهي به المجلس. وما رؤي قط مادّاً رجليه بين أصحابه وكان أكثر ما يجلس يستقبل القبلة. وكان يكرم من يدخل عليه؛ حتي ربما بسط ثوبه لمن ليس بينه وبين الرسول قرابة. وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تكون تحته فإن أبي عزم عليه حتي يقبل.وما استصغاه أحد إلاّ ظن أنه أكرم الناس عليه، حتي أنه كان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه ونظره.ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم وتعظيماً. فإذا لم يكن لأحد كنية كنّاه من جديد حتي يكنَّي بها.والمرأة إن كان لها ولد كناها به وإن لم يكن لها ابتدأ بكنية لها جديدة. حتي الصبيان فإنه كان يكنيهم. وكان أبعد الناس غضباً علي أحد، وأسرعهم رضيً، وأرقهم لهم قلباً، وخيرهم لهم نفعاً.وكان إذا جلس مجلساً قال: " سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك ".وكان إذا جلس بين أصحابه لايُعرف أيهم محمد (ص) لاختلاطه بهم. فلما كثر الوافدون الذين كانوا يسألون عنه أمام عينيه قائلين: أيكم محمد!. صنع له دكة من طين.. وكان يقول: إنما أنا عبد!.أما صلته بربه فلقد كان نبيَّ الإسلام، أخشي الناس لربه، وأتقاهم له، وأعلمهم به، وأقواهم في طاعته، وأصبرهم علي عبادته، وأكثرهم حبّاً له، وأزهدهم فيما سواه. فكان يصلِّي حتي انشقت بطن قدَميه من كثرة الصلاة. فإذا وقف إلي الصلاة انهمرت دموعه. وارتجت البقعة بنشيجه وضراعته.. وكان يصوم حتي يقال: إنه لايفطر. ويفطر حتي يقال إنه لايصوم. وكان نظيف الجسم طاهر الثياب، يرجّل جمته، ويسرّح لحيتَه، ويستاك، ويعطِّر جسده، حتي كان يشم منه الرائحة الطيبة من بُعد، ويعرف الشخص الذي يصاحبه أو يجالسه أنه قد التقي به بما يسري منه إليه من العطر. ويطعم الجائع ويكسو العاري، ويُركب الراجل، ويُعين ذا الحاجة فيها، ويقضي دين الْمَدين.وكان أشجع الناس، حتي قال الإمام علي (عليه السلام) لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ بالنبيّ (ص) وهو أقربنا إلي العدو. وكان من أشدّ الناس يومئذ بأساً. وقال - أيضاً - كنا إذا حمي الوطيس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله (ص)، فما يكون أحد أقرب إلي العدوِّ منه. وكان أجود الناس كفّاً، وأصدقهم لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأوسطهم نسباً. من رآه هابه، ومن خالطه أحبه. ما سئل شيئاً إلاّ أعطاه. وإن رجلاً أتاه سائلاً فأعطاه غنماً سدّت بين جبلين، فرجع إلي قومه فقال: أسلموا فإن محمداً (صلي الله عليه وآله) يعطي عطاء من لا يخشي الفاقة.وكان يُنكر كلَّ منكر، ويأمر بالمعروف.وكان أخيراً قدوة لكل خير. وأسوة في كل فضل ورائداً إلي كل ما ينفع الإنسان في العالمين.فعليه وعلي آله أفضل الصلاة والسلام.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.