الشوري في الإمامة(8)

اشارة

سرشناسه : حسيني ميلاني، علي 1326 -

عنوان و نام پديدآور : الشوري في الإمامه / تاليف علي الحسيني الميلاني .

مشخصات نشر : قم : حقايق ، 1388.

مشخصات ظاهري : 46 ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله ؛ 8

شابك : 978-964-2501-36-6

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي : مركز الابحاث العقائديه 1421ق = 1379

يادداشت : كتابنامه : به صورت زير نويس

موضوع : شورا (اسلام)

موضوع : خلافت

موضوع : اسلام و دولت

رده بندي كنگره : BP231 /ح 46ش 9 1388

رده بندي ديويي : 297/4832

شماره كتابشناسي ملي : 1810639

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرفه أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 7

المقدمة … ص: 7

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلقه وأشرف بريّته محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد، فقد ثبت في محلّه أنّ الإمامة نيابة عن النبوة، وأن الإمام نائب عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في جميع شئونه الدينيّة والدنيوية إلّاالنبوة، وكما أنّ النبوّة والرسالة تثبت للنبي والرسول من قبل اللَّه سبحانه وتعالي، كذلك الإمامة، لكونها خلافة ونيابة عن النبوّة والرسالة، فنحن إذن بحاجة إلي جعل إلهي، إلي تعريفٍ من اللَّه سبحانه وتعالي، إلي تعيين من قبله بالنصّ، ليكون الشخص نبيّاً ورسولًا، أو ليكون إماماً بعد الرسول، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة، ولو رجعنا إلي العقل، فإنّه يعطينا الملاك، ويقبّح تقديم المفضول علي الفاضل، وعن هذا الطريق أيضاً يستدلّ للإمامة

والولاية والخلافة بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

كما ثبت في محلّه أن لا طريق لتعيين الإمام إلّاالنص، وأن بيعة شخص أو أشخاص وأمثال ذلك، لا تثبت الإمامة للمبايع له.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 8

وعن طريق النص والأفضليّة أثبتنا إمامة أمير المؤمنين والأئمّة الأطهار أيضاً من بعده.

وتبقي نظرية ربّما تطرح في بعض الكتب وفي بعض الأوساط العلميّة والفكريّة، وهي نظرية الشوري، بأن تثبت الإمامة لشخص عن طريق الشوري.

والشوري موضوع بحثنا في هذه الرسالة، لنري ما إذا كان لهذه النظريّة مستند ودليل من الكتاب والسنّة وسيرة رسول اللَّه، أو أنّها نظريّة لا سند لها من ذلك.

وأمّا الشوري والمشورة والتشاور في الأُمور، وفي القضايا الخاصّة أو العامّة، والأُمور الإجتماعية، وفي حلّ المشاكل، فذلك أمر مستحسن مندوب شرعاً وعقلًا وعقلاءاً، لأنّ من شاور الناس فقد شاركهم في عقولهم، ففي مثل هذه القضايا لابدّ وأن يبادر الإنسان للمشورة مع الآخرين، وهذه سيرة جميع العقلاء. وكلامنا في الشوري في الإمامة، أو فقل: الإمامة في الشوري.

ونسأل اللَّه أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضي بمنّه وكرمه.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 9

الإمامة بيد اللَّه سبحانه وتعالي … ص: 9

إنّه وإن أخبر النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عن ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين سلام اللَّه عليه قبل هذا العالم، أخبرنا بأنّ الإمامة والوصاية والخلافة من بعده ثابتة لعلي، بإرادةٍ من اللَّه سبحانه منذ ذلك، هذا الثبوت قبل هذا العالم كان لأمير المؤمنين، كما ثبتت النبوة والرسالة لرسول اللَّه قبل هذا العالم … أخبرنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم عن هذا الموضوع في حديث النور، هذا الحديث المشهور بين الفريقين، إذ قال كما في أحد ألفاظه: «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي

اللَّه تعالي قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق اللَّه آدم، قسّم ذلك النور جزئين، فجزءٌ أنا وجزء علي».

ومن رواة هذا الحديث من أعلام أهل السنّة:

1- أحمد بن حنبل.

2- أبو حاتم الرازي.

3- ابن مردويه الإصفهاني.

4- أبو نعيم الإصفهاني.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 10

5- ابن عبد البر القرطبي.

6- الخطيب البغدادي.

7- ابن عساكر الدمشقي.

8- عبد الكريم الرافعي القزويني، الإمام الكبير عندهم.

9- شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني.

وجماعة غير هؤلاء، يروون هذ الحديث عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، بواسطة عدّة من الصحابة، وبأسانيد بعضها صحيح «1».

وقد اشتمل بعض ألفاظ الحديث علي قوله صلّي اللَّه عليه وآله:

«فجعل فيّ النبوّة وفي علي الخلافة» «2»

، وفي بعضها: «فجعل فيّ الرسالة وفي علي الوصاية» «3».

فإمامة علي ثابتة من ذلك الوقت بحكم هذا الحديث وأمثاله.

__________________________________________________

(1) مناقب علي لأحمد بن حنبل: 178- 179، ح: 251، وعنه المحبّ الطبري في الرياض النضرة 3: 103، وسبط ابن الجوزي في التذكرة: 50- 51، ورواه الحافظ الكنجي في الكفاية: 314 عن ابن عساكر والخطيب البغدادي، ونظم درر السمطين: 7، 78- 79، وفرائد السمطين 1: 39- 44، والمناقب للخوارزمي: 145، والمناقب لابن المغازلي: 87- 89، شرح نهج البلاغة 9: 171.

(2) ابن المغازلي في المناقب.

(3) رواه جماعة، منهم: ابن المغازلي في المناقب، شرح نهج البلاغة 9: 171. تاريخ مدينة دمشق 42: 67.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 11

لكن كلامنا في هذا العالم، فإن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أخبر منذ اليوم الأول من بعثته عن أنّ الإمامة إنّما هي بيد اللَّه سبحانه وتعالي، الإمامة حكمها حكم الرسالة والنبوّة كما ذكرنا، ففي أصعب الظروف وأشدّ الأحوال التي

كان عليها رسول اللَّه في بدء الدعوة الإسلاميّة، عندما خوطب من قبل اللَّه سبحانه وتعالي بقوله: «فَاصْدَع بمَا تُؤْمَرْ» «1»

جعل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يعرض نفسه علي القائل العربية، ففي أحد المواقف حيث عرض نفسه علي بعض القبائل العربيّة ودعاهم إلي الإسلام، طلبوا منه واشترطوا عليه أنّه إن بايعوه وعاونوه وتابعوه أن يكون الأمر من بعده لهم، ورسول اللَّه بأشدّ الحاجة حتي إلي المعين الواحد، حتّي إلي المساعد الواحد، فكيف وقبيلة فيها رجال، أبطال، عدد وعُدّة، في مثل تلك الظروف لمّا قيل له ذلك قال: «الأمر إلي اللَّه … » ولقد كان بإمكانه أن يعطيهم شبه وعد، ويساومهم بشكل من الأشكال، لاحظوا هذا الخبر:

يقول ابن إسحاق صاحب السيرة- وهذا الخبر موجود في سيرة ابن هشام، هذا الكتاب الذي هو تهذيب أو تلخيص لسيرة ابن إسحاق-: إنّه- أي النبي صلي الله عليه و آله و سلم- أتي بني عامر بن صعصعة فدعاهم

__________________________________________________

(1) سورة الحجر: 94.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 12

إلي اللَّه عزّ وجلّ، وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم ويقال له بحيرة بن فراس قال: واللَّه لو أنّي أخذت هذا الفتي من قريش لأكلت به العرب، ثمّ قال: أرأيت إن نحن بايعناك علي أمرك، ثمّ أظهرك اللَّه علي من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأمرُ إلي اللَّه يضعه حيث يشاء»، فقال له: أفتهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك اللَّه كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه «1».

وفي السيرة الحلبيّة: وعرض علي بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك علي أمرك ثمّ أظفرك اللَّه علي من خالفك، أيكون

لنا الأمر من بعدك؟ فقال: «الأمر إلي اللَّه يضعه حيث شاء»، فقال له: أنقاتل العرب دونك، وفي رواية:

أفتهدف نحورنا للعرب دونك، أي نجعل نحورنا هدفاً لنبالهم، فإذا أظهرك اللَّه كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك. وأبوا عليه «2».

هذا، والرسول- كما أشرت- في أصعب الأحوال وأشدّ الظروف، وكلّ العرب وعلي رأسهم قريش يحاربونه ويؤذونه بشتّي أنواع الأذي، يقول: «الأمر إلي اللَّه يضعه حيث يشاء»، وهذا معني قوله تعالي:

__________________________________________________

(1) سيرة ابن هشام 1/ 289.

(2) السيرة الحلبية 2/ 4.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 13

«اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسَالَتَهُ» «1».

ولو راجعتم الآيات الكريمة الواردة في نصب الأنبياء، غالباً مّا تكون بعنوان «الجعل» وما يشابه هذه الكلمة، لاحظوا قوله تعالي:

«إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاس إمَاماً» «2»

هذا في خطاب لإبراهيم عليه السلام، وفي خطاب لداود: «إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَة فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاس» «3».

ومن هذه الآية يستفاد أنّ الحكم بين الناس حكم من أحكام النبوّة والرسالة «إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَة فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ» الحكم من أحكام الخلافة، وليست الخلافة هي الحكومة، وقد أشرت إلي هذا من قبل في بعض البحوث وقلت بأن الخلافة ليست الحكومة، وإنّما الحكومة شأن من شؤون الخليفة، فقد تثبت الخلافة الشرعية لشخص ولا يتمكّن من الحكومة علي الناس ولا يكون مبسوط اليد ولا يكون نافذ الكلمة، إلّاأنّ خلافته محفوظة، كما هو الحال في النبوّة، فما أكثر الأنبياء الذين لم تطعهم الأُمم بل أُوذوا واستشهدوا، ولكنّ ذلك لم يضرّ بنبوّتهم ورسالتهم الإلهيّة، أمّا من تمكّن منهم من الحكومة بين

__________________________________________________

(1) سورة الأنعام: 124.

(2) سورة البقرة: 124.

(3) سورة ص: 26.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 14

الناس فقد قام بالواجب وأدّي المسئوليّة.

وإذا كانت الآيات دالّة علي أنّ النبوّة والإمامة إنّما

تكون بجعل من اللَّه سبحانه وتعالي، فهناك بعض الآيات تنفي أن تكون النبوّة والإمامة بيد الناس، كقوله تعالي: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ويَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ» «1»

، وذيل الآية ربّما يؤيّد هذا المعني، من حيث إنّ القول باشتراك الناس وبمساهمتهم وبدخلهم في تعيين النبوّة لأحد أو تعيين الإمامة لشخص، هذا نوع من الشرك، ولذا نري أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم يصرّح بأنّ الأمر بيد اللَّه، أي ليس بيد النبي، فضلًا عن أن يكون بيد أحد أو طائفة من الناس.

حتّي إذا امر بإنذار عشيرته بقوله تعالي: «وَأَنْذِرْ عَشِيرتَكَ الأقرَبِينَ» «2»

فجمع أقطابهم، فهناك أبلغ الناس بأن الجعل بيد اللَّه، وأخبرهم بالذي حصل الجعل له من اللَّه من بعده «3».

وهكذا كان صلي الله عليه و آله و سلم ينصّ علي علي، وإلي آخر لحظة من حياته المباركة.

__________________________________________________

(1) سورة القصص: 68.

(2) سورة الشعراء: 214.

(3) هذا إشارة إلي حديث الدار في يوم الإنذار، وللكلام حوله مجالٌ آخر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 15

ولم نجد، لا في الكتاب ولا في سنّة رسول اللَّه، دليلًا ولا تلميحاً وإشارة إلي كون الإمامة بيد الناس، بأن ينصبوا أحداً عن طريق الشوري مثلًا، أو عن طريق البيعة والإختيار، ولا يوجد أيّ دليل علي ثبوت الإمامة بغير النصّ.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 16

إمامة أبي بكر لم تكن بالشوري … ص: 16

وتوفي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وآل أمر الخلافة والإمامة إلي ما آل إليه، لقد تفرّق الناس بعد رسول اللَّه، وبدأ الإختلاف والإفتراق بين الأُمّة.

توفي رسول اللَّه وبقيت جنازته علي الأرض، طائفة من المهاجرين والأنصار في بيوتهم، وبعضهم مع علي حول جنازة رسول اللَّه، وبعض الأنصار اجتمعوا في سقيفتهم،

ثمّ التحق بهم عدد قليل من المهاجرين، فوقع هناك ما وقع، وكان ما كان، وأسفرت القضية عن البيعة لأبي بكر، ولم يدّع أحد أنّ هذه البيعة كانت عن طريق الشوري، ولم يكن هناك- في السقيفة- أيّ شوري، بل كان الصياح والسبّ والشتم، والتدافع والتنازع، حتّي كاد سعد بن عبادة- وهو مسجّي بينهم- يموت أو يقتل بين أرجلهم.

وحينئذ، جاء عنوان البيعة إلي جنب عنوان النص، فإذا راجعتم الكتب الكلاميّة عند القوم قالوا: بأنّ الإمامة تثبت إمّا بالنص وإمّا بالبيعة والاختيار. عندما تحقق هذا الشي ء وبهذا الشكل، جعلوا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 17

الاختيار والبيعة طريقاً لتعيين الإمام كالنص.

أمّا عنوان الشوري فلم يتحقّق في السقيفة أصلًا، ولم نسمع من أحد أن يدّعي أنّ القضيّة كانت عن طريق الشوري، وأنّ إمامة أبي بكر ثبتت عن هذا الطريق، لا يقوله أحد ولو قاله لما تمكّن من إقامة الدليل والبرهان علي ما يقول.

وكما ذكرت في البحوث المفصّلة المنتشرة، حتّي في قضيّة أبي بكر، عندما فشل القوم ولم يتمكّنوا من إثبات إمامته عن طريق البيعة والاختيار، حيث ادّعوا الإجماع علي إمامته ولم يتمكّنوا من إثبات ذلك، عادوا واستدلّوا لإمامة أبي بكر بالنص، وقد أوردنا بعض الأحاديث وآية أو آيتين، يستدلّون بها علي إمامة أبي بكر، مع الجواب عنها في موضع آخر بالتفصيل.

وحينئذ، يظهر أنّ البيعة والاختيار أيضاً لا يمكن أن يكون دليلًا علي ثبوت إمامة وتعيين إمام.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 18

إمامة عمر لم تكن بالشوري … ص: 18

ثمّ أراد أبو بكر أن ينصب من بعده عمر بن الخطاب، ولكنْ، حتي آخر لحظة من أيّام أبي بكر، لم يكن عنوان الشوري مطروحاً عنده ولا عند أحد، حتّي أوصي أبو بكر بعمر بن الخطاب من

بعده، فكان كما يروي القاضي أبو يوسف الفقيه الكبير في كتاب الخراج «1» يقول: لمّا حضرت الوفاة أبا بكر، أرسل إلي عمر يستخلفه، فقال الناس:

أتستخلف علينا فظّاً غليظاً، لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ، فماذا تقول لربّك إذا لقيته ولقد استخلفت علينا عمر؟ قال: أتخوّفوني ربّي! أقول:

اللهمّ أمّرت خير أهلك.

هذا النصّ يفيدنا أمرين:

الأمر الأوّل: إنّ إمامة عمر بعد أبي بكر لم تكن بنصٍّ من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ولا بشوري، ولم تكن باختيار، من الناس، بل لقد اعترضوا علي أبي بكر كما تقدّم.

__________________________________________________

(1)

كتاب الخراج: 11.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 19

إذن، لم يكن لإمامة عمر نص من رسول اللَّه، ولم تكن شوري من المسلمين، وإنّما يدّعي أبو بكر الأفضليّة لعمر، يقول للمعترضين:

أقول: اللهمّ أمّرت خير أهلك، والأفضليّة طريق ثبوت الإمام، فهذا النص الذي قرأناه لا دلالة فيه علي تحقّق الشوري فحسب، بل يدلّ دلالةً صريحةً علي مخالفة الناس ومعارضتهم لهذا الذي فعله أبو بكر.

وهو الأمر الثاني.

وهذا النص بعينه موجود في المصنّف لابن أبي شيبة، وفي الطبقات الكبري «1»، وغيرهما «2».

أمّا لو راجعنا المصادر، لوجدنا في بعضها بدل كلمة: الناس، جملة: معشر المهاجرين.

ففي كتاب إعجاز القرآن للباقلاني، وكتاب الفائق في غريب الحديث للزمخشري، وكذا في غيرهما: عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت علي أبي بكر في علّته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئاً يا خليفة رسول اللَّه؟ فقال: أمّا إنّي علي ذلك لشديد الوجع، وما لقيتُ منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عَليَّ من وجعي! إنّي ولّيت أموركم

__________________________________________________

(1) المصنف 7: 485، الطبقات لابن سعد 3/ 199، 274.

(2) تاريخ الطبري 2/ 617- 621، الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة 1/ 223، الفائق

في غريب الحديث 1: 89.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 20

خيركم في نفسي، فكلّكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، واللَّه لتتخذنّ نضائد الديباج وستور الحرير … إلي آخر الخبر «1».

أي إنّكم يا معاشر المهاجرين تريدون الخلافة، وكلّ منكم يريدها لنفسه، لأجل الدنيا، ويخاطب بهذا أبو بكر «المهاجرين»، بدل كلمة «الناس» في النص السابق.

فقال له عبد الرحمن: خفض عليك يا خليفة رسول اللَّه، ولقد تخلّيت بالأمر وحدك، فما رأيت إلّاخيراً.

من هذا الكلام نفهم أمرين أيضاً:

الأمر الأوّل: إنّه كان هذا الشي ء من أبي بكر وحده، فقد تخلّيت بالأمر وحدك.

الأمر الثاني: أنّ عبد الرحمن بن عوف موافق علي ما فعله أبو بكر.

ثمّ جاء في بعض الروايات اسم علي وطلحة بالخصوص، لاحظوا هذا الخبر: قالت عائشة: لمّا حضرت أبا بكر الوفاة، استخلف عمر، فدخل عليه علي وطلحة فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر، قالا:

__________________________________________________

(1) إعجاز القرآن للباقلاني: 156، الفائق في غريب الحديث 1/ 89، أساس البلاغة: 497، النهاية في غريب الحديث 1: 77 و 5: 177، لسان العرب 9: 15 و 12: 634، في مادة «ورم».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 21

فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أقول استخلفت عليهم خير أهلك.

ففي نصّ كلمة: الناس، وفي نصّ كلمة: معشر المهاجرين، وفي نصّ: علي وطلحة، وهذا النص في الطبقات «1».

لكن بعضهم ينقل نفس الخبر ويحذف الاسمين، ويضع بدلهما فلان وفلان، والخبر أيضاً بسند آخر في الطبقات (2).

وفي رواية أُخري: سمع بعض أصحاب النبي بدخول عبد الرحمن و عثمان علي أبي بكر وخلوتهما به، فدخلوا علي أبي بكر فقال قائل منهم … إلي آخر الخبر («2»).

ونفهم من هذا النص أمرين:

الأمر الأول: إنّ أبا بكر لم يشاور أحداً في

هذا الأمر، ولم يعاونه أحد ولم يوافقه أحد، إلّاعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان فقط.

الأمر الثاني: إنّ بعض الأصحاب- من دون اسم- دخلوا حين كان قد اختلا بهما- بعبد الرحمن وعثمان- قال قائلهم له: ماذا تقول لربّك … إلي آخر الخبر.

فالمستفاد من هذه النصوص أمور، من أهمّها أمران:

__________________________________________________

(1) و (2) الطبقات الكبري 3/ 274، تاريخ دمشق 44: 251، كنز العمال 5: 677.

(2) الطبقات الكبري 3: 199.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 22

الأمر الأوّل: إنّه كان لعبد الرحمن بن عوف وعثمان ضلع في تعيين عمر بعد أبي بكر، وإن شئتم التفصيل فراجعوا تاريخ الطبري «1» حتّي تجدوا كيف أشار عبد الرحمن وعثمان علي أبي بكر، وكيف كتب عثمان وصيّة أبي بكر لعمر بن الخطّاب.

الأمر الثاني المهم: إنّ خلافة عمر بعد أبي بكر لم تكن بنصّ من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، ولا برضا من أعلام الصحابة، بل إنّهم أبدوا معارضتهم واستيائهم من ذلك، وإنّما كانت خلافته بوصيّة من أبي بكر فقط.

وإلي الآن، لم نجد ما يفيد طريقيّة الشوري لتعيين الإمام والإمامة، مع ذلك لو تراجعون بعض الكتب المؤلّفة أخيراً، من هؤلاء الذين يُصوّرون أنفسهم مفكّرين وعلماء ومحقّقين، وهكذا تصوّر في حقّهم بعض الناس والتبس عليهم أمرهم!، تجدون هذه الدعوي:

يقول أحدهم في كتاب له باسم فقه السيرة: فشاور أبو بكر قبيل وفاته طائفة من المتقدّمين، ذوو النظر والمشورة من أصحاب رسول اللَّه، فاتّفقت كلمتهم علي أن يعهد بالخلافة إلي عمر بن الخطّاب.

وقد رأيتم من أهمّ مصادرهم- راجعوا طبقات ابن سعد، تاريخ

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 617.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 23

الطبري، وسائر الكتب- لتروا أن لم يكن لأحد دخل

ورأي في هذا الموضوع، بل الكلّ مخالفون، وإنّما عبد الرحمن بن عوف وعثمان فقط بحسب بعض الروايات.

وسنري من خلال الأخبار ومجريات الحوادث: أنّ هناك تواطؤاً وتفاهماً علي أن يكون عثمان بعد عمر، وعلي أن يكون عبد الرحمن بعد عثمان، ويؤكّد هذا الذي قلته النص التالي، فلاحظوا:

إنّ سعيد بن العاص أتي عمر يستزيده [سعيد بن العاص تعرفونه، هذا من بني أميّة، ومن أقرباء عثمان القريبين، الذي ولّاه علي بعض القضايا، وصدر منه بعض الأشياء] في داره التي بالبلاط، وخطّط أعمامه مع رسول اللَّه، فقال عمر: صلّ معي الغداة وغبّش، ثمّ أذكرني حاجتك، قال: ففعلت، حتّي إذا هو انصرف، قلت: يا أمير المؤمنين الحاجة التي أمرتني أن أذكرها لك، قال: فوثب معي ثمّ قال: امض نحو دارك حتّي انتهيت إليها، فزادني وخطّ لي برجله، فقلت: يا أمير المؤمنين، زدني، فإنّه نبتت لي نابتة من ولد وأهل، فقال: حسبك وخبّئ عندك أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك، قال: فمكثت خلافة عمر بن الخطّاب، حتّي استخلف عثمان، فوصلني وأحسن وأقضي حاجتي وأشركني في إمامته … إلي آخر النصّ.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 24

وهذا أيضاً في الطبقات «1». يقول عمر لسعيد بن العاص أن انتظر، سيعطيك ما تريد الذي سيلي الأمر من بعدي، واختبئ عندك هذا الخبر، فليكن عندك السر.

__________________________________________________

(1)

طبقات الكبري 5/ 31، كنز العمال 12: 580، تاريخ مدينة دمشق 21: 119.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 25

متي طرحت فكرة الشوري … ص: 25

إذن، متي جاء ذكر الشوري؟ ومتي طرحت هذه الفكرة؟ في أيّ تاريخ؟ ولماذا؟ وحتّي عمر أيضاً لم تكن عنده هذه الفكرة، وإنّه كان مخالفاً لهذه الفكرة، وإنّما كان قائلًا بالنص والشواهد علي ذلك عديدة:

منها: قوله: لو

كان أبو عبيدة حياً لولّيته «1».

وقوله: لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيّاً لولّيته «2».

وقوله: لو كان معاذ بن جبل حيّاً لولّيته «3».

إذن، ما الذي حدث؟ ولماذا طرحت هذه الفكرة، فكرة الشوري؟

هذه الفكرة طرحت وحدثت بسبب، سأنقله لكم من صحيح

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 18، سير أعلام النبلاء: الجزء 1: 9، وغيرهما، تاريخ مدينة دمشق 58: 404، شرح نهج البلاغة 1: 190.

(2) الطبقات الكبري 3/ 343.

(3) مسند أحمد 1: 18، الطبقات 3: 590، سير أعلام النبلاء 1: 10، 446.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 26

البخاري «1»، وهو أيضاً في: سيرة ابن هشام «2»، وأيضاً في تاريخ الطبري «3»، وأيضاً في مصادر أُخري «4»، وهناك فوارق بين العبارات، وقد تلاعبوا به، لا أتعرّض لتلك الناحية، ولا أبحث عن التلاعب الذي حدث منهم في نقل القصة، وإنّما أذكر النص في صحيح البخاري، لتروا كيف طرحت فكرة الشوري من قبل عمر في سنة 23، والنص طويل، وتأمّلوا في ألفاظه، يقول البخاري:

حدّثنا عبد العزيز بن عبداللَّه، حدّثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب [وهو الزهري عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: كنت [ابن عباس يقول، والقضية أيضاً فيها عبد الرحمن بن عوف كما سترون أقرئ رجالًا من المهاجرين [أقرؤهم يعني القرآن منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمني [القضيّة في الحج، وفي مني بالذات، وفي سنة 23 من الهجرة] وهو عند عمر بن الخطاب [أي: عبد الرحمن بن عوف كان عند عمر بن الخطاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرحمن

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 8: 25، 152.

(2) سيرة ابن هشام 4:

1071.

(3) تاريخ الطبري 2: 445.

(4) مسند أحمد بن حنبل 1: 54، صحيح ابن حبان 2: 146، تاريخ دمشق 30: 280.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 27

فقال: لو رأيت رجلًا أتي أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فو اللَّه ما كانت بيعة أبي بكر إلّافلته فتمّت، فغضب عمر ثمّ قال: إنّي إن شاء اللَّه لقائم العشيّة في الناس، فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.

[لاحظوا القضيّة: عبد الرحمن كان عند عمر بن الخطاب في مني، فجاء رجل وأخبر عمر أنّ بعض الناس كانوا مجتمعين وتحدّثوا، فقال أحدهم: لو قد مات عمر لبايعنا فلاناً، فو اللَّه ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة، في البخاري فلان، وسأذكر لكم الاسم، وهذا دأبهم، يضعون كلمة فلان في مكان الأسماء الصريحة، فقال قائل من القوم: واللَّه لو قد مات عمر لبايعت فلاناً. القائل من؟ وفلان الذي سيبايعه من؟ لبايعت فلاناً، يقول هذا القائل: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمّت، لكن سننتظر موت عمر، لنبايع فلاناً، لمّا سمع عمر هذا المعني غضب، وأراد أن يقوم هناك ويخطب .

قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاء الناس وغوغاءهم، فإنّهم هم الذين يغلبون علي قربك حين تقوم الناس، وأنا أخشي أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها علي مواضعها، فأمهل حتّي تقدم

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 28

المدينة، فإنّها دار الهجرة والسنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكّناً، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها علي مواضعها، فقال عمر: أمّا واللَّه إن شاء

اللَّه لأقومنّ بذلك أوّل مقام أقومه بالمدينة.

[فتفاهما علي أن يسكت عن القضيّة إلي أن يرجعوا إلي المدينة المنوّرة].

قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلنا الرواح حين زاغت الشمس، حتّي أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلي ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطّاب، فلمّا رأيته مقبلًا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر عَلَيّ- سعيد بن زيد- وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟ فجلس عمر علي المنبر، فلمّا سكت المؤذنون قام فأثني علي اللَّه بما هو أهله ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّي قائل لكم مقالة، قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عَليّ. إنّ اللَّه بعث محمّداً صلي الله عليه و آله و سلم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل آية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 29

الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول اللَّه ورجمنا بعده، فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل واللَّه ما نجد آية الرجم في كتاب اللَّه، فيضل بترك فريضة أنزلها اللَّه، والرجم في كتاب اللَّه حقّ علي من زني إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف.

ثمّ إنّا كنّا نقرأ في ما نقرأ من كتاب اللَّه: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم [هذا كان يقرؤه في كتاب اللَّه عمر بن الخطاب، وليس بموجود الآن في

القرآن المجيد، فيكون دليلًا من أدلّة تحريف القرآن ونقصانه، إلّاأن يحمل علي بعض المحامل، وعليكم أن تراجعوا كتاب التحقيق في نفي التحريف ثمّ يقول عمر بن الخطّاب:

ثمّ إنّ رسول اللَّه قال: لا تطروني كما أطري عيسي بن مريم، وقولوا عبد اللَّه ورسوله.

ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلًا منكم يقول: واللَّه لو مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترنّ امرؤ أن يقول: إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك ولكنّ اللَّه وقي شرّها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلًا [تأمّلوا هذه الكلمة] من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا.

وإنّه قد كان من خبرنا حين توفي اللَّه نبيّه صلي الله عليه و آله و سلم أنّ الأنصار

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 30

خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف علينا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلي أبي بكر، فقلت لأبي بكر:

يا أبا بكر، انطلق بنا إلي إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلمّا دنونا منهم، لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم أخذوا أمركم، فقلت: واللَّه لنأتينّهم، فانطلقا حتّي أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلمّا جلسنا قليلًا تشهّد خطيبهم، فأثني علي اللَّه بما هو أهله، ثمّ قال:

أمّا بعد، فنحن أنصار اللَّه، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفّت دافّة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلها،

وأن يحضوننا من الأمر.

فلمّا سكت أردت أن أتكلّم، وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدّ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر: علي رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلّم أبو بكر، فكان هو أحلم منّي وأوقر، واللَّه ما ترك من كلمة أعجبتني في تزوير إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتّي سكت، فقال:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 31

ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين [يعني أبا عبيدة وعمر] فبايعوا أيّهما شئتم، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره ممّا قال غيرها، كان واللَّه لأن أقدّم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر علي قوم فيهم أبو بكر، اللهمّ إلّاأن تسوّل إليّ نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن.

فقال قائل من الأنصار: أنا جذيله المحكك وعذيقها المرجّب، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللّغط وارتفعت الأصوات، حتّي فرقت من الاختلاف.

فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثمّ بايعته الأنصار، ونزونا علي سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل اللَّه سعد بن عبادة.

قال عمر: وإنّا واللَّه ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوي من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلًا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم علي ما لا نرضي، وإمّا نخالفهم فيكون فساد.

فمن بايع رجلًا عن غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة

أن يقتلا».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 32

هذه خطبة عمر بن الخطاب التي أراد أن يخطب بها في مني، فمنعه عبد الرحمن بن عوف، فوصل إلي المدينة، وفي أوّل جمعة خطبها، ولماذا في أوائل الخطبة تعرّض لقضيّة الرجم؟ هذا غير واضح عندي الآن، أمّا فيما يتعلّق ببحثنا، فالتهديد بالقتل للمبايع والمبايع له مكرّر، فقد جاء في أوّل الخطبة وفي آخرها بكلّ صراحة ووضوح: من بايع بغير مشورة من المسلمين هو والذي بايعه يقتلان كلاهما.

أمّا من فلان المبايع؟ وفلان المبايع له؟ وما الذي دعا عمر بن الخطّاب أن يطرح فكرة الشوري، وقد كان قد قرّر أن يكون من بعده عثمان كما قرأنا؟

الحقيقة: إنّ أمير المؤمنين وطلحة والزبير وعمّار وجماعة معهم كانوا في مني، وكانوا مجتمعين فيما بينهم يتداولون الحديث، وهناك طرحت هذه الفكرة أن لو مات عمر لبايعنا فلاناً، ينتظرون موت عمر حتّي يبايعوا فلاناً، ثمّ أضافوا أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، فأُولئك الجالسون هناك، الذين كانوا يتداولون الحديث فيما بينهم قالوا: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، يريدون أنّ تلك الفرصة مضت، وإنّا قد ضيّعنا تلك الفرصة، وخرج الأمر من أيدينا، لكن ننتظر فرصة موت عمر فنبايع فلاناً، قالوا هذا الكلام وفي المجلس من يسمعه، فأبلغ الكلام إلي عمر، وغضب عمر وأراد أن يقوم هناك ويخطب، فمنعه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 33

عبد الرحمن بن عوف من ذلك.

وفي المدينة، اضطرّ الرجل إلي أن يذكر لنا بعض وقائع داخل السقيفة، وإلّا فمن أين كنّا نقف علي ما وقع في داخل السقيفة، وهم جماعة من الأنصار وأربعة أو ثلاثة من المهاجرين، ولابدّ أن يحكي لنا ما وقع في داخل السقيفة أحد الحاضرين، واللَّه

سبحانه وتعالي أجري علي لسان عمر، وجاء في صحيح البخاري بعض ما وقع في قضيّة السقيفة، وإلّا فمن كان يحدّثنا عمّا وقع؟

يقول عمر: إرتفعت الأصوات، كثر اللّغط، حتّي نزونا علي سعد بن عبادة، هذا بمقدار الذي أفصح عنه عمر، أمّا ما كان أكثر من هذا، فاللَّه أعلم به، ما عندنا طريق لمعرفة كلّ ما وقع في داخل السقيفة، والقضية قبل قرون وقرون، ومن يبلّغنا ويحدّثنا، لكن الخبر بهذا القدر أيضاً لو لم يكن في صحيح البخاري فلابدّ وأنّهم كانوا يكذّبون القضيّة.

ثمّ إنّ عمر أيّد قول القائلين إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، لكنه يريد الأمر لمن؟ يريده لعثمان من بعده، فهل يتركهم أن يبايعوا بمجرّد موته غير عثمان؟ فلابدّ وأن يهدّد، فهدّدهم وجاءت الكلمة: فلان وفلان، وليس هناك تصريح في الاسم كما في كثير من المواضع.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 34

بعض جزئيات طرح فكرة الشوري … ص: 34

فلنراجع المصادر- كما هو دأبنا- ونحاول أن نعثر علي جزئيّات القضايا وخصوصيّاتها، من الشروح والحواشي، وإلّا فهم لا يذكرون، فبعد قرون يأتي محدّث، يأتي مورّخ، ويفتح لنا بعض الألغاز، ويكشف لنا بعض الحقائق وبعض الأسرار.

هذا الخبر في صحيح البخاري، في كتاب الحدود، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة، في باب رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت.

والعجيب أن يوضع هذا الخبر تحت هذا العنوان، صحيح أنّ في مقدّمة الخبر ذكر عمر قضيّة رجم الحبلي، ولم أعرف إلي الآن- علي اليقين- وجه ذكر هذه القضيّة أو هذا الحكم أو هذه الآية التي ليست موجودة الآن في القرآن الكريم، إلّاأنّ الخبر كان يقتضي أن يعنونه البخاري بعنوان خاص، أن يجعل له عنواناً بارزاً يخصّه ويجلب النظر إلي القضية، وأمّا أنْ يأتي تحت هذا العنوان، فمن

الذي يطلع عليه؟

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 35

وهذا أيضاً من جملة ما يفعله المحدّثون «1».

هذا في الصفحة 585 إلي 588 من الجزء الثامن من طبعة البخاري، هذه الطبعة التي هي بشرح وتحقيق الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي، هذه الطبعة الموجودة عندي واللَّه أعلم «2».

لنرجع إلي الشروح، فما السبب الذي دعا عمر لأن يطرح فكرة الشوري- ولا أستبعد أن يكون لعبد الرحمن بن عوف ضلع في أصل الفكرة، كما كان في كيفيّة طرحها كما في صريح الخبر- وهذه الفكرة لم تكن لا في الكتاب، ولا في السنّة، ولا في سيرة رسول اللَّه، ولا في سيرة أبي بكر، وحتّي في سيرة عمر نفسه، وحتّي سنة 23، إلي قضيّة مني، نريد أن نعرف من هؤلاء القائلون؟

رجعنا إلي مقدمة فتح الباري، فابن حجر العسقلاني له مقدمة

__________________________________________________

(1) نعم، هذا من جملة أساليبهم، إذا حاولوا عدم اطلاع الناس وعدم انتشار الخبر، أمّا لو أرادوا إذاعته فإنّهم يكرّرون ذكره تحت عناوين مختلفة، وهذا موجود عند البخاري خاصّة في موارد، منها هذا المورد، فقارنوا بين كيفية إيراده وكيفية إيراده- مثلًا- خبر خطبة أمير المؤمنين بنت أبي جهل الموضوع المكذوب، ليظهر لكم جانب آخر من جوانب ظلمهم لأهل البيت وتصرفاتهم في السنة النبوية وحقائق الدين وتاريخ الإسلام.

(2) وهو في ج 8 ص 25 من طبعة دار الفكر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 36

لشرحه علي البخاري، في مجلّد ضخم، في هذه المقدّمة أبواب وفصول، أحد فصولها لتعيين المبهمات، يعني الموارد التي فيها كلمة فلان وفلان، يحاول ابن حجر العسقلاني أن يعيّن مَن فلان، فاستمعوا إليه يقول:

لم يُسمّ القائل [فقال قائل منهم ولا الناقل [لاحظوا نصّ العبارة:] ثمّ وجدته في الأنساب للبلاذري، بإسناد

قوي، من رواية هشام بن يوسف، عن معمَر، عن الزهري بالاسناد المذكور في الأصل [أي في البخاري نفسه ولفظه: قال عمر: بلغني أنّ الزبير قال: لو قد مات عمر بايعنا عليّاً.

هذا الزبير نفسه الذي كان في قضيّة السقيفة في بيت الزهراء، وخرج مصلتاً سيفه، وأحاطوا به، وأخذوا السيف من يده، ينتظر الفرصة، فهو لم يتمكّن في ذلك الوقت أن يفعل شيئاً لصالح أمير المؤمنين وما يزال ينتظر الفرصة.

لاحظوا، هنا أقوال أُخري في المراد من فلان وفلان، لكن السند القوي الذي وافق عليه ابن حجر العسقلاني وأيّده هذا، لكن لاحظوا، هناك أقوال أُخري، وأنا أيضاً لا أنفي الأقوال الأُخري، لأنّ الزبير وعليّاً لم يكونا وحدهما في مني، وإنّما كانت هناك جلسة، وهؤلاء مجتمعون، فكان مع الزبير ومع علي غيرهما من عيون الصحابة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 37

وأعيان الأصحاب.

لاحظوا الأقوال الأُخري، أقرأ لكن نصّ العبارة، يقول ابن حجر العسقلاني:

وقد كرّر في هذا الفصل حديث ابن عباس عن عمر في قصّة السقيفة، فيه: فقال عبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلًا أتي أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين هل لك [إذن، عندنا كلمة: رجلًا] ثمّ هل لك في فلان [هذه كلمة ثانية] يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلاناً.

صار ثلاثة: رجل، فلان، فلان. من هم؟

يقول: في مسند البزّار والجعديات بإسناد ضعيف أنّ المراد بالذي يبايع له طلحة بن عبيداللَّه.

إذن، طلحة أيضاً بحسب هذه الرواية كان ممّن ينتظر فرصة موت عمر لأن يبايع له.

لاحظوا كلام ابن حجر: ولم يسمّ القائل ولا الناقل، ثمّ وجدته بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه قال عمر: بلغني أنّ الزبير قال لو قد مات عمر بايعنا عليّاً … يقول: فهذا أصح.

وفيه: فلمّا

دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، هما عوين بن ساعدة ومعد بن عدي، سمّاهما المصنّف- أي البخاري- في غزوة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 38

بدر، وكذا رواه البزّار في مسند عمر، وفيه ردّ علي من زعم …

ثمّ يقول: وأمّا القائل: قتلتم سعداً فقيل أو قال قائل: قتلتم سعداً، فلم أعرفه، هذا في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري «1».

وفي بعض المصادر: أنّ القائل عمّار بدل الزبير، راجعوا فيه الطبري وابن الاثير.

أمّا ابن حجر نفسه، ففي شرح البخاري، الجزء الثاني عشر، حيث يشرح الحديث- تلك كانت المقدمة أمّا حيث يشرح الحديث- لا يصرّح بما ذكره في المقدّمة، ولا أعلم ما السبب؟ لماذا لم يصرّح البخاري في المتن وفي أصل الكتاب، ولا ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث، بما صرّح به في المقدّمة.

ثمّ إنّه يشرح جملة: هل لك في فلان، فيقول: لم أقف علي اسمه أيضاً، ووقع في رواية ابن إسحاق أنّ من قال ذلك كان أكثر من واحد.

وهذا ما ذكرته لكم من أنّ القول ليس قول شخص واحد، بل أكثر من واحد، لأنّهم كانوا جماعة جالسين جلسة فيما بينهم، وطرحت هذه النظريّة والفكرة في تلك الجلسة، ولذا غضب عمر.

قوله: لقد بايعت فلاناً، هو طلحة بن عبيداللَّه، أخرجه البزّار من

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 337.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 39

طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه. إنتهي.

أمّا خبر البلاذري الذي هو أصحّ وقد روي بسند قوي، فلا يذكره في شرح الحديث، فراجعوا «1».

لكن عندما نراجع القسطلاني في شرح الحديث، نجده ينقل ما ذكره ابن حجر في المقدمة في شرح الحديث، في الجزء العاشر من إرشاد الساري، لاحظوا هناك يقول: لو قد مات عمر

لبايعت فلاناً: قال في المقدمة، يعني قال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري: في مسند البزّار والجعديات بإسناد ضعيف: إنّ المراد … قال ثمّ وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالاسناد المذكور في الأصل ولفظه: قال عمر بلغني إنّ الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا عليّاً … الحديث، وهذا أصحّ «2».

ويقول القسطلاني: وقال في الشرح: قوله: لقد بايعت فلاناً هو طلحة بن عبيداللَّه، أخرجه البزّار، قرأنا هذا من شرح البخاري لابن حجر، ثمّ ذكر: «قال بعض الناس: لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلاناً، يعنون طلحة بن عبيداللَّه، ونقل ابن بطال عن المهلّب أنّ الذي

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح البخاري 12/ 128.

(2) إرشاد الساري شرح صحيح البخاري 14/ 279.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 40

عنوا أنّهم يبايعونه رجل من الأنصار، ولم يذكر مستنده» وهذه إضافة في شرح القسطلاني.

وأمّا إذا راجعتم شرح الكرماني، تجدونه لا يتعرّض لشي ء من هذه القضايا أصلًا، وإنّما ذكر أنّ كلمة «لو» حرف يجب أن تدخل علي فعل فلماذا دخلت لو علي حرف آخر «لو قد مات»؟ هذا ما ذكره الكرماني في شرح الحديث «1»، وكأنّه ليس هناك شي ء أبداً.

وأمّا العيني- هذا العيني دائماً يتعقب ابن حجر العسقلاني، لأنّ العسقلاني شافعي، والعيني حنفي، وبين الشوافع والحنفيّة خاصّة في المسائل الفقهيّة خلاف شديد ونزاعات كثيرة ولكن ليس هنا أيّ تعقيب، وحتّي أنّه لم يتعرّض للحديث الذي ذكره ابن حجر العسقلاني، وإنّما ذكر رأي غيره فلم يذكر شيئاً عن ابن حجر أصلًا، وإنّما جاء في شرح العيني: «قوله: لو قد مات عمر، كلمة قد مقحمة، لأنّ لو يدخل علي الفعل، وقيل

قد في تقدير الفعل، ومعناه لو تحقّق موت عمر. قوله لقد بايعت فلاناً، يعني طلحة بن عبيداللَّه، وقال الكرماني: هو رجل من الأنصار، كذا نقله ابن بطال عن المهلّب، لكن لم يذكر مستنده في ذلك». وهذا غاية ما ذكره العيني الحنفي في

__________________________________________________

(1) البخاري بشرح الكرماني 23: 212.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 41

شرح البخاري «1».

فإلي الآن، عرفنا لماذا طرحت فكرة الشوري؟ وكيف طرحت؟

طرحت مع التهديد بالقتل، بقتل المبايع والمبايَع.

__________________________________________________

(1) عمدة القاري- شرح صحيح البخاري 24: 11.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 42

تطبيق عمر لفكرة الشوري … ص: 42

وبعد أن أعلن عمر عن هذه الفكرة، لابدّ وأن يطبّقها، إلّاأنّه يريد عثمان من أوّل الأمر، وقد بني علي أن يكون هو لا غيره من بعده، غير أنّه من أجل التغلّب علي الآخرين ومنعهم من تنفيذ مشروعهم، طرح فكرة الشوري وهدّدهم بالقتل لو بايعوا من يريدونه ولا يريد عمر.

إذن، لا بدّ في مقام التطبيق من أن يطبّق الشوري، بحيث تنتهي إلي مقصده، وهي مع ذلك شوري!

فجعل الشوري بين ستّة عيّنهم هو، لا يزيدون ولا ينقصون، علي أن يكون الخليفة المنتخب واحداً من هؤلاء فقط، ولو اتّفق أكثرهم علي واحد منهم وعارضت الأقليّة ضربت أعناقهم، ولو اتّفق ثلاثة منهم علي رجل وثلاثة علي آخر كانت الكلمة لمن؟ لعبد الرحمن بن عوف، ومن خالف قتل، ومدّة المشاورة ثلاثة أيّام، فإن مضت ولم يعيّنوا أحداً قتلوهم عن آخرهم، وصهيب الرومي هو الرقيب عليهم، وهناك خمسون رجلًا واقفون بأسيافهم، ينتظرون أن يخالف أحدهم فيضربوا عنقه بأمر من عبد الرحمن بن عوف.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 43

وفي التواريخ والمصادر كالطبقات وغيرها، جعل الأمر بيد عبد الرحمن بن عوف، وعليه أن يدبّر القضيّة كما

يريد عمر بن الخطّاب، وكما اتفق معه عليه، إنّه يعلم برأي علي في خلافة الشيخين، ويعلم مخالفته لسيرتهما، فجاء مع علمه بهذا واقترح علي علي أن يكون خليفة بشرط أن يسير بالناس علي الكتاب والسنّة وسيرة الشيخين، يعلم بأنّ عليّاً سوف لا يوافق، أمّا عثمان فسيوافق في أوّل لحظة، فطرح هذا الأمر علي علي، فأجاب علي بما كان يتوقّعه عبد الرحمن، من رفض الالتزام بسيرة الشيخين، وطرح الأمر علي عثمان فقبل عثمان، أعادها مرّة، مرّتين، فأجابا بما أجابا أوّلًا.

فقال علي لعبد الرحمن: أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عنّي.

فبايع عبد الرحمن عثمان.

فقال علي لعبد الرحمن: واللَّه ما ولّيت عثمان إلّاليردّ الأمر إليك أو عليك.

فقال له: بايع وإلّا ضربت عنقك.

فخرج علي من الدار.

فلحقه القوم وأرجعوه حتّي ألجأوه علي البيعة «1».

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 12: 265، تاريخ الطبري 3: 297، تاريخ المدينة 3: 930.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 44

وهكذا تمّت البيعة لعثمان طبق القرار، ولكن هل بقي عثمان علي قراره مع عبد الرحمن؟ إنّه أرادها لبني أميّة، يتلقّفونها تلقّف الكرة، فثار ضدّ عثمان كلّ أولئك الّذين كانوا في مني وعلي رأسهم طلحة والزبير، اللذين كانت لهما اليد الواسعة الكبيرة العالية في مقتل عثمان، لانّهما أيضاً كانا يريدان الأمر، وقد قرأنا في بعض المصادر أنّ بعض القائلين قالوا لو مات عمر لبايعنا طلحة، وطلحة يريدها وعائشة أيضاً تريدها له، ولذا ساهمت في الثورة ضدّ عثمان.

أمّا عبد الرحمن بن عوف، فهجر عثمان وماتا متهاجرين، أي لا يكلّم أحدهما الآخر حتّي الموت، لأنّ عثمان خالف القرار، وقد تعب له عبد الرحمن بأكثر ما أمكنه من التعب، وراجعوا المعارف لابن قتيبة، فيه عنوان المتهاجرون، أي الذين انقطعت بينهم الصلة وحدث

بينهم الزَعَل بتعبيرنا، ومات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان.

وهكذا كانت الشوري، فكرة لحذف علي.

كما أنّ معاوية طالب بالشوري عند خلافة علي ومبايعة المهاجرين والأنصار معه، طالب بالشوري، لماذا؟ لحذف علي، أراد أن يدخل من نفس الباب الذي دخل منه عمر، ولكنّ عليّاً كتب إليه:

إنّما الشوري للمهاجرين والأنصار، وأنت لست من الأنصار وهذا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، الشوري في الإمامة، ص: 45

واضح، ولست من المهاجرين، لأنّ الهجرة لمن هاجر قبل الفتح، ومعاوية من الطلقاء ولا هجرة بعد الفتح، فأراد معاوية أن يستفيد من نفس الأسلوب لحذف علي، ولكنّه ما أفلح.

وكلّ من يطرح فكرة الشوري، يريد حذف النص، كلّ من يطرح الشوري في كتاب، في بحث، في مقالة، في خطابة، يريد حذف علي، لا أكثر ولا أقل.

وصلّي اللَّه علي محمّد وآله الطاهرين

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.