الحركة التغييرية عند الامام الصادق (ع)

اشارة

المؤلف: عزالدين سليم

الناشر : مركز آل البيت العالمي للمعلومات

طبع في سنة: 1412 ه

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله الذي من علينا بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم دون الأمم الماضية و القرون السالفة، و الصلاة و السلام علي محمد أمين الله علي وحيه، و نجيبه من خلقه و صفيه من عباده، امام الرحمة، و قائد الخير و مفتاح البركة [1] و علي آله الطيبين الطاهرين (أزمة الحق، و أعلام الدين، والسنة الصدق) [2] و (شجرة النبوة، و محط الرسالة، و مختلف الملائكة و معادن العلم، و ينابيع الحكم) [3] . و السلام عليكم أيها سادة المؤتمرون و رحمة الله و بركاته. و بعد... فمن خلال المتابعة لسيرة حفيد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، الامام أبي عبدالله جعفر ابن محمد الصادق [ صفحه 208] عليه السلام تتكشف خطة عمل اصلاحي واسعة، غنية في مضمونها و شكلها، حية في أهدافها غضة في أساليبها و أدوات عملها.. و هي لا تشكل تراثا يأنس المتتبع التاريخي في قراءته و استنطاقه كما يتعامل مع التراث الحضاري أو الأدبي أو ما اليه، و انما تحمل تجربة الامام الصادق عليه السلام بين جوانبها الخير و العطاء و الخصب و تقدم لأجيال المسلمين أطروحة عمل اجتماعي وثقافي و سياسي متكاملة تغني المسيرة و تلهم السائرين و تهدي الصالحين العاملين. و في هذا البحث الذي أسميته (الحركة التغييرية عند الامام الصادق عليه السلام) التقيت مع معالم راسخة لهذه التجربة الرائدة أوجزها بين أيديكم ايجازا، علي أن هذا البحث قد بسط الحديث في تلك المعالم، و ان لم يدع أنه قد أحاط الا بالجوانب العريضة البارزة من حركة الامام التغييرية: فما هي تلك المعالم

الأساسية للتجربة الاصلاحية الكبري التي انتهجها صادق أهل البيت عليهم السلام؟

توطئة

حين يطلق مصطلح الحركة التغييرية عند أي امام من أئمة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام، فانما يراد بذلك مجموعة الفعاليات و الأعمال التي باشرها الأئمة عليهم السلام باتجاه تغيير مفاهيم الناس و أفكارهم و حركتهم في ضوء قيم الاسلام و مفاهيمه و أحكامه. و في مقدمة هذه العملية التي يباشرها الأئمة (ع) من أجل تعبيد الناس لله رب العالمين و تلوين حياتهم بصبغة دين الله تعالي الذي ارتضاه لعباده... أقول في مقدمة هذه العملية الكبري تأتي الخطة و البرنامج المتبني في ضوء تعاليم الاسلام لاقامة الحدود و اشاعة المعروف و ارساء قواعد الدين الحق في اطار الظروف الاجتماعية و السياسية و العقلية التي يعيشها الناس في عصر أي امام من أئمة أهل البيت (ع). و في ضوء هذه الحقيقة فان الحركة التغييرية من ناحية المهام و الطموحات و المصاديق قد تتبدل من امام الي آخر تبعا لطبيعة المراحل و الظروف التي يعيشها كل امام من الأئمة، بل ان الامام الواحد قد يمارس مجموعة من النشاطات و البرامج تخطيطا و تنفيذا حسب الظروف المحيطة به و ما يستجد من أوضاع سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو نفسية أو عقلية تحيط بالامام عليه السلام. هذه اشارات من السيرة المطهرة تعطي ضوء حول هذه الحقيقة: أ- يرفع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لواء الدعوة والجهاد عبر عدد من المراحل لخصها أحد المؤرخين المسلمين في العبارات الآتية: [ صفحه 209] (أول ما أوحي اليه ربه تبارك و تعالي، أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، و ذلك أول نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه و لم

يأمره اذ ذاك بتبليغ ثم أنزل عليه (يا أيها المدثر، قم فأنذر) فنبأه بقوله: (اقرأ) و أرسله (يا أيها المدثر)، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه ثم أنذر من حوله من العرب ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال و لا جزية، و يؤمر بالكف و الصبر و الصفح، ثم أذن له في الهجرة، و أذن له في القتال، ثم أمره بقتال المشركين حتي يكون الدين كله لله، ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح و هدنة، و أهل حرب، و أهل ذمة... فأمر بأن يتم لأهل العهد و الصلح عهدهم، و أن يوفي لهم به ما استقاموا علي العهد، فان خاف منهم خيانة نبذ اليهم عهدهم و لم يقاتلهم حتي يعلمهم بنقض العهد، و أمر أن يقاتل من نقض عهده.. و لما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها: فأمر أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتي يعطوا الجزية، أو يدخلوا في الاسلام، و أمره فيها بجهاد الكفار و المنافقين و الغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف و السنان و المنافقين بالحجة و اللسان و أمره فيها بالبراءة من عهود الكفار و نبذ عهودهم اليهم.. و جعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام: قسما أمره بقتالهم، و هم الذين نقضوا عهده، و لم يستقيموا له، فحاربهم و ظهر عليهم، و قسما لهم عهد مؤقت لم ينقضوه و لم يظاهروا عليه فأمره أن يتم لهم عهدهم الي مدتهم، وقسما لم يكن لهم عهده ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر، فاذا انسلخت

قاتلهم.. فقتل الناقض لعهده، و أجل من لا عهد له، أو له عهد مطلق، أربعة أشهر و أمره أن يتم الموفي بعهده الي مدته، فأسلم هؤلاء كلهم و لم يقيموا علي كفرهم الي مدتهم و ضرب علي أهل الذمة الجزية، فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة علي ثلاثة أقسام: محاربين له، و أهل عهد، و أهل ذمة.. ثم آلت حال أهل العهد و الصلح الي الاسلام فصاروا معه قسمين: محاربين و أهل ذمة، و المحاربون له الخائفون منه، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به، و مسالم له آمن، و خائف محارب.. و أما سيرته في المنافقين فانه أمر أن يقبل منهم علانيتهم، و يكل سرائرهم الي الله، و أن يجاهدهم بالعلم والحجة، و أمر أن يعرض عنهم، و يغلظ عليهم، و أن يبلغ بالقول البليغ الي نفوسهم، و نهي أن يصلي عليهم، و أن يقوم علي قبورهم و أخبر أنه ان استغفر لهم فلن يغفر الله لهم...) [4] . ب - بينما يقاتل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام القاسطين و الناكثين و المارقين بسيف قاطع يرفع حفيده الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) لواء المجاملة و اللين - في ضوء ظروفه - و لنقرأ منهاجه المرن المحكوم بظروف سياسية و ثقافية خاصة في رسالته الموجهة الي شيعته و أصحابه: «أما بعد، فسلوا ربكم العافية، و عليكم بالدعة و الوقار [5] ، و السكينة و الحياء و التنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم، و عليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، و اياكم و مماظتهم [6] ، دينوا فيما بينكم و بينهم - اذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم و ناعتموهم الكلام، فانه لابد

لكم من مجالستهم [ صفحه 210] و مخالطتهم و منازعتهم - بالتقية التي أمركم الله بها فاذا ابتليتم بذلك منهم فانهم سيؤذونكم و يعرفون في وجوهكم المنكر، و لولا أن الله يدفعهم عنكم لسطوا بكم، و ما في صدورهم من العداوة والبغضاء، أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم و مجالسهم واحدة) [7] . ج- و الامام الحسن بن علي العسكري (ع) حين قست الظروف السياسية علي أهل البيت (ع) في عهد أحمد المعتمد الخليفة العباسي أصدر أمرا لشيعته جاء فيه ما يلي: (أمرنا بالتختم في اليمين، و نحن بين ظهرانيكم و الآن نأمركم بالتختم في الشمال... الي أن يظهر الله أمرنا و أمركم... فخلعوا خواتيمهم من ايمانهم بين يديه، و لبسوها في شمائلهم) [8] .

صيانة الخط و تغيير الوسائل

صيانة خط الرسالة السماوية الخاتمة قيمة أساسية يحرص أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام علي التمسك بها مهما قست الظروف و تلبدت آفاق الواقع بغيوم الشك و التنكر للحق، يبذلون لها نفوسهم الزكية، و ينفقون كل غال و نفيس من أجلها أذ هم (شجرة النبوة، و بيت الرحمة و مفاتيح الحكمة، و معدن العلم، و موضع الرسالة، و مختلف الملائكة، وموضع سر الله) [9] . و موقف أبي عبدالله السبط الثاني لرسول الله صلي الله عليه و آله وسلم الحسين بن علي (ع) يوم الطفوف عام 61 ه من أوضح المواقف المخلدة في تاريخ الاسلام حيث خرج حين خرج علي الظلم و الظالمين طالبا الاصلاح في أمة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مع وثوقه بالمأساة الحمراء التي ستمر علي آل البيت (ع) و الصالحين من هذه الأمة... لنسمعه معا و هو يعلن الهدف من تحركه، كما

يعلن النتائج: (و اني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما، و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلي الله عليه و آله و سلم أريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق و من رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم و هو خير الحاكمين) [10] . (اني أعلم اليوم الذي أقتل فيه و الساعة التي أقتل فيها و أعلم من يقتل من أهل بيتي و أصحابي أتظنين أنك علمت ما لم أعلمه و هل من الموت بد فان لم أذهب اليوم ذهبت غدا). و قال لأخيه عمر الأطرف ان أبي أخبرني بأن تربتي تكون الي جنب تربته أتظن أنك تعلم ما لم أعلمه؟ و قال لأخيه محمد بن الحنفية شاء الله أن يراني قتيلا و يري النساء سبايا. و قال لابن الزبير: لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتي يقضوا في حاجتهم و قال [ صفحه 211] لعبدالله بن جعفر: اني رأيت رسول الله في المنام و أمرني بأمر أنا ماض له و في بطن العقبة قال لمن معه: ما أراني الا مقتولا فاني رأيت في المنام كلابا تنهشني و أشدها علي كلب ابقع و لما أشار عليه عمرو بن لوذان بالانصراف عن الكوفة الي أن ينظر ما يكون عليه حال الناس قال (ع): ليس يخفي علي الرأي و لكن لا يغلب علي أمر الله و انهم لا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي) [11] . و سبط رسول الله صلي الله عليه و آله

و سلم الأول الحسن بن علي (ع) ضحي بزعامته السياسية حين أحس بالخطر علي الاسلام اذا دخل في صراع عسكري مع معاوية بن أبي سفيان حاكم بلاد الشام في عصره حيث يقول موضحا الضابط الذي تحكم في موقفه التاريخي المعروف: (اني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين داع) [12] . و قد تذكر الامام محمد بن علي الباقر (ع) هذه المبادرة الحسنية الخالدة، و ما أسدته من خدمات جلي للاسلام و المسلمين قال: «والله للذي صنعه الحسن بن علي كان خيران لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس» [13] . ان عملية صيانة الخط كهدف أعلي عند أئمة أهل البيت عليهم السلام قد جسدها الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) في مواقع عديدة من حركته الاصلاحية الكبري، و لم تثنه عن التمسك بها الخط الظروف الاستثنائية التي حسبها البعض أنها كانت مواتية لتحقيق مكاسب سياسية هامة. فقد عرضت عليه الخلافة بعد سقوط الحكم الأموي من أعلي قرار في الثورة علي الأمويين، ولكنه أبي أن يثنيه الوضع الاستثنائي عن الاستمرار في ارساء قواعد الرسالة مقدرا وضع الأمة الحقيقي و ضعف قواعد المؤمنين، و تنظيمهم القادر علي النهوض بأعباء قيادة دولة بكل متطلباتها الشرعية و القانونية.. و هنا نذكر قضيتين اثنتين ليتميز حرص الامام الصادق (ع) علي تحقيق الأهداف العليا للاسلام في الوقت الذي يحرص فيه علي عدم التفريط بخطة العمل لارساء قواعد الحق بسبب بريق الظروف الاستثنائية التي قد تغري العاملين فينحرفوا عن الطريق، و يخطئوا الأساليب السليمة: - القضية الأولي: عن سدير الصيرفي قال: «دخلت علي أبي عبدالله (ع) فقلت له: والله ما يسعك القعود قال: و لم يا سدير؟ قلت لكثرة مواليك

و شيعتك و أنصارك والله لو كان لأميرالمؤمنين مالك من الشيعة و الأنصار و الموالي، ما طمع فيه تيم و لا عدي فقال: يا سدير و كم عسي أن تكونوا؟قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟. قلت: نعم، و مائتي ألف: فقلت: و مائتي ألف. قلت: نعم و نصف الدنيا. قال: فسكت عني ثم قال: يخف عليك ان تبلغ معنا الي ينبع؟ قلت: نعم، فأمر بحمار و بغل أن يسرجا، فبادرت، فركبت الحمار، فقال: يا سدير تري أن تؤثرني بالحمار؟، قلت: البغل أزين و أنبل، قال: الحمار أرفق بي، فنزل فركب الحمار و ركبت البغل، فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير انزل بنا نصلي، ثم قال: هذه [ صفحه 212] أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها، فسرنا حتي صرنا الي أرض حمراء و نظر الي غلام يرعي جداء، فقال: و الله يا سدير لوكان لي شيعة بعدد هذه الجداء، ما وسعني التعود ونزلنا و صلينا، فلما فرغنا من الصلاة عطفت الي الجداء فعددتها فاذا هي سبعة عشر [14] . - القضية الثانية: و تتمثل في العرض التاريخي الذي عرضه عليه أبومسلم المروزي الخراساني مؤسس الدولة العباسية حيث كتب للامام أبي عبدالله الصادق (ع) يدعوه للخلافة و التصدي السياسي لقيادة نتائج الثورة علي الأمويين ومما جاء في رسالة المروزي ما يلي: (اني دعوت الناس الي موالاة أهل البيت، فان رغبت فيه فأنا أبايعك، فأجابه الامام (ع): (ما أنت من رجالي و لا الزمان زماني) [15] . و هكذا يحرص الامام الصادق (ع) علي رعاية مصلحة الاسلام العليا دون الاكتراث بظواهر الأشياء و الظروف التي تغري السياسيين و طلاب الحكم و الجاه عادة ببريقها و ظواهرها الخارجية.

نماذج من أساليب الأئمة ضمن العملية الاصلاحية

اشاره

الأساليب التي سلكها أئمة أهل البيت (ع) تتعدد و تتفاوت حسب الظروف التي يعيشها الأئمة (ع) و تعيشها الأمة فتؤثر في هذه الأساليب و طرق العمل الظروف السياسية و الثقافية و النفسية و العقلية و الاجتماعية و ما اليها. و بناء علي ذلك فاننا نستطيع أن نرصد صورا شتي لعمل الأئمة عليهم السلام كانوا قد سلكوها لمواصلة الحركة التغييرية في الأمة مع ثبات الهدف أو الاصرار علي صيانة خط الرسالة.

القنوات المألوفة في خدمة مفاهيمهم

حين يتعذر علي أئمة أهل البيت (ع) نقل أفكارهم من خلال قنواتهم المتبناة - بسبب ظروف سياسية أو ثقافية غير عادلة - فانهم يعتمدون اسلوب الاستفادة من القنوات و العناوين و المؤسسات التي تقرها الأوضاع العامة: فان كثيرا من أئمة أهل البيت عليهم السلام - في ظروف استثنائية عديدة - لا يروون الأفكار و المفاهيم التي تلقوها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم مباشرة أو بالواسطة، رعاية للظروف التي لا تعطي فرصا من هذا القبيل، و انما ينقلون أفكارهم للناس بقنوات أخري يقرها العرف العام أو الأوضاع الرسمية. فالامام محمد بن علي الباقر عليه السلام مثلا كان يروي كثيرا من المفاهيم التي يريد ابلاغها للأمة بواسطة، جابر بن عبدالله الأنصاري و عمر بن الخطاب و عبدالله بن عباس و زيد بن أرقم و أبي ذر الغفاري و غيرهم. [ صفحه 213] فهو يروي - مثلا - عن عمر بن الخطاب قوله: (سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: كل سبب و نسب ينقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي) [16] . و يروي عن جابر قوله: (أن النبي صلي الله عليه و آله وسلم كان يتختم بيمينه) [17] . و يروي عن زيد

بن أرقم قوله: (كنا جلوسا بين يدي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ألا أدلكم علي من اذا استرشدتموه لن تضلوا و لن تهلكوا؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: هذا - و أشار الي علي بن أبي طالب - ثم قال: و آخوه، و وازروه، و صدقوه، و انصحوه، فان جبريل أخبرني بما قلت لكم) [18] . و قد انتهج الامام الصادق (ع) ذات المنهج الذي انتهجه أبوه الباقر (ع) في استخدام القنوات المألوفة. فقد روي عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة و محمد بن المنكدر و يروي عن أبي سعيد الخدري و عن يزيد بن هرمز و عن جابر بن عبدالله الأنصاري و عن عبيدالله بن جعفر و عن عبيدالله بن أبي رافع عن مسور بن مخرمة كما روي عن عكرمة مولي بن عباس. و هذه بعض روايات بهذا الخصوص كما أوردها أبونعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني في حلية الأولياء بأسانيده. - عن جعفر بن محمد عن عبيدالله بن أبي رافع عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [انما فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، و يبسطني ما يبسطها] [19] . - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: (كانت تلبية النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك) [20] . - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] [21] .

مراعاة الظروف المحيطة بالأمة

و من ظواهر اهتمام الأئمة الهداة عليهم السلام

بصيانة مبادي ء الرسالة رغم تغيير الأساليب و الأدوات التي يعتمدون عليها في تبليغ الأمة و توجيهها و تثقيفها بالاسلام و مبادئه القويمة رعاية منهم لظروف الأمة النفسية و العقلية و السياسية. و هذه بعض مصادق هذا الاتجاه الحكيم في مسيرة التغيير الاجتماعي: - عن يعقوب السراج قال: (سألني أبوعبدالله (ع) عن رجل، فقال: انه لا يحتمل حديثنا، فقلت: نعم، قال: فلا يغفل، فان الناس عندنا درجات منهم علي درجة، و منهم علي درجتين، و منهم علي ثلاث، و منهم علي أربع، حتي بلغ سبعا) [22] . [ صفحه 214] عن أبي بصير قال: (دخلت علي أبي عبدالله (ع)، فسألته عن حديث كثير، فقال: هل كتمت علي شيئا قط، فبقيت اتذكر، فلما رأي ما حل بي قال: أما ما حدثت به أصحابك، فلا بأس به انما الاذاعة أن تحدث به غير أصحابك) [23] . و عن عمار بن الأحوص قال: (قلت لأبي عبدالله (ع): ان عندنا قوما يتولون بأميرالمؤمنين عليه السلام، و يفضلونه علي الناس كلهم، و ليس يصفون ما نصف من فضلكم، أنتولاهم؟ فقال لي: نعم في الجملة، ليس عند الله ما لم يكن عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لرسول الله تعالي عند الله ما ليس لنا، و عندنا ما ليس عندكم، و عندكم ما ليس عند غيركم ان الله وضع الاسلام علي سبعة أسهم: علي الصبر و الصدق و اليقين و الرضا و الوفاء و العلم و الحلم،، ثم قسم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الأسهم فهو كامل محتمل، ثم قسم لبعض الناس السهم، و لبعضهم السهمين، و لبعض الثلاثة أسهم و لبعض الأربعة أسهم، و لبعض

الخمسة أسهم، و لبعض الستة أسهم، و لبعض السبعة أسهم، فلا تحملوا علي صاحب السهم سهمين، و لا علي صاحب السهمين ثلاثة أسهم، و لا علي صاحب الثلاثة أربعة أسهم، و لا علي صاحب الأربع خمسة أسهم و لا علي صاحب الخمسة ستة أسهم، و لا علي صاحب الستة سبعة أسهم فتثقلوهم و تنفروهم، ولكن ترفقوا بهم و سهلوا لهم المدخل - و يقدم الامام الصادق (ع) نموذجا لأساليب العمل الخاطئة بقوله: و سأضرب لك مثلا تعتبر به: أنه كان رجل مسلم، و كان له جار كافر، و كان الكافر يرافق المؤمن، فلم يزل يزين له الاسلام حتي أسلم، فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به الي المسجد ليصلي معه الفجر جماعة، فلما صلي قال له: لو قعدنا نذكر الله حتي تطلع الشمس، فقعد معه، فقال له: لو تعلمت القرآن الي أن تزول الشمس و صمت اليوم كان أفضل، فقعد معه و صام حتي صلي الظهر و العصر، فقال له: لو صبرت حتي تصلي المغرب و العشاء الآخر كان أفضل، فقعد معه حتي صلي المغرب و العشاء الآخرة ثم نهضا، و قد بلغ مجهوده، و حمل عليه ما لا يطيق، فلما كان من الغد غدا عليه و هو يريد مثل ما صنع بالأمس، فدق عليه بابه، ثم قال له: اخرج حتي نذهب الي المسجد، فأجابه أن انصرف عني فان هذا دين شديد لا أطيقه، فلا تخرقوا بهم، أما علمت أن امارة بني أمية كانت بالسيف و العسف و الجور، و ان امامتنا بالرفق و التآلف و الوقار و التقية و حسن الخلطة و الورع و الاجتهاد، فرغبوا الناس في دينكم و في ما أنتم فيه)

[24] . هذا و تشكل ظاهرة التقية التي تبناها أئمة أهل البيت (ع) لتكون جنة لهم من الأعداء أوضح ظواهر التمسك بخط الرسالة رغم التغيير للأساليب و الوسائل حسب الظروف السياسية و الثقافية و الاجتماعية المحيطة بالأمة. فالتقية- و هو مصطلح شرعي مستل من الوقاية - هي التي كانت وسيلة لاخفاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم دعوته في أول أمره حتي دعاه الله الي أن يصدع بالأمر في دعوة عشيرته الأقربين، و التقية هي التي [ صفحه 215] حملت المسلمين علي عدم اظهار أمرهم أول المسير، و هي التي حملت النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي اخفاء هجرته الي المدينة المنورة. و التقية هي التي تفرض علي جميع العقلاء من البشر أن يخفوا كثيرا من مشاريعهم عن الطواغيت و الجهلاء... و كان الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) أكثر الأئمة ارساء لمفهوم التقية لخصوصيات عصره و تعقيداته السياسية و الثقافية. فقد كان يكثر من توجيه أصحابه و شيعته للتمسك بالتقية: (التقية ديني و دين آبائي، و لا دين لمن لا تقية له، و ان المذيع لأمرنا كالجاحد به). (رحم الله امري ء اجتر مودة الناس الينا فحدثهم بما يعرفون و ترك ما ينكرون). (ما قتل المعلي - بن خنيس - الا من جهة افشائه لحديثنا الصعب) [25] . ان مفهوم التقية ركن وثيق يأوي اليه المستضعفون ليقيهم من عاديات الظلم و الظالمين، و طريق نجاة يسلكها المصلحون العاملون.

من مخططات الحركة التغييرية و برامجها العملية عند الامام الصادق

اشاره

ليس بمقدور هذا البحث المتواضع أن يحيط بكافة خصوصيات الحركة التغييرية عند الامام أبي عبدالله جعفر ابن محمد الصادق عليه الصلاة والسلام، لأن هذه المهمة تتطلب دراسة واسعة و جهدا طويلا. و لذا

فان هذا البحث المتواضع سيحاول أن يقدم بين أيدي المؤمنين نماذج من خطط الامام الصادق (ع) في التغيير و نماذج أخري من نشاطاته العملية في هذا الطريق:

اوراق عمل في طريق التغيير

اشارة

و هذه بعض خططه و مشاريعه عليه السلام التي قدمها للمسيرة الاسلامية عبر الأجيال من خلال وصايا أو توجيهات أو مواعظ صدع بها أمام تلاميذه أو شيعته، و هي تصلح لكل المجموعات الاسلامية عبر مراحل التاريخ المختلفة تستلهم منها، و تنهل منها الخير و الخصب و النماء: 1- ورقة عمل يدعو شيعته للتمسك بمضامينها: - قال زيد الشحام قال لي أبوعبدالله عليه السلام: (اقرأ من تري أنه يطيعني منكم و يأخذ بقولي السلام، و أوصيكم بتقوي الله عزوجل والورع في دينكم، و الاجتهاد لله، و صدق الحديث، و أداء الأمانة، و طول السجود و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه و آله و سلم. أدوا الأمانة الي من أئتمنكم عليها برا أو فاجرا، فان رسول الله كان يأمر بأداء الخيط و المخيط، صلوا عشائركم، و اشهدوا جنائزهم و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه و صدق [ صفحه 216] الحديث و أدي الأمانة و حسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري و يسرني ذلك، و يدخل علي منه السرور، و قيل: هذا أدب جعفر و اذا كان غير ذلك دخل علي بلاؤه و عاره، قيل هذا أدب جعفر فوالله لحدثني أبي أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، أداهم للأمانة، و أقضاهم للحقوق، و أصدقهم للحديث، اليه وصاياهم و ودائعهم، تسل العشيرة عنه، و يقولون: من مثل فلان انه أدانا للأمانة، و أصدقنا للحديث) [26] .

2- و هذه خطة عمل دعا أصحابه للتمسك بها: (اكثروا من الدعاء فان الله يحب من عباده الذين يدعونه، و قد وعد عباده المؤمنين الاستجابة، و الله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة، و اكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل و النهار، فان الله أمر بكثرة الذكر له، و الله ذاكره من ذكره من المؤمنين، ان الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير و عليكم بالمحافظة علي الصلوات و الصلاة الوسطي و قوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم، و عليكم بحب المساكين المسلمين، فان حقرهم و تكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت، و قد قال أبونا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: [أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم]، و اعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقي الله عليه المقت منه و المحقرة حتي يمقته الناس أشد مقتا فاتقوا الله في اخوانكم المسلمين المساكين، فان لهم عليكم حقا أن تحبوهم، فان الله أمر نبيه صلي الله عليه و آله و سلم بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصي الله و رسوله، و من عصي الله و رسوله ومات علي ذلك مات من الغاوين. اياكم و العظمة و الكبر، فان الكبر رداء الله، فمن نازع الله رداءه قصمه الله و أذله يوم القيامة. اياكم أن يبغي بعضكم علي بعض، فانها ليست من خصال الصالحين، فانه من بغي صير الله بغيه علي نفسه و صارت نصرة الله لمن بغي عليه، و من نصره الله غلب و أصاب

الظفر من الله. اياكم أن يحسد بعضكم بعضا فان الكفر أصله الحسد. اياكم أن تعينوا علي مسلم مظلوما يدعو الله عليكم و يستجاب له فيكم، فان أبانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: ان دعوة المسلم المظلوم مستجابة. اياكم أن تشره نفوسكم، الي شي ء مما حرم الله عليكم، فانه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه و بين الجنة و نعيمها و لذتها و كرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين) [27] . 3- و هذا برنامج لتابعيه: (أما بعد فاسألوا الله ربكم العافية، و عليكم بالدعة والوقار و السكينة، و عليكم بالحياء و التنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، و اتقوا الله و كفوا السنتكم الا من خير، و اياكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور و البهتان و الاثم والعدوان، فانكم ان كففتم السنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تذلقوا ألسنتكم به، فان ذلق اللسان فيما يكرهه الله و فيما ينهي عنه مرادة للعبد عند الله، و مقت من الله، و صمم و بكم و عمي يورثه الله اياه يوم القيامة، فتصيروا كما قال الله: [ صفحه 217] (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) يعني لا ينطقون و لا يؤذن لهم فيعتذرون و عليكم بالصمت الا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم و يؤجركم عليه، اكثروا من أن تدعوا الله فان الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، و قد وعد عباده المؤمنين الاستجابة، و الله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة عملا يزيدهم في الجنة، فاكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل

و النهار، فان الله أمر بكثرة الذكر له، و الله ذاكر من ذكره من المؤمنين، و اعلموا أن الله لم يذكره احد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فان الله لا يدرك شي ء من الخير عنده الا بطاعته و اجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن و باطنه قال في كتابه و قوله الحق: (و ذروا ظاهر الأثم و باطنه) و اعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه. و لا تتبعوا أهواءكم و آراءكم فتضلوا فان أضل الناس عند الله من اتبع هواه و رأيه بغير هدي من الله، و احسنوا الي أنفسكم ما استطعتم، فان احسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها، و اعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتي يرضي عن الله فيما يصنع الله اليه و صنع به علي ما أحب و كره و لن يصنع الله بمن صبر و رضي عن الله الا ما هو أهله، و هو خير له مما أحب وكره. و عليكم بالمحافظة علي الصلوات و الصلاة الوسطي و قوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمن في كتابه من قبلكم. و اياكم و العظمة و الكبر، فان الكبر رداء الله عزوجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله و اذله يوم القيامة، و اياكم أن يبغي بعضكم علي بعض فأنها ليست من خصال الصالحين، فأن من بغي صير الله بغيه علي نفسه و صارت نصرة الله لمن بغي عليه، و من نصره الله غلب، و أصاب الظفر من الله، و اياكم أن يحسد بعضكم بعضا، فان الكفر أصله الحسد و اياكم أن تعينوا علي مسلم مظلوم، فيدعو الله

عليكم فيستجاب له فيكم، فان أبانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يقول: [ان دعوة المسلم المظلوم مستجابة، و ليعن بعضكم بعضا] فان أبانا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: [ان معاونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام]. و اعلموا أن الاسلام هو التسليم، و التسليم هو الاسلام، فمن سلم فقد أسلم و من لم يسلم فلا اسلام له، و من سره أن يبلغ الي نفسه في الاحسان فليطع الله، فان من أطاع الله فقد أبلغ الي نفسه في الاحسان واياكم و معاصي الله أن ترتكبوها، فانه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساءة الي نفسه، و ليس بين الاحسان و الأساءة منزلة، فلأهل الاحسان عند ربهم الجنة و لأهل الأساءة عند ربهم النار، فاعملوا لطاعة الله و اجتنبوا معاصيه) [28] .

خطط الامام في حقل التطبيق

اشاره

و اذا استعرضنا نشاطات الامام الصادق (ع) و فعالياته التغييرية التي قادها عبر مشروعه الاصلاحي [ صفحه 218] العام، لما كدنا أن نحصيها كثرة علي اننا سنستعرض بعض عناوين تلك الفعاليات العظيمة التي ساهمت في بناء الاسلام، و ارساء قواعده في دنيا الناس. و هذه بعض تلك العناوين:

مكانة الأمة في حركة الامام التغييرية

الأمة في خط الامام (ع) أداة التغيير و النهضة، ومصلحة الأمة و رعاية شؤونها في نظره تحتل الواقع الثاني بعد مصلحة الاسلام كدين و رسالة. و تتجلي أهمية الأمة في خط الأئمة من خلال محورين: أ) محور الحرص علي المسلمين كأمة. ب) محور الحرص علي رفع غائلة الظلم والأذي الذي يلحق المسلمين بسبب التطبيق المنحرف للتشريع الاسلامي. و نستطيع أن ندون قائمة طويلة من مصاديق عمل الامام (ع) علي كلا المستويين: - عن ابن فضال، عن ابن بكير عن بعض أصحابه قال: (كان أبو عبدالله ربما أطعمنا الفراني و الاخبصة، ثم يطعم الخبز و الزيت فقيل له: لو دبرت امرك حتي يعتدل فقال، انما تدبيرنا من الله اذا وسع علينا وسعنا و اذا قتر قترنا) [29] . - عن طاهر بن عيسي، عن جعفر بن أحمد، عن أبي الخير، عن علي بن الحسن، عن العباس بن عامر، عن مفضل بن قيس بن رمانة قال: (دخلت علي أبي عبدالله (ع) فشكوت اليه بعض حالي و سألته الدعاء فقال: يا جارية هاتي الكيس الذي وصلنا به أبوجعفر، فجاءت بكيس فقال: هذا كيس فيه اربعمائة دينار، فاستعن به قال: قلت والله جعلت فداك، ما أردت هذا، و لكن أردت الدعاء لي فقال لي: و لا أدع الدعاء، و لكن لا تخبر الناس بكل ما أنت فيه فتهون عليهم) [30] . - محمد

بن يحيي، عن أحمد بن محمد عن أبيه، عن علي بن وهبان، عن عمه هارون بن عيسي قال: قال أبو عبدالله (ع) لمحمد ابنه: كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال: اربعون دينارا قال: اخرج و تصدق بها قال: انه لم يبق معي غيرها قال: تصدق بها، فان الله عزوجل يخلفها، أما علمت أن لكل شي ء مفتاحا؟ و مفتاح الرزق الصدقة، فتصدق بها، ففعل فما لبث أبوعبدالله (ع) الا عشرة حتي جاءه من موضع أربعة آلاف دينار، فقال: يا بني أعطينا الله أربعين دينارا فأعطانا الله أربعة آلاف دينار) [31] . علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدة الوسطي عن عجلان قال: تعشيت مع أبي عبدالله (ع) بعد عتمة، وكان يتعشي بعد عتمة فأني بخل و زيت و لحم بارد، فجعل ينتف اللحم فيطعمنيه، و يأكل هو الخل و الزيت و يدع اللحم فقال: ان هذا طعامنا و طعام الأنبياء [32] . [ صفحه 219] - محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الكاهلي عن أبي الحسن عليه السلام قال: كان أبي يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينه [33] . - أحمد بن أدريس و غيره، عن محمد بن أحمد، عن علي بن الريان عن أبيه، عن يونس أو غيره عمن ذكره، عن أبي عبدالله (ع) قال: قلت له: جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا، و أنا أحب أن اسمعه منك قال: فقال لي: نعم كنت آمر اذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كل يوم أن يوضع عشر بنيات، يقعد علي كل بنية عشرة

كلما أكل عشرة جاء عشرة أخري، يلقي لكل نفس منهم مد من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ، و العجوز، و الصبي، و المريض، و المرأة، و من لا يقدر أن يجي ء فيأكل منها، لكل انسان منهم مد، فاذا كان الجذاذ وفيت القوام، و الوكلاء، و الرجال اجرتهم، و احمل الباقي الي المدينة، ففرقت في أهل البيوتات و المستحقين، الراحلتين والثلاثة و الأقل و الأكثر علي قدر استحقاقهم، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار، و كان غلتها أربعة آلاف دينار [34] . - محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل، عن حنان عن شعيب قال: تكارينا لأبي عبدالله (ع) قوما يعملون في بستان له و كان أجلهم الي العصر فلما فرغوا قال لمعتب: أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم [35] . - عن حماد بن عثمان قال: (أصاب أهل المدينة غلاء، و قحط حتي أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير و يأكله، و يشتري ببعض الطعام، و كان عند أبي عبدالله الصادق (ع) طعام جيد قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه: اشتر لنا شعيرا، فاخلطه بهذا الطعام أو بعه، فانا نكره أن نأكل جيدا، و يأكل الناس رديا) [36] . أما الرعاية الفكرية و المعنوية للأمة فستتضح بعض مصاديقها في الصفحات القادمة.

التزام التدرج في عملية التغيير

التدرج في الدعوة للمبادي ء و في عملية البناء و التغيير الاجتماعي ضرورة تفرضها طبيعة مهمة تلك الدعوة، و ليست هي حاجة آنية أو ظرفية تستغني عنها الرسالة اذا انتفت تلك الحاجة أو تغير ذلك الظرف. ثم ان التدرج في دعوة الناس للرسالة يتطلب تحقيق هدفين معا: - أ) اعداد المخاطبين بالأفكار الجديدة نفسيا لتقبل تلك الأفكار

قبل القاء (تفصيلات الأفكار) عليهم دفعة واحدة. ب) و نقل المخاطبين من اجوائهم و قناعاتهم السابقة، و تطوير عقلياتهم في اتجاه تبني الرسالة الجديدة. [ صفحه 220] فاذا تحقق هذان الهدفان للرسالة صار بمقدور العملية التغييرية في الناس أن تجري لحساب الرسالة، أما اذا أريد أن تجري عملية رفع الناس الي مستوي الرسالة دون توفير الهدفين المذكورين فان القاء الفكرة الكلية بتفاصيلها علي الناس دون مراعاة للظروف النفسية و لا للأجواء الفكرية، ولا لقناعات الجمهور - ان ذلك - سيؤدي الي هزة اوردة فعل عنيفة تفقد الرسالة أهم شروط النجاح في مهمتها: (ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم التي هي أحسن... فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم). وقد وفقت تجربة أهل البيت (ع) في العمل الاجتماعي في اعطاء ضرورة التدرج في العمل التغييري بعده العملي الحكيم اتماما لمسيرة المصطفي (ص) في هذا السبيل، و ربما كان لظروف الأئمة (ع) الخاصة، و طبيعة معاناتهم و الأجواء النفسية و العقلية و السياسية التي عاشوها دورا أساسا في اثراء تجربتهم في هذا الجانب من خطهم و مسيرتهم الهادية. و نستطيع أن نلتقي مع مئات الشواهد التي تكرس منهج الأئمة (ع) التدريجي في العمل في سبيل الله تعالي من خلال وصاياهم (ع) في هذا الاتجاه أو من خلال الممارسة العملية أو من خلال المفاهيم التي يبثونها في الذين يندمجون بخطهم المبارك أو من حولهم. - قضية التدرج في مستوي التخطيط: و علي مستوي التخطيط لهذه القضية يبث الامام (ع) فكرة التدرج في العمل الاجتماعي علي أصعدة شتي و في العديد من الآثارات الفكرية. و هنا يوضح الامام أبو عبدالله الصادق عليه السلام فكرة

التدرج بعبارة موحية: (ان الله رفيق يحب الرفق، فمن رفقه بعباده، تسليله أضغانهم و مضادتهم لهواهم و قلوبهم، و من رفقه بهم: أنه يدعهم علي الأمر يريد ازالتهم عنه رفقا بهم لكيلا يلقي عليهم عري الايمان و مثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فاذا أراد نسخ الأمر بالآخر فصار منسوخا). (يا عبدالعزيز: ان الايمان عشر درجات بمنزلة المسلم، يصعد منه مرقاة، مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنتين لصاحب الواحدة لست علي شي ء (حتي ينتهي الي العاشرة)، فلا تسقط من هو دونك، فيسقطك من هو فوقك و اذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة، فارفعه اليك برفق، و لا تحملن عليه ما لا يطيق، فتكسره، فان من كسر مؤمنا فعليه جبره). - التدرج في مستوي التطبيق: حرص الامام عليه السلام علي تنفيذ مشروع التدرج في العمل الاجتماعي الذي أشرنا الي الحيثيات الموجبة لتبنيه في نظرهم، علي مستوي حركتهم هم، و علي مستوي حركة المندمجين في خطهم من [ صفحه 221] المؤمنين و في السيرة المطهرة للامام (ع) مصاديق كثيرة نذكر منها ما يلي: - عن يعقوب بن الضحاك، عن أبي عبدالله (ع) (في حديث) أنه جري ذكر قوم قال: (فقلت له: انا لنبرأ منهم أنهم لا يقولون ما نقول، قال: فقال: يتولونا و لا يقولون ما تقولون تبرأون منهم؟ قلت: نعم، قال: فهوذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم (الي أن قال:) فتولوهم و لا تبرأوا منهم ان من المسلمين من له سهم، و منهم من له سهمان، و منهم من له ثلاثة أسهم، و منهم من له أربعة أسهم، و منهم من له خمسة أسهم، و منهم من له ستة أسهم، و منهم من له سبعة

أسهم، فليس ينبغي أن يحمل صاحب السهم علي ما عليه صاحب السهمين و لا صاحب السهمين علي ما عليه صاحب الثلاثة، و لا صاحب الثلاثة علي ما عليه صاحب الأربعة، و لا صاحب الأربعة علي ما عليه صاحب الخمسة، و لا صاحب الخمسة علي ما عليه صاحب الستة، و لا صاحب الستة علي ما عليه صاحب السبعة. و يقدم الامام (ع) نموذجا عمليا حول أهمية مفهوم التدرج في العمل فيقول: و سأضرب له مثلا، أن رجلا كان له جار وكان نصرانيا فدعاه الي الاسلام و زينه له فأجابه، فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب، فقال: من هذا؟ قال: أنا فلان، قال: وما حاجتك؟ قال توضأ و البس ثوبيك و مر بنا الي الصلاة، قال: فتوضأ و لبس ثوبيه و خرج معه، قال: فصليا ما شاءالله، ثم صليا الفجر، ثم مكثا حتي أصبحا، فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله، فقال الرجل: أن تذهب النهار قصير، و الذي بينك و بين الظهر قليل، قال: فجلس معه الي أن صلي الظهر، ثم قال: و ما بين الظهر و العصر قليل، فاحتبسه حتي صلي العصر، قال: ثم قام و أراد أن ينصرف الي منزله فقال له: ان هذا آخر النهار و أقل من أوله، فاحتبسه حتي صلي المغرب، ثم أراد أن ينصرف الي منزله فقال له: انما بقيت صلاة واحدة: قال فمكث حتي صلي العشاء الآخرة ثم تفرقا، فلما كان سحيرا غدا عليه فضرب عليه الباب، فقال: من هذا؟ قال: أنا فلان، قال: و ما حاجتك؟ قال: توضأ والبس ثوبك و اخرج فصل، قال: اطلب لهذا الدين من هو افرغ مني، و أنا انسان مسكين و علي عيال، فقال أبو

عبدالله (ع) أدخله في شي ء و اخرجه منه، أو قال: أدخله من مثل ذه و أخرجه من مثل هذا) [37] .

ظاهرة العموم والخصوص في عمل الامام الصادق

تميزت حركة الأئمة عليهم السلام من أجل التغيير الاسلامي باهتمامها بمحورين اثنين معا: أ- محور عموم الأمة. ب - و محور العمل الخاص الهادف لبلورة المتمسكين بخطهم ضمن اطار الأمة لتحمل متبنيات الأئمة (ع) في الفكر و العمل. و تناول اهتمام الامام (ع) في الحقل العام: المستوي الفكري للأمة و حمل همومها، و الحدب عليها [ صفحه 222] و التخفيف من المظالم الواقعة عليها من الظالمين و ما الي ذلك من أمور. و انصب الاهتمام في الاطار الخاص علي انتقاء الأشخاص القادرين علي تحمل أعباء المسؤولية، و من ثم تأهيلهم فكريا و روحيا و سلوكيا لحمل هموم الرسالة، و مباشرة عملية التغيير الايجابي في الأمة. و في السيرة المدونة عن أهل البيت (ع) مصاديق جمة حول حركة الأئمة (ع) علي المستويين: أ) من مصاديق العمل العام: و هذه بعض مفردات حركة الامام (ع) العامة: - (حججنا مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي حج فيها هشام بن عبدالملك و كان معه نافع مولي عمر بن الخطاب، فنظر نافع الي أبي جعفر (ع) في ركن البيت و قد اجتمع عليه الناس، فقال نافع: يا أميرالمؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟) [38] . - (و عن زكريا بن ابراهيم: كنت نصرانيا، فأسلمت و حججت فدخلت علي أبي عبدالله الصادق (ع) بمني، و الناس حوله كأنه معلم صبيان هذا يسأله، و هذا يسأله) [39] . تلك مصاديق لحركة الامام (ع) علي المستوي العام للأمة، حيث يوفر الهداة عليهم السلام الرعاية المعنوية و المادية لحركة الأمة وفقا للامكانات المتاحة و

ما تتوفر من ظروف مناسبة. ب) من شواهد التحرك الخاص: أما علي مستوي بناء جهاز (الخواص) من هذه الأمة، فللامام عليه السلام برنامج دقيق لبناء تلك الكتلة و تنميتها كميا و كيفيا... و هذه بعض مفردات ذلك البرنامج كما نص عليه الامام الصادق (ع). - (اتقوا علي دينكم فاحجبوه بالتقية، فانه لا ايمان لمن لا تقية له...) [40] . - (اقرا من تري أنه يطيعني منكم، و يأخذ بقولي السلام، و أوصيكم بتقوي الله عزوجل، و الورع في دينكم، والاجتهاد لله، و صدق الحديث و أداء الأمانة، و طول السجود، و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه و آله و سلم. أدوا الأمانة الي من ائتمنكم عليها برا أو فاجرا، فان رسول الله كان يأمر بأداء الخيط، و المخيط، صلوا عشائركم، و اشهدوا جنائزهم و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه، و صدق الحديث، و أدي الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري ويسرني ذلك، و يدخل علي منه السرور، و قيل: هذا أدب جعفر، و اذا كان غير ذلك دخل علي بلاوه و عاره و قيل، هذا أدب جعفر) [41] . - عن اسحاق بن عمار قال: (قلت لأبي عبدالله (ع) قد هممت أن أكتم أمري من الناس كلهم حتي أصحابي خاصة، فلا يدري أحد علي ما أنا عليه، فقال: ما أحب ذلك لك، و لكن جالس هؤلاء مرة و هؤلاء مرة). [ صفحه 223] (استقبلت أباعبدالله عليه السلام في طريق، فاعرضت عنه بوجهي و مضيت، فدخلت عليه بعد ذلك، فقلت: جعلت فداك اني لألقاك فاصرف وجهي كراهة أن أشق عليك، فقال لي: رحمك الله، ولكن رجلا

لقيني أمس في موضع كذا و كذا فقال: عليك السلام يا أبا عبدالله ما أحسن و لا أجمل). عن علي بن الحسين (ع) قال: (وددت الله اني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي النزق، و قلة الكتمان). (ان أولياء الله و أولياء رسوله من شيعتنا من اذا قال صدق واذا وعد و في، و اذا ائتمن أدي، و اذا حمل احتمل في الحق، و اذا سئل الواجب أعطي، و اذا أمر بالحق فعل، شيعتنا من لا يعدو عمله سمعه، شيعتنا من لا يمدح لنا معيبا، و لا يواصل لنا مبغضا، ولا يجالس لنا خائنا، ان لقي مؤمنا أكرمه، وان لقي جاهلا هجره، شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، و لا يطمع طمع الغراب، و لا يسأل أحدا الا من اخوانه و ان مات جوعا، شيعتنا من قال، بقولنا و فارق احبته فينا، و أدني البعداء في حبنا، و أبعد الغرباء في بغضنا). و اذا تتبعنا حركة الأئمة (ع) من الناحية التاريخية لوجدنا أن كلا المحورين المذكورين من عملهم قد مورسا في عهد أي امام منهم و لكون مساحة عمل أي امام أو مجموعة من الأئمة (ع) علي صعيد هذا المحور أو ذاك تتسع أو تضيق حسب الظروف المحيطة و الامكانات المتاحة للحركة. و الامام الذي تتاح له ظروف العمل بشكل مناسب يتسع اطار عمله العام، و عمله الخاص معا، و علي العكس تماما تكون حركة الامام الذي لا تتاح له ظروف العمل.

المناظرات و رد الشبهات

بسبب انفتاح المسلمين علي الحضارات و الأفكار التي كانت تهيمن علي البلاد التي فتحها المسلمون خلال القرن الأول و الثاني الهجريين كثرت الشبهات و الأفكار المنحرفة في بلاد المسلمين، فقد

ظهر الزنادقة و نشطت حركة التصوف و ظهر الجبر و التفويض، و القياس، و نشط أصحاب التشبيه و التعطيل و ما الي ذلك... و كان للامام الصادق (ع) و تلاميذه دور مشرف فعال في صد تلك الموجات الفكرية الشاذة.. و قد شهدت الحركة الفكرية في عصر الامام الصادق (ع) ظاهرة من الحوار و المناظرات لرد شبهات المنحرفين و أصحاب النظريات الغافلة عن الحق و كان علي رأس المحاورين الامام جعفر بن محمد الصادق (ع). و هذه نماذج من حواراته و مناظراته الهادية: أ) موقف من الزنادقة: عن عيسي بن يونس قال: (كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري، فانحرف عن [ صفحه 224] التوحيد، فقيل له: تركت مذهب صاحبك و دخلت فيما لا أصل له و لا حقيقة؟ قال: ان صاحبي كان مخلطا، يقول طورا بالقدر و طورا بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، فقدم مكة متمردا، و انكارا علي من يحجه، وكان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه، و فساد ضميره فأتي أبا عبدالله (ع) فجلس اليه في جماعة من نظرائه، فقال: يا أبا عبدالله ان المجالس بالأمانات، و لابد لكل من به سعال أن يسعل افتأذن لي في الكلام؟ فقال تكلم، فقال: الي كم تدوسون هذا البيدر، و تلوذون بهذا الحجر، و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب و المدر و تهرولون حوله كهرولة البعير اذا نفر، ان من فكر في هذا و قدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم و لا ذي نظر، فقل فانك رأس هذا الأمر و سنامه، و أبوأسه و نظامه! فقال أبو عبدالله (ع): ان من أضله الله و أعمي قلبه، استوخم الحق و لم يستعذبه و صار

الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره، و هذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في اتيانه، و حثهم علي تعظيمه و زيارته، جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، و طريق يؤدي الي غفرانه، منصوب علي استواء الكمال، و مجتمع العظمة و الجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق من أطيع فيما أمر و انتي عما نهي عنه و زجر، الله المنشي ء للأرواح و الصور. فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت علي الغائب. فقال أبو عبدالله (ع): ويلك!! كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد و اليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم و يري أشخاصهم و يعلم أسرارهم؟! فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان، أليس اذا كان في السماء كيف يكون في الأرض و اذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ فقال أبو عبدالله (ع): انما وصفت المخلوق الذي اذا انتقل من مكان اشتغل به مكان، و خلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار اليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فاما الله العظيم الشأن، الملك الديان، فلا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان، و لا يكون الي مكان أقرب منه الي مكان. و روي أن الصادق (ع) قال لابن أبي العوجاء: ان يكن الأمر كما تقول - و ليس كما تقول - نجونا و نجوت، و ان يكن الأمر كما نقول و هو كما نقول - نجونا و هلكت. و روي أيضا: أن ابن أبي العوجاء سأل الصادق (ع) عن حدث العالم فقال: ما وجدت صغيرا و لا كبيرا الا اذا ضم اليه مثله صار أكبر، و في

ذلك زوال و انتقال عن الحالة الأولي ولو كان قديما مازال و لا حال لأن الذي يزول و يحول يجوز أن يوجد و يبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، و في كونه في الأزل دخول في القدم، و لكن يجتمع صفة الحدوث و القدم في شي ء واحد. قال ابن ابي العوجاء: هبك علمك في جري الحالتين و الزمانين علي ما ذكرت استدللت علي [ صفحه 225] حدوثها فلو بقيت الأشياء علي صغرها من أين كان لك أن تستدل علي حدوثها؟ فقال (ع): انا نتكلم علي هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر كان شي ء أدل علي الحدث، و من رفعنا اياه و وضعنا غيره، لكن أحبيبك من حيث قدرت أن تلزمنا، فنقول: ان الأشياء لو دامت علي صغرها لكان في الوهم أنه متي ضم شي ء منه الي شي ء منه كان أكبر، و في جواز التغير عليه خروجه من القدم، كما ان في تغيره دخوله في الحدث، و ليس لك وراءه شي ء يا عبدالكريم. و عن يونس بن ظبيان قال: (دخل رجل علي أبي عبدالله (ع) قال: أرأيت الله حين عبدته؟ قال: ما كنت أعبد شيئا لم أراه، قال: فكيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يدرك بالحواس، و لا يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه) [42] . و في كتاب الاحتجاح للشيخ الطبرسي و الكافي للشيخ الكليني و غيرهما مصاديق رائعة من مناظرات الامام أبي عبدالله الصادق مع زنادقة عصره. ب) حواره مع أبي حنيفة (النعمان بن ثابت): و رغم مناظرات الامام الصادق (ع) مع الزنادقة و أمثالهم من حملة الباطل فان له حوارات و مناقشات مع فقهاء

عصره و مفكريهم من المسلمين و هذه نماذج من حوارات مع أبي حنيفة: - عن بشير بن يحيي العامري عن ابن أبي ليلي قال: دخلت أنا و النعمان أبوحنيفة علي جعفر بن محمد، فرحب بنا فقال: يا ابن أبي ليلي من هذا الرجل؟ فقلت: جعلت فداك من أهل الكوفة له رأي و بصيرة و نفاذ. قال: فلعله الذي يقيس الأشياء برأيه؟ ثم قال: يا نعمان! هل تحسن أن تقيس رأسك؟ قال: لا، قال: ما أراك تحسن أن تقيس شيئا فهل عرفت الملوحة في العينين، و المرارة في الأذنين، و البرودة في المنخرين، و العذوبة في الفم؟ قال: لا. قال: فهل عرفت كلمة أولها كفر وآخرها ايمان؟ قال: لا. قال ابن أبي ليلي: قلت: جعلت فداك لا تدعنا في عمياء مما وصفت. قال: نعم حدثني أبي عن آبائه (ع) أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: ان الله خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل فيهما الملوحة، فلولا ذلك لذابتا و لم يقع فيهما شي ء من القذي الا أذابه، و الملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذي، وجعل المرارة في الأذنين حجابا للدماغ، و ليس من دابة تقع في الأذن الا التمست الخروج، و لولا ذلك لوصلت الي الدماغ فأفسدته، و جعل الله البرودة في المنخرين حجابا للدماغ و لولا ذلك لسان الدماغ، و جعل العذوبة في الفم منا من الله تعالي علي ابن آدم ليجد لذة الطعام و الشراب. [ صفحه 226] و أما كلمة أولها كفر و آخرها ايمان فقول لا اله الا الا الله، ثم قال: يا نعمان اياك و القياس: فان أبي حدثني عن آبائه (ع) أن رسول الله صلي الله عليه و آله و

سلم قال: من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله تبارك و تعالي مع ابليس، فانه أول من قاس حيث قال: خلقتني من نار و خلقته من طين، فدعوا الرأي و القياس فان دين الله لم يوضع علي القياس. و في رواية أخري أن الصادق (ع) قال لأبي حنيفة، لما دخل عليه من أنت؟ قال: أبوحنيفة، قال (ع): مفتي أهل العراق؟ قال: نعم قال: بما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله، قال (ع): و انك لعالم بكتاب الله، ناسخه و منسوخه، و محكمه ومتشابهه؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن قول الله عزوجل (و قدرنا فيها السيرسيروا فيها ليالي و أياما آمنين) أي موضع هو. قال أبوحنيفة: هو ما بين مكة و المدينة، فالتفت أبوعبدالله الي جلسائه، وقال: نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة و المدينة و لا تأمنون علي دمائكم من القتل، و علي أموالكم من السرق؟ فقالوا: اللهم نعم، فقال أبو عبدالله (ع): ويحك يا أباحنيفة ان الله لا يقول الا حقا أخبرني عن قوله تعالي: (و من دخله كان آمنا) أي موضع هو، قال: ذلك بيت الله الحرام، فالفت أبو عبدالله الي جلسائه و قال: نشدتكم بالله هل تعلمون: أن عبدالله بن الزبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟ قالوا: اللهم نعم. فقال أبوعبدالله: (ع): ويحك يا أباحنيفة، ان الله لا يقول الا حقا. فقال أبوحنيفة، ليس لي علم بكتاب الله، انما أنا صاحب قياس. قال أبوعبدالله: فانظر في قياسك ان كنت مقيسا ايما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟ قال: بل القتل. قال: فكيف رضي في القتل بشاهدين، و لم يرضي في الزنا الا بأربعة؟ ثم قال له: الصلاة أفضل أم الصيام؟

قال: بل الصلاة أفضل. قال (ع): فيجب علي قياس قولك علي الحايض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، و قد أوجب الله تعالي، عليها قضاء الصوم دون الصلاة. قال له (ع): البول أقذر أم المني؟ قال: البول أقذر. قال (ع): يجب علي قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، و قد أوجب الله تعالي الغسل من المني دون البول. قال: انما أنا صاحب رأي. [ صفحه 227] قال (ع): فما تري في رجل كان له عبد فتزوج و زوج عبده في ليلة واحدة فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا و جعلا في بيت واحد و ولدتا غلامين فسقط البيت عليهم، فقتلت المرأتين و بقي الغلامان، أيهما في رأيك المالك و أيهما المملوك و أيهما الوارث و أيهما الموروث؟ قال: انما أنا صاحب حدود. قال (ع): فما تري في رجل أعمي فقأ عين صحيح و أقطع يد رجل، كيف يقام عليهما الحد. قال: انما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء. قال (ع): فأخبرني عن قول الله لموسي و هارون حيث بعثهما الي فرعون (لعله يتذكر أو يخشي) و لعل منك شك؟ قال: نعم. قال: و كذلك من الله شك اذ قال: (لعله)؟ قال أبوحنيفة: لا علم لي. قال (ع): تزعم أنك تفتي بكتاب الله و لست ممن ورثه، و تزعم أنك صاحب قياس و أول من قاس ابليس لعنه الله و لم يبن دين الاسلام علي القياس، و تزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم صوابا، و من دونه خطأ، لأن الله تعالي قال: (فاحكم بينهم بما أراك الله) و لم يقل

ذلك لغيره، و تزعم أنك صاحب حدود، و من أنزلت عليه أولي بعلمها منك، و تزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء و لخاتم الأنبياء بمباعثهم منك، و لولا أن يقال: دخل عل ابن رسول الله فلم يسأله عن شي ء ما سألتك عن شي ء، فقس ان كنت مقيسا. قال أبوحنيفة: لا أتكلم بالرأي و القياس في دين الله بعد هذا المجلس [43] .

مناظرات مع المعتزلة

و للامام (ع) مناقشات دقيقة مع أهل الاعتزال و كانوا في عصره قد شكلوا خطا فكريا مميزا تجاه المدارس الفكرية الأخري. و نذكر هنا نموذجا من مناقشات الامام (ع) معهم: - عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي: (كنت عند أبي عبدالله (ع) بمكة اذ دخل عليه أناس من المعتزلة، فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء و حفص بن سالم، و أناس من رؤسائهم، و ذلك أنه حين قتل الوليد، و اختلف أهل الشام بينهم، فتكلموا فأكثروا و خطبوا فأطالوا فقال لهم أبوعبدالله جعفر بن محمد (ع): انكم قد أكثرتم علي فأطلتم فاسندوا أمركم الي رجل منكم، فليتكلم بحجتكم و ليوجز. فأسندوا أمرهم الي عمرو بن عبيد فأبلغ و أطال، فكان فيما قال أن قال: قتل أهل الشام خليفتهم، و ضرب الله بعضهم ببعض، و تشتت أمرهم، فنظرنا فوجدنا رجلا له دين و عقل و مروة، و معدن للخلافة و هو محمد بن عبدالله بن الحسن فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثم نظر أمرنا معه، و ندعو الناس اليه، فمن بايعه كنا معه و كان منا، و من اعتزلنا كففنا عنه، و من نصب لنا جاهدناه و نصبنا له علي بغيه و نرده الي الحق [ صفحه 228] و أهله، و قد أحببنا أن نعرض ذلك

عليك، فانه لا غني بنا عن مثلك، لفضلك، و لكثرة شيعتك، فلما فرغ قال أبو عبدالله (ع): أكلكم علي مثل ما قال عمرو؟ قالوا: نعم، فحمد الله وأثني عليه و صلي علي النبي ثم قال: انما نسخط اذا عصي الله فاذا أطيع الله رضينا أخبرني يا عمرو لو أن الأمة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال و لا مؤونة، فقيل لك: (و لها من شئت) من كنت تولي؟ قال: كنت أجعلها شوري بين المسلمين، قال: بين كلهم؟ قال: نعم. فقال: بين فقهائهم و خيارهم؟ قال: نعم. قال: قريش و غيرهم؟ قال: العرب و العجم. قال: فأخبرني يا عمرو أتتولي أبابكر و عمر أو تتبرأ منهما؟ قال: أتولاهما. قال: يا عمرو ان كنت رجلا تتبرأ منهما، فانه يجوز لك الخلاف عليهما و ان كنت تتولاهما فقد خالفتهما قد عهد عمر الي أبي بكر فبايعه و لم يشاور أحدا، ثم ردها أبوبكر عليه و لم يشاور أحدا، ثم جعلها عمر شوروي بين ستة، فخرج منها الأنصار غير أولئك الستة من قريش، ثم أوصي الناس فيهم بشي ء ما أراك ترضي أنت و لا أصحابك قال: و ما صنع؟ قال: أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام و أن يتشاور أولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم الا ابن عمر و يشاورونه و ليس له من الأمر شي ء، و أوصي من كان بحضرته من المهاجرين و الأنصار أن مضت ثلاثة أيام و لم يفرغوا و يبايعوه أن يضرب أعناق الستة جميعا، و ان اجتمع أربعة قبل أن يمضي ثلاثة أيام و خالف اثنان أن يضرب أعناق الأثنين أفترضون بهذا فيما تجعلون من الشوري في المسلمين؟ قالوا: لا. قال: يا عمرو دع ذا أرأيت

لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو اليه، ثم اجتمعت لكم الأمة و لم يختلف عليكم منها رجلان فافضيتم الي المشركين الذين لم يسلموا و لم يؤدوا الجزية، كان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المشركين في الجزية؟ قالوا: نعم. قال: فتصنعون ماذا؟ قالوا: ندعوهم الي الاسلام فان أبوا دعوناهم الي الجزية. قال: فان كانوا مجوسا و أهل كتاب و عبدة النيران و البهائم و ليسوا بأهل كتاب؟ قالوا: سواء. قال فاخبرني عن القرآن أتقرؤونه؟ قال: نعم. قال: اقرأ (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون) قال: فاستثني الله عزوجل [ صفحه 229] و اشترط من الذين أوتوا الكتاب فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء قال: نعم. قال (ع): عمن اخذت هذا؟ قال: سمعت الناس يقولونه. قال: فدع ذا فانهم ان أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟ قال: أخرج الخمس و أقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليهما. قال: تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟ قال: نعم. قال: فقد خالفت رسول الله في فعله و في سيرته، و بيني و بينك فقهاء أهل المدينة و مشيختهم، فسلهم فانهم لا يختلفون و لا يتنازعون في أن رسول الله انما صالح الأعراب علي أن يدعهم في ديارهم و أن لا يهاجروا، علي أنه ان دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم، و ليس لهم من الغنيمة نصيب، و أنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت

رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في سيرته في المشركين، دع ذا ما تقول في الصدقة؟ قال: فقرأ عليه هذه الآية (انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها...) الي آخرها قال نعم، فكيف تقسم بينهم؟ قال: أقسمها علي ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء من الثمانية جزءا. فقال (ع): ان كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف رجلا واحدا أو رجلين أوثلاثة، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم. قال: و ما تصنع بين صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم. قال: فخالفت رسول الله في كل ما أتي به، كان رسول الله يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي، و صدقة الحضر في أهل الحضر، و لا يقسم بينهم بالسوية انما يقسمه قدر ما يحضره منهم، و علي قدر ما يحضره فان كان في نفسك شي ء مما قلت لك فان فقهاء أهل المدينة و مشيختهم، كلهم لا يختلفون في أن رسول الله كذا كان يصنع، ثم أقبل علي عمرو قال: اتق الله يا عمرو و أنتم أيضا الرهط فاتقوا الله، فان أبي حدثني وكان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب الله و رسوله أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: [من ضرب الناس بسيفه، و دعاهم الي نفسه، و في المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضال متكلف] [44] .

نموذج من حوارات مع منكري خط الامام بعد النبي

و هذا نموذج من حوار الامام عليه السلام مع مخالفي خط امامة أهل البيت (ع): روي عن يونس بن يعقوب قال: (كنت عند أبي عبدالله (ع) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: اني رجل صاحب كلام و فقه و فرائض و

قد جئت لمناظرة أصحابك. [ صفحه 230] فقال له أبو عبدالله (ع): كلامك هذا من كلام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو من عندك؟ فقال: من كلام رسول الله بعضه و من عندي بعضه. فقال أبو عبدالله: فأنت اذا شريك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: لا. قال: فسمعت الوحي من الله تعالي؛ قال: لا. قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله؟ قال: لا. قال: فالتفت الي أبو عبدالله (ع) فقال: يا يونس هذا خصم نفسه قبل أن يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس: فيالها من حسرة، فقلت: جعلت فداك سمعتك تنهي عن الكلام، و تقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون: هذا ينقاد و هذا ينساق و هذا لا ينساق و هذا نعقله و هذا لا نعقله! فقال أبو عبدالله (ع): انما قلت ويل لقوم تركوا قولي بالكلام وذهبوا الي ما يريدون، ثم قال اخرج الي الباب فمن تري من المتكلمين فأدخله! قال: فخرجت فوجدت حمران بن اعين و كان يحسن الكلام، ومحمد بن نعمان الأحول و كان متكلما، و هشام بن سالم و قيس الماصر و كانا متكلمين و كان قيس عند احسنهم كلاما و كان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين، فأدخلتهم، فلما استقر بنا المجلس كنا في خيمة لأبي عبدالله (ع) في طرف جبل في طريق الحرم. و ذلك قبل الحج بأيام، فأخرج أبو عبدالله رأسه من الخيمة فاذا هو ببعير يخب قال: هشام و رب الكعبة. قال: و كنا ظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل، و كان شديد المحبة لأبي عبدالله، فاذا هشام بن الحاكم،

و هو أول ما اختطت لحيته و ليس فينا الا من هو أكبر منه سنا، فوسع له أبو عبدالله (ع) و قال: (ناصرنا بقلبه و لسانه ويده) ثم قال لحمران: كلم الرجل - يعني الشامي. فكلمه حمران و ظهر عليه ثم قال: يا طاقي كلمه، فكلمه فظهر عليه محمد بن نعمان، ثم قال لهشام ابن سالم، كلمه، فتعارفا ثم قال لقيس الماصر: كلمه و أقبل أبو عبدالله (ع) يبتسم من كلامهما و قد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام، يعني: هشام بن الحكم فقال: نعم. ثم قال الشامي لهشام: يا غلام سلني في امامة - هذا يعني - أبا عبدالله (ع)؟ فغضب هشام حتي ارتعد ثم قال له: اخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه، أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه. قال: ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟ قال: كلفهم و اقام لهم حجة ودليلا علي ما كلفهم به، و أزاح في ذلك عللهم. فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟ قال الشامي هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 231] قال هشام: فبعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من؟ قال: الكتاب والسنة. فقال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنة فيما اختلفنا فيه، حتي رفع عنا الاختلاف، و مكننا من الاتفاق؟ فقال الشامي: نعم. قال هشام: فلم اختلفنا نحن و أنت جئتنا من الشام تخالفنا، وتزعم أن الرأي طريق الدين، و أنت مقر بأن الرأي لا يجمع علي القول الواحد المختلفين؟ فسكت الشامي كالمفكر: فقال أبو عبدالله (ع) مالك لا تتكلم؟ قال: ان قلت: أنا ما اختلفنا كابرت،

و ان قلت: أن الكتاب و السنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك. فقال له أبو عبدالله (ع): سله تجده مليا، فقال الشامي لهشام من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم؟ فقال: بل ربهم أنظر لهم. فقال الشامي: فهل اقام لهم من يجمع كلمتهم و يرفع اختلافهم و يبين لهم حقهم من باطلهم؟ فقال هشام: نعم. فقال الشامي: من هو؟ قال هشام: أما في ابتداء الشريعة فرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أما بعد النبي فعترته. قال الشامي: من هو عترة النبي القائم مقامه في حجته؟ قال هشام: في وقتنا هذا أم قبله؟ قال الشامي: بل في وقتنا هذا، قال هشام: هذا الجالس يعني، أباعبدالله (ع) الذي تشد اليه الرحال و يخبرنا بأخبار السماء و راثة عن جده. قال الشامي: و كيف لي بعلم ذلك؟ فقال هشام: سله عما بدا لك. قال الشامي: قطعت عذري، فعلي السؤال، فقال أبو عبدالله (ع): أنا أكفيك المسألة يا شامي: اخبرك عن مسيرك و سفرك، خرجت يوم كذا، و كان طريقك كذا، و مررت علي كذا، و مر بك كذا، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره يقول: صدقت والله، فقال الشامي: أسلمت لله الساعة فقال له أبوعبدالله (ع): بل آمنت بالله الساعة، ان الاسلام قبل الايمان و عليه يتوارثون و يتناكحون، و الايمان عليه يثابون، قال: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله، و أنك وصي الأنبياء) [45] .

پاورقي

[1] فقرات من الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية.

[2] نهج البلاغة خطبة رقم 87.

[3] نهج البلاغة خطبة رقم 109.

[4] معالم في الطريق سيد

قطب ص 77 - 75 ط دار دمشق نقلا عن ابن القيم.

[5] الدعة: الخفض و الطمأنينة.

[6] المماظة: شد المنازعة.

[7] تحف العقول للشيخ الجليل أبومحمد الحراني ص 231 - 230 ط بيروت لبنان.

[8] تحف العقول ص 263 - 362) الأسباب واضحة لهذا التغيير في لبس الخاتم. لأن لبس الخاتم كان في ذلك العصر من علامات التشيع لأهل البيت (ع)).

[9] الكافي ج 1 للشيخ الكليني ص 221. [

[10] مقتل الحسين (ع) للسيد عبدالرزاق المقرم ص 139.

[11] نفس المصدر ص 65.

[12] حياة الحسين بن علي: باقر شريف القرشي ج 2 ص 281 ط 3 النجف 1973.

[13] روضة الكافي ج 8 ص 330.

[14] بحارالانوار ج 47 ط 3 بيروت 1983 م ص 373 - 372 نقلا عن الكافي.

[15] ينابيع المودة: الحافظ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي ط 8، 1385 دارالكتب العراقية و الكاظمية كما ينظر حديث 412 في روضة الكافي للشيخ الكليني.

[16] حياة الامام الباقر (ع) للشيخ محمد باقر القرشي ص 172 نقلا عن طبقات ابن سعد 8 / 463.

[17] نفس المصدر ص 172 عن علل الشرائع للصدوق.

[18] حلية الأولياء و طبقات الأصفياء، الأصبهاني مجلد 3 ط 4 ص 206.

[19] نفس المصدر ص 200.

[20] نفس المصدر ص 200.

[21] نفس المصدر السابق ص 172 نقلا عن مناقب المغازلي الخوارزمي.

[22] مختصر بصائر الدرجات ص 97.

[23] نفس المصدر ص 102.

[24] وسائل الشيعة ج 6 ص 429 - ص 430.

[25] الامام الصادق (ع) ج 1 للشيخ محمد حسين المظفري ط 2، 1950 ص 96.

[26] الامام الصادق (ع) ج 2 للشيخ محمد حسين المظفري ط 2، 1950 ص 53.

[27] تحف العقول للشيخ الحراني، ط لبنان ص 232 - 231.

[28] الامام الصادق (ع) ج 2، محمد حسين

المظفري، ط 2، 1950 ص 43 - 40.

[29] المحاسن ص 400.

[30] رجال الكشي ص 121.

[31] الكافي ج 4 ص 9.

[32] الكافي ج 6 ص 333.

[33] نفس المصدر ج 3 ص 217.

[34] المصدر السابق ج 3 ص 569.

[35] المصدر السابق ج 5 ص 289.

[36] حلية الأبرار ج 2 السيد هاشم البحراني ص 193.

[37] وسائل الشيعة ج 6 ص 427.

[38] حليةالأبرار - السيد هاشم البحراني ت 1107 ج 2 ص 98.

[39] نفس المصدر ص 145.

[40] الأصول من الكافي ج 2 ص 218 طهران ط 1388.

[41] الامام الصادق (ع) محمد حسين المظفر ج 2 ص 53 ط 2 النجف الأشرف.

[42] الاحتجاج، أبي منصور الطبرسي ص 336 - 335، ط بيروت.

[43] المصدر السابق ص 362 - 358.

[44] المصدر السابق ص 364 - 362.

[45] المصدر السابق ص 367 - 364.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.