السيرة النبوية في السطور العلوية

اشارة

سرشناسه : علوی عادل - 1955 عنوان و نام پديدآور : السیره النبویه فی السطور العلویه تالیف عادل العلوی مشخصات نشر : قم الموسسه الاسلامیه العامه للتبلیغ و الارشاد، 1378. مشخصات ظاهری : ص 48 فروست : (موسوعه رسالات اسلامیه شابک : 964-5915-10-4 1000ریال وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی يادداشت : فهرستنویسی براساس اطلاعات فیپا. يادداشت : عنوان دیگر: رساله السیره النبویه فی السطور العلویه عنوان دیگر : رساله السیره النبویه فی السطور العلویه عنوان دیگر : رساله النبویه السیره النبویه فی السطور العلویه موضوع : محمد(ص ، پیامبر اسلام 53 قبل از هجرت - 11ق -- سرگذشتنامه رده بندی کنگره : BP22/9 /ع 76س 9 رده بندی دیویی : 297/93 شماره کتابشناسی ملی : م 78-21147

الإهداء

إليك يا حبيب القلوب ، وطبيب النفوس ، وشفيع الذنوب .

يا رسول الله صلّى الله عليك وآلك .

وإلى اُ مّتك الإسلامية التي هي بانتظار ولدك المهدي القائم المنتظر الموعود (عليه السلام)

اُقدّم هذه الرسالة ،

عبقات نور من سيرتك الطاهرة ،

برجاء القبول

مقدّمة

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيّد رسله محمّد المصطفى وآله أئمة الهدى الغرّ الميامين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد :

فإنّي أعتقد أنّ كلّ مسلم ومسلمة ، لا سيّما الشباب ، بل أولادنا وفلذّة أكبادنا قبل بلوغهم ومنذ نعومة أظفارهم ، عليهم أن يعرفوا سيرة نبيّنا وطبيب نفوسنا وشفيع ذنوبنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فإنّه (صلى الله عليه وآله) القدوة الصالحة والاُسوة الحسنة لكلّ المسلمين والمسلمات ، بل للبشرية جمعاء :

( لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )[1].

في أخلاقه الرفيعة وسلوكه الشامخ وسيرته الطيّبة :

( إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ )[2].

فمن أراد أن يدرك محبّة الله ، ومن كان مؤمناً به مطيعاً له ، لا بدّ أن يتّبع رسوله ويحبّه ويطيعه ، حتّى يفوز ويفلح ويسعد في الدارين ، والإيمان والطاعة والمودّة ، تتوقّف على معرفته الكاملة ، ومن معرفته : الوقوف على سيرته المباركة وحياته الطاهرة ، وكلّما ازدادت المعرفة ازدادت المحبّة ، وبالعكس ، فحينئذ يكون التفاعل الإيماني وزيادة اليقين ، وديمومته حتّى الوقوف بين يدي الله سبحانه ، فمن هذا المنطلق رأيت من واجبي أن أكتب موجزاً عن أهمّ الوقائع والأحداث التي وقعت في حياة حبيب قلوبنا نبيّنا الأكرم ، خاتم المرسلين وسيّد الأوّلين والآخرين محمّد (صلى الله عليه وآله).

وحاولت أن أكتب

سيرته العظيمة من أهمّ المراجع والمصادر عند الفريقين _ السنّة والشيعة _ وذلك في سطور مختصرة جدّاً ، لسهولة المراجعة إليه ، لا سيّما للطليعة المؤمنة والفتية المسلمة ، وليكون منطلقاً وحافزاً لمطالعة الموسوعات الضخمة المؤلفة في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسيرته الميمونة ، والله المستعان وعليه الثكلان ، وما توفيقنا وهدايتنا ورشدنا إلاّ بالله العليّ العظيم ، فهو حسبنا وهو الوكيل ، فنعم المولى ونعم النصير.

---

[1]الأحزاب : 21.

[2]آل عمران : 31.

النسب و الولادة وحياته إلى سنّ الأربعين

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من نسل النبيّ اسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الرحمن.

ولد يوم الجمعة 17 ربيع الأوّل عام الفيل _ سنة 570 ميلادية _ وحمله كان في أيام التشريق من ذي الحجّة ، حدثت حوادث مهمّة تأريخية يوم ولادته المباركة ، كإخماد نار المجوس ، وغور ماء ساوة ، وانفطار طاق كسرى.

اسمه عند اُمّه ( أحمد ) وعند جدّه عبد المطّلب ( محمد ) اشتقّ اسمه الشريف من اسم الله الحميد ، فهو جامع الصفات المحمودة.

أرضعته ثويبة جارية أبي لهب وحليمة السعدية.

حياة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كلّها نبل وأصالة ومحامد ومعاجز وكرامات ، وبقي في قبيلة بني سعد لمدّة خمس سنوات.

توفّي والده عبد الله في يثرب ( المدينة المنوّرة ) والنبيّ في بطن اُمّه ، فعرف بيتيم قريش.

رجع إلى اُمّه آمنة بنت وهب وعمره خمس سنوات ، وسافر

معها إلى يثرب وعمره ثمان سنوات ، فماتت اُمّه الطاهرة في الطريق عند رجوعها في الأبواء.

توفّي جدّه عبد المطّلب في نفس السنة _ السنة الثامنة من عام الفيل _ وسمّي العام ، بعام الحزن.

تكفّله عمّه أبو طالب ، وسافر معه للتجارة إلى الشام وعمره ( 12 سنة ) والتقى في بصرى بين الشام والعراق ، براهب نصراني ( بُحيرى ) وأخبر بنبوّته ، وأنّ اليهود لو عرفوه لقتلوه ، فرجع أبو طالب مع ابن أخيه إلى مكّة.

ظهرت آثار الشجاعة والبسالة على النبيّ منذ الصغر ، فاشترك في حرب الفجّار ، وعمره آنذاك ( 15 سنة ).

اشترك في حلف الفضول الذي يدافع عن المظلومين مع قبيلة جُرهم.

كان في بداية حياته المباركة راعياً للأغنام ، كسلفه من الأنبياء الكرام ، وذلك لحكمة ربّانية.

احترف التجارة أيام شبابه ، وضارب مع خديجة سيّدة قريش في تجارة إلى الشام ، برفقة خادمها ميسرة ، وشاهد منه كرامات وفضائل ، حدّث بها خديجة ، فتعلّقت به.

ربحت تجارة النبيّ . وانشغفت خديجة بفضائله ، وإنكاره اللات والعُزّى ، وقصّته مع بحيرى.

تزوّجت خديجة الكبرى (عليها السلام) من محمد (صلى الله عليه وآله) وعمرها ( 40 سنة ) وعمره ( 25 سنة ).

كان النبيّ أيام شبابه يفكّر دوماً في ملكوت السماوات والأرض ، يخلو بربّه في الفلوات والجبال لا سيّما في غار حرّاء.

رزقه الله من خديجة ستّة أولاد : القاسم وعبد الله ( الطاهر والطيّب ) وتوفّيا في زمن النبيّ ، ورقيّة وزينب واُمّ كلثوم وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) . وقيل فاطمة الزهراء دون الاُخريات.

رفع الخصومة بين قبائل العرب وقريش في وضع الحجر الأسود في موضعه بعد تعمير الكعبة المشرّفة ،

وكان عمره (صلى الله عليه وآله) آنذاك ( 35 سنة ).

أخذ النبيّ علياً (عليه السلام) من والده أبي طالب في سنة جدب ليرفّه على عمّه.

البعثة النبوية المباركة

السنة الاُولى من البعثة )

من أهداف بعثة الأنبياء هداية الناس وإصلاحهم ، وليقوموا بينهم بالقسط والإحسان ، وبعث رسول الله محمد خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله) وعمره ( 40 سنة ) نزل عليه جبرائيل في غار حرّاء بسورة الفلق : ( إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ ... ) في ( 27 رجب ).

أوّل من آمن به من النساء زوجه خديجة بنت خويلد ، ومن الرجال علي (عليه السلام) ، وكانا يصلّيان خلفه في الحرم الشريف لمدّة ثلاث سنوات.

دعوة النبيّ الاُولى كانت سرّية لمدّة ثلاث سنوات.

بعدها جمع النبيّ عشيرته بعد نزول قوله تعالى : ( وَأنْذِرْ عَشيرَتَكَ الأقْرَبينَ )فجمعهم ليدعوهم إلى التوحيد ولينذرهم يوم المعاد ، ونصب عليّاً (عليه السلام) للخلافة والوزارة من اليوم الأوّل في قصّة الدار والإنذار.

دعى النبيّ الناس كافّة إلى أن يقولوا ( لا إلهَ إلاّ اللهُ ) وذلك بعد ثلاث سنوات من البعثة المباركة على جبل صفا ، بعد أن قال : إنّ الرائد لا يكذب أهله.

آمن من كلّ قبيلة بعض شبّانها ، واجتمعت قريش على محاربة النبيّ والمسلمين الجدد ، إذ سفّه أصنامهم ، ونفذت دعوته إلى القلوب وأحبّه الشباب.

ذهبت قريش إلى أبي طالب تطلب منه أن يكفّ النبيّ عن دعوته ، فأنكر النبيّ ذلك ، قائلا : « والله يا عمّاه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ».

تآلبت قريش على أذى الرسول ، وانبرى من بني هاشم اُناس يدافعون عنه ، وآمن به

عمّه حمزة وكان معروفاً بالبسالة والشجاعة ومصارعة الاُسود ، فتقوّت شوكة الإسلام بإيمانه.

عداء قريش إنّما ينبع من الحسد والخوف من آيات القيامة والعذاب ومن المجتمع العربي المشرك.

ظهرت المعاجز من النبيّ ومعجزته الخالدة إلى يوم القيامة ( القرآن الكريم ) يهدي للتي هي أقوم ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كان نزوله في البداية تدريجياً ، وذلك للحكم والمصالح العامّة التي تقتضيها الدعوة النبويّة ، والزمان والمكان ، وليثبت قلب النبيّ ، وعدم التناقض في آياته الكريمة.

السنة الخامسة من البعثة )

هاجر جماعة من المسلمين ( 15 نفر ثمّ التحق بهم مجموعة فبلغوا 83 نفراً ) إلى الحبشة في ( 5 رجب ) بقيادة جعفر بن أبي طالب.

كفّار قريش اتّهموا النبيّ بالجنون ، وإنّه ساحر وكاهن وشاعر ، وحاربوه شتّى المحاربة ، فخذلهم الله ونصر نبيّه ( لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي ).

كان التحريم الاقتصادي والاجتماعي من قبل قريش نضالا سلبيّاً ضدّ النبيّ وأصحابه ، فالتجأوا إلى شِعب أبي طالب لمدّة ثلاث سنوات ، وبلغت حالتهم الصحية والاجتماعية إلى درجة يرثى لها.

[السنة العاشرة من البعثة]

أكلت الأرضة الإعلان التحريمي من قبل قريش الذي كان على جدار الكعبة ، ولم يبقَ منه شيء إلاّ ( بسمك الله ) وأخبر النبيّ عمّه بذلك ، وانتهت المحاصرة في نصف رجب في السنة العاشرة من البعثة.

نموّ الفكرة ورشدها إنّما يكون بالحرية والقوّة الدفاعية ، فقد توفّي المدافع الأوّل عن النبيّ وهو أبو طالب مؤمن قريش وكانت وفاته في السنة العاشرة من البعثة . وكان النبيّ عمره الشريف آنذاك ( 50 سنة ) ، وقال : ما نالت منّي قريش ما أكرهه حتّى مات أبو طالب.

توفّيت المدافعة الثانية عن النبيّ خديجة الكبرى (عليها السلام) بعد رحلة أبي طالب (عليه السلام) بخمسة أشهر وبضعة أيام.

[السنة الحادي عشر بعد البعثة ]

ذهب النبيّ إلى الطائف ، ليدعو بني ثقيف إلى الإسلام في السنة الحادي عشر بعد البعثة ، فضربوه بالحجارة حتّى اُدمي ، والتقى في ضيعة بعداس المسيحي وكان غلاماً يشتغل في البستان، ورجع النبيّ إلى مكّة وطاف الكعبة بحماية مطعّم بن عدي.

عرج النبيّ إلى السماء من بيت اُمّ هانئ بنت أبي طالب إلى المسجد الأقصى ، ثمّ إلى السماء بروحه وجسده ، وقيل سنة المعراج العاشرة من البعثة ، وقيل الثانية عشرة ، والأصحّ أ نّه وقع بعد العاشرة.

كان النبيّ في أشهر الحرم يصعد ربوةً ، ويدعو الناس إلى الإسلام قائلا : « قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ، تملكوا بها العرب ، وتذلّ لكم العجم ، وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنّة ».

كانت يثرب ( المدينة المنوّرة ) تسكنها قبيلتي أوس وخزرج ، وبجوارهم ثلاث طوائف من اليهود ، وهم : بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع ، وفي كلّ سنة كانت جماعة من أهل يثرب يحجّون بيت الله

الحرام ، ويلتقون مع النبيّ ، وذلك خلال ( سنة 11 و 12 و 13 من البعثة ) وأوّل من آمن من أهل يثرب سويد بن صامت ، وقتل في حرب بعاث بيد الخزرجيين ، وكذلك أياس بن معاذ.

ستّة أنفار من الخزرج آمنوا بالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، ورجعوا إلى قومهم ، يبلّغون الإسلام ، دين الله القويم.

في السنة الثانية عشرة من البعثة

توجّهت مجموعة ( 12 نفراً ) من يثرب إلى مكّة المكرّمة ، والتقوا بالنبيّ في عقبة ، وبايعوه على نصرته ، وعرفت البيعة ببيعة النساء وكان مفادها ( أن لا نشرك بالله شيئاً ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا يعصوا النبيّ في معروف ).

أوّل معلّم للقرآن بعثه النبيّ إلى يثرب هو معصب بن عمير الذي استشهد في غزوة اُحد.

بيعة العقبة الثانية بين ( 73 نفراً ) من أهل يثرب وبين النبيّ قائلا : « اُبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم » مهّدت هذه البيعة هجرة النبيّ إلى يثرب ، وانتخب ( 12 نفراً ) منهم لحلّ مشاكلهم في يثرب.

بأمر من النبيّ الأكرم هاجر مسلمو مكّة إلى يثرب ، ولم يبقَ فيها إلاّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وقليل من المسلمين.

الهجرة النبويّة الشريفة

السنة الاُولى من الهجرة النبوية الشريفة )

وأخيراً في شهر ربيع الأوّل في السنة الثالثة عشر بعد البعثة ، هاجر النبيّ الأعظم رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يثرب ، بعد أن اجتمع مشركو قريش في دار الندوة ، وخطّطوا لقتل النبيّ في فراشه ، بأن يطعنه من كلّ قبيلة شخص :

( وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لَيُثْبِتوكَ أوْ يَقْتُلوكَ أوْ يُخْرِجوكَ وَيَمْكُرونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الماكِرينَ )[1].

وبات علي (عليه السلام) في فراش النبيّ فادياً بنفسه :

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤوفٌ بِالعِبادِ )[2].

اختفى النبيّ مع أبي بكر في غار ثور ، وبأمر من الله نسج العنكبوت بيته على فتحة الغار عند وصول القوم إليه ، ثمّ بقي في الغار لمدّة ثلاثة أيام.

وصّى النبيّ علياً بعد ليلة المبيت ،

أن يردّ الأمانات إلى أهلها ، وأن يهاجر بالفواطم _ فاطمة الزهراء وفاطمة بنت أسد وفاطمة بنت زبير _ وبالمسلمين إلى يثرب.

صارت الهجرة النبوية بإرشاد من النبي تأريخ المسلمين _ كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين في زمن خلافة عمر بن الخطاب _ وتشكّلت أوّل حكومة إسلامية في يثرب ، التي سمّيت بعد دخول النبيّ بالمدينة المنوّرة ، وانتشر الإسلام إلى بقاع العالم بعد هجرة النبيّ.

ورد النبيّ ( قُبا ) في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل ، ونزل في دار كلثوم ، وبنى مع أصحابه ( مسجد قُبا ) وهو أوّل مسجد بني في الإسلام على أساس التقوى ، ويبعد عن المدينة بثلاث فراسخ.

التحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مع الفواطم بالنبيّ في قبا في ( 15 ربيع الأوّل ).

طلع البدر على أهل يثرب من ثنيّات الوداع ، والناس وكبار القوم يحاولون أن يقيم النبيّ رحله عندهم ، ففوّض النبيّ أمر ذلك إلى الناقة ، فبركت في دار يتيمين سهل وسهيل ، ونزل دار اُمّ أيوب الأنصاري ، وكانت عمياء ، ففتحت عينيها ، وأبصرت ببركة النبيّ ومعجزته.

ورد النبيّ يثرب يوم الجمعة فصلّى الجمعة في قبيلة بني سالم.

بنى النبيّ وأصحابه مسجده الشريف ، ليزكّي الناس ويعلّمهم الكتاب والحكمة ، كما أمره الله بذلك ، ولينطلق الإسلام من محاريب المساجد ، وكان النبيّ وأصحابه يردّدون هذا الشعار حين بناء المسجد « لا عيش إلاّ عيش الآخرة ، اللّهم ارحم الأنصار والمهاجرة ».

أخذ عبد الله بن اُبي رئيس المنافقين في يثرب يخطّط ضدّ الرسول وأصحابه.

آخى النبيّ بين الأنصار ( أهل المدينة ) وبين المهاجرين ( أهل مكّة ) قائلا : « أخّوا

في الله أخوين أخوين » وآخى بينه وبين علي (عليه السلام) فقال : ( أنت أخي في الدنيا والآخرة ) وبهذه المؤاخاة الإسلامية قرّب بين قلوب أوس وخزرج وبين المهاجرين.

أمر الله نبيّه أن يغلق الأبواب التي تفتح على المسجد إلاّ باب دار عليّ وفاطمة (عليهما السلام).

عقد النبيّ مع يهود يثرب معاهدة ، نقضتها اليهود ، وآمن عبد الله بن سلام ، وأشعلت اليهود نار الفتنة والفرقة بين المسلمين.

---

[1]الأنفال : 30.

[2]البقرة : 207.

السنة الثانية من الهجرة المباركة )

بعد ثمان أشهر من إقامة النبيّ في يثرب ، سلّم النبيّ راية في سرية إلى حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين مقاتل ، ليقابلوا قافلة قريش التجارية في عنص ، ولم يقع بينهم نزاع.

الغزوة ما اشترك فيها النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والسريّة تعبّر عن عسكر صغير بقيادة من ينصبه النبيّ ، فكانت غزوات النبيّ ( 27 أو 26 ) والسرايا كانت ( 35 وقيل 36 وقيل 48 وقيل 60 ) والاختلاف إنّما هو لعدم اعتبار بعض السرايا لقلّة جنودها وأفرادها.

بعث النبيّ سرية بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب في ستّين نفر ، إلى قافلة قريش التجارية بقيادة أبي سفيان ، ولم يقع بينهما حرب.

في صفر خرج النبيّ مع جماعة من الأنصار والمهاجرين لمقابلة قافلة قريش ، فوقع عهد بينه وبين قبيلة بني ضمرة.

في ربيع الأوّل خرج مع مجموعة إلى ( بواط ) ليقابل قافلة قرشية ، فلم يحدث ذلك فرجع إلى المدينة.

في نصف جمادي الثانية خرج أيضاً إلى ذات العشيرة ، فعقد عهداً مع قبيلة بني مدلج.

بعث النبيّ سرية بقيادة عبد الله بن جحش في ثمانين نفر ، فهجموا على قافلة تجارية قرشية في الشهر الحرام ، فاستاء النبيّ من

ذلك ، ونزلت الآية الشريفة ( يَسْألونَكَ عَنِ الشَهْرِ الحَرامِ )[1] ثمّ وزّع النبيّ الغنائم بين المسلمين . والمقصود من بعث هذه السرايا هو تفهيم أهل مكّة المكرّمة أنّ طرق التجارة بيد المسلمين ، ومن ثمّ تحرير مسلمي مكّة من أذى المشركين.

كان النبيّ والمسلمون يصلّون نحو البيت المقدّس ، فطعن اليهود المسلمين بأ نّهم لو كانوا على حقّ فكيف يصلّون نحو قبلتهم ، وكان النبيّ يرى السماء وينتظر الوحي ( قَدْ نَرىْ تَقُلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها )[2] فنزل جبرائيل ، والنبيّ في صلاته فوجّهه نحو الكعبة ، وتبدّلت القبلة ، وعرف المسجد الذي وقع فيه الحادث بمسجد القبلتين ، وذلك بعد سبعة عشر شهراً من الهجرة الشريفة.

بعث النبيّ عدي وقيل طلحة بن عبيد الله ليطلع على قافلة قريش بقيادة أبي سفيان ، وهي أكبر قافلة تجارية لأهل مكّة فيها ألف بعير ، فخرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع الأنصار والمهاجرين في ( 313 نفر ) وخلّف للصلاة في المدينة عبد الله بن مكتوم ، وفي الاُمور السياسية أبا لبابة ، ونزل في ذفران يبعد عن بدر بفرسخين.

طلب أبو سفيان النجدة من شجعان مكّة ، وشاور النبيّ أصحابه في القضيّة ، وأشار سعد بن معاذ بالصمود ، فأمر النبيّ بحركة الجيش إلى محاربة قريش ووقعت ( غزوة بدر الكبرى ) وانتصر المسلمون في ( 17 رمضان ) وأوّل من بارز من المشركين عتبة وشيبة أبناء ربيعة ووليد بن عتبة وقتلوا على أيدي حمزة وعبيدة وعلي (عليه السلام) ، ثمّ تلاحم الفريقين في معركة ضارية والنبيّ يحرّض أصحابه قائلا : « والذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلا

غير مدبر إلاّ أدخله الله الجنّة » وقتل اُميّة بن خلف بيد بلال الحبشي واستشهد من المسلمين ( 14 نفراً ) ومن المشركين ( 70 نفراً ) واُسر ( 70 نفراً ) منهم أبو جهل ، واُلقيت أجساد قتلى المشركين في بئر بدر :

يناديهم رسول الله لمّا *** قذفناهم كباب في القليب

ألم تجدوا كلامي حقّاً *** وأمر الله يأخذ بالقلوب

فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا *** صدقت وكنت ذا رأي مصيب

وانتهى أمر الاُسراء إلى أ نّه من كان يعرف القراءة ، يعلّم ذلك لعشرة من المسلمين ثمّ يتحرّر ، ومن لم يعرف يفدي نفسه بالمال.

زواج علي (عليه السلام) من فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأمر من الله سبحانه ، وكان زواجها اُسوة حسنة ، وحياتهما قدوة صالحة ، وضربا للبشرية أروع مثال للحياة السعيدة ، ولمدّة ستّة أشهر كان النبيّ يقف على بابهما وينادي : « الصلاة يا أهل البيت ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً » ، بعد نزول آية التطهير وقصّة الكساء اليماني.

بعد انهزام وانكسار مشركي قريش خاف يهود بني القينقاع على مكانتهم وثروتهم ، فدسّوا بين المسلمين شائعات لتضعيف نفوسهم ، وقتلوا مسلماً فتحصّنوا في قلعتهم ، فدحرهم وأخرجهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) من المدينة إلى وادي القرى ، ثمّ إلى أذرعات.

وقعت ( غزوة الكدر ) حينما خرج النبيّ إلى منطقة قبيلة بني سليم ، وقد فرّ العدوّ ، فرجع النبيّ إلى المدينة.

( غزوة السويق ) في خروج النبي لمحاربة أبي سفيان حين هجومه على المسلمين.

( غزوة ذي الأمر ) عندما خرج النبيّ مع ( 450 نفر ) لمحاربة قبيلة غطفان ، إلاّ أ نّهم فرّوا إلى الجبال.

---

[1]البقرة

: 217.

[2]البقرة : 144.

السنة الثالثة من الهجرة المقدّسة )

تشكّلت سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب الأشراف اليهودي الذي كان يؤذي المسلمين ، وذلك في بداية السنة الثالثة من الهجرة.

( غزوة اُحد ) أو الأحزاب بعد أن اشتركت القبائل العربية المشركة في هجوم على المسلمين ، انتقاماً من وقعة بدر ، فاستشار النبيّ أصحابه ، وكانت روح الشهادة وطلب الجنّة هي الحاكمة على المسلمين ، يشهد على ذلك قصّة خثيعمة ، وعمرو بن جموح ، وشهادة أولاده ، وشهادة حنظلة غسيل الملائكة ابن أبي عامر من رؤساء المشركين ، فوقعت المعركة ( يوم الخميس 5 شوّال ) على سفاح جبل اُحد خارج المدينة ، وانتصر المسلمون في البداية ، لكن ترك الرماة موضعهم طمعاً بالغنائم ، أدّى ذلك لانكسار المسلمين ، واستشهد منهم ( 70 نفراً ) ثلاثة أضعاف قتلى قريش ، فيهم مصعب بن عمير وحمزة سيّد الشهداء بيد الوحشي غلام هند آكلة الأكباد ، وصمد عليّ (عليه السلام) في الموقف ، وهتف جبرئيل (عليه السلام) : « لا فتى إلاّ عليّ ، لا سيف إلاّ ذو الفقار » ، كما صمد أبو دجانة ونسيبة اُمّ عامر ، وعلا شعار أبي سفيان ( اُعلُ هُبَل ، اُعلُ هُبَل ) فأجابه النبيّ مع أصحابه : « الله أعلى وأجلّ ، الله أعلى وأجلّ » ، فنادى أبو سفيان وجماعته : ( نحن لنا العُزّى ولا عُزّى لكم ) ، فأجابه المسلمون : « الله مولانا ولا مولى لكم ».

ولا يخفى أنّ في غزوة اُحد دروس وعبر كدرس الفداء حينما حملت امرأة من المسلمين زوجها وولدها وأخيها على البعير ، وقصّة هند بنت عمرو بن خزام ودفن قتلاها في اُحد.

بعد الانكسار

رابط النبيّ مع المسلمين في حمراء الأسد وخلف ابن اُمّ مكتوم في المدينة ، ثمّ رجع إليها في اليوم السابع من شوّال.

ولد الإمام الحسن (عليه السلام) سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نصف شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة من الهجرة.

السنة الرابعة من الهجرة المجيدة )

انكسار المسلمين في اُحد مهّد للمنافقين والمشركين أن يخطّطوا أكثر فأكثر في محاربة الإسلام وهدم صرحه ، فأخبر النبيّ أنّ قبيلة بني أسد تقصد الهجوم على المدينة ، فبعث إليهم سرية ( 150 مقاتل ) بقيادة أبي سلمة ففاز عليهم وانتصر ورجع بغنائم ( وقعت الحادثة بعد 35 شهر من الهجرة ).

بعث النبيّ المبلّغين حفّاظ القرآن لنشر معارف الإسلام ، فاستشهد منهم ستّة ، وقيل عشرة ، بين مقاتل ( عضل وقاره ) في منطقة ( رجيع ) وشنق زيد بن ديثة وخُبيب بن عدي بيد المشركين في مكّة.

استشهد ( 39 ) مبلّغاً وحافظاً للقرآن عند بئر ( معونة ) بيد عامر بن الطفيل وأعوانه ، ورجع كعب بن زيد المجروح إلى المدينة وأخبر النبيّ بذلك ، والنبيّ بعثهم بحماية أبي براء عامر بن مالك بن جعفر رئيس قبيلة بني عامر في نجد.

انتهز يهود بني النضير الفرصة بعد هذه الحوادث المؤلمة ، فأرادوا قتل النبيّ في مؤامرة _ عندما اجتمع النبيّ معهم _ بإلقاء حجر عليه فأخبر جبرئيل نبيّ الله بذلك ، فغزاهم النبيّ بعد نقضهم العهد وحاصر قلعتهم لستّة أيام وقيل 15 يوماً ، واندحرت بني النضير إلى الشام وإلى خيبر ، وقسّمت مزارعهم بين المسلمين ، وذلك في ربيع الأوّل من السنة الرابعة للهجرة.

حرّم الله الخمور بعد أن حذّر الناس من أضرارها وأ نّها تزيل العقل الذي هو الجوهر

في الإنسان ، وبه يمتاز عن الحيوانات وإنّما حرّمها تدريجاً لاقتضاء مصلحة العموم آنذاك في قوله تعالى : ( وَمِنَ ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأعْنابِ تَتَّخِذونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً )[1] ، ( يَسْألونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إثْمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعَ لِلنَّاسِ وَإثْمُهُما أكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما )[2] ، ( لا تَقْرَبوا الصَّلاةَ وَأنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَموا ما تَقولون )[3] ، ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا إنَّما الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأنْصابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ )[4] ، والإثم من الحرام لقوله تعالى : ( قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالإثْمَ )[5].

وقعت غزوة ذات الرقاع مع بني محارب وبني تغلبة من غطفان ، وفيها نزلت صلاة الخوف ، وعند رجوعهم اُصيب عباد في الليل بسهام ، وهو في صلاته.

وقعت بدر الثانية في ذي القعدة ، وخروج النبيّ في عسكر ( 1500 مقاتل ) ورجوع أبي سفيان ذليلا إلى مكّة.

ولد الإمام الحسين (عليه السلام) سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الثلاث من شهر شعبان المكرّم.

توفّيت فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب واُمّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، ودفنها النبيّ بيده الشريفة ، وحزن لفقدها.

أمر النبيّ زيد بن ثابت أن يتعلّم اللغة السريانية من اليهود.

---

[1]النحل : 67.

[2]البقرة : 219.

[3]النساء : 43.

[4]المائدة : 90.

[5]الأعراف : 33.

السنة الخامسة من الهجرة الحميدة )

من أجل تحطيم سنن الجاهلية تزوّج النبيّ من بنت عمّه زينب بنت جحش بعد زواجها من زيد وطلاقها كما في آية ( 4 / 6 / 36 / 40 ) من سورة الأحزاب.

وقعت غزوة دومة الجندل ، قريبة من دمشق وخرج النبيّ لمحاربة قطّاع الطريق على المسلمين ، ولمثل هذا تعدّدت زوجات النبيّ

الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقعت غزوة خندق أو غزوة الأحزاب : بتحريض يهود بني النضير وقبيلة بني وائل ; فجمع المشركون قواهم وأحزابهم لمحاصرة المدينة ، أخبر النبيّ بذلك ، فشاور أصحابه ، واقترح سلمان الفارسي المحمدي أن يحفر حول المدينة من قبل مكّة خندقاً _ وذلك من أحد إلى راتج وكان طول الخندق ( 1200 ذراع ما يقارب 55كيلومتر وعمقه وعرضه ما يقارب خمسة أمتار ) وفي هذه الغزوة قال النبيّ كلمته المشهورة : « سلمان منّا أهل البيت » ، وكان عدد المشركين يزيد عن عشرة آلاف مقاتل ، وعدد المسلمين لم يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل ، بقي المشركون خلف الخندق ما يقارب الشهر ، فالتقى حيي بن أخطب اليهودي مع بني قريظة لتحريكهم ضدّ النبيّ فنقضوا المعاهدة واتّحدت اليهود مع المشركين لمحو الإسلام ، وتقابل الإيمان والكفر ، وقال النبيّ : ( أ يّها الناس إذا لقيتم العدوّ فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف ) وعبر الخندق عمرو بن ودّ العامري فارس يليل الذي قابل بوحده ألف فارس وغلبهم ، وطلب المبارزة من المسلمين ، فبرز إليه أبو الحسن علي بن أبيطالب ، وقال النبيّ : « ربّي لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين » ، ثمّ قال : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » ، فدعى عليّ عمرو إلى الإسلام أو الانصراف أو القتال ، وأخيراً قتل عمرو بسيف علي (عليه السلام) ، وقال النبيّ : « ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين » فرجعت الأحزاب ذليلة خاسرة ، وانتهت غائلة الأحزاب في يوم ( 24 ربيع الأوّل من السنة الخامسة للهجرة ).

نقض يهود يثرب عهودهم

، فبني قينقاع قتلوا مسلماً ، وبني النضير تآمروا في قتل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وبني قريضة اتّحدوا مع الأحزاب ، فحاصر النبيّ قلعتهم.

طلب اليهود حضور أبي لبابة ، ولمّا التقى بهم أخذته العاطفة حينما سمع بكاء النساء ، فأفشى سرّ المسلمين بالهجوم عليهم ، فندم على ذلك ، وربط نفسه بإسطوانة المسجد إلى أن يموت أو يتوب الله عليه ، فنزلت الآية بعد ثلاثة أيام ( وَآخَرونَ اعْتَرَفوا بِذُنوبِهِمْ خَلَطوا عَمَلا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسى أنْ يَتوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ )[1].

فتح علي (عليه السلام) قلعة يهود بني قريظة ، واقترح سعد بن معاذ بعدما فوّض الأمر إليه ، بقتل رجال اليهود وسبي نسائهم وتقسيم أموالهم ، فتغلّب عقله على عواطفه ، وانتهت غائلة اليهود في ( 19 ذي الحجّة ) وتوفّي سعد بجراح أصابه في غزوة الأحزاب ، وأعدم حيي بن أخطب.

---

[1]التوبة : 102.

السنة السادسة من الهجرة الكريمة )

قتل الأوس من قبل ( كعب الأشرف ) من اليهود في داره ، فأمر النبيّ الخزرج بقتل سلام بن أبي الحقيق اليهودي في الخيبر المتآمر على الإسلام ، والذي كان يشعل فتيلة الحرب ضدّ المسلمين.

وقعت قصّة عمرو بن العاص المشرك في ديار حبشة في قصر النجاشي.

خرج النبيّ من المدينة من أجل تأديب قبيلة بني لحيان ، ليكفّوا عن أذى المسلمين.

وقعت غزوة ذي قرد _ وهو غدير قريب من قبائل غطفان _ وذلك حينما سرق عيينة بن حصن الفزاري إبلا من المسلمين واُسرت امرأة منهم ، فعقّبه النبيّ (صلى الله عليه وآله) بسرية بقيادة سعد بن زيد ، ونذرت المرأة الأسيرة بنحر ناقة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال (صلى الله عليه وآله) لها : إنّه

لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، إنّما هي ناقة من إبلي.

وقعت غزوة بني المصطلق : وهم طائفة من قبيلة خزاعة ، قد عزم رئيسهم حارث بن أبي ضرار على حرب النبيّ ، فجهّز النبيّ عسكره وحاربهم قرب بئر ( مُرَيسع ) وانتصر الإسلام أخيراً.

اختلف جماعة من المسلمين جديدي العهد بالإسلام على ماء ، إحداهما من الأنصار والاُخرى من المهاجرين ، واستنصارهما كلّ واحد جماعته بدعوة جاهلية ، فتدارك النبيّ الموقف على أ نّها نعرة جاهلية ( دعوها فإنّها منتنة ).

استغلال رئيس النفاق عبد الله بن اُبيّ هذا التشاجر ، وبذر النفاق بين المسلمين ، فردّه زيد بن أرقم وأخبر النبيّ بذلك ، فعفى عنه النبيّ بعد أن غيّر الموضوع ، وقد طلب ولده من النبيّ قتل والده حفظاً لمصالح الإسلام.

إيمان حارث بن ضرار رئيس بني المصطلق بعد أن أخبره النبيّ بالغيب في ناقتين ، جعلهما خارج المدينة ، ثمّ تزوّج النبيّ من بنت حارث ، فآمنت بني المصطلق من بركة هذا الزواج الميمون.

بعث النبيّ خالد بن الوليد إلى بني المصطلق ليأخذ منهم زكاتهم فاستقبلوه ، إلاّ أنّ خالد رجع إلى النبيّ وكذب عليه ، بأنّ بني المصطلق أرادوا قتله ، فنزلت الآية الشريفة ( إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنوا ... )[1].

كان عبد الله بن اُبيّ رئيس المنافقين يتاجر بالإماء والجاريات ويكرههنّ على البغاء والفساد فنزلت الآية الشريفة ( وَلا تُكْرِهوا فَتَياتِكُمْ عَلى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَحَصُّناً ... )[2] فأشاع هذا المنافق مع زمرته كذبة في عرض النبيّ في زوجته عائشة ، وقيل مارية ، انتقاماً منه للنبيّ ، وعرفت القصّة بحديث الإفك ونزلت الآية الشريفة ( إنَّ الَّذينَ جاؤوا بِالإفْكِ عصْبَةٌ

مِنْكُمْ )[3] فكشف الله سبحانه القناع عن وجوه المنافقين ، وكان هذا نصراً المؤمنين.

رأى النبيّ في منامه أ نّه يدخل مكّة المكرّمة ، فتفأّل بذلك خيراً ، وأخبر أصحابه بذهابه للعمرة والزيارة في شهر ذي القعدة ، فتحرّك النبيّ مع ( 1400 وقيل 1600 وقيل 1800 نفراً ) وأحرم في ذي الحليفة يسوق سبعين بعيراً للهدي.

في عسفان أخبر النبيّ رجل خزاعي بأنّ مشركي قريش قد عزموا على منع النبيّ وأصحابه من دخولهم مكّة المكرّمة ، فتوقّف النبيّ إذ لم يكن مقصوده الحرب والقتال.

التقت سفراء قريش مع النبيّ في خيمته في أربعة مراحل ، ورأى أحد السفراء عروة بن سعد الثقفي كيف أنّ أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) يتبرّكون بماء وضوئه ، وعلم أنّ هدف القوم الزيارة والعمرة.

أرسل النبيّ مبعوثاً إلى قريش ليثبت لهم أ نّهم بقصد الزيارة والعمرة ، ثمّ أرسل إليهم عثمان بن عفّان ، فاحتجزته قريش ، ممّا أدّى بذلك لوقوع بلبلة في صفوف المسلمين.

بيعة الرضوان : ارتأى النبيّ بعد البلبلة أن يجدّد البيعة مع المسلمين تحت شجرة فسمّيت ببيعة الرضوان ، ونزلت الآية الشريفة ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ مِنَ المُؤْمِنينَ إذْ يُبايِعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما في قُلوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّكينَةَ عَلَيْهِمْ وَأثابِهُمْ فَتْحاً قَريباً )[4].

بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى النبيّ ليصالحهم على أن يأتي بالحجّ والعمرة في السنة القادمة ، وانتهى الأمر إلى كتابة معاهدة بين سهيل باسم قريش وبين النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولكتابة المعاهدة قصّة مذكورة في التأريخ عرفت بصلح الحديبيّة ، والتأريخ يعيد نفسه ( الله أكبر سُنَّة بسنّة ).

بعد ( 19 يوماً في الحديبية ) رجع النبيّ إلى المدينة بعد أن حلق رأسه ليخرج

من الإحرام ، وبعد أن أمر أبا جندل الشابّ المسلم بن سهيل الكافر أن يصبر على ظلم أبيه حتّى يأتيه الفرج القريب ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في شأن صلح الحديبية : « وما كان قضيّة أعظم بركةً منها » ، وكان عمر بن الخطاب من المعارضين للصلح الذي وقّع عليه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحينما رجع النبيّ إلى المدينة نزلت سورة الفتح ( إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مَبيناً ).

---

[1]الحجرات : 6.

[2]النور : 33.

[3]النور : 11.

[4]الفتح : 18.

السنة السابعة من الهجرة الميمونة )

ساد الهدوء النسبي على المسلمين ، فآل الأمر إلى أن ينشر النبيّ دين الله في أرضه ، فبعث إلى الرؤساء في العالم سفرائه ليدعوهم إلى الإسلام ، لا سيّما الامبراطوريتين _ إيران والروم _ والحبشة ومصر واليمامة والحيرة ( الأردن ) وقد جمع المؤرّخون رسائل النبيّ ووثائقه السياسية فبلغت ( 185 ) وثيقة.

نذر قيصر ملك الروم لو انتصر على إيران أن يحجّ إلى بيت المقدس ماشياً ، فوفى بنذره وكان في البصرى من بلاد الشام ، فدخل عليه دحية الكلبي سفير النبيّ ليدعوه إلى الإسلام ، ومن أجل أن يتعرّف قيصر على حالات النبيّ سأل أبا سفيان _ وكان آنذاك في الشام للتجارة _ عن ذلك.

مزّق خسرو پرويز شاه إيران رسالة النبيّ وأهان سفيره ، فتفأّل النبيّ حينما اُخبر بما فعله الشاه بتمزيق دولته وقال : « اللّهم مزّق ملكه » ، فقتل خسرو بيد ولده شيرويه في عشرة جمادى الاُولى سنة ( 7 ) هجرية.

بعث النبيّ حاطب بن بلتعة إلى المقوقس عظيم القبط في مصر فقال للسفير : لماذا لا يدعو النبيّ على قومه أهل مكّة لو كان على حقّ ،

فهم الذين أخرجوه من دياره ؟ فأجابه : ولماذا عيسى لم يدعو على بني إسرائيل الذين صلبوه ، فبهت الذي كفر من قوله وقال : أحسنت أنت حكيم ، جاء من عند حكيم.

بعث النبيّ عمرو بن اُميّة إلى النجاشي ملك الحبشة الذي لا زال بعض المسلمين المهاجرين في رعايته ، فآمن بالنبيّ على يد جعفر بن أبي طالب.

بعث النبيّ شجاع بن وهب إلى اليمن ليدعو الغسّانيّين إلى الإسلام ، وسلّم رسالة النبيّ إلى رئيسهم حارث بن أبي شمر في بعوظة ، ومات حارث في السنة الثامنة من الهجرة.

بعث النبيّ إلى سليط بن عمرو أبي هوذة أمير اليمامة _ بين نجد والبحرين _ سفيراً فدعاه إلى الإسلام ، فقبل ذلك على شرط أن تكون الخلافة له من بعد الرسول ، فأنكر النبيّ عليه ذلك ، فلم يؤمن بالإسلام.

غزوة خيبر : حينما زادت عداوة اليهود وبغضهم للنبيّ والإسلام تحصّنوا في قلاعهم السبعة في خيبر ، وبلغ عددهم عشرين ألف نفر ، واليهود من العوامل الرئيسية في إشعال نار الحرب والفتن والغزوات ، ممّا أدّى ذلك إلى أن يحاصرهم النبيّ في قلاعهم.

في المسير نحو قلاع اليهود أجاز النبيّ لعامر بن أكوع أن يحدو للإبل فأنشد قائلا :

والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدّقنا ولا صلّينا

إنّا إذا قوم بغوا علينا *** وإن أرادوا فتنةً أبينا

فأنزلن سكينة علينا *** وثبّت الأقدام إن لاقينا

فدعا له النبيّ ، واستشهد في غزوة خيبر.

طالت المحاصرة لمدّة شهر وفتحت القلعة الاُولى ( ناعم ) بيد المسلمين ثمّ قلعة ( قموص ) واُسرت صفيّة بنت حيي بن أخطب ، فتزوّجها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحسن إسلامها ، ثمّ فتحت قلعة ( وطيح ) و

( سلالم ) بعد أن طالت الحرب عشرة أيام ، ولم تفتح على يد أبي بكر وعمر ، فقال النبيّ : « لاُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرّار » وفي اليوم الثاني أعطى الراية بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وكان بعينه رمد ، فمسح النبيّ يده على عينه فبرء من وجع العين إلى آخر حياته ، ثمّ أمر النبيّ علياً أن يدعوهم إلى الإسلام ، وقال : « لئن يهدي الله بك رجلا واحداً خيرٌ من أن يكون لك حمر النِعَم ».

تقدّم بطل الإسلام وفارس الميادين أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، متقلّداً سيفه ( ذو الفقار ) نحو القلاع ، فقتل حارث ، ثمّ في براز قلّ مثيله قتل أخاه مرحب بعد أن رجز قائلا :

قد علمت خيبر أنّي مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرّب

إن غلب الدهر فإنّي اُغلب *** والقرن عندي بالدماء مخضّب

فأجابه أبو الحسن روحي فداه :

أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة *** ضرغام آجام وليث قسورة

عبل الذراعين غليظ القصرة *** كليث غابات كريه المنظرة

وفي أثناء المبارزة سقط الدرع من يد عليّ (عليه السلام) ، فقبض بباب خيبر وجعلها درعاً إلى آخر الحرب ، وقد عجز عن حملها ثمان رجال ، وقيل أربعون ( كان الباب من حجر طوله أربعة أذرع وسُمكه ذراعان ) ثمّ جعل الباب على الخندق فعبر الجيش الإسلامي زاحفاً نحو القلاع ، ففتحت بيد علي (عليه السلام) المباركة ، وقتل على يديه كبار وشجعان يهود خيبر ، وذلك بكرامة ربانية.

أخذ النبيّ الجزية من يهود خيبر بعد أن عفى عنهم.

رجع

المهاجرون مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة بعد فتح خيبر ، فاستقبله النبيّ ب_ ( 16 قدماً ) وقبّل جبهته وقال : « بأ يّهما أشدّ سروراً ؟ بقدومك يا جعفر ، أم بفتح الله على يد أخيك خيبر » ، ثمّ أهدى إليه صلاة ، عرفت بصلاة جعفر الطيّار.

زينب من نساء اليهود جعلت السمّ في ذراع الشاة لقتل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فأنجاه الله من ذلك ، ولم يعاقبها وعفى عنها ، لما يحمل النبيّ من الأخلاق السامية.

قتل عبد الله بن سهل على يد اليهود غيلة ، فاجتمع بني عمامه مع النبيّ ، معهم أخ عبد الله ، وكان أصغرهم سنّاً ، فأراد أن يتكلّم فقال له النبيّ : « كبّر كبّر » أي ليتكلّم الكبار أوّلا احتراماً لهم ، ثمّ آل الأمر إلى أن يدفع النبيّ ديته من عنده ، ليعلم أ نّه رحمة للعالمين.

أسلم حجاج بن علاط ، وكان من تجّار خيبر ، وله ديون في ذمّة أهل مكّة ، فدخل عليهم ، فسألوه عن النبيّ وقصّة خيبر فموّه عليهم ، على أنّ اليهود انتصروا وقصدهم تسليم النبيّ إلى قريش ليفعلوا به ما يشاؤون ، والآن لهذا الخبر المفرح اُريد ديوني حتّى أشتري بها اُسراء المسلمين ، فجمع ديونه ، وأخبر العباس عمّ النبيّ إنّما فعل ذلك من أجل وصول مطالباته ، وإلاّ فإنّ النبيّ انتصر ، وليخبر الناس بذلك بعد ثلاثة أيام من خروجه من مكّة ، وبعد الأيام الثلاثة تطيّب العباس وطاف بالكعبة وأخبر المشركين بانتصار المسلمين في خيبر.

بعد الانتصار بعث النبيّ سفيراً يسمّى محيط إلى يوشع بن نون مختار قرية فدك _ تبعد عن المدينة 140

كيلومتراً _ وتصالح معهم على أن يبعثوا نصف المحصول من فدك الزاهية بالبساتين والزرع إلى النبيّ الأكرم ، ومثل هذه الأراضي التي تؤخذ إنّما هي فيء ، أمرها بيد النبيّ والإمام المعصوم من بعده ، فالنبيّ أعطى فدك نحلة وهدية لبنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) واغتُصب منها بعد رحلة أبيها ، وإنّما نحل النبيّ الفدك بعد نزول الآية الشريفة ( وَآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ وَالمِسْكينَ وَابْنَ السَّبيلِ )[1] كما قال ذلك أبو سعيد الخدري من صحابة النبيّ.

من بنود معاهدة صلح الحديبية أن يحقّ للمسلمين أن يحجّوا بيت الله الحرام في العام المقبل ، فتجهّز المسلمون والأنصار لأداء العمرة قضاءً عن السنة الفائتة ، فأحرموا من مسجد الشجرة ( 2000 نفر في ركاب النبيّ ) وكانت حركتهم دعوة تبليغية ، لتجلّي ورفع معنويات الإسلام وروحانيّته ، وبعث بسرية تحمل السلاح ( 200 نفراً ) بقيادة محمد بن مسلمة واستقرّوا في ( مر الظهران ) قريب الحرم حفاظاً على المسلمين من حملة المشركين.

دخل النبيّ مع أصحابه مكّة المكرّمة ملبّياً ( لبّيك اللّهم لبّيك ) وكان زمام ناقة النبيّ بيد عبد الله بن رواحة وهو يترنّم بأبيات منها :

خلّوا بني الكفّار عن سبيله *** خلّوا فكلّ الخير في قبوله

يا ربّ إنّي مؤمن بقيله *** أعرف حقّ الله في قبوله

ثمّ علّمه النبيّ أن يقرأ هذا الدعاء مع نغمة مع الصحابة « لا إله إلاّ الله وحده وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده ».

عند الظهر أراد النبيّ أن يصلّي مع قومه ، فأمر بلال الحبشي أن يؤذّن ، فصعد بلال الكعبة وأذّن ، وبعد أداء المناسك وذبح الهدي أمر النبيّ أن يذهب

( 200 نفر ) إلى ( مرّ الظهران ) بدلا عن اُولئك المقاتلين حتّى يؤدّوا عمرتهم ، وبعد ثلاثة أيام رجع النبيّ مع أصحابه إلى المدينة.

أعلنت ميمونة اُخت اُمّ الفضل زوجة العباس عمّ النبيّ عن رغبتها بالزواج مع النبيّ ، فتزوّجها ليحكم أواصر العلاقة مع قريش . وأخيراً تحقّق وعد النبيّ وصدق الله رؤياه ونزلت الآية الشريفة ( لَقَدْ صَدَقَ اللهِ رَسولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللهُ آمِنينَ مَحَلِّقينَ رُؤوسَكُمْ وَمُقَصِّرينَ لا تَخافونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَموا فَجَعَلَ مِنْ دونِ ذلِكَ فَتْحاً قَريباً )[2].

---

[1]الاسراء : 26 .

[2]الفتح : 27.

السنة الثامنة من الهجرة الشريفة )

بعد العمرة وتجلّي روح الإسلام التحق ثلاث من كبار المشركين بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأعلنوا إسلامهم وهم ( خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة ) وكان خالد من قوّاد جيش المشركين في الحديبية ، وبعد هذا الانتصار عزم النبيّ على تحرير أهل الروم من سلطة القياصرة فبعث إلى أمير الشام والغسّانيين المنصوب من قبل هرقل ملك الروم برسالة ، إلاّ أنّ ( شرحبيل ) قائد القوّة الحدودية _ خلافاً للأعراف الدولية _ قتل السفير في مؤتة ، واُخبر النبيّ بذلك فأخبر أصحابه.

أرسل النبيّ في شهر ربيع الأوّل كعب بن عمير الغفاري مع خمسة عشر نفر من المبلّغين إلى منطقة ذات الأطلاح خلف وادي القرى ليدعوا الناس إلى الإسلام فاستشهدوا ، إلاّ واحداً منهم ، فرجع إلى النبيّ وأخبره بشهادة المبلّغين الرساليين.

جهّز النبيّ جيشاً ( ثلاثة آلاف مقاتل ) بقيادة ابن عمّه جعفر بن أبي طالب ، وإذا قتل فزيد بن الحارثة ، وإذا قتل فعبد الله بن رواحة ، وإن قتل فأمرهم أن ينتخبوا واحداً منهم ، فتوجّه

الجيش نحو منطقة ( مؤتة ) من بلاد الشام.

( غزوة مؤتة ) جهّز هرقل وشرحبيل أكثر من مئة ألف مقاتل أمام ثلاثة آلاف مسلماً ، وهذا يعني خوف الكفر من شجاعة المسلمين ، وخطب فيهم عبد الله ابن رواحة خطبة تثير الحماس والشوق إلى الشهادة والجنّة ، فصمدوا أمام الكفّار ، وكان جعفر يرتجز صارخاً :

يا حبّذا الجنّة واقترابها *** طيّبة وبارداً شرابها

والروم روم قد دنا عذابها *** كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

فقطعت يده اليمنى بعد أن ترجّل من على فرسه ، فأخذ الراية بيده اليسرى فقطعت ، وبعد أن اُصيب بأكثر من ثمانين جراحاً سقط على الأرض شهيداً ، وأخبر النبيّ بشهادته ، وأنّ له جناحين يطير بهما في الجنّة ، ثمّ استشهد زيد ثمّ عبد الله ، وانتخب خالد بن وليد قائداً على الجيش ، وبتكتيك ناجح خلّص الجيش من يد الكفّار ، فرجعوا إلى المدينة المنوّرة ، إلاّ أ نّهم استقبلوهم بالتوبيخ ، وأ نّهم فرّوا من الجهاد وألقوا في وجوههم التراب ، وبكى النبيّ بكاءً مريراً في شهادة جعفر.

غزوة ذات السلاسل : كان للنبيّ عيوناً في البلاد يأتونه بالأخبار وما يفعله المشركون والكفّار ، فأخبر العين النبيّ أ نّه في وادي يابس أو وادي الرمل تعاهد قبيلة بني سليم على قتل النبيّ ، فجمع النبيّ المسلمين وأخبرهم بذلك ، وجهّز جيشاً بقيادة أبي بكر فرجع خائباً ، فسلّم النبيّ القيادة بيد عمر فرجع كذلك خائباً ، فقال عمرو العاصي للنبيّ ( الحرب خدعة ) واستلم القيادة بيده ، إلاّ أ نّه فشل ، وساد الحزن على قلوب المسلمين ، فسلّم النبيّ الراية إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب أسد

الله الغالب ، وقال النبيّ : « أرسلته كرّاراً غير فرّار » ، وهذا يعني أنّ اُولئك الأوائل فرّوا من الجهاد ، فاستتر عليّ في مسيره حتّى وصل إلى الوادي وعند طلوع الفجر هجم على القوم ، وقتل منهم في البداية سبعة أنفار من شجعانهم ، وأخيراً فرّ الكفّار وتركوا الغنائم ، ورجع عليّ منتصراً ، واستقبله النبيّ قائلا : « يا عليّ ، لولا أ نّني اُشفق أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك اليوم مقالا لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك » ، ونزلت السورة الشريفة : ( وَالعادِياتِ ضَبْحاً فَالمورِياتِ قَدْحاً فَالمُغيراتِ صِبْحاً فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ... )[1].

( فتح مكّة المكرّمة ) لقد عقدت بني خزاعة معاهدة حماية مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد صلح الحديبية ، وبعد رجوع جيش المسلمين من غزوة مؤتة وعدم انتصارهم ، أثار جرأة الهجوم في نفوس مشركي قريش ، فهجموا ليلا على بني خزاعة ، فنقضوا بذلك معاهدة صلح الحديبية ، فاستغاث عمرو السالم رئيس قبيلة بني خزاعة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله)فقال له : « نُصرت يا عمرو سالم ».

ورد أبو سفيان المدينة ودخل على بنته اُمّ حبيبة زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) فأراد أن يجلس على بساط النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فجمعته وقالت لوالدها : إنّك كافر ولا يحقّ لك أن تجلس على فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ جاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلاّ أ نّه لم يفلح أبو سفيان في إقناعه لتجديد العهد.

أرسل حاطب بن أبي بلقة من المسلمين رسالة مع

الجاسوسة سارة المغنّية ، يخبر قريش بهجوم النبيّ ، فبعث ثلاثة من شجعان العرب علي وزبير والمقداد لأخذ الرسالة من سارة ، وقد أخفتها في شعرها ، فأخذها عليّ (عليه السلام) وعفى النبيّ عن حاطب بعد أن طلب عمر قتله ، ومن أجل عدم تكرار هذه الواقعة نزلت الآية الشريفة : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ تُلْقونَ إلَيْهِمْ المَوَدَّةَ )[2].

في اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثامنة من الهجرة أمر النبيّ أصحابه بالمسير إلى مكّة المكرّمة ، وبعد أن خرج من المدينة أمر الأصحاب بالإفطار ، وامتنع بعض ، فسمّاهم النبيّ عصاة.

كان العباس من المسلمين في مكّة بأمر من النبيّ ، فالتقى معه في الجحفة ، وكان العباس عاملا مؤثّراً في فتح مكّة.

أبو سفيان وعبد الله بن أبي اُميّة خرجا من مكّة ، وفي ثنية العقاب أرادا الدخول على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فامتنع النبيّ (صلى الله عليه وآله) من ذلك ، فعلمهما علي بن أبي طالب أن يقولا له ما قاله إخوة يوسف : ( لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإنْ كُنَّا لَخاطِئينَ )[3] ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ )[4] ، فقبلهما.

اجتمع جيش الإسلام ( عشرة آلاف مقاتل ) في ( مرّ الظهران ) قريب مكّة ، وفي الليل كلّ واحد منهم أشعل شعلة من النار ، ممّا زاد في رعب أهل مكّة ، وقال العباس لأبي سفيان : إنّما هذا من جيش النبيّ ، ولا تنفع مقاومة أهل مكّة بعد هذا ، وجاء بأبي سفيان إلى النبيّ فأقرّ بالإسلام خوفاً

، وقبل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وذلك مراعاة للمصالح العامّة.

وأخيراً فتح الله مكّة المكرّمة على يد نبيّه الأكرم ، وعفى عن أهل مكّة وقال : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » وصعد عليّ (عليه السلام) على كتف النبيّ وكسّر الأصنام المرفوعة على الكعبة المشرّفة ، وقرأ النبيّ قوله تعالى : ( قُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهوقاً )[5] ، ( إنَّ الَّذي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرادُّكَ إلى مَعاد )[6] وعند الظهر صعد بلال سطح الكعبة وأذّن بالناس ، ثمّ خطب النبيّ خطبته التأريخية منها : « أيّها الناس إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، ألا أ نّكم من آدم وآدم من طين ، ألا إنّ خير عباد الله عبدٌ اتّقاه ، إنّما الناس رجلان مؤمن تقيّ كريم على الله ، وفاجر شقيّ هيّن على الله ، ألا إنّ العربية ليست بأب ووالد ولكنّها لسان نطاق ، فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه ، إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربيّ على العجمي ، ولا للأحمر على الأسود إلاّ بالتقوى ، ألا إنّ كلّ مال ومأثرة ودم في الجاهلية تحت قدمي هاتين ، المسلم أخ المسلم ، والمسلمون إخوة ، وهم يد واحدة على من سواهم ، تتكافأ دماءهم ، يسعى بذمّتهم أدناهم.

أخذ النبيّ البيعة من النساء مرّة اُخرى بوضع أيديهنّ في الماء الذي كان في الطست ، على أن لا يشركن بالله ، ولا يأتين الفاحشة ، ولا يسرقن ولا يقتلن أولادهنّ ، ولا يخالفن النبيّ ...

ذهبت سرية بقيادة خالد بن الوليد إلى قبيلة خذيمة بن عامر ، وأمره

النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أن لا يريق دماً ، وألقت القبيلة سلاحها ، إلاّ أنّ خالد خالف أمر النبيّ فقتل جماعة منهم ، فتألّم النبيّ وبعث علياً ليدفع ديتهم وقيمة وسائلهم حتّى القدر . ثمّ قال النبيّ بعد أن رفع يده إلى السماء : « اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد » ، وقد ارتكب خالد جنايةً اُخرى بعد رحلة النبيّ في زمن خلافة أبي بكر ، في قتل مالك بن نويرة وقبيلته ، والزنا بزوجته.

( غزوة حنين ) : بقي النبيّ في مكّة ( 15 يوماً ) ثمّ خلّف معاذ بن جبل يعلّم القرآن وعتاب بن اُسيد يدير البلاد _ وكان عمره ( 20 عاماً ) وكان في ركبه ( 12 ألف مقاتل ) عشرة آلاف من المدينة وألفان من قريش بقيادة أبي سفيان وأصاب بعض المسلمين الغرور بعددهم ، على أ نّهم لا يغلبوا فتقابلوا مع قبائل هوازن وثقيف في مازق حُنين ففرّ المسلمون لما أصابهم من الهرج والذهول فناداهم النبيّ : « يا أنصار الله وأنصار رسوله ، أنا عبد الله ورسوله » ثمّ مع ثلّة من المخلصين هجم على العدوّ ، وآل الأمر إلى فرارهم إلى أوطاس ونخلة وطائف ، واستشهد كثير من المسلمين في غزوة حنين ، وخلّف المشركون قتلاهم و ( 6000 ) أسير ومن الغنائم ( 24000 ) من الإبل و ( 40000 ) من الغنم ، و ( 4000 وقية ) من الفضّة ، فجمعها النبيّ في جعرانة حتّى يرجع من الطائف.

( غزوة طائف ) : عقّب النبيّ الفارّين من آل ثقيف إلى الطائف ، فأهدم قلعة مالك مؤجّج نار الحرب في

حنين ، وبتدبير سلمان هدمت قلاع طائف وأبراجها بالمجانيق ، وهدّدهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بحرق مزارعهم وقطع نخيلهم لولا التسليم ، ولكن لقرب شهر ذي القعدة من أشهر الحرم انصرف عن ذلك ، فبعد محاصرة القلعة لمدّة ( 20 يوماً ) رجع النبيّ إلى المدينة المنوّرة بعد أن توقّف في جعرانة ( 13 ) يوماً ، وقسّم الغنائم بين المسلمين ، وفكّ قبيلة حليمة السعدية وقبائل هوازن من الأسر ، وأسلم مالك بن عوف ، وأنشد أبياتاً في مدح النبيّ ، مطلعها :

ما أن رأيت ولا سمعت بمثله *** في الناس كلّهم بمثل محمّد

واعترض على قسمة النبيّ ذو الخويصرة ، فأخبر النبيّ أ نّه سيمرق من الدين مع جماعته وهم الخوارج ، وخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله) الأنصار ، وأنّ لهم النبيّ بدلا من الأموال ، فبكت الأنصار وأعلنوا عن رضاهم بالقسمة ، وبعد عمرة ترك النبيّ مكّة المكرّمة.

زهير بن أبي سلمى من شعراء الجاهلية ومن أصحاب المعلّقات السبعة خلّف ولدين ( بحير ) مؤمن بالله وبرسوله و ( كعب ) من أعداء الله ورسوله ، فنصح بحير أخاه كعب فدخل على النبيّ وأسلم ، وأنشد قصيدته اللامية الغرّاء في مدح النبيّ ( 58 بيتاً ) مطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول *** متيّمٌ إثرها لم يفدَ مكبول

إلى أن قال :

نُبِئت أنّ رسول الله أوعدني والعفو *** عند رسول الله مأمول

إلى أن قال :

إنّ الرسول لنورٌ يستضاء به *** مهنّد من سيوف الله مسلول

توفّيت زينب البنت الكبرى للنبيّ أواخر السنة الثامنة من الهجرة.

ولد إبراهيم من مارية القبطية زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعقّه النبيّ ، وحلق رأسه في اليوم السابع.

---

[1]العاديات

: 1 _ 5.

[2]الممتحنة : 1.

[3]يوسف : 91.

[4]يوسف : 92.

[5]الإسراء : 81 .

[6]القصص : 85 .

السنة التاسعة من الهجرة الكريمة )

بعد انتصار الإسلام وفدت القبائل على المدينة ، لتقترب من النبيّ ، وسمّي العام بعام الوفد لكثرة وفودها ، ومنها وفد من قبيلة بني طيء برئاسة زيد الخيل ، وسمّاه النبيّ زيد الخير لوفور عقله ، وكان بينهم صنماً كبيراً ، فبعث النبيّ سرية ( 150 نفراً ) بقيادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقد فرّ عديّ بن حاتم الطائي.

آمنت اُخت عدي بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وتأثّرت بأخلاقه السامية حينما عفى عن قبيلتها من أجل كرم والدها ، وأخبرت أخاها بذلك ، فالتقى عدي بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وانجذب إلى مكارم أخلاقه ، فآمن به.

( غزوة تبوك ) بين هجر والشام قلعة كبيرة سمّيت بتبوك ، وكان أهلها من الروميين ، يؤذون القوافل التجارية المسلمة ، فجمع النبيّ ثلاثين ألف مقاتل من المسلمين ، ورفع الستار عن وجوه المنافقين مرّة اُخرى كما جاء في سورة البرائة : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقولُ ائْذَنْ لي وَلا تفْتنِّي ألا في الفِتْنَةِ سَقَطوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَُمحيطَةٌ بِالكافِرينَ )[1].

كان النبيّ يعلم بمؤامرة المنافقين وإنّهم بانتظار غياب النبيّ عن المدينة حتّى

يفسدوا فيها ، فخلف النبيّ (صلى الله عليه وآله) أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال له : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أ نّه لا نبيّ بعدي.

كان عبد الله بن اُبيّ من المنافقين حين حركة النبيّ إلى تبوك في ركاب

النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أ نّه تخلّف عنه لشقاوته ، ولكن ترك مالك بن قيس طعامه وشرابه وزوجته طلباً للجهاد

فأدركته السعادة ، ورأى النبيّ العسرة في جهاده هذا ، حتّى سمّي الجيش بجيش العسرة ، ومرّوا بديار ثمود وعاد ، وإخباره بالغيب عند ظلال ناقته.

تاه أبو ذرّ في الصحراء ثمّ التحق بالنبيّ فقال له النبيّ : « رحم الله أبا ذرّ يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده » ، فمات أبو ذرّ في ربذة وحده كما أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله).

وصل الجيش الإسلامي في غرّة شهر شعبان أرض تبوك ، فكانت الأرض خالية من الروميين ، فإنّهم فرّوا إلى بلادهم خوفاً فشاور النبيّ قوّاد جيشه فعزموا على الرجوع إلى المدينة ، وفي الطريق كان النبيّ يعقد معاهدات مع المسيحيين ليأمن من حمايتهم ودفاعهم للروميين ، كما فعل ذلك مع رؤساء ايله وأذرع وجرباء ، كما بعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل ، فغلب أكيدر بن عبد الملك المسيحي ، ورجع مع الغنائم إلى المدينة ، وأخذ النبيّ (صلى الله عليه وآله) الجزية من أكيدر.

بعد عشرة أيام من بقاء النبيّ في تبوك ، رجع إلى المدينة ، فتآمر اثنا عشر من المنافقين ثمانية من قريش وأربعة من أهل المدينة ، أن يقتلوا النبيّ بصخرة من على جبل في مضيق ، وكان زمام ناقة النبيّ بيد عمّار وحذيفة اليماني يسوقها ، فأخبر جبرئيل بمؤامرة المنافقين ، وعرفهم حذيفة إلاّ أنّ النبيّ أمره أن لا يفشي أسمائهم ، وقبل وصول النبيّ إلى المدينة قال لأصحابه : إنّ بالمدينة لأقواماً ما سرتم سيراً ، ولا قطعتم وادياً ، إلاّ كانوا معكم ، قالوا : يا رسول الله ، وهم بالمدينة ؟ قال : نعم ، حبسهم العذر . كما أدّب المتخلّفين عن الجهاد كهلال

وكعب ومرارة فقاطعهم النبيّ ( حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض وضاقت عليهم أنفسهم ) حتّى تابوا ، فقبل الله ورسوله توبتهم.

أبو عامر من المنافقين أمر جلاوزته أن يبنوا مسجداً أمام مسجد قبا ، ليجتمعوا فيه باسم الصلاة ، ويتآمروا على الإسلام والمسلمين ، فأراد أن يحطّم الدين باسم الدين ، وهذا من اُسلوب السياسيين المنافقين ، فبعد رجوع النبيّ طلبوا منه أن يصلّي فيه ، فنزل الوحي وأخبره بالواقع ، وأن يخرّبوا هذا المسجد فإنّه ( مسجد ضرار ) فأمر النبيّ بهدمه وإحراق أعواده ، ونزلت الآيات في قصّة مسجد ضرار ( التوبة 107 / 10 ) ومات حامي النفاق عبد الله بن اُبي بعد غزوة تبوك بشهرين ، وتشتّت حزب النفاق.

اقتربت القبائل العربية من الإسلام بعد غزوة تبوك وعظمة المسلمين والجيش الإسلامي ، فأسلم عروة بن مسعود الثقفي من رؤساء قبائل ثقيف في الطائف المعروفة بعنادها مع الإسلام ، واستشهد عروة بيد ثقيف بعد أن دعاهم إلى الإسلام ، وندمت ثقيف من فعلها ، فأرسلت سفرائها إلى المدينة ، وأخيراً أسلمت قبائل ثقيف.

( تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ ) قالها النبيّ (صلى الله عليه وآله) في موت ولده إبراهيم من مارية القبطيّة ، بعد أن توفّي له في السنين الماضية قاسم وطاهر وطيّب وزينب ورقيّة واُمّ كلثوم من خديجة الكبرى (عليها السلام) وبقي للنبيّ الكوثر الفيّاض ، سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، ليكون نسل النبيّ منها (عليها السلام) . ودفن إبراهيم (عليه السلام) في البقيع ، وسدّ النبيّ الحفر الصغار حول القبر وقال : « إذا عمل أحدكم عملا فليتقن » . وانكسفت الشمس ، فقيل :

من موت إبراهيم . فقال النبيّ : « إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره ، مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ».

أواخر السنة التاسعة من الهجرة أمر الله نبيّه أن يعلن البرائة من المشركين أيام الحجّ الأكبر ، فبعث النبيّ أبا بكر ، فنزل جبرئيل وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما يبلّغ ذلك أنت أو رجل من أهلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) . ومن بنود البرائة أنّ المشركين لو لم يتركوا الشرك وعبادة الأصنام خلال أربعة أشهر ، فإنّه يرفع عنهم الصيانة ، وكذلك لا يدخلنّ النساء عراة في الحرم ، ولا يحقّ للمشركين أن يدخلوا بيت الله الحرام ، ولا يشتركوا في مناسك الحجّ ، فقرأ أمير المؤمنين آيات من سورة البرائة يوم العيد في منى ، وبمثل هذا أفهم النبيّ أصحابه أنّ الخلافة من بعده إنّما تليق بعليّ (عليه السلام).

بعث النبيّ إلى اُسقف نجران _ بين اليمن والحجاز _ يدعوه إلى الإسلام أو إعطاء الجزية ، وجرت محادثات بين النبيّ (صلى الله عليه وآله) وكبار وعلماء نجران ، وانتهى الأمر إلى المباهلة ، فنزل جبرئيل بآية المباهلة : ( فَمَنْ حاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وَأبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأنْفُسَنا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلى الكاذِبينَ )[2] ، وبإجماع المفسّرين المقصود من أبناء النبيّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومن النساء فاطمة الزهراء ، ومن نفس النبيّ علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، فقال اُسقف نجران : أرى وجوهاً لو رفعت أيديها إلى السماء في الدعاء لأهلك كلّ المسيحيين ، فامتنعوا عن

المباهلة ورضوا بالجزية ، وذلك يوم ( 25 ذي القعدة ) . ونزلت الآية الشريفة ( آية التطهير ) : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً )[3].

---

[1]التوبة : 49.

[2]آل عمران : 61.

[3]الأحزاب : 33.

السنة العاشرة من الهجرة الخالدة )

بعد أربعة أشهر من البرائة انتشر الإسلام ، وانمحت آثار عبادة الأصنام والشرك من الجزيرة العربية.

بعث النبيّ علياً (عليه السلام) إلى اليمن ، ليدعوهم إلى الإسلام ، فآمنت قبيلة بني همدان ، ورجع علي منتصراً بعدما قضى بين اليمنيين قضاوته المحيّرة للعقول ، كما في كتب التأريخ.

( حجّة الوداع ) أمر الله نبيّه أن يحجّ بيته الحرام ويعلّم الناس مناسكهم ، ففي ( 26 ذي القعدة ) خلّف النبيّ أبا دجانة في المدينة ، وقصد بيت الله الحرام من مسجد الشجرة ودخل مكّة في اليوم الرابع من ذي الحجّة ، فأدّى المناسك وأمر بالتقصير من لم يسق الهدي ليتحلّل من عمرته ، فاعترض أمثال عمر بن الخطّاب أ نّه كيف نحجّ ويقطر منّا ماء غسل الجنابة ، فنهاهم النبيّ عن الاعتراض . وقال : إنّما لم أخرج من الإحرام لقوله تعالى : ( حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ )[1] وكان النبيّ قد ساق ستّين ناقة للهدي . والتحق علي بالنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فزاد في الهدي أربعين ناقةً اُخرى.

خطب النبيّ في عرفة خطبته الغرّاء الخالدة ، كما في كتب السير والتأريخ ، ثمّ قال : « اللّهم اشهد أنّي قد بلّغت » . وبعد أداء مناسك الحجّ رجع النبيّ إلى المدينة المنوّرة.

في غدير خمّ _ بين مكّة والمدينة _ بأمر من الله سبحانه جمع النبيّ المسلمين وخطب فيهم ، رفع عليّاً وقال :

« من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » كرّر ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ قال : « اللّهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار » . وبهذا نصب النبيّ خليفته من بعده ، ودخل المسلمون عليه يباركونه وقال عمر بن الخطّاب : ( بخ بخ لك يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » ، وأنشد حسّان بن ثابت شاعر النبيّ قصيدته العصماء :

فقاله لهم قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أتباع صدق موالياً

راجع في قصّة الغدير وسنده الكتاب القيّم ( الغدير ) في أحد عشر مجلّداً للعلاّمة المجاهد آية الله الشيخ الأميني (قدس سره) ، ففيه الكفاية لمن رام الهداية.

ادّعى مسيلمة الكذّاب النبوّة في اليمامة ، وكتب إلى النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : ( أمّا بعد فإنّي قد اشتركت في الأمر معك ، وإنّ لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الأرض ، ولكنّ قريشاً قومٌ يعتدون ) . فأجابه النبيّ (صلى الله عليه وآله) : « بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب ، السلام على من اتّبع الهدى ، أمّا بعد : فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتّقين » . وبعد رحلة الرسول (صلى الله عليه وآله) حاصر المسلمون جماعة مسيلمة ، فطلبوا منه النصر الغيبي الموعود ، فقال لهم : ( أمّا الدين فلا دين قاتلوا على أحسابكم ) ، وأخيراً انتصر المسلمون عليه

، كما انتصروا من قبل على أسود بن كعب العنسي الكذّاب في دعوته النبوّة.

كان النبيّ يفكّر في خطر الروميين على الإسلام والمسلمين ، فمن قبل ( في العام الثامن الهجري ) جهّز جيشاً بقيادة جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة ، وفي ( العام التاسع الهجري ) بقيادته مع ثلاثمائة ألف مقاتل وطئ أرض تبوك ، وفي هذا العام ( العاشر من الهجرة ) جهّز جيشاً عظيماً من الأنصار والمهاجرين وفيهم كبار قريش وأبو بكر وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم ، بقيادة شابّ لم يتجاوز العشرين ، وهو اُسامة بن زيد ، الذي استشهد والده زيد في غزوة مؤتة بيد الروميين ، وكان المقصد ( اُبنا ) من أرض بلقاء في سورية قريب مؤتة ، بين عقلات ورملة ، وقال النبيّ : « لعن الله المتخلّف عن جيش اُسامة ».

بعد يوم من إعطاء الراية إلى اُسامة ، اُصيب النبيّ بصداع وحُمّى ونام في فراش المرض ، وكان البعض يثبّط عزيمة المجاهدين ، وتوقّف الجيش في ( جُرف ) تبعد عن المدينة ثلاثة أميال ، واُخبر الجيش باحتضار النبيّ ، فرجع البعض لمآربه ، وأرجع الجيش معه . وخالفوا بذلك أمر نبيّهم والنبيّ لعنهم ، وبعد رحلته ظهرت مؤامرتهم وقصدهم من التخلّف.

في أيام الاحتضار أتى النبيّ مقبرة البقيع ، وترحّم على الأموات ، وأخبر علياً (عليه السلام) بقرب رحلته وأجله ، وأ نّه خُيّر بين البقاء في الأرض أو لقاء ربّه ، وأ نّه نزل عليه القرآن في هذا العام مرّتين.

في أواخر أيام النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتخلّف البعض عن جيش اُسامة ليغصبوا الخلافة الحقّة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

(عليه السلام) ، وقد علم النبيّ (صلى الله عليه وآله)بمنويّاتهم ، فجاء المسجد _ مع شدّة مرضه _ وخطب بالناس قائلا : « أ يّها الناس ، سعرت الحرب وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنّي والله ما تمسكون عليّ بشيء ، إنّي لم اُحلّ إلاّ ما أحلّ القرآن ، ولم اُحرّم إلاّ ما حرّم القرآن » ، فأي نار بعد النبيّ سُعّرت ؟ أليس نار فتنة المخالفين والغاصبين والظالمين والمارقين والقاسطين والناكثين.

في عيادة كبار الصحابة للنبيّ ، طلب النبيّ دواةً وصحيفة ، قال : « إيتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده » ، فعلم الرجل مقصود النبيّ (صلى الله عليه وآله)من استحكام خلافة عليّ في يوم الغدير ، وتأييد « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً » . فقال : ( إنّ الرجل ليهجر ) ، وبهذا خالف النبيّ مرّة اُخرى ومنع عن الكتابة ، وابن عباس يقول : ( يوم الخميس ، وما يوم الخميس ... ) وما أعظم الرزيّة التي أصابت الإسلام في هذا اليوم ( راجع البخاري 1 : 14 ، مسند أحمد 1 : 325 ).

حضر النبيّ يوم الجمعة قبل رحلته بثلاثة أيام وخطب بالناس وقال : « القصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة » ، فمن له عليّ شيئاً فليطالبني ، فقام إليه سوادة بن قيس وقال : إنّه ضربه بالسوط على بطنه في رجوعه من الطائف ، حينما أراد أن يحرّك الناقة ، فرفع النبيّ ثوبه حتّى يقتصّ منه سودة ، إلاّ أنّ سودة أخذ يقبّل بطن النبيّ وصدره

، فدعا له النبيّ (صلى الله عليه وآله).

اضطربت المدينة يوم الاثنين ، وكان بجوار النبيّ (صلى الله عليه وآله) أهل بيته وفاطمة الزهراء تبكي ، وتترنّم بأبيات أبي طالب في مدح النبيّ :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمةٌ للأراملِ

ففتح النبيّ بصره ، وطلب منها أن تقرأ القرآن وقوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً )[2] وأسرّ النبيّ بنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي قال في حقّها : « فاطمة بضعة منّي مَن آذاها فقد آذاني ومَن سرّها فقد سرّني » ، ثمّ أوصى النبيّ بوصايا لا سيّما بالصلاة ، فإنّها وصيّة الأنبياء.

فاضت روح رسول الله الطاهرة المطهّرة (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر ابن عمّه ووصيّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعرجت إلى ربّها راضيةً مرضيّة ، وعجّت المدينة بالنحيب والبكاء ، وتولّى عليّ والملائكة غسله ، والصلاة عليه ، ودفنه في بيته بجوار مسجده الشريف.

توفّي النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وغاب شمس خاتم النبيّين يوم الاثنين ( 28 صفر ) ليهتدوا وليستضيء الناس بالكواكب والنجوم من أهل بيته الأطهار ، فعليه وعلى عترته المعصومين صلوات الله وملائكته أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ( إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْليماً )[3] ، وآخر دعوانا ( أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ )[4].

---

[1]البقرة : 196.

[2]آل عمران : 144.

[3]الأحزاب : 56.

[4]يونس : 10.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.