حديث الاقتدا بالشيخين

اشارة

سرشناسه: حسيني ميلاني، علي، 1327 -

عنوان قراردادي: حديث الاقتدا بالشيخين. فارسي

عنوان و نام پديدآور: حديث اقتدار به شيخين در ترازوي نقد/علي حسيني ميلاني؛ ترجمه هيئت تحريريه مركز حقايق اسلامي.

مشخصات نشر: قم: الحقايق، 1386.

مشخصات ظاهري: 126 ص.

فروست: سلسله پژوهش هاي اعتقادي؛ 8.

شابك: 978-964-2501-64-9

وضعيت فهرست نويسي: فيپا

يادداشت: فارسي - عربي.

يادداشت: كتابنامه: ص. 117 - 126؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع: احاديث خاص (اقتدا) -- نقد و تفسير.

موضوع: اهل سنت -- دفاعيه ها و رديه ها.

موضوع: شيعه -- دفاعيه ها و رديه ها.

موضوع: خلفاي راشدين.

شناسه افزوده: مركز الحقايق الاسلاميه.

رده بندي كنگره: BP145 / ‮الف 70422 ح5 1386

رده بندي ديويي: 297/218

شماره كتابشناسي ملي: 1192072

المقدمة … ص: 7

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين.

وبعد، فلا يخفي أنّ السُنّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي عند المسلمين- وإن وقع الخلاف بينهم في طريقها، فمنها بعد القرآن الكريم تستخرج الأحكام الإلهية، واصول العقائد الدينية، والمعارف الفذّة، والأخلاق الكريمة، بل فيها بيان ما أجمله الكتاب، وتفسير ما أبهمه، وتقييد ما أطلقه، وإيضاح ما أغلقه.

فنحن مأمورون باتّباع السُنّة والعمل بما ثبت منها، ومحتاجون إليها في جميع الشؤون ومناحي الحياة، الفردية والاجتماعيّة إلّاأنّ الأيدي الأثيمة قد تلاعبت بالسُنّة الشريفة حسب أهوائها وأهدافها وهذا أمر ثابت يعترف به الكلّ.

ولهذا وذاك انبري علماء الحديث لتمييز الصحيح من السقيم،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 8

والحقّ من الباطل فكانت كتب (الصحاح) وكتب (الموضوعات) ولكنّ الحقيقة هي تسرّبُ الأغراض والدوافع الباعثة إلي الاختلاق والتحريف علي المعايير التي اتخذوها للتمييز والتمحيص فلم تخل (الصحاح) من الموضوعات والأباطيل،

ولم تخل (الموضوعات) من الصحاح والحقائق وهذا ما دعا آخرين إلي وضع كتبٍ تكلّموا فيها علي ما اخرج في الصحاح واخري تعقّبوا فيها ما أُدرج في الموضوعات وقد تعرّضنا لهذا في بعض بحوثنا المنشورة..

وحديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح وقال بصحّته غيرهم تبعاً لهم ومن ثمّ استندوا إليه في البحوث العلميّة.

ففي كتب العقائد في مبحث الإمامة جعلوه من أقوي الحجج علي إمامة أبي بكر وعمر بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

وفي الفقه. استدلّوا به لترجيح فتوي الشيخين في المسألة إذا خالفهما غيرهما من الأصحاب.

وفي الاصول في مبحث الإجماع يحتجّون به لحجّية اتّفاقهما وعدم جواز مخالفتهما فيما اتّفقا عليه.

فهل هو حديث صحيح حقّاً؟

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 9

لقد تناولنا هذا الحديث بالنقد، فتتبّعنا أسانيده في كتب القوم، ودقّقنا النظر فيها علي ضوء كلمات أساطينهم، ثم عثرنا علي تصريحاتٍ لجماعة من كبار أئمّتهم في شأنه، ثم كانت لنا تأمّلات في معناه ومتنه.

فإلي أهل الفضل والتحقيق هذه الصفحات اليسيرة المتضمّنة تحقيق هذا الحديث في ثلاثة فصول واللَّه أسأل أن يهدينا إلي صراطه المستقيم، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنّه خير مسؤول.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 11

(1)

نظرات في أسانيد حديث الاقتداء … ص: 11

اشارة

إنّ حديث الاقتداء من الأحاديث المشهورة في فضل الشيخين، فقد رووه عن عدّةٍ من الصحابة وبأسانيد كثيرة.. لكن لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مطلقاً، ولم يخرج في شي ء من الصحاح عن غير حذيفة وعبداللَّه بن مسعود، وقد ذهب غير واحدٍ من أعلام القوم إلي عدم قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب، وكثيرون منهم إلي عدم صحّة ما أعرض عنه أرباب الصحاح.

وعلي ما

ذكر يسقط حديث الاقتداء مطلقاً أو ما كان من حديث غير ابن مسعود وحذيفة.

لكنّا ننظر في أسانيد هذا الحديث عن جميع من روي عنه من الصحابة، إلّا أنّا نهتمّ في الأكثر بما كان من حديث حذيفة وابن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 12

مسعود، ونكتفي في البحث عن حديث الآخرين بقدر الضرورة فنقول:

لقد رووا هذا الحديث عن:

1- حذيفة بن اليمان.

2- عبداللَّه بن مسعود.

3- أبي الدرداء.

4- أنس بن مالك.

5- عبداللَّه بن عمر.

6- جدّة عبداللَّه بن أبي الهذيل.

ونحن نذكر الإسناد إلي كلّ واحدٍ منهم، وننظر في رجاله:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 13

حديث حذيفة … ص: 13

رواه أحمد بن حنبل، قال:

«حدّثنا سفيان بن عيينة، عن زائدة، عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، قال:

اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1».

وقال أيضاً:

«حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبدالملك بن عمير، عن مولي لربعي عن ربعي، عن حذيفة قال: كنا عند النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم جلوساً فقال: إنّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذَين من بعدي- وأشار إلي أبي بكر وعمر- وتمسكوا بعهد عمار وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه» «2».

ورواه الترمذي حيث قال:

«حدّثنا الحسن بن الصباح البزّار، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 6/ 528 حديث حذيفة بن اليمان الرقم 22734.

(2) مسند أحمد 6/ 533 حديث حذيفة بن اليمان الرقم 22765.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 14

زائدة عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي هو ابن حراش عن حذيفة، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلَّم: اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر.

وفي الباب عن ابن مسعود.

قال أبو عيسي «هذا حديث حسن».

وروي سفيان الثوري

هذا الحديث عن عبدالملك بن عمير عن مولي لربعي، عن ربعيّ، عن حذيفة، عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم».

«حدّثنا أحمد بن منيع وغير واحد، قالوا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالملك بن عمير، نحوه».

«وكان سفيان بن عيينة يدلّس في هذا الحديث، فربَّما ذكره عن زائدة عن عبدالملك بن عمير، وربّما لم يذكر فيه عن زائدة».

«قال أبو عيسي هذا حديث حسن وفيه عن ابن مسعود.

وروي هذا الحديث إبراهيم بن سعد، عن سفيان الثوري، عن عبدالملك بن عمير، عن هلال مولي ربعي، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم» «1».

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 374- 375 كتاب المناقب باب في مناقب أبي بكر وعمر كليهما الرقم 3682.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 15

وقال:

«حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن عبدالملك بن عمير، عن موليً لربعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: كنّا جلوساً … » «1».

ورواه ابن ماجة بسنده:

«عن عبدالملك بن عمير، عن موليً لربعي بن حراش، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّي لا أدري ما قدر بقائي فيكم … » «2».

ورواه الحاكم بإسناده:

«عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنهما، قال: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إقتدوا باللذَين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد».

وعنه، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة رضي اللَّه عنه، قال:

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 439 كتاب المناقب باب مناقب عمار بن ياسر الرقم 3825.

(2) سنن ابن ماجة 1/ 117- 118 باب في فضائل اصحاب رسول اللَّه فضل أبي بكر

الصديق الرقم 97.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 16

«قال رسولُ اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وإذا حدّثكم ابن امّ عبد فصدّقوه».

وعنه:

«عن هلال مولي ربعي بن حراش، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة رضي اللَّه عنه، أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر».

وبإسناده:

«عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد».

ثمّ قال الحاكم: «هذا حديثٌ من أجلِّ ما روي في فضائل الشيخين، وقد أقام هذا الإسناد عن الثوري ومسعر: يحيي الحمّاني.

وأقامه أيضاً عن مسعر: وكيع وحفص بن عمر الابّلي «1» ثم قصر بروايته

__________________________________________________

(1) لقد اقتصرنا في النقد علي الكلام حول «عبدالملك بن عمير» الذي عليه مدار هذاالحديث الذي بذل الحاكم جهداً في تصحيحه فكان أكثر حرصاً من الشيخين علي رواية ما وصفه ب «أجلّ ما روي في فضائل الشيخين» وإلّا فإنّ «حفص بن عمر الأبلي» هذا مثلًا أدرجه ابن عديّ في الكامل في الضعفاء وروي عنه حديث الاقتداء ثم قال: «أحاديثه كلّها إمّا منكر المتن، أو منكر الإسناد وهو إلي الضعف أقرب» الكامل 3/ 288.

و «يحيي الحمّاني» قال الحافظ الهيثمي بعد أن روي الحديث عن الترمذي والطبراني في الأوسط: «وفيه يحيي بن عبدالحميد الحمّاني وهو ضعيف» مجمع الزوائد 9/ 484- 485 كتاب المناقب باب فضل عمار بن ياسر وأهل بيته الرقم 15606.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 17

عن ابن عيينة: الحميدي وغيره، وأقام الإسناد عن ابن

عيينة: إسحاق ابن عيسي بن الطبّاع.

فثبت بما ذكرنا صحّة هذا الحديث وإن لم يخرجاه» «1».

نقد السند:

1- هذه أشهر طرق هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان، ويري القاري ء الكريم أنّها جميعاً تنتهي إلي

- «عبدالملك بن عمير» وهو رجلٌ مدلِّس، ضعيفٌ جدّاً، كثير الغلط، مضطرب الحديث جدّاً:

قال أحمد: «مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته، ما أري له

__________________________________________________

(1) المستدرك 3/ 79- 80 كتاب معرفة الصحابة أبو بكر بن أبي قحافة الأرقام 4451- 4455.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 18

خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها» «1».

وقال إسحاق بن منصور: «ضعّفه أحمد جدّاً» «2».

وقال أحمد أيضاً: «ضعيف يغلط» «3».

أقول: فمن العجيب جدّاً رواية أحمد في مسنده حديث الاقتداء وغيره عن هذا الرجل الذي يصفه بالضعف والغلط، وقد جَعَلَ المسند حجّةً بينه وبين اللَّه!!

وقال ابن معين: «مخلط» «4».

وقال أبو حاتم: «ليس بحافظٍ، تغيّر حفظه» «5».

وقال أيضاً: «لم يوصف بالحفظ» «6».

وقال ابن خراش: «كان شعبة لا يرضاه» «7».

وقال الذهبيّ: «وأمّا ابن الجوزي فذكره، فحكي الجرح وما ذكر التوثيق» «8».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 6/ 360 وغيره.

(2) تهذيب التهذيب 6/ 360 ميزان الاعتدال 4/ 406.

(3) ميزان الاعتدال 4/ 406.

(4) ميزان الاعتدال 4/ 406، تهذيب التهذيب 6/ 360.

(5) ميزان الاعتدال 4/ 406.

(6) تهذيب التهذيب 6/ 360.

(7) ميزان الاعتدال 4/ 406.

(8) ميزان الاعتدال 4/ 406.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 19

وقال ابن حجر العسقلاني: كان مدلّساً «1».

وعبدالملك- هذا- هو الذي ذَبَح عبداللَّه بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي وهو رسول الحسين عليه السلام إلي أهل الكوفة، فإنّه لمّا رمي بأمر ابن زياد من فوق القصر وبقي به رمق أتاه عبدالملك ابن عمير فذبحه، فلمّا عيب ذلك عليه قال: إنّما أردت أن

اريحه» «2»!

2- ثمّ إنّ (عبدالملك بن عمير) لم يسمع هذا الحديث من (ربعي بن حراش) و (ربعي) لم يسمع من (حذيفة بن اليمان) ذكر ذلك المناوي حيث قال: «قال ابن حجر: اختلف فيه علي عبدالملك، وأعلّه أبو حاتم، وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ، لأنَّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة. لكن له شاهد» «3».

قلت: الشاهد إن كان حديث ابن مسعود كما هو صريح الحاكم والمناوي فستعرف ما فيه. وإن كان حديث حذيفة بسندٍ آخر عن ربعي فهو ما رواه الترمذي بقوله:

«حدّثنا سعيد بن يحيي بن سعيد الاموي، حدثنا وكيع، عن

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 618.

(2) تلخيص الشافي 3/ 33- 35، روضة الواعظين: 1/ 177- 178، مقتل الحسين: 186.

(3) فيض القدير 2/ 72- 73.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 20

سالم بن العلاء المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: كنّا جلوساً عند النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم فقال: إنّي لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا بالَّلذين من بعدي، وأشار إلي أبي بكر وعمر» «1».

ورواه ابن حزم بقوله:

«وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا، عن القاضي أبي الوليد بن الفرضي، عن ابن الدَّخيل، عن العقيلي، ثنا محمّد بن إسماعيل، ثنا محمّد بن فضيل، ثنا وكيع، ثنا سالم المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش وأبي عبداللَّه- رجل من أصحاب حذيفة-، عن حذيفة» «2».

سند هذا الحديث … ص: 20

وفي هذا السند:

1- «سالم بن العلاء المرادي» وعليه مداره.

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 375 كتاب المناقب باب في مناقب أبي بكر وعمر كليهما الرقم 3683.

(2) الإحكام في اصول الأحكام 6/ 809.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 21

قال ابن حزم بعد أن روي الحديث كما

تقدّم: «سالم ضعيف».

وفي «ميزان الاعتدال»: «ضعّفه ابن معين والنسائي» «1».

وفي «الكاشف»: «ضعّف» «2».

وفي «تهذيب التهذيب»: «قال الدوري عن ابن معين: ضعيف الحديث» «3».

وفي «لسان الميزان»: «وذكره العقيلي وضعّفه ابن الجارود» «4».

2- «عمرو بن هرم» ضعَّفه يحيي القطّان «5».

3- «وكيع بن الجرّاح» وهو مقدوح «6».

ثم إنّ في سند الحديث عن حذيفة في أكثر طرقه «مولي ربعي ابن حراش» وهو مجهول، كما نصَّ عليه ابن حزم.

وقد سُمّي هذا المولي في بعض الطرق ب «هلال» وهو أيضاً

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3/ 166.

(2) الكاشف 1/ 297.

(3) تهذيب التهذيب 3/ 383.

(4) لسان الميزان 3/ 8.

(5) ميزان الاعتدال 5/ 349.

(6) ميزان الاعتدال 7/ 127.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 22

مجهول، قال ابن حزم: «وقد سمّي بعضهم المولي فقال: هلال مولي ربعي، وهو مجهول لا يعرف من هو أصلًا» «1».

حديث ابن مسعود … ص: 22

رواه التّرمذي حيث قال:

«حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيي بن سلمة بن كهيل، حدَّثني أَبي، عن أَبيه، عن سلمة بن كهيل، عن أَبي الزَّعراء، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي من أَصحابي: أَبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكُوا بعهد ابن مسعود» «2».

والحاكم حيث قال- بعد أَن أَخرج الحديث عن حذيفة-:

«وقد وجدنا له شاهداً بإسنادٍ صحيح عن عبداللَّه بن مسعود حدَّثنا أَبو بكر بن إسحاق، أَنبأ عبداللَّه بن أَحمد بن حنبل، ثنا إبراهيم ابن إسماعيل بن يحيي بن سلمة بن كهيل، ثنا أَبي، عن أَبيه، عن أَبي الزعراء، عن عبداللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه

__________________________________________________

(1) الإحكام في اصول الأحكام 6/ 809.

(2) سنن الترمذي 5/ 442 كتاب المناقب باب مناقب عبداللَّه بن مسعود الرقم 3831.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

حديث الإقتدابالشيخين، ص: 23

صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي: أَبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكُوا بعهد ابن مسعود» «1».

نقد السند:

1- لقد صرّح الترمذي بغرابته وقال: «لا نعرفه إلّا من حديث يحيي بن سلمة بن كهيل» ثم ضعَّف الرجل، وهذا نصّ كلامه:

«هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود، لا نعرفه إلّا من حديث يحيي بن سلمة بن كهيل، ويحيي بن سلمة يضعَّف في الحديث» «2».

2- في هذا الإسناد: «يحيي بن سلمة بن كهيل» وهو رجل ضعيف، متروك، منكر الحديث، ليس بشي ء:

قال التّرمذي: «يضعَّف في الحديث».

وقال المقدسي: «ضعّفه ابن معين؛ وقال أَبو حاتم: ليس بالقويّ. وقال البخاري: في حديثه مناكير. وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال الترمذي: ضعيف» «3».

__________________________________________________

(1) مستدرك الحاكم 3/ 80 كتاب معرفة الصحابة أبو بكر بن أبي قحافة الرقم 4456.

(2) سنن الترمذي 5/ 442 كتاب المناقب باب مناقب عبداللَّه بن مسعود الرقم 3831.

(3) الكمال في أسماء الرجال- مخطوط- تهذيب الكمال 31/ 362- 363.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 24

وقال الذهبي: «ضعيف» «1».

وقال ابن حجر: «وذكره ابن حبّان أَيضاً في الضعفاء فقال: منكر الحديث جدّاً، لا يحتجّ به. وقال النسائي في الكني: متروك الحديث. وقال ابن نمير: ليس ممّن يكتب حديثه. وقال الدار قطني:

متروك، وقال مرّةً: ضعيف. وقال العجلي: ضعيف الحديث … » «2».

3- وفيه: «إسماعيل بن يحيي بن سلمة» وهو رجلٌ ضعيفٌ متروك: قال الدار قطني: «متروك» ونقل ابن الجوزي عن الازدي أنه قال: «متروك» «3».

4- وفيه: «إبراهيم بن إسماعيل بن يحيي» وهو ليّن، متروك، ضعيف، مدلِّس:

قال الذهبي: «ليّنه أَبو زرعة، وتركه أَبو حاتم» «4».

وقال ابن حجر: «قال ابن أَبي حاتم: كتب أَبي حديثه ولم يأته ولم يذهب بي إليه

ولم يسمع منه زهادةً فيه، وسألت ابا زرعة عنه فقال: يذكر عنه أنه كان يحدِّث بأَحاديث عن أَبيه ثم ترك أَباه، فجعلها

__________________________________________________

(1) الكاشف 3/ 244.

(2) تهذيب التهذيب 11/ 196.

(3) تهذيب التهذيب 1/ 303، ميزان الاعتدال 1/ 417، المغني في الضعفاء 1/ 134.

(4) ميزان الاعتدال 1/ 136 المغني في الضعفاء 1/ 17.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 25

عن عمّه لأنّ عمّه أَحلي عند الناس.

وقال العقيلي عن مطيّن: كان ابن نمير لا يرضاه ويضعّفه وقال:

روي أحاديث مناكير.

قال العقيلي: ولم يكن إبراهيم هذا يقيم الحديث … » «1».

ولهذا ذكر الحافظ ابن عدّي «يحيي بن سلمة بن كهيل» في كتابه «الكامل في الضعفاء» وأَورد كلمات عدّة من الأعلام في قدحه كالبخاري ويحيي بن معين والنسائي، ثم روي الحديث عنه بنفس السند الذي في «صحيح الترمذي» وهذا نصّ عبارته:

«ثنا علي بن أَحمد بن بسطام، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيي ابن زكريّا، ثنا ابن أَبي زائدة، ثنا يحيي بن سلمة بن كهيل، عن أَبيه، عن أَبي الزعراء، عن عبداللَّه بن مسعود، عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: اقتدوا … » «2».

وقال الحافظ الذهبي مشيراً إلي الحديث الذي حكم الحاكم بصحّته: «(قلتُ): سنده واهٍ» «3».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 1/ 96.

(2) الكامل في الضعفاء 9/ 20- 21.

(3) تلخيص المستدرك 3/ 76.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 26

وقال الحافظ السيوطي: «اقتدوا باللذين من بعدي من أَصحابي أَبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود. ت غريب ضعيف. طب. ك وتعقّب. عن ابن مسعود» «1».

فالعجب من تصحيح الحاكم لهذا الحديث واستشهاده به، وكذا المناوي.

والأعجب قوله: «الترمذي- وحسّنه- عن ابن مسعود» «2».

ولقائل أَن يقول: فما فائدة إخراج الترمذي إيّاه مع التّنصيص

علي ضعفه في كتابه الموصوف بالصحّة؟!

قلت: لعلّه إنّما أَخرجه ونصّ عليه بما ذكر لئلّا يغتر به أَحد ويتوهّم صحّته … بالرّغم من اشتمال كتابه- لا سيّما في باب المناقب- علي موضوعات كما نص عليه الحافظ الذهبي بترجمته من «سير أعلام النبلاء» «3» وكذا غيره من أكابر القوم.

__________________________________________________

(1) الجامع الكبير 1/ 133.

(2) فيض القدير 2/ 73.

(3) سير أعلام النبلاء 13/ 274.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 27

حديث أبي الدّرداء … ص: 27

رواه ابن حجر المكيّ حيث قال:

«الحديث الثاني والسّبعون: أَخرج الطبراني عن أَبي الدرداء:

اقتدوا باللذين من بعدي أَبي بكر وعمر، فإنَّهما حبل اللَّه الممدود، من تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقي لا انفصام لها» «1».

نقد السند:

1- لقد روي الحافظ الهيثمي هذا الحديث عن الطبراني وقال:

«وفيه من لم أعرفهم» وهذا نصّ كلامه:

«وعن أَبي الدرداء، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم:

اقتدوا باللذين من بعدي أَبي بكر وعمر، فإنَّهما حبل اللَّه الممدود، ومن تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها.

رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم» «2».

2- إنّ معاجم الطبراني ليست من الكتب التي وُصفت بالصحّة،

__________________________________________________

(1) الصواعق: 77.

(2) مجمع الزوائد 9/ 40 كتاب المناقب باب فيما ورد من الفضل لأبي بكر وعمر وغيرهما من الخلفاء وغيرهم الرقم 14356.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 28

ولا من الكتب التي التُزم فيها بالصحّة.

وعلي هذا … لا يجوز لهم التمسّك بالحديث بمجرّد كونه في أَحد المعاجم الثلاثة للطبراني.

3- لقد جاء في الصحيح في مسند أَبي الدرداء ما نصّه:

«قالت امّ الدرداء: دخل عليَّ أَبو الدرداء وهو مغضب، فقلت:

ما أَغضبك؟ فقال: واللَّه ما أَعرف من أَمر محمّد صلّي اللَّه عليه وسلّم شيئاً إلّا أَنّهم يصلّون جميعاً».

ولو كان أَبو الدرداء قد سمع قوله صلّي

اللَّه عليه وآله وسلّم:

«اقتدوا … » لما قال هذا أَلبتّة!!

حديث أَنس بن مالك … ص: 28

قال جلال الدين السيوطي:

«اقتدوا باللذين من بعدي من أَصحابي أَبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود.

التّرمذي عن ابن مسعود، الروياني عن حذيفة، ابن عديّ في الكامل عن أَنس» «1».

__________________________________________________

(1) الجامع الصغير 1/ 82 حرف الهمزة الرقم 1319.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 29

نقد السند:

فأَمّا حديث ابن مسعود، فإنّ التّرمذي ضعّفه بعد أن رواه كما تقدّم، وأَمّا حديث حذيفة، فقد ثبت ضعف جميع طرقه كما تقدّم أَيضاً.

وأَمّا حديث أَنس، فقد جاء في «الكامل» لابن عديّ ما نصّه:

«حَمّاد بن دليل. قاضي المدائن يكنّي أَبا زيد. حدّثنا علي بن الحسن ابن سليمان، ثنا أَحمد بن محمّد بن المعلّي الآدمي، ثنا مسلم بن صالح أَبو رجاء، ثنا حَمّاد بن دليل، عن عمر بن نافع، عن عمرو بن هرم، قال: دَخلت أَنا وجابر بن زيد علي أَنس بن مالك فقال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أَبو بكر «1» وعمر، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد، واهتدوا بهدي عمّار.

ثنا محمّد بن عبدالحميد الفرغاني، ثنا صالح بن حكيم البصري، ثنا أبو رجاء مسلم بن صالح، ثنا أبو زيد قاضي المدائن حَمّاد بن دليل، عن عمر بن نافع. فذكر بإسناده نحوه.

ثنا محمّد بن سعيد الحراني، ثنا جعفر بن محمّد بن الصباح،

__________________________________________________

(1) كذا.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 30

ثنا مسلم بن صالح البصري، فذكر بإسناده نحوه.

ثنا علي بن الحسن بن سليمان، ثنا أحمد بن محمّد بن المعلّي الآدمي، قال ثنا مسلم بن صالح، ثنا حَماد بن دليل، عن عمر بن نافع، عن عمرو بن هرم، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلّي اللَّه عليه

وسلّم نحوه.

قال ابن عديّ: وحَمّآد بن دليل هذا قليل الرّواية. وهذا الحديث قد روي له حَمّاد بن دليل إسنادين. ولا يروي هذين الإسنادين غير حَمّاد بن دليل» «1».

نقد السند

في جميع هذه الأسانيد: مسلم بن صالح، عن حَمّاد بن دليل، عن عمر بن نافع، عن عمرو بن هرم.

أَمّا «عمرو بن هرم» فقد عرفت أنّه مقدوح مطعون فيه.

وأمّا «عمر بن نافع» فعن يحيي بن معين: حديثه ليس بشي ء «2»، وعن ابن سعد: ولا يحتجّون بحديثه «3».

وأمّا «حَمّاد بن دُليل» فقد أَورده ابن عديّ في «الكامل في

__________________________________________________

(1) الكامل في الضعفاء 3/ 29- 30.

(2) الكامل 6/ 93.

(3) تهذيب التهذيب 7/ 423.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 31

الضعفاء» والذهبي في «المغني في الضعفاء» «1» وفي «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» وأضاف: «ضعّفه أَبو الفتح الأزدي [وغيره » «2» وابن الجوزي في «الضعفاء» «3».

وأمّا «مسلم بن صالح» فلم أعرفه حتي الآن.

حديث عبداللَّه بن عمر … ص: 31

رواه الذهبي حيث قال:

«أَحمد بن صليح، عن ذي النّون المصري، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي» فقال: «وهذا غلط، وأَحمد لا يعتمد عليه» «4».

ورواه مرةً اخري، قال:

«محمّد بن عبداللَّه بن عمر بن القاسم بن عبداللَّه بن عبيداللَّه بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدوي العمري، ذكره العقيلي وقال: لا يصحّ حديثه ولا يعرف بنقل الحديث.

__________________________________________________

(1)

المغني في الضعفاء 1/ 286.

(2) ميزان الاعتدال 2/ 359.

(3) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/ 233 انظر: هامش تهذيب الكمال 7/ 236.

(4) ميزان الاعتدال 1/ 242- 243.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 32

حدّثنا أحمد بن الخليل، حدّثنا إبراهيم بن محمّد الحلبي، حدّثني محمّد بن عبداللَّه بن عمر بن القاسم، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: اقتدوا باللذين

من بعدي: [أبو بكر وعمر].

فهذا لا أصل له من حديث مالك …

قال الدار قطني: العمري هذا يحدّث عن مالك بأباطيل، وقال ابن مندة: له مناكير» «1».

ورواه ابن حجر وقال:

«وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا حديث منكر لا أصل له.

وأخرجه الدار قطني من رواية أَحمد بن الخليل البصري بسنده وساق بسند كذلك ثم قال: لا يثبت، والعمري هذا ضعيف … » «2».

كما أورد الذهبي وابن حجر هذا الحديث بترجمة «أحمد بن محمّد بن غالب الباهلي» فبعد نقل كلماتهم في ذمّه وجرحه، قالا:

«ومن مصائبه: قال: حدّثنا محمّد بن عبداللَّه العمري، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، [قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي: أَبي بكر وعمر».

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6/ 218- 219.

(2) لسان الميزان 5/ 240.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 33

قالا:

«فهذا ملصق بمالك، وقال أَبو بكر النقّاش: وهو واهٍ» «1».

نقد السند:

لقد علم من كلمات الذّهبي وابن حجر وغيرهما أنّ حديث عبداللَّه بن عمر هذا باطل بجميع طرقه … وبذلك نكتفي عن إيراد نصوص كلمات سائر علماء الرجال في رجاله روماً للاختصار.

فالعجب من الحافظ ابن عساكر «2» وأمثاله الّذين ملأوا كتبهم وسوّدوا صحائفهم بهذه المناكير وأشباهها!!

حديث جدّة عبداللَّه بن أَبي الهذيل … ص: 33

رواه ابن حزم حيث قال:

« … كما حدَّثنا أَحمد بن محمّد بن الجسور، ثنا أَحمد بن الفضل الدينوري، ثنا محمّد بن جرير، ثنا عبدالرّحمن بن الأسود الطفاوي، ثنا محمّد بن كثير الملّائي، ثنا المفضّل الضبّي، عن ضرار ابن مرّة، عن عبداللَّه بن أَبي الهذيل العنزي، عن جدّته، عن النبي

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 286، لسان الميزان 1/ 378.

(2) تاريخ دمشق 32/ 151.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 34

صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: اقتدوا باللذين

من بعدي أَبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد».

نقد السند:

ونقتصر- في الكلام علي الحديث بهذا السند- علي ما ذكره الحافظ ابن حزم نفسه قبل ذلك، وهذا نصّه:

«وأمّا الرّواية: اقتدوا … فحديث لا يصحّ، لأنّه مروي عن مولي لربعي مجهول، وعن المفضّل الضبّي وليس بحجّة، كما حدّثنا أَحمد ابن محمّد بن الجسور … » «1».

__________________________________________________

(1) الإحكام في أصول الأحكام 6/ 809.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 35

(2)

كلمات الأَئمّة وكبار العلماء حول سند حديث الاقتداء … ص: 35

اشارة

قد عرفت سقوط أَسانيد هذا الحديث فيما عرف بالصحيح من الكتب فضلًا عن غيره.. وفي هذا الفصل نذكر نصوص عبارات أئمّتهم في الطّعن فيه إمّا علي الإطلاق بكلمة: «موضوع» و «باطل» و «لم يصحّ» و «منكر» وإمّا علي بعض الوجوه التي وقفنا علي كلماتهم فيها … فنقول:

(1) أبو حاتم الرّازي … ص: 35

لقد طعن أبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي في هذا الحديث، فقد ذكر المناوي بشرحه عن ابن حجر: « … وأعلّه أَبو حاتم، وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ، لأنّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي، وربعي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 36

لم يسمعه من حذيفة، لكن له شاهد … » «1».

ترجمته

وأبو حاتم الرازي، المتوفّي سنة 277 ه، يعدّ من أكابر الأَئمّة الحفّاظ المجمع علي ثقتهم وجلالتهم، بل جعلوه من أقران البخاري ومسلم.

قال السمعاني: « … إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث … وكان من مشاهير العلماء ومن مذكوري العلماء الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة … » «2».

وقال ابن الأَثير: «وهو من أقران البخاري ومسلم» «3».

وقال الذّهبي: «أَبو حاتم الرازي الإمام الحافظ الكبير محمّد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أَحد الأعلام … » «4».

وقال أيضاً: «الإمام الحافظ الناقد، شيخ المحدّثين … وهو من نظراء البخاري ومن طبقته … » «5».

__________________________________________________

(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/ 72- 73 و سيأتي نصه كاملا.

(2) الأنساب 2/ 279.

(3) الكامل في التاريخ 7/ 439.

(4) تذكرة الحافظ 2/ 567.

(5) سير أعلام النبلاء 13/ 247.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 37

وله ترجمة في:

تاريخ بغداد 2/ 73، تهذيب التهذيب 9/ 31، البداية والنهاية 11/ 59، الوافي بالوفيات 2/ 183، طبقات الحفّاظ: 255.

(2) أَبو عيسي الترمذي … ص: 37

وكذا طعن فيه أبو عيسي الترمذي صاحب «الجامع الصحيح» فإنّه قال ما نصّه: «حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيي بن سلمة بن كهيل، حدّثني أبي، عن أبيه عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار،

وتمسّكوا بعهد ابن مسعود.

قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود، لا نعرفه إلّا من حديث يحيي بن سلمة بن كهيل. ويحيي بن سلمة يضعَّف في الحديث. وأبو الزعراء اسمه عبداللَّه بن هاني، وأبو الزعراء الذي روي عنه شعبة والثوري وابن عيينة اسمه عمرو بن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 38

عمرو، وهو ابن أخي أبي الأحوص صاحب عبداللَّه بن مسعود» «1».

ترجمته

والترمذي، أَبو عيسي محمّد بن عيسي، المتوفّي سنة 279، صاحب أحد الصحاح الستّة … غنّي عن الترجمة والتعريف، إذ لا كلام بينهم في جلالته وعظمته واعتبار كتابه، وهذه أسماء بعض مواضع ترجمته:

وفيات الأعيان 4/ 278، تذكرة الحفّاظ 2/ 633، سير أعلام النبلاء 13/ 270، تهذيب التهذيب 9/ 387، البداية والنهاية 11/ 66، الوافي بالوفيات 4/ 294، طبقات الحفّاظ: 278.

(3) أَبو بكر البزّار … ص: 38

وأبطله الحافظ الشهير أَبو بكر أَحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار صاحب «المسند» المتوفّي سنة 292، كما عرفت من كلام المناوي الآنف الذكر.

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 5/ 442 كتاب المناقب باب مناقب عبداللَّه بن مسعود الرقم 3831.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 39

ترجمته

قال الذهبي: «الحافظ العلّامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند [الكبير] المعلّل … » «1».

ووصفه الذهبي أيضاً ب «الشيخ الإمام الحافظ الكبير … » «2».

وهكذا وُصف واثني عليه في المصادر التاريخية والرجاليّة …

فراجع: تاريخ بغداد 4/ 334، النجوم الزاهرة 3/ 157، المنتظم 6/ 50، تذكرة الحفّاظ 2/ 653، الوافي بالوفيات 7/ 268، طبقات الحفّاظ: 285، تاريخ أصفهان 1/ 104، شذرات الذهب 2/ 209.

(4) أبو جعفر العقيلي … ص: 39

وقال الحافظ الكبير أبو جعفر العقيلي، المتوفّي سنة 322، في كتابه في الضعفاء: «محمّد بن عبداللَّه بن عمر بن القاسم العمري عن ابن مالك. ولا يصحّ حديثه ولا يعرف بنقل الحديث، حدّثناه أحمد ابن الخليل الخريبي، حدثنا إبراهيم بن محمّد الحلبي، حدثني محمّد

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفّاظ 2/ 653- 654.

(2) سير أعلام النبلاء 13/ 554.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 40

ابن عبداللَّه بن عمر بن القاسم بن عبداللَّه بن عبيداللَّه بن إبراهيم ابن عمر بن الخطّاب، قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا بالأميرين بعدي أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما.

حديث منكر لا أصل له من حديث مالك» «1».

وقد أورد الحافظان الذهبي وابن حجر طعن العقيلي هذا واعتمدا عليه كما ستعرف.

وأيضاً: ترجم العقيلي «يحيي بن سلمة بن كهيل» في «الضعفاء» وأورد الحديث عنه عن ابن مسعود بنفس السند الذي في «صحيح الترمذي» وقد تقدّم نصّ

عبارته في الفصل الأَول.

ترجمته

وقد أثني علي العقيلي كلّ من ترجم له قال الذهبي: «الحافظ الإمام أبو جعفر … قال مسلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر، عظيم الخطر، ما رأيت مثله.. وقال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطّان: أبو جعفر ثقة جليل القدر، عالم بالحديث، مقدَّم في الحفظ،

__________________________________________________

(1) الضعفاء الكبير 4/ 94- 95.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 41

توفّي سنة 322 رحمه اللَّه تعالي «1».

وانظر: سير أعلام النبلاء 15/ 236، الوافي بالوفيات 4/ 291، طبقات الحفّاظ: 346، وغيرها.

(5) أبو بكر النقّاش … ص: 41

وطعن فيه الحافظ الكبير أَبو بكر النقّاش المتوفّي سنة 354 فقد قال الحافظ الذهبي بعد أن رواه بترجمة أحمد بن محمّد بن غالب الباهلي: «وقال أَبو بكر النقّاش: وهو واهٍ» «2».

ترجمته

ترجم له الحافظ الذهبي في «سير أَعلام النبلاء» ووصفه ب «العلّامة المفسّر شيخ القرّاء» «3». وهكذا ترجم له ووصفه بجلائل الأوصاف غيره من الأَعلام فراجع:

__________________________________________________

(1) تذكرة الحفّاظ 3/ 833- 834.

(2) ميزان الاعتدال 1/ 286.

(3) سير أعلام النبلاء 15/ 573.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 42

تذكرة الحفّاظ 3/ 908، تاريخ بغداد 2/ 201، المنتظم 7/ 14، وفيات الأَعيان 4/ 298، الوافي بالوفيات 2/ 345، مرآة الجنان 2/ 247، طبقات الحفّاظ: 371.

(6) ابن عَدِيّ الجرجاني … ص: 42

وأورد الحافظ أبو أحمد بن عدي، المتوفي سنة 365، عن أنس بن مالك بترجمة حَمّاد بن دليل في «الضعفاء» وعنه السيوطي في الجامع الصغير، ونصّ هناك علي أنّ «هذا الحديث قد روي له حَمّاد بن دليل إسنادين، ولا يروي هذين الإسنادين غير حَمّاد بن دليل».

وقد تقدّم ذكر عبارته كاملةً، حيث عرفت ما في الإسنادين المذكورين عند ابن عديّ وغيره من الأَئمّة في الفصل الأَول.

ترجمته

والحافظ ابن عديّ من أعاظم أَئمّة الجرح والتعديل لدي القوم …

قال السمعاني بترجمته: «كان حافظ عصره، رحل ما بين الاسكندرية وسمرقند، ودخل البلاد وأدرك الشيوخ … وكان حافظاً

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 43

متقناً لم يكن في زمانه مثله …

قال حمزة بن يوسف السهمي: سألت الدار قطني أن يصنّف كتاباً في ضعفاء المحدّثين، فقال: أليس عندك كتاب ابن عديّ؟

قلت: نعم، قال: فيه كفاية لا يزاد عليه» «1».

وانظر: تذكرة الحفّاظ 3/ 161، شذرات الذهب 3/ 51، مرآة الجنان 2/ 381، وغيرها.

(7) أبو الحسن الدار قطني … ص: 43

وقال الحافظ الشهير أبو الحسن الدار قطني- المتوفي سنة 385- بعد أن أخرج الحديث بسنده عن العمري: «لا يثبت، والعمريّ هذا ضعيف» «2».

ترجمته

وكتب الرجال والتاريخ مشحونة بالثناء علي الدار قطني.

قال الذهبي: «والدار قطني- أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد

__________________________________________________

(1) الأنساب 2/ 41.

(2) انظر: لسان الميزان 5/ 240.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 44

البغدادي الحافظ المشهور، صاحب التصانيف … ذكره الحاكم فقال:

صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القرّاء والنحاة، صادفته فوق ما وصف لي، وله مصنّفات يطول ذكرها. وقال الخطيب: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته … وقال القاضي أبو الطيّب الطبري: الدار قطني أمير المؤمنين في الحديث!!» «1».

قال ابن كثير: «الحافظ

الدار قطني … الحافظ الكبير، استاذ هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلي زماننا هذا … وكان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره … له كتابه المشهور … وقال ابن الجوزي: وقد اجتمع له معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر، مع الإمامة والعدالة وصحّة العقيدة … » «2».

وراجع: وفيات الأعيان 2/ 459، تاريخ بغداد 12/ 34، النجوم الزاهرة 4/ 172، طبقات الشافعية 3/ 462، طبقات القرّاء 1/ 558، وغيرها.

__________________________________________________

(1) العبر 2/ 167.

(2) البداية والنهاية 11/ 362.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 45

(8) ابن حزم الأندلسي … ص: 45

وقد نصّ الحافظ ابن حزم الأندلسي، المتوفّي سنة 475 علي بطلان هذا الحديث وعدم جواز الاحتجاج به … فإنّه قال في رأي الشيخين ما نصّه: «وأمّا الرواية: اقتدوا باللذين من بعدي. فحديث لا يصحّ. لأنّه مرويّ عن مولي لربعيّ مجهول، وعن المفضّل الضبّي وليس بحجّة.

كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن الجسور، ثنا أحمد بن الفضل الدينوري، ثنا محمّد بن جرير، ثنا عبدالرحمن بن الأسود الطغاوي، ثنا محمّد بن كثير الملّائي، ثنا المفضّل الضبّي، عن ضرار بن مرّة، عن عبداللَّه بن أبي الهذيل العنزي، عن جدّته، عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد.

وكما حدّثناه أحمد بن قاسم، قال: ثنا أبي قاسم بن محمّد بن قاسم بن أصبغ، قال: حدّثني قاسم بن أصبغ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا محمّد بن كثير، أنا سفيان الثوري، عن عبدالملك

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 46

ابن عمير، عن مولي لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه …

وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا، عن القاضي أبي الوليد بن الفرضي، عن

ابن الدخيل، عن العقيلي، ثنا محمّد بن إسماعيل، ثنا محمّد بن فضيل، ثنا وكيع، ثنا سالم المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش وأبي عبداللَّه- رجل من أصحاب حذيفة- عن حذيفة.

قال أبو محمّد: سالم ضعيف. وقد سمّي بعضهم المولي فقال:

هلال مولي ربعيّ. وهو مجهول لا يعرف من هو أصلًا. ولو صحّ لكان عليهم لا لهم، لأَنَّهم- نعني أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي- أترك الناس لأَبي بكر وعمر. وقد بيّنا أنّ أصحاب مالك خالفوا أبا بكر ممّا رووا في الموطّأ خاصة في خمسة مواضع، وخالفوا عمر في نحو ثلاثين قضية ممّا رووا في الموطّأ خاصة. وقد ذكرنا أيضاً أنّ عمر وأبا بكر اختلفا، وأنّ اتّباعهما فيما اختلفا فيه متعذّر ممتنع لا يقدر عليه أحد» «1».

وقال في كتاب الفصل:

«قال أبو محمّد: ولو أنّنا نستجيز التدليس- والأَمر الذي لو ظفر

__________________________________________________

(1) الإحكام في اصول الأحكام: 6/ 809.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 47

به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً- لاحتججنا في ذلك بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

قال أبو محمّد: ولكنّه لم يصحّ، ويعيذنا اللَّه من الاحتجاج بما لا يصحّ» «1».

ترجمته

وأبو محمّد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، حافظ فقيه، ثقة كما وصفوه وله تراجم حسنة في كتبهم، وإن كانوا ينتقدون عليه صراحته وشدّته في عباراته …

قال الحافظ ابن حجر: «الفقيه الحافظ الظاهري، صاحب التصانيف … وكان واسع الحفظ جدّاً، إلّا أنّه لثقة بحافظته كان يهجم، كالقول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة، فيقع له من ذلك أوهام شنيعة …

قال صاعد بن أحمد الربعي: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس كلّهم لعلوم الإسلام وأشبعهم معرفة، وله مع ذلك توسّع في علم

اللسان وحظ من البلاغة ومعرفة بالسِيَر والأنساب …

وقال الحُميدي: كان حافظاً للحديث [والسنن وفقهها]،

__________________________________________________

(1) الفصل في الأهواء والملل والنحل 3/ 27.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 48

مستنبطاً للأَحكام من الكتاب والسُنّة، متفنّناً في علومٍ جَمّة، عاملًا بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتدّين وكرم النفس، وكان له في الادب باع واسع …

وقال مؤرّخ الأندلس أبو مروان بن حبّان: كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، وكان لا يخلو في فنونه من غلط، لجرأته في السؤال علي كل فنّ» «1».

وراجع: وفيات الأعيان 3/ 13، نفح الطيب 1/ 364، العبر في خبر من غبر 3/ 239.

(9) شمس الدين الذهبي … ص: 48

وأبطل الحافظ الكبير الذهبي المتوفّي سنة 748 هذا الحديث مرّة بعد اخري، واستشهد بكلمات جهابذة فنّ الحديث والرجال …

وإليك ذلك:

قال: «أحمد بن صليح، عن ذي النون المصري، عن مالك،

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 4/ 239- 241.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 49

عن نافع، عن ابن عمر، بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي.

وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه» «1».

وقال: «أحمد بن محمّد بن غالب الباهلي غلام خليل، عن إسماعيل بن أبي اويس وشيبان وقرّة بن حبيب. وعنه: ابن كامل وابن السماك وطائفة.

وكان من كبار الزّهاد ببغداد. قال ابن عديّ: سمعت أبا عبداللَّه النهاوندي يقول: قلت لغلام خليل: ما هذه الرقائق التي تحدّث بها؟

قال: وضعناها لنرقّق بها قلوب العامة.

وقال أبو داود: أخشي أن يكون دجّال بغداد.

وقال الدار قطني: متروك …

ومن مصائبه: قال: حدّثنا محمّد بن عبداللَّه العمري، حدّثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، [قال : قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر.

فهذا

ملصق بمالك. وقال أبو بكر النقّاش: وهو واهٍ» «2».

وقال: «محمّد بن عبداللَّه بن عمر بن القاسم بن عبداللَّه بن

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1/ 242- 243.

(2) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1/ 285- 286.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 50

عبيداللَّه بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدوي العمري.

ذكره العقيلي وقال: لا يصحّ حديثه، ولا يعرف بنقل الحديث.

حدّثنا أحمد بن الخليل، حدّثنا إبراهيم بن محمّد الحلبي، حدّثني محمّد بن عبداللَّه بن عمر بن القاسم، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي [أبو بكرو عمر].

فهذا لا أصل له من حديث مالك، بل هو معروف من حديث حذيفة بن اليمان.

وقال الدار قطني: العمري هذا يحدّث عن مالك بأباطيل.

وقال ابن منده: له مناكير» «1».

وقال: «ابن منده: له مناكير» «2».

وقال: (عن يحيي بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي، واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود.

(قلت): سنده واهٍ» «3».

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 6/ 218- 219.

(2) تلخيص المستدرك 3/ 75- 76.

(3) تلخيص المستدرك 3/ 75- 76.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 51

ترجمته

والذهبي أعرف من أن يعرّف، فهو إمام المتأخّرين في التواريخ والسِّيَر، والحجّة عندهم في الجرح والتعديل … وإليك بعض مصادر ترجمته: الدرر الكامنة 3/ 336، الوافي بالوفيات 2/ 163، طبقات الشافعية 5/ 216، فوات الوفيات 2/ 370، البدر الطالع 2/ 110، شذرات الذهب 6/ 153، النجوم الزاهرة 10/ 182، طبقات القراء 2/ 71.

(10) نور الدّين الهيثمي … ص: 51

ونصّ الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفّي سنة 807 علي سقوط الحديث عن أبي الدرداء حيث قال: «وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول اللَّه

صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، فإنّهما حبل اللَّه الممدود، ومن تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها.

رواه الطبراني. وفيه من لم أعرفهم» «1».

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 40 كتاب المناقب باب فيماورد من الفضل لأبي بكر وعمر وغيرهما من الخلفاء وغيرهم الرقم 14356.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 52

وكذا عن ابن مسعود. وقد تقدّمت عبارته.

ترجمته

والحافظ الهيثمي من أكابر حفّاظ القوم وأئمّتهم.

قال الحافظ السخاوي بعد وصفه بالحفظ: «وكان عجباً في الدين والتقوي والزهد والإقبال علي العلم والعبادة والأوراد وخدمة الشيخ …

قال شيخنا في معجمه: وكان خيّراً ساكناً ليّناً سليم الفطرة، شديد الإنكار للمنكر، كثير الاحتمال لشيخنا ولأولاده، محبّاً في الحديث وأهله …

وقال البرهان الحلبي: إنّه كان من محاسن القاهرة …

وقال التقيّ الفاسي: كان كثير الحفظ للمتون والآثار، صالحاً خيّراً.

وقال الأفقهسي: كان إماماً عالماً حافظاً زاهداً …

والثناء علي دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جدّاً … » «1».

وراجع أيضاً: حسن المحاضرة 1/ 362، طبقات الحفّاظ:

541، البدر الطالع 1/ 44.

__________________________________________________

(1) الضوء اللامع 5/ 200- 202.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 53

(11) ابن حجر العسقلاني … ص: 53

واقتفي الحافظ ابن حجر العسقلاني- المتوفّي سنة 852- أثر الحافظ الذهبي، فأبطل الحديث في غير موضع، فقال بترجمة أحمد ابن صليح:

«أحمد بن صليح، عن ذي النون المصري، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما بحديث: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. وهذا غلط وأحمد لا يعتمد عليه» «1».

وقال بترجمة غلام خليل بعد كلام الذهبي: «وقال الحاكم:

سمعت الشيخ أبا بكر بن إسحاق يقول: أحمد بن محمّد بن غالب ممّن لا أشكّ في كذبه.

وقال أبو أحمد الحاكم: أحاديثه لا تحصي كثرةً، وهو بيّن الأَمر

في الضّعف.

وقال ابو داود: قد عرض عليَّ من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلّها. وقال الحاكم: روي عن جماعةٍ

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 1/ 294.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 54

من الثقات أحاديث موضوعة علي ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل، مع زهده وورعه. ونعوذ باللَّه من ورع يقيم صاحبه ذلك المقام» «1».

وأضاف إلي كلام الذهبي بترجمة محمّد العمري: «وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا حديث منكر لا أصل له. وأخرجه الدار قطني من رواية أحمد الخليلي البصري بسنده وساق بسندٍ كذلك ثم قال: لا يثبت، والعمري هذا ضعيف» «2».

ترجمته

وابن حجر العسقلاني حافظهم علي الإطلاق، وشيخ الإسلام عندهم في جميع الآفاق، إليه المرجع في التاريخ والحديث والرجال، وعلي كتبه المعوَّل في جميع العلوم.

قال الحافظ السيوطي:

«ابن حجر امام الحفاظ في زمانه، قاضي القضاة، … وانتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه، وألّف كتباً كثيرة كشرح البخاري، وتعليق التعليق، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، والإصابة في

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 1/ 379.

(2) لسان الميزان 5/ 240.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 55

الصحابة، ونكت ابن الصلاح، ورجال الأَربعة والنخبة وشرحها، والألقاب … » «1».

وهكذا وُصف في كل كتاب توجد فيه ترجمة له فراجع: البدر الطالع 1/ 87، الضوء اللامع 2/ 36، شذرات الذهب 8/ 270، ذيل رفع الإصر: 89، ذيل تذكرة الحفّاظ: 380.

(12) شيخ الإسلام الهروي … ص: 55

وقال الشيخ أحمد بن يحيي الهروي الشافعي المتوفّي سنة 906- ما نصّه: «من موضوعات أحمد الجرجاني:

من قال القرآن مخلوق فهو كافر. الإيمان يزيد وينقص. ليس الخبر كالمعاينة. الباذنجان شفاء من كلّ داء. ردّ دانق من حرام أفضل عنداللَّه من سبعين حجة مبرورة. موضوع.

اقتدوا بالّلذين من بعدي أبي بكر وعمر. باطل. إنّ اللَّه يتجلّي للخلائق يوم القيامة عامةً ويتجلّي لأبي بكر خاصّةً. باطل» «2».

__________________________________________________

(1) حسن المحاضرة 1/ 310.

(2) الدرّ النضيد: 97.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 56

ترجمته

وهذا الشيخ من فقهاء الشّافعية، وكان شيخ الإسلام بمدينة هراة، وهو حفيد السّعد التفتازاني.

قال الزركلي: «أحمد بن يحيي بن محمّد بن سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الهروي، شيخ الإسلام من فقهاء الشافعية، يكنّي بسيف الدين ويعرف ب «حفيد السعد» التفتازاني. كان قاضي هراة مدّة ثلاثين عاماً، ولمّا دخلها الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي كان الحفيد ممّن جلسوا لاستقباله في دار الإمارة، ولكن الوشاة اتّهموه عند الشاه بالتعصّب، فأمر بقتله مع جماعةٍ من علماء هراة، ولم يعرف له ذنب، ونعت بالشهيد. له كتب منها: مجموعة سمّيت: الدّر النضيد في مجموعة الحفيد- ط في العلوم الشرعية والعربيّة … » «1».

(13) عبد الرؤوف المناوي … ص: 56

وطعن العلّامة عبدالرؤوف بن تاج العارفين المناوي المصري- المتوفّي سنة 1029- في سند الحديث عن حذيفة، وتعقّبه عن ابن

__________________________________________________

(1) الأعلام 1/ 270.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 57

مسعود بكلمة الذهبي. وهذا نصُّ عبارته:

«(اقتدوا باللذين) بفتح الذال. أي الخليفتين اللذين يقومان (من بعدي: أبو بكر وعمر) أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما، لكونهما أهلًا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه، المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما، وإيماء لكونهما الخليفتين بعده. وسبب الحثّ علي الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضِيّة والطبيعة القابلة للخيور السنيّة، فكأنّهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيّبة في نفسها، لكنّها معطّلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضا. فلمّا أزيل ذلك منها بظهور دولة الهدي أنبتت نباتاً حسناً، فلذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء، وصار أفضل الخلق

بعدهم من اتبعهم بإحسان إلي يوم الصراط والميزان.

فإن قلت: حيث أمر باتّباعهما فكيف تخلّف علي رضي اللَّه عنه عن البيعة؟

قلت: كان لعذر ثم بايع. وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيّين وميّتين.

فإن قلت: هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الاصول من أنه لم ينصّ علي خلافة أحد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 58

قلت: مرادهم لم ينصّ نصّاً صريحاً. وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك.

(حم ت) في المناقب وحسنه (ه) من حديث عبدالملك بن عمير عن ربعي (عن حذيفة) بن اليمان.

قال ابن حجر: اختلف فيه علي عبدالملك. وأعلّه أبو حاتم.

وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ. لأنّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة. لكن له شاهد … وقد أحسن المصنّف حيث عقّبه بذكر شاهده فقال:

(اقتدوا باللذين) بفتح الذال (من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمّار) بن ياسر، أَي سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده فإنّه ما عرض عليه أمران إلّا اختار أرشدهما، كما يأتي في حديث: (وتمسّكوا بعهد ابن مسعود) عبداللَّه، أي ما يوصيكم به.

قال التوربشتي: أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة، فإنّه أول من شهد بصحّتها وأشار إلي استقامتها قائلًا: ألا نرضي لدنيانا من رضيه لديننا بيننا، كما يومي إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه.

(ت) وحسنّه (عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة) قال: بينا نحن عند رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إذ قال: لا أدري ما قدر بقائي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 59

فيكم، ثم ذكره. (عد عن أنس).

ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور قال الذهبي:

وسنده واهٍ» «1».

ترجمته

والمناويّ علّامة محقّق

كبير فيهم، وكتابه (فيض القدير) من الكتب المفيدة. وقد ترجم له وأثني عليه المحبّي ووصفه ب «الإمام الكبير الحجّة» وهذه عبارته:

«عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين، الملقّب زين الدين، الحدادي ثم المناوي، القاهري، الشافعي …

الإمام الكبير الحجّة، الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وأجلّ أَهل عصره من غير ارتياب.

وكان إماماً فاضلًا، زاهداً، عابداً، قانتاً للَّه خاشعاً له، كثير النفع، وكان متقرّباً بحسن العمل، مثابراً علي التسبيح والأَذكار، صابراً صادقاً، وكان يقتصر يومه وليلته علي أكلةٍ واحدةٍ من الطعام.

وقد جمع من العلوم والمعارف- علي اختلاف أنواعها وتباين

__________________________________________________

(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/ 72- 73.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 60

أقسامها- ما لم يجتمع في أحدٍ ممّن عاصره … » «1».

(14) ابن درويش الحوت … ص: 60

وقال ابن درويش الحوت المتوفّي سنة 1097 ه: «خبر (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر). رواه أحمد والترمذي وحسّنه. وأعلّه أبو حاتم، وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ. وفي رواية للترمذي وحسّنها: واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود. وقال الهيثمي: سندها واهٍ» «2».

__________________________________________________

(1) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 2/ 412- 416.

(2) أسني المطالب: 48.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 61

(3) تأمّلات في متن ودلالة حديث الاقتداء … ص: 61

اشارة

قد أَشرنا في المقدّمة إلي استدلال القوم بحديث الاقتداء في باب الخلافة والإمامة وفي الفقه والاصول في مسائل مهمّة …

فقد استدلّ به القاضي البيضاوي في كتابه الشهير «طوالع الأنوار في علم الكلام» وابن حجر المكّي في «الصّواعق المحرقة» وابن تيميّة في «منهاج السُنّة» وولي اللَّه الدهلوي- صاحب: حجّة اللَّه البالغة في كتابه «قرّة العينين في تفضيل الشيخين» ومن الطّريف جداً أنّ هذا الأخير ينسب رواية الحديث إلي البخاري ومسلم وهذه عبارته كما في كتاب عبقات الأنوار نقلًا عنه.

«قوله صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

فعن حذيفة: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، متفقٌ عليه. وعن ابن مسعود: قال

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 62

قال رسول اللَّه: اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود. أخرجه الترمذي» «1».

إذ لا يخفي أنّ النسبة كاذبة … إلّا أن يكون كلمة «متّفقٌ عليه» اصطلاحاً خاصاً بالدهلوي، يعني به اتّفاقهما علي عدم الإخراج!!

واستدلّ به الشيخ علي القاري … ووقع فيما وقع فيه الدهلوي … فقد جاء في «شرح الفقه الأكبر»: «مذهب عثمان وعبدالرحمن بن عوف: أنّ المجتهد يجوز له أن يقلِّد غيره إذا

كان أعلم منه بطريق الدين، وأن يترك اجتهاد نفسه ويتّبع اجتهاد غيره.

وهو المروي عن أبي حنيفة، لا سيّما وقد ورد في الصحيحين: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فأخذ عثمان وعبدالرحمن بعموم هذا الحديث وظاهره».

ولعلّه يريد غير صحيحي البخاري ومسلم!! وإلّا فقد نصّ، الحاكم- كما عرفت- علي أنّهما لم يخرجاه!!

وهكذا، فإنّك تجد حديث الاقتداء.. يذكر أو يستدلُّ به في

__________________________________________________

(1) قرّة العينين: 19- 20 … لكنّ يد الأمانة حذفت كلمة «متفق عليه» تعظيةً علي الفضيحة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 63

كتب الاصول المعتمدة … فقد جاء في المختصر.

«مسألة: الإجماع لا ينعقد بأهل البيت وحدهم خلافاً للشيعة.

ولا بالأَئمّة الأربعة عند الأكثرين خلافاً لأحمد. ولا بأبي بكر وعمر- رضي اللَّه عنهما- عند الأكثرين. قالوا: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي. اقتدوا باللذين من بعدي. قلنا: يدلّ علي أهلية اتباع المقلّد، ومعارض بمثل: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. وخذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء».

قال شارحه العضد: «أقول: لا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم مع مخالفة غيرهم لهم، أو عدم الموافقة والمخالفة، خلافاً للشيعة. ولا بالأئمّة الأَربعة عند الأَكثرين خلافاً لأحمد. ولا بأبي بكر وعمر عند الأَكثرين خلافاً لبعضهم.

لنا: أنّ الأَدلّة لا تتناولهم. وقد تكرّر فلم يكرّر. أمّا الشيعة فبنوا علي أصلهم في العصمة، وقد قرّر في الكلام فلم يتعرَّض له. وأمّا الآخرون فقالوا: قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي. وقال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

الجواب: أنّهما إنّما يدلّان علي أهلية الأَربعة أو الاثنين لتقليد

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 64

المقلِّد لهم، لا علي حجّية قولهم علي المجتهد. ثم انّه معارض بقوله:

أصحابي كالنجوم … » «1».

وفي شرح المنهاج:

«وذهب بعضهم إلي أنّ إجماع الشيخين وحدهما حجّة لقوله عليه السلام: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة والترمذي وقال: حسن، وذكره ابن حبّان في صحيحه.

وأجاب الإمام وغيره عن الخبرين بالمعارضة بقوله: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. وهو حديث ضعيف. وأجاب الشيخ أبو إسحاق في (شرح اللمع) بأنّ ابن عبّاس خالف جميع الصحابة في خمس مسائل انفرد بها، وابن مسعود انفرد بأربع مسائل، ولم يحتجّ عليهما أحد بإجماع الأربعة» «2».

وفي مسلّم الثبوت وشرحه: «(ولا) ينعقد الإجماع (بالشيخين) أميري المؤمنين أبي بكر وعمر (عند الأكثر)، خلافاً للبعض، (ولا) ينعقد (بالخلفاء الأَربعة خلافاً لأَحمد) الإمام (ولبعض الحنفية … قائلي كون اتّفاق الشيخين إجماعاً (قالوا): قال رسول اللَّه

__________________________________________________

(1) شرح المختصر في الاصول 2/ 36.

(2) الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 410- 411.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 65

صلّي اللَّه عليه وسلّم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر). رواه أحمد، فمخالفتهما حرام … (قلنا): هذا (خطاب للمقلِّدين)، فلا يكون حجّة علي المجتهدين، (وبيان لأهليّة الاتّباع) لا حصر الاتّباع فيهم، وعلي هذا فالأمر للإباحة أو للندب، وأحد هذين التأويلين ضروري، (لأنّ المجتهدين كانوا يخالفونهم، والمقلّدون) كانوا (قد يقلّدون غيرهم) ولم ينكر عليهم أحد، لا الخلفاء أنفسهم ولا غيرهم، فعدم حجّية قولهم كان معتقدهم. وبهذا اندفع ما قيل إنّ الإيجاب ينافي هذا التأويل … » «1».

فهذه نماذج من استدلال القوم بحديث الاقتداء بالشيخين في مسائل الفقه والاصولين.

لكنّ الذي يظهر من مجموع هذه الكلمات أنّ الأَكثر علي عدم حجّية إجماعهما …

وإذا ضممنا إلي ذلك أنّ الأكثر- أيضاً- علي أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم ينصّ علي خلافة أحدٍ من بعده كما جاء

في المواقف وشرحها «[والإمام الحقّ [بعد النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم:

أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه … [ثبتت إمامته بالإجماع وإن توقف

__________________________________________________

(1) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت 2/ 231.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 66

فيه بعضهم … ولم ينصّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي أحدٍ خلافاً للبكرية، فإنّهم زعموا النصّ علي أبي بكر، وللشيعة فإنّهم يزعمون النصّ علي علي كرّم اللَّه وجهه، إمّا نصّاً جلياً وإمّا نصّاً خفياً.

والحقّ عند الجمهور نفيهما» «1».

وقال المناوي بشرحه: «فإن قلت: هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الاصول من أنّه لم ينصّ علي خلافة أحد.

قلت: مرادهم: لم ينصّ نصّاً صريحاً، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك «2».

علمنا أنّ المستدلّين بهذا الحديث في جميع المجالات- ابتداءً بباب الإمامة والخلافة، وانتهاءً بباب الاجتهاد والإجماع- هم «البكرية» وأتباعهم …

إذن … فالأكثر يعرضون عن مدلول هذا الحديث ومفاده … وإنّ المستدلّين به قوم متعصّبون لأبي بكر وإمامته … وهذا وجه آخر من وجوه وضعه واختلاقه …

قال الحافظ ابن الجوزي: «قد تعصَّب قوم لا خلاق لهم يدّعون

__________________________________________________

(1) الشيخ محمّد عبده بين الفلاسفة والكلاميين 2/ 643- 644.

(2) فيض القدير 2/ 72.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 67

التمسّك بالسُنّة فوضعوا لأَبي بكر فضائل … » «1».

لكن من هم؟

هم «البكرية» أنفسهم!!

قال العلّامة المعتزلي: «فلمّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة «2» وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: (لو كنت متّخذاً خليلًا) فإنّهم وضعوه في مقابلة (حديث الإخاء). ونحو: (سدّ الأَبواب) فإنّه كان لعلي عليه السلام، فقلبته البكرية إلي أبي بكر.

ونحو: (ائتوني بدواةٍ وبياض أكتب فيه لأَبي بكر كتاباً لا يختلف عليه

اثنان) ثم قال: (يأبي اللَّه تعالي والمسلمون إلّا أبا بكر) فإنّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه: (ائتوني بدواةٍ وبياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده ابداً) فاختلفوا عنده وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللَّه. ونحو حديث: (أنا راضٍ عنك، فهل أنت عنّي راض؟) ونحو ذلك» «3».

__________________________________________________

(1) الموضوعات 1/ 225.

(2) الذي صنعته الشيعة أنّها استدلت بالأحاديث التي رواها أهل السُنّة في فضل أميرالمؤمنين عليه السلام باعتبار أنّها نصوص جليّة أو خفيّة علي امامته كما ذكر صاحب «شرح المواقف» وغيره.

(3) شرح نهج البلاغة 11/ 49.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 68

وبعد، فما مدلول هذا الحديث ونحن نتكلّم هنا عن هذه الجهة وبغضّ النظر عن السند؟

يقول المناوي: «أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما، لكونهما أهلًا لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه … ».

لكنَّ أوّل شي ء يعترض عليه به تخلّف أمير المؤمنين عليه السلام ومن تبعه عن البيعة مع أمرهما به، ولذا قال:

«فإن قلت: حيث أمر باتّباعهما فكيف تخلّف علي رضي اللَّه عنه عن البيعة؟

قلت: كان لعذر ثم بايع، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما … » «1».

أقول: لقد وقع القوم- بعد إنكار النصّ وحصر دليل الخلافة في الإجماع- في مأزق كبير وإشكال شديد، وذلك لأنّهم قرّروا في علم الاصول أنّه إذا خالف واحد من الامّة أو اثنان لم ينعقد الإجماع.

قال الغزّالي: «(مسئلةٌ) إذا خالف واحد من الامّة أو اثنان لم ينعقد الإجماع دونه، فلو مات لم تصر المسألة إجماعاً، خلافاً

__________________________________________________

(1) فيض القدير 2/ 72.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 69

لبعضهم. ودليلنا: أنّ المحرّم مخالفة الامّة كافّة … » «1».

وفي مسلّم الثبوت وشرحه: «مسئلةٌ- قيل: إجماع الأكثر مع ندرة المخالف بأن يكون

واحداً أو اثنين إجماع والمختار أنّه ليس بإجماع، لانتفاء الكلّ الذي هو مناط العصمة. ثم اختلفوا فقيل: ليس بحجّةٍ أصلًا كما أنّه ليس بإجماع، وقيل: بل حجّة ظنّية، غير الإجماع، لأنّ الظاهر إصابة السواد الأعظم … قيل: ربّما كان الحقّ مع الأقل وليس فيه بعد …

المكتفون بإجماع الأكثر قالوا أولًا … وقالوا ثانياً: «صحّ خلافة أميرالمؤمنين وإمام الصديقين أبي بكر رضي اللَّه عنه صحة لا يرتاب فيها إلَّا من سفه نفسه، مع خلاف أميرالمؤمنين علي كرم اللَّه وجهه ووجوه آله الكرام وسعد بن عبادة وسلمان …

ويدفع بأنّ الإجماع بعد رجوعهم إلي بيعته رضي اللَّه عنه. هذا واضح في أمير المؤمنين علي».

فلو سلّمنا ما ذكروه من بيعة أميرالمؤمنين عليه السّلام، فما الجواب عن تخلّف سعد بن عبادة»؟!

__________________________________________________

(1) المستصفي 1/ 202.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 70

أمّا المناوي فلم يتعرّض لهذه المشكلة.. وتعرّض لها شارح مسلّم الثبوت فقال بعد ما تقدّم: «لكنّ رجوع سعد بن عبادة فيه خفاء، فإنّه تخلّف ولم يبايع وخرج عن المدينة، ولم ينصرف اليها إلي أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة أميرالمؤمنين عمر، وقيل: مات سنة إحدي عشرة في خلافة أميرالمؤمنين الصدّيق الأكبر. كذا في الاستيعاب وغيره. فالجواب الصحيح عن تخلّفه: أنّ تخلّفه لم يكن عن اجتهاد، فإنّ أكثر الخزرج قالوا: منّا أمير ومنكم أمير، لئلّا تفوت رئاستهم … ولم يبايع سعد لما كان له حبّ السيادة، وإذا لم تكن مخالفته عن الاجتهاد فلا يضرّ الإجماع …

فإن قلت: فحينئذٍ، قد مات هو رضي اللَّه عنه شاقّ عصا المسلمين مفارق الجماعة، وقد قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وأصحابه وسلّم: لم يفارق الجماعة أحد ومات إلّا مات

ميتة الجاهلية. رواه البخاري. والصحابة لاسيّما مثل سعد برآء عن موت الجاهلية.

قلت: هب أنّ مخالفة الإجماع كذلك، إلّا أنّ سعداً شهد بدراً علي ما في صحيح مسلم، والبدريّون غير مؤاخذين بذنب، مثلهم كمثل التائب وإن عظمت المعصية، لما أعطاهم اللَّه تعالي من المنزلة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 71

الرفيعة برحمته الخاصة بهم. وأيضاً: هو عقبي ممّن بايع في العقبة، وقد وعدهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وأصحابه وسلّم الجنّة والمغفرة. فإيّاك وسوء الظنّ بهذا الصنيع. فاحفظ الأَدب … » «1».

ولو تنزّلنا عن قضية سعد بن عبادة، فما الجواب عن تخلّف الصدّيقة الزهراء عليها السلام؟! وهي من الصحابة، بل بضعة الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فإذا كان الصحابة- لاسيّما مثل سعد- برآء عن موت الجاهلية، فما ظنّك بالزهراء التي قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني» «2» وقال: «فاطمة بضعة منّي، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها … «3»» وقال: «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة إلّا مريم بنت عمران» «4» هذه الأحاديث التي استدلّ بها الحافظ السهيلي وغيره من الحفّاظ علي أنّها أفضل من الشيخين فضلًا عن غيرهما «5».

__________________________________________________

(1) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت 2/ 222- 224.

(2) الجامع الصغير 2/ 360 حرف الفاء الرقم 5833.

(3) الجامع الصغير 2/ 360 حرف الفاء الرقم 5834.

(4) الجامع الصغير 2/ 360 حرف الفاء الرقم 5835.

(5) فيض القدير 4/ 554.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 72

فإنّ من ضروريات التاريخ أنّ الزهراء عليها السلام فارقت الدنيا ولم تبايع أبا بكر وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يأمرها بالمبادرة إلي البيعة، وهو يعلم أنّه «لم يفارق الجماعة أحد ومات إلّا مات ميتة الجاهليّة»!!

أقول:

إذن لا

يدلّ هذا الحديث علي شي ء ممّا زعموه أو أرادوا له الاستدلال به، فما هو واقع الحال؟

سنذكر له وجهاً علي سبيل الاحتمال في نهاية المقال …

ثم إنّ ممّا يبطل هذا الحديث- من حيث الدلالة والمعني- وجوهاً اخر:

(1)

إنّ أبا بكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام والأفعال، واتّباع المختلفين متعذّر غير ممكن. فمثلًا: أقرّ أبو بكر جواز المتعة ومنعها عمر. وأنّ عمر منع أن يورّث أحداً من الأعاجم إلّا واحداً ولد في العرب فبمن يكون الاقتداء؟!

ثم جاء عثمان فخالف الشيخين في كثير من أقواله وأفعاله وأحكامه وهو عندهم ثالث الخلفاء الرّاشدين.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 73

وكان في الصّحابة من خالف الشيخين أو الثلاثة كلّهم في الأحكام الشرعية والآداب الدينيّة. وكلّ ذلك مذكور في مظانّه من الفقه والاصول. ولو كان واقع هذا الحديث كما يقتضيه لفظه لوجب الحكم بضلالة كلّ هؤلاء!!

(2)

إنّ المعروف من الشيخين الجهل بكثير من المسائل الإسلاميّة ممّا يتعلّق بالاصول والفروع، وحتّي في معاني بعض الألفاظ العربية في القرآن الكريم. فهل يأمر النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم بالاقتداء المطلق لمن هذه حاله، ويأمر بالرجوع إليه والانقياد له في أوامره ونواهيه كلّها؟!

(3)

إنّ هذا الحديث بهذا اللفظ يقتضي عصمة أبي بكر وعمر والمنع من جواز الخطأ عليهما، وليس هذا بقول أحدٍ من المسلمين فيهما، لأنّ إيجاب الاقتداء بمن ليس بمعصوم إيجاب لما لا يؤمن من كونه قبيحاً.

(4)

لو كان هذا الحديث عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله لاحتجّ به أبو

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 74

بكر نفسه يوم السقيفة ولكن لم نجد في واحدٍ من كتب الحديث والتاريخ انه احتج به علي القوم فلو كان لنُقل واشتهر، كما نقل خبر السقيفة وما وقع فيها من النزاع

والمغالبة.

بل لم نجد احتجاجاً له به في وقتٍ من الأوقات.

(5)

بل وجدناه في السقيفة يخاطب الحاضرين بقوله: «بايعوا أيَّ الرجلين شئتم» يعني: أبا عبيدة وعمر بن الخطّاب «1».

ويلتفت بعضهم إلي البعض قائلًا: «أبسط يدك فلأ بايعك» «2».

(6)

ثم لمّا بويع بالخلافة قال:

«أقيلوني، أقيلوني، فلست بخيركم … » «3».

__________________________________________________

(1) انظر: صحيح البخاري 6/ 2506 كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر باب رجم الحبلي في الزنا إذا أحصنت الرقم 6442، مسند أحمد 1/ 90 مسند عمر بن الخطاب الرقم 393، تاريخ الطبري 2/ 446، السيرة الحلبية 3/ 395، وغيرها.

(2) الطبقات الكبري 3/ 135، مسند أحمد 1/ 58 مسند عمر بن الخطاب الرقم 235، السيرة الحلبية 3/ 395.

(3) الإمامة والسياسة 1/ 20، الصواعق المحرقة: 11، كنز العمّال 5/ 252 كتاب الخلافة مع الامارة الباب الاول في خلافة الخلفاء الرقم 14108، الرياض النضرة 1/ 251- 253.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 75

(7)

ثم لمّا حضرته الوفاة قال:

«وددت أنّي كنت سألت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم لمن هذا الأَمر، فلا ينازعه أحد، وددت أنّي كنت سألته: هل للأنصار في هذا الأَمر نصيب» «1».

(8)

وجاء عمر يقول:

«كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقي المسلمين شرّها، فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه» «2».

هل يمكن توجيه الحديث؟ … ص: 75

وبعد:

فما هو متن الحديث؟ وما هو مدلوله؟

قد عرفت أنه لا يوجد معني صحيح لهذا الحديث علي فرض

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 620، العقد الفريد 4/ 250، الإمامة والسياسة 1/ 24، مروج الذهب 2/ 309.

(2) صحيح البخاري 6/ 2505، الصواعق المحرقة: 10، تاريخ الخلفاء: 67.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 76

صدوره …

وعلي الفرض المذكور … فلابُدّ من الالتزام بأحد أمرين: إمّا وقوع التحريف في لفظه، وإمّا صدوره في قضيةٍ خاصّة …

أمّا الأوّل فيشهد

به: أنّه قد روي هذا الخبر بالنصب، أي جاء بلفظ «أبا بكر وعمر» بدلًا عن «أبي بكر وعمر» وجعل أبو بكر وعمر منادَيَيْن مأمورَيْن بالاقتداء … «1».

فالنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يأمر المسلمين عامةً بقوله «اقتدوا» - مع تخصيص لأبي بكر وعمر بالخطاب- «باللذين من بعده» وهما «الكتاب والعترة»، وهما ثقلاه اللذان طالما أمر بالاقتداء والتمسّك والاعتصام بهما «2».

وأمّا الثاني فهو ما قيل: من أنّ سبب هذا الخبر أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان سالكاً بعض الطرق، وكان أبو بكر وعمر متأخّرين عنه، جائيين علي أثره، فقال النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتّباعه واللحوق به:

__________________________________________________

(1) تلخيص الشافي 3/ 35- 36.

(2) راجع حديث الثقلين بألفاظه وطرقه ودلالاته في الاجزاء الثلاثة الاولي من كتابنا الكبير «نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الاطهار».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 77

«اقتدوا باللذين من بعدي» وعني في سلوك الطريق دون غيره «1».

وعلي هذا، فليس الحديث علي إطلاقه، بل كانت تحفّه قرائن تخصّه بمورده، فأسقط الرّاوي القرائن عن عمدٍ أو سهو، فبدا بظاهره أمراً مطلقاً بالاقتداء بالرجلين وكم لهذه القضية من نظير في الأخبار والأحاديث الفقهية والتفسيريّة والتاريخيّة. ومن ذلك ما في ذيل «حديث الاقتداء» نفسه في بعض طرقه وهذا ما نتكلم عليه بإيجاز ليظهر لك أنّ هذا الحديث- لو كان صادراً- ليس حديثاً واحداً، بل أحاديث متعدّدة صدر كلّ منها في موردٍ خاصّ لا علاقة له بغيره.

تكملة

لقد جاء في بعض طرق هذا الحديث:

«اقتدوا باللذين …

«واهتدوا بهدي عمّار.

وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد. أو: إذا حدّثكم ابن امّ عبدٍ فصدّقوه. أو: ما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه».

فالحديث- إن

كان صادراً عن رسول اللَّه- مشتمل علي ثلاث فقر، الاولي تخصّ الشيخين، والثانية عمّار بن ياسر، والثالثة عبداللَّه

__________________________________________________

(1) تلخيص الشافي 3/ 38.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 78

ابن مسعود.

أمّا الفقرة الاولي فكانت موضوع بحثنا، فلذا أشبعنا فيها الكلام سنداً ودلالة.. وظهر عدم جواز الاستدلال بها والأخذ بظاهر لفظها، وأنّ من المحتمل قويّاً وقوع التحريف في لفظها أو لدي النقل لها بإسقاط القرائن الحافّة بها الموجب لخروج الكلام من التقييد إلي الإطلاق، فإنّه نوع من أنواع التحريف، بل من أقبحها وأشنعها كما هو معلوم لدي أهل العلم.

وأمّا الفقرتان الاخريان، فلا نتعرّض لهما إلّا من ناحية المدلول والمفاد فقط لئلّا يطول بنا المقام وإن ذكرا في فضائل الرجلين، وربّما استدلّ بهما بعضهم في مقابلة بعض فضائل أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام فنقول:

قوله: «اهتدوا بهدي عمار» معناه: «سيروا بسيرته واستر شدوا بإرشاده».

فكيف كانت سيرة عمار؟ وما كان إرشاده؟

وهل سار القوم بسيرته وبإرشاده؟!

هذه كتب السير والتواريخ بين يديك!!

وهذه نقاط من «سيرته» و «إرشاده»:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 79

تخلَّف عن بيعة أبي بكر «1» وقال لعبد الرحمن بن عوف- حينما قال للناس في قصة الشوري-: أشيروا عليَّ «إن أردتَ أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّاً» «2». وقال- بعد أن بويع عثمان-: «يا معشر قريش، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرّةً وهاهنا مرّةً، فما أنا بآمن من أن ينزعه اللَّه [منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله» «3» وكان مع علي عليه السلام منذ اليوم الأول حتي استشهد معه بصفّين وقد قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «عمار تقتلة الفئة الباغية» «4» و «من عادي عمّاراً

عاداه اللَّه» «5».

__________________________________________________

(1)

المختصر في أخبار البشر 1/ 156، تتمة المختصر 1/ 215.

(2) تاريخ الطبري 3/ 297، الكامل 3/ 70 العقد الفريد 4/ 259.

(3) مروج الذهب 2/ 352.

(4) المسند 2/ 350 مسند عبداللَّه بن عمرو الرقم 6502، تاريخ الطبري 4/ 27، 29 طبقات ابن سعد 3/ 190- 192 الخصائص: 221- 232 ذكر قول النبي: عمّار تقتله الفئة الباغية الارقام 158- 168، المستدرك 3/ 435- 442 كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب عمار بن ياسر الأرقام 5657 و 5659 و 5660 و 5676، عمدة القاري 24/ 192، كنز العمّال 11/ 332- 333 كتاب الفضائل باب ذكر الصحابة وفضلهم الأرقام 33543- 33547 و 33551 و 3353 و 33552 و 33558 و 33560.

(5) الاستيعاب 3/ 229 الإصابة 4/ 474، كنز العمّال 11/ 332 كتاب الفضائل باب ذكر الصحابة وفضلهم الرقم 33548، إنسان العيون 2/ 78.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 80

ثم لماذا أمر النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالاهتداء بهدي عمّار والسير علي سيرته؟ لأنّه قال له من قبل: «يا عمّار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي، فإنّه لن يدليك في ردي ولن يخرجك من هدي … يا عمار: إنّ طاعة علي من طاعتي، وطاعتي من طاعة اللَّه عزّوجلّ» «1».

وأمّا قوله: «وتمسّكوا بعهد ابن امّ عبد» أو «إذا حدّثكم ابن امّ عبد فصدّقوه» فما معناه؟

إن كان المراد هو «الحديث» فهل يصدَّق في كلّ ما حدَّث؟

هذا لا يقول به أحدٌ وقد وجدناهم علي خلافه فقد منعوه من الحديث، بل كذّبوه، بل ضربوه فراجع ما رووه ونقلوه «2».

وإن كان المراد هو «العهد» فأيّ عهدٍ هذا؟

لابُدَّ أن يكون إشارةً إلي أمر خاصّ

صدر في موردٍ خاصّ لم تنقله الرواة.

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13/ 188- 189، كنز العمّال 11/ 282 كتاب الفضائل باب ذكر الصحابة وفضلهم الرقم 32969، فرائد السمطين 1/ 178. المناقب- للخوارزمي-: 57 و 124.

(2) سنن الدارمي 1/ 61، طبقات ابن سعد 2/ 256 تذكرة الحفّاظ 1/ 7، اسد الغابة 3/ 386- 387.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 81

لقد رووا في حقّ ابن مسعود حديثاً آخر- جعلوه من فضائله- بلفظ: «رضيت لأمتي ما رضي لها ابن امّ عبد» «1» ولكن ما هو؟

لابدَّ أن يكون صادراً في موردٍ خاصّ بالنسبة إلي أمرٍ خاصّ لم تنقله الرواة.

إنّه- فيما رواه الحاكم- كما يلي:

«قال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم لعبد اللَّه بن مسعود: إقرأ.

قال: أقرأ وعليك انزل؟!

قال: إنّي احبّ أن أسمعه من غيري.

قال: فافتتح سورة النساء حتي بلغ: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَي هَؤُلاء شَهِيداً» «2»

فاستعبر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وكَفَّ عبداللَّه.

فقال له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: تكلّم.

فحمد اللَّه في أول كلامه وأثني علي اللَّه وصلّي علي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم وشهد شهادة الحقّ. وقال:

رضينا باللَّه ربّاً وبالإسلام ديناً، ورضيت لكم ما رضي اللَّه

__________________________________________________

(1) هكذا رووه في كتب الحديث انظر الجامع الصغير: 2/ 273 حرف الراء الرقم 4458.

(2) سورة النساء: 41.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث الإقتدابالشيخين، ص: 82

ورسوله.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» «1».

فانظر كيف تلاعبوا بأقوال النبي صلّي اللَّه عليه وآله وتصرّفوا في السُنّة الشريفة، فضلّوا وأضلّوا!!

ونعود فنقول: إنّ السُنّة الكريمة بحاجةٍ ماسّةٍ إلي تحقيق وتمحيص، لاسيّما في القضايا التي لها صلة وثيقة بأساس

الدين الحنيف، تبني عليها اصول العقائد، وتتفرّع منها الأحكام الشرعيّة.

واللَّه نسأل أن يتغمّد بواسع رحمته مشايخنا الأبرار، الّذين تعلّمنا في مدرستهم مناهج التحقيق وتدربنا علي سبل البحث والاستدلال لا سيّما السيّد صاحب «عبقات الأنوار» وأن يوفقنا لتحقيق الحقّ وقبول ما هو به جدير، إنّه سميع مجيب وهو علي كلّ شي ء قدير.

علي الحسيني الميلاني

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 361 كتاب معرفة الصحابة وذكر مناقب عبداللَّه بن مسعود الرقم 5394.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.