الثاقب فى المناقب

اشارة

سرشناسه : ابن حمزه، محمدبن علي، قرن ق 6

عنوان و نام پديدآور : الثاقب في المناقب/ عمادالدين ابي جعفر محمدبن علي الطوسي المعروف بابن حمزه؛ تحقيق نبيل رضا علوان

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاريان، 1412ق. = 1370.

مشخصات ظاهري : 701 ص.نمونه

شابك : بها:3000ريال

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ سوم: 1419ق. = 1377

يادداشت : كتابنامه: ص. 19 - 16؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : معجزه (اسلام) -- احاديث

موضوع : چهارده معصوم -- معجزات -- احاديث

موضوع : احاديث شيعه -- قرن ق 6

شناسه افزوده : علوان، نبيل رضا، مصحح

رده بندي كنگره : BP141/5/م6 الف2 1370

رده بندي ديويي : 297/218

شماره كتابشناسي ملي : م 71-3691

مقدمة التحقيق

الاهداء

إليك يا صاحب المعجزات الباهرات الباقيات.

إليك يا نبي الرحمة و خاتم النبيين.

و إلى آلك الطيبين الطاهرين المعصومين الغر الميامين.

أقدم هذا الجهد المتواضع في إحياء هذا الكتاب، و كلي أمل باللّه تعالى أن ينال رضاكم، و أن يكون ذخرا ليوم لا ينفع فيه مال و لا بنون إنه سميع الدعاء.

نبيل رضا علوان

تقريظ

تفضّل الأخ الخطيب و الشاعر الحسيني الشيخ محمّد باقر الايرواني النجفي دام توفيقه و أتحفنا بأبيات من شعره تضمّنت تاريخ صدور الكتاب. و له منّا جزيل الشكر.

من هبة المولى الكريم الواهب

فزنا بنيل الخير و المواهب

نسأله التّأييد و المزيد من

توفيقه و اليسر في المطالب

فالأمر موكول له جلّ اسمه

و غالب و فوق كلّ غالب

نحمده على عظيم منّه

ان قد هدانا للطّريق الصّائب

و اللّه قد ألهمنا حبّ الولا

لآل بيت المصطفى الأطايب

هم قادة للدّين و الدّنيا معا

و من رجاهم لم يعد بخائب

و اللّه قد شرّفهم على الورى

و خصّهم بأشرف المراتب

و أصبحت طاعتهم مقرونة

بطاعة اللّه كفرض واجب

لا يشفعون في غد إلّا لمن

والاهم رغم العدوّ النّاصبى

و ها هو الكتاب خير شاهد

أتحفنا به يراع كاتب

أعني النّبيل ابن الرّضا حقّقه

ببالغ الجهد و شوق جاذب

إلى الملا أرّخته: (قل علنا

عنوانه الثّاقب في المناقب)

مقدمة المحقق

الحمد للّه الأوّل بلا ابتداء، و الآخر بعد فناء الأشياء، الوليّ الحميد، العزيز المجيد، المتفرّد بالملك و القدرة، الفعّال لما يريد، له الخلق و الأمر.

و الحمد للّه الذي الخلق بقدرته، و جعلهم دليلا على إلهيّته، و بعث فيهم رسلا مبشّرين و منذرين لئلا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل، يأمرونهم بعبادته، و أيّد كلّ رسول بآيات و معجزات جعلها دليلا على صدق نبوّته.

و صلّى اللّه على محمّد خاتم الأنبياء و المرسلين، و صاحب المعجز المبين (القرآن العظيم) أوّل الثقلين، كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

و الصلاة و السلام على آله الطيّبين، ثاني الثقلين، و المقرونين بالكتاب المبين، الهداة المهديّين، ذوي الآيات الباهرات، و المعجزات الظاهرات، و منهل الفضائل و المكرمات، نجوم الهدى و أعلام التقى؛ ما غرّد طير و شدا.

أمّا بعد:

فقد كان

الناس يطالبون كلّ نبيّ مرسل، أو وصى، أن يريهم بعض المعجزات و خوارق العادات شرطا لتصديقه و الايمان به فذلك أثبت طريق إلى معرفة صدقه و اثبات صحّة نبوّته و وصايته، فما هو المعجز؟

«المعجز في اللغة: ما يجعل غيره عاجزا، ثمّ تعورف في الفعل الذي يعجز القادر عن الاتيان بمثله.

و في الشرع: هو كلّ حادث، من فعل اللّه، أو بأمره، او تمكينه، ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق لدعوته، أو ما يجري مجراه».

فالمعجزة إذن هي برهان ساطع، و دليل قاطع، و علامة صدق، يظهرها اللّه على يدي النبي أو الوصي عند دعائه أو ادعائه، يمكن للناس من خلالها التمييز بين الصادق و الكاذب، و دفع الشكّ و الريب فيه، لئلا تبقى لهم حجّة في معصيته و مخالفته، و ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيا من حيّ عن بيّنة.

و للمعجز أحكام و شروط لا بدّ من توفّرها و معرفتها، ذكر الشيخ المصنّف أربعة منها في مقدّمة كتابه هذا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أعظم معجزات الأنبياء، و اشرفها منزلة و أسماها رتبة، و أوضحها دلالة هى: (القرآن الكريم) الذي فرض اعجازه على كلّ من سمعه على تفاوت مراتبهم في البلاغة، و اختلاف مشاربهم و تباين تخصصاتهم؛ أعجزهم اسلوبه و نظمه في الايجاز و الإطالة معا؛ علومه، حكمه، كشفه عن الغيوب الماضية و أخبار الامم السالفة و سير الأنبياء، و إخباره عن الحوادث الآتية و الغيب؛ و امتاز ببقائه و خلوده، خاصّة و أن سائر معجزات الأنبياء كانت وقتيّة ذهبت في حينها، و لم يشاهدها إلّا من عاصرها و حضرها، لذا فهو دليل على صدق اولئك الرسل و الأنبياء، إذ هو مصدّق لهم، و مخبر عن

حالهم.

و قد وصلتنا أخبار و أحاديث هي أكثر من أن تحصى، و أوسع من أن تحوى، دخل جلّها حدّ الاشتهار، إذ جاءت مرويّة بطرق و أوجه كثيرة، و بأسانيد صحيحة مصحّحة، تحكي جميعها معجزات و دلائل النبي و الأئمة من أهل بيته صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين، باينوا بها من سواهم، و سموا بها على سائر الأنبياء و الأوصياء المتقدّمين.

فكانوا يرون أصحابهم و مواليهم و مخالفيهم خوارق العادات، و يخبرونهم بما في سرائرهم و قلوبهم من الحاجات و الإرادات، و بما كانوا يفعلونه في خلواتهم، كان جلّها ظاهرا لجماعة من الناس، شاهدوه بأنفسهم في أوقات كثيرة، و تناقلوه في مجالسهم، كتظليل الغمامة على رأس الرسول صلّى اللّه عليه و آله قبل البعثة و بعدها، و انشقاق القمر، و ردّ الشمس، و تسبيح الحصى، و حنين الجذع، و تلاوة رأس الحسين عليه السلام آيات من القرآن بعد ذبحه، و غير ذلك ممّا يعدّ خرقا للعادة، و ملحقا بالأعلام و الدلائل الباهرة الدالّة على أنّهم الحجّة العظمى على الخلق.

قال الشيخ أبو عبد اللّه المفيد في أوائل المقالات: «فأمّا ظهور المعجزات على الأئمة و الأعلام- أي العلامات- فإنّه من الممكن الذي ليس بواجب عقلا، و لا ممتنع قياسا، و قد جاءت بكونها منهم عليهم السلام الأخبار على التظاهر و الانتشار، و قطعت عليها من جهة السمع و صحيح الآثار، و معي في هذا الباب جمهور أهل الإمامة».

و قد أثرى علماء الفريقين المكتبة الاسلاميّة بمؤلّفات حوت نزرا يسيرا من معجزات و دلائل النبي صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته المنتجبين عليهم السلام، و من اولئك العلماء الأعلام شيخنا عماد الدين الطوسى.

المؤلف

فى كلام العلماء

هو الشيخ الفقيه المتكلّم المحدّث

عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدى.

وصفه معاصره الشيخ منتجب الدين علي بن بابويه في الفهرست ب «الشيخ الإمام ... فقيه، عالم، واعظ ..»..

و وصفه الشيخ الفقيه الحسن بن علي بن محمّد الطبري (من علماء القرن السابع) في كتابيه الكامل البهائي و مناقب الطاهرين ب «الشيخ الإمام، العلّامة الفقيه، ناصر الشريعة، حجّة الإسلام عماد الدين أبو جعفر محمّد بن على بن محمّد الطوسي المشهدى» و ذكر من مصنّفاته كتاب الثاقب في المناقب.

و ذكره العلّامة الخوانساري في روضات الجنّات فقال: «الشيخ الفقيه المتكلّم الأمين أبو جعفر الرابع عماد الدين محمّد بن علي بن محمّد الطوسي المشهدى، المشتهر بالعماد الطوسي المشهدى، و المكنّى عند فقهائنا الأجلّة بابن حمزة، صاحب الوسيلة، و الواسطة، من المتون الفقهيّة المشهورة، الباقية إلى هذا الزمان، و المشار إلى فتاويه و خلافاته النادرة في كتب علمائنا الأعيان ... و يظهر أنّه كان في طبقة تلاميذ شيخ الطائفة، أو تلاميذ ولده الشيخ أبي علي ..»..

ثمّ نقل كلام الشيخ الفقيه يحيى بن سعيد الهذلي الحلّي (من علماء القرن السابع) في مقدّمة كتاب «نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه و النظائر» قال: «قال شيخنا السعيد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدّس اللّه روحه ... و قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المتأخّر رضي اللّه عنه في الوسيلة ... و قال الشيخ أبو يعلى سلّار ... و قال الشيخ أبو الصلاح ..»..

قال العلّامة الخوانسارى: «قد ظهر من هذه العبارة تقدّم منزلة الرجل على منزلة مثل سلّار و أبي الصلاح الحلبى، اللذين كانا من كبار فقهاء زمن شيخنا الطوسي رحمه اللّه، بل قد يلوح منها مشارفته إيّاهم في الطبقة ..»..

ابن حمزة مشترك

قال

العلّامة المتتبّع الميرزا عبد اللّه أفندي في رياض العلماء: «ابن حمزة يطلق على جماعة، و في الأغلب الأشهر يراد منه الشيخ أبو جعفر الثاني الطوسي المتأخّر صاحب الوسيلة و غيرها في الفقه، أعني الشيخ الإمام عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدى، الفقيه المعروف؛ و يقال فيه (محمّد بن حمزة) أيضا من باب الاختصار».

ثمّ ذكر جماعة ممّن يطلق عليهم كنية ابن حمزة.

آثاره العلميّة

1) التعميم: ذكره الأفندي في الرياض نقلا عن رسالة لتلميذ الشيخ حسين بن مفلح الصيمري المعمولة لذكر بعض مشايخ الشيعة.

2) التنبيه: ذكره الأفندي نقلا عن الرسالة المذكورة، و عن بعض العلماء و لم يذكر اسمه، و سمّاه هذا الأخير: التنبّه.

و ذكرهما الخوانساري في الروضات عن بعض الفهارس.

3) الثاقب في المناقب: و هو هذا الكتاب، و سيأتي الحديث عنه في فصل مستقل.

4) الرائع في الشرائع.

5) مسائل في الفقه.

6) المعجزات: عدّ الكتاب الثلاثة الأخيرة الشيخ منتجب الدين من مصنّفاته.

و لعل كتاب المعجزات هذا هو نفسه كتاب الثاقب في المناقب، لاتّحاد موضوعهما.

7) نهج العرفان إلى هداية الإيمان: نسب هذا الكتاب الشيخ زين الدين في رسالة الجمعة إلى عماد الدين الطبرسى، و استظهر الميرزا الأفندي «أنّه هو هذا الشيخ، فيكون الطبرسي من غلط النسّاخ، و الصواب الطوسى، إذ لم يعهد عماد الدين الطبرسى».

و لكن الشيخ آقا بزرك الطهراني ذكره في الذريعة قائلا: «نهج العرفان إلى سبيل الايمان، في الفقه، لعماد الدين الطبري الحسن بن علي ابن محمّد، صاحب بضاعة الفردوس، و تحفة الأبرار، و كامل البهائى، ينقل عنه الشهيد الثاني في رسالة الجمعة».

8) الواسطة: ذكره الشيخ منتجب الدين، و الشيخ الطهراني في الذريعة، و قال: «من أجلّ المتون الفقهيّة المعوّل عليها».

9) الوسيلة إلى

نيل الفضيلة: ذكره الشيخ منتجب الدين و غيره، و قال عنه الشيخ الطهراني في الذريعة: «من المتون الفقهيّة المعوّل عليها و المنقول عنها في الكتاب الفقهيّة».

10) كتاب في قضاء الصلاة: نسبه إليه السيّد ابن طاوس في كتابه «غياث سلطان الورى» و نقل عنه.

أساتذته و شيوخه

استظهر العلّامة الخوانساري في روضات الجنّات من خلال كتابي الشيخ الحسن بن علي الطبرسي «مناقب الطاهرين» و «الكامل البهائى» و من سائر ما يوجد من النقل عنه في كتب الفتاوى و الاستدلال، أنّه كان في طبقة تلاميذ شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسى، أو من تلاميذ ولده الشيخ أبي على

و استظهر أيضا ممّا في مقدّمة «نزهة الناظر» الذي ذكرنا نصّ عبارته، أنّه كان في طبقة الشيخ تقي الدين أبي الصلاح الحلبي (374- 447 ه) تلميذ الشيخ الطوسي و السيّد المرتضى علم الهدى؛ و في طبقة الشيخ أبي يعلى سلّار بن عبد العزيز الديلمي الذي هو من شيوخ ابن الشيخ الطوسى، و المتوفّى سنة 448 أو 463 ه.

رغم أنّه شكّك في ذلك فقال: «مع أنّه خلاف ما يظهر من الاجازة و كتب الرجال و الأخبار».

و قال الشيخ الأفندي في رياض العلماء: «و قد قال بعض العلماء في كتابه أنّه رحمه اللّه تلميذ الشيخ الطوسي ... و في كونه تلميذا للشيخ الطوسي محل نظر».

و قال في موضع آخر: «و قد يقال إنّه يروي عن الشيخ بلا واسطة، أو بواسطة، و هو الذي ينقل قوله في صلاة الجمعة بالحرمة، لا الآتي- أي أبي يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري- الذي كان خليفة الشيخ المفيد، كما قد يظن».

و لعل منشأ هذا الخلط هو اشتراك الشيخ عماد الدين و أبي يعلى بكنية «ابن حمزة»، و في

اسميهما «محمّد»، و كونهما من كبار فقهاء عصرهما، حتى أنّ بعض العلماء نسبوا كتاب «الوسيلة إلى نيل الفضيلة» إلى الشيخ أبي يعلى، رغم أنّ الشيخ عماد الدين قد نقل قول أبي يعلى في الرمى، في كتاب الحج من الوسيلة: «و الرمي واجب عند أبي يعلى».

و الواقع أنّه بعيد الطبقة عن هؤلاء الأعلام، لأنّه ممّن نبغ في النصف الثاني من القرن السادس الهجرى، كما سيأتي بيانه.

و الثابت أنّه تلميذ الشيخ الفقيه الجليل محمّد بن الحسين- أو الحسن- الشوهانى.

روى عنه في كتابه هذا قائلا: «حدّثنا شيخي أبو جعفر محمّد بن الحسين بن جعفر الشوهاني رحمه اللّه في داره بمشهد الرضا عليه السلام».

و في موضع آخر قال: «و قد سمعت شيخي أبا جعفر محمّد بن الحسن الشوهاني رضي اللّه عنه، بمشهد الرضا عليه الصلاة و السلام، في داره، و هو يقرأ من كتابه، و قد ذهب عنّي اسم الراوي ..»..

و روى عنه أيضا في كتابه في قضاء الصلاة على ما في «غياث سلطان الورى» للسيّد ابن طاوس، قال:

«حكى ابن حمزة في كتابه في قضاء الصلاة عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسين الشوهاني أنّه كان يجوّز الاستيجار عن الميت».

و يستفاد من قوله في الثاقب (رحمه اللّه) أنّه لم يكن حيّا حين تأليف الكتاب، و اللّه أعلم.

ترجم له الشيخ منتجب الدين في الفهرست قائلا: «الشيخ العفيف أبو جعفر محمد بن الحسين الشوهانى، نزيل مشهد الرضا عليه و على آبائه الطاهرين السلام، فقيه، صالح، ثقة».

و هو يروي عن الشيخين المفيدين: أبي علي الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسى، و أبي الوفاء عبد الجبّار بن علي المقرئ الرازى، عن الشيخ الطوسى، كما ذكر ذلك تلميذه ابن شهرآشوب (المتوفّى سنة 588 ه)

في كتابه «مناقب آل أبي طالب».

من هذا أيضا يستفاد أنّ الشيخ عماد الدين يروي عن الشيخ الطوسي بواسطتين، و أنّه من طبقة الشيخ ابن شهرآشوب السروى.

تلاميذه و الراوون عنه

يروي عنه السيّد النسّابة جلال الدين عبد الحميد بن السيّد شمس الدين فخار بن معد الحسينى.

صرّح بذلك المحقّق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى، عند ذكره ابن حمزة صاحب الوسيلة، حيث قال:

«و قد رويت جميع مصنّفاته و مرويّاته بالأسانيد الكثيرة و الطرق المتعدّدة؛ فمنها الطرق المتعدّدة إلى الشيخ السعيد جمال الدين أحمد بن فهد، عن السيّد السعيد العالم النسّابة تاج الدين محمّد بن معيّة العلوي الحسنى، عن شيخه السيّد العالم الفاضل علي بن عبد الحميد بن فخار العلوي الحسيني الموسوى، عن والده السيّد عبد الحميد، عن ابن حمزة».

من هذا يعلم أنّ ابن حمزة هو في طبقة السيّد فخّار بن معد (المتوفّى سنة 630 ه) و مؤلّف كتاب «الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب».

عصره

ممّا يؤسف له أنّ كثيرا من أعلام الفكر الإسلامي لم يسجّل لهم تاريخ الميلاد أو الوفاة، و من اولئك الذين لم يهتد لتاريخ ميلادهم و وفاتهم الشيخ عماد الدين ابن حمزة، فأهملهما من ترجم له، بل أهملوا ذكر كثير من أساتذته و شيوخه و تلامذته و الراوين عنه، حيث لم نعرف الكثير منهم.

و لكن، ممّا تقدّم في فصول هذه المقدّمة تبيّن لنا أنّه عاش في القرن السادس الهجرى، و ألّف كتابه هذا في النصف الثاني منه.

و يؤكّد ذلك ما ذكره هو في كتابه هذا، قال بعد أن أورد حديثا:

«و قد نقلت ذلك من النسخة التي انتسخها جعفر الدوريستي بخطّه، و نقلها إلى الفارسية في سنة ثلاث و سبعين و أربعمائة، و نحن نقلناها إلى العربيّة من الفارسية ثانيا ببلدة كاشان، و اللّه الموفّق، في مثل هذه السنة:

سنة ستين و خمسمائة».

و أورد في هذا الكتاب بعض مشاهداته، منها قصّة أنو شروان

المجوسي الأصفهاني الذي بعثه خوارزمشاه (المتوفّى سنة 551 ه) رسولا إلى السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي المتوفّى سنة (552 ه).

مدفنه

قال السيّد الصدر في تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام:

«لا أعرف تاريخ وفاته، غير أنّه توفّى في كربلاء، و دفن في بستان خارج البلد، و قبره اليوم معروف خارج باب النجف، رضي اللّه تعالى عنه».

و أكّد ذلك الشيخ الطهراني في الثقات العيون، و عند ذكره لمصنّفاته في الذريعة.

و قال سلمان هادي طعمة، بعد أن أثنى عليه: «و مرقده في الطريق العالم المؤدّي إلى مدينة الهنديّة- طويريج-».

الثاقب في المناقب

و قد ذكره في عداد مصنّفاته جلّ من ترجم له، كما ذكروا له كتابا في المعجزات، و لعله هذا.

و هو في خمسة عشر بابا، و حوى كلّ باب عدّة فصول، فالباب الأوّل في معجزات الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و فيه خمسة عشر فصلا.

و الباب الثاني في بيان معجزات الأنبياء التي ذكرها اللّه تعالى في القرآن و بيان فضائلهم، و ما جعله اللّه تعالى لأهل بيت نبيّنا عليه و عليهم السلام ممّا يضاهيها و يشاكلها و يدانيها، و فيه أحد عشر فصلا.

و قد ألّف معاصره الفقيه المحدّث المفسّر قطب الدين الراوندي (المتوفّى سنة 573 ه) كتابا في موضوع هذا الباب بالخصوص، سمّاه «الموازاة بين معجزات نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و معجزات أوصيائه عليهم السلام، و معجزات الأنبياء عليهم السلام» حوى أربعة و أربعين فصلا، ثمّ إنّه ألحقه بكتابه «الخرائج و الجرائح» و جعله الباب السابع عشر منه.

أمّا الأبواب الثلاثة عشر الاخرى فهي في معجزات فاطمة عليها السلام و الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

و أمّا الباعث له على تأليف هذا الكتاب فقد ذكره هو في المقدّمة، فقال:

«ثمّ إنّي ذكرت ذات يوم من خصائهم نتفا، و من فضائلهم طرفا، بحضرة من هو شعبة من تلك الدوحة الغرّاء، و زهرة من

تلك الروضة الغنّاء، فاستحسن واردها، و استطرف شاردها، و استحلّى مذاقها، و استوسع نطاقها، و أشار بتصنيف أمثالها، و تزويق ظلالها، و جمع ما بذّ من فوائدها، و شذّ عن فرائدها ..»..

فتأليفه لهذا «الثاقب» كان استجابة لرغبة ذاك السيّد الشريف، الذي لم يصرّح باسمه.

مصادر الكتاب:

استقى أحاديث و روايات كتابه هذا من طرق عديدة، منها:

- عن شيخه أبي جعفر الشوهانى، كما تقدّم.

- مشاهداته الشخصيّة لكرامات حدثت في زمانه، كحكاية أنو شروان المتقدّمة، و حكاية محمّد بن علي النيسابورى.

- نقلا عن كتب و مؤلفات، كما أشار لذلك في المقدّمة: «إنّ أصحابنا رضي اللّه عنهم قد صنّفوا في هذا المعنى كتبا و صحفا ضخمة، و أنا ألتقط منها ما هو أروع إلى السمع، و أوقع في القلب، و أملأ للصدر».

و من الكتاب التي صرّح بأسمائها:

1) كتاب بستان الكرام: للشيخ المحدّث أبي الحسن محمّد بن أحمد ابن شاذان القمّى، من أعلام القرن الرابع و الخامس، نقل حديثين من جزئه السادس و الثمانين.

2) مفاخر الرضا: للحاكم النيسابوري أبي عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه ابن البيع الشافعي (321- 405 ه) صاحب «المستدرك على الصحيحين».

3) حلية الأولياء: للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (336- 430 ه).

4) فضائل البتول: لأبي موسى.

5) سير الأئمة: للمولينى.

و على ما أعلم فانّه لم يصلنا في هذا العصر من هذه الكتاب الخمسة إلّا كتاب «حلية الأولياء».

و من أجل هذا و غيره فقد تفرّد كتابنا هذا بأحاديث نادرة كان هو المصدر لها في عصرنا الحاضر، لذا كانت مهمّة تخريج أحاديثه كلّها عسيرة جدّا، فبقيت فيه أحاديث لم نعثر لها على مصدر آخر.

النسخ المعتمدة في التحقيق

1) النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة سماحة البحاثة المحقق العلامة السيد محمد علي الروضاتي الأصفهاني دام مؤيدا فقد تفضل مشكورا و سمح لنا بالمخطوطة نفسها فقابلنا عليها من أولها إلى آخرها و تحتوي المخطوطة على 229 ورقة، و كانت أصح النسخ لأن عليها تصحيح صاحب روضات الجنات (قدس) و مع ذلك لم أجعلها الأصل بل عملت على التلفيق

بين النسخ مع تثبيت الاختلاف بين النسخ في الهامش و كانت النسخة بخط واحد و ذكر في آخر صفحاتها أنه تم بعون اللّه تعالى و توفيقه على يد أفقر عباد اللّه الغني محمد بن محمد الحراري الأتريجي كان اللّه له و لوالديه و المؤمنين غفورا رحيما. و قد رمزت لها بالحرف «ر».

2) النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة مسجد گوهرشاد في مشهد الإمام الرضا (ع) تحت رقم 546 العناوين مكتوبة بالقلم الأحمر، يتكون الكتاب من 152 ورقة طولها* عرضها 15* 5، 21 سطرا من النسخ الجيد و بخط واحد مع ختم الحاج السيد سعيد النائيني مؤسس المكتبة. و قد رمزت لها بالحرف: ك.

3) النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة ملك في طهران تحت رقم 3756 كتبت بخط الناسخ محمد بن قسط، و العناوين مكتوبة بالقلم الأحمر من مخطوطات القرن الثاني عشر الهجري تقع النسخة في 244 ورقة عدد الأسطر 15 سطرا في كل صفحة بحجم واحد 14 30 و قد رمزت لها بالحرف: «م».

4) النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة آية اللّه العظمى السيد المرعشي النجفي «رحمه اللّه» العامة في مدينة قم المقدسة تحت رقم (2823) كتبها بخط النسخ الشيخ علي الزاهد القمى، و كتب عناوينها بالخط الأسود و في حاشيتها تصحيح و علامات بلاغ و مقابلة بخط الناسخ و في بدايتها و نهايتها ختم بيضوي «حسين الطباطبائى» تقع النسخة في 272 ورقة في كل ورقة 15 سطرا بحجم 21 15 سم و كانت كثيرة السقط و الأغلاط و قد رمزت لها بالحرف: «ش».

5) النسخة الثانية المحفوظة في خزانة مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي «رحمه اللّه» العامة في قم المقدسة رقم المجموعة (1251) عدد الأوراق 83 الموجود

منها إلى نهاية حياة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام و الباقي ساقط من النسخة، و النسخة من القرن الثامن أو التاسع، و قد رمزت لها بالحرف: «ع».

6) النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة روضة خيري بمصر مخطوطة سنة 1064 ه تحت رقم 545 عدد الأوراق 197، مصورة في معهد المخطوطات العربية في الكويت تحت رقم (1397) و قد رمزت لها بالحرف: «ص».

شكر و تقدير

أتقدم بالشكر الجزيل الوافر لسماحة حجة الإسلام و المسلمين أستاذنا المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي «دام ظله» لما ألقاه من تشجيع في الاستمرار في تحقيق هذا الكتاب و إرشادي إلى إمكان وجود نسخ خطية جيدة آخرها نسخة صاحب الروضات في أصفهان فقد تجشم الذهاب معنا إلى أصفهان و تفضل علينا سماحة البحاثة المحقق العلامة السيد محمد علي الروضاتي الأصفهاني دام مؤيدا باعطائها و مقابلتها من أولها إلى آخرها و له منا جزيل الشكر، و كذلك أشكر الأخ عزيز الحاج رحيم الخفاف لما بذل من مشاركة في إخراج هذا السفر الجليل إلى الوجود كما أشكر الاخوة في مؤسسة بعثت لما قدموه لي من ملاحظات قيمة راجيا من اللّه العلي القدير أن يوفقهم لخير الدارين و خدمة الدين الحنيف.

قم المقدسة، شهر ذي الحجة، 1411 ه. «نبيل رضا علوان»

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه العلي مجده، الغالب جنده، الفائض فضله، الدائم طوله، الذي له الخلق و الأمر، و بيده الخذلان و النصر، و إليه المرجع و المصير، و هو العليم القدير، لا معقّب لحكمه، و لا عازب عن علمه، و لا محيص عن قدره، و لا رادّ لقضائه، أحاط بكلّ شي ء علما، و أحصى كلّ شي ء عددا.

و أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، شهادة قائدها التوفيق، و سائقها التحقيق، و باعثها الإيقان، و راعيها البيان.

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، (انتجبه من أفضل أرومة و أكرم جرثومة، و أفضل قبيلة، و معدن فضيلة)، تناسخته كرائم الأصلاب إلى شرائف الأرحام، لم تدنّسه الجاهلية بأنجاسها، و لم تلحقه الضلالة بعنادها، و لم يكنفه إلّا من ذكا شهابه، و زكا نصابه، و طاب مولده، و كرم

محتده، فأظهره من بيت العرب، و معدن الحسب، من هاشم و عبد المطلب، (فربّاه بالعلم، و غذّاه بالحلم) و علّمه البيان، و أنزل عليه القرآن.

بعثه و معالم الدين دارسة، و مناهج الحقّ طامسة، و الناس حيارى في سكرة، سكارى في حيرة، فدعا إلى الحقّ، و هدى إلى الصدق، و نصح الخلق، و أمر بالقصد، و بعث على الرشد، و احتمل العناء، و يظلّ نهاره مجاهدا، و يبيت ليله مكابدا، حتّى أقام عمود الدين، و ثبّت قواعد اليقين، و نفر الشرك هاربا، و نكب الشكّ خائبا، و رست دعائم الإيمان، و رسخت قواعد الإحسان، و أظهر الإسلام، و نفّذ الأحكام، و خلص الدين للّه و لو كره المشركون

ثمّ إنّه لمّا دنا أجله و انقضى نحبه و آثر جوار ربّه، نظر لأمته نظر الوالد لولده، و ركّز فيهم راية الحقّ، و نصب لهم لواء الصدق، و خلّف فيهم الثقلين: كتاب اللّه، و عترته أهل بيته، دليلين في الظلمة، قائدين إلى الرحمة.

و ذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا، قال اللّه تعالى: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً و فيه ما يجلو العمى، و يدعو إلى الهدى، و إن كان لا ينطق بلسانه، و لا يحكم ببيانه، و لا يذكر ما فيه، و لا يظهر ما في مطاويه، إلّا بدليل ناطق، و مقر صادق، و الدليل على أحكامه من جعله النبيّ صلى الله عليه و آله له قرينا، و نصبه عليهم أمينا بقوله: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتى، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». فهما قرينان متّفقان، و

صاحبان لا يفترقان.

و قد جعل عندهم بيانه، و عليهم أنزل قرآنه، و منهم ظهر برهانه، قال اللّه تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

و قد دلّ الكتاب على أنّهم المعصومون من الزلل، المأمونون من الخطل، بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

و نبّه على أنّهم هم الأمناء على التنزيل، العلماء بالتأويل، بقوله:

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ و ذكر أنّه ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ. فهم الفائزون بعلمه، العالمون بحكمه، الملهمون لسرّه، العاملون بأمره، و هم ورثة الأنبياء، و بقيّة الأصفياء، و حملة الكتاب، و المهتدون إلى الصواب بقوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فدلّ على أنّهم الصفوة من الصفوة، و الأسوة من الأسوة، ليظهر مواقعها، و يشهر مواضعها، و يسفر صاحبها، و يزهر مصباحها، و لا يغلق بابها، و لا يبهم خطابها، و لا يتقحم راكبها، و لا يتخلل مواكبها.

قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ.

ثمّ بيّن على ذلك دليلا، و هدى إليه سبيلا بقوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ. فنبّه على أنّهم هم الذريّة و الصفوة، و النفس و الأسوة، و المبرّءون من الكذب، و المطهّرون من الريب، و المخصوصون بالاصطفاء، و المكرّمون

بالاجتباء، و الحجج على الخليقة، و الهداة إلى الطريقة، بعثا على حطّ رحل الطلب بفنائهم، و فصل الحكم بقضائهم.

قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

ثمّ نفى الاختيار عن غيره، و أضافه إلى أمره بقوله تعالى:

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ فتناسى أكثر الأمّة وصيّته، و اجتهدوا في إطفاء نوره، و إخفاء نهجه، و يأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره، و يوضّح منهاجه، و يزهر سراجه، و يحيي معالمه، و يرسي دعائمه، فأمدّهم على تشردهم في الأقطار، و تباعدهم في الديار، ممّا تخرّ له الجباه، و تتقلّص له الشفاه، و تعنو له الرقاب، و تتضاءل له الألباب من زواهر الآيات، و بواهر البيّنات، ما تأثره المقرّ و الجاحد، و يرويه الشامخ و المعاند، و تزداد على مرّ الأيّام جدّة، و على كرّ الأيّام عدّة، و على كثرة الأعداء ظهورا، و على فترة الأولياء بهورا، لتأكيد الحجّة، و تبيين المحجّة.

ثمّ إنّي ذكرت ذات يوم من خصائصهم نتفا، و من فضائلهم طرفا، بحضرة من هو شعبة من تلك الدوحة الغرّاء، و زهرة من تلك الروضة الغناء، فاستحسن واردها، و استطرف شاردها، و استحلى مذاقها، و استوسع نطاقها، و أشار بتصنيف أمثالها، و تزويق ظلالها، و جمع ما بذّ من فوائدها، و شذّ من فرائدها، فاستخرت اللّه سبحانه في ذلك، و طفقت أجمع على ترتيب غريب، و تركيب عجيب، و أنظم أن أذكر أوّلا طرفا من المعجزات لسيّد الأنبياء، و إمام الأولياء محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله، ثمّ اثنّي بما في كتاب اللّه سبحانه و تعالى من آيات الأنبياء و دلالات الأصفياء، ثمّ إنّي أذكر بإزاء

كلّ آية ما توازيها، و بدل كلّ فضيلة فضيلة تضاهيها، من آيات أئمّتنا (صلوات اللّه عليهم).

ثمّ أستأنف الكلام، و أرتّب النظام، و ابتدئ بذكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، و أذكر قليلا من آياته، و طرفا من دلالاته.

ثمّ أذكر لسيّدة النساء الإنسية، الحوراء المرضية، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ما يدلّ على شرف فضائلها، و يهدي إلى وضوح دلائلها.

ثمّ أذكر لكلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام، على الترتيب و النسق، إلى الحجّة المنتظر، بعض آياته، ليدلّ على شرف غايته، إذ لو ذهبت أجمع ما ظهر من الآيات و ما بهر على أيديهم من الدلالات لضاق الزمان، و تعذّر الإمكان، و فني القلم، و نفد البياض.

و إنّ أصحابنا (رضي اللّه عنهم) قد صنّفوا في هذا المعنى كتبا و صحفا ضخمة، و أنا ألتقط منها ما هو أروع إلى السمع، و أوقع في القلب، و أملأ للصدر، و قد سمّيته ب «الثاقب في المناقب».

و أسأل اللّه سبحانه و تعالى أن يجعل ذلك خالصا لرضاه، و لا يكلني إلى سواه، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه.

الباب الأوّل في ذكر طرف من معجزات نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله

في بيان مقدمات الكتاب

اعلم وفّقك اللّه أنّا لو ذهبنا نجمع جميع معجزاته، و نؤلّف أكثر آياته، لاعترانا الفتور، و أزرى بنا القصور، لأنّه لم يعط أحد من الأنبياء الماضين (عليه و عليهم أفضل الصلاة و السلام) آية، إلّا و قد اعطي مثلها و زيد له، لأنّه أفضل البشر، و سيّد الخلق (عليه أفضل الصلاة و السلام)، و قد اقتصرنا على عدّة آيات تبركا بذكره، و تيمّنا بنشره.

و قد ظهرت معجزاته على أنحاء، فأظهرها و أسناها و أبهرها و أبهاها: القرآن، لأنّه باق على مرّ الأزمان، لا يزيده طول الأحقاب إلّا اعتلاء، و لا كثرة التلاوة إلّا

بهاء، و لو ذكرت ما فيه لطال الخطاب، و لم يسع سطره الكتاب.

و له معجزات أخر، يشهد بصحّتها القرآن، و يحكم بحقيتها البيان، مثل انشقاق القمر، و المعراج، فأعرضنا عن ذكر ذلك لشهرتها بين أهل الإسلام.

و للمعجز أحكام لا بدّ من معرفتها:

أحدها: أن يكون من فعل اللّه تعالى.

و ثانيها: أن يكون خارقا للعادة.

و ثالثها: أن يكون متعذّرا مثله على الخلق في الجنس، مثل إحياء الموتى، أو في الصفة نحو القرآن و انشقاق القمر.

و رابعها: أن يكون موافقا لدعوى المدّعى، و إنّما يدلّ المعجز على صدق المدّعي فحسب، سواء كان مدّعيا للنبوّة، أو الإمامة، أو الصلاح.

و قد يظهر اللّه تعالى المعجز على أيدي الصالحين من عباده -بحسب المصلحة- إذا كان الوقت يقتضيه، فلا يدلّ بالإبانة على النبوّة، كما ذهب إليه قوم، و شرح ذلك و بيانه مذكوران في موضعهما.

و ما ظهر من آياته صلى الله عليه و آله إما ظهر قبل بعثته، أو بعدها.

فالأوّل: إنّما أظهره اللّه تعالى على يده، تعظيما له في قلوب الناس، لطموح الأبصار إليه، و اعتماد الخلق عليه.

و الآخر: إنّما أظهره عقيب دعواه ليدلّ على أنّه الصادق فيما ادّعاه، المحق فيما ابتناه، المقتدى بفعاله، المهتدى بمقاله.

فإن ظهر لا عقيب دعواه كان ذلك تنبيها للحاضر، و تعريفا للناظر، و تذكيرا للمتأمل الذاكر، سواء كان ابتداء من القديم تعالى، أو بسبب أمر يقتضي ذلك، سواء ظهر على يده، أو على يد غيره من إجابة الدعاء، أو دفع البلاء، أو كبت عدوّ، أو عون ولى، أو نفاذ أمر، أو إنهاء عذر، أو تقديم نذر، أو إحياء سنّة، أو تضعيف منّة، أو ترغيب في الإسلام، أو ترهيب عن الآثام.

و نحن نذكر- بعون اللّه- من ذلك مقدار

مائة آية له صلى الله عليه و آله، ليسهل حفظه، و لا يبعد حظه، و من اللّه استمد التوفيق على العمل، و العصمة من الزلل، لأنّه وليّ ذلك و القادر عليه.

في بيان ظهور آياته التي ظهرت على يديه في المياه و فيه: أحد عشر حديثا

1) عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في بعض غزواته فنفد الماء، فقال: يا عليّ قم إلى هذه الصخرة، و قل: أنا رسول رسول اللّه إليك، انفجري ماء، فو الذي أكرمه بالنبوّة، لقد بلّغتها الرسالة، فطلع منها مثل ثدي البعير، فسال منها من كلّ ثدي ماء، فلمّا رأيت ذلك أسرعت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و أخبرته، فقال: انطلق يا عليّ فخذ من الماء. و جاء القوم حتّى ملأوا قربهم و إداواتهم، و سقوا دوابهم، و شربوا، و توضئوا».

2) و عنه عليه السلام أنّه قال: «أمرني صلى الله عليه و آله في بعض غزواته، و قد نفد الماء، فقال: يا عليّ آتني بتور. فأتيته به، فوضع يده اليمنى و يدي معها في التور، فقال: انبع فنبع الماء من بين أصابعنا».

و التور: شبه ركوة يغسل منها اليد و الوجه.

3) عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن قال: «لمّا نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحديبية، شكوا إليه العطش و قلّة الماء، فقال صلى الله عليه و آله: اطلبوا لي ماء. فأتي بماء، فشرب صلى الله عليه و آله، و غسل منه وجهه، و صبّه في القليب، فجاشت حتّى اغترف الناس بالقصاع منه».

4) عن عليّ عليه السلام، قال: «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض غزواته إلى ركى، فأتيت الركى، فإذا ليس فيه ماء؛ فرجعت إليه

فأخبرته، فقال: فيه طين؟ فقلت: نعم، فقال: آتني بشي ء منه، فأتيته بطين منه، فتكلّم فيه، فقال: اذهب و القه بالركى، فألقيته فيه، فإذا الماء قد ارتفع حتّى امتلأ الركيّ و فاض من جانبيه، فجئت مسرعا، فأخبرته بالذي رأيت، فقال: أ ما تعجب يا عليّ أنّ اللّه أنبعه بقدرته».

5) عن أبي هدبة إبراهيم بن هدبة، عن أنس، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض غزواته، فغلبهم العطش، فإذا بجارية سوداء حبشية، معها راوية، فقال له أصحابه: يا رسول اللّه هذه راوية ماء.

قال: فأخذ بخطام البعير، و الجارية تقول: يا عبد اللّه ما تريد منّي؟! قال: «لا بأس عليك» ثمّ نادى أصحابه: «هاتوا أوعيتكم».

فجاؤوا بها، فحلّ الراوية، فلم يبق فيها شي ء من الماء، و ملأ القوم أوعيتهم، ثمّ قال: «زوّدوها من تمركم». فزوّدوها كسرا و تمرات، ثمّ قال للجارية: «أدني منّى». فمسح يده صلى الله عليه و آله على وجهها فابيضّ وجهها، ثمّ مسح يده على الراوية، و قال: «بسم اللّه»، فإذا الراوية كأنّها لم ينقص منها شي ء.

قال: فذهبت الجارية إلى أهلها، فقال مولاها: أمّا البعير فبعيرى، و الراوية راويتى، و الجارية ليست بجاريتى، فقالت: أو لست بجاريتك؟!

قال: فما بال وجهك أبيض؟! قالت: استقبلني رجل يسمّى محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... و قصّت عليه القصّة.

قال: فأتى مولاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قال: يا رسول اللّه إنّ لنا بئرا مغورة، و إنّ ماءنا من مكان بعيد.

قال: «فأرنيها». فأراه، فتفل فيها بريقه الشريف و قال: «بسم اللّه» و لو لا أنّه قال ذلك لغرّقهم الماء، لكن صار ثلثيها، و شربوا منها ماء عذبا.

و في ذلك عدّة آيات.

6)

عن عليّ عليه السلام قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غزوة، فشكونا إليه الظمأ، فدعا بركوة يمانية، ثمّ نصب يده المباركة فيها، فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا و صدرت الخيل رواء، و ملأنا كلّ مزادة و سقاء و قربة».

7) و عنه عليه السلام، قال: «كنّا معه صلى الله عليه و آله بالحديبية، و إذا ثمّ قليب جافّة، فأخرج صلى الله عليه و آله سهما من كنانته و ناوله البراء بن عازب، و قال له: اذهب بهذا السهم إلى هذه القليب فاغرزه فيها. ففعل ذلك، فتفجّرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم».

8) و عنه عليه السلام، قال: «و يوم الميضاة عبرة و علامة، دعا بالميضاة فنصب يده فيها، ففاض الماء، و ارتفع حتّى توضّأ منها ثمانية آلاف رجل، و شربوا حاجتهم، و سقوا دوابهم، و حملوا ما أرادوا».

9) عن عرو بن الزبير، قال: مرّ النبيّ صلى الله عليه و آله في بعض غزواته على ماء يقال له: بيسان، فسأل عنه، فقيل: يا رسول اللّه اسمه بيسان، و هو ماء مالح، فقال صلى الله عليه و آله: «بل هو نعمان، و هو طيّب» فغيّر الاسم، فغير اللّه الماء و عذب.

10) عن عمرو بن سعيد، قال: قال لي أبو طالب: كنت مع ابن أخي بسوق ذي المجاز، فاشتدّ الحرّ فعطشت، فشكوت إليه، و قد علمت أنّه ليس عنده شي ء، فقال: «يا عمّ عطشت؟» فقلت:

نعم، فثنى وركه، فنزل، فألقم عقبه الأرض، ثمّ رفع و قال: «اشرب يا عمّ» فشربت حتّى رويت.

11) عن عليّ عليه السلام، قال: «خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حنين، فإذا هو بواد يشخب، فقدّرناه فإذا هو

قدر أربع عشرة قامة، فقالوا: يا رسول اللّه، العدوّ من وراثنا، و الوادي أمامنا؛ كما قال أصحاب موسى عليه السلام: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: اللهم إنّك جعلت لكلّ نبيّ مرسل دلالة، فأرني قدرتك.

فركب صلى الله عليه و آله، و عبرت الخيل لا تندى حوافرها، و الإبل لا تندى أخفافها، و رجعنا، فكان فتحنا».

في بيان آياته الواردة في الأطعمة و الأشربة و فيه: تسعة أحاديث

12) أخبرنا أبو صالح عن ابن عبّاس، قال: كان سبب تزويج النبيّ صلى الله عليه و آله بخديجة عليها السلام، أنّه أقبل ميسرة- عبد

خديجة- و كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد نزل تحت شجرة، فرآه الراهب، فقال:

من هذا الذي معك؟ فقال: من أهل مكة، قال: فإنّه نبى، و اللّه ما جلس في هذا المجالس بعد عيسى عليه السلام أحد غيره.

قال: فأقبل إلى خديجة فقال لها: إنّي كنت آكل معه حتّى أشبع، و يبقى الطعام، فدعت خديجة بقناع عليه رطب، ودعت أختها هالة، و هي امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس، ودعت النبيّ صلى الله عليه و آله، فأكلوا حتى شبعوا و لم ينقص منه شي ء.

13) عن عليّ عليه السلام، قال: «لمّا نزلت: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثين من أهل بيته، و كان الرجل منهم ليأكل جذعة و يشرب زقا، فقرّب إليهم رجلا فأكلوا حتّى شبعوا».

و في الحديث طول.

14) عن أبان بن عثمان، يرفعه بإسناده، قال: إنّ أبا أمامة أسعد بن الأرت [كان] يبعث إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ يوم غداء و عشاء في قصعة، ثريدا عليه عراق، و كان يأكل معه من حوله حتّى يشبعوا، ثمّ

ترد القصعة كما هى.

15) عن عمر بن ذر قال: حدّثنا مجاهد أنّ أبا هريرة كان يقول: و اللّه الذي لا إله إلّا هو، إنّي كنت لأعتمد بيدي على الأرض من الجوع، و إنّي كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، و لقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرّ بي أبو بكر.

فسألته عن آية من كتاب اللّه، و ما سألته إلّا ليشبعنى، فمرّ بي و لم يفعل.

ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب اللّه، و ما سألته إلّا ليشبعني و لم يفعل.

ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلى الله عليه و آله، فتبسّم حين رآنى، و عرف ما في نفسى، و ما في وجهى، فقال: «يا أبا هريرة». فقلت: لبيك يا رسول اللّه، [قال]: «التحق».

و مضى، و اتبعته و دخل، و استأذنت، فأذن لى، و دخلت، فوجدت لبنا في قدح فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة-.

قال: «يا أبا هريرة» قلت: لبّيك يا رسول اللّه. قال: «الحق أهل الصّفّة و ادعهم».

قال: و أهل الصّفّة أضياف أهل الإسلام لا يأوون إلى أهل و مال، و إذا أتته صلى الله عليه و آله صدقة بعث بها إليهم، و لم يتناول شيئا، و إذا أتته هديّة أصاب منها و أشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: ما هذا اللبن في أهل الصّفة؟! كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها، و أنا الرسول؟! فإذا جاءوا فأمرني فكنت أعطيهم، و ما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟! و لم يكن بد من طاعة اللّه عزّ و جل، و من طاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتّى استأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت.

فقال: «يا

أبا هريرة»، فقلت: لبيك يا رسول اللّه، قال: «خذ و أعطهم» فأخذت القدح، و جعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ القدح حتّى انتهيت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قد روي القوم كلّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، و نظر إلي فتبسّم و قال: «يا أبا هريرة». فقلت: لبيك. قال: «بقيت أنا و أنت» قلت: صدقت يا رسول اللّه، قال: «اقعد و اشرب».

فشربت حتّى رويت، فما زال صلى الله عليه و آله يقول: «اشرب، اشرب» حتّى رويت و قلت: و الذي بعثك بالحقّ نبيّا، ما أجد له مسلكا.

قال: «فاعطنى» قال: فأعطيته، فحمد اللّه عزّ و جل، و أثنى عليه، و سمّى، و شرب الفضلة.

16) عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله، لم يكن شي ء أحبّ إليه في الشاة من الكتف، فدخل على قوم من الأنصار، فذبح شاة فأمر بها فسلخت ثمّ قطعت، ثمّ انضجت، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «هات الكتف» فجاءه به، ثمّ قال:

«هات الكتف» فجاءه به، ثمّ قال: «هات الكتف» فقال: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه، إنّي ذبحت شاة واحدة، و قد أتيتك بثلاث أكتاف، قال: «أما إنّك لو سكتّ لجئت بما دعوت به».

17) عن الصادق عليه السلام، قال: «إنّ سلمان رضي اللّه عنه أشار على النبيّ صلى الله عليه و آله بحفر الخندق، فأمر أصحابه أن يحفروا».

قال: «فأرسلوا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله جابر بن عبد اللّه الأنصارى، و كان أصغر القوم، فقال: يا رسول اللّه إنّا لنضرب بالمعاول فما نقدر على شي ء من الأرض. قال: خذ بيدى، فذهب النبيّ صلى الله

عليه و آله ليستقل به، فما استطاع، فعلم جابر أنّ ذلك الضعف إنّما هو من الجوع، و كان لا يرجع أحد حتّى يستأذن النبي صلى الله عليه و آله.

قال: فأتيته فقلت: يا رسول اللّه، إنّي أحبّ أن تأذن لى. قال:

«انصرف» فانصرفت، و طحنت صاعا، و ذبحت جذعة، فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله حين ظن أنّهم قد فرغوا، فقال: إنّي أحبّ أن تجيئني أنت و رجل أو رجلان ممّن أحببت.

فقال: أيّها الناس أجيبوا جابر بن عبد اللّه. و قد عدّوا بالأمس ألف رجل، قال: فدنا من النبيّ صلى الله عليه و آله، و قال: إنّه ليس عندي إلّا جذعة و صاع طحنته. فقال: أيّها الناس، أجيبوا جابرا.

قال: فانطلق حتّى دخل على زوجته، و قال: قد افتضحنا، قالت: و لم؟ فأخبرها، قالت: فأنهيت ما كان عندك إلى النبيّ صلى الله عليه و آله؟

قال: نعم، قالت: أسكت، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن ليفضحك.

فدخل النبيّ صلى الله عليه و آله، و دعا بعشر صحاف، و حلّقهم عشرة عشرة، ثمّ قال لها: سمّي و اغرفي و أبقى، و سمّي و اثردي و أبقى.

قال: و سمّى النبيّ صلى الله عليه و آله فدعا مائة فما رئي منهم إلّا أثر أصابعهم، فقاموا، ثمّ دعا مائة أخرى، فجلسوا، و سمّى النبيّ صلى الله عليه و آله فما رئي منهم إلّا أثر أصابعهم، فما زال يجي ء مائة، مائة، حتّى فرغ القوم، و كلّ ذلك يسمّى، قال: فبقي الطعام كما هو حتّى استطعموه العيال، و الجيران، و الصبيان».

18) عن سيف، عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و آله في غزوة فانتقص

زاد القوم، فقال: «هل فيكم أحد معه شي ء؟» فجاءه رجل بكفّ برّ، بقية برّ، فبسط له ثوبا ثمّ رمى به عليه، ثمّ غطاه، فدعا اللّه تعالى، ثم كشف عنه، فأخذ الناس منه، و لقد رأيت أحدب و هو يشدّ كمّه رباطا حتّى يملأه، فأخذ العسكر منه على هذا النحو، ما بقي أحد إلّا أخذ حاجته، فأقلع و هو كما هو.

19) مثله: شكوا إليه في غزوة تبوك نفاد الزاد، فدعا بفضلة زاد لهم، فلم يجد إلّا بضع عشرة تمرة، فطرحت بين يديه، فمسّها بيده المباركة، و دعا ربّه ثمّ صاح في الناس فانحلقوا، و قال: «كلوا بسم اللّه» فأكل القوم فصاروا كأشبع ما كانوا، و ملأوا مزاودهم و أوعيتهم، و التمرات كلّها كهيئتها، يرونها عيانا.

20) عن جابر بن عبد اللّه، قال: توفي- أو استشهد- عبد اللّه بن عمرو بن حزام، فاستغثت برسول اللّه صلى الله عليه و آله على غرمائه أن يضعوا من دينهم شيئا، فأبوا، فقال صلى الله عليه و آله: «اذهب فصنّف تمرك أصنافا» ففعلت، ثمّ أعلمته فجاء، فقعد على أعلاه- أو في وسطه- ثمّ قال: «كل للقوم». فكلت لهم حتّى وفيتهم، و بقي تمرى، كأنّه لم ينقص منه شي ء.

في ظهور آياته فيما أنزل عليه من السماء و فيه: ثلاثة عشر حديثا

21) عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «أمطرت المدينة ليلة مطرا شديدا، فلمّا أصبحوا خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعلي فمرّ برجل من أصحابه، فخرجوا من المدينة إلى جبل ريّان- و هو جبل مسجد الخيف- فجلسوا عليه، فرفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه، فإذا رمّانة مدلاة من رمّان الجنّة، فتناولها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ففلقها، و أكل منها و أطعم عليّا عليه السلام، و

قال: يا فلان هذه الرمّانة من رمّان الجنّة، لا يأكلها في الدنيا إلّا نبى، أو وصيّ نبى».

22) عن عليّ بن الحسين، عن أبيه عليهما السلام، قال:

«اشتكى الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام و برئ، و دخل بعقبة مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله، فسقط في صدره، فضمّه النبيّ صلى الله عليه و آله، و قال: فداك جدّك تشتهي شيئا؟ قال: نعم، أشتهي خربزا، فأدخل النبيّ صلى الله عليه و آله يده تحت جناحه ثمّ هزّه إلى السقف. قال حذيفة: فأتبعته بصرى، فلم ألحقه، و إنّي لأراعي السقف ليعود منه، فإذا هو قد دخل من الباب و ثوبه من طرف حجره معطوف، ففتحه بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله، و كان فيه بطيختان، و رمّانتان، و سفرجلتان، و تفاحتان، فتبسّم النبيّ صلى الله عليه و آله و قال:

«الحمد للّه الذي جعلكم مثل خيار بني إسرائيل، ينزل إليكم رزقكم من جنّات النعيم، امض فداك جدّك و كل أنت و أخوك و أبوك و أمّك، و خبأ لجدّك نصيبا فمضى الحسن عليه السلام، و كان أهل البيت عليهم السلام يأكلون من سائر الأعداد و يعود، حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فتغير البطيخ، فأكلوه فلم يعد، و لم يزالوا كذلك حتّى قبضت فاطمة عليها السلام، فتغيّر الرّمان، فأكلوه فلم يعد، و لم يزالوا كذلك حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السلام، فتغيّر السفرجل، فأكلوه فلم يعد، و بقيت التفاحتان معي و مع أخى، فلمّا كان يوم آخر عهدي بالحسن، وجدتها عند رأسه و قد تغيّرت، فأكلتها، و بقيت الأخرى معى».

23) و روي عن أبي محيص أنّه قال: كنت بكربلاء مع عمر

بن سعد لعنه اللّه فلمّا ركب الحسين عليه السلام العطش، استخرجها من ردائه و اشتمها، و ردّها، فلمّا صرع عليه السلام فتشته فلم أجدها، و سمعت صوتا من رجال رأيتهم، و لم يمكني الوصول إليهم، أنّ الملائكة تتلذّذ بروائحها عند قبره، عند طلوع الفجر، و قيام النهار.

و في الحديث طول، أخذت موضع الحاجة.

24) و روى أبو موسى في مصنّفه (فضائل البتول عليها السلام) أنّ جبرئيل جاء بالرّمانتين، و السفرجلتين، و التفاحتين، و أعطى الحسن و الحسين عليهما السلام، و أهل البيت يأكلون منها، فلمّا توفّيت فاطمة عليها السلام تغيّر الرّمان و السفرجل، و التفاحتان بقيتا معهما، فمن زار الحسين عليه السلام من مخلصي شيعته بالأسحار وجد رائحتها.

و لست أدري أن الأمرين واحد أم اثنان؟ و قد وقع هذا الاختلاف في الرواية، و اللّه أعلم.

25) عن عليّ عليه السلام، قال: «بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتضوّر جوعا، إذ أتاه جبرئيل عليه السلام بجام من الجنّة فيه تحفة من تحف الجنّة، فهلّل الجام، و هلّلت التحفة في يده، و سبّحا و كبّرا و حمّدا، فتناولهما أهل بيته، ففعلوا مثل ذلك.

فهمّ أن يتناولها بعض أصحابه، فتناوله جبرئيل عليه السلام، و قال له: كلها، فإنّها تحفة من الجنّة، أتحفك اللّه بها، و إنّها ليست تصلح إلّا لنبى، أو وصي نبى، فأكل صلى الله عليه و آله و أكلنا، و إنّي لأجد حلاوتها إلى ساعتي هذه».

26) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مرسلا، قال: دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على فاطمة عليها السلام، و ذكر فضل نفسها، و فضل زوجها و ابنيها- في حديث طويل- فقالت عليها السلام: «يا رسول اللّه، و اللّه لقد

بات ابناي جائعين» فقال: «يا فاطمة، قومي فهاتي العفاص من المسجد».

قالت: «يا رسول اللّه ما لنا من عفاص» قال: «يا فاطمة قومى، فإنّه من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من عصاني فقد عصى اللّه».

قال: فقامت فاطمة إلى المسجد، فإذا هي بعفاص مغطّى.

قال: فوضعته قدّام النبيّ صلى الله عليه و آله فإذا هو طبق مغطّى بمنديل شامى، فقال: «عليّ بعليّ و أيقظي الحسن و الحسين».

ثمّ كشف عن الطبق، فإذا فيه كعك أبيض يشبه كعك الشام، و زبيب يشبه زبيب الطائف، و تمر يشبه العجوة يسمّى الرائع- و في رواية غيره. و صيحاني مثل صيحاني المدينة- فقال لهم النبيّ صلى الله عليه و آله:

«كلوا».

27) عن سليمان الديلمى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «مطروا بالمدينة مطرا جودا، فلمّا أن انقشعت السحابة، خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و معه عدّة من أصحابه المهاجرين و الأنصار، و عليّ عليه السلام ليس في القوم، فلمّا خرجوا من باب المدينة، جلس النبيّ صلى الله عليه و آله ينتظر عليّا، و أصحابه حوله.

فبينما هو كذلك، إذ أقبل عليّ من المدينة، فقال له جبرئيل عليه السلام: يا محمد، هذا عليّ قد أتاك، نقيّ الكفّين، نقيّ القلب، يمشي كمالا، و يقول صوابا، تزول الجبال و لا يزول. فلمّا دنا من النبيّ صلى الله عليه و آله، أقبل يمسح وجهه بكفّه، و يمسح به وجه على، و يمسح به وجه نفسه و هو يقول: أنا المنذر و أنت الهادي من بعدى.

فأنزل اللّه على نبيّه كلمح البصر: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ.

قال: فقام النبيّ صلى الله عليه و آله، ثمّ ارتفع جبرئيل عليه السلام، ثمّ رفع رأسه، فإذا هو بكفّ

أشدّ بياضا من الثلج، قد أدلت رمّانة، أشدّ خضرة من الزمرّد، فأقبلت الرّمانة تهوي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله بضجيج، فلمّا صارت في يده، عضّ منها عضّات، ثمّ دفعها إلى عليّ عليه السلام، و قال له: كل، و أفضل لابنتي و ابنيّ- يعني الحسن و الحسين عليهما السلام- ثمّ التفت إلى الناس، و قال: أيّها الناس، هذه هديّة من عند اللّه إلى، و إلى وصيّى، و إلى ابنتى، و إلى سبطى، فلو أذن اللّه لي أن آتيكم منها لفعلت، فاعذروني عافاكم اللّه.

قال سلمان: جعلت فداك، فما كان ذلك الضجيج؟ فقال: إنّ الرمانة لمّا اجتنيت، ضجّت الشجرة بالتسبيح.

قال: جعلت فداك، ما تسبيح الشجرة؟ قال: سبحان من سبّحت له الشجر الناظرة، سبحان ربّي الجليل، سبحان من قدح من قضبانها النار المضيئة، سبحان ربّي الكريم».

و يقال: إنّه من تسبيح مريم عليها السلام.

28) عن عليّ عليه السلام، قال: «أتاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منزلى، و لم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيّام، فقال لى: يا عليّ هل عندك من شي ء؟ فقلت: و الذي أكرمك بالكرامة ما طعمت أنا و زوجتي و ابناي منذ ثلاثة أيّام.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: يا فاطمة ادخلي البيت، و انظري هل تجدين شيئا؟ فقالت: خرجت الساعة، فقلت: يا رسول اللّه، أدخلها أنا؟

فقال: ادخل بسم اللّه، فدخلت فإذا بطبق عليه رطب، و جفنة من ثريد، فحملتها إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، فقال: أ رأيت الرسول الذي حمل هذا الطعام؟ فقلت: نعم.

فقال: كيف هو؟ قلت: من بين أحمر و أخضر و أصفر، فقال:

كلّ خطّ من جناح جبرئيل عليه السلام، مكلّل بالدرّ و الياقوت، فأكلنا من الثريد حتّى

شبعنا، فما رؤي الأخذ من أصابعنا و أيدينا».

29) عن عبد الرزاق، عن معمّر، عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب، قال: إن السماء طشت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلا، فلمّا أصبح صلى الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام: «انهض بنا إلى العقيق ننظر إلى حسن الماء في حفر الأرض».

قال عليّ عليه السلام: «فاعتمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على يدي فمضينا، فلمّا وصلنا إلى العقيق نظرنا إلى صفاء الماء في حفر الأرض».

قال عليّ عليه السلام: «يا رسول اللّه، لو أعلمتني من الليل لاتخذت لك سفرة من الطعام». فقال: يا على، إنّ الذي أخرجنا إليه لا يضيّعنا فبينا نحن وقوف، إذ نحن بغمامة قد أظلّتنا ببرق و رعد حتّى قربت منّا، فألقت بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله سفرة عليها رمّان، لم تر العيون مثلها، على كلّ رمّانة ثلاثة أقشار: قشر من اللؤلؤ، و قشر من الفضّة، و قشر من الذهب.

فقال صلى الله عليه و آله لى: قل: بسم اللّه و كل يا على، هذا أطيب من سفرتك. و كشفنا عن الرمّان، فإذا فيه ثلاثة ألوان من الحب: حبّ كالياقوت الأحمر، و حبّ كاللؤلؤ الأبيض، و حبّ كالزمرّد الأخضر، فيه طعم كلّ شي ء من اللذّة، فلمّا أكلت ذكرت فاطمة و الحسن و الحسين، فضربت بيدي إلى ثلاث رمّانات، و وضعتهن في كمّى، ثمّ رفعت السفرة.

ثمّ انقلبنا نريد منازلنا، فلقينا رجلان من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله. فقال أحدهما: من أين أقبلت يا رسول اللّه؟ قال: من العقيق، قال: لو أعلمتنا لاتّخذنا لك سفرة تصيب منها، فقال: إنّ الذي أخرجنا لم يضيعنا. و

قال الآخر: يا أبا الحسن، إنّي أجد منكما رائحة طيبة، فهل كان عندكم ثمّ طعام؟ فضربت يدي إلى كمّي لأعطيهما رمّانة فلم أر في كمّي شيئا، فاغتممت من ذلك

فلمّا افترقنا و مضى النبيّ صلى الله عليه و آله إلى منزله و قربت من باب فاطمة عليها السلام، وجدت في كمّي خشخشة، فنظرت فإذا الرمّان في كمّى، فدخلت و ألقيت رمّانة إلى فاطمة، و الأخريين إلى الحسن و الحسين، ثمّ خرجت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، فلمّا رآني قال: يا أبا الحسن، تحدّثني أم أحدّثك؟ فقلت: حدّثني يا رسول اللّه، فإنّه أشفى للغليل؛ فأخبر بما كان، فقلت: يا رسول اللّه، كأنّك كنت معى».

و في حديث آخر فيه طول؛ و في ذلك عدّة آيات.

30) عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله نحو البقيع، فقال لى: يا أنس «انطلق و ادع لي عليّ بن أبي طالب» فانطلقت، فلقيني عليّ عليه السلام، فقال: «أين رسول اللّه؟» فقلت: إنّ رسول اللّه أتى نحو البقيع و هو يدعوك.

فانطلق، فأتاه، فجعلا يمشيان و أنا خلفهما، و إذا غمامة قد أظلّتهما نحو البقيع، ليس على المدينة منها شي ء، فتناول النبيّ صلى الله عليه و آله شيئا من الغمامة، و أخذ منها شيئا يشبه الأترج، فأكله و أطعم عليّا، ثمّ قال: «هكذا يفعل كلّ نبيّ بوصيّه».

31) عن ثمامة بن عبد اللّه، عن أنس، قال: بعث إليّ الحجاج- لعنه اللّه- يوما فقال: ما تقول في أبي تراب؟ فقلت في نفسى: و اللّه لأسوأنك.

قال: خرجت أريد النبيّ صلى الله عليه و آله، و أنا غلام، و قد صلّى الفجر، و هو راكب على حماره، و عليّ

يمشى، و هو معتنقه بيمينه، فقال: «يا أنس، اتبعنا» فاتبعتهما حتّى أتينا أكمة بالمدينة فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الحمار، ثمّ جلس هو و عليّ على الأكمة، و قال: «يا أنس، كن هاهنا إلى أن آتيك».

فجلسا يتحدّثان و يضحكان إلى أن طلعت الشمس، فقلت:

الآن ينزلان، فجاءت سحابة فأظلّتهما عن الشمس، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتناول منها شيئا، فيأكله و يطعم عليّا، و أنا أنظر، إلى أن انجلت الغمامة، فنزلا و يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في يد على، فقلت: بأبي و أمّي يا رسول اللّه، لقد رأيت عجبا، قال: «قد رأيت؟!» قلت: نعم.

قال: «يا أنس، إنّه قد جلس على هذه الأكمة مائة نبى، و مائة وصيّ كلّهم تظلّهم هذه الغمامة، كما أظلّتني و أظلّت عليّا.

يا أنس، ما جلس على هذه الأكمة نبيّ أكرم على اللّه منّى، و لا وصيّ أكرم على اللّه من وصيّي هذا».

32) عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللّه، قال:

أتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بفاكهة من الجنّة و فيها أترجة، فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد ناولها عليّا، فناولها، فبينا هو يشمّها إذ انفلقت، فخرج من وسطها رقّ مكتوب فيه: من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب.

33) عن أبي الزبير، عن جابر رضي اللّه عنه قال: أهديت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أترجة من أترج الجنّة، ففاح ريحها بالمدينة، حتّى كاد أهل المدينة أن يعتبقوا بريحها، فلمّا أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منزل أم سلمة رضي اللّه عنها، دعا بالأترجة فقطعها خمس قطع، فأكل واحدة، و أطعم

عليّا واحدة، و أطعم فاطمة واحدة، و أطعم احسن واحدة، و أطعم الحسين واحدة، فقالت له أمّ سلمة:

أ لست من أزواجك؟

قال: «بلى يا أمّ سلمة، و لكنها تحفة من تحف الجنّة أتاني بها جبرئيل، أمرني أن آكل منها و أطعم عترتى.

يا أمّ سلمة، إنّ رحمنا أهل البيت موصولة بالرحمن، منوطة بالعرش، فمن وصلها وصله اللّه، و من قطعها قطعة اللّه».

في ظهور آياته في إبراء المرضى، و الأعضاء المبانة و المجروحة و فيه: أحد عشر حديثا

34) عن عليّ عليه السلام قال: «أصاب عبد اللّه بن أنس طعنة في عينه، فمسحها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فما عرفت من الأخرى».

35) عن عبد اللّه بن كعب بن مالك، قال: لمّا بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله محمّد بن مسلمة في رجال من الأنصار إلى كعب بن الأشرف و ثبت رجل من المسلمين رجلا من الأنصار فجرح فحملوه، فأتوا به إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فمسح عليه فبرئت.

36) عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أحد أربعة عشر رجلا، و قتل سائر الناس سبعة، و أصابه يومئذ ثمانون جراحة، فمسحها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلم ينفح منها شي ء».

37) عن حمّاد بن أبي طلحة، عن أبي عوف، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فألطفنى، و قال: «إنّ رجلا مكفوف البصر أتى النبيّ صلى الله عليه و آله، و قال: يا رسول اللّه، ادع اللّه لي أن يردّ إليّ بصرى».

قال: «فدعا اللّه له، فردّ عليه بصره.

ثمّ أتاه آخر فقال: يا رسول اللّه، ادع اللّه لي أن يردّ عليّ بصرى. فقال صلى الله عليه و آله: تثاب عليه الجنّة أحبّ إليك، أم يردّ

عليك بصرك؟ فقال: يا رسول اللّه، و إنّ ثوابها الجنّة؟! قال: اللّه أكرم من أن يبتلي عبدا مؤمنا بذهاب بصره، ثمّ لا يثيبه الجنّة»

38) عن شرحبيل بن حسنة، قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله، و بكفّي سلعة، فقلت: يا رسول اللّه، إنّ هذه السلعة تحول بيني و بين قائم سيفي لمّا أقبض عليه، و عنان الدابة، فقال صلى الله عليه و آله: «أدن منّى» فدنوت منه، فقال: «افتح كفّك». ففتحتها، فتفل في كفّى، و وضع يده على السلعة، فما زال يمسحها بكفّيه حتّى رفع، و ما أرى أثرها.

39) عن عليّ عليه السلام، قال: «بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس، إذ سأل عن رجل من أصحابه، فقيل: يا رسول اللّه، قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه، فأتاه صلى الله عليه و آله، فإذا هو كالفرخ من شدّة البلاء، فقال له: «لقد كنت تدعو في صحتك؟

قال: نعم، أقول: يا ربّ، أيما عقوبة تعاقبني بها في الدنيا و الآخرة فاجعلها لي في الدنيا.

فقال صلى الله عليه و آله: هلّا قلت: اللّهم ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، و في الآخرة حسنة، و قنا عذاب النار.

فقالها، فكأنّما أنشط من عقال، و قام صحيحا، و خرج معنا».

40) و عنه صلوات اللّه عليه، قال: «و لقد أتاه رجل من جهينة مجذوم متقطع من الجذام، فشكا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فأخذ قدحا من الماء، فتفل فيه، ثمّ قال: «امسح به جسدك، ففعل حتّى لم يوجد فيه شي ء».

41) و عنه عليه السلام، قال: «إنّ قتادة بن ربعي كان رجلا صحيحا، فلمّا أن كان يوم احد أصابته طعنة في عينه، فبدرت حدقته، فأخذها

بيده، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللّه، إنّ امرأتي الآن تبغضنى، فأخذها صلى الله عليه و آله من يده، ثمّ وضعها في مكانها، فلم تكن تعرف، إلّا بفضل حسنها، و فضل ضوئها على العين الأخرى».

42) و عنه عليه السلام، قال: «أصاب محمّد بن سلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه، و يده، فمسحها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فما تبينا».

43) عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: تفل رسول اللّه في رجل عمرو بن معاذ، حين قطعت رجله فبرئت.

44) عن أبي حمزة الثمالى، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «مرّ أعمى على رسول اللّه، فقال له: يا فلان، أ فتشتهي أن يردّ اللّه عليك بصرك؟ قال: ما من شي ء أوتاه من الدنيا أحبّ إليّ من أن يردّ اللّه عليّ بصرى.

فقال صلى الله عليه و آله: توضأ و اسبغ الوضوء، ثمّ (صلّ ركعتين) ثمّ قل:

اللّهم، إنّي أسألك و أدعوك، و أرغب إليك، و أتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلى الله عليه و آله، نبيّ الرحمة، يا محمّد، إنّي أتوجّه بك إلى اللّه ربّك و ربّي ليردّ بك عليّ بصرى.

قال: فما قام النبيّ صلى الله عليه و آله من مجلسه، و لا خطا خطوة، حتّى رجع الأعمى و قد ردّ اللّه عليه بصره».

45) عن عليّ عليه السلام، قال: «أتاه رجل أعرابي أبرص، فتفل في فيه، فما قام من عنده إلّا صحيحا».

في بيان ظهور آياته في كلام الجمادات و غيرها و فيه: ثمانية أحاديث

46) عن حبّة، عن عليّ عليه السلام، قال: «كنت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في شعاب مكّة، و أسمع تسليم الشجر و الحجارة عليه».

47) عن أبي هريرة، عن أبي بكر، قال: بينا نحن

مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله، إذا نحن بصائح من نخلة، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «هل تدرون ما قالت النخلة؟» قالوا: اللّه و رسوله أعلم.

قال: «قالت: هذا محمّد رسول اللّه، و وصيّه عليّ بن أبي طالب» عليه السلام، فسمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله في ذلك اليوم: الصيحانى.

48) عن عليّ عليه السلام، قال: «إنّ رجلا من ملوك فارس عاقلا أديبا، قال: يا محمّد أخبرني إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله.

قال: و أين اللّه يا محمّد؟ قال: بكل مكان موجود، و في غير شي ء محدود.

قال: كيف هو؟ و أين هو؟ قال: ليس كيف و لا أين، لأنّه تبارك و تعالى خلق الكيف و الأين.

قال: فمن (أين جاء؟ قال: لا يقال: من أين جاء، و إنّما يقال:

من) أين جاء للزائل من مكان إلى مكان، و ربّنا تعالى لا يزول.

قال: يا محمّد إنّك لتصف أمرا عظيما، بلا كيف، فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك؟ فلم يبق بحضرته ذلك اليوم، لا حجر و لا مدر، و لا شجر، و لا سهل، و لا جبل، إلّا قال من مكانه: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله.

فقال الرجل: و أنا أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله. فقلت أنا: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه.

فقال: يا محمّد، من هذا؟ قال: هذا خير أهلي و أقرب الخلق إلى، لحمه من لحمى، و دمه من دمى، و روحه

من روحى، و هو وزيري في حياتى، و بعد وفاتى، كما كان هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدى، فاسمع له و أطع، تكن على الحقّ. ثمّ سمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله: عبد اللّه».

49) عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «تراءى له جبرئيل عليه السلام بأعلى الوادى، عليه جبّة من سندس، فأخرج له درنوكا من درانيك الجنّة، فأجلسه عليه، ثمّ أخبره أنّه رسول اللّه، و أمره بما أراد أن يأمره به، فلمّا أراد جبرئيل عليه السلام الانصراف

أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بثوبه، فقال: ما اسمك؟ قال: جبرئيل. فعلم رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلحق بالغنم، فما مرّ بشجر، و لا مدر إلّا سلّم عليه».

50) عن حنش بن المعتمر، عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «دعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فوجّهني إلى اليمن لأصلح بينهم، فقلت: يا رسول اللّه إنهم قوم كثير، لهم سن، و أنا شاب حدث، قال: يا على، إذا صرت بأعلى عاقبة أفيق فناد بأعلى صوتك: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمّد رسول اللّه يقرئكم السلام.

قال: فذهبت فلمّا صرت بأعلى عاقبة أفيق أشرفت على أهل اليمن، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوى، مشرعون رماحهم، مشرعون أسنّتهم، متنكبون قسيهم، شاهرون سلاحهم، فناديت بأعلى صوتى: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمّد رسول اللّه يقرئكم السلام، فلم يبق شجر، و لا مدر، و لا ثرى، إلّا ارتجّ بصوت واحد: و على محمّد رسول اللّه السلام، و عليك السلام، فاضطربت قوائم القوم و ارتعدت ركبهم، فوقع السلاح من أيديهم، و أقبلوا إليّ مسرعين، فأصلحت بينهم، و انصرفت عنهم».

51) و عنه عليه السلام، قال: «و

لقد أخذ يوم خيبر- أو يوم حنين، الشكّ من الراوي- حجرا، فسمع للحجر تسبيح و تقديس، ثمّ قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، فسمع لكلّ فلقة تسبيح لا تسمع لأخرى، و المنّة للّه».

52) عن إبراهيم بن عبد الأكرم الأنصارى، ثمّ النجارى، قال: دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو و سهل بن حنيف، و أبو أيوب حائطا من حوائط بني النجّار، فلمّا دخل ناداه حجر على رأس بئر لهم، تنضح السواني عليها، فكلّمه.

ثمّ ناداه الرمل و كلّمه.

فلمّا دنا من النخل، نادته العراجين من كل جانب: السلام عليك يا رسول اللّه. و كلّ واحد منها يقول: خذ منّى، فأخذ منها فأكل و أطعم.

ثمّ دنا من العجوة، فلمّا أحسته سجدت، فبارك عليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قال: «اللهم بارك عليها، و انفع بها».

فمن ثمّ روت العامّة أنّ الكمأة من المنّ و ماؤها شفاء للعين، و أنّ العجوة من الجنّة.

53) و عن جابر بن عبد اللّه الأنصارى، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقوم في أصل شجرة- أو قال: إلى جذع نخلة، الشكّ من الراوي- ثمّ اتّخذ منبرا فحنّ الجذع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى سمع حنينه أهل المسجد، حتّى أتاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فمسحه بكفه الشريف فسكن، فقال بعضهم: لو لم يأته لحنّ إلى يوم القيامة.

و لقد أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كفّا من حصى المسجد، فسبّحت في كفّه.

في بيان آياته من كلام البهائم، و في كلام الطفل الذي لم يبلغ حين الكلام و فيه: تسعة أحاديث

54) أخبرنا أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه، قال: عدا ذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعى، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال: أ لا تتّقي اللّه، تنزع

منّي رزقا ساقه اللّه تعالى إلى.

فقال الراعي له: إنّ هذا لعجب! ذئب مقع على ذنبه، يتكلّم بكلام الإنس.

فقال له الذئب: ألّا أنبئك بما هو أعجب من هذا؟! محمّد (ص يحدّث الناس بأنباء ما قد سبق.

قال: فأقبل الراعي بغنمه حتّى حصل بالمدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فأخبره، فخرج إلى المسجد، و أمر فنودي بالصلاة جامعة، فلمّا اجتمع الناس قال للراعى: «أخبر بما رأيت»، فأخبرهم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «و الذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتّى تكلّم السباع الناس، و يكلّم الرجل عذبة سوطه، و شراك نعاله فتخبره فخذه بما يحدث على أهله بعده».

55) عن عليّ عليه السلام، قال: «كلّم الذئب أبا الأشعث ابن قيس الخزاعى، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى، ثمّ قال له في المرّة الرابعة: ما رأيت ذئبا أصفق وجها منك.

فقال له الذئب: بل أصفق وجها منّي من تولّى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه، و لا أنور نورا، و لا أتم بصيرة و لا أتم أمرا، يملك شرقها و غربها، يقول: لا إله إلّا اللّه، فيتركونه، من أصفق وجها: أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم، رسول ربّ العالمين؟!

قال الخزاعى: ويلك ما تقول؟! قال الذئب: بل الويل لمن يصلى جهنّم غدا، و يشقى في النشور أبدا، و لا يدخل في حزب محمّد.

ثمّ قال الخزاعى: حسبي حسبى، فمن الذي يحفظ عليّ غنمي لأنطلق إليه، و أؤمن به، و أقول الكلمة؟ قال له الذئب: أنا أحفظها عليك حتّى تذهب إليه و ترجع.

قال الخزاعى: فمن لي بذلك؟ قال الذئب: اللّه تعالى لك.

فلم يزل الذئب في غنمه يحفظها، حتّى جاء

الخزاعي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال: السلام عليك يا رسول اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه، آمنت و صدّقت.

ثمّ أخبره بكلام الذئب، و أنا معه أسمع منه ذلك، فلم أستقر بعد ذلك بأيّام، إلّا و ذلك الذئب بين يديّ يقول: يا أبا الحسن، قلت للخزاعي كذا و كذا».

قال: «و أخذ أبو الأشعث سخلة من غنمه فذبحها للذئب، و قال:

أنت الذي أعتقتني من النار».

56) عن الكلبى، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال:

خرج أعرابي من بني سليم يدور في البرية، فصاد ضبّا فصيّره في كمّه، و جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، و قال: يا محمد، أنت الساحر الكذّاب الذي تزعم أنّ في السماء إلها بعثك إلى الأسود و الأبيض؟ فو اللات و العزّى لو لا أن يسمّيني قومي بالعجول لضربتك بسيفي حتّى أقتلك.

فقام عمر بن الخطّاب ليبطش به، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «مهلا يا أبا حفص، فإنّ الحليم كاد أن يكون نبيّا».

ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله: «يا أخا بني سليم، هكذا تفعل العرب؟

تأتينا في مجالسنا و تهجونا بالكلام! أسلم يا أعرابي فيكون لك ما لنا، و عليك ما علينا، و تكون في الإسلام أخانا».

فقال: فو اللات و العزّى، لا أؤمن بك حتّى يؤمن بك هذا الضبّ. و ألقى الضبّ من كمّه.

قال: فعدا الضب ليخرج من المسجد، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «يا ضبّ» فالتفت إليه، فقال صلى الله عليه و آله له: «من أنا؟» فقال: أنت محمد رسول اللّه.

فقال: النبي صلى الله عليه و آله: من تعبد. فقال: أعبد من اتّخذ إبراهيم خليلا، و ناجى

موسى كليما، و اصطفاك حبيبا.

فقال الأعرابى: سبحان اللّه ضب اصطدته بيدى، لا يفقه و لا يعقل، كلّم محمّدا و شهد له بالنبوّة، لا أطلب أثرا بعد عين، أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله.

و أنشأ يقول:

ألا يا رسول اللّه إنّك صادق

فبوركت مهديّا و بوركت هاديا

شرعت لنا دين الحنيفة بعد ما

غدونا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعوّ و يا خير مرسل

إلى الإنس ثمّ الجنّ لبيك داعيا

فنحن أناس من سليم عديدنا

أتيناك نرجو أن ننال العواليا

فبوركت في الأقوام حيّا و ميّتا

و بوركت طفلا ثمّ بوركت ناشيا

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «علّموا الأعرابى» فعلّم سورا من القرآن.

و في الحديث طول.

57) و رواية أخرى عن معرض بن معقب، قال: حججت حجّة الوداع، فنزلت دارا في مكّة، فرأيت النبيّ صلى الله عليه و آله، و وجهه يتهلّل مثل دارة القمر، و رأيت منه عجبا! أتاه رجل من أهل اليمامة بابن له يوم ولد، فرأيته في خرقة، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «من أنا» فقال الطفل:

أنت رسول اللّه. قال: «صدقت، بارك اللّه فيك».

قال: «و لم يتكلّم بعدها حتّى شبّ».

قال أبى: و كنّا نسمّيه باليمامة: مبارك اليمامة.

58) عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قوم فشهدوا على رجل بالزور: أنه سرق جملا، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله بقطعه.

فولّى الرجل و هو يقول اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، حتّى لا يبقى من الصلاة شي ء، و بارك على محمّد و آل محمّد، حتّى لا يبقى من البركات شي ء، و ارحم محمّدا و آل محمّد، حتّى لا يبقى من الرحمة شي ء،

و سلّم على محمّد و آل محمّد، حتّى لا يبقى من التسليم شي ء.

قال: فتكلّم الجمل، و قال: يا رسول اللّه إنّه بري ء من سرقتى، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله بردّه، و قال: «يا هذا ما قلت آنفا؟» قال: قلت: اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد ... و ذكر كلامه من الدعاء.

قال: «كذلك نظرت إلى ملائكة اللّه يخوضون سبل المدينة، حتّى كادت تحول بيني و بينك، لتردنّ عليّ الحوض يوم القيامة و وجهك أشدّ بياضا من الثلج».

59) عن عليّ عليه السلام، قال: «اجتمع آل ذريح في عيد لهم، فجاءتهم بقرة لهم فصاحت: يا آل ذريح، أمر نجيح، مع رجل يصيح، بصوت فصيح، فجاء بلا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، عجّلوا بلا إله إلّا اللّه تدخلوا الجنّة.

قال: فو اللّه ما شعرنا إلّا بال ذريح قد أقبلوا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله، يطلبونه حتّى أسلموا».

و روي هذا الخبر أطول من ذلك.

و روي أنّ القوم أحضروا ثورا ليذبحوه، فقال ذلك.

60) و عنه عليه السلام، قال: «كانت بقرة في بني سالم، فلمّا بصرت بالنبيّ صلى الله عليه و آله و كنا معه، فأقبلت تلوذ و تعدو، و قالت: يا بني سالم، جاءكم الرجل الصالح، مع الوزير الصادق، أحاكمكم إليه فإنّه قاضي اللّه في الأرض و رسوله، يا رسول اللّه إنّي وضعت لهم اثني عشر بطنا، و استمتعوا بى، و أكلوا من زبدى، و شربوا من لبنى، و لم يتركوا لي نسلا، و هم الآن يريدون ذبحى، و أنت الأمين على وحيه، الصادق بقول: لا إله إلّا اللّه.

فامن به بنو سالم، و قالوا: ألا و الذي بعثك بالحقّ نبيا، ما نريد معها بعد يومنا هذا

من شاهد، و لا بيّنة، و لا نشكّ أنّك نبيّه و رسوله، و هذا وزيرك».

61) و عنه عليه السلام، قال: «أقبل جمل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فضرب بجرانه الأرض، و رغا و بكى كالساجد المتذلّل، الطالب الراغب السائل، فقال القوم: سجد لك هذا الجمل، فنحن أحقّ بالسجود منه، فقال صلى الله عليه و آله لهم: بل اسجدوا للّه تعالى، إنّ هذا الجمل يشكو أربابه، و لو أمرت شيئا يسجد لشي ء لأمرت المرأة تسجد لزوجها.

فهمّ أن ينهض مع الجمل لينصفه من أربابه، فإذا قد أقبل صاحبه أعرابى، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: هلم يا أعرابى. فأقبل إليه، فقال صلى الله عليه و آله: ما بال هذا البعير يشكو أربابه؟

فقال: يا رسول اللّه ما يقول؟

قال صلى الله عليه و آله: يقول: «إنّكم انتجعتموه صغيرا و عملتم عليه، حتّى صار عودا كبيرا، ثمّ إنّكم أردتم نحره. فقال الأعرابى: و الذي بعثك بالحقّ و النبوة، و اصطفاك بالرسالة ما كذبك، و لقد قال الحقّ.

فقال صلى الله عليه و آله: يا أعرابي اختر مني واحدة من ثلاث: إما أن تهبه لى، و إما أن تبيعه. و إمّا أن تجعله سائبة للّه عزّ و جل.

فقال: يا رسول اللّه قد وهبته لك. فقال: و إنّي أشهدكم أنّي جعلته سائبة للّه تعالى. و كان ذلك الجمل يأتي أعلاف الناس فلا يدفعونه».

62) عن حميد الطويل، عن أنس، قال: بينا النبيّ صلى الله عليه و آله في فضاء من المدينة، إذ أقبل جمل يعدو، و يسيل عرقه على أخفافه، حتّى برك بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و أقبل يبكي في كفي رسول اللّه صلى

الله عليه و آله، حتّى امتلأنا دموعا، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «حسبك قد قطّعت الأحشاء، و أنضجت الكلاء، فإن كنت صادقا فلك صدقك، و إن كنت كاذبا فعليك كذبك، مع أنّ اللّه تعالى قد أمن عائذنا، و ليس بخائب لائذنا».

ثمّ تأخّر، فبرك بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال أصحابه: يا رسول اللّه ما يقول هذا البعير؟ قال: «هذا بعير قد همّ أهله بنحره و أكل لحمه، فهرب و استغاث بنبيّكم، و بئس جزاء المملوك الصالح من أهله، حقيق عليه أن يجزع من الموت».

و أقبل النبيّ صلى الله عليه و آله يحدّث أصحابه و يسألونه، فبينما هو كذلك، إذ أقبل أصحابه في طلبه، فلم يزالوا في أثره حتّى وقفوا على النبيّ صلى الله عليه و آله فسلّموا، فردّ عليهم، و قال: «ما بليّتكم؟» فقالوا: يا رسول اللّه بعيرنا هرب منّا فلم نصبه إلّا بين يديك.

فقال: «إنّه يشكو، ففيم اشتكاؤه؟» قالوا: يا رسول اللّه، ما يقول؟

قال: «ذكر أنه كان فيكم خوارا، فلم يزل حتّى اتخذتموه في إبلكم فحلا فأنماها و بارك فيها، و كان إذا كان الشتاء رحلتم عليه إلى موضع الكن و الدف ء، و إذا كان الصيف رحلتم عليه إلى موضع الكلأ، فلمّا أدركت هذه السنة المجدبة، هممتم بنحره، و أكل لحمه، فهرب و استجار بنبيكم، و بئس جزاء المملوك الصالح، و حقيق عليه أن يجزع من الموت».

فقالوا: قد كان ذلك يا رسول اللّه، و اللّه لا ننحره، و لا نبيعه و لنتركه.

فقال: «كذبتم، قد استغاث فلم تغيثوه، و استعاذ فلم تعيذوه، و أنا أولى بالرحمة منكم، إنّ اللّه تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، و أسكنها في

قلوب المؤمنين، فبيعوه بمائة». فباعوه بمائة، فاشتراه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمائة درهم. ثمّ قال: «انطلق أيّها البعير، و أنت حرّ لوجه اللّه» فقام و رغا بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال: «آمين» ثمّ رغا الثانية، فقال: «آمين»، ثمّ رغا الثالثة فقال:

«آمين»، ثمّ رغا الرابعة فبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و بكينا من حوله، فقلنا: ما يقول هذا البعير، يا رسول اللّه؟ فقال: «أما إنّه يقول: جزاك اللّه خيرا أيّها النبيّ القرشيّ عن الإسلام و القرآن؛ قلت: آمين، فقال:

حقن اللّه دماء أمّتك- و روى عذاقها- كما حقنت دمى؛ فقلت:

آمين؛ فقال: أعطاها اللّه مناها من الدنيا كما سكنت روعتى؛ قلت:

آمين، ثمّ قال في الرابعة: لا جعل اللّه بأسها بينها في دار الدنيا» فبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و بكينا معه، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «هذه سألتها ربّي فأعطانيها، و سألته هذه الخصلة فمنعنيها، و أخبرني أنّه لا يكون فناء أمّتي إلّا بالسيف».

في بيان ما يقرب من ذلك، من كلام الذراع، و الشاة المسمومة و فيه: أربعة أحاديث

63) عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس، قال:

شهدت خيبرا و أنا رديف أبي طلحة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «اللّه أكبر، خربت خيبرا، إنّا إذا نزلنا بساحة القوم، فساء صباح المنذرين».

فجاءت امرأة بشاة مسمومة، فوضعتها بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله، فلمّا ذهب ليأكل منها، قال لأصحابه: «ارفعوا أيديكم فإنّها مسمومة، و الذي نفسي بيده، إنّ فخذها- أو عضوا منها، الشكّ من الراوي- قد كلّمنى».

فأرسل إلى اليهودية فقال: «ما حملك على أن أفسدتيها بعد أن أصلحتيها؟» قالت: أو علمت ذلك؟ قالت: و اللّه لأخبرنّك ما حملني على ذلك، قلت: إن كنت

نبيّا حقّا، فإنّ اللّه سيعلمك، و إن لم تكن كذلك أرحت الناس منك.

64) عن عليّ عليه السلام، قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا نزل الطائف، و حاصر أهلها، بعثوا إليه شاة مصلية مسمومة، فنطق الذراع منها و قال: يا رسول اللّه لا تأكلنى، فإنّي مسمومة».

65) عنه عليه السلام، قال: «إنّ اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا: يا عبدة، لقد علمت أنّ محمدا قد هدم ركن بني إسرائيل، و هدم ركن اليهود، و قد جاءك الملأ من بني إسرائيل بهذا السمّ له، فهم جاعلون لك جعلا على أن تسمّيه في هذه الشاة.

فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها، ثمّ جمعت الرؤساء في بيتها، و أتت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قالت: يا محمّد قد علمت ما يجب لى، و قد حضرني رؤساء اليهود فزرني بأصحابك. فقام صلى الله عليه و آله، و معه عليّ عليه السلام، و أبو دجانة، و أبو أيوب، و سهل بن حنيف، و جماعة من المهاجرين و الأنصار، فلمّا دخلوا و أخرجوا الشاة شدّت اليهود آنافها بالصوف، و قاموا على أرجلهم و توكئوا على عصيهم، فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله: اقعدوا؛ فقالوا: إنّا إذا زارنا نبي لم يقعد منّا أحد، و كرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذّى به. و كذبت اليهود عليها لعنة اللّه، إنّما فعلت ذلك مخافة سورة السم و دخانه.

فلمّا وضعت الشاة بين يديه، صلّى اللّه عليه و آله تكلّمت كتفها فقال:

مه يا محمّد لا تأكلنى، فإنّي مسمومة، فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله عبدة، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: قلت: إن كان

نبيّا صادقا لم يضرّه، و إن كان كاذبا أرحت قومي منه.

فهبط جبرئيل عليه السلام، فقال: اللّه يقرئك السلام، يقول:

قل: بسم اللّه الذي يسمّيه به كل مؤمن، و به عزّ كلّ مؤمن، و بنوره الذي أضاءت به السماوات و الأرضوان، و بقدرته التي خضع لها كلّ جبار عنيد، و انتكس كلّ شيطان مريد، من شرّ السمّ، و السحر، و اللمم، بسم اللّه العليّ الملك الفرد، الذي لا إله إلّا هو وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك، و أمر أصحابه، فتكلّموا به، ثمّ قال:

كلوا. ثم أمرهم أن يحتجموا».

66) عن يزيد بن أبي حبيب، قال: أقبلت امرأة و معها ابن لها، و هو ابن شهر، حتّى جاءت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاكفهرّت عليه بوجهها، فقال الغلام من حجرها: السلام عليك يا رسول اللّه؛ السلام عليك يا محمّد بن عبد اللّه، قال: فأنكرت الأم ذلك من ابنها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «فما يدريك أني رسول اللّه، و أنّي محمّد بن عبد اللّه؟».

قال: علّمنيه ربّ العالمين، و الروح الأمين جبرئيل عليه السلام، و هو قائم على رأسك ينظر إليك. فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد هذا تصديق لك بالنبوة، و دلالة لنبوتك كي يؤمن بك بقية قومك.

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «ما اسمك يا غلام؟».

قال: سمّوني عبد العزى، و أنا به كافر، فسمّني يا رسول اللّه.

قال: «أنت عبد اللّه».

قال: يا رسول اللّه، ادع اللّه عزّ و جل أن يجعلني من خدمك في الجنّة.

فقال جبرئيل عليه السلام: ادع اللّه عزّ و جلّ يعطيه ما

سأل.

قال الغلام: السعيد من آمن بك، و الشقيّ من كذبك، ثمّ شهق شهقة فمات، فأقبلت الأمّ عليه، و قالت: يا رسول اللّه، فداك أبي و أمى، لقد كنت مكذّبة بك إلى لدن ما رأيت من آيات نبوّتك، و أنا أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أنّك رسول اللّه، يا أسفي على ما فات منّى.

فقال لها: «أبشرى، فو الذي ألهمك الإيمان، إنّي لأنظر إلى حنوطك و كفنك مع الملائكة» فما برحت حتّى شهقت و فاضت نفسها، فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، عليهما و دفنها جميعا.

في ظهور آياته من درور اللبن من ضرع الشاة التي ما بها لبن و فيه: ثلاثة أحاديث

67) عن زر بن حبيش عن عبد اللّه بن مسعود، قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمرّ بي رسول اللّه صلى الله عليه و آله و أبو بكر، فقال لى: «يا غلام هل من لبن؟» قلت: نعم، و لكن مؤتمن. فقال:

«فهل من شاة لم يقربها الفحل؟».

قال: فأتيته بشاة فمسح ضرعها بيده الشريفة فنزل اللبن، فحلبه في إناء، فشرب، و سقى أبا بكر، ثمّ قال للضرع: «اقلص» فقلص.

قال: ثمّ لقيته بعد ذلك، فقلت: يا رسول اللّه، علّمني من هذا القول.

قال: فمسح رأسي و قال: «يرحمك اللّه، إنّك عليم معلّم مكرّم».

68) عن محرز بن هديد، قال إنّه سمع هشاما- أخا معبد- قبل البطحاء، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا خرج مهاجرا من مكّة، هو و أبو بكر و عامر ابن فهيرة، و دليلهما اللّيثي عبد اللّه بن أريقط مرّوا على خيمة أم معبد، و كانت امرأة جلدة، برزة تحتبي بفناء الخيمة، تسقي و تطعم، فسألوها لحما و تمرا ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، و كان القوم مرمّلين مسنتين فقالت: لو كان

عندنا شي ء ما أعوزناكم القرى.

فنظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: شاة خلفها الجاهد عن الغنم.

فقال: «هل بها من لبن؟» قالت: هي أجاهد من ذلك.

قال: «أ تأذنين لي أن أحلبها». قالت: نعم بأبي أنت و أمي إن كان بها لبن فاحلبها.

فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالشاة، فمسح بيده على ضرعها، و سمّى اللّه تعالى، و دعا لها في شأنها فتفاجّت عليه، و درّت.

فدعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيها شخبا حتّى علاه الثمال، ثمّ سقاها حتّى رويت، و سقى أصحابه حتّى رووا، ثمّ شرب آخرهم شربا، و قال صلى الله عليه و آله «ساقي القوم آخرهم شربا»، فشربوا جميعا عللا بعد نهل، حتّى أراضوا ثمّ حلب ثانيا عودا على بدء، حتّى امتلأ الإناء، فغادره عندها و ارتحلوا عنها.

و في الحديث طول مع اختلاف الروايات.

69) عن قيس بن النعمان السكونى، قال: لما انطلق النبيّ صلى الله عليه و آله، و أبو بكر مستخفيين في الغار، مرّا بعبد يرعى غنما قال:

و استسقياه من اللبن، فقال: و اللّه ما لي شاة تحلب، غير أن هنا عناقا حملت أوّل السنة، و ما بقي لها لبن.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «ائتنا بها»، فأتى بها، فدعا لها بالبركة، ثمّ حلب عسا و سقى أبا بكر، ثمّ حلب أخرى و سقا الراعي و شرب، فقال العبد: باللّه من أنت؟! فو اللّه ما رأيت مثلك قط!

فقال صلى الله عليه و آله: «أتراك إن خبّرتك تكتم». فقال: نعم.

فقال: «إنّي محمّد رسول اللّه» فقال: أنت الذي تزعم قريش أنّه صابئ.

فقال: «إنّهم ليقولون ذلك». قال: فإنّي أشهد أنّك

رسول اللّه، و أنّ ما جئت به حقّ.

في بيان ظهور آياته في الاستسقاء و إظلال السحاب عليه، و غيره و فيه: خمسة أحاديث

70) عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال لابنه إسماعيل: «يا بنيّ حدثنا» قال إسماعيل: كانت السماء تمطر بغير سحاب، فتنبت الأرض من ساعتها، فيرعى فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله عناقه.

و في ذلك آيتان.

71) و عن عليّ عليه السلام، و روى أيضا غيره أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان ذات يوم جالسا في المسجد، إذ جاءه أعرابي و وقف عليه، و قال: ما لنا بعير يربط و لا صبي يصيح. ثمّ أنشأ يقول:

[أتيناك يا خير البرية كلّها

لترحمنا مما لقينا من الأزل]

أتيناك و العذراء يدمى لبانها

و قد شغلت أم الصبي عن الطفل

و ألقى بكفّيه الفتى استكانة

من الجوع ضعفا ما يمرّ و لا يحل

و لا شي ء مما يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامى و العلهز و الغسل

و ليس لنا إلّا إليك فرارنا

و أين فرار الناس إلّا إلى الرّسل

فقام النبيّ صلى الله عليه و آله يجرّ رداءه، حتّى صعد المنبر، و قلب الرداء، و خطب و قال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا مريئا غدقا غير رائث و لا لابث نافعا غير ضار، تملأ به الضرع، و تنبت به الزرع، و تحيي به الأرض بعد موتها».

قال: فو اللّه ما ردّ يده إلى نحره، حتّى ألقت السماء بأرواقها

و جاء أهل البطحاء يصيحون: الغرق الغرق يا رسول اللّه، فرفع رأسه إلى السماء و قال: اللهم حوالينا و لا علينا، اللّهم على الربا و الآكام، و بطون الأودية، و أصول الشجر.

قال: فانجابت السحابة عن المدينة، حتّى أحدق بها كالإكليل، فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى بدت نواجذه.

و في الحديث طول، و في ذلك أيضا آيتان.

72) عن

ابن عبّاس، قال: قالت حليمة: انفلت منّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فغافلت عنه، فذهب إلى البهم مع أخته الشيماء قبل البهم على الماء، فخرجت أطلبه، حتّى وجدته على الماء، فقلت: أ في هذا الحرّ؟!

فقالت أخته: فما وجد أخي حرّا، رأيت غمامة تظلل عليه، إذا وقف وقفت، و إذا سار سارت، حتى انتهى إلى هذا الموضع. فقالت أمّها: أعوذ باللّه من شرّ ما أحذر على ابنى.

73) [عن] عليّ عليه السلام، قال: «إنّ الغمامة كانت تظلّله من يوم ولد، إلى أن قبض في حضره و أسفاره».

74) عن سعيد بن المسيب، عن أبي لبابة، قال: استسقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الجمعة، فقال: «اللّهم اسقنا» فقلت: يا رسول اللّه، إن التمر في المربد. و ما في السماء سحابة نراها.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «اللّهم اسقنا»، قالها ثلاثا، و قال في الثالثة: «حتّى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره».

قال: فاستهلّت السماء، و أمطرت مطرا شديدا، و صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

قال: فأطافت الأنصار بأبي لبابة يقولون: يا أبا لبابة، و اللّه لن تقلع حتّى تقوم أنت فتسد ثعلب مربدك بإزارك، فأقلعت السحابة.

في ظهور آياته في طاعة الشجر و الحجر له و فيه: ثمانية أحاديث

75) حمّاد بن عثمان و مخلد بن عبد اللّه جميعا، قالا:

سمعنا أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إن من الناس من يؤمن بالكلام، و منهم من لا يؤمن إلّا بالنظر، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه رجل، فقال له:

أرني آية. فقال صلى الله عليه و آله لشجرتين: اجتمعا، فاجتمعتا، ثمّ قال: تفرقا.

فافترقتا، فرجعت كلّ واحدة منهما إلى مكانها».

76) و عنه عليه السلام، قال: «لمّا سار رسول اللّه صلى الله

عليه و آله إلى حصن بني قريظة، حال النخل بينه و بين الحصن، فقال صلى الله عليه و آله للنخل بيده كذا، فذهبت النخل يمينا و شمالا، حتّى بدا له الحصن».

77) عن عليّ عليه السلام، قال: «لقد بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم بطحاء إلى شجرة فأجابت، و لكلّ غصن منها تسبيح، و تهليل، و تقديس.

ثمّ قال لها: انشقّى. فانشقّت نصفين، ثمّ قال لها: التزقى، فالتزقت، ثمّ قال لها: اشهدى. فشهدت له بالنبوّة، ثمّ قال لها:

ارجعي إلى مكانك بالتسبيح، و التهليل، و التقديس. ففعلت.

و كان موضعها جنب الجزّارين بمكّة.

و في ذلك عدّة آيات من الذهاب، و المجي ء، و الانشقاق، و الالتزاق، و التسبيح، و الشهادة بالنبوة.

78) عن أبي بكر قال لعمر: أ ما تذكر و نحن منصرفون من الغزوة الفلانية، و قد أراد النبيّ صلى الله عليه و آله أن يقضي حاجته، و كان مكشوفا، فدعا بشجرة و كانت بالبعد، فانقلعت بأصولها و عروقها، فأقبلت إليه صلى الله عليه و آله فوقفت في وجهه، فقام خلفها حتّى عمل ما أراد، ثمّ قال لها: «ارجعي إلى موضعك». فرجعت إلى موضعها؟!

79) و روي أنّه صلى الله عليه و آله في غزوة الطائف مرّ بين طلح و هو وسن من النوم، فاعترضته سدرة، فانشقّت له نصفين، فمرّ بين نصفيها، و بقيت السدرة على ساقين إلى زماننا هذا، تسمى سدرة النبيّ صلى الله عليه و آله.

80) عن الصادق عليه السلام، قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في موضع، و معه رجل من الصحابة، فأراد قضاء حاجته، فقال للرجل: ائت الاثنتين- يعني النخلتين- فقل لهما: اجتمعا فاجتمعتا، فاستتر رسول اللّه صلى الله عليه و

آله بهما، فقضى حاجته، فجاء الرجل إلى ذلك الموضع، فلم ير شيئا».

81) و روى أبو الجارود العبدى، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، قال: «لمّا صعد النبي صلى الله عليه و آله الغار، فطلبه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، خشية أن يغتاله المشركون، و كان النبيّ صلى الله عليه و آله في حراء، و عليّ على ثبير فبصر به النبيّ صلى الله عليه و آله فقال:

مالك يا عليّ؟

فقال: بأبي أنت و أمّى، إنّي خشيت أن يغتالك المشركون.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: ناولني يدك يا على. فزحف الجبل حتّى تخطى عليّ عليه السلام برجله الجبل الآخر، ثمّ رجع إلى قراره، و المنّة للّه».

82) عن أبي بكر، قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه و آله في الغار، و سمعت أصوات قريش، فخفت و قلت: قد جاءوا ليقتلوك و يقتلوني معك. فرفس جانب الغار رفسة، فانفجر عن بحر عجاج فيه سفائن من فضة، فرأيت جعفر بن أبي طالب يقوم في سفينة و قال لى: «قد قربت سفائن الفضة إن جاءوا من هاهنا خرجنا من هاهنا».

في ظهور آياته في إحياء الموتى و فيه: ثلاثة أحاديث

83) عن عليّ عليه السلام، قال: «و لقد سألته قريش إحياء ميت، كفعل عيسى عليه السلام، فدعاني ثمّ وشّحني ببردة السحاب، ثمّ قال: انطلق يا عليّ مع القوم إلى المقابر، فأحى لهم بإذن اللّه، من سألوك من آبائهم، و أمّهاتهم، و أجدادهم، و عشائرهم.

فانطلقت معهم، فدعوت اللّه تبارك و تعالى باسمه الأعظم، فقاموا من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم بإذن اللّه تعالى، جلّت عظمته».

84) عن مسمع بن عبد الملك كردين، و ابن عمرويه، قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان قاعدا، و هو

يذكر اللّحم و قرمه، إليه، فقام رجل من الأنصار و له عناق، فانتهى إلى امرأته، فقال لها:

هل لك من غنيمة باردة؟ قالت: و ما ذلك؟

قال: إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذكر اللّحم و يشتهيه.

قالت: خذها، و لم يكن عندهم غيرها، و كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعرفها، فلمّا جاء بها ذبحت و شويت، ثم وضعها صلى الله عليه و آله بين يدي أصحابه، ثمّ قال: «كلوا و لا تكسروا عظاما» فأكل و أكلوا، و رجع الأنصارى، و إذا هي على بابه تلعب.

85) عن أم سلمة رضي اللّه عنها، قالت كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نصف النهار إذ أقبل ثلاثة من أصحابه، فقالوا: ندخل يا رسول اللّه؟ فصير ظهري إلى ظهره، و وجهه إليهم.

فقال الأوّل منهم: يا محمّد، زعمت أنّك خير من إبراهيم، و إبراهيم عليه السلام اتّخذه اللّه خليلا، فأي شي ء اتّخذك؟

و قال الثانى: زعمت أنّك خير من موسى، و موسى كلّمه اللّه عزّ و جل تكليما، فمتى كلّمك؟

و قال الثالث: زعمت أنّك خير من عيسى، و عيسى أحيا الموتى، فمتى أحييت ميتا؟

و في الحديث طول و جواب ... ثمّ قال لعليّ عليه السلام: «قم يا حبيبى، فالبس قميصي هذا، فانطلق بهم إلى قبر يوسف بن كعب، فأحيه لهم بإذن اللّه تعالى محيي الموتى».

فأتى بهم إلى البقيع، حتّى أتى إلى قبر دارس، فدنا منه، ثمّ تكلّم بكلمات فتصدّع القبر، ثم ركله برجله و قال: «قم بإذن اللّه تعالى محيي الموتى»، فإذا شيخ ينفض التراب عن رأسه و لحيته، و هو يقول:

يا أرحم الراحمين. ثمّ التفت إلى القوم كأنّه عارف بهم، و هو يقول:

أكفر

بعد الإيمان! أنا يوسف بن كعب، صاحب الأخدود، أماتني اللّه منذ ثلاثمائة عام.

و في الحديث طول، اقتصرت على الموضع المقصود.

في ظهور آياته في ظهور النور و فيه: ستة أحاديث

86) عن حيان بن عمير عن قتادة بن ملحان، قال: «أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأبايعه، فمسح يده على وجهى، فكان لوجهي بريق، حتّى أن المارّ ليمرّ في الطريق، فينظر في وجهي كأنّما ينظر في مرآة، فأقول: هذه من بركة يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

87) عن أبي عون الدوسي قال: لمّا أسلم طفيل بن عمرو الدوسى، قال: يا رسول اللّه، إنّي امرؤ مطاع في قومى، و أنا راجع إليهم، و داعيهم إليك، فقال صلى الله عليه و آله: «اللّهم اجعل له آية».

قال: فخرج إلى قومه، حتّى إذا كان بثنية تطلعه على الحاضر، وقع نور بين عينيه مثل المصباح، فقال: اللّهم في غير وجهى، فإنّي أخشى أن يظنّوا بي أنّها مثله وقعت في وجهي لفراق دينهم. فتحول النور إلى وسطه كالقنديل المعلّق.

88) عن أنس بن مالك، قال: إن عبّاد بن بشر، و أسيدا كانا عند النبيّ صلى الله عليه و آله في ليلة ظلماء حندس، فخرجا من عنده فأضاءت عصا أحدهما مثل السراج، فكانا يمشيان بضوئها، فلمّا أرادا أن يفترقا إلى منازلهما، أضاءت عصا هذا و عصا هذا.

89) عن محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه، قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و آله في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء؛ فأضاءت أصابعي حتّى جمعوا عليها ظهورهم، و ما هلك منهم أحد، و إنّ أصابعي لتنير.

90) عن قتادة بن النعمان، قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله في ليلة مطيرة، أحببت أن أصلّي معه، فأعطاني صلى الله عليه و آله

عرجونا، و قال: «خذه فإنّه سيضي ء لك أمامك عشرا، فإذا أتيت بيتك فإنّ الشيطان قد خلفك، فانظر في الزاوية عن يسارك حتّى تدخل، فأعله به حتّى يسبقك».

فدخلت، فنظرت حيث قال النبيّ صلى الله عليه و آله، فإذا سواد، فعلوته به حتّى سبقني به، فقالت أهلى: ما تصنع؟! فإذا بضبع.

91) عن أبي هريرة، قال: بينما نحن نصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله العشاء، و كان إذا سجد وثب الحسن و الحسين عليهما السلام على ظهره فإذا أراد أن يركع أخذهما أخذا رفيقا، حتّى يضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتّى قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاته فانصرف، و وضعهما على فخذيه.

قال: فقمت إليه و قلت: يا رسول اللّه، أ لا أذهب بهما؟ فقال:

«لا».

قال: فبرقت لهما برقة، فقال: «الحقا بأمّكما» فما زالا في ضوئها حتّى دخلا.

في بيان ظهور آياته من الإخبار بالغائبات و فيه: ستة أحاديث

اعلم أنّ هذا الباب لو استقصيناه، لاحتاج إلى مجلّدة ضخمة، و لكن اقتصرنا على طرف منه.

92) عن محمّد بن عليّ بن عتاب، قال: خرجت في الهزيمة مع عبد اللّه بن عزيز، فلمّا صرت بطوس أتيت قبر أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، فإذا أنا بشيخ كبير هرم، فسألني عن أهل الرى، فأخبرته بما نالهم و بما رأيت فيهم، و بهدم السور، فقال: حدّثني صاحب هذا القبر، عن أبيه عن، جدّه، عن آبائه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنه قال: «كأنّي بأهل الري و قد وليهم رجل يقال له (عبد اللّه بن عزيز) فيؤسر، فيؤتى به طبرستان، فيضرب عنقه في يوم النحر، و يرفع رأسه على خشبة و يطرح بدنه في بئر».

قال: فرجعت إلى الري و ابن عزيز في البلد، فحدّثته الحديث

فتغير لون وجهه، و قال لى: قد يكون اسم يوافق اسما، و أرجو أن يكفيني اللّه ذلك، و لا بدّ من مناصحة من استكفانا أمره.

قال: فكرهت ذلك و ندمت على قولي حتّى تبيّن ذلك في وجهى، فقال: لا عليك قد أدّيت ما سمعت. فما عدت إليه حتّى نزل به ما حدّثت به.

و في الحديث عدّة آيات.

93) عن عليّ عليه السلام، قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخبر أهل مكّة بأسرارهم، حتّى لا يبقى منها شي ء.

منها أنّ عمير بن وهب أتى المدينة و قال: جئت في فكاك ابنى.

فقال صلى الله عليه و آله: كذبت، بل قلت لصفوان و قد اجتمعتم بالحطيم، و قد ذكر صفوان قتلى بدر و قال: و اللّه الموت خير من البقاء، مع ما صنع بنا، و هل حياة بعد أهل القليب؟! فقلت: لو لا عيال و دين لأرحتك من محمّد.

فقال صفوان: عليّ أن أقضي دينك، و أجعل بناتك مع بناتى، يصيبهنّ ما أصابهنّ من خير أو شر. فقلت أنت: فاكتمها على، و جهزني حتّى أذهب و أقتله فجئت لتقتلنى.

فقال: صدقت يا رسول اللّه، و أنا أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنّك رسول اللّه.

94) و عنه عليه السلام مجملا، و عن ابن شهاب مفصلا، قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا بعث الجيش إلى مؤتة، كان ذات يوم على المنبر، فنظر إلى معركتهم فقال صلى الله عليه و آله: «أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة الدنيا، فقال: حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تحبّب إليّ الدنيا؟! فمضى قدما حتّى استشهد رضي اللّه عنه» فقال صلى الله عليه و آله: «استغفروا له،

و دخل الجنّة و هو يسعى.

ثمّ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمنّاه الحياة، و كرّه إليه الموت، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا؟! ثمّ مضى قدما حتّى استشهد» فصلّى عليه، و دعا له.

ثم قال: «استغفروا لأخيكم جعفر فإنّه شهيد، لقد دخل الجنّة، و هو يطير بجناحين من ياقوت حيث يشاء في الجنّة.

ثمّ أخذ الراية بعده عبد اللّه بن رواحة، فاستشهد، ثمّ دخل الجنّة معترضا» فشقّ ذلك على الأنصار، فقيل: يا رسول اللّه، ما اعترضاه؟

فقال: «لمّا أصابه الجرح نكل، فغابت نفسه، فشجع، فدخل الجنّة» فسري عن قومه.

ثمّ ورد على ابن منبه، فقال صلى الله عليه و آله: «إن شئت أخبرتك، و إن شئت أخبرنى». فقال: بل أخبرني يا رسول اللّه فأخبره خبره كلّه قال:

و إنّك و الّذي بعثك بالحقّ، ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره.

فقال صلى الله عليه و آله: «إنّ اللّه رفع لي الأرض حتّى رأيت معركتهم».

95) عن عليّ عليه السلام، قال: «قال النبيّ صلى الله عليه و آله ذات يوم: يأتيني غدا تسعة نفر من حضرموت، فيسلم منهم ستة نفر، و لا يسلم ثلاثة.

فوقع في قلوب أناس كثير، فقلت أنا أصدّق اللّه و رسوله: هو كما قلت يا رسول اللّه.

فقال: أنت الصدّيق الأكبر، و يعسوب المؤمنين، و إمامهم ترى ما أرى، و تعلم ما أعلم، و أنت أول المؤمنين إيمانا، و لذلك خلقك و نزع منك الشك و الضلال، و أنت الهادي الثانى، و الوزير الصادق.

فلمّا أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله و قعد في مجلسه و أنا عن يمينه، أقبل تسعة رهط من حضرموت، حتّى دنوا منه صلى الله عليه و آله، فسلّموا

عليه، فردّ عليهم السلام، فقالوا: يا محمد، اعرض علينا الإسلام. فعرض عليهم، فأسلم الستة و لم يسلم ثلاثة، و انصرفوا.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للثلاثة: أمّا أنت يا فلان فستموت بصاعقة من السماء، و أما أنت يا فلان فيضربك أفعى في موضع كذا و كذا، و أما أنت يا فلان فإنّك تخرج في طلب إبلك فيستقبلك أناس من كذا فيقتلونك.

فوقع في قلوب كثير من الناس، فقلت: صدق اللّه و رسوله، لا يتقدمون و لا يتأخرون عمّا قلت فقال صلى الله عليه و آله: صدّق اللّه قولك، و لا زلت صدوقا.

فأتى لذلك ما أتى، فأقبل الستة الذين أسلموا فوقفوا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال لهم: ما فعل أصحابكم؟ فقالوا: و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما جاوزوا ما قلت، و كلّ مات بما قلت، و إنّا جئناك لنجدّد الإسلام، و نشهد أنك رسول اللّه، و أنك الأمين على الأحياء و الأموات».

96) و عنه عليه السلام، قال: «كنت صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم أقبل أبو جهل- لعنه اللّه- و هو يقول: أ لست تزعم أنّك نبيّ مرسل، و أنّك تعلم الغيب، و أنّ ربّك يخبرك بما تفعله، هل تخبرني بشي ء فعلته لم يطّلع عليه بشر؟

فقال صلى الله عليه و آله: لأخبرنّك بما فعلته، و لم يكن معك أحد، الذهب الّذي دفنته في بيتك في موضع كذا و كذا، و نكاحك سودة، هل كان ما قلت؟ فأنكر، فقال صلى الله عليه و آله: لئن لم تقر لأظهرنّ ذلك.

فعلم أنه سيظهره فقال: قد علمت أنّ معك رجل من الجنّ يخبرك بجميع ما نفعله، فأمّا أنا فلا لا أقول إنّك

نبيّ أبدا.

فقال صلى الله عليه و آله: لأقتلنك، و لأقتلنّ شيبة، و لأقتلنّ عتبة، و لأقتلنّ الوليد بن عتبة، و لأقتلنّ أشراركم، و لأقطعنّ دابركم و دابر مخزوم، و لأوطئنّ الخيل بلادكم، و لآخذنّ مكّة عنوة، و لتديننّ لي الدنيا شرقها و غربها، و ليعاديني قوم من قريش يكونوا طلقاى، و طلقاء هذا و ذريّتي يمتّعهم اللّه إلى حين، و العاقبة بالنصر لرجل من ذرّيتى.

فتولى عنّا أبو جهل عليه اللعنة و هو كالمستهزئ، ففعل اللّه بهم ذلك».

97) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، المعروف في التوراة بالباقر، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام».

قال الراوى: فدخل جابر على عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام فوجد محمّد بن عليّ عنده غلاما، فقال: يا غلام أقبل.

فأقبل، ثمّ قال: أدبر. فأدبر فقال جابر: شمائل رسول اللّه صلى الله عليه و آله و ربّ الكعبة.

ثمّ أقبل على عليّ بن الحسين عليه السلام فقال له: من هذا؟

فقال: «هذا ابنى، و صاحب الأمر من بعدى: محمّد الباقر».

فقام جابر فوقع على قدميه يقبلهما و يقول: نفسي لنفسك الفداء يا ابن رسول اللّه اقبل سلام أبيك، إن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرئك السلام.

قال: فدمعت عينا أبي جعفر عليه السلام و قال: «يا جابر و على أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله السلام ما دامت السماوات و الأرض، و عليك يا جابر بما بلّغت».

و منها: ما أخبر به أبا اليقظان عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه بقوله صلى الله عليه

و آله: «ستقتلك الفئة الباغية، و آخر زادك ضياح من لبن».

و منها: ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام أنه سيقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.

و منها: ما أخبره أنّه يموت قتلا، ضربا على رأسه.

و منها: ما أخبر بقتل الحسين عليه السلام، و وضع تربته عند أمّ سلمة رضي اللّه عنها و قال: «إذا صار هذا دما عبيطا فاعلمي أنّ ابني الحسين قد قتلوه».

و منها: ما أخبر بقتل عمر بن الخطّاب، و عثمان بن عفّان.

و منها: ما أخبر أن معاوية سيطلب الإمارة.

و منها: ما أخبر بخبر بني أميّة.

و منها: ما أخبر بملك ولد العبّاس، و أمثال ذلك لا يحصى كثرة، فإنّما اقتصرنا على هذا المقدار لأنّ استيفاء آياته لا يمكن أن تحصى.

في بيان ظهور آياته في معان شتى و فيه: أربعة عشر حديثا

98) أبو أمامة الباهلى، قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث إلى الملوك رسلا فأنطقهم اللّه بلسان من أرسل إليه.

99) عن المعلّى بن خنيس، عن الصادق عليه السلام، قال:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنفذ دحية الكلبيّ إلى قيصر ملك الروم، فتفل في فيه، فتكلم بالرومية.

و لمّا أنفذ عبد اللّه بن جحش إلى كسرى تفل في فيه فتكلم بالفارسية الدريّة».

100) عن أبي أمامة الباهلى، قال: أتي للنبي صلى الله عليه و آله بطعام، فأمر به فوضع على الأرض فجثا على ركبتيه، و وضع إحدى قدميه على الأخرى، و أقبل يأكل، فدخلت امرأة برزة مزّاحة فقالت: يا محمّد، تأكل كما يأكل العبيد! فقال: «أي عبد أعبد من محمّد، اجلسى».

فقالت: أنا و اللّه لا آكل إلّا ما ناولتنى. فناولها، فقالت: إلّا الذي في فيك. فأخرجها، فناولها إيّاها، فابتعلتها، فصبّ اللّه عليها الحياء، فما رؤيت ممازحة بعد ذلك أبدا.

101) عن إسماعيل

بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بجابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي اللّه عنه، فقال: يا جابر أ لا تسير؟ فقال: يا رسول اللّه إن بكري ضعيف، و لا يستطيع أن يسير سير الرواحل، و إنّما أخرجته من النضح حين خرجت.

قال: فغمز رسول اللّه صلى الله عليه و آله [أصل] ذنب بكره بمحجن معه في يده، و هو يقول: اللّهم احمله، اللهمّ احمله».

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «و كان جابر بن عبد اللّه يحلف باللّه ليسبق الناس حتّى رجعت، و جعل يسير بين يدي الإبل».

102) عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان سراقة بن جعشم المدلجي قريبا من قريش في ناحية مكّة، فأتاه رجل فقال: يا سراقة، لقد رأيت ركبانا ثلاثة قد مرّوا. فقال سراقة: ينبغي أن يكون هذا محمّد، لأتخذن عند قريش يدا.

فركب فرسه و أخذ رمحه، و كانت قريش قد بعثت الرجال في كلّ طريق، و الفرسان و النجائب، و خرج منهم جماعة على طريق المدينة، فلمّا لحق سراقة برسول اللّه صلى الله عليه و آله، قال أبو بكر: هذا فارس قد غشينا.

فقال صلى الله عليه و آله: «اللّهم اكفه عنّا» فارتطم فرسه في الأرض، و علم سراقة أنّه من صنع اللّه تعالى، فنادى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: يا محمّد، ادع اللّه أن يخلصنى، فو اللّه لأردّنّ عنك قريشا.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «اللّهم إن كان صادقا فخلّصه» فوثب فرسه، فلحق سراقة برسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قال: يا محمّد، خذ سهما من كنانتى، فإنك تمر براع لي فخذ ما شئت من

حملان و غنم فقال صلى الله عليه و آله: «لا حاجة لنا إلى ذلك».

و في الحديث طول.

103) عن عليّ عليه السلام، قال: «إنّ رجلا كان يطلب أبا جهل بدين، ثمن جزور قد اشتراه منه، و اشتغل عنه و جلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه» فقال بعض المستهزئين: ممّن تطلب؟

قال: من عمرو بن هشام، فلي عليه دين.

قال: أ فأدلك على من يستخرج الحقوق؟ قال: نعم. فدلّه على النبيّ صلى الله عليه و آله، و كان أبو جهل يقول: ليت لمحمّد إليّ حاجة فأسخر به، و أردّه.

فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و قال له: يا محمّد، قد بلغني أن بينك و بين عمرو بن هشام حسابا، فاستشفع بك إليه.

فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله معه فأتاه، و قال له: «قم يا أبا جهل و أد للرجل حقّه» و إنّما كنّاه أبا جهل ذلك اليوم، فقام مسرعا حتّى أدّى إليه حقّه، فلمّا رجع، قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمّد.

قال: و يحكم اعذرونى، إنّه لمّا أقبل رأيت عن يمينه رجالا بأيديهم حراب تلألأ، و عن يساره ثعبانين تصطك أنيابهما، و تلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطنى، و يقضمني الثعبانان.

104) و عنه عليه السلام «إنّ أبا جهل قال يوما: أنا أقتل محمّدا، و لو شاءت بنو عبد المطّلب قتلوني به، قالوا: إنّك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به.

قال: إنّه لكثير السجود حول الكعبة، فإذا جاء و سجد أخذت حجرا فشدخته به.

فجاء النبيّ صلى الله عليه و آله، و طاف بالبيت سبعا، ثمّ صلّى فأطال في صلاته، و سجد، و

أطال في سجوده، فأخذ أبو جهل حجرا و أتاه من قبل رأسه، فلمّا أن قرب منه، أقبل عليه فحل من قبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاغرا فاه، فلمّا رآه أبو جهل فزع و ارتعدت يده، و طرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدميا، متغيرا لونه، يفيض عرقا، فقال أصحابه: ما رأيناك اليوم.

قال: ويحكم اعذروني فإنّه أقبل من عنده فحل فاغر فاه يكاد يبتلعنى، فرميت الحجر، فشدخت رجلى».

105) سعيد بن عبد الرحمن الجحشي قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: أبلغك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعطى عبد اللّه بن جحش يوم أحد عسيبا من النخل فصار في يده سيفا؟ قلت: نعم، حدّثني بذلك آبائى. أو قال: أشياخنا، الشكّ من الراوى.

106) عن العبّاس بن عبد المطّلب، قال: قلت: يا رسول اللّه، دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك: قالت أمّك: رأتك في المهد تناغي القمر، و تشير إليه بإصبعك، فحيث أشرت إليه يذهب إليه.

قال صلى الله عليه و آله: «كنت أحدّثه و يحدّثنى، و يلهيني عن البكاء، و أسمع وجبته [حين] يسجد تحت العرش».

107) عن هند بنت الجون، قالت: لمّا نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بخيمة أمّ معبد، توضّأ للصلاة، و مجّ ماء في فيه على عوسجة يابسة، فاخضرّت و أنارت، و ظهر لي خضر ورقها، و حسن حملها، و كنا نتبارك بها، و نستشفي بها للمرضى.

فلمّا توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذهبت بهجتها و نضارتها.

فلمّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام انقطع ثمرها.

فلمّا كان بعد مدّة طويلة أصبحنا يوما و إذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط، و ورقها ذابل يقطر منه مثل ماء

اللحم، فعلمنا أنه حدث حدث عظيم، فبتنا ليلتنا مهمومين فزعين نتوقع الداهية.

فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا بكاء و عويلا من تحتها و وجبة شديدة و ضجّة و رجّة، و صوت باكية تقول: يا ابن النبى، يا ابن الوصى، و يا ابن البتول، و يا بقيّة السادة الأكرمين. ثمّ كثرت الرنّات و الأصوات، و لم أفهم كثيرا ممّا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السلام، و يبست الشجرة، و جفّت، و ذهب أثرها.

108) و عن عروة بن أبي الجعد البارقى، قال: قدم جلب فأعطاني النبيّ صلى الله عليه و آله دينارا و قال: «اشتر بها شاة» فاشتريت شاتين بديا نار، فلحقني رجل، فبعت إحداهما منه بديا نار، ثمّ أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله بشاة و دينار، فردّه عليّ و قال: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك» و لقد كنت أقوم [بعد ذلك] بالكناسة- أو قال بالكوفة- فأربح في اليوم أربعين ألفا.

109) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: خرج علينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في يوم جمعة و قد راح الناس في الأزر و الأردية، و راح في ثياب كثاف، فخطب، ثمّ صلّى و دخل.

ثمّ إنّ الناس وثبوا فراحوا في الأكسية، و السراويلات، و الطيالسة، فراح هو في ثوبين، ثمّ دعا بماء و هو على المنبر فشرب، فنظرت إلى العرق يرشح من جبينه.

قال: ثمّ نزل، فصلّى، و دخل، فذكرت ذلك لأبي فقلت: هل رأيت من أمير المؤمنين ما رأيت؟! قال: لا.

و دخل عليه أبو ليلى و سأله، قال: فقال: «يا أبا ليلى، أ ما بلغك ما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و قد دعاني يوم خيبر،

و أنا أرمد، فجئت أتهادى بين رجلين، فتفل في راحته، ثمّ ألصقها بعينى، ثمّ قال: اذهب اللّهم عنه الحر و البرد و الرمد؟! فو اللّه ما وجدت حرّا، و لا بردا، و لا رمدا، حتّى الساعة، و لا أجدها حتّى أموت».

1) عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنت مع النبيّ صلى الله عليه و آله في غزوة حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل شجرة، فلمّا زالت الشمس، لبست لامتي و ركبت فرسى، و انطلقت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و هو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول اللّه قد حان الرواح قال: «أجل» فنادى بلالا من تحت شجرة كأنّ ظلها ظلّ طائر فقال: لبيك و سعديك، و أنا فداك. فقال: «اسرج فرسى».

فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيه أشر و لا بطر، فركب و ركبنا فضاممناهم عشيتنا.

قال: فلمّا تسامت الخيلان ولّى المسلمون مدبرين، كما قال اللّه تعالى، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يا عباد اللّه أنا عبد اللّه و رسوله» ثمّ اقتحم صلى الله عليه و آله عن فرسه، و أخذ كفّا من تراب فقال: «شاهت الوجوه» فهزمهم اللّه تعالى.

قال يعلى بن عطاء: أخبرني أولئك، عن آبائهم، أنّهم قالوا: لم يبق منا أحد إلّا امتلأت عيناه وفوه ترابا، و قتلوا، و سمعنا صلصلة بين السماء و الأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد.

111) عن شرحبيل بن مسلم الخولانى، قال: إنّ الأسود بن قيس العنسي بينا هو باليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني فأتاه، فقال له: أتشهد أنّي رسول اللّه؟ قال: ما أسمع.

قال: فتشهد أن محمّدا رسول اللّه؟ قال: نعم. فأمر بنار عظيمة فأججت ثمّ ألقى

أبا مسلم الخولاني فيها، فلم تضرّه.

فقيل للأسود: إنّك إن لم تنف هذا عنك، أفسد عليك من اتّبعك، فأمره بالرحيل.

الباب الثاني في بيان معجزات الأنبياء التي ذكرها الله تعالى في القرآن و بيان فضائلهم، و ما جعله الله تعالى لأهل بيت نبينا عليه و عليهم السلام مما يضاهيها و يشاكلها و يدانيها

في ذكر آدم و فيه: اثنا عشر حديثا

إنّ اللّه سبحانه و تعالى خلق آدم عليه السلام، و اصطفاه، و جعله بديع فطرته، و آية قدرته، بفضائل إعلاء لقدره و تنويها باسمه، و جعله حجة قبل أن يحتج به عليه، كما روي عن الصادقين عليهما السلام «الحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق».

و إنّما نذكر فضائله المذكورة في القرآن، ثمّ نذكر بإزاء كلّ فضيلة فضيلة توازيها، و بدل كلّ كرامة كرامة لأئمتنا عليهم السلام.

فأوّل فضيلة لآدم عليه السلام أنّ اللّه سبحانه و تعالى أخبر ملائكته بتعظيم قدره قبل خلقه، بقوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و هذه الفضيلة في غاية الشرف، و نهاية الفضل، حيث أخبر سبحانه و تعالى أنّه يجعل أحدا ينوب عنه في الحكم بين خليقته، ثمّ كشف عن عظم قدره و رفع شأنه بإخباره عنه لأهل طاعته.

فإنّ اللّه سبحانه و تعالى أعطى أمير المؤمنين و سيّد الوصيين عليه السلام ما يضاهي ذلك و يوازيه في القدر و النباهة، و هو ما روته الثقات و حملة الإثبات و نطقت به الآثار و اشتهرت به الأخبار.

112) فعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنه قال: «مكتوب على باب الجنّة: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، و عليّ أخو رسول اللّه. و ذلك قبل أن يخلق اللّه تعالى السماوات و الأرض بألفي عام».

113) و روي أيضا في المشهور من الأثر، أنه كتب على قائمة من قوائم عرشه قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام: «لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه،

و أيّدته و نصرته بعليّ بن أبي طالب عليه السلام».

114) و روي عن أبي أبي الحمراء أنّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا أسري بي إلى السماء، رأيت على ساق العرش الأيمن مكتوبا: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، أيدته بعليّ بن أبي طالب عليه السلام، و نصرته به.

و أمّا الخلافة فإنّ اللّه سبحانه و تعالى جعل له ذلك على لسان نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله في مواضع كثيرة، و مواطن جمة، كقوله صلى الله عليه و آله: «أنت وصيّي في أهلى، و خليفتي في أمتى».

و قد أنزل اللّه سبحانه في المهدي الحجّة الخلف من ولده صلوات اللّه عليهما: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية.

و من استخلفه اللّه تعالى فهو الخليفة.

و في الآية تنبيه على أنّها ليست فيمن سواهم، لأنّ من ادعى الخلافة من غيرهم إنّما استخلفه الناس، و اختاره الخلق، و لم يستخلفه اللّه تبارك و تعالى، و قد قال اللّه عزّ من قائل: كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ و من استخلفه اللّه كان مطهّرا من الأدناس، متميّزا بالعصمة من الناس، و ليس ذلك من صفة من تصدّى للأمر.

و قد روي عن آل محمّد صلى الله عليه و آله حقيقة ذلك، فيا لها من مرتبة شريفة، و منقبة منيفة، و فضيلة باهرة، و حجّة قاهرة.

و الثانية: أنه سبحانه و تعالى علّم آدم الأسماء كلّها و ألهمه معانيها، ثمّ قال للملائكة أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فلمّا عجزوا و اعترفوا، قال لآدم عليه السلام أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فلمّا عرفت الملائكة فضيلته و أيقنوا برتبته، أمرهم بالسجود تكرمة

له، فأذعن المخلصون و تمرّد من كان من أهل النفاق، و جحد عنادا، و استكبر حسدا، و ادعى أنّه خير منه، و اعتقد في نفسه ما لم يجعله اللّه له، فغضب اللّه عزّ و جل عليه، فطرده عن بابه، و وسمه باللعنة، و أخرجه من جواره، و أهبطه عن داره، و مدح من أذعن لأمره، و انقاد لحكمه بالسجود له بقوله تعالى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ فميّز اللّه تعالى به بين المؤمن و المنافق، و المخلص و المدغل.

و قد أعطى اللّه تعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يماثل هذه الفضائل و يوازيها، و يقاربها و يدانيها، و هو أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ما روي في المشهور من الأثر، و المنقول من الخبر (علّمه ألف باب، ففتح له من كلّ باب ألف باب).

و قال صلى الله عليه و آله: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها».

و بيّن صحة ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: «سلوني عمّا دون العرش».

و قوله: «سلوني قبل أن تفقدونى».

و قوله: «ما من فئة تضل فئة أو تهدي فئة، إلا أنبأتكم- لو شئت- بسائقها و قائدها و ناعقها، و محطّ رحالها إلى يوم القيامة».

115) و قوله و قد روى عنه عباية بن ربعي الأسدى، قال: سمعته و هو يقول: «سلوني قبل أن تفقدونى، أ لا تسألوني عن علم البلايا و المنايا و الأنساب».

و حديث الجفر، و الجامعة، و مصحف فاطمة عليها السلام، و غير ذلك غير خاف عند علماء أهل البيت عليهم السلام و في إحصاء ذلك كثرة.

116) فقد روى أبو إسحاق السبيعي أنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام، قال في الخطبة الّتي

خطبها بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام: «و كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوجهه و يكنفه، جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن شماله لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يده».

117) و يصدق ذلك ما رواه جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «ما اعتصى عليّ أهل مملكة قط إلّا رميتهم بسهم اللّه» قلنا: يا رسول اللّه، و ما سهم اللّه؟

قال: «عليّ بن أبي طالب، ما بعثته في سرية قط إلّا رأيت جبريل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره و ملك الموت أمامه في سحابة تظله، حتّى يعطي اللّه لحبيبي النصر و الظفر».

118) و قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إنّ اللّه تعالى جعل ملائكة سياحين في الأرض، فإذا مرّوا بآل محمّد مسحوا بأجنحتهم رءوسهم».

119) روى أبو جعفر الباقر عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام- بعد قتل عثمان بن عفان-: أنشدكم باللّه، هل فيكم أحد سلّم عليه جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري؟» قالوا: لا.

120) روى الأصبغ بن نباتة، قال: دخلت على أمير المؤمنين، و الحسن و الحسين عليهم السلام عنده، و هو ينظر إليهما نظرا شديدا، قلت له: بارك اللّه لك في فتيانك، و بلّغ بهما أملهما فيك، و بلّغ بك أملك فيهما.

فقال: «خرجت يوما و صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلمّا انصرفت قلت: يا رسول اللّه إنّي كنت في ضيعة لى، فجئت نصف النهار و أنا جائع، معى، فسألت ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله هل عندها شي ء تطعمنى، فقامت لتهيّئ شيئا، فأقبل ابناك الحسن و الحسين مظهرين،

يقولان: حسبنا جبرئيل و رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فقلت: كيف حسبكما جبرئيل و رسول اللّه؟

فقال الحسن: كنت أنا في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و الحسين في حجر جبرئيل، فكنت أنا أثب من حجر رسول اللّه إلى حجر جبرئيل، و الحسين يثب من حجر جبرئيل إلى حجر رسول اللّه.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: صدق ابناى، ما زلت أنا و جبرئيل نلهو بهما منذ أصبحنا حتّى زالت الشمس.

قلت ففي أي صورة كان جبرئيل؟ قال: في الصورة التي كان ينزل عليّ فيها».

و أمثال ذلك لا تحصى كثرة.

و قد جعل اللّه تعالى عليّا أمير المؤمنين علما بين الإيمان و النفاق، و بين من ولد لرشده، و بين من ولد لغيّه.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «حبّك إيمان و بغضك نفاق».

و قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله له: «لا يحبّك إلّا مؤمن، و لا يبغضك إلّا منافق».

121) روى ابن عبّاس رضي اللّه عنه في حديث طويل أنّه صلى الله عليه و آله قال: «لا يحبك إلّا طاهر الولادة، و لا يبغضك إلّا خبيث الولادة».

122) روي عن عائشة- مع انحرافها عن عليّ عليه السلام- قالت: كنا نختبر أولادنا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحبّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام، فمن أحبّه علمنا أنه لرشده.

و قد ذكر في ذلك أبيات عنها:

إذا ما التبر حك على المحك

تبين غشه من غير شكّ

ففينا الغش و الذهب المصفى

عليّ بيننا شبه المحكّ

123) و كان جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي اللّه عنه و هو يدور على مجالس الأنصار و يقول: «عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر»، يا معشر

الأنصار أدّبوا أولادكم على حبّ على، فمن أبى فانظروا في شأن أمه.

و أمثال هذا كثيرة و لا يمكن استيفاؤها.

في ذكر نوح و هود و صالح و فيه: خمسة أحاديث

إنّ اللّه سبحانه و تعالى لم يذكر في كتابه المجيد لأحد منهم آية سوى آية الناقة لصالح، فإنّه تعالى جعلها له آية، و ذكرها في كتابه العزيز فقال عزّ من قائل: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فأمّا الطوفان، و الريح، و إهلاك قوم منهم بسبب آية تخالف العادة، و أنّه تعالى كان عذّبهم بالماء و الريح، و أفناهم و قطع دابرهم، و أبادهم، و جعلهم عبرة لمن عقل، و عظة لمن تدبّر، و حديثا لمن تذكّر، على وجه يخرق العادة، ثمّ لم يجعل ذلك لنبيّنا صلى الله عليه و آله، و لا لأحد من أوصيائه، لأنّه سبحانه و تعالى جعله صلى الله عليه و آله نبيّ الرحمة كما قال عزّ اسمه: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.

و كان صلى الله عليه و آله أحسن الأنبياء خلقا، و أكرمهم سجية، و أعلاهم فضلا.

124) و قد قال صلى الله عليه و آله من كرمه الفائض و خلقه الجميل: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة، و إنّي أخبأت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتى».

و إنّما فعل تعالى بالأمم الماضية من العذاب المدمر، و الهلاك الشامل، ليعتبر بهم من يجي ء بعدهم، بعد ما استحقوا ذلك بأفعالهم القبيحة، و إصرارهم على الكبائر، و تماديهم على الكفر و الجحود، و إنّ اللّه سبحانه و تعالى لم يغلق على نبيّنا، و على من بعث إليه باب التوبة، و لم يسدّ لهم طريق الأوبة إلى يوم القيامة، و رفع عنهم عذاب الاستئصال ببركته صلى الله عليه و آله.

125) و قد روي أنّ نوحا عليه السلام لمّا

دخل السفينة حمل معه من كلّ زوجين اثنين، كما قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز، و قد حمل معه أصل كلّ شي ء من القضبان و البذور و الحب و النوى، فلمّا هبط بسلام، أخذ القضبان التي كانت معه فغرسها، فنبتت و ربت و أورقت و أثمرت من ساعتها،

و إنّ اللّه تعالى قد فضّل أئمتنا عليهم السلام بمثل ذلك و هو:

126) ما روى أبو هارون العبدى، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجل و قال: بما تفتخرون علينا ولد عبد المطلب.

و كان بين يديه طبق فيه رطب، فأخذ عليه السلام رطبة ففلقها و استخرج نواها، ثمّ غرسها في الأرض و تفل عليها، فخرجت من ساعتها، و ربت حتّى أدركت و حملت، و اجتنى منها رطبا، فقدّم إليه في طبق، و أخذ واحدة ففلقها فأكل، و إذا على نواها مكتوب: لا إله إلا اللّه، محمّد رسول اللّه، أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله خزّان اللّه في أرضه.

ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أ تقدرون على مثل هذا؟!».

قال الرجل: و اللّه لقد دخلت عليك و ما على بسيط الأرض أحد أبغض عليّ منك و قد خرجت و ما على بسيط الأرض أحد أحبّ إليّ منك.

و أما الناقة، و ما أظهر اللّه سبحانه و تعالى بها من الآية، فقد آتى ربّنا تبارك و تعالى أهل البيت عليهم السلام ما يقارب ذلك و يدانيه، و يجانسه و يحاكيه. و هو:

127) ما حدثنا به شيخي أبو جعفر محمّد بن الحسين بن جعفر الشوهاني رحمه اللّه في داره بمشهد الرضا عليه السلام، بإسناده يرفعه إلى عطاء، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه،

قال: قدم أبو الصمصام العبسيّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و أناخ ناقته على باب المسجد، و دخل و سلّم و أحسن التسليم، ثمّ قال: أيّكم الفتى الغوي الذي يزعم أنه نبيّ؟

فوثب إليه سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنه، فقال: يا أخا العرب، أ ما ترى صاحب الوجه الأقمر، و الجبين الأزهر، و الحوض و الشفاعة، و القرآن و القبلة، و التاج و اللواء، و الجمعة و الجماعة، و التواضع و السكينة، و المسكنة و الإجابة، و السيف و القضيب، و التكبير و التهليل، و الاقسام و القضية، و الأحكام الحنيفة، و النور و الشرف، و العلو و الرفعة، و السخاء، و الشجاعة، و النجدة، و الصلاة المفروضة، و الزكاة المكتوبة، و الحج، و الإحرام، و زمزم، و المقام، و المشعر الحرام، و اليوم المشهود، و المقام المحمود، و الحوض المورود، و الشفاعة الكبرى، ذلك سيّدنا و مولانا محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فقال الأعرابى: إن كنت نبيّا فقل متى تقوم الساعة؟ و متى يجي ء المطر؟ و أي شي ء في بطن ناقتي هذه؟ و أي شي ء أكتسب غدا؟ و متى أموت؟

فبقي النبيّ صلى الله عليه و آله ساكتا لا ينطق بشي ء، فهبط الأمين جبرئيل عليه السلام و قال: يا محمّد، اقرأ هذه الآية. إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

قال الأعرابى: مدّ يدك فإني أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أقر أنّك محمد رسول اللّه، فأي شي ء لي عندك إن أتيتك بأهلي و بني عمّي

مسلمين؟

فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: «لك عندي ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز».

ثمّ التفت النبي صلى الله عليه و آله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام و قال: «اكتب يا أبا الحسن:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أقرّ محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف، و أشهد على نفسه في صحة عقله و بدنه، و جواز أمره، أنّ لأبي الصمصام العبسيّ عليه، و عنده، و في ذمّته ثمانين ناقة، حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز، و أشهد عليه جميع أصحابه».

و خرج أبو الصمصام إلى أهله فقبض النبيّ صلى الله عليه و آله، فقدم أبو الصمصام و قد أسلم بنو العبس كلّهم، فقال أبو الصمصام: يا قوم، ما فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ قالوا: قبض.

قال: فمن الوصيّ بعده؟ قالوا: ما خلّف فينا أحدا.

قال: فمن الخليفة من بعده؟ قالوا: أبو بكر.

فدخل أبو الصمصام المسجد فقال: يا خليفة رسول اللّه، إنّ لي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمانين ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز.

فقال أبو بكر: يا أخا العرب، سألت ما فوق العقل، و اللّه ما خلّف فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا صفراء و لا بيضاء، و خلّف فينا بغلته الدلدل، و درعه الفاضلة، فأخذها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، و خلّف فينا فدكا (فأخذناها نحن)، و نبيّنا محمّد لا يورث فصاح سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنه: كردى و نكردى و حق أمير ببردى يا أبا

بكر باز گذار اين كار بكسى كه حق اوست. فقال: ردّ العمل إلى أهله. ثمّ ضرب يده على يدي أبي الصمصام، فأقامه إلى منزل عليّ عليه السلام- و هو يتوضأ وضوء الصلاة- فقرع سلمان الباب، فنادى عليّ عليه السلام: «ادخل أنت و أبو الصمصام العبسى».

فقال أبو الصمصام: أعجوبة و ربّ الكعبة، من هذا الذي سمّاني باسمي و لم يعرفني؟!

فقال سلمان رضي اللّه عنه: هذا وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

هذا الذي قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب».

هذا الذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «عليّ خير البشر فمن رضي فقد شكر، و من أبى فقد كفر».

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ عند اللّه.

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ.

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية.

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الآية.

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ.

هذا الذي قال اللّه فيه: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

هذا الذي قال اللّه تعالى فيه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ.

ادخل يا أبا الصمصام

و سلم عليه، فدخل و سلّم عليه ثمّ قال: إنّ لي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمانين ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن و نقط الحجاز.

فقال عليّ عليه السلام: «أ معك حجّة؟» قال: نعم، و دفع الوثيقة إليه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يا سلمان ناد في الناس، ألا من أراد أن ينظر إلى قضاء دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله فليخرج غدا إلى خارج المدينة».

فلمّا كان بالغداة خرج الناس و قال المنافقون: كيف يقضي الدين و ليس معه شي ء؟! غدا يفتضح، و من أين له ثمانون ناقة حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها طرائف اليمن و نقط الحجاز؟!

فلمّا كان الغد اجتمع الناس، و خرج عليّ عليه السلام في أهله و محبّيه، و جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و أسرّ إلى ابنه الحسن سرّا لم يدر أحد ما هو، ثمّ قال: «يا أبا الصمصام امض مع ابني الحسن إلى كثيب الرمل».

فخرج الحسن عليه السلام و مضى معه أبو الصمصام، و صلّى ركعتين على الكثيب، فكلّم الأرض بكلمات، لا يدرى ما هى، و ضرب الأرض- أي ضرب الكثيب- بقضيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة، مكتوب عليها سطران من نور:

السطر الأوّل (بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه).

و على الآخر: (لا إله إلّا اللّه، عليّ ولي اللّه).

و ضرب الحسن تلك الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة، قال الحسن عليه السلام: «قد يا أبا الصمصام» فقاد فخرج منها ثمانون ناقة، حمر الظهور، بيض البطون، سود الحدق، عليها من طرائف اليمن و نقط

الحجاز، و رجع إلى عليّ عليه السلام فقال له: «استوفيت حقك يا أبا الصمصام؟!» فقال نعم.

قال: «سلم الوثيقة» فسلّمها إليه، فخرقها.

ثمّ قال: «هكذا أخبرني أخي و ابن عمّي صلى الله عليه و آله، إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق هذه النوق في هذه الصخرة، قبل أن يخلق اللّه ناقة صالح بألفي عام».

ثمّ قال المنافقون: هذا من سحر عليّ قليل.

و روي هذا الخبر على وجه آخر، و هو:

128) ما روى أبو محمّد الإدريسى، عن حمزة بن داود الديلمى، عن يعقوب بن يزيد الأنبارى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حبيب الأحول، عن أبي حمزة الثمالى، عن شهر بن حوشب، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه، قال: لمّا قبض النبيّ صلى الله عليه و آله، و جلس أبو بكر مكانه، نادى في الناس: ألا من كان له على رسول اللّه دين، أو عدة، فليأت أبا بكر، و ليأت معه بشاهدين، و نادى عليّ عليه السلام بذلك على الاطلاق من غير طلب شاهدين.

فجاء أعرابي متلثما متقلدا بسيفه، متنكبا كنانته و فرسه، لا يرى منه إلّا حافره- و ساق الحديث و لم يذكر الاسم و لا القبيلة- و كان ما وعد به مائة ناقة، حمر بأزمّتها و أثقالها، موقرة ذهبا و فضة بعبيدها، فلمّا ذهب سلمان رضي اللّه عنه بالأعرابي إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال له حين بصر به: «مرحبا بطالب عدة والده من رسول اللّه صلى الله عليه و آله».

فقال: ما وعد أبي فداك أبي و أمي يا أبا الحسن؟ فقال: «إنّ أباك قدم على رسول اللّه و قال: أنا رجل مطاع في قومى، إن دعوتهم إلى الإسلام أجابونى، و إني ضعيف الحال، فما تجعل

لي إن دعوتهم إلى الإسلام فأسلموا؟

فقال صلى الله عليه و آله: «من أمر الدنيا، أم من أمر الآخرة؟» قال: و ما عليك أن تجمعهما لي يا رسول اللّه، و قد جمعهما اللّه لأناس كثيرة؟!

فتبسّم النبيّ صلى الله عليه و آله و قال: أجمع لك خير الدنيا و الآخرة، فأمّا في الآخرة فأنت رفيقي في الجنّة، و أمّا في الدنيا فقل ما تريد.

قال: مائة ناقة حمر بأزمّتها و عبيدها، موقرة ذهبا و فضة.

ثمّ قال: و إن دعوتهم فأجابونى، و قضى عليّ الموت، و لم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدى، فقال: نعم. فقال أبوك: فإن أتيتك و قد رفعك اللّه و لم أدركك، يكون من بعدك من يقوم عنك فيدفع ذلك إليّ أو إلى ولدي؟

قال: نعم، على أن لا أراك و لا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا، و سيجيبك قومك فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليّي من بعدي و وصيّى». و قد مضى أبوك و دعا قومه فأجابوه، و أمرك بالمصير إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، أو إلى وصيّه فها أنا وصيّه، و منجز وعده». فقال الأعرابى: صدقت يا أبا الحسن.

ثم كتب له عليّ خرقة بيضاء و ناولها الحسن عليه السلام و قال: «يا أبا محمّد، سر بهذا الرجل إلى وادي العقيق، و سلّم على أهله، و اقذف الخرقة، و انتظر ساعة حتّى ترى ما يفعل، فإن دفع إليك شي ء، فادفعه إلى الرجل». و مضيا بالكتاب.

قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه: فسرت من حيث لم يرنى، فلمّا أشرف الحسن بن عليّ عليه السلام على الوادى، نادى بأعلى صوته:

«السلام عليكم أيها السكّان البررة الأتقياء، أنا ابن وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه

و آله، أنا الحسن بن عليّ سبط رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و ابن وصيّه و رسوله إليكم». و قد قذف الخرقة في الوادى، فسمعت من ذلك الوادي صوتا: لبيك لبيك يا سبط رسول اللّه و ابن البتول، و ابن سيّد الأوصياء، سمعنا و أطعنا، انتظر لندفع إليك. فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام- و لم أدر من أين ظهر- و بيده زمام ناقة حمراء، تتبعها ست، و لم يزل يخرج غلام بعد غلام في يد كلّ غلام قطار، حتّى عددت مائة ناقة حمراء بأزمّتها و أحمالها، فقال الحسن عليه السلام: «خذ بزمام نوقك و عبيدك و مالك و امض بها، رحمك اللّه».

و أما السفينة التي قدّرها اللّه تبارك و تعالى لنوح عليه السلام سببا لنجاة أهله من الماء، فإنّ اللّه سبحانه و تعالى جعل أهل بيت نبيّه صلى الله عليه و آله سفينة لنجاة أمّته من النار فقال صلى الله عليه و آله: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، فمن ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك».

فبيّن صلى الله عليه و آله أن بهم نجاة أمّته كما أنّ بها نجاة قوم نوح عليه السلام من الغرق، و هذا دليل قاطع على أنّ الواجب اتباعهم و الاقتداء بهم، لأنّ من آمن به و اتبعه نجا، و من لم يؤمن به و لم يركب السفينة هلك، و لمّا جعل نفس أهل بيته السفينة، و أمرهم بركوبها، دلّ على أنّهم المقتدى بهم، و هذا واضح بحمد اللّه تعالى و لطفه و منه.

في ذكر إبراهيم خليل الله و فيه: سبعة أحاديث

و أمّا إبراهيم خليل اللّه صلوات اللّه عليه فإنّ اللّه تعالى ذكر له آيتين في القرآن: إحداهما قوله تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي

بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ. وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ.

و الثانية قوله تعالى: وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. و السبب في همّ نمرود بإحراقه، أنّه لمّا خرج القوم إلى عيدهم، دخل إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم بقدوم، فأخذها و كسرها إلّا كبيرها، ثمّ وضع القدوم على عنقه، فلمّا رأى نمرود ذلك أجّج له نارا عظيمة، و ألقاه بالمنجنيق فيها، فوقاه اللّه حرّ النار، و جعلها عليه بردا و سلاما.

و السبب في طلب إبراهيم عليه السلام إحياء الموتى من اللّه تعالى، أنّه لمّا حاجّ نمرود في ربّه تعالى، قال إبراهيم: ربي الذي يحيي و يميت، قال: أنا أحيي و أميت و موّه على الأغبياء، و دلّس على الضعفاء بإطلاق من أراد قتله من السجن، و قتل من برئ من عرض الناس، فلمّا بهت لقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ طالبه نمرود بإحياء الموتى، فأخذ أربعة من الطير، و قطّعهن، و خلط أجزاءهن، و فرّقها على جبال، و دعاهنّ، و قد أخذ بيده رءوسهن، فأتينه سعيا.

و قد أعطى اللّه سبحانه و تعالى لأئمتنا عليهم السلام مثل ذلك، و هو أنّه لمّا أمر الدوانيقي الحسن بن زيد- و هو واليه على المدينة- بإحراق دار أبي عبد اللّه عليه السلام بأهلها فأضرم فيها النار و قويت، خرج عليه السلام من البيت و دخل النار، و وقف ساعة في معظمها، ثمّ خرج منها و قال: «أنا ابن أعراق الثرى» و عرق الثرى لقب إبراهيم عليه السلام.

129) و مثل ذلك ما

رواه المفضّل، قال: لمّا توفي جعفر الصادق عليه السلام، فادعى الإمامة عبد اللّه بن جعفر ولده، فأمر موسى عليه السلام بجمع حطب كثير في وسط داره، و أرسل إلى عبد اللّه يسأله المصير إليه، فلمّا صار إليه، و مع موسى عليه السلام جماعة من وجوه الإمامية، أمر موسى أن يجعل النار في الحطب، حتّى صار كلّه جمرا، ثمّ قام موسى عليه السلام، و جلس بثيابه في وسط النار، و أقبل نحو القوم ساعة، ثمّ قام و نفض ثوبه، و رجع إلى المجالس.

فقال لأخيه عبد اللّه: «أنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك، فاجلس في ذلك. قالوا: فرأينا عبد اللّه قد تغيّر لونه، فقام يجرّ رداءه، حتّى خرج من دار موسى عليه السلام.

و ما يقارب ذلك و يدانيه.

130) ما حدّث به عبد اللّه بن العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه، قال: «كنت مع أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام نعود شيخا من الأنصار، إذ أتاه آت فقال: الحق دارك فقد احترقت.

فقال عليه السلام: و اللّه ما احترقت. فذهب، و لم يلبث أن عاد، و قال: و اللّه قد احترقت. فقال عليه السلام: و اللّه، ما احترقت. و عاد و معه جماعة من أهلنا و موالينا، يبكون و يقولون لأبي صلوات اللّه عليه: قد احترقت دارك.

فقال أبى: كلا، و اللّه، ما احترقت و لا كذبت و لا كذّبت، و إنّ لأوثق بما في يدي منكم، لما أخبر به أعينكم.

و قام أبى، و قمت معه حتّى أتينا و النار تتوقد عن أيمان منازلنا و عن شمائلها، و كلّ جانب منها، ثمّ عدل أبي إلى المسجد فخرّ للّه ساجدا، و قال في سجوده: و عزتك و جلالك

لا أرفع رأسي حتّى تطفيها».

فقال: «و اللّه، ما رفع رأسه حتّى خمدت النار، و صار إلى داره و قد احترق ما حولها».

و أما إحياء الموتى، و هو:

131) ما رواه يونس بن ظبيان قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام أنا، و المفضّل بن عمر، و أبو سلمة السرّاج، و الحسن بن ثوير بن أبي فاختة، فسألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول إبراهيم صلوات اللّه عليه: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى- إلى قوله- فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أ تريدون أن أريكم ما أري إبراهيم عليه السلام؟». قلنا: نعم.

فقال: «يا طاوس، يا باز، يا غراب، يا ديك»، فإذا نحن بطاوس و باز و غراب و ديك، فقطّعهن، و فرّق لحمهن على الجبال، ثمّ دعاهن فإذا العظام تتطاير بعضها إلى بعض، و اللحم إلى اللحم، و العصب إلى العصب، حتّى عادت كما كانت بإذن اللّه تعالى.

فقال: أبو عبد اللّه عليه السلام: «قد أريتكم ما أرى إبراهيم قومه، و قد أعطينا من الكرامة ما أعطي إبراهيم عليه السلام».

و هذه كما علمت شاكلة لتلك، و معادلة لها، و في القرآن آية أخرى لخليل اللّه إبراهيم عليه السلام، و هي ما ردّ اللّه على سارة زوجته الشباب بعد الشيبة، و جعلها ولودا بعد العقم و اليأس، كما قال اللّه تعالى: وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ. قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْ ءٌ عَجِيبٌ و قد أظهر اللّه على يد زين العابدين عليه السلام ما يماثل ذلك.

132) و هو ما روى عبد الكريم بن عمرو الخثعمى، عن حبابة

الوالبية، قالت: رأيت أمير المؤمنين عليّا عليه السلام في شرطة الخميس، و معه درّة لها سبابتان، يضرب بها بياع الجرى، و المارماهى، و الزمار، و يقول لهم: «يا بياعي مسوخ بني إسرائيل، و جند بني مروان، فقام إليه ابن الأحنف فقال له: يا أمير المؤمنين و ما جند بني مروان؟ فقال: «أقوام حلقوا اللحى و تركوا الشوارب».

فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه، ثمّ اتّبعته، فلم أزل أقفو أثره، حتّى قعد في رحبة المسجد، فقلت له: يا أمير المؤمنين، و ما دلالة الإمامة؟ قال: «ائتيني بتلك الحصاة»،- و أشار بيده إلى حصاة-، فأتيته بها، فطبع لي بخاتمه فيها، ثمّ قال لى: «يا حبابة إذا ادّعى مدع الإمامة (فقدر أن يطبع) كما رأيت، فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة، و الإمام لا يعزب عنه شي ء يريده».

قالت: ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السلام، فجئت إلى الحسن، و هو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام، و الناس يسألونه فقال لى: «يا حبابة الوالبية» قلت: نعم لبيك يا مولاى.

فقال: «أين ما معك». فأعطيته الحصاة، فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام.

قالت الوالبية: ثمّ أتيت الحسين عليه السلام، و هو في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقرّب و رحّب، ثمّ قال: «إنّ لي في الدلالة دليلا على ما تريدين، أ فتريدين مني دلالة الإمامة؟» فقلت: نعم.

فقال: «هاتي ما معك». فناولته الحصاة، فطبع لي فيها.

قالت ثمّ أتيت عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، و قد بلغني الكبر إلى أن عييت، و أنا أعدّ يومئذ مائة و ثلاث عشرة سنة، فرأيته راكعا و ساجدا مشغولا بالعبادة، فيئست من الدلالة فأومى إلي بالسبابة، و عاد إلي شبابى.

قالت: فقلت:

يا سيّدي كم مضى من الدنيا و كم بقي؟

فقال: «أمّا ما مضى، فنعم، و أما ما بقى، فلا».

ثم قال: «هاتي ما معك»، فأعطيته الحصاة، فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا جعفر عليه السلام، فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا عبد اللّه جعفرا الصادق عليه السلام فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت أبا الحسن موسى عليه السلام فطبع لي فيها.

ثمّ أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها.

و عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام.

و لخليل اللّه إبراهيم عليه السلام قصة أخرى في القرآن، و هى قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.

133) فروى عمران، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «كشط له عن السموات حتّى نظر إلى العرش و الكرسي و السموات و الأرض».

و قد أعطى اللّه تبارك و تعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يحاكي ذلك.

134) و هو ما روي عن الطاهرين عليهم السلام في تفسير قوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا عرج به إلى السماء، رفع اللّه تعالى الحجاب بينه و بين على، حتّى نظر إلى حيث وضع صلى الله عليه و آله قدمه. و بيان ذلك.

135) ما حدّث المعلى بن هلال عن الكلبى، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه أنه، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «أعطاني اللّه تعالى خمسا، و أعطى عليّا خمسا.

أعطاني جوامع الكلم، و أعطى عليّا جوامع العلم، و جعلني نبيّا، و جعله وصيّا، و أعطاني الكوثر و أعطاه السلسبيل، و أعطاني الوحى، و أعطاه الإلهام، و أسري بي إلى السماء، و فتح له أبواب

السماوات و الحجب حتّى نظر إلي و نظرت إليه».

قال: ثمّ بكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقلت له: ما يبكيك، فداك أبي و أمي؟ قال: «يا ابن عبّاس إنّ أوّل ما كلمني به ربّى، أن قال لى: يا محمّد انظر تحتك، فنظرت إلى الحجب قد انخرقت، و إلى أبواب السماء قد فتحت، و نظرت إلى عليّ و هو رافع رأسه إلى السماء، فكلمني و كلمته».

فقلت: يا رسول اللّه، حدّثني بما كلمك به ربّك.

قال: قال لى: يا محمّد قد جعلت عليّا وصيّك و وزيرك و خليفتك من بعدك، فاعلمه، فها هو يسمع كلامك. فأعلمته، و أنا بين يدي ربّي عزّ و جلّ، فقال لى: قد قبلت.

فأمر اللّه تعالى الملائكة أن يسلموا عليه ففعلت، فردّ عليهم السلام، فرأيت الملائكة يتباشرون، فما مررت بملإ من الملائكة إلّا و هم يهنئونى، و يقولون: يا محمّد و الذي بعثك بالحقّ نبيّا، لقد دخل السرور على جميع الملائكة.

و رأيت حملة العرش قد نكسوا رءوسهم فقلت: يا جبرائيل، لم نكسوا رءوسهم؟ فقال: يا محمّد ما من ملك من الملائكة إلّا و قد نظر إلى عليّ ما خلا حملة العرش، فإنّهم استأذنوا اللّه عزّ و جلّ في هذه الساعة أن ينظروا إلى على، فأذن لهم.

فلمّا هبط جعلت أعلمه بذلك، و هو يخبرني به، فعلمت أنّي لم أطأ موطئا إلّا و قد كشف لعليّ عنه، حتّى نظر إليه، لمّا رأيت من علمه به».

قال ابن عباس: قلت: يا رسول اللّه، أوصني قال: «عليك بحبّ عليّ بن أبي طالب».

قال: قلت: يا رسول اللّه، أوصنى. قال: «عليك بحبّ على».

ثم قلت: يا رسول اللّه، أوصنى. قال: «يا ابن عبّاس، و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا، لا يقبل

اللّه من عبد حسنة حتّى يسأله عن حبّ عليّ ابن أبي طالب، و هو أعلم بذلك، فإن كان من أهل ولايته قبل عمله و يؤمر به إلى الجنّة، و إن لم يكن في أهل ولايته، لم يسأله عن شي ء، و يؤمر به إلى النار، و إنّ النار لأشد غيظا على مبغض عليّ منها على من زعم أنّ للّه ولد.

يا ابن عباس لو أنّ الملائكة المقربين، و الأنبياء و المرسلين، أجمعوا على بغضه لعذّبهم اللّه بالنار، و ما كانوا ليفعلوا ذلك».

قلت: يا رسول اللّه، و كيف يبغضونه؟ قال: «يا ابن عبّاس، قوم يذكرون أنّهم من أمّتى، و لم يجعل اللّه لهم في الإسلام نصيبا، يفضّلون عليه غيره، و الذي بعثني بالحقّ، ما بعث اللّه نبيّا أكرم عليه منّى، و لا وصيّا أكرم عليه من عليّ وصيّى».

قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه: فلم أزل له كما أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و إنّه لأكبر عملى.

فلمّا حضر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الوفاة قلت له: فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه ما تأمرني به قال: «يا ابن عبّاس، خالف من خالف عليّا، و لا تكونن لهم ظهيرا و لا وليا».

قلت: يا رسول اللّه، فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟

قال: فبكى حتّى أغمي عليه، ثمّ أفاق.

فقال: «يا ابن عبّاس سبق فيهم علم ربّي و لا يخرج اللّه أحدا من الدنيا ممّن خالفه، و أنكر حقّه، حتّى يغيّر خلقته.

يا ابن عبّاس إذا أردت أن تلقى اللّه و هو عنك راض، فاسلك طريقه، و مل حيث مال، و ارض به إماما، و عاد من عاداه، و وال من والاه، و لا يدخلنك فيه شك، فإن

اليسير من الشك كفر باللّه تعالى».

في بيان آيات إسماعيل ممّا ذكره الله تعالى في القرآن و فيه: حديثان

إنّ اللّه سبحانه و تعالى ذكر لإسماعيل عليه السلام في القرآن آية واحدة، و فضيلة رائقة في حال كونه طفلا فالآية.

136) ما ذكر المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: «لمّا وضعه إبراهيم بأرض مكّة، و معه أمّه هاجر، و نفد ماؤهما، و خرجت هاجر، فصعدت على الصفا، ثمّ أقبلت راجعة إلى إسماعيل عليه السلام، فإذا عقبه يفحص في الماء، فجمعته، و لو تركته لساح».

و في الحديث طول، و قد جعل اللّه ما يوافق ذلك للرضا عليّ بن موسى عليهما السلام.

137) و هو ما حدّث به أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي الفقيه، قال: لمّا خرج عليّ بن موسى الرضا عليه السلام من نيسابور يريد المأمون، فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له: يا ابن رسول اللّه قد زالت الشمس أو لا تصلي؟ فنزل و قال: «ائتوني بماء» فقيل له: ما معنا ماء.

فبحث عليه السلام الأرض بيده فنبع من الأرض الماء فأخذ ما توضّأ به هو و من معه.

و الماء باق إلى يومنا هذا، و يقال للمنبع «عين الرضا»، و إنّ إنسانا حفر المنبع ليجري الماء، و يتخذ عليه مزرعة، فذهب الماء و انقطع مدّة، ثمّ أهيل التراب فيه، فعاد الماء، و الموضع مشهور.

و أما فضيلة إسماعيل عليه السلام، فهو ما نبّه عليه اللّه تعالى من قوة يقينه، و تسليمه لأمر اللّه تعالى، و الانقياد لحكمه، و الصبر على ما ابتلاه به من الذبح، و عظيم المحنة، و شديد البلوى، كما قال اللّه تعالى: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ

الصَّابِرِينَ.

و قد وقع لعليّ عليه السلام مثل ذلك، حين أمر اللّه تبارك و تعالى نبيّه صلى الله عليه و آله بالخروج من مسقط رأسه، مهاجرا إلى المدينة، إذ لم يبق بها ناصر، و قد تألب المشركون عليه و اجتمعوا، و صارت كلمتهم واحدة على ذلك، و أمره اللّه تعالى أن يلتمس من ينام مكانه، و يقوم مقامه، و يعرض للأعداء نحره، و للبلاء صدره، ليدفع به عن نفسه مضرّة البوار، و معرّة الكفار، فذكر صلى الله عليه و آله ذلك لعليّ عليه السلام، فهشّ إليه، و ما تلكأ، و أسرع إلى الامتثال، و تلقى بالقبول و الإقبال عليه، و نام على الفراش غير مكترث، و تعرض للأعداء و القتل غير محتفل، و قد أنزل اللّه تبارك و تعالى في شأنه: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

في ذكر آيات يوسف و فيه: حديثان

إنّ اللّه سبحانه و تعالى قد ذكر للصديق يوسف عليه السلام في القرآن آية واحدة، و هي قوله تعالى: قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

و سبب ذلك أنّ العزيز لمّا دخل داره، و قد راودت امرأته يوسف عليه السلام عن نفسه، و لم يجبها إلى ما التمست، و قد تعلّقت به:

قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ

و قال يوسف: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِى.

و كان هناك مهد فيه طفل رضيع، فسأله يوسف عليه السلام، فشهد له بما ذكره اللّه تعالى في كتابه.

و قد أعطى اللّه تعالى عليّ بن الحسين عليه

السلام ما يزيد على ذلك:

138) و هو ما روى عمّار الساباطى، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام أنّه قال: «لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام، و أقبل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام و قال له: ما الذي فضّلك على، و أنا أكثر رواية، و أسن منك؟

قال: كفى باللّه شهيدا يا عمّ.

قال له محمّد بن الحنفية: أحلت على غائب.

قال: و كان في دار عليّ بن الحسين عليهما السلام شاة حلوب فقال: «اللهم انطقها، اللهمّ انطقها».

فقالت الشاة: يا عليّ بن الحسين إنّ اللّه استودعك علمه و وحيه، فأمر سودة الخادمة تتخذ لي العلف.

قال: فصفق محمّد بن الحنفية على وجهه، ثمّ قال: أدركني أدركني يا ابن أخى، ثمّ ضرب بيده على كتفه فقال: اهتد هداك اللّه».

و قد ذكر اللّه سبحانه و تعالى ليوسف عليه السلام آية أخرى في كتابه بقوله: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فلمّا ألقوه في غيابت الجبّ، وقّاه اللّه تعالى سوء صنيعهم، و حفظه من الردى، و جنبه الأذى، بحيث لم ينله ألم، و لم تزل به قدم، و لم يصبه نصب، و لم ينبه وصب و قد أكرم اللّه تعالى الباقر عليه السلام بما يوازي ذلك و يضاهيه:

139) على ما رواه الموليني في تصنيفه في (سير الأئمة) بإسناده أنّ الباقر عليه السلام كان صبيّا، فجاء إلى رأس بئر في داره، فوقع فيها، فأحسّت به أمّه، فصاحت، و أخبرت أباه زين العابدين عليه السلام و هو يصلّى، فلم يقطع الصلاة، و لم يخففها، و لم يضطرب في صلاته، فرجعت عنه إلى رأس البئر،

و طفقت تبكي و تنظر في البئر، و تتردد ذاهبة إلى أبيه و جائية إلى البئر، إلى أن تمكّن منها الحزن، و غلب عليها الضعف، فقالت: ما أغلظ أكبادكم يا معشر بني هاشم، فلمّا سمع ذلك زين العابدين عليه السلام، أتمّ صلاته، و جاء إلى رأس البئر، و أدخل يده فيها، و تناوله و أخرجه، و قال: «خذيه يا ضعيفة اليقين»، فلمّا نظرت إليه استبشرت، و ضحكت سرورا به، ثمّ بكت من قوله عليه السلام: «يا ضعيفة اليقين».

و في ذلك آية أخرى لزين العابدين عليه السلام، إذ أخرجه من البئر العميقة من غير حبل و رشاء.

في ذكر آيات أيوب

إنّ اللّه سبحانه و تعالى لمّا ابتلى أيوب عليه السلام بما ابتلاه في نفسه و أهله و ماله و ولده، فصبر عليه، و سلّم لأمر ربّه تعالى، و أثابه على ذلك، و عوّضه من جميع ذلك، و ردّ عليه أهله و ماله و مثلهم معهم، فلمّا استكمل أيّام محنته، صابرا على بليته نادى رَبَّهُ و قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ فقال تعالى: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ و ركض برجله الأرض، و ظهرت له منها عين ماء فاغتسل منها، و شرب و ذهب عنه ما كان يجده من الوجع، و رجع إليه شبابه، و اتاه أهله، و مثلهم معهم، رحمة من ربّه عزّ و جلّ.

و إنّ أئمتنا عليهم السلام قد صبروا على أذيّة كلّ جبّار عنيد، و شيطان مريد، و على كلّ محنة قد طار شررها، و شديدة قد استطار ضررها، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه، و ما ضعفوا و ما استكانوا، و جعل اللّه لهم ما هو أزيد من ذلك و أوكد

رحمة منه.

و إنّ الحسين عليه السلام لمّا قتل في سبيل اللّه و صبر عليه، و لم يبق منه غير زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام، فبارك اللّه عليه، و أخرج من صلبه الأئمة الهداة، و جعلهم حججا على بريّته و قادة الحق إلى جنّته، و جعلهم نجوما زاهرة يهتدى بهم في ظلمات الشبهات، إلى محجة الدين، و جادة اليقين، كلّما غاب منهم نجم طلع آخر مكانه و زيّن به زمانه، لا ينقطع ضياؤه و لا يخمد بهاؤه، ما بقي من الدنيا أثر، ثمّ قد طبّق الأرض من ولده بكلّ سيّد شريف، و حلاحل

غطريف، قد بلغ السماء قدرا، و حاز من مجلس الشرف صدرا.

و أمّا رجوع الشباب إليه فقد أعطي زين العابدين عليه السلام ما هو أفضل من ذلك، و هو ما أوردناه في هذا الكتاب، من نظره إلى حبابة الوالبية بعد ما كبرت و شاخت، فرجع إليها الشباب في الحال، و عاشت مدة مديدة.

و أمّا ما نبع من العين و فار منها من الماء، و رجوع صحته إليه.

فقد أوردنا في هذا الكتاب ما يزيد على ذلك من آياتهم عليهم السلام، من خروج الماء من الحجر، و من إشارتهم إلى المريض حتّى ذهب عنه المرض و رجع إليه الصحّة، على ما سنفصّل ذلك في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

في بيان آيات كليم الله موسى و فيه: ثلاثة عشر حديثا

أوّل آية قد أظهرها اللّه لموسى عليه السلام، أنّه خلق في بطن أمّه بحيث لم يعرف أحد بأنّها حامل، و ستر عن جميع الخلق، حفظا له عليه السلام، لأنّ فرعون كان يطلبه، و يشق في طلبه بطون الحبالى، لمّا قيل له أنّ زوال ملكه يكون على يد مولود يكون من شأنه كذا و كذا، فصنع اللّه

تعالى له عليه السلام بذلك ما خفي على الناس أمره.

و قد فعل اللّه تبارك و تعالى ما يضاهي ذلك لمولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه، حين طلب بنو العبّاس أثره، و راقبوا أمر أبيه، لمّا سمعوا أن زوال ملكهم يكون على يد ولد الحسين بن عليّ عليه السلام، فأخفى اللّه تعالى أمره، حتّى لم يعرف أهله بأن أمّه حامل، حتّى أن حكيمة عليها السلام قالت حين قال لها أبو محمّد عليه السلام: «الليلة يولد حجّة اللّه من نرجس» قالت: و ما نرى بها أثر حبل؟! فقال: «سيظهر لك وقت الصبح».

ثمّ لمّا وضع صنع اللّه تعالى له ما يبهت العقول، حتّى خفي على الناس أمره.

و أمّا موسى عليه السلام فقد أعطاه اللّه تبارك و تعالى آيات كثيرة من اليد البيضاء من غير سوء، و انقلاب العصا حيّة، و فلق البحر، و نتق الجبل فوق أمّته، و إنزال المنّ و السلوى عليه و على أمّته في التيه، و انفجار الحجر بالماء، و ابتلاع الأرض لقارون بأمره، و إظلال الغمام على رأسه و رأس أمّته.

و قد أعطى اللّه سبحانه و تعالى أئمتنا عليهم السلام ما يقارب جميع ذلك و يماثله و يدانيه و يشاكله.

فأما موسى عليه السلام فإنّه أخرج يده بيضاء من غير سوء، كما قال اللّه تعالى في غير موضع في كتابه منها: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.

و قال: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.

و قد أعطى اللّه تعالى الرضا عليه السلام ما يزيد على ذلك.

140) و هو ما روى الحسن بن منصور، عن أخيه، قال: دخلت على الرضا عليه السلام في بيت داخل جوف بيت، فرفع يديه و

كان ليلا فكأنّ يده بها ضياء عشرة مصابيح، فاستأذن عليه رجل، فخلى يده ثمّ أذن له.

و أمّا انقلاب العصا حيّة، فقد أعطى اللّه تبارك و تعالى أئمتنا عليهم السلام ما هو أجلّ من ذلك و أفضل، و هو ما قد أوردناه في هذا الكتاب، في باب معجزة موسى عليه السلام من قلب الصورة على الستر أسدا، حتّى ابتلع الساحر بقوة اللّه تعالى، بين يدي هارون.

و من قلب الصورتين أسدين على المسند حتّى ابتلعا حميد بن مهران حاجب المأمون بين يديه، بأمر الرضا عليه السلام.

و من قلب الصورة على المسورة أسدا بإذن اللّه تعالى، و ذلك بأمر أبي الحسن الثالث عليه السلام بين يدي المتوكل، حتّى ابتلع المشعبذ الهندى، و قد ذكرنا جميع ذلك في الكتاب.

141) و روى أبو الصامت، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أعطني شيئا أزداد به يقينا، و أنفي الشك من قلبى، قال لى: «هات ما معك» و كان في كمي مفتاح، فناولته، فإذا المفتاح أسد، ففزعت منه، ثمّ قال: «أنح وجهك عنى» ففعلت، فعاد مفتاحا.

142) و روى سلمان رضي اللّه عنه قال: كان بين رجل من شيعة عليّ و بين رجل آخر من شيعة غيره خلاف، فاختصما إلى ذلك الغير، فمال مع شيعته على شيعة على، فشكا إلى أمير المؤمنين عليه السلام صاحبه، فذهب عليه السلام و قال: «أ لم أنهك أن يكون بينك و بين شيعتي عمل».

قال سلمان: قال لي ذلك الغير: يا سلمان، فلمّا سمعت ذلك منه خفت من هيبته و شجاعته، و في يده قوس عربية فما شبّهته إلّا بموسى ابن عمران عليه السلام، و قوسه بعصاه، و فتح فاه ليبتلعنى، حتّى قلت له: يا عليّ بحقّ

أخيك رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا عفوت عنى، فرده.

و أمّا انفلاق البحر لموسى عليه السلام فكما قال اللّه سبحانه و تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ و قد خرج موسى عليه السلام من مصر فاتّبعه فرعون بجنوده، فلمّا قارب البحر قال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فأمره تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فظهر اثنا عشر طريقا في البحر، فسلك كلّ سبط من بني إسرائيل طريقا.

و قد أظهر اللّه سبحانه و تعالى لأمير المؤمنين عليه السلام ما يداني ذلك.

143) و هو: ما حدّث به أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه قال: «مدّ الفرات عندكم على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فأقبل إليه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نخاف الغرق، لأنّ الفرات قد جاء بشي ء من الماء لم نر مثله قط، و قد امتلأت جنبتاه فاللّه اللّه.

فركب أمير المؤمنين عليه السلام، و الناس حوله يمينا و شمالا، حتّى انتهى إلى الفرات و هو يزجر بأمواجه، فوقف الناس ينظرون فتكلّم بكلام خفي عبراني ليس بعربى، ثمّ إنّه قرع الفرات قرعة واحدة، فنقص الفرات ذراعا، و أقبل الناس- و في رواية أخرى فقال لهم-: «هل يكفيكم ذلك؟». فقالوا: زدنا يا أمير المؤمنين. فقرع قرعة أخرى، فنقص ذراعا آخر، فقالوا: يكفينا، فقال عليه السلام: لو أردت لقرعته حتّى لا يبقى فيه شي ء من الماء».

و أمّا نتق الجبل، فإنّ قوم موسى عليه السلام لمّا استثقلوا أحكام التوراة و لم يعملوا بها، قلع اللّه سبحانه و تعالى جبلا من أصله، فرفعه في الهواء فوق رءوسهم، و قال لهم موسى عليه السلام: لئن لم تؤمنوا

بالتوراة، و تعملوا بها، لسقط عليكم. كما قال اللّه تعالى: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

و قد أعطى اللّه تعالى لبعض أئمتنا عليهم السلام ما يقارب ذلك و يدانيه.

144) و هو ما حدّث به عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام بين مكّة و المدينة، و هو على بغلة، و أنا على حمار، و ليس معنا أحد، فقلت: يا سيّدى، ما يجب من عظّم حقّ الإمام؟ فقال: «يا عبد الرحمن، لو قال لهذا الجبل سر لسار» فنظرت و اللّه إلى الجبل يسير، فنظر و اللّه إليه فقال: «و اللّه، إنّي لم أعنك» فوقف.

و أمّا إنزال المنّ و السلوى عليه و على أمّته في التيه، و هو أنّه لمّا بقي هو و أمّته في التيه أربعين سنة، و احتاجوا إلى القوت، أنزل اللّه تعالى كلّ غدوة عليهم المن و السلوى، كما قال اللّه تعالى: وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ.

فقد أعطى اللّه تبارك و تعالى الأئمة عليهم السلام ما يزيد عليه، و لم ينقص عنه، ممّا يشاكله و يدانيه.

145) و هو ما حدّث به الثقات، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام، لمّا امتد مقامه بصفّين، شكوا إليه نفاد الزاد و العلف، بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئا يؤكل، فقال عليه السلام لهم: «غدا يصل إليكم ما يكفيكم» فلما أصبحوا تقاضوه صعد عليه السلام على تل كان هناك و دعا بدعاء و سأل اللّه تعالى أن يطعمهم و يعلف دوابهم، ثمّ نزل فرجع إلى مكانه، فما استقر قراره، إلّا و قد

أقبلت العير بعد العير، و عليها اللحمان و التمور و الدقيق، حتّى امتلأت به البرارى، و فرّغ أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة، و ما كان معهم من علف الدواب، و غيرها من الثياب، و جلال الدواب، و جميع ما يحتاجون إليه، ثمّ انصرفوا، و لم يدر من أي البقاع و ردوا، أو من الإنس كانوا أم من الجنّ، و تعجب الناس من ذلك.

146) و روى بعض أصحابنا، و قال: حملت مالا لأبي عبد اللّه عليه السلام، فاستكثرته في نفسى، فلمّا أدخلته عليه، دعا الغلام، فإذا طشت في آخر الدار، فأمر أن يأتيه به، ثمّ تكلم بكلام أومى بها إلى الطشت، فانحدرت الدنانير من الطشت حتّى (حالت بينى) و بين الغلام، قال: فالتفت إليّ و قال: «أ ترانا نحتاج إلى ما في أيديكم؟! إنما آخذ منكم ما آخذ، لأطهّركم».

و أمّا انفجار الماء من الحجر، فهو أن موسى عليه السلام كان معه حجر يحمله معه حيث يذهب، فلمّا احتاج هو و قومه إلى الماء، ضرب الحجر بعصاه؛ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ.

و قد أخرج اللّه تعالى الماء للصادق عليه السلام من خشبة رحله:

147) و هو ما حدّث به الشيخ أبو جعفر محمّد بن معروف الهلالي الخرّاز، و قد أتى له مائة و ثمان و عشرون سنة قال: أتيت إلى أبي عبد اللّه جعفر عليه السلام إلى الحيرة فأقمت بها ثلاثة أيّام، فما قدرت عليه من كثرة الناس، فلمّا كان اليوم الرابع مضى إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام، فمضيت معه، فلمّا صار إلى بطن الطريق، غلبه البول، فاعتزل عن الجادّة فبال، ثمّ نبش الرحل فخرج له الماء، فتطهّر للصلاة فقام و

صلّى ركعتين، و دعا ربّه فقال في دعائه: «اللّهم لا تجعلني ممّن تقدم فمرق، و لا ممّن تأخر فرهق، و اجعلني من النمط الأوسط».

و قال لى: «يا غلام، لا تتحدث بما رأيت».

و قد أوردت له في معجزاته.

148) ما رواه داود الرّقيّ من إظهار الماء في السبخة في طريق الحجّ عينا فوّارة، و ما رواه يحيى بن هرثمة.

و قد ذكرناه في آيات أبي جعفر الثاني عليه السلام من ظهور عين الماء له حين خرج من المدينة معه إلى المتوكل، و أمثال ذلك كثيرة لا تحصى.

و أمّا ابتلاع الأرض لقارون، و هو أنّ قارون قال لامرأة كانت بغيا ذات جمال و هيئة: أعطيك مائة ألف درهم إن جئت غدا إلى موسى عليه السلام و هو جالس في بني إسرائيل يتلو عليهم التوراة، و قلت: يا معشر بني إسرائيل، إنّ موسى دعاني إلى نفسه فأنعمت له.

ثم قالت في نفسها: قد فعلت ما فعلت فأذهب إلى بني إسرائيل و أرميه بالفاحشة؟! لا و اللّه لا أفعل.

فلمّا كان في الغد جلس موسى عليه السلام في بني إسرائيل، و جاءه قارون في زينته، و عليه ثياب حمر، و جاءت المرأة، فقامت على رءوسهم ثم قالت لموسى عليه السلام: إنّ قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقوم على بني إسرائيل اليوم، و أقول لهم: إنّ موسى دعاني إلى نفسه، بحضرتك و معاذ اللّه أن يكون ذلك، لقد أكرمك اللّه تعالى. فغضب موسى عليه السلام فقال للأرض: خذيه. فأخذته إلى ساقه، فقال: يا موسى، اللّه اللّه، ارحمنى.

فقال عليه السلام: خذيه. فأخذته إلى حقويه، فقال: يا موسى، اللّه اللّه، ارحمنى،

فقال عليه السلام: خذيه. فابتلعته الأرض حتّى غاب.

و قد ظهر على يد ولي اللّه

جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ما يوازي ذلك شرفا.

149) و هو ما حدّث به صالح بن الأشعث البزّاز الكوفى، قال: كنت بين يدي المفضّل إذ وردت عليه رقعة من مولانا الصادق عليه السلام، فنظر فيها، فنهض قائما و اتكأ على، ثمّ تسايرنا إلى باب حجرة الصادق عليه السلام، فخرج إليه عبد اللّه بن وشاح، فقال: أسرع يا مفضّل في خطواتك، أنت و صاحبك هذا.

فدخلنا فإذا بالمولى الصادق عليه السلام قد قعد على كرسى، و بين يديه امرأة، فقال: يا مفضّل، خذ هذه الامرأة و أخرجها إلى البرية في ظاهر البلد فانظر ما يكون من أمرها وعد إليّ سريعا.

فقال المفضل: فامتثلت ما أمرني به مولاي عليه السلام و سرت بها إلى برية البلد، فلمّا توسطتها سمعت مناديا ينادى: احذر يا مفضل. فتنحيت عن المرأة، فطلعت غمامة سوداء ثمّ أمطرت عليها حجارة حتّى لم يكن للمرأة حسا و لا أثرا فهالني ما رأيته! و رجعت مسرعا إلى مولاي عليه السلام، و هممت أن أحدثه بما رأيت، فسبق إلي الحديث، فقال عليه السلام: «يا مفضل، أ تعرف المرأة؟».

فقلت: لا يا مولاى.

فقال: «هذه امرأة الفضال بن عامر، و قد كنت سيّرته إلى فارس ليفقّه أصحابي بها، فلمّا كان عند خروجه من منزله قال لامرأته: هذا مولاي جعفر شاهد عليك، لا تخونيني في نفسك. فقالت: نعم، إن خنتك في نفسي أمطر اللّه عليّ من السماء عذابا واقعا. فخانته في نفسها من ليلتها، فأمطر اللّه عليها ما طلبت، يا مفضل، إذا هتكت امرأة سترها، و كانت عارفة باللّه، هتكت حجاب اللّه، و قصمت ظهرها، و العقوبة إلى العارفين و العارفات أسرع».

و أمّا تظليل الغمام عليهم فهو أنّ موسى عليه السلام

لمّا مكث بقومه في التيه أربعين سنة أثّر فيهم حرّ الشمس، فظلل اللّه الغمام عليهم، وقاية لهم من حرّ الشمس، كما قال اللّه تعالى: وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى فقد أعطى اللّه تعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يشابه ذلك و يدانيه و يحاكيه و هو.

150) ما رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري- رحمه اللّه- عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ما بعثته قط في سرية إلّا و رأيت جبرئيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، و ملك الموت أمامه في سحابة تظلله، حتّى يعطي اللّه حبيبي النصر و الظفر».

و أمّا إحياء الموتى، و هو ما قال اللّه تعالى: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى و شرح ذلك أنّه وجد على طريق سبط من الأسباط قتيل، فتدارءوا به و التجئوا إلى موسى عليه السلام، فأمرهم اللّه تعالى بذبح بقرة على ما شرح في كتابه العزيز، فلمّا فعلوا ذلك و ضربوا ببعض لحمها القتيل، أحياه اللّه تعالى حتّى قال: قتلني فلان بن فلان.

و قد أعطى اللّه تبارك و تعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يشابه ذلك و هو:

151) ما حدّث به الباقر عليه السلام، قال: «إنّ عليّا عليه السلام مرّ يوما في أزقة الكوفة فانتهى إلى رجل قد حمل جريثا فقال: انظروا إلى هذا قد حمل إسرائيليا. فأنكر الرجل، و قال: متى كان الاسرائيلي جريثا؟!

فقال عليه السلام: أما إنّه إذا كان اليوم الخامس ارتفع لهذا الرجل من صدغه دخان فيموت مكانه.

فأصابوه في اليوم الخامس كذلك، فمات فحمل إلى قبره، فلمّا دفن جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى قبره، فدعا اللّه، ثمّ رفسه برجله، فإذا الرجل قام

قائما بين يديه، و هو يقول: الراد على عليّ كالراد على اللّه و على رسوله.

قال عليه السلام: عد في قبرك. فعاد فيه، فانطبق القبر عليه».

152) و حدّث داود الرقى، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخل عليه شاب يبكي فقال: إني نذرت أن أحجّ بأهلى، فلمّا دخلت المدينة ماتت.

قال: «اذهب، فإنّها لم تمت» قال: ماتت و سجيتها!

قال: «اذهب، فإنّها لم تمت فخرج و رجع ضاحكا و قال: دخلت عليها و هي جالسة. قال: «يا داود، أو لم تؤمن»؟

قال: بلى، و لكن ليطمئن قلبى.

فلمّا كان يوم التروية قال لى: «يا داود قد اشتقت إلى بيت ربّى» فقلت: يا سيّدى، هذا عرفات! قال: «إذا صلّيت العشاء الآخرة فارحل لي ناقتى، و شدّ زمامها» ففعلت، فخرج، و قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و يس ثمّ استوى على ظهر ناقته، و أردفني خلفه، فسرنا هدا من الليل، و قعد في موضع ما كان ينبغى.

فلمّا طلع الفجر، قام فأذّن، و أقام، و أنا عن يمينه، فقرأ في أوّل ركعة: الْحَمْدُ و الضُّحى و في الثانية الْحَمْدُ و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قنت، ثمّ سلّم و جلس، فلمّا طلعت الشمس مرّ الشاب و معه المرأة فقالت لزوجها: هذا الذي شفع إلى اللّه في إحيائى.

في بيان آيات داود ممّا ذكره الله تعالى في القرآن و فيه: أربعة أحاديث

قال اللّه تعالى: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ و التأويب: سير النهار، و قيل: هو التسبيح، و معناه على القول الأوّل: يا جبال سيري معه.

و قد جعل اللّه تبارك و تعالى مثل ذلك لمولانا أبي عبد اللّه عليه السلام، و قد ذكرنا سير الجبال معه فيما ذكر في قوله: وَ إِذْ

نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ.

153) و روى أبو بصير قال: جاء رجل إلى أبى عبد اللّه عليه السلام فسأله عن حقّ الإمام، قال له: «تأتي ناحية أحد». فخرج فإذا أبو عبد اللّه عليه السلام يصلّى، و دابّته قائمة، و إذا ذئب قد أقبل، فسارّ أبا عبد اللّه عليه السلام كما يسارّ الرجل، ثمّ قال له: «قد فعلت» فقلت: جئت أسألك عن شي ء، فرأيت ما هو أعظم من مسألتي! فقال: «إنّ الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل قد عسر عليها الولادة فادع اللّه تعالى لها أن يخلصها مما هي فيه، فقلت قد فعلت، على أن لا يسلط أحدا من نسلكم على أحد من شيعتنا أبدا». فقلت: ما حق المؤمن على اللّه تعالى؟ قال: لو قال للجبال «أوبي لأوّبت» فأقبل الجبل يتداكّ بعضه إلى بعض، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ضربت له مثلا، ليس إيّاك عنيت» فرجع إلى مكانه.

و معناه على القول الثانى: سبحي معه.

و قد أعطى اللّه تبارك و تعالى لمولانا زين العابدين عليه السلام ما يماثل ذلك و يشاكله و هو:

154) ما حدّث به سعيد بن المسيب- في رواية الزهريّ- قال: كان القوم لا يخرجون من مكّة حتّى يخرج زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام، فخرج، و خرجت معه، فنزل في بعض المنازل، و صلّى ركعتين، و سبّح في سجوده، فلم يبق شجر و لا مدر إلّا سبّح معه، ففزعنا فرفع رأسه، و قال: «يا سعيد أ فزعت؟» قلت: نعم، يا ابن رسول اللّه. فقال: «هذا التسبيح الأعظم».

و أمّا تسبيح الطير فقد ذكرنا في هذا الكتاب، في آيات أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام في آخر حديث و هو: ما أجاب به عبد

الملك بن مروان عامله، حين أمره بإخراج الباقر عليه السلام إليه، فقال: و إنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير و السباع تعجبا من صوته، فإنّ قراءته تشبه مزامير آل داود.

و أمّا قوله تعالى: وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ فإنّه ألان له الحديد ليتخذ له الدروع منه كأنّه الشمعة في يده.

و قد أعطى اللّه تعالى لأمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك و هو:

155) ما روى بعض مواليه أنّه دخل عليه، و رأى بين يديه حديدا، و هو يأخذ بيده منه، و يدققه، و يجعله حلقا و يسرده كأنّه الشمعة في يده قال: فسألته عنه، فقال: «أصنع الدرع».

و ممّا يصحح ذلك، و يشهد بصحته، حديث خالد بن الوليد، و هو حديث طويل قد اقتصرنا على الموضع المقصود لشهرته.

156) و حدث به عبد الرحمن بن العبّاس و جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قالا: كنا جلوسا عند أبي بكر و قد أضحى النهار، فإذا بخالد بن الوليد قد وافى في جيش قام غباره، و كثرت صواهل خيله، فإذا بقطب رحى ملوي في عنقه، و قد فتل فتلا، فنزل عن فرسه، و وقف بإزاء أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم و راعهم منظره، فابتدأ و قال: اعدل يا بن أبي قحافة حيث جعلت في الموضع الذي لست له بأهل، و ما ارتفعت إلى هذا المكان إلّا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء.- في كلام طويل أعرضنا عن ذكره-

ثمّ قال: إنّي رجعت منكفئا من الطائف إلى هذه في طلب المرتدين، فرأيت ابن أبي طالب عليه السلام و معه رهط عصاة عتاة من الذين شزرت حماليق أعينهم من حسدك، و بدرت حقدا عليك، و قرحت أفئدتهم لمكانك، منهم عمّار بن ياسر

ابن سميّة السوداء، و المقداد، و أخا غفار، و ابن العوام، و غلامين أعرف أحدهما بوجهه، و غلام اسمر حبشي قد بقل وجهه فتبين لي المنكر من قلوبهم، و الحسد في احمرار أعينهم، و قد توشّح بدرع رسول اللّه صلى الله عليه و آله و لبس رداءه، و قد أسرج له دابته، و قد نزل على عين ماء، فلمّا رآني اشمأز و بربر، و أطرق موحشا فقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفي شره و اتقي وحشته، فنزلت، و نزل من معي بحيث نزلوا اتقاء من مراوغته، فبدأ بي ابن ياسر بقبيح لفظه، و محض عداوته، يقرعني بما كنت (تقدمت به إلى)، فالتفت إليّ الأصلع الرأس، و قد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد، و كقعقة الرعد.

فقال لي بغضب منه: «أو كنت فاعلا يا أبا سليمان؟».

فقلت: و ايم اللّه، لو أقام على رأيه لضربت الذي في عيناك؛ فأغضبه قولي إذ صدقته، و أخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب، و بدرت عيناه على، فعلمت أنّه قد عزب عنه عقله.

فقال لى: «يا ابن اللخناء، مثلك يقدر على مثلى، و يجسر أن يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة، ويلك إنّي لست من قتلاك و قتلى صاحبك، و إنّي لأعرف بمنيتي و مقتلي منك بنفسك»

ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسى، و جعل يسوقني إلى رحى الحارث بن كلدة فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه و لواه في عنقى، ينفتل له كالعلك المسخّن، و أصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عنّي سطوته، و لا كفوني شره، فلا جزاهم اللّه عنّي خيرا، فإنّهم لمّا نظروا إلى بريق عينيه سجدوا فرقا، و سالت جباههم

عرقا، و خمدت أرواحهم كأنما نظروا إلى ملك موتهم، فو الذي رفع السماء بغير أعمادها، لقد اجتمع على فكّ هذا القطب مائة رجل- أو يزيدون- من أشداء العرب، فما قدروا على فكّه، فدلّني عجز الناس عن فتحه أنّه سحر منه، أو قوة ملك قد ركّبت فيه، ففكّ هذا الآن عنّي إن كنت فاكه، و خذ لي منه بحقي إن كنت آخذه، و إلّا لحقت بدار عزتي و مستقر كرامتى، فقد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار.

فالتفت أبو بكر إلى عمر، و قال: أ ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل- في كلام طويل- إلى أن دعوا قيس بن سعد بن عبادة، و قال لهم ما هو مشهور، فصبروا إلى أن وافوا أمير المؤمنين عليه السلام، فقاموا بأجمعهم إليه و استأذنوا عليه، فدخلوا و معهم خالد فلمّا بصر إلى خالد قال: «نعمت صباحا يا أبا سليمان، نعم القلادة قلادتك»- في كلام طويل شرحه-

و تشفّع أبو بكر فلم يجب إلى ذلك، إلى أن قام بريدة الأسلمى، و طارق بن شهاب، و الأشجع بن حمدان العجليّ فقالوا: يا أبا الحسن، و اللّه ما لخالد و عنقه إلّا من حمل باب خيبر بقوة يده، و دحا به وراء ظهره، و حمله حتّى عبر الناس عليه.

و قام عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه و خاطبه أيضا في جملة من سأله، فلم يجب أحدا، إلى أن قال أبو بكر: سألتك بحق أخيك محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا ما رحمت خالدا، و فككت عن عنقه هذا الحديد.

مّا سأله بحق أخيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله استحيا، و كان كثير

الحياء، فجذب خالدا إليه، فأدناه، و قبض على رأس الحديد و جعل يفتل منه شيئا فشيئا، فرمى به، كفتل أحدكم العلك المحمّى بالنار، حتّى أتى على آخره، فكبّر الناس، و عجب من حضر من فعله، فقال لهم: «إنّ اللّه بكرمه و فضله سيشتت شملكم و يأخذ بحقي منكم، فبئس القوم أنتم».

فتمثل عمّار بن ياسر ببيتي شعر، و هما هذان:

يزاول سرحان مساواة ضيغم

فضعضعه إذ رام ذاك فهشما

و أهوى له إذ رام ما لا يناله

إلى رأسه بالكفّ منه فحطما

في بيان معجزات نبيّ الله سليمان في القرآن و فيه: أربعة عشر حديثا

إنّ اللّه سبحانه و تعالى أعطى سليمان عليه السلام آيات باهرة، و قد ذكر في كتابه العزيز منها أنّه أعطاه الحكمة صبيا، و سخّر له الريح، و علّمه منطق الطير، و سخّر له الجنّ و السباع و الطير، و أسأل له عين القطر.

فأمّا ما أعطى اللّه تعالى سليمان إياه الحكمة صبيا، فقد أورده في كتابه العزيز بقوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ و قصته أنّ غنما نفشت في زرع قوم، فحكم سليمان عليه السلام بأنّ صاحب الغنم يعطيها لصاحب الأرض لينتفع بها حتّى يزرع صاحب الغنم أرضه، فإذا بلغ الزرع الحدّ الذي نفشت فيه غنمه، ردّ الغنم عليه، و أخذ الأرض مزروعة.

و قد أعطى اللّه تعالى أئمتنا عليهم السلام مثل ذلك، و زيادة عليه، منها ما اشتهر عند الخاص و العام من حديث:

157) أبي حنيفة حين دخل دار الصادق عليه السلام، فرأى موسى عليه السلام في دهليز داره، و هو صبى، فقال في نفسه: إنّ هؤلاء يزعمون أنّهم يعطون العلم صبية، و أنا أسبر ذلك؛ فقال: يا غلام، إذا دخل الغريب بلدة فأين يحدث؟ فنظر إليه نظر مغضب، و قال: «يا شيخ، أسأت الأدب، فأين السلام؟».

قال: فخجلت، و رجعت حتّى خرجت

من الدار، و قد نبل في عينى، ثمّ رجعت إليه، و سلّمت عليه، و قلت: يا ابن رسول اللّه، الغريب إذا دخل بلدة أين يحدث؟

فقال عليه السلام: «يتجنب شطوط الأنهار، و مشارع الماء، و في ء النزّال، و مساقط الثمار، و أفنية الدور، و جوادّ الطرق، و مجاري المياه، و رواكدها، ثمّ يحدث أين شاء».

قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه، ممّن المعصية؟ فنظر إليّ و قال: «إمّا أن تكون من اللّه، أو من العبد، أو منهما معا، فإن كانت من اللّه، فهو أكرم من أن يأخذ العبد بما لم يجنه؛ و إن كانت منهما، فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه؛ فلم يبق إلّا أن تكون من العبد، فإن عفا فبفضله، و إن عاقب فبعدله».

قال أبو حنيفة: فاغرورقت عيناى، و قرأت: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

158) و حديث أبي جعفر الثاني عليه السلام مع يحيى بن أكثم قاضي القضاة ببغداد بين يدي المأمون مشهور، حين سأله عن محرم وطئ بيض صيد، و هو ابن تسع سنين؟ فأجابه قال: «الصيد من طير الحل، أو من طير الحرم؟ و باض في الحل، أم باض في الحرم؟

و المحرم حرا كان، أو عبدا؟ و العبد أحرم بإذن مولاه، أم بغير إذنه؟

و الحر وطأه عمدا، أو سهوا؟ معيدا كان، أو مبتدئا؟ و الطير من صغار الطير أم من كبارها؟ ..». إلى غير ذلك من الانقسامات، فبهت يحيى.

و سأله أبو جعفر عليه السلام عن مسألة المرأة فلم يحر جوابا، فتبيّن للناس عجزه، و هو عليه السلام قد شرح المسائل على ما هو مشروح في موضعه.

159) و حديث بريهة النصرانيّ مع هشام بن الحكم معروف، حين وردا

المدينة و استأذنا على الصادق عليه السلام، فرأيا موسى عليه السلام في الدهليز، فسلّم هشام عليه، و سلّم بريهة، ثمّ أخبرهما بما جاءا له، فطفق يقرأ الإنجيل، فلمّا سمع بريهة ذلك قال: المسيح لقد كان يقرأ كذلك، إيّاك أطلب منذ خمسين عاما، من هذا؟ فقال هشام: هذا ابن الصادق عليه السلام. و كان عليه السلام صبيا، فأسلم بريهة على يده قبل الوصول إلى الصادق عليه السلام.

و أمثال ذلك كثيرة لا تحصى كثرة.

و أمّا تسخير الريح لسليمان عليه السلام، و هو ما قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ و إنّ سليمان عليه السلام لمّا أراد أن يركب الريح، أمر بفرش البساط ففرش بساطه، و وضع عليه سريره، و وضع الكراسي حول السرير، و جلس وزراؤه و قواده على الكراسي حول السرير، و جلس هو فوق البساط، و أمر الريح بأن تحمل البساط، و تحمل ما فوقه و تسير غدوة مسيرة شهر، و ترجع رواحا مثله.

و إنّ اللّه تعالى أعطى أئمتنا عليهم السلام مثل ذلك و ما يشابهه و هو ما حدّث به:

160) معمّر، عن الزهرى، عن قتادة، عن أنس، قال: كنّا جلوسا في المسجد عند النبيّ صلى الله عليه و آله، و قد كان أهدي إليه بساط فقال لى: «ادع عليّ بن أبي طالب» عليه السلام، فدعوته، ثمّ أمرني أن أدعو أبا بكر و عمر و جميع أصحابه، فدعوتهم كما أمرني نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله، و أمرني أن أبسط البساط فبسطته، ثمّ أقبل على عليّ عليه السلام فأمره بالجلوس على البساط، و أمر أبا بكر و عمر و عثمان بالجلوس مع أمير المؤمنين عليه السلام، فجلست

مع من جلس، فلمّا استقرّ بنا المجالس أقبل صلى الله عليه و آله على عليّ عليه السلام و قال: «يا أبا الحسن، قل: يا ريح الصبا، احملينى، و اللّه خليفتي عليك و هو حسبي و نعم الوكيل».

قال أنس: فنادى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كما أمره النبيّ صلى الله عليه و آله، فو الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا، ما كان إلّا هنيهة حتّى صرنا في الهواء، ثمّ نادى: «يا ريح الصبا، ضعينى» فإذا نحن في الأرض، فأقبل عليّ علينا و قال: «يا معشر الناس، أ تدرون أين أنتم؟

و بمن قد حللتم؟» فقلنا: لا.

فقال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «أنتم عند أصحاب الكهف و الرقيم، الذين كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فمن أحبّ أن يسلّم على القوم فليقم». فأوّل من قام أبو بكر، فسلّم على القوم، فلم يردّوا عليه جوابا، ثمّ قام عمر، و سلّم عليهم، فلم يردّوا عليه جوابا، فلم يزالوا يقومون واحدا بعد واحد، و يسلّمون و لم يردّوا عليهم جوابا، إلى أن قام أمير المؤمنين عليه السلام، فنادى: «السلام عليكم أيّتها الفتية، فتية أصحاب الكهف و الرقيم، الذين كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً» فقالوا: و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته، أيّها الإمام و ابن عم سيّد الأنام محمد صلى الله عليه و آله.

فلمّا سمع القوم كلامهم لأمير المؤمنين عليه السلام، قالوا: يا أبا الحسن، بحقّ ابن عمّك محمّدصلى الله عليه و آله سل القوم ما بالهم سلّمنا عليهم فلم يردّوا علينا الجواب.

فقال عليه السلام: «أيّتها الفتية، ما بالكم لم تردّوا السلام على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟» فقالوا: يا أبا الحسن، قد أمرنا أن لا نسلّم إلّا على نبيّ أو

وصي نبى، و أنت خير الوصيين، و ابن عم خير النبيّين، و أنت أبو الأئمة المهديين، و زوج فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الآخرين، و قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم.

فلمّا استتم القوم كلامهم أمرنا بالجلوس على البساط، ثمّ نادى: «يا ريح الصبا، احملينى».

فإذا نحن في الهواء. ثمّ نادى: «يا ريح الصبا، ضعينى» فإذا نحن في الأرض.

قال: فوكز الأرض برجله، فإذا نحن بعين ماء، فقال: «يا معاشر الناس، توضئوا للصلاة، فإنّكم تدركون صلاة الفجر، مع النبى» صلى الله عليه و آله.

قال فتوضأنا، ثمّ أمرنا بالجلوس على البساط فجلسنا ثمّ قال: «يا ريح الصبا، احملينى».

فإذا نحن في الهواء، ثمّ نادى: «يا ريح الصبا، ضعينى» فإذا نحن في الأرض في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قد صلّى ركعة واحدة، فصلّينا معه ما بقي من الصلاة، و ما فات بعده، و سلّمنا على النبيّ صلى الله عليه و آله، فأقبل بوجهه الكريم علينا، و قال: «يا أنس، أ تحدّثني أم أحدّثك؟» فقلت: الحديث منك أحسن. فحدّثنى، حتّى كأنّه كان معنا.

و في الحديث طول، و قد نظم هذا المعنى بعض الشعراء:

من هو فوق البساط تحمله الر

يح إلى الكهف و الرقيمين

فعاين الفتية الكرام بها

و كلبهم باسط الذراعين

فقال قوما فسلّما سترى

منّي و من أمرهم عجيبين

فسلّما فلم يجبهما أحد

و لم يكونا هما رشيدين

فسلّم المرتضى فقيل له

لبيك لبيك دون هذين

و أمّا علمه بمنطق الطير، فقد أعطى اللّه تعالى أئمتنا عليهم السلام معرفة منطق الطير، و منطق كلّ شي ء، و يدل على ذلك ما رواه:

161) عبد اللّه بن سوقة، قال: مرّ بنا الرضا عليه السلام، فاختصمنا في إمامته، فلمّا خرج خرجت أنا و تميم بن يعقوب السرّاج- من

أهل الرقّة- و نحن مخالفون له، نرى رأي الزيدية، فلمّا صرنا في الصحراء فإذا نحن بظباء فأومأ أبو الحسن عليه السلام إلى خشف منها، فإذا هو قد جاء حتى وقف بين يديه، فأخذه أبو الحسن عليه السلام، فمسح رأسه و دفعه إلى غلامه، و جعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه، فكلّمه الرضا عليه السلام بكلام لم نفهمه، فسكن، ثمّ قال لى: «يا عبد اللّه، أو لم تؤمن؟» قلت: بلى، يا سيّدى، أنت حجّة اللّه على خلقه، و أنا تائب إلى اللّه.

ثمّ قال للظبى: «اذهب» فجاء الظبي و عيناه تدمعان، فتمسّح بأبي الحسن عليه السلام و رغا، فقال أبو الحسن: «أ تدري ما يقول؟» قلت: اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم.

قال: يقول: دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمى، فأجبتك، و حزنت حين أمرتني بالذهاب.

162) و ممّا رواه صفوان، عن جابر قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فبرزنا، فإذا نحن برجل قد أضجع جديا ليذبحه، فصاح الجدى، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كم ثمن هذا الجدي؟» فقال: أربعة دراهم، فحلّها من كمّه، و دفعها إليه، فقال: «خلّ سبيله».

قال: فسرنا، فإذا نحن بصقر قد انقضّ على دراجة، فصاحت الدراجة، فأومأ أبو عبد اللّه عليه السلام إلى الصقر بمكّة، فرجع عن الدراجة، فقلت: لقد رأيت عجبا من أمرك!

فقال: «نعم، الجدي لمّا أضجعه الرجل ليذبحه و بصر بي قال: أستجير باللّه و بكم أهل البيت (ممّا يراد بى) و كذلك الدراجة؛ و لو أنّ شيعتنا استقاموا لأسمعتهم منطق الطير».

163) و قد حدّث سليمان الجعفرى، قال: كنت مع الرضا عليه السلام في حائط، و أنا أحدّثه إذ جاءه عصفور، فوقع بين يديه، و أخذ يصيح، و

يكثر الصياح، و يضطرب، فقال لى: «أ تدري ما يقول هذا العصفور؟» فقلت: اللّه و رسوله و ابن رسوله أعلم قال: «يقول: إنّ حية تريد أن تأكل فراخي في البيت؛ فقم، و خذ تلك السكين و النسعة، و ادخل البيت و اقتل الحيّة.

قال: فقمت، و أخذت النسعة، و دخلت البيت، فإذا حيّة تجول في البيت، فقتلتها.

و قد أوردنا في هذا الكتاب حديث الورشان مع الصادق عليه السلام، و حديث الشاة معه؛ و حديث الطير و غيرها مع زين العابدين عليه السلام؛ و غير ذلك، فلا نطيل الكتاب بتعدادها.

و أمّا تسخير الجن و الشياطين، و هو كما قال اللّه تعالى في كتابه العزيز في غير موضع: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ. وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ.

و قال تعالى: وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ.

و قد سخر اللّه تعالى له الجنّ و الشياطين حتّى انقادوا له، و أطاعوه، و عملوا بإذنه، و بأمره، و استسلموا لحكمه مذعنين.

و قد تهيّأ لأئمتنا عليهم السلام ما يشاكل ذلك و يحاكيه، و هو ما حدّث به:

164) عيسى بن مهران، قال: كان رجل من أهل خراسان ممّا وراء النهر، و كان موسرا، محبّا لأهل البيت عليهم السلام، و كان يحجّ كلّ سنة، و قد وظّف على نفسه لأبي عبد اللّه الصادق عليه السلام في كلّ سنة ألف دينار من ماله، و كانت تحته ابنة عم له، تساويه في اليسار و الديانة، فقالت في بعض السنين: يا

ابن عم، حجّ بي في هذه السنة. فأجابها إلى ذلك، فتجهزوا للحجّ، و حملت لعيال أبي عبد اللّه عليه السلام و بناته من فواخر ثياب خراسان، و من الجواهر و البز أشياء كثيرة خطيرة، و صيّر زوجها ألف دينار التي أعدها في كيس لأبي عبد اللّه عليه السلام، و صيّر الكيس في ربعة فيها حلي و طيب.

فلمّا ورد المدينة صار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، فسلّم عليه، و أعلمه أنّه حجّ بأهله، و سأله الإذن لها في المصير إلى منزله، للتسليم على أهله و بناته، فأذن لها أبو عبد اللّه عليه السلام، فصارت إليهم، و قرّبت ما حملت إليهن، فأقامت يوما عندهنّ و انصرفت.

فلمّا كان من الغد قال لها زوجها: أخرجي تلك الربعة لنسلّم الألف إلى أبي عبد اللّه عليه السلام. فقالت: هي في موضع كذا.

فأخرجها، و فتح القفل، فلم يجد الدنانير، و كان فيها حليها و ثيابها، فاستقرض ألف دينار من أهل بلده و رهن الحلي بها، و صار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال له: «قد وصلت الألف إلينا».

قال: و كيف ذلك؟ و ما علم غيري بمكانها، و غير ابنة عمي!

قال: «مسّتنا ضيقة، فوجّهنا من أتى بها، من شيعتي من الجنّ، فإنّي كلّما أريد أمرا بعجلة أبعث أحدا منهم».

فزاد ذلك في بصيرة الرجل و سرّ به و استرجع الحلي ممّن رهنه ثمّ انصرف إلى منزله، فوجد امرأته تجود بنفسها، فسأل عن خبرها، فقالت جويرتها: أصابها وجع في فؤادها في هذه الحالة. فغمّضها و سجّاها، و شدّ حنكها و تقدم في إصلاح ما تحتاج إليه من الكفن و الكافور و حفر قبرها، و صار إلى أبي عبد اللّه عليه السلام و أخبره،

و سأله أن يتفضّل بالصلاة عليها.

فصلّى أبو عبد اللّه عليه السلام ركعتين و دعا ثمّ قال للرجل: «انصرف إلى رحلك، فإنّ أهلك لم تمت، و ستجدها في رحلك، تأمر و تنهى، و هي في حال سلامة».

فرجع الرجل، فأصابها كما وصف أبو عبد اللّه عليه السلام، و خرج يريد مكّة، و خرج أبو عبد اللّه عليه السلام يريد الحجّ فبينما المرأة تطوف إذ رأت أبا عبد اللّه يطوف بالبيت، و الناس قد حفّوا به، فقالت لزوجها: من هذا الذي حفّ به الناس؟ قال: هو أبو عبد اللّه عليه السلام.

قالت: و اللّه، هذا الرجل الذي رأيته يشفع إلى اللّه تعالى حتّى ردّ روحي في جسدى.

165) عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير البصريّ الصيرفى، قال: أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة.

قال: فبينا أنا في الروحاء على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبى، فملت إليه، فظننت أنّه عطشان فناولته الإداوة، فقال: لا حاجة لي فيها.

قال: فناولني كتابا و طينه رطب، فلمّا نظرت إلى الخاتم، فإذا هو خاتم أبي جعفر عليه السلام.

قال: فقلت له: متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال: الساعة.

قال: و فيها شي ء يأمرني به؛ ثم التفتّ فإذا ليس أحد غيرى.

قال: فقدم أبو جعفر عليه السلام، فلقيته، فقلت: جعلت فداك، رجل أتاني بكتاب منك و طينه رطب!! قال: «نعم، إذا عجل بنا أمر أرسلنا بعضهم».

166) و زاد محمّد بن الحسين- بهذا الإسناد- و قال: «إنّ لنا خدّاما من الجنّ فإذا أردنا السرعة بعثناهم».

167) أبو حمزة الثمالى، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقيل لى: إنّ عنده قوما؛ فما لبثت قليلا حتّى خرجوا، فخرج قوم أنكرتهم، لم يعرفوا، ثمّ أذن، فدخلت عليه، فقلت: هذا زمان بني أميّة و

سيفهم يقطر دما. فقال: «يا أبا حمزة، إنّ هؤلاء وفد شيعتنا من الجنّ، جاءوا يسألوني عن معالم دينهم».

168) عن أبي حنيفة سائق الحاج، قال: لقيت أبا جعفر عليه السلام، فقلت له: أقيم حتّى تشخص؟ قال: «لا، امض حتّى يقدم علينا أبو الفضل سدير، و أن يهيئ لنا بعض ما نريد، ثمّ نكتب إليكم».

قال: فسرت يومين و ليلتين، فأتى رجل طويل أدم بكتاب خاتمه رطب، و الكتاب رطب، فقرأته: «إنّ أبا الفضل قد قدم علينا، و نحن شاخصون إن شاء اللّه تعالى، فأقم حتّى نأتيك».

قال: فأتاني فقلت: أتاني الكتاب رطبا و الخاتم رطبا! قال: «إنّ لنا أتباعا من الجنّ، فإذا أردنا أمرا بعثنا واحدا منهم».

و من أمثال ذلك أخبار كثيرة لا تحصى، و قد أوردنا في هذا الكتاب في باب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من آياته حديث الشيخ و ما اختطف من حمزة و ما استردها أمير المؤمنين عليه السلام.

و أمّا تسخير السباع، فقد أوردنا في هذا الكتاب كثيرا من انقياد الأسد لهم بمرأى منهم، و برسالتهم إليه، في هذا الكتاب من حديث جويرية بن مسهر، و من مسارّة الذئب للصادق عليه السلام، و من مسارّة الأسد لموسى بن جعفر عليهما السلام، فلا نطول الكتاب بتعدادها.

و أمّا إسالة عين القطر، و هو النحاس الذائب، إنّ اللّه قد أسأل النحاس له حتّى استعملوه في تشييد البنيان، ثمّ جمد.

و قد أعطى اللّه تعالى أئمتنا عليهم السلام ما يزيد على ذلك، من قلب الحجر ذهبا، و من إلقاء الأرض مقاليدها لهم، و هو: ما حدّث به:

169) إبراهيم بن موسى القزاز، قال: كنت يوما في مجلس الرضا عليه السلام بخراسان، فألححت عليه في شي ء طلبته منه، فخرج يستقبل بعض

الطالبين، و جاء وقت الصلاة، فمال إلى قصر هناك، فنزل تحت شجرة بقرب القصر، و أنا معه، و ليس معنا ثالث، فقال: «أذّن» فقلت: ننتظر يلحق بنا أصحابنا. فقال: «غفر اللّه لك، لا تؤخر الصلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها، من غير علّة عليك، ابدأ بأوّل الوقت».

فأذّنت و صلينا، فقلت: يا ابن رسول اللّه، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها، و أنا محتاج، و أنت كثير الشغل، لا نظفر بمسألتك في كلّ وقت.

قال: فحكّ الأرض بسوطه حكّا شديدا، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحكّة فأخرج سبيكة ذهب، فقال: «خذها إليك، بارك اللّه لك فيها، فانتفع بها، و اكتم ما رأيت».

قال: فبورك لي فيها، حتّى اشتريت بخراسان ملكين ما كان قيمته سبعين ألف دينار، فصرت أغنى الناس من أمثالي هناك.

170) و حديث إسماعيل بن أبي الحسن، قال: كنت مع الرضا عليه السلام، و قد مال بيده إلى الأرض كأنّه يكشف شيئا، فظهرت سبائك ذهب، ثمّ مسح بيده عليها، فغابت، فقلت في نفسى: لو أعطاني واحدة منها. قال: «ألا، إنّ هذا الأمر لم يأت وقته».

و قد أوردنا كثيرا من أمثال آيات موالينا عليهم السلام، و خروج الذهب من التور، و من الطست، و غير ذلك ما لا يحصى كثرة.

في ظهور آيات آصف بن برخيا وصيّ سليمان بن داود ممّا ذكره الله تعالى في القرآن و فيه: حديث واحد

و هو قوله تعالى: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ حاضرا شكر اللّه تعالى.

و قد أعطى اللّه تعالى أئمتنا عليهم السلام أمثال ذلك كثيرا، و قد ذكرنا في آيات أبي

جعفر الثاني عليه السلام ذهابه من المدينة إلى طوس لغسل أبيه.

و خروجه بمن كان يعبد اللّه بالشام في الموضع الذي نصب فيه رأس الحسين عليه السلام من الشام إلى المدينة، و من المدينة إلى مكّة، و من مكّة إلى الشام في ساعة.

و مضي الصادق عليه السلام من المدينة إلى مكّة و أدائه المناسك في ساعة من الليل.

و خروج أمير المؤمنين عليه السلام من المدينة إلى المدائن لغسل سلمان رضي اللّه عنه و رجوعه إليها من ساعته و سنذكر في ذلك حديثا غريبا، و هو ما حدّث به:

171) محمّد بن الفضل الهاشمى، قال: لمّا توفي موسى بن جعفر عليهما السلام أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه السلام، فسلّمت عليه بالأمر، و أوصلت إليه ما كان معى، و قلت: إنّي صائر إلى البصرة، و عرفت كثرة اختلاف الناس، و قد نعي إليهم موسى بن جعفر عليه السلام و لا شك، أنّهم سيسألوني عن براهين الإمام، فلو أريتني شيئا من ذلك.

فقال الرضا عليه السلام: «لم يخف عليّ شي ء من هذا، فأبلغ أولياءنا بالبصرة و غيرها أنّي قادم عليهم، و لا قوة إلّا باللّه».

ثمّ أخرج إليّ جميع ما كان للنبيّ صلى الله عليه و آله عند الأئمة عليهم السلام، من بردته و قضيبه و سلاحه و غير ذلك، فقلت: و متى تقدم عليهم؟ قال: «بعد ثلاثة أيام من وصولك إليهم و دخولك البصرة».

فلمّا قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم: إنّي أتيت موسى بن جعفر عليه السلام قبل وفاته بيوم واحد، فقال: «إنّي ميت لا محالة، فإذا واريتني في لحدي فلا تقيمنّ، و توجّه إلى المدينة بودائعي هذه و أوصلها إلى ابني عليّ بن موسى فهو وصيّى، و صاحب الأمر

من بعدى»، ففعلت ما أمرني به، و أوصلت الودائع إليه، و هو يأتيكم بعد ثلاثة أيام من يومي هذا، فاسألوه عمّا شئتم.

فانتدب للكلام عمرو بن هذّاب عن القوم، و كان ناصبيا ينحو نحو الزيدية و الاعتزال، فقال: يا محمّد إن الحسن بن محمّد رجل من أفاضل أهل البيت في ورعه و زهده و علمه و سمته و ليس هو كشاب مثل عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، و لعله لو سئل عن معضلات الأحكام أجاب عن ذلك.

فقال الحسن بن محمّد- و كان حاضرا في المجالس-: لا تقل يا عمرو ذلك، فإنّ عليّا عليه السلام على ما وصفه من الفضل، و هذا محمّد بن الفضل يقول إنّه يقدم إلى ثلاثة أيام، فكفاك به دليلا، و تفرقوا.

فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي إلى البصرة و إذا الرضا عليه السلام قد وافى، فقصد منزل الحسن بن محمّد و أخلى له داره، و قام بين يديه، يتصرف بين أمره و نهيه، فقال: يا حسن، أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمّد بن الفضل، و غيرهم من شيعتنا، و أحضر جاثليق النصارى و رأس الجالوت، فمر القوم أن يسألوا عمّا بدا لهم.

فجمعهم كلّهم و الزيدية و المعتزلة، و هم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمّد، فلمّا تكاملوا ثني للرضا عليه السلام و سادة فجلس عليها، ثمّ قال: «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام»؟ فقالوا: لا. فقال: «لتطمئن أنفسكم» قالوا: من أنت رحمك اللّه؟

قال: «أنا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام و ابن رسول اللّه، صلّيت اليوم الفجر في مسجد رسول

اللّه صلى الله عليه و آله مع والي المدينة، و أقرأني- بعد أن صلّينا- كتاب صاحبه إليه، و استشارني في كثير من أموره، فأشرت عليه بما فيه الحظّ له، و وعدته أن يصير إليّ بالعشيّ بعد هذا العصر من هذا اليوم، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه، و أنا واف له بما و عدته، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم». فقالت الجماعة: يا ابن رسول اللّه ما نريد مع هذا الدليل برهانا أكبر منه، و أنت عندنا الصادق القول. فقاموا لينصرفوا فقال لهم: «لا تنصرفوا، فإنّي إنّما جمعتكم لتسألوا عمّا شئتم من آثار النبوة و علامات الإمامة التي لا تجدونها إلّا عندنا أهل البيت؛ فهلموا مسائلكم».

فابتدأ عمرو بن هذّاب فقال: إنّ محمّد بن الفضل الهاشميّ ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب. فقال الرضا عليه السلام: «و ما تلك؟» قال: أخبرنا عنك أنّك تعلم كلّ ما أنزله اللّه تعالى، و أنّك تعرف كلّ لسان و لغة.

فقال الرضا عليه السلام: «صدق محمّد بن الفضل، فأنا أخبرته بذلك، فهلموا فاسألوا».

قال: فإنّا نختبرك قبل كلّ شي ء بالألسن و اللغات، و هذا رومى، و هذا هندى، و هذا فارسى، و هذا تركى، فأحضرناهم.

قال: «فليتكلموا بما أحبّوا، و أجيب كلّ واحد منهم بلسانه و لغته، إن شاء اللّه».

فسأل كلّ واحد منهم مسألة بلسانه و لغته فأجابهم بألسنتهم و لغاتهم، فتحيّر الناس و تعجبوا، فأقرّوا جميعا بأنّه أفصح منهم بلغاتهم.

ثمّ نظر الرضا عليه السلام إلى عمرو بن هذّاب و قال: «إن أنا أخبرتك بأنك ستبلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك، كنت مصدقا لي؟» قال: لا، فإنّ الغيب لا يعلمه إلّا اللّه.

قال عليه السلام: «أو ليس اللّه يقول:

عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فرسول اللّه صلى الله عليه و آله عنده مرتضى، و نحن ذريّة ذلك الرسول الذي أطلعه اللّه على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة؛ و إنّ الذي أخبرتك به يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيّام، فإن لم يصحّ ما قلت لك في هذه المدّة فإنّي كذّاب، و إن صحّ فتعلم أنّك الرادّ على اللّه و على رسوله؛ و لك دلالة أخرى أما إنّك ستصاب ببصرك، و تصير مكفوفا، فلا تبصر سهلا و لا جبلا، و هذا كائن بعد أيّام؛

و لك دلالة أخرى: أنّك ستحلف يمينا كاذبة، فتضرب بالبرص».

قال محمّد بن الفضل: تاللّه لقد نزل ذلك كلّه بابن هذّاب، فقيل له: صدق الرضا عليه السلام، أم كذب؟ قال: و اللّه، لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن، و لكنني كنت أتجلد.

ثمّ إنّ الرضا عليه السلام التفت إلى الجاثليق فقال: «هل دلّ الإنجيل على نبوة محمّد صلى الله عليه و آله؟» قال: لو دلّ الإنجيل على ذلك لما جحدناه.

فقال عليه السلام: «أخبرني بالسكتة التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق: اسم من أسماء اللّه تعالى، لا يجوز لنا أن نظهره».

قال الرضا عليه السلام: «فإن قررتك أنّه اسم محمّد صلى الله عليه و آله، و ذكره، و أقرّ عيسى به، و أنّه بشّر بني إسرائيل بمحمّد، أ تقر به و لا تنكره؟» قال الجاثليق: إن فعلت أقررت به، فإنّي لا أردّ الإنجيل و لا أجحده.

قال الرضا عليه السلام: «فخذ عليّ السفر الثالث الّذي فيه ذكر محمّد و بشارة عيسى بمحمّد». قال الجاثليق: هات.

فأقبل الرضا يتلو ذلك

السفر من الإنجيل، حتّى بلغ ذكر محمّد، فقال: «يا جاثليق، من هذا النبيّ الموصوف؟» قال الجاثليق: صفه.

قال: «لا أصفه إلّا بما وصفه اللّه تعالى، هو صاحب الناقة و العصا و الكساء، النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل، يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر، و يحل لهم الطيّبات، و يحرّم عليهم الخبائث، و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم، يهدى إلى الطريق الأفضل، و المنهاج الأعدل، و الصراط الأقوم.

سألتك باللّه يا جاثليق، بحقّ عيسى روح اللّه و كلمته، هل تجد هذه الصفة في الانجيل لهذا النبيّ؟» فأطرق الجاثليق مليا و علم أنّه إن جحد الإنجيل كفر، فقال: نعم، هذه الصفة في الإنجيل، و قد ذكر عيسى هذا النبى، و لم يصح عند النصارى أنّه صاحبكم.

فقال الرضا عليه السلام: «أمّا إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، و أقررت بما فيه من صفة محمّد، فخذ عليّ السفر الثاني فإنّي أوجدك ذكره، و ذكر وصيّه، و ذكر ابنته و ذكر الحسن و الحسين».

فلمّا سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أنّ الرضا عليه السلام عالم بالتوراة و الإنجيل و الزبور، فقالا: و اللّه، لقد أتى بما لا يمكننا ردّه، و لا دفعه، إلّا بجحود التوراة و الإنجيل و الزبور، و قد بشّر به موسى و عيسى جميعا، و لكن لم يتقرر عندنا صحة أنّه محمّد هذا، و أمّا اسمه محمّد فلا يجوز لنا أن نقرّ لكم بنبوته، و نحن شاكّون أنه محمّدكم أو غيره.

فقال الرضا عليه السلام: «احتججتم بالشك، فهل بعث اللّه قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّا اسمه محمّد؟ أو تجدونه في شي ء من الكتاب التي أنزلها اللّه تعالى

على جميع الأنبياء غير محمّد؟» فأحجموا عن جوابه، و قالوا: لا يجوز لنا أن نقرّ لكم بأنّ محمّدا أنّه محمّدكم، لأنا إن أقررنا لكم بمحمّد و وصيّه و ابنته و ابنيه على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإسلام كرها.

فقال الرضا عليه السلام: «أنت يا جاثليق آمن في ذمّة اللّه، و ذمّة رسوله أنّه لا ينالك منّا شي ء تكره ممّا تخافه و تحذره».

قال: فأمّا إذا آمنتنى، فإنّ هذا النبيّ الذي اسمه (محمّد) و هذا الوصي الذي اسمه (على) و هذه البنت التي اسمها (فاطمة) و هذان السبطان اللذان اسمهما (الحسن و الحسين) في التوراة و الانجيل و الزبور.

قال الرضا «فهذا الذي ذكرته في التوراة و الانجيل و الزبور من اسم هذا النبيّ صلى الله عليه و آله، و هذا الوصى، و هذه البنت، و هذين السبطين، صدق و عدل، أم كذب و زور؟».

قال: صدق و عدل، و ما قال اللّه إلّا الحقّ.

فلمّا أخذ الرضا إقرار الجاثليق بذلك، قال لرأس الجالوت: «فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الأوّل من زبور داود». قال: هات، بارك اللّه عليك و على من ولدك.

فقرأ الرضا عليه السلام السفر الأوّل، من الزبور، حتّى انتهى إلى ذكر محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، فقال: «سألتك يا رأس الجالوت بحقّ اللّه، هذا في زبور داود؟ و لك مني الأمان و الذمّة و العهد ما قد أعطيت الجاثليق».

فقال رأس الجالوت: نعم، هذا بعينه ألفيته في الزبور بأسمائهم.

قال الرضا عليه السلام: «فبحق العشر الآيات التي أنزلها اللّه تعالى على موسى بن عمران في التوراة، هل تجد صفة محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين في التوراة منسوبين إلى العدل و

الفضل؟» قال: نعم، و من جحدها كان كافرا بربّه و أنبيائه.

فقال الرضا عليه السلام: «فخذ الآن عليّ سفر كذا من التوراة» فبهت رأس الجالوت متعجبا من تلاوته و بيانه و فصاحة لسانه حتّى إذا بلغ ذكر محمّد صلى الله عليه و آله قال رأس الجالوت: نعم، هذا أحمد و ايليا و فطيم و شبر و شبير؛ و تفسيره بالعربيّة محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام. فتلا الرضا السفر إلى تمامه، فقال رأس الجالوت- لمّا فرغ من تلاوته-: و اللّه يا ابن محمّد، لو لا الرئاسة التي حصلت لي على جميع اليهود، لآمنت بأحمد، و اتّبعت أمرك، فو اللّه الذي أنزل التوراة على موسى، و الزبور على داود، ما رأيت أقرأ للتوراة و الانجيل و الزبور منك، و لا رأيت أحسن بيانا و تفسيرا و فصاحة لهذه الكتاب منك.

فلم يزل الرضا عليه السلام معهم في ذلك اليوم إلى وقت الزوال، فقال لهم- حين حضر وقت الزوال-: «أنا أصلّي و أصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه، و أعود إليكم بكرة إن شاء اللّه تعالى».

قال: فأذّن عبد اللّه بن سليمان، و أقام، و تقدّم الرضا عليه السلام فصلّى بالناس و خفّف القراءة و ركع تمام السنّة، و انصرف.

فلمّا كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك، فأتوه بجارية رومية فكلّمها بالرومية، و الجاثليق يسمع، و كان فهما بالرومية، فقال الرضا عليه السلام بالرومية: «يا أمة اللّه أيّما أحبّ إليك: محمّد أو عيسى؟».

فقالت: كان فيما مضى عيسى أحبّ إلى، حين لم أكن أعرف محمّدا، فأمّا إن عرفت محمّدا فمحمد الآن أحبّ إليّ من عيسى، و من كلّ نبى.

فقال لها

الجاثليق: فإذا كنت دخلت في دين محمّد، فتبغضين عيسى؟ قالت: معاذ اللّه بل أحبّ عيسى و أؤمن به، و لكنّ محمدا أحبّ إلى.

فقال الرضا عليه السلام للجاثليق: «فسّر للجماعة ما تكلمات به الجارية، و ما قلت أنت لها، و ما أجابتك به».

ففسّر لهم الجاثليق ذلك كله، ثم قال الجاثليق: يا ابن محمد هاهنا رجل سندى، و هو نصراني صاحب احتجاج و كلام بالسنديّة، فقال له: «أحضرنيه». فأحضره، فتكلم معه بالسنديّة ثم أقبل يحاجّه و ينقله من شي ء إلى شي ء بالسنديّة في النصرانية، فسمعت السنديّ يقول بالسنديّة، ثبطى ثبطى ثبطلة فقال الرضا عليه السلام: «قد وحّد اللّه تعالى بالسنديّة».

ثمّ كلمه في عيسى بن مريم فلم يزل يدرجه من حال إلى حال، إلى أن قال بالسنديّة: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. ثمّ رفع منطقة كانت عليه، فظهر من تحتها زنار في وسطه، فقال: اقطعه أنت بيدك، يا ابن رسول اللّه.

فدعا الرضا عليه السلام بسكّين، فقطعه، ثمّ قال لمحمّد بن الفضل الهاشمى: «خذ السنديّ إلى الحمّام و طهّره، و اكسه و عياله، و احملهم جميعا إلى المدينة.

فلمّا فرغ من مخاطبة القوم، قال: الآن صحّ عندكم ما كان محمّد بن الفضل يلقي عليكم عنّى». فقالوا: نعم، و اللّه قد بان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة، و لقد ذكر لنا محمّد بن الفضل أنّك تحمل إلى خراسان. فقال: «صدق محمّد، إلّا أنّي أحمل مكرّما معظّما مبجّلا».

قال محمّد بن الفضل: فشهد له الجماعة بالإمامة، و بات عندنا تلك الليلة، فلمّا أصبح ودّع الجماعة، و أوصاني بما أراد، و مضى، فتبعته أشيعه حتّى إذا صرنا في وسط البرية، عدل عن الطريق، فصلّى أربع ركعات،

ثمّ قال: «يا محمّد، انصرف في حفظ اللّه، فغمض طرفك» فغمضته ثمّ قال: «افتح عينك» ففتحها، فإذا أنا بباب منزلي بالبصرة، و لم أر الرضا عليه السلام قال: و حملت السنديّ و عياله إلى المدينة في وقت الموسم.

و في ذلك عدّة آيات لا تتعلق بما قصدناه، إلّا أنّي أوردت الجميع صيانة للخبر.

فى بيان آيات روح الله عيسى بن مريم ممّا ذكره الله تعالى في القرآن و فيه: أربعة و عشرون حديثا

قال اللّه تعالى: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِى.

و قال اللّه تعالى: رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.

و قال تعالى: وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ.

و قال عزّ و جل: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.

و قال اللّه تعالى في حقّ أمّه و هو في بطنها: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا.

و قال اللّه تعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

فأمّا مريم عليها السلام فكفلها زكريا، و ضمّها إليه، و جلست هي في محرابها تعبد اللّه عزّ و جل، يأتيها رزقها بكرة و عشيا.

و إنّ اللّه جلّ ثناؤه قد أعطى فاطمة الزهراء عليها السلام مثل ذلك، و جاءت به فاطمة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله

فقال: «يا فاطمة، أنّى لك هذا؟» قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

فرفع النبيّ صلى الله عليه و آله يديه و قال: «الحمد للّه الذي جعل في أهل بيتي نظير زكريا و مريم إذ قال لها يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

172) و روى عليّ بن معمّر، عن الصادق عليه السلام، قال: قالت أم أيمن: خرجت إلى مكّة فأصابني عطش شديد في الجحفة، حتّى خفت على نفسى، ثمّ رفعت رأسي إلى السماء و قلت: يا ربّ، أ تعطشني و أنا خادمة ابنة نبيّك، فنزل إليّ دلو من السماء».

و في رواية أخرى: «دلو من ماء الجنّة، فشربت، و حقّ سيّدتي ما جعت و لا عطشت سبع سنين».

و في رواية أخرى: عطشت فيما بين مكّة و المدينة عطشا شديدا، فأنزل اللّه تعالى عليها دلوا من السماء، فشربت منها، فما عطشت بعدها أبدا، و إن كان أهل المدينة لتستعين بها عليها في اليوم الشديد الحر و ما يصيبها عطش.

173) و روى سعيد بن جبير، قال: قال يزيد بن قعنب: كنت جالسا مع العبّاس بن عبد المطّلب و فريق من بني عبد العزى بإزاء بيت اللّه الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد عليها السلام- أمّ أمير المؤمنين عليه السلام- و كانت حاملة لتسعة أشهر، و قد أخذها الطلق، فقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك، و بما جاء من عندك من رسل و كتب، و إنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام، و أنّه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت العتيق، و بحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتى.

قال يزيد

بن قعنب: فرأينا البيت قد انفتح عن ظهره، و دخلت فاطمة فيه، و غابت عن أبصارنا، و التصق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من اللّه تعالى، ثمّ خرجت بعد الرابع، و بيدها عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، ثمّ قالت: إنّي فضلت على من تقدّمني من النساء، لأنّ آسية بنت مزاحم امرأة فرعون عبدت اللّه سرا في موضع لا يحب أن يعبد اللّه فيه إلّا اضطرارا، و إنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّى أكلت منها رطبا جنيا، و إنّي دخلت بيت اللّه الحرام، و أكلت من ثمار الجنّة و أرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة، سمّيه عليّا و هو على، و اللّه تعالى العلي الأعلى، يقول: إنّي شققت اسمه من اسمى، و أدّبته بأدبى، و وقفته على غوامض علمى، و هو الذي يؤذن فوق ظهر بيتى، و يقدّسنى، و يمجّدنى، فطوبى لمن أحبّه و أطاعه، و ويل لمن أبغضه و عصاه.

و أمّا قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا. فإنّ مريم عليها السلام لمّا ولدت عيسى عليه السلام ناداها من تحتها: إنّ اللّه قد جعل تحتك نهرا تشربين منه، فإذا جعت فهزي بجذع النخلة، تساقط عليك رطبا جنيا فكلي منه.

و إنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعل لأئمتنا صلوات اللّه عليهم أمثال ذلك، و قد ذكرنا كثيرا من ظهور العين لهم في مواضع،

174) و قد روت الخاصّة و العامّة أنّ عليّ بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه لمّا خرج من نيسابور متوجها إلى مرو، و

بلغ قريبا من القرية الحمراء، فدخل وقت الصلاة، و طلب الماء ليتوضأ، فلم يجد، نزل و حكّ الأرض بسوطه، فنبع له عين ماء فتوضأ هو و من كان معه منها، و العين باقية إلى اليوم يقال لها: (عين الرضا).

و أمّا خروج الرطب من الشجر اليابس فقد ذكرنا أمثال ذلك كثيرا في هذا الكتاب، لأئمتنا صلوات اللّه عليهم.

175) فقد روى عليّ بن أبي حمزة قال: حججت مع الصادق عليه السلام، فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة، فحرّك شفتيه بدعاء لم أفهمه، ثمّ قال: «يا نخلة، أطعمينا ممّا جعل اللّه تعالى فيك من رزق عباده».

قال: فنظرت إلى النخلة و قد تمايلت نحو الصادق عليه السلام بأوراقها، و عليها الرطب، قال: «أدن فقل: بسم اللّه، و كل» فأكلنا منها رطبا أطيب رطب و أعذبه، فإذا نحن بأعرابي يقول: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم من هذا! فقال الصادق عليه السلام: «نحن ورثة الأنبياء، ليس فينا ساحر و لا كاهن، بل ندعو اللّه فيستجيب دعاءنا، و إن أحببت أن أدعوا اللّه فتمسخ كلبا تهتدي إلى منزلك، و تدخل عليهم فتبصبص لأهلك».

قال الأعرابي بجهله: بلى. فدعا اللّه تعالى، فصار كلبا في وقته، و مضى على وجهه، فقال لي الصادق صلوات اللّه عليه: «اتّبعه» فاتبعته حتّى صار في حيّه، فدخل منزله، فجعل يبصبص لأهله و ولده، فأخذوا له عصا فأخرجوه، فانصرفت إلى الصادق عليه السلام فأخبرته بما كان، فبينما نحن في حديثه إذ أقبل حتّى وقف بين يدي الصادق عليه السلام، و جعلت دموعه تسيل، و أقبل يتمرّغ في التراب، و يعوى، فرحمه، و دعا اللّه تعالى فعاد أعرابيا.

فقال له الصادق عليه السلام: «هل آمنت يا أعرابي؟» قال: نعم ألفا و

ألفا.

و أمّا كلام عيسى صلوات اللّه عليه في المهد، فهو ما قال اللّه تعالى: فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا. قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا. وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا.

و قد تكلّم أئمتنا صلوات اللّه عليهم في بطن الأمّ، و في المهد، و قد تكلم أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما في بطن الأمّ، و تكلمات من قبل فاطمة في بطن أمّها.

176) روى يعقوب السرّاج، قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمّد صلوات اللّه عليهما، فسلّمت عليه، فقال: «سلّم على مولاك» و أشار إلى مهد في ضفة أخرى، فيه موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهما، فمشيت إليه، و قلت: السلام عليك يا مولاى.

قال: «و عليك السلام، يا يعقوب إنّه قد ولد لك البارحة بنت فسمّيتها باسم يبغضه اللّه تعالى فغيره».

177) و روى محمّد بن ميمون- و قد أوردته في هذا الكتاب- قال: كنت مع الرضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان، فقلت له: إنّي أريد أن أقدم إلى المدينة، فأكتب لي كتابا إلى أبي جعفر صلوات اللّه عليه، فتبسّم، فكتب، و صرت إلى المدينة، و قد كان ذهب بصرى، فأخرج الخادم أبا جعفر إلينا، فحمله في المهد، و ناوله الكتاب، فقال لموفق الخادم: «فضه و انشره» ففضّه و نشره بين يديه، و نظر فيه، ثمّ قال: «يا محمّد، ما أصاب بصرك؟» فقلت: يا ابن رسول اللّه، اعتلت عيناى، فذهب بصري كما ترى.

قال: فمدّ يده فمسح بها على عينى، فعاد إليّ بصري كأصح ما كان، فقبّلت يده و رجله، و انصرفت من عنده و أنا

بصير.

178) و روى محمّد بن علي الطهوى، عن حكيمة بنت محمّد عليه السلام- في حديث طويل- قالت: دخلت على أبي محمّد صلوات اللّه عليه، فلمّا أردت الانصراف، قال: «بيتي الليلة عندنا، فإنّه سيولد الليلة المولود الكريم على اللّه عزّ و جلّ، الذي يحيي اللّه عزّ و جل به الأرض بعد موتها» قلت: ممّن يا سيّدى، و لست أرى بنرجس شيئا من الحبل؟! قال: «من نرجس، لا من غيرها».

قالت: فقمت إليها، فقلّبتها ظهرا و بطنا، فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه، فأخبرته بما فعلته، فتبسم، ثمّ قال: «إذا كان وقت الفجر يظهر بها الحبل، لأنّ مثلها مثل أمّ موسى لم يظهر بها الحبل، و لم يعلم به أحد إلى وقت ولادتها، لأنّ فرعون كان يشق (بطون الحبالى) في طلب موسى، و هذا نظير موسى صلوات اللّه عليهما».

قالت حكيمة: فعدت إليها و أخبرتها. قالت: و سألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتى، ما أرى بي شيئا من هذا.

قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر، و هي نائمة بين يدي تتقلب جنبا إلى جنب، حتّى إذا كان آخر الليل، وقت طلوع الفجر، و ثبت فزعة، فضممتها إلى صدرى، و سمّيت عليها، فقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر بي الأمر الذي أخبرك مولاى.

فصاح أبو محمّد عليه السلام: اقرئي عليها إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فأقبلت أقرأ عليها، كما أمرنى، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ، و سلّم على.

قالت حكيمة: ففزعت لمّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد صلوات اللّه عليه: «لا تعجبي من أمر اللّه، إنّ اللّه ينطقنا بالحكمة صغارا، و يجعلنا حججا في أرضه كبارا» فلم يستتم الكلام حتّى غيبت عنّي نرجس، فلم أرها، كأنّما

ضرب بيني و بينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمّد صلوات اللّه عليه و أنا صارخة، فقال لى: «ارجعي يا عمّة، فإنّك ستجدينها في مكانها».

قالت: فرجعت، فلم ألبث حتّى انكشف الغطاء الذي بيني و بينها، و إذا أنا بها و عليها من أثر النور ما غشي بصرى، و إذا بالصبي ساجد بوجهه، جاث على ركبتيه، رافع سبابتيه نحو السماء، و هو يقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أنّ جدّي رسول اللّهصلى الله عليه و آله و أنّ أبي أمير المؤمنين» ثمّ عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه، ثمّ صلّى عليهم، ثمّ قال صلوات اللّه عليه: «اللهمّ انجز لي ما وعدتنى، و تمم لي أمرى، و ثبّت وطأتى، و املأ الأرض بي عدلا و قسطا» فصاح بي أبو محمّد، و قال: «يا عمّة تناوليه، و هاتيه»

فتناولته و أتيت به نحوه، فلمّا مثلته بين يدي أبيه، و هو على يدى، سلّم على أبيه، فتناوله منّي و الطير يرفرف على رأسه.

و في الحديث طول.

179) و في رواية موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن جعفر عليهما السلام زيادة و هى: لمّا ناولته وضع يده تحت أليته و ظهره، و وضع قدميه على صدره، ثمّ أدلى لسانه في فيه، و أمرّ يده على عينيه و سمعه و مفاصله، ثمّ قال: «تكلم يا بنى» فتكلم بما ذكرنا.

قالت حكيمة: فلمّا كان اليوم السابع جئت و سلّمت و جلست، فقال: «هاتي ابنى» فأتيت به إليه، و هو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه، كأنّما يغذّيه لبنا و عسلا، ثمّ قال: «تكلم يا بنى».

فتكلم على ما ذكرناه، ثمّ تلا:

«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ».

180) عن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه، قال: حدّثتني نسيم جارية أبي محمّد صلوات اللّه عليه، قالت: دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست، فقال لى: «يرحمك اللّه» ففرحت، فقال لي صلوات اللّه عليه: «أ لا أبشرك بالعطاس؟» فقلت: بلى. قال: «أمان من الموت ثلاثة أيّام».

و أمثال ذلك كثرة لا تحصى.

و أمّا ما علّمه اللّه تعالى من الكتاب و الحكمة و التوراة و الإنجيل في الصبا كما ذكره اللّه تعالى في كتابه العزيز، فقد ذكرنا أمثال ذلك في هذا الكتاب، فلا حاجة لنا إلى إطالة الكتاب بتكرارها.

و أمّا ما كان يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيها، فيكون طيرا بإذن اللّه، فقد ذكرنا في هذا الكتاب ما يشاكله من قلب الصورة أسدا لموسى، و ابنه الرضا عليهم السلام.

و أمّا ما كان يبرئ من الأكمه و الأبرص، فقد ذكرنا أمثال ذلك، و سنذكر أشياء أخر، منها: ما حدّث به:

181) عمر بن أذينة، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «دخل الأشتر على عليّ صلوات اللّه عليه [فسلّم] فأجابه، ثمّ قال: ما أدخلك عليّ في هذه الساعة؟ قال: حبك يا أمير المؤمنين.

قال: فهل رأيت ببابي أحدا؟ قال: نعم، أربعة نفر.

فخرج و الأشتر معه، فإذا بالباب أكمه، و مكفوف، و أبرص، و مقعد، فقال: ما تصنعون هاهنا؟ قالوا: جئناك لما بنا. فرجع ففتح حقا له، فأخرج رقا أبيض، فيه كتاب أبيض، فقرأ عليهم، فقاموا كلّهم من غير علة».

182) و روى عبد الواحد

بن زيد، قال: حججت، فرأيت عند الكعبة جاريتين تقول إحداهما للأخرى: لا و حق المنتجب للوصيّة، الحاكم بالسويّة، العادل في القضيّة، بعل فاطمة المرضيّة، ما فعلت كذا و كذا.

فقلت لها: أيّتها الجارية، و من الذي تصفينه بهذه الصفة؟

قالت: ذلك و اللّه علم الأعلام، و باب الأحكام، رباني الأمّة، و رئيس الأئمة: عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فقلت لها: و أنت تعرفينه؟! قالت: و كيف لا أعرفه؟! و قد قتل أبي و عمّي و ابن عمي- و ذكرت جماعة من عشيرتها- بين يديه، و لقد دخل ذات يوم على والدتى، فسلّم، و قال: «يا أمّ الأيتام، كيف أنت؟» فقالت أمّى: يا أمير المؤمنين، كيف حال من فقدت قيمها، و هي ممتحنة بأولادها. و أخرجتني و بي جدرى، و قد ذهبت عيناى، فلمّا نظر إليّ توجع، و مسح بيده على عينى، فردهما اللّه عليّ في الحال، و إنّي لأنظر ببركته في الليلة الظلماء إلى الجمل الشارد.

قال عبد الواحد: فعمدت إلى نفقتى، و حللت دينارا، فأعطيتها، فرمت به إلى، و قالت: أ تحقّر محبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟! ثمّ تولت و أنشأت تقول هذه الأبيات:

ما بث حبّ عليّ في جنان فتى

إلّا و قد شهدت بالنعمة النعم

و لا له قدم زلّ الزمان بها

إلّا و قد ثبتت من بعدها قدم

ما سرّني أن أكن من غير شيعته

لو أنّ لي ما حوته العرب و العجم

ثمّ قالت: نحن و اللّه اليوم في عيال أكرم خلف عن أفضل سلف نحن في عيال أبي محمّد الحسن صلوات اللّه عليه.

و أعجب من جميع ما ذكرناه ما شاهدناه في زماننا، و هو أنّ أنوشروان المجوسيّ الأصفهانى، كان بمنزلة عند خوارزمشاه، فأرسله رسولا إلى حضرة السلطان

سنجر بن ملكشاه، و كان به برص فاحش، و كان يهاب أن يدخل على السلطان لما قد عرف من نفور الطبائع منه؛ فلمّا وصل إلى حضرة الرضا صلوات اللّه عليه بطوس، قال له بعض الناس: لو دخلت قبته، و زرته، و تضرعت حول قبره، و تشفعت به إلى اللّه سبحانه و تعالى، لأجابك إليه، و أزال عنك ذلك.

فقال: إنّي رجل ذمّى، و لعل خدم المشهد يمنعوني من الدخول في حضرته فقيل له غير زيك، و ادخلها من حيث لا يطّلع على حالك أحد.

ففعل، و استجار بقبره، و تضرع بالدعاء، و ابتهل، و جعله وسيلة إلى اللّه سبحانه و تعالى، فلمّا خرج، نظر إلى يده، فلم ير فيها أثر البرص، ثمّ نزع ثوبه، و تفقّد بدنه، فلم يجد به أثرا، فغشي عليه، و أسلم، و حسن إسلامه، و قد جعل للقبر شبه صندوق من الفضّة، و أنفق عليه مالا، و هذا مشهور شائع رآه خلق كثير من أهل خراسان.

و ممّا شاهدناه أيضا أنّ محمّد بن علي النيسابوري قد كفّ بصره منذ سبع عشرة سنة، لا يبصر عينا و لا أثرا، فورد حضرته صلوات اللّه عليه من نيسابور زائرا إذ دخلها متضرعا، و زار، فوضع وجهه على قبره باكيا، و رفع رأسه بصيرا، و سمّي بالمعجزى، و بقي بعد ذلك مدّة مديدة، و أقام بالمشهد الشريف بقيّة عمره، و قد تزوّج به، و رزق أولادا، و لم توجعه عينه بعد ذلك، و لم يعرف إلّا بالمعجزى، و قد عرفه بذلك السلطان و الرعيّة، فيا لها من فضيلة قد فاق فضلها وراق خبرها.

و ممّا يشاكل نفخه في الطين، حتّى كان طيرا بإذن اللّه تعالى ما حدّث به:

183) الربيع-

حاجب المنصور- قال: وجّه المنصور إلى سبعين رجلا من أهل بابل، فدعاهم، فقال: ويحكم، أنتم ورثتم السحر من آبائكم من أيّام موسى بن عمران، و أنّكم لتفرقون بين المرء و زوجه، و أنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد ساحر كاهن مثلكم، فاعملوا شيئا من السحر، فإنّكم إن بهتموه أعطيتكم الجائزة العظيمة، و المال الجزيل.

فقاموا إلى المجالس الذي فيه المنصور، فصوروا سبعين صورة من صور السباع، و جلس كلّ واحد منهم بجنب صاحبه، و جلس المنصور على سرير ملكه، و وضع التاج على رأسه، ثمّ قال لحاجبه: ابعث إلى أبي عبد اللّه و احضره الساعة.

قال: فلمّا دخل عليه، و نظر إليهم، و إليه، و ما قد استعد له غضب و قال: «ويلكم، أ تعرفوني؟! أنا حجّة اللّه الذي أبطل سحر آبائكم في أيّام موسى بن عمران».

ثمّ نادى برفيع صوته: «أيّتها الصور المتمثلة، ليأخذ كلّ واحد منكم صاحبه، بإذن اللّه تعالى».

قال: فوثب كلّ سبع إلى صاحبه، و افترسه، و ابتلعه في مكانه، و وقع المنصور عن سريره مغشيا عليه، فلمّا أفاق قال: اللّه، اللّه يا أبا عبد اللّه، ارحمني و أقلني فإنّي تبت توبة لا أعود إلى مثلها أبدا. فقال صلوات اللّه عليه و آله: «قد أقلتك، و عفوت عنك».

ثمّ قال: يا سيّدى، قل للسباع أن تردّهم إلى ما كانوا.

قال: «هيهات، إن أعادت عصا موسى سحرة فرعون، فستعيد السباع هذه السحرة».

و معنى قوله: «أنا حجّة اللّه الذي أبطل سحر آبائكم: في أيّام موسى»: أنّي مثل ذلك الحجّة.

و للصادق عليه السلام مع المنصور آيات كثيرة عجيبة، منها ما حدّث به:

184) محمّد بن الأسقنطوريّ و كان وزيرا للدوانيقى، و أنّه كان يقول بإمامة الصادق صلوات اللّه عليه، قال:

دخلت يوما على الخليفة و هو يكفر، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه الفكرة؟ قال: قتلت من ذرّية فاطمة ألف سيّد أو يزيدون، و تركت سيّدهم و مولاهم و إمامهم. فقلت: و من ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: جعفر بن محمّد، و قد علمت أنّك تقول بإمامته، و أنّه إمامي و إمامك و إمام هذا الخلق جميعا، و لكن الآن أفرغ منه.

قال ابن الأسقنطورى: لقد أظلمت الدنيا عليّ من الغم، ثمّ دعا بالموائد، فأكل و شرب و أمر الحاجب أن يخرج الناس من مجلسه، فبقيت أنا و هو، ثمّ دعا سيافا له، فقال: يا سيّاف. قال: لبيك يا أمير المؤمنين.

قال: الساعة احضر جعفر بن محمّد و أشغله بالكلام، فإذا رفعت عمامتي عن رأسي فاضرب عنقه. قال السيّاف: نعم يا سيّدى.

قال: فلحقت السيّاف، و قلت: ويلك يا سيّاف، أ تقتل ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟! فقال: لا و اللّه، و لا أفعل ذلك. فقلت: و ما الذي تفعل؟!

قال: إذا حضر جعفر بن محمّد، و شغله بالكلام، و قلع قلنسوته من رأسه ضربت عنق الدوانيقى، و لا أبالي إلى ما صرت إليه. قلت: الرأي الذي أصبت.

قال: فأحضر جعفر بن محمّد عليهما السلام على حمار مصرى، و كان ينزل موضع الخلفاء، فلحقته في الستر و هو يقول: «يا كافي موسى فرعون، اكفني شرّه».

ثمّ لحقته في الستر الذي بيني و بين الدوانيقى، و هو يقول: «يا دائم يا دائم». ثمّ أطبق شفتيه، و لم أدر ما قال.

فرأيت القصر يموج كأنّه سفينة في لجّة البحر، و رأيت الدوانيقيّ يسعى بين يديه، حافي القدم، مكشوف الرأس، و قد اصطكت أسنانه، و ارتعدت فرائصه، و أخذ بعضده، و أجلسه

على سريره، و جثا بين يديه كما يجثو العبد بين يدي مولاه، و قال: يا مولاى، ما الذي جاء بك؟ قال: «قد دعوتني فجئتك» قال: مرني بأمرك.

قال: «أسألك أن لا تعود تدعوني حتّى أجيئك. قال: سمعا و طاعة لأمرك.

ثمّ قام و خرج صلوات اللّه عليه و آله، و دعا أبو جعفر الدوانيقيّ بالدواويج و السمور و الحواصل، و نام، و لبس الثياب عليه، و ارتعدت فرائصه، و ما انتبه إلّا نصف الليل، فلمّا انتبه، قال لى: أنت جالس يا هذا، قلت: نعم، يا أمير المؤمنين.

قال: أ رأيت هذا العجب؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين.

قال: لا و اللّه، لمّا أن دخل جعفر بن محمّد عليّ رأيت قصري يموج كأنّه سفينة في لجج البحر، و رأيت تنينا قد فغر فاه، و وضع شفته السفلى في أسفل قبّتي هذه، و شفته العليا في أعلاها، و هو يقول لي بلسان عربي مبين: يا منصور؛ إنّ اللّه تعالى قد أمرني أن أبتلعك مع أهل قصرك و من حضرك جميعا إن أحدثت حدثا. فلمّا سمعت منه ذلك طاش عقلي و ارتعشت يدي و رجلى، فقلت: أسحر هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: أسكت، أ ما تعلم أنّ جعفر بن محمّد خليفة اللّه في أرضه؟!

و أمّا إحياء عيسى عليه السلام الموتى، فهو مشهور عند الخاص و العام، و قد ذكره اللّه تعالى في القرآن.

و قد أعطى اللّه أئمتنا صلوات اللّه عليهم كثيرا من ذلك، و قد أوردنا بعضه، و سنورد أيضا طرفا، و هو ما حدّث به:

185) الأصبغ بن نباتة، قال: مرّ مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بمقبرة، و نظر إلى القبور، فقال: «أ تحب أن أريك آية بإذن اللّه تعالى؟» فقلت:

نعم يا مولاى.

فأشار بيده إلى قبر، و قال: «قم يا ميت» فقام شيخ و قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، و خليفة ربّ العالمين. فقال صلوات اللّه عليه: «من أنت يا شيخ؟».

فقال: أنا عمرو بن دينار الهمدانى، قتلت في واقعة الأنبار، قتلني أصحاب معاوية مع أمير الأنبار.

فقال: «اذهب إلى أهلك و أولادك و حدّثهم بما رأيت، و قل لهم: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أحياني و ردّني إليكم بإذن اللّه».

و أمّا ما كان عيسى عليه السلام ينبئ بما يأكل الناس و ما يدّخرون في بيوتهم، فإنّ اللّه تعالى قد أعطى أئمتنا صلوات اللّه عليهم أفضل من ذلك فقد روى:

186) المعلى بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن بكّار القمّى، قال: حججت أربعين حجّة، فلمّا كان في آخرها اصبت بنفقتي بجمع، فقدمت مكّة، فأقمت حتّى صدر الناس، ثمّ قلت: أصير إلى المدينة، فأزور رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و أنظر إلى سيّدي أبي الحسن موسى عليه السلام، و عسى أن أعمل بيدى، فأجمع شيئا، فأستعين به على طريقي إلى الكوفة.

فخرجت حتّى صرت إلى المدينة، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فسلّمت عليه، ثمّ رجعت إلى المصلّى الذي يقوم فيه الفعلة، فقمت فيه رجاء أن يسبّب اللّه لي عملا، فبينا أنا كذلك إذا أنا برجل قد أقبل، فاجتمع حوله الفعلة، فجئت فوقفت معهم، فذهبت الجماعة فاتّبعته، و قلت: يا عبد اللّه، إنّي رجل غريب، فإن رأيت أن تذهب بي معهم فتستعملنى. فقال: أنت من أهل الكوفة؟ قلت: نعم. قال: اذهب.

فانطلقت معه إلى دار كبيرة تبنى جديدة، فعملت فيها أيّاما، و كنا لا نعطى من أسبوع إلى أسبوع، إلّا يوما واحدا، و كان

العملة لا يعملون، فقلت للموكّل: استعملني عليهم حتّى استعملهم و أعمل معهم. قال: قد استعملتك. فكنت أعمل معهم و استعملهم.

قال: فإنّي لواقف ذات يوم على السلم إذ نظرت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليه قد أقبل و أنا في سلّم الدار، فدار فيها، ثمّ رفع رأسه إلى، فقال: «بكار جئتنا! انزل» فنزلت.

قال: فتنحّى ناحية فقال: «ما تصنع هاهنا؟» قلت: جعلت فداك، أصبت بنفقتي بجمع، فأقمت في مكة إلى أن صدر الناس، ثمّ إنّي صرت إلى المدينة، فأتيت المصلّى، فقلت أطلب عملا، فبينا أنا قائم إذ جاء وكيلك، فذهب برجاله، فسألته أن يستعملني كما يستعملهم. فقال: «أقم يومك هذا».

فلمّا كان من الغد، و كان اليوم الذي يعطون فيه، جاء فقعد على الباب، فجعل الوكيل يدعو برجل رجل و يعطيه، و كلّما ذهبت لأدنو قال لي بيده كذا، حتّى إذا كان في آخرهم قال لى: «أدن منّى» فدنوت، فدفع إليّ صرّة فيها خمسة عشر دينارا، قال: «خذ، هذه نفقتك إلى الكوفة». ثمّ قال: «اخرج غدا» فقلت: نعم، جعلت فداك. و لم أستطع أن أردّه، ثمّ ذهب و عاد إليّ الرسول، فقال: قال أبو الحسن عليه السلام: «ائتني غدا قبل أن تذهب».

فلمّا كان من الغد أتيته، فقال: «اخرج الساعة حتّى تصير إلى فيد، فإنّك توافق قوما يخرجون إلى الكوفة، و هاك هذا الكتاب فادفعه إلى عليّ بن أبي حمزة».

قال: فانطلقت، فلا و اللّه، ما تلقّاني خلق حتّى صرت إلى فيد، فإذا قوم قد تهيّأوا للخروج إلى الكوفة من الغد، فاشتريت بعيرا، و صحبتهم إلى الكوفة، فدخلتها ليلا، فقلت: أصير إلى منزلي فأرقد ليلتي هذه، ثمّ أغدو بكتاب مولاي إلى عليّ بن أبي حمزة، فأتيت منزلي

فأخبرت أنّ اللصوص دخلوا حانوتي قبل قدومي بأيّام.

فلمّا أن أصبحت صلّيت الفجر، فبينا أنا جالس متفكّر فيما ذهب لي من حانوتي إذا أنا بقارع يقرع الباب، فخرجت، فإذا عليّ بن أبي حمزة، فعانقته و سلّم على، ثمّ قال لى: يا بكّار، هات كتاب سيّدى.

قلت: نعم، و قد كنت على المجي ء إليك الساعة.

قال: هات، قد علمت أنّك قدمت ممسيا. فأخرجت الكتاب، فدفعته إليه، فأخذه و قبّله، و وضعه على عينيه، و بكى، فقلت: ما يبكيك؟ قال: شوقا إلى سيّدى، ففك الكتاب و قرأه، ثمّ رفع رأسه إلى، و قال: يا بكّار، دخل عليك اللصوص؟ قلت نعم.

قال: أخذوا ما كان في حانوتك قلت: نعم.

قال: إنّ اللّه تعالى قد أخلف عليك ما ذهب منك، و أعطاني أربعين دينارا فقوّمت ما ذهب منّى، فإذا قيمته أربعون دينارا، ففتح الكتاب فإذا فيه بأن ادفع إلى بكّار أربعين دينارا قيمة ما ذهب من حانوته، و المنة اللّه.

187) عن أحمد بن عمر، قال: خرجت إلى الرضا صلوات اللّه عليه و امرأتي بها حبل، فقلت له: إنّي خلّفت أهلي و هي حامل، فادع اللّه أن يجعله ذكرا. فقال لى: «و هو ذكر، فسمّه، عمر».

فقلت: نويت أن أسميه عليّا، و أمرت الأهل به، قال: «سمّه عمر».

فوردت الكوفة و قد ولد لي ابن و سمّي عليّا، فسمّيته عمر، فقال لي جيرانى: لا نصدّق بعدها بشي ء ممّا كان يحكى عنك. فعلمت أنّه كان أنظر لي من نفسى.

188) و عن بكر بن صالح، قال: قلت للرضا صلوات اللّه عليه: امرأتي أخت محمّد بن سنان بها حبل، فادع اللّه تعالى أن يجعله ذكرا. قال: «هما اثنان» فقلت في نفسى: محمّد و على، فدعاني بعد انصرافي فقال: «سم واحدا

عليّا، و الأخرى أمّ عمرو».

فقدمت الكوفة و قد ولد لي غلام و جارية في بطن واحد، فسمّيت كما أمرني فقلت لأمّى: ما معنى أم عمرو؟ فقالت: إنّ أمّي كانت تدعى أم عمرو.

189) «18»- و روى أيضا جعفر بن الشريف الجرجانى، قال: حججت سنة، فدخلت على أبي محمّد صلوات اللّه عليه بسرّمن رأى، و قد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه، فقال قبل أن قلت ذلك: «ادفع ما معك إلى المبارك خادمى».

قال: ففعلت ذلك، فقلت: إنّ شيعتك بجرجان يقرءون عليك السلام. فقال: «أو لست منصرفا بعد فراغك من الحجّ؟!» قلت: بلى.

قال: «فإنّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة و تسعين يوما، و تدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر، في أوّل النهار، فاعلمهم أنّي أوافيهم آخر النهار؛ فامض راشدا، فإنّ اللّه سيسلّمك و يسلّم ما معك، و تقدم على أهلك و ولدك، و ولد لولدك الشريف ابن فسمّه الصلت بن الشريف بن جعفر بن الشريف، و سيبلغ اللّه به، و يكون من أوليائنا».

قلت: يا ابن رسول اللّه، إنّ إبراهيم بن إسماعيل الخلنحيّ- و هو من شيعتك- كثير المعروف إلى أوليائك، يخرج إليهم في السنة أكثر من مائة ألف درهم، و هو أحد المتقلّبين في نعم اللّه بجرجان.

فقال: شكر اللّه لأبي إسحاق و إبراهيم بن إسماعيل صنعه إلى شيعتنا، و غفر له ذنوبه، و رزقه اللّه ذكرا سويا، قائلا بالحق، فقل له: يقول لك الحسن بن على: سم ابنك أحمد».

فانصرفت من عنده، و حججت، و سلّمني اللّه تعالى، حتّى وافيت جرجان في يوم الجمعة أوّل النهار، كما ذكر صلوات اللّه عليه و آله، و جاءني أصحابنا

يهنّئونى، فأعلمتهم أنّ الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا النهار، فتأهّبوا لما تحتاجون إليه، و أعدّوا مسائلكم و حوائجكم كلّها.

فلمّا صلّوا الظهر و العصر اجتمعوا كلّهم في دارى، فو اللّه ما شعرنا إلّا و قد وافانا أبو محمّد، فدخل علينا، و نحن مجتمعون، فسلّم هو أوّلا علينا، فاستقبلناه و قبّلنا يديه، ثمّ قال: «إنّي كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم في آخر هذا اليوم فصلّيت الظهر و العصر بسرّمن رأى و صرت إليكم لأجدّد بكم عهدا، و ها أنا قد جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم و حوائجكم كلّها».

فأوّل من ابتدأ بالمسائل النصر بن جابر، قال: يا ابن رسول اللّه، إن ابني جابرا أصيب ببصره منذ أشهر، فادع اللّه تعالى أن يردّ عليه بصره. قال: «فهاته» فمسح بيده على عينيه فصار بصيرا.

ثمّ تقدّم رجل فرجل، يسألونه حوائجهم، فأجابهم إلى كلّ ما سألوه حتّى قضى حوائج الجميع، و دعا لهم بخير، و انصرف من يومه ذلك.

190) «19»- و حدّث عليّ بن زيد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن على، قال: صحبت أبا محمّد عليه السلام من دار العامّة إلى منزله، فلمّا صار إلى الدار، و أردت الانصراف، قال: «أمهل» فدخل ثمّ أذن لي فدخلت، فأعطاني مائة دينار، و قال: «صيّرها في ثمن جارية، فإنّ جاريتك فلانة قد ماتت».

و كنت خرجت من المنزل و عهدي بها أنشط ما كانت، فمضيت فإذا الغلام قال: ماتت جاريتك فلانة الساعة.

قلت: ما حالها؟ قال: شربت ماء فشرقت، فماتت.

191) «20»- عن أبي هاشم الجعفرى، قال: ركب أبو محمّد عليه السلام يوما إلى الصحراء، فركبت معه، فبينا نسير، و هو قدّامي و أنا خلفه، إذ عرض لي فكر في دين كان على، فجعلت

أفكر في أي وجه يكون قضاؤه.

فالتفت إليّ و قال: «اللّه يقضيه» ثمّ انحنى على قربوس سرجه، فخطّ بسوطه خطة في الأرض، و قال: «يا أبا هاشم، انزل فخذ، و اكتم».

فنزلت فإذا بسبيكة ذهب، قال: فوضعتها في خفي و سرنا، فعرض لي الفكر، فقلت: إن كان فيها تمام الدين، و إلّا فإنّي أرضّي صاحبه بها، و يجب أن ننظر الآن في نفقة الشتاء، و ما نحتاج إليه من كسوة و غيرها.

فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية، و خطّ بسوطه خطة مثل الأولى، ثمّ قال: «انزل، فخذ، و اكتم».

فنزلت فإذا بسبيكة فضّة فجعلتها في خفي الآخر، و سرنا يسيرا، ثمّ انصرف إلى منزله، و انصرفت إلى منزلي و جلست، و حسبت ذلك الدين، و عرفت مبلغه، ثمّ وزنت سبيكة الذهب، فخرجت بقسط ذلك الدين، ما زادت و لا نقصت.

و من تأمل ذلك عرف أن ذلك يزيد على ما أخبرنا بما يأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم، و اللّه الموفق.

و أمّا قوله تعالى: وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فهو أنّ بني إسرائيل أرادوا قتله، فدخل عليه السلام بيتا، فتبعه إنسان ليأخذه و يقتله، فألقى اللّه تعالى شبيه عيسى عليه، فأخذته اليهود، و ظنّوا أنّه عيسى، و هو يصيح أنّه فلان، فلم يقبلوا منه، و قتلوه، و صلبوه، فلمّا صلبوه رجع إلى صورته، فأيقنت اليهود أنّه شبّه لهم، و قد رفع اللّه عيسى إليه.

و مثل ذلك جرى في أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه و هو ما حدّث به:

192) أبو خديجة، عن رجل من كندة- و كان سيّافا لبني العبّاس- قال: لمّا جي ء إلى الدوانيقيّ بأبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، و ابنه إسماعيل، أمر

بقتلهما، و هما محبوسان، فأتى أبا عبد اللّه ليلا، فأخرجه و ضربه بسيفه حتّى قتله، ثمّ أخذ إسماعيل ليقتله، فقاتله ساعة ثمّ قتله، ثمّ جاء إليه، فقال له: ما صنعت؟ فقال: لقد قتلتهما، و أرحتك منهما.

فلما أصبح فإذا أبو عبد اللّه صلوات اللّه عليه و إسماعيل جالسان، فاستأذنا، فقال أبو جعفر الدوانيقيّ للرجل: أ لست زعمت أنّك قتلتهما؟ [قال: بلى لقد عرفتهما كما أعرفك قال: فاذهب إلى الموضع الذي قتلتهما فيه] فانظر، فإذا بجزورين منحورين. قال فبهت و رجعت فأخبرته فنكس رأسه و قال: لا يسمعن هذا منك أحد.

و هذا مثل قوله تبارك و تعالى: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.

و ممّا يقارب ذلك ما حدّثت به:

193) أمّ الفضل بنت المأمون زوجة أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام، قالت: أ لا أخبرك عن أبي جعفر بشي ء عجيب و أمر جليل فوق الوصف و المقدار؟! قيل: و ما ذاك؟!

قالت: كنت أغار عليه كثيرا، و أراقبه أبدا، فربما أسمعني الكلام، فأشكو ذلك إلى أبى، فيقول: يا بنيّة احتمليه، فإنّه بضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت عليّ جارية من ولد عمّار بن ياسر و سلّمت على، فقلت: من أنت؟ قالت: أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر، و أنا زوجة أبي جعفر محمّد بن على، زوجك. فدخلني من الغيرة ما لم أقدر على احتماله، و همّمت أن أخرج و أصيح في البلاد، و كاد الشيطان أن يحملني على الإساءة إليها، فكظمت غيظي و أحسنت رفدها، و كسوتها.

فلمّا خرجت عنّي لم أتمالك أن نهضت، فدخلت على أبى، فخبّرته الخبر، و كان سكران لا

يعقل، فقال: يا غلام عليّ بالسيف.

فأتى به، فركب و قال: لأقطعنه.

فلمّا رأيت ذلك منه، قلت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ما صنعت بزوجي؟! و جعلت ألطم على وجهى، فدخل عليه والدي فما زال يضربه بالسيف حتّى قطّعه، ثمّ إنّه خرج، و خرجت خلفه هاربة، و لم أرقد ليلى.

فلمّا أصبحت أتيت أبي فقلت له: أ تدري ما صنعت البارحة؟! قال: و ما صنعت؟! قلت له: قتلت ابن الرضا! فبرق عينه و غشي عليه، ثمّ أفاق بعد حين، فقال: ويلك ما تقولين؟! قلت: نعم، و اللّه، دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسيف حتّى قتلته فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا، ثمّ قال: عليّ بياسر الخادم. فلمّا أتي به قال: ما هذا الذي تقول هذه المرأة؟! قال: صدقت يا أمير المؤمنين. فضرب بيده على صدره و خدّه، و قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، هلكنا، و عطبنا و افتضحنا إلى آخر الأبد، اذهب ويلك و انظر ما القصة و عجّل إليّ بالخبر، فإنّ نفسي تكاد أن تخرج الساعة.

فخرج ياسر و أنا ألطم خدّي و وجهى، فما لبث ياسر أن عاد إليه فقال: البشرى يا أمير المؤمنين! فقال: و لك البشرى، ما عندك؟!

قال: دخلت عليه، فإذا هو جالس، و عليه قميص، و هو يستاك، فسلّمت عليه، و قلت: يا ابن رسول اللّه أحبّ أن تهب لي قميصك هذا أصلّي فيه و أتبرّك به. و إنّما أردت أن أنظر إلى جسده، هل به أثر جراحة و أثر السيف؟ فقال: «بل أهب لك ما هو خير من هذا». فقلت: لست أريد غير هذا القميص. فخلعه، و نظرت إلى جسده و كأنّه العاج ما به أثر، فبكى المأمون بكاء شديدا،

و قال: ما بقي بعد هذا شي ء، إنّ في ذلك لعبرة.

و في القصة طول، قد اقتصرنا على الموضع المقصود منها.

و أمّا ما أنزل اللّه تعالى على عيسى عليه السلام المائدة من السماء، فهو ما قال اللّه تعالى في كتابه العزيز: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَ نَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَ نَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ. قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ

فأنزل اللّه تعالى عليه سبعة أرغفة مع سمك و بقل و خل.

194) و في رواية أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام: «و أكل منها خلق كثير».

و قد ذكرت أمثال ذلك في الكتاب.

195) و قد حدّثت زينب بنت عليّ عليهما السلام، قالت: صلّى أبي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاة الفجر، ثمّ أقبل على عليّ عليه السلام فقال: «هل عندكم طعام؟».

فقال: «لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاما».

قال: «امض بنا إلى ابنتي فاطمة» فدخلا عليها، و هي تتلوى من الجوع، و ابناها معها، فقال: «يا فاطمة، فداك أبوك، هل عندك طعام؟» فاستحيت و قالت: «نعم» ثمّ قامت و صلّت، ثمّ سمعت حسّا، فالتفت فإذا صفحة ملآنة ثريدا و لحما، فاحتملتها و جاءت بها، و وضعتها بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فجمع عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين

عليهم السلام، و جعل عليّ يطيل النظر إلى فاطمة و يتعجب، و يقول: «خرجت من عندها و ليس عندها طعام، فمن أين هذا؟!» ثمّ أقبل عليها، فقال: «يا بنت رسول اللّه، أَنَّى لَكِ هذا؟» قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

فضحك النبيّ صلى الله عليه و آله و قال: «الحمد للّه الذي جعل في أهل بيتى نظير زكريا و مريم، إذ قال لها: أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ

و ما أخرج اللّه تعالى من الثمر من الشجر اليابس لأئمتنا عليهم السلام إن لم يزد على ذلك، لم ينقص عنه، فلا نطيل الكلام بإعادته.

الباب الثالث في ذكر معجزات أمير المؤمنين و سيّد الوصيين عليّ بن أبي طالب عليه السلام

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى و فيه: أربعة أحاديث

196) عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمى، مولى أبي جعفر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «خرج أمير المؤمنين عليه السلام بالناس يريد صفين حتى عبر الفرات، و كان قريبا من الجبل بصفين، إذ حضرت صلاة المغرب، فأمر بالنزول فنزلوا، ثمّ توضّأ و أذّن، و لمّا فرغ من الأذان انفلق الجبل عن هامة بيضاء، بلحية بيضاء، و وجه أبيض، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، مرحبا بوصي خاتم النبيّين، و قائد الغرّ المحجلين، و العالم المؤمن، و الفاضل الفائق ميراث الصديقين، و سيّد الوصيين»، فقال: «و عليك السلام، يا أخي شمعون بن حمون، وصيّ عيسى بن مريم روح اللّه، كيف حالك؟!»

قال: بخير رحمك اللّه، و أنا منتظر روح اللّه ينزل، و لا أعلم أحدا أعظم بلاء في اللّه، و لا أحسن غدا ثوابا، و لا أرفع مكانا منك، اصبر يا أخي على ما أنت فيه حتّى تلقى الحبيب غدا، و قد رأيت

أصحابك بالأمس ما لقوا من بني إسرائيل، نشروهم بالمناشير، و حملوهم على الخشب فلو تعلم هذه الوجوه (المارقة المفارقة لك) ما أعدّ لهم من عذاب ربّك و سوء نكاله لم يفروا، و لو تعلم هذه الوجوه المبيّضة ما أعد اللّه لهم من الثواب الجزيل تمنّت لو أنها قرضت بالمقاريض، و السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.

ثمّ التأم الجبل، و خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى قتال القوم، فسأله عمّار بن ياسر، و ابن عبّاس، و مالك الأشتر، و هاشم بن عتبة، و أبو أيّوب الأنصارى، و قيس بن سعد، و عمرو بن الحمق، و عبادة بن الصامت، و أبو الهيثم بن التيهان رضي اللّه عنهم عن الرجل، فأخبرهم أنّه شمعون بن حمون وصي عيسى عليه السلام [و كانوا قد] سمعوا منه كلامه، فازدادوا بصيرة، فقال له عبادة بن الصامت و أبو أيّوب الأنصارى: لا يهلعن قلبك يا أمير المؤمنين، بآبائنا و أمّهاتنا نفديك، فو اللّه لننصرنك نصرة أخيك رسول اللّه صلى الله عليه و آله و لا يتخلف عنك من المهاجرين و الأنصار إلّا شقى. فقال لهما معروفا و ذكرهما بخير.

197) عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن سلمان رضي اللّه عنه- في حديث طويل، ألخص لك فائدته- قال: إن امرأة من الأنصار قتلت تجنيا بمحبة عليّ عليه السلام يقال لها: (أمّ فروة) و كان عليّ عليه السلام غائبا، فلمّا وافى، ذهب إلى قبرها و رفع رأسه إلى السماء و قال: «اللهمّ يا محيي النفوس بعد الموت، و يا منشئ العظام الدراسات بعد الفوت، أحي لنا أمّ فروة، و اجعلها عبرة لمن عصاك».

فإذا بهاتف يهتف: يا أمير المؤمنين، امض لما سألت.

فرفس قبرها، و قال: «يا أمة اللّه، قومي بإذن اللّه تعالى».

فخرجت أمّ فروة من القبر، فبكت و قالت: أرادوا إطفاء نورك، فأبى اللّه عزّ و جلّ لنورك إلّا ضياء، و لذكرك إلّا ارتفاعا، و لو كره الكافرون.

فردّها أمير المؤمنين عليه السلام إلى زوجها، و ولدت بعد ذلك

غلامين و عاشت بعد أمير المؤمنين ستة أشهر.

198) عن محمّد بن أبي عمير، عن حنّان بن سدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «لمّا صلّى أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الظهر بأرض بابل، التفت إلى جمجمة ملقاة، و كلمها، و قال: «أيّتها الجمجمة، من أنت؟» فقالت: أنا فلان بن فلان، ملك بلد فلان.

قال على: «أنا أمير المؤمنين، فقصّ عليّ الخبر، و ما كنت، و ما كان في عمرك» فأقبلت الجمجمة و قصّت خبرها، و ما كان في عصرها من خير و شر».

و قال مصنف هذا الكتاب رحمه اللّه: إنّ مسجد الجمجمة معروف بأرض بابل، و قد بني مسجد على الموضع الذي كلّمته جمجمة فيه، و هو إلى اليوم باق معروف، يزوره أكثر من يمرّ به من الحجّاج و غيرهم.

199) عن عيسى شلقان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كانت له خئولة في بني مخزوم، و إنّ شابا منهم أتاه و قال: إنّ أخي و ابن أبي فارق الدنيا، و قد حزنت عليه حزنا شديدا. فقال له: أ تشتهي أن تراه؟ فقال: نعم. قال: فأرني قبره.

قال: فخرج و تقنّع ببرد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و دعا بدعائه المستجاب، فلمّا انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه، ثمّ ركضه برجله، فخرج من قبره، و هو يقول: منكل بلسان الفرس، فقال عليه السلام: أ

لم تمت و أنت رجل من العرب؟!

فقال: بلى، و لكن متنا على غير سنّتكم، فانقلبت ألسنتنا».

في بيان ظهور آياته ممّا رؤي في المنام ثمّ ظهر حكمه في اليقظة من تغيير صور أعدائه و قتلهم و فيه: ثمانية أحاديث

200) عن محمّد بن عمر الواقدى، قال: كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرفة، فقعد ذات يوم و حضره الشافعى، و كان هاشميا يقعد إلى جنبه، و حضر محمّد بن الحسن و أبو يوسف فقعدا بين يديه، و غصّ المجالس بأهله، فيهم سبعون رجلا من أهل العلم، كلّ منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع.

قال الواقدى: فدخلت في آخر الناس، فقال الرشيد: لم تأخرت؟ فقلت: ما كان لإضاعة حق، و لكني شغلت بشغل عاقني عمّا أحببت.

قال: فقرّبني حتّى أقعدني بين يديه، و قد خاض الناس في كلّ فن من العلم، فقال الرشيد للشافعى: يا ابن عمى، كم تروي في فضائل عليّ بن أبي طالب؟ فقال: أربعمائة حديث و أكثر. فقال له: قل و لا تخف. قال: يبلغ خمسمائة أو يزيد.

ثمّ قال لمحمّد بن الحسن: كم تروي يا كوفي من فضائله؟

قال: نحو ألف حديث أو أكثر.

فأقبل على أبي يوسف فقال: كم تروي أنت يا كوفي من فضائله؟ أخبرني و لا تخش. قال: يا أمير المؤمنين، لو لا الخوف لكانت روايتنا في فضائله أكثر من أن تحصى.

قال: ممّ تخاف؟ قال: منك و من عمالك و أصحابك. قال: أنت آمن، فتكلم و أخبرني كم فضيلة تروي فيه؟

قال: خمسة عشر ألف خبر مسند، و خمسة عشر ألف حديث مرسل.

قال الواقدى: فأقبل عليّ و قال: ما تعرف في ذلك أنت؟ فقلت مثل مقالة أبي يوسف، قال الرشيد: لكني أعرف له فضيلة رأيتها بعينى، و سمعتها بأذنى، أجلّ من كلّ فضيلة تروونها أنتم، و إنّي لتائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّي من

أمر الطالبية و نسلهم.

فقلنا جميعا: وفّق اللّه أمير المؤمنين و أصلحه، إن رأيت أن تخبرنا بما عندك.

قال نعم، ولّيت عاملي يوسف بن الحجّاج بدمشق، و أمرته بالعدل في الرعية، و الإنصاف في القضية، فاستعمل ما أمرته، فرفع إليه أنّ الخطيب الذي يخطب بدمشق يشتم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في كلّ يوم و ينتقصه، قال: فأحضره و سأله عن ذلك، فأقرّ له بذلك، فقال له: و ما حملك على ما أنت عليه؟ قال:

لأنه قتل آبائي و سبى الذرارى، فلذلك له الحقد في قلبى، و لست أفارق ما أنا عليه.

فقيّده و غلّه و حبسه، و كتب إليّ بخبره، فأمرته بحمله إليّ على حالته من القيود، فلمّا مثل بين يدي زبرته، و صحت به، و قلت: أنت الشاتم لعليّ بن أبي طالب؟! فقال: نعم. قلت: ويلك قتل من قتل، و سبى من سبى بأمر اللّه تعالى، و أمر النبيّ صلى الله عليه و آله. فقال: ما أفارق ما أنا عليه، و لا تطيب نفسي إلّا به.

فدعوت بالسياط و العقابين، فأقمته بحضرتي هاهنا، و ظهره إلى، فأمرت الجلّاد فجلده مائة سوط، فأكثر الصياح و الغياث، فبال في مكانه، فأمرت به فنحي عن العقابين، و أدخل ذلك البيت- و أومى بيده إلى بيت في الإيوان- و أمرت أن يغلق الباب عليه و إقفاله، ففعل ذلك، و مضى النهار، و أقبل الليل، و لم أبرح من موضعي هذا حتّى صلّيت العتمة.

ثمّ بقيت ساهرا أفكر في قتله و في عذابه، و بأي شي ء أعذبه، مرّة أقول: أضرب على علاوته؛ و مرّة أقول: أقطع أمعاءه، و مرّة أفكّر في تفريقه، أو قتله بالسوط، فلم أتم الفكر في أمره حتّى

غلبتني عيني فنمت في آخر الليل، فإذا أنا بباب السماء و قد انفتح، و إذا النبيّ صلى الله عليه و آله قد هبط و عليه خمس حلل، ثمّ هبط عليّ عليه السلام، و عليه ثلاث حلل، ثمّ هبط الحسن عليه السلام، و عليه حلتان، ثم هبط الحسين و عليه حلتان، ثمّ هبط جبرئيل عليه السلام و عليه حلّة واحدة، فإذا هو من أحسن الخلق، في نهاية الوصف، و معه كأس فيه ماء كأصفى ما يكون من الماء و أحسنه، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «أعطني الكأس» فأعطاه، فنادى بأعلى صوته: «يا شيعة محمّد و آله» فأجابوه من حاشيتي و غلماني و أهل الدار أربعون نفسا أعرفهم كلّهم، و كان في داري أكثر من خمسة آلاف إنسان، فسقاهم من الماء و صرفهم.

ثمّ قال: «أين الدمشقى» فكأنّ الباب قد انفتح، فأخرج إليه، فلمّا رآه عليّ عليه السلام أخذ بتلابيبه و قال عليه السلام: «يا رسول اللّه، هذا يظلمني و يشتمني من غير سبب أوجب ذلك» فقال عليه السلام: «خله يا أبا الحسن».

ثمّ قبض النبيّ صلى الله عليه و آله على زنده بيده، و قال: «أنت الشاتم لعليّ ابن أبي طالب؟!» فقال: نعم فقال: «اللّهمّ امسخه، و امحقه، و انتقم منه».

قال: فتحول- و أنا أراه- كلبا، و ردّ إلى البيت كما كان، و صعد النبيّ صلى الله عليه و آله، و جبرئيل و عليّ عليه السلام و من كان معهم.

فانتبهت فزعا مرعوبا مذعورا، فدعوت الغلام و أمرت بإخراجه إلى، فأخرج و هو كلب، فقلت له: كيف رأيت عقوبة ربّك؟ فأومى برأسه كالمعتذر، و أمرت بردّه. فها هو ذا في البيت

ثمّ نادى و أمر بإخراجه، فأخرج و

قد أخذ الغلام بإذنه، فإذا أذناه كآذان الناس، و هو في صورة الكلب، فوقف بين أيدينا يلوك بلسانه، و يحرك شفتيه كالمعتذر، فقال الشافعي للرشيد: هذا مسخ، و لست آمن أن تعجّله العقوبة،.

فأمر به فردّ إلى بيته، كما كان بأسرع من أن سمعنا وجبة و صيحة، فإذا صاعقة قد سقطت على سطح البيت فأحرقته و أحرقت الكلب، فصار رمادا، و عجّل اللّه بروحه إلى نار جهنّم.

قال الواقدى: فقلت للرشيد: يا أمير المؤمنين، هذه معجزة و عظة وعظت بها، فاتق اللّه في ذريّة هذا الرجل. فقال الرشيد: أنا تائب إلى اللّه تعالى ممّا كان منّى، و أحسنت توبتى.

201) عن محمّد بن كثير، و مندل بن عليّ العنزى، و جرير بن عبد الحميد- و زاد بعضهم على بعض في اللفظ، و قال بعضهم ما لم يقل البعض، و سياق الحديث لمندل- عن الأعمش، قال: بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب، فبقيت متفكرا فيما بيني و بين نفسى، فقلت: ما بعث إليّ أمير المؤمنين في هذه الساعة إلّا ليسألني عن فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام و لعلني إن أخبرته قتلنى.

قال: فكتبت وصيّتى، و لبست كفنى، و دخلت عليه، فقال: ادن منّى. فدنوت منه، و عنده عمرو بن عبيد، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئا، ثمّ قال: أدن. فدنوت حتّى كادت تمس ركبتي ركبته.

قال: فوجد رائحة الحنوط منّى، فقال: و اللّه لتصدقني و إلّا صلبتك. قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين؟

قال: ما شأنك متحنطا؟

قلت: أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب، فقلت في نفسى: عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، و لعلي إن

أخبرته قتلنى، فكتبت وصيتى، و لبست كفنى.

قال: فكان متكئا فاستوى جالسا. و قال: لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، أسألك اللّه يا سليمان، كم حديثا تروي في فضائل عليّ أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقلت: يسيرا يا أمير المؤمنين.

فقال: كم؟ قلت: عشرة آلاف حديث فما زاد.

فقال لى: يا سليمان و اللّه لأحدّثك بحديث في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام تنسى كلّ حديث سمعته. فقلت: حدّثني يا أمير المؤمنين.

قال: نعم، كنت هاربا من بني أميّة، و كنت أتردّد في البلدان، فأتقرب إلى الناس بفضائل عليّ بن أبي طالب- في حديث طويل- حتّى وردت بعض البلاد، فدخلت مسجدا، و حدثت بين يدي إمام المسجد بفضائل عليّ عليه السلام، فقال: ممّن أنت يا فتى؟

قلت: من أهل الكوفة. قال: عربي أم مولى؟ قلت: بل عربى.

فكساني و حملني و أرشدني إلى أخوين له، أحدهما إمام، و الآخر مؤذن، و أخذ بيدي حتّى أتى الإمام، و رجع، فإذا أنا برجل قد خرج إلى، فقال: أمّا البغلة و الكسوة فأعرفهما، و اللّه ما كان فلان يحملك و يكسوك إلّا أنّك تحبّ اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلى الله عليه و آله، فحدثني بحديث في فضائل عليّ صلوات اللّه عليه فحدّثته، و ذكرت الحديث.

فلمّا قلت ذلك قال لى: يا بنى، من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: عربي أم مولى؟ قلت: بل عربى. فكساني ثلاثين ثوبا و أعطاني عشرة آلاف دينار- أو درهم- ثمّ قال: يا شاب، و قد أقررت عيني ولي إليك حاجة. قلت: قضيت إن شاء اللّه.

قال: إذا كان غدا فأت مسجد آل فلان، كي ترى أخي المبغض لعليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه.

قال:

فطالت عليّ تلك الليلة، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لى، فقمت للصلاة فإذا إلى جنبي شاب متعمّم، فذهب ليركع فإذا قد سقطت عمامته من رأسه، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير، و وجهه وجه خنزير، فو اللّه ما علمت ما تكلمات به في صلاتي حتّى سلّم الإمام، فقلت: يا ويحك، ما الذي أرى بك؟! فبكى، و قال لى: انظر إلى هذه الدار. فنظرت، فقال لى: ادخل.

فدخلت.

فقال: كنت مؤذنا لآل فلان، كلّما أصبحت لعنت عليّا بين الأذان و الإقامة ألف مرّة، و كلّما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرة فخرجت من منزلى، فأتيت داري فاتكأت على هذا الدكان الذي ترى، فنمت، فرأيت في المنام كأنّي بالجنّة و فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عليّ فرحين، و رأيت كأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله عن يمينه الحسن عليه السلام، و عن يساره الحسين عليه السلام، و معه كأس و قال: «يا حسين اسقنى» فسقاه فقال: «اسق الجماعة» فشربوا.

ثمّ رأيت كأنّه قال: «اسق المتكئ على هذا الدكان» فقال له الحسين: «يا جدّاه، أ تأمرني أن أسقي هذا، و هو يلعن والدي في كل يوم ألف مرة بين الأذان و الإقامة، و قد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة؟!».

فأتاني النبيّ صلى الله عليه و آله و قال لى: «مالك عليك لعنة اللّه تلعن عليّا و عليّ منّى، و تشتم عليّا و عليّ منّي؟!» فرأيته كأنّه قد تفل في وجهى، و ضربني برجله، و قال: «قم غيّر اللّه ما بك من نعمة» فانتبهت من نومي فإذا رأسي رأس خنزير، و وجهي وجه خنزير.

ثمّ قال لي أبو جعفر الدوانيقى: أ هذان الحديثان في

يدك؟

قلت: لا.

فقال: يا سليمان، حبّ عليّ إيمان، و بغضه كفر، و اللّه لا يحبّه إلّا مؤمن، و لا يبغضه إلّا منافق.

202) عن جعفر بن محمّد الدوريستى، قال: حضرت بغداد في سنة إحدى و أربعمائة في مجلس المفيد أبي عبد اللّه رضي اللّه عنه، فجاءه علوي و سأله عن تأويل رؤيا رآها، فأجاب، فقال: أطال اللّه بقاء سيّدنا، أقرأت علم التأويل؟ قال: إنّي قد بقيت في هذا العلم مدّة، ولي فيه كتب جمّة.

ثمّ قال: خذ القرطاس و اكتب ما أملي عليك.

قال: كان ببغداد رجل عالم من أصحاب الشافعى، و كان له كتب كثيرة، و لم يكن له ولد، فلمّا حضرته الوفاة دعا رجلا يقال له جعفر الدقّاق و أوصى إليه، و قال: إذا فرغت من دفني فاذهب بكتبي إلى سوق البيع و بعها، و اصرف ما حصل من ثمنها في وجوه المصالح التي فصّلتها. و سلّم إليه التفصيل.

ثمّ نودي في البلد: من أراد أن يشتري الكتاب فليحضر السوق الفلاني فإنّه يباع فيه الكتاب من تركة فلان.

فذهبت إليه لأبتاع كتبا، و قد اجتمع هناك خلق كثير، و من اشترى شيئا من كتبه كتب عليه جعفر الدقّاق للوصي ثمنه، و أنا قد اشتريت أربعة كتب في علم التعبير، و كتبت ثمنها على نفسى، و هو يشترط على من ابتاع توفية الثمن في الأسبوع، فلمّا هممت بالقيام قال لي جعفر: مكانك يا شيخ، فإنّه جرى على يدي أمر لأذكره لك، فإنّه نصرة لمذهبك.

ثمّ قال لى: إنّه كان لي رفيق يتعلّم معى، و كان في محلة باب البصرة رجل يروي الأحاديث، و الناس يسمعون منه، يقال له: (أبو عبد اللّه المحدث) و كنت و رفيقي نذهب إليه برهة من الزمان،

و نكتب عنه الأحاديث، و كلّما أملى حديثا من فضائل أهل البيت عليهم السلام طعن فيه و في روايته، حتّى كان يوما من الأيّام فأملى في فضائل البتول الزهراء و عليّا صلوات اللّه عليهما، ثمّ قال: و ما تنفع هذه الفضائل عليّا و فاطمة، فإنّ عليا يقتل المسلمين. و طعن في فاطمة، و قال فيها كلمات منكرة.

قال جعفر فقلت لرفيقى: لا ينبغي لنا أن نأتي هذا الرجل، فإنّه رجل لا دين له و لا ديانة، و إنّه لا يزال يطوّل لسانه في عليّ و فاطمة، و هذا ليس بمذهب المسلمين.

قال رفيقى: إنّك لصادق، فمن حقنا أن نذهب إلى غيره [فإنه رجل ضال. فعزمنا أن نذهب إلى غيره] و لا نعود إليه.

فرأيت من الليلة كأنّي أمشي إلى المسجد الجامع، فالتفت فرأيت أبا عبد اللّه المحدّث، و رأيت أمير المؤمنين راكبا حمارا مصريا، يمشي إلى المسجد الجامع، فقلت في نفسى: وا ويلاه أخاف أن يضرب عنقه بسيفه. فلمّا قرب منه ضرب بقضيبه عينه اليمنى، و قال له: «يا ملعون، لم تسبني و فاطمة؟!» فوضع المحدّث يده على عينه اليمنى، و قال: أو أعميتنى.

قال جعفر: فانتبهت و هممت أن أذهب إلى رفيقي و أحكي له ما رأيت، فإذا هو قد جاءني متغير اللون، فقال: أ تدري ما وقع؟! فقلت له: قل. فقال: رأيت البارحة رؤيا في أبي عبد اللّه المحدّث. فذكر، فكان كما ذكرته من غير زيادة و لا نقصان، فقلت له: أنا رأيت مثل ذلك، و كنت هممت بإتيانك لأذكره لك، فاذهب بنا الآن مع المصحف لنحلف له أنّا رأينا ذلك، و لم نتواطأ عليه، و ننصح له ليرجع عن هذا الاعتقاد.

فقمنا و مشينا إلى باب داره،

فإذا الباب مغلق، فقرعنا، فجاءت جارية و قالت: لا يمكن أن يرى الآن. فرجعت، ثمّ قرعنا الباب ثانية فجاءت و قالت: لا يمكن ذلك. فقلنا ما وقع له؟ فقالت: إنّه قد وضع يده على عينه، و يصيح من نصف الليل، و يقول: إنّ عليّ بن أبي طالب قد أعمانى. و يستغيث من وجع العين فقلنا لها: افتحي الباب فإنّا قد جئناه لهذا الأمر. ففتحت، فدخلنا، فرأيناه على أقبح هيئة، و يستغيث و يقول: مالي و لعليّ بن أبي طالب، ما فعلت به، فإنّه قد ضرب بقضيب على عيني البارحة و أعمانى.

قال جعفر: و ذكرنا له ما رأينا في المنام، و قلنا له: ارجع عن اعتقادك الذي أنت عليه، و لا تطوّل لسانك فيه. فأجاب و قال: لا جزاكما اللّه خيرا، لو كان عليّ بن أبي طالب أعمى عيني الأخرى لما قدّمته على أبي بكر و عمر. فقمنا من عنده، و قلنا: ليس في هذا الرجل خير. ثمّ رجعنا إليه بعد ثلاثة أيّام لنعلم ما حاله فلمّا دخلنا عليه وجدناه أعمى بالعين الأخرى، فقلنا له: أ ما تغيرت؟! فقال: لا و اللّه، لا أرجع عن هذا الاعتقاد، فليفعل عليّ بن أبي طالب ما أراد. فقمنا و رجعنا.

ثم عدنا إليه بعد أسبوع لنعلم إلى ما وصل حاله، فقيل: إنّه قد دفن و ارتدّ ابنه، و لحق بالروم تعصبا على عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، فرجعنا و قرأنا: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و قد نقلت ذلك من النسخة التي انتسخها جعفر الدوريستي بخطه، و نقلها إلى الفارسية في سنة ثلاث و سبعين و أربعمائة، و نحن نقلناها إلى العربية من الفارسية

ثانيا ببلدة كاشان، و اللّه الموفق في مثل هذه السنة: سنة ستين و خمسمائة.

203) عن عثمان بن عفّان الشجرى، قال: خرجت في طلب العلم، و دخلت البصرة، فصرت إلى محمّد بن عبّاد صاحب عبادان، فقلت: إنّي رجل غريب أتيتك من بلد بعيد لأقتبس من علمك شيئا.

فقال لى: من أين أنت؟؟ فقلت من سجستان.

قال: من بلد الخوارج. فقلت: لو كنت خارجيا ما طلبت علمك.

فقال: أ لا أخبرك بحديث حسن، حتّى إذا أنت دخلت بلادك تحدّث به الناس؟ فقلت: بلى.

قال: اكتب عنّى: كان لي جار، و كان من المتعبدين، فرأى في منامه كأنّه قد مات، و دفن، و حشر، و حوسب، و عبر على الصراط، قال: فمررت بحوض النبيّ صلى الله عليه و آله فإذا النبيّ صلى الله عليه و آله جالس على شفير الحوض، و الحسن و الحسين يسقيان الأمّة، فصرت إلى الحسن صلوات اللّه عليه فاستقيته، فأبى أن يسقينى، فصرت إلى الحسين عليه الصلاة و السلام فاستقيته، فأبى أن يسقينى، فصرت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقلت: يا رسول اللّه، إنّي رجل من أمّتك، صرت إلى الحسن فاستقيته فلم يسقني و أبى، فصرت إلى الحسين فاستقيته فأبى!

قال صلى الله عليه و آله: «و إن قصدت أمير المؤمنين لا يسقيك» فبكيت، و قلت: يا رسول اللّه، إنّي رجل من أمّتك و من شيعة على.

قال: «لك جار يلعن عليّا- صلوات اللّه عليه- فلم تنهه» قلت: يا رسول اللّه، إنّي رجل ضعيف، ليس لي قوة، و هو من حاشية السلطان.

قال: فأخرج النبيّ صلى الله عليه و آله سكّينا و قال: «امض و اذبحه» فأخذت السكّين من يد النبيّ صلى الله عليه و آله و صرت إلى

داره، و وجدت الباب مفتوحا فدخلت، فأصبته نائما على فراشه فذبحته، و رجعت إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقلت: يا رسول اللّه، لقد ذبحته، و هذه السكّين ملطخة بدمه. فقال:

«هاتها» فدفعتها إليه، ثمّ قال للحسن صلوات اللّه عليه: «اسقه» فناولني الكأس فما أدري شربت أم لا ثمّ انتبهت فزعا مذعورا فقمت إلى الصلاة.

فلمّا انتشر عمود الصبح سمعت صراخ النساء، فقلت لجاريتى:

ما هذا الصراخ؟ قالت: يا مولاى، إنّ فلانا وجد على فراشه مذبوحا.

فما كان إلّا ساعة يسيرة حتّى جاء الحاجب و أعوانه يأخذون الجيران، فصرت إلى الأمير و قلت: أيّها الأمير، اتق اللّه عزّ و جلّ، إنّ القوم براء، و أنا ذبحته. فقال الأمير: ويحك، ما ذا تقول؟ لست عندنا بمتهم على مثل هذا! فقلت: أيّها الأمير، هذا شي ء في المنام و حكيت الحكاية بأسرها، قال الأمير: جزاك اللّه خيرا، أنت بري ء، و القوم براء.

204) و حدّث جماعة من أهل خراسان، قالوا: اتهم الأمير داود ولد السلطان البارسلان الشريف أبا عليّ بن عبيد اللّه العلوي المعروف بابن نودولت بالميل إلى آل محمّد صلى الله عليه و آله، فقبض عليه و أخذ منه مائة ألف درهم و ثلاثون ألف دينار و خمسين، و حبسه، و شدّد عليه، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة في المنام كأنّه قد أعطاه قارورة فيها كافور، و قال له افرج عن أبي عليّ العلوى، و اردد عليه ماله».

فاستيقظ و نسي المنام، ثمّ رقد رقدة ثانية فرآه عليه السلام راكبا على فرس أشهب، و بيده سيف مصلت، فقال له: «أ لم أقل لك افرج عن ولدى» و كأنّه صلوات اللّه عليه قتل النفر الأربعة الذين كانوا في دار العلوي الموكّلين

به، و ضرب رقابهم، و بانت رءوسهم، و لطم الأمير جعفرا بكفّه لطمة انتشر بعض محاسنه، و حمّ من أجله، و قال: «يا شقى، افرج عنه، أو أقتلك» فقال: بل أفرج عنه.

فاستيقظ و هو مهموم محموم، و فرج عن العلوي و ردّ عليه جميع ما أخذه من ماله، و غرم له بقيّته.

فلمّا أصبح أحضر أولاد الموكّلين الذين كانوا في دار العلوى، فسألهم عن آبائهم، فقالوا: شاهدناهم البارحة في دار العلوى. فقال: امضوا. فلمّا مضوا شاهدوهم، و قد بانت رءوسهم عن أبدانهم و هلكوا.

205) عن عيسى بن عبد اللّه، عن شيخ من قريش، و لم يسمّه، قال: رأيت رجلا بالشام قد اسودّ نصف وجهه، و هو مغطيه، فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد حلفت باللّه تعالى أن لا يسألني عن ذلك أحد إلّا حدّثته، كنت شديد الوقيعة في أمير المؤمنين علي صلوات اللّه عليه، كثير الذكر له بالمكروه، فبينما أنا ذات ليلة نائم، إذ أتاني آت في المنام، فقال: أنت صاحب الوقيعة في عليّ صلوات اللّه عليه؟ فقلت:

بلى. فضرب شق وجهى، فأصبحت و شق وجهي أسود كما ترى و لا شك في ذلك و لا شبهة.

206) عن جابر الجعفى، عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه، قال: «بينما أمير المؤمنين عليّ صلوات اللّه عليه في مسجد الكوفة يجهز إلى معاوية، و يحرّض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان فعلا صوت أحدهما في الكلام فالتفت إليه أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و قال له: «اخسأ» فإذا رأسه رأس كلب، فبهت الذين حوله، فقال الرجل بأصابعه و تضرّع إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال من حوله: يا أمير المؤمنين، أقله عثرته. فحرّك شفتيه، فعاد كما كان.

فوثب أصحابه

و قالوا: يا أمير المؤمنين، القدرة تمكنك على ما تريد، و أنت تجهز إلى معاوية؟!

فأطرق هنيهة و رفع رأسه ثمّ قال: «و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لو شئت أن أطول برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي التي تسيرونها، و هذه الجبال و الأدوية حتّى أضرب بها صدر معاوية لفعلت، و لو أقسمت على اللّه تعالى أن أؤتى به قبل أن أقوم من مجلسي هذا، و قبل أن يرتد إلى أحدكم الطرف لفعل، و لكن عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ».

207) و روي أنّه اختصم إليه رجل و امرأة، فحكم للمرأة عليه، فغضب الرجل، و أسف و علا صوته صوت أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله ... و الباقي بحاله.

في بيان ظهور آياته في الأشجار و فيه: أربعة أحاديث

208) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن أبي بكر، قال: اعتل الحسن بن عليّ عليهما السلام فاشتهى علي أمير المؤمنين رمّانة، فمدّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يده إلى أسطوانة المسجد، و دعا ربّه بما لم نفهمه، فخرج منها غصن فيه أربع رمّانات، فدفع إلى الحسن اثنتين، و إلى الحسين اثنتين، ثمّ قال: «هذه من ثمار الجنّة» فقلنا: يا أمير المؤمنين، أو تقدر عليها؟! فقال: «أو لست قسيم الجنّة و النار بين أمّة محمّد صلى الله عليه و آله؟!».

209) عن عبد اللّه بن عبد الجبّار، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله، قال: «كنا قعودا عند مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله في دار له، و فيها شجرة رمّانة يابسة، إذ دخل عليه قوم من مبغضيه،

و عنده قوم من محبيه، فسلّموا، فأمرهم بالجلوس فجلسوا، فقال صلوات اللّه عليه: إنّي أريكم اليوم آية تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل إذ قال اللّه إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ.

ثمّ قال صلوات اللّه عليه انظروا إلى الشجرة، فرأيناها قد جرى الماء من عودها، ثمّ اخضرّت و أورقت و عقدت، و تدلّى حملها على رءوسنا، ثمّ التفت عليّ عليه السلام إلى النفر الذين هم محبوه، و قال: مدّوا أيديكم و تناولوها، و قولوا: بسم اللّه الرحمن الرحيم».

قال: فقلنا: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فتناولنا و أكلنا رمّانة لم نأكل قط شيئا أعذب منها و لا أطيب.

ثمّ قال عليه السلام للنفر الذين هم مبغضوه: مدّوا أيديكم و تناولوا و كلوا فمدّوا أيديهم، فكلما مدّ رجل يده إلى رمّانة ارتفعت، فلم يتناولوا شيئا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما بال إخواننا مدّوا أيديهم فتناولوها و أكلوها، و مددنا أيدينا فلم تصل؟

فقال لهم عليه السلام: «كذلك و الذي بعث محمّدا صلى الله عليه و آله بالحقّ نبيّا الجنّة، لا ينالها إلّا أولياؤنا، و لا يبعد عنها إلّا أعداؤنا و مبغضونا».

210) عن أبي الزبير، قال: سألت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه: هل كان لعليّ صلوات اللّه عليه آيات؟ فقال: إي و اللّه، كانت له سيرة حضرتها الجماعة و الجماعات، لا ينكرها إلّا معاند، و لا يكتمها إلّا كافر.

منها: أنّا سرنا معه في مسير، فقال لنا: «امضوا لأن نصلي تحت هذه السدرة ركعتين» فمضينا، و نزل تحت السدرة، فجعل يركع و يسجد، فنظرنا إلى السدرة و هي تركع إذا ركع، و تسجد إذا سجد، و تقوم إذا قام، فلمّا

رأينا ذلك عجبنا، و وقفنا حتّى فرغ من صلاته، ثمّ دعا فقال: «اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» فنطقت أغصان الشجرة تقول: آمين آمين.

ثم قال: «اللّهمّ صلّ على شيعة محمّد و آل محمّد» فقالت أوراقها و أغصانها و قضبانها: آمين آمين.

ثمّ قال: «اللّهم العن مبغضي محمّد و آل محمّد، و مبغضي شيعة محمّد و آل محمّد» فقالت الأوراق و القضبان و الأغصان و السدرة: آمين آمين.

و في الحديث طول.

211) عن الحارث الأعور، قال: خرجنا مع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه إلى العاقول، فإذا هو بأصل شجرة قد وقع لحاؤها و بقي عودها، فضربها بيده الشريفة، ثمّ قال: «ارجعي بإذن اللّه خضراء ذات ثمرة» فإذا هي تهتز بأغصانها، و أخرجت حملها الكمثرى فقطعنا و أكلنا و حملنا معنا، فلمّا أن كان من الغد غدونا إليها فإذا نحن بها خضراء فيها الكمثرى.

في بيان ظهور آياته مع الحيّات و فيه: أربعة أحاديث

212) عن الحارث الأعور، قال: بينما أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله على منبر الكوفة يخطب الناس إذ نظر إلى زاوية من زوايا المسجد، فقال: «يا قنبر، ائتني بما في تلك الجحرة» فانطلق قنبر، فلمّا دنا من الجحرة فإذا هو بحيّة كأحسن ما يكون من الحيات، فجزع قنبر من ذلك، ثمّ أخذه فانفلت من يده، ثمّ أقبل إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و هو على المنبر، فالتقم أذنه و جعل يسارّه، ثمّ انصرف، و جعل يتخلل الصفوف حتّى أتى الجحرة.

فتفكر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و بكى طويلا، ثمّ قال:

«أ تعجبون؟» قالوا: ما لنا لا نتعجب؟! قال: «أ ترون هذا الشجاع، إنّه بايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله على السمع و الطاعة لى، فهو سامع مطيع، و أنا وضي رسول

اللّه صلى الله عليه و آله آمركم بالسمع و الطاعة لى، فمنكم من يسمع و يطيع، و منكم من لا يسمع و لا يطيع!».

213) و عنه، قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة، إذ أقبل أفعى من باب الفيل، رأسه أعظم من رأس البعير، يهوي إلى المنبر.

قال: فافترق الناس فرقتين، و جاء حتّى صعد المنبر، ثمّ تطاول إلى أذن أمير المؤمنين عليه السلام، فأصغى إليه بأذنه، فأقبل إليه يسارّه مليا ثمّ مضى، فلمّا بلغ باب الفيل انقطع أثره، فلم يبق مؤمن إلّا قال: هذا من عجائب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله؛ و لم يبق منافق إلّا قال: هذا من سحره.

فقال صلوات اللّه عليه و آله: «أيّها الناس، إنّ هذا الذي رأيتم وصي محمّد صلى الله عليه و آله على الجنّ، و أنا وصيّه على الإنس، و قد وقعت بينهم ملحمة تهادرت فيها الدماء، و لم يدر ما المخرج منها، فأتاني في ذلك، و تمثل في هذا المثال يريكم فضلى، و هو أعلم بفضلي عليكم منكم».

214) عن سفيان الثورى، عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، عن آبائه، قال: «دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على عائشة، فأخذ منها ما يأخذ الرجل من المرأة، فاستلقى صلى الله عليه و آله على السرير، فنام، فجاءت حيّة حتّى صارت على بطنه، فنظرت عائشة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و الحية على بطنه، فوجّهت إلى أبي بكر.

فلمّا أراد أبو بكر أن يدخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله و ثبت الحيّة في وجهه، فانصرف.

ثمّ توجّهت إلى عمر بن الخطّاب، فلمّا أراد أن يدخل و ثبت في

وجهه، فانصرف.

فقالت ميمونة و أمّ سلمة رضي اللّه عنهما: وجّهي إلى عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه. قالت: فوجّهت إلى على، فلمّا دخل عليّ قامت الحيّة في وجهه، تدور حول عليّ عليه السلام، و تلوذ به، ثمّ صارت في زاوية البيت، فانتبه النبيّ صلى الله عليه و آله، فقال: يا أبا الحسن، أنت هاهنا؟! فقليلا ما كنت تدخل دار عائشة. فقال: يا رسول اللّه دعيت.

فتكلمات الحيّة و قالت: يا رسول اللّه، إنّي ملك غضب عليّ ربّ العالمين، فجئت إلى هذا الوصيّ أطلب إليه أن يشفع لي إلى اللّه تعالى.

فقال: ادع له حتّى أؤمن على دعائك. فدعا على، و أمّن النبيّ صلى الله عليه و آله، فقالت الحيّة: يا رسول اللّه، قد غفر اللّه لى، و ردّ عليّ جناحى».

215) و روي من طريق آخر، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جعل يدعو و الملك يكسى ريشة حتّى التأم جناحه، ثمّ عرج إلى السماء، فصاح صيحة، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «أ تدري ما قال الملك؟» قال: «لا».

قال: «يقول: جزاك اللّه من ابن عم عن ابن عم خيرا».

في بيان ظهور آياته مع الأسد و فيه: ثلاثة أحاديث

216) أخبر الحارث الأعور، قال: كنّا مع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في جبانة بني أسد وقوفا، إذ أقبل أسد يهوي إليه، فتضعضعنا من خوفه، فقال صلوات اللّه عليه: «مه» و أقبل الأسد حتّى قام بين يديه، فوضع يده بين أذنيه و قال: «ارجع بإذن اللّه تعالى، و لا تدخل في دار هجرة بعد اليوم، و بلّغ ذلك السباع عنى».

217) عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفى، عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه، قال: قال عليّ صلوات اللّه عليه لجويرية ابن مسهر، و

قد عزم على الخروج إلى ضيعة له: «كيف أنت إذا لقيك أبو الحارث؟» في حديث طويل له، حتّى قال: فما الحيلة له؟ قال: «تقرؤه منّي السلام، و تخبره أنّي أعطيتك منه الأمان».

فخرج جويرية، و بينا هو يسير على دابته إذ أقبل نحوه أسد، فقال له جويرية: يا أبا الحارث، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه يقرئك السلام، و أنّه قد آمنني منك.

قال: فولّى الليث عنّي مطرقا برأسه يهمهم، حتّى غاب في الأجمة يهمهم خمسا، ثمّ غاب، و مضى جويرية في حاجته، فلمّا انصرف إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و قال: كان من الأمر كذا و كذا، قال أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام: «ما قلت لليث؟ و ما قال لك؟»

قال جويرية: قلت له ما أمرتني به، و بذلك انصرف عنّى، و أمّا ما قال الليث فاللّه و رسوله و وصي رسوله أعلم.

قال: «إنّه ولّى عنك يهمهم، فأحصيت له خمس همهمات، ثمّ انصرف عنك». قال جويرية: صدقت، فو اللّه يا أمير المؤمنين هكذا هو.

فقال صلوات اللّه عليه: «إنّه قال: فاقرأ وصي محمّد مني السلام، و عقد بيده خمسا».

218) عن موسى بن جعفر العابد، قال: حملني أبي على كتفه، و أنا يومئذ صبى، إلى قبر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، فلمّا صار في بعض الطريق رأيت حمارا مارّا فقلت: يا أبه، هذا حمار مار قال: نعم. قلت: يا أبه، هو يعرج. قال: نعم.

فلم يزل يسير، و نحن نسير حتّى سبقنا إلى القبر، ثمّ رأيته و قد انصرف من عند القبر، و هو يمشي و ليس يعرج، فمشينا إلى قبر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و هو يومئذ ليس عليه حائط و لا

قبّة و عنده جب، فرأيت أبي قد تقرّب إلى القبر و كنس عنه شيئا، و أخذه على خرقة فرمى به، فقلت: يا أبه، أيش هذا؟ قال: يا بنى، إنّ الذي رأيته السبع، و توهمت أنّه حمار، و إنّ يده كانت منتفخة، و إنّه وضعها على القبر فانفتحت، فسال منها هذا، و رجع و هو يمشي صحيحا. ثمّ حملني إلى المنزل، و قال ذلك لوالدتى.

قال المصنف رحمه اللّه تعالى: إنّ في ذلك لما يدل على عظيم منزلته، و شرف محله عند اللّه عزّ و جلّ، إذ ألهم اللّه سبحانه و تعالى البهائم و ما لا يعقل جلالة قدره، حتّى التجأ إلى قبره، و استشفى بتربته، و تواضع لعظمته، إنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب، و اللّه الموفق.

في بيان ظهور آياته مع الشمس و فيه: ثلاثة أحاديث

219) عن داود بن كثير الرقّى، عن جويرية بن مسهر، قال: لمّا رجعنا من قتال أصحاب النهروان مررنا ببابل، فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: «إنّ هذه أرض معذّبة، قد عذّبت مرتين، و قد هلك فيها مائة ألف و مائتان، فلا يصلّي فيها نبيّ و لا وصي نبى، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصل العصر».

قال جويرية: فقلت: و اللّه، لأقلدن اليوم ديني و أمانتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال: فسرنا إلى أن غابت الشمس، و اشتبكت النجوم، و دخل وقت العشاء الآخرة، فلمّا أن خرجنا من أرض بابل نزل صلوات اللّه عليه عن البغلة، ثمّ نفض التراب عن حوافرها، ثمّ قال لى: «يا جويرية، انفض التراب عن حوافر دابّتك» قال: ففعلت؛ ثمّ قال لى: «يا جويرية، أذّن للعصر».

قال: فقلت: ثكلتك أمّك يا جويرية، ذهب النهار، و هذا الليل! فأذّنت للعصر، فرجعت الشمس، فسمعت لها صريرا كصرير البكرة، حتّى

عادت إلى موضعها للعصر بيضاء نقية.

قال: فصلّى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، ثمّ قال: «أذّن للمغرب يا جويرية» فأذّنت، فرأيت الشمس راجعة كالفرس الجواد، ثمّ صلّيت المغرب، ثمّ قال: «أذّن للعشاء الآخرة» فأذّنت، و صلّينا العشاء الآخرة، ثمّ قلت: وصي محمّد و ربّ الكعبة- ثلاث مرات- لقد ضلّ و هلك و كفر من خالفك.

و لقد رجعت له الشمس مرّة أخرى في عهد النبيّ صلوات اللّه عليه و آله و هو ما روى:

220) أبو جعفر عليه السلام، قال: «بينا النبيّ صلى الله عليه و آله نام عشية و رأسه في حجر عليّ صلوات اللّه عليهما، و لم يكن عليّ صلّى العصر، و قد دنت المغرب، فقال له: يا على، أصليت العصر؟ فقال:

لا. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «اللّهمّ إنّ عليّا كان في طاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. فعادت الشمس إلى موضعها وقت العصر.

و قد أحسن في ذلك أبو هاشم محمّد بن إسماعيل الحميرى؛ و الملقب بالسيد، قال شعرا:

ردّت عليه الشمس لمّا فاته

وقت الصلاة و قد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هوي الكوكب

و عليه قد حبست ببابل مرّة

أخرى و ما حبست لخلق المغرب

إلّا ليوشع و له من بعده

و لردها تأويل أمر معجب

221) عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه، قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و آله إذ دخل عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يا أبا الحسن، أ تحب أن أريك كرامتك على اللّه؟» قال:

«نعم، بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه».

قال: «إذا كان غدا فانطلق إلى الشمس معي فإنّها ستكلمك بإذن اللّه تعالى».

قال: فماجت قريش و الأنصار بأجمعهم، فلمّا

أصبح صلّى الغداة، و أخذ بيد عليّ بن أبي طالب و انطلقا، ثمّ جلسا ينتظران طلوع الشمس، فلمّا طلعت، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يا على، كلمها فإنّها مأمورة، و إنّها ستكلمك».

فقال عليّ عليه السلام: «السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته، أيّها الخلق السامع المطيع».

فقالت الشمس: و عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته، يا خير الأوصياء، لقد أعطيت في الدنيا و الآخرة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت. فقال على: «ما ذا أعطيت».

قالت: لم يؤذن لي أن أخبرك فيفتتن الناس، و لكن هنيئا لك، العلم و الحكمة في الدنيا، و أمّا في الآخرة فأنت ممّن قال اللّه تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ و أنت ممّن قال اللّه تعالى فيه: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ فأنت المؤمن الّذي خصّك اللّه بالإيمان.

و روي أنّ الشمس كلّمته ثلاث مرات.

في بيان ظهور آياته في إقدار الله تعالى إيّاه على ما لم يقدر عليه غيره و فيه: أربعة أحاديث

222) عن المفضّل، عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، قال: «إنّ مالكا الأشتر رضي اللّه عنه قال: حدّثتني نفسي أنّي أشدّ من أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، فحرّك دابّته إلى ذي الكلاع الحميري فاستلبه من فوق سرجه، و رمى به إلى فوق و تلقاه بسيفه، فقدّه نصفين، ثمّ قال: «يا أشتر، أنا أم أنت؟» فقلت: بل أنت يا أمير المؤمنين.

223) و ذكر عبد اللّه بن أحمد بن حنبل فيما رواه عن مشيخته، عن جابر رضي اللّه عنه، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله دفع الراية إلى عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله يوم خيبر بعد أن دعا له، فجعل عليّ يسرع السير، و أصحابه

يقولون له: أرفق. حتّى انتهى إلى الحصن، فاجتذب بابه، فألقاه في الأرض، ثمّ اجتمع عليه سبعون رجلا، و كان جاهدهم أن أعادوا الباب.

224) و روى أبو عبد اللّه الجدلى، قال: سمعت أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول: «عالجت باب خيبر و جعلته مجنا لى، و قاتلت القوم، فلمّا أخزاهم اللّه وضعت الباب على حصنهم طريقا، ثمّ رميت به في خندقهم» فقال له رجل: لقد حملت منه ثقلا! فقال عليه السلام: «ما كان إلّا مثل جنّتي التي في بدنى، في غير ذلك المقام» و قال الشاعر في ذلك:

إنّ امرأ حمل الرتاج بخيبر

يوم اليهود بقدرة لمؤيد

حمل الرتاج رتاج باب قصورها

و المسلمون و أهل خيبر حشد

فرمى به و لقد تكلّف ردّه

سبعون كلهم له متشدّد

ردّوه بعد مشقة و تكلّف

و مقال بعضهم لبعض أردد

225) عن سفيان الثورى، عن الأوزاعى، عن يحيى بن أبي كثير، عن حبيب بن الجهم، قال: لمّا دخل عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه إلى بلاد صفّين نزل بقرية يقال لها صندوداء، ثمّ أمرنا فسرنا عنها، ثمّ عرس بنا في أرض بلقع، فقام مالك بن أبي الحارث الأشتر، و قال: يا أمير المؤمنين، أ تنزل الناس على غير ماء؟! فقال: «يا مالك، إنّ اللّه عزّ و جلّ سيسقينا في هذا المكان ماء أعذب من الشهد، و ألين من الزبد، و أبرد من الثلج، و أصفى من الياقوت».

فتعجبنا- و لا عجب من قول أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ أقبل يجرّ رداءه، و بيده سيفه، حتّى وقف على أرض بلقع، فقال: «يا مالك، احفر أنت و أصحابك».

قال مالك: فاحتفرنا، فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة، فيها حلقة تبرق كاللجين، فقال لنا: «روموها» فرمناها بأجمعنا و نحن مائة رجل، فلم

نستطع أن نزيلها عن موضعها، فدنا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله رافعا يده إلى السماء، و هو يقول: «طاب طاب مريا عالم طيثو ثابوثه (شميا كوبا جانوثا نوديثا برحوثا)، آمين آمين ربّ العالمين، ربّ موسى و هارون» ثمّ اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا.

قال الأشتر: فظهر لنا ماء أعذب من الشهد، و ألين من الزبد، و أبرد من الثلج، و أصفى من الياقوت، فشربنا و سقينا ثمّ ردّ الصخرة، و أمرنا أن نحثو عليها التراب، ثمّ ارتحل، و سرنا معه.

فلمّا سرنا غير بعيد، قال: «من منكم يعرف موضع العين؟» فقلنا: كلنا يا أمير المؤمنين. فرجعنا و طلبنا العين، فخفي علينا مكانها أشد خفاء، و ظننا أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قد رهقه العطش فأومأنا بأطرافنا فإذا نحن بصومعة فيها راهب، فدنونا منه، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقلنا: يا راهب، أ عندك ماء نسقي منه صاحبنا؟ فقال: عندي ماء، قد استعذبته منذ يومين.

فقلنا له: فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا بالأمس؟! و حدّثناه بالأمر فدنا منّا بعد خشيته فقال: انطلقوا بنا إلى صاحبكم.

فانطلقنا به، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «شمعون»؟

قال الراهب: نعم شمعون، هذا اسم سمّتني به أمّى، ما أطلع عليه أحد، إلّا اللّه تعالى، ثمّ أنت، فكيف عرفته؟ قال: فأتم حتّى أتمه لك. قال: «و ما تشاء يا شمعون؟» قال: هذه العين ما اسمها؟ قال:

«هذه العين راحوما، و هي من الجنّة، و شرب منها ثلاثمائة و ثلاثة عشر وصيّا، و أنا خير الوصيّين، شربت منها». قال الراهب: هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل، و أنا أشهد أن لا إله إلا

اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا رسول اللّه، و أنّك وصي محمّد صلى الله عليه و آله.

ثمّ رحل أمير المؤمنين و الراهب يقدمه، حتّى نزل صفّين و نزل العابد و التقى الصفّان، و كان أول من أصابته الشهادة الراهب، فنزل أمير المؤمنين و عيناه تهملان بالدموع، و هو يقول: «يحشر المرء مع من أحب، الراهب معنا يوم القيامة، و رفيقي في الجنّة».

في بيان ظهور آياته في الاخبار بالغائبات و فيه: ستة أحاديث

226) عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه، قال: قلت لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله و سلم، و هو متوجه إلى البصرة: يا أمير المؤمنين، إنّك في نفر يسير، فلو تنحّيت حتّى يلحق بك الناس.

فقال: «يجيئكم من غد في فجكم هذا، من ناحية الكوفة ثلاثة كراديس، في كلّ كردوس خمسة آلاف و ستمائة و خمس و ستون رجلا».

قال: قلت: ما أصابني و اللّه أعظم من [تلك] الضيقة.

قال: فلمّا أن صلّيت الفجر قلت لغلامى: اسرج لى. قال:

فتوجّهت نحو الكوفة، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فسرت نحوها، فلمّا أن دنوت منهم صيح بى: من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس؛ فكفوا، فقلت لهم: لمن هذه الراية؟ قالوا: لفلان. قلت: كم أنتم؟ فقالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف و ستمائة و خمسة و ستين رجلا.

قال: فمضوا، و مضيت على وجهى، فإذا أنا بغبرة قد ارتفعت، قال: فدنوت منهم، فصيح بى: من أنت؟ فقلت: أنا ابن عبّاس.

فأمسكوا، فقلت: لمن هذه الراية؟ قالوا: لربيعة. فقلت: من رئيسها؟

قالوا: زيد بن صوحان العبدى. فقلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف و ستمائة و خمسة و ستين رجلا.

قال: فمضوا، و مضيت على وجهى، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فأخذت نحوها، فصيح بي من أنت؟ قلت:

أنا ابن عبّاس. فسكتوا عنّى، فقلت: لمن هذه الراية؟ فقالوا: لفلان، رئيسها الأشتر، قال:

قلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف و ستمائة و خمسة و ستين رجلا.

فرجعت إلى العسكر، فقال لي أمير المؤمنين: «من أين أقبلت؟» فأخبرته، و قلت له: إنّي لمّا سمعت مقالتك اغتممت، مخافة أن يجي ء الأمر على خلاف ما قلت.

قال: فقال: «نظفر بهؤلاء القوم غدا إن شاء اللّه تعالى، ثمّ نقسّم مالهم فيصيب كلّ رجل منا خمسمائة».

قال: فلمّا أن كان من الغد أمرهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أن لا يحدثوا شيئا حتّى يكون المبتدأ منهم، فأقبلوا يرمون رجال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فأتوه، فقال لهم: «ما رأيت أعجب منكم! تأمروني بالحرب و الملائكة لم تنزل بعد؟!».

فلمّا كان الزوال دعا بدرع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلبسها و صبها عليه، ثمّ أقبل على القوم، فهزمهم اللّه تعالى، فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه للخزان: «اقسموا المال على الناس خمسمائة خمسمائة» فقسّموها، ففضل من المال ألفا درهم، فقال للخازن: «أي شي ء بقي عندك؟» فقال: ألفا درهم.

فقال: «أعطيت الحسن و الحسين و محمّد بن الحنفية خمسمائة خمسمائة، و عزلت لي خمسمائة؟» قال: لا.

قال: «فهذه لنا» فلم تزدد درهم، و لم تنقصن درهم.

227) عن عليّ بن النعمان، و محمّد بن سنان، رفعاه إلى أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، قال: «إنّ عائشة قالت: التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل، حتّى ابعثه إليه. فأتيت برجل، فمثل بين يديها، فرفعت رأسها و قالت: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قال لها: كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي فضربت ضربة بالسيف، فيسبق السيف الدم.

ثمّ قالت: فأنت

له، فاذهب بكتابي هذا، فادفعه إليه، ظاعنا رأيته أو مقيما، أما إنّك إن وافيته ظاعنا رأيته راكبا على بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله متنكبا قوسه، معلقا كنانته بقربوس سرجه، و أصحابه خلفه كأنّهم طيور صواف.

ثمّ قالت له: إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تتناول منه شيئا فإنّ فيه السحر فمضيت و استقبلته راكبا، فناولته الكتاب ففض خاتمه، ثمّ قرأه و قال: «هذا و اللّه ما لا يكون» فثنى رجله و نزل، فأحدق به أصحابه، ثمّ قال: أسألك، قال: نعم. قال: «و تجيبنى» قال: نعم. قال: «أنشدك باللّه، هل قالت: التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل؟» قال: نعم. «فأتيت بك، فقالت لك: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قلت: كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي و أضرب بالسيف ضربة فيسبق السيف الدم؟»

ثمّ قال: «أنشدك باللّه، أ قالت لك اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما، أما إنّك إن وافيته ظاعنا رأيته راكبا بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، متنكبا قوسه، معلقا كنانته بقربوس سرجه، و أصحابه خلفه كأنهم طير صواف؟» قال: اللّهم نعم.

قال: «أنشدك باللّه، هل قالت لك: إن عرض عليك طعامه و شرابه، فلا تتناول منه شيئا، فإنّ فيه السحر؟» قال: اللّهم نعم.

قال: «أ فمبلغ أنت عني؟» قال: اللّهمّ نعم، فإنّي قد أتيتك و ما على وجه الأرض خلق أبغض إليّ منك، و أنا الساعة ما على وجه الأرض خلق أحبّ إليّ منك، فمرني بما شئت.

قال: «ادفع إليها كتابى، و قل لها: ما أطعت اللّه و لا رسوله حيث أمرك بلزوم بيتك، فخرجت تترددين في العساكر. و قل لطلحة و الزبير:

ما أنصفتما

اللّه و لا رسوله حيث خلّفتما حلائلكما في بيوتكما و أخرجتما حليلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله».

فجاء بكتابه حتّى طرحه إليها، و بلّغها رسالته، ثمّ رجع إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فأصيب بصفين، فقالت: ما نبعث إليه أحد إلّا أفسده علينا.

228) عن صعصعة بن صوحان العبدى، قال: لمّا قاتل أبو بكر مسيلمة و أسرت الحنفية، و جي ء بها إلى المدينة، و وقفت بين يدي أبي بكر.

229) و قد روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي اللّه عنه ذلك أيضا، في حديث طويل، و أنا أذكر منه نقاوته: فقال: لمّا وقفت دنا إليها طلحة و الزبير فطرحا عليها ثوبهما، فلمّا رأت ذلك قامت و قالت: لست بعريانة فتكسواني فقيل لها: إنّهما يتزايدان عليك، فأيّهما زاد عليك أخذك من السبى. قالت: لا يكون ذلك أبدا، و لا يملكنى، و لا يكون لي بعل إلّا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خروجي من بطن أمّى.

فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، و ورد عليهم ما بهر عقولهم، و بقوا في دهشة، فقال أبو بكر: مالكم ينظر بعضكم إلى بعض؟ فقال الزبير: لقولها الذي سمعت، جارية من سادات قومها و لم يكن لها عادة بما لقيت، و قد داخلها الفزع فلا تلوموها إذ قالت ما لا تحصله.

قالت: و اللّه ما داخلني الفزع و لا الجزع، و ما قلت إلّا حقا و لا نطقت إلّا فصلا و ما كذبت و لا كذّبت. فأخذ أبو بكر و عمر يتحاوران الكلام و أخذ ثوبه من طرحه عليها، و جلست ناحية من القوم، فجاء أمير المؤمنين علي صلوات اللّه عليه و آله فوقف و نظر إليها، ثمّ ناداها: «يا خولة»

فوثبت فقالت: لبيك.

قال: «لمّا كانت أمّك حاملا بك، و ضربها الطلق، و اشتدّ بها الأمر دعت اللّه و قالت: اللّهمّ سلّمني من هذا الولد سالما كان أو هالكا؛ و سبقت الدعوة لك بالنجاة، فناديت من تحتها: لا إله إلّا اللّه، يا أمّاه لم تدعين عليّ و عمّا قليل سيملكني سيّد، يكون لي منه ولد؟! فكتبت أمّك ذلك الكلام في لوح نحاس، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلمّا كانت تلك الليلة التي قبضت فيها أمّك أوصت إليك بذلك، فلمّا كان في وقت سبيك أخذت اللوح و شددتيه على عضدك الأيمن؛ هاتي اللوح فأنا صاحبه، و أنا أبو ذلك الغلام الميمون و اسمه (محمّد)».

قال: فأخرجته، فأخذه أبو بكر و دفعه إلى عمر حتّى قرأه عليهم، فلمّا قرأ بكت طائفة، و حركت أخرى، و اهتدت إليه، فما خالف ما في اللوح كلام عليّ صلوات اللّه عليه حرفا و قالوا بأجمعهم: صدق اللّه، و صدق رسوله إذ قال: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها».

فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، بارك اللّه لك فيها.

و في الحديث طول، و أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قد تزوّجها و أمهرها، و لم يطأها بملك اليمين.

230) عن عبد اللّه بن عبّاس، قال: جلس أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لأخذ البيعة بذي قار، و قال: «يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون و لا ينقصون» فجزعت لذلك و خفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، و يفسد الأمر علينا، حتّى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل و تسعا و تسعين رجلا، ثمّ انقطع مجي ء القوم. فقلت: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ما ذا حمله على ما

قال؟ فبينما أنا متفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتّى دنا، و إذا هو رجل عليه قباء صوف، و معه سيفه و ترسه و إداوته، فقرب من أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فقال: امدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «و على ما تبايعني؟»

قال: على السمع و الطاعة، و القتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح اللّه على يديك.

فقال: «ما اسمك؟» فقال: أويس القرني قال: «أنت أويس القرني؟» قال: نعم.

قال: «اللّه أكبر، أخبرني حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّي أدرك رجلا من أمّته يقال له (أويس القرنى) يكون من حزب اللّه و حزب رسوله، يموت على الشهادة، و يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر» قال ابن عباس: فسرى ذلك عنّى.

231) عن سويد بن غفلة، قال: إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة قد مات بها، فاستغفر له. فقال أمير المؤمنين:

«إنّه لم يمت، و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز» فقام رجل من تحت المنبر فقال: و اللّه يا أمير المؤمنين، إنّي لك شيعة، و إنّي لك محب! فقال: «و من أنت؟» قال: أنا حبيب بن جماز: قال: «إياك أن تحملها، و لتحملنها، فتدخل بها من هذا الباب» و أومى بيده إلى باب الفيل، فلمّا مضى أمير المؤمنين، و مضى الحسن بن عليّ من بعده صلوات اللّه عليهم، و كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان من ظهوره، بعث ابن زياد لعنه اللّه عمر بن سعد إلى الحسين صلوات اللّه عليه، و جعل خالد بن عرفطة على مقدّمته و

حبيب بن جماز صاحب رايته، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل.

و حديث رشيد الهجري و ميثم التمار مشهور عند عامّة الأصحاب، فلا نذكره.

و كذلك حديث حبيب بن عبد اللّه الأزديّ في أخبار أصحاب النهروان.

و حديث الإخبار عن كربلاء، و الإشارة إلى موضع القتال و مصارع الرجال، و غير ذلك.

و قد اقتصرنا على طرف من آياته صلوات اللّه عليه، و قليل من معجزاته.

في بيان ظهور آياته في أشياء شتى و فيه: اثنا عشر حديثا

232) عن رزين الأنماطى، عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، عن أبيه، عن آبائه، عليهم السلام: «أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه دخل الكوفة فأقام بها أياما، فبينما هو يدور في طرقها، فإذا هو بيهوديّ قد وضع يده على رأسه، و هو يقول: معاشر الناس، أ فبحكم الجاهلية تحكمون، و به تأخذون، و طريقا لا تحفظون. فدعا به أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فوقف بين يديه، و قال له: «ما حالك يا أخا اليهود؟» فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي رجل تاجر خرجت من ساباط المدائن و معي ستون حمارا، فلمّا حضرت موضع كذا أخذ ما كان معي اختطافا، و لا أدري أين ذهب بها.

فقال أمير المؤمنين: «لن يذهب منك شي ء؛ يا قنبر اسرج لي فرسى» فأسرج له فرسه، فلمّا ركبه قال: «يا قنبر، و يا أصبغ بن نباتة، خذا بيدي اليهوديّ و انطلقا به أمامى» فانطلقا به حتّى صارا إلى الموضع الذي ذكره فخطّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بسوطه خطة، فقال لهم: «قوموا في وسط هذه الخطة، و لا تجاوزوها فتخطفكم الجنّ».

ثمّ قنع فرسه و اقتحم في الصحراء و قال: «و اللّه معاشر ولد الجنّ من ولد الحارث بن السيّد- و هو إبليس- إن لم تردّوا عليه أحمره لنخلعن

ما بيننا و بينكم من العهد و الميثاق، و لأضربنكم بأسيافنا حتّى تفيئوا إلى أمر اللّه». فإذا أنا بقعقعة اللجم، و صهيل الخيل، و قائل يقول: الطاعة للّه و لرسوله و لوصيه. ثمّ انحدر في الصحراء ستون حمارا بأحمالها، لم يذهب منها شي ء، فأدّاها إلى اليهودى.

فلمّا دخل الكوفة قال له اليهودى: ما اسم محمّد ابن عمك في التوراة؟ و ما اسمك فيها؟ و ما اسم ولديك؟ فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله: «سل استرشادا و لا تسأل تعنتا، عليك بكتاب التوراة، اسم محمّد فيها طاب طاب، و اسمي ايليا، و اسم ولديّ شبر و شبير».

فقال اليهودى: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أنّك وصيه من بعده، و أنّ ما جاء به و جئت به حق.

233) عن عمّار بن الحضرمى، عن زاذان أبي عمرو أنّ رجلا حدّث عليّا صلوات اللّه عليه و آله بحديث، فقال: «ما أراك إلّا كذبتنى» فقال: «لم أفعل. فقال: «أدعو اللّه عليك إن كنت كذبتنى» قال: ادع. فدعا عليه، فما برح حتّى أعمى اللّه عينيه.

234) عن عباد بن عبد اللّه الأسدى، قال: سمعت عليّا صلوات اللّه عليه يقول و هو في الرحبة: «أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه، و لا يقولها بعدي إلّا كاذب».

قال: فقام رجل من غطفان و قال: أنا أقول كما قال هذا الكاذب، أنا عبد اللّه و أخو رسول اللّه فخنق مكانه.

235) قال أبو جعفر محمّد بن عمر الجرجانى: حدّثني ابن البواب، عن الحسن بن زيد، و حدّثنيه ابن أبي السلمى، قال: قال: إن ابن أبي غاضية طلبنا نشتم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه

و آله فهربت، فبعث إليّ محمّد بن صفوان- من ولد أبي خلف الجمحيّ- أن أعرني بغلتك. فقلت: لئن أعرتك بغلتي إنّي لكم شبه.

قال: فمشى- و اللّه- على رجليه أربعة أميال، فوافى خالدا عامل هشام بن عبد الملك على المدينة فشتم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله على المنبر، فقال لابن صفوان: قم يا ابن صفوان. فقام و صعد مرقاة من المنبر، ثمّ استقبل القبلة بوجهه و قال: اللّهمّ من كان يسب عليّا لترة يطلبها عنده، أو لذحل فإنّي لا أسبه إلّا فيك و لقد كان صاحب القبر يأتمنه و هو يعلم أنّه خائن.

و كان في المسجد رجل فغلبته عينه، فرأى أنّ القبر انفرج، و خرجت منه كف قائل يقول: إن كنت كاذبا فعليك لعنة اللّه، و إن كنت كاذبا فأعماك اللّه.

فنزل الجمحيّ من المنبر فقال لابنه، و هو جالس إلى ركن البيت: قم. فقام إليه فقال: أعطني يدك أتكئ عليها. فمضى به إلى المنزل.

فلمّا خرجا من المسجد نحو المنزل قال لابنه: هل نزل بالناس شرّ و غشيهم ظلمة؟ قال: كيف ذلك؟ قال: لأنّي لا أبصار شيئا.

قال: ذلك و اللّه بجرأتك على اللّه، و قولك الكذب على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله. فما زال أعمى حتّى مات، لعنة اللّه عليه.

236) عن أنس، قال: كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا و أبو بكر و عمر في ليلة ظلماء مكفهرة، فقال صلى الله عليه و آله: «ائتوا باب على» فأتيناه فنقر أبو بكر الباب نقرا خفيا، فخرج عليّ صلوات اللّه عليه و آله متأزرا بإزار من صوف، مرتديا بمثله، في كفّه سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال

لنا: «أحدث حدث؟» فقلنا: خير، أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن نأتي بابك، و هو بالأثر.

فإذا قد أقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: «يا على» قال: «لبيك».

قال: «أخبر أصحابي بما أصابك البارحة». قال على: «يا رسول اللّه إنّي لاستحيى» فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ».

فقال عليّ صلوات اللّه عليه و آله: «يا رسول اللّه، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة، و طلبت في البيت ماء فلم أجده، فبعثت الحسن كذا و الحسين كذا، فأبطا على، فاستلقيت على قفاى، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت: قم يا عليّ و خذ السطل؛ و اغتسل، و إذا أنا بسطل مملوء من الماء، و عليه منديل من سندس، فأخذت السطل، و اغتسلت، و مسحت بدني بالمنديل، و رددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء، فأصابت قطرة منه هامتى، فوجدت بردها على فؤادى».

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت و خادمك جبرئيل، أمّا الماء فمن نهر الكوثر، و أمّا السطل و المنديل فمن الجنّة، كذا أخبرني جبرئيل عليه السلام».

237) عن أحمد بن عمّارة، عن عبد اللّه بن عبد الجبّار، قال: أخبرني مولاي و سيّدي الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهم، قال:

«كنت مع أبي على شاطئ الفرات، فنزع قميصه و غاص في الماء، فجاء موج فأخذ القميص، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام و إذا بهاتف يهتف: يا أمير المؤمنين، خذ ما عن

يمينك. فإذا منديل فيه قميص ملفوف، فأخذ القميص و لبسه، فسقطت من جيبه رقعة، مكتوب فيها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هدية من اللّه العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب، هذا قميص هارون بن عمران كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ».

238) عن الحسين بن عبد الرحمن التمّار، قال: انصرفت عن مجلس بعض الفقهاء، فمررت بسليمان الشاذكونى، فقال لى: من أين أقبلت؟ قلت: من مجلس فلان العالم. قال: فما قوله؟ قلت:

شيئا من مناقب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه. فقال: و اللّه لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشى.

قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطّاب فضجّ أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر و معه أهل المدينة إلى المصلى يدعون اللّه تعالى ليسكن عنهم الرجفة، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، و عزم أهلها بالنقلة عنها، قال عمر انطلقوا بنا إلى أبي الحسن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و آله.

فمضى إليه و دخل عليه و معه أهل المدينة، فلمّا بصر به قال: يا أبا الحسن، أ ما ترى إلى قبور البقيع و رجفتها، حتّى قد تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، و قد عزم أهلها بالنقلة عنها، و الخروج منها؟

فقال أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه: «عليّ بمائة من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله» فجاؤوا بهم، فاختار من المائة عشرة، فجعلهم خلفه، و جعل التسعين خلفهم، و دعا سلمان، و أبا ذر، و المقداد بن الأسود الكندى، و عمّارا فجعلهم أمامه، فلم يبق بالمدينة بنت عاتق إلّا خرجت إلى البقيع، حتّى إذا توسطه ضرب الأرض برجله، و قال: «مالك مالك مالك» ثلاثا فسكنت الرجفة، و قال

أمير المؤمنين: «صدق حبيبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلقد أنبأني بهذا الخبر، و بهذا اليوم، و باجتماع الناس له».

239) في كلام آخر عن التمّار، رفعه بإسناده، قال: كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مع بعض أصحابه في مسجد الكوفة، فقال له رجل: بأبي أنت و أمّى، إنّي لأتعجب من هذه الدنيا التي في أيدي هؤلاء القوم، و ليست عندكم؟! فقال: «أ ترى أنّا نريد الدنيا و لا نعطاها؟».

ثمّ قبض قبضة من الحصى، فإذا هي جواهر، فقال: «ما هذا؟» قال: هذا من أجود الجواهر. فقال: «لو أردنا هذا لكان، و لكنا لم نرد» ثمّ رمى بالحصى فعاد كما كان.

240) عن الحسن البصرى، قال: أتانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله- و كنت يومئذ غلاما قد أيفعت- فدخل منزله- في حديث طويل- ثمّ خرج و تبعه الناس، فلمّا صار إلى الجبانة نزل و اكتنفه الناس، فخطّ بسوطه خطة، فأخرج منها دينارا، ثمّ خطّ خطة أخرى فأخرج منها دينارا آخر، حتّى أخرج منها ثلاثة دنانير، فقلّبها في يده حتّى أبصارها الناس، ثمّ ردّها و غرسها بابهامه، ثمّ قال: «ليليك بعدي محسن أو مسي ء».

ثمّ ركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله و انصرف إلى منزله، و أخذنا العلامة و صرنا إلى الموضع حتّى إذا بلغنا الرشح فلم نصب شيئا، فقلنا للحسن: ما ترى ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: «أمّا أنا فلا أرى أن كنوز الأرض تسير إلّا لمثله».

241) عن إبراهيم بن محمّد الأشعرى، عمّن رواه، قال: إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله و سلّم أراد أن يبعث بمال إلى البصرة، فعلم بذلك رجل من أصحابه، فقال

في نفسه: لو أتيته فسألته أن يبعث معي بهذا المال، فإذا دفعه إليّ أخذت طريق الكرخة فذهبت به.

فأتاه و قال: بلغني أنّك تريد أن تبعث بمال إلى البصرة؟ قال: «نعم».

قال: فادفعه إليّ فأبلغه، و اجعل لي ما تجعل لمن تبعثه. فقد عرفت صحبتى.

قال: فقال له أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: «خذ طريق الكرخة».

242) حدّث أبو مهاجر زيد بن رواحة العبدى، قال:

دخلت الكوفة بعد موت الحجّاج فدخلت المسجد الجامع و أنا أقول:

الحمد للّه الذي أخلى منه الديار و الآثار، و جعل مصيره إلى النار؛ فسمعني رجل كان هناك جالسا إلى بعض سواري المسجد، فقال لى:

يا رجل، خف اللّه تعالى على نفسك، و احبس على لسانك، فإنّك في أرض مسبعة، و أوطان موحشة، فإن يك خائنا فقد هلك، و إن يك حامدا فقد ملك.

قال: فأنست به و جلست إليه فتحدّثنا ساعة، و رأيت جماعة منكبة على رجل و هو يحدّثهم، و هم يسمعون منه، و يكتبون عنه، فقلت لصاحبى: من هذا الرجل؟ فقال: رجل شهد مع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه البصرة و صفّين و النهروان، و الناس يسمعون منه، و يأخذون عنه، و هو رجل له أصل و شرف و لب و عقل.

فقلت له: هل لك أن تدنو منه، فلعلنا نسمع منه شيئا ننتفع به.

قال: نعم. فدنونا منه، فإذا هو يحدّث عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و يقول: سمعت، و رأيت؛ فاغتنمت، و أقبلت عليه، و أمهلته حتّى انفضّ عنه أكثر من كان عنده، و قلت له: أنا رجل من أهل البصرة، خرجت لطلب العلم، و أحببت أن أسمع منك شيئا أحدّث به عنك.

فقال: يا أهل البصرة، ما أجرأ الناس على اللّه تعالى و على

رسوله صلى الله عليه و آله، و على هتك الدين و فتنة المسلمين! ألا بشر عليكم أهل الغدر و النكث، بتوثبكم على أهل الحقّ و الصدق، و إنّ أوّل الفتنة في هذا الدين من بين أفنيتكم و أنديتكم و لمّا ضربت بجرانها و كنانها، تراغى إليها الأكابر، و اصطلى بها الأصاغر، فأذكوا شواظّها، و ألكوا في دلاظها، حتّى إذا عمّهم عارها و شنارها رماها اللّه تعالى بأمير المؤمنين عليه السلام و سيّد الوصيّين و أخي رسول ربّ العالمين، فأقشع به عنكم الإفك، و جلى به عنكم الشرك، و قتل به أهل النكث و الإفك، و قامت به حجّة الحق، و ما كنتم بررة راشدين، و لا جهلة مسترشدين، و لقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير، و استحببتم العمى على الهدى، فبعدا للقوم الظالمين.

قال: فأمسكت عنه حتّى فرغ من كلامه، ثمّ قلت: أيّها الشيخ، لقد عممت أهل البصرة، و قد كان فيهم المؤمن و الكافر، و البر و الفاجر، و السعيد و الشقى، و لقد نصر اللّه تعالى وليّه و دينه منهم بقوم كما قال اللّه تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ قد كشف اللّه لهم عن قلوبهم و أبصارهم حتّى عرفوا الحقّ من الباطل، و المحق من المبطل، فجاهدوا في اللّه مع وليّه حقّ الجهاد.

قال: صدقت و لقد كان معنا منهم يومئذ قوم صبروا و نصروا، فمن أنت؟ قلت: أنا رجل من عبد القيس. فقال: أهلا بك و مرحبا، بأبي قومك و يومك. ثمّ أدناني و قرّبنى، و أقبل على، ثمّ قال لى:

و اللّه، لأحدّثنك بما تقرّ به عينك، و تقوى به بصيرتك، و

يزداد به إيمانك.

ثمّ قال: قم بنا، و أخذ بيدي إلى منزله، و أكرمنى، و أحسن ضيافتى، و قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «قيّدوا العلم بالكتابة» و قام، و أخرج صحيفة من جلد أبيض، فيه كتابة فقرأ على:

«حدّثني ربيعة بن سالم الهمدانى، قال: لمّا كان اليوم الذي قتل فيه عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه و كان ابتدأنا من صفين حربا و طعنا، فاستندت إلى قفة كانت هناك، و أشرفت على الناس، و قد تزحزحوا عن مقاماتهم، و هم يتكفؤون تكفؤ السفينة بأهلها، فمن بين متقدّم لقتال، و متأخر عن كلال، ما يسمع إلّا صهيل الخيل، و غمغمة الرجال، و قعقعة اللجم، و اصطكاك القنا باختلافها، و خفق الرايات، و قد أخذ العدو الماء، و حفظ الموارد، و الناس معطشون، و قد مدّت الخيل أعناقها و لجمها، و عضت على الشكائم، و قلقلت في مواقفها، و قهقرت على أكفالها، و صهلت لأوجالها، و تداعى الناس بآبائهم (و اعتزوا بأنسابهم) و الناس ملتفون، و النساء على المطايا خلال الصفوف يحرضنّ الرجال على القتال، و قراء القرآن يتلون ما ذكره اللّه تعالى في كتابه من فضل الجهاد و المجاهدين و الصبر عند مواقف الصدق، و قد سمحوا بالأنفس و الأموال كأن قد عاينوا الثواب، و استيقنوا المآب، و أقبلت قبيلة همدان برايتها مع سعيد بن قيس كأنّها سحابة مودقة.

قال ربيعة: فاتكيت على رمحى، و رفعت طرفي إلى السّماء، و قلت في نفسى: يا ربّ، هذا أخو نبيّك و وصيّه، و أحبّ الخلق إليه، و أزلفهم لديه، و أقربهم منه، و أنصرهم له، و أعلمهم بالدّين، و أنصحهم للمسلمين، و أهداهم للحقّ، و أعلمهم بالكتاب، و أعمالهم

به، و بما يأتي و يذر، فثبّت كلمته، و قصهم على دعوته، إنّ هذا الأمر ما يرد بهذا الخلق، و للّه الخلق و الأمر، يصيب برحمته من يشاء، اللّهمّ و قد ضعفت عن حمل ذلك، فافتح اللهم لي ما تثبّت به قلبى، و تشرح به صدرى، و تطلق به لسانى، و تذهب به نزغ الشيطان الرجيم، و همزه و كيده و وسوسته و خيله و رجله.

قال ربيعة: فلمّا استتم الدعاء إذا أنا بمقرعة بين كتفى، فالتفت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام و هو على بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله و بيده عنزة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و كأنّ وجهه كدائرة القمر إذا أبدر، فقال لى: «يا ربيعة، لشد ما جزعت، إنّما الناس رائح و مقيم، فالرائح من يحببه هذا اللقاء إلى جنّة المأوى، و إلى سدرة المنتهى، و إلى جنّة عرضها كعرض السّماء و الأرض، أعدّت للمتقين؛ و المقيم بين اثنين: إمّا نعم مقلّة، أو فتنة مضلّة، يا ربيعة، حيّ على معرفة ما سألت ربا»

و مرّ يفري الأرض فريا و اتبعته حتّى خرج عن العسكر، و جازه بميل أو نحوه، و ثنى رجله عن البغلة، و نزل و خر على الأرض للدّعاء، يقلّب كفّيه بطنا و ظهرا، فما ردّ يده حتّى نشأت قطعة سحابة كأنّها هقل نعام تدب بين السماء و الأرض، حتّى أظلّتنا، فما عدا ظلّها مركبنا، حتّى هطلت بشي ء كأفواه القرب، و شرب فرسى. من تحت حافره، و ملأت مزادى، و ارتويت، و رويت، فرسى، ثمّ عاد فركب بغلته، و عادت السحابة من حيث جاءت، و عدت إلى العسكر، فتركني و انغمس في الناس.

243) عن عاصم

بن شريك، عن أبي البخترى، عن أبي عبد اللّه الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السلام منزل عائشة، فنادى: «يا فضة، ائتينا بشي ء من ماء نتوضأ به،» فلم يجبه أحد، و نادى ثلاثا، فلم يجبه أحد، فولّى عن الباب يريد منزل الموفقة السعيدة الحوراء الإنسية فاطمة عليها السلام، فإذا هو بهاتف يهتف و يقول: يا أبا الحسن دونك الماء فتوضأ به. فإذا هو بإبريق من ذهب مملوء ماء عن يمينه، فتوضأ، ثمّ عاد الإبريق إلى مكانه، فلمّا نظر إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «يا عليّ ما هذا الماء الذي أراه يقطر كأنّه الجمان؟».

قال: «بأبي أنت و أمّى، أتيت منزل عائشة فدعوت فضة تأتينا بماء للوضوء ثلاثا فلم يجبني أحد، فوليت، فإذا أنا بهاتف يهتف و هو يقول: يا عليّ دونك الماء. فالتفت فإذا أنا بإبريق من ذهب مملوء ماء».

فقال: «يا عليّ تدري من الهاتف؟ و من أين كان الإبريق؟»

فقلت: «اللّه و رسوله أعلم».

فقال صلى الله عليه و آله: «أمّا الهاتف فحبيبي جبرئيل عليه السلام، و أمّا الإبريق فمن الجنّة، و أمّا الماء فثلث من المشرق، و ثلث من المغرب، و ثلث من الجنّة». فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول اللّه، اللّه يقرئك السلام و يقول لك: أقرئ عليّا السلام منى، و قل: إنّ فضة كانت حائضا.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «منه السلام، و إليه يردّ السلام، و إليه يعود طيب الكلام». ثمّ التفت إلى عليّ عليه السلام فقال: «حبيبي على، هذا جبرئيل أتانا من عند ربّ العالمين، و هو يقرئك السلام و يقول: إنّ فضة كانت حائضا. فقال عليّ عليه السلام: «اللّهمّ بارك لنا

في فضّتنا».

و آياته عليه السلام أكثر من أن تحصى، أو يحصرها كتاب، أو يتضمنها خطاب، و قد اقتصرنا على القليل مخافة التطويل.

الباب الرابع في آيات سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

في ذكر آياتها و هي في بطن أمّها و فيه: حديثان

244) عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: لمّا تزوجت خديجة بنت خويلد، رسول اللّه صلى الله عليه و آله هجرها نسوان مكّة، و كنّ لا يكلمنها، و لا يدخلن عليها، فلمّا حملت بالزهراء فاطمة عليها السلام كانت إذا خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من منزلها تكلمها فاطمة الزهراء في بطنها من ظلمة الأحشاء، و تحدّثها و تؤانسها، فدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال لها: «يا خديجة من تكلمين؟» قالت: يا رسول اللّه، إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلّمنى، و حدّثني من ظلمة الأحشاء.

فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال: «يا خديجة، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني أنّها ابنتى، و أنّها النسمة الطاهرة المطهّرة، و أنّ اللّه تعالى أمرني أن أسمّيها (فاطمة) و سيجعل اللّه تعالى من ذرّيتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون».

ففرحت خديجة بذلك، فلمّا أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلى نسوان مكّة أن: يتفضلن و يحضرن ولادتي ليلين منّي ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: يا خديجة، أنت عصيتنا و لم تقبلي منّا قولنا، و تزوجت فقيرا لا مال له، فلسنا نجي ء إليك، و لا نلي منك ما تلي النساء من النساء.

فاغتمّت خديجة رضي اللّه عنها غمّا شديدا، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنّهن من نسوة قريش، فقالت إحداهن: يا خديجة، لا تحزني فأنا آسية بنت مزاحم، و هذه صفيّة بنت شعيب و في رواية أخرى: كلثم بنت عمران أخت موسى عليه

السلام- و هذه سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، و هذه مريم بنت عمران عليه السلام؛ و قد بعثنا اللّه تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. و جلسن حولها، و وضعت الزهراء فاطمة عليها السلام طاهرة و مطهرة.

2) قال ابن عبّاس: لمّا سقطت فاطمة الزهراء إلى الأرض أزهرت الأرض، و أشرقت الفلوات، و أنارت الجبال و الربوات، و هبطت الملائكة إلى الأرض و نشرت أجنحتها في المشرق و المغرب، و ضربت عليها سرادقات و حجب البهاء، و كنفتها بأظلة السماء، و غشي أهل مكّة ما غشيهم من النور، و دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى خديجة و قال: «يا خديجة، لا تحزنى، إن كان قد هجرك نسوان مكّة و لن يدخلن عليك، فلينزلن عندك اليوم نسوان بهجات عطرات غنجات، ينقدح في أعلاهن نور يستقبل استقبالا و يلتهب التهابا، و تفوح منهن رائحة تسرّ أهل مكّة جميعا» فسلمت الجواري فأحسن و حيين فأبلغن- في حديث طويل- حتّى وليت كلّ واحدة من حملها و غسلها- في الطشت الذي كان معهن- و نشفها بالمنديل و تخليقها و تقميطها، فلمّا فرغن عرجن إلى السماء مثنيات عليها.

و في رواية أخرى أنّ المرأة التي بين يدي خديجة غسّلتها بماء الكوثر، و أخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضا من اللبن، و أطيب رائحة من المسك و العنبر، فلفّتها بواحدة، و قنعتها بالثانية، ثمّ استنطقتها فنطقت عليها السلام بالشهادة، فقالت: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ أبي محمّدا رسول اللّه، و أنّ عليا سيّد الأوصياء، و ولدي سادة الأسباط» ثمّ سلّمت عليهن و سمّت كلّ واحدة منهن باسمها، و أقبلن فضحكن إليها.

و تباشرت الحور العين، و

بشّر أهل السماوات بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام، و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، و قالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة، مطهرة، زكية ميمونة، بورك لك فيها، و في نسلها.

فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدرّ عليها، و كانت عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، و تنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة.

في بيان آياتها بإنزال الملك من السماء بتزويجها و فيه: حديث واحد

246) عن الأعمش، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «كنت يوما جالسا في المسجد إذ هبط عليّ ملك له عشرون رأسا، فوثبت لأقبّل رأسه، فقال: مه يا أحمد، أنت أكرم على اللّه تعالى من أهل السماوات و أهل الأرض أجمعين. و قبّل الملك رأسي و يدى، فظننته جبرئيل عليه السلام، فقلت: حبيبي جبرئيل، ما هذه الصورة التي لم تهبط عليّ بمثلها؟ قال: ما أنا بجبرئيل، و لكني ملك، يقال لي (محمود) و بين كتفي مكتوب: لا إله إلا اللّه، محمّد رسول اللّه.

و في رواية: عليّ وليّه و وصيّه.

بعثني أن أزوج النور من النور. قلت: من النور؟ قال: فاطمة من على، و هذا جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و إسماعيل صاحب سماء الدنيا، و سبعون ألفا من الملائكة قد حضروا».

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «قد زوجتك على ما زوجك اللّه من فوق سبع سماوات، فخذها إليك».

ثمّ التفت النبيّ صلى الله عليه و آله إلى محمود و قال: «منذ كم كتب هذا بين كتفيك؟» قال: من قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام.

قال: فناوله جبرئيل قدحا فيه خلوق من خلوق الجنّة، و قال:

حبيبي يا محمّد، مر فاطمة أن تلطخ رأسها و

بدنها من هذا الخلوق.

فكانت فاطمة عليها السلام إذا حكّت رأسها أو بدنها شمّ أهل المدينة رائحة الخلوق.

في بيان آياتها مع الرحى و فيه: ثلاثة أحاديث

247) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى فاطمة عليها السلام بمكيال فيه تمر مع أبي ذر رحمه اللّه تعالى.

قال أبو ذر: فأتيت الباب، و قلت: السلام عليكم. فلم يجبني أحد، فظننت أن فاطمة عليها السلام بحال الرحى فلم تسمع، ففتحت الباب و إذا فاطمة عليها السلام نائمة و الحسين يرتضع، و الرحى تدور.

قال أبو ذر: فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقلت: يا رسول اللّه، أتوب إلى اللّه ممّا صنعت إني أتيت أمرا عظيما.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «و ما أتيت يا أبا ذر؟» فقصّ عليه ما كان، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «ضعفت فاطمة فأعانها اللّه على دهرها».

248) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، قال: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله سلمان رضي اللّه عنه إلى فاطمة عليها السلام لحاجة.

قال سلمان: وقفت بالباب وقفة حتّى سلّمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن خفاء، و الرحى تدور من بر، ما عندها أنيس.

قال: فعدت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و قلت: يا رسول اللّه، رأيت أمرا عظيما. فقال: «و ما هو يا سلمان؟ تكلم بما رأيت».

قلت: وقفت بباب ابنتك يا رسول اللّه، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من خفاء، و الرحى تدور من بر، و ما عندها أنيس! فتبسّم صلى الله عليه و آله و قال: «يا سلمان إن ابنتي فاطمة عليها السلام ملأ اللّه قلبها و جوارحها إيمانا و يقينا إلى ما شاء، ففزعت لطاعة ربّها، فبعث اللّه

ملكا اسمه روفائيل- و في موضع آخر: رحمة- فأدار لها الرحى، فكفاها اللّه مؤونة الدنيا و الآخرة».

249) عن أسامة بن زيد، قال: افتقد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم عليّا، فقال: «اطلبوا إليّ أخي في الدنيا و الآخرة، اطلبوا إليّ فاصل الخطوب، اطلبوا إليّ المحكّم في الجنّة في اليوم المشهود اطلبوا إليّ حامل لوائي في المقام المحمود».

قال أسامة: فلما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك بادرت إلى باب على، فناداني رسول اللّه صلى الله عليه و آله من خلفى: «يا أسامة، عجّل عليّ بخبره» و ذلك بين الظهر و العصر، فدخلت فوجدت عليّا كالثوب الملقى لاطيا بالأرض، ساجدا يناجي اللّه تعالى، و هو يقول: «سبحان اللّه الدائم، فكّاك المغارم، رزّاق البهائم، ليس له في ديمومته ابتداء، و لا زوال و لا انقضاء» فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتّى يرفع رأسه، و سمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلّم على فاطمة و أخبرها بقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعلها، فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن، مخمرة وجهها بجلبابها- و كان من وبر الإبل- و إذا الرحى تدور بدقيعها، و إذا كفّ يطحن عليها برفق، و كفّ أخرى تلهي الرحا، لها نور، لا أقدر أن أملي عيني منها، و لا أرى إلّا اليدين بغير أبدان، فامتلأت فرحا بما رأيت من كرامة اللّه لفاطمة عليها السلام.

فرجعت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و تباشير الفرح في وجهي بادية، و هو في نفر من أصحابه، قلت: يا رسول اللّه، انطلقت أدعو عليّا، فوجدته كذا و كذا، و انطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة على شقّها

الأيمن، و رأيت كذا و كذا!

فقال: «يا أسامة، أ تدري من الطاحن، و من الملهي لفاطمة؟ إنّ اللّه قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها و ما تأخر، و تسعة و ستين مذخورة لمحبّيه، يغفر اللّه بها ذنوبهم يوم القيامة، و إنّ اللّه تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل، و مكابدتها للرحى و الخدمة في النهار، فأمر اللّه تعالى وليد ين من الولدان المخالدين أن يهبطا في أسرع من الطرف، و إنّ أحدهما ليطحن، و الآخر ليلهي رحاها.

و إنّما أرسلتك لترى و تخبر بنعمة اللّه علينا، فحدّث، يا أسامة لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما، و إنّما سألتني خادما فمنعتها، فأخدمها اللّه بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة، الذين رأيت منهن، و إنا من أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية».

في بيان ظهور آياتها مع القدر و النار و فيه: حديث واحد

250) عن حمّاد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: سألني الحجّاج بن يوسف عن حديث عائشة، و حديث القدر التي رأت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله و هي تحركها بيدها، قلت: نعم، أصلح اللّه الأمير، دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام و هي تعمل للحسن و الحسين عليهما السلام حريرة بدقيق و لبن و شحم، في قدر، و القدر على النار يغلي (و فاطمة صلوات اللّه عليها) تحرك ما في القدر بإصبعها، و القدر على النار يبقبق، فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتّى دخلت على أبيها، فقالت: يا أبه، إنّي رأيت من فاطمة الزهراء أمرا عجيبا، رأيتها و هي تعمل في القدر، و القدر على النار يغلى، و هي تحرك ما في القدر بيدها! فقال لها: يا بنية،

اكتمى، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فصعد المنبر، و حمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الناس يستعظمون و يستكثرون ما رأوا من القدر و النار، و الذي بعثني بالرسالة و اصطفاني بالنبوة، لقد حرّم اللّه تعالى النار على لحم فاطمة و دمها و شعرها و عصبها، و فطم من النار ذرّيتها و شيعتها، إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار و الشمس و القمر و النجوم و الجبال، و تضرب الجنّ بين يديه بالسيف، و توافي إليه الأنبياء بعهودها، و تسلّم إليه الأرض كنوزها، و تنزّل عليه من السماء بركات ما فيها، الويل لمن شك في فضل فاطمة، لعن اللّه من يبغض بعلها و لم يرض بإمامة ولدها، إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفا، و لشيعتها موقفا، و إنّ فاطمة تدعى فتلبى، و تشفع فتشفّع على رغم كلّ راغم».

في بيان آياتها فيما أنزل عليها من السماء و فيه: ثلاثة أحاديث

251) عن زينب بنت عليّ عليهما السلام، قالت: صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلاة الفجر، ثمّ أقبل بوجهه الكريم على عليّ عليه السلام، فقال: «هل عندكم طعام؟» فقال: «لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاما، و ما تركت في منزلي طعاما».

قال: «امض بنا إلى فاطمة» فدخلا عليها و هي تتلوى من الجوع، و ابناها معها، فقال: «يا فاطمة، فداك أبوك، هل عندك طعام؟» فاستحيت فقالت: «نعم» فقامت و صلّت؛ ثمّ سمعت حسّا فالتفتت فإذا بصحفة ملأى ثريدا و لحما، فاحتملتها فجاءت بها و وضعتها بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فجمع عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، و جعل عليّ يطيل النظر إلى فاطمة، و يتعجّب، و يقول: «خرجت

من عندها و ليس عندها طعام، فمن أين هذا؟»

ثمّ أقبل عليها فقال: «يا بنت رسول اللّه، أَنَّى لَكِ هذا؟».

قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

فضحك النبي صلى الله عليه و آله و قال: «الحمد للّه الذي جعل في أهلي نظير زكريا و مريم إذ قال لها: أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ».

فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل البيت، أطعموني ممّا تأكلون. فقال صلى الله عليه و آله: «اخسأ اخسأ» ففعل ذلك ثلاثا، و قال عليّ عليه السلام: «أمرتنا أن لا نرد سائلا، من هذا الذي أنت تخسأه؟» فقال: «يا على، إنّ هذا إبليس، علم أنّ هذا طعام الجنّة، فتشبّه بسائل لنطعمه منه».

فأكل النبيّ صلى الله عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام حتّى شبعوا، ثمّ رفعت الصفحة، فأكلوا من طعام الجنّة في الدنيا.

252) عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقام أيّاما لم يطعم فيها طعاما حتّى شقّ عليه ذلك، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئا، فأتى فاطمة عليها السلام، فقال: «يا بنية، هل عندك شي ء آكله، فإنّي جائع؟» قالت: «لا و اللّه».

فلمّا خرج بعثت جارية لها برغيفين و بضعة لحم، فأخذته و وضعته في جفنة و غطّت عليها و قالت: «و اللّه لأوثرن بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله على نفسى، و على غيرى». و كانوا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنا و حسينا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فرجع

إليها، فقالت: «قد أتاني اللّه بشي ء فخبّأته لك» فقال: «هلمي يا بنية» فكشف الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزا و لحما، فلمّا نظرت إليها بهتت، و عرفت أنّه من عند اللّه تعالى، فحمدت اللّه تعالى، و صلّت على أبيها، و قدّمته إليه، فلمّا رآه حمد اللّه و قال: أَنَّى لَكِ هذا؟» قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى على، ثمّ أكل رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام، و جميع أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى شبعوا.

قالت فاطمة عليها السلام: «و بقيت الجفنة كما هى، فأوسعت منها على الجيران، و جعل اللّه فيها بركة و خيرا كثيرا».

253) عن عاصم بن الأحول، عن زر بن حبيش، عن سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنه، قال: خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلقيني عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال لى: «يا سلمان، جفوتنا بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟».

فقلت: حبيبي يا أمير المؤمنين، مثلك لا يخفى عليه، غير أنّ حزني على رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو الذي منعني من زيارتكم. فقال لى:

«يا سلمان، ائت منزل فاطمة فإنّها إليك مشتاقة، و تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنّة.

قال سلمان: قلت: يا أمير المؤمنين أتحفت بتحفة من الجنّة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟!» قال: «نعم يا سلمان».

قال: فهرولت هرولة إلى منزل فاطمة عليها السلام، و قرعت الباب، فخرجت إليّ فضّة فأذنت لى، فدخلت و إذا فاطمة جالسة،

و عليها عباءة قد اعتجرت بها و استترت، فلمّا رأتني قالت: «يا سلمان، اجلس و اعقل و اعلم أنّي كنت جالسة بالأمس مفكّرة في وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و الحزن يتردد في صدرى، و قد كنت رددت باب حجرتي بيدى، فانفتح من غير أن يفتحه أحد، و إذا أنا بأربع جوارى، فدخلن على، لم ير الراءون بحسنهن و نظارة وجوههن، فلمّا دخلن قمت إليهن مستنكرة لهن، فقلت: أنتن من أهل المدينة أم من أهل مكّة؟ فقلن: لا من أهل المدينة، و لا من أهل مكّة، و لا من أهل الأرض، نحن من الحور العين، أرسلنا إليك ربّ العالمين يا ابنة رسول اللّه لنعزّيك بوفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله».

قالت فاطمة عليها السلام: «فقلت لإحداهن: ما اسمك؟ قالت:

ذرّة. قلت: حبيبتي لم سمّيت ذرّة؟ قالت: سمّيت ذرة لأبي ذر الغفارى، صاحب أبيك رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فقلت للأخرى: و أنت ما اسمك؟ قالت: أنا سلمى. فقلت: لم سمّيت سلمى؟ قالت: لأني لسلمان الفارسى، صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

و قلت للأخرى: ما اسمك؟ قالت: مقدودة. فقلت: حبيبتى، و لم سمّيت مقدودة؟ قالت: لأنّي للمقداد بن الأسود الكندى، صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فقلت للأخرى: ما اسمك؟ قالت: عمّارة. قلت: و لم سمّيت عمّارة؟ قالت: لأنّي لعمّار بن ياسر، صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فأهدين إليّ هدية، أخبأت لك منها» ثمّ أخرجت لي طبقا أبيض، فيه رطب أكبر من الخشكنانج، أبيض من الثلج، و أذكى من المسك، و أعطتني منها عشر رطبات، عجزت عن حملها، فقالت:

«كلهن عند إفطارك، وعد إليّ بعجمهن».

قال سلمان: فخرجت من

عندها أريد منزلى، فما مررت بأحد و لا بجمع من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا قالوا: يا سلمان، رائحة المسك الأذفر معك.

قال سلمان: كتمت أنّ معي شيئا حتّى أتيت منزلى، فلمّا كان وقت الإفطار أفطرت عليهن، فلم أجد لهن عجما، فغدوت إلى فاطمة، و قرعت الباب عليها، فأذنت لي بالدخول، فدخلت و قلت: يا بنت رسول اللّه؛ أمرتني أن آتيك بعجمته، و أنا لم أجد لها عجما! فتبسّمت، و لم تكن ضحكت عليها السلام.

ثمّ قالت: «يا سلمان، هي من نخيل غرسها اللّه تعالى لي في دار السلام بدعاء علمنيه أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله كنت أقوله غدوة و عشيّة» قلت: علميني الكلام سيدتى.

قالت: «إن سرّك أن تلقى اللّه تعالى و هو عنك راض غير غضبان، و لا تضرّك وسوسة الشيطان ما دمت حيّا، فواظب عليه».

و في رواية أخرى: «إن سرّك أن لا تمسّك الحمّى ما عشت في دار الدنيا، فواظب عليه،» فقال سلمان: فقلت: علمينى. قالت عليها السّلام: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه النور، بسم اللّه نور النور، بسم اللّه نور على نور، بسم اللّه الذي هو مدبر الأمور، بسم اللّه الذي خلق النور من النور، الحمد للّه الذي خلق النور من النور، و أنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، و البيت المعمور و السقف المرفوع و البحر المسجور بقدر مقدور على نبيّ محبور، الحمد للّه الذي هو بالعز مذكور، و بالخير مشهور، و على السرّاء و الضرّاء مشكور».

قال سلمان: فتعلمته، و قد لقّنت أكثر من ألف نفس من أهل المدينة و مكّة ممّن بهم علل الحمّى، و كلّهم برئوا بإذن اللّه تعالى.

و

في رواية أخرى: في شكوى و وسوسة الشيطان، و قد نزل عليها السلام الرزق من السّماء، و كثيرا ما تدور الرحى في بيتها و هي نائمة أو مشتغلة بأمر آخر، و الرّواية فيها متظافرة.

في ظهور آياتها في غليان القدر بغير نار و فيه: حديثان

254) عن زاذان، عن سلمان رضي اللّه عنه، قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة عليها السّلام فوجدتها نائمة قد تغطّت بالعباءة، و نظرت إلى قدر منصوبة بين يديها تغلي بغير نار، فانصرفت مبادرا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلمّا بصر بي ضحك، ثمّ قال: «يا أبا عبد اللّه، أعجبك ما رأيت من حال ابنتي فاطمة؟» قلت: نعم، يا رسول اللّه.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «أتعجب من أمر اللّه، إنّ اللّه تبارك و تعالى علم ضعف ابنتي فاطمة، فأيّدها بمن يعينها على دهرها من كرام ملائكته».

255) عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قد استقرض من يهوديّ شيئا، فاسترهنه فدفع إليه ملاءة فاطمة عليها السلام، و كانت من الصّوف؛ فأدخلها اليهودي داره، فوضعها في بيت، فلمّا كان الليل دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل، فرأت نورا ساطعا في البيت.

فانصرفت إلى زوجها فأخبرته بما رأت في ذلك البيت، فتعجّب زوجها، و قد نسي أنّ في بيته ملاءة فاطمة عليها السلام، فنهض مسرعا، فدخل البيت فإذا ضياء الملاءة، منتشرة و شعاعها، كأنّها تشتعل من بدر منير، يلمع من قريب، فتعجّب من ذلك فأمعن النّظر في موضع الملاءة، فعلم أن النّور من ملاءة فاطمة عليها السّلام، فخرج اليهوديّ إلى قرابته، و زوجته إلى قرابتها، و استحضرهم الدار، فاجتمع ثمانون من اليهود، فرأوا ذلك فأسلموا.

الباب الخامس في بيان آيات السبط الزكي أبي محمّد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام

في بيان آياته في إحياء الموتى و فيه: حديث واحد

256) عن جابر بن يزيد الجعفى، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «جاء أناس إلى الحسن عليه السلام فقالوا له: أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينها.

قال: أ فتؤمنون بذلك؟ فقالوا كلّهم: نعم، نؤمن باللّه تعالى».

قال: «فأحيا لهم ميتا بإذن اللّه، فقالوا بأجمعهم: نشهد أنّك ابن أمير المؤمنين عليه

السلام حقّا، و أنّه كان يرينا مثل ذلك كثيرا».

في بيان ظهور آياته فيما يشاكل ذلك و فيه: حديث واحد

257) عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج، فإنّه قد كانت فيهم الأعاجيب، ثمّ أنشأ يحدّث صلى الله عليه و آله فقال:

«خرجت طائفة من بني إسرائيل حتّى أتوا مقبرة لهم، و قالوا: لو صلّينا فدعونا اللّه تعالى فأخرج لنا رجلا ممّن مات نسأله عن الموت؛ ففعلوا، فبينما هم كذلك، إذ أطلع رجل رأسه من قبر، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا هؤلاء، ما أردتم منّى، لقد متّ منذ عام، ما كان سكنت عني حرارة الموت، حتّى كان الآن فادعوا اللّه أن يعيدني كما كنت».

قال جابر بن عبد اللّه: و لقد رأيت و حقّ اللّه و حقّ رسول اللّه من الحسن بن عليّ عليهما السلام أفضل و أعجب منها، و من الحسين بن عليّ عليهما السلام أفضل: و أعجب منها.

أمّا الذي رأيته من الحسن عليه السلام فهو: أنّه لمّا وقع عليه من أصحابه ما وقع، و ألجأه ذلك إلى مصالحة معاوية، فصالحه، و اشتدّ ذلك على خواص أصحابه، فكنت أحدهم فجئته فعذلته، فقال:

«يا جابر، لا تعذلنى، و صدّق رسول اللّه في قوله: (إنّ ابني هذا سيّد، و إنّ اللّه تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)».

فكأنّه لم يشف ذلك صدري فقلت: لعل هذا شي ء يكون بعد، و ليس هذا هو الصلح مع معاوية، فإنّ هذا هلاك المؤمنين و إذلالهم، فوضع يده على صدري و قال: «شككت و قلت كذا».

قال: «أ تحب أن أستشهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله الآن حتّى تسمع منه؟!» فعجبت من قوله، إذ سمعت هدّة، و إذا بالأرض

من تحت أرجلنا انشقت، و إذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و عليّ و جعفر و حمزة عليهم السلام قد خرجوا منها، فوثبت فزعا مذعورا، فقال الحسن: «يا رسول اللّه، هذا جابر، و قد عذلني بما قد علمت».

فقال صلى الله عليه و آله لى: «يا جابر، إنّك لا تكون مؤمنا حتّى تكون لأئمتك مسلّما، و لا تكون عليهم برأيك معترضا، سلّم لابني الحسن ما فعل، فإنّ الحقّ فيه، إنّه دفع عن حياة المسلمين الاصطلام بما فعل، و ما كان ما فعله إلّا عن أمر اللّه، و أمرى».

فقلت: قد سلمت يا رسول اللّه. ثمّ ارتفع في الهواء هو و عليّ و حمزة و جعفر، فما زلت أنظر إليهم حتّى انفتح لهم باب [من السماء] و دخلوها، ثمّ باب السماء الثانية، إلى سبع سماوات يقدمهم سيّدنا و مولانا محمّد صلى الله عليه و آله.

في بيان ظهور آياته من إخراج التمر من الشجر اليابس بإذن الله تعالى و فيه: حديث واحد

258) عن إسماعيل بن مهران، عن منذر الكناسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام في بعض سفره و معه رجل من ولد الزبير [لا] يقول بإمامته، فنزلوا في منهل من المناهل، تحت نخل يابس، قد يبس من العطش»

قال: «ففرش لأبي محمّد الحسن تحت نخلة، و الزبيريّ بحذائه تحت نخلة أخرى».

قال: «فقام الزبيريّ و رفع رأسه و قال: لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه. فقال الحسن عليه السلام: و إنّك لتشتهي الرطب؟! قال: نعم. فرفع يده إلى السماء و دعا بدعاء لم يسمع و لم يفهم، فاخضرّت النخلة، ثمّ صارت إلى حالتها فأورقت و حملت رطبا».

قال: «فقال الجمّال الذي اكتروا منه: سحر و اللّه! فقال الحسن:

و اللّه ليس بالسحر و لكن دعوة ابن

نبيّ مجابة، فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا ما كان فيها، و ما كان كفاهم».

في ظهور آياته من إظهار بعض حكم القيامة، و أحوالها في الدنيا و فيه: حديث واحد

259) عليّ بن رئاب، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يحدّث عن آبائه أنّه أتى آت الحسن بن عليّ عليهما السلام، فقال: ما عجز عنه موسى عليه السلام من مسألة الخضر عليه السلام، فقال:

من الكنز الأعظم.

ثمّ ضرب بيده على منكب الرجل فقال: «إيه» ثمّ ركض ما بين يديه، فانفلق عن انسانين على صخرة، يرتفع منهما بخار أشدّ نتنا من الخبال و في عنق كلّ واحد منهما سلسلة و شيطان مقرون به، و هما يقولان: يا محمّد، يا محمّد. و الشيطانان يردّان عليهما: كذبتما.

ثمّ قال: «انطبقي عليهما إلى الوقت المعلوم الذي لا يقدّم و لا يؤخر» و هو خروج القائم المنتظر عليه السلام، فقال الرجل: سحر. ثمّ ولّى على أن يخبر بضد ذلك فخرس.

و في ذلك آيات بينات.

في بيان آياته في انقلاب الرجل امرأة و الامرأة رجلا و فيه: حديث واحد

260) وجدت في بعض كتب أصحابنا الثقات رضي اللّه عنهم أنّ رجلا من أهل الشام أتى الحسن عليه السلام و معه زوجته، فقال: يا ابن أبي تراب- و ذكر بعد ذلك كلاما نزهت عن ذكره- إن كنتم في دعواكم صادقين فحوّلني امرأة و حوّل امرأتي رجلا. كالمستهزئ في كلامه، فغضب عليه السلام، و نظر إليه شزرا، [و حرّك شفتيه] و دعا بما لم يفهم، ثمّ نظر إليهما، و أحدّ النظر، فرجع الشاميّ إلى نفسه و أطرق خجلا و وضع يده على وجهه، ثمّ ولّى مسرعا، و أقبلت امرأته، و قالت: و اللّه إنّي صرت رجلا.

و ذهبا حينا من الزمان، ثمّ عادا إليه و قد ولد لهما مولود، و تضرّعا إلى الحسن عليه السلام تائبين و معتذرين ممّا فرطا فيه، و طلبا منه انقلابهما إلى حالتهما الأولى، فأجابهما إلى ذلك، و رفع يده، و قال:

«اللّهمّ إن كانا صادقين

في توبتيهما فتب عليهما، و حوّلهما إلى ما كانا عليه» فرجعا إلى ذلك لا شك فيه و لا شبهة.

في بيان آياته فيما أعطاه جبرئيل من فاكهة الجنّة و فيه: حديث واحد

261) عن أبي الحسن عامر بن عبد اللّه، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن الحسين عليه السلام، قال:

«دخلت مع الحسن عليه السلام على جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عنده جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبى، و كان دحية إذا قدم من الشام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله حمل لي و لأخي خرنوبا و نبقا و تينا، فشبّهناه بدحية بن خليفة الكلبى، و إنّ دحية كان يجعلنا نفتش كمّه، فقال جبرئيل عليه السلام: يا رسول اللّه، ما يريدان؟ قال: «إنّهما شبّهاك بدحية بن خليفة الكلبى، و إن دحية كان يحمل لهما إذا قدم من الشام نبقا و تينا و خرنوبا».

قال: «فمدّ جبرئيل عليه السلام يده إلى الفردوس الأعلى، فأخذ منه نبقا و خرنوبا و سفرجلا و رمّانا فملأنا به حجرنا».

قال: «فخرجنا مستبشرين، فلقينا أبونا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فنظر إلى ثمرة لم ير مثلها في الدنيا، فأخذ من هذا، و من هذا واحدا واحدا، و دخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله و هو يأكل فقال: «يا أبا الحسن، كل و ادفع إليّ أوفر نصيب، فإنّ جبرئيل عليه السلام أتى به آنفا».

فيما ظهر من آياته من الإخبار بالغائبات و فيه: أربعة أحاديث

262) عن داود الرقى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: «إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام قال لولده عبد اللّه: يا بنى، إذا كان في عامنا هذا يدفع إليّ هذا الطاغي جارية تسمّى (أنيس) فتسمّني بسمّ قد جعله الطاغي تحت فصّ خاتمها. قال له عبد اللّه: فلم لا تقتلها قبل ذلك؟! قال: يا بني جفّ القلم، و أبرم الأمر فانعقد، و لا حلّ لعقد اللّه

[المبرم].

فلمّا كان في العام القابل أهدي إليه جارية اسمها (أنيس) فلمّا دخلت عليه ضرب بيده على منكبها، ثمّ قال: يا أنيس، دخلت النار بما تحت فصّ خاتمك».

263) عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام إلى مكة ماشيا سنة من السنين، فورمت قدماه، فقال بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنك بعض هذا الورم الذي برجلك.

قال: كلا، إذا أتينا المنزل فإنّه سيستقبلك عبد أسود، معه دهن لهذا الورم، فاشتر منه و لا تماكسه. فقال مولاه: بأبي أنت و أمّى، ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء! قال: بلى، إنّه أمامك دون المنزل.

فسارا أميالا، فإذا الأسود يستقبله، فقال الحسن عليه السلام:

دونك الرجل فخذ منه الدهن و اعطه ثمنه. فقال له الأسود: ويحك يا غلام، لمن أردت هذا الدهن؟ قال: للحسن بن عليّ عليهما السلام قال: انطلق بي إليه.

فأخذ بيده حتّى أدخله عليه، فقال: بأبي أنت و أمّى، لم أعلم أنّك تحتاج إليه، و لا أنّه يراد ذلك، و لست آخذ له ثمنا، إنّما أنا مولاك، و لكن ادعو اللّه أن يرزقني ذكرا سويا، يحبكم أهل البيت، فإنّي خلّفت امرأتي و قد أخذها الطلق.

فقال له الحسن عليه السلام: انطلق إلى منزلك، فإنّ اللّه تبارك و تعالى وهب لك ذكرا سويا، و هو لنا شيعة.

فرجع الأسود من فوره، فإذا بأهله قد وضعت غلاما سويا، فرجع إلى الحسن عليه السلام فأخبره بذلك، و دعا له خيرا، و مسح الحسن عليه السلام بذلك الدهن رجليه فما برح من مجلسه حتّى سكن و رمه، و مشى على قدميه».

264) عن الباقر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن حذيفة، قال: بينا رسول

اللّه صلى الله عليه و آله على جبل أحد في جماعة من المهاجرين و الأنصار إذ أقبل الحسن بن عليّ عليه السلام يمشي على هدوء و وقار، فنظر إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرمقه من كان معه، فقال له بلال: يا رسول اللّه، ما ترى أحدا بأحد؟! فقال صلى الله عليه و آله: «إنّ جبرئيل عليه السلام يهديه، و ميكائيل يسدده، و هو ولدي و الطاهر من نفسى، و ضلع من أضلاعى، هذا سبطي و قرّة عيني بأبي هو».

و قام، و قمنا معه، و هو يقول: «أنت تفاحى و أنت حبيبي و بهجة قلبى» و أخذ بيده، [فمشى معه] و نحن نمشي حتّى جلس و جلسنا حوله، فنظرنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله و هو لا يرفع بصره عنه، ثمّ قال:

«إنّه سيكون بعدي هاديا مهديا، هدية من ربّ العالمين لى، ينبئ عنّى، و يعرّف الناس آثاري و يحيي سنّتى، و يتولى أموري في فعله، و ينظر اللّه تعالى إليه، و يرحمه، رحم اللّه من عرف له ذلك و برّني فيه، و أكرمني فيه».

فما قطع صلوات اللّه عليه و آله كلامه حتّى أقبل إلينا أعرابي يجرّ هراوة له، فلمّا نظر إليه صلى الله عليه و آله قال: «قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، و إنّه يسألكم عن أمور، ألا إنّ لكلامه جفوة» فجاء الأعرابي فلم يسلّم، فقال: أيّكم محمّد؟ قلنا: ما تريد؟

فقال صلى الله عليه و آله: «مهلا» فقال: يا محمّد، قد كنت أبغضك و لم أرك، و الآن قد ازددت لك بغضا. فتبسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله و غضبنا لذلك، فأردنا للأعرابي إرادة،

فأومأ إلينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن امسكوا، فقال الأعرابى: يا محمّد، إنّك تزعم أنّك نبى، و أنّك قد كذبت على الأنبياء، و ما معك من دلائلهم شي ء.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «يا أعرابى، و ما يدريك؟» قال: فخبّرني ببراهينك.

قال: «إن أحببت أخبرتك كيف خرجت من منزلك، و كيف كنت في نادي قومك، و إن أردت أخبرك عضو من أعضائى، فيكون ذلك أوكد لبرهانى» قال: أو يتكلم العضو؟! قال: «نعم، يا حسن قم».

فازدرى الأعرابي نفسه و قال: هو لا يأتي و يأمر صبيّا يكلّمني؟! قال: «إنك ستجده عالما بما تريد» فابتدر الحسن فقال: «مهلا يا أعرابى:

ما غبيا سألت و ابن غبى

بل فقيها اذن و أنت الجهول

فإن تك قد جهلت فإنّ عندى

شفاء الجهل ما سأل السئول

و بحرا لا تقسّمه الدوالى

تراثا كان أورثه الرسول

لقد بسطت لسانك، و عدوت طورك، و خادعتك نفسك، غير أنّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء اللّه تعالى» فتبسّم الأعرابي و قال: هيهات.

فقال له الحسن عليه السلام: «قد اجتمعتم في نادي قومك، و قد تذاكرتم ما جرى بينكم على جهل، و خرق منكم، فزعمتم أنّ محمّدا صنبور، و العرب قاطبة تبغضه، و لا طالب له بثأره، و زعمت أنّك قاتله و كاف قومك مؤونته، فحملت نفسك على ذلك، و قد أخذت قضاتك بيدك تؤمه و تريد قتله، تعسر عليك مسلكك، و عمى عليك بصرك، و أبيت إلّا ذلك، فأتيتنا خوفا من أن يستهزءوا بك، و إنّما جئت لخير يراد بك.

أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلة ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة اشتدّ منها ظلماؤها، و أطبقت سماؤها، و أعصر سحابها، و بقيت محرنجما كالأشقر إن تقدم نحر، و إن

تأخر عقر، لا تسمع لواطئ حسّا، و لا لنافخ خرسا، تدالت عليك غيومها، و توارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجم طالع، و لا بعلم لا مع، تقطع محجّة و تهبط لجّة بعد لجّة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسفر، إذا علوت مصعدا و أرادت الريح تخطفك، و الشوك تخبطك، في ريح عاصف و برق خاطف، قد أوحشتك قفارها، و قطعتك سلامها، فانصرفت فإذا أنت عندنا، فقرّت عينك و ظهر زينك، و ذهب أنينك».

قال: من أين قلت- يا غلام- هذا؟! كأنّك قد كشفت عن سويداء قلبى، و كأنّك كنت شاهدى، و ما خفي عليك شي ء من أمرى، و كأنّك عالم الغيب، يا غلام، لقّني الإسلام.

فقال الحسن عليه السلام: «اللّه أكبر، قل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله».

فأسلم الرجل و حسن إسلامه، و سرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و سرّ المسلمون و علّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئا من القرآن، فقال: يا رسول اللّه، أرجع إلى قومي و أعرّفهم ذلك. فأذن له، فانصرف، ثمّ رجع و معه جماعة من قومه، فدخلوا في الإسلام.

و كان الحسن عليه السلام إذا نظر إليه الناس قالوا: لقد أعطي هذا ما لم يعط أحد من العالمين.

265) و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في الرحبة، فقام إليه رجل، و قال: أنا من رعيتك و أهل بلادك.

فقال عليه السلام: «لست من رعيتي و لا من أهل بلادى، و إنّ ابن الأصفر بعث إلى معاوية بمسائل أقلقته، فأرسلك إليّ بها».

قال: صدقت يا أمير المؤمنين، كان في خفية و أنت قد اطلعت عليها، و لم يعلم غير

اللّه.

قال: «سل أحد ابني هذين». قال: اسأل ذا الوفرة- يعني الحسن عليه السّلام- فأتاه فقال: «جئت لتسأل: كم بين الحقّ و الباطل؟ و كم بين السّماء و الأرض؟ و كم بين المشرق و المغرب؟ و ما قوس قزح؟ و ما المؤنث؟ و ما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟» [قال: نعم].

قال الحسن عليه السّلام: «بين الحقّ و الباطل أربعة أصابع، فما رأيته بعينك فهو الحقّ و ما سمعته بأذنيك باطل كثير، و بين السّماء و الأرض دعوة المظلوم مدّ البصر؛ و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشمس؛ و قزح اسم للشيطان، لا تقل قوس قزح، هو قوس اللّه، و علامة الخصب، و أمان لأهل الأرض من الغرق،

و أمّا المؤنث فهو من لا يدري أذكر هو أم أنثى، فإنّه ينتظر فيه، فإن كان ذكرا احتلم، و إن كانت أنثى حاضت و بدا ثدياها، و إلّا قيل له: بل، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر، و إن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهو امرأة.

و أمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشد شي ء خلقه اللّه الحجر، و أشدّ منه الحديد، يقطع به الحجر، و أشدّ من الحديد النّار، تذيب الحديد، و أشدّ من النّار الماء، يطفئ النّار، و أشدّ من الماء السحاب، يحمل الماء، و أشدّ من السحاب الريح، تحمل السحاب، و أشدّ من الريح الملك الذي يردّها، و أشدّ من الملك ملك الموت الّذي يميت الملك، و أشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت، و أشدّ من الموت أمر اللّه تعالى [الذي] يدفع الموت».

الباب السادس في بيان آيات السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام

في ظهور آياته من إحضار النبي و من ظهور آياته بعد موت رسول الله و فيه: حديث واحد

266) عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: لمّا عزم الحسين بن عليّ عليهما

السّلام، على الخروج إلى العراق أتيته فقلت له: أنت ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و أحد سبطيه، لا أرى إلّا أنّك تصالح كما صالح أخوك الحسن، فإنّه كان موفقا راشدا.

فقال لى: «يا جابر، قد فعل أخي ذلك بأمر اللّه و أمر رسوله، و إنّي أيضا أفعل بأمر اللّه و أمر رسوله، أ تريد أن أستشهد لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عليّا و أخي الحسن بذلك الآن؟» ثمّ نظرت فإذا السّماء قد انفتح بابها، و إذا رسول اللّه و عليّ و الحسن و حمزة و جعفر و زيد نازلين عنها حتّى استقروا على الأرض، فوثبت فزعا مذعورا.

فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «يا جابر، أ لم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين: لا تكون مؤمنا حتّى تكون لأئمتك مسلّما، و لا تكن معترضا؟ أ تريد أن ترى مقعد معاوية و مقعد الحسين ابني و مقعد يزيد قاتله لعنه اللّه؟» قلت: بلى يا رسول اللّه.

فضرب برجله الأرض فانشقّت و ظهر بحر فانفلق، ثمّ ضرب فانشقت هكذا حتّى انشقت سبع أرضين و انفلقت سبعة أبحر، فرأيت من تحت ذلك كله النار، فيها سلسلة قرن فيها الوليد بن مغيرة و أبو جهل و معاوية الطاغية و يزيد، و قرن بهم مردة الشياطين، فهم أشدّ أهل النّار عذابا.

ثمّ قال صلى الله عليه و آله: «ارفع رأسك» فرفعت، فإذا أبواب السّماء متفتحة، و إذا الجنّة أعلاها، ثمّ صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و من معه إلى السّماء، فلمّا صار في الهواء صاح بالحسين: «يا بني الحقنى» فلحقه الحسين عليه السّلام، و صعدوا حتّى رأيتهم دخلوا الجنّة من

أعلاها، ثم نظر إليّ من هناك رسول اللّه، و قبض على يد الحسين، و قال: «يا جابر، هذا ولدي معي هاهنا، فسلّم له أمره، و لا تشك لتكون مؤمنا».

قال جابر: فعميت عيناي إن لم أكن رأيت ما قلت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

في بيان ظهور آياته في إبراء الأبرص و فيه: حديث واحد

267) عن صالح بن ميثم، قال: دخلت أنا و عباية بن ربعي على امرأة من بني والبة [يقال لها: حبابة الوالبية] قد احتز وجهها من السّجود، فقال عباية: يا حبابة، هذا ابن أخيك.

قالت: أي أخ؟ قال: صالح بن ميثم.

قالت: ابن أخي و اللّه حقّا، يا ابن أخى، أ لا أحدّثك حديثا سمعته من الحسين بن عليّ عليهما السّلام؟ قلت: بلى يا عمّة.

قالت: كنت زوّارة للحسين عليه السّلام فحدث بين عيني وضح، فشق ذلك على، و احتبست عنه أيّاما، فسأل عنّى: «ما فعلت حبابة الوالبيّة؟» فقالوا: إنّها حدث بها وضح بين عينيها. فقال لأصحابه: «قوموا بنا» فقام حتّى دخل عليّ و أنا في مسجدي هذا

فقال: «يا حبابة، ما الّذي أبطأ بك عليّ؟» فقلت: يا ابن رسول اللّه، ما ذاك الّذي منعني إلّا وضح حدث بين عينى، فكرهت إتيانك.

فنظر إلى فكشفت القناع، و تفل عليه، فقال: «يا حبابة، أحدثي للّه شكرا، فإنّ اللّه قد درأه عنك» قالت: فخررت ساجدة للّه تعالى.

و قال: «يا حبابة، ارفعي رأسك و انظري في مرآتك» قالت فرفعت رأسي و نظرت في المرآة، فلم أحس منه شيئا، فحمدت اللّه تعالى، فنظر إليّ و قال: «يا حبابة، نحن و شيعتنا على الفطرة، و سائر الناس منه براء».

في بيان ظهور آياته في اسوداد الشعر بعد ما ابيض و فيه: حديث واحد

268) عن أبي خالد الكابلى، قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: «دخلت نصرة الأزديّة على الحسين عليه السلام، فقال لها: «يا نصرة، ما الذي أبطأ بك عليّ؟ فقالت له: يا ابن رسول اللّه، شي ء عرض لي في مفرق رأسى، و كثر منه غمّى، و طال منه همّى.

فقال: أدني منّى. فدنت منه، فوضع أصبعه على أصل البياض فصار كالقار، فقال: ائتوها بمرآة. فأتيت بها، فنظرت في

المرآة، فإذا البياض قد اسودّ، فسرّت بذلك، و سرّ الحسين عليه السلام لسرورها».

في ظهور آياته مع الماء و فيه: ثلاثة أحاديث

269) عن محمّد بن سنان، قال: سئل عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام عن الحسين بن عليّ عليهما السلام، و أنّه قتل عطشانا، قال: «مه، من أين ذلك؟! و قد بعث اللّه تعالى إليه أربعة أملاك من عظماء الملائكة، هبطوا إليه و قالوا له: اللّه و رسوله يقرآن عليك السلام، و يقولان: اختر إن شئت إمّا تختار الدنيا بأسرها و ما فيها و نمكنك من كلّ عدو لك، أو الرفع إلينا.

فقال الحسين عليه السلام: [على اللّه] و على رسول اللّه السلام، بل الرفع إليه. و دفعوا إليه شربة من الماء فشربها، فقالوا له: أما إنّك لا تظمأ بعدها أبدا».

270) و عنه، عن الرضا عليه السلام، قال: «هبط على الحسين عليه السلام ملك و قد شكا إليه أصحابه العطش؛ فقال: إنّ اللّه تعالى يقرئك السلام و يقول: هل لك من حاجة؟ فقال الحسين عليه السلام: هو السلام و من ربّي السلام. و قال: قد شكا إليّ أصحابي- ما هو أعلم به منّي- من العطش. فأوحى اللّه تعالى إلى الملك: قل للحسين: خطّ لهم بإصبعك خلف ظهرك يرووا. فخطّ الحسين بإصبعه السبابة فجرى نهر أبيض من اللبن، و أحلى من العسل، فشرب منه هو و أصحابه، فقال الملك: يا ابن رسول اللّه، تأذن لي أن أشرب منه، فإنّه لكم خاصّة، و هو الرحيق المختوم الذي خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ.

فقال الحسين عليه السلام: إن كنت تحب أن تشرب منه فدونك».

و قد كتبت الحديثين من الجزء السادس و الثمانين من كتاب (البستان) من تصنيف محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان.

271)

عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، قال:

«خرج الحسن و الحسين عليهما السلام من منزلهما إلى المسجد، ثمّ قال الحسن للحسين: يا أخى، اذهب بنا إلى الخلاء.

فانطلقا حتّى أتيا إلى العجوة، و ولّى كلّ واحد منهما ظهره إلى صاحبه فرمى اللّه تعالى بينهما جدارا يستتر به أحدهما عن صاحبه، فلمّا قضيا حاجتهما ذهب الجدار، و صار في موضعه عين ماء فتوضأ

و مضيا بعد الفراغ من الوضوء- في حديث طويل-

ثمّ قال الحسن عليه السلام للحسين عليه السلام: أ تدري ما مثلنا الليلة؟ إنّي سمعت رسول اللّه و هو يقول: إنّ مثلكما مثل يونس بن متى إذا أخرجه اللّه من بطن الحوت فألقاه اللّه على جنب البحر، و أنبت عليه شجرة من يقطين، و أخرج له عينا من تحتها، فكان يأكل من اليقطين، و يشرب من ماء العين.

فأخرج اللّه تعالى لنا الليلة عينا من ماء؛ و سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله و هو يقول: أمّا العين فهي لكم، و أمّا اليقطين فأنتم عنه أغنياء.

و قال اللّه تعالى في يونس: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ و أمّا نحن فسيحتج اللّه بنا على أكثر من ذلك، و يمتعون إلى حين».

في بيان ظهور آياته في إظهار موضع قبره بكربلاء لأمّ سلمة و فيه: حديث واحد

272) عن الباقر صلوات اللّه عليه قال: «لمّا أراد الحسين صلوات اللّه عليه الخروج إلى العراق بعثت إليه أمّ سلمة رضي اللّه عنها، و هي التي كانت ربّته، و كان أحبّ الناس إليها، و كانت أرق الناس عليه، و كانت تربة الحسين عندها في قارورة دفعها إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فقالت: «يا بنى، أ تريد أن تخرج؟ فقال لها: يا أمه، أريد أن

أخرج إلى العراق.

فقالت: إنّي أذكّرك اللّه تعالى أن تخرج إلى العراق. قال: و لم ذلك يا أمه.

قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: «يقتل ابني الحسين بالعراق، و عندي يا بني تربتك في قارورة مختومة دفعها إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

فقال: يا أمّاه، و اللّه إنّي لمقتول، و إنّي لا أفرّ من القدر و المقدور، و القضاء المحتوم، و الأمر الواجب من اللّه تعالى.

فقالت: وا عجباه، فأين تذهب و أنت مقتول؟

فقال: يا أمه، إن لم أذهب اليوم ذهبت غدا، و إن لم أذهب غدا لذهبت بعد غد، و ما من الموت- و اللّه يا أمه- بد، و إنّي لأعرف اليوم و الموضع الذي أقتل فيه، و الساعة التي أقتل فيها، و الحفرة التي أدفن فيها، كما أعرفك، و أنظر إليها كما أنظر إليك.

قالت: قد رأيتها؟! قال: إن أحببت أن أريك مضجعي و مكاني و مكان أصحابي فعلت. فقالت: قد شئتها.

فما زاد أن تكلّم بسم اللّه، فخفضت له الأرض حتّى أراها مضجعه، و مكانه و مكان أصحابه، و أعطاها من تلك التربة، فخلطتها مع التربة التي كانت عندها، ثمّ خرج الحسين صلوات اللّه عليه، و قد قال لها: إنّي مقتول يوم عاشوراء.

فلمّا كانت تلك الليلة التي صبيحتها قتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما فيها أتاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام أشعث باكيا مغبرا، فقالت: يا رسول اللّه، مالي أراك باكيا مغبرا أشعث؟! فقال: دفنت ابني الحسين عليه السلام و أصحابه الساعة.

فانتبهت أمّ سلمة رضي اللّه عنها فصرخت بأعلى صوتها، فقالت: وا ابناه. فاجتمع أهل المدينة و قالوا لها: ما الذي دهاك؟

فقالت: قتل ابني

الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما. فقالوا لها: و ما علمك [بذلك]؟

قالت: أتاني في المنام رسول اللّه صلوات اللّه عليه باكيا أشعث أغبر، فأخبرني أنّه دفن الحسين و أصحابه الساعة. فقالوا: أضغاث أحلام قالت: مكانكم، فإنّ عندي تربة الحسين عليه السلام، فأخرجت لهم القارورة فإذا هي دم عبيط».

في بيان ظهور آياته بعد الموت و فيه: أحد عشر حديثا

273) عن المنهال بن عمرو، قال: أنا و اللّه رأيت رأس الحسين صلوات اللّه عليه على قناة يقرأ القرآن بلسان ذلق ذرب يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فقال رجل: و رأسك- و اللّه- أعجب يا ابن رسول اللّه من العجب.

274) و عنه، قال: أدخل رأس الحسين صلوات اللّه عليه دمشق على قناة، فمرّ برجل يقرأ سورة الكهف و قد بلغ هذه الآية أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فأنطق اللّه تعالى الرأس، فقال: أمري أعجب من أمر أصحاب الكهف و الرقيم.

275) عن مصقلة الطحّان، قال: سمعت أبا عبد اللّه صلوات اللّه عليه يقول: «لمّا قتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما أقامت امرأته الكلبيّة مأتما، و بكت و أبكت عليه النساء و الخدم، حتّى جفّت دموعهنّ، و ذهبت، فبينما هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي و تسيل دموعها، فدعتها و قالت لها: مالك أنت من بيننا تسيل دموعك؟

قالت: إنّي لمّا أصابني الجاهد شربت شربة سويق».

قال: «فأمرت، فأتيت بالطعام و الأسوقة، فأكلت، و شربت، و أطعمت، و سقت، و قالت: إنّما نريد نتقوى بذلك على البكاء على الحسين صلوات اللّه عليه».

قال: «و أهدي إلى الكلبيّة جزر لتستعين بها على مأتم الحسين صلوات اللّه عليه و آله، فقالت: لسنا في عرس،

فما نصنع بها؟

فأخرجت من الدار، فلمّا خرجت من الدار لم يحسّ لها بحس كأنّما طرن بين السماء و الأرض، و لم ير لهن بعد خروجهن من الدار أثر».

276) عن أحمد بن الحسين: قال كنت بنينوى، فإذا أنا ببقرة شاردة على وجهها، و الناس خلفها يعدون حتّى جاءت إلى القبر، فبركت عليه، و التزمته ثمّ رجعت مبادرة حتّى جاءت إلى باب مغلق فنطحته ففتحته، فخرج منها ولدها- أي عجلها- فقيل: إن عجلها

سرق، و لم يدر أصحابه أين هو، حتّى وقفت هي عليه.

277) عن يعقوب بن سليمان، قال: سمرت ذات ليلة أنا و نفر، فتذاكرنا مقتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما، فقال رجل من القوم: ما تلبّس أحد بقتله إلّا أصابه بلاء في أهله و ماله و نفسه.

قال شيخ من القوم: و اللّه أنا ممّن شهد قتله، و أعان عليه، فما أصابني إلى الساعة أمر أكرهه. فمقته القوم، و تغيّر السراج و كاد دهنه يطفأ، فقام الرجل إليه ليصلحه، فأخذت النار بإصبعه، فنفخها فأخذت بلحيته، فخرج يبادر إلى الماء و ألقى بنفسه في النهر، و جعلت النار ترفرف على رأسه فإذا أخرجه أحرقته حتّى مات لعنه اللّه.

278) عن السدى، قال كنا عنده إذ جاءه رجل ريحه ريح القطران، فقال السدى: تبيع القطران؟ قال: لا. قال: فما هذه الريح؟

قال: أخبركم، لا و اللّه لا أبيع القطران، إلّا أنّي كنت مع عمر بن سعد لعنه اللّه في عسكره أبيعهم الحديد، فلمّا أصيب الحسين صلوات اللّه عليه كنت في العسكر قريبا فرأيت في المنام إذا جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عليّ صلوات اللّه عليه كان معه، و هو يسقي أصحاب الحسين، فقلت: اسقني يا على،

فأبى، فقلت: يا رسول اللّه، قل لعليّ يسقينى، فقال: «اسقه يا على».

فقال: «يا رسول اللّه، إنّ هذا ممّن أعان علينا». فقال: «ما فعلت؟» فقلت: بلى، قد كنت أبيعهم الحديد.

فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «فعلت»؟ قلت: نعم.

قال: «يا عليّ اسقه قطرانا». فناولني قدحا ملئ قطرانا فشربته، فمكثت ثلاثة أيّام أبول القطران، و هذه ريحه قد بقيت.

فقال السدى: اشرب من ماء الفرات، و كل من خبز البر، فما أراك تلقى محمّدا صلى الله عليه و آله.

279) عن إدريس بن عبد اللّه الأزدى، قال: لمّا قتل الحسين صلوات اللّه عليه أراد القوم أن يوطئوه الخيل، فقالت فضّة لزينب عليها السلام: يا سيّدتى، إنّ سفينة مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركب البحر، فانكسرت السفينة، فوقع إلى الجزيرة، فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله. فهمهم السبع بين يديه حتّى أوقفه على الطريق، و أسد رابض في ناحية، فدعيني أمضي إليه، فأعلمه ما هم صانعون.

فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث. فرفع رأسه ثمّ قالت له:

أ تدري ما يريدون أن يصنعوا بأبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه؟! يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره.

فمشى الأسد حتّى وضع يده على جسمه، فأقبلت الخيل، فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللّه: فتنة، فلا تثيروها.

فانصرفوا.

280) عن أبي رجاء العطاردى، قال: كان لي جار من بني الجهم، فلمّا قتل الحسين صلوات اللّه عليه قال: أ ترون الفاسق بن الفاسق؟ فرماه اللّه عزّ و جلّ بكوكبين من نار، فطمسا بصره.

281) عن سيّار بن الحكم، قال: انتهبت الناس ورسا من عسكر الحسين، يوم قتل الحسين، فما تطيّبت به امرأة إلّا

برصت.

282) و روي أنّ إسحاق الحضرميّ الملعون الزنديق لعنه اللّه أخذ قميصه صلوات اللّه عليه فلبسه فبرص.

283) عن سفيان بن عيينة، قال: حدّثتني جدّتى، قالت:

لمّا قتل الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليه ساقوا إبلا عليها ورس، فلمّا نحرت رأين لحومها مثل العلقم، و رأينا الورس رمادا، و ما رفعنا حجرا إلّا وجدنا تحته دما عبيطا.

و ليس بين الخبرين تناقض فإنّه ذكر في الأوّل: أن الورس إذا استعملته امرأة برصت، و ذكر في الثانى: أنّه صار رمادا لأن ما وقع إلى قومها صار رمادا، و ما وقع إلى قوم سيّار من استعمله برص.

في بيان آياته مع فطرس الملك و فيه: حديث واحد

284) عن إبراهيم بن شعيب الميثمى، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّ الحسين صلوات اللّه عليه لمّا ولد أمر اللّه تعالى جبرئيل عليه السلام أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنئ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ببشارة من اللّه تعالى و من جبرئيل».

قال: «فهبط جبرئيل عليه السلام، فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له: (فطرس) و كان من الحملة، بعثه اللّه تعالى في شي ء فأبطأ عليه، فكسر جناحيه و ألقاه في تلك الجزيرة، فعبد اللّه تعالى فيها سبع مائة عام حتّى ولد الحسين عليه السلام، فقال الملك لجبرئيل: يا جبرئيل، أين تريد؟ قال: إنّ اللّه تعالى أنعم على محمّد صلى الله عليه و آله نعمة فبعثني أهنّئه من اللّه عزّ و جلّ و منى. قال: يا جبرئيل، احملني معك لعلّ محمّدا يدعو لى، فحمله جبرئيل».

قال: «فلما دخل جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه و آله هنّاه من اللّه تعالى و من نفسه، و أخبره بحال فطرس، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «تمسّح بهذا المولود،

وعد إلى مكانك.

فتمسّح فطرس بالحسين عليه السلام و ارتفع و قال: يا رسول اللّه، أما إنّ أمّتك ستقتله، و له عليّ مكافأة ألّا يزوره زائر إلّا أبلغته عنه، و لا يسلّم عليه مسلّم إلا بلّغته عنه، سلامه، و لا يصلّي عليه مصلّ إلّا أبلغته صلاته. ثمّ ارتفع».

في بيان ظهور آياته في إجابة الدعاء و فيه: ثلاثة أحاديث

285) عن الصادق صلوات اللّه عليه، قال: «لمّا تهيّأ الحسين عليه السلام للقتال أمر بإضرام النار في الخندق الذي حول عسكره، ليقاتل القوم من وجه واحد، فأقبل رجل من عسكر ابن سعد لعنه اللّه، يقال له: (ابن أبي جويرية المزنى) فلمّا نظر إلى النار تتقد صفق بيده و نادى: يا حسين، و يا أصحاب الحسين، أبشروا بالنار، فقد تعجّلتموها في الدنيا.

فقال الحسين صلوات اللّه عليه: من الرجل؟ فقيل: ابن أبي جويرية المزنى.

فقال صلوات اللّه عليه: اللّهمّ أذقه عذاب النار في الدنيا قبل الآخرة. فنفر به فرسه، فألقاه في تلك النار فاحترق».

286) و عنه صلوات اللّه عليه، قال: «ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد لعنه اللّه رجل يقال له: (تميم بن الحصين) فنادى: يا حسين، و يا أصحاب الحسين، أ ما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيات، و اللّه لا ذقتم منه قطرة، حتّى تذوقوا الموت جزعا. فقال الحسين صلوات اللّه عليه: هذا و أبوه من أهل النار، اللّهمّ اقتل هذا عطشا في هذا اليوم».

قال: «فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها حتّى مات لعنه اللّه».

287) عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة؛ قال: حدّثني من شهد عسكر الحسين عليه السلام: أنّ الحسين لمّا غلب على عسكره العطش ركب المسناة يريد الفرات، فقال رجل من بني أبان بن دارم: حولوا بينه و بين الماء. و

رمى بسهم فأثبته في حنكه، فقال عليه السلام: «اللّهمّ اظمئه اللّهمّ اظمئه» فو اللّه ما لبث الرجل إلّا يسيرا حتّى صبّ اللّه عليه الظمأ.

قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيته و بين يديه قلال فيها الماء، و إنّه ليقول: ويلكم اسقوني قتلني الظمأ. فيعطى القلّة أو العس

الذي كان أحدهما مرويا أهل بيت، فيشربه، ثمّ يقول: ويلكم اسقوني قتلني الظمأ.

قال: فو اللّه ما لبث إلّا يسيرا حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير.

و في رواية أخرى: النار توقد من خلفه، و الثلج موضوع من قدامه، و هو يقول: اسقوني ... إلى آخر الكلام.

في بيان ظهور آياته من الاخبار بالغائبات و فيه: حديث واحد

288) عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، قال: «قال الحسين صلوات اللّه عليه لغلمانه و قد أرسلهم إلى ضيعة له: لا تخرجوا يوم كذا و كذا- و قد سمّاه- و اخرجوا يوم الخميس فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم الطريق، و قتلتم، و ذهب ما معكم».

قال: «فخالفوه، و أخذوا طريق الحرّة فاستقبلهم لصوص فقتلوهم كلّهم، ثمّ دخل عليه والي المدينة من ساعته، فقال: بلغني قتل غلمانكم و مواليكم، فاجرك اللّه فيهم.

فقال صلوات اللّه عليه: أما إنّي أدلك على من قتلهم، فاشدد يديك بهم. قال: أو تعرفهم؟! قال: نعم، كما أعرفك، و هذا منهم، و أشار بيده إلى رجل كان على رأسه قائما.

قال الرجل: يا ابن رسول اللّه، كيف عرفت أنّي منهم؟! قال الحسين صلوات اللّه عليه: إن صدقتك تصدقني؟ قال: نعم، و اللّه لأفعلن.

قال: خرجت و معك فلان و فلان. و سمّاهم بأسمائهم كلهم، أربعة منهم من موالي الأسود و البقية من حبشان المدينة.

قال الوالى: و ربّ القبر و المنبر، لتصدقن أو لأنثرن لحمك بالسياط. قال: و اللّه ما كذب الحسين، كأنّه كان معنا!».

قال: «فجمعهم

الوالى، فأقرّوا بأجمعهم، فأمر بهم فضربت أعناقهم».

في بيان ظهور آياته في معان شتّى و فيه: حديثان

289) عن الباقر صلوات اللّه عليه، قال: «حدثني نجاد مولى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله، قال: رأيت أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يرمي نصالا، و رأيت الملائكة يردّون عليه أسهمه، فعميت، فذهبت إلى مولاي الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما، فشكوت ذلك إليه.

فقال: لعلك رأيت الملائكة تردّ على أمير المؤمنين أسهمه؟

فقلت: أجل. فمسح بيده على عيني فرجعت بصيرا بقوة اللّه تعالى».

290) عن يحيى بن أم الطويل، قال: كنّا عند الحسين صلوات اللّه عليه إذ دخل عليه شاب يبكى، قال له: «و ما يبكيك؟!» قال: إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة، و لم توصى، و لها مال و كانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتّى أعلمك بخبرها.

فقال الحسين عليه السلام: «قوموا بنا حتّى نصير إلى هذه الحرّة» فقمنا معه حتّى انتهى إلى باب البيت الذي فيه المرأة [و هي] مسجاة، حتى أشرف على البيت فدعا اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما يجب من وصيتها.

فأحياها اللّه تعالى، و إذا المرأة قد جلست و هي تتشهّد أن لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه ثمّ نظرت إلى الحسين صلوات اللّه عليه، فقالت: أدخل البيت يا مولاى، و أمرني بأمرك.

فدخل الحسين صلوات اللّه عليه و جلس عند فخذها، ثمّ قال لها: «أوصي رحمك اللّه» فقالت: يا ابن رسول اللّه، لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا، و قد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و مواليك، و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك و أوليائك، و إن كان مخالفا فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين.

ثمّ سألته أن

يصلّي عليها، و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت».

و الباقي وجدت في الكتاب الأصل بياضا.

الباب السابع في ذكر آيات زين العابدين عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما

في بيان ظهور آياته في إنطاق الله تعالى الحجر الأسود حجّة له و فيه: حديث واحد

291) عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه، قال: «جاء محمّد ابن الحنفية رضي اللّه عنه إلى عليّ بن الحسين زين العابدين صلوات اللّه عليهما و قال: يا على، أ لست تقرّ بأنّي إمام عليك؟ قال: يا عمّ، لو علمت ذلك لما خالفتك، و إنّ طاعتي عليك و على الخلق مفترضة. و قال: يا عمّ، أ ما تعلم أنّي وصي أبى، و أبي وصي أبيه؟! فتشاجرا ساعة.

فقال عليّ بن الحسين زين العابدين صلوات اللّه عليهما: من ترضى أن يكون بيننا؟ قال: من شئت. قال: أ ترضى أن يكون بيننا الحجر الأسود؟ قال: سبحان اللّه، أدعوك إلى الناس، و تدعوني إلى حجر أسود لا يتكلم؟

فقال عليّ عليه السلام: يتكلم، أ ما علمت أنّه يأتي يوم القيامة و له عينان و لسان و شفتان، يشهد لمن وافاه بالموافاة؟! فندنوا أنا و أنت، فندعو اللّه عزّ و جلّ أن ينطقه لنا، أينا حجّة اللّه على خلقه.

فانطلقا و صلّيا عند مقام إبراهيم صلوات اللّه عليه و دنوا من الحجر، و قد كان محمّد بن الحنفية، قال له: لئن لم أجبك إلى ما دعوتني إليه إنّي إذا لمن الظالمين، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام لمحمّد: تقدّم يا عمّى، فإنّك أسن منى.

فقال محمّد للحجر: أسألك بحرمة اللّه و حرمة رسول اللّه، و بحرمة كلّ مؤمن إن كنت تعلم أنّي حجّة اللّه على عليّ بن الحسين إلّا نطقت بالحقّ، و بيّنت ذلك لنا. فلم يجبه، ثمّ قال محمّد لعليّ صلوات اللّه عليه: تقدم فسله.

فتقدم عليّ بن الحسين عليهما السلام فتكلم بكلام لا يفهم،

ثمّ قال: أسألك بحرمة اللّه تعالى، و حرمة رسوله، و حرمة أمير المؤمنين، و حرمة الحسن، و حرمة الحسين، و حرمة فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه و آله أجمعين إن كنت تعلم أنّي حجّة اللّه على عمّي إلّا نطقت بذلك، و بيّنته لنا، حتّى يرجع عن رأيه.

فقال الحجر بلسان عربى: يا محمّد بن على، اسمع و أطع عليّ بن الحسين، فإنّه حجّة اللّه على خلقه. فقال ابن الحنفية عند ذلك: سمعت و أطعت و سلّمت».

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى و فيه: حديث واحد

292) عن ثابت بن دينار، عن ثوير بن سعيد بن علاقة، قال: دخل محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه على سيّد العابدين عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما فرفع يده فلطمه، و هو في عينه صغير، ثمّ قال: أنت الذي تدّعي الإمامة؟! فقال له عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه: «اتق اللّه، و لا تدّعين ما ليس لك». فقال: هي و اللّه لى.

فقال له عليّ بن الحسين: «قم بنا نأتي المقابر حتّى يتبيّن لي و لك».

فذهبا حتّى انتهيا إلى قبر طري فقال له: «هذا ميت قريب العهد بالموت، فادعه و اسأله عن خبرك، فإن كنت إماما أجابك، و إلّا دعوته فأخبرنى». فقال له: أو تفعل ذلك؟! قال: نعم. فقال له محمّد بن الحنفية: فلا أستطيع أن أفعل ذلك.

قال: فدعا اللّه تعالى عليّ بن الحسين عليهما السلام بما أراد، ثمّ دعا صاحب القبر فخرج ينفض التراب عن رأسه و هو يقول: الحقّ لعليّ بن الحسين دونك.

قال: فأقبل محمّد بن الحنفية و انكبّ على رجل عليّ بن الحسين يقبلها، و يلوذ به، و يقول: استغفر لى.

قال المصنف رحمة اللّه عليه: إنّ ما ذكرناه من دلالته صلوات اللّه عليه من إحياء الموتى

و كلام الحجر الأسود، و نطق الشاة، فهي على طريق توارد الأدلة، و تبيين الحجة، و الحجّة القاطعة.

في بيان ظهور آياته في استلانة الغل من الحديد في يده و فيه: حديث واحد

293) عن ابن شهاب الزهرى، قال: شهدت عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه يوم جهز إلى عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا، و وكّل به حفّاظا في عدة و جمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه و التوديع له، فأذنوا لى، فدخلت عليه و هو في قبّة و الأقياد في رجليه، و الغل في يديه، فبكيت و قلت: وددت أنني مكانك، و أنت سالم. فقال: «يا زهرى، أو تظن [أنّ] هذا ممّا ترى عليّ و في عنقي يحزنني؟! أما لو شئت ما كان، فإنّه إن بلغ منك و من أمثالك ليذكر القبر».

ثمّ أخرج يده من الغل، و رجليه من القيد، و قال: «يا زهرى، لاجزت معهم على ذا منزلين من المدينة».

فما لبثنا إلّا أربع ليال حتّى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة، فما وجدوه، و كنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنّا لنراه متبوعا، إنّه لنازل و نحن حوله نحرسه إذ أصبحنا فما وجدنا في محله إلّا حديده.

فقال الزهرى: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان، فسألني عن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، فأخبرته، فقال لى:

إنّه قد جاءني في يوم فقده الأعوان، فدخل عليّ فقال: «ما أنا و أنت؟» قلت: أقم عندى. فقال: «لا أحب» ثمّ خرج، فو اللّه لقد امتلأت في ثوبي خيفة.

قال الزهرى: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس عليّ بن الحسين حيث تظن، إنّه مشغول بنفسه. فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به.

قال: و كان الزهريّ إذا ذكر عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه بكى و قال: زين العابدين.

و روى

ذلك أبو نعيم الأصفهانيّ الحافظ في كتاب (حلية الأولياء).

في بيان ظهور آياته في كون النبيّ معه و فيه: حديث واحد

294) عن الباقر عليه السلام، قال: «واصل أبي عليه السلام ثلاثة أيّام و لياليهن، فلمّا كان في اليوم الرابع قيل له: لو طعمت شيئا. فقال: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان عندي فسقاني لبنا».

قال: «فشكّ بعض من كان عنده، فعلم صلوات اللّه عليه و آله بذلك، فدعا بطشت فتقيأ فيه لبنا».

في بيان ظهور آياته فيما صلّى عليه أهل السماوات و الأرض و فيه: حديث واحد

295) عن الزهرى، عن سعيد بن المسيّب؛ و عبد الرزاق، عن معمر، عن عليّ بن زيد، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: إنّك أخبرتني أنّ عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما النفس الزكيّة، و إنّك لا تعرف له نظيرا. قال: كذلك، و ما هو مجهول ما أقول فيه، و اللّه ما رؤي مثله.

قال عليّ بن زيد: فقلت له: و اللّه إنّ هذه الحجة لوكيدة يا سعيد، فلم لم تصل على جنازته.

قال: سمعته يقول: أخبرني أبي أبو عبد اللّه الحسين، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه و آله، عن جبرئيل، عن اللّه تعالى أنّه قال: «ما من عبد من عبادي آمن بى، و صدّق بك، و صلّى في مسجدك ركعتين على خلاء من الناس، إلّا غفرت له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر. فلم أر شاهدا أفضل من عليّ بن الحسين، حيث حدّثني بهذا الحديث، فلمّا أن مات شهد جنازته البر و الفاجر، و أثنى عليه الصالح و الطالح و انهال الناس يتبعونه، حتّى وضعت الجنازة، فقلت: إن أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم، فلم يبق رجل و لا امرأة، ثمّ خرجنا إلى الجنازة، فوثبت لأصلّى، فجاء تكبير من السماء، فأجابه تكبير من الأرض، ففزعت و سقطت على وجهى، فكبّر من في السماء سبعا، و كبّر من في الأرض سبعا، و صلّوا

على عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، و دخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين و لا الصلاة عليه، إنّ هذا لهو الخسران المبين.

قال: فبكى سعيد، و قال: ما أردت إلّا خيرا، ليتني كنت صلّيت عليه، فإنّه ما رؤي مثله.

في بيان ظهور آياته في طاعة الوحش له و التماسهم منه الحاجة و فيه: حديثان

296) عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

«كان عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما مع أصحابه في طريق مكّة فمرّ به ثعلب و هم يتغدون.

فقال لهم عليّ بن الحسين: هل لكم أن تعطوني موثقا من اللّه لا تهيجون هذا الثعلب فأدعوه فيجيبني؟ فحلفوا له، فقال: يا ثعلب، أنت آمن فجاء حتّى أقعى بين يديه، فطرح إليه عراقا فولّى به فأكله.

ثمّ قال: هل لكم أن تعطوني أيضا موثقا من اللّه فأدعوه أيضا فيجيبني؟ فحلفوا له، فقال: يا ثعلب، أنت آمن. فجاء حتّى أقعى بين يديه، فكلح له رجل في وجهه، فخرج يعدو، فقال صلوات اللّه عليه: و أيّكم الذي خفر ذمّتي؟ فأخبره الرجل، ثمّ استغفر اللّه و سكت».

297) عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «بينما عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتّى قامت حذاءه و حمحمت، فقال بعض القوم: يا ابن رسول اللّه، ما تقول هذه الظبية؟ قال: تزعم أن فلانا القرشيّ أخذ خشفها بالأمس، و أنّها لم ترضعه من الأمس شيئا، فبعث إليه عليّ بن الحسين أن أرسل إليّ بالخشف، فبعث به إليه، فلمّا أن رأته حمحمت و ضربت بيدها، ثمّ رجع».

قال: «فوهبه عليّ بن الحسين لها، و كلّمها بكلام نحو كلامها، فحمحمت و ضربت بيدها، و انطلقت و الخشف معها، فقالوا: يا ابن رسول اللّه، ما الذي

قالت؟ قال: دعت اللّه لكم و جزتكم خيرا».

قال مصنف هذا الكتاب رضي اللّه عنه: إنّ اللّه تعالى ألهم البهائم تعظيم قدرهم ليتنبّه الناس على عظم أقدارهم و شرف آثارهم عند اللّه تعالى.

في بيان ظهور آياته من الإخبار بالغائبات و فيه: خمسة أحاديث

298) عن عبد اللّه بن عطاء التميمى، قال: كنت مع عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم في المسجد، فمرّ عمر بن عبد العزيز و عليه نعلان شراكهما فضّة، و كان من أخرق الناس، و هو شاب، فنظر إليه عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام و قال: «يا عبد اللّه، أ ترى هذا المترف، إنّه لن يموت حتّى يلي الناس».

قلت: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، هذا الفاسق؟! قال: «نعم، و لا يلبث إلّا يسيرا حتّى يموت، فإذا مات لعنه أهل السماء، و استغفر له أهل الأرض».

299) عن أبي الجارود، عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه، قال: «لمّا دخل كنكر الكابلي على عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، فقال له: يا وردان. فقال كنكر: ليس اسمي وردان. فقال له عليّ بن الحسين: بل تكذب، يوم ولدتك أمّك سمّتك وردان، و جاء أبوك فسمّاك كنكر. فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنّك وصيّه من بعده، و أشهد أن أمّي حدّثتني بهذا الحديث بعد ما عقلت».

300) عن الصادق جعفر بن محمّد صلوات اللّه عليهما، قال: «لمّا قتل ابن الزبير و ظهر عبد الملك بن مروان على الأمر كتب إلى الحجّاج بن يوسف- و كان عامله على الحجاز-:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.

من عبد اللّه عبد الملك إلى الحجّاج بن يوسف.

أمّا بعد، فانظر دماء بني عبد المطلب و احقنها و

اجتنبها، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا و لغوا في دمائهم لم يلبثوا إلّا قليلا، و السلام.

و بعث بالكتاب سرّا، فبعث عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما إلى عبد الملك بن مروان:

أما بعد، فإنّك كتبت في يوم كذا، في ساعة كذا، في شهر كذا، في سنة كذا بكذا و كذا، و إنّ اللّه تعالى قد شكر لك ذلك، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاني في منامي فأخبرني أنّك كتبت في يوم كذا، في ساعة كذا، و أنّ اللّه تعالى قد شكر لك ذلك، و ثبّت ملكك، و زادك فيه برهة.

ثمّ طوى الكتاب و ختمه و أرسله مع غلام له على بعير، و أمره أن يوصله إلى عبد الملك، فلمّا نظر في التاريخ وجده وافق تلك الساعة التي بعث بالكتاب إلى الحجّاج فيها، فلم يشكّ في صدق عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، و فرح فرحا شديدا، و بعث إلى عليّ بن الحسين بوقر راحلته دنانير و أثوابا لما سرّ به من الكتاب» و المنّة للّه.

301) عن الزهرى، قال: كان لي أخ في اللّه تعالى، و كنت شديد المحبّة له، فمات في جهاد الروم، فاغتبطت به و فرحت أن استشهد، و تمنيت أنّي كنت استشهدت معه، فنمت ذات ليلة، فرأيته في منامى.

فقلت له: ما فعل بك ربّك؟ فقال: غفر اللّه لي بجهادى، و حبّي محمّدا و آل محمّد، و زادني في الجنّة مسيرة مائة ألف عام من كلّ جانب من الممالك بشفاعة عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما.

فقلت له: قد اغتبطت أن استشهدت بمثل ما أنت عليه [قال:

أنت] فوقي من مسيرة ألف ألف عام.

فقلت: بما ذا؟! فقال: أ لست تلقى عليّ بن الحسين

عليه السلام في كلّ جمعة مرّة و تسلّم عليه، و إذا رأيت وجهه صلّيت على محمّد و آل محمّد، ثمّ تروي عنه، و تذكر في هذا الزمان النكد- زمان بني أميّة- فتعرّض للمكروه، و لكن اللّه يقيك.

فلمّا انتبهت قلت: لعلّه أضغاث أحلام. فعاودني النوم فرأيت ذلك الرجل يقول: أ شككت؟ لا تشك فإنّ الشكّ كفر، و لا تخبر بما رأيت أحدا، فإنّ عليّ بن الحسين يخبرك بمنامك هذا كما أخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر بمنامه في طريقه من الشام. فانتبهت و صلّيت فإذا رسول عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه، فصرت إليه فقال: «يا زهرى، رأيت البارحة كذا و كذا ..». المنامين جميعا على وجههما.

302) عن أبي خالد الكابلى، قال: لمّا قتل أبو عبد اللّه الحسين صلوات اللّه عليه و بقيت الشيعة متحيرة و لزم عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما منزله، اختلفت الشيعة إلى الحسن بن الحسن، و كنت فيمن يختلف إليه و جعلت الشيعة تسأله عن مسألة و لا يجيب فيها، و بقيت لا أدري من الإمام متحيّرا، و إنّي سألته ذات يوم فقلت له: جعلت فداك، عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله فغضب، ثمّ قال:

يا معشر الشيعة، تعنّونا؟! فخرجت من عنده حزينا كئيبا لا أدري أين أتوجه، فمررت بباب عليّ بن الحسين زين العابدين عليه الصلاة و السلام قائم الظهيرة، فإذا أنا به في دهليزه قد فتح بابه، فنظر إليّ فقال: «يا كنكر» فقلت: جعلت فداك، و اللّه إنّ هذا الاسم ما عرفه أحد إلّا اللّه عزّ و جل، و أنا، و أمّي كانت تلقبني به و تناديني و أنا صغير.

قال: فقال لى: «كنت

عند الحسن بن الحسن؟» قلت: نعم.

قال: «إن شئت حدّثتك، و إن شئت تحدّثني؟». فقلت: بأبي أنت و أمّي فحدّثنى، قال: «سألته عن سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقال: يا معشر الشيعة، تعنّونا؟» فقلت: جعلت فداك، كذا و اللّه كانت القضيّة، فقال للجارية: «ابعثي إليّ بالسفط» فأخرجت إليه سفطا مختوما، ففضّ خاتمه و فتحه، ثمّ قال: «هذه درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله» ثمّ أخذها و لبسها، فإذا هي إلى نصف ساقه.

قال: فقال لها: «اسبغى» فإذا هي تنجرّ في الأرض. ثمّ قال: «تقلّصى» فرجعت إلى حالها. ثمّ قال صلوات اللّه عليه: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا لبسها قال لها هكذا، و فعلت هكذا مثله».

في بيان ظهور آياته في معان شتّى و فيه: حديث واحد

303) عن الباقر عليه السلام، قال: «كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت، و عليّ بن الحسين عليهم السلام يطوف بين يديه و لا يلتفت إلينا؟ و لم يكن عبد الملك يبصر وجهه، فقال: من هذا الذي يطوف بين يدينا و لا يلتفت إلينا؟ فقيل له: هذا عليّ بن الحسين.

فجلس مكانه، فقال: ردوه إلى. فردوه فقال له: يا عليّ بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إليّ؟

فقال عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما: إنّ قاتل أبي أفسد على نفسه بما فعله دنياه عليه، و أفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو فكن.

فقال: كلا، و لكن تصير إلينا لتنال من دنيانا.

فجلس زين العابدين صلوات اللّه عليه و بسط رداءه، فقال: اللّهمّ أره حرمة أوليائك عندك. فإذا رداؤه مملوء درّا يكاد شعاعها يخطف بالأبصار، فقال: من يكون هذه حرمته عند ربّه كيف يحتاج إلى دنياك؟! ثمّ قال: اللّهمّ خذها

فلا حاجة لي فيها».

الباب الثامن في ذكر آيات أبي جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله عليهما

في بيان ظهور آياته من إحياء الموتى و فيه: ثلاثة أحاديث

304) عن المفضّل بن عمر، قال: بينا أبو جعفر صلوات اللّه عليه سائر بين مكّة و المدينة إذ انتهى إلى جماعة على الطريق، فإذا رجل منهم قد نفق حماره، و تبدّد متاعه، و هو يبكى، فلمّا رأى أبا جعفر صلوات اللّه عليه أقبل إليه و قال له: يا ابن رسول اللّه، نفق حمارى، فدعا أبو جعفر عليه السلام فأحيا اللّه تعالى له حماره.

305) و قد سمعت شيخي أبا جعفر محمّد بن الحسن الشوهانيّ رضي اللّه عنه بمشهد الرضا عليه الصلاة و السلام في داره، و هو يقرأ من كتابه، و قد ذهب عني اسم الراوى، أنّ فتى من أهل الشام كان يكثر الجلوس عند أبي جعفر صلوات اللّه عليه فقال ذات يوم: و اللّه، ما أجلس إليك حبّا لك، و إنّما أجلس إليك لفصاحتك و فضلك.

فتبسم صلوات اللّه عليه و لم يقل شيئا، ثمّ فقده بعد ذلك أيّاما، فسأل عنه فقيل له: مريض فدخل عليه إنسان و قال له: يا ابن رسول اللّه، إنّ الفتى الذي كان يكثر الجلوس إليك قد قضى، و قد أوصى إليك أن تصلّي عليه.

فقال صلوات اللّه عليه: «إذا غسّلتموه فدعوه على السرير و لا تكفنوه حتّى آتيكم» ثمّ قام فتطهّر، و صلّى ركعتين، و دعا، و سجد بعده فأطال السجود، ثمّ قام فلبس نعله، و تردّى برداء رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و مضى إليه.

فلمّا وصل و دخل البيت الذي يغسّل فيه و هو على سريره، و قد فرغ من غسله ناداه باسمه فقال: يا فلان. فأجابه و لبّاه، و رفع رأسه و جلس، فدعا صلوات اللّه عليه بشربة سويق فسقاه، ثمّ سأله: «ما

حالك؟» فقال: إنه قد قبض روحي بلا شك منى، و إنّي لمّا قبضت سمعت صوتا ما سمعت قط أطيب منه: ردّوا إليه روحه، فإنّ محمّد بن عليّ قد سألناه.

306) عن محمّد بن مسلم، عن أبي عيينة، قال: إنّ رجلا جاء إلى أبي جعفر صلوات اللّه عليه و قال: أنا رجل من أهل الشام لم أزل- و اللّه- أتولاكم أهل البيت، و أبرأ من عدوكم، و إنّ أبي- لا رحمه اللّه- كان يتولّى بني أميّة و يفضّلهم عليكم، و كنت أبغضه على ذلك، و يبغضني على حبّكم، و يحرمني ماله، و يجفوني في حياته و بعد مماته، و قد كان له مال كثير، و لم يكن له ولد غيرى، و كان مسكنه بالرملة، و كان له بيت يخلو فيه بنفسه، فلمّا مات طلبت ماله في كلّ موضع فلم أظفر به، و لست أشكّ أنّه دفنه في موضع و أخفاه عنّي لا رضي اللّه عنه.

فقال أبو جعفر صلوات اللّه عليه: «أ فتحب أن تراه و تسأله أين موضع ماله؟» فقال له: أجل فإنّي فقير محتاج. فكتب له أبو جعفر صلوات اللّه عليه كتابا بيده الكريمة في رق أبيض، ثمّ ختمه بخاتمه، و قال: «اذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتّى تتوسطه، ثمّ تنادى:

يا ذرجان فإنّه سيأتيك رجل معتم، فادفع إليه الكتاب و قل له: أنا رسول محمّد بن عليّ بن الحسين بن زين العابدين- صلوات اللّه عليه- و اسأله عمّا بدا لك».

قال: فأخذ الرجل الكتاب و انطلق، فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر صلوات اللّه عليه متعمدا لأنظر ما كان حال الرجل، فإذا هو على باب أبي جعفر ينتظر حتّى أذن له، فدخلنا عليه.

فقال له الرجل:

اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، و عند من يضع علمه، قد انطلقت بكتابك الليلة حتّى توسطت البقيع، فناديت يا ذرجان فأتاني رجل معتم، فقال: أنا ذرجان، فما حاجتك؟

فقلت: أنا رسول محمّد بن عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهم إليك، و هذا كتابه. فقال: مرحبا برسول حجّة اللّه على خلقه. و أخذ الكتاب و قرأه، و قال: أ تحب أن ترى أباك؟ قلت: نعم. قال: فلا تبرح من موضعك حتّى آتيك به، فإنّه بضجتان.

فانطلق فلم يلبث إلّا قليلا حتّى أتاني برجل أسود، في عنقه حبل أسود فقال لى: هذا أبوك، و لكن غيّره اللهب، و دخل الجحيم، و جرع الحميم، و العذاب الأليم. فقلت: أنت أبي؟! قال: نعم.

قلت: ما غيّرك عن صورتك؟!

قال: إنّي كنت أتولى بني أميّة و أفضّلهم على أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فعذّبني اللّه على ذلك، و إنّك تتولى أهل بيت النبى، و كنت أبغضك على ذلك، و حرمتك مالى، و زويته عنك، و أنا اليوم على ذلك من النادمين، فانطلق إلى بيتي و احتفر تحت الزيتونة و خذ المال، و هو مائة ألف و خمسون ألفا، فادفع إلى محمّد بن عليّ صلوات اللّه عليه خمسين الفا، و لك الباقى.

قال: فإنّي منطلق حتّى آتي بالمال.

قال أبو عيينة: فلمّا حال الحول قلت لأبي جعفر صلوات اللّه عليه: ما فعل الرجل؟ قال: «قد جاءنا بالخمسين ألفا، فقضيت منها دينا كان عليّ و ابتعت منها أرضا، و وصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتى، أما إنّ ذلك سينفع الميت النادم على ما فرّط من حبّنا، وضيع من حقنا بما أدخل عليّ من الرفق و السرور».

في بيان ظهور آياته من إبراء الأعمى و فيه: حديث واحد

307) عن المثنى بن الوليد، عن أبي

بصير، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: أنتم ذريّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟

قال: «نعم» قلت: أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى و تبرءوا الأكمه و الأبرص؟ قال: «نعم؛ بإذن اللّه تعالى»

ثمّ قال: «أدن منّى» فدنوت منه، فمسح على وجهى، و على عينى، فأبصرت الشمس و السماء و الأرض و البيوت، و كلّ شي ء كان في الدار، ثمّ قال: «أ تحب أن تكون هكذا و لك ما للناس و عليك ما على الناس يوم القيامة؟ أو تعود كما كنت و لك الجنّة خالصة؟» قلت: أعود كما كنت، قال: فمسح على عينى، فعدت كما كنت.

قال عليّ بن الحكم: فحدّثت بذلك محمّد بن أبي عمير فقال:

أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق؛ و المنّة للّه.

في ظهور آياته صلوات الله عليه في خروج الثمر من الشجرة اليابسة و فيه: حديث واحد

308) عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه، قال:

«نزل أبو جعفر عليه السلام بواد فضرب خباءه فيه، ثمّ خرج يمشي حتّى انتهى إلى نخلة يابسة، فحمد اللّه تعالى، ثمّ تكلم بكلام لم نسمع بمثله، ثمّ قال: أيّتها النخلة، أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك.

فتساقط منها رطب أحمر و أصفر، فأكل و معه أبو أيوب الأنصارى، فقال: هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها النخلة، فتساقط عليها رطبا جنيا».

في بيان ظهور آياته في العنب و اللباس و فيه: حديث واحد

309) عن الليث بن سعد، قال: كنت على جبل أبي قبيس أدعو فرأيت رجلا يدعو اللّه عزّ و جلّ و قال في دعائه: «اللّهمّ إنّي أريد العنب فارزقنيه» فرأيت غمامة أظلته، و دنت من رأسه، فرفع يده إليها، فأخذ منها سلّة من عنب، و وضعها بين يديه.

ثمّ رفع يده ثانية فقال: «اللّهمّ إنّي عريان فاكسنى» فدنت الغمامة منه ثانية فرفع يده، ثانية فأخذ منها شيئا ملفوفا في ثوب، ثمّ جلس يأكل العنب، و ما ذلك في زمان العنب.

فقربت منه، فمددت يدي إلى السلّة و تناولت حبّات، فنظر إليّ و قال: «ما تصنع؟» فقلت: أنا شريكك في العنب. قال: «و من أين؟» قلت: لأنّك كنت تدعو و أنا أؤمن على دعائك، و الداعي و المؤمّن شريكان. فقال: «اجلس و كل» فجلست و أكلت معه، فلمّا اكتفينا ارتفعت السلّة.

فقام و قال لى: «خذ أحد الثوبين» فقلت: أمّا الثوب فلا أحتاج إليه. فقال: «انحرف عنّي حتّى ألبسه» فانحرفت عنه، فاتزر بأحدهما و ارتدى بالآخر عليه، و طواه و رفعه بكفه، و نزل عن أبي قبيس، فلمّا وصل قريبا من الصفا استقبله إنسان فأعطاه، فسألت عنه و قلت لبعض من كان: من هذا؟ قال: هذا ابن رسول اللّه

صلى الله عليه و آله: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

في بيان ظهور آياته فيما رأى من ملكوت السماء و فيه: حديث واحد

310) عن جابر بن يزيد الجعفى، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام عن قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ و كان مطرقا إلى الأرض، فرفع رأسه إلى فوق، فإذا نور ساطع حال بصري دونه، ثمّ قال: «رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض هكذا» ثمّ قال لى:

«اطرق» فأطرقت، ثمّ قال لى: «ارفع رأسك» فرفعت، فإذا السقف على حاله.

في بيان ظهور آياته في الإخبار عن الغائبات و فيه: ثمانية أحاديث

311) عن عيسى بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: دخل ابن عكاشة بن محصن الأسديّ على أبي جعفر عليه السلام- و كان أبو عبد اللّه عليه السلام قائما عنده- فقال لأبي جعفر: لأي شي ء لا تزوج أبا عبد اللّه فقد أدرك التزويج؟ و كان بين يديه صرّة مختومة فقال:

«أما إنّه سيجي ء نخاس من أهل بربر، و ينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرّة منه جارية».

قال: فأتى على ذلك ما أتى، فدخلنا يوما عليه، فقال: «ألّا أخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم، فاذهبوا و اشتروا بهذه الصرّة منه جارية».

قال: فأتينا النخّاس فدفعت ما كان معي فقلت: أبغي بها جارية. فقال: ما معي إلّا جاريتين مريضتين، إحداهما أمثل من الأخرى.

قلنا: فأخرجهما حتّى ننظر إليهما. فأخرجهما، فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟ قال: بسبعين دينارا قلنا: أحسن قال: لا، شريتها بأنقص من سبعين دينارا. فقلنا: نشتريها بهذه الصرّة ما بلغت، و لا ندري ما فيها. و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية فقال: فكّوا وزنوا. فقال النخاس: لا تفكّوا، فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين دينارا لم أبايعكم.

قال الشيخ: أدنوا، فدنونا، و فككنا الختم، و وزنا الدنانير، فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص.

فأخذنا الجارية و

أدخلناها على أبي جعفر، و جعفر عنده قائم، فأخبرناه بما كان، فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه ثمّ قال لها: «ما اسمك؟ قالت: حميدة فقال: «حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، فأخبرني عنك أبكر أنت أم ثيب؟» قالت: بكر.

فقال: «و كيف؟! و لا يقع في أيدي النخّاسين شي ء إلّا أفسدوه».

قالت: كان يجي ء و يقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس و اللحية، فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّى، ففعل بي مرارا، و فعل الشيخ به مرارا.

فقال أبو جعفر: «خذها إليك» فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر عليه السلام.

312) عن داود بن كثير الرقى، قال: كنت يوما عند أبي جعفر عليه السلام، و كان عبد اللّه بن عليّ بن عبد اللّه بن الحسن يدّعي أنّه إمام، إذ أتى وفد من خراسان اثنان و سبعون رجلا معهم المال و التحف، فقال بعضهم: من [أين] لنا أن نفهم منهم الأمر فيمن هو، فأتاهم رسول من عند عبد اللّه بن عليّ بن عبد اللّه بن الحسن فقال:

أجيبوا صاحبكم. فمضوا إليه و قالوا له: ما دلالة الإمام؟ قال: درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله و خاتمه و عصاه و عمامته. قال: يا غلام عليّ بالصندوق. فأتي بصندوق ما بين غلامين فوضع بين يديه ففتحه و استخرج درعا فلبسها، و عمامة فتعمّم بها و عصا فتوكأ عليها ثمّ خطب، فنظر بعضهم إلى بعض، و قالوا: نوافيك غدا إن شاء اللّه تعالى.

قال داود: فقال لي أبو جعفر عليه السلام: «امض إلى باب عبد اللّه، فقم على طرف الدكان فسيخرج إليك اثنان و سبعون رجلا من وفد خراسان، فصح بكلّ واحد منهم باسمه و اسم

أبيه و أمّه».

قال داود: فوقفت على طرف الدّكان فسمّيت كلّ واحد منهم باسمه و اسم أبيه و أمّه، فتعجبوا فقلت: أجيبوا صاحبكم. فأتوا معي فأدخلتهم على أبي جعفر عليه السلام فقال لهم: «يا وجوه خراسان، أين يذهب بكم؟ أوصياء محمّد صلى الله عليه و آله، أكرم على اللّه من أن يعرف عن أيتهم أين هى.

ثمّ التفت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام و قال: «يا ولدي ائتني بخاتمي الأعظم» فأتاه بخاتم فصّه عقيق، فوضعه أمامه فحرّك شفتيه، و أخذ الخاتم فنفضه، فسقط منه درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله و العمامة و العصا، فلبس الدرع، و تعمّم بالعمامة، و أخذ العصا بيده، ثمّ انتفض فيها نفضة فتقلّص الدرع، ثمّ انتفض ثانية فجرّها ذراعا أو أكثر، ثمّ نزع العمامة و وضعها بين يديه، و الدرع و العصا، ثمّ حرّك شفتيه بكلمات، فغاب الدرع في الخاتم.

ثمّ التفت إلى أهل خراسان و قال: «إن كان ابن عمّنا عنده درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله و العمامة و العصا في صندوق و يكون عندنا في صندوق فما فضلنا عليه؟! يا أهل خراسان ما من إمام إلّا و تحت يده كنوز قارون، إنّ المال الذي نأخذه منكم محبّة لكم و تطهيرا لرؤوسكم فأدّوا إليه المال، و خرجوا من عنده مقرّين بإمامته.

313) عن موسى بن عبد اللّه بن الحسين، قال: لمّا طلب محمّد بن عبد اللّه بن الحسن الإمامة و خرج من المدينة أتى بإسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب- و هو شيخ كبير ضعيف، قد ذهبت إحدى عينيه، و ذهبت رجلاه، فصار يحمل حملا- فدعاه إلى البيعة، فقال له: يا ابن عمّى، إنّي

شيخ كبير ضعيف، و أنا إلى برّك و عونك أحوج. فقال له: لا بد من أن تبايع. فقال له: و أي شي ء تنتفع ببيعتي؟ و اللّه إنّي لأضيّق عليك مكان اسم رجل إن كتبته. فقال: لا بد أن تفعله. و أغلظ له في القول، فقال له إسماعيل: ادع لي جعفر بن محمّد، فلعلنا نبايع جميعا.

قال: فدعا بجعفر، فأتي به، فقال له إسماعيل: جعلت فداك، إن رأيت أن تبيّن له فافعل، لعلّ اللّه يكفّه عنّا.

قال: «أجمعت على أن لا أكلّمه، فلير فيّ رأيه» فقال إسماعيل لأبي عبد اللّه: أنشدك اللّه، هل تذكر يوما أتيت فيه أباك محمّد بن عليّ عليه السلام و عليه حلتان صفراوان فأدام النظر إليّ و بكى، فقلت له:

و ما يبكيك؟ فقال: «يبكيني أنّك تقتل عند كبر سنّك ضياعا لا ينتطح في دمك عنزان» قال: قلت: متى ذاك؟ قال: «نعم، إذا دعيت إلى الباطل فأبيته، فإذا نظرت إلى الأحول مشئوم قومه سميّي من آل الحسن، على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدعو إلى نفسه فسمّي بغير اسمه فأحدث عهدك و اكتب وصيّتك، فإنّك مقتول من يومك، أو من غدك»؟

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: «اللّهمّ نعم، و هذا و ربّ الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلّا قليلا، فاستودعك اللّه يا أبا الحسن، و أعظم اللّه أجرنا فيك، و أحسن الخلافة على ما خلّفت، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون» ثمّ احتمل إسماعيل.

فقال: فو اللّه، ما أمسينا حتّى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد اللّه بن جعفر فوطئوه حتى قتلوه.

و في الحديث طول، نذكر تمامه في باب أبي عبد اللّه عليه السلام.

314) عن أبي بصير، قال: سمعت

أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل خراسان: «كيف أبوك؟» فقال: صالح. قال: «قد هلك أبوك بعد ما خرجت حيث صرت إلى جرجان».

ثمّ قال له: «كيف أخوك؟» قال: خلّفته صالحا. قال: «قتله جاره صبيحة يوم كذا، ساعة كذا» فبكى الرجل، ثمّ قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون بما أصبت به. قال أبو جعفر عليه السلام: «اسكت فقد صارا إلى الجنّة، و الجنّة خير لهما ممّا كانا فيه».

قال الرجل: فداك أبي و أمّى، إنّي خلّفت ابني و معه وجع شديد؛ و لم تنبئني عنه قال: «قد برئ، و زوّجه عمّه ابنته، و أنت تقدم إن شاء اللّه و قد ولد لهما غلام، و اسمه (على) و هو لنا شيعة، و أمّا ابنك فليس لنا شيعة، و هو لنا عدو، فلا يغرّنك عبادته و خشوعه».

فقام الرجل من عنده و هو وقيذ فقلت: جعلت فداك، من هذا؟ فقال: «رجل من أهل خراسان، و هو لنا شيعة».

315) عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل إفريقية: «ما حال راشد؟» فقال: خلّفته صالحا يقرؤك السلام. فقال: «رحمه اللّه»

قال: أو مات؟! قال: «نعم، رحمه اللّه» قال: و متى مات؟! قال: «بعد خروجك بيومين».

قال: لا و اللّه ما مرض و لا كانت به علّة! قال: «و إنّ من يموت من غير علّة أكثر».

قلت أنا: فمن الرجل؟ قال: «كان لنا وليا و محبا من أهل إفريقية».

316) أبو بصير، قال: لمّا توفي عليّ بن ذراع وردت المدينة، و دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال لى: «مات عليّ بن ذراع؟» قلت: نعم رحمه اللّه.

قال: «أحدّثك بكذا و كذا؟» و لم يدع شيئا ممّا حدّثني به على،

فقلت عند ذلك: و اللّه ما كان عندي حين حدّثني بهذا الحديث أحد، و لا خرج منّي إلى أحد حتّى أتيتك، فمن أين علمت هذا؟! قال: فغمز بيده فخذى، و قال: «هيهات، هيهات، الآن اسكت».

317) عن أبي حمزة الثمالى، قال: خرجت مع أبي جعفر عليه السلام و معنا سليمان بن خالد إلى حائط من حيطان المدينة، فما سرنا إلّا قليلا حتّى قال: «الساعة يستقبلنا رجلان قد سرقا سرقة أضمرا عليها» فما سرنا إلّا قليلا حتّى استقبلنا الرجلان، فقال أبو جعفر عليه السلام لغلمانه: «عليكم بالسارقين» فأخذا حتّى أتي بهما بين يديه فقال لهما: «أ سرقتما؟» فحلفا باللّه ما سرقنا.

فقال أبو جعفر: «و اللّه لئن لم تخرجا ما سرقتما لأبعثن إلى الموضع الذي وضعتما فيه [سرقتكما]، و لأبعثن به إلى صاحبه الذي سرقتما منه» فأبيا أن يردا الذي سرقاه.

فقال أبو جعفر عليه السلام لغلمانه: «أوثقوهما، و انطلق أنت يا سليمان إلى ذلك الجبل- و أشار بيده إلى ناحية منه- فاصعد أنت و هؤلاء الغلمان معك، فإنّ في قلّة الجبل كهفا فاستخرجوا ما فيه و أتوني به».

قال سليمان: فانطلقت إلى الجبل و صعدت إلى الكهف فاستخرجنا منه عيبتين محشوتين حتّى دخلت بهما على أبي جعفر عليه السلام، فقال: «يا سليمان، لترى غدا العجب».

فلمّا أصبحنا أخذ أبو جعفر عليه السلام بأيدينا و دخلنا معه على والي المدينة، و قد دخل المسروق منه برجال براء فقال: هؤلاء سرقوا.

فأراد الوالي أن يعاقب القوم، فقال أبو جعفر عليه السلام ابتداء منه:

«إنّ هؤلاء ليسوا سرّاقه، إنّ السارقين عندى»

فقال للرجل: «ما ذهب منك؟» قال: عيبة فيها كذا و كذا. فادعى ما لم يذهب له. قال أبو جعفر عليه السلام: «لم تكذب؟ فما أنت

أعلم بما ذهب لك منّى» فهمّ الوالي أن يبطش به، فكفّه أبو جعفر عليه السلام.

ثمّ قال: «يا غلام ائتني بعيبة كذا و كذا» فأتى بها، ثمّ قال للوالى: «إن ادّعى فوق هذا فهو كاذب مبطل، و عندي عيبة أخرى لرجل آخر، و هو يأتيك إلى أيّام، و هو من أهل بربر، فإذا أتاك فارشده إلى، و أمّا هذان السارقان فإنّي لست ببارح حتّى تقطعهما».

فأتي بهما، فقال أحدهما: تقطعنا و لم نقرّ على أنفسنا؟ فقال الوالى:

ويلكما، يشهد عليكما من لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته.

فلمّا قطعهما قال أحدهما: يا أبا جعفر، لقد شهدت بحق، و ما يسرني أنّ اللّه أجرى توبتي على يد غيرك، و إنّ لي بناء خارج المدينة، و إنّي لأعلم أنّكم أهل بيت النبوة و معدن العلم. فرّق له أبو جعفر عليه السلام و قال: «أنت على خير و إلى خير».

ثمّ التفت إلى الوالي و إلى جماعة من الناس فقال: «و اللّه، لقد سبق يده بدنه إلى الجنّة بعشرين سنة».

فقال سليمان بن خالد لأبي حمزة الثمالى: يا أبا حمزة، و رأيت دلالة أعجب من هذه؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: «يا سليمان، العجب في العيبة الأخرى» فو اللّه ما لبثنا إلّا ثلاثة حتّى أتى البربريّ إلى الوالى، فأخبره بقصّة عيبته، فأرشده إلى أبي جعفر، فأتاه فقال له أبو جعفر: «أ لا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني بما فيها» فقال له البربرى: إن أنت أخبرتني بما فيها علمت أنّك إمام فرض اللّه طاعتك.

فقال عليه السلام: «فيها ألف دينار لك، و ألف دينار لغيرك، و من الثياب كذا و كذا».

قال: فما اسم الرجل الذي له ألف دينار؟ قال: «محمّد بن عبد الرحمن،

و هو على الباب ينتظر، أ تراني أخبرتك بالحق».

فقال البربرى: آمنت باللّه وحده لا شريك له، و بمحمّد صلى الله عليه و آله رسوله و أشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا. فقال أبو جعفر: «لقد هديت فخذ و اشكر».

قال سليمان: فحججت بعد ذلك بعشر سنين فكنت أرى الأقطع من أصحاب أبي جعفر عليه السلام.

318) و عن محمّد بن عمر النخعى، قال: أخبرني رجل من أصحابنا من بني أسد، و كان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، قال: كنت مع عبد اللّه بن معاوية بفارس فبينما نحن نتحدّث فتحدّثوا و أنا ساكت، فقال عبد اللّه بن معاوية: مالك ساكت لا تتكلم؟ فو اللّه إنّي لعارف برأيك، و إنّك لعلى الحق المبين.

ثمّ قال: سأحدّثك بما رأت عيناي و سمعت أذناي من أبي جعفر عليه السلام.

ثمّ قال: إنّه كان بالمدينة رجل من آل مروان و إنّه أرسل إليّ ذات يوم، فأتيته و ما عنده أحد من الناس، فقال: يا ابن معاوية، ما دعوتك إلّا لثقتي بك، و إنّي قد علمت أنّه لا يبلّغ عنّي أحد غيرك، و قد أحببت أن تلقى عمّيك الأحمقين: محمّد بن عليّ و زيد بن على، و تقول لهما: يقول لكما الأمير: لتكفا عمّا يبلغني عنكما أو ليتركانى.

فخرجت من عنده متوجها إلى أبي جعفر فلقيته، و هو يريد المسجد، فلمّا دنوت منه تبسّم ضاحكا، ثمّ قال: «لقد بعث إليك هذا الطاغي فخلا بك، و قال: الق عمّيك الأحمقين، و قل لهما: كذا و كذا» فأخبرني بمقالته كأنّه كان حاضرا.

في بيان ظهور آياته في معان شتّى و فيه: حديثان

319) عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول اللّه

صلى الله عليه و آله و يقول: أنا من ولد الحسن و أولى بذلك منك، لأنّي من ولده الأكبر، فقاسمني ميراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله و ادفعه إلى. فأبى أبي ذلك، فتخاصما إلى القاضى، و كان يختلف معه زيد بن عليّ إلى القاضى، فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن على: اسكت يا ابن السنديّة. فقال زيد بن على: أف لخصومة تذكر فيها الأمّهات، و اللّه لا أكلمك بالفصيح من رأسي أبدا حتّى أموت. و انصرف إلى أبي فقال:

يا أخي حلفت يمينا ثقة بك و علمت أنك لا تلزمنى، حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن، و لا أخاصمه. و ذكر ما كان بينهما فأعفاه أبى، فاغتنمها زيد بن الحسن، و قال: يلي خصومتي محمد بن علي فأعيبه و أؤذيه فيعتدي على، فعدا على أبي فقال: بيني و بينك القاضى.

فقال: انطلق بنا. فلمّا أخرجه قال أبى: يا زيد، إنّ معك سكّينة قد أخفيتها، أ رأيت إن نطقت هذه السكّينة التي سترتها مني فشهدت أنّي أولى بالحق منك، فتكف عنّي؟! قال: نعم. فحلف له بذلك.

فقال أبى: أيّتها السكّينة انطقي بإذن اللّه تعالى. فوثبت السكينة من يد زيد بن الحسن على الأرض ثمّ قالت: يا زيد أنت ظالم، و محمّد بن عليّ أولى منك بذلك و أحق، لئن لم تكف لألينّ قتلك.

فخرّ زيد مغشيا عليه، فأخذ أبي بيده و أقامه.

ثمّ قال: يا زيد، إن أنطقت هذه الصخرة التي نحن عليها، تقبل؟ قال: نعم، و حلف له على ذلك، فرجفت الصخرة ممّا يلي زيدا حتى كادت أن تفلق، و لم ترجف ممّا يلي أبى، ثمّ قالت، يا زيد،

أنت ظالم، و محمّد أولى منك بالأمر. فخرّ زيد مغشيا عليه فأخذه أبي بيده و أقامه.

و قال: يا زيد، أ رأيت، إن نطقت هذه الشجرة أ تكف؟ قال:

نعم. فدعا أبي الشجرة، فجاءت تخدّ في الأرض حتّى أظلتهم، ثمّ قالت: يا زيد، أنت ظالم، و محمّد أحق بالأمر منك، فكفّ عنه و إلّا هلكت، فغشي على زيد، و أخذ أبي بيده و أقامه، و قال: يا زيد، أ رأيت هذا؟ و انصرفت الشجرة إلى موضعها، فحلف زيد ألّا يتعرض لأبى، و لا يخاصمه، و انصرف.

و خرج زيد من يومه إلى عبد الملك بن مروان فدخل عليه، و قال: أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه. و قصّ عليه ما رأى، فكتب عبد الملك إلى عامله بالمدينة أن ابعث إليّ محمّد بن عليّ مقيّدا. و قال له: أ رأيت إن ولّيتك قتله فتقتله؟ قال: نعم.

فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب العامل: ليس كتابي خلافا عليك يا أمير المؤمنين، و لا أردّ أمرك، لكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك، و شفقة عليك، و إنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعف عنه، و لا أزهد، و لا أورع، و إنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير و السباع تعجبا لصوته، و إنّ قراءته تشبه مزامير آل داود، و إنّه من أعلم الناس و أرقهم و أشدّهم اجتهادا و عبادة، و كرهت لأمير المؤمنين التعرض له إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ. فلمّا ورد الكتاب سرّ بما أنهى إليه الوالى، و علم أنّه قد نصحه».

و في الحديث طول أخذنا موضع الحاجة.

320) عن جابر بن يزيد الجعفى، قال: خرجت مع أبي

جعفر عليه السلام إلى الحجّ و أنا زميله إذ أقبل ورشان فوقع على غرارة محمله، فترنّم، فذهبت لآخذه فصاح بى: «مه يا جابر، فإنّه استجار بنا أهل البيت» فقلت: و ما الذي شكا إليك؟ قال: «شكا إليّ أنّه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين، و أنّ حيّة تأتيه تأكل أفراخه فراخه، فسألني أن أدعو اللّه عليها ليقتلها، ففعلت، و قد قتلها اللّه».

ثمّ سرنا حتّى إذا كان وقت السحر قال لى: «انزل يا جابر» فنزلت، فأخذت بخطام الجمل، فنزل فتنحّى يمنة و يسرة و هو يقول: «اللّهمّ اسقنا، و اظهر لنا ماء، فإذا حجر مربع أبيض بين الرمل فاقتلعه، فنبع له عين ماء صاف، فتوضأنا و شربنا منه، ثمّ ارتحلنا، فأصبحنا دون قريات و نخل، فعمد أبو جعفر عليه السلام إلى نخلة يابسة فدنا منها و قال: «أيّتها النخلة اليابسة، أطعمينا».

فلقد رأيت النخلة تنحني حتّى جعلنا نتناول من ثمرها و نأكل، و إذا أعرابي يقول: ما رأيت ساحرا كاليوم؟! فقال أبو جعفر عليه السلام: «يا أعرابى، لا تكذبن علينا أهل البيت، فإنّه ليس منّا ساحر و لا كاذب، و لكن علمنا اسما من أسماء اللّه تعالى، نسأل اللّه به فنعطى، و ندعو به فنجاب».

الباب التاسع في ذكر دلالات الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى و فيه: خمسة أحاديث

321) عن جميل بن درّاج، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخلت عليه امرأة و ذكرت أنّها تركت ابنها على وجهه ميتا، فقال لها: «لعلّه لم يمت، قومي و اذهبي إلى بيتك، و اغتسلى، و صلّى ركعتين، و ادعي اللّه تعالى و قولى: «يا من وهب لي ولدا و لم يكن شيئا، جدّد لي هبتك «ثمّ حركيه و لا تخبري بذلك أحدا» ففعلت ذلك، ثمّ جاءت فحركته فإذا هو

قد بكى.

322) عن السيّد أبي هاشم إسماعيل بن محمّد الحميرى، قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهم السلام و قلت: يا ابن رسول اللّه، بلغني أنّك تقول فيّ إنّه ليس على شي ء، و أنا قد أفنيت عمري في محبّتكم و هجرت الناس فيكم في كيت و كيت، فقال: «أ لست القائل في محمّد بن الحنفيّة:

حتّى متى؟ و إلى متى؟ و كم المدى؟

يا ابن الوصي و أنت حيّ ترزق

تثوى برضوى لا تزال و لا ترى!

و بنا إليك من الصبابة أولق؟!

و أنّ محمّد بن الحنفيّة قام بشعب رضوى أسد عن يمينه و نمر عن شماله، يؤتى برزقه غدوة و عشيّة؟!

ويحك، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عليّا و الحسن و الحسين عليهم السلام كانوا خيرا منه، و قد ذاقوا الموت!».

قال: فهل لك على ذلك من دليل؟

قال: «نعم، إنّ أبي أخبرني أنّه كان قد صلّى عليه و حضر دفنه، و أنا أريك آية» فأخذ بيده فمضى به إلى قبر، و ضرب بيده عليه، و دعا اللّه تعالى فانشق القبر عن رجل أبيض الرأس و اللحية، فنفض التراب عن رأسه و وجهه، و هو يقول: يا أبا هاشم، تعرفني؟ قال: لا. قال:

أنا محمّد بن الحنفية، إنّ الإمام بعد الحسين بن على: عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن على، ثمّ هذا. ثمّ أدخل رأسه في القبر و انضمّ عليه القبر، فقال إسماعيل بن محمّد عند ذلك:

تجعفرت بسم اللّه و اللّه أكبر

و أيقنت أنّ اللّه يعفو و يغفر

و دنت بدين غير ما كنت دائنا

به و نهاني سيّد الناس جعفر

فقلت له هبني تهودت برهة

و إلّا فديني دين من يتنصر

و لست بغال ما حييت و راجعا

إلى ما عليه كنت

أخفي و أظهر

و لا قائلا قولا لكيسان بعدها

و إن عاب جهّال مقالي و أكثروا

و القصيدة طويلة.

323) عن داود بن كثير الرقى، قال: حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له: فداك أبي و أمّى، إنّ أهلي قد توفيت، و بقيت وحيدا، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أو كنت تحبها؟» قال: نعم. فقال: «ارجع إلى منزلك فإنّها سترجع إلى المنزل، و ترجع أنت و هي جالسة تأكل».

قال: فلمّا رجعت من حجّتي و دخلت المنزل وجدتها قاعدة تأكل، و بين يديها طبق فيه تمر و زبيب.

324) عن محمّد بن راشد، عن أبيه قال: أتيت بعض آل محمّد لأستفتيه عن مسألة، فسألت عن أعلمهم، فهديت إلى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن فاستفتيته في ذلك فقال: إنّي لست أدري ما هذا؟

فقال: أو ليس قد جاء عنكم أنّكم تقولون في أنفسكم أنّكم تدرون بالعلوم كلّها؟

قال: إنّ ذلك لا يعلمه إلّا الإمام، و لست بذلك. قلت له: فمن أين لي بذلك؟

قال: ائت جعفر بن محمّد عليهما السلام فإنّه عنده لا شك فيه.

فأتيته، فقيل لى: مات السيّد بن محمّد و هو في الجنازة، فأتيته و استفتيته فأفتاني في مسألتى، فلمّا أن قمت أخذ بثوبي فجذبني إلى نفسه فقال: «إنّكم معاشر أهل الحديث تركتم العلم».

فقلت له: يرحمك اللّه أنت إمام هذا الزمان؟ فقال: «نعم و اللّه، إنّي إمام هذا الزمان».

فقلت: علامة و دليل. فقال: «سلني عمّا بدا لك أخبرك به إن شاء اللّه.

فقلت: «إنّ أخا لي مات في هذه المقبرة فأمر أن يحيا. فقال لى: «ما أنت أهل لذلك، و لكن أخوك ما كان اسمه؟» فقلت: أحمد.

فقال: «يا أحمد، قم بإذن اللّه تعالى، و بإذن جعفر

بن محمّد، فقام و اللّه و هو يقول: يا أخي اتبعه. و حلّفني بالطلاق و العتاق ألّا أخبر احدا.

325) عن أبي الحسن عليّ بن محمّد التقى، عن أبيه محمّد، عن أبيه عليّ بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال- في حديث طويل أنا أختصره- أنّ ملك الهند بعث بجارية رائقة الجمال إلى أبي جعفر بن محمّد عليهما السلام مع بعض ثقاته في تحف و هدايا كثيرة، و كتب إليه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم من ملك الهند إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس.

أمّا بعد، هداني اللّه على يدك فإنّي أهدى إليّ بعض عمالي جارية لم أر أحسن منها حسنا، و لا أجمل منها جمالا، و لا أعظم منها خطرا، و لا أعقل منها عقلا، و لا أكمل منها كمالا أن اتخذ منها ولدا يكون له الملك بعدى، فنظرت إليها فأعجبتني و أعجبني شأنها، فأقامت بين يدي يوما و ليلة أفكر فيها و فى جلالتها، فلم أر أحدا يستأهلها غيرك، فبعثت بها إليك مع شي ء من الحلي و الحلل و الجواهر و الطيب، ثمّ جمعت من جميع وزرائي و عمّالي و أمنائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة، و اخترت من الألف مائة، و من المائة عشرة، و من العشرة واحدا و هو ميزاب بن جنان لم أجد في مملكتي رجلا أعقل منه، و لا أشجع، فبعثت على يده هذه الهدية، و هذه الجارية.

فلمّا وصل الرجل بما بعث معه إليه و دخل بعد دفع كثير و استشفاع قال له: «ارجع أيّها الخائن من حيث جئت بهديتك».

فقال: أبعد شقة بعيدة، و مشقة شديدة، و إقامة حول الباب لا تقبل هدية الملك؟! فقال: «ليس لك

عندي جواب، و ما كنت بالذي أقبلها لأنّك خائن فيما أتيت به و ائتمنت عليه». فقال: و اللّه ما خنتك و لا خنت الملك. فقال عليه السلام: «فإن شهد عليك بالخيانة بعض ثيابك تقر بالإسلام؟» قال: أو تعفيني عن ذلك و تسأل بما أحييت من بعد؟

فأمر به فخلع من أعلاه فرو، ثمّ أمر به فبسط في ناحية، الدار، ثمّ قام عليه السلام فصلّى ركعتين و أطال الركوع و السجود، و دعا بما أحبّ ثمّ رفع رأسه و قد علاه نور و قال: «أيّها الفرو الطائع للّه تعالى تكلّم بما تعلم منه، وصف لنا ما جنى» فانبسط الفرو ثمّ انقبض و انضم حتّى صار كالكبش البازل فسمعه من في المجالس و هو يقول: يا ابن رسول اللّه الصادق، بعث إليك ملك الهند هذا الرجل و ائتمنه على هذه الجارية و ما معه من المال، و أوصاه بحفظهما و حياطتهما، فلم يزل على ذلك حتّى صرنا إلى بعض الصحارى فأصابنا المطر حتّى ابتلّ جميع ما معنا، فأقمنا في ذلك الموضع شهرا كاملا حتّى طلعت الشمس و احتبس المطر، و علّقنا ما معنا على الحجر و الأشجار، فنادى خادما كان مع الجارية يخدمها يقال له: بشير فقال: يا بشير، لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام إلى أن تجفّ رواحلنا كنا قد أكلنا من طعام هذه المدينة. فدفع إليه دراهم كثيرة و دخل الخادم المدينة.

و أمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نصب لها في الشمس و قال لها: لو خرجت إلى هذا المضرب و نظرت إلى هذه الأشجار و هذه المدينة التي قد أشرفنا عليها. فخرجت الجارية فإذا في الأرض و

حل فكشفت عن ساقيها و سقط خمارها، فنظر الخائن إليها و إلى حسنها و جمالها فراودها عن نفسها فأجابته، فبسطني في الأرض و أفرش عليّ الجارية و فجر بها، و خانك، يا ابن رسول اللّه، هذا ما كان من قصته و قصتها، و أنا أسألك بالذي جمع لك خير الدنيا و الآخرة إلّا سألت اللّه تعالى ألّا يعذبني بالنار لفجورهما على تنجيسهما إيّاى.

قال موسى عليه السلام: فبكى الصادق عليه السلام و بكيت و بكى من في المجالس و اصفرّت ألوانهم.

قال: ففزع: ميزاب و أخذته رعدة شديدة و خوف، فخرّ ساجدا للّه و قال: قد علمت أن جدّك كان بالمؤمنين رءوفا رحيما فارحمني رحمك اللّه، و ليكن لك أسوة بأخلاق جدّك فلم يعلم الملك بما كان حالي و قصّتى، و قد أخطأت.

فقال عليه السلام: «لا رحمتك أبدا و لا تعطفت عليك إلّا أن تقرّ بما جنيت» قال: فأقر الهنديّ بما أخبرت به الفروة.

قال: فلمّا لبسها و صارت في عنقه انضمت في حلقه و خنقته حتّى اسودّ وجهه، فقال الصادق عليها السلام: «أيّها الفرو، خل عنه» فقالت الفرو: أسألك بالذي (جعلك إماما) إلّا أذنت لي أن أقتله.

فقال: «خل عن النجس حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون أولى به منا».

و في الحديث طول اقتصرنا منه على موضع الحاجة، فمن أراد الجميع طلبه في موضعه فإنّه مشهور.

في بيان ظهور آياته فيما أخبر به من حديث النفس و فيه: ثمانية أحاديث

326) عن حمران بن أعين، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و أبو هارون المكفوف جالس بحذائه، إذ اختصم إليه رجلان، فنظر أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي هارون و قال: «كذبت، إنّ كلامهما بين يدي ربّ العزة» قال: فمن أين علمت جعلت فداك؟! قال: «من الجاري الذي يجري منك

مجرى الدم و اللحم».

327) معمّر الزيّات، قال: كنت أطوف بالبيت و أبو عبد اللّه عليه السلام في الطواف، فنظرت إليه و قلت في نفسى: هل طاعته مفروضة على الناس، و اللّه ما هو بأطول الناس، و لا بأجمل الناس فما لبث أن مرّ بي و وضع يده بين كتفي ثمّ قال: «أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ فجازني ثمّ أتاني أصحابنا فقالوا:

ما الذي قال لك؟ قلت: نعم، كذا و كذا، و ما هو إلّا كما قلت في نفسى.

328) عن هشام بن الأحمر، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو في ضيعته في يوم شديد الحر و العرق يسيل على وجهه، و أنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر الجعفيّ فابتدأنى، و قال: «نعم، الرجل و اللّه المفضل بن عمر الجعفى» حتّى أحصيت بضعا و ثلاثين مرة.

329) عن خالد بن نجيح، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده خلق، فقنعت رأسي و جلست في ناحية و قلت في نفسى: ويحكم ما أغفلكم، عند من تتكلمون؟ عند ربّ العالمين.

قال: فنادانى: «ويحك يا خالد، أنا و اللّه عبد مخلوق ولي ربّ أعبده، و إن لم أعبده عذّبني و اللّه بالنار» فقلت: لا و اللّه لا أقول فيك أبدا إلّا قولك في نفسك.

330) عن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «ضع لي في المتوضأ ماء» فقمت فوضعت الماء، فدخل، فقلت في نفسى: أنا أقول فيه كذا و كذا و يدخل المتوضأ و يتوضأ؟! فلم يلبث أن خرج و قال: «يا إسماعيل بن عبد العزيز، لا ترفعوا البناء فوق طاقته، فينهدم، اجعلونا

عبيدا مخلوقين و قولوا فينا ما شئتم».

قال إسماعيل: و كنت أقول فيه ما أقول فيه.

331) عن شهاب بن عبد ربّه، قال: أتيت أبا عبد اللّه أسأله عن مسألة، فقال: «إن شئت فاسأل، و إن شئت أخبرتك فيما جئت له» فقلت له: أخبرنى.

قال لى: «جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الحب بالكوز فتصيب يده الماء» فقلت: نعم. فقال: «ليس به بأس».

332) عن عمر بن يزيد، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و هو مضطجع، و وجهه إلى الحائط، فقال لى: «يا عمر، اغمز رجلى» فقعدت أغمز رجله، فقلت في نفسى: اسأله عن عبد اللّه و موسى أيّهما الإمام؟ قال: فحوّل وجهه إليّ و قال: «إذن و اللّه لا أجيبك».

333) عن زياد بن أبي الحلال، قال: اختلف الناس في جابر بن يزيد الجعفيّ و أحاديثه و أعاجيبه، فدخلت على أبي عبد اللّه و أنا أريد أن أسأله فابتدأني من غير أن أسأله.

قال لي «رحم اللّه جابر بن يزيد الجعفى، فإنّه كان يصدّق علينا، و لعن اللّه المغيرة بن سعيد فإنّه كان يكذب علينا».

في بيان آياته من الاخبار بالغائبات و فيه: سبعة عشر حديثا

334) عن بكير بن أعين قال: حبس عبد اللّه بن عباس بالكوفة، فحمّلني رسالة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام يسأله الدعاء بتخليته، فلمّا أن كان في يوم عرفة على الموقف قلت له: اذكر أمر مولاك عبد اللّه بن عباس، فرفع يده و حرّك شفتيه، ثمّ قال: «أطلق عنه».

قال بكير: فرجعت إلى الكوفة فسألت عن اليوم الذي خلّي عن عبد اللّه بن عباس، فوجدت تخليته في الوقت الذي دعا له أبو عبد اللّه عليه السلام بالتخلية.

335) عن داود بن كثير، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت: يا ابن

رسول اللّه، أسألك عن شي ء يختلج في صدرى.

فقال: «يا داود، كأنّي بك قد كتفت بخدعة، فتدخل في صندوق، و لا يطلق عنك إلّا بألف درهم».

قال داود: فأضلّني الشّيطان عمّا أردت سؤاله، فخرجت متفكّرا متحيّرا ممّا قال، فمررت ببعض سكك الكوفة فإذا جارية مليحة، فتعلقت بي و قالت: يا صاحب الحق، هل لك في الإلمام بنا فتفيدنا ببعض ما خصصت به دوننا؟ فقلت: ما أكره ذلك. فقالت لى: ادخل فدخلت. فإذا أنا بزوجها قد أقبل إليها، فقالت لى: ادخل الصندوق، فإنّي لا آمنه عليك إن رأى اجتماعنا. فدخلت الصندوق، فأقفلت على، ثمّ قالت: قد وقعت موقع سوء، فإن افتديت نفسك بألف درهم و إلّا غمزت بك إلى السلطان. فأعطيتها ألف درهم و خلّت عنّى، فرجعت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، فلمّا بصر بي قال: «نجوت الآن فاحمد اللّه تعالى».

336) عن يزيد بن خلف، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و [قد] ذكر عنده زيد، و هو يومئذ يتردد في المدينة، يقول:

«كأنّي به قد خرج إلى العراق و يمكث يومين و يقتل في اليوم الثالث، ثمّ يدار برأسه في البلدان، و يؤتى به، و ينصب هاهنا على قصبة» و أشار بيده.

قال: فسمعت أذني من أبي عبد اللّه عليه السلام، و رأت عيني أن أتي برأسه حتّى أقيم على قصبة في الموضع الذي أشار إليه عليه السلام.

337) و روي أنّ محمد بن عبد اللّه بن الحسن خاصم أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: أنا و اللّه أسخى يدا منك، و أعلم و أشجع.

فقال عليه السلام: «أمّا قولك: أنا أسخى يدا منك، فو اللّه ما أمسيت قط و للّه عليّ حق في مالى، و لا أصبحت و

للّه في مالي حق، و أمّا قولك: أنا أعلم منك، فإنّ أبي و أباك أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف نسمة من كد يده، فسمّهم لي و إلّا أسميتهم لك بأسمائهم و أسماء آبائهم إلى آدم؛ و أمّا قولك: أنا أشجع منك فكأنّي أنظر إليك تقتل بالمدينة، و يقطع رأسك، و توضع على جحر الزنابير فيسيل منه الدم إلى موضع كذا».

قال: فقام محمّد واكما واجما، و حكى ما جرى بينهما أباه، فقال له أبوه: ما علمت يا بني أنّك صاحب جحر الزنابير إلى الآن.

338) في حديث آخر عن صفوان بن يحيى قال: حكى محمّد بن جعفر بن محمّد بن الأشعث قال: أ تدري ما سبب دخولنا في هذا الأمر و معرفتنا به، و ما كان عندنا منه ذكر، و لا معرفة بشي ء ممّا عند الناس؟ قال: قلت: و ما ذاك؟

قال: إنّ أبا جعفر الدوانيقي قال لمحمد بن الأشعث: يا محمّد، ادع لي رجلا له عقل جيّد يؤدي عنّى. فقال: إنّي أصبت لك، هذا خالي فلان بن مهاجر. قال: فأتني به. قال: فأتيته، فقال له أبو جعفر:

يا ابن مهاجر خذ هذا المال و ائت المدينة، و ائت عبد اللّه بن الحسن بن الحسن و عدّة من أهل بيته، منهم جعفر بن محمّد، و قل لهم: إنّي رجل غريب من أهل خراسان، و بها شيعة من شيعتكم، وجّهوا إليكم بهذا المال. فادفع إلى كلّ واحد منهم على شرط كذا و كذا، فإذا قبضوا المال فقل: إنّي رسول، أحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم.

فأخذ المال و أتى إلى المدينة- على ساكنها أفضل الصلاة و السلام- و رجع إلى أبي جعفر الدوانيقى، فقال أبو جعفر ما وراءك؟

قال:

أتيت القوم، و هذه خطوطهم بقبضهم، ما خلا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد، فإنّي أتيته و هو في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله يصلّى، و جلست خلفه، فقلت: ينصرف و أذكر ما ذكرت لأصحابه فعجل و انصرف، ثمّ التفت إليّ و قال: «يا هذا، اتق اللّه و لا تغر أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله فإنّهم قريبو العهد بدولة بني مروان، فكلهم محتاج».

قال: فقلت: و ما ذاك أصلحك اللّه؟ قال: «فادن رأسك منّى» فدنوت، فأخبرني بجميع ما جرى بيني و بينك، حتّى كأنّه كان ثالثنا، قال: فقال له: يا ابن مهاجر، اعلم أنّه ليس من أهل بيت النبوة إلّا و فيهم محدّث، و إنّ جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم.

فكانت هذه المقالة سبب مقالتنا بهذا الأمر.

339) عن موسى بن عبد اللّه بن الحسن، قال: إنّ أبي لمّا أخذ في أمر محمّد بن عبد اللّه: «دعا إلى أمره أبا عبد اللّه عليه السلام، فدفعه عن ذلك و نصح له، فلم يرض منه بذلك- في كلام طويل- حتى قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّك لتعلم أنّه الأحول الأكشف الأخضر، المقتول بسدّة أشجع عند بطن مسيلها» فقال: أبي ليس هو كذلك، و ليقومن بثأر أبي طالب.

فقال له: أبو عبد اللّه عليه السلام: «يغفر اللّه لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق بصاحبنا: منتك نفسك في الخلافة ضلالا و اللّه لا يملك أكثر من حيطان المدينة و لا [من] الأمر بد، و إني لأراه أشأم سخلة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء، و اللّه إنه لمقتول بسدّة أشجع بين دورها، و اللّه لكأنّي به صريعا مسلوبا ثوبه، بين رجليه لبنة، و لا ينفع

هذا الغلام ما يسمع منّى».

قال موسى: يعنينى.

«فتخرجن معه فيهزم، ثمّ يقتل صاحبه،! ثمّ يمضي فخرج معه راية أخرى، فيقتل كبشها و يسرق حليتها، فإن أطاعني فليطلب عند ذلك الأمان من بني العباس».

فقام أبي مغضبا يجرّ ثوبه، فلحقه أبو عبد اللّه عليه السلام فقال له: «أخبرك أنّي سمعت عمّك- و هو خالك- يذكر أنّك و بني أبيك ستقتلون فيه، و لوددت أنّي فديتك بولدي و بأحبّهم إلى». فما قبل أبى، و خرج مغضبا أسفا، فما أقمنا بعد ذلك إلّا عشرين ليلة حتّى قدمت رسل أبي جعفر، فأخذوا أبي و عمومتي و صفّدوا في الحديد، ثمّ حملوا في محامل عراة لا وطاء عليها، فقتل أكثرهم، ثمّ أتى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن فأخبر أنّ أباه و عمومته قتلوا، فظهر و دعا الناس إلى نفسه، و كنت ثالث ثلاثة بايعوا، و استوثق الناس بيعته، و أتى بأبي عبد اللّه عليه السلام حتّى وقف بين يديه، فقال له عيسى بن زيد: أسلم تسلم. و طالت المحاورة بينهم، حتّى قال له: و الذي أكرم محمّدا صلى الله عليه و آله بالنبوة لأسجننك.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أراني سأقول و أصدّق» فقال عيسى بن زيد: لو تكلمات لكسرت فكك.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أما و اللّه لو يبرق بالسيف لكأنّي بك تطلب لنفسك جحرا تدخل فيه، و ما أنت من المذكورين عند اللقاء، و إنّي أظنك إذا صفّق خلفك طرت مثل الهيق النافر» فقال محمد بانتهار: احبسه و شدّد عليه و اغلظ عليه.

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: «أما و اللّه، لكأنّي بك خارجا من سدّة أشجع إلى بطن الوادي و قد حمل عليك فارس معلّم في

يده طراد نصفها أبيض و نصفها أسود، على فرس كميت أقرح، فيطعنك و لا يصنع فيك شيئا، و ضربت خيشوم فرسه فطرحته، و حمل آخر خارجا من زقاق أبي عمّار عليه غديرتان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته، كثير شعر الشاربين، فهو و اللّه صاحبك، فلا رحم اللّه رمته» في كلام طويل.

فخرج عيسى بن موسى إلى المدينة و تحاربا، فمضى محمّد يوم القتال إلى أشجع فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد اللّه عليه السلام من خلفه من سكّة هذيل، فطعنه فلم يصنع شيئا، فضرب خيشوم فرسه بالسيف، و خرج عليه حميد بن قحطبة من زقاق العماريين فطعنه طعنة نفذ السنان فيه، و انكسر الرمح، فصرعه، ثمّ نزل إليه فضربه حتّى أثخنه و قتله، و أخذ برأسه.

340) عن الأزدى، قال: خرجنا نريد منزل أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام فلحقنا أبو بصير، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام، فرفع رأسه إلى أبي بصير و قال: «يا أبا محمّد، أ لا تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء؟!». فرجع أبو بصير و دخلنا.

341) أخبرنا مهزّم قال: خرجت ممسيا من عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فأتيت منزلي بالمدينة، فكانت أمّي عندى، فوقع بيني و بينها كلام، فأغلظت عليها بالكلام، فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة، و أتيت منزل أبي عبد اللّه عليه السلام فدخلت عليه، فقال لي مبتدئا: «مالك و لوالدتك أغلظت في كلامها البارحة؟! أ ما علمت: أنّ بطنها كان منزلا قد سكنته، و أنّ حجرها مهد قد عمرته، و أنّ ثديها سقاء قد شربته؟!» قلت: بلى قال: «فلا تغلظ لها».

342) عن الحارث بن حصيرة الأزدى، قال: مرّ رجل

من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمّد عليهما السلام، ففرقة أجابت و أطاعت، و فرقة أنكرت و جحدت، و فرقة وقفت و تورعت.

قال: فخرج من كلّ فرقة رجل فدخلوا على أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان المتكلم منهم الذي ذكرت أنّه تورع و وقف، و كان مع بعض القوم جارية، فخلا بها الرجل، فوقع عليها، فلمّا دخلوا على أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّه قدم علينا رجل من أهل الكوفة، فدعا الناس إلى ولايتك و طاعتك، فأجاب قوم، و أنكر قوم، و تورع منهم قوم، و توقفوا، فقال: «و من أي الثلاثة أنت؟» قال: أنا من الفرقة التي توقفت و تورعت. فقال: «و أين كان تورعك يوم كذا و كذا مع الجارية؟!» قال: فارتاب الرجل و سكت.

343) عن عمّار السجستانى، قال: كان عبد اللّه بن النجاشي منقطعا إلى الحسن بن الحسن، و يقول بمقالة الزيدية، فقضى أن خرجت أنا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فلقيني بعد ذلك، فقال لى: استأذن لي على صاحبك. فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّه سألني الإذن عليك، فقال: «ائذن له» ما دعاك إلى ما صنعت يوم كذا؟! فدخل عليه، فقال عليه السلام: «أتذكر يوم مررت على باب دار فسال ميزاب الدار، فقلت: إنّه قذر؛ فطرحت نفسك في النهر بثيابك و عليك منشفة، فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك، و يصيحون عليك؟».

قال عمّار: فالتفت إليّ و قال: ما دعاك إلى أن تخبر به أبا عبد اللّه؟ فقلت: لا و اللّه، ما أخبرته، و ها هو ذا قدّامي يسمع كلامى.

قال: فلمّا خرجت قال لى: يا عمّار هذا صاحبي دون غيره.

344) عن أبي بصير، قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يا أبا محمّد، ما فعل أبو حمزة؟».

فقلت: خلّفته طائحا. فقال: «إذا رجعت إليه فاقرأه منّي السلام، و اعلمه أنّه يموت يوم كذا و كذا».

فقلت له: جعلت فداك، أ ليس من شيعتكم؟ قال: نعم، إنّ الرجل من شيعتنا إذا خاف اللّه فراقبه و توقّى الذنوب، فإذا فعل ذلك كان معنا في درجاتنا».

قال أبو بصير: فرجعت، فما لبث أبو حمزة أن مات في تلك الساعة، في ذلك اليوم.

345) حنان بن سدير، قال: رأيت في المنام كأنّي دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله و بين يديه طبق، عليه منديل، قد غطّي به، فكشف المنديل عن الطبق، فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فقلت:

أطعمني يا رسول اللّه. فناولني رطبة فأكلتها، حتّى ناولني ثمانية، فقلت: زدني يا رسول اللّه. فقال: حسبك.

فلمّا كان من الغد دخلت على مولاي الصادق عليه السلام، و بين يديه طبق قد غطّي بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام، فكشف المنديل عنه، فإذا فيه رطب، فجعل يأكل منه، فقلت: يا ابن رسول اللّه، أطعمني فناولني رطبة، فأكلتها، حتّى ناولني ثمانى، فقلت: زدني يا ابن رسول اللّه. فقال: «لو زادك جدّي لزدتك، و لكن حسبك».

346) عن شعيب العقرقوفي قال: بعث معي رجل بألف درهم، و قال: إنّي أحبّ أن أعرف فضل أبي عبد اللّه عليه السلام على أهل بيته.

قال: فخذ خمسة دراهم ستوقة، فاجعلها في الدراهم، و خذ من الدراهم خمسة فصيّرها في لبنة قميصك، فإنّك ستعرف ذلك.

قال: فأتيت بها أبا عبد اللّه عليه السلام، فنشرتها بين يديه، فأخذ الخمسة، و قال: «هاك خمستك، و هات خمستنا».

347) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال حدّثني رجل من أهل

جسر بابل قال: كان في القرية رجل يؤذينى، و يقول: يا رافضى. و يشتمنى، و كان يلقب بقرد القرية، فحججت سنة من ذلك، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام ابتداء: «قوما [قد] مات».

فقلت: جعلت فداك، متى؟! قال: «الساعة» فكتبت اليوم و الساعة.

فلمّا قدمت الكوفة تلقّاني أخى، فسألته عمن مات، و عمّن بقى، فقال: قوما قد مات فقلت- هو بالنبطية: قرد القرية- متى مات؟

فقال: يوم كذا، و وقت كذا. و كان في الوقت الذي أخبرني به أبو عبد اللّه عليه السلام.

348) عن إبراهيم ابن أبي البلاد، قال: كنّا نزولا بالمدينة، و كانت جارية لصاحب المنزل تعجبنى، و إنّي أتيت الباب فاستفتحت، ففتحت الجارية، فغمزت ثديها، فلمّا أن كان من الغد دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لى: «يا إبراهيم، أين أقصى أثرك اليوم؟» فقلت: ما برحت من المسجد. فقال: «أ ما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلا بالورع؟!».

349) عن عمر بن يزيد، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام، و هو وجع، فولّاني ظهره و وجهه إلى الحائط، فقلت في نفسى: ما ندري ما يصيبه في مرضه، فلو سألته عن الإمام بعده؛ و أنا أفكر إذ حوّل وجهه و قال: «إنّ الأمر ليس كما تظن، ليس عليّ من وجعي هذا بأس بحمد اللّه».

350) عن أبي كهمش، قال: كنت بالمدينة نازلا في دار فيها وصيفة كانت تعجبنى، فانصرفت ليلا ممسيا، فاستفتحت الباب، ففتحت لى، فمددت يدى، فقبضت على ثديها، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: «يا أبا كهمش، تب إلى اللّه ممّا صنعت البارحة».

في بيان آياته و معجزاته في معان شتّى و فيه: اثنا عشر حديثا

351) أخبرنا سعد الاسكاف، عن سعد بن طريف قال:

كنا عند أبي عبد

اللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا و ألطاف، و كان فيما أهدي إليه جراب فيه قديد و خبز، فنشره أبو عبد اللّه عليه السلام قدّامه، ثمّ قال: «خذ هذا القديد و اطعمه الكلب» فقال الرجل: و لم.

فقال: «إنّ هذا القديد ليس مذكّى» فقال الرجل لقد اشتريته من رجل مسلم و ذكر أنّه ذكى.

قال: فردّه أبو عبد اللّه عليه السلام في الجراب كما كان، ثمّ قال للرجل: «قم و ادخل البيت، وضعه في زاوية» ففعل الرجل، و قد تكلم أبو عبد اللّه عليه السلام بكلام لا أعرفه، و لا أدري ما هو، فسمع الرجل القديد و هو يقول: «يا عبد اللّه، ليس مثلى يأكله أولاد الأنبياء، إنّي لست بذكى» فحمل الرجل الجراب و خرج إلى أبي عبد اللّه عليه السلام، و أخبره بما سمع منه، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: «أ ما علمت يا هارون أنّا نعلم ما لا يعلمه الناس؟!» قال: بلى، جعلت فداك. و خرج الرجل، و خرجت أتبعه حتّى لقينا كلب، فألقاه إليه فأكله حتّى لم يبق منه شي ء.

352) عن الحسن بن علي بن فضّال، قال: قال موسى بن عطية النيسابورى: اجتمع وفد خراسان من أقطارها، كبارها و علماؤها، و قصدوا دارى، و اجتمع علماء الشيعة و اختاروا أبا لبابة و طهمان و جماعة شتى، و قالوا بأجمعهم: رضينا بكم أن تردوا المدينة، فتسألوا عن المستخلف فيها، لنقلّده أمرنا، فقد ذكر أنّ باقر العلم قد مضى، و لا ندري من نصبه اللّه بعده من آل الرسول من ولد علي و فاطمة عليهما السلام. و دفعوا إلينا مائة ألف درهم ذهبا و فضّة [و قالوا]: لتأتونا بالخبر

و تعرّفونا الإمام، فتطالبوه بسيف ذي الفقار و القضيب و الخاتم و البردة و اللوح الذي فيه تثبت الأئمة من ولد علي و فاطمة، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإمام، فمن وجدتم ذلك عنده فسلّموا إليه المال.

فحملناه و تجهّزناه إلى المدينة و حللنا بمسجد الرسول صلى الله عليه و آله، فصلّينا ركعتين، و سألنا: من القائم بأمور الناس، و المستخلف فيها؟

فقالوا لنا: زيد بن على، و ابن أخيه جعفر بن محمّد، فقصدنا زيدا في مسجده، و سلّمنا عليه، فردّ علينا السلام و قال: من أين أقبلتم؟ قلنا: أقبلنا من أرض خراسان لنعرف إمامنا، و من نقلده أمورنا. فقال:

قوموا. و مشى بين أيدينا حتّى دخل داره، فأخرج إلينا طعاما، فأكلنا، ثمّ قال: ما تريدون؟

فقلنا له: نريد أن ترينا ذا الفقار و القضيب و الخاتم و البرد و اللوح الذي فيه تثبت الأئمة عليهم السلام، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإمام.

قال: فدعا بجارية له، فأخرجت إليه سفطا، فاستخرج منه سيفا في أديم أحمر، عليه سجف أخضر، فقال: هذا ذو الفقار. و أخرج إلينا قضيبا، و دعا بدرع من فضّة، و استخرج منه خاتما و بردا، و لم يخرج اللوح الذي فيه تثبيت الأئمة عليهم السلام، فقال أبو لبابة من عنده: قوموا بنا حتّى نرجع إلى مولانا غدا فنستوفي ما نحتاج إليه، و نوفّيه ما عندنا و معنا.

فمضينا نريد جعفر بن محمّد عليهما السلام، فقيل لنا: إنّه مضى إلى حائط له، فما لبثنا إلّا ساعة حتّى أقبل و قال: «يا موسى بن عطية النيسابوري و يا أبا لبابة، و يا طهمان، و يا أيّها الوافدون من أرض خراسان، إليّ فأقبلوا».

ثمّ قال: «يا موسى، ما أسوأ ظنّك

بربّك و بإمامك، لم جعلت في الفضّة التي معك فضة غيرها، و في الذهب ذهبا غيره؟ أردت أن تمتحن إمامك، و تعلم ما عنده في ذلك، و جملة المال مائة ألف درهم».

ثمّ قال: «يا موسى بن عطية، إنّ الأرض و من عليها للّه و لرسوله و للإمام من بعد رسوله، أتيت عمّي زيدا فأخرج إليكم من السفط ما رأيتم، و قمتم من عنده قاصدين إلى».

ثمّ قال: «يا موسى بن عطية، يا أيّها الوافدون من خراسان، أرسلكم أهل بلدكم لتعرفوا الإمام و تطالبوه بسيف اللّه ذي الفقار الذي فضّل به رسول اللّه صلى الله عليه و آله و نصر به أمير المؤمنين و أيّده، فأخرج إليكم زيد ما رأيتموه».

قال: «ثمّ أومى بيده إلى فص خاتم له، فقلعه، ثمّ قال:

«سبحان اللّه، الذي أودع الذخائر وليه و النائب عنه في خليقته، ليريهم قدرته، و يكون الحجّة عليهم حتى إذا عرضوا على النار بعد المخالفة لأمره، فقال: أ ليس هذا بالحق؟ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا. قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.

قال: ثمّ أخرج لنا من وسط الخاتم البردة و القضيب و اللوح الذي فيه تثبيت الأئمة عليهم السلام، ثمّ قال: «سبحان الذي سخّر للإمام كلّ شي ء و جعل له مقاليد السماوات و الأرض لينوب عن اللّه في خلقه و يقيم فيهم حدوده كما تقدم إليه ليثبت حجّة اللّه على خلقه، فإن الإمام حجّة اللّه تعالى في خلقه». ثمّ قال: «ادخل الدار أنت و من معك بإخلاص و إيقان و إيمان».

قال: فدخلت أنا و من معي فقال: «يا موسى، ترى النور الذي في زاوية البيت؟» فقلت: نعم. قال: «ائتني به» فأتيته و وضعته بين يديه و جئت بمروحة و نقر

بها على النور، و تكلّم بكلام خفى.

قال: فلم تزل الدنانير تخرج منه حتّى حالت بيني و بينه، ثمّ قال: «يا موسى بن عطية، اقرأ: بسم اللّه الرحمن الرحيم لقد كفر الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ لم نرد مالكم لأنّا فقراء، و ما أردناه إلّا لنفرّقه على أوليائنا من الفقراء، و ننتزع حق اللّه من الأغنياء، فإنّها عقدة فرضها اللّه عليكم، قال اللّه عز و جل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

و قال عز و جل: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.

قال: ثمّ رمق الدنانير بعينه فتبادرت إلى كو كان في المجالس.

ثمّ قال: «أحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين، وصلوهم و لا تقطعوهم، فإنّكم إن وصلتموهم كنتم منّا و معنا و لنا لا علينا، و إن قطعتموهم انقطعت العصمة بيننا و بينكم لا موصلين و لا مفصلين» فردّ المال إلى أصحابه و أخذ الفضّة التي وضعت في الفضة، و الذهب الذي وضع في الذهب، و أمرهم أن يصلوا بذلك «أولياءنا و شيعتنا الفقراء، فإنّه الواصل إلينا و نحن المكافئون عليه».

قال: ثمّ قال: «يا موسى بن عطية، أراك أصلع، أدن منّى» فدنوت منه، فأمرّ يده على رأسى، فرجع الشعر قططا، فقال: «يكون معك ذا حجّة».

فقال: «أدن منّي يا أبا لبابة» و كان في عينه كوكب، فتفل في عينه، فسقط ذلك الكوكب، و قال: «هاتان حجتان إذا سألكما سائل فقولا: إمامنا فعل ذلك بنا» و ودّعنا و ودّعناه، و هو إمامنا إلى يوم البعث، و رجعنا إلى بلدنا بالذهب و الفضّة.

353) عن

داود الرقى، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام جالسا إذ دخل ابنه موسى عليه السلام و هو ينتفض، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: «جعلت فداك، كيف أصبحت؟» قال:

«أصبحت في كنف اللّه، متقلبا في نعم اللّه، أشتهي عنقود عنب جرشى، و رمّانة خضراء»، فقلت: يا سبحان اللّه في الشتاء!! فقال: «يا داود، [إن] اللّه قادر على كلّ شي ء، أدخل البستان فأخرج إليه عنقود عنب جرشي و رمّانة خضراء».

قال داود: فلمّا أن دخلت البستان نظرت إلى شجرتين خضراوتين، فإذا رمّانة خضراء و عنقود عنب جرشي فاجتنيتهما و قلت:

آمنت باللّه و بسرّكم و علانيتكم، فأخرجته إلى موسى عليه السلام فقال: «يا داود، ادفعه إليه فإنّه و اللّه لأفضل من رزق مريم، و قد اختص به موسى من الأفق الأعلى».

354) عن داود الرقيّ قال: خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السلام حاجّا إلى مكّة، و نحن نتساير ذات يوم في أرض سبخة إذ دخل علينا وقت الصلاة فقال: «هلم بنا إلى هذا الجانب لنتطهّر و نصلّى»

فقلت: إنّها أرض سبخة لا ماء فيها! فقال: «اطع إمامك» فملت، و سرنا ما شاء اللّه، فإذا نحن بعين فوّارة، و ماء بارد عذب، و أشجار خضر، فنزلنا و تطهّرنا و صلّينا و شربنا و أروينا رواحلنا و ملأنا سقاءنا، و قمنا و مضينا.

فلمّا سرنا غير بعيد قال لى: «يا داود، هل تعرف الموضع الذي كنّا فيه؟» قلت: نعم، يا ابن رسول اللّه.

قال: «فاذهب و جئني بسيفي فقد علّقته على الشجرة فوق العين و نسيته» فمضيت إليه فوجدت السيف معلقا على الشجرة، و ما رأيت أثرا من العين، و لا من الأشجار الخضر، و إنّما هي أرض سبخة لا عهد

للماء فيها.

355) عن داود بن ظبيان، قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام أنا و المفضّل بن أبي المفضل و يونس بن ظبيان، فقال أحدهما لأبي عبد اللّه عليه السلام: أرني آية من الأرض. و قال الآخر: أرني آية من السماء. فقال: «يا أرض، انفرجى» فانفرجت مدّ البصر، فنظرت إلى خلق كثير في أسفل الأرض.

ثم قال: «يا سماء، انشقى» فانشقت.

قال: فلو شئت أن أجتذب السماء بيدي هاتين لفعلت، فقال:

«استشفّ و انظر» ثمّ تلا هذه الآية: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.

356) عن الحسن بن عطية، قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام واقفا على الصفا، فقال له عبّاد البصرى: حديث يروى عنك.

قال: «و ما هو؟» قال: قلت: «إنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية».

قال: قلت ذلك، إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال: أقبلى، أقبلت».

قال: فنظرت إلى الجبال قد أقبلت، فقال لها: «على رسلك، إنّي لم أردك».

357) عن علي بن المبشر قال: لمّا قدم أبو عبد اللّه عليه السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه و قال له: إذا دخل عليّ فاضرب عنقه. فلمّا دخل أبو عبد اللّه عليه السلام و نظر إلى أبي جعفر أسرّ شيئا فيما بينه و بين نفسه، لم ندر ما هو، ثمّ أظهر: «يا من يكفي خلقه كلّه و لا يكفيه أحد، اكفنى» فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه و لا مولاه يبصره، فقال أبو جعفر: يا جعفر بن محمّد، لقد عنّيتك في هذا الحرّ، فانصرف. و خرج أبو عبد اللّه عليه السلام من عنده، فقال لمولاه: ما منعك أن تفعل ما أمرتك به؟! فقال: لا و اللّه، ما أبصرته، و

لقد جاء شي ء فحال بيني و بينه. فقال له أبو جعفر: و اللّه لئن حدّثت بهذا الحديث أحدا لأقتلك.

358) عن أبي الصامت، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أعطني شيئا أزداد به يقينا، و أنفي به الشك عن قلبى. فقال لى: «هات ما معك» و كان في كمي مفتاح، فناولته، فإذا المفتاح أسد، ففزعت منه، ثمّ قال: «نح وجهك عنّى» ففعلت، فعاد مفتاحا.

359) عن داود الرقى، قال: دخل كثير النواء على أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان كبيرا، فسلّم، فأجابه و خرج، فلمّا خرج قال عليه السلام: «أما و اللّه، لئن كان أبو إسماعيل يقول ذلك لهو أعلم بذلك من غيره».

و كان معنا رجل من أهل خراسان من بلخ يكنى بأبي عبد اللّه فتغيّر وجهه، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «لعلك ورعت ممّا سمعت». قال: قد كان ذلك.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ» فقال: جعلت فداك، و ما كان بنهر بلخ؟! قال: «حيث دفع إليك فلان جاريته لتبيعها، فلمّا عبرت النهر افترعتها في أصل الشجرة».

فقال: لقد كان ذلك جعلت فداك، و لقد أتى لذلك أربعون سنة، و لقد تبت إلى اللّه من ذلك. قال رجل: لقد تاب اللّه عليك.

ثمّ إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام أمر معتبا غلامه أن يسرج حماره فركب و خرجنا معه حتّى برزنا إلى الصحراء فاختال الحمار في مشيته- في حديث له طويل- فدنا منه أبو عبد اللّه فمضينا حتّى انتهينا إلى جب بعيد القعر، و ليس فيه ماء فقال البلخى: اسقنا من هذا الجب، فإنّ هذا جب بعيد القعر، و ليس فيه ماء. فدنا منه أبو عبد اللّه فقال: «أيّها

الجب السامع المطيع لربه، اسقنا ممّا جعل اللّه فيك».

قال: فو اللّه لقد رأينا الماء يغلي غليانا حتّى ارتفع على وجه الأرض، فشرب و شربنا.

فقال المفضّل و داود الرقى: جعلنا فداك، و ما هذا، إنّما هذا يشبه فيكم كشبه موسى بن عمران. فقال: «رحمكم اللّه».

ثمّ مضينا حتّى انتهينا إلى نخلة يابسة لا سعف لها، فقال البلخى: يا أبا عبد اللّه، أطعمنا من هذه النخلة. فدنا عليه السلام من النخلة فقال: «أيّتها النخلة اللينة، السامعة لربّها، المطيعة، أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك» قال المفضّل: فنثرت علينا رطبا كثيرا، و أكل و أكلنا معه.

و قال المفضّل و داود الرقى: جعلنا اللّه فداك، ما هذا إنما هو أشبه فيكم كشبه مريم. فقال لهم: «رحمكم اللّه».

ثمّ مضى و مضينا معه حتّى انتهينا إلى ظبى، فوقف الظبي قريبا منه، تنغم و تحرك ذنبه، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أفعل إن شاء اللّه تعالى».

قال: ثمّ أقبل و قال: «هل علمتم ما قال الظبي؟!» فقلنا: اللّه و رسوله و ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعلم.

قال: «إنّه أتاني فأخبرني أنّ بعض أهل المدينة نصب لأنثاه الشرك فأخذها، و لها خشفان لم ينهضا و لم يقويا للرعى، فسألني أن أسألهم أن يخلو عنها، و ضمن أنّها إذا أرضعت خشفيها حتّى يقويا أن ترد عليهم، فاستحلفته، فقال: برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أوفّ، و أنا فاعل ذلك إن شاء اللّه».

فقال المفضّل و داود الرقى: يشبه فيكم ذلك كشبه سليمان بن داود. فقال لهم: «رحمكم اللّه».

و انصرف و انصرفنا معه، فلمّا انتهى إلى باب داره تلا هذه الآية: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ نحن و اللّه الناس

الذين ذكرهم اللّه في هذا المكان، و نحن المحسودون».

ثمّ أقبل علينا فقال: «رحمكم اللّه اكتموا علينا و لا تذيعوا إلّا عند أهله، فإنّ المذيع علينا أشدّ مئونة من عدونا، انصرفوا رحمكم اللّه».

360) عن سدير الصيرفى، قال: مرّ أبو عبد اللّه عليه السلام على حمار له يريد المدينة، فمرّ بقطيع من الغنم، فتخلفت شاة من القطيع و اتبعت حماره، فتعبت الشاة، فحبس عليه السلام الحمار عليها حتّى دنت منه الشاة، فأومى برأسه نحوها، فقالت له: يا ابن رسول اللّه، أنصفني من راعيي هذا. قال: «ويحك، ما بالك تريدين الإنصاف من راعيك؟!» قالت: يا ابن رسول اللّه، يفجر بى. فوقف عليها حتّى دنا منه الراعى، ثمّ قال له: «ويلك تفجر بها!!».

قال: فالتفت الراعي إليه يقول: أمن الشياطين أنت، أو من الجن، أو من الملائكة، أو من النبيّين، أو من المرسلين؟ فقال:

«ويلك، ما أنا بشيطان، و لا جنّى، و لا ملك مقرّب، و لا نبي مرسل، و لكني ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و إن تبت استغفرت لك، و إن أبيت دعوت اللّه عليك بالسخط و اللعنة في ساعتك هذه». فقال: يا ابن رسول اللّه، إنّي تائب عمّا كنت فيه، فاستغفر اللّه لى. فقال للشاة:

«أيّتها الشاة، ارجعي إلى قطيعك و مرعاك، فإنّه قد ضمن أن لا يعود إلى ما كان فيه إن شاء اللّه» فمرّت الشاة و هي تقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّك حجّة اللّه على خلقه، و لعن اللّه من ظلمكم و جحد ولايتكم.

361) عن أبي سلمة السرّاج (و يونس بن ظبيان و حسين بن ثوير قالوا: كنا عند أبي عبد اللّه عليه السلام

فقال لنا: «عندنا خزائن الأرض و مفاتيحها، و لو شاء أن أقول بإحدى رجلى: أخرجي ما فيك، لأخرجت».

و قال بإحدى رجليه، فإذا نحن بالأرض قد انفرجت، فنظرنا إلى سبائك من ذهب كثيرة، بعضها على بعض، فقال لنا أبو عبد اللّه عليه السلام: «خذوها بأيديكم و انظروا» [قلنا]: قد أعطيتم ما أعطيتم و شيعتكم و عامّتكم فقراء؟!».

فقال: «سيجمع اللّه لهم الدنيا و الآخرة، و يدخلهم جنّات النعيم، و يدخل عدونا الجحيم».

362) عن داود الرقى، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، فقلت له: جعلت فداك، كم عدد الطهارة؟ فقال: «ما أوجب اللّه تعالى فواحدة، و أضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة، و من توضّأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له».

فبينا أنا معه في ذلك المكان إذ جاء داود بن زربي فأخذ زاوية [من البيت] فسأله عمّا سألت في عدد الطهارة، فقال له: «ثلاثا ثلاثا، من نقّص عنهن فلا صلاة له» فارتعدت فرائصى، و كاد أن يدخلني الشيطان- أعوذ باللّه منه- فأبصر أبو عبد اللّه عليه السلام إليّ و قد تغيّر لونى، فقال لى: «اسكن يا داود، هذا هو الكفر و ضرب الأعناق».

قال: فخرجنا من عنده، و كان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور، و كان ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربى، و أنّه رافضيّ يختلف إلى جعفر بن محمّد فقال أبو جعفر: إنّي أطّلع على طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد فإني لأعرف طهارته، و حققت عليه القول فاقتله.

فاطّلع و داود يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبو عبد اللّه عليه السلام، فما أتمّ وضوءه حتّى بعث

إليه أبو جعفر المنصور فدعاه.

قال داود: فلمّا دخلت عليه رحّب بي فقال: يا داود قيل فيك شي ء باطل، و ما أنت كذلك حتّى اطّلعت على طهارتك، ليست طهارتك طهارة الرفضة. فجعلني في حلّ و أمر لي بمائة ألف درهم.

قال داود الرقّى: فالتقيت أنا و داود بن زربي عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له داود بن زربى: جعلني اللّه فداك، حقنت دماءنا في دار الدنيا، و نرجو أن ندخل بحبّك الجنّة.

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «فعل اللّه ذلك بك و بإخوانك من جميع المؤمنين».

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يا داود بن زربى، حدّث داود الرقيّ بما مرّ عليك، حتّى يسكن روعه».

فحدّثني بالأمر كلّه، ثمّ قال: «يا داود بن زربى، توضّأ مثنى مثنى، لا تزدن عليه، فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك».

الباب العاشر في ذكر معجزات الامام موسى بن جعفر عليهما السلام

في ظهور آياته في إحياء الموتى و فيه: حديثان

363) عن المغيرة بن عبد اللّه، قال: مر العبد الصالح عليه السلام بامرأة بمنى، و هي تبكى، و صبيانها حولها يبكون، فدنا منها و قال عليه السلام لها: «ما يبكيك يا أمة اللّه؟» فقالت: يا عبد اللّه، إنّ لي صبيانا يتامى، و كانت لي بقرة كانت معيشتي و معيشة صبياني منها، و قد ماتت، و بقيت منقطعة بي و بولدى، و لا حيلة لنا.

فقال لها: «يا أمة اللّه، هل لك أن أحييها لك؟» فألهمت أن قالت: نعم يا عبد اللّه.

فتنحّى عليه السلام و صلّى ركعتين، ثمّ رفع يديه و قلب يمينه و حرّك شفتيه، ثمّ قام فمرّ بالبقرة فنخسها نخسا أو ضربها برجله، فاستوت البقرة على الأرض قائمة، فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت فقالت: و صاحت عيسى بن مريم و ربّ الكعبة. فخالط موسى بن جعفر عليه السلام

الناس و مضى.

364) عن علي بن يقطين، قال: استدعى الرّشيد رجلا يبطل به أمر موسى بن جعفر عليهما السلام و يقطعه و يخجله في المجالس، فانتدب له رجل معزم فلمّا حضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز، فكان كلّما رام أبو الحسن عليه السلام تناول رغيفا من الخبز طار من بين يديه، و استفز هارون الفرح و الضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور، فقال له: «يا أسد اللّه، خذ خذ عدوّ اللّه».

قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترس ذلك المعزم، فخرّ هارون الرشيد و ندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلمّا أفاقوا، قال هارون لأبي الحسن عليه السلام: أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل. قال عليه السلام: «إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيّهم، فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل».

في بيان ظهور آياته و معجزاته من كلامه في المهد و فيه: حديث واحد

365) عن يعقوب السرّاج، قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، و هو واقف على رأس أبي الحسن موسى عليه السلام و هو في المهد، فجعل يسارّه طويلا، فجلست حتّى فرغ فقمت إليه فقال لى: «أدن من مولاك فسلّم عليه». فدنوت و سلّمت عليه، فردّ عليّ بلسان فصيح، فقال: «اذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه اللّه عزّ و جل». و قد كانت ولدت لي بنت فسمّيتها باسم فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «انته إلى أمره ترشد».

في بيان ظهور آياته من الإخبار عن آجال الناس و فيه: ستة أحاديث

366) عن إسحاق بن عمّار، قال: كنت عند أبي الحسن الأول عليه السلام فدخل عليه رجل فقال له أبو الحسن عليه السلام:

«يا فلان، إنّك تموت إلى شهر، فأضمرت في نفسي كأنّه يعرف آجال الشيعة!» فقال: «يا إسحاق، ما تنكرون من ذلك؟ قد كان رشيد الهجري مستضعفا، و كان يعرف علم المنايا، فالإمام أولى بذلك منه».

ثمّ قال: «يا إسحاق، إنّك تموت إلى سنتين، و يفتقر أهلك و أهل بيتك، و تفلسون إفلاسا شديدا» و كان كما قال.

و في ذلك ثلاث آيات.

367) عن خالد بن نجيح، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «أفرغ فيما بينك و بين الناس في سنة أربع و سبعين و مائة حتّى يجيئك كتابى، فاخرج و انظر ما عندك و ابعث إلى، و لا تقبل من أحد شيئا». و خرج إلى المدينة، و بقي خالد بمكّة فبقي خالد بعد المدة خمسة عشر يوما ثمّ مات.

368) و عنه، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة فذكروا أنّ المفضل شديد الوجع، فادع اللّه له. فقال: «قد استراح» و كان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام.

369) و عنه، قال:

كنت بمكّة معه عليه السلام، فدخلت عليه، فقال: «من هاهنا من أصحابكم؟» فعددت عليه ثمانية أنفس، فأمر بخروج أربعة، و سكت عن أربعة، فما كان إلّا يومه من الغد حتّى مات أربعة، و خرج الأربعة فسلموا.

370) عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: استقرض أبو الحسن عليه السلام من شهاب بن عبد ربه مالا، و كتب كتابا و وضعه على يدى، و قال: إن حدث بي حدث فخرّقه.

قال عبد الرحمن: فخرجت إلى مكّة فلقيني أبو الحسن عليه السلام و أنا بمنى، فقال لى: «يا عبد الرحمن، خرّق الكتاب» ففعلت، و قدمت الكوفة و سألت عن شهاب، فإذا هو قد مات في الوقت الذي أومأ إليّ في خرق الكتاب.

و في ذلك آيتان.

371) عن الحسن بن علي الوشّاء، عن هشام، قال: أردت شراء جارية بمنى، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أستشيره في ذلك، فأمسك و لم يخبر.

قال: فانني من الغد عند مولى الجارية إذ مرّ بى، و هي جالسة عند جوار تتحدّث مع جارية، فنظر إليها، ثمّ رجع إلى منزله و قال لى:

«لا بأس، إن لم يكن في عمرها قلّة» فأمسكت عن شرائها، فلم أخرج من مكّة حتّى ماتت.

في بيان ظهور آياته في إخباره عن حديث النفس و فيه: خمسة أحاديث

372) عن خالد بن نجيح، قال: دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة، فلمّا نظرت إليه قلت في نفسى: بأبي و أمّي مظلوم مغصوب مضطهد، ثمّ دنوت فقبّلت ما بين عينيه، ثمّ جلست بين يديه، فالتفت إليّ و قال: «يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تضمر هذا في نفسك» فقلت: و اللّه ما أردت بهذا شيئا.

فقال: «نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، لو أردنا لزف إلينا، و إن

لهؤلاء القوم مدة و غاية لا بدّ من الانتهاء إليها».

فقلت: لا أعود أضمر في نفسي شيئا بعد هذا. فقال: «لا تعد أبدا».

373) عن هشام بن سالم، قال: لمّا قبض أبو عبد اللّه عليه السلام اختلف أصحابه من بعده، و مالوا إلى عبد اللّه بن جعفر، فتبين لهم منه أنّه ليس بصاحب الأمر بعد أبيه، فمالوا إلى محمّد بن جعفر فوجدوا فيه مثل ما وجدوا في عبد اللّه، فاغتمّوا لذلك غمّا شديدا، فدخلنا مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و صلّى كلّ واحد منّا ركعتين، ثمّ رفعنا أيدينا إلى السماء، باكية أعيننا، حيرة منّا في أمرنا، و نحن نقول: اللهمّ إلى من؟ إلى المرجئة أم إلى الخوارج أم إلى المعتزلة؟ فجاءنا مولى لأبي عبد اللّه، فدعانا إلى أبي الحسن موسى عليه السلام، فمضينا معه، فاستأذن لنا عليه، فأذن لنا، فدخلنا فلمّا بصر بنا قال من قبل أن نتكلم: «إلى، لا إلى الخوارج، و لا إلى المعتزلة، و لا إلى المرجئة» فعلمنا أنّه صاحب الأمر.

374) عن علي بن يقطين، قال: أردت أن أكتب إلى أبي الحسن الأول عليه السلام: أ يتنور الرجل و هو جنب؟ فكتب إليّ أشياء ابتداء منه، أولها: «النورة تزيد الرجل نظافة، و لكن لا يجامع الرجل و هو مختضب، و لا يجامع امرأة مختضبة».

375) عن أحمد بن عمر الحلّال: لمّا سمعت الأخرس بمكّة يذكر أبا الحسن عليه السلام اشتريت سكينا و قلت: و اللّه لأقتلنه إذا خرج من المسجد. فأقمت على ذلك و جلست، فما شعرت إلّا برقعة من أبي الحسن عليه السلام قد طلعت فيها: «بحقّي عليك إلّا كففت عن الأخرس، فإنّ اللّه معي و هو حسبى».

376) عن عثمان بن

سعيد، عن أبي علي بن راشد، قال:

اجتمعت العصابة بنيسابور في أيّام أبي عبد اللّه عليه السلام فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج، و قالوا: نحن نحمل في كلّ سنة إلى مولانا ما يجب علينا، و قد كثرت الكاذبة، و من يدّعي هذا الأمر، فينبغي لنا أن نختار رجلا ثقة نبعثه إلى الإمام، ليتعرف لنا الأمر.

فاختاروا رجلا يعرف بأبي جعفر محمّد بن إبراهيم النيسابوري و دفعوا إليه ما وجب عليهم في السنة من مال و ثياب، و كانت الدنانير ثلاثين ألف دينار، و الدراهم خمسين ألف درهم، و الثياب ألفي شقة، و أثواب مقاربات و مرتفعات.

و جاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها (شطيطة) و معها درهم صحيح، فيه درهم و دانقان، و شقّه من غزلها، خام تساوي أربعة دراهم، و قالت ما يستحق عليّ في مالي غير هذا، فادفعه إلى مولاى، فقال: يا امرأة، استحي من أبي عبد اللّه عليه السلام أن أحمل إليه درهما و شقّة بطانة. فقالت: «أ لا تفعل! إنّ اللّه لا يستحي من الحق، هذا الذي يستحق، فاحمل يا فلان فلئن ألقى اللّه عز و جل و ما له قبلي حقّ قلّ أم كثر، أحبّ إليّ من أن ألقاه و في رقبتي لجعفر بن محمّد حق».

قال: فعوجت الدرهم، و طرحته في كيس، فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلوى، و طرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوبا لأخوين بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل، و جائت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل، و كان سبعين ورقة، و كلّ مسألة تحتها بياض، و قد أخذوا كلّ ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة، و ختموا على كلّ حزام بخاتم، و قالوا: تحمل هذا

الجزء معك، و تمضي إلى الإمام، فتدفع الجزء إليه، و تبيّته عنده ليلة، وعد عليه و خذه منه، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر و لم يتشعب فاكسر منها ختمه و انظر الجواب، فإن أجاب و لم يكسر الخواتيم فهو الإمام، فادفعه إليه و إلّا فرد أموالنا علينا.

قال أبو جعفر: فسرت حتّى وصلت إلى الكوفة، و بدأت بزيارة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و وجدت على باب المسجد شيخا مسنّا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، و قد تشنّج وجهه، متزرا ببرد، متشحا بآخر، و حوله جماعة يسألونه عن الحلال و الحرام، و هو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين عليه السلام، فسألت من حضر عنده، فقالوا: أبو حمزة الثمالى. فسلّمت عليه، و جلست إليه، فسألني عن أمرى، فعرّفته الحال، ففرح بي و جذبني إليه، و قبّل بين عيني و قال: لو تجدب الدنيا ما وصل إلى هؤلاء حقوقهم، و إنّك ستصل بحرمتهم إلى جوارهم.

فسررت بكلامه، و كان ذلك أول فائدة لقيتها بالعراق، و جلست معهم أتحدّث إذ فتح عينيه، و نظر إلى البرية، و قال: هل ترون ما أرى؟ فقلنا: و أي شي ء رأيت.

قال: أرى شخصا على ناقة. فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلا على جمل، فأقبل، فأناخ البعير، و سلّم علينا و جلس، فسأله الشيخ و قال: من أين أقبلت؟ قال: من يثرب. قال: ما وراءك؟ قال: مات جعفر بن محمّد عليهما السلام. فانقطع ظهري نصفين، و قلت لنفسى: إلى أين أمضي؟! فقال له أبو حمزة: إلى من أوصى؟ قال: إلى ثلاثة، أولهم أبو جعفر المنصور، و إلى ابنه عبد اللّه، و إلى ابنه موسى.

فضحك أبو حمزة، و التفت إليّ و قال: لا تغتم

فقد عرفت الإمام. فقلت: و كيف أيّها الشيخ؟!

فقال: أمّا وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الإمام، و أمّا وصيته إلى ابنه الأكبر و الأصغر فقد بيّن عن عوار الأكبر، و نص على الأصغر. فقلت: و ما فقه ذلك؟ فقال: قول النبي صلى الله عليه و آله: «الإمامة في أكبر ولدك يا على، ما لم يكن ذا عاهة» فلمّا رأيناه قد أوصى إلى الأكبر و الأصغر، علمنا أنّه قد بيّن عن عوار كبيره، و نصّ على صغيره، فسر إلى موسى، فإنّه صاحب الأمر.

قال أبو جعفر: فودّعت أمير المؤمنين، و ودّعت أبا حمزة، و سرت إلى المدينة، و جعلت رحلي في بعض الخانات، و قصدت مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و زرته، و صلّيت، ثمّ خرجت و سألت أهل المدينة:

إلى من أوصى جعفر بن محمّد؟ فقالوا: إلى ابنه الأفطح عبد اللّه فقلت: هل يفتي؟ قالوا: نعم.

فقصدته و جئت إلى باب داره، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد، فأنكرت، ثمّ قلت: الإمام لا يقال له لم و كيف؛ فاستأذنت، فدخل الغلام، و خرج و قال: من أين أنت؟

فأنكرت و قلت: و اللّه ما هذا بصاحبى. ثمّ قلت: لعله من التقية، فقلت: قل: فلان الخراسانى، فدخل و أذن لى، فدخلت، فإذا به جالس في الدست على منصة عظيمة، و بين يديه غلمان قيام، فقلت في نفسى: ذا أعظم، الإمام يقعد في الدست؟! ثمّ قلت: هذا أيضا من الفضول الذي لا يحتاج إليه، يفعل الإمام ما يشاء، فسلّمت عليه، فأدناني و صافحنى، و أجلسني بالقرب منه، و سألني فاحفى، ثمّ قال: في أي شي ء جئت؟ قلت: في مسائل أسأل عنها،

و أريد الحج. فقال لى: اسأل عمّا تريد.

فقلت: كم في المائتين من الزكاة؟ قال: خمسة دراهم.

قلت: كم في المائة؟ قال: درهمان و نصف.

فقلت: حسن يا مولاى، أعيذك باللّه، ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟

قال: يكفيه من رأس الجوزاء، ثلاثة. فقلت: الرجل لا يحسن شيئا. فقمت و قلت: أنا أعود إلى سيدنا غدا. فقال: إن كان لك حاجة فإنّا لا نقصّر.

فانصرفت من عنده، و جئت إلى ضريح النبي (ص فانكببت على قبره، و شكوت خيبة سفرى، و قلت: يا رسول اللّه، بأبي أنت و أمّى، إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي؟ إلى اليهود، أم إلى النصارى، أم إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب؟ إلى أين يا رسول اللّه؟ فما زلت أبكي و أستغيث به، فإذا أنا بإنسان يحركنى، فرفعت رأسي من فوق القبر، فرأيت عبدا أسود عليه قميص خلق، و على رأسه عمامة خلق فقال لى: يا أبا جعفر النيسابورى، يقول لك مولاك موسى بن جعفر عليهما السلام: «لا إلى اليهود، و لا إلى النصارى، و لا إلى المجوس، و لا إلى أعدائنا من النواصب، إلى، فأنا حجّة اللّه، قد أجبتك عمّا في الجزو و بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس، فجئني به، و بدرهم شطيطة الذي فيه درهم و دانقان، الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلوى، و شقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين».

قال: فطار عقلى، و جئت إلى رحلى، ففتحت و أخذت الجزو و الكيس و الرزمة، فجئت إليه فوجدته في دار خراب، و بابه مهجور ما عليه أحد، و إذا بذلك الغلام قائم على الباب، فلمّا رآني دخل بين يدى، و دخلت معه، فإذا بسيدنا عليه السلام

جالس على الحصير، و تحته شاذكونه يمانية، فلما رآني ضحك و قال: «لا تقنط، و لم تفزع؟

لا إلى اليهود، و لا إلى النصارى و المجوس، أنا حجّة اللّه و وليه، أ لم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جري أمري؟!».

قال: فأزاد ذلك في بصيرتى، و تحققت أمره. ثمّ قال لى: «هات الكيس» فدفعته إليه، فحلّه و أدخل يده فيه، و أخرج منه درهم شطيطة، و قال لى: هذا درهمها؟» فقلت: نعم. فأخذ الرزمة و حلّها و أخرج منها شقة قطن مقصورة، طولها خمسة و عشرون ذراعا، و قال لى: «اقرأ عليها السلام كثيرا، و قل لها: قد جعلت شقتك في أكفانى، و بعثت إليك بهذه من أكفاننا، من قطن قريتنا صريا، قرية فاطمة عليها السلام، و بذر قطن، كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها، و غزل أختي حكيمة بنت أبي عبد اللّه عليه السلام و قصارة يده لكفنه، فاجعليها في كفنك».

ثمّ قال: «يا معتب جئني بكيس نفقة مئوناتنا» فجاء به، فطرح درهما فيه، و أخرج منه أربعين درهما، و قال: «اقرأها منّي السلام، و قل لها: «ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر، و وصول هذا الكفن، و هذه الدراهم، فانفقي منها ستة عشر درهما، و اجعلي أربعة و عشرين صدقة عنك، و ما يلزم عليك، و أنا أتولى الصلاة عليك؛ فإذا رأيتني فاكتم، فإنّ ذلك أبقى لنفسك؛ و افكك هذه الخواتيم و انظر هل أجبناك أم لا؟ قبل أن تجي ء بدراهمهم كما أوصوك، فإنّك رسول».

فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحا، ففككت من وسطها واحدا فوجدت تحتها: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: نذرت للّه عزّ و جل لأعتقن كلّ مملوك كان في

ملكي قديما. و كان له جماعة من المماليك؟

تحته الجواب من موسى بن جعفر عليهما السلام: «من كان في ملكه قبل ستة أشهر، و الدليل على صحة ذلك قوله تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (و كان بين العرجون القديم و العرجون الجديد في النخلة) ستة أشهر».

و فككت الآخر، فوجدت فيه: ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال: [و اللّه] أتصدّق بمال كثير، بما يتصدّق.

تحته الجواب بخطه عليه السلام: «إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدّق بأربعة و ثمانين دينارا، و إن كان من أرباب الدراهم تصدّق بأربعة و ثمانين درهما، و إن كان من أرباب الغنم فيتصدّق بأربعة و ثمانين غنما، و إن كان من أرباب البعير فباربعة و ثمانين بعيرا؛ و الدليل على ذلك قوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فعددت مواطن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل نزول الآية فكانت أربعة و ثمانين موطنا».

و كسرت الأخرى فوجدت تحته: ما يقول العالم عليه السلام في رجل نبش قبرا و قطع رأس الميت و أخذ كفنه؟

الجواب تحته بخطه عليه السلام: «تقطع يده لأخذ الكفن من وراء الحرز، و يؤخذ منه مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمّه من قبل نفخ الروح فيه، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا، و في العلقة عشرين دينارا، و في المضغة عشرين دينارا، و في اللحم عشرين دينارا، و في تمام الخلق عشرين دينارا، فلو نفخ فيه الروح لألزمناه ألف دينار، على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئا، بل يتصدق بها عنه، أو يحجّ، أو يغزى بها، لأنّها أصابته في جسمه بعد الموت».

قال أبو جعفر

فمضيت من فوري إلى الخان و حملت المال و المتاع إليه، و أقمت معه و حج فى تلك السنة فخرجت في جملته معادلا له في عماريّته في ذهابي يوما و في عماريّة أبيه يوما، و رجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس، و شطيطة من جملتهم، فسلّموا على، فأقبلت عليها من بينهم و أخبرتها بحضرتهم بما جرى، و دفعت إليها الشقة و الدراهم، و كادت تنشق مرارتها من الفرح، و لم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلّا حاسد أو متأسف على منزلتها و دفعت الجزء إليهم، ففتحوا الخواتيم، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم.

و أقامت شطيطة تسعة عشر يوما، و ماتت رحمها اللّه، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها، فرأيت أبا الحسن عليه السلام على نجيب، فنزل عنه و أخذ بخطامه، و وقف يصلّي عليها مع القوم، و حضر نزولها إلى قبرها و نثر في قبرها من تراب قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام، فلما فرغ من أمرها ركب البعير و ألوى برأسه نحو البرية، و قال: «عرّف أصحابك و اقرأهم عنّي السلام، و قل لهم: إنّني و من جرى مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا اللّه في أنفسكم و أحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم، و فك رقابكم من النار».

قال أبو جعفر: فلما ولّى عليه السلام عرّفت الجماعة، فرأوه و قد بعد و النجيب يجري به، فكادت أنفسهم تسيل حزنا إذ لم يتمكنوا من النظر إليه.

و في ذلك عدة آيات، و كفى بها حجّة للمتأمل الذاكر.

في ظهور آياته في الإخبار بالمغيبات و فيه: ستة أحاديث

377) عن الأصبغ بن موسى، قال: بعث معي رجل من أصحابنا إلى أبي الحسن موسى عليه السلام بمائة دينار، و كان معي بضاعة لنفسى،

فلمّا دخلت المدينة صببت عليّ ماء، و غسلت بضاعتي و بضاعة الرجل، و ذررت عليها مسكا، ثمّ إني عددت بضاعة الرجل، فوجدتها تسعة و تسعين دينارا، فأخذت دينارا من دنانير لي أخرى فغسلته و ذررت عليه مسكا، و أعدتها في الصرّة كما كانت، ثمّ دخلت عليه في الليل، فقلت له: جعلت فداك، إنّ معي شيئا أتقرّب به إلى اللّه. فقال: «هات».

فلمّا ناولته الصرّة قال: «فضها» ففضضتها، ثمّ قلت: إنّ فلانا مولاك بعث إليك معي بشي ء. فلمّا أن ناولته و نثرتها بين يديه أخرج ديناري من بينها، ثمّ قال: «إنّما بعث إلينا وزنا لا عددا».

378) و لقد وجدت في بعض كتب أصحابنا رضي اللّه عنهم أنّه كان للرشيد باز أبيض، يحبه حبا شديدا، فطار في بعض متصيداته حتّى غاب عن أعينهم، فأمر الرشيد أن يضرب له قبّة، و نزل تحتها، و حلف أنّه لا يبرح من موضعه أو يجيئوا إليه بالباز، و أقام بالموضع، و أنفذ وجوه العسكر، و سرح الأمراء و الأقواد في طلبه على مسيرة يوم أو يومين و ثلاثة.

فلمّا كان في اليوم الثاني آخر النهار نزل البازي عليه في يده حيوان يتحرك، و يلمع كما يلمع السيف في الشمس، فأخذه من يده بالرفق، و رجع إلى داره فطرحه في طست ذهب، و دعا بالأشراف و الأطباء و الحكماء و الفقهاء و القضاة و الحكّام، فقال: هل فيكم من رأى مثل هذه الصورة قط؟ فقالوا: ما رأينا مثلها قط، و لا ندري ما هى.

قال: كيف لنا بعلمها؟ فقال له ابن أكثم القاضي و أبو يوسف يعقوب القاضى: مالك غير إمام الروافض موسى بن جعفر تبعث و تحضر جماعة من الروافض، و تسأله عنها، فإن

علم كانت معرفتها لنا فائدة، و إن لم يعلم افتضح عند أصحابه الذين عندهم أنّه يعلم الغيب، و ينظر في السماء إلى الملائكة.

فقال: هذا و تربة المهدي نعم الرأي و ارسلوا خلف أبي الحسن عليه السلام و سألوه أن يحضر المجالس الساعة و من عنده من أصحابه.

و بعثوا خلف فلان و فلان من أصحاب الروافض.

فحضر أبو الحسن عليه السلام و جماعة من الشيعة معه، فقال:

يا أبا الحسن، إنّما أحضرتك شوقا إليك. فقال: «دعني من شوقك، ألا إنّ اللّه تبارك خلق بين السماء و الأرض بحرا مكفوفا عذبا زلالا، كفّ الموج بعضه على بعض من حواشيه لئلا يطغى خزنته فينزل منه مكيال فيهلك ما تحته، و طوله أربعة فراسخ في أربعة فراسخ من فراسخ الملائكة، الفرسخ مسيرة مائتي عام للراكب المجد يحفّ به الصافون المسبّحون من الملائكة الذين قال اللّه تعالى: وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ.

و خلق له سكانا أشخاصا على عمل السمك صغارا و كبارا، فأكبر ما فيه من هذه الصورة شبر، و له رأس كرأس الآدمى، و له أنف و أذنان و عينان، و الذكور منها له سواد في وجهه مثل اللحى، و الإناث لها شعور على رأسها مثل النساء، و لها أجساد مثل أجساد السمك، و فلوس مثل (فلوس السمك) و بطون مثل بطونها، و مواضع الأجنحة منها مثل أكف و أرجل مثل أيدي الناس، و أرجلهم، تلمع لمعانا عظيما لأنّها متبرّجة بالأنوار، تغشي الناظر إليها حتى يرد طرفه حسيرا.

غداؤها التقديس و التكبير و التهليل، فإذا قصّر أحدهما في التسبيح سلّط اللّه عليها البزاة البيض، فأكلتها و جعلت رزقها، و ما يحل لك أن تأخذ من هذا البازي رزقه الذي

بعثه اللّه إليه ليأكله».

فقال الرشيد: أخرجوا الطست، فأخرجوه، فنظر إليها فما أخطأ ممّا قال أبو الحسن موسى عليه السلام شيئا، ثمّ انصرف، فطرحها الرشيد للبازي فقطعها و أكلها، فما نقط لها دم، و لا سقط منها شي ء.

فقال الرشيد لجماعة الهاشميين و من حضر: أ ترانا لو حدّثنا بهذا كنا نصدّق؟!

379) عن عبد اللّه بن سنان، قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها، و كان من جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك، مثقّلة بالذّهب، فأنفذ علي بن يقطين جلّ تلك الثياب إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، و أنفذ من جملتها تلك الدرّاعة، و أضاف إليها مالا كان أعدّه على رسم له فيما يحمله من خمس ماله.

فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قبل المال و الثياب و ردّ الدرّاعة على يد الرسول إلى عليّ بن يقطين، و كتب إليه: «احتفظ بها، و لا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها».

فارتاب عليّ بن يقطين بردّها إليه، و لم يدر ما سبب ذلك، و احتفظ بالدرّاعة، فلمّا كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام له كان يختصّ به، فصرفه عن خدمته، و كان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن عليه السلام، و يقف على ما يحمله إليه في كلّ وقت من الأوقات من مال و ثياب و ألطاف و غير ذلك، فسعى به إلى الرشيد و قال: إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفر عليهما السلام و يحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة، و قد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا و كذا. فاستشاط الرشيد لذلك،

و غضب غضبا شديدا، و قال: لأكشفن عن هذا الحال، فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه (و أمر في الحال) بإحضار علي بن يقطين.

فلمّا مثل بين يديه قال: ما فعلت بالدرّاعة التي كسوتك إيّاها، قال: هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط مختوم، فيه طيب، قد احتفظت بها، و كلّما أصبحت فتحت السفط و نظرت إليها تبركا بها، و قبّلتها و رددتها إلى موضعها، و كلّما أمسيت صنعت مثل ذلك. فقال:

أحضرها الساعة؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين.

و استدعى بعض خدمه و قال له: امض إلى البيت في دارى، و خذ مفتاحه من جاريتى، و افتحه، ثمّ افتح الصندوق الفلاني و جئني بالسفط الذي فيه بختمه. فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما، و وضع بين يدي الرّشيد، و أمر بكسر ختمه و فتحه.

فلمّا فتح نظر إلى الدرّاعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب، فسكن الرشيد من غضبه، ثمّ قال لعلي بن يقطين: أرددها إلى مكانها و انصرف راشدا، فلن أصدّق عليك بعدها ساعيا. و أمر أن يتبع بجائزة سنية، و تقدم بضرب الساعي به ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط، فمات في ذلك.

380) عن محمّد بن إسماعيل، عن محمد بن المفضل، قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرّجلين في الوضوء، أ هو من الأصابع إلى الكعبين، أم من الكعبين إلى الأصابع؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرّجلين، فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه تعالى.

فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام: «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، و الذي آمرك به

في ذلك أن تتمضمض ثلاثا، و تستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلّل شعر لحيتك، و تغسل يديك ثلاثا، و تمسح رأسك كلّه، و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما، و تغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا. و لا تخالف ذلك إلى غيره».

فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا (أجمعت العصابة) على خلافه، ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال، و أنا ممتثل أمره. فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام.

و سعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد و قيل له: إنه رافضيّ مخالف لك. فقال الرّشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين و القذف له بخلافنا، و ميله إلى الرفض، و لست أرى في خدمته لي تقصيرا، و قد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على شي ء يقذف به، و أحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك، فيتحرز منّى. فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فتحققه و لا ترى غسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه. فقال: أجل، إنّ هذا الوضوء يظهر به أمره.

ثمّ تركه مدة و ناطه بشي ء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة، و كان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين و لا يراه هو، فدعا بالماء فتمضمض ثلاثا، و استنشق ثلاثا، و غسل وجهه و خلل شعر لحيته، و غسل يديه إلى المرفقين ثلاثا، و مسح رأسه و أذنيه، و غسل

رجليه، و الرشيد ينظر إليه، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه، ثمّ ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة. و صلحت حاله عنده.

ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام: «ابتداء يا علي بن يقطين من الآن توضأ كما أمرك اللّه، اغسل وجهك مرة فريضة، و الأخرى إسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدّم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف عليك منه».

381) عن مرازم، قال: حضرت باب الرشيد أنا و عبد الحميد الطائي و محمّد بن حكيم و أدخل عبد الحميد فما لبثنا أن طرح برأسه وحده، فتغيرت ألواننا و قلنا: قد وقع الأمر.

فلمّا دخلت عليه وجدته مغضبا، و السياف قائم بين يديه، و بيده سيف مصلت، و رأيت خلفه علويا، فعلمت أنّه قد فعل بنا ذلك، فقلت: اتق اللّه يا أمير المؤمنين في دمى، فإنّه لا يحل لك إلّا بحجّة، و لا تسمع فينا قول هذا الفاسق.

فقال العلوى: أ تفسقني و قد كنت بالمدينة تلقمني الفالوذج بيدك محبّة لي؟ فقال الرشيد بحيث لم يسمع هو: إذا عرفت حقّه. فقلت:

يا أمير المؤمنين، أنشدك اللّه إلّا قلت لهذا: أ لست كنت أبيع دارا بالمدينة لي فطلب منّي أن أبيعها منه، ثمّ إنه استشفع في ذلك بموسى بن جعفر عليه السلام فما قبلت و لا شفّعته فيه، و بعته من غيره؟ فسأله: أ كذلك؟ قال: نعم. فقال: قم، قبحك اللّه، تقول إنّه يقول بربوبية موسى بن جعفر عليهما السلام ثمّ تقول إنّه لم يقبل شفاعته في بيع دار منّي؟!

ثمّ أقبل عليّ و قال: ارجع راشدا. فخرجت

و أخذت بيد صاحبي و قلت: امض، فقد خلّصنا اللّه تعالى، و رحم اللّه عبد الحميد، و حكيت له ما جرى فقال لى: و ما منعك من قبول شفاعة أبي الحسن عليه السلام؟ فقلت له: هو أمرني بذلك، و قال لى: «إن استشفع بي إليك فلا تقبل شفاعتى».

382) عن أبي خالد الزّبالي قال: ورد علينا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام و قد حمله المهدى، فلمّا خرج ودعته و بكيت فقال: «ما يبكيك يا أبا خالد؟» فقلت: جعلت فداك، قد حملك هؤلاء و ما أدري ما يحدث. فقال: «أمّا في هذه المرّة فلا خوف عليّ منهم، و أنا عندك في يوم كذا، في شهر كذا، في ساعة كذا، فانتظرني عند أول الميل» و مضى.

قال: فلمّا كان من اليوم الذي وصفه لي خرجت إلى الميل، و جلست أنتظره حتّى اصفرت الشمس، و خفت أن يكون قد تأخر به عن الوقت، فقمت لأنصرف فإذا أنا بسواد قد أقبل، و مناديا ينادي من خلفى، فأتيته فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام على بغلته فقال ابتداء: يا أبا خالد، إنّ لي عودة إليهم، و لا أتخلّص من أيديهم.

في بيان ظهور آياته في معان شتى و فيه: أحد عشر حديثا

383) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد الرافعى، قال: كان لي ابن عم يقال له (الحسين بن عبد اللّه) و كان زاهدا و من أعبد أهل زمانه، و كان يعظ السلطان، و ربما استقبله بكلام صعب فيما يعظه به، و يأمره بالمعروف، و كان السلطان يحتمله لصلاحه، و لم تزل هذه حالته حتّى كان ذات يوم فدخل أبو الحسن عليه السلام المسجد فرآه فأومى إليه و قال له: «يا أبا علي ما أحب إليّ ما أنت فيه

و أسرني بك فيه، إلّا أنّه ليس لك معرفة، فاطلب المعرفة».

فقال: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه، فما المعرفة؟ قال: «اذهب و تفقه و اطلب الحديث».

قال: فممّن؟ قال: «من مالك بن أنس، و من فقهاء المدينة». ثم أعرض علي الحديث فذهب و كتب حديثا كثيرا، ثمّ جاءه و قرأه عليه، فأسقطه كلّه، ثمّ قال: «اذهب في طلب المعرفة» و كان الرجل معنيا بدينه، فلم يزل يترصد أبا الحسن عليه السلام حتّى إذا خرج إلى ضيعة له تبعه فبلغه في الطريق و قال: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه، إنّي احتجّ عليك بين يدي اللّه تعالى، دلني على المعرفة.

فأخبره بأمر أمير المؤمنين عليه السلام، و أخبره بأمر غيره فقبل ذلك منه، ثمّ سأل عمّن كان بعد أمير المؤمنين قال: «الحسن و الحسين» حتّى عدّ إلى نفسه، ثمّ سكت.

قال: فمن في هذا اليوم؟ فقال: «إن أخبرتك تقبل؟» قال: بلى.

قال: «أنا هو» قال: فشي ء استدل به. قال: «اذهب إلى تلك الشجرة- و أشار إلى بعض أشجار أمّ غيلان- فقل لها: يقول لك موسى بن جعفر: أقبلى».

قال: فأتيتها و قلت لها ذلك، فرأيتها تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه، ثمّ أشار إليها فرجعت، فأقر به، ثمّ لزم الصمت و العبادة، و كان لا يراه أحد بعد ذلك يتكلم، و كان قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة، و يرى له، ثمّ انقطعت عنه، فرأى أبا الحسن عليه السلام فيما يرى النائم، فشكا إليه انقطاع الرؤيا، فقال: «لا تغتم، إنّ المؤمن إذا رسخ في الإيمان رفعت عنه الرؤيا».

384) عن علي بن أبي حمزة البطائنى، قال: خرج أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في بعض الأيّام من المدينة، إلى ضيعة له

خارجة عنها، فصحبته، و كان عليه السلام راكبا بغلة، و أنا على حمار لى، فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد، فأحجمت خوفا، و أقدم أبو الحسن عليه السلام غير مكترث له، فرأيت الأسد يتذلل له و يهمهم، فوقف له أبو الحسن عليه السلام كالمصغي إلى همهمته، و وضع الأسد يده على كفل بغلته، فدهمني من ذلك [فزع] و خفت خوفا عظيما، ثمّ تنحى الأسد إلى جانب الطريق، و حوّل أبو الحسن عليه السلام وجهه إلى القبلة و جعل يدعو و يحرك شفتيه بما لم أفهمه، ثمّ أومى إلى الأسد باليد أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة، و أبو الحسن عليه السلام يقول: «آمين، آمين»، حتّى غاب عن أعيننا، و مضى أبو الحسن عليه السلام لوجهه و اتبعته.

فلمّا بعدنا عن الموضع لحقته، و قلت: جعلت فداك، ما شأن هذا الأسد؟! فلقد خفته و اللّه عليك، و عجبت من شأنه معك! فقال عليه السلام: «إنّه خرج إليّ يشكو عسر الولادة على لبوته، و سألني أن أسأل اللّه تعالى أن يفرج عنها، ففعلت ذلك، و ألقي في روعي أنّها تلد ذكرا فخبّرته بذلك، فقال لى: امض في حفظ اللّه فلا سلّط اللّه عليك و لا على أحد من ذريتك و شيعتك شيئا من السباع؛ فقلت: آمين، آمين».

385) عن إسماعيل بن سلام و أبي حميد قالا: بعث إلينا علي بن يقطين و قال: اشتريا راحلتين، و تجنبا الطريق، و دفع إلينا مالا و كتبا حتّى توصلا ما معكما من المال و الكتاب إلى أبي الحسن عليه السلام، و لا يعلم بكما أحد.

قالا: فأتينا الكوفة و اشترينا راحلتين، و تزودنا زادا، و خرجنا نتجنب الطريق، حتّى إذا صرنا ببطن

البرية شددنا راحلتينا، و وضعنا العلف لهما، و قعدنا نأكل، فبينما نحن كذلك إذ رأينا راكبا قد أقبل و معه شاكرى، فلمّا قرب فإذا هو أبو الحسن عليه السلام فقمنا إليه و سلّمنا عليه، و دفعنا إليه الكتاب، و ما كان معنا، فأخرج من كمّه كتبا فناولها إيّانا و قال: «هذه جوابات كتبكم» فقلنا: زادنا قد فنى، فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة و زرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله و تزودنا زادا. فقال: «هاتوا ما معكما من الزاد».

فأخرجنا الزاد إليه فقلّبه بيده الشريفة و قال: «هذا يبلغكما الكوفة، و أمّا زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد زرتماه، إنّي صلّيت معهم الفجر، و أنا أريد أن أصلي معهم الظهر، انصرفا في حفظ اللّه».

386) و وجدت في بعض كتب أصحابنا رضي اللّه عنهم أنّ إبراهيم الجمّال كان من الموحدين العارفين، فاستأذن على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير، و كان ممّن يوالي أهل البيت عليهم السلام، فحجب عليه، فحجّ في تلك السنة علي بن يقطين فاستأذن بالمدينة على أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام فحجبه، فرآه ثاني يوم فقال: يا مولاي ما ذنبي؟ فقال عليه السلام: «حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمال مولاى» فقال: من لي بإبراهيم الجمّال و هذا الوقت؟ فقال عليه السلام: «إذا كان ليلا فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يراك أحد من أصحابك، فاركب نجيبا هناك مسرجا».

فوافى البقيع، و ركب النجيب، و لم يلبث حتّى أناخه على باب إبراهيم الجمّال، فقرع الباب و قال: أنا علي بن يقطين فقال من داخل الدار: و ما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال علي بن يقطين: يا هذا،

إن أمري عظيم. فأبى أن يفتح عليه الباب، ثمّ أذن له.

فلمّا دخل عليه قال: إنّ المولى عليه السلام أبى أن يقبلني دون أن تغفر لي يا إبراهيم. فقال: يغفر اللّه لك. و علي بن يقطين يقول: اللهم اشهد لى. ثمّ انصرف و ركب النجيب و أناخه من ليلته بباب المولى عليه السلام بالمدينة، فأذن له، و دخل عليه فقبله.

387) عن إسحاق بن أبي عبد اللّه، قال: كنت مع أبي الحسن موسى عليه السلام حين قدم من البصرة، فبينما نحن نسير في البطائح في هول أرياح إذ سايرنا قوم في السفينة، فسمعنا لهم جلبة، فقال عليه السلام: «ما هذا؟» فقيل: عروس تهدى إلى زوجها.

قال: ثمّ مكثنا ما شاء اللّه تعالى، فسمعنا صراخا و صيحة فقال عليه السلام: «ما هذا؟» فقيل: العروس أرادت تغرف ماء فوقع سوارها في الماء. فقال: (أحبسوا و قولوا لملاحهم يحبس فحبسنا و حبس) ملاحهم فجلس و وضع أبو الحسن عليه السلام صدره على السفينة و تكلم بكلام خفى، و قال للملاح: «انزل» فنزل الملاح بفوطة، فلم يزل في الماء نصف ساعة و بعض ساعة فإذا هو بسوارها، فجاء به.

فلمّا أخرج الملّاح السوار قال له إسحاق أخوه: جعلت فداك، الدعاء الذي قلت أخبرنا به. فقال له: «أستره إلّا ممّن تثق به» ثم قال: «يا سابق كل فوت، و يا سامع كل صوت، و يا بارئ النفوس بعد الموت، يا كاسي العظام لحما بعد الموت، يا من لا تغشاه الظلمات الحندسية، و لا تتشابه عليه الأصوات المختلفة، و يا من لا يشغله شأن عن شأن، يا من له عند كل شي ء من خلقه سمع حاضر، و بصر نافذ، لا يغلطه كثرة المسائل، و لا

يبرمه إلحاح الملحين، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه و بقائه، يا من سكن العلى و احتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرق بنوره دياجي الظلم أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الوتر الصمد أن تصلّي على محمّد و آل محمّد الطيبين الطاهرين».

388) عن بشّار مولى السندي بن شاهك، قال: كنت من أشدّ الناس بغضا لآل محمّد فدعاني السندي يوما فقال: يا بشّار، إنّي أريد أن آتمنك على ما ائتمنني هارون. قلت: إذا لا أبقي فيه غاية.

قال: هذا موسى بن جعفر قد دفعه إلى، و قد دفعته و وكلتك بحفظه، فجعلته في دار في جوف دور، و كنت أقفل عليه عدّة أقفال، فإذا مضيت في حاجة وكّلت امرأتي بالباب، لا تفارقه حتّى أرجع.

قال بشار: فحول اللّه ما كان في قلبي من البغض حبّا.

قال: فدعاني عليه السلام يوما فقال: «يا بشّار، احضر في سجن القنطرة و ادع لي هند بن الحجاج، و قل له: أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه، فإنّه ينتهرك و يصيح عليك، فإذا فعل ذلك فقل: أنا قد قلت و أبلغت رسالته، فإن شئت فافعل، و إن شئت لا تفعل، و اتركه و انصرف».

قال: ففعلت ما أمرنى، و أقفلت الأبواب كما كنت أقفل، و أقعدت امرأتي على الباب، و قلت: لا تبرحي حتّى آتيك، و قصدت إلى سجن القنطرة، و دخلت على هند بن الحجاج و قلت له: أبو الحسن عليه السلام يأمرك بالمصير إليه، فصاح عليّ و انتهرنى، فقلت له: قد أبلغتك فإن شئت فافعل، و إن شئت لا تفعل، و انصرفت و تركته.

و جئت إلى أبي الحسن عليه السلام، فوجدت امرأتي قاعدة على الباب، و الأبواب مغلقة، فلم أزل أفتح واحدا

بعد واحد حتّى وصلت إليه، فأعلمته الخبر، فقال: «نعم قد جاءني و انصرف».

فخرجت إلى امرأتي فقلت لها: هل جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب؟ فقالت: لا و اللّه، ما فارقت الباب، و لا فتحت الأقفال حتّى جئت.

389) قال: و روى علي بن محمّد بن الحسن الأنباري أخو صندل، قال: بلغني من جهة أخرى أنّه لمّا صار إليه هند بن الحجّاج قال له العبد الصالح عليه السلام عند انصرافه: «إن شئت رجعت إلى موضعك و لك الجنّة، و إن شئت انصرفت إلى منزلك» فقال: إلى موضعى، إلى السجن.

390) عن إسحاق بن منصور، قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول ناعيا إلى رجل من الشيعة نفسه، فقلت في نفسى: و إنّه ليعلم متّى يموت الرجل من شيعته؟! فالتفت إليّ و قال:

«اصنع ما أنت صانع، فإنّ عمرك قد فنى، و قد بقي منه دون سنتين، و كذلك أخوك لا يمكث بعدك إلّا شهرا واحدا حتّى يموت، و كذلك عامّة أهل بيتك و يتشتت كلهم، و يتفرق جمعهم، و يشمت بهم أعداؤهم، و يصيرون رحمة لإخوانهم، إن كان هذا في صدرك».

فقلت: أستغفر اللّه ممّا عرض في صدري منكم.

فلم يستكمل منصور سنتين حتّى مات، و مات بعده بشهر أخوه، و مات أهل بيته، و أفلس بقيتهم و تفرّقوا حتّى احتاج من بقي منهم إلى الصّدقة.

391) عن إسحاق بن عمّار قال: دخلت على موسى بن جعفر عليهما السلام فجلست عنده، إذ استأذن عليه رجل خراساني فكلّمه بكلام لم أسمع بمثله، كأنّه كلام الطير.

قال إسحاق: فأجابه عليه السلام بمثل هذا الكلام و بلغته، إلى أن قضى وطره من مسائله و خرج من عنده، فقلت: ما سمعت بمثل هذا الكلام!

قال: «هذا كلام

قوم من أهل الصين، و ليس كلّ كلام أهل الصين مثله ثمّ إنّه تعجب من كلامي بلغته» فقلت: هو موضع التعجب. قال: «أخبرك بما هو أعجب منه، إنّ الإمام يعلم منطق الطير و منطق كلّ ذي روح خلقه اللّه، و ما يخفى على الإمام شي ء».

392) عن علي بن أبي حمزة، قال: كنت عند موسى بن جعفر عليهما السلام إذ أتاه رجل من أهل الري يقال له (جندب) فسلّم عليه و جلس، فسأله أبو الحسن عليه السلام و أحسن السؤال، ثمّ قال له: «يا جندب، ما فعل أخوك؟» قال: بخير، و هو يقرئك السلام.

قال: «يا جندب، أعظم اللّه أجرك في أخيك» قال: ورد كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوما بالسلامة!

قال: «إنّه و اللّه مات بعد كتابه إليك بيومين، و دفع إلى امرأته مالا و قال: ليكن هذا المال عندك، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه؛ و قد أودعته الأرض في البيت الذي كان يكون فيه، فإذا أتيتها فتلطّف لها و أطمعها في نفسك، فإنّها ستدفعه إليك».

قال علي بن أبي حمزة: و كان جندب رجلا جميلا. قال: فلقيت جندبا بعدها فقال: صدق أبو الحسن عليه السلام. فسألته عمّا قال له، فقال: صدق و اللّه سيدى، ما زاد و لا نقص، لا في الكتاب، و لا في المال.

393) و عنه، قال: كان رجل من موالي أبي الحسن عليه السلام لي صديقا، قال: خرجت من منزلي يوما، فإذا أنا بامرأة حسناء جميلة و معها أخرى فتبعتها، فقلت لها: تمتعيني نفسك؟ فالتفتت إليّ و قالت: إن كان لنا عندك حسن فليس فينا مطمع، و إن لم يكن لك زوجة فامض بنا. فقلت: ليس عندنا، فانطلقت معي حتّى صرنا إلى باب المنزل

فدخلت، فلما أن خلعت فردة خفها، و بقي الخفّ الآخر تنزعها إذا بقارع يقرع الباب، فخرجت إليه، فإذا هو موفق، فقلت له: ما وراءك؟

فقال: خير، يقول لك أبو الحسن عليه السلام: «أخرج هذه المرأة من البيت، و لا تمسّها» فدخلت و قلت لها: البسي خفّيك يا هذه و اخرجى.

فلبست خفّيها و خرجت، فنظرت إلى الموفق بالباب، فقال: سد الباب فسددته، فو اللّه ما جازت غير بعيد، و أنا وراء الباب أسمع، حتّى أتاها رجل فقال لها: مالك خرجت سريعا؟ و ما لبثت إلّا قليلا.

قالت: إنّ رسول الساحر جاء فأمره أن يخرجنى، فأخرجنى. فسمعته يقول: آه له، فإذا القوم قد طمعوا في مال عندى.

فلمّا كان العشاء عدت إلى أبي الحسن عليه السلام فقال: «يا فلان تلك المرأة من أميّة، أهل بيت اللعنة، إنّهم كانوا بعثوها ليأخذوا ما بقي في بيتك و منزلك، فالحمد للّه الذي صرفها عنك».

ثمّ قال أبو الحسن عليه السلام: «تزوج بابنة فلان- و هو مولى لأبي أيّوب الأنصاري- فإن له ابنة قد جمعت كلّ ما تريد من أمر الدنيا و الآخرة». فتزوجتها فكانت كما قال عليه السلام.

الباب الحادي عشر في ذكر معجزات الامام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام

في بيان ظهور آياته في الاستسقاء و فيه: حديث واحد

394) عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن الحسن بن علي العسكرى، عن أبيه علي بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي التقي عليهم السلام، قال: «إن الرضا عليه السلام لمّا جعله المأمون ولي عهده، جعل بعض حاشية المأمون و المتعصبين على الرضا عليه السلام يقولون: انظروا إلى الذي جاءنا من علي بن موسى الرضا ولي عهدنا فحبس اللّه عزّ و جل علينا المطر.

و اتصل ذلك بالمأمون فاشتدّ عليه، فقال للرضا عليه السلام: لو دعوت اللّه عزّ و

جل أن يمطر للناس. فقال: نعم. قال: و متى تفعل ذلك؟

و كان ذلك يوم الجمعة، فقال: يوم الاثنين، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاني البارحة في منامي و معه أمير المؤمنين عليه السلام و قال: يا بني انتظر يوم الاثنين، و ابرز إلى الصحراء و استسق فإنّ اللّه عزّ و جل يسقيهم، و اخبرهم بما يريك اللّه ممّا لا يعلمون كي يزداد علمهم بفضلك و مكانك من ربّك عزّ و جل.

فلما كان يوم الاثنين عمد إلى الصحراء و خرج الخلائق ينظرون، فصعد المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: اللهم يا رب، إنّك عظّمت حقنا أهل البيت و توسلوا فأرسل مطرا غير ضار، و ليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى مستقرهم و منازلهم.

قال: فو الذي بعث محمدا صلى الله عليه و آله بالحق نبيا لقد هبت الرياح و الغيوم، و أرعدت و أبرقت، و تحرك الناس كأنّهم يريدون التنحي عن المطر، فقال الرضا عليه السلام. على رسلكم أيّها الناس، فليس هذا الغيم لكم، إنّما هي لبلد كذا. فمضت السحابة و عبرت.

فجاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد و برق، فتحرك الناس، فقال: على رسلكم، فما هذه لكم إنّما هي لبلد كذا. فمضت، فما زال كذلك حتّى جاءت عشر سحائب و عبرت، و هو يقول: إنّما هي لكذا.

ثمّ أقبلت سحابة جارية، فقال: أيّها الناس هذه بعثها اللّه لكم، فاشكروا اللّه على فضله عليكم، و قوموا إلى منازلكم و مقاركم فإنّها مسامتة لرؤوسكم، ممسكة عنكم، إلى أن تدخلوا مقارّكم، ثمّ يأتيكم من الخير ما يليق بكرم اللّه و جلاله.

و نزل عن المنبر و انصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن

قربوا من منازلهم، ثمّ جاءت بوابل مطر، فملأت الأودية و الحياض و الغدران و الفلوات، و جعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كنز آيات اللّه».

في بيان ظهور آياته و معجزاته فيما جعل الله تعالى الصورتين أسدين و فيه: حديث واحد

395) و بالإسناد المتقدّم قال: «لما اتسق الأمر للرضا عليه السلام و طفق الناس يتذاكرون ذلك، قال للمأمون بعض المبغضين: يا أمير المؤمنين، أعيذك باللّه أن يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم و الفضل العظيم من بيت ولد العبّاس إلى بيت ولد علي [لقد] أعنت على نفسك و أهلك، و جئت بهذا الساحر ابن الساحر، و قد كان خاملا فأظهرته، و وضيعا فرفعته، و منسيا فذكرت به، و مستخفا فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة و تزويقا بهذا المطر الوارد بدعائه، فما أخوفنا أن يخرج هذا الأمر من ولد العبّاس إلى ولد على، ما أخوفنا من أن يتوصل بالسحر إلى إزالة نعمتك و الوثوب سراعا إلى مملكتك، هل جنى أحد على نفسه و ملكه مثل ما جنيت؟

قال المأمون: جئنا بهذا الرجل و أردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاءه إلينا، و يعترف بالخلافة و الملك لنا، و ليعتقد المقرّون به أنّه ليس ممّا ادّعى في قليل و لا كثير، و أنّ هذا الأمر لنا من دونه، و قد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينشق علينا منه (ما لا نسدّه)، و يأتي علينا ما لا نطيقه، فالآن إذ قد فعلناه، و أخطأنا في أمره بما أخطأنا، و أشرفنا من الهلاك (بالتنويه به) على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، لكنا نحتاج أن نضع منه قليلا، حتّى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه.

فقال الرجل المدبّر:

يا أمير المؤمنين، خوّلني مجادلته، فإنّي أفحمه و أصحابه، و أضع من قدره، و لو لا هيبتك في صدري لأريته منزلته؛ و نكشف للناس عن قصوره عما رشّحته له. فقال المأمون: ما شي ء أحبّ إليّ من هذا.

قال: فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك، من القواد و القضاة و جملة الفقهاء لأبيّن نقصه بحضرتهم، فيكون تأخيرك له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك.

قال: فجمع الخلق الفضلاء من رعيته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه، و أقعد الرضا عليه السلام في دسته التي جعلها له بين يديه، فانتدب هذا الحاجب المتضمن للموضع من الرضا عليه السلام و قال: إنّ الناس قد أخبروا عنك الحكايات و أسرفوا في وصفك، فيما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إلى اللّه منه، و أنّك دعوت اللّه تعالى في المطر المعتاد مجيئه فجعلوا ذلك معجزة أوجبوا لك بها آية، و أنّه لا نظير لك في الدنيا، و هذا أمير المؤمنين- أدام اللّه تعالى مملكته- لا يوازن بأحد إلّا رجح عليه، و قد أحلّك المحل الذي قد عرفت، و ليس من حقّه عليك أن تسوغ الكذابين لك و عليه ما يكذبونه.

فقال الرضا عليه السلام: ما أدفع عباد اللّه عن التحدّث بنعم اللّه على، و أمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني ما أحلّنى، [فما أحلّني إلا] المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السلام، فكان حالهما ما قد عرفت. فغضب الحاجب عند ذلك و قال: يا علي بن موسى، لقد عدوت طورك، و تجاوزت قدرك، أن بعث اللّه بمطر مقدور في وقته، لا يتقدم و لا يتأخر؛ جعلته آية تستطيل بها، و صولة تصول بها، كأنّك جئت بمثل آية

إبراهيم الخليل عليه السلام لمّا أخذ رءوس الطير بيده و دعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال فأتينه سعيا و نزلن على الرءوس، و خفقن و طرن بإذن اللّه تعالى، فإن كنت صادقا فيما تزعم فأحى هذين السبعين و سلطهما على، فإنّ ذلك حينئذ يكون آية معجزة، فأمّا المطر المعتاد فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعائك (دون دعاء) غيرك الذي دعا كما دعوت.

و كان الحاجب أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان يستند إليه، و كانا متقابلين على المسند، فغضب الرضا عليه السلام و صاح بالصورتين: دونكما الفاجر فافترساه في المجالس، و لا تبقيا له عينا و لا أثرا.

فوثبت الصورتان و القوم ينظرون متحيرين، فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام و قالا: يا ولي اللّه في أرضه ما ذا تأمرنا أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون، فغشي على المأمون منهما، فقال الرضا عليه السلام: قفا. فوقفا، ثمّ قال: صبّوا عليه ماء ورد و طيّبوه. ففعل ذلك به، و عاد الأسدان يقولان: أ تأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي افترسناه. قال: لا، فإنّ للّه عزّ و جل فيه تدبيرا ممضيه.

فقالا: فما ذا تأمرنا؟ فقال: عودا إلى مقركما كما كنتما.

فعادا إلى المسند، فصارا صورتين كما كانتا، فقال المأمون:

الحمد للّه الذي كفاني شرهما و شر حميد بن مهران. يعني الرجل المفترس، فقال للرضا عليه السلام: هذا الأمر لجدّكم صلى الله عليه و آله ثمّ لكم، و لو شئت لنزلت عنه لك».

في بيان ظهور آياته في قلب الحجر ذهبا و فيه: حديثان

396) عن علي بن أسباط، قال: ذهبت إلى الرضا عليه السلام في يوم عرفة فقال لى: «اسرج لي حمارى» فأسرجت له حماره، ثمّ خرج من المدينة إلى البقيع يزور فاطمة

عليها السلام، فزار وزرت معه، فقلت: سيدي على كم أسلّم؟ فقال لى: سلّم على فاطمة الزهراء البتول، و على الحسن و الحسين، و على علي بن الحسين، و على محمّد بن على، و على جعفر بن محمّد، و على موسى بن جعفر عليهم أفضل الصلاة و أكمل التحيّات» فسلّمت على ساداتي و رجعت.

فلمّا كان في بعض الطريق: قلت: يا سيدي إنّي معدم، و ليس عندي ما أنفقه في عيدي هذا. فحكّ الأرض بسوطه، ثمّ ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب، فيها مائة دينار، فقال لى: «خذها» فأخذتها فأنفقتها في أمورى.

397) و مثل ذلك ما رواه إبراهيم بن موسى، قال: ألححت على أبي الحسن الرضا عليه السلام في شي ء طلبته منه لحاجتى، و كان يعدنى، فخرج ذات يوم ليستقبل والي المدينة، و كنت معه، فجاء إلى قرب قصر فلان و نزل تحت شجرة و نزلت معه، و ليس معنا ثالث، فقلت له: جعلت فداك، هذا أوان ما وعدتني مرارا، و أنا معدم درهما فما سواه.

قال: فحكّ بسوطه الأرض حكّا شديدا، ثمّ ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب من موضع الحكّ، و قال: «خذها و انتفع بها، و اكتم عليّ ما رأيت، و الحمد للّه رب العالمين».

في بيان ظهور آياته من العلم بحديث النفس و فيه: سبعة أحاديث

398) عن الحسن بن علي بن فضّال، قال: قال عبد اللّه بن المغيرة: كنت واقفيا، فحججت على تلك الحالة، فلمّا صرت بمكة اختلج في صدري شي ء، فتعلّقت بالملتزم، ثمّ قلت: اللهمّ قد علمت طلبتي و إرادتى، فارشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام، فأتيت المدينة، فوقفت ببابه و قلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب.

فسمعت النداء: «ادخل يا عبد اللّه بن المغيرة» فدخلت، فلمّا نظر

إليّ قال لى: «قد أجاب اللّه دعوتك و هداك لدينه» فقلت: أشهد أنّك حجّة اللّه و أمينه على خلقه.

399) عن أبان، عن معمّر بن خلّاد، قال: قال لي الريّان بن الصلت: أردت أن تستأذن لي على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فأسلّم عليه، و أحبّ أن يكسوني من ثيابه، و أن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه.

فدخلت على الرضا عليه السلام فقال مبتدئا: «إنّ الريّان بن الصلت يريد الدخول علينا، و الكسوة من ثيابنا، و العطية من دراهمنا»، فأذن له، فدخل و سلّم، فأعطاه ثوبين و ثلاثين من الدراهم (التي ضربت) باسمه.

400) عن علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثني الريّان ابن الصلت قال: لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا عليه السلام و قلت في نفسى: إذا ودّعته سألته قميصا من ثياب جسده الشريف، لأكفن فيه، و دراهم من ماله الحلال الطيّب، لأصوغ لبناتي منها خواتيم.

فلمّا ودّعته شغلني البكاء و الأسى على مفارقته عن مساءلته، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بى: «يا ريّان، ارجع» فرجعت، فقال لى:

«أ ما تحب أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ منها لبناتك خواتيم؟».

فقلت: يا سيدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك، فمنعني الغم لفراقك.

فرفع عليه السلام الوسادة و أخرج قميصا، فدفعه إلى، و رفع جانب المصلّى فأخرج دراهم، فدفعها إلى، و كانت ثلاثين درهما.

401) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطى، قال: كنت شاكا في أبي الحسن الرضا عليه السلام، و كتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه، و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن

ثلاث آيات قد عقدت قلبي عليها.

قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه «عافانا اللّه و إياك، أمّا ما طلبت من الإذن عليّ فإنّ الدخول عليّ صعب، و هؤلاء قد ضيّقوا عليّ في ذلك الوقت فلست تقدر عليه الآن، و سيكون إن شاء اللّه» و كتب عليه السلام بجواب ما أردت أن أسأله من الآيات الثلاث في الكتاب، و لا و اللّه ما ذكرت له منهنّ شيئا، و لقد بقيت متعجبا بما ذكر هو في الكتاب، و لم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك، فوقفت على معنى ما كتب به.

402) ابن أبي يحيى، قال: لمّا توفي أبو الحسن موسى عليه السلام وقفت فحججت تلك السنة، فإذا أنا بعلي بن موسى الرضا عليه السلام فأضمرت في نفسي أمرا فقلت: أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ فمرّ كالبرق الخاطف عليّ فقال: «أنا البشر الذي يجب عليك أن تتبعنى».

فقلت: يا مولاي معذرة إلى اللّه تعالى و إليك. فقال: «مغفور لك إن شاء اللّه تعالى».

403) و روى مالك بن نوبخت، عن جدّه أبي محمّد الغفارى، قال: لزمني دين ثقيل، فقلت: ما لقضاء ديني غير سيدي و مولاي أبي الحسن الرضا عليه السلام.

فلمّا أصبحت أتيت منزله، و استأذنت عليه فأذن لى، فدخلت فقال لى: «ابتداء يا أبا محمّد، قد عرفنا حاجتك و علينا قضاء دينك».

فلمّا أمسينا أتى بطعام الإفطار، فأكلنا، فقال: «يا أبا محمّد، تبيت أو تنصرف؟» فقلت: يا سيدى، إن قضيت حاجتي بالانصراف أحبّ إلى.

قال: فتناول عليه السلام من تحت البساط قبضة و دفعها إلى، فخرجت و دنوت من السراج، فإذا هي دنانير حمر و صفر، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان عليه: «يا أبا محمّد، الدنانير خمسون، ستة

و عشرون منها لقضاء دينك، و أربعة و عشرون لنفقة بيتك».

فلمّا أصبحت فتشت الدنانير، فلم أجد ذلك الديا نار، و إذا هي لم تنقص شيئا.

و فيه ثلاث آيات.

404) عن محمّد بن عيسى اليقطينى، قال: سمعت هشاما العباسي يقول: دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام يوما أريد أن أسأله أن يعوّذني من صداع أصابنى، و أن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما، فلمّا دخلت سألته عن مسائل فأجابنى، و نسيت حوائجى، فلمّا قمت لأخرج و أردت أن أودّعه قال لى: «اجلس» فجلست بين يديه، فوضع يده على رأسي و عوّذنى، ثمّ دعا بثوبين سعيديين على عمل الموشى الذي كنت أطلبه، فدفعهما إلى.

في بيان ظهور آياته تجري مجرى تلك و فيه: حديثان

405) عن الحسن بن علي الوشّاء، قال: كنت كتبت مسائل كثيرة قبل أن أقطع على الرضا عليه السلام، و جمعتها في كتاب ممّا روي عن آبائه عليهم السلام و غيره، و أردت أن أ تثبت في أمره و أختبره، فحملت الكتاب في كمي و صرت إلى منزله، و أردت أن أجد منه خلوة فأتلو له الكتاب، فجلست ناحية و أنا متفكر في طلب الإذن عليه، فإذا أنا بالغلام قد خرج من الدار و في يده كتاب، فقال: أيّكم الحسن بن علي الوشاء البغدادي؟ فقمت إليه و قلت: أنا الحسن بن على، فما حاجتك؟ فقال: هذا الكتاب أمرني أن أدفعه إليك، فهاك. فأخذته و تنحيت ناحية، فقرأته، فإذا فيه و اللّه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت عليه، و تركت الوقف.

406) عن علي بن محمد الشيروانى، عن علي بن أحمد الوشّاء الكوفى، قال: خرجت من الكوفة إلى خراسان، فقالت لي ابنتى: خذ هذه الحلّة فبعها و اشتر لي بثمنها فيروزجا.

قال: فأخذتها و شددتها

في بعض متاعى، و قدمت مرو، فنزلت في بعض الفنادق، فإذا غلمان علي بن موسى، المعروف بالرضا عليه السلام، قد جاءوا فقالوا: نريد حلّة نكفن فيها بعض غلماننا فقلت: ما هي عندي فمضوا ثمّ عادوا فقالوا: مولانا يقرئك السلام، و يقول:

«معك حلّة في السفط الفلانى، قد دفعتها إليك ابنتك و قالت: اشتر لي بثمنها فيروزجا، و هذا ثمنها» فدفعتها إليهم و قلت: و اللّه لأسألنه عن مسائل، فإن أجابني عنها فهو إمامى، و كتبتها و غدوت إلى بابه، فلم أصل إليه من كثرة الازدحام على الباب. فبينا أنا جالس إذ خرج إليّ خادم فقال لى: يا علي بن محمد، هذه جوابات مسائلك التي معك.

فأخذتها فإذا هي جوابات مسائلي بعينها.

في بيان ظهور آياته في الإخبار بآجال الناس و فيه: خمسة أحاديث

407) روى الحاكم بإسناده عن سعد بن سعد أنّه عليه السلام نظر إلى رجل فقال: «يا عبد اللّه، أوص بما تريد و استعد لما لا بد منه» فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيّام.

408) عن يحيى بن محمّد بن جعفر، قال: مرض أبي مرضا شديدا، فأتاه الرضا عليه السلام يعوده و عمّي إسحاق جالس يبكى، فالتفت إليّ و قال: «ما يبكي عمك؟» فقلت: يخاف عليه ممّا ترى.

قال: «لا تغتم، فإنّ إسحاق سيموت قبله».

قال: فبرئ أبي محمّد، و مات إسحاق.

409) عن الحسن بن بشّار، قال: قال لي الرضا عليه السلام: «إنّ عبد اللّه يقتل محمّدا» فقلت: عبد اللّه بن هارون يقتل محمد بن هارون؟! قال: «نعم، عبد اللّه الذي بخراسان، يقتل محمّد بن زبيدة الذي هو ببغداد» فقتله، و كان كما قال.

410) عن موسى بن مهران، قال: قال لي الرضا عليه السلام و قد نظر إلى هرثمة بالمدينة فقال: «كأنّي به و قد حمل إلى مرو فضرب عنقه»

فكان كما قال.

411) عن الحسن بن علي الوشّاء، قال: كنت مع الرضا عليه السلام بمنى فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك، فقال:

«مساكين، ما يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة».

ثمّ قال: «و أعجب من هذا هارون و أنا كهاتين». و ضمّ إصبعيه.

قال مسافر: فما عرفت معنى الحديث حتّى دفنّاه معه.

في بيان آياته فيما أخبر به ممّا رآه في المنام و فيه: حديثان

412) روى الحاكم أبو عبد اللّه النيسابوري بإسناده في كتابه (مفاخر الرضا عليه السلام) عن أبي حبيب النباجي قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام، و قد وافى النباج، و نزل في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة، و كأني مضيت إليه، و سلّمت عليه، و وقفت بين يديه، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة، فيه تمر صيحانى، و كأنّه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني إيّاها، فعددته، فكان ثماني عشر، فتأوّلت أن أعيش بعد ذلك ثماني عشرة سنة، بعدد كل تمرة سنة.

فلمّا كان بعد عشرين يوما كنت في أرض لعمي بين يدي الزراعة إذ رآني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة و نزوله ذلك المسجد، و رأيت الناس يسرعون إليه، فمضيت نحوه، فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلى الله عليه و آله، و تحته حصير مثل ما كان تحت النبي صلى الله عليه و آله، و بين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحانى، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام فنادانى، و ناولني قبضة من ذلك التمر، فعددته فإذا عدده بعدد الذي ناولني رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقلت له: زدني يا ابن رسول اللّه، جعلني اللّه فداك. فقال لى: «لو زادك جدّي رسول اللّه

لزدتك».

413) عن أحمد بن علي بن الحسن الثعالبى، قال: حدّثني أبو أحمد عبد اللّه بن عبد الرحمن المعروف بالصفوانى، قال: خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق، و أخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال و أقاموه في الثلج، و ملأوا فاه منه فانفسد فمه و لسانه حتّى لم يقدر على التكلم، ثمّ انصرف إلى خراسان و سمع بخبر أبي الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلا يقول له: إنّ ابن رسول اللّه نازل بخراسان فاسأله عن علتك ليعمل لك الدواء فتنتفع به.

قال: فرأيت كأني قد قصدته و شكوت إليه ما كنت وقعت فيه، و أخبرته فقال لى: «خذ من الكمون و السعتر و الملح و دقه، و خذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فإنّك تعافى» فانتبه الرجل من منامه و لم يفكر فيما كان رأى في المنام حتّى ورد باب نيسابور فقيل له: إنّ علي بن موسى الرضا عليه السلام قد ارتحل من نيسابور و هو برباط سعد، فوقع في نفسه أن يقصده و يصف له أمره، فدخل عليه فقال: يا ابن رسول اللّه، كان من أمري كيت و كيت، و قد انفسد فمي و لساني [و] لا أقدر على الكلام إلّا بجاهد، فعلمني دواء أنتفع به.

فقال عليه السلام: «أ لم أعلمك؟! فاذهب و استعمل ما وصفت لك في المنام» فقال الرجل: يا ابن رسول اللّه، إن رأيت أن تعيده على. فقال لى: «خذ من الكمون و السعتر و الملح فدقه، و خذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا تعافى» فقال الرجل: فاستعملت منه فعافاني اللّه تعالى.

في بيان آياته في الإخبار بالمغيبات و فيه: عشرة أحاديث

414) عن الحسين بن موسى بن جعفر، قال: كنّا حول

أبي الحسن الرضا عليه السلام و نحن شبان بني هاشم، إذ مرّ علينا جعفر بن عمر العلوي و هو رث الهيئة، فنظر بعضنا إلى بعض، و ضحكنا من هيئته، فقال الرضا عليه السلام: «سترونه عن قريب كثير المال و التبع» فما مضى إلّا شهر أو نحوه حتّى ولي المدينة و حسنت حاله، و هو يمرّ بنا و معه الخصيان و الحشم.

415) عن عبد اللّه بن محمّد الهاشمي العلوي قال: دخلت على المأمون فحدّثني مليا، ثمّ أخرج من كان عنده لمكانى، فلمّا خلا المجالس دعا بماء فغسلنا أيدينا، ثمّ أتى بطعام فطعمنا، ثمّ أمر بستارة فمدّت، ثمّ أقبل على واحدة من الجواري و قال: يا بنت فلان، لما رثيت لنا من بطوس قاطنا. فأنشأت الجارية تقول شعرا:

سقيا لطوس و من أضحى به قطنا

من عترة المصطفى ابقى لنا حزنا

فبكى المأمون حتّى اخضلت لحيته من دموعه، ثمّ قال: يا عبد اللّه، أ يلومني أهل بيتي و أهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علما، فو اللّه لأحدّثنك بحديث، فاكتمه على.

جئته يوما فقلت له: جعلت فداك، آباؤك موسى بن جعفر و جعفر بن محمد و محمّد بن علي و علي بن الحسين و الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام كان عندهم علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة، و أنت وصي القوم، و عندك علمهم، و هذه الزاهرية حظيتي و من لا أقدّم عليها أحدا من جوارى، و قد حملت غير مرّة كل ذلك تسقط، و هي حبلى، أ فلا تعلمني شيئا أعلمها فتعالج به فلعلها تسلم؟

قال المأمون: فأطرق إطراقة ثم رفع رأسه و قال: «لا تخف من إسقاطها، فإنّها ستسلم و تلد لك

غلاما أشبه الناس بأمّه، كأنّ وجهه الكوكب الدرى، و قد زاد اللّه في خلقه مرتين». قلت: فما المرتان الزائدتان؟ قال: «فالأولى بيده اليمنى خنصرة زائدة ليست بالمدلاة، و في رجله اليسرى خنصرة زائدة ليست بالمدلاة».

فتعجبت من ذلك، و لم أزل أتوقع من الزاهرية حتّى إذا قرب أمرها جاءتني القيّمة على الجواري و على أمّهات الأولاد فقالت: يا سيدى، إن الزاهرية قد دنت ولادتها، فتأذن لي أن أدخل عليها القوابل؟ فأذنت لها في ذلك.

ثمّ قلت: إذا وضعت المولود فأتيني به ذكرا كان أو أنثى؛ فما شعرت إلّا و أنا بالقابلة قد أتتني بغلام مدرج في حريرة، فكشفت عن وجهه كأنّه الكوكب الدرى، أشبه الناس بأمّه، فرددت الغلام على القابلة، و قمت أسعى حافيا، و كان عليه السلام نزل معي في الدار، فإذا هو في بيت يصلّى، فلمّا أحسّ بي خفف صلاته، فسلّمت عليه، ثمّ جئت إلى موضع سجوده فقبّلته و قلت: يا سيدي أنت الداعي المطاع، و أنا من رعيتك، فأخرجت خاتمي و جعلته في أصبعه و قلت:

مرني بأمرك انتهى إلى ما تأمرني به، و اللّه إنّه لو فعل لفعلت، و لكن لعن اللّه حمزة و محمدا ابني جعفر فإنّهما قتلاه، و اللّه ما فعلت و لا أمرت و لا دسست، و قد أمرت بقاتليه فقاتلا سرّا. ثمّ بكى. و أبكانى؛ و كان حمزة و محمد من بني العباس.

416) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: لمّا بعث المأمون رجاء بن الضحّاك لحمل أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان حمله على طريق الأهواز، و لم يمرّ به على طريق العراق و الكوفة، و كنت بالشرق من إيذج فبلغني ذلك، فسرت فلقيته و قد نزل به

الرجاء بن الضحاك الأهواز، فسلّمت عليه و تعرفت إليه و انتسبت، و ذلك أول لقائي به و صحبتي إيّاه، فقال خيرا كثيرا، و رأيته قليلا، و ذلك زمن القيظ في الصيف، فقلت: يا سيدي و ابن ساداتى، ما تجشم بك هذا الصيف؟ فقال: «هيهات يا أبا هاشم، و لكن ادع لي طبيبا من أطباء هذه البلاد، أنعت له بقلة هاهنا عسى أن يعرفها».

فأتيته بطبيب، فنعت له بقلة فقال له الطبيب: لا أعرف على وجه الأرض أحدا يعرف اسمها غيرك، فمن أين عرفتها؟ و ليست في هذه الأوطان، و لا في هذا الأوان، و لا في هذا الزمان!

قال: «فابغ لي قصب السّكّر» فقال الطبيب: هذا أدنى من الأول، ما هذا بزمان قصب السكّر، و لا يكون إلّا في الشتاء.

قال: فقال له عليه السلام: «بل هما في أرضكم هذه، و زمانكم هذا، و هذا معك فأمضيا إلى شاذروان الماء فاعبراه فيرجع لكما جوخان، فاقصداه فتجدان هناك رجلا أسود في جوخان فقولا: أرنا منابت قصب السكر و منابت الحشيشة» عن أبي هاشم فقال: «يا أبا هاشم، دونك القوم».

فقمت معهما، فإذا أنا بالجوخان و الرجل الأسود هناك، فسألناه فأومى إلى ظهره، فإذا قصب السكّر، فأخذنا منه حاجتنا و رجعنا إلى الجوخان فلم نر صاحبه فيه، فانصرفنا إلى الرضا عليه السلام فحمد اللّه كثيرا، فقال لي الطبيب: من هذا؟! قلت: ويلك، ابن سيّد الأنبياء.

قال: أ فعنده من أقاليد النبوة شي ء؟ قلت: قد شهدت بعضها، و لكنه ليس بنبى.

قال: و هذا وصي نبي؟ قلت: أمّا هذا فنعم.

فبلغ ذلك رجاء بن الضحاك فقال لأصحابه: إن أخطأتم به طريق الكوفة و العراق فما أخطأتم هذا الموضع الذي قد أظهر فيه الأعاجيب، و لئن

أقمتم بعد هذا لتمدّن إليه الرقاب. فارتحل به.

و قد ذكر الهاشمي المنصوري ذلك في دلائله عن عمّه أبي موسى، و ليس فيه ذكر أبي هاشم.

417) عن أبي الصلت الهروى، قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لى: «يا أبا الصلت، ادخل القبة التي فيها قبر هارون، فأتني بتراب من أربعة جوانبها».

قال: فمضيت و أتيته، فلمّا مثلت بين يديه قال لى: «ناولني هذا التراب الذي هو من عند قبره» فناولته، فأخذه و شمّه ثمّ رمى به و قال:

«سيحفر لي في هذا الموضع، فتظهر صخرة لو جمع لها كلّ معول بخراسان لم يتهيأ قلعها».

ثمّ قال: «سيحفر لي في هذا الموضع فأمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلى أسفل، و أن يشق في صخرة فإن أبوا إلّا أن يلحدوا فأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا، فإنّ اللّه عزّ و جل سيوسعه لي ما شاء، فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة، فتكلم بالكلام الذي أعلّمك فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلئ اللّحد، و ترى فيه حيتانا صغارا، ففتّت لها الخبز الّذي أعطيك فإنّها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شي ء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شي ء ثمّ تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء ثمّ تكلم بالكلام الّذي أعلّمك، فإنّه ينضب الماء و لا يبقى منه شي ء، و لا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون».

ثمّ قال عليه السلام: «يا أبا الصلت، غدا أدخل إلى هذا الفاسق الفاجر، فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلم، أكلمك، و إن خرجت و أنا مغطى الرأس فلا تكلمنى».

قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه، و جلس في محرابه ينتظر، فبينا

هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعليه و رداءه، و أمرني أن أتبعه حتّى دخل على المأمون و بين يديه طبق عليه عنب و أطباق فاكهة، و بيده عنقود عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه، فلمّا بصر بالرضا عليه السلام وثب إليه، و عانقه و قبّل ما بين عينيه و أجلسه معه، ثمّ ناوله العنقود و قال: يا ابن بنت رسول اللّه، رأيت عنبا أحسن من هذا؟ فقال الرضا عليه السلام:

«ربما يكون في الجنة أحسن منه» فقال له: كل منه.

فقال له الرضا عليه السلام: «اعفني منه» فقال: لا بد من ذلك، و ما يمنعك منه؟ لعلك تتهمنا بشي ء؟

فتناول العنقود و أكل منه ثمّ ناوله، فأكل الرضا عليه السلام منه ثلاث حبّات ثمّ رماه و قام، فقال المأمون: إلى أين؟ قال: «إلى حيث وجهتنى».

فخرج عليه السلام و هو مغطى الرأس، فلم أكلمه حتّى دخل الدار. و الحديث طويل.

فلمّا قبض عليه السلام أمر المأمون بحفر قبره، فحفرت الموضع فظهر كل شي ء على ما وصف الرضا عليه السلام، و فعلت ما أمرني به، فلمّا رأى المأمون ما ظهر من الماء و الحيتان و غير ذلك قال: لم يزل الرضا عليه السلام يرينا من عجائبه في حياته حتّى أراناها بعد وفاته أيضا. فقال له وزير كان معه: أ تدري ما أخبرك به الرضا عليه السلام؟ قال: لا، قال: أخبرك بأن مثلكم يا بني العباس مع كثرتكم و طول مدّتكم مثل هذه الحيتان الصغار، حتّى إذا فنيت آجالكم و انقضت أيامكم، و ذهبت دياركم سلط اللّه تعالى عليكم رجلا منّا فأفناكم عن آخركم، قال: صدقت، و في الحديث طول.

418) و روى هرثمة بن

أعين ما يخالف بعضه ذلك، و هذا هو الأكثر و قد روى ذلك عن طريق العامّة أيضا.

419) عن جعفر بن محمّد النوفلى، قال: أتيت الرضا عليه السلام و هو بقنطرة أربق، فسلّمت عليه، ثمّ جلست و قلت: جعلت فداك، إنّ أناسا يزعمون أنّ أباك حى، فقال: «كذبوا لعنهم اللّه، لو كان حيّا ما قسّم ميراثه، و لا نكح نساؤه، و لكنه و اللّه ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب عليه السلام».

قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «عليك بابني محمد من بعدى، و أمّا أنا فإنّي غائب في وجه لا أرجع منه، فبورك قبر بطوس، و قبران ببغداد».

قلت: جعلت فداك، قد عرفنا واحدا، فمن الثاني؟ قال: «ستعرفونه».

ثمّ قال: «قبري و قبر هارون هكذا» و ضمّ اصبعيه.

420) عن حمزة بن جعفر الأرجانى، قال: خرج هارون من المسجد الحرام من باب فقال عليه السلام- و هو يعني هارون-: «ما أبعد الدار و أقرب اللقاء يا طوس يا طوس، ستجمعني و إيّاه».

421) عن أبي الحسن الطيّب، قال: لمّا توفي أبو الحسن موسى عليه السلام دخل أبو الحسن الرضا عليه السلام السوق فاشترى كلبا و ديكا و كبشا، فلمّا كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون الرشيد قال: أمنا جانبه.

و كتب إليه الزبيرى: إنّ علي بن موسى الرضا قد فتح بابه و دعا إلى نفسه. فقال هارون الرشيد: وا عجباه، إنّ علي بن موسى قد اشترى كلبا و ديكا و كبشا، و يكتب فيه ما يكتب.

فقال المصنف لهذا الكتاب رحمه اللّه: إنّ هذا أمر عجيب حيث علم إن فعل ذلك لم يجد إلى قتله سبيلا، و لا إلى التشبث بذيله وسيلة.

422) عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: كان لي جار

يشرب المسكر و ينتهك ما اللّه به أعلم.

قال: فذكرته للرضا عليه السلام، و كان له محبا، فقال: «يا أبا إسحاق، أ ما علمت أنّ ولي علي لم تزلّ له قدم إلّا و تثبت له أخرى؟».

قال: فانصرفت، فإذا أنا بكتاب منه قد أتاني فيه حوائج له، فأمرني أن أشتريها بستين دينارا، فقلت في نفسى: و اللّه ما عودني أن يكتب إلى، إذ لم يكن عندي شي ء، و لا أعلم له عندي شيئا.

فلمّا كان من الليل إذا أنا برجل جاءني سكران، فدعاني من خلف الباب، فنزلت إليه فقال لى: اخرج. فقلت: لا أفعل، فى هذه الساعة ما حاجتك؟ إذ أتيت قال: فأخرج يدك و خذ هذه الصرّة، و ابعث بها إلى مولاي لينفقها في الحاجة، و ما يقدر أن يتكلم من السكر، فأخذت ما أعطاني و انصرفت، فنظرت وزنها فإذا هي ستون دينارا فقلت: و هذا و اللّه مصداق ما قال لي في ولي على، و في كتابه بحاجته. فاشتريت حوائجه، و كتبت إليه بفعل الرجل فكتب: «هذا من ذلك».

423) عن الحسين بن عمر بن يزيد، قال: خرجت بعد مضي أبي الحسن موسى عليه السلام، فلمّا صرت قرب المدينة قلت لمقاتل بن مقاتل: غدا تدخل على هذا الرجل؟ قال: و أي رجل؟

قلت: علي بن موسى قال: و اللّه لا تفلح أبدا، لم لا تقول: هو حجّة اللّه؟ قلت: و ما يدريك؟ قال: أشهد أنّ أباه قد مات، و أنّه حجة اللّه على خلقه، و اللّه لا دخلت معك أبدا.

قال الحسين بن عمر: فلمّا كان من الغد مضيت فدخلت على الرضا عليه السلام بالغداة فقال: «مرحبا بك يا حسين» ثمّ أقعدني و سألني عن سفرى، و عليه قميص

هاروني و إزار صغير فقلت له: ما فعل أبوك؟ فقال: «مضى».

فقلت له: جعلت فداك، أي مضي مضى؟ قال: «مضى مضي الموت».

فقلت له: من الإمام من بعده؟ قال: «أنا الذي من خالفني كفر».

قال: فلم أقبل منه، قال: «فأي شي ء لك على أبي؟» قلت:

أنت أعلم.

قال: «لك عليه ألف دينار و هي عليّ حتى أقضيكها» قال: فلم أقطع عليه.

ثمّ قال: «يا حسين- بعد ما سكت هنيئة- رجل معك يقال له:

مقاتل بن مقاتل» قلت: جعلت فداك، هو من مواليك، فقال لى: «قل له: أصبت فالزم».

قلت: يا مولاي هذه آية، أشهد أنّ أباك قد مضى، و أنّك الإمام من بعده.

في بيان ظهور آياته في معان شتى و فيه: سبعة أحاديث

424) عن محمد بن العلاء الجرجانى، قال: حججت فرأيت علي بن موسى الرضا عليه السلام يطوف بالبيت، فقلت له: جعلت فداك، هذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه و آله: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية».

قال: فقال: «نعم، حدّثني أبى، عن جدّى، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية».

قال: فقلت له: جعلت فداك، و من مات ميتة جاهلية. قال:

«مشرك».

قال: قلت: فمن إمام زماننا؟ فإنّي لا أعرفه. قال: «أنا هو».

فقلت له: ما علامة أستدل بها؟ قال: «تعالى إلى البيت». و قال للغلمان: «لا تحجبوه إذا جاء». قال: فأتيته من الغد، فسلّم عليّ و قرّبنى، و جعل يناظرنى، و بين يديه صبى، و بيده رطب يأكله، فنطق الصبي و قال: الحق حق مولاى، و هو الإمام.

قال محمّد بن العلاء: فتغير لوني و غشي على، فحلّفني أشدّ الأيمان أن لا أخبر به أحدا حتّى يموت.

425) عن

أبي واسع محمّد بن أحمد بن إسحاق النيسابورى، قال: سمعت جدّتي خديجة بنت حمدان قالت: لمّا دخل علي بن موسى الرضا عليه السلام نيسابور نزل محلة قرفى ناحية تعرف بلاد سناباد في دار لجدّتي تعرف پسنده لأنّ الرضا عليه السلام ارتضاها من بين الدور. و پسنده كلمة فارسية معناها: مرضى.

فلمّا نزل عليه السلام دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار، فنبتت و صارت شجرة، و أثمرت في سنته، فعلم الناس بذلك و كانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة، فمن أصابته علّة يتبارك بالتناول من ذلك اللوز مستشفيا به فعوفى.

و من أصابه رمد جعل من ذلك اللوز على عينيه عوفى.

و كانت الحامل إذا عسرت ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخف عليها الولادة و تضع من ساعتها، و كان إذا أخذ القولنج دابّة من دواب الناس أخذ من قضبان تلك الشجرة فأمرّه على بطنها فتعافى، و يذهب عنها ريح القولنج ببركة الرضا عليه السلام.

فمضت الأيّام على تلك الشجرة و يبست، فجاء جدّي حمدان فقطع أغصانها فعمى.

و روي في تلك الشجرة آيات كثيرة، ذكرها الحافظ أبو عبد اللّه في مؤلفه المسمى ب (مفاخر الرضا عليه السلام) و قد اقتصرنا هنا نحن على هذا القدر.

426) عن عيسى بن موسى العمانى، قال: دخل الرضا عليه السلام على المأمون فوجد فيه همّا فقال: «إنّي أرى فيك همّا؟» قال المأمون: نعم، بالباب بدوي و أنّه قد دفع سبع شعرات يزعم أنّها من لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و قد طلب الجائزة، فإن كان صادقا و منعت الجائزة فقد بخست شرفى، و إن كان كاذبا و أعطيته الجائزة فقد سخر بى، و ما أدري ما أعمل به؟

فقال الرضا عليه السلام:

«عليّ بالشعر». فلمّا رآه شمّه و قال:

«هذه أربع من لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و الباقي ليس من لحيته». فقال المأمون: من أين قلت هذا؟ فقال: «عليّ بالنار». فألقى الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات، و بقيت الأربع التي أخرجها الرضا عليه السلام لم يكن للنار عليها سبيل، فقال المأمون: عليّ بالبدوى. فلمّا مثل بين يديه أمر بضرب رقبته، فقال البدوى: ما ذنبي؟ قال: تصدق عن الشعر. فقال: أربعة من لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله، و ثلاثة من لحيتى.

فتمكن الحسد في قلب المأمون.

427) عن سهل بن زياد، عن علي بن محمد القاشانى، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام مالا خطيرا فلم أره يسرّ به.

قال: فاغتممت لذلك، و قلت في نفسى: قد حملت مثل هذا المال و لم يسرّ به.

قال: فقال: «يا غلام، عليّ بالطست و الماء». و قعد على كرسي و قال للغلام بيده: «صبّ على يدي الماء».

قال: فصبّ على يده الماء، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهبا، ثمّ التفت إليّ و قال لى: «من كان هكذا لا يبالي بالذي حملت».

428) عن الحسن بن منصور، عن أخيه قال: دخلت على الرضا عليه السلام في بيت داخل في جوف بيت [ليلا]، فرفع يده عليه السلام، فإذا بها ضياء عشرة مصابيح، فاستأذن عليه رجل فخلّى يده، ثمّ أذن له.

429) عن أبي إسماعيل السندى، قال: سمعت بالسند أنّ للّه تعالى في العرب حجّة، فخرجت منها في الطلب، فدللت على الرضا عليه السلام، فقصدته، فدخلت عليه و أنا لا أحسن من العربيّة كلمة، فسلّمت عليه بالسنديّة، فردّ عليّ بها، فجعلت أكلّمه بالسندية و هو يجيبني

بها، فقلت له: إنّي سمعت بالسند أنّ للّه في العرب حجّة، فخرجت في الطلب. فقال: «أنا هو».

ثمّ قال: «فسل عمّا تريد» فسألته عمّا أردت، فلمّا أردت القيام من عنده قلت: إنّي لا أحسن من العربية شيئا، فادع اللّه أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها، فمسح بيده على شفتى، فتكلمات بالعربيّة من وقتي ببركته.

430) عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا، قال: خرج الرضا عليه السلام من المدينة في السنة التي خرج فيها هارون، و هو يريد الحج، و انتهى إلى جبل عن يسار الطريق و أنت ذاهب إلى مكة، يقال له (فارع) فنظر إليه و قال: «باني فارع و هادمه يقطع إربا إربا» فلم أدر ما معنى ذلك.

فلمّا وافى هارون نزل بذلك الموضع من الجبل، و صعد جعفر بن يحيى ذلك الموضع من الجبل، و أمر أن يا بنى له فيه مجلس، فلمّا رجع من مكّة صعد إليه و أمر بهدمه، فلمّا انصرف إلى العراق قطع إربا إربا.

الباب الثاني عشر في بيان آيات أبي جعفر محمّد بن علي التقي عليهما السلام

في بيان ظهور آياته و معجزاته في إحياء الموتى و فيه: حديث واحد

431) عن أحمد بن محمّد الحضرمى، قال: حجّ أبو جعفر عليه السلام فلمّا نزل زبالة فإذا هو بامرأة ضعيفة تبكي على بقرة مطروحة على قارعة الطريق، فسألها عن علّة بكائها فقامت المرأة إلى أبي جعفر عليه السلام و قالت: يا ابن رسول اللّه؛ إنّي امرأة ضعيفة لا أقدر على شي ء، و كانت هذه البقرة كل مال أملكه، فقال لها أبو جعفر عليه السلام: «إن أحياها اللّه تبارك و تعالى لك فما تفعلين؟» قالت:

يا ابن رسول اللّه لأجددنّ للّه شكرا.

فصلّى أبو جعفر ركعتين و دعا بدعوات ثمّ ركض برجله البقرة، فقامت البقرة، و صاحت المرأة: عيسى بن مريم. فقال أبو جعفر عليه السلام: «لا تقولي هذا، بل عباد

مكرمون، أوصياء الأنبياء».

في بيان ظهور آياته فيما كلم في المهد و فيه: حديث واحد

432) عن علي بن عبيدة، عن حكيمة بنت موسى عليه السلام قالت: لمّا حضرت ولادة الخيزران أدخلني أبو الحسن الرضا عليه السلام و إيّاها بيتا، و أغلق علينا الباب و القابلة معنا.

فلمّا كان في جوف الليل انطفأ المصباح فاغتممت لذلك، فما كان بأسرع أن بدر أبو جعفر عليه السلام فأضاء البيت نورا فقلت لأمّه:

قد أغناك اللّه عن المصباح. فقعد في الطست و قبض عليه و على جسده شي ء رقيق شبه التور.

فلما أن أصبحنا جاء الرضا عليه السلام فوضعه في المهد، و قال لى: «الزمي مهده».

قالت: فلما كان اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ لمح يمينا و شمالا، ثمّ قال: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله». فقمت رعدة فزعة، فأتيت الرضا عليه السلام فقلت له: رأيت عجبا! فقال: «و ما الذي رأيت؟» فقلت: هذا الصبي فعل الساعة كذا و كذا! قالت: فتبسم الرضا عليه السلام و قال: «ما ترين من عجائبه أكثر».

في بيان ظهور آياته في كمال عقله في سن الأطفال و فيه: حديث واحد

433) عن الريّان بن شبيب، قال: لمّا أراد المأمون أن يزوج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام، أنكر عليه بنو العباس- في حديث طويل- إلى أن قال لهم المأمون: إنّي اخترت أبا جعفر عليه السلام لتبرزه على كافّة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنّه و الأعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرأي ما قد رأيت.

فقالوا: إنّ هذا الفتى و إن راقك منه هديه فإنّه صبي لا معرفة له و لا فقه، فامهله حتّى يتأدب و يتفقّه في الدين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: و يحكم،

إنني أعرف بهذا الفتى منكم، و إنّ أهل البيت علمهم من اللّه تعالى موادّه و الهامه، و هذا لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوه. فرضوا بذلك و أتوا بيحيى بن أكثم القاضى، و هو يومئذ قاضي الزمان، فالتمسوا منه أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة، و عادوا إلى المأمون و سألوه أن يختار يوما، فأجابهم إلى ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر يحيى بن أكثم و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست و يجعل فيه مسورتان ففعل ذلك، و جلس المأمون في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام، و جلس يحيى بن أكثم بين يديه فقال للمأمون: أ تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر بن علي؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك. فأقبل إليه يحيى بن أكثم فقال له: أ تأذن لى، جعلت فداك في مسألة؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام: «سل إن شئت»

قال: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال له أبو جعفر: «قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرّا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان المحرم أم كبيرا؟ مبتدئا بالقتل كان أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله أو نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج محرما؟».

فتحيّر يحيى بن أكثم، و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و تلجلج حتّى عرف جماعة من أهل المجالس عجزه، فقال المأمون:

الحمد للّه على هذه النعمة و التوفيق و الرأى، ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال لهم:

أ عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟

فلمّا تفرّق القوم و بقي الخاصّة قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: إن رأيت، جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده،

فقال أبو جعفر عليه السلام: «نعم، إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصّيد من ذوات الطير، و كان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، و إن كان ظبيا فعليه شاة، و إن قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، و كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء، و في العمد المأثم و هو موضوع عنه في الخطأ، و الكفّارة على الحر في نفسه، و على السيّد في عبده، و الصغير لا كفّارة عليه، و هي على الكبير واجبة، و النادم يسقط عنه بندمه عقاب الآخرة، و المصرّ يجب عليه عقاب الآخرة» فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر، أحسن اللّه إليك.

و في الحديث طول قد اقتصرنا على هذا القدر.

في بيان ظهور آياته في كلام العصا في يده و فيه: حديث واحد

434) عن محمّد بن أبي العلاء قال: سمعت يحيى بن أكثم قاضي القضاة يقول: بعد ما جاهدت به و ناظرته غير مرّة و حاورته في ذلك، و لاطفته و أهديت له طرائف،

و كنت أسأله عن علوم آل محمّد صلى الله عليه و آله قال: «أخبرك بشرط أن تكتم عليّ ما دمت حيا، ثمّ شأنك به إذا مت».

فبينا أنا ذات يوم بالمدينة فدخلت المسجد أطوف بقبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرأيت محمّد بن علي الرضا عليه السلام يطوف بالقبر الشريف، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلى، فقلت له: إنّي و اللّه أريد أن أسألك عن مسألة، و إنّي و اللّه لأستحي من ذلك، فقال لى:

«إني أخبرك بها قبل أن تخبرني و تسألني عنها، تريد أن تسألني عن الإمام». فقلت: هو و اللّه هذا. فقال: «أنا هو». فقلت: علامة، و كان في يده عصاه، فنطقت و قالت: إنّ مولاي إمام هذا الزمان، و هو الحجّة عليهم.

في بيان ظهور آياته في قطع المسافة و فيه: حديثان

435) عن محمّد بن قتيبة، عن مؤدب كان لأبي جعفر عليه السلام قال: إنّه كان بين يديّ يوما يقرأ في اللوح إذ رمى اللوح من يده و قام فزعا و هو يقول: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، مضى و اللّه، مات أبي عليه السلام» فقلت: من أين علمت هذا؟ فقال: «دخلني من إجلال اللّه و عظمته شي ء لا أعهده». فقلت: و قد مضى؟!

قال: «دع عنك هذا، ائذن لي أن أدخل البيت و أخرج إليك، و استعرضني باي القرآن إن شئت سأفسر لك و تحفظه» فدخل البيت، فقمت و دخلت في طلبه اشفاقا منّي عليه، فسألت عنه فقيل: دخل هذا البيت و ردّ الباب دونه، و قال: «لا تأذنوا عليّ لأحد حتّى أخرج إليكم» فخرج متغيرا و هو يقول: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، مضي و اللّه أبى» فقلت: جعلت فداك، قد مضى؟! فقال: «نعم، و تولّيت غسله

و تكفينه، و ما كان ذلك ليلي منه غيرى».

ثمّ قال لى: «دع عنك و استعرضني آي القرآن إن شئت أفسر لك تحفظه». فقلت: الأعراف؛ فاستعاذ باللّه من الشيطان الرجيم ثمّ قرأ: «بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ».

فقلت: المص فقال: «هذا أول السورة» و هذا ناسخ، و هذا منسوخ، و هذا محكم و هذا متشابه، و هذا خاص و هذا عام، و هذا ما غلط به الكتّاب، و هذا ما اشتبه عليه الناس.

يقول المصنف رضي اللّه عنه: إنّه كان بالمدينة و أبوه بطوس.

و روى ذلك أبو الصلت الهروى، و قال: لمّا مضى الرضا عليه السلام، و أغلقنا الباب دخل علينا فتى و الباب مغلق من صفته كذا و كذا، و القصة مشهورة.

436) عن علي بن خالد قال: كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا، فقالوا: إنّه تنبؤ حق.

قال: فأتيت الباب و استأذنت البواب حتّى وصلت إليه فإذا رجل له فهم و عقل، فقلت له: يا هذا ما قصتك؟

قال: إني كنت رجلا بالشام أعبد اللّه تعالى في الموضع الذي يقال أنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام، فبينما أنا ذات ليلة مقبل على المحراب أذكر اللّه تعالى إذ رأيت شخصا بين يدى، فنظرت إليه فقال لى: «قم» فقمت معه، فمشى بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لى: «تعرف هذا المسجد؟» فقلت: نعم، هذا مسجد الكوفة.

قال: فصلّى و صلّيت معه، ثمّ خرج و خرجت معه، و مشى بي قليلا، فإذا أنا بمكّة، فطاف بالبيت فطفت معه، ثمّ خرج فمشى قليلا، فإذا أنا بالموضع الذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام، و

غاب الشخص عن عينى، فبقيت متعجبا متهولا مما رأيت.

فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به، و دعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام الماضى، فلمّا أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بالذي أقدرك على ما رأيت منك إلّا أخبرتني من أنت؟ فأطرق طويلا ثمّ نظر إليّ و قال: «أنا محمّد بن علي بن موسى».

و تراقى الخبر إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات فبعث إليّ و كبلني في الحديد، و حملني إلى العراق و حبست كما ترى و ادّعى عليّ المحال، فقلت له: فارفع قصتك إلى محمّد بن عبد الملك؟ فقال: افعل.

فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها، و رفعتها إلى محمّد بن عبد الملك فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة و من الكوفة إلى المدينة و منها إلى مكّة و منها إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا.

قال علي بن خالد: فغمني ذلك من أمره، و رققت له، و انصرفت محزونا عليه، فلمّا كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و الرضى فوجدت الجند و أصحاب الحرس و صاحب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لى: المحمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة فلا يدرى أخسفت به الأرض، أم اختطفه الطير.

و كان علي بن خالد زيديا فقال بالإمامة لما رأى ذلك و حسن اعتقاده.

في بيان ظهور آياته مع الشجرة و فيه: حديث واحد

437) عن الريان بن شبيب، قال: لمّا توجّه أبو جعفر عليه السلام من بغداد منصرفا من عند المأمون، و معه أمّ الفضل قاصدا بها إلى المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة، و معه الناس يشيعونه، فانتهى إلى دار المسيب عند غروب الشمس، فنزل و دخل المسجد،

و كان في صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة، و قام عليه السلام فصلّى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولى منها الْحَمْدُ و إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ و في الثانية الْحَمْدُ و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قنت قبل ركوعه فيها و صلّى الثالثة و تشهّد و سلّم، ثمّ جلس هنيهة يذكر اللّه تعالى عز و جل اسمه و قام من غير أن يعقّب، و صلّى النوافل أربع ركعات و عقّب بعدها، و سجد سجدتي الشكر، ثمّ خرج.

فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا، فتعجبوا من ذلك، و أكلوا منها، فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له، و ودعوه و مضى عليه السلام في وقته إلى المدينة.

في بيان ظهور آياته من العلم بحديث النفس و فيه: أربعة أحاديث

438) عن محمد بن عيسى، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام بالمدينة و هو نازل في دار بزيع فسلّمت عليه، و قلت في نفسى: أستعطفه على زكريا بن آدم؛ ثمّ رجعت إلى نفسي و قلت: من أنا فأعترض في هذا أو شبهه بمولاي؟! هو أعلم بما يصنع. فقال لي بأعلى صوته: «على مثل أبي يحيى لا تعجل، و قد كان من خدمته لأبي ما كان».

439) عن علي بن أسباط، قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام و هو يقول: «إنّ اللّه تبارك و تعالى احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوة، قال اللّه تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، و قال: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فقد يجوز أن يؤتى الحكم و هو صبى.

و يجوز أن يؤتاه و هو ابن أربعين سنة.

440) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: سألني جمّال أن أكلّم أبا جعفر ليدخله في

بعض أموره.

قال: فدخلت عليه لأكلمه، فوجدته يأكل مع جماعة، فلم يمكنني كلامه، فقال: «يا أبا هاشم، كل من هذا الذي بين يدى» ثمّ قال ابتداء منه من غير مسألة: «يا غلام، انظر إلى الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم.

441) عن علي بن مهزيار، قال: حدّثني محمد بن الفرج أنّه قال: ليتني إذا دخلت على أبي جعفر عليه السلام كساني ثوبين قطوانين ممّا لبسه أحرم فيهما.

قال: فدخلت عليه بشرف و عليه رداء قطواني يلبسه، فأخذه و حوّله من هذا العاتق إلى الآخر، ثمّ إنّه أخذ من ظهره و بدنه إلى آخر يلبسه خلفه، فقال: «أحرم فيهما، بارك اللّه لك».

في بيان ظهور آياته من العلم بالآجال و فيه: ثلاثة أحاديث

442) عن إبراهيم بن محمّد الهمدانى، قال: كتب أبو جعفر الثاني عليه السلام، إليّ كتابا و أمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن عمران.

قال: فمكث الكتاب عندي سنتين، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن عمران فككته فإذا فيه: «قم بما كان يقوم به» أو نحوه من هذا الأمر.

قال محمد بن عيسى: و حدّثني يحيى و إسحاق ابنا سليمان بن داود أنّ إبراهيم بن محمّد أقرأهم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران.

و كان إبراهيم يقول: كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى بن عمران في الحياة.

443) عن أمية بن على، قال: كنت بالمدينة، و كنت أختلف إلى أبي جعفر، و أبو الحسن الرضا عليهما السلام بخراسان، و كان أهل بيته و عمومة أبيه يأتونه و يسلّمون عليه، فدعا يوما بجارية فقال لها:

«قولي لهم تهيّأوا للمأتم». فلمّا تفرقوا قالوا: أ لا سألناه مأتم من؟

فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا، مأتم من؟ قال: «مأتم خير من على ظهرها» فأتانا خبر أبي الحسن

عليه السلام بعد ذلك بأيّام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم.

444) عن محمّد بن القاسم، عن أبيه، و روى أيضا غيره قال: لمّا خرج من المدينة في المرّة الأخيرة قال: «ما أطيبك يا طيبة، فلست بعائد إليك».

في بيان ظهور آياته في الإخبار بالغائبات و فيه: ثمانية أحاديث

445) عن محمد بن أبي القاسم، قال: و رواه عامّة أهل المدينة أنّ الرضا عليه السلام كتب في أحمال له تحمل إليه من المتاع و غير ذلك، فلمّا توجهت و كان يوما من الأيّام أرسل أبو جعفر عليه السلام رسلا يردّونها فلم يدر لم ذلك، ثمّ حسب ذلك اليوم في ذلك الشهر، فوجد يوم مات فيه الرضا عليه السلام.

446) عن محمّد بن القاسم، عن أبيه و عن غير واحد من أصحابنا أنّه قد سمع عمر بن الفرج أنّه قال: سمعت من أبي جعفر عليه السلام شيئا لو رآه محمّد أخي لكفر. فقلت: و ما هو أصلحك اللّه؟

قال: إنّي كنت معه يوما بالمدينة إذ قرب الطعام فقال: «أمسكوا» فقلت: فداك، أبي قد جاءكم الغيب.

فقال: «عليّ بالخبّاز» فجي ء به فعاتبه و قال: «من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام؟» فقال له: جعلت فداك فلان، ثمّ أمر بالطعام فرفع و أتي بغيره.

447) و عنه، عن أبيه قال: حدّثني بعض المدينيين أنّهم كانوا يدخلون على أبي جعفر عليه السلام و هو نازل في قصر أحمد بن يوسف يقولون له: يا أبا جعفر، جعلنا فداك، قد تهيأنا و تجهزنا و لا نراك تهم بذلك؟! قال لهم: «لستم بخارجين حتّى تغترفوا الماء بأيديكم من هذه الأبواب التي ترونها». فتعجّبوا من ذلك أن يأتي الماء من تلك المكثرة، فما خرجوا حتّى اغترفوا بأيديهم منها.

448) و عنه، عن أبيه و عن بعض المدينيين، قال: لمّا

وجّه المأمون إليه و هو بتكريت متوجها إلى الروم، و صار في بعض الطريق في حميم الحر و لا مطر و لا و حل و لا ماء يرى و لا حوض، قال لبعض غلمانه: «اعقد ذنب برذونى» فتعجّب الناس و وقفوا حتّى عقد الغلام ذنب برذونه، ثمّ مضى، و مضى الناس معه، و عمر بن الفرج مستهزئ متعجب.

قال: فما مضوا إلا ميلا أو ميلين و إذا هم بماء قد فاض من نهر فطبق الأرض أجمع فمضى و الناس وقوف حتّى شدّوا أذناب دوابهم.

قال أبى: قال عمر بن الفرج: و اللّه لو رأى أخي هذا لكفر اليوم أشدّه و أشدّه.

449) و عنه، عن أبيه، و رواه عامّة أصحابنا، قال: إنّ رجلا خراسانيا أتى أبا جعفر عليه السلام بالمدينة فسلّم عليه، و قال: السلام عليك يا ابن رسول اللّه. و كان واقفيا، فقال له: «سلام» و أعادها الرجل فقال: «سلام» فسلّم الرجل بالإمامة، قال: قلت في نفسى: كيف علم أنّي غير مؤتم به و أنّي واقف عنه؟!

قال: ثمّ بكى و قال: جعلت فداك هذه كذا و كذا دينارا فاقبضها، فقال له أبو جعفر عليه السلام: «قد قبلتها؛ فضمّها إليك». فقال: إنّي خلفت صاحبتي و معها ما يكفيها و يفضل عنها. فقال: «ضمّها إليك فإنّك ستحتاج إليها» مرارا.

قال الرجل: ففعلت و رجعت، فإذا طرّار قد أتى منزلي فدخله و لم يترك شيئا إلّا أخذه، فكانت تلك الدنانير هي التي تحمّلت بها إلى موضعى.

450) عن الحسن بن أبي عثمان الهمدانى، قال: دخل أناس من أصحابنا من أهل الري على أبي جعفر عليه السلام، و فيهم رجل من الزيدية، فسألناه مسألة، فقال أبو جعفر عليه السلام لغلامه:

«خذ بيد هذا الرجل

فأخرجه» فقال الزيدى: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله طيبا مباركا، و أنّك حجّة اللّه.

451) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و معي ثلاث رقاع معينة، و اشتبهت عليّ فاغتممت، فتناول إحداهن و قال: «هذه رقعة ريان بن شبيب» ثمّ تناول الثانية و قال: «هذه رقعة محمّد بن حمزة». و تناول الثالثة و قال: «هذه رقعة فلان» فبهتّ فنظر إليّ و تبسّم عليه السلام.

452) و عنه قال: أعطاني عليه السلام ثلاثمائة دينار في صرّة، و أمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه، و قال: «أما إنه سيقول لك: دلني على حريف أشتري بها منه متاعا فدله عليه».

فأتيته بالدنانير فقال: يا أبا هاشم، دلني على حريف يشتري لي بها متاعا. ففعلت.

في ظهور آياته في معان شتى و فيه: اثنا عشر حديثا

453) عن العبّاس بن السندي الهمدانى، عن بكير قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: عمّتي تشتكي من ريح بها. فقال:

«ائتني بها».

فأتيته بها فدخلت عليه فقال لها: «ما تشتكين؟» قالت: ركبتي جعلت فداك، فمسح بيده الشريفة على ركبتيها من وراء الثياب، و تكلّم بكلام، فخرجت و لم تجد من الوجع شيئا.

454) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: دخلت معه بستانا ذات يوم فقلت له: جعلت فداك، إنّي مولع بأكل الطين فادع اللّه تعالى لى، فسكت ثمّ قال بعد أيّام: «يا أبا هاشم، قد أذهب اللّه عنك أكل الطين».

قال أبو هاشم: فما شي ء أبغض إليّ منه.

455) عن علي بن أسباط، قال: خرجت مع أبي جعفر عليه السلام من الكوفة و هو راكب على حمار، فمر بقطيع غنم، فتركت شاة الغنم وعدت إليه و هي ترغو فاحتبس عليه السلام، و أمرني أن أدعو الراعي

إليه، ففعلت، فقال أبو جعفر عليه السلام: «أيّها الراعى، إنّ هذه الشاة تشكوك و تزعم أن لها رجلين و أنك تحيف عليها بالحلب، فإذا رجعت إلى صاحبها بالعشي لم يجد معها لبنا، فإن كففت من ظلمها، و إلّا دعوت اللّه تعالى أن يبتر عمرك».

فقال الراعى: إنّي أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّك وصيه، أسألك لما أخبرتني من أين علمت هذا الشأن؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: «نحن خزّان اللّه على علمه و غيبه و حكمته، و أوصياء أنبيائه، و عباد مكرمون».

456) عن محمّد بن الفرج، قال: كتب إليّ أبو جعفر عليه السلام: «احمل إليّ الخمس، فإني لست آخذ منكم سوى عامي هذا» فقبض عليه السلام في تلك السنة.

457) عن يوسف بن زياد، عن الحسن بن على، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام فقال: يا ابن رسول اللّه، إنّ أبي قد مات، و كان له ألف دينار، ففاجأه الموت، و لست أقف على ماله، ولي عيال كثيرة، و أنا من مواليكم فاغننى.

فقال أبو جعفر عليه السلام: «إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد و آل محمّد مائة مرّة، فإنّ أباك يأتيك و يخبرك بأمر المال».

ففعل الرجل ذلك فأتاه أبوه في منامه فقال: يا بني مالي في موضع كذا فخذه. فذهب الرجل فأخذ الألف دينار و أبوه واقف فقال يا بني اذهب إلى ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبره بأنّي قد دللتك عليه، فإنّه كان أمرني بذلك، فجاء الرجل و أخبره بالمال و قال: الحمد للّه الذي أكرمك و اصطفاك.

458) عن أبي الصلت الهروى، قال: حضرت مجلس الإمام محمّد بن

علي بن موسى عليهم السلام، و عنده جماعة من الشيعة و غيرهم، فقام إليه رجل و قال: يا سيدى، جعلت فداك. فقال عليه السلام: «لا تقصّر و اجلس».

ثمّ قام إليه آخر فقال: يا مولاى، جعلت فداك. فقال: «إن لم تجد أحدا فارم بها في الماء، فإنّها تصل إليه».

قال: فجلس الرجل، فلمّا انصرف من كان في المجالس قلت له: جعلت فداك، رأيت عجبا! قال: «نعم، تسألني عن الرجلين؟» قلت: نعم يا سيدى.

قال: «أمّا الأول فإنّه قام يسألني عن الملّاح يقصّر في السفينة؟

قلت: لا، لأنّ السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها؛ و الآخر قام يسألني عن الزكاة إن لم يصب أحدا من شيعتنا فإلى من يدفعه؟ فقلت له: إن لم تصب لها أحدا فارم بها في الماء، فإنّها تصل إلى أهلها»

459) عن صالح بن عطية الأضخم قال: حججت فشكوت إلى أبي جعفر عليه السلام الوحدة، فقال لى: «إنّك لا تخرج من الحرم حتّى تشتري جارية ترزق منها ابنا». فقلت: تشير إليّ؟ قال: «نعم» و ركب إلى النخّاس و نظر إلى جارية فقال: «اشترها» فاشتريتها، فولدت محمّدا.

460) عن عمران بن محمد الأشعري قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقضيت حوائجي و قلت له: إنّ أم الحسين تقرئك السلام و تسألك ثوبا من ثيابك تجعله كفنا لها. قال: «قد استغنت عن ذلك». فخرجت و لست أدري ما معنى ذلك، حتى أتى الخبر بأنّها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما، أو أربعة عشر يوما.

461) عن ابن أورمة قال: إنّ المعتصم دعا جماعة من وزرائه و قال: اشهدوا لي على محمّد بن علي بن موسى الرضا زورا و اكتبوا بأنّه أراد أن يخرج.

ثمّ دعاه فقال: إنّك أردت أن تخرج

على. فقال: «و اللّه ما فعلت شيئا من ذلك».

قال: إنّ فلانا و فلانا شهدوا عليك. و أحضروا فقالوا: نعم، هذه الكتاب أخذناها من بعض غلمانك.

قال: و كان جالسا في [بهو] فرفع أبو جعفر عليه السلام يده و قال: «اللهم إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم».

قال: فنظرنا إلى ذلك البهو يرجف و يذهب و يجي ء، و كلما قام واحد وقع، فقال المعتصم: يا ابن رسول اللّه، تبت ممّا قلت، فادع ربّك أن يسكّنه. فقال: «اللهم سكّنه، و إنّك تعلم بأنّهم أعداؤك و أعدائى».

462) عن محمّد بن ميمون، قال: كنت مع الرضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان، قال: فقلت له: إنّي أريد أن أتقدّم إلى المدينة، فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر عليه السلام، فتبسّم و كتب، و حضرت إلى المدينة، و قد كان ذهب بصرى، فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا فحمله من المهد، فتناول الكتاب و قال لموفق الخادم: «فضّه و انشره» ففضه و نشره بين يديه، فنظر فيه، ثمّ قال: «يا محمد، ما حال بصرك؟» قلت: يا ابن رسول اللّه، اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى.

قال: فمدّ يده و مسح بها على عينى، فعاد بصري إليّ كأصحّ ما كان، فقبّلت يده و رجله، و انصرفت من عنده و أنا بصير، و المنّة اللّه.

463) عن محمد بن عمر بن واقد الرازي قال: دخلت على أبي جعفر محمّد الجواد بن الرضا عليهم السلام و معي أخي به بهق شديد، فشكا إليه ذلك البهق، فقال: «عافاك اللّه مما تشكو» فخرجنا من عنده و قد عوفى، فما عاد إليه ذلك البهق إلى أن مات.

قال محمّد بن عمر: و كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع،

فيشتد ذلك بي أياما، فسألته أن يدعو لي بزواله عنّى، فقال:

«و أنت، فعافاك اللّه» فما عاد إلى هذه الغاية.

464) عن إسماعيل بن عباس الهاشمى، قال: جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلّى، فأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها، فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ستة عشر مثقالا من الذهب.

الباب الثالث عشر في آيات أبي الحسن علي النقي عليه السلام

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى و فيه: حديث واحد

465) عن محمّد بن حمدان، عن إبراهيم بن بلطون، عن أبيه قال: كنت أحجب المتوكل، فأهدي له خمسون غلاما من الخزر، فأمرني أن أتسلمهم و أحسن إليهم، فلمّا تمّت سنة كاملة كنت واقفا بين يديه إذ دخل عليه أبو الحسن علي بن محمّد النقي عليهما السلام، فلمّا أخذ مجلسه أمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم، فأخرجتهم، فلمّا بصروا بأبي الحسن عليه السلام سجدوا له بأجمعهم، فلم يتمالك المتوكل أن قام يجرّ رجليه حتّى توارى خلف الستر، ثمّ نهض أبو الحسن عليه السلام.

فلمّا علم المتوكل بذلك خرج إليّ و قال: ويلك يا بلطون، ما هذا الذي فعل هؤلاء الغلمان؟ فقلت: لا و اللّه، ما أدرى. قال: سلهم.

فسألتهم عمّا فعلوا فقالوا: هذا رجل يأتينا كل سنة فيعرض علينا الدين، و يقيم عندنا عشرة أيّام، و هو وصي نبي المسلمين.

فأمرني بذبحهم، فذبحتهم عن آخرهم.

فلمّا كان وقت العتمة صرت إلى أبي الحسن عليه السلام، فإذا خادم على الباب فنظر إلى، فلمّا بصر بي قال: «ادخل» فدخلت، فإذا هو- عليه السلام- جالس فقال: «يا بلطون ما صنع القوم؟» فقلت:

يا ابن رسول اللّه ذبحوا و اللّه عن آخرهم، فقال لى: «كلهم؟» فقلت:

إي و اللّه.

فقال عليه السلام: «أ تحب أن تراهم؟» قلت: نعم، يا ابن رسول اللّه. فأومأ بيده أن ادخل الستر، فدخلت فإذا أنا

بالقوم قعود و بين أيديهم فاكهة يأكلون.

في بيان ظهور آياته مع الماء و الشجر و فيه: حديث واحد

466) عن يحيى بن هرثمة، قال: أنا صحبت أبا الحسن عليه السلام من المدينة إلى سرّ من رأى في خلافة المتوكل، فلمّا صرنا ببعض الطريق عطشنا عطشا شديدا، فتكلمنا، و تكلم الناس في ذلك، فقال أبو الحسن عليه السلام: «الآن نصير إلى ماء عذب فنشربه».

فما سرنا إلّا قليلا حتّى صرنا إلى تحت شجرة ينبع منها ماء عذب بارد، فنزلنا عليه و ارتوينا و حملنا معنا و ارتحلنا، و كنت علّقت سيفي على الشجرة فنسيته.

فلمّا صرت غير بعيد في بعض الطريق ذكرته، فقلت لغلامى:

ارجع حتّى تأتيني بالسيف، فمرّ الغلام ركضا، فوجد السيف و حمله و رجع متحيرا، فسألته عن ذلك فقال لى: إنّي رجعت إلى الشجرة، فوجدت السيف معلقا عليها، و لا عين و لا ماء و لا شجر، فعرفت الخبر، فصرت إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بذلك، فقال:

«احلف أن لا تذكر ذلك لأحد» فقلت: نعم.

في بيان معجزاته في الحجر و الرمل و فيه: ثلاثة أحاديث

467) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: خرجت مع أبي الحسن عليه السلام إلى سرّ من رأى نتلقى بعض القادمين فأبطئوا، فطرح لأبي الحسن عليه السلام غاشية السرج فجلس عليها، فنزلت عن دابّتي و جلست بين يديه و هو يحدّثنى، فشكوت إليه قصور يدى، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا و ناولني منه كفّا و قال: «اتسع بهذا يا أبا هاشم، و اكتم ما رأيت» فجئت به معى، و رجعنا فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهبا أحمر.

فدعوت صائغا إلى منزلى، و قلت له: اسبك لي هذا فسبكه و قال لى: ما رأيت ذهبا أجود منه، و هو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا؟

فما رأيت أعجب منه! قلت: هذا شي ء كان عندنا قديما تدّخره لنا عجائزنا على طول الأيّام.

468) و

عنه قال: حججت سنة حج فيها بغا، فلمّا صرت إلى المدينة إلى باب أبي الحسن عليه السلام وجدته راكبا في استقبال بغا، فسلّمت عليه فقال: «امض بنا إذا شئت». فمضيت معه حتّى خرجنا من المدينة، فلمّا أصحرنا التفت إلى غلامه و قال: «اذهب فانظر في أوائل العسكر». ثمّ قال: «انزل بنا يا أبا هاشم».

قال: فنزلت و في نفسي أن أسأله شيئا و أنا أستحيي منه، و أقدّم و أؤخر.

قال: فعمل بسوطه في الأرض خاتم سليمان، فنظرت فإذا في آخر الأحرف مكتوب: «خذ» و في الآخر «اكتم» و في الآخر «اعذر» ثمّ اقتلعه بسوطه و ناولنيه فنظرت، فإذا بنقرة صافية فيها أربعمائة مثقال، فقلت: بأبي أنت و أمّى، لقد كنت شديد الحاجة إليها، و أردت كلامك و أقدّم و أؤخر، و اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، ثمّ ركبنا.

469) و عنه قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام فكلّمني بالهندية، فلم أحسن أن أردّ عليه، و كان بين يديه ركوة ملأى حصا، فتناول حصاة واحدة فوضعها في فيه مليا، ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمى، فو اللّه ما رجعت من عنده حتى تكلّمت بثلاث و سبعين لسانا، أولها الهندية.

في بيان ظهور آياته في الإعلام عن آجال الناس و فيه: سبعة أحاديث

470) عن حسين الأسباطى، قال: قدمت على أبي الحسن علي عليه السلام بالمدينة فقال: «ما خبر الواثق عندك؟» قلت: جعلت فداك، خلّفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهدا به منذ عشرة أيام، فقال: «إنّ الناس يقولون إنّه مات». فعلمت أنّه يعني نفسه.

ثمّ قال: «ما فعل جعفر؟» قلت: تركته أسوأ الناس حالا في السجن، قال: فقال: «أما إنّه صاحب الأمر».

فقال: «ما فعل ابن الزيّات؟» قلت: الناس معه و الأمر أمره، قال: «أما إنّه شؤم عليه».

ثمّ سكت و

قال: «لا بد أن تجري مقادير اللّه و أحكامه» فأخبر أن مات الواثق، و قعد المتوكل جعفر، و قتل ابن الزيّات، قلت: متى جعلت فداك؟ قال: «بعد خروجك بستة أيام».

471) عن محمّد بن الفرج الرّخّجى، قال إنّ أبا الحسن عليه السلام كتب إلى: «يا محمّد، اجمع أمرك، و خذ حذرك».

قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الّذي أراد حتّى ورد عليّ رسول، و حملني من وطني مصفدا بالحديد، و ضرب على كلّ ما أملك.

فمكثت في السجن ثماني سنين، ثمّ ورد عليّ الكتاب منه و أنا في السجن: «يا محمد بن الفرج، لا تنزل في ناحية الجانب الغربى».

فقرأت الكتاب، فقلت في نفسى. يكتب إليّ أبو الحسن عليه السلام بهذا و أنا في السجن؟! إنّ هذا لعجب.

فما مكثت إلّا أيّاما يسيرة حتّى أفرج عنّى، و خليت قيودى، و خلّي سبيلى، فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل اللّه تعالى أن يردّ عليّ ضيعتى، فكتب إلى: «سوف تعود إليك، و ترد عليك، و ما يضرّك أن لا تردّ عليك».

قال علي بن محمد النوفلى: فلمّا شخص محمّد بن الفرج الرّخّجي إلى العسكر كتب له بردّ ضيعته، فلم يصل الكتاب حتّى مات.

472) عن أبي يعقوب قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران، و قد قصر أبو الحسن عليه السلام عنه، فقال له ابن الخصيب: سر جعلت فداك. فقال له أبو الحسن عليه السلام: «أنت المتقدم» فما لبثنا إلّا أربعة أيام حتّى وقع الدّهق على ساق ابن الخصيب و قتل.

473) عن الحسن بن محمّد بن جمهور، قال: كان لي صديق مؤدب ولد بغا أو وصيف- الشكّ منّي- فقال لى: قال الأمير [عند] منصرفه من دار الخلافة:

حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون له ابن الرضا اليوم و دفعه إلي علي بن كركر، فسمعته يقول: «أنا أكرم على اللّه من ناقة صالح تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ليس يفصح بالآية و لا بالكلام، أيّ شي ء هذا؟

قال: قلت: أعزك اللّه تعالى توعدك أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام.

فلمّا كان من الغد أطلقه و اعتذر إليه، فلمّا كان اليوم الثالث وثب عليه باغر و بغلون أوتامش و جماعة معهم، فقتلوه و أقعدوا المنتصر ولده خليفة.

474) عن سعيد بن سهل البصري الملقّب بالملاح قال: حدث لبعض أولاد الخلفاء وليمة، فدعانا مع أبي الحسن عليه السلام، فدخلنا فلمّا رأوه أنصتوا إجلالا له، و جعل شابّ في المجالس لا يوقّره، و جعل يلعب و يضحك، فأقبل عليه و قال: «يا هذا، أ تضحك مل ء فمك و تذهل عن ذكر اللّه تعالى و أنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور؟!» فقلنا. هذا دليل حتى ننتظر ما يكون.

قال: فأمسك الفتى و كفّ عمّا هو فيه، و طعمنا و خرجنا، فلمّا كان بعد يوم اعتلّ الفتى و مات في اليوم الثالث من أول النهار، و دفن في آخره.

475) و عنه، قال: اجتمعنا أيضا في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى و أبو الحسن عليه السلام معنا، فجعل رجل يلعب، و يمزح و لا يرى له إجلالا فأقبل على جعفر و قال: «إنّه لا يأكل من هذا الطعام، و سوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عيشه» فقدّمت المائدة فقال: ليس بعد هذا خبر و قد بطل قوله، فو اللّه لقد غسل الرجل يده و أهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي

و قال له:

الحق أمّك فقد وقعت من فوق البيت و هي إلى الموت أقرب.

فقال جعفر: قلت: و اللّه لا وقفت بعد هذا، و قطعت عليه أنّه الإمام.

476) عن أبي يعقوب قال: رأيت محمّد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا و قد استقبل أبا الحسن عليه السلام، فنظر إليه نظرا شافيا، و اعتلّ محمّد بن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائدا بعد أيّام من علته، فحدّثني أنّ أبا الحسن عليه السلام أنفذ إليه بثوب و رأيته مدرجا تحت رأسه. قال: و كفّن و اللّه فيه.

في ظهور آياته من الإخبار بالغائبات و فيه: ستة أحاديث

477) عن المنتصر بن المتوكل قال: زرع والدي الآس في بستان و أكثر منه، فلمّا استوى الآس كلّه و حسن، أمر الفراشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان و أنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إليّ و قال: يا رافضى، سل ربّك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرّ، فإنّك تزعم أنّه يعلم الغيب؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّه ليس يعلم الغيب.

فأصبحت [و غدوت] إلى أبي الحسن عليه السلام من الغد و أخبرته بالأمر، فقال: «يا بنى، امض أنت و احفر الأصل الأصفر فإن تحته جمجمة نخرة، و اصفراره لبخارها و نتنها».

قال: ففعلت ذلك فوجدته كما قال عليه السلام، ثمّ قال لى: «يا بني لا تخبرن أحدا بهذا الأمر إلّا لمن يحدّثك بمثله».

478) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: كنت بالمدينة حين مرّ بها بغا أيّام الواثق في طلب الأعراب، فقال أبو الحسن عليه السلام:

«اخرجوا بنا حتّى ننظر إلى لغة هذا التركى». فمر بنا تركي و كلّمه أبو الحسن عليه السلام بالتركية، فنزل عن فرسه و قبّل حافر دابته.

قال: فحلف

التركي و قلت له: ما قال الرجل لك؟ قال: هذا نبي؟ فقلت: هذا ليس نبيّا.

قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، و ما علمه أحد إلى الساعة.

479) عن الحسن بن محمد بن جمهور العمى، قال:

سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك، و كان سعيد يتشيع. فقال: هيهات، قلت: بلى و اللّه. فقال: و كيف ذلك؟

قلت: بعثني المتوكل و أمرني أن أكبس على علي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك فوجدته يصلّى، فبقيت قائما حتّى فرغ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليّ و قال: «يا سعيد لا يكفّ عنّي جعفر- أي المتوكّل الملعون- حتّى يقطع إربا إربا! اذهب و اعزب» و أشار بيده الشريفة، فخرجت مرعوبا، و دخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه، فلمّا رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة و الواعية، فسألت عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا و قلت بها.

480) عن عبد اللّه بن طاهر، قال: خرجت إلى سر من رأى لأمر من الأمور أحضرني المتوكل، فأقمت مدة ثمّ ودعت و عزمت على الانحدار إلى بغداد، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أستأذنه في ذلك و أودعه، فكتب لى: «فإنك بعد ثلاث يحتاج إليك و يحدث أمران».

فانحدرت و استحسنته، فخرجت إلى الصيد و نسيت ما أشار إلي أبو الحسن عليه السلام، فعدلت إلى المطيرة و قد صرت إلى مصري و أنا جالس مع خاصتي (إذ ثمانية فوارس) يقولون. أجب أمير المؤمنين المنتصر، فقلت: ما الخبر؟ فقالوا: قتل المتوكل، و جلس المنتصر، و استوزر أحمد بن محمد بن الخصيب، فقمت من فوري راجعا.

481) عن

الطيب بن محمد بن الحسن بن شمون قال: ركب المتوكل ذات يوم و خلفه الناس و ركب آل أبي طالب إلى أبي الحسن عليه السلام ليركبوا بركوبه فخرج في يوم صائف شديد الحر، و السماء صافية ما فيها غيم، و هو عليه السلام معقود ذنب الدابة بسرج جلود طويل و عليه ممطر و برنس، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة آل أبي طالب: انظروا إلى هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء، قال: فساروا جميعا فما جاوزوا الجسر و لا خرجوا عنه حتى تغيمت السماء و أرخت عزاليها كأفواه القرب، و ابتلت ثياب الناس، فدنا منه زيد بن موسى بن جعفر و قال: يا سيدى، أنت قد علمت أنّ السماء قد تمطر فهلا أعلمتنا فقد هلكنا و عطبنا.

482) عن موسى بن جعفر البغدادي قال: كانت لي حاجة أحببت أن اكتب إلى العسكري عليه السلام، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي فإني كتبت إليه كتابا و لم أذكر فيه حاجتى، بل بيضت موضعها، فورد الكتاب في حاجتي مفسرا في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصى.

في ظهور آياته في معان شتى و فيه: سبعة عشر حديثا

483) عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام في يوم وروده سر من رأى و هو في خان الصعاليك، فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور، أرادوا إطفاء نورك و النقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.

فقال «هاهنا أنت يا ابن سعيد» ثم أومأ بيده الشريفة فإذا أنا بروضات أنيقات، و أنهار جاريات، و جنّات فيها خيرات عطرات، و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصرى، و كثر عجبي فقال لى: «حيث كنا فهذا لنا عتيد يا

ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك».

484) عن محمّد بن الحسن الأشتر العلوي الحسينى، قال:

كنت مع أبي على باب المتوكل، و أنا صبى، في جمع من الناس في ما بين طالبي إلى عباسي إلى جعفري إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن علي بن محمّد عليه السلام فترجل الناس كلّهم، حتى دخل فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ فما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا سنا و لا بأعلمنا! فقالوا: و اللّه لا ترجلنا له. فقال أبو هاشم الجعفرى:

و اللّه لتترجّلن له [على] صغره إذا رأيتموه. فما هو إلّا أن طلع و بصروا به حتّى ترجل له الناس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: أ لستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجلنا.

485) عن الحسن بن محمّد بن على، قال: جاء رجل إلى علي بن محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام و هو يبكي و ترتعد فرائصه فقال: يا ابن رسول اللّه، إن فلانا- يعني الوالي- أخذ ابني و اتهمه بموالاتك، فسلّمه إلى حاجب من حجّابه، و أمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك ثمّ يدفنه في أصل الجبل.

فقال عليه السلام: «فما تشاء؟» فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده.

قال: «اذهب فإنّ ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت و يخبرك بالعجب من أمره». فانصرف الرجل فرحا.

فلمّا كان عند ساعة من آخر النهار غدا إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة فسرّه و قال: ما خبرك يا بني؟ فقال: يا أبت، إن فلانا- يعني الحاجب- صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك ثمّ يصعدني من غد إلى أعلى الجبل و

يدهدهني لبئر حفر لي قبرا في هذه الساعة، فجعلت أبكي و قوم موكّلون بي يحفظوننى، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوها، و أنظف منهم ثيابا، و أطيب منهم روائح، و الموكّلون بي لا يرونهم فقالوا لى: ما هذا البكاء و الجزع و التطاول و التضرع؟ فقلت:

أ لا ترون قبرا محفورا، و جبلا شاهقا، و موكّلين لا يرحمون يريدون أن يدهدهوني منه و يدفنوني فيه؟ قالوا: بلى، أ رأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل و دفناه في القبر، أ تحرر نفسك فتكون لقبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله خادما؟ قلت: بلى و اللّه. فمضوا إليه- يعني الحاجب- فتناولوه و جرّوه و هو يستغيث و لا يسمع به أصحابه و لا يشعرون به، ثمّ صعدوا به إلى الجبل و دهدهوه منه، فلم يصل إلى الأرض حتّى تقطّعت أوصاله، فجاء أصحابه و ضجّوا عليه بالبكاء و اشتغلوا عنّى، فقمت و تناولني العشرة، فطاروا بي إليك في هذه الساعة، و هم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأكون خادما. و مضى.

فجاء الرجل إلى علي بن محمّد عليه السلام فأخبره، ثمّ لم يلبث إلّا قليلا حتّى جاء الخبر بأنّ قوما أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل فدفنه أصحابه في ذلك القبر، و هرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر، فجعل علي بن محمد عليه السلام يقول للرجل: «إنهم لا يعلمون ما نعلم» و يضحك.

486) عن أبي الهيثم عبد اللّه بن عبد الرحمن الصالحى، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن عليه السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا

انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع اللّه تعالى يا سيدى، فإنّي لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد و الإبطاء عنك، فسرت إليك على الظهر و مالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع اللّه تعالى أن يقويني على زيارتك، على وجه الأرض، فقال: «قوّاك اللّه يا أبا هاشم، و قوّى برذونك».

قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، و يسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، و يعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، و كان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت.

487) عن علي بن مهزيار، قال: إنّه صار إلى سر من رأى، و كانت زينب الكذابة ظهرت و زعمت أنّها زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام، فأحضرها المتوكل و سألها فانتسبت إلى علي بن أبي طالب و فاطمة، فقال لجلسائه: كيف بنا بصحة أمر هذه، و عند من نجده؟ فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرضا فاحضره حتّى يخبرك بحقيقة أمرها.

فأحضر عليه السلام فرحّب به المتوكل و أجلسه معه على سريره، فقال: إنّ هذه تدعي كذا، فما عندك؟ فقال: «المحنة في هذا قريبة، إنّ اللّه تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة و علي و الحسن و الحسين عليهم السلام على السباع، فألقوها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرض لها، و إن كانت كاذبة أكلتها».

فعرض عليها فكذبت نفسها، و ركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها و جاريتها على حمار آخر بأنّها زينب الكذّابة، و ليس بينها و بين رسول اللّه صلى الله عليه و آله و علي و فاطمة صلوات اللّه عليهم قرابة، ثمّ دخلت الشام.

فلمّا أن

كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكل أبو الحسن عليه السلام، و ما قال في زينب، فقال علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، لو جرّبت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله. فقال: أفعل، ثمّ تقدّم إلى قوام السباع فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة و يحضروها القصر فترسل في صحنه فنزل و قعد هو في المنظر، و أغلق أبواب الدرجة، و بعث إلى أبي الحسن عليه السلام فأحضر، و أمره أن يدخل من باب القصر، فدخل، فلمّا صار في الصحن. أمر بغلق الباب، و خلّى بينه و بين السباع في الصحن.

قال علي بن يحيى: و أنا في الجماعة و ابن حمدون، فلمّا حضر عليه السلام و عليه سواد و شقة فدخل و أغلق الباب و السباع قد أصمّت الآذان من زئيرها، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع و قد سكنت، و لم نسمع لها حسا حتّى تمسحت به، و دارت حوله، و هو يمسح رءوسها بكمّه، ثمّ ضرب بصدورها الأرض، فما مشت و لا زأرت حتّى صعد الدرجة، و قام المتوكّل و دخل، فارتفع أبو الحسن عليه السلام و قعد طويلا، ثمّ قام فانحدر، ففعلت السباع به كفعلها في الأول، و فعل هو بها كفعله الأول، فلم تزل رابضة حتّى خرج من الباب الذي دخل منه، و ركب و انصرف، و أتبعه المتوكّل بمال جزيل صلة له.

و قال علي بن الجهم: فقمت و قلت يا أمير المؤمنين، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمّك. فقال: و اللّه لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه و عنق هذه العصابة كلّهم. فو اللّه ما تحدّثنا بذلك حتّى قتل.

488) و قد ذكر الحديث أبو عبد

اللّه الحافظ النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر، و نسبه إلى جدّه الرضا عليه السلام، و هو أنّه قد دخل على المأمون و عنده زينب الكذّابة، و كانت تزعم أنّها زينب بنت علي بن أبي طالب، و أنّ عليا قد دعا لها بالبقاء إلى يوم القيامة، فقال المأمون للرضا عليه السلام سلم: على أختك.

فقال: «و اللّه ما هي بأختي و لا ولدها علي بن أبي طالب». فقالت زينب: ما هو أخي و لا ولده علي بن أبي طالب. فقال المأمون للرضا عليه السلام: ما مصداق قولك هذا؟؟

فقال: «إنا أهل بيت لحومنا محرّمة على السباع، فاطرحها إلى السباع، فإنّ تك صادقة فإنّ السباع تعفى لحمها». قالت زينب:

ابتدئ بالشيخ. قال المأمون: لقد أنصفت. فقال له: أجل.

ففتحت بركة السباع فنزل الرضا عليه السلام إليها، فلمّا رأته بصبصت و أومأت إليه بالسجود، فصلّى فيما بينها ركعتين و خرج منها.

فأمر المأمون زينب أن تنزل فأبت، و طرحت للسباغ فأكلتها.

قال المصنف رحمه اللّه و رضي عنه: إنّي وجدت في تمام هذه الرواية أنّ بين السباع كان سبعا ضعيفا و مريضا، فهمهم شيئا في أذنه فأشار عليه السلام إلى أعظم السباع بشي ء فوضع رأسه له، فلمّا خرج قيل له: ما قلت لذلك السبع الضعيف؟ و ما قلت للآخر؟ قال: «إنّه شكا إليّ و قال: إنّي ضعيف، فإذا طرح علينا فريسة لم أقدر على مؤاكلتها، فأشر إلى الكبير بأمرى، فأشرت إليه فقبل».

قال: فذبحت بقرة و ألقيت إلى السباع، فجاء الأسد و وقف عليها و منع السباع أن تأكلها حتّى شبع الضعيف، ثمّ ترك السباع حتّى أكلوها.

و قال المصنف رحمه اللّه: و أقول أيضا إنّه غير ممتنع أن يكون ذلك غير الآخر؛ و أنّ ما

نسب في أمر أبي الحسن عليه السلام في زينب الكذّابة غير منسوب إليها، و إنّما فعل ذلك المتوكل ابتداء، و تعرض لأمر آخر، لأنّه كان مشغوفا بإيذاء أهل البيت عليهم السلام.

489) عن محمّد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمّد عليهما السلام: «إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلّاك، ودعه ساعة، ثمّ أخرجه و انظر إليه».

قال محمّد: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا في الكتاب.

490) عن شاهواه، عن عبد اللّه بن سليمان الخلال قال:

كنت رويت عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في أبي جعفر عليه السلام روايات تدل عليه، فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام قلقت لذلك و بقيت متحيرا لا أتقدّم و لا أتأخر، و خفت أن أكتب إليه في ذلك، و لا أدري ما يكون، و كتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرّج اللّه عنا في أسباب من قبل السلطان. كنا نغتم بها من علمائنا، فرجع الجواب بالدعاء و ردّ علينا الغلمان، و كتب في آخر الكتاب: «أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفر عليه السلام، فقلقت لذلك، وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ صاحبك بعدي أبو محمد ابنى، عنده ما تحتاجون إليه، يقدّم اللّه ما يشاء و يؤخر «ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، قد كتبت بما فيه بيان و إقناع لذي عقل يقظان».

491) عن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسن عليه السلام غنما كثيرة، فأدخلني في إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي محمّد و إلى والدته و غيرهما، ممّن أمرني ثمّ

استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدى، و كان ذلك يوم التروية، فقال: «تقيم غدا عندنا ثمّ تنصرف» فأقمت.

فلما كان يوم عرفة أقمت عنده و بت ليلة الأضحى في رواق له، فلمّا كان في السحر أتاني و قال: «يا إسحاق، قم» فقمت و فتحت عينى، فإذا أنا على (باب بغداد)، فدخلت على والدي و أتاني أصحابي فقلت لهم: عرّفت بالعسكر، و خرجت ببغداد إلى يوم العيد.

492) عن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: مرضت فدخل عليّ الطبيب ليلا، و وصف لي دواء بليل آخذه كذا و كذا يوما، فلم يمكنني [تحصيله من الليل] فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد علي صرة بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لى: أبو الحسن يقرئك السلام و يقول لك: «خذ الدواء و استعمله كذا و كذا يوما» قال: فأخذته فبرئت.

قال محمّد بن علي قال زيد بن على: أين الغلاة عن هذا الحديث.

493) عن جماعة من أهل أصفهان، منهم العياشي محمّد بن النضر، و أبو جعفر بن محمّد بن علوية قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، و كان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقي عليه السلام دون غيره من أهل زمانه؟

قال: شاهدت ما أوجب ذلك على، و ذلك أنّي كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فأتينا باب المتوكل يوما، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد النقي عليه السلام، بعض من حضر:

من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، (ثمّ قيل: و يقدّر أنّ المتوكل يحضره للقتل).

فقلت: لا

أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو.

قال: فأقبل راكبا، و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفّين، ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبى، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شرّ المتوكّل، فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة و لا يسرة، و أنا دائم الدّعاء له.

فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه عليّ و قال: «قد استجاب اللّه دعاءك، و طوّل عمرك، و كثر مالك و ولدك». فارتعدت و وقفت بين أصحابي يسألوني و هم يقولون: ما شأنك؟! فقلت: خيرا، و لم أخبرهم بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح اللّه عليّ وجوها من المال حتّى اليوم، أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم، سوى مالي خارج الدار، و رزقت عشرة من الأولاد، و قد بلغت الآن من العمر نيفا و سبعين سنة، و أنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي و استجاب اللّه دعاءه فى.

494) عن يحيى بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل و قال: اختر ثلاثمائة ممّن تريد و اخرجوا إلى الكوفة، و خلّفوا أثقالكم فيها، و اخرجوا على طريق البادية إلى المدينة، و أحضروا علي بن محمّد النقي إلى عندي مكرّما معظّما مبجلا.

قال: فقمت و خرجنا، و كان في أصحابي قائد من الشراة، و كان لي كاتب متشيّع، و أنا على مذهب الحشوية، و كان ذلك الشاري يناظر الكاتب، و كنت أسمع إلى مناظرتهما لقطع الطريق.

فلمّا صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أ ليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب «ليس في الأرض بقعة إلّا و هي قبر، أو سيكون قبرا»؟ فانظر إلى هذه البرية أين من

يموت فيها حتّى يملأها اللّه قبورا كما تزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: أ هذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت:

صدق، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتّى تمتلئ قبورا؟

و تضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا.

قال: و سرنا حتّى دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن عليّ بن محمد بن الرضا عليهم السلام، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكّل فقال: «انزلوا، و ليس من جهتي خلاف».

قال: فلما حضرت إليه من الغد، و كنا في تموز أشدّ ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاظ- خفاتين- له و لغلمانه، ثمّ قال للخياط: «اجمع عليها جماعة من الخياطين، و اعمد على الفراغ منها يومك هذا و بكّر بها إليّ في هذا الوقت».

ثم نظر إليّ و قال: «يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، و اعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت».

قال: فخرجنا و إنّما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثمّ قلت في نفسى: هذا رجل لم يسافر، و هو يقدّر أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، و العجب من الرّافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: «ادخلوا، و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس» ثمّ قال: «ارحل يا يحيى» فقلت في نفسى:

هذا أعجب من الأوّل، أ يخاف أن يلحقنا الشّتاء في الطّريق حتّى يأخذ معه اللبابيد و البرانس».

فخرجت و أنا أستصغر فهمه حتّى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة، و اسودّت و أرعدت و أبرقت حتّى إذا صارت على رءوسنا أرسلت بردا من الصخور، و قد شدّ على نفسه

و غلمانه الخفاتين، و لبسوا اللبابيد و البرانس و قال لغلمانه: «ارفعوا إلى يحيى لبادة، و إلى الكاتب برنسا» و تجمعنا و البرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانون رجلا، و زالت، و رجع الحرّ كما كان.

فقال لى: «يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملأ اللّه هذه البرية قبورا».

قال: فرميت نفسي عن الدابّة و اعتذرت إليه، و قبّلت ركابه و رجله، و قلت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّكم خلفاء اللّه في أرضه، و قد كنت كافرا، و إني الآن أسلمت على يديك يا مولاى.

قال: فتشيعت، و لزمت خدمته إلى أن مضى.

495) عن هبة اللّه بن أبي منصور الموصلى، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني و كان من أهل كفرتوثا يسمّى (يوسف بن يعقوب) و كان بينه و بين والدي صداقة.

قال: فوافى و نزل عند والدي فقال: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكل، و لا أدري ما يراد منى، إلّا أنّي قد اشتريت نفسي من اللّه تعالى بمائة دينار قد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام معى، فقال له والدى: وفقت في هذا.

قال: و خرج إلى حضرة المتوكل و انصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحا مستبشرا، فقال له أبى: حدّثني بحديثك.

قال: سرت إلى سر من رأى و ما دخلتها قط، فنزلت في دار و قلت: يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا عليه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل، و قبل أن يعرف أحد قدومى.

قال: فعرفت أن المتوكّل قد منعه من الركوب، و أنّه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني

يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره.

قال: فتفكّرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج من البلد، و لا أمنعه من حيث يريد، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا.

قال: فجعلت الدراهم في كاغدة و جعلتها في كمى، و ركبت فكان الحمار يخرق الشوارع و الأسواق يمرّ حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجاهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضا عليه السلام.

فقلت: اللّه أكبر، دلالة و اللّه مقنعة.

قال: فإذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟

قلت: نعم. قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، و دخل، فقلت في نفسى: و هذه دلالة أخرى، من أين يعرف هذا الخادم اسمي و ليس في هذا البلد أحد يعرفني و لا دخلته قط؟!

قال: فخرج الخادم و قال: المائة دينار الّتي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إيّاها و قلت: هذه ثالثة، ثمّ رجع إليّ و قال: ادخل، فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده، فقال: «يا يوسف، أ ما بان لك؟» فقلت: يا مولاى، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال:

«هيهات هيهات، أما إنّك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان، و هو من شيعتنا، يا يوسف، إنّ أقواما يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا و اللّه، إنّها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت فإنّك سترى ما تحبّ».

قال: فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلما أردت و انصرفت.

قال هبة اللّه: فلقيت ابنه بعد هذا و هو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة، و أنّه

أسلم بعد موت والده، و كان يقول: أنا بشارة مولاي عليه السلام.

496) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: ظهر برجل من أهل سر من رأى من البرص ما ينغص عليه عيشه، فجلس يوما إلى أبي عليّ الفهرى، فشكا إليه حاله فقال له: لو تعرّضت يوما لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فتسأله أن يدعو لك رجوت أن يزول عنك.

فجلس له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: «تنحّ عافاك اللّه» ثلاث مرات، فابتعد الرجل و لم يجسر أن يدنو منه، و انصرف، فلقي الفهريّ فعرّفه الحال و ما قال: قال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فامض فإنّك ستعافى، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله، فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك.

497) عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة و لم ير مثله، و كان المتوكّل لعّابا، فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا عليه السلام فقال لذلك الرّجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدّم بان يخبز رقاقا خفافا و اجعلها على المائدة و أقعدني إلى جنبه، فقعدوا و أحضر علي بن محمد عليهما السلام للطعام، و جعل له مسورة عن يساره، و كان عليها صورة أسد، و جلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمد عليه السلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل في الهواء و مدّ يده إلى أخرى، فطيّرها ذلك الرجل، و مد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع.

فضرب علي بن محمد عليهما السلام يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة و قال: «خذيه». فابتلعت الرجل،

و عادت كما كانت إلى المسورة.

فتحير الجميع و نهض أبو الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام فقال له المتوكل: سألتك إلّا جلست و رددته. فقال: «و اللّه لا تراه بعدها، أتسلط أعداء اللّه على أولياء اللّه؟!». و خرج من عنده، فلم ير الرجل بعد ذلك.

498) عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، قال: كنّا مع المعتز، و كان أبي كاتبه، فدخلنا الدار و المتوكل على سريره قاعد، فسلّم المعتزّ و وقف و وقفت خلفه، و كان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به و أمره بالقعود و نظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، و يقبل على الفتح بن خاقان و يقول: هذا الّذي يقول فيه ما يقول. و يرد عليه القول، و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين. و هو يتلظى و يقول: و اللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق، و هو الذي يدّعي الكذب، و يطعن في دولتى.

ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر و أجلاف لا يفقهون. فجي ء بهم، و دفع إليهم أربعة أسياف، و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، و أن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه و يقتلوه، و هو يقول:

و اللّه لأحرقنّه بعد القتل. و أنا منتصب قائم خلفه من وراء الستر، فما علمت إلّا بأبي الحسن عليه السلام قد دخل، و قد بادر الناس قدّامه فقالوا: جاء و التفتّ ورائي و هو غير مكترث و لا جازع، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه و هو بسيفه فانكبّ عليه يقبّل بين عينيه، و احتمل يده بيده، و هو يقول: يا سيدى، يا ابن رسول اللّه، و يا خير خلق اللّه،

يا ابن عمى، يا مولاى، يا أبا الحسن. و أبو الحسن يقول: «أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين من هذا». فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: «جاءني رسولك» فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح، يا عبد اللّه، يا معتز، شيّعوا سيدي و سيدكم.

فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّدا مذعنين، فلمّا خرج دعاهم المتوكل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثمّ قال لهم: لم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدّة هيبته، و رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عمّا أمرنا به، و امتلأت قلوبنا رعبا من ذلك. فقال المتوكل: هذا صاحبكم، و ضحك في وجه الفتح، و ضحك الفتح في وجهه و قال: الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أرانا حجّته.

قال المصنف رحمه اللّه: و أظن أنّ القصة التي ذكرتها قبل و أسندتها إلى جماعة أهل أصفهان و تشيّع عبد الرحمن الأصفهانى، و الخبر عمّا رواه من الأخبار عمّا في قلبه و الدعاء له، و إجابة الدعاء كان في ذلك اليوم، و لا أبعد أن يكون من أمر المتوكل بقتله من الغلمان الخزرية و إحياء أبي الحسن عليه السلام إيّاهم، هؤلاء الذين خرّوا له سجّدا في ذلك اليوم، و اللّه أعلم.

499) و أمّا حديث المخالي فمشهور، و ذلك أنّ الخليفة أمر العسكر و هم تسعون ألف فارس من الأتراك السّاكنين بسرّمن رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الأحمر، و يجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، ففعلوا.

فلمّا صار مثل جبل عظيم صعد فوقه و استدعى أبا الحسن عليه السلام و استصعده و قال:

استحضرك للنظارة، و قد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف و يحملوا الأسلحة، و قد عرضوا بأحسن زينة، و أتمّ عدة، و أعظم هيبة، و كان غرضه أن يكسر كلّ من يخرج عليه، و كان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسن عليه السلام: «و هل أعرض عليك عسكري؟» فقال: نعم.

فدعا اللّه سبحانه، فإذا بين السماء و الأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون، فغشي على المتوكل، فلمّا أفاق قال له أبو الحسن عليه السلام: «نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، و لا عليك ممّا تظن».

الباب الرابع عشر في ذكر آيات أبي محمّد الحسن بن علي العسكرى

في بيان ظهور آياته عليه السلام في الحصى و فيه: حديث واحد

500) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: كنت عند أبي محمّد الحسن عليه السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن، فدخل رجل طويل جسيم جميل و سيم، فسلّم عليه بالولاية، فردّ عليه بالقبول، و أمره بالجلوس فجلس ملاصقا بى، فقلت في نفسى: ليت شعري من هذا؟

فقال أبو محمّد عليه السلام: «هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي بخواتيمهم فانطبعت، فقد جاء بها معه يريد أن نطبع فيها».

ثمّ قال: هاتها فأخرج حصاة من جانب منها موضع أملس، فأخذها ثمّ أخرج خاتمه، فطبع فيها فانطبع، و كأنّي أقرأ نقش خاتمه الساعة «الحسن بن على» فقلت لليمانى: أ رأيته قبل هذا؟

قال: لا و اللّه، و إنّي منذ دهر لحريص على رؤيته حتّى كان الساعة أتاني شابّ لست أراه فقال لى: قم فادخل، فدخلت، ثمّ نهض اليماني و هو يقول: رحمة اللّه و بركاته عليكم أهل البيت، ذرّية بعضها من بعض، أشهد أنّ حقّك لواجب كوجوب حقّ أمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة من بعده، و إليك انتهت

الحكمة و الإمامة، و إنّك وليّ اللّه، لا عذر لأحد في الجهل بك.

فسألته عن اسمه فقال: اسمي مهجع بن الصلت بن عاقبة بن سمعان بن غانم بن أم غانم، و هي الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة الّتي ختم فيها أمير المؤمنين عليه السلام.

و هذه أم غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة المشهورة، و هي أم الندى بنت جعفر حبابة الوالبية الأسدية، من أسد ابن خزيمة بن مدركة، من بني سعد بن بكر بن زيد مناة.

و أمّا صاحبة الحصاة الأولى فهي أم مسلم، و قيل: أم أسلم، جاءت النبي صلى الله عليه و آله منزل أم سلمة فسألتها عن النبي صلى الله عليه و آله فقالت: خرج صلى الله عليه و آله في بعض الحوائج، الساعة يجي ء، فانتظرته عند أمّ سلمة رضي اللّه عنها حتّى جاء صلى الله عليه و آله، فقالت أم مسلم: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه، إني قد قرأت الكتاب و علمت أن لكل نبي وصيا، فموسى كان له وصي في حياته و وصي بعد وفاته، و كذلك عيسى فمن وصيّك يا رسول اللّه؟ فقال لها: «يا أم مسلم، وصيي في حياتي و بعد مماتي واحد» ثمّ ضرب بيده إلى حصاة فجعلها كهيئة الدقيق، ثمّ عجنها و ختمها بخاتمه، ثمّ قال لها: «يا أمّ سلمة، من فعل بعدي مثل فعلي فهو وصيي في حياتي و بعد مماتى».

فخرجت من عنده و أتت أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: بأبي أنت و أمى، أنت وصي رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ فقال: «نعم يا أم مسلم» ثمّ ضرب بيده إلى الحصاة فجعلها كهيئة الدقيق ثمّ عجنها و ختمها بخاتمه، ثمّ قال: «يا أم

مسلم، من فعل [مثل] فعلي هذا فهو وصيى».

فأتت الحسن عليه السلام و هو غلام فقالت له: سيدى، أنت وصي أبيك؟ فقال: «نعم يا أم سلمة» و ضرب بيده إلى الحصاة ففعل بها كفعلهما.

فخرجت من عنده حتّى أتت الحسين عليه السلام و هي مستصغرة له، فقالت: بأبي أنت و أمّى، أنت وصي أخيك؟ فقال: «نعم يا أم مسلم» و فعل مثل فعل أخيه.

ثمّ لحقت بعلي بن الحسين عليه السلام بعد قتل الحسين عليه السلام في منصرفه، فسألته: أنت وصي أبيك؟ فقال: «نعم» ثمّ فعل كفعلهم عليهم السلام.

و قد أنشد في قصة اليماني و الحصاة، و هو شعر:

بدرت إلى مولانا يطبع الحصى

له اللّه أصفى بالدليل و أخلصا

و أعطاه آيات الإمامة كلها

كموسى و فلق البحر و السيد و العصا

و ما قمّص اللّه النبيّين حجة

و معجزة إلّا الوصيّين قمصا

في بيان ظهور آياته عليه السلام من الاخبار بحديث النفس و فيه: أربعة عشر حديثا

501) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: سمعت أبا محمّد عليه السلام يقول: «إنّ في الجنّة بابا يقال له: المعروف، و لا يدخله إلّا أهل المعروف». فحمدت اللّه تعالى في نفسى، و فرحت بما أتكلف من حوائج الناس، فنظر عليه السلام إليّ فقال: «نعم دم على ما أنت عليه، فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في الآخرة، جعلك اللّه منهم يا أبا هاشم و رحمك».

502) و عنه قال: سأل محمّد بن صالح الأرمنى: عرّفني عن قول اللّه عزّ و جل، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ فقال عليه السلام: «للّه الأمر من قبل أن يأمر، و من بعد أن يأمر بما يشاء». فقلت في نفسى: هذا تأويل قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

فأقبل عليّ و قال: «كما هو أسررت في نفسك أَلا لَهُ

الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» فقلت: أشهد أنّك حجّة اللّه و ابن حجّته على عباده.

503) و عنه قال: دخلت على أبي محمد عليه السلام و أنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبارك به، فجلست و نسيت ما جئت له، فلمّا ودّعته و نهضت رمى إليّ خاتما و قال: «أردت فضّة فأعطيناك خاتما، و ربحت الفص و الكرى، هنأك اللّه يا أبا هاشم» فتعجبت من ذلك و قلت: يا سيدى، أشهد أنّك ولي اللّه، و إمامي الذي أدين للّه بفرض طاعته. فقال: «غفر اللّه لك يا أبا هاشم».

504) عن الحسن بن ظريف، قال: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتابة بهما إلى أبي محمّد عليه السلام فكتبت أسأله:

إذا قام القائم و أراد أن يقضى، أين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟ و أردت أن أكتب إليه أسأله عن حمّى الرّبع، أغفلت ذكر الحمى، فجاء الجواب: «سألت عن القائم فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه، كقضاء داود، و لا يسأل البينة، و كنت أردت أن تسأل عن حمّى الربع فأنسيت، فاكتب على ورقة و علّقها على المحموم قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فإنّه يبرأ بإذن اللّه تعالى».

505) عن أبي هاشم، قال: كنت مضيّقا على، فأردت أن أطلب منه شيئا من الدنانير في كتاب فاستحييت، فلمّا صرت إلى منزلي وجّه إليّ مائة دينار، و كتب إلى: «إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تحتشم، و اطلبها فإنّك ترى ما تحب إن شاء اللّه تعالى»

506) و عنه قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فسألته عن قول اللّه تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ

مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ فقال عليه السلام: «كلّهم من آل محمّد عليهم السلام، الظالم لنفسه الذي لا يقرّ بالإمام، و المقتصد العارف بالإمام، و السابق بالخيرات بإذن اللّه الإمام».

قال: فدمعت عيناي و جعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطى اللّه آل محمّد عليهم السلام، فنظر إليّ و قال: «الأمر أعظم مما حدّثتك به نفسك من عظم شأن آل محمّد عليهم السلام، فاحمد اللّه فقد جعلك متمسكا بحبلهم، تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم، فابشر يا أبا هاشم فإنّك على خير».

507) و عنه، قال: سأل محمّد بن صالح الأرمني أبا محمّد عليه السلام عن قول اللّه تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُ الْكِتابِ فقال عليه السلام: «هل يمحو إلّا ما كان، و هل يثبت إلا ما لم يكن؟» فقلت في نفسى: هذا خلاف قول هشام أنّه لا يعلم بالشي ء حتّى يكون.

فنظر إليّ أبو محمد عليه السلام و قال: «تعالى الجبّار العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق إذ لا مخلوق، و الرب إذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه». فقلت: أشهد أنّك حجّة اللّه و وليه بقسط، و أنّك على منهاج أمير المؤمنين عليه السلام.

508) و عنه قال: كنت عنده فسأله محمّد بن صالح الأرمني عن قول اللّه تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ الآية قال: «ثبتوا المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه، و لو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه و من رازقه».

قال أبو هاشم: فجعلت أتعجّب في نفسي من عظيم ما أعطى اللّه وليّه من جزيل ما حمله، فأقبل أبو محمّد عليه السلام عليّ و قال:

«الأمر أعجب ممّا عجبت منه

يا أبا هاشم، و أعظم، ما ظنك بقوم من عرفهم عرف اللّه، و من أنكرهم أنكر اللّه، و لا يكون مؤمنا حتى يكون لولايتهم مصدّقا، و بمعرفتهم موقنا؟».

509) و عنه، قال: سمعت أبا محمّد عليه السلام قال:

«الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلّا بهذا» فقلت في نفسى: إن هذا لهو الدقيق، و قد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كلّ شي ء، فأقبل عليّ عليه السلام، و قال: «صدقت يا أبا هاشم، نعم ما حدثتك به نفسك، فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، و من دبيب الذر على الشبح الأسود»

510) عن يحيى بن المرزبان، قال: التقيت مع رجل فأخبرني أنّه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة و القول في أبي محمد عليه السلام و غيره، فقلت: لا أقول به و لا أرى منه علامة، فوردت العسكري في حاجة، فأقبل أبو محمّد عليه السلام، فقلت في نفسي متعنتا: إنّ مدّ يده إلى رأسه و كشفه ثمّ نظر إليّ و ردّه قلت به.

فلمّا حاذاني مدّ يده إلى رأسه أو القلنسوة، فكشفها ثمّ برق عينيه فيّ ثمّ ردّها و قال: «يا يحيى، ما فعل ابن عمك الذي ينازعك في الإمامة؟» فقلت: خلّفته صالحا فقال: «لا تنازعه» ثمّ مضى.

511) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: فكّرت في نفسي فقلت: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمّد عليه السلام في القرآن؟

فبدأني و قال: «اللّه خالق كلّ شي ء، و ما سواه فهو مخلوق».

512) عن ابن الفرات قال: كان لي على ابن عم لي عشرة آلاف درهم، فكتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أشكو إليه و أسأله الدعاء، و قلت في نفسى: لا

أبالي أين يذهب مالي بعد أن أهلكه اللّه.

قال: فكتب إلى: «إنّ يوسف عليه السلام شكا إلى ربّه السجن فأوحى اللّه إليه: أنت اخترت لنفسك ذلك حيث قلت: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ و لو سألتني أن أعافيك لعافيتك؛ إنّ ابن عمّك لراد عليك مالك، و هو ميت بعد جمعة».

قال: فردّ عليّ ابن عمّي مالى، فقلت: ما بدا لك في ردّه و قد منعتني إيّاه؟ قال: رأيت أبا محمّد عليه السلام في المنام فقال لى: «إنّ أجلك قد دنا، فردّ على ابن عمّك ماله».

513) عن أبي القاسم الحليسي قال: كنت أزور العسكري في شعبان في أوله، ثمّ أزور الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، فلمّا كانت سنة من السّنين وردت العسكري قبل شعبان و ظننت أني لا أزوره في شعبان، فلمّا دخل شعبان قلت: لا أدع زيارة كنت أزورها، و خرجت إلى العسكر، و كنت إذا وافيت العسكر، أعلمتهم برقعة أو رسالة، فلمّا كان في هذه المرّة قلت: أجعلها زيارة خالصة لا أخلطها بغيرها، و قلت لصاحب المنزل: أحب أن لا تعلمهم بقدومى.

فلمّا أقمت ليلة جاءني صاحب المنزل بديا نارين و هو (متبسّم ضاحك مستبشر) و يقول: بعث إلي بهذين الديا نارين و قيل لى: ادفعهما إلى الحليسي و قل له: «من كان في طاعة اللّه كان اللّه في حاجته».

514) عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبى: امض بنا حتّى نصير إلى هذا الرجل- يعني أبا محمد عليه السلام- فإنّه قد وصف عنه سماحة. فقال لى: أتعرفه؟ فقلت: ما أعرفه و لا رأيته قط.

قال: فقصدناه، فقال لي أبي و هو في طريقه، ما

أحوجنا أن يأمر لنا بخمسمائة درهم، مائتين للكسوة و مائتي درهم للدين، و مائة درهم للنفقة، و أخرج إلى الجبل.

فقلت في نفسى: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم، أشتري بمائة حمارا، و بمائة كسوة، و مائة درهم للنفقة، و أخرج إلى الجبل.

فلمّا وافينا الباب خرج إلينا غلام فقال: يدخل عليّ بن إبراهيم و محمّد ابنه؛ فلمّا دخلنا عليه و سلّمنا عليه قال لأبى: «على ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟» فقال: يا سيدى، استحييت أن ألقاك و أنا على هذه الصورة و الحال. فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة فيها خمسمائة درهم و قال: هذه الصرة: مائتان للكسوة، و مائتان للدين، و مائة درهم للنفقة، و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سوراء.

و أعطاني صرّة فقال هذه ثلاثمائة درهم، اجعل مائة منها ثمن حمار، و مائة للكسوة، و مائة للنفقة، و لا تخرج إلى الجبل و صر إلى سوراء.

قال: فصار أبي إلى سوراء، فتزوج بامرأة، فدخله إلى اليوم ألفا درهم، و هو مع ذلك يقول بالوقف.

515) عن إسحاق، عن الأقرع قال: كنت كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ و قلت في نفسي بعدها قد أعاذ اللّه تبارك و تعالى أولياءه من ذلك.

فورد الجواب: «حال الأئمة عليهم السلام في المنام حالهم في اليقظة، لا يغيّر النوم منهم شيئا، و قد أعاذ اللّه عز و جل أولياءه من الشيطان، كما حدّثتك نفسك».

في بيان آياته عليه السلام في الإخبار بالمغيبات و فيه: اثنا عشر حديثا

516) عن علي بن زيد بن علي بن الحسين، قال: كان لي فرس و كنت به معجبا أكثر ذكره في المحافل، فدخلت على أبي محمد عليه السلام يوما فقال لى: «ما فعل فرسك؟» فقلت هو عندي ها

هو ذا على بابك، نزلت الآن عنه، قال: «استبدل به قبل المساء إن قدرت، و لا تؤخر ذلك» و دخل علينا داخل فانقطع الكلام، فبقيت متفكرا، و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي فقال: ما أدري ما أقول في هذا؟

و شححت عليه و نفست عليه و نفست على السائس ببيعه، و أمسيت.

فلمّا صلّيت العتمة جاءني السائس و قال: يا مولاى، مات فرسك الساعة. فاغتممت لذلك، و علمت أنّه عنى هذا بذلك القول.

ثمّ دخلت على أبي محمّد عليه السلام بعد أيّام و أنا أقول في نفسى: ليته أخلف عليّ دابتى. فلمّا جلست قال قبل أن يتحدّث:

«نعم نخلف عليك، يا غلام اعطه برذوني الكميت». ثمّ قال: «هذا خير من فرسك و أطول عمرا».

517) عن محمّد بن الربيع الشيبانى، قال: ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز، ثمّ قدمت سر من رأى و قد علق بقلبي شي ء من مقالته، و إنّي جالس على باب دار أحمد الخصيب إذ أقبل أبو محمد عليه السلام من دار العامّة يوم الموكب، فنظر إليّ و أشار بسبابته «أحد، فوحّده» فسقطت مغشيا على.

518) عن محمّد بن حجر، قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام فشكوت إليه عبد العزيز بن أبي دلف، و يزيد بن عبد اللّه، فكتب إلى: «أمّا عبد العزيز فقد كفيته، و أمّا يزيد فلك و له مقام بين يدي اللّه عز و جل» فمات عبد العزيز بن دلف، و قتل يزيد بن عبد اللّه محمد بن حجر.

519) عن إبراهيم بن هلقام، عن ابن القزاز قال: كنت أشتهي الولد شهوة شديدة، فأقبل أبو محمد عليه السلام فارسا، فقلت تراني أرزق ولدا؟ فقال برأسه: نعم، فقلت: ذكرا؟ فقال برأسه: لا، فولدت لي بنت.

520) عن حمزة

بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: كان أبي بلي بالشلل و ضاق صدره، فقال: لأقصدنّ هذا الذي تزعم الإمامية أنّه إمام. يعني الحسن بن علي عليهما السلام.

قال: فاكتريت دابّة و ارتحلت نحو سر من رأى فوافيتها، و كان يوم ركوب الخليفة إلى الصيد، فلما ركب الخليفة ركب معه الحسن بن على، فلما ظهروا و اشتغل الخليفة باللهو، و طلب الصيد اعتزل أبو محمد عليه السلام و ألقى إلى غلامه الغاشية فجلس عليها، فجئت إلى خرابة بالقرب منه فشددت دابّتي و قصدت نحوه، فنادانى: «يا أبا محمّد لا تدن منّي فإنّ عليّ عيونا، و أنت أيضا خائف».

قال: فقلت في نفسى: هذا أيضا من مخاريق الإمامة، ما يدري ما حاجتي؟ قال: فجاءني غلامه و معه صرّة فيها ثلاثمائة دينار فقال:

يقول لك مولاى: «جئت تشكو إلي الشلل، و أنا أدعو اللّه بقضاء حاجتك، كثّر اللّه ولدك، و جعل فيكم أبرارا، خذ هذه الثلاثمائة دينار بارك اللّه لك فيها».

قال: فما خلاني من ثلاثمائة دينار، و كانت معه.

قال: و لمّا مات و اقتسمنا وجدنا مائتين و ثمانين دينارا، ثمّ أخبرتنا خادمة لنا أنّها سرقت منها عشرين دينارا، و سألتنا أن نجعلها في حلّ منها.

521) عن أبي القاسم بن إبراهيم بن محمّد المعروف بابن الحميرى، قال: خرج أبي محمّد بن علي من المدينة فأردت قصده، و لم أعلم في أي الطريق أخذ، فقلت: ليس لي إلا الحسن بن علي عليهما السلام، فقصدته بسر من رأى و وقفت ببابه و هو مغلق، فقعدت منتظرا لداخل أو خارج، فسمعت قرع الباب و كلام جارية من خلف الباب، فقالت: يا ابن إبراهيم بن محمد،

إنّ مولاي يقرئك السلام- و معها صرّة فيها عشرون دينارا- و يقول: «هذه بلغتك إلى أبيك» فأخذت الصرّة و قصدت الجبل، و ظفرت بأبي بطبرستان، و كان بقي من الدنانير دينار واحد، فدفعته إلى أبي و قلت: هذا ما أنفذه إليك مولاى؛ و ذكرت له القصّة.

522) عن علي بن علي بن الحسن بن شابور، قال: وقع قحط بسر من رأى في زمان المولى الحسن بن علي عليهما السلام، فأمر الخليفة الحاجب و أهل المملكة أن يخرجوا للاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام متواليات إلى المصلّى يستسقون فما سقوا.

فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء، و معه النصارى و الرهبان، و كان فيهم راهب، فلمّا مد يده هطلت السماء بالمطر، و خرج في اليوم الثاني فهطلت السماء بالمطر، فشكّ أكثر الناس و تعجبوا، و صبوا إلى دين النصرانية لما رأوا ذلك، فأنفذ الخليفة إلى أبي محمّد عليه السلام، و كان محبوسا، فأخرجه من حبسه، و قال:

الحق أمّة جدّك فقد هلكت. فقال له: إنّي خارج من غد و مزيل الشك فخرج الجاثليق في اليوم الثالث و الرّهبان معه و مولانا و سيدنا الحسن بن علي عليهما السلام في نفر من أصحابه، فلمّا بصر بالراهب و قد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى و يأخذ ما بين إصبعيه؛ ففعل و أخذ من بين سبابتيه عظاما أسود، فأخذه مولانا عليه السلام ثمّ قال: «استسق الآن» فاستسقى و كانت السماء مغيمة فانقشعت و طلعت الشمس بيضاء.

فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمد؟

فقال عليه السلام: «هذا عظم نبي من أنبياء اللّه تعالى، و هذا رجل من نسل ذلك النبى، فوقع في يده هذا العظم، و ما كشف عن

عظم النبي إلّا هطلت السماء بالمطر».

523) عن محمّد بن عبد اللّه، قال: لمّا أمر الزبير بحمل أبي محمّد عليه السلام كتب إليه أبو هاشم: جعلت فداك، بلغنا خبر أقلقنا و بلغ منازل محمد بن عبد اللّه قال: فكتب إليه: «بعد ثلاث يأتيك الخبر» فقتل الزبير يوم الثالث.

قال: فقد غلام له صغير، فلم يوجد، فأخبر بذلك فقال:

«اطلبوه في البركة» فطلب فوجد فيها ميتا.

524) عن علي بن محمد الصيمرى، قال: دخلت على أبي عبد اللّه بن عبد اللّه و بين يديه رقعة فقال: هذه الرقعة كتبها إليّ أبو محمّد عليه السلام فيها: «إنّي نازلت اللّه تعالى في هذا الطاغية يعني الزبير بن جعفر و هو آخذه بعد ثلاث». فلمّا كان اليوم الثالث فعل به ما فعل.

525) عن أبي هاشم الجعفرى، قال: شكوت إلى أبي محمّد عليه السلام ضيق الحبس و ثقل القيد، فكتب إلى: «تصلّي الظهر اليوم في منزلك» فأخرجت في وقت الظهر فصلّيت في منزلي كما قال عليه السلام.

و عنه: كنت مضيقا، فأردت أن أطلب منه دنانير في كتابي فاستحييت منه، فلمّا صرت إلى منزلي وجّه إليّ بثلاثمائة دينار، و كتب إليّ «إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و لا تستحشم، و اطلبها فإنّك ترى ما تحب إن شاء اللّه تعالى».

526) و عنه، قال: كنت في الحبس المعروف بحبس الجبيس، بالجوسق بالقصر الأحمر أنا و عبد اللّه الخدوري و الحسين بن محمّد العقيقى، و حمزة الغراب، و محمّد بن إبراهيم القمى، و حبس معنا أبو محمد عليه السلام و أخوه جعفر فحففنا به، و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنّه علوى، فالتفت أبو محمد عليه السلام فقال:

«لو لا أنّ فيكم من ليس منكم لأخبرتكم متّى يفرّج اللّه عنكم» و أومأ إلى الجمحي بأن يخرج فخرج فقال عليه السلام: «هذا رجل ليس منكم فاحذروه، و إنّ في ثيابه قصة كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه». فقال بعضهم:

نفتش ثيابه، ففتشوا فوجد فيها القصة يذكرنا فيها عظيمة و يعلمه بأنّنا ننقب و نهرب، و في الحديث طول.

ثمّ قال: و كنت أصوم معه فضعفت ذات يوم، فأفطرت في بيت آخر على كعكة، و ما يدري و اللّه أحد، ثمّ جئت و جلست معه، فقال لغلامه: «أطعم أبا هاشم فإنّه مفطر» فتبسّمت فقال: «ما يضحكك يا أبا هاشم؟ إذا أردت القوّة فكل اللّحم، فإنّ الكعك لا قوة فيه».

فلما كان في اليوم الثالث الذي أراد اللّه أن يفرج عنه، جاءه الغلام و قال يا سيدى، احمل فطورك؟ فقال: «احمل و ما أحسبنا نأكل منه» فحمل الطعام الظهر، و أطلق عند العصر و هو صائم قال: «هداكم اللّه».

527) عن إسماعيل بن محمّد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب، قال: قعدت لأبي محمّد عليه السلام على ظهر الطريق، فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة، و حلفت له أنّه ليس عندي درهم فما فوقه، و لا غداء و لا عشاء.

قال: فقال: «تحلف باللّه كاذبا و قد دفنت مائتي دينار! و ليس قولي لك هذا دفعا عن العطية، يا غلام أعطه ما معك؟» فأعطاني غلامه مائة دينار، ثمّ أقبل عليّ فقال: «إنّك تحرمها أحوج ما تكون إليها» ففنيت الدنانير التي دفنتها، و صدق عليه السلام فيما قال دفنت مائتي دينار، و قلت: تكون ظهرا و كهفا لنا، فاضطررت ضرورة شديدة إلى شي ء

أنفقه، و انغلقت عليّ أبواب الرزق ففتشت عنها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب، فما قدرت منها على شي ء.

في بيان ظهور آياته عليه السلام في معان شتّى و فيه: أربعة أحاديث

528) عن أحمد بن الحارث القزوينى، قال: كنت مع أبي بسر من رأى نتعاطى البيطرة في مربط أبي محمّد عليه السلام، و كان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا و كبرا، و كان يمنع ظهره من السرج و من اللجام، و قد كان قد جمع عليه الرواض فلم تكن لهم حيلة في ركوبه فقال له بعض ندمائه: يا أمير المؤمنين، أ لا تبعث إلى أبي محمّد الحسن بن الرضا حتّى يجي ء، فإمّا أن يركبه [و إما أن يقتله] فتستريح منه، فبعث إلى أبي محمّد عليه السلام، و مضى أبي معه.

قال أبى: فلمّا وصل إلى الدار كنت معه، فنظر إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه و وضع يده على كفله.

قال: فنظرت إلى البغل و قد عرق حتّى سال العرق منه.

ثمّ صار إلى المستعين فسلّم عليه، فرحّب و قرب و قال: يا أبا محمّد، الجم هذا البغل، فقال أبو محمّد عليه السلام لأبى: الجمه يا غلام، فقال له المستعين: الجمه أنت. فوضع عليه السلام طيلسانه فألجمه.

ثمّ رجع إلى مجلسه فقعد، فقال له: يا أبا محمّد، أسرجه، فقال لأبى: «أسرجه يا غلام»، فقال المستعين: أسرجه أنت يا أبا محمد، فقام عليه السلام و أسرجه و رجع.

فقال له: أ ترى أن تركبه؟ فقال: «نعم» فقام فركبه من غير أن يمتنع عليه، ثمّ ركضه في الدار، ثمّ حمله على الهملجة فمشى أحسن مشي يكون، ثمّ رجع فنزل، فقال له المستعين: يا أبا محمّد، كيف رأيته؟ فقال: «يا أمير المؤمنين، ما رأيت مثله، حسنا». فقال: خذه

فهو لك، فقال: «أراه و ما يصلح أن يكون مثله إلّا لأمير المؤمنين».

فقال: يا أبا محمّد، إنّ أمير المؤمنين قد حملك عليه، فقال عليه السلام لأبى: «يا غلام خذه» فأخذه.

529) عن سيف بن الليث، قال: خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها، و ابنا لي آخر أسنّ منه، كان وصيي و قيمي على عيالي و في ضياعى، فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله الدعاء لا بني العليل، فكتب إلى: «قد عوفي ابنك المعتل، و مات وصيّك و قيّمك الكبير، فاحمد اللّه، و لا تجزع فيحبط عملك و أجرك». فورد الخبر أن ابني عوفي من علّته، و مات ابني الكبير يوم ورد عليّ جواب أبي محمّد عليه السلام عن مسألتى.

530) عن علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، قال: لمّا سلّم أبو محمّد عليه السلام إلى فخر بن أيم فكان يضيق عليه و يؤذيه قال: فقالت له امرأته: ويلك) اتق اللّه أ لا تدري من في منزلك؟! و عرّفته صلاحه، و قالت: إنّي أخاف عليك منه. فقال: لأرمينه بين السباع. ثمّ فعل ذلك فرآه قائما يصلّي و حوله السباع.

531) عن أحمد بن إسحاق، قال: دخلت على أبي محمّد عليه السلام و قلت: إنّي مغتم بشي ء يصيبني في نفسى، و إنّي أردت أن أسأل أباك فلم يتفق لى. قال: «و ما هو يا أحمد؟» فقلت:

يا سيدى، روي عن آبائك أنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم، و نوم المؤمنين على أيمانهم، و نوم المنافقين على شمائلهم، و نوم الشياطين على وجوههم. فقال عليه السلام: «كذلك هو». فقلت: يا سيدى، فإنّي أجاهد أن أنام على يميني و لا يأخذني النوم عليها. فسكت ساعة ثمّ قال: «ادن منّي يا أحمد»

فدنوت منه فقال: «ادخل يدك تحت ثيابك» فادخلتها، فأخرج يده من تحت ثيابه و أدخلها تحت ثيابي و مسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر و بيده على جانبي الأيمن ثلاث مرات.

قال أحمد: فما قدرت أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بى، و ما أخذني عليها نوم أصلا.

الباب الخامس عشر في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح المنتظر المهدي عجل الله فرجه الشريف

في بيان ظهور آياته عليه السلام في حال ولادته و بعدها و فيه: حديثان

532) عن السياري قال: حدّثتني نسيم و مارية، قالتا: لمّا خرج صاحب الزمان عليه السلام من بطن أمّه سقط جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابته نحو السماء، ثمّ عطس فقال: «الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله، عبدا ذاكرا للّه، غير مستنكف و لا مستكبر».

ثمّ قال: «زعمت الظلمة أنّ حجة اللّه داحضة، و لو أذن لنا في الكلام لزال الشك».

533) عن أبي علي الحسن الآبي قال: حدّثتني الجارية التي أهديتها لأبي محمّد عليه السلام قالت: لمّا ولد السيّد عليه السلام رأيت نورا ساطعا قد ظهر منه و بلغ أفق السماء، و رأيت طيورا بيضاء تهبط من السماء و تمسح أجنحتها على رأسه و وجهه و سائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمد عليه السلام بذلك فضحك ثمّ قال: «تلك ملائكة السماء نزلت لتتبارك بهذا المولود، و هي أنصاره إذا خرج بأمر اللّه عزّ و جل».

في بيان ظهور آياته عليه السلام في حال طفولته و فيه: حديث واحد

534) عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف، قال في حديث طويل أنا أقتصر على الموضع المقصود منه، قال: مضيت إلى سر من رأى مع أحمد بن إسحاق لأزور أبا محمّد عليه السلام و أسأله عن مسائل أشكلت على، فلمّا وصلنا إليها و وردنا باب أبي محمد عليه السلام استأذنا فخرج الإذن بالدخول، و كان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب غطاه بكساء طبرى، فيه مائة و ستون صرّة من الدنانير و الدراهم، على كلّ صرّة منها ختم لصاحبه.

قال سعد: فما شبّهت أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلّا ببدر قد استوت لياليه أربعا بعد عشرة، و على فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر، على رأسه فرق بين وفرة كأنّه ألف بين واوين،

و بين يديه رمّانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشها، و وسطها غرائب الفصوص المركّبة عليها، قد كان أهداها له بعض رؤساء أهل البصرة، و بيده قلم إذا أراد أن يسطّر به على البياض قبض الغلام على أصابعه، فكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه و يشغله بردّها كي لا يصدّه عن كتبه ما أراده، فسلّمنا عليه فألطف بالجواب و أومأ إلينا بالجلوس.

فلمّا فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه، فنظر المولى أبو محمّد عليه السلام إلى الغلام، و قال: «يا بنى، فضّ الختم عن هدايا شيعتك التي بعثوها إليك».

فقال: «يا مولاى، يجوز لي أن أمدّ يدي الطاهرة إلى هدايا نجسة و أموال وحشة قد خلط حلّها بحرامها؟».

فقال عليه السلام: «يا ابن إسحاق، استخرج ما في الجراب، ليميّز بين الحلال و الحرام منها».

فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذا لفلان بن فلان من غلّة كذا، تشتمل على اثنين و ستين دينارا، منها من ثمن حجرة باعها، و كانت إرثا له من أبيه، خمسة و أربعين دينارا، و من أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا، و فيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير».

فقال مولانا عليه السلام: «يا بنى، دل الرجل على الحرام منها».

فقال: «فتّش عن دينار منها رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه و قراضته أصلية وزنها ربع دينار.

و العلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الحلّة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا و ربع، فأتت على ذلك مدة قبض انتهاها لذلك الغزل سارقا، فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه و استردّ منه بدل

ذلك منّا و نصفا من غزل أول ممّا كان دفعه إليه، فاتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الديا نار مع القراضة ثمنه».

فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه و بمقدارها على حسب ما قال، و استخرج الديا نار و القراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أخرى فقال الغلام عليه السلام: «هذا لفلان بن فلان، من محلّة كذا، و هو يشتمل على خمسين دينارا، لا يحلّ لنا شي ء منها».

قال: «و كيف ذلك؟» قال: «لأنّها من ثمن حنطة قد حاف صاحبها على أكاريه في المقاسمة، و ذلك أنّه قبض حصته منها بكيل واف، و كان ما خصّ الأكارين منها بكيل بخس».

فقال عليه السلام: «صدقت يا بنى».

ثمّ قال: «يا ابن إسحاق، احملها جميعا لتردّها، أو توصي بردّها على أربابها، و لا حاجة لنا في شي ء منها، و أتنا بثوب العجوز».

قال أحمد: و كان ذلك الثوب في حق لي فنسيته، فلمّا انصرف أحمد بن اسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا عليه السلام فقال: «ما جاء بك يا سعد؟» فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق الخصيب إلى لقاء مولانا.

قال: «فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟» قلت: على حالها.

قال: «اسأل قرّة عيني عنها- و أومأ إلى الغلام- فاسأله عمّا بدا لك». فسألته عنها، فأجاب، و إنّي تركت ذكرها كراهية التطويل.

فلمّا أجاب قام أبو محمّد عليه السلام مع الغلام و انصرفت عنهما، و طلبت أثر أحمد بن اسحاق فاستقبلني باكيا، فقلت: ما أبكاك و أبطأك؟ فقال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. فقلت:

لا عليك، فأخبره، و انصرف من عنده متبسما، و هو يصلّي على محمّد و آل محمّد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي

مولاي يصلّي عليه.

قال سعد: فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه على ذلك، و جعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزله عليه السلام أيّاما، و لا نرى الغلام بين يديه.

فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أهل بلدنا، فانتصب أحمد بن إسحاق قائما بين يديه، و قال: يا ابن رسول اللّه، قد دنت الرحلة و اشتدّت المحنة، و نحن نسأل اللّه تعالى أن يصلّي على جدّك المصطفى، و على المرتضى أبيك، و على سيدة النساء أمّك، و على سيدي شباب أهل الجنّة عمك و أبيك، و على الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك، و أن يصلّي عليك و على ولدك، و نرغب إليه أن يعلي كعبك، و يكبت عدوك، و لا جعله اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك.

فلمّا قال هذه الكلمة استعبر عليه السلام حتّى انهملت دموعه و تقاطرت عبراته، ثمّ قال: «يا ابن إسحاق، لا تكلف في دعائك شططا، فإنّك ملاق اللّه تعالى، في صدرك هذا».

فخرّ أحمد مغشيا عليه، فلمّا أفاق قال: سألتك باللّه، و بحرمة جدّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله، إلّا ما شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا. فأدخل عليه السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما و قال: «خذها، و لا تنفق على نفسك غيرها، فإنّك لا تعدم ما سألت، و إنّ اللّه تعالى لا يضيّع أجر من أحسن عملا».

قال سعد: فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق و صارت به علة صعبة أتى بلدة كان قاطنا بها، ثمّ قال: تفرقوا عنّي هذه الليلة و اتركوني وحدى، فانصرفنا عنه و رجع كلّ واحد منّا إلى مرقده.

قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف

الليل عن الصبح أصابتني فكرة، ففتحت عينى، فإذا أنا بكافور الخادم- خادم مولانا أبي محمد عليه السلام- و هو يقول: أحسن اللّه بالخير عزاءكم، و جبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم و من تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنّه من أكرمكم محلا عند سيدكم، ثمّ غاب عن أعيننا.

في بيان ظهور آياته عليه السلام من الاخبار بآجال الناس و فيه: حديثان

535) عن أبي عقيل عيسى بن نصر، قال: إنّ علي بن زياد الصيمري كتب إليه يلتمس كفنا، فكتب إليه: «إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين» فمات في سنة ثمانين، و بعث إليه بالكفن قبل موته.

536) عن أبي عبد اللّه الصفوانى، قال: رأيت القاسم بن العلاء و قد بلغ عمره مائة و ست عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، ثمّ لقي العسكريين و حجب بعد الثمانين، و ردّت عليه عينه قبل وفاته بتسعة أيّام، و ذلك أنّي كنت بمدينة كذا من أرض آذربايجان، و كان لا تنقطع توقيعات صاحب الزمان عليه السلام على يد أبي جعفر العمرى، و بعده على يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين فقلق من ذلك.

فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشرا، فقال: فيج العراق ورد، و لا يسمّي بغيره، فسجد القاسم، و دخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، و عليه جبّة مصرية، و في رجله نعل محاملى، و على كتفيه مخلاة، فقام إليه القاسم فعانقه، و وضع المخلاة، و دعا بطشت و ماء، و غسل يديه و أجلسه إلى جانبه، فأكلنا و غسلنا أيدينا، فقام الرجل و أخرج كتابا أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فقبّله و دفعه إلى كاتب له يقال له: ابن أبي سلمة أبو عبد اللّه، فأخذه و قرأه [و بكى] حتّى أحسّ

القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد اللّه، خبر، خرج فيّ فيما تركته؟ قال: لا، قال: فما هو؟

قال: نعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب إليّ بأربعين يوما، و أنّه يمرض يوم السابع بعد وصول هذا الكتاب، و أنّ اللّه يردّ عليه عينيه بعد ذلك، و قد حمل إليه بسبعة أثواب.

فقال القاسم: على سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك.

فضحك و قال: ما أؤمل من بعد هذا العمر؟

فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، و حبرة يمانية حمراء، و عمامة، و ثوبين، و منديلا، فأخذه القاسم، و عنده قميص خلعة خلعها عليه علي النقي عليه السلام.

و كان للقاسم صديق في مهم الدنيا، شديد النصب يقال له:

عبد الرحمن بن محمد السري فوافى في قوم إلى الدار، فقال القاسم: اقرءوا الكتاب عليه فإنّي أحبّ هدايته. قالوا هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج القاسم إليه الكتاب، و قال: اقرأه، فقرءوه إلى موضع النعى، فقال عبد الرحمن: يا أبا محمّد اتق اللّه فإنّك رجل واصل في دينك، و اللّه تعالى يقول: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ و قال جلّ ذكره: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً.

قال القاسم فأتم الآية: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فمولاي هو المرتضى من الرسول.

ثمّ قال: اعلم أنّك تقول هذا، و لكن أرّخ اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم أو مت قبله فاعلم أنّي لست على شي ء، و إن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فأرّخ عبد الرحمن اليوم و افترقوا، و حمّ القاسم يوم السابع و اشتدّت العلّة إلى مدّة، و نحن مجتمعون عنده يوما إذ مسح

بكمّه عينيه فخرج من عينيه شبه ماء اللحم، ثمّ مدّ يده إلى ابنه فقال: يا حسن، إلى، و يا فلان إلى، فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.

و شاع الخبر في الناس، و أتته العامة من الناس ينظرون إليه، و ركب القاضي إليه، و هو أبو السائب عتبة بن عبيد اللّه المسعودي و هو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه، و قال: يا أبا محمّد، ما هذا الذي ترى و أراه؟ فقال: خاتما فصّه فيروزج، فقرّبه منه فقال: ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها.

و قد قال لمّا رأى الحسن ابنه في وسط الدار: اللهمّ ألهم الحسن طاعتك، و جنّبه معصيتك. ثلاثا.

ثم كتب وصيته بيده، و كانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر، كان أبوه وقفها عليه.

و كان فيما وصّى ابنه: إن أهلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرخندة و سائرها ملك لمولانا.

فلمّا كان يوم الأربعين و قد طلع الفجر مات القاسم رحمه اللّه فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا و هو يصيح: يا سيداه. فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. و تشيّع و رجع عمّا كان.

فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد الكتاب على الحسن ولده من صاحب الزمان عليه السلام: «ألهمك اللّه طاعته و جنّبك معصيته». و هو الدعاء الذي دعا به أبوه.

و في ذلك عدّة آيات.

في بيان ظهور آياته عليه السلام من الاخبار بالغائبات و فيه: ستة عشر حديثا

537) عن أحمد بن أبي روح، قال: وجّهت إليّ امرأة من أهل دينور فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق من في ناحيتنا، ورعا، و إنّي أريد أن أودعك أمانة و أجعلها في رقبتك تؤدّيها و تقوم بها، فقلت: أفعل إن شاء اللّه. فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم، لا تحلّه

و لا تنظر ما فيه حتّى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه. و هذا قرطي يساوي عشرة دنانير، و فيه ثلاث لؤلؤات تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان عليه السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

فقلت: و ما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرسى، و لا أدري ممّن استقرضتها، و لا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك به.

قال: و كنت أقول بجعفر بن علي فقلت: هذه المحنة بيني و بين جعفر.

فحملت المال و خرجت حتّى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشّاء، فسلّمت عليه و جلست فقال: أ لك حاجة؟ فقلت: هذا مال دفع إليّ لأدفعه إليك، أخبرني كم هو؟ و من دفعه إلي؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال: لم أؤمر بأخذه، و هذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها: «لا تقبل من أحمد بن أبي روح، و توجّه به إلينا إلى سر من رأى» فقلت:

لا إله إلّا اللّه، هذا أجل شي ء أردته.

فخرجت به و وافيت سر من رأى، فقلت: أبدأ بجعفر، ثمّ تفكّرت و قلت: أبدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم و إلّا مضيت إلى جعفر.

فدنوت من باب دار أبي محمّد عليه السلام، فخرج إليّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم، قال: هذه الرقعة اقرأها فقرأتها، فإذا فيها: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا ابن أبي روح أودعتك حايل بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك، و هو خلاف ما تظن، و قد أدّيت فيه الأمانة، و لم تفتح الكيس و لم تدر ما فيه، و إنّما فيه ألف درهم، و خمسون دينارا صحاحا، و معك قرطان زعمت المرأة أنّها تساوي عشرة

دنانير صدقت مع الفصين اللذين فيهما، و فيهما ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤهما بعشرة دنانير، و هي تساوي أكثر، فادفعهما إلى جاريتنا فلانة، فإنّا قد وهبناهما لها، و صر إلى بغداد و ادفع المال إلى حاجز و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.

فأمّا العشرة دنانير التي زعمت أنّ أمّها استقرضتها في عرسها، و هي لا تدري من صاحبها و لا تعلم لمن هى، هي لكلثوم بنت أحمد، و هي ناصبية، فتحرّجت أن تعطيها فإن أحبّت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها على ضعفاء أخواتها. و لا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر و المحنة له، و ارجع إلى منزلك فإنّ عدوك قد مات، و قد أورثك اللّه أهله و ماله».

فرجعت إلى بغداد، و ناولت الكيس حاجزا، فوزنه فإذا فيه ألف درهم صحاح و خمسون دينارا، فناولني ثلاثين دينارا و قال: أمرنا بدفعها إليك لتنفقها.

فأخذتها، و انصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، فإذا أنا بفيج قد جاءني من المنزل يخبرني بأنّ حموي قد مات، و أنّ أهلي أمروني بالانصراف إليهم، فرجعت فإذا هو قد مات، و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار و مائة ألف درهم.

و في ذلك أيضا عدّة آيات.

538) عن ابن أبي سورة، عن أبيه، و أبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين عليه السلام اعرّف عنده، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة صلّيت و قمت، فابتدأت أقرأ الْحَمْدُ فإذا شاب حسن الوجه، عليه جبّة سنية ابتدأ أيضا قبلى، و ختم قبلى، فلمّا كان الغداة خرجنا جميعا إلى شاطئ الفرات، قال لي الشاب: أنت تريد الكوفة فامض، فمضيت في طريق الفرات، و أخذ الشاب طريق البر، قال أبو

سورة: ثمّ أسفت على فراقه، فاتّبعته، فقال لى: «تعال» فجئنا جميعا إلى حصن المسناة فنمنا جميعا، و انتهينا فإذا نحن على الغري على جبل الخندق، فقال لى: «أنت مضيق و لك عيال، فامض إلى أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره، و على يده دم الأضحية فقل له: شاب من صفته كذا و كذا، يقول لك: اعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة».

قال: فلمّا دخلت الكوفة خرجت إليه و قلت له ما ذكر لي الشاب، فقال: بالسمع و الطاعة. و على يده دم الأضحية.

539) و عن أبي أحمد بن أبي سورة، و هو محمّد بن الحسين بن عبد اللّه التميمى، عن الرازي [قال] مشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر السهلة، فقال: هو ذا منزلي قال لى: أين الرازي علي بن يحيى فقل له يعطيك المال بعلامة أنه كذا و في موضع كذا و مغطى بكذا، فقلت: من أنت؟ قال: أنا محمد بن الحسن. ثم مشينا حتى انتهينا إلى البوابين في السحر فجلس فحفر بيده فإذا الماء قد خرج و توضأ و صلى عشر ركعات.

فمضيت إلى الرازي فدفعت الباب فقال: من أنت؟ فقلت: أبو سورة، فسمعته يقول: مالي و لأبي سورة. فلما خرج و قصصت عليه صافحني و قبّل وجهي و أخذ بيدي و مسح بها على وجهه ثم أدخلني الدار و أخرج الصرة من عند رجل السرير و دفعها إلى، فاستبصر أبو سورة و كان زيديا، و في ذلك عدة آيات.

540) عن إسحاق بن يعقوب، قال: سمعت الشيخ العمري يقول: صحبت رجلا من أهل السواد و معه مال للغريم عليه السلام، فأنفذه فردّ عليه و قيل له: «أخرج حق ولد عمّك منه،

و هو أربعمائة درهم» فبقي باهتا متعجبا، فنظر في حساب المال و كانت [في يده] ضيعة لابن عمه قد كان ردّ عليهم بعضها و زوى عنهم بعضها، فإذا الذي بقي لهم من ذلك المال أربعمائة درهم كما قال عليه السلام، فأخرجها منه و أنفذ الباقى.

فقيل لجماعة من أصحابنا قالوا: إنّه بعث إلى أبي عبد اللّه بن الجنيد و هو بواسط غلاما و أمر ببيعه فباعه، و قبض ثمنه، فلمّا عير الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطا و حبّة.

541) عن محمّد بن هارون، قال: كانت للغريم عليّ خمسمائة دينار، و أنا ليلة ببغداد، و بها ريح و ظلمة، و قد فزعت فزعا شديدا، و فكرت فيما على، و قلت في نفسى: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار.

قال: فجاءني من يتسلّم منّي الحوانيت، و قد كتب لي في ذلك من قبل أن ينطق به لساني و ما أخبرت به أحدا.

542) عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة و صرّة فيها دراهم، فقال لى:

تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت، و تدفع ما دفعته إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط.

قال: فتداخلني من ذلك غم شديد، و قلت: مثلي يرسل في هذا الأمر و يحمل هذا الشي ء الوتح!

قال: فخرجت إلى واسط، و صعدت المركب، فأول رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال: أنا هو، من أنت؟ فقلت: أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام و دفع إليّ هذين الثوبين و هذه الصرّة لأسلمهما إليك فقال: الحمد للّه، فإن محمّد بن عبد اللّه الحائري قد مات و خرجت

لإصلاح كفنه، فحل الثياب فإذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة و ثياب و كافور، و في الصرة كرى الحمّالين و الحفّار.

قال: فشيعنا جنازته و انصرفت.

543) عن نصر بن الصباح، قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز، و كتب رقعة غيّر فيها اسمه، فخرج إليه الوصول باسمه و نسبه، و الدعاء له.

544) عن محمّد بن شاذان بن نعيم، قال: بعث رجل من أهل بلخ بمال و رقعة ليس فيها كتابة، و قد خطّ فيها بأصابعه كما تدور من غير كتابة، و قال للرسول: احمل هذا المال، فمن أخبرك بقصته و أجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال.

فصار الرّجل إلى العسكر و قصد جعفرا و أخبره الخبر فقال جعفر:

تقرّ بالبداء؟ قال الرّجل: نعم.

قال: فإنّ صاحبك قد بدا له، و قد أمرك أن تعطيني المال.

فقال الرسول: لا يقنعني هذا الجواب.

فخرج الرجل من عنده و جعل يدور على أصحابنا، فخرجت إليه رقعة: «هذا مال عن ربه كان فوق صندوق، فدخل اللّصوص البيت و أخذوا ما في الصندوق و سلم المال» وردت عليه الرقعة كما يدور الدعاء «فعل اللّه بك و فعل».

545) عن محمد بن شاذان بن نعيم قال: أهديت مالا و لم أفسر لمن هو، فورد الجواب: «وصل كذا، و كذا منه لفلان بن فلان، و لفلان كذا».

546) عن أبي العبّاس الكوفى، قال: حمل رجل مالا ليوصله، و أحب أن يقف على الدلالة، فوقع عليه السلام: «إن استرشدت أرشدت، و إن طلبت وجدت، يقول لك مولاك: احمل ما معك».

قال الرجل: فأخرجت مما معي ستة دنانير بلا وزن و حملت الباقى، فخرج التوقيع: «يا فلان رد الستة دنانير التي أخرجتها بلا وزن، و وزنها ستة مثاقيل و

خمسة دوانق و حبة و نصف».

قال الرجل: فوزنت الدنانير، فإذا هي كما قال عليه السلام.

547) عن إسحاق بن حامد الكاتب، قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن، و له شريك مرجئ، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن:

يصلح هذا الثوب لمولاى. فقال شريك؟ لست أعرف مولاك، لكن افعل ما تحب بالثوب.

فلما وصل الثوب شقّه عليه السلام نصفين طولا فأخذ نصفه و ردّ النصف و قال: «لا حاجة لنا في مال المرجئ».

548) عن محمّد بن الحسن الصوفى، قال: أردت الخروج إلى الحج، و كان معي مال بعضه ذهب و بعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، و ما كان معي من الفضة نقرا. و كان قد دفع ذلك المال إليه ليسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه.

قال: فلمّا نزلت بسرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك و النقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك منّى، و غاصت في الرمل، و أنا لا أعلم.

قال: فلمّا دخلت همدان ميزت تلك السبائك و النقر مرّة أخرى اهتماما منّي بحفظها، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال و ثلاثة مثاقيل. أو قال: ثلاثة و تسعون مثقالا.

قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة و جعلتها بين السبائك، فلمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح فسلّمت إليه ما كان معي من السبائك و النقر، فمدّ يده من بين السبائك إلى السبيكة الّتي كنت سبكتها من مالي بدلا ممّا ضاع منّى، فرمى بها إليّ و قال لى: ليست هذه السبيكة لنا، و سبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلى مكانك و انزل حيث نزلت، و اطلب السبيكة هناك تحت الرمل،

فإنّك ستجدها و ستعود إلي هاهنا فلا ترانى.

قال: فرجعت إلى سرخس و نزلت حيث كنت نزلت، و وجدت السبيكة تحت الرمل، فنبت عليها الحشيش، و أخذت السبيكة و انصرفت إلى بلدى، فلمّا كان من السنة القابلة توجهت إلى مدينة السلام و معي السبيكة، فدخلت مدينة السلام و قد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه قد مضى، و لقيت أبا الحسن علي بن محمّد السمري رضي اللّه عنه فسلّمت السبيكة إليه.

و في ذلك عدّة آيات.

549) عن الحسين بن علي بن محمّد القمّى، المعروف بأبي عليّ البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع إليّ المعروف بابن جاشير عشر سبائك و أمرني أن أسلمها بمدينة السّلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس اللّه سره، فحملتها معى.

فلمّا وصلت مفازة أمويّة ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك، و لم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام فأخرجت السبائك لأسلمها إليه، فوجدتها قد نقصت واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها و أضفتها إلى التسع سبائك، ثمّ دخلت على الشيخ أبي القاسم الرّوحى، و وضعت السبائك بين يديه، فقال لى: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها قد وصلت إلينا و هي ذا هى. ثمّ أخرج تلك السبيكة التي ضاعت مني بآمويه فنظرت إليها و عرفتها.

قال الحسين بن علي المعروف بأبي علي البغدادى: و رأيت تلك السبيكة بمدينة السلام.

550) قال: و سألتني امرأة عن وكيل مولانا عليه السلام من هو؟ فقال لها بعض القميين: إنّه أبو القاسم بن روح. و أشار لها إليه.

فدخلت عليه و أنا عنده، فقالت له: أيها الشيخ، أي شي ء معي؟

فقال: ما معك فالقيه في دجلة، فألقته، ثمّ رجعت و دخلت إلى أبي القاسم الروحي رضي اللّه عنه

و أنا عنده، فقال أبو القاسم لمملوكة له:

أخرجي إلي الحقّة. فأخرجت إليه حقّة، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك و رميت بها في دجلة؟ قالت: نعم، قال: أخبرك بما فيها، أم تخبريني؟ فقالت: بل أخبرني أنت.

فقال: في هذه الحقّة زوج سوار من ذهب، و حلقة كبيرة فيها جوهر، و حلقتان صغيرتان فيهما جوهر، و خاتمان، أحدهما فيروزج و الآخر عقيق. و كان الأمر كما ذكر، لم يغادر منه شيئا، ثمّ فتح الحقّة فعرض عليّ ما فيها، و نظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه و رميت به في دجلة! فغشي عليّ و على المرأة فرحا بما شاهدنا من صدق الدلالة.

ثمّ قال الحسين لي بعد ما حدّثنا بهذا الحديث: اشهد عند اللّه يوم القيامة بما حدّثت به أنّه كما ذكرته، لم أزد فيه و لم أنقص منه، و حلف بالأئمة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم لقد صدق فيه، و ما زاد و لا أنقص.

و في هذين الحديثين أيضا عدة آيات.

551) عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بالمدينة في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدّس سرّه، فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمرى، أعظم اللّه أجرك و أجر إخوانك فيك، فإنّك ميت ما بينك و بين ستة أيام، فاجمع أمرك، و لا توصي إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، و لا ظهور إلّا بإذن اللّه تعالى، و ذلك بعد طول الأمد، و قسوة القلب، و امتلاء الأرض جورا، و سيأتي لشيعتى، من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة

فهو كاذب مفتر و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم».

قال: فنسخنا ذلك التوقيع و خرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه و هو يجود بنفسه، قيل له: من وصيّك من بعدك؟

فقال: للّه أمر هو بالغه. و قضى رحمه اللّه، و هذا آخر كلام سمع منه قدّس سرّه.

552) عن محمد بن شاذان بن نعيم النيسابورى، قال: قد اجتمع عندي مال للغريم عليه السلام خمسمائة درهم، ينقص عشرين درهما، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندى، و بعثت بها إلى محمّد بن جعفر، و لم أكتب مالي فيها. فأنفذ إليّ محمّد بن جعفر القبض، و فيه خمسمائة درهم منها عشرون درهما.

في بيان ظهور آياته عليه السلام في معان شتّى و فيه: عشرة أحاديث

553) عن أحمد بن محمّد بن فارس الأديب، قال: سمعت حكاية بهمذان حكيتها كما سمعتها لبعض إخوانى، فسألني أن أكتبها له بخطى، و لم أجد إلى مخالفته سبيلا، و قد كتبتها، و عهدتها على من حكاها.

و ذلك أنّ بهمذان أناسا يعرفون ببني راشد، و هم كلهم يتشيعون، و مذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيعهم من بين أهل همدان، فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا و سمتا حسنا: إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّا فقال إنّه لمّا فرغ من الحج و ساروا منازل في البادية.

قال فنشطت للنزول و المشى، فمشيت طويلا حتّى أعييت و تعبت، فقلت في نفسى: أنام نومة تريحني فإذا جاءت القافلة قمت.

قال: فما انتبهت إلّا بحر الشمس، و لم أر أحدا، فتوحشت و لم أر طريقا، و لا أثرا، فتوكلت على اللّه تعالى و قلت: أتوجه حيث وجهني و مشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنّها قريبة

عهد بغيث، فإذا تربتها أطيب تربة، و نظرت في سواد تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت في نفسى: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده و لم أسمع به؟! فقصدته، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما فردّا ردا جميلا و قالا: اجلس، فقد أراد اللّه بك خيرا. و قام أحدهما فدخل، فاحتبس غير بعيد ثمّ خرج، فقال: قم فادخل. فقمت و دخلت قصرا لم أر شيئا أحسن و لا أضوأ منه، و تقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه، ثمّ قال لى: ادخل، فدخلت البيت و قد علق فوق رأسه من السقف سيفا طويلا تكاد ظبته تمس رأسه، و كان الفتى يلوح في ظلام، فسلّمت، فردّ السلام بألطف كلام و أحسنه ثمّ قال: «أ تدري من أنا؟» فقلت: لا و اللّه. فقال: «أنا القائم من آل محمّد صلى الله عليه و آله، أنا الذي أخرج آخر الزمان بهذا السيف- و أشار إليه- فأملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا».

قال: فسقطت على وجهي و تعفرت، فقال: «لا تفعل، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همذان» قلت: صدقت يا سيدي و مولاى.

قال: «أ فتحب أن تؤوب إلى أهلك؟» قلت: نعم يا مولاى، و أبشرهم بما يسّر اللّه تعالى. فأومأ إلى خادم و أخذ بيدي و ناولني صرّة، و خرج بي و مشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال و أشجار و منارة و مسجد، فقال: أ تعرف هذا البلد؟ قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسدآباد و هي تشبهها. فقال: أ تعرف أسدآباد؟ فامض راشدا. فالتفت و لم أره.

و دخلت أسدآباد، و نظرت فإذا في الصرّة أربعون- أو خمسون دينارا- فوردت

همدان و جمعت أهلي و بشّرتهم بما يسّر اللّه تعالى لى، فلم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.

554) عن أبي الأديان، قال: كنت أخدم أبا محمّد عليه السلام و أحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علّته التي توفي بها، فكتب معي كتبا و قال: «امض بها إلى المدائن، فإنّك ستغيب خمسة عشر يوما، و تدخل سر من رأى يوم الخامس عشر، و تسمع الواعية في دارى، و تجدني على المغتسل».

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدى، فإذا كان ذلك فمن لنا؟ قال: «من طالبك بجوابات كتبى، فهو القائم بعدى».

فقلت: زدنى. فقال: «من يصلي عليّ فهو القائم من بعدى».

فقلت: زدني يا ابن رسول اللّه فقال: «من طلب ما في الهميان فهو القائم بعدى».

ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان.

و خرجت بالكتب إلى المدائن و أخذت جواباتها، و دخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال عليه السلام، و إذا أنا بالواعية في داره، و إذا به على المغتسل، و إذا بجعفر بن علي على الباب، و الشيعة من حوله يعزّونه و يهنونه. فقلت في نفسى: إنّ يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب الخمر و النبيذ و يقامر بالجوسق و يلعب بالطنبور، فتقدمت و عزيت و هنّيت، و لم يسألني عن شي ء، ثمّ خرج عبد فقال: يا سيدى، قد كفن أخوك، فقم فصلّ عليه. فدخل جعفر بن علي و الشيعة من حوله يقدمهم.

فلمّا صرنا في الدار فإذا نحن بالحسن بن علي عليه السلام على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلّي عليه، فلمّا هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة و بشعر قطط و بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن

علي و قال: «تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي عليه السلام» فتأخر جعفر و اربد وجهه، و تقدّم مولانا و سيدنا الخلف الصالح و صلّى على أبيه، و دفن إلى جانب قبر أبيه عليه السلام.

ثمّ قال: «يا بصرى، هات جوابات الكتاب التي معك» فدفعتها إليه، و قلت في نفسى: هذه آيتان، بقي الهميان.

ثمّ خرجنا إلى جعفر بن علي و هو يزفر فقال له حاجز الوشّاء:

من الصبي؟ ليقيم الحجة عليه. فقال: و اللّه ما رأيته قط و لا أعرفه.

و نحن جلوس إذ قدم نفر من أهل قم، فسألوه عن الحسن عليه السلام، فعرفوا بموته، فقالوا: من ضبط الأمر بعده؟ فأشار الناس إلى جعفر، فسلّموا عليه و عزّوه و هنّوه، و قالوا: معنا مال و كتب ندفعه إلى من يقول كم المال، و ممن الكتاب. فقام ينفض أثوابه و هو يقول: يريدون منا أن نعلم الغيب.

قال: فخرج الخادم و قال: معكم كتب من فلان و فلان، و هميان فيه ألف دينار، و عشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا الكتاب و المال إليه و قالوا: الذي وجّه بك إلينا لأخذ المال هو الإمام.

فدخل جعفر بن علي على المعتمد و كشف ذلك له، فوجّه المعتمد بخدمه فقبض على صقل الجارية و طالبوها بالصبى، فأنكرته و ادعت حبلا بها لتغطي حال الصبى، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب، و بغتهم موت عبد اللّه بن خاقان فجأة، و خروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، و الحمد للّه رب العالمين.

555) عن علي بن سنان الموصلى، عن أبيه، قال: لمّا قبض أبو محمد عليه السلام و قدم وفد من قم و الجبل وفود بالأموال التي كانت تحمل على

الرسم، و لم يكن عندهم خبر وفاة أبي محمّد الحسن عليه السلام، فلمّا أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عنه، فقيل لهم: إنّه قد فقد، فقالوا: و من وارثه؟ فقالوا: جعفر أخوه فسألوا عنه فقيل خرج متنزها، و ركب زورقا في الدجلة يشرب الخمر و معه المغنّون.

قال: فتشاور القوم و قالوا: ليس هذه صفة الإمام. و قال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نردّ هذه الأموال على أصحابها.

فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميري القمى: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرجل، و نختبر أمره على الصحة.

قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه و سلّموا عليه و قالوا: يا سيدنا، نحن من أهل قم، فينا جماعة من الشيعة و غيرهم، و كنّا نحمل إلى سيدنا أبي محمد عليه السلام الأموال.

فقال: و أين هي؟ قالوا: معنا.

قال: احملوها إلى. قالوا: إن لهذه الأموال خبرا طريفا، فقال: و ما هو؟

قالوا: إنّ هذه الأموال تجمع، و يكون فيها من عامّة الشيعة الديا نار و الديا ناران، ثمّ يجعلونها في كيس و يختمون عليها، و كنّا إذا وردنا بالمال إلى سيدنا أبي محمد عليه السلام يقول جملة المال كذا دينار، من فلان كذا، و من عند فلان كذا، حتّى يأتي على أسماء الناس كلهم، يقول ما على نقش الخواتيم، فقال جعفر: كذبتم تقولون على أخي ما لم يفعله، هذا علم الغيب.

قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إلى. فقالوا: إنّا قوم مستأجرون، لا يسلّم المال إلّا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيدنا الحسن عليه السلام، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، و إلّا رددناها على أصحابها، يرون فيها رأيهم.

قال: فدخل جعفر بن علي على الخليفة،

و كان بسر من رأى، فاستعدى عليهم، فلمّا أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر. فقالوا: أصلح اللّه الخليفة، نحن قوم مستأجرون، و لسنا أرباب هذه الأموال، و هي لجماعة، و أمرونا أن لا نسلّمها إلّا بالعلامة و الدلالة، و قد جرت بهذه العادة مع أبي محمد عليه السلام.

فقال الخليفة: و ما كانت الدلالة التي كانت مع أبي محمّد؟

قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، و أصحابها، و الأموال، و كم هى، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، و قد وفدنا عليه مرارا، و كانت هذه علامتنا معه، و قد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، و إلّا رددناها إلى أصحابها الذين بعثوها بصحبتنا.

قال جعفر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قوم كذّابون، يكذبون على أخى، و هذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، و ما على الرسول إلّا البلاغ المبين.

قال: فبهت جعفر، و لم يرد جوابا، فقال القوم: يا أمير المؤمنين، تطول بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتّى نخرج من هذا البلد.

قال فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها كأنّه خادم، فصاح: يا فلان و يا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم، فقالوا له: أنت مولانا؟ فقال: معاذ اللّه، أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه. قالوا:

فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي عليهما السلام، فإذا ولده القائم سيدنا عليه السلام قاعد على سرير، كأنّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام، ثمّ قال: «جملة المال كذا و كذا، دينارا و حمل فلان كذا» و لم يزل يصف حتّى وصف الجميع، و وصف ثيابنا و رواحلنا، و

ما كان معنا من الدواب، فخررنا سجّدا للّه تعالى، و قبّلنا الأرض بين يديه، ثمّ سألناه عمّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال و أمرنا عليه السلام أن لا نحمل إلى سرّ من رأى شيئا من المال، و أنّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال، و تخرج من عنده التوقيعات.

قالوا: فانصرفنا من عنده، و دفع إلى أبي العبّاس محمد بن جعفر الحميري القمّي شيئا من الحنوط و الكفن، فقال له: «أعظم اللّه أجرك في نفسك».

قال: فلمّا بلغ أبو العباس عاقبة همذان حمّ و توفي رحمه اللّه.

و كان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى نوابه المنصوبين، و تخرج من عندهم التوقيعات.

556) عن محمد بن صالح: كتبت أسأله الدّعاء لبادا شاله و قد حبسه عبد العزيز، و استأذنت في جارية استولدها، فورد: «ستولد الجارية، و يفعل اللّه ما يشاء، و المحبوس يخلّصه اللّه» فاستولدت الجارية فولدت و ماتت، و خلّي عن المحبوس يوم خرج إليّ التوقيع.

557) قال: و حدّثني أبو جعفر، قال: ولد لي مولود و كتبت، أستأذن في تطهيره يوم السابع أو الثامن، فكتب يخبر بموته، و كتب:

«سيخلف عليك غيره، فسمّه أحمد، و من بعد أحمد جعفرا» فجاء كما قال عليه السلام.

قال: و تزوجت امرأة سرا، فلمّا وطأتها علقت و جاءت ببنت، فاغتممت و ضاق صدرى، و كتبت أشكو ذلك، فورد: «ستكفاها» فعاشت أربع سنين ثمّ ماتت فورد. «اللّه ذو أناة، و أنتم تستعجلون».

558) عن أبي محمّد الحسن بن وجناء، قال: كنت ساجدا تحت الميزاب في رابع أربع و خمسين حجة بعد العمرة و أنا أتضرع في الدعاء إذ حرّكني محرك، فقال لى: قم يا حسن بن وجناء فرعشت.

قال: فقمت، فإذا جارية صفراء نحيفة البدن،

أقول إنّها من بنات أربعين فما فوقها، فمشت بين يدى، و أنا لا أسألها عن شي ء، حتّى أتت دار خديجة عليها السلام، و فيها بيت بابه في وسط الحائط، و له درج ساج يرتقى إليه، فصعدت الجارية و جاءني النداء: «اصعد يا حسن» فصعدت، فوقفت بالباب فقال لي صاحب الزمان عليه السلام:

«يا حسن، أتراك خفيت عليّ! و اللّه ما من وقت في حجّك إلا و أنا معك فيه». ثم جعل يعد عليّ أوقاتي فوقعت على وجهى.

فحسست بيد قد وقعت على، فقمت، فقال لى: «يا حسن، الزم بالمدينة دار جعفر بن محمّد عليه السلام، و لا يهمنّك طعامك و لا شرابك، و لا ما تستر به عورتك». ثمّ دفع إليّ دفترا فيه دعاء الفرج، و صلاة عليه، و قال: «بهذا فادع، و هكذا فصلّ على، و لا تعطه إلّا أوليائى، فإنّ اللّه عز و جل يوفقك».

فقلت: يا مولاى، لا أراك بعدها؟ فقال: «يا حسن إذا شاء اللّه تعالى».

قال: فانصرفت من حجّتي و لزمت دار جعفر عليه السلام، و أنا لا أخرج منها و لا أعود إليها إلّا لثلاث خصال: إلّا لتجديد الوضوء أو النوم، أو لوقت الإفطار، فإذا دخلت بيتي وقت الإفطار فأصيب وعائي مملوءا دقيقا على رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فاكل ذلك فهو كفاية لى، و كسوة الشتاء في وقت الشتاء، و كسوة الصيف في وقت الصيف، و إنّي لا أدخل الماء بالنهار و أرش به البيت، و ادع الكوز فارغا، و آتي بالطعام و لا حاجة لي إليه، فأتصدّق لئلا يعلم به من معى.

559) عن الأزدى، قال: بينا أنا في الطواف، قد طفت ستا و أريد السابع، و إذا أنا بحلقة عن

يمين الكعبة و شاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب، مع هيبته متقرب إلى الناس، يتكلم، فلم أر أحسن من كلامه، و لا أعذب من منطقه في حسن جلوسه، فذهبت أكلمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟ فقالوا: ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله، يظهر للناس في كلّ سنة لخواصه يوما يحدّثهم. فقلت: يا سيدى، مسترشدا أتيتك، فأرشدني هداك اللّه، فناولني عليه السلام حصاة، فحوّلت وجهى، فقال لي بعض جلسائه: ما الذي بيدك؟ فقلت:

حصاة. و كشفت يدي عنها فإذا هي سبيكة ذهب.

فذهبت فإذا أنا به عليه السلام قد لحقنى، فقال لى: «بينت لك الحجّة، و ظهر لك الحق، و ذهب عنك العمى، أ تعرفني؟» فقلت: لا.

فقال عليه السلام: «أنا المهدى، أنا القائم بأمر اللّه، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت ظلما، و جورا، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، و لا تبقى الناس في فترة، و هذه أمانة تحدّث بها إخوانك من أهل الحق».

560) عن أبي جعفر محمّد بن علي الأسود قال: سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه اللّه بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه أن يدعو اللّه أن يرزقه ولدا ذكرا.

قال: فسألته، فأنهى ذلك، [ثم] أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام أنّه قد دعا لعلي بن الحسين، و أنّه سيولد له ولد مبارك ينفع اللّه به، و بعده أولاد، فرزق ابنه أبو جعفر محمّد بن علي الفقيه، و بعده أولاد.

561) عن أحمد بن إبراهيم بن مخلّد، قال: حضرت ببغداد عند المشايخ، فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس اللّه

روحه ابتداء منه: رحم اللّه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى.

قال: فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنّه توفي في ذلك اليوم.

562) عن يوسف بن أحمد الجعفرى، قال: حججت سنة ست و ثلاثين و ثلاثمائة، ثمّ جاورت بمكّة ثلاث سنين، ثمّ خرجت عنها منصرفا إلى الشام، فبينما أنا في بعض الطريق و قد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من محملي و تهيأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل فوقفت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: ممّ تتعجب؟ تركت صلاتك فقلت:

و ما علمك بي؟!

فقال: تحب أن ترى صاحب زمانك؟ فقلت: نعم. فأومأ إلى أحد الأربعة.

فقلت له: إنّه له دلائل و علامات.

فقال: أيّما أحب إليك، أن ترى المحمل و ما عليه صاعدا إلى السماء، أو ترى المحمل بما عليه يرتفع إلى السماء فقلت: أيّهما فهو دلالة، فرأيت المحمل و ما عليه صاعدا إلى السماء و كان الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، كأنّ لونه الذهب، بين عينيه سجّادة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.