العالم الفكري للامام جعفر الصادق عليه السلام

اشارة

المولف : جعفر المهاجر

الناشر : موسسه جهاني سبطين عليهما السلام

مقدمة الكتاب

الحمد لله الذي نور قلوب العارفين بذكره و قدس أرواحهم بسره و نزه أفئدتهم لفكره و شرح صدورهم بنوره و انطقهم بثنائه و شكره، و شغلهم بخدمته و وفقهم لطاعته، و استعبدهم بالعبادة، علي مشاهدته، و دعاهم الي رحمته و صلي الله علي محمد امام المتقين و قائد الموحدين و مونس المقربين و علي آله المنتجبين الابرار الأخيار و سلم تسليما كثيرا. أما بعد فهذا كتاب مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة من كلام الامام الحاذق و فياض الحقائق جعفر بن محمد الصادق، علي آبائه و عليه الصلوات و السلام، هو مبوب علي واحد و مائة باب.. [ صفحه 130]

مقدمة

دافع الصادق عن العقيدة من الشكاك و الزنادقة و المخالفين، مستخدما العقل و المنطق، مقارعا الحجاج باسلوب علمي مقنع. و كما نعلم فقد اسس مدرسة ثقافية متشعبة الفروع، ينشر دعوته الروحية بين طلابه مدافعا عن العقيدة و اصولها بكل ما اوتي من حجة و قوه، معتمدا علي استاده القرآن في كل قضية... و له مناظرات و احتجاجات مع الزنادقة و المخالفين تتعلق بالتوحيد و الوجود الالهي و الصفات الالهية، و اثبات حدوث العالم و غيرها من الآراء الكلامية، التي نراها واردة من دون تبويب بيد أنها جامعة لكل ما نوهت عنه. و قد تحدث بعض العلماء عن آراء الصادق الثقافية مما يدل علي اهمية نتاجه الفكري عبر التاريخ المتطور، أذكر منهم علي سبيل الحصر الذين خصوا الصادق و تحدثوا عن هذه الاحتجاجات التي بين ايدينا، و قد ذكرت بعضها لا ضعها في متناول طلاب الحقيقة، هذه الاحتجاجات و ان قربت أو بعدت تاريخيا فانها واحدة مجموعة هنا تشكل خلاصة آراء الصادق الاعتقادية في علم الكلام.

و قد خصها «الكليني» في كتابه: الاصول من الكافي، الجزء الأول في باب مفصل عرف بالتوحيد و يتناول آراء الصادق في حدوث العالم و اثبات المحدث. [ صفحه 336] و كذلك «ابن الحراني» في كتابه: تحف العقول، ذكر بعضا من آراء الصادق و التي تتعلق بتركيب الانسان و الطبيعة. كما ذكر بعضا من هذه الاحتجاجات «الطبرسي» صاحب كتاب: الاحتجاج الجزء الثاني في باب خاص يتعلق باحتجاج الصادق علي الزنادقة، و واضح من عنوانه... و كذلك «الصدوق» في كتابه التوحيد. ذكر بعض آراء الصادق الكلامية التي تتعلق بالصفات الالهية. و اخيرا «محمدباقر المجلسي» في كتابه بحارالانوار، الجزء العاشر، و قد خص الصادق بباب واسع يتعلق باحتجاجات الصادق علي الزنادقة و المخالفين و مناظراته معهم، تتضمن آراء الصادق في التوحيد و حدوث العالم و تركيب الانسان و اثبات الرسل و غيرها من الآراء الكلامية التي بحثها الصادق بالتفصيل. اليكم هذه الاحتجاجات المجموعة و المتعلقة بآراء الصادق الكلامية و التي تحمل هذا العنوان: «احتجاجات الصادق علي الزنادقة و المخالفين و مناظراته معهم». [ صفحه 337]

الافتتاح

مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة من كلام جعفر الصادق

مقدمة عامة

فلما كان كتاب: «مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة»، حاويا للطائف الحكمة: مشتملا علي حقائق و معارف صوفية يحتاجها العارفون في تفسير معاني السعادة و الزهد و الحياة و غيرها من المعاني الفلسفية، التي عايشها الصادق، و عد من أعمدة المتصوفية بسلوكه و فكره. فانه كتاب مساهم فيه الصادق بالتعريف الي الله جل جلاله و الاقبال عليه و بالدعوة الي العيش في حضرته. و بعد مطالعته و مقابلته و تصحيحه فما وجدت في هذا الكتاب أثرا في كتب المتقدمين و تأليفاتهم، حتي اني لم أر جملة من عباراته في الكتب المتداولة المطبوعة المؤلفة قبل القرن

السابع. و أول من أشار اليه و رواه هو السيد الأجل علي بن طاوس رضوان الله عليه، و لا غرو في ذلك فان السيد قد جمع عنده من الأصول و كتب السابقين ما لم يجمع عند أحد من العلماء. و دليل ذلك تأليفاته الموجودة. و اعتمد عليه كذلك الشهيد الثاني رضي الله عنه. و نقل أكثر أبوابه في تأليفاته: كالمسكن، و الأسرار و كشف الريبة... و منهم المحقق الرباني الفيض الكاشاني في جملة من تأليفاته، فانه نقل فيه من واحد و ثلاثين بابا من الكتاب مصدرا في جميعها بقوله: و في مصباح الشريعة قال الصادق... و منهم العلامة البحراني، المحقق النراقي، الفاضل المتبحر الشيخ ابراهيم الكفعمي، و منهم المجلسي. حيث ذكر الأخير هذا الكتاب من جملة مدارك بحاره... و كتاب مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة المنسوب الي مولانا الصادق. ثم ذكر كلام [ صفحه 128] السيد ابن طاوس في أمان الأخطار. و أول ما يظهر من كلمات سائر المحققين الذين سبق قولهم: هو أن هذا الكتاب منسوب الي الصادق. و ان سنده ينتهي الي الصوفية، و لذا اشتمل علي كثير من اصطلاحاتهم و علي الرواية عن مشايخهم، و من يعتمدون عليه في رواياتهم. و فيه ما يدعو الي تهذيب النفس و ثمرة الرياضة: من الغناء و البقاء و الوحدة و الوصول و مقامان و لم يسبقه أحد الي مثل هذه المعاني الصوفية. و الذي أراه حقا: أن هذا الكتاب قد جمع بعد القرن الثاني، و ألفه النحرير الفاضل الموحد العالم الرباني، في قبال مذاهب أخري. و أن مؤلفه أحد العلماء المحققين، و من أهل المعرفة و اليقين و من أعظم رؤساء الروحانيين و من أكابر

مشايخ المتألهين و من أصحابنا المتقدمين. و من خصوصيات هذه النسخة علي النسخ الأخريات بامتيازات منها: 1 - قد كتبت اختلافات النسخ المطبوعة و المخطوطة في أسفل كل باب مع ترقيمها. 2 - و قد أضفت الي الكتاب معاني اللغات المشكلة، و درج ما سقط من النسخة، و محو ما زيد... 3 - و قد أضفت فهرسا جامعا لجميع مطالع الكتاب و أسراره و جزئيات محتوياته. و يحتوي علي واحد و مئة باب في دقائق الآداب و الأخلاق، و لطائف الحكم و الحقائق. [ صفحه 129]

في البيان

قال الصادق: نجوي العارفين تدور علي ثلاثة أصول: الخوف و الرجاء و الحب. فالخوف فرع العلم و الرجاء فرع اليقين و الحب فرع المعرفة، فدليل الخوف الهرب و دليل الرجاء الطلب و دليل الحب ايثار المحبوب علي ما سواه. فاذا تحقق العلم في الصدر خاف، و اذا صح الخوف هرب و اذا هرب نجي، و اذا أشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل، و اذا تمكن من رؤية الفضل رجي، و اذا وجد حلاوة الرجا طلب، و اذا وفق للطلب وجد، و اذا [60] تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و استأنس في ظلال المحبوب، آثر المحبوب علي سواه و باشر أوامره و اجتنب نواهيه، و اختارهما علي كل شي ء غيرهما، و اذا استقام علي بساط الأنس بالمحبوب مع اداء أوامره و اجتناب نواهيه وصل الي روح المناجاة و القرب. و مثال هذه الأصول الثلاثة: كالحرم و المسجد و الكعبة. فمن دخل الحرم أمن من الخلق، و من دخل المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها في المعصية، و من دخل الكعبة أمن قلبه من أن يشغله بغير

ذكر الله تعالي. فانظر أيها المؤمن فان كانت حالتك حالة ترضاها لحلول الموت، فاشكر الله علي توفيقه و عصمته، و ان كانت أخري فانتقل عنها بصحيح العزيمة و اندم علي ما قد [ صفحه 132] سلف من عمرك في الغفلة، و استعن بالله علي تطهير الظاهر من الذنوب و تنظيف الباطن من العيوب، و اقطع رباط الغفلة عن قلبك و أطفي ء نار الشهوة من نفسك. [ صفحه 133]

في الأحكام

قال الصادق: اعراب القلوب علي أربعة أنواع: رفع و فتح و خفض و وقف فرفع القلب في ذكر الله، و فتح القلب في الرضا عن الله، و خفض القلب في الاشتغال بغير الله، و وقف القلب في الغفلة عن الله. ألا تري أن العبد اذا ذكر الله بالتعظيم خالصا ارتفع كل حجاب كان بينه و بين الله تعالي من قبل ذلك، و اذا انقاد القلب لمورد قضاء الله بشرط الرضا عنه كيف ينفتح بالسرور و الروح و الراحة، و اذا اشتغل قلبه في أبيات الدنيا كيف تجده اذا ذكر الله بعد ذلك و آياته منخفضا مظلما كبيت خراب خلو ليس فيه عمران و لا مؤنس، و اذا غفل عن ذكر الله تعالي كيف تراه بعد ذلك موقوفا محجوبا قد قدسي و أظلم منذ فارق نور التعظيم.. فعلامة الرفع ثلاثة أشياء: وجود الموافقة و فقد المخالفة و دوام الشوق. و علامة الفتح ثلاثة أشياء: التوكيل عليه و الصدق و اليقين... و علامة الخفض ثلاثة الأشياء: العجب و الرياء و الحرص... و علامة الوقف ثلاثة أشياء: العجب و الرياء و الحرص و زوال حلاوة الطاعة و عدم مرارة المعصية، و التباس علم الحلال و الحرام... [ صفحه 135]

في الرعاية

قال الصادق: من رعي قلبه عن الغفلة و نفسه عن الشهوة، و عقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتهمين. ثم من رعي علمه عن الهوي و دينه عن البدعة و ماله عن الحرام، فهو من جملة الصالحين. قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: طلب العلم فريضة علي كل مسلم و مسلمة و هو علم الأنفس، فيجب أن يكون نفس المؤمن علي حال فشكر أو عذر علي معني قبل ففضل و ان رد فعدل و تطالع الحركات في الطاعات بالتوفيق و تطالع السكون عن المعاصي بالعصمة، و قوام ذلك كله بالافتقار الي الله تعالي و الاضطرار اليه و الخشوع و الخضوع و مفتاحها الانابة الي الله تعالي مع قصر الأمل بدوام ذكر الموت، و عيان الوقوف بين يدي الجبار، لأن في ذلك راحة من الحبس و نجاة من العدو، و سلامة النفس و سبب الاخلاص في الطاعات التوفيق، و أصل ذلك أن يرد العمر الي يوم الواحد... قال رسول الله: الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، و باب ذلك كله ملازمة الخلوة بمداومة الفكر، و سبب الخلوة القناعة و ترك القصود من المعاش، و سبب الفكر الفراغ، و عماد الفراغ الزهد، و تمام الزهد التقوي، و باب التقوي الخشية، و دليل الخشية التعظيم لله و التمسك بخالص طاعته في أوامره و الخوف و الحذر مع الوقوف عن محارمه، و دليلها العلم. [ صفحه 136] قال عزوجل: «انما يخشي الله من عباده العلماء». [61] . [ صفحه 137]

في النية

قال الصادق: صاحب النية الصادقة صاحب القلم السليم، لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله في الأمور كلها.. قال الله تعالي: «يوم لا

ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم». [62] . و قال النبي: نية المؤمن خير من عمله... و قال: انما الأعمال بالنيات و لكل امري ء ما نوي. فلابد للعبد من خالص النية في كل حركة و سكون، لأنه اذا لم يكن بهذا المعني يكون غافلا و الغافلون قد وضعهم الله تعالي فقال: «أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا أولئك هم الغافلون». [63] . ثم النية من القلب علي قدر صفاء المعرفة و تختلف علي حسب اختلاف الأوقات في معني قوته و ضعفه.. و صاحب النية الخالصة نفسه و هواه معه مقهوران تحت سلطان تعظيم الله تعالي، و الحياء منه و هو من طبعه و شهوته و منبة نفسه منه في تعب و الناس منه في راحة. [ صفحه 139]

في الذكر

قال الصادق: من كان ذاكر الله علي الحقيقة فهو مطيع، و من كان غافلا فهو عاص. و الطاعة علامة الهداية، و المعصية علامة الضلالة و أصلهما من الذكر و الغفلة فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحركه الا باشارة القلب و موافقة العقل و رضي الايمان. فان الله تعالي عالم بسرك و جهرك و كن كالنازع روحه و كالواقف في العرض الأكبر غير شاغل نفسك عما عندك بما كلفك به ربك في أمره و نهيه و وعده و وعيده، و لا تشغلها بغير ما كلف به ربك، و اغسل قلبك، بماء الحزن [64] ، و اجعل ذكر الله تعالي من أجل ذكره تعالي اياك فانه ذكرك و هو غني عنك فذكره لك أجل و أشرف و أسني، و اتم من ذكرك له، و معرفتك بذكره لك تورثك الخضوع و الاستحياء و الانكسار،

و يتولد من ذلك رؤية كرمه و فضله السابق، و تصغر عند ذلك طاعتك، و ان كثرت في جنب منته و تخلص لوجهه. و رؤيتك ذكرك له تورثك الرؤيا و العجب و السفه و الغلظة في خلقه، و استكثار الطاعة و نسيان فضله و كرمه و لا تزداد بذلك من الله تعالي الا بعدا، و لا تستجلب به علي مضي الأيام الا وحشة. و الذكر ذكران: ذكر خالص بموافقة القلب، و ذكر صارف لك بنفي ذكر غيره. [ صفحه 140] كما قال رسول الله: أنا لا أحصي ثناء عليك أنت كما اثنيت علي نفسك، فرسول الله لم يجعل لذكر الله عزوجل مقدارا عند علمه بحقيقة سابقة ذكر الله عزوجل من قبل ذكره له و من دونه أولي، فمن أراد أن يذكر الله تعالي فليعلم أنه ما لم يذكر الله العبد بالتوفيق لذكره، لا يقدر العبد علي ذكره... [ صفحه 141]

في الشكر

قال الصادق: في كل نفس من أنفاسك شكر لازم لك بل الف أو أكثر، و أدني الشكر روية النعمة من الله تعالي، من غير علمه يتعلق القلب بها دون الله عزوجل و الرضا بما أعطي، و ان لا تعصيه بنعمته و تخالفه بشي ء من أمره و نهيه بسبب نعمته، فكن لله عبدا شاكرا علي كل حال [65] ، و لو كان عند الله تعالي عبادة تعبد بها عباده المخلصون، افضل من الشكر علي كل حال، لأطلق لفظة فيهم من جميع الخلق بها، فلما لم يكن أفضل منها خصها من بين العبادات، و خص أربابها فقال: و قليل من عبادي الشكور، و تمام الشكر الاعتراف بلسان السر خالصا لله عزوجل بالعجز عن بلوغ أدني شكره،

لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها و هي أعظم قدرا و اعز وجودا من النعمة التي من أجلها وفقت له، فيلزمك علي كل شكر أعظم منه الي ما لا نهاية له، مستغرقا في نعمه قاصرا عاجزا عن درك غاية شكره فأني يلحق العبد شكر نعمة الله و متي يلحق ضيق و العبد ضعيف لا قوة له أبدا الا بالله عزوجل.. والله غني عن طاعة العبد فهو قوي علي مزيد النعم علي الأبد، فكن لله عبدا شاكرا علي هذا الوجه تري العجب... [ صفحه 143]

في اللباس

قال الصادق: أزين اللباس للمؤمن لباس التقوي و العمه الايمان. قال الله تعالي: و لباس التقوي ذلك الخير. و أما اللباس الظاهر فنعمة من الله تعالي تستر بها عورات بني آدم و هي كرامة اكرم الله بها ذرية آدم، ما لم يكرم بها غيرهم و ما للمؤمنين اله لأداء ما افترض الله عليهم، و خير لباسك ما لا يشغلك عن الله عزوجل، بل يقربك من شكره و ذكره و طاعته، و لا يحملك علي العجب و الرياء و التزيين و التفاخر و الخيلاء فانها من آفات الدين و مورثة القسوة في القلب... فاذا لبست ثوبك فاذكر الله عليك ذنوبك برحمته، و البس باطنك [66] ، كما لبست ظاهرك بثوبك و لكن باطنك من الصدق في ستر الهيبة، و ظاهرك في ستر الطاعة، و اعتبر بفضل الله عزوجل حيث خلق أسباب اللباس لتستر العورات الظاهرة، و فتح أبواب التوبة و الانابة و الاغاثة، لتستر بها العورات الباطنة من الذنوب و اخلاق السوء، و لا تفضح أحدا حيث ستر الله عليك، ما أعظم منه. و اشتغل بعيب نفسك و اصفح عما

لا يعنيك حاله و أمره، و احذر أن يفني عمرك بعمل غيرك، و يتجر برأس مالك غيرك و تهلك نفسك، فان نسيان الذنوب من أعظم عقوبة الله في العاجل، و أوفر أسباب العقوبة في الآجل... [ صفحه 144] و ما دام العبد مشتغلا بطاعة الله تعالي، و معرفة عيوب نفسه، و ترك ما يشين في دين الله عزوجل، فهو بمعزل عن الآفات غائص في بحر رحمة الله عزوجل، يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة و البيان، و ما دام ناسيا لذنوبه جاهلا لعيوبه، راجعا الي حوله و قوته لا يفلح اذا أبدا... [ صفحه 145]

في السواك

قال الصادق: قال رسول الله: السواك مطهرة للفم مرضات للرب. و جعلها من السنن المؤكدة، و فيها منافع للظاهر و الباطن ما لا يحصي لمن عقل. فكما تزيل التلوث من أسنانك، من مأكلك و مطعمك بالسواك، كذلك فأزل نجاسة ذنوبك بالتضرع و الخشوع و الاستغفار بالاسحار، و طهر ظاهرك من النجاسات و باطنك من كدورات المخالفات و ركوب المناهي كلها خالصا لله، فانيا في الله تعالي، فان النبي صلي الله عليه و سلم أراد باستعمالها مثلا لأهل التنبة و اليقظة. و ان السواك نبات لطيف نظيف و غصن شجر عذب مبارك. و الأسنان خلق خلقه الله تعالي في الفم آلة لأكل و أداة للمضغ، و سببا لاشتهاء الطعام و اصلاح المعدة، و هي جوهرة صافية تتلوث بصحبة تمضيغ الطعام و تتغير بها رائحة الفم، و يتولد منها الفساد في الدماغ، فاذا استاك المؤمن الفطن بالنبات اللطيف و مسحها علي الجوهرة الصافية أزال عنها الفساد و التغير، و عادت الي أصلها، كذلك خلق الله القلب طاهرا صافيا و جعل غذاءه الذكر

و الفكر و الهيبة و التعظيم، و اذا شيب القلب الصافي بتغذيته بالغفلة و الكدر فاصلقه بمصقلة التوبة، و نظفه بماء الانابة ليعود منه الثوب علي حالته الأولي و جوهرته الأصلية. قال الله تعالي: «ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين». [67] . [ صفحه 146] و قال النبي: عليكم بالسواك، فان النبي أمر بالسواك في ظاهر الأسنان و أراد هذا المعني أو المثل. و من أتاح تفكره علي باب عتبة العبرة في استخراج مثل هذه الامثال في الأصل و الفرع، فتح الله له عيون الحكمة و المزيد من فضله. والله لا يضيع أجر المحسنين. [ صفحه 147]

في التبرز

قال الصادق: انما سمي المستراح مستراحا لاستراحة الأنفس من أثقال النجاسات و استفراغ الكثافات، و القذر فيها. و المؤمن يعتبر عندها أن الخالص من حطام الدنيا كذلك يصير عاقبته، فيستريح بالعدول عنها و تركها، و يفرغ نفسه و قلبه من شغلها و يستنكف عن جمعها و أخذها استنكافه عن النجاسة و الغائط و القذر. و يتفكر في نفسه المكرمة في حال كيف تصير ذليلة في حال أخري، و يعلم أن التمسك بالقناعة و التقوي يورث له راحة الدارين، فان الراحة في الدنيا، و الفراغ من التمتع بها، و في ازالة النجاسة من الحرام و الشبهة، فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته اياها، و يفر من الذنوب و يفتح باب التواضع و الندم و الحياء، و يجتهد في أداء أوامره و اجتناب نواهيه طلبا لحسن المتاب و طيب الزلفي، و يسجن نفسه في سجن الخوف و الصبر و الكف عن الشهوات الي أن يتصل بأمان الله تعالي في دار القرار، و يذوق طعم رضاه، فان المعول

ذلك و ما عداه فلا شي ء... [ صفحه 149]

في الطهارة

قال الصادق: اذا أردت الطهارة و الوضوء فتقدم الي الماء تقدمك الي رحمة اله، فان الله تعالي قد جعل الماء مفتاح قربته و مناجاته و دليلا الي بساط خدمته. و كما أن رحمة الله تطهر ذنوب العباد، كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير. قال الله تعالي: «و جعلنا من الماء كل شي ء حي أفلا يؤمنون». [68] . فكما أحيا كل شي ء من نعيم الدنيا بالماء كذلك برحمته و فضله جعل حياة القلوب بالطاعات. و تفكر في صفاء الماء و رقته و طهره و بركته و لطيف امتزاجه بكل شي ء و استعمله في تطهير الأعضاء التي أمرك الله بتطهيرها و تعبدك بأدائها في فرائضه و سننه، فان تحت كل واحدة منها فوايد كثيرة، فاذا استعملتها بالحرمة انفجرت لك عيون فوايده عن قريب ثم عاشر خلق الله تعالي كامتزاج الماء بالأشياء يؤدي كل شي حقه، و لا يتغير غير معناه معتبرا لقول الرسول صلي الله عليه و سلم: مثل المؤمن المخلص كمثل الماء و لتكن صفوتك مع الله تعالي في جميع طاعتك كصفوة الماء حين انزله من السماء طهورا، و طهر قلبك بالتقوي عند طهارة جوارحك بالماء... [ صفحه 151]

في الخروج من المنزل

قال الصادق: اذا خرجت من منزلك فاخرج خرج من لا يعود، و لا يكن خروجك الا لطاعة و سبب من أسباب الدين، و الزم السكينة و الوقار و اذكر الله سرا و جهرا. سأل بعض أصحاب أبي ذر أهل داره عنه: فقالت: خرج. فقال: متي يرجع. فقالت متي يرجع من روحه بيد غيره و لا يملك لنفسه شيئا و اعتبر بخلق الله برهم و فاجرهم أينما مضيت، فأسال الله تعالي أن يجعلك من خلص عباده الصادقين

و يلحقك بالماضين منهم و يحشرك في زمرتهم، و احمده و اشكره عي ما جنبك من الشهوات، و عصمك من قبيح اعمال المجرمين و غض بصرك من الشهوات و مواضع النهي، و اقصد في مشيك و راقب الله في كل خطوة كأنك علي الصراط جايز، و لا تكن لفاتا، و افش السلم لأهله مبتدئا و مجيبا و أعن من استعان بك في حق، و ارشد الضال، و اعرض عن الجاهلين، فاذ دخلت منزلك فادخل دخول الميت في القبر حيث ليس له همة الا رحمة الله تعالي و عفوه. [ صفحه 153]

في دخول المسجد

قال الصادق: اذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قد قصدت باب ملك عظيم لا يطأ بساطه الا المطهرون، و لا يؤذن لمجالسته الا الصديقون، فهب القدوم الي بساط [69] هيبة الملك، فانك علي خطر عظيم. ان غفلت فاعلم أنه قادر علي ما يشاء من العدل و الفضل معك و بك، فان عطف عليك برحمته و فضله قبل منك يسير الطاعة و أجزل لك عليها ثوابا كثيرا، و ان طالبك باستحقاق الصدق و الاخلاص عدلا بك حجبك و رد طاعتك، و ان كثرت و هو فعال لما يريد، و اعترف بعجزك و تقصيرك و انكسارك و فقرك بين يديه، فانك قد توجهت للعبادة له و الموانسة به، و اعرض أسرارك عليه و ليعلم أنه لا يخفي عليه أسرار الخلايق أجمعين و علانيتهم و كن كأفقر الخلق بين يديه و اخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك، فانه لا يقبل الا الأطهر و الأخلص، يخرج اسمك فان ذقت حلاوة مناجاته و لذيذ مخاطباته و شربت بكأس رحمته و كراماته من حسن اقباله عليك واجباته،

فقد صلحت لخدمته، فادخل فلك الاذن و الامان، و الا فقف وقوف من قد انقطع عنه الحبل و قصر عنه الأمل و قضي عليه الأجل فان علم الله عزوجل من قلبك صدق الالتجاء اليه، نظر اليك بعين الرأفة و الرحمة و اللطف، و وفقك لما يحب و يرضي، فانه كريم يحب الكرامة لعباده المضطرين اليه المحدقين علي بابه لطلب مرضاته. قال تعالي: «أمن يجيب المضطر اذا دعاه». [70] . [ صفحه 155]

في افتتاح الصلاة

قال الصادق: اذا استقبلت القبلة فآيس من الدنيا و ما فيها، و الخلق و ما هم فيه، و فرغ قلبك من كل شاغل يشغلك عن الله تعالي، و عاين بسرك عظمة الله عزوجل، و اذكر وقوفك بين يديه. قال الله تعالي: هنالك تبلو كل نفس ما اسلفت و ردوا الي الله مولاهم الحق، وقف علي قدم الخوف و الرجاء، فاذا كبرت فاستصغر ما بين السموات العلي و الثري دون كبرياء فان الله تعالي اذا اطلع علي قلب العبد و هو يكبر و في قلبه عارض عن حقيقة تكبيره. فقال: يا كذاب أتخدعني و عزتي و جلالي لأحرمنك حلاوة ذكري و لأحجبنك عن قربي، و المسرة بمناجاتي، و اعلم أنه غير محتاج الي خدمتك، و غني عنك و عن عبادتك و دعائك. و انما دعاك بفضله ليرحمك و يبعدك عن عقوبته، و يكثر عليك من بركات حنانيته، و يهديك الي سبيل رضاه و يفتح عليك باب مغفرته، فلو خلق الله عزوجل علي ضعف ما خلق من العوالم أضعافا مضاعفة علي سرمد الأبد، لكان عند الله، سواء كفروا باجمعهم به أو وحدوه، فليس له من عبادة الخلق الا اظهار الكرم و القدرة، فاجعل الحياء

رداء و العجز ازارا، و ادخل تحت سرير سلطان الله تعالي فتغتنم فوايد ربوبيته مستعينا مستغيثا اليه. [ صفحه 157]

في قراءة القرآن

قال الصادق: من قرأ القرآن و لم يخضع لله و لم يرق قلبه و لا يتسم حزنا و وجلا في سره، فقد استهان بعظم شأن الله تعالي و خسر خسرانا مبينا. فقاري ء القرآن يحتاج الي ثلاثة أشياء: قلب خاشع، و بدن فارغ و موضع خال. فاذا خشع لله قلبه فر منه الشيطان الرجيم. قال الله تعالي: «فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم». فاذا تفرغت نفسه من الأسباب تجرد قلبه للقراءة و لا يعترضه عارض فيحرمه بركة نور القرآن و فوائده. فاذا اتخذ مجلسا خاليا و اعتزل عن الخلق بعد أن أتي بالخصلتين خضوع القلب و فراغ البدن، استأنس روحه و سره بالله عزوجل و وجد حلاوة مخاطبات الله عزوجل عباده الصالحين، و علم لطفه بهم و مقام اختصاصاتهم بفنون كراماته و بدايع اشاراته. فمن يشرب كأسا من هذا المشرب لا يختار علي تلك الحال حالا. و علي ذلك الوقت وقتا بل يؤثره علي كل طاعة و عباده، لأن فيه المناجات مع الرب بلاواسطة، فانظر كيف تقرأ كتاب ربك و منشور ولايتك و كيف تجيب أوامره و تجتنب نواهيه و كيف تمتثل حدوده فانه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فرتله ترتيلا وقف عند وعده و وعيده. و تفكر في أمثاله و مواعظه، و احذر أن تقع من اقامتك حروفه في اضاعة حدوده. [ صفحه 159]

في الركوع

قال الصادق: لا يركع عبد لله تعالي ركوعا علي الحقيقة الا زينه الله بنور بهائه، و أظله في ظلال كبريائه و كساه كسوة. و الركوع أول، و لاسجود ثان، فمن أتي بمعني الأول صلح للثاني و في

الركوع أدب، وفي السجود قرب. و من لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب، فاركع ركوع [71] خاضع لله عزوجل بقلبه، متذلل و جل تحت سلطانه خافض الله بجوارحه خفض خائف حزين علي ما يفوته من فوايد الراكعين. و حكي أن ربيع بن خيثم كان يسهر بالليل الي الفجر في ركوع واحد فاذا أصبح يزفر و قال: أوه سبق المخلصون و قطع بنا و استوف ركوعك باستواء ظهرك و انحط عن همتك في القيام بخدمته الا بعونه، و فر بالقلب من وسوسة الشيطان و خدائعه و مكائده. فان الله تعالي يرفع عباده بقدر تواضعهم له و يهديهم الي أصول التواضع و الخضوع و الخشوع بقدر اطلاع عظمته علي سرائرهم. [ صفحه 161]

في السجود

قال الصادق: ما خسر الله تعالي قط من أتي بحقيقة السجود و لو كان في عمره مرة واحدة، و ما أفلح من خلا بربه في مثل تلك الحال شبيها بمخادع نفسه غافل عما أعد الله تعالي للساجدين من البشر العاجل و راحة الآجل. و لا بعد عن الله تعالي أبدا من أحسن تقربه في السجود و لا قرب اليه ابدا من أساء أدبه وضيع حرمته بتعليق قلبه بسواه في حال السجود فاسجد سجود متواضع لله عالم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق و انه ركب من نطفة يستقذرها كل أحد، و كون و لم يكن قد جعل الله معني السجود سبب التقرب اليه بالقلب و السر و الروح. فمن قرب منه بعد عن غيره، الا تري في الظاهر أنه لا يستوي حال السجود الا بالتواري من جميع الأشياء و الاحتجاب عن كل ما تراه العيون. كذلك أراد الله تعالي أمر الباطن، فمن كان

قلبه متعلقا في صلواته بشي ء دون الله تعالي فهو قريب من ذلك الشي ء بعيد عن حقيقة ما أراد الله تعالي منه في صلواته. قال الله تعالي: «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه». [72] . و قال رسول الله: قال الله عزوجل ما أطلع علي قلب عبد فأعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي و ابتغاء مرضاتي الا توليت تقويمه و سياسته و تقربت منه، [ صفحه 162] و من اشتغل في صلواته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه اسمه مكتوب في ديوان الخاسرين. [ صفحه 163]

في التشهد

قال الصادق: التشهد ثناء علي الله، فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل كما أنك عبد له بالقول و الدعوي. وصل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فانه خلقك عبدا و أمرك أن تعبده بقلبك و لسانك و جوارحك. و أن تحقق عبوديتك له بربوبيته لك، و تعلم أن نواصي الخلق بيده، فليس لهم نفس و لا لحظة الا بقدرته و مشيئته، و هم عاجزون عن اتيان أقل شي ء في مملكته الا باذنه و ارادته. قال الله تعالي: «و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم سبحان الله تعالي عما يشركون». [73] . فكن لله عبدا [74] ذاكرا بالقول و الدعوي، و حل صدق لسانك بصفاء سرك، فانه خلقك عبدا فعز و جل أن تكون ارادة و مشيئة لأحد الا بسابق ارادته و مشيئته، فاستعمل العبودية في الرضا بحكمته، و بالعبارة في أداء أوامره، و قد أمرك بالصلاة علي حبيبه النبي محمد صلي الله عليه و سلم، فأوصل صلواته بصلواته، و طاعته بطاعته و شهاداته بشهاداته، و انظر ألا [75] يفوتك بركات

معرفة حرمته فترحم عن فائدة صلواته و أمره بالاستغفار لك و الشفاعة فيك، أن أتيت بالواجب في الأمر و النهي و السنن و الآداب، تعلم جليل مرتبته عند الله عزوجل. [ صفحه 165]

في السلم

قال الصادق: معني التسليم في دبر كل صلاة معني الأمان أي من أتي بأمر الله تعالي و سنة نبيه خاضعا له، خاشعا فيه، فله الأمان من بلاء الدنيا و البراءة من عذاب الآخرة. و السلم اسم من اسماء الله تعالي أودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات، و الأمانات و الالصاقات [76] و تصديق مصاحبتهم و مجالستهم فيما بينهم و صحة معاشرتهم، فان أردت أن تضع السلام موضعه و تؤدي معناه، فاتق الله تعالي و ليسلم منك دينك و قلبك و عقلك، لا تدنسها بظلم المعاصي و السلم منك حفظتك، لا تردهم و لا تملهم و توحشهم منك بسوء معاملتك معهم، ثم مع صديقك ثم مع عدوك، فان من لم يسلم منه من هو أقرب اليه، فالأبعد أولي، و من لا يضع السلم مواضعه هذه، فلا سلم و لا تسليم، و كان كاذبا في سلامه، و ان أفشاه في الخلق. و اعلم أن الخلق بين فتن و محن في الدنيا. اما مبتلي بالنعمة ليظهر شكره، و اما مبتلي بالشدة ليظهر صبره و الكرامة في طاعته و الهوان في معصيته. و لا سبيل الي رضوانه و رحمته الا بفضله، و لا وسيلة الي طاعته الا بتوفيقه، و لا شفيع اليه الا باذنه و رحمته. [ صفحه 167]

في الدعاء

قال الصادق: احفظ أدب الدعاء و انظر من تدعو كيف تدعوكم تدعو و لما تدعو، و حقق عظمة الله و كبرياءه و عاين بقلبك، علمه بما في ضميرك و اطلاعه علي سرك، و ما تكون فيه من الحق و الباطل. و اعرف طرق نجاتك و هلاكك كيلا تدعو الله بشي ء عسي فيه هلاكك أنت تظن أن فيه نجاتك. قال

الله تعالي: «و يدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير و كان الانسان عجولا». [77] . و تفكر ماذا تسأل و كم تسأل و لماذا تسأل؟ و الدعاء استجابة الكل منك للحق و تذويب المهجة في مشاهدة الرب و ترك الاختيار جميعا و تسليم الأمور كلها ظاهرا و باطنا الي الله تعالي. فان لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الاجابة، فانه يعلم السر و أخفي، فلعلك تدعو بشي ء قد علم من سرك خلاف ذلك قال بعض الصحابة لبعضهم. انتم تنتظرون المطر بالدعاء، و أنا انتظر الحجر و اعلم أنه لو لم يكن الله أمرنا بالدعاء لكان اذا أخلصنا الدعاء تفضل علينا بالاجابة فكيف و قد ضمن ذلك لمن أتي بشرائط الدعاء. و سئل رسول الله عن اسم الله الأعظم فقال: كل اسم من اسماء الله اعظم، ففرغ قلبك عن كل ما سواه و ادعه بأي اسم شئت، فليس في الحقيقة لله اسم دون اسم، بل الله الواحد القهار. [ صفحه 168] قال النبي: ان الله لا يستجيب الدعاء من قلب لاه: قال الصادق: اذا اراد أحدكم أن لا يسأل ربه الا أعطاه فلييأس من الناس كلهم. و لا يكن رجاؤه الا من عندالله عزوجل. فاذا علم الله تعالي ذلك من قلبه لم يسأله شيئا الا أعطاه. فاذا أثبت مما ذكر لك من شرائط الدعاء و اخلصت سرك لوجهه فابشر باحدي ثلاث، اما أن يعجل لك فلتسأل، و اما أن يدخر لك ما هو أفضل منه، و اما أن يسرف عنك من البلاء قالوا رسله: عليك لهلكت. قال النبي، قال الله تعالي: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي للسائلين. قال الصادق: لقد دعوت الله مرة

فاستجاب لي، و نسيت الحاجة لأن استجابته باقباله علي عبد عند دعوته أعظم و أجل مما يريد منه العبد و لو كانت الجنة و نعيمها الأبدي و ليس يعقل ذلك الا العاملون المحبون العارفون: صفوة الله و خواصه. [ صفحه 169]

في الصوم

قال الصادق: قال النبي: الصوم جنة من آفات الدنيا و حجاب من عذاب الآخرة. فاذا صمت فان بصومك كف النفس عن الشهوات و قطع الهمة عن خطوات الشياطين و انزل نفسك منزلة المرضي لا تشتهي طعاما و لا شرابا. و توقع في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب، و طهر باطنك من كل كذب و غفلة و ظلمة، يقطعك عن معني الاخلاص لوجه الله. قيل لبعضهم انك ضعيف، و ان الصيام يضعفك. قال: اني أعدة بصوم يوم طويل. و الصبر علي طاعة الله تعالي أهون من الصبر علي عذابه. و قال رسول الله، قال الله تعالي: الصوم لي و أنا أجزي به، و الصوم يميت مراد النفس و شهوة الطبع، و فيه صفاء القلب و طهارة الجوارح و عمارة الظاهر و الباطن، و الشكر علي النعم و الاحسان الي الفقراء و زيادة التضرع و الخشوع و البكاء و جل الالتجاء الي الله و سبب انكسار الهمة و تخفيف السيئات و تضعيف الحسنات، و فيه من الفوايد ما لا يحصي. و كفي بما ذكرناه منه لمن عقله و وفق لاستعماله. [ صفحه 171]

في الزكاة

قال الصادق: علي كل جزء من اجزائك زكاة واجبة لله تعالي بل علي كل منبت شعر من شعرك، بل علي كل لحظة [78] زكاة. فزكاة العين النظرة بالعبرة و الغض عن الشهوات و ما يضاهيها و زكاة الأذن [79] ، العلم و الحكمة و القرآن و فوايد الدين من الموعظة و النصيحة و ما فيه نجاتك و بالاعراض عما هو ضده من الكذب و الغيبة و أشباههما. و زكاة اللسان النصح للمسلمين و التيقظ للغافلين و كثرة التسبيح و الذكر و غيرها.

و زكاة اليد البذل و العطاء و السخاء بما أنعم الله عليك به و تحريكها بكتابة العلم و منافع ينتفع بها المسلمون في طاعة الله تعالي و القبض عن الشر. و زكاة الرجل السعي في حقوق الله تعالي من زيارة الصالحين و مجالس الذكر و اصلاح الناس، و صلة الأرحام، و الجهاد و ما فيه صلاح قلبك و سلامة دينك. هذا مما تتحمل القلوب فهمه و النفوس استعماله و ما لا يشرف عليه الا عباده المخلصون و المقربون أكثر من أن تحصي أربابه و هو شعارهم دون غيرهم. [ صفحه 173]

في الحج

قال الصادق: اذا أردت الحج فجرد قبك لله عزوجل من قبل عزمك من كل شي ء شاغل. و حجب كل حاجب. و فوض أمورك كلها الي خالقك، و توكل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك و سكونك. و سلم لقضائه و حكمه و قدره. و ودع الدنيا و الراحة و الخلق، و اخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين، و لا تعتمد علي زادك و راحلتك و اصحابك و قوتك و شبابك و مالك، مخافة ان تصير لك أعداء و وبالا. ليعلم أنه ليس له قوة و لا حيلة، و لا لأحد الا بعصمة الله تعالي و توفيقه. و استعد استعداد من لا يرجو الرجوع، و أحسن الصحبة، و راع أوقات فرائض الله تعالي و سنن نبيه، و ما يجب عليك من الأدب، و الاحتمال و الصبر و الشكر و الشفقة و السخاء و ايثار الزاد علي دوام الأوقات ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة من الذنوب و البس كسوة الصدق و الصفاء و الخضوع و الخشوع، و احرم عن كل شي ء يمنعك عن

ذكر الله عزوجل و يحجبك عن طاعته. و لب بمعني اجابة صافية خالصة زاكية لله عزوجل في دعوتك لتمسكك بالعروة الوثقي، و طف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت، و هرول هرولة فرا من هواك و تبرؤا من جميع حولك و قوتك، و اخرج من غفلتك و زلاتك ببدنك بخروجك الي مني، و لا تتمن ما لا يحل [ صفحه 174] لك و لا تستحقه. و اعترف باخطأ بالعرفان و جدد عهدك عند الله تعالي بوحدانيته و تقرب اليه و اتقه بمزدلفة، و اصعد بروحك الي الملاء الأعلي، بصعودك الي الجبل، و اذبح الهوي و الطمع عند الذبيحة، و ارم الشهوات و الخساسة و الدناءة و افعال الذميمة عند رمي الجمرات، و احلق العيوب الظاهرة و الباطنة. بحلق شعرك و ادخل في أمان الله تعالي و كنفه و ستره و كلائه من متابعة مرادك بدخول الحرم، و زر البيت متحققا لتعظيم صاحبه و معرفته و جلاله و سلطانه و استلم الحجر رضا بقسمته و خضوعا لعظمته، و ودع ما سواه بطوف الوداع وصف روحك و سرك للقاء الله تعالي يوم تلقاه بوقوفك علي الصفا، و كن ذا مروة من الله بغناء أوصافك عند المروة، و استقم علي شروط حجتك وفاء عهدك الذي عاهدت ربك و اوجبته له الي يوم القيامة. و اعلم بأن الله لم يفترض الحج و لم يخصه من جيمع الطاعات بالاضافة الي نفسه بقوله تعالي: «و لله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. [80] و لا شرع نبيه في خلال المناسك علي ترتيب ما شرعه الا للاستعداد الي الموت و القبر و البعث و القيامة

و فضل بيان السبق من دخول الجنة أهلها و دخول النار أهلها بمشاهدة مناسك الحج من أولها الي آخرها، لأولي الألباب و أولي النهي. [ صفحه 175]

في السلامة

قال الصادق: اطلب السلامة اينما كنت و في أي حال كنت لدينك و قلبك و عواقب أمورك من الله عزوجل، فليس من طلبها وجدها. فكيف من تعرض للبلاء و سلك مسالك ضد السلامة، و خالف أصولها بل رأي السلامة تلفا. و التلف سلامة و السلامة قد عزلت من الخلق في كل عصر خاصة في هذا الزمان، و سبيل وجودها في احتماك جفاء الخلائق و أذيتهم و الصبر عند الرزايا و خفة المؤن و الفرار من الأشياء التي تلزمك رعايتها و القناعة بالأقل من الميسور، فان لم تكن [81] فالعزلة فان لم تقدر فالصمت و ليكثر العزلة، فان لم تستطع فالكلام بما ينفعك و لا يضرك، و ليس كالصمت فان لم تجد السبيل اليه فالانقلاب في الأسفار [82] من بلد الي بلد و طرح النفس في براري التلف بسر صاف و قلب خاشع و بدن صابر. قال الله تعالي: «ان الذين توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم. قالوا: كنا مستضعفين في الأرض قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها». [83] و انتهز مغنم عباد الله الصالحين و لا تنافس الأشكال و لا تنازع الأضداد. و من قال لك أنا فعلت فقل أنت فعلت [ صفحه 176] و لا تدع شيئا و ان احاط به علمك و تحققت به معرفتك و لا تكشف سرك الا لمن هو أشرف منك في الدين، فان فعلت ذلك اصبت السلامة و بقيت مع الله عزوجل بلاعلاقة. [ صفحه 177]

في العزلة

قال الصادق: صاحب العزلة متحصن بحصن الله تعالي، و متحرس بحراسته. فيا طوبي لمن تفرد سرا و علانية و هو يحتاج الي عشرة خصال. علم الحق و الباطل، و

تجب الفقر، و اختياره الشدة و الزهد، و اغتنام الخلوة و النظر في العواقب و رؤية التقصير في العبادة مع بذل الجهود و ترك العجب و كثرة الذكر بلاغفلة، فان الغفلة مصطاد الشيطان و رأس كل بلية و سبب كل حجاب، و خلوة البيت عما لا يحتاج اليه في الوقت. قال عيسي بن مريم عليهماالسلام: خذ من لسانك لعمارة قلبك و ليسعك بيتك، و احذر من الربا و فضول معاشك و استحي من ربك، وابك علي خطيئتك و فر من الناس فرارك من الأسد و الافعي، فانهم كانوا دواء فصاروا اليوم داء. ثم ألف الله متي شئت. قال ربيع بن خيثم: ان استطعت أن تكون اليوم في موضع لا تعرف و لا تعرف فافعل. و في العزلة صيانة الجوارح و فراغ القلب و سلامة العيش و كسر سلاح الشيطان و المجانبة من كل سوء و راحة القلب، و ما من نبي و لا وصي الا و اختار العزلة في زمانه، اما في ابتدائه اما في انتهائه. [ صفحه 179]

في العبادة

قال الصادق: دوام علي تخليص المفروضات و السنن، فانهما الأصل فمن أصابهما و أداهما بحقهما فقد أصاب الكل. و ان خير العبادة أقربها معا بالأمر، و اخلصها من الآفات و ان قل فان سلم لك فرضك و سنتك فأنت عابد، و احذر أن تطأ بساط ملكك الا بالذل و الافتقار و الخشية و التعظيم. و اخلص حركاتك من الرياء و سرك من القساوة. فان النبي صلي الله عليه و سلم قال: المصلي مناج ربه فاستحي من المطلع علي سرك، و العالم بنجواك و ما يخفي ضميرك، و كن بحيث يراك لما أراد منك و دعاك

اليه. فكان السلف لا يزالون يشتغلون من وقت الفرض الي وقت الفرض في اصلاح الفرضين جميعا، في اخلاص حتي يأتوا بالفرضين جميعا، و أري الدولة في هذا الزمان للفضائل علي ترك الفرايض، و كيف يكون جسد بلاروح قال، علي بن الحسين. عجبت لطالب فضيلة و تارك فريضة و ليس ذلك الا لحرمان معرفة الأمر و تعظيمه و ترك رؤية مشيئتة بما أهلهم لأمره و اختارهم له. [ صفحه 181]

في التفكر

قال الصادق: اعتبر بما مضي من الدنيا هل أحد فيها باق من الشريف و الوضيع و الغني و الفقير و العدو [84] ، فكذلك ما لم يأت منها بما مضي اشبه من الماء و بالماء. قال رسول الله: كفي بالموت واعظا. و بالعقل دليلا. و بالتقوي زادا، و بالعبادة شغلا، و بالله مؤنسا، و بالقرآن بيانا. و قال رسول الله: لم يبق من الدنيا الا بلاء و فتنة، و ما نجا من نجا الا بصدق الالتجاء. و قال نوح: وجدت الدنيا كبيت له بابان، دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر. هذا حال من نجي الله فكيف حال من اطمأن فيها و ركن اليها و ضيع عمره في عمارتها، و مزق دينه في طلبها. و الفكر مرآة الحسنات، و كفارة السيئات، و ضياء القلب و فسحة للخلق و اصابة في اصلاح المعاد و اطلاع علي العواقب و استزادة في العلم، و هي خصلة لا يعبد الله بمثلها. قال رسول الله: فكر ساعة خير من عبادة سنة، و لا ينال منزلة التفكر الا من خصة الله تعالي بنور المعرفة و التوحيد. [ صفحه 183]

في الصمت

قال الصادق: الصمت شعار المحققين بحقائق ما سبق و جف القلم به. و هو مفتاح كل راحه من الدنيا و الآخرة و فيه رضي الله و تخفيف الحساب و الصون من الخطايا و الزلل. و قد جعله الله سترا علي الجاهل و زينا للعالم، و معه عزل الهوي و رياضة النفس و حلاوة العبادة و زوال قسوة القلب و العفاف و المروة و الظرف. فاغلق باب لسانك عما لك منه بد لاسيما اذا لم تجد أهلا للكلام و المساعد في المذاكرة

لله و في الله. و كان ربيع بن خيثم يضع قرطاسا بين يديه، فيكتب كل ما يتكلم به ثم يحاسب نفسه في عشيته ما له و ما عليه و يقول: آه آه نجا الصامتون و بقينا. و كان بعض أصحاب الرسول يضع الحصاة في فمه، فاذا أراد أن يتكلم بما علم أنه لله و في الله و لوجه الله أخرجها من فمه. و ان كثيرا من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتنفسون تنفس الفرقاء و يتكلمون شبيه المرضي. و انما سبب هلاك الخلق و نجاتهم الكلام و الصمت. فطوبي لمن رزق معرفة عيب الكلام و صوابه و علم الصمت و فوايده. فان ذلك من اخلاق الأنبياء و شعار الأصفياء. و من علم قدر الكلام أحسن صحبة الصمت. و من أشرف علي ما في لطائف الصمت و ائتمنه علي خزائنه كان كلامه و صمته كله عبادة. و لا يطلع علي عبادته هذه الا الملك الجبار. [ صفحه 185]

في الراحة

قال الصادق: لا راحة لمؤمن علي الحقيقة الا عند لقاء الله تعالي. و ما سوي ذلك ففي أربعة أشياء: صمت تعرف به حال قلبك و نفسك فيما يكون بينك و بين بارئك، و خلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهرا و باطنا، و جوع تميت به الشهوات و الوسواس، و سهر تنور به قلبك و تصفي به طبعك و تزكي به روحك. قال النبي: من أصبح في سربه آمنا و في بدنه معافي و عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. و قال وهب بن منبه في كتب الأولين مكتوب: يا قناعة العز و الغني فاز من فاز بك. و قال أبوالدرداء رضي الله عنه: ما قسم

الله تعالي لا يفوتني و لو كان في جناح. و قال أبوذر رضي الله عنه: همك سر من لا يثق بربه و لو كان محبوسا في الصم الصياخيد، فليس أحد أخسر و أرذل و أنذل ممن لا يصدق ربه فيما ضمن له و تكفل به من قبل، اذ خلقه و مع ذلك يعتمد علي قوته و تدبيره و جهده و سعيه، و يتعدي حدود ربه بأسباب قد أغناه الله عنها. [ صفحه 187]

في القناعة

قال الصادق: لو حلف القانع بتملكه علي الدارين لصدقه الله عزوجل بذلك، و لأبره لعظم شأن مرتبة القناعة. ثم كيف لا يقنع العبد بما قسم الله له، و هو يقول: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا. فمن أذعن و صدق بما شاء بلاغفلة، و ايقن بربوبيته أضاف توليه الأقسام الي نفسه بلاسبب. و من قنع بالمقسوم استراح من الهم و الكرب و التعب. و كلما نقص من القناعة زاد في الرغبة و الطمع في الدنيا أصل كل شر، و صاحبها لا ينجو من النار الا اذا تاب. و لذلك قال النبي: «القناعة ملك لا يزول و مركب رضي الله تعالي تحمل صاحبها الي داره، فاحسن التوكل فيما لم تعط بالرضا بما أعطيت و اصبر علي ما أصابك فان ذلك من عزم الأمور.. [ صفحه 189]

في الحرص

قال الصادق: لا تحرص علي شي ء لو تركته لوصل اليك، و كنت عند الله مستريحا محمودا بتركه، و مذموما باستعجالك في طلبه و ترك التوكل عليه و الرضا بالقسم. فان الدنيا خلقها الله تعالي بمنزلة الظل ان طلبته تعبك، و لا تلحقه أبدا. و ان تركته تبعك و انك مستريح. قال النبي: الحريص محروم، و هو مع حرمانه مذموم و كيف لا يكون محروما. و قد فر من وثاق الله عزوجل و خالف قول الله حيث يقول: «الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم». و الحريص بين سبع آفات صعبة. فكر يضر بدنه و لا ينفعه، و مم لا يتم له أقصاه، و تعب لا يستريح منه الا عند الموت و يكون عند الراحة أشد تعبا و خوف لا يورثه الا الوقوع فيه، و حزن قد

كدر عليه عيشه، و فائدة و حساب لا مخلص له معه من عذاب الله تعالي الا أن يعفو الله عنه، و عقاب لا مفر له منه، و لا حيلة و المتوكل علي الله يمسي و يصبح في كنف الله تعالي و هو منه في عافية. و قد عجل الله كفايته و هيا له من الدرجات ما الله تعالي به عليم، و الحرص ما يجري في منافذ غضب الله تعالي و ما لم يحرم العبد اليقين لا يكون حريصا. و اليقين أرض الاسلام و سماء الايمان. [ صفحه 191]

في الزهد

قال الصادق: الزهد مفتاح باب الآخرة، و البراءة من النار و هو [85] تركك كل شي ء يشغلك عن الله تعالي، من غير تأسف علي فوتها و لا اعجاب في تركه، و لا انتظار فرج منها، و لا طلب محمدة عليها، و لا غرض لها، بل يري فوتها راحة، و كونها آفة. و يكون أبدا هاربا من الآفة معتصما بالراحة و الجوع علي الشبع، و عافية الآجل علي محنة العاجل، و الذكر علي الغفلة و تكون نفسه في الدنيا و قلبه في الآخرة. قال رسول الله: حب الدنيا رأس كل خطيئة. الا تري كيف أحب ما أبغضه الله، و أي خطيئة أشد جرما من هذا... و قال بعض أهل البيت: لو كانت الدنيا بأجمعها لقمة في فم طفل كيف حال من نبذ حدود الله وراء ظهره في طلبها و الحرص عليها، و الدنيا دار لو حسنت [86] سكناها لرحمتك و لأحبتك و أحسنت وداعك. قال رسول الله: لما خلق الله الدنيا أمرها بطاعته [87] فقال لها: خالفي من طلبك و وافقي من خالفك و هي علي ما

عهد الله اليها و طبعها بها. [ صفحه 193]

في صفة الدنيا

قال الصادق: الدنيا بمنزلة صورة، رأسها الكبر، و عينها الحرص، و أذنها الطمع، و لسانها الريا، و يدها الشهوة و رجلها العجب، و قلبها الغفلة، و كونها الفناء، و حاصلها الزوال. فمن أحبها ورثته الكبر، و من استحسنها أورثته الحرص، و من طلبها أورثته الطمع، و من مدحها البسته الريا، و من ارادها مكنته من العجب، و من ركن اليها أولته الغفلة، و من أعجبه متاعها الفتنته و لا تبقي له. و من جمعها و بخل بها ردته الي مستقرها و هي النار. [ صفحه 195]

في الورع

قال الصادق: أغلق أبواب جوارحك عما يقع ضرره الي قلبك و يذهب بوجاهتك عند الله، و يعقب الحسرة و الندامة يوم القيامة. و الحياء عما اجترحت من السيئات. و المتورع يحتاج الي ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع، و ترك خطيئته فيهم، و استواء المدح و الذم لديه. و اصل الورع دوام محاسبة النفس و صدق المقاولة و صفاء المعاملة، و الخروج من كل شبهة، و رفض كل عيب و ريبة، و مفارقة جميع ما لا يعنيه. و ترك فتح ابواب لا يدري كيف يغلقها و لا يجالس من يشكل عليه الواضح، و لا يصاحب مستخف الدين، و لا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه و لا يتفهمه من قائله و يقطع عمن يقطعه عن الله عزوجل. [ صفحه 197]

في العبرة

قال الصادق: قال رسول الله. المعتبر في الدنيا عيشه فيها كعيش النائم يراها و لا يمسها. و يزيل عن قلبه و نفسه باستقباحه معاملات المغرورين بها ما تورثه الحساب و العقاب، و يتبدل بها ما تقربه من رضي الله و عفوه. و يغسل بما زوالها مواضع دعوتها اليه و تزيين نفسها اليه فالعبرة تورث صاحبها ثلاثة أشياء: العلم بما يعمل، و العمل بما يعلم، و العلم بما لا يعمل. و العبرة أصلها: أول يخشي آخره و آخر قد تحقق الزهد في أوله و لا يصح الاعتبار الا لأهل الصفاء و البصيرة. قال الله تعالي: «فاعتبروا يا أولي الأبصار». [88] و قال الله عزوجل أيضا: «فانها لا تعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور». [89] . فمن فتح الله قلبه و بصيرته بالاعتبار فقد أعطاه منزلة رفيعة و ملكا عظيما. [

صفحه 199]

في المتكلف

قال الصادق: المتكلف بعيد عن الصواب و ان اصاب. و المتطوع مصيب و ان أخطا. و المتكلف لا يستجلب في عاقبة أمره الا الهوان، و في الوقت الا التعب و العناء و الشقاء. و المتكلف ظاهره رياء، و باطنه نفاق و هما جناحان يطير بهما المتكلف. و ليس في الجملة من اخلاق الصالحين، و لا من شعار المؤمنين. التكلف في أي باب كان قال الله تعالي لنبيه: «قل ما أسألكم عليه من أجر و ما أنا من المتكلفين». [90] . قال النبي: نحن معاشر الأنبياء و الأمناء و الاتقياء من التكلف. فاتق الله و استقم يعنيك عن التكلف، فيطبعك بطباع الايمان، و لا تشتغل بلباس آخره البلاء، و طعام آخره الخلاء، و دار آخره الخراب و مال آخره الميراث، و اخوان آخرهم الفراق، و عز آخره الذل، و وقار آخره الجفاء، و عيش آخره الحسرة. [ صفحه 201]

في الغرور

قال الصادق: المغرور في الدنيا مسكين و في الآخرة مغبون، لأنه باع الأفضل بالأدني، و لا تعجب من نفسك فربما اغتررت بمالك و صحة جسدك لعلك تبقي. و ربما اغتررت بطول عمرك، و أولادك و أصحابك لعلك تنجو بهم. و ربما اغتررت بجمالك و منيتك و اصبت مأمولك و هواك. فظننت انك صادق و مصيب. و ربما اغتررت بما تري من الندم علي تقصيرك في العبادة، و لعل الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك و ربما أقمت نفسك علي العبادة متكلفا، والله يريد الاخلاص. و ربما افتخرت بعلمك [91] و نسبك و أنت غافل عن مضمرات ما في غيب الله تعالي، و ربما توهمت انك تدعو الله و انت تدعو سواه. و ربما حسبت انك للخلق

و أنت تريدهم لنفسك أن يميلوا اليك. و ربما ذممت نفسك و انت تمدحها علي الحقيقة، و اعلم أنك لن تخرج من ظلمات الغرور و التمني الا بصدق الانابة الي الله تعالي و الاخبات له و معرفة عيوب أحوالك من حيث لا توافق العقل و العلم و لا يحتمله الدين و الشريعة و سنن القدرة و ائمة الهدي. و ان كنت راضيا بما أنت فيه، فما أحد أشقي بعمله [92] منك و أضيع عمرا، فاورثت حسرة يوم القيامة.. [ صفحه 203]

في صفة المنافق

قد رضي سعده عن رحمة الله تعالي لأنه يأبي بأعماله الطاهرة شبيها بالشريعة، و هولاء ولاغ و باغ بالقلب عن حقها، مستهدي ء فيها. و علامة النفاق قلة المبالاة بالكذب و الخيانة و الوقاحة، و الدعوي بلامعني و استخانة العين و السفه و الغلط و قلة الحياء، و استضعاف المعاصي، و استضياع أرباب الدين، و استخفاف المصايب في الدين و الكبر و المدح و الحسد و ايثار الدنيا علي الآخرة، و الشر علي الخير، و الحث علي النميمة، و حب اللهو و معونة أهل الفسق و البغي و التخلف عن الخيرات، و تنقص أهلها، و استحسان ما يفعله من سوء و استقباح ما يفعله غيره من حسن. و أمثال ذلك كثيرة. و قد وصف الله المنافقين في غير موضع قال: و من الناس من يعبد الله علي حرف فان اصابه خير اطمأن به، و ان اصابته فتنة، انقلب علي وجهه خسر الدنيا و الآخرة. ذلك هو الخسران المبين... و قال الله تعالي في صفتهم: «و من الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر، و ما هم مؤمنين يخادعون الله و الذين آمنوا و

ما يخدعون الا انفسهم و ما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. [93] . [ صفحه 204] قال النبي: المنافق من اذا وعد خلف، و اذا فعل أساء و اذا قال كذب و اذا ائتمن خان، و اذا رزق طاش و اذا منع عاش. و قال أيضا: من خالفت سريرته علانيته فهو منافق كافر كائنا من كان و حيث كان و في أي زمان كان، و علي أي رتبه كان. [ صفحه 205]

في العقل و الهوي

قال الصادق: العاقل من كان ذلولا عند اجابة الحق، منصفا بقوله، جموحا عند الباطل خصيما بقوله. يترك دنياه و لا يترك دينه. و دليل العاقل شيئان: صدق القول و صواب الفعل. و العاقل لا يحدث بما تنكره العقول، و لا يتعرض للتهمة، و لا يدع مداراة من ابتلي به، و يكون العلم دليله في أعماله و الحلم رفيقه في احواله،و المعرفة يقينه في مذاهبه. و الهوي عدو العقل و مخالف الحق و قرين الباطل، و قوة الهوي من الشهوات، و أصل علامات الهوي من أكل الحرام و الغفلة عن الفرائض، و الاستهانة بالسنن و الخوض في الملاهي. [ صفحه 207]

في الوسوسة

قال الصادق: لا يتمكن الشيطان بالوسوسة من العبد الا و قد اعرض عن ذكر الله و استهان بأمره و سكن الي نهيه و نسي اطلاعه. [94] . فالوسوسة ما تكون من خارج القلب باشارة معرفة العقل، و مجاورة الطبع. و أما اذا تمكن في القلب فذلك غي و ضلالة و كفر. والله عزوجل دعا عباده بلطف دعوتهم، و عرفهم عداوة ابليس فقال تعالي: «ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا». فكن معه كالغريب مع كل الراعي يفزع الي صاحبه في صرفه عنه، و كذلك اذا أتاك الشيطان موسوسا ليضلك عن سبيل الحق و ينسيك ذكر الله فاستعذ منه بربك و ربه فانه يويد الحق علي الباطل و ينصر المظلوم بقوله عزوجل: «انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون». و لن يقدر علي هذا و معرفة اتيانه و مذاهب وسوسته الا بدوام المراقبة و الاستقامة علي بساط الخدمة و هيبة المطلع و كثرة الذكر. و أما المهمل لأوقاته فهو صيد الشيطان لا

محالة، و اعتبر بما فعل بنفسه من الاغواء و الاغترار و الاستكبار حيث غره و أعجبه عمله و عبادته و بصيرته و رأيه و جرأته عليه قد أورثه علمه و معرفته و استدلاله بعقله اللعنة الي [ صفحه 208] الأبد. فما ظنك بنصحه و دعوته غيره، فاعتصم بحبل الله الأوثق، و هو الالتجاء الي الله و الاضطرار بصحة الافتقار الي الله في كل نفس. و لا يغرنك تزيينه للطاعة عليك، فانه يفتح عليك تسعة و تسعين بابا من الخير ليظفر بك عند تمام المائة، فقابله بالخلاف و الصد عن سبيله و المضادة باستهوائه. [ صفحه 209]

في العجب

قال الصادق: العجب كل العجب ممن يعجب بعمله و هو لا يدري بم يختم له. فمن أعجب بنفسه و فعله فقد ضل عن منهج الرشاد و ادعي ما ليس له. و المدعي من غير حق كاذب و ان خفي دعواه و طال دهره. فان أول ما يفعل [95] نزع ما أعجب به ليعلم أنه عاجز حقير و يشهد علي نفسه لتكون الحجة أوكد عليه كما فعل بابليس. و العجب نبات حبه الكفر، و أرضه النفاق، و ماؤه البغي، و أغصانه الجهل، و ورقه الضلالة، و ثمرته اللعنة و الخلود في النار. فمن اختار العجب فقد بذر الكفر و زرع النفاق، فلابد من أن يثمر بأن يصير الي النار. [ صفحه 211]

في الأكل

قال الصادق: قلة الأكل محمود في كل حال و عند كل يوم لأن فيه مصلحة للظاهر و الباطن... و المحمود من المأكولات أربعة: ضرورة و عدة و فتوح و قوة. فالأكل الضروري للاصفياء. و العدة لقوام [96] الاتقياء. و الفتوح للمتوكلين. و القوة للمؤمنين [97] و ليس شي ء أضر لقلوب المؤمنين من كثرته فيورث شيئين: قسوة القلب و هيجان الشهوة. و الجوع ادام للمؤمنين و غذاء للروح و طعام للقلب و صحة للبدن. قال النبي: ما ملأ ابن آدم وعاء أشر من بطنه. و قال داود: ترك لقمة مع الضرورة اليها أحب الي من قيام عشرين ليلة. و قال رسول الله: المؤمن يأكل في معاء واحد، و المنافق في سبعة أمعاء. و قال النبي: ويل للناس من القبقبين. قيل: و ما هما يا رسول الله؟ قال: البطن و الفرج. [ صفحه 212] قال عيسي بن مريم عليه السلام: ما أمرض قلب باشد من القسوة و

ما اعتلت نفس باصعب من نقص الجوع. و هما زمامان للطرد و الخذلان. [ صفحه 213]

في غض البصر

قال الصادق: ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر، لأن البصر لا يغض عن محارم الله الا و قد سبق الي قلبه مشاهدة العظمة و الجلال. سئل أميرالمؤمنين: بماذا يستعان علي غض البصر؟ فقال: بالخمود تحت سلطان المطلع علي سرك، و العين جاسوس القلب و بريد العقل فغض بصرك عما لا يليق بدينك و يكرهه قلبك و ينكره عقلك. قال النبي: غضوا ابصاركم تروا العجائب... قال الله: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم». [98] . و قال عيسي بن مريم عليه السلام للحواريين: اياكم و النظر الي المحذورات فانها بذر الشهوات و نبات الفسق... قال يحيي بن زكريا الموت أحب الي من نظرة مني بغير واجب. و قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لرجل نظر الي امرأة، قد عادها في مرضها، لو ذهبت عيناك لكان خيرا لك من عيادة مريضك. و لا تتوفي عين نصيبها من نظر الي [ صفحه 214] محذور الا و قد انعقد عقدة علي قلبه من المنية، لا تنحل الا باحدي الحالين: اما ببكاء الحسرة و الندامة بتوبة صادقة، و اما بأخذ نصيبه مما تمني و نظر اليه، فآخذ الحظ من غير توبة، مصيره الي النار. و أما التايب الباكي بالحسرة و الندامة عن ذلك فمأواه الجنة و منقلبه الرضوان... [ صفحه 215]

في المشي

قال الصادق: ان كنت عاقلا فقدم العزيمة الصحيحة و النية الصادقة في حين قصدك الي أي مكان أردت. فانه النفس من التخطي الي محذور، و كن متفكرا في مشيئتك و معتبرا بعجايب صنع الله تعالي اينما بلغت. و لا تكن مستهزئا و لا متبخترا في مشيئتك، و غض بصرك عما لا يليق بالدين و

اذكر الله كثيرا. فانه قد جاء في الخبر، أن المواضع التي يذكر الله فيها و عليها تشهد بذلك عند الله يوم القيامة، و تستغفر لهم الي أن يدخلهم الله الجنة. و لا تكثرن الكلام مع الناس في الطريق فان فيه سوء الأدب، و أكثر الطرق مراصد الشيطان و متجرته فلا تأمن كيده. و اجعل ذهابك و مجيئك في طاعة الله و السعي في رضاه. فان حركاتك مكتوبة في صحيفتك. قال الله تعالي: «يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم. بما كانوا يعملون». [99] . و قال الله عزوجل: «و كل انسان ألزمناه طائره في عنقه». [100] . [ صفحه 217]

في النوم

قال الصادق: نم نوم المتعبدين، و لا تنم نومة الغافلين. فان المتعبدين من الأكياس ينامون استراحة، و لا ينامون استبطارا. قال النبي: تنام عيناي و لا ينام قلبي. و انو بنومك تخفيف مؤنتك علي الملائكة، و اعزل النفس عن شهواتها، و اختبر بها نفسك، و كن ذا معرفة بأنك عاجز ضعيف لا تقدر علي شي ء من حركاتك و سكونك الا بعلم الله و تقديره. و ان النوم أخ الموت، و استدل به علي الموت الذي لا تجد السبيل الي الانتباه منه، و الرجوع الي اصلاح. ما فات عنك و من نام عن فريضة أو سنة أو نافلة فاته بسببها شي ء، فذلك نوم الغافلين و سيرة الخاسرين و صاحبه مغبون. و من نام بعد فراغه من آداء الفرائض و السنن و الواجبات من الحقوق، فذلك نوم محمود. و اني لا اعلم لأهل زماننا هذا شيئا اذا أتوا بهذه الخصال أسلم من النوم، لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم و مراقبة أحوالهم و اخذوا شمال الطريق.

و العبد ان اجتهد أن لا يتكلم كيف يمكنه أن لا يستمع [101] الا ما هو مانع له من [ صفحه 218] ذلك و ان النوم من احدي تلك الآلات. قال الله تعالي: «ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا». [102] و ان في كثرته آفات و ان كان علي سبيل ما ذكرنا. و كثرة النوم يتولد من كثرة الشرب، و كثرة الشبع، و هما يثقلان النفس عن الطاعة و يقسيان القلب عن التفكير و الخشوع. و اجعل كل نومك حتي عهدك من الدنيا، و اذكر الله بقلبك و لسانك وضف اطلاعه علي سرك مستعينا به في القيام علي الصلاة. اذا انتبهت فان الشيطان يقول لك: نم فان لك بعده ليلا طويلا يريد تفويت وقت مناجاتك، و عرض حالك علي ربك. و لا تغفل عن الاستغفار بالأسحار فان للقانتين فيه أشواقا.. [ صفحه 219]

في حسن المعاشرة

قال الصادق: حسن المعاشرة مع خلق الله تعالي من مزيد فضل الله تعالي علي عبده، و من كان خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة في العلانية. فعاشر الخلق لله و لا تعاشرهم لنصيبك لأمر الدنيا، و لطلب الجاه و الريا. و السمعة، و لا تسقطن نفسك بسببها عن حدود الشريعة من باب المماثلة و الشهرة، فانهم لا يغنون عنك شيئا، و تفوتك الآخرة بلافائدة. فاجعل من هو أكبر منك منهم بمنزلة الاب، و الأصغر بمنزلة الولد، و المثل بمنزلة الأخ، و لا تدع ما تعمله يقينا من نفسك بما تشك فيه من غيرك. و كن رفيقا في امرك بالمعروف، و شفيقا في نهيك عن المنكر، و لا تدع النصيحة في كل حال. قال الله تعالي:

«و قولوا للناس حسنا». [103] و اقطع عمن ينسيك وصله ذكر الله تعالي و تشغلك ألفته عن طاعة الله. فان ذلك من أولياء الشيطان و اعوانه. و لا برهانك الي المداهنة عند الحق، فان في ذلك خسرانا عظيما تفوتك آخره بلافائدة نعوذ بالله.. [ صفحه 221]

في الكلام

قال الصادق: الكلام اظهار ما في القلب من الصفاء و الكدر و العلم و الجهل. و أميرالمؤمنين قال: المرء مخبوء تحت لسانه فزن كلامك و اعرضه علي العقل و المعرفة فان كان لله و في الله فتكلم به، و ان كان غير ذلك فالسكوت خير منه. و ليس علي الجوارح عبادة أخف مؤنة و أفضل منزلة و أعظم قدرا عند الله من كلام فيه رضي الله عزوجل، و لوجهه و نشر آلاء الله، و نعمائه في عباده. ألا تري ان الله لم يجعل فيما بينه و بين رسله معني يكشف ما أسر اليهم من مكنونات علمه و محزونات وحيه. غير الكلام. و كذلك بين الرسل و بين الأمم، ثبت بهذا أنه أفضل الوسائل، و الطف العبادة، و كذلك لا معصية أثقل علي العبد و أسرع عقوبة عند الله و أشدها ملامة و اعجلها عند الخلق منه. و اللسان ترجمان الضمير و صاحب خبر القلب، و به ينكشف ما في سر الباطن، و عليه يحاسب الخلق يوم القيامة، و الكلام خمر يسكر العقول ما كان منه لغير الله و ليس شي ء أحق بطول السجن من اللسان. قال بعض الحكماء: احفظ لسانك عن خبيث الكلام و في غيره لا تسكت ان استطعت. فأما السكينة فهي هيئة حسنة رفيعة من الله عزوجل لاهلها، و هم أمناء اسراره في أرضه. [ صفحه

223]

في المدح و الذم

قال الصادق: لا يصير العبد عبدا خالصا لله تعالي حتي يصير المدح و الذم عنده سواء. لأن الممدوح عند الله لا يصير مذموما بذمهم، و كذلك المذموم و لا تفرح بمدح أحد، فانه لا يزيد في منزلتك عند الله، و لا يغنيك عن المحكوم لك و المعدوم عليك. و لا تحزن أيضا بذم أحد فانه لا ينقص عنك به ذره، و لا يحط من درجة خيرك شيئا، و اكتف بشهادة الله لك و عليك. قال عزوجل: «و كفي بالله شهيدا». [104] و من لا يقدر علي صرف الذم عن نفسه و لا يستطيع علي تحقيق المدح له، كيف يرجي مدحه أو يخشي ذمه، و اجعل وجه مدحك و ذمك واحدا وقف في مقام تغتنم به مدح الله عزوجل لك و رضاه، فان الخلق خلقوا من العجز من ماء مهين و ليس لهم الا ما سعوا. و قال الله تعالي: «و أن ليس للانسان الا ما سعي». [105] و قال عزوجل: «ولا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا». [106] . [ صفحه 225]

في المراء

قال الصادق: المراء داء ردي ء، و ليس في الانسان خصلة أشر منه، و هو خلق ابليس و نسبه، فلا يماري في أي حال كان الا من كان جاهلا بنفسه و بغيره، محروما من حقائق الدين. روي أن رجلا قال للحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام، اجلس نتناظر في الدين. فقال يا هذا أنا بصير بديني مكشوف علي هداي، فان كنت جاهلا بدينك فاذهب فاطلبه مالي و للمماراة. و ان الشيطان ليوسوس للرجل و يناجيه و يقول: ناظر الناس في الدين لئلا يظنوا

بك العجز و الجهل. ثم المرء لا يخلو من أربعة أوجه: اما أن تتماري أنت و صاحبك فيما تعلمان، فقد تركتما بذلك النصيحة و طلبتما الفضيحة، و اضعتما بذلك العلم، أو تجهلانه فاظهرتما جهلا و خاصمتما جهلا. و اما تعلمه أنت فظلمت صاحبك بطلب عشرته، أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته، و لم تنزله منزلته، هذا كله محال. فمن انصف و قبل الحق و ترك المماراة، فقد أوثق ايمانه و احسن صحبة دينه، و صان عقله.. [ صفحه 227]

في الغيبة

قال الصادق: الغيبة حرام علي كل مسلم مأثوم صاحبها في كل حال، و صفة الغيبة أن تذكر أحدا بما ليس هو عند الله عيب و تذمه. و ما تحمد أهل العلم فيه، و أما الخوض في ذكر الغايب بما هو عند الله هو و صاحبه فيه ملوم. فليس بغيبة و ان كره صاحبه اذا سمع به و كنت أنت معافي عنه و خاليا منه، و يكون في ذلك مبينا الحق من الباطن ببيان الله و رسوله. و لكن علي شرط أن لا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق و الباطل في دين الله عزوجل. و أما اذا اراد به نقص المذكور بغير ذلك المعني فهو مأخوذ بفساد مراده، و ان كان صوابا. و ان اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه و لم تلحقه فاستغفر الله له، و الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. أوحي الله عزوجل الي موسي بن عمران علي نبينا و آله و عليه السلام: هو آخر من يدخل الجنة ان تاب، و ان لم يتب فهو أول من يدخل النار. قال الله تعالي: «أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا

فكرهتموه». [107] . [ صفحه 228] و وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الخلق و العقل و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه. و أصل الغيبة متنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ و مساعدة قوم و تهمة المسلك، و تصديق خبر بلاكشفه، و سوءظن و حسد و سخرية و تعجب و تبرم [108] و تزين. فان أردت السلامة فاذكر الخالق لا المخلوق، فيصير لك مكان الغيبة عبرة، و مكان الاثم ثواب... [ صفحه 229]

في الرياء

قال الصادق: لا تراء بعملك من لا يحيي و يميت و لا يغني عنك شيئا و الرياء شجرة لا تثمر الا الشرك الخفي، و أصلها النفاق. يقال للمرائي عند الميزان، خذ ثوابا تعد ثواب عملك [109] من اشركته معي، فانظر من تعبد و تدعو و من ترجو و من تخاف. و اعلم أنك لا تقدر علي اخفاء شي ء من باطنك عليه [110] و تصبر مخدوعا بنفسك. قال الله عزوجل: «يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخدعون الا أنفسهم و ما يشعرون». [111] . و أكثر ما يقع الرياء في البصر و الكلام و الأكل و الشرب و المجي ء و المجالسة و اللباس و الضحك و الصلاة و الحج و الجهاد، و قراءة القرآن، و سائر العبادات الظاهرة. فمن أخلص باطنه لله تعالي و خشع له بقلبه، و رأي نفسه مقصرا بعد بذل كل مجهود. وجد الشكر عليه حاصلا، و يكون ممن يرجي له الخلاص من الرياء و النفاق اذا استقام علي ذلك في كل حال. [ صفحه 231]

في الحسد

قال الصادق: الحاسد يضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود كابليس أورث لنفسه [112] اللعنة، و لآدم الاجتباء و الهدي و الرفع الي محل حقائق العهد و الاصطفاء. فكن محسودا و لا تكن حاسدا، فان ميزان الحاسد أبدا خفيف بثقل ميزان المحسود، و الرزق مقسوم، فماذا ينفع الحسد الحاسد، و ماذا يضر المحسود الحسد. و الحسد أصل من عمي القلب و الجحود بفضل الله تعالي: و هما جناحان للكفر، و بالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، و هلك مهلكا لا ينجو منه أبدا، و لا توبة للحاسد، لأنه مستمر عليه، و معتقد به، مطبوع فيه يبدو

بلامعارض و لا سبب.. و الطبع لا يتغير [113] من الأصل، و ان عولج. [ صفحه 233]

في الطمع

قال الصادق: بلغني أنه سئل كعب الاحبار: ما الأصلح في الدين و ما الأفسد؟ فقال: الأصلح الورع. و الأفسد الطمع. فقال له السائل: صدقت يا كعب، و الطمع خمر الشيطان يسقي بيد لخواصه. فمن سكر منه لا يصحي الا في أليم عذاب الله بمجاورة ساقيه، و لو لم يكن في الطمع سخطة الا مشاراة الدين بدنيا، لكان سخطا عظيما. قال الله عز من قائل: «أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدي و العذاب بالمغفرة». [114] . قال أميرالمؤمنين: تفضل علي من شئت فأنت أميره و استغن عمن شئت فأنت نظيره، و افتقر الي من شئت فأنت أسيره، و الطامع منزوع عنه الايمان و هو لا يشعر، لأن الايمان يحجز بين العبد و بين الطمع في الخلق، فيقول: يا صاحبي خزائن الله مملوءة من الكرامات، و هو لا يضيع أجر من أحسن عملا. و ما في أيدي الناس مشوب بالعلل، و يرده الي التوكل و القناعة، و قصر الأمل و لزوم الطاعة و اليأس من الخلق. فان فعل ذلك لزمه و قد صلح [115] و ان لم يفعل ذلك تركه مع شؤم الطبع و فارقه. [ صفحه 235]

في السخاء

قال الصادق: السخاء من أخلاق الأنبياء، و هو عماد الايمان، و لا يكون مؤمنا الا سخي و لا يكون سخيا الا ذو يقين و همة عالية، لأن السخاء شعاع نور اليقين. من عرف هان عليه ما بذل. قال النبي: ما جبل ولي الله الا علي السخاء. و السخاء ما يقع علي كل محبوب أقله الدنيا. و من علامة السخاء أن لا يبالي من أكل الدنيا. و من ملكها مؤمن أو كافر و مطيعا و عاص، و شريف و وضيع

يطعم غيره و يجوع، و يكسو غيره و يعري و يعطي غيره و يمتنع من قبول عطاء غيره، و يمتن بذلك و لا يمن و لو ملك الدنيا باجمعها لم ير نفسه فيها الا أجنبيا و لو بذلها في ذات الله عزوجل في ساعة واحدة ما مل. قال رسول الله: السخي قريب من الله و قريب من الناس و قريب من الجنة، بعيد من النار. و البخيل بعيد من الله بعيد من الناس، بعيد من الجنة و قريب من النار. و لا يسمي سخيا الا الباذل في طاعة الله و لوجهه، و لو كان برغيف أو شربة ماء. قال النبي صلي الله عليه و سلم: السخي بما ملك و أراد به وجه الله تعالي. و أما المتنحي في معصية الله تعالي فحمال سخط الله و غضبه و هو أبخل الناس لنفسه، فكيف لغيره حيث اتبع هواه و خالف أمر الله عزوجل. قال الله تعالي: «و ليحملن أثقالهم و أثقالا مع أثقالهم». [116] . [ صفحه 237]

في الأخذ والعطاء

قال الصادق: من كن الأخذ أحب اليه من الاعطاء، فهو مغبون، لأنه يري العاجل بغفلته أفضل من الآجل. و ينبغي للمؤمن، أن يأخذ بحق. و اذا أعطي ففي حق و بحق و من حق [117] فكم من آخذ معط دينه و هو لا يشعر، و كم من معط مورث لنفسه سخط الله، و ليس الشأن في الأخذ و الاعطاء و لكن الناجي من اتقي الله في الأخذ و الاعطاء، و اعتصم بحبال الورع في هاتين الخصلتين: خاص و عام. فالخاص ينظر في دقيق الورع فعلا لا يتناول حتي يتيقن أنه حلال، و اذا أشكل عليه تناول عند الضرورة.

و العام ينظر في الظاهر فما لم يجده و لا يعلمه غصبا و لا سرقة تناول و قال: لا بأس هو لي حلال و الأمر [118] في ذلك بين أن يأخذ بحكم الله عزوجل و ينفق في رضي الله. [ صفحه 239]

في المواخاة

قال الصادق: ثلاثة أشياء في كل زمان عزيزة و هي: الاخاء في الله تعالي، و الزوجة الصالحة الاليفة تعينه في دين الله عزوجل، و الولد الرشيد. و من وجد الثلاثة فقد أصاب خير الدارين و الحظ الأوفر من الدنيا و الآخرة. و احذر أن تواخي من ارادك لطمع أو خوف أو ميل أو مال أو أكل أو شرب. و اطلب مواخاة الأتقياء و لو في ظلمات الأرض، و ان أفنيت عمرك في طلبهم. فان الله عزوجل لم يخلق علي وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين و ما أنعم الله علي العبد بمثل ما انعم به من التوفيق لصحبتهم. قال الله تعالي: «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين». [119] و أظن ان من طلب من زماننا هذا صديقا بلاعيب بقي بلاصديق ألا تري أن أول كرامة أكرم الله بها أنبياءه عند دعوتهم صديق أمين و ولي فكذلك من أجل ما أكرم الله به أولياءه و اصفياءه و أمناءه، صحبة انبيائه و ذلك دليل علي أن ما في الدارين بعد معرفة الله تعالي، نعمة أجل و أطيب و أزكي من الصحبة في الله عزوجل و المواخاة لوجه الله. [ صفحه 240] و قال النبي: يقول ابن آدم ملكي ملكي و مالي مالي يا مسكين، أين كنت حيث كان الملك و لم تكن. و هل لك الا ما أكلت فأفنيت، و لبست فأبليت، و تصدقت

فأبقيت. اما مرحوم به أو معاقب عليه فاعقل أن لا يكون مال غيرك أحب اليك من مالك. فقد قال أميرالمؤمنين: ما قدمت فهو للمالكين، و ما أخرت فهو للوارثين، و ما معك ليس لك عليه سبيل سوي الغرور به. كم تسعي في طلب الدنيا و كم تدعي أفتريد أن تفقر نفسك و تغني غيرك. [ صفحه 241]

في المشاورة

قال الصادق: شاور في أمورك مما يقتضي الدين من فيه خمس خصال: عقل و علم و تجربة و نصح و تقوي. ان [120] لم تجد فاستعمل الخمسة و اعزم و توكل علي الله. فان ذلك يؤدي بك الي الصواب، و ما كان من أمور الدنيا التي هي غير عائدة الي الدين فاقضها [121] و لا تتفكر فيها، فانك اذا فعلت ذلك، أصبت بركة العيش و حلاوة الطاعة. و في المشاورة اكتساب العلم، و العاقل من يستفيد منها علما جديدا و يستدل به علي المحصول من المراد. و مصل المشورة مع أهلها مثل التفكر في خلق السموات و فنائها و هما عينان من العبد، لأنه كلما تفكر فيهما، غاص في نور المعرفة و ازداد بهما اعتبارا و يقينا. و لا تشاور من لا يصدقه عقلك، و ان كان مشهورا بالعقل و الورع، و اذا شاورت من يصدقه قلبك فلا تخالفه فيما يشير به عليك و ان كان بخلاف مرادك. فان النفس تحتج عن قبول الحق، و خلافها عند قبول الحقائق أبين. قال الله تعالي: «و شاورهم في الأمر». و قال تعالي «و امرهم شوري بينهم». [122] أي متشاورون فيه. [ صفحه 243]

في الحلم

قال الصادق: الحلم سراج الله يستضي ء به صاحبه الي جواره، و لا يكون حليما الا المؤيد بأنوار المعرفة و التوحيد.. و الحلم يدور علي خمسة أوجه: أن يكون عزيزا فيذل، أو يكون صادقا فيتهم، أو يدعو الي الحق فيستخف به، أو ان يؤذي بلاجرم، أو أن يطلب بالحق و يخالفوه فيه. فاذا أتيت كلا منهما حقه فقد أصبت، و قابل السفيه بالاعراض عنه، و ترك الجواب تكن الناس أنصارك، لأن من جاوب السفيه

فكأنه قد وضع الحطب علي النار. قال النبي: مثل المؤمن كمثل الأرض، منافعهم منها، و أذاهم عليها، و من لا يصبر علي جفاء الخلق، لا يصل الي رضي الله تعالي [123] مشوب بجفاء الخلق. و حكي أن رجلا قال لأحنف بن قيس: اياك أعني. قال و عنك أحلم. قال رسول الله: بعثت للحلم مركزا، و للعلم معدنا، و للصبر مسكنا. صدق رسول الله. و حقيقة أن تعفو عمن أساء اليك و خالفك و أنت القادر علي الانتقام منه، كما ورد في الدعاء: الهي! - أنت أوسع فضلا و أعظم حلما من أن تؤاخذني بعملي، و تستذلني بخطيئتي. [ صفحه 245]

في التواضع

قال الصادق: التواضع أهل كل شرف نفيس، و مرتبة رفيعة. و لو كان التواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب. و التواضع ما يكون لله و في الله، و ما سواه مكر. و من تواضع لله شرفه الله علي كثير من عباده. و لأهل التواضع سيماء سئل بعضهم عن التواضع؟ قال: هو أن يخضع للحق و ينقاد له و لو سمعه من صبي. و كثير من أنواع الكبر يمنع من استفادة العلم و قبوله و الانقياد له. و فيه وردت الآيات التي فيها ذم المتكبرين. و لأهل التواضع سيماء يعرفها أهل السموات من الملائكة و أهل الأرض من العارفين. قال الله عزوجل: «و علي الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم» [124] و قال أيضا: من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة علي المؤمنين، أعزة علي الكافرين. و قال أيضا. «ان أكرمكم عند الله أتقاكم» [125] و قال: «فلا تزكوا أنفسكم» [126] . [ صفحه 246]

و أصل التواضع من جلال الله و هيبته و عظمته. و ليس لله عزوجل عبادة يرضاها و يقبلها الا و بابها التواضع. و لا يعرف ما في معني حقيقة التواضع الا المقربون من عبادة المتصلين بوحدانيته. قال الله عزوجل: «و عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا، و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما» [127] . و قد أمر الله عزوجل اعز خلقه و سيد بريته محمدا صلي الله عليه و سلم بالتواضع مزرعة الخشوع، و الخضوع و الخشية و الحياء و انهن لا يتبين الا منها [128] و لا يسلم الشرف التام الحقيقي، الا للمتواضع في ذات الله تعالي. [ صفحه 247]

في الاقتداء

قال الصادق: ليس الاقتداء الا بصحة قسمة [129] الأرواح في الأزل و امتزاج نور الوقت بنور الأزلي [130] ، و ليس الاقتداء بالتوسم بالحركات الظاهرة و التنسب الي أولياء الدين من الحكماء و الائمة. قال الله عزوجل: «يوم ندعو كل أناس بامامهم [131] أي من كان اقتدي بما هو حق فهو زكي. قال الله عزوجل: «فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا هم يتساءلون» [132] و قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب: الأرواح جنود مجندة. فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف. و قيل لمحمد بن الحنفية: من أدبك؟ فقال: أدبني ربي في نفسي فما استحسنت من أولي الألباب. و البصيرة تبعتهم به، و استعملته، و ما استقبحت من الجهال اجتنبته و تركته مستقرا [133] ، فأوصلني ذلك الي طريق [134] العلم، و لا طريق [ صفحه 248] للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء، لأنه المنهج الأوضح، و المقصد الأصح. قال الله عزوجل: «لأعز خلقه صلي الله عليه

و سلم أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده» [135] و قال عزوجل: «ثم أوحينا اليك أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا» [136] . فلو كان لدين الله عزوجل مسلك اقوم من الاقتداء لندب انبياءه و أولياءه اليه. قال النبي: في القلوب نور لا يضي ء الا من اتباع الحق و قصد السبيل، و هو من نور الأنبياء مودع في قلوب المؤمنين.. [ صفحه 249]

في العفو

قال الصادق: العفو عند القدرة من سنن المرسلين و أسرار المتقين. و تفسير العفو: ألا تلزم صاحبك فيما أجرم ظاهرا، و تنسي من الأصل ما أصبت منه باطنا، و تزيد علي الاختيارات احسانا و لن يجد الي ذلك سبيلا الا من قد عفي الله عنه و غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و زينه بكرامته و ألبسه من نور بهائه، لأن العفو و الغفران صفتان من صفات الله تعالي أودعهما في أسرار أصفيائه ليتخلقوا مع الخلق بأخلاق خالقهم و جاعلهم. لذلك قال الله عزوجل: «و اعفوا و اصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم». و من لا يعفو عن بشر مثله، كيف يرجو عفو ملك جبار... عن ربه يأمره بهذه الخصال قال: صل قطعك و اعف عمن ظلمك، و اعط من حرمك. و احسن الي من أساء اليك. و قد أمرنا بمتابعته لقول الله عزوجل: «و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» [137] فالعفو سر الله في القلوب، قلوب خواصه. فمن يسر له سره و كان رسول الله يقول: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قبل: يا رسول الله! ما أبوضمضم؟ قال: رجل ممن قبلكم كان اذا أصبح يقول: اللهم أني قد تصدقت بعرضي

علي الناس عامة. [ صفحه 251]

في حسن الخلق

قال الصادق: الخلق الحسن جمال في الدنيا، و نزهة في الآخرة و به كمال الدين، و القربة الي الله تعالي. و لا يكون حسن الخلق الا في كل نبي و ولي و وصي [138] ، لأن الله تعالي أبي أن يترك ألطافه [139] و حسن الخلق الا في مطايا نوره الأعلي و جماله الأزكي. لأنها خصلة يختص بها العارفين به، و لا يعلم ما في حقيقة حسن الخلق الا الله عزوجل. قال رسول الله: حاتم زماننا حسن الخلق، و الخلق الحسن ألطف شي ء في الدنيا، و اثقل شي ء في الميزان، و سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل. و ان ارتقي في الدرجات فمصيره الي الهوان. قال النبي: حسن الخلق شجرة في الجنة و صاحبه متعلق به بغصنها يجذبه اليها، و سوء الخلق شجرة في النار، و صاحبه متعلق بغصنها يجذبه اليها. [ صفحه 253]

في العلم

قال الصادق: العلم أصل كل سني حال، و منتهي كل منزلة رفيعة، و لذلك قال النبي: طلب العلم فريضة علي كل مسلم و مسلمة، أي علم التقوي و اليقين. و قال عليه السلام: اطلبوا العلم و لو بالصين. و هو علم معرفة النفس، و فيه معرفة الرب عزوجل. قال النبي: من عرف نفسه فقد عرف ربه، ثم عليك من العلم بما لا يصح العمل الا به، و هو الاخلاص، و قال النبي: نعوذ بالله من علم لا ينفع، و هو العلم الذي يضاد العمل بالاخلاص. و اعلم ان قليل العلم يحتاج الي كثير العمل، لأن علم الساعة يلزم صاحبه استعمال طول دهره. قال عيسي بن مريم عليه السلام: رأيت حجرا عليه مكتوب اقلبني، فقلبته، فاذا علي باطنه مكتوب. من لا

يعمل بما يعلم مشوم عليه طلب ما لا يعلم و مردود عليه ما علم. أوصي الله الي داود: ان أهون ما أنا صانع بعالم غير عامل بعلمه أشد من سبعين عقوبة باطنية، أن اخرج من قلبه حلاوة ذكري، و ليس الي الله سبحانه طريق يسلك الا بعلم، و العلم زين المرء في الدنيا و سائقه الي الجنة و به يصل الي رضوان الله تعالي. و العالم حقا هو الذي ينطق فيه اعماله الصالحة و اوراده الزاكية و صدقه و تقواه، لا لسانه [ صفحه 254] و مناظرته و مجادلته و تصاوله و دعواه، و لقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان. من كان فيه عقل و نسك و حكمة و حياء و خشية. و انا نري طالب اليوم من ليس فيه من ذلك شي ء و العالم يحتاج الي عقل و رفق و شفقة و نصح و حلم و صبر و قناعة و بذل. و المتعلم يحتاج الي رغبة و ارادة و فراغ و نسك و خشية و حفظ و حزم... [ صفحه 255]

في الفتيا

قال الصادق: لا يحل الفتيا لمن لا يستفتي من الله عزوجل تستفا سره و اخلاص عمله علانية و برهان من ربه في كل حال لأن من أفتي فقد حكم. و الحكم لا يصح الا باذن من الله و برهانه و من حكم بالخبر بلامعاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله.، و مأثوم بحكمه. قال النبي: أجرأكم علي الفتيا أجرأكم علي الله عزوجل. أو لا يعلم المفتي أنه هو الذي يدخل بين الله تعالي و بين عباده و هو الجائز [140] بين الجنة والنار. و قال سفيان بن عيينة: كيف ينتفع بعلمي

غيري و أنا قد حرمت نفسي نفعها. و لا تحل الفتيا في الحلال و الحرام بين الخلق الا لمن اتبع الحق من أهل زمانه و ناحيته و بلده بالنبي. و عرف ما يصلح من فتياه [141] لأن الفتيا عظيمة. قال أميرالمؤمنين لقاض: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: فهل أشرفت علي مراد الله عزوجل في أمثال القران، و حقائق السنن و مواطن الاشارات و الآداب و الاجماع. و الاختلاف علي أصول ما اجتمعوا عليه، و ما اختلفوا فيه. ثم الي حسن الاختيار، ثم الي العمل الصالح، ثم الحكمة، ثم التقوي، ثم حينئذ أن قدر. [ صفحه 257]

في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

قال الصادق: من لم ينسلخ عن هواجسه و لم يتخلص من آفات نفسه و شهواتها، و لم يهزم الشيطان، و لم يدخل في كنف الله [142] و أمان عصمته. لا يصلح له الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. لأنه اذا لم يكن بهذه الصفة. فكلما أظهر أمرا يكون حجة عليه و لا ينتفع الناس به. و قال الله تعالي: «أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم» [143] ، و يقال له: يا خائن أتطالب خلقي بما ضنت به نفسك و أرخيت عنه عنانك. روي أن ثعلبة الأسدي سأل رسول الله عن هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم». فقال الرسول: و امر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر علي ما أصابك حتي اذا رأيت شحا مطاعا، و هوي متبعا، و اعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العامة و صاحب الأمر بالمعروف يحتاج الي أن يكون عالما بالحلال و الحرام فارغا من خاصة نفسه مما

يأمرهم به، و ينتهي مما نهي عنه ناصحا للخلق، رحيما لهم، رفيقا [ صفحه 258] بهم داعيا لهم باللطف و حسن البيان، عارفا بتفاوت أخلاقهم، لينزل كلا منزلته بصيرا بمكر النفس و مكايد الشيطان، و صابرا علي ما يلحقه، لا يكافئهم بها، و لا يشكو منهم، و لا يستعمل الحمية و لا يفتك لنفسه مجردا نيته لله مستعينا به و مبتغيا وجهه. فان خالفوه صبر، و ان وافقوه و قبلوا منه شكر مفوضا أمره الي الله ناظرا الي عيبه... [ صفحه 259]

في آفة العلماء

قال الصادق: الخشية ميزان [144] العلم، و العلم شعاع المعرفة و قلب الايمان. و من حرم الخشية لا يكون عالما، و ان يشق الشعر بمتشابهات العلم.. قال الله عزوجل: «انما يخشي الله من عباده العلماء» [145] . و آفة العلماء ثمانية [146] أشياء: الطمع، و البخل، و الرياء، و العصبية و حب المدح، و الخوض فيما لم يصلوا الي حقيقته، و التكلف في تزيين الكلام بزوايد الألفاظ و قلة الحياء من الله، و ترك العمل بما علموا. قال عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام: اشقي الناس من هو معروف بعلمه، مجهول بعمله. و قال النبي: لا تجلسوا عند كل داع مدع يدعوكم من اليقين الي الشك و من الاخلاص الي الرياء، و من التواضع الي الكبر، و من النصيحة الي العداوة و من الزهد الي الرغبة. و تقربوا الي عالم يدعوكم من الكبر الي التواضع، و من الرياء الي الاخلاص، [ صفحه 260] و من الشك الي اليقين، و من الرغبة الي الزهد، و من العداوة الي النصيحة، و لا يصلح لموعظة الخلق الا من جاوز هذه الآفات بصدقه و أشرف

علي عيوب الكلام و عرف الصحيح من السقيم و علل الخواط، و فتن النفس و الهوي. قال أميرالمؤمنين: كن كالطبيب الرفيق الشفيق الذي يضع الدواء بحيث ينفع. [ صفحه 261]

في آفة القراء

قال الصادق: المتقري ء بلاعلم كالمعجب بلامال و لا ملك. يبغض الناس لفقره، و يبغضونه لعجبه فهو أبدا مخاصم للخلق في غير واجب. و من خاصم الخلق في غير ما يؤمر به، فقد نازع الخالقية و الربوبية. قال الله تعالي: «و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير» [147] و ليس أحد أشد عقابا ممن لبس قميص [148] الدعوي بلاحقيقة و لا معني. قال زيد بن ثابت لابنه: يا بني لا يري الله اسمك في ديوان القراء... و قال النبي: سيأتي علي أمتي زمان تسمع فيه باسم الرجل خير من أن تلقي. و ان تلقي خير من أن تجرب. و قال النبي: أكثر منافقي أمتي قراؤها و كن حيث ندبت اليه و أمرت به، و اخف سرك في الخلق ما استطعت و اجعل طاعتك لله بمنزلة روحك من جسدك. وليكن معبر حالك ما تحققه بينك و بين بارئك، و استعن بالله في جميع أمورك، متضرعا الي الله في آناء ليلك و أطراف نهارك. قال الله تعالي: ادعوا ربكم تضرعا و خفية انه لا يحب المعتدين. و الاعتداء من صفة قراء زماننا هذا و علامتهم. فكن لله في جميع أمورك لئلا تقع في ميدان التمني فتهلك [149] . [ صفحه 263]

في بيان الحق و الباطل

قال الصادق: اتق الله و كن حيث شئت، و من أي قوم شئت. فانه لا خلاق لأحد الا في التقوي، و التقوي محبوب عند كل فريق، و فيه اجتماع كل خير و رشد و هو منير. ان كل علم و حكمة و اساس كل طاعة مقبول، و التقوي ماء ينفجر من عين المعرفة بالله تعالي يحتاج اليه

كل فتي من العلم. و هو لا يحتاج الا الي تصحيح المعرفة بالخمود تحت هيبة الله تعالي و سلطانه، و مزيد التقوي يكون من أصل اطلاع الله عزوجل علي سر العبد بلطفه، و هذا أصل كل حق. و أما الباطل فهو ما يقطعك عن الله متفق عليه أيضا عند كل فريق، فاجتنب عنه و أفرد سرك لله تعالي بلاعلاقة. قال رسول الله. أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد حيث قال: - ألا كل شي ء ما سوي [150] الله باطل و كل نعيم لا محالة زائل فالزم ما أجمع عليه أهل الصفا و التقي و التقوي من أصول الدين و حقايق اليقين [ صفحه 264] و الرضا و التسليم. و لا تدخل في اختلاف الخلق و مقالاتهم فيصعب عليك. و قد أجمعت الأمة المختارة بأن الله واحد ليس كمثله شي ء و انه عدل في حكمه و يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد. و لا يقال في شي ء من صنعه، لم و لا يكون شي ء الا بمشيئته و ارادته و انه قادر علي ما يشاء، و صادق في وعده و وعيده. و ان القرآن كلامه و أنه كان قبل الكون و المكان و الزمان، و ان احداث الكون و فناءه عنده سواء ما ازداد باحداثه علما، و لا ينقص بافنائه ملكه عز سلطانه و جل سبحانه. فمن أورد عليك ما ينقص هذا الأصل فلا تقبله و جرد باطنك لذلك، تري بركاته عن قريب و تفوز مع الفائزين... [ صفحه 265]

في معرفة الأنبياء

قال الصادق: ان الله عزوجل مكن الانبياء من خزائن لطفه و كرمه و رحمته. و علمهم من مخزون علمه و أفردهم من جميع الخلائق اذ

جعلهم لنفسه، فلا يشبه أحوالهم و أخلاقهم أحد من الخلائق أجمعين. اذ جعلهم وسائل سائر الخلق اليه، و جعل حبهم و طاعتهم سبب رضاه و خلافهم و انكارهم سبب سخطه. و أمر كل قوم و فئة، باتباع ملة رسولهم، ثم أبي أن يقبل طاعة [151] الا بطاعتهم و تمجيدهم و معرفة حبهم و تبجيلهم و حرمتهم و وقارهم و تعظيمهم، و جاههم عند الله تعالي، فعظم جميع أنبياء الله تعالي و لا تنزلهم منزلة أحد ممن دونهم، و لا تتصرف بعقلك في مقاماتهم و أحوالهم و اخلاقهم، الا ببيان محكم من عند الله، و اجتماع أهل البصائر بدلائل يتحقق بها فضائلهم و مراتبهم، بالوصول الي حقيقة مالهم عند الله تعالي، فان قابلت أقوالهم و أفعالهم بمن دونهم من الناس أجمعين، فقد أسأت صحبتهم، و أنكرت معرفتهم، و جهلت خصوصيتهم بالله، و سقطت عن درجة حقائق الايمان و المعرفة فاياك ثم اياك. [ صفحه 267]

في معرفة الأئمة

قال الصادق: روي باسناد صحيح عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و سلم، فلما نظر الي قال: يا سلمان ان الله عزوجل لم يبعث نبيا و لا رسولا الا و له اثناعشر نقيبا. قال قلت: يا رسول الله عرفت هذا من أهل الكتابين. قال يا سلمان: هل علمت نقبائي الاثني عشر، الذين اختارهم الله للامامة من بعدي. فقلت: الله و رسوله اعلم. فقال: يا سلمان خلقني الله تعالي من صفوة نوره و دعاني فأطعته، فخلق من نوري عليا و دعاه فأطاعه. فخلق من نوري و نور علي فاطمة و دعاها فأطاعته. و خلق مني و من علي و فاطمة: الحسن و الحسين فدعاهما

فأطاعاه، فسمانا الله بخمسة أسماء من أسمائه: فالله تعالي المحمود و أنا محمد، والله العلي. و هذا علي والله الفاطر و هذه فاطمة والله ذو الاحسان و هذا الحسن والله المحسن و هذا الحسين و خلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه من قبل أن يخلق الله تعالي سماء مبنية أو أرضا مدحية أو هواء أو ملكا أو بشرا، و كنا أنوارا نسبحه و نسمع له و نطيع. قال فقلت: يا رسول الله: بأبي أنت و أمي ما لمن عرف هؤلاء حق معرفتهم فقال يا سلمان: من عرفهم حق معرفتهم و اقتدي بهم فوالاهم و تبرأ من عدوهم كان والله منا يرد حيث نرد، و يسكن حيث نسكن. فقلت يا رسول الله: فهل ايمان بغير معرفتهم باسمائهم و أنسابهم: فقال: لا يا سلمان. قلت: يا رسول الله فأعلمني بهم. [ صفحه 268] فقال: قد عرفت الي الحسين. قلت: نعم. قال رسول الله: ثم سيدالعابدين علي بن الحسين، ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين و الآخرين من النبيين و المرسلين، ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثم موسي بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله، ثم علي بن موسي الرضا الراضي بسر الله، ثم محمد بن علي المختار من خلق الله، ثم علي بن محمد الهادي الي الله، ثم الحسن بن علي الصامت الأمين علي سر الله، ثم فلان سماه بابن الحسن الناطق القائم بحق الله. قال سلمان: فبكيت. ثم قلت: يا رسول الله اني مؤجل الي عهدهم. قال: يا سلمان اقرأ. فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد، فجاسوا خلال الديار و كان وعدا مفعولا، ثم رددنا

لكم الكرة عليهم، و أمددناكم بأموال و بنين و جعلناكم أكثر نفيرا. قال: فاشتد بكائي و شوقي. و قلت: يا رسول أبعهد منك؟ فقال: أي و الذي أرسلني لبعهد مني و بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و تسعة أئمة من ولد الحسين عليهم السلام، و بك و من هو منا و مظلوم فينا، و كل من محض الايمان محضا، أي والله يا سلمان ثم ليحضرن ابليس و جنوده، و كل من محض الكفر محضا حتي يؤخذ بالقصاص و الاوتار و التراث، و لا يظلم ربك أحدا. و نحن تأويل هذه الآية: «و نريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين... و نمكن لهم في الأرض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون. قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله. و ما يبالي سلمان كيف لقي الموت أو لقيه. [ صفحه 269]

في معرفة الصحابة

قال الصادق: لا تدع اليقين بالشك، و المكشوف بالخفي، و لا تحكم علي ما لم تره [152] بما تروي عنه [153] قد عظم الله عزوجل أمر الغيبة و سوءالظن باخوانك من المؤمنين. فكيف بالجرأة علي اطلاق قول و اعتقاد زور و بهتان في اصحاب رسول الله. قال عزوجل: «اذ تلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم» [154] و ما دمت تجد الي تحسين القول و الفعل في غيبتك و حضرتك سبيلا، فلا تتخذ غيره. قال الله تعالي: «و قولوا للناس حسنا». و اعلم ان الله تعالي اختار لنبيه من أصحابه طائفة أكرمهم بأجل الكرامة، و حلاهم بحلية التأييد و النصر

و الاستقامة لصحبته علي المحبوب و المكروه. و أنطق لسان نبيه محمد بفضائلهم و مناقبهم و كراماتهم. و اعتقد [155] محبتهم، و اذكر فضلهم و احذر مجالسة أهل البدع فانها تنبت في [ صفحه 270] القلب كفرا و ضلالا مبينا. و ان اشتبه عليك فضيلة بعضهم، فكلهم الي عالم الغيب. و قل اللهم اني محب لمن أحببته أنت و رسولك، و مبغض لمن أبغضته أنت و رسولك، فانه لم يكلفك فوق ذلك... [ صفحه 271]

في حرمة المؤمنين

قال الصادق: لا يعظم حرمة المؤمنين [156] الا من قد عظم الله حرمته علي المؤمنين. و من كان أبلغ حرمة لله و رسوله كان أشد تعظيما لحرمة المؤمنين و من استهان لحرمة [157] المؤمنين، فقد هتك ستر ايمانه. قال النبي: ان من اجلال الله اعظام ذوي القربي في الايمان و قال رسول الله: من لم يرحم صغيرا، و لم يوفر كبيرا فليس منا. و لا تكفر مسلما بذنب تكفره التوبة، الا من ذكره الله، في كتابه قال الله تعالي: «ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار» [158] . و اشتغل بشأنك الذي أنت به مطالب. [ صفحه 273]

في بر الوالدين

قال الصادق: بر الوالدين من حسن معرفة العبد بالله. اذ لا عبادة أسرع بلوغا لصاحبها الي رضا الله، من بر الوالدين المؤمنين لوجه الله تعالي. لأن حق الوالدين مشتق من حق الله تعالي، اذا كانا علي منهاج الدين و السنة. و لا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله الي طاعتهما [159] و من اليقين الي الشك، و من الزهد الي الدنيا، و لا يدعوانه الي خلاف ذلك. فاذا كانا كذلك، فمعصيتهما طاعة. و طاعتهما معصية. قال الله تعالي: «و ان جاهداك علي لتشرك بي ما ليس لك به علم، فلا تطعهما الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» [160] و أما في باب المصاحبة [161] فقاربهما و ارفق بهما، فيما قد وسع الله عليك من المأمول و الملبوس و لا تحول وجهك [162] عنهما، و لا ترفع صوتك فوق صوتهما. [ صفحه 274] فان تعظيمهما من أمر الله، و قل لهما بأحسن القول و الطف بهما فان الله لا يضيع أجر المحسنين... [ صفحه 275]

في الموعظة

قال الصادق: أحسن الموعظة ما لا تجاوز القول حد الصدق و الفعل حد الاخلاص. فان مثل الواعظ و المتعظ كاليقظان و الراقد. فمن استيقظ عن رقدة غفلته و مخالفاته و معاصيه، صلح أن يوقظ غيره من ذلك الرقاد، و أما السائر في مفاوز الاعتداء و الغائص في مراتع الغي و ترك الحياء باستحباب السمعة، و الرياء و الشهرة و التصنيع [163] الي الخلق المتزي بزي الصالحين المظهر [164] عمارة، و باطنه في الحقيقة خال عنهما قد غمرتها وحشة حب المحمدة، و غشيتها ظلمة الطمع. فما افتنه بهواه و أضل الناس بمقاله. قال الله تعالي: «لبئس المولي، و لبئس العشير» [165]

و اما من عصمه الله بنور التأييد و حسن التوفيق، فطهر قلبه من الدنس، فلا يفارق المعرفة و التقي، فيسمع الكلام من الأصل و يترك قائله كيف ما كان. قالت الحكماء: خذ الحكمة من أفواه المجانين. قال عيسي عليه السلام: [ صفحه 276] جالسوا من يذكركم الله رؤيته و لقاؤه فضلا عن الكلام، و لا تجالسوا من توافقه ظواهركم و تخالفه بواطنكم، فان ذلك المدعي بما ليس له ان كنتم صادقين في استفادتكم. فاذا لقيت من ثلاث خصال فاغتنم رؤياه و لقاه و مجالسته، و لو كان ساعة. فان ذلك يؤثر في دينك و قلبك و عبادتك بركاته. فمن كان كلامه لا يتجاوز فعله، و فعله لا يجاوز صدقه و صدقه لا ينازع ربه، فجالسه بالحرمة، و انتظر الرحمة و البركة، و احذر لزوم الحجة عليك، و راع وقته كيلا تلومه فتخسر، و انظر اليه بعين فضل الله عليه و تخصيصه له و كرامته اياه... [ صفحه 277]

في الوصية

قال الصادق: أفضل الوصايا و ألزمها، ان لا تنسي ربك، و ان تذكره دائما، و لا تعصيه و تعبده قاعدا و قائما. و لا تغتر بنعمته و اشكره أبدا، و لا تخرج من تحت استار رحمته و عظمته و جلاله، فتضل و تقع في ميدان الهلاك. و ان مسك البلاء و الضراء، و أحرقتك نيران المحن، و اعلم أن بلاياه محشوة بكراماته الأبدية و محنه مورثة رضاه و قربه و لو بعد حين. فيا لها من انعم لمن علم، و وفق لذلك. روي أن رجلا استوصي رسول الله: فقال لا تغضب قط، فان فيه منازعة ربك. فقال: زدني. فقال: اياك و ما تعتذر منه، فان فيه الشرك

الخفي. فقال: زدني. فقال صلوات الله عليه صل صلوات مودع فان فيه الوصلة و القربي. فقال: زدني. فقال استح من الله استحياءك من صالحي جيرانك. فان فيها زيادة اليقين. و قد جمع الله ما يتواصي به المتواصون من الأولين و الآخرين في خصلة واحدة. و هي التقوي. قال الله عزوجل: «و لقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و اياكم ان اتقوا الله» [166] و فيه جماع كل عبادة صالحة، و به وصل من وصل الي الدرجات العلي، [ صفحه 278] و الرتبة القصوي، و به عاش من عاش الحياة الطيبة، و الأنس الدايم. قال الله عزوجل: «ان المتقين في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر» [167] . [ صفحه 279]

في الصدق

قال الصادق: الصدق نور متشعشع في عالمه، كالشمس يستضي ء بها كل شي ء تغشاها من غير نقصان يقع علي معناها. و الصادق حقا هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة صدق ما لديه و هو المعني الذي لا يسع معه سواه أو ضده. مثل آدم علي نبينا و آله و عليه السلام صدق ابليس في كذبه حين أقسم له كاذبا لعدم مابه [168] من الكذب في آدم قال الله تعالي: «و لم نجد له عزما» [169] لان أبليس ابدع شيئا كان أول من أبدعه و هو غير معهود ظاهرا و باطنا. فخسر هو بكذبه علي معني لم ينتفع به من صدق آدم علي بقاء الأبد. و أفاد آدم بتصديقه كذبه بشهادة الله عزوجل له بنفي عزمه عما يضاد عهده في الحقيقة علي معني لم ينتقص من اصطفائه بكذبه شيئا. فالصدق صفة الصادق، و حقيقة الصدق تقتضي تزكية الله تعالي لعبده، كما ذكر عن

صدق عيسي في القيامة بسبب ما أشار اليه من صدقه. و هو براءة الصادقين من رجال أمة محمد صلي الله عليه و سلم. [ صفحه 280] فقال الله تعالي: «هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم» [170] و قال أميرالمؤمنين: الصدق سيف الله في أرضه و سمائه اينما هو به نفذ، فاذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم كاذب؟ فانظر في حدق معناك و عقد [171] و غيرهما بفسطاس من الله تعالي كأنك في القيامة. قال الله تعالي: «و الوزن يومئذ الحق» [172] ، فاذا اعتدل معناك بغور دعواك، ثبت لك الصدق ان لا يخالف اللسان القلب، و لا القلب اللسان» و مثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع لروحه لم ينزع فماذا يصنع. [ صفحه 281]

في التوكل

قال الصادق: التوكل كأس مختوم بختام الله عزوجل، فلا يشرب بها و لا يفض ختامها الا المتوكلون. كما قال الله تعالي: «و علي الله فليتوكل المتوكلون» [173] و قال عزوجل: «و علي الله فتوكلوا كنتم مؤمنين» [174] . جعل الله التوكل مفتاح الايمان و الايمان قفل التوكل، و حقيقة التوكل الايثار. و أصل الايثار تقديم الشي ء بحقه. و لا ينفك المتوكل في توكله من اثبات احد الايثارين، فان أثر المعلول و هو الكون حجب به، و ان اثر المعلل علة التوكل و هو الباري سبحانه و تعالي معه و ان اردت أن تكون متوكلا لا متعللا فكبر علي روحك خمس تكبيرات، ودع أمانيك كلها توديع الموت للحياة. و أدني جد التوكل ألا تسابق مقدومك [175] بالهمة، و لا تطالع مقسومك، و لا تستشرف معدومك فتنتقض باحدهما عقد ايمانك و انت لا تشعر، و ان عزمت أن تقف علي بعض

شعار المتوكلين [176] في توكلهم من اثبات احد [ صفحه 282] الايثارين حقا، فاعتصم بعروة هذه الحكاية. و هي أنه روي، أن بعض المتوكلين قدم علي بعض الائمة عليهم السلام فقال له: اعطف علي بجواب مسألة في التوكل و الامام كان يعرف الرجل بحسن التوكل و نفيس الورع، و اشرف علي صديقه فيما سأل عنه من قبل ابدائه اياه. فقال له: قف أوط مكانك و انظرني ساعة. فبينا هو مطرق لجوابه اذا اجتاز بهما فقير. فأدخل الامام يده في جيبه و أخرج شيئا فناوله الفقير، ثم أقبل علي السائل. فقال له: هات و سل عما بدالك. فقال السائل: ايها الامام كنت أعرفك قادرا متمكنا من جواب مسألة قبل أن استنظرتني، فما شأنك في ابطائك عني الجواب. فقال الامام: لتعتبر المعني [177] قبل كلامي اذا لم أكن اراني ساهيا بسري و ربي، مطلع عليه أن أتكلم بعلم التوكل و في جيبي دانق [178] ثم لم يحل لي ذلك الا بعد ايثاره. فافهم فشهق السائل شهقة و حلف الا يأوي عمرانا و لا يأنس ببشر ما عاش. [ صفحه 283]

في الاخلاص

قال الصادق: الاخلاص يجمع فواضل [179] الاعمال، و هو معني مفتاحه القبول، و توقيعه الرضا. فمن تقبل الله منه و رضي عنه فهو المخلص، و ان قل عمله. و من لا يتقبل الله منه فليس بمخلص و ان كثر عمله اعتبارا بآدم و ابليس عليه اللعنة. و علامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل محاب مع اصابة علم كل حركة و سكون. و المخلص ذائب روحه، باذل مهجته في تقويم ما به العلم و الأعمال، و العامل و المعمول بالعمل، لأنه اذا أدرك ذلك ففقد أدرك الكل، و

اذا فاته ذلك فاته الكل. و هو تصفية معاني التنزيه في التوحيد كما قال: الا هلك العاملون الا العابدين، و هلك العابدون الا العالمين، و هلك المخلصون الا المتقين، و هلك المتقون الا الموقنين، و ان الموقنين لعلي خطر عظيم. قال الله تعالي: «و اعبد ربك حتي يأتيك اليقين» [180] . و أدني حد الاخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا، فيوجب به علي ربه مكافأة بعمله، انه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز، و أدني مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام، و في الاخرة النجاة من النار و الفوز بالجنة... [ صفحه 285]

في معرفة الجهل

قال الصادق: الجهل صورة ركبت في الدنيا اقبالها ظلمة و ادبارها نور، و العبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس. ألا تري الي الانسان تجده جاهلا بخصال نفسه حامدا لها، عارفا بعيبها في غيره، ساخطا لها [181] ، و تارة تجده عالما بطباعه، ساخطا لها، حامدا لها في غيره و هو متقلب بين العصمة و الخذلان. فان قابلته العصمة أصاب، و ان قابله الخذلان أخطأ. و مفتاح الجهل الرضا و الاعتقاد به. و مفتاح العلم الاستبدال مع اصابة مرافقة التوفيق. و أدني صفة الجاهل دعواه بالعلم بلااستحقاق و أوسطه جهله بالجهل، و أقصاه جحوده بالعلم، و ليس شي ء اثباته حقيقة نفيه الا الجهل، و الدنيا و الحرص. فالكل منهم كواحد أو الواحد منهم كالكل. [ صفحه 287]

في تبجيل الاخوان

قال الصادق: مصافحة اخوان الدين أصلها من محبة الله لهم. قال رسول الله: ما تصافح اخوان في الله الا تناثرت ذنوبهما حتي يعودا كيوم ولدتهما أمهما، و لا كثر حبهما و تبجيلهما كل واحد لصاحبه الا كان له مزيد. و الواجب علي اعلمهما بدين الله أن يريد [182] صاحبه في فنون الفرائد [183] أبدا التي أكرمه الله بها، و يرشده الي الاستقامة و الرضا و القناعة، و يبشره برحمة الله،. و يخوفه من عذابه. و علي الاخوان يتبارك باهتدائه و يمسك بما يدعوه اليه، و يعظه به و يستدل بما يدله اليه معتصما بالله و مستعينا به لتوفيقه علي ذلك. قيل لعيسي بن مريم علي نبينا و آله و عليه السلام كيف اصبحت قال: لا أملك نفع ما أرجو، و لا أستطيع دفع ما أحذر، مأمورا بالطاعة و منهيا عن المعصية، فلا أري فقيرا أفقر مني و قيل

لأويس القرني كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح رجل اذا أصبح لا يدري، أيمسي، و اذا أمسي لا يدري أيصبح. قال أبوذر رضي الله عنه: أصبحت أشكر ربي و أشكر نفسي. قال النبي عليه السلام: من أصبح و همته غير الله فقد أصبح من الخاسرين المعتدين. [ صفحه 288]

في التوبة

قال الصادق: التوبة حبل الله و مدد عنايته، و لابد للعبد من مداومة التوبة علي كل حال. و كل فرقة من العباد لهم توبة. فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، و توبة الأولياء من تلوين اللخطرات، و توبة الاصفياء من التنفيس، و توبة الخاص من الاشتغال بغير الله، و توبة العام من الذنوب و لكل واحد منهم معرفة و علم في أصل توبته، و منتهي أمره. و ذلك يطول شرحه هاهنا. و فأما توبة العام فان يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة و الاعتراف بجنايته دائما. و اعتقاد الندم علي ما مضي، و الخوف علي ما بقي من عمره. و لا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك الي الكسل، و يديم البكاء و الأسف علي ما فاته من طاعة الله. و يحبس نفسه من الشهوات و يستغيث الي الله تعالي لحفظه علي وفاء توبته، و يعصمه عن العود الي ما أسلف [184] ، و يرفض نفسه في ميدان الجهد و العبادة، و يقضي عن الفوائت من الفرائض، و يرد المظالم، و يعتزل قرناء السوء، و يسهر ليله و يظمأ نهاره، و يتفكر دائما في عاقبته و يستعين بالله سائلا منه الاستقامة في سرائه و ضرائه. و يثبت [185] عند المحن و البلاء، وكيلا يسقط عن درجة التوابين، فان في ذلك طهارة من ذنوبه و زيادة في عمله، و رفعة في

درجاته. [ صفحه 290] قال عزوجل: «فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين» [186] . [ صفحه 291]

في الجهاد و الرياضة

قال الصادق: طوبي لعبد جاهد لله نفسه و هواه. و من هزم حينئذ هواه ظفر برضي الله. و من جاوز عقله نفسه الامارة بالسوء بالجهد و الاستكانة و الخضوع علي بساط خدمة الله تعالي، فقد فاز فوزا عظيما. و لا حجاب أظلم و أوحش بين العبد و بين الله تعالي من النفس و الهوي، و ليس لقتلهما و قطعهما سلاح و اله، مثل الافتقار الي الله سبحانه. و الخشوع و الجوع و الظمأ بالنهار، و السهر بالليل، فان مات صاحبه مات شهيدا، و ان عاش و استقام اداه عاقبته الي الرضوان الأكبر. قال الله عزوجل: «و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، و ان الله لمع المحسنين». و اذا رأيت مجتهدا أبلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك و لمها و عيرها تحثيثا علي الازدياد عيه. و اجعل لها زمانا من الأمر و عنانا من النهي و سقها كالرايض [187] الفاره [188] الذي لا يذهب عليه خطوة من خطواتها، الا و قد صحح أولها و آخرها. و كان [ صفحه 292] رسول الله يصلي حتي تتورم قدماه و يقول: أفلا أكون عبدا شاكرا. اراد أن تعتبر به أمته، فلا تغفلوا عن الاجتهاد و التعبد و الرياضة بحال. الا و انك لو وجدت حلاوة عبادة الله و رأيت بركاتها و استضأت بنورها لم تصبر عنها ساعة واحدة، و لو قطعت اربا اربا. فما أعرض من أعرض عنها الا بحرمان فوايد السلف من العصمة و التوفيق. قيل لربيع بن خيثم، مالك لا تنام بالليل: قال: لأني أخاف البيات [189] .

[ صفحه 293]

في الفساد

قال الصادق: فساد الظاهر من فساد الباطن. و من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته. و من خاف الله في السر لم يهتك الله علانيته. و من خاف الله في السر هتك الله ستره في العلانية. و اعظم الفساد أن يرضي العبد بالغفلة عن الله تعالي. و هذا الفساد يتولد من طول الأمل و الحرص و الكبر، كما أخبر الله في قصة قارون في قوله: و لا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين... و كانت هذه الخصال من صنع قارون و اعتقاده. و أصلها من حب الدنيا و جمعها و متابعة النفس و هواها و اقامة شهواتها و حب المحمدية و موافقة الشيطان، و اتباع خطواته. و كل ذلك يجتمع [190] بحسب الغفلة عن الله و نسيان مننه، و علاج ذلك الفرار من الناس، و رفض الدنيا و طلاق الراحة، و الانقطاع عن العادات، و قطع عروق منابت الشهوات بدوام الذكر لله عزوجل، و لزوم الطاعة له، و احتمال جفاء الخلق و ملامة القرين و شماتة العدو من الأهل و القرابة، فاذا فعلت ذلك فقد فتحت عليك باب عطف الله و حسن نظره اليك بالمغفرة و الرحمة، و خرجت من جملة الغافلين و فككت قلبك من أسر الشيطان، و قدمت باب الله في معشر الواردين اليه، و سلكت مسلكا رجوت الاذن بالدخول علي الملك الكريم الجواد الرحيم، و استيطاء بساطه علي شرط الاذن لا يحرم سلامته و كرامته، لأنه الملك الجواد الرحيم... [ صفحه 295]

في التقوي

قال الصادق: التقوي علي ثلاثة أوجه: تقوي بالله، و هو ترك الحلال فضلا عن الشبهة، و هو تقوي خاص. و تقوي من الله تعالي، و هو ترك

الشبهات فضلا عن الحرام، و هو تقوي الخاص، و تقوي من خوف النار و العقاب، و هو ترك الحرام، و هو تقوي عام. و مثل التقوي كماء يجري في نهر، و مثل هذه الطبقات الثلاث في معني التقوي كأشجار مغروسة علي حافة ذلك النهر من كل لون و جنس. و كل شجرة منها يتمص. الماء من ذلك النهر علي قدر جوهره و طعمه و لطافته و كثافته. ثم منافع الخلق من ذلك الأشجار و الثمار علي قدرها و قيمتها... قال الله تعالي: «صنوان و غير صنوان يسقي بماء واحد و نفضل بعضها علي بعض في الأكل» [191] فالتقوي للطاعات كالماء للأشجار. و مثل طبائع الأشجار و الثمار في لونها و طعمها مثل مقادير الايمان، فمن كان أعلي درجة في الايمان، و أصفي جوهرا بالروح كان أتقي. و من كان أتقي كانت عبادته أخلص و أطهر. و من كان كذلك كان [ صفحه 296] من الله اقرب. و كل عبادة مؤسسة علي غير التقوي فهي هباء منثور. قال الله تعالي: «أفمن أسس بنيان علي تقوي من الله و رضوان خير أم من أسس بنيانه علي شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم» [192] . و تفسير التقوي ترك ما ليس آخذه بأس حذرا مما به البأس، و هو في الحقيقة طاعة بلاعصيان، و ذكر بلانسيان، و علم بلاجهل مقبول غير مردود... [ صفحه 297]

في ذكر الموت

قال الصادق: ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، و يقطع منابت الغفلة، و يقوي القلب بمواعد الله، و يرق الطبع، و يكسر أعلام الهوي، و يطفي ء نار الحرص، و يحقر الدنيا. و هو معني ما قال النبي: فكر ساعة خير

من عبادة سنة و ذلك عندما يحل أطناب خيام الدنيا، و يشدها في الآخرة، و لا يسكن نزول الرحمة عند [193] ذكر الموت بهذه الصفة. من لا يعتبر بالموت و قلة حيلته و كثرة عجزه و طول مقامه في القبر، و تحيره في القيامة، فلا خير فيه. قال النبي: اذكروا هادم اللذات قيل و ما هو يا رسول الله؟ فقال: الموت. فما ذكره عبد علي الحقيقة في ساعة الاضاقت عليه الدنيا، و لا في شدة الا اتسعت عليه. و الموت أول منازل الآخرة، و آخر منزل من منازل الدنيا. فطوبي لمن أكرم عند النزول بأولها. و طوبي لمن أحسن متابعته في آخرها و الموت أقرب الاشياء من بني آدم، [ صفحه 298] و هو يعده أبعد فما أجري ء الانسان علي نفسه، و ما أضعفه من خلق، و في الموت نجاة المخلصين و هلاك المجرمين. و لذلك اشتاق من اشتاق الموت، و كره من كره. قال النبي: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، و من كره لقاء الله كره الله لقاءه. [ صفحه 299]

في الحساب

قال الصادق: لو لم يكن للحساب هولة الا حياء العرض علي الله تعالي، و فضيحة هتك السر علي المخفيات لحق للمرء أن لا يهبط من رؤوس الجبال،و لا يأوي الي عمران، و لا يأكل و لا يشرب و لا ينام، الا عن الضطرار متصل بالتلف... و مثل ذلك يفعل من يري القيامة بأهوالها و شدائدها، قائمة في كل نفس، و يعاين بالقلب الوقوف بين يدي الجبار، حينئذ يأخذ نفسه بالمحاسبة، كأنه الي عرصاتها مدعو و في غمراتها مسؤول. قال الله تعالي: «و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و

كفي بنا حاسبين» [194] و قال بعض الائمة: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا؛ وزنوا أعمالكم بميزان الحياء قبل أن توزنوا. و قال أبوذر رحمه الله. ذكر الجنة موت، و ذكر النار موت فواعجب النفس تحيا بين موتين. و روي عن يحي بن زكريا كان يفكر في طول الليل في امر الجنة و النار فيسهر ليلته، و لا يأخذه النوم. ثم يقول عند الصباح: اللهم اين المفر و اين المستقر [195] ، اللهم الا اليك. [ صفحه 300]

في حسن الظن

قال الصادق: حسن الظن أصله من حسن ايمان المرء و سلامة صدره. و علامته أن يري كلما نظر اليه بعين الطهارة. و الفضل من حيث ركب فيه، و قل من في قلبه الحياء و الأمانة و الصيانة و الصدق... قال النبي: أحسنوا ظنونكم باخوانكم تغتنموا بها صفاء القلب و نقاء الطبع و قال الي ابن كعب. اذا رأيتم أحد اخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأولوها سبعين تأويلا، فان اطمأنت قلوبكم علي أحدها، و الا فلوموا أنفسكم و ان تقدروا [196] في خصلة يسرها [197] عليه سبعين تأويلا، فأنتم أولي بالأفكار علي أنفسكم منه. أوحي الله تبارك و تعالي الي داود ذكر عبادي بآلائي و نعمائي، فانهم لم يروا مني الا الحسن الجميل، لئلا يظنوا في الباقي الا مثل الذي سلف مني اليهم. و حسن الظن يدعو الي حسن العبادة، و المغرور يتمادي في المعصية و يتمني المغفرة، و لا يكون محسن [198] الظن في خلق الله الا المطيع له، يرجو ثوابه و يخاف عقابه. [ صفحه 302] قال رسول الله: يحكي عن ربه أنا عند حسن ظن عبدي بي يا محمد فمن زاغ عن وفاء حقيقة موجبات ظنه

بربه، فقد أعظم الحجة علي نفسه و كان من المخدوعين في أسر هواه. [ صفحه 303]

في التفويض

قال الصادق: المفوض أمره الي الله تعالي في راحة الأبد و العيش الدائم الرغد. و المفوض حقا هو العالي [199] عن كل همة دون الله تعالي... كما قال أميرالمؤمنين: رضيت بما قسم الله لي، و فوضت امري الي خالقي، كما أحسن الله فيما مضي. و كذلك يحسن فيما بقي. و قال الله عزوجل في مؤمن آل فرعون: «و أفوض امري الي الله ان الله بصيرا بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا و حاق بآل فرعون سوء العذاب» [200] . و التفويض خمسة أحرف لكل حرف منها حكم فمن أتي باحكامه فقد أتي به التاء من تركه التدبير في الدنيا، و الفاء من فناء كل همة غير الله. و الواو من وفاء العهد و تصديق الوعد، و الياء: اليأس من نفسك و اليقين بربك، و الضاد من الضمير الصافي لله، و الضرورة اليه، و المفوض لا يصبح الا سالما من جميع الآفات، و لا يمسي الا معافي بدينه [201] . [ صفحه 305]

في اليقين

قال الصادق: اليقين يوصل العبد الي كل حال سني، و مقام عجيب، كذلك أخبر رسول الله عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أن عيسي عليه السلام كان يمشي علي الماء. فقال: لو زاد يقينه لمشي علي الهواء. فدل بهذا علي أن الأنبياء مع جلالة محلهم من الله، كانت [202] تتفاضل علي حقيقة اليقين لا غير و لا نهاية بزيادة اليقين علي الأبد. و المؤمنون أيضا متفاوتون في قوة اليقين و ضعفه، فمن قوي منهم يقينه فعلامته التبري من الحول و القوة الا بالله، و الاستقامة علي أمر الله و عبادته ظاهرا و باطنا، و قد استوت عنده حالتا العدم و الوجود و الزيادة و

النقصان، و المدح و الذم، و العز و الذل، لأنه يري كلها من عين واحدة. و من ضعف يقينه تعلق بالأسباب، و رخص لنفسه بذلك و اتبع العادات و أقاويل الناس بغير حقيقة، و السعي في أمر الدنيا و جمعها و امساكها مقرا باللسان أنه لا مانع و لا معطي الا الله. و ان العبد لا يصيب الا ما رزق و قسم له، و الجهد لا يزيد في [ صفحه 306] الرزق و ينكر ذلك بفعله و قلبه. و قال الله تعالي: «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون» [203] و انما عطف الله بعباده حيث أذن لهم بالكسب و الحركات في باب العيش ما لم يتعدوا حدوده، و لا يتركوا فرائضه و سنن نبيه في جميع حركاتهم، و لا يعدلوا عن محجة [204] التوكل، و لا يقفوا في ميدان الحرص. فاما اذا نسوا ذلك و ارتبطوا بخلاف ما حد لهم كانوا من الهالكين الذين ليس معهم في الحاصل الا الدعاوي الكاذبة، و كل مكتسب لا يكون متوكلا فلا يستجلب من كسبه لنفسه الا حراما و شبهة، و علامته أن يؤثر ما يحصل من كسبه و يجوع و ينفق في سبيل الدنيا، و لا يمسك المأذون بالكسب من كان بنفسه مكتسبا و بقلبه متوكلا، و ان كثر المال عنده قام فيه كالأمين عالما بأن كون ذلك المال و فوته سواء. و ان أمسك أمسك عما نهي الله، و ان أنفق، أنفق فيما أمره الله عزوجل و يكون منعها و اعطاؤها لله تعالي... [ صفحه 307]

في الخوف و الرجاء

قال الصادق: الخوف رقيب القلب و الرجاء شفيع النفس، و من كان بالله عارفا كان أمر

الله خائفا و اليه راجيا. و هما جناحا الايمان يطير بهما العبد [205] الي رضوان الله، و عينا عقله يبصر بهما الي وعد الله و وعيده. و للخوف طالع عدل الله باتقاء وعيده. و الرجاء داعي فضل الله و هو يحيي القلب، و الخوف يميت النفس. قال رسول الله: المؤمن بين خوفين: خوف ما مضي، و خوف ما بقي. و بموت النفس يكون حياة القلب، و بحياة القلب البلوغ الي الاستقامة. و من عبدالله علي ميزان الخوف و الرجاء لا يضل، و يصل الي ما هو له. و كيف لا يخاف العبد، و هو غير عالم بما يختم صحيفته، و لا له عمل يتوسل به استحقاقا، و لا قدرة له علي شي ء و لا مفر. و كيف لا يرجو و هو يعرف نفسه بالعجز، و هو غريق في بحر آلاء الله و نعمائه، من حيث لا تحصي و لا تعد. و المحب يعبد ربه علي الرجاء بمشاهدة أحواله بعين [206] سهر، و الزاهد يعبد علي الخوف. قال أويس [207] . [ صفحه 308] لهرم بن حيان: قد عمل الناس علي الرجاء؟ فقال بل نعمل علي الخوف. و الخوف خوفان: ثابت و معارض [208] فالثابت من الخوف يورث الرجاء. و المعارض منه يورث خوفا ثابتا. و الرجاء رجاءان: منه عاكف و باد. و العاكف منه يورث خوفا ثابتا يقوي نسبة المحبة. و البادي منه يصحح أهل العجز و التقصير و الحياء. [ صفحه 309]

في الرضاء

قال الصادق: صفة الرضا أن يرضي المحبوب و المكروه. و الرضا شعاع نور المعرفة. و الراضي فان عن جميع اختياره. و الراضي حقيقة هو المرضي عنه. و الرضا اسم يجتمع فيه

معاني العبودية. و تفسير الرضا سرور القلب. سمعت أن محمدا الباقر يقول تعلق القلب بالموجود شرك، و بالمفقود كفر، و هما خارجان من سنته. و اعجب بمن يدعي العبودية لله كيف ينازعه في مقدوراته حاشا الراضين العارفين عن ذلك. [ صفحه 311]

في البلاء

قال الصادق: البلاء زين المؤمن و كرامة لمن عقل، لأن في مباشرته و الصبر عليه، و الثبات عنده تصحيح نسبة الايمان. قال النبي: نحن معاشر الانبياء أشد الناس بلاء، و المؤمنون الأمثل فالأمثل، و من ذاق طعم البلاء تحت سر حفظ الله له تلذد به أكثر من تلذده بالنعمة، و اشتاق اليه اذا فقده. لأن تحت ميزان البلاء و المحنة أنوار النعمة، و تحت انوار النعمة نيران البلاء و المحنة، و قد ينجو من البلاء، و يهلك في النعمة كثير. و ما أثني الله علي عبد من عباده من لدن آدم الي محمد صلي الله عليه و سلم الا بعد ابتلائه و وفاء حق العبودية فيه. فكرامات الله في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء، و بدايات نهاياتها البلاء. و من خرج من سكة البلوي جعل سراج المؤمنين و مونس المقربين و دليل القاصدين. و لا خير في عبد شكي من محنة تقدمها الاف نعمة، و اتبعها آلاف راحة. و من لا يقضي حق الصبر في البلاء، حرم قضاء الشكر في النعماء، كل من لا يؤدي حق الشكر في النعماء يحرم من قضاء الصبر في البلاء. و من حرمها فهو من المطرودين. و قال ايوب في دعائه: اللهم قد أتي علي سبعون في الرخاء حتي تأتي علي سبعون في البلاء. و قال وهب: البلاء للمؤمن كالشكال للدابة، و العقال للابل، و قال أميرالمؤمنين: الصبر

من الايمان كالرأس من الجسد. رأس الصبر البلاء، و ما يعقلها الا العالمون... [ صفحه 313]

في الصبر

قال الصادق: الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور و الصفاء و الجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة و الوحشة. و الصبر يدعيه كل أحد، و ما يثبت عنده الا المختبون. و الجزع ينكره كل أحد، و هو بين علي المنافقين، لأن نزول المحنة و المصيبة مخبر عن الصادق و الكاذب. و تفسير الصبر ما يستسر [209] مذاقه و ما كان عن اضطراب. لا يسمي صبرا و تفسير الجزع اضطراب القلب و تحزن الشخص و تغير اللون، و تغير الحال. و كل نازلة خلت أوايلها من الاخبات و الانابة و التضرع الي الله، فصاحبها جزوع غير صابر. و الصبر ما أوله مر و آخره حلو لقوم، و لقوم مر أوله و آخره. فمن دخله من أواخره فقد دخل، و من دخله من أوايله فقد خرج. و من عرف قدر الصبر لا يصبر عما منه. قال الله تعالي في قصة موسي و الخضر عليهماالسلام: «و كيف تصبر علي ما لم تحط به خبرا» [210] فمن صبر كرها و لم يشك الي الخلق، و لم يجزع بهتك سره [211] فهو من [ صفحه 314] العام. نصيبه ما قال الله عزوجل: و بشر الصابرين. اي بالجنة و المغفرة. و من استقبل البلاء بالرحب و صبر علي سكينة و وقار فهو من الخاص. و نصيبه ما قال الله تعالي: «ان الله مع الصابرين» [212] . [ صفحه 315]

في الحزن

قال الصادق: الحزن من شعار العارفين لكثرة واردات الغيب علي سرائرهم، و طول مباهاتهم تحت ستر الكبرياء. و المحزون ظاهره قبض، و باطنه بسط يعيش مع الخلق عيش المرضي و مع الله عيش القربي. و المحزون غير المتفكر،

لأن المتفكر متكلف. و المحزون مطبوع. و الحزن يبدو من الباطن. و التفكر يبدو من تسوية المحدثات، و بينهما فرق. قال الله تعالي في قصة يعقوب: «انما أشكو بثي و حزني الي الله و اعلم من الله ما لا تعلمون» [213] . فبسبب ما تحت الحزن علم خص به من الله دون العالمين، قيل للربيع بن خيثم: مالك محزون. قال: لأني مطلوب. و يميز الحزن الانكسار و اشتماله الصمت، و الحزن يختص به العارفون لله. و التفكر يشترك فيه الخاص و العام. و لو حجب الحزن عن قلوب العارفين ساعة لاستغاثوا، و لو وضع في قلوب غيرهم لاستنكروه. فالحزن أول ثانية الأمن و البشارة، و التفكر ثان أوله تصحيح الايمان بالله، و الافتقار الي الله عزوجل بطلب النجاة و الخير من متفكر و المتفكر معتبر و كل منهما حال و علم و طريق و حلم و شرف... [ صفحه 317]

في الحياء

قال الصادق: الحياء نور جوهره رصد الايمان، و تفسيره التثبت [214] عند كل شي ء. و ينكره التوحيد و المعرفة. قال النبي: الحياء من الايمان. فقيل [215] الحياء بالايمان، و الايمان بالحياء و صاحب الحياء خير كله. و من حرم الحياء فهو شر كله، و ان تعبد و تورع. و ان خطوة يتخطاها في ساحات هيبة الله بالحياء منه اليه خير له من عبادة سبعين سنة. و الوقاحة صدر النفاق و الشقاق و الكفر. و قال رسول الله: اذا لم تستح فاعمل ما شئت. و اذا فارقت الحياء فكل ما عملت من خير و شر فأنت به معاقب. و قوة الحياء من الحزن. و الخوف و الحياء مسكن الخشية، و الحياء أوله الهيبة [216] و

صاحب الحياء مشتغل بشأنه، معتزل من الناس، مزدجر عما هم فيه، و لو تركوا صاحب الحياء ما جالس احدا. قال رسول الله: اذا أراد الله بعبد خيرا ألهاه عن محاسنه، و جعل مساويه بين عينيه، و كرهه مجالسة المعرضين عن ذكر الله. و الحياء خمسة أنواع: حياء ذنب، و حياء تقصير، و حياء كرامة، و حياء حب، و حياء هيبة، لكل واحد من ذلك أهل، و لأهله مرتبة علي حدة [ صفحه 319]

في الدعوي

قال الصادق: الدعوي بالحقيقة للأنبياء و الأئمة و الصديقين و أما المدعي بغير واجب فهو كابليس اللعين ادعي بالنسك، و هو علي الحقيقة منازع لربه، و مخالف لأمره. فمن ادعي أظهر الكذب، و الكاذب لا يكون مبينا، و من ادعي فيما لا يحل له، فتح عليه أبواب البلوي [217] و المدعي يطالب بالبينة لا محالة و هو مفلس فيفتضح. و الصادق لا يقال له لم؛ قال أميرالمؤمنين: الصادق لا يراه أحد الا هابه... [ صفحه 321]

في المعرفة

قال الصادق: العارف شخصه مع الخلق، و قلبه مع الله... و لو سها قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا اليه، و العارف أمين ودايع الله و كنز أسراره، و معدن أنواره. و دليل رحمته علي خلقه و مطية علومه، و ميزان فضله و عدله. و قد غني عن الخلق، و المراد و الدنيا و لا مؤنس له سوي الله و لا نطق و لا اشارة و لا نفس الا بالله و من الله و مع الله. فهو في رياض قدسه متردد. و من لطايف فضله اليه متزود، و المعرفة أصل، و فرعه الايمان. [ صفحه 323]

في حب الله

قال الصادق: حب الله اذا أضاء علي سر عبده، اخلاه عن كل شاغل، و كل ذكر سوي الله. و المحب اخلص الناس سرا لله، و أصدقهم قولا، و أوفاهم عهدا، و أزكاهم عملا، و اصفاهم ذكرا و أعبدهم نفسا تتباه الملائكة عند مناجاته، و تفتخر برؤيته، و به يعمر الله تعالي بلاده، و بكرامته يكرم الله عباده، يعطيهم [218] اذا سألوه بحقه، و يدفع عنهم البلايا برحمته. و لو علم الخلق ما محله عند الله، و منزلته لديه ما تقربوا الي الله الا تراب قدميه. و قال أميرالمؤمنين حب الله نار لا يمر علي شي ء الا احترق، نور الله لا يطلع علي شي ء الا أضاء، و سماء الله ما ظهر من تحته من شي ء الا غطاه، و ريح الله ما تهب في شي ء الا حركته. و ماء الله يحيا به كل شي ء. و أرض الله ينبت فيها كل شي ء. فمن أحب الله اعطاه كل شي ء من الملك و الملك [219] . قال النبي: اذا أحب الله عبدا

من أمتي، قذف في قلوب أصفيائه، و أرواح ملائكته، و سكان عرشه، محبته ليحبوه. فذلك المحب حقا. طوبي له ثم طوبي له، و له عند الله شفاعة يوم القيامة. [ صفحه 325]

في الحب في الله

قال الصادق: المحب في الله محب لله. و المحبوب في الله حبيب، لأنهما لا يتحابان الا في الله. قال رسول الله: المرء مع من أحب، فمن أحب عبدا في الله فانما أحب الله تعالي. و لا يحب الله تعالي الا من أحبه الله. قال رسول الله: أفضل الناس بعد النبيين في الدنيا و الآخرة لله [220] المتحابون فيه. و كل حب معلول يورث عداوة الا هذين: و هما من عين واحدة يزيدان أبدا و لا ينقصان. قال الله تعالي «الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين» [221] لأن أصل الحب التبري عن سوء المحبوب. و قال أميرالمؤمنين: ان أطيب شي ء في الجنة و الذه حب الله، و الحب في الله، و الحمد لله... قال الله عزوجل: و آخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين. و ذلك أنهم اذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في قلوبهم فينادون عند ذلك: «أن الحمد لله رب العالمين» [222] . [ صفحه 327]

في الشوق

قال الصادق: المشتاق لا يشتهي طعاما و لا شرابا، و لا يستطيب رقادا و لا يأنس حميما، و لا يأوي دارا، و لا يسكن عمرانا، و لا يلبس ثيابا [223] ، و لا يقر قرارا، و يعبد الله ليلا و نهارا، راجيا بأن يصل الي ما يشتاق اليه و يناجيه بلسان الشوق معبرا عما في سريرته. كما أخبر الله تعالي عن موسي في ميعاد ربه: و عجلت اليك رب لترضي. و فسر النبي عن حاله: انه ما أكل و لا شرب و لا نام و لا اشتهي شيئا من ذلك في ذهابه و مجيئه أربعين يوما شوقا الي ربه. فاذا دخلت ميدان الشوق،

فكبر علي نفسك و مرادك من الدنيا، و ودع جميع المألوفات، و اصرفه عن سوي مشوقك و لتبين حياتك و موتك. لبيك اللهم لبيك... أعظم الله أجرك. و مثل المشتاق مثل الغريق ليس له همة الا خلاصه. و قد نسي كل شي ء دونه... [ صفحه 329]

في الحكمة

قال الصادق: الحكمة ضياء المعرفة و ميزان التقوي و ثمرة الصدق و ما أنعم الله علي عبد [224] بنعمة أعظم و أنعم و أرفع، و اجزل و أبهي من الحكمة للقلب... قال الله تعالي «يؤتي الحكمة من يشاء، و من يؤتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر الا أولوا الألباب» [225] . أي لا يعلم ما أودعت و هيأت في الحكمة الا من استخلصته لنفسي و خصصته بها. و الحكمة هي النجاة. و صفة الحكمة الثبات عند أوائل الأمور، و الوقوف عند عواقبها. و هو هادي خلق الله علي الله تعالي. قال رسول الله: لأن يهدي الله علي يديك عبدا من عباده، خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الي مغاربها [ صفحه 330]

في حقيقة العبودية

قال الصادق: العبودية جوهرة، كنهها الربوبية. فما فقد من العبودية وجد في الربوبية. و ما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية. قال الله تعالي: «سنريهم آياتنا في الآفاق، و في أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه علي كل شي ء شهيد.» أي موجود في غيبتك و في حضرتك. و تفسير العبودية: بذل الكل و سبب ذلك منع النفس عما تهوي و حملها علي ما تكره. و مفتاح ذلك ترك الراحة و حب العزلة، و طريقه الافتقار الي الله تعالي. قال النبي: اعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك و حروف العبد ثلاثة (ع ب د) فالعين علمه بالله. و الباء بوق عمن سواه. و الداء دنوه من الله تعالي بلاكيف و لا حجاب. و أصول المعاملات تقع علي أربعة أوجه: معاملة الله تعالي، و معاملة النفس، و معاملة الخلق، و

معاملة الدنيا. و كل وجه منها منقسم علي سبعة أركان. أما أصول معاملة الله تعالي فسبعة أشياء: أداء حقه. و حفظ حده، و شكر عطائه، و الرضا بقضائه، و الصبر علي بلائه، و تعظيم حرمته و الشوق اليه. و أصول معاملة النفس سبعة: الجهد و الخوف و حمل الأذي و الرياضة و طلب الصدق و الاخلاص و اخراجها من محبوبها، و ربطها في الفقر.. [ صفحه 332] و أصول معاملة الخلق سبعة: الحلم و العفو و التواضع و السخاء و الشفقة، و النصح و العدل و الانصاف. و أصول معاملة الدنيا سبعة: الرضا بالدون، و الايثار بالموجود، و ترك طلب المفقود، و بغض الكثرة، و اختيار الزهد، و معرفة آفاتها و رفض شهواتها مع رفض الرياسة. فاذا حصلت هذه الخصال في نفس واحد فهو من خاصة الله و عباده المقربين و أوليائه حقا. قال الصادق: كتاب الله تعالي علي أربعة اشياء: العبارة و الاشارة و اللطائف و الحقائق. فالعبارة للعوام، و الاشارة للخواص و اللطائف للاولياء، و الحقائق للانبياء. الحمد لله رب العالمين... [ صفحه 335]

الصادق و المؤلفات

الانسان و الأعمال

مولده و نشأته

اختلف العلماء في ميلاد جعفر الصادق، فقيل انه ولد بالمدينة سنة 80 من الهجرة أي 699 ميلادية، و قيل ولد سنة 83 أي 702 ميلادية. و كانت ولادته كما يذكر ابن خلكان: «سنة ثمانين للهجرة، و قيل يوم الثلاثاء قبل طلوع الشمس ثامن شهر رمضان سنة ثلاث و ثمانين». [1] . و يؤكد الشيخ المفيد: «بأن الصادق ولد بالمدينة سنة ثلاث و ثمانين و توفي و له خمس و ستون سنة و دفن في البقيع، و كانت امامته اربعا و ثلاثين سنة». [2] . و قد ولد الصادق في

بيت من أكرم بيوت العرب و من أعرقهم نسبا و حسبا و أسبقهم الي الاسلام و الي المعرفة و التقي و العبادة، تلقي علومه علي أب اجمعت قاطبة العرب علي وصفه بأنه «باقر العلوم» و علي جد اشتهر بمطالعاته الالهية و بأنه اتقي الأتقياء. و نشأ الصادق في بيت اشتهر بأنه انجب عظماء الأئمة و العلماء، في بيت لم تكن سيطرة الحكام و سطوة الخلفاء. و قد ولد في عصر مضطرب صاخب بالحركات اشتدت فيه النقمة علي الحكام. علي أن الصادق كان علي جانب من الحكمة السياسية و المداراة فلم يعرض شخصه للخطر. [ صفحه 10] و أم جعفر هي أم فروة و اسمها فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، و أم فروة أمها اسماء بنت عبدالرحمن بن ابي بكر. له ألقاب أشهرها: الصادق، و كنيته ابوعبدالله و هي المعروفة المشهورة. و كان له عشرة أولاد سبعة ذكور و ثلاث بنات، و هناك رأي مشكوك به فقيل ان له أحد عشر ولدا سبعة ذكور و أربع بنات و هم: اسماعيل و عبدالله و أم فروة قال المفيد: كما يذكر الحسن الأمين «امهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن ابي طالب. و قال الحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي: امهم فاطمة بنت الحسين الأثرم بن حسن بن علي بن أبي طالب. و موسي الامام و محمد الديباج و اسحق و فاطمة الكبري امهم حميدة البربرية، و العباس و علي العريضي و اسماء و فاطمة الصغري لعدة امهات. فمن عدهم عشرة ترك فاطمة الكبري و من عدهم احد عشر ذكرها [3] و يظهر من المناقب ان ام فروة هي اسماء. و هذا غير بعيد لان ام فروة كنية لا اسم فيكون أولاده

عشرة بذكر فاطمة الكبري و جعل أم فروة و اسماء واحدة.

علمه

صفاته

اشاره

يعد الصادق من افضل الصالحين لما أوتي من علم و ما أثر عنه من فقه هو نتيجة لشخصيته العلمية. و قد عرفناه من خلال أقواله بأنه تميز بسلوك انساني يستحق الدراسة و أول هذه الصفات الانسانية.

الاخلاص

و ان الاخلاص هذا هو من معدنه، لأنه من شجرة النبوة، و قد توارثه خلفا عن سلف، و فرعا عن أصل. و كان يعتبره من الايمان و ظواهر اليقين. و قد ظهر الاخلاص جليا عند الصادق لملازمته للعلم و لرياضة نفسه، و انصرافه للعبادة و ابتعاده عن كل مطالب الدنيا، فكان يحب للناس ما يحب لنفسه. هذا الالتزام بالعلم و المحبة للناس من أهم مطالبنا الاجتماعية حتي نرقي بمجتمعنا و نسير مع الركب الحضاري، فلنبدأ بالاخلاص مع الذات و مع الآخرين عندها نكون سعداء في الواقع الذي يتطلب رجالات مخلصين.

الورع

و لكن ورعه لم يكن حرمانا مما أحل الله، فلم يكن تركا للحلال، بل كان طلب الحلال من غير اسراف. و لكن مع طلبه الحلال كان يميل الي الحسن من الثياب، فكان يخفي تقشفه تطهيرا لنفسه من كل رياء. فكان بتلك التقوي السيد صدقا و حقا.

قوة ادراكه

فاذا استقام الاخلاص بالنفس نفذت بصيرته فصار يدرك الحق من غير عائق [ صفحه 14] يعوقه و كان مع ذلك فيه ذكاء شديد، و قوة ادراك، و علم غزير و قد صقل نفسه بالتجربة و هذبها بالمعرفة، فصار يطلب الحقيقة من كل مصادرها، و كان يدرك معاني الشريعة و مراميها و غاياتها بقلبه النير، و عقله المتفكر، و دراسته الواسعة.

حضور بديهته

ان مناظراته الفقهية و مناقشاته الجدلية الكثيرة تكشف عن بديهة حاضرة، و كانت تجيئه ارسال المعاني في وقت الحاجة اليها من غير حبسة في الفكر، و لا عقدة في اللسان و ان مناظراته التي كان يناقش بها الزنادقة و غيرهم الحجة ما كانت ليستقيم فيها الحق لولا بديهة تسعفه بالحق في الوقت المناسب. و ان حضور البديهة من ألزم اللوازم لقادة الفكر و كان الصادق أحدهم.

جلده و صبره

ان الصابرين هم الذين يعلون علي الأحداث، و لا يزعجهم اضطراب الأمور عليهم و نيلهم الأذي، و كان الصادق صبورا قادرا علي العمل المستمر الذي لا ينقطع. و كان ذا جلد و صبر و قوة نفس و ضبط لها، و كان مع ذلك عبدا شكورا، و انا نري ان الصبر و الشكر معنيان متلاقيان في نفس المؤمن القوي الايمان. ان الصبر الحقيقي يقتضي الرضا، و هو الصبر الجميل. و كان الصادق صابرا شاكرا خاشعا قانتا عابدا، صبر في الشدائد و في فراق الأحبة و في فقد الولد. فمن شكر النعمة فهو الصابر عند نزول النقمة و هذا هو الشكر الكامل مع الصبر الكامل. و علي العكس ان الصبر مع التململ لا يعد صبرا، انما هو الضجر، و الضجر و الصبر متضادان. و ان اوضح الرجال الذين يلتقي فيهم الصبر مع الشكر هو الصادق كما عرفنا. [ صفحه 15]

سخاؤه و سماحته

و لم يكن غريبا ان يكون الصادق النابت في ذلك المنبت الكريم سخيا جوادا، فكان يعطي من يستحق العطاء. و ان السخاء بالمال يدل علي مقدار قوة الاحساس الاجتماعي، و ان ستره يدل علي مقدار قوة الوجدان الديني، و ليس ذلك بعجيب ممن نشأ نشأة الصادق. و لقد كان سمحا كريما لا يقابل الاساءة بمثلها، بل كان يقابلها بالتي هي أحسن عملا.علي أن التسامح و الرفق ليبلغ به أن يدعو الله بأن يغفر الاساءة لمن يسي ء اليه. و ان الحلم و التسامح خلق قادة الفكر و الدعاة الي الحق. و قد يولد الانتقام الحقد، و لا يتفق هذا مع ما يتحلي به الداعي الي الله امثال الصادق.

شجاعته و فراسته

الصادق كان قويا بايمانه المتزايد، المعتصم بحبل الله، المستقيم بسنة رسوله، و انصرف عن الأهواء و النزوات، و استولي عليه خوف الله تعالي وحده، و من عمر الايمان قلبه و لم يخش الا الله فانه لا يخاف احدا من عباده، مهما تكن سطوتهم و قوتهم، و كان شجاعا في الدفاع عن الحق و أمام الأقوياء ذوي السلطان و الجبروت، لا يمتنع عن تذكيرهم بالطغيان تعريضا أو تصريحا علي حسب ما توجبه دعوة الحق من مراعاة مقتضي الحال. و كان الصادق ذا فراسة قوية، و لعل فراسته هي التي منعته من أن يقتحم السياسة. و كان يعتبر الفراسة من اخلاق المؤمنين، فبالفراسة يقود القادة الجماهير و يعرفون عيوب من يخاطبونهم، و يعرفون منازع النفوس و اتجاهاتها، و طرق حملها علي الاستقامة، و ليس فيها الاكراه. بهذه الصفات و غيرها ثابر الصادق في طلب الحقيقة و امتلك زمام العلم و توجيه النفوس الي الغاية السامية و هداهم الي الطريق

الامثل، و انها بلا شك هي أولي عناصر تكوين امامته. [ صفحه 16]

منهجه

مؤلفاته

وفاته

يقول المسعودي: «لعشر سنين خلت من خلافة أبي جعفر المنصور توفي جعفر الصادق، سنة ثمان و اربعين و مائة، و دفن بالبقيع مع أبيه و جده و له خمس و ستون سنة». [4] . و يؤكد هذا التاريخ الطبري: «ان وفاة الصادق سنة 148 ه. في خلافة أبي جعفر و كان من ساكني المدينة و فيها كانت وفاته» [5] . و يذكر لنا النوبختي أيضا: «ان وفاته في المدينة في شوال سنة ثمان و اربعين و مائة و هو ابن خمس و ستين سنة». [6] . [ صفحه 24] و يكون قد توفي سنة 148 و عمره 65 سنة اقام منها مع جده علي بن الحسين 12 سنة و اياما، و بعد أبيه 34 سنة و هي مدة خلافته و امامته، و هي بقية ملك هشام بن عبدالملك و ملك الوليد بن يزيد بن عبدالملك و يزيد بن الوليد بن عبدالملك الملقب بالناقص و ابراهيم بن الوليد و مروان بن محمد و السفاح، و توفي بعد مضي عشر سنين من ملك المنصور العباسي و دفن بالبقيع مع أبيه الباقر و جده زين العابدين و عمه الحسن بن علي.. [ صفحه 25]

الصادق في الحقلين: السياسي و الاجتماعي

عصر الصادق

الصادق و السياسة

من المعروف عن الصادق انه لم يطلب الخلافة و لم يسع عليها، و لم ينازع احدا فيها.. و لكن هل يصح أن يقال انه لم يتكون له رأي سياسي، و ان كان قد اعتزل [ صفحه 28] السياسة، و لم يشترك في الحكم و لم يسع اليه بأي طريق من طرق السعي؟ في الحقيقة انه لم يكن له نشاط ظاهر، بل هذا لم يمنع من الاحتفاظ برأي سياسي خاص له، و قد يبثه لتلامذته الذين يترددون

حول مجلسه العلمي.. و لا يمكن في أي حال انه قد رضي علي الحكم الأموي الذي قتل في ظله جده الحسين، و عمه زيد.. و لم يكن، راضيا عن حكم أبي جعفر المنصور الذي قتل أولاد عمومته. و انه تمكن من الابتعاد عن غبار السياسة العامة ليخلص لرسالته لتوطيد العقيدة و انتشارها. و يذكر عبدالقادر محمود قصة رفضه للولاية: «ان ابا سلمة الخلال لما رأي قتل مروان الثاني لابراهيم الامام خاف انتقاض الأمر و فساده عليه، فبعث الي ثلاثة نفر. منهم، جعفر بن محمد، و عمر بن علي بن الحسين، و عبدالله بن الحسن، فبدأ الرسول بجعفر بن محمد فلقيه ليلا و اعلمه أن معه كتابا اليه من أبي سلمة يدعوه فيه ليصرف الدعوة اليه، و يأخذ بيعة أهل خراسان له. فقال له الصادق: «و ما أنا و أباسلمة هو شيعة لغيري» فقال: تقرأ الكتاب و تجيب عليه بما رأيت. فقال جعفر لخادمه قدم السراج فقدمه فوضع عليه كتاب ابي سلمة فأحرقه و قال للرسول: «عرف صاحبك بما رأيت» فخرج الرسول الي عبدالله بن الحسن فدفع اليه الكتاب، فقبله و ابتهج به. [7] . فهذا الذي صدر عن الصادق يدل علي عظم قدره و اصابة رأيه، و نري رفضه للولاية و تلك المبايعة التي جاءت الي بيته. و قد عاش الصادق وسط معترك سياسي و فكري يقوم بواجبه الاصلاحي من غير تزلف لسلطة، مؤديا الرسالة، متواضع يعمل بصمت، متسلح بايمانه الراسخ. فانصرف الي العلم ليجد فيه السلوان و النور و السمو عن مآرب الدنيا - فمن علا الي سمو المعرفة هانت كل مطامع الناس في نظره. [ صفحه 29]

علاقة الصادق بالمنصور

ولاية الصادق

اما فيما يخص ولاية الصادق أو امامته كانت

أربعا و ثلاثين و سنة و وصي له أبوه أبوجعفر كما يذكر الشيخ المفيد: «وصية ظاهرة و نص عليه بالامامة نصا جليا. [ صفحه 31] فروي محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله جعفر بن محمد قال: لما حضرت ابي الوفاة قال يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا، قلت جعلت فداك، والله لأدعنهم و الرجل منهم يكون في المصر، فلا يسأل أحدا» [8] . و يروي ابان بن عثمان عن أبي الصباح الكتاني قال: «نظر أبوجعفر الي ابنه أبي عبدالله فقال: تري هذا؟ هذا من الذين قال الله عزوجل فيهم: «و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين». [9] . محمد بن يحي، عن أحمد بن محمد، عن هشام بن سالم، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر قال: سئل عن القائم: فضرب بيده علي أبي عبدالله فقال: هذا والله قائم آل محمد. ثم قال: لعلكم ترون أن ليس كل امام هو القائم بعد الامام الذي كان قبله. [10] . [ صفحه 33]

مدرسة الصادق

نشأتها و امتدادها

تلامذة الصادق أو جوانب المدرسة

اشاره

الجانب الفقهي

بعد أن تحدثت عن الجانب العلمي في مدرسة الصادق، أعرج الآن علي الجانب الفقهي، اذ انه صاحب مدرسة روحية سميت فيما بعد بمدرسة الحديث في المدينة، و مدرسة الرأي في العراق مع الامامين: مالك و أبي حنيفة. و معني هذا أيضا أن التفرقة بين ما يسمي بالفقه السني، أو الفقه الشيعي لم تظهر تماما في عصر الصادق، و انما ظهرت بعده، أي منذ بداية النصف الثاني من القرن الثاني الهجري. و بهذا عد كثير من العلماء الصادق من شيوخ أبي حنيفة و مالك في مدرسة أهل الحديث في المدينة، هذا من جهة. و من جهة أخري يجوز القول بأن

الصادق فقيه السنة و الشيعة معا... و قد أكد لنا القول الأول ما يقرره الشيخ الازهري اذ يقول: «ما أجمع علماء الاسلام علي اختلاف طوائفهم في أمر، كما اجمعوا علي فضل الامام الصادق و علمه، فأئمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه و اخذوا، أخذ عنه مالك رضي الله عنه، و أخذ عنه أبوحنيفة مع تقاربهما في السن، و اعتبره أعلم الناس، لأنه اعلم الناس باختلاف الناس، و قد تلقي عليه رواية الحديث طائفة كبيرة من التابعين، منهم يحي بن سعيد الانصاري، و أيوب السختياني و ابان بن تغلب و أبوعمرو بن العلاء، و غيرهم من أئمة التابعين في الفقه و الحديث، و ذلك فوق الذين رووا عنه من تابعي التابعين و من جاء بعدهم و الائمة المجتهدين. [11] . و أما القول الثاني فأكده لنا عباس محمود العقاد في يومياته حيث قال: «انه كان للامام الصادق مذهبه في الفقه قبل أن تظهر و تختلف مذاهب الائمة من أهل السنة أو من أهل الشيعة، فهو اذن مرجع لطلاب الأصول و طلاب التوفيق». [12] . بعد السماع لهذا القول يمكن القول بأن الصادق رائد مذهب ما قبل المذاهب.. هذه حقيقة كانت مجهولة بسبب التعصب السني و مغالاة بعض الشيعة، و الصادق منهم براء. و كانت مجهولة أيضا بسبب السياسة التي حاربت المذهب الجعفري و أدت الي تقلص مذهبه عبر التاريخ بعد انتشاره. [ صفحه 41]

الجانب الكلامي

آراؤه و فكره

تنظيم الدولة و المجتمع

تعيين الخليفة أو الامام

واجبات الحاكم الاجتماعية و الدينية

تنظيم الادارة و القضاء

تنظيم المجتمع العدل و الدولة الفاضلة

التصوف عند الصادق

تمهيد

لكل دين نزعة الي الظاهر تمثلها شريعته و طقوسه و شعائره، و نزعة أخري الي الباطن أي الي المضامين الروحية التي يحجبها الحس. و أقصد بالأخري التصوف، فهو في الحقيقة حركة تستهدف تعميق المضامين، و تفكير فلسفي يتطلع اصحابه الي مجتمع

له طابع خاص. و يختلف عن الزهد الذي هو سلوك أخلاقي مضمونه التقشف و الانقطاع عن الدنيا و الاتجاه الي الله عن طريق العبادات المعروفة في الدين، فهو جانب من التصوف. أما المتصوف فهو الذي يسلك طريق المجاهدة الروحية و يستخدمها لكي يصل الي الحقائق العليا، فكلما اقتربت الي الروحانية فأنت تقترب الي التصوف.

تفسيره للقرآن

آراؤه في الزهد

الصادق مؤسس التصوف السني

مقارناته مع الآخرين

تعقيب في التشيع و التصوف

و يبدو من تحليل الأوضاع التي رافقت الشيعة و التصوف، انهما نشأ كل منهما عن ثورة الوجدان الداخلي علي فساد الأوضاع الاجتماعية و السياسية القائمة، و ان اختلفت طبيعة و طريقة التعبير عن هذه الثورة من أجل اعلاء كلمة الحق. و طبيعة الأشياء توجب أن يقترب التشيع و التصوف، فالشيعة مثلا انهزموا في ميدان السياسة، و انهزموا في ميدان الحياة، و الاشتراك في الهزيمة يقرب بين النفوس. و اصدق دليل علي اقتراب المذهبين أن أهل فارس هم أكثر الناس تصوفا بين الأمم الاسلامية، و انما كانوا كذلك لأن التشيع القي رحاله هناك. و ليس من الغريب أن يحكم ابن خلدون: بأن الصوفية نقلوا نظامهم عن التشيع. لم يبق بعد الا أن أقول: ان الصوفية يمتازون من بين رجال الأخلاق بصفة أساسية هي التفلسف، فأولئك قوم يأبون أن يقفوا عند حرفية النصوص فيمضون في الدرس و التأويل، ثم يقبلون علي النفس فيجعلونها محور الأخلاق. و الصوفي يحترم الشخصية كل الاحترام، فالعباد كانوا يسمون زهادا و نساكا في العهد الأول قبل أن يوجد التعمق في دراسة الأسرار النفسية، ثم سموا صوفية حيث كثر الاهتمام بدرس أسرار القلوب. [ صفحه 70]

ملحق للصادق

احتجاجه مع سفيان الثوري: [13] . دخل سفيان الثوري علي أبي عبدالله فرأي عليه ثيابا بيضاء كأنها غرقي ء البياض فقال له: ان هذا ليس لباسك. فقال الصادق له: اسمع مني وع ما أقول لك فانه خير لك عاجلا و آجلا ان كنت أنت مت علي السنة و الحق و لم تمت علي بدعة أخبرك أن رسول الله كان في زمان مقفر جشب [14] فاذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها و مؤمنوها و مسلموها لا كفارها.

فما أنكرت يا ثوري، اني لمع ما تري - ما أتي علي مذ عقلت صباح و لا مساء و لله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا الا وضعته. فقال: ثم اتاه قوم ممن يظهر التزهد و يدعون الناس أن يكونوا معهم علي مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا: ان صاحبنا حصر عن كلامك و لم تحضره حجة. فقال الصادق لهم: هاتوا حججكم. فقالوا: ان حججنا في كتاب الله. قال لهم: فأدلوا بها فانها أحق ما اتبع و اعمل به. فقالوا: يقول الله تبارك و تعالي مخبرا عن قوم من اصحاب النبي: «و يطعمون الطعام علي حبه مسكينا و يتيما و أسيرا». [15] . فنحن نكتفي بهذا فقال رجل من الجلساء: انا ما رأيناكم تزهدون في الاطعمة الطيبة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتي تتمتعوا أنتم بها. فقال أبوعبدالله: دعوا منكم مالا ينفع به، أخبروني أيها النفر الكم علم بناسخ القرآن من منسوخه. و محكمه من متشابهه، الذي في مثله ضل من ضل و هلك من هلك من هذه الأمة؟. فقالوا له: بعضه، فأما كله فلا. فقال الصادق لهم: من ههنا أوتيتم. و كذلك أحاديث رسول الله و أما ما ذكرتم [ صفحه 71] من اخبار الله ايانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم لحسن فعالهم، فقد كان مباحا جائزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه علي الله، و ذلك أن الله عزوجل أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم. و كان نهي تبارك و تعالي رحمة للمؤمنين و نظرا لكي لا يضروا بأنفسهم و عيالاتهم، منهم الضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفان، و العجوز

الكبيرة، الذين لا يصبرون علي الجوع، فان تصدقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكو جوعا فمن ثم قال رسول الله: تمرات، أو خمس قرص، أو دنانير، أو دراهم يملكها الانسان و هو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقها الانسان علي والديه، ثم الثانية علي نفسه و عياله، ثم الثالثة علي القرابة و اخوانه المؤمنين،ثم الرابعة علي جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل الله و هو أخسها أجرا. ثم قال: حدثني ابي أن النبي قال: «ابدا بمن تعول الأدني فالأدني». ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم و نهيا عنه، مفروض من الله العزيز الحكيم قال: «الذين اذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما» أفلا ترون أن الله تعالي عير ما أراكم تدعون اليه و المسرفين. و في غير آية من كتاب الله يقول: «انه لا يحب المسرفين» فنهاهم عن الاسراف، و نهاهم عن التقتير، و لكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده، ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب للحديث الذي جاء عن النبي: «ان أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم، رجل يدعو علي امرأته، و قد جعل الله تخلية سبيلها بيده و رجل يقعد في البيت و يقول: يا رب ارزقني، و لا يخرج لطلب الرزق فيقول الله عزوجل: عبدي! أو لم أجعل لك السبيل الي الطلب و الضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لا تباع أمري و لكي لا تكون كلا علي أهلك فان شئت رزقتك و ان شئت قترت عليك و أنت معذور عندي و رجل رزقه الله مالا كثيرا فأنفقه ثم

أقبل يدعو: يا رب ارزقني، فيقول الله: الم أرزقك رزقا واسعا، أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف و قد نهيتك، و رجل يدعو في قطيعة رحم». ثم علم الله نبيه كيف ينفق بأمره اياه فقال: «و لا تجعل يدك مغلولة الي عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا». [16] . [ صفحه 72] ان الناس قد يسألونك و لا يعذرونك، فاذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد خسرت من المال. فهذه أحاديث رسول الله يصدقها الكتاب، و الكتاب يصدقه أهله من المؤمنين. و قال ابوبكر عند موته حيث قيل له: أوصي. فقال: أوصي بالخمس و الخمس كثير فان الله قد رضي بالخمس. فأوصي به و قد جعل الله عزوجل له الثلث عند موته و لو علم ان الثلث خير له اوصي به ثم من قد علمتهم بعده في فضله و زهده سلمان و أبوذر رضي الله عنهما، فأما سلمان رضي الله عنه فكان اذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتي يحضره عطاؤه من قابل فقيل له: يا أباعبدالله أنت في زهدك تصنع هذا و انك لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا. فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء. أو ما علمتم يا جهلة أن النفس تلتاث علي صاحبها اذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فاذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت. فأما أبوذر رضي الله عنه فكانت له نويقات و شويهات يحلبها، و يذبح منها اذا اشتهي أهله اللحم، أو نزل به ضيف أو رأي بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشياه علي قدر ما يذهب

عنهم قرم اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم، و من أزهد من هؤلاء؟ و قد قال فيهم رسول الله ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بالقاء امتعتهم و شيئهم و يؤثرون به علي أنفسهم و عيالاتهم. و أعلموا أيها النفر أني سمعت ابي يروي عن آبائه أن رسول الله قال يوما: «ما عجبت من شي ء كعجبي من المؤمن أنه ان قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له و ان ملك ما بين مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له، فما يصنع الله عزوجل به فهو خير له». فليت شعري هل يحيق فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم. أو ما علمتم أن الله عزوجل اسمه قد فرض علي المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم و من ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ثم حولهم من حالهم رحمة منه فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عزوجل عن المؤمنين، فنسخ الرجلان العشرة. [ صفحه 73] و أخبروني أيضا عن القضاة أجور منهم حيث يفرضون علي الرجل منكم نفقة امرأته اذا قال: أنا زاهد و أنه لا شي ء لي فان قلتم: جور ظلمتم أهل الاسلام و ان قلتم: بل عدل خصمتم أنفسكم. و حيث تريدون صدقة من تصدق علي المساكين عند الموت بأكثر من الثلث، أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم، فعلي من كان يتصدق بكفارات الايمان و النذور و الصدقات من فرض الزكاة

من الابل و الغنم و البقر و غير ذلك من الذهب و الفضة و النخل و الزبيب و سائر ما قد وجبت فيه الزكاة، اذا كان الأمر علي ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا الا قدمه و ان كان به خصاصة. فبئس ما ذهبتم اليه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عزوجل و سنة نبيه و أحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل، أوردكم اياها بجهالتكم و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الأمر و النهي. و دعوا الجهالة لأهلها، فان أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل. [ صفحه 75]

آراؤه الكلامية

تمهيد

اذا تتبعنا الناحية العلمية من حياة الصادق و تحرينا الناحية الفلسفية منها، نري انسانا صامتا هادئا عمل بعقله من أجل نصرة الحق و بث الوعي، فخاض في مسائل اعتقادية حفاظا علي العقيدة من الضياع و التشكك. فقارع الشكاك و المنكرين للخالق مستمدا من القرآن و السنة أصولا فكرية كانت المنطلق لدعوته التي خاضها بفكره مؤسسا مدرسة ساهمت علي ترسيخ العقيدة الدينية و علي التجدد الفكري مؤثرة علي مدارس أخري بعدها. و علي سبيل الحصر سأذكر بعضا من المسائل الكلامية التي خاضها الصادق في حدوث العالم، و الوجود الالهي، و الصفات و الأفعال الالهية، و الامامة، و اثبات الرسل.

حدوث العالم

الوجود الهي

صفات الله

اشاره

التوحيد

ان التوحيد يطلق علي معان: أحدها: نفي الشريك في الالوهية أي استحقاق العبادة. و ثانيها: نفي الشريك في صانعية العالم و المخالف في ذلك الثنوية. ثالثها: تنزيهه عما لا يليق بذاته و صفاته تعالي من النقص و العجز و غير ذلك من الصفات السلبية و توصيفه بالصفات الكمالية. [ صفحه 87] رابعها، تنزيه كل ما يتعلق به سبحانه ذاتا و صفات و أفعالا اثباتا و نفيا. بهذين التفسيرين الآخرين فهم الصادق التوحيد، و دعا الي تنزيه كل نقص أو عجز لا يليق بالله و وصفه بالكمال و الثبات و الأزل و الصمد. و كان التوحيد من أهم مقاصد الذي عاش في عصر بدأ النقاش يظهر فيه عن اثبات المحدث. و كان يري من واجبه العقائدي أن يهتم بهذا الموضوع اهتماما جعله يتحدث في مواضيع متعددة مثبتا وحدانية الخالق. و قد سأله «سدير» مرة عن صفة الايمان فأجاب الصادق: «من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك. و من زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعني

فقد أقر بالطعن، لأن الاسم محدث. و من زعم أنه يعبد الاسم و المعني فقد جعل مع الله شريكا. و من زعم أنه يعبد المعني بالصفة لا بالادراك فقد أحال علي غايب؛ و من زعم أنه يعبد الصفة و الموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف. و من زعم أنه يضيف الموصوف الي الصفة فقد صغر الكبير و ما قدروا الله حق قدره. قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟ قال: باب البحث ممكن، طلب المخرج موجود، ان معرفة عين الشاهد قبل صفته و معرفة صفة الغائب قبل عينه. قيل: و كيف تعرف عين الشاهد قبل صفته؟ قال: تعرفه و تعلم علمه و تعرف نفسك به و لا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، و تعلم أن ما فيه له و به». [17] . هذا القول يفيد صفة الايمان و هي الاقرار و الخضوع لله، و التقرب اليه به و العيش في الحضرة الالهية. و معني الاقرار التصديق بالطاعة. و عندما يصل المرأ الي هذا الحد من الايمان يعرف نفسه بعد معرفة ذات الله، فذات الله هي أولي المعارف و بدونها تكون المعارف ناقصة، و معرفة الله بالله هو هذا التوحيد الخالص الذي قصده الصادق هنا، و ما سواه فهو توحيد ناقص ينكره الصادق لأنه لا يقدر الله حق قدره. هذا التوحيد الخاص يؤكده لنا «الصدوق» عند الصادق حيث ينسب اليه قوله: «الله غاية من غياه، و المغي غير الغاية، توحد بالربوبية و وصف نفسه بغير محدودية، فالذاكر الله غير الله، والله غير أسمائه و كل شي ء وقع عليه اسم شي ء سواه فهو مخلوق، [ صفحه 88] ألا تري الي قوله «العزة لله، العظمة لله» و قال:

و لله الأسماء الحسني فادعوه بها. فالأسماء مضافة اليه. و هو التوحيد الخالص». [18] . و يقصد هنا بالتوحيد الخالص أي تنزيه الله عن أن يكون متحدا مع الاسم أو أن يكون هو تعالي ما يقع في الذهن هو هذا التوحيد الخالص. فان كل ما صورتموه بأوهامكم في أدق المعاني فهو مخلوق لكم مردود اليكم. فهو تعالي ذات ليست بنفس هذه الأسماء و لا هذه المفاهيم و لا بمصداقها علي حد ما نتصوره من المصاديق الممكنة بل هو شي ء لا كالأشياء، عالم كالعلماء، وحي لا كالأحياء، و قادر لا كالقادرين و هكذا. و قد سأل الصادق أحدهم عن قوله عزوجل: «هو الأول و الآخر» و قال أما الأول فقد عرفناه، و أما الآخر فبين لنا تفسيره، فقال: انه ليس بشي ء يبيد أو يتغير، أو يدخله التغير و الزوال، أو ينتقل من لون الي لون، و من هيئة الي هيئة، و من صفة الي صفة، و من زيادة الي نقصان. هو الأول قبل كل شي ء و هو الآخر علي ما لم يزل». [19] . الانسان كما نعلم تتبدل عليه الصفات و الأسماء و يتغير من حال الي حال، نراه مثلا يكون ترابا، و مرة لحما و دما. أما الله عزوجل بخلاف ذلك فهو الآخر الذي لا يتغير، فهو أزلي صمدي لا ظل له يمسكه عارف معروف عند كل جاهل، هو الأول قبل كل شي ء و واجب وجوده لأنه علة المعلومات جميعا لم تسبقه علة و هو محدث كل شي ء في هذا الوجود. و قد أكد لنا الصادق وحدانية الله و أزليته بقوله هذا: «واحد، صمد، أزلي،صمدي، لا ظل له يمسكه و هو يمسك الأشياء بأظلتها، فرداني،

لا خلقه فيه و لا هو في خلقه، غير محسوس، و لا تدركه الأبصار، علا فقرب، و دنا فبعد، و أطيع فشكر، لا تحويه ارض و لا تقله سماء، و أنه حامل الأشياء بقدرته، ديمومي، أزلي، لا ينسي و لا يلهو، و لا يغلط و لا يلعب، و لا لارادته فصل و فصله جزاء، و أمره واقع، لم يلد فيورث، و لم يولد فيشارك، و لم يكن له كفوا أحد». [20] . [ صفحه 89] لم يترك الصادق لذات الله الا ما ذكرها. و لعله قصد بالصمدي كالأحدي للمبالغة، و كذا فرداني و ديمومي. و للظل معان و الكلام في تفسير الظل في الكتاب و الأحاديث كثيرة و مختلفة، والا نسب هنا الأقرب أن يقال: الظل من كل شي ء كنهه و وقاؤه الذي يصان به عن الفساد و البطلان. و كل موجود انما يصان عن الفساد و العدم. والله ممسك الأشياء بأظلتها، فهو غير محسوس نراه بعقولنا، قريب و بعيد، فهو حامل الأشياء بقدرته و هو العليم البصير قادر علي كل شي ء. و هكذا فالتوحيد في معانيه كما شهدنا من أقوال الصادق: أنه نفي الشريك في الألوهية و تنزيه الخالق عما لا يليق بذاته و صفاته من النقص و العجز و الجهل و التركيب و الاحتياج و غير ذلك من الصفات السلبية. و كذلك يشمل تلك المعاني و تنزيهه تعالي عما يوجب النقص في أفعاله من الظلم و ترك اللطف و غيرها. و بالجملة كل ما يتعلق به ذاتا و صفات و أفعالا.

القدرة

ان القدرة من صفات الله، و قد تحدث عنها الصادق في مواضع متعددة أذكر منها علي سبيل الحصر ما نسبه «الصدوق»

قائلا عن الصادق: «حدثني عدة من أصحابنا أن عبدالله الديصاني أتي هشام بن الحكم فقال له: الك رب؟ فقال: بلي. قال قادر. قال: نعم قادر، قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا يكبر البيضة و لا يصغر الدنيا. فقال هشام: النظرة فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه، فركب هشام الي ابي عبدالله. فاستأذن عليه فأذن له فقال: أتاني عبدالله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها الا علي الله و عليك قال: فماذا سألك؟ قلت قال لي كيت و كيت، فقال أبوعبدالله: يا هشام كم حواسك؟ قال: خمس، فقال أيها أصغر. فقال: الناظر فقال: و كم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها. فقال: يا هشام فانظر أمامك و فوقك و أخبرني بما تري، فقال: أري سماء و أرضا و دورا و قصورا و ترابا و جبالا و أنهارا. [ صفحه 90] فقال له أبوعبدالله: ان الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا تصغر الدنيا و لا تكبر البيضة». [21] . ممكن أن يفسر هذا الخبر بمعان منها: أن يكون غرض المسائل أنه هل يجوز أن يدخل كبير في صغير بنحو من أنحاء التحقيق، فأجاب الصادق بأنه و هو دخول الصورة المحسوسة المتعددة بالمقدار الكبير نحو الوجود الظلي في الحاسة أي مادتها الموصوفة بالمقدار الصغير. و يمكن أن يكون المعني المراد هنا: أن الذي يقدر علي أن يدخل ما تراه العدسة لا يصح أن ينسب الي العجز، و لا يتوهم فيه أنه غير قادر علي شي ء أصلا، و عدم قدرته علي ما ذكرت ليس من تلقاه قدرته لقصور فيها بل انما

ذلك من نقصان ما فرضته، حيث انه محال ليس له حظ من الامكان. فالغرض من ذلك بيان كمال قدرة الله تعالي حتي لا يتوهم فيه عجز و انه بصير بغير آلة، و هو شي ء بخلاف الأشياء، يبصر بنفسه و كل موهوم بالحواس مدرك بالله. و هو لا شبه له و لا حد له و لا كيف و لا نهاية، فهو أكبر من أن يوصف.

المشيئة

لا ريب أن لنا في أفعالنا الاختيارية مشيئة و ارادة و تقديرا. و هي من الصفات التي ذكرها الصادق مفسرا اياها في مواضع نلمسها عند المجلسي و الكليني و الصدوق و غيرهم ممن تناولوا الصادق بالدراسة. و قد ذكر الكليني أن الصادق قال: «و لم يشأ و شاء و لم يأمر، امر ابليس أن يسجد لآدم و شاء أن لا يسجد، و لو شاء لسجد، و نهي آدم عن أكل الشجرة، و شاء أن يأكل منها و لو لم يشأ لم يأكل». [22] . ان ارادة الانسان التي تتعلق بفعل نفسه نسبة حقيقية تكوينية تؤثر في الأعضاء الي الفعل. و أما الارادة التي تتعلق منا بفعل الغير اذا أمرنا بشي ء أو نهينا عن شي ء فانها [ صفحه 91] ارادة بحسب الوضع و الاعتبار، لا تتعلق بفعل الغير تكوينيا. و قد ذكر هذا التمييز بين ارادتين: تكوينية و تشريعية «الكليني» قاصدا هنا أن ارادة الله التكوينية تتعلق بالشي ء من حيث هو موجود و لا موجود الا و له نسبة الايجاد اليه تعالي بوجوده بنحو يليق بساحة قدسه تعالي. و ارادته التشريعية تتعلق بالفعل من حيث أنه حسن و صالح غير القبيح و الفاسد فاذا تحقق فعل موجود قبيح، كان منسوبا اليه

تعالي من حيث الارادة التكوينية بوجه و لو لم يرده لم يوجد، و لم يكن منسوبا اليه تعالي من حيت الارادة التشريعية، فان الله لا يأمر بالفحشاء. و قول الصادق: ان الله نهي آدم عن الأكل و شاء، أراد بالأمر و النهي التشريعيين منهما و بالمشيئة و عدمها التكوينيين منها.و قد ذكر «الصدوق» أن الصادق قال في المشيئة الالهية: «خلق الله المشيئة قبل الأشياء، ثم خلق الأشياء بالمشيئة. و شاء و أراد و لم يحب و لم يرض، شاء أن لا يكون شي ء الا بعلمه». [23] . و مفاد الكلام هنا أنه تعالي كما لا يعزب عن علمه شي ء لا يعزب عن مشيئتة شي ء، و مع ذلك لم يحب بعض ما شاء، و لم يرض به فنهي عنه كالشريك و الظلم و غيرهما من قبائح العقائد و الأعمال، كما رضي أمورا كثيرة أمر بها. و قد خلق الله المشيئة في العبد و جعله شائيا، فلا يشاؤون الا بعد أن جعلهم الله بحيث يقدرون علي المشيئة، فهم لا يشاؤون بعد أن يهي ء لهم أسباب الفعل و لم يصرفهم عن مشيئتهم، أي ان أسباب المشيئة و نفوذها بقدرته تعالي. و أما مشيئة العباد فهي مشوبة بالعجز يمكنه سبحانه أن يصرفهم عنها اذا شاء. «عن بكير بن أعين قال: قلت لابي عبدالله: علم الله و مشيئته هما مختلفان أم متفقان؟ فقال: العلم ليس هو المشيئة الا تري أنه تقول: سأفعل كذا ان شاء الله و لا تقول: سأفعل كذا ان علم الله، فقولك: ان شاء الله دليل علي أنه لم يشأ، فاذا شاء كان الذي شاء كما شاء، و علم الله سابق للمشيئة، و خلق الله المشيئة قبل الأشياء

ثم خلق الأشياء بالمشيئة». [24] . و لعل هذا القول من الصادق توضيح و تأكيد لقوله السابق، علي أن المشيئة [ صفحه 92] المتأخرة عن العلم الحادثة عن حدوث المعلوم، و قد عرفت أنه في الله تعالي ليس سوي الايجاد. و يحتمل أن يقصد الصادق هنا بيان عدم اتحاد مفهوميهما، اذا ليست الارادة مطلق العلم، اذ العلم يتعلق بكل شي ء، بل هي العلم بكونه خيرا و صلاحا و نافعا، و لا تتعلق الا بما هو كذلك، و فرق آخر بينهما و هو أن علمه تعالي بشي ء لا يستدعي حصوله، بخلاف علمه به علي النحو الخاص، فالسبق علي هذا يكون محمولا علي السبق الذاتي الذي يكون للعام علي الخاص. و قوله خلق الأشياء بالمشيئة و خلقها بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالي غير متوقفة علي تعلق ارادة أخري. فيكون نسبة الخلق اليها مجازا عن تحققها بنفسها منتزعة عن ذاته بلا توقف علي مشيئة أخري. و ان للمشيئة معنيين: أحدهما - يتعلق بالشائي و هي صفة كمالية قديمة هي نفس ذاته بحيث يختارها هو، و الآخر يتعلق بالمشي ء و هو حادث المخلوقات و هو ايجاده سبحانه اياها بحسب اختياره، و ليست صفة زائدة علي ذاته و علي المخلوقات بل هي نسبة بينهما تحدث المخلوقات. و المراد أخيرا بقول ان الاشياء مخلوقة بالمشيئة لعله اشارة من الصادق: علي أن الأشياء انما توجد بالوجود، فاما الوجود نفسه فلا يفتقر الي وجود آخر انما يوجد نفسه، و قد أخذ عنه الفلاسفة الاسلاميون بعده أمثال الكندي و الفارابي و غيرهما مستكملين بوضوح أدق نظرية الوجود الالهي، فهو القائم علي الموجودات و خالقها و وجوده واجب بذاته و لا يفتقر الي

وجود آخر. و نري من خلال استعراض آراء الصادق أنه يتبع مذهب الامامية كما ابتدأت بشرحه لجهة الصفات الالهية، فتراه هنا غير مخالف لكتاب أو سنة، و موضحا العقيدة بايمان راسخ حيث سلك و عبر.

القضاء و القدر

اشارة

مسألة القضاء و القدر: من أقدم الأبحاث في تاريخ الاسلام، اشتغل فيها السملمون و غير المسلمين من علماء الملل و الاديان و تشعب الناس الي فرقتين: [ صفحه 93] الأولي: و هم المجبرة أثبتوا تعلق الارادة الالهية بالأفعال كسائر الأشياء و قالوا: يكون الانسان مجبورا غير مختار في أفعاله، و الأفعال مخلوقة لله تعالي. و الثانية: و هم المفوضة أثبتوا الافعال و نفوا تعلق الارادة الالهية بالافعال الانسانية. و قد تزعم الصادق فرقة ثالثة ترفض القول بالجبرية و القدرية و كان أول من ندد بالخوض في القضاء و القدر، لأنه خوض فيما لا يجدي و أثبت أن هناك أمرا بين أمرين. و قد روي الشهرستاني ما يؤكد رأي الصادق قائلا: «قال أي الصادق: ان الله تعالي أراد بنا شيئا. و أراد منا شيئا، فما أراده بناطواه، و ما أراده منا أظهره لنا، فما بالنا بما أراده بنا عما أراده منا». [25] . و قد تطرق «الكليني» لهذا الموضوع مفسرا المنزلة أو الفرقة الثالثة التي أوضحها الصادق من خلال أقواله، علي أن البحث في القضاء و القدر كان في أول الأمر مسألة واحدة ثم تحولت ثلاث مسائل أصلية: الأولي: مسألة القضاء و هو تعلق الارادة الالهية الحتمية بكل شي ء. و الثانية: مسألة القدر و هو ثبوت تأثير ماله تعالي في الأفعال. و الثالثة: مسألة الجبر و التفويض و الاخبار تشير فيها الي نفي كلا القولين و تثبت قولا ثالثا و

هو الأمر بين الأمرين، لا ملكا لله فقط من غير ملك الانسان و لا بالعلكس بل ملكا في طول ملك و سلطنة في ظرف سلطنة. أما «المجلسي» فقد ناقش فكرة القضاء و القدر من خلال تفسيراته لأقوال الصادق، بأن الخبر يدل علي أن القضاء و القدر انما يكون في غير الأمور لا تكليفية كالمصائب و الأمراض و أمثالها، فلعل المراد بهما القضاء و القدر الحتميان. و ان التكاليف و الأحكام أمور اعتبارية غير تكوينية. و مورد القضاء و القدر بالمعني الدائر هو التكوينات فأعمال العباد من حيث وجودها الخارجي، كسائر الموجودات متعلقات بالقضاء و القدر و من حيث تعلق الأمر و النهي و الاشتمال علي الطاعة و المعصية أمور اعتبارية وصفية خارجة عن دائرة القضاء و القدر. أما «الصدوق» فذكر نصا عن الصادق أنه قال في القضاء و القدر «ان القضاء [ صفحه 94] و القدر خلقان من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء، و ان الله تبارك اذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد اليهم و لم يسألهم عما قضي عليهم». [26] . و قد فسر الصدوق كلمة «خلقان» من خلق الله بالضم، أي صفتان من صفات الله، أو بفتحها أي هما نوعان من خلق الأشياء و تقديرهما في الألواح السماوية و قوله يزيد في الخلق ما يشاء أي المعني: أنهما مرتبتان من مراتب خلق الأشياء فانها تتدرج في الخلق ما يشاء أي المعني: أنهما مرتبتان من مراتب خلق الأشياء فانها تتدرج في الخلق الي أن تظهر في الوجود العيني. و المقصود من القول الثاني أي أنه تعالي لا يسأل العباد يوم القيامة عما قضي عليهم قضاء تكوينيا، حتي نفس أفعالهم

الصادرة عنهم، لأنها من حيث هي أشياء تقع في الوجود تبعا لعللها، فليست خارجة عن قضاته و قدره، بل مورد السؤال يوم القيامة هو أفعالهم من حيث الموافقة و المخالفة لقضائه التشريعي الذي هو التحليل و التحريم. و هذا هو العهد. و بعد مناقشة كل من «الكليني» و «المجلسي» و «الصدوق» و تفسيرهم لقول الصادق في القضاء و القدر من تفاوت الزمن بينهم، نستطيع أن نقر بأن الصادق هو مؤسس الفرقة الثالثة التي قالت بالمنزلة بين المنزلتين أو علي حد تعبيره (لا جبر و لا تفويض، بل منزلة بين المنزلتين). و قد استفاد من هذا القول بعده «المعتزلة» ذلك أنهم قالوا: (نحن نخلق أفعالنا و ليس الله فيها صنع و لا مشيئة و لا ارادة و يكون ما شاء ابليس، و لا يكون ما شاء الله). و لعل الصادق قد سبق هذه الفرقة بقوله الذي ذكره «المجلسي» عن الصادق أنه سئل: «أفوض الله أمر الي العباد؟ فقال: الله أجل و أعظم من ذلك، فقيل له: فأجبرهم علي ذلك؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم علي فعل ثم يعذبهم عليه، فقيل له: هل بين هاتين المنزلتين منزلة؟ قال: نعم ما بين السماء و الأرض و هو سر من أسرار الله». [27] . و قد أورد هذا القول بصيغة أخري «الكليني» بيد أنه يجعل نفس المضمون و المحتوي حيث ذكر بسنده: «علي بن ابراهيم عن أبي عبدالله قال: «جعلت فداك أجبر الله العباد علي المعاصي؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم علي المعاصي ثم يعذبهم [ صفحه 95] عليها. فقال له: جعلت فداك ففوض الله الي العباد؟ قال: لو فوض اليهم لم يحصرهم بالأمر و النهي، فقال له:

جعلت فداك فبينهما منزلة قال: نعم أوسع ما بين السماء و الأرض». [28] . و هكذا يمكننا القول بأن الصادق قد سبق المعتزلة الي القول بالمنزلة بين المنزلتين و أنه تفرد به غير مخالف كتاب أو سنة بل مدافعا عن العقيدة مفسرا الارادة الانسانية تفسيرا واقعيا. و قد حصر بؤرة تفكيره الفلسفي بضرورة الفعل الانساني. المسؤول عن أفعاله غير مخالف الفعل الالهي. بيد أن الله تعالي خلق كل شي ء بمقدار توجبه الحكمة و لم يخلق الأشياء صدفة أو جزافا، فخلق العذاب علي قدر الاستحقاق، و كذلك خلق كل شي ء في الدنيا و الآخرة مقدار بمقدار معلوم. فخلق اللسان للكلام، و اليد للبطش و الرجل للمشي، و العين للنظر، و المعدة للطعام، دون زيادة أو نقصان عن المعدل المطلوب لأنه لو خلق زيادة أو نقصا لما تم الغرض. و هكذا جعل الله لكل شي ء شكلا يوافقه و يصلح له، كالمرأة للرجل، و ثياب الرجال للرجال، و ثياب النساء للنساء. لكنه من ناحية أخري تركك وحدك أنت تستهدي الي هذه المعادلات و المقادير كما تتحسسها و تطلبها، فلا يأمرك كرجل أن تلبس المرأة و العكس صحيح مثلا، بل جعلك تختار و تهتدي الي ذلك بفعل ارادتك و طبيعتك. فجعل لك مواد البناء و لم يشيد لك العمارة، بل أنت ستشيدها حسب حاجتك. و هكذا يكون الله خلق كل شي ء علي هذا الشكل بقدر مقدور و قضاء محتوم في اللوح المحفوظ. و يؤكد هذا القول الصادق حيث يقول كما أشار «الصدوق»: «أنه جاء رجل الي الصادق يقول له: بأبي أنت و أمي عظني موعظة فقال: ان كان الله تبارك قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا؟ و ان كان الرزق

مقسوما فالحرص لماذا؟ و ان كان الخلف من الله عزوجل فالبخل لماذا؟ و ان كانت العقوبة من الله النار فالمعصية لماذا؟ و ان كان كل شي ء بقضاء و قد فالحزن لماذا؟ و ان كانت الدنيا فانية فاطمأنينة لماذا؟. [29] . ان الصادق قد نفي الاجبار بصورته المطلقة، و نفي الاختيار بصورته المطلقة، [ صفحه 96] و أثبت أن الأمر مؤلف من الأمرين، ففيه نوع من الجبر و الاختيار. و يقرر أن الله تعالي لا تنسب اليه أفعال العباد، لأن فيها قبحا لا يصح أن ينسب اليه تعالي، و لكن لا يقال انهم يخلقونها، لأن القرآن صرح بأنهم يفعلون، و لم يصرح بأنهم يخلقون، لأنه تعالي قد انفرد بالخلق و التكوين. و من استمد القوة من غيره لا يعد مبدعا و لا خالقا، و قد سماه الله فاعلا و صانعا، و كاسبا و مكتسبا الي غير ذلك من الأسماء التي لا تصل الي درجة الخلق و الابداع. و ان تقدير الأعمال لا يعني خلقها من قبل الله، و انما يعني تحديدها و العلم بها فقط، و لكن ليس لأن الانسان حر في ممارسة ما يريد، و أن الله غير قادر علي منعه، بل انه أعطانا الارادة الحرة و الخبرة لنتصرف بها لمصلحة الجماعة. و من هنا فانه حين يعاقبنا علي المعاصي لا يكون ظالما. و ان الانسان قادر علي ما يريد، لأن الله أعطاه القدرة و الحرية الكافية لذلك، فعلي الانسان أن يستغل هذه القدرة لخير الانسانية و لدفع الظلم، يفهم من ذاته أن السماء لا تمطر ذهبا و لا الأرض تنبت فضة و لا العبادة وحدها تملكه المال و الجاه و الجنة. غير مستسلم متخاذل

لقضاء محتوم، و قد لازم. و علي ضوء ما تقدم، فان ما يطلب من أن نصنع واقعا منفتحا متجددا معتمدا علي الطاقات الحية فينا، و الارادات الخيرة التي تتطلع الي ضمير حي و رقيب خالد. يشدنا الي خير الانسانية جمعاء. و اننا اذا علمنا فباستطاعتنا أن نقفز الي القمة الحضارية التي بحاجة الي انسان مسؤول و ملتزم. و لعل هذا الأمر الذي فهمه انسان الحاضر عن الصادق المؤمن باله خالق و انسان عامل.

الامامة

لمحة عامة

و من الآراء الاعتقادية و الكلامية التي خاضها الصادق، الجدل في مسألة الامامة، و هي من المسائل التي أحرزت جدالا طويلا عبر التاريخ. نحن نعرف أن [ صفحه 97] المسلمين في عهد الرسول و صحابته قد احترزوا عن الجدل حول العقائد و الخوض في مشكلات الأصول. و اذا كان النبي و صحابته قد نهوا عن ذلك فانهم من ناحية أخري أباحوا الجدل في مسائل الفروع. علي أن أعظم خلاف نشأ بين المسلمين هو الخلاف حول الامامة. و الخلافة أو الامامة لفظتان مترادفتان لمعني واحد، و هو كون الخليفة اماما لرئاسة في الدين و الدنيا مكان النبي، و هو يرشد الناس الي الصراط المستقيم. و الامامة مصلحة اجتماعية تتعلق بأمور السياسة و نظام الدولة، فان ضبطت و انتظمت تحسنت المعيشة و سبل الحياة الاجتماعية و الاقتصادية. و لما كان الاسلام دينا و دولة، فقد شهدنا كيف تحول هذا الصراع السياسي فيما بعد و ارتقي الي مستوي الخلافات العقائدية. و تمثل الاختلاف في الامامة علي وجهين: الأول: القول بأن الامامه تثبت بالاختيار و الاتفاق - و الثاني: القول بأنها تثبت بالنص و تطور الخلاف حول الامامة عبر التاريخ و تمخض هذا الصراع السياسي

عن ظهور فرق و مذاهب ذات طابع أصولي.

الامامة عند الامامية

علي أن الشيعة و منهم الصادق لم يختلفوا عن أهل السنة فيما يختص بالعقيدة في بداية الأمر، فقد انحصر الخلاف أولا في دائرة الامامة و من هو أحق المسلمين بها. و أخذ يتطور هذا الخلاف جيلا بعد جيل متخذا طابعا أصوليا حتي انكر كل مذهب الآخر. و يقول، محمد جواد مغنية «و الخلاف الأساسي بين الشيعة و السنة عامة، يوجد حول النص عند الشيعة، و الاختيار عند السنة، و لكن لابد من امام دون خلاف». [30] . و قد أورد «المجلسي» رأي الصادق في وجوب النص عند الامامية قوله علي لسان الصادق: «أترون هذا الأمر الينا نضعه حيث شئنا؟ كلا والله، انه عهد من [ صفحه 98] رسول الله الي علي بن ابي طالب، رجل فرجل الي أن ينتهي الي صاحبه. ثم قال: «ما مات منا علم حتي يعلمه الله الي من يوصي، و لا يموت الرجل منا حتي يعرف وليه». [31] . هذا توضيح و تأكيد لقول محمدجواد مغنية عن وجوب النص عند الشيعة الامامية. و بيان هذا القول عند الصادق، أن الامام يعرف الذي بعده فيوصي اليه، أو بمعني آخر لا يموت الامام حتي يعلم من يكون بعده. و قد اختار الله محمدا و أهل بيته، و انه لا يخليهم في كل زمان من امام معصوم. و لعله قد فسر معرفة الله بمعرفة الامام الذي يجب علي الخلق طاعته. و يصح القول هنا بأن معرفة الامام و طاعته هي معرفة الله سبحانه، كما يقول في المعرفة بالرسول و طاعته، انها معرفة بالله تعالي مصداقا لقوله تعالي: «من يطع الرسول فقد أطاع الله» و قوله: يا

أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم». [32] . لعله يسأل سائل: من فسر أولي الأمر بأنهم الأئمة القائمون علي الحكم؟ و من جهة ثانية ليست معرفة الله و اطاعته محصورة بالرسول فقط و ليست معرفة الامام و طاعته هي معرفة الله و طاعته. هل هذا صحيح؟ و لعل الجواب علي هذين السؤالين قول أصدق القائلين رسول الله محمد صلي الله عليه و سلم قائلا: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية». [33] و في حديث آخر له بسنده للشيخ مسعود السجستاني قال: «سمعت النبي يقول: من أحب ان يحي حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنة التي وعدني ربي بها، و هي جنة الخلد فليتول علي بن أبي طالب و ذريته من بعده، فانهم لن يخرجوكم من باب هدي، و لن يدخلوكم في باب ضلالة». [34] . و هكذا يصح قول الصادق في وجوب النص للامام من جهة و باطاعته من جهة أخري و ان معرفة الامام هي من معرفة الله بتأكيد من سنة الرسول. و تأكيد آخر علي لسان الشيخ محمد أبوزهرة رواه عن «الطوسي» قوله: «اذا لم [ صفحه 99] يكن هناك نص من الائمة علي الامام، وجب أن يكون اثبات الامامة بالمعجزة، فمن نقل الناقلون النص عليه من وجه يقطع العذر، فقد حصل الغرض، و من لم ينقلوه و أعرضوا عنه و عدلوا الي غيره، فانه يجب أن يظهر الله تعالي علي يديه علما معجزا يبينه عن غيره، و يميزه عمن عداه، و ليتمكن الناس من العلم به، و التمييز بينه و بين غيره». [35] . و يختلف مذهب الامامية عن المعتزلة في مسألة

وجوب النص علي الامام، فذهبت الامامية الي القول بوجوب نص الامام بوصفه و اسمه، و اعتمدوا علي قاعدة اللطف من الأدلة، مع أن المعتزلة يقولون بقاعدة اللطف علي الله. و قد أورد لنا العلامة «الحلي» رأي المعتزلة فيما يخص هذه المسألة بالذات حيث يقول: «و لكن البعض منهم يقولون بوجوب نصبه علي الأمة و ذلك بالنص من قبل الله تعالي، و القائلون بذلك هم معتزلة البصرة أما من يقول بوجوبه علي الأمة بحكم العقل، فهم معتزلة بغداد». [36] . أما رأي الامامية فهم متفقون علي وجوب نصب الامام بطريق النص و العقل. و يؤكد هذا القول الشيخ المفيد قائلا: «أما الامامية فمتفقون علي وجوب نصب الامام من قبل النبي بأمر من ربه نصا و وصفا. و أنه لابد منه في كل زمان و مكان». [37] . و قد خالفت المعتزلة أيضا المفهوم الأخير. و قالوا: بخلو الأزمان الكثيرة من الامام. بل تعتقد الامامية أن الله لا يخلي الأرض من حجة علي العباد، من نبي أو وصي ظاهر مشهور، أو غائب مستور. هذا قول الصادق بأن الأرض لا تخلو من حجة عندما سئل فيما رواه عنه «الكليني» قوله: «تكون الأرض ليس فيها امام؟ قال: لا، قلت: يكون امامان؟ قال: لا، الا و أحدهما صامت. و لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجة علي صاحبه». [38] . [ صفحه 100] لابد من موافقة الشيخ المفيد قوله فيما يخص نصب الامام و ان الأرض لا تكون في أي زمان و مكان بدون حجة، بعد أن استمعنا الي قول الصادق. يبقي لنا أن نناقش فكرة عصمة الامام، لنتعرف علي الامام القائم الذي فهمه الصادق و ما هي مواصفته و هل

نقر هذا اللقب لأي قائم علي الأمة بأنه امامها و هل يجوز هذا اللقب لأي خليفة أو حاكم مختار كما نطلق و نقر. فلنستمع الي جواب الصادق لنتعرف علي معني المعصوم بعد أن فهمنا وجوب النص علي الامام، و أن الأرض لا تخلو من حجة بعدها نفهم هل يطلق هذا اللقب «امام» جزافا و بدون مفهومية لمضمون هذه الكلمة حيث أحرزت هذه الكلمة خلافا واسعا بين المسلمين كما اشرت في مقدمة هذا البحث. سأل هشام بن عبدالملك الصادق ما معني أن الامام لا يكون الا معصوما؟ قال: «هو الممتنع بالله من جميع محارم الله». [39] و في مكان آخر قال الصادق: «ان الله اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، و ان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و انه اتخذه رسولا عبدا قبل أن يتخذه خليلا، و انه اتخذه خليلا قبل أن يتخذه اماما. فلما جمع له الأشياء قال: «اني جاعلك للناس اماما». [40] . و يقصد الصادق بالممتنع بالله أي بتوفيق الله، و لا يكون الظالم اماما للناس، و لا تكون العصمة ظاهرة الخلقة فتري كالبياض و السواد، بل هي مغيبة لا تعرف الا بنص الله عليه علي لسان نبيه. و هكذا ان الامامية اتفقوا علي عصمة الامام من الذنوب صغيرها و كبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلا و لا عمدا و لا نسيانا و لا لخطأ في التأويل. هذا هو الامام كما أوضحه الصادق من حيث وجوب النص عليه و ان الأرض ليست خالية من امام، و هو المعصوم لقد فهمنا كل ذلك من نصوص الصادق و غيرها كما ذكرت و التي توافق الصادق و لا تعارضه في هذه المعاني التي

ذكرت. و يمكننا القول بأن الشيعة الامامية بعد هذه الجولة في فهم مضامين الامام، أنهم قد زادوا «ركنا خامسا» و هو الاعتقاد بالامامة، و انها منصب الهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة و الرسالة، فكذلك يختار للامامة من [ صفحه 101] يشاء و يأمر نبيه بالنص عليه، سوي ان الامام لا يوحي اليه كالنبي، و انما يتلقي الاحكام منه مع تسديد الهي. فالنبي مبلغ عن الله، و الامام مبلغ عن النبي. و الامامة متسلسلة في اثني عشر كل سابق ينص علي اللاحق. و يشترطون أن يكون معصوما كالنبي عن الخطأ و الخطيئة، و الا لزالت الثقة به. و علي سبيل الحصر، أكد الشيخ المفيد بالنص علي امامة الصادق قائلا: «و كانت امامته أربعا و ثلاثين سنة و وصي له أبوه أبوجعفر وصية ظاهرة و نص عليه بالامامة. فروي هشام بن سالم عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سئل أبوجعفر عن القائم بعده فضرب بيده علي أبي عبدالله و قال: هذا والله قائم آل محمد». [41] . و هكذا فالاعتقاد بالامامة بأنها ركن من أركان الدين و قاعدة الاسلام، هو عند الشيعة فقط. و قد تناوله بالبحث و التدقيق صاحب «أصل الشيعة و أصولها». قائلا: «الامامة هي ضرورة دينية و انها بالنص، و هي ليست من المصالح العامة، و هي ركن الدين و قاعدة الاسلام». [42] . و لم يخالف هذا القول الشيخ محمد أبوزهرة بأنها ركن الدين و قاعدة الاسلام، و علي الامام القائم أن يكون معصوما عن الكبائر و الصغائر موضحا: «ليست من مصالح العامة التي تفوض الي نظر الأمة، و يتعين القائم فيها بتعيينهم، بل هو ركن الدين و

قاعدة الاسلام، و لا يجوز لنبي اغفالها، و تفويضها الي الأمة، بل يجب عليه تعيين الامام لهم و يكون معصوما عن الكبائر و الصغائر». [43] .

اثبات الرسل

بعد أن أثبت الصادق أن لنا خالقا متعاليا عنا جميعا و عن جميع ما خلق، و لا يعرف أحد منا أن لذلك الرب رضا و سخطا، و انه لا يعرف رضاه و سخطه الا بوصي [ صفحه 102] أو رسول. فالرسول هو الذي يعرفنا بأوامر الله و وجوب طاعته، فيسن لنا القوانين و يفسرها، و علي الانسان الطاعة المفترضة حفاظا علي توازن المجتمعات و استمرارها الكل سواسية أمام الدين، لا فضل لأحد الا بالتقوي. و تري الأديان أن حفاظا علي الشرائع و المعتقدات الدينية، أرسل الله لنا الرسل لاستمرار بقاء الانسان، و القضاء علي شريعة الغاب التي سيطرت علي الانسان ردحا من الزمان. و قد تشكك البعض بهم كما هو الحال بالخالق، و بعضهم اكتفي بالايمان بالخالق وحده عزوجل، و نفي الرسل لأنهم بشر مثلنا، و ينفي عنهم كذلك القدرة علي المعجزات و الوحي و غير ذلك مما عرف عنهم. و قد سئل الصادق عن اثبات الرسل فأجاب: «انه لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق، و كان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه، و لا يلامسوه فيباشرهم و يباشروه، و يحاجهم و يحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه الي خلقه و عباده، و يدلونهم علي مصالحهم و منافعهم. و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و المعبرون عنه عزوجل، و هم الانبياء و صفوته. من

خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها، غير مشاركين للناس - علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب - في أحوالهم مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر و زمان بما أتت به الرسل و الأنبياء من الدلائل و البراهين لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقالته و جواز عدالته». [44] . و المعروف من هذا الكلام أن الصادق يثبت الرسل دون تحديد أو تمييز أولئك هم أصحاب البراهين و الدلائل، الأنبياء صفوة الله، الآمرون و الناهون، المتأدبون بحكمته. بهذا يكون قد رد علي المتشككين بهم المنكرين لأفعالهم الغريبة المستمدة من الخالق بقدرته التي وضعها في تصرفهم لصالح الجماعة. هذا من جهة، و أما من جهة أخري. ان الله أجل و أكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون به. و ان من عرف أن له ربا، فيجب عليه أن يعرف أن له سخطا [ صفحه 103] و رضا، و أنه لم نعرف هذا الرضا و السخط الا بوحي من الرسل، فلذا طاعة الرسول واجبة فمن أطاع الرسول أطاع الله، و من أغضب الرسول أغضب الله. أولئك الرسل و الأنبياء يقسمهم لنا الصادق الي طبقات أربع محددا لنا اياهم فقال: «الأنبياء و المرسلون علي أربع طبقات: فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها؛ و نبي يري في النوم و يسمع الصوت و لا يعاين في اليقظة و لم يبعث الي أحد و عليه امام مثل ما كان ابراهيم علي لوط؛ و نبي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك، و قد أرسل الي طائفة قلوا أو كثروا كيونس. و الذي يري في نومه

و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة و هو امام مثل أولي العزم، و قد كان ابراهيم نبيا و ليس بامام». [45] . و كان الصادق في هذا القول يفرق بين الرسول و النبي و المحدث، فالرسول الذي يسمع الصوت و يري في المنام و يعاين الملك فيكلمه و أما النبي هو الذي يري في منامه و يسمع الصوت و لا يعاين الملك و ربما اجتمعت النبوة و الرسالة لواحد، و المحدث الذي يسمع الصوت و لا يري الصورة. و هكذا فالحجة لا تقوم لله علي خلقه الا بامام حتي يعرف و هي قبل الخلق و بعد الخلق. أي ان الأرض لا تخلو من حجة علي حد تعبير الصادق.

خاتمة

الصادق لم يكن بعيدا عن المذاهب الكلامية المتصارعة قبل عصره و في عصره كتيار يؤثر فيما حوله، و بعد عصره في آرائه و تراثه الذي أثر فيما بعده و احتفظ بمكانته و اصالته. عبر قرون عديدة. و قد ناقش في المسائل الميتافيزيقية في حجابه مع الزنادقة و غيرهم معتمدا علي العقل و استنباطه، و كان القرآن رائده في كل المعارف، و قد ربط بين العلوم العقلية و الدينية في تراثه العقلي. و لا غرابة في ذلك حيث يلاحظ بعد عصر الصادق بتسعة قرون أن «باسكال» العالم الفرنسي الرياضي، و الفيلسوف الديني، كان رجل دين و علم معا، و لا تعارض بين عقليته العلمية و الدينية أبدا... [ صفحه 105]

اراؤه الفقهية

تمهيد في معني الفقه

اشارة

كما نعلم ان الشارع الأول في الاسلام هو الله عزوجل، الذي أنزل مبادي ء الشريعة الاسلامية بما فيها من دين و قضاء أو أحكام قانونية، فكان من الطبيعي أن يبحث علم الفقه أو علم فروع الشريعة في العبادات و المعاملات جميعا، و كان طبيعيا أن ترتبط أمور المعاملات بالدين في اصولها و مآخذها و في أحكام التفسير و الاجتهاد، و ما الي ذلك من مناهج التفكير و التحري و الاستدلال. و من المعلوم أن انفصال القانون عن الدين تدرج شيئا فشيئا في الغرب حتي أصبح القانون لا يتعلق الا بأمور مدنية، و أصبح علم القانون مختصا بالحقوق الدنيوية الوضعية. و الحاصل أن الشريعة الاسلامية شريعة الهية بمصادرها و احكامها الأولي علي حين أن القانون المدني يبحث في المعاملات وحدها و يستمد أحكامه من سلطة الدولة التي تعد له حسب المصلحة العامة. و يمكن قسمة الفقه الاسلامي الذي كان دينا و قانونا في آن واحد الي قسمين:

أحدهما: قسم العبادات و هو حق الله تعالي الذي يتعلق بأمور الآخرة من ايمان و صلاة و حج و زكاة و غيرها. و القسم الآخر، و الذي يتعلق بأمور الدنيا أو الاحكام القانونية، و هو قسم يشمل العقوبات و المناكحات و المعاملات. و ان كثيرا من هذه الأمور الدنيوية قد عالجها الصادق، و ما زلنا نلمس أثره فيها حتي عصرنا اليوم، و هذه الأحكام في المواريث و الطلاق و الزواج و المتعة و الخمس و غيرها من المسائل الاجتماعية نراها تطبق في عديد في البلدان معتمدة في أحكامها علي [ صفحه 106] أصول الفقه الجعفري. هذا الفقه الذي مرده الي الصادق و يحمل اسمه: الفقه الجعفري - و كل ما قيل عن الامامية في هذا السبيل. و قد كان للصادق مذهبه في الفقه قبل أن تختلف مذاهب الأئمة من أهل السنة أو الشيعة، و هو مرجع لطلاب الأصول، و أستاذ الفقهاء و أولهم جميعا فقد أخذوا عنه و قد عرف الفقه كعلم منذ فقد الصادق. و أخص بالذكر الشيعة ليس لهم سوي تفسيرات و أقوال منسوبة لأئمتهم. أما المسائل و الفتاوي الفقهية فمردها جميعا الي جعفر الصادق رائد علم الفقه. حدد أصوله الفقهية و جعل لها مصادر لا تخالف الكتاب و السنة و الاجماع و العقل. هذه الأصول الفقهية هي الأصول عند جعفر الصادق.

اصول الفقه الجعفري

اشاره

تضمنت اصلاح الناس و تهذيبهم و تنظيم الآداب العامة و رعاية الحقوق الواجبات، ليحصل المجتمع علي السعادة. من هذه الأصول.

الكتاب

يرجع اليه جميع المسلمين دون تفرقة كأصل من أصول الفقه الاسلامي عامة و القرآن باجماع المسلمين هو حجةالاسلام الأولي و فيه بيان كل شي ء في الشريعة و قد جاء في كتاب الصافي منسوبا الي الصادق أنه قال: «ان من لم يعرف من كتاب الله الناسخ من المنسوخ، و الخاص من العام، و المكي و المدني و أسباب التنزيل، و المبهم من القرآن في الفاظة المتقدمة و المؤتلفة، و الظاهر و الباطن و السؤال و الجواب، و معني حلاله و حرامه الذي هلك فيه الملحدون، و الموصول و المحمول. فليس بعالم بالقرآن، و لا هو من أهله، و اذا ادعي معرفة هذه الأقسام فهو مدع بغير دليل، و هو كاذب مفتر علي الله الكذب و رسوله و مأواه جهنم و بئس المصير». [46] . [ صفحه 107] مما يستدل من هذا القول أن فهم القرآن صعب بيانه، و من يود معرفة بيانه فعليه أن يكون عالما بأمور منها: علم الناسخ و المنسوخ و ان ذلك يقتضي معرفة تاريخ نزول القرآن، لأن معرفة الناسخ تقتضي معرفة المتأخر من المتقدم، و لأن النسخ ينهي حكم المتقدم بالمتأخر. و كذلك أوجب أن يعرف المكي و المدني من الآيات ليعرف أسباب النزول و مبني الأحكام. و أن يعرف العام و الخاص ليكون ملتزما في فتواه معني القرآن و مراميه. و أخيرا عليه أن يعرف علم اللغة عامة، فيعرف المؤكد و غير المؤكد و المجمل و المفصل. و هكذا فالوصول الي ذلك صعب. فالناس يعلمون ظاهر القرآن، أما باطنه فلا

يعلمه الا الراسخون في العلم. و لو عدنا الي قول الصادق بان القرآن فيه تيبان كل شي ء و مفتاح للمعارف جميعا هو قول لا يجوز عدم الاقرار به: و قد استفاد الباحثون من مدلولات القرآن علي فهم و تفسير نواح عديدة، عملوا علي تطوير مجتمعاتهم بعيدين عن التعصب لغير العلم متخذين من كتاب الله صراطا و مرشدا يشدهم الي التطوير عن طريق فهم باطن القرآن و ظاهره فهما علميا، و لا أظن أن القرآن هو ضد العلم و الحضارة. و قد استمد الصادق أصوله الفكرية من القرآن حيث أسس علم الفقه مستدلا بالأحكام الشرعية متدرجا بها حسب الأزمان، و سبب التيسير للناس باعثا بالنفوس الي الترقي عن طريق الاستنباط و الاستدلال العقليين، و بهذا يكون قد فتح الطريق بعده للترقي العلمي و الاعتماد علي الموضوعية التي أخذت بتطوير الحضارة جيلا بعد جيل. و لا ننكر في عصرنا الحاضر ما للدراسة العلمية للكون و الاجتماع و النفس من قوة علي فهم اسرار القرآن، و بعد نكاد نؤمن أنه لا نري الهاما خاصا ببعض النفوس، و لا أريد هنا أن أجرح بفئة من الناس، بل أود وضع الشي ء في نصابه معترفا بفضل الدراسات الاجتماعية و الانتروبولوجية و الديموغرافية و التجريبية التي عادت لنا بفوائد جمة، باحثة عن أسرار الكون بأسره منقبة كاشفة النقاب عن النفس البشرية المتطورة، و هكذا لن أجد صعوبة بعد من فهم باطن القرآن و ظاهره الا للرافضين لفهم الحياة و المجتمعات التي تتطور معتمدة علي فهم العلم و روحه. فالقرآن مصدر للعطاء البشري الذي يرتكز علي العلم و دقته مهما تكن هوية طالبه، و نحن نكون مع الصادق [ صفحه 108] المستمد من

القرآن علمه و روحه الفكرية التي تعمل من أجل النفس البشرية مفسرة القرآن علي ما هو عليه و ما يحتوي من تنوير و دقة و روح منقبة كاشفة عن الحضارة و التي بحاجة الي عقل ثاقب مؤمن بالانسان و قدرته علي الفهم و العطاء. و أخيرا بهذا المعني أفهم قول الصادق: بأن القرآن فيه بيان كل شي ء و أضيف لكل امري ء اهتدي و استنار بنور العقل. أي عقل... و قد اختصرت القول في: «الكتاب» عن الصادق كأصل من أصول الفقه الاسلامي، لأنني لم أجد سوي أقوال عامة عن الامامية في هذا الأصل ليست موضوعنا الأساسي في بحثي هنا عن الصادق. و لم أعثر علي أحاديث خاصة به تؤيد أو تنفي أقوال من سبقه من الامامية في أحاديثهم عن القرآن في النسخ و المنسوخ و جمعه و تفسيره و غيرها من الابحاث المتعلقة في هذا الموضوع.

السنة

هي ما نقل عن صاحب الشريعة الاسلامية: قولا أو فعلا أو تقريرا. و المهم أن العلم بالحديث دليل صحته، و تلك نقطة هامة ترتبط بفقه الصادق. فالذي يرويه السني أو الشيعي معا أو أحدهما دون فرق، فالمهم الصدق و ليس التعصب لأحد دون الآخر. و هذا لب فقه الصادق كمذهب ما قبل المذاهب، ذلك المذهب الذي يروي أنه يجب أن تختلف الآراء لمصلحة المادة و موضوعها في الناس و تطور الأزمان و الحاجات حتي تكون حقا حسب نص القرآن الداعي الي التطور الفكري فيتبعوا أحسنه. و الذي لا شك فيه أن آيات التشريع لا تفي بكل ما يحتاجه الانسان من أحكام الوقائع و الحوادث، لاسيما و قد تطورت و تجددت مع الزمن. و من أجل ذلك كانت الحوادث غير

متناهية. و كانت الآيات قد وضعت المبادي ء العامة في الغالب و تركت تحديد الموضوعات و ماهياتها. لهذه الأسباب كانت الحاجة الي السنة لبيان ما قصدته الآيات الكريمة و توضيح المشكلات. فالسنة تكون بهذا المعني متممة للكتاب و كلاهما من مصدر واحد، و هي مصدر أو أصل من أصول الأحكام. [ صفحه 109] و لم أجد في المصادر القديمة أحاديث للصادق بل أقوالا عامة منسوبة للامامية سوي هذا الحديث له عن فضل النبي محمد علي جميع الأنبياء بسنده للمجلسي. قال أبوخنيش الكوفي حضرت مجلس الصادق و عنده جماعة من أهل الكتاب فقالوا: فضل موسي و عيسي و محمد سواء لأنهم أصحاب شرائع فقال الصادق: محمد أفضل منهما و الدليل من الله و أعطاه الله من العلم ما لم يعطه لغيره. و يظهر في قوله عن موسي (و كتبنا له في الألواح من كل شي ء)؟ و يظهر في قوله عن عيسي: (و ليبين لكم بعض الذي تختلفون فيه). و يظهر واضحا في قوله لمحمد: (و جئنا بك شهيدا علي هؤلاء، و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي ء). [47] . و حديث آخر أورده الشيخ أبوزهرة بسنده للكافي و قد جاء علي لسانه: «عن أبي عبدالله قال: قال رسول الله: ان علي كل حق حقيقة، و علي كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، و ما خالف كتاب الله فدعوه» و قد سئل الصادق عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، و منهم من لا نثق به. فقال: اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو قول رسول الله فخذوه، و الا فالذي جاءكم به أولي». [48] و المفهوم من قول الصادق أن السنة لا

تأتي بما يخالف كتاب الله، و اذا خالفته فتعد مرفوضة و غير صحيحة، فالمهم بالنسبة عند الصادق الصدق في الحديث، و كأنه جعل له معيارا مستمدا من القرآن، و بهذا تكون السنة متممة لما ذكره القرآن مبينة الحقيقة لطالبها.

الاجماع

يمكن تعريفه هو اتفاق المجتهدين المسلمين في عصر من الأعصر علي حكم شرعي. و يستند الفقهاء في تثبيته علي أدلة من الكتاب و السنة و الي حجج عقلية عملا [ صفحه 110] بنصح من القرآن الكريم: «و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا» و بدعم من الأحاديث العديدة التي تدعو الي الألفة و الوحدة، و يمكن الأخذ بها شعارا عملا لا قولا، الله مع الجماعة. ان فكرة الاجماع عند المسلمين كانت سياسية في بادي ء الأمر، ثم أصبحت دليلا علي الأحكام و مصدرا من مصادر الاسلام. و الشرط الأساسي لهذا الاجماع المقبول هو الخير العام و المنفعة العامة. و قد سعي الباحثون الي سند للاجماع و في طليعتهم الشيخ أبوزهرة الذي قال: «ان الاجماع لابد له من سند من أصل في الكتاب أو السنة». [49] يمكن أن يكون هذا الرأي مقبولا منذ عهد قديم، و ذلك لا ثبات كلمة الدين و عدم المساس بجوهره. أما اليوم الرأي المقبول هو كل رأي حسن مهما كان مصدره حتي و لو كان من العدو، و نعيش اليوم في وطن متعدد الطوائف و تقتضي ضرورة المعايشة ذلك أن نكون ملتئمين تحت لواء الوطن متحابين متحدين متساوين في الحقوق و الواجبات، يعمل الكل من أجل الخير العام تحت لواء العلم و الوطنية. فالنظرية العلمية صحيحة مادام هناك لا رأي يخالفها أو يناقضها و لا تقام حجج ضدها. فالحقيقة شمس يجب

ان تشرق في كل نفس تواقة اليها، و لا غرابة بعد وصول الانسان الي القمر. و لو عدنا الي الصادق نراه مع العلم الذي يقبله الكل و لا يعارض سنده كطريق لتطوير الانسان و لرقي الحضارة. و لم نعثر له علي رأي أو قول صريح في الاجماع كأصل من أصول الفقه الاسلامي. لا في المصادر القديمة و لا الحديثة سوي أحاديث منسوبة لمذهب الامامية بشكل عام. و قد توخيت الصدق و الموضوعة لعدم استشهادي بأقوال منسوبة للصادق في هذا المضمار. و أخيرا اذا أردنا سندا عصريا يقبله الكل في الاجماع: هو سيادة العلم معبود الجماهير، و مقيم الحضارات. و هذا ما يقبله الصادق و بعده أتباع مذهبه حتي اليوم. [ صفحه 111]

العقل و نقد القياس

توصل الانسان الي ما تصول بفضل العقل: هذه القوة الجبارة التي وهبها الله للانسان، بالعقل يعرف الله، و به يستدل علي توحيده و شأنه، و به تدرك معاني الأشياء و يطلع الانسان علي ما يمكنه من أسرار التكوين، و به يصل الي تنظيم الحياة الفردية و الاجتماعية. و لكنه مع ذلك لم يجعل الله فيه من القوة ما يتمكن بها من ادراك كل شي ء و الا كان مشروعا يستغني به عن ارسال الرسل التي عملت علي هداية البشر. و «ان الامامية يقررون أن ما أمر به العقل يكون مطلوبا، و ما نهي عنه يكون منهيا عنه، و لكن علي أساس أن العقل في ذاته غير آمر أو ناه، و لكنه كاشف عن أمر الله تعالي و نهيه». [50] . بهذا المسلك يقرر لعقل ما هو حسن و ما هو قبيح علي أساس المصلحة أو المضرة. و هكذا يقرر المذهب الجعفري بأن المصلحة

أصل من أصول الاستنباط، اذ لم يكن كتاب و لا سنة و لا اجماع في المسألة التي يجتهدون فيها، و ان ذلك يتفق في جملته مع الفقه المدني الذي يرتكز علي حكم العقل. و ان العقل عندما ينظر في الأشياء من حيث حسنها أو قبحها، فانه لا محالة ناظر الي ما فيها من مصلحة، و ليس من المعقول أن يطلب العقل الضار، و يدفع النافع. فان ذلك أمر لا يقع فيه العقلاء. فلا يجوز مثلا أن يقر العقل باباحة مسكر للتدفئة أو نحوها، لأن هذا مخالف للنصوص. هذا ما نفهمه من الشيخ أبوزهرة في مذهب الامامية بشكل عام. و دليل العقل في المذهب الجعفري، هو أن الصادق تفرد بناحية هامة، هي أن الاجتهاد المفتوح بابه يكون مع وجود الكتاب و السنة و الاجماع و العقل ففي القرآن يكون مع صحة الفهم و الاستنباط، و مع السنة يكون في صحة فهم الحديث و تميزه، و في الاجماع في فهم امكان تحققه. فالاجتهاد عند الصادق يأتي علي يد من زاول الأدلة [ صفحه 112] و مارسها و قدر علي استنباط الحكم الشرعي من تلك الأدلة، و ليس عن طريق القياس الآلي. فنتج من ذلك اختلاف بين المجتهدين في العصر العباسي، و قد تقدم نتيجة لذلك علم الفقه و علم الأصول. الا أن هذا التقدم أخذ بالتقهقر نتيجة لأخذ المذاهب السنية بمبدأ سد باب الاجتهاد منعا من ظهور مذاهب أخري غير الأربعة المعروفة لديهم، و قد أصاب الجمود الحضارة العربية و تفشي التقليد و كثرت البدع المبنية علي الجهل. بيد أن المذهب الجعفري استبقي باب الاجتهاد مفتوحا للقضاء علي الجمود الذي أصاب النهضة العربية معتمدا علي العقل طريقا

للهداية و التقدم. فالعقول وحدها لا تهتدي الي علل الأحكام، فلا ندرك السر في كون صلاة الظهر مثلا أربع ركعات، فلم لم تكن ثلاثا أو خمسا؟ و لم كان الركوع قبل السجود؟ و لم كان الواجب في الزكاة المقدار المعلوم، و لم يكن أقل أو أكثر منه؟ كل ذلك لا يدركه العقل. هذا ما حدا بالصادق علي منع القياس ردا علي أهله، بأن العمل به يلزم الاستغناء عن الله تعالي، و عن بعثة الرسل علي الشريعة، فلا يعرف الواحد منا بالقياس أحكام الله لعدم ادراكه بعقله وجود الحلال و الحرام، و المصالح و المفاسد حيث قال الصادق: «فان من دعا غيره الي دينه بالقياس لم ينصف و لم يصب حظه، لأن المدعو الي ذلك أيضا لا يخلو من القياس، و متي لم يكن بالداعي قوة في دعائه علي المدعو لم يؤمن علي الداعي أن يحتاج الي المدعو بعد قليل، لأنا رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا لمعلمه و لو بعد حين، و رأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه الي من يدعوه. و في ذلك تحير الجاهلون و شك المرتابون، و لو كان ذلك عند الله جائزا، لم يبعث الرسل». [51] . و قد أكد رأي الصادق بعدم الأخذ بالقياس قول الامام علي: «عن ابن مسعود أنه قال: ان عملتم في دينكم بالقياس، أحللتم كثيرا مما حرم الله، و حرمتم كثيرا مما أحل لكم». [52] . و من أدلة الصادق كذلك علي نقد القياس و نفيه، حواره الذي جري مع أبي حنيفة حيث ابتدأه الصادق بالسؤال لأبي حنيفة كما يذكر المجلسي قائلا: «قال [ صفحه 113] الصادق: يا أباحنيفة القتل عندكم أشد أم الزنا؟ فقال: بل القتل. قال:

فكيف أمر الله تعالي في القتل بالشاهدين و في الزنا بأربعة؟ كيف يدرك هذا بالقياس؟ يا أباحنيفة ترك الصلاة أشد أم ترك الصيام؟ فقال: بل ترك الصلاة، قال فكيف تقضي المرأة صيامها و لا تقضي صلاتها؟ كيف يدرك هذا بالقياس. ويحك يا أباحنيفة النساء أضعف عن المكاسب أم الرجال؟ فقال: بل النساء. قال: فكيف جعل الله تعالي للمرأة سهما و للرجل سهمين؟ كيف يدرك هذا بالقياس؟ قال: أبوحنيفة: أعوذ بالله أن أقوله. قال: بلي تقوله أنت و أصحابك من حيث لا تعلمون». [53] . هذا الحوار يرويه بأسلوب آخر الشيخ أبوزهرة، و يذكر أنه جري مع الامام الباقر و أبي حنيفة فيعكس الحوار بأن أباحنيفة هو السائل لأبي جعفر الباقر عن ما ذكرته في الحوار السابق، علي أن أباحنيفة لم يكن يري العمل بالقياس أو لم يعمل به علي نحو يقتضي تحويل الدين. و الذي نراه أن أباحنيفة كان يعمل بالقياس و ان المحاورة المذكورة كانت مقلوبة لأنها وقعت بين الصادق و أبي حنيفة، لأن اشتهار عمل أبي حنيفة بالقياس كان في زمان الصادق. ففي نفس كتابه عن الصادق نري تراجعا و تناقضا عند أبي زهرة ففي صفحة 23 يورد القصة مع الباقر بدون تردد، يقول: ان هذا الحوار كان مع أبي حنيفة و الباقر و في صفحة 517 من نفس الكتاب نراه يقول: كان بين الصادق و أبي حنيفة و ان السؤال كان من الصادق، و بهذا يكون الحوار يحتمل رأيين علي حد قول أبي زهرة. بينما الاصبهاني نراه يؤكد الخبر بأن هذا الحوار كان مع الصادق و أنه السائل لأبي حنيفة. فنراه يقول: «أول ما قاس أمر الدين برأيه ابليس ثم قال له: أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس.

قال: فان الله قبل في قتل النفس شاهدين و لم يقبل في الزنا الا أربعة الي آخر الحوار». [54] . و عن محمد الصيرفي، عن عبدالرحمن بن سالم أنه دخل ابن شبرمه [55] و [ صفحه 114] أبوحنيفة علي الصادق. فقال لأبي حنيفة: «اتق الله و لا تقس الدين برأيك، فان أول من قاس ابليس، اذ أمره الله تعالي بالسجود فقال: أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، ثم قال: هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟ قال: لا، قال: فأخبرني عن الملوحة في العينين، و المرارة في الأذنين، و البرودة في المنخرين، و العذوبة في الشفتين لأي شي ء جعل ذلك؟ قال: لا أدري. فقال الصادق: ان الله خلق العينين فجلعهما شحمتين، و جعل الملوحة فيهما منا علي بني آدم، و لو لا ذلك لذابتا. و جعل المرارة في الأذنين منا منه علي بني آدم، و لو لا ذلك لقحمت الدواب فأكلت دماغه، و جعل الماء في المنخرين ليصعد النفس و ينزل و يجد منه الريح الطيبة و الرديئة، و جعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة مطعمة و مشربه». [56] . و المستدل من قول الصادق كما هو معلوم، انه من قاس الدين برأيه قرنه الله تعالي يوم القيامة بابليس لأنه اتبعه بالقياس، و من هنا نستدل أن الصادق قد رفض القول بالقياس حفاظا علي الدين من الضياع كما أشرت الي أقواله، بيد أنه يقدر قيمة العقل و تطور الانسان عبر التاريخ، فاستبقي لهذا الغرض باب الاجتهاد مفتوحا غير مخالف لكتاب أو لسنة.

خصائص الفقه الجعفري

اشاره

و قد اشتهر الصادق و أصبح صاحب مذهب بفضل اهتمامه بالقسم الثاني من الفقهيات، عنيت به المعاملات الاجتماعية التي يحتاجها كل

انسان. كما نعلم ان له فتاوي متعددة في مسائل متنوعة تتعلق بنظم و سلوك الانسان. و قد أخذت المجتمعات الحديثة ببعض الأنظمة الانسانية الصالحة من الصادق، و خاصة في المواريث و الوصايا و الزواج المؤقت، هذا الأخير الذي تطور و أصبح يعرف في القرن العشرين باسم زواج التجربة حرصا علي سلامة المجتمع من العقد النفسية كما يقولون. [ صفحه 115] هذه التنظيمات الاجتماعية و غيرها مما ذكرها الصادق ما زالت حتي عصرنا الحاضر، تهتم بالانسان و تعمل كتنظيمات اجتماعية مقبولة جنبا الي جنب، لا تعارض فيها مع القوانين المدنية المتبعة هنا و هناك في امصار معروفة تسير علي منهج الفقه الجعفري، الذي تميز بخصائص اجتماعية موافقة لمجتمعاتنا الحديثة. و قد ذكر بعضها من المحدثين الأستاذ محمد جواد مغنية [57] و أوردها كذلك الدكتور محمديحيي الهاشمي [58] في كتابه عن الصادق. هذه الخصائص الاجتماعية التي تميز بها الفقه الجعفري تقدر الانسان في كل زمان و مكان، هي معلومة عند الكثير. سأذكر بعضا منها لمعرفة أهميتها في الاستنباط العلمي و الذي يتطور المجتمع بفضله:

نقد القياس

لنقد القياس أهمية كبري في التحري العلمي و التعمق في الواقع. و الصادق ممن نقده و رفضه، كما ذكرت آنفا بعضا من أقواله.

الحرية

ان هذا المبدأ من المبادي ء، الأساسية للتقصي العلمي. و ان العلم في الغرب لم يسر في طريقه الا بعد أن أقر حرية الانسان ودك مبدأ السلطة، فلا سلطان الا للعلم و للبحث و للحقيقة. لا سلطان بعد اليوم للعبودية و السيطرة الدكتاتورية. و قد وقف الصادق من السلطة موقفا معارضا عرفناه عند الصادق في تأسيسه لمدرسته الثقافية التي تعزز العلم صاحب أعلي سلطة. فسلطة العلم هي التي تعود بالنفع للجماعة هذا ما عمل من أجل تحقيقه الصادق كما عرفنا من سيرته.

المساواة

و نعني بذلك أن جميع الناس سواء أمام القانون، و هذا يرفض تفاوت البشر [ صفحه 116] و جعلهم طبقات متفاوتة بل متقاربة. و هذا الاعتقاد بالمساواة هو السبب في القضاء علي عقدة النقص، عدوة كل بحث علمي بهذا وقف الصادق في وجه الدولة مبشرا بالمحبة دون استئثار لسلطة أو نفوذ، فمصلحة الجماعة فوق كل مصلحة.

الثقة بالانسان

اذا اتخذنا هذا المبدأ بالمعني الواسع اتضح لنا أن الثقة أصل من أصول التحري عن الحقيقة. فلا حقيقة بدون انسان حر معزز يعمل لأجل الغير دون تفرقة أو تمييز. فالانسان هو دعامة الحضارات به تنهض المجتمعات و به تشقي. هذه الثقة به نراها عند الصادق الذي وقف علي الحقيقة معززا الانسان بثقة من ما عرفناه من أقواله في هذه الدعامة.

الأقرب فالأقرب

و نقصد فيه اعتماد الصادق في الارث و جعل الأولاد و الآباء أولي بالارث من الاخوة. و للصادق مبدأ متبع بهذا الخصوص ليس المجال هنا للتوسيع بهذا المبدأ الفقهي المعروف عند الصادق.

الاجتهاد

كون باب الاجتهاد مفتوحا لكل من له الأهلية، و يحرم المذهب الجعفري علي من يمكنه الوصول بنفسه الي معرفة الاحكام أن يقلد غيره، و يجب علي العمل برأيه، فان أصاب فهو مأجور و ان أخطأ فهو معذور. و هل هناك من أمر يحبذ الجهد الشخصي مثل فتح باب الاجتهاد. هذا ما عرفناه لدي الصادق و قد خالفه في هذا أصحاب المذاهب الفقهية الأخري كما ذكرت، و قد فصلت ذلك في محله [ صفحه 117]

من لا يعمل لا يأكل

في هذا المبدأ الحث علي العمل واضح، و من المعلوم أن العلوم العصرية لم تتقدم في طريقها الا بعد الاقرار بمبدأ العمل و التجربة و تحري الحقيقة و دقة الملاحظة و امعان و جهد لا يعرف الكلل و لا الملل. تلك هي مبادي ء اجتماعية تناسب كل العصور و تعمل لاصلاح الانسان. و بهذا يكون الصادق تقدميا من رواد الاصلاح لعصره و لبعد عصره، و داعيا للحضارة الانسانية من الحث علي العلم و العمل و الحرية و الثقة بالانسان.

خاتمة

و ما ننعم به اليوم من رضاء و تقدم، هو بلا ريب نتيجة مجهودات انسانية أدت دورها الاجتماعي عبر التاريخ المتطور. و كما نعلم فان الصادق جاء بعد أجداده، و كان مرجع الأولين و الآخرين من الشيعة. و لم يكن هكذا فقط بل كان رائد السنة و الشيعة معا. و كان أستاذ الامامين الجليلين أبي حنيفة و مالك في الجانب الديني، و كان رائد العالم جابر بن حيان في الجانب العلمي، و صاحب مدرسة فكرية، و رائد مذهب ما قبل المذاهب. و قد عرف بالاعتدال فأتي بآراء فكرية كانت العلاج لبعض أدوائنا الاجتماعية. و هو في ذلك لا يخالف كتابا و لا سنة. و قد اتخذ الصادق الانسان أساسا لكل بناء، و كان نموذجا للصدق الذي يحمل اسمه، و حدد أساسه و مضمونه، حيث ان الصدق لا يكون في العبادات و أداء الطقوس الدينية فقط، فهو أضعف أن يحقق للانسان رسالته فالصدق في علاقة الانسان مع المجتمع، أي صدق في النضال، في التحقيق العلمي، و صدق في الكشف عن عورات الناس و في تصوير عواطفهم و مشاعرهم لتوضيح الرؤية التي يهدفها الفيلسوف لاجل الاصلاح. هذه الحقائق عن

الصادق كانت مجهولة بسبب التعصب و المغالاة. و كانت [ صفحه 118] كذلك بسبب السياسة التي حاربت المذهب الجعفري كما رأينا، و ادت الي تقلص مذهبه عبر التاريخ بعد انتشاره. و قد أكد ما قلته عن الصادق عباس محمود العقاد بقوله: «و كان الامام الصادق أعلم أبناء عصره بالعلوم الدينية و الكونية، و حسبه من ذلك أنه أستاذ أبي حنيفة في الفقه و أستاذ جابر بن حيان في الكيمياء. و قد كان للصادق مذهب في الفقه قبل أن تختلف مذاهب الأئمة من أهل السنة أو من الشيعة، فهو مرجع لطلاب الأصول و طلاب التوفيق». [59] . و ما الصادق كما رأيناه في فقهه و مدرسته و فلسفته و تصوفه الا امام اجتماعي كرس نفسه للانسان أي انسان، و كافح لنصرة الحق و رفع شأن العلم. فنحن نقدره لأننا نقدر العلم و رجاله حتي من أعدائنا، ما دام يعود بالنفع علي انساننا و أجيالنا. و قد نما المذهب الجعفري بفضل فتحه باب الاجتهاد لدراسة كل المشاكل الاجتماعية التي تعتري الانسان حاضرا و مستقبلا. و كذلك كثرة الأقوال فيه جعلت تطبيق مذهبه مرنا مع الأحداث المتعاقبة. و قد انتشر بقوته دون استناد الي سلطة. و قد تقلص المذهب الجعفري بعد انتشاره لمعارضته لكل اعوجاج حكومي هذا من ناحية، و من ناحية أخري نجد أن كتاب الفرق قد سلكوا طريق الافتراء و التحامل، و لم يكتبوا للعلم بل كانت كتاباتهم يسيطر عليها التعصب و البغض للمذهب الجعفري. و اذ رجعنا للواقع دون مغالطة و لا تعصب في ضوء التفكير الحر، نري أن الصادق من ضحايا الحقيقة و الصدق. عاش. و مات. من أجل الانسان. [ صفحه 127]

احتجاجات الصادق علي الزنادقة و المخالفين و مناظراته معهم من كلام جعفر الصادق

احتجاجات الصادق علي الزنادقة و المخالفين و مناظراته معهم

پاورقي

[1]

ابن خلكان، وفيات الأعيان (الجزء الأول، مكتبة النهضة القاهرة، الطبعة الأولي 1948)، ص 291.

[2] الشيخ المفيد، الارشاد، (دار الكتب الاسلامية، طهران، 1377) ص 254.

[3] حسن الامين، دائرةالمعارف الاسلامية الشيعية الجزء الثاني ص 71.

[4] محمد ابوزهرة، الامام الصادق (دارالفكر العربي، 19) ص 66.

[5] محمد يحيي الهاشمي، الامام الصادق ملهم الكيمياء (منشورات المؤسسة السورية العراقية، 1959)، ص 28.

[6] المسعودي، مروج الذهب، باريس 6 ص 165.

[7] الطبري، تاريخ الرسل و الملوك، انتشارات جهان ج 13، ص 251.

[8] النوبختي، فرق الشيعة، استانبول جمعية المستشرقين الألمان ص 57.

[9] حسن الأمين - تكرر المرجع. ص 80.

[10] عبدالقادر محمود، جعفر الصادق رائد السنة و الشيعة (المجلس الأعلي القاهرة 1970).

[11] هو مولي الامام الصادق، و لقد قتله داود بن علي عندما كان واليا علي المدينة، و نال الصادق.

[12] حسن المظفر، كتاب الصادق ج 1، ص 118 و الشيخ أبوزهرة، مرجع مكرر ص 45 و ما بعدها.

[13] الشيخ المفيد، الارشاد، دار الكتب الاسلامية طهران 1377 ص 254، و ما بعدها و الكليني، الاصول من الكافي ج 1 و 5.

[14] المرجع نفسه، ص 255، الكليني ص 306.

[15] الكليني، نفسه، ص 307.

[16] الشهرستاني، الملل و النحل (الجزء الأول 1961 مصر) ص 166.

[17] أبوزهرة، مصدر مكرر، ص 16.

[18] حسن الأمين، دائرةالمعارف الاسلامية، الجزء الثاني، ص 77.

[19] حسن الأمين، نفس المصدر، ص 78.

[20] ابن النديم، الفهرست، ج 1 ص 354.

[21] ابوزهرة، مرجع مكرر، ص 3.

[22] حسن الأمين، مرجع مكرر، ص 75.

[23] عبدالقادر محمود، مرجع مكرر ص 201.

[24] بول كراوس، مختار رسائل جابر، مكتبة الخانجي و مطبعتها القاهرة 1354، ص 2.

[25] زكي نجيب محمود، جابر بن حيان ص 17.

[26] نقلا عن حسن الأمين، ص 76.

[27] عبدالقادر محمود، تكرر المرجع، ص 198.

[28]

محمد محمد فياض، جابر بن حيان و خلفاؤه، ص 151.

[29] محمد أبوزهرة، مرجع مكرر، ص 66.

[30] عباس محمود العقاد، اليوميات، 10 سنة 1959.

[31] مكرر المرجع، عن المقدر محمد ص 210.

[32] مجمع الرجال، نصوص أربعة كتب رجالية، الغت في القرن الخامس الهجري جمع النصوص الفهبائي ص 6 مطبعة روشن 1387 ص 227 و ما بعدها.

[33] البغدادي، الفرق بين الفرق 113.

[34] ابن النديم، الفهرست، ص 249.

[35] الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص 37 - 38.

[36] محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 29 - 30.

[37] الحر العاملي، وسائل الشيعة (المكتبة الاسلامية طهران، الجزء الثاني عشر) ص 4.

[38] الكليني - الروضة من الكافي ج 8 ص 5.

[39] الحر العاملي، مرجع مكرر ص 39.

[40] نفسه، ص 93.

[41] الكليني. الاصول من الكافي، الجزء الثاني ص 78.

[42] الشيخ الحراني، مرجع مكرر ص 248.

[43] مرجع مكرر، الحر العاملي - ص 156.

[44] نفس المرجع، ص 158.

[45] نفسه، ص 162.

[46] نفسه، ص 171.

[47] نفسه، ص 176.

[48] نفسه، ص 113.

[49] نفسه، ص 112.

[50] نفسه، ص 127.

[51] نفسه، ص 18.

[52] الكليني، مرجع مكرر ص 60.

[53] نفسه، ص 68.

[54] Massighnon , Essai sur le lexique. pp 201 - 206.

[55] p. Nwyia "le tafsir" mystique. in Melanges de lUniversite saint Joseph (beyrouth 1968) p.p.181- 230.

[56] الملحق الأول من صمباح الشريعه ص 93.

[57] سورة النور: الآية 35.

[58] سورة النساء، الآية 80.

[59] سورة الأنعام: الآية 59.

[60] سورة الأنفال: الآية 67.

[61] سورة الأنفال: الآية 69.

[62] سورة النحل: الآية 12.

[63] سورة النحل: الآية 97.

[64] سورة الكهف: الآية 84.

[65] سورة الفرقان: الآية 7.

[66] سورة الروم: الآية 17.

[67] p. Nwyia exegese coranique et langage Mystique (Bey routh, 1970) p.165.

[68] ذكر في الملحق الأول ص 112.

[69] الأب

نويا، مكرر، ص 175.

[70] ابن الحراني، تحف العقول (مؤسسة الأعلمي بيروت) ص 23 و ما بعدها.

[71] الاصبهاني، حلية الأولياء (لمجد الثالث مطبعة السعادة 1933)، ص 194 - 195.

[72] الملحق الأول: مصباح الشريعة، ص 26.

[73] نفسه، ص 25.

[74] نفسه الاصبهاني، ص 194. و ابن الحراني، مرجع مكرر، 256.

[75] الملحق الأول، ص 36.

[76] نفسه، الاصبهاني، ص 193.

[77] نفسه، ص 195.

[78] الملحق الأول، ص 72.

[79] عبدالقادر محمود، جعفر الصادق رائد السنة و الشيعة (القاهرة 1970)، ص 175.

[80] فريدالدين العطار، تذكرة الأولياء، ص 167.

[81] الأب نويا، مكرر ص 160.

[82] عبدالقادر محمود، الفلسفة الصوفية في الاسلام - (دار الفكر العربي - القاهرة 1967) الطبعة الأولي ص 156.

[83] محمدعلي أبوريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام، الجزء الأول 1970 بيروت ص 287.

[84] نفسه، ص 302.

[85] هو أحد تلامذه الصادق، ذكر هذا الاحتجاج ابن الحراني في كتابه تحف العقول ص 256 و ما بعدها. فهو احتجاج علي الصوفية كما دخلوا عليه فيما ينهون عنه من طلب.

[86] جشب: من الطعام الغليظ الخشن.

[87] سورة الانسان، الآية 8.

[88] سورة الاسراء: الآية 31.

[89] الشيخ المفيد، الارشاد (دار الكتب الاسلامية، طهران 1377) ص 226 ملموم: مستدير، غرقي ء: القشرة الملتصقة ببياض البيض الملحق الثاني. ص 32.

[90] الكليني، الاصول من الكافي الأول، ص 77.

[91] الملحق الثاني ص 4 و الطبرسي، و الاحتجاج، الجزء الثاني (مطبعة النعمان، النجف 1966) ص 78 - 79.

[92] تكرر المرجع، الشيخ المفيد ص 282.

[93] الملحق الثاني ص 22.

[94] الطبرسي، الاحتجاج، الجزء الثاني (منشورات النعمان، النجف 1966) ص 70 - و الملحق الثاني ص 32.

[95] نفسه الطبرسي ص 72.

[96] الكليني الأصول من الكافي الأول (دار الكتب الاسلامية، طهران) الطبعة الثالثة 1388 ص 73 - 74.

[97] الشيخ المفيد، أوائل المقالات ص

56.

[98] محمد ابوزهرة، الامام الصادق دار الفكر العربي ص 230.

[99] الصدوق، التوحيد ص 139.

[100] الشيخ الحراني، تحف العقول ص 241. سدير: ابن حكيم بن مهيب الصيرفي من اصحاب الامام الصادق.

[101] الصدوق، مرجع مكرر ص 30.

[102] الكليني، مرجع مكرر ص 115.

[103] تكرر المرجع، الصدوق، ص 57 و ما بعدها.

[104] الديصاني: بالتحريك من داص يديص ديصانا اذا زاغ و مال، معناه الملحد تكرر المرجع، الصدوق ص 122 و مابعدها، و كذلك الكليني، ص 79.

[105] الكليني، تكرر المرجع ص 151.

[106] الصدوق، تكرر المرجع ص 339.

[107] الكليني، تكرر المرجع ص 109.

[108] الشهرستاني، الملل و النحل، هامش الفعل في الملل و النحل لابن حزم ج 2 ص 2.

[109] الصدوق، نفس المرجع ص 376.

[110] المجلسي، مرجع مكرر ج 5 ص 116.

[111] الكليني، مرجع مكرر ص 159.

[112] الصدوق، المرجع نفسه، ص 376.

[113] محمدجواد مغنية، الشيعة الامامية ص 8 - 9.

[114] المجلسي، مرجع مكرر ج 23 - ص 71 - 73.

[115] النساء، الآية 59.

[116] المجلسي، نفس المرجع ص 23 - 94.

[117] المجلسي نفس المرجع، ج 23 - ص 110.

[118] محمد ابوزهرة، المذاهب الاسلامية ص 86 (عن الطوسي).

[119] الحلي، شرح التجريد ص 227.

[120] الشيخ المفيد، اوائل المقالات ص 8.

[121] الكليني، تكرر المرجع ص 178 و ما بعدها.

[122] المجلسي، نفس المرجع، ص 195 ج 25.

[123] المجلسي، نفس المرجع، ج 25، ص 206.

[124] الشيخ المفيد، الارشاد، ص 205.

[125] محمد كاشف الغطاء، اصل الشيعة و أصولها ص 110.

[126] محمد ابوزهرة، مرجع مكرر ص 51.

[127] الكليني، مرجع مكرر، ص 168 و ما بعدها. و الملحق الثاني ص 25.

[128] الكليني، مرجع مكرر، ص 174 - 175.

[129] الشيخ ابوزهرة، المرجع نفسه، ص 303.

[130] الملحق الثاني ص 33 - 34.

[131] الشيخ ابوزهرة،

المرجع نفسه، ص 406.

[132] الشيخ ابوزهرة، المرجع نفسه، ص 478.

[133] محمد ابوزهرة، المرجع نفسه،ص 485.

[134] السيد حسن يوسف مكي (دار الأندلس بيروت) عقيدة الشيعة في الصادق ص 275.

[135] هاشم معروف الحسيني، تاريخ الفقه الجعفري، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1973 ص 209.

[136] الملحق الثاني ص 27.

[137] الاصبهاني، المرجع نفسه، المجلد الثالث 197.

[138] عبدالله بن شبرمة بن طفيل بن حسان الضبي. و هو من اصحاب الصادق و كان من فقهاء العامة العاملين بالقياس.

[139] المجلسي، المرجع نفسه ج 10 ص 214. و مكرر 221.

[140] محمدجواد مغنية، أهل البيت بيروت 1956 ص 920 و ما بعدها.

[141] محمديحيي الهاشمي، الامام الصادق ملهم الكيمياء 1959 ص 15 - 152 - 153.

[142] العقاد، اليوميات 1959 ص 10.

[143] و اذا هاج ريح المحبة.

[144] سورة فاطر: الآية 28.

[145] سورة الشعراء: الآيتين: 88 - 89.

[146] سورة الاعراف: الآية 179.

[147] بماء الخوف.

[148] تجد الله ربا كريما علي كل حال.

[149] بالصدق.

[150] سورة البقرة، الآية 222.

[151] سورة الأنبياء: الآية 30.

[152] خدمة الملك.

[153] سورة النمل: الآية: 62.

[154] ركوع خاشع.

[155] سورة الأحزاب: الآية 4.

[156] سورة القصص: الآية 68.

[157] شاكرا بالفعل كما أنك عبده.

[158] الي أن لا.

[159] الا لصاقات أي التهم. و في نسخة ثانية: الانصافات: و في نسخة ثالثة: الاضافات.

[160] سورة الاسراء: الآية 11.

[161] من لحاظك.

[162] استماع.

[163] سورة آل عمران: الآية 97.

[164] تتمكن.

[165] بوادي.

[166] سورة النساء: الآية 97.

[167] أو المولي و العبد.

[168] و الزاهد الذي يختار الآخرة علي الدنيا و الذل علي العز و الجهد علي الرحمة.

[169] احسنت الي ساكنها.

[170] فأطاعت ربها.

[171] سورة الحشر: الآية 2.

[172] سورة الحج: الآية 46.

[173] سورة ص: الآية 86.

[174] بعملك.

[175] عملا.

[176] سورة البقرة: الآية 8.

[177] علي سره.

[178] بالمعجب.

[179] لقوام بدنهم.

[180] في الطاعة و العبادة.

[181] سورة النور:

الآية 30.

[182] سورة النور: الآية 24.

[183] سورة الاسراء: الآية 13.

[184] يسمع.

[185] سورة الاسراء: الآية 36.

[186] سورة البقرة: الآية 83.

[187] سورة الاسراء: الآية 96.

[188] سورة النجم: الآية 39.

[189] سورة الرعد: الآية 16.

[190] سورة الحجرات: الآية 12.

[191] التضجر.

[192] ممن عملت له.

[193] تعالي.

[194] سورة البقرة: الآية 9.

[195] لجسده.

[196] عن الأصل.

[197] سورة البقرة: الآية 175.

[198] و من.

[199] سورة العنكبوت: الآية 13.

[200] نفسه.

[201] و الأمين في ذلك بين من.

[202] سورة الزخرف: الآية 67.

[203] فان.

[204] فارفضها.

[205] سورة الشوري: الآية 38.

[206] لأن رضي الله.

[207] سورة الأعراف: الآية 46.

[208] سورة الحجرات: الآية 13.

[209] سورة النجم: الآية 32.

[210] سورة الفرقان: الآية 63.

[211] و فيها.

[212] نسبة.

[213] الأزل.

[214] سورة الاسراء: الآية 71.

[215] سورة المؤمنون: الآية 101.

[216] مستيقنا.

[217] كنوز.

[218] سورة الانعام: الآية 90.

[219] سورة النحل: الآية 123.

[220] سورة الحشر: الآية 7.

[221] وصفي.

[222] اللطافة.

[223] الجائر.

[224] قال النبي: و ذلك لربما و لعل و لعسي.

[225] و توحيده.

[226] سورة البقرة: الآية 44.

[227] ميراث.

[228] سورة فاطر: الآية 28.

[229] عشرة.

[230] سورة الحج: الآية 8.

[231] النسك بالدعوي.

[232] معتبر حالك مختبره و فاعله.

[233] خلا.

[234] أحد.

[235] لم تروه.

[236] لما يروي لك عنه.

[237] سورة النور: الآية 15.

[238] فاعتقد.

[239] المسلمين.

[240] بحرمة.

[241] سورة النساء: الآية 145.

[242] معصية.

[243] سورة العنكبوت: الآية 8.

[244] المعاشرة.

[245] بوجهك.

[246] التصنع.

[247] بكلامه.

[248] سورة الحج: الآية 13.

[249] سورة النساء: الآية 131.

[250] سورة القمر: الآيتان 54 - 55.

[251] ماهية.

[252] سورة طة: الآية 115.

[253] سورة المائدة: الآية 119.

[254] و غور.

[255] سورة الاعراض: الآية 8.

[256] سورة ابراهيم: الآية 12.

[257] سورة المائدة: الآية 23.

[258] مقدورك.

[259] المتوكل في توكله.

[260] مني.

[261] جزء من الدرهم المغربي.

[262] حواصل.

[263] سورة الحجر: الآية 99.

[264] له.

[265] يزيد.

[266] الفوائد.

[267] سلف.

[268] و يثبت.

[269] سورة العنكبوت: الآية 3.

[270] الرايض: السائق.

[271] الفاره: الحاذق.

[272] بيت العدو اذا أوقع بهم ليلا، و الاسم:

البيات.

[273] تحث.

[274] سورة الرعد: الآية 4.

[275] سورة التوبة: الآية 109.

[276] علي ذكر الموت.

[277] سورة الأنبياء: الآية 47.

[278] السفر.

[279] حيث لم تقدروه.

[280] يشير عليها سبعون.

[281] أحسن.

[282] الغاني.

[283] سورة غافر: الآيتين 44 - 45.

[284] بدنه.

[285] كان تفاضلهم.

[286] سورة آل عمران: الآية 67.

[287] مهجة.

[288] المحقق.

[289] بغير سهر.

[290] أويس القرني: زاهد معروف في القرن الأول.

[291] عارض.

[292] المذاق.

[293] سورة الكهف: الآية 68.

[294] ستره.

[295] سورة البقرة: الآية 153.

[296] سورة يوسف: الآية 86.

[297] التدريب.

[298] فقيد.

[299] و آخره رؤية.

[300] التلف.

[301] و يعطيهم.

[302] و الملكوت.

[303] المحبون.

[304] سورة الزخرف: الآية 67.

[305] نفسه يونس - 10.

[306] لينا.

[307] عبده.

[308] سورة البقرة: الآية 269.

[309] فارعوي: من المعصية أي كف عنه و رجع.

[310] سورة سبأ: الآية 18.

[311] سورة الأعراف: الآية 145.

[312] سورة الزخرف: الآية 63.

[313] سورة النحل: الآية 89.

[314] سورة الجن: الآية 28.

[315] سورة التوبة: الآية 74.

[316] سورة التوبة: الآية 59.

[317] سورة المطففين: الآية 14.

[318] سورة الحجرات: الآية 6.

[319] سورة النساء: الآية 56.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.