صلاة أبي بكر في مرض النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

اشارة

سرشناسه : حسيني ميلاني، علي 1326 -

عنوان و نام پديدآور : صلاه أبي بكر في مرض النبي صلی الله علیه و آله و سلم/ تاليف علي الحسيني الميلاني.

مشخصات نشر : قم : حقايق ، 1388.

مشخصات ظاهري : 119 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله ؛ 10

شابك : 978-964-2501-38-0

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه : به صورت زيرنويس

موضوع : ابوبكر، عبدالله بن ابي قحافه 51 قبل از هجرت 13ق.

موضوع : خلافت -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : خلافت -- نظر اهل سنت

شناسه افزوده : مركز الحقائق الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP223/5 /ح567ص8 1388

رده بندي ديويي : 297/452

شماره كتابشناسي ملي : 1810641

مقدمة … ص: 7

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد …

فهذه رسالة وجيزة تناولتُ فيها خبر: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمر في أيّام مرض موته أبا بكر بالصلاة بالمسلمين، وأنّه خرج إلي المسجد وصلّي خلفه معهم … بالبحث والتحقيق، وإنّه بذلك لحقيق:

لتعلّقه بأحوال النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسيرته المباركة …

ولتمسّك القائلين بخلافة أبي بكر من بعده به …

وللأحكام الشرعية والمسائل الاعتقادية المستفادة منه …

ولأُمور غير ذلك …

لقد بحثتُ عن الخبر من أهمّ نواحيه، وسبرُت ما قيل فيه،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 8

وتوصّلتُ علي ضوء ذلك إلي واقع الحال … وحقّ المقال …

فإلي أهل التحقيق والفضل … هذا البحث غير المسبوق ولا المطروق من قبل، أرجو أن ينظروا فيه بعين الإنصاف … بعيداً عن التعصّب والاعتساف …

وما توفيقي إلّا باللَّه.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 9

(1)

أسانيد الحديث ونصوصه … ص: 9

اشارة

لقد اتّفق المحدِّثون كلّهم علي إخراج هذا الحديث، فلم يخلُ منه (صحيح) ولا (مسند) ولا (معجم) … لكنّا اقتصرنا هنا علي ما أخرجه أرباب (الصحّاح الستّة) وما أخرجه أحمد في (المسند) لكون ما جاء في هذه الكتب هو الأتمّ لفظاً والأقوي سنداً، فإذا عُرف حاله عُرف حال غيره، ولم تكن حاجة إلي التطويل بذكره.

الموطّأ:

جاء في (الموطّأ): «وحدّثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خرج في مرضه فأتي فوجد أبا بكر وهو قائم يصلّي بالناس، فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أن كما أنت؛ فجلس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 10

اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وهو جالس، وكان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر» «1».

صحيح البخاري … ص: 9

وأخرجه البخاري في مواضع كثيرة من (صحيحه)، منها ما يلي:

1- حدّثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدّثني أبي، قال:

حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال الأسود: كنّا عند عائشة رضي اللَّه عنها، فذكرنا المواظبة علي الصلاة والتعظيم لها؛ قالت:

«لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال: مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. فقيل له: إنّ أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس؛ وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة، فقال: إنّكنّ صواحب يوسف! مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. فخرج أبو بكر فصلّي.

فوجد النّبي صلّي اللَّه عليه وسلّم من نفسه خفّةً، فخرج يهادي بين رجلين، كأنّي أنظر رجليه تخطّان من الوجع، فأراد أبو بكر أن

__________________________________________________

(1) الموطّأ 1/ 136 كتاب

صلاة الجماعة باب صلاة الإمام وهو جالس الرقم 18.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 11

يتأخّر، فأومأ إليه النّبي أن مكانك. ثم أتي به حتّي جلس إلي جنبه.

قيل للأعمش: وكان النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته والناس يصلّون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم.

رواه أبو داود «1» عن شعبة عن الأعمش بعضه. وزاد أبو معاوية:

جلس عن يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يصلّي قائماً» «2».

2- حدّثنا يحيي بن سليمان، قال: حدّثنا ابن وهب، قال:

حدّثني يونس، عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبداللَّه أنّه أخبره عن أبيه، قال: «لمّا اشتدّ برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وجعه قيل له في الصلاة! فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.

قالت عائشة: إنّ أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء.

قال: مروه فيصلّي. فعاودته.

قال: مروه فيصلّي، إنّكنّ صواحب يوسف» «3».

3- حدّثنا زكريّا بن يحيي قال: حدّثنا ابن نمير، قال أخبرنا

__________________________________________________

(1) هو أبو داود الطيالسي.

(2) صحيح البخاري 1/ 236 كتاب الجماعة والإمامة باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة الرقم 633.

(3) صحيح البخاري 1/ 241 كتاب الجماعة والإمامة باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة الرقم 650.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 12

هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: قالت: «أمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أبا بكر أن يصلّي بالناس في مرضه، فكان يصلّي بهم.

قال عروة: فوجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في نفسه خفّةً، فخرج فإذا أبو بكر يؤمّ الناس، فلمّا رآه أبو بكر استأخر فأشار إليه أن كما أنت. فجلس رسول اللَّه حذاء أبي بكر إلي جنبه، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم والناس يصلّون

بصلاة أبي بكر» «1».

4- حدّثنا إسحاق بن نصر، قال: حدّثنا حسين، عن زائدة، عن عبدالملك بن عمير، قال: حدّثني أبو بردة، عن أبي موسي قال:

«مرض النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فاشتدّ مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس. قالت عائشة: إنّه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس!.

قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، فعادت. فقال: مُري أبا بكر فليصلِّ بالناس فإنّكنّ صواحب يوسف.

فأتاه الرسول فصلّي بالناس في حياة النبيّ صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 241- 242 كتاب الجماعة والإمامة باب من قام إلي جنب الإمام لعلّةٍ الرقم 651.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 13

وسلّم» «1».

5- حدّثنا عبداللَّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أُم المؤمنين رضي اللَّه عنها أنّها قالت: «إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلّي بالناس.

قالت عائشة: قلت: إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء! فُمر عمر فليصلِّ للناس.

فقالت عائشة: فقلت: لحفصة قولي له: إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس مع البكاء فَمُرْ عمر فليصلِّ للناس. ففعلت حفصة. فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: مَه، إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبابكر فليصلّ للناس.

فقالت حفصة لعائشة: ما كُنت لأصيب منك خيراً» «2».

6- حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا زائدة، عن موسي بن أبي عائشة، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة، قال: «دخلت علي

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 240 كتاب الجماعة والإمامة باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة الرقم 646.

(2) صحيح البخاري 1/ 240 كتاب الجماعة والإمامة باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة

الرقم 647.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 14

عائشة فقلت: ألا تحدّثيني عن مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم؟

قالت: بلي ثقل النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك. قال: ضعوا لي ماءً في المخضب، قالت: ففعلنا فاغتسل، فذهب لينوء فأُغمي عليه. ثمّ أفاق، فقال صلّي اللَّه عليه وسلّم: أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه. قال: ضعوا لي ماءً في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه. ثمّ أفاق فقال: أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه. فقال: ضعوا لي ماءً في المخضب، فقعد فاغتسل، ثمّ ذهب لينوء فاغمي عليه. ثمّ أفاق فقال: أصلّي الناس؟

فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه. والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي عليه السّلام لصلاة العشاء الآخرة.

فأرسل النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي أبي بكر بأن يصلّي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يأمرك أن تصلّي بالناس. فقال أبو بكر- وكان رجلًا رقيقاً-: يا عمر، صلِّ بالناس. فقال له عمر: أنت أحقّ بذلك. فصلّي أبو بكر تلك الأيام.

ثمّ إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وجد من نفسه خفّةً، فخرج

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 15

بين رجلين أحدهما العبّاس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلّي بالناس، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر فأومأ إليه النبي بأنْ لا يتأخّر. قال: أجلساني إلي جنبه، فأجلساه إلي جنب أبي بكر. قال: فجعل أبو بكر يصلّي وهو يأتمّ بصلاة النبي والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قاعد.

قال عبيداللَّه: فدخلت علي عبداللَّه بن عبّاس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة

عن مرض النبي صلّي اللَّه عليه فعرضت عليه حديثها، فما أنكر شيئاً، غير أنّه قال: أسمَّتْ لك الرجل الذي كان مع العبّاس؟ قلت: لا، قال: هو عليّ» «1».

7- حدّثنا مسدّد، قال: حدّثنا عبداللَّه بن داود، قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: «لمّا مرض النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصّلاة. فقال: مروا أبا بكر فليصلّ. قلت: إنّ أبا بكر رجل أسيف، إن يقم مقامك يبك فلا يقدر علي القراءة! قال: مروا أبا بكر فليصلِّ. فقلت مثله فقال في الثالثة أو الرابعة: إنّكنّ صواحب يوسف،

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 243- 244 كتاب الجماعة والإمامة باب إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به الرقم 655.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 16

مروا أبابكر فليصلّ؛ فصلّي.

وخرج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يهادي بين رجلين كأنّي أنظر إليه يخطّ برجليه الأرض، فلمّا رآه أبو بكر ذهب يتأخّر، فأشار إليه أن صلِّ، فتأخّر أبو بكر رضي اللَّه عنه وقعد النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير» «1».

8- حدّثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لمّا ثقل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم جاء بلال يؤذنه بالصّلاة، فقال: مُروا أبا بكر أن يصلّي بالناس. فقلت: يا رسول اللَّه إنّ أبا بكر رجل أسيف، وإنّه متي ما يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر. فقال: مروا أبا بكر يصلّي بالناس.

فقلت لحفصة: قولي له: إنّ أبا بكر رجل أسيف، وإنّه متي يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر.

قال: إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبابكر أن

يصلّي بالناس.

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 251 كتاب الجماعة والإمامة باب من أسمع الناس تكبير الإمام الرقم 680.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 17

فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في نفسه خفّةً، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض حتّي دخل المسجد. فلمّا سمع أبو بكر حسّه ذهب أبو بكر يتأخّر، فأومأ إليه رسول اللَّه، فجاء رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي جلس عن يسار أبي بكر، فكان أبو بكر يصلّي قائماً وكان رسول اللَّه يصلّي قاعداً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، والناس مقتدون بصلاة» «1».

9- حدّثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال:

أخبرني أنس بن مالك الأنصاري- وكان تبع النبي وخدمه وصحبه- «أنّ أبا بكر كان يصلّي لهم في وجع النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم الذي توفّي فيه، حتّي إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأنّ وجهه ورقة مصحف، ثمّ تبسّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم. فنكص أبو بكر علي عقبيه ليصل الصفّ، وظنّ أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم خارج إلي الصلاة، فأشار إلينا النبي أن أتمّوا صلاتكم،

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 251- 252 كتاب الجماعة والإمامة باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم الرقم 681.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 18

وأرخي الستر، فتوفّي من يومه».

10- حدّثنا أبو معمر، قال: حدّثنا عبدالوارث، قال: حدّثنا عبدالعزيز، عن أنس، قال: «لم يخرج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدّم، فقال نبي اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بالحجاب فرفعه،

فلما وضح وجه النّبي ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم حين وضح لنا، فأومأ النبي بيده إلي أبي بكر أن يتقدّم، وأرخي النبي الحجاب فلم يقدر عليه حتي مات» «1».

صحيح مسلم … ص: 18

وأخرجه مسلم بن الحجّاج في (صحيحه) غير مرّة «2». من ذلك:

1- حدّثنا أحمد بن عبداللَّه بن يونس، حدّثنا زائدة، حدّثنا موسي بن أبي عائشة، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه، قال: «دخلت علي عائشة فقلت لها: ألا تحدّثيني عن مرض رسول اللَّه؟ قالت: بلي.

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 240- 241 كتاب الجماعة والإمامة باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة الأرقام 648 و 649.

(2) صحيح مسلم 1/ 393- 400 كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 19

ثقل النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقال: أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه. قال: ضعوا لي ماءً في المخضب … » إلي آخر ما تقدّم عن البخاري.

2- حدّثنا محمّد بن رافع وعبد بن حميد- واللفظ لابن رافع- قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدّثنا عبدالرزّاق، أخبرنا معمر، قال الزهري: وأخبرني حمزة بن عبداللَّه بن عمر، عن عائشة، قالت:

«لمّا دخل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بيتي قال: مروا أبابكر فليصلِّ بالناس. قالت: فقلت يا رسول اللَّه، إنّ أبابكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه! فلو أمرت غير أبي بكر. قالت: واللَّه ما بي إلّا كراهية أن يتشاءم الناس بأوّل من يقوم في مقام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قالت: فراجعته مرّتين أو ثلاثاً. فقال: ليصلّ بالناس أبو بكر فإنّكنّ صواحب يوسف».

3- حدّثنا أبو بكر بن أبي شبية، حدّثنا أبو معاوية ووكيع.

ح

وحدّثنا يحيي بن يحيي- واللفظ له- قال أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لمّا ثقل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم جاء بلال يؤذنه بالصلاة … » إلي آخر ما تقدم عن البخاري.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 20

4- حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدّثنا ابن نمير عن هشام. ح وحدّثنا ابن نمير- وألفاظهم متقاربة- قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا هشام، عن أبيه عن عائشة، قالت: «أمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أبا بكر أن يصلّي بالناس في مرضه، فكان يصلّي بهم.

قال عروة: فوجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من نفسه خفّةً، فخرج وإذا أبو بكر يؤمّ الناس، فلمّا رآه أبو بكر استأخر، فأشار إليه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أي كما أنت. فجلس رسول اللَّه حذاء أبي بكر إلي جنبه فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حذاء أبي بكر إلي جنبه فكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر».

5- حدّثني عمرو الناقد وحسن الحلواني وعبد بن حميد، قال عبد: أخبرني وقال الآخران: حدّثنا يعقوب- وهو ابن إبراهيم بن سعد-، وحدّثني أبي عن صالح، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك: «أنّ أبا بكر كان يصلّي لهم في وجع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم الذي توفّي فيه … ».

6- حدّثنا محمّد بن المثنّي وهارون بن عبداللَّه، قالا: حدّثنا عبدالصمد، قال: سمعت أبي يحدّث، قال: حدّثنا عبدالعزيز، عن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 21

أنس، قال: «لم يخرج إلينا نبيّ اللَّه صلّي اللَّه عليه

وسلّم ثلاثاً..» إلي آخر ما تقدّم عن البخاري.

7- ورواه مسلم، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس …

8- وعن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس …

9- حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسي قال:

«مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم … » إلي آخر ما تقدّم عن البخاري.

صحيح الترمذي … ص: 21

وأخرجه الترمذي في (صحيحه) حيث قال:

«حدّثنا أبو موسي إسحاق بن موسي الأنصاري، حدّثنا معن هو ابن عيسي حدّثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس.

فقالت عائشة: يا رسول اللَّه، إنّ أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 22

الناس من البكاء فأمر عمر فليصلّ بالناس.

قالت: فقال: مروا أبا بكر فليصل بالنّاس، قالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إنّ أبابكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فأمُر عمر فليصلِّ بالناس. ففعلت حفصة.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس.

فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً.

قال أبو عيسي هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن عبداللَّه بن مسعود وأبي موسي وابن عبّاس وسالم بن عبيد وعبداللَّه بن زمعة» «1».

سنن أبي داود … ص: 22

وأخرجه أبو داود في (سننه) بقوله:

1- «حدّثنا عبداللَّه بن محمّد النفيلي، ثنا محمّد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني الزهري، قال: حدّثني عبدالملك بن

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 5/ 379 كتاب المناقب باب في مناقب أبي بكر/ وعمر كليهما الرقم 3692.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 23

أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه عن عبداللَّه بن زمعة، قالت لمّا استعزّ برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلي الصلاة فقال: مروا من يصلّي للناس.

فخرج عبداللَّه بن زمعة فإذا عمر في الناس- وكان أبو بكر غائباً- فقلت: يا عمر، قم فصلِّ بالناس. فتقدّم فكبّر.

فلمّا سمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

وسلّم صوته، وكان عمر رجلًا مجهراً. قال: فأين أبو بكر؟ يأبي اللَّه ذلك والمسلمون، يأبي اللَّه ذلك والمسلمون.

فبعث إلي أبي بكر، فجاء بعد أن صلّي عمر تلك الصلاة فصلّي بالناس.

2- حدّثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، قال: حدّثني موسي بن يعقوب، عن عبداللَّه بن إسحاق، عن ابن شهاب، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة: أنّ عبداللَّه بن زمعة أخبره بهذا الخبر قال:

لمّا سمع النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم صوت عمر- قال ابن زمعة-:

خرج النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي أطلع رأسه من حجرته ثم قال:

لا لا لا، ليصلّ للناس ابن أبي قحافة؛ يقول ذلك مغضباً» «1».

__________________________________________________

(1) سنن أبي داود 3/ 220- 221 كتاب السنّة باب في استخلاف أبي بكر/ الأرقام 4660 و 4661.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 24

سنن النسائي … ص: 24

وأخرجه النسائي في (سننه):

1- أخبرنا العبّاس بن عبدالعظيم العنبري، حدّثنا عبدالرحمن ابن مهدي، حدّثنا زائدة، عن موسي بن أبي عائشة، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه، قال: «دخلت علي عائشة فقلت: ألا تحدّثيني … » إلي آخره كما تقدّم «1».

2- أخبرنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لمّا ثقل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم جاء بلال يؤذنه بالصلاة. فقال: مرو أبا بكر فليصلّ بالناس … » إلي آخره كما تقدّم «2».

3- أخبرنا عليّ بن حجر، قال: حدّثنا إسماعيل، قال: حدّثنا حميد، عن أنس، قال: «آخر صلاة صلّاها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مع القوم، صلّي في ثوب واحدٍ متوشّحاً خلف أبي بكر».

__________________________________________________

(1) سنن النسائي 2/ 435- 436 الائتمام بالإمام يصلّي قاعداً الرقم 833.

(2) سنن النسائي 2/ 434- 435 كتاب الإمامة من كتاب

الصلاة الائتمام بالإمام يصلي قاعداً الرقم 832.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 25

4- أخبرنا محمّد بن المثنّي قال: حدّثنا بكر بن عيسي صاحب البصري، قال: سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة: «أنّ أبا بكر صلّي للناس ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في الصفّ» «1».

5- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وهناد بن السري، عن حسين بن عليّ، عن زائدة، عن عاصم، عن زرّ، عن عبداللَّه، قال: «لمّا قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير؛ فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قد أمر أبابكر أن يصلّي بالناس؟ فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدّم أبابكر؟! قالوا: نعوذ باللَّه أن نتقدّم أبابكر» «2».

6- أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدّثني أبو داود، أخبرنا شعبة، عن موسي بن أبي عائشة، قال: «سمعت عبيداللَّه بن عبداللَّه يحدّث عن عائشه رضي اللَّه عنها: أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أمر أبا بكر أنّ يصلّي بالناس. قالت: وكان النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم

__________________________________________________

(1) سنن النسائي 2/ 413- 414 كتاب الإمامة من كتاب الصلاة صلاة الإمام خلف رجل من رعيّته الأرقام 784، 785.

(2) سنن النسائي 2/ 409 كتاب الإمامة من كتاب الصلاة إمامة أهل العلم والفضل، الرقم 776.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 26

بين يدي أبي بكر، فصلّي قاعداً، وأبو بكر يصلّي بالناس، والناس خلف أبي بكر «1».

سنن ابن ماجة … ص: 26

وأخرجه ابن ماجة في (سننه) بقوله:

1- حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدّثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش.

ح وحدّثنا عليّ بن محمّد، قال: حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم،

عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه- وقال أبو معاوية: لمّا ثقل- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس … قالت:

فأرسلنا إلي أبي بكر فصلّي بالناس.

فوجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من نفسه خفّةً، فخرج إلي الصلاة … فكان أبو بكر يأتمّ بالنبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، والناس يأتّمون بأبي بكر».

__________________________________________________

(1) سنن النسائي 2/ 418 كتاب الإمامة من كتاب الصلاة الائتمام بمن يأتمّ بالإمام الرقم 796.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 27

2- حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة، قال: حدّثنا عبداللَّه بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «أمر رسول اللَّه

صلّي اللَّه عليه وسلّم أبابكر أن يصلّي بالناس في مرضه … ».

3- حدّثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: أنبأنا عبداللَّه بن داود من كتابه في بيته، قال: حدّثنا سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد، قال: «أُغمي علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في مرضه، ثمّ أفاق فقال: أحضرت الصّلاة؟

قالوا: نعم.

قال: مروا بلالًا فليؤذّن، ومروا أبابكر فليصلّ بالناس. ثمّ أُغمي عليه فأفاق فقال ثم أُغمي عليه فأفاق فقال … فقالت عائشة: إنّ أبي رجل أسيف، فإذا قام ذلك المقام يبكي لا يستطيع، فلو أمرت غيره!

ثمّ أُغمي عليه فأفاق فقال: مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، فإنّكنّ صواحب يوسف- أو صواحبات يوسف-.

قال: فأُمِر بلال فأذّن، وأُمِر أبو بكر فصلّي بالناس.

ثمّ إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وجد خفّةً فقال: أنظروا لي من أتّكي عليه.

فجاءت بريرة ورجل آخر فاتّكأ عليهما، فلمّا رآه أبو بكر

ذهب

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 28

لينكص، فأومأ إليه أن اثبت مكانك.

ثم جاء رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي جلس إلي جنب أبي بكر حتّي قضي أبو بكر صلاته، ثمّ إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قُبِض.

قال أبو عبداللَّه: هذا حديث غريب لم يحدّث به غير نصر بن علي».

4- حدّثنا عليّ بن محمّد، قال: حدّثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عبّاس، قال: «لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة فقال: أدعوا لي عليّاً.

قالت عائشة: يا رسول اللَّه، ندعو لك أبا بكر؟ قال: ادعوه.

قالت حفصة: يا رسول اللَّه، ندعو لك عمر؟ قال: ادعوه.

قالت أُمّ الفضل: يا رسول اللَّه، ندعو لك العبّاس؟ قال: نعم.

فلمّا اجتمعوا رفع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم رأسه فنظر فسكت. فقال عمر: قوموا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم.

ثمّ جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.

فقالت عائشة: يا رسول اللَّه، إنّ أبا بكر رجل رقيق حصر، ومتي لا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 29

يراك يبكي والناس يبكون، فلو أمرت عمر يصلّي بالناس؟

فخرج أبو بكر فصلّي بالناس، فوجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من نفسه خفّةً، فخرج يهادي بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض، فلمّا رآه الناس سبّحوا بأبي بكر، فذهب ليستأخر فأومأ إليه النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أي مكانك.

فجاء رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فجلس عن يمينه وقام أبو بكر، وكان أبو بكر يأتمّ بالنّبي والناس يأتمّون بأبي بكر.

قال ابن عبّاس: وأخذ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من القراءة من حيث

كان بلغ أبوبكر.

قال وكيع: وكذا السُنّة.

قال: فمات رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في مرضه ذلك» «1».

مسند أحمد … ص: 29

وأخرج أحمد بن حنبل في (مسنده) أكثر من غيره بكثير، فلنذكر طائفة من رواياته:

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 2/ 394- 398 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء في صلاةرسول اللَّه في مرضه الأرقام 1232- 1235.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 30

1- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا يحيي بن زكريّا بن أبي زائدة، حدّثني أبي، عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل، عن ابن عبّاس، قال: «لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أمر أبابكر أن يصلّي بالناس، ثمّ وجد خفّةً، فخرج، فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص، فأومأ إليه النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فجلس إلي جنب أبي بكر عن يساره، واستفتح من الآية التي انتهي إليها أبوبكر» «1».

2- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا وكيع، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عبّاس، قال: «لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة رضي اللَّه عنها فقال: أدعوا إليّ عليّاً.

قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ندعو لك أبابكر؟ قال: ادعوه.

قالت حفصة: يا رسول اللَّه، ندعو لك عمر؟ قال: ادعوه.

قالت أُمّ الفضل: يا رسول اللَّه، ندعو لك العبّاس؟ قال: ادعوه.

فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليّاً. فقال عمر رضي اللَّه عنه:

قوموا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. فجاء بلال يؤذنه بالصلاة … «2».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 383- 384 مسند عبداللَّه بن عباس الرقم 2056.

(2) مسند أحمد 1/ 588 مسند عبداللَّه بن عباس الرقم 3345.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 31

3-

حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا عبداللَّه بن الوليد، ثنا سفيان، عن حميد عن أنس بن مالك، قال: «كان آخر صلاة صلّاها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عليه برد متوشّحاً به وهو قاعد» «1».

4- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا يزيد، أنا سفيان- يعني ابن حسين-، عن الزهري، عن أنس، قال: «لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي توفّي فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال بعد مرّتين: يا بلال، قد بلّغت، فمن شاء فليصلّ ومن شاء فليدع.

فرجع إليه بلال فقال: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأُمي، مَن يصلّي بالناس؟

قال: مُرْ أبابكر فليصلّ بالناس.

فلمّا أن تقدّم أبوبكر رفعت عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم الستور قال: فنظرنا إليه كأنّه ورقة بيضاء عليه خميصة، فذهب أبوبكر يتأخّر وظنّ أنّه يريد الخروج إلي الصلاة، فأشار رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي أبي بكر أنْ يقوم فيصلّي، فصلّي أبوبكر بالناس، فما رأيناه بعد» «2».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 4/ 84 مسند أنس بن مالك الرقم 12848.

(2) مسند أحمد 4/ 60 مسند أنس بن مالك الرقم 12680.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 32

5- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا حسين بن عليّ، عن زائدة، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي بردة بن أبي موسي، عن أبي موسي، قال: «مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم … » «1».

6- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا عبد الأعلي، عن معمر، عن الزهري، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه، عن عائشة قالت: «لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي فأذِنَّ له، فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم معتمداً علي العباس وعلي رجلٍ

آخر ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيداللَّه: فقال ابن عبّاس: أتدري من ذلك الرجل؟ هو عليّ بن أبي طالب، ولكن عائشة لا تطيب له نفساً.

قال الزهري: فقال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم- وهو في بيت ميمونة- لعبداللَّه بن زمعة: مر الناس فليصلّوا.

فلقي عمر بن الخطّاب فقال: يا عمر صلّ بالناس، فصلّي بهم، فسمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم صوته فعرفه وكان جهير الصوت … » «2».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 565 حديث أبي موسي الأشعري الرقم 19201.

(2) مسند أحمد 7/ 53 حديث السيّدة عائشة الرقم 23541.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 33

7- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «لمّا مرض رسول اللَّه …

فجاء النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم حتي جلس إلي جنب أبي بكر، وكان أبوبكر يأتمّ بالنبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، والناس يأتّمون بأبي بكر» «1».

8- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا أبو معاوية، قال ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: « … فجاء رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حتي جلس عن يسار أبي بكر، وكان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يصلّي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبوبكر بصلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر» «2».

9- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا بكر بن عيسي، قال:

سمعت شعبة بن الحجّاج يحدّث عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة: «أنّ أبابكر صلّي بالناس ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في الصفّ» «3».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 7/ 300 حديث السيّدة عائشة الرقم 25233.

(2) مسند أحمد 7/ 319- 320 حديث السيدة عائشة الرقم 25348.

(3) مسند

أحمد 7/ 228 حديث السيدة عائشة الرقم 24728.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 34

10- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا شبابة بن سوار، أنا شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة، قالت: «صلّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه» «1».

11- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا شبابة، ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: «قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه: مروا أبابكر يصلّي بالناس … فصلّي أبوبكر وصلّي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم خلفه قاعداً» «2». 12- حدثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا عبدالصمد بن عبدالوارث، ثنا زائدة، ثنا عبدالملك بن عمير، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: مروا أبابكر يصلّي بالناس، فقالت عائشة: يا رسول اللَّه إنّ أبي رجل رقيق! فقال:

مروا أبابكر يصلّي بالناس فإنّكنّ صواحبات يوسف فأمَّ أبوبكر الناس ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم حيٌّ» «3».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 7/ 228 حديث السيدة عائشة الرقم 24729.

(2) مسند أحمد 7/ 228 حديث السيدة عائشة الرقم 24730.

(3) مسند أحمد 6/ 497 حديث بريدة الأسلمي الرقم 22551.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 35

(2)

نظرات في أسانيد الحديث … ص: 35

اشارة

لقد نقلنا الحديث بأتمّ ألفاظه وأصحّ طرقه عن الصحاح ومسند أحمد، وكما ذكرنا من قبل، فإنّ معرفة حاله بالنظر إلي هذه الأسانيد والمتون تغنينا عن النظر فيما رووه في خارج الصحاح عن غير من ذكرناه من الصحابة، ولربّما أشرنا إلي بعض ذلك في خلال البحث.

لقد كانت الأحاديث المذكورة عن:

1- عائشة بنت أبي بكر.

2- عبداللَّه بن مسعود.

3- عبداللَّه

بن عبّاس.

4- عبداللَّه بن عمر.

5- عبداللَّه بن زمعة.

6- أبي موسي الأشعري.

7- بريدة الأسلمي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 36

8- أنس بن مالك.

9- سالم بن عبيد.

فنحن ذكرنا الحديث عن تسعةٍ من الصحابة وإن لم يذكر الترمذي إلّا ستّة، حيث قال بعد إخراجه عن عائشة: «وفي الباب عن عبداللَّه بن مسعود، وأبي موسي، وابن عبّاس، وسالم بن عبيد، وعبداللَّه بن زمعة» «1».

لكنّ العمدة حديث عائشة … بل إنّ بعض ما جاء عن غيرها من الصحابة مرسل، وإنّها هي الواسطة … كما سنري …

فلنبدأ أوّلًا بالنظر في أسانيد الحديث عن غيرها ممن ذكرنا:

حديث أبي موسي الأشعري … ص: 36

أمّا الحديث المذكور عن أبي موسي الأشعري- والذي اتّفق عليه البخاري ومسلم، وأخرجه أحمد- ففيه:

1- إنّه مرسل، نصَّ عليه ابن حجر، قال: «ويحتمل أن يكون تلقّاه عن عائشة» «2».

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 379 كتاب المناقب باب في مناقب أبي بكر وعمر كليهما الرقم 3692.

(2) فتح الباري 2/ 210.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 37

2- إنّ الراوي عنه «أبو بردة» وهو ولده كما نصَّ عليه ابن حجر «1» وهذا الرجل فاسق أثيم، له ضلع في قتل حجر بن عديّ، حيث شهد عليه- في جماعة- شهادة زورٍ أدّت إلي شهادته «2» وروي أيضاً أنّه قال لأبي العادية- قاتل عمّار بن ياسر رضي اللَّه تعالي عنه-:

«أأنت قتلت عمّار بن ياسر؟ قال: نعم. قال: ناولني يدك. فقبّلها وقال: لا تمسّك النار أبداً!» «3».

3- والراوي عنه: «عبد الملك بن عمير». وهو «مدلّس» و «مضطرب الحديث جدّاً» و «ضعيف جدّاً» و «كثير الغلط»:

قال أحمد: «مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته، ما أري له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها» «4».

وقال إسحاق بن منصور: «ضعّفه أحمد جدّاً»

«5».

وعن أحمد: «ضعيف يغلط» «6».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 210.

(2) تاريخ الطبري 4/ 199- 200.

(3) شرح نهج البلاغة 4/ 99.

(4) تهذيب التهذيب 6/ 360 و غيرة.

(5) تهذيب التهذيب 6/ 360 ميزان الاعتدال 4/ 406.

(6) ميزان الاعتدال 4/ 406.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 38

وقال ابن معين: «مخلط» «1».

وقال أبو حاتم: «ليس بحافظ، تغيّر حفظه» «2». وعنه: «لم يوصف بالحفظ» «3».

وقال ابن خراش: «كان شعبة لا يرضاه» «4».

وقال الذهبي: «وأمّا ابن الجوزي فذكره، فحكي الجرح وما ذكر التوثيق» «5».

وقال السمعاني: «كان مدلّساً» «6».

وكذا قال ابن حجر «7».

وعبدالملك- هذا- هو الذي ذبح عبداللَّه بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي، وهو رسول الإمام الحسين عليه السّلام إلي أهل الكوفة، فإنّه لمّا رُمي بأمر ابن زياد من فوق القصر وبه رمق، أتاه عبدالملك بن عمير فذبحه، فلمّا عيب ذلك عليه قال: «إنّما أردت أن

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4/ 406، تهذيب التهذيب 6/ 360.

(2) ميزان الاعتدال 4/ 406.

(3) تهذيب التهذيب 6/ 360.

(4) ميزان الاعتدال 4/ 406.

(5) ميزان الاعتدال 4/ 406.

(6) الأنساب 4/ 444.

(7) تقريب التهذيب 1/ 618.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 39

أُريحه!» «1».

4- ثمّ الكلام في أبي موسي الأشعري نفسه، فإنّه من أشهر أعداء مولانا الإمام أميرالمؤمنين عليه السّلام، فقد كان يوم الجمل يقعد بأهل الكوفة عن الجهاد مع الإمام علي عليه السّلام، وفي صفّين هو الذي خلع الإمام عليه السلام عن الخلافة. وقد بلغ به الحال أن كان الإمام عليه السّلام يلعنه في قنوته، مع معاوية وجماعة من أتباعه.

ثمّ إنّ أحمد روي هذا الحديث في فضائل أبي بكر بسنده عن زائدة، عن عبدالملك بن عمير، عن أبي بردة بن أبي موسي، عن أبيه كذلك

«2».

حديث عبداللَّه بن عمر … ص: 39

وأمّا الحديث المذكور عن عبداللَّه بن عمر، فالظاهر كونه عن عائشة كذلك، كما رواه مسلم، عن عبدالرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن حمزة بن عبداللَّه بن عمر، عن عائشة لكنّ البخاري رواه

__________________________________________________

(1) تلخيص الشافي 3/ 33- 35، روضة الواعظين 1/ 177- 178، مقتل الحسين- للمقرّم-: 186.

(2) فضائل الصحابة 1/ 106.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 40

بسنده عن الزهري، عن حمزة، عن أبيه، قال: «لمّا اشتدّ برسول اللَّه وجعه … ».

وعلي كلّ حال، فإنّ مدار الطريقين علي

محمّد بن شهاب الزهري وهو رجل مجروح عند يحيي بن معين «1» وعبد الحقّ الدهلوي، وكان من أشهر المنحرفين عن أميرالمؤمنين عليه السّلام، ومن الرواة عن عمر بن سعد اللعين.

قال ابن أبي الحديد: «وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السّلام، وروي جرير بن عبدالحميد عن محمّد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً عليه السّلام فنالا منه. فبلغ ذلك عليَّ بن الحسين عليه السّلام فجاء حتي وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة، فإنّ أبي حاكم أباك إلي اللَّه فحكم لأبي علي أبيك، وأمّا أنت يا زهريّ، فلو كنت بمكّة لأريتُك كير أبيك» «2».

وقال: «وروي عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيي بن

__________________________________________________

(1) هو من شيوخ البخاري ومسلم، ومن أئمّة الجرح والتعديل، اتّفقوا علي أنّه أعلم أئمّة الحديث بصحيحه وسقيمه. توفّي سنة 233 ه. ترجم له في: تذكرة الحفّاظ 2/ 429 وغيرها.

(2) شرح نهج البلاغة 4/ 102.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 41

عروة، قال: كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه» «1».

ويؤكّد هذا سعيه وراء إنكار مناقب أميرالمؤمنين عليه السّلام، كمنقبة سبقه إلي الإسلام، قال ابن

عبدالبرّ: «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبدالرزّاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري» «2».

وقال الذهبي بترجمة عمر بن سعد: «وأرسل عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟!» «3».

وقال العلّامة الشيخ عبدالحقّ الدهلوي بترجمة الزهري من «رجال المشكاة»: «إنّه قد ابتلي بصحبة الأمراء وبقلّة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزّهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم! فيقولون: ألاتري ما هم فيه وتسكت؟!».

وقال ابن حجر بترجمة الأعمش: «وحكي الحاكم عن ابن معين أنّه قال: أجود الأسانيد: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة،

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 4/ 102.

(2) الاستيعاب، ترجمة زيد بن حارثة 2/ 117.

(3) الكاشف 2/ 301.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 42

عن عبداللَّه. فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري؟! فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري؟! الزهري يري العرض والإجازة ويعمل لبني أُميّة؛ والأعمش فقير، صبور، ومجانب للسلطان، ورع، عالم بالقرآن» «1».

ولأجل كونه من عمّال بني أُميّة ومشيّدي سلطانهم كتب إليه الإمام السجّاد عليه السّلام كتاباً يعظه فيه، جاء فيه:: «إنّ أخفّ ما احتملت، أن آنست وحشة الظالم، وسهّلت له طريق الغيّ … جعلوك قطباً أداروا بك رحي مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلي بلاياهم، وسُلّماً إلي ضلالتهم، داعياً إلي غيّهم، سالكاً سبيلهم، احذر، فقد نُبِّئت، وبادِر فقد أجِّلْت … » «2».

ولكنّ ذلك كلّه لم يردعه عن غيّه وإعانة الظالمين في ظلمهم وباطلهم، بل تمادي واستمر حتي كان- كما عبّر عنه بعضهم أكابرهم- «شرطيّ بني اميّة» «3».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 4/ 204.

(2) ذكر الكتاب في: تحف العقول عن آل الرسول: 274- 277، للشيخ

ابن شعبة الحرّاني، من أعلام الإماميّة في القرن الرابع، وفي إحياء علوم الدين 2/ 143 بعنوان: «ولمّا خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه … »!، وفي بعض المصادر نسبته إلي أبي خازم.

(3) سير اعلام النبلاء 7: 226.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 43

ثمّ الكلام في عبداللَّه بن عمر نفسه:

فإنّه ممّن امتنع عن بيعة أميرالمؤمنين عليه السّلام بعد عثمان، وقعد عن نصرته، وترك الخروج معه في حروبه، ولكنّه لمّا ولي الحجّاج بن يوسف الحجاز من قبل عبدالملك جاءه ليلًا ليبايعه فقال له: ما أعجلك؟! فقال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول:

من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية!! فقال له: إنّ يدي مشغولة عنك- وكان يكتب- فدونك رجلي، فمسح علي رجله وخرج «1»!!

حديث عبداللَّه بن زمعة … ص: 43

وأمّا حديث عبداللَّه بن زمعة فقد رواه أبو داود عنه بطريقين، والمدار في كليهما علي «الزهري» وقد عرفته.

حديث عبداللَّه بن عبّاس … ص: 43

وأمّا حديث عبداللَّه بن عبّاس الذي رواه ابن ماجة وأحمد، الأوّل رواه عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل،

__________________________________________________

(1) الفصول المختارة: 245.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 44

عن ابن عبّاس. والثاني رواه عن يحيي بن زكريّا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن الأرقم، عنه فمداره علي

أبي إسحاق، عن الأرقم … ص: 44

وقد قال البخاري: لم يذكر أبو إسحاق سماعاً من أرقم بن شرحبيل» «1».

وأبو إسحاق السبيعي: «قال بعض أهل العلم: كان قد اختلط، وإنّما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه» «2». وكان مدلّساً «3».

وكان يروي عن عمر بن سعد الملعون قاتل سيد الشهداء أبي عبداللَّه الحسين عليه السّلام «4».

وكان يروي عن شمر بن ذي الجوشن الملعون «5».

وفي سند أحمد مضافاً إلي ذلك:

1- سماع «زكريّا» من «أبي إسحاق» بعد اختلاطه كما

__________________________________________________

(1) التاريخ الكبير 2/ 46 و ذكره البوصيري في الزوائد بهامش سنن ابن ماجة 2/ 397.

(2) ميزان الاعتدال 5/ 326.

(3) تهذيب التهذيب 8/ 55.

(4) الكاشف 3/ 385، ميزان الاعتدال 5/ 239، تهذيب التهذيب 7/ 381.

(5) ميزان الاعتدال 3/ 385، تهذيب التهذيب 8/ 53.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 45

ستعرف.

2- «زكريّا بن أبي زائدة» قال أبو حاتم: «ليّن الحديث، كان يدلّس» ورماه بالتدليس أيضاً أبو زرعة وأبو داود وابن حجر وعن أحمد: «إذا اختلف زكريّا وإسرئيل فإنّ زكريّا أحبّ إليّ في أبيّ إسحاق، ثمّ قال: ما أقربهما، وحديثهما عن أبي إسحاق ليّن، سمعا منه بأخره» «1».

أقول: فالعجب من أحمد يقول هذا وهو مع ذلك يروي الحديث عن زكريّا عن أبي إسحاق في «المسند» كما عرفت وفي «الفضائل» «2».

نعم، رواه لا عن هذا الطريق لكنّه عن ابن عبّاس عن العبّاس، فقال مرةً: «ثنا يحيي

بن آدم» وأُخري «ثنا أبو سعيد مولي بني هاشم» عن قيس بن الربيع، عن عبداللَّه بن أبي السفر، عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عبّاس، عن العبّاس بن عبدالمطلب: «أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال في مرضه: «مروا أبابكر يصلّي بالناس، فخرج أبوبكر فكبّر، ووجد النبي راحة فخرج يهادي بين رجلين، فلمّا رآه أبوبكر

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 3/ 293، الجرح والتعديل 3/ 530.

(2) فضائل الصحابة 1/ 106.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 46

تأخّر، فأشار إليه النبي مكانك، ثمّ جلس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي جنب أبي بكر، فاقترأ من المكان الذي بلغ أبوبكر من السورة» «1».

لكنّ مداره علي «قيس بن الربيع» الذي أورده البخاري في الضعفاء «2». وكذا النسائي «3» وابن حبّان في المجروحين «4» وضعّفه غير واحد، بل عن أحمد أنّه تركه الناس، بل عن يحيي بن معين تكذيبه «5».

حديث عبداللَّه بن مسعود … ص: 46

وأمّا الحديث المذكور عن ابن مسعود فأخرجه النسائي، ورواه الهيثمي أيضاً وقال: «رواه أحمد وأبو يعلي».

وفي سنده عند الجميع «عاصم بن أبي النجود» قال الهيثمي:

«وفيه ضعف» «6».

__________________________________________________

(1) فضائل الصحابة 1/ 108، 109.

(2) الضعفاء الصغير: 195.

(3) الضعفاء والمتروكون: 202.

(4) كتاب المجروحين 2/ 216.

(5) تهذيب التهذيب 8/ 340- 342، ميزان الاعتدال 5/ 477، لسان الميزان 4/ 570.

(6) مجمع الزوائد 5/ 333 كتاب الخلفاء باب الخفاء الأربعة الرقم 8936.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 47

قلت: وذكر الحافظ ابن حجر عن ابن سعد: «كان كثير الخطأ في حديثه» وعن يعقوب بن سفيان: «في حديثه اضطراب» وعن أبي حاتم: «ليس محلّه أن يقال هو ثقة، ولم يكن بالحافظ» وقد تكلّم فيه ابن عليّة فقال: «كان كلّ من اسمه عاصم سيّي ء الحفظ» وعن

ابن خراش: «في حديثه نكرة» وعن العقيلي: «لم يكن فيه إلّا سوء الحفظ» والدار قطني: «في حفظه شي ء» والبزّار: «لم يكن بالحافظ» وحمّاد بن سلمة: «خلط في آخر عمره» وقال العجلي: «كان عثمانياً» «1».

حديث بريدة الأسلمي … ص: 47

وأمّا حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، فمع غضّ النظر عمّا قيل في رواية ابن بريدة- سواء كان «عبداللَّه» أو «سليمان» - عن أبيه «2» فيه: «عبدالملك بن عمير» وقد عرفته.

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 5/ 37- 38.

(2) تهذيب التهذيب 5/ 141.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 48

حديث سالم بن عبيد … ص: 48

وأمّا حديث سالم بن عبيد الذي أخرجه ابن ماجة:

1- فقد قال فيه ابن ماجة: «هذا حديث غريب».

2- وفي سنده نظر فإنّ «نعيم بن أبي هند»: «كان يتناول عليّاً رضي اللَّه عنه» ولذا لم يسمع منه بعض أئمتهم وتركه «1».

و «سلمة بن نبيط» لم يرو عنه البخاري ومسلم، قال البخاري:

«يقال: اختلط بآخره» «2».

3- ثمّ إنّ «سالم بن عبيد» لم يرو عنه في الصحاح، وما روي له من أصحاب السنن غير حديثين، وفي إسناد حديثه اختلاف!

قال ابن حجر: «سالم بن عبيد الأشجعي، من أهل الصُفّة، ثمّ نزل الكوفة، وروي له من أصحاب السنن حديثين بإسناد صحيح في العطاس. وله رواية عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وكلام أبي بكر في ذلك. أخرجه يونس بن بكير في زياداته. روي عنه هلال بن يساف ونبيط بن شريط وخالد بن

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 10/ 418.

(2) تهذيب التهذيب 4/ 143.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 49

عرفطة» «1».

وقال أيضاً: «الأربعة- سالم بن عبيد الأشجعي، له صحبة، وكان من أهل الصُفّة، يعدّ في الكوفيّين. روي عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في تشميت العاطس، وعن عمر بن الخطّاب. روي عنه:

خالد ابن عرفجة- ويقال ابن عرفطة- وهلال بن يساف ونبيط بن شريط. وفي إسناد حديثه اختلاف» «2».

أقول: يظهر من عبارة ابن

حجر في كتابيه، ومن مراجعة الرواية عند الهيثمي «3» أنّ حديث سالم بن عبيد حول صلاة أبي بكر هو الحديث الذي عن عمر «فيما قاله وصَنَعه عند وفاة النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم … » لكنّ ابن ماجة قد ذكر بعضه كما نصّ عليه الهيثمي، وظاهر عبارة ابن حجر في «الإصابة» عدم صحّة إسناده، ولعلّه المقصود من قوله في «تهذيب التهذيب»: «وفي إسناد حديثه اختلاف» إذ القدر المتيقّن منه ما يرويه نبيط بن شريط عنه، وهذا الحديث من ذاك!

__________________________________________________

(1) الإصابة 3/ 8.

(2) تهذيب التهذيب 3/ 383- 384.

(3) مجمع الزوائد 5/ 331- 333 كتاب الخلافة باب الخلفاء الأربعة الرقم 8935.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 50

حديث أنس بن مالك … ص: 50

أمّا حديث أنس بن مالك، فمنه ما عن الزهري عنه، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد.

والزهري من قد عرفته.

مضافاً إلي أنّ الراوي عنه عند البخاري هو شعيب، وهو:

شعيب ابن أبي حمزة، وهو كاتب الزهري وراويته «1».

ويروي عن شعيب: أبو اليمان، وهو: الحكم بن نافع.

وقد تكلّم العلماء في رواية أبي اليمان عن شعيب، حتّي قيل:

لم يسمع منه ولا كلمةً «2».

والراوي عن «الزهري» عند أحمد: سفيان بن حسين، وقد اتّفقوا علي عدم الاعتماد علي رواياته عن الزهري، فقد ذكر ذلك ابن حجر عن ابن معين وأحمد والنسائي وابن عديّ وابن حبّان. وعن يعقوب بن شيبة: «في حديثه ضعف» وعن عثمان بن أبي شيبة: «كان مضطرباً في الحديث قليلًا» وعن ابن خراش: «ليّن الحديث» وعن

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 4/ 319.

(2) تهذيب التهذيب 2/ 396- 397.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 51

أبي حاتم: «لا يحتجّ به» وعن ابن سعد: «يخطي ء في حديثه كثيراً» «1».

هذا، وقد روي الهيثمي هذا الحديث فقال: «رواه

أحمد وفيه:

سفيان بن حسين، وهو ضعيف في الزهري، وهذا من حديثه عنه» «2».

ومنه ما عن حميد عن أنس، وقد أخرجه النسائي وأحمد، وحميد هو: حميد بن أبي حميد الطويل، وقد نصّوا علي أنّه كان «مدلّساً» وعلي «أنّ أحاديثه عن أنس مدلّسة» «3» وهذا الحديث من تلك الأحاديث. مضافاً إلي أنّ الراوي عنه- عند أحمد- هو سفيان بن حسين، وقد عرفته.

هذا، وسواء صحّت الطرق عن أنس أو لم تصحّ فإنّ الكلام في أنس نفسه، فأوّل ما فيه كذبه، وذلك في قضيّة حديث الطائر المشويّ، حيث كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قد دعا اللَّه سبحانه أن يأتي بعليّ عليه السلام، وكان يترقّب حضوره، فكان كلّما يجي ء عليٌّ عليه السّلام ليدخل علي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 4/ 97- 98.

(2) مجمع الزوائد 5/ 331 كتاب الخلافة باب الخلفاء الأربعة الرقم 8933.

(3) تهذيب التهذيب 3/ 35- 36.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 52

قال أنس: «إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي حاجة» حتي غضب رسول اللَّه وقال له: «يا أنس، ما حملك علي ردّه؟!» «1».

ثمّ كتمه الشهادة بالحقّ، وذلك في قضية مناشدة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير وطلبه الشهادة منهم به، فشهد قوم وأبي آخرون- ومنهم أنس- فدعي عليهم فأصابتهم دعوته «2».

ومن المعلوم أنّ الكاذب لا يُقبل خبره، وكتم الشهادة إثم كبير قادح في العدالة كذلك.

حديث عائشة … ص: 52

اشارة

وأمّا حديث عائشة فقد ذكرنا أنّه هو العمدة في هذه المسألة لكونها صاحبة القصة. ولأنّ حديث غيرها إمّا ينتهي إليها، وإمّا هو حكاية عمّا قالته وفعلته. ولأنّ روايتها أكثر طرقاً من رواية غيرها، وأصحّ إسناداً من سائر الأسانيد، وأتمّ لفظاً

وتفصيلًا للقصّة.

__________________________________________________

(1) أخرجه غير واحد من الأئمة في كتبهم، راجع منها المستدرك 3/ 141- 142 كتاب معرفة الصحابة باب مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب الرقم 4650 وهو موضوع الجزء من كتابنا الكبير (نفحات الأزهار) فراجع.

(2) لاحظ: الغدير 1/ 387.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 53

وقد أوردنا الأهمّ من تلك الطرق، والأتمّ من تلك الألفاظ فأمّا البحث حول ألفاظ ومتون الحديث عنها فسيأتي في الفصل اللاحق مع النظر في ألفاظ حديث غيرها.

وأمّا البحث حول سند حديثها، فيكون تارةً بالكلام علي رجال الأسانيد، وأُخري بالكلام علي عائشة نفسها.

أمّا رجال الأسانيد فإنّ طرق الأحاديث المذكورة عنها تنتهي إلي:

1- الأسود بن يزيد النخعي.

2- عروة بن الزبير بن العوّام.

3- مسروق بن الأجدع.

ولا شي ء من هذه الطرق بخالٍ عن الطعن والقدح المسقِط عن الاعتبار والاحتجاج

أمّا الحديث عن الأسود عن عائشة … ص: 53

فإنّ «الأسود» من المنحرفين عن أميرالمؤمنين عليه السّلام «1».

والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هو إبراهيم بن يزيد

__________________________________________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4/ 97- 98.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 54

النخعي، وهو من أعلام المدلّسين. قال أبو عبداللَّه الحاكم- في الجنس الرابع من المدلّسين: قوم دلّسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيّروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا.

وقال: «أخبرني عبداللَّه بن محمّد بن حمويه الدقيقي، قال حدّثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال حدّثني خلف بن سالم، قال سمعت عدّة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلّسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم، فاشتبه علينا تدليس الحسن ابن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأنّ الحسن كثيراً ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواماً مجهولين، وربّما دلّس عن مثل عتي بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم؛ وإبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب

عبداللَّه مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي، وربّما دلّس عنهم» «1».

والراوي عن إبراهيم هو: «سليمان بن مهران الأعمش».. وهو معروف بالتدليس «2»، ذلك التدليس القبيح القادح في العدالة، قال السيوطي- في بيان تدليس التسوية-: «قال الخطيب: وكان الأعمش

__________________________________________________

(1) معرفة علوم الحديث: 107- 108.

(2) تقريب التهذيب 1/ 392.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 55

وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا. قال العلائي: وبالجملة، فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرّها. قال العراقي:

وهو قادح فيمن تعمّد فعله. وقال شيخ الإسلام: لا شكّ أنّه جرح، وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار» «1».

قال الخطيب: «التدليس للحديث مكروه عند أكثر أهل العلم، وقد عظّم بعضهم الشأن في ذمّه، وتبجّح بعضهم بالبراءة منه» «2».

ثمّ روي عن شعبة بن الحجّاج قوله: «التدليس أخو الكذب».

وعنه: «التدليس في الحديث أشدّ من الزنا».

وعنه: «لأنْ أسقط من السماء أحبّ إليَّ من أن أدلّس».

وعن أبي أسامة: «خرّب اللَّه بيوت المدلّسين، ما هم عندي إلّا كذّابون».

وعن ابن المبارك: «لأن نخرّ من السماء أحبّ إليَّ من أن ندلّس حديثاً».

وعن وكيع: «نحن لا نستحلّ التدليس في الثياب فكيف في الحديث!».

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي 1/ 188.

(2) الكفاية في علم الرواية 355.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 56

فإذن: يسقط هذا الحديث، بهذا السند، الذي اتّفقوا في الرواية به، فلا حاجة إلي النظر في حال من قبل الأعمش من الرواة.

لكن مع ذلك، نلاحظ أنّ الراوي عن الأعمش عند البخاري وأحمد- في احدي طرقهما- وعند مسلم والنسائي هو أبو معاوية، وهذا الرجل أيضاً من المدلّسين:

قال السيوطي: «فائدة: أردت أن أسرد هُنا من رمي ببدعته ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما؛ وهم: إبراهيم بن طهمان، أيّوب بن عائذ

الطائي، ذرّ بن عبداللَّه المرهبي، شبابة بن سوار، عبدالحميد بن عبدالرحمن محمّد بن خازم أبو معاوية الضرير، ورقاء بن عمر اليشكري هؤلاء رموا بالأرجاء، وهو تأخير القول في الحكم علي مرتكب الكبائر بالنار» «1».

وذكر ابن حجر عن غير واحد أنّه كان مرجئاً خبيثاً، وأنّه كان يدعو إليه «2».

والراوي عن «الأعمش» عند ابن ماجة وأحمد في طريقه الأُخري هو وكيع بن الجرّاح، وفيه: أنّه كان يشرب المسكر وكان

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي 1/ 278- 280.

(2) تهذيب التهذيب 9/ 117.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 57

ملازماً له «1».

ثمّ إنّ الراوي عن أبي معاوية في إحدي طرق البخاري هو حفص بن غياث، وهو أيضاً من المدلّسين «2».

مضافاً إلي أنّه كان قاضي الكوفة من قبل هارون، وقد ذكروا عن أحمد أنّه: «كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث فلمّا وُلِّي القضاء هجره» «3».

وأمّا الحديث عن عروة بن الزبير … ص: 57

فإنّ عروة بن الزبير وُلد في حكومة عمر، فالحديث مرسل، ولابُدّ أنّه يرويه عن عائشة.

وكان عروة من المشهورين بالبغض والعداء لأمير المؤمنين عليه السلام- كما عرفت من خبره مع الزهري، والخبر عن ابنه- وحتّي حضر يوم الجمل علي صغر سنّه «4»، وقد كان هو والزهري يضعان الحديث في تنقيص الإمام والزهراء الطاهرة عليهما السلام، فقد روي

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفّاظ 1/ 307- 308، ميزان الاعتدال 7/ 127.

(2) تهذيب التهذيب 2/ 375.

(3) تهذيب التهذيب 11/ 111.

(4) تهذيب التهذيب 7/ 161.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 58

الهيثمي عنه حديثاً- وصحّحه- في فضل زينب بنت رسول اللَّه، جاء فيه أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان يقول: «هي خير بناتي» قال:

«فبلغ ذلك عليّ بن حسين، فانطلق إليه فقال: ما حديث بلغني عنك أنّك تحدّثه تنقص حقّ فاطمة؟! فقال:

لا أحدّث به أبداً» «1».

والراوي عنه ولده «هشام» في رواية البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وهو أيضاً من المدلّسين، فقد قالوا: كان ينسب إلي أبيه ما كان يسمعه من غيره. وذكروا أنّ مالكاً كان لا يرضاه، قال ابن خراش: «بلغني أنّ مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرّات، قدمةً كان يقول: حدّثني أبي قال: سمعت عائشة. وقدم الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة. وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة» «2» وهذا الحديث من تلك الأحاديث.

وأمّا الحديث عن عبيداللَّه بن عبداللَّه عن عائشة … ص: 58

فإنّ الرّاوي عن «عبيداللَّه» عند البخاري ومسلم والنسائي هو

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 342 كتاب المناقب باب ما جاء في فضل زينب بنت رسول اللَّه الرقم 15231.

(2) تهذيب التهذيب 11/ 46.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 59

«موسي بن أبي عائشة» وقد قال ابن أبي حاتم سمعت أبي «1» يقول:

«تُريبني رواية موسي بن أبي عائشة حديث عبيداللَّه بن عبداللَّه في مرض النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم» «2».

وعند أبي داود وأحمد هو: الزهري- لكن عند الأول يرويه عن عبيداللَّه، عن عبداللَّه بن زمعة- والزهري مَن قد عرفتُه سابقاً.

هذا، مضافاً إلي ما في عبيداللَّه بن عبداللَّه نفسه فقد روي ابن سعد، عن مالك بن أنس، قال: «جاء عليُّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالب إلي عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشي ء!! وأصحابه عنده وهو يصلّي، فجلس حتّي فرغ من صلاته ثمّ أقبل عليه عبيداللَّه.

فقال أصحابه: أمتع اللَّه بك، جاءك هذا الرجل وهو ابن ابنة رسول اللَّه وفي موضعه، يسألك عن بعض الشي ء!! فلو أقبلت عليه فقضيت حاجته ثمّ أقبلت علي ما أنت فيه!

فقال عبيداللَّه لهم: أيهات! لابُدّ لمن طلب هذا الشأن

من

__________________________________________________

(1) هو: محمّد بن إدريس الرازي، أحد كبار الأئمّة الحفّاظ المعتمدين في الجرح والتعديل. توفّي سنة 277 تقريباً. توجد ترجمته في: تذكرة الحفّاظ 2/ 567، تاريخ بغداد 2/ 70 وغيرهما من المصادر الرجالية.

(2) تهذيب التهذيب 10/ 315.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 60

أن يتعنّي!!» «1».

وأمّا الحديث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة … ص: 60

ففيه:

1- «أبو وائل» وهو «شقيق بن سلمة» يرويه عن «مسروق» وقد قال عاصم بن بهدلة: «قيل لأبي وائل: أيّهما أحبّ إليك عليّ أو عثمان؟ قال: كان عليّ أحبّ إليّ ثم صار عثمان!!» «2».

2- «نعيم بن أبي هند» يرويه عن «أبي وائل» عند النسائي وأحمد بن حنبل. و «نعيم» قد عرفته سابقاً.

ثمّ إنّ في إحدي طريقي أحمد عن «نعيم» المذكور: «شبابة بن سوار» وقد ذكروا بترجمته أنّه كان يري الإرجاء ويدعو إليه، فتركه أحمد وكان يحمل عليه، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ بحديثه «3»، وقد أورده السيوطي في الفائدة المذكورة، وحكي ابن حجر في ترجمته ما يدلّ علي بغضه لأهل بيت النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «4».

__________________________________________________

(1) طبقات ابن سعد 5/ 166، وقد أوردناه من باب الإلزام كما لا يخفي.

(2) تهذيب التهذيب 4/ 329.

(3) تهذيب التهذيب 4/ 274، تاريخ بغداد 9/ 298.

(4) تهذيب التهذيب 4/ 275.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 61

كلمةٌ حول عائشة … ص: 61

هذا، ويبقي الكلام في عائشة نفسها، فقد وجدناها تريد كلّ شأن وفضيلةٍ لنفسها وأبيها ومن تحبّ من قرابتها وذويها فكانت إذا رأت النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يلاقي المحبّة من احدي زوجاته ويمكث عندها تارث عليها كما فعلت مع زينب بنت جحش، إذ تواطأت مع حفصة أن أيّتهما دخل عليها النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فلتقل: «إنّي لأجد منك ريح مغافير حتّي يمتنع عن أن يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلًا» «1».

وإذا رأته يذكر خديجة عليها السلام بخير ويثني عليها قالت:

«ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق؟! قد أبدلك اللَّه عزّوجلّ بها خيراً منها … » «2».

وإذا رأته مقدماً علي الزواج من امرأةٍ، حالت دون ذلك بالكذب والخيانة، فقد حدّثت

أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أرسلها لتطّلع علي امرأةٍ من كلب قد خطبها فقال لعائشة: «ما رأيت؟ فقالت:

__________________________________________________

(1) هذه من القضايا المشهورة فراجع كتب الحديث والتفسير بتفسير سورة التحريم.

(2) مسند أحمد 7/ 170 حديث السيدة عائشة الرقم 24343.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 62

ما رأيت طائلًا! فقال لها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: لقد رأيت طائلًا لقد رأيت خالًا بخدّها اقشعرَّت كلّ شعرةٍ منك، فقالت:

يا رسول اللَّه ما دونك سر» «1».

ولقد ارتكبت ذلك حتّي بتوهّم زواجه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقد ذكرت: أنّ عثمان جاء النبي في نحر الظهيرة فظننتُ أنّه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة علي أن أصغيت إليه … » «2».

أمّا بالنسبة إلي مَن تكرهه فكانت حرباً شعواء من ذلك مواقفها من الإمام أميرالمؤمنين عليه السّلام فقد «جاء رجل فوقع في عليّ وفي عمّار رضي اللَّه تعالي عنهما عند عائشة. فقالت: أمّا عليّ فلستُ قائلةً لك فيه شيئاً، وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما» «3».

بل كانت تضع الحديث تأييداً ودعماً لجانب المناوئين له عليه السلام فقد قال النعمان بن بشير: «كتب معي معاوية إلي عائشة قال:

فقدمت علي عائشة فدفعت إليها كتاب معاوية. فقالت: يا بُني ألا

__________________________________________________

(1) طبقات ابن سعد 8/ 127، كنز العمّال 12/ 188 كتاب الفضائل باب فضائل النبيّ الرقم 35455.

(2) مسند أحمد 7/ 165 حديث السيدة عائشة الرقم 24316.

(3) مسند أحمد 7/ 163 حديث السيدة عائشة الرقم 24299.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 63

احدّثك بشي ء سمعته من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم؟

قلت: بلي.

قالت: فإنّي كنت أنا وحفصة يوماً من

ذاك عند رسول اللَّه.

فقال: لو كان عندنا رجل يحدّثنا.

فقلت: يا رسول اللَّه، ألا أبعث لك إلي أبي بكر؟ فسكت.

ثمّ قال: لو كان عندنا رجل يحدّثنا.

فقالت حفصة: ألا أُرسل لك إلي عمر؟ فسكت.

ثمّ قال: لا. ثم دعا رجلًا فسارّه بشي ء.

فما كان إلّا أن أقبل عثمان، فأقبل عليه بوجهه وحديثه فسمعته يقول له: يا عثمان، إنّ اللَّه عزّوجلّ لعلّه أن يقمصك قميصاً، فإن أرادوك علي خلعه فلا تخلعه، ثلاث مرار.

قال: فقلت: يا أُمّ المؤمنين، فأين كنتِ عن هذا الحديث؟!

فقالت: يا بُني، واللَّه لقد أُنسيته حتّي ما ظننت أنّي سمعته» «1».

قال النعمان بن بشير: «فأخبرته معاوية بن أبي سفيان. فلم يرض بالذي أخبرته، حتّي كتب إلي أُمّ المؤمنين أن اكتبي إليَّ به.

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 7/ 214- 215 حديث السيدة عائشة الرقم 26436.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 64

فكتبت إليه به كتاباً» «1».

فانظر كيف أيّدت- في تلك الأيّام- معاوية علي مطالبته الكاذبة بدم عثمان! وكيف اعتذرت عن تحريضها الناس علي قتل عثمان! ولا تغفل عن كتمها اسم الرجل الذي دعاه النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- بعد أن أبي عن الإرسال خلف أبي بكر وعمر- وهو ليس إلّا أميرالمؤمنين ولكنّها لا تطيب نفساً بعليّ كما قال ابن عبّاس، وسيأتي.

فإذا كان هذا حالها وحال رواياتها في الأيّام العاديّة … كان من الطبيعي أن تصل هذه الحالة فيها إلي أعلي درجاتها في الأيام والساعات الأخيرة من حياة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأن تكون أخبارها عن أحواله في تلك الظروف أكثر حسّاسية … فتراها تقول:

«لمّا ثقل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف وألواحٍ

حتّي أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه. فلمّا ذهب عبدالرحمن ليقوم قال: أبي اللَّه والمؤمنون أن يُختلف عليك يا أبابكر» «2».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 7/ 71 حديث السيدة عائشة الرقم 24045.

(2) مسند أحمد 7/ 71 حديث السيدة عائشة الرقم 23679.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 65

وتقول:

«لمّا ثقل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم جاء بلال يؤذنه بالصلاة. فقال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس … » «1».

وتقول:

«قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ورأسه بين سحري ونحري … » «2».

تقول هذا وأمثاله …

لكن عندما يأمر صلّي اللَّه عليه وسلّم بأن يدعي له عليّ لا يمتثل أمره، بل يقترح عليه أن يدعي أبوبكر وعمر! يقول ابن عبّاس:

«لمّا مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: ادعوا إلي عليّاً. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ندعو لك أبا بكر؟ قال: ادعوه، قالت حفصة:

يا رسول اللَّه، ندعو لك عمر؟ قال ادعوه. قالت أُمّ الفضل: يا رسول اللَّه، ندعو لك العبّاس؟ قال: ادعوه. فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليّاً فقال عمر رضي اللَّه عنه: قوموا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 7/ 319 حديث السيدة عائشة الرقم 25348.

(2) مسند أحمد 7/ 175 حديث السيدة عائشة الرقم 24384.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 66

وسلّم … » «1».

وعندما يخرج إلي الصلاة- وهو يتهادي بين رجلين- تقول عائشة: «خرج يتهادي بين رجلين أحدهما العبّاس» فلا تذكر الآخر.

فيقول ابن عبّاس:

«هو عليٌّ ولكن عائشة لا تقدر علي أن تذكره بخير» «2».

فإذا عرفناها تبغض عليّاً إلي حدٍّ لا تقدر أن تذكره بخير، ولا تطيب نفسها به … وتحاول

إبعاده عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم … وتدّعي لأبيها ولنفسها ما لا أصل له … بل لقد حدّثت أُمّ سلمة رضي اللَّه عنها بالأمر الواقع فقالت:

«والذي أحلف به، إن كان عليّ لأقرب الناس عهداً برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم. قالت: عدنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم غداة بعد غداة يقول: جاء عليُّ؟!!- مراراً- قالت: وأظنّه كان بعثه في حاجة قالت: فجاء بعدُ، فظننت أنّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، فقعدنا عند الباب، فكنت من أدناهم إلي الباب، فأكبَّ عليه عليُّ فجعل يسارّه ويناجيه، ثمّ قبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 588 مسند عبداللَّه بن عباس الرقم 3345.

(2) عمدة القاري 5/ 192.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 67

يومه ذلك، فكان أقرب الناس به عهداً «1».

إذا عرفنا هذا كلّه- وهو قليل من كثير- استيقنّا أنّ خبرها في أنّ صلاة أبيها كان بأمرٍ من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأنّه خرج فصلّي خلفه- كما في بعض الأخبار عنها- … من هذا القبيل … وممّا يؤكّد ذلك اختلاف النقل عنها في القضية وهي واحدة … كما سنري عن قريب …

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 7/ 426 حديث السيدة أُم سلمة الرقم 26025، المستدرك 3/ 149 كتاب معرفة الصحابة، مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب الرقم 4671، تاريخ دمشق 45/ 301، الخصائص: 216 ذكر أحدث الناس عهداً برسول اللَّه الرقم 155.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 68

(3)

تأمّلات في متن الحديث ومدلوله … ص: 68

اشارة

قد عرفت أنّ الحديث بجميع طرقه وأسانيده المذكورة ساقط عن الإعتبار.

فإن قلت: إنّه ممّا اتّفق عليه أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم وغيرهم، ورووه عن جمع من الصحابة، فكيف تقول

بسقوطه بجميع طرقه؟

قلت أولًا: لقد رأيت في «النظر في الأسانيد والطرق» أنّ رجال أسانيده مجروحون بأنواع الجرح، ولم نكن نعتمد في «النظر» إلّا علي أشهر كتب القوم في الجرح والتعديل، وعلي كلمات أكابر علمائهم في هذا الباب.

وثانياً: إنّ الذي عليه المحقّقون من علماء الحديث والرجال والكلام: أنّ الكتب الستّة فيها الصحيح والضعيف والموضوع، وإنّ الصحابة فيهم العدل والمنافق والفاسق وهذا ما حقّقناه في بعض

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 69

بحوثنا «1».

نعم، المشهور عندهم القول بأصالة العدالة في الصحابة، والقول بصحّة ما أُخرج في كتابي البخاري ومسلم، لكنهما مشهوران لا أصل لهما.

أمّا بالنسبة إلي حديث «صلاة أبي بكر» فلم أجد أحداً يطعن فيه، لكن لا لكونه في الصحاح، بل الأصل في قبوله وتصحيحه كونه من أدلّة خلافة أبي بكر عندهم، ولذا تراهم يستدلّون به في الكتب الكلامية وغيرها.

من كلمات المستدلّين بالحديث علي الإمامة … ص: 69

قال القاضي عضد الدين الايجي- في الأدلّة الدالّة بزعمه علي إمامة أبي بكر-:

«الثامن: إنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم استخلف أبابكر في الصّلاة وما عزله فيبقي إماماً فيها، فكذا في غيرها، إذ لا قائل بالفصل، ولذلك قال عليٌّ رضي اللَّه عنه: قدّمك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم

__________________________________________________

(1) راجع رسالتنا في حديث أصحابي كالنجوم، ومحاضرتنا في الصحابة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 70

في أمر ديننا، أفلا نقدّمك في أمر دنيانا؟! «1».

وقال الفخر الرازي- في حجج خلافة أبي بكر-:

«الحجّة التاسعة: إنّه عليه السلام استخلفه علي الصلاة أيّام مرض موته وما عزله عن ذلك، فوجب أن يبقي بعد موته خليفةً له في الصلاة، وإذا ثبتت خلافته في الصلاة ثبتت خلافته في سائر الأُمور، ضرورة أنّه لا قائل بالفرق» «2».

وقال الأصفهاني:

«الثالث: إنّ النبي استخلف أبابكر في

الصلاة أيّام مرضه، فثبت استخلافه في الصلاة بالنقل الصحيح، وما عزل النبي أبابكر رضي اللَّه عنه عن خلافته في الصلاة، فبقي كون أبي بكر خليفةً في الصلاة بعد وفاته، وإذا ثبت خلافة أبي بكر في الصلاة بعد وفاته، ثبت خلافته بعد وفاته في غير الصلاة، لعدم القائل بالفصل» «3».

__________________________________________________

(1) هذا كلام موضوع قطعاً، والذي جاء به … مرسلًا كما في الاستيعاب 3/ 97 هو الحسن البصري المعروف بالإرسال والتدليس والانحراف عن أميرالمؤمنين عليه السلام!!

(2) الأربعين في اصول الدين: 2/ 292.

(3) مطالع الأنظار في شرح طوالع الأنوار في علم الكلام: 233.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 71

وقال النيسابوري صاحب التفسير، بتفسير آية الغار:

«استدلّ أهل السُنّة بالآية علي أفضليّة أبي بكر وغاية اتّحاده ونهاية صحبته وموافقة باطنه ظاهره، وإلّا لم يعتمد الرسول عليه في مثل تلك الحالة، وأنّه كان ثاني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في العلم لقوله صلّي اللَّه عليه وسلّم: ما صبَّ في صدري شي ء إلّا وصببته في صدر أبي بكر «1». وفي الدعوة إلي اللَّه، لأنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عرض الإيمان أولًا علي أبي بكر فآمن، ثمّ عرض أبو بكر الإيمان علي طلحة والزبير وعثمان بن عفّان وجماعة أُخري من أجلّة الصحابة، وكان لا يفارق الرسول صلّي اللَّه عليه وسلّم في الغزوات وفي أداء الجماعات وفي المجالس والمحافل، وقد أقامه في مرضه مقامه في الإمامة … » «2».

وقال الكرماني بشرح الحديث:

«وفيه فضيلة أبي بكر رضي اللَّه عنه وترجيحه علي جميع الصحابة، وتنبيه علي أنّه أحقّ بخلافة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من غيره» «3».

__________________________________________________

(1)

هذا حديث موضوع، انظر: الرسالة في الأحاديث المقلوبة.

(2) غرائب القرآن ورغائب الفرقان 3/ 471.

(3) الكواكب الدراري

5/ 52.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 72

وقال العيني:

«(ذكر ما يستفاد منه)، وهو علي وجوه: الأول: فيه دلالة علي فضل أبي بكر رضي اللَّه تعالي عنه. الثّاني: فيه أنّ أبابكر صلّي بالناس في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت في هذه الإمامة التي هي الصغري دلالة علي الإمامة الكبري. الثالث: فيه أنّ الأحقّ بالإمامة هو الأعلم» «1».

وقال النووي:

«فيه فوائد: منها: فضيلة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه وترجيحه علي جميع الصحابة رضوان اللَّه عليهم وتفضيله، وتنبيه علي أنّه أحقّ بخلافة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من غيره. ومنها:

أنّ الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلّي بهم، وأنّه لا يستخلف إلّا أفضلهم. ومنها: فضيلة «2» عمر بعد أبي بكر رضي اللَّه عنه، لأنّ أبابكر لم يعدل إلي غيره» «3».

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 5/ 203.

(2) وذلك لأنّ أبابكر قال لعمر: صلِّ للنّاس … وكأنّ أقوال أبي بكر وأفعاله حجّة؟! علي أنّهم وقعوا في إشكال في هذه الناحية، كما ستعرف!

(3) المنهاج- شرح صحيح مسلم 4/ 116.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 73

وقال المناوي بشرحه:

«تنبيه، قال أصحابنا في الأُصول: يجوز أن يجمع عن قياس، كإمامة أبي بكر هنا، فإنّ الصحب أجمعوا علي خلافته- وهي الإمامة العظمي- ومستندها القياس علي الإمامة الصغري، وهي الصلاة بالناس بتعيين المصطفي صلّي اللَّه عليه وسلّم» «1».

وفي «فواتح الرحموت بشرح مسلَّم الثبوت» في مبحث الإجماع: «(مسألة: جاز كون المستند قياساً، خلافاً للظّاهرية) وابن جرير الطبري، (فبعضهم منع الجواز) عقلًا (وبعضهم منع الوقوع) وإن جاز عقلًا (والآحاد) أي أخبار الآحاد (قيل كالقياس) اختلافاً. (لنا: لا مانع … (وقد وقع قياس الإمامة الكبري) وهي الخلافة العامة (علي إمامة الصلاة …

والحقّ أنّ أمره صلّي اللَّه عليه وسلّم إيّاه بإمامة الصلاة كان إشارة إلي تقدّمه في الإمامة الكبري علي ما يقتضيه ما في صحيح مسلم … » «2».

لكنّك قد عرفت أنّ الحديث ليس له سند معتبر في الصحاح فضلًا عن غيرها، ومجرّد كونه فيها- وحتّي في كتابي البخاري ومسلم-

__________________________________________________

(1) فيض القدير- شرح الجامع الصغير 5/ 665.

(2) فواتح الرّحموت بشرح مسلَّم الثبوت 2/ 239- 240.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 74

لا يغني عن النظر في سنده وعلي هذا، فلا أصل لما ذكروا، ولا أساس لما بنوا في العقائد وفي الفقه وفي علم الأصول.

لا دلالة للاستخلاف في إمامة الصلاة علي الخلافة … ص: 74

وعلي فرض صحّة حديث أمر النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أبابكر بالصلاة في مقامه فإنّه لا دلالة لذلك علي الإمامة الكبري والخلافة العظمي لأنّ النبي كان إذا خرج عن المدينة نصب فيها من يصلّي بالناس بل إنّه استخلف- فيما يروون- ابن أُمّ مكتوم للإمامة وهو أعمي، وقد عقد أبو داود في (سننه) باباً بهذا العنوان فروي فيه هذا الخبر وهذه عبارته: «باب إمامة الأعمي: حدّثنا محمّد بن عبدالرحمن العنبري أبو عبداللَّه، ثنا ابن مهدي، ثنا عمران القطّان، عن قتادة، عن أنس: أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم استخلف ابن أُمّ مكتوم يؤمّ الناس وهو أعمي» «1» فهل يقول أحد بإمامة ابن أُمّ مكتوم لأنّه استخلفه في الصلاة؟!

ولقد اعترف بما ذكرنا ابن تيميّة- الملقب ب «شيخ الإسلام» - حيث قال: «فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة لابدّ منه لكل وليّ أمر،

__________________________________________________

(1) سنن أبي داود 1/ 203 كتاب الصلاة باب إمامة الاعمي الرقم 595.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 75

وليس كلّ [من يصلح للاستخلاف في الحياة علي بعض الأمّة يصلح أن

يستخلف بعد الموت، فإنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته، كما استعمل ابن أُمّ مكتوم الأعمي في حياته وهو لا يصلح للخلافة بعد موته، وذلك كبشير بن [عبد] المنذر وغيره» «1».

بل لقد رووا أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم صلّي خلف عبدالرحمن بن عوف، وهو- لو صحّ- لم يدلّ علي استحقاقه الخلافة من بعده، ولذا لم يدّعها أحد له لكنّه حديث باطل لمخالفته للضرورة القاضية بأنّ النبي لا يصلّي خلف أحد من أُمّته فلا حاجة إلي النظر في سنده.

وعلي الجملة، فإنّه لا دلالة لحديث أمر أبي بكر بالصلاة، ولا لحديث صلاته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خلفه علي امامته من بعده، حتّي لو تمّ الحديثان سنداً.

وأمّا سائر الدلالات الاعتقادية والفقهية والأُصولية التي يذكرونها مستفيدين إيّاها من حديث الأمر بالصلاة في الشروح والتعاليق فكلّها متوقّفة علي ثبوت أصل القضية وتماميّة الأسانيد

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 339.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 76

الحاكية لها وقد عرفت أن لا شي ء من تلك الأسانيد بصحيح، فأمره

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في مرضه أبابكر بالصلاة في موضعه غير ثابت.

وجوه كذب أصل القضيّة … ص: 76

اشارة

بل الثابت عدمه … وذلك لوجوه عديدةٍ يستخرجها الناظر المحقّق في القضيّة وملابساتها من خلال كتب الحديث والتاريخ والسيرة … وهي وجوه قويّة معتمدة، تفيد- بمجموعها- أنّ القضيّة مختلقة من أصلها، وأنّ الذي أمر أبابكر بالصلاة في مقام النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في أيّام مرضه ليس النبي بل غيره.

فلنذكر تلك الوجوه باختصار:

1- كون أبي بكر في جيش أُسامة … ص: 76

لقد أجمعت المصادر علي قضية سرية أُسامة بن زيد، وأجمعت علي أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمر مشايخ القوم:

أبابكر وعمرو … بالخروج معه وهذا أمر ثابت محقّق … وبه اعترف ابن حجر العسقلاني في (شرح البخاري) وأكّده بشرح «باب بعث النبي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 77

صلّي اللَّه عليه وسلّم أُسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما في مرضه الذي توفّي فيه» فقال: «كان تجهيز أُسامة يوم السبت قبل موت النبي بيومين؛ فبدأ برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وجعه في اليوم الثالث، فعقد لأُسامة لواءً بيده، فأخذه أُسامة فدفعه إلي بريدة وعسكر بالجرب، وكان ممّن ندب: مع أُسامة كبار المهاجرين والأنصار منهم:

أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم، فتكلّم في ذلك قوم … ثمّ اشتدّ برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وجعه فقال: أنفذوا بعث أُسامة.

وقد روي ذلك عن الواقدي وابن سعد وابن إسحاق وابن الجوزي وابن عساكر … » «1».

فالنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمر بخروج أبي بكر مع أُسامة، وقال في آخر لحظةٍ من حياته: «أنفِذوا- أو: جهّزوا- بعثَ أُسامة» بل في بعض المصادر «لعن اللَّه من تخلّف عن بعث أُسامة» «2».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 8/ 192.

(2) شرح المواقف 8/ 376 الملل والنحل 1/ 14 لأبي الفتح الشهرستاني، المتوفّي

سنة 458، توجد ترجمته والثناء عليه في: وفيات الأعيان 4/ 273، تذكرة الحفّاظ 4/ 1313 طبقات الشافعية للسبكي 6/ 128، شذرات الذهب 4/ 149، مرآة الجنان 3/ 289- 290 وغيرها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 78

هذا أوّلًا.

وثانياً: لقد جاء في صريح بعض الروايات كون أبي بكر غائباً عن المدينة. ففي (سنن أبي داود) عن ابن زمعة: «وكان أبو بكر غائباً، فقلت: يا عمر، قم فصلّ بالناس».

وثالثاً: في كثير من ألفاظ الحديث «فأرسلنا إلي أبي بكر» ونحو ذلك، ممّا هو ظاهر في كونه غائباً.

وعلي كلّ حال، فالنبي الذي بعث أُسامة، وأكّد علي بعثه، بل لعن من تخلّف عنه … لا يعود فيأمر بعض من أمر بالخروج معه بالصلاة بالناس، وقد عرفت أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم كان إذا غاب أو لم يمكنه الحضور للصلاة، استخلف واحداً من المسلمين وإن كان ابن أُمّ مكتوم الأعمي.

2- التزامه بالحضور للصلاة بنفسه ما أمكنه … ص: 78

وكما ذكرنا، فالنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ما كان يستخلف للصلاة إلّا في حال خروجه عن المدينة، أو في حالٍ لم يمكنه الخروج

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 79

معها إلي الصلاة وإلّا، فقد كان صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ملتزماً بالحضور بنفسه ويدلّ عليه ما جاء في بعض الأحاديث أنّه لَمّا ثقل قال: «أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك. قال: ضعوا لي ماءً … »

فوضعوا له ماءً فاغتسل، فذهب لينوء فأغمي عليه «1» وهكذا إلي ثلاث مرّات … وفي هذه الحالة صلّي أبوبكر بالناس، فهل كانت بأمرٍ منه؟!

بل في بعض الأحاديث أنّه كان إذا لم يخرج لعارضٍ حضره المسلمون إلي البيت فصلّوا خلفه.

فقد أخرج مسلم عن عائشة، قالت: «اشتكي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فدخل

عليه ناس من أصحابه يعودونه، فصلّي رسول اللَّه جالساً فصلّوا بصلاته قياماً».

وعن جابر قال: «اشتكي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فصلّينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره» «2».

وأخرج أحمد عن عائشة: «أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم صلّي في مرضه وهو جالس، فصلّي وخلفه قوم قياماً … » «3».

__________________________________________________

(1) في أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يغمي عليه- بما للكلمة من المعني الحقيقي- أو لا، كلاماً بين العلماء لا نتعرّض له، لكونه بحثاً عقائديّاً ليس هذا محلّه.

(2) صحيح مسلم 1/ 391 كتاب الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام. الأرقام 412 و 413.

(3) مسند أحمد 7/ 86 حديث السيدة عائشة الرقم 23782.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 80

ويشهد لِما ذكرنا- من ملازمته للحضور إلي المسجد والصلاة بالمسلمين بنفسه- ما جاء في كثير من أحاديث القصّة من أنّ بلالًا دعاه إلي الصلاة، أو آذنه بالصلاة، فهو كان يجي ء متي حان وقت الصلاة إلي النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ويعلمه بالصلاة، فكان يخرج بأبي هو وأُمّي بنفسه- وفي أيّ حالٍ من الأحوال كان- إلي الصلاة ويصلّي بالناس.

3- استدعاؤه عليّاً عليه السّلام … ص: 80

فأبوبكر وغيره كانوا بالجرف- الموضع الذي عسكر فيه أُسامة خارج المدينة- وهو صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان يصلّي بالمسلمين وعليٌّ عنده إذ لم يذكر أحد أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أمره بالخروج مع أُسامة …

حتّي اشتدّ به الوجع … ولم يمكنه الخروج … فقال بلال: «يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأُمي من يصلّي بالناس؟» «1» هنالك دعا عليّاً عليه السّلام قائلًا: «ابعثوا إلي علي فادعوه» فقالت عائشة: «لو بعثت

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 4/ 60 مسند أنس بن مالك الرقم 12680.

سلسلة اعرف الحق

تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 81

إلي أبي بكر» وقالت حفصة: «لو بعثت إلي عمر» فما دُعي عليٌّ ولكن القوم حضروا أو أُحضروا!! «فاجتمعوا عنده جميعاً. فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: انصرفوا. فإن تك لي حاجة أبعث إليكم، فانصرفوا» «1».

إنّه كان يريد عليّاً عليه السلام ولا يريد أحداً من القوم، وكيف يريدهم وقد أمرهم بالخروج مع أُسامة، ولم يعدل عن أمره؟!

4- أمره بأن يصلّي بالمسلمين أحدهم … ص: 81

فإذ لم يحضر عليُّ، ولم يتمكّن من الحضور للصلاة بنفسه، والمفروض خروج المشايخ وغيرهم إلي جيش أُسامة، أمر بأن يصلّي بالناس أحدهم وذاك ما أخرجه أبو داود عن ابن زمعة فقال:

«لما استعزّ برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وأنا عنده في نفر من المسلمين، دعاه بلال إلي الصلاة فقال: مروا من يصلّي بالناس».

وفي حديث أخرجه ابن سعد عنه قال: «عدتُ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم في مرضه الذي توفّي فيه، فجاءه بلال يؤذنه بالصلاة فقال لي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: مر الناس فليصلّوا.

قال عبداللَّه: فخرجت فلقيت ناساً لا أُكلّمهم، فلمّا لقيت عمر

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 439.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 82

ابن الخطّاب لم أبغ من وراءه، وكان أبو بكر غائباً، فقلت له: صلِّ بالناس يا عمر. فقام عمر في المقام فقال عمر: ما كنت أظنّ حين أمرتني إلّا أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صلّيت بالناس.

فقال عبداللَّه: لمّا لم أر أبابكر رأيتك أحقّ من غيره بالصلاة» «1».

وفي خبر عن سالم بن عبيد الأشجعي قال: «إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم لمّا اشتدّ مرضه أُغمي عليه، كلّما أفاق قال: مروا بلالًا فليؤذّن، ومروا بلالًا فليصلّ بالناس» «2».

وقد كان من قبل قد استخلف

ابن أُمّ مكتوم- وهو مؤذّنه- في الصلاة بالناس كما عرفت.

5- قوله: إنّكنّ لصويحبات يوسف … ص: 82

وجاء في الأحاديث أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال لعائشة

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 2/ 170.

(2) بغية الطلب في تاريخ حلب 9/ 4152، لكمال الدين ابن العديم الحنفي، المتوفّي سنة 660. ترجم له الذهبي واليافعي وابن العماد في تواريخهم وأثنوا عليه. وقال ابن شاكر الكتبي: «وكان محدّثاً حافظاً مؤرّخاً صادقاً فقيهاً مفتياً منشئاً بليغاً كاتباً مجوّداً … » فوات الوفيات 3/ 126.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 83

وحفصة: «إنّكنّ لصويحبات يوسف!» وهو يدلّ علي أنّه قد وقع من المرأتين- مع الإلحاح الشديد والحرص الأكيد- ما لا يرضاه النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فما كان ذلك؟ ومتي كان؟

إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لمّا عجز عن الحضور للصلاة بنفسه، وطلب عليّاً فلم يُدع له- بل وجد الإلحاح والإصرار من المرأتين علي استدعاء أبي بكر وعمر، فأمر من يصلّي بالناس، والمفروض كون المشايخ في جيش أُسامة- أُغمي عليه كما في الحديث، وما أفاق إلّا والناس في المسجد وأبوبكر يصلّي بهم فعلم أنّ المرأتين قد قامتا بما كانتا ملحّتين عليه ونفذّتاه فقال: «إنّكنّ لصويحبات يوسف» ثمّ بادر إلي الخروج معجّلًا معتمداً علي رجلين، ورجلاه تخطّان في الأرض كما سيأتي.

فمن تشبيه حالهنّ بحال صويحبات يوسف يعلم ما كان يخفين في أنفسهنّ، ويستفاد عدم رضاه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بفعلهن مضافاً إلي خروجه …

فلو كان هو الذي أمر أبابكر بالصلاة لما رجع باللّوم عليهنّ، ولا بادر إلي الخروج وهو علي تلك الحال.

ولكن شرّاح الحديث- الّذين لا يريدون الاعتراف بهذه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 84

الحقيقة- اضطربوا في شرح الكلمة ومناسبتها للمقام:

قال ابن حجر:

«إنّ عائشة أظهرت أنّ سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها، كونه لا يسمع المأمومين القراءة، لبكائه، ومرادها زيادة علي ذلك هو أن لا يتشاءم الناس به، وقد صرّحت هي فيما بعد بذلك … وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال: إنّ صواحب يوسف لم يقع منهنّ إظهار يخالف ما في الباطن» «1».

قلت: لكنّه كلام بارد، وتأويل فاسد.

أمّا أوّلًا: ففيه اعتراف بأنّ قول عائشة: «إنّ أبا بكر رجل أسيف فمر عمر أن يصلّي بالناس» مخالفة للنبي وردّ عليه منها، بحيث لم يتحمّله النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وقال هذا الكلام.

وأمّا ثانياً: فلأنّه لا يتناسب مع بلاغة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وحكمته، إذ لم يكن صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يشبّه الشي ء بخلافه ويمثّله بضدّه، وإنّما كان يضع المثل في موضعه ولا ريب أنّ صويحبات يوسف إنّما عصين اللَّه بأن أرادت كلّ واحدة منهنّ من يوسف ما أرادته الأُخري وفُتنت به كما فُتنت به صاحبتها، فلو كانت عائشة قد دفعت النبي عن أبيها ولم ترد شرف ذلك المقام الجليل له،

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 195.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 85

ولم تفتتن بمحبّة الرئاسة وعلوّ المقام، لكان النبي في تشبيهها بصويحبات يوسف قد وضع المثل في غير موضعه، وهو أجلُّ من ذلك، فإنّه نقص وحينئذٍ يثبت أنّ ما قاله النبي إنّما كان لمخالفة المرأة وتقديمها بالأمر- بغير إذن منه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- لأبيها، لأنّها مفتونة بمحبّة الاستطاعة والرغبة في تحصيل الفضيلة واختصاصها وأهلها بالمناقب كما قدّمناه في بيان طرف من أحوالها.

وأمّا ثالثاً: فقد جاء في بعض الأخبار أنّه لمّا قالت عائشة: «إنّه رجل رقيق فمر عمر» لم يجبها بتلك الكلمة بل قال:

«مروا عمر» «1» ومنه يظهر أنّ السبب في قوله ذلك لم يكن قولها: «إنّه رجل أسيف».

وقال النووي بشرح الكلمة:

«أي في التظاهر علي ما تردن وكثرة إلحاحكنّ في طلب ما تردنه وتملن إليه، وفي مراجعة عائشة جواز مراجعة وليّ الأمر علي سبيل العرض والمشاورة والإشارة بما يظهر أنّه مصلحة وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة، ومثل هذه المراجعة مراجعة عمر رضي اللَّه عنه في قوله: لا تبشّرهم فيتَّكلوا، وأشباهه كثيرة مشهورة» «2».

__________________________________________________

(1)

تاريخ الطبري 2/ 439.

(2) المنهاج شرح صحيح مسلم 4/ 118.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 86

قلت: وهذا أسخف من سابقه، وجوابه يظهر ممّا ذكرنا حوله، ومن الغريب استشهاده لعمل عائشة بعمل عمر ومعارضته لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في مواقف كثيرة!!

وممّا يؤكّد ما ذكرناه من عدم تماميّة ما تكلّفوا به في بيان وجه المناسبة، أنّ بعضهم- كابن العربي المالكي- التجأ إلي تحريف الحديث حتّي تتمّ المناسبة، فإنّه علي أساس تحريفه تتمّ بكلّ وضوح، لكنّ الكلام في التحريف الذي ارتكبه وسنذكر نصّ عبارته فانتظر.

6- تقديم أبي بكر عمر … ص: 86

ثمّ إنّه قد جاء في بعض الأحاديث تقديم أبي بكر لعمر- بل ذكر ابن حجر أنّ إلحاح عائشة كان بطلبٍ من أبيها أبي بكر «1» - وقد وقع القول من أبي بكر- قوله لعمر: صلّ بالناس- موقع الإشكال كذلك، لأنّه لو كان الآمر بصلاة أبي بكر هو النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فكيف يقول أبو بكر لعمر: صلّ بالناس؟! فذكروا فيه وجوهاً:

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 195.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 87

أحدها ما تأوّله بعضهم علي أنّه قاله تواضعاً.

والثّاني ما اختاره النووي- بعد الردّ علي الأوّل- وهو أنّه قاله للعذر المذكور، أي كونه رقيق القلب كثير

البكاء، فخشي أن لا يُسمع الناس!

والثالث ما احتمله ابن حجر، وهو: أن يكون فهم من الإمامة الصغري الإمامة العظمي، وعلم ما في تحمّلها من الخطر، وعلم قوّة عمر علي ذلك فاختاره «1».

وهذه الوجوه ذكرها الكرماني قائلًا: «فإن قلت: كيف جاز للصدّيق مخالفة أمر الرسول صلّي اللَّه عليه وسلّم ونصب الغير للإمامة؟! قلت: كأنّه فهم أنّ الأمر ليس للإيجاب، أو أنّه قاله للعذر المذكور، وهو أنّه رجل رقيق كثير البكاء لا يملك عينه. وقد تأوّله بعضهم بأنّه قال تواضعاً» «2».

قلت: أمّا الوجه الأوّل فتأويل- وهكذا أوّلوا قوله استخلفه الناس وبايعوه: «ولّيت أمركم ولست بخيركم» «3» - لكنّه- كما تري تأويل لا يلتزم به ذو مسكة، ولذا قال النووي: «وليس كذلك».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 195.

(2) الكواكب الدراري 5/ 70.

(3) طبقات ابن سعد 3/ 136.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 88

وأمّا الوجه الثاني، فقد عرفت ما فيه من كلام النبي.

وأمّا الوجه الثالث، فأظرف الوجوه، فإنّه احتمال أن يكون فهم أبوبكر!! الإمامة العظمي!! وعلم ما في تحمّلها من الخطر؟! علم قوة عمر علي ذلك فاختاره!! ولم يعلم النبي بقوّة عمر علي ذلك فلم يختره!! وإذا كان علم من عمر ذلك فعمر أفضل منه وأحقّ بالإمامة العظمي!!

لكنّ الوجه الوجيه أنّه كان يعلم بأنّ الأمر لم يكن من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وعمر كان يعلم أيضاً بذلك، ولذا قال له في الجواب: «أنت أحقّ بذلك»، وقوله لعمر: «صلّ بالناس» يشبه قوله للناس في السقيفة: «بايعوا أيّ الرجلين شئتم» يعني: عمر وأبا عبيدة.

7- خروجه معتمداً علي رجلين … ص: 88

اشارة

إنّه وإن لم يتعرّض في بعض ألفاظ الحديث لخروج النبي صلّي اللَّه عليه وآله إلي الصلاة أصلًا، وفي بعضها إشارة إليه ولكن بلا ذكرٍ

لكيفيّة الخروج إلّا أنّ في اللفظ المفصّل- وهو خبر عبيداللَّه عن عائشة، حيث طلب منها أن تحدّثه عن مرض رسول اللَّه صلّي اللَّه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 89

عليه وآله وسلّم- جاء: «ثمّ إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم وجد من نفسه خفّةً، فخرج بين رجلين أحدهما العبّاس».

وفي حديث آخر عنها: «وخرج النبي يهادي بين رجلين، كأنّي أنظر إليه يخطّ برجليه الأرض».

وفي ثالث: «فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول اللَّه في نفسه خفّةً، فقام يهادي بين رجلين، ورجلاه تخطّان في الأرض حتّي دخل المسجد».

وفي رابع: «فوجد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من نفسه خفّةً، فخرج وإذا أبو بكر يؤمّ الناس».

وفي خامس: «فخرج أبوبكر فصلّي بالناس، فوجد رسول اللَّه من نفسه خفّةً، فخرج يهادي بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض».

أقول: هنا نقاط نلفت إليها الأنظار علي ضوء هذه الأخبار:

1- متي خرج أبوبكر إلي الصلاة؟ … ص: 89

إنّه خرج إليها والنبي في حال غشوةٍ، لأنّه لمّا وجد في نفسه خفّةً خرج معتمداً علي رجلين.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 90

2- متي خرج رسول اللَّه؟ … ص: 90

إنّه خرج عند دخول أبي بكر في الصلاة، فهل كانت الخفّة التي وجدها في نفسه في تلك اللحظات صدفةً، بأن رأي نفسه متمكّناً من الخروج فخرج علي عادته، أو أنّه خرج عندما علم بصلاة أبي بكر إمّا بإخبار مخبر، أو بسماع صوت أبي بكر؟ إنّه لا فرق بين الوجهين من حيث النتيجة، فإنّه لو كان قد أمر أبابكر بالصلاة في مقامه لما بادر إلي الخروج وهو علي الحال التي وصفتها الأخبار!

3- كيف خرج رسول اللَّه؟ … ص: 90

لم يكن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بقادر علي المشي بنفسه، ولا كان يكفيه الرجل الواحد بل خرج معتمداً علي رجلين، بل إنّهما أيضاً لم يكفياه، فرجلاه كانتا تخطّان في الأرض، وإنّ خروجاً- كهذا- ليس إلّا لأمرٍ يهمّ الإسلام والمسلمين، وإلّا فقد كان معذوراً عن الخروج للصلاة جماعةً، كما هو واضح. فإن كان خروج أبي بكر إلي الصلاة بأمرٍ منه فقد جاء ليعزله، كما كان في قضيّة إبلاغ سورة التوبة حيث أمر أبابكر بذلك ثمّ أمر بعزله وذاك من القضايا الثابتة المتّفق عليها، لكنّه لم يكن بأمرٍ منه للوجوه التي ذكرناها.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 91

4- علي من كان معتمداً؟ … ص: 91

واختلفت الألفاظ التي ذكرناها فيمن كان معتمداً عليه مع الاتّفاق علي كونهما اثنين فمنها: «رجلين أحدهما العبّاس» ومنها:

«رجلين» ومنها: «فقال: انظروا لي من أتّكي ء عليه، فجاءت بريرة، ورجل آخر فاتّكأ عليهما». وهناك روايات فيها أسماء أشخاصٍ آخرين.

ومن هنا اضطربت كلمات الشرّاح فقال النووي بشرح «فخرج بين رجلين أحدهما العبّاس»:

«وفسّر ابن عبّاس الآخر بعليّ بن أبي طالب. وفي الطريق الآخر: فخرج ويد له علي الفضل بن عباس ويد له علي رجلٍ آخر، وجاء في غير مسلم: بين رجلين أحدهما أُسامة بن زيد. وطريق الجمع بين هذا كلّه: أنّهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة صلّي اللَّه عليه وسلّم تارةً هذا وتارةً ذاك وذاك، ويتنافسون في ذلك، وهؤلاءهم خواص أهل بيته الرجال الكبار، وكان العباس رضي اللَّه عنه أكثرهم ملازمة للأخذ بيده الكريمة المباركة صلّي اللَّه عليه وسلّم، أو أنّه أدام الأخذ وإنّما يتناوب الباقون في اليد الاخري وأكرموا العبّاس باختصاصه بيد واستمرارها له، لما له من السنّ والعمومة وغيرهما،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص:

92

ولهذا ذكرته عائشة رضي اللَّه عنها مسمّيً وأبهمت الرجل الآخر، إذ لم يكن أحد الثلاثة الباقين ملازماً في جميع الطريق ولا معظمه، بخلاف العبّاس، واللَّه أعلم» «1».

وفي خبر آخر عند ابن خزيمة عن سالم بن عبيد: «فجاءوا ببريرة ورجل آخر، فاعتمد عليهما ثم خرج إلي الصلاة» «2».

تري أنّ «الرجل الآخر» في جميع هذه الطرق غير مذكور، فاضطرّ النووي إلي ذكر توجيه لذلك، بعد أن ذكر طريق الجمع بين مختلف الأخبار، لئلّا يسقط شي ء منها عن الاعتبار!! بعد أن كانت القضيّة واحدة.

وروي أبو حاتم أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خرج بين جاريتين، فجمع بين الخبرين بأنّه «خرج بين الجاريتين إلي الباب، ومن الباب أخذه العبّاس وعليّ رضي اللَّه تعالي عنهما، حتّي دخلا به المسجد» «3».

لكنّ خبر خروجه بين جاريتين وهم صدر من الذهبي أيضاً «4».

__________________________________________________

(1) المنهاج شرح صحيح مسلم 4/ 117.

(2) عمدة القاري 5/ 188.

(3) عمدة القاري 5/ 188.

(4) عمدة القاري 5/ 190.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 93

وذكر العيني الجمع الذي اختاره النووي قائلًا: «وزعم بعض الناس» ثمّ أشكل عليه بقوله «فإن قلت: ليس بين المسجد وبيته صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم مسافة تقتضي التناوب» فأجاب بقوله «قلت:

يحتمل أن يكون ذلك لزيادةٍ في إكرامه صلّي اللَّه عليه وسلّم أو لالتماس البركة من يده» «1».

وأنت تستشمّ من عبارته «وزعم بعض الناس» ثمّ من الإشكال والجواب عدم ارتضائه لما قاله النووي، وكذلك ابن حجر، فقد ردّ- كما ستعلم- علي ما ذكره النووي فيما جاء في رواية معمر: «ولكنّ عائشة لا تطيب نفساً له بخير» ورواية الزهري: «ولكنّها لا تقدر علي أن تذكره بخير».

والتحقيق: إنّ القضيّة واحدة، و «الرجل الآخر» هو عليٌّ عليه السلام

«ولكن عائشة … » أمّا ما ذكره النووي فقد عرفت ما فيه، وقد أورد العيني ما في رواية معمر والزهري ثمّ قال «وقال بعضهم: وفي هذا ردّ علي من زعم أنّها أبهمت الثاني لكونه لم يتعيّن في جميع المسافة ولا معظمها» قال العيني «قلت: أشار بهذا إلي الردّ علي

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 5/ 188.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 94

النووي ولكنّه ما صرّح باسمه لاعتنائه به ومحاماته له» «1».

قلت: والعيني أيضاً لم يذكر اسم القائل وهو ابن حجر، ولا نصّ عبارته لشدّتها، ولنذكرها كاملةً، فإنّه كما لم يصرّح باسم النووي كذلك لم يصرّح باسم الكرماني الذي اكتفي هنا بأن قال: «لم يكن تحقيراً أو عداوةً، حاشاها من ذلك» «2» وهي هذه بعد روايتي معمر والزهري: «وفي هذا ردّ علي من تنطّع فقال: لا يجوز أن يظنّ ذلك بعائشة، وردّ علي من زعم أنّها أبهمت الثاني لكونه لم يتعينّ في جميع المسافة وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العبّاس، واختصّ بذلك إكراماً له. وهذا توهّم ممّن قاله، والواقع خلافه، لأنّ ابن عبّاس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأنّ المبهم عليّ فهو المعتمد. واللَّه أعلم» «3».

إلّا أنّ من القوم من حملته العصبيّة لعائشة علي أن ينكر ما جاء في رواية معمر والزهري، وقد أجاب عن ذلك ابن حجر حاملًا الإنكار

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 5/ 192.

(2) الكواب الدراري 5/ 52.

(3) فتح الباري 2/ 198.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 95

علي الصحّة فقال: «ولم يقف الكرماني علي هذه الزيادة فعبّر عنها بعبارة شنيعة» «1».

8- حديث صلاته خلف أبي بكر … ص: 95

وحديث أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أئتمّ في تلك الصلاة بأبي بكر- بالإضافة إلي أنّه في نفسه كذب كما سيأتي- دليل

آخر علي علي أنّ أصل القضية- أعني أمره أبابكر بالصلاة- كذب وبيان ذلك في الوجوه الآتية.

9- وجوب تقديم الأقرأ … ص: 95

هذا، وينافي حديث الأمر بالصلاة منه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ما ثبت عنه من وجوب تقديم الأقرأ في الإمامة إذا استووا في القراءة، وفي الصحاح أحاديث متعدّدة دالة علي ذلك، وقد عقد البخاري باب «إذا استووا في القراءة فليؤمّهم أكبرهم» «2».

وذلك، لأنّ أبابكر لم يكن الأقرأ بالإجماع وهذا أيضاً من المواضع المشكلة التي اضطربت فيها كلماتهم.

قال العيني: «واختلف العلماء فيمن هو أولي بالإمامة فقالت

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 198.

(2) صحيح البخاري 1/ 242.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 96

طائفة: الأفقه وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور، وقال أبو يوسف وأحمد وإسحاق: الأقرأ» فأجاب عن الإشكال بعدم التعارض «لأنّه لا يكاد يوجد إذ ذاك قاري ء إلّا وهو فقيه» قال: «وأجاب بعضهم بأنّ تقديم الأقرأ كان في أوّل الإسلام» «1».

وقال ابن حجر بشرح عنوان البخاري المذكور: «هذه الترجمة منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنّ شعبة كان يتوقّف في صحّة هذا الحديث. ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري … قيل: المراد به الأفقه. وقيل: هو علي ظاهره.

وبحسب ذلك اختلف الفقهاء، قال النووي قال أصحابنا:

الأفقه مقدّم علي الأقرأ، ولهذا قدّم النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم أبابكر في الصلاة علي الباقين، مع أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم نصَّ علي أنّ غيره أقرأ منه- كأنّه عني حديث: أقرؤكم ابيّ- قال: وأجابوا عن الحديث بأنّ الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه».

قال ابن حجر «قلت: وهذا الجواب يلزم منه أنّ من نصّ النبي صلّي اللَّه عليه

وسلّم علي أنّه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر،

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 5/ 203.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 97

فيفسد الاحتجاج بأنّ تقديم أبي بكر كان لأنّه الأفقه».

قال: «ثمّ قال النووي بعد ذلك: إنّ قوله في حديث أبي مسعود:

فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُنّه، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم في الهجرة. يدلّ علي تقديم الأقرأ مطلقاً. إنتهي».

قال ابن حجر: «وهو واضح للمغايرة» «1».

أقول: فانظر إلي اضطراباتهم وتمحّلاتهم في الباب، وما ذلك كلّه إلّا دليلًا علي عجزهم عن حلّ الإشكال، وإلّا فأيّ وجهٍ لحمل حديث تقديم الأقرأ علي «صدر الإسلام» فقط؟ أو حمله علي أنّ المراد هو «الأفقه»؟! وهل كان أبو بكر الأفقه حقّاً؟!

وأمّا الوجه الآخر الذي نسبه النووي إلي أصحابه، فقد ردّ عليه ابن حجر وتراهم بالتالي يعترفون بوجوب تقديم الأقرأ أو يسكتون!!

إنّ المتّفق عليه في كتابي البخاري ومسلم أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم كان هو الإمام في تلك الصلاة. وكذا جاء في حديث غيرهما … فهذه طائفة من الأخبار صريحة في ذلك …

وطائفة أُخري فيها بعض الإجمال … كالحديث عند النسائي:

«وكان النبي بين يدي أبي بكر، فصلّي قاعداً، وأبو بكر يصلّي

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 217- 218.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 98

بالناس، والناس خلف أبي بكر». والآخر عند ابن ماجة: «ثمّ جاء رسول اللَّه حتّي جلس إلي جنب أبي بكر حتّي قضي أبو بكر صلاته».

وطائفة ثالثة ظاهرة أو صريحة في صلاته خلف أبي بكر:

كالحديث عند النسائي وأحمد: «إنّ أبابكر صلّي للناس ورسول اللَّه في الصفّ» والحديث عند أحمد: «صلّي رسول اللَّه خلف أبي بكر قاعداً» وعنده أيضاً: «وصلّي النبي خلفه قاعداً».

ومن هنا، كان هذا

الموضع من المواضع المشكلة عند الشرّاح، حيث اضطربت كلماتهم واختلفت أقوالهم فيه؛ قال ابن حجر: «وهو اختلاف شديد» «1».

فابن الجوزي وجماعة أسقطوا ما أفاد صلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خلف أبي بكر عن الإعتبار، بالنظر إلي ضعف سنده، وإعراض البخاري ومسلم عن إخراجه «2». قال ابن عبدالبرّ: «الآثار الصحاح علي أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم هو الإمام» «3» وقال النووي: «وإن كان بعض العلماء زعم أنّ أبابكر كان هو الإمام والنبي

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 197.

(2) لابن الجوزي رسالة في هذا الباب أسماها «آفة أصحاب الحديث في الردّ علي عبدالمغيث» نشرناها لأول مرّة بمقدّمة وتعاليق هامّة سنة 1398.

(3) عمدة القاري 5/ 191.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 99

مقتدٍ به، لكنّ الصواب أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم كان هو الإمام.

وقد ذكره مسلم» «1».

لكن فيه: أنّه إن كان دليل الردّ ضعف السند، فقد عرفت أنّ جميع ما دلّ علي أمره أبابكر بالصلاة ضعيف، وإن كان دليل الردّ إعراض الشيخين، فقد ثبت لدي المحقّقين أنّ إعراضهما عن حديث لا يوهنه، كما أنّ إخراجهما لحديث لا يوجب قبوله. نعم، خصوم ابن الجوزي وجماعته ملتزمون بذلك.

وعبد المغيث بن زهير الحنبلي البغدادي وجماعة قالوا: كان أبوبكر هو الإمام، أخذاً بالأحاديث الصريحة في ذلك، قال الضياء المقدسي وابن ناصر: «صحّ وثبت أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم صلّي خلفه مقتدياً به في مرضه الذي توفّي فيه، ثلاث مرّات، ولا ينكر ذلك إلّا جاهل لا علم له بالرواية» «2».

لكن فيه: أنّها أحاديث ضعيفة جدّاً، ومن عمدتها ما رواه شبابة ابن سوار المدلّس المجروح عند المحقّقين علي أنّ قولهما: «ثلاث

__________________________________________________

(1) المنهاج شرح صحيح مسلم 4/ 113.

(2) عمدة القاري

5/ 191، لعبد المغيث رسالة في هذا الباب، ردّ عليها ابن الجوزي برسالته المذكورة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 100

مرّات» معارض بقول بعضهم «كان مرّتين» وبه جزم ابن حبّان «1» وأمّا رمي المنكرين بالجهل فتعصّب.

والعيني وجماعة علي الجمع بتعدّد الواقعة، قال العيني:

«وروي حديث عائشة بطرقٍ كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وفيه اضطراب غير قادح.

وقال البيهقي: لا تعارض في أحاديثها، فإنّ الصلاة التي كان فيها النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم إماماً هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد، والتي كان فيها مأموماً هي صلاة الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاةٍ صلّاها صلّي اللَّه عليه وسلّم حتّي خرج من الدنيا.

وقال نعيم بن أبي هند: الأخبار التي وردت في هذه القصة كلها صحيحة وليس فيها تعارض، فإنّ النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم صلّي في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد، في إحداهما كان إماماً وفي الأُخري كان مأموماً» «2».

قلت:

أوّلًا: إنّ كلام البيهقي في الجمع أيضاً مضطرب، فهو لا يدري

__________________________________________________

(1) عمدة القاري 5/ 191.

(2) عمدة القاري 5/ 191.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 101

الصلاة التي كان فيها إماماً أهي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد!؟

وكأنّ المهمّ عنده أن يجعل الصلاة الأخيرة- يوم الاثنين- صلاته مأموماً، كي تثبت الإمامة العظمي لأبي بكر بالإمامة الصغري!!

وثانياً: إنّ نعيم بن أبي هند- الذي حكم بصحّة كلّ الأخبار، وجمع كالبيهقي بالتعدّد لكن من غير تعيين، لجهله بواقع الأمر!- رجل مقدوح مجروح لايعتمد علي كلامه، كما تقدّم في محلّه.

وثالثاً: إنّه اعترف بوجود الاضطراب في حديث عائشة، وكذا اعترف بذلك ابن حجر، ثمّ ذكر الاختلاف، وظاهره ترك المطلب علي حاله من دون اختيار، ثمّ أضاف أنّه «اختلف النقل

عن الصحابة غير عائشة، فحديث ابن عبّاس فيه: أنّ أبابكر كان مأموماً وحديث أنس فيه: أنّ أبابكر كان إماماً. أخرجه الترمذي وغيره» «1».

والتحقيق:

إنّ القصّة واحدة لا متعدّدة، فالنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم خرج في تلك الواقعة إلي المسجد ونحّي أبابكر عن المحراب، وصلّي بالناس بنفسه وكان هو الإمام وصار أبوبكر مأموماً وأمّا قبلها فكان هو- صلّي اللَّه عليه وآله- المصلّي بالمسلمين الموجودين في

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 197- 198.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 102

المدينة، أو كان يصلّي بهم أحدهم.

هذا هو التحقيق بالنظر إلي الوجوه المذكورة، وفي متون الأخبار، وفي تناقضات القوم، وفي ملابسات القصّة. ثمّ وجدنا إمام الشافعيّة يصرّح بهذا الذي انتهينا إليه قال ابن حجر: «وقد صرّح الشافعي بأنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم لم يصلّ بالناس في مرض موته في المسجد إلّا مرّة واحدة، وهي هذه التي صلّي فيها قاعداً، وكان أبوبكر فيها أوّلًا إماماً ثمّ صار مأموماً يُسمع الناس التكبير» «1».

اذن، ما صلّي أبو بكر في مكان النبي إلّاصلاةً واحدةً وهي الصّلاة الأخيرة، وقد صار فيها مأموماً!

ثمّ إنّ هذا الذي صرّح به الشافعي من أنّ أبابكر «صار مأموماً يُسمع الناس التكبير» ممّا شقّ علي كثيرٍ من القوم التصريح به، فجعلوا يتّبعون أهواءهم في رواية الخبر وحكاية الحال، فانظر إلي الفرق بين عبارة الشافعي وما جاء مشابهاً لها في بعض الأخبار، وعبارة من قال:

«فكان أبوبكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه وهو جالس، وكان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر».

ومن قال:

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 222- 223.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 103

«فكان أبوبكر يصلّي قائماً، وكان رسول اللَّه يصلّي قاعداً، يقتدي أبوبكر بصلاة رسول اللَّه، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر».

ومن قال:

«فصلّي

قاعداً وأبو بكر يصلّي بالناس، والناس خلف أبي بكر».

ومن قال:

«فكان أبو بكر يأتمّ بالنبي والناس يأتمون بأبي بكر».

ومن قال:

«جاء رسول اللَّه حتي جلس إلي جنب أبي بكر حتّي قضي أبوبكر صلاته».

إنّهم يقولون هكذا كي يوهموا ثبوت نوع إمامة لأبي بكر!! وتكون حينئذٍ كلماتهم مضطربة مشوّشة بطبيعة الحال!! وبالفعل، فقد وقع التوهّم …

واختلف الشرّاح في القضيّة وتوهّم بعضهم فروعاً فقهيّة، كقولهم بصحّة الصلاة بإمامين!!: فقد عقد البخاري: «باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم» وذكر الحديث عن عائشة الذي فيه:

«وكان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يصلّي قاعداً، يقتدي أبو بكر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 104

بصلاة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر» «1».

وقال العيني بعد الحديث «قيل للأعمش: وكان النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته والناس يصلّون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم!».

قال: «استدلّ به الشعبي علي جواز ائتمام بعض المأمومين ببعضٍ، وهو مختار الطبري أيضاً، وأشار إليه البخاري- كما يأتي إن شاء اللَّه تعالي .

وردّ بأنّ أبابكر رضي اللَّه عنه كان مبلّغاً، وعلي هذا، فمعني الاقتداء اقتداؤه بصوته، والدليل عليه أنّه صلّي اللَّه عليه وسلّم كان جالساً وأبوبكر كان قائماً، فكانت بعض أفعاله تخفي علي بعض المأمومين، فلأجل ذلك كان أبوبكر كالإمام في حقهم» «2».

أقول: ولذا شرح السيوطي الحديث في الموطّأ بقوله:

«أي يتعرّفون به ما كان النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم يفعله لضعف

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 252 كتاب الجماعة والإمامة باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم الرقم 681.

(2) عمدة القاري 5/ 190.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 105

صوته عن أن يُسمع الناس تكبير الانتقال، فكان أبو بكر يُسمعهم ذلك»

«1».

ويشهد بذلك الحديث المتقدّم عن جابر: «اشتكي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فصلّينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره».

بل لقد عقد البخاري نفسه: «باب من أسمع الناس تكبير الإمام» وأخرج الحديث تحته «2»!!

10- لا يجوز لأحد التقدّم علي النبي … ص: 105

هذا كلّه، بغضّ النظر عن أنّه لا يجوز لأحد أن يتقدّم علي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، وأمّا بالنظر إلي هذه القاعدة- المسلَّمة كتاباً وسُنّةً- فجميع أحاديث المسألة باطلة. ولقد نصَّ علي تلك القاعدة كبار الفقهاء، منهم: إمام المالكية وأتباعه، وعن القاضي عياض إنّه قول مشهور عن مالك وجماعة أصحابه، قال: وهذا أولي الأقاويل «3»

__________________________________________________

(1) تنوير الحوالك علي موطأ مالك 1/ 156.

(2) صحيح البخاري 1/ 251 كتاب الجماعة والإمامة باب من أسمع الناس تكبير الإمام الرقم 680.

(3) نيل الأوطار 3/ 182.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 106

وقال الحلبي بعد حديث تراجع أبي بكر عن مقامه: «وهذا استدلّ به القاضي عياض رحمه اللَّه علي أنّه لا يجوز لأحد أن يؤمّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، لأنّه لا يصلح للتقدم بين يديه صلّي اللَّه عليه وسلّم، في الصلاة ولا في غيرها، لا لعذرٍ ولا لغيره، ولقد نهي اللَّه المؤمنين عن ذلك، ولا يكون أحد شافعاً له صلّي اللَّه عليه وسلّم، وقد قال: صلّي اللَّه عليه وسلّم: أئمّتكم شفعاؤكم. وحينئذٍ يحتاج للجواب عن صلاته صلّي اللَّه عليه وسلّم خلف عبدالرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه ركعةً، وسيأتي الجواب عن ذلك» «1».

قلت: يشير بقوله: «وقد نهي اللَّه المؤمنين عن ذلك» إلي قوله عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» «2»

وقد تبع في ذلك إمامه مالك بن أنس كما في فتح الباري «3» لكن من الغريب جدّاً قول ابن

العربي المالكي: «المسألة الخامسة قوله تعالي: «لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» أصلٌ في ترك التعرّض لأقوال النبي

__________________________________________________

(1) السيرة الحلبية 3/ 388.

(2) سورة الحجرات 49: 1.

(3) فتح الباري 2/ 223.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 107

صلّي اللَّه عليه وسلّم، وإيجاب أتّباعه والاقتداء به، ولذلك قال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم في مرضه: مروا أبابكر فليصلّ بالناس. فقالت عائشة لحفصة قولي له: إنّ أبابكر رجلٌ أسيف، وإنّه متي يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فمر عليّاً «1» فليصلِّ بالناس، فقال النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّكنّ لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبابكر فليصلّ بالناس.

يعني بقوله: صواحب يوسف الفتنة بالردّ عن الجائز إلي غير الجائز» «2».

أقول: إنّ الرجل يعلم جيّداً بأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم يتمثّل بقوله: «إنّكنّ صواحب يوسف» إلّا لوجود فتنةٍ من المرأتين، فحرّف الحديث من «فمر عمر» إلي «فمر عليّاً» ليتمّ تشبيه

__________________________________________________

(1) فكان الحديث بثلاثة ألفاظ 1- «فمرغيره» 2- «فمر عمر» 3- «فمر علّياً» وهذا من جملة التعارضات الكثيرة الموجودة بين ألفاظ هذه القضيّة الواحدة!! لكنّا نغضّ النظر عن التعرّض له خوفاً من الإطالة إلّا أنّه لا مناص من ذكر الأمر الأغرب من هذا الرجل! وهو التناقض والتعارض الموجود بين هذا الذي نقلناه عن كتابه (أحكام القرآن) وبين الموجود في كتابه الآخر (العواصم من القواصم: 192) حيث يقول في سياق ردّه وطعنه علي الإماميّة!!: «ولا تستغربوا هذا من قولهم، فهم يقولون إن النبي كان مدارياً لهم معيناً لهم علي نفاقٍ وتقية، وأين أنت من قول النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حين سمع قول عائشة: مروا عمر فليصل بالناس-: إنكن لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبابكر فليصلّ بالناس».

(2) أحكام

القرآن 4/ 145.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 108

النبي المرأتين بصويحبات يوسف، لأنّ المرأتين أرادتا الردّ عن الجائز «وهو صلاة أبي بكر!» إلي غير الجائز «وهو صلاة عليّ!».

إذن، جميع أحاديث المسألة باطلة.

أمّا التي دلّت علي صلاة النبي خلف أبي بكر، فواضح جداً.

وأمّا الّتي دلّت علي أنّه كان النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم هو الإمام، فلاشتمالها علي استمرار أبي بكر في الصلاة، وقد صحّ عنه أنّه في صلاته بالمسلمين عندما ذهب رسول اللَّه إلي بني بن عوف ليصلح بينهم لمّا حضر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وهو في الصلاة «استأخر» ثمّ قال: «ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول اللَّه».

وهذا نصّ الحديث عن سهل بن سعد الساعدي.

«إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ذهب إلي بني عمرو ابن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة، فجاء المؤذّن إلي أبي بكر فقال:

أتصلّي للناس فأُقيم؟ قال: نعم. فصلّي أبوبكر. فجاء رسول اللَّه والناس في الصلاة، فتخلّص حتّي وقف في الصفّ، فصفّق الناس، وكان أبوبكر لا يلتفت في صلاته.

فلمّا أكثر الناس التصفيق التفت فرأي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 109

وسلّم، فأشار إليه رسول اللَّه أن امكث مكانك. فرفع أبوبكر يديه فحمد اللَّه علي ما أمره به رسول اللَّه من ذلك، ثمّ استأخر أبوبكر حتي استوي في الصفّ، وتقدّم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فصلّي.

فلمّا انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول اللَّه».

وقد التفت ابن حجر إلي هذا التعارض فقال بشرح الحديث:

«فصلّي أبوبكر، أي: دخل في الصلاة، ولفظ عبد

العزيز المذكور: وتقدّم أبوبكر فكبّر. وفي رواية المسعودي عن أبي حازم:

فاستفتح أبو بكر الصّلاة وهي عند الطبراني.

وبهذا يُجاب عن الفرق بين المقامين، حيث امتنع أبوبكر هنا أن يستمرّ إماماً وحيث استمرّ في مرض موته صلّي اللَّه عليه وسلّم حين صلّي خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرّح به موسي بن عقبة في المغازي، فكأنّه لمّا أن مضي معظم الصلاة حسن الاستمرار، ولمّا أن لم يمض منها إلّا اليسير لم يستمرّ» «1».

وهذا عجيب من ابن حجر!!

فقد جاء في الأحاديث المتقدّمة: «فصلّي» كما في هذا

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 214.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 110

الحديث الذي فسّره ب «أي: دخل في الصلاة»، فانظر منها الحديث الأوّل والحديث السابع من الأحاديث المنقولة عن صحيح البخاري.

بل جاء في بعضها: «فلمّا دخل في الصلاة وجد رسول اللَّه في نفسه خفّة» فانظر الحديث الثامن من أحاديث البخاري.

لكنّ بعض الكذّابين روي في هذا الحديث أيضاً: «فصلّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خلف أبي بكر رضي اللَّه عنه» قال الهيثمي: «رواه الطبراني وفي إسناد الطيراني عبداللَّه بن جعفر ابن نجيح وهو ضعيف جدّاً» «1».

فظهر أن لا فرق ولا يجوز لأبي بكر ولا لغيره من أفراد الأُمّة التقدّم علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لا في الصلاة ولا في غيرها.

11- خطبة النبي بعد الصلاة … ص: 110

ثمّ إنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قام معتمداً علي علي والفضل حتي جلس علي المنبر وعليه عصابة، فحمد اللَّه وأثني عليه وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته، ونهاهم عن التنافس والتباغض،

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 5/ 330 كتاب الخلافة باب الخلفاء الأربعة الرقم 8933.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 111

وودّعهم «1».

12- رأي أميرالمؤمنين في القضيّة … ص: 111

وبعد أن لاحظنا متون الأخبار ومداليلها، ووجدنا التعارض والتكاذب فيما بينها، بحيث لا طريق صحيح للجمع بينها بعد كون القضيّة واحدة واستخلصنا أنّ صلاة أبي بكر في مرض النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم تكن بأمرٍ منه قطعاً فلنرجع إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السّلام، لنري رأيهُ في أصل القضيّة فيكون شاهداً علي ما استنتجناه، ولنري أيضاً أنّ صلاة أبي بكر بأمر من كانت؟؟

لقد حكي ابن أبي الحديد المعتزلي عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني حول ما كان بين أميرالمؤمنين وعائشة، جاء فيه:

«فلمّا ثقل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في مرضه، أنفذ جيش أُسامة وجعل فيه أبابكر وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار، فكان عليٌّ عليه السّلام حينئذٍ بوصوله إلي الأمر- إن حدث برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حدث- أوثق، وتغلّب علي ظنّه أنّ المدينة-

__________________________________________________

(1) جواهر العقدين: 234.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 112

لو مات- لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكليّة، فيأخذه صفواً عفواً، وتتمّ له البيعة فلا يتهيّأ فسخها لو رام ضدٌّ منازعته عليها. فكان من عود أبي بكر من جيش أُسامة- بإرسالها إليه وإعلامه بأنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يموت- ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف.

فنسب عليٌّ عليه السلام إلي عائشة أنّها أمرت بلالًا- مولي أبيها- أن يأمره فليصلّ بالناس،

لأنّ رسول اللَّه كما روي قال: «ليصلّ بهم أحدهم» ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وهو في آخر رمق يتهادي بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّي قام في المحراب- كما ورد في الخبر- ثمّ دخل فمات ارتفاع الضحي، فجعل يوم صلاته حجّةً في صرف الأمر إليه وقال:

أيّكم يطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول اللَّه في الصلاة؟! ولم يحملوا خروج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إلي الصلاة لصرفه عنها، بل لمحافظته علي الصلاة مهما أمكن.

فبويع علي هذه النكتة التي اتهمها عليٌّ عليه السلام علي أنّها ابتدأت منها.

وكان عليٌّ عليه السّلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيراً

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 113

ويقول: إنّه لم يقل صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إنّكنّ لصويحبات يوسف إلّا إنكاراً لهذه الحال وغضباً منها، لأنّها وحفصة تبادرتا إلي تعيين أبويهما، وإنّه استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب، فلم يُجد ذلك ولا أثّر، مع قوّة الداعي الذي كان يدعو إلي أبي بكر ويمهّد له قاعدة الأمر، وتقرّر حاله في نفوس الناس ومن اتّبعه علي ذلك من أعيان المهاجرين والأنصار.

فقلت له رحمه اللَّه: أفتقول أنت إنّ عائشة عيّنت أباها للصلاة ورسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم يعيّنه؟!

فقال: أمّا أنا فلا أقول ذلك، ولكنّ عليّاً كان يقوله، وتكليفي غير تكليفه، كان حاضراً ولم أكن حاضراً» «1».

نتيجة البحث … ص: 113

لقد استعرضنا أهمّ أحاديث القضيّة، وأصحهّا، ونظرنا أوّلًا في أسانيدها، فلم نجد حديثاً منها يمكن قبوله والركون إليه في مثل هذه القضية، فرواة الأحاديث بين «ضعيف» و «مدلّس» و «ناصبيّ» و «عثماني» و «خارجيّ» وكونها في الصحاح لا يجدي، وتلقّي الكلّ

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة

9/ 196- 198.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 114

إياها بالقبول لا ينفع.

ثمّ نظرنا في متونها ومداليلها بغضّ النظر عن أسانيدها، فوجدناها متناقضة متضاربةً يكذّب بعضها بعضاً بحيث لا يمكن الجمع بينها بوجه بعد أن كانت القضيّة واحدة، كما نصّ عليه الشافعي ومن قال بقوله من أعلام الفقه والحديث.

ثمّ رأينا أنّ الأدلّة والشواهد الخارجيّة القويمة تؤكّد علي استحالة أن يكون النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم هو الذي أمر أبابكر بالصلاة في مقامه.

وخلاصة الأمر الواقع: أنّ النبي لمّا مرض كان أبوبكر غائباً بأمر النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حيث كان مع أُسامة بن زيد في جيشه، وكان النبي يصلّي بالمسلمين بنفسه، حتّي إذا كانت الصلاة الأخيرة حيث غلبه الضعف واشتدّ به المرض طلب عليّاً فلم يُدعَ له، فأمر بأن يصلّي بالناس الموجودين بالمدينة أحدهم، فلمّا التفت بأنّ المصلّي بهم أبوبكر خرج معتمداً علي أميرالمؤمنين ورجل آخر- وهو في آخر رمقٍ من حياته- لأن يصرفه عن المحراب ويصلّي بالمسلمين بنفسه- لا أن يقتدي بأبي بكر!- وليعلن بأنّ صلاته لم تكن بأمرٍ منه، بل من غيره!!.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، صلاةأبي بكرفي مرض …، ص: 115

ثمّ رأينا أنّ أميرالمؤمنين عليه السّلام كان يري أنّ الأمر كان من عائشة و «عليٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» «1».

وصلّي اللَّه علي رسوله الأمين، وعلي عليّ أميرالمؤمنين والأئمّة المعصومين، والحمد للَّه ربّ العالمين.

__________________________________________________

(1) كما في الأحاديث الكثيرة المتفق عليها بين المسلمين، أنظر من مصادر أهل السُنّة المعتبرة: سنن الترمذي 5/ 398 كتاب المناقب باب مناقب عليّ بن أبي طالب الرقم 3734، المستدرك 3/ 135 كتاب معرفة الصحابة مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب الرقم 4629، جامع الأُصول 7/ 176 كتاب الفضائل والمناقب

باب فضائل الصحابة مجملًا الرقم 6382، مجمع الزوائد 7/ 476- 477 كتاب الفتن باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما الرقم 12031، تاريخ بغداد 14/ 322 وغيرها.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.