الرسول الاعظم مع خلفائه

اشارة

سرشناسه : قرشي مهدي عنوان و نام پديدآور : الرسول الاعظم مع خلفائه مهدي القرشي قدمه له باقر شريف القريشي مشخصات نشر : بيروت دار الرضا
مشخصات ظاهري : ص ۲۷۱
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي يادداشت : عربي يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس شماره كتابشناسي ملي : ۵۲۱۳۶

الاهداء

«قُل هذه سَبيلي أدْعو إلي الله علي بَصيرةٍ أنا وَمَن اتّبعني، وسبُحانَ الله وما أنا من المشركين» بهذا الوعي الاسلامي الأصيل، وبوحي من الغدير، كتبت هذا المجهود، وأنا أدفعه بكلتا يدي إلي وصي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ومولي المسلمين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، راجياً من الله أن تكون لي ذريعة «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم» ولقلة بضاعتي، وضعف حيلتي أقول كما قال إخوة يوسف لأخيهم: و «قالوا يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، وجئنا ببضاعة مُّزجَاةٍ، فأوف لنا الكيل، وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين».المؤلف [ صفحه 9]

تقديم: باقر شريف القرشي

وموضوع الخلافة في الإسلام من أهم القضايا التي منيت بالتعقيد والغموض فقد امتحن المسلمون بها امتحاناً عسيراً، وأُرهقوا إرهاقاً شديداً، فهي مصدر الفتنة الكبري التي أدت إلي نشوب النزاع، واحتدام الجدال، واختلاف النزعات بين المسلمين.إن المآسي الفظيعة، والمحن الشاقة التي جابهها المسلمون في الفترات المختلفة من الأمويين والعباسيين كانت من دون شك من النتائج المباشرة للخلافة التي انحرفت عما أراده الله ورسوله من جعلها في العترة الطاهرة التي هي أقرب الناس برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، واشبههم به في ورعه وعلمه، والتزامه بحرفية الإسلام.ولو قُدر للخلافة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن تأخذ طريقها المستنير الذي عينه رسول الله، لما حلت تلك الأحداث المؤسفة في الإسلام، ولما حدث التناحر المرير بين المسلمين الذي لا يعلم بانقضائه إلا الله.لقد كانت شهوة الحكم وحب الرياسة قد استولت علي طباع القوم فأجمع رأيهم علي صرف الخلافة عن أهلها، فعُقِدت السقيفة وأُبرم فيها العهد فخرج القوم ضافرين بالحكم، والنبي مسجي في فراش الموت لم يغيبه عن عيون القوم مثواه. [ صفحه 10] وانطلقت العترة بعد مواراة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومعها خيار الصحابة وأعلام الدين وهم يشجبون استئثارهم بالأمر، ويذكّرونهم الدار الآخرة، ويحذّرونهم مغبة الأمر، وما تنتجه هذه المباغتات والفلتات من المضاعفات السيئة التي تتغير بها مجري الحياة الكريمة في الإسلام، فكان الرد عليهم «لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد.»وهو منطق رخيص لا يساعده الدليل في جميع أحواله.لماذا لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت الوحي ومعدن العلم، ومهبط الملائكة؟!.ألقصور في العترة الطاهرة عن تحمل المسؤولية وقيادة الأمة، وهي من دون شك لو تولت زمام الحكم بعد النبي صلي الله عليه وآله لوفرت للمسلمين جميع ما يحتاجون إليه، ولحققت علي مسرح الحياة العدل الإجتماعي، والعدل السياسي، وأوجدت الفرص المتكافئة لجميع المواطنين.إنه ليس هناك من عامل سوي الحسد والأنانية التي أُترعت بها نفوس القوم، فأقصوا العترة الطاهرة عن الخلافة، وقد فسحوا بذلك المجال للأسر المعادية للأسلام والباغية عليه أن تغزوا المنصب الديني الإعلي، وأن تنزوا علي منابر المسلمين وتتحكم في رقابهم وفي مصيرهم.لقد أنتجت عملية فصل الخلافة عن أهل البيت أن يؤل أمر المسلمين إلي معاوية بن أبي سفيان وإلي يزيد وإلي مروان والوليد، وأن يكون الولاة علي الأقاليم والأنصار الإسلامية أمثال سمرة بن جندب، وبُسر بن أرطاة، وزياد ابن أبيه، وعبيد الله بن زياد، والحجّاج بن يوسف، وأمثالهم من البغاة والجلادين الذين تنكروا للاسلام، وسحقوا جميع مقدساته ونواميسه، وقد أثبتوا في نشاطهم السياسي والإداري أنهم يحاولون تصفية الحساب مع المسلمين واستعبادهم، وإخضاعهم للذل والعبودية، وإشاعة المنكر والفسوق والإثم في بلادهم، بالإضافة إلي ما صّبوه علي العترة الطاهرة من القتل، والصلب والتشريد، وسبي ودائع النبوة وكرائم الوحي، فلم ترع فيهم حرمة النبي صلي الله عليه وآله ولا ذمام الإسلام الذي الزم بودهم واحترامهم. [ صفحه 11] كل هذه الفجائع والمآسي كانت ناجمة من دون شك عن فصل الخلافة عن أهل البيت عليهم السلام.وكان المنطق الرخيص سائداً في تلك العصور، ولا يزال سائداً حتي يوم الناس هذا من أنه يجب علينا أن نحمل أفعال القوم علي الصحة وأن نقدس جميع خطواتهم الإيجابية، ونقول إنهم قد صانوا الاسلام فيما فعلوه وحفظوا له مثاليته، وقد احتاطوا في جميع ما فعلوه، وقد ابتغوا الدار الآخرة، وليس لنا إلا الرضا والسكوت، وتأويل أفعالهم وحملها علي خلاف ظاهرها وواقعها، وليس للعقل في ذلك حكم، ولا للمنطق مجال، ولا للرأي حكومة، ومن الطبيعي أن هذا الإلتواء لا يقُرِّه الإسلام بحال من الأحوال.فقد أعلن والحمد لله حرية النقد لكل عمل جاء في الواقع وشذ عن سنن الاسلام، ونعي علي العقل الجمود، ودعاه إلي الانطلاق، وإلي التفكير في كل شيء، ومن الطبيعي أن عزل العقل عن النظر والتأمل في الأحداث الجسام التي وقعت في الصدر الأول من الاسلام إنما هو تجميد لقوي الفكر، وسد لأبواب النظر والعرفان التي هي من الخصائص الذاتية لهذا الانسان.ونحن في حاجة إلي البحوث الحرة التي تكشف لنا الحقائق، وتدلنا علي واقع الأمور، فقد خلط التاريخ الاسلامي بكثير من الموضوعات والمفتريات أوجبت خفاء الحق، وتظليل الرأي العام في كثير من جوانب حياته العقائدية.وكان عامل الدس والافتراء إنما هو تأييد السلطة الحاكمة وتدعيم حكمها، وعزل أهل البيت عن القيادة العامة للأمة، ومن أظهر ألوان ذلك الدس للأخبار التي تُعمِّد وضعها في مناقب بعض الصحابة، وجعلهم في مستوي النبوة، وفوق مستوي المسلمين، وإنهم لا يؤاخذون علي ما يقولون، ولا يحاسبون علي ما يفعلون وإن كان علي خلاف الحق.لقد تعمد معاوية إلي ذلك فعهد إلي لجان الوضع التي أغراها بأمواله وسلطانه [ صفحه 12] أن تروي في بعض الصحابة كل ألوان التقديس والثناء [1] ليجعلهم قبال العترة الطاهرة، وقد دونت مع الأسف تلك الموضوعات في كتب الأخبار، ورواها الثقات وهم من دون شك لا يعلمون بوضعها، ولو علموا ذلك لتحرّجوا من روايتها فضلاً عن تدوينها، ومن هنا نشأت المحنة الكبري في حمل مطلق الصحابة علي الصحة، وعدم النظر في أعمالهم، وسد باب النقد والمؤاخذة علي ما صدر من بعضهم من شذوذ أو التواء.وإذا عرضنا قصة الصحابة علي المنطق، وتجردنا من العواطف، ولم نخضع للمؤثرات التقليدية، نري أن الصحابة فيهم الصلحاء والأخيار ممن ساهموا في بناء الاسلام وأقاموا دعائمه، ووهبوا أرواحهم وأموالهم لله، وقد أثني عليهم تعالي في غير آية من كتابه فقال فيهم: «الذين آمنوا بالله ولم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون» وقال تعالي: «رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابداً ذلك الفوز العظيم.» [2] وهؤلاء هم الذين آمنوا بالله، ونصروا الاسلام في ايام محنته وغربته وكافحوا [ صفحه 13] جبابرة العرب وطغاة قريش، فلاقوا في سبيل الدين اشد الوان المحن والتنكيل، فلهم علي كل مسلم حق وفضل، ويجب أن نكنّ لهم في اعماق نفوسنا الإكبار والتقدير والود والتكريم لما اسدوه علي الاسلام من اياد، وألطاف.ومن الصحابة من مردوا علي النفاق، وابتغوا الفتنة، واظهروا الغدر وانهمروا الكيد، فلم ينفث الاسلام الي قلوبهم، وإنما كانوا يبدونه بألسنتهم حفظاً علي دمائهم واموالهم، وقد وصفهم تعالي بقوله: «ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا انفسهم وما يشعرون». [3] وقد مهروا في النفاق والخديعة والمكر فكانوا إذا التقوا بالمؤمنين اظهروا لهم الإيمان والإنقياد لله، وإذا خلوا بزملائهم من المنافقين قالوا لهم: إنا معكم، وقد حكي ذلك تعالي بقوله: «وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلو إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن» [4] .وقد أنزل تعالي فيهم سورة من كتابه وهي سورة المنافقين تشهيراً بهم، وفضحاً لنواياهم، واستهانة بهم، واعد لهم في الدار الآخرة العذاب الأليم.لقد تحدث النبي صلي الله عليه وآله في غير موقف من مواقفه عن هؤلاء الذين كادوا للاسلام وبغوا عليه، فأخبر أن الله سيعاقبهم ويؤاخذهم علي ما سيحدثونه من بعده فقد اخرج الترمذي عن النبي صلي الله عليه وآله انه قال: «ويؤخذ بأصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول ياربي اصحابي، فيقال إنك لاتدري ما احدثوا بعدك فإنهم لن يزالوا مرتدين علي اعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: كما قال العبد الصالح إن تعذبهم فإنهم عبادك.» [5] .وقال صلي الله عليه وآله: «انا فرطكم علي الحوض، ولأنازعن اقواماً ثم لأغلبن عليهم، فأقول يا رب اصحابي، فيقول لا تدري ما احدثوا بعدك.» [6] [ صفحه 14] واخرج البيهقي بسنده عن ابي عبد الله الأشعري عن ابي الدرداء قال: قلت يا رسول الله بلغني انك تقول: ليرتدن اقوام بعد ايمانهم، قال صلي الله عليه وآله اجل ولست منهم [7] .إلي غير ذلك من الأخبار التي اعلنت بوجود المنافقين والمرتابين في دينهم والمرتدين علي أعقابهم بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وليس لنا بعد ذلك أن نحكم حكماً مطلقاً بأن كل صحابي عادل، وأن الصحبة توجب العصمة، وتنفي الزيغ من النفوس. فإن هذا المنطق لا يساعد عليه الدليل ولا البرهان، وهو في نفس الوقت بعيد عن روح الاسلام، وبعيد عن هديه، فإنه جعل المقياس في تفاوت الناس، وفي اختلاف قيمهم إنما هي الأعمال ولا أثر لغيرها، وقد أناط تعالي بها ثوابه وعقابه قال تعالي: «وأن ليس للانسان إلا ما سعي وأن سعيه سوف يري» وقال تعالي: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره».أن الإسلام الذي بني علي العدل الخالص والحق المحض لا يري هناك قيمة ترتفع بها مكانة الشخص سوي العمل الصالح الذي يقرب الانسان من ربه، ويبعده عن بواعث الهوي والغرور.وتناول هذا الكتاب ببحوثه الحرة الأحداث التي جرت في العصر الأول وهي من دون شك قد أدت إلي انقسام المسلمين، وتصدع شملهم، وظهور النزعات المختلفة في صفوفهم، عرضها المصنف بأسلوب رائع رصين، فصوّر قيام المحشر، وسؤال النبي صلي الله عليه وآله لخلفائه عما وقع منهم من الأحداث المؤسفة، وما أفتوا به في بعض القضايا مما كان من الإجتهاد قبال النص، وهو أمر لا تقره الشريعة بحال، فإن الاجتهاد لا يشرع في مثل ذلك، فإن نصوص الكتاب والسنة يجب التعبد [ صفحه 15] بهما، وليس للفقيه الافتاء في أي نازلة إلا أن يكون له مأخذ من الأدلة الشرعية، فإن الاجتهاد فيما يري الدهلوي عبارة عن «استفراغ الجهد في إدراك الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلي أربعة أقسام: الكتاب والسنة والاجماع والقياس» [8] .ولم تستند تلك الأحكام التي صدرت من الخلفاء إلي هذه الأدلة التي يقتبس منها الحكم الشرعي بإجماع العلماء، ومن الطبيعي أنه لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.ذكر المؤلف حفظه الله بعض فتاوي الخلفاء، ومطالبة النبي صلي الله عليه وآله، لهم في يوم الحشر بمداركها وأدلتها، وإبداء أسفه وأساه علي ما صدر منهم.إن الأحداث المؤسفة التي صدرت من الخلفاء، واجتهادهم في بعض القضايا، وتأولهم لنصوص الكتاب فيها، لا تزال موضع البحث والنزاع، فقد عرضها المتكلمون من الشيعة منذ أقدم العصور، وأجاب عنها المعتزلة من أهل السنة، وقد أفردت لها كثير من الكتب، وكان من أروعها وأوثقها عند الشيعة في هذه العصور المتأخرة (النص والاجتهاد) لسماحة الامام المغفور له شرف الدين، فقد عرض فيه إلي كثير من الأحداث والفتاوي التي صدرت من كبار الصحابة، وهي بظاهرها لا تتفق مع النص، ولا تساير واحداً من الأدلة الاجتهادية.وقد تأثر المؤلف بمراجعته (للنص والاجتهاد) كما يقول في تقديم كتابه فألف هذا الكتاب القيم، ولم يكن له يعلم الله أي مقصد أو هدف من وراء ذلك إلا خدمة الحق، والانتصار لعقيدته ومبدئه، فقد هام حفظه الله بحب أهل البيت، وانطبع حبهم في قلبه، ومشاعره، حتي صار ذلك عنصراً من عناصر ذاته، ومقوماً من مقومات مزاجه، وهو يعتقد اعتقاداً جازماً لا يخامره أدني شك ان ما لحق العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم من أذي وضيم، واضطهاد، ومحن وخطوب، كل ذلك مسبب عن الصدر الأول، فهم الذي فسحوا المجال من حيث يدرون ولا يدرون إلي القوي المعادية [ صفحه 16] للاسلام أن تحتل منصب الخلافة الاسلامية، وتمعن في إرهاق أبناء النبي صلي الله عليه وآله وإنزال الكوارث والخطوب بهم.وعلي أي حال فإن البوادر التي أثبتها المصنف ودان بها الخلفاء قد أجمع الثقات من الرواة علي تدوينها، وقد ذكر مصادرها في هامش الكتاب، ولم تكن موضع النزاع والجدل بين العلماء من ناحية صدورها إلا التماس العذر وحمل الصحابة علي الصحة، وهو منطق كما ذكرنا لا يساعد عليه الدليل، ولا تقره قواعد العلم.ونحن لا يخامرنا شك في أن هذه البحوث سوف تتبلور في عصور النهضة الفكرية، وستعالجها بصورة موضوعية أقلام الأحرار والمفكرين ويبرز الحق واضحاً جلياً لا غبار عليه.وقد أولي من سماحة المؤلف شرف تقديم كتابه، فعكفت علي مراجعته، والامعان في بحوثه، وإني اُهنيه علي هذا المجهود القيم، سائلاً من الله تعالي ان يمنَّ علي الأمة بأمثاله من العلماء المحققين انه تعالي ولي القصد والتوفيق.النجف الأشرف:باقر شريف القرشي [ صفحه 17]

المقدمة

واقتضي عدل الله الفياض بالرحمة، وحكمته البالغة، وألطافه اللامتناهية.. أن يبعث للناس كافة حاضرهم وباديهم، أبيضهم وأسودهم، عربيهم وأعجميهم أنبياء، ويرسل لهم رسلاً مبشرين ومنذرين، ليكونوا رحمة للعالمين «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلي الله باذنه وسراجاً منيراً» [9] .واختيار الأنبياء حق من حقوقه تعالي، وتعيينهم لطف من ألطافه، لا ينازعه فيه منازع من خلقه، وقد أعلن ذلك كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في غير آي من آياته قال تعالي: «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل» [10] ، وقال تعالي: «وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخِيَرة سبحان الله و تعالي عما يشركون» [11] ، وقال تعالي: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً» [12] .وقد جعل تعالي آدم خليفة في أرضه قال تعالي: «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء [ صفحه 18] ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون» [13] ، وانتخب تعالي طالوت ملكاً علي بني إسرائيل قال تعالي: «وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم» [14] .واختار تعالي خليله ابراهيم إماماً للناس «قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» [15] .واختار الله سبحانه محمداً صلي الله عليه وآله سيداً لرسله وخاتماً لأنبيائه قال تعالي: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين» [16] .والإمامة كالنبوة لا تنالها يد الجعل، وإنما أمرها بيد الله تعالي فهو الذي يختار لها من يشاء من عباده، وقد اختار تعالي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وصياً لرسوله، وخليفة من بعده، وجعله إماماً علي جميع المسلمين، وقرن طاعته بطاعته وطاعة رسوله، وقد نطق بذلك التنزيل قال تعالي: «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» [17] ، فقد اتفق المفسرون والمحدثون من العامة والخاصة أنها نزلت في أمير المؤمنين لما تصدق بخاتمه في أثناء صلاته علي المسلمين [18] ، وهي تدل علي المطلوب بصراحة ووضوح [ صفحه 19] فإن كلمة إنما للحصر باتفاق أهل اللغة، والولي بمعني الأولي بالتصرف وهو مرادف للامام والخليفة عند أهل اللغة والشرع.وجعله تعالي في آية المباهلة نفس النبي قال تعالي: «فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الظالمين» [19] .واتفق جمهور المفسرين، ونقلة الحديث أنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام [20] ، وأن أبناءنا أشارة إلي «الحسنين» ونساءنا إشارة إلي فاطمة عليها السلام، وأنفسنا إلي علي عليه السلام فهو يساوي النبي صلي الله عليه وآله في الولاية العامة علي المسلمين ويفترق عنه في النبوة.وأمر الله تعالي نبيه أن يأخذ لأمير المؤمنين البيعة يوم غدير خم، وينصبه علماً من بعده، قال تعالي: «يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين» [21] .ولما تمت البيعة، وأحكم النبي صلي الله عليه وآله عقدها نزل قوله تعالي «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» [22] .وأذهب الله عنه الرجس، وطّهره من الفتن والزيغ، وعصمه من الفتن والآثام، قال تعالي: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطّهركم تطهيراً» [23] . [ صفحه 20] وقد أجمع المفسرون ورواة الأخبار أنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام وفي طليعتهم أمير المؤمنين عليه السلام والآية صريحة في عصمته عن المعاصي والأرجاس فقد دلت علي ذلك كلمة إنما وهي من أقوي أدوات الحصر، بالإضافة إلي دخول اللام في الكلام الخبري، وتكرار لفظ الطهارة، وذلك يدل بحسب الصناعة علي الحصر والإختصاص، كما نسب تعالي إرادة ذلك إليه، ويستحيل في إرادته تعالي أن يتخلف المراد عن الارادة «إنما أمرهُ إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون» [24] .إلي غير ذلك من الآيات التي أشادت بفضل أمير المؤمنين عليه السلام وهي صريحة في إمامته وعصمته.لقد قرأنا فضل أبي الحسين «في صحف مكرمة مرفوعة مطهّرة بأيدي سفرة كرام بررة» [25] ، وعلمنا أن الله قد اختاره لمنصب الإمامة والخلافة، وليس بعد اختيار الله حق لاختيار أحد.وقرن النبي صلي الله عليه وآله الدعوة إلي الامامة بالدعوة إلي النبوة، وابتدأ ذلك بحادثة أنذاره لعشيرته الاقربين، فاتخذ أمير المؤمنين عليه السلام أخاً ووصياً له، وخليفة من بعده، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا [26] .واستمر صلي الله عليه وآله يواصل الدعوة إلي امامة امير المؤمنين، ويذلل له الصعاب، ويمهد في سبيل ذلك جميع الوسائل والطرق، ولما حج صلي الله عليه وآله حجّة الوداع [ صفحه 21] قام في عرفات خطيباً، وكان عدد الحجاج مائة ألف أو يزيدون فقال صلي الله عليه وآله: «ايها الناس، يوشك أن أُدعي فأُجيب؛ وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به فلن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».واعتلي صلي الله عليه وآله راحلته متخذاً ظهرها منبراً، وهم محدّقون به يشخصون إليه بأبصارهم واسماعهم وافئدتهم، فقال صلي الله عليه وآله:«علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني الا أنا أو علي» [27] ولما قفل من حجّة الوداع بمن معه من الحجاج، كان يوجس في نفسه الرحيل الي الله قبل أن يرحمه ويقي أمته من الفتن والأهواء.ولما بلغ غدير خم أوحي إليه الله تعالي «يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين».واضطرب النبي صلي الله عليه وآله من هذا الانذار ونزل عن راحلته واستنزل من معه عن رواحلهم، واسترجع المتقدمين منهم وانتظر المتأخرين، حتي اجتمع الناس في صعيد واحد، وكان الزمن شديد الحر. فوضعوا ثيابهم تحت ارجلهم من حرارة الرمضاء فصلي صلي الله عليه وآله فيهم... وصنع له منبر من حدائج الأبل بين دوحتين.فرقي صلي الله عليه وآله ذروة المنبر، ووقف أمير المؤمنين عليه السلام دونه بمرقاة، وارتجل صلي الله عليه وآله خطيباً فحمد الله واثني عليه.ثم قال: «أيها الناس يوشك أن أُدعي فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا انتم قائلون؟».فانبروا جميعاً قائلين بلسان واحد.«أنك قد بلغت، وجاهدت، ونصحت فجزاك الله خيراً»فقال صلي الله عليه وآله:«ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، واني محمد عبده ورسوله، وان جنته [ صفحه 22] حق، وان الموت حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور.»قالوا: «بلي نشهد بذلك».قال صلي الله عليه وآله: «اللهم اشهد».وأخذ بيد أمير المؤمنين حتي بان للناس بياض ابطيهما وأعلن للملأ أنه وصيه وخليفته قائلاً:«يا أيها الناس، إن الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».ووجه خطابه الي المسلمين قائلاً:«يا أيها الناس أنا فرطكم [28] وانكم واردون علي الحوض حوض اعرض مما بين بُصري [29] إلي صنعاء [30] فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ الحوض، عن الثقلين. كيف تخلفوني فيهما؟ الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتي يردا عليَّ الحوض» [31] .ولما سمع أبو بكر وعمر ذلك قاما إلي أمير المؤمنين فقلا له: [ صفحه 23] «أمسيت يا بن أبي طالب مولانا ومولي كل مؤمن ومؤمنة» [32] .وقام حسان بن ثابت فاستأذن من النبي ليلقي قصيدته العصماء التي سجل فيها الحادث باحرف من نور، فأذن صلي الله عليه وآله في ذلك فأنبري يتلو رائعته قائلا:يناديهم يوم الغدير نبيهم بخمٍ وأسمِع بالرسول مناديافقال فمن مولاكم ونبيكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعادياإن بيعة الغدير صريحة واضحة في إمامة أمير المؤمنين وقد احتج بها اعلام الاسلام علي أحقيّة الإمام بالخلافة.وإني واثق وثوقاً لا يتخلله ريب، ولا يشوبه شك أن موفقيّة الكاتب في الفصول العقائدية، أو المواضيع الدينية، وقوة تأثيره بتوجيه المجتمع الوجهة الصالحة، وتدليله علي الحق، وارشاده إلي الوسائل السليمة، كل ذلك إنما يتحقق فيما إذا كتب إلي الحق، وتجرد من الميول والأهواء، ولم يخضع للعواطف وسائر النزعات.وقد شعرت بذلك كله في قراءتي «للمراجعات» و «النص والإجتهاد» و «الفصول المهمة» لآية الله العظمي الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين تغمده الله برحمته، فقد كان في كتبه هذه المحقق العدل للنصوص الصريحة في الكتاب والسنة التي تدل علي إمامة أمير المؤمنين وإمامة الأئمة الهداة المتقين أبنائه عليهم السلام، وقد كشف شرف الدين الغطاء في بحوثه الرائعة عن زيف المتأولين بعقولهم، والمجتهدين بآرائهم قبال النص الصريح، ولم يبق أدني مجال للشك في خطأهم وبعدهم عن الحق. [ صفحه 24] وتأثرت كذلك كثيراً في مطالعاتي لكتاب «الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام» لرائد الحق وناصر الإسلام العلامة الكبير السيد عبد الفتاح عبد المقصود حفظه الله.لقد تولعت كثيراً بمراجعتي كتب هذين العلمين، واجتذبتني سَورَةُ الحق الطافح عليها، فمضغت معانيها، ومقاصدها حتي سرت بمشاعري، وعواطفي، وأحاسيسي، وأتحدث بكياني، وانعكست أضواؤها علي بصيرتي «أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده».ودفعتني هذه العوامل النفسية، والتجاذب الروحي، وتأثري البالغ بحادثة الغدير، إلي رسم هذه البحوث، وقد صورت فيها قيام الساعة، وتقدم النبي صلي الله عليه وآله بعرض ظلامة وصيه وباب مدينة علمه، وما جري عليه من الخطوب والآلام.وقد صورت الأحداث التي جرت في العصر الإسلامي الأول بدقة وعمق، معتمداً في نقلها علي أوثق المصادر القديمة، ناقلاً كل بادرة من مجموعة من المصادر، وهي لو تأملها القارئ مجرداً عن عواطفه التقليدية لآمن إيماناً لا يخامره شك في هدف ما قلته، وما صوّرته من إثبات الخلافة والإمامة للامام علي عليه السلام من بعد النبي صلي الله عليه وآله مباشرة.وإني أسأل من الله تعالي أن يثيبنا علي ذلك، إنه تعالي ولي ذلك، وولي القصد والتوفيق.نزيل قلعة سكرمهدي القرشي [ صفحه 26]

الرسول مع أبي بكر

اشاره

وحُشِر الناس جميعاً «ليوم تشخص فيه الأبصار مُهِطِعين مقِنِعي رؤوسهم لا يرتدُّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء» [33] «يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا» [34] «وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما» [35] .فلا يوم كمثل ذلك اليوم في هوله وشدته «يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتري الناس سكاري وما هم بسكاري ولكن عذاب الله شديد» [36] ونصبت الموازين بالحق «ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين» [37] (5).وعُقِدت محكمة العدل الكبري، الذي لا يظلم فيها أحد و «إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما» [38] (6).وبينما الناس في غمرة وذهول، قد شغلتهم المحنة الكبري، وطافت بهم الهواجس المريرة وإذا بهالة من النور أضاءت المحشر فتطلعت إليها الأبصار، وتسأل عن ذلك فإخبروا بأن خاتم النبيين وسيد المرسلين قد أقبل.وأطل النبي صلي الله عليه وآله علي المحشر، وقد حفّت به الأنبياء والأوصياء والملائكة [ صفحه 27] فانطلقت الحناجر بالتهليل والتكبير، وغمرت الناس موجات وموجات من المسرات، فنصب له منبر من نور وأحاطه الله بألطافه وتكريمه ليظهر عظيم منزلته وسمو مكانته أمام عباده، واعتلي صلي الله عليه وآله ذروة المنبر، وهو آخذ بيد وصيه وخليله أمير المؤمنين عليه السلام.وتبدأ المحكمة ويُشرع في الحساب «ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني» [39] ويبتدأ النبي صلي الله عليه وآله بعرض ظلامة وصيه وباب مدينة علمه أمير المؤمنين، وما جري عليه من الضيم، ويعدد ما حل به من الرزايا والنكبات.ويسود صمت رهيب وحزن مرهق علي أهل المحشر فيندفع رعيل من الناس، قائلين:يا رسول الله، سل خلفاءك فهم الذين أستأثروا بالخلافة من بعدك، ودفعوه عن مقامه الذي جعلته فيه.ويلتفت إليهم النبي صلي الله عليه وآله وهم محدقون به قائلاً لهم:ماهو المبرر لكم في تقمص الخلافة، والإستبداد بالأمر، ألم تبايعوا علياً يوم (غدير خم)؟.ألم تسمعوا مني النصوص المضافرة في حق علي؟ ما كان ظني بكم أنكم تستبدون بالخلافة، وتحرمون امتي من التمتع بعدل علي، ومساواته.

دفاع القوم

دفاعهم:وبعد ما فرغ النبي صلي الله عليه وآله من توبيخه للقوم، وإقامته الأدلة الوافرة علي حق علي، وأنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم انبري القوم بإجماعهم إلي الدفاع عن نفوسهم قائلين:«يا رسول الله: لقد اجتهدنا بآرائنا، وتأولنا بعقولنا..» ففسرنا قولك في علي: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» أنك تريد: من كنت صديقه أو ناصره [ صفحه 28] أو حبيبه فهذا علي كذلك [40] .تأولنا قول الله تعالي: «اليوم أكملت لكم دينكم» بإكمال الأحكام من أصول الدين وفروعه.وتأولنا ظاهر السنة.. وإنه ليري الحاضر ما لا يراه الغائب.

استنكار النبي

ويقطع النبي صلي الله عليه وآله كلامهم، وقد تميز فرقاً من الغيظ، وساءه ما اعترفوا به من تأولهم لكتاب الله، فرد عليهم قائلاً بنبرات ملاؤها الأسي والشجون: ويلكم أنا سيد الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء!!أنا لا أنطق هواء، ولا أقول شططا.أنا الذي علمني ربي الحكمة وفصل الخطاب، وأقرأ من صريح القرآن، وأطلعني علي تأويله.أنا الذي زكّاني ربي بقوله: «وما ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحي يوحي علّمه شديد القوي» [41] .أنا المعصوم من الزلل والمنزه عن الخطل.أيجوز عليَّ أن أقف ذلك الموقف المشهود في «يوم غدير خم» فأوقف تلك الحشود الزاخرة من المسير، واحبسهم بالهجير من دون أن أقصد أمراً خطيراً وهو تعيين لأمير المؤمنين خليفة من بعدي؟؟لأي شيء أحتّم علي جميع الحجيج أن ينزلوا بذلك المكان الذي لا ماء فيه، ولا كلاء، وقد ألزمتهم جميعاً أن يبلغ الحاضر منهم الغائب بما قلته.علي مَ هذا الأهتمام، وهذا البيان أفيجوز أني أريد أن علياً ناصري أو صديقي أو حبيبي؟؟ [ صفحه 29] أو لأبين لهم أن أحكام الله كاملة.. وهي مسطورة في كتاب الله يتلونه آناء الليل وأطراف النهار؟؟إنه لا يليق بي أن اريد ذلك، ولا ينبغي أن أصنع غير الحكمة وفصل الخطاب «إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثمَّ أمين وما صاحبكم بمجنون».إن قصدي هو أسمي من ذلك وهو وقايتي للامة من الإنحارف وسلامتها من الفتن والأهواء، وإنكم بالذات لتعلمون غايتي من تعييني لعلي ولياً لعهدي، وقائماً مقامي من بعدي، ليبين أحكام القرآن، ويوضح لكم ناسخه من منسوخه، وخاصه من عامه ومقيده من مطلقهِ، مبُيًنه من مجُمله، فمن يعرف منكم تأويل القرآن؟ويسود عليهم صمت رهيب، وحزن رهيب، ولا يجدون أي مجال للاعتذار.

النبي مع أبي بكر

ويلتفت النبي إلي الخليفة الأول فيخصه بالسؤال قائلا:يا أبا بكر بمَ أستبحت هذا المقام السامي؟ والذي هو دون النبوّة بمرقاة، وليس أمره بيد أحد إنما أمره بيد الله يختار له من يشاء من عباده.وهل من البر، والوفاء، وحسن المجاملة، أن تسعي لطلب الخلافة كالمسعور، وجثماني مسجي في حجرتي، ولم أوار في ضريحي، وأوسد في ملحودتي؟وهل من الانصاف أن تستبد في الامر وعلي وأهل بيتي قد فجعهم الحادث الجلل، وأوهي قواهم المصاب الأليم، فقد كان فقدي قارعة نزلت بهم فصاروا يفترشون القلق، ويتوسدون الأرق، وتساورهم الهموم، ويسامرون النجوم، ويعالجون البرجاء، ويتجرعون الغصص.وقد صار وزيرك وباني دولتك عمر بن الخطاب يوطد لك الأمور، ويربك الناس، ويبلبل أفكارهم بندائه القاسي الرهيب «إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد مات. وإنه والله ما مات، ولكنه ذهب إلي ربه، [ صفحه 30] كما ذهب موسي بن عمران.. والله ليرجعن رسول الله، وليقطعن أيدي رجال زعموا أنه مات».كل ذلك ليشغلهم عن البيعة لوصي وخليفتي، فهل أن عمر يؤمن بقرارة نفسه أني لم أذق الحِمام، والله تعالي في كتابه يقول: «إنك ميت وإنهم ميتون» و قال تعالي: «كل نفس ذائقة الموت» ثم ما المسوغ له أن يرمي من قال بموتي بالنفاق والإرتداد؟أليس ذلك من خطوط المؤامرة الكبري التي دبرتها أنت وحزبك علي صرف الخلافة عن أهل بيتي:لقد فعل عمر ذلك ليشغل المسلمين حتي تعود من بيتك بالسنح، وعندما قفلت راجعاً دخلت داري، فلم يستقر بك المجلس حتي توارت عليك الرسل من عمر ومن باقي حزبك وهم ينادونك:«أُخرج لأمر عظيم»فما هو ذلك الشيء العظيم الذي هتف به حزبك؟؟لقد تناسيتم موت منقذكم، ولم يفجعكم الحادث الجلل، انصرفتم إلي الخلافة والملك.يا أبا بكر هل هناك شيء أعظم من موت نبي بعثه الله رحمة للعالمين، فأنقذ الله له امة كانت تأكل القدَّ، وتشرب الرنق قد خيم عليها الذل، وساد فيها الجهل والخنوع، فمنّ الله عليها فيّ فأنقذتها من جرف الهلكات، وأورثتها ملك كسري وقيصر.لقد كانت بأقصي مكان من الذل والهوان، فرفعت من أمرها، وأنقذتها من محنتها وشقائها، وأنرت لها الطريق، وأقمت فيها موازين العدل، فتناسيتم ألطافي عليكم، ولم تشغلكم مصيبتي، ولم تستعظموا موتي، وإنما استعظمتم الإمرة والسلطان.وخرجت مسرعاً، لم تذهلك المحنة الكبري بفقدي، فرأيت الناس حياري [ صفحه 31] قد اذهلهم الخطب، وأخرسهم الحادث الجلل فرفعت عقيرتك مندداً بهم قائلاً:«أيها الناس من كان منكم يعبد محمداً فان محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فان الله حي لا يموت».فهل أحد من المسلمين يا أبا بكر كان يعبدني من دون الله؟، وهل أُثِر عن أحد منهم أنه اتخذني الهاً؟ألم يُجمِع المسلمون أني عبد الله ورسوله اصطفاني لرسالته واختصني بوحيه.لعلك تريد أن دور محمد قد أنتهي، وجاء دور جديد، وتركت الناس حياري من دون أن تخفف عنهم لوعة المصاب وانصرفت ومعك عمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح مهرولين إلي سقيفة بني ساعدة، بعد أن علمت باجتماع الانصار فيها، لقد انطلقتم جميعاً مسعورين مخافة أن يفوت الأمر منكم، وكانوا يتداولون الرأي في مصيرهم، وفيما يؤل إليه أمرهم، فهل سيخرج سلطان الاسلام من يثرب، دار هجرة النبي صلي الله عليه وآله إلي مكة بلدته وبلدة ذويه أو انه يبقي ماكثاً سلطانه فيهم.ويتساءلون فيما بينهم هل ان المهاجرين يظفرون بالحكم؟ وانهم سيؤلونهم الخير الذي أوصيت به إليهم.إنهم ليذكرون كيف اختصصتهم، وكيف شِدتَ بذكرهم، وكيف قلت عنهم: (إنهم بيعتي، وانهم لجاي، واني السالك دائماً شعب الأنصار، وإن سلك الناس شعباً سواه) كل هذا قد وضعوه علي مائدة البحث.وكلهم كانوا يؤمنون ايماناً لا يخامره شك أن تراثي لن يترك داري، ولن يخرج عن أحب الخلق إلي، وكان المهاجرون يشاركون الأنصار في هذا الرأي، ولكن سرعان ما أختلف الفريقان فبدت بوادر من الشكوك والظنون، اُدّت إلي قلب الأوضاع واختلاف الكلمة، وتشعب الرأي وصدع الشمل فقد قال قائل منهم:«منا أمير ومن قريش امير» [ صفحه 32] وسأل سائل منهم.«فان أبرا عليكم»فاثارت هذه الكلمة حمية الجاهلية في نفوسهم، وفتحت أبواب الاحقاد والضغائن.وجلس سعد بن عبادة، شيخ الخزرج يدعو الأنصار أن يوحدوا كلمتهم لئلا يخرج الأمر من أيديهم، ولا يذهب عنهم بالفضل من تخلف عنهم بالفضل، وكان سعد مريضاً لا يسمع صوته إلا همساً، فوقف إلي جواره أبنه قيس يبلغ عنه ما يقول:وكادت الانصار أن تستجيب للدعوة، وهمت أن تبايع شيخ الخزرج لسابقته في الدين ولفضله وسخائه، وكان ذلك صاعقة علي حزبك الذي تشكل في أيام حياتي، ومن اعضائه عويم بن ساعدة الاوسي، ومعن بن عدي حليف الأنصار، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد، وقنفذ بي عمير، وانضم إلي هؤلاء المنشقون من الانصار والحاقدون علي سعد أمثال بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي ابن عم سعد، وأسيد بن الحضير سيد الأوس وقد دفعتهم الانانية والحسد لسعد أن ينال الزعامة علي المسلمين، فبعثوا اليك بالحضور. فاقتحمت أنت وصاحباك عمر وأبو عبيدة ندوة الانصار وكبست عليهم سقيفتهم.وقمت بتنفيذ مخططك خوفاً أن يرجع إلي الانصار والمهاجرين رشدهم، فاوسعت رقعة الخلاف، وأضريت نار الفتنة، وأثار أصحابك وحزبك اللجاج والنزاع مبادرين في تعجيل الأمر مخافة أن يحضر أهل بيتي فتظهر حجتهم ويفوزوا في الأمر، واغتنمتم انشغالهم برزيتي وانصرافهم إلي تجهيزي.وقدمت المهاجرين علي الأنصار ورشحتهم للخلافة مستدلاً علي ذلك قريشاً اولي بالنبي فهم بيضته التي تفقأت عنه.لقد حججت الانصار بأنكم شجرة النبي، وتغافلت عن أهل بيتي وعترتي [ صفحه 33] فهم أغصان تلك الشجرة، وعلي ثمرتها، وهو مني بمنزلة الرأس من الجسد بل تمنزلة العينين من الرأس، وان له البيعة في عنقك يوم (غدير خم) وكنت بالذات من السابقين لمبايعته، وقد قال له صاحبك عمر: «بخ بخ لك يابن أبي طالب اصبحت مولاي ومولي كل مؤمن، ومؤمنة».نسيت ذلك كله، فلم تذكر علياً بقليل ولا بكثير، وأثرت كوامن الغيظ في نفوس الأنصار حتي كادت الفتنة أن تقع بينكم وبينهم، ولما خفت من تطور الأمر قابلت الانصار بلين القول ومعسول الكلام، وذبت تصنعاً أمامهم فاعترفت لهم بالجميل، واخذت تعدد فضائلهم ومواقفهم المشرفة، فرشحتهم للوزارة، واخذت مكيدة منك بضبعي عمر، وأبي عبيدة، فرشحتهما للخلافة، وأمرت المسلمين بمبايعة أيهما شاؤوا، ويمتنع صاحباك أن يتقدما عليك، مكيدة منهما، وتضليلاً للرأي العام، وعملاً بالمخطط المرسوم لهما، فتسابقا لمبايعتك، وتباري حزبك الي بيعتك وأشتدوا علي حمل الناس بالقوة والقسر الي بيعتك، فقام أمرك بالقسر والعنف، ولم يستند إلي الرضا والاختيار.واشتد الزحام حول سعد بن عبادة، وكانت كلماته تلهب العواطف، وتثير الحماس، وقد ملكت دعوته اهتمامهم، واستغرقت حواسهم، وكانوا يتلقفون همساته كمثل تلقفهم لخطرات الأنام، فقد هان لديهم بعد ما أثرت نار الفتنة حتي كادوا يقتلونه وهم لا يشعرون.وأرتفع صوت محذر من أنصار شيخ الخزرج.«يا قوم اتقوا سعداً لا تطأوه».فما اتمها حتي رنت كرجع الصدي كلمات جافيات غضاب.«اقتلوه قتله الله فإنه صاحب فتنة»زيرنويس=العقد الفريد 3 63.@. وتمت بيعتك مشفوعة بالإرهاب والتهديد، وقد حف بك حزبك يزفونك [ صفحه 34] إلي مسجدي زفاف العروس [42] وأنا ملقي علي فراش الموت، قد انشغل أمير المؤمنين بتجهيزي، ولما بلغه أحتجاجك علي الأنصار بأنك من قريش وهي أولي بالنبي لأنها أسرته اندفع إلي الرد عليك قائلاً:فان كنت بالقربي حججت خصيمهم فغيرك أولي بالنبي وأقربوإن كنت بالشوري ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غُيّبُولما حملته علي البيعة قسراً اندفع إلي محاججتك وهو رابط الجأش ثابت الجنان قائلاً لك:«أنا أحق بالأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولي بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلي الله عليه وآله وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً، الستم زعمتم للأنصار أنكم أولي بهذا الأمر لما كان محمد منكم فاعطوكم القيادة، وسلموا إليكم الامارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار نحن أولي برسول الله حياً وميتاً فانصفونا إن كنتم تؤمنون والا فبوؤا بالظلم وانتم تعلمون».فلم تصغ لاحتجاجه، ولم تذعن لدليل، ومضيت مزهواً لتقمصك بالخلافة واستبدادك بالأمر، وكان ذلك في أعظم الكوارث والخطوب التي حلت بأمتي، وقد اندفع عتبة بن أبي لهب وهو يذرف الدموع، ويقول:ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي حسنعن أول الناس إيماناً وسابقة وأعلم الناس بالقرآن والسننوآخر الناس عهداً بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفنمن فيه ما فيهم لا يمترون به وليس في القوم ما فيه من الحسن [43] وانطلق اليك ولدي الحسن وأنت علي منبري موجه إليك لاذع النقد قائلاً لك: [ صفحه 35] «أنزل.. أنزل عن منبر أبي وأذهب إلي منبر أبيك».فبُهتَ وتحيرت، وخاطبته بناعم القول قائلاً؟«صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي» [44] .ومع اعترافك بأنه منبر أبيه لا منبر أبيك فكيف احتللته واستبحت مقامه؟واحتج عليك صاحبي، وصديقي، ومن الحقته بأسرتي وهو سلمان الفارسي فقد قال لك أمام جمع حاشد من المهجارين والأنصار:«يا أبا بكر.. إلي من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه؟! وإلي من تفزع إذا سئلت عما لا تعلمه؟ وما عذرك في تقدم من هو أعلم منك، وأقرب الي رسول الله صلي الله عليه وآله وأعلم بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيه، ومن قدّمه النبي في حياته، وأوصاكم به عند وفاته، فنبذتم قوله، وتناسيتم وصيته، وأخلفتم الوعد، ونقضتم العهد، وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أسامة بن زيد» [45] .وانطلق الطيب ابن الطيب عمار بن ياسر وهو يحتج عليك وعلي من قدّمك لهذا المنصب الخطير قائلاً:«يا معاشر قريش، ويا معاشر المسلمين، إن كنتم علمتم وإلا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولي وأحق بإرثه، وأقوم بامور الدين، وآمن علي المؤمنين، وأحفظ لملته، وانصح لأمته، فمِروا صاحبكم فليرد الحق إلي أهله قبل أن يضطرب حبلكم، ويضعف أمركم، ويظهر شقاقكم، وتعظم الفتنة بكم، وتختلفون فيما بينكم، ويطمع فيكم عدوكم، فقد علمتم أن بني هاشم أولي بهذا الأمر منكم، وعلي أقرب الي نبيكم، وهو من بينهم وليكم بعهد الله ورسوله، وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي صلي الله عليه وآله [ صفحه 36] أبوابكم التي كانت إلي المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة ورد من خطبها إليه منكم، وقوله صلي الله عليه وآله «أنا مدينة العلم وعلي بابها، ومن أراد الحكمة فليأتها من بابها» وإنكم جمعياً مضطرون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلي ما له من السوابق التي ليست لافضلكم عند نفسه، فما بالكم تحيدون عنه، وتبتزون علياً علي حقه، وتؤثرون الحياة الدنيا علي الآخرة، بئس للظالمين بدلاً اعطوه ما جعله الله، ولا تولوا عنه مدبرين، ولا ترتدوا علي أعقابكم فتنقلبوا خاسرين» [46] .واحتج عليك غيرهم من اعلام الصحابة من الذين سبقوا الي الاسلام ولكنك أعرت حديثهم أُذناً صمّاء، وأخذت تلتمس المعاذير الي استبدادك بالأمر. [ صفحه 38]

مواهب علي وملكاته

اشاره

وبعد ما عرض النبي صلي الله عليه وآله سجلاً من الأحداث الرهيبة التي رافقت بيعة أبي بكر أخذ يشيد في مواهب علي، وعبقرياته، ويبين لأهل المحشر ما امتاز به وصيه من الملكات، والنزعات، وما قام به من الأعمال الرفيعة في خدمة الاسلام، قائلا:لقد رافقت الفضائل علياً من حين ولادته، وكان في جميع أدوار حياته مثالاً للعدل، والورع، والشجاعة، والعبادة ومعدناً للحكمة والعلم، وأخذ صلي الله عليه وآله يعد بعض فضائله ومزاياه.

ولادة علي

وتميز علي عن سائر البشر بمولده، فقد ولد في أشرف بقعة علي الأرض وهي الكعبة التي جعلها الله قبلة للأنام [47] ولم يختص أحد بهذا الفضل سواه، فقد ولد مسلماً، مركز الايمان، قد فتح عينيه علي الاسلام فلم يعرف قط عبادة الأصنام، والأوثان، فياله من مولود مبارك محظوظ، فقد ولد في بيت الايمان والعبادة والهدي.

نشأته

ونشأ علي في بيتي، متغذياً بعلمي، ومرتوياً بفضائلي، أرسم له في كل يوم أمثلة للهدي والصلاح، وكان يشاهد صلاتي ويسمع مناجاتي لربي.لقد استأذنت عمي أبا طالب أن يترك لي علياً ليعيش معي فأذن لي بذلك [48] فتأدب عل يدي، وتأثر بهديي، وارتسمت في أعماق نفسه ودخائل ذاته جميع نزعاتي، ولم يعرف في طفولته لهو الأطفال ولا صبوة الشباب وهفواتهم، [ صفحه 39] فقد قضي بواكير حياته النضرة يبهرها نوري وعلمي وهداي وتقاي، ألا بوركت تلك النشأة التي ليس لها نظير.

سبقه الي الاسلام

وعلي أول من أجاب دعوتي وآمن برسلاتي [49] فهو «أول الناس إسلاماً وأسبقهم إيماناً» فكان اللبنة الأولي في بناء صرح الاسلام، كما كان المنجد الأول لي والمشاطر الوحيد لي بالشدائد والأخطار لقد سبق إلي الاسلام وآمن بالأهداف والمثل التي جاء هذا الدين ليقيمها، وقد سمع آيات القرآن، وتعاليم السماء، وهي مشرقة متألقة، فوعاها قلبه، ووقف علي أسرارها، وهو القائل:«سلوني عن كتاب الله ما شئتم، فوالله ما من آية من آياته إلا وأنا أعلم أنها نزلت في ليل، أم في نهار».هذا هو علي التلميذ الأول للقرآن، والسابق الأول للاسلام.

نسبه الوضاء

نسب وضّاء، ومجد تليد فاق جميع بيوتات قريش، إنه ابن أبي طالب مؤمن قريش، وأوسعهم أفقاً، وأذكاهم قلباً، وأوفرهم إيماناً ناصر الإسلام في أيام محنته وغربته، وثبت ثباتاً باهراً أمام الزعزاع والعواصف.وينطلق الرسول صلي الله عليه وآله في بيان فضائل عمه، وما أسداه عليه من الاحسان والتاريخ، والحماية، لقد قال عمي لقريش بصلابة وإيمان:ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناواللّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا [ صفحه 40] ولقد ظل يناصرني، ويحمي جانبي، ويرد عني الإعتداء فما أعظم ألطافه، علي، ولما حضرته الوفاة، وجّه بوصيته إلي بني هاشم قائلا لهم: «وأنتم يا معشر بني هاشم، أجيبوا محمداً وصدّقوه، تفلحوا وترشدوا».وبعد وفاته فقدت الناصر والمحامي، فاشتدت وطأة المشركين عليَّ، وعظمت محنتي، وكثر بلائي، فقلت «ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتي مات أبو طالب» ويلتفت النبي صلي الله عليه وآله إلي أهل المحشر فيقول لهم:إن هذا العملاق العظيم الذي أُتُرعت نفسه بالإيمان والتقوي، ونصر الاسلام ووقف كالطود في حمايتي، انظروا أن قوماً من أمتي يزعمون أنه مات مشركاً، انه في ضحضاح من نار ويعلو الضحك من الجميع، وتسود السخرية والاستهزاء من هؤلاء الذين لا رشد لهم.ويستمر النبي صلي الله عليه وآله في تعداد فضائل عمه ثم يقول:إن علياً ابن هذا الفذ العظيم، وقد ورث فضائله الأصلية، وورث إيمانه العميق.وعلي هو حفيد لعظيم آخر من عظماء الانسانية وأبطالها ذلك هو عبد المطلب «شيبة الحمد» وقد وصفوه فقالوا: «إنه كان يطعم الناس في السهل والوحوش في الجبال» وهو صاحب الايمان الوثيق الذي لم تؤثر فيه الروح الوثنية السائدة في عصره وبلاده.وقد ورث عبد المطلب المكارم والمآثر من أبيه عمروالعلا هاشم الذي أطعم الناس في أيام سغبهم وجوعهم.وهو ابن عبد مناف أعف الناس لساناً، وأعلاهم بياناً، وأقواهم جناناً.وهو ابن قصي صاحب البيت، واللواء، وسادن الحرم، ومعزّ الجوار.وقد ورث علي فضائل آبائه، ومكرماتهم، وورث عنهم قوة الايمان، والسخاء، والشجاعة، والعزم، وقد ظهرت بوادر هذه الصفات في باكورة حياته بما فاق أقرانه. [ صفحه 41]

بطولته

إنها طاقات جبارة من البطولة تمثلت في ابن أبي طالب فبلغ بها القمة، وتجاوز إلي أعلي مسئولياتها في نبل واستقامة وشرف.لقد كان مكين البنيان في شبابه وكهولته، وشيخوخته، قد تساوت في ذلك جميع أدوار حياته، كان يقدم مهرولاً للحرب لا يلوي علي شيء... وقد مكنته قوته الجسدية البالغة في المكانة والصلابة من رفع الفارس، وجلّهِ الأرض به غير جاهد ولا حافل، وبلغ من عظيم قوته أنه كان يزحزح الحجر الذي لا يزحزحه إلا رجال.إن بطولة علي من البطولات النادرة فلم يتهيب من مبارزة أحد مهما بلغ من الشجاعة، وذيوع الأسم فقد بارز عمرو بن ود فارس الجزيرة والذي يُعد بألف فارس، وطرحه أرضاً يتخبط بدمه.وازدانت بطولته بالاستقامة، والعدالة، والشرف والنبل والورع عن البغي، والمروءة مع الخصم قوياً كان أو ضعيفا، وسلامة نفس من البغي والحقد، فلم يبدأ أحداً بقتال، ولا مندوحة عنه، وقد أوصي ولده الحسن فقال له:«لا تدعو إلي مبارزة، فإن دُعيت إليها فأجب، فإن الداع إليها باغ، والباغي مصروع».إن بطولة الامام لم تكن مشفوعة بدافع الأغراض المادية، ولم تمثل عدواناً علي أي إنسان، وإنما كانت بدافع الحق ونصرة القيم العليا التي جاء بها الاسلام.ومن شهامته التي تحكي عن مدي رحمته أنه أوصي أصحابه في حرب الجمل أن لا يقتلوا مُدبراً، أو يجهزوا علي جريح، أو يكشفوا ستراً، أو يأخذوا مالاً.إنها بطولة يقودها العقل، وليس للعاطفة فيها أي مجال، إنه الشرف الذي تحلّي به سليل هاشم.ومن أروع صور البطولة إعراضه عن عمرو بن العاص عدوه اللدود حينما كشف عن سوءته فغض بصره عنه، وأرجع سيفه إلي غمده، وتركه ينجو بحياته، وهو [ صفحه 42] أخطر عليه من جيش مجهز. إن شرف هذه البطولة من أخلاق علي الذي لا ينشد إلا النصر الشريف.لقد كانت ظاهرة البطولة من الخصائص الذاتية لابن أبي طالب وقد عُرف بها منذ نعومة أظفاره فقد كان عمره الشريف عشر سنين، فتحدي جبابرة قريش وطغاتها عندما بلغتهم أمر ربي وطلبت منهم العون والنجدة لينصرونني علي أداء رسالة الله، فاستهزأوا بي، وسخروا مني، فهب علي غير مكترث بهم قائلا: «أنا نصيرك».إنها البطولة الرائعة التي ليس لها نظير.

مبيته علي فراش الرسول

وتضحية فذّة قام بها ربيب الوصي، في رباطة جائش، وإيمان وثيق وذلك في مبيته علي فراشي ليُعمّيَ علي قريش خروجي من مكة.لقد قدم علي علي هذه التضحية الرائعة، وجعل نفسه قرباناً للوصي، فأي فداء عظيم يكون مثل هذا الفداء؟!!وينبري الرسول صلي الله عليه وآله فيتلو علي أهل المحشر ما قام به وصيه في تلك اللحظة الحاسمة من التضحية في سبيله يقول صلي الله عليه وآله:لقد طلبت منه المبيت علي فراشي حينما تجمعت قوي الشرك والإلحاد لوءدت، فاستبشر فرحاً، ونظر إليّ نظرة عطف وحب فقال لي:«أو تسلمن يا رسول الله؟»فأجبته نعم.فقال مسروراً أفتديك بنفسي يا رسول الله.وبات مثلوج الفؤاد، مبتهج النفس، مرتاح الضمير، قرير العين، غير خائف ولا وجِل، مع أن مصيره بحسب العادة هو القتل، إذ لا ينجو من الوحوش الكاسرة التي صممت علي قتلي. [ صفحه 43] ويبهر هذه البطولات الرائعة جميع أهل المحشر فينبري شاعر موهوب قد استولي عليه الإعجاب والإكبار فيستأذن من النبي ليتلوا ما نظمه في هذه المناسبة فيأذن له فاندفع مخاطباً للإمام:وعلي الفراش مبيت ليلك والعدي - تُهدي إليك بوارقاً ورعودافرقدت مثلوج الفؤاد كأنما - تُهدي القراع لسمعك التغريدافيقابله الرسول بابتسامته الفياضة، ويدعو له الجميع بالمغفرة والرضوان.

اعتراض أبي بكر

وينبري أبو بكر فيقول: يا رسول الله ألم أصاحبك حينما هاجرت من مكة وآويت معك إلي الغار حينما صممت قوي قريش، وقد فديتك بنفسي، فلماذا شِدتَ بابن أبي طالب وأهملت مقامي ودفاعي عنك؟وينبري إليه الرسول قائلا:«وأنت يا أبا بكر عندما صحبتني إلي الغار بلغ بك الخوف إلي قرار سحيق، وقد بذلت جميع جهودي لمحو الخوف عن نفسك، وقد ضمنت لك السلامة وعدم إصابتك بأي شيء، مما تخاف منه فلم يؤثر ذلك فيك حتي نزل فيك قول الله سبحانه «ألا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا هي السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم».فخصّني اليه بسكينته، وبقيت انت بحزنك ووجلك وخوفك.ويسكت أبو بكر، ويسود وجم رهيب علي الجميع فينبري الأزري يشق الصفوف، فيستأذن من النبي لينشد قصيدته الغراء فأذن له، فيقول:أو ما ينظرون ماذا دهتهم قصة الغار من مساوي دهاهايوم طافت طوائف الحزن حتي أوهنت من جني عتيق قواها [ صفحه 44
إلي أن يقول: اين هذا من راقد في فراش الم++
صطفي يسمع العدي ويراها فاستدارت به عتاة قريش++
حيث دارت بها رحي بغضاها وأرادت به مكائد سوء++
فشفي اللّه داءها بدواها ورأت قسوراً لو اعترضته الإ++
نس والجن في وغما أفناها ويعلو التكبير والتهليل من جميع جنبات القيامة، وترفع الأيدي بالدعاء له، ويمنح الشاعر الكبير، وسام الشرف لمواهبه الفذة التي صرفها في خدمة أهل البيت عليهم السلام.
**پله=2
**عنوان=علمه
**متن=ومما أمتاز به الامام أمير المؤمنين علي بقية الصحابة سعة علمه، ووفور فقهه، ودرايته باحكام التنزيل، وأحاطته باسرار التشريع، فهو وارث علمي وقد فتق أبواب العلوم، ودلل علي قواعدها وأصولها بعد ما كان الناس يجهلون منها كل شيء.
ويلتفت النبي صلي الله عليه وآله الي المجموعة الهائلة من الناس فيقول لها: لقد خلّفت علياً في أمتي ليوضح لها معالم الدين , ويبني لها أحكام التنزيل، ولو ثنيت له الوسادة من بعدي لأفتي أهل الإنجيل بانجيلهم، واهل الزبور بزبورهم، واهل الفرقان بفرقانهم.
وساد العلم، وانتشرت آفاق المعرفة، ولكن الصدر الأول من امتي حرموا أنفسهم، وحرموا الاجيال الصاعدة من بعدهم من الانتهال من غدير علمه، والاستفادة من مكنونات فضائله التي حباه الله بها.
وقد أعلنت لجميع المسلمين، وقلت لهم: »أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب.« **زيرنويس=مستدرك الصحيحين 3 / 126، تأريخ الخطيب 4 348، تهذيب التهذيب 6 320، فيض القدير 3 46، مجمع الزوائد 9 114.] . [ صفحه 45] وأشدت بمواهبه وفضائله فقلت في حقه «أنا دار الحكمة وعلي بابها.» [50] .وقد عهدت إليه أن يبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي فقلت له: «أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي...» [51] .وهو أعلم أمتي بشؤون القضاء وأحكامه، وأدري منهم بغوامضه، وقد قلت فيه: «علي أقضي أمتي» [52] .وقد رجع إليه أبو بكر في كثير من المسائل التي لا دراية له بها [53] .وكذلك رجع إليه عمر حتي قال: «لولا علي لهلك عمر» [54] وقال: (اللهم لا تنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلي جنبي) [55] . وكذلك رجع إليه عثمان فيما خفي عليه من أمور القضاء وغيره [56] .ومع توفر علمه، وإحاطته بشؤون الدين، وأحكام الله، فهل يصح لي أن أرشح غيره لمنصب الخلافة والإمامة، والله تعالي يقول: «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».

زهده

وعلي أمير المؤمنين أزهد أمتي، وأكثرهم إعراضاً عن مباهج الحياة وملاذّها وفتنها، فإنّه حينما آل إليه أمر المسلمين لم يستأثر شيء من أموالهم، ولم يضع [ صفحه 46] لبنة علي لبنة، ولم يعد لبالي ثوبه اهتماماً، قد اكتفي من دنياه بطمريه، ومن طعامه بقرصيه، وهو في جميع أدوار حياته علي سمت واحد في الاستقامة والزهد وقد خاطب دنياه بقوله:«إليكِ عني يا دنيا فحبلك علي غاربك، قد انسللت من مخالبك وأفلت من حبائلك، وأجتنبت الذهاب في مداحضك».وقد صمم علي أن لا ينقاد لدواعي الهوي والغرور فقال:«وأيم الله يميناً استثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلي القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً، ولأدعن مقلتي كعين ماء نَضبَ معينها مستفرغة دموعها...» [57] لقد عاش أمير المؤمنين عيشة الفقراء البائسين مقتدياً بهداي ومستناً بسنتي لم يتحل من دنياه بطائل إلا بغمر الناهل [58] وروعة سورة الساغب [59] فهل من العدل أن أُرشح غيره لمنصب الخلافة؟وهل من المنطق أن يؤتمن علي دماء المسلمين، وأموالهم وسائر إمكانياتهم غير الاعفِاء المتحرجين في دينهم الزاهدين في دنياهم؟وقد علم المسلمون ما حل بهم من الأحداث والخطوب من جراء ما آل اليه أمر الخلافة إلي اللصوص والسفاكين من ملوك بني أمية وبني العباس.لقد احتطت لأمتي، ووضعت لها المنهاج السليم الذي يقيها من الفتن والإنحراف، ويحميها من الإنقلاب والزيغ فجعلت عترتي ولاة الأمر من بعدي، ودللت عليهم فقلت:«إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا [ صفحه 47] حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» [60] وقلت فيهم:«إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حِطة في بني اسرائيل من دخله غفر له..» [61] .وقلت: «من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوالي علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي» [62] .وقلت أكثر من ذلك في حقهم، ولكن القوم قد أعاروا قولي أُذناً صماء، فقد خدعتهم الدنيا إلي قهر أهل بيتي وظلمهم.

عدله

والإمام أمير المؤمنين من أروع مظاهر العدل، فهو أول حاكم في المسلمين صمد في وجه الأعاصير لم تخدعه السلطة، ولم يغره السلطان عن تطبيق العدل حتي قال كلمته الخالدة:«ولا تزيدني كثرة الناس حولي عزّة، ولا تفرقهم عنّي وحشة، وما أكره الموت علي الحق».لقد طبّق العدل، ورفع مناره في أيام حكمه ومن مظاهر عدله أن أخاه عقيل قد جائه من يثرب تحف به صبيته، قد كساهم الفقر بروداً من ألبسته البغيضة فتركتهم أشباحاً علاهم الأسي والذبول كأنما سودت وجوههم بالعظلم، قد [ صفحه 48] قادوا أباهم وقد أحاطت به الهواجس وألّمت به الشجون، وقل ظن أن امير المؤمنين سوف ينفق عليه من اموال المسلمين ويملأ جيوبه بالأموال ويزخر له بالعطاء، فما كان من ابن ابي طالب رائد العدالة الكبري الا ان احمي له حديدة جعلته يئن من ألمها ويضجر من حدها، فخار تحتها كما يخور الثور تحت جازره، وهرب عقيل تاركاً أخاه يفتش عن مغنم يحوز به الثراء.لقد تنكر امير المؤمنين لجميع العواطف والأهواء التي يخضع لها الناس في سبيل إقامة العدل، وتشييد صروحه، وقد قصده عبد الله بن جعفر ختنه علي زينب ابنة فاطمة الزهراء حبيبتي وبضعتي قاصداً من يثرب لأجل ان يوفر له في العطاء، ويمنحه الأموال فزجره، ولم يعن به.إن امير المؤمنين ينبوع العدل، ومفجر طاقاته، وليس في تأريخ الإسلام حاكم مثله في عدله ومساواته، وقد اراد ان ينعش القلوب البائسة الحزينة بمساواته، وينصف المظلومين بعدله، ويقيم حكم الله في ارضه.لم يكن يبغي السلطة لذاتها ولا لاطماعها، واندفاعتها، وإنما كان يرومها ليؤسس معالم العدل، ويقيم معاهد التربية الصالحة للانسان.إن ابن ابي طالب صديق المحرومين والبائسين، وملجأ المظلومين والمضطهدين، ورفيق المثكولين، وحميم المعذبين، وملاذ المنكوبين.يقول النبي صلي الله عليه وآله: وقد نصبته علي امتي خليفة من بعدي لتزدهر به حياة المسلمين، ويأمن المظلومون، وتقام به حدود الله علي المعتدين.وليس في امتي شخص احرص من ابن ابي طالب علي إقامة العدل وتوطيد اركان المساواة، ورفع مستوي الأمة في جميع مجالاتها.

مواقفه المشرفة

اشاره

ووقف الإمام أمير المؤمنين يدافع عن الاسلام، ويحمي جانبي وليس في عموم اصحابي مثله في اندفاعه، وانطلاقه في ميادين الجهاد، فقد قذف نفسه في [ صفحه 49] لهوات الحروب، وخوض الغمرات لرفع كلمة الله، فما من راية رُفِعَت للجاهلية إلا حطّمها علي بسيفه، وما من جيش انبري ليطفيء نور الإسلام إلا انبري إليه أمير المؤمنين ففل عروشه، وجندل أبطاله، ويتلو النبي صلي الله عليه وآله المواقف الرائعة التي وقفها الإمام في الذب عن حياض الاسلام وهي:

واقعة بدر

وكان للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في وقعة بدر القدح المعلي، والنصيب الأوفي، وكان لي نصيراً، وللاسلام عزّاً وللمسلمين وقاية وجُنًة، فكان الفتح علي يده وكانت أكثرية القتلي بسيفه.لقد أظهر أمير المؤمنين في واقعة بدر من البطولة والجلد، ما يبهر الألباب، فقد أذل قريشاً، وأعز الاسلام، وأبلي بلاء حسناً فكان المسلمون في هذه المعركة ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ومعهم فرسان، وسبعون بعيراً، وكان المشركون تسعمائة وخمسين مقاتلا يقودون معهم مائتي فرس وسبعمائة بعير.فجندل علي أصحاب الألوية، وقتل من المشركين خمسة وثلاثين وشارك المسلمين وأعانهم علي قتل من قتلوه، وقد قتل من الأمويين حنظلة بن أبي سفيان، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية، والوليد بن عتبة صهرهم أخي هند زوج أبي سفيان، وعقبة بن أبي معيط أبي الوليد أخي عثمان لأمه، وقتل من بني مخزوم سيدهم وزعيمهم أبا جهل الحكم بن هشام.يقول النبي صلي الله عليه وآله: وقد أبصرت جماعة من مشركي قريش فقلت له: احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجهمي، وأبصرت جماعة آخرين من مشركي قريش فقلت له: احمل عليهم فحمل عليهم وفرقهم وقتل شيبة بن مالك، فقال جبرائيل مبتهراً: «يا رسول الله إن هذه المواساة»فقلت له: «إنه مني، وأنا منه».فقال جبرائيل: (وأنا منكما). [ صفحه 50] ونادي ملك في السماء «لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتي إلا علي» [63] .لقد نازل علي أقوي قرومهم، وثل عروشهم، وحطم جبروتهم، وأنصرفوا يجرون رداء الخيبة والخسران منهزمين قد عراهم الذل، وعلاهم الخزي والأنكسار.ويقوم الازري فيتلو علي أهل المحشر مقطوعته الرائعة التي يصف بها بطولة الأمام ودفاعه المشرف عن الاسلام في هذه المعركة الحاسمة من تاريخه، فيقول:وبه استفتح الهدي يوم بدر من طغاة أبت سوي طغواهاصب صوب الردي عليهم هُمام ليس يخشي عُقبي التي سواهايوم جاءت وفي القلوب غليل فسقاها حسامه ما سقاهاجاء بالسيف هادياً للبرايا حيث لم يثنها الهدي فهداهامن تلقي يد الوليد بضرب حيدري بري اليراع براهاويدعو الجميع للشاعر العظيم، ويقابل بالإكبار والتقدير ويمنح وسام الحب لآل البيت عليهم السلام.

معركة أحد

وواجه الاسلام بعد معركة بدر قوي قريش الحاقدة علي الاسلام فقد خفت لتثأر لقتلاها في يوم بدر، وتمحو عنها عار الهزيمة التي أصابتها، ويقص النبي صلي الله عليه وآله صورة موجزة عن تلك الواقعة الرهيبة، فيقول لهم: كنت نزلت يوم أحد بأصحابي وهم سبعمائة في عدوة الوادي وجعلت ظهري الي الجبل، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، ومائتا فارس، وكان معهم خمسة عشر أمرأة، وفي المسلمين مائتا دارع وفارسان. [ صفحه 51] وقبل أن يتهيأ الجيشان للقتال صنعت خطة حكيمة فيها النصر للمسلمين والهزيمة للقوي الغادرة، فقد تركت أحداً خلف ظهري، وجعلت ورائي الرماة وهم خمسون رامياً، وقلت لهم: انضخوا عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا. واثبتوا مكانكم، إن كانت لنا أو كانت علينا فإنا إنما نؤتي من هذا الشعب.وخرج صاحب لواء المشركين ينادي: يا أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلي النار، ويعجلكم بسيوفنا إلي الجنة فلم يجيبه أحد من المسلمين سوي علي فانبري إليه، فضربه فقطع رجله، وانكشفت عورته، فناشده الله، فتركه، فصار يخور بدمه، حتي هلك، ولما رأيت ذلك كبّرت وقلت: (كبش الكتيبة) وكبّرالمسلمون بتكبيري وقلت لعلي:ما منعك أن تجهز عليه؟ناشدني الله والرحم فاستحييت منه.واندفع شجعان المشركين حاملين اللواء فأبادهم علي واحداً بعد واحد، وبقي اللواء مطروحاً لا يدنو منه أحد فانطلقت إليه امرأة حارثية فرفعته، فاجتمعت قريش حوله، وأخذه عبد لبني عبد الدار كان من أشد الناس قوة، وفتكاً، فبرز إليه علي فضربه ضربة تركه يعالج مصرعه ومنيته.واقتتل الناس قتالاً شديداً، وقد أبلي علي وعمي حمزة، وأبو دجانة الأنصاري بلاء حسناً، وأنزل الله نصره علي المسلمين، وكانت الهزيمة الساحقة للمشركين، وانعطف عليهم المسلمون ينهبون أمتعتهم، فلما نظر إليهم إخوانهم المجاهدون الذين أقمتهم في الجبل وألزمتهم أن لا يريحوا عنه، آثروا النهب علي البقاء، ونسوا ما أمرتهم به.وحينما رأي خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة حمل عليهم فقتلهم، وشد بمن معه علي أصحابي من خلفهم، وتبادر المنهزمون من المشركين بنشاط بالغ مستأنفين للقتال يحاولون أن يمحوا عنهم عار الهزيمة، فحملوا علي المسلمين فقتلوا [ صفحه 52] سيداً من أبطالهم وهو أسد الله وأسد رسوله عمي حمزة بن عبد المطلب، وانهزم المسلمون شر هزيمة، ولم أجد بداً من ان أقاتل بنفسي فرميتُ بالنبل حتي فني، وانكسرت سجنة قوسي، وانقطع وتره، واصبت بجرح في وجنتي، وآخر في جبهتي، وكسرت رباعيتي السفلي، وشقت شفتي، وعلاني ابن قمئة بالسيف، وكنت ادعو المسلمين إلي الثبات وعدم الفرار قائلاً لهم: «من كرَ فله الجنة» ولكنهم لا يلوون علي احد وكان من المنهزمين عثمان بن عفان، وجاشت نفس عمر من الوجل والرعب، ومعه طلحة، فرغبا ان يأتيهم عبد الله بن ابي سلول بأمان من ابي سفيان قبل ان يقتلوهم فقال لهم انس بن النضر، وهو من خِيار أصحابي:«يا قوم إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا علي ما قاتل عليه محمد، اللهم إني اعتذر إليك مما يقول هؤلاء.»ثم قاتل حتي استشهد، ومضي القتال حامياً عنيداً، وقد أحيط بي، فانبري علي ومعه خمسة من خيار الأنصار يذبون عني، وقد استشهدوا، وتترسني أبو دجانة بنفسه، وجعل نفسه وقاية دوني فكان يقع النبل علي ظهره وهو منحني عليَّ، وقاتل دوني مصعب بن عمير فاستشهد، قتله ابن قمئة الليثي، هو يظنه إياي فرجع إلي قريش رافعاً عقيرته، وهو يقول:قُتل محمد... قُتل محمد.فلما سمع المسلمون أوغلو في الهرب علي غير هدي ورشد، وكان أول من عرفني كعب بن مالك فنادي بأعلي صوته «يا معشر المسلمين: هذا رسول الله حي لم يقتل».فأشرت إليه بالسكوت مخافة أن يسمع العدو فيهجم عليَّ ونهض سليل هاشم وفتي الاسلام علي، ومعه جماعة حتي خلصوا بي إلي الشعب، فتحصنت به، وهم يحيطون بي، ويدافعون عني.وأبصرت وأنا في الشعب جماعة من المشركين يترقبون الوقيعة بي فقلت: [ صفحه 53] لعلي احمل عليهم فحمل عليهم، وفرقهم، وقتل منهم جماعة، وأبصرت جماعة أخري تريد الوقيعة بي فقلت لعلي اكفنيهم فحمل عليهم فانهزموا، وقتل منهم جماعة، وبهر جبرائيل بهذه المواساة الهائلة التي أبداها بطل الإسلام، فقال:«يا رسول الله هذه المواساة!!»فقلت له:«إنه مني، وأنا منه..».فقال جبرائيل: وأنا منكما، وسمع صوت يهتف: «لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتي إلا علي».وقد أصابت علياً في تلك الوقعة ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه إلي الأرض فما كان يرفعه إلا جبرائيل، وبعد ما وضعت الحرب أوزارها تقدمت النساء المسلمات يداوين الجرحي، فاحطن به يداوين جراحاته الصعبة، وقلن لي:«يا رسول الله لا نعالج منه جرحاً إلا انفتق جرح آخر».فاقتربت منه فرأيت جراحاته تشخب دما، فقلت فيه:«إن رجلا لقي هذا كله في سبيل الله لقد أبلي وأعذر».لقد وقف علي في موقعة أُحد بجأش ثابت، وبنفس جياشة لم يدخله خوف ولا رعب، مشمراً كادحاً، قد وهب حياته لله، ولنصرة هذا الدين.ولما انتهت الحرب فتشت عن عمي حمزة، فأخبرت بأنه قد استشهد، فهرعت إليه فرأيته، وقد مثلت به هند فأخذت من أذنيه، وأنفه، وأصابع يديه، ورجليه، ومذاكيره فجعلتها قلائد، ومعاضد، وبقرت كبده فلاكتها إلا أنها لم تسغها، وكذلك فعلن صويحباتها مع الشهداء، وقد أظهر أبو سفيان خبث سريرته، فقد طعن أسد الله وهو ميت.ويعم البكاء والأسي جميع أهل المحشر، وتعلو الصرخة علي ما لاقاه سيد الشهداء من التمثيل والتنكيل.وينطلق الأزري، وهو رافع عقيرته ليتلو علي أهل المحشر رائعته التي يصف بها جهاد أمير المؤمنين، وعظيم بلائه في موقعة أُحد فيقول: [ صفحه 54] وبأحد كم فل آحاد شوس كلما أوقدوا الوغي أطفاهايوم دارت بلا ثوابت إلا أسد الله كان قطب رحاهاكيف للأرض بالتمكن لولا أنه قابض علي أرجاهاربّ سمر القنا وبيض المواضي سبَّحت باسم بأسه هيجاهايوم خانت نبالة القوم عهداً لنبي الهدي فخاب رجاهاوتراءت لهم غنائم شتي فاقتفي الأكثرون إثر ثراهاوجدت أنجم السعود عليه دائرات وما دَرَت عقباهافئة ما لوت من الرعب جيداً إذ دعاها الرسول في اخرهاوأحاطت به مذاكي الأعادي بعدما أشرفت علي استيلاهافتري ذلك النفير كما تخب ط في ظلمة الدجي عشواهايتمني الفتي ورود المنايا والمنايا لو تشتري لا شتراهاقد أرتها في ذلك اليوم ضربا لو رأته الشبان شابت لحاهاوكساها العار الذميم بطعن من حلي الكبرياء قد أعراهايوم سالت سيل الرمال ولكن هب فيها نسيمه فذراهاذاك يوم جبريل أنشد فيه مدحاً ذو العلي له أثناهالا فتي في الوجود إلا علي ذاك شخص بمثله الله باهالا ترم وصفه ففيه معان لم يصفها إلا الذي سوّهاوتعلو عاصفة من التهليل، وترفع الأكف بالدعاء إلي الشاعر الكبير، وتضاف إلي أوسمته وسام آخر.

واقعة الخندق

لقد خرجت قريش بعد واقعة أُحد وهي ظافرة منتصرة، وقد طمعت في محاربة المسلمين حرب إبادة وقضاء لتقلع جذور العار الذي لاحقها يوم بدر، [ صفحه 55] وتضيف إلي انتصارها إنتصاراً آخر. وقد صممت علي قلع جذور الاسلام ومحو سطوره، فقد تجمعت أحزاب قريش وأحابيشها، وانضم إليها أحلافها من يهود يثرب فكان عدد الجميع أربعاً وعشرين ألفاً تحت قيادة أبي سفيان، وحينما علمت بتوجههم إلي يثرب جمعت أصحابي وعرضت عليهم الخطر المحدق بنا فأشار سلمان الفارسي وهو من خيرة أصحابي ورعاً وتقوي، واصالة رأي وعمق في التفكير فأشار عليَّ بحفر الخندق، ولم تكن هذه الوسيلة معروفة في الجزيرة العربية، فشرع أصحابي في حفر الخندق، وقد أنجزوا هذا العمل المجهد الشاق في ستة أيام، وكان علي من أكثرهم عناء وجهداً في هذا العمل العظيم.ولما انتهي المسلمون من عملهم أقبلت قريش بأحلافها وأحزابها، فنزلت بمجتمع الأسيال، ونزلت غطفان ومن تَبِعهم من أهل نجد في جانب أحد، وكان الخندق أمامهم، وقد استحال عليهم عبور الخندق، وقد نقض اليهود عهدهم معي، وقد حوصرت المدينة، وطال الحصار، وقد ضاق بعض فرسان المشركين طوال البقاء فانبرت طائفة من شجعانهم لعبور الخندق، ومناجزة المسلمين، وكان أول من عبر الخندق عمرو بن عبد ود فارس المشركين، وبطلهم المعُلّم، ومعه عكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، وهبيرة بن أبي وهب، ومنية بن عثمان، وضرار بن الخطاب الفهري، وقد اختاروا من الخندق موضعاً ضيقاً فأكرهوا خيولهم علي اقتحامه فلما صاروا إلي ساحة المعركة. أخذوا يجولون فيها وينادون:«يا أصحاب محمد هل من مبارز؟؟»وكان من أشدهم حماساً واندفاعاً إلي الحرب عمرو بن ود، فقد ملأ الفضاء بصوته يطلب المبارزة من المسلمين فكانت كلماته كنداء الموت فما سمعها أحد إلا رجف قلبه وانهارت قواه، ولم يلبّ نداءه إلا ربيب الوحي، والسابق للاسلام الأمام أمير المؤمنين، وكان حدث السن في غضارة الشباب، ولما برز إليه علي قلت:«برز الإيمان كله إلي الشرك كله». [ صفحه 56] وانطلق إليه علي فقال له: قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعوك رجل إلي خصلتين إلا قبلت أحدهما.فأجابه عمرو: أجل.فأجابه أمير المؤمنين إني أدعوك إلي الله عزّ وجلّ، وإلي رسوله، وإلي الاسلام.فأخذته العزّة بالاثم فرد علي أمير المؤمنين قائلا: ولا حاجة لي في ذلك».فطلب منه علي الخصلة الثانية فقال له:فإني أدعوك إلي البراز.يا ابن أخي لمَّ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك.ولكني والله أحب أن أقتلك.وتصاول أسد الله وربيب الوحي مع بطل الجزيرة، فضرب عمرو علياً فأتقاها بدرقته فضرب الدرقة ففلقها وأثبت فيها وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي علي حبل العاتق فأرداه صريعاً يخور بدمه، وعلا صوت علي بالتكبير والتهليل وتلاه هتاف آلاف من معسكر المسلمين.وقلت في تلك المبارزة الخالدة التي كُتِبت فيها الهزيمة لجيش المشركين، واندحار قواهم:«لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلي يوم القيامة..» [64] وعندئذ فرَّ المشركون ناكصين لم يلووا علي شيء متلفعين بعار الهزيمة والخزي، ويقوم الأزري فيتلو علي المجتمع ما نظمه في هذه المناسبة الخالدة يقول: [ صفحه 57] يوم غصت بجيش عمرو بن ود لهوات الفلا وضاق فضاهاوتخطي إلي المدينة فرداً بسرايا عزائم ساراهافدعاهم وهم ألوف ولكن ينظرون الذي يشب لظاهاأي أنتم عن قسور عامري تتقي الأسد بأسه في شراهافابتدي المصطفي يُحدّث عما يؤجر الصابرون في أخرهاقائلا إن للجليل جناناً ليس غير المجاهدين يراهاأين من نفسه تتوق إلي الجنات أو يورد الجحيم عداهامن لعمرو وقد ضمنت علي الله له من جنانه أعلاهافالتووا عن جوابه كسوام لا تراها مجيبة من دعاهاوإذا هم بفارس قرشي ترجف الأرض خيفة إذ يطاهاقائلا ما لها سواي كفيل هذه ذمة علي وفاهاومشي يطلب الصفوف كما تمشي خماص الحشي إلي مرعاهافانتضي مشرفيه فتلقي ساق عمرو بضربة فبراهاوإلي الحشر رنة السيف منه يملأ الخافقين رجع صداهايا لها ضربة حوت مكرمات لم يزن ثقل أجرها ثقلاهاهذه من علاها إحدي المعالي وعلي هذه فقس ما سواهاوتقابل هذه الرائعة بكثير من الاستحسان، ويدعو له الجميع بالمغفرة والرضوان.

غزوة خيبر

وتجمع اليهود بعد الهزمات التي لاحقتهم في حصن خيبر، وهو من أقوي حصونهم، وأمنعها، ففيه البساتين، والزروع، وفيه الأبطال والأفراس، وأخذوا يكيدون للمسلمين، وينفقون الأموال سراً للمشركين علي مناهضة [ صفحه 58] الاسلام، فهبط الوحي عليَّ بدك هذا الحصن، وبغزو اليهود. حتي تفلل هذه القاعدة التي هي من أخطر القواعد العسكرية علي الإسلام.ويأخذ الرسول صلي الله عليه وآله يتلو علي أهل المحشر كيفية فتح هذا الحصن علي يد بطل الاسلام، وأسد الله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: لقد بعثت أبا بكر ومعه الجند لفتح هذا الحصن فلم يلو أن رجع منهزماً لم يستطع أن يثلم في أسواره ثلمة، ورجع مليء إهابه الخوف والفزع، فندبت في اليوم الثاني عمر بن الخطاب، وعقدت له لواء الحرب، فرجع منهزماً قد استولي عليه الذهول والفزع، ولم يُصب من الحصن شيئا، فقلت للجيوش الحافلة من المسلمين.«لأُعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه..»فتطلع المسلمون إلي أي فتي أو بطل تعطي الراية، ولم يدُر في خلَدِهم أني سأعطيها إلي علي لأنه كان أرمد العين.ولما أصبح الصبح هرع المسلمون يتطلعون إلي معرفة ذلك البطل الذي أمنحه الراية، ويكون الفتح علي يده، وبعد أن تم عدد الجيش واستوت صفوفهم قلت:«أين علي بن أبي طالب؟».فانبري إليّ قائلاً:«ها أنا ذا يا رسول الله».وأقبل علي وهو يشكو رمد العين، فبللت يدي من ريقي ومسست بها عينه، ودعيت بالراية، وقلت له:«خذ هذه الراية فامض بها حتي يفتح الله عليك».وانطلق علي نحو الحصن تحف به جنود المسلمين، فلما رأته اليهود دخلوا الحصن، وأغلقوه باحكام، وقد تركوا خارج الحصن أبطالهم وحماتهم يحمونه، وفي طليعتهم مرحب فارسهم المعُلّم فشدَّ عليهم علي، وصار ينثر الموت بينهم، وهم يهوون صرعي بين يديه، ورأي علي أن لا درع معه، فاندفع نحو باب الحصن، وكانت من حجر الرحي يغلقها ويفتحها أربع وأربعون فاقتلعها، وجعلها ترساً له. [ صفحه 59] وقد قتل مرحباً، وقتل الحارث من قبل، وقد جعل باب خيبر جسراً يعبر عليه المسلمون، وقد تم الفتح علي يديه، وجعل الله النصر بقيادته، وقد انكسرت شوكة الكفر، وانحسرت روح الوثنية بفتح هذا الحصن، ودخل الرعب والفزع علي جميع المشركين، وكان من أقوي الأسباب لدخول المسلمين غازين وفاتحين لملكه.وانطلق الشاعر الموهوب الازري، وكان قريباً من النبي فطلب منه الاذن ليتلو رائعته التي وصف بها هذا الحادث الخطير.وله يوم خيبر فتكات كبرت منظراً علي من رآهايوم قال النبي لأعطي رايتي ليثها وحامي حماهافاستطالت أعناق كل فريق ليروا أي ماجد يعطاهافدعا أين وارث العلم والحلم مجير الأيام من بأساهاأين ذو النجدة الذي لودعته في الثريا مروعة لباهافأتاه الوصي أرمد عين فسقاه من ريقه فشفاهاومضي يطلب الصفوف فولّت عنه علماً بأنه أمضاهاويري مرحباً بكف اقتدار أقوياء الأقدار من ضعفاهاودحا بابها بقوة بأس لو حمتها الأفلاك منه دحاها

غزوة بني قريظة

لقد استطاع الإسلام بعد واقعة الخندق أن يسير إلي الأمام قد دخل الرعب والفزع في جميع نفوس الحاقدين عليه من اليهود والمشركين.لقد كانت بنو قريظة قد نقضت العهد الذي كان بينها وبيني وذلك لتحريض من «حي بن أخطب»، وأخذ النبي صلي الله عليه وآله يتلو بايجاز تفصيل هذه الغزوة فيقول: [ صفحه 60] لما انتهت معركة الخندق، وعاد المشركون قد أذلهم الله وأخزاهم، ولما رجعت إلي يثرب أوحي إلي أن أسير إلي بني قريظة، أمرت أن ينادي المنادي بين المسلمين «من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة».فسرت إليهم بجميع من كان معي، وكان عددهم ثلاثة آلاف، وقد عقدت الراية لعلي، والمسلمون يتوسمون خطاه في أفواجهم الزاخرة، فلما بلغ حصونهم سمع منهم سباً، وقذفاً لي، فبادر علي إلي وطلب مني أن أعسكر بعيداً عن السور إشفاقاً عليّ من سماع سبّهم وهجائهم لي.وحاصرهم علي خمسة عشر يوماً فأجهدهم الحصار ففتحوا الأبواب، وأستولي عليهم الإمام، ورجع وهو منتصر ظافر، وقدأرجَعتُ أمر بني قريظة إلي سعد بن معاذ فحكم بقتل رجالهم، وتقسيم ذراريهم ونسائهم، وأن تكون ديارهم للمهاجرين دون الأنصار، فأمرت علياً أن يضرب أعناقهم، فأخرج اليهود زمراً فقتلهم، وفيهم كعب بن أسد رئيس بني قريظة، وحي بن أخطب رئيس بني النضير، وقد أبادهم علي ببتاره فكانوا ستمائة شخص.وهكذا كان أمير المؤمنين سيفاً من سيوف الله، قد استقام به أمر الاسلام، وبنيت قواعده، وأسست أركانه فإنه لم يصمد أحد في تلك المعارك الرهيبة غيره، ولم يبل احد بمثل ما ابلي به، فقد كان دفاعه عن الاسلام مشفوعاً بروح الايمان والاخلاص لله.

فتح مكة

وفي السنة الثامنة من الهجرة اتجهت إلي فتح مكة، وقد كتمت الخبر عن جميع افراد الجيش، لأفاجيء اهل مكة وهم علي غير اهبة واستعداد محافظة علي حرمة البيت وقدسيته من ان تراق فيه الدماء.وسارت الجيوش تطوي البيداء، فلما اشرفت علي مكة خرج عمي العباس وعلي في غلس الليل فبينما يسيران إذ سمع عمي العباس صوت ابي سفيان، ولم [ صفحه 61] يكن علي علم بتوجه المسلمين إلي فتح مكة، وكان يناجي بديل بن ورقاء وهو يقول له: ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً فقال له بديل: هذه والله خزاعة حمستها الحرب، فرد عليه ابو سفيان خزاعة أذل وأقل من تكون هذه نيرانها وعسكرها.فرد عليه عمي العباس، فقال له: يا أبا حنظلة، فجفل وفزع من كلامه، فقال له:ما لك فداك أبي وأمي؟فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلي الله عليه وآله في الناس.فارتعدت أعضاؤه، وانهارت قواه، وقال وهو يتمتم في كلامه.«ما الحيلة؟»فأجابه العباس: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة، حتي أتي بك رسول الله فاستأمنه لك، فركب خلف عمي العباس فجاء به، وكلما مر بنار من نار المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلتي وعليها عمي العباس، قالوا: عم رسول الله صلي الله عليه وآله علي بغلته، فلما جاء به أراد عمر بن الخطاب قتله، فنهرته، وأمرت عمي العباس أن يغدو به صباحاً، فلما أسفر وجه الصبح جاء عمي العباس ومعه أبو سفيان فقلت له:ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟!!قال أبو سفيان: ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغني عني شيئاً بعد!!فقلت له: ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!!فأظهر أبو سفيان جاهليته، وشركه، وعدم إيمانه بالرغم من كونه أسيراً فقال:«بأبي أنت وأمي، ما أحلمك، وأوصلك!! أما هذه والله فان في النفس منها حتي الآن شيئاً!!»فردَّ عليه عمي العباس، محافظاً عليه من أن يهراق دمه قائلاً له: [ صفحه 62] «اسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك».فتمتم بالشهادة، ولكن جحد بها قلبه، وإنما قالها حفظاً لدمه.وأراد عمي العباس أن يسدي علي هذا الخبيث الدنس يداً فقال لي:«يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً».فأجبته إلي ذلك وقلت:من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن.وأراد أبو سفيان أن ينصرف إلي مكة فأمرت بحبسه بمضيق الوادي حتي خطم الجبل [65] حتي تمر به جنود الله فيراها فيحدث المشركين بذلك حتي يدخل الروع والفزع في قلوبهم فلا تسفك الدماء، وحُبس أبو سفيان بالمضيق فمرت عليه القبائل علي راياتها فكلما مرت عليه قبيلة قال:يا عباس من هذه؟سليم.ما لي ولسليم!وأخذت تجتاز عليه الجيوش الاسلامية وهي مدججة بالسلاح، وهو يسأل عنها فيعرفه بها العباس، واجتزت عليه في كتيبة خضراء، وقد أحاط بي أصحابي، وكانت من أثقل الفصائل، وأشدها شكيمة، ومن أعظمها قوة، فلما رآها بهر، وأخرس، وقال بصوت خافت:من هؤلاء؟هذا رسول الله صلي الله عليه وآله في المهاجرين والأنصار.فاستولي عليه الرعب، وقال:ما لأحد بهؤلاء قبل؟! والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما.وما كان لأبي سفيان ليفقه غير الملك، فرد عليه عمي قائلاً:يا أبا سفيان إنها النبوة.فأجابه بصوت متحجر.نعم إذن.وأطلق عمي العباس سراح ابي سفيان فمضي مهرولاً فزعاً، حتي إذا انتهي إلي مكة اخذ يصيح في شوارعها وازقتها.«من دخل دار ابي سفيان فهو آمن».فلما سمعت منه هند زوجته اخذت شاربه، وجعلت تحرض قريش علي مناجزتي قائلة:«اقتلوا الحميث الدسم الأحمس [66] قُبح من طليعة قوم».فلم يعن بها ابو سفيان، واخذ يصيح في قومه.«ويلكم لا تغرنكم هذه من انفسكم، فانه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار ابي سفيان فهو آمن.فقالت له قريش:«وما تغني عنك دارك؟»قال ابو سفيان، وهو ينصحهم ويحرص عليهم:«ومن اغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن...»وتفرق الناس هاربين إلي دورهم، وقد حفظت بذلك الدماء، وصنت البلد الحرام من ان تراق فيه الدماء، وتزهق فيه الأنفس، ودخلت مكة، وانا مطرق برأسي إلي الأرض تواضعاً لله علي ما أكرمني من الفتح [67] واعطيت الراية لسعد بن عبادة وأمرته أن يدخل مكة امامي، فأخذ سعد الراية، وقد تذكر [ صفحه 64] ما مني به المسلمون من الأذي، والاضطهاد من اهل مكة، فأخذ يرتجز ويقول:اليوم يوم الملحمة اليوم تسبي الحرمةفلما سمعت بذلك تأثرت لأني جئت إلي صيانة الأخلاق، وإلي نشر الفضائل فأمرت علياً أن يصل إليه، وان يأخذ الراية من يده، ويدخلها إدخالاً رفيقاً إلي مكة فكانت راية الفتح بيد علي، وقد اعددته بذلك لقيادة المسلمين، ودخلت البيت الحرام وفيه ثلاثمائة وستون صنماً، فصعدت علي منكب علي الاحطمها فرايته لا طاقة له علي النهوض بي، فنزلت عنه، ثم نهضت به فأخذ يكسر الأصنام، ويرمي بها إلي الأرض، وانا اتلو قول الله تعالي: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» [68] .ودخلت كلمة الاسلام إلي مكة المكرمة، وقضي بذلك الله علي قوي الشرك والإلحاد.

غزوة حنين

وبعد ان فتح الله نصره عليَّ وعلي المسلمين اضطربت الجزيرة العربية ودخلها الرعب والفزع لفتح مكة التي هي حصنها المنيع، ومأوي جبابرة العرب، وطغاتها، فاجتمعت هوازن بقيادة مالك بن عوف النضري، واجتمعت معها نصر وجشم كلها، وصعد بن بكر، وناس من بني هلال، ولما علمت امرهم سرت إليهم قبل ان يسيروا الي، وخرجت إليهم بعشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وخرج معي من قريش الفان دفعهم إلي ذلك حبهم للأنتصار، وان ينفضوا عنهم غبار الذل، واندفع بعضهم بدافع الطمع بالغنائم والإسلاب.وانحدرت بالجيش في عماية الصبح في واد اجوف من اودية تهامه لأصيب من هوازن غرة قبل ان يأخذوا حذرهم، وكانوا قد سبقونا إلي الوادي، وقد كمنوا لنا في شعابه، وإحنائه ومضايقه، وتهيئوا للحرب، فما راع المسلمين إلا انثيال [ صفحه 65] الوادي عليهم خيلاً ورجالاً، وصارت هوازن وأخلافها تشد علي صفوف المسلمين وتكثر فيهم الطعن والقتل حتي تفرق المسلمون ذعراً، وانهزموا راجعين لا يلوي أحد علي أحد، وكنت ثابتاً في مكاني أدعوهم إلي الله، وإلي الثبات قائلاً: «أين أيها الناس؟ هلموا إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله، فتبدد ندائي في أنحاء الوادي، ولم يستجب لي سوي نفر من المؤمنين الصابرين، وكان علي من أشد الناس قتالاً بين يدي [69] ووقف عمي العباس يذب عني، وأبدي أبو سفيان شماتته قائلاً؟«لا تنتهي هزيمتهم دون البحر..»وقال كلدة بن حنبل:«ألا بطل السحر اليوم!!»وطلبت من عمي العباس أن ينادي بين المسلمين لترجع إليهم حوازب أحلامهم ويثوبوا إلي الرشاد فصاح عمي.«يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السمرة..»فأجابوه بالتلبية، وانكفئوا راجعين، وكان من أشد المحاربين في صفوف المشركين رجل من هوازن، وهو صاحب رايتهم وكان علي جمل فأهوي اليه علي عرقوب جمله فوقع علي عجزه، ووثب إليه رجل من الانصار فضربه علي نصف ساقه فسقط علي الارض صريعاً يتخبط بدمه.ولم تطل الهزيمة بالمسلمين، بل أتم الله نصره، وأيد المسلمين بجنود لم يروها، وكانوا لهم عوناً ونصيراً.وانتهت المعركة، وقد ساهم فيها علي مساهمة فعالة، فقد أبلي فيها بلاءً حسناً، وقد لمع نجمه، وتحدث الناس عن عظيم جهاده، وكثرة جهوده.وينبري شاعر المحشر الشيخ الازري فيصف الموقعة، ويذكر بطولة علي، فيقول: [ صفحه 66] ومن المهتدي بيوم حنين حين غاوي الفرار قد أغواهاحيث بعض الرجال تهرب من بي ض المواضي، والبعض من قتلاهاحيث لا يلتوي الي الالف إلف كل نفس أطاشها ما دهاهامن سقاها في ذلك اليوم كأساً فايضاً بالمنون حين رواهاأعجب القوم كثرة العد منها ثم ولت والرعب حشو حشاهاوقفوا وقفة الذليل وفروا من أسود الثري فرار مهاهاوعلي يلقي الألوف بقلب صور اللّه فيه شكل فناهاإنما تفضل النفوس بجد وعلي قدره مقام علاهاويدعو الجميع للازري، ويشكرونه علي هذه الخرائد التي أتحف بها الجميع.

علي المبلغ

وفي السنة التاسعة للهجرة نزلت سورة براءة فأرسلت بها علياً الي مكة ليبلغها عني، لأن التبليغ عن الله مهمة كبري لا يقوم بها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، وكان ابو بكر أميراً علي الحج، فأسرع اليه علي، ونحاه عن مكانته وتولي هو القيام بهذه المهمة الكبري، وقد أدي رسالة الله، فقال رافعاً صوته:«وبراءة من الله ورسوله إلي الذين عاهدتم من المشركين».ثم التفت إلي الملأ، وكانوا في مني مجتمعين، فقال لهم:«أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر. ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عند رسول الله عهد فهو لمدته». [70] وخبأ نجم الكفر، وأصابه الأفول، وقد انحسمت روح الشرك. [ صفحه 67]

بعثه لليمن

وقامت فتنة باليمن، وابي أهلها النزول علي حكم الله، وقد نبذوا الاسلام، وقد أوفدت إليهم خالد بن الوليد، وقد مكث خالد فيهم ستة أشهر فلم يستطع أن يصنع شيئاً، فأرسلت علياً، فقفل خالد، وقد أخفق في اداء مهمته، ولما انتهي إليهم علي اتجه الي قبيلة همدان، فصلي بهم، وقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثني عليه، وقرأ عليهم كتابي فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، ودخلوا في دين الله أفواجاً، وأصبح الشرك سُبّة بينهم، وكتب إليهم بنبأهم فداخلني من السرور والابتهاج ما لا يعلم به إلا الله، وسجدت شكراً لله تعالي علي ما منحني به من النصر، ولم تدخل همدان وحدها في حضيرة الإسلام وإنما تبعتها قبائل وقبائل، وقد زاد ذلك في عزة الإسلام وفي علو شأنه.لقد كان تأثير الإمام علي همدان تأثيراً عميقاً فقد رأوا في هديه هديي، وفي سلوكه سلوكي، ولم يؤثر عليهم خالد لأنه جافي في طريق الوعظ، وسنن الهدي والرشاد.وقد تأثرت همدان تأثيراً بالغاً بالإمام، وانطبع حبه في نفوسها ومشاعرها، وعرفت هذه الاسرة الكريمة بالولاء والحب له، فوقفت إلي جنبه في جميع مغازيه وحروبه، وكان يقول لهم علي: «أنتم درعي ورمحي».ولما فرغ علي من اداء مهمته قفل راجعاً إلي مكة ليلتقي بي، ويتأهب لحجّة الوداع.

حجة الوداع

ولما كانت السنة العاشرة للهجرة. كانت حجّة الوداع أمرني ربي أن آخذ له البيعة من عموم المسلمين، وأن أفرض ولايته علي القريب والبعيد، فأخذت له البيعة. وكان ابو بكر من السابقين الي مبايعته، ومن المبادرين الي التسليم عليه بإمرة [ صفحه 68] المؤمنين وينبري الازري ليتلو رائعته علي أهل المحشر، ويصف بيعة الغدير وموقف النبي صلي الله عليه وآله فيقول:ونجم ماذا جري يوم خم تلك أكرومة أبت أن تضاهاذاك يوم من الزمان أبانت ملة الحق عن مقتداهاكم حوي ذلك الغدير نجوماً ما جري أنجم الدجي مجراهاإذ رقي منبر الحدائج هاد طاول البيعة العلي برقاهاموقفاً للأنام في فلوات وعرات بالقيض شوي شواهاخاطباً فيهم خطابة وحي يرث الدين كله من وعاهاأيها الناس لا بقاء لحي آن من مدتي أوان انقضاهاإن رب الوري دعاني لحال قبل أن يخلق الوري اقضاهاأن أولي عليكم خير مولي كلما اعتلت الأمور شفاهاسيداً من رجالكم هاشمياً صافحته العلي فطاب شذاهافتفكرت في ضمائر قوم وهي مطوية علي شحناهاوتطيرت من مقالة قوم قد علا بابن عمه وتباهافأتتني عزيمة من إلهي أوعدتني إن لم ابلغ مطاهافهداني للتي هي اهدي وحباني بعصمة من اذاهاانها الناس حدثوا اليوم عني وليبلغ ادني الوري اقصاهاكل نفس كانت تراني مولي فل تر اليوم حيدراً مولاهاربي هذه امانة لك عندي واليك الأمين قد أداهاوال من لا يري الولاية إلا لعلي وعاد من عاداهافأجابوا بخ بخ وقلوب القوم تغلي عليَّ مغالي قلاها [ صفحه 69] لم تسعهم إلا الإجابة بالقول وإن كان قصدهم ما عداهاقل لمن أوَّل الحديث سفاها وهو إذ ذاك ليس يأبي السفاهاأتري ارجح الخلائق رأيا يمسك الناس عن مجاري سراهاراكباً ذروة الحدائج ينبي عن أمور كالشمس رأد ضحاهاوتنال هذه المقطوعة الرائعة إعجاب الجميع، وثناءهم، ويباركون له علي هذا الشعور الفياض. [ صفحه 72]

دفاع ابي بكر واعتذاره

اشاره

وبعدما أدلي النبي صلي الله عليه وآله بمواهب وصيّه، وخليفته من بعده، يسود صمت رهيب علي أهل المحشر، فينبري ابو بكر مدافعاً عن نفسه يقول:يا رسول الله، لقد أجمعت الأمة علي انتخابي خليفة من بعدك، واميراً، ولم يسعني ان أخالف الاجماع، وأشق عصي المسلمين فأجبتهم الي ما أرادوا، خوفاً من حدوث الفتنة بين المسلمين.

جواب النبي

ويحاسبه النبي صلي الله عليه وآله علي كلامه، فيفنّد دعوي الاجماع، ويقول له:هل ان المنتخبين لك معصومون من الخطأ؟، ومنزهون من الغل والحسد؟وهل أشركتم في انتخابك عترتي الطاهرة التي اذهب الله عنها الرجس، وطهرها تطهيراً؟وهل دعوت لبيعتك عشيرتي الأقربين عمي العباس وابنائه وعبد الله بن جعفر الطيار، وسائر بني هاشم؟وهل دعوت أصحاب البصيرة في الدين، أمثال سلمان الفارسي والمقداد، وابي ذر، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليّمان، وابي دجانة، وأضرابهم من المؤمنين والسابقين للاسلام؟فأين الاجماع؟ وهل يكتب الاجماع الصفة الشرعية بعد أن تخلف عنه عيون المؤمنين، ووجوه المسلمين؟اين الاجماع الذي حصل، وقد قهرت المسلمين علي البيعة وأجبرتموهم علي [ صفحه 73] ذلك، وقد لعبت درّة صاحبك عمر لعِبتها في إرغام الناس، واكراههم علي بيعتك.هل يجوز أن تسمي البيعة بالقهر إجماعاً، وقد خرجت الي الأزقة ومعك بنات عرشك عمر بن الخطاب، وابو عبيدة، وسالم مولي أبي حذيفة، وعويم بن ساعدة تتخبطون الناس كمن مسه مس من الشيطان فتزعمون الناس علي البيعة لك بالتهديد تارة وبالضغط أخري.واذا كان الاجماع عندك سبباً في مشروعية الخلافة فلم عدلت عنه، واستبددت بمفردك بتعيين عمر بن الخطاب خليفة لك من بعدك؟ويدين النبي صلي الله عليه وآله أبا بكر بجملة من أعماله التي ارتكبها، وهي:

ارغام علي علي البيعة

ولم تقتنع يا أبا بكر بتقمصك للخلافة، وغصبك لعلي حقه، وانما حملت علياً علي البيعة لك فقد أوعزت الي حزبك ان يحملونه قسراً، فانطلق عمر بن الخطاب وبشير بن عويم، وأسيد بن الحضير، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وابو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي ابي حذيفة، وخالد بن الوليد، وقنفذ بن جذعان فهجموا علي علي داره، وفيها بضعتي، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد جاء عمر بقبس من النار ليحرق بيت الوحي، وخزان العلم، ومعدن التقوي والايمان، وهجم عمر علي الدار وهو مغيظ محنق يصيح بأعلي صوته:«والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنها علي من فيها..»فتراجع قوم من المسلمين، ونددوا بمقالته، وحذروه من عقوبة الله وسخطه قائلين له:«إنّ في الدار فاطمة».فصاح بهم غير مكترث: [ صفحه 74] «وإن، وإن» [71] .وطالعتهم حبيبتي وبضعتي، وقد علاها الرعب، استولي عليها النزع والذهول قائلة:«لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلي الله عليه وآله جنازة بأيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأثرونا، ولم تردوا لنا حقاً..»وتقطعت القلوب، وذابت نفوس القوم أسي حينما سمعوا بضعتي الولهي، وهي تستغيث وتستجير، فأسرع عمر اليك يحفزك علي الوقيعة بأخي ووصيي وباب مدينة علمي قائلاً لك:«ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟»فأرسلت قنفذاً خلفه فأبي من الحضور، فانطلق صاحبك عمر ومعه جلاوزته الي بيت الامام فقرع الباب، واقتحم علي الاسد عرينه فأخرجوه ملبباً بحمائل سيفه يهرول، والزهراء خلفه تعدو وتستغيث قائلة:«يا أبتِ يا رسول الله... ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابي قحافة!!؟».وجاءوا بعلي فأوقفوه أمامك، وهو مهدور الكرامة، مهان الجانب، وأنت علي منبري، فالتفت اليه قائلاً:«بايع». [ صفحه 75] فقال لك: وإن لم أفعل؟فألتفتَ إليه حزبك، وعلي رأسهم عمر قائلين له:«والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك..»وتناسوا مواقفه المشكورة، ودفاعه المنير عن الاسلام، وقد صمت علي برهة من الزمن فنظر إلي القوم فاذا ليس له معين، ولا ناصر فقال بصوت حزين النبرات:«إذاً تقتلون عبد الله، وأخا رسوله!!»فاندفع ابن الخطاب راداً عليه:«أما عبد الله نعم، وأما أخو رسوله فلا»وتناسي عمر ان أمير المؤمنين أخي، وباب مدينة علمي، وخير من خلّفته في أمتي، والتفت اليك يحثك علي الإيقاع به، وعلي قتله قائلاً لك:«ألا تأمر فيه بأمرك؟»وحاذرت من وقوع الفتنة، ومن اندلاع نيران الثورة فقلت:«لا أكرهه، ما كانت فاطمة الي جانبه».وأطلقت سراحه، فراح يهرول إلي قبري، وهو يبكي أمرّ البكاء، ويستنجد قائلاً:«يا بن أم.. إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني» لقد استضعفتموه، واستوحدتموه، واستبحتم حرمته، وما راعيتم مقامه، ومكانه مني؛ وقفل راجعاً الي بيته وهو كئيب حزين، يسامر الهموم، والآلام.

مصادرة فدك

يا أبا بكر لم منعت ابنتي فاطمة فدكاً، وقد كنت منحتها إياها في حياتي، فرددتها، وطالبت منها البينة، فأتتك بأوثق بينّة وباصدق شهود، وأعدلهم [ صفحه 76] جائتك بعلي، وبسبطي الرحمة وامامي الهدي الحسن والحسين، وبالمرأة الصالحة ام أيمن فطعنت شهادتهم، وقلت: إن علياً يجر النار إلي قرصه، وان الحسنين طفلان.وأنت تعلم بطهارتهم، وصدق شهادتهم، لأنهم من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، وقد سمعت مني الشيء الكثير مما قلته في حقهم، فقد شبهتهم بسفينة نوح، وجعلتهم عُدلاء للذكر الحكيم، أليس ذلك كافياً في توثيقهم وتزكيتهم.مضافاً لذلك فان ابنتي هي صاحبة اليد، فلا تطالب بالبينة، وانما تطالب بها أنت.ورددت شهادة السيدة أم أيمن وقد شهدت لها بالجنة وهب أنك لم تقنع بالبينة علي ثبوت نحلتها، فلم لا تكون ميراثاً؟ وقد شرع الله في الميراث أحكاماعامة في كتابه فلم يستثن منها أحداً نبياً أو غير نبي، قال تعالي: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» [72] وقال تعالي فيما اقتص من خبر زكريا «فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا» [73] وقال تعالي: «وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله» [74] فهذه الآيات الكريمة شاملة للأنبياء وغيرهم.وقد رويت عني حديثاً لم أفه به، فقلت لبضعتي إن أباك قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة. وما كان لنا فهو لولي الأمر من بعدنا يصرفه في الكراع والسلاح. [ صفحه 77] فهل أنت يا أبا بكر أعلم بعموم القرآن وخصوصه مني ومن بضعتي، ووصيي علي، وإذا قلت ذلك أفهل أخصك به وحدك، ولا أعلم به عترتي وأهل بيتي حتي لا يحدث بينهم نزاع أو شقاق في مواريثي.إنك من دون شك تعلم بعدم صحة ذلك، وأنت مطمئن به، ولكن غرضك من ذلك شل نشاط علي، ودك كيانه محاذراً أن يكون له مال فتكثر أعوانه، وتقوي شوكته، فيدفعك عن مركزك، ويرجع إليه حقه الغصيب.ويقوم الأزري ودموعه تتبلور علي وجهه، وقد ثارت كوامن آلامه فيخاطب الجماهير قائلاً:أيها الناس أي بنت نبي عن مواريثه أبوها زواهاكيف يزوي تراثي عتيق باحاديث من لدنه أفتراهاهذه الكتب فاسألوها تروها بالمواريث ناطقاً فحواهاوبمعني يوصيكم الله أمر شامل للعباد في قرباهاكيف لم يوصنا بذلك مولا نا وتيما من دوننا أوصاهاهل رآنا لا نستحق اهتداءً واستحقت تيم الهدي فهواهاأم تراه اضلنا في البرايا بعد علم لكي نصيب خطاهاانصفوني من جائرين اضاعا ذمة المصطفي وما رعياهاوانظروا في عواقب الدهر كم امست عتاة الرجال من صرعاهاما لكم قد منعتمونا حقوقاً اوجب اللّه في الكتاب اداهاوحذوتم حذو اليهود غداة اتخذوا العجل بعد موسي إلهاويسود الحزن والبكاء علي الجميع، ويلتفت النبي إلي ابي بكر قائلا له:يا أبا بكر هل من البر والإحسان ان تخرج بضعتي ووديعتي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وهي ثكلي قد نخب قلبها الحزن علي فراقي، واذاب فؤادها الأسي حزناً عليَّ، فتخرجها من بيتها تتهادي بين ثلة من نساء قومها فتوقفها [ صفحه 78] بين يديك موقف المحاكمة، وبملأ من الناس، وهي تبسط دعواها لإثبات النحلة لفدك، وتدعيم قولها بالبرهان مستدلة عليك بقوله تعالي: «وآت ذا القربي حقه» وهل هناك مصداق لهذه الآية غيرها؟ فكان جوابك لها مداورة ومغالطة قائلاً لها:«أنت أعزّ الناس عليّ فقراً، وأحبهم إليّ غني، لكني لا أعرف صحة قولك، فلا يجوز أن أحكم لك».فأتتك بالشهود من الثقات فرددت شهادتهم.هل كنت لا تعرف صحة قولها، وهي سيدة نساء العالمين، وهل تراها مع بينتها من أهل الزور والعدوان؟ «كلا بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل، والله المستعان علي ما تصفون».ولما أدعتك ميراثها ولم تورثها، وأخذت تقابلها بمعسول القول لأجل كسب رضاء الجماهير فقلت لها:«يا بنت رسول الله، والله ما خلق الله خلقاً أحب عليّ من رسول الله أبيك، ولوددت أن السماء وقعت علي الأرض يوم مات أبوك. والله لئن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري، أتريني أعطي الأبيض، والأحمر حقه، وأظلمك؟ وأنت بنت رسول الله، إن هذا المال لم يكن للبنين، وإنما كان مالاً من أموال المسلمين، يحمل به النبي الرجال، وينفقه في سبيل الله، فلما توفي وليته كما كان يليه...»إنها لم تطالبك من أموال المسلمين، فإنها أعلم بأحكام الله من غيرها، وإنما جاءت تطالب ميراثها، ومنحتها، وقد ردت عليك ابنتي وقد ملأ الأسي قلبها فقالت لك:«والله لا كلمتك أبداً».فرددت عليها:«والله لا أهجرنك أبداً». [ صفحه 79] ولما يئست من الناصر والمعين قالت لك:«والله لأدعون عليك».قلت لها: «لأدعون الله لك».وكان الأجدر بك أن تربأ بوحيدتي من الفشل في موقفها ومن الخيبة في دعواها، فتعطيها فدكاً من غير محاكمة فإن للامام أن يفعل ذلك بولايته العامة، وما قيمة فدك في سبيل هذه المصلحة. ودفع هذه المفسدة.

منع سهم ذي القربي

لقد منعت يا أبا بكر سهم ذي القربي، وقد نصَّ الله عليه في كتابه قال تعالي: «وما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم التقي الجمعان والله علي كل شيء قدير».وكنت اختص بسهم من الخمس، واخص بني هاشم بسهم آخر، وقد جعل الله الخمس حقاً شرعياً لأربابه المذكورين في الآية، وحذر الطامعين عن صرفه عنهم وذلك بما وصفهم بعدم الإيمان بالله.ولما التحقت بالرفيق الأعلي منعت بني هاشم من الخمس، وجعلتهم كغيرهم من المسلمين [75] .وقد ارسلت اليك سيدة نساء العالمين بضعتي فاطمة تسألك ان تدفع لها ما بقي من خمس خيبر، فأبيت ان تدفع إليها منه شيئاً، فتألمت واحاط بها الشجي والحزن، فوجدت عليك، وهجرتك في المدة التي عاشتها بعدي، وقد [ صفحه 80] بلغ من عظيم وجدها عليك انها اوصت علياً ان يدفنها في غلس الليل البهيم لئلا تحضر انت وحزبك الصلاة عليها، ولا دفنها [76] .

اعتذار أبي بكر

ويعتذر ابو بكر، ويقر بأنه قد ارتكب شططاً تجاه بضعة النبي وريحانته فيقول:بلي يا رسول الله إننا قد اخطأنا، واسأنا إلي وديعتك وبضعتك فاطمة، فانطلقت انا وعمر، واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لنا، وذلك لعظيم وجدها علينا، واستأذنا مرة اخري فأبت ان تأذن لنا، فسرنا إلي علي، والححنا عليه أن يستأذن لنا عليها، فقبل علي ذلك، وتناسي اخذنا لحقه واستبدادنا بالأمر دونه، ودخل علي فاطمة فترجاها في ان تسمح لنا بزيارتها، فقبلت، ودخلنا عليها، فسلمنا عليها فلم تجب، وتقدمنا فقعدنا امامها، فأشاحت بوجهها عنا، ورحنا نلحق في الرجاء ان تمنحنا رضاها، وأن تجعلنا في حل مما وقع منا من تفريط تجاهها، فقلت لها:«يا حبيبة الرسول.. والله إن قرابة رسول الله احب إلي من قرابتي، وانك أحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات ابوك اني مت، ولا ابقي بعده.. أفتراني أعرفك واعرف فضلك وشرفك، وامنعك حقك، وميراثك من رسول الله..». [ صفحه 81] «لا نورّث ما تركناه فهو صدقة».فخاطبتني فاطمة، واشركت معي في الخطاب عمر بن الخطاب.«أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه، وتعملون به».أجبتها أنا وصاحبي.«نعم».فراحت تقول لنا بفؤاد مكلوم، ونفس مُترعة بالألم والجزع.«نشدتكما الله.. ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي. فمن أحب فاطمة فقد أحبني، ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة، فقد أسخطني».اجبنا مؤمنين بقولها، ومصدقين لما سمعناه منك في حقها قائلين:«أجل قد سمعنا ذلك من رسول الله».فرمقت وجهها وكفيها الي السماء وراحت تقول في حرارة وألم ممض.«فإني أُشهِد الله، وملائكته إنكما أسخطتماني، وما أرضيتماني ولئن لقيت رسول الله لأشكوكما إليه.» [77] وغادرنا الدار، وقد خبا أملنا في رضا بضعتك، وعلمنا مدي الغضب الذي أثرناه في قلبها، ومدي السخط الذي بئنا به.أما عمر فقد عاوده ثانية ندمه علي ما فرّط في حقها فثاب الي الدمع يلوذ به، عساه أن يلهمه الراحة.وأما أنا فقد أحسست كأنما الدنيا قد ضاقت عليَّ حتي لا أري فيها مقاما، وكرهت بعد ذلك الموقف أن يصيبني من الحياة شيء أو أصيب منها، وبحسبي أن استطيع الانطواء علي نفسي في داري لاعالج همي بعد أن حرمت رضا فاطمة [ صفحه 82] الذي هو من رضاء الله [78] والذي هو نفحة عاطرة من رضاك يا رسول الله، فحينئذ أسرعت الي الناس أن يقيلوني بيعتهم فلم يسمحوا لي بذلك.

جواب النبي

يا أبا بكر ان ذلك كان من خداعك، وفذلكتك، إنك إن أخذت فدكا من فاطمة، ومنعتها من الخمس والفيء كان ذلك بحجّة شرعية فلا موجب للاعتذار، ولا وجه لجزعك وجزع صاحبك، ولكنك من دون شك أردت ان توهم علي المسلمين بأنك نلت رضا فاطمة لتضفي علي خلافتك ثوباً شرعياً، لكن سيدة النساء لم يخف عليها أمرك فقابلتك بالغضب، ولم تمنحك الرضا، وقد عززت ذلك بوصيتها إلي أمير المؤمنين أن يواري جثمانها في غلس الليل البهيم حتي لا تحضر جنازتها والصلاة عليها، حتي يستبين ذلك لجميع أمتي في جميع مراحل تأريخها، وقد بوركت هذه الخطة الرشيدة فإنها لم تدع لك ولا لحزبك مجالا في الاعتذار، وقد بقيت وصمة عليك لا تمحي، ولاتنسي.يا أبا بكر: كان عليك أن تعلم ان فدك لم يكن لها أية أهمية، عند بضعتي، فانها قد نهجت نهجي وعاشت مطبوعة بطباعي، وسارت علي منوالي في العزوف عن عرض الدنيا، ونشب الحياة، ولكنها أرادت في واقع الحال ارجاع الخلافة إلي أمير المؤمنين عليه السلام ليسير بين المسلمين بسيرة قوامها العدل الخالص، والحق المحض، وحتي يستبين هدي الاسلام، وتعم رحمته، ونوره جميع ارجاء الارض، ولكنها الاطماع، وحب الدنيا قد صدتكم عن وعي ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [ صفحه 83]

سهم المؤلفة قلوبهم

يا أبا بكر: لقد فرض الله تعالي سهما من الزكاة للمؤلفةقلوبهم.قال تعالي: «انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم» [79] وقد دلت هذه الآية بوضوح علي أن للمؤلفة قلوبهم سهما وحصة في الزكاة، وقد كنت أجريها عليهم، وقد اعطيت بعض أصنافهم من سدس الخمس الذي يرجع لي، وقد استمرت سيرتي علي ذلك حتي لحقت بالرفيق الأعلي، ولم أعهد الي أحد من بعدي باسقاط هذا السهم، ولكنك لما وليت الامر جائتك المؤلفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم جريا علي عادتهم.. فكتبت لهم بذلك، فذهبوا الي خليفتك عمر ليأخذوا حصتهم منه، فعرضوا عليه كتابك فخرقه، وقال لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أَعز الله الاسلام، وأغني عنكم، فان اسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم، فهرعوا اليك، وهم يتعثرون برداء الفشل والذل فقالوا لك:«أأنت الخليفة أم هو؟».فقلت لهم: بل هو إن شاء الله تعالي [80] .وأمضيت فعل عمر، واستقر الأمر لديكما علي ذلك، فاية غاية وفائدة قد جنيتها من تلاعبك بنص كتاب الله، وهو اجتهاد منك في قِبال النص، وهو من دون شك تغيير وتصرف في احكام الله.

يوم مالك بن نويرة

يا أبا بكر: [ صفحه 84] يا خليفة المسلمينأهكذا يكون التمسك بالاعوان والانصار، والمحسوبين؟أهكذا تعمل الحزبية؟!!ما يوم البطاح؟فقد انتهكت فيه كرامة الاسلام، واستُحِل فيه ما حرمه الله، واستبيحت أعراض المسلمين ودمائهم، وأموالهم، لقد ارتكب خالد كل موبقة واثم مع مالك بن نويرة التميمي.كان مالك في بني تميم هامة الشرف، وعرنين المجد، ومن تضرب الامثال بفتوته نجدة، وكرما، وحفيظة، وشجاعة، وقد قيل فيه «لا فتي إلا كمالك».وهو من أرداف الملوك أسلم، وأسلم بنو يربوع باسلامه: ووليته علي صدقات قومه، ثقة به واعتماداً عليه.ولما أنتقلت الي دار الحق أبي النزول علي حكمك في أمر الزكاة وغيرها، ولم يكن ذلك منه عن ارتياب في الدين، أو شق لعصا الطاعة بين المسلمين، ولا لابتغاء فتنة، وانما كان باحثا عن تكليفه الشرعي في ذلك ليؤديه حسب ما شرع الله ورسوله، فقد عرف أني نصبت عليا خليفة علي المسلمين، ودللتهم عليه، وقد سأل عن ذلك فقيل له الامر يحدث بعده الامر فاترعت نفسه بالشكوك من حكومتك.بهذا لا بسواه تريث مالك في دفع الزكاة باحثاً عن براءة ذمته فيمن يدفعها إليه، ولم يكن منكراً للزكاة، ولا ممن يستحل ماحرم الله.فبم استحللت دمه، وأبحت لخالد بن الوليد أن يغدر به ويسفك دمه.لقد زحف اليهم خالد فلما دنا منهم أذن مؤذن خالد، وأقام للصلاة فاقتدي به مالك مع قومه، وبعد الفراغ من الصلاة خفوا علي أسلحتهم وشدوا وثاقهم، وجيء بهم أسري إلي خالد، وكانت فيهم زوجة مالك ليلي بنت المنهال، وكانت من أشهر نساء العرب بجمالها، فافتتن بها خالد، وقد تجادل في الكلام [ صفحه 85] مع مالك، وهي واقفة الي جنبه فكان مما قاله خالد له: اني قاتلك.أو بذلك أمرك صاحبك؟والله لأقتلنك.وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين، فكلما نهيا خالدا في أمره فلم يستجب لقولهما، فالتفت مالك قائلا «إبعثنا الي أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا».وألّح عبد الله بن عمر وأبو قتادة بأن يبعثهم اليك فأبي خالد، وقال: لا أقالني الله إن لم أقتله، وأوعز الي ضرار بن الازور الاسدي شارب الخمر، وصاحب الفجور [81] أن ينفذ حكم الاعدام في مالك، وعرف مالك أن السبب في اصرار خالد علي قتله فتنته بزوجته، فقال له:هذه وأشار الي زوجته هي التي قتلتني.بل الله قتلك برجوعك عن الاسلام.إني علي الاسلام.فلم يعتن بذلك، وقام الجلاد الاثيم فأطاح برأس مالك وتركه جثة هامدة يتخبط بدمه، وانبري الي زوجته فبني بها في تلك الليلة، وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي:ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك تطاول هذا الليل من بعد مالكقضي خالد بغيا عليه لعُرسه وكان له فيها هوي قبل ذلكفأمضي هواه خالد غير عاطف عنان الهوي عنها ولا متمالكوأصبح ذا أهل وأصبح مالك علي غير شيء هالك في الهوالكفمن لليتامي والأرامل بعده ومن للرجال المعدمين الصعالك [ صفحه 86] أصيبت تميم غثها وسمينها بفارسها المرجو سحب الحوالك [82] وجعل رأسه اثفية القدر، ولم يكتف بذلك وأنما سبي النساء المسلمات واستباح ما حرم الله من أموالهم وفروجهم، وكنت اعلنت للملأ وأنت من بينهم مراراً وتكراراً بحرمة الدماء والاموال، والأعراض، وكان آخر تصريح لي في مني ان قلت:«إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، وأعراضكم كحرمة يومكم في شهركم هذا، في بلدكم هذا».ولما قفل خالد راجعاً الي يثرب دخل المسجد في عدة الحرب مرتاداً قباءاً له عليه صدأ الحديد، وقد غرز في عمامته اسهما فثار في وجهه عمر ونزع الأسهم من رأسه، وحطمها وهو يقول: «قتلت أمرءاً مسلماً ثم نزوت علي أمرأته، والله لأرجمنك بالاحجار..»ومشت الرعدة في أوصاله، فدخل عليك، وقص عليك قصته مع خالد، فهدأت روعه، وعفوت عنه، فانطلق اليك عمر قائلاً: «إن خالداً قد زني، فاجلده».فرددت عليه قائلا له:«إنه تأول فاخطأ»فقال لك:«إنه قتل مسلماً»فلم تعتن بكلامه، وقلت له:«ما كنت لأغمد سيفاً سله الله عليهم..» [83] بأي كتاب أم باية سُنّة ساغ لك تعطيل الحدود، والعفو علي المجرمين. [ صفحه 87] ما ذنب أولئك المسلمين الذين قتلهم خالد صبراً، وسبي ذراريهم، فهل اكتسبوا إثماً او اقترفوا جرماً، ألم يعلن مالك، وقد شهر عليه السيف بأنه مسلم، ومؤمن بما جئت له من عند الله، وقد قلت: «لا يحل دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله إلا باحدي ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة.» [84] ومتي كان خالد سيفا من سيوف الله أفي هجومه عليَّ يوم بيَّتُ علي علي فراشي، أم في واقعة أُحد، حينما هجم علي المسلمين فأوسع فيهم قتلا؟وهل أن سيف الله تنهتك به حرمات المسلمين، وينزو علي المرأة المسلمة وهي في عدتها.إن اعراضك عن خالد وتأويلك لجريمته انما كان جزاءاً له علي مسارعته لبيعتك في سقيفة بني ساعدة، وارغامه الناس علي ذلك، وسوقه عليا بالعنف لأخذ البيعة منه، فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون.

سرية أسامة

لقد نبذت يا أبا بكر أمري، وتأولت قولي فتخلفت عن جيش أُسامة، وقد كنت مهتما به إهتماماً بالغاً، فقد عبأته بنفسي، وعقدت اللواء بيدي، وقد عبأتك ووجوه المهاجرين والأنصار، وقلت لاسامة: «اغزو باسم الله، وقاتل من كفر بالله»فتثاقلت من الالتحاق أنت وحزبك، ولما علمت ذلك جعلت أكرر قولي في الالتحاق بجيش أسامة وألعن المتخلف عنه قائلاً:«نفذوا جيش اسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة». [ صفحه 88] ولم يرهف عزيمتك هذا الاهتمام، والتشديد، فرحت تحكم قواعد سياستك، وتضع المخططات لصرف الخلافة عن أهل البيت.لقد كنت أريد أن تخلو منكم عاصمتي حتي يصفو الأمر من بعدي لعلي بسهولة، فشعرتم بذلك فتأخرتم عن الألتحاق بالجيش مخافة أن يتم الامر بعدكم لعلي فيصعب عليكم حل الخلافة وإِحداث الشغب والنزاع.وهكذا نبذت أنت وحزبك قولي، والقيتم الأمة في شر عظيم ونسفتم جميع المخططات التي وضعتها لسعادة الامة ونجاحها.

عهدك لعمر

وعهدت يا أبا بكر بالخلافة من بعدك الي عمر، كأنها ملك لك وأنت تعهد بها إلي من شئت وقد زعمت أني تركت الامة بلا خليفة لانه اصلاح لها، فلماذا لم تتركها أنت من بعدك كذلك لتختار هي من تشاءه من المسلمين، وهل لك الوالية عليهم حتي تُعين صاحبك.لقد نسيت او تناسيت عهدي بالخلافة إلي علي، ثم من بعده الي الأئمة من ولده فإنهم سفن النجاة، وعدلاء الذكر الحكيم. لا يضل من تمسك بهما، ولا يهتدي الي الحق من لم ينهج في الدين نهجهما، لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، وقد جعلت العترة أمانا لأهل الأرض من العذاب، وشبهتهم بسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوي و كباب حِطة من دخله غفر له.فقد أبعدت عترتي، وتأولت النصوص الصريحة التي أوجبت لهم الحق بالخلافة من بعدي.ويسكت أبو بكر، ولا يجد مجالا للدفاع عن نفسه، فقد دانه النبي صلي الله عليه وآله بما قدم له من الحقائق التي لا مجال للشك فيها وبهذا ينتهي المطاف عن حديث ابي بكر. [ صفحه 90]

الرسول مع عمر

اشاره

ويأتي دور الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فتشخص له الابصار، وتتطلع إليه النفوس، ويوجه إليه النبي خطابه قائلاً:أيها الخليفة الثاني كيف سغ لك أن تثقل الخلافة، وفي الأمة من هو أفضل منك، وأحق بها من غيره، وهو الإمام أمير المؤمنين، وقد سمعت مني كثيراً أني قلت:«من تقدم علي قوم من المسلمين، وهو يري من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله والمسلين..» [85] لقد جعلت الحكم بيد أفضل شخص في أمتي صيانة لها، وحفاظا علي اصالتها، ووقاية لها من الفتن والزيغ، وأنت تعلم أن عليا أفضل امتي، وادري من غيره باحكام الله، واسرار التشريع فهو مني بمنزلة هارون من موسي، وباب مدينة علمي، وأقضي أمتي، وقد بايعته أنت بالذات يوم غدير خم، وقلت له: «بخ بخ لك أصبحت وأمسيت مولاي، ومولي كل مؤمن ومؤمنة..»فكيف ساغ لك ان تحتل مقامه، وتدفعه عن مركزه، وتستلب عرشه!!

دفاع عمر

ويقوم عمر فيقول يا رسول الله ان لي الحق في الدفاع عن نفسي.نعم لك الحرية التامة.لقد عينني الخليفة أبو بكر الذي زكّته الأمة، وجعلته من خيارها، [ صفحه 91] وأجمعت علي بيعته، وهذا نص عهده إلي:«هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة، آخر عهده في الدنيا نازحا، وأول عهده داخلا بالآخرة، إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم فذلك ظني به، ورجائي فيه، وإن بدل وغيَّر فالخير أردت، ولا أعلم الغيب «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» [86] .ولولا عهده، ونصه عليَّ لما ارتقيت منصب الخلافة فان كان هناك تبعة، فهو المسؤول عنها دوني.

جواب النبي

ويرد عليه النبي صلي الله عليه وآله قائلاً: انت تعلم ان ابا بكر قد تقمص الخلافة، ولاحق له بها، فقد كانت بيعته فلتة علي حد تصريحك، فأنت أول من وصمتها بذلك، وأنت تعلم بأنها لم تكن جامعة لأهل الحل والعقد، فقد تخلف عنها خيار السلمين، وقد لعبت وتيرتك في تكوينها وتحقيقها فقد أرغمت المسلمين علي قبولها وقد قسرت العترة الطاهرة علي البيعة فما استجابوا لها حتي حملت قبساً من النار تريد أن تحرق دار بضعتي ووحيدتي سيدة النساء فاطمة، ومع هذا فهل تكون بيعته مشروعة حتي يصح له أن يعين أو يختار من يشاء لهذا المنصب العظيم، ويضاف لذلك أنه قد اندفع إلي الانكار عليه في تعيينه لك جمهور المهاجرين والأنصار فقد بادروا إليه قائلين:«نراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا، فكيف إذا وليت عنا، وأنت لاق الله عزّ وجلّ فما أنت قائل» [87] .واندفع إلي الإنكار عليه طلحة فقال له: [ صفحه 92] «ماذا تقول لربك، وقد وليت علينا فضاً غليظاً تفرق منه النفوس، وتنفض منه القلوب» [88] .ولما كتب إليك بولايتك من بعده أخذت الكتاب، وأنت تهرول لتقرأه علي الناس، فاعترضك رجل من خيار المسلمين، فقال لك:«ما في الكتاب يا أبا حفص؟».فقلت: «لا أدري، ولكني أول من سمع وأطاع».فنظر إليك الرجل نظرة ريبة، وأخبرك بما فيه قائلاً:«ولكني والله أدري ما فيه، أمرّته عام أول، وأمرّك العام» [89] .لقد تواطئت أنت وصاحبك، ومعكما جمهرة من المعاديين لعترتي علي صرف الخلافة عنها، فحل بالاسلام، وبالمسلمين من النكبات والشجون ما لا يعلم بمدي قسوتها، وضراوتها إلا الله، والآن أعرض عليك بعض ما ارتكبته من المخالفات لنصوص كتاب الله وسنته، أطلب منك أن تجيبني عنها.

الحيلولة بيني وبين الكتاب

عندما حضرتني الوفاة، وكادت روحي أن تصعد إلي ربها راضية مرضية، أردت أن أضع لأمتي منهاجاً صحيحاً يقيها من الفتن والأهواء، ويضمن لها السعادة والنجاح في جميع مراحل تاريخها فقلت:«إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً..» [90] وقد علمت قصدي، وعرفت غايتي أني سأوصي بالخلافة لأمير المؤمنين، وأعزز ما أعلنته يوم غدير خم، فتفوت بذلك أهدافك وينهار قصدك، فقلت [ صفحه 93] راداً عليَّ:«حسبنا كتاب الله».أتحترم مقامي، ولم تراع ما أنا فيه من شدة الألم، والمرض، فرددت عليّ، وقد انطلقت النسوة من وراء الحجاب فقلن لك ولأصحابك:«ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلي الله عليه وآله».فصحت فيهن لئلا يفسد عليك الأمر قائلاً:«إنكن صويحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صحّ ركبتن عنقه».فأزعجني كلامك، وقلت لكم:«دعوهن فإنهن خير منكم».وكادت أن تفوز الجبهة التي أرادت تنفيذ إرادتي في إحضار الكتف والدواة، فقلت ويا لهول ما قلت:«إن النبي ليهجر» [91] .وقد سددت لي سهماً بذلك، وأنا في سكرات الموت، أتحكم عليَّ بأني أهذي وأهجر، واني فاقد لرشدي، وقد زكاني الله تعالي من ذلك، في جميع أدوار حياتي إلي أن لحقت بالرفيق الأعلي وإني علي سمت واحد، لم أفقد رشداً ولا هديا، وقد نطقت نصوص القرآن بذلك. قال تعالي: «ماضل صاحبكم وما غوي وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوي».وقال تعالي: «إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون» إلي غير ذلك من الآيات التي دلت علي عصمتي من الهجر، وغيره من ألوان النقص. [ صفحه 94] لقد بعثني الله رحمة للعالمين، وجعلني قدوة وهادياً للناس أجمعين، وقد نسبت لي الهجر طاعناً في كرامتي، وناسباً لي ما لا يليق بشأني.

دفاع عمر

ويندفع عمر فيقول: يا رسول الله لقد أردت بذلك أن أحول بينك، وبين ما تكتب في شأن علي، ولو كنت أحتمل أنك توصي بحماية الثغور أو بغير ذلك من شؤون الدين، لما اندفعت إلي هذه الكلمة القاسية، وما نسبت لك الهجر.الرسول: لماذا كرهت خلافة علي؟.عمر: إن قريش أبت أن تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد، فيجحف أهل بيتك علي الناس بجحاً، واستجابة لعواطف قريش التي تحقد علي أهل بيتك حلت بينك وبين ما أردت في الكتابة في حق علي.ويتألم النبي صلي الله عليه وآله ويندفع إلي الإنكار عليه قائلاً له: «إن الله سبحانه هو الذي منح هذا البيت الرسالة فاصطفاني لاداء رسالته وتبليغ أحكامه، وقد اختار من أهلي علياً فجعله خليفة لي ووزيراً، ووصياً، وقد كرهت قريش أن يكون من بني هاشم نبي، فكفرت بي، وحاربتني، ونصبت لي العداء فجعلت تعذب كل من آمن بي، حتي أضحي المؤمنون بالله وبرسوله إلي الهجرة من ديارهم وأوطانهم، وقد كبسوني أنا وأسرتي في شعب من شعاب مكة، وحرموا الاتصال بي، وحرمونا من كل شيء، وبعد فك الحصار صمموا علي قتلي فهربت منهم، وقد بات علي في فراشي، فوقاني بروحه، فأي مفاداة مثل مفاداته؟.ولما استقر بي المقام في يثرب أخذت بتبليغ رسالة الله فأثار ذلك أحقاد قريش، وأضغانها، فأخذت تسعي بقوي محمومة مستعدة إلي استنهاض القبائل، وإثارة الأحقاد عليّ، فخفت بجيوشها وعساكرها تناجز من الحرب فكانت [ صفحه 95] واقعة بدر وأحد وغيرها».فأي حق لقريش في هذا الأمر؟ وأي ميزة لها علي غيرها حتي ترعي عواطفها وميولها؟.لقد استجبت لرغبات قريش، ولم تستجب لما أمرتكم به من التمسك بالثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي الذين هم معدن الحكمة، وخزان الوحي، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو المستعان علي ما تصفون.يا عمر، لقد أدّت استجابتك لرغبات قريش أن يؤول أمر المسلمين إلي بني أمية فيبالغون في ارهاق عترتي والتنكيل بها حتي تقطعت أوصالها في صعيد كربلاء وقتل ريحانتي وسبطي الثاني الحسين، قتلته بنو أمية طلباً بثارات بدر فشفوا بذلك غليلهم وأحقادهم.وليس في دنيا الوجود خطب يضارع ما جري علي حفيدي الحسين فقد ذبحت أطفاله عطاشي، وسُبيت نساؤه التي هن كرائم الوحي من بلد الي بلد، وقد ربقن مع الأطفال بالحبال، قد ألهبت السياط أبدانهم، وأحرق المصاب قلوبهم.وتتابعت بعد ذلك علي عترتي أشق ألوان المصائب، وأقسي أنواع المحن والخطوب، كأنهم قد جنوا جناية علي المجتمع لا تعدلها جناية، قد قضي الكثيرون منهم في ظلمات السجون والتعذيب، يطاردهم الرعب، ويلاحقهم الخوف.هذا ما أرادته قريش لعترتي وأهل بيتي، فهل ترضي بذلك يا أبا حفص؟.

الثقة بالدين

يا عمر: لا يحق منصب الخلافة والامامة إلا لمن كان عالماً بسنن الشرع، ومحيطاً بشؤون الدين، وعارفاً بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها، وقد اعترفت علي نفسك بقلة الفقه فقلت: «كل الناس أفقه منك يا عمر حتي ربات [ صفحه 96] الحجال» [92] . وكنت تعترف لعلي بالفضل علي من سواه، فقلت:«لولا علي لهلك عمر».وقلت: «لولا علي لضللت» [93] .وقلت: «لولا علي لافتضحت».وقلت: «عقمت النساء أن تلدن مثل علي».وقلت: «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن».وقلت: «لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا في بلد لست فيه ومع اعترافك بفقهه كيف سانح لك أن تتقدم عليه، وتحرم أمتي من التمتع بمواهبه وفضله وعبقرياته، وقد خالفت في جملة من قضائك وأحكامك نصوص الكتاب وصريح السنة، والآن أقرأ عليك جملة منها.

تحريم متعة الحج

لقد شرع الله الحج، وجعله علي ثلاثة أنواع حج القران وحج الافراد، وحج التمتع، وقد فرض تعالي حج التمتع علي من بعُد عن مكة بثمانية وأربعين ميلاً من كل جانب، والقسمان الأولان فرض من بعُدَ عنها دون المسافة، وقد كنت في حياتي أعمل بها، وقد نص عليها القرآن الكريم قال تعالي: «من تمتع بالعمرة إلي الحج فما استيسر من الهدي» [94] ولم تنزل آية بنسخها [95] وقد أبحت لمن حلَّ منها أن يأتي بكل ما كان محرماً عليه من قبل الاحرام فجميع القيود [ صفحه 97] التي كانت علي المحُرِم في حال إحرامه بالعمرة قد وضعتها عنه إذا حل من إحرامه، وقد نهيت يا عمر عما أحله الله بعد الاحرام فقد اجتاز عليك رجل من الحجاج، تقوح منه رائحة الطيب فقلت له:أمحرم أنت؟نعم.ما هيأتك بهيأة محرم، إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر فقال لك، وقد أخذته الرهبة والخوف منك:«إني قدمت متمتعا، وكان معي أهلي، وانما أحرمت اليوم».وأصدرت فتياك فقلت:«لا تتمتعوا في هذه الأيام فاني لو رخصت في المتعة لعرسوا بهن في الأراك ثم راحوا بهن حجاجاً» [96] .لقد عمدت بذلك الي تحريم ما حلله الله بنص كتابه، واستهنت بالسنّة وقد أصررت علي ذلك، فقلت علي منبري:«متعتان كانتا علي عهد رسول الله، وأنا أنهي عنهما، وأعاقب عليهما متعة الحج، ومتعة النساء» [97] .بأي حق جاز لك هذا التشريع، وكيف سانح لك أن تحرم ماحلله الله؟إن سلطة التشريع ليست بيد أحد، إنما هي لله تعالي، فهو الذي شرّع الأحكام، وبيّن معالم الدين، وليس لأحد مهما كان شأنه أن يسن سنّة، أو يلغي حكماً، فإن ذلك من التشريع الذي يعلم بالضرورة من الدين تحريمه. [ صفحه 98]

متعة النساء

إن النكاح الذي حلله الله علي ثلاث أنواع «الأول»الدائم وهو الذي يحتاج إلي الايجاب والقبول، وذكر المهر، ولا يحل عقده إلا الموت أو الطلاق.«الثاني» المنقطع وهو يحتاج الي إيجاب وقبول، إيجاب من الزوجة، وقبول من الزوج، ويحتاج الي مهر، وإلي تعيين مدة من الزمن، وينحل بانتهائها، ولا يحتاج إلي طلاق، والزوجان، لا يتوارثان، وإن مات أحدهما في خلال المدة المعلومة؛«الثالث» ملك اليمين، فمن ملك امرأة جاز له ملامستها بغير عقد، وهذه الأنواع الثلاثة قد شرّعها الله، وسارت عليها السنّة، وقد شرّع تعالي زواج المتعة تيسيراً علي عباده، وصيانة لهم من الفجور، وقد نص القرآن الكريم علي مشروعيتها قال تعالي: «فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة» [98] وقد كان المسلمون يتمتعون بالقبضة من التمر والدقيق علي عهدي، وعهد أبي بكر [99] ، ومضيت علي ذلك شطراً من خلافتك، ثم حرمتها وقلت:«إن الله عزّ وجلّ كان يحل لنبيه ما شاء، وإن القرآن قد نزل بنازله، فافصلوا حجّكم من عمرتكم، واتبعوا نكاح هذه النساء فلا أوتي برجل تزوج امرأة إلي أجل إلا رجمته» [100] .لقد حكمت برجم المتمتع، وهو لم يشرّع إلا للزاني، وليس ذلك من الزنا في شيء، وإنما هو عقد أحله الله، ولم يمنع عنه، ولو عمل بها المسلمون لما زني إلا شقي كما قال علي [101] وقد أقر العمل بها جماعة من الصحابة والتابعين منهم:1 عبد الله بن مسعود.2 أبو سعيد الخدري. [ صفحه 99] 3 عبد الله بن عمر.4 الزبير بن العوام.5 خالد بن مهاجر.6 عمرو بن حريث.7 أبي بن كعب [102] .8 سعيد بن جبير.9 طاووس اليماني.10 السدي.11 زفر بن أوس المدني.12 جابر بن عبد الله الأنصاري.13 علي بن أبي طالب.إن هذه الجمهرة من الصحابة والتابعين وغيرهم رفضوا حكمك بالتحريم وأسروا علي إباحتها، وعدم تحريمها.

الطلاق الثلاث

إن الطلاق الشرعي الذي يوجب تحريم الزوجة إلي أن تنكح زوجاً غيره هو أن يطلقها ثلاث طلقات بينها رجعتان، وفي الطلاق الثالث يتحقق التحريم لقوله تعالي: «الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان» إلي أن قال تعالي: «فان طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنكح زوجاً غيره» [103] .واستمر الطلاق الثلاث واحدة في عهدي، وكذا في عهد أبي بكر، وسنتين من خلافتك ياعمر، ولكن لما رأيت الرجال تتهافت علي طلاق أزواجهم ثلاثاً [ صفحه 100] بانشاء واحد فالزمتهم بذلك، وقلت: «إن الناس قد استعجلوا في أمركانت لهم فيه أناة، فلو امضيناه عليهم، ثم امضيته» [104] .إن من الغريب أن يكون استعجال الناس موجباً إلي التلاعب بنص القرآن، ونبذ أحكامه، وقد نددت بمن ارتكب ذلك فقد بلغني عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقمت وأنا غضبان وقلت:«أيلعب بكتاب الله، وأنا بين أظهركم» [105] .ألم تسمع ذلك مني فكيف سانح لك تغيير ما جاء به الله، واستقرت عليه السنة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

صلاة التراويح

ومن تشريعاتك صلاة التراويح جماعة فإن الله لم يشرع أي نافلة جماعة إلا صلاة الاستسقاء، وإنما شرعت الجماعة في الصلوات اليومية، وصلاة الطواف، والعيدين، وصلاة الجنائز، وما عدا ذلك فلم تشرع فيها الجماعة، ولكنك عمدت إلي تغيير هذه السنّة، فشرّعت قِبال ما جاء به الله، كنت تري الناس في المسجد يصلي كل واحد منهم علي شاكلته، فاستحسنت أن توحدهم بصلاة إمام واحد، فابرمت حكمك بصلاتها جماعة، وعممت أمرك إلي سائر البلاد الإسلامية، متحدياً السنّة بالاستحسان عن عمد وإصرار، وكنت تقول: «إنها بدعة، ونعمت البدعة» [106] .وكنت أحبذ صلاة النوافل في البيوت من دون جماعة حتي يتزود المصلي من الاتصال بالله، ويُقبل بقلبه عليه، وتنشط أعضاؤه لطاعته، يستقل منها أو [ صفحه 101] يستكثر فإنها خير موضوع، وقد قلت: «إذا قضي أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته. وان الله جاعل في بيته من صلاته خيراً» [107] .وقلت «صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» [108] . إلي غير ذلك من أقوالي، ولكنك لم تعن بها، والله تعالي يقول:«وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم».

صلاة الجنائز

وقد شرعت الصلاة علي الجنائز، وكنت أكبر عليها خمساً، لكنك يا عمر قد الغيت ما جئت به، فجعلت التكبير أربعاً [109] فهل لك سلطة في هذا التشريع؟ أم أنك أعلم مني باحكام الدين.

ميراث الجد مع الأخوة

وجعلت الجد كأب مطلقاً، والحال أنه يختلف من كان لأب عمن كان لأم، كاختلاف الأخوة بعضهم عن بعض بالحصص، وقد افتيت في هذه المسألة كثيراً، وكل فتوي تناقض الأخري [110] وكان عليك أن ترجع في ذلك إلي باب مدينة علمي، والعارف بسنّتي علي عليه السلام لكنك أبيت.وقد صدقت نبوءتي فيك عندما سألتني عن ميراث الجد مع الأخوة فقلت لك: [ صفحه 102] «ما سؤالك عن هذا يا عمر؟ إني أظنك تموت قبل أن تعلم ذلك، وقدمتَ، ولم تعرف ذلك [111] .كيف سانح لك القضاء، والحكم بين الناس، وأنت لا تعلم ذلك، وقد أوجبت علي من يتصدي للقضاء أن يكون عالماً باحكام الدين ومحيطاً بشؤون القضاء.

توريث الأخوة مع وجود الولد

وانما ترث الأخوة والأخوات مع عدم وجود الولد ذكراً كان أم أنثي، وقد نطق بذلك الذكر الحكيم قال تعالي: «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة أن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا أخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم». [112] ولكنك يا عمر حملت الولد علي الذكر دون الأنثي فساويت في الميراث بين البنت وأخته لأبيه وأمه، فجعلت لكل منهما النصف مما ترك، فأشركت العصبة مع البنت التي هي ولد لغة وشرعاً، والله تعالي يقول: «وأولو الارحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله».فكان حكمك في ذلك مصادماً لنص القرآن، ومنافياً لما أثُر عني في ذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

اسقاط فريضة الصلاة لفاقد الماء

وقد خفي عليك يا عمر أبسط المسائل، فقد افتيت بسقوط فريضة الصلاة [ صفحه 103] عمن فقد الماء، فقد جاءك رجل فقال لك. إني أجنبت فلم أجد ماءَ، فقلت له لا تصل؛فقال لك: عمار يا أمير المؤمنين أما تذكر اذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً فاما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب، وصليت؛فقال النبي صلي الله عليه وآله انما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، فقلت له: اتق الله يا عمار، فقال لك: ان شئت لم احدث به [113] وقد نطق القرآن بوجوب التيمم لفاقد الماء قال تعالي: «يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم الي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الي المرافق، وامسحوا برؤسكم وارجلكم الي الكعبين وان كنتم جنباً فطهروا وان كنتم مرضي او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه» [114] وقال تعالي: «يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً الا عابري سبيل حتي تغتسلوا وان كنتم مرضي او علي سفر او جاء احد منكم من الغائط او لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم ان الله كان عفواً غفوراً» [115] لقد خفيت عليك هذه المسألة وهي مما تعم بها البلوي، وقد بينتها مراراً وتكراراً للمسلمين.

شكوك الصلاة

والشيء العجيب خفاء احكام الشك عليك في صلاتك، فقد سألت ابن عباس فقلت له:«يا ابن عباس اذا اشتبه علي الرجل في صلاته فلم يدر أزاد ام نقص..».فقال لك ابن عباس: ما ادري، ما سمعت في ذلك شيئاً. [ صفحه 104] فقلت له: والله ما ادري.وبينما انت تتحدث مع ابن عباس في حكم المسألة اذ جاءكم عبد الرحمن بن عوف، فقال لك:«ما هذا الذي تذكران؟».فقلت له: ذكرنا الرجل يشك في صلاته كيف يصنع؟فعّرفك بما سمعه مني في احكام الشك [116] .ان احكام الصلاة يجب علي عموم المسلمين تعلُمها، وانت اولي من غيرك بالفقه بها والوقوف عليها.

البكاء علي الميت

إن البكاء علي الميت إذا كان عزيزاً وأثيراً علي أهله من الضرورات الطبيعية للإنسان، فإنه مجبول علي الانقياد لغرائزه، وعواطفه، فقد تجيش عواطفه إذا مات خليله، حتي يتمني مفارقة الحياة، والبكاء بطبعه يخفف من لوعة المصاب، ويطفيء غائلة الخطب، وذلك سنّة من سنن الحياة لا يمكن التنكر لها. ولما توفي ولدي ابراهيم بكيت عليه، وقلت: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» [117] .ولما استشهد عمي حمزة، وجاءت أخته صفية بنت عبد المطلب تطلبه، فحالت الأنصار بينها وبينه، فقلت دعوها فجلست عنده، فجعلت تبكي، فكلما بكيت بكيتُ، وإذا نشجتْ نشجتُ، وقلت: لن أصاب بمثلك أبداً [118] . وكنت إذا زرت قبر أمي بكيت عليها [119] ، ولما توفيت رقية بنتي بكت النسوة [ صفحه 105] عليها فجعلت تنهاهن فزجرتك، وقلت لك:«مه يا عمر؟».وخاطبت النسوة فقلت لهن: «إياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين، والقلب فمن الرحمة، وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان، وأخذت بضعتي سيدة النساء العالمين تبكي علي رقية فجعلت أمسح دموعها، [120] ولو كان غير مشروع لنهيتها عنه».وقد رويتَ عني إني قلت: «ان الميت يعذب ببكاء الحي [121] وأخذت تضرب النساء الثواكل التي نخب قلبهن الحزن علي فقيدهن فقد ضربت أم فروة بنت أبي قحافة حين مات أبو بكر [122] ، وحينما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين عليه، فشددت عليهن بالدرة، فسقط خمار امرأة منهن فقالوا لك: سقط خمارها، فقلت دعوها، فلا حرمة لها [123] فأي جناية جنت هذه المرأة حتي تسقط حرمتها، وأي ذنب اقترفته النسوة حتي تعلوهن بدرتك!!وقد نسبت الظلم إلي الله لعذيبه الموتي ببكاء الأحياء، والله تعالي يقول في كتابه: «ولا تزر وازرة وزر أخري» [124] وقد جاء في الكتاب الكريم فيما اقتص من حزن يعقوب علي ابنه يوسف، وبكائه عليه حتي ذهب بصره من الحزن «وتولي عنهم وقال يا اسفي علي يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم». «قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين، قال إنما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون» [125] . [ صفحه 106] إن المنع عن البكاء لا يقره عقل، ولا شرع وهو مجاف لسنن الحياة ومصادم لطبيعة الانسان التي تتصدع حينما تفقد عزيزاً، وخليلاً، وإني والحمد لله ما جئت بشيء مجاف للطبيعة أو منحرف عن سنن الكون ونواميس الحياة، وقد نسبت إليّ ما لم أشرعه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

التجسس

ونهي الله عن التجسس لمجرد ظن السوء، قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً» [126] .أمر تعالي بذلك حفظاً علي كرامة الناس، وصيانة لشرفهم، ولكنك لم تعن بذلك فقد خرجت ليلة فاجتزت بدار فسمعت فيها صوتا فارتبت، وتسورت الدار، فرأيت رجلاً عنده امرأة، وزق خمر فقلت له:«يا عدو الله أظننت أن الله يسترك، وأنت علي معصيته؟» فزجرك، وبيِّن لك موضع خطيئتك قائلاً:(لا تعجل ما إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث. قال الله تعالي: «ولا تجسسوا» وقد تجسست، وقال: «أتوا البيوت من أبوابها» [127] وقد تسورت، وقال: «إذا دخلتم بيوتاً فسلّموا» [128] وما سلمت).فلم تكن لديك مندحوة إلا ان قلت: وهل عندك من خير إن عفوت عنك؟.فقال: نعم والله لا أعود..فعفوت عنه.لقد جافيت ما أثر عني من النهي عن التجسس، والأخذ بالظن، فقلت: [ صفحه 107] «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا..» [129] .لقد كان تقحمك بيوت الناس بغير حق، وبغير وجه مشروع، فقلت كنت تلج البيوت مفتشاً عن آثام الناس وعوراتهم، أفهذا من سنتي، ومن شرعتي؟!!.لقد خرجت في غلس الليل البهيم ومعك عبد الله بن مسعود، فرأيت ضوء نار في بعض البيوت فاتبعته، حتي دخلت الدار وحدك، فإذا شيخ جالس، وبين يديه شراب، وقينة تغنيه، فلم يشعر الشيخ بهجومك عليه، فصحت في وجهه فقلت له:«ما رأيت منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله؟!!».فرفع الشيخ إليك رأسه، ورد عليك قائلاً:«بلي صنيعك أنت أقبح مما رأيت مني، إذ تجسست، وقد نهي الله عن التجسس، ودخلت بغير إذن».فتحيرت في الجواب، والدفاع عن نفسك، وقلت له صدقت، ثم خرجت علي ثوبك تبكي [130] .وكان اللازم عليك ان تعاقب هؤلاء المتمردين بعدما اطلعت عليهم، ولكنك لم تتخذ معهم أي اجراءات، فهل كان خروجك للتجسس لأجل النزهة، وترويح النفس، أو التلذذ بمشاهدة المخمورين، ان تسامح الحاكم يؤدي الي تمرد المجرمين في إجرامهم، وانطلاقهم في ميادين الإثم.

درؤك الحد عن المغيرة

ومن الدواهي عدم إقامتك الحد علي المغيرة بن شعبة لأنه كان أثيراً عندك، [ صفحه 108] فقد شهد عليه بذلك كلا من أبي بكرة، وهو من فضلاء الصحابة في علمه وتقواه، وشهد نافع بن حارث، وشبل بن معبد، وكانت شهادتهم صريحة واضحة بأن المغيرة قد زني بامرأة محصنة ذات بعل، وهي أم جميل بنت عمرو القيسية زوجة الحجاج الجشمي، وكتبت الي زياد وهو الشاهد الرابع فلما حضر قلت له:إني أري رجلاً لا يخزي الله علي لسانه رجلاً من المهاجرين [131] .وقد أفهمته بكلامه عدم رضائك باقامة الحد علي المغيرة فوجل منك، واندفع يشهد كما اردت، وبذلك درأت الحد عن المغيرة، وأمرته بان يقيم الحد علي الشهود الثلاث.بأي وجه اظهرت رغبتك إلي زياد بأن لا يفضح المغيرة، وتعطيلك الحد عنه، لقد مهدت الطريق بذلك الي تعطيل الحدود، ودرئها بغير حق، فلا حول، ولا قوة إلا بالله.

اقامتك الحد بغير وجه

وأغرب من ذلك اقامتك علي جعدة من بني سليم، ولم تقم عندك البينة علي ارتكابه جريمة الزنا، فقد قدم عليك بريد فنثر كنانته فبدرت صحيفة فقرأتها فاذا فيها:ألا أبلغ أبا حفص رسولا فداً لك من أخي ثقة إزاريقلائصنا هداك اللّه إنا شغلنا عنكم زمن الحصارفما قلعي وجدن معقلات قفا سلع بمختلف البحارقلائص من بني سعد بن بكر وأسلم أو جهينة أو غفاريعقلهن جعدة من سليم معيداً يبتغي سقط العذارفأمرت باحضار جعدة فجلدته مائة معقولاً [132] فبأي وجه أقمت عليه الحد، [ صفحه 109] ولم تقم عندك البينّة علي أنه قد زني، سوي هذه الأبيات، وهي لا تصلح للاعتماد عليها.

نقصان الحد

وأخذت تتصرف في حدود الله حسب ما شئت بغير وجه مشروع، فقد نقصت حد شارب الخمر، فقد جيء لك بشارب فبعثت به الي مطيع بن الأسود ليقيم عليه الحد، واجتزت عليه فرأيته يضربه ضرباً شديداً فقلت له:«قتلت الرجل، كم ضربته؟».«ستين».فقلت اقص عنه بعشرين، فجعلت شدة الضرب قصاصاً بالعشرين التي بقيت من الحد [133] كيف سانح لك نقصان الحد، واعفاءه عما بقي منه وهذا من الاجتهاد قبال السنّة الذي لا يقره الشرع.

ارث الاعاجم

ومن غريب فقهك أنك أبيت ان تورث احداً من الأعاجم الا من وُلد في بلاد العرب [134] بأي كتاب أم بأية سنّة ان العجمي لا يرث؟ أليس المسلمون جميعاً علي اختلاف قومياتهم وألوانهم سواء كاسنان المشط لا تفاوت لأحد علي احد إلا بالتقوي، وعمل الخير.إن هذه الفتوي تتصادم مع ضروريات الاسلام، وتتنافي مع جوهره وواقعه، فإني قد جئت بالشريعة السمحاء التي هدمت جميع حواجز الجاهلية، [ صفحه 110] فقد ساويت بين جميع المسلمين، وقد هتف القرآن الكريم بذلك قال تعالي: «يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم».إن التفاخر بالعناصر، والرجوع الي القوميات من الخلق الجاهلي وهو الطاعون الأسود الذي فرق بين أمتي، فجعلهم أحزاباً وأنواعاً، وقد تناسوا ان كلمة الاسلام هي الجامع الواقعي التي تضم بين جميع المسلمين.

رجم المضطرة

ورفع الاسلام الحكم التكليفي في حال الاضطرار فلا عقاب ولا إثم علي المضطر، وقد قلت «رفع عن امتي ما اضطروا اليه» وقد جهلت ذلك يا عمر، فقد جيء اليك بامرأة قد زنت، وقد اقرّت بذلك فأمرت برجمها، فانبري علي إليك فأنكر عليك ذلك، وقال لعل لها عذراً، ثم قال لها:ما حملك علي الزنا؟قالت: كان لي خليط، وفي إبله ماء، ولبن، ولم يكن في إبلي ماء، ولا لبن فطمئت، فاستسقيته، فأبي أن يسقيني حتي أعطيه نفسي، فأبيت عليه ثلاثاً، فلما ظمئت، وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني، ولما سمع ذلك علي، تلا قول الله تعالي: «فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم».

المتزوجة في عدتها

ومن أحكامك التي تتصادم مع واقع السنة انك حكمت في المرأة المتزوجة في كنز العمال 3: 96، الطرق الحكمية ص 53.عدتها بالتفريق بينهما، وجعلت صداقها من بيت المال، وقد بلغ ذلك علياً، فأنكر عليك، وقال:«ما بال الصداق وبيت المال انهما جهلا فينبغي للامام أن يردها إلي السنّة».وقد سئل عن السنّة في ذلك فأجاب «الصداق بما استحل من فرجها، ويفرّق بينهما، ولا جلد عليهما، وتكمل عدتها من الأول» [135] .

رجم الحبلي

ومن أحكامك التي تتصادم مع الشريعة الاسلامية حكمت علي امرأة حبلي قد اقترفت جريمة الزنا فأمرت برجمها، فدخل عليك علي فقال:لأي شيء ترجم هذه؟ارتكبت جريمة الزنا.فأنكر عليك ذلك، وأفتي بما أنزل الله فقال:«إن كان لك سلطان عليها، فما لك سلطان علي ما في بطنها».ولما رأيت الحق في جانبه قلت:«كل أحد أفقه مني» [136] .

احكام الصلاة

ومن غريب أمرك خفاء أحكام الصلاة عليك فقد صليت المغرب فلم تقرأ في الركعة الأولي فاتحة، وقرأتها مرتين في الركعة الثانية [137] . وقد أردت بذلك قضاءها، وهي من الأجزاء التي لا تقضي وإنما اللازم سجدتا السهو. [ صفحه 112]

رجم المجنونة

ومن احكامك التي خالفت بها السنة حكمت بالرجم علي مجنونة قد زنت فأخذتها الجلاوزة لاقامة الحد، فاجتاز عليهم علي فسألهم عن أمرها فأخبروه فأمر بارجاعها إليك، وقال لك:«أما تذكر ان رسول الله صلي عليه وآله قال: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتي يبلغ، وعن النائم حتي يستيقظ، وعن المعتوه حتي يبرأ. وان هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها، أتاها وهي في بلائها فخله سبيلها».فجعلت تكبر، وامرت باطلاق سراحها [138] .

رجم من ولدت لستة أشهر

ومن غريب ما حكمت به أنّك قد حكمت برجم امرأة ولدت لستة أشهر فرد عليك علي حكمك، وقال لك: إن الله تعالي يقول: «وحمله وفصاله ثلاثون شهراً» وقال تعالي: «وفصاله في عامين» فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فتركت رجمها، وقلت «لولا علي لهلك عمر» [139]

المغالات في المهر

ومنعت المسلمين من المغالات في المهور فقلت: ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغن عن أحد ساق أكثر من ساقه رسول الله أو سبق اليه، الا جعلت [ صفحه 113] فضل ذلك في بيت المال». فنبهتك أمرأة من قريش علي خطأك فقالت لك:أكتاب الله أحق أن يتبع أو قولك؟بل كتاب الله تعالي فما ذاك؟نهيت الناس أن يغالوا في صداق النساء، والله تعالي يقول في كتابه «وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً».فاعترفت علي نفسك بالجهل وقلة الفقه فقلت: «كل أحد أفقه من عمر» [140] ومع اعترافك هذا كيف تتقدم للقضاء وللحكم بين الناس؟.

حد الخمر

ولما ورد الناس من المدن والقري، قلت ما ترون في حد الخمر فقال لك عبد الرحمن بن عوف أري أن تجعله كأخف الحدود، فجعلت الجلد ثمانين [141] .إن من يكون خليفة علي المسلمين، وممثلاً لي لابد أن تكون له دراية باحكام الشرع، ومعرفة بشؤون الدين.

اخذ الدية بغير وجه مشروع

ومن الأمور التي تجافي الشرع أنك أخذت الدية بغير وجه مشروع وذلك في قصة أبي خراش الهذلي، فقد أتاه نفر من أهل اليمن قدموا عليه حجاجاً فأخذ قربته، وانطلق نحو الماء في ظلام الليل ليستقي لهم الماء، وقبل أن يصل اليهم نهشته حية، فأقبل مسرعاً حتي أعطاهم الماء، وقال: اطبخوا شاتكم، وكلوا، [ صفحه 114] ولم يعلمهم ما أصابه، فباتوا علي شأنهم حتي أصبحوا، وأصبح أبو خرّاش، وهو من الموتي، وقال قبل موته:لقد أهلكت حية بطن واد علي الاخوان ساقا ذات فضلفما تركت عدواً بين بصري إلي صنعاء يطلبه بذحلولما انتهي إليك خبره غضبت غضباً شديداً وقلت: لولا أن تكون سنّة لأمرت أن لا يضاف يمان أبداً، ولكتبت بذلك الي الآفاق، وكتبت إلي عاملك باليمن أن يأخذ النفر الذين نزلوا علي أبي خراش فيأخذ منهم الدية، وينكل بهم جزاء لفعلهم [142] فبأي وجه استحق هؤلاء النفر التنكيل، وبأي وجه أخذت الدية منهم.

اقامتك الحد ثانياً علي ولدك

ومن الأمور التي خالفت بها السنّة اقامتك الحد ثانياً علي ولدك عبد الرحمن فقد أقام عمرو بن العاص عليه الحد حينما شرب الخمر في مصر، وذلك بمحضر من أخيه عبد الله فلما بلغك ذلك كتبت الي ابن العاص أن يحمله علي قتب بغير وطأ وأن يشدد عليه، فأرسله إليك بالحالة التي أمرته فيها، وقد كتب إليك باقامته الحد عليه، وبعث بالكتاب مع ولدك عبد الله فلما انتهي إليك وهو لا يستطيع المشي لمرضه، وإعيائه، وأبصرته أمرت باحضار السياط، فقال لك عبد الرحمن بن عوف: أنه قد اقيم عليه الحد، وشهد بذلك اخوه عبد الله فلم تلتفت إليه، واخذت السياط، وجعلت تضربه وهو يستغيث، ويقول:«انا مريض، وانت والله قاتلي».وبعد ان اقمت عليه الحد حبسته شهراً فمات [143] فبأي وجه اقمت عليه [ صفحه 115] الحد ثانياً، علي ان المريض لا يقام عليه الحد حتي يُبلَ من مرضه، بالاضافة الي ان حبسك له كان بغير وجه مشروع.

صلاة العيدين

وخفي عليك ما يقرأ في صلاة العيدين فأرسلت الي ابي واقد الليثي تسأله بأي شيء كنت اقرأ في مثل هذا اليوم [144] وهل يليق بمن تصدي منصب الخلافة ان يخفي عليه ذلك، الم تكن تصليها معي، فكيف قد عزبت عنك.الي غير ذلك من الموارد التي جهلتها، ولا يصح ان يرتقي منصب الامامة والخلافة، من لا دراية له باحكام الاسلام وفقهه.ويستعرض النبي صلي الله عليه وآله بعد هذا الي بعض الشؤون الاخري التي سار عليها عمر في ايام حكومته وهي:

سياسة العنف والارهاق

لقد بعثني الله رحمة للعالمين، فقد بنيت شريعتي علي توطيد الاخلاق وعلي الرحمة، ونشر الدعوة والاطمئنان بين الناس، وقد هدمت بسلوكي سياسة العنف والارهاق فقد جائني اعرابي، وحينما رأي هيبتي ارتعدت اوصاله، فزجرته، وقلت له:«انما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».ولما دخلت الي مكة فاتحا دخلت وانا مطرق برأسي كأن قريش هي التي [ صفحه 116] ظفرت كل ذلك لأري الناس ان الإسلام لا يعرف العنف ولا الارهاق وأنت لما آل اليك الأمر سست بسياسة الارهاق، والخوف وقد كلم الناس عبد الرحمن بن عوف في ان تلين لهم لأنك قد اخفتهم حتي أخفت الأبكار في خدورهن، فذاكرك في ذلك فقلت له: «إني لا أجد لهم إلا ذلك انهم لو يعلمون حالهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي» وهو اعتذار مهلهل منك، فإن الواجب عليك أن تلين لهم، ولا ترهقهم.وبلغ من عظيم خوفك في النفوس أن امرأة تقدمت إليك فقالت:«يا أبا عقر حفص الله لك» [145] .وبعثت خلف امرأة تسألها عن أمر، وكانت حاملاً فلشدة خوفها منك القت ما في بطنها فأجهضت به جنيناً ميتاً، وقد استدعيت أكابر الصحابة في ذلك فأشاروا أنه لا شيء عليك إنما أنت مؤدب، فانبري احدهم إليهم يفند فتواهم في المسألة قائلاً لك:«إن كانوا راقبوك فقد غشوك، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا، عليك غرة يعني عتق رقبة» [146] .ومن ذلك تشددك علي جبلة، وقد فرح المسلمون باسلامه وباسلام من معه، وقد حضر الموسم معك فبينما يطوف في البيت إذ وطأ ازاره رجل من فزارة فحله، فلطمه جبلة، فاستدعيت الفزاري، وأمرت جبلة ان يُقِيده من نفسه أو يرضيه، وقد شددت عليه في ذلك وضيقت عليه غاية التضييق حتي نفد صبره فخرج عن دين الاسلام، وتنصر هو وقومه، وقد احتفي بهم هرقل، وأسدي عليهم من النعم والتكريم فوق ما يتصورونه، وكان جبلة مع ذلك يبكي أمر البكاء وأشده علي ما فاته من الاسلام وهو يقول: [ صفحه 117] تنصّرت الأشراف من أجل لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضررتكنفني منها لجاج ونخوة وبعت لها العين الصحيحة بالعورفيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلي القول الذي قال لي عمرويا ليتني أرعي المخاض بقفرة وكنت أسيراً في ربيعة أو مضروقد أردت ان تقوده في أول بادرة تبدرمنه ببرة الصغار [147] . محاولاً بذلك إذلاله، وتحطيم عِزّه، وسحق كرامته [148] وكان الأجدر بك ان تريه سماحة الاسلام، وكرامته فتسترضي الفزاري ليعفو عنه، ولا تجعله يخرج عن حظيرة الاسلام، ان عنفك، وشدتك، وإهانتك له أوجب ارتداده، وانقلاب عن عقيدته.ومن ذلك إهانتك لسعد بن أبي وقاص، فإنك لما رأيته يشق الجموع ليصل اليك نزلت عن راحلتك، وأوسعته ضرباً بدرتك قائلاً له:«إنك لم تأخذك هيبة السلطان».وبلغ من عظيم شدتك، وارهاقك للناس ان ابن عباس لم يستطع أن يجهر برأيه في جواز المتعة، وحليتها الا بعد وفاتك.وقد وصف شدتك، وقسوتك عثمان بن عفان بقوله: «لقد وطئكم ابن الخطاب برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فخفتموه». أهكذا العنف، والشده، ولك كثير من امثال هذه البوادر.

سياستك المالية

إن سياستي المالية التي سرت عليها توزيع المال علي مستحقيه من دون ان افضّل احداً علي احد، فقد ساويت بين القريب والبعيد لم افضّل احداً علي احد [ صفحه 118] في العطاء، وقد سار علي ذلك ابو بكر، ولكن لما آل اليك الأمر انتهجت في سياستك الي ايجاد الطبقية فقدمت البدريين علي من سواهم، والمهاجرين علي الأنصار، وامهات المؤمنين علي غيرهن [149] .وقد استدعي فرض نظام العطاء تصنيف الناس بحسب قبائلهم واصولهم فنشط النسابون لتدوين الأنساب، وتصنيف القبائل بحسب اصولها، وقد تحددت معالم الرابطتين العدنية واليمانية، وتحددت معالم الأصول القبلية.وكان لهذا التدوين اثره في تمسك القبائل بانسابها، وتعصبها لنسبها، واعتزازها به، وميلها الي من تربطها بها رابطة القربي، فأدس ذلك من طريق غير مباشر إلي ظهور الروابط القبلية وشيوع المعارف النسبية، واعقب ذلك ظهور العصبية في صورها المختلفة.وإني قضيت علي هذه الأمراض التي تنخر في جسم المجتمع، وابدت جميع العنعنات العنصرية، وقد ادت سياستك هذه الي ظهور تلك النزعات بجميع الوانها البغيضة.

تشطير أموال العمال

كنت تحاسب عمالك في كل سنة وهو حسن الا انك كنت تشاطرهم أموالهم فقد دعيت عاملك علي البحرين أبا هريرة فقلت له:«علمت أنه استعملتك علي البحرين، وانت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت أفراساً بالف وستمائة دينار؟».فقال لك:2 يرجع في تفصيل ذلك الي العصبية القبلية تأليف الدكتور إحسان النص ص 190. [ صفحه 119] «كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت».فأجبته: إني قد حسبت لك رزقك، ومئونتك وهذا افضل فاد.فرد عليك قائلاً:ليس لك ذلك.بلي والله اوجع ظهرك.ثم قمت اليه بالدّرة، فضربته حتي أدميته، فقال:«ائت بها، وأحتسبها عند الله».فأنكرت عليه قائلاً: ذلك لو اخذتها من حلال، واديتها طائعاً أجئت من اقصي حجر البحرين، يجبي الناس لك لا لله، ولا للمسلمين ما رجعت بك أميمة [150] إلا لرعية الحمر [151] وقد شاطرة جميع عمالك حتي اخذت منهم نعلا، وتركت لهم نعلا، ونسوق اليك بعضهم:1 سمرة بن جندب.2 عاصم بن قيس.3 مجاشع بن مسعود.4 جزء بن معاوية.5 الحجاج بن عتيك.6 بشر بن المحتفز.7 ابو مريم بن محرش.8 نافع بن الحرث.9 عاصم بن قيس.وغير هؤلاء، وقد حفّزك الي مشاطرتهم أبو المختار يزيد بن قيس في شعره إذ يقول لك: [ صفحه 120] أبلغ أمير المؤمنين رسالةً فأنت أمين الله في النهي والأمرِوأنت أمين اللّه ومن يكن أميناً لربِّ العرش يسلم له صدريفلا تدعن أهل الرَّساتيق والقري يسيغون مال الله في الأدم والوفرِفاُرسل إلي الحجّاج فاعرف حسابه وأرسل إلي جزءٍ وأرسل إلي بشرِولا تنسينَّ النافعين كليهما ولا ابن غلاب من سراة بني نصرِوما عاصم منها بصغر عيابه وذاك الذي في السوق مولي بني بدرِوأرسل إلي النعمان واعرف حسابه وصهر بني غزوان إنّي لذو خبرِوشبلا فسله المال وابن محرَّش فقد كان في أهل الرّساتيق ذا ذكرِفقاسمهُم أهلي فداؤك إنّهم سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطرِولا تدعوني للشهادة إنّني أغيب ولكنّي أري عجب الدهرِنؤوب إذا آبوا ونغزوا اذا غزوا فأنّي لهم وفرٌ ولسنا أولي وفرِاذا التاجر الداري جاء بفارة من المسك راحت في مفارقهم تجري [152] .وعلي أثر ذلك شاطرتهم اموالهم، واخذت نصفها، والمؤاخذة عليك في ذلك.ان هذه الأموال التي حصلوا عليها ان كانت سرقة من بيت المال فإنّ الواجب إرجاعها باسرها، ولا وجه للمشاطرة أصلاً، كما إنّ اللازم اقصاؤهم عن الحكم نظراً لثبوت فسقهم، وعدم حريجتهم في أخذ أموال المسلمين بغير حق، ولكنك لم تعزل أحداً منهم سوي بعضهم، وان كانت الأموال قد اكتسبوها بوجه مشروع كالتجارة، ونحوها فإنّ اللازم عدم جواز اخذها إذ لا يحل أخذ مال امرئ مسلم الا برضاه، وقد أخذتها منهم بالقسر والإكراه.

اعفاؤك عن معاوية

كنت في كل سنة تحاسب عمالك، وتشاطرهم أموالهم سوي معاوية تتواتر [ صفحه 121] اليك الأخبار بأنّه يسرق من اموال المسلمين، ويبذخ فيها فتعتذر عنه وتقول:«ذاك كسري العرب».متي كان هذا الصعلوك كسري العرب، فقد كان في أيامي مهان الجانب محقر الكيان، قد أذله الاسلام، وحطم شأنه.وغريب أمرك في موالاتك وحبك له مع اني قد لعنته، ولعنت أباه [153] . وقد جاءتني امرأة تستشيرني في زواجه، فنهيتها، وقلت لها:إنه صعلوك، وقد حذرت منه المسلمين فقلت: «أذا رأيتم معاوية علي منبري فاضربوا عنقه [154] ».وكان اللازم عليك ان لا تستعمله والياً علي الشام وتستعمل رجلاً من خيار المسلمين ممن تتوفر فيه النزعات الخيرة والمثل الكريمة ليقوم بتهذيب المسلمين، ونشر روح الثقة والفضيلة في نفوسهم.ولو لا تسديدك له، ونزعك عنه قميص العار والخزي لما امكنه ان يعمل في الشام عمل من يريد الملك والسلطان، وقد ذاكرك في موضوعه جماعة من خيار الصحابة، وعرفوك بخروجه عن جادة العدل، ولبسه للديباج والحرير واستعماله للذهب، وغير ذلك فامتعضت وزجرتهم، ونهيتهم عن ذمّه فقلت:«دعونا من ذم فتي من قريش، من يضحك في الغضب، ولا ينال ما عنده من الرضا، ولا يؤخذ من فوق رأسه الا من تحت قدميه» [155] .لماذا هذا التسديد؟!!لماذا هذا الحب؟!!ولم تكتف بهذا كله، وانما نفخت فيه روح الطموح، ودفعته الي الخلافة [ صفحه 122] وهددت به اعضاء الشوري فقلت لهم: «انكم إن تحاسدتم وتقاعدتم، وتدابرتم وتباغضتم غلبكم علي هذا معاوية بن أبي سفيان» [156] .لماذا شدت بمعاوية دون بقية عمالك؟كيف ساغ لك أن تهدد أعضاء الشوري بسطوته؟لقد مهدت له الخلافة، وعبدت له الطريق ليكون حاكماً في أمتي، وقد أسفرت الأحداث الرهيبة التي توالت علي أمتي عن مصير الخلافة إلي هذا الباغي، فإنه حينما استتب له الأمر، حكم بسياسة العنف والبطش فقتل خيار المسسلمين، وطارد المصلحين، فقتل سبطي وريحانتي الإمام الحسن فدس إليه سماً قاتلاً علي يد زوجته جعدة بنت الأشعث، وقتل حجر بن عدي، وهو من أكابر أصحابي في تقواه وورعه، وفرض سب وصيي علي، وأهل بيتي علي المنابر، وتتبع شيعتهم تحت كل حجر ومدر فاشاع فيهم القتل، والتنكيل [157] .لولا تأميرك إليه علي الشام، وتأييدك له، ومبالغتك في تسديده. لما حدث في الاسلام ما حدث، وما جري علي المسلمين ما جري من النكبات والويلات، وانتهاك الحرمات، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

اثارة الاحقاد علي علي

واكتفيت بأخذ الخلافه من علي، وتقمصك لحقه، فقد رحت تثير عليه الاحقاد، وتوغر عليه الصدور، فقد دخل عليك، ومعك جماعة من الموتورين الذين وترهم الاسلام بسيف علي، فقلت لاحدهم هذا قاتل عمك، وقلت لآخر هذا قاتل أخيك، وقلت لثالث هذا قاتل ابيك، وهكذا اخذت تذكرهم بما صنعه الامام بآبائهم واخوانهم واقربائهم في سبيل اقامة هذا الدين، فانبري إليك علي فقال لك: مالك تثير عليَّ احقاد قوم قد وترهم الاسلام، فإنّي لم أصيب منهم ما أصبت إلا من أجل الاسلام وإعلاء كلمة الله. [ صفحه 123] إن الضغائن التي أثرتها علي علي كانت من دون شك منبثقة عن كراهيتك له، وكنت تغمر في دخائل نفسك حقداً عارماً علي أهل بيتي، وكنت تبالغ في عدائهم فقد جائتني أم هاني بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله ان عمر بن الخطاب لقيني فقال لي: إن محمداً لا يغني عنك شيئاً، فغضبت، وقمت خطيباً فقلت:«ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وان شفاعتي لتنال بين حاء وحكم» [158] .

قلة الفقه في اللغة

يا أباحفص لقد نشأت في قريش وهي أفصح قبائل العرب وأبلغها وأفقهها في اللغة، ولكنك قد خفي عليك الكثير من مفردات الألفاظ، ولم تفقه كنايات العرب وأسوق اليك جملة منها:1 كنت جالساً بين أصحابك فتلوت قوله تعالي: «فانبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً» [159] والتفت إلي أصحابك فقلت لهم:«هذا كله قد عرفناه فما الأب؟».ثم قلت: (هذا لعمر الله التكلف فخذوا أيها الناس بما بُين لكم فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلي ربه) [160] .لقد خفيت عليك كلمة (الأب) وهي المرعي، والكلأ، الذي لم يزرعه الناس مما تأكله الأنعام. [ صفحه 124] 2 إن قوماً أخبروك أن رجلاً يسأل عن تأويل مشكل القرآن فقلت اللهم مكني منه، فبينما أنت تتناول الطعام إذ جاء الرجل فانتظرك إلي أن فرغت فقال لك:«يا أمير المؤمنين ما معني قوله تعالي: «والذاريات ذرواً فالحاملات وقراً». فقمت اليه، وقد حسرت عن ذراعيك، فلم تزل تجلده حتي سقطت عمامته، وقلت له: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ثم أمرت ان يلبسوه ثيابه، ويحملوه علي قتب، ويخرجوه الي بلاده، وأمرته ان يخطب في قومه ويقول: إن صبيّنا ابتغي العلم فاخطأه، وقد ألبست الرجل ثوب العار حتي هلك، وكان سيداً في قومه [161] .فبأي شيء استحق الجلد والضرب، والتوهين؟ أليس الاسلام دين العلم، والفضل؟!!ألم آمر بالعلم، وأحثهم علي التعلم، قد جعلت طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة؟!!3 وجاءك رجل فسألك ما الجوار الكنَّس؟ فطعنته بمخصرة معه حتي ألقيت عمامته، وقلت له: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لأنحيت القمل عن رأسك [162] .إذا كنت بهذه الصفة، فكيف احتللت مقامي مع وجود من هو أفضل منك، وهو علي الذي هو باب مدينة علمي الذي خصصته بكل مكرمة، وحبوته بكل فضيلة.4 وخفي عليك المراد من الكنايات العربية التي يفتهمها من له أدني تتبع في كلام العرب فقد جاءتك امرأة تشكو زوجها اليك، قائلة:«إن زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل». [ صفحه 125] فلم تفهم المقصود من كلامها فرددت عليها قائلاً:«نعم الرجل زوجك».فنبهك رجل في مجلسك علي الغاية من كلامها قائلاً لك: إنها تشكو من زوجها في أمر مباعدته إياها عن فراشه، فطلبت منه ان يحكم بينهما [163] .إذ اللازم علي من يتعدي لمنصب الأمامة والحكم بين الناس أن يعرف أساليب الكلام، وأفانين الحديث ليصلح للقضاء والحكم.4 وسألت رجلاً عن حاله فقلت له: كيف أنت؟ فقال لك:«إنه ممن يحب الفتنة، ويكره الحق، ويشهد علي ما لم يره».فأمرت به الي السجن، وكان علي حاضراً فأمر برده، وقال لك: إنه صدق في قوله، فقلت له كيف صدقته؟ قال: إنه يحب المال والولد، وقال الله تعالي: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، ويكره الموت، وهو الحق، ويشهد أن محمداً رسول الله صلي الله عليه وآله وهو لم يره فعند ذلك أمرت باطلاقه وطفقت تقول في علي:«الله أعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء» [164] .5 وخفيت عليك أوضح كلمة في كتاب الله وهي كلمة الحرج في قوله تعالي:«ما جعل عليكم في الدين من حرج» فقلت ادعو لي رجلاً من بني مدلج فلما دعي لك قلت له: ما الحرج فيكم؟ فقال لك: الضيق [165] .6 وقرأت قول الله تعالي: «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم» [166] . فتحيرت في معني كلمة الظلم فسالت أبي بن كعب فقلت له:«أينا لم يظلم؟» [ صفحه 126] فأوضح لك معني الكلمة، وبيَّن لك المقصود منها قائلاً:«يا أمير المؤمنين: إنما ذلك الشرك، أما سمعت قول لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم» [167] . إلي غير ذلك من الأمور التي جهلتها من لغتك فلم تفهم معانيها ولا المقصود منها، وقد اضطررت بأن تعلن للملاء أن لا يسألوك عما لم يكن، معتذراً بأن الله قد بين ما هو كائن [168] ، والسبب في ذلك عدم علمك ودرايتك، وقد تحاملك الناس فلم يسألوك عن شيء.

المنع عن تدوين الحديث

إن المنع عن تدوين ما أُثر عني من السنن والأحكام قد سبب للمسلمين المضاعفات السيئة، وأخلد لهم الفتن والمصاعب، وجرَّ لهم الويلات والخطوب فقد كثر الوضع عليّ، وكثرت الأحاديث الموضوعة التي شوهت معالم الدين، وقد نسبوا إلي من الأقوال ما لم أفد بها.لقد عمد أبو بكر إلي جميع بعض الأحاديث فأحرقها [169] ولما آل الأمر اليك استشرت عامة الصحابة في تدوين ما أُثر عني فأشار عليك عامتهم بذلك وحبذوه لك، ولبثت مدة تفكر في الأمر ثم عدلت عنه، وقلت:«إني قد ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم. ثم تذكرت فإذا اناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أُلبس كتاب الله بشيء أبداً، ثم تركت ذلك وعدلت عنه [170] وهو تعليل غير وثيق لأن حديثي لا يشذ عن كتاب الله، ولا يخالفه، وليس تدوينه موجباً لهجر القرآن الكريم ولا مستلزماً للإعراض عنه، ولو أنك بادرت الي ذلك لصنت المسلمين من الأختلاف، ولسددت باب الوضع، فقد عمد (كسري العرب) معاوية بن أبي سفيان إلي لجان تفتعل الأحاديث، [ صفحه 127] وتضع الأخبار تارة للحط من كرامة العترة الطاهرة وأخري لتمجيد الصحابة والثناء عليهم وثالثة للاشادة بالأمويين، وقد رووا في ذلك الشيء الكثير، فقد روي ابن العاص أني قلت في آل أبي طالب:«إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما ولي الله وصالح المؤمنين» [171] .وروي سمرة بن جندب ان الآية الكريمة وهي «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» [172] انها نزلت في علي، وقد أخذ عوض ذلك الشيء الكثير من بيت مال المسلمين [173] وقد كان أبو هريرة في طليعة الوضاعين فقد روي المئات من الأحاديث عني، وفي الكثير منها خروج علي حكم المنطق والعقل، ونسبها لي، وكذلك المغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وغيرهم من الوضاعين وقد نسوا قول الله تعالي في كتابه الكريم «إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكافرون» [174] . وجافوا قولي: «من كذب عليَّ متعمداً ليحل حراماً، أو يحرم حلالاً، أو يضل الناس بغير علم فليتبوء مقعده من النار» [175] .بلي والله لقد سمعوا ذلك، ولكن حليت لهم الدنيا، وراق لهم زبرجها، فانطلقوا وراء شهواتهم وملاذِّهم، وعمدوا إلي الكذب والإغراء، والتضليل في سبيل مصالحهم الضيقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.وعلي أي حال لقد كان منعك من تدوين أحاديثي موجباً إلي رزية الأمة ومحنتها في جميع مجالاتها العقائدية، فلو كان الحديث مدوناً، ومحفوظاً لما تمكن الوضّاعون والمنحرفون عن دينهم من الكذب عليّ، ومن افتراء الحديث وأنت قد شددت علي المسلمين في رواية الحديث عني، فقلت لهم: [ صفحه 128] «جرِدوا القرآن، ولا تفسروه، وأقلّوا الرواية عن رسول الله، وأنا شريككم» [176] .فلماذا منحت المسلمين من رواية حديثي؟ولماذا صددتهم عن تدوين سنّتي؟

الحصار علي الصحابة

وقد منح الاسلام الحرية التامة لكل مواطن، فجعل له حرية القول والعمل والسكن ما لم يجاف أحكام الله، ولكنك لما آل اليك الأمر فرضت الحصار علي صحابتي فلم تسمح لهم بمغادرة يثرب، ولم تتركهم وشأنهم في السفر إلي أي بلد أحبوه.ما هو السبب في ذلك؟ماهي الدواعي التي حفزت إلي ذلك؟إن الحاكم في الإسلام الذي يرتدي ثوب النيابة عني يجب عليه أن يمثل سيرتي وهديي، وسلوكي بين الناس، أفهل رأيتني أني فرضت الإقامة الجبرية في عاصمتي علي أحد من أصحابي حتي تفعل ذلك، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون، وهو المستعان علي ما تصفون.فرارك من الزحف:وأذكرك في أيام حياتي حينما دهمتنا قوي الشرك والالحاد، في واقعة أحد، فقد انهزمت، وكذلك فررت من واقعة خيبر، وقد كنت بعثت قبلك أبا بكر فرجع بالجيش منهزماً وبعثت بعدكما علي بن أبي طالب ففتح الله علي يده، ورجع بالغنائم والأسري. [ صفحه 129] وقد جاء النص صريحاً عن الفرار عن الزحف قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلي فئة فقد باء بغضب من الله ورسوله ومأواه جهنم وبئس المصير» [177] .

عصيان أمري بقتل ذي الثدية

وعجب المسلمون بتعبد ذي الثدية واجتهاده فحدثني عن أمره جماعة من أصحابي، وبينما نحن في حديثه إذ أقبل فقال المسلمون:هو هذا، فقلت لهم:«انكم لتخبروني عن رجل في وجهه سفعة [178] من الشيطان».وأقبل ذو الثدية فلم يسلم، فانكرت عليه أمره، وقلت له:«أنشدك الله، هل قلت حين وقفت علي المجلس ما في القوم أفضل مني أو خير مني؟».(نعم).ثم انصرف ذو الثدية، وقد أعلمني ربي بأنه سيكون رأس المارقة في الإسلام، فأردت استنصال شأفته فندبت المسلمين إلي قتله فانبري اليه أبو بكر، فوجده يصلي فقال:«سبحان الله أقتل رجلاً يصلي؟ وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وآله عن قتل المصلين».لقد أغترَّ أبو بكر بصلاته، وخشوعه، ولم يذعن لقولي في قتله، وأقبل أبو بكر فقلت له:(ما فعلت؟) [ صفحه 130] «كرهت أن أقتله وهو يصلي».فندبت المسلمين مرة أخري الي قتله فقلت لي: أنا له يا رسول الله، وانطلقت اليه فوجدته واضعاً جبهته علي الأرض فقلت:«أبو بكر أفضل مني فلم يقتله».وجئت إلي فأخبرتني بعدم قتلك له، فندبت المسلمين إلي قتله فانبري إليه علي، فلم يظفر به فأخبرني بذلك فقلت: «لو قتل ما أختلف من أمتي رجلان» [179] .لقد خدعك ذو الثدية، كما خدع صاحبك أبا بكر فآثرت ذلك علي أمري وقد كشفت الأحداث من بعدي أمر هذا الانسان الغريب، فقد كان داعية ضلال، وصاحب بدع وأهواء، قد عمل علي فساد أمر المسلمين وتصديع وحدتهم وشملهم.

اجتهادك في الخمر

ولما نزلت الآيات التي حرم الله فيها الخمر شربتها وأنت غير معتن بالتحريم، وقد شججت رأس عبدالرحمن بن عوف وجلست وأنت ثمل تنوج علي قتلي بدر وتنشد شعر الأسود بن يعفر تقول:وكأن بالقليب قليب بدر من الفتيان والعرب الكرامأيوعدني ابن كبشة ان سنحيي وكيف حياة أصداء وهامأيعجز أن يرد الموت عني وينشرني إذا بُليت عضاميألا من مبلغ الرحمن عني بأني تارك شهر الصيامفقل للّه يمنعني شرابي وقل للّه يمنعني طعاميولما بلغني ذلك خرجت وأنا مغضب أجر ردائي وكان بيدي شيء فضربتك به، فقلت أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فنزل قوله تعالي:«إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله فهل أنتم منتهون» [180] فقلت: أنتهينا انتهينا [181] .وكنت مدمناً علي شرب النبيذ لم تفارقه حتي النفس الأخير من حياتك [182] (3).وجاءك أعرابي فشرب من شرابك فأقمت عليه الحد فأنكر عليك ذلك فقال انما شربت من شرابك، ودعيت بماء فكسرته ثم شربته، مجتهداً أن كسره بالماء يذهب حرمته، [183] وقد قلت في الخمر «ما أسكر كثيره فقليله حرام» [184] .وقلت: «حرمت الخمر لعينها القليل منها والكثير، والمسكر من كل شراب» [185] .فعلي أي حجة اعتمدت في شربك للمسكر، وبأي وجه حللت النبيذ، والأمر لله تعالي وحده وهو المستعان علي ما تصفون.

الشوري

وأعظم ما مني به المسلمون أحداثك للشوري بوضعها الهزيل التي سببت للمسلمين كثيراً من الفتن والخطوب، وهي مؤامرة دبرتها لصرف الخلافة عن أهل بيتي، وجعلها في بني أمية، وكان ذلك منك بأسلوب بارع دل علي عمقك، وسعة فكرك، وسياستك البالغة في صرف الخلافة عن أهل بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وخزان العلم وسدنة التوحيد، وذلك حينما طعنك أبو لؤلؤة طعنته [ صفحه 132] المميتة وصرت تنتظر ركب الموت ليسير بك إلي دار الحق أخذت تطيل التفكير، وتمعن النظر فيمن يتولي شؤون الحكم من بعدك، وتذكرت أقطاب حزبك الذين شاركوك في تمهيد الأمر فطافت بك الآلام والهواجس لأنه لم يكن أحد منهم الا اختطفته يد المنون فجزعت عليهم، وقلت بنبرت الآسف:«لو كان أبو عبيدة حياً لا ستخلفته لأنه أمين هذه الأمة، ولو كان سالم مولي أبي حذيفة حياً لاستخلفته لأنه شديد الحب لله تعالي..».لقد أسفت علي هلاك أبي عبيدة وهو حفّار للقبور، وكان من أبطال المؤامرة الكبري في قلب الحكم عن أهل بيتي، وسالم كان مولي، وقد كنت تري أن الخلافة لا تكون إلا في قريش لأنها أقرب الناس لي، وأمسهم بي رحماً، وبهذا المنطق أحتج أبو بكر علي الأنصار وتغلب عليهم، فما الذي حداك عن العدول عنه.لقد فتشت في سجل الأموات، عمّن هو أهل للخلافة، ونسيت أمير المؤمنين الذي هو نفسي، وباب مدينة علمي، وأقضي امتي، وأبو سبطيّ، وناصري في جميع المواقف والمشاهد، فقد جعلته أحد أعضاء الشوري، ورجحت عليه عبد الرحمن بن عوف.لقد جعلت الخلافة شوري بين ستة أنفار، علي بن أبي طالب، والزبير بن العوّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعثمان بي عفان، وأمرت باحضارهم فلما مثلوا عندك قلت لهم:«أكلكم يطمع بالخلافة بعدي؟».فوجموا عن الكلام فاعدت القول عليهم ثانياً فانبري إليك الزبير فرد عليك قائلاً:«وما الذي يبعدنا عنها... وليتها أنت فقمت بها ولسنا دونك في قريش، ولا في السابقة، ولا في القرابة».وطفقت تخبرهم عن نفسياتهم فقلت:«أفلا أخبركم عن أنفسكم؟». [ صفحه 133] فأجابوك: «إنا لو استعفيناك لم تعفنا».فخاطبت الزبير فقلت له:«أما أنت يا زبير فوعق لقس [186] مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوماً إنسان، ويوماً شيطان، ولعلها لو أفضت إليك ظللت يومك تلاطم بالبطحاء علي مدمن شعير!! أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً، ومن يكون يوم تغضب، وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة، وأنت علي هذه الصفة».لقد جرحت الزبير، فوصمته بأنه يوم انسان، ويوم شيطان، وانه مبتل بالبخل والشح، ويلاطم بالبطحاء علي مد من شعير، وإذا كانت نفسيته بهذه الصفة من الضعة والهوان فكيف ترشحه للخلافة، وتجعله من أعضاء الشوري، وهل هذا من النصيحة للأمة، ومن الحيطة علي أمرها؟وأقبلت علي طلحة فقلت له!«أقول أم أسكت»فزجرك طلحة ورد عليك قائلاً!«إنك لا تقول من الخير شيئاً»فأجبته وقد كشفت عن نفسيته واتجاهه قائلاً:«أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وايئاً [187] بالذي حدث لك، ولقد مات رسول الله صلي الله عليه وآله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب».وإذا كنت تعترف بأنه قد متُ وأنا ساخط عليه، فكيف ترشحه للخلافة علي المسلمين، ونائباً عني في ادارة شؤون المسلمين، مع أنك قد زكّيت أعضاء الشوري، وقلت فيهم: إن رسول الله مات وهو عنهم راض، وتقول لطلحة [ صفحه 134] ان رسول الله مات وهو ساخط عليك أليس هذا من التناقض والهجر في القول؟وأقبلت علي سعد بن أبي وقاص فقلت له:«إنما أنت صاحب مقنب [188] من هذه المقانب، تقاتل به، وصاحب قنص وقوس، وأسهم، وما زهرة والخلافة وأمور الناس!!».إن سعد بن أبي وقاص حسب اعترافك رجل حرب، وصاحب قنص وقوس، فلا يصلح للخلافة، وليس خليقاً بها هو وأسرته فكيف ترشحه للخلافة وتجعله من أعضاء الشوري؟وأقبلت علي عبد الرحمن بن عوف فقلت له:«أما أنت يا عبد الرحمن فلو وُزن نصف إيمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما زهرة وهذا الأمر!!».إن عبد الرحمن حسب رأيك يرجح ايمانه علي نصف ايمان المسلمين، ومن ايمانه الذي أضفيته عليه عدو له عن انتخاب العترة الطاهرة وتسليم قيادة الأمة بأيدي الأمويين وهم خصوم الإسلام واعداؤه، وقد اعترفت بأنه ضعيف لا يصلح لادارة شؤون الخلافة لأنها تتوقف علي الحزم وعلي قوة الشخصية، وهو فاقد لذلك فكيف رشحته للخلافة، وجعلته من أعضاء الشوري؟؟!!والتفت إلي علي فقلت له:«لله أنت لولا دعابة فيك، أما والله لئن وليتهم لتحملنهم علي الحق الواضح، والمحجة البيضاء».ومتي كانت لأمير المؤمنين الدعابة، وهل أبقت نوائب الدهر وكوارث الزمن من دعابة له، فقد صار قلبه موطناً للهموم ومركزاً للأحزان لغصب حقه، ونهب تراثه، وعزله عن الأمة.وقد اعترفت بأنه لو ولي الأمر لحمل المسلمين علي الحق الواضح وعلي [ صفحه 135] المحجة البيضاء، فهل من الانصاف العدول عنه، وجعله من اعضاء الشوري، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو المستعان علي ما تصفون.وأقبلت علي عثمان فقلت له!«هيها إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية، وبني أبي معيط علي رقاب الناس وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك علي فراشك ذبحاً، والله لئن فعلوا لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن، ثم أخذت بناصيته، فقلت له: فاذا كان ذلك فاذكر قولي».ومع علمك بأنه يحمل بني أمية، وبني أبي معيط علي رقاب الناس ويؤثرهم بالفيء كيف ترشحه للخلافة فتعرّض الأمة للنكبات والازمات، وإذا عرفت من نفسه اللين والضعف، ودرست خفايا ذاته، ودخائل نفسه، وهو بهذه الصفة من الانقياد بعواطفه، كيف ترشحه للخلافة.وليست قريش هي التي قلدته هذا الأمر وانما قلدته أنت وألبسته ثوب الخلافة، واي حق لقريش في شؤون المسلمين وهم الذين نصبوا العداء للاسلام، وحاربوا المسلمين.فأي منطق هذا الذي أدليت به؟؟والتفت بعد حديثك إلي الجمهور فقلت لهم:«إن رسول الله صلي الله عليه وآله، مات وهو راض عن هؤلاء الستة من قريش وقد رأيت أن أجعلها شوري بينهم ليختاروا لأنفسهم واحداً منهم».وأحكمت أمر الشوري، وأبرمته فقد عهدت إلي السلطة التنفيذية بتحقيقه فقلت لأبي طلحة الأنصاري!«يا أبا طلحة، إن الله أعزّ الإسلام بكم فأختر خمسين رجلاً من الأنصار»«فاًلزِم هؤلاء النفر بامضاء الأمر وتعجيله..»وعهدت إلي المقداد بن الأسود بتنفيذ الأمر فقلت له:«إذا اتفق خمسة، وأبي واحد منهم فاضربوا عنقه، وإن اتفق أربعة [ صفحه 136] وأبي اثنان فاضربوا عنقيهما، وإن اتفق ثلاثة منهم علي رجل، ورضي ثلاثة منهم برجل آخر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقيين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس..وما هو الموجب لضرب عنق المتخلف فهل أن ذلك ارتداد في الإسلام أو مروق عن الدين، وعلم أمير المؤمنين مخططك في صرف الخلافة عنه فطفق يقول لعمه العباس:«يا عم لقد عُدلت عنا».فنادي إليه العباس قائلاً:«ومن أعلمك بذلك؟».وكشف له الامام الوجه في ذلك، ودلّه علي غايتك، وقصدك قائلاً له:«لقد قرن بي عثمان.. وقال: كونوا مع الأكثر، ثم قال: كونوا مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر لعثمان.. وهم لا يختلفون، فاما أن يوليها عبد الرحمن عثمان، أو يوليها عثمان عبد الرحمن..» [189] .وقد كورّت هذه الصورة المؤلمة قلب علي فراح يقول بعد سنين: «حتي إذا مضي يعني عمر لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيالله وللشوري متي اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتي أقرن إلي هذه النظائر..».أجل والله متي اعترض الشك والريب فيه مع أبي بكر حتي صار يقرن بأعضاء الشوري، وهل في المسلمين من هو مثله في دينه وتقواه، وعلمه، وجهاده، وسابقته للاسلام، وإنما قرن علي نفسه بأعضاء الشوري ليظهر تناقض أقوالك، لأنك قلت غير مرة «لا تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد» ولهذا السبب انضم إلي أعضاء الشوري ليدل علي مخالفتك لما قلت. [ صفحه 137]

آفات الشوري

والشوري التي فتلت حبلها، وفرضتها علي المسلمين لم تستند إلي الأساليب الصحيحة، ولم تبتن علي الاسس الوثيقة، وإنما غرضها، وباعثها صرف الخلافة عن أمير المؤمنين، وحرمان المسلمين من التمتع بعدله، وعلمه، وفقهه، فهي لم تكن شوري واقعية، وإنما انبعثت عن الأحقاد، والأضغان، وفيما يلي عرض لبعض آفاتها:1 ان هذه الشوري التي فرضتها قد ضمت أكثر العناصر المعادية لأمير المؤمنين، والحاقدة عليه، ففيها طلحة التميمي،وهو من أسرة أبي بكر الذي صرف الخلافة عنه، وضمت الشوري عبد الرحمن بن عوف، وهو صهر عثمان، وهو بالذات من الحاقدين علي أمير المؤمنين، فقد كان من جملة الذين هجموا عليه داره وراموا في إحراقها، لتخلفه عن بيعة أبي بكر، وضمت الشوري سعد ابن أبي وقاص، وكان يحقد علي الامام من أجل أخواله أمية الذين وترهم الامام في سبيل الإسلام، ولهذا السبب تخلّف عن بيعة علي التي قام عليها إجماع المسلمين، واحتوت الشوري علي عثمان شيخ الاسرة الأموية التي عرفت بالعداء والنصب للاسلام وبالحقد علي أهل بيتي.لقد وضعت الشوري بهذا الإطار لئلا تؤول الخلافة إلي علي، كل ذلك استجابة لعواطف قريش التي وترها الامام من أجل هذا الدين.2 وحفلت هذه الشوري بإقصاء جميع العناصر الموالية لأميرالمؤمنين فلم يجعل لها نصيب في الاختيار والانتخاب، فلم ترشح أحداً من الأنصار وهم الذين نصروني وآووني أيام غربة الإسلام ومحنته. وقد أوصيت بهم، وألزمت المسلمين بمراعاتهم. أليس الواجب كان يقضي بأن يكون للانصار ضلع أو يد في هذه الشوري، وإنما أقصيتهم لأنك عرفت ميلهم مع علي، كما أنك لم تجعل في هذه الشوري نصيباً لعمار بن ياسر، وهو أحد المؤسسين في بناء الاسلام، وكذلك أقصيت العبد الصالح أبا ذر شبيه المسيح عيسي بن مريم في تقواه وصلاحه لأنك عرفت أنه شيعة لعلي. [ صفحه 138] لقد قصرت الشوري علي جميع العناصر المنحرفة عن الامام والمعادية له.3 ومن غريب أمر هذه الشوري أنك جعلت الترجيح للجهة التي تضم عبد الرحمن بن عوف فيما إذا اختلف الأعضاء وغضضت الطرف عن علي فلم تعره أي اهتمام، وهو صاحب المواهب والعبقريات، الذي دافع عن هذا الدين بجميع طاقاته، مضافاً إلي ورعه وتقواه وعلمه فأنت ترجح الغير عليه، والله تعالي يقول: «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».4 ومن المؤاخذات التي تواجه هذه الشوري أنها أوجدت التنافس والصراع بين أعضائها، فقد أصبح كل واحد منهم يري نفسه أنه ند للآخر، ولم يكونوا قبل ذلك علي هذا الرأي، فقد كان سعد بن أبي وقاص تابعاً لعبد الرحمن، وعبد الرحمن تابعاً لعثمان، والزبير شيعة لعلي وهو القائل: «والله لو مات عمر بايعت علياً». ولكن الشوري قد نفخت فيه روح الطموح وحب الخلافة والرئاسة ففارق أمير المؤمنين وخرج عليه يوم الجمل.وقد تولدت في نفوس القوم الأطماع والأهواء، ورجا الخلافة وتطلّبها من ليس أهلاً لها، وقد ضجت بلاد المسلمين بالفتن والاختلاف، واضطربت كلمة المسلمين، وتصدع شملهم، وقد صرح (كسري العرب) معاوية بن أبي سفيان بهذا الواقع المرير، وذلك في حديثه مع أبن حصين الذي أوفده زياد لمقابلته يقول له معاوية:«بلغني أن عندك ذهناً، وعقلاً، فأخبرني عن شيء أسألك عنه؟سلني عما بدا لك..أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وملأهم، وخالف بينهم؟قتل الناس عثمانما صنعت شيئاً..مسير علي إليك وقتاله إياك.ما صنعت شيئاً.مسير طلحة والزبير وعائشة، وقتال علي إياهم.ما صنعت شيئاً.ما عندي غير هذا.. [ صفحه 139] أنا أخبرك أنه لم يشتت بين المسلمين، ولا فرق أهواءهم إلا الشوري التي جعلها عمر إلي ستة نفر، وذلك أن الله بعث محمداً بالهدي، ودين الحق، ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون».وأضاف يقول بعد ذلك، واستخلف يعني أبو بكر عمر، فعمل بمثل سيرته، ثم جعلها شوري بين ستة نفر فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه، ورجاها له قومه، وتطلعت إلي ذلك نفسه، فلو أن عمر استخلف عليهم، كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك خلاف..» [190] .هذه بعض آفات الشوري التي فرضتها علي المسلمين، وقد فتحت باب الفوضي والنزاع بين أبناء الأمة، وتركت الطلقاء وأبناءهم يتسابقون إلي ميدان الخلافة، وينزون علي منابر المسلمين، ويستأثرون بالفيء، وينكلون بأخيار المسلمين وصلحاءهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو المستعان علي ما تصفون.

الانتخاب المزيف

وأحاط الشَرَطَة بأعضاء الشوري، وأرغمتهم علي الاجتماع لينفذوا وصيتك، وتداول الأعضاء الحديث فيما بينهم عن من هو أحق بالأمر وأولي به لقابليته، وقدرته علي إدراة شؤون الخلافة، وانبري إليهم ابو الحسن فأخذ يذكرهم بسابقته إلي الإسلام، ويدلي عليهم بمواهبه، ويحذرهم مغبة ما يحدث في البلاد من الفتن والاضطراب إن هم عدلوا عنه قائلاً لهم:«لم يسرع أحد قبلي إلي دعوة حق، وصلة رحم، وعائدة كرم، فاسمعوا قولي، وعو منطقي، عسي أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضي فيه السيوف، وتخان فيه العهود حتي يكون بعضكم أئمة لأهل الضلال، وشيعة لأهل [ صفحه 140] الجهالة» [191] .ولم يعو منطق الامام فانطلقوا مدفوعين وراء أطماعهم، وأهوائهم، وقد كشف الزمن بعد حين صدق ما أخبر به علي، فقد شهروا السيوف وأراقوا دماء المسلمين، وخانوا العهود ليصلوا إلي صولجان الحكم والسلطان، وصار بعضهم أئمة لأهل الضلال، وشيعة لأهل الجهالة.وكثر النقاش، وعم الجدل، فلم يسفر الاجتماع عن أية نتيجة، وأخذت فترة الزمن التي حددتها تضيق فأشرف عليهم أبو طلحة يهددهم قائلاً:«والذي ذهب بنفس عمر. لا أزيدكم علي الأيام الثلاثة التي أمرت».وراح الأجل الذي ضربته للاختيار يتقلص، وآراؤهم بين مد وجزر لا توصلهم إلي شاطئ الاختيار إلي أن فاجأهم عبد الرحمن بما رآه حلاً قائلاً:«أيكم يخرج منها نفسه علي أن يوليها خيركم».فبهتوا جميعاً لحله الكسيح الغير الموفق، إذ كيف يتنازل أحد منهم عن حقه، ويجعل مقدراته بيد الآخرين. وتمهل عبد الرحمن قليلاً فقال:«أنا أنخلع منها».وطفق عثمان يؤيد هذه الخطوة قائلاً:«وأنا أول من رضي».وتابعه القوم سوي علي فإنه علم بما دبر له، وقد وهب سعد بن أبي وقاص حقه لعبد الرحمن، فصار عبد الرحمن صاحب القول الفصل، والحكم العدل، واضطرب علي فقال له:«اعطني موثقاً لتؤثرن الحق.. ولا تتبعن الهوي، ولا تخص رحم، ولا تأل الأمة».«علي ميثاق الله».واستشار عبد الرحمن القرشيين في الأمر فزهدوه في علي، وحببوا له عثمان، [ صفحه 141] فدفعوه إلي اختياره، وانتخابه.وحلت الساعة الرهيبة التي تغير فيها مجري التأريخ، فقال عبد الرحمن لابن أخته ميسر: إذهب فأدع لي علياً وعثمان، فانطلق ميسر فأحضرهما، وحضر المهاجرون والأنصار، وازدحمت الجماهير في الجامع لتأخذ القرار الحاسم، فالتفت عبد الرحمن إلي علي قائلاً:«هل أنت مبايعي علي كتاب الله، وسنة رسوله، وفعل أبي بكر وعمر؟»فرمقه علي شزراً، وأجابه بمنطق الايمان، ومنطق الأحرار قائلاً:«بل علي كتاب الله، وسنّة رسوله، واجتهاد رأيي».ولو كان ابن أبي طالب يروم الملك، ويبغي السلطان، لأجابه إلي ذلك، ولكنه آثر رضاء الله، والاتباع للحق، وقد علم غاية عبد الرحمن في هذا الشوط أن الامام لا يجيبه إليه لأنه لا يداهن في دينه.إن مصدر التشريع في الإسلام هو كتاب الله، والسنّة فعلي ضوء نهجها تسير الدولة، وتعالج مشاكل الرعية، وليس فعل أبي بكر، وفعلك يا عمر من مصادر التشريع، علي أن سياستك تختلف عن سياسة أبي بكر سواء في السياسة المالية وغيرها، فعلي أي منهج من سياستك يسير ربيب الوحي، وباب مدينة العلم، وهو غني أي غناء عن سيرتك وسيرة صاحبك.واختلي ابن عوف بعثمان فكاشفه بما اشترطه في دستور الدولة الجديد.. فلباه عثمان مبتهجاً، وبايعه علي كتاب الله، وسنّة رسوله، وعمل الشيخين.وقبل الفجر من اليوم التالي، سمع الناس النداء «الصلاة جامعة» فانحدروا صوب المسجد زرافات ووحداناً، فملأوا رحباته، وانتشرت في الفضاء جموع الناس ينتظرون إشراقة الشمس علي الرئيس الجديد الذي يحقق آمالهم وأمانيهم.وولي عبد الرحمن وجهه شطر المسجد الحرام. والناس سكوت ينتظرون الساعة الحاسمة التي يتقرر بها المصير الحاسم، فلم تطل بهم الصلاة حتي اعتلي عبد الرحمن المنبر. ووجم الناس، وتقطعت أنفاسهم في صدورهم كأنما علي رؤوسهم الطير، وانبري عبد الرحمن فقال: [ صفحه 142] «إن الناس أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم، وقد عرفوا أميرهم».وانطلق سعيد بن زيد رافعاً عقيرته قائلاً:«إنا نراك لها أهلاً».فقال عبد الرحمن: بل أشيروا عليّ بغير هذا، وأضاف يقول:إني قد سألتكم سراً وجهراً، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين: إما علي وإما عثمان.فجاء النداء علياً من عمار بن ياسر الطيب ابن الطيب «إن أردت أن لا يختلف الناس فبايع علياً».ورفع الناس أصواتهم بالتأييد لعمار قائلين:«بايع علياً».وجاء من بين الأصوات صوت المقداد.«صدق عمار. وإن بايعت علياً سمعناً وأطعنا».وانبري للدفاع عن الأمويين وعن القوي المنحرفة عن الإسلام دعي لعثمان ربطه وإياه ثدي امرأة هو عبد الله بن أبي سرح أخو عثمان من الرضاعة فخاطب عبد الرحمن:«يا عبد الرحمن إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان».وأيده عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي فقال:«صدق إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا».وانبري إليه ابن الإسلام البار عمار بن ياسر فرد علي ابن سرح مقالته قائلاً:«متي كنت تنصح للاسلام؟».وصدق عمار متي كان ابن ابي سرح يقيم للاسلام وقاراً أو ينصح المسلمين، ويهديهم إلي سواء السبيل، وقد كان من أعدي الناس لله ولرسوله، ولما فتحت مكة أمرت بقتله وإن كان متعلقاً باستار الكعبة [192] . وذلك لما لاقيت منه من [ صفحه 143] الإذيوالاضطهاد أمثال ابن أبي سرح يتدخل في شؤون المسلمين؛ ولكنك أنت الذي مهدت الطريق له ولأمثاله بالتدخل في أمورهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.وتكلم بنو هاشم، وبنو أمية، واحتدم النزاع والجدال بين الأسرتين، فانطلق ابن الإسلام البار عمار بن ياسر فخاطب القوم قائلاً:«أيها الناس إن الله أكرمكم بنبيه، وأعزّكم بدينه، فإلي متي تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم!!».لقد كان كلام عمار حافل بمنطق الإسلام الذي وعاه قلبه الطاهر، فإن قريشاً وسائر العرب إنما أعزّها الله بدينه، وأسعدها برسوله، أفهل من الانصاف والعدل أن تصرف الخلافة عن أهل بيتي؟، وتضعون تارة في تيم وأخري في عدي، وثالثة في أمية التي عملت جاهدة علي حربي ومحو هذا الدين، وقلع جذوره، ومحو سطوره!.وانبري لعمار رجل من مخزوم قائلاً له:«لقد عدوت طورك يابن سمية.. وما أنت وتأمير قريش لأنفسها».لقد أترعت نفس هذا الرجل بروح الجاهلية فراح يندد بابن سمية الذي حالف الحق، ونصر الإسلام، وحامي عن هذا الدين، ويري أنه تعدي طوره، وتجاوز حده لتدخله في شؤون قريش، وأي حق لقريش في هذا الأمر وهي التي لم تترك وسيلة من وسائل الهجوم والحرب عليَّ وعلي المسلمين إلا اعتمدت عليها، فليس لقريش أي حق في التدخل في أمور المسلمين وشؤونهم، لو كان هناك منطق أو حساب عند القوم.وكثر الجدال والنزاع بين القوم فأهاب سعد بن أبي وقاص بعبد الرحمن يحثه علي تعجيل الأمر لئلا ترجع إلي القوم حوازب أحلامهم فيفسد مخططهم فقال له:«يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس».وللمرة الثانية، دعا عبد الرحمن علياً وعثمان ليسمع منهما الجواب الحاسم علي شرطه فقال لعلي: [ صفحه 144] «هل أنت مبايعي علي كتاب الله وسنّة نبيه وسيرة الشيخين».فأجابه علي بكل صراحة:«بل علي كتاب الله، وسنّة رسوله، واجتهاد رأيي».فأعرض عبد الرحمن عنه، والتفت إلي عثمان فاشترط عليه مثل ذلك فاندفع يقول:«نعم. نعم».فصفق عبد الرحمن بكفه علي يد عثمان وقال:«اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان».وعلا الصخب والضجيج بين المسلمين فقد فازت أمية بالحكم، وآلت أمور الخلافة الإسلامية بأيدي غلمان الأمويين ليستأثروا بالفيئ، ويتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دولاً.وانطلق أمير المؤمنين فخاطب ابن عوف قائلاً:«والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه مارجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم».والتفت إلي القرشيين فقال لهم:«ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون».واندفع ابن عوف الذي خان الله ورسوله، وخان المسلمين فجعل يهدد الامام قائلاً:«يا علي لا تجعل علي نفسك سبيلا».وغادر المظلوم المهتضم الامام علي المسجد وهو يقول:«سيبلغ الكتاب أجله».وارتعدت مفاصل عمار، وبلغ به الألم إلي قرار سحيق، وطفق يخاطب ابن عوف قائلاً له:«يا عبد الرحمن.. أما والله لقد تركته، وانه من الذين يقضون بالحق، وبه [ صفحه 145] كانوا يعدلون..».وخرج المقداد وهو مثقل الخطا قد أُترعت نفسه بالألم والحزن وهو يقول بنبرات الأسي:«تا لله ما رأيت مثل ما أتي إلي أهل هذا البيت بعد نبيهم!! واعجبا لقريش!! لقد تركت رجلاً ما أقول، ولا أعلم أن أحداً أقضي بالعدل، ولا أعلم، ولا أتقي منه: أما لو أجد أعواناً..»وقطع ابن عوف كلامه قائلا:«اتق الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة» [193] .وخرج عثمان من المسجد أميراً متوجا تحف به آل امية، وآل أبي معيط، وتصفق له القوي المنحرفة عن الإسلام، والحاقدة عليه، وتصاب القوي الإسلامية بالذل والأسي والهوان.لقد كان تدبيرك الرائع في صرف الخلافة عن أهل بيتي بهذا الأسلوب عاد بالأضرار البالغة علي الاسلام والمسلمين.

اعتراف عمر

ويصارح عمر النبي صلي الله عليه وآله بغلظته المألوفة فيقول له: «أن تعييني لعثمان بطريقة غير مباشرة لأني صممت علي صرف الخلافة عن علي وولده من بعده، وقكرت كثيراً في قابلية المهاجرين والأنصار فلم أر من به الكفاءة والمنفعة ليقف سداً حائلاً دون تطاول بني هاشم وشموخهم سوي بني أمية لكثرة مالهم، ووفرة رجالهم، وكثرة قابلياتهم علي المكر والخداع، بالضافة لعدائهم الموروث من أبيهم عبد شمس لأخيه هاشم، وانتقاله إلي أحفاده، وقد كان [ صفحه 146] أبو سفيان وسائر بني أمية من ألد أعدائك، وقد اعتنقوا الأسلام كرهاً ونفاقاً، وقد جعلتهم من المؤلفة قلوبهم.إن تعييني لعثمان خليفة من بعدي بجعل الشوري بين ستة نفر لم يكن ابتكاراً مني، أو لاجتهادي برأيي، فقد سبقني إلي ذلك الخليفة الأول أبو بكر عندما أراد تعيين خليفة من بعده فقد استدعي صحبه كل واحد منهم علي انفراده ليستشيرهم في أمر الخلافة حتي يكتسب اختياري صفة شرعية، فدعا إليه عبد الرحمن بن عوف يسأله عن الخليفة من بعده قائلاً:«أخبرني عن عمر».وقد عرف ابن عوف مراده فقال له:«يا خليفة رسول الله. هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة».فردّعليه أبو بكر قائلاً:«ذلك لأنه يراني رقيقاً. ولو أفضي الأمر إليه لترك كثيراً مما هو عليه يا أبا محمد. إني قد رمقته فرأيتني إذا غضبت علي الرجل في شيء أراني الرضا عنه. وإذا لنت له أراني الشدة عليه».وهمّ أن يقوم ابن عوف فقال له أبو بكر محذراً:«يا أبا محمد.. لا تذكر مما قلت لك شيئاً..».ثم دعا إليه عثمان بن عفان يسأله قائلاً:«يا أبا عبد الله.. اخبرني عن عمر»«أنت أخبر به يا خليفة رسول الله».فأكد عليه بأن يخبره عني، فعرف عثمان غايته، وأدرك قصده فقال له:«للهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وان ليس فينا مثله..»فتفرجت أسارير الشيخ وراح يقول له:«رحمك الله يا أبا عبد الله.. لو تركت عمر لما عدوتك».ثم أوصاه أن يكتم ما دار بينهما من الحديث، ولما اشتد به المرض وخشي [ صفحه 147] أن يموت قبل أن يعهد إليَّ بالأمر بعث إلي عثمان بن عفان يستكتبه العهد، فلما جاء راح يملي ما هذا نصه:«هذا ما عهد به عبد الله إلي المسلمين. آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة. في الساعة التي يبر فيها الفاجر، ويسلم فيها الكافر».ثم وهن منه الصوت قبل أن يتم املاؤه، وأغمي عليه، فرفع ابن عفان يده عن الصحيفة وأخذ يتطلع قلقاً نحو صاحبه، فإذا الرجفة تأخذه إذ يراه مهيضاً. وقد خشي أن يكون الخليفة قد فارقته الحياة قبل أن يتم عهده، وخاف من الناس أن يختلفوا علي الأمير بعده، فسارع يكتب متمماً الوصية بما نصه:«أما بعد فإني قد استخلفت عليكم ابن الخطاب».وأفاق أبو بكر بعد قليل فاطمأن عثمان وقرأ عليه ما كتب فقال له أبو بكر مبتهراً:«أني لك هذا؟»«ما كنت لتعتدوه»«أراك خفت أن يختلف الناس إن اقتلتت نفسي في غشيتي».«نعم يا خليفة رسول الله».«الله أكبر. أصبت فجزاك الله خيراً عن الأسلام اتمم كتابك».وعاود الإملاء، وأبرم بعد قليل المهد الذي أراده أبو بكر فتم لي الأمر بعده.إن أبا بكر هو الذي رشح عثمان للخلافة من قبل، إذ قال له:«لو تركت عمر لما عدوتك يا أبا عبد الله».وان تعييني لعثمان عن طريق خفي كان رداً لجميله، ومقابلة إحسانه بإحسان.ولغلوّي في الكراهية لعلي فقد صممت علي إبعاد الخلافة عنه وحرمانه منها حتي لو لم يكن عثمان موجوداً لرشحت غيره، فقد تمنيت أن أوصي بها لأبي عبيدة بن الجراح لو كان حياً.. ووصفته بأنه أمين هذه الأمة، أو أوصي بها لسالم مولي أبي حذيفة لو كان حياً، ونعته بأنه شديد الحب لله.. وسالم هذا لم [ صفحه 148] يكن من العرب ولا من قريش، وإنما هو أعجمي، وكان عبداً مملوكاً لزوجة أبي حذيفة بن عتبة، مع علمي بعدم جواز انعقاد الامامة لمثله، وقد أمرت ان يصلي صهيب الرومي علي جنازتي، وان يصلي بالناس الصلوات الخمس، كل ذلك لأغض من كرامة علي وأن لا يصل إلي مركز الخلافة، وذلك لبغض قريش له، وحقدها عليه، فقد راعيت عواطفها، وحفضت اواصر الرحم، ففتلت حبل الشوري لإبعاده عن أمر الخلافة والتحكم في شؤون المسلمين.ويتأثر النبي (صلي الله عليه وآله) من هذه الصراحة، ويبهر الجميع من هذا القول الذي كشف ابو حفص الغطاء عن حقيقته. [ صفحه 150]

الرسول مع عثمان

اشاره

وبعد ما أنهي النبي (صلي الله عليه وآله) سؤاله مع الخليفة الثاني، واستمع الجميع إلي الاتهامات الموجهة حوله، واعترافه بها، جيء بالخليفة الثالث عثمان بن عفان فأوقف بين يدي النبي (صلي الله عليه وآله) فانبري (صلي الله عليه وآله) إليه قائلاً:وأنت يا عثمان كيف قبلت الخلافة بهذا الشكل الهزيل؟ وكيف وافقت علي أن تكون ممثلاً عني، وحاكماً علي الأمة؟ مع وجود من هو أعلم منك وأفضل وأقدر علي إدارة دفة الحكم وتحقيق العدل بين الناس.ومن المؤسف أنك لما قمت بالأمر «قمت نافجاً حضنيك بين نثيلك ومعتلفك، وقام معك بنو أبيك يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع إلي أن انتكث عليك عملك، وكبت بك بطنتك» [194] .فكانت الفتنة الكبري التي هزت أرجاء العالم الإسلامي، وتركت المسلمين يتخبطون في ظلام لا بصيص فيه من النور.وحينما حباك ابن عوف بالخلافة خرجت من المسجد، وأتباعك يهللون لك ويكبرون.. وبنو أمية يهتفون بحياتك قد غمرتهم المسرات لأنك الواضع للحجر الأساسي لبناء دولتهم المرتقبة، والموطد لكيانها، وقد أخبرت عنها متنبئاً، يحكمها ثلاثون من بني أمية، وهم كما وصفتهم من التمرد والتوغل بأموال الناس ودمائهم، وأعراضهم، فقلت فيهم «إذا بلغ آل أبي معيط ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولا».وقد تحقق ذلك علي مسرح الحياة كما أخبرت به، فقد كانوا حكاماً جائرين، وجبابرة طاغين، خارجين عن الدين، متمرسين علي الفسق والفجور، وحائدين عن العدل، يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف [ صفحه 151] قد تنكر لكل ما جاء به الاسلام من المثل العليا، والقيم الانسانية الرفيعة، وعطّلوا حدود الله، وعبثوا في حرمات المسلمين.ودبّ الفساد، وانتشر الظلم والجور في جميع أرجاء البلاد حتي صار كل مسلم غير آمن علي عرضه، وماله، ودمه، واندكت الحياة الإسلامية، وبلغ الظلم أقصاه.ولنعد إلي سياستك الرعناء التي جافت الكتاب، وابتعدت عن سنن العدل، وطريق الحق، وفيما يلي عرض لذلك:

السياسة المالية

إن السياسة المالية التي شرعها الإسلام تقضي بصرف أموال الخزينة علي مصالح المسلمين وعلي مكافحة الفقر، ومطاردة البؤس، وإبعاد الحرمان، والقيام بإعالة الضعيف والإنفاق علي العاجز، وسد خلة كل محتاج من ذوي البؤس، والزَمِن، وتعاهد الأرامل والأيتام، والإنفاق عليهم بما يحتاجون، وليس لرئيس الدولة أن يصطفي من أموال المسلمين أي شيء وليس له أن ينفق منها قليلاً أو كثيراً في غير صالح المسلمين، وقد كانت هذه سيرتي حينما كنت حياً.ولكنك جافيت سنّتي، وعدلت عن طريقتي، فاستأثرت بالفيء، وسلطت بني أمية وآل أبي معيط علي الخزينة المركزية يهبون منها لمن شاؤوا، ويمنعون عنها من شاؤوا كأنها ملك لهم، وقد قاموا بدورهم باستغلال المسلمين، والتلاعب بمقدراتهم، وقد تكدست عندهم الأموال الضخمة فحاروا في صرفها وفي إنفاقها، وأخذوا يسرفون في الملذات، ويفعلون كل ماحرم الله.وقد أدت سياستك الملتوية إلي نشر الفاقة والحرمان بين صفوف المجتمع الإسلامي، وإليك أرقاماً عن هباتك إلي الأمويين وإلي غيرهم من الوجوه والأعيان. [ صفحه 152] أبو سفيانوفي أول يوم من حكمك أخذ بنو أمية يتوافدون عليك من كل حدب وصوب، وعلي رأسهم شيخهم أبو سفيان قائد القوي المشركة في موقعة بدر، وأحد والأحزاب فقد جاء يتعثر بخطاه لعمي بصره وبصيرته ليخطط دستور دولتك الجديدة رافعاً عقيرته بقوله: «يا بني امية تلاقفوها تلاقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلي صبيانكم وراثة..»وخاطبك بقوله: «اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية.» [195] ولم تنهره علي كلامه، ولم تعاقبه علي هفواته، وإنما رحبت به، وأدنيته منك ومنحته مائتي الف من بيت المال [196] .فبأي كتاب أم بأية سنّة تهب أموال المسلمين إلي هذا المنافق الذي أُترعت نفسه بروح الجاهلية، ولم يؤمن بالله طرفة عين، فهل هذه الأموال ملك لك حتي تنفقها علي هذا البغيّ الأثيم؟!عبد الله بن سعدوأعطيت عبد الله بن سعد أخاك من الرضاعة جميع ما أفاء الله من فتح افريقية بالمغرب من طرابلس الغرب إلي طنجة، ولم تشرك في عطائه أحداً من المسلمين [197] .وعبد الله بن سعد هو أحد اعلام المشركين، واحد الذين كفروا بالإسلام وبغوا عليه، كما سنوضح حاله الي المجتمع. فبأي وجه ساغ لك أن تهبه هذه الأموال الطائلة التي رصدت للمسلمين، لتنفق علي تطوير حياتهم وعلي نشر السعة [ صفحه 153] في ربوعهم.سعيد بن العاصووهبت سعيد بن العاص مائة الف درهم [198] وهو من فساق الأمويين ومن فجارهم، وكان ابوه من اعلام المشركين قتله علي يوم بدر [199] . فعلي اي وجه اعتمدت في إعطائك له هذا المال الكثير، وهو ليس بأهل لأن يمنح أي شيء!الوليد بن عقبةوسلطت الوليد بن عقبة علي خزانة الكوفة فاستقرض منها ما شاء، ثم طالبه عبد الله بن مسعود خازن بيت المال فكتب الوليد إليك بذلك فكتبت إلي ابن مسعود «إنما أنت خازن لنا فلا تحرض للوليد فيما أخذ من المال» فلما انتهي إليه كتابك طرح المفاتيح وقال:«كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذا كنت خازناً لكم فلا حاجة لي في ذلك». ثم استقال من منصبه [200] .هل ان هذه الأموال ملك بني أمية ولآل أبي معيط حتي تهبها لهم، أو ليست هي أموال المسلمين فكيف ساغ لك أن تبددها؟ وتصرفها بغير وجه مشروع؟؟!!مروان بن الحكمومروان بن الحكم هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون [201] . وكان رأساً من رؤوس المنافقين، ووجهاً من وجوه أهل الضلالة، ما آمن بالله، ولا دخل [ صفحه 154] الإسلام في قلبه، وقد جعلت هذا الخبيث وزيراً لك، ومستشاراً لك في جميع أمورك لا تعدو رأيه، ولا تخالف أمره فكان في الحقيقة والواقع هو الخليفة لا أنت، وبأي وجه اعتمدت عليه فهل له رأي أصيل، وعقل ثاقب، ومكانة بين المسلمين؟. لقد سلطته علي أموال الله فأخذ يتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم، ونسوق إليك الأموال الضخمة التي وهبتها له؟.1 أعطيته خمس غنائم أفريقية، وقد بغلت خمس مائة الف دينار، وقد أثار ذلك سخط المسلمين، وتذمرهم، وقد هجاك بذلك عبد الرحمن بن حنبل بقوله:سأحلف بالله جهد اليمين ما ترك اللّه أمراً سُديولكن خلقت لنا فتنة لكي نبتلي لك أو تبتليفإن الأمينين قد بينا منار الطريق عليه الهديفما أخذا درهماً غيلة وما جعلا درهماً في الهويدعوت اللعين فأدنيته خلافا لسنّة من قد مضيوأعطيت مروان خمس العباد ظلماً وحميت الحمي [202] .2 أعطيته مائة الف من بيت المال، فجاءك زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يديك، وهو غارق في البكاء، فنهرته وقلت له:«اتبكي إن وصلت رحمي؟»فأجابك بلا مواربة ولا مداهنة قائلاً:«ولكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً..»وقد دلّك علي الخير، وأرشدك إلي الهدي فلم تستجب له، فزجرته وصحت [ صفحه 155] به قائلاً: «الق المفاتيح يا بن أرقم فإنا سنجد غيرك» [203] .3 ومن هباتك لهذا الوزغ أنك اقطعته فدكا، ووهبتها له [204] وقد كنت منحتها لبضعتي سيدة نساء العالمين فاطمة، فظن عليها أبو بكر، واستلبها منها، وروي عني أني قلت إنها صدقة للمسلمين، وعلي كلا الحالين فبأي وجه ساغ لك أخذها واعطائها لمروان.هذه بعض عطاياك له، فأي خدمة أسداها مروان للأمة حتي يستحق هذه الأموال الطائلة، وأي مأثُرة صدرت منه حتي تمنحه هذا الثراء العريض؟؟.الحارث بن ألحكموأجزلت بالعطاء الي الحارث بن الحكم فأعطيته ثلاثمائة الف درهم [205] ووردت إبل الصدقة الي المدينة فوهبتها له [206] واقطعته سوقاً في يثرب يعرف بتهروز بعد أن تصدقت به علي جميع المسلمين [207] بماذا استحق الحارث هذه الأموال الطائلة؟ فهل أسدي خدمة عامة للمسلمين؟ وهل قام بعمل ايجابي نفع به المسلمين حتي تمنحه هذه الأموال الطائلة؟.وبأي وجه منحته إبل الصدقة، ويجب أن تصرف علي الجهات التي خصت لها، وليس الحارث من مصاديقها، وكيف اقطعته السوق، وقد تصدقت به علي جميع المسلمين.. ان هذه الهبات لا تتفق مع الشريعة، وتتنافي مع مصالح الأمة. [ صفحه 156] الحكم بن أبي العاصونفيتُ هذا الرجس الخبيث الي الطائف، وقلت لا يساكنني [208] وذلك لما لاقيت منه من الأعتداء والاستهانة بكرامتي وقد حارب الاسلام، ومنع الناس من الدخول في دين الله [209] وقد حذرت المسلمين منه فقلت فيه: «إن هذا سيخالف كتاب الله وسنّة نبيه، وستخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء» فقال لي بعض أصحابي: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه، فقلت لهم بلي وبعضكم يومئذ شيعته [210] .وظل هذا الخبيث منفياً طيلة خلافة الشيخين، وقد توسطت عندهما في إطلاق سراحه فلم يستجيبا لك، وظل مبعداً منفياً يلاحقه الخزي والعار.ولما آل الأمر إليك أصدرت قرارك بالعفو عنه فقفل راجعاً الي يثرب وهو يسوق تيساً، والناس ينظرون الي رثة ثيابه وسوء حاله فدخل دارك ثم خرج من عندك وقد كسوته جبة خز، وطيلسان [211] وأعطيته مائة الف [212] .ولم تكتف بهذا الإحسان عليه، فقد وليته صدقات قضاعة، وقد بلغت ثلاث مائة الف درهم فوهبتها له [213] .لقد آويت طريدي، ومنحته أموال الصدقة التي جعلها الله للفقراء والمحرومين وذوي الحاجة فكيف ساغ لك ذلك، والأمر لله، وهو المستعان علي ما تصفون.هذه بعض هباتك وعطاياك للامويين، ولآل أبي معيط، وقد خالفت بذلك سنّتي، وصددت عن شريعتي فإني لم أجز بأي حال لولي الأمر أن ينفق [ صفحه 157] أموال المسلمين علي ارحامه وعلي المحسوبين، وانما يجب أن تصرف حسب المنهج الذي قررته الشريعة.

دفاع عثمان

يارسول الله اني أوصلت رحمي، وأنفقت عليهم الأموال الطائلة مبتغياً في ذلك الأجر والثواب، وليس في ذلك علي مأثم أو مخالفة للشرع، فقد ندبت إلي صلة الأرحام، وحثثت علي الإحسان إليهم والبر بهم، وقد اندفعت بذلك إلي رضاء الله، ومغفرته فأي بأس علي في ذلك؟.

الجواب عنه

إن هذا منطق مفلوج لا يتفق مع الشرع، ولا يلتقي مع سنن الإسلام، وذلك لوجهين: «الأول» إن هذه الأموال التي أنفقتها عليهم لم تكن من أموالك الخاصة حتي يباح لك التصرف فيها كيفما شئت، وإنما هي أموال المسلمين فيجب أن تنفق علي مصالحهم وسائر شؤونهم، وليس لرئيس الدولة أن يتصرف فيها بقليل ولا بكثير، وقد كانت سيرتي علي ذلك، وقد اقتدي بي الامام أمير المؤمنين حينما آل إليه أمر المسلمين فإنه لم يصطف لنفسه من أموال المسلمين شيئاً، ولم يخص أحداً من أقربائه بشيء منها، فقد ورد عليه أخوه عقيل من يثرب وهو بائس مضطر قد أخذ منه الفقر أي مأخذ فطلب من أخيه علي أن يوفي عنه دينه فقال له الامام:كم دينك؟أربعون الفاً.ماهي عندي، ولكن أصبر حتي يخرج عطائي فادفعه إليك.بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟ [ صفحه 158] أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين، وقد أئتمنوني عليها [214] .هذا هو منطق الإسلام، وهذا هو عدله، وهذه هي مساواته، ان الواجب علي من يلي أمور المسلمين أن لا يفرق بين القريب والبعيد في العطاء وفي غيره.«الثاني» ان أسرتك التي بررت فيها، وان الذوات التي أغدقت عليهم بالثراء العريض إنما هم خصوم الإسلام وأعداؤه، وقد قلت لأبي العاص بن أمية: «إنكم الشجرة الملعونة في القرآن» [215] .وأنت تعرف دوافع أسرتك، وما انطوت عليه نفوسهم من العداء للاسلام، والحقد عليه، وانها لم تؤمن بالله طرفة عين.أفيصح لك أن تهب أموال المسلمين إلي أعدائهم وخصومهم؟ وقد حرم الله مودة المعادين له، وحرم مواصلتهم قال تعالي: «لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم» [216] .لقد كنت شديد الحب لاسرتك، لم تألو جهداً في تقوية نفوذهم، واعلاء أمرهم، وبلغ من عظيم حبك لهم أنك قلت: «لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتي يدخلوا عن آخرهم» [217] ولم يكفك أنك أعطيتهم خزائن بيت مال المسلمين، وسلطتهم علي الفيء وجميع المقدرات الاقتصادية، انك تريد أن تهبهم مفاتيح الجنان ليتبؤن منها حيثما شاؤوا، وهيهات فإنه لا ينالها إلا المتقون المتحرجون في دينهم. [ صفحه 159]

هباتك للأعيان

ووهبت أموال المسلمين بسخاء إلي الأعيان والوجوه، وذوي النفوذ ممن تخشي سطوتهم عليك، فقد وصلت طلحة بمائتي ألف دينار [218] وكانت لك عليه خمسون ألفاً فوهبتها له [219] ووصلت الزبير الذي ثار عليك، بستمائة ألف دينار، ولما قبضها حار في صرفها فسأل عن خير المال ليستغل صلته فدل علي اتخاذ الدور في الأقاليم والأمصار [220] فبني إحدي عشر داراً بالمدينة ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة، وداراً بمصر [221] .ووهبت الأموال الضخمة لزيد بن ثابت حتي بلغ به الثراء العريض وإنه لما توفي خلف من الذهب والفضة مايكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع ما قيمته مائة ألف دينار [222] .فبأي وجه تصحح هذه الهبات؟ وكيف ساغ لك أن تمنحها لذوي النفوذ، وقد جعلها الله للفقراء والمحرومين لتنقذهم مما هم فيه من محنة الزمن وخطوب الدهر.إنك لم تهبهم هذه الأموال إلا لأجل تقوية نفوذك، وبسط سلطانك غير مبال بصالح المسلمين، ورعاية أمورهم.

استئثارك بالأموال

واستترفت بيوت الأموال فاسطفيت منها ما شئت لنفسك وعيالك، وقدبالغت في البذخ والاسراف، فبنيت داراً في يثرب، وقد شيدتها بالحجر والكلس، وجعلت أبوابها من الساج والعرعر، واقتنيت أمولاً وجناناً في [ صفحه 160] يثرب [223] وكنت تنضد أسنانك بالذهب، وتلبس ثياب الملوك، وأنفقت أكثر بيت المال في عمارة ضياعك ودورك [224] ، ولما قتلت كان عند خازنك ثلاثون الف الف درهم، وخمسمائة الف درهم، وخمسون ومائة الف دينار، وتركت ألف بعير وصدقات ببراديس ووادي القري قيمة مائتي الف دينار [225] .انك لم تتقيد في سياستك المالية لا بكتاب الله ولا بسنّتي، وقد اتخذت السلطة وسيلة للثراء، وتتمتع بملاذ الحياة فادهنت في دينك، وسلكت غير الجادة، وشذذت عن السنّة الموروثة.وكان من العدل والانصاف ما أصدره علي من القرار الحاسم في هذه الأموال التي استأثرت بها، والتي وهبتها لأرحامك واقربائك أنه قال:«ألا أن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته الي حاله فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق» [226] .وكان هذا الاجراء الذي اتخذه أمير المؤمنين علي وفق العدل الإسلامي الذي حدد صلاحية المسؤولين، ولم يطلق لهم العنان في التصرف بأموال الأمة أو الاستئثار بها.

ولاته علي الأمصار

وكان اللازم عليك ان تستعمل علي الأقاليم الإسلامية خيرة المسلمين في تقواهم وورعهم ونزاهتهم ليقوموا بتهذيب المسلمين، ونشر الفضيلة والهدي [ صفحه 161] الاسلامي بين الناس، ولكنك لم تعن بذلك فقد استعملت بني أمية وآل أبي معيط حكاماً وولاة علي الاقاليم الاسلامية فأشاعوا في البلاد الجور والفساد، واستحلوا ما حرم الله، وجعلوا يتلاقفون مقدرات الأمة تلاقف الكرة بأيدي الصبيان كما اوصاهم عميدهم أبو سفيان ونشير إلي بعض ولاتك مع عرض موجز لبعض شؤونهم، وهم:

الوليد بن عقبة

واستعملت الوليد بن عقبة علي الكوفة بعد ان عزلت عنها سعد بن أبي وقاص.هل كان الوليد خليقاً بأن يعهد اليه أمر هذا المصر العظيم، كيف ساغ لك أن تأتمنه علي أموال المسلمين، وتعهد إليه بأمر الصلاة والقضاء؟ وهو لم يفهم من الإسلام أي شيء.لقد نشأ الوليد نشأة جاهلية، ولم يدخل بصيص من نور الإسلام في قلبه، فقد كان أبوه من ألد أعدائي فكان هو وابو لهب يأتيان بالفرث فيطرحانه علي باب داري [227] ، وقد بصق هذا الأثيم في وجهي فقلت له: إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً، فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه امتنع من الخروج خوفاً من القتل فما زال أصحابه يلحون عليه حتي خرج فلما هزم الله المشركين كان عقبة من جهة الأسري فعهدت إلي علي بضرب عنقه [228] وقد أُترعت نفس الوليد بالحقد والعداء لي لأني قد ذكرته بأبيه، ولما لم يجد بداً من الدخول في الاسلام وهو مكره، وقلبه مطمئن بالكفر والنفاق.وقد نطق القرآن الكريم بفسقه وعدم إيمانه وذلك حينما تفاخر مع أمير المؤمنين عليه السلام فقال له الوليد: [ صفحه 162] «واسكت فإنك صبي، وأنا شيخ، والله إني أبسط منك لساناً، وأحدّ منك سناناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة..»فردّ عليه أمير المؤمنين قائلاً:«أسكت فإنك فاسق».فأنزل الله تعالي فيهما «أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً» [229] ، وقد غشني وكذّب عليّ حينما أرسلته في بني المصطلق فعاد إلي يزعم انهم منعوه الصدقة فخرجت اليهم غازياً فتبين لي كذبه، ونزلت عليَّ الآية بفسقه وهي قوله تعالي: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين» [230] .ومع إعلان القرآن بفسقه، وتجريده عن صبغة الإيمان كيف ساغ لك أن تجعله حاكماً علي المسلمين.ولما استعملته والياً علي الكوفة بالغ في الاستهتار والتهتك والمجون، فلم يرجو لله وقاراً، وقد اقترف أفحش جريمة، وأفظع ذنب، فقد ثمل وصلي بالناس صلاة الصبح أربع ركعات، وصار يقول في ركوعه وسجوده «اشرب واسقني» ثم قاء في المحراب وسلم، وقال هل أزيدكم؟.فقال له ابن مسعود: لا زادك الله خيراً، ولا من بعثك الينا وأخذ فروة نعله، وضرب بها وجه الوليد، وحصبه الناس فدخل القصر، والحصباة تأخذه، وهو مترنح [231] ويقول الحطيئة جرول ابن أوس العبسي في فعله:شهد الحطيئة يوم يلقي ربه إن الوليد أحق بالغدرِنادي وقد تمت صلاتهم أأزيدكم ثملاً ولا يدري [ صفحه 163] ليزيدهم خيراً ولو قبلوا منه لزادهم علي عشرِفأبوا أبا وهب ولو فعلوا لقرنت بين الشفع والوترِحبسوا عنانك إذ جريت ولو خلوا عنانك لم تزل تجري [232] وقد أسرع قوم من الكوفيين بعد اقترافه إلي هذه الجريمة فعرضوا عليك انتهاكه لحرمة الله، وقد صحبوا معهم خاتمه الذي انتزعوه منه، وهو في حالة السكر، ولما شهدواعندك زجرتهم وقلت لهم:«وما يدريكم انه شرب الخمر؟».فقالوا لك: «هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية».وأخرجوا لك خاتمه الذي انتزعوه منه، وهو في حال سكره، فتميزت من الغيظ، ودفعت في صدورهم، وقابلتهم بأمر القول، وأقساه، وليس للحاكم أن يفعل ذلك، وهرعوا فزعين إلي أمير المؤمنين يشكونك اليه، فأقبل اليك وهو ثائر غضبان فقال لك:«دفعت الشهود، وأبطلت الحدود؟».فخشيت، وحاذرت واجبته علي كره قائلاً:«ما تري؟».«أري ان تبعث إلي صاحبك، فإن أقاما الشهادة في وجهه ولم يدل بحجة أقمت عليه الحد».فاستجبت له علي كره، وأرسلت خلفه فلما مثل عندك أمرت باحضار الشهود فأقاموا عليه الشهادة، ولم يدل الوليد بحجة، وقد وجب عليه الحد فلم يقم أحد عليه خوفاً منك، فلما رأي أمير المؤمنين ذلك اندفع فأخذ السوط ودنا منه، فسبه الوليد، وأخذ يراوغ عنه فاجتذ به الإمام، وضرب به الأرض، وعلاه بالسوط فثرت وقد علاك الغضب فقلت له:«ليس لك ان تفعل هذا به..». [ صفحه 164] «بلي وشر من هذا إذا فسق، ومنع حق الله أن يؤخذ منه» [233] .وأقام عليه الحد، وكان اللازم بعد ارتكابه لهذا الجرم، وانتهاكه لحرمة الاسلام أن تبعده، وتجافيه حتي يرتدع هو وغيره من ارتكاب الفسق والفساد، ولكنك لم تعن بذلك فقد عطفت عليه، ووليته صدقات كلب، وبلقين [234] ، وكيف ساغ لك أن تأتمنه علي صدقات المسلمين وأموالهم بعد ما ثبت فسقه وارتكابه للاثم.

سعيد بن العاص

وبعد أن اقترف الوليد جريمته النكراء أقصيته عن الكوفة علي كره منك، وقد عمدت إلي اسناد الحكم إلي سعيد بن العاص فوليته أمر هذا المصر العظيم، وقد استقبله الكوفيون بالكراهية والاستياء وعدم الرضا لأنه كان شاباً مترفاً [235] لا يتحرج من الإثم، ولا يتورع من الافك، كما كان طاغياً جباراً، قال لأصحابه بعد أن ولي الكوفة: «من رأي منكم الهلال؟» فقال له هاشم بن عتبة المرقال: أنا رأيته فوجه إليه لاذع القول وأقساه، فقال له:«بعينك هذه العوراء رأيته؟».فالتاع هاشم وأجابه:«تعيرني بعيني، وإنما فقئت في سبيل الله وكانت عينه أصيبت يوم اليرموك».وفي استهتاره قوله: «إنما السواد اي سواد الكوفة بستان لقريش».وقد أثار ذلك سخط الأخيار والمتحرجين في دينهم، فانبري إليه مالك [ صفحه 165] الاشتر فأنكر عليه ذلك قائلاً:«أتجعل مراكز رماحنا، وما أفاء الله علينا بستاناً لك ولقومك؟، والله لو رامه أحد لقرع قرعاً يتصأصأ منه».وانضم إلي الأشتر قراء المصر وهم ينكرون علي عاملك هذا الاستهتار، فغضب صاحب شرطته فرد علي القوم رداً غليظاً، فقاموا إليه فضربوه ضرباً منكراً حتي أغمي عليه، وأخذوا يطلقون ألسنتهم بنقده، ويذكرون مثالبك وجرائم بني أمية، وكتب سعيد إليك بخبرهم فأمرته أن يعتقلهم في الشام، وينفيهم عن مصرهم، وهم لم يرتكبوا إثماً أو فساداً، ولم يقترفوا جرماً حتي يستحقوا هذا التنكيل، وانما نقدوا عاملك لأنه شذ عن الطريق، وقال غير الحق.وأخرجهم سعيد عن أوطانهم بالعنف فأرسلهم إلي الشام إلي بلد لم يألفوه، ولا يسكنون إلي من فيه وتلقاهم معاوية فأنزلهم في كنيسة، وأجري عليهم بعض الرزق، وجعل يناظرهم، ويحاججهم، وهم مصرون علي منطقهم إن السواد ليس ملكاً لقريش فأي ميزة يمتاز بها الشرك إلا القليل منهم.ولما يئس عاملك وقريبك معاوية منهم كتب إليك يستعفيك من ابقائهم في الشام خوفاً من أن يفسدوا أهلها عليه فأمرته أن يردهم الي الكوفة فعادوا إليها وهم مصرون علي نقد عاملك وعلي نقد سياستك، فأعاد سعيد عليك الكتابة يطلب منك ابعادهم عن مصرهم فأمرته أن ينفيهم الي حمص فنفاهم إليها، واستقبلهم عبد الرحمن بن خالد عامل معاوية بالعنف والشدة، وسامهم سوء العذاب، وقابلهم بأغلظ القول وأفحشه، فكان اذا ركب أمرهم بالمسير حول ركابه مبالغة في توهينهم وإذلالهم، لوما رأوا تلك القسوة البالغة والعذاب المهين أظهروا الطاعة، وطلبوا منه أن يصفح عنهم، فعفا عنهم، وكتب إليك يسترضيك، ويسألك العفو عنهم فأجبته الي ذلك، وأمرت بردهم الي الكوفه، ونزح سعيد من الكوفة الي يثرب لمواجهتك فوجد القوم عندك يشكونه إليك، ويسألونك عزله، فامتنعت من إجابتهم، وأصررت علي ابقائه في عمله، فرجع [ صفحه 166] القوم إلي مصرهم قبله، وقد احتلوا الكوفة، وأقسموا أن لا يدخلها عاملك الأثير عندك، ولما توجه سعيد منعوه من دخول المصر، وأجبروك علي عزله فاستجبت لهم علي كره [236] .لقد نكلت بالأخيار والصلحاء من أجل مارق خبيث مستهتر متهور فسلطته علي رقاب المسلمين وأموالهم وأعراضهم لأنه من أسرتك وذويك.فأي سياسة رعناء سست بها البلاد؟ لقد سلطت شرار خلق الله علي أمتي فأخذوا يسومونها سوء العذاب فنكّلوا بأخيارها، وطاردوا صلحاءها.ياذا النورين!يا من تستحي الملائكة منه!أهكذا تسلط الفساق وشذاذ الآفاق علي المسلمين لينتزعوا منهم حريتهم، ويشيعون في ربوعهم الظلم والجور والاستبداد والأمر لله فهو الحاكم في عباده، وهو ولي الأمور. واخترت ابن خالك عبد الله بن عامر فوليته البصرة وهو ابن اربع أو خمس وعشرين سنة [237] وهو كما وصفه أبو موسي الأشعري بقوله: «ولاج خراج»، وقد سار في ولايته في البصرة سيرة ترف وبذخ فهو أول من لبس الخز في البصرة، وقد لبس جبة وكناء فقال الناس: «لبس الامير جلد دب» فغير لباسه، ولبس جبة حمراء [238] .وقد أنكر المسلمون سياسته، وسخطوا علي اوضاعه، كما عابوا عليك اعمالك، وقد اجتمع الأخيار والمؤمنون فتذاكروا أحداثك فأجموا أن يبعثوا إليك رجلاً يكلمك بما احدثه في المسلمين فأرسلوا إليك عامر بن عبد الله [ صفحه 167] التميمي الزاهد العابد، ولما انتهياليك وعظك وأرشدك إلي طريق الحق قائلاً:«إن ناساً من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أموراً عظاماً، فاتق الله عزّ وجلّ، وتب إليه، وانزع عنها».فاحتقرته، وبالغت في توهينه فقلت لمن حولك:«إنظروا إلي هذا فإن الناس يزعمون أنه قارئ ثم هو يجيء فيكلمني في المحقرات، فوالله ما يدري أين الله».فانطلق لك العبد الصالح وقد أسخط قولك فقال لك:انا لا أدري أين الله؟نعم.إني لأدري ان الله بالمرصاد.فلذعك قوله، ولكنك لم تستجب لندائه، وقد أرسلت خلف مستشاريك وأعوانك من بني أمية فعرضت عليهم الأمر فأشار عليك عبد الله بن عامر قائلاً:«رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وان تجمرهم في المغازي حتي يذلوا لك، فلا يكون همة أحدهم وما هو فيه من دبر دابته، وقمل فروته».وقد أشار بالظلم والجور وبالتضييق علي الناس وقد أخذت بقوله، وتركت رأي الآخرين فأمرت بتجمّر الناس في البعوث، وعزمت علي تحريم أعطياتهم حتي يطيعوك [239] .ولما عاد إلي البصرة عبد الله بن عامر عمل إلي التنكيل بعامر بن عبد الله، فأوعز إلي عملائه وأذنابه أن يشهدوا عنده بان عامراً قد خالف المسلمين في أمور قد أحلها الله، فهو لا يأكل اللحم، ولا يري الزواج، ولا يشهد الجمعة [240] فشهدوا له بذلك، ورفع بذلك تقريراً اليك فأمرت بنفيه إلي الشام علي (قتب) [ صفحه 168] فحمل اليها وأنزله معاوية الخفراء، وبعث اليه بجارية وأمرها ان تتعرف علي حاله، وتكون عيناً عليه، فرأته رجل تقوي وصلاح يقوم في الليل متعبداً، ويخرج من السحر فلا يعود إلا بعد العتمة، ولا يتناول من طعام معاوية شيئاً فكان يجيء بالكسر من الخبز، ويجعلها بالماء ويشرب من ذلك الماء، فأخبرت معاوية بشأنه فكتب اليك بأمره فأوعزت اليه بصلته [241] .وقد نقم المسلمون عليك لأنك نفيت رجلاً من خيار المسلمين وصلحائهم [242] ولم يكن له ذنب سوي انه نقد عاملك وعاب عليه أعماله، وليس لولي الأمر الصلاحية في نفي أحد من المسلمين فإنه لم يشرع إلا لمن حارب الله ورسوله، وسعي في الأرض فساداً.وقد ظل عبد الله بن عامر والياً من قبلك علي البصرة إلي ان قتلت فلما سمع بمقتلك نهب ما في بيت المال وسار إلي مكة فوافي بها طلحة والزبير وعائشة فأمدهم بالأموال وأعانهم علي التمرد والخروج علي حكومة أمير المؤمنين.فلا حول ولا قوة إلا بالله.

عبدالله بن سعد

وحبوت أخاك من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح بولاية مصر، ومنحته إمارة هذا القطر العظيم وجعلت بيده أمر صلاته، وخراجه [243] وقبل ذلك منحته الأموال الطائلة، ووهبته الثراء العريض فخصصته بخمس غنائم افريقية، ولم يكن خليقاً بذلك فإن له تاريخاً أسوداً حافلاً بالآثام والموبقات فقد ارتد مشركاً بعد اسلامه وصار إلي قريش ساخراً مني، ومستهزءاً بي، وكان يقول لهم: [ صفحه 169] «إني أصرفه حيث اريد».وقد أهدرت دمه يوم الفتح، وإن وجد متعلقاً باستار الكعبة، ففر اليك، وأستجار بك فآويته، وغيّبته وبعد ما أطمأن أهل مكة، جئت به إلي تطلب مني العفو عنه فصمت طويلاً ثم آمنته، وعفوت عنه، فلما انصرفت قلت لأصحابي. ما صمت إلا ليقوم اليه بعضكم فيضرب عنقه، فقال لي رجل من الأنصار:«هلا أومأت إليّ يا رسول الله؟».فقلت له: «إن النبي لا ينبغي ان تكون له خائنة الأعين» [244] .ونزلت آية من القرآن بكفره وذمه وهي قوله تعالي: «ومن أظلم ممن أفتري علي الله كذبا وقال أوحي إلي ولم يوح اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله [245] ».وسبب نزول هذه الآية أنه نزل قوله تعالي: «ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين» دعوته إلي كتابتها فلما انتهي إلي قوله تعالي: «ثم انشأناه خلقاً آخر» عجب عبد الله في تفصيل خلق الانسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقلت له هكذا نزلت عليَّ، فشك عبد الله في نبوّتي، وقال كلمة الكفر.قال لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي اليه، وإن كان كاذباً لقد قلت كما قال فارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين [246] .أمثل هذا المرتد يكون والياً علي المسلمين، ومؤتمناً علي أموالهم ودمائهم؟ إن هذا والله هو الرزء القاصم الذي يذيب لفائف القلوب، وتذوب النفوس من هوله أسي وحسرات أتمنح أقطار المسلمين إلي الذين لم يألوا جهداً في البغي علي الاسلام والكيد له.وقد مكث عبد الله والياً علي مصر سنين، وكلف المصريين فوق ما يطيقون، [ صفحه 170] وساسهم سياسة عنف وجور فخفّ أخيارهم إليك يشكون جهدهم وعناءهم منه فبعثت إليه رسالة تأمره فيها بالاستقامة والعدل فلم يستجب لقولك، وعمد إلي التنكيل بمن شكاه اليك حتي قتله، وقد اضطرب الناس من ذلك فخرج سبع مائة رجل من مصر الي يثرب فنزلوا الجامع وشكوا الي أصحابه ماصنع بهم ابن أبي سرح فانبري اليك طلحة فكلمك بكلام شديد، وأرسلت إليك عائشة تطلب منك انصاف القوم، ودخل عليك أمير المؤمنين فقال لك:«إنما يسألك القوم رجلا مكان رجل، وقد ادعو قبله دما فأعزله عنهم، واقض بينهم فان وجب عليه حق فانصفهم منه..».فاستجب لذلك علي كره، وقلت لهم: اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليك، وعليهم بمحمد بن أبي بكر فكتبت إليه عهده علي مصر، ووجهت جماعة من المهاجرين، والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين أبي سرح [247] ، ونزحوا عن يثرب فلما بلغوا الي المحل المعروف (بحمس) وإذا بقادم من المدينة تأملوه وإذا هو ورش غلامك فتفحصوا عن أمره وإذا به يحمل رسالة الي ابن أبي سرح يأمره بالتنكيل بالقوم، تأملوا الكتاب وإذا هو بخط مروان فقفلوا راجعين الي يثرب، وقد صمموا علي خلعك أو قتلك.لقد كان قصدك من وراء هذه الأعمال الشاذة المنافية لروح العدل والاسلام أن تدعم الحكم في بني أمية وتجعل الدولة بايديهم، وتحملهم علي رقاب الناس، وتؤثرهم بالفيء، ولم تعن بأي صالح من مصالح المسلمين.

معاوية بن أبي سفيان

ومعاوية بن أبي سفيان من أكثر ولاتك حظاً عندك، ومن أعظمهم نفوذاً، وبسطت في رقعة سلطانه فضممت اليه حمص، وقنسرين، وفلسطين، والأردنحتي أصبح من أعظم الولاة قوة، ومن أكثرهم منعة ونفوذاً، وقد عبّدت له الطريق، وأتحت له الفرصة علي منازعة من يأتي من بعدك.ولم تلتفت أنت ولا صاحبك عمر من قبل الي ما يرتكبه معاوية من الموبقات والآثام، وقد عمدت بصراحة الي مخالفة أمري وعصيان قولي فيه، فقد قلت:«إذا وجدتم معاوية علي منبري فاقتلوه».وقد ارتكب هذا الوغد الأثيم من الموبقات والجرائم ما سود به وجه التاريخ الاسلامي فقد سم ريحانتي وولدي الأمام الحسن وقتل خيار الصحابة كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي، وغيرهم وفرض سب عترتي وأهل بيتي علي المنابر والمآذن، واستحل كل ما حرم الله.فمن هو المسؤول عن جرائمه غيرك، وغير صاحبك عمر الذي بالغ في تسديده، وتأييده فقال فيه: «إنه كسري العرب».هؤلاء بعض عمالك وولاتك، وانك لم تستعملهم إلا محاباة واثرة وانقياداً الي عصبيتك القبلية، وقد شذذت بذلك عن العدل وخنت الله ورسوله والمسلمين.

التنكيل بالصحابة

عمدت إلي التنكيل بخيار صحابتي الذين أبلوا في الاسلام بلاء حسناً، وساهموا في بناء الاسلام واقامة قواعده فقد اضطهدتهم، وبالغت في ارهاقهم لأنهم عابوا عليك سياستك الرعناء، وطلبوا منك أن تسير علي المحجة البيضاء، وتهتدي بسنّتي، وتقتفي بأثري، ولكنك لم تستجب لنصحهم، ولم تثب لإرشادهم، وأنزلت بهم سوط عذابك، وبالغت باضطهادهم وارهاقهم وهم:

عمار بن ياسر

إن عمار بن ياسر علم من أعلام الاسلام، وقطب من أقطاب الدين، صاحبي [ صفحه 172] وخليلي لقي في سبيل الاسلام أعظم الجهد، وأقسي ألوان البلاء والخطوب عُذِّب مع أبويه أعنف التعذيب، فقد صبّت عليهم قريش أواناً مريعة من العذاب الأليم فألهبت أبدانهم بمكاوي النار، وضربتهم ضرباً موجعاً، ووضعت علي صدورهم الأحجار الثقيلة، وصبّت عليهم قرباً من الماء وكنت اجتاز عليهم فأري ما هم فيه من مزيد المحنة والعذاب فتذوب نفسي أسي وحزناً عليهم فقلت لهم:«إصبروا آل ياسر موعدكم الجنة» [248] .ودعوت لهم مرة فقلت:«اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت» [249] .وبقيت هذه الأسرة العظيمة مصرة علي الايمان غير حافلة بعذاب قريش وهي تسخر بأوثانها وأصنامها فورم من ذلك أنف أبي جهل، وانتفخ سحره، وجلعت عيناه تقدحان شرراً وغيظاً فعمد الي سمية فطعنها في قلبها فماتت وهي أول شهيدة في الاسلام، وعمد الأثيم بعد ذلك إلي ياسر فقتله.وظل عمار يعاني آلام التعذيب قد مزق الحزن قلبه علي فقد أبويه، وأضناه التعذيب فعرضت عليه قريش سبي فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً، فأخبرت أن عماراً قد كفر.فقلت (كلا): إن عماراً ملئ إيماناً من قرنه إلي قدمه، واختلط الايمان بدمه ولحمه.وأقبل عمار عليّ وهو يبكي فجعلت أمسح عينيه وقلت له:«إن عادوا لك فعد لهم بما قلت».وأنزل الله تعالي فيه «من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان» [250] . [ صفحه 173] لقد ملئت نفس عمار بالايمان فكان الدين عنصراً مقوماً لمزاجه، وذاتياً من ذاتياته، وقد أنزل الله تعالي في حقه غير آية من كتابه كلها تمجيد له، وثناء عليه فهو المعني بقوله تعالي: «أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة» [251] .وقال تعالي فيه: «أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس» [252] .ونزلت آية في الثناء عليه وفي ذم الوليد وهي قوله تعالي: «أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين» [253] .وقد اهتممت في شأنه، وقدمته علي غيره من صحابتي وذلك لما لمست فيه من عظيم الثقة والإيمان بالله، فقلت في حقه: «من عادي عماراً عاداه الله ومن ابغض عماراً أبغضه الله» [254] .وجرت بينه وبين شخص مشادة فنالَ من عمار، فلما سمعت ذلك غضبت وقلت في حقه:«ما لهم ولعمار، يدعوهم إلي الجنة، ويدعونه إلي النار، إن عماراً جلدة ما بين عيني وأنفي فاذا بلغ ذلك من الرجل فاجتنبوه» [255] .وقلتَ فيه: [ صفحه 174] «ما خير عمار بين أمرين الا أختار ارشدهما» [256] .إن منزلة عمار عندي لا تساويها منزلة أحد من أصحابي وذلك لأنه مع الحق، والحق معه يدور الحق حيثما دار.وقد نقم عليك عمار لما سلكت غير الجادة، وشذذت عن طريق العدل وقد نكّلت به واعتديت عليه ولم تحفظ وصيتي فيه وحبي له لقد أنكر عليك في مواضع وهي كما يلي:1 ان اعلام الصحابة لما رفعوا اليك مذكرة سجلوا فيها أحداثك وبدعك رع إليك المذكرة فاندفعت إليه وأنت مغيظ محنق قائلا له:أعليَّ تقدم نت بينهم؟إني أنصحهم لك.كذبت يا ابن سمية.أنا والله ابن سمية، وابن ياسر.فأمرت غلمايك فمدوا بيديه ورجليه، ثم ضربته برجليك في الخفين علي مذاكيره فاصابه الفتق، وكان ضعيفا فأغمي عليه [257] ولم ترعُ شيخوخته، ولا عظيم بلائه، وعنائه في الإسلام فاعتديت عليه وأهنته، وهلا كانت هذه الاندفاعات منك علي الأمويين الذين استباحوا ما حرم الله، وانتهكوا الكرامات، فلا حول ولا قوة الا بالله.2 لما نفيت الصحابي العظيم أبا ذر صاحبي وخليلي إلي الربذة وتوفي فيها غريبا بائسا، وجاء نعيه إلي يثرب قلت أمام جماعة من الناس مستهزءاً به.«رحمه الله».فقال عمار: «نعم رحمه الله من كل أنفسنا..»فورم أنفك، وانتفخت أوداجك، وقابلت عمار بافحش القول فقلت له: [ صفحه 175] «يا عاض إير أبيه اتراني ندمت علي تسييره».يا ذا النورين، يا من تستحي الملائكة منه كما يقولون أهكذا تفحش بالقول؟ان هذا المنطق لا ينبغي أن يصدر من خليفة المسلمين، وأميرهم.وأمرت غلمانك فدفعوا عماراً، وأهانوه، كما أمرت بنفيه إلي الربذة ليحل فيها محل صاحبي أبي ذر، فلما تهيأ للخروج اقبلت بنو مخزوم الي أمير المؤمنين فسألوه أن يذاكرك في شأنه فانطلق إليك علي وهو مروع مذهول فقال لك:«إتق الله، فإنك سيرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك، ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره».فثرت في وجهه، وانطلقت تقول له بغير هدي ولا وعي.«أنت أحق بالنفي منه».«إفعل إن شئت ذلك».واجتمع المهاجرون فعذلوك ولاموك فاستجبت لقولهم وعفوت عن عمار [258] .3 ولما استأثرت بالسفط، ووهبته لبعض نسائك تتزين به، أنكر عليك امير المؤمنين، وأيد عمار معارضته فغضبت من عمار وقلت له: يا بن المتكاء [259] تجترئ عليَّ؟ وأوعزت إلي شرطتك بأخذه، فأخذوه، وأدخلوه عليك فضربته حتي غشي عليه وحمل إلي منزل أم سلمة، وهو مغمي عليه فلم يفق من شدة الضرب حتي فاتته صلاة الظهرين والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلي العشاء، وقال بنبرات حزينة:«الحمد لله، ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله.»وغضبت عائشة من أجل ذلك فاخرجت شعراً من شعري، وثوباً من ثيابي، [ صفحه 176] ونعلا من نعالي، ثم قالت: ما اسرع ما تركتم سنّة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد [260] .اهكذا تلاقي عمار بالاهانة والتحقير، وهو جلدة ما بين عيني، وانفي، لأنه امرك بالعدل، ونصحك الي الاقتداء بسنّتي.

ابوذرغفاري

أبو ذر: جُندب بن جُنادة الغفاري، خامس خمسة في الاسلام ومن أكابر العلماء والزهاد، وأول من نادي في البيت الحرام بأعلي صوته بكلمة التوحيد «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» وأول من حياني بتحية الاسلام، وهو مبعوثي الشخصي إلي قبيلته (غفار) فأسلمت، كما تسبب باسلام قبيلة (أسلم) فقلت فيهما:«وغفار غفر الله لها.. واسلم سالمها الله».كان أبو ذر من أبرز الصحابة في علمه وتقواه، وزهده وتحرّجه في الدين، وقد قلت في حقه:«ما أظلّت الخضراء، ولا اقلّت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سرّه أن ينظر الي زهد عيسي بن مريم فلينظر الي أبي ذر [261] ».وكنت أئتمنه حيث لا ائمن احداً، واسر إليه حيث لا اسر الي احد، [262] وهو احد الثلاثة الذين احبهم الله، وامرني بحبهم [263] كما انه احد الذين تشتاق لهم الجنة. [ صفحه 177] يا عثمان لما استأثرت بالفيء، وخصصت بني امية بأموال المسلمين ومنحتهم الثراء العريض، فكنزوا لأنفسهم، واكثروا من شراء الضياع والقصور اندفع هذا الصحابي العظيم إلي الإنكار عليك وإلي معارضتك، فكان يقف علي الذين منحتهم بأموال المسلمين فيتلو قوله تعالي: «الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» ورفع مروان بن الحكم اليك أمره فنهيته عن ذلك فاندفع يقول:«اينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله. فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخيرٌ لي من أن أسخط الله برضاه».وظل أبو ذر يقظ الضمير، قد وقف لك بالمرصاد ينقد سياستك ويعيب أعمالك، ويشجب عطاءك الوفير إلي بني أمية وإلي آل أبي معيط.ولما ضاق بك أمره نفيته إلي الشام، وأبعدته عن حرمي وأهل بيتي، ولما صار إلي الشام رأي أحداث معاوية وموبقاته وإسرافه في بيت المال، فأنكر عليه بناء الخفراء التي أنفق عليها الأموال الطائلة فكان يقول له:«يا معاوية إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف؟».وأخذ يوقض النفوس، ويوجد الوعي الاسلامي، ويبعث روح الثورة علي حكم عميلك معاوية فكان يقول لأهل الشام:«والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها. والله ما هي في كتاب الله، ولا في سنّة نبيه، والله إني لأري حقاً يطفأ، وباطلاً يحيي، وصادقاً يكذب، وإثرة بغير تُقي، وصالحاً مستأثراً عليه.. [264] ».وخاطبه معاوية يوماً بقوله:«يا عدو الله، وعدو رسوله». [ صفحه 178] فأجابه أبو ذر: «ما أنا بعدو الله. بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الاسلام، وأبطنتما الكفر. وقد لعنك رسول الله، ودعا عليك أن لا تشبع».وكان ينادي بأعلي صوته في الشام: «أيها الناس: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: «إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دخلاً، وعباد الله خولاً، ومال الله دولاً».وثقل وجوده علي معاوية فكتب اليك: «ان أبا ذر أعضل [265] بي، وقد اجتمعت عليه الجموع، ولا آمن أن يفسدهم عليك فإن كان لك بالقوم حاجة فأحمله اليك».فكتبت إليه أن يحمله لك علي أخشن مركب، فحمله علي بعير عار ووكل به خمسة رجال من الصقالبة [266] يطوون به الطريق ليلاً ونهاراً حتي تسلخت بواطن أفخاذه، وكاد أن يتلف، ولم يتريثوا به حتي يستريح، ولما بلغ يثرب مضي في دعوته إلي الله، فكان ينكر علي سياستك أشد الإنكار فكان يقول لك: «تستعمل الصبيان، وتحمي الحمي [267] وتقرب أولاد الطلقاء..»والشيء الذي كان يزعجك به، ينغّص عليك عيشك بيانه لفضائل أمير المؤمنين واظهاره لما سمعه مني في تكريمه والاشادة به فكان يقف علي بئر زمزم في البيت الحرام، وينادي أمام حجاج بيت الله الحرام:«أيها الناس، من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جُندب بن جُنادة أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا [ صفحه 179] فعميتا، يقول: علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، ومخذول من خذله».وكان يحدّث المسلمين بفضائل أبي الحسن فكان يروي عني ما قلته في حقه.«علي أول من آمن بي، وصدقني، وهو أول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل. وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين [268] ..».ورأيت ان تقضي عليه، وتميته فتنفيه إلي بعض المجاهل والقري فأرسلت خلفه فلما حضر بادرك بالكلام قائلاً:ويحك يا عثمان!! أما رأيت رسول الله، ورأيت أبا بكر وعمر، هل رأيت هذا هديهم؟ إنك لتبطش بي بطش الجبارين..فقطعت عليه كلامه، ولم ترع مقامه، وصحت به:أخرج عنا من بلادنا.أتخرجني من حرم رسول الله؟نعم وأنفك راغم.أخرج إلي مكة؟لا.إلي البصرة؟لا.إلي الكوفة؟لا.إلي أين أخرج؟إلي الربذة حتي تموت فيها. [ صفحه 180] وأوعزت إلي مروان بإخراجه فوراً إلي الربذة، وقد حرمت علي المسلمين مشايعته، وتوديعه، فلم يشايعه إلا أهل بيتي، وبعض المؤمنين من صحابتي، وبادر وزيرك مروان بن الحكم إلي سبطي الأول الإمام الحسن عليه السلام فقال له:«إيه يا حسن!! الا تعلم أن عثمان قد نهي عن كلام هذا الرجل فإن كنت لا تعلم ذلك فاعلم».وحمل عليه امير المؤمنين، وقد نخب الحزن قلبه فصاح به:«تنح يا مروان نحاك الله إلي النار».فبادر اليك مروان أن يخبرك بالأمر، فانتفخت أوداجك، وورم أنفك، تحاول الانتقام من علي.ومضي علي، وهو مثقل الخطا حزين النفس يلقي علي أبي ذر نظرات الأسي والحزن فألقي عليه كلمات كانت للغريب المعذب سلوي في تلك الأرض الجرداء قال له:«يا أبا ذر، إنك غضبت لله فارج من غضبت له، إن القوم خافوك علي دنياهم، وخفتهم علي دينك، فاترك في أيديهم، ما خافوك عليه، واهرب بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلي ما منعتهم، وما أغناك عما منعوك، وستعلم من الرابح غداً والأكثر حسداً؟ ولو أن السموات والأرض كانت علي عبد رتقا، ثم اتقي الله لجعل الله منهما مخرجاً، لا يؤنسك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منها لآمنوك».يا لها من كلمات رائعة حددت موقف أبي ذر، وموقفك يا عثمان فقد خافك أبو ذر علي دينه لما رآك قد عمدت إلي أماتة الحق واقصاء سنتي، فرأي أن السكوت علي المنكر ما هو إلا اقرار له فثار عليك منكراً لسياستك، وقد خفته علي دنياك وسلطانك وملكك، فعمدت إلي التنكيل به.وبيّن علي في كلماته نفسية أبي ذر واتجاهه فإنّه لا يؤنسه إلا الحق، ولا يوحشه إلا الباطل، ولو انه انحرف عن اتجاهه فوادع القوم لأحبوه وأخلصوا له، ولكنه أبي إلا أن يرضي ضميره ودينه، فثار عليك وعلي أعوانك. [ صفحه 181] وبادر سبطي الأول وريحانتي الإمام الحسن إلي أبي ذر فصافحه وودعه، وألقي عليه كلمات تنم عن قلب حزين علي فراق عمه قائلاً له:«يا عماه لولا أنه ينبغي للمودع أن يسكت، وللمشيع أن ينصرف لقصر الكلام، وإن طال الأسف، وقد أتي القوم اليك ما تري، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتي تلقي نبيك وهو عنك راض».والتفت الصحابي العظيم إلي أهل بيتي فألقي عليهم نظرة مقرونة بالتفجع والآلام، ودموعه تتبلور علي وجهه حزناً وموجدة علي فراقهم قائلاً:«رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلي الله عليه وآله، مالي بالمدينة سكن ولا شجن [269] غيركم، إني ثقلت علي عثمان بالحجاز، كما ثقلت علي معاوية بالشام، وكره أن أجاور أخاه، وابن خاله بالمصرين [270] ».فأفسد الناس عليهما، فسيرني إلي بلد ليس لي به ناصر، ولا دافع إلي الله، والله ما أريد إلا الله صاحباً، وما أخشي مع الله وحشة..»وانصرف أبو ذر عن عاصمتي مفارقاً لمن يحبه ويهواه، وخرج شريداً طريداً في خلوات الأرض يحوط به الذل والهوان.لقد أقصيته عن حرمي إلي الربذة ليموت فيها جوعاً، وفي يدك ذهب الأرض تصرفه بسخاء علي بني أمية، وآل أبي معيط، وتبخل به علي صاحبي، وخليلي شبيه المسيح عيسي بن مريم في هديه، وورعه وسمته.ولما رجع أمير المؤمنين من توديع أبي ذر استقبلته جماعة من الناس فأخبروه بغضبك وموجدتك عليه لأنه خرج لتوديع أبي ذر. فقال عليه السلام: «غضب الخيل [ صفحه 182] فقال عليه السلام: «غضب الخيل علي اللجم» [271] وبادرت اليه وأنت مغيظ محنق فقلت له:ما حملك علي رد رسولي؟أما مروان فقد استقبلني يردني، فرددته عن ردي، وأما أمرك فلم أرده.أولم يبلغك أني قد نهيت الناس عن تشييع أبي ذر؟أو كل ما أمرتنا به من شيء يُري طاعة الله، والحق في خلافه اتبعنا فيه أمرك؟!!أقد مروان؟وما أقيده؟ضربت بين أذني راحلته.أما راحلتي فهي تلك، فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل، وأما أنا فوالله لئن شتمني لأشتمنك أنت بمثلها بما لا أكذب فيه، ولا أقول إلا حقاً.ولم لا يشتمك إذ شتمته، فوالله ما أنت عندي بأفضل منه.هكذا تقول لعلي، وهو مني بمنزلة هارون من موسي اتعدل بينه وبين الوزغ الأثيم الذي لعنته ولعنت أباه.علي ليس بأفضل من مروان عندك، فهل من الدين والإيمان هذا القول؟!والأمر لله وحده وهو الحاكم الفصل فيما أحدثت من هذه الأمور النكراء.والتفت علي اليك، وقد التاع من كلامك فقال لك:«إلي تقول هذا القول؟ وبمروان تعدلني؟! فأنا والله أفضل منك، وأبي أفضل من أبيك، وأمي أفضل من أمك، وهذه نبلي قد نثلتها..»وخرج علي ونفسه مترعة بالحزن والأسي لأنك لم ترع مقامه، ولم تلحظ جانبه، كما تألم أشد الألم وأقساه علي فراق صاحبي وخليلي أبي ذر. [ صفحه 183]

عبدالله بن مسعود

وعبد الله بن مسعود الفقيه الخبير أشبه الناس هدياً وسمتاً بي [272] ، وقلت فيه: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً أو رطباً كما أنزل قليقرأه علي قراءة ابن أم عبد [273] وقد هاجر الهجرتين إلي الحبشة، والمدينة، وشهد بدراً وما بعدها.وقد نزلت فيه الآية الكريمة «استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم» [274] ونزلت الآية الكريمة «ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين [275] ».وقد أخذته بعد اسلامه، واختصصت به فكان يلج علي، ويلبسني نعلي، ويمشي معي، ويسترني إذا اغتسلت، وقد عرف أبو بكر وعمر مقامه، فقد سيره عمر في عهده إلي الكوفة مع عمار بن ياسر، وكتب لأهلها كتاباً جاء فيه:«إني قد بعثت عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله، من أهل بدر فاقتدوا بهما، واطيعوا، واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله علي نفسي [276] ..»فكان ابن مسعود يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، وكان أميناً علي بيت المال.ولما آل الأمر اليك بعثت الوليد والياً علي الكوفة فجرت بينهما مشادة وخصومة، أوجبت أن يستقيل ابن مسعود من منصبه، وبقي في الكوفة ثم غادرها متجهاً إلي عاصمتي ن فشيعه الكوفيون، وحزنوا أشد الحزن علي فراقه وقالوا له عند وداعه: [ صفحه 184] «جُزيت خيراً فلقد علمت جاهلنا، وثبت عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، فنعم أخو الاسلام أنت، ونعم الخليل..».وانصرف ابن مسعود يواصل المسير حتي انتهي الي يثرب فاتجه الي الجامع فوجدك علي منبري تخطب فلما رأيته قلت للمسلمين:«ألا أنه قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي علي طعامه يقئ ويسلح..». أبمثل هذا الكلام القاسي تخاطب هذا الصحابي العظيم ألك نُبل كنُبله، أم مواقف كمواقفه.أتقابله بهذه الجفوة من أجل الوليد الذي خان الله، ونهب أموال المسلمين.والتاع ابن مسعود من كلامك فردّ عليك: «لست كذلك، ولكني صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان».وقد أثر كلامك سخط عائشة فاندفعت إلي الإنكار عليك قائلة:«أي عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟».وأمرت جلاوزتك فأخرجوا الصحابي العظيم إخراجاً عنيفاً، وقام اليه عبد الله بن زمعة فضرب به الأرض، فدق ضلعه، وأمرت بقطع رزقه، وانطلق إليك علي وهو ثائر غضبان فقال لك:«يا عثمان، أتفعل هذا بصاحب رسول الله صلي الله عليه وآله بقول الوليد بن عقبة؟».فقلت له: (ما بقول الوليد فعلت هذا؟ ولكن وجهت زيد بن الصلت الكندي، فقال له ابن مسعود: إن دم عثمان حلال).ولما كان اعتذارك علي غير وجه مشروع رد عليك أمير المؤمنين بقوله:«أصلت عن زيد علي غير ثقة» [277] .وحمله أمير المؤمنين الي منزله فقام برعايته، وتعاهده حتي أبّل من مرضه، فقاطعته، وهجرته، ولم تأذن له في الخروج من يثرب، ولم يرجعك الي رشد [ صفحه 185] تقواه، وورعه، وانقطاعه الي الله، ولما مرض مرضه الذي توفي فيه دخلت عليه عائداً فقلت له:ما تشتكي؟ذنوبي.فما تشتهي؟رحمة ربي.ألا أدعو لك طبيباً؟الطبيب أمرضني.آمر لك بعطائك.منعتنيه، وأنا محتاج اليه، وتعطينيه، وأنا مستغن عنه.يكون لولدك.رزقهم علي الله.أستغفر لي يا أبا عبد الرحمن.أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي.وانصرفت وأنت لم تظفر برضائه، ولما ثقل حاله أوصي أن لا تصلي عليه، وإنما يصلي عليه صاحبه عمار بن ياسر، ولما انتقل الي دار الحق انبرت الصفوة الصالحة من أصحابه فدفنوه في البقيع، ولم يخبروك به، فلما علمت بالأمر ورم أنفك، وقلت سبقتموني، فرد عليك الطيب ابن الطيب عمار بن ياسر قائلاً:«إنه أوصي أن لا تصلي عليه».وقال لك ابن الزبير:لأعرفنك بعد الموت تندبني - وفي حياتي ما زودتني زادي [278] هذه هي سيرتك تجاه الأخيار والمتحرّجين في دينهم فقد نكّلت بهم، وأرهقتهم إلي حد بعيد. [ صفحه 186] تقرّب الأمويين، وتهب لهم الأموال، وتمنحهم الثراء العريض، وتخصهم بالوظائف المهمة، وتقابل خيار صحابتي بالنفي والتعذيب والتوهين، والحاكم في هذه الأحداث هو الله فله الأمر وله الحكم.

خفاء الأحكام الشرعية

والأدهي من ذلك جهلك بالأحكام الشرعية، وعدم معرفتك بها، أو أنك قد اجتهدت في قبال النص، ونسوق اليك بعض ما صدر منك.1 اتمام الصلاة في السفر:وجرت سنّتي من لزوم القصر في السفر، وعدم اتمام الصلاة الرباعية عملاً بقوله تعالي: «وإذ ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا» [279] وكنت لا أزيد في السفر علي الركعتين [280] وكذلك صلي من بعدي أبو بكر وعمر، وأنت شطراً من خلافتك، ولكنك في السنة السادسة من خلافتك اتممت الصلاة في مني، واتخذت ذلك سنّة معتذراً بأن الناس قد كثروا في عامهم فصليت أربعاً لتعلمهم أن الصلاة أربع [281] وهو اعتذار مهلهل فإنّه ليس لك من سلطان علي تغيير أحكام الله وتبديل السنّة، وقد كان بامكانك أن توعز الي الخطباء بتعريف الجمهور بفريضة الصلاة لا بأن تتلاعب بها.فهل أخبرتك الملائكة التي تستحي منك بأن لك الحق في نسخ الأحكام، وتبديل مناهجها، وتغييرها عما أنزلت عليه؟2 النداء الثالث: [ صفحه 187] ومما أحدثته الزيادة بالأذان وذلك في النداء الثالث يوم الجمعة وهو النداء (علي الزوراء) وقد عاب الناس عليك وقالوا انها بدعة [282] .فأي مصلحة لك في التدخل باحكام الله، والتلاعب بفرائضه، وأحكامه؟3 زكاة الخيل:والزكاة انما شرعت في الغلات الأربع، وفي الانعام، وفي الذهب والفضة، ولم تشرع في غير ذلك، ولكنك لما آل اليك الأمر جعلت الزكاة في الخيل [283] وقد أعلنْتُ غير مرة أنها لا تجب فيها [284] فكيف سانح لك أن تتعمد علي ترك سنتي، واحكام الله.4 تقديم الخطبة علي الصلاة:والسنّة التي جريت عليها في صلاة العيدين ان اصلي بالناس اولاً ثم اخطب فيهم [285] ولكنك قد جافيت ذلك فخطبت اولاً ثم صليت بالناس [286] وقد تركت عن عمد سنتي، واهملت احكام الله وبدّلت فرائضه.5 الجمع بين الأختين:ومن غريب احكامك، وعجيب فتاواك أنّك اجزت الجمع بين الاختين في النكاح فيما اذا كانا ملكي يمين [287] وقد دلت الآية بصراحة علي الحرمة في جميع انواع النكاح المشروع قال تعالي: «وان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف» [288] ان الرجل اذا وطيء احدي الأختين حرمت عليه الأخري سواء اكان بعقد [ صفحه 188] ام بملك، وقد قلتُ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين [289] ».ما هو المسوغ لك في التصرف بأحكام الله، وتبديل مناهج شريعته؟ والأمر لله تعالي فهو الحاكم في ذلك.6 عدة المختلعة:ودلت الآية الكريمة علي أن عدة المطلقة أن تربص ثلاثة قروء قال تعالي: «المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» ولا فرق في ذلك بين أقسام الطلاق سواء أكان الطلاق رجعياً أم خلعياً، ولكنك لم تعن بذلك فقد جاءك معاذ بن عفراء فقال لك: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أتنتقل؟فقالت له: تنتقل ولا ميراث بينهما، ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتي حيضة خشية أن تكون بها حبل [290] ماهو المبرر لك في هذه الفتيا والتلاعب بأحكام الله!!7 صيد الحرم:ويحرم علي المحرم أن يأكل لحم الصيد عملاً بقوله تعالي: «وحرم عليكم صيد البرَّ ما دمتم حرماً» وقد جيء إلي بلحم وحش فرددته وقلت:«إنا حرم لا نأكل الصيد» [291] .هذه هي شريعة الله في تحريم لحم الصيد علي المحرم سواء أكان صاده بنفسه أم صاده غيره، ولكنك لم تمعن بذلك فقد أكلته وأنت محرم [292] افعلي عمد تركت السنّة أم أنك لا تدري بالحكم؟ وكيف يسوغ لإمام المسلمين أن لا تكون له دراية بمثل هذه الأحكام، فلا حول ولا قوة إلا بالله وهو المستعان علي ما تصفون.8 غسل الجنابةوأوجبت غسل الجنابة علي من جامع زوجته سواء أنزل المني أم لم ينزل، [ صفحه 189] وهو من الأمور التي لا يجهلها أحد من أصحابي لأنها مما تعم بها البلوي، ولكنك أفتيت بعكس ذلك فقد سألك زيد بن خالد الجهني فقال لك: أرأيت إذا جامع الرجل امراته ولم يمن؟ فقلت له: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، وقلت إني سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله [293] .أفهل خصصتك وحدك بهذا الحكم؟ وأخفيته علي عموم المسلمين، والقرآن الكريم قد أعلن وجوب الغسل علي الجنب قال تعالي: «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا [294] ».ما هو المبرر لك علي مجافاة سنتي وعلي الإفتراء عليَّ بأنَّي قد قلت لك؟ فوا أسفي علي أمتي إذ وليتها انت وفيها باب مدينة علمي ومن هو مني بمنزلة هارون من موسي، العالم بجميع ما تحتاج إليه الأمة.9 تعطيل القصاص:واستقبلت خلافتك بتعطيل القصاص، وذلك بعفوك عن عبيد الله بن عمر الذي ثار لمقتل أبيه فقتل بغير حق الهرمزان وجفينة، وبنت أبي لؤلؤة، وأراد قتل كل صبي في المدينة فانتهي أمره إلي سعد بن أبي وقاص فساوره وقابله بناعم القول حتي انتزع منه سيفه، وأودعه في السجن حتي تنظر في أمره، ولما تمت البيعة لك اعتليت أعواد المنبر، وعرضت قصته علي المسلمين فقلت لهم: «إن الهرمزان من المسلمين، ولا وارث إلا المسلمون عامة، وأنا إمامكم، وقد عفوت أفتعفون؟» وأنكر عليك أمير المؤمنين، ولم يرضي بقضائك فقال لك:«أقِد هذا الفاسق فإنه أتي عظيماً، قتل مسلماً بلا ذنب».وثار في وجه عبيد الله فقال له:«لئن ظفرت بك لأقتلنك بالهرمزان [295] ». [ صفحه 190] واندفع المقداد بن عمر فردّ عليك حكمك في هذا الفاسق فقال:«إن الهرمزان مولي لله ولرسوله، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله [296] ». وقد أنكر عليك خيار المسلمين وصلحاؤهم هذا العفو لأنه كان تعطيلاً لحدود الله، وكان زياد بن لبيد إذا لقي عبيد الله قال له:ألا يا عبيد الله مالك مهرب ولا ملجأ من ابن أروي ولا خفرأصبت دماً والله في غير حلّه حراماً وقتل الهرمزان له خطرعلي غير شيء غير أن قال قائل أتتهمون الهرمزان علي عمرفقال سفيه والحوادث جمة نعم اتهمه قد أشار وقد أمروكان سلاح العبد في جوف بيته يقلّبه والأمر بالأمر يعتبروشكاه عبيد الله اليك فدعوت زياداً ونهيته عن ذلك فلم ينته، وقد تناولك بالنقد فقال فيك:أبا عمرو عبيد الله رهن - فلا تشكك بقتل الهرمزانفإنك إن غفرت الجرم عنه وأسباب الخطا فرسا رهانأتعفو إذ عفوت بغير حق فمالك بالذي تحكي بدان [297] وغضبت علي زياد، وزجرته حتي انتهي، وأخرجت عبيد الله من يثرب إلي الكوفة، وأنزلته داراً فنسب الموضع اليها فقيل ركوينة ابن عمر [298] ».وقد خالفت بذلك حكم الله فإنّه قد ألزم الولاة بإقامة الحدود وعدم التسامح فيها، وذلك لصيانة النفوس، وحفظ النظام، وليس للحاكم أن يقف موقفاً مائعاً مع المعتدي مهما كان شأنه، فقد سألت أن أعفو عن سارقة لعظم شأن أسرتها فأجبت:«إنما هلك من كان قبلكم لأنهم كانوا إذا أذنب الضعيف فيهم عاقبوه، [ صفحه 191] وإذا أذنب الشريف تركوه، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها [299] ».وجلدت أصحاب الافك وفيهم مسطح بن أثاثة، وهو من أهل بدر [300] هذا ما يقتضيه العدل الإسلامي الذي لا يفرق بين الضعيف، والقوي، وبين الرئيس والمرؤوس، ولكنك جافيت ذلك فلم تقِد عبيد الله لأنه ابن عمر، ولأنه فتي من فتيان قريش فآثرت رضا آل الخطاب، ورضا قريش فعفوت عنه، وأبعدته إلي الكوفة خوفاً عليه من بطش الأخيار والصلحاء، ومنحته داراً يسكن فيها، وبذلك فتحت باب الفوضي والفساد، ومكنت ذوي النفوذ والأقوياء أن ينكّلوا بالضعفاء الذين ليس لهم ركن يأوون اليه.وقد الغيت رأي أمير المؤمنين عليه السلام الذي ألزمك بالقَود، وهو أعلم منك وأدري بحدود الله، وأحكامه، وقد استجبت لرأي ابن العاص الذي أشار عليك بترك الحد، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو المستعان علي ما تصفون.10 رجم من ولدت ستة أشهر:ومن غريب أحكامك قضاؤك بالرجم علي امرأة ولدت لستة أشهر حينما رفع اليك زوجها الأمر فبلغ علي ذلك فبادي اليك مسرعاً فقال لك:«ما تصنع ليس ذلك عليها؟ قال الله تبارك وتعالي: «وحمله وفصاله ثلاثون شهراً» [301] وقال: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين» [302] فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً، والحمل ستة أشهر».فبهت، وقلت معتذراً:«ما فطنت لهذا؟».وأمرت بردها، فوجدتها قد رُجمت، وقد كانت المرأة طاهرة الذيل، نقية الثوب ذات صلاح وعفة، وقد خاطبت أختها وهي مروعة قائلة: [ صفحه 192] «يا أُخيه لا تحزني، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره».ولما شب الطفل كانت ملامحه تشبه ملامح أبيه فاعترف أبوه به [303] فكيف تحكم بين المسلمين، وأنت لا دراية لك بأحكام الله، ولا معرفة لك بحدوده!!وما أصيبت أمتي بفتنة ولا بكارثة أعظم من أن يتولي أمرها وشؤونها الجهال والأغبياء، وفيهم ذوو الكفاءة والعلم والدراية بأحكام الله وشرائعه.هذه بعض أحكامك التي خالفت بها كتاب الله وسنّتي.ليس الذنب عليك إنما الذنب علي من أهلك لإمامة المسلمين والبسك هذا الثوب الذي لست أهلاً له، والحاكم هو الله تعالي بين عباده، فهو الذي يتولي الجزاء بينهم.

اعتراف عثمان باخطائه

ويعترف عثمان باخطائه، فيقول: بلي يا رسول الله «قد مسني الكبر ووهن العظم مني، واشتعل الرأس شيباً» وقد وهت جميع قواي، وكنت رقيق القلب، أحب أسرتي، فاخترت مروان بن الحكم مستشاراً ووزيراً، وتناسيت قولك فيه عندما دخلنا عليك، فقلت فيه: «الوزغ ابن الوزغ، الملعون بن الملعون» نسيت ذلك ففوضت إليه أمر الدولة، وأنطت به جميع شؤوني، كما وليت علي أقطار المسلمين أبناء أسرتي فأثار عليَّ ذلك حفيظة المسلمين، فتوافدوا علي يثرب من مختلف الأقطار مطالبين بالاصلاح الديني، والاجتماعي، واقصاء ولاتهم الذين أفسدوا أمور المسلمين وأشاعوا في ربوعهم الفساد والجور، فلم أستجب لقوتهم، ولم أعبأ بهم، وقد جاءني علي مرشداً وناصحاً فأمرني باقامة العدل، والاستجابة إلي مطاليبهم فلم أذعن له، ولم أخضع لنصيحته.وأما مخالفاتي للسنّة فقد كان اجتهاداً مني في مقابل النص كما أجتهد قبلي أبو بكر وعمر في كثير من الأحكام المنصوصة عليها فعلي ضوئهما سرت في ذلك. [ صفحه 193] وقد أثارت عليَّ الأحداث التي أرتكبتها سخط المسلمين فانفجر بركان الثورة في نفوسهم، وهجموا علي داري، وقتلوني فيها أشر قتلة... ودفنوني خارج البقيع في حشر كوكب الذي كانت اليهود تدفن موتاهم فيه وقد اتخذ المضللون من أسرتي قميصي فتيلاً لنار الحرب. استنار معاوية بشعاعه، وأحترق الناس بلهبه، فقد ألبس معاوية ثوبي منبر الشام فكان ستون الف شيخ يبكون تحته، وقد أثار الأحقاد والأضغان علي أخيك ووصيك وباب مدينة علمك الإمام أمير المؤمنين، فقد مكّنه قتلي من منازعته، والتمرد علي حكمه، وقد تسبب بقتلي حرب الجمل وصفين والنهروان، وتفتحت أبواب الفتن علي المسلمين وشاعت بينكم الموجِدة والعداء وانتشر القتل وسفك الدماء.وقد وقع كل ذلك، والأمر لله وحده وأطلب منك العفو والغفران ومن الله الرضا. [ صفحه 196]

الرسول مع القعاد والمعتزلة

اشاره

ونودي بحضور القِعّاد الذين تخلفوا عن بيعة الإمام أمير الؤمنين عليه السلام، فأحضر كل من سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبوسعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة، وعبد الله بن سلام، وصهيب بن سنان، وأسامة بن زيد، وقدامة بن مضعون، والمغيرة بن شعبة، فوجّه النبي صلي الله عليه وآله اليهم خطابه قائلاً:لماذا لم تبايعوا علياً؟ما هو المبرر لتخلفكم عما أجمع المسلمون عليه؟لقد استقبل جمهور المسلمين بيعة أمير المؤمنين بالرضا والقبول وبمزيد من الابتهاج والسرور، واتساع الأمل والرجاء، فقد كانت بيعته شرعية بالمعني الدقيق لهذه الكلمة، فلم تكن بيعته فلتة كبيعة أبي بكر، ولا بتعيين شخص كبيعة عمر، ولم تستند إلي تعيين جماعة كبيعة عثمان، فلم يظفر أحد من الخلفاء بمثل بيعته في شمولها واتساعها، وقد فرح بها المسلمون جميعاً وقد وصف سرورهم الإمام بقوله:«وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج اليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت اليها الكعاب..».وقد انثال الناس عليه، وهم يهتفون أنه ليس لنا إمام غيرك يطأ بنا الطريق، ويوصلنا إلي جادة العدل، وطريق الرشاد وقد وصف بشدة إقبالهم وزحامهم عليه بقوله: [ صفحه 197] «فما راعني إلا والناس كعرف الضبع ينثالون عليَّ من كل جانب حتي لقد وطيء الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم..».فلما نهض بالأمر لإقامة العدل، وإحياء السنّة، وإماتة البدعة وإقبار الباطل نكصتم علي أعقابكم وتخلفتم عن بيعته، وأظهرتم الأحقاد، وأعلنتم التمرد حتي ملئتم قلب ابن أبي طالب بالأسي والحزن، والغيظ.وأنت يا سعد لقد اعتزلت علياً، وبررت اعتزالك بقولك:«إني لا أقاتل حتي يأتوني بسيف مبصر، عاقل ناطق، ينبيء أن هذا مسلم، وهذا كافر».أما سمعت مني غير مرة ما قلته في علي «علي مع الحق، والحق مع علي» أما سمعت مني قولي فيه «علي مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي» ألم تسمع مني ما قلته فيه يوم غدير خم «اللهم وال من والاه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله» أليس في هذا ما يحملك علي لزوم اتباعه، وطاعته، وأنت تعلم بقرارة نفسك باطل الأمويين، وتعلم أنهم ليسوا علي الحق، فلماذا تخلفت عن بيعة علي، واستقبلت خلافته بكثير من القلق والوجوم، والاضطراب؟وأنت يا عبد الله بن عمر لماذا تخلفت عن بيعة أمير المؤمنين، وأنت تعلم أن حكومته إنما هي امتداد لحكمي، وإنها سوف تبسط العدل، وتنشر الدعة والرفاهية بين الناس.وقد ندمت في أواخر أيامك حينما ظهرت الفتن والبدع، وعرفتم ما جلبتموه علي هذه الأمة من الخطوب والويلات، وتبين لكم سوء ما فرطتم في حق هذه الأمة، وقد أعلنت ندمك حيث لا ينفع فقلت:«إني لم أخرج من الدنيا، وليس في قلبي حسرة إلا تخلفي عن علي»، وقد انتقم الله منك في آخر حياتك فاراك الذل والهوان فقد جاء الحجاج ليأخذ منك البيعة إلي عبد الملك بن مروان فجئت تبايع آخر الناس لئلا يراك أحد فعرف الحجاج غايتك، وقصدك فأحتقرك واهانك، وقال لك: [ صفحه 198] «لمَ لم تبايع أبا تراب؟ وجئت تبايع آخر الناس لعبد الملك، أنت أحقر من أن أمد لك يدي، دونك رجلي فبايع».ومد اليك رجله، وفيها نعله فبايعتها، حقاً هذا هو الخسران، وهذا هو الذل والهوان.لقد بايعت يزيد بن معاوية الفاسق الأثيم لأن معاوية قد أرشاك بمائة ألف دينار [304] فوقفت تسدد بيعته، وتندد بالمتخلفين عنها، وتدعو المسلمين الي الرضا بها، وقد شجبت من بيعة علي، وتخلفت عنها، فهل يرضي لك أبوك بذلك؟!!وأنت يا أسامة بن زيد يا من كنت أثيراً عندي، فأمّرتك علي الجيش، ولعنت المتخلفين عنك فقلت:«نفّذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة» وقلت فيك لما استصغروك لهذا المنصب الخطير:«أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وأيم الله إنه كان لخليقاً بالامارة، وان ابنه من بعده لخليق بها..» [305] .وقد بايعت علياً من قبل غدير خم، وعرفت منزلته مني، وحبي وإيثاري له، فلم تخلفت عنه؟أترضي أن يحكم المسلمون بنو أمية، وآل أبي معيط، فيذيقون الناس سوء العذاب، وتتخلف العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم في لزوم المودة والرعاية لها.لقد أغدق عليك عثمان بالنعم والأموال، ووهبك الثراء العريض فنسيت آخرتك وبعتها بدنياك.لقد تخلفت عن البيعة حتي ترضي عنك بنو أمية، وتنال ثقتهم فآثرت ذلك علي سخط عترتي وأهل بيتي فلا حول ولا قوة إلا بالله. [ صفحه 199] وأنت يا حسان بن ثابت أيها الشاعر الموهوب الذي دافعت عن المسلمين بأدبك، وببليغ شعرك لماذا انحرفت عن سنن الحق والعدل؟ألم تبايع علياً يوم غدير خم؟أولست أنت القائل في بيعته؟يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم واسمع بالرسول مناديافقال فمن مولاكم ونبيكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعامياإلهك مولانا وأنت نبينا ولم تلق منا في الولاية عاصيافقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهادياًفمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أتباع صدق موالياهناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادي علياً معاديا [306] ألم تقل هذا الشعر الرائع البليغ في بيعة علي، فلماذا أحجمت عن بيعته، وتخلفت عما دخل فيه المسلمون.إن سبب ذلك هو ما أغدق عليك به عثمان من النعم والأموال فآثرت ذلك علي رضا الله فلا حول ولا قوة إلا بالله وهو المستعان علي ما تصفون.وأنت يا أبا سعيد الخدري ما كان ظني بك أن تبلغ الي هذا القرار السحيق فتنحرف عن علي، وقد علمت مكانته، ومنزلته مني، وأنه خير من خلفته في أمتي، وقد رويت عني الشيء الكثير مما قلته في حقه، أليس الواجب عليك أن تبادر الي بيعته، وان تقوم بمساندته، وتشد عضده ولكن يا للأسف تخلفت عن بيعته لتسدي بذلك يداً علي بني أمية وعلي آل ابي معيط، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون والأمر لله وحده.ويلتفت النبي صلي الله عليه وآله الي بقية القِعّاد فيقول لهم:وماذا نفحتم من اخي ووصيي فلمَ لم تبايعوه، فهل ظننتم إنّه يستأثر باموال [ صفحه 200] المسلمين، او يميز قوماً علي آخرين في العطاء وغيره، وانتم تعلمون من دون شك إنّه سيعيد بين المسلمين سيرتي، ويسير فيهم بسياستي، ويطبق احكام الله وعدله في الأرض، وإنّه يحمل الناس علي الطريق الواضح، والمحجة البيضاء، ولا يدع بأي حال مجالاً إلي الفقر والحرمان بين الناس.وقد رايتم ايام حكمه كيف سار بين المسلمين، وكيف اقتدي بي في جميع مجالات حكمه فلم يؤثر احداً عل احد، ولم يتاجر بأموال الأمة، ولم يشر ضياعاً، ولا داراً، ولم يتخذ لنفسه ثوباً، او مسكناً.فلماذا تخلفتم عن بيعته، ومكّنتم الفرص الي القوي المنحرفة عن الاسلام والباغية عليه ان تستولي علي زمام الحكم فتعبث في الأرض فساداً، وتبغي علي المسلمين.ويسود عليهم وجوم مرهق. ولا يجدون جواباً يدافعون به عن نفوسهم. [ صفحه 201]

الرسول مع طلحة والزبير

وبعد ما انتهي دور القِعّاد والمعتزلين عن بيعة علي صدرت الأوامر من الحق باحضار طلحة والزبير، فاحضرا، ويوجه النبي صلي الله عليه وآله لهما السؤال قائلاً:وأنت ياطلحة والزبير لماذا أتيتما بيعة علي مختارين، ونكثتموها متنمرين، فأثرتموها عليه حرباً شعواء توقدون جذوتها، وتسعّر أمكم عائشة، لهبها، وهي تطوي البيداء وتقود الجيوش لمحاربة خليفتي ووصيي علي، وقد أمرها الله أن تقر في بيتها.. وقد هتكتم بخروجها معكم حرمي، وصنتم حلائلكم.. ونكثتما الأيمان المغلظة التي اقسمتموها لعلي عندما أردتما الخروج معتذرين بالعمرة، وقد أضمرتما الغدرة تلبية لنداء الشيطان الذي وسوس في صدوركما، والهب في نفسيكما نار الحسد لعلي فساقكما، وامكما إلي ساحة الموت والدمار لم ترعيا حرمتي، ولم تلحظا مقامي فأبرزتما حليلتي، فجعلتموها قائدة الجيش، تقود العساكر وتدفعهم إلي ميادين القتال:صنتم حلائلكم، وقدتم أمكم هذا لعمرك قلة الانصافأُمرت بجر ذيولها في بيتها فهوت تشق البيد بالايجافغرضا يقاتل دونها أبناؤها بالنبل والخطَّيَّ والاسيافهتكت بطلحة والزبير ستورها هذا المخبر عنهم والكافيلمَ تمردتما يا طلحة والزبير علي علي؟ وأنتما تعرفان مقامه، وتعلمان بحقيقته للخلافة وذلك لما يتمتع به من المثل الكريمة فقد توليت تربيته منذ نعومة أظفاره، وأفضت عليه بعلمي ومعارفي وقد وصف تربيتي له بقوله:«وضعني في حجره، وأنا ولد يضمني إلي صدره، ويكنفني إلي فراشه، [ صفحه 203] ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، والله كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بغار حراء فأراه ولا يراه غيري..».وقد صار بتربيته المثل الأعلي للانسانية الكريمة، وطهرت نفسه من جميع افانين الباطل وصفت ذاته من جميع رواتب الشرك، وأحقاد الجاهلية، فلماذا أعلنتما التمرد والعصيان علي حكومته.يازبير لقد كنت من أقرب الناس إلي علي، ومن أعطفهم عليه، وأعرفهم لحقه، وقد وقفت إلي جانبه حينما تقمص الخلافة أبو بكر فأعلنت استنكارك عليه، ولزمت جانب علي، وبعد مقتل عثمان خطبت الناس في المسجد فقلت ممثلاً نفسك وصاحبك طلحة.«أيها الناس، إن الله قد رضي لكم الشوري. فاذهب بها الهوي، وقد تشاورنا فرضينا علياً فبايعوه..»فكنت تدعو الناس، وتعمل جميع الوسائل لارجاع الحق الغصيب إلي علي، وقد اجتمعت ومعك طلحة، وعمار بن ياسر، وأبو الهيثم، وأبو رفاعة، ومالك ابن عجلان، والكثيرون من المهاجرين والأنصار، والوفود من أهل الأمصار، وأهل البوادي حتي ضاق المسجد بالجمع فتذاكرتم بشأن الخلافة فلم تروا أحداً أحق ولا أولي بها من علي، وقد خطب ابن الاسلام عمار بن ياسر فقال:«أيها الأنصار. لقد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه، وأنتم اليوم علي شرف من الوقوع في مثله إن لم تنظروا لأنفسكم.. وإن علياً أولي الناس بهذا الأمر لفضله وسابقته».فعلت الأصوات من رحبات المسجد مجمعة علي الرضا به، وعلي انتخابه للخلافة، والتفت عمار إلي الحشود الزاخرة فقال:«أيها الناس، إنا لم نولكم إلا خيراً، وأنفسنا إن شاء الله. وإن علياً من قد عرفتم. وما نعرف مكان أحد أهلاً لهذا الأمر، ولا أولي به..».فهتف الجميع «قد رضينا.. وهو عندنا كما ذكرت وأفضل». [ صفحه 204] وانطلق الجمع من أهل يثرب وأهل الأمصار، وفي طليعتهم انت وطلحة، إلي علي المعتزل في داره فأخرجتموه منها، وهو كاره مرغم، والجميع ينادون:«يا أبا الحسن إن هذا الرجل قد قُتل ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك. لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله..».فأجابهم بالرفض والامتناع قائلاً:«لا تفعلوا، ولا أفعل. فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً».فهتف الناس قائلين: «انت لنا امير»وأصر علي علي الامتناع قائلاً:«لا حاجة لي في أمركم، أيها الناس أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به».وألح عليه الجميع وأعادوا الطلب فأصر علي عدم قبول خلافتكم التي سوف تجر له المحن والخطوب، وأخبر الجميع عن الأحداث الرهيبة التي تحل بالمسلمين من جراء الحزبية السائدة التي أوجدها أنصار الحكم الأموي وسائر المنتفعين قائلاً:«دعوني والتمسوا غيري، أيها الناس إنا مستقبلون أمراً له وجوه، وله ألوان. لا تثبت له العقول، ولا تقوم له القلوب».وراح ابن الاسلام البار الجندي المتحمس لعقيدته ودينه مالك الأشتر يتوسل بالإمام، وينشده باسم الإسلام وباسم الأمة، أن يقبل هذا الأمر، ويجيب القوم إلي ما أرادوه قائلاً:«ننشدك الله، ألا تري ما نري. ألا تري ماحدث في الاسلام؟ ألا تخاف الفتنة؟ ألا تخاف الله».وبعد روية وتفكير من علي يجيبهم أنه إن تولي أمرهم حملهم علي كتاب الله، وسنّتي قائلاً:«إني إن أجبتكم ركبت فيكم ما أعلم، وإن تركتموني فانما أنا كأحدكم، بل أنا من أسمعكم، وأطوعكم لمن وليتموه أمركم..»فصاحوا هاتفين: [ صفحه 205]

بيعت الناس لعلي بالاجماع

«ما نحن بمفارقيك حتي نبايعك».فرقَّ لهم علي، وخاف من حدوث الفتنة والإنشقاق بين صفوف المسلمين فأجابهم إلي ذلك، وقال لهم:«إن كان لا بد من ذلك ففي المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية. ولا تكون إلا عن رضي المسلمين، وفي ملأ جماعتهم..».لقد أراد علي أن يكون انتخابه حراً وعاماً، يستوء فيه جميع المسلمين، ولا يكون بالقهر والغلبة ولا بشهر السيوف والحروب كما كانت بيعة غيره.ولما كان الغد تزاحم المسلمون علي باب داره، وتداكو عليه تداك الإبل الهيم علي وردها حتي كاد بعضهم يسحق بعضاً وانطلقوا مهللين ومكبرين إلي المسجد فاعتلي علي أعواد المنبر فخطب الناس، فقال في خطابه:«أيها الناس عن ملأ وأذن، إن هذا أمركم. ليس لأحد فيه حق إلا من أمّرتم، وقد افترقنا بالأمس علي أمر. فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد علي أحد..»فجاء الجواب إجماعياً:«نعم علي ما فارقناك عليه بالأمس..»ويعيد عليهم القول حتي لا يدّعي أحد أنه قسر المسلمين أو أكرههم علي مبايعته، بل إنما كانت بمحض ارادتهم، وحديثهم واختيارهم، وانطلق يقول:«إني كنت كارهاً لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون عليكم.. رضيتم بذلك..»(نعم.. نعم).«اللهم آشهد عليهم».وتدافعوا عليه كالموج، وفي طليعتهم كبار المهاجرين والأنصار فأول يد مُدت إلي بيعته يدك يا طلحة تلك اليد الشلاّء التي سرعان ما نكثت بها عهد الله [307] وجاء الزبير فبايع، وبايعه جمهور المسلمين عن رضي، ومحبة وسرور، [ صفحه 206] وعمّت الأفراح الجميع فقد أطلت عليهم حكومة الحق، وحكومة العدل، وتقلّد الخلافة أبو الفقراء وناصر المظلومين.فلا أستغلال، ولا مواربة، ولا استبداد، ولا انقياد للنزعات والعواطف.

التأييد الشامل

وأجمع المسلمون علي الرضا ببيعة علي فقد انبري أعلام الاسلام وكبار الصحابة، إلي اعلان تأييدهم لبيعة الإمام، وحثوا المسلمين علي تدعيمها وهم:1 خزيمة بن ثابت:وانطلق الصحابي العظيم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فخاطب علياً قائلاً له:«ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، ولا كان المنقلب إلا اليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك لأنت أقدم الناس إيماناً، وأعلم الناس بالله، وأولي المؤمنين برسول الله صلي الله عليه وآله لك ما لهم وليس لهم ما لك..»وجرت علي لسانه أبيات خاطب بها الجماهير قائلاً:إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا أبو حسن مما نخاف من الفتنوجدناه أولي الناس بالناس أنّه أطب قريش بالكتاب وبالسننوإن قريشاً ما تشق غباره إذا ما جري يوماً علي الغمر البدنوفيه الذي فيهم من الخير كله وما فيهم كل الذي فيه من حسن [308] [ صفحه 207] 2 صعصعة بن صوحان:وقام الطيب الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان فخاطب الإمام قائلاً له:«والله يا أمير المؤمنين لقد زيّنت الخلافة، ومازانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي اليك أحوج منك اليها [309] ..»3 ثابت بن قيس:وانبري ثابت ين قيس خطيب الأنصار فخاطب الإمام:«والله يا أمير المؤمنين، لئن كان قد تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس لقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفي موضعك ولا يجهل مكانك يحتاجون اليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلي أحد مع علمك».4 مالك الأشتر:واندفع المؤمن الثائر علي الظلم والطغيان مالك الأشتر فخاطب الناس معرّفاً لهم بحقيقة علي قائلاً:«أيها الناس هذا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن العناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ورسوله بجنة الرضوان، من كملت فيه الفضائل، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل..»5 عقبة بن عمرو:وانبري عقبة بن عمرو فأخذ يتلو فضائل أبي الحسن قائلا:«من له يوم كيوم العقبة، وبيعة كبيعة الرضوان، والإمام الأهدي الذي لا يخاف جوره، والعالم الذي لا يخاف جهله [310] ..».وتتابعت الخطب من كبار الصحابة وهم يشيدون بفضائل ابي الحسن، ويذكرون مناقبه ومآثره، ويدعون المسلمين إلي الالتفاف حوله. [ صفحه 208] ولم يظفر أحد بمثل هذه البيعة في شمولها ورضا المسلمين بها فلماذا أعلنتما التمرد والعصيان بعد بيعتكما له؟لقد حقق ابن أبي طالب في دور حكومته أهم ما يتطلبه الاسلام من أهداف، فقد قضي علي الغبن الاجتماعي، والظلم الاجتماعي وحقق للمسلمين أهم ما يصبون اليه من العدالة والمساواة، وفيما يلي عرض لبعض منجزاته الاصلاحية.

مصادرة الأموال المنهوبة

وكانت فاتحة الأعمال التي قام بها أن أصدر قراره الحاسم برد القطائع التي استأثر بها عثمان بن عفان، وبرد الأموال المنهوبة التي منحها لبني أمية وآل أبي معيط لأنها جميعاً قد أخذت بغير وجه مشروع، وقد صودرت أموال عثمان حتي سيفه ودرعه، وقد استقبل النفعيون هذا القرار وبكثير من الوجوم والاضطراب وأنت يا طلحة والزبير فقد خفتما علي ما في أيديكم من الأموال التي استوليتم عليها بغير وجه مشروع، فأظهرتما بوادر البغي والشقاق، وأعلنتما التمرد علي حكومته.وقد تتبع علي كل دور بذل في غير وجهه، ولغير مستحقه فأعاده إلي بيت المال، وبذلك فقد حقق سنّتي الداعية إلي إقامة الحق والعدل.وقد أعلن أمام المسلمين عن خطة دستوره تجاه الأموال الضخمة التي وهبها عثمان فقال:«إن كل قطيعة أقتطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال.. فان الحق لا يبطله شيء ولو وجدته قد تزُوِجَ به النساء، ومُلِكَ به الاماء وفُرِقَ في البلدان لرددته.. فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق فالجور عليه أضيق.أيها الناس: ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار، وفجروا الأنهار، وركبوا الخيل، واتخذوا الوصائف المرققة. [ صفحه 209] إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلي حقوقهم التي يعلمون: «حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا».ألا أيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله يري أن له الفضل علي سواه لصحبته، فإن الفضل عند الله. وأيما رجل استجاب لله ولرسوله فصدق ملتنا، ودخل ديننا، واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده.وقد أثارت هذه السياسة التي انتهجها أحقادكم وسخطكم فأنتم تريدون ابن أبي طالب لدنياكم، وهو يريدكم للآخرة.لقد نهج الإمام سيرتي، واقتدي بهداي وسلوكي فإنّي ما جئت لأوجد الثراء والنعيم عند الوجهاء وذوي النفوذ، وإنما جئت لأبسط العدل، والحق، وأقضي علي جميع الفوارق الإجتماعية، وقد ثارت عليه قريش وسخطت كما ثارت عليَّ.إن الإمام أراد بسط العدل، وتحقيق الرفاهية بين المسلمين، وقد وقفتم دون تحقيقها، ووضعتم الحواجز عليها وملئتم الدنيا عليه ضجيجاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

اعلان المساواة

وانطلق علي رائد العدالة الإجتماعية فأعلن المساواة العادلة بين جميع المسلمين، وهدم الحواجز التي خلقها من تقدمه من الخلفاء فأول عمل قام به ان أمر خازن بيت المال عبد الله بن أبي رافع فوزع الأموال تحت اشرافه فأخذ كل واحد من المسلمين نصيبه كاملاً كبيرهم وصغيرهم، سوقتهم وخاصتهم فوزعه علي شرعة الله.فكان نصيب كل واحد من السادة والعبيد ثلاثة دنانير سواء بسواء، ومشت إليه جماعة من الانتهازيين تبلغه استنكارها، وطالبته بالعدول عن خطته فأجابهم:«أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وُليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أمَّ نجم في السماء نجماً، لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف [ صفحه 210] وانما المال مال الله.ألا وان إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة ويكرمه في الناس ويهينه عند الله..» [311] .وجئت يا طلحة ويا زبير لابسين الأراقم تظهران النصح، وتبطنان الخلاف، فنصحتماه بالعدول عن المساواة إلي التمييز الطبقي، لتستتب الدعوة في الدولة، ويتوطد الحكم في البلاد، ويسير بين الناس بسياسة عمر المالية.فإجابكما علي بمنطق الحق والايمان قائلاً:«أما ما ذكرتما من أمر الأسوة يا أخوتاه فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، ولا وليته هوي مني، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله قد فرغ منه، فلم احتج إليكما فيما فرغ من قسمه، وأمضي فيه حكمه... فليس لكما والله ولا لغيركما عندي في هذا عتبي..».ورجا لكما النصح، وأمركما بالانصياع الي الحق، وسلوك جادة العدل قائلاً:«ألا رحم الله امرأً رأي حقاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردّه، وكان عوناً بالحق علي صاحبه..».فلم تتأثرا بالنصيحة، وأردتما منه أن يفسد أمر آخرته لدنياكم وهيهات أن يستجيب لذلك ابن أبي طالب، وهو رائد الحق والعدالة.لقد سار في حكمه علي هدي الكتاب العزيز فلم يميز قوماً علي آخرين، ولم يوارب، ولم يصانع، قد صمد في وجه الأعاصير وقد أعرب عن خطته وسياسته بقوله:«يوجد الضعيف الذليل عندي قوياً حتي آخذ له بحقه، والقوي العزيز عندي ضعيفاً ذليلاً حتي آخذ منه الحق، القريب والبعيد عندي في ذلك سواء». [ صفحه 211] لا محاباة عنده لقوي، ولا اجحاف بضعيف، وإنما كان يبغي الحق ويلتمس وجه الله، ورضاءه في جميع تصرفاته.

عزل ولاة عثمان

وعمد علي في أول خلافته إلي عزل ولاة عثمان، واقصائهم عن وظائفهم لأنهم مجموعة من الخونة المستحلين لأموال الناس، وأخذها بغير حق، وقد أشار عليه عبد الله بن عباس، والمغيرة بن شعبة بابقائهم ريثما يتم له الحكم، وتشب له الأمور، فردّهم رداً صارماً فقال:«والله لو كانت ساعة من نهار لأجتهدت فيها برأيي، ولا وليت هؤلاء».وهذا منطق العدل كيف يسوغ له أن يبقي اللصوص والخونة علي كراسي الحكم فإنه لو أبقاهم لكان ذلك إقراراً منه لهم علي الظلم والجور والخيانة.وبادره المغيرة فقال له:«إنزع من شئت، واقرر معاوية.. فإنّ لمعاوية جرأة، وهو في أهل الشام يسمع منه. وأن لك حجة في اثباته. إذ كان عمر بن الخطاب قد ولاه..»ويصر علي علي عزله، واتباع سنّة الحق قائلاً:«لا والله لا أستعمل معاوية أبداً..».ويتبع علي موازين العدل، وإن جرت له المتاعب والمصاعب، وأعقبت له الاخفاق في الميادين السياسية فإنّه لم يكن بأي حال يتطلب السلطة والحكم بما أنهما وسيلتان للإثرة والاستغلال والتفوق علي الناس، وإنما كان هدفه إقامة الحق، وبسط العدل، ونشر الأمن والدعة بين الناس.

عماله وولاته

وعهد علي إلي خيار المسلمين وصلحائهم في ولاية شؤون الأمصار والأقاليم [ صفحه 212] الإسلامية، ولم يمنح أحداً من عماله وولاته محاباة أو اثرة، وإنما كان يتحري ذوو الكفاءة والقابلية وحسن السيرة، والأصلاح بين الناس.وولاته أمثال محمد بن أبي حذيفة، وقيس بن سعد بن عبادة، ومحمد بن أبي بكر، ومالك الأشتر، وعثمان بن حنيف الأنصاري، وأخوه سهل بن حنيف، وعبد الله بن العباس وأخوه عبيد الله، وأمثال هؤلاء من المؤمنين والمتحرجين في دينهم.وقد عهد إلي جميع عماله أن يقوموا بالاصلاح الشامل بين الناس وأن يتعهدوا أمورهم، وأن لا يرهقوا أحداً، وأن يسيروا بين الناس سيرة قوامها العدل الخالص، والحق المحض ومن وصاياه المكررة لهم:«وانصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم، فانكم خزان الرعية، ولا تحسموا أحداً عن حاجته، وتحبسوه عن طلبته، ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء، ولا صيف، ولا دابة يعملون عليها، ولا عبداً، ولا تضربن أحداً سوطاً لمكان درهم..».لقد بلغ علي قمة العدل في وصيته هذه فقد حاول أن يمحي شبح الفقر ويقضي علي ظل البؤس، وعلي سائر ألوان الغبن والظلم، فلماذا كرهتم هذه السيرة؟ وحاربتم هذه السياسة العادلة التي تنشد كرامة الإنسان وحقهم في الحياة.أما دستوره في توظيف الولاة والعمال فخلاصته ما كتب به إلي الأشتر النخعي وهو يمثل مدي عمق الإمام ونظره الصائب إلي اصلاح المجتمع في ميادين الإدارة والحكم يقول في عهده:«انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة واثرة فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة، والقِدم في الاسلام فإنّهم أكثر أخلاقاً، وأصح أعراضاً، وأقل في المطامع اسرافاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً.. ثم إسبغ عليهم الأرزاق. فإنّ ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم، وغني لهم عن تناول ما تحت أيديهم.. وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك. ثم تفقد [ صفحه 213] أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق عليهم. فإنّ تعاهدك في السر لأمورهم حدوه لهم علي استعمال الأمانة والرفق بالرعية..»وهذا الدستور الخالد قد حوي جميع مقومات النهوض والإرتقاء للأمة وجعل السلطة الحاكمة معنية بشؤون المسلمين والرفق بهم.وقد جاء في هذا الدستور النهي عن كشف معائب الناس، وتتبع عوراتهم يقول:«وليكن أبعد رعيتك منك، وأشقأهم عندك أطلبهم لمعائب الناس.. فإنّ في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها.. فلا تشكفن عما غاب عنك منها، فإنّماعليك تطهير ما ظهر منها..»وقد مثل ذلك عدالة الاسلام ورحمته، ورفقه الشامل بالناس.وكان ينهي ولاته عن بطانة السوء التي تتمسك بجميع الوسائل لكسب المنافع المادية لها يقول عليه السلام:«لا تُدخِلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزن لك الشره بالجور.. فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شيء يجمعها سوء الظن بالله..»ونهي عليه السلام عن اتخاذ الظلمة والأشرار وزراءً يقول عليه السلام:«إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الأئمة واخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم..»إن وصايا علي للعمال والولاة قد احتوت علي جميع برامج العدل، وأصول الحق، والحكم الصالح الذي ينعش الشعوب، ويبعث في النفوس الرضا والطمأنينة. [ صفحه 214]

زهده

وسجل التأريخ علي شاشة الحياة صوراً رائعة من زهد علي يهتدي بها المتقونوالصالحون فمن ذلك ما حدث به عقبة بن علقمة قال:دخلت علي علي فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته، وكسراً يابسة، فقلت له:يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا؟يا أبا الجندب.. كان رسول الله صلي الله عليه وآله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا فإن لم أكن آخذ به خفت أن لا ألحق به.ولو أراد علي أن يتنعم في دنياه لكان له ذلك، وباستطاعته فقد كانت خزائن الدولة بيده وتحت تصرفه ولكنه أبي إلا أن يطلق لذائذ العيش ورغائب الحياة فلم يبن لبنة علي لبنة ولم يتخذ لبالي ثوبه طمراً إلي أن لحق بالرفيق الأعلي ولم يترك صفراء ولا بيضاء سوي سبعمائة درهم اتخذها من عطائه ليشتري بها خادماً لأهله يستعينون به علي حوائجهم وشؤونهم فماذا نقمتم من ابن أبي طالب؟ فهل استأثر بأموال المسلمين؟وهل خص ذويه وأبنائه بأموال الدولة، وهل وظف أحداً من أقربائه وأسرته، فالأمر لله وحده وهو الحاكم المطلق الذي لا يظلم أحداً بحكمه.

دفاع طلحة والزبير

وينبري طلحة والزبير للدفاع عن نفسيهما قائلين:يا نبي الله. بايعنا علياً مخافة أن يتخطفنا الناس باسيافهم وكنا نعتقد أنه سيسرع بالقصاص من قتلة عثمان فقد قتل مظلوماً وكان عليه يقتص من قتلته.وكنا نطمع أن يشركنا بالأمر كمستشارين أو ولاة لأننا من سادات المهاجرين، ومن السابقين للأسلام، ومن المحاربين القدماء البارزين في المجتمع حسباً وشجاعة وسياسة، وقد جعلنا عمر نظيرين له بالترشيح للخلافة.فبادرنا لمبايعته يقينا منا أنه سيرفعنا مكاناً علياً، ويؤثرنا بالمال والسلطة علي [ صفحه 215] سائر المسلمين، فإذا به يجبهنا عن كل مطلب سعينا به إليه، وساوي بيننا وبين الدهماء، والغوغاء، والمغمورين، والاخلاط من العجم والموالي، أفهل أن ذلك من العدل والانصاف.

جواب النبي

ويفند صلي الله عليه وآله مزاعمهما،وأساطيرهما فيقول لهما:أما تهمة علي بدم عثمان فأمر لا واقع له، وأنتما تعلمان ببرائته من دمه فقد دافع عنه الثوار مراراً، وتكراراً، وكان يخرج إلي مضاربهم خارج المدينة متوسلاً إليهم أن يرجعوا إلي أمصارهم.وقد أسدي علي النصح لعثمان غير مرة بأن يعدل في الحكم، ويجنب الأمة ما يحدثه قتله من أزمات وشرور.وقد استرق علي عواطف الثوار حينما حاصروا عثمان ومنعوا عنه الماء فقد قال لهم:«أيها الناس أن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين لا تقطعوا عن الرجل الماء. فإن الروم وفارس لتؤسر فتطعم وتسقي، فما تعرضكم لهذا الرجل؟ ففيم تستحلون حصره وقتله»؟.وبعد هذا فهل يمكن أن يتهم علي بدمه أو بالتآمر عليه؟ ولو إنصاع لارشاد علي ونصحه لما قتل وما انتهكت كرامته.وأما القصاص من قتلة عثمان فهل يمكن أن يقيم علي الحد عليهم والثوار سيوفهم علي عواتقهم، وكيف له بمعرفة قتلته، وقد اشترك في قتله وفود مصر والكوفة والبصرة وأهل البوادي وأهل المدينة، فكيف يسوغ له أن يقيم الحد علي هؤلاء باسرهم.وأنت يا طلحة والزبير قد اشتركتما في قتل عثمان، فقد رفعتما راية التمرد، [ صفحه 216] والعصيان وأبّيتما شيعتكما من البصريين والكوفيين علي قتله.وأنت يا طلحة قد منعت وصول الماء إليه وباشرتَ حصار داره، وأعنت الثوار علي قتله، وكنت تمجّد فيهم روح الثورة والنضال في نفوس الثوار للاطاحة بحكومته.وقد نهاك علي عن منع الماء عن عثمان فكتب إليك وهو خارج المدينة يأمرك بأن تمكنّه من الماء، وهذا نص ما كتبه إليك:«دع الرجل يشرب من مائه، وبئره ولا تقتلوه من العطش» وقد مر بك مجمع بن جارية الأنصاري فسألته:ما فعل صاحبك؟أظنكم والله قاتليه.فإن قُتل فلا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.وكان عثمان يعلم بتحريضك عليه، وباثارتك الأحقاد، والضغائن ضده، فكان يكثر من الدعاء عليك، وكان يقول في دعائه:«اللهم قَني طلحة بن عبيد الله، فإنّه حمّلهم عليَّ، والبسهم».«والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً. وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحل له..»وقد باشرت الحصار عليه في داره، فكنت مُقنعاً بثوب متستراً عن أعين الناس ترمي داره بالسهام.ولما امتنع علي الذين حصروه الدخول عليه من باب الدار حملتهم الي دار عمر ابن حزم الواقعة الي جانب دار عثمان فتسوروا منها.وكنت خلال مدة الحصار أربعين يوماً تصلي بالناس، مرشحاً نفسك للخلافة وعثمان بعد حي لم يقتل.أعلي هو المتهم بقتل عثمان أم أنت؟وأين كنت يا طلحة ويا زبير عن الدفاع عن عثمان عندما كتب من في المدينة إلي من بالآفاق يستجيرون بهم إلي إنقاذ المسلمين من جور عثمان وظلم ولاته، فقد كتبوا إليهم.«إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ، تطلبون دين [ صفحه 217] محمد صلي الله عليه وآله، فإنّ دين محمد قد أفسده خليفتكم فاقيموه» [312] وأرسل الصحابة الي أهل مصر مذكرة هذا نصها:«من المهاجرين الأولين وبقية الشوري الي من بمصر من الصحابة والتابعين، أما بعد: أن تعالوا الينا، وتدراكوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها، فإنّ كتاب الله قد بُدل، وسنة رسوله قد غُيرت، وأحكام الخليفتين قد بدلت فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله، والتابعين باحسان إلا أقبل الينا، وأخذ الحق لنا، وأعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وأقيموا الحق علي المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيكم، وفارقكم عليه الخلفاء، غلبنا علي حقنا، واستولي علي فيئنا، وحيل بيننا وبين أمرنا وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوّة ورحمة، وهي اليوم ملك عضوض، من غلب علي شيء أكله..» [313] .فأين أنتما عن هذه الرسائل التي ألهبت نار الثورة علي عثمان؟ حتي أحاط به الثوار وأردوه قتيلاً يتخبط بدمائه، فلم يكن دم عثمان هو الذي دفعكما إلي الثورة علي علي وإنما أطماعكم في الولاية والامرة وحبكما للثراء العريض هو الذي دفعكما الي اعلان التمرد والعصيان علي علي.واما تميزكما علي سائر المسلمين واشراكه لكما في الحكم، فإنه لم يكن له ان ينهج غير سنّتي وسياستي، وقد عرفتم أني هدمت الحواجز بين الناس، والغيت التمايز عملاً بقوله تعالي: «ان اكرمكم عند الله اتقاكم» وقد سار علي علي نهجي في سياسته المالية والاجتماعية، وقد عرفتماه شاباً وكهلاً لا يؤثر رضاء الناس علي رضاء الله كما لم يؤثر علي رضاء غيره.فالله هو الحاكم الفصل بيننا وبينكم، فأنتما مسؤلان عما حدث في المسلمين من النكبات والويلات، فلولا تمردكما لما وجد معاوية الي اعلان العصيان سبيلا.وقد اغرقتما البلاد بالفتن والخطوب والويلات واشعتم الحزن والحداد بين المسلمين، وفرّقتما الكلمة، وافسدتما امر الأمة. [ صفحه 220]

الرسول مع عائشة

اشاره

يوجّه النبي صلي الله عليه وآله خطابه الي عائشة، وهو حزين النفس قائلاً لها بنبرات تقطر أسي.يا أم المؤمنين!.يا من حفظت أربعين ألف حديث!.لماذا خرجت علي أخي ووصيي، وباب مدينة علمي، وأبي سبطيّ، ومن هو مني بمنزلة هارون من موسي؟!هل استأثر علي بأموال المسلمين حتي يصلح لك الخروج علي حكومته؟هل منح أحداً من أقربائه وابنائه بشيء من خزينة الدولة حتي يكون لك وجه في الخروج عليه؟كيف جاز لك أن تخرجي من بيتك؟ وتقودين الجماهير والعساكر الي حرب عالمِي، وقد قلت في حقه: «ان حربه حربي وسلمه سلمي».لقد تناسيت قول الله تعالي لنسائي: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفاً، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولي [314] ».كيف ساغ لكِ الخروج من بيتك، لحرب علي وقتل ابنائك، فقد قتل منهم يوم الجمل الأكبر في البصرة ثلاثة عشر الف من ابنائك وتابعيك فيهم طلحة والزبير، واستشهد من اولياء علي وشيعته حوالي الألف. [ صفحه 221] فمن هو المسؤول عن تلك الدماء التي أريقت غيرك؟يا عائشة ما كنت تريدين بخروجك هذا؟أتريدين الله ورسوله والدار الآخرة؟أتريدين الأجر والثواب الذي أعده الله للمحسنات من نسائي إذ يقول تعالي: «وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإنّ الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً» [315] .هل كنت تظنين أن بينك وبين الله هوادة فيبيح لك ما حرم علي العالمين؟ وقد ضاعف تعالي العقاب علي نسائي إذا اقترفن إثماً أو أتين بفاحشة قال تعالي: «يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا» [316] .هل رأيت أن خروجك علي علي، وشق عصا المسلمين عبادة لله، وقنوتا له ولرسوله، فعملت عملاً صالحاً كما قال تعالي: «ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً» [317] .هل أردتِ بخروجكِ أن تمثلين التقوي والورع، وتستأثرين بالعمل الصالح دون بقية نسائي حتي تكونين كما قال الله تعالي في كتابه: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن أتقيتن» [318] . فهل خروجك علي علي من التقوي والصلاح؟يا عائشة: هل رأيت قيادتك للجيوش سرادقاً ضربه عليك طلحة والزبير ليصوناك عن تبرج الجاهلية الاولي، وتكونين بذلك نصب أمر الله ونهيه إذ يقول تعالي: «وقَرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولي وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله [319] ». [ صفحه 222] أحسبت ان الزوجية تمنعك من عذاب الله ونقمته إذا حِدت عن طاعة الله، وقد أنذرك تعالي وحفصة علي أن لا تتكلا علي الزوجية لأنها لا تنفع الطالحة وقد ضرب لكما مثلاً بامرأة نوح، وامرأة لوط وامرأة فرعون قال تعالي. «ضرب الله مثلاً للذبن كفروا أمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين، وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله» [320] وقد خّلد الله امرأة نوح وامرأة لوط في عذابه وبني لامرأة فرعون بيتاً كريماً في فردوسه فإنه ليس بين الله وبين أحد هوادة، وانما جعل الميزان لرضاه والفوز بجنانه هو العمل الصالح فأي شخص يتقي الله، ويعمل للآخرة فقد أعد له منزلا كريماً، ومن حاد عن طريقه، وسلك غير طريق الله فهو ممن حلّت به نقمة الله وعذابه.ياعائشة: أنت اعرف الناس بمنزلة علي عندي فهو أخي، ووليي، ووارثي، ووصيي، وإنّه مني بمنزلة هارون من موسي، وقد سمعت قولي فيه: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».وسمعت قولي فيه: «رحم الله علياً اللهم ادر الحق معه حيث دار».ورأيتني انظر الي علي وفاطمة فقلت فيهم «انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم [321] ».ورآني أبوك وانا متكيء علي قوس عربية، وقد نصبت خيمة فيها علي وفاطمة والحسنان فقلت فيهم: «معشر المسلمين انا سلم لمن سالم أهل الخيمة، وحرب لمن حاربهم، وولي لمن والاهم، لايحبهم الا سعيد الجِد، طيب المولد، ولا يبغضهم الا شقي الجِد رديء الولادة [322] ». [ صفحه 223] وقلت فيه: «من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال علياً، وليوال وليه، وليقتدي بأهل بيتي من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي [323] ».يا عائشة لم يخف عليك شيء من فضل علي، وأنت صاحبة الذكاء المفرط التي كنت تحفظين عني أربعين الف حديث، وأنت صاحبة المكانة المرموقة في المجتمع الاسلامي، وقد توفيت عن تسع زوجات، ولم تكن واحدة منهن يرجع اليها الشيخان في الفتيا غيرك، وكان عمر وعثمان يرسلان اليك فيسألانك عن السنن، ولم يفضل عمر واحدة من نسائي عليك، وقد فرض لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، وزادك عليهن الفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله.

النص علي خلافة علي

يا عائشة: ألم تسمعِ منّي النص القاطع، والبيان الصريح في خلافة علي من بعدي، وذلك حينما كنت في الدار وأنت وأم سلمة معي إذ جاء أبوك ومعه صاحبه عمر فطرقا الباب، فقمت مع أم سلمة إلي الحجاب.. فلما أذنت لهما وسلّما عليَّ صار يحدثان عما جاءا به قائلين:«يا رسول الله لا ندري قدر ما تصحبنا. فلو أعلمتنا من نستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزع؟»فرميت ببصري الي بعيد وقلت لهما:«أما اني أري مكانه».وتوقعا أن ادلهما عليه، فهززت برأسي متأسفاً عليهما وقلت:«لو فعلت لتفرقتما عنه كما تفرق بنو اسرائيل عن هارون بن عمران».فغضا طرفيهما، وخرجا لا يلويان علي شيء، وقد عرفا من أعني، وذلك لما سبق مني غير مرة ما قلته في علي من تشبيهه بهارون في محنته وبلائه، فقد قلت فيه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي». [ صفحه 224] فَبرِحتِ الستر متسائلة عنه لتُشبعي فضولك فقلتِ:«من كنتَ مُستخلفاً عليهم؟».فاجبتك «إنَّه خاصف النعل».فخرجنا جميعاً وفي ظل سمرة، وجدنا علياً يخصف نعله ويصلي.يا أم المؤمنين.يا صاحبة الجمل الأدبب.هبي أن عاطفتك غلبت عقلك، ونزوتك أمالت رشدك، فنصّبت من نفسك قائداً أعلي للأوباش والرعاع، والغوغاء وأصحاب المطامع، والجشعين، والانتهازيين، فخرجت دارك الذي أمرك الله أن تقري فيه، لحرب إمامك وشق عصا الطاعة.فأي ثمرة وسوست لك نفسك باقتطافها؟هل طمعت أن تكوني خليفة المسلمين، وأميرة للمؤمنين؟أم انك أردت أن تحلّي عقدة في نفسك، وتبردي غلّة يطفيء إوارها الدم المهراق الذي صبغ وجه البسيطة، وكوّن بركانا وغدرانا، وقد تبعثرت علي الارض أشلاء الابرياء وأطرافهم حتي تكونت منها تلالا.أم أنكِ اردتِ ان يكون لك جوقاً يطربك من عويل اليتامي، ونوح الأيامي، وأنين الجرحي.ما غايتك بانتداب امهات المؤمنين للخروج معك لحرب علي الذي هو أخي ووصي وابو سبطيّ.هل اردت ان تجعلي منهن وزيرات لبلاطك؟هل اردت ان تكسبي خروجك قدسية، وحربك مشروعية؟لقد انطلقت إلي المرأة الصالحة أم المؤمنين أم سلمة، لتغريها بالخروج معك، وقد تناسيت أنها من صالحات النساء، وانها ممن تعرف منزلة علي، وقربه مني، وقد تمنت أن تشهر سيفاً لنصرته، وتقود جحفلاً من المؤمنين لتقطع عليك وعلي صحبك درب الفتنة الكبري، وتدفعكم عنه بقوة الحديد، ولكنها قد قرت في بيتها إمتثالاً لأمر الله. [ صفحه 225] وقد كتبت إلي علي من مكة تخبره بتمرد طلحة والزبير واشياعهم وأنّهم يحاولون أن يخرجوك معهم، لحربه، وقد جعلوا شعارهم الذي يهتفون به، ويبررون به موقفهم أن عثمان قد قتل مظلوماً وأنهم يطالبون بدمه، والله كافيهم بحوله وقوته، وأنه لولا ما نهانا الله عن الخروج، وأنت لم ترضي به، لم أدع الخروج معك، والنصرة اليك، وقد بعثت اليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن أبي سلمة يشهد مشهدك.وعند عودتها إلي المدينة قابلت علياً وهي تبكي أمرّ البكاء قائلة له: لولا أني أعصي الله عزّ وجلّ، وأنك لا تقبله لخرجت معك.فكيف رأيت أن تغريها وتخدعيها بالخروج إلي حرب وصيي وأخي وقلت لها:يا بنت أبي أمية: أنت أول مهاجرة من أزواج النبي، وأنت أكبر أمهات المؤمنين، وكان رسول الله يقسم لنا في بيتك، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في بيتك.ولم يخف علي أم سلمة خداعك فقالت لك:«لأمرّ ما قلتِ هذه المقالة؟».فصارحتيها بما أنطوت عليه نيتك قائلة لها:«إن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في الشهر الحرام، وقد عزمت علي الخروج إلي البصرة، ومعي الزبير وطلحة.. فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الأمر علي أيدينا».فانبرت اليك أم سلمة تسدي اليك بالنصح، وتزيف منطقك قائلة:«إنت كنت بالأمس تحرضين علي قتل عثمان، وتقولين فيه اخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا، وإنّك تعرفين منزلة علي عند رسول الله أفأذكرك؟نعم.أتذكرين يوم اقبل رسول الله، ونحن معه... حتي اذا هبط من [ صفحه 226] قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه، فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك، فعصيتيني، وهجمت عليهما، فما لبثتِ أن رجعت باكية، فقلت لكِ: «ما شأنك؟».فقلت أتيتهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يابن أبي طالب ويومي؟ فاقبل رسول الله عليَّ وهو محمر الوجه غضباً، فقال: إرجعي وراءك والله لا يبغضه أحد إلا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمة ساخطة.نعم أذكر ذلك.أو أذكرك.نعم.كنت أنا وأنت مع رسول الله فقال لنا: أيتكن صاحبة الجمل الأدب [324] تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك، فضرب علي ظهرك، فقال: إياك أن تكونيها يا حميراء.نعم أذكر ذلك.أو أذكرك.نعم.وساقت لك حديث خصف النعل فأقررت به فقالت لك بعد ذلك: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟فقلت لها: أخرج للاصلاح بين الناس [325] .وتبالغ أم سلمة في نصحك وإرشادك إلي طريق الحق والصواب فتقول لك:يا عائشة: إن عمود الاسلام لا يستتب بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إذا صدع. هاديات النساء غض الأطراف، خضر الأعراض...ما كنت قائلة لرسول الله لو عارضك باطراف الفلوات والجبال. علي قعود من الابل من منهل [ صفحه 227] إلي منهل؟ ما كنت قائلة: وقد هتكتِ حجابه الذي ضربه عليك؟ ألا إني لو أتيت الذي تريدين ثم قيل لي: ادخلي الجَنة لا ستحييت أن ألقي الله.فأعرت كلامها أذناً صمّاء، واندفعت وراء عواطفك وميولك وأنت تفرقين وحدة الأمة، وتسعّرين نار الحرب والفتن بين المسلمين.يا عائشة هبي أنك نسيت أو تناسيت كلما أنزل الله في كتابه بخلافة علي، وولايته، وما جاء في سنّتي من إمامته وفضله فهلا ذكرك نباح كلاب الحوأب فأرجعك إلي رشدك فقد حذرتك من أن تكوني أياها يا حميراء.هلا أرجعك إلي الصواب خطبة علي عندما أراد الخروج إلي البصرة، وقد فنَّد فيها معاذيرك، ومعاذير طلحة والزبير، ويعلي بن أمية فقد قال:«إن الله فرض الجهاد، وجعل نصرته وناصره. وما دنيا ولا دين إلا به، وإني بُليت بأربعة: أدهي الناس وأشقاهم طلحة، وأشجع الناس الزبير، وأطوع الناس في الناس الزبير، وأسرع الناس إلي فتنة يعلي بن أمية.. والله ما أنكروا عليَّ شيئاً منكراً، ولا استأثرت بمال، وملت بهوي.. وإنّهم ليطلبون حقاً تركوه.. ودما سفكوه، ولقد ولو دوني.. ولو كنت شريكهم في الانكار لما أنكروه.. وما تبعه عثمان إلا عندهم، وإنهم لهم الفتنة، بايعوني ونكثوا بيعتي، ما استأنسوا بي حتي يعرفوا جوري من عدلي وإني لراض بحجة الله عليهم، وعلمه فيهم، وإنّي مع هذا لداعيهم، ومعذراً إليهم، فإن قبلوا فالتوبة مقبولة، والحق أولي من صرف إليه، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف، وكفي به شافياً من باطل وناصراً، والله إن طلحة والزبير وعائشة يعلمون أني علي حق وهم مبطلون».وقد أمعن علي باسداء النصح لكِ ولصاحبيك طلحة والزبير، فقد كتب لكم كتاباً عندما قارب البصرة يوضح لكم السبيل، ويقطع عليكم المعاذير وقد جاء فيه.«من عبد الله علي أمير المؤمنين إلي طلحة والزبير وعائشة سلام عليكم... [ صفحه 228] أما بعد: يا طلحة ويا زبير قد علمتما أني لم أرد البيعة حتي أكرهت عليها، وأنتما ممن رضي ببيعتي، فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا الي الله تعالي، وارجعا عما أنتما عليه، وإن كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما لي السبيل عليكما باظهاركما الطاعة، وكتمانكما المعصية.وأنت يا طلحة يا شيخ المهاجرين. وأنت يا زبير يا فارس قريش لو دفعتما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد الاقرار.وأنت يا عائشة فإنّكِ خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ثم تزعمين (أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين).فخبريني ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال، والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحترمة؟.. ثم إنك طلبت علي زعمك دم عثمان. وما أنت وذاك؟ وعثمان من بني أمية وأنت من تيم.. ثم بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر) ثم تطلبين اليوم بدمه فاتقي الله وارجعي إلي بيتك واسبلي عليك سترك والسلام..».وقد أقام عليكم الحّجة ولم يدع لكم وليجة تنفذون منها، فهلا استجبت لمنطق العدل، ولنت نفسك من الدخول في هذه الفتنة فإنا لله وإنا إليه راجعون.

دفاع عائشة

وتقوم السيدة عائشة فتدافع عن نفسها، محاولة أن تبرر خروجها وحزبها لعلي قائلة:يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أنت تعرف مكانتي بين المسلمين، ومالي من المنزلة العظيمة عندهم، وإني لم أخرج مفسدة وإنما خرجت لطلب الاصلاح.لقد خرجت مطالبة بدم الشهيد الذكي عثمان فقد قتلوه في الشهر الحرام بعد ما استتابوه، وخلص من ذنوبه، فلم يسعني أن أسكت، وأترك الدم مباحاً، وعلي قد آوي قتلته، ولم يقتص منهم، وأنت تعلم ما في نفسي من العقد النفسية [ صفحه 229] علي علي لأنه أبو سبطيك، وقد حرمت منك الولد، وكنت واجدة علي ابنتك وبضعتك فاطمة الزهراء، فقد هاج وجدي حينما علمت ان علياً قد صار إليه امر المسلمين فلم اتمكن دون ان اعلن التمرد علي حكومته، واقود الجيوش لمناجزته.وانا معترفة بما ذكرته وادليته عليَّ، وليس لي مجال للانكار والشك في ذلك.

جواب النبي

وينبري النبي صلي الله عليه وآله لتنفيذ مزاعم عائشة فيقول لها: إن عثمان قد سعي لحتفه بظلفه، واجهز علي نفسه فقد هيأ الأسباب المؤدية إلي قتله، اليس هو الذي نفي الصحابي العظيم ابا ذر الذي هو شبيه عيسي بن مريم في ورعه وتقواه؟ اليس هو الذي كسر ضلع المقري الصالح عبد الله بن مسعود؟ اليس هو الذي ضرب الطيب ابن الطيب عمار بن ياسر حتي اوجد فتقاً في بطنه.الم يؤثر بني امية بالسلطة والمال، فاجاع الناس ليتخموا، واذل المسلمون ليعلوا، ويتطاولوا فلم تأخذه في سبيلهم ملامة اللائمين، ولا ثورات الثائرين، فقد افتتح في ايامه ارمينية فأخذ الخمس كله، ووهبه للوغد الأثيم مروان بن الحكم، واعطي سوق تهروز في المدينة للحارث ابن عمه، واقطع مروان فدكا، وهو يعلم انها ملك لسيدة النساء فاطمة، وحمي مراعي المدينة عن مواشي المسلمين إلا عن مواشي بني امية، واعطي ابن ابي سرح جميع ما افاء الله علي المسلمين من فتح افريقيا.ان هذه العوامل هي التي اطاحت بعثمان وسببت قتله وانت تعلمين ذلك، وتعلمين كيف ثار عليه خيار صحابتي وانت بالذات كنت من الموقدين لنار الثورة في النفوس فكيف تطالبين بدمه وتزعمين انه قتل مظلوماً؟؟!!. [ صفحه 230]

جواب عائشة

يا رسول الله إنهم استتابوه حتي ماصوه من ذنوبه موصة الثوب ثم عدوا عليه فقتلوه فلذا خرجت مطالبة بدمه.

جواب النبي

وينبري صلي الله عليه وآله إلي تفنيد مزاعم عائشة فيقول لها: أنت المسؤولة أولاً وبالذات عن مقتل عثمان فأنت أول من أمال حربه ولولاك لما تعدي الأمر من حصره إلي قتله، ولم يجرأ أحد علي إراقة دمه وهتك حرمته.لقد كنت خلال السنوات الست من حكمه تفيضين عليه ألواناً من القداسة، وتخلعين عليه بروداً من الكرامة، فكنت تنتحلين الأحاديث بتفضيله علي أبيك وعمر، فقد رويت عني أنه استأذن أبو بكر عليَّ فأذنت له فقضيت حاجته، وهو معي في المرط ثم خرج فاستأذن عمر فأذنت فقضيت حاجته، وأنا علي تلك الحال، ثم خرج فأستأذن عليَّ عثمان فأصلحت علي ثيابي وجلست فقضيت حاجته ثم خرج فقلت لي حسب زعمك يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر وعمر وأنت علي حالك، فلما استأذن عليك عثمان أرخيت عليك ثيابك، فقلت لك: يا عائشة ألا استحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه.هكذا كان عثمان عندك محاطاً بالعناية، والإجلال والتكريم، ولكن في السنوات الست الأخيرة من حكمه وقع الخلاف والشقاق بينكما فسجّرت نار الفتنة عليه وألهبت العواطف، واثرت الاحقاد والأضغان عليه، ويعود السبب في ذلك إلي أنه قطع الألفين الزائدين لك علي مرتبات أمهات المؤمنين فجعلك عثمان أسوة بهن، وقد تدرج بذلك الخلاف بينكما ورفعت علم المعارضة لا لسبب ديني وإنما هو لأمر مادي محض.لقد تزعمت الفئة المعارضة له وأصبحت ملجأ للساخطين علي حكومته، وقِدتِ [ صفحه 231] الجماهير في حادثة عبد الله بن مسعود لما أهانه عثمان وكسر ضلعه، وكذلك في حادثة عمار بن ياسر حينما أمر بضربه وإلقائه في الطريق فكان بين الموت والحياة، وقد تمكنت من رفع الحصانة التي كان يتمتع بها عثمان في المجتمع الاسلامي لمكانه من خلافتي، وأصدرت فتياك الصريحة الواضحة بقتله وكفره فقلت «اقتلوا نعثلاً فقد كفر».وكنت تطاردينه بالمعارضة والتنديد وتأتين بقميصي وتنشرينه وتنادين رافعة صوتكِ:«يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلي عثمان سنّته..».فقال عثمان وقد ضاقت به الأرض: «ربي اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم».ولما رأيت إجماع المسلمين علي قتله قلت له:«أي عثمان خصصت بيت مال المسلمين لنفسك وأطلقت أيدي بني أمية علي أموال المسلمين، ووليتهم البلاد، وتركت امة محمد في ضيق وعسر، قطع الله عنك بركات السماء، وحرمك خيرات الأرض ولولا أنك تصلي الخمس لنحروك كما تنحر الابل..».فقرأ عثمان عليك قول الله تعالي «ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل آدخلا النار مع الداخلين».وقد اشتد الخلاف بينكما حينما أصدرت فتياك الصريحة بقتله وكفره، وقد انتشرت فتياك بين المسلمين انتشار النار بالهشيم.وبعد هذا فكيف تدّعين أنك خرجت مطالبة بدمه؟!!.إن كنت علي حق. فلم لم تهبِّ لنجدته، ونصرته حينما أحاط به الثوار، وقد جاءك مروان بن الحكم، وزيد بن ثابت مستنجدين بك لنصرة عثمان والذب عنه، فتنكّرت لزيد، وقابلتيه بأغلظ القول قائلة له:«ما منعك، يا بن ثابت، ولك الأساريف قد أقطعكها عثمان وأعطاك عشرة آلاف دينار». [ صفحه 232] ثم نهرت مروان وقلتِ له:«أتراني في شك من صاحبك والذي نفسي بيده لوددت أنه الآن في غرارة من غرائري مخيط عليه فألقيه في البحر الأخضر».وهرع إليك مرة ثانية مروان بن الحكم، ومعه عبد الرحمن بن عتّاب بن أسِيد رسولين عن عثمان لتصدين عنه الثوار فقالا لك:«لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل؟».وقال لك مروان:«يدفع لك عثمان بكل درهم أنفقتيه درهمين».فرددت عليه بقولك:«قد قرنت ركائبي، وأوجبت الحج علي نفسي».وبعد هذا كيف تدعين أنه قتل مظلوماً؟ وقد بذلت جميع جهودك في الإطاحة بحكمه فقلتِ لابن عباس لما خرج من المدينة إلي مكة أميراً علي الحج من قبل عثمان قلت له:«يا بن عباس أنشدك الله، فإنّك أعطيت لساناً أزعبلا أن تخذل عن هذا الرجل، وإياك أن ترد عن هذا الطاغية، وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم، وأنهجتِ، ورفعت له المنار، وتجلبوا من البلدان، وقد رأيت ابن عبيد الله قد اتخذ علي بيوت المال، والخزائن مفاتيح ان يسير بسيرة ابن عمه أبي بكر..».فقال لكِ ابن عباس، وقد عرف غايتك:«يا امه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا الي صاحبنا».فالتعت من قوله وانبريت فزعة قائلة له:«إِ يهاً عنك، لست أريد مكابرتك، ولا مجادلتك».ولما بلغكِ مقتل عثمان، وأنت في مكة دخلك موجات من السرور والأفراح، وضربت قبتك في المسجد الحرام، وقلت: [ صفحه 233] «أبعده الله، قتله ذنبه، وأقاده الله بعمله، بعداً لنعثل وسحقاً.. إِيهاً ذا الاصبع، إِيهاً أبا شبل، إِيهاً ابن عم، فكأني انظر الي اصبعه وهو يبايع.. يا معشر قريش لا يسؤِنكم مقتل عثمان كما أساء احيمر خدود قومه، ان أحق الناس بهذا الأمر لذي الاصبع».وخرجت من مكة الي يثرب، فلما انتهيت الي سرف [326] لقيك عبيد بن ابي سلمة، وكان قادماً من يثرب فاستعجلتِ قائلة له:مهيم [327] .قتلوا عثمان.ثم صنعوا ماذا؟اجتمعوا علي بيعة علي فجازت بهم الامور الي خير مجاز فانهارت أعصابك وخارت قواك، وبلغ بك الحزن الي قرار سحيق، وهتفتِ وانت حانقة مغيظة، وبصرك يشير الي السماء ثم ينخفض فيشير الي الأرض قائلة:«ليت هذه انطبقت علي هذه إن تم الأمر لابن أبي طالب، قُتل عثمان مظلوماً والله لأطلبن بدمه».فذهل عبيد من منطقك الرخيص المتنافض ورد عليك باستهزاء وسخرية قائلاً:«ولم؟ فوالله إن اول من أمال حرفه [328] لأنتِ ولقد كنتِ تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر..فقلت له:«إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا! وقولي الاخير خير من قولي الأول..».وهل كنت حاضرة حينما استتابوه، وهل لك دراية بكيفية توبته. [ صفحه 234] وانبري اليك عبيد فأنشدك قوله:منك البداء ومنك الغير ومنك الرياح ومنك المطروانت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا إنّه قد كفرفهبنا أطعناك في قتله ولم تنكسف شمسنا والقمروقد بايع الناس ذا تدرؤ يزيل الشبا ويقيم الصعر [329] ويلبس للحرب أثوابها وما من وفي مثل من قد غدرفأعرضت عنه وانصرفت راجعة الي مكة مكة تثيرين الأحقاد، وتلهبين نار الثورة في النفوس، وتدعين الي نقض بيعة علي.يا أم المؤمنين ما أدهاك كيف استطعت ان تبرئي القتلة طلحة والزبير ونفسك من دم عثمان، وتجعلين القاتل مطالباً بثأر القتيل؟

اعتراف عائشة

ولم تجد عائشة بداً من الاعتراف بزيف اعتذراها بالمطالبة بدم عثمان، وقد ادلت بالأسباب الواقعية التي دفعتها الي إعلان التمرد علي حكومة الامام فتقول:يا رسول الله تعلم اني امرأة قوية العاطفة شديدة الغيرة، ضعيفة الارادة، كثيرة الانفعال، وقد غلبت عاطفتي عقلي، فسلكت غير الجادة، وصممت علي الانتقام من علي، وذلك لأمور وهي:1 اني لا أنسي ما أبداه من رأي عند انتشار حديث الإفك فقد أشار عليك بطلاقي، وفكاكي عنك وقد أثار كوامن الحقد والبغضاء في نفسي، واني لأكن له في أعماق قلبي من البغض والعداء له ما لا يعلم به إلا الله، وكلما2 الطبري 3 / 454. [ صفحه 235] حاولت ان أكبس نار الوجد عليه فلم أجد لذلك سبيلاً.2 إنه مما هيج غضبي عليه شدة غيرتي علي خديجة أم فاطمة زوجه، فإني طالما كنت أقول: ما غرِت علي امرأة كما غرت علي خديجة، وذلك لكثرة ذكرك لها، وثنائك عليها، وعندما كنت تذكرها أقول لك:«ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها» فيتغير وجهك تغييراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي فتقول لي:«ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني أذ كذبني الناس، وواستني بمالها أذ حرمني الناس، ورزقني منها الولد، وقد حرمته من غيرها».وقد دفعني حبك العارم لخديجة علي كراهيتها وكراهية ابنتها التي هي أعز الناس عندك.إنه ليس شيء أدعي لإثارة حقد المرأة من أن تجد أحداً أثيراً عند زوجها، ومقدماً عليها، فقد دعتني طبيعة المرأة إلي ما قدمت عليه.3 ومما كان يواري نار غضبي علي علي حبك له ولا بنتك فاطمة فقد كانا يقاسماني ثلثي أوقاتي.. وكان علي عريم أبي القديم، ومنازعة سلطانه، فلذا كانت خلافته من أثقل الأمور عليَّ ولم أستطع علي أن أسكن جام غضبي عليه.4 وكنت أتوقع أن ترجع أُبّهة الخلافة والسلطان إلي ابن عمي طلحة، حتي يؤثرني بالمال، والجاه، ويجعل كلمتي هي الفصل في جميع شؤون الخلافة والحكم فلذا شدت به وكانت دعوتي له.5 إني عارفة بسيرة علي وواقعه، وهو من دون شك لا يري لي ميزة علي غيري من نساء المسلمين، وإنه يساوي في العطاء بيني وبين غيري، فليس عنده أحد أثيراً ولا مقدماً.وان سياسته لا أطيقها فلذا ثرت عليه، وأعلنت التمرد علي حكومته. [ صفحه 236]

استنكار النبي

ويعلن النبي صلي الله عليه وآله إنكاره علي عائشة فيقول لها: لقد سمعنا دفاعك، وهو عار من المنطق، وليس لتمردك أي مبرر، فقد اسلت الدماء، وهتكت الأعراض وأضعت الأموال، وأيتمتِ الأطفال، ورملت النساء، وأوقعت الفتنة بين المسلمين، فقد أعقب تمردك حرب صفين، والنهروان.وما ذنب علي حتي يستحق عندك هذا الجفاء، وتحملين له في طيات نفسك هذا البغض والعداء.أي عائشة لقد ظللت عن الرشاد في كراهيتك لعلي فما الذي حداك إلي التشفّي وإظهار المسرة بعد مقتله فقد سجدت شكراً لله وأنشدت:فالقت عصاها واستقر بها النوي كما قر عينا بالإياب المسافرأي عائشة ما الذي حداك أن تمنعين سبطي الأول وريحانتي الإمام الحسن من الدفن في جواري، وقد كان ذلك من أغلي أمانيه وأعزّها، فقد خدعك شياطين بني أمية فأخرجوك من دارك التي أمرك الله أن تقري فيه، وأركبوك بغلة شهباء، وأنت تنادين بلا اختيار.«لا تدخلوا بيتي من لا أحب!! إن دفن الحسن في بيتي لتجز هذه وأومأت إلي ناصيتك» [330] .وقد احتف بك بنو أمية، وهم مدججون بالسلاح يريدون الفتنة بين المسلمين، وعلي رأسهم مروان بن الحكم وهو ينادي:«يارب هيجاء هي خير من دعة، أيدفن عثمان بأقصي المدينة ويُدفن الحسن عند جده لا كان ذلك أبداً..»وما علمت أن كلامك سيؤدي إلي إراقة الدماء، وإلي تفريق صفوف [ صفحه 237] المسلمين، وأنت من دون شك لا يهمك ذلك فقد أرقت يوم الجمل سيلاً عارماً من دمائهم استجابة لعواطفك المترعة بالحقد والعداء لعلي وأبنائه.يا عائشة: متي كان بيتي بيتك أبنحلة أم بميراث ملكتيه؟ فلماذا منع ابوك فاطمة من التصرف في فدك، وزعم اني قلت:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً..».إن كنت تملكتيه بالميراث فما هو مقدار حصتك منه، إنه تسع من الثمن من نفس البناء دون الأرض لأن الزوجة لا ترث من الأرض شيئاً، وكان الباقي وهو السبعة اثمان الباقية مع جميع الأرض لابنتي فاطمة، فحصتك من مجموع السهام واحد من اثنين وسبعين سهماً، وكذلك تكون نسبة سهام ضراتك، وتكون حصة الزهراء ثلاثة وستين سهماً.ولماذا لا تحبين ريحانتي وسبطي الأول الم تسمعِ اني قلت في حقه «اللهم اني احبه واحب من يحبه» [331] .وقلت: «اللهم إن هذا ابني، وانا احبه فأحبه، واحب من يحبه» [332] (2).وقلت: «من سره ان ينظر الي سيد شباب اهل الجنة فلينظر الي الحسن» [333] .وقلت فيه: «الحسن ريحانتي من الدنيا» [334] .يا عائشة: الم تسمع ذلك مني فلماذا لا تحبيه، وتحقدين عليه؟ وحلت بينه، وبين الدفن في جواري، فلو كان لموسي بن عمران ولد أما كان يدفن مع ابيه، والأمر لله وهو الحاكم العدل الذي لا يجوزه ظلم ولا اعتداء معتدي.يا عائشة أسوق اليك بعض مخالفاتك لي وهي كما يلي:1 التشكيك برسالتي:ومن غريب امرك تشكيكك برسالتي، وذلك حينما اغضبتك فقد جابهتيني [ صفحه 238] بقولك «انت الذي تزعم انك نبي» [335] .2 مطالبتي بالعدل:وتعلمين اني في جميع ادوار حياتي لم اجد، ولم اظلم، ولم اخرج عن موازين العدل، وقد هاجمتيني الي ابيك فقلتِ لي «يا رسول الله اقصد» [336] فلطمك ابوك علي خدك حتي سالت الدماء من انفك وذلك لجرأتك عليَّ [337] .3 تغريرك باسماء بنت النعمان:وغررت اسماء بنت النعمان الجونية، ومكرت بها انت وصاحبتك حفصة، عندما تزوجتها فقد دخلت عليها تخضبيها، وحفصة تمشطها، فقالت احداكن لها «ان النبي يعجبه من المرأة اذا دخلت ان تقول له: (اعوذ بالله منك) فاتخذت ذلك نصيحة وحباً لها، فلما دخلت عليها بادرتني بذلك القول فقلت لها: «عُذت بمعاذ» وخرجت فالحقتها باهلها فماتت كمداً وحزناً [338] .4 نسبة الافك لابني ابراهيم وامه:ونسبت الإفك والزور الي ابني ابراهيم وامه، وذلك حينما دخلت عليك بولدي ابراهيم، وكان يشبهني، فسألت عن ذلك، فقلت: ما رايت شبهاً، وقد برأ الله ابراهيم وامه علي يد أمير المؤمنين عليه السلام [339] .5 تظاهرك وحفصة عليَّ:وتظاهرت انت وضرتك حفصة عليَّ فكشف الله سركما بقوله:«وان تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة [ صفحه 239] بعد ذلك ظهيرا عسي ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات» [340] .6 الاجتهاد بالراي:يا عائشة ما عذرك، وما كنت تبغينه من الاجتهاد بالراي والتأوّل لكتاب الله وسنّتي، وهي كثيرة منها اتمامك الصلاة الرباعية في السفر، وقد شرع الله قصرها، فلم تعن بذلك، فقد صليتيها اربع ركعات [341] فما هي الفائدة التي جنيتيها من التلاعب باحكام الله، اتريدين ان تكوني نبيّة، وصاحبة شرع، ومؤسسة احكام؟؟فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهو تعالي الحاكم بين عباده بالحق والعدل، وينتهي بذلك المطاف حديث عائشة، ونستمع الي شكوي علي. [ صفحه 242]

شكوي علي

الخطبة الشقشقيه

ويقوم صاحب الحق المغتصب أمير الله في أرضه، وحجته علي عباده سيد الوصيين، وإمام المتقين الإمام أمير المؤمنين فيرفع شكواه إلي الحاكم العدل القوي القاهر الذي لا يجوزه ظلم ظالم، ويسود الصمت علي جميع أهل المحشر فيلقي الإمام خطبته الشقشقية:«أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلُّ القطب من الرّحي، ينحدر عني السيل، ولا يرقي إليّ الطَّير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت أَرتئي بين أن أصول بيد جذَّاء أو أصبر علي طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه.. فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجي أري تراثي نهباً.. حتي مضي الأول لسبيله فأدلي بها إلي فلان بعده، وتمثل بقول الأعشي:شتان ما يومي علي كورها ويوم حيّان أخي جابرفيا عجبا!! بيناهو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته.. لشدّ ما تشطّرا ضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وأن أسلس لها تقحّم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلّون واعتراض، فصبرت علي طول المدّة، وشدة المحنة، حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم.. فيالله وللشوري متي اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النضائر لكني أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا، فصغي رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلي أن قام ثالث القوم [ صفحه 243] نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع إلي أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته، فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليّ، ينثالون عليَّ من كل جانب، حتي لقد وطيء الحسنان، وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخري، وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله تعالي حيث يقول: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين» بلي والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت لهم الدنيا، وراقهم زبرجها، أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر. وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقارّوا علي كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز..».يا رسول الله:لقد طافت الأزمات بعد فقدك، وتتابعت عليَّ المحن والآلام فقد انتهكت كرامتي، والصقت خدي بالتراب، فلم ترع حرمتي، ولم يلحظ مقامي، وأجمعت قريش علي حربي كما أجمعت علي حربك.لقد جحد القوم بيعة الغدير، وتنكّروا جميع ما أوصيتهم به من الود لعترتك والحب لها، فلم تمض ثلاثة أيام علي وفاتك وإذا بالقوم يحملون قبساً من النار يريدون حرق بيتي وفي البيت بضعتك فاطمة، وأخرجوني كما يقاد البعير المغشوش لبيعة أبي بكر، وخرجت خلفي بضعتك وهي تتعثر بأذيالها قد علاها الأسي والحزن، فأنقذتني من شرهم، ونجّتني من مكرهم.يا رسول الله:لقد لاقينا بعدك من الهوان والأسي ما لا يعلم بفضاعته ومرارته إلا الله، فقد تقمص الخلافة شرار الخلق من بني أمية وبني العباس فصبّوا علي عترتك ألواناً قاسية من المحن والنكبات، فقد تقطعت اوصال سبطك الحسين علي صعيد [ صفحه 244] كربلاء، وذبحت أطفاله، وأبناؤه، وأهل بيته وأصحابه، وحملت رؤوسهم علي أطراف الرماح، ومعها حرائر النبوة وكرائم الوحي سبايا من بلد إلي بلد، وقد شقت بنو أمية أضغانها وأخذوا بثارات بدر وحنين، ولم ترع حرمتك، ولا حرمتي ولا حرمة الاسلام.وأخذت المصائب والمحن تتابع علي عترتك فبين مسموم وبين سجين يطاردهم الرعب والفزع والخوف كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر.وسيلقون عليك يا رسول الله سجلاً حافلاً من مصائبهم ورزاياهم ويتحدثون إليك عن أليم المصاب وفاجع الخطب الذي حل بهم فأحفهم السؤل واستخبرهم الحال فستجد قلوبا مروعة، ونفوساً مفجوعة فنعم الحكم الله، والزعيم محمد وعند الساعة ما يخسر المبطلون.وينهي الإمام خطابه، وينظر في شكايته الحاكم المطلق الذي لا يجوزه ظلم ظالم ليوفي كل نفس جزاء ما عملت «اليوم تجزي كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب».

پاورقي

[1] يقول المحدث ابن عرفة المعروف بنفطويه: (إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة أفتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم) وقد كتب معاوية إلي جميع عماله مذكرة جاء فيها (إن الحديث قد كثر في عثمان، وفشا في كل مصر، وفي كل ناحية فإذا جاءكم كتابي فادعوهم إلي الرواية في أبي بكر وعمر، فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أهل هذا البيت، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله) وقد كثرت لجان الوضع، وأنتشر الكذب علي النبي صلي الله عليه وآله وكان ذلك من أعظم الوسائل التي اعتمد عليها معاوية لتدعيم حكمه، فقد أوجبت تخدير الجماهير، وشل حركة الثورة في النفوس.
[2] سورة التوبة: آية 100.
[3] سورة البقرة: آية 8 9.
[4] سورة البقرة: آية 14.
[5] صحيح الترمذي 5 231.
[6] مسند أحمد 5 231.
[7] تاريخ ابن كثير 6 207.
[8] دائرة المعارف محمد فريد وجدي 2 236.
[9] سورة الأحزاب: آية 45 46. [
[10] سورة ص: آية 26.
[11] سورة القصص: آية 68.
[12] سورة الأحزاب: آية 36.
[13] سورة البقرة: آية 30.
[14] سورة البقرة: آية 247.
[15] سورة البقرة: آية 124.
[16] سورة الأحزاب: آية 45 46.
[17] سورة المائدة آية 55.
[18] نص علي ذلك الرازي في تفسيره 3 / 618، والزمخشري في تفسيره 1 / 264 والبيضاوي في تفسيره ص 154، والنيسابوري في تفسيره 2 / 28، والطبرسي في تفسيره مجمع البيان 6 / 165، وعلي المتقي في كنز العمال 6 / 391.
[19] سورة آل عمران: آية 61.
[20] تفسير روح البيان 1 / 457، تفسير البيضاوي ص 76، تفسير الرازي 2 / 699، تفسير الجلالين 1 / 35، تفسير الكشاف 1 / 149، مصابيح السنة للبغوي 2 / 201، صحيح الترمذي 2 / 166، مسند أحمد بن حنبل 1 185.
[21] سورة المائدة: آية 67، نص علي نزولها في يوم الغدير، الواحدي في أسباب النزول ص 150، والفخر الرازي في تفسيره وغيرهما.
[22] سورة المائدة: آية 3، نص علي نزولها في يوم الغدير السيوطي في الدر المنثور 2 259 والخطيب البغدادي في تأريخه 8 290 وغيرهما.
[23] سورة الأحزاب آية: 33.
[24] تفسير الرازي 6 783، الدر المنثور 5 199، النيسابوري في تفسير سورة الأحزاب، صحيح مسلم 2 331، الخصائص الكبري 2 264، الرياض النضرة 2 188، مسند أحمد بن حنبل 4 107، سنن البيهقي 2 150، مشكل الآثار 1 334.
[25] سورة عبس: آية 13 و 14 و 15.
[26] تاريخ الطبري 2 62، كنز العمال 6 392.
[27] الصواعق المحرقة.
[28] الفرط: السابق والمتقدم.
[29] بصري: مدينة في بلاد الشام.
[30] صنعاء: بلدة في اليمن.
[31] حديث الغدير من الأحاديث المتواترة التي اجمع المسلمون علي روايته، ذكره ابن ماجة في صحيحه ص 12، واحمد بن حنبل في مسنده 4 281، والمتقي في كنز العمال 6 397، والمحب الطبري في الرياض النضرة 2 169، والحاكم في مستدركه 3 109، والنسائي في خصائصه ص 25، والبغدادي في تأريخه 8 290، وابن حجر في صواعقه ص 25، وذكره ابن الاثير في اسد الغابة 1 367، وغيرهم وقد استوفي المحقق الاميني البحث عن الغدير بما لا يدع مجالاً للشك فيه.
[32] فيض القدير 6: 217.
[33] سورة ابراهيم: آية 42 43.
[34] سورة طه: آية 109.
[35] سورة طه: آية 11 12.
[36] سورة الحج: آية 2.
[37] سورة الأنبياء آية 46.
[38] سورة النساء: آية 39.
[39] سورة النجم: 31.
[40] للشيخ الطوسي تحقيق رائع في كلمة الولي في تلخيص الشافي 2 175 183.
[41] سورة النجم: آية 3 4.
[42] نهج البلاغة لابن ابي الحديد 2 / 8.
[43] تأريخ أبي الفداء 1 156.
[44] الرياض النضرة 1 139، شرح النهج لابن ابي الحديد 2 17.
[45] احتجاج الطبرسي ص 42 43.
[46] احتجاج الطبرسي ص 43.
[47] جاء في مستدرك الصحيحين 3 483 أنه قد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في جوف الكعبة.
[48] مستدرك الصحيحين 3 / 576.
[49] صحيح الترمذي 2 / 301، أسد الغابة 4 / 17 مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 / 368، تأريخ الطبري 2 / 55، مستدرك الصحيحين 3 / 465 وجاء فيه أن علياً أول من أسلم مع رسول الله صلي الله عليه وآله، ثم قال: هذا حديث صحيح الأسناد، وذكره الهيتمي في مجمع الزوائد 9 102.
[50] صحيح الترمذي 2 96، الحلية 1 64، كنز العمال 6 401، تأريخ الخطيب 11 204.
[51] مستدرك الصحيحين 3 122، كنوز الحقائق ص 188، الحلية 1 63.
[52] الاستيعاب 1 28، الرياض النضرة 2 88.
[53] الرياض النضرة 2 224، كنز العمال 3 301.
[54] فيض القدير 4 356.
[55] كنز العمال 3 53، الرياض النضرة 2 194.
[56] موطأ الإمام مالك ص 36، سنن البهيقي 7 419.
[57] نهج البلاغة محمد عبده 3 82 83.
[58] غمرة الناهل: أي ري الظمآن.
[59] روعة سورة الساغب: كسر شدة الجوع.
[60] صحيح الترمذي 2 308، أسد الغابة 2 12.
[61] مجمع الزوائد 9 168، مستدرك الحاكم.
[62] كنز العمال 6 217.
[63] تاريخ الطبري 2 197، الرياض النضرة 2 190.
[64] مستدرك الحاكم 3 / 32. تاريخ الخطيب 13 19.
[65] حطم الجبل: أنف الجبل.
[66] الحميث: زف السمن، الدسم: الكثير الورك، الأحمس: الشديد اللحم.
[67] سيرة ابن هشام 2 402 404.
[68] خصائص النسائي ص 31، الكشاف للزمخشري في تفسير قوله تعالي: «قل جاء الحق وزهق الباطل».
[69] مجمع الزوائد للهيتمي 6 180.
[70] صحيح الترمذي 2 183، خصائص النسائي ص 20، تفسير ابن جرير 10 46، مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 151.
[71] إن تهديد عمر لأمير المؤمنين عليه السلام بحرق داره إن لم يبايع ثبت بالنصوص المتواترة، ونص عليه أكثر المؤرخين فقد جاء في كل من الامامة والسياسة 1 12 13، شرح النهج لابن أبي الحديد. 1 34، تاريخ الطبري 3 222 دار المعارف، تاريخ أبي الفداء 1 156، تاريخ اليعقوبي. 2 105، اعلام النساء 3 205، الأموال لأبي عبيد ص 131، مروج الذهب 1 404، ونظمه شاعر النيل الحافظ ابراهيم بقوله: وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها حرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص بقائلها أمام فارس عدنان وحاميها
[72] سورة النساء: آية 11.
[73] سورة مريم: آية 5 6.
[74] سورة الأنفال: آية 75.
[75] النص والاجتهاد ص 111 نقلا عن الكشاف.
[76] ذكر ذلك شرّاح البخاري من المجلد الثامن ص 157، وفي مستدرك الحاكم 3 162 عن عائشة قالت دفنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ودفنها علي، ولم يشعر ابو بكر حتي دفنت وصلي عليها علي، وجاء هذا الحديث في مسند احمد 1 6 و 9، وفي صحيح مسلم 2 72، وفي سنن البيهقي 6 300 وذكر ابن كثير في تاريخه 6 333 لم تزل فاطمة تبغض ابو بكر مدة حياتها، وفي السيرة الحلبية 3 390 قال الواقدي: ثبت عندنا ان علياً دفنها وصلي عليها ومعه العباس والفضل ولم يعلموا بها أحداً.
[77] الامامة والسياسة 1 / 14؛ اعلام النساء 3 / 1214، الامام علي 1 / 217.
[78] اشارة الي الحديث المتواتر «ان الله يغضب لغضبك ويرضي لرضاك» جاء الحديث في مستدرك الحاكم 3 / 153، أسد الغابة 5 / 522، تهذيب التهذيب 12 / 441، ميزان الاعتدال 2 / 72، كنز العمال 6 / 219.
[79] سورة التوبة: آية 61.
[80] النص والاجتهاد للامام شرف الدين نقله عن الجواهر النيرة علي مختصر القدوري في الفقه الحنفي ص 164 من جزئه الاول.
[81] تاريخ ابن عساكر 7 / 30، الاصابة 2 / 209.
[82] تأريخ ابن شحنة هامش الكامل 7 / 165، تأريخ أبي الفداء 1 / 158.
[83] يراجع في تأريخ الحادث المؤسف تأريخ ابن الاثير 3 / 149، تاريخ ابن عساكر 5 / 115، تأريخ ابن كثير 6 / 221، تأريخ ابي الفداء 1 / 185، تأريخ الخميس 2 / 133.
[84] صحيح مسلم 2 / 37، سنن ابن ماجة 2 457، خصائص النسائي ص 27.
[85] تمهيد الباقلاني: ص 190.
[86] الإمامة والسياسة 1 19، تاريخ الطبري، طبقات ابن سعد.
[87] شرح النهج 6 343.
[88] شرح النهج 1 55.
[89] الامامة والسياسة 1 20.
[90] الرواية أخرجها الطبراني في الأوسط والبخاري، ومسلم.
[91] ذكر البخاري الحادثة عدة مرات في 4 69 و ص 99 و في ج 6 81، ولكنه كتم اسم القائل لهذه الكلمة، وصرح ابن الأثير في نهاية غريب الحديث ان القائل هو عمر بن الخطاب، وقد اعترف عمر في حديثه مع ابن عباس أنه صد النبي صلي الله عليه وآله عن الكتابة في علي وعترته، كما في شرح النهج المجلد الثالث ص 114.
[92] الغدير 6 328، وذكر جملة من اعترافات عمر في عجزه، وعدم فقهه منها قوله: «كل واحد أفقه منك حتي العجائز يا عمر» ومنها قوله: «كل أحد أفقه مني» ومنها قوله: «كل الناس أفقه من عمر حتي المخدرات في البيوت».
[93] الغدير 6 328.
[94] سورة البقرة: آية 196.
[95] صحيح مسلم 1 474، تفسير القرطبي 2 365.
[96] زاد المعاد لابن القيم 1 220.
[97] سنن البيهقي 7 206، البيان والتبيين 2 223، أحكام القرآن للجصاص 1 342، تفسير الرازي 2 167.
[98] سورة النساء: آية 24.
[99] صحيح مسلم 1 395، فتح الباري لابن حجر 9 141، كنز العمال 8 294. [
[100] مسند أبي داود ص 247.
[101] تفسير الطبري 5 9، الدر المنثور 2 140، تفسير أبي حيان 3 218.
[102] الغدير 6 220 222.
[103] سورة البقرة: آية 230.
[104] صحيح مسلم 1 574، سنن البيهقي 7 336، تفسير القرطبي 3 130، مسند أحمد 1 314.
[105] تيسير الوصول 3 160، تفسير ابن كثير 1 277، الدر المنثور 1 283.
[106] صحيح البخاري 1 233، صحيح مسلم 1 283.
[107] رواه مسلم وابن خزيمة في صحيحه.
[108] رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه.
[109] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 93.
[110] اخرج البيهقي في السنن الكبري 6 245، عن عبيدة قال إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا.
[111] مجمع الزوائد 4 227.
[112] سورة النساء: آية 176.
[113] سنن ابي داود ص 53، سنن ابن ماجة 1 200، سنن النسائي 1 59.
[114] سورة المائدة: آية 6.
[115] سورة النساء: آية 41.
[116] مسند أحمد بن حنبل 1 192.
[117] سنن أبي داود 3 58.
[118] امتاع المقريزي.
[119] تاريخ الخطيب البغدادي 7 389.
[120] السنن الكبري للبيهقي 4 70.
[121] كنز العمال 8 119، الاصابة 3 606.
[122] شرح ابن أبي الحديد 1 60.
[123] كنز العمال 8 118.
[124] سورة الانعام: آية 164.
[125] سورة يوسف: آية 7 8 81.
[126] سورة الحجرات آية 12.
[127] سورة البقرة. آية 189.
[128] سورة النور: آية 61.
[129] الفتوحات الأسلامية 2 477، الرياض النضرة 3 46، الدر المنثور 6 93.
[130] كنز العمال 2 141.
[131] مستدرك الحاكم 3 / 248، وفيات الاعيان، فتوح البلدان للبلاذري ص 353.
[132] طبقات ابن سعد 3 205.
[133] السنن الكبري 8: 317.
[134] الموطأ 2: 12.
[135] أحكام القرآن للجصاص 1: 504.
[136] ذخائر العقبي ص 81. الرياض النضرة 2: 196.
[137] فتح الباري 3 69.
[138] سنن ابن ماجه 2: 227، الرياض النضرة 2: 196، إرشاد الساري للقسطلاني 10: 9، فيض القدير 4: 357.
[139] الدر المنثور 1 288، كنز العمال 3 96، تفسير الرازي 7 484، السنن الكبري 7 442، الرياض النضرة 2 194، ذخائر العقبي ص 82.
[140] كشف الخفاء 1: 269 للعجلوني، كنز العمال 8: 298.
[141] سنن الدرامي 2 175، سنن أبي داود 2 240، سنن البيهقي 8 319.
[142] الاستيعاب في ترجمة أبي خراش الهذلي.
[143] شرح نهج البلاغة 3: 127، العقد الفريد 3 470، ارشاد الساري 9 439، تاريخ الخطيب للبغدادي 5 450، الرياض النضرة 2 32.
[144] صحيح الترمذي 1 106، سنن البيهقي 3 394، موطأ مالك 1 147، سنن ابن ماجة 1 188، صحيح مسلم 1 42، سنن النسائي 3 184.
[145] عيون الأخبار لابن قتيبة 1 120.
[146] جمع الجوامع للسيوطي 7 300، سيرة عمر لابن الجوزي ص 117.
[147] البرة: حلقة من صفر توضع في أنف الجمل الشرود فيربق بها حبل ليقاد به الجمل.
[148] العقد الفريد 1 187.
[149] الأموال لأبي عبيد ص 224.
[150] اميمة: أم أبي هريرة.
[151] شرح ابن أبي الحديد 3 163.
[152] الغدير 6 275 276.
[153] تأريخ الطبري 11 357.
[154] وقعة صفين ص 247.
[155] الاستيعاب المطبوع علي هامش الاصابة 3 377.
[156] نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 187.
[157] تجد عرضا مفصلا في أحوال معاوية وأحداثه في حياة الامام الحسن للشيخ القرشي.
[158] قبيلتان في اليمن، الحديث أخرجه الطبراني في الكبير.
[159] سورة عبس: آية 28 و 29 و 30 و 31 و 32.
[160] مستدرك الحاكم 2 514، الرياض النضرة 2 249، الموافقات للشاطبي 1 221، الدر المنثور 6 317، كنز العمال 1 227، فتح الباري.
[161] شرح النهج لابن ابي الحديد 12 / 102، دار احياء الكتب العربية.
[162] كنز العمال 1 / 229.
[163] الغدير 6 107.
[164] الطرق الحكمية ص 46.
[165] كنز العمال 1 257.
[166] سورة الحج: آية 78.
[167] مستدرك الحاكم 3 305.
[168] سنن الدرامي.
[169] تذكرة الحفاظ 1 5.
[170] تقييد العلم ص 50، وقريب منه في طبقات ابن سعد 3 1 ص 206.
[171] شرح ابن أبي الحديد 3 / 15.
[172] سورة البقرة: آية 203، 204.
[173] النصائح الكافية ص 253.
[174] سورة النحل: آية 105.
[175] الكامل لابن عدي صورة فواتغرافية في مكتبة الامام أمير المؤمنين.
[176] شرح أبن أبي الحديد 3 / 120.
[177] سورة الانفال: آية 15 16.
[178] السفعة: العلامة.
[179] الاصابة في ترجمة ذي الثدية، وأسد الغابة.
[180] سورة المائدة: آية 91.
[181] المستطرف 2 / 291.
[182] الامامة والسياسة.
[183] أحكام القرآن للجصاص 2 / 565.
[184] مسند احمد 2 / 176، صحيح الترمذي 1 / 342، مصابيح السنة 2 / 67 تأريخ الخطيب 3 / 327.
[185] جامع مسانيد أبي حنيفة.
[186] الوعق: الفجر المتبرم، اللقس: من لا يستقيم علي وجه.
[187] وائياً: غاضباً.
[188] المقنب: جماعة الخيل.
[189] تاريخ الطبري 5 / 35.
[190] العقد الفريد 3 / 73 74.
[191] نهج البلاغة محمد عبده 2 31.
[192] الاستيعاب 2 / 375.
[193] شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 194.
[194] قطعة من الخطبة الشقشقية التي يشجب الامام فيها سيرة الخلفاء، ويدلي بمظلوميته، وتعتبر من أهم خطب الامام التي كشفت الغطاء عن الخلفاء.
[195] تأريخ ابن عساكر 6 407.
[196] شرح النهج 1 67.
[197] شرح النهج 1 67.
[198] الأنساب 5 58.
[199] أسد الغابة 3 310.
[200] الانساب 5 30.
[201] مستدرك الحاكم 4 479.
[202] تأريخ أبي الفداء 1 168.
[203] شرح ابن أبي الحديد 1 67.
[204] تاريخ أبي الفداء 1 168، المعارف ص 84.
[205] انساب الأشراف 5 52.
[206] انساب الاشراف 5 28.
[207] شرح النهج 1 37.
[208] انساب الاشراف 5 28.
[209] تأريخ ابن كثير 8 70.
[210] كنز العمال 6 39.
[211] تأريخ اليعقوبي 2 41.
[212] المعارف ص 84.
[213] انساب الأشراف 5 28.
[214] أسد الغابة 3 / 423.
[215] الدر المنثور 4 / 191 رواه عن عائشة.
[216] سورة المجادلة: آية 22.
[217] مسند أحمد 1 / 62.
[218] طبقات ابن سعد.
[219] تأريخ الطبري 5 / 139.
[220] طبقات ابن سعد.
[221] صحيح البخاري 5 21.
[222] مروج الذهب 1 433.
[223] مروج الذهب 1 433.
[224] السيرة الحلبية 2 87.
[225] طبقات ابن سعد 3 53.
[226] نهج البلاغة محمد عبده 1 46.
[227] طبقات ابن سعد 1 186 ط مصر.
[228] الغدير 8 273.
[229] تفسير الطبري 21 / 62.
[230] سورة الحجرات: آية 6 يقول ابن عبد البر في الاستيعاب 2 / 62 لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن الآية نزلت في الوليد.
[231] السيرة الحلبية 2 / 314.
[232] الأغاني 4 / 178 179.
[233] مروج الذهب 2 / 225.
[234] تأريخ اليعقوبي 3 / 142.
[235] طبقات ابن سعد 5 21، تأريخ ابن عساكر 6 135.
[236] الأنساب 5 39 43، تأريخ الطبري 5 88، تأريخ أبي الفداء 168.
[237] الاستيعاب المطبوع علي هامش الأصابة 2 253.
[238] اسد الغابة 3 192.
[239] تاريخ الطبري 5 94، تاريخ ابن خلدون 2 39.
[240] الفتنة الكبري 1 116.
[241] الاصابة 3 85.
[242] اسد الغابة 3 192.
[243] الولاة والقضاة ص 11.
[244] تفسير القرطبي 7 40، تفسير الشوكاني 3 134، سنن أبي داود 2 220.
[245] سورة الانعام: آية 93.
[246] تفسير الخازن 2 37، الكشاف 1 461، تفسير الرازي 4 96.
[247] الانساب 5 26.
[248] مجمع الزرائد 9 263.
[249] مسند أحمد 1 62.
[250] سورة النحل: آية 106، ذكر نزولها في عمار الواحدي في أسباب النزول ص 212، والطبري في تفسيره 14 122، وابن سعد في طبقاته 3 178.
[251] سورة الزمر: آية 9 نص علي نزولها في عمار القرطبي في تفسيره 3 / 43، وابن سعد في طبقاته 3 / 178.
[252] سورة الانعام: آية 122 نص علي نزولها في عمار السيوطي في تفسيره 3 / 43، وابن كثير في تفسيره 2 / 172.
[253] سورة القصص: آية 61 نص علي نزولها في عمار والوليد الواحدي في أسباب النزول ص 255، والزمخشري في تفسيره 2 / 386.
[254] مسند أحمد 4 / 89.
[255] سيرة ابن هشام 2 / 164.
[256] مصابيح السنة 2 / 288، سنن ابن ماجة 1 / 66.
[257] الانساب 5 / 49، العقد الفريد 2 / 272.
[258] تأريخ اليعقوبي 2 / 150 الانساب 5 / 54.
[259] المتكأ العظيم البطن، والتي لا تمسك البول، فحيا الله عثمان علي هذه الآداب، وهذه الاخلاق.
[260] الانساب 5 48.
[261] سنن ابن ماجة 1 68.
[262] كنز العمال 8 15.
[263] مجمع الزوائد 9 330.
[264] الانساب 5 / 52.
[265] اعضل: ضيّق وشدد.
[266] الصقالبة: تتاخم بلادهم بلاد الخزر.
[267] أشار بذلك الي منح عثمان المراعي التي حول المدينة الي بني أمية لترعي فيها أغنامهم، وحمي مواشي المسلمين عنها، وهو مناف للسنّة الاسلامية فانها قد جعلت المراعي التي لا مالك لها لجميع المسلمين، وقد أثر عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: «الناس شركاء في الكلأ والماء والنار».
[268] فيض القدير 4 / 358، كنز العمال 6 / 156.
[269] السكن: الأهل، الشجن: من يحبه ويهواه.
[270] المصرين: البصرة ومصر، كان والي البصرة عبد الله بن عامر ابن خال عثمان: ووالي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان من الرضاعة.
[271] يضرب مثلا لمن يغضب غضباً لا ينتفع به.
[272] كنز العمال 7 55، حلية الأولياء 1 126، مسند أحمد 5 389.
[273] سنن ابن ماجة 1 63، صفة الصفوة 1 156.
[274] سورة آل عمران: آية 172 نص علي نزولها فيه، ابن سعد في طبقاته 3 108.
[275] سورة الانعام: آية 52 نص علي نزولها فيه الطبري في تفسير 7 128.
[276] أسد الغابة 3 258.
[277] الانساب 5 36.
[278] تاريخ ابن كثير 7 163، مستدرك الحاكم 3 13.
[279] سورة النساء: آية 101.
[280] سنن ابن ماجة 1 330، أحكام القرآن للجصاص 2 310، مسند احمد 2 45.
[281] سنن أبي داود 1 308، سنن البيهقي 2 144، نيل الأوطار 2 260.
[282] انساب الاشراف 5 39.
[283] المحلي 5 227.
[284] صحيح الترمذي 1 80، مسند احمد 1 62، موطأ مالك 1 206، الام للشافعي 2 22.
[285] صحيح مسلم 1 326، سنن ابن ماجة 1 387.
[286] تاريخ الخلفاء ص 111.
[287] الموطأ 2 210، المحلي لابن حزم 9 522، تفسير القرطبي 5 117.
[288] سورة النساء: آية 23.
[289] البحر الرائق 3 95، بدايع الصنايع 2 264.
[290] تفسير ابن كثير 1 276، سنن ابن ماجة 1 634، كنز العمال 3 423.
[291] سنن الدارمي 2 / 39، تيسير الوصول 1 / 272، سنن النسائي 5 184.
[292] المحلي لابن حزم 8 254، كنز العمال 3 53، مسند احمد 1 100، سنن أبي داود 1 291، سنن البيهقي 5 194.
[293] صحيح مسلم 1 142.
[294] سورة النساء: آية 43.
[295] انساب الأشراف 5 / 24.
[296] تاريخ اليعقوبي 2 / 141.
[297] تأريخ الطبري 5 41.
[298] تأريخ الطبري 5 41.
[299] النظام السياسي في الاسلام ص 227 نقله عن الخراج لأبي يوسف ص 50.
[300] أسد الغابة.
[301] سورة الاحقاف: آية 15.
[302] سورة البقرة: آية 233.
[303] الغدير 8 97.
[304] فتح الباري 13 59، تاريخ ابن كثير 8 137، سنن البيهقي 8 159.
[305] السيرة الحلبية 3 34.
[306] الغدير 2 34.
[307] كانت يد طلحة شلاّء فتطيّر منها الامام، وقال: ما أخلقه أن ينكث، فكان ما قال: جاء ذلك في العقد الفريد 3 / 93.
[308] مستدرك الحاكم 3 / 115، وذكر السيد المرتضي في الفصول المختارة 2 / 67 زيادة علي هذه الأبيات وهي: وصي رسول الله من دون أهله وفارسه قد كان في سالف الزمنِ وأول من صلّي من الناس كلهم سوي خيرة النسوان والله ذو المننِ وصاحب كبش القوم في كل وقعة يكون لها نفس الشجاع لدي الذقنِ فذاك الذي ثني الخناصر باسمه أمامهمُ حتي أغيّب في الكفنِ
[309] بهذا المضمون قال احمد بن حنبل في علي «ان الخلافة لم تزّين علياً بل علي زانها» ذكر ابن الجوزي في مناقب احمد ص 163.
[310] تأريخ اليعقوبي 2 155.
[311] نهج البلاغة محمد عبده 2 10.
[312] حياة الامام الحسن 1 273.
[313] الامامة والسياسة 1 35.
[314] سورة الاحزاب: آية 32 33.
[315] سورة الاحزاب: آية 29.
[316] سورة الاحزاب: آية 30.
[317] سورة الاحزاب: آية 31.
[318] سورة الاحزاب: آية 32.
[319] سورة الاحزاب: آية 33.
[320] سورة التحريم: آية 10 11.
[321] كنز العمال 7 / 102، سنن ابن ماجة ص 14، البداية والنهاية.
[322] الرياض النضرة: 2 / 252.
[323] كنز العمال 6 / 217.
[324] الأدب: الجمل الكثير الشعر.
[325] شرح النهج 2 79، وذكر الزمخشري في الفائق 1 290 ما يقرب ذلك.
[326] سرف: موضع علي ستة أميال من مكة، وقيل اكثر من ذلك وقال البخاري هو شرف، معجم البلدان 5 / 71.
[327] مهيم: كلمة استفهام من معانيها ما وراءك.
[328] أمال حرفه: اي أزاله عن مكانه.
[329] ذو تدرؤ: أي ذو عزيمة ومنعة: الشبا المكروه. الصعر: ميل في الوجه او في أحد الشقين: والمراد انه يقيم الشيء الملتوي.
[330] شرح ابن أبي الحديد 4 / 18، تاريخ أبي الفدا، 1 / 192، تاريخ اليعقوبي 1 / 200.
[331] صحيح البخاري في كتاب بد، الخلق، صحيح الترمذي 2 307.
[332] كنز العمال 7 104، مجمع الزوائد 9 176.
[333] البداية والنهاية 8 35، فضائل الأصحاب ص 165.
[334] الاستيعاب 2 369.
[335] إحياء العلوم 2 35، مكاشفة القلوب ص 238.
[336] اقصد: أي اعدو.
[337] كنز العمال.
[338] مستدرك الحاكم 4 37، طبقات ابن سعد 1 104.
[339] مستدرك الحاكم 4 39.
[340] يرجع في تفصيل القصة الي صحيح البخاري 3 136.
[341] صحيح مسلم 1 258 طبع دار المكتبة العربية بمصر.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.