سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبة علي بنت أبي جهل (16)

اشارة

عنوان و نام پديدآور : حديث خطبه علي بنت ابي جهل/علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1429ق=1387.

مشخصات ظاهري : 72ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 16

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 1289509

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 7

كلمة المؤلف … ص: 7

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد …

فإنّ السنّة النبوية وأخبار الرسول الكريم وأصحابه، وحوادث صدر الإسلام … المنعكسة في كتب الحديث والتواريخ والسِّيَر … بحاجة ماسّة إلي التحقيق والتمحيص والدراسة العميقة الدقيقة … لما لها من الأهميّة الفائقة في حياتنا العقائدية والعملية … تحقيقاً وتمحيصاً بعيداً عن الأغراض والتعصّبات والأهواء والانحيازات … وهذه هي أولي الخطوات الواجب اتّخاذها في سبيل خدمة تراثنا، وإحيانه ونشره …

لقد ولّت عصور التعصّب، وتفتّحت العيون، وتنوّرت الأفكار، وتوفّرت الإمكانيات، وانتشرت الكتب … فلا يسعنا التهاون في هذا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 8

الواجب ثم إلقاء عب ء القيام به علي الآخرين، أو القول بصحّة كلّ ما جاء في هذا الكتاب أو ذاك من

كتب الأقدمين.

صحيح أنّ المحدِّثين لم يدوِّنوا جميع ما رووه ووعوه، بل أودعوا في «المصنَّفات» و «الصحاح» و «السنن» و «المسانيد» و «المعاجم» ما توصّلوا باجتهادهم إلي ثبوته ونقّحوه وصحّحوه؛ لكنّ ذلك لا يغنينا عن النظر في أحاديثهم، ولا يكون عذراً لنا ما دمنا غير مقلِّدين لهم في آرائهم …

وحديث خِطبة أمير المؤمنين عليه السّلام ابنة أبي جهل علي حياة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وعنده الزهراء الطاهرة سلام اللَّه عليها، من أوضح الشواهد وأتمّ المصاديق لما ذكرنا.

لقد راجعنا هذا الحديث المتعلّق بالنبي والإمام والزهراء. في جميع مظانّه، ولاحظنا أسانيده ومتونه، فتدبّرنا في أحوال رواته علي ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل، وأمعنّا النظر في مدلوله علي أساس القواعد المقرّرة في كتب علوم الحديث. وبالاستناد إلي ما ذكره المحقّقون من شرّاح الأخبار فوجدناه حديثاً موضوعاً، وقضيّةً مختلقة، وحكايةً مفتعلة يقصد من ورائه التنقيص من النبي في الدرجة الأُولي ثم من عليّ والصدّيقة الكبري.

إنّه حديث اتّفقوا علي إخراجه في الكتب لكنّه ممّا يجب إخراجه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 9

من السُنّة!!

هذه نتيجة التحقيق الذي قمت به حول هذا الحديث الذي لم أقف علي من بحث حوله كما بحثت، وما توفيقي إلّا باللَّه وعليه توكّلت وإليك البيان:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 11

(1) مُخرِّجوا الحديث وأسانيده … ص: 11

اشارة

قد أشرنا إلي أنّ الحديث متّفق عليه، لا بين البخاري ومسلم فحسب، بل بين أرباب الكتب الستّة كلّهم، وأخرجه أيضاً أصحاب المسانيد والسنن وغيرهم، ممّن تقدّم عليهم وتأخّر عنهم إلّا القليل منهم.

ونحن نستعرض أوّلًا ما ورد في أهمّ الكتب الموصوفة بالصحّة عندهم، ثم ما أخرجه الحاكم في المستدرك علي الصحيحين، ثم نتبعه بما رواه الآخرون.

رواية البخاري … ص: 11

أخرج البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه:

1- فقد جاء في كتاب الخمس: «سعيد بن محمّد الجرمي، حدّثنا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 12

يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبي، أنّ الوليد بن كثير حدّثه، عن محمّد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي حدّثه أنّ ابن شهاب حدّثه أنّ عليّ بن حسين حدّثه أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن عليّ رحمة اللَّه عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إليَّ من حاجةٍ تأمرني بها؟ فقلت له: لا. فقال له: فهل أنت معطيَّ سيف رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم؟ فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه؟ وأيم اللَّه لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتي تبلغ نفسي.

إنّ عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل علي فاطمة عليها السلام، فسمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يخطب الناس في ذلك علي منبره هذا- وأنا يومئذٍ محتلم- فقال: إنّ فاطمة منّي، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها. ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثني عليه في مصاهرته إيّاه، قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفي لي، وإنّي لست أُحرّم حلالًا ولا أُحلّ حراماً، ولكن- واللَّه- لا تجتمع بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وبنت عدوّ اللَّه أبداً» «1».

2- وجاء في كتاب النكاح: «حدّثنا

قتيبة، حدّثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 3/ 1132 أبواب الخمس باب ما ذكر من درع النبيّ وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه الرقم 2943.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 13

عليه وسلّم يقول- وهو علي المنبر-: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن، إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة منّي، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها» «1».

3- وجاء في كتاب فضائل الصحابة: «حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدّثني عليّ بن حسين أنّ المسور بن مخرمة قال: إنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليٌّ ناكح بنت أبي جهل.

فقام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فسمعته حين تشهّد يقول:

أمّا بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع فحدّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وبنت عدوّ اللَّه عند رجل واحد.

فترك عليٌّ الخطبة.

وزاد محمّد بن عمرو بن حلحلة عن ابن شهاب، عن عليّ بن الحسين، عن مسور: سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وذكر صهراً له

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5/ 2004 كتاب النكاح باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف الرقم 4932.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 14

من بني عبد شمس، فأثني عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن، قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفي لي» «1».

4- وجاء في باب

الشقاق من كتاب الطلاق: «حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة الزهري، قال:

سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إنّ بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح عليٌّ ابنتهم، فلا آذن» «2».

رواية مسلم … ص: 14

وأخرجه مسلم في باب فضائل فاطمة فقال:

1- حدّثنا أحمد بن عبداللَّه بن يونس وقتيبة بن سعيد، كلاهما عن الليث بن سعد، قال ابن يونس: حدّثنا ليث، حدّثنا عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة القرشي التيمي أنّ المسور بن مخرمة حدّثه أنّه سمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي المنبر وهو يقول: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم … ».

2- «حدّثني أحمد بن حنبل، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 3/ 1364- 1365 كتاب فضائل الصحابة باب ذكر أصهار النبيّ، أبو العاص بن الربيع الرقم 3523.

(2) صحيح البخاري 5/ 2022 كتاب الطلاق باب الشقاق وهل يشير بالخلع عند الضرورة الرقم 4974.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 15

أبي، عن الوليد بن كثير، حدّثني محمّد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أنّ ابن شهاب حدّثه أنّ عليَّ بن الحسين حدّثه أنّهم حين قدموا المدينة … ».

3- حدّثنا عبداللَّه بن عبدالرحمن الدارمي، أخبرنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عليّ بن حسين أنّ المسور بن مخرمة أخبره أنّ عليّ بن أبي طالب خطب … ».

4- «وحدّثنيه أبو معن الرقاشي، حدّثنا وهب- يعني ابن جرير-، عن أبيه، قال: سمعت النعمان- يعني ابن راشد- يحدّث عن الزهري بهذا الإسناد نحوه» «1».

رواية الترمذي … ص: 15

وأخرجه الترمذي بقوله:

1- «حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث عن ابن أبي مليكة، عن المسور ابن مخرمة، قال: سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول- وهو علي المنبر-: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا …

قال أبو عيسي: هذا حديث حسن صحيح.

وقد رواه عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 5/ 53- 55 كتاب فضائل الصحابة باب

فضائل فاطمة بنت النبي الرقم 2449 وذيوله.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 16

مخرمة نحو هذا».

2- «حدّثنا أحمد بن منيع، أخبرنا إسماعيل بن علية، عن أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبداللَّه بن الزبير: أنّ عليّاً ذكر بنت أبي جهل …

قال أبو عيسي: هذا حديث حسن صحيح.

هكذا قال أيّوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن الزبير. وقال غير واحد عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة. ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روي عنهما جميعاً» «1».

رواية ابن ماجة … ص: 16

وأخرجه ابن ماجة بقوله:

1- «حدّثنا عيسي بن حمّاد المصري، قال: أنبأنا الليث بن سعد، عن عبداللَّه بن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو علي المنبر يقول: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم … »

2- «حدّثنا محمّد بن يحيي قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أنبأنا شعيب، عن الزهري، قال أخبرني عليّ بن الحسين: أنّ المسور بن مخرمة أخبره أنّ عليّ بن أبي طالب خطب … فنزل عليّ عن الخطبة» «2».

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 464- 465 كتاب المناقب باب فضل فاطمة الأرقام 3893 و 3895.

(2) سنن ابن ماجة 3/ 412- 413 كتاب النكاح باب الغيرة الأرقام 1998 و 1999.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 17

رواية أبي داود … ص: 17

وأخرجه أبو داود قائلًا:

1- «حدّثنا أحمد بن محمّد بن حنبل، ثنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد، حدّثني أبي، عن الوليد بن كثير، حدّثني محمّد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أنّ ابن شهاب حدّثه أنّ عليّ بن الحسين رضي اللَّه عنهما حدّثه أنّهم حين قدموا المدينة … ».

2- «حدّثنا محمّد بن يحيي بن فارس، ثنا عبد الرزّاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، وعن أيّوب، عن ابن أبي مليكة بهذا الخبر. قال: فسكت علي رضي اللَّه عنه عن ذلك النكاح».

3- «حدّثنا أحمد بن يونس وقتيبة بن سعيد المعني «1» قال أحمد: ثنا الليث، حدّثني عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة القرشي التيمي أنّ المسور بن مخرمة حدّثه أنّه سمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي المنبر يقول: إنَّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من عليّ بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثمّ لا

آذن إلّاأن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما ابنتي بضعة منّي، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها» «2».

__________________________________________________

(1)

كذا. والصحيح: الثقفي.

(2) سنن أبي داود 2/ 91- 92 كتاب النكاح باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء الأرقام 2069- 2071.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 18

رواية الحاكم … ص: 18

وقال الحاكم:

1- «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيي بن زكريّا بن أبي زائدة، أخبرني أبي، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال: خطب عليّ ابنة أبي جهل إلي عمّها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: أعَن حَسَبها تسألني؟ قال عليّ: قد أعلم ما حسبها ولكن أتأمرني بها؟ فقال: لا، فاطمة مضغة منّي، ولا أحسب إلّا وأنّها تحزن أو تجزع. فقال عليّ: لا آتي شيئاً تكرهه.

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة».

2- «أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد ابن مسعود، ثنا يزيد بن هارون.

وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي حنظلة- رجل من أهل مكّة «1» - أنّ عليّاً خطب ابنة أبي جهل، فقال له

__________________________________________________

(1) كذا. وستعرف ما فيه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 19

أهلها: لا نزوِّجك علي ابنة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فبلغ ذلك رسول صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّما فاطمة مضغة منّي، فمن آذاها فقد آذاني».

3- «حدّثنا بكر بن محمّد الصيرفي، ثنا موسي بن سهل بن كثير، ثنا إسماعيل بن عليّة، ثنا أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن عبداللَّه بن

الزبير أنّ علياً رضي اللَّه عنه ذكر ابنة أبي جهل، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها.

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه» «1».

رواية ابن أبي شيبة … ص: 19

ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة بقوله: «حدّثنا محمّد بن بشر، عن زكريّا، عن عامر، قال: خطب عليّ بنت أبي جهل إلي عمّها الحارث ابن هشام، فاستأمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فيها. فقال: عن حسبها تسألني؟ قال عليّ: قد أعلم ما حَسَبُها، ولكن تأمرني بها؟ قال: لا، فاطمة بضعة منّي، ولا أُحبّ أن تجزع. فقال عليّ: لا آتي شيئاً تكرهه» «2».

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 173 كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه. الأرقام 4749- 4751.

(2) المصنّف 7/ 527 كتاب الفضائل ما ذكر في فضل فاطمة الرقم 6.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 20

رواية أحمد بن حنبل … ص: 20

وأخرجه أحمد في (مسنده) وفي (فضائل الصحابة). فقد جاء في «المسند» ما نصّه:

1- «حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، قال:

سمعت النعمان يحدّث عن الزهري عن عليّ بن حسين عن المسور بن مخرمة أنّ عليّاً خطب … ».

2- «حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عليّ بن حسين أنّ المسور بن مخرمة أخبره: أنّ عليّ بن أبي طالب خطب … ».

3- «حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا يعقوب- يعني ابن إبراهيم- ثنا أبي، عن الوليد بن كثير، حدّثني محمّد بن عمرو، حدّثني ابن حلحلة الدؤلي «1» أنّ ابن شهاب حدّثه أنّ عليّ بن الحسين حدّثه أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن عليّ لقيه المسور بن مخرمة فقال أنّ عليّ بن أبي طالب خطب … ».

4- «حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا الليث- يعني ابن سعد-، قال: حدّثني عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة، عن

__________________________________________________

(1) كذا هنا، حيث جاء

«محمّد بن عمرو» غير «ابن حلحلة الدؤلي».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 21

المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم- وهو علي المنبر- يقول: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا إبنتهم علي بن أبي طالب … » «1».

5- «حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: أنا أيّوب، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عبداللَّه بن الزبير أنّ علياً ذكر ابنة أبي جهل، فبلغ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّها فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها» «2».

وجاء في فضائل فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من كتاب فضائل الصحابة:

6- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا يحيي بن زكريّا، قال:

أخبرني أبي، عن الشعبي، قال: خطب عليّ عليه السّلام … ».

7- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا يزيد، قال: أنا إسماعيل، عن أبي حنظلة، أنّه أخبره رجل من أهل مكّة أنّ عليّاً خطب … ».

8- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا سفيان، عن عمرو، عن محمّد بن عليّ أنّ عليّاً عليه السلام أراد أن ينكح ابنة أبي جهل فقال

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 427- 430 حديث المسور بن مخرمة الأرقام 18433، 18433، 18434، 18447.

(2) مسند أحمد 4/ 571 حديث عبداللَّه بن الزبير الرقم 15691.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 22

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم- وهو علي المنبر-: إنّ عليّاً أراد أن ينكح العوراء بنت أبي جهل، ولم يكن ذلك له أن يجمع بين ابنة عدوّ اللَّه وبين ابنة رسول اللَّه، وإنّما فاطمة مضغة منّي».

9- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا إسماعيل بن إبراهيم، قال:

أنا أيّوب، عن عبداللَّه بن

أبي مليكة، عن عبداللَّه بن الزبير: أنّ عليّاً ذكر ابنة أبي جهل فبلغ ذلك النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّما فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها».

10- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا هاشم بن القاسم، قثنا الليث، قال: حدّثني عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم- وهو علي المنبر- يقول: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب … ».

11- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عليّ بن حسين، أنّ المسور بن مخرمة أخبره أنّ عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل وعنده فاطمة … قال: فنزل عليٌّ عن الخطبة».

12- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، قال: أنا عبد الرزّاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عروة وعن أيّوب، عن ابن أبي مليكة: أنّ عليّ بن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 23

أبي طالب خطب ابنة أبي جهل حتي وعد النكاح قال فسكت: عليّ عن ذلك النكاح وتركه».

13- «حدّثنا عبداللَّه، قال: حدّثني أبي، نا وهب بن جرير، نا أبي، قال: سمعت النعمان يحدّث عن الزهري، عن عليّ بن الحسين، عن المسور بن مخرمة، أنّ عليّاً عليه السّلام خطب … فرفض عليّ ذلك» «1».

في المسانيد والمعاجم … ص: 23

روي الهيثمي:

عن ابن عبّاس: أنّ عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه خطب بنت أبي جهل، فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم: إن كنت تزوّجها فردّ علينا ابنتنا.

إلي ههنا انتهي حديث خالد [الحذاء]، وفي الحديث زيادة قال:

فقال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه

عليه وسلّم وبنت عدوّ اللَّه تحت رجل.

رواه الطبراني في الثلاثة واختصره في الكبير، والبزّار باختصار أيضاً.

__________________________________________________

(1) فضائل الصحابة 2/ 754- 759.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 24

وفيه: عبيداللَّه بن تمام وهو ضعيف» «1».

وروي ابن حجر العسقلاني:

«عليّ بن الحسين: أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أن يخطب بنت أبي جهل، فقال الناس: أترون رسول اللَّه يجد من ذلك؟! فقال ناس: وما ذلك؟! إنّما هي امرأة من النساء. وقال ناس: ليجدنَّ من هذا، يتزوّج ابنة عدوّ اللَّه علي ابنة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم!؟

فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فحمد اللَّه وأثني عليه ثم قال: أمّا بعد، فما بال أقوام يزعمون أنّي لا أجد لفاطمة، وإنّما فاطمة بضعة منّي، إنّه ليس لأحدٍ أن يتزوّج ابنة عدوّ اللَّه علي ابنة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

هذا مرسل. وأصل الحديث في الصحيح من حديث المسور أنّه حدّث به عليّ بن الحسين» «2».

قلت: وحدّث به عليُّ بن الحسين الزهريَّ!!

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 327 كتاب المناقب باب مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه الرقم 15201.

(2) المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية 4/ 68 كتاب المناقب باب فضل فاطمة وابنيها الرقم 3981.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 25

وروي المتّقي:

«عن الشعبي، قال: جاء عليّ إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يسأله عن ابنة أبي جهل وخطبتها إلي عمّها الحارث بن هشام. فقال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: عن أيّ بالها تسألني؟ أعَن حسبها؟ فقال: لا، ولكن أريد أن أتزوّجها، أتكره ذلك؟ فقال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّما فاطمة بضعة منّي، وأنا أكره أن تحزن أو تغضب. فقال عليّ: فلن آتي شيئاً ساءك. عب» …

«عن ابن أبي

مليكة: أنّ عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل حتي وُعد النكاح، فبلغ ذلك فاطمة، فقالت لأبيها: يزعم الناس أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا أبو الحسن قد خطب ابنة أبي جهل وقد وُعد النكاح.

فقام النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم خطيباً فحمد اللَّه وأثني بما هو أهله، ثم ذكر أبا العاص بن الربيع فأثني عليه في صهره، ثم قال: إنّما فاطمة بضعة منّي، وإنّي أخشي أن تفتنوها، واللَّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وبنت عدوّ اللَّه تحت رجل. فسكت عن ذلك النكاح وترك. عب» «1».

__________________________________________________

(1) عب: رمز لعبد الرزّاق بن همام الصنعاني. كنز العمّال 3/ 291- 292 كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ومن ليسوا بالصحابة الأرقام 37734 و 37736.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 26

(2) نظرات في أسانيد الحديث … ص: 26

اشارة

استعرضنا طرق هذا الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها فوجدنا أنّها تنتهي إلي:

1- المسور بن مخرمة.

2- عبداللَّه بن العبّاس.

3- عليّ بن الحسين.

4- عبداللَّه بن الزبير.

5- عروة بن الزبير.

6- محمّد بن عليّ.

7- سويد بن غفلة.

8- عامر الشعبي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 27

9- ابن أبي مليكة.

10- رجل من أهل مكّة.

* ابن عبّاس … ص: 27

ولم أجده إلّا عند أبي بكر البزّار والطبراني، كما في مجمع الزوائد، وقد عرفت أنّ الهيثمي قال بعده: «وفيه: عبيداللَّه بن تمام، وهو ضعيف».

قلت: ذكره ابن حجر وذكر هذا الحديث من مناكيره. قال «ضعّفه الدارقطني وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم، وقال أبو حاتم: ليس بالقويّ.

روي أحاديث منكرة …، وقال الساجي: كذّاب يحدِّث بمناكير، وذكره ابن الجارود والعقيلي في الضعفاء وأورد له عن خالد عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل فبعث إليه النبي صلّي اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إن كنت متزوِّجاً فردّ علينا ابنتنا» «1».

* عليّ بن الحسين … ص: 27

رواه ابن حجر العسقلاني، ثم قال: «وأصل الحديث في الصحيح من حديث المسور أنّه حدّث به عليّ بن الحسين».

وفي هامشه: «قال البوصيري: رواه الحارث بسندٍ منقطع، ضعيف، لضعف عليّ بن زيد بن جدعان. وأصله في الصحيح من

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 4/ 117.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 28

حديث المسور».

قلت: سنتكلّم علي حديث المسور بالتفصيل.

* عبداللَّه بن الزبير … ص: 28

رواه الترمذي وأحمد والحاكم وأبو نعيم «1» عن أيّوب السختياني عن ابن أبي مليكة عنه.

قال الترمذي: يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة سمعه من المسور وعبداللَّه بن الزبير جميعاً.

قال ابن حجر: «ورجّح الدارقطني وغيره طريق المسور، والأوّل أثبت بلا ريب، لأنّ المسور قد روي في هذا الحديث قصة مطوّلة قد تقدّمت في باب أصهار النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم.

نعم، يحتمل أن يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط، أو سمعها من المسور فأرسلها» «2».

قلت: إن كان قد سمعها من المسور، فسنتكلّم علي حديث مسور بالتفصيل، وإن كان هو الراوي للحديث بأن يكون قد سمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو طفل- لأنّه ولد سنة احدي من الهجرة «3» -

__________________________________________________

(1) حلية الأولياء 2/ 50.

(2) فتح الباري 7/ 132.

(3) أُنظر ترجمته.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 29

فحاله في البغض لعليّ وأهل البيت بل للنبيّ نفسه معلوم.

ثم إنّ الراوي عنه «ابن أبي مليكة» مؤذّنه كما ستعرف.

* عروة بن الزبير … ص: 29

أخرجه أبو داود بسنده عن الزهري عنه.

ولم أجده عند غيره.

وهو منكر، لأنّه مرسل، لأنّ عروة ولد في حكومة عمر.

ولأنّ عروة كان من المشهورين بالبغض والعداء لأمير المؤمنين عليه السّلام، كما ستعرف في خبر حول الزهري، وحتي أنّه حضر يوم الجمل مع أصحابه علي صغر سنّه «1».

ووضع حديثاً في فضل زينب بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم جاء فيه: «فكان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: هي خير بناتي أصيبت فيّ.

فبلغ ذلك عليّ بن حسين فانطلق إلي عروة فقال: ما حديث بلغني عنك أنّك تحدّثه تنتقص حقّ فاطمة؟!

فقال عروة: لا أُحدِّث به أبداً».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 7/ 161.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 30

قال الهيثمي: ورجاله

رجال الصحيح «1».

ولأنّ الراوي عنه هو «الزهري» وستعرفه.

* محمّد بن علي … ص: 30

وهو ابن الحنفية. رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عنه.

وهذا لم أجده إلّا في الفضائل لأحمد، فلم يَروه غيره ولا هو في مسنده فيما أعلم.

وقد ذكر محقّق الفضائل في هامشه: إنّه مرسل، ومحمّد بن الحنفية لم يسنده.

قلت: وذلك لأنّ عمرو بن دينار لم يسمع من محمّد بن عليّ؛ ولذا لم يذكروا محمّداً فيمن روي عنه عمرو، بل نصّوا علي عدم سماعه من بعض مَن عدّ منهم، فابن عبّاس- مثلًا- أوّل من ذكره ابن حجر فيمن روي عنه، ثم نقل عن الترمذي أنّه قال: قال البخاري: لم يسمع عمرو بن دينار من ابن عبّاس حديثه عن عمر في البكاء علي الميّت. قال ابن حجر قلت: ومقتضي ذلك أن يكون مدلّساً «2».

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 342 كتاب المناقب باب ماجاء في فضل زينب بنت رسول اللَّه الرقم 15231.

(2) تهذيب التهذيب 8/ 25- 26.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 31

هذا من جهة إرساله …

ومحمّد بن عليّ عليه السّلام لم يكن من الصحابة، وقد تزوّج أمير المؤمنين عليه السّلام بأُمّه بعد وفاة الزهراء عليها السلام بزمن.

* سويد بن غفلة … ص: 31

أخرج حديثه الحاكم عن أحمد بسنده عن الشعبي عنه، ولم أجده عند غيره وقد صحّحه.

لكن قال الذهبي في تلخيصه: مرسَلٌ قويّ.

وذلك لأنّ سويداً لم يدرك النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، فإنّه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فالعجب من الحاكم كيف صحّحه؟!

ومن الذهبي أيضاً، إذ يرويه عن أحمد بسنده عن الشعبي عن سويد بن غفلة … ساكتاً عنه! «1».

ومن ابن حجر والقسطلاني أيضاً، كيف وافقا الحاكم علي صحّة سنده، مع تصريحهما بأنّ سويداً لم يلق النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم!

«2».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 2/ 124- 125.

(2) إرشاد الساري 11/ 517، فتح الباري 9/ 410.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 32

وكذا من العيني! «1».

والغرض: إنه كان عليهم التصريح بكونه مرسلًا، كما نصّ عليه في تلخيص المستدرك.

* عامر الشعبي … ص: 32

أخرجه عنه عبد الرزّاق بن همام- كما في كنز العمّال- وابن أبي شيبة في المصنّف كما تقدّم، إذ هو المراد من قوله: « … عن عامر» وأحمد في الفضائل.

ومن المعلوم أنّ الشعبي مات بعد المائة، والمشهور أنّ مولده كان لستّ سنين خلت من حكومة عمر «2».

فالحديث بهذا السند مرسَل.

ولعلّه يرويه عن سويد بن غفلة، وهكذا أخرجه الحاكم وأحمد كما تقدّم عن الذهبي، وقد عرفت أنّه مرسَل كذلك.

هذا بغضّ النظر عن قوادح الشعبي، والتي أهَمّها كونه من الوضّاعين علي أهل البيت عليهم السّلام، فقد رووا عنه أنّه ذكر أن أبا بكر قد صلّي علي سيّدتنا فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله» «3» وأنّه

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 20/ 212.

(2) تهذيب التهذيب 5/ 62.

(3) طبقات ابن سعد 8/ 24.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 33

قال: «إنّ فاطمة لَمّا ماتت دفنها عليّ ليلًا وأخذ بضبعي أبي بكر فقدّمه في الصلاة عليها» «1» فإنّ هذا كذب بلا ريب، حتي اضطر ابن حجر إلي أن يقول: «فيه ضعف وانقطاع» «2».

وكونه من حكّام وقضاة سلاطين الجور، كعبد الملك بن مروان وغيره المعادين لأهل البيت الطاهرين.

وأنّه روي عن جماعةٍ كبيرةٍ من الصحابة، وفيهم من نصّوا علي أنّه لم يلقهم ولم يسمع منهم، كعَليّ عليه السّلام وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت وعبداللَّه بن عمر وأُمّ سلمة وعائشة!

ثم إنّ الراوي عنه «زكريّا بن أبي زائدة» قال ابن أبي ليلي: ضعيف.

وقال أبو زرعة:

صويلح يدلّس كثيراً عن الشعبي.

وقال أبو حاتم: ليّن الحديث كان يدلّس، وقال: إنّ المسائل التي كان يرويها عن الشعبي لم يسمعها منه.

وقال ابنه يحيي بن زكريّا: لو شئت سمّيت لك مَن بين أبي وبين الشعبي! «3».

__________________________________________________

(1)

كنز العمّال 13/ 295 كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ومن ليسوا بالصحابةالرقم 37756.

(2) الإصابة 8/ 267.

(3) تهذيب التهذيب 3/ 293.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 34

والراوي عنه ولده يحيي، مات بالمدائن قاضياً لهارون.

وقال أبو زرعة: يحيي قلمّا يخطي ء فإذا أخطأ أتي بالعظائم.

وعن أبي نعيم: وما هو بأهلٍ أن يحدَّث عنه «1».

* ابن أبي مليكة … ص: 34

رواه عنه عبد الرزّاق بن همام كما في كنز العمّال.

لكنّه مرسَل.

وهو يرويه إمّا عن المسور، وإمّا عن عبداللَّه بن الزبير، وإمّا عن كليهما جميعاً كما احتمل بعضهم.

أمّا حديث ابن الزبير فساقط بسقوطه نفسه، وأمّا حديث المسور فسنتكلّم عليه.

* رجل من أهل مكّة … ص: 34

الذي عند أحمد: «عن أبي حنظلة أنّه أخبره رجل من أهل مكّة».

والذي عند الحاكم: «عن أبي حنظلة رجل من أهل مكّة».

فمن «أبو حنظلة»؟ ومن «الرجل من أهل مكّة»؟

أمّا الحاكم فقد رواه ساكتاً عنه!

لكنّ الذهبي تعقّبه بقوله «قلت: مرسل»!

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 11/ 184- 185.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 35

ثم إنّ الراوي عنه بواسطة إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي هو «يزيد بن هارون» قال يحيي بن معين: «يزيد ليس من أصحاب الحديث، لأنّه لا يميّز ولا يبالي عَمّن روي» «1».

* الكلام علي حديث مِسْوَر … ص: 35

لكن الطريق الذي اتفق عليه أصحاب الصحاح كلّهم هو الأول، وهو وحده الذي أخرجه البخاري ومسلم والنسائي «2» وابن ماجة.

وانفرد الترمذي بروايته عن ابن الزبير، وقد عرفت تنبيهه علي ذلك، وانفرد أبو داود بروايته عن عروة، وقد عرفت ما فيه.

فالمعتمد والأصحّ عندهم جميعاً هو حديث المسور بن مخرمة!

ثم إنّ روايات القوم عن مسور تنتهي إلي:

1- عليّ بن الحسين، وهو الإمام زين العابدين عليه السّلام.

2- عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة.

والراوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام ليس إلّا:

محمّد بن شهاب الزهري.

والراوي عن ابن أبي مليكة:

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 11/ 321.

(2) خصائص أمير المؤمنين عليّ: 183- 184 ذكر الأخبار المأثورة بأن فاطمة بضعة من رسول اللَّه الأرقام 133 و 134.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 36

1- الليث بن سعد.

2- أيّوب بن أبي تميمة السختياتي.

ثم إنّ الدارمي «1» والبخاري ومسلماً وأحمد وابن ماجة. يروونه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري.

ويرويه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد. عن الوليد بن كثير عن محمّد بن عمرو بن حلحلة عن الزهري.

ويرويه مسلم عن النعمان عن الزهري.

ونحن لا يهمّنا البحث عن أبي اليمان- وهو الحكم بن نافع- وروايته عن شعيب-

وهو ابن أبي حمزة واسمه دينار الأموي مولاهم، أبو بشر الحمصي كاتب الزهري وراويته «2» - مع أنّ العلماء تكلّموا في ذلك، حتي قال بعضهم: لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلّا كلمةً «3» وإنّ الرجلين كانا من أهل حمص، وهم من أشدّ الناس علي أمير المؤمنين عليه السّلام في تلك العصور، ويضرب بحماقتهم المثل «4».

وأيضاً لا يهمّنا البحث عن الوليد بن كثير وكان إباضيّاً «5».

__________________________________________________

(1)

مرّ وقوعه في سند الرواية الثالثة ممّا رواه مسلم، فراجع.

(2) تهذيب التهذيب 4/ 318- 319.

(3) تهذيب التهذيب 2/ 396 و 397.

(4) معجم البلدان 2/ 349.

(5) تهذيب التهذيب 11/ 131.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 37

ولا عن أيّوب، ولا عن الليث الذي كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حتي نشأ فيهم فحدّثهم بفضائل عثمان فكفّوا! «1».

ولا عن النعمان- وهو ابن راشد الجزري- الذي ضعّفه يحيي القطّان جدّاً. وقال أحمد: مضطرب الحديث روي أحاديث مناكير. وقال ابن معين: ضعيف وقال مرة: ليس بشي ء. وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهمٌ كثير. وقال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري في الضعفاء. وقال أبو داود: ضعيف؛ قال النسائي: ضعيف كثير الغلط، وقال في موضع آخر: أحاديثه مقلوبة. وقال العقيلي: ليس بالقوي يعرف فيه الضعف «2».

وإنّما يكفي أنْ نتكلّم في ابن أبي مليكة والزهري فقط.

أمّا الأول، فيكفينا أن نعلم أنّه كان قاضيَ عبداللَّه بن الزبير ومؤذّنه «3».

وأمّا الثاني، فهو العمدة في عمدة أخبار المسألة، وهو الذي يروي الخبر عن الإمام زين العابدين عليه السّلام!! فلنفصّل فيه الكلام:

إنّ الزهري كان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام.

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 8/ 404.

(2) تهذيب التهذيب 10/ 404.

(3) تهذيب التهذيب 5/ 272.

سلسلة اعرف الحق تعرف

اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 38

قال ابن أبي الحديد المعتزلي: «وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السّلام. وروي جرير بن عبدالحميد عن محمّد بن شيبة قال:

شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً عليه السّلام فنالا منه. فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليه السّلام فجاء حتي وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة، فإنّ أبي حاكَمَ أباك إلي اللَّه فحكم لأبي علي أبيك؛ وأمّا أنت يا زهريّ، فلو كنت بمكّة لأريتك كير أبيك».

قال: «وروي عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيي بن عروة، قال:

كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه» «1».

ويؤكّد هذا سعيه وراء إنكار مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، كمنقبة سبقه إلي الإسلام؛ قال ابن عبد البَرّ: «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلمَ قبل زيد بن حارثة. قال عبدالرزّاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري» «2».

وروايته عن عمر بن سعد اللعين قاتل الحسين ابن أمير المؤمنين عليهما السّلام «3».

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 4/ 102.

(2) الاستيعاب، ترجمة زيد بن حارثة 2/ 117.

(3) الكاشف 2/ 301 وغيره.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 39

وكونه من عمّال بني أُميّة ومشيّدي سلطانهم، حتي أنكر عليه ذلك العلماء والزهّاد، فقد ذكر العلّامة عبد الحقّ الدهلوي بترجمته من «رجال المشكاة»: «إنّه قد ابتلي بصحبة الأمراء بقلّة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم! فيقولون: ألا تري ما هم فيه وتسكت؟!».

ومن هنا قدح فيه ابن معين فقد حكي الحاكم عن ابن معين أنّه قال:

«أجود الأسانيد: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبداللَّه؛ فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري!! فقال: تريد

من الأعمش أن يكون مثل الزهري؟!! الزهري يري العرض والإجازة، ويعمل لبني أُميّة؛ والأعمش فقير صبور، ومجانب للسلطان، ورعٌ عالم بالقرآن» «1».

وبهذه المناسبة كتب له الإمام زين العابدين عليه السّلام كتاباً يعظه فيه ويذكِّره اللَّه والدار الآخره وينبّهه علي الآثار السيّئة المترتّبة علي كونه في قصور السلاطين، من ذلك قوله: « … واعلم أنّ أدني ما كتمت وأخفَّ ما احتملت أن آنستَ وحشة الظالم، وسهّلت له طريق الغيّ … أو ليس بدعائه إيّاك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحي مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلي بلاياهم، وسُلّماً إلي ضلالتهم، داعياً إلي غيّهم، سالكاً سبيلهم … احذَر فقد نبّئتَ، وبادِر فقد أحِّلْتَ … ولا تحسب

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب- ترجمة الأعمش- 4/ 204.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 40

أنّي أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكنّي أردت أن ينعش اللَّه ما [قد] فات من رأيك، ويردّ إليك ما عزب من دينك … أما تري ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟! … أمّا بعد، فأعرِض عن كلّ ما أنت فيه حتي تلحق بالصالحين الّذين دفنوا في أسمالهم، لا صقةً بطنهم بظهورهم … ما لك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول: واللَّه ما قمتُ للَّه مقاماً واحداً أحييتُ به له ديناً، أو أمتُّ له فيه باطلًا؟!» «1».

هذا، ولقد ورث الزهري العداء للإسلام والنبي وأهل بيته من آبائه، فقد ذكر ابن خلّكان بترجمته: «وكان أبو جدّه عبداللَّه بن شهاب شهد مع المشركين بدراً، وكان أحد النفر الّذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ليقتلنه أو ليقتلنَّ دونه، وروي أنّه قيل للزهري: هل شهد جَدّك بدراً؟ فقال: نعم،

ولكن من ذلك الجانب.

__________________________________________________

(1) تحف العقول عن آل الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: 274- 277 لابن شعبة الحرّاني، من أعلام الإمامية في القرن الرابع الهجري.

وقد رواه الغزّالي في إحياء علوم الدين 2/ 143 لكنّه قال: «ولمّا خالط الزهري السلطان كتب أخُ له في الدين إليه … »!! فأخفي اسم الامام! وكم له من نظير!

وبشر الحافي تاب علي يد الإمام موسي الكاظم عليه السّلام في قضيّة معروفة، رواها المناوي في الكواكب الدريّة 1: 208، إلّاانّه لم يصرّح باسم الإمام!! هكذا يريدون اخفاء فضائل آل اللَّه واطفاء نور اللَّه، وهكذا يأبي اللَّه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 41

يعني أنّه كان في صف المشركين. وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير.

ولم يزل الزهري مع عبدالملك ثم مع هشام بن عبدالملك. وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه» «1».

وإذ عرفت حال الزهري وموقف الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام منه فهل تصدّق أن يكون الإمام عليه السّلام قد حدّثه بهكذا حديثٍ فيه تنقيص لجدّه الرسول الأمين وأُمّه الزهراء وأبيه أمير المؤمنين عليهم السّلام؟!

لكنّه الزهري! عندما يضع الحديث علي النبي والعترة ومذهبهم، يضعه علي لسان واحدٍ منهم كي يسهل علي الناس قبوله!!

خذ لذلك مثالًا، ما وضعه علي لسان ابني محمّد بن عليّ عنه عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال لابن عبّاس- وقد بلغه أنّه يقول بالمتعة-: «إنّك رجل تائه، إن رسول اللَّه نهي عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية» هذا الحديث الذي حكم ببطلانه كبار أئمّتهم، كالبيهقي وابن عبد البَرّ والسهيلي وابن القيّم والقسطلاني وابن حجر العسقلاني وغيرهم من شرّاح الحديث «2».

لكنّه وضعه علي لسان أفراد من أهل البيت عن سيّدهم

__________________________________________________

(1) وفيات

الأعيان- ترجمة الزهري 4/ 178.

(2) انظر: ما كتبناه في المتعتين.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 42

أمير المؤمنين عليه السلام في الردّ علي ابن عبّاس وبهذا التعبير!!

ولا تحسبنّ أنّ الوضع علي لسان رجال أهل البيت يختصّ بالزهري- وإن كان من أشهرهم بهذا الصنيع الشنيع!!- فهذا أحد محدِّثي القوم عبداللَّه بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي، يقول الذهبي وابن حجر بترجمته: «أحد الضعفاء، أتي عن مالك بمصائب، منها: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، قال: توفيت فاطمة رضي اللَّه عنها ليلًا، فجاء أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وجماعة كثيرة، فقال أبو بكر لعليٍّ: تقدَّم فصلِّ، قال: لا واللَّه لا تقدّمت وأنت خليفة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فتقدّم أبو بكر وكبَّر أربعاً» «1».

وقال ابن حجر: «وقد روي بعض المتروكين عن مالك، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه نحوه، ووهّاه الدارقطني وابن عديّ» «2».

إنّهم يريدون بتلك المساعي التغطية علي ما جنوا، وإصلاح ما أفسدوا، ولكن «لا يصلح العطّار ما أفسده الدهر»!!

وبقي الكلام في (مسور) نفسه، ويكفينا أن نعلم:

أولًا- إنّه وُلد بعد الهجرة بسنتين، فكم كانت سِني عمره في وقت خطبة النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم؟! وهذا ما سنتكلّم عليه بعدُ أيضاً.

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 3/ 392.

(2) الإصابة 8/ 267.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 43

وثانياً- إنّه كان مع ابن الزبير، وكان ابن الزبير لا يقطع أمراً دونه، وقد قتل في قضيّة رمي الكعبة بالمنجنيق، بعد أن قاتل الشاميّين، وولي ابن الزبير غسله.

وثالثاً- إنّه كان ممّن يلزم عمر بن الخطّاب.

ورابعاً- إنّه كان إذا ذكر معاوية صلّي عليه.

وخامساً- إنّه كانت الخوارج تغشاه وينتحلونه «1».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 3/ 390- 394، تهذيب التهذيب

10/ 138.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 44

(3) تأمّلات في متن الحديث ومدلوله … ص: 44

اشارة

وبعد، فإنّه لابدّ من التأمّل في متن الحديث ومدلوله … فلابُدّ من النظر إلي المتن.. لأنّه في كلّ موردٍ يختلف فيه متن الحديث والأسانيد معتبرة، يلجأ العلماء إلي القول بتعدّد الواقعة.. وأمّا حيث لا يمكن الالتزام بتعدّدها وتعذّر الجمع بين ألفاظ الحديث … فذلك عندهم قرينة قويّة علي أن لا واقعيّة للقضيّة …

هذا ما قرّره العلماء … وبنوا عليه في كثير من الأحاديث الفقهيّة وأخبار القضايا التاريخيّة.. ونحو ذلك …

ولابُدّ من النظر في الدلالة … فقد يكون الحديث صحيحاً سنداً ولكنه يخالف- من حيث الدلالة- الضرورة العقلية أو محكم الكتاب أو قطعيّ السُنّة أو واقع الحال …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 45

ونحن ننظر في متن هذا الحديث ومدلوله، بعد فرض صحّة سنده وقبوله.. في فصول:

تأملات في خصوص حديث المسور … ص: 45

1- لقد جاء عن مسور: سمعت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم «وأنا محتلم» ابن حجر بشرح البخاري: «في رواية الزهري عن عليّ بن حسين عن المسور- الماضية في فرض الخمس-: (يخطب الناس علي منبره هذا وأنا يومئذٍ محتلم). قال ابن سيّد الناس: هذا غلط. والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ (كالمحتلم). أخرجه من طريق يحيي بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلي عليّ بن الحسين. قال:

والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، لأنّه ولد بعد ابن الزبير، فيكون عمره عند وفاة النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ثماني سنين» «1».

وقال بترجمة المسور: «ووقع في صحيح مسلم «2» من حديثه في خطبة عليّ لابنة أبي جهل، قال المسور: سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وأنا محتلم يخطب الناس، فذكر الحديث. وهو مشكل المأخذ،

__________________________________________________

(1) فتح الباري 9/ 409.

(2) قد عرفت أنّه وقع في صحيح البخاري

أيضاً، فلماذا خصّه بمسلم؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 46

لأنّ المؤرّخين لم يختلفوا أنّ مولده كان بعد الهجرة، وقصّة عليّ كانت بعد مولد المسور بنحو من ستّ سنين أو سبع سنين، فكيف يسمّي محتلماً؟!» «1».

أقول: فهذا إشكال في المتن! ولربّما أمكن الإشكال من هذه الناحية في السند! والعجب من الذهبي كيف توهّم من هذا الحديث كونه محتلماً يومذاك «2».

2- ذكر المسور قصّة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من عليّ بن الحسين عليه السّلام. وقد وقع الإشكال عندهم في مناسبة ذلك، وذكروا وجوهاً اعترفوا بكون بعضها تكلّفاً وتعسّفاً، لكنَّ الحقّ أنّ جميعها كذلك كما ستري.

قال الكرماني: «فإن قلت: ما وجه مناسبة هذه الحكاية لطلب السيف؟ قلت: لعلّ غرضه منه أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم كان يحترز ممّا يوجب الكدورة بين الأقرباء، وكذلك أنت أيضاً ينبغي أن تحترز منه، وتعطيني هذا السيف حتي لا يتجدّد بسببه كدورة أُخري.

أو: كما أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يراعي جانب بني أعمامه العبشمية، أنت راع جانب بني أعمامك النوفلية؛ لأنّ

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 10/ 138.

(2) سير أعلام النبلاء 3/ 393.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 47

المسور نوفليّ.

أو: كما أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يحبّ رفاهيّة خاطر فاطمة، أنا أيضاً أُحبّ رفاهيّة خاطرك، فأعطنيه حتي أحفظه لك» «1».

هذه هي الوجوه التي ذكرها الكرماني لدفع الإشكال، وقد ذكرها ابن حجر وقال- بعد أن أشكل علي الثاني بأنّ المسور زهري لا نوفلي-:

«وهذا الأخير هو المعتمد وما قبله ظاهر التكلّف» ثم قال: «وسأذكر إشكالًا يتعلّق بذلك في كتاب المناقب» «2».

وكأنَّ العيني لم يرتضِ هذا الوجه المعتمد! فقال: «إنّما ذكر المسور قصّة خطبة عليّ بنتَ أبي

جهل، ليعلم عليّ بن الحسين زين العابدين بمحبّته في فاطمة وفي نسلها، لِما سمع من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم» «3».

قلت: إذا كان ذكر القصّة ليعلم أنّه يحبّ رفاهيّة خاطره، أو ليعلم بمحبّته في فاطمة ونسلها، فأيّ خصوصيّة للسيف؟! وهل كانت الرفاهيّة لخاطره حاصلة من جميع الجهات، وهو قادم من العراق مع تلك النسوة والأطفال بتلك الحال، وبقي خاطره مشوّشاً من طرف

__________________________________________________

(1) الكواكب الدراري 13/ 88- 89.

(2) فتح الباري 6/ 264.

(3) عمدة القاري 15/ 34.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 48

السيف، فأراد رفاهيّة خاطره، أو إعلامه بمحبّته له، كي يعطيه السيف؟!.

3- وهل من المعقول أن يذكر الإنسان لمن يريد أن يعلم بمحبّته له ورفاهيّة خاطره ما يكدِّر خاطره ويجرح عواطفه؟!

وهذا هو الإشكال الذي أشار إليه ابن حجر في عبارته الآنفة. ثم قال في كتاب المناقب: «ولا أزال أتعجّب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعَليّ بن الحسين، حتي قال: إنّه لو أودع عنده السيف لا يُمَكِّن أحداً منه حتي تزهق روحه، رعايةً لكونه ابن ابن فاطمة، ولم يراعِ خاطره في أنّ في ظاهر سياق الحديث غضاضة علي عليّ بن الحسين، لِما فيه من إيهام غضٍّ من جدّه عليّ بن أبي طالب، حيث أقدم علي خطبة بنت أبي جهل علي فاطمة، حتي اقتضي أن يقع من النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في ذلك من الإنكار ما وقع؟!

بل أتعجّب من المسور تعجّباً آخر أبلغ من ذلك، وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعايةً لخاطر ولد ابن فاطمة، وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه- أعني الحسين والد عليّ الذي وقعت له معه القصّة- حتي قتل بأيدي ظلمة الولاة؟!!» «1».

ثم إنّ ثمّة شيئاً آخر

… وهو أنّ المسور بن مخرمة لَمّا خطب الحسن بن الحسن ابنته حمد اللَّه وأثني عليه وقال: «أمّا بعد، واللَّه ما من

__________________________________________________

(1) فتح الباري 9/ 409.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 49

نسبٍ ولا سببٍ ولا صهر أحبّ إليَّ من سببكم وصهركم، ولكنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: فاطمة مضغة مني، يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها، وإنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنته، ولو زوَّجتك لقبضها ذلك. فانطلق الحسن عاذراً إليه» «1».

ولو كان مسور يروي قصّة خطبة أبي جهل لاستشهد بها وحكي الحديث كاملًا، لشدّة المناسبة بين خطبة عليٍّ ابنة أبي جهل وعنده فاطمة، وخطبة الحسن بن الحسن ابنة المسور وعنده بنت عمه!

فهذه إشكالات حار القوم في حلّها الحلّ المعقول.

تأمّلات في ألفاظ الحديث … ص: 49

وهنا أسئلة:

الأول- هل خطب عليٌّ ابنة أبي جهلٍ حقّاً؟

الملاحظ أنّ في حديث الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور:

«سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إنّ بني المغيرة استأذنوني في

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 423 حديث المسور بن مخرمة الرقم 18428، المستدرك 3/ 172 كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه الرقم 4747، سنن البيهقي 7/ 102 كتاب النكاح باب الأنساب كلها منقطعة يوم القيامة إلا نسبه الأرقام 13395 و 13396.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 50

أن ينكح عليٌّ ابنتهم … ».

وفي أغلب طرق حديث الزهري- وبعض الأحاديث الأُخري- عن عليّ بن الحسين، عن المسور: «أنّ عليّ بن أبي طالب خطب … ».

وفي حديث عبداللَّه بن الزبير: «أنّ عليّاً ذكر بنت أبي جهل … ».

وهذا ليس مجرّد تغيير في اللّفظ واختلافاً في التعبير فحسب.

الثاني: هل وُعد عليٌّ النكاح؟

صريح بعض الأحاديث عن الزهري:

«وعد النكاح» وهو ظاهر الأحاديث الأُخري- عن الزهري أيضاً- التي فيها قول فاطمة للنبي: «هذا عليٌّ ناكحاً» أو «نكح» فإنّه بعد رفع اليد عن ظهوره في تحقّق النكاح، فلابُدّ من وقوع الخطبة والوعد بالنكاح.

لكن في حديث أبي حنظلة: «فقال له أهلها: لا نزوِّجك علي ابنة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم».

الثالث- هل وقع الاستئذان من النبي؟

صريح الحديث عن الليث عن المسور أنّه سمع النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يعلن أنّه قد استؤذن في ذلك وأنّه لا يأذن. لكن صريح الحديث عن الزهري عن المسور أنّه سمعه تشهّد ثم قال: «أمّا بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع، فحدّثني وصدقني … » أو نحو ذلك مِمّا فيه التعريض بِعَليٍّ، وليس فيه تعرّض للمشورة والاستئذان منه! وكذا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 51

الحديث عن أيّوب عن ابن الزبير، لا تعرّض فيه للاستئذان، لكن بلا تعريض، فجاء فيه: «فبلغ ذلك النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّما فاطمة بضعة منّي … ».

الرابع- من الذي استأذن؟

قد عرفت خلوّ حديث الزهري عن الاستئذان مطلقاً.

ثم إنّ كثيراً من الأحاديث تنصّ علي استئذان أهل المرأة. وفي بعضها: أنّه استأذن بنفسه وقال له: «أتأمرني بها؟» فقال: «لا، فاطمة مضغة مني … فقال: لا آتي شيئاً تكرهه».

الخامس- من الذي أبلغ النبي؟

في حديث أيّوب عن ابن الزبير: «فبلغ ذلك … ».

وفي حديث الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور: أنّهم أهل المرأة حيث جاءوا إليه ليستأذنوه …

وفي حديث سويد بن غفلة: أنّه عليٌّ نفسه، حيث جاء ليستأذنه …

لكن في حديث الزهري: إنّها فاطمة! … إنّها لما سمعت بذلك خرجت من بيتها وأتت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم وجعَلت تخاطبه بما لا يليق! يقول

الزهري: «إنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليٌّ ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول اللَّه صلّي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 52

اللَّه عليه وسلّم … ».

بل في حديثٍ يرويه، مفادُه شيوع الخبر بين الناس!! يقول «فقال الناس: أترون أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يجد من ذلك؟! فقال ناسٌ … وقال ناسٌ … ».

وهناك أسئلة أُخري.

فألفاظ الحديث متناقضة جدّاً، والقضيّة واحدة، وقد تحيّر الشرّاح هنا أيضاً واضطربت كلماتهم ولم يوفقوا للجمع بينها وإن حاولوا وتمحّلوا!!

تأمّلات في مدلوله … ص: 52

ثم إنّه يجب النظر في هذه الأحاديث من الناحية الفقهية والناحية الأخلاقية والعاطفية بعد فرض ثبوت القضيّة.

فماذا صنع عليّ؟ وما فعلت فاطمة؟ وأيّ شي ءٍ صدر من النبي صلّي اللَّه عليه وآله؟

لقد خطب عليٌّ ابنة أبي جهل، فتأذّت الزهراء، فصعد النبي المنبر وقال …

فهل كان يحرم علي عليٍّ التزوّج علي فاطمة أو لا؟

وعلي الأول، فهل كان علي علمٍ بذلك أو لا؟

لا ريب في أنّ عليّاً لا يقدم علي الأمر المحرَّم عليه مع علمه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 53

بالحرمة، فإمّا أن لا تكون حرمة، وإمّا أن لا يكون له علم بها.

لكنّ الثاني لا يجوز نسبته إلي سائر الناس، فكيف بباب مدينة علم النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم؟!

فهو إذن حين فعل ذلك لم يكن فاعلًا لمحرَّم في الشريعة، لأنّ حاله حال سائر المسلمين الجائز عليهم نكاح الأربع، ولو كان بالنسبة إليه خاصةً حكم دون رجال المسلمين لعلمه!

وحينئذٍ، فهل من الجائز خروج الصدّيقة الطاهرة- بمجرّد سماعها الخبر- إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لتشكو بعلها

وتخاطب أباها بتلك الكلمات القارصة؟!

إنّه لم يفعل محرَّماً حتي تكون قد أرادت النهي عن المنكر، فهل أنّ شأنها شأن غيرها من النساء ويكون لها من الغيرة ما يكون لسواها؟! وهل كانت غيرتها لإقدام عليٍّ علي النكاح أو لكون المخطوبة بنت أبي جهل؟!

والنبي … يصعد المنبر … بعد أن يري فاطمة منزعجة … أو بعد أن يستأذنه القوم في أن ينكحوا ابنتهم … فيخاطب الناس؟!

وماذا قال؟!

قد اشتملت خطبته علي ما يلي:

1- الثناء علي صهرٍ له من بني عبد شمس!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 54

2- الخوف من أن تفتن فاطمة في دينها!

3- إنّه ليس يحرِّم حلالًا ولا يحلّ حراماً … ولكن لا يأذن!

4- إنّه لا تجتمع بنت رسول اللَّه وبنت عدوّ اللَّه! وفي لفظٍ: إنّه ليس لأحدٍ أن يتزوَّج ابنه عدوّ اللَّه علي ابنة رسول اللَّه! وفي ثالث: لم يكن ذلك له أن يجمع … !

5- إلّاأن يريد ابن أبي طالب أن يطلِّق ابنته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وينكح ابنتهم! وفي لفظ: إن كنت تزوّجتها فردَّ علينا ابنتنا … !

أتري من الجائز كلّ هذا؟!

لقد حار الشرّاح- وهم يقولون بأنَّ عليّاً خطب ولم يكن بمحرَّم عليه، وبأنَّ فاطمة تعتريها الغيرة كسائر النساء!- في توجيه ما جاءت به الأحاديث عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في هذه الواقعة …

إنّ عليّاً كان قد أخذ بعموم الجواز.

وفاطمة الزهراء ليست بالتي تُفتن عن دينها أو يعتريها ما يعتري النسوة وقد نزلت فيها آية التطهير من السماء، وكانت لعصمتها وكمالاتها سيّدة النساء، وعلي فرض ذلك- كما تقول هذه الأحاديث- فلا خصوصيّة لابنة أبي جهل.

والنبي يعترف في خطبته بأنّ عليّاً ما فعل حراماً، ولكن لا يأذن.

فهل إذنه شرط؟!

وهل يجوز حمل الصهر علي طلاق زوجته إن تزوّج

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 55

بأُخري عليها؟!

كلّ هذا غير جائز ولا كائن.

سلّمنا أنّ فاطمة أخذتها الغيرة «1»، والنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أخذته الغيرة لابنته «2»، فلماذا صعد المنبر وأعلن القصة وشهَّر؟!

يقول ابن حجر: «وإنّما خطب النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به، إمّا علي سبيل الإيجاب، وإمّا علي سبيل الأولويّة» «3».

وتبعه العيني «4».

والمراد بالحكم: حكم «الجمع بين بنت رسول اللَّه وبنت عدوّ اللَّه» لكنّ ألفاظ الحديث مختلفة، ففي لفظٍ: «لا تجتمع … » وفي آخر:

«ليس لأحدٍ … » وفي ثالث: «لم يكن ذلك له». ولذا اختلفت كلمات العلماء في الحكم!

قال النووي: «قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي

__________________________________________________

(1) ومن هنا ذكر ابن ماجة الحديث في باب الغيرة. سنن ابن ماجة 3/ 412- 413 كتاب النكاح الأرقام 1998- 1999.

(2) ومن هنا عنون البخاري: «باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف» ولم يذكر فيه إلّا هذا الحديث! صحيح البخاري 5/ 2004 كتاب النكاح الرقم 4932.

(3) فتح الباري 7/ 108.

(4) عمدة القاري 16/ 230.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 56

صلّي اللَّه عليه وسلّم بكلّ حال وعلي كلّ وجه، وإن تولّد ذلك الإيذاء ممّا كان أصله مباحاً وهو حَيّ. وهذا بخلاف غيره.

قالوا: وقد أعلم صلّي اللَّه عليه وسلّم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعليّ بقوله صلّي اللَّه عليه وسلّم: لست أحرِّم حلالًا، ولكن نهي عن الجمع بينهما لعلّتين منصوصتين، إحداهما أنّ ذلك يؤدّي إلي أذي فاطمة، فيتأذّي حينئذٍ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فيهلك من أذاه فنهي عن ذلك لكمال شفقته علي عليٍّ وعلي فاطمة. والثانية:

خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.

وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: أعلم من فضل اللَّه أنّهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النضر: واللَّه لا تكسر ثنيّة الربيع.

ويحتمل أنّ المراد تحريم جمعهما، ويكون معني لا أُحرِّم حلالًا، أي: لا أقول شيئاً يخالف حكم اللَّه، فإذا أحَلَّ شيئاً لم أُحرِّمه، وإذا حرّمه لم أحلِّله ولم أسكت عن تحريمه، لأنّ سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرّمات النكاح الجمع بين بنت نبيّ اللَّه وبنت عدوّ اللَّه» «1».

وقال العيني: «نهي عن الجمع بينها وبين فاطمة ابنته لعلّتين منصوصتين … فذكر ما تقدم» «2».

__________________________________________________

(1) المنهاج شرح صحيح مسلم 16/ 3.

(2) عمدة القاري 15/ 34.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 57

أقول: أمّا «لا تجتمع … » فليس صريحاً في التحريم، ولذا قيل:

«ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: اعلم من فضل اللَّه أنّهما لا تجتمعان».

وأمّا «ليس لأحدٍ … » فظاهر في الحرمة لعموم المسلمين، فيكون حكماً مخصّصاً لعموم أدلّة الجواز. لكن لا يفتي به أحد … بل يكذّبه عمل عمر بن الخطّاب، حيث خطب- فيما يروون- ابنة أمير المؤمنين الإمام عليٍّ عليه السلام وعنده غير واحدةٍ من بنات أعداء اللَّه، كما لا يخفي علي من راجع تراجمه.

وأمّا «لم يكن ذلك له» فصريح في اختصاص الحكم بعليٍّ، فهل هو نهي تنزيهي أو تحريمي؟ إن كان الثاني فلابُدّ أن يفرض مع جهل عليٍّ به، لكنّ المستفاد من النووي وغيره هو الأوّل، فهو صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم نهي عن الجمع للعلّتين المذكورتين.

أمّا الثانية، فلا تُتصوَّر في حقِّ كثير من النساء المؤمنات، فكيف بالزهراء الطاهرة المعصومة!!

وأمّا الأُولي، فيردّها أنّ صعود المنبر، والثناء علي صهر آخر، ثم القول بأنّه

«إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق … » ينافي كمال شفقته علي عليّ وفاطمة ولعلّ ما ذكرناه هو وجه الأقوال الأُخري في المقام.

وقال ابن حجر بشرح «إلّا أن يريد ابن أبي طالب … »: «هذا محمول

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 58

علي أنّ بعض من يبغض عليّاً وشي به أنّه مصمّم علي ذلك، وإلّا فلا يظنّ به أنّه يستمرّ علي الخطبة بعد أن استشار النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فمنعه. وسياق سويد بن غفلة يدلّ علي أنّ ذلك وقع قبل أن تعلم به فاطمة، فكأنّه لمّا قيل لها ذلك وشكت إلي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم بعد أن أعلمه عليٌّ أنّه ترك، أنكر عليه ذلك.

وزاد في رواية الزهري: وإنّي لست أُحرِّم حلالًا ولا أُحلّل حراماً، ولكن- واللَّه- لا تُجمع بنت رسول اللَّه وبنت عدوّ اللَّه عند رجلٍ أبداً. وفي رواية مسلم: مكاناً واحداً أبداً. وفي رواية شعيب: عند رجل واحدٍ أبداً.

قال ابن التين: أصحّ ما تحمل عليه هذه القصّة أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم حرّم علي عليٍّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل، لأنّه علّل بأنّ ذلك يؤذيه، وأذيّته حرام بالاتّفاق. ومعني قوله: لا أحرّم حلالًا، أي: هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة. وأمّا الجمع بينهما الذي يستلزم تأذّي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم لتأذّي فاطمة به فلا.

وزعم غيره: أنّ السياق يشعر بأنّ ذلك مباح لعليّ، لكنّه منعه النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم رعايةً لخاطر فاطمة، وقبل هو ذلك امتثالًا لأمر النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم.

والذي يظهر لي أنّه لا يبعد أن يعدّ في خصائص النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أن لا يُتَزَوَّج علي بناته.

سلسلة

اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 59

ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بفاطمة عليها السّلام» «1».

أقول: لا يخفي الأضطراب في كلماتهم … ولا يخفي ما في كلّ وجهٍ من هذه الوجوه …

ولو ذكرنا التناقضات الأُخري الموجودة بينهم لطال بنا المقام.

ومن طرائف الامور: جعل البخاري كلام النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم خلعاً، ولذا ذكر الحديث في باب الشقاق من كتاب الطلاق … !!

لكنّ القوم لم يرتضوا ذلك فحاروا فيه:

قال العيني: «قال ابن التين: «ليس في الحديث دلالة علي ما ترجم.

أراد: أنّه لا مطابقة بين الحديث والترجمة.

وعن المهلب: حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: (فلا آذن) خلعاً.

ولا يقوي ذلك. لأنّه قال في الخبر: (إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي) فدلّ علي الطلاق. فإن أراد أن يستدلّ بالطلاق علي الخلع فهو ضعيف.

وقيل في بيان المطابقة بين الحديث والترجمة بقوله: يمكن أن تؤخذ من كونه صلّي اللَّه عليه وسلّم أشار بقوله: (فلا آذن) إلي أنّ عليّاً رضي اللَّه تعالي عنه يترك الخطبة. فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح

__________________________________________________

(1) فتح الباري 9/ 410- 411.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 60

التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح. انتهي

وأحسن من هذا وأوجه ما قاله الكرماني بقوله: أورد هذا الحديث هنا، لأنّ فاطمة رضي اللَّه تعالي عنها ما كانت ترضي بذلك، وكان الشقاق بينها وبين عليٍّ رضي اللَّه تعالي عنه متوقَّعاً، فأراد صلّي اللَّه عليه وسلّم دفع وقوعه. انتهي

وقيل: يحتمل أن يكون وجه المطابقة من باقي الحديث، وهو: (إلّا أن يريد عليّ أن يطلّق ابنتي) فيكون من باب الإشارة بالخلع.

وفيه تأمّل» «1».

وقال القسطلاني: «واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. وأجاب في

الكواكب فأجاد: بأنّ كون فاطمة ما كانت ترضي بذلك فكان الشقاق بينها وبين عليٍّ متوقَّعاً، فأراد النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم دفع وقوعه بمنع عليٍّ من ذلك بطريق الإيماء والإشارة.

وقيل غير ذلك مِمّا فيه من تكلّف وتعسّف» «2».

أقول: وهل ما ذكره الكرماني في الكواكب واستحسنه العيني والقسطلاني خالٍ من التكلّف والتعسّف؟!

إنّه يبتني علي احتمالين، أحدهما: أن لا ترضي فاطمة بذلك.

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 20/ 265.

(2) إرشاد الساري 12/ 46.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 61

والثاني: أن ينجرّ ذلك إلي الشقاق بينهما!!

وهل كان منعه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عليّاً من ذلك- دفعاً لوقوع الشقاق- بطريق الإيماء والإشارة؟! أو كان بالخُطبة والتنقيص والغضّ والتهديد؟!

نتيجة التأمّلات … ص: 61

ونتيجة التأمّلات في ألفاظ هذا الحديث:

1- إنّ قول المسور «وأنا محتلم» يورث الشكّ في سماعه الحديث من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وكذا عدم المناسبة المعقولة بين طلبه للسيف من الإمام زين العابدين عليه السلام وإخباره بالقصّة، ثم إلحاحه في طلب السيف، لأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال:

فاطمة بضعة منّي … !

2- إنّ ألفاظ الحديث مختلفة ومعانيها متفاوتة جدّاً، بحيث لم يتمكّن شرّاحه من بيان وجهٍ معقول للجمع بين تلك الألفاظ. ولمّا كانت الحال هذه والقصّة واحدة، فلا محالة يقع الشكّ في أصل الحديث.

3- إنّ مدلول الحديث لا يتناسب وشأن أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام. وفوق ذلك لا يتناسب وشأن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم صاحب الشريعة الغرّاء. وحتي لو فعل عليٌّ ما لا يجوز … لما ثبت من أنّه:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 62

«كان إذا بلغه عن الرجل الشي ء لم يقل: ما بال فلان يقول. ولكن يقول: ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا».

و:

«كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قلّ ما يواجه رجلًا في وجهه بشي ء يكرهه».

وقال: «من رأي عورةً فسترها كان كمن أحيا موؤُدة» «1».

وقد التفت ابن حجر إلي هذه الناحية حيث قال: «وكان النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قلّ أن يواجه أحداً بما يعاب به» ثم اعتذر قائلًا: «ولعلّه إنّما جهر بمعاتبة عليٍّ مبالغةً في رضا فاطمة عليها السّلام» «2».

لكنّه كماتري، أمّا أولًا: فلم يرتكب عليٌّ عيباً. وأمّا ثانياً: فإنّ الذي صدر من النبي ما كان معاتبةً. وأمّا ثالثاً: فإنّ المبالغة في رضا فاطمة عليها السلام إنّما تحسن ما لم تستلزم هتكاً لمؤمن فكيف بعليّ، وليس دونها عنده إن لم يكن أعزّ وأحبّ.

4- وكما أنّ هذا الحديث تكذّبه أحكام الشريعة الإسلامية والسنن النبويّة والآداب المحمّديّة كذلك تكذّبه الأخبار الصحيحة في أنّ اللَّه

__________________________________________________

(1) هذه الأحاديث متّفق عليها، وقد أخرجها أصحاب الصحاح كلّهم في كتاب الأدب وغيره. أنظر منها: سنن أبي داود 3/ 278 كتاب الأدب باب في الستر علي المسلم الأرقام 4891 و 8492.

(2) فتح الباري 7/ 108.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 63

هو الذي اختار عليّاً لنكاح فاطمة، وأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ردّ كبار الصحابة وقد خطبوها «1» ومن المعلوم أنّ اللَّه لا يختار لها من يؤذيها بشي ء مطلقاً.

5- وتكذّبه أيضاً سيرة الإمام عليٍّ عليه السلام وأحواله مع أخيه المصطفي منذ نعومة أظفاره حتي آخر لحظة من حياة النبي الكريمة، فلم يُرَ منه شي ء يخالف الرسول أو يكرهه.

تنبيهان: … ص: 63

1- لقد كانت فاطمة الزهراء سلام اللَّه عليها بضعة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حقّاً، ولقد كرّر النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قوله:

«فاطمة بضعة منّي … » غير

مرّة، تأكيداً علي تحريم أذاها، وأنّ سخطها وغضبها سخطه وغضبه، وسخطه سخط اللَّه وغضبه … وبألفاظ مختلفة متقاربة في المعني.

وقد روي عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم هذا الحديث غير واحدٍ

__________________________________________________

(1) أُنظر: مجمع الزوائد 9/ 329- 330 كتاب المناقب باب مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه باب منه في فضلها وتزويجها بعلي الأرقام 15207 و 15208، كنز العمّال 13/ 294- 295 كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ومن ليسوا بالصحابة الأرقام 37752- 37754، ذخائر العقبي: 69- 72، الرياض النضرة 3/ 142- 146. الصواعق: 141- 142.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 64

من الصحابة، منهم أمير المؤمنين عليه السلام نفسه. قال ابن حجر: «وعن عليّ بن الحسين عن أبيه عن عليٍّ، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لفاطمة: إنّ اللَّه تعالي يرضي لرضاك ويغضب لغضبك» «1».

قال: «وأخرج ابن أبي عاصم، عن عبداللَّه بن عمرو بن سالم المفلوج، بسندٍ من أهل البيت عن عليٍّ أن النبي صلّي اللَّه تعالي عليه وآله وسلّم قال لفاطمة: إن اللَّه يغضب لغضبك ويرضي لرضاك» «2».

ولسنا- الآن- بصدد ذكر رواة هذا الحديث وأسانيده عن الصحابة وبيان قول النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ذلك في مناسباتٍ متعدّدة فذاك أمر معلوم. كما أنّ ترتيب المسلمين الأثر الفقهي عليه منذ عهد الصحابة وإعطائهم فاطمة ما كان للنبي من حكمٍ، معلوم.

فالسهيلي الحافظ حكم بكفر من سبّها وأنّ من صلّي عليها فقد صلّي علي أبيها، وكذا الحافظ البيهقي، وقال شرّاح الصحيحين بدلالته علي حرمة أذاها «3» وقال الزرقاني المالكي: «إنّها تغضب ممّن سبّها، وقد سوّي بين غضبها وغضبه، ومن أغضبه كفر» «4» وقال المناوي: «استدلّ به

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 12/ 392 الإصابة 8/ 265.

(2)

الإصابة 8/ 266.

(3) فتح الباري 7/ 132 و 9/ 411 إرشاد الساري 8/ 245 و 11/ 517، عمدة القاري 16/ 249 و 20/ 212 المنهاج 16/ 3 … وغيرها.

(4) شرح المواهب اللدنيّة 3/ 205.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 65

السهيلي علي أنّ من سبّها كفر، لأنّه يغضبه، وأنّها أفضل من الشيخين.

قال الشريف السمهودي: ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه» «1».

ومن قبلهم أبو لبابة الأنصاري نزّلها منزلة النبي بأمر من النبي قال الحافظ السهيلي: «إنّ أبا لبابة رفاعة بن المنذر ربط نفسه في توبةٍ، وإنّ فاطمة أرادت حلّه حين نزلت توبته، فقال: قد أقسمت ألّا يحلّني إلّا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم:

إنّ فاطمة بضعة منّي. فصلّي اللَّه عليه وعلي فاطمة. فهذا حديث يدلّ علي أنّ من سبّها فقد كفر، ومن صلّي عليها فقد صلّي علي أبيها».

ليس المقصود ذلك.

بل المقصود هو أنّ هذا الحديث جاء في الصحيحين وغيرهما عن «المسور بن مخرمة» - في باب فضائل فاطمة- مجرّداً عن قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل، قال ابن حجر: «وفي الصحيحين عن المسور بن مخرمة: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي المنبر يقول:

فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما رابها» «2» روياه عن

__________________________________________________

(1) فيض القدير 4/ 554.

(2) الإصابة 8/ 265.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 66

سفيان بن عيينة، عن يجمع بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة.

بل لم نجده عند البيهقي والخطيب التبريزي إلّا مجرّداً كذلك «1»، وكذا في الجامع الصغير، حيث لا تعرّض للقصّة لا في المتن ولا في الشرح «2».

والملاحظ أنّه لا يوجد في

هذا السند المجرَّد واحد من ابني الزبير والزهري والشعبي والليث وأمثالهم.

ونحن نحتجّ بهذا الحديث كسائر الأحاديث وإن جرحنا «المسور» و «ابن أبي مليكة» لأنّ «الفضل ما شهدت به الأعداء».

لكن أغلب الظنّ أنّ القوم وضعوا قصّة الخطبة، وألصقوها بالمسور وروايته لغرض في نفوسهم، ومرضٍ في قلوبهم حتي جاء ابن تيميّة المجدِّد لآثار الخوارج، والمشيِّد للأباطيل علي موضوعاتهم ليقول:

«فإنّ هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ بل [روي بغيره، كما روي في سياق حديث خطبة عليٍّ لابنة أبي جهل لمّا قام النبي صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) سنن البيهقي 7/ 102 كتاب النكاح باب الأنساب كلّها منقطعة يوم القيامة الّا نسبه الرقم 13395 و 10/ 340 كتاب الشهادات باب من قال لا تجوز شهادة الوالد لولده والولد لوالديه الرقم 20862، مشكاة المصابيح 3/ 369 وقال: متّفق عليه.

(2) فيض القدير- شرح الجامع الصغير- 4/ 554.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 67

وسلّم خطيباً، فقال: إنّ بني هشام بن المغيرة … رواه البخاري ومسلم [في الصحيحين من رواية عليّ بن الحسين والمسور ابن مخرمة، فسبب الحديث خطبة عليٍّ رضي اللَّه عنه لابنة أبي جهل … » «1».

لكنّ الحقيقة لا تنطلي علي أهلها، واللَّه الموفّق.

2- قد أشرنا في مقدّمة البحث أنّ وجود الحديث- أيّ حديث كان- في كتابي البخاري ومسلم وغيرهما من الكتب المعروفة بالصحاح لا يلزمنا القول بصحّته، ولا يغنينا عن النظر في سنده، فلا يغرّنّك إخراجهم الحديث في تلك الكتب، ولا يهولنّك الحكم ببطلان حديث مخرّج فيها وهذا ممّا تنبّه إليه المحقّقون من أهل السُنّة وبحث عنه غير واحدٍ من علماء الحديث والكُتّاب المعاصرين ولنا في هذا الموضوع بحوث مشبّعة منتشرة والحمدللَّه «2» الشريف» أيضاً.

تتمّة … ص: 67

وكأنّ القوم لم

يكفهم وضع حديث خطبة ابنة أبي جهلٍ، فوضعوا حديثاً آخر، فيه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب أسماء بنت عميس!

__________________________________________________

(1) منهاج السُنة 4/ 250- 251.

(2) راجع: راجع الجزء الثاني من كتاب (استخراج المرام) والجزء السادس من كتاب (نفحات الأزهار) وكتاب (التحقيق في نفي التحريف).

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 68

لكنّه واضح العوار جدّاً، فلذا لم يخرجه أصحاب صحاحهم، بل نصَّ المحقِّقون منهم علي سقوطه.

قال ابن حجر: «أسماء بنت عميس قالت: خطبني عليُّ، فبلغ ذلك فاطمة، فأتت النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقالت: إنّ أسماء متزوِّجة عليّاً! فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: ما كان لها أن تؤذي اللَّه ورسوله» «1».

وقال الهيثمي: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

وفيهما من لم أعرفه» «2».

ونحن لا نتكلّم علي هذا الموضوع الآخر سوي أن نشير إلي أنّ واضعه قال: «فأتت النبي فقالت: إنّ أسماء متزوّجة عليّاً» وليس: «هذا عليٌّ ناكح ابنة أبي جهل». وقال عن النبي أنّه قال لفاطمة: «ما كان لها أن تؤذي اللَّه ورسوله» ولم يقل عنه أنّه صعد المنبر وخطب وقال: «ما كان له … »!!

__________________________________________________

(1) المطالب العالية 4/ 67 كتاب المناقب باب فضل فاطمة وابنيها الرقم 3979.

(2) مجمع الزوائد 9/ 328 كتاب المناقب باب مناقب فاطمة بنت رسول اللَّه الرقم 15202.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 69

كلمة الختام … ص: 69

قد استعرضنا- بعون اللَّه تعالي- جميع طرق هذا الحديث، ودقّقنا النظر في رجاله وأسانيده، وفي ألفاظه ومداليله فوجدناه حديثاً مختلقاً من قبل آل الزبير، فإنّ رواته:

«عبداللَّه بن الزبير».

و «عروة بن الزبير».

و «المسور بن مخرمة» وكان من أعوان «عبداللَّه» وأنصاره والمقتولين معه في الكعبة، وكان من الخوارج، وكان …

و «عبداللَّه بن أبي مليكة» وهو قاضي الزبير

ومؤذّنه.

و «الزهري» وهو الذي كان يجلس مع «عروة بن الزبير» وينالان من أمير المؤمنين عليه السلام.. وكان …

و «شعيب بن راشد» وهو راوية «الزهري».

و «أبو اليمان» وهو راوية شعيب …

هؤلاء رؤوس الواضعين لهذه الأكذوبة البينة … وقد عرفتهم واحداً واحداً …

وكلّ هؤلاء علي مذهب إمامهم «عبداللَّه بن الزبير» الذي اشتهر بعدائه لأهل البيت عليهم السّلام، وتلك أخباره- في واقعة الجمل وغيرها، ثم حصره بني هاشم في الشِّعب بمكّة فإمّا البيعة له وإمّا القتل،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث خطبةعلي بنت …، ص: 70

ثم إخراجه محمّد بن الحنفية من مكّة والمدينة وابن عبّاس إلي الطائف وعدائه للنبي الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم نفسه حتي قطع ذِكرَه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم جُمُعاً كثيرة، فاستعظم الناس ذلك، فقال: إنّي لا أرغب عن ذكره، ولكن له أهيل سوء، إذا ذكرتُه أتلعوا أعناقهم، فأنا أُحبّ أن أكبتهم!!- مذكورة في التاريخ.

وقد قال أمير المؤمنين عليه السّلام كلمته القصيرة المعروفة: «ما زال الزبير رجلًا منّا أهل البيت حتي نشأ ابنه المشؤوم عبداللَّه» «1».

فليهذّب السُنّة الشريفة حماتُها الغياري من هذه الافتراءات القبيحة، واللَّه أسأل أن يوفّق المخلصين للعلم والعمل، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، إنّه هو البَرّ الرحيم.

علي الحسيني الميلاني

__________________________________________________

(1) نهج البلاغة- فهرسة صبحي الصالح-: 555 الاستيعاب: 3/ 40 إلّا أنّه لم يذكر لفظة «المشؤوم».

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.