الاحتفال بذكري مولد النبي

اشارة

المولف : مجله حوزه
الناشر : مجله حوزه

مقدمة

الاحتفال بمولد النبيّ من الاحتفالات التي اعتادها المسلمون منذ قرون عديدة، ولازالت هذه الذكري ماثلة وحيّة في قلوب المسلمين جميعاً، حيث تقام الاحتفالات بهذا اليوم في المساجد والبيوت في مختلف بلدان العالم الإسلامي تخليداً لهذا اليوم المبارك، مثلهم في ذلك مثل أيّ اُمة تحترم مقدساتها، وتبجل أيّامها الكبري وذكرياتها المجيدة.كما يُراد من هذا الاحتفال أن يتحول من مجرد الفرح والسرور والشكر لله، إلي عملية استيحاء واعية للذكري ومعطياتها.ورغم وضوح شرعية الاحتفال بذكري المولد النبويّ، إلاّ أن البعض راح يبحث عن اُمور تسوّغ له منع الاحتفال بهذا اليوم، إستناداً إلي فهم مغلوط لمعني البدعة، ووظّف هذا الفهم لتحريم كثير من المباحات، بذريعة أنّها لم يرد فيها نصّ بخصوصها.من هنا سوف نتناول مسألة الاحتفال بيوم المولد النبوي ونري مدي شرعيته، ثم نناقش الرأي القائل بحرمته ضمن عدة اُمور.

الحدث المقدس يضفي قدسيته علي الزمان

هل الأيّام والساعات التي تحققت فيها مناسبات وأحداث إلهية مقدسة; يضفي الحدث فيها قيمة علي نفس اليوم، فيكتسب الزمان قدسيته من الحدث، كما هو الخير والبركة الذي اكتسبته ليالي القدر وأيام شهر رمضان ولياليه، أو عيد الفطر، أو عيد الأضحي، أو يوم المبعث النبوي من أحداثها؟والجواب: أننا لو لاحظنا الروايات التي تناولت هذا المعني لتأكد لدينا أن الحدث العظيم والمبارك يضفي شيئاً من عظمته علي الزمن في كثير من الأحيان.فقد جاء في فضل يوم الجمعة في صحيح مسلم: «إن الله خلق آدم يوم الجمعة وأدخله الجنة يوم الجمعة» [1] .وهكذا الشأن في بركة شهر رمضان، قال تعالي: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هديً للناس وبيّنات من الهدي والفرقان) [2] .وكذلك البركة في ليلة القدر، حيث قال تعالي: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر- وما أدراك ما ليلة القدر- ليلة القدر خير من ألف شهر) [3] .فخلود البركة في هذه الأيام جاء نتيجة لحوادث إلهية مهمّة كنزول القرآن فيها.فإذا كان المنشأ في تقديس الأيام يعود للحدث الإلهي المبارك; فلماذا لا يكون يوم مولد النبي(صلي الله عليه وآله)، يوماً مباركاً يستحق التقديس ويكون الاحتفال به من هذا القبيل؟هذا التخريج يصدق بخصوص المناسبات التي هي مورد النص، أو التي أقامها المسلمون في عصر التشريع، كالاحتفال بعيد الفطر والأضحي أو بيوم الغدير أو يوم عرفة.وهناك اتجاهات أفرطت في التقديس لهذه المناسبات، وتقابلها اتجاهات حاولت إلغاء أي تقديس لأي مناسبة تَمُتّ إلي الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) والإسلام بصلة، زاعمة أن مثل هذا الاحترام والتبجيل بالخصوص يعد بدعة في الدين لا ينبغي السكوت عنه، فأخذت تشوّش علي المسلمين احتفالاتهم بالمولد النبوي، متنكرة لعموم النصوص وخصوصها، رافعة شعار التوحيد لتلغي تحت لوائه كل شيء يرتبط بأوليائه، الذين هم مصاديق الهداية ومناراته المعنوية لتدل العباد علي معبودها الحقّ.ومن هذه المفردات التي طرحت في عصرنا هذا قضية الاحتفال بالمولد النبوي ومواليد سائر العظماء من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أم من صميم الدين؟

ولأجل أن نعرف متي يكون الشيء جائزاً في الدين، نقول: إن الشيء يكون جائزاً ومن صميم الدين; إذا وقع عليه النص بشخصه، كالاحتفال في عيدي الفطر والأضحي، والاجتماع في يوم عرفة، فهذه الموارد لا شك في جواز الاحتفال أو الاجتماع بها، وتخرج عن كونها من البدع.وأحياناً يكون الشيء جائزاً وأيضاً من صميم الدين، في حالة ما إذا وقع النص عليه علي الوجه الكلي، وفي هذا المورد يُترك اختيار الاُسلوب والطريقة للمسلم ليعبّر كيف يشاء وبأي طريقة كانت عن امتثاله لهذا الأمر، شريطة أن لا يدخله في المحرمات. ومن الأمثلة علي ذلك:1 ـ ندب الشارع إلي تعليم الأولاد وضرورة التعلم، ولا شك أن لهذا الأمر الكلي أشكالاً وألواناً تتغير حسب تبدّل وتغيّر الأزمان. والكتابة في السابق كانت متحققة بقلم القصب، أو بالكتابة بريش الطائر، أما الآن فقد تطورت أساليب الكتابة والتعليم، حيث استخدمت الأجهزة المتطورة كالتعليم بواسطة الكامبيوتر أو الأشرطة وما شاكل..في هذا المثال نجد الشارع المقدس قد أمر بالتعليم علي الوجه الكلي، إلاّ أنه ترك اختيار الاُسلوب لنفس المكلف.2 ـ إن الصحابة ـ كما يقال ـ قاموا بجمع آيات القرآن المتفرقة في مصحف واحد، ولم يصف أحد منهم هذا العمل بأنه بدعة، وما هذا إلاّ لأن عملهم كان تطبيقاً لقوله سبحانه: (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون) [4] فعملهم في الواقع كان مصداقاً عملياً لظواهر عامة شرعية من الكتاب والسنّة، وعلي ذلك جري المسلمون في مجال الاهتمام بالقرآن من كتابته وتنقيطه، وإعراب كلمه وجمله وعدّ آياته، وتمييزها بالنقاط الحمر وأخيراً طباعته ونشره، وتقدير حفّاظه وتكريمهم والاحتفال بهم، إلي غير ذلك من الاُمور التي كلها دعم لحفظ القرآن وتثبيته وبقائه، وإن لم يفعله رسول الله ولا الصحابة ولا التابعون، إذ يكفي وجود أصل له في الأدلة.3 ـ الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده من الأعداء، أصل ثابت في القرآن الكريم، قال سبحانه: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة) [5] وأما كيفية الدفاع ونوع السلاح ولزوم الخدمة العسكرية فالكل تطبيق لهذا المبدأ وتجسيد لهذا الأصل، فربما يرمي التجنيد العمومي بأنه بدعة، غفلة عن حقيقة الحال وأن الإسلام يتبنّي الأصل ويترك الصور والألوان والأشكال إلي مقتضيات الظروف.هذا هو الأصل الذي به يميز «البدعة» عن «التطبيق» و «الابتداع» عن «الاتباع» وإليك تصريحات بعض العلماء حول موضوع البحث:أ ـ قال ابن رجب: قوله(صلي الله عليه وآله): «وإياكم ومحدثات الاُمور فإن كل بدعة ضلالة» تحذير للاُمة من اتباع الاُمور المحدثة المبتدعة، وأكد ذلك بقوله: «كل بدعة ضلالة»، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما له أصل فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغةً، وفي صحيح مسلم: عن جابر (رضي الله عنه) عنه أن النبي(صلي الله عليه وآله) كان يقول في خطبته: «إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشرّ الاُمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة...»، وقوله: «كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من اُصول الدين، وهو شبيه بقوله(صلي الله عليه وآله): «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» فكل مَن أحدث شيئاً ونسبه إلي الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه; فهو ضلالة والدين بريء منه [6] .ب ـ وقال ابن حجر في شرح قوله(صلي الله عليه وآله): «إن أحسن الحديث كتاب الله»: والمحدثات ـ بفتح الدال ـ جمع محدثة، والمراد ما أحدث وليس له أصل في الشرع، ويسمي في عرف الشرع «بدعة» وما كان له أصل يدل عليه الشرع; فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث علي غير مثال يسمي بدعة، سواء أكان محموداً أو مذموماً، وكذا القول في المُحدَثة [7] .ولكن عندما نُراجع القرآن الكريم والسنّة الشريفة سنجد أن هناك أصلاً مهماً في الدين قد جاء في حق النبي(صلي الله عليه وآله)، وهو لزوم تكريمه(صلي الله عليه وآله) وتعظيمه حياً وميتاً، وهذا الأصل لا يمكن لمسلم إنكاره، أما كيفية تطبيق هذا التعظيم والتكريم فذلك متروك للمسلم بشرط أن لا يدخله في المحرمات.

لزوم تكريم النبي حياً و ميتاً

ورد بشأن الحث علي احترام وتعظيم ومحبة شخص رسول الله(صلي الله عليه وآله) في القرآن الكريم عدد من الآيات منها:1 ـ قوله تعالي: (فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الذي اُنزل معه اُولئك هم المفلحون) [8] .ذكر المفسرون أن المراد من (التعزير) في الآية ليس مطلق النصرة، إذ أنه أفرد عن قوله: (نصروه)، ولو كان بمعني مطلق النصرة; لما كان هناك داع للتكرار، فالمراد من (التعزير) هو التبجيل والتوقير والتعظيم أو النصرة مع التعظيم [9] .2 ـ ومنها قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون- إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوي لهم مغفرة وأجر عظيم) [10] .بهذه الآية يشير القرآن إلي الأدب الخاص الذي ينبغي مراعاته حينما يتعامل المسلمون مع رسول الله، مع ضرورة حفظ مكانته(صلي الله عليه وآله) كرسول وهاد إلي ربّه، باعتبار وصفه بالنبوّة في الآية الكريمة.3 ـ قوله تعالي: (لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) [11] .وفي هذه الآية ينهي القرآن الكريم أن يُدعي النبي الأكرم(صلي الله عليه وآله)باسمه، كما يُدعي سائر الناس.4 ـ قوله تعالي: (إن الله وملائكته يصلّون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً) [12] .في هذه الآية أمر للمسلمين بأن يذكروا النبي(صلي الله عليه وآله) بالدعاء والصلاة والتسليم، لما له من عظيم المنزلة عند الله سبحانه، ولما له من المقام المحمود.وورد الحث علي لزوم تكريم الرسول(صلي الله عليه وآله) وتعظيمه ومحبته في عدد من الروايات. وإليك جملة منها:1 ـ عنه(صلي الله عليه وآله) أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتّي أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين» [13] .2 ـ وروي أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله! لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلاّ من نفسي، فقال(صلي الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده حتي أكون أحبّ إليك من نفسك». فقال له عمر: فأنت الآن أحبَّ إليُّ من نفسي، فقال: «الآن يا عمر»؟ [14] .3 ـ وعن ابن عباس عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه قال: «... وأحبوني بحبِّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبّي» [15] .فثبت بدليل القرآن والسنّة الشريفة وجوب احترام النبي(صلي الله عليه وآله)وتكريمه ومحبته.لكن الشريعة قد تركت كيفية إبراز هذا التكريم والاحترام والتبجيل إلي المسلمين أنفسهم، ليعبروا عنه وفق عاداتهم وتقاليدهم الحياتية المتنوعة والمتطورة، وبما تفيض به عواطفهم تجاه شخصية الرسول(صلي الله عليه وآله)، شريطة أن لا يُرتكب عمل محرّم أو مناف للآداب الإسلامية المقررة في الكتاب والسُنّة.

يوم ولادة النبي من أيام الله

ومن الأدلة علي شرعية الاحتفال بذكري مولد النبي(صلي الله عليه وآله)، قوله تعالي: (ولقد أرسلنا موسي بآياتنا أن أخرج قومك من الظّلمات إلي النّور وذكّرهم بأيّام الله إنّ في ذلك لآيات لكل صبار شكور). [16] حيث يطلب الله سبحانه من النبي موسي(عليه السلام) أن يذكّر اُمّته بأيام الله، ومعني ذلك أن التذكير بأيام الله أمر مطلوب ومحبوب عند الله، إذ لا يختص ذلك بموسي واُمّته.ولم يكن المقصود من الأيام هو محض الزمن، وإنّما المقصود هو التذكير بالحوادث الكبري السالفة، وسميت بالأيام، لأن الأيام ظرف لهذه الوقائع سواء منها أيام النعمة أم أيام المحنة والبلاء، لأن الأيام جامعة لكلا النوعين من الحوادث.وهذه الحوادث والوقائع هي مصاديق لفاعلية سنن الله في المجتمعات البشرية، لذا يكون التذكير بها من مهمّات الرسول(صلي الله عليه وآله)وجانباً من تبليغه وتربيته لاُمّته.ولم يكن التذكير والوعظ هنا بأيام الله العظيمة كيفما اتفق، وإنّما التذكير كان مطلوباً بأيام معروفة في حوادثها.ومعني الآية: عظهم يا رسول الله بالترغيب والترهيب، فالترغيب أن يذكرهم بما أنعم الله عليهم، وعلي من كان قبلهم ممن آمن بالرسل فيما سلف من الأيام المقرونة بالحوادث العظيمة مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم.وإن أيام الله في حق موسي منها أيام محنة وبلاء، ومنها أيام نعمة وانتصار.وقد ذكر القرآن الكريم بأنّ العلّة من وراء التذكير بهذه الأيام لغرض كونها دروساً وآيات لكل صبار شكور [17] .فهي ذات نتائج إيجابية وتربوية في طريق إيجاد اُناس صابرين وشكورين، فبهم تنجح الاُمة وتنتصر علي أعدائها وتفوز بتطبيق الرسالة الإلهية بشكل صحيح.والاُمة الإسلامية في تأريخها العظيم، قد مرّت بحوادث ووقائع كبري، كانت محلاًّ للعبرة والاتعاظ، فمنها أيام نعمة، ومنها أيام محنة وبلاء، ويوم ولادة النبي في حياة المسلمين يُعد حدثاً عظيماً ومن الأيام التي أنعم الله بها لا علي المسلمين فقط، وإنّما علي الإنسانية جمعاء، كباقي الأيام التي تكون مورداً للتذكير، فيأتي الاحتفال كممارسة عبادية ومصداقاً لذكر النعم التي منَّ الله بها علينا وتطبيقاً لمضمون الآية الكريمة (... وذكّرهم بأيام الله)... [18] .ويوم الولادة في حياة الأنبياء يعدّ يوماً مهماً ومباركاً. فقد سلّم الله علي نبيّه يحيي في هذا اليوم، حيث قال: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّاً) [19] وسلّم النبي عيسي علي نفسه في هذا اليوم بقوله: (والسّلام عليَّ يوم ولدتّ...) [20] .ونبيّنا أفضل الأنبياء، فلابد أن يكون يوم ولادته أشرف من يوم ولادة غيره من الأنبياء، والتذكير به يكون أكبر حجماً وعطاءً من التذكير بولادة غيره، فإنه اليوم الذي أنعم الله به علي البشرية بخاتم الأنبياء علي الإطلاق.

الواقع التاريخي ليوم المولد النبوي

اشاره

يقول المؤرخون: كان ازدياد التعظيم للنبي(صلي الله عليه وآله) بين أهل الصلاح والورع سبباً في أن صار يحتفل بمولده عام (300 هـ) [21] أي أن الاحتفال كان أسبق من هذا التاريخ، وفي هذه الفترة الزمنية قد انتقل من صورته الفردية إلي الاحتفال بصورته الجماعية، والسبب يعود للاهتمام المتزايد الذي كان يبديه أهل الصلاح والورع من أبناء الاُمة الإسلامية بهذا اليوم.ولذا يُنقل عن الكرجي ـ المتوفّي عام 343 هـ ـ وكان من الزُهّاد المتعبدين، أنه كان لا يفطر إلاّ في العيدين، وفي يوم مولد النبي(صلي الله عليه وآله) [22] .وقال القسطلاني: ولازال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده(صلي الله عليه وآله)ويعملون الولائم، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرّات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم. الي أن قال: فرحم الله امرءً اتّخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً [23] .ثم يثني القسطلاني علي موقف ابن الحاج بقوله: ولقد أطنب ابن الحاج في المدخل في الإنكار علي ما أحدثه الناس من البدع والأهواء والغناء بالآلات المحرمة عند عمل المولد الشريف، فالله تعالي يثيبه علي قصده الجميل [24] .قال السخاوي: لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم [25] .وقال ابن عباد في رسائله الكبري: وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزيّن بلباس فاخر الثياب، وركوب فاره الدواب، أمر مباح لا ينكر عليه أحد [26] .وعن ابن حجر أنه قال: وأما ما يعمل فيه، فينبغي الاقتصار علي ما يفهم منه الشكر لله تعالي من التلاوة، والإطعام، والصدقة، وإنشاء شيء من المدائح النبوية والزهدية... وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو، وغير ذلك، فما كان من ذلك مباحاً، بحيث لا ينقض السرور بذلك اليوم، لا بأس بإلحاقه به، وأما ما كان حراماً أو مكروهاً، فيمنع، وكذا ما كان خلاف الاُولي [27] .

الاحتفال بالمولد النبوي عند الحكام والساسة

يُذكر أن أول من احتفل بمولد النبي(صلي الله عليه وآله) من الحكّام، هو الأمير أبو سعيد مظفر الدين الأربلي، المتوفي 630 هـ [28] .وكان يفد إلي هذا العيد، طوائف من الناس من بغداد، والموصل، والجزيرة، وسنجار، ونصيبين، بل ومن فارس. منهم العلماء والمتصوفون، والوعاظ، والقرّاء، والشعراء، وهناك يقضون في أربلا من المحرم إلي أوائل ربيع الأول.وكان الأمير يقيم في الشارع الأعظم مناضد عظيمة من الخشب، ذات طبقات كثيرة، بعضها فوق بعض، تبلغ الأربع والخمس، ويزيّنها، ويجلس عليها المغنّون، والموسيقيون، ولاعبوا الخيال حتّي أعلاها... الخ [29] .ويقول السيد رشيد رضا: إن أول من أبدع الاجتماع لقراءة قصة المولد النبوي، أحد ملوك الشراكسة في مصر [30] .كما قد اُ لّف العديد من المصنفات من الكتب والرسائل ونشرت بحوث كثيرة تتحدث عن مشروعية المولد النبوي وسائر المواسم والمراسم، هذا عدا البحوث المبثوثة في الكتب المختلفة، المؤلّفة لأغراض اُخري فمن هذه الكتب والرسائل:1 ـ كتاب (التنوير في مولد السراج المنير) لابن دحية الذي أ لّفه للأمير مظفر الدين حيث أعطاه الأمير ألف دينار غير ما غرم عليه مدة إقامته [31] .2 ـ رسالة السيوطي المسماة بـ (حسن المقصد).3 ـ كتاب (المولد) لابن الربيع.4 ـ كتاب (النعمة الكبري علي العالم في مولد سيد ولد آدم) لشهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي، صاحب كتاب الصواعق المحرقة [32] .

خواص المولد و أحكامه

وليوم المولد بعض الأحكام الشرعية الخاصة به، كما أن له بركات ومواهب يَمنّ بها الله سبحانه علي عباده.1 ـ يفهم من أقوال العلماء ـ سابقي الذكر ـ علي أن يوم المولد يعتبر عيداً كباقي الأعياد، مثل القسطلاني، وابن الحاج، وابن عباد، وابن حجر [33] .2 ـ قال ابن الجوزي: ومن خواصه، أنه أمان في ذلك العام وبشري عاجلة بنيل البغية والمرام [34] .3 ـ استحباب القيام ووجوب الصلاة عليه، وقد ذكروا: أنهم كانوا يقومون وقوفاً احتراماً وإجلالاً، وقد تكلموا في حكم هذا القيام.قال الصفوري الشافعي: مسألة القيام عند ولادته، لا إنكار فيه فإنّه من البدع المستحسنة. وقد أفتي جماعة باستحبابه عند ذكر ولادته. وقال جماعة بوجوب الصلاة عليه عند ذكره وذلك من الإكرام والتعظيم له(صلي الله عليه وآله)... [35] .

ابن تيمية والغناء في العيد

وقد أوضح ابن تيمية: أن العيد لا يختص بالعبادة، والصدقات، ونحوها، بل يتعدي ذلك إلي اللعب، وإظهار الفرح أيضاً.وقد رأي ابن تيمية: أن لذلك أصلاً في السُنّة، أي في الرواية التي تذكر أنه قد كان عند النبي(صلي الله عليه وآله) جوار يغنين، فدخل أبو بكر، فأنكر ذلك، وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟فقال النبي(صلي الله عليه وآله): «إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم» [36] .وأضاف: أن المقتضي لما يفعل في العيد، من الأكل والشرب، واللباس والزينة، واللعب والراحة ونحو ذلك، قائم في النفوس كلها، إذا لم يوجد مانع، خصوصاً نفوس الصبيان، والنساء، وأكثر الفارغين [37] .

مناقشة القائلين بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي

رغم وضوح شرعية الاحتفال بمولد النبي(صلي الله عليه وآله) وارتباطه بأصل الدين، إلاّ أن المتسمّين بالسلفية مازالت تصرّ علي أن الاحتفال يندرج ضمن دائرة الابتداع.يقول ابن تيمية: وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصاري في ميلاد عيسي(عليه السلام)، وإما محبة للنبي(صلي الله عليه وآله)، والله قد يثيبهم علي هذه المحبة والاجتهاد، لا علي البدع من إتّخاذ مولد رسول الله(صلي الله عليه وآله) عيداً، مع اختلاف الناس في مولده، فإنّ هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف أحقّ به منّا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيماً له منّا...ويضيف القول:كما أن ابن الحاج رغم اعترافه ليوم مولد النبي(صلي الله عليه وآله) من الفضل، لا يوافق علي الاحتفال بالمولد لما فيه من المنكرات، ولأن النبي أراد التخفيف عن اُمّته، ولم يرد في ذلك شيء بخصوصه فيكون بدعة [38] .فالذي نلاحظه من خلال كل هذه المقولة المتقدمة، أنّ الذين حظروا علي الناس الاحتفال بيوم المولد والمناسبات الإسلامية الاُخري، وعدّوا هذا الأمر عملاً محرّماً، قد بنوا استدلالهم هذا علي فهم مغلوط لمعني (الابتداع)، فقد تصوّروا أن معني عدم الارتباط بالدين، هو عدم وجود الأمر في الصدر الأول للتشريع، أو عدم ورود الدليل الخاص، الذي يذكره بشخصه وعنوانه، ومعني الارتباط بالدين هو وجود ذلك الأمر في عصر التشريع الأول، أو ورود أمر فيه بخصوصه.والمدار في الابتداع ليس هو ورود الدليل الخاص، أو عدم وروده فحسب; وإنّما يجب النظر في عموميات التشريع والأدلة الكلية التي تخرج العمل عن حيّز (الابتداع)، كما أنّ عدم وجود العمل في العصر الأول للتشريع لا يساوق عدم مطلوبية الشريعة له، ووجوده لا يساوق مطلوبيته، لأنّ المدار في الابتداع ليس هو وجود العمل أو عدم وجوده في عصر التشريع.وقد حاول البعض أن يضيف دليلاً آخر لتحريم الاحتفال بالمولد النبوي، وهو اشتمال هذه الاحتفالات علي الاُمور المحرّمة غالباً كالموسيقي، والغناء، واختلاط النساء بالرجال... وغير ذلك.ونحن في الوقت الذي نرفض فيه وجود هذا النمط المدّعي من السلوك المحرّم في احتفالات المولد التي يقيمها أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) رفضاً قاطعاً، ونعتبر ذلك تهمة لا أساس لها.. نؤكد علي أنّ الاقتران بحدِّ ذاته لا يشكل إلغاءً لأصل العمل، ولا يؤدي إلي القول بتحريمه، إذ أنّ القول بذلك يستلزم القول ببطلان اُصول العبادات المسلّمة فيما لو اقترنت بأي عنوان تحريمي، وهذا ما لا يتفوه به أحد، فلو اقترنت الصلاة الواجبة بالنظر إلي المرأة الأجنبية مثلاً الذي هو عمل محرّم قطعاً ; فهل يُقال هنا بأنّ الصلاة الواجبة أصبحت (بدعة) يحرم الإتيان بها ـ والعياذ باللهـ؟ وهل يسري التحريم بطريقة تصاعدية إلي أصل تشريعها وإيجابها بمجرد هذا الاقتران؟والذي يهمنا ذكره هنا هو أنّ النصوص الشرعية العامة الواردة في مقام التأكيد علي ضرورة احترام شخصية الرسول الأكرم(صلي الله عليه وآله)، وتبجيله، وتوقيره، حياً وميتاً، مما لا يسع أحد انكارها، أو التشكيك فيها لكثرتها وتواترها، وهي كافية لأن تصحح عمل المولد، وتضفي عليه طابع الشرعية، وتجعله من مظاهرها البارزة، ومصاديقها الواضحة والجلية.من هنا فقد أدرك بعض علماء الجمهور، عمق انتساب هذا الأمر إلي الشريعة، عن طريق الأدلّة الكلية المتسالمة، فعبّر البعض عنه بـ (البدعة الحسنة)، فيقول (ابن حجر) بهذا الشأن: عمل المولد بدعة، لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنّها مع ذلك قد اشتملت علي محاسن وضدّها، فمن تحرّي في عملها المحاسن، وتجنّب ضدها كان بدعةً حسنةً، وإلاّ فلا [39] .ويقول الإمام (أبو شامة): ومن أحسن ما اُبتدع في زماننا، ما يُفعل كلّ عام في اليوم الموافق ليوم مولده(صلي الله عليه وآله) من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة، والسرور، فإنّ ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته(صلي الله عليه وآله) وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكر الله علي ما منّ به من إيجاد رسوله(صلي الله عليه وآله) الذي أرسله رحمةً للعالمين [40] .ويقول السيوطي في رسالته (حسن المقصد في عمل المولد): عندي أنّ أصل عمل المولد، الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسّر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي(صلي الله عليه وآله)، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمدّ لهم سماطاً يأكلونه وينصرفون من غير زيادة علي ذلك، هو من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي(صلي الله عليه وآله)، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف [41] .وينقل (ابن تيمية) أقوالاً عديدة تدل علي مشروعية الاجتماع والاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف، علي الرغم من أنّه من المتشددين علي مَن يتخذه عيداً كما يزعم.ويقول: قال المروزي: سألت أبا عبدالله عن القوم يبيتون، فيقرأ قارئ ويدعون حتّي يصبحوا؟ قال: أرجوا أن لا يكون به بأس... وقال أبو السري الحربي: قال أبو عبدالله: وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلّون ويذكرون ما أنعم الله عليهم، كما قالت الأنصار؟.وأضاف: وهذا إشارة إلي ما رواه أحمد: حدّثنا اسماعيل، أنبأنا أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أنّ الأنصار قبل قدوم رسول الله(صلي الله عليه وآله) المدينة، قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا، فقالوا يوم السبت، ثم قالوا لا نجامع اليهود في يومهم، قالوا فيوم الأحد، قالوا لا نجامع النصاري في يومهم، قالوا فيوم العروبة، وكانوا يسمّون يوم الجمعة يوم العروبة، فاجتمعوا في بيت أبي اُمامة أسعد بن زرارة، فذُبحت لهم شاة فكفتهم [42] .إذاً فمشروعية الاجتماع للاحتفال والابتهاج، بالذكريات الدينية المهمة نزعة إنسانية، تسير جنباً إلي جنب مع الفطرة البشرية، وتنبعث طبيعياً ما دام الإنسان يحيا في جوِّ الجماعة الإنسانية، ولذا نري أنَّ المسلمين لم يتخلفوا عن مجاراة هذا السلوك الإنساني في مناسباتهم الدينية المختلفة، وهذا الذي ينقله لنا (ابن تيمية) واحد من عشرات المظاهر التي كانت تعبّر عن هذا الواقع، وتعكسه في حياة المسلمين، بما يتناسب وينسجم مع طبيعة الأعراف والتقاليد والاهتمامات التي كانت تحكم المجتمع آنذاك، الأمر الذي يدلل علي أنّ جذور إقامة الاحتفال، والاجتماع لإحياء الذكريات الإسلامية كانت ممتدة إلي بدايات عصر ظهور الدعوة الإسلامية المباركة.ولقد كان رأي (سعيد حوّي) أكثر تحرراً واعتدالاً من آراء الآخرين في هذه المسألة، حين دعم القول بجواز إحياء الذكريات الإسلامية عموماً، وذكري مولد النبي الأكرم(صلي الله عليه وآله) علي نحو الخصوص، بالأدلة المقنعة، وحمل علي المتشددين الذين لم يحسنوا فهم معني (الابتداع)، علي الرغم من أ نّه لم يبرح عاكفاً علي الإيمان بأنّ (البدعة) تنقسم إلي مذمومة وممدوحة.فيقول: والذي نقوله أن يعتمد شهر المولد، كمناسبة يُذكّر بها المسلمون بسيرة رسول الله(صلي الله عليه وآله)وشمائله فذلك لا حرج، وأن يعتمد شهر المولد، كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله(صلي الله عليه وآله)فذلك لا حرج فيه، وأن يعتمد شهر المولد، كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله(صلي الله عليه وآله) فذلك لا حرج فيه، وأنّ مما اُلف في بعض الجهات، أن يكون الاجتماع علي محاضرة وشعر، أو إنشاد في مسجد، أو في بيت بمناسبة شهر المولد، فذلك مما لا أري حرجاً فيه، علي شرط أن يكون المعني الذي يُقال صحيحاً.إنّ أصل الاجتماع علي صفحة من السيرة، أو علي قصيدة في مدح رسول الله(صلي الله عليه وآله) جائز، ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فإن يُخصص للسيرة شهر يُتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج.ألا تري لو أنّ مدرسة فيها طلاّب، خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهراً بعينه، فهل هي آثمة؟ ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك.ويضيف إلي ذلك القول:لقد كان الاُستاذ حسن البنّا رجل صدق، وثاقب نظر، وإماماً في العلم، وكان يري إحياء المناسبات الإسلامية في عصر مضطرب مظلم، قد غفل فيه المسلمون وجهلوا فيه كثيراً من اُمور دينهم. ومن كلامه(رحمه الله) في مذكراته: إحياء جميع الليالي الواجب الاحتفال بها بين المسلمين، سواء بتلاوة الذكر الحكيم، وبالخطب، والمحاضرات المناسبة...ثم يحمل علي المتشددين قائلاً:والمتشددون في مثل هذه الشؤون تشددهم في غير محلّه، فليس الأصل في الأشياء الحرمة، بل الأصل فيها الإباحة، حتّي يرد النص بالتحريم، وفهمهم لحديث: «كل ما ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» فهم خاطئ... [43] .ففي الحقيقة أنّ التعبير الاجتماعي عن المشاعر والعواطف الدينية، التي تختزن في نفوس المسلمين أمر متروك لأعراف الناس، وطرقهم المختلفة، وعاداتهم الاجتماعية الخاصة، ونظير هذا الأمر ما تفعله أغلب الدول، أو كلها بالاحتفال في يوم استقلالها، إلاّ أنّ الفرق بين هذه الاحتفالات العامة، وبين الاحتفال بذكري يوم المولد النبوي الشريف، أو بقية المناسبات الإسلامية المهمة، هو أنّ تلك الاحتفالات العامة خاضعة إلي الرسوم والآداب، والأعراف التي تحكم حياة الناس، من دون أن تكون مشمولة بعموميات التشريع التي تُدخلها في دائرة الندب والمطلوبية، وأمّا الاحتفال بالذكريات الإسلامية، ولا سيما بمولد النبي الأكرم(صلي الله عليه وآله) فهو مشمول بأوامر الشريعة الإسلامية، ومأثور عنها كما تقدم الكلام فيه.وختاماً، لابدّ من القول بأ نّا إذا نظرنا إلي دوافع ومنطلقات هذا اللون من السلوك الذي يتمسك به أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، ويصرّون علي ممارسته، والمواظبة عليه في مختلف الذكريات الإسلامية المفرحة، والمحزنة، ولا سيما إصرارهم علي الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف، فإنّا نجد الحرص الأكيد من قبل هؤلاء علي إبقاء معالم شخصية الرسول الأكرم(صلي الله عليه وآله)متألقةً، وحيّةً في ضمائر المسلمين حيناً بعد حين، والاعتزاز بتعاليم الرسالة الإسلامية، وتجديد الانبعاث نحوها، والتمسك بها، إذ أنّ المطّلع علي برامج هذه الاحتفالات، يلاحظ أنّها تستهدف أول ما تستهدف تجلية مكانة الرسول الأكرم(صلي الله عليه وآله)، وإبراز آثارها ومعطياتها الخالدة، من خلال الكلمات، والقصائد، والخطب والخواطر، والمقالات الإسلامية الهادفة، بل وقد يتضمن البعض منها تقديم الدراسات المتنوعة، حول الجوانب المختلفة من حياته الكريمة، وجهاده الكبير، في إعلاء كلمة الله علي وجه الأرض، وغير ذلك من الاُمور التي ترتبط به(صلي الله عليه وآله)، وتشد المسلمين نحو سيرته، وتحثّهم علي الاقتداء به، والسير علي هداه.ولمزيد من توضيح القول نطالع قول السيد محسن الأمين العاملي:وأما جعل التذكار لمواليد الأنبياء والأولياء الذي يسمّيه الوهابية بالأعياد والمواسم بإظهار الفرح والزينة في مثل يوم ولادتهم التي كانت نعمة من الله علي خلقه. وقراءة حديث ولادتهم كما يتعارف قراءة حديث مولد النبي(صلي الله عليه وآله)، وطلب المنزلة والرفعة من الله لهم وتكرار الصلوات والتسليم علي الأنبياء، والترحّم علي الصلحاء، فليس فيه مانع عقلي ولا شرعي، إذا لم يشتمل علي محرم خارجي، كغناء أو فساد أو استعمال آلات اللهو أو غير ذلك، كما يفعل جميع العقلاء وأهل الملل في مثل أيام ولادة عظمائهم وأنبيائهم، وتبوئ ملوكهم عروش الملك وكل ذلك نوع من التعظيم، فإن كان صاحبه أهلاً للتعظيم; كان طاعة وعبادة لله تعالي، ولكن ليس كل تعظيم عبادة للمعظم. فقياس ذلك بفعل المشركين مع أصنامهم قياس فاسد [44] .

خلاصة البحث

مسألة الاحتفال بالمولد النبوي قد اعتادها المسلمون منذ قرون ولازالوا حتّي الآن.وليس بصحيح دعوي من يقول بأن الاحتفال بذكري المولد من البدع، وليس من صميم الدين، لأن مستند هذه الدعوي مبنيٌّ علي فهم مغلوط لمعني الابتداع ; إذ تصوروا أن معناه هو عدم وجود الظاهرة في الصدر الأول، أو عدم وجود الدليل الخاص عليها.لكن الصحيح أن الشيء أو الفعل يكون جائزاً في الدين علي وجهين:الأول: إذا وقع النص عليه بشخصه، كالاحتفال في عيدي الفطر والأضحي.والثاني: إذا وقع النص عليه علي الوجه الكلي، ولكن يترك كيفية التنفيذ إلي الناس أنفسهم، كما هو الأمر في تهيئة معدّات وأساليب الجهاد المتطورة بشكل مستمر.والاحتفال بذكري المولد النبوي من هذا القبيل، حيث ورد الأمر بتعظيم الرسول(صلي الله عليه وآله)وتكريمه، إلاّ أنّ مصداق التعظيم متروك للمكلف.وعلي هذا الأساس يحتفل المسلمون، بما فيهم أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، بيوم مولد النبي(صلي الله عليه وآله) انطلاقاً من هذا التصور المشروع.

پاورقي

[1] صحيح مسلم: 3/6، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة.
[2] البقرة: 185.
[3] القدر: 1 ـ 3.
[4] الحجر: 9.
[5] الأنفال: 60.
[6] جوامع العلوم والحكم: 223.
[7] فتح الباري: 13/253، شرح الحديث 7277.
[8] الأعراف: 157.
[9] مجمع البيان: 4/604 والبحر المحيط: 5/196 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: 9/265، وتفسير الميزان: 8/296. [
[10] الحجرات: 2 ـ 3.
[11] النور: 63.
[12] الأحزاب: 56.
[13] صحيح مسلم: 3/275 و 3/183 وفي مسند أحمد: 4/183، ح 13499 و 12739، السنن الكبري للنسائي: 6/534 / ح11745 وفي البخاري: 1/9.
[14] سعيد حوّي، السيرة بلغة الحب والشعر: 15.
[15] سنن الترمذي: 5/622، ح 3789.
[16] ابراهيم: 5.
[17] راجع الكشاف للزمخشري: 2/540 وتفسير الثعالبي: 3/375 والدر المنثور: 4/132 والتفسير الكبير للفخر الرازي: 19/84 والعياشي: 6/59 ومجمع البيان: 6/59 والميزان للطباطبائي: 11/18 والجامع الكبير لأحكام القرآن: 9/342.
[18] ابراهيم: 5.
[19] مريم: 15.
[20] مريم: 33.
[21] المواسم والمراسم، جعفر مرتضي العاملي: 41.
[22] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: 2/298.
[23] المواهب اللدنية: 1/27، وراجع أيضاً السيرة النبوية لدحلان: 1/24 والسيرة الحلبية: 1/83 ـ 84.
[24] المواهب اللدنية: 1/27، وراجع أيضاً السيرة النبوية لدحلان: 1/24 والسيرة الحلبية: 1/83 ـ 84.
[25] السيرة الحلبية: 1/83 ـ 84 والسيرة النبوية، لدحلان: 1/24 وتاريخ الخميس: 1/223.
[26] راجع القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل: 175.
[27] تلخيص من رسالة حسن المقصد للسيوطي والمطبوعة مع النعمة الكبري علي العالم: 90.
[28] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري: 2/299 عن الزرقاوي: 1/164، وراجع التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين: 115 ورسالة حسن المقصد للسيوطي المطبوعة مع النعمة الكبري علي العالم: 75 و 80 و 477 والبداية والنهاية: 13/137.
[29] وفيات الأعيان: 1/436 ـ 437 وشذرات الذهب: 5/136 ـ 140 والسيرة النبوية، لدحلان: 1/24 ـ 25 والبداية والنهاية: 23/137.
[30] راجع القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل: 305 عن الفتاوي: 4.
[31] وفيات الأعيان: 1/ 381 و 437 ورسالة حسن المقصد للسيوطي: 75 و 77 والبداية والنهاية: 13/137 والسيرة الحلبية: 1/83 ـ 84.
[32] راجع المواسم والمراسم، جعفر مرتضي العاملي: 25.
[33] المواهب اللدنية: 1/27، والسيرة النبوية لدحلان: 1/24، والسيرة الحلبية: 1/83 ـ 84.
[34] المواهب اللدنية: 1/27 وتاريخ الخميس: 1/223 وجواهر البحار: 3/340 عن أحمد عابدين والسيرة النبوية، لدحلان: 1/24.
[35] نزهة المجالس: 2/80.
[36] اقتضاء الصراط المستقيم: 194 ـ 195 والرواية في ص 193 عن الصحيحين. وراجع صحيح البخاري: 1/111 ط الميمنية وصحيح مسلم: 2/22 والسيرة الحلبية: 2/61 ـ 62 وشرح مسلم للنووي بهامش إرشاد الساري: 4/195 ـ 197 ودلائل الصدق: 1/389 وسنن البيهقي: 10/224 واللمع لأبي نصر: 274 والبداية والنهاية: 1/276 والمدخل لابن الحاج: 3/109 والمصنف: 11/104 ومجمع الزوائد: 2/206 في الكبير عن الطبراني.
[37] اقتضاء الصراط المستقيم: 195، فإذا كان العيد لا يختصّ بالعبادة والصدقات بل يتعداها وان المقتضي لما يفعل في العيد قائم في النفوس كلّها، فما هو المانع من الاحتفال بذكري المولد باظهار الفرح والسرور والراحة علي فرض قبول الرواية المذكورة.
[38] المدخل لابن الحاج: 2/3.
[39] جعفر مرتضي العاملي، المواسم والمراسم، ص 62، عن رسالة المقصد المطبوعة مع النعمة الكبري علي العالم، والتوسل بالنبي وجهلة الوهابيين: 114.
[40] السيرة الحلبية: 1/83 ـ 84.
[41] سعيد حوّي، كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر: 6، السيرة بلغة الحب والشعر: 42.
[42] ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم: 304، وأصله في السيرة النبوية لابن هشام وعنه في موسوعة التاريخ الإسلامي: 1.
[43] سعيد حوّي، كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر 6، السيرة بلغة الحب والشعر: 36 ـ 39.
[44] كشف الإرتياب، السيد محسن الأمين العاملي: 450.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.