بلاغة الامام جعفر الصادق عليه السلام

اشارة

المؤلف: مهدي العطبي البصري

الناشر : السبطين

الطبعة: الاولي

طبع في سنة: 1424 ق / 2004 م

الاهداء

بسم الله الرحمن الرحيم أهدي هذا الجهد البسيط الي من لولاه لساخت الأرض بأهلها الي مولي نعمتنا و عاتق رقابنا من النار الي منقذ البشرية من البدع و الضلال الي صاحب العصر و الزمان الحجة ابن الحسن المنتظر عجل الله فرجه و سهل مخرجه

خطبه و كلماته

نبذة من حياة الامام ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق

اشاره

هو أبوعبدالله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام جميعا، مجدد المذهب و ناشر شريعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، من عظماء أهل البيت و ساداتهم عليهم السلام، ذو علوم جمة و عبادة موفورة، و أوراد متواصلة، و زهادة بينة، و تلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم، و يستخرج من بحره جواهره، و يستنتج عجائبه، و يقسم أوقاته علي أنواع الطاعات، رؤيته تذكر بالآخرة، و استماع كلامه يزهد في الدنيا، و الاقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، و طهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة، مناقبه و صفاته تفوق عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتي أن من كثرة علومه المفاضة علي قلبه من سجال التقوي صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، و العلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها، تضاف اليه و تروي عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان، و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، و لا لقي أحد منهم من أهل الآثار و نقلة الأخبار و لا نقلوا عنهم [ صفحه 10] كما نقلوا عن أبي عبدالله عليه السلام، فان أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقاة علي اختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا أربعة آلاف رجل. و كان له عليه السلام

من الدلائل الواضحة في امامته ما بهرت القلوب و أخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات.

حقيقة البلاغة عند الامام الصادق

قال الامام الصادق عليه السلام لمؤمن الطاق: يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان و لا بكثرة الهذيان، و لكنها اصابة المعني و قصد الحجة [1] . فحقيقة البلاغة عند أهل بيت الوحي و التنزيل عليهم السلام ليس مما نتصوره نحن فقط تطبيق القواعد الأدبية من الفصاحة و البلاغة و البديع و المحسنات الأخري، بل هذه الأمور يتكلفها البليغ أو الفصيح و الامام في غني عن هذه الأمور لأنه فوق هذه الأمور، و لأنه يريد اظهار الحق بحقيقته الواقعية الذي لا غبار عليه و لا ريبة، فالذي يكون في بيت نزل فيه القرآن و جعله البديع تعالي عدلا له لأنه خلفه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بقوله عليه السلام اني مخلف فيكم الثقلان كتاب الله و عترتي أهل بيتي، لا يكون كلامه الا موافقا للقرآن و لا يتخلف عنه أي لا ينطق عن الهوي بل نورا ساطعا و حجة دامغة، فهو نور لمن يريد الهداية و عذابا صبا لمن يريد الضلالة و الغواية. وليكن عندنا من الواضح الذي لا سترة عليه أن أهل البيت عليهم السلام نورهم واحد و مشربهم واحد، فلا فرق بينهم. و أريد أن أضرب لك مثلا واضحا في علومهم لا يشك فيه الا مكابرا [ صفحه 11] فهذا أميرالمؤمنين و سيد الموحدين علي ابن أبي طالب الذي احتارت فيه أكثر العقول الا أهل النمرقة الوسطي وضعوه في الموضع الذي وضعه الله و النبي صلي الله عليه و آله و سلم، لا الذي و صفوه بالألوهية - فانظر الي قول أميرالمؤمنين عليه السلام حيث قال: علمني رسول الله

صلي الله عليه و آله و سلم ألف باب من كل باب يفتح ألف باب [2] فالذي يكون عنده هذا العلم فهل يحتار في تفسير آية أو في تعبير عن حالة خاصة أو عامة بالمجتمع البشري فكلامه امام الكلام، فالامام عليه السلام مؤسس العلوم من علم التفسير و النحو و البلاغة و الفصاحة بحيث سد كل الأبواب. فهذا النحو الذي وضعه أميرالمؤمنين باشارة لطيفة علي أبي الأسود حيث كان أبوالأسود الدئلي كان في بصره سوء و له بنية تقوده الي أميرالمؤمنين عليه السلام فقالت: يا أبتاه ما أشد حر الرمضاء - تريد التعجب - فنهاها عن مقالها، فأخبر أميرالمؤمنين عليه السلام بذلك فأسس. و أما في الخطابة فهو كعبتها و الخطباء حوله يطوفون فانظر الي خطبه في التوحيد و الشقشقية و الهداية و الملاحم و اللؤلؤة و الغراء و القاصعة و الافتخار و الأشباح و الدرة اليتيمة و الأقاليم و الوسيلة و الطالوتية و القصبية و النخيلية و السلمانية و الناطقة و الدامغة و الفاضحة. قال الرضي: كان أميرالمؤمنين عليه السلام شرع الفصاحة و موردها، و منشأ البلاغة و مولدها، و منه ظهر مكنونها، و عند أخذت قوانينها. و هذا الجاحظ في كتاب الغرة انبهر عقله في كتاب علي عليه السلام الي معاوية: غرك عزك، فصار قصار ذلك ذلك، فاخش فاحش فعلك تهدا بهذا. [ صفحه 12] و قال عليه السلام: من آمن أمن. و قد روي الصدوق عن أبي الحسن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنه اجتمعت الصحابة فتذاكروا أن الألف أكثر دخولا في الكلام فارتجل عليه السلام الخطبة المونقة التي أولها «حمدت من عظمت منته، و سبغت نعمته، و سبقت رحمته، و تمت كلمته، و نفذت مشيئته، و بلغت قضيته» الي آخرها،

ثم ارتجل خطبة أخري من غير نقط التي أولها: «الحمدلله أهل الحمد و مأواه، و له أوكد الحمد و أحلاه، و أسرع الحمد و أسراه، و أطهر الحمد و أسماه، و أكرم الحمد و أولاه» الي آخرها [3] . ثم تعال معي الي ما يقول ابن أبي الحديد حيث عجز عقله عن دقة هذه العبارة «هل من مناص أو خلاص؟ أو معاذا أو ملاذا أؤ قرارا أو محارا» حتي أقر بعصمة أميرالمؤمنين فقال لا يقول هذا الكلام الا معصوم، لكن مع اقراره بالعصمة للامام كان أعمي القلب فقدم المفضول علي الفاضل في أول كتابه بسبب حطام الدنيا و خبث السريرة، فلشدة تعلقه بدقة منطق الامام عليه السلام قال: شيخنا أبوعثمان: حدثني ثمامة قال: سمعت جعفر بن يحيي - و كان من أبلغ الناس و أفصحهم للقول و الكتابة بضم اللفظة الي أختها -: ألم قول شاعر لشاعر و قد تفاخرا: أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه، و أنت تقول البيت و ابن عمه! ثم قال: وناهيك حسنا بقول علي ابن أبي طالب «هل من مناص أو خلاص؟ أو معاذا أو ملاذا؟ أو قرارا أو محارا؟». قال أبوعثمان: كان جعفر يتعجب أيضا بقول علي عليه السلام: «أين من جد و اجتهد، و جمع و احتشد، و بني فشيد، و فرش فمهد، و زخرف [ صفحه 13] فنجد؟» قال: ألا تري كل لفظة آخذة بعنق قرينها جاذبة اياها الي نفسها دالة عليها بذاتها قال أبوعثمان: فكان جعفر يسميه فصيح قريش. و اعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين و الآخرين الا ما كان من كلام الله و كلام رسول الله صلي

الله عليه و آله و سلم و ذلك لأن فضيلة الخطيب أو الكاتب في خطابته أو كتابته يعتمد علي أمرين هما مفردات الألفاظ و مركباتها، أما المفردات فأن تكون سهلة سلسلة غير وحشية و لا معقدة، و ألفاظه عليه السلام كلها كذلك. و أما المركبات فحسن المعني و سرعة وصوله الي الأفهام و اشتماله علي الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام علي بعض و تلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع، من المقابلة و المطابقة و حسن التقسيم، ورد آخر الكلام علي صدره، و الترصيع و التسهيم، و التوشيح و المماثلة و الاستعارة، و لطافة استعمال المجاز و الموازنة و التكافؤ و التسميط و المشاكلة، و لا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه و كتبه مبثوثة متفرقة في فرش كلامه عليه السلام و ليس يوجد هذان الأمران في كلام لأحد غيره فان كان قد تعملها و أفكر فيها و أعمل رؤيته في وضعها و نثرها فلقد أتي بالعجب العجاب، و وجب أن يكون امام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره و لم يعرف من قبله، و ان كان اقتضبها [4] ابتداء، وفاضت عليها لسانه مرتجلة، و جاش بها طبعه بديهة من غير روية و لا اعتمال فأعجب، و العجب علي كلا الأمرين، فلقد جاء مجليا [5] ، و الفصحاء ينقطع أنفاسهم علي أثره، و يحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له: «جئتك من عند أعيي الناس» يا ابن اللخناء لعلي تقول هذا؟ و هل سن الفصاحة لقريش غيره؟. [ صفحه 14] و اعلم أن تكلف الاستدلال علي أن الشمس مضيئة يتعب، و صاحبه منسوب الي السفه، و ليس جاحد الأمور المعلومة علما

ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها [6] .

ولادة الصادق

ولد الامام الصادق عليه السلام بالمدينة المنورة سنة ثلاث و ثمانين [7] . استشهد عليه السلام في شوال سنة ثمان و أربعين و مائة مسموما. و له خمس و ستون سنة، دفن بالبقيع مع أبيه و جده و عمه عليهم السلام. و أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر [8] . و كانت امامته عليه السلام أربعا و ثلاثين سنة و وصي اليه أبوه أبوجعفر وصية ظاهرة و نص عليه بالامامة نصا جليا [9] . فروي محمد ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهماالسلام، قال لما حضرت أبي الوفاة قال: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا، قلت جعلت فداك و الله لأدعنهم و الرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا. و روي هشام بن سالم عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبوجعفر عليه السلام عن القائم بعده فضرب بيده علي أبي عبدالله عليه السلام و قال هذا و الله قائم آل محمد عليهم السلام. [ صفحه 15] و روي يونس بن عبدالرحمن عن عبدالأعلي مولي آل سام عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ان أبي عليه السلام استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولي عبدالله بن عمر فقال اكتب هذا ما أوصي به يعقوب بنيه (يا بني ان الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن الا و أنتم مسلمون) و أوصي محمد بن علي الي جعفر بن محمد عليه السلام و أمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة و أن يعممه بعمامته، و أن يربع قبره و يرفعه أربع أصابع، و أن يحل عنه أطماره عند دفنه

ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم الله فقلت له: يا أبت ما كان في هذا بأن يشهد عليه فقال: يا بني كرهت أن تغلب و أن يقال لم يوص اليه فأردت أن تكون لك الحجة [10] .

اولاد الامام الصادق

كان لأبي عبدالله عليه السلام عشرة أولاد: 1 - اسماعيل 2 - عبدالله 3 - أم فروة. أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين عليهم السلام 4 - الامام موسي عليه السلام 5 - اسحاق 6 - محمد لأم ولد 7 - العباس 8 - علي 9 - أسماء 10 - فاطمة لأمهات شتي [11] .

مناقب الصادق

(كشف الغمة ج 2 ص 421.) مناقبه فاضلة و صفاته في الشرف كاملة، و مننه لأوليائه شاملة و بأغراضهم الأخرويه كافلة، و غرر شرفه و فضله علي جبهات الأيام سائلة، [ صفحه 16] و الجنة لمواليه و محبيه حاصلة، و أندية المجد و العز بمفاخره و مآثره و آهلة، صاحب الامرة و الزعامة مركز دائرة الرسالة و الامامة، له الي جهة الآباء محمد المصطفي، و الي جهة الأبناء المهدي، و كفي به خلفا، فذاك موضح المحجة و هذا الخلف الحجة، و حسبك به شرفا فهو الواسطة بين المحمدين العالم بأسرار النشأتين، المنعوت بالكريم الطرفين، جري علي سنن آبائه الكرام، و آخذ بهداهم عليه و عليهم السلام و وقف نفسه الشريفة علي العبادة و حبسها علي الطاعة و الزهادة و اشتغل بأوراده و تهجده و صلاته و تعبده، لو طاوله الفلك لتزحزح عن مكانه، و عاقه شي ء عن دورانه، ولو جاراه البحر لنطقت بقصوره ألسنة حيتانه، ولو فاخره الملك لأذعن لعلو شأنه و سمو مكانه، ابن سيد ولد آدم و ابن سيد العرب، الماجد الذي يملأ الدلو الي عقد الكرب، الجواد الذي صابت راحتاه بالنضار و الغرب، السيد ابن السادة الأطهار، الامام أبوالأئمة الأخيار، الخليفة و كلهم خلفاء أبرار، كشاف الجلاد و الجدال، الفارق بين الحلال و الحرام المتصدق حتي بقوت العيال،

السابق في حلبات الفضل و الافضال، الجاري علي منهاج آله فنعم الجاري و نعم الآل، الكاشف لحقائق التنزيل، الواقف علي دقائق التأويل، العارف لله تعالي بالبرهان و الدليل، الصائم في النهار الشامس، القائم في الليل الطويل، بحر الحكم و مصباح الظلم، الأشهر من نار علي علم، البالغ الغاية في كرم الأخلاق و الشيم، الناظر الي الغيب من وراء ستر، المخاطب في باطنه بما كان من سر، الملقي في روعه ما تجدد من أمر، وارث آبائه الكرام، و مورث أبنائه عليهم أفضل السلام سلسلة ذهب و لا كرامة للذهب، اليهم الحوض و الشفاعة و لهم منا السمع و الطاعة، بموالاتهم نرجو النجاة في العقبي، و هم الأجواد الأمجاد الأنجاد زندهم في الشرف وار، وصيتهم في المجد سار، و ليس لهم في فضائلهم محار، [ صفحه 17] الا ما كان في الآخرة، علي شفا جرف هار، فالله بكرمه يبلغهم عنا أفضل الصلاة و التسليم، و اياه سبحانه نحمد علي أن هدانا من موالاتهم الي النهج القويم و الصراط المستقيم انه جواد كريم. مناقب الصادق مشهورة ينقلها عن صادق صادق سما الي نيل العلي وادعا و كل عن ادراكه اللاحق جري الي المجد كآبائه كما جري في الحلبة السابق وفاق أهل الأرض في عصره و هو علي حالاته فايق سماؤه بالجود هطالة و سيب هامي الحيا دافق [12] . و كل ذي فضل بأفضاله و فضله معترف ناطق له مكان في العلي شامخ وطود مجد صاعد شاهق [13] . من دوحة العز التي فرعها سام علي أوج السها سامق [14] . كأنما طلعته ما بدا لناظريه القمر الشارق له من الأفضال حاد علي البذل و من أخلاقه سائق

يروقه بذل الندي اللهي و هو لهم أجمعهم رايق [15] . خلايق طابت وطالت علي أبدع في ايجادها الخالق شاد المعالي وسعي للعلي فهي له و هو لها عاشق ان أعضل الأمر فلا يهتدي اليه فهو الفاتق الراتق يشوقه المجد و لا غرو أن يشوقه و هو له شايق [ صفحه 19]

في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة و صفاتهم

اشارة

ان الله عزوجل أوضح بأئمة الهدي من أهل بيت نبينا عن دينه، و أبلج بهم عن سبيل منهاجه، و فتح بهم عن باطن ينابيع علمه، فمن عرف من أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أوجب حق امامه وجد طعم حلاوة ايمانه، و علم فضل طلاوة اسلامه [16] ، لأن الله تبارك و تعالي نصب الامام علما لخلقه، و جعل حجة علي أهل مواده و عالمه [17] ، و ألبسه الله تاج الوقار، و غشاه من نور الجبار، يمد بسبب الي السماء، لا ينقطع عنه مواده، و لا ينال ما عند الله الا بجهة أسبابه، و لا يقبل الله أعمال العباد الا بمعرفته. فهو عالم بما يرد عليه من ملبسات الدجي و معميات السنن و مشبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك و تعالي يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السلام من عقب كل امام يصطفيهم لذلك و يجتبيهم و يرضي بهم لخلقه و يرتضيهم، كل ما مضي منهم امام نصب لخلقه من عقبه اماما علما بينا، و هاديا نيرا، و اماما قيما و حجة [ صفحه 20] عالما، أئمة من الله يهدون و به يعدلون، حجج الله و دعاته و رعاته علي خلقه، يدين بهديهم العباد، و تستهل بنورهم البلاد، و ينمو ببركتهم التلاد [18] ، جعلهم الله حياة للأنام،

و مصابيح الظلام و مفاتيح الكلام و دعائم الاسلام، جرت بذلك فيهم مقادير الله علي محتومها. فالامام هو المنتجب المرتضي، و الهادي المنتجي [19] و القائم المرتجي، اصطفاه الله بذلك و اصطنعه علي عينه في الذر حين ذرأه، و في البرية حين برأه، ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه، و انتجبه لطهره، بقية من آدم عليه السلام و خيرة من ذرية نوح، و مصطفي من آل ابراهيم و سلالة من اسماعيل، و صفوة من عترة محمد صلي الله عليه و آله و سلم لم يزل مرعيا بعين الله، يحفظه و يكلؤه بستره، مطرودا عنه حبائل ابليس و جنوده، مدفوعا عنه وقوب الغواسق و نفوث كل فاسق [20] ، مصروفا عنه قوارف السوء [21] ، مبرءا من العاهات، محجوبا عن الآفات معصوما عن الزلات، مصونا عن الفواحش كلها، معروفا بالحلم و البر في يفاعه [22] ، منسوبا الي العفاف و العلم و الفضل عند انتهائه، مسندا اليه أمر والده، صامتا عن المنطق في حياته، فاذا انقضت مدة والده الي أن انتهت به مقادير الله الي مشيئته، و جاءت الارادة من الله فيه الي محبته، و بلغ منتهي مدة والده عليه السلام فمضي و صار أمر الله اليه من بعده، و قلده دينه، و جعله الحجة علي عباده، وقيمه في بلاده و أيده بروحه، و آتاه [ صفحه 21] علمه، و أنبأه فصل بيانه، و استودعه سره، و انتدبه لعظيم أمره، و أنبأه فضل بيان علمه، و نصبه علما لخلقه، و جعله حجة علي أهل عالمه، و ضياء لأهل دينه، و القيم علي عباده، رضي الله به اماما لهم، استودعه

سره، و استحفظه علمه و استخبأه حكمته [23] ، و استرعاه لدينه [24] و انتدبه لعظيم خلقه و أحيا به مناهج سبيله و فرائضه و حدوده، فقام بالعدل عند تحير أهل الجبر، و تحيير أهل الجدل، بالنور الساطع و الشفاء النافع، بالحق الأبلج، و البيان اللائح من كل مخرج علي طريق المنهج الذي مضي عليه الصادقون من آبائه عليهم السلام، فليس يجهل حق هذا العالم الا شقي و لا يجهده الا غوي و لا يصد عنه الا جري ء علي الله جل و علا [25] . [ صفحه 23]

كلامه في وصف المحبة لأهل البيت و التوحيد و الايمان و الاسلام و الكفر و الفسق

اشاره

دخل عليه رجل فقال عليه السلام له: ممن الرجل؟ فقال من محبيكم و مواليكم، فقال له جعفر عليه السلام: لا يحب الله عبد حتي يتولاه. و لا يتولاه حتي يوجب له الجنة. ثم قال له: من أي محبينا أنت؟ فسكت الرجل فقال له سدير [26] : و كم محبوكم يا ابن رسول الله؟ فقال: علي ثلاث طبقات: طبقة أحبونا في العلانية و لم يحبونا في السر. و طبقة يحبونا في السر و لم يحبونا في العلانية. و طبقة يحبونا في السر و العلانية، هم النمط الأعلي [27] ، شربوا من العذب الفرات و علموا تأويل الكتاب [28] و فصل [ صفحه 24] الخطاب و سبب الأسباب، فهم النمط، الفقر و الفاقة و أنواع البلاء أسرع اليهم من ركض الخيل [29] ، مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا و فتنوا، فمن بين مجروح و مذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية، بهم يشفي الله السقيم و يغني العديم [30] و بهم تنصرون و بهم تمطرون و بهم ترزقون و هم الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا و خطرا. و الطبقة الثانية

النمط الأسفل أحبونا في العلانية و ساروا بسيرة الملوك، فألسنتهم معنا و سيوفهم علينا، و الطبقة الثالثة النمط الأوسط أحبونا في السر و لم يحبونا في العلانية و لعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار القوامون بالليل تري أثر الرهبانية في وجوههم، أهل سلم و انقياد. قال الرجل: فأنا من محبيكم في السر و العلانية. قال جعفر عليه السلام: ان لمحبينا في السر و العلانية علامات يعرفون بها. قال الرجل: و ما تلك العلامات؟ قال عليه السلام: تلك خلال أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته و أحكموا علم توحيده. و الايمان بعد ذلك بما هو و ما صفته، ثم علموا حدود الايمان و حقائقه و شروطه و تأويله. قال سدير: يا ابن رسول الله ما سمعتك تصف الايمان بهذه الصفة؟ قال: نعم يا سدير ليس للسائل أن يسأل عن الايمان ما هو حتي يعلم الايمان بمن. قال سدير: يا ابن رسول الله ان رأيت أن تفسر ما قلت؟ قال الصادق عليه السلام: من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك. و من زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعني فقد أقر بالطعن، لأن الاسم محدث. و من زعم أنه يعبد الاسم و المعني فقد جعل مع الله شريكا. و من زعم أنه يعبد [المعني] بالصفة لا بالادراك فقد [ صفحه 25] أحال علي غائب. و من زعم أنه يعبد الصفة و الموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف. و من زعم أنه يضيف الموصوف الي الصفة فقد صغر بالكبير (و ما قدروا الله حق قدره). قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟ قال عليه السلام: باب البحث ممكن و طلب المخرج موجود ان معرفة عين

الشاهد قبل صفته و معرفة صفة الغائب قبل عينه. قيل: و كيف نعرف عين الشاهد قبل صفته؟ قال عليه السلام: تعرفه و تعلم علمه و تعرف نفسك به و لا تعرف نفسك بنفسك من نفسك. و تعلم أن ما فيه له و به كما قالوا ليوسف: (انك لأنت يوسف قال أنا يوسف و هذا أخي) [31] فعرفوه به و لم يعرفوه بغيره و لا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أما تري الله يقول: (ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) [32] يقول: ليس لكم أن تنصبوا اماما من قبل أنفسكم تسمونه محقا بهوي أنفسكم و ارادتكم. ثم قال الصادق عليه السلام: ثلاثة (و لا يكلمهم الله و لا ينظر اليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم) من أنبت شجرة لم ينبته الله يعني من نصب اماما لم ينصبه الله، أو جحد من نصبه الله. و من زعم أن لهذين سهما في الاسلام. و قد قال الله، (و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة) [33] [34] .

كلامه في صفة الايمان

قال عليه السلام: معني صفة الايمان. الاقرار و الخضوع لله بذل الاقرار و التقرب اليه به و الأداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير من حد [ صفحه 26] التوحيد فما دونه الي آخر باب من أبواب الطاعة أولا فأولا مقرون ذلك كله بعضه الي بعض موصول بعضه ببعض، فاذا أدي العبد ما فرض عليه مما وصل اليه علي صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الايمان، مستوجب للثواب و ذلك أن معني جملة الايمان الاقرار، و معني الاقرار التصديق بالطاعة، فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها و كبيرها مقرونة بعضها الي بعض،

فلا يخرج المؤمن من صفة الايمان لا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا. و انما استوجب و استحق اسم الايمان و معناه بأداء كبار الفرائض موصولة و ترك كبار المعاصي و اجتنابها. و ان ترك صغار الطاعة و ارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الايمان و لا تارك له ما لم يترك شيئا من كبار الطاعة و لم يرتكب شيئا من كبار المعاصي، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله: (اني تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما) [35] يعني المغفرة ما دون الكبائر. فان هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها و كبارها معاقبا عليها معذبا بها فهذه صفة الايمان و صفة المؤمن المستوجب للثواب [36] .

كلامه في صفة الاسلام

(تحف العقول ص 329.) و أما معني صفة الاسلام فهو الاقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم و الأداء له فاذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الاسلام و معناه و استوجب الولاية الظاهرة و اجازة شهادته و المواريث و صار له ما للمسلمين و عليه ما علي المسلمين، فهذه [ صفحه 27] صفة الاسلام، و فرق ما بين المسلم و المؤمن أن المسلم انما يكون مؤمنا أن يكون مطيعا في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر. فاذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلما. و اذا فعل ذلك بالظاهر و الباطن بخضوع و تقرب بعلم كان مؤمنا. فقد يكون العبد مسلما و لا يكون مؤمنا الا و هو مسلم.

كلامه في صفة الخروج من الايمان

و قد يخرج من الايمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات: الكفر. و الشرك. و الضلال. و الفسق. و ركوب الكبائر. فمعني الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد و الانكار و الاستخفاف و التهاون في كل ما دق و جل. و فاعله كافر و معناه معني كفر، من أي ملة كان و من أي فرقة كان بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات، فهو كافر. و معني الشرك كل معصية عصي الله بها بالتدين، فهو مشرك، صغيرة كانت المعصية أو كبيرة، ففاعلها مشرك [37] . و معني الضلال الجهل بالمفروض و هو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لا يستحق العبد الايمان الا بها بعد ورود البيان فيها و الاحتجاج بها، فيكون التارك لها تاركا بغير جهة الانكار و التدين بانكارها و جحودها ولكن يكون تاركا علي جهة التواني و الاغفال و الاشتغال بغيرها فهو

ضال متنكب عن طريق الايمان، جاهل به خارج منه مستوجب لاسم الضلالة و معناها مادام بالصفة التي وصفناه بها. فان كان هو الذي مال بهواه الي وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود و الاستخفاف و التهاون كفر. و ان [ صفحه 28] هو مال بهواه الي التدين بجهة التأويل و التقليد و التسليم و الرضا بقول الآباء و الأسلاف فقد أشرك [38] . و قل ما يلبث الانسان علي ضلالة حتي يميل بهواه الي بعض ما وصفناه من صفته. و معني الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل، أو دخل فيها داخل بجهة اللذة و الشهوة و الشوق الغالب فهو فسق و فاعله فاسق خارج من الايمان بجهة الفسق فان دام في ذلك حتي يدخل في حد التهاون و الاستخفاف فقد وجب أن يكون بتهاونه و استخفافه كافرا. و معني راكب الكبائر التي بها يكون فساد ايمانه فهو أن يكون منهمكا علي كبائر المعاصي بغير جحود و لا تدين و لا لذة و لا شهوة ولكن من جهة الحمية و الغضب يكثر القذف و السب و القتل و أخذ الأموال و حبس الحقوق و غير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة. و من ذلك الايمان الكاذبة و أخذ الربا و غير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ [و] الخمر و الزنا و اللهو ففاعل هذه الأفعال كلها مفسد للايمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة علي هذه الجهة، غير مشرك و لا كافر و لا ضال، جاهل علي ما وصفناه من جهة الجهالة. فان هو مال بهواه الي أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين كان من صنفه [39] .

كلامه في خلق الانسان و تركيبه

قال عليه السلام: عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع و أربع دعائم [ صفحه 29] و أربعة أركان. فطبائعه: الدم و المرة و الريح و البلغم [40] و دعائمه: العقل و من العقل الفهم و الحفظ. و أركانه النور و النار و الروح و الماء. و صورته طينته. فأبصر بالنور و أكل و شرب بالنار و جامع و تحرك بالروح. و وجد طعم الذوق و الطعام بالماء فهذا تأسيس صورته. فاذا كان تأييد عقله من النور كان عالما حافظا ذكيا فطنا فهما و عرف فيما هو و من أين يأتيه و لأي شي ء هو ههنا و الي ما هو صائر، باخلاص الوحدانية و الاقرار بالطاعة و قد تجري فيه النفس و هي حارة و تجري فيه و هي باردة، فاذا حلت به الحرارة أشر و بطر و ارتاح [41] و قتل و سرق و بهج و استبشر و فجر و زنا و بذخ [42] و اذا كانت باردة اهتم و حزن و استكان و ذبل [43] و نسي، فهي العوارض التي تكون منها الأسقام و لا يكون أول ذلك الا بخطيئة عملها فيوافق ذلك من مأكل أو مشرب في حد ساعات لا تكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل و المشرب بحال الخطيئة فيستوجب الألم من ألوان الأسقام. ثم قال عليه السلام بعد ذلك بكلام آخر: انما صار الانسان يأكل و يشرب و يعمل بالنار و يسمع و يشم بالريح ويجد لذة الطعام و الشراب بالماء و يتحرك بالروح فلولا أن النار في معدته لما هضمت الطعام و الشراب في جوفه. و لولا الريح ما التهبت نار المعدة و لا خرج الثفل من بطنه [44] و

لولا الروح لا جاء و لا ذهب. و لولا برد الماء لأحرقته نار المعدة. و لولا النور [ صفحه 30] ما أبصر و لا عقل. و الطين صورته. و العظم في جسده بمنزلة الشجر في الأرض. و الشعر في جسده بمنزلة الحشيش في الأرض. و العصب في جسده بمنزلة اللحاء علي الشجر. [45] و الدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض. و لا قوام للأرض الا بالماء و لا قوام لجسد الانسان الا بالدم. و المخ دسم الدم و زبده. فهكذا الانسان خلق من شأن الدنيا و شأن الآخرة فاذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض، لأنه نزل من شأن السماء الي الدنيا، فاذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت يرد شأن الآخرة الي السماء. فالحياة في الأرض و الموت في السماء و ذلك أنه يفرق بين الروح و الجسد، فردت الروح و النور الي القدرة الأولي و ترك الجسد لأنه من شأن الدنيا. و انما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح تنشف الماء [46] فييبس الطين فيصير رفاتا و يبلي و يرد كل الي جوهره الأول و تحركت الروح بالنفس و النفس حركتها من الريح، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل. و ما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء [47] فهذا من صورة ناره و هذا من صورة نوره و الموت رحمة من الله لعبده المؤنن و نقمة علي الكافر. و لله عقوبتان احداهما من الروح و الأخري تسليط الناس بعض علي بعض، فما كان من قبل الروح فهو السقم و الفقر. و ما كان من تسليط فهو النقمة و ذلك قول الله عزوجل: (و كذلك نولي

بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) [48] من الذنوب. فما كان من ذنب الروح فعقوبته بذلك [ صفحه 31] السقم و الفقر. و ما كان من تسليط فهو النقمة. و كل ذلك عقوبة للمؤمن في الدنيا و عذاب له فيها. و أما الكافر فنقمة عليه في الدنيا و سوء العذاب في الآخرة و لا يكون ذلك الا بذنب و الذنب من الشهوة و هي من المؤمن خطأ و نسيان و أن يكون مستكرها و ما لا يطيق. و ما كان من الكافر فعمد و جحود و اعتداء و حسد و ذلك قول الله عزوجل: (كفارا حسدا من عند أنفسهم) [49] [50] .

في كلام له من أشد الناس حسرة يوم القيامة

قال الصادق عليه السلام: و أعظم من هذا حسرة [51] رجل جمع مالا عظيما بكد شديد و مباشرة الأهوال و تعرض الأخطار، ثم أفني ماله صدقات و ميراثا، و أفني شبابه و قوته عبادات و صلوات و هو مع ذلك لا يري لعلي ابن أبي طالب عليه السلام حقه و لا يعرف له من الاسلام محله، و تري أن من لا بعشرة و لا بعشر عشير معشاره أفضل منه يوافق علي الحجج فلا يتأملها و يحتج عليه بالآيات و الأخبار فيأبي تماديا في غيه، فذلك أعظم من كل حسرة، يأتي يوم القيامة و صدقاته ممثلة في مثال الأفاعي تنهشه، و صلاته و عبادته ممثلة له في مثل الزبانية تدفعه حتي تدعه الي جهنم دعا تقول: يا ويلي ألم أك من المصلين، ألم أك من المزكين ألم أك عن أموال الناس و نسائهم من المتعففين، فلماذا دهيت بما دهيت فيقال له: يا شقي ما ينفعك ما عملت و قد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله و

الايمان بنبوة [ صفحه 32] محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ضيعت ما لزمك من معرفة حق علي ولي الله و التزمت ما حرمه الله عليك من الائتمام بعدو الله، فلو كان لك بكل أموال الدنيا بل بملي ء الأرض ذهبا لما زادك ذلك من رحمة الله الا بعدا و من سخط الله الا قربا [52] . [ صفحه 35]

مكاتيبه و رسائله

رسالته الي جماعة شيعته و أصحابه

أما بعد فاسألوا الله ربكم العافية و عليكم بالدعة [53] و الوقار و السكينة؛ و عليكم بالحياء و التنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم؛ و عليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، اياكم و مماظتهم [54] ، دينوا فيما بينكم و بينهم اذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام فانه لابد لكم من مجالستهم و مخالطتهم و منازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم، فاذا ابتليتم بذلك فهم سيؤذونكم و تعرفون في وجوههم المنكر و لولا أن الله تعالي يدفعهم عنكم لسطوا بكم [55] ، و ما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم و مجالسهم واحدة و أرواحكم و أرواحهم مختلفة لا تأتلف لا تحبونهم أبدا و لا يحبونكم، غير أن الله تعالي أكرمكم بالحق و بصركموه و لم يجعلهم [ صفحه 36] من أهله فتجاملونهم و تصيرون عليهم و لا مجاملة لهم و لا صبر لهم علي شي ء من أموركم، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم و بينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته و هم لا خير عندهم. لا يحل لكم أن تظهروهم علي أصول دين الله، فان ان سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه و رفعوه عليكم

[56] و جاهدوا علي هلاكهم و استقبلوكم بما تكرهون، و لم يكن لكم النصف منهم في دولة الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم و بين أهل الباطل، فانه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل، لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، ألم تعرفوا وجه قول الله تعالي في كتابه اذ يقول: (أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) [57] أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل، فلا تجعلوا الله تعالي - و له المثل الأعلي - و امامكم و دينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله و أمر من أمركم بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمه. أحبوا في الله من وصف [58] صفتكم، و ابغضوا في الله من خالفكم و ابذلوا مودتكم و نصيحتكم لمن وصف صفتكم، و لا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم و عاداكم عليها و بغا لكم الغوائل [59] هذا أدبنا أدب الله فخذوا به وتفهموه و اعقلوه و لا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به و ما وافق هواكم طرحتموه و لم تأخذوا به. اياكم و التجبر [60] علي الله، [ صفحه 37] و اعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر علي الله الا تجبر علي دين الله، فاستقيموا لله و لا ترتدوا علي أعقابكم فتنقلبوا خاسرين؛ أجارنا الله و اياكم من التجبر علي الله و لا قوة لنا و لا لكم الا بالله. و قال: ان العبد اذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلقة مؤمنا لم يمت حتي يكره الله اليه الشر و

يباعده منه و من كره الله اليه الشر و باعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله و الجبرية فلانت عريكته [61] و حسن خلقه، و طلق وجهه و صار عليه وقار الاسلام و سكينته و تخشعه و ورع عن محارم الله، و اجتنب مساخطه و رزقه الله مودة الناس و مجاملتهم و ترك مقاطعة الناس و الخصومات و لم يكن منها و لا من أهلها في شي ء، و أن العبد اذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتي يحبب اليه الشر و يقربه منه، فاذا حبب اليه الشر و قربه منه ابتلي بالكبر و الجبرية فقسا قلبه وساء خلقه و غلظ وجهه و ظهر فحشه و قل حياؤه و كشف الله ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها، و ركب معاصي الله و أبغض طاعته و أهلها، فبعد ما بين حال المؤمن و حال الكافر سلوا الله العافية و اطلبوها اليه و لا حول و لا قوة الا بالله. صبروا النفس علي البلاء في الدنيا، فان تتابع البلاء فيها و الشدة في طاعة الله و ولايته و ولاية من أمر بولايته، خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا و ان طال تتابع نعيمها و زهرتها و غضارة [62] عيشها في معصية الله و ولاية من نهي الله عن ولايته و طاعته، فان الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم الله في كتابه في (و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) و هم الذين أمر الله بولايتهم و طاعتهم و الذين نهي الله عن ولايتهم و طاعتهم و هم أئمة الضلال [ صفحه 38] الذين قضي الله أن يكون لهم دول في

الدنيا علي أولياء الله الأئمة من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم يعملون في دولتهم بمعصية الله و معصية رسوله صلي الله عليه و آله و سلم ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أمر الله فيهم الذي خلقهم في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الأصل و من الذين سماهم الله في كتابه في قوله: (و جعلنا منهم أئمة يدعون الي النار) فتدبروا هذا و اعقلوه و لا تجهلوه، فان من جهل هذا و أشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر به و نهي عنه ترك دين الله و ركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله علي وجهه في النار. و قال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة ان الله تعالي أتم لكم ما أتاكم من الخير، و اعلموا أنه ليس من علم الله و لا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوي و لا رأي و لا مقاييس، قد أنزل الله القرآن و جعل فيه تبيان كل شي ء و جعل للقرآن و تعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوي و لا رأي و لا مقاييس أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه و خصهم به و وضعه عندهم و كرامة من الله تعالي أكرمهم بها، و هم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم و هم الذين من سألهم و قد سبق في علم الله أن يصدقهم و يتبع أثرهم، أرشدوه و أعطوه من علم القرآن ما يهتدي به الي الله باذنه الي جميع سبل الحق و هم الذين

لا يرغب عنهم و عن مسألتهم و عن علمهم الذي أكرمهم الله به و جعله عندهم الا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة [63] فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر و الذين آتاهم الله تعالي علم القرآن و وضعه عندهم، و أمر بسؤالهم فأولئك الذين يأخذون [ صفحه 39] بأهوائهم و آرائهم و مقاييسهم حتي دخلهم الشيطان لأنهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عند الله كافرين و جعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين و حتي جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراما و جعلوا ما حرم الله في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم و قد عهد اليهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [64] قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله تعالي رسوله بعد عهد الذي عهده الينا و أمرنا به، مخالفة لله تعالي و لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم فما أحد أجرأ علي الله و لا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك و زعم أن ذلك يسعه و الله ان لله علي خلقه أن يطيعوه و يتبعوا أمره في حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعد موته، هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم أخذ بقوله و رأيه و مقاييسه فان قال: نعم فقد كذب علي الله و ضل ضلالا بعيدا و ان قال: لا، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه و هواه

و مقاييسه فقد أقر بالحجة علي نفسه و هو ممن يزعم أن الله يطاع و يتبع أمره بعد قبض الله رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و قد قال الله تعالي - و قوله الحق -: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين) و ذلك ليعلموا أن الله تعالي يطاع و يتبع أمره في حياة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و بعد قبض الله محمد صلي الله عليه و آله و سلم و كما لم يكن لأحد من الناس مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقائيسه خلافا لأمر محمد صلي الله عليه و آله و سلم فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه. و قال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة الا مرة واحدة حين تفتتح [ صفحه 40] الصلاة فان الناس قد شهروكم بذلك و الله المستعان و لا حول و لا قوة الا بالله. و قال: أكثروا من أن تدعوا الله فان الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه و قد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة، و الله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل و النهار فان الله تعالي أمر بكثرة الذكر له و الله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين؛ و اعلموا

أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فان الله لا يدرك شي ء من الخير عنده الا بطاعته و اجتناب محارمه التي حرم الله تعالي في ظاهر القرآن و باطنه، فان الله تعالي قال في كتابه - و قوله الحق -: (و ذروا ظاهر الاثم و باطنه) و اعلموا أن ما أمر الله أن تجتنبوه فقد حرمه الله و اتبعوا آثار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سنته فخذوا بها و لا تتبعوا أهواءكم و آراءكم فتضلوا فان أضل الناس عند الله من اتبع هواه و رأيه بغير هدي من الله و أحسنوا الي أنفسكم فان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و ان أسأتم فلها! و جاملوا الناس و لا تحملوهم علي رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم و اياكم و سب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم، و قد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو، انه من سب أولياء الله فقد انتهك سب الله و من أظلم عند الله ممن استسب لله و لأوليائه فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله و لا قوة الا بالله. و قال: أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سنته و آثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من بعده و سنتهم، فانه من أخذ بذلك فقد اهتدي، و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم و ولايتهم، و قد قال أبونا رسول الله صلي الله عليه

و آله و سلم: [ صفحه 41] «المداومة علي العمل في اتباع الآثار و السنن و ان قل أرضي لله و أنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع و اتباع الأهواء» ألا ان أتباع الأهواء و أتباع البدع بغير هدي من الله ضلال و كل ضلال بدعة و كل بدعة في النار و لن ينال شي ء من الخير عندالله الا بطاعته و الصبر و الرضا لأن الصبر و الرضا من طاعة الله. و اعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتي يرضي عن الله فيما صنع الله اليه و صنع به علي ما أحب و كره، و لن يصنع الله بمن صبر و رضي عن الله الا ما هو أهله و هو خير له مما أحب و كره و عليكم بالمحافظة علي الصلوات و الصلاة الوسطي و قوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم و اياكم. و عليكم بحب المساكين المسلمين، فانه من حقرهم و تكبر عليهم فقد زل عن دين الله و الله له حاقر و ماقت، و قد قال أبونا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم». و اعلموا أنه من حقر أحدا من المسلمين ألقي الله عليه المقت منه و المحقرة حتي يمقته الناس و الله له أشد مقتا، فاتقوا الله في اخوانكم المسلمين المساكين منهم، فان لهم عليكم حقا أن تحبوهم، فان الله أمر نبيه صلي الله عليه و آله و سلم بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصي الله و رسوله و من عصي الله و رسوله و مات علي ذلك مات و

هو من الغاوين. و اياكم و العظمة و الكبر، فان الكبر رداء الله تعالي فمن نازع الله رداءه قصمه الله و أذله يوم القيامة. و اياكم أن يبغي بعضكم علي بعض فانها ليست من خصال الصالحين، فانه من بغي صير الله بغيه علي نفسه و صارت نصرة الله لمن بغي عليه و من نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله. و اياكم أن يحسد [ صفحه 42] بعضكم بعضا، فان الكفر أصله الحسد. و اياكم أن تعينوا علي مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم فان أبانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يقول: «ليس لمسلم أن يعسر مسلما و من أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل الا ظله». و اياكم أيتها العصابة المفضلة علي من سواها و حبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة فانه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر علي التعجيل له الي مضاعفة الخير في العاجل و الآجل، و انه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر علي تأخير رزقه، و من حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا الي الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته و ينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته، لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها و لا بكنه فضلها الا الله رب العالمين. و قال: اتقوا الله أيتها العصابة و ان استطعتم أن لا يكون منكم محرج للامام، و أن محرج الامام هو الذي يعسي [65] بأهل الصلاح من أتباع الامام، المسلمين لفضله الصابرين علي أداء حقه العارفين بحرمته. و اعلموا أن من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو

محرج للامام، فاذا فعل ذلك عند الامام أحرج الامام الي أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه، المسلمين لفضله الصابرين علي أداء حقه العارفين بحرمته، فاذا لعنهم لاحراج أعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم، و صارت اللعنة من الله و من الملائكة و رسوله علي أولئك. و اعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل، و قال: من سره أن يلقي الله و هو مؤمن حقا فيتول الله و رسوله و الذين آمنوا و ليبرأ الي الله من عدوهم و ليسلم لما انتهي اليه من فضلهم، لأن فضلهم لا [ صفحه 43] يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الأئمة الهداة و هم المؤمنون قال: (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا) فهذا وجه من وجوه فضل اتباع الأئمة فكيف بهم و فضلهم، و من سره أن يتم الله له ايمانه حتي يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها علي المؤمنين، فانه قد اشترط مع ولايته و ولاية رسوله و ولاية أئمة المؤمنين عليهم السلام اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و اقراض الله قرضا حسنا و اجتناب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، فلم يبق شي ء مما فسر مما حرم الله الا و قد دخل في جملة قوله، فمن دان الله فيما بينه و بين الله مخلصا لله و لم يرخص لنفسه في ترك شي ء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين و هو من المؤمنين حقا. و اياكم و الاصرار علي

شي ء مما حرم الله في ظهر القرآن و قد قال الله: (و لم يصروا علي ما فعلوا و هم يعلمون) الي هنا رواية القاسم بن الربيع [66] يعني المؤمنين قبلكم اذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشي ء، فاستغفروا و لم يعودوا الي تركه فذلك معني قول الله تعالي: (و لم يصروا علي ما فعلوا و هم يعلمون). و اعلموا أنه انما أمر و نهي ليطاع فيما أمر به ولينتهي عما نهي عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه و قد أدرك كل شي ء من الخير عنده، و من لم ينته عما نهي الله عنه فقد عصاه، فان مات علي معصيته أكبه الله علي وجهه في النار. [ صفحه 44] و اعلموا أنه ليس بين الله و بين أحد من خلقه ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا من دون ذلك من خلقه كلهم الا طاعتهم له، فجدوا في طاعة الله ان سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا و لا قوة الا بالله. و قال: عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم، فان الله ربكم و اعلموا أن الاسلام هو التسليم و التسليم هو الاسلام، فمن سلم فقد أسلم، و من لم يسلم فلا اسلام له، و من سره أن يبلغ الي نفسه في الاحسان فليطع الله فانه من أطاع الله فقد أبلغ الي نفسه في الاحسان. اياكم و معاصي الله ان تركبوها، فانه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساءة الي نفسه، و ليس بين الاحسان و الاساءة منزلة، فلأهل الاحسان عند ربهم الجنة و لأهل الاساءة عند ربهم النار. فاعملوا بطاعة الله و اجتنبوا

معاصيه، و اعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب و لا نبي مرسل، و لا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب الي الله أن يرضي عنه. و اعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله الا بطاعته و طاعة رسوله و طاعة ولاة أمره من آل محمد صلي الله عليهم، و معصيتهم من معصية الله و لم ينكر لهم فضلا عظم و لا صغر. و اعلموا أن المنكرين هم المكذبون، و أن المكذبين هم المنافقون و أن الله تعالي قال للمنافقين - و قوله الحق -: (ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم نصيرا) و لا يفرقن [67] أحد منكم، ألزم الله قلبه طاعته و خشيته من أحد من [ صفحه 45] الناس أخرجه الله من صفة الحق و لم يجعله من أهلها، فان من لم يجعله الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الانس و الجن، فان لشياطين الانس حيلا و مكرا و خدائع و وسوسة بعضهم الي بعض، يريدون ان استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله، ارادة أن يستوي أعداء الله و أهل الحق في الشك و الانكار و التكذيب فيكونون سواء كما وصف الله في كتابه من قوله سبحانه: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء). ثم نهي الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا و لا نصيرا فلا يهولنكم و لا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين

الانس و مكرهم و حيلهم و وساوس بعضهم الي بعض، فان أعداء الله ان استطاعوا صدوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله و كفوا ألسنتكم الا من خير و اياكم أن تذلقوا ألسنتكم [68] بقول الزور و البهتان و الاثم و العدوان، فانكم ان كففتم ألسنتكم عما يكره الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تذلقوا ألسنتكم به، فان ذلق اللسان فيما يكره الله و فيما ينهي عنه لدناءة عند الله و مقت من الله و صمم و عمي و بكم يورثه الله اياه يوم القيامة، فيصيروا كما قال الله: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (يعني لا ينطقون) (و لا يؤذن لهم فيعتذرون). و اياكم و ما نهاكم الله عنه ان تركبوه، و عليكم بالصمت الا فيما ينفعكم الله به في أمر آخرتكم و يؤجركم عليه. و أكثروا من التهليل و التقديس و التسبيح و الثناء علي الله و التضرع اليه و الرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره و لا يبلغ كنهه أحد، [ صفحه 46] فأشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهي الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها، و عليكم بالدعاء فان المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء و الرغبة اليه و التضرع الي الله و المسألة له، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه و أجيبوا الله الي ما دعاكم اليه لتفلحوا و تنجوا من عذاب الله. و اياكم أن تشره أنفسكم [69] الي شي ء مما حرم الله عليكم، فانه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه و بين الجنة

و نعيمها و لذتها و كرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين. و اعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله و ركوب معصيته، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها علي خلود نعيم في الجنة و لذاتها و كرامة أهلها، ويل لأولئك ما أخيب حظهم و أخسر كرتهم [70] و أسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله أن يجريكم في مثالهم أبدا و أن يبتليكم بما ابتلاهم به و لا قوة لنا و لكم الا به. فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية ان أتم الله لكم ما أعطاكم فانه لا يتم الأمر حتي يدخل عليكم مثل الذي دخل علي الصالحين قبلكم، و حتي تبتلوا في أنفسكم و أموالكم، و حتي تسمعوا من أعداء الله أذي كثيرا فتصبروا و تعركوا بجنوبكم، و حتي يستذلوكم أو يبغضوكم، و حتي يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم تلتمسون بذلك وجه الله و الدار الآخرة، و حتي تكظموا الغيظ الشديد في الأذي في الله يجترمونه اليكم و حتي [ صفحه 47] يكذبوكم بالحق، و يعادوكم فيه و يبغضوكم عليه فتصبروا علي ذلك منهم و مصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل علي نبيكم صلي الله عليه و آله و سلم سمعتم قول الله تعالي لنبيكم: (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل و لا تستعجل لهم). ثم قال: (و ان يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا علي ما كذبوا و أوذوا) فقد كذب نبي الله و الرسل من قبله و أوذوا مع التكذيب بالحق، فان سركم أن تكونوا مع نبي الله محمد صلي الله عليه و آله و سلم من

قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلي به أنبياءه و أتباعهم المؤمنين ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر علي البلاء في السراء و الضراء و الشدة و الرخاء مثل الذي أعطاهم. اياكم و مماظة أهل الباطل و عليكم بهدي الصالحين و وقارهم و سكينتهم و حلمهم و تخشعهم و ورعهم عن محارم الله و صدقهم و وفائهم و اجتهادهم لله في العمل بطاعته فانكم ان لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم، و اعلموا أن الله تعالي اذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام، فاذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق و عقد قلبه عليه، فعمل به، فاذا جمع الله له ذلك، تم اسلامه و كان عند الله ان مات علي ذلك الحال من المسلمين، و اذا لم يرد الله بعبد خيرا و كله الي نفسه، و كان صدره ضيقا حرجا، فان جري علي لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، لم يحط العمل به، فاذا اجتمع ذلك عليه حتي يموت و هو علي تلك الحال، كان عندالله من المنافقين، و صار ما جري علي لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه، و لم يعطه العمل به حجة عليه. فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للاسلام، و أن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتي يتوفاكم و أنتم علي ذلك، و أن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم و لا قوة الا بالله و الحمد لله رب العالمين. [ صفحه 48] و من سره أن يعلم أن الله عزوجل يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله تعالي لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (قل ان كنتم

تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم) و الله لا يطيع عبد أبدا الا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، لا و الله لا يتبعنا عبد أبدا الا أحبه الله و لا والله لا يدع أحد أبدا بغضنا و لا والله لا يبغضنا أحد أبدا الا عصي الله، و من مات عاصيا لله أخزاه و أكبه علي وجهه في النار. و الحمدلله رب العالمين [71] . [ صفحه 49]

جوابه لرسالة عبدالله النجاشي

عبدالله بن السليمان النوفلي قال كنت عند جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فاذا بمولي لعبد الله النجاشي قد ورد عليه و سلم و أوصل اليه كتابه ففضه وقرأه فاذا أول سطر بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله تعالي بقاء سيدي و جعلني من كل سوء فداه و لا أتي فيه مكروها، فانه ولي ذلك و القادر عليه. اعلم سيدي و مولاي اني بليت بولاية الأهواز، فان رأي سيدي أن يحد لي حدا أو يمثل لي مثالا لأستدل به علي ما يقربني الي الله عزوجل و الي رسوله، و يلخص في كتابه ما يري لي للعمل به و فيما تبدله و أبتدله، و أين أضع زكاتي و فيمن أصرفها و بمن آنس، و الي من أستريح، و بمن أثق و آمن و ألجأ اليه في سري فعسي أن يخلصني بهدايتك و دلالتك (بولايتك)، فانك حجة الله علي خلقه و أمينه في بلاده لازالت نعمته عليك كذا بخطه قال عبدالله بن سليمان فأجابه أبوعبدالله عليه السلام: [ صفحه 50] بسم الله الرحمن الرحيم خاملك [72] الله بصنعه و لطف بمنه و كلالته برعايته، فانه ولي ذلك. أما بعد فقد جاء الي رسولك بكتابك و اقرأته و

فهمت ما فيه و جميع ما ذكرته و سألت عنه، و زعمت أنك بليت بولاية الأهواز فسرني ذلك و ساءني، و سأخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرني ان شاء الله تعالي. فأما سروري بولايتك فقلت عسي أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد، و يعز بك ذليلا و يكسو بك عاريهم، و يقوي بك ضعيفهم، و يطفي ء بك نار المخالفين عنهم، و أما الذي ساءني من ذلك فان أدني ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة حظيرة القدس، فاني مخلص لك جميع ما سألت عنه ان أنت عملت به و لم تجاوزه رجوت أن تسلم ان شاء الله. أخبرني يا عبدالله أبي عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: من استشار أخوه المؤمن فلم يمحصه النصيحة سلبه الله لبه. و اعلم أني سأشير عليك برأي ان أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه. و اعلم أن خلاصك و نجاتك من حقن الدماء و كف الأذي عن أولياء الله و الرفق بالرعية، و التأني حسن المعاشرة مع لين في غير ضعف و شدة في غير أنف، و مداراة صاحبك و من يرد عليك من رسله و ارتق فتق رعيتك بأن توفقهم علي ما وافق الحق و العدل ان شاء الله و اياك و السعاة و أهل [ صفحه 51] النمائم، فلا يلتزقن منهم بك أحد منهم، و لا يراك الله يوما و ليلة و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا، فيسخط الله عليك، و يهتك سترك، و احذر مكر خوز الأهواز، فان أبي أخبرني عن

آبائه عن أميرالمؤمنين أنه قال: «ان الايمان لا يثبت في قلب يهودي و لا خوزي أبدا». فأما من تأنس به و تستريح اليه و تلجي ء أمورك اليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك علي دينك و ميز عوامك و جرب الفريقين، فان رأيت هناك رشدا فشأنك و اياه، و اياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل علي دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو ممتزح الا أعطيت مثله في ذات الله، ولتكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الأجناد و أصحاب الرسائل و أصحاب الشرط و الأخماس. و ما أردت أن تصرفه في وجوه البر و النجاح و الفطرة و الصدقة و الحج و المشرب و الكسوة التي تصلي فيها و تصل بها، و الهدية التي تهديها الي الله عزوجل و الي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم من أطيب كسبك. يا عبدالله اجهد أن لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من أهل هذه - الآية - (ان الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) و لا تستصغرن من حلو و لا من فضل طعام تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الرب تبارك و تعالي و اعلم اني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام أنه سمع النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول لأصحابه يوما: ما آمن بالله و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله! فقال: من فضل طعامكم، و من فضل تمركم و رزقكم و خلقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب. و سأنبئك

بهوان الدنيا، و هوان شرفها علي ما مضي من السلف [ صفحه 52] و التابعين فقد حدثني محمد بن علي بن الحسين قال: لما تجهز الحسين عليه السلام الي الكوفة أتاه ابن عباس فنا شده الله أن يقول هو المقتول بالطف فقال: بمصرعي منك و ما وكدي من الدنيا الا فراقها، ألا أخبرك يابن عباس بحديث أميرالمؤمنين و الدنيا فقال له: بلي لعمري اني لأحب أن تحدثني بأمرها فقال أبي: قال علي بن الحسين عليهماالسلام سمعت أباعبدالله يقول حدثني أميرالمؤمنين قال: كنت بفدك في بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة عليهاالسلام قال: فاذا أنا بامرأة فحمت علي و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها، فلما نظرت اليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها بثينة بنت عامر الجمحي، و كانت من أجمل نساء قريش، فقالت لي: يابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه المسحاة و أدلك علي خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت و لعقبك من بعدك؟ فقال لها علي عليه السلام من أنت حتي أخطبك من أهلك؟ فقالت أنا الدنيا، قال لها فارجعي و اطلبي زوجا غيري، و أقبلت علي مسحاتي و أنشأت أقول: لقد خاب من غرته دنيا دنية و ما هي ان غرت قرونا بطائل أتتنا علي زي العزيز بثنية و زينتها في مثل تلك الشمائل فقلت لها: غري سواي فانني عزوف عن الدنيا و لست بجاهل و ما أنا و الدنيا فان محمدا أحل صريعا بين تلك الجنادل وهبها أتتني بالكنوز وردها و أموال قارون و ملك القبائل [ صفحه 53] أليس جميعا للفناء مصيرها و يطلب من خزانها بالطوائل فغري سواي انني غير راغب بما فيك من ملك

عز و نائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل فاني أخاف الله يوم لقائه و أخشي عذابا دائما غير زائل فخرج من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد حتي لقي الله محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا بشي ء من بوائقها عليهم السلام أجمعين و أحسن مثواهم. و قد وجهت اليك بمكارم الدنيا و الآخرة عن الصادق المصدق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فان أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا كمثل أوزان الجبال و أمواج البحار رجوت الله أن يتجافي عنك جل و عز بقدرته. يا عبدالله اياك أن تخيف مؤمنا، فان محمد بن علي حدثني عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه كان يقول: من نظر الي مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظل الا ظله، و حشره في صورة الذر لحمه و جسده و جميع أعضائه حتي يورده مورده، و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل الا ظله: و آمنه يوم الفزع الأكبر، و آمنه من سوء المنقلب، و من قضي لأخيه المؤمن حاجة قضي الله له حوائج كثيرة من احداها الجنة، و من كسا أخاه المؤمن من عري كساه الله من سندس الجنة و استبرقها [ صفحه 54] و حريرها، و لم يزل يخوض في رضوان الله مادام علي المكسو منه سلك، و من أطعم أخاه من جوع

أطعمه الله من طيبات الجنة، و من سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ريه، و من أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين، و أسكنه مع أوليائه الطاهرين، و من حمل أخاه المؤمن من رجلة (حملة) حمله الله علي ناقة من نوق الجنة، و باهي به الملائكة المقربين يوم القيامة، و من زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها، و تشد عضده، و يستريح اليها زوجه الله من الحور العين، و آنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه، و اخوانه و آنسهم به، و من أعان أخاه المؤمن علي سلطان جائر أعانه الله علي اجازة الصراط عند زلة الأقدام، و من زار أخاه الي منزله لا لحاجة اليه كتب من زوار الله و كان حقيقا علي الله أن يكرم زائره. يا عبدالله و حدثني أبي عن أبائه عن علي عليه السلام أنه سمع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول لأصحابه يوما: معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه، فلا تتبعوا عثرات المؤمنين، فانه من تتبع عثرة مؤمن أتبع الله عثراته يوم القيامة و فضحه في جوف بيته. و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته، و لا ينتصف من عدوه، و علي أن لا يشفي غيظه الا بفضيحة نفسه، لأن كل مؤمن ملجم، و ذلك لغاية قصيرة، و راحة طويلة و أخذ الله ميثاق المؤمن علي أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته ببغيه و بحسده، و الشيطان يغويه و يضله، و السطان يقفو أثره، و يتبع عثراته، و كافر بالله الذي هو

مؤمن به يري سفك دمه دينا، و اباحة حريمه غنما، فما بقاء المؤمن بعد هذا يا عبدالله!!. و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: نزل [ صفحه 55] جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرأ عليك السلام و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي، سميته مؤمنا، فالمؤمن مني و أنا منه، من استهان مؤمنا فقد استقبلني بالمحاربة. يا عبدالله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال يوما: يا علي لا تناظر رجلا حتي تنظر في سريرته، فان كانت سريرته حسنة، فان الله عزوجل لم يكن ليخذل وليه، فان تكن سريرته ردية فقد يكفيه مساوئه، فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما عمل من معاصي الله عزوجل ما قدرت عليه. يا عبدالله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: أدني الكفر يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها، أولئك لا خلاق لهم. يا عبدالله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: من قال في مؤمن ما رأت عينه، و سمعت أذناه ما يشينه و يهدم مروءته فهو من الذين قال الله عزوجل: (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم). يا عبدالله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: من روي عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروءته و ثلبه أوبقه الله بخطيئته حتي يأتي بمخرچ مما قال، و لن يأتي بالمخرج منه أبدا، و من أدخل علي

أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل علي أهل البيت سرورا، و من أدخل علي أهل البيت سرورا فقد أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سرورا و من أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقد سر الله، و من سر الله فحقيق علي الله عزوجل أن يدخله جنته. [ صفحه 56] ثم أوصيك بتقوي الله و ايثار طاعته، و الاعتصام بحبله، فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدي الي صراط مستقيم، فاتق الله و لا تؤثر أحدا علي رضاه و هواه، فانه وصية الله عزوجل الي خلقه، لا يقبل منهم غيرها، و لا يعظهم سواها. و اعلم أن الخلائق لم يوكلوا بشي ء أعظم من التقوي، فانه وصيتنا أهل البيت فان استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل. قال عبدالله بن سليمان: فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الي النجاشي نظر فيه و قال: صدق الله الذي لا اله الا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب الا نجا، فلم يزل عبدالله يعمل به أيام حياته [73] . [ صفحه 57]

جواب الامام الصادق علي كتاب المفضل بن عمر

عن صباح المدائني عن المفضل أنه كتب الي أبي عبدالله عليه السلام فجاءه هذا الجواب من أبي عبدالله عليه السلام: أما بعد فاني أوصيك و نفسي بتقوي الله و طاعته فان من التقوي الطاعة و الورع و التواضع لله و الطمأنينة و الاجتهاد و الأخذ بأمره و النصيحة لرسله و المسارعة في مرضاته و اجتناب ما نهي عنه فانه من يتق فقد أحرز نفسه من النار باذن الله و أصاب الخير كله في الدنيا و الآخرة و من أمر بالتقوي فقد أفلح الموعظة جعلنا الله

من المتقين برحمته جاءني كتابك فقرأته و فهمت الذي فيه فحمدت الله علي سلامتك و عافية الله اياك ألبسنا الله و اياك عافيته في الدنيا و الآخرة كتبت تذكر أن قوما أنا أعرفهم كان أعجبك نحوهم و شأنهم و أنك أبلغت فيهم أمورا يروي عنهم كرهتها لهم و لم تريهم الا طريقا حسنا ورعا و تخشعا و بلغت أنهم يزعمون أن الدين أنما هو معرفة الرجال ثم بعد ذلك اذا عرفتهم فاعمل ما شئت و ذكرت انك قد عرفت أن أصل الدين معرفة الرجال فوفقك الله و ذكرت أنه بلغك أنهم [ صفحه 58] يزعمون أن الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الشهر الحرام هو رجل و أن الطهر و الاغتسال من الجنابة هو رجل و كل فريضة افترضها الله علي عباده هي رجل و أنهم ذكروا ذلك بزعمهم أن من عرف ذلك الرجل فقد اكتفي بعمله به من غير عمل و قد صلي و أتي الزكاة و صام و حج و اعتمر و اغتسل من الجنابة و تطهر و عظم حرمات الله و الشهر الحرام و المسجد الحرام و أنهم ذكروا من عرف هذا بعينه و تجده و ثبت في قلبه جاز له أن يتهاون فليس له أن يجتهد في العمل و زعموا أنهم اذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها و ان هم لم يعملوا بها و أنه بلغك أنهم يزعمون أن الفواحش التي نهي الله عنها الخمر و الميسر و الربا و الدم و الميتة و الحم الخنزير هو رجل و ذكروا أن ما

حرم الله من نكاح الأمهات و البنات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت و ما حرم علي المؤمنين من النساء فما حرم الله انما عني بذلك نكاح نساء النبي و ما سوي ذلك مباح كله و ذكرت أنه بلغك أنهم يترادفون المرأة الواحدة و يشهدون بعضهم لبعض بالزور و يزعمون أن لهذا ظهرا و بطنا يعرفونه فالظاهر يتناسمون عنه يأخذون به مدافعة عنهم و الباطن هو الذي يطلبون و به أمروا و بزعمهم كتبت تذكر الذي زعم عظيم من ذلك عليك حين بلغك و كتبت تسألني عن قولهم في ذلك أحلال أم حرام و كتبت تسألني عن تفسير ذلك و أنا أبينه حتي لا تكون من ذلك في عمي و لا شبهة و قد كتبت اليك في كتابي هذا تفسير ما سألت عنه فاحفظه كله كما قال الله في كتابه (و تعيها أذن واعية) و أصفه لك بحلاله و أنفي عنك حرامه ان شاء الله كما وصفت و معرفكه حتي تعرفه ان شاء الله فلا تنكره ان شاء الله و لا قوة الا بالله و القوة لله جميعا أخبرك أنه من كان يدين بهذه الصفة التي كتبت تسألني عنها فهو [ صفحه 59] عندي مشرك بالله تبارك و تعالي بين الشرك لا شك فيه و أخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله و لم يعطوا فهم ذلك و لم يعرفوا حد ما سمعوا فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم و منتهي عقولهم و لم يضعوها علي حدود ما أمروا كذبا و افتراء علي الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و جرأة

علي المعاصي فكفي بهذا لهم جهلا و لو أنهم وضعوها علي حدودها التي حدت لهم و قبلوها لم يكن به بأس ولكنهم حرفوها و تعدوا و كذبوا و تهاونوا بأمر الله و طاعته ولكني أخبرك أن الله حدها بحدودها لأن لا يتعدي حدوده أحد ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهلهم ما لم يصرفوا حد ما حد لهم و لكان المقصر و المتعدي حدود الله معذورا ولكن جعلها حدودا محدودة لا يتعداها الا مشرك كافر ثم قال (تلك حدود الله فلا تعتدوها و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) [74] فأخبرك حقائق أن الله تبارك و تعالي اختار الاسلام لنفسه دينا و رضي من خلقه فلم يقبل من أحد الا به و به بعث أنبياؤه و رسله ثم قال: (و بالحق أنزلناه و بالحق نزل) [75] فعليه و به بعث أنبياؤه و رسله و نبيه محمدا صلي الله عليه و آله و سلم فاختل الذين لم يعرفوا معرفة الرسل و ولايتهم و طاعتهم هو الحلال المحلل ما أحلوا و المحرم ما حرموا و هم أصله و منهم الفروع الحلال و ذلك سعيهم و من فروعهم أمرهم الحلال و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حج البيت و العمرة و تعظيم حرمات الله و شعائره و مشاعره و تعظيم البيت الحرام و المسجد الحرام و الشهر الحرام و الطهور و الاغتسال من الجنابة و مكارم الأخلاق و محاسنها و جميع البرة ثم ذكر بعد ذلك فقال في كتابه (ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي [ صفحه 60] القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم

لعلكم تذكرون) [76] فعددهم المحرم و أولياؤهم الدخول في أمرهم الي يوم القيامة فيهم الفواحش و ما ظهر منها و ما بطن و الخمر و الميسر و الربا و الدم و لحم الخنزير فهم الحرام المحرم و أصل كل حرام و هر الشر و أصل كل شر و منهم فروع الشر كله و من ذلك الفروع الحرام و استحلالهم اياها و من فروعهم تكذيب الأنبياء و جحود الأوصياء و ركوب الفواحش الزنا و السرقة و شرب الخمر و المنكر و أكل مال اليتيم و أكل الربا و الخدعة و الخيانة و ركوب الحرام كلها و انتهاك المعاصي و انما أمر الله بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي يعني مودة ذي القربي و ابتغاء طاعتهم و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي و هم أعداء الأنبياء و أوصياء الأنبياء و هم البغي من مودتهم فطاعتهم يعظكم بهذه لعلكم تذكرون و أخبرك اني لو قلت لك ان الفاحشة و الخمر و الميسر و الزنا و الميتة و الدم و لحم الخنزير هو رجل و أنت أعلم أن الله قد حرم هذا الأصل و حرم فرعه و نهي عنه و جعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا و شركا و من دعا الي عبادة نفسه فهو كفرعون اذ قال أنا ربكم الأعلي فهذا كله علي وجه ان شئت قلت هو رجل و هو الي جهنم و من شايعه علي ذلك فافهم مثل قول الله (انما حرم عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير) و لصدقت ثم لو اني قلت انه فلان ذلك كله لصدقت ان فلانا هو المعبود المتعدي حدود الله التي نهي عنها أن

يتعدي ثم اني أخبرك أن الدين و أصل الدين هو رجل و ذلك الرجل هو اليقين و هو الايمان و هو أمام أمته و أهل زمانه فمن عرفه عرف الله و من أنكره أنكر الله و دينه و من جهله جهل الله و دينه و حدوده و شرائعه بغير ذلك الامام كذلك جري بأن معرفة الرجال [ صفحه 61] دين الله و المعرفة علي وجهه معرفة ثابتة علي بصيرة يعرف بها دين الله و يوصل بها الي معرفة الله فهذه المعرفة الباطنة الثابتة بعينها الموجبة حقها المستوجب أهلها عليها الشكر لله التي من عليهم بها من من الله يمن به علي من يشاء مع معرفة الظاهرة و معرفة في الظاهرة فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحق علي غير علم لا يلحق بأهل المعرفة في الباطن علي بصيرتهم و لا يضلوا بتلك المعرفة المقصرة الي حق معرفة الله كما قال في كتابه (و لا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الا من شهد بالحق و هم يعلمون) [77] فمن شهد شهادة الحق لا يقعد عليه قلبه علي بصيرة فيه كذلك من تكلم لا يقعد عليه قلبه لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه و ثبت علي بصيرة فقد عرفت كيف كان حال رجال أهل المعرفة في الظاهر و الاقرار بالحق علي غير علم في قديم الدهر و حديثه الي أن انتهي الأمر الي نبي الله و بعده الي من صار و الي من انتهت اليه معرفتهم و انما عرفوا بمعرفة أعمالهم و دينهم الذي دان الله به المحسن باحسانه و المسي ء باساءته و قد يقال أنه من دخل في هذا الأمر بغير يقين

و لا بصيرة خرج منه كما دخل فيه رزقنا الله و اياك معرفة ثابتة علي بصيرة و أخبرك أني لو قلت ان الصلاة و الزكاة و صوم شهر رمضان و الحج و العمرة و المسجد الحرام و البيت الحرام و المشعر الحرام و الطهور و الاغتسال من الجنابة و كل فريضة كان ذلك هو النبي الذي جاء به عند ربه لصدقت أن ذلك كله انما يعرف بالنبي و لو معرفة ذلك النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الايمان به و التسليم له ما عرف ذلك فذلك من من الله علي من يمن عليه و لولا ذلك لم يعرف شيئا من هذا فهذا كله ذلك النبي واصله و هو فرعه و هو دعاني اليه و دلني عليه و عرفنيه [ صفحه 62] و أمرني به و أوجب علي له الطاعة فيما أمرني به لا يسعني جهله و كيف يسعني جهله و من هو فيما بيني و بين الله و كيف تستقيم لي لولا أني أصف أن ديني هو الذي أتاني به ذلك النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن أصف أن الدين غيره و كيف لا يكون ذلك معرفة الرجل و انما هو الذي جاء به عن الله و انما أنكر الذي من أنكره بأن قالوا (أبعث الله بشرا رسولا) [78] ثم قالوا (أبشر يهدوننا) [79] فكفروا بذلك الرجل و كذبوا به (و قالوا لولا أنزل عليك ملك) فقال (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسي نورا و هدي للناس) [80] ثم قال في آية أخري (ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون - و لو جعلناه ملكا لجعلناه

رجلا) [81] تبارك الله تعالي انما أحب أن يعرف بالرجال و أن يطاع بطاعتهم فجعلهم سبيله و وجهه الذي يؤتي منه لا يقبل الله من العباد غير ذلك (لا يسأل عما يفعل و هم يسألون) فقال فيمن أوجب من محبته لذلك (و من يطع الرسول فقد أطاع الله و من تولي فما أرسلناك عليهم حفيظا) [82] فمن قال لك ان هذه الفريضة كلها انما هي رجل و هو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق و من قال علي الصفة التي ذكرت بغير الطاعة لا يعني التمسك في الأصل بترك الفروع لا يعني بشهادة أن لا اله الا الله و بترك شهادة أن محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لم يبعث الله نبيا قط الا بالبر و العدل و المكارم و محاسن الأعمال و النهي عن الفواحش ما ظهر منها و ما بطن فالباطن منه ولاية أهل الباطن و الظاهر منه فروعهم و لم يبعث الله نبيا [ صفحه 63] قط يدعو الي معرفة ليس معها طاعة في أمر و نهي فانما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله علي حدودها مع معرفة من جاءهم من عنده و دعاهم اليه فأول من ذلك معرفة من دعا اليه ثم طاعته فيما يقربه بمن لا طاعة له و أنه من عرف أطاع حرم الحرام ظاهره و باطنه و لا يكون تحريم الباطن و استحلال الظاهر انما حرم الظاهر بالباطن و الباطن بالظاهر معا جميعا و لا يكون الأصل و الفروع و باطن الحرام حرام و ظاهره حلال و لا يحرم الباطن و يستحيل الظاهر و كذلك لا يستقيم الا يعرف

صلاة الباطن و لا يعرف صلاة الظاهر و لا الزكاة و لا الصوم و لا الحج و لا العمرة و المسجد الحرام و جميع حرمات الله و شعائره و ان ترك معرفة الباطن لأن باطنه ظهره و لا يستقيم ان ترك واحدة منها اذا كان الباطن حراما خبيثا فالظاهر منه انما يشبه الباطن بالظاهر فمن زعم أن ذلك انما هي المعرفة أنه اذا عرف اكتفي بغير طاعة فقد كذب و أشرك ذاك لم يعرف و لم يطع و انما قيل أعرف و اعمل ما شئت من الخير فانه لا يقبل ذلك منك بغير معرفة، فاذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة قل أو كثر، فانه مقبول منك، أخبرك أن من عرف أطاع اذا عرف و صلي و صام و اعتمر و عظم حرمات الله كلها و لم يدع منها شيئا و عمل بالبر كله و مكارم الأخلاق كلها و يجتنب سيئها و كل ذلك هو النبي صلي الله عليه و آله و سلم و النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصله و هو أصل هذا كله لأنه جاء و دل عليه و أمر به، و لا يقبل من أحد شيئا منه الا به، و من عرف اجتنب الكبائر و حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و حرم المحارم كلها، لأن بمعرفة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بطاعته دخل فيما دخل فيه النبي صلي الله عليه و آله و سلم و خرج مما خرج منه النبي صلي الله عليه و آله و سلم من زعم أنه يملك الحلال و يحرم الحرام بغير معرفة النبي صلي الله عليه

و آله و سلم لم يحلل الله حلالا و لم يحرم له حراما، و أنه من صلي و زكي و حج و اعتمر فعل ذلك كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته لم [ صفحه 64] يقبل منه شيئا من ذلك، و لم يصل و لم يصم و لم يزك و لم يحج و لم يعتمر و لم يغتسل و من الجنابة و لم يتطهر و لم يحرم الله حراما و لم يحلل الله حلالا ليس له صلاة و ان ركع و سجد، و لا له زكاة و ان أخرج لكل أربعين درهما، و من عرفه واحد عنه أطاع الله، و أما ما ذكرت أنهم يستحلون نكاح ذوات الأرحام التي حرم الله في كتابه فانهم زعموا أنه انما حرم علينا بذلك نكاح نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فان أحق ما بدأ منه تعظيم حق الله و كرامة رسوله و تعظيم شأنه و ما حرم الله علي تابعيه نكاح نسائه من بعده قوله تعالي (و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما) [83] و قال الله تبارك و تعالي (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم) [84] و هو أب لهم، ثم قال (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف انه كان فاحشة و مقتا وساء سبيلا) [85] فمن حرم نساء النبي لتحريم الله ذلك فقد حرم الله في كتابه العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت، و ما حرم الله من ارضاعه لأن تحريم ذلك تحريم نساء النبي

صلي الله عليه و آله و سلم فمن حرم ما حرم الله من الأمهات و البنات و الأخوات و العمات من نكاح نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم و من استحل ما حرم الله فقد أشرك اذا اتخذ ذلك دينا. و أما ما ذكرت أن الشيعة يترادفون المرأة الواحدة فأعوذ بالله أن يكون ذلك من دين الله و رسوله انما دينه أن يحل ما أحل الله و يحرم ما حرم الله سواء أن ما أحل الله من النساء في كتاب المتعة في الحج أجلهما ثم لم يحرمهما فاذا أراد الرجل المسلم أن يتمتع من المرأة فعلي كتاب الله و سنته [ صفحه 65] نكاح غير سفاح تراضيا علي ما أحبا من الأجرة و الأجل كما قال الله (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) [86] ان هما أحبا أن يمدا في الأجل علي ذلك الأجر فآخر يوم من أجلها قبل أن ينقضي الأجل قبل غروب الشمس مدا فيه و زادا في الأجل ما أحبا فان مضي آخر يوم منه لم يصلح الا ما أمر مستقبل و ليس بينهما عدة من سواه فانه اتحادت سواه اعتدت خمسة و أربعين يوما و ليس بينهما ميراث ثم ان شاءت تمتعت من آخر فهذا حلال لهما الي يوم القيامة ان هي شاءت من سبعة و ان هي شاءت من عشرين ان ما بقيت في الدنيا كل هذا خلال لهما علي حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و اذا أردت المتعة في الحج فأحرم من العقيق و اجعلها متعة فمتي ما قدمت طفت بالبيت

و استلمت الحجر الأسود و فتحت به و ختمت سبعة أشواط ثم تصلي ركعتين عند مقام ابراهيم ثم أخرج من البيت فاسع بين الصفا و المروة سبعة أشواط تفتح بالصفا و تختم بالمروة فاذا فعلت ذلك فصبرت حتي اذا كان يوم التروية صنعت ما صنعت بالعقيق ثم أحرم بين الركن و المقام بالحج فلم تزل محرما حتي تقف بالموقف ثم ترمي الجمرات و تذبح و تحل و تغتسل ثم تزور البيت فاذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت و هو قول الله (فمن تمتع بالعمرة الي الحج فما استيسر من الهدي) [87] أن تذبح و أما ما ذكرت أنهم يستحلون الشهادات بعضهم لبعض علي غيرهم فان ذلك ليس هو الا قول الله (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان [ صفحه 66] أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) [88] اذا كان مسافرا و حضره الموت اثنان ذوا عدل من دينه فان لم يجدوا فآخران ممن يقرأ القرآن من غير أهل ولايته (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا - قليلا ولو كان به ثمنا قليلا - و لو كان ذا قربي و لا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين - فان عثر علي أنهما استحقا اثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان - من أهل ولايته - فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما و ما اعتدينا انا اذا لمن الظالمين - ذلك أدني أن يأتوا بالشهادة علي وجهها أو يخافوا أن ترد ايمانا بعد ايمانهم و اتقوا الله واسمعوا) و كان رسول الله

صلي الله عليه و آله و سلم يقضي بشهادة رجل واحد مع يمين المدعي و لا يبطل حق مسلم و لا يرد شهادة مؤمن فاذا أخذ يمين المدعي و شهادة الرجل قضي له بحقه و ليس يعمل بهذا فاذا كان لرجل مسلم قبل آخر حق يجحده و لم يكن شاهد غير واحد فانه اذا رفعه الي ولاية الجور أبطلوا حقه و لم يقضوا فيها بقضاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان الحق في الجور أن لا يبطل حق رجل فيستخرج الله علي يديه حق رجل مسلم و يأجره الله و يجي ء عدلا كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يعمل به و أما ما ذكرت في آخر كتابك أنهم يزعمون أن الله رب العالمين هو النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أنك شبهت قولهم بقول الذين قالوا في علي ما قالوا فقد عرفت أن السنن و الأمثال كائنة لم يكن شي ء فيما مضي الا سيكون مثله حتي لو كانت شاة بشاة و كان هيهنا مثله و اعلم أنه سيضل قوم بضلالة من كان قبلهم كتبت فتسألني عن مثل ذلك ما هو و ما أرادوا به أخبرك أن الله تبارك و تعالي هو خلق الخلق لا شريك له له الخلق و الأمر و الدنيا و الآخرة و هو رب كل شي ء و خالقه خلق [ صفحه 67] الخلق و أحب أن يعرفوه بأنبيائه و احتج عليهم بهم فالنبي صلي الله عليه و آله و سلم هو الدليل علي الله عبد مخلوق مربوب اصطفاه نفسه رسالته و أكرمه بها فجعل خليفته في خلقه و لسانه فيهم و

أمينه عليهم و خازنه في السموات و الأرضين قوله قول الله لا يقول علي الله الا الحق من أطاعه أطاع الله و من عصاه عصي الله و هو مولي من كان الله ربه و وليه من أبي أن يقر له بالطاعة فقد أبي أن يقر لربه بالطاعة و العبودية و من أقر بطاعته أطاع الله و هداه بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم مولي الخلق جميعا عرفوا ذلك و أنكروه و هو الوالد المبرور فيمن أحبه و أطاعه و هو الوالد البار و مجانب الكبائر قد كتبت لك ما سألتني عنه و قد علمت أن قوما سمعوا صنعتنا هذه فلم يقولوا بها بل حرفوها و وضعوها علي غير حدودها علي نحوها قد بلغك و احذر من الله و رسوله و من يتعصبون بنا أعمالهم الخبيثة و قد رمانا الناس بها و الله يحكم بيننا و بينهم فانه يقول (الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم) [89] (يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله أعمالهم السيئة و يعلمون أن الله هو الحق المبين) [90] و أما ما كتبت و نحوه و تخوفت أن يكون صفتهم من صفته فقد أكرمه الله تعالي عزوجل عما يقولون علوا كبيرا صفتي هذه صفة صاحبنا التي وصفنا له و عندنا أخذنا فجزاه الله عنا أفضل الحق فان جزاءه علي الله فتفهم كتابي هذا و اتقوه لله [91] . [ صفحه 71]

احتجاجاته و مناظراته

احتجاج أبي عبدالله الصادق في انواع شتي من العلوم الدينية علي اصناف كثيرة من اهل الملل و الديانات

اشارة

روي عن هشام بن الحكم [92] أنه قال: من سؤال الزنديق الذي أتي أباعبدالله عليه السلام أن قال: ما الدليل علي صانع العالم؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام:

وجود الأفاعيل التي دلت علي أن صانعها صنعها ألا تري أنك اذا نظرت الي بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا و ان كنت لم تر الباني و لم تشاهده. قال: فما هو؟. قال: هو شي ء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي شي ء الي اثباته، و أنه شي ء بحقيقته الشيئية، غير أنه لا جسم، و لا صورة، و لا يحس، و لا [ صفحه 72] يجس، و لا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، و لا تنقصه الدهور، و لا يغيره الزمان. قال السائل: فانا لم نجد موهوما الا مخلوقا. قال أبوعبدالله عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول، لكان التوحيد منا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم، لكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها، تحده الحواس ممثلا، فهو مخلوق، و لابد من اثبات كون صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين: احداهما النفي اذا كان النفي هو الابطال و العدم، و الجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف فلم يكن بد من اثبات الصانع لوجود المصنوعين، و الاضطرار منهم اليه، انهم مصنوعون، و أن صانعهم غير هم، و ليس مثلهم، ان كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف و فيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا و تنقلهم من صغر الي كبر، و سواد الي بياض، وقوة الي ضعف، و أحوال موجودة لا حاجة بنا الي تفسيرها لثباتها و وجودها. قال السائل: فأنت قد حددته اذا ثبت وجوده! قال أبوعبدالله عليه السلام لم أحدده، ولكني أثبته، اذ لم يكن بين الاثبات و النفي منزلة. قال السائل: فقوله: (الرحمن علي العرش استوي)؟ قال أبوعبدالله عليه السلام بذلك وصف نفسه، و كذلك هو مستول

علي العرش بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش محلا له، لكنا نقول: هو حامل و ممسك للعرش، و نقول في ذلك ما قال: (وسع كرسيه السماوات و الأرض) فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته، و نفينا أن يكون العرش و الكرسي حاويا له، و أن يكون عزوجل محتاجا الي مكان أو الي شي ء مما خلق، بل خلقه [ صفحه 73] محتاجون اليه. قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم الي السماء، و بين أن تخفضوها نحو الأرض؟. قال أبوعبدالله عليه السلام: في علمه و احاطته و قدرته سواء، ولكنه عزوجل أمر أوليائه و عباده برفع أيديهم الي السماء، نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول، حين قال: «ارفعوا أيديكم الي الله عزوجل» و هذا تجمع عليه فرق الأمة كلها، و من سؤاله أن قال: ألا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟ قال أبوعبدالله: لا يخلو قولك أنهما اثنان من أن يكونا: قديمين قويين أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا، و الآخر ضعيفا، فان كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه، و يتفرد بالربوبية و ان زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف، ثبت أنه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني، و ان قلت انهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة، أو متفرقين من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظما، و الفلك جاريا، و اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر، دل ذلك علي صحة الأمر و التدبير، و ائتلاف الأمر، و أن المدبر واحد. و عن هشام بن الحكم قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن

أسماء الله عز ذكره و اشتقاقها، فقلت: الله مما هو مشتق؟ قال: يا هشام الله مشتق من آله، و اله يقتضي مألوها، و الاسم غير المسمي، فمن عبد الاسم دون المعني فقد كفر و لم يعبد شيئا، و من عبدالاسم و المعني فقد كفر و عبد الاثنين، و من عبد المعني دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟ قال: فقلت زدني! فقال: ان لله تسعة و تسعين اسما، فلو كان الاسم هو المسمي لكان كل اسم منها الها، و لكن الله معني يدل عليه، فهذه الأسماء كلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول، و الماء اسم للمشروب، و الثوب [ صفحه 74] اسم للملبوس، و النار اسم للمحروق، أفهمت يا هشام فهما تدفع به و تناضل به أعدائنا، و المتخذين مع الله غيره؟ قلت: نعم، قال: فقال: نفعك الله به، وثبتك. قال هشام: فو الله ما قهرني أحد في علم التوحيد حتي قمت مقامي هذا. و عن هشام بن الحكم قال: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبدالله عليه السلام، فخرج الي المدينة ليناظره، فلم يصادفه بها، و قيل: هو بمكة، فخرج الي مكة و نحن مع أبي عبدالله عليه السلام فانتهي اليه - و هو في الطواف - فدنا منه و سلم. فقال له أبوعبدالله ما اسمك؟ قال: عبدالملك، قال: فما كنيتك؟ قال: أبوعبدالله. قال أبوعبدالله عليه السلام: فمن ذا الملك الذي أنت عبده، أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء؟ و أخبرني عن ابنك أعبد اله السماء، أم عبد اله الأرض؟ فسكت. فقال أبوعبدالله: قل! فسكت. فقال: اذا فرغت من الطواف فأتنا، فلما فرغ أبوعبدالله عليه السلام ذ من الطواف أتاه الزنديق، فقعد بين يديه و نحن مجتمعون عنده.

فقال أبوعبدالله عليه السلام ذ: أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟ فقال: نعم. قال: فدخلت تحتها؟ قال: لا. قال: فهل تدري ما تحتها؟ قال: لا أدري الا اني أظن أن ليس تحتها شي ء. فقال أبوعبدالله: فالظن عجز ما لم تستيقن. ثم قال له: صعدت الي السماء؟ قال: لا، قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا. قال: فأتيت المشرق و المغرب فنظرت ما خلفهما؟ قال: لا. [ صفحه 75] قال: فالعجب لك، لم تبلغ المشرق، و لم تبلغ المغرب، و لم تنزل تحت الأرض، و لم تصعد الي السماء، و لم تخبر ما هناك فتعرف ما خلفهن، و أنت جاحد بما فيهن، و هل يجحد العاقل ما لا يعرف؟!. فقال الزنديق: ما كلمني بها غيرك. قال أبوعبدالله عليه السلام: فأنت من ذلك في شك، فلعل هو و لعل ليس هو. قال: و لعل ذلك. فقال أبوعبدالله عليه السلام: أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة علي من يعلم و لا حجة للجاهل علي العالم، يا أخا أهل مصر، تفهم عين، أما تري الشمس و القمر و الليل و النهار يلجان و لا يستبقان، يذهبان و يرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان الا مكانهما، فان كانا يقدران علي أن يذهبا فلم يرجعان، و ان كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا و النهار ليلا؟ اضطرا و الله يا أخا أهل مصر ان الذي تذهبون اليه و تظنون من الدهر، فان كان هو يذهبهم فلم يردهم؟ و ان كان يردهم فلم يذهب بهم؟ أما تري السماء مرفوعة، و الأرض موضوعة، لا تسقط السماء علي الأرض، و لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها، أمسكها و الله خالقها و مدبرها. قال: فآمن الزنديق علي

يدي أبي عبدالله، فقال: هشام خذه اليك و علمه [93] . و عن عيسي بن يونس [94] قال: كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري، فانحرف عن التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك و دخلت فيما لا أصل له و لا حقيقة؟. [ صفحه 76] قال: ان صاحبي كان مخلطا، يقول طورا بالقدر، و طورا بالجبر فما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، فقد مكة متمردا، و انكارا علي من يحجه، و كان تكره العلماء و مجالسته لخبث لسانه، و فساد ضميره، فأتي أباعبدالله عليه السلام فجلس اليه في جماعة من نظرائه، فقال: يا أباعبدالله! ان المجالس بالأمانات، و لابد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن لي في الكلام؟ فقال: تكلم. فقال: الي كم تدوسون هذا البيدر، و تلوذون بهذا الحجر، و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب و المدر و تهرولون حوله كهرولة البعير اذا نفر، ان من فكر في هذا و قدر، علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم و لا ذي نظر، فقل فانك رأس هذا الأمر و سنامه، و أبوك أسسه و نظامه! فقال أبوعبدالله: ان من أضله الله و أعمي قلبه، استوخم الحق و لم يستعذبه و صار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة، ثم لا يصدره، و هذا بيت استعبد الله به عباده، ليختبر طاعتهم في اتيانه، فحثهم علي تعظيمه و زيارته، جعله محل أنبيائه، و قبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، و طريق يؤدي الي غفرانه، منصوب علي استواء الكمال، و مجتمع العظمة و الجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق من أطيع فيما أمر و انتهي عما نهي عنه و زجر، الله المنشي ء للأرواح و الصور. فقال ابن

أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت علي الغائب. فقال أبوعبدالله: ويلك! كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد، و اليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم و يري أشخاصهم، و يعلم أسرارهم؟!. فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان، أليس اذا كان في السماء كيف يكون في الأرض و اذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟. [ صفحه 77] فقال أبوعبدالله عليه السلام: انما وصفت المخلوق الذي اذا انتقل من مكان اشتغل به مكان، و خلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار اليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن، الملك الديان، فلا يخلو منه مكان و لا ينشغل به مكان، و لا يكون الي مكان أقرب منه الي مكان. و روي أن الصادق عليه السلام قال لابن أبي العوجاء: ان يكن الأمر كما تقول - و ليس كما تقول - نجونا و نجوت و ان يكن الأمر كما نقول - و هو كما نقول - نجونا و هلكت. و روي أيضا: أن ابن أبي العوجاء سأل الصادق عليه السلام عن حدث العالم فقال: ما وجدت صغيرا و لا كبيرا الا اذا ضم اليه مثله صار أكبر، و في ذلك زوال و انتقال عن الحالة الأولي، و لو كان قديما مازال و لا حال، لأن الذي يزول و يحول يجوز أن يوجد و يبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، و في كونه في الأزل دخول في القدم، و لن يجتمع صفة الحدوث و القدم في شي ء واحد. قال ابن أبي العوجاء: هبك علمك في جري الحالتين و الزمانين علي ما ذكرت استدللت علي حدوثها، فلو بقيت الأشياء علي صغرها من أين كان لك

أن تستدل علي حدوثها؟. فقال عليه السلام: انا نتكلم علي هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه و وضعنا عالما آخر كان لا شي ء أدل علي الحدث و من رفعنا اياه و وضعنا غيره، لكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا، فنقول: ان الأشياء لو دامت علي صغرها لكان في الوهم أنه متي ضم شي ء منه الي شي ء منه كان أكبر، و في جواز التغير عليه خروجه من القدم كما أن في تغيره دخوله في الحدث. [ صفحه 78] و ليس لك وراءه شي ء يا عبدالكريم [95] . و عن يونس بن ظبيان [96] قال: دخل رجل علي أبي عبدالله عليه السلام قال: أرأيت الله حين عبدته؟. قال: ما كنت أعبد شيئا لم أره. قال: فكيف رأيته؟. قال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان لا يدرك بالحواس، و لا يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه [97] . و عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالي (لا تدركه الأبصار) قال: احاطة الوهم ألا تري في قوله: (قد جاءكم بصائر من ربكم) ليس يعني بصر العيون (فمن أبصر فلنفسه) و ليس يعني من أبصر نفسه (و من عمي فعليها) ليس يعني عمي العيون، انما عني: احاطة الوهم - كما يقال: فلان بصير بالشعر، و فلان بصير بالفقه، و فلان بصير بالدراهم، و فلان بصير بالثياب - الله أعظم من أن يري بالعين [98] . و من سؤال الزنديق الذي سأل أباعبدالله عليه السلام عن مسائل كثيرة أنه قال: كيف يعبد الله الخلق و لم يروه؟. [ صفحه 79] قال: رأته القلوب بنور الايمان، و أثبتته العقول بيقظتها اثبات العيان، و أبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب،

و أحكام التأليف، ثم الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها، و اقتصرت العلماء علي ما رأت من عظمته دون رؤيته. قال: أليس هو قادر أن يظهر لهم حتي يروه فيعرفونه فيعبد علي يقين؟. قال: ليس للمحال جواب. قال: فمن أين أثبت أنبياء و رسلا؟. قال عليه السلام: انا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق، و كان ذلك الصانع حكيما، لم يجر أن يشاهده خلقه، و لا أن يلامسوه و لا أن يباشرهم و يباشروه، و يحاجهم و يحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه و عباده يدلونهم علي مصالحهم و منافعهم، و ما به بقاؤهم، و في تركه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه، و ثبت عند ذلك أن له معبرون هم أنبياء الله و صفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد من: احياء الموتي، و ابراء الأكمه و الأبرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقال الرسول و وجوب عدالته. ثم قال عليه السلام بعد ذلك: نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة و لا تكون الحجة الا من عقب الأنبياء، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء، و ذلك أن الله شرع لبني آدم طريقا منيرا، و أخرج من آدم نسلا [ صفحه 80] طاهرا طيبا، أخرج منه الأنبياء و الرسل، هم صفوة الله، و خلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، و حفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية، و لا شاب

أنسابهم، لأن الله عزوجل جعلهم في موضع لا يكون أعلي درجة و شرفا منه، فمن كان خازن علم الله، و أمين غيبه و مستودع سره، و حجته علي خلقه، و ترجمانه و لسانه، لا يكون الا بهذه الصفة فالحجة لا يكون الا من نسلهم، يقول مقام النبي صلي الله عليه و آله و سلم في الخلق بالعلم الذي عنده، و ورثه عن الرسول، ان جحده الناس سكت، و كان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول علي اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي و القياس، و أنهم ان أقروا به و أطاعوه و أخذوا عنه، ظهر العدل، و ذهب الاختلاف و التشاجر و استوي الأمر و أبان الدين، و غلب علي الشك اليقين، و لا يكاد أن يقر الناس به و لا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، و ما مضي رسول و لا نبي قط لم يختلف أمته من بعده، و انما كان علة اختلافهم علي الحجة و تركهم اياه. قال: فما يصنع بالحجة اذا كان بهذه الصفة؟ قال: قد يقتدي به و يخرج عنه الشي ء بعد الشي ء مكانه منفعة الخلق و صلاحهم فان أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم و ان زادوا فيه أخبرهم و ان نفذوا منه شيئا أفادهم. ثم قال الزنديق: من أي شي ء خلق الله الأشياء؟. قال: لا من شي ء. فقال: كيف يجي ء من لا شي ء شي ء؟. قال عليه السلام: ان الأشياء لا تخلو اما أن تكون خلقت من شي ء أو من غير شي ء، فان كان خلقت من شي ء كان معه، فان ذلك الشي ء قديم، و القديم لا يكون حديثا و لا يفني و

لا يتغير، و لا يخلو ذلك الشي ء من أن [ صفحه 81] يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا، فمن أين جاءت هذه أين جاءت هذه الألوان المختلفة و الجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتي؟ و من أين جاء الموت ان كان الشي ء الذي أنشئت منه الأشياء حيا؟! و من أين جاءت الحياة ان كان ذلك الشي ء ميتا؟! و لا يجوز أن يكون من حي و ميت قديمين لم يزالا، لأن الحي لا يجي ء منه ميت و هو لم يزل حيا، و لا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت، لأن الميت لا قدرة له و لا بقاء. قال: فمن أين قالوا ان الأشياء أزلية؟. قال: هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل، و مقالتهم، و الأنبياء و ما أنبأوا عنه، و سموا كتبهم أساطير، و وضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم و استحسانهم، ان الأشياء تدل علي حدوثها، من دوران الفلك بما فيه، و هي سبعة أفلاك، و تحرك الأرض و من عليها، و انقلاب الأزمنة، و اختلاف الوقت، و الحوادث التي تحدث في العالم، من زيادة و نقصان، و موت و بلي، و اضطرار النفس الي الاقرار بأن لها صانعا و مدبرا، ألا تري الحلو يصير حامضا، و العذب مرا، و الجديد باليا، و كل الي تغير و فناء؟!. قال: فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟ قال: فلم يزل يعلم فخلق ما علم. قال: أمختلف هو أم مؤتلف؟. قال: لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف، و انما يختلف المتجزي، و يأتلف المتبعض، فلا يقال له مؤتلف و لا مختلف. [ صفحه

82] قال: فكيف هو الله الواحد؟. قال: واحد في ذاته، فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد متجزي ء و هو تبارك و تعالي واحد لا يتجزأ، و لا يقع عليه العد. قال: فلأي علة خلق الخلق و هو غير محتاج اليهم، و لا مضطر الي خلقهم، و لا يليق به التعبث بنا؟. قال: خلقهم لاظهار حكمته، و انفاذ علمه، و امضاء تدبيره. قال: و كيف لا يقتصر علي هذه الدار فيجعلها دار ثوابه، و محتبس عقابه؟. قال: ان هذه الدار دار ابتلاء، و متجر الثواب، و مكتسب الرحمة، ملئت آفات، و طبقت شهوات، ليختبر فيها عبيده بالطاعة، فلا يكون دار عمل دار جزاء. قال: أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا، و قد كان و لا عدو له، فخلق كما زعمت «ابليس» فسلطه علي عبيده يدعوهم الي خلاف طاعته، و يأمرهم بمعصيته و جعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة الي قلوبهم، فيوسوس اليهم فيشككهم في ربهم، و يلبس عليهم دينهم، فيزيلهم عن معرفته، حتي أنكر قوم لما وسوس اليهم ربوبيته، و عبدوا سواه، فلم سلط عدوه علي عبيده، و جعل له السبيل الي اغوائهم؟. قال: ان هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته، و لا تنفعه ولايته، و عداوته لا تنقص من ملكه شيئا، و ولايته لا تزيد فيه شيئا، و انما يتقي العدو اذا كان في قوة يضر و ينفع، ان هم بملك أخذه، أو بسلطان قهره، فأما ابليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده، و قد علم حين خلقه ما هو و الي ما [ صفحه 83] يصير اليه، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتي امتحنه بسجود آدم، فامتنع من

ذلك حسدا، و شقاوة غلبت عليه، فلعنه عند ذلك، و أخرجه عن صفوف الملائكة، و أنزله الي الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم و ولده بذلك السبب، ما له من السلطنة علي ولده الا الوسوسة، و الدعاء الي غير السبيل، و قد أقر مع معصيته لربه بربوبيته. قال: أفيصلح السجود لغير الله؟. قال: لا. قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟. قال: ان من سجد بأمر الله، سجد لله، اذا كان عن أمر الله. قال: فمن أين أصل الكهانة، و من أين يخبر الناس بما يحدث؟. قال: ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم عن أشياء تحدث، و ذلك من وجوه شتي، فراسة العين، و ذكاء القلب و وسوسة النفس، و فتنة الروح، مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الي الكاهن، و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف، و أما أخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك، و هي لا تحجب، و لا ترجم بالنجوم، و انما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس علي أهل الأرض ما جاءهم عن الله، لاثبات الحجة، و نفي الشبهة، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها الي الأرض، فيقذفها الي الكاهن، فاذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق [ صفحه 84] بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه

اليه الشيطان لما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، و اليوم انما تؤدي الشياطين الي كهانها أخبارا للناس بما يتحدثون به، و ما يحدثونه، و الشياطين تؤدي الي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق، و من قاتل قتل، و من غائب غاب، و هم بمنزلة الناس أيضا، صدوق كذوب. قال: و كيف صعدت الشياطين الي السماء و هم أمثال الناس في الخلقة و الكثافة و قد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليه السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟ قال: غلظوا لسليمان كما سخروا و هم خلق رقيق، غذائهم النسيم، و الدليل علي كل ذلك صعودهم الي السماء لاستراق السمع، و لا يقدر الجسم الكثيف علي الارتقاء اليها بسلم أو بسبب. قال: فأخبرني عن السحر ما أصله، و كيف يقدر الساحر علي ما يوصف من عجائبه، و ما يفعل؟. قال: ان السحر علي وجوه شتي: وجه منها بمنزلة الطب، كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علم السحر، احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة، و لكل معني حيلة. و نوع آخر منه خطفة و سرعة، و مخاريق و خفة. و نوع آخر ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم. قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟. [ صفحه 85] قال: من حيث عرف الأطباء الطب، بعضه تجربة، و بعضه علاج. قال: فما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟. قال: انهما موضع ابتلاء، و موقع فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا و كذا، و لو يعالج

بكذا لكان كذا، أصناف السحر فيتعلمون منهما و ما يخرج عنهما، فيقولان لهم انما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم. قال: أفيقدر الساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟. قال: هو أعجز من ذلك، و أضعف من أن يغير خلق الله، أن من أبطل ما ركبه الله و صوره و غيره فهو شريك الله في خلقه، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر علي ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض، و لنفي البياض عن رأسه، و الفقر عن ساحته، و أن من أكبر السحر النميمة: يفرق بها بين المتحابين، و يجلب العداوة علي المتصافين، و يسفك بها الدماء، و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور، و النمام أشر من وطي ء الأرض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، أن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرأ. قال: فما بال ولد آدم فيهم شريف و وضيع؟. قال: الشريف المطيع، و الوضيع العاصي. قال: أليس فيهم فاضل و مفضول؟. [ صفحه 86] قال: انما يتفاضلون بالتقوي. قال: فتقول ان ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون الا بالتقوي؟ قال: نعم، اني وجدت أصل الخلق التراب، و الأب آدم، و الأم حواء، خلقهم اله واحد، و هم عبيده، أن الله عزوجل اختار من ولد آدم أناسا طهر ميلادهم، و طيب أبدانهم، و حفظهم في أصلاب الرجال و أرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء و الرسل، فهم أزكي فروع آدم، فعل ذلك لأمر استحقوه من الله عزوجل، ولكن علم الله منهم حين ذرأهم

أنهم يطيعونه و يعبدونه و لا يشركون به شيئا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة و المنزلة الرفيعة عنده، و هؤلاء الذين لهم الشرف و الفضل و الحسب، و سائر الناس سواء، ألا من اتقي الله أكرمه، و من أطاعه أحبه، و من أحبه لم يعذبه بالنار. قال: فأخبرني عن الله عزوجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين و كان علي ذلك قادرا؟. قال عليه السلام: لو خلقهم مطيعين، لم يكن لهم ثواب، لأن الطاعة اذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة و لا نارا، و لكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله، و قطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب، و بمعصيتهم اياه العقاب. قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله، و العمل الشر من العبد هو فعله؟. قال: العمل الصالح من العبد بفعله، و الله به أمره، و العمل الشر من [ صفحه 87] العبد بفعله، و الله عنه نهاه. قال: أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟. قال: نعم. ولكن بالآلة التي عمل بها الخير، قدر علي الشر الذي نهاه عنه. قال: فالي العبد من الأمر شي ء؟. قال: ما نهاه الله عن شي ء الا و قد علم أنه يطيق تركه، و لا أمره بشي ء الا و قد علم أنه يستطيع فعله، لأنه ليس من صفة الجور، و العبث، و الظلم، و تكليف العباد ما لا يطيقون. قال: فمن خلقه الله كافرا أيستطيع الايمان و له عليه بتركه الايمان حجة. قال عليه السلام: ان الله خلق خلقه جميعا مسلمين، أمرهم و نهاهم، و الكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد، و لم

يخلق الله العبد حين خلقه كافرا، أنه انما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله، فعرض عليه الحق فجحده فبانكاره الحق صار كافرا. قال: أفيجوز أن يقدر علي العبد الشر، و يأمره بالخير و هو لا يستطيع الخير أن يعمله، و يعذبه عليه. قال: انه لا يليق بعدل الله و رأفته أن يقدر علي العبد الشر و يريده منه، ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه، و الانزاع عما لا يقدر علي تركه، ثم يعذبه علي أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه. قال: بماذا استحق الذين أغناهم و أوسع عليهم من رزقه الغناء و السعة، و بماذا استحق الفقير التقتير و التضييق. [ صفحه 88] قال: اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم، و الفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم، و وجه آخر: أنه عجل لقوم في حياتهم، و لقوم آخر يوم حاجتهم اليه، و وجه آخر فانه علم احتمال كل قوم فأعطاهم علي قدر احتمالهم و لو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا، و فسد التدبير، و صار أهلها الي الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا، و جعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال، و أنواع الصناعات، و ذلك أدوم في البقاء، و أصح في التدبير، ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف علي الفقراء، كل ذلك لطف و رحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره. قال: فيما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع و الأمراض بلا ذنب عمله، و لا جرم سلف منه. قال: ان المرض علي وجوه شتي: مرض بلوي، و مرض عقوبة، و مرض جعل علة للفناء، و أنت تزعم أن ذلك من أغذية ردية، و أشربة وبية، أو

من علة كانت بأمه، و تزعم أن من أحسن السياسة لبدنه، و أجمل النظر في أحوال نفسه و عرف الضار مما يأكل من النافع، لم يمرض، و تميل في قولك الي من يزعم: أنه لا يكون المرض و الموت الا من المطعم و المشرب! قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء، و أفلاطون رئيس الحكماء، و جالينوس شاخ ودق بصره، و ما دفع الموت حين نزل بساحته، و لم يألوا حفظ أنفسهم، و النظر لما يوافقها، كم مريضا قد زاده المعالج سقما، و كم من طبيب عالم، و بصير بالأدواء و الأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا، فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته و حضور أجله، و لا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة و تأخر الأجل. ثم قال عليه السلام: ان أكثر الأطباء قالوا: ان علم الطب لم تعرفه [ صفحه 89] الأنبياء، فما نصنع علي قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله علي خلقه، و أمناءه في أرضه، و خزان علمه، و ورثة حكمته، و الأدلاء عليه، و الدعاة الي طاعته؟. ثم اني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء، و يكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك و تعالي، فهذا الذي أزهدني في طلبه و حامليه. قال: فكيف تزهد في قوم و أنت مؤدبهم و كبيرهم؟. قال عليه السلام: اني رأيت الرجل الماهر في طبه اذا سألته لم يقف علي حدود نفسه، و تأليف بدنه، و تركيب أعضائه، و مجري الأغذية في جوارحه، و مخرج نفسه و حركة لسانه، و مستقر كلامه، و نور بصره و انتشار ذكره، و اختلاف شهواته، و انسكاب عبراته، و مجمع

سمعه، و موضع عقله، و مسكن روحه، و مخرج عطسته، وهيج غمومه، و أسباب سروره، و علة ما حدث فيه من بكم و صم، و غير ذلك، لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها، و علل فيما بينهم جوزوها. قال: فأخبرني عن الله أله شريك في ملكه، أو مضاد له في تدبيره؟. قال: لا. قال: فما هذا الفساد الموجود في العالم، من سباع ضارية، و هوام مخوفة، و خلق كثيرة مشوهة، و دود، و بعوض، و حيات، و عقارب، و زعمت أنه لا يخلق شيئا الا لعلة، لأنه لا يعبث؟. قال: ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة و الحصاة، و لمن يبول في الفراش، و أن أفضل الترياق ما عولج من لحم الأفاعي، فان [ صفحه 90] لحومها اذا أكلها المجذوم بشب نفعه، و تزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للآكلة؟. قال: نعم. قال عليه السلام: فأما البعوض و البق فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير، و أهان بها جبارا تمرد علي الله و تجبر، و أنكر ربوبيته، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته و عظمته، و هي البعوض، فدخلت في منخره حتي وصلت الي دماغه فقتلته، و اعلم أنا لو وقفنا علي كل شي ء خلقه الله تعالي لم خلقه؟ و لأي شي ء أنشأه؟ لكنا قد ساويناه في علمه، و علمنا كلما يعلم، و استغنينا عنه، و كنا و هو في العلم سواء. قال: فأخبرني هل يعاب شي ء من خلق الله و تدبيره؟. قال: لا. قال: فان الله خلق خلقه عزلا، أذلك منه حكمة أم عبث؟. قال: بل منه حكمة. قال: غيرتم خلق الله، و جعلتم فعلكم في

قطع الغلفة أصوب مما خلق الله لها، و عبتم الأغلف، و الله خلقه، و مدحتم الختان و هو فعلكم أم تقولون أن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟!. قال عليه السلام: ذلك من الله حكمة و صواب، غير أنه سن ذلك و أوجبه علي خلقه، كما أن المولود اذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه، كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها، و في تركها فساد بين للمولود و الأم، و كذلك أظفار الانسان أمر اذا طالت أن تقلم، و كان قادرا يوم دبر خلق الانسان أن يخلقها خلقة لا تطول، و كذلك الشعر من الشارب [ صفحه 91] و الرأس، يطول فيجز، و كذلك الثيران خلقها الله فحولة، و اخصاؤها أوفق، و ليس في ذلك عيب في تقدير الله عزوجل. قال: ألست تقول: يقول الله تعالي: (ادعوني أستجب لكم) و قد نري المضطر يدعوه فلا يجاب له، و المظلوم يستنصره علي عدوه فلا ينصره؟. قال: ويحك ما يدعوه أحد الا استجاب له، أما الظالم فدعاؤه مردود الي أن يتوب اليه، و أما المحق فانه اذا دعاه استجاب له، و صرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته اليه، و ان لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له ان أعطاه أمسك عنه، و المؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ، و قد يسأل العبد ربه هلاك من لم تنقطع مدته، أو يسأل المطر وقتا و لعله أوان لا يصلح فيه المطر، لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه، و أشباه ذلك كثيرة فافهم هذا. قال: أخبرني أيها الحكيم

ما بال السماء لا ينزل منها الي الأرض أحد، و لا يصعد من الأرض اليها بشر، و لا طريق اليها، و لا مسلك، فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد اليها و ينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية، و أنفي للشك، و أقوي لليقين، و أجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا اليه يصعد الصاعد، و من عنده يهبط الهابط. قال: ان كل ما تري في الأرض من التدبير انما هو ينزل من السماء، و منها يظهر، أما تري الشمس منها تطلع، و هي نور النهار، و فيها قوام الدنيا، و لو حبست حار من عليها، و هلك، و القمر منها يطلع، و هو نور الليل، و به يعلم عدد السنين و الحساب، و الشهور و الأيام، و لو حبس لحار [ صفحه 92] من عليها و فسد التدبير، و في السماء النجوم التي يهتدي بها في ظلمات البر، و البحر، و من السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شي ء، من: الزرع، و النبات، و الأنعام، و كل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، و الريح لو حبست اياه لفسدت الأشياء جميعا، و تغيرت، ثم الغيم و الرعد و البرق و الصواعق، كل ذلك انما هو دليل علي أن هناك مدبرا يدبر كل شي ء و من عنده ينزل، و قد كلم الله موسي و ناجاه، و رفع الله عيسي ابن مريم، و الملائكة تتنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك و فيما تراه بعينك كفاية أن تفهم و تعقل. قال: فلو أن الله اراد رد الينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عن من مضي منا.

الي ما صاروا، و كيف حالهم، و ماذا لقوا بعد الموت، و أي شي ء صنع بهم، ليعمل الناس علي اليقين، و اضمحل الشك، و ذهب الغل عن القلوب. قال: ان هذه مقالة من أنكر الرسل و كذبهم، و لم يصدق بما جاؤوا به من عند الله، اذا أخبروا و قالوا: ان الله أخبر في كتابه عزوجل علي لسان أنبيائه، حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولا و من رسله، و قد رجع الي الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم: «أصحاب الكهف» أماتهم الله ثلاثمائة عام و تسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث، ليقطع حجتهم، و ليريهم قدرته و يعلموا أن البعث حق و أمات الله «أرمياء» النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذي نظر الي خراب بيت المقدس و ما حوله حين غزاهم بخت نصر و قال: (أني يحيي هذه الله بعد موتها) (فأماته الله مائة عام ثم أحياه) و نظر الي أعضائه كيف تلتئم، و كيف تلبس اللحم، و الي مفاصله و عروقه كيف توصل، فلما استوي قاعدا قال: (اعلم أن الله علي كل شي ء قدير) و أحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون، [ صفحه 93] لا يحصي عددهم، و أماتهم الله دهرا طويلا، حتي بليت عظامهم، و تقطعت أوصالهم، و صاروا ترابا، فبعث الله في وقت أحب أن يري خلقه قدرته، نبيا يقال له «حزقيل» فدعاهم فاجتمعت أبدانهم، و رجعت فيها أرواحهم، و قاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفقدون من أعدادهم رجلا، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا، و أن الله أمات قوما خرجوا مع موسي عليه السلام حين توجه الي الله فقالوا: (أرنا الله

جهرة) (فأماتهم الله ثم أحياهم). قال: فأخبرني عمن قال: بتناسخ الأرواح، من أي شي ء قالوا ذلك، و بأي حجة قاموا علي مذاهبهم. قال: ان أصحاب التناسخ قد خلفوا ورائهم منهاج الدين، و زينوا لأنفسهم الضلالات، و أمرجوا أنفسهم في الشهوات [99] و زعموا أن السماء خاوية ما فيها شي ء مما يوصف، و أن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين، بحجة من روي أن الله عزوجل خلق آدم علي صورته، و أنه لا جنة و لا نار، و لا بعث و لا نشور، و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر، فان كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلي درجة من الدنيا، و ان كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا، أو هوام مشوهة الخلقة و ليس عليهم صوم و لا صلاة، و لا شي ء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته و كل شي ء من شهوات الدنيا مباح لهم، من: فروج النساء، و غير ذلك، من الأخوات و البنات، و الخالات، و ذوات البعولة، و كذلك الميتة، و الخمر، و الدم. فاستقبح مقالتهم كل الفرق، و لعنهم كل الأمم، فلما سئلوا الحجة زاغوا، و حادوا، فكذب مقالتهم التوراة، و لعنهم [ صفحه 94] الفرقان، و زعموا مع ذلك أن الههم ينتقل من قالب الي قالب، و أن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم، ثم هلم جرا تجري الي يومنا هذا في واحد بعد آخر، فاذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل علي أن أحدهما خالق صاحبه؟! و قالوا: ان الملائكة من ولد آدم كل من صار

في أعلي درجة من دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك فطورا تخالهم نصاري في أشياء، و طورا دهرية يقولون: ان الأشياء علي غير الحقيقة، فقد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان، لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم، فلا يجوز أكل لحوم القربات. قال: و من زعم أن الله لم يزل، و معه طينة مؤذية، فلم يستطع التفصي منها [100] الا بامتزاجه بها و دخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!. قال: سبحان الله و تعالي!! أما أعجز آله يوصف بالقدرة، لا يستطيع التفصي من الطينة! ان كانت الطينة حية أزلية، فكانا الهين قديمين فامتزجا و دبرا العالم من أنفسهما، فان كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت و الفناء؟ و ان كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم، و الميت لا يجي ء منه حي، و هذه مقالة الديصانية، أشد الزنادقة قولا، و أمهنهم مثلا، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم، و حبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت، و لا حجة توجب اثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافا علي الله و علي رسله، بما جاؤوا عن الله، فأما من زعم أن الأبدان ظلمة، و الأرواح نور، و أن النور لا يعمل الشر، و الظلمة لا تعمل الخير، فلا يجب عليهم [ صفحه 95] أن يلوموا أحدا علي معصية، و لا ركوب حرمة و لا اتيان فاحشة و أن ذلك عن الظلمة غير مستنكر، لأن ذلك فعلها، و لا له أن يدعوا ربا، و لا يتضرع اليه، لأن النور الرب، و الرب لا يتضرع الي نفسه، و لا يستعبد بغيره، و لا لأحد من

أهل هذه المقالة أن يقول: «أحسنت» يا محسن أو «أسأت» لأن الاساءة من فعل الظلمة، و ذلك فعلها، و الاحسان من النور، و لا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن، و ليس هناك ثالث، و كانت الظلمة علي قياس قولهم، أحكم فعلا، و أتقن تدبيرا، و أعز أركانا من النور، لأن الأبدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة علي نعوت مختلفة، و كل شي ء يري ظاهرا من الزهر، و الأشجار، و الثمار، و الطير، و الدواب، يجب أن يكون الها، ثم حبست النور في حبسها و الدولة لها، و أما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور، فدعوي، و ينبغي علي قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل، لأنه أسير، و ليس له سلطان، فلا فعل له و لا تدبير، و ان كان له مع الظلمة تدبير، فما هو بأسير، بل هو مطلق عزيز، فان لم يكن كذلك، و كان أسير الظلمة، فانه يظهر في هذا العالم احسان، و جامع فساد و شر، فهذا يدل علي أن الظلمة تحسن الخير و تفعله، كما تحسن الشر و تفعله، فان قالوا محال ذلك، فلا نور يثبت و لا ظلمة، و بطلت دعواهم، و رجع الأمر الي أن الله واحد و ما سواه باطل، فهذه مقالة ماني الزنديق و أصحابه. و أما من قال: النور و الظلمة بينهما حكم، فلابد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم، لأنه لا يحتاج الي الحاكم الا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، و هذه مقالة المانوية و الحكاية عنهم تطول. قال: فما قصة ماني؟ [ صفحه 96] قال: متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، فأخطأ الملتين و لم يصب مذهبا واحدا

منهما، و زعم أن العالم دبر من الهين، نور و ظلمة، و أن النور في حصار من الظلمة علي ما حكينا منه، فكذبته النصاري، و قبلته المجوس. قال: فأخبرني عن المجوس أفبعث الله اليهم نبيا؟ فاني أجد لهم كتبا محكمة. و مواعظ بليغة، و أمثالا شافية، يقرون بالثواب و العقاب، و لهم شرائع يعملون بها. قال عليه السلام: ما من أمة الا خلا فيها نذير، و قد بعث اليهم نبي بكتاب من عند الله، فأنكروه. و جحدوا كتابه. قال: و من هو فان الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟. قال عليه السلام: ان خالدا كان عربيا بدويا، ما كان نبيا، و انما ذلك شي ء يقوله الناس. قال: أفزردشت؟ قال: ان زردشت أتاهم بزمزمة، و ادعي النبوة، فآمن منهم قوم و جحده قوم،فأخروجه فأكلته السباع في برية الأرض. قال: فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب الي الصواب في دهرهم، أم العرب؟. قال: العرب في الجاهلية، كانت أقرب الي الدين الحنيفي من المجوس و ذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء، وجحدت كتبهم، و أنكرت براهينهم، و لم تأخذ بشي ء من سننهم، و آثارهم، و أن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي، و كانت المجوس لا [ صفحه 97] تغتسل من الجنابة، و العرب كانت تغتسل و الاغتسال من خالص شرائع الحنيفية، و كانت المجوس لا تختن، و هو من سنن الأنبياء، و أول من فعل ذلك ابراهيم خليل الله، و كانت المجوس لا تغسل موتاها و لا تكفنها، و كانت العرب تفعل ذلك، و كانت المجوس ترمي الموتي في الصحاري و النواويس، و العرب تواريها في قبورها و تلحدها، و كذلك السنة علي الرسل، ان أول من

حفر له قبر آدم أبو البشر، و ألحد له لحد، و كانت المجوس تأتي الأمهات و تنكح البنات و الأخوات، و حرمت ذلك العرب، و أنكرت المجوس بيت الله الحرام و سمته بيت الشيطان و العرب كانت تحجه و تعظمه، و تقول: بيت ربنا، و تقر بالتوراة و الانجيل، و تسأل أهل الكتب و تأخذ، و كانت العرب في كل الأسباب أقرب الي الدين الحنيفية من المجوس. قال: فانهم احتجوا باتيان الأخوات أنها سنة من آدم. قال: فما حجتهم في اتيان البنات و الأمهات، و قد حرم ذلك آدم، و كذلك نوح و ابراهيم و موسي و عيسي، و سائر الأنبياء، و كل ما جاء عن الله عزوجل. قال: و لم حرم الله الخمر و لا لذة أفضل منها؟. قال: حرمها لأنها أم الخبائث، وأس كل شر، يأتي علي شاربها ساعة يسلب لبه، و لا يعرف ربه، و لا يترك معصية الا ركبها، و لا حرمة الا انتهكها و لا رحم ماسة الا قطعها، و لا فاحشة الا أتاها، و السكران زمامه بيد الشيطان ان أمره أن يسجد للأوثان سجد، و ينقاد حيث ما قاده. قال: فلم حرم الدم المسفوح؟ قال: لأنه يورث القساوة، و يسلب الفؤاد رحمته، و يعفن البدن [ صفحه 98] و يغير اللون، و أكثر ما يصيب الانسان الجذام يكون من أكل الدم. قال: فأكل الغدد؟. قال: يورث الجذام. قال: فالميتة لم حرمها؟. قال: فرقا بينها و بين ما يذكي و يذكر اسم الله عليه، و الميتة قد جمد فيها الدم، و تراجع الي بدنها، فلحمها ثقيل غير مري ء، لأنها يؤكل لحمها بدمها. قال: فالسمك ميتة؟. قال: ان السمك ذكاته اخراجه

حيا من الماء، ثم يترك حتي يموت من ذات نفسه، و ذلك أنه ليس له دم، و كذلك الجراد. قال: فلم حرم الزني؟. قال: لما فيه من الفساد، و ذهاب المواريث، و انقطاع الأنساب، و لا تعلم المرأة في الزني من أحبلها، و لا المولود يعلم من أبوه، و لا أرحام موصولة، و لا قرابة معروفة. قال: فلم حرم اللواط؟. قال: من أجل أنه لو كان اتيان الغلام حلالا لاستغني الرجال عن النساء و كان فيه قطع النسل، و تعطيل الفروج، و كان في اجازة ذلك فساد كثير. قال: فلم حرم اتيان البهيمة؟. قال: كره أن يضيع الرجل ماءه، و يأتي غير شكله، و لو أباح ذلك [ صفحه 99] لربط كل رجل أتانا يركب ظهرها و يغشي فرجها، و كان يكون في ذلك فساد كثير، فأباح ظهورها، و حرم عليهم فروجها، و خلق للرجال النساء، ليأنسوا بهن و يسكنوا اليهن، و يكن مواضع شهواتهم، و أمهات أولادهم. قال: فما علة الغسل من الجنابة، و أن ما أتي حلالا و ليس في الحلال تدنيس؟. قال عليه السلام: ان الجنابة بمنزلة الحيض و ذلك أن النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع الا بحركة شديدة، و شهوة غالبة، فاذا فرغ تنفس البدن، و وجد الرجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها. قال: أيها الحكيم! فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النجوم السبعة؟. قال عليه السلام: يحتاجون الي دليل، ان هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، و تدور حيث دارت متعبة لا

تفتر، و سائرة لا تقف. ثم قال: و ان لكل نجم منها موكل مدبر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال الي حال. قال: فمن قال بالطبائع؟. قال: القدرية، فذلك قول من لم يملك البقاء، و لا صرف الحوادث و غيرته الأيام و الليالي، لا يرد الهرم، و لا يدفع الأجل، ما يدري ما يصنع به. قال: فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون و يتوالدون، [ صفحه 100] و يذهب قرن ويجي ء قرن، و تفنيهم الأمراض و الأعراض، و صنوف الآفات، و يخبرك الآخر عن الأول، و ينبئك الخلف عن السلف، و القرون عن القرون، أنهم وجدوا الخلق علي هذا الوصف بمنزلة الشجر و النبات في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس، بصير بتأليف الكلام، و يصنف كتابا قد حبره بفطنته، و حسنه بحكمته، قد جعله حاجزا بين الناس، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه، و ينهاهم عن السوء و الفساد، و يزجرهم عنه، لئلا يتهارشوا، و لا يقتل بعضهم بعضا. قال عليه السلام: ويحك ان من خرج من بطن أمه أمس، و يرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله، و لا ما يكون بعده، ثم انه لا يخلو الانسان من أن يكون خلق نفسه، أو خلق غيره، أو لم يزل موجودا، فما ليس بشي ء ليس يقدر أن يخلق شيئا و هو ليس بشي ء، و كذلك ما لم يكن فيكون شيئا، يسئل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه، ولو كان الانسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث، لأن الأزلي لا تغيره الأيام، و لا يأتي عليه الفناء، مع أنا لم نجد بناء من غير بان، و لا أثرا

من غير مؤثر، و لا تأليفا من غير مؤلف، فمن زعم أن أباه خلقه، قيل: فمن خلق أباه، ولو أن الأب هو الذي خلق ابنه، لخلقه علي شهوته، و صوره علي محبته، و لملك حياته، و لجاز فيه حكمه، و لكنه ان مرض فلم ينفعه، و ان مات فعجز عن رده، ان من استطاع أن يخلق خلقا و ينفخ فيه روحا حتي يمشي علي رجليه سويا، يقدر أن يدفع عنه الفساد. قال: فما تقول في علم النجوم؟. قال: هو علم قلت منافعه، و كثرت مضراته، لأنه لا يدفع به المقدور، و لا يتقي به المحذور، ان خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز [ صفحه 101] من القضاء، و ان أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله في علمه، بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه. قال: فالرسول أفضل أم الفلك المرسل اليه؟. قال: بل الرسول أفضل. قال: فما علة الملائكة الموكلين بعباده، يكتبون عليهم و لهم، و الله عالم السر و ما هو أخفي؟. قال: استعبدهم بذلك، و جعلهم شهودا علي خلقه، ليكون العباد لملازمتهم اياهم أشد علي طاعة الله مواظبة، و عن معصيته أشد انقباضا، و كم من عبديهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوي و كف، فيقول ربي يراني، و حفظتي علي بذلك تشهد، و أن الله برأفته و لطفه أيضا و كلهم بعباده، يذبون عنهم مردة الشيطان، و هوام الأرض، و آفات كثيرة من حيث لا يرون باذن الله الي أن يجي ء أمر الله. قال: فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟ قال: خلقهم للرحمة، و كان في علمه قبل خلقه اياهم، أن قوما منهم

يصيرون الي عذابه بأعمالهم الرديئة، و جحدهم به. قال: يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بانكاره، فبم يعذب من وحده و عرفه؟. قال: يعذب المنكر لآلهيته عذاب الأبد، و يعذب المقر به عذاب عقوبة لمعصيته اياه فيما فرض عليه، ثم يخرج، و لا يظلم ربك أحدا. قال: فبين الكفر و الايمان منزلة؟. [ صفحه 102] قال عليه السلام: لا. قال: فما الايمان و ما الكفر؟. قال عليه السلام: الايمان: أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله، كتصديقه بما شاهد من ذلك و عاين، و الكفر: الجحود. قال: فما الشرك و ما الشك؟. قال عليه السلام: الشرك هو: أن يضم الي الواحد الذي ليس كمثله شي ء آخر، و الشك: ما لم يعتقد قلبه شيئا. قال: أفيكون العالم جاهلا؟. قال عليه السلام: عالم بما يعلم، و جاهل بما يجهل. قال: فما السعادة و ما الشقاوة؟. قال: السعادة: سبب الخير، تمسك به السعيد فيجره الي النجاة، و الشقاوة سبب خذلان تمسك به الشقي فيجره الي الهلكة، و كل بعلم الله. قال: أخبرني عن السراج اذا انطفأ أين يذهب نوره؟. قال عليه السلام: يذهب فلا يعود. قال: فما أنكرت أن يكون الانسان مثل ذلك اذا مات و فارق الروح البدن، لم يرجع اليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج اليه أبدا اذا انطفأ؟. قال: لم تصب القياس، ان النار في الأجسام كامنة، و الأجسام قائمة بأعيانها كالحجر و الحديد، فاذا ضرب أحدهما بالآخر، سقطت من بينهما نار، تقتبس منهما سراج، له ضوء فالنار ثابت في أجسامها، و الضوء ذاهب، و الروح: جسم رقيق، قد ألبس قالبا كثيفا، و ليس بمنزلة السراج [ صفحه 103] الذي ذكرت، ان الذي خلق في الرحم جنينا من

ماء صاف، و ركب فيه ضروبا مختلفة: من عروق، و عصب، و أسنان، و شعر، و عظام، و غير ذلك، و هو يحييه بعد موته، و يعيده بعد فنائه. قال: فأين الروح؟. قال: في بطن الأرض حيث مصرع البدن الي وقت البعث. قال: فمن صلب فأين روحه؟. قال: في كف الملك الي قبضها حتي يودعها الأرض. قال: فأخبرني عن الروح أغير الدم؟. قال: نعم. الروح علي ما وصفت لك: مادتها من الدم، و من الدم رطوبة الجسم، و صفاء اللون، و حسن الصوت، و كثرة الضحك، فاذا جمد الدم فارق الروح البدن. قال: فهل يوصف بخفة و ثقل و وزن؟. قال: الروح بمنزلة الريح في الزق، اذا نفخت فيه امتلأ الزق منها، فلا يزيد في وزن الزق و لوجها فيه، و لا ينقصها خروجها منه، لذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن. قال: فأخبرني ما جوهر الريح؟. قال: الريح هواء اذا تحرك يسمي ريحا، فاذا سكن يسمي هواء و به قوام الدنيا، و لو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شي ء علي وجه الأرض و نتن، و ذلك أن الريح بمنزلة المروحة، تذب و تدفع الفساد عن كل شي ء و تطيبه، فهي بمنزلة الروح اذا خرج عن البدن نتن البدن و تغير، و تبارك الله أحسن الخالقين. [ صفحه 104] قال: أفتتلاشي الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟. قال: بل هو باق الي وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء، و تفني فلا حس و لا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، و ذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق، و ذلك بين النفختين. قال: و أني له بالبعث و البدن

قد بلي، و الأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، و عضو بأخري تمزقه هوامها، و عضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟. قال: ان الذي أنشأه من غير شي ء، و صوره علي غير مثال كان سبق اليه، قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك!. قال: ان الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء و فسحة، و روح المسي ء في ضيق و ظلمة، و البدن يصير ترابا كما منه خلق، و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها، مما أكلته و مزقته كل ذلك في التراب، محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، و يعلم عدد الأشياء و وزنها، و أن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فاذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء، و الزبد من اللبن اذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب الي قالبه، فينتقل باذن الله القادر الي حيث الروح، فتعود الصور باذن المصور كهيئتها، و تلج الروح فيها، فاذا قد استوي لا ينكر من نفسه شيئا. قال: فأخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة؟. [ صفحه 105] قال: بل يحشرون في أكفانهم. قال: أني لهم بالأكفان و قد بليت؟!. قال: ان الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم. قال: فمن مات بلا كفن؟. قال: يستر الله عورته بما يشاء من عنده. قال: أفيعرضون صفوفا؟. قال عليه السلام: نعم، هو يومئذ عشرون و مائة ألف صف في عرض الأرض. قال: أو ليس توزن الأعمال؟. قال: لا ان الأعمال ليست بأجسام، و انما هي صفة ما عملوا، و انما

يحتاج الي وزن الشي ء من جهل عدد الأشياء، و لا يعرف ثقلها أو خفتها، و أن الله لا يخفي عليه شي ء. قال: فما معني الميزان؟. قال عليه السلام: العدل. قال: فما معناه في كتابه: (فمن ثقلت موازينه)؟. قال: فمن رجح عمله. قال: فأخبرني أو ليس في النار مقتنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات و العقارب. قال: انما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه، انما شريكه الذي يخلقه، فيسلط الله عليهم العقارب و الحيات في النار ليذيقهم بها وبال [ صفحه 106] ما كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه. قال: فمن أين قالوا: «ان أهل الجنة يأتي الرجل منهم الي ثمرة يتناولها فاذا أكلها عادت كهيئتها»؟. قال: نعم ذلك علي قياس السراج يأتي القابس فيقتبس عنه فلا ينقص من ضوئه شيئا، و قد امتلت الدنيا منه سراجا. قال: أليسوا يأكلون و يشربون، و تزعم أنه لا يكون لهم الحاجة؟. قال: بلي، لأن غذاءهم رقيق لا ثقل له، بل يخرج من أجسادهم بالعرق. قال: فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟. قال: لأنها خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة، و لا يخالط جسمها آفة، و لا يجري في ثقبها شي ء، و لا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة ملدم، اذ ليس فيها لسوي الاحليل مجري. قال: فهي تلبس سبعين حلة و يري زوجها مخ ساقها من وراء حللها و بدنها؟. قال: نعم، كما يري أحدكم الدراهم اذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح. قال: فكيف تنعم أهل الجنة بما فيه من النعيم، و ما منهم أحد الا و قد فقد ابنه، و أباه، أو حميمه، أو أمه، فاذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في

مصيرهم الي النار، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار و يعذب؟. قال عليه السلام: ان أهل العلم قالوا: انهم ينسون ذكرهم. و قال: بعضهم [ صفحه 107] انتظروا قدومهم، و رجوا أن يكونوا بين الجنة و النار في أصحاب الأعراف. قال عليه السلام: فأخبرني عن الشمس أين تغيب؟. قال: ان بعض العلماء قال: اذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك الي بطن السماء صاعدة أبدا، الي أن تنحط الي موضع مطلعها يعني: أنها تغيب في عين حامية ثم تخرق الأرض راجعة الي موضع مطلعها، فتحير تحت العرش حتي يؤذن لها بالطلوع، و يسلب نورها كل يوم، و تجلل نورا آخر. قال: فالكرسي أكبر أم العرش؟. قال: كل شي ء خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه فانه أعظم من أن يحيط به الكرسي. قال: فخلق النهار قبل الليل؟. قال: خلق النهار قبل الليل، و الشمس قبل القمر، و الأرض قبل السماء، و وضع الأرض علي الحوت، و الحوت في الماء، و الماء في صخرة مجوفة، و الصخرة علي عاتق ملك، و الملك علي الثري، و الثري علي الريح العقيم، و الريح علي الهواء و الهواء تمسكه القدرة، و ليس تحت الريح العقيم الا الهواء و الظلمات، و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق، و لا شي ء يتوهم، ثم خلق الكرسي فحشاه السموات و الأرض، و الكرسي أكبر من كل شي ء خلقه الله، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي [101] . و عن أبان بن تغلب أنه قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام، اذ دخل عليه رجل من أهل اليمن، فسلم عليه فرد عليه أبوعبدالله، فقال له: [ صفحه 108] مرحبا يا سعد! فقال

الرجل: بهذا الاسم سمتني أمي، و ما أقل من يعرفني به، فقال له أبوعبدالله: صدقت يا سعد المولي! فقال الرجل: جعلت فداك بهذا اللقب كنت ألقب. فقال أبوعبدالله عليه السلام: لا خير في اللقب، ان الله تبارك و تعالي يقول في كتابه: (و لا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان). ما صناعتك يا سعد؟. قال: جعلت فداك! انا أهل بيت ننظر في النجوم، لا يقال ان باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا. فقال أبوعبدالله: كم يزيد ضوء الشمس علي ضوء القمر درجة؟. فقال اليماني: لا أدري. فقال: صدقت. فقال: فكم ضوء القمر يزيد علي ضوء المشتري درجة؟. قال: اليماني: لا أدري!. فقال: أبوعبدالله عليه السلام: صدقت!. قال: فكم يزيد ضوء المشتري علي ضوء العطارد درجة؟. قال اليماني: لا أدري!. فقال أبوعبدالله: صدقت!. قال: فكم ضوء عطارد يزيد درجة علي ضوء الزهرة؟. قال اليماني: لا أدري!. فقال أبوعبدالله: صدقت!. [ صفحه 109] قال: فما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الابل؟. فقال اليماني: لا أدري!. فقال له أبوعبدالله عليه السلام: صدقت!. قال: فما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت البقر؟. فقال اليماني: لا أدري!. فقال له أبوعبدالله: صدقت!. قال: فما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الكلاب؟. فقال اليماني: لا أدري!. فقال له أبوعبدالله: صدقت في قولك لا أدري! فما زحل عندكم في النجوم؟. فقال اليماني: نجم نحس. فقال أبوعبدالله عليه السلام: لا تقل هذا فانه نجم أميرالمؤمنين صلوات الله عليه و هو نجم الأوصياء عليهم السلام، و هو النجم الثاقب الذي قال الله تعالي في كتابه. فقال اليماني: فما معني الثاقب؟. فقال: ان مطلعه في السماء السابعة، فانه ثقب بضوئه حتي أضاء في السماء الدنيا، فمن ثم سماه الله النجم

الثاقب. ثم قال: يا أخا العرب أعندكم عالم؟. فقال اليماني: جعلت فداك ان باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم. [ صفحه 110] فقال أبوعبدالله عليه السلام: و ما يبلغ من علم عالمهم؟. فقال اليماني: ان عالمهم ليزجر الطير، و يقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث. فقال أبوعبدالله عليه السلام: فان عالم المدينة أعلم من عالم اليمن. قال اليماني: و ما يبلغ علم عالم المدينة؟. قال: ان علم عالم المدينة ينتهي الي أن لا يقفو الأثر، و لا يزجر الطير، و يعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس، تقطع اثني عشر برجا، و اثني عشر برا، و اثني عشر بحرا، و اثني عشر عالما. فقال له اليماني: ما ظننت أن أحدا يعلم هذا، و ما يدري ما كنهه!. قال: ثم قام اليماني و خرج [102] . و عن سعيد ابن أبي الخضيب [103] . قال: دخلت أنا و ابن أبي ليلي المدينة، فبينما نحن في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اذ دخل جعفر بن محمد عليه السلام، فقمنا اليه فسألني عن نفسي و أهلي ثم قال: من هذا معك؟. فقلت: ابن أبي ليلي قاضي المسلمين!. فقال: نعم، ثم قال له: [ صفحه 111] أتأخذ مال هذا فتعطيه هذا، و تفرق بين المرء و زوجه، و لا تخاف في هذا أحدا؟. قال: نعم. قال: فبأي شي ء تقضي؟. قال: بما بلغني عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عن أبي بكر، و عمر. قال: فبلغك أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «أقضاكم علي بعدي»؟. قال: نعم. قال: فكيف تقضي بغير قضاء علي عليه السلام، و قد بلغك

هذا؟. قال: فاصفر وجه ابن أبي ليلي ثم قال: التمس مثلا لنفسك، فوالله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا [104] . و عن الحسين بن زيد [105] عن جعفر الصادق عليه السلام أن رسول الله قال لفاطمة: يا فاطمة ان الله عزوجل يغضب لغضبك، و يرضي لرضاك. «قال»: فقال المحدثون بها «قال»: فأتاه ابن جريح فقال: يا أباعبدالله حدثنا اليوم حديثا استهزأه الناس. قال: و ما هو؟. قال: حديث أن رسول الله قال لفاطمة: «ان الله ليغضب لغضبك، و يرضي لرضاك». [ صفحه 112] (قال): فقال عليه السلام: ان الله ليغضب فيما ترون لعبده المؤمن و يرضي لرضاه. فقال: نعم. قال عليه السلام: فما تنكر أن تكون ابنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مؤمنة، يرضي الله لرضاها، و يغضب لغضبها. قال: صدقت! الله أعلم حيث يجعل رسالته [106] . و عن حفص بن غياث [107] قال: شهدت المسجد الحرام و ابن أبي العوجاء [108] يسأل أباعبدالله عليه السلام عن قوله تعالي: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) ما ذنب الغير؟. قال: ويحك هي هي و هي غيرها!. قال: فمثل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا!. قال: نعم أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها، ثم ردها في ملبنها، فهي هي و هي غيرها. و روي أنه سأل الصادق عليهاالسلام ذ عن قول الله عزوجل في قصة ابراهيم عليهاالسلام ذ (قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون) قال: ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم عليه السلام. [ صفحه 113] قيل: و كيف ذلك؟. فقال: انما قال ابراهيم: (فاسألوهم ان كانوا ينطقون)، فان نطقوا فكبيرهم فعل، و ان لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا، فما نطقوا،

و ما كذب ابراهيم عليه السلام فسئل عن قوله في سورة يوسف: (أيتها العير انكم لسارقون)؟. قال: انهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا تري أنه قال لهم حين قالوا: (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك) و لم يقل سرقتم صواع الملك، انما سرقوا يوسف من أبيه، فسئل عن قول ابراهيم: (فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم). قال: ما كان ابراهيم سقيما، و ما كذب انما عني سقيما في دينه أي مرتادا [109] . و عن عبدالمؤمن الأنصاري [110] قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ان قوما رووا: أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «اختلاف أمتي رحمة»؟. فقال: صدقوا. قلت: ان كان اختلافهم رحمة، فاجتماعهم عذاب؟. قال: ليس حيث تذهب و ذهبوا، انما أراد قول الله عزوجل: (فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذ رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) أمرهم أن ينفروا الي رسول الله، و يختلفوا اليه، [ صفحه 114] و يتعلموا ثم يرجعوا الي قومهم فيعلموهم، انما أراد اختلافهم في البلدان، لا اختلافا في الدين انما الدين واحد. و روي عنه صلوات الله عليه: أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: ما وجدتم في كتاب الله عزوجل فالعمل لكم به، و لا عذر لكم في تركه، و ما لم يكن في كتاب الله عزوجل و كانت في سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، و ما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا، انما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم، بأيها أخذ اهتدي، و بأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، و اختلاف أصحابي لكم رحمة. قيل يا رسول الله عن أصحابك؟.

قال: أهل بيتي [111] . قال محمد بن الحسين بن بابويه القمي رضي الله عنه: ان أهل البيت لا يختلفون و لكن يفتون الشيعة بمر الحق، و ربما افتوهم بالتقية، فما يختلف من قولهم فهو للتقية، و التقية رحمة للشيعة، و يؤيد تأويله رضي الله عنه، أخبار كثيرة. منها ما رواه محمد بن سنان، عن نصر الخثعمي قال: سمعت أباعبدالله يقول: من عرف من أمرنا أن لا نقول الا حقا فليكتف بما يعلم منا، فان سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك منا دفاع و اختيار له. و عن عمر بن حنظلة [112] قال: سألت أباعبدالله عليه السلام: عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما الي السلطان أو الي [ صفحه 115] القضاة أيحل ذلك؟. قال عليه السلام: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الجبت و الطاغوت المنهي عنه، و ما حكم له به فانما يأخذ سحتا و ان كان حقه ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و من أمر الله عزوجل أن يكفر به، قال الله عزوجل: (يريدون أن يتحاكموا الي الطاغوت و قد أمروا أن يكفروا به). قلت فكيف يصنعان و قد اختلفا؟. قال: ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضيا به حكما! فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكم و لم يقبله منه فانما بحكم الله استخف، و علينا رد، و الراد علينا كافر و راد علي الله و هو علي أحد من الشرك بالله. قلت: فان كان كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فيما حكما،

فان الحكمين اختلفا في حديثكم؟. قال: ان الحكم ما حكم به أعدلهما، و أفقههما، و أصدقهما في الحديث، و أورعهما، و لا يلتفت الي ما حكم به الآخر. قلت: فانهما عدلان مرضيان، عرفا بذلك لا يفضل أحدهما صاحبه؟. قال: ينظر الآن الي ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما، المجمع عليه بين أصحابك، فيؤخذ به من حكمهما و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فان المجمع عليه لا ريب فيه، و انما الأمور ثلاث: أمر بين رشده فيتبع، و أمر بين غيه فيجتنب، و أمر مشكل يرد حكمه الي الله عزوجل و الي رسوله، حلال بين، و حرام بين، و شبهات تتردد بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات، و من أخذ [ صفحه 116] بالشبهات ارتكب المحرمات، و هلك من حيث لا يعلم. قلت: فان كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقاة عنكم؟. قال: ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالفت العامة فيؤخذ به، و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة. قلت: جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة، ثم وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة، و الآخر يخالف بأيهما نأخذ من الخبرين؟. قال: ينظر الي ما هم اليه يميلون، فان ما خالف العامة ففيه الرشاد. قلت: جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا؟. قال: انظروا الي ما تميل اليه حكامهم و قضاتهم، فاتركوا جانبا و خذوا بغيره. قلت: فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟. قال: اذا كان كذلك فارجه وقف عنده، حتي تلقي أمامك، فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات، و الله هو المرشد. جاء هذا

الخبر علي سبيل التقدير، لأنه قل ما يتفق في الأثر أن يرد خبران مختلفان في حكم من الأحكام، موافقين للكتاب و السنة، و ذلك مثل غسل الوجه و اليدين في الوضوء لأن الأخبار جاءت بغسلهما مرة مرة و غسلهما مرتين مرتين، فظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك بل يحتمل كلتا الروايتين، و مثل ذلك يؤخذ في أحكام الشرع. و أما قوله عليه السلام للسائل أرجه وقف عنده حتي تلقي امامك أمره بذلك عنه تمكنه من الوصول الي الامام، فأما اذا كان الامام غائبا و لا [ صفحه 117] يتمكن من الوصول اليه، و الأصحاب كلهم مجمعون علي الخبرين و لم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما علي الآخر بالكثرة و العدالة، كان الحكم بهما من باب التخيير. يدل علي ما قلنا: ما روي عن الحسن بن الجهم [113] عن الرضا عليه السلام: قال: قلت للرضا عليه السلام: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟. قال: ما جاءك عنا فقسه علي كتاب الله عزوجل و أحاديثنا، فان كان يشبههما فهو منا و ان لم يشبههما فليس منا. قلت: يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة، بحديثين مختلفين، فلا نعلم أيهما الحق. فقال: اذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت. و ما رواه الحرث بن المغيرة [114] عن أبي عبدالله عليه السلام قال: اذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة، فموسع عليك حتي تري القائم فترده عليه. و روي سماعة بن مهران [115] قال: سألت أباعبدالله عليه السلام قلت: يرد علينا حديثان، واحد يأمرنا بالأخذ به، و الآخر به ينهانا عنه؟. قل: لا تعمل بواحد منهما حتي تلقي صاحبك فتسأله عنه. [ صفحه 118] قال: قلت: لابد من أن نعمل بأحدهما. قال: خذ بما فيه خلاف العامة، فقد

أمر عليه السلام بترك ما وافق العامة، لأنه يحتمل أن يكون قد ورد مورد التقية، و ما خالفهم لا يحتمل ذلك. و روي عنهم عليهم السلام أيضا أنهم قالوا: اذا اختلفت أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فانه لا ريب فيه، و أمثال هذه الأخبار كثيرة [116] . و عن بشير بن يحيي العامري عن ابن أبي ليلي [117] قال: دخلت أنا و النعمان أبوحنيفة [118] علي جعفر بن محمد، فرحب بنا فقال: يابن أبي ليلي من هذا الرجل؟. فقلت: جعلت فداك من أهل الكوفة له رأي و بصيرة و نفاذ. قال: فلعله الذي يقيس الأشياء برأيه؟. ثم قال: يا نعمان! هل تحسن أن تقيس رأسك؟. قال: لا. قال: ما أراك تحسن أن تقيس شيئا فهل عرفت الملوحة في العينين، و المرارة في الأذنين و البرودة في المنخرين، و العذوبة في الفم؟ قال: لا. [ صفحه 119] قال: فهل عرفت كلمة أولها كفر و آخرها ايمان؟. قال: لا. قال ابن ابي ليلي: قلت: جعلت فداك لا تدعنا في عمياء مما وصفت. قال: نعم حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله قال: ان الله خلق عيني ابن آدم شحمتين، فجعل فيهما الملوحة، فلولا ذلك لذابتا، و لم يقع فيهما شي ء من القذي الا أذابه، و الملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذي، و جعل المرارة في الأذنين حجابا للدماغ، و ليس من دابة تقع في الأذن الا التمست الخروج، و لولا ذلك لوصلت الي الدماغ فأفسدته و جعل الله البرودة في المنخرين حجابا للدماغ، و لولا ذلك لسال الدماغ. و جعل العذوبة في الفم منا من الله تعالي علي ابن آدم ليجد لذة الطعام و الشراب، و أما

كلمة أولها كفر و آخرها ايمان لا اله الا الله. ثم قال: يا نعمان اياك و القياس: فان أبي حدثني عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله قال: من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله تبارك و تعالي مع ابليس، فانه أول من قاس حيث قال: (خلقتني من نار و خلقته من طين)، فدعوا الرأي و القياس فان دين الله لم يوضع علي القياس. و في رواية أخري أن الصادق عليه السلام قال لأبي حنيفة لما دخل عليه: من أنت؟. قال: أبوحنيفة. قال عليه السلام: مفتي أهل العراق؟. قال: نعم. قال: بما تفتيهم؟. [ صفحه 120] قال: بكتاب الله. قال عليه السلام: و أنك لعالم بكتاب الله، ناسخه و منسوخه، و محكمه و متشابهه؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن قول الله عزوجل: (و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و أياما آمنين) [119] أي موضع هو؟. قال أبوحنيفة: هو ما بين مكة و المدينة، فالتفت أبوعبدالله الي جلسائه، و قال: نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة و المدينة و لا تأمنون علي دمائكم من القتل، و علي أموالكم من السرق؟. فقالوا: اللهم نعم. فقال أبوعبدالله: ويحك يا أباحنيفة! ان الله لا يقول الا حقا أخبرني عن قول الله عزوجل: (و من دخله كان آمنا) [120] أي موضع هو؟ قال: ذلك بيت الله الحرام: فالتفت أبوعبدالله الي جلسائه و قال: نشدتكم بالله هل تعلمون: أن عبدالله بن الزبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟. قالوا: اللهم نعم. فقال أبوعبدالله عليه السلام: ويحك يا أباحنيفة! ان الله لا يقول الا حقا. [ صفحه 121] فقال أبوحنيفة: ليس لي علم بكتاب الله، انما أنا صاحب قياس. قال أبوعبدالله: فانظر في قياسك

ان كنت مقيسا أيما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟. قال: بل القتل. قال: فكيف رضي في القتل بشاهدين، و لم يرض في الزنا الا بأربعة؟ ثم قال له: الصلاة أفضل أم الصيام؟ قال: بل الصلاة أفضل. قال عليه السلام: فيجب علي قياس قولك علي الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، و قد أوجب الله تعالي عليها قضاء الصوم دون الصلاة. قال له: البول أقذر أم المني؟. قال: البول أقذر. قال عليه السلام: يجب علي قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، و قد وجب الله تعالي الغسل من المني دون البول. قال: انما أنا صاحب رأي. قال عليه السلام: فما تري في رجل كان له عبد فتزوج و زوج عبده في ليلة واحدة، فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا و جعلا امرأتيهما في بيت واحد و ولدتا غلامين فسقط البيت عليهم، فقتل المرأتين و بقي الغلامان أيهما في رأيك المالك و أيهما المملوك و أيهما الوارث و أيهما الموروث؟. قال: انما أنا صاحب حدود. قال: فما تري في رجل أعمي فقأ عين صحيح و أقطع قطع يد رجل، [ صفحه 122] كيف يقام عليهما الحد؟. قال: انما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء. قال: فأخبرني عن قول الله لموسي و هارون حين بعثهما الي فرعون: (لعله يتذكر أو يخشي) [121] و لعل منك شك؟. قال: نعم. قال: و كذلك من الله شك اذ قال: (لعله)؟. قال أبوحنيفة: لا علم لي. قال عليه السلام: تزعم أنك تفتي بكتاب الله و لست ممن ورثه، و تزعم أنك صاحب قياس و أول من قاس ابليس لعنه الله و لم يبن دين الاسلام علي القياس و

تزعم أنك صاحب رأي و كان الرأي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم صوابا، و من دونه خطأ، لأن الله تعالي قال: (فاحكم بينهم بما أراك الله) [122] و لم يقل ذلك لغيره، و تزعم أنك صاحب حدود، و من أنزلت عليه أولي بعلمها منك، و تزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء، و لخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك، و لولا أن يقال: دخل علي ابن رسول الله فلم يسأله عن شي ء ما سألتك عن شي ء، فقس ان كنت مقيسا. قال أبوحنيفة: لا أتكلم بالرأي و القياس في دين الله بعد هذا المجلس. قال: كلا ان حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك تمام الخبر. [ صفحه 123] و عن عيسي بن عبدالله القرشي قال: دخل أبوحنيفة علي أبي عبدالله عليه السلام فقال: يا أباحنيفة قد بلغني أنك تقيس!!. فقال: نعم. فقال: لا تقس فان أول من قاس ابليس لعنه الله حين قال: خلقتني من نار و خلقته من طين، فقاس بين النار و الطين، و لو قاس نورية آدم بنورية النار و عرف ما بين النورين، و صفاء أحدهما علي الآخر. و عن الحسن بن محبوب [123] عن سماعة قال: قال أبوحنيفة لأبي عبدالله عليه السلام: كم بين المشرق و المغرب؟. قال: مسيرة يوم للشمس بل أقل من ذلك، قال: فاستعظمه. قال: يا عاجز لم تنكر هذا ان الشمس تطلع من المشرق، و تغرب في المغرب في أقل من يوم. عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي [124] قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بمكة، اذ دخل عليه أناس من المعتزلة، فيهم عمرو بن عبيد، و واصل بن عطاء، و حفص بن سالم، و أناس

من رؤسائهم، و ذلك أنه حين قتل الوليد، و اختلف أهل الشام بينهم، فتكلموا فأكثروا و خطبوا فأطالوا. فقال لهم أبوعبدالله جعفر بن محمد عليه السلام: انكم قد أكثرتم علي فأطلتم فاسندوا أمركم الي رجل منكم، فليتكلم بحجتكم و ليوجز. فأسندوا أمرهم الي عمرو بن عبيد، فأبلغ و أطال، فكان فيما قال أن قال: [ صفحه 124] قتل أهل الشام خليفتهم، و ضرب الله بعضهم ببعض، و تشتت أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلا له دين و عقل و مروءة، و معدن للخلافة، و هو محمد بن عبدالله بن الحسن فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه، ثم نظهر أمرنا معه، و ندعو الناس اليه فمن بايعه كنا معه و كان منا. و من اعتزلنا كففنا عنه و من نصب لنا جاهدناه و نصبنا له علي بغيه و نرده الي الحق و أهله، و قد أحببنا أن نعرض ذلك عليك، فانه لا غني بنا عن مثلك، لفضلك و لكثرة شيعتك، فلما فرغ قال أبوعبدالله عليه السلام: أكلكم علي مثل ما قال عمرو؟. قالو: نعم. فحمد الله و أثني عليه، و صلي علي النبي ثم قال: انما نسخط اذا عصي الله فاذا أطيع الله رضينا أخبرني يا عمرو لو أن الأمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال و لا مؤونة، فقيل لك: «ولها من شئت» من كنت تولي؟. قال: كنت أجعلها شوري بين المسلمين. قال: بين كلهم؟. قال: نعم. قال: بين فقهائهم و خيارهم؟. قال: نعم. قال: قريش و غيرهم؟. قال: العرب و العجم. قال: فأخبرني يا عمرو أتتولي أبابكر و عمر أو تتبرأ منهما؟. قال: أتولاهما. [ صفحه 125] قال: يا عمرو ان كنت رجلا تتبرا منهما فانه يجوز لك الخلاف عليهما،

و ان كنت تتولاهما فقدذ خالفتهما، قد عهد عمر الي أبي بكر فبايعه و لم يشاور أحدا، ثم ردها أبوبكر عليه و لم يشاورا أحدا، ثم جعلها عمر شوري بين ستة، فأخرج منها الأنصار غير أولئك الستة من قريش، ثم أوصي الناس فيهم بشي ء ما أراك ترضي أنت و لا أصحابك. قال: و ما صنع؟. قال: أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام، و أن يتشاور أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم الا ابن عمر و يشاورونه و ليس له من الأمر شي ء، و أوصي من كان بحضرته من المهاجرين و الأنصار ان مضت ثلاثة أيام و لم يفرغوا و يبايعوه أن يضرب أعناق الستة جميعا و ان اجتمع أربعة قبل أن يمضي ثلاثة أيام و خالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين أفترضوهن بهذا فيما تجعلون من الشوري في المسلمين؟. قالوا: لا. قال: يا عمرو دع ذا أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو اليه، ثم اجتمعت لكم الأمة و لم يختلف عليكم منها رجلان، فأفضيتم الي المشركين الذين لم يسلموا و لم يؤدوا الجزية، كان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المشركين في الجزية؟. قالوا: نعم. قال: فتصنعون ماذا؟. قالوا: ندعوهم الي الاسلام فان أبوا دعوناهم الي الجزية. قال: فان كانوا مجوسا، و أهل كتاب، و عبدة النيران و البهائم و ليسوا بأهل كتاب؟. [ صفحه 126] قالوا: سواء. قال: فأخبرني عن القرآن أتقرأونه؟. قال: نعم. قال: اقرأ (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من

الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون) قال: فاستثني الله عزوجل و اشترط من الذين أوتوا الكتاب فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء. قال: نعم. قال عليه السلام: عمن أخذت هذا؟. قال: سمعت الناس يقولونه. قال: فدع ذا فانهم ان أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟. قال: أخرج الخمس و أقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليها. قال: تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟. قال: نعم. قال: فقد خالفت رسول الله في فعله و في سيرته، و بيني و بينك فقهاء أهل المدينة و مشيختهم، فسلهم فانهم لا يختلفون و لا يتنازعون في أن رسول الله انما صالح الأعراب علي أن يدعهم في ديارهم، و أن لا يهاجروا، علي انه ان دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم، و ليس لهم من الغنيمة نصيب و أنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في سيرته في المشركين، دع ذا ما تقول في الصدقة؟. [ صفحه 127] قال: فقرأ عليه هذه الآية: (انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها) الي آخرها. قال: نعم فكيف تقسم بينهم؟. قال: أقسمها علي ثمانية أجزاء، فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا. فقال عليه السلام: ان كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف. قال: نعم. قال: و ما تصنع بين صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟. قال: نعم. قال: فخالفت رسول الله في كل ما أتي به، كان رسول الله يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي، و صدقة الحضر في أهل

الحضر، و لا يقسم بينهم بالسوية انما يقسمه قدر ما يحضر منهم، و علي قدر ما يحضره فاذا كان في نفسك شي ء مما قلت لك فان فقهاء أهل المدينة، و مشيختهم كلهم لا يختلفون في أن رسول الله كذا كان يصنع، ثم أقبل علي عمرو و قال: اتق الله يا عمرو و أنتم أيها الرهط! فاتقوا الله، فان أبي حدثني و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب الله و سنة رسوله أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «من ضرب الناس بسيفه، و دعاهم الي نفسه، و في المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضال متكلف» [125] . [ صفحه 128] و روي عن يونس بن يعقوب [126] قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: اني رجل صاحب كلام و فقه و فرائض، و قد جئت لمناظرة أصحابك. فقال له أبوعبدالله: كلامك هذا من كلام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو من عندك؟. فقال: من كلام رسول الله بعضه، و من عندي بعضه. فقال أبوعبدالله: فأنت اذا شريك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!. قال: لا. قال: فسمعت الوحي من الله تعالي؟. قال: لا. قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله؟. قال: لا. قال: فالتفت الي أبوعبدالله عليه السلام فقال: يا يونس هذا خصم نفسه قبل أن يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته. قال يونس: فيا لها من حسرة. فقلت جعلت فداك سمعتك تنهي عن الكلام، و تقول: ويل لأصحاب الكلام، يقولون: هذا ينقاد، و هذا ينساق، و هذا لا ينساق، و هذا نعقله،

و هذا لا نعقله!. [ صفحه 129] فقال أبوعبدالله عليه السلام: انما قلت: ويل لقوم تركوا قولي بالكلام، و ذهبوا الي ما يريدون. ثم قال: اخرج الي الباب فمن تري من المتكلمين فأدخله!. قال: فخرجت فوجدت حمران بن أعين، و كان يحسن الكلام، و محمد بن نعمان الأحول، و كان متكلما، و هشام بن سالم، و قيس الماصر، و كانا متكلمين و كان قيس عندي أحسنهم كلاما، و كان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين، فأدخلتهم، فلما استقر بنا المجلس و كنا في خيمة لأبي عبدالله عليه السلام في طرف جبل في طريق الحرم، و ذلك قبل الحج بأيام، فأخرج أبوعبدالله رأسه من الخيمة فاذا هو ببعير يخب قال: هشام و رب الكعبة. قال: و كنا ظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل، و كان شديد المحبة لأبي عبدالله، فاذا هشام بن الحكم، و هو أول ما اختطت لحيته، و ليس فينا الا من هو أكبر منه سنا، فوسع له أبوعبدالله عليه السلام و قال: «ناصرنا بقلبه و لسانه و يده» ثم قال لحمران: كلم الرجل يعني: الشامي فكلمه حمران و ظهر عليه ثم قال: يا طاقي كلمه! فكلمه فظهر عليه محمد بن نعمان. ثم قال لهشام بن سالم: كلمه! فتعارفا، ثم قال لقيس الماصر: كلمه! و أقبل أبوعبدالله عليه السلام يتبسم من كلامهما و قد استخذل الشامي في يده، ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام! يعني هشام بن الحكم فقال: نعم ثم قال الشامي لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا يعني: أباعبدالله عليه السلام؟. فغضب هشام حتي ارتعد ثم قال له: أخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه، أو خلقه لأنفسهم؟. فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه!. [ صفحه

130] قال: ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟. قال: كلفهم، و أقام لهم حجة و دليلا علي ما كلفهم به، و أزاح في ذلك عللهم. فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟. قال الشامي: هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. قال هشام: فبعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من؟ قال: الكتاب و السنة. فقال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنة فيما اختلفنا فيه، حتي رفع عنا الاختلاف، و مكننا من الاتفاق؟. فقال الشامي: نعم. قال هشام: فلم اختلفنا نحن و أنت، جئتنا من الشام تخالفنا، تزعم أن الرأي طريق الدين، و أنت مقر بأن الرأي لا يجمع علي القول الواحد المختلفين؟. فسكت الشامي كالمفكر. فقال أبوعبدالله عليه السلام: مالك لا تتكلم؟. قال: ان قلت: انا ما اختلفنا كابرت، و ان قلت ان الكتاب و السنة يرفعان عنا الاختلاف، أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك. فقال له أبوعبدالله: سله تجده مليا!. فقال الشامي لهشام: من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم؟. فقال: بل ربهم أنظر لهم. [ صفحه 131] فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم، و يرفع اختلافهم، و يبين لهم حقهم من باطلهم؟. فقال هشام: نعم. قال الشامي: من هو؟. قال هشام: أما في ابتداء الشريعة فرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أما بعد النبي فعترته. قال الشامي: من هو عترة النبي القائم مقامه في حجته؟. قال هشام: في وقتنا هذا أم قبله؟. قال الشامي: بل في وقتنا هذا. قال هشام: هذا الجالس يعني: أباعبدالله، الذي تشد اليه الرحال و يخبرنا بأخبار السماء وراثة عن جده. قال

الشامي: و كيف لي بعلم ذلك؟. فقال هشام: سله عما بدا لك. قال الشامي: قطعت عذري، فعلي السؤال. فقال أبوعبدالله عليه السلام: أنا أكفيك المسألة يا شامي: أخبرك عن مسيرك و سفرك، خرجت يوم كذا، و كان طريقك كذا، و مررت علي كذا و مر بك كذا، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره يقول: «صدقت و الله» فقال الشامي: أسلمت لله الساعة!. فقال له أبوعبدالله عليه السلام: بل آمنت بالله الساعة، ان الاسلام قبل الايمان و عليه يتوارثون، و يتناكحون، و الايمان عليه يثابون. [ صفحه 132] قال: صدقت، فأنا الساعة أشهد أن لا اله الا الله و أن محمد رسول الله، و أنك وصي الأنبياء. قال: فأقبل أبوعبدالله عليه السلام علي حمران فقال: يا حمران تجري الكلام علي الأثر فتصيب فالتفت الي هشام بن سالم فقال: تريد الأثر و لا تعرف، ثم التفت الي الأحوال فقال: قياس رواغ، تكسر باطلا ببلاطل. الا أن باطلك أظهر ثم التفت الي قيس الماصر فقال: تكلم و أقرب ما يكون من الخبر عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أبعد ما تكون منه، تمزج الحق بالباطل، و قليل الحق يكفي من كثير الباطل أنت و الأحول قفازان حادقان. قال يونس بن يعقوب: فظننت و الله أنه يقول لهشام، قريبا مما قال لهما. فقال: يا هشام لا تكاد تفع تلوي رجليك اذ هممت بالأرض طرت، مثلك فليكلم الناس واتق الزلة، و الشفاعة من ورائك [127] . و عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبدالله عليه السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين، و مؤمن الطاق، و هشام بن سالم، و الطيار، و جماعة من أصحابه، فيهم هشام

بن الحكم، و هو شاب فقال أبوعبدالله: يا هشام!. قال: لبيك يابن رسول الله!. قال: ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته؟ قال هشام: جعلت فداك يابن رسول الله، اني أجلك و أستحييك، و لا يعمل لساني بين يديك. فقال أبوعبدالله عليه السلام: اذا أمرتكم بشي ء فافعلوه!. [ صفحه 133] قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد، و جلوسه في مسجد البصرة، و عظم ذلك علي، فخرجت اليه، و دخلت البصرة يوم الجمعة، و أتيت مسجد البصرة فاذا أنا بحلقة كبيرة، و اذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف و شملة مرتد بها، و الناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم علي ركبتي، ثم قلت: أيها العالم أنا رجل غريب، أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟. قال: اسأل!. قلت له: ألك عين؟. قال: يا بني أي شي ء هذا من السؤال، اذا كيف تسأل عنه؟. فقلت: هذه مسألتي. فقال: يا بني! سل و ان كانت مسألتك حمقي. قلت: أجبني فيها. قال: فقال لي: سل!. فقلت: ألك عين؟. قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع بها؟. قال: أري بها الألوان و الأشخاص. قال: قلت: ألك أنف؟. قال: نعم. [ صفحه 134] قال: قلت: فما تصنع به؟. قال: أشم به الرائحة. قال: قلت: ألك لسان؟. قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟. قال: أتكلم به. قال: قلت: ألك أذن؟. قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟. قال: أسمع بها الأصوات. قال: قلت: ألك يدان؟. قال: نعم. قلت: فما تصنع بهما؟. قال: أبطش بهما، و أعرف بهما اللين من الخشن. قال: قلت: ألك رجلان؟. قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع

بهما؟. قال: أنتقل بهما من مكان الي مكان. قال: قلت: ألك فم؟. [ صفحه 135] قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟. قال: أعرف به المطاعم و المشارب علي اختلافها؟. قال: قلت: ألك قلب؟. قال: نعم. قال: قلت: فما تصنع به؟. قال: أميز به كلما ورد علي هذه الجوارح. قال: قلت: أفليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟. قال: لا. قلت: و كيف ذاك و هي صحيحة سليمة؟. قال: يا بني ان الجوارح اذا شكت في شي ء شمته أو رأته أو ذاقته، ردته الي القلب، فيتيقن بها اليقين، و أبطل الشك. قال: فقلت: فانما أقام الله عزوجل القلب لشك الجوارح؟. قال: نعم. قلت: لابد من القلب و الا لم يستيقن الجوارح. قال: نعم. قلت: يا أبامروان! ان الله تبارك و تعالي لم يترك جوارحكم حتي جعل لها اماما، يصحح لها الصحيح، و ينفي ما شكت فيه، و يترك هذا الخلق كله في حيرتهم، و شكهم، و اختلافهم، لا يقيم لهم اماما يردون اليه شكهم، و حيرتهم، و يقيم لك اماما لجوارحك، ترد اليه حيرتك و شكك. قال: فسكت و لم يقل شيئا. [ صفحه 136] قال: ثم التفت الي فقال لي: أنت هشام؟. قال: قلت: لا. فقال لي، أجالسته؟. فقلت: لا. قال: فمن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: فأنت اذا هو، ثم ضمني اليه، و أقعدني في مجلسه، و ما نطق حتي قمت، فضحك أبوعبدالله، ثم قال: يا هشام من علمك هذا؟ قلت: يابن رسول الله جري علي لساني. و ذكر [128] عن الصادق عليه السلام أنه قال: قوله عزوجل: (اهدنا الصراط المستقيم) يقول أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الي محبتك و المبلغ الي جنتك

من أن نتبع أهوائنا فنعطب، و نأخذ بآرائنا فنهلك، فان من اتبع هواه و أعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه و تصفه، فأحببت لقائه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محله فرأيته في موضع قد أحدقوا به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم، متغشيا بلثام أنظر اليه و اليهم، فما زال يراوغهم حتي خالف طريقهم، و فارقهم، و لم يقر. فتفرقت جماعة العامة عنه لحوائجهم، و تبعته أقتفي أثره، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معامله، ثم مر بعده بصاحب رمان، فمازال به حتي تغفله فأخذ من [ صفحه 137] عنده رمانتين مسارقة، فتعجبت منه، ثم قلت في نفسي: لعله معامله ثم أقول و ما حاجته اذا الي المسارقة ثم لم أزل أتبعه حتي مر بمريض، فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه، و مضي و تبعته، حتي استقر في بقعة من صحراء، فقلت له: يا أباعبدالله لقد سمعت بك و أحببت لقاءك، فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي، و أني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي. قال: ما هو؟. قلت: رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين، ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين. فقال لي: قبل كل شي ء حدثني من أنت؟. قلت: رجل من ولد آدم من أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم. قال: حدثني ممن أنت؟. قلت: رجل من أهل بيت رسول الله. قال: أين بلدك؟. قلت: المدينة. قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام. قلت: بلي. قال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت

به، و تركك علم جدك و أبيك، لأنه لا ينكر ما يجب أن يحمد و يمدح فاعله. [ صفحه 138] قلت: و ما هو؟. قال: القرآن كتاب الله. قلت: و ما الذي جهلت؟. قال: قول الله عزوجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها) و اني لما سرقت الرغيفين، كانت سيئتين، و لما سرقت الرمانتين، كانت سيئتين، فهذه أربع سيئات، فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة، انقص من أربعين حسنة أربع سيئات، بقي ست و ثلاثون. قلت: ثكلتك أمك! أنت الجاهل بكتاب الله! أما سمعت قول الله عزوجل: (انما يتقبل الله من المتقين)، [129] أنك لما سرقت رغيفين، كانت سيئتين، و لما سرقت الرمانتين كانت سيئتين، و لما دفعتها الي غيرها من غير رضا صاحبها، كنت انما أضفت أربع سيئات الي أربع سيئات، و لم تضف أربعين حسنة الي أربع سيئات، فجعل يلاحيني فانصرفت و تركته. و عن يونس بن يعقوب: عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام أنه قال: قال بعض المخالفين بحضرة الصادق عليه السلام لرجل من الشيعة: ما تقول في العشرة من الصحابة؟. قال: أقول فيهم القول الجميل الذي يحط الله به سيئاتي و يرفع به درجاتي. [ صفحه 139] قال السائل: الحمد لله علي ما أنقذني من بغضك، كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة. فقال الرجل: ألا من أبغض واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله. قال: لعلك تتأول ما تقول، فمن أبغض العشرة من الصحابة؟. فقال: من أبغض العشرة من الصحابة فعليه لعنة الله، و الملائكة و الناس أجمعين، فوثب فقبل أرسه فقال: اجعلني في حل مما قذفتك به من الرفض قبل اليوم. قال:

أنت في حل و أنت أخي ثم انصرف السائل فقال له الصادق عليه السلام: جودت لله درك! لقد عجبت الملائكة من حسن توريتك، و تلفظك بما خلصك، و لم تثلم دينك، زاد الله في قلوب مخالفينا غما الي غم و حجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم. فقال أصحاب الصادق عليه السلام: يابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما عقلنا من كلام هذا الا موافقته لهذا المتعنت الناصب. فقال الصادق عليه السلام: لئن كنتم لم تفهموا ما عني، فقد فهمناه نحن، فقد شكره الله له، أن ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا اذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه، وفقه لجواب يسلم معه دينه و عرضه، و يعظم الله بالتقية ثوابه أن صاحبكم هذا قال: من عاب واحدا منهم فعليه لعنة الله أي: من عاب واحدا منهم، هو: أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام و قال في الثانية: من عابهم و شتمهم فعليه لعنة الله: و قد صدق لأن من عابهم فقد عاب عليا عليه السلام لأنه أحدهم، فاذا لم يعب عليا و لم يذمه فلم يعبهم جميعا، و انما عاب بعضهم، و لقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا به الي فرعون مثل هذه التورية كان حزقيل يدعوهم الي توحيد [ صفحه 140] الله، و نبوة موسي، و تفضيل محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي جميع رسل الله و خلقه، و تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام و الخيار من الأئمة علي سائر أوصياء النبيين، و الي البراءة من فرعون فوشي به واشون الي فرعون، و قالوا ان حزقيل يدعو الي مخالفتك و يعين أعداءك علي مضادتك. فقال لهم فرعون:

ابن عمي، و خليفتي في ملكي، و ولي عهدي، ان كان قد فعل ما قلتم فقد استحق العذاب علي كفره نعمتي و ان كنتم عليه كاذبين فقد استحققهم أشد العذاب لايثاركم الدخول في مساءته، فجاء بحزقيل و جاء بهم فكاشفوه و قالوا: أنت تجحد ربوبية فرعون الملك، و تكفر نعمائه. فقال حزقيل: أيها الملك هل جربت علي كذبا قط. قال: لا. قال: فسلهم من ربهم؟. قالوا: فرعون. قال: و من خلقكم؟. قالوا: فرعون هذا. قال: و من رازقكم الكافل لمعايشكم، و الدافع عنكم مكارهكم؟. قالوا: فرعون هذا. قال حزقيل: أيها الملك فأشهدك و كل من حضرك، أن ربهم هو ربي، و خالقهم هو خالقي، و رازقهم هو رازقي، و مصلح معايشهم هو مصلح معايشي، لا رب لي و لا خالق غير ربهم و خالقهم و رازقهم، و أشهدك و من حضرك: أن كل رب و خالق سوي ربهم و خالقهم و رازقهم [ صفحه 141] فأنا بري ء منه، و من ربوبيته، و كافر بالهيته. يقول حزقيل هذا و هو يعني: أن ربهم هو الله ربي و لم يقل ان الذي قالوا: هم أنه ربهم هو ربي، و خفي هذا المعني علي فرعون و من حضره، و توهموا أنه يقول: فرعون ربي و خالقي و رازقي، فقال لهم: يا رجال السوء و يا طلاب الفساد في ملكي: و مريدي الفتنة بيني و بين ابن عمي، و هو عضدي، أنتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد أمري، و هلاك ابن عمي و الفت في عضدي، ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد و في صدره وتد، و أمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم،

فذلك ما قال الله تعالي: (فوقاه الله سيئات ما مكروا) [130] لما وشوا به الي فرعون ليهلكوه و حاق بآل فرعون سوء العذاب، و هم الذين وشوا بحزقيل اليه لما أوتد فيهم الأوتاد، و مشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط [131] . و مثل هذه التورية قد كانت لأبي عبدالله عليه السلام في مواضع كثيرة، فمن ذلك ما رواه معاوية بن وهب [132] عن سعيد بن سمان [133] قال: كنت عند أبي عبدالله اذ دخل عليه رجلان من الزيدية، فقالا له: أفيكم امام مفترض طاعته؟. قال: فقال: لا. [ صفحه 142] فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقاة أنك تقول به، و سموا أقواما و قالوا: هم أصحاب ورع و تشمير، و هم ممن لا يكذب فغضب أبوعبدالله عليه السلام و قال: ما أمرتهم بهذا، فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا. فقال لي: أتعرف هذين؟. قلت: هم من أهل سوقنا، و هما من الزيدية، و هما يزعمان: أن سيف رسول الله عند عبدالله بن الحسن. فقال: كذبا لعنهما الله، و هو ما رآه عبدالله بن الحسن بعينيه، و لا بواحدة من عينيه، و لا رآه أبوه، اللهم الا أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليه السلام فان كانا صادقين فما علامة في مقبضه، و ما أثر في موضع مضربه، و أن عندي لسيف رسول الله، و أن عندي لراية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و درعه، و لامته و مغفره، فان كانا صادقين فما علامة من درع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ و أن عندي لراية رسول الله المغلبة، و أن عندي ألواح موسي و عصاه، و أن عندي لخاتم سليمان بن داود

و أن عندي الطست الذي كان موسي يقرب بها القربان، و أن عندي الاسم الذي كان رسول الله اذا وضعه بين المسلمين و المشركين، لم يصل من المشركين الي المسلمين نشابة، و أن عندي لمثل التابوت الذي جاءت به الملائكة، و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني اسرائيل، كانت بنواسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت علي أبوابهم أوتوا النبوة، و من صار اليه السلاح منا أوتي الامامة، و لقد لبس أبي درع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فخطت علي الأرض خططا، و لبستها أنا و كانت تخط علي الأرض -: طويلة - بمثل ما كانت علي أبي، و قائمنا من اذا لبسها ملأها ان شاء الله تعالي. و كان الصادق عليه السلام يقول: علمنا غابر و مزبور، و نكت في القلوب، [ صفحه 143] و نقر في الأسماع، و أن عندنا الجفر الأحمر، و الجفر الأبيض، و مصحف فاطمة عليهاالسلام، و عندنا الجامعة، فيها جميع ما يحتاج اليه الناس، فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: أما الغابر: فالعلم بما يكون، و المزبور: فالعلم بما كان، و أما النكت في القلوب: فهو الالهام، و النقر في الأسماع: فحديث الملائكة، نسمع كلامهم، و لا نري أشخاصهم، و أما الجفر الأحمر: فوعاء فيه توراة موسي، و انجيل عيسي، و زبور داود و كتب الله. و أما مصحف فاطمة: ففيه ما يكون من حادث، و أسماء من يملك الي أن تقوم الساعة. و أما الجامعة: فهو: كتاب طوله سبعون ذراعا، املاء رسول الله من فلق فيه وخط علي ابن أبي طالب عليه السلام بيده. فيه و الله جميع ما يحتاج الناس اليه الي يوم القيامة، حتي أن

فيه أرش الخدش، و الجلدة و نصف الجلدة [134] . و لقد كان زيد بن علي بن الحسين [135] يطمع أن يوصي اليه أخوه الباقر عليه السلام، و يقيمه مقامه في الخلافة بعده، مثل ما كان يطمع في ذلك محمد بن الحنفية بعد وفاة أخيه الحسين صلوات الله عليه، حتي رأي من ابن أخيه زين العابدين عليه السلام من المعجزة الدالة علي امامته ما رأي فكذلك زيد رجا أن يكون القائم مقام أخيه الباقر صلوات الله عليه، حتي سمع ما [ صفحه 144] سمع من أخيه و رأي ما رأي من ابن أخيه، أبي عبدالله الصادق. فمن ذلك ما رواه صدقة ابن أبي موسي، عن أبي بصير قال: لما حضر أباجعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام الوفاة، دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد اليه عهدا، فقال له أخوه زيد بن علي: لما امتثلت في مثال الحسن و الحسين عليهماالسلام رجوت أن لا تكون أتيت منكرا. فقال له الباقر عليه السلام: يا أباالحسن ان الأمانات ليست بالمثال، و لا العهود بالرسوم، انما هي أمور سابقة عن حجج الله تبارك و تعالي، ثم دعا بجابر بن عبدالله الأنصاري فقال: يا جابر حدثنا بما عاينت من الصحيفة؟. فقال له: نعم يا أباجعفر، دخلت علي مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأهنيها بولادة الحسن عليه السلام، فاذا بيدها صحيفة بيضاء من درة، فقلت يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟. قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي. قلت لها: ناوليني لأنظر فيها!. قالت: يا جابر لولا النهي لكنت أفعل، ولكنه قد نهي أن يمسها الا نبي أو وصي نبي، أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر الي باطنها من

ظاهرها. قال جابر: فقرأت فاذا فيها: أبوالقاسم محمد بن عبدالله المصطفي ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، أمه آمنة. أبوالحسن علي ابن أبي طالب عليه السلام المرتضي، أنه فاطمة بنت أسد [ صفحه 145] بن هاشم بن عبدمناف. أبومحمد الحسن بن علي البر التقي، أبوعبدالله الحسين بن علي أمهما فاطمة بنت محمد. أبومحمد علي بن الحسين العدل، أمه شهربانويه بنت يزجرد بن شهريار. أبوجعفر محمد بن علي الباقر، أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي ابن أبي طالب. أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق، أمه: «أم فروة» بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر. أبوابراهيم موسي بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها «حميدة» المصفاة. أبوالحسن علي بن موسي الرضا، أمه جارية اسمها: «نجمة». أبوجعفر محمد بن علي الزكي أمه جارية اسمها: «خيزران». أبوالحسن علي بن محمد الأمين، أمه جارية اسمها: «سوسن». أبومحمد الحسن بن علي الرضي، أمه جارية اسمها: «سمانة» تكني أم الحسن. أبوالقاسم محمد بن الحسن و هو الحجة القائم، أمه جارية اسمها: «نرجس» صلوات الله عليهم أجمعين [136] . و عن زرارة بن أعين قال: قال لي زيد بن علي و أنا عند أبي عبدالله [ صفحه 146] عليه السلام: يا فتي ما تقول في رجل من آل محمد استنصرك؟ قال: قلت: ان كان مفروض الطاعة، فلي أن أفعل ولي أن لا أفعل. فلما خرج قال أبوعبدالله: أخذته و الله من بين يديه و من خلفه، و ما تركت له مخرجا. و قيل للصادق عليه السلام: ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل و يقتل معه بشر كثير فأطرق طويلا ثم قال: ان فيهم الكذابين و في غيرهم المكذبين. و روي عنه صلوات الله عليه أنه قال: ليس منا أحد

الا و له عدو من بيته، فقيل له: بنو الحسن لا يعرفون لمن الحق؟. قال: بلي و لكن يحملهم الحسد [137] . عن أبي يعقوب [138] قال: لقيت أنا و معلي بن خنيس [139] الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال: يا يهودي فأخبرنا بما قال فينا جعفر بن محمد عليه السلام؟ فقال: هو و الله أولي باليهودية منكما ان اليهودي من شرب الخمر. و بهذا الأسناد قال: سمعت أباعبدالله يقول لو توفي الحسن بن الحسن علي الزنا و الربا و شرب الخمر، كان خيرا له مما توفي عليه [140] . [ صفحه 147] و عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن هذه الآية: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) [141] قال: أي شي ء تقول؟ قلت: اني أقول أنها خاصة لولد فاطمة. فقال عليه السلام: أما من سل سيفه و دعا الناس الي نفسه الي الضلال من ولد فاطمة و غيرهم، فليس بداخل في الآية، قلت: من يدخل فيها قال: الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس الي ضلال و لا هدي و المقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الامام و السابق بالخيرات هو الامام [142] . عن محمد ابن أبي عمير الكوفي [143] عن عبدالله بن الوليد السمان [144] قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: ما يقول الناس في أولي العزم و صاحبكم أميرالمؤمنين عليه السلام؟ قال: قلت: ما يقدمون علي أولي العزم أحدا. قال: فقال أبوعبدالله عليه السلام: ان الله تبارك و تعالي قال لموسي: (و كتبنا له في الألواح من كل شي ء موعظة) [145] و لم يقل كل شي ء موعظة. و قال لعيسي: (و لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) [146] و لم يقل كل [ صفحه

148] شي ء و قال لصاحبكم أميرالمؤمنين عليه السلام: (قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب) [147] و قال الله عزوجل: (و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين) [148] و علم هذا الكتاب عنده [149] . و عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: ان لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل، قلت له: و لم جعلت فداك؟. قال: الأمر لا يؤذن لي في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟. قال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالي ذكره، ان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة، و قتل الغلام، و اقامة الجدار لموسي عليه السلام، الا وقت افتراقهما. يابن الفضل ان هذا الأمر أمر من الله، و سر من سر الله، و غيب من غيب الله، و متي علمنا أنه عزوجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، و ان كان وجهها غير منكشف [150] . و عن علي بن الحكم [151] عن أبان قال: أخبرني الأحول أبوجعفر محمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق: ان زيد بن علي بن الحسين بعث [ صفحه 149] اليه و هو مختف قال: فأتيته فقال لي: يا أباجعفر ما تقول ان طرقك طارق منا أتخرج معه؟. قال: قلت له: ان كان أبوك أو أخوك خرجت معه. قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج و أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي!. قال: قلت: لا أفعل ذلك جعلت فداك!. قال: فقال لي: أترغب بنفسك عني؟. قال: فقلت له:

انما هي نفس واحدة، فان كان لله تعالي في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج، و الخارج معك هالك، و ان لم يكن لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك و الخارج معك سواء. قال: فقال لي: يا أباجعفر كنت أجلس مع أبي علي الخوان، فيلقمني اللقمة السمينة، و يبرد لي اللقمة الحارة حتي تبرد شفقة علي، و لم يشفق علي من حر النار اذ أخبرك بالدين و لم يخبرني به. قال: قلت له: من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار و أخبرني، فان قبلته نجوت، و ان لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ثم قلت له: جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟. قال: بل الأنبياء. قلت: يقول يعقوب ليوسف: (يا بني لا تقصص رؤياك علي أخوتك فيكيدوا لك كيدا) [152] لم لم يخبرهم حتي كانوا لا يكيدونه ولكن [ صفحه 150] كتمه و كذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك. قال: فقال: أما و الله لئن قلت ذلك فقد حدثني صاحبك بالمدينة اني أقتل و أصلب بالكناسة، و أن عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي. قال: فحججت و حدثت أباعبدالله عليه السلام بمقالة زيد و ما قلت له: فقال لي: أخذته من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن يساره، و من فوق رأسه و من تحت قدميه، و لم تترك له مسلكا يسلكه [153] . و عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء، و أبوشاكر الديصاني، الزنديق، و عبدالملك البصري، و ابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحاج و يطعنون بالقرآن. فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن و ميعادنا من

قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه و قد نقضنا القرآن كله، فان في نقض القرآن ابطال نبوة محمد، و في ابطال نبوته ابطال الاسلام. و اثبات ما نحن فيه، فاتفقوا علي ذلك و افترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام فقال ابن أبي العوجاء: أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) [154] ، فما أقدر أن أضم اليها في فصاحتها و جميع معانيها شيئا، فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها. فقال عبدالملك: و أنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا [ صفحه 151] و لو اجتمعوا و ان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب) [155] ، و لم أقدر علي الاتيان بمثلها. فقال أبوشاكر: و أنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا) [156] ، و لم أقدر علي الاتيان بمثلها. فقال ابن المقفع: يا قوم ان هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، و أنا منذ فارقتكم في هذه الآية: (و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي و غيض الماء و قضي الأمر و استوت علي الجودي و قيل بعدا للقوم الظالمين) [157] لم أبلغ غاية المعرفة بها، و لم أقدر علي الاتيان بمثلها. قال هشام بن الحكم: فبينما هم في ذلك، اذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقال: (قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا) [158] فنظر القوم بعضهم

الي بعض و قالوا: لئن كان للاسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد الا الي جعفر بن محمد، و الله ما رأيناه قط الا هبناه و اقشعرت جلودنا لهيبته، ثم تفرقوا مقرين بالعجز [159] . [ صفحه 153]

احتجاجه مع سفيان الثوري، احتجاجه علي الصوفية لما دخلوا عليه فيما ينهون عنه (من طلب الرزق)

اشاره

دخل سفيان الثوري علي أبي عبدالله عليه السلام فرأي عليه ثيابا بيضا كأنها غرقي ء البياض [160] فقال له: ان هذا ليس من لباسك. فقال عليه السلام له: اسمع مني وع ما أقول لك فانه خير لك عاجلا و آجلا ان كنت أنت مت علي السنة و الحق و لم تمت علي بدعة. أخبرك أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان في زمان مقفر جشب [161] فاذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لافجارها. و مؤمنوها لا منافقوها. و مسلموها لا كفارها. فما أنكرت يا ثوري، فو الله - اني لمع ما تري - ما أتي علي مذ عقلت صباح و لا مساء و لله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا الا وضعته. فقال: ثم أتاه قوم ممن يظهر التزهد و يدعون الناس أن يكونوا [ صفحه 154] معهم علي مثل الذي هم عليه من التقشف [162] فقالوا: ان صاحبنا حصر عن كلامك [163] و لم تحضره حجة. فقال عليه السلام لهم: هاتوا حججكم. فقالوا: ان حججنا من كتاب الله. قال عليه السلام لهم: فأدلوا بها [164] فانها أحق ما اتبع و عمل به. فقالوا: يقول الله تبارك و تعالي مخبرا عن قوم من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم: (و يؤثرون علي أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) [165] ، فمدح فعلهم. و قال في

موضع آخر: (و يطعمون الطعام علي حبه مسكينا و يتيما و أسيرا) [166] فنحن نكتفي بهذا. فقال رجل من الجلساء: انا ما رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتي تتمتعوا أنتم بها. فقال أبوعبدالله عليه السلام: دعوا عنكم ما لا ينتفع به، أخبروني أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه. و محكمه من متشابهه، الذي في مثله ضل من ضل و هلك من هلك من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا له: بعضه، فأما كله فلا. فقال عليه السلام لهم: من هاهنا أوتيتم [167] و كذلك أحاديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أما ما ذكرتم من أخبار الله ايانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم لحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه علي الله و ذلك أن الله جل و تقدس أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم و كان نهي تبارك و تعالي رحمة لمؤمنين و نظرا لكيلا يضروا بأنفسهم و عيالاتهم، منهم الضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفان و العجوز الكبيرة [ صفحه 155] الذين لا يصبرون علي الجوع، فان تصدقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعا فمن ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير، أو دراهم يملكها الانسان و هو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الانسان علي والديه، ثم الثانية علي نفسه و عياله، ثم الثالثة علي القرابة و اخوانه المؤمنين. ثم الرابعة علي جيرانه الفقراء. ثم الخامسة في سبيل الله و هو أخسها أجرا.

و قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم للأنصاري. حيث أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق [168] و لم يكن يملك غيرهم و له أولاد صغار -: «لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين ترك صبية صغار يتكففون الناس» [169] ثم قال: حدثني أبي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ابدأ بمن تعول الأدني فالأدني. ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم و نهيا عنه مفروض من الله العزيز الحكيم قال: (الذين اذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما) [170] أفلا ترون أن الله تبارك و تعالي عير ما أراكم تدعون اليه و المسرفين، و في غير آية من كتاب الله يقول: (انه لا يحب المسرفين) [171] فنهاهم عن الاسراف و نهاهم عن التقتير لكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ان أضعافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو علي والديه. و رجل يدعو علي غريم ذهب له بمال و لم يشهد عليه [172] . [ صفحه 156] و رجل يدعو علي امرأته و قد جعل الله تخلية سبيلها بيده. و رجل يقعد في البيت و يقول: يا رب أرزقني و لا يخرج يطلب الرزق فيقول الله جل وعز: عبدي! أو لم أجعل لك السبيل الي الطلب و الضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لا تباع أمري ولكي لا تكون كلا علي أهلك فان شئت رزقتك و ان شئت

قترت عليك و أنت معذور عندي. و رجل رزقه الله مالا كثيرا فأنفقه ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني، فيقول الله: ألم أرزقك رزقا واسعا أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف و قد نهيتك. و رجل يدعو في قطيعة رحم». ثم علم الله نبيه صلي الله عليه و آله و سلم كيف ينفق و ذلك أنه كانت عنده صلي الله عليه و آله و سلم أوقية من ذهب [173] فكره أن تبيت عنده شي ء فتصدق و أصبح ليس عنده شي ء. و جاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل و اغتم هو صلي الله عليه و آله و سلم حيث لم يكن عنده ما يعطيه و كان رحيما رفيقا فأدب الله نبيه صلي الله عليه و آله و سلم بأمره اياه فقال: (و لا تجعل يدك مغلولة الي عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) [174] يقول: ان الناس قد يسألونك و لا يعذرونك، فاذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد خسرت من المال فهذه أحاديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يصدقها الكتاب و الكتاب يصدقه أهله من المؤمنين. و قال أبوبكر عند موته حيث قيل له: أوص فقال: أوصي بالخمس و الخمس كثير فان الله قد رضي بالخمس. فأوصي بالخمس و قد جعل الله عزوجل له الثلث عند موته و لو علم أن الثلث خير له أوصي به. ثم من قد علمتم بعده في فضله و زهده سلمان و أبوذر رضي الله [ صفحه 157] عنهما فأما سلمان رضي الله عنه فكان اذا أخذ علطاءه رفع منه قوته لسنته حتي يحضره عطاؤه من قابل.

فقيل له: يا أباعبدالله أنت في زهدك تصنع هذا و انك لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا. فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء. أو ما علمتم يا جهلة أن النفس تلتاث علي صاحبها [175] اذ لم يكن له من العيش ما تعتمد عليه، فاذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت. فأما أبوذر رضي الله عنه فكانت لو نويقات و شويهات يحلبها [176] و يذبح منها اذا اشتهي أهله اللحم، أو نزل به ضيف أو رأي بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور، أو من الشياه علي قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم، [177] فيقسمه بينهم و يأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم. و من أزهد من هؤلاء؟ و قد قال فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بالقاء أمتعتهم و شيئهم و يؤثرون به علي أنفسهم و عيالاتهم. و اعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن أبائه عليهم السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال يوما: «ما عجبت من شي ء كعجبي من المؤمن أنه ان قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له، و ان ملك ما بين مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له فكل ما يصنع الله عزوجل به فهو خير له» فليت شعري هل يحيق فيكم اليوم [178] ما قد شرحت لكم أم أزيدكم. أو ما علمتم أن الله جل اسمه قد فرض علي المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل [ صفحه 158] الرجل منهم عشرة من المشركين

ليس له أن يولي وجهه عنهم و من ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ثم حولهم من حالهم رحمة منه فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عزوجل عن المؤمنين، فنسخ الرجلان العشرة. و أخبروني أيضا عن القضاة أجور منهم حيث يفرضون علي الرجل منكم نفقة امرأته اذا قال: أنا زاهد و انه لا شي ء لي؟ فان قلتم: جور ظلمتم أهل الاسلام و ان قلتم: بل عدل خصمتم أنفسكم. و حيث تريدون صدقة من تصدق علي المساكين عند الموت بأكثر من الثلث؟ أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم، فعلي من كان يتصدق بكفارات الأيمان و النذور و الصدقات من فرض الزكاة من الابل و الغنم و البقر و غير ذلك من الذهب و الفضة و النخل و الزبيب و سائر ما قد وجبت فيه الزكاة؟ اذا كان الأمر علي ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا الا قدمه و ان كان به خصاصة. فبئس ما ذهبتم اليه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عزوجل و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و أحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل، أو ردكم اياها بجهالتكم و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الأمر و النهي. و أخبروني أنتم عن سليمان بن داود عليه السلام حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله جل اسمه ذلك، و كان عليه السلام يقول الحق و يعمل به ثم لم نجد الله عاب ذلك عليه و لا أحدا من

المؤمنين. و داود عليه السلام قبله في ملكه و شدة سلطانه. ثم يوسف النبي عليه السلام حيث قال لملك مصر: (اجعلني علي خزائن الأرض اني حفيظ عليم) [179] فكان أمره [ صفحه 159] الذي كان اختار مملكة الملك و ما حولها الي اليمن فكانوا يمتارون الطعام [180] من عنده لمجاعة أصابتهم، و كان عليه السلام يقول الحق و يعمل به فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه. ثم ذوالقرنين عبد أحب الله فأحبه، طوي له الأسباب و ملكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول بالحق و يعمل به ثم لم نجد أحدا عاب ذلك عليه فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عزوجل للمؤمنين و اقتصروا علي أمر الله و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به وردوا [ال] - علم الي أهله توجروا و تعذروا عند الله تبارك و تعالي و كونوا في طلب علم الناسخ من القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما أحل الله فيه مما حرم، فانه أقرب لكم من الله و أبعد لكم من الجهل. و دعوا الجهالة لأهلها فان أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل و قد قال الله: (و فوق كل ذي علم عليم) [181] [182] .

و من الخبر المشتهر بتوحيد المفضل

(البحار: ج 3 ص 57.) قال الامام عليه السلام للمفضل: يا مفضل: أول العبر و الأدلة علي الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم و تأليف أجزائه و نظمها علي ما هي عليه، فانك اذا تأملت العالم بفكرك و ميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج اليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، و الأرض ممدودة كالبساط، و النجوم منضودة [183] كالمصابيح، و الجواهر مخزونة كالذخائر، [ صفحه

160] و كل شي ء فيها لشأنه معد، و الانسان كالمملك ذلك البيت، و المخول [184] جميع ما فيه، و ضروب النبات مهيأة لمآربه، و صنوف الحيوان مصروفة في مصالحه و منافعه، ففي هذا - دلالة واضحة علي أن العالم مخلوق بتقدير و حكمة، و نظام و ملائمة، و أن الخالق له واحد و هو الذي ألفه و نظمه بعضا الي بعض، جل قدسه، و تعالي جده، و كرم وجهه، و لا اله غيره، تعالي عما يقول الجاحدون. قال الامام عليهاالسلام ذ: اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة، و اعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة ان بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة، و عللا عظيمة من ذهاب البصر و غيره، فالبكاء مسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم، و السلامة في أبصارهم، أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء و والداه لا يعرفان ذلك، فهما دائبان [185] ليسكتاه و يتوخيان [186] في الأمور مرضاته لئلا يبكي، و هما لا يعلمان أن البكاء أصلح له و أجمع عاقبة، فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالاهمال، و لو عرفوا ذلك لم يقضوا علي الشي ء أنه لا منفعة فيه من أجل أنهم لا يعرفونه و لا يعلمون السبب فيه، فان كل ما لا يعرفه [187] المنكرون يعلمه العارفون و كثير مما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه و علت كلمته، فأما ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في أبدانهم لأحدثت عليهم الأمور العظيمة، كمن تراه قد غلبت عليه [ صفحه 161] الرطوبة فأخرجته الي

البله [188] و الجنون و التخليط [189] الي غير ذلك من الأمراض المختلفة، كالفالج و اللقوة [190] ، و ما أشبهما، فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم، فتفضل علي خلقه بما جهلوه، و نظر لهم بما لم يعرفوه، و لو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته، فسبحانه ما أجل نعمته و أسبغها علي المستحقين و غيرهم من خلقه، و تعالي عما يقول المبطلون علوا كبيرا. فكر يا مفضل في أعضاء البدن أجمع و تدبير كل منها للارب فاليدان للعلاج، و الرجلان للسعي، و العينان للاهتداء، و الفم للاغتذاء، و المعدة للهضم، و الكبد للتخليص [191] ، و المنافذ لتنفيذ الفضول، و الأوعية لحملها، و الفرج لاقامة النسل، و كذلك جميع الأعضاء اذا تأملتها و أعملت فكرك فيها و نظرك وجدت كل شي ء منها قد قدر لشي ء علي صواب و حكمة. قال المفضل: فقلت: يا مولاي ان قوما يزعمون أن هذا الفعل من الطبيعة، فقال: سلهم عن هذه الطبيعة، أهي شي ء له علم و قدرة علي مثل هذه الأفعال، أم ليست كذلك؟ فان أوجبوا لها العلم و القدرة فما يمنعهم من اثبات الخالق؟ فان هذه صنعته، و ان زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم و لا عمد و كان في أفعالها ما قد تراه من الصواب و الحكمة، علم أن [ صفحه 162] هذا الفعل للخالق الحكيم، و أن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه الجارية علي ما أجراها عليه. يا مفضل انظر الي ما خص به الانسان في خلقه تشريفا و تفضيلا علي البهائم، فانه خلق ينتصب قائما و

يستوي جالسا، ليستقبل الأشياء بيديه و جوارحه، و يمكنه العلاج و العمل بهما، فلو كان مكبوبا علي وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئا من الأعمال. انظر الآن يا مفضل الي هذه الحواس التي خص بها الانسان في خلقه و شرف بها علي غيره، كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكن من مطالعة الأشياء، و لم تجعل في الأعضاء التي تحتهن كاليدين و الرجلين، فتعرضها الآفات، و تصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعللها و يؤثر فيها و ينقص منها، و لا في الأعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلبها و اطلاعها نحو الأشياء، فلما لم يكن لها في شي ء من هذه الأعضاء موضع كان الرأس أسني المواضع للحواس، و هو بمنزلة الصومعة لها، فجعل الحواس خمسا تلقي خمسا لكي لا يفوتها شي ء من المحسوسات، فخلق البصر ليدرك الألوان: فلو كانت الألوان و لم يكن بصر يدركها لم يكن منفعة فيها، و خلق السمع ليدرك الأصوات، فلو كانت الأصوات و لم يكن سمع يدركها لم يكن فيها ارب [192] ، و كذلك سائر الحواس، ثم هذا يرجع متكافئا، فلو كان بصر و لم يكن ألوان لما كان للبصر معني، و لو كان سمع و لم يكن أصوات لم يكن للسمع موضع، فانظر كيف قدر بعضها يلقي بعضا فجعل لكل حاسة محسوسا يعمل فيه، و لكل محسوس حاسة تدركه، و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسطة بين [ صفحه 163] الحواس و المحسوسات، لا يتم الحواس الا بها، كمثل الضياء و الهواء فانه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون، و لو لم يكن هواء

يؤدي الصوت الي السمع، لم يكن السمع يدرك الصوت، فهل يخفي علي من صح نظره و أعمل فكره أن مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس و المحسوسات بعضها يلقي بعضا، و تهيئة أشياء أخر بها تتم الحواس لا يكون الا بعمد و تقدير من لطيف خبير. فكر يا مفضل فيمن عدم البصر من الناس و ما يناله من الخلل في أموره، فانه لا يعرف موضع قدمه، و لا يبصر ما بين يديه، فلا يفرق بين الألوان، و بين المنظر الحسن و القبيح، و لا يري حفرة ان هجم عليها [193] ، و لا عدوا ان أهوي اليه بسيف، و لا يكون له سبيل الي أن يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة و التجارة و الصياغة حتي أنه لولا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقي، و كذلك من عدم السمع يختل في أمور كثيرة فانه يفقد روح المخاطبة و المحاورة، و يعدم لذة الأصوات و اللحون الشجية المطربة، و يعظم المؤونة علي الناس في محاورته، حتي يتبرموا به [194] و لا يسمع شيئا من أخبار الناس و أحاديثهم، حتي يكون كالغائب و هو شاهد، أو كالميت و هو حي، فأما من عدم العقل فانه يلحق بمنزلة البهائم، بل يجهل كثيرا مما يهتدي اليه البهائم، أفلا تري كيف صارت الجوارح و العقل و سائر الخلال [195] التي بها صلاح الانسان و التي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل يوافي خلقه علي التمام حتي لا يفقد شيئا منها، فلم كان كذلك الا لأنه خلق بعلم و تقدير؟. [ صفحه 164] أطل الفكر يا مفضل في الصوت و الكلام و تهيئة آلاته

في الانسان، فالحنجرة كالأنبوبة [196] لخروج الصوت، و اللسان و الشفتان و الأسنان لصياغة الحروف و النغم، ألا تري أن من سقطت أسنانه لم يقم السين، و من سقطت شفته لم يصحح الفاء، و من ثقل لسانه لم يفصح الراء، و أشبه شي ء بذلك المزمار الأعظم، فالحنجرة يشبه قصبة المزمار و الرية يشبه الزق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح، و العضلات التي تقبض علي الرية ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض علي الزق حتي تجري الريح في المزمار، و الشفتان و الأسنان التي تصوغ الصوت حروفا و نغما كالأصابع التي يختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره ألحانا، غير أنه و ان كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة و التعريف فان المزمار بالحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت. قد أنبأتك بما في الأعضاء من الغناء في صنعة الكلام و اقامة الحروف، و فيها مع الذي ذكرت لك مآرب أخري، فالحنجرة يسلك فيها هذا النسيم الي الرية فتروح علي الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احتبس شيئا يسيرا لهلك الانسان، و باللسان تذاق الطعوم فيميز بينها و يعرف كل واحد منها حلوها و مرها و حامضها من مزها [197] ، و مالحها من عذبها، و طيبها من خبيثها، و فيه مع ذلك معونة علي اساغة الطعام و الشراب، و الأسنان تمضغ الطعام حتي تلين و يسهل اساغته، و هي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما و تدعمهما من داخل الفم [198] ، و اعتبر ذلك بأنك تري من سقطت أسنانه مسترخي الشفة و مضطربها، و بالشفتين [ صفحه 165] يترشف الشراب [199] حتي يكون الذي يصل الي الجوف منه بقصد و قدر لا يثج ثجا [200] فيغص به الشارب أو

ينكا في الجوف، ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق علي الفم يفتحهما الانسان اذا شاء و يطبقهما اذا شاء، ففيما وصفنا من هذا بيان أن كل واحد من هذه الأعضاء يتصرف و ينقسم الي وجوه من المنافع، كما تتصرف الأداة الواحدة في أعمال شتي، و ذلك كالفأس [201] يستعمل في النجارة و الحفر و غيرها من الأعمال، و لو رأيت الدماغ اذا كشف عنه لرأيته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصوفه من الأعراض و تمسكه فلا يضطرب، ولو رأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما يفته [202] هد الصدمة و الصكة [203] التي ربما وقعت في الرأس، ثم جللت الجمجمة بالشعر حتي صار بمنزلة الفرو للرأس يستره من شدة الحر و البرد، فمن حصن الدماغ هذا التحصين الا الذي خلقه و جعله ينبوع الحس و المتسحق للحيطة و الصيانة بعلو منزلته من البدن و ارتفاع درجته و خطر مرتبته؟!. يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر. و كساه المدرعة التي هي غشاؤه، و حصنه بالجوانح [204] و ما عليها من اللحم و العصب لئلا يصل اليه ما ينكؤه؟ من جعل في الحلق منفذين؟ أحدهما لمخرج الصوت و هو الحلقوم المتصل بالرية و الآخر منفذ الغذاء و هو المري ء المتصل بالمعدة الموصل الغذاء اليها، و جعل علي الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل الي [ صفحه 166] الرية فيقتل؟ من جعل الرية مروحة الفؤاد؟ لا تفتر و لا تخل [205] لكيلا تتحيز [206] الحرارة في الفؤاد فتؤدي الي التلف، من جعل لمنافذ البول و الغائط أشراجا تضبطهما؟ لئلا يجريا جريانا دائما فيفسد علي الانسان عيشه فكم عسي أن يحصي المحصي من هذا؟ بل الذي لا

يحصي منه و لا يعلمه الناس أكثر، من جعل المعدة عصبانية شديدة و قدرها. فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في أنابيب العظام؟ هل ذلك الا ليحفظه و يصونه؟ لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف الا لتضبطه فلا يفيض؟ لم صارت الأظفار علي أطراف الأصابع الا وقاية لها و معونة علي العمل؟ لم صار داخل الأذن ملتويا كهيئة الكوكب [207] الا ليطرد فيه الصوت حتي ينتهي الي السمع [208] و ليتكسر حمة الريح فلا ينكأ في السمع؟ لم حمل الانسان علي فخذيه و أليتيه هذا اللحم الا ليقيه من الأرض فلا يتألم من الجلوس عليهما، كما يألم من نحل جسمه و قل لحمه اذا لم يكن بينه و بين الأرض حائل يقيه صلابتها؟ من جعل الانسان ذكرا و أنثي الا من خلقه متناسلا؟ و من خلقه متناسلا الا من خلقه مؤملا [209] ، و من خلقه مؤملا و من أعطاه آلات العمل الا من خلقه عاملا؟ و من خلقه عاملا الا من جعله محتاجا؟ و من جعله محتاجا الا من ضربه بالحاجة [210] ؟ و من ضربه بالحاجة الا من توكل [ صفحه 167] بتقويمه [211] ؟ من خصه بالفهم الا من أوجب له الجزاء؟ و من وهب له الحيلة الا من ملكه الحول [212] ؟ و من ملكه الحول الا من ألزمه الحجة؟ من يكفيه ما لا تبلغه حيلته الا من لم يبلغ مدي شكره؟ فكر و تدبر ما وصفته، هل تجد الاهمال علي هذا النظام و الترتيب؟ تبارك الله عما يصفون. أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد، اعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في

الرية تروح عن الفؤاد، حتي لو اختلفت تلك الثقب و تزايل بعضها من بعض لما وصل الروح الي الفؤاد و لهلك الانسان أفيستجيز ذو فكر و روية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالاهمال و لا يجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول [213] لو رأيت فردا من مصراعين فيه كلوب [214] أكنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معني؟ بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقي فردا آخر فتبرزه ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة، و هكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد أنثي فيلتقيان لما فيه من دوام النسل و بقاؤه فتبا و خيبة و تعسا لمنتحلي الفلسفة [215] ، كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتي أنكروا التدبير و العمد فيها؟ لو كان فرج الرجل مسترخيا كيف كان يصل الي قعر الرحم حتي يفرغ النطفة فيه؟ و لو كان منعظا أبدا كيف كان الرجل يتقلب في الفراش أو يمشي بين الناس و شي ء شاخص أمامه؟ ثم يكون في ذلك مع قبح المنظر تحريك الشهوة في كل وقت من الرجال و النساء جميعا، فقدر الله جل اسمه أن يكون أكثر ذلك لا [ صفحه 168] يبدو للبصر في كل وقت و لا يكون علي الرجال منه مؤونة، بل جعل فيه القوة علي الانتصاب وقت الحاجة الي ذلك لما قدر أن يكون فيه دوام النسل و بقاؤه. فكر يا مفضل في الأفعال التي جعلت في الانسان من الطعم [216] و النوم و الجماع و ما دبر فيها فانه جعل لكل واحد منها في الطباع نفسه محرك يقتضيه و يستحث به فالجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن و

قوامه، و الكري [217] تقتضي النوم الذي فيه راحة البدن و اجمام [218] قواه، و الشبق [219] يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل و بقاؤه، و لو كان الانسان انما يصير الي أكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه اليه و لم يجد من طباعه شيئا يضطره الي ذلك كان خليقا أن يتواني عنه أحيانا بالتثقل و الكسل حتي ينحل بدنه فيهلك [220] ، كما يحتاج الواحد الي الدواء بشي ء مما يصلح ببدنه فيدافع به حتي يؤديه ذلك الي المرض و الموت، و كذلك لو كان انما يصير الي النوم بالتفكر في حاجته الي راحة البدن و اجمام قواه كان عسي أن يتثاقل عن ذلك فيدمغه حتي ينهك بدنه، و لو كان انما يتحرك للجماع بالرغبة في الولد كان غير بعيد أن يفتر عنه حتي يقل النسل أو ينقطع، فان من الناس من لا يرغب في الولد و لا يحفل به، فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الانسان و صلاحه محرك من نفس الطبع يحركه لذلك و يحدوه عليه [221] و اعلم أن في الانسان قوي أربعا: قوة جاذبة تقبل الغذاء و تورده علي المعدة، و قوة [ صفحه 169] ممسكة تحبس الطعام حتي تفعل فيه الطبيعة فعلها، و قوة هاضمة و هي التي تطبخه و تستخرج صفوه و تبثه في البدن، و قوة دافعة تدفعه و تحدر الثفل [222] الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها، تفكر في تقدير هذه القوي الأربعة التي في البدن و أفعالها و تقديرها للحاجة اليها و الارب فيها، و ما في ذلك من التدبير و الحكمة؟ و لولا الجاذبة كيف يتحرك الانسان لطلب الغذاء التي بها قوام

البدن؟ و لو لا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتي تهضمه المعدة؟ و لولا الهاضمة كيف كان ينطبخ حتي يخلص منه الصفو الذي يغذي البدن و يسد خلله [223] و لولا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع و يخرج أولا فأولا؟ أفلا تري كيف و كل الله سبحانه بلطيف صنعه و حسن تقديره هذه القوي بالبدن و القيام بما فيه صلاحه؟ و سأمثل لك في ذلك مثالا: ان البدن بمنزلة دار الملك، و له فيها حشم و صبية و قوام موكلون بالدار، فواحد لاقضاء حوائج الحشم و ايرادها عليهم، و آخر لقبض ما يرد و خزنه الي أن يعالج و يهيأ و آخر لعلاج ذلك و تهيئته و تفريقه، و آخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار و اخراجه منها؛ فالملك في هذا هو الخلاق الحكيم ملك العالمين، و الدار هي البدن، و الحشم هي الأعضاء، و القوام هي هذه القوي الأربع، و لعلك تري ذكرنا هذه القوي الأربع و أفعالها بعد الذي وصفت فضلا و تزدادا، و ليس ما ذكرته من هذه القوي علي الجهة التي ذكرت في كتب الأطباء، و لا قولنا فيه كقولهم، لأنهم ذكروها علي ما يحتاج اليه في صناعة الطب و تصحيح الأبدان، و ذكرناها علي ما يحتاج في صلاح الدين و شفاء النفوس من الغي، كالذي أوضحته بالوصف الشافي و المثل [ صفحه 170] المضروب من التدبير و الحكمة فيها. تأمل يا مفضل هذه القوي التي في النفس و موقعها من الانسان، أعني الفكر و الوهم و العقل و الحفظ و غير ذلك، أفرأيت لو نقص الانسان من هذه الخلال الحفظ وحده كيف كانت تكون

حاله؟ و كم من خلل كان يدخل عليه في أموره و معاشه و تجاربه اذا لم يحفظ ما له و ما عليه، و ما أخذه و ما أعطي، و ما رأي و ما سمع و ما قال و ما قيل له، و لم يذكر من أحسن اليه ممن أساء به، و ما نفعه مما ضره، ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصي، و لا يحفظ علما ولو درسه عمره، و لا يعتقد دينا، و لا ينتفع بتجربة، و لا يستطيع أن يعتبر شيئا علي ما مضي، بل كان حقيقا أن ينسلخ من الانسانية أصلا فانظر الي النعمة علي الانسان في هذه الخلال، و كيف موقع الواحدة منها دون الجميع؟ و أعظم من النعمة علي الانسان في الحفظ النعمة في النسيان، فانه لولا النسيان لما سلا [224] أحد عن مصيبة و لا انقضت له حسرة، و لا مات له حقد، و لا استمتع بشي ء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات، و لا رجا غفلة من سلطان، و لا فترة من حاسد؟ أفلا تري كيف جعل في الانسان الحفظ و النسيان، و هما مختلفان متضادان، و جعل له في كل منهما ضرب من المصلحة؟ و ما عسي أن يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضادة المتبائنة و قد تراها تجتمع علي ما فيه الصلاح و المنفعة؟ انظر يا مفضل الي ما خص به الانسان دون جميع الحيوان من هذا الخلق، الجليل قدره، العظيم غناؤه، أعني الحياء فلولاه لم يقر الضيف [225] . [ صفحه 171] و لم يوف بالعدات، و لم تقض الحوائج، و لم يتحر الجميل [226] و لم

يتنكب القبيح في شي ء من الأشياء [227] ، حتي أن كثيرا من الأمور المفترضة أيضا انما يفعل للحياء، فان من الناس من لولا الحياء لم يرع حق والديه، و لم يصل ذا رحم، و لم يؤد أمانة، و لم يعف عن فاحشة [228] ، أفلا تري كيف وفي [229] للانسان جميع الخلال التي فيها صلاحه و تمام أمره؟. تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به علي الانسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره، و ما يخطر بقلبه، و نتيجة فكره، و به يفهم عن غيره ما في نفسه، و لولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشي ء، و لا تفهم عن مخبر شيئا، و كذلك الكتابة التي بها تقيد أحبار الماضين للباقين، و أخبار الباقين للآتين، و بها تخلد الكتب في العلوم و الآداب و غيرها، و بها يحفظ الانسان ذكر ما يجري بينه و بين غيره من المعاملات و الحساب، و لولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض، و أخبار الغائبين عن أوطانهم، و درست العلوم [230] ، و ضاعت الآداب، و عظم ما يدخل علي الناس من الخلل في أمورهم و معاملاتهم، و ما يحتاجون الي النظر فيه من أمر دينهم، و ما روي لهم مما لا يسعهم جهله، و لعلك تظن أنها مما يخلص اليه بالحيلة و الفطنة، و ليست مما أعطيه الانسان من خلقه و طباعه، و كذلك الكلام انما هو شي ء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم، و لهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن [ صفحه 172] مختلفة؟ و كذلك الكتابة ككتابة العربي و السرياني و العبراني و الرومي و غيرها

من سائر الكتابة التي هي متفرقة في الأمم، انما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا علي الكلام، فيقال لمن ادعي ذلك: ان الانسان و ان كان له في الأمرين جميعا فعل أو حيلة فان الشي ء الذي يبلغ به ذلك الفعل و الحيلة عطية وهبة من الله عزوجل في خلقه فانه لو لم يكن له لسان مهيؤ للكلام و ذهن يهتدي به للأمور لم يكن يتكلم أبدا، و لو لم يكن له كف مهيأة و أصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبدا و اعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها و لا كتابة، فأصل ذلك فطرة الباري جل و عز و ما تفضل به علي خلقه، فمن شكر أثيب و من كفر فان الله غني عن العالمين. ذكر يا مفضل فيما أعطي الانسان علمه و ما منع فانه أعطي علم جميع ما فيه صلاح دينه و دنياه، فمما فيه صلاح دينه معرفة الخالق تبارك و تعالي بالدلائل و الشواهد القائمة في الخلق، و معرفة الواجب عليه من العدل علي الناس كافة وبر الوالدين، و أداء الأمانة، و مواساة أهل الخلة، و أشباه ذلك مما قد توجد معرفته و الاقرار و الاعتراف به في الطبع و الفطرة من كل أمة موافقة أو مخالفة، و كذلك أعطي علم ما فيه صلاح دنياه كالزراعة و الغراس [231] ، و استخراج الأرضين، و اقتناء الأغنام و الأنعام، و استنباط المياه [232] ، و معرفة العقاقير [233] التي يستشفي بها من ضروب الأسقام، و المعادن التي يستخرج منها أنواع الجواهر، و ركوب السفن و الغوص في البحر، و ضروب الحيل في صيد الوحش و الطير و الحيتان، و التصرف في الصناعات، و وجوه

المتاجر و المكاسب، و غير ذلك مما [ صفحه 173] يطول شرحه و يكثر تعداده مما فيه صلاح أمره في هذه الدار، فأعطي علم ما يصلح به دينه و دنياه، و منع ما سوي ذلك مما ليس في شأنه و لا طاقته أن يعلم؛ كعلم الغيب و ما هو كائن و بعض ما قد كان أيضا كعلم ما فوق السماء و ما تحت الأرض و ما في لجج البحار [234] و أقطار العالم [235] و ما في قلوب الناس و ما في الأرحام و أشباه هذا مما حجب علي الناس علمه، و قد ادعت طائفة من الناس هذه الأمور فأبطل دعواهم ما بين من خطائهم فيما يقضون عليه و يحكمون به فيما ادعوا علمه، فانظر كيف أعطي الانسان علم جميع ما يحتاج اليه لدينه و دنياه، و حجب عنه ما سوي ذلك ليعرف قدره و نقصه، و كلا الأمرين فيهما صلاحه. تأمل يا مفضل ما ستر عن الانسان علمه من مدة حياته فانه لو عرف مقدار عمره و كان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش مع ترقب الموت و توقعه لوقت قد عرفه بل كان يكون بمنزلة من قد فني ماله أو قارب الفناء فقد استشعر و الفقر و الوجل من فناء ماله و خوف الفقر، علي أن الذي يدخل علي الانسان من فناء العمر أعظم مما يدخل عليه من فناء المال لأن من يقل ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن الي ذلك، و من أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس و ان كان طويل العمر، ثم عرف ذلك وثق بالبقاء و انهمك [236] في اللذات و المعاصي و عمل، علي أنه يبلغ من ذلك شهوته

ثم يتوب في آخر عمره، و هذا مذهب لا يرضاه الله من عباده و لا يقبله. ألا تري لو أن عبدا لك عمل علي أنه يسخطك سنة و يرضيك يوما أو [ صفحه 174] شهرا لم تقبل ذلك منه، و لم يحل عندك محل العبد الصالح دون أن يضمر طاعتك و نصحك في كل الأمور و في كل الأوقات علي تصرف الحالات. فان قلت: أو ليس قد يقيم الانسان علي المعصية حينا ثم يتوب فتقبل توبته؟ قلنا: ان ذلك شي ء يكون من الانسان لغلبة الشهوات و تركه مخالفتها من غير أن يقدرها في نفسه و يبني عليه أمره فيصفح الله عنه و يتفضل عليه بالمغفرة، فأما من قدر أمره علي أن يعصي ما بدا له ثم يتوب آخر ذلك فانما يحاول خديعة من لا يخادع بأن يتسلف التلذذ في العاجل و يعد و يمني نفسه التوبة في الآجل، و لأنه لا يفي بما يعد من ذلك فان النزوع من الترفه و التلذذ [237] و معاناة التوبة و لا سيما عند الكبر و ضعف البدن أمر صعب، و لا يؤمن علي الانسان مع مدافعته بالتوبة أن يرهقه الموت فيخرج من الدنيا غير تائب؛ كما قد يكون علي الواحد دين الي أجل و قد يقدر علي قضائه فلا يزال يدافع بذلك حتي يحل الأجل و قد نفد المال فيبقي الدين قائما عليه، فكان خير الأشياء للانسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقب الموت فيترك المعاصي و يؤثر العمل الصالح. فان قلت: و ها هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته و صار يترقب الموت في كل ساعة يقارف [238] الفواحش و ينتهك المحارم، قلنا:

ان وجه التدبير في هذا الباب هو الذي جري عليه الأمر فيه، فان كان الانسان مع ذلك لا يرعوي [239] و لا ينصرف عن المساوي ء فانما ذلك من مرحه [240] و من [ صفحه 175] قساوة قلبه لا من خطأ في التدبير؛ كما أن الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فان كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما يأمره و لا ينتهي عما ينهاه عنه لم ينتفع بصفته و لم يكن الاساءة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه، و لئن كان الانسان مع ترقبه للموت كل ساعة لا يمتنع عن المعاصي فانه لو وثق بطول البقاء كان أحري بأن يخرج الي الكبائر الفظيعة، فترقب الموت علي كل حال خير له من الثقة بالبقاء، ثم ان ترقب الموت و ان كان صنف من الناس يلهون عنه و لا يتعظون به فقد يتعظ به صنف آخر منهم، و ينزعون عن المعاصي و يؤثرون العمل الصالح و يجودون بالأموال و العقائل النفيسة في الصدقة علي الفقراء و المساكين فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة لتضييع أولئك حظهم منها. فكر يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها فانها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء، و لو كانت كلها تكذب لم يكن فيها منفعة بل كانت فضلا لا معني له، فصارت تصدق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي لها، أو مضرة يتحذر منها، و تكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد. فكر في هذه الأشياء التي تراها موجودة معدة في العالم من مآربهم، فالتراب للبناء، و الحديد للصناعات، و الخشب للسفن و غيرها، و

الحجارة للأرحاء و غيرها [241] ، و النحاس للأواني، و الذهب و الفضة للمعاملة، و الجوهر للذخيرة، و الحبوب للغذاء، و الثمار للتفكه [242] ، و اللحم للمأكل، [ صفحه 176] و الطيب للتلذذ، و الأدوية للتصحيح، و الدواب للحمولة، و الحطب للتوقد، و الرماد للكلس، و الرمل للأرض، و كم عسي أن يحصي المحصي من هذا و شبهه، أرأيت لو أن داخلا دخل دارا فنظر الي خزائن مملوءة من كل ما يحتاج اليه الناس و رأي كل ما فيها مجموعا معدا لأسباب معروفة لكان يتوهم أن مثل هذا يكون بالاهمال و من غير عمد؟ فكيف يستجيز قائل أن يقول هذا في العالم و ما أعد فيه من هذه الأشياء. و اعلم يا مفضل أن رأس معاش الانسان و حياته الخبز و الماء، فانظر كيف دبر الأمر فيهما، فان حاجة الانسان الي الماء أشد من حاجته الي الخبز؛ و ذلك أن صبره علي الجوع أكثر من صبره علي العطش، و الذي يحتاج اليه من الماء أكثر مما يحتاج اليه من الخبز؛ لأنه يحتاج اليه لشربه و وضوئه و غسله و غسل ثيابه و سقي أنعامه وزرعه، فجعل الماء مبذولا لا يشتري لتسقط عن الانسان المؤونة في طلبه و تكلفه، و جعل الخبز متعذرا لا ينال الا بالحيلة و الحركة ليكون للانسان في ذلك شغل يكفه عما يخرجه اليه الفراغ من الأشر و العبث؛ ألا تري أن الصبي يدفع الي المؤدب و هو طفل لم يكمل ذاته للتعليم كل ذلك ليشتغل عن اللعب و العبث اللذين ربما جنيا عليه و علي أهله المكروه [243] العظيم، و هكذا الانسان لو خلا من الشغل لخرج من الأشر و

العبث و البطر الي ما يعظم ضرره عليه و علي من قرب منه، و اعتبر ذلك بمن نشأ في الجدة [244] و رفاهية العيش و الترفه و الكفاية و ما يخرجه ذلك اليه. اعتبر لم لا يتشابه الناس واحد بالآخر كما يتشابه الوحوش و الطير [ صفحه 177] و غير ذلك فانك تري السرب من الظباء و القطا [245] تتشابه حتي لا يفرق بين واحد منها و بين الأخري، و تري الناس مختلفة صورهم و خلقهم حتي لا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة، و العلة في ذلك أن الناس محتاجون الي أن يتعارفوا بأعيانهم و حلاهم لما يجري بينهم من المعاملات و ليس يجري بين البهائم مثل ذلك فيحتاج الي معرفة كل واحد منهما بعينه و حليته، ألا تري أن التشابه في الطير و الوحش لا يضرهما شيئا، و ليس كذلك الانسان فانه ربما تشابه التوأمان تشابها شديدا فتعظم المؤونة علي الناس في معاملتهما حتي يعطي أحدهما بالآخر و يوخذ أحدهما بذنب الآخر، و قد يحدث مثل هذا في تشابه الأشياء فضلا عن تشابه الصورة، فمن لطفه لعباده بهذه الدقائق التي لا تكاد تخطر بالبال حتي وقف بها علي الصواب الا من وسعت رحمته كل شي ء؟ لو رأيت تمثال الانسان مصورا علي حائط فقال لك قائل: ان هذا ظهر هاهنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع أكنت تقبل ذلك! بل كنت تستهزي ء به فكيف تنكر هذا في تمثال مصور جماد و لا تنكر في الانسان الحي الناطق؟ لم صارت أبدان الحيوان و هي تغتذي أبدا لا تنمي، بل ينتهي الي غاية من النمو ثم تقف و لا تتجاوزها لولا التدبير في ذلك؟ فان

من تدبير الحكيم فيها أن يكون أبدان كل صنف منها علي مقدار معلوم غير متفاوت في الكبير و الصغير، و صارت تنمي حتي تصل الي غايتها ثم يقف ثم لا يزيد و الغذاء مع ذلك دائم لا ينقطع، و لو كانت تنمي نموا دائما لعظمت أبدانها و اشتبهت مقاديرها حتي لا يكون لشي ء منها حد يعرف؛ لم صارت أجسام الانس خاصة تثقل عن الحركة و المشي و يجفو عن الصناعات اللطيفة [246] الا [ صفحه 178] لتعظيم المؤونة فيما يحتاج اليه الناس للملبس و المضجع و التكفين و غير ذلك، ولو كان الانسان لا يصيبه ألم و لا وجع بم كان يرتدع عن الفواحش و يتواضع لله و يتعطف علي الناس؟ أما تري الانسان اذا عرض له وجع خضع و استكان و رغب الي ربه في العافية و بسط يديه بالصدقة؟ و لو كان لا يألم من الضرب بم كان السلطان يعاقب الدعار [247] و يذل العصاة المردة؟ و بم كان الصبيان يتعلمون العلوم و الصناعات؟ و بم كان العبيد يذلون لأربابهم و يذعنون لطاعتهم؟ أفليس هذا توبيخ لابن أبي العوجاء و ذويه الذين جحدوا التدبير، و المانوية الذين أنكروا الألم و الوجع؟ لو لم يولد من الحيوان الا ذكر فقط أو اناثا فقط ألم يكن النسل منقطعا، و باد مع ذلك أجناس الحيوان؟ فصار بعض الأولاد يأتي ذكورا و بعضها يأتي اناثا ليدوم التناسل و لا ينقطع. لم صار الرجل و المرأة اذا أدركا نبتت لهما العانة ثم نبتت اللحية للرجل و تخلفت عن المرأة لولا التدبير في ذلك؟ فانه لما جعل الله تبارك و تعالي الرجل قيما و رقيبا علي المرأة و جعل المرأة

عرسا [248] و خولا للرجل أعطي الرجل اللحية لما له من العزة و الجلالة و الهيبة و منعها المرأة لتبقي لها نضارة الوجه و البهجة التي تشاكل المفاكهة [249] و المضاجعة؛ أفلا تري الخلقة كيف يأتي بالصواب في الأشياء و تتخلل مواضع الخطأ [250] فتعطي و تمنع علي قدر الارب و المصلحة بتدبير الحكيم عزوجل؟. أنظر الآن الي ذوات الأربع كيف تراها تتبع أماتها [251] مستقلة بأنفسها [ صفحه 179] لا تحتاج الي الحمل و التربية كما تحتاج أولاد الانس، فمن أجل أنه ليس عند أمهاتها ما عند أمهات البشر من الرفق و العلم بالتربية و القوة عليها بالأكف و الأصابع المهيأة لذلك أعطيت النهوض و الاستقلال بأنفسها، و كذلك تري كثيرا من الطير كمثل الدجاج و الدراج و القبج [252] تدرج و تلقط حين ينقاب عنها البيض [253] فأما ما كان منها ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام و اليمام [254] و الحمر فقد جعل في الأمهات فضل عطف عليها فصارت تمج الطعام [255] في أفواهها بعدما توعيه حواصلها فلا تزال تغذيها حتي تستقل بأنفسها و لذلك لم ترزق الحمام فراخا كثيرة مثل ما ترزق الدجاج لتقوي الأم علي تربية فراخها فلا تفسد و لا تموت فكل أعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير. أنظر الي قوائم الحيوان كيف تأتي أزواجا لتتهيأ للمشي، و لو كانت أفرادا لم تصلح لذلك لأن الماشي ينقل قوائمه و يعتمد علي بعض؛ فذو القائمتين ينقل واحدة و يعتمد علي واحدة، و ذو الأربع ينقل اثنين و يعتمد علي اثنين، و ذلك من خلاف لأن ذا الأربع لو كان ينقل قائمتين من أحد جانبيه و يعتمد علي قائمتين

من الجنب الآخر لما يثبت علي الأرض كما لا يثبت السرير و ما أشبهه فصار ينقل اليمني من مقاديمه مع اليسري من مآخيره، و ينقل الأخريين من خلال فيثبت علي الأرض و لا يسقط اذا مشي. أما تري الحمار كيف يذل للطحن و الحمولة و هو يري الفرس مودعا [ صفحه 180] منعما [256] و البعير لا يطيقه عدة رجال لو استعصي، كيف كان ينقاد للصبي؟ و الثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتي يضع النير علي عنقه و يحرث به [257] و الفرس الكريم يركب السيوف و الأسنة بالمواتاة لفارسه [258] ، و القطيع من الغنم يرعاه رجل واحد و لو تفرقت الغنم فأخذ كل واحد منها في ناحية لم يلحقها، و كذلك جميع الأصناف مسخرة للانسان فبم كانت كذلك؟ الا بأنها عدمت العقل و الروية فانها لو كانت تعقل و تروي في الأمور [259] كانت خليقة أن تلتوي علي الانسان في كثير من مآربه، حتي يمتنع الجمل علي قائده، و الثور علي صاحبه، و تتفرق الغنم عن راعيها، و أشباه هذا من الأمور، و كذلك هذه السباع لو كانت ذا عقل و روية فتوازرت علي الناس كانت خليقة أن تجتاحهم [260] فمن كان يقوم للأسد و الذئاب و النمورة و الدببة لو تعاونت و تظاهرت علي الناس؟ أفلا تري كيف حجر ذلك عليها و صارت مكان ما كان يخاف من اقدامها و نكايتها تهاب مساكن الناس و تحجم عنها ثم لا تظهر و لا تنشر لطلب قوتها الا بالليل؟ فهي مع صولتها كالخائف للانس بل مقموعة ممنوعة منهم، و لولا ذلك لساورتهم [261] في مساكنهم وضيعت عليهم ثم جعل في الكلب من بين

هذه السباع عطف علي مالكه و محاماة عنه و حفاظ له فهو ينتقل علي الحيطان و السطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه و ذب الدغار عنه و يبلغ من محبته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه و دون ماشيته و ماله، و يألفه غاية الألف حتي [ صفحه 181] يصبر معه علي الجوع و الجفوة فلم طبع الكلب علي هذا الألف الا ليكون حارسا للانسان، له عين بأنياب و مخالب و نباح هائل ليذعر منه السارق و يتجنب الواضع التي يحميها و يخفرها [262] . يا مفضل تأمل وجه الدابة كيف هو، فانك تري العينين شاخصتين [263] أمامها لتبصر ما بين يديها لئلا تصدم حائطا أو تتردي في حفرة، و تري الفم مشقوقا شقا في أسفل الخطم [264] و لو شق كمكان الفم من الانسان في مقدم الذقن لما استطاع أن يتناول به شيئا من الأرض ألا تري أن الانسان لا يتناول الطعام بفيه و لكن بيده تكرمة له علي سائر الآكلات؟ فلما لم يكن للدابة يد تتناول بها العلف جعل خطمها مشقوقا من أسفله لتقبض به علي العلف ثم تقضمه [265] و أعينت بالجحفلة [266] تتناول بها ما قرب و ما بعد. اعتبر بذنبها و المنفعة لها فيه فانه بمنزلة الطبق علي الدبر و الحياء [267] جميعا يواريهما و يسترهما، و من منافعها فيه أن ما بين الدبر و مراقي البطن منها [268] و ضر [269] يجتمع عليه الذباب و البعوض فيجعل لها الذنب كالمذبة [270] تذب بها عن ذلك الموضع، و منها أن الدابة تستريح الي تحريكه و تصريفه يمنة و يسرة، فانه لما كان قيامها علي الأربع بأسرها و شغلت المقدمتان

بحمل [ صفحه 182] البدن عن التصرف و التقلب كان لها في تحريك الذنب راحة، و فيه منافع أخري يقصر عنها الوهم يعرف موقعها في وقت الحاجة اليها، فمن ذلك أن الدابة ترتطم في الوحل فلا يكون شي ء أعون علي نهوضها من الأخذ بذنبها، و في شعر الذنب منافع للناس كثيرة يستعملونها في مآربهم، ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا علي قوائم أربع ليتمكن من ركوبها، و جعل حياها بارزا من ورائها ليتمكن الفحل من ضربها، و لو كان أسفل البطن كمكان الفرج من المرأة لم يتمكن الفحل منها، ألا تري أنه لا يستطيع أن يأتيها كفاحا كما يأتي الرجل و المرأة. تأمل مشفر الفيل و ما فيه من لطيف التدبير فانه يقوم مقام اليد في تناول العلف و الماء و ازدرادهما [271] الي جوفه و لولا ذلك ما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنه ليست له رقبة يمدها كسائر الأنعام، فلما عدم العنق أعين و كان ذلك بالخرطوم الطويل ليسدله [272] فيتناول به حاجته، فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدمه، ما يقوم مقامه الا الرؤوف بخلقه، و كيف يكون هذا بالاهمال كما قالت الظلمة؟. فان قيل: فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الأنعام؟ قيل له: ان رأس الفيل و أذنيه أمر عظيم و ثقل ثقيل، و لو كان ذلك علي عنق عظيمة لهدها و أوهنها، فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا ينال منه ما وصفنا، و خلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدمه العنق مستوفيا، فيه بلوغ حاجته. فكر في خلق الزرافة و اختلاف أعضائها و شبهها بأعضاء أصناف من [ صفحه 183] الحيوان، فرأسها رأس فرس

و عنقها عنق جمل، و أظلافها أظلاف بقرة، و جلدها جلد نمر، و زعم ناس من الجهال بالله عزوجل أن نتاجها من فحول شتي؟ قالوا: و سبب ذلك أن أصنافا هو كالملتقط من أصناف شتي، و هذا جهل من قائله و قلة معرفته بالباري ء جل قدسه، و ليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف، فلا الفرس يلقح الجمل، و لا الجمل يلقح البقر، و انما يكون التلقيح من بعض الحيوان فيما يشاكله و يقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمارة فيخرج بينهما البغل، و يلقح الذئب الضبع فيخرج بينهما السمع [273] ، علي أنه ليس يكون في الذي يخرج بينهما عضو من كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس، و عضو من الجمل، و أظلاف من البقرة، بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل، فانك تري رأسه و أذنيه و كفله و ذنبه و حوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس و الحمار، و شحيجه [274] كالممتزج من صهيل الفرس و نهيق الحمار، فهذا دليل علي أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتي من الحيوان كما زعم الجاهلون، بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة علي قدرته لا يعجزها شي ء، و ليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها، يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء، و يفرق ما شاء منها في أيها شاء، و يزيد في الخلقة ما شاء، و ينقص منها ما شاء، دلالة علي قدرته علي الأشياء، و أنه لا يعجزه شي ء أراده جل و تعالي، فأما طول عنقها و المنفعة لها في ذلك فان منشأها و مرعاها في غياطل [275] ذوات أشجار شاهقة ذاهبة

طولا [ صفحه 184] في الهواء فهي تحتاج الي طول العنق لتناول بفيها أطراف تلك الأشجار فتتقوت من ثمارها. تأمل خلق القرد و شبهه بالانسان في كثير من أعضائه أعني الرأس و الوجه و المنكبين و الصدر، و كذلك أحشاؤه شبيهة أيضا بأحشاء الانسان، و خص من ذلك بالذهن و الفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومي اليه، ويحكي كثيرا مما يري الانسان يفعله حتي أنه يقرب من خلق الانسان و شمائله في التدبير في خلقته علي ما هي عليه أن يكون عبرة للانسان في نفسه فيعلم أنه من طينة البهائم و سنخها اذا كان يقرب من خلقها هذا القرب، و أنه لولا فضيلة فضله الله بها في الذهن و العقل و النطق كان بعض البهائم، علي أن في جسم القرد فضولا أخري يفرق بينه و بين الانسان كالخطم و الذنب المسدل و الشعر المجلل للجسم كله، و هذا لم يكن مانعا للقرد أن يلحق بالانسان لو أعطي مثل ذهن الانسان و عقله و نطقه، و الفصل الفاصل بينه و بين الانسان بالصحة هو النقص في العقل و الذهن و النطق [276] . فكر يا مفضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم، فانهم يوارون أنفسهم اذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم، و الا فأين جيف هذه الوحوش و السباع و غيرها لا يري منها شي ء؟ و ليست قليلة فتخفي لقلتها، بل لو قال قائل: انها أكثر من الناس لصدق، فاعتبر ذلك بما تراه في الصحاري و الجبال من أسراب الظباء [277] و المها [278] و الحمير و الوعول و الأيائل [279] و غير [ صفحه 185] ذلك من الوحوش، و أصناف السباع من الأسد

و الضباع و الذئاب و النمور و غيرها، و ضروب الهوام و الحشرات و دواب الأرض، و كذلك أسراب الطير من الغربان و القطا و الاوز و الكراكي و الحمام و سباع الطير جميعا و كلها لا يري منها شي ء اذا ماتت الا الواحد بعد الواحد يصيده قانص [280] أو يفترسه سبع، فاذا أحسوا بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها، و لولا ذلك لامتلأت الصحاري منها حتي تفسد رائحة الهواء، و يحدث الأمراض و الوباء، فانظر الي هذا الذي يخلص اليه الناس و عملوه بالتمثيل الأول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا و ادكارا في البهائم و غيرها ليسلم الناس من معرة ما يحدث عليهم من الأمراض و الفساد. فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع و الخلقة لطفا من الله عزوجل لهم، لئلا يخلو من نعمة جل و عز أحد من خلقه لا بعقل و روية، فان الأيل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدب السم في جسمه فيقتله، و يقف علي الغدير و هو مجهود [281] عطشا، فيعج عجيجا [282] عاليا و لا يشرب منه، و لو شرب لمات من ساعته، فانظر الي ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظمأ الغالب خوفا من المضرة في الشرب، و ذلك مما لا يكاد الانسان العاقل المميز يضبطه من نفسه، و الثعلب اذا أعوزه الطعم [283] تماوت [284] و نفخ بطنه حتي يحسبه الطير ميتا، فاذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها [ صفحه 186] فأخذها، فمن أعان الثعلب العديم النطق و الروية بهذه الحيلة الا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا و

شبهه، فانه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما يقوي عليه السباع من مساورة الصيد [285] أعين بالدهاء و الفطنة و الاحتيال لمعاشه، و الدلفين [286] يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك يأخذ السمك فيقتله و يشرحه حتي يطفو فوق الماء، يكمن تحته و يثور [287] الماء الذي عليه حتي لا يتبين شخصه، فاذا وقع الطير علي السمك الطافي وثب عليها فاصطادها، فانظر الي هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة؟. قال المفضل: فقلت: قد وصفت لي يا مولاي من أمر البهائم ما فيه معتبر لمن اعتبر فصف لي الذرة و النمل و الطير فقال عليه السلام: يا مفضل تأمل وجه الذرة [288] الحقيرة الصغيرة هل تجد فيها نقصا عما فيه صلاحها؟. فمن أين هذا التقدير و الصواب في خلق الذرة الا من التدبير القائم في صغير الخلق و كبيره؟. أنظر الي النمل و احتشادها [289] في جمع القوت و اعداده، فانك تري الجماعة منها اذا نقلت الحب الي زبيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجد و التشمير ما ليس للناس مثله، [ صفحه 187] أما تريهم يتعاونون علي النقل كما يتعاون الناس علي العمل! ثم يعمدون الي الحب فيقطعونه قطعا لكيلا ينبت فيفسد عليهم، فان أصابه ندي أخرجوه فنشروه حتي يجف، ثم لا يتخذ النمل الزبية [290] الا في نشر من الأرض كي لا يفيض السيل فيغرقها فكل هذا منه بلا عقل و لا روية بل خلقة خلق عليها لمصلحة لطفا من الله عزوجل. تأمل يا مفضل جسم الطائر و خلقته فانه حين قدر أن يكون طائرا في الجو خفف جسمه و أدمج

خلقه، فاقتصر به من القوائم الأربع علي اثنين، و من الأصابع الخمس علي أربع، و من منفذين للزبل و البول علي واحد يجمعهما، ثم خلق ذا جؤجؤ محدد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه، كما جعل السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء و تنفذ فيه، و جعل في جناحيه و ذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران، و كسي كله الريش ليداخله الهواء فيقله، و لما قدر أن يكون طعمه الحب و اللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان، و خلق له منقار صلب جاس [291] يتناول به طعمه فلا ينسجح [292] من لقط الحب، و لا يتقصف [293] من نهش اللحم، و لما عدم الأسنان و صار يزدرد الحب صحيحا و اللحم غريضا [294] أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ، اعتبر ذلك بأن عجم العنب [295] و غيره يخرج من أجواف الانس صحيحا، [ صفحه 188] و يطحن في أجواف الطير لا يري له أثر، و جعل مما يبيض بيضا و لا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران، فانه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتي تستحكم لأثقلته و عاقته عن النهوض و الطيران، فجعل كل شي ء من خلقه مشاكلا للأمر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد علي بيضه فيحضنه أسبوعا، و بعضها أسبوعين، و بعضها ثلاثة أسابيع حتي يخرج الفرخ من البيضة، ثم يقبل عليه فيزقه [296] الريح لتتسع حوصلته للغذاء، ثم يربيه و يغذيه بما يعيش به، فمن كلفه أن يلقط الطعم و يستخرجه بعد أن يستقر في حوصلته و يغذو به فراخه؟! و

لأي معني يحتمل هذه المشقة و ليس بذي روية و لا تفكر؟ و لا يأمل في فراخه ما يأمل الانسان في ولده في العز و الرفد [297] و بقاء الذكر! فهذا هو فعل يشهد بأنه عطوف علي فراخه، لعله لا يعرفها و لا يفكر فيها و هي دوام النسل و بقاؤه لطفا من الله تعالي ذكره. فكر في حوصلة الطائر و ما قدر له، فان مسلك الطعم الي القانصة [298] ضيق لا ينفذ فيه الطعام الا قليلا قليلا، فلو كان الطائر لا يلقط حبة ثانية حتي تصل الأولي الي القانصة لطال عليه، و متي كان يستوفي طعمه؟ فانما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر، فجعلت الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة ثم تنفذه الي القانصة علي مهل، و في الحوصلة أيضا خلة أخري، فان من الطائر ما يحتاج الي أن يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب أسهل عليه. قال المفضل: ان قوما من المعطلة يزعمون أن اختلاف الألوان [ صفحه 189] و الأشكال في الطير انما يكون قبل امتزاج الأخلاط، و اختلاف مقاديرها بالمرج و الاهمال فقال: يا مفضل هذا الوشي تراه في الطواويس و الدراج [299] و التدارج علي حد سواء، و مقابلة كنحو ما يخط بالأقلام كيف يأتي به الامتزاج المهمل علي شكل واحد لا يختلف؟ و لو كان بالاهمال لعدم الاستواء ولكان مختلفا. تأمل ريش الطير كيف هو؟ فانك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك دقاق قد ألف بعضه الي بعض كتأليف الخيط الي الخيط و الشعرة الي الشعرة، ثم تري ذلك النسج اذا مددته ينفتح قليلا و لا ينشق لتداخله الريح فيقل الطائر اذا طار، و تري

في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد ينسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته و هو القصبة التي هو في وسط الريشة، و هو مع ذلك أجوف يخف علي الطائر و لا يعوقه عن الطيران. أنظر الي النحل و احتشاده في صنعة العسل، و تهيئة البيوت المسدسة و ما تري في ذلك اجتماعه من دقائق الفطنة، فانك اذا تأملت العمل رأيته عجيبا لطيفا، و اذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس، و اذا رجعت الي الفاعل ألفيته غبيا جاهلا بنفسه عما سوي ذلك، ففي هذا أوضح الدلالة علي أن الصواب و الحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها و سخره فيها لمصلحة الناس. فاذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق و قصر علم المخلوقين فانظر [ صفحه 190] الي ما في البحار من ضروب السمك و دواب الماء و الأصداف التي لا تحصي و لا تعرف منافعها الا الشي ء بعد الشي ء يدركه الناس بأسباب تحدث، مثل القرمز [300] فانه انما عرف الناس صبغه بأن كلبة تجول علي شاطي ء البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمي الحلزون [301] فأكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس الي حسنه فاتخذونه صبغا، و أشباه هذا مما يقف الناس عليه حالا بعد حال و زمانا بعد زمان. فكر يا مفضل في لون السماء و ما فيه من صواب التدبير، فان هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر و تقوية حتي أن من صفات الأطباء لمن أصابه شي ء أضر ببصره ادمان النظر [302] الي الخضرة و ما يقرب منها الي السواد، و قد وصف الحذاق منهم لمن كل بصره الاطلاع الي اجانة [303] خضراء مملوة ماء،

فانظر كيف جعل الله جل و تعالي أديم السماء بهذا اللون الأخضر الي السواد ليمسك الأبصار المنقلبة عليه فلا ينكأ فيها بطول مباشرتها له فصار هذا الذي أدركه الناس بالفكر و الروية و التجارب يوجد مفروغا منه في الخلقة، حكمة بالغة ليعتبر بها المعتبرون و يفكر فيها الملحدون قاتلهم الله أني يؤفكون. فكر يا مفضل في النجوم و اختلاف مسيرها فبعضها لا تفارق مراكزها من الفلك و لا تسير الا مجتمعة و بعضها مطلقة تنتقل في البروج و تفترق في مسيرها فكل واحد منها يسير مسيرين مختلفين: أحدهما عام مع الفلك [ صفحه 191] نحو المغرب، و الآخر خاص لنفسه نحو المشرق، كالنملة التي تدور علي الرحي فالرحي تدور تدور ذات اليمين و النملة تدور ذات الشمال، و النملة تتحرك حركتين مختلفتين: احداهما بنفسها فتتوجه أمامها و الأخري مستكرهة مع الرحي تجذبها الي خلفها، فاسأل الزاعمين أن النجوم صارت علي ما هي عليه بالاهمال من غير عمد و لا صانع لها، ما منعها أن تكون كلها راتبة؟ أو تكون كلها منتقلة؟ فان الاهمال معني واحد فكيف صار يأتي بحركتين مختلفتين علي وزن و تقدير؟ ففي هذا بيان أن مسير الفريقين علي ما يسيران عليه بعمد و تدبير و حكمة و تقدير، و ليس باهمال كما تزعم المعطلة. فكر في هذه النجوم التي تظهر في بعض السنة و تحتجب في بعضها كمثل الثريا و الجوزاء و الشعريين و سهيل، فانها لو كانت بأسرها تظهر في وقت واحد لم تكن لواحد فيها علي حياله دلالات يعرفها الناس و يهتدون بها لبعض أمورهم كمعرفتهم الآن بما يكون من طلوع الثور و الجوزاء اذا طلعت، و احتجابها اذا احتجبت

فصار ظهور كل واحد و احتجابه في وقت غير وقت الآخر لينتفع الناس بما يدل كل واحد منها علي حدته، و كما جعلت الثريا و أشباهها تظهر حينا و تحتجب حينا لضرب من المصلحة، كذلك جعلت بنات النعش ظاهرة لا تغيب لضرب آخر من المصلحة فانها بمنزلة الأعلام التي يهتدي بها الناس في البر و البحر للطرق المجهولة، و ذلك أنها لا تغيب و لا تتواري، فهم ينظرون اليها متي أرادوا أن يهتدوا بها الي حيث شاؤوا و صار الأمران جميعا علي اختلافهما موجهين نحو الارب و المصلحة، و و فيهما مآرب أخري: علامات و دلالات علي أوقات كثيرة من الأعمال كالزراعة و الغراس و السفر في البر و البحر، و أشياء مما يحدث في الأزمنة من الأمطار و الرياح و الحر و البرد، و بها يهتدي السائرون في ظلمة [ صفحه 192] الليل لقطع القفار [304] الموحشة، و اللجج الهائلة، مع ما في ترددها في كبد [305] السماء مقبلة و مدبرة و مشرقة و مغربة من العبر فانها تسير أسرع السير و أحثه. و أنبهك يا مفضل علي الريح و ما فيها ألست تري ركودها [306] اذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد يأتي علي النفوس، و يحرض الأصحاء [307] و ينهك المرضي، و يفسد الثمار، و يعفن البقول، و يعقب الوباء في الأبدان، و الآفة في الغلات، ففي هذا بيان أن هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الخلق. و أنبئك عن الهواء بخلة أخري، فان الصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء و الهواء يؤديه الي المسامع، و الناس يتكلمون في حوائجهم و معاملاتهم طول نهارهم و بعض ليلهم، فلو كان أثر

هذا الكلام يبقي في الهواء كما يبقي الكتاب في القرطاس لا متلأ العالم منه، فكان يكربهم و يفدحهم، و كانوا يحتاجون في تجديده و الاستبدال به الي أكثر مما يحتاج اليه في تجديد القراطيس، لأن ما يلقي من الكلام أكثر مما يكتب، فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه هذا الهواء قرطاسا خفيا يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم، ثم يمحي فيعود جديدا نقيا، و يحمل ما حمل أبدا بلا انقطاع، و حسبك بهذا النسيم المسمي: «هواء» عبرة و ما فيه من المصالح، فانه حياة هذه الأبدان و الممسك لها من داخل بما تستنشق منه، و من خارج بما تباشر من روحه، و فيه تطرد هذه الأصوات فيؤدي بها من [ صفحه 193] البعد البعيد، و هو الحامل لهذه الأراييح ينقلها من موضع الي موضع. ألا تري كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح فكذلك الصوت و هو القابل لهذا الحر و البرد اللذين يتعاقبان علي العالم لصلاحه، و منه هذه الريح الهابة، فالريح تروح عن الأجسام و تزجي السحاب من موضع الي موضع ليعم نفعه حتي يستكثف فيمطر، و تفضه حتي يستخف فيتفشي، و تلقح الشجر، و تسير السفن و ترخي الأطعمة و تبرد الماء، و تشب النار، و تجفف الأشياء الندية، و بالجملة أنها تحيي كلما في الأرض، فلولا الريح لذوي النبات و مات الحيوان و حمت الأشياء و فسدت. تأمل يا مفضل خلق الورق فانك تري في الورقة شبه العروق المبثوثة فيها أجمع، فمنها غلاظ ممتدة في طولها و عرضها، و منها دقاق تتخلل الغلاظ المنسوجة ورقا دقيقا معجما لو كان مما كان يصنع بالأيدي كصنعة البشر، لما فرغ من ورق شجرة واحدة في

عام كامل، و لا حتيج الي آلات و حركة و علاج و كلام، فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملأ الجبال و السهل و بقاع الأرض كلها بلا حركة و لا كلام الا بالارادة النافذة في كل شي ء و الأمر المطاع. و اعرف مع ذلك العلة في تلك العروق الدقاق فانها جعلت تتخلل الورقة بأسرها لتسقيها و توصل الماء اليها بمنزلة العروق المبثوثة في البدن لتوصل الغذاء الي كل جزء منها، و في الغلاظ منها معني آخر فانها تمسك الورقة بصلابتها و متانتها لئلا تنهتك و تتمزق فتري الورقة شبيهة بورقة معمولة بالصنعة من خرق قد جعلت فيها عيدان ممدودة في طولها و عرضها لتتماسك فلا تضطرب، فالصناعة تحكي الخلقة و ان كانت لا تدركها علي الحقيقة. [ صفحه 194] فكر يا مفضل في النخل، فانه لما صار فيه أناث يحتاج الي التلقيح [308] جعلت فيه ذكورة اللقاح من غير غراس، فصار الذكر من النخل بمنزلة الذكر من الحيوان الذي يلقح الاناث لتحمل و هو لا يحمل. تأمل خلقة الجذع [309] كيف هو، فانك تراه كالمنسوج نسجا من غير خيوط ممدودة كالسدي [310] و أخري معه معترضة كاللحمة كنحو ما ينسج بالأيدي، و ذلك ليشتد و يصلب من حمل القنوان [311] الثقيلة، و هز الرياح العواصب اذا صار نخلة، و ليتهيأ للسقوف و الجسور و غير ذلك مما يتخذ منه اذا صار جذعا، و كذلك تري الخشب مثل النسيج فانك تري بعضه مداخلا بعضا طولا و بعضا عرضا كتداخل أجراء اللحم، و فيه مع ذلك متانة ليصلح لما يتخذ منه من الآلات فانه لو كان مستحصفا كالحجارة لم يمكن أن يستعمل في

السقوف و غير ذلك مما يستعمل فيه الخشب كالأبواب و الأسرة و التوابيت و ما أشبه ذلك. و من جسيم المصالح في الخشب أنه يطفو علي الماء فكل الناس يعرف هذا منه و ليس كلهم يعرف جلالة الأمر فيه، فلولا هذه الخلة كيف كانت هذه السفن و الأطراف تحمل أمثال الجبال من الحمولة، و أني كان ينال الناس هذا الوفق و خفة المؤونة في حمل التجارات من بلد الي بلد، و كانت تعظم المؤونة عليهم في حملها حتي يلقي كثير مما يحتاج اليه في بعض البلدان مفقودا أصلا أو عسرا وجوده. قال عليه السلام: قد شرحت لك يا مفضل من الأدلة علي الخلق و الشواهد علي [ صفحه 195] صواب التدبير و العمد في الانسان و الحيوان و النبات و الشجر و غير ذلك ما فيه عبرة لمن اعتبر، و أنا أشرح لك الآفات الحادثة في بعض الأزمان التي اتخذها أناس من الجهال ذريعة الي جحود الخالق و الخلق و العمد و التدبير، و ما أنكرت المعطلة و المنانية من المكاره و المصائب و ما أنكروه من الموت و الفناء، و ما قاله أصحاب الطبائع، و من زعم أن كون الأشياء بالعرض و الاتفاق ليتسع ذلك القول في الرد عليهم، قاتلهم الله أني يؤفكون. اتخذ أناس من الجهال هذه الآفات الحادثة في بعض الأزمان كمثل الوباء و اليرقان [312] و البرد ذريعة الي جحود الخلق و التدبير و الخالق، فيقال في جواب ذلك: انه ان لم يكن خالق و مدبر فلم لا يكون ما هو أكثر من هذا و أفظع؟ فمن ذلك أن يسقط السماء علي الأرض، و تهوي الأرض فتذهب سفلا، و تتخلف الشمس عن

الطلوع أصلا، و تجف الأنهار و العيون حتي لا يوجد ماء للشفة، و تركد الريح حتي تحم الأشياء و تفسد، و يفيض ماء البحر علي الأرض فيغرقها. ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء و الجراد و ما أشبه ذلك ما بالها لا تدوم و تمتد حتي تجتاح كل ما في العالم؟ بل تحدث في الأحايين، ثم لا تلبث أن ترفع؟ أفلا تري أن العالم يصان و يحفظ من تلك الأحداث الجليلة التي لو حدث عليه شي ء منها كان فيه بواره، و يلذع [313] أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس و تقويمهم، ثم لا تدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فتكون وقوعها بهم موعظة و كشفها عنهم رحمة. [ صفحه 196] و قد أنكرت المعطلة ما أنكرت المنانية من المكاره و المصائب التي تصيب الناس، فكلاهما يقول: ان كان للعالم خالق رؤوف فلم يحدث فيه هذه الأمور المكروهة؟ و القائل بهذا القول يذهب به الي أنه ينبغي أن يكون عيش الانسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر، و لو كان هكذا كان الانسان سيخرج من الأشر و العتو الي ما لا يصلح في دين و دنيا كالذي تري كثيرا من المترفين و من نشأ في الجدة و الأمن يخرجون اليه حتي أن أحدهم ينسي أنه بشر أو أنه مربوب أو أن ضررا يمسه، أو أن مكروها ينزل به، أو أنه يجب عليه أن يرحم ضعيفا أو يواسي فقيرا. أو يرثي لمبتلي أو يتحنن علي ضعيف، أو يتعطف علي مكروب، فاذا عضته المكاره و وجد مها اتعظ و أبصر كثيرا مما كان جهله و غفل عنه، و رجع الي كثير مما كان

يجب عليه، و المنكرون لهذه الأمور المؤذية بمنزلة الصبيان الذين يذمون الأدوية المرة البشعة، و يتسخطون من المنع من الأطعمة الضارة، و يتكرهون الأدب و العمل، و يحبون أن يتفرغوا اللهو و البطالة، و ينالوا كل مطعم و مشرب، و لا يعرفون ما تؤديهم اليه البطالة من سوء النشوء و العادة و ما تعقبهم الأطعمة اللذيذة الضارة من الأدواء و الأسقام، و ما لهم في الأدب من الصلاح، و في الأدوية من المنفعة و ان شاب ذلك بعض الكراهة. فان قالوا: و لم لم يكن الانسان معصوما من المساوي ء حتي لا يحتاج الي أن يلذعه بهذه المكاره؟. قيل: اذا كان يكون غير محمودا علي حسنة يأتيها و لا مستحق للثواب عليها. فان قالوا: و ما كان يضره أن لا يكون محمودا علي الحسنات مستحقا للثواب بعد أن يصير الي غاية النعيم و اللذة؟ قيل لهم: أعرضوا [ صفحه 197] علي امرء صحيح الجسم و العقل أن يجلس منعما و يكفي كل ما يحتاج اليه بلا سعي و لا استحقاق، هل تقبل نفسه ذلك؟ بل ستجدونه بالقليل مما يناله بالسعي و الحركة أشد اغتباطا و سرورا منه بالكثير مما يناله بغير استحقاق، و كذلك نعيم الآخرة أيضا يكمل لأهله بأن ينالوه بالسعي فيه و الاستحقاق له، فالنعمة علي الانسان في هذا الباب مضاعفة، بأن أعد له الثواب الجزيل علي سعيه في هذه الدنيا، و جعل له السبيل الي أن ينال بسعي و استحقاق فيكمل له السرور و الاغتباط بما يناله منه. فان قالوا: أو ليس قد يكون من الناس من يركب الي ما نال من خير و ان كان لا يستحقه؟ فما الحجة في منع من

رضي أن ينال نعيم الآخرة علي هذه الجملة؟ قيل لهم: ان هذا باب لو صح للناس لخرجوا الي غاية الكلب و الضراوة علي الفواحش و انتهاك المحارم، فمن كان يكف نفسه عن فاحشة أو يتحمل المشقة في باب من أبواب البر لو وثق بأنه صائر الي النعيم لا محالة؟ أو من كان يأمن علي نفسه و أهله و ماله من الناس لو لم يخافوا الحساب و العقاب؟ فكان ضرر هذا الباب سينال الناس في هذه الدنيا قبل الآخرة، فيكون في ذلك تعطيل العدل و الحكمة حقا، و موضع للطعن علي التدبير بخلاف الصواب و وضع الأمور غير مواضعها. و قد تعلق هؤلاء بالآفات التي تصيب الناس فتعم البر و الفاجر، أو يبتلي بها البر و يسلم الفاجر منها، فقالوا: كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم و ما الحجة فيه؟ فيقال لهم: ان هذه الآفات و ان كانت تنال الصالح و الطالح جميعا، فان الله جعل ذلك صلاحا للصنفين كليهما: أما الصالحون فان الذي يصيبهم من هذا يردهم نعم ربهم عندهم في سالف أيامهم فيحدوهم ذلك علي الشكر و الصبر، و أما الطالحون فان مثل هذا اذا نالهم كسر شرتهم وردعهم عن المعاصي و الفواحش، و كذلك يجعل لمن سلم منهم [ صفحه 198] من الصنفين صلاحا في ذلك، أما الأبرار فانهم يغتبطون بما هم عليه من البر و الصلاح و يزدادون فيه رغبة و بصيرة، و أما الفجار فانهم يعرفون رأفة ربهم و تطوله عليهم بالسلامة من غير استحقاقهم فيحضهم ذلك علي الرأفة بالناس و الصفح عمن أساء اليهم. أعجب يا مفضل من قوم لا يقضون صناعة الطب بالخطأ و هم يرون الطبيب يخطي ء، و

يقضون علي العالم بالاهمال و لا يرون شيئا منه مهملا، بل أعجب من أخلاق من ادعي الحكمة حتي جهلوا مواضعها في الخلق فأرسلوا ألسنتهم بالذم للخالق جل و علا، بل العجب من المخذول «ماني» حين ادعي علم الأسرار و عمي عن دلائل الحكمة في الخلق حتي نسبه الي الخطأ و نسب خالقه الي الجهل تبارك الحليم الكريم و أعجب منهم جميعا المعطلة الذين رامو أن يدرك بالحس ما لا يدرك بالعقل فلما أعوزهم ذلك خرجوا الي الجحود و التكذيب فقالوا: و لم لا يدرك بالعقل؟ قيل: لأنه فوق مرتبة العقل كما لا يدرك البصر ما هو فوق مرتبته، فانك لو رأيت حجرا يرتفع في الهواء علمت أن راميا رمي به فليس هذا العلم من قبل البصر بل من قبل العقل لأن العقل هو الذي يميزه فيعلم أن الحجر لا يذهب علوا من تلقاء نفسه، أفلا تري كيف وقف البصر علي حده فلم يتجاوزه، فكذلك يقف العقل عي حده من معرفة الخالق فلا يعدوه و لكن يعقله بعقل أقر أن فيه نفسا و لم يعاينها و لم يدركها بحاسة الحواس، و علي حسب هذا أيضا نقول: ان العقل يعرف الخالق من جهة توجب الاقرار و لا يعرفه بما يوجب له الاحاطة بصفته. فان قيل: كيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف و لا يحيط به؟ قيل لهم: انما كلف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه، و هو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره و نهيه، و لم يكلفوا الاحاطة بصفته كما أن [ صفحه 199] الملك لا يكلف رعيته أن يعلموا أطويل هو أم قصير، أبيض هو أم أسمر، و انما يكلفهم الاذعان بسلطانه

و الانتهاء الي أمره، ألا تري أن رجلا لو أتي باب الملك فقال: أعرض علي نفسك حتي أتقصي معرفتك و الا لم أسمع لك كان قد أحل نفسه العقوبة، فكذا القائل: انه لا يقر بالخالق سبحانه حتي يحيط بكنهه متعرض لسخطه. فان قالوا: أوليس قد نصفه فنقول: هو العزيز الحكيم الجواد الكريم؟ قيل لهم: كل هذه صفات اقرار، و ليست صفات احاطة، فانا نعلم أنه حكيم و لا نعلم بكنه ذلك منه، و كذلك قدير و جواد و سائر صفاته كما قد نري السماء و لا ندري ما جوهرها، و نري البحر و لا ندري أين منتهاه، بل فوق هذا المثال بما لا نهاية له لأن الأمثال كلها تقصر عنه ولكنها تقود العقل الي معرفته. فان قالوا: و لم يختلف فيه؟ قيل لهم: لقصر الأوهام عن مدي عظمته و تعديها أقدارها في طلب معرفته، و أنها تروم الاحاطة و هي تعجز عن ذلك و ما دونه فمن ذلك هذه الشمس التي تراها تطلع علي العالم و لا يوقف علي حقيقة أمرها، و لذلك كثرت الأقاويل فيها و اختلفت الفلاسفة المذكورون في وصفها فقال بعضهم: هو فلك أجوف مملو نارا، له فم يجيش بهذا الوهج و الشعاع، و قال آخرون: هو سحابة، و قال آخرون هو جسم زجاجي يقبل نارية في العالم و يرسل عليه شعاعها، و قال آخرون: هو صفو لطيف ينعقد من ماء البحر، و قال آخرون: هو أجزاء كثيرة مجتمعة من النار، و قال آخرون هو من جوهر خامس سوي الجواهر الأربع ثم اختلفوا في شكلها فقال بعضهم: هي بمنزلة صفيحة عريضة، و قال آخرون هي كالكرة المدحرجة و كذلك اختلفوا في مقدارها

فزعم بعضهم أنها مثل الأرض سواء، و قال آخرون: بل هي أقل من ذلك، و قال آخرون [ صفحه 200] هي أعظم من الجزيرة العظيمة. و قال أصحاب الهندسة هي أضعاف الأرض مائة و سبعون مرة. ففي اختلاف هذه الأقاويل منهم في الشمس دليل علي أنهم لم يقفوا علي الحقيقة من أمرها و اذا كانت هذه الشمس التي يقع عليها البصر و يدركها الحس و قد عجزت العقول عن الوقوف علي حقيقتها، فكيف ما لطف عن الحس و استتر عن الوهم؟. فان قالوا: و لم استتر؟ قيل لهم: لهم يستتر بحيلة يخلص اليها كمن يحتجب عن الناس بالأبواب و الستور، و انما معني قولنا: استتر أنه لطف عن مدي ما تبلغه الأوهام، كما لطفت النفس و هي خلق من خلقه و ارتفعت عن ادراكها بالنظر. فان قالوا: و لم لطف؟ و تعالي عن ذلك علوا كبيرا - كان ذلك خطأ من القول لأنه لا يليق بالذي هو خالق كل شي ء الا أن يكون مبائنا لكل شي ء، متعاليا عن كل شي ء سبحانه و تعالي.

الخبر المروي عن المفضل بن عمر في التوحيد المشتهر بالاهليلجة

(البحار: ج 3 ص 152.) كتب المفضل بن عمر الجعفي الي أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام يعلمه أن قوما ظهروا من أهل هذه الملة يجحدون الربوبية، و يجادلون علي ذلك، و يسأله أن يرد عليهم قولهم، و يحتج عليهم فيما ادعوا بحسب ما احتج به علي غيرهم. فكتب أبوعبدالله عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد وفقنا الله و اياك لطاعته، و أوجب لنا بذلك رضوانه برحمته، وصل كتابك تذكر فيه ما ظهر في ملتنا، و ذلك [ صفحه 201] من قوم من أهل الالحاد بالربوبية قد كثرت عدتهم و

اشتدت خصومتهم، و تسأل أن أصنع للرد عليهم و النقض لما في أيديهم كتابا علي نحو ما رددت علي غيرهم من أهل البدع و الاختلاف، و نحن نحمد الله علي النعم السابغة و الحجج البالغة و البلاء المحمود عند الخاصة و العامة فكان من نعمه العظام و آلائه الجسام التي أنعم بها تقريره قلوبهم بربوبيته، و أخذه ميثاقهم بمعرفته، و انزاله عليهم كتابا فيه شفاء لما في الصدور من أمراض الخواطر و شبهات الأمور، و لم يدع لهم و لا لشي ء من خلقه حاجة الي من سواه، و استغني عنهم، و كان الله غنيا حميدا. و لعمري ما أتي الجهال من قبل ربهم و أنهم ليرون الدلالات الواضحات و العلامات البينات في خلقهم، و ما يعاينون من ملكوت السماوات و الأرض و الصنع العجيب المتقن الدال علي الصانع، ولكنهم قوم فتحوا علي أنفسهم أبواب المعاصي، و سهلوا لها سبيل الشهوات، فغلبت الأهواء علي قلوبهم، و استحوذ الشيطان بظلمهم عليهم، و كذلك يطبع الله علي قلوب المعتدين. و العجب من مخلوق يزعم أن الله يخفي علي عباده و هو يري أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله، و تأليف يبطل حجته. و لعمري لو تفكروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب البين، و لطف التدبير الظاهر، و وجود الاشياء مخلوقة بعد أن لم تكن، ثم تحولها من طبيعة الي طبيعة، و صنيعة بعد صنيعة، ما يدلهم ذلك علي الصانع فانه لا يخلو شي ء منها من أن يكون فيه أثر تدبير و تركيب يدل علي أن له خالقا مدبرا، و تأليف بتدبير يهدي الي واحد حكيم. و قد وافاني كتابك و رسمت لك كتابا كنت

نازعت فيه بعض أهل [ صفحه 202] الأديان من أهل الانكار، و ذلك أنه كان يحضرني طبيب من بلاد الهند، و كان لايزال ينازعني في رأيه، و يجادلني علي ضلالته، فبينا هو يوما يدق اهليلجة ليخلطها دواء احتجت اليه من أدويته، اذ عرض له شي ء من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه من ادعائه أن الدنيا لم تزل و لا تزال شجرة تنبت و أخري تسقط، نفس تولد و أخري تتلف، و زعم أن انتحالي المعرفة لله تعالي دعوي لا بينة لي عليها، و لا حجة لي فيها، و أن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول، و الأصغر عن الأكبر، و أن الأشياء المختلفة و المؤتلفة و الباطنة و الظاهرة انما تعرف بالحواس الخمس: نظر العين، و سمع الأذن، و شم الأنف، و ذوق الفم، و لمس الجوارح، ثم قاد منطقه علي الأصل الذي وضعه فقال: لم يقع شي ء من حواسي علي خالق يؤدي الي قلبي انكارا لله تعالي. ثم قال: أخبرني بم تحتج في معرفة ربك الذي تصف قدرته و ربوبيته، و انما يعرف القلب الأشياء كلها بالدلالات الخمس التي وصفت لك؟ قلت: بالعقل الذي في قلبي، و الدليل الي أحتج به في معرفته. قال: فأني يكون ما تقول و أنت تعرف أن القلب لا يعرف شيئا بغير الحواس الخمس؟ فهل عاينت ربك ببصر، أو سمعت صوته بأذن، أو شممته بنسيم، أو ذقته بفم، أو مسسته بيد فأدي ذلك المعرفة الي قلبك؟ قلت: أرأيت اذ أنكرت الله وجحدته - لأنك لا تحسه بحواسك التي تعرف بها الأشياء - و أقررت أنا به هل بد من أن يكون أحدنا صادقا و الآخر كاذبا؟ قال: لا.

قلت: رأيت ان كان القول قولك فهل يخاف علي شي ء مما أخوفك به من عقاب الله؟ قال: لا. [ صفحه 203] قلت: أفرأيت ان كان كما أقول و الحق في يدي ألست قد أخذت فيما كنت أحاذر من عقاب الخالق بالثقة و أنك قد وقعت بجحودك و انكارك في الهلكة؟ قال: بلي. قلت: فأينا أولي بالحزم و أقرب الي النجاة؟ قال: أنت الا أنك من أمرك علي ادعاء و شبهة، و أنا علي يقين وثقة، لأني لا أري حواسي الخمس أدركته، و ما لم تدركه حواسي فليس عندي بموجود. قلت: انه لما عجزت حواسك عن ادراك الله أنكرته، و أنا لما عجزت حواسي عن ادراك الله تعالي صدقت به. قال: كيف ذلك؟ قلت: لأن كل شي ء جري فيه أثر تركيب لجسم، أو وقع عليه بصر للون فما أدركته الأبصار و نالته الحواس فهو غير الله سبحانه لأنه لا يشبه الخلق، و أن هذا الخلق ينتقل بتغيير و زوال، و كل شي ء أشبه التغيير و الزوال فهو مثله، و ليس المخلوق كالخالق و لا المحدث كالمحدث. قال: ان هذا لقول، ولكني لمنكر ما لم تدركه حواسي فتؤديه الي قلبي، فلما اعتصم بهذه المقالة و لزم هذه الحجة قلت: أما اذا أبيت الا أن تعتصم بالجهالة، و تجعل المحاجزة حجة فقد دخلت في مثل ما عبت و امتثلت ما كرهت، حيث قلت: اني اخترت الدعوي لنفسي لأن كل شي ء لم تدركه حواسي عندي بلا شي ء. قال: و كيف ذلك؟ قلت: لأنك نقمت [314] علي الادعاء و دخلت فيه فادعيت أمرا لم تحط به خبرا و لم تقله علما فكيف استجزت لنفسك [ صفحه 204] الدعوي في انكارك

الله، و دفعك أعلام النبوة و الحجة الواضحة و عبتها علي؟ أخبرني هل أحطت بالجهات كلها و بلغت منتهاها؟ قال: لا. قلت: فهل رقيت الي السماء التي تري؟ أو انحدرت الي الأرض السفلي فجلت في أقطارها؟ أو هل خضت في غمرات البحور و اخترقت نواحي الهواء فيما فوق السماء و تحتها الي الأرض و ما أسفل منها فوجدت ذلك خلاء من مدبر حكيم عالم بصير؟ قال: لا. قلت: فما يدريك لعل الذي أنكره قلبك هو في بعض ما لم تدركه حواسك و لم يحط به علمك. قال: لا أدري لعل في بعض ما ذكرت مدبرا، و ما أدري لعله ليس في شي ء من ذلك شي ء! قلت: أما اذ خرجت من حد الانكار الي منزلة الشك فاني أرجو أن تخرج الي المعرفة. قال: فانما دخل علي الشك لسؤالك اياي عما لم يحط به علمي، ولكن من أين يدخل علي اليقين بما لم تدركه حواسي؟ قلت من قبل اهليلجتك هذه. قال: ذاك اذا أثبت للحجة، لأنها من آداب الطب الذي أذعن بمعرفته. قلت: انما أردت أن آتيك به من قبلها لأنها أقرب الأشياء اليك، و لو كان شي ء أقرب اليك منها لأتيتك من قبله، لأن في كل شي ء أثر تركيب و حكمة، و شاهدا يدل علي الصنعة الدالة علي من صنعها و لم تكن شيئا، و يهلكها حتي لا تكون شيئا. قلت: فأخبرني هل تري هذه اهليلجة؟ قال: نعم. قلت: أفتري غيب ما في جوفها؟ قال: لا، قلت: أفتشهد أنها مشتملة علي نواة و لا تراها؟ قال: ما يدريني لعل ليس فيها شي ء. قلت: أفتري أن خلف هذا القشر من هذه الاهليلجة غائب لم تره [ صفحه

205] من لحم [315] أو ذي لون؟ قال: ما أدري لعل ما تم غير ذي لون و لا لحم. قلت: أفتقر أن هذه الاهليلجة التي تسميها الناس بالهند موجودة؟ لاجتماع أهل الاختلاف من الأمم علي ذكرها. قال: ما أدري لعل ما اجتمعوا عليه من ذلك باطل، قلت: أفتقر أن الاهليلجة في أرض تنبت؟ قال: تلك الأرض و هذه واحدة و قد رأيتها. قلت: أفما تشهد بحضور هذه الاهليلجة علي وجود ما غاب من أشباهها؟ قال: ما أدري لعله ليس في الدنيا اهليلجة غيرها. فلما اعتصم بالجهالة قلت: أخبرني عن هذه الاهليلجة أتقر أنها خرجت من شجرة، أو تقول: أنها هكذا وجدت؟ قال: لا بل من شجرة خرجت. قلت: فهل أدركت حواسك الخمس و ما غاب عنك من تلك الشجرة؟ قال: لا. قلت: فما أراك الا قد أقررت بوجود شجرة لم تدركها حواسك. قال: أجل ولكني أقول: ان الاهليلجة و الأشياء المختلفة شي ء لم تزل تدرك، فهل عندك في هذا شي ء ترد به قولي؟ قلت: نعم أخبرني عن هذه الاهليلجة هل كنت عاينت شجرتها و عرفتها قبل أن تكون هذه الاهليلجة فيها؟ قال: نعم. قلت: فهل كنت تعاين هذه الاهليلجة، ثم عدت اليها فوجدت فيها الاهليلجة أفما تعلم أنه قد حدث فيها ما لم تكن؟ قال ما أستطيع أن أنكر ذلك ولكني أقول: انها كانت فيها متفرقة. قلت: فأخبرني هل رأيت تلك الاهليلجة التي تنبت منها شجرة هذه الاهليلجة قبل أن تغرس؟ قال: نعم. قلت: فهل يحتمل عقلك أن الشجرة التي تبلغ أصلها و عروقها و فروعها و لحاؤها و كل ثمرة جنيت [316] و ورقة سقطت ألف ألف رطل كانت كامنة في هذه الاهليلجة؟ قال:

ما يحتمل هذه العقل و لا يقبله القلب. قلت: أقررت انها حدثت في الشجرة؟ قال: نعم ولكني لا [ صفحه 206] أعرف أنها مصنوعة فهل تقدر أن تقررني بذلك؟ قلت: نعم أرأيت أني ان أريتك تدبيرا تقر أن له مدبرا، و تصويرا أن له مصورا قال: لا بد من ذلك. قلت: ألست تعلم أن هذه الاهليلجة لحم ركب علي عظم فوضع في جوف متصل بغصن مركب علي ساق يقوم علي أصل فيقوي بعروق من تحتها علي جرم متصل بعض ببعض؟ قال: بلي. قلت: ألست تعلم أن هذه الاهليلجة مصورة بتقدير و تخطيط، و تأليف و تركيب و تفصيل متداخل يتألف شي ء في بعض شي ء، به طبق بعد طبق و جسم علي جسم و لون مع لون، أبيض في صفرة، ولين علي شديد في طبائع متفرقة، و طرائق مختلفة، و أجزاء مؤتلفة مع لحاء تسقيها، و عروق يجري فيها الماء، و ورق يسترها و تقيها من الشمس أن تحرقها، و من البرد أن يهلكها، و الريح أن تذبلها [317] ؟ قال: أفليس لو كان الورق مطبقا عليها كان خيرا لها؟ قلت: الله أحسن تقديرا لو كان كما تقول لم يصل اليها ريح يروحها، و لا برد يشددها، و لعفنت عند ذلك، و لو لم يصل اليها حر الشمس لما نضجت، ولكن شمس مرة و ريح مرة و برد مرة قدر الله ذلك بقوة لطيفة و دبره بحكمة بالغة. قال: حسبي من التصوير فسر لي التدبير الذي زعمت أنك ترينه. قلت: أرأيت الاهليلجة قبل أن تعقد اذ هي في قمعها [318] ماء بغير نواة و لا لحم و لا قشر و لا لون و لا طعم و

لا شدة؟ قال: نعم. قلت: أرأيت لو لم يرفق الخالق ذلك الضعيف الذي هو مثل الخردلة في القلة و الذلة و لم يقوه [ صفحه 207] بقوته و يصوره بحكمته و يقدره بقدرته هل كان ذلك الماء يزيد علي أن يكون في قمعه غير مجموع بجسم و قمع و تفصيل؟ فان زاد زاد ماء متراكبا غير مصور و لا مخطط و لا مدبر بزيادة أجزاء و لا تأليف أطباق قال: قد أريتني من تصوير شجرتها و تأليف خلقتها و حمل ثمرتها و زيادة أجزائها و تفصيل تركيبها أوضح الدلالات، و أوضح البينة علي معرفة الصانع، و لقد صدقت بأن الأشياء مصنوعة، ولكني لا أدري لعل الاهليلجة و الأشياء صنعت نفسها؟ قلت: أولست تعلم أن خالق الأشياء و الاهليلجة حكيم عالم بما عاينت من قوة تدبيره؟ قال: بلي. قلت: فهل ينبغي للذي هو كذلك أن يكون حدثا؟ قال: لا. قلت: أفلست قد رأيت الاهليلجة حين حدثت و عاينتها بعد ان لم تكن شيئا ثم هلكت كأن لم تكن شيئا؟ قال: بلي، و انما أعطيتك أن الاهليلجة حدثت و لم أعطك أن الصانع لا يكون حادثا لا يخلق نفسه. قلت: ألم تعطني أن الحكيم الخالق لا يكون حدثا، و زعمت أن الاهليلجة حدثت؟ فقد أعطيتني أن الاهليلجة مصنوعة، فهو عزوجل صانع الاهليلجة، و ان رجعت الي أن تقول: ان الاهليلجة صنعت نفسها و دبرت خلقها فما زادت أن أقررت بما أنكرت، و وصفت صانعا مدبرا أصبت صفته، ولكنك لم تعرقه فسميته بغير اسمه قال: كيف ذلك؟ قلت: لأنك أقررت بوجود حكيم لطيف مدبر، فلما سألتك من هو؟ قلت: الاهليلجة. قد أقررت بالله سبحانه، ولكنك سميته بغير اسمه،

و لو عقلت و فكرت لعلمت أن الاهليلجة أنقص قوة من أن تخلق نفسها، و أضعف حيلة من أن تدبر خلقها. قال: هل عندك غير هذا؟ قلت: نعم. أخبرني عن هذه الاهليلجة التي زعمت أنها صنعت نفسها و دبرت أمرها كيف صنعت نفسها صغيرة الخلقة، صغيرة القدرة، ناقصة القوة، لا تمتنع أن تكسر و تعصر و تؤكل؟ [ صفحه 208] و كيف صنعت نفسها مفضولة مأكولة مرة قبيحة المنظر لا بهاء لها و لا ماء؟ قال: لأنها لم تقو الا علي ما صنعت نفسها أو لم تصنع الا ما هويت. قلت: أما اذا أبيت الا التمادي في الباطل فأعلمني متي خلقت نفسها بعد ما كانت فان هذا لمن أبين المحال، كيف تكون موجودة مصنوعة ثم تصنع نفسها مرة أخري؟ فيصير كلامك الي أنها مصنوعة مرتين، و لأن قلت: انها خلقت نفسها و دبرت خلقها قبل أن تكون ان هذا من أوضح الباطل و أبين الكذب لأنها قبل أن تكون ليس بشي ء، فكيف يخلق لا شي ء شيئا؟ و كيف تعيب قول: أن شيئا يصنع لا شيئا،، و لا تعيب قولك: ان لا شي ء يصنع لا شيئا؟ فانظر أي القولين أولي بالحق؟ قال: قولك. قلت: فما يمنعك منه؟ قال: قد قبلته و استبان لي حقه و صدقه بأن الأشياء المختلفة و الاهليلجة لم يصنعن أنفسهن، و لم يدبرن خلقهن، ولكنه تعرض لي أن الشجرة هي التي صنعت الاهليلجة لأنها خرجت منها. قلت: فمن صنع الشجرة؟ قال: الاهليلجة الأخري! قلت: اجعل كلامك غاية أنتهي اليها فاما أن تقول: هو الله سبحانه فيقبل منك، و اما أن تقول: الاهليلجة فنسألك. قال: سل. قلت: أخبرني عن الاهليلجة سهل تنبت منها

الشجرة الا بعد ما ماتت و بليت و بادت؟ قال: لا. قلت: ان الشجرة بقيت بعد هلاك الاهليلجة مائة سنة، فمن كان يحميها و يزيد فيها، و يدبر خلقها و يربيها، و ينبت ورقها؟ ما لك بد من أن تقول: هو الذي خلقها، و لان قلت: الاهليلجة و هي حية قبل أن تهلك و تبلي و تصير ترابا، و قد ربت الشجرة و هي ميتة أن هذا القول مختلف. قال: لا أقول: ذلك. قتل أفتقر بأن الله خلق الخلق أم قد بقي في نفسك شي ء من ذلك؟ قال: اني من ذلك علي حد وقوف ما أتخلص الي أمر ينفذ لي فيه الأمر. قلت: أما اذ أبيت الا الجهالة و زعمت أن الأشياء لا يدرك الا بالحواس، فاني أخبرك أنه ليس [ صفحه 209] للحواس دلالة علي الأشياء، و لا فيها معرفة الا بالقلب، فانه دليلها و معرفها الأشياء التي تدعي أن القلب لا يعرفها الا بها. فقال: أما اذ نطقت بهذا فما أقبل منك الا بالتخليص و التفحص منه بايضاح و بيان و حجة و برهان. قلت: فأول ما أبدأ به أنك تعلم أنه ربما ذهب الحواس، أو بعضها و دبر القلب الأشياء التي فيها المضرة و المنفعة من الأمور الفلانية و الخفية فأمر بها و نهي فنفذ فيها أمرها و صح فيها قضاؤه. قال: انك تقول في هذا قولا يشبه الحجة، ولكني أحب أن توضحه لي غير هذا الايضاح. قلت: ألست تعلم أن القلب يبقي بعد ذهاب الحواس؟ قال: نعم ولكن يبقي بغير دليل علي الأشياء التي تدل عليها الحواس قلت: أفلست تعلم أن الطفل تضعه أمه مضغة ليس تدله الحواس علي شي ء يسمع

و لا يبصر و لا يذاق و لا يلمس و لا يشم قال: بلي، قلت فأية الحواس دلته علي طلب اللبن اذا جاع، و الضحك بعد البكاء اذا روي من اللبن؟ و أي حواس سباع الطير و لا قط الحب منها دلها علي أن تلقي بين أفراخها اللحم و الحب فتهوي سباعها الي اللحم، و الآخرون الي الحب؟ و أخبرني عن فراخ طير الماء ألست تعلم أن فراخ طير الماء اذا طرحت فيه سبحت و اذا طرحت فيه فراخ طير البر غرقت و الحواس واحدة، فكيف انتفع بالحواس طير الماء و أعانته علي السباحة و لم تنتفع طير البر في الماء بحواسها؟ و ما بال طير البر اذا غمستها في الماء ساعة ماتت و اذا أمسكت طير الماء عن الماء ساعة ماتت؟ فلا أري الحواس في هذا الا منسكرة عليك، و لا ينبغي ذلك أن يكون الا من مدبر حكيم جعل للماء خلقا و للبر خلقا. أم أخبرني ما بال الذرة التي لا تعاين الماء قط تطرح في الماء [ صفحه 210] فتسبح، و تلقي الانسان ابن خمسين سنة من أقوي الرجال و أعقلهم لم يتعلم السباحة فيغرق؟ كيف لم يدله عقله و لبه و تجاربه و بصره بالأشياء مع اجتماع حواسه و صحتها أن يدرك ذلك بحواسه كما أدركته الذرة ان كان ذلك انما يدرك بالحواس؟ أفليس ينبغي لك أن تعلم أن القلب الذي هو معدن العقل في الصبي الذي وصفت و غيره مما سمعت من الحيوان هو الذي يهيج الصبي الي طلبه الرضاع، و الطير اللاقط علي لقط الحب، و السباع علي ابتلاع اللحم؟ قال: لست أجد القلب يعلم شيئا الا بالحواس،! قلت:

أما اذ أبيت الا النزوع الي الحواس فانا لنقبل نزوعك اليها بعد رفضك لها، و نجيبك في الحواس حتي يتقرر عندك أنها لا تعرف من سائر الأشياء الا الظاهر مما هو دون الرب الأعلي سبحانه و تعالي، فأما ما يخفي و لا يظهر فلست تعرفه، و ذلك أن خالق الحواص جعل لها قلبا احتج به علي العباد، و جعل للحواس الدلالات علي الظاهر الذي يستدل بها علي الخالق سبحانه، فنظرت العين الي خلق متصل بعضه ببعض فدلت القلب علي ما عاينت، و تفكر القلب حين دلته العين علي ما عاينت من ملكوت السماء و ارتفاعها في الهواء بغير عمد يري، و لا دعائم تمسكها لا تؤخر مرة فتنكشط، و لا تقدم أخري فتزول، و لا تهبط مرة فتدنو و لا ترتفع أخري فتنأي [319] ، لا تتغير لطول الأمد و لا تخلق [320] لاختلاف الليالي و الأيام، و لا تتداعي منها ناحية، و لا ينهار منها طرف، مع ما عاينت من النجوم الجارية السبعة المختلفة بمسيرها لدوران الفلك، و تنقلها في البروج يوما بعد يوم، و شهرا بعد شهر و سنة بعد سنة، منها السريع، و منها البطي ء، و منها المعتدل السير، ثم رجوعها و استقامتها و أخذها عرضا و طولا، و خنوسها [ صفحه 211] عند الشمس و هي مشرقة و ظهورها اذا غربت، و جري الشمس و القمر في البروج دائبين لا يتغيران في أزمنتهما و أوقاتهما يعرف ذلك من يعرف بحساب موضوع و أمر معلوم و بحكمة يعرف ذووا الألباب انها ليست من حكمة الانس و لا تفتيش الأوهام، و لا تقليب التفكر، فعرف القلب حين دلته العين علي ما عاينت أن

لذلك الخلق و التدبير و الأمر العجيب صانعا يمسك السماء المنطبقة أن تهوي الي الأرض، و أن الذي جعل الشمس و النجوم فيها خالق السماء. ثم نظرت العين الي ما استقلها من الأرض الممتدة أن تزول أو تهوي في الهواء - و هو يري الريشة يرمي بها فتسقط مكانها و هي في الخفة علي ما هي عليه - هو الذي يمسك السماء التي فوقها، و أنه لولا ذلك لخسفت بما عليها من ثقلها و ثقل الجبال و الأنام و الأشجار و البحور و الرمال، فعرض القلب بدلالة العين، أن مدبر الأرض هو مدبر السماء. ثم سمعت الأذن صوت الرياح الشديدة العاصفة و اللينة الطيبة، و عاينت العين ما يقلع من عظام الشجر و يهدم من وثيق البنيان، و تسفي [321] من ثقال الرمال، تخلي منها ناحية و تصبها في أخري، بلا سائق تبصره العين، و لا تسمعه الأذن، و لا يدرك بشي ء من الحواس، و ليست مجسدة تلمس، و لا محددة تعاين، فلم تزد العين و الأذن و سائر الحواس، علي أن دلت القلب أن لها صانعا، و ذلك أن القلب يفكر بالعقل الذي فيه، فيعرف أن الريح لم تتحرك فمن تلقائها و أنها لو كانت هي المتحركة لم تكفف عن التحرك، و لم تهدم طائفة و تعفي أخري [322] ، و لم تقلع شجرة و تدع أخري الي جنبها و لم تصب أرضا و تنصرف عن أخري فلما تفكر [ صفحه 212] القلب في أمر الريح علم أن لها محركا هو الذي يسوقها حيث يشاء، و يسكنها اذا شاء، و يصيب بها من يشاء، و يصرفها عمن يشاء، فلما نظر القلب الي ذلك وجدها

متصلة بالسماء، و ما فيها من الآيات فعرف أن المدبر القادر علي أن يمسك الأرض و السماء هو خالق الريح و محركها اذا شاء، و ممسكها كيف شاء، و مسلطها علي من يشاء، و كذلك دلت العين و الأذن القلب علي هذه الزلزلة، و عرف ذلك بغيرهما من حواسه حين حركته فلما دل الحواس علي تحريك هذا الخلق العظيم من الأرض في غلظها و ثقلها و طولها، و عرضها، و ما عليها من ثقل الجبال و المياه و الأنام و غير ذلك، و انما تتحرك في ناحية و لم تتحرك في ناحية أخري و هي ملتحمة جسدا واحدا، و خلقا متصلا بلا فصل و لا وصل، تهدم ناحية و تخسف بها و تسلم أخري فعندها عرف القلب أن محرك ما حرك منها هو ممسك ما أمسك منها، و هو محرك الريح و ممسكها، و هو مدبر السماء و الأرض و ما بينهما، و أن الأرض لو كانت هي المزلزلة لنفسها لم تزلزلت و لما تحركت ولكنه الذي دبرها و خلقها حرك منها ما شاء. ثم نظرت العين الي العظيم من الآيات من السحاب المسخر بين السماء و الأرض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشي ء من الأرض و الجبال، يتخلل الشجرة فلا يحرك منها شيئا، و لا يصهر منه غصنا، و لا يعلق منها بشي ء يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته و كثافته، و يحتمل من ثقل الماء و كثرته ما لا يقدر علي صفته، مع ما فيه من الصواعق الصادعة و البروق اللامعة، و الرعد و الثلج و البرد و الجليد ما لا تبلغ الأوهام صفته و لا تهتدي القلوب الي كنه

عجائبه، فيخرج مستقلا في الهواء يجتمع بعد تفرقه و يلتحم بعد تزايله، تفرقه الرياح من الجهات كلها الي حيث تسوقه باذن ربها، يسفل مرة و يعلو أخري، متسمك بما فيه من الماء الكثير الذي اذا [ صفحه 213] أزجاه [323] صارت منه البحور، يمر علي الأراضي الكثيرة و البلدان المتنائية و لا تنقص منه نقطة، حتي ينتهي الي مالا يحصي من الفراسخ فيرسل ما فيه قطرة بعد قطرة، وسيلا بعد سيل متتابع علي رسله حتي ينقع البرك [324] و تمتلي ء الفجاج، و تعتلي الأودية بالسيول كأمثال الجبال غاصة بسيولها، مصمخة الآذان لدويها و هديرها فتحيا بها الأرض الميتة، فتصبح مخضرة بعد أن كانت مغبرة، و معشبة بعد أن كانت مجدبة، قد كسيت ألوانا من نبات عشب ناضرة زاهرة مزينة معاشا للناس و الأنعام، فاذا أفرغ الغمام ماءه أقلع و تفرق و ذهب حيث لا يعاين و لا يدري أين تواري، فأدت العين الي القلب فعرف القلب أن ذلك السحاب لو كان بغير مدبر و كان ما وصفت من تلقاء نفسه ما احتمل نصف ذلك من الثقل من الماء، و ان كان هو الذي يرسله لما احتمله ألفي فرسخ أو أكثر، و لأرسله فيما هو أقرب من ذلك، و لما أرسله قطرة بعد قطرة، بل كان يرسله ارسالا فكان يهدم البنيان و يفسد النبات و لما جاز الي بلد و ترك آخر دونه، فعرف القلب بالأعلام المنيرة الواضحة أن مدبر الأمور واحد، و أنه لو كان اثنين أو ثلاثة لكان في طول هذه الأزمنة و الأبد و الدهر اختلاف في التدبير و تناقض في الأمور، و لتأخر بعض أو تقدم بعض، و لكان تسفل بعض ما

قد علا، و لعلا بعض ما قد سفل، و لطلع شي ء و غاب فتأخر عن وقته أو تقدم ما قبله فعرف القلب بذلك أن تدبر الأشياء ما غاب منها و ما ظهر هو الله الأول، خالق السماء و ممسكها و فارش الأرض و داحيها، و صانع ما بين ذلك مما عددنا. و غير ذلك مما لم يحص. [ صفحه 214] و كذلك عاينت العين اختلاف الليل و النهار دائبين جديدين لا يبليان في طول كرهما، و لا يتغيران لكثرة اختلافهما، و لا ينقصان عن حالهما، النهار في نوره و ضيائه و الليل في سواده و ظلمته، يلج أحدهما في الآخر حتي ينتهي كل واحد منهما الي غاية محدودة معروفة في الطول و القصر علي مرتبة واحدة و مجري واحد، مع سكون من يسكن في الليل و انتشار من ينتشر في الليل، و انتشار من ينتشر في النهار، و سكون من يسكن في النهار، ثم الحر و البرد و حلول أحدهما بعقب الآخر حتي يكون الحر بردا و البرد حرا في وقته و ابانه، فكل هذا مما يستدل به القلب علي الرب سبحانه و تعالي، فعرف القلب بعقله أن من دبر هذه الأشياء هو الواحد العزيز الحكيم الذي لم يزل و لا يزال، و أنه لو كان في السموات و الأرضين آلهة معه سبحانه لذهب كل اله بما خلق، و لعلا بعضهم علي بعض، و لفسد كل واحد منهم علي صاحبه. و كذلك سمعت الأذن ما أنزل المدبر من الكتب تصديقا لما أدركته القلوب بعقولها. و توفيق الله اياها، و ما قاله من عرفه كنه معرفته بلا ولد و لا صاحبة و لا شريك فأدت الأذن

ما سمعت من اللسان بمقالة الأنبياء الي القلب. فقال: قد أتيتني من أبواب لطيفة بما لم يأتني به أحد غيرك الا أنه لا يمنعني من ترك ما في يدي الا الايضاح و الحجة القوية بما وصفت لي و فسرت. قلت: أما اذا حجبت عن الجواب و اختلف منك المقال فسيأتيك من الدلالة من قبل نفسك خاصة ما يستبين لك أن الحواس لا تعرف شيئا الا بالقلب، فهل رأيت في المنام أنك تأكل و تشرب حتي وصلت لذة ذلك الي قلبك؟ قال: نعم. قلت: فهل رأيت أنك تضحك و تبكي و تجول في البلدان التي لم ترها و التي قد رأيتها حتي تعلم معالم ما رأيت منها؟ قال: نعم ما لا [ صفحه 215] أحصي. قلت: هل رأيت أحد أقاربك من أخ أو أب أو ذي رحم قد مات قبل ذلك حتي تعلمه و تعرفه كمعرفتك اياه قبل أن يموت؟ قال: أكثر من الكثير. قلت: أخبرني أي حواسك أدرك هذه الأشياء في منامك حتي دلت قلبك علي معاينة الموتي و كلامهم، و أكل طعامهم، و الجولان في البلدان، و الضحك و البكاء و غير ذلك؟ قال: ما أقدر أن أقول لك أي حواسي أدرك ذلك أو شيئا منه، و كيف تدرك و هي بمنزلة الميت لا تسمع و لا تبصر؟ قلت: فأخبرني حيث استيقظت ألست قد ذكرت الذي رأيت في منامك تحفظه و تقصه بعد يقظتك علي اخوانك لا تنسي منه حرفا؟ قال: انه كما تقول و ربما رأيت الشي ء في منامي، قلت: فأخبرني أي حواسك قررت علم ذلك في قلبك حتي ذكرته بعد ما استيقظت؟ قال: ان هذا الأمر ما دخلت فيه الحواس. قلت: أفليس

ينبغي لك أن تعلم حيث بطلت الحواس في هذا أن الذي عاين تلك الأشياء و حفظها في منامك قلبك الذي جعل الله فيه العقل الذي احتج به علي العباد؟ قال: ان الذي رأيت في منامي ليس بشي ء انما هو بمنزلة السراب الذي يعاينه صاحبه و ينظر اليه لا يشك فيه أنه ماء فاذا انتهي الي مكانه لم يجده شيئا فما رأيت في منامي فبهذه المنزلة!. قلت: كيف شبهت السراب بما رأيت في منامك من أكلك الطعام الحلو و الحامض، و ما رأيت من الفرح و الحزن؟ قال: لأن السراب حيث انتهيت الي موضعه صار لا شي ء، و كذلك صار ما رأيت في منامي حين انتبهت! قلت: فأخبرني ان أتيتك بأمر وجدت لذته في منامك و خفق لذلك قلبك ألست تعلم أن الأمر علي ما وصفت لك؟ قال: بلي. قلت: فأخبرني هل احتلمت قط حتي قضيت في امرأة نهمتك [325] . [ صفحه 216] عرفتها أم لم تعرفها؟ قال: بلي، ما لا أحصيه. قلت: ألست وجدت لذلك لذة علي قدر لذتك في يقظتك فتنتبه و قد أنزلت الشهوة حتي تخرج منك بقدر ما تخرج منك في اليقظة، هذا كسر لحجتك في السراب. قال: ما يري المحتلم في منامه شيئا الا ما كانت حواسه دلت عليه في اليقظة. قلت: ما زدت علي أن قويت مقالتي، و زعمت أن القلب يعقل الأشياء و يعرفها بعد ذهاب الحواس و موتها فكيف أنكرت أن القلب لا يعرف الأشياء و هو يقظان مجتمعة لو حواسه، و ما الذي عرفه اياها بعد موت الحواس و هو لا يسمع و لا يبصر، و لكنت حقيقا أن لا تنكر له المعرفة و حواسه حية

مجتمعة اذا أقررت أنه ينظر الي الامرأة بعد ذهاب حواسه حتي نكحها و أصاب لذته منها؛ فينبغي لمن يعقل حيث وصف القلب بما وصفه به من معرفته بالأشياء و الحواس ذاهبة أن يعرف أن القلب مدبر الحواس و مالكها و رائسها [326] و القاضي عليها، فانه ما جهل الانسان من شي ء فما يجهل أن اليد لا تقدر علي العين أن تقلعها، و لا علي اللسان أن تقطعه، و أنه ليس يقدر شي ء من الحواس أن يفعل بشي ء من الجسد شيئا بغير اذن القلب و دلالته و تدبيره لأن الله تبارك و تعالي جعل القلب مدبرا للجسد، به يسمع و به يبصر و هو القاضي و الأمير عليه، و لا يتقدم الجسد ان هو تأخر، و لا يتأخر ان هو تقدم، و به سمعت الحواس و أبصرت، ان أمرها ائتمرت، و ان نهاها انتهت، و به ينزل الفرح و الحزن و به ينزل الألم، و ان فسد شي ء من الحواس بقي علي حاله، و ان فسد القلب ذهب جميعا حتي لا يسمع و لا يبصر. قال: لقد كنت أظنك لا تتخلص من هذه المسألة و قد جئت بشي ء لا [ صفحه 217] أقدر علي رده قلت: و أنا أعطيك تصاديق ما أنبأتك به و ما رأيت في منامك في مجلسك الساعة. قال: افعل فاني قد تحيرت في هذه المسألة. قلت: أخبرني هل تحدث نفسك من تجارة أو صناعة أو بناء أو تقدير شي ء و تأمر به اذا أحكمت تقديره في ظنك؟ قال: نعم. قلت: فهل أشركت قلبك في ذلك الفكر شيئا من حواسك؟ قال: لا قلت: أفلا تعلم أن الذي أخبرك به قلبك حق؟ قال: اليقين

هو؛ فزدني ما يذهب الشك عني و يزيل الشبه من قلبي. قلت: أخبرني هل يعلم أهل بلادك علم النجوم؟ قال: انك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم فليس أحد أعلم بذلك منهم. قلت: أخبرني كيف وقع علمهم بالنجوم و هي مما لا يدرك بالحواس و لا بالفكر؟ قال: حساب وضعته الحكماء و توارثته الناس فاذا سألت الرجل منهم عن شي ء قاس الشمس و نظر في منازل الشمس و القمر و ما للطالع من النحوس، و ما للباطن من السعود ثم يحسب و لا يخطي ء؛ و يحمل اليه المولود فيحسب له و يخبر بكل علامة فيه بغير معاينة و ما هو مصيبه الي يوم يموت. قلت: كيف دخل الحساب في مواليد الناس؟ قال: لأن جميع الناس انما يولدون بهذه النجوم، و لولا ذلك لم يستقم هذا الحساب فمن ثم لا يخطي ء اذا علم الساعة و اليوم و الشهر و السنة التي يولد فيها المولود. قلت: لقد توصفت علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدق منه و لا أعظم ان كان حقا كما ذكرت، يعرف به المولود الصبي و ما فيه من العلامات و منتهي أجله و ما يصيبه في حياته، أوليس هذا حسابا تولد به جميع أهل الدنيا من كان من الناس؟ قال: لا أشك فيه. قلت: فتعال ننظر بعقولنا كيف علم الناس هذا العلم، و هل يستقيم أن يكون لبعض الناس اذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم، و كيف عرفها بسعودها و نحوسها، و ساعاتها [ صفحه 218] و أوقاتها، و دقائقها و درجاتها، و بطيئها و سريعها، و مواضعها من السماء، و مواضعها تحت الأرض، و دلالتها علي غامض هذه الأشياء التي وصفت

في السماء و ما تحت الأرض، فقد عرفت أن بعض هذه البروج في السماء و بعضها تحت الأرض و منها في السماء فما يقبل عقلي أن مخلوقا من أهل الأرض قدر علي هذا. قال: و ما أنكرت من هذا؟ قلت: انك زعمت أن جميع أهل الأرض انما يتوالدون بهذه النجوم، فأري الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من أهل الدنيا، و لا شك ان كنت صادقا أنه ولد ببعض هذه النجوم و الساعات و الحساب الذي كان قبله، الا أن تزعم أن ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس. قال: و هل هذا الحكيم الا كسائر الناس؟ قلت: أليس ينبغي أن يدلك عقلك علي أنها خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب و قد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم؟ قال: بلي. قلت: فكيف اهتدي لوضع هذه النجوم؟ و هل هذا العلم الا من معلم كان قبلهما و هو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه أساس المولود، و الأساس أقدم من المولود، و الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا انما يتبع أمر معلم هو أقدم منه و هو الذي خلقه مولودا ببعض هذا النجوم، و هو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها، هب أن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف، هل كان نظره في هذه النجوم الا كنظرك اليها معلقة في السماء أو تراه كان قادرا علي الدنو منها و هي في السماء حتي يعرف منازلها و مجاريها، و نحوسها و سعودها، و دقائقها، و بأيتها تكسف الشمس و القمر، و بأيتها يولد كل مولود،

و أيها السعد و أيها النحس، و أيها البطي ء و أيها السريع، ثم يعرف بعد ذلك سعود ساعات النهار و نحوسها و أيها [ صفحه 219] السعد و أيها النحس، و كم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض، و في أي ساعة تغيب، و أي ساعة تطلع، و كم ساعة يمكث طالعا، و في أي ساعة تغيب، و كم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا أن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس، و لا يقع عليه الفكر، و لا يخطر علي الأوهام؟ و كيف اهتدي أن يقيس الشمس حتي يعرف في أي برج، و في أي برج القمر، و في أي برج من السماء هذه السبعة السعود و النحوس و ما الطالع منها و ما الباطن؟ و هي معلقة في السماء و هو من أهل الأرض لا يراها اذا توارت بضوء الشمس الا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقي الي السماء، و أنا أشهد أن هذا العالم لم يقدر علي هذا العلم الا بمن في السماء، لأن هذا ليس من علم أهل الأرض. قال: ما بلغني أن أحدا من أهل الأرض رقي الي السماء. قلت: فلعل هذا الحكيم فعل ذلك و لم يبلغك؟ قال: ولو بلغني ما كنت مصدقا. قلت: فأنا أقول قولك هبه رقي الي السماء هل كان له بد من أن يجري مع كل برج من هذه البروج، و نجم من هذه النجوم من حيث يطلع الي حيث يغيب، ثم يعود الي آخر حتي يفعل مثل ذلك حتي يأتي علي آخرها؟ فان منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة، و منها ما يقطع دون

ذلك، و هل كان له بد من أن يجول في أقطار السماء حتي يعرف مطالع السعود منها و النحوس، و البطي ء و السريع، حتي يحصي ذلك؟ أو هبه قدر علي ذلك حتي فرغ مما في السماء هل كان يستقيم له حساب ما في السماء حتي يحكم حساب ما في الأرض و ما تحتها و أن يعرف ذلك مثل ما قد عاين في السماء؟ لأن مجاريها تحت الأرض علي غير مجاريها في السماء، فلم يكن يقدر علي أحكام حسابها و دقائقها و ساعاتها الا بمعرفة ما غاب عنه تحت الأرض منها، لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها، و كم [ صفحه 220] يمكث تحت الأرض، و أية ساعة من النهار يغيب غائبها لأنه لا يعاينها، و لا ما طلع منها و لا ما غاب، و لا بد من أن يكون العالم بها واحدا و الا لم ينتفع بالحساب الا تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين و البحار فسار مع النجوم و الشمس و القمر من مجاريها علي قدر ما سار في السماء حتي تعلم الغيب منها، و علم ما تحت الأرض علي قدر ما عاين منها في السماء. قال: و هل أريتني أجبتك الي أن أحد من أهل الأرض رقي الي السماء و قدر علي ذلك حتي أقول: انه دخل في ظلمات الأرضين و البحور؟ قلت: فكيف وقع هذا العلم الذي زعمت أن الحكماء من الناس وضعوه و أن الناس كلهم مولدون به و كيف عرفوا ذلك الحساب و هو أقدم منهم؟. قال: ما أجد يستقيم أن أقول: ان أحدا من أهل الأرض وضع علم هذه النجوم المعلقة في

السماء. قلت: فلا بد لك أن تقول: انما علمه حكيم عليم بأمر السماء و الأرض و مدبرهما. قال: ان قلت هذا فقد أقررت لك بالهك الذي تزعم أنه في السماء. قلت: أما أنك فقد أعطيتني أن حساب هذه النجوم حق، و أن جميع الناس ولدوا بها. قال: الشك في غير هذا. قلت: و كذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لم يقدر علي أن يغيب مع هذه النجوم و الشمس و القمر في المغرب حتي يعرف مجاريها و يطلع معها الي المشرق. قال: الطلوع الي السماء دون هذا قلت: فلا أراك تجد بدا من أن تزعم أن المعلم لهذا من السماء قال: لئن قلت ان ليس لهذا الحساب معلم لقد قلت اذا غير الحق. و لئن زعمت أن أحدا من [ صفحه 221] أهل الأرض علم ما في السماء و ما تحت الأرض لقد أبطلت لأن أهل الأرض لا يقدرون علي علم ما وصفت لك من حال هذه النجوم و البروج بالمعاينة و الدنو منها فلا يقدرون عليه لأن علم أهل الدنيا لا يكون عندنا الا بالحواس و ما يدرك علم هذه النجوم التي وصفت بالحواس لأنها معلقة في السماء و ما زادت الحواس علي النظر اليها حيث تطلع و حيث تغيب، فأما حسابها و دقائقها و نحوسها و سعودها و بطيئها و سريعها و خنوسها و رجوعها فأني تدرك بالحواس أو يهتدي اليها بالقياس؟. قلت: فأخبرني لو كنت متعلما مستوصفا لهذا الحساب من أهل الأرض أحب اليك أن تستوصفه و تتعلمه، أم من أهل السماء؟ قال: من أهل السماء، اذا كانت النجوم معلقة فيها حيث لا يعلمها أهل الأرض قلت: فافهم و أدق النظر

و ناصح نفسك ألست تعلم أنه حيث كان جميع أهل الدنيا انما يولدون بهذه النجوم علي ما وصفت في النحوس و السعود أنهن كن قبل الناس؟ قال: ما أمتنع أن أقول هذا. قلت: أفليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك: ان الناس لم يزالوا و لا يزالون قد انكسر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس، فالناس حدث بعدها و لئن كانت النجوم خلقت قبل الناس ما تجد بدا من أن تزعم أن الأرض خلقت قبلهم. قال: و لم تزعم أن الأرض خلقت قبلهم؟ قلت: ألست تعلم أنها لو لم تكن الأرض جعل الله لخلقه فراشا و مهادا ما استقام الناس و لا غيرهم من الأنام، و لا قدروا أن يكونوا في الهواء الا أن يكون لهم أجنحة؟ قال: و ماذا يغني عنهم الأجنحة اذا لم تكون لهم معيشة؟ قلت: ففي شك أنت من أن الناس حدث بعد الأرض و البروج؟ قال: لا ولكن علي اليقين من ذلك. قلت: آتيك أيضا بما تبصره. قال: ذلك أنفي للشك عني. قلت: [ صفحه 222] ألست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم و الشمس و القمر هذا الفلك؟ قال: بلي. قلت: أفليس قد كان أساسا لهذه النجوم؟ قال: بلي. قلت: فما أري هذه النجوم التي زعمت أنها مواليد الناس الا و قد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج و تسفل مرة و تصعد أخري. قال: قد جئت بأمر واضح لا يشكل علي ذي عقل أن الفلك التي تدور به النجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها انما جرت به. قلت: أقررت أن خالق النجوم التي يولد بها الناس سعودهم و نحوسهم هو خالق الأرض لأنه لو

لم يكن خلقها لم يكن ذرء. قال: ما أجد بدا من اجابتك الي ذلك. قلت: أفليس ينبغي لك أن يدلك عقلك علي أنه لا يقدر علي خلق السماء الا الذي خلق الأرض و الذرء و الشمس و القمر و النجوم و أنه لولا السماء و ما فيها لهلك ذرء الأرض. قال: أشهد أن الخالق واحد من غير شك لأنه قد أتيتني بحجة ظهرت لعقلي و انقطعت بها حجتي، و ما أري يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب و معلم هذه النجوم واحدا من أهل الأرض لأنها في السماء، و لا مع ذلك يعرف ما تحت الأرض منها الذي هو في السماء حتي اتفق حسابهم علي ما رأيت من الدقة و الصواب فاني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرفه لأنكرته و لأخبرتك أنه باطل في بدء الأمر فكان أهون علي. قلت: فأعطني موثقا ان أنا أعطيتك من قبل هذه الاهليلجة التي في يدك و ما تدعي من الطب الذي هو صناعتك و صناعة آبائك حتي يتصل الاهليلجة و ما يشبهها من الأدوية بالسماء لتذعنن بالحق و لتنصفن من نفسك. قال: ذلك لك. قلت: هل كان الناس علي حال و هم لا يعرفون [ صفحه 223] الطب و منافعه من هذه الاهليلجة و أشباهها؟ قال: نعم. قلت: فمن أين اهتدوا له؟ قال: بالتجربة و طول المقايسة. قلت: فكيف خطر عل أوهامهم حتي هموا بتجربته؟ و كيف ظنوا أنه مصلحة للأجساد و هم لا يرون فيه الا المضرة؟ أو كيف عزموا علي طلب ما لا يعرفون مما لا تدلهم عليه الحواس؟ قال: بالتجارب. قلت: أخبرني عن واضع هذا الطب و واصف هذه العقاقير المتفرقة بين المشرق

و المغرب، هل كان بد من أن يكون الذي وضع ذلك ودل علي هذه العقاقير رجل حكيم من بعض أهل هذه البلدان؟. قال: لا بد أن يكون كذلك، و أن يكون رجلا حكيما وضع ذلك و جمع عليه الحكماء فنظروا في ذلك و فكروا فيه بعقولهم. قلت: كأنك تريد الانصاف من نفسك و الوفاء بما أعطيت من ميثاقك، فاعلمني كيف عرف الحكيم ذلك؟ وهبه قد عرف بما في بلاده من الدواء و الزعفران الذي بأرض فارس، أتراه اتبع جميع نبات الأرض فذاقه شجرة شجرة حتي ظهر علي جميع ذلك و هل يدلك عقلك علي أن رجالا حكماء قدروا علي أن يتبعوا جميع بلاد فارس و نباتها شجرة شجرة حتي عرفوا ذلك بحواسهم و ظهروا علي تلك الشجرة التي يكون فيها خلط بعض هذه الأدوية التي لم تدرك حواسهم شيئا منها وهبه أصاب تلك الشجرة بعد بحثه عنها و تتبعه جميع شجر فارس و نباتها كيف عرف أنه لا يكون دواء حتي يضم اليه الاهليلج من الهند و المصطكي من الروم و المسك من التبت و الدار صيني من الصين و خصي بيد ستر من الترك و الأفيون من مصر و الصبر [327] من [ صفحه 224] اليمن و البورق [328] من أرمينية و غير ذلك من أخلاط الأدوية التي تكون في أطراف الأرض و كيف عرف أن تلك الأدوية و هي عقاقير مختلفة يكون المنفعة باجتماعها و لا يكون منفعتها في الحالات بغير اجتماع أم كيف اهتدي لمنابت هذه الأدوية و هي ألوان مختلفة و عقاقير متبائنة في بلدان متفرقة فمنها عروق و منها لحاء [329] و منها ورق و منها ثمر و منها عصير

و منها مائع و منها صمغ و منها دهن و منها ما يعصر و يطبخ و منها ما يعصر و لا يطبخ مما سمي بلغات شتي لا يصلح بعضها الا ببعض و لا يصير دواء الا باجتماعها و منها مرائر السباع و الدواب البرية و البحرية و أهل هذه البلدان مع ذلك متعادون مختلفون متفرقون متغالبون بالمناصبة و متحاربون بالقتل و السبي أفتري ذلك الحكيم تتبع هذه البلدان حتي عرف كل لغة وطاف كل وجه، و تتبع هذه العقاقير مشرقا و مغربا، آمنا صحيحا لا يخاف و لا يمرض، سليما لا يعطب، حيا لا يموت، هاديا لا يضل، قاصدا لا يجور، حافظا لا ينسي، نشيطا لا يمل، حتي عرف وقت أزمنتها و مواضع منابتها مع اختلاطها و اختلاف صفاتها، و تباين ألوانها و تفرق أسمائها، ثم وضع مثالها علي شبهها و صفتها، ثم وصف كل شجرة بنباتها و ورقها و ثمرها و ريحها و طعمها أم هل كان لهذا الحكيم بد من أن يتبع جميع أشجار الدنيا و بقولها و عروقها شجرة شجرة و ورقة ورقة شيئا شيئا فهبه وقع علي الشجرة التي أراد فكيف دلته حواسه علي أنها تصلح لدواء و الشجر مختلف منه الحلو و الحامض و المر و المالح و ان قلت: يستوصف في هذه البلدان و يعمل بالسؤال فأني يسأل عما لم يعاين و لم يدركه بحواسه؟ أم كيف يهتدي الي من يسأله عن تلك الشجرة و هو يكلمه بغير لسانه و بغير [ صفحه 225] لغته و الأشياء كثيرة فهبه فعل كيف عرف منافعها و مضارها، و تسكينها و تهييجها، و باردها و حارها، و حلوها و مرارتها، و حرافتها

[330] ولينها و شديدها، فلئن قلت: بالظن ان ذلك مما لا يدرك و لا يعرف بالطبائع و الحواس، و لئن قلت: بالتجربة و الشرب لقد كان ينبغي له أن يموت في أول ما شرب و جرب تلك الأدوية بجهالته بها و قلة معرفته بمنافعها و مضارها و أكثرها السم القاتل. و لئم قلت: بل طاف في كل بلد، و أقام في كل أمة يتعلم لغاتهم و يجرب بهم أدويتهم تقتل الأول فالأول منهم ما كان لتبلغ معرفته الدواء الواحد الا بعد قتل كثير، فما كان أهل تلك البلدان الذين قتل منهم من قتل بتجربته بالذين ينقادونه بالقتل و لا يدعونه أن يجاورهم، وهبه تركوه و سلموا لأمره و لم ينهوه كيف قوي علي خلطها، و عرف قدرها و وزنها و أخذ مثاقيلها و قرط قراريطها؟ وهبه تتبع هذا كله، و أكثره سم قاتل، ان زيد علي قدرها قتل، و ان نقص عن قدرها بطل، وهبه تتبع هذا كله و جال مشارق الأرض و مغاربها، و طال عمره فيها تتبعه شجرة شجرة و بقعة بقعة كيف كان له تتبع ما لم يدخل في ذلك من مرارة الطير و السباع و دواب البحر؟ هل كان بد حيث زعمت أن ذلك الحكيم تتبع عقاقير الدنيا شجرة شجرة و ثمرة ثمرة حتي جمعها كلها فمنها ما لا يصلح و لا يكون دواء الا بالمرار؟ هل كان بد من أن يتبع جميع طير الدنيا و سباعها و دوابها دابة دابة و طائرا طائرا يقتلها و يجرب مرارتها، كما بحث عن تلك العقاقير علي ما زعمت بالتجارب؟ و لو كان ذلك فكيف بقيت الدواب و تناسلت و ليست بمنزلة الشجرة اذا

قطعت شجرة تنبت أخري؟ وهبه أتي علي طير الدنيا [ صفحه 226] كيف يصنع بما في البحر من الدواب التي كان ينبغي أن يتبعها بحرا بحرا و دابة دابة حتي أحاط بجميع عقاقير الدنيا التي بحث عنها حتي عرفها و طلب ذلك في غمرات الماء، فانك مهما جهلت شيئا من هذا فانك لا تجهل أن دواب البحر كلها تحت الماء فهل يدل العقل و الحواس علي أن هذا يدرك بالبحث و التجارب. قال: لقد ضيقت علي المذاهب، فما أدري ما أجيبك به! قلت: فاني آتيك بغير ذلك مما هو أوضح و أبين مما اقتصصت عليك، ألست تعلم أن هذه العقاقير التي منها الأدوية و المرار من الطير و السباع لا يكون دواء الا بعد الاجتماع؟ قال: هو كذلك. قلت: فأخبرني كيف حواس هذا الحكيم وضعت هذه الأدوية مثاقيلها و قراريطها؟. فانك من أعلم الناس بذلك لأن صناعتك الطب، و أنت تدخل في الدواء الواحد من اللون الواحد زنة أربعمائة مثقال، و من الآخر مثاقيل و قراريط فما فوق ذلك و دونه حتي يجي ء بقدر واحد معلوم اذا سقيت منه صاحب البطنة، و ان سقيت صاحب القولنج أكثر من ذلك استطلق بطنه و ألان [331] فكيف أدركت حواسه علي هذا؟. أم كيف عرفت حواسه أن الذي يسقي لوجع الرأس لا ينحدر الي الرجلين، و الانحدار أهون عليه من الصعود؟ و الذي يسقي لوجع القدمين لا يصعد الي الرأس، و هو الي الرأس عند السلوك أقرب منه؟ و كذلك كل دواء يسقي صاحبه لكل عضو لا يأخذ الا طريقه في العروق التي تسقي له، [ صفحه 227] و كل ذلك يصير الي المعدة و منها يتفرق؟ أم

كيف لا يسفل منه ما صعد و لا يصعد منه ما انحدر؟ أم كيف عرفت الحواس هذا حتي علم أن الذي ينبغي للأذن لا ينفع العين و ما ينتفع العين لا يغني له بعينه؟ فكيف أدركت العقول و الحكمة و الحواس هذا غائب في الجوف، و العروق في اللحم، وفوقه الجلد لا يدرك بسمع و لا ببصر و لا بشم و لا بلمس و لا بذوق؟. قال: لقد جئت بما أعرفه الا أننا نقول: ان الحكيم الذي وضع هذه الأدوية و أخلاطها كان اذا سقي أحدا شيئا من هذه الأدوية فمات شق بطنه و تتبع عروقه و نظر مجاري تلك الأدوية و أتي المواضع التي تلك الأدوية فيها. قلت: فأخبرني ألست تعلم أن الدواء كله اذا وقع في العروق اختلط بالدم فصار شيئا واحدا؟ قال: بلي. قلت: أما تعلم أن الانسان اذا خرجت نفسه برد دمه و جمد؟ قال: بلي. قلت: فكيف عرف ذلك الحكيم دواءه الذي سقاه للمريض بعدما صار غليظا عبيطا ليس بأمشاج [332] يستدل عليه بلون فيه غير لون الدم؟. قال: لقد حملتني علي مطية صعبة ما حملت علي مثلها قط، و لقد جئت بأشياء لا أقدر علي ردها. قلت: فأخبرني من أين علم العباد ما وصفت من هذه الأدوية التي فيها المنافع لهم حتي خلطوها و تتبعوا عقاقيرها في هذه البلدان المتفرقة، و عرفوا مواضعها و معادنها في الأماكن المتباينة، و ما يصلح من عروقها و زنتها من مثاقيلها و قراريطها، و ما يدخلها من الحجارة و مرار السباع و غير ذلك؟ قال: قد أعييت [333] عن اجابتك لغموض مسائلك و الجائك اياي الي [ صفحه 228] أمر لا يدرك علمه

بالحواس، و لا بالتشبيه و القياس، و لابد أن يكون وضع هذه الأدوية واضع واحد، لأنها لم تضع هي أنفسها، و لا اجتمعت حتي جمعها غيرها بعد معرفته اياها؛ فأخبرني كيف علم العباد هذه الأدوية التي فيها المنافع حتي خلطوها و طلبوا عقاقيرها في هذه البلدان المتفرقة؟. قلت: اني ضارب لك مثلا و ناصب لك دليلا تعرف به واضع هذه الأدوية و الدال علي هذه العقاقير المختلفة و باني الجسد و واضع العروق التي يأخذ فيها الدواء الي الداء. قال: فان قلت ذلك لم أجد بدا من الانقياد الي ذلك. قلت: فأخبرني عن رجل أنشأ حديقة عظيمة، و بني عليها حائطا وثيقا، ثم غرس فيها الأشجار و الأثمار و الرياحين و البقول، و تعاهد سقيها و تربيتها، و وقاها ما يضرها، حتي لا يخفي عليه موضع كل صنف منها فاذا أدركت أشجارها و أينعت أثمارها [334] ؛ و اهتزت بقولها دفعت اليه فسألته أن يطعمك لونا من الثمار و البقول سميته له أتراه كان قادرا علي أن ينطلق قاصدا مستمرا لا يرجع، و لا يهوي الي شي ء يمر به من الشجرة و البقول حتي يأتي الشجرة التي سألته أن يأتيك بثمرها، و البقلة التي طلبتها حيث كانت من أدني الحديقة أو أقصاها فيأتيك بها؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت لو قال لك صاحب الحديقة حيث سألته الثمرة: ادخل الحديقة فخذ حاجتك فاني لا أقدر علي ذلك، هل كنت تقدر أن تنطلق قاصدا لا تأخذ يمينا و لا شمالا حتي تنتهي الي الشجرة فتجتني منها؟ قال: و كيف أقدر علي ذلك، و لا علم لي في أي مواضع الحديقة هي؟ قلت: أفليس تعلم أنك لم تكن لتصيبها

دون أن تهجم عليها بتعسف و جولان في جميع الحديقة حتي تستدل عليها ببعض حواسك بعدما [ صفحه 229] تتصفح فيها من الشجرة شجرة شجرة و ثمرة ثمرة حتي تسقط علي الشجرة التي تطلب ببعض حواسك ان تأتيها و ان لم ترها انصرفت؟. قال: و كيف أقدر علي ذلك و لم أعاين مغرسها حيث غرست و لا منبتها حيث نبتت، و لا ثمرتها حيث طلعت قلت: فانه ينبغي لك أن يدلك عقلك حيث عجزت حواسك عن ادراك ذلك ان الذي غرس هذا البستان العظيم فيما بين المشرق و المغرب، و غرس فيه هذه الأشجار و البقول هو الذي دل الحكيم الذي زعمت أنه وضع الطب علي تلك العقاقير و مواضعها في المشرق و المغرب؛ و كذلك ينبغي لك أن تستدل بعقلك علي أنه هو الذي سماها و سمي بلدتها و عرف مواضعها كمعرفة صاحب الحديقة الذي سألته الثمرة، و كذلك لا يستقيم و لا ينبغي أن يكون الغارس الدال عليها الا الدال علي منافعها و مضارها و قراريطها و مثاقيلها. قال: ان هذا لكما تقول. قلت: أفرأيت لو كان خالق الجسد و ما فيه من العصب و اللحم و الأمعاء و العروق التي يأخذ فيها الأدوية الي الرأس و الي القدمين و الي ما سوي ذلك غير خالق الحديقة و غارس العقاقير، هل كان يعرف زنتها و مثاقيلها و قراريطها و ما يصلح لكل داء منها، و ما كان يأخذ في كل عرق. قال: و كيف يعرف ذلك أو يقدر عليه و هذا لا يدرك بالحواس، ما ينبغي أن يعرف هذا الا الذي غرس الحديقة و عرف كل شجرة و بقلة و ما فيها من

المنافع و المضار. قلت: أفليس كذلك ينبغي أن يكون الخالق واحدا؟ لأنه لو كان اثنين أحدهما خالق الدواء و الآخر خالق الجسد و الداء لم يهتد غارس العقاقير لايصال دوائه الي الداء الذي بالجسد مما لا علم له به، و لا اهتدي خالق الجسد الي علم ما يصلح ذلك الداء من تلك العقاقير، فلما كان الداء [ صفحه 230] و الدواء واحدا أمضي الدواء في العروق التي برأ و صور الي الداء الذي عرف و وضع فعلم مزاجها من حرها و بردها ولينها و شديدها و ما يدخل في كل دواء منه من القراريط و المثاقيل، و ما يصعد الي الرأس منها و ما يهبط الي القدمين منها و ما يتفرق منه فيما سوي ذلك. قال: لا أشك في هذا لأنه لو كان خالق الجسد غير خالق العقاقير لم يهتد واحد منهما الي ما وصفت. قلت: فان الذي دل الحكيم الذي وصفت أنه أول من خلط هذه الأدوية و دل علي عقاقيرها المتفرقة فيما بين المشرق و المغرب، و وضع هذا الطب علي ما وصفت لك هو صاحب الحديقة فيما بين المشرق و المغرب، و هو باني الجسد، و هو دل الحكيم بوحي منه علي صفة كل شجرة و بلدها و ما يصلح منها من العروق و الثمار و الدهن و الورق و الخشب و اللحاء، و كذلك دله علي أوزانها من مثاقيلها و قراريطها و ما يصلح كل داء منها، و كذلك هو خالق السباع و الطير و الدواب التي في مرارها المنافع مما يدخل منها في العقاقير؛ فلما كان الخالق سبحانه و تعالي واحدا دل علي ما فيه من المنافع منها فسماه باسمه

حتي عرف و ترك ما لا منفعة فيه منها، فمن ثم علم الحكيم أي السباع و الدواب و الطير فيه المنافع، و أيها لا منفعة فيه، و لولا أن خالق هذه الأشياء دله عليها ما اهتدي بها. قال: ان هذا لكما تقول و قد بطلت الحواس و التجارب عند هذه الصفات. قلت: أما اذا صحت نفسك فتعال ننظر بعقولنا و نستدل بحواسنا، هل كان يستقيم لخالق هذه المدينة و غارس هذه الأشجار و خالق هذه الدواب و الطير و الناس الذي خلق هذه الأشياء لمنافعهم أن يخلق هذا الخلق و يغرس في أرض غيره مما اذا شاء منعه ذلك؟. قال: ما ينبغي أن تكون الأرض التي خلقت فيها الحديقة العظيمة [ صفحه 231] و غرست فيه الأشجار الا لخالق هذا الخلق و ملك يده. قلت: فقد أري الأرض أيضا لصاحب الحديقة لاتصال هذه الأشياء بعضها ببعض. قال: ما في هذا شك. قلت: فأخبرني و ناصح نفسك ألست تعلم أن هذه الحديقة و ما فيها من الخلقة العظيمة من الانس و الدواب و الطير و الشجر و العقاقير و الثمار و غيرها لا يصلحها الا شربها و ريها من الماء الذي لا حياة لشي ء الا به؟ قال: بلي. قلت: أفتري الحديقة و ما فيها من الذرء خالقها واحد، و خالق الماء غيره يحبسه عن هذه الحديقة اذا شاء و يرسله اذا شاء فيفسد علي خالق الحديقة؟. قال: و ما ينبغي أن يكون خالق هذه الحديقة و ذارء هذا الذرء الكثير و غارس هذه الأشجار الا المدبر الأول و ما ينبغي أن يكون ذلك الماء لغيره، و ان اليقين عندي لهو أن الذي يجري هذه المياه من

أرضه و جباله لغارس هذه الحديقة و ما فيها من الخليقة، لأنه لو كان الماء لغير صاحب الحديقة لهلك الحديقة و ما فيها، ولكنه خلق الماء قبل الغرس و الذرء و به استقامت الأشياء و صلحت. قلت: أفرأيت لو لم يكن لهذه المياه المنفجرة في الحديقة مغيض [335] لما يفضل من شربها يحبسه عن الحديقة أن يفيض عليها أليس كان يهلك ما فيها من الخلق علي حسب ما كانوا يهلكون لو لم يكن لها ماء؟ قال: بلي ولكني لا أدري لعل هذا البحر ليس له حابس و أنه شي ء لم يزل. قلت: أما أنت فقد أعطيتني أنه لولا البحر و مغيض المياه اليه لهلكت الحديقة و ما فيها من الخليقة، و أنه جعله مغيضا لمياه الحديقة مع ما جعل فيه من المنافع للناس. قال: فاجعلني من ذلك علي يقين كما جعلتني من غيره. قلت: [ صفحه 232] ألست تعلم أن فضول ماء الدنيا يصير في البحر قال: بلي. قلت: فهل رأيته زائدا قط في كثرة الماء و تتابع الأمطار علي الحد الذي لم يزل عليه؟ أو هل رأيته ناقصا في قلة المياه و شدة الحر و شدة القحط؟ قال: لا. قلت: أفليس ينبغي أن يدلك عقلك علي أن خالقه و خالق الحديقة و ما فيها من الخليقة واحد، و أنه هو الذي وضع له حدا لا يجاوزه لكثرة الماء و لا لقلته، و أن مما يستدل علي ما أقول أنه يقبل بالأمواج أمثال الجبال يشرف علي السهل و الجبل، فلو لم تقبض أمواجه و لم تحبس في المواضع التي أمرت بالاحتباس فيها لأطبقت علي الدنيا اذا انتهت علي تلك المواضع التي لم تزل تنتهي اليها

ذلت أمواجه و خضع أشراقه. قال: ان ذلك لكما وصفت و لقد عاينت منه كل الذي ذكرت، و لقد أتيتني ببرهان و دلالات ما أقدر علي انكارها و لا جحودها لبيانها. قلت: و غير ذلك سآتيك به مما تعرف اتصال الخلق بعضه ببعض، و أن ذلك من مدبر حكيم عالم قدير، ألست تعلم أن عامة الحديقة ليس شربها من الأنهار و العيون و أن أعظم ما ينبت فيها من العقاقير و البقول التي في الحديقة و معاش فيها من الدواب و الوحش و الطير من البراري التي لا عيون لها و لا أنهار انما يسقيه السحاب؟ قال: بلي. قلت: أفليس ينبغي أن يدلك عقلك و ما أدركت بالحواس التي زعمت أن الأشياء لا تعرف الا بها أنه لو كان السحاب الذي يحتمل من المياه و البلدان و المواضع التي لا تنالها ماء العيون و الأنهار و فيها العقاقير و البقول و الشجر و الأنام لغير صاحب الحديقة لأمسكه عن الحديقة اذا شاء، و لكان خالق الحديقة من بقاء خليقه التي ذرأ وبرأ علي غرور و وجل، خائفا علي خليقه أن يحبس صاحب المطر الماء الذي لا حياة للخليقة الا به؟. قال: ان الذي جئت به لواضح متصل بعضه ببعض، و ما ينبغي أن [ صفحه 233] يكون الذي خلق هذه الحديقة و هذه الأرض، و جعل فيها الخليقة و خلق لها هذا المغيض، و أنبت فيها هذه الثمار المختلفة الا خالق السماء و السحاب، و يرسل منها ما شاء من الماء اذا شاء أن يسقي الحديقة و يحيي ما في الحديقة من الخليقة و الأشجار و الدواب و البقول و غير ذلك، الا أني أحب

أن تأتيني بحجة أزداد بها يقينا و أخرج بها من الشك. قلت: فاني آتيك بها ان شاء الله من قبل اهليلجتك و اتصالها بالحديقة و ما فيها من الأشياء المتصلة بأسباب السماء لتعلم أن ذلك بتدبير عليم حكيم. قال: و كيف تأتيني بما يذهب عني الشك من قبل الاهليلجة؟ قلت: فيما أريك فيها من اتقان الصنع، و أثر التركيب المؤلف، و اتصال ما بين عروقها الي فروعها، و احتياج بعض ذلك الي بعض حتي يتصل بالسماء. قال: ان أريتني ذلك لم أشك. قلت: ألست تعلم أن الاهليلجة نابتة في الأرض و أن عروقها مؤلفة الي أصل، و أن الأصل متعلق بساق متصل بالغصون، و الغصون متصلة بالفروع، و الفروع منظومة بالأكمام و الورق، و ملبس ذلك كله الورق، و يتصل جميعه بظل يقيه حر الزمان و برده؟. قال: أما الاهليلجة فقد تبين لي اتصال لحائها و ما بين عروقها و بين ورقها و منبتها من الأرض، فأشهد أن خالقها واحد لا يشركه في خلقها غيره لاتقان الصنع و اتصال الخلق و ائتلاف التدبير و احكام التقدير. قلت: ان أريتك التدبير مؤتلفا بالحكمة و الاتقان معتدلا بالصنعة، محتاجا بعضه الي بعض، متصلا بالأرض التي خرجت منه الاهليلجة في الحالات كلها أتقر بخالق ذلك؟ قال: اذن لا أشك في الوحدانية. قلت: فافهم وافقه ما أصف لك: ألست تعلم أن الأرض متصلة باهليلجتك و اهليلجتك متصلة بالتراب، و التراب متصل بالحر و البرد، و الحر و البرد متصلان بالهواء، و الهواء متصل بالريح، و الريح متصلة بالسحاب، و السحاب متصل [ صفحه 234] بالمطر، و المطر متصل بالأزمنة، و الأزمنة متصلة بالشمس و القمر، و الشمس و القمر

متصلتان بدوران الفلك، و الفلك متصل بما بين السماء و الأرض صنعة ظاهرة، و حكمة بالغة، و تأليف متقن، و تدبير محكم، متصل كل هذا ما بين السماء و الأرض، و لا يقوم بعضه الا ببعض، و لا يتأخر واحد منهما عن وقته، و لو تأخر عن وقته لهلك جميع من في الأرض من الأنام و النباتات؟ قال: ان هذه لهي العلامات البينات، و الدلالات الواضحات التي يجري معها أثر التدبير، باتقان الخلق و التأليف مع اتقان الصنع لكني لست أدري لعل ما تركت غير متصل بما ذكرت. قلت: و ما تركت؟ قال: الناس. قلت: ألست تعلم أن هذا كله متصل بالناس، سخره لها المدبر الذي أعلمتك أنه ان تأخر شي ء مما عددت عليك هلكت الخليقة، و باد جميع ما في الحديقة، و ذهبت الاهليلجة التي تزعم أن فيها منافع الناس؟. قال: فهل تقدر أن تفسر لي هذا الباب علي ما لخصت لي غيره؟ قلت: نعم أبين لك ذلك من قبل اهليلجتك، حتي تشهد أن ذلك كله مسخر لبني آدم. قال: و كيف ذلك؟ قلت: خلق الله السماء سقفا مرفوعا، و لولا ذلك اغتم خلقه لقربها، و أحرقتهم الشمس لدنوها، و خلق لهم شهبا و نجوما يهتدي بها في ظلمات البر و البحر لمنافع الناس، و نجوما يعرف بها أصل السحاب، فيها الدلالات علي ابطال الحواس، و وجود معلمها الذي علمها عباده، مما لا يدرك علمها بالعقول فضلا عن الحواس، و لا يقع عليها الأوهام و لا يبلغها العقول الا به لأنه العزيز الجبار الذي دبرها و جعل فيها سراجا و قمرا منيرا يسبحان [336] في فلك يدور بهما دائبين [337] ، يطلعهما [ صفحه

235] تارة و يؤلفهما أخري، فبني عليه الأيام و الشهور و السنين التي هي من سبب الشتاء و الصيف و الربيع و الخريف، أزمنة مختلفة الأعمال، أصلها اختلاف الليل و النهار اللذين لو كان واحد منهما سرمدا علي العباد لما قامت لهم معايش أبدا، فجعل مدبر هذه الأشياء و خالقها النهار مبصرا و الليل سكنا، و أهبط فيهما الحر و البرد متباينين لو دام واحد منهما بغير صاحبه ما نبتت شجرة و لا طلعت ثمرة، و لهلكت الخليقة لأن ذلك متصل بالريح المصرفة في الجهات الأربع، باردة تبرد أنفاسهم، و حارة تلقح أجسادهم و تدفع الأذي عن أبدانهم و معايشهم و رطوبة ترطب طبائعهم، و يبوسة تنشف رطوباتهم و بها يأتلف المفترق و بها يتفرق الغمام المطبق حتي يتبسط في السماء كيف يشاء مدبرة فيجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله بقدر معلوم لمعاش مفهوم، و أرزاق مقسومة و آجال مكتوبة، و لو احتبس عن أزمنته و وقته هلكت الخليقة و يبست الحديقة، فأنزل الله المطر في أيامه و وقته الي الأرض التي خلقها لبني آدم، و جعلها فرشا و مهادا، و حبسها أن تزول بهم، و جعل الجبال لها أوتادا، و جعل فيها ينابيع تجري في الأرض بما تنبت فيها لا تقوم الحديقة و الخليقة الا بها، و لا يصلحون الا عليها مع البحار التي يركبونها و يستخرجون منها حلية يلبسونها و لحما طريا و غيره يأكلونه، فعلم أن اله البر و البحر و السماء و الأرض و ما بينهما واحد حي قيوم مدبر حكيم، و أنه لو كان غيره لاختلفت الأشياء. و كذلك السماء نظير الأرض التي أخرج الله منها حبا و عنبا

و قضبا، و زيتونا و نخلا، و حدائق غلبا و فاكهة و أبا، بتدبير مؤلف مبين، بتصوير الزهرة و الثمرة حياة لبني آدم، و معاشا يقوم به أجسادهم، و تعيش بها أنعامهم التي جعل الله في أصوافها و أوبارها و أشعارها أثاثا و متاعا الي حين، و الانتفاع بها و البلاغ علي ظهورها معاشا لهم لا يحيون الا به، [ صفحه 236] و صلاحا لا يقومون الا عليه و كذلك ما جهلت من الأشياء فلا تجهل أن جميع ما في الأرض شيئان: شي ء يولد، و شي ء ينبت، أحدهما آكل، و الآخر مأكول، و ما يدلك عقلك انهم خالقهم ما تري من خلق الانسان و تهيئة جسده لشهوة الطعام، و المعدة لتطحن المأكول، و مجاري العروق لصفوة الطعام، و هيأ لها الأمعاء، و لو كان خالق المأكول غيره لما خلق الأجساد مشتهية للمأكول و ليس له قدرة عليه. قال: لقد وصفت أعلم أنها من مدبر حكيم لطيف قدير عليم، قد آمنت و صدقت أن الخالق واحد سبحانه و بحمده، غير أني أشك في هذه السمائم القاتلة أن يكون هو الذي خلقها لأنها ضارة غير نافعة! قلت: أليس قد صار عندك أنها من غير خلق الله؟ قال: نعم لأن الخالق عبيده و لم يكن ليخلق ما يضرهم. قلت: سأبصرك، قلت: هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه مضرة للخلق؟ قال: نعم. قلت: ما هو؟ قال: حتي يكون منها الجذام و البرص و السلال [338] و الماء الأصفر، و غير ذلك من الأوجاع؟ قال: هو كذلك؟ قلت: أما هذا الباب فقد انكسر عليك. قال: أجل. قلت: هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه منفعة؟ قال: نعم. قلت: أليس

يدخل في الأدوية التي يدفع بها الأوجاع من الجذام و البرص و السلال و غير ذلك، و يدفع الداء و يذهب السقم مما أنت أعلم به لطول معالجتك قال: انه كذلك. قلت: فأخبرني أي الأدوية عندكم أعظم في السمائم القاتلة؟ أليس الترياق؟. [ صفحه 237] قال: نعم هو رأسها و أول ما يفرغ اليه عند نهش الحيات [339] و لسع الهوام و شرب السمائم. قلت: أليس تعلم أنه لابد للأدوية المرتفعة و الأدوية المحرقة في أخلاط الترياق الا أن تطبخ بالأفاعي القاتلة؟ قال: نعم هو كذلك و لا يكون الترياق المنتفع به الدافع للسمائم القاتلة الا بذلك، و لقد انكسر علي هذا الباب، فأنا أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أنه خالق السمائم القاتلة و الهوام العادية، و جميع النبت و الأشجار، و غارسها و منبتها و باري ء الأجساد، و سائق الرياح، و مسخر السحاب، و أنه خالق الأدواء التي تهيج بالانسان كالسمائم القاتلة التي تجري في أعضائه و عظامه، و مستقر الأدواء و ما يصلحها من الدواء، العارف بالروح و مجري الدم و أقسامه في العروق و اتصاله بالعصب و الأعضاء و العصب و الجسد، و أنه عارف بما يصلحه من الحر و البرد، عالم بكل عضو بما فيه و أنه هو الذي وضع هذه النجوم و حسابها و العالم بها، و الدال علي نحوسها و سعودها و ما يكون من المواليد، و أن التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء و الأرض و ما فيها؛ فبين لي كيف قلت: هو الأول و الآخر و هو اللطيف الخبير و أشباه ذلك؟ قلت: هو الأول بلا كيف، و هو

الآخر بلا نهاية، ليس له مثل، خلق الخلق و الأشياء لا من و لا كيف بلا علاج و لا معاناة و لا فكر و لا كيف له، و انما الكيف بكيفية المخلوق لأنه الأول لا بدء له و لا شبه و لا مثل و لا ضد و لا ند، لا يدرك ببصر و لا يحس بلمس، و لا يعرف الا بخلقه تبارك و تعالي. قال: فصف لي قوته. قلت: انما سمي ربنا جل جلاله قويا للخلق [ صفحه 238] العظيم القوي الذي خلق مثل الأرض و ما عليها من جبالها و بحارها و رمالها و أشجارها و ما عليها من الخلق المتحرك من الانس و من الحيوان، و تصريف الرياح و السحاب المسخر المثقل بالماء الكثير، و الشمس و القمر و عظمهما و عظم نورهما الذي لا تدركه الأبصار بلوغا و منتها، و النجوم الجارية، و دوران الفلك، و غلظ السماء، و عظم الخلق العظيم، و السماء المسقفة فوقنا راكدة في الهواء، و ما دونها من الأرض المبسوطة، و ما عليها من الخلق الثقيل، و هي راكدة لا تتحرك، غير أنه ربما حرك فيها ناحية، و الناحية الأخري ثابتة، و ربما خسف منها ناحية و الناحية الأخري قائمة؛ يرينا قدرته و يدلنا بفعله علي معرفته، فلهذا سمي قويا لا قوة البطش المعروفة من الخلق، و لو كانت قوته تشبه قوة الخلق لوقع عليه التشبيه، و كان محتملا للزيادة، و ما احتمل الزيادة كان ناقصا و ما كان ناقصا لم يكن تاما، و ما لم يكن تاما كان عاجزا ضعيفا، و الله عزوجل لا يشبه بشي ء، و انما قلنا: انه قوي للخلق القوي؛ و كذلك قولنا:

العظيم و الكبير، و لا يشبه بهذه الأسماء الله تبارك و تعالي. قال: أفرأيت قوله: سميع بصير عالم؟ قلت: انما يسمي تبارك و تعالي بهذه الأسماء لأنه لا يخفي عليه شي ء مما لا تدركه الأبصار من شخص صغير أو كبير، أو دقيق أو جليل، و لا نصفه بصيرا بلحظ عين المخلوق، و انما سمي سميعا لأنه (ما يكون من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا أدني من ذلك و لا أكثر الا هو معهم أينما كانوا) يسمع النجوي، و دبيب النمل علي الصفا [340] و خفقان الطير في الهواء [341] ، لا تخفي عليه خافية و لا شي ء مما أدركته الأسماع و الأبصار و ما [ صفحه 239] لا تدركه الأسماع و الأبصار، ما جل من ذلك و ما دق، و ما صغر و ما كبر؛ و لم نقل سميعا بصيرا كالسمع المعقول من الخلق؛ و كذلك انما سمي عليما لأنه لا يجهل شيئا من الأشياء، لا تخفي عليه خافية في الأرض و لا في السماء، علم ما يكون و ما لا يكون، و ما لو كان كيف يكون، و لم نصف عليما بمعني غريزة يعلم بها، كما أن للخلق غريزة يعلمون بها، فهذا ما أراد من قوله: عليم؛ فعز من جل عن الصفات و من نزه نفسه عن أفعال خلقه فهذا هو المعني، و لولا ذلك ما فصل بينه و بين خلقه فسبحانه و تقدست أسماؤه. قال: ان هذا لكما تقول و لقد علمت أنما غرضي أن أسأل عن رد الجواب فيه عند مصرف يسنح عني، فأخبرني لعلي أحكمه فيكون الحجة قد انشرحت للمتعنت المخالف، أو السائل

المرتاب، أو الطالب المرتاد، مع ما فيه لأهل الموافقة من الازدياد. فأخبرني عن قوله: لطيف، و قد عرفت أنه للفعل، و لكن قد رجوت أن تشرح لي ذلك بوصفك. قلت: انما سميناه لطيفا للخلق اللطيف، و لعلمه بالشي ء اللطيف مما خلق من البعوض و الذرة [342] ، و مما هو أصغر منهما لا يكاد تدركه الأبصار و العقول، لصغر خلقه من عينه و سمعه و صورته، لا يعرف من ذلك لصغر الذكر من الأنثي، و لا الحديث المولود من القديم الوالد، فلما رأينا لطف ذلك في صغره و موضع العقل فيه و الشهوة للسفاد و الهرب من الموت، و الحدب علي نسله من ولده، و معرفة بعضها بعضا، و ما كان منها في لجج البحار و أعنان السماء و المفاوز و القفار، و ما هو معنا في منزلنا، و يفهم بعضهم بعضا من منطقهم، و ما يفهم من أولادها، و نقلها الطعام اليها و الماء، [ صفحه 240] علمنا أن خالقها لطيف و أنه لطيف بخلق اللطيف، كما سميناه قويا بخلق القوي. قال: ان الذي جئت به لواضح، فكيف جاز للخلق أن يتسموا بأسماء الله تعالي؟. قلت: ان الله جل ثناؤه و تقدست أسماؤه أباح للناس الأسماء، و وهبها لهم، و قد قال القائل من الناس للواحد: واحد، و يقول لله: واحد، و يقول: قوي و الله تعالي قوي، و يقول: صانع و الله صانع، و يقول: رازق و الله رازق، و يقول سميع بصير و الله سميع بصير، و ما أشبه ذلك، فمن قال للانسان: واحد فهذا له اسم و له شبيه، و الله واحد و هو له اسم و لا شي ء له شبيه

و ليس المعني واحدا؛ و أما الأسماء فهي دلالتنا علي المسمي لأنا قد نري الانسان واحدا و انما نخبر واحدا اذا كان مفردا فعلم أن الانسان في نفسه ليس بواحد في المعني لأن أعضاءه مختلفة و أجزاءه ليس سواء، و لحمه غير دمه، و عظمه غير عصبه و شعره غير ظفره، و سواده غير بياضه، و كذلك سائر الخلق و الانسان واحد في الاسم، و ليس بواحد في الاسم و المعني و الخلق، فاذا قيل لله فهو المواحد الذي لا واحد غيره لأنه لا اختلاف فيه، و هو تبارك و تعالي سميع و بصير و قوي و عزيز و حكيم و عليم فتعالي الله أحسن الخالقين. قال: فأخبرني عن قوله: رؤوف رحيم، و عن رضاه و محبته و غضبه و سخطه. قلت: ان الرحمة و ما يحدث لنا منها شفقه و منها جود، و ان رحمة الله ثوابه لخلقه؛ و الرحمة من العباد شيئان: أحدهما يحدث في القلب الرأفة و الرقة لما يري بالمرحوم من الضر و الحاجة و ضروب البلاء، و الآخر ما يحدث منا بعد الرأفة و اللطف علي المرحوم و الرحمة منا ما نزل [ صفحه 241] به، و قد يقول القائل: أنظر الي رحمة فلان و انما يريد الفعل الذي حدث عن الرقة في قلب فلان، و انما يضاف الي الله عزوجل من فعل ما حدث عنا من هذه الأشياء؛ و أما المعني الذي هو في القلب فهو منفي عن الله كما وصف عن نفسه فهو رحيم لا رحمة رقة؛ و أما الغضب فهو منا اذا غضبنا تغيرت طباعنا و ترتعد أحيانا مفاصلنا و حالت ألواننا، ثم نجيي ء من بعد ذلك

بالعقوبات فسمي غضبا، فهذا كلام الناس المعروف؛ و الغضب شيئان: أحدهما في القلب، و أما المعني الذي هو في القلب فهو منفي عن الله جل جلاله، و كذلك رضاه و سخطه و رحمته علي هذه الصفة جل و عز لا شبيه له و لا مثيل في شي ء من الأشياء. قال: فأخبرني عن ارادته. قلت: ان الارادة من العباد الضمير و ما يبدو بعد ذلك من الفعل، و أما من الله عزوجل فالارادة للفعل احداثه انما يقول له كن فيكون، بلا تعب و لا كيف. قال: قد بلغت حسبك فهذه كافية لمن عقل؛ و الحمدلله رب العالمين، الذي هدانا من الضلال و عصمنا من أن نشبهه بشي ء من خلقه، و أن نشك في عظمته و قدرته و لطيف صنعه و جبروته، جل عن الأشباه و الأضداد، و تكبر عن الشركاء و الأنداد [343] . [ صفحه 245]

مواعظه و حكمه

و من كلامه سماه بعض الشيعة نثر الدرر

الاستقصاء فرقة. الانتقاد عداوة. قلة الصبر فضيحة. افشاء السر سقوط. السخاء فطنة. اللوم تغافل. ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا و الآخرة بغيته [344] : من اعتصم بالله. و رضي بقضاء الله. و أحسن الظن بالله. ثلاثة من فرط فيهن كان محروما: استماحة جواد. و مصاحبة عالم. و استمالة سلطان. ثلاثة تورث المحبة: الدين. و التواضع. و البذل. من بري ء من ثلاثة نال ثلاثة: من بري ء من الشر نال العز. و من بري ء من الكبر نال الكرامة. و من بري ء من البخل نال الشرف. ثلاثة مكسبة للبغضاء: النفاق. و الظلم. و العجب. [ صفحه 246] و من لم تكن فيه خصلة من ثلاثة لم يعد نبيلا [345] : من لم يكن له عقل يزينه أو جدة تغنيه

[346] أو عشيرة تعضده. ثلاثة تزري بالمرء [347] : الحسد. و النميمة. و الطيش. ثلاثة لا تعرف الا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم الا عند الغضب. و لا الشجاع الا عند الحرب. و لا أخ الا عند الحاجة. ثلاث من كن فيه فهو منافق و ان صام و صلي: من اذا حدث كذب. و اذا وعد أخلف. و اذا ائتمن خان. احذر من الناس ثلاثة: الخائن. و الظلوم. و النمام، لأن من خان لك خانك. و من ظلم لك سيظلمك. و من نم اليك سينم عليك. لا يكون الأمين أمينا حتي يؤتمن علي ثلاثة فيؤديها: علي الأموال و الأسرار و الفروج. و ان حفظ اثنين وضيع واحدة فليس بأمين. لا تشاور أحمق. و لا تستعن بكذاب. و لا تثق بمودة ملول، فان الكذاب يقرب لك البعيد و يبعد لك القريب. و الأحمق يجهد لك نفسه و لا يبلغ ما تريد. و الملول أوثق ما كنت به خذلك و أوصل ما كنت له قطعك. أربعة لا تشبع من أربعة: أرض من مطر. و عين من نظر و أنثي من ذكر. و عالم من علم. أربعة تهرم قبل أوان الهرم: أكل القديد. و القعود علي النداوة. و الصعود في الدرج. و مجامعة العجوز [348] . [ صفحه 247] النساء ثلاث: فواحدة لك. و واحدة لك و عليك. و واحدة عليك لا لك، فأما التي هي لك فالمرأة العذراء. و أما التي هي لك و عليك فالثيب. و أما التي هي عليك لا لك فهي المتبع التي لها ولد من غيرك [349] . ثلاث من كن فيه كان سيدا: كظم الغيظ. و العفو عن المسي ء. و الصلة

بالنفس و المال. ثلاثة لابد لهم من ثلاث: لابد للجواد من كبوة، و للسيف من نبوة، و للحليم من هفوة [350] . ثلاثة فيهن البلاغة: التقرب من معني البغية. و التبعد من حشو الكلام و الدلالة بالقليل علي الكثير. النجاة في ثلاث: تمسك عليك لسانك. ويسعك بيتك. و تندم علي خطيئتك. الجهل في ثلاث: في تبدل الأخوان. و المنابذة بغير بيان [351] و التجسس عما لا يعني. ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر. و النكث. و البغي. و ذلك قول الله: (و لا يحيق المكر السيي ء الا بأهله) [352] (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم و قومهم أجمعين) [353] و قال جل و عز: (و من نكث [ صفحه 248] فانما يكنث علي نفسه) [354] و قال: (يا أيها الناس انما بغيكم علي أنفسكم متاع الحياة الدنيا) [355] . ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي قصر الهمة. و قلة الحيلة. و ضعف الرأي. الحزم في ثلاثة [356] : الاستخدام للسلطان. و الطاعة للوالد. و الخضوع للمولي. الأنس في ثلاث: في الزوجة الموافقة. و الولد البار. و الصديق المصافي [357] . من رزق ثلاثا نال ثلاثا و هو الغني الأكبر: القناعة بما أعطي. و اليأس مما في أيدي الناس و ترك الفضول. لا يكون الجواد جوادا الا بثلاثة: يكون سخيا بماله علي حال اليسر و العسر، و أن يبذله للمستحق. و يري أن الذي أخذه من شكر الذي أسدي اليه أكثر مما أعطاه. ثلاثة لا يعذر المرء فيها: مشاورة ناصح و مدارأة حاسد. و التحبب الي الناس. لا يعد العاقل عاقلا حتي يستكمل ثلاثا: اعطاء الحق من نفسه علي حال الرضا و الغضب. و

أن يرضي للناس ما يرضي لنفسه. و استعمال الحلم عند العثرة. [ صفحه 249] لا تدوم النعم الا بعد ثلاث: معرفة بما يلزم لله سبحانه فيها و أداء شكرها. و التعب فيها. ثلاث من ابتلي بواحدة منهن تمني الموت: فقر متتابع. و حرمة فاضحة. و عدو غالب. من لم يرغب في ثلاث أبتلي بثلاث: من لم يرغب السلامة أبتلي بالخذلان. و من لم يرغب في المعروف ابتلي بالندامة. و من لم يرغب في الاستكثار من الاخوان ابتلي بالخسران. ثلاث يجب علي كل انسان تجنبها، مقارنة الأشرار. و محادثة النساء. و مجالسة أهل البدع. ثلاثة تدل علي كرم المرء: حسن الخلق. و كظم الغيظ. و غض الطرف. من وثق بثلاثة كان مغرورا: من صدق بما لا يكون. و ركن الي من لا يثق به و طمع فيما لا يملك. ثلاثة من استعملها أفسد دينه و دنياه: من [أ] ساء ظنه. و أمكن من سمعه. و أعطي قيادة حليلته [358] . أفضل الملوك من أعطي ثلاث خصال: الرأفة. و الجود. و العدل. و ليس يحب للملوك أن يفرطوا في ثلاث [359] : في حفظ الثغور. و تفقد المظالم. و اختيار الصالحين لأعمالهم. [ صفحه 250] ثلاث خلال تجب للملوك علي أصحابهم و رعيتهم: الطاعة لهم. و النصيحة لهم في المغيب و المشهد و الدعاء بالنصر و الصلاح. ثلاثة تجب علي السلطان للخاصة و العامة: مكافأة المحسن بالاحسان ليزدادوا رغبة فيه. و تغمد ذنوب المسي ء ليتوب و يرجع عن غيه. و تألفهم جميعا بالاحسان و الانصاف. ثلاثة أشياء من احتقرها من الملوك و أهملها تفاقمت عليه: خامل قليل الفضل شذ عن الجماعة [360] و داعية الي بدعة جعل

جنته الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و أهل بلد جعلوا لأنفسهم رئيسا يمنع السلطان من اقامة الحكم فيهم. العاقل لا يستخف بأحد. و أحق من لا يستخف به ثلاثة: العلماء. و السلطان. و الاخوان. لأنه من استخف بالعلماء أفسد دينه. و من استخف بالسلطان أفسد دنياه. و من استخف بالاخوان أفسد مروته. وجدنا بطانة السلطان ثلاث طبقات [361] : طبقة موافقة للخير و هي بركة عليها و علي السلطان و علي الرعية. و طبقة غايتها المخاماة علي ما في أيديها، فتلك لا محمودة و لا مذمومة بل هي علي الذم أقرب. و طبقة موافقة للشر و هي مشؤومة، مذمومة عليها و علي السطان. ثلاثة أشياء يحتاج الناس طرا اليها: الأمن. و العدل. و الخصب [362] . [ صفحه 251] ثلاثة تكدر العيش: السلطان الجائر. و الجار السوء. و المرأة البذية [363] . لا تطيب السكني الا بثلاث: الهواء الطيب و الماء الغزير العذب و الأرض الخوارة [364] . ثلاثة تعقب الندامة: المباهاة. و المفاخرة. و المعازة [365] . ثلاثة مركبة في بني آدم: الحسد. و الحرص. و الشهوة. من كانت فيه خلة من ثلاثة انتظمت فيه ثلاثتها في تفخيمه و هيبته و جماله: من كان له ورع، أو سماحة، أو شجاعة. ثلاثة خصال من رزقها كان كاملا: العقل. و الجمال. و الفصاحة. ثلاثة تقضي لهم بالسلامة الي بلوغ غايتهم: المرأة الي انقضاء حملها. و الملك الي أن ينفد عمره. و الغائب الي حين ايابه. ثلاثة تورث الحرمان: الالحاح في المسألة. و الغيبة. و الهزء [366] . ثلاثة تعقب مكروها: حملة البطل [367] في الحرب في غير فرصة و ان رزق الظفر. و شرب الدواء

من غير علة و ان سلم منه. و التعرض للسلطان و ان ظفر الطالب بحاجته منه. ثلاث خلال يقول كل انسان انه علي صواب منها: دينه الذي [ صفحه 252] يعتقده. و هواه الذي يستعلي عليه. و تدبيره في أموره. الناس كلهم ثلاث طبقات: سادة مطاعون و أكفاء متكافون [368] و أناس متعادون. قوام الدنيا بثلاثة أشياء: النار. و الملح. و الماء. من طلب ثلاثة بغير حق حرم ثلاثة بحق: من طلب الدنيا بغير حق حرم الآخرة بحق. و من طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق. و من طلب المال بغير حق حرم بقاءه له بحق. ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم أن يتقدم عليها: شرب السم للتجربة و ان نجا منه. و افشاء السر الي القرابة الحاسد و ان نجا منه. و ركوب البحر و ان كان الغني فيه. لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع اليهم في أمر دنياهم و آخرتهم فان عدموا ذلك كانوا همجا [369] : فقيه عالم ورع. و أمير خير مطاع. و طبيب بصير ثقة. يمتحن الصديق بثلاث خصال، فان كان مؤاتيا فيها [370] فهو الصديق المصافي و الا كان صديق رخاء لا صديق شدة: تبتغي منه مالا، أو تأمنه علي مال، أو تشاركه في مكروه. ان يسلم الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة: لسان السوء. ويد السوء و فعل السوء. [ صفحه 253] اذا لم تكن في المملوك خصلة من ثلاث فليس لمولاه في امساكه راحة: دين يرشده. أو أدب يسوسه [371] أو خوف يردعه. ان المرء يحتاج في منزله و عياله الي ثلاث خلال يتكفلها و ان لم يكن في طبعه ذلك و معاشرة

جميلة. وسعة بتقدير. و غيرة بتحصن [372] . كل ذي صناعة مضطر الي ثلاث خلال يجتلب بها المكسب و هو: أن يكون حاذقا يعمله. مؤديا للأمانة فيه. مستميلا لمن استعمله [373] . ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل [374] نعمة مولية. و زوجة فاسدة [375] و فجيعة بحبيب. جبلت الشجاعة علي ثلاث طبائع لكل واحدة منهن فضيلة ليست للأخري: السخاء بالنفس و الأنفة من الذل [376] و طلب الذكر، فان تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله و الموسوم بالاقدام في عصره. و ان تفاضلت فيه بعضها علي بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر و أشد اقداما. و تجب للولد علي والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته. و تحسين اسمه. و المبالغة في تأديبه. تحتاج الأخوة فيما بينهم الي ثلاثة أشياء، فان استعملوها و الا تباينوا [ صفحه 254] و تباغضوا و هي: التناصف. و التراحم. و نفي الحسد [377] . اذا لم تجتمع القرابة علي ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم و شماتة الأعداء بهم و هي: ترك الحسد فيما بينهم، لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم. و التواصل ليكون ذلك حاديا [378] لهم علي الألفة. و التعاون لتشملهم العزة. لا غني بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه و بين زوجته و هي الموافقة ليجتلب بها موافقتها و محبتها و هواها. و حسن خلقه معها. و استعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها. و توسعته عليها. و يجب للوالدين علي الولد ثلاثة أشياء: شكرهما علي كل حال. و طاعتهما فيما يأمرانه و ينهيانه عنه في غير معصية الله. و نصيحتهما في السر و العلانية. و لا غني بالزوجة فيما بينها

و بين زوجها الموافق لها من ثلاث خصال و هن: صيانة نفسها عن كل دنس حتي يطمئن قلبه الي الثقة بها في حال المحبوب و المكروه. و حياطته [379] ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون منها. و اظهار العشق له بالخلابة [380] و الهيئة الحسنة لها في عينه. لا يتم المعروف الا بثلاث خلال: تعجيله. و تقليل كثيره. و ترك الامتنان به. [ صفحه 255] و السرور في ثلاث خلال: في الوفاء. و رعاية الحقوق و النهوض في النوائب. ثلاثة يستدل بها علي اصابة الرأي: حسن اللقاء. و حسن الاستماع و حسن الجواب. الرجال ثلاثة: عاقل و أحمق. و فاجر، فالعاقل ان كلم أجاب و ان نطق أصاب و ان سمع وعي. و الأحمق ان تكلم عجل و ان حدث ذهل و ان حمل علي القبيح فعل. و الفاجر ان ائتمنته خانك و ان حدثته شانك. الأخوان ثلاثة: فواحد كالغذاء الذي يحتاج اليه كل وقت فهو العاقل. و الثاني في معني الداء و هو الأحمق. و الثالث في معني الدواء فهو اللبيب. ثلاثة أشياء تدل علي عقل فاعلها: الرسول علي قدر من أرسله و الهدية علي قدر مهديها، و الكتاب علي قدر كاتبه. العلم ثلاثة: آية محكمة. و فريضة عادلة. و سنة قائمة. الناس ثلاثة: جاهل يأبي أن يتعلم. و عالم قد شفه علمه. و عاقل يعمل لدنياه و آخرته [381] . ثلاثة ليس معهن غربة: حسن الأدب، و كف الأذي، و مجانبة الريب. الأيام ثلاثة: فيوم مضي لا يدرك. و يوم للناس فيه، فينبغي أن يغتنموه. و غذا انما في أيديهم أمله. [ صفحه 256] من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه

الايمان، من اذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق. و اذا رضي لم يخرجه رضاه الي الباطل و من اذا قدر عفا. ثلاث خصال يحتاج اليها صاحب الدنيا: الدعة من غير توان [382] و السعة مع قناعة. و الشجاعة من غير كسل. ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقل أن ينساهن علي كل حال: فناء الدنيا. و تصرف الأموال. و الآفات التي لا أمان لها. ثلاثة أشياء لا تري كاملة في واحد قط: الايمان. و العقل و الاجتهاد. الاخوان ثلاثة: مواس بنفسه. و آخر مواس بماله و هما الصادقان. في الاخاء. و آخر يأخذ منك البلغة [383] و يريدك لبعض اللذة، فلا تعده من أهل الثقة. لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتي تكون فيه خصال ثلاث: الفقه في الدين. و حسن التقدير في المعيشة. و الصبر علي الرزايا. و لا قوة الا بالله العلي العظيم [384] . [ صفحه 257]

و من حكمه

لا يصلح من لا يعقل [385] و لا يعقل من لا يعلم. و سوف ينجب من يفهم. و يظفر من يحلم. و العلم جنة. و الصدق عز. و الجهل ذل. و الفهم مجد [386] و الجود نجح. و حسن الخلق مجلبة للمودة. و العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس [387] و الحزم مشكاة الظن [388] و الله ولي من عرفه و عدو من تكلفه. و العاقل غفور و الجاهل ختور [389] و ان شئت أن تكرم فلن. و ان شئت أن تهان فاخشن. و من كرم أصله لان قلبه. و من خشن عنصره غلظ كبده [390] و من فرط تورط [391] و من خاف العاقبة تثبت فيما لا يعلم. و من هجم علي أمر بغير علم

جدع أنف نفسه. [392] و من لم يعلم لم يفهم. و من [ صفحه 258] لم يفهم لم يسلم. و من لم يسلم لم يكرم. و من لم يكرم تهضم. و من تهضم كان ألوم [393] و من كان كذلك كان أحري أن يندم. ان قدرت أن لا تعرف فافعل. و ما عليك اذا لم يثن الناس عليك. و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس اذا كنت عند الله محمودا، ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: «لا خير في الحياة الا لأحد رجلين: رجل يزداد كل يوم فيها احسانا و رجل يتدارك منيته بالتوبة» ان قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل و ان عليك في خروجك أن لا تغتاب و لا تكذب و لا تحسد و لا ترائي و لا تتصنع و لا تداهن. صومعة المسلم بيته يحبس فيه نفسه و بصره و لسانه و فرجه. ان من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها علي لسانه. ثم قال عليه السلام: كم من مغرور بما أنعم الله عليه. و كم من مستدرج بستر الله عليه. و كم من مفتون بثناء الناس عليه. اني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة الا [ل] أحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر. و صاحب هوي. و الفاسق المعلن. الحب أفضل من الخوف. و الله ما أحب الله من أحب الدنيا و والي غيرنا و من عرف حقنا و أحبنا فقد أحب الله. كن ذنبا و لا تكن رأسا. قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من خاف كل لسانه [394] . [ صفحه 259]

حكم و مواعظ للامام الصادق و روي عنه في قصار هذه المعاني

(تحف العقول: ص 357.) قال صلوات الله عليه:

من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره. و قال عليه السلام: اذا كان الزمان زمان جور و أهله أهل غدر فالطمأنينة الي كل أحد عجز. و قال عليه السلام: اذا أضيف البلاء الي البلاء كان من البلاء عافية. و قال عليه السلام: اذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه فان ثبت لك علي المودة فهو أخوك و الا فلا. و قال عليه السلام: لا تعتد بمودة أحد حتي تغضبه ثلاث مرات. و قال عليه السلام: لا تثقن بأخيك كل الثقة، فان صرعة الاسترسال لا تستقال [395] . [ صفحه 260] و قال عليه السلام: الاسلام درجة. و الايمان علي الاسلام درجة. و اليقين علي الايمان درجة. و ما أوتي الناس أقل من اليقين. و قال عليه السلام: ازالة الجبال أهون من ازالة قلب عن موضعه. و قال عليه السلام: الايمان في القلب و اليقين خطرات. و قال عليه السلام: الرغبة في الدنيا تورث الغم و الحزن. و الزهد في الدنيا راحة القلب و البدن. و قال عليه السلام: من العيش دار يكري و خبز يشري. و قال عليه السلام: لرجلين تخاصما بحضرته: أما انه لم يظفر بغير من ظفر بالظلم. و من يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء اذا فعل به. و قال عليه السلام: التواصل بين الاخوان في الحضر التزاور و التواصل في السفر المكاتبة. و قال عليه السلام: لا يصلح المؤمن الا علي ثلاث خصال: التفقه في الدين و حسن التقدير في المعيشة و الصبر علي النائبة. و قال عليه السلام: المؤمن لا يغلبه فرجه. و لا يفضحه بطنه. و قال عليه السلام: صحبة عشرين سنة قرابة. و قال عليه السلام: لا تصلح الصنيعة الا عند ذي حسب أو دين. و ما أقل من يشكر

المعروف. و قال عليه السلام: انما يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم. فأما صاحب سوط و سيف فلا [396] . [ صفحه 261] و قال عليه السلام: انما يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالم بما يأمر، عالم بما ينهي. عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهي. رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهي. و قال عليه السلام: من تعرض لسلطان [397] جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها و لم يرزق الصبر عليها. و قال عليه السلام: ان الله أنعم علي قوم بالمواهب فلم يشكروه فصارت عليهم و بالا و ابتلي قوما بالمصائب فصبروا فكانت علهيم نعمة. و قال عليه السلام: صلاح حال التعايش و التعاشر مل ء مكيال [398] ثلثاه فطنة و ثلثه تغافل. و قال عليه السلام: ما أقبح الانتقام بأهل الأقدار [399] . و قيل له: ما المروة؟ فقال عليه السلام: لا يراك الله حيث نهاك و لا يفقدك من حيث أمرك. و قال عليه السلام: أشكر من أنعم عليك. و أنعم علي من شكرك، فانه لا ازالة للنعم اذا شكرت و لا اقامة لها اذا كفرت. و الشكر زيادة في النعم و أمان من الفقر. و قال عليه السلام: فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها. و أشد من المصيبة سوء الخلق منها. و سأله رجل: أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا و الآخرة و لا يطول [ صفحه 262] عليه [400] ؟ فقال عليه السلام: لا تكذب. و قيل له: ما البلاغة؟ فقال عليه السلام: من عرف شيئا قل كلامه فيه. و انما سمي البليغ لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه. و قال عليه السلام: الدين غم بالليل و ذل بالنهار. و قال

عليه السلام: اذا صلح أمر دنياك فاتهم دينك. و قال عليه السلام: بروا آبائكم يبركم أبناؤكم. و عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم. و قال عليه السلام: من ائتمن خائنا علي أمانة لم يكن له علي الله ضمان [401] . و قال عليه السلام: لحمران بن أعين: يا حمران انظر من هو دونك في المقدرة [402] و لا تنظر الي من هو فوقك: فان ذلك أقنع لك بما قسم الله لك و أحري أن تستوجب الزيادة منه عزوجل. و اعلم أن العمل الدائم القليل علي اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير علي غير يقين. و اعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله و الكف عن أذي المؤمنين و اغتيابهم. و لا عيش أهنأ من حسن الخلق. و لا مال أنفع من القناعة باليسير المجزي ء. و لا جهل أضر من العجب. و قال عليه السلام: الحياء علي وجهين فمنه ضعف و منه قوة و اسلام و ايمان. [ صفحه 263] و قال عليه السلام: ترك الحقوق مذلة و ان الرجل يحتاج الي أن يتعرض فيها للكذب. و قال عليه السلام: اذا سلم الرجل من الجماعة أجرأ عنهم. و اذا رد واحد من القوم أجزأ عنهم. و قال عليه السلام: السلام تطوع و الرد فريضة. و قال عليه السلام: من بدأ بكلام قبل سلام فلا تجيبوه. و قال عليه السلام: ان تمام التحية للمقيم المصافحة. و تمام التسليم علي المسافر المعانقة. و قال عليه السلام: تصافحوا، فانها تذهب بالسخيمة [403] . و قال عليه السلام: اتق الله بعض التقي و ان قل. ودع بينك و بينه سترا وان رق. و قال عليه السلام: من ملك نفسه اذا غضب و اذا رغب و اذا رهب و اذا اشتهي

حرم الله جسده علي النار. و قال عليه السلام: العافية نعمة خفيفة اذا وجدت نسيت و اذا عدمت ذكرت. و قال عليه السلام: لله في السراء نعمة التفضل، و في الضراء نعمة التطهر [404] . و قال عليه السلام: كم من نعمة لله علي عبده في غير أمله. و كم من مؤمل أملا الخيار في غيره. و كم من ساع الي حتفه و هو مبطي ء عن حظه. [ صفحه 264] و قال عليه السلام: قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا. و لكل نعمة شكرا. و لكل عسر يسرا. أصبر نفسك عند كل بلية و رزية في ولد. أو في مال، فان الله انما يقبض عاريته وهبته ليبلو شكرك و صبرك. و قال عليه السلام: ما من شي ء الا وله حد. قيل: فما حد اليقين؟ قال عليه السلام، أن لا تخاف شيئا. و قال عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز [405] ، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، و لا يتحمل الأصدقاء [406] ، بدنه منه في تعب و الناس منه في راحة. و قال عليه السلام: ان العلم خليل المؤمن و الحلم وزيره و الصبر أمير جنوده و الرفق أخوه و اللين والده. و قال أبوعبيدة [407] : أدع الله لي أن لا يجعل رزقي علي أيدي العباد. فقال عليه السلام: أبي الله عليك ذلك الا أن يجعل أرزاق العباد بعضهم من بعض. ولكن ادع الله أن يجعل رزقك علي أيدي خيار خلقه، فانه من السعادة و لا يجعله علي أيدي شرار خلقه، فانه من الشقاوة. و قال عليه السلام: العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير طريق، فلا تزيده

سرعة السير الا بعدا. و قال عليه السلام: في قوله الله عزوجل: (اتقوا الله حق تقاته) [408] ، قال: يطاع فلا يعصي و يذكر فلا ينسي و يشكر فلا يكفر. [ صفحه 265] و قال عليه السلام: من عرف الله خاف الله و من خاف الله سخت نفسه عن الدنيا [409] . و قال عليه السلام: الخائف من لم تدع له الرهبة لسانا ينطق به. و قيل له عليه السلام: قوم يعملون بالمعاصي و يقولون: نرجو فلا يزالون كذلك حتي يأتيهم الموت. فقال عليه السلام: هؤلاء قوم يترجون في الأماني كذبوا ليس يرجون، ان من رجا شيئا طلبه. و من خاف من شي ء هرب منه. و قال عليه السلام: انا لنحب من كان عاقلا فهما فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا [410] ، ان الله خص الأنبياء عليهم السلام بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمدالله علي ذلك و من لم تكن فيه فليتضرع الي الله و ليسأله اياها قيل له: و ما هي؟ قال عليه السلام: الورع و القناعة و الصبر و الشكر و الحلم و الحياء و السخاء و الشجاعة و الغيرة و صدق الحديث و البر و أداء الأمانة و اليقين و حسن الخلق و المروة. و قال عليه السلام: من أوثق عري الايمان أن تحب في الله و تبغض في الله و تعطي في الله و تمنع في الله. و قال عليه السلام: لا يتبع الرجل بعد موته الا ثلاث خصال: صدقة أجراها الله له في حياته فهي تجري له بعد موته. و سنة هدي يعمل بها. و ولد صالح يدعو له. و قال عليه السلام: ان الكذبة لتنقض الوضوء اذا توضأ الرجل للصلاة. [ صفحه 266] و تفطر الصيام. فقيل له: انا

نكذب. فقال عليه السلام: ليس هو باللغو ولكنه الكذب علي الله و علي رسوله و علي الأئمة صلوات الله عليهم ثم قال: ان الصيام ليس من الطعام و لا من الشراب وحده، ان مريم عليهاالسلام قالت: (اني نذرت للرحمن صوما) [411] أي صمتا، فاحفظوا ألسنتكم و غضوا أبصاركم و لا تحاسدوا و لا تنازعوا، فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب. و قال عليه السلام: من أعلم الله ما لم يعلم اهتز له عرشه. و قال عليه السلام: ان الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب و لولا ذلك ما ابتلي الله مؤمنا بذنب أبدا. و قال عليه السلام: من ساء خلقه عذب نفسه. و قال عليه السلام: المعروف كاسمه و ليس شي ء أفضل من المعروف الا ثوابه. و المعروف هدية من الله الي عبده. و ليس كل من يحب أن يصنع المعروف الي الناس يصنعه. و لا كل من رغب فيه يقدر عليه. و لا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه. فاذا من الله علي العبد جمع له الرغبة في المعروف و القدرة و الاذن فهناك تمت السعادة و الكرامة للطالب و المطلوب اليه. و قال عليه السلام: لم يستزد في محبوب بمثل الشكر. و لم يستنقص من مكروه بمثل الصبر. و قال عليه السلام: ليس لابليس جند أشد من النساء و الغضب. و قال عليه السلام: الدنيا سجن المؤمن و الصبر حصنه. و الجنة مأواه. و الدنيا جنة الكافر. و القبر سجنه. و النار مأواه. [ صفحه 267] و قال عليه السلام: و لم يخلق الله يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت. و قال عليه السلام: اذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس، ناسيا لذنبه

فاعلموا أنه قد مكر به. و قال عليه السلام: الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم المحتسب. و المعافي الشاكر له مثل أجر المبتلي الصابر. و قال عليه السلام: لا ينبغي لمن لم يكن عالما أن يعد سعيدا. و لا لمن لم يكن ودودا أن يعد حميدا. و لا لمن لم يكن صبورا أن يعد كاملا. و لا لمن لا يتقي ملامة العلماء و ذمهم أن يرجي له خير الدنيا و الآخرة و ينبغي للعاقل أن يكون صدوقا ليؤمن علي حديثه و شكورا ليستوجب الزيادة. و قال عليه السلام: ليس لك أن تأتمن الخائن و قد جربته و ليس لك أن تتهم من أئتمنت. و قيل له: من أكرم الخلق علي الله؟ فقال عليه السلام: أكثرهم ذكرا لله و أعملهم بطاعة الله. قلت: فمن أبغض الخلق الي الله؟ قال عليه السلام: من يتهم الله. قلت: أحد يتهم الله؟ قال عليه السلام: نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فيسخط فذلك يتهم الله. قلت: و من؟ قال: يشكو الله؟ قلت: و أحد يشكو الله؟ قال عليه السلام: نعم، من اذا ابتلي شكي بأكثر مما أصابه. قلت: و من؟ قال عليه السلام: اذا أعطي لم يشكر و اذا ابتلي لم يصبر. قلت، فمن أكرم الخلق علي الله؟ قال عليه السلام: من اذا أعطي شكر و اذا أعطي شكر و اذا ابتلي صبر. و قال عليه السلام: ليس لملول [412] صديق. و لا لحسود غني. و كثرة النظر [ صفحه 268] في الحكمة تلقح العقل. و قال عليه السلام: كفي بخشية الله علما. و كفي بلاغترار به جهلا. و قال عليه السلام: أفضل العبادة العلم بالله و التواضع له. و قال عليه السلام: عالم أفضل من ألف عابد و ألف زاهد

و ألف مجتهد [413] . و قال عليه السلام: و أن لكل شي ء زكاة و زكاة العلم أن يعلمه أهله. و قال عليه السلام: القضاة أربعة ثلاثة في النار و واحد في الجنة: رجل قضي بجور و هو يعلم فهو في النار. و رجل قضي بجور و هو لا يعلم فهو في النار. و رجل قضي بحق و هو لا يعلم فهو في النار. و رجل قضي بحق و هو يعلم فهو في الجنة. و سئل: عن صفة العدل من الرجل؟ فقال عليه السلام: اذا غض طرفه عن المحارم و لسانه عن المآثم و كفه عن المظالم. و قال عليه السلام: كل ما حجب الله عن العباد فموضوع عنهم حتي يعرفهموه. و قال عليه السلام: لداود الرقي [414] : تدخل يدك في فم التنين [415] الي المرفق خير لك من طلب الحوائج الي من لم يكن له و كان. [ صفحه 269] و قال عليه السلام: قضاء الحوائج الي الله و أسبابها - بعد الله - العباد تجري علي أيديهم، فما قضي الله من ذلك فاقبلوا من الله بالشكر، و ما زوي عنكم [416] منها فاقبلوه عن الله بالرضا و التسليم و الصبر فعسي أن يكون ذلك خيرا لكم، فان الله أعلم بما يصلحكم و أنتم لا تعلمون. و قال عليه السلام: مسألة ابن آدم لابن آدم فتنة، ان أعطاه حمد من لم يعطه و ان رده ذم من لم يمنعه. و قال عليهاالسلام ذ: ان الله قد جعل كل خير في التزجية [417] . و قال عليه السلام: اياك و مخالطة السفلة، فان مخالطة السفلة لا تؤدي الي خير. و قال عليه السلام: الرجل يجزع من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير.

و قال عليه السلام: أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس الي عيب نفسه. و أشد شي ء مؤونة اخفاء الفاقة. و أقل الأشياء غناء النصيحة لمن لا يقبلها و مجاورة الحريص. و أروح الروح اليأس من الناس. لا تكن ضجرا و لا غلقا. و ذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك و مذلة الفضل عليك، فانما أقررت له بفضله [418] لئلا تخالفه. و من لا يعرف لأحد الفضل فهو المعجب برأيه. و اعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله. و لا رفعة لمن لا يتواضع لله. و قال عليه السلام: ان من السنة لبس الخاتم. [ صفحه 270] و قال عليه السلام: أحب أخواني الي من أهدي الي عيوبي. و قال عليه السلام: لا تكون الصداقة الا بحدودها فمت كانت فيه هذه الحدود أو شي ء منه. و الا فلا تنسبه الي شي ء من الصداقة: فأولها أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة. و الثانية أن يري زينك زينه و شينك شينه. و الثالثة أن لا تغيره عليك ولاية و لا مال. و الرابعة لا يمنعك شيئا تناله مقدرته [419] و الخامسة و هي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات. و قال عليه السلام: مجاملة الناس ثلث العقل [420] . و قال عليه السلام: ضحك المؤمن تبسم. و قال عليه السلام: ما أبالي الي من ائتمنت خائنا أو مضيعا [421] . و قال عليه السلام للمفضل [422] : أوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي. قلت و ما هن يا سيدي؟ قال عليه السلام: أداء الأمانة الي من ائتمنك. و أن ترضي لأخيك ما ترضي لنفسك. و اعلم أن الأمور أواخر فاحذر العواقب. و أن الأمور بغتات [423] فكن علي حذر. و اياك و مرتقي

جبل سهل اذا كان المنحدر وعرا [424] و لا تعدن أخاك وعدا ليس في يدك وفاؤه. [ صفحه 271] و قال عليه السلام: ثلاث لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة: بر الوالدين برين كانا أو فاجرين. و وفاء بالعهد للبر و الفاجر. و أداء الأمانة الي البر و الفاجر. و قال عليه السلام: اني لأرحم ثلاثة و حق لهم أن يرحموا. عزيز أصابته مذلة بعد العز. و غني أصابته حاجة بعد الغني. و عالم يستخف أهله و الجهلة. و قال عليه السلام: من تعلق قلبه بحب الدنيا تعلق من ضررها بثلاث خصال: هم لا يفني و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال. و قال عليه السلام: المؤمن لا يخلق علي الكذب و لا علي الخيانة. و خصلتان لا يجتمعان في المنافق: سمت حسن [425] وفقه في سنة. و قال عليه السلام: الناس سواء كأسنان المشط. و المرء كثير بأخيه [426] و لا خير في صحبة من لم ير لك مثل الذي يري لنفسه. و قال عليه السلام: من زين الايمان الفقه. و من زين الفقه الحلم. و من زين الحلم الرفق. و من زين الرفق اللين. و من زين اللين السهولة. و قال عليه السلام: من غضب عليك من اخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك مكروها فأعده لنفسك. و قال عليه السلام: يأتي علي الناس زمان ليس فيه شي ء أعز من أخ أنيس و كسب درهم حلال. [ صفحه 272] و قال عليه السلام: من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن. و من كتم سره كانت الخيرة في يده [427] و كل حديث جاوز اثنين فاش. وضع أمر أخيك علي أحسنه و لا تطلبن بكلمة خرجت من

أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا. و عليك باخوان الصدق. فانهم عدة عند الرخاء [428] و جنة عند البلاء. و شاور في حديثك الذين يخافون الله. و أحبب الاخوان علي قدر التقوي. و اتق شرار النساء و كن من خيارهن علي حذر و أن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن حتي لا يطمعن منكم في المنكر. و قال عليه السلام: المنافق اذا حدث عن الله و عن رسوله كذب. و اذا وعد الله و رسوله أخلف. و اذا ملك خان الله و رسوله في ماله. و ذلك قول الله عزوجل: (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه و بما كانوا يكذبون) [429] و قوله: (و ان يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم و الله عليم حكيم) [430] . و قال عليه السلام: كفي بالمرء خزيا أن يلبس ثوبا يشهره [431] ، أو يركب دابة مشهورة. قلت: و ما الدابة المشهورة؟ قال عليه السلام: البلقاء [432] . و قال عليه السلام: لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتي يحب أبعد الخلق منه في الله و يبغض أقرب الخلق منه في الله. [ صفحه 273] و قال عليه السلام: من أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه و علم أن المنعم عليه الله فقد أدي شكرها و ان لم يحرك لسانه و من علم أن المعاقب علي الذنوب الله فقد استغفر و ان لم يحرك لسانه. وقرأ: (ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) [433] . و قال عليه السلام: خصلتين مهلكتين: تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم. و قال عليه السلام: لأبي بصير [434] : يا أبامحمد لا تفتش الناس عن أديانهم فتبقي بلا صديق.

و قال عليه السلام: الصفح الجميل أن لا تعاقب علي الذنب. و الصبر الجميل الذي ليس فيه شكوي. و قال عليه السلام: أربع من كن فيه كان مؤمنا و ان كان من قرنه الي قدمه ذنوب الصدق. و الحياء. و حسن الخلق. و الشكر. و قال عليه السلام: لا تكون مؤمنا حتي تكون خائفا راجيا. و لا تكون خائفا راجيا حتي تكون عاملا لما تخاف و ترجو. و قال عليه السلام: ليس الايمان بالتحلي [435] و لا بالتمني ولكن الايمان ما خلص في القلوب و صدقته الأعمال. و قال عليه السلام: اذا زاد الرجل علي الثلاثين فهو كهل. و اذا زاد علي الأربعين فهو شيخ. [ صفحه 274] و قال عليه السلام: الناس في التوحيد علي ثلاثة أوجه: مثبت و ناف و مشبه، فالنافي مبطل. و المثبت مؤمن. و المشبه مشرك. و قال عليه السلام: الايمان اقرار و عمل ونية. و الاسلام اقرار و عمل [436] . و قال عليه السلام: لا تذهب الحشمة [437] بينك و بين أخيك و أبق منها، فان ذهاب الحشمة ذهاب الحياء و بقاء الحشمة بقاء المودة. و قال عليه السلام: من احتشم أخاه حرمت وصلته. و من اغتمه سقطت حرمته. و قيل له: خلوت بالعقيق [438] و تعجبك الوحدة. فقال عليه السلام: لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت من نفسك. ثم قال عليه السلام: أقل ما يجد العبد في الوحدة أمن مداراة الناس. و قال عليه السلام: ما فتح الله علي عبد بابا من الدنيا الا فتح عليه من الحرص مثله [439] . و قال عليه السلام: المؤمن في الدنيا غريب؛ لا يجزع من ذلها و لا يتنافس أهلها في عزها. و قيل له: أين طريق الراحة؟ فقال عليه السلام: في خلاف الهوي. قيل:

فمتي يجد عبد الراحة؟ فقال عليه السلام: عند أول يوم يصير في الجنة. و قال عليه السلام: لا يجمع الله لمنافق و لا فاسق حسن السمت و الفقه و حسن الخلق أبدا. [ صفحه 275] و قال عليه السلام: طعم الماء الحياة. و طعم الخبز القوة. و ضعف البدن و قوته من شحم الكليتين [440] و موضع العقل الدماغ. و القسوة و الرقة في القلب. و قال عليه السلام: الحسد حسدان: حسد فتنة و حسد غفلة، فأما حسد الغفلة فكما قالت الملائكة حين قال الله: (اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك) أي اجعل ذلك الخليفة منا و لم يقولوا، حسدا لآدم من جهة الفتنة و الرد و الجحود و الحسد الثاني الذي يصير به العبد الي الكفر و الشرك فهو حسد ابليس في رده علي الله و ابائه عن السجود لآدم عليه السلام. و قال عليه السلام: الناس في القدرة علي ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الأمر مفوض اليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك. و رجل يزعم أن الله أجبر العباد علي المعاصي و كلفهم ما لا يطيقون، فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك. و رجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقوهه و لم يكلفهم ما لا يطيقونه فاذا أحسن حمد الله و اذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ. و قال عليه السلام: ان الله يبغض الغني الظلوم. و قال عليه السلام: الغضب ممحقة القلب الحكيم. و من لم يملك غضبه لم يملك عقله. و قال الفضيل بن عياض [441] : قال لي أبوعبدالله عليه السلام: أتدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل، فقال رحمه الله:

الشح أشد من البخل، ان البخيل [ صفحه 276] يبخل بما في يده و الشحيح يشح علي ما في أيدي الناس و علي ما في يده حتي لا يري في أيدي الناس شيئا الا تمني أن يكون له بالحل و الحرام، لا يشبع و لا ينتفع بما رزقه الله. و قال عليه السلام: ان البخيل من كسب مالا من غير حله و أنفقه في غير حقه. و قال عليه السلام لبعض شيعته: ما بال أخيك يشكوك؟ فقال: يشكوني ان استقصيت عليه حقي. فجلس عليه السلام مغضبا ثم قال: كأنك اذا استقصيت عليه حقك لم تسي ء أرأيتك ما حكي الله عن قوم يخافون سوء الحساب، أخافوا أن يجور الله عليهم؟ لا. ولكن خافوا الاستقصاء فسماه سوء الحساب، فمن استقصي فقد أساء. و قال عليه السلام: كثرة السحت يمحق الرزق [442] . و قال عليه السلام: سوء الخلق نكد [443] . و قال عليه السلام: ان الايمان فوق الاسلام بدرجة. و التقوي فوق الايمان بدرجة و بعضه من بعض [444] فقد يكون المؤمن؛ في لسانه بعض الشي ء الذي لم يعد الله عليه النار و قال الله: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما) [445] و يكون الآخر الفهم لسانا [446] و هو أشد لقاء للذنوب و كلاهما مؤمن و اليقين فوق التقوي بدرجة. و لم [ صفحه 277] يقسم بين الناس شي ء أشد من اليقين. ان بعض الناس أشد يقينا من بعض و هم مؤمنون و بعضهم أصبر من بعض علي المصيبة و علي الفقر و علي المرض و علي الخوف و ذلك من اليقين. و قال عليه السلام: ان الغني و العز يجولان، فاذا أظفرا بموضع التوكل

أوطناه [447] . و قال عليه السلام: حسن الخلق من الدين و هو يزيد في الرزق. و قال عليه السلام: الخلق خلقان أحدهما نية و الآخر سجية. قيل: فأيهما أفضل؟ قال عليه السلام: النية، لأن صاحب السجية مجبول علي أمر لا يستطيع غيره، و صاحب النية يتصبر علي الطاعة تصبرا فهذا أفضل. و قال عليه السلام: ان سرعة ائتلاف قلوب الأبرار اذا التقوا و ان لم يظهروا التودد بألسنتهم كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الأنهار. و ان بعد ائتلاف قلوب الفجار اذا التقوا و ان أظهروا التودد بألسنتهم كبعد البهائم من التعاطف و ان طال اعتلافها علي مذود واحد [448] . و قال عليه السلام: السخي الكريم الذي ينفق ماله في حق الله. و قال عليه السلام: يا أهل الايمان و محل الكتمان تفكروا و تذكروا عند غفلة الساهين. قال المفضل بن عمر: سألت أباعبدالله عليه السلام عن الحسب؟ فقال عليه السلام: المال. قلت: فالكرم؟ قال عليه السلام: التقوي. قلت: فالسؤدد. [449] قال عليه السلام: [ صفحه 278] السخاء ويحك أما رأيت حاتم طي [450] كيف ساد قومه و ما كان بأجودهم موضعا [451] . و قال عليه السلام: المروة مروتان مروة الحضر و مروة السفر فأما مروة الحضر فتلاوة القرآن، و حضور المساجد، و صحبة أهل الخير، و النظر في التفقه. و أما مروة السفر فبذل الزاد، و المزاح في غير ما يسخط الله، و قلة الخلاف علي من صحبك و ترك الرواية عليهم اذا أنت فارقتهم. و قال عليه السلام: اعلم أن ضارب علي عليه السلام بالسيف و قاتله لو أئتمنني و استصحبني و استشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت اليه الأمانة. و قال سفيان [452] : قلت لأبي عبدالله عليه السلام: يجوز أن يزكي الرجل نفسه؟ قال:

نعم اذا اضطر اليه، أما سمعت قول يوسف: (اجعلني علي خزائن الأرض اني حفيظ عليم) [453] و قول العبد الصالح: (و أنا لكم ناصح أمين) [454] . و قال عليه السلام: أوحي الله الي داود عليه السلام: يا داود تريد و أريد، فان اكتفيت بما أريد مما تريد كفيتك ما تريد. و ان أبيت الا ما تريد أتعبتك فيما تريد و كان ما أريد. قال محمد بن قيس [455] : سألت أباعبدالله عليه السلام عن الفئتين يلتقيان [ صفحه 279] من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال عليه السلام: بعهما ما يكنهما: الدرع و الخفتان [456] و البيضة و نحو ذلك. و قال عليه السلام: أربع لا تجزي في أربع الخيانة و الغلول و السرقة و الربا لا تجزي في حج. و لا عمرة. و لا جهاد. و لا صدقة. و قال عليه السلام: ان الله يعطي الدنيا من يحب و يبغض و لا يعطي الايمان الا أهل صفوته من خلقه. و قال عليه السلام: من دعا الناس الي نفسه و فيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال. قيل له: ما كان في وصية لقمان؟ فقال عليه السلام: كان فيها الأعاجيب و كان من أعجب ما فيها أن قال لابنه: خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك و ارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك. ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: ما من مؤمن الا و في قلبه نوران: نور خيفة و نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد علي هذا و لو وزن هذا لم يزد علي هذا. قال أبوبصير [457] : سألت أباعبدالله عليه السلام عن الايمان؟ فقال عليه السلام: الايمان بالله أن لا يعصي، قلت: فما الاسلام؟ فقال عليه السلام: من نسك نسكنا

و ذبح ذبيحتنا. و قال عليه السلام: لا يتكلم أحد بكلمة هدي فيوخذ بها الا كان له مثل أجر من أخذ بها. و لا يتكلم بكلمة ضلالة فيؤخذ بها الا كان عليه مثل وزر من أخذ بها. [ صفحه 280] و قيل له: ان النصاري يقولون: ان ليلة الميلاد في أربعة و عشرين من كانون فقال عليه السلام: كذبوا، بل في النصف من حزيران و يستوي الليل و النهار في النصف من آذار. و قال عليه السلام: كان اسماعيل أكبر من اسحاق بخمس سنين. و كان الذبيح اسماعيل عليه السلام أما تسمع قول ابراهيم عليه السلام: (رب هب لي من الصالحين) [458] انما سأل ربه أن يرزقه غلاما من الصالحين فقال في سورة الصافات [459] (فبشرناه بغلام حليم) يعني اسماعيل، ثم قال: (و بشرناه باسحاق نبيا من الصالحين) [460] فمن زعم أن اسحاق أكبر من اسماعيل فقد كذب بما أنزل الله من القرآن. و قال عليه السلام: أربعة من أخلاق الأنبياء عليهم السلام: البر و السخاء و الصبر علي النائبة و القيام بحق المؤمن. و قال عليه السلام: لا تغدن مصيبة أعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من الله ثوابا بمصيبة، انما المصيبة أن يحرم صاحبها أجرها و ثوابها اذا لم يصبر عند نزولها. و قال عليه السلام: ان لله عبادا من خلقه في أرضه يفزع اليهم في حوائج الدنيا و الآخرة أولئك هم المؤمنون حقا، آمنون يوم القيامة. ألا و ان أحب المؤمنين الي الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه و معاشه. و من أعان و نفع و دفع المكروه عن المؤمنين. و قال عليه السلام: ان صلة الرحم و البر ليهونان الحساب و يعصمان من [ صفحه 281] الذنوب، فصلوا

اخوانكم و بروا اخوانكم و لو بحسن السلام ورد الجواب. قال سفيان الثوري: دخلت علي الصادق عليه السلام فقلت له: أوصني بوصية أحفظهما من بعدك؟ قال عليه السلام: و تحفظ يا سفيان؟ قلت: أجل يا ابن بنت رسول الله. قال عليه السلام: يا سفيان لا مروة لكذوب. و لا راحة لحسود. و لا اخاه لملوك. و لا خلة لمختال. و لا سؤدد لسيي ء الخلق [461] ثم أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه السلام: يا سفيان ثق بالله تكن عارفا. و ارض بما قسمه لك تكن غنيا. صاحب بمثل ما يصاحبونك به تزدد ايمانا، و لا تصاحب الفاجر فيعلمك من فجوره. و شاور في أمرك الذين يخشون الله عزوجل. ثم أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه السلام: يا سفيان من أراد عزا بلا سلطان و كثرة بلا اخوان و هيبة بلا مال فلينتقل من ذل معاصي الله الي عز طاعته. ثم أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه السلام: يا سفيان أدبني أبي عليه السلام بثلاث و نهاني عن ثلاث: فأما اللواتي أدبني بهن فانه قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم. و من لا يقيد ألفاظه يندم. و من يدخل مداخل السوء يتهم. قلت: يا ابن بنت رسول الله فما الثلاث اللواتي نهاك عنهن؟ قال عليه السلام: نهاني أن أصاحب حاسد نعمة و شامتا بمصيبة أو حامل نميمة. و قال عليه السلام: ستة لا تكون في مؤمن: العسر. و النكد [462] و الحسد. و اللجاجة. و الكذب. و البغي. و قال عليه السلام: المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضي لا يدري ما يصنع [ صفحه 282] الله فيه.

و عمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح الا خائفا و لا يمسي الا خائفا و لا يصلحه الا الخوف. و قال عليه السلام: من رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل. و من رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته و زكت مكسبته و خرج من حد العجز. و قال سفيان الثوري: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فقلت: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال عليه السلام: و الله اني لمحزون و اني لمشتغل القلب فقلت له: و ما أحزنك؟ و ما أشغل قلبك؟ فقال عليه السلام لي: يا ثوري انه من داخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه. يا ثوري ما الدنيا؟ و ما عسي أن تكون؟ هل الدنيا الا أكل أكلته، أو ثوب لبسته، أو مركب ركبته، ان المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا و لم يأمنوا قدوم الآخرة، دار الدنيا دار زوال و دار الآخرة دار قرار، أهل الدنيا أهل غفلة. ان أهل التقوي أخف أهل الدنيا مؤونة و أكثرهم معونة، ان نسيت ذكروك و ان ذكروك أعلموك فأنزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس في يديك شي ء منه. فكم من حريص علي أمر قد شقي به حين أتاه. و كم من تارك لأمر قد سعد به حين أتاه. و قيل له: ما الدليل علي الواحد؟ فقال عليه السلام: ما بالخلق من الحاجة. و قال عليه السلام: لن تكونوا مؤمنين حتي تعدوا البلاء نعمة و الرخاء مصيبة. و قال عليه السلام: المال أربعة آلاف و اثناعشر ألف درهم كنز. و لم يجتمع عشرون ألفا من حلال. و صاحب الثلاثين ألفا هالك. و

ليس من [ صفحه 283] شعيتنا من يملك مائة ألف درهم. و قال عليه السلام: من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله. و لا يحمدهم علي ما رزق الله. و لا يلومهم علي ما لم يؤته الله، فان رزقه لا يسوقه حرص حريص و لا يرده كره كاره. و لو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه قبل موته كما يدركه الموت. و قال عليه السلام: من شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه و لا شحنه أذنه و لا يمتدح بنا معلنا. و لا يواصل لنا مبغضا. و لا يخاصم لنا وليا و لا يجالس لنا عائبا. قال له مهزم [463] : فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة؟ قال عليه السلام: فيهم التمحيص [464] و فيهم التمييز و فيهم التنزيل، تأتي عليهم سنون تفنيهم و طاعون يقتلهم. و اختلاف يبددهم. شيعتنا من لا يهر هرير الكلب [465] و لا يطمع طمع الغراب و لا يسأل و ان مات جوعا. قلت: فأين أطلب هؤلاء؟ قال عليه السلام: أطلبهم في أطراف الأرض أولئك الخفيض عيشهم. [466] المنتقلة دارهم، الذين ان شهدوا لم يعرفوا و ان غابوا لم يفتقدوا. و ان مرضوا لم يعادوا. و ان خطبوا لم يزوجوا. و ان رأوا منكرا. و ان خاطبهم جاهل سلموا. و ان لجأ اليهم ذو الحاجة منهم رحموا. و عند الموت هم لا يحزنون. لم تختلف قلوبهم و ان رأيتهم اختلفت بهم البلدان. و قال عليه السلام: من أراد أن يطول الله عمره فليقم أمره. و من أراد أن [ صفحه 284] يحط وزره فليرخ ستره [467] و من أراد أن يرفع ذكره فليخمل أمره [468] . و قال

عليه السلام: ثلاث خصال هن أشد ما عمل به العبد: انصاف المؤمن من نفسه و مواساة المرء لأخيه. و ذكر الله علي كل حال. قيل له: فما معني ذكر الله علي كل حال؟ قال عليه السلام: يذكر الله عند كل معصية يهم بها فيحول بينه و بين المعصية. و قال عليه السلام: الهمز [469] زيادة في القرآن. و قال عليه السلام: اياكم و المزاح، فانه يجر السخيمة و يورث الضغينة و هو السبب الأصغر. و قال الحسن بن راشد [470] قال أبوعبدالله عليه السلام: اذا نزلت بك نازلة فلا تشكها الي أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض اخوانك، فانك لن تعدم خصلة من أربع خصال: اما كفاية و اما معونة بجاه أو دعوة مستجابة أو مشورة برأي. و قال عليه السلام: لا تكونن دوارا في الأسواق و لا تكن شراء دقائق الأشياء بنفسك فانه يكره للمرء ذي الحسب و الدين أن يلي دقائق الأشياء بنفسه الا في ثلاثة أشياء شراء العقار و الرقيق و الابل [471] . [ صفحه 285] و قال عليه السلام: لا تكلم بما لا يعنيك ودع كثيرا من الكلام فيما يعنيك حتي تجد له موضعا. فرب متكلم تكلم بالحق بما يعنيه في غير موضعه فتعب. و لا تمارين سفيها و لا حليما، فان الحليم يغلبك و السفيه يرديك. و اذكر أخاك اذا تغيب بأحسن ما تحب أن يذكرك به اذا تغيبت عنه، فان هذا هو العمل. و اعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالاحسان مأخوذ بالاجرام. و قال له يونس [472] : لولائي لكم و ما عرفني الله من حقكم أحب الي من الدنيا بحذافيرها. قال يونس: فتبينت الغضب فيه. ثم قال عليه السلام: يا يونس قستنا بغير

قياس ما الدنيا و ما فيها هل هي الا سد فورة أو ستر عورة و أنت لك بمحبتنا الحياة الدائمة. و قال عليه السلام: يا شيعة آل محمد انه ليس منا من لم يملك نفسه عند الغضب. و لم يحسن صحبة من صحبه و مرافقة من رافقه و مصالحة من صالحه و مخالفة من خالفه. يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم. و لا حول و لا قوة الا بالله. و قال عبدالأعلي [473] : كنت في حلقة بالمدينة فذكروا الجود، فأكثروا، فقال رجل منهم يكني أبا دلين: ان جعفرا و انه لولا أنه - ضم يده - فقال لي أبوعبدالله عليه السلام: تجالس أهل المدينة؟ قلت: نعم. قال عليه السلام: [ صفحه 286] فما حدثت بلغني؟ فقصصت عليه الحديث فقال عليه السلام: ويح أبا دلين انما مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها [474] . ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: كل معروف صدقة و أفضل الصدقة صدقة عن ظهر غني. و ابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من السفلي [475] و لا يلوم الله علي الكفاف، أتظنون أن الله بخيل و ترون أن شيئا أجود من الله. ان الجواد السيد من وضع حق الله موضعه. و ليس الجواد من يأخذ المال من غير حله و يضع في غير حقه أما و الله اني لأرجو أن ألقي الله و لم أتناول ما لا يحل بي و ما ورد علي حق الله الا أمضيته و ما بت ليلة قط و لله في مالي حق لم أؤده. و قال عليه السلام: لا رضاع بعد فطام. و لا وصال في صيام و لا يتم بعد

احتلام. و لا صمت يوم الي الليل. و لا تعرب بعد الهجرة [476] و لا هجرة بعد الفتح. و لا طلاق قبل النكاح. و لا عتق قبل ملك. و لا يمين لولد مع والده. و لا المملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها و لا نذر في معصية. و لا يمين في قطيعة. [ صفحه 287] و قال عليه السلام: ليس من أحد - و ان ساعدته الأمور - بمستخلص غضارة عيش [477] الا من خلال مكروه. و من انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته لأن من شأن الأيام السلب و سبيل الزمن الفوت. و قال عليه السلام: المعروف زكاة النعم. و الشفاعة زكاة الجاه. و العلل زكاة الأبدان. و العفو زكاة الظفر. و ما أديت زكاته فهو مأمون السلب. و كان عليه السلام يقول عند المصيبة: «الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني و الحمدلله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كان كانت و الحمد لله علي الأمر الذي شاء أن يكون و كان». و قال عليه السلام: يقول الله: من استنقذ حيرانا من حيرته سميته حميدا، و أسكنته جنتي. و قال عليه السلام: اذا أقبلت دنيا قوم كسوا محاسن غيرهم و اذا أدبرت سلبوا محاسن أنفسهم. و قال عليه السلام: البنات حسنات و البنون نعم، فالحسنات تثاب عليهن و النعمة تسأل عنها. [ صفحه 291]

نصائحه و وصاياه

وصيته لعبدالله بن جندب

هو عبدالله بن جندب البجلي الكوفي ثقة جليل القدر من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام و كان وكيلا لأبي ابراهيم و أبي الحسن، كان عابدا رفيع المنزلة لديهما علي ما ورد في الأخبار و لما مات رحمه الله قام مقامه علي بن مهزيار. روي أنه عليه السلام

قال: يا عبدالله لقد نصب ابليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها الا أولياءنا، و لقد جلت الآخرة في أعينهم حتي ما يريدون بها بدلا. ثم قال آه آه علي قلوب حشيت نورا و انما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم [478] و العدو الأعجم ما أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون، أولئك أوليائي حقا بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية. يا ابن جندب حق علي كل مسلم يعرفنا أن يعرف عمله في كل يوم و ليلة علي نفسه فيكون محاسب نفسه فان رأي حسنة استزاد منها، و ان رأي سيئة استغفر منها لئلا يخزي يوم القيامة. طوبي لعبد لم يغبط الخاطئين علي ما أتوا من نعيم الدنيا و زهرتها طوبي لعبد طلب الآخرة [ صفحه 292] و سعي لها طوبي لمن لم تلهه الأماني الكاذبة. ثم قال عليه السلام: رحم الله قوما كانوا سراجا و منارا، كانوا دعاة الينا بأعمالهم و مجهود طاقتهم ليس كمن يذيع أسرارنا. يا ابن جندب، انما المؤمنون يخافون الله و يشفقوا أن يسلبوا ما أعطوا من الهدي، فاذا ذكروا الله و نعماءه و جلوا و أشفقوا، و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا مما أظهره من نفاد قدرته، و علي ربهم يتوكلون. يا ابن جندب قديما عمر الجهل و قوي أساسه و ذلك لا تخاذهم دين الله لعبا حتي لقد كان المتقرب منهم الي الله بعلمه سواه أولئك هم الظالمون. يا ابن جندب: لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتم الملائكة و لأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم و لما سألوا الله شيئا الا أعطاهم. يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل

دعوتكم الا خيرا. و استكينوا الي الله في توفيقهم و سلوا التوبة لهم. فكل من قصدنا و والانا و لم يوال عدونا و قال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو من أهل الجنة. يا ابن جندب يهلك المتوكل علي عمله. و لا ينجو المجتري ء علي الذنوب الواثق برحمة الله. قلت: فمن ينجو؟ قال: الذين هم بين الرجاء و الخوف، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا الي الثواب و خوفا من العذاب. يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين و يتوجه بالنور فليدخل علي أخيه السرور. [ صفحه 293] يا ابن جندب أقل النوم بالليل، و الكلام بالنهار. فما في الجسد شي ء أقل شكرا من العين و اللسان، فان أم سليمان قالت لسليمان يا بني اياك و النوم فانه يفقرك يوم يحتاج الناس الي أعمالهم. يا ابن جندب ان للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه [479] و مصائده قلت: يا ابن رسول الله ما هي؟ قال: أما مصائده فصد عن بر الاخوان، و أما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله. أما أنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام الي بر الاخوان و زياراتهم. ويل للساهين عن الصلوات النائمين في الخلوات المستهزئين بالله و آياته في الفترات [480] (أولئك لا خلاق لهم في الآخرة لا يكلمهم الله.. يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم) [481] . يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوي فكاك رقبته فقد هون عليه الجليل و رغب من ربه الربح الحقير. [482] و من غش أخاه و حقره و ناواه [483] جعل الله النار مأواه. و من حسد مؤمنا انماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح

في الماء. يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا و المروة و قاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر و أحد. و ما عذب الله أمة الا عند استهانتهم بحقوق فقراء اخوانهم. يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا و قل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب [ صفحه 294] فو الله لا تنال ولايتنا الا بالورع و الاجتهاد في الدنيا و مواساة الاخوان في الله و ليس من شيعتنا من يظلم الناس. يا ابن جندب انما شيعتنا يعرفون بخصال شتي: بالسخاء و البذل للاخوان و بأن يصلوا الخمسين ليلا و نهارا. شيعتنا لا يهرون هرير الكلب و لا يطمعون طمع الغراب و لا يجاورون لنا عدوا و لا يسألون لنا مبغضا و لو ماتوا جوعا. شيعتنا لا يأكلون الجري [484] و لا يمسحون علي الخفين و يحافظون علي الزوال و لا يشربون مسكرا. قلت جعلت فداك فأين أطلبهم؟ قال عليه السلام: علي رؤوس الجبال و أطراف المدن. و اذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم و لا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله: (و جاء من أقصي المدينة رجل يسعي) [485] و الله لقد كان حبيب النجار وحده. كل الذنوب مغفورة سوي عقوق أهل دعوتك. و كل البر مقبول الا ما كان رئاء. يا ابن جندب أحبب في الله و استمسك بالعروة الوثقي و اعتصم بالهدي يقبل عملك، فان الله يقول: (لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي) [486] فلا يقبل الا الايمان، و لا ايمان الا بعمل و لا عمل الا بيقين و لا يقين الا بخشوع، و ملاكها كلها الهدي، فمن اهتدي يقبل عمله و صعد الي الملكوت متقبلا (و الله

يهدي من يشاء الي صراط المستقيم) [487] . يا ابن جندب: ان أحببت أن تجاور الجليل في داره و تسكن [ صفحه 295] الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا و اجعل الموت نصب عينيك و لا تدخر شيئا، و اعلم أن لك ما قدمت و عليك ما أخرت. يا ابن جندب: من حرم نفسه كسبه فانما يجمع لغيره. و من أطاع هواه فقد أطاع عدوه. و من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه و آخرته و يحفظ له ما غاب عنه و قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا و لكل نعمة شكرا. و لكل عسر يسرا. صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية [488] ، فانما يقبض عاريته و يأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك و شكرك. و ارج رجاء لا يجرك علي معصيته و خفه خوفا لا يؤيسك من رحمته. و لا تغتر بقول الجاهل و لا بمدحه فتكبر و تجبر و تعجب بعملك، فان أفضل العمل العبادة و التواضع، فلا تضيع مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك. و اقنع بما قسمه الله لك. و لا تنظر الا الي ما عندك. و لا تتمن ما لست تناله. فان من قنع شبع و من لم يقنع لم يشبع. وخذ حظك من آخرتك و لا تكن بطرا في الغني و لا جزعا في الفقر. و لا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك و لا تكن واهنا يحضرك من عرفك و لا تشار [489] من فوقك و لا تسخر بمن هو دونك. و لا تنازع الأمر أهله. و لا تطع السفهاء و لا تكن مهينا تحت كل أحد، و لا تتكلن علي

كفاية أحد. وقف عند كل أمر حتي تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم. و اجعل قلبك قريبا تشاركه. و اجعل عملك والدا تتبعه. و اجعل نفسك عدوا تجاهده و عارية تردها فانك قد جعلت طبيب نفسك و عرفت آية الصحة و بين لك الداء و دللت علي الدواء. فانظر قيامك علي نفسك. و ان كانت لك يد عند انسان فلا تفسدها بكثرة المن و الذكر لها ولكن اتبعها بأفضل منها، فان ذلك أجمل بك في أخلاقك، و أوجب [ صفحه 296] للثواب في آخرتك، و عليك بالصمت تعد حليما - جاهلا كنت أو عالما - فان الصمت زين لك عند العلماء و ستر لك عند الجهال. يا ابن جندب ان عيسي ابن مريم عليه السلام قال لأصحابه: أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأي ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان كاشفا عنها كلها أم مرد عليها ما انكشف منها؟ بل نرد عليها. قال: كلا بل تكشفون عنها كلها - فعرفوا أنه مثل ضربه لهم - فقيل: يا روح الله و كيف ذلك؟ قال: الرجل منكم يطلع علي العورة من أخيه فلا يسترها. بحق أقول لكم أنكم لا تصيبون ما تريدون الا بترك ما تشتهون. و لا تنالون ما تأملون الا بالصبر علي ما تكرهون. اياكم و النظرة فانها تزرع في القلب الشهوة و كفي بصاحبها فتنة. طوبي لمن جعل بصره في قلبه و لم يجعل بصره في عينه. لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد. انما الناس رجلان: مبتلي و معافي فارحموا المبتلي و احمدوا الله علي العافية». يا ابن جندب صل من قطعك. و أعط من حرمك. و

أحسن الي من أساء اليك. و سلم علي من سبك. و أنصف من خاصمك و اعف عمن ظلمك، كما أنك تحب أن يعفي عنك فاعتبر بعفو الله عنك، ألا تري أن شمسه أشرقت علي الأبرار و الفجار. و أن مطره ينزل علي الصالحين و الخاطئين. يا ابن جندب لا تتصدق علي أعين الناس ليزكوك، فان فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، و لكن اذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فان الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية علي رؤوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس علي صدقتك. و اخفض الصوت، ان ربك الذي يعلم ما تسرون و ما تعلنون قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه. و اذا [ صفحه 297] صمت فلا تغتب أحدا. و لا تلبسوا صيامكم بظلم. و لا تكن كالذي يصوم رئاء الناس، مغبرة وجوههم شعثة رؤوسهم يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيامي. يا ابن جندب الخير كله أمامك، و أن الشر كله أمامك. و لن تري الخير و الشر الا بعد الآخرة، لأن الله جل و عز جعل الخير كله في الجنة و الشر كله في النار، لأنهما الباقيان. و الواجب علي من وهب الله له الهدي و أكرمه بالايمان و ألهمه رشده و ركب فيه عقلا يتعرف به نعمه و آتاه علما يدبر به أمر دينه و دنياه أن يوجب علي نفسه أن يشكر الله و لا يكفره و أن يذكر الله و لا ينساه و أن يطيع الله و لا يعصيه. للقديم الذي تفرد له بحسن النظر. و للحديث الذي أنعم عليه بعد اذ أنشأه مخلوقا. و للجزيل الذي وعده، و الفضل الذي لم يكلف من

طاعته فوق طاقته و ما يعجز عن القيام به و ضمن له العون علي تيسير ما حمله من ذلك و ندبه الي الاستعانة علي قليل ما كلفه و هو معرض عما أمره و هو عاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه و بين ربه، متقلدا لهواه ماضيا في شهواته، مؤثرا لدنياه علي آخرته و هو في ذلك يتمني جنان الفردوس و ما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار، أما أنه لو وقعت الواقعة و قامت القيامة و جاءت الطامة و نصب الجبار الموازين لفصل القضاء و برز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة و الكرامة و بمن تحل الحسرة و الندامة. فاعمل اليوم بما ترجو به الفوز في الآخرة. يا ابن جندب قال الله جل و عز في بعض ما أوحي: «و انما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي و يكف الشهوات من أجلي و يقطع نهاره بذكري و لا يتعظم علي خلقي و يطعم الجائع و يكسو العاري و يرحم [ صفحه 298] المصاب و يؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس أجعل له في الظلمة نورا و في الجهالة حلما أكلأه [490] بعزتي و أستحفظه ملائكتي، يدعوني فألبيه و يسألني فأعطيه، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها و لا تتغير حالها». يا ابن جندب الاسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوقار و مروءته العمل الصالح، و عماده الورع، ولكل شي ء أساس و أساس الاسلام حبنا أهل البيت. يا ابن جندب ان الله تبارك و تعالي سورا من نور محفوفا بالزبرجد و الحرير، منجدا [491] بالسندس و الديباج، يضرب هذا السور بين أوليائنا و بين أعدائنا

فاذا غلي الدماغ و بلغت القلوب الحناجر و نضجت الأكباد من طول الموقف أدخل في هذا السور أولياء الله، فكانوا في أمن الله و حرزه، لهم فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين. و أعداء الله قد ألجمهم العرق و قطعهم الفرق و هم ينظرون الي ما أعد الله لهم، فيقولون (ما لنا لا نري رجالا كنا نعدهم من الأشرار) [492] فينظر اليهم أولياء الله فيضحكون منهم فذلك قوله عزوجل: (اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار) [493] و قوله (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون - علي الأرائك ينظرون) [494] فلا يبقي أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة الا أدخله الله الجنة بغير حساب [495] . [ صفحه 299]

وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول

(أبوجعفر محمد بن علي بن النعمان الكوفي المعروف عندنا بصاحب الطاق و مؤمن الطاق و المخالفون يلقبونه شيطان الطاق، كان صيرفيا في طاق المحامل في الكوفة يرجع اليه في النقد فيخرج كما ينقد فيقال: شيطان الطاق و هو من أصحاب الصادق و الكاظم عليهماالسلام كان رحمه الله ثقة متكلما، كثير العلم، حسن الخاطر، حاضر الجواب. قال أبوجعفر: قال لي الصادق عليه السلام: ان الله جل و عز عير أقواما في القرآن بالاذاعة، فقلت له: جعلت فداك فأين قال؟ قال: قوله: (و اذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به) [496] ثم قال: المذيع علينا كالشاهر بسيفه علينا، رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه. و الله اني أعلم بشراركم البيطار بالدواب، شراركم الذين لا يقرؤون القرآن الا هجرا و لا يأتون الصلاة الا دبرا و لا يحفظون ألسنتهم [497] . اعلم أن الحسن بن علي عليهماالسلام لما طعن و اختلف الناس عليه

سلم الأمر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة عليك السلام، يا مذل المؤمنين فقال: [ صفحه 300] «ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين. اني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقي أنا و أنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقي لأصحابها، و كذلك نفسي و أنتم لنبقي بينهم». يا ابن النعمان: اني لأحدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني، فأستحل بذلك لعنته و البراءة منه. فان أبي كان يقول: «و أي شي ء أقر للعين من التقية، ان التقية جنة المؤمن و لولا التقية ما عبدالله». و قال الله عزوجل: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء الا أن تتقوا منهم تقاة) [498] . يا ابن النعمان اياك و المراء فانه يحبط عملك. و اياك و الجدال فانه يوبقك. و اياك و كثرة الخصومات، فانها تبعدك من الله. ثم قال: ان من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت و أنتم تتعلمون الكلام، كان أحدهم اذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فان كان يحسنه و يصبر عليه و تعبد و الا قال: ما أنا لما أروم بأهل [499] ، انما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء و صبر في دولة الباطل علي الأذي أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا و هم المؤمنون ان أبغضكم الي المتراسون [500] المشاؤون بالنمائم الحسدة لاخوانهم ليسوا مني و لا أنا منهم، انما أوليائي الذين سلموا لأمرنا و اتبعوا آثارنا و اقتدوا بنا في كل أمورنا. ثم قال: و الله لو قدم أحدكم مل ء الأرض ذهبا علي الله ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوي به في النار. [

صفحه 301] يا ابن النعمان ان المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا، بل هو أعظم وزرا، بل هو أعظم وزرا. يا ابن النعمان أنه من روي علينا حديثا فهو ممن قتلنا عمدا و لم يقتلنا خطأ. يا ابن النعمان اذا كانت دولة الظلم فامش و استقبل من تتقيه بالتحية، فان المعترض للدولة قاتل نفسه و موبقها، ان الله يقول: (و لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) [501] . يا ابن النعمان انا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا و لا من أهل ديننا، فاذا رفعه و نظر اليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا، و كلما ذهب واحد جاء آخر. يا ابن النعمان من سئل عن علم، فقال لا أدري فقد ناصف العلم. و المؤمن يحقد ما دام في مجلسه، فاذا قام ذهب عنه الحقد. يا ابن النعمان ان العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم. لأنه سر الله الذي أسره الي جبرئيل عليه السلام و أسره جبرئيل الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أسره محمد صلي الله عليه و آله و سلم الي علي عليه السلام و أسره علي عليه السلام الي الحسن و أسره الحسن عليه السلام الي الحسين عليه السلام و أسره الحسين عليه السلام الي علي عليه السلام و أسره علي عليه السلام الي محمد عليه السلام و أسره محمد عليه السلام الي من أسره، فلا تعجلوا فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه، فأخره الله، و الله ما لكم سر الا و عدوكم أعلم به منكم. يا ابن النعمان ابق علي نفسك فقد عصيتني. لا تذع سري، فان المغيرة بن سعيد كذب علي أبي و أذاع سره فأذاقه الله حر الحديد. [ صفحه 302] و من

كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا و الآخرة و أعطاه حظه و وقاه حر الحديد و ضيق المحابس. ان بني اسرائيل قحطوا حتي هلكت المواشي و النسل فدعا موسي بن عمران عليه السلام فقال: يا موسي انهم أظهروا الزنا و الربا و عمروا الكنائس و أضاعوا الزكاة. فقال: الهي تحنن برحمتك [502] عليهم فانهم لا يعقلون. فأوحي الله اليه مرسل قطر السماء و مختبرهم بعد أربعين يوما. فأذاعوا ذلك و أفشوه. فحبس عنهم القطر أربعين سنة و أنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم. يا أباجعفر ما لكم و للناس كفوا عن الناس و لا تدعوا أحدا الي هذا الأمر، فو الله لو أن أهل السموات [و الأرض] اجتمعوا علي أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه. كفوا عن الناس و لا يقل أحدكم: أخي و عمي و جاري. فان الله جل و عز اذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا الا عرفه و لا منكرا الا أنكره. ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره. يا ابن النعمان ان أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه و لا تمارينه و لا تباهينه [503] و لا تشارنه و لا تطلع صديقك سرك الا علي ما لو اطلع عدوك لم يضرك. فان الصديق قد يكون عدوك يوما. يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتي يكون فيه ثلاث سنن: سنة من الله و سنة من رسوله و سنة من الامام، فأما السنة من الله جل و عز فهو أن يكون كتوما للأسرار يقول جل ذكره: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا) [504] و أما التي من رسول الله صلي الله عليه

و آله و سلم فهو أن يداري الناس و يعاملهم [ صفحه 303] بالأخلاق الحنيفية، و أما التي من الامام فالصبر في البأساء و الضراء حتي يأتيه الله بالفرج. يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان و لا بكثرة الهذيان ولكنها المعني و قصد الحجة. يا ابن النعمان من قعد الي ساب أولياء الله فقد عصي الله. و من كظم غيظا فينا لا يقدر علي امضائه كان معنا في السنام الأعلي [505] و من استفتح نهاره باذاعة سرنا سلط الله حر الحديد و ضيق المحابس. يا ابن النعمان لا تطلب العلم لثلاث: لترائي به. و لا لتباهي به. و لا لتماري و لا تدعه لثلاث: رغبة في الجهل. و زهادة في العلم. و استحياء من الناس. و العلم كالسراج المطبق عليه. يا ابن النعمان ان الله جل و عز اذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء فجال القلب يطلب الحق. ثم هو الي أمركم أسرع من الطير الي وكره [506] . يا ابن النعمان ان حبنا - أهل البيت - ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب و الفضة و لا ينزله الا بقدر و لا يعطيه الا خير الخلق و ان له غمامة كغمامة القطر، فاذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطلت السحاب [507] فتصيب الجنين في بطن أمه [508] .

پاورقي

[1] تحف العقول ص 312.

[2] الخصال: ج 2 ص 176، البحار ج 40 ص 131.

[3] البحار: ج 40 ص 163.

[4] اقتضب الكلام: ارتجله.

[5] المجلي: السابق في الميدان.

[6] البحار: ج 41 ص 358.

[7] ارشاد المفيد ص 271.

[8] ارشاد المفيد ص 271.

[9] ارشاد المفيد ص

271. [

[10] ارشاد المفيد ص 271.

[11] ارشاد المفيد ص 270.

[12] هطل المطر: مطر متتابعا متفرقا عظيم القطر. و السيب: العطاء. و همي الماء: سال لا يثنيه شي ء. و الحيا: المطر.

[13] الطود: الجبل العظيم. و الشاهق: المرتفع من الجبال.

[14] الدوحة: الشجرة العظيمة المتسمة. و السامق: فاعل من سمق سموقا و سمقا: علا وطال.

[15] اللهي: العطية و أفضل العطايا و أجزلها.

[16] الطلاوة: الحسن و البهجة و القبول.

[17] أهل موادة: أي أهل زياداته المتصلة و تكميلاته المتواترة غير المنقطعة.

[18] التلاد: المال القديم.

[19] المنتجي: صاحب السر.

[20] الوقوب: دخول الظلام، و الغاسق الليل المظلم: و النفوث كالنفخ.

[21] القرفة: التهمة.

[22] في يفاعه: في أوائل سنه، أيفع الغلام اذا شارف الاحتلام و لم يحتلم.

[23] استخبأه: أودع عنده و أمره بالكتمان.

[24] استرعاه: اعتني بشأنه.

[25] أصول الكافي ج 1 ص 203.

[26] سدير: هو ابن حكيم بن صهيب الصيرفي من أصحاب السجاد و الباقر و الصادق عليهم السلام امامي ممدوح محب لأهل البيت عليهم السلام - و روي ان سدير و شريد بن عبدالرحمن - كانا في السجن فدعا لهما الامام الصادق عليه السلام فخرجا من السجن - و قال عليه السلام: ان سدير عصيدة بكل لون. يعني انه لا يخاف من المخالفين لالتزامه بالتقية الواجبة.

[27] النمط: جماعة من الناس أمرهم واحد.

[28] تأويل الكتاب: أي تفاسيره و تأويلاته و اشاراته و ما المراد به و مصاديق ما جاء فيه من الأوصاف.

[29] ركض الفرس: أستحثه للعدو.

[30] العديم: الفقير.

[31] سورة يوسف آية 90.

[32] سورة النمل آية 60.

[33] سورة القصص آية 68.

[34] تحف العقول ص 325.

[35] سورة النساء آية 31.

[36] تحف العقول ص 329.

[37] هذا نوع من الشرك لا بمعني المصطلح المعروف.

[38] كذلك هذا نوع من الشرك.

[39] تحف العقول ص 330.

[40] المرة:

خلط من خلط البدن كالصفراء أو السوداء.

[41] أشر: مرح. بطر: طغي بالنعمة فصرفها في غير وجهها؛ و أخذته دهشة عند هجوم النعمة أرتاح الي الشي ء: أحبه و مال اليه. الارتياح: السرور و النشاط.

[42] البذخ: الفخر و التطاول.

[43] ذبلت بشرته: قل ماء جلدته و ذهبت نضارته.

[44] الثفل: حثالة الشي ء و هي ما يستقر في أسفل الشي ء من كدرة. المراد هنا النجاسة و العذرة.

[45] اللحاء: قشر العود أو الشجر.

[46] نشف الماء: أخذه من مكانه و تنشف الثوب العرق: شربه.

[47] النكراء: الدهاء و الفطنة بالمنكر و الشيطنة.

[48] سورة الأنعام آية 129.

[49] سورة البقرة آية 109.

[50] تحف العقول: ص 354.

[51] قال علي عليه السلام بعد كلام طويل: ان من أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأي ماله في ميزان غيره أدخل الله هذا به الجنة، و أدخل هذا به النار. فعلي هذا الكلام قال الامام الصادق عليه السلام و أعظم من هذا... الخ.

[52] تنبيه الخواطر «مجموعة ورام» ج 2 ص 415.

[53] الدعة: خفض العيش و الطمأنينة.

[54] المجاملة: المعاملة بالجميل. و الضيم: الظلم. و المماظة: شدة المنازعة.

[55] السطو: القهر بالبطش.

[56] رفعوه عليكم: أي رفعوه الي ولاتهم لينا لكم الضرر منهم.

[57] سورة ص: 28.

[58] وصف صفتكم: أي قال بقولكم و دان بدينكم.

[59] بغا لكم الغوائل: أي طلب لكم المهالك.

[60] التجبر: التكبر.

[61] العريكة: الطبيعة.

[62] زهرة الدنيا: حسنها و بهجتها. و الغضارة: العيش الطيب و اللذيذ.

[63] أي أظلة العرش يوم الميثاق.

[64] يعني بالنص علي الوصي صلوات الله عليهما.

[65] سعي به الي الوالي: اذا وشي به اليه.

[66] قال المجلسي - رحمه الله -: أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص و اسماعيل.

[67] يفرقن: من الفرق - بالتحريك - بمعني

الخوف.

[68] ذلق اللسان: حدته.

[69] الشره: غلبة الحرص.

[70] يعني رجوعهم الي الله تعالي.

[71] روضة الكليني، ج 8 ص 397.

[72] وفي نسخة: عاملك.

[73] رسائل الشهيد الثاني: ص 327، وسائل الشيعة ج 12 ص 150.

[74] البقرة: آية 229.

[75] بني اسرائيل (الاسراء): آية 105.

[76] النحل: آية 90.

[77] الزخرف: آية 86.

[78] بني اسرائيل (الاسراء): آية 94.

[79] التغابن: آية 6.

[80] الأنعام: آية 91.

[81] الأنعام: الآيتان 8، 9.

[82] النساء: آية 8.

[83] الأحزاب: آية 53.

[84] الأحزاب: آية 6.

[85] النساء: آية 22.

[86] النساء: آية 34.

[87] البقرة: آية 196.

[88] المائدة: آية 106.

[89] النور: آية 23.

[90] النور: آية 25.

[91] بصائر الدرجات: ص 526.

[92] هشام بن الحكم الكندي مولاهم البغدادي، و كان ينزل ببني شيبان بالكوفة و كان مولده بالكوفة، و منشؤه واسط، و تجارته ببغداد ثم انتقل اليها في آخر عمره سنة تسع و تسعين و مائة، و قيل هذه السنة هي سنة وفاته.

[93] الاحتجاج: ج 2 ص 69.

[94] عيسي بن يونس ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام و في أصحاب الكاظم عليه السلام فقال عيسي بن يونس بزرج له كتاب.

[95] الاحتجاج: ج 2 ص 74.

[96] يونس بن ظبيان: قال الغضائري: هو كوفي غال كذاب و ضاع للحديث روي عن أبي عبدالله عليه السلام لا يلتفت الي حديثه فأنا لا أعتمد علي روايته لقول هؤلاء المشايخ العظام فيه. و قال النجاشي: انه مولي ضعيف جدا لا يلتفت الي ما رواه، كل كتبه تخليط، و قال الفضل بن شاذان في بعض كتبه: الكذابون المشهورون عد يونس بن ظبيان منهم.

[97] الاحتجاج: ج 2 ص 76.

[98] الاحتجاج: ج 2 ص 77.

[99] أمرج الدابة: تركها تذهب حيث شاءت. [

[100] التفصي: التخلص، و تفصي عن الشي ء بان عنه.

[101] الاحتجاج: ج 2 ص

77.

[102] الاحتجاج: ج 2 ص 100.

[103] سعيد ابن أبي الخضيب من أصحاب الامام الصادق عليه السلام. كما قاله الطوسي في رجاله.

[104] الاحتجاج: ج 2 ص 102.

[105] الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام، أبوعبدالله، يلقب ذا الدمعة كان أبوعبدالله تبناه و رباه، و زوجه بنت الأرقط.

[106] الاحتجاج: ج 2 ص 102.

[107] حفص بن غياث: حفص بن غياث بن طلق بن معاوية من أصحاب الباقر عليه السلام و ذكر أنه من أصحاب الصادق عليه السلام - و كان عاميا و له كتاب معتمد.

[108] عبدالكريم ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري و قد انحرف عن التوحيد و حبسه محمد بن سليمان عامل الكوفة من جهة المنصور، و ضربت عنقه فما بعد.

[109] الاحتجاج: ج 2 ص 104.

[110] عبدالمؤمن بن القاسم بن قيس بن قهد الأنصاري روي عن أبي عبدالله و أبي جعفر عليهماالسلام ثقة و هو أخو أبي مريم عبدالغفار بن القاسم، و قيس بن قهد صحابي.

[111] الاحتجاج: ج 2 ص 105.

[112] عمر بن حنظلة العجلي البكري الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام.

[113] الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين: أبومحمد الشيباني ثقة روي عن أبي الحسن موسي و الرضا عليه السلام.

[114] حارث بن المغيرة النصري من بني نصر بن معاوية بصري عربي روي عن أبي جعفر الباقر و الصادق و الكاظم عليهم السلام و عن زيد بن علي عليه السلام ثقة.

[115] سماعة بن مهران بن عبدالرحمن الحضرمي مولي عبد بن وائل بن حجر الحضرمي يكني: أباناشرة. و قيل: أبامحمد - روي عن أبي عبدالله و أبي الحسن عليهماالسلام مات بالمدينة ثقة.

[116] الاحتجاج: ج 2 ص 106.

[117] ابن أبي ليلي هو محمد بن عبدالرحمن القاضي الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام توفي سنة 148 ه، أبوه من أكابر تابعي الكوفة وجده أبوليلي من الصحابة.

[118] أبوحنيفة:

و اسمه النعمان بن ثابت بن زوطي، و كان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة و أهله من كابل و قيل مولي لبني قفل - و ولد و أبوه نصراني و قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: «ولد أبوحنيفة و أبوه نصراني».. الي أن قال «و كان زوطي مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه لبني عبدالله بن ثعلبة ثم لبني قفل».

[119] سورة سبأ: آية 17.

[120] سورة آل عمران: آية 97.

[121] سورة طه: آية 44.

[122] سورة المائدة: آية 51.

[123] الحسن بن محبوب السراد و يقال الزراد. يكني أباعلي مولي بجيلة كوفي ثقة عين روي عن الرضا عليه السلام و كان جليل القدر يعد في الأركان الأربعة في عصره.

[124] عبدالكريم بن عتبة الهاشمي من أصحاب أبي الحسن الكاظم عليه السلام ثقة.

[125] الاحتجاج: ج 2 ص 118.

[126] يونس بن يعقوب بن قيس أبوعلي الجلاب البجلي الدهني - و قال النجاشي: انه اختص بأبي عبدالله عليه السلام و أبي الحسن عليه السلام و كان يتوكل لأبي الحسن عليه السلام و مات في المدينة قريبا من الرضا عليه السلام فتولي أمره و كان حظيا عندهم موثقا.

[127] الاحتجاج: ج 2 ص 122.

[128] عن يونس بن يعقوب.

[129] المائدة: آية 27.

[130] سورة غافر: آية 45.

[131] الاحتجاج: ج 2، ص 125.

[132] معاوية بن وهب البجلي، أبوالحسن عربي صميم ثقة صحيح، حسن الطريق روي عن أبي عبدالله عليه السلام و أبي الحسن عليه السلام.

[133] سعيد بن عبدالرحمن، و قيل: ابن عبدالله الأعرج السمان أبوعبدالله التيمي مولاهم كوفي ثقة روي عن أبي عبدالله عليه السلام.

[134] الاحتجاج: ج 2 ص 133.

[135] زيد بن علي بن الحسين عليه السلام: قال الشيخ المفيد في الارشاد، كان زيد بن علي بن الحسين عين أخوته بعد أبي جعفر عليه السلام و أفضلهم، و كان عابدا ورعا

فقيها سخيا، شجاعا، و ظهر بالسيف يأمر بالمعروف، و ينهي عن المنكر، و يأخذ بثأر الحسين - و قال المحدث النوري في رجال مستدرك الوسائل: «ان زيد بن علي جليل القدرة عظيم الشأن، كبير المنزلة، و أما ما ورد مما يوهم خلاف ذلك مطرح أو محمول علي التقية.

[136] الاحتجاج: ج 2 ص 134.

[137] الاحتجاج: ج 2 ص 137.

[138] أبي يعقوب من أصحاب الامام الصادق عليه السلام.

[139] معلي بن خنيس: أبوعبدالله مولي الصادق عليه السلام، و من قبله كان مولي بني أسد، كوفي. و قال الغضائري: أنه كان أول الأمر مغيريا ثم دعي الي محمد بن عبدالله المعروف بالنفس الزكية و في هذه الظنة أخذه داود بن علي فقتله.

[140] الاحتجاج: ج 2 ص 138.

[141] فاطر: آية 32.

[142] الاحتجاج: ج 2 ص 138.

[143] محمد ابن أبي عمير: و اسم أبي عمير: زياد بن عيسي. و يكني: أبامحمد مولي الأزد من موالي المهلب ابن أبي صفرة، بغدادي الأصل و المقام، لقي أباالحسن موسي عليه السلام و سمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال: يا أباأحمد. و روي عن الرضا عليه السلام كان جليل القدر عظيم المنزلة عندنا و عند المخالفين. و قال الشيخ الطوسي أنه كان أوثق الناس عند الخاصة و العامة و أنسكهم نسكا و أزهدهم و أعبدهم أدرك من الأئمة ثلاثة: أباابراهيم موسي بن جعفر.

[144] عبدالله بن الوليد السمان النخعي مولي كوفي روي عن أبي عبدالله عليه السلام ثقة.

[145] الأعراف: آية 145.

[146] الزخرف: آية 63.

[147] الرعد: آية 43.

[148] الأنعام: آية 59.

[149] الاحتجاج: ج 2 ص 139.

[150] الاحتجاج: ج 2 ص 140.

[151] علي بن الحكم من أهل الأنبار و هو تلميذ ابن أبي عمير.

[152] سورة يوسف: آية 5.

[153] الاحتجاج: ج 2 ص 140.

[154] سورة يوسف: آية 80.

[155] سورة الحج:

آية 73.

[156] سورة الأنبياء: آية 22.

[157] سورة هود: آية 44.

[158] سورة الاسراء: آية 88.

[159] الاحتجاج: ج 2 ص 143.

[160] غرقي ء البياض: القشر الرقيقة الملتصقة ببياض البيض.

[161] القفر: خلو الأرض من الماء و الكلاء. الجشب من الطعام: الغليظ الخشن الجدب: انقطاع المطر و يبس الأرض.

[162] التقشف: ترك النظافة. و الترفه ضد التنعم.

[163] أي ضاق صدره من كلامك و استحيا. الحصر: العي في المنطق و العجز عن الكلام.

[164] الادلاء بالشي ء: احضاره.

[165] سورة الحشر: آية 9.

[166] سورة الانسان: آية 8.

[167] أشار الي نفسه الشريف عليه السلام.

[168] الرقيق: المملوك.

[169] الصبية: جمع صبي. و تكفف الرجل: سأل كفا من الطعام أو ما يكف به الجوع. أو أخذ الشي ء ببطن كفه.

[170] سورة الفرقان: آية 67. و القتر: القليل من العيش. المقتر: الفقير المقل.

[171] سورة الأنعام: آية 141، و الأعراف: 31.

[172] الغريم: المديون.

[173] الأوقية: جزء من أجزاء الرطل.

[174] الاسراء: آية 31.

[175] تلتاث: أي تبطي ء و تحتبس عن الطاعات و تسترخي و تستضعف.

[176] النويقات: جمع نويقة تصغير الناقة و الشويهة: جمع شويهة تصغير الشاة.

[177] أهل الماء هم الذين يسقون له الماء. الجزور: البعير و ما ينحر من الابل و الغنم و الشاة و القرم: شدة شهوة اللحم.

[178] يحيق فيه: أثر فيه - و به: أحاط - و بهم: نزل.

[179] يوسف: آية 55.

[180] يمتارون: يحملون الطعام.

[181] يوسف: آية 76.

[182] تحف العقول: ص 348.

[183] منضودة: نضد متاعه ينضده: جعل بعضه فوق بعض فهو منضود.

[184] التخويل: الاعطاء و التمليك.

[185] الدؤب: الجد و التعب.

[186] التوخي: التحري و القصد.

[187] و قوله عليه السلام كل ما لا يعرفه: أي مما لا يقصر عنه علم المخلوقين.

[188] ضعف العقل.

[189] اضطراب العقل و اختلاله.

[190] اللقوة: علة ينجذب لها شق الوجه الي جهة غير طبيعية،

فيخرج النفخة و البزقة من جانب واحد و لا يحسن التقاء الشفتين، و لا ينطبق أحد العينين.

[191] التخليص: التصفية و التمييز عن غيره.

[192] الارب: الحاجة.

[193] أي انتهي اليها بغتة علي غفلة منه.

[194] أي حتي يملوا و يضجروا به.

[195] جمع الخلة و هي الخصلة.

[196] ما بين العقدتين من القصب.

[197] بين الحلو و الحامض.

[198] دعم الشي ء: أسنده لئلا يميل.

[199] رشف الماء: أي بالغ في مصه.

[200] الثج: السيلان.

[201] الفأس: آلة لقطع الخشب.

[202] يفته من الفت و هو الكسر.

[203] الصكة: الضرب الشديد أو اللطم.

[204] الجوانح: الأضلاع التي مما يلي الصدر.

[205] لا تخل: قوله عليه السلام لا تخل من الاخلال بالشي ء بمعني تركه.

[206] تتحيز: من الحيز أي تسكن - و من قولهم تحيزت الحية: أي تلوت.

[207] الكوكب: المحبس.

[208] أطرد الشي ء تبع بعضه بعضا و جري.

[209] الا من خلقه مؤملا: هو أن الأمل و الرجاء في البقاء هو السبب لتحصيل النسل، و اذا جعل الانسان ذا أمل لبقاء نوعه.

[210] الا من ضربه بالحاجة: أي سبب له أسباب الاحتياج و خلقه بحيث يحتاج.

[211] الا من توكل بتقويمه، أي تكفل برفع حاجته و تقويم أوده.

[212] الحول: القوة.

[213] ينزعه: يكفه.

[214] الكلوب: حديدة معوجة الرأس.

[215] تبا: ألزمه الله هلاكا و خسرانا، التعس: الهلاك.

[216] الطعم: الأكل.

[217] الكري: السهر.

[218] الجمام: الراحة.

[219] الشبق: شدة شهوة الجماع.

[220] تواني في حاجته: أي قصر.

[221] أي يبعثه و يسوقه اليه.

[222] تحدر الثفل: أي استرسل.

[223] خلله: اذا بالضم الحاجة، أو بالكسر أي الخلال و الفروج التي حصلت في البدن بتحلل الرطوبات.

[224] سلا عنه: نسيه.

[225] اقراء الضيف: ضيافتهم و اكرامهم.

[226] تحري: طلب ما هو أحري بالاستعمال في غالب الظن.

[227] التنكب: التجنب.

[228] لم يعف: أي لم يكف و لم يمتنع عن فاحشة.

[229] وفي: اعطاء الشي ء وافيا.

[230]

درست: أي ذهب أثرها و انمحي.

[231] الغراس جمع المغروس: ما يغرس من الشجر.

[232] أي استخراجها.

[233] العقار: ما يتداوي به من النبات، الدواء مطلقا.

[234] لجة: معظم الماء.

[235] أي جهاتها الأربع.

[236] انهمك: أي جد ولج.

[237] النزوع: الكف.

[238] يقارف: أي يكتسب.

[239] لا يرعوي: أي لا يكف.

[240] مرحه: تبختر و اختال. المرح: شدة الفرح.

[241] الأرحاء: جمع الرحي و هي الطاحونة.

[242] التفكه: التنعم.

[243] جنيا عليه: جني عليه - جره اليه.

[244] الجدة: الغناء.

[245] الظباء و القطا: الظباء: القطيع من الظباء و الطير و غيرها. القطا: طائر في حجم الحمام.

[246] يجفو: يبعد و يجتنب و لا يداوم علي الصناعات اللطيفة.

[247] الدعار: الفساد و الخبث و الفسق.

[248] عرسا: امرأة الرجل.

[249] المفاكهة: الممازحة و المضاحكة.

[250] تتخلل: تتداخل.

[251] أمات: جمع أم تستخدم للبهائم.

[252] القبج: طائر يشبه الحجل.

[253] ينقاب: فلقها.

[254] اليمام: حمام الوحش.

[255] تمج الطعام: ترمي به.

[256] مودعا: مستريحا.

[257] النير: الخشبة المعترضة في عنق الثورين.

[258] يركب السيوف: أي يستقبلها بجرأة، المواتاة: الموافقة.

[259] أي نظر في الأمور و تكفر فيها.

[260] تستأصلهم و تهلكهم.

[261] ساورتهم: ساوره: واثبه.

[262] الخفر: المنع.

[263] شاخص البصر: أي ارتفع.

[264] الخطم: مقدم الأنف و الفم للدابة.

[265] القضم: الأكل بأطراف الأسنان.

[266] الجحفلة: بمنزلة الشفة للبغال و الحمير و الخيل.

[267] الحياء: الفرج و الطبق: غطاء كل شي ء.

[268] مراقي البطن: ما ارتفع منه من وسطه أو أقرب منه.

[269] الوضر: الدرن.

[270] المذبة: بكسر الميم ما يذب به الذباب.

[271] الازدراد: البلع.

[272] ليسدله: ليرسله و يرخيه.

[273] السمع: ولد الذئب لا يموت حتف أنفه كالحية و عدوه أسرع من الطير و وثبته تزيد علي ثلاثين ذراعا.

[274] شحيج البغل و الحمار: صوته.

[275] الغياطل: جمع غيطل، و هو الشجر الكثير الملتف.

[276] السنخ: الأصل. قوله بالصحة هو النقص في العقل أي الفصل الصحيح الذي يصلح

واقعا أن يكون فاصلا. و في أكثر النسخ «و هو» و علي هذا لا يبعد أن تكون تصحيف القحة: أي قلة الحياء.

[277] السرب: القطيع من الظباء و القطا و الخيل.

[278] المهاة: البقرة الوحشية، و الجمع مها. والوعل تيس الجمع وعال و وعول.

[279] الأيل: الذكر من الأوعال.

[280] القانص: الصائد.

[281] الجهد: الطاقة و المشقة.

[282] العجيج: الصياح و رفع الصوت.

[283] أعوزه الشي ء: احتاج اليه.

[284] التماوت: اظهار الموت حيلة.

[285] هي الوثوب علي جهة الصيد.

[286] الدلفين: دابة بحرية تنقذ الغريق.

[287] يثور الماء: يهيجه و يحركه.

[288] الذرة: النملة الصغيرة الحمراء.

[289] الاحتشاد: الاجتماع.

[290] الزبية: الحفرة.

[291] جاس: صلب و يابس.

[292] سجحت جلدته فانسجح: أي قشرته فانقشر.

[293] التقصف: التكسر.

[294] الغريض: الطري.

[295] العجم بالتحريك أي النوي.

[296] زق الطائر فرخه: أي أطعمه في فيه.

[297] الرفد: النصيب، المعاونة.

[298] القانصة للطير: كالمعدة للانسان.

[299] قال الدميري: التدرج: طائر كالدراج يغرد في البساتين بأصوات طيبة.

[300] القرمز: صبغ أرمني يكون من عصارة دود في آجامهم.

[301] الحلزون: دابة تكون في الرمث أي بعض مراعي الابل.

[302] ادمان النظر: ادامته.

[303] الاجانة: اناء تغسل فيه الثوب.

[304] القفار: جمع القفر: الخلاء من الأرض لا ماء فيه و لا ناس و لا كلاء.

[305] كبد السماء: وسط السماء.

[306] ركودها: سكونها.

[307] الحرض: فساد البدن.

[308] التلقيح في النخل: وضع طلع الذكور في الاناث.

[309] الجذع: ساق النخلة.

[310] السدي من الثوب: ما مد من خيوطه، و اللحمة ما نسج عرضا.

[311] القنوان: العذق و هو من النخل كالعنقود من العنب.

[312] اليرقان: مرض معروف يصيب الناس، و يسبب اصفرار الجلد، و آفة للزرع أو دود يسطو علي الزرع.

[313] يلذع: يوجع و يؤلم.

[314] نقمت علي: عبت وكرهت.

[315] من لحم: لحم كل شي ء لبه.

[316] جني الثمر: تناوله من شجرته.

[317] ذبل النبات: قل ماؤه و ذهبت نضارته.

[318]

القمع: قال الفيروز آبادي: القمع محركة: بثرة تخرج في أصول الأشفار و قال القمع بالفتح و الكسر و كعنب: ما التزق بأسفل التمرة و البسرة و نحوهما.

[319] أي فتبعد.

[320] أي لا تبلي و لا ترث.

[321] سفت و أسفت الريح التراب: ذرته أو حملته.

[322] عفت الريح المنزل: درسته و محته.

[323] أزجاه أي دفعه برفق.

[324] البرك: جمع بركة: مستنقع الماء.

[325] قضي منه نهمته: أي شهوته.

[326] الرائس: في مقابلة المرؤوس للمستولي عليه.

[327] الصبر: وزان كتف عصارة شجر مر.

[328] البورق بالفتح معرب بوره: شي ء يتكون مثل الملح في شطوط الأنهار و المياه.

[329] اللحاء: قشر العود أو الشجرة.

[330] الحرافة: طعم يلذع اللسان بحرارته.

[331] استطلق البطن: مشي. و ألان جعله لينا.

[332] الأمشاج: الأشياء المختلطة المتمايزة.

[333] أي أعجزت عن اجابتك.

[334] أينع الثمر: أدرك وطاب وحان قطافه.

[335] المغيض: مجتمع الماء.

[336] سبح في الماء و بالماء: عام و انبسط فيه و يستعار لمر النجوم و جري الفرس.

[337] أي مستمرين.

[338] السل بالكسر في اللغة الهزال، و في الطب القديم قرحة في الرية، و انما سمي المرض به، لأن من لوازمه هزال البدن، و لأن الحمي الدقية لازمة لهذه القرحة.

[339] نهش الحية: تناوله بفمه ليعضه فيؤثر فيه و لا يجرحه.

[340] الصفا: الحجر الصلد الضخم.

[341] خفق الطير: ضرب بجناحيه.

[342] الذر: صغار النمل.

[343] بحارالأنوار ج 3 ص 152.

[344] البغية: ما يرغب فيه و يطلب أي المطلوب.

[345] النبيل: ذو النجابة.

[346] الجدة: الغني و القدرة.

[347] أزري به: عابه و وضعه من حقه. و الطيش: النزق و الخفة.

[348] أكل القديد: القديد اللحم المقدد، يقال: قدد اللحم أي جعله قطعا و جففه.

[349] جارية أو بقرة تبع أي يتبعها ولدها.

[350] الكبوة: السقطة. نبوة: كل السيف و لم يقطع. الهفوة: الزلة و السقطة.

[351] المنابذة:

المخالفة و المفارقة.

[352] سورة فاطر: آية 43.

[353] سورة النمل: آية 51.

[354] سورة الفتح: آية 10.

[355] سورة يونس: آية 23.

[356] الحزم: ضبط الرجل أمره و الحذر من فواته و الأخذ فيه بالثقة.

[357] صافي فلانا: أخلص له الود.

[358] الحليلة: الزوجة.

[359] يفرطوا فيه: يقصروا و أظهروا العجز فيه.

[360] و تفاقم الأمر: عظم و لم يجر علي استواء. الخامل: الساقط الذي لا نباهة له. وشذ عنهم أي انفرد و اعتزل.

[361] البطانة: الخاصة، الوليجة.

[362] الخصب: كثرة العشب و الخير.

[363] البذية: السفيه و التي أفحش في منطقها.

[364] الغزير: الكثير. و أرض خوارة: السهل اللينة.

[365] المعازة: المعارضة في العز.

[366] الهزء: الاستهزاء و الاستخفاف.

[367] الحملة: الكرة في الحرب.

[368] المتكافون: المتساوون.

[369] الهمج: السفلة و الحمقي و الرعاع من الناس.

[370] آتاه مؤاتيا: موافقة. مضافي: مخلص لك الود. الرخاء: سعة العيش.

[371] يسوسه: ساس يسوس سياسة الأمر. قام به.

[372] أي تزين به أو صار حسنا.

[373] مستميلا: استماله - أماله و استعطفه.

[374] طائح: تاه و أشرف علي الهلاك.

[375].

[376] الآنفة: كرهه و ترفع و تنزه منه.

[377] تناصفوا: أنصف بعضهم بعضا. تراحموا: رحم بعضهم بعضا.

[378] حاديا: يحدوهم و يسيرهم.

[379] حياطته: حفظه و تعهده.

[380] الخلابة: الخديعة باللسان أو بالقول اللطيف.

[381] شفه: هزله، رقه، أوهنه.

[382] الدعة: خفض العيش و الراحة.

[383] البلغة: أي ما يبلغه و كيفيه.

[384] تحف العقول: ص 315.

[385].

[386] المجد: العز و الرفعة. النجح: الفوز و الظفر.

[387] اللبس: الشبهة، أي لا تدخل عليه الشبهات.

[388] المشكاة: كوة غير نافذة، و أيضا ما يوضع فيها المصباح.

[389] ختور: ختر - ختورا: خبث و فسد. و الختر: الغدر و الخديعة.

[390] غلظ كبده: قسا قلبه. العنصر: الأصل.

[391] تورط: أوقع نفسه في ورطات المهالك لتقصيره في طلب الحق و فعل الطاعات.

[392] جدع أنف نفسه: أي ذل نفسه.

[393]

أي يظلم و يغضب.

[394] تحف العقول: ص 356.

[395] الصرعة: المدة من الصرع. و الاسترسال: الطمأنينة و الاستئناس الي الغير و الثقة فيما يحدثه. و أصل الاسترسال: السكون و الثبات.

[396] لأنه كثيرا أما - لا يؤثر فيهم و كل صاحب قدرة و سلطنة مغرور الا من التزم الحق و اتباعه -.

[397] أي تصدي لطلب فضله و احسانه.

[398] تعايش القوم: عاشوا مجتمعين علي ألفة و مودة. و تعاشر القوم: تخالطوا و تصاحبوا.

[399] الظاهر أن المراد من يقدر عليهم الرزق و المعيشة أي الضعفاء. الأقدار: جمع قدر.

[400] و لا يطول: بالتخفيف أي لا يجعله طويلا بل مختصرا و موجزا.

[401] الضمان: ما يلتزم بالرد.

[402] المقدرة: القوة و الغني. و حمران بن أعين الشيباني الكوفي تابعي مشكور يكني أباالحسن و قيل: أباحمزة من أصحاب الصادقين بل من حواريهما عليهماالسلام كان من أكابر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم و كان أحد حملة القرآن. و قيل أنه أحد القراء السبعة و كان عالما بالنحو اللغة.

[403] السخيمة: الضغينة و الحقد في النفس.

[404] التفضل: النيل من الفضل. التطهر: التنزه عن الأدناس أي المعاصي.

[405] الوقور: ذو الوقار. الهزاز: الفتن التي تهز الناس و تطلق علي الشدائد و الحروب.

[406] «يتحمل» أي و لا يحمل علي الأصدقاء و لا يتكلف عليهم.

[407] الظاهر أنه أبوعبيدة الحذاء زياد بن عيسي الكوفي من أصحاب الباقر و الصادق عليهماالسلام.

[408] سورة آل عمران: آية 102.

[409] سخيت نفسه عنه أي تركته و لم تنازعني اليه نفسي.

[410] الوفي: الكثير الوفاء. و أيضا الذي يعطي الحق و يأخذ الحق.

[411] مريم: آية 26.

[412] الملول: ذو الملل.

[413] أي مجتهد في العبادة.

[414] الرقي: نسبة الي الرقة اسم لمواضع بلدة بقوهستان و أخريان من بساتين بغداد صغري و

كبري و بلدة أخري في غربي بغداد. داود الرقي، و هو داود بن كثير ابن أبي خالد الرقي مولي بني أسد من أصحاب الصادق و الكاظم عليهماالسلام ثقة و له أصل و كتاب، عاش الي زمان الرضا عليه السلام.

[415] التنين: الحوت، و الحية العظيمة.

[416] زواه: نحاه و منعه. و عنه طواه و صرفه. و الشي ء: جمعه و قبضه.

[417] التزجية: ساقه، دفعه برفق. و يقال زجي فلان حاجتي، أي سهل تحصيلها.

[418] أي ذلل نفسك فلعل من خالفك كان له الفضل عليك.

[419] المقدرة: القوة و الغني.

[420] المجاملة: حسن الضيعة مع الناس و المعاملة بالجميل.

[421] ان المراد أن الرجل الخائن و المضيع عندي سيان.

[422] هو أبوعبدالله مفضل بن عمر الجعفي الكوفي من أصحاب الصادق و الكاظم عليهماالسلام صاحب الرسالة المعروفة بتوحيد المفضل المروي عن الصادق عليه السلام.

[423] البغتات: أي الفجأة.

[424] المنحدر: مكان الانحدار أي الهبوط و النزول. الوعر: المكان الصلب و هو الذي مخيف الوحش.

[425] السمت: الطريق و المحجة. و أيضا هيئة أهل الخير و حسن المذهب و السيرة و الهيئة و الطريقة و استقامة المنظر.

[426] أي ليس هو وحده بل هو كثير.

[427] الخيرة: الاختيار.

[428] العدة: الاستعداد - بالضم - و بالفتح الجماعة.

[429] سورة التوبة: آية 77.

[430] سورة الأنفال: آية 71.

[431] في بعض النسخ بالشهرة.

[432] البلقاء: الذي كان في لونه سواد و بياض.

[433] سورة البقرة: آية 284.

[434] هو يحيي ابن أبي القاسم اسحاق الأسدي الكوفي المكني بأبي بصير و أبي محمد المتوفي سنة 150 امامي ثقة عدل من أصحاب الاجماع و من خواص الأصحاب الباقرين عليهماالسلام.

[435] التحلي: أي التزين به ظاهرا بدون يقين القلب.

[436] النية: الاقرار و الاخلاص بالقلب.

[437] الحشمة: الحياء. الانقباض: الغضب.

[438] خلوت: اعتزلت وحدك. العقيق: خرز أحمر.

[439] حرصا لما ناله و لما لا

يناله.

[440] أي منوطة بها.

[441] هو أبوعلي الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي الفنديني ولد بابيورد من بلاد خراسان و هو من أصحاب الصادق عليه السلام.

[442] السحت: المال الحرام و كل ما لا يحل كسبه.

[443] نكد العيش: اشتد و عسر. و الرجل: ضاق خلعه و ضد يسر و سهل فهو نكد - بسكون الكاف و فتحها و كسرها - أي شؤم عسر - و بالضم -: قليل الخير و العطاء.

[444] الايمان ذو مراتب.

[445] سورة النساء: آية 31.

[446] الفهم: السريع الفهم.

[447] أوطناه أي اتخذاه وطنا و اقاما.

[448] المذود: معتلف الدواب.

[449] السؤدد: الشرف و المجد.

[450] هو حاتم بن عبدالله الطائي كان جوادا يضرب به المثل في الجود و كان شجاعا شاعرا.

[451] أي لا يكون موضعه جيدا من جهة الحسب و النسب.

[452] سفيان الثوري.

[453] سورة يوسف: آية 55.

[454] سورة الأعراف: آية 68.

[455] محمد بن قيس من أصحاب الصادق عليه السلام مشترك بين محمد بن قيس البجلي الثقة صاحب كتاب قضايا أميرالمؤمنين عليه السلام و محمد بن قيس الأسدي من فقهاء الصادقين عليهماالسلام و محمد بن قيس أبي نصر الأسدي وجه من وجوه العرب بالكوفة.

[456] الخفتان: ضرب من الثياب.

[457] هو يحيي بن أبي القاسم الذي مر ترجمته آنفا.

[458] سورة الصافات: آية 100.

[459] سورة الصافات: آية 101.

[460] سورة الصافات: آية 112.

[461] السودد و السؤدد: الشرف و المجد.

[462] عسر الرجل: ضاق خلقه. النكد: قليل الخير و العطاء.

[463] هو مهزم بن أبي برزة الأسدي الكوفي من أصحاب الباقر و الصادق و الكاظم عليهم السلام.

[464] التمحيص: الاختبار و الامتحان. و فيهم التنزيل أي نزول البلية و العذاب. السنون: جمع سنة أي القحط و الجدب.

[465] الهرير: صوت الكلب دون نباحة من قلة صبره علي البرد.

[466] خفض العيش: دناءته.

[467] أرخي الستر:

أرسله و أسدله. و المراد بالستر الحياء و الخوف.

[468] و أخمله: جعله خاملا أي خفيا و مستورا.

[469] أي نبرها.

[470] هو الحسن بن راشد مولي بني العباس بغدادي كوفي من أصحاب الصادق عليه السلام و أدرك الكاظم عليه السلام.

[471] دقائق الأشياء: محقراتها. و العقار: الضيعة، المتاع، و كل ما له أصل و قرار. و العقار في الأحاديث كل ملك ثابت له أصل كالأرض و الضياع و النخل. و الرقيق: المملوك للذكر و الأنثي.

[472] أبوعلي يونس بن يعقوب بن قيس البجلي الكوفي من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام. ثقة معتمد عليه من أصحاب الأصول المدونة و من أعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الأحكام و الفتيا، مات في أيام الرضا عليه السلام بالمدينة و بعث اليه الرضا عليه السلام بحنوطه و كفنه و جميع ما يحتاج اليه.

[473] عبدالأعلي مولي آل سام من أصحاب الصادق عليه السلام و أنه أذن له بالكلام لأنه يقع و يطير و قد تضمن عدة أخبار أنه عليه السلام دعاه الي الأكل معه من طعامه المعتاد و من طعام أهدي له.

[474] الريشة: واحدة الريش و هو للطائر بمنزلة الشعر للغير. أبودلين: هو فضل بن دلين المكني بأبي نعيم كان من أكابر محدثي قدماء الاسلام.

[475] خير الصدقة ما كان عن ظهر غني أي ما كان عفوا قد فضل عن غني. و قيل: أراد ما فضل عن العيال و الظهر قد يزداد في مثل هذا اشباعا للكلام و تمكينا كان صدقته مستندة الي ظهر قوي من المال. اليد العليا: المعطية المتعففة: اليد السفلي: المانعة أو السائلة.

[476] فالمراد أن شرب اللبن بعد الفطام من امرأة أخري لم يحرم ذلك الرضاع. لأنه رضاع بعد فطام و لا وصال في

صيام: أي يحرم ذلك الصوم، و لا يتم بعد احتلام، أي لا يطلق اليتيم علي الصبي الذي فقد أباه اذا احتلم و بلغ، و لا صمت يوم الي الليل: أي ليس صومه صوما و لا يكون مشروعا فلا فضيله له. و لا تعرب بعد الهجرة: أي يحرم الالتحاق ببلاد الكفر.

[477] الغضارة: طيب العيش.

[478] حشيت أي ملأت، و الشجاع - بالكسر و الضم: الحية العظيمة التي تواثب الفارس. و الأرقم: الحية التي فيها سواد و بياض، و هو أخبث الحيات.

[479] فتحاموا: أي اجتنبوها و توقوها. و الشباك: جمع شبكة: شركة الصياد أي حبائل الصياد.

[480] الفترة: الضعف و الانكسار و المراد بها زمان ضعف الدين.

[481] آل عمران: آية 77.

[482] الحقير: القليل التافه من الشي ء.

[483] ناواه،: عاداه.

[484] الجري: سمك طويل أملس ليس عليه فصوص.

[485] يس: آية 20.

[486] طه: آية 82.

[487] البقرة: آية 213.

[488] رزية: مصيبة. أصله من رزأ أي أصاب منه شيئا و نقص.

[489] لا تشار: أي لا تخاصم.

[490] كلأ الله فلانا: أي حفظه و حرسه.

[491] منجدا: أي مزينا.

[492] سورة ص: آية 62.

[493] سورة ص: آية 63.

[494] سورة المطففين: الآيتان: 35 - 34.

[495] تحف العقول: ص 301.

[496] سورة النساء: آية 82.

[497] الهجر - بالضم -: الهذيان و القبيح من الكلام. و الدبر: من كل شي ء مؤخره و عقبه.

[498] سورة آل عمران: آية 28.

[499] رام الشي ء يروم روما: أراده.

[500] تراس القوم الخبر: تساروه. و ارتس الخبر في الناس: فشا و انتشر.

[501] سورة البقرة: آية 195.

[502] تحنن عليه: ترحم عليه.

[503] لا تباهينه: أي لا تفاخرنه.

[504] سورة الجن: آية 26.

[505] أي في الدرجة الرفيعة العالية.

[506] الوكر: عش الطائر أي بيته و موضعه.

[507] تهطل المطر: نزل متتابعا عظيم القطر.

[508] تحف العقول: ص 307.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.