خصائص القائد الاسلامی فی القران الکریم

اشارة

سرشناسه : علوی عادل - 1955 عنوان و نام پديدآور : طالب العلم و السیره الاخلاقیه : خصائص القائد الاسلامی فی القران الکریم : اخلاق الطبیب فی الاسلام دوره الاخلاق المحمدیه فی تحکیم مبانی الوحده الاسلامیه رسالتنا/ تالیف عادل العلوی مشخصات نشر : قم الموسسه الاسلامیه العامه للتبلیغ و الارشاد، 1417ق = 1418 - 1375ق = 1376 [ج ]1376 :1. مشخصات ظاهری : 5 ج در یک مجلدجدول فروست : (موسوعه رسالات اسلامیه الجزآ الثالث اخلاق شابک : 15000ریال يادداشت : عربی يادداشت : چهارمین عنوان مربوط به "کنفرانس بین المللی وحدت اسلامی (هفتمین شهریور: 1373)" است یادداشت : کتابنامه موضوع : احادیث خاص (مستغنیات اهل کل بلد) -- نقد و تفسیر موضوع : اخلاق اسلامی موضوع : طلاب -- اخلاق موضوع : فرماندهی (اسلام -- جنبه های قرآنی موضوع : پزشکان اسلامی -- اخلاق موضوع : اسلام -- تبلیغات موضوع : وحدت اسلامی شناسه افزوده : موسسه اسلامی تبلیغ و ارشاد شناسه افزوده : کنفرانس بین المللی وحدت اسلامی (هفتمین = 1373: تهران رده بندی کنگره : BP145 /م5 ع8 1376 رده بندی دیویی : 297/218 شماره کتابشناسی ملی : م 78-8590

الإهداء

إلى علماء الإسلام .

إلى كلّ القادة والملوك والرؤساء في ربوع الأرض وأقطارها ، وعلى مرّ العصور وأحقابها .

إلى كلّ مسلم رساليٍّ يتطلّع إلى معرفة قيادته الإسلامية وخصائص قائدها المسلم على ضوء القرآن المجيد .

إليك أيّها القارئ الكريم .

اُقدّم هذا المجهود برجاء القبول والدعاء .

العبد عادل العلوي

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمّد وآله الطاهرين.

القيادة الإسلامية لها أبعاد وجوانب عديدة ترجع في البداية إلى بعدين أساسيّين :

1 _ القيادة الروحيّة المعنوية.

2 _ القيادة الجسدية المادّية.

وتعني الاُولى حكومة القائد الإسلامي على قلوب الناس وأرواحهم وعقولهم ، فيهديهم إلى العقائد السليمة الصحيحة ويسوقهم إلى الأخلاق الحميدة ويقودهم إلى مكارم الفضائل وتهذيب القلوب وتزكية النفوس.

والثانية ترمز إلى إدارة شؤون حياة الناس المعاشية وتمشية أوضاعهم الدنيوية وسيادة العدالة الاجتماعية ، وتتشعّب إلى القيادة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وغير ذلك.

ومن الاُسس الأوّلية في مفاهيم الإسلام ومعارفه أ نّه ( لا معاد من لا معاش له ) ولا بدّ للمسلم الواعي من مراعاة جوانب حياته المعنوية والمادّية معاً على حدٍّ سواء ( رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً )[1] ، فإنّ الإسلام ذلك الدين القيّم والشريعة السماوية السمحاء كما يأخذ بيد الإنسان في العبادات والروحانيات والأخلاق الفاضلة ، كذلك يأخذ بيده في الماديات والجسمانيات والملاذّ والشهوات من دون إفراط وتفريط بل خير الاُمور أوسطها ( وَجَعَلْناكُمْ اُمَّةً وَسَطاً )[2] ، وإنّ الهدف والمقصود وسرّ الخلقيّة وفلسفة الحياة هو تكميل الإنسان وعروجه إلى قاب قوسين أو أدنى ، ودرك علّة وجوده من خلافته لله سبحانه في أرضه ، كما ورد في الآيات والروايات [3].

والقائد الإسلامي إنّما عليه إدارة الناس بحزم وتدبير ناجح كما كان النبيّ

الأكرم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وكما قال (صلى الله عليه وآله) : « اُمرت بمداراة الناس ».

واُولى الخصائص وجذورها الأوّلية في القيادة الإسلامية وولاية الأمر هي أن تكون بيد العالم الفقيه لا الجاهل السفيه ، فإنّ شرعيّتها من حكومة الله سبحانه ومن شرعيّة حكومة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) . فإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وإنّهم اُمناء الرسل وقادة الناس كما ورد في الأخبار.

ثقة الإسلام الكليني بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : إنّ العلماء ورثة الأنبياء ; وذاك أنّ الأنبياء ، لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما اُورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً ، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه ؟ فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلق عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

وقال (عليه السلام) : العلماء اُمناء.

وقال (عليه السلام) : العلماء منار[4].

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ألا اُخبركم بالفقيه حقّ الفقيه ؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره . ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر[5].

لقد أعطى الأمير (عليه السلام) الخطوط الأوّليّة لمن كان فقيهاً حقّ الفقيه ، وقد رسم الوظائف الأساسيّة للقائد الإسلامي ، فإنّ الفقيه القائد إنّما يهدف ويفكّر في سلامة المجتمع وصيانته من الانحراف والانحطاط والاعوجاج ، وكلّ همّه إنّما هو ترويج الدين الحنيف ونشر المعارف والفضائل ، فلا يرخّص الناس في أن

يعصوا الله سبحانه ، وإنّما ينهج مناهج القرآن الكريم ويطبّق تعاليمه وأحكامه القدسية ، ولا يميل إلى القوانين الوضعيّة ، وإنّما يجعل الناس دائماً بين الخوف والرجاء.

فإذا صلح العالِم صلح العالَم ، وإنّ الناس على دين ملوكهم ، فمن يملك زمام أمرهم لو كان صالحاً فإنّه بلا ريب ينشر الصلاح في المجتمع ، وإذا كان القائد وقمّة الحكومة ورأس الشكل الهرمي للدولة من أهل الخير والإحسان ، فإنّه يؤثّر في صلاح وإصلاح الجهاز الحكومي في كلّ أبعاده.

وإذا كان ربّ البيت في الدفّ ناقراً ، فشيمة أهل الدار كلّهم الرقص.

فالأساس والعمدة أن يتولّى الأمر من كان عالماً صالحاً ، وفقيهاً ورعاً ، ومديراً مدبّراً ، عارفاً بأهل زمانه واقفاً على رموز الحياة والسياسات الدولية والعالمية والداخليّة ، يداري الناس بالتي هي أحسن ، ويفكّر في معادهم ومعاشهم ويقودهم إلى شاطئ السعادة والهناء والعيش الرغيد.

والعالم الفقيه المتصدّي للأمر إنّما يمثّل النبيّ في زمانه ، فإنّه وريث الأنبياء والأوصياء ، وإن كان « كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته » إلاّ أ نّه هو راعي الحياة والرعاة والدعاة.

والعلماء ورثة الأنبياء ، والوراثة لها أصناف مختلفة ، فتارةً تعني الوراثة المالية ، والعالم لا يرث النبيّ في ماله كما ينصّ على ذلك الخبر الشريف ، وإنّما يرثه في المال من كان رحمه طبقاً لأحكام الإرث في كتاب الله والسنّة الشريفة ، إنّما العالم يرثه في علومه وأحاديثه فمن أخذ شيئاً من العلوم إنّما أخذ بحظٍّ وافر.

كما يرث العلماء الأنبياء في أخلاقهم السامية وسلوكهم الرفيع ، من حبّ المساكين وحسن الخلق والحلم والصبر وتحمّل المشاكل والمصاعب من أجل أداء الرسالة.

كما يرثونهم في الهداية وتبليغ الرسالة ، وتعليم الناس وتزكيتهم ،

وإنذارهم وتبشيرهم ، ودعوتهم إلى عبادة الله والإخلاص في العمل والخوف من يوم المعاد.

ويرثونهم في الجهاد والعمل الدؤوب ، ومحاربة الجهل والظلم واتّباع الشياطين من الطغاة والجبابرة ، وليقوموا بين الناس بالقسط ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم.

كما يرثونهم في القيادة والحكومة ، فإنّ النبوّة رئاسة عامّة في الدين والدنيا ، وإنّ الدين نظام ودولة ، عبادة وسياسة ، فسياستنا ديننا وديننا سياستنا ، لا انفصال ولا انفصام بينهما.

والعلماء قادة المجتمع بعد الأنبياء والأوصياء ، وبيدهم زمام الاُمور ومقاليد الحكم وسياسة البلاد ، وبإشرافهم إدارة الحكومات والسلطات التقنينية والتنفيذية والقضائية.

وينتخبون من بين صلحائهم وليّاً وقائداً ، يكون القرار الأخير لإدارة البلاد بيده ، ونبغي في هذه العجالة أن نستنبط ونستخرج أهمّ خصائصه ومميّزاته من الآيات القرآنية الشريفة _ وإن كانت هذه الخصائص تعمّ كلّ العلماء والمبلّغين الرساليين فهي خصائص الأنبياء والرسل ، إلاّ أنّ القائد لا بدّ أن يتحلّى بها أكثر من غيره ، فهو أولى وأحقّ بها كما لا يخفى _ ثمّ المقصود بيان ما يتعلّق بالموضوع على نحو الإجمال والإشارة ورؤوس أقلام وفتح آفاق جديدة لمن أراد الغور والتحقيق في مثل هذا الموضوع القيّم ، ذا الأهميّة البالغة في عصرنا الراهن ، عصر الصحوة الإسلامية والرجوع إلى حكومة القرآن وتطبيق أحكامه ومعارفه في البلاد الإسلامية ، ومجامع المسلمين في كلّ ربوع الأرض ، فكلّ واحد من المسلمين قد أحسّ بضرورة حكومة العدل الإسلامي المتمثّل بالقرآن الكريم وأهله ، وأ نّه لا بديل للحكومات المتسلّطة على رقابهم بالبطش والقوّة والتزوير سوى الإسلام الحنيف ، ذلك الدين القيّم.

ومن ثمّ كلّ واحد منهم يربو ويتطلّع إلى بحث قرآني ، لعلّه يجد ضالّته وينال بغيته ،

فيقرأ بكلّ شغف وسرور ، ويتابع أخبار القرآن الذي لا يأتيه الباطل ، وإنّه يهدي للتي هي أقوم ، وإنّه غضّ جديد لا يُبلى ، وإنّه يتماشى مع كلّ عصر ومصر ، ويواكب الحضارات البشرية ، والتمدّن والتقدّم بل ويزيد ، وتظهر كنوزه ومعادنه العلمية والاجتماعية والثقافية ، وتبيان لكلّ شيء ، فما من رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين ، وبشرى للمؤمنين ، وما يزيد الظالمين إلاّ خساراً.

فإلى القرّاء الكرام هذه الرسالة والعجالة عسى أن تروي الظمآن ولو إلى حين ، فإنّها غيضٌ من فيض ، وقد صغتها بعد بيان هذه المقدّمة في فصول ثلاثة وخاتمة ، وما توفيقي إلاّ بالله العليّ العظيم.

( إنَّ في ذلِكَ ذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ وَألْقى السَّمْعَ وَهُوَ شَهيد )[6].

الفصل الأوّل : معالم النبوّة أو مواصفات القائد الإسلامي.

الفصل الثاني : دعوة الأنبياء أو أهمّ وظائف القائد الإسلامي.

الفصل الثالث : الأنبياء وأصناف الناس أو عمل الاُمّة مع القائد.

خاتمة :

العلماء ورثة الأنبياء ، كيف ولماذا ؟

ولا يخفى أنّ القيادة الإسلامية وحكومتها والرئاسة قد ورد شرائطها وخصائصها ومميّزاتها ، وكذلك خصائص القائد الإسلامي ، لا سيّما العالم الصالح والإمام العادل والسلطان المؤمن في الأحاديث الشريفة المأثورة عن النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكثر من أن تحصى ، فمن الروايات تذمّ الرئاسة لغير أهلها ، كما تحذّر الناس من اتباع غير الحجّة والإمام العادل : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخَرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوَّاً في الأرْضِ وَلا فَساداً وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ )[7].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : فيما ناجى الله تعالى به موسى (عليه السلام) ...

لا تغبطنّ أحداً برضى الناس عنه حتّى تعلم أنّ الله راض عنه ، ولا تغبطنّ أحداً بطاعة الناس له ، فإنّ طاعة الناس واتباعهم إيّاه على غير الحقّ هلاك له ولمن تبعه[8].

وعن أبي الحسن (عليه السلام) أ نّه ذكر رجلا فقال : إنّه يحبّ الرياسة ، فقال : ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من طلب الرياسة.

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أحبّ أن يتمثّل له الرجال قياماً فليتبوّأ مقعده من النار[9].

ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : آفة العلماء حبّ الرياسة.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إيّاكم وهؤلاء الرؤساء الذين يتراءسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلاّ هلك وأهلك.

وعن سفيان بن خالد ، قال : قال أبو عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) : إيّاك والرياسة ، فما طلبها أحد إلاّ هلك . فقلت له : جعلت فداك ، قد هلكنا إذاً ، ليس أحد منّا إلاّ وهو يحبّ أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه ، فقال : ليس حيث تذهب إليه ، إنّما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجّة فتصدّقه في كلّ ما قال وتدعو الناس إلى قوله[10].

وقال (عليه السلام) : من طلب الرئاسة بغير حقٍّ حرم الطاعة له بحقّ[11].

وهذا يعني من لم يكن أهلا لها ولم يحمل أوصافها الحقّة ، فإنّه لا يطاع ، وأنّ رئاسته مذمومة وأ نّه هالك ومهلك فيما لو طلبها وتصدّى لها.

ففي الروايات مواصفات الرئيس الصالح والناجح ، كقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : آلة الرياسة سعة الصدر ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس ، ومن أحبّ رفعة الدنيا والآخرة فليمقت في الدنيا الرفعة ،

ومن بذل معروفه استحقّ الرئاسة ، وحسن الشهرة حصن القدرة ، وآفة الرياسة الفخر[12].

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : طلبت الرياسة فوجدتها في النصيحة لعباد الله.

وأمّا في الإمامة ، فحدّث ولا حرج ، فما أكثر الروايات والآيات في ذلك ، وما أكثر مباحثها ومداليلها.

أكتفي بما يقوله الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : إنّ أئمتكم قادتكم إلى الله ، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم[13].

وقال (عليه السلام) : إنّ أئمتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم.

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نوراً يَمْشي بِهِ في النَّاسِ ) ، فقال : ( ميّت ) لا يعرف شيئاً ، و ( نوراً يمشي به في الناس ) إماماً يؤتمّ به ، ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) ، قال : الذي لا يعرف الإمام.

وقال (عليه السلام) : من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهلية ، ولا يعذر الناس حتّى يعرفوا إمامهم ، ومن مات وهو عارف لإمامه لا يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّره ، ومن مات عارفاً لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.

وقال (عليه السلام) : لا يكون العبد مؤمناً حتّى يعرف الله ورسوله والأئمة كلّهم وإمام زمانه ، ويردّ إليه ويسلّم له . ثمّ قال : كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل ؟

ثمّ في بيان فلسفة بعثة النبيّ يقول (عليه السلام) : إنّ الله بعث محمد (صلى الله عليه وآله) وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعي نبوّة ، فساق الناس حتّى بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم

، فاستقامت قناتهم ، واطمأنّت صفاتهم ، أما والله إن كنت لفي سقاتها ، حتّى ولّت بحذافيرها ، ما ضعفت ولا جبنت ، وإنّ مسيري هذا لمثلها[14].

وقال (عليه السلام) : أمّا بعد ، فإنّ الله بعث محمداً ليخرج عباده من عباده إلى عبادته ، ومن عهود عباده إلى عهوده ، ومن طاعة عباده إلى طاعته ، ومن ولاية عباده إلى ولايته[15].

أي دعاهم إلى الحرية والاستقلال في حياتهم الدينية والدنيوية ، وذلك بعبادة الله والكفر بعبادة غيره.

وقال (عليه السلام) : طبيب دوّار بطبّه ، قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه ، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي وآذان صمّ وألسنة بكم ، متتبّع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة[16].

وقال (عليه السلام) : اللّهم إنّك تعلم أ نّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنردّ المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطّلة من حدودك[17].

وقال (عليه السلام) : لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة ، وليس أمري وأمركم واحداً ، إنّي اُريدكم لله ، وأنتم تريدونني لأنفسكم ، أيّها الناس ، أعينوني على أنفسكم ، وأيم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه ، ولأقودنّ الظالم بخزامته حتّى أورده منهل الحقّ وإن كان كارهاً.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبّارين أن ائتِ هذا الجبّار فقل له : إنّي لم أستعملك على سفك الدماء واتّخاذ الأموال وإنّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين ، فإنّي لم أدَع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً[18].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أما والذي فلق الحبّة

وبرأ النسمة ، لو اقتبستم العلم من معدنه ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم من وضحه ، وسلكتم الحقّ عن نهجه ، لابتهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام ، وأضاء لكم الإسلام ، وما عال فيكم عائل ، ولا ظُلم منكم مسلم ولا معاهد ...[19].

لا يخفى أنّ هدف الأنبياء هو دلالة الإنسان إلى ما فيه كماله ورشده وسعادته في الدارين ، وذلك بتهذيب النفس والسير إلى الله سبحانه وسلوكه صراطه المستقيم ومنهجه القويم ليصل إلى مرتبة البلوغ الإنساني من القرب الإلهي ، وكذلك القيادة الإسلامية وخصوص القائد الإسلامي ، فإنّه يسعى من أجل ذلك برعاية وتطبيق الاُصول التربويّة والاجتماعية والحقوقيّة ، ليقوم الناس بالقسط والعدالة الاجتماعية ، وإنّما قيام المجتمع يكون بالقسط ، ليقوم الأفراد بالحقّ وبالعقيدة الحقّة ، والسلوك الصحيح ، فيصل الإنسان إلى رشده المنشود وكماله المطلوب.

فمعرفة الدين بصورة صحيحة وأخذه من منابعه الأصليّة وتطبيقه في الحياة ، ممّا يوجب وصول الفرد والمجتمع إلى الحياة الطيّبة التي يسودها العدل والمحبّة والحرية ، بلا ظلم وفساد ومنكرات ، وهذا هو الغاية القصوى لحكومة الإسلام في الأرض ولإثارة دفائن العقول واستخراج خزائن المعارف ونشر الحقائق وتطبيق الشرائع السماوية.

ثمّ الناس على دين ملوكهم ، فإذا كان الملك صالحاً ، فإنّه بلا شكّ يؤثّر في صلاح مملكته ، وصلاح الملوك برعايتهم الأخلاق الحميدة كالتواضع وما شابه ذلك.

يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : فلو رخّص الله في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه وأوليائه ، ولكنّه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع ، فألصقوا بالأرض خدودهم ، وعفّروا في التراب وجوههم ، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين ، وكانوا أقواماً مستضعفين ، وقد اختبرهم

الله بالمخمصة ، وابتلاهم بالمجهدة ، وامتحنهم بالمخاوف ومخضهم بالمكاره ...[20].

كما على القائد الإسلامي والقيادة الإسلامية ورؤساء المسلمين حماية المستضعفين والدفاع عنهم.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ عيسى (عليه السلام) لمّا أراد وداع أصحابه جمعهم وأمرهم بضعفاء الخلق ونهاهم عن الجبابرة[21].

فالأنبياء ومن يحذو حذوهم يكافحون السلطات الباطلة والطاغوتيّة ، ويقفوا مع الجماهير أمام المستكبرين والمترفين لمجابهتهم وقطع أياديهم عن الشؤون الإنسانية ، وكسر شوكتهم ، وخمد صولتهم ، وتخليص الاُمّة من براثنهم وذرائعهم التي يخدّرون بها الشعوب ، فينادون باليقطة والوعي والانتباه لمكافحة الطغاة ، والتحرّر من سلطاتهم الغاشمة والخلاص من مخالب اُخطبوطهم المقيت.

فأهمّ اُصول الأنبياء ورسالاتهم السماوية وتعاليمها القيّمة لحلّ مشاكل الحياة وسعادة المجتمعات عبارة عن :

1 _ قيام الناس بالقسط : في كلّ أمر من اُمور الحياة الإنسانية وحقولها المتنوّعة ، ولا يمكن لأيّ مجتمع أن يدّعي أ نّه مجتمع إسلامي وأنّ إدارته إسلاميّة ، وأنّ قائده ملتزم باُصول الإسلام ، ما لم يكن القسط سائداً فيه على مختلف الأصعدة والمستويات والطبقات.

2 _ العدالة الاجتماعية : والجهاد الدائب لنفخ روح العدل والحدّ الوسط ، ووضع الشيء في موضعه ، وسوق الناس إلى تبنّي ذلك في كلّ مجالات الحياة ، فالعدل والإحسان الذي أمر الله بهما هما الحاكم في المجتمع الإسلامي ، وأكبر دعامة تستند إليها الحياة على وجه الأرض ، فما لم تتحقّق العدالة الاجتماعية ، ولم تطبّق ، فإنّه لا يتجسّد الدين الإلهي ، ولا يتمثّل التكليف الشرعي.

3 _ إنقاذ الإنسان وتحريره : فإنّ في عبادة غير الله الشقاء والتعاسة ، فجاءت الأنبياء لتضع عن الإنسان الإصر والأغلال ، وليخلّصوه من عبادة الناس إلى عبادة الله حتّى يتمتّع بحرّيته التي أودعها

الله في جبلته وفطرته ، وليعلم أ نّه إنسان ، وله كرامته وشرفه وحرّيته ومقامه من دون أن يركن إلى الظالم والجائر.

4 _ الاستقامة في سبيل الأهداف : فإنّهم بتضحياتهم وفدائهم أثبتوا أ نّه لا بدّ من الاستقامة والمقاومة من أجل تحقيق الأهداف المقدّسة.

5 _ الجمع بين المعاد والمعاش : فإنّ نشاطهم لم ينحصر في الجوانب المعنوية والأخلاقية ، بل عمدوا إلى رفع مستوى الحياة المادية والمعنوية معاً ، فإنّ تعاليمهم تعمّ العقائد الذهنية والحقائق العينية ، وأنّ التكامل الإنساني والسير إلى الله سبحانه يتحقّق من خلال تعاضد الجسم والروح ( رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً )[22] ، ( وَلا تَنْسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنْيا )[23].

6 _ المساواة والتآخي بين آحاد الناس والدعوة إلى وحدتهم ، فإنّ من أبرز دعوة الأنبياء والعلماء هو وحدة الشعوب والجماهير ، وبثّ روح التآخي والمودّة والمحبّة بينهم ، فإنّ الشيطان يلقي العداوة والبغض ، والله خير والصلح خير ، فالقائد الإسلامي إنّما يدعو بقوله وعمله وسلوكه إلى الوحدة الإسلامية ، والتمسّك بحبل الله والاعتصام به ، وإنّ الناس كالجسد الواحد.

7 _ الإصلاح الفردي والاجتماعي : فإنّ الطغاة السياسيين والاقتصاديين لا يعترفون لأيّ إنسان بحقّ ولا كرامة ، فيخلقون المشاكل والعراقيل في طريق الإصلاح وسبيل دعوة الحقّ والعدل ونشر الفضائل والخيرات ، فينهكون الأعراض ويقتلون الأبرياء ويسفكون الدماء ويذبحون الأبناء ويستحيون النساء ، فكلّ خيانة وفقر وجهل وظلم يبدأ منهم ويعود إليهم ، فقيام الأنبياء في ثورتهم الإصلاحية ، ونهضتهم المباركة ، لمقارعة الباطل ومحاربة الفساد وإنقاذ الاُمّة من براثن المعتدين والجبّارين ، فكان الصراع المرير بين معسكري الحقّ والباطل ، والقائد الإسلامي إنّما هدفه هدف الأنبياء في

محاربة الكفر والفساد والظلم والجور ، فيعبّد طريق الإصلاح في المجتمعات ، ويمهّد السبيل لنشر العدالة والحقّ ، وإقامة الكيان الإنساني[24].

8 _ في سبيل سعادة الإنسان : فإنّهم قاموا بمسؤولياتهم الإلهيّة وقدّموا النفس والنفيس من أجل سعادة الإنسان وبلوغ كماله وخلافته لله في الأرض في مظهريّة أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فكانوا من الروّاد الصادقين حملوا مشاعل الحرّية والسلام في درب الجهاد والنضال ، فسعوا في سبيل الحياة الطيّبة ورفع مستوى العيش في كلّ أبعاده ، فقاسوا المتاعب ، وعاشوا المحن من أجل الإنسانية وسعادة البشر.

9 _ بساطة العيش والزهد فيها : وقد امتازوا بمكارم الأخلاق وفضائل الصفات الحميدة ، لا سيّما زهدهم وإمساكهم عن الشهوات والملاذّ الدنيوية ، فتجلّى في سلوكهم وحياتهم طابع القناعة والعفاف والبساطة ، فإنّهم يدعون الناس إلى الحياة السعيدة الهانئة والعيش الرغيد ، إلاّ أ نّهم جعلوا أنفسهم في أدنى المراتب من الحياة الدنيوية ، في مأكلهم وملبسهم ومسكنهم ، مثلما يعيش الفقراء والمساكين.

10 _ وفي سبيل إحقاق الحقّ وحفظ حقوق الناس وصيانتها : فإنّهم تميّزوا _ اُولئك الأفذاذ _ في سيرة حياتهم ، فكانوا قدوة لمن أهّله الله لقيادة المسلمين وتوسّم بوسام القائد الإسلامي ، تميّزوا بموقفهم الحاسم لاستعادة حقوق الإنسان وحفظها من الضياع والحرمان ، ولا تأخذهم في إحقاق الحقّ وإبطال الباطل لومة لائم ، فعاشوا مع الناس ومع الله بكلّ صدق وإخلاص وإصلاح ، فكانوا المثل الأعلى لخلاص الإنسان من الإصر والأغلال ، وإرجاع حرّيته وكرامته ، والعيش في حياة يسودها الرحمة والعدالة والإنسانية المتعالية.

فمثل هذه المميّزات والخصائص لزم اتّباع القائد الإسلامي وقبول حكمه في التصوّر الإسلامي.

فالعالم الفقيه الورع الجامع للشرائط يكون الحاكم والقائد في المجتمعات الإسلامية

وشعوبها.

يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : العلماء حكّام على الناس[25].

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الاُمناء على حلاله وحرامه[26].

وعن أبي خديجة ، قال : بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا ، فقال : قل لهم : إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً ، وإيّاكم ان يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر[27].

وعن عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحلّ ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل ، فإنّما تحاكم إلى الجبت والطاغوت المنهي عنه ، قلت : فكيف يصنعان وقد اختلفا ؟ قال : ينظران من كان منكم ، فمن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضيا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه ، فإنّما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا كالرادّ على الله ، وهو على حدّ من الشرك بالله[28].

لا يخفى ما في هذين الخبرين بعد صحّة السند ، فإنّه ما ذكر من باب ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلّهم يعقلون ) ، وإنّ المورد لا يخصّص ، وإذا كان في مثل دَين وميراث نهى الإمام (عليه السلام) أن يكون الحاكم فيهما من الطغاة والجبابرة ، ومن الفاسقين الذين لا يعرفون الحلال والحرام ، فكيف يسلّم

مقاليد اُمور البلاد وزمام الحكومة وسياستها واقتصادها وعسكرها وثقافتها ، بيد من كان جاهلا وفاسقاً ؟ فإنّه بطريق أولى علينا أن نرجع في كلّ الاُمور إلى من كان يحذو حذو الأئمة الهداة المعصومين.

فالواجب علينا الرجوع إلى الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ومن نصب من قبلهم ، وأن نعرف ونؤمن بالإمامة حقّاً.

ويقول الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل عن الإمامة : إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصالح الدنيا وعزّ المؤمنين ، إنّ الإمامة اُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة ، الإمام أمين الله في خلقه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله ، الإمام المطهّر من الذنوب والمبرّأ من العيوب ، المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم ، نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين ... مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عزّ وجلّ ناصح لعباد الله حافظ لدين الله[29].

ما أروع ما يقوله الإمام (عليه السلام) ، حقّاً إنّه كلام الإمام إمام الكلام ، فلو كان زمام المسلمين بيد مثل هذا القائد الإسلامي يجمع هذه الصفات ، فإنّ الدنيا تكون جنّة ، ويسود المجتمع الخير والسعادة والعدالة ، ويعيش الإنسان في طمأنينة ، وعيش رغيد ، وكرامة وبلوغ الكمال.

ثمّ ما أروع ما يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في مواصفات القائد الإسلامي : وقد علمتم أ نّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج

والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين ، البخيل ، فتكون في أموالهم نهمته ، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الاُمّة[30].

وهذا يعني أنّ الحكومة الإسلامية إنّما تكون بيد الوليّ الفقيه العادل الجامع للشرائط ، لا بأيدي أمثال رؤساء العرب المرتجعين في المنطقة في عصرنا الراهن ، فمن يجمع منهم هذه المواصفات ولو صفة واحدة فقط ؟ ! ! ما لكم كيف تحكمون ؟ ! !

روى الإمام الباقر (عليه السلام) عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال : لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الولاية على من يلي ، حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم ، وفي رواية اُخرى : حتّى يكون للرعيّة كالأب الرحيم[31].

وما أروع ما قاله أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر النخعي لمّا كان والياً على مصر ، فراجع نهج البلاغة في ذلك حتّى تقف على ما يلزم القائد الإسلامي من الخصال والصفات ، وما يجب عليه في إدارة البلاد وسياستها.

يقول (عليه السلام) : إنّ الله تعالى فرض على أئمة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضَعَفَة الناس كيلا يتبيّن بالفقير فقره[32].

وقال (عليه السلام) : ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم.

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : أمّا بعد ، فقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحُرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول

الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله[33].

وهذا منطلق ثوري صارخ ، ومنطق حسيني حاسم ، لكلّ من يحسّ بالمسؤولية وأصبح قائداً إسلامياً ، ولو لمجموعة صغيرة ، فإنّهم مكلّفون بحنك وتدبير وسياسة ومعرفة الزمان والمكان أن يدكّوا عروش الطغاة وتدمّر بلاط الجبابرة ، وتقطع أيادي الاستعمار وأذنابهم اُولئك الملوك الخونة ورؤساء الجمهوريات العملاء ، فتتحرّر الاُمّة وتشقّ طريقها إلى حريّتها وعزّتها ومجدها الخالد الإسلامي العظيم.

فالقائد الإسلامي الجامع للشرائط ، كما بيّن الله في كتابه الكريم وقالها النبيّ الأكرم ، وعترته الطاهرين في الروايات الشريفة ، هو الذي يلزم على غيره إطاعته وله حرمة الإطاعة وإلاّ ( وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عِنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أمْرُهُ فُرُطاً )[34].

كما على القادة الإسلاميين أن يكلّموا الناس على قدر عقولهم ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّا اُمرنا معاشر الأنبياء أن نكلّم الناس بقدر عقولهم ، أمرني ربّي بمداراة الناس كما اُمرنا بإقامة الفرائض[35].

وقال النبيّ الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) : سيأتي على اُمّتي زمان لا يبقى من القرآن إلاّ اسمه ولا من الإسلام إلاّ اسمه ، يسمّون به وهم أبعد الناس عنه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء ، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود[36].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتّهموه على دينكم ، فإنّ كلّ محبّ يحوط ما أحبّ[37].

وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) : الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا . قيل

: يا رسول الله ، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم[38].

أجل إنّما نتّبع من ذكره الإمام العسكري (عليه السلام) في قوله : فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم[39].

وقال صاحب الأمر الإمام المنتظر (عليه السلام) : وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم[40].

فليس كلّ مدعي الوصل بليلى هو أحقّ بها ، بل القيادة الإسلامية والمرجعية الدينية منصب إلهي لا يُنال بالإعلام الكاذب ، والتهريج المضادّ ، والادّعاء المزيّف ،

والأموال الباطلة ، إنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وإنّه سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته ، فاعتبروا يا اُولي الأبصار ، ولا يغرّكم بالله الغرور.

إنّ القيادة الحكيمة والرئاسة الإسلامية الصالحة لها دورها الأكبر المصيري في حياة الاُمّة ، فلا ملاذ لهم اليوم لصيانة دينهم وكيانهم الإسلامي إلاّ التمسّك بحبل الله سبحانه القرآن الكريم والعترة الطاهرة[41] ، المتمثّل في عصرنا بالعلماء الربّانيين والمرجعية الصالحة والقيادة الرشيدة ، فإنّ القاعدة بكوادرها تتبع القمّة ، وإذا صلح العالِم صلح العالَم ، وهذا ما ابتغيناه في هذه العجالة من ذكر خصائص القائد الإسلامي على ضوء القرآن الكريم من دون تفسير للآيات أو تعليق أو بيان ، إنّما المقصود الإشارة ، والحرّ العاقل تكفيه ذلك.

وقد قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : من أمّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه وأفقه ، لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة[42].

وقال : يا

ابن مسعود ، علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة ، ألا إنّهم أشرار خلق الله ، وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبّهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله ...[43].

وقال (صلى الله عليه وآله) : من تقدّم على المسلمين وهو يرى أنّ فيهم من هو أفضل منه ، فقد خان الله ورسوله والمسلمين[44].

وقال : إنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لله ولأهلها ، ومن وضع نفسه في غير الموضع

الذي وضعه الله فيه مقته الله ، ومن دعا إلى نفسه فقال : ( أنا رئيسكم ) وليس هو كذلك ، لم ينظر الله إليه حتّى يرجع عمّا قال ويتوب إلى الله ممّا ادّعى[45].

فالقائد الإسلامي مواصفاته إنّما هي أوصاف الأنبياء وخصائص النبوّة ، فإنّه يمثّل نظامها في هذه الأزمان ، فالزعيم الإسلامي الذي يريد أن يقوم بواجبات تلك الرسالة تعليماً وتطبيقاً ، يجب عليه قبل كلّ شيء أن يبدأ بنفسه ، ثمّ يقوم بإنشاء حكومة متمتّعة بالقدرة والانطلاق ، لكي يتسنّى له تعليم دين الله القويم ، وتطبيق نهجه السليم ، ورفع الإصر والأغلال عن الإنسان ، ليصل إلى كماله وحريته المنشودة ، فلا استعباد لغير الله ولا استثمار ولا استحمار ، ولا يكون ذلك إلاّ بعد وعي المجتمع ونباهته ونضاله وجهاده وقيادة صالحة تستمدّ مشروعيّتها وقوانينها من شرعية الله السمحاء من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، فإنّ الذي ينجّي الإنسان من حضيض الجهل والشقاء والبؤس ، ويجيب على أسئلة البشرية ( من أنا ، ومن أين أتيت ، وإلى أين أذهب ، وماذا يراد منّي ، ومن صنعني ) ؟ إنّما هو الدين والوحي العالم بمكنونات الإنسان وفطرته وجوهره.

والدين يمثّل حكومة الله على الأرض ، وتطبيق شرائعه وسننه ، لإسعاد

الإنسان وإنقاذه من الشقاء والضرّاء ، والأنبياء ، ثمّ الأوصياء ، ثمّ من يحذو حذوهم من العلماء ، إنّما اصطفاهم الله وبعثهم لتأسيس هذه الحكومة الإلهيّة ، وتحقيقها في المجتمعات الإنسانية ، وكان النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله) خاتماً لما سبق وفاتحاً لعهد جديد يستمرّ إلى يوم القيامة ، في أحكام شريعته الثابتة ، ليقوم الناس بالقسط والعدالة.

( لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَّيِّناتِ وَأنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النَّاسُ بِالقِسْطَ )[46].

( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَريعَة مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَ الَّذينَ لا يَعْلَمونَ )[47].

ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلاّ بإمام عدل[48].

وقال (عليه السلام) : اتّقوا الله وأطيعوا إمامكم ، فإنّ الرعيّة الصالحة تنجو بالإمام العادل ، ألا وإنّ الرعيّة الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر[49].

( ما تَعْبُدونَ مِنْ دونِهِ إلاّ أسْماءَ سَمَّيْتُموها أنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطان إنِ الحُكْمُ إلاّ للهِ أمَرَ ألاّ تَعْبُدوا إلاّ إيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمونَ )[50].

فمن لم يحكم بما أنزل الله فاُولئك من الكافرين والفاسقين ولا حرمة له ولا طاعة له ، كما قال الإمام الباقر (عليه السلام) : ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوىً مبتدع ، والإمام الجائر ، والفاسق المعلن للفسق[51].

فالواجب على المسلمين في أقطار العالم ، اتّباع ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين ... أن لا يعملوا عملا ولا يقدّموا يداً ولا رجلا ، قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنّة ، يجبي فيئهم ، ويقيم حجّهم وجمعتهم ، ويجبي صدقاتهم ...

وأخيراً على القائد الإسلامي أن يكون عارفاً

بمصدر الإسلام وبالقرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وإنّ الإسلام دين ودولة ، جامع كامل شامل يتماشى مع كلّ عصر ومصر ، ويحيى مع الحياة ، وينسجم مع قوانين الحياة في المجتمع والتأريخ ، والقرآن يحتوي على أكثر من ستّة آلاف آية كريمة ، تتناول مختلف شؤون الحياة ، فما من صغيرة ولا كبيرة ، إلاّ وللإسلام فيها حكماً وقانوناً ، فمن تصدّى في تنفيذه وإجرائه أي الحاكم والقائد الإسلامي ، لا بدّ أن يكون عارفاً بذلك ، مؤمناً به ، ومدافعاً عنه ، ولولا ذلك لكان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه.

فالقائد الإسلامي : لا بدّ أن يكون عالماً عارفاً فقيهاً خبيراً بعيوب النفس وآفاقها ممثّلا لجميع تعاليم الإسلام في العبادات والمعاملات والسياسة والحكومة والإدارة والاجتماع والأخلاق والاقتصاد والدفاع ، وكلّ ما يمتّ إلى هذه الاُمور وما شابهها ويتّصل بها.

قال النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) : الرئاسة لا تصلح إلاّ لله ولأهلها ، ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه ، مقته الله[52].

( فَالحُكْمُ للهِ العَلِيِّ الكَبيرِ )[53].

( ألا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أسْرَعُ الحاسِبينَ )[54].

( وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا لَمَّا صَبَروا وَكانوا بِآياتِنا يوقِنونَ )[55].

قال الإمام السجّاد (عليه السلام) : اللّهم إنّك أيّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك ، بعد أن وصلت حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضت طاعته وحذّرت معصيته ، وأمرت بامتثال أوامره ، والانتهاء عند نهيه ، وألاّ يتقدّمه متقدّم ، ولا يتأخّر عنه متأخّر[56].

فالدين يمثّل حكومة الله على الأرض ، وتطبيق سننه ، ونشر شرائعه ، ومعارفه وعلومه ، لإسعاد الإنسان وإنقاذه من الشقاء والتعاسة والبؤس والحرمان

، وإنّما كان ذلك بقيادة الأنبياء والمرسلين ، ثمّ بأوصيائهم وخلفائهم ، وفي زمن الغيبة بيد العلماء والفقهاء ، ليضمن خلود الرسالات السماوية ، والشرائع الإلهية ، وسلامتها من أخطار التحريف والتشويه والاضمحلال والانحلال.

ولا يكون ذلك إلاّ لمن كان جديراً في قيادته الإسلامية ، أن يقوم بمثل هذه المسؤولية العظمى.

( لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لِيَقومَ النَّاسُ بِالقَسْطِ )[57].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : لا يترك الأرض بغير إمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرامه . وهو قول الله : ( يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ )[58] ، ثمّ قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية[59].

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حقّ ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان[60].

فالحياة على هدى الرسالة الإلهية على الصعيدين الفردي والاجتماعي ، لا تتحقّق إلاّ باتّباع أوامر الله ، ولا يكون ذلك حتّى تكون الأعمال الصادرة من الإنسان بدلالة داع إلهي ، منصوب من قبل الله سبحانه ، من نبيّ أو وصيّ نبيّ أو من أشاروا عليه ، ولولا ذلك لما كان ضمانٌ لمطابقة التصرّفات الفردية والاجتماعية ، لحكم الله ورضاه ، وما يوجب إبراء الذمّة وإقامة الحجّة.

( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَريعَة مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَ الَّذينَ لا يَعْلَمونَ )[61].

ومن مثل هذه المنطلقات نرى ضرورة القيادة الإسلامية وبيان خصائص القائد الإسلامي من خلال القرآن الكريم وآياته الكريمة.

( أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ

اللهِ حُكْماً لِقَوْم يوقِنونَ )[62].

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ألا فالحذر الحذر ! من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبّروا عن حسبهم ، وترفّعوا فوق نسبهم ، وألقوا الهجينة على ربّهم ، وجاهدوا الله على ما صنع بهم ، مكابرة لقضائه ، ومغالبة لآلائه ، فإنّهم قواعد أساس العصبيّة ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف اعتزار الجاهلية ، فاتّقوا الله

ولا تكونوا لنعمه عليكم أضداداً ، ولا لفضله عندكم حسّاداً ، ولا تطيعوا الأدعياء ، الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحّتكم مرضهم ، وأدخلتم في حقّكم باطلهم ، وهم أساس الفسوق ، فاعتبروا بما أصاب الاُمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته ووقائعه ومثلاته ...[63].

فسعادة المجتمع الإسلامي والبلاد والاُمّة الإسلامية إنّما تكون فيما لو كانت إدارة المجتمع بيد رجل إلهي ، يتحلّى فيه صفات الله سبحانه ، وهذا ما نقصده من خصائص القائد الإسلامي ، كما يكون الحكم حكماً إلهياً ، حتّى يتسنّى للناس الوصول إلى كمالهم المجبول في وجودهم ، وهو الوصول إلى الله سبحانه وتوحيده الخالص في الحياة.

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا اتَّقوا اللهَ وَكونوا مَعَ الصَّادِقينَ )[64].

( يَوْمَ نَدْعو كُلَّ اُناس بِإمامِهِمْ فَمَنْ اُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَاُولئِكَ يَقْرَأون كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمونَ فَتيلا وَمَنْ كانَ في هذِهِ أعْمى فَهوَ في الآخِرَةِ أعْمى وَأضَلُّ سَبيلا )[65].

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين أن لا يعملوا عملا ، ولا يقدّموا يداً ولا رجلا ، قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنّة ، يجبي فيئهم ويقيم حجّهم وجمعتهم ويجبي صدقاتهم[66].

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : قال الله تعالى : لاُعذّبنّ كلّ رعيّة في

الإسلام دانت

بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله ، وإن كانت الرعيّة في أعمالها برّة تقيّة ، ولأعفونّ عن كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من الله وإن كانت الرعيّة في نفسها ظالمة مسيئة[67].

وقال (عليه السلام) : إنّ من دان بعبادة يجتهد فيها نفسه ، بلا إمام عادل من الله فإنّ سعيه غير مشكور وهو ضالّ متحيّر[68].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : وكذلك لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولّوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى[69].

قال النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فيما أوصى به معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : وأنفذ فيهم أمر الله ... وأظهر أمر الإسلام كلّه صغيره وكبيره ...

وهذا من أبرز خصائص الحاكم الإسلامي : أن يقوم بنشر التشريعات الإلهيّة المتمثّلة بالإسلام في ربوع الأرض ، حتّى يسدّ أبواب الفساد والظلم والمنكرات ، ويحفظ المجتمع الإنساني من السقوط والانحطاط والدمار الاجتماعي ، ويقيم حدود الله وأحكامه في كلّ الحقول والمجالات ، وإلاّ فإنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول : فإنّ الرعيّة الصالحة تنجو بالإمام العادل ، ألا وإنّ الرعيّة الفاجرة تهلك بالإمام الجائر[70].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ في ولاية الوالي الجائر دروس الحقّ كلّه وإحياء الباطل كلّه ، وإظهار الظلم والجور والفساد[71].

وهذا ما نشاهده اليوم في بلادنا الإسلامية ، فإنّ الملوك الجائرة ورؤساء الجمهوريات الباطلة ، تلك الزمرة الخائنة ، عملاء الاستعمار والأجانب ، أفسدوا في البلاد ( وَجَعَلوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً )[72] وروّجوا العلمانية بين المسلمين ، وتمسّكوا بأذيال الغرب ، يلحسون أقدامهم ، ويعيشون على فتات موائدهم.

ومن هذا المنطلق الحاسم ، نرى ضرورة حكومة

الإسلام بقيادة رشيدة ، فإنّ الإمام الحاكم العادل الحقّ ، أو من ينوب عنه ، هو أصل الخير كلّه للناس وهو فروعه ، والحاكم الجائر والوالي الباطل وعملاء الأجانب ، هم اُصول الشرّ كلّه ، وانطلاقاً من هذا الأصل الإسلامي الأصيل تضافرت الآيات والروايات الكثيرة على ضرورة الإمام العادل وأنّ « من مات ولم يعرف إمام زمانه ، أو من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية »[73].

( أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْم يوقِنونَ )[74].

( وَلا تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دونِ اللهِ مِنْ أوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرونَ )[75].

( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ فَاُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ )[76].

( إنَّما كانَ قَوْلُ المُؤْمِنينَ إذا دُعوا إلى اللهِ وَرَسولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أنْ يَقولوا سَمِعْنا وَأطَعْنا وَاُولئِكَ هُمُ المُفْلِحونَ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَاُولئِكَ هُمُ الفائِزونَ )[77].

( إنَّ اللهَ يَأمُركُمْ أنْ تُؤدُّوا الأمانات إلى أهْلِها وَإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنْ تَحْكُموا بِالعَدْلِ إنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إنَّ اللهَ كانَ سَميعاً بَصيراً )[78].

وأخيراً أختم هذه المقدّمة مقتبساً بما جاء في كتاب « الحياة » (2 : 508 ) :

لقد جئنا في هذا الباب بمواصفات الحاكم الإسلامي ، فرسمنا خطوطاً جليّة واضحة عن هذا المقام في النظام الإسلامي ، وبذلك قد عرفنا اختيارات هذا الحاكم وماهيّتها ، وكذلك عرفنا مسؤولياته وواجباته في حقول مختلفة ، وأنّ الحاكم في النظام الإسلامي كيف يكون في خدمة المجتمع في جميع ما يتصدّى له ، وعرفنا أيضاً أنّ القوم الذين يؤازرون الحاكم المسلم كيف يجب أن يكونوا ، وما هي وظائفهم وواجباتهم ؟ وهذه كلّها مثل عليا ، جاءت بها رسالة الإسلام

، لدعم اُسس نظام صالح فعّال ، فالحاكم في هذا النظام يجب عليه :

1 _ أن يصطفي عمّاله ومؤازريه ومساعديه وبطانته من خير الناس وأفاضلهم وأتقيائهم وأعقلهم.

2 _ أن يراقب شؤون الإدارة والحكومة بتقوىً واجتهاد وحنك وسياسة دقيقة.

3 _ أن يراعي شؤون القضاء والقضاة وكرامتهم وما يتعلّق بالسلطة

القضائية.

4 _ أن يعبّئ جيشاً قويّاً مؤمناً متحمّساً ، لنشر كلمة العدل وجعل كلمة الله هي العليا ، ودحض كلمة الباطل ، وحفظ ثغور المسلمين وصيانة بلادهم من شرّ الأعداء.

5 _ أن يتحلّى بالصدق أمام المجتمع ، وأن يفي بعهوده ومواثيقه ويبذل ما في وسعه.

6 _ أن يحامي عن مبدأ المساواة أمام القانون وحكومة القسط والعدل.

7 _ أن يخالط الناس ولا يحتجب عن أحد ، ويكون فيهم كأحدهم.

8 _ أن يحرس كرامة الإنسان ، وحرمة الأفراد ، ويراعي حقوقهم الفردية والاجتماعية.

9 _ أن يؤمّن حاجات المجتمع على مختلف المستويات ، ويطوّر حياتهم ، ويرفّه في معيشتهم.

10 _ أن يأذن في النقد البنّاء ، وأن يحتمله ويواجهه بالقبول إذا كان صحيحاً.

11 _ أن يكافح الفقر والحرمان ، ويجدّ لاسترداد حقوق المساكين والمعدمين ، ويقطع أيدي الظالمين الاقتصاديين ، ويحرّك عجلات الاقتصاد نحو الأفضل.

12 _ أن يدافع عن حقوق الضعفاء والعمّال والفلاّحين ، وأهل الحِرَف والمهن الصغار ، وأن يقف بجانبهم.

13 _ أن يقوم بنشر العلم والثقافة في الناس ، وإزاحة الاُميّة ومحوها ، وتعليم الآداب الدينية والأخلاق المحمّدية والسعي لنجاة المجتمع من الجهل والتخلّف الفكري والثقافي والحضاري ، ويواكب الركب التقدّمي في الصناعات مع حصانتها بالمعنويات والروحيّات.

14 _ أن يوثّق صلات الناس الاجتماعية وترابطهم العائلي والاُسروي.

15 _ أن يشجب الفساد والميوعة في كلّ أشكالها ، ويستأصلهما ضمن برمجة صحيحة

ومنطقية ، ويحارب الطغيان والطغاة ، والظلم وعمّال المنكرات.

وهناك مواصفات وخصائص كثيرة يمتاز بها القائد الإسلامي ، يستلهمها ويستوحيها ويستنبطها القارئ الكريم من خلال عرض الآيات القرآنية التي نذكرها في هذه الفصول الثلاثة ، إن شاء الله تعالى.

وأملنا من القارئ العزيز ، لا سيّما أهل العلم والخطباء والمثقّفين المصلحين ، الذين يقصدون إصلاح المجتمع وهداية الناس إلى شاطئ السعادة وسواحل السلام والطمأنينة ، أن يمعنوا النظر في ذلك ، وأن يستخرجوا من خزائن القرآن الكريم كنوزها ، ومن بحاره أنوارها وجواهرها ، حتّى يكونوا في دعوتهم للناس إلى الحقّ على بصيرة ورشد من أمرهم ، فما فعلته إنّما هي إشارات ومعالم أوّلية في طريق ذات الشوكة صعب العبور.

---

[1]البقرة : 201.

[2]البقرة : 143.

[3]ذكرنا تفصيل ذلك في رسالة « سرّ الخليقة وفلسفة الحياة » ، مطبوع في مجلّة ( نور الإسلام ) البيروتية ، ومجلّة ( الكوثر ) العدد الأوّل المطبوعة بقم ، فراجع.

[4]الكافي 1 : 32.

[5]المصدر : 36.

[6]ق : 37.

[7]القصص : 82 .

[8]ميزان الحكمة 4 : 6 ، عن بحار الأنوار 73 : 72.

[9]البحار 77 : 90.

[10]البحار 73 : 153.

[11]تحف العقول : 237.

[12]ميزان الحكمة 4 : 10.

[13]الحياة 1 : 146.

[14]الحياة 1 : 147 ، عن الكافي 1 : 180.

[15]الوافي 3 : 23.

[16]نهج البلاغة : 321.

[17]نهج البلاغة : 406.

[18] الكافي 2 : 333.

[19]مستدرك النهج : 31.

[20]نهج البلاغة : 789.

[21]البحار 14 : 252.

[22]البقرة : 201.

[23]القصص : 77.

[24]مقتبس من كتاب « الحياة » 2 : 65.

[25]غرر الحكم : 32.

[26]تحف العقول : 172.

[27]الوسائل 18 : 100.

[28]الاحتجاج 2 : 106.

[29]الكافي 1 : 198.

[30]نهج البلاغة : 407.

[31]الكافي 1 : 407.

[32]نهج البلاغة : 663.

[33]البحار 44 : 382.

[34]الكهف : 28.

[35]البحار 2 : 69.

[36]البحار 2

: 109 ، عن الخصال.

[37]البحار 2 : 107 ، عن علل الشرائع.

[38]الكافي 1 : 46.

[39]الاحتجاج 2 : 263.

[40]كمال الدين : 484.

[41]لقد ذكرت ذلك بالتفصيل في « السرّ في آية الاعتصام » ، فراجع.

[42]ثواب الأعمال : 246.

[43]مكارم الأخلاق : 527.

[44]الغدير 8 : 291.

[45]تحف العقول : 36.

[46]الحديد : 25.

[47]الجاثية : 18.

[48]دعائم الإسلام 1 : 184 ، البحار 89 : 256.

[49]البحار 8 : 472.

[50]يوسف : 40.

[51]قرب الإسناد : 107.

[52]تحف العقول : 36.

[53]المؤمن : 12.

[54]الأنعام : 62.

[55]السجدة : 24.

[56]الحياة 2 : 378 ، عن عبقات الأنوار.

[57]الحديد : 25.

[58]الإسراء : 71.

[59]البحار 8 : 12 ، عن تفسير العياشي.

[60]الوسائل 1 : 91.

[61]الجاثية : 18.

[62]المائدة : 50.

[63]نهج البلاغة : 786.

[64]التوبة : 119.

[65]الإسراء : 71 _ 72.

[66]لقد مرّ ذكر هذه الرواية الشريفة ، وكرّرناها لأهميّتها.

[67]الكافي 1 : 376.

[68]المستدرك 1 : 21.

[69]أمالي الطوسي 2 : 32.

[70]البحار 8 : 472.

[71]تحف العقول : 245.

[72]النمل : 34.

[73]الكافي 2 : 21.

[74]المائدة : 50.

[75]هود : 113.

[76]المائدة : 7.

[77]النور : 51 _ 52.

[78]النساء : 58.

الفصل الأوّل: معالم النبوّة أو مواصفات القائد الإسلامي[1]

القرآن الكريم يتعرّض لبيان معالم النبوّة ومبانيها الأوليّة ، ويعني ذلك المواصفات الأساسيّة للقائد الإسلامي في إدارة البلاد ، وتسيير المجتمع نحو التقدّم والازدهار في كلّ جوانبه ، وصيانته من الانحطاط والانهيار ، وإقامة العدل الإسلامي وتصعيد القوى وروح النضال والجهاد ، وتعديل الثروات ، وتثقيف الناس ، وإعلاء كلمة الله في الأرض ، وإيصال الإنسان إلى ذروة كماله وقمّة شموخه ، ونزاهة الإنسانية ونجاتها من مخالب الطغيان والبغي والفساد ، وذلك من خلال النقاط التالية :

1 _ بعث الرسل ووجود القائد الصالح من الامتحانات الإلهية :

( وَما أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلينَ إلاّ أ نَّهُمْ يَأكُلونَ الطَّعامَ وَيَمْشونَ في الأسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً أفَلا

تُبْصِرونَ )[2].

2 _ القائد يعيش بين الناس ويأكل ما أحلّه الله ، وإنّما المقصود إقامة وترويج

العمل الصالح في المجتمع :

( يا أ يُّها الرُّسُلُ كُلوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلوا صالِحاً )[3].

3 _ الله جلّ جلاله ينصر من ألقى عليه مسؤولية القيادة في الدنيا والآخرة ، كالأنبياء والمرسلين ، وإن ضاقت بهم الاُمور :

( حَتَّى إذا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أ نَّهُمْ قَدْ كُذِبوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَوْمِ الُمجْرِمينَ )[4].

( إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنوا في الحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقومُ الأشْهادُ )[5].

( وَإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبونَ )[6].

( فَأنْزَلَ عَلَيْهِمُ السَّكينَةَ وَأثابَهُمْ فَتْحاً قَريباً )[7].

( نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَريبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنينَ )[8].

4 _ وعاقبة الأمر إنّما الغلبة والنصر لله ولاُمنائه في الأرض ، فإنّ منطقهم منطق رصين وقويم :

( لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي )[9].

5 _ ومن هذا المنطلق يطلبون من الله النصرة :

( قالَ رَبِّ انْصُرْني بِما كَذَّبونِ قالَ عَمَّا قَليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمينَ فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمينَ ثُمَّ أنْشَأنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُروناً آخَرينَ ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى كُلَّما جاءَ اُمَّةٌ رَسولُها كَذَّبوهُ فَأتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أحاديثَ فَبُعْداً لِقَوْم لا يُؤْمِنونَ )[10].

6 _ والمقصود من بعثة الأنبياء والقيادة الصالحة هو الإنذار والتبشير وإتمام الحجّة :

( رُسُلا مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ لِئَلاّ يَكونَ لِلْناسِ عَلى اللهِ حُجَّة بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزيزاً حَكيماً )[11].

7 _ ومن فلسفة النبوّة وما يكون في خطّها من الإمامة والقيادة المؤمنة هداية الناس :

( وَلِكُلِّ قَوْم هاد )[12].

8 _ فيصطفي ويجتبي من خلقه ليهدوا الناس إلى الصراط المستقيم :

( وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلى الغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ )[13].

9 _

فكلّ واحد ممّن كان راعياً وقائداً أن يبذل ما في وسعه من الجهد والجهاد :

( وَجاءَ مِنْ أقْصى المَدينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعوا المُرْسَلينَ )[14].

10 _ ولا يطلب من الناس حطام الدنيا أجراً لرسالته وقيادته الصالحة :

( اتَّبِعوا مَنْ لا يَسْألُكُمْ أجْراً وَهُمْ مُهْتَدونَ )[15].

( قُلْ ما أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر إلاّ مَنْ شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبيلا )[16].

11 _ فهلاك الاُمّة وهلاك القرى لا تكون إلاّ بعد إتمام الحجّة :

( وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَة إلاّ لَها مُنْذِرونَ )[17].

12 _ وقد فضّل الله بعض الأنبياء على بعض ، فهم في طبقات ، وكذلك العلماء وقادة الناس :

( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْض )[18].

( وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْض )[19].

13 _ إلاّ أنّ عملهم واحد ، كالتبليغ والإرشاد وتبيين الحقائق والواقعيات :

( وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلْناسِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ )[20].

( وَإذْ أخَذَ اللهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتاب وَحِكْمَة )[21].

14 _ ومن وظيفة الناس أن يرجعوا إلى قيادتهم الحكيمة ويسألوا عن اُمور دينهم ودنياهم :

( وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالا نوحي إلَيْهِمْ فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ )[22].

15 _ وإنّ الله يسأل الناس كما يسأل الأنبياء :

( فَلَنَسْألَنَّ الَّذينَ اُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنَّ المُرْسَلينَ )[23].

16 _ والناس إمّا أن يطيعوا اُولي الأمر من الأنبياء ومن ينوبهم ويرثهم أو يعصوه ، فجزاء المطيعين :

( وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارَ خالِدينَ فيها وَذلِكَ الفَوْزُ العَظيمُ )[24].

( وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسولَ فَاُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبيِّينَ وَالصِّدِّيقينَ وَالشُّهَداء وَالصَّالِحينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفيقاً )[25].

( وَأطيعوا اللهَ وَالرَّسولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمونَ )[26].

( قُلْ

أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ فَإنْ تَوَلَّوا فَإنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإنْ تُطيعوهُ تَهْتَدوا وَما عَلى الرَّسولِ إلاّ البَلاغُ المُبينُ وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلُِيمَكِّنَ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذي ارْتَضى لَهُمْ وَلِيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً )[27].

وأمّا جزاء العاصين :

( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فيها وَلَهُ عَذابٌ مُهينٌ )[28].

17 _ وما على الرسل إلاّ البلاغ الواضح والمبين :

( وَما عَلَيْنا إلاّ البَلاغُ المُبينُ )[29].

( فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ إلاّ البَلاغُ المُبينُ )[30].

( يا أ يُّها الرَّسولُ بَلِّغْ ما اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )[31].

18 _ وإنّما يكلّمون الناس بلسانهم وعلى قدر عقولهم :

( وَما أرْسَلْنا مِنْ رَسول إلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )[32].

19 _ وأمّا طريق دعوتهم فبالبراهين الساطعة والخطب الحكيمة والجدال الحسن :

( اُدْعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بَالَّتي هِيَ أحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبيلِهِ وَهُوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدينَ )[33].

20 _ الاستقامة في سبيل الأهداف :

( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما اُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ )[34].

( فاسْتَقِمْ كَما اُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغوا إنَّهُ بِما تَعْمَلونَ بَصير )[35].

( قالَ قَدْ اُجيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقيما وَلا تَتَّبِعانِ سَبيلَ الَّذينَ لا يَعْلَمونَ )[36].

( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَروا عَلى ما كُذبوا وَاُوذوا حَتَّى أتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَأِ المُرْسَلينَ )[37].

( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذَّينَ يَدْعونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ وَالعَشيِّ يُريدونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أمْرُهُ فُرُطاً

)[38].

( فَقاتِلْ في سَبيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إلاّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنينَ عَسى الله أنْ يَكُفَّ بَأسَ الَّذينَ كَفَروا وَاللهُ أشَدُّ بَأساً وَأشَدُّ تَنْكيلا )[39].

( لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ألاّ يَكونوا مُؤْمِنينَ )[40].

21 _ وأمّا من صفاتهم الرفيعة ، ومقامهم الشامخ ، وحالاتهم الفردية والاجتماعية :

( كُلٌّ مِنَ الأخْيارُ )[41].

( كُلٌّ مِنَ الصَّابِرينَ )[42].

( إنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحينَ )[43].

( إنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيَّاً )[44].

( وَزادَهُ بَسْطَةً في الجِسْمِ وَالعِلْمِ )[45].

( فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ )[46].

( وَكانَ تَقِيَّاً )[47].

( إنَّهُ كانَ مُخْلَصاً )[48].

( وَبَرَّاً بِوالِدَتي وَلَمْ يَجْعَلْني شَقِيَّاً )[49].

( وَجَعَلَني مُبارَكاً أيْنَما كُنْتُ )[50].

( وَلَمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ وَاسْتَوى آ تَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزي الُمحْسِنينَ ).

وهذا يعني أنّ من كان محسناً في أيّ عصر ومصر فإنّ الله يجزيه بإتيانه الحكم والعلم فتدبّر ، وكذلك في الآيات الاُخرى.

( وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إلى صِراط مُسْتَقيم )[51].

( وَكُلا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً )[52].

( أقْبِلْ وَلا تَخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنينَ )[53].

( إنَّ إبْراهيمَ كانَ اُمَّةً قانِتاً للهِ حَنيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكينَ )[54].

( شاكِراً لأنْعُمِهِ )[55].

( إذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْب سَليم )[56].

( قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلْناسِ إماماً )[57].

( وَأدْعو رَبِّي عَسى ألاّ أكونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيَّاً )[58].

( وَكانوا لَنا عابِدينَ )[59].

( إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّماوات وَالأرْضَ حَنيفاً وَما أنا مِنَ المُشْرِكينَ )[60].

( إنِّي لَكُمْ رَسولٌ أمينٌ )[61].

( إنِّي أخافُ اللهَ رَبَّ العالَمينَ )[62].

( وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْق عَلِيَّاً )[63].

( إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلينَ عَلى صِراط مُسْتَقيم )[64].

( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ )[65].

( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ

اتَّبَعَكَ مِنَ المُرْسَلينَ )[66].

( وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجيهاً )[67].

( وَإنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظيم )[68].

( الَّذينَ يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أحَداً إلاّ اللهَ )[69].

( قُمِ الَّلَيْلَ إلاّ قَليلا )[70].

( إنَّ لَكَ في النَّهارِ سَبْحاً طَويلا )[71].

( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتيلا )[72].

( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدينَ )[73].

( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقينَ )[74].

( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ أنَ اشْكُرْ للهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَميدٌ )[75].

( إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ )[76].

( وَكانَ يَأمُرْ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً )[77].

( قُلْ ما أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر وَما أنا مِنَ المُتَكَلِّفينَ )[78].

وخلاصة الكلام : لا بدّ أن يكون القائد الإسلامي متّصفاً بصفات الأنبياء ; لأ نّه إنّما يديم خطّهم ومقصودهم وغايتهم ، فلا بدّ أن يكون من الأخيار صالحاً صابراً صدّيقاً مع ربّه ومع الناس ، عالماً باُمور دينهم ودنياهم ، رحيماً شفيقاً حريصاً عليهم ، يشاورهم في اُمور البلد وإدارته ، متوكّلا على الله ، متواضعاً للحقّ وللمؤمنين ، له قلب سليم يخاف ربّه ويعبده ويدعوه حنيفاً مسلماً ، ويكون بنفسه اُمّةً شاكراً أميناً تقيّاً ، وجيهاً عند الله ، يحمل الأخلاق الطيّبة ، ويبلّغ رسالات الله ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، يقوم الليل بالعبادة والتهجّد ويسبّح الله ويذكره كثيراً ، ويعبده حتّى الموت ، حكيماً شاكراً صادق الوعد ، يأمر رعيّته وأهله بالصلاة والزكاة ، وكان عند ربّه مرضيّاً.

22 _ وبمثل هؤلاء يقتدى ويهتدى ، فهم الاُسوة الحسنة والقدوة الصالحة :

( وَلَكُمْ في رَسولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )[79].

( وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا )[80].

( قَدْ كانَتْ لَكُمْ

اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبْراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ )[81].

23 _ وفي قصصهم تثبيت العقيدة والموعظة الحسنة والذكرى النافعة :

( وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتْ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةً وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنينَ )[82].

24 _ ومن وظيفتهم رفع الاختلاف بين الاُمّة :

( وَما أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذي اخْتَلَفوا فيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنونَ )[83].

25 _ وقد أمر الله بإطاعتهم :

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الأمْرِ مِنْكُمْ )[84].

( مَنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطاعَ اللهَ )[85].

( إنَّما وَلِّيّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعونَ )[86].

26 _ وأعطاهم وأقرّ لهم العزّة :

( وَكَلِمَةُ اللهِ هيَ العُلْيا وَاللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ )[87].

( وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلْمُؤْمِنينَ )[88].

( فَلا تَهِنوا وَتَدْعوا إلى السَّلَمِ وَأنْتُمْ الأعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ )[89].

( وَلا تَهِنوا وَلا تَحْزَنوا وَأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ )[90].

27 _ وأهّلهم للقيادة والإمامة :

( وَلَقَدْ آتَيْنا إبْراهيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمينَ )[91].

( وَإذِ ابْتَلى إبْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلْنَّاسِ إماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدي الظَّالِمينَ )[92].

( اللهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَل رِسالَتَهُ )[93].

28 _ فيتصلّبون في إجراء الحقّ والعدالة :

( وَلا تَأخُذُكُمْ بِهِما رَأفَة في دينِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ )[94].

29 _ وفي سبيل سعادة الإنسان :

( وَلِكُلِّ اُمَّة رَسولٌ فَإذا جاءَ رَسولُهُمْ قَضى بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمونَ )[95].

( وَلَوْ أ نَّهُمْ إذْ ظَلَموا أنْفُسَهُمْ جاؤوكَ فَاسْتَغْفَروا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدوا اللهَ تَوَّاباً رَحيماً )[96].

( وَاذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وَكانَ رَسولا نَبِيَّاً وَكانَ يَأمُر أهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً

)[97].

30 _ والقيام بالمسؤولية مع الرأفة والرحمة :

( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنينَ رَؤوفٌ رَحيمٌ )[98].

( فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنوا بِهذا الحَديثِ أسَفاً )[99].

31 _ وجوهر المسؤولية تبليغ الرسالات الإلهية بنصح وأمانة :

( قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بي سَفاهَةً وَلكِنِّي رَسولٌ مِنْ رَبِّ العالَمينَ اُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأنا لَكُمْ ناصِحٌ أمينٌ )[100].

هذه جملة وإشارات من مواصفات القائد الإسلامي ، يمكن أن يستلهم منها ومن غيرها خصائص ومميّزات اُخرى ، فتأمّل وتعمّق في آيات الله الكريمة ، وتدبّر في معانيها ومغزاها ، حتّى تستخرج من كنوزها الجواهر القيّمة واللآلئ الثمينة ، فإنّ القرآن الكريم غضّ جديد لا يبلى ، ويتماشى مع كلّ عصر ، فيه المعارف والعلوم والفنون ، وهو كتاب حياة وصنع الإنسان الكامل ، والسير إلى الله المقتدر ، فإلى الله المنتهى ، وإليه تصير الاُمور.

---

[1]لقد طبع مجمل هذه الدراسة في مجلّة ( نور الإسلام ) البيروتيّة العدد 60 _ 61 سنة 1417 ه_ ، فآثرت طبعها مرّة اُخرى بتنقيح وتفصيل في حلّة جديدة تعميماً للفائدة ، ومن الله التوفيق.

[2]الفرقان : 20.

[3]المؤمنون : 51.

[4]يوسف : 110.

[5]المؤمن : 51.

[6]الصافّات : 173.

[7]الفتح : 18.

[8]الصفّ : 13.

[9]المجادلة : 21 . القصص : 35.

[10]المؤمنون : 44 . آل عمران : 81 . العنكبوت : 30 . القمر : 10.

[11]النساء : 165.

[12]الرعد : 7.

[13]آل عمران : 179.

[14]يس : 21 . الأنعام : 90 . سبأ : 47 . ص : 86 . القلم : 46.

[15]يس : 21.

[16]الفرقان : 57.

[17]الشعراء : 208.

[18]البقرة : 253.

[19]الإسراء : 55.

[20]النحل : 44.

[21]آل عمران : 81 . الأحزاب : 7.

[22]النحل : 42.

[23]الأعراف : 5.

[24]النساء

: 13.

[25]النساء : 69.

[26]آل عمران : 132 . الأنفال : 20 _ 46 . النور : 51 و 52.

[27]النور : 54 _ 55 . الأحزاب : 7 . الفتح : 17.

[28]النساء : 14 . التوبة : 63 . النور : 63.

[29]يس : 17.

[30]النحل : 35.

[31]المائدة : 67.

[32]إبراهيم : 4.

[33]النحل : 125.

[34]الشورى : 15.

[35]هود : 112.

[36]يونس : 89 .

[37]الأنعام : 34.

[38]الكهف : 28.

[39]النساء : 84 .

[40]الشعراء : 3.

[41]ص : 48.

[42]الأنبياء : 85 .

[43]الأنبياء : 86 .

[44]مريم : 56.

[45]البقرة : 242.

[46]آل عمران : 159.

[47]مريم : 13.

[48]مريم : 51.

[49]مريم : 32.

[50]) مريم : 21.

[51]الأنعام م 86 .

[52]الأنبياء : 79.

[53]القصص : 31.

[54]النحل : 120.

[55]النحل : 121.

[56]الصافّات : 84 .

[57]البقرة : 124.

[58]مريم : 48.

[59]الأنبياء : 73.

[60]الأنعام : 79.

[61]الدخان : 18.

[62]المائدة : 28.

[63]مريم : 50.

[64]يس : 2.

[65]القلم : 48 . الأحقاف : 35 . الطور : 48.

[66]الشعراء : 215.

[67]الأحزاب : 69.

[68]القلم : 4.

[69]الأحزاب : 39.

[70]المزّمّل : 1.

[71]المزّمّل : 7.

[72]المزّمّل : 8 .

[73]الحجر : 98.

[74]الحجر : 99.

[75]لقمان : 12.

[76]مريم : 54.

[77]مريم : 55.

[78]ص : 86 .

[79]الأحزاب : 21.

[80]الحشر : 7.

[81]الممتحنة : 4.

[82]هود : 120.

[83]النحل : 64.

[84]النساء : 59.

[85]النساء : 80 .

[86]المائدة : 55.

[87]التوبة : 40.

[88]المنافقون : 8 .

[89]محمّد : 35.

[90]آل عمران : 139.

[91]الأنبياء : 51.

[92]البقرة : 124.

[93]الأنعام : 124.

[94]النور : 2.

[95]يونس : 47.

[96]النساء : 64.

[97]مريم : 54 _ 55.

[98]التوبة : 128.

[99]الكهف : 6.

[100]الأعراف : 66.

الفصل الثاني: دعوة الأنبياء أو أهمّ وظائف القائد الإسلامي

دعوة الأنبياء ، ومن ثمّ العلماء ، ولا سيّما القائد الإسلامي ، تتلخّص في العناوين التالية :

1 _ الدعوة إلى التوحيد :

( وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسول إلاّ نوحي إلَيْهِ أ نَّهُ لا إلهَ إلاّ أنا فَاعْبُدونِ )[1].

( يا أ يُّها النَّبِيُّ إنَّا أرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً وَداعِياً إلى اللهِ بِإذْنِهِ وَسِراجاً مُنيراً )[2].

( وَلَقَدْ أرْسَلْنا نوحاً إلى قَوْمِهِ إنِّي لَكُمْ نَذيرٌ

مُبينٌ ألاّ تَعْبُدوا إلاّ اللهَ إنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْم أليم )[3].

2 _ الدعوة إلى محاربة الطاغوت :

( وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ اُمَّة رَسولا أنِ اعْبُدوا اللهَ وَاجْتَنِبوا الطَّاغوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسيروا في الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ )[4].

3 _ الدعوة الثالثة للأنبياء ، الدعوة إلى القسط والعدالة والاستقامة عليها :

( لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالميزانَ لَيَقومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ )[5].

( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما اُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أنْزَلَ اللهُ مِنَ الكِتابِ وَاُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أعْمالُنا وَلَكُمْ أعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإلَيْهِ المَصير )[6].

4 _ الدعوة إلى عبادة الله والخوف من المعاد :

( إذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أيْديهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ألاّ تَعْبُدوا إلاّ اللهَ قالوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لأنْزَلَ مَلائِكَةً فَإنَّا بِما اُنْزِلْتُمْ بِهِ كافِرونَ )[7].

5 _ الدعوة إلى التقوى :

( إذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبُ ألا تَتَّقونَ )[8].

( إنِّي لَكُمْ رَسولٌ أمينٌ فَاتَّقوا اللهَ وَأطيعونِ وَما أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر إنْ أجْريَ إلاّ عَلى اللهِ رَبِّ العالَمينَ )[9].

6 _ الدعوة إلى الأعمال الصالحة :

( أوْفوا الكَيْلَ وَلا تَكونوا مِنَ الُمخْسِرينَ وَزِنوا بِالقِسْطاسِ المُسْتَقيمِ وَلا تَبْخَسوا النَّاسَ أشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوا في الأرْضِ مُفْسِدينَ وَاتَّقوا الَّذي خَلَقَكُمْ وَالجِبِلَّةَ الأوَّلينَ قالوا إنَّما أنْتَ مِنَ المُسَحَّرينَ وَما أنْتَ إلاّ بَشَرٌ مَثْلُنا وَإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبينَ فَأسْقِطْ عَلَيْنا كَسْفاً مِنَ السَّماءِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقينَ قالَ رَبِّي أعْلَمُ بِما تَعْمَلونَ فَكَذَّبوهُ فَأخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظلَّةِ إنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْم عَظيم )[10].

( وَإلى مدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدوا اللهَ وَارْجو اليَومَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوا في الأرْضِ

مُفْسِدينَ فَكَذَّبوهُ فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحوا في دارِهِمْ جاثِمينَ )[11].

7 _ الدعوة إلى التجارة ومراعاة آدابها وأحكامها وعدم الفساد في الأرض :

( وَإلى مدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إله غَيْرَهُ وَلا تُنْقُصوا المِكْيالَ وَالميزانَ إنِّي أراكُمْ بِخَيْر وَإنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْم مُحيط وَيا قَوْمِ أوْفوا المِكْيالَ وَالميزانَ بِالقِسْطِ وَلا تَبْخَسوا النَّاسَ أشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدينَ بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ وَما أنا عَلَيْكُمْ بِحَفيظ )[12].

( وَإلى مَدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إلْه غَيْرَهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأوْفوا الكَيْلَ وَالميزانَ وَلا تَبْخَسوا النَّاسَ أشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدوا في الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ )[13].

( وَلا تَقْعُدوا بِكُلِّ صِراط توعِدونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ اللهِ مِنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغونَها عِوَجاً وَاذْكُروا إذْ كُنْتُمْ قَليلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدينَ وَإنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنوا بِالَّذي اُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنوا فَاصْبِروا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الحاكِمينَ )[14].

8 _ الدعوة إلى الاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه :

( يا قَوْمِ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إنْ أجْريَ إلاّ عَلى الَّذي فَطَرَني أفَلا تَعْقِلونَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إلَيْهِ يُرْسِلُ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمينَ )[15].

( فَإنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ ما اُرْسِلْتُ بِهِ إلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْء حَفيظ )[16].

9 _ الدعوة إلى الله لا إلى النفس :

( ما كانَ لِبَشَر أنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الكِتابَ وَالحُكْمَ وَالنُبُوَّةَ ثُمَّ يَقولَ لِلْناسِ كونوا عِباداً لي مِنْ دونِ اللهِ وَلكِنْ كونوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمونَ الكِتابَ

وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسونَ )[17].

10 _ دعوة الأنبياء ومن يحذو حذوهم دعوة عامّة ، وليست خاصّة

إلى حزب أو فئة أو طائفة :

( وَما أرْسَلْناكَ إلاّ كافَّةً لِلْنَّاسِ بَشيراً وَنَذيراً وَلكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمونَ )[18].

11 _ الإخراج من الظلمات إلى النور :

( رَسولا يَتْلو عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّنات لِيُخْرِجَ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ )[19].

12 _ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحريّة :

( الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الاُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكْتوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراةِ وَالإنْجيلَ يَأمُرْهُمْ بِالمَعْروفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلَّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمِ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعْ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي عَلَيْهِمْ فَالَّذينَ آمَنوا بِهِ وَعَزَّروهُ وَنَصَروهُ وَاتَّبَعوا النُّورَ الَّذي أنْزَلَ مَعَهُ اُوْلئِكَ هُمُ المُفْلِحونَ )[20].

( قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالَوا إلى كَلِمَة سَواء بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ألاّ نَعْبُدُ إلاّ اللهَ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذ بَعْضُنا بَعْضاً أرْباباً مِنْ دونِ اللهِ فَإنْ تَوَلَّوْا فَقولوا اشْهَدوا بِأ نَّا مُسْلِمونَ )[21].

13 _ التربية والتعليم :

( هُوَ الَّذي بَعَثَ في الاُمِّيِّينَ رَسولا مِنْهُمْ يَتْلوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَإنْ كانوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلال مُبين )[22].

( رَبَّنا وَابْعَثْ فيهِمْ رَسولا مِنْهُمْ يَتْلو عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمْهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أنْتَ العَزيزُ الحَكيمُ ).

14 _ الحكم بما أنزل الله سبحانه :

( وَأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعَ أهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أنْ يَفْتِنوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللهُ إلَيْكَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أ نَّما يُريدُ اللهُ أنْ يُصيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنوبِهِمْ وَإنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقونَ )[23].

15 _ الشهادة على الناس :

( فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِنْ كُلِّ اُمَّة بِشَهيد وَجِئْناكَ عَلى هؤِلاءِ شَهيداً )[24].

( إنَّا أرْسَلْنا إلَيْكُمْ رَسولا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أرْسَلْنا إلى

فِرْعَوْنَ رَسولا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسولَ فَأخَذْناهُ أخْذاً وَبيلا )[25].

16 _ الدعوة إلى فعل الخيرات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، أي مراعاة العدالة الاجتماعية والجوانب المعنوية والمادية في الحياة :

( وَجَعَلْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ وَإقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانوا لَنا عابِدينَ )[26].

17 _ تقديم النصيحة للجمهور :

( اُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأنْصَحُ لَكُمْ وَأعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمونَ )[27].

18 _ دعوة المؤمنين إلى الجهاد من أجل المستضعفين في العالم :

( وَما لَكُمْ لا تُقاتِلونَ في سَبيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلْدانِ الَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِنْ هذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصيراً )[28].

( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذَّينَ يَدْعونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أمْرُهُ فُرُطاً )[29].

19 _ إصلاح المجتمعات البشرية :

( إنْ اُريدُ إلاّ الإصْلاح ما اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفيقي إلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ اُنيبُ )[30].

( وَقالَ موسى لأخيهِ هارونَ اخْلُفْني في قَوْمي وَأصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الُمفْسِدينَ )[31].

( لا خَيْرَ في كَثير مِنْ نَجْواهُمْ إلاّ مَنْ أمَرَ بِصَدَقَة أوْ مَعْروف أوْ إصْلاح بَيْنَ النَّاسِ )[32].

( وَما كانَ رَبُّكَ لَيهْلِكَ القُرى بِظُلْم وَأهْلها مُصْلِحونَ )[33].

20 _ الدعوة إلى الحياة الطيّبة :

( يا أ يُّها الذَّينَ آمَنوا اسْتَجيبوا للهِ وَلِلْرَّسولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ )[34].

21 _ الدعوة إلى الوحدة وبثّ روح التآخي في المجتمع :

( وَإنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ )[35].

( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نوحاً وَالَّذي أوْحَيْنا إلَيْكَ وَما وَصَّيْنا

بِهِ إبْراهيمَ وَموسى وَعيسى أنْ أقيموا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقوا فيهِ كَبُرَ عَلى المُشْرِكينَ ما تَدْعوهُمْ إلَيْهِ اللهُ يَجْتَبي إلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدي إلَيْهِ مَنْ يُنيبُ )[36].

( إنَّما المُؤْمِنونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحوا بَيْنَ أ خَوَيْكُمْ وَاتَّقوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمونَ )[37].

( وَاعْتَصِموا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا )[38].

22 _ الدعوة إلى النهضة والثورة في وجه الطغاة وقتال الكافرين ومجابهة الجبابرة والمستكبرين :

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا ما لَكُمْ إذا قيلَ لَكُمُ انْفِروا في سَبيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرْضِ أرَضيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلاّ قَليلٌ )[39].

( انْفِروا خِفافاً وَثِقالا وَجاهِدوا بِأمْوالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ في سِبيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمونَ )[40].

( وَإنْ نَكَثوا أيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنوا في دينِكُمْ فَقاتِلوا أئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهونَ )[41].

( قاتِلوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأيْديكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدورَ قَوْم مُؤْمِنينَ )[42].

( وَأعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ )[43].

( وَقاتِلوهُمْ حَتَّى لا تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينَ كُلُّهُ للهِ )[44].

( وَتاللهِ لأكيدَنَّ أصْنامَكُمْ بَعْدَ أنْ تُوَلُّونَ )[45].

( إذْهَبا إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى )[46].

( قَدْ كانَتْ لَكُمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبْراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إذْ قالوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بَراءٌ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدونَ مِنْ دونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أبَداً )[47].

23 _ الدعوة إلى السلام :

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا ادْخُلوا في السِّلْمِ كافَّة )[48].

( وَإنْ جَنَحوا لَلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها )[49].

(وَلا تَقولوا لِمَنْ ألقى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً )[50].

( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )[51].

24 _ الدعوة إلى إقامة حدود الله وقوانين الشريعة :

( تِلْكَ حُدودُ اللهِ فَلا تَعْتَدوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدودَ اللهِ فَاُولئِكَ

هُمُ الظَّالِمونَ )[52].

وآيات الأحكام تقرب من خمسمائة آية ، جاءت في الكتب المؤلّفة في فقه القرآن وآيات الأحكام ، فراجع.

25 _ الدعوة إلى الاقتصاد وتشغيل عجلته :

( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ في الأرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فيها مَعايِشَ )[53].

( وَالأرْضَ مَدَدْناها وَألْقَيْنا فيها رَواسِيَ وَأنْبَتْنا فيها مِنْ كُلِّ شَيْء مَوْزون وَجَعَلْنا لَكُمْ فيها مَعايِشَ )[54].

( هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلولا فَامْشوا في مَناكِبِها وَكُلوا مِنْ رِزْقِهِ )[55].

26 _ ولا يركن إلى الظالمين والضالّين :

( وَما كُنْتُ مُتَّخِذِ المُضِلِّينَ عَضُداً )[56].

( وَلا تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دونِ اللهِ مِنْ أوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرونَ )[57].

27 _ بل يتواضع للحقّ وللمؤمنين :

( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ )[58].

28 _ ويبيّن الحقائق للناس ولا يكتم عليهم ذلك :

( لتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمونَهُ )[59].

29 _ وطرد اليأس من المجتمع وبثّ روح الأمل :

( قالَ موسى لِقَوْمِهِ اسْتَعينوا بِاللهِ وَاصْبِروا إنَّ الأرْضَ لله يورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ قالوا اُوذينا مِنْ قَبْل أنْ تَأتينا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أنْ يهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفُكُمْ في الأرْضِ فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلونَ )[60].

( وَلا تَيْأسوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إنَّهُ لا يَيْأسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إلاّ القَوْمُ الكافِرونَ )[61].

( قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إلاّ الضَّالُّونَ )[62].

30 _ مكافحة وعّاظ السلاطين :

( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ اُوتوا نَصيباً مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغوتِ وَيقولونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤلاءِ أهْدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا اُولئِكَ الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيراً )[63].

31 _ وإنّه يرى بنور الله في إقامة حكم الله ورفض ما لم يكن منه كالعلمانية والقوانين الوضعيّة :

( إنَّا نَزَّلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ

بَيْنَ النَّاسِ بِما أراكَ اللهُ )[64].

( وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أحَداً )[65].

( فَالحُكْمُ للهِ العَلِيِّ الكَبيرِ )[66].

32 _ فبيعته بيعة الله :

( إنّ الَّذينَ يُبايَعونَكَ إنَّما يُبايِعونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْديهمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتيهِ أجْراً عَظيماً )[67].

33 _ فإنّه يبلّغ عن الله :

( يا أ يُّها الرَّسول بَلِّغْ ما اُ نْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ )[68].

( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَريعَة مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَ الَّذينَ لا يَعْلَمونَ )[69].

( وَقُلْ إنِّي أنا النَّذيرُ المُبينُ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرْ وَأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكينَ )[70].

( أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْم يوقِنونَ )[71].

34 _ فيرفض الحكومات اللادينية ويعرف من أين يكون الفساد وسياسة فرّق تسد :

( وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ اُمَّة رَسولا أنِ اعْبُدوا اللهَ وَاجْتَنِبوا الطَّاغوتَ )[72].

( الَّذينَ آمَنوا يُقاتِلونَ في سِبيلِ اللهِ وَالَّذينَ كَفَروا يُقاتِلونَ في سِبيلِ الطَّاغوتِ فَقاتِلوا أوْلِياءَ الشَّيْطانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعيفاً )[73].

( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ يَزْعَمونَ أ نَّهُمْ آمَنوا بِما اُنْزِلَ إلَيْكَ وَما اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ يَتَحاكَموا إلى الطَّاغوتِ وَقَدْ اُمِروا أنْ يَكْفُروا بِهِ )[74].

( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ اُوتوا نَصيباً مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغوتِ وَيَقولونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤِلاءِ أهْدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلا )[75].

( إنَّ المُلوكَ إذا دَخَلوا قَرْيَةً أفْسَدوها وَجَعَلوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً )[76].

( ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعاد ... وَثَمودَ الَّذينَ جابوا الصَّخْرَ بِالوادِ وَفِرْعَوْنَ ذي الأوْتادِ الَّذينَ طَغَوْا في البِلادِ فَأكْثَروا فيها الفَسادَ )[77].

( إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحْ أبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيي نِساءَهُمْ إنَّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدينَ

)[78].

35 _ ويحكم بين الناس بالحقّ والعدل :

( يا داوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَليفَةً في الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوى فَيُضِلّكَ عَنْ سَبيلِ الله )[79].

( وَإنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ )[80].

( وَأنِ احْكُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أنْ يَفْتِنوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللهُ إلَيْكَ )[81].

( إنَّ اللهَ يَأمُرْكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهْلِها وَإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنْ تَحْكُموا بِالعَدْلِ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ )[82].

36 _ ولا يدافع عن المجرمين والفاسقين ولا يعتمد عليهم في إدارة البلاد :

( قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أكونَ ظَهيراً لِلْمُجْرِمينَ )[83].

( إنَّهُمْ لَنْ يُغْنوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإنَّ الظَّالِمينَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْض وَاللهُ وَليُّ المُتَّقينَ )[84].

( وَإذِ ابْتَلى ابْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدي الظَّالِمينَ )[85].

( وَما كُنْتُ مُتَّخِذ المُضِلِّينَ عَضُداً )[86].

( وَقالَ موسى لأخيهِ هارونَ اخْلُفْني في قَوْمي وَأصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الُمفْسِدينَ )[87].

37 _ ويعدّ العدّة لمجابهة المحاربين أعداء الله :

( وَأعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ )[88].

( إنّ الله يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلونَ في سَبيلِهِ صَفَّاً كَأ نَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصوصٌ )[89].

( ذلِكَ بِأ نَّهُمْ لا يُصيبَهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ في سَبيلِ اللهِ وَلا يَطَأونَ مَوْطِئاً يَغيظُ الكُفَّار وَلا يَنالونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجْرَ الُمحْسِنينَ * وَلا يُنْفِقونَ نَفَقَةً صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً وَلا يَقْطَعونَ وادِياً إلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللهَ أحْسَنَ ما كانوا يَعْمَلونَ * ... يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا قاتِلوا الَّذينَ يَلونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدوا

فيكُمْ غَلْظَةً وَاعْلَموا أنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقينَ )[90].

( وَكَأيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أصابَهُمْ في سَبيلِ اللهِ وَما ضَعفوا وَما اسْتَكانوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرينَ )[91].

38 _ ويقترب من الناس ولا يحتجب عنهم ويفِ بعهوده أمام الجماهير :

( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ )[92].

( نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقولونَ وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّار فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعيد )[93].

( وَالَّذينَ هُمْ لأماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعونَ )[94].

( وَلَقَدْ كانوا عاهَدوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأ دْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤولا )[95].

39 _ ويطبّق حكم المساواة أمام القانون :

( يا أ يُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَر وَاُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ إنَّ اللهَ عَليمٌ خَبيرٌ )[96].

( قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالوا إلى كَلِمَة سَواء بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ألاّ نَعْبُدَ إلاّ اللهَ )[97].

40 _ ومن سياسته الخارجية تركيز المثل الإنسانية والدعوة إليها :

( إلاّ الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكينَ ثُمَّ لَمْ ينْقُصوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِروا عَلَيْكُمْ أحَداً فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ )[98].

( لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقاتِلوكُمْ في الدِّينِ وَلَمْ يَخْرِجوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ لَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَقْسُطوا إلَيْهِمْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ )[99].

41 _ ومن سياسته الداخلية نفي الدكتاتورية وتحكيم الشورى ومراعاة شؤون الجمهور :

( وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ )[100].

( وَإذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمَ وَلَبِئْسَ المِهادِ )[101].

( فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ )[102].

( وَمِنْهُمْ الَّذينَ يُؤْذونَ النَّبِيَّ وَيَقولونَ هُوَ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ خَيْر لَكُمْ

يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ )[103].

(

ما أفاءَ اللهُ عَلى رَسولِهِ مِنْ أهْلِ القُرى فَللّهِ وَلِلرَّسولِ وَلِذي القُرْبى وَاليَتامى وَالمَساكين وَابْنِ السَّبيلِ كَيْ لا يَكونَ دولَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ )[104].

( وَالَّذينَ يَكْنِزونَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقونَها في سِبيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أليم )[105].

( خُذْ مِنْ أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرْهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ )[106].

( وَلا تَبْخَسوا النَّاسَ أشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدينَ )[107].

( وَلا تَبْغِ الفَسادَ في الأرْضِ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدينَ )[108].

( إنَّما المُؤْمِنونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ وَاتَّقوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمونَ )[109].

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا إذا نودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ وَذَروا البَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ )[110].

( رَبَّنا وَابْعَثْ فيهِمْ رَسولا مِنْهِمْ يَتْلوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمْهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أنْتَ العَزيزُ الحَكيمُ )[111].

هذه بعض المؤشّرات الأوّليّة ، والمعالم الأساسية ، لأهمّ وظائف القائد الإسلامي ، يمكن أن يستخرج منها مسؤوليات اُخرى ، فيرجى الانتباه والتدبّر ، فارجع البصر كرّةً اُخرى ، فهل ترى من شيء جديد ؟ !.

---

[1]الأنبياء : 25 . الأحقاف : 21.

[2]الأحزاب : 45 _ 46.

[3]هود : 25.

[4]النحل : 36.

[5]الحديد : 25.

[6]الشورى : 15.

[7]فصّلت : 14 . الأحقاف : 21 . الأعراف : 65 . الشعراء : 123.

[8]الشعراء : 177.

[9]الشعراء : 127 . الشعراء : 142.

[10]الشعراء : 191.

[11]العنكبوت : 36 _ 37.

[12]هود : 83 _ 86 .

[13]الأعراف : 85 .

[14]الأعراف : 87 .

[15]هود : 56.

[16]هود : 61 . النحل : 46.

[17]آل عمران : 79.

[18]سبأ : 28.

[19]الطلاق : 11 . إبراهيم : 4 _ 5.

[20]الأعراف : 157.

[21]آل عمران : 64.

[22]الجمعة : 2 . البقرة : 129

. آل عمران : 164.

[23]المائدة : 49.

[24]النساء : 113.

[25]المزّمّل : 15.

[26]الأنبياء : 73 . ابراهيم : 40.

[27]الأعراف : 62.

[28]النساء : 75.

[29]الكهف : 28.

[30]هود : 88 .

[31]الأعراف : 142.

[32]النساء : 114.

[33]هود : 117.

[34]الأنفال : 24.

[35]الأنعام : 153.

[36]الشورى : 13.

[37]الحجرات : 1.

[38]آل عمران : 103.

[39]التوبة : 38 _ 41.

[40]التوبة : 41.

[41]التوبة : 13.

[42]التوبة : 14.

[43]الأنفال : 60.

[44]الأنفال : 39.

[45]الأنبياء : 57.

[46]طه : 43.

[47]الممتحنة : 4.

[48]البقرة : 208.

[49]الأنفال : 61.

[50]النساء : 94.

[51]النساء : 128.

[52]البقرة : 229.

[53]الأعراف : 9.

[54]الحجر : 19 _ 20.

[55]الملك : 15.

[56]الكهف : 51.

[57]هود : 113.

[58]الشعراء : 215.

[59]آل عمران : 187.

[60]الأعراف : 128 _ 129.

[61]يوسف : 87 .

[62]الحجر : 56.

[63]النساء : 51 _ 52.

[64]النساء : 105.

[65]الكهف : 26.

[66]غافر : 12.

[67]الفتح : 10.

[68]المائدة : 67.

[69]الجاثية : 18.

[70]الحجر : 89 .

[71]المائدة : 50.

[72]النحل : 36.

[73]النساء : 76.

[74]النساء : 60.

[75]النساء : 51.

[76]النمل : 34.

[77]الفجر : 6 ، 9 _ 12.

[78]القصص : 4.

[79]ص : 26.

[80]المائدة : 22.

[81]المائدة : 49.

[82]النساء : 58.

[83]القصص : 17.

[84]الجاثية : 19.

[85]البقرة : 124.

[86]الكهف : 51.

[87]الشورى : 15.

[88]الأنفال : 60.

[89]الصفّ : 4.

[90]التوبة : 119 _ 123.

[91]آل عمران : 146.

[92]الشعراء : 215.

[93]ق : 25.

[94]؟؟؟؟؟.

[95]الأحزاب : 15.

[96]الحجرات : 13.

[97]آل عمران : 64.

[98]التوبة : 4.

[99]الممتحنة : 8 .

[100]آل عمران : 159.

[101]البقرة : 206.

[102]آل عمران : 159.

[103]التوبة : 61.

[104]الحشر : 7.

[105]التوبة : 34.

[106]التوبة : 103.

[107]الشعراء : 183.

[108]القصص : 77.

[109]الحجرات : 10.

[110]الجمعة : 3.

[111]البقرة : 129.

الفصل الثالث: الأنبياء وأصناف الناس أو عمل الاُمّة مع القائد

( فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ )[1].

1 _ ومن الناس من يتّبع الشيطان :

( تَاللهِ لَقَدْ أرْسَلْنا إلى اُمَم مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أليمٌ )[2].

2 _ فمنهم من يستهزئ بالأنبياء والرسل ، وفي زمن الغيبة بالعلماء

والقادة لوحدة الملاك :

( وَلَقَدِ اسْتُهْزئ بِرُسُل مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذينَ سَخروا مِنْهُمْ ما كانوا بِهِ يَسْتَهْزِؤون )[3].

( يا حَسْرَةً عَلى العِبادِ ما يَأتيهمْ مِنْ رَسول إلاّ كانوا بِهِ يَسْتَهْزِؤونَ )[4].

3 _ مسؤوليّة الأنبياء ومجادلة الناس بالباطل :

( وَما نُرْسِلُ المُرْسَلينَ إلاّ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ وَيُجادِلُ الَّذينَ كَفَروا بِالباطِلِ لَيدْحَضوا بِهِ الحَقَّ وَاتَّخَذوا آياتي وَما اُنْذِروا هُزُواً )[5].

4 _ تكذيب الناس وصبر الأنبياء ونصرهم :

( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَروا عَلى ما كُذِبوا وَاُوذوا حَتَّى أتاهُمْ نَصْرُنا )[6].

( وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبوهُ )[7].

( وإنْ يُكَذِّبوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمَ نوح وَعاد وَثَمود )[8].

( وَكُذِّبَ موسى )[9].

( إنْ كُلٌّ إلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقاب )[10].

( وَلَقَدْ كَذَّبَ أصْحابُ الحِجْرِ المُرْسَلينَ )[11].

5 _ عدم إيمان الناس :

( لا يُؤْمِنونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلينَ )[12].

6 _ إعراض الناس ونتيجة ذلك :

( وَآتَيْناهُمْ آياتنا فَكانوا عَنْها مُعْرِضينَ )[13].

( وَكانوا يَنْحتونَ مِنَ الجِبالِ بُيوتاً آمِنينَ فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحينَ فَما أغْنى عَنْهُمْ ما كانوا يَكْسِبونَ )[14].

7 _ عدم وفاء الناس مع الأنبياء ، وكذلك مع العلماء :

( وَأقْسَموا بِاللهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذيرٌ لَيَكونُنَّ أهْدى مِنْ إحْدى الاُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذيرٌ ما زادَهُمْ إلاّ نُفوراً )[15].

( اسْتِكْباراً في الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّءِ وَلا يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إلاّ بِأهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرونَ إلاّ سُنَّةَ الأوَّلينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْويلا )[16].

8 _ مخالفة أصحاب الثروة وإشاعاتهم ضدّ الأنبياء ، ومن ثمّ ضدّ العلماء والقائد الإسلامي :

( وَقالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذينَ كَفَروا وَكذَّبوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ وَأتْرَفْناهُمْ في الحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبونَ )[17].

( وَلَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ

إنَّكُمْ إذاً لَخاسِرونَ )[18].

( أيَعِدكُمْ أنَّكُمْ إذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً إنَّكُمْ مُخْرَجونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما توعَدونَ )[19].

( إنْ هِيَ إلاّ حَياتُنا الدُّنْيا نَموتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعوثينَ إنْ هُوَ إلاّ رَجُلٌ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنينَ )[20].

9 _ ومن أفعال بعض الناس أمام دعوة الأنبياء :

( إنَّ الَّذينَ يَكْفُرونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدونَ أنْ يُفَرِّقوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقولونَ نُؤْمِنُ بِبَعْض وَنَكْفُرُ بِبَعْض وَيُريدونَ أنْ يَتَّخِذوا بَيْنَ ذلِكَ سَبيلا )[21].

( وَالَّذينَ آمَنوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقوا بَيْنَ أحَد مِنْهُمْ اُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتيهِمْ اُجورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفوراً رَحيماً )[22].

10 _ إسراف الناس :

( وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالبَيِّناتِ ثُمَّ إنَّ كَثيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ في الأرْضِ لَمُسْرِفونَ )[23].

11 _ اتّهام الناس الرسل ومن ثمّ العلماء :

( قالوا إنَّا تَطَيَّرنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلََيمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أليمٌ )[24].

12 _ استكبار بعض الناس وتكذيبهم الرسل وقتلهم الأنبياء :

( أفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسولٌ بِما لا تَهْوى أنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَفَريقاً تَقْتُلونَ )[25].

13 _ عودة الناس إلى الله عند رؤية غضبه :

( فَلَمَّا رَأوْا بَأسَنا قالوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكينَ )[26].

14 _ ولكن لا ينفع الإيمان بعد رؤية الغضب والبأس :

( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمَّا رَأوْا بَأسَنا سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَدْ خَلَتْ في عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ )[27].

15 _ وأمّا منطق من يخالف الأنبياء ، ومن ثمّ العلماء والقائد الإسلامي :

( فَأمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَروا في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقالوا مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوَّةً )[28].

( وَأمَّا ثَمودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى فَأخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ العَذابِ الهونِ بِما كانوا يَكْسِبونَ )[29].

وهذا يعني ربما سبحانه ينعم على اُمّة وشعب بالهداية والتوفيق والسداد ، ولكنّ

الإنسان هو الذي يختار الضلال والعمى ، ومن سنّة الله أن يؤخذ بالعذاب مع الفضل والذلّة ، فاعتبروا يا اُولي الأبصار ويا شعوب واُمّة الإسلام.

( وَنَجَّيْنا الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ )[30].

الله الله في التقوى.

ومن منطق المخالفين أيضاً :

( وَكَذلِكَ ما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ في قَرْيَة مِنْ نَذير إلاّ قالَ مُتْرَفوها إنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى اُمَّة وَإنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدونَ )[31].

( وَقالَ أوَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالوا إنَّا بِما اُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرونَ )[32].

وأمّا منطق الأنبياء ضدّ إشاعة المخالفين ، التذكّر :

( كَذلِكَ ما أتى الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسول إلاّ قالوا ساحِرٌ أوْ مَجْنونٌ أتَواصَوا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أنْتَ بِمَلوم وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمِنينَ )[33].

16 _ عصيان المخالفين :

( وَكَأيِّنْ مِنْ قَرْيَة عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَديداً وَغَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً )[34].

17 _ إعتداء المخالفين :

( ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إلى قَوْمِهِمْ فَجاؤوهُمْ بِالبَيِّناتِ فَما كانوا لِيُؤْمِنوا بِما كَذَّبوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلوبِ المُعْتَدينَ )[35].

18 _ تولّي المخالفين وفسقهم :

( فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَاُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ )[36].

19 _ شكّ المخالفين وأذاهم ، ومنطق الأنبياء وصبرهم :

( ألَمْ يَأتِكُمْ نَبَأُ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْم نوح وَعاد وَثَمودَ وَالَّذينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إلاّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّناتِ فَرَدُّوا أيْديهُمْ في أفْواهِهِمْ وَقالوا إنَّا كَفَرْنا بِما اُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإنَّا لَفي شَكٍّ مِمَّا تَدْعونَنا إلَيْهِ مُريب )[37].

( قالَتْ رُسُلُهُمْ أفي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأرْضِ يَدْعوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنوبِكُمْ وَيُؤَخِّرُكُمْ إلى أجَل مُسَمَّىً قالوا إنْ أنْتُمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُريدونَ أنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأتونا بِسُلْطان مُبين قالَتْ لَهُمْ

رُسُلُهُمْ إنْ نَحْنُ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أنْ نَأتِيَكُمْ بِسُلْطان إلاّ بِإذْنِ اللهِ وَعَلى اللهِ فَلْيَتَوَكَلِّ المُؤْمِنونَ )[38].

( وَما لَنا لا نَتَوَكَّل عَلى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمونا وَعَلى اللهِ فَلْيَتَوَكَلِّ المُؤْمِنونَ )[39].

20 _ والمخالفون هم الجهلاء حقّاً :

( قالوا أجِئْتَنا لِتَأفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقينَ قالَ إنَّما العِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَاُبَلِّغُكُمْ ما اُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أراكُمْ قَوْماً تَجْهَلونَ )[40].

21 _ فمن منطق المخالفين وجواب الأنبياء :

( قالَ المَلأُ الَّذينَ اسْتَكْبَروا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أوْ لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أوَ لَوْ كُنَّا كارِهينَ قَدْ افْتَرَيْنا عَلى اللهِ كَذِباً إنْ عُدْنا في مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانا اللهُ مِنْها وَما يَكونُ لَنا أنْ نَعودَ فيها إلاّ أنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ كُلَّ شَيْء عِلْماً عَلى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالحَقِّ وَأنْتَ خَيْرُ الفاتِحينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْم كافِرينَ )[41].

فلا بدّ من التبليغ والنصيحة أوّلا ، ثمّ التولّي وهجر الناس عند عدم استجابتهم للحقّ ، لو كان ذلك من صلاحهم وتدبيرهم ولو إلى حين.

22 _ ومن منطق المخالفين وجواب الأنبياء :

( قالوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُك ما يَعبُدُ آباؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ في أمْوالِنا ما نَشاءُ إنَّكَ لأنْتَ الحَليمُ الرَّشيدُ قالَ يا قَوْمِ أرَأيْتُمْ إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي وِرَزَقَني مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما اُريدُ أنْ اُخالِفَكُمْ إلى ما أنْهاكُمْ عَنْهُ إنْ اُريدُ إلاّ الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفيقي إلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ اُنيبُ وَيا

قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقي أنْ يُصيبَكُمْ مِثْلُ ما أصابَ قَوْمَ نوح أوْ قَوْمَ هود أوْ قَوْمَ صالِح وَما قَوْمُ لوط مِنْكُمْ بِبَعيد وَاسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي رَحيمٌ وَدودٌ قالوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثيراً مِمَّا تَقولُ وَإنَّا لَنَراكَ فينا ضَعيفاً وَلَوْلا رَهْطَكَ لَرَجَمْناكَ وَما أنْتَ عَلَيْنا بِعَزيز قالَ يا قَوْمِ أرَهْطي أعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَا تَّخَذْتُموهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيَّاً إنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلونَ مُحيط وَيا قَوْمِ اعْمَلوا عَلى مَكانَتِكُمْ إنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمونَ مَنْ يَأتيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبوا إنِّي مَعَكُمْ رَقيبٌ )[42].

23 _ ومن منطقهم أيضاً :

( إنَّا لَنَراكَ في سَفاهَة وَإنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ )[43].

( إنَّا لَنَراكَ في سَفاهَة وَإنَّا لَنُظُنُّكَ مِنَ الكاذِبينَ قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسولٌ مِنْ رَبِّ العالَمينَ اُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأنا لَكُمْ ناصِحٌ أمينٌ أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُل فيكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُروا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نوحَ وَزادَكُمْ في الخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُروا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ )[44].

( قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أتُجادِلونَ في أسْماءَ سَمَّيْتُموها أنْتُمْ وَآباؤكُمْ ما أنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطان فَانْتَظِروا إنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرينَ )[45].

( فَأنْجَيْناهُ وَالَّذينَ مَعَهُ بِرَحْمَة مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَما كانوا مُؤْمِنينَ )[46].

( وَتِلْكَ عادٌ جَحَدوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعوا كُلَّ جَبَّار عَنيد )[47].

24 _ والذي لا يجيب دعوة الله ورسوله فهو في ضلال واضح :

( وَمَنْ لَمْ يُجِبْ داعيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِز في الأرْضِ وَلَيْسَ مِنْ دونِهِ أوْلِياءَ اُولئِكَ في ضَلال مُبين )[48].

25 _ وأمّا من آمن واتّقى وأصلح :

( يا بَني آدَمَ إمَّا يَأتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ

آياتي فَمَنِ اتَّقى وَأصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنونَ )[49] . في الدنيا والآخرة.

( وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأرْضِ وَلكِنْ كَذَّبوا فَأخَذْناهُمْ بِما كانوا يَكْسِبونَ )[50].

( أوَ لَمْ يَسيروا في الأرْضِ فَيَنْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانوا أشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزهُ مِنْ شَيْء في السَّماواتِ وَلا في الأرْضِ إنَّهُ كانَ عَليماً قَديراً )[51].

26 _ فمخالف الأنبياء لا يبالي حتّى بقتلهم ونشرهم بالمناشير :

( إنَّ الَّذينَ يَكْفُرونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلونَ الَّذينَ يَأمُرونَ بِالقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أليم )[52].

27 _ ومقصود المخالف أن يتّبع النبيّ أو العالم هواه وملّته ، وإلاّ فيهدّده بالنفي عن البلد وما شابه من السجن والتعذيب وغير ذلك :

( وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أرْضِنا أوْ لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمينَ ).

28 _ والله يأمره أن :

( لا تُطِعِ الكافِرينَ وَالمُنافِقينَ وَدَعْ أذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكيلا )[53].

29 _ ولكن من أجل تحطيم معنويات النبيّ يقولون :

( مالِ هذا الرَّسول يأكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشي في الأسْواقِ لَوْلا اُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكونَ مَعَهُ نَذيراً أوْ يُلْقى إلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكونَ لَهُ جَنَّةٌ يَأكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمونَ إنْ تَتَّبِعونَ إلاّ رَجُلا مَسْحوراً اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطيعونَ سَبيلا )[54].

( فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يوحى إلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أنْ يَقولوا لَوْلا اُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إنَّما أنْتَ نَذيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْء وَكيل )[55].

( أمْ يَقولونَ ا فْتَراهُ قُلْ إنِ ا فْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إجْرامي وَأنا بَريءٌ مِمَّا تُجْرِمونَ )[56].

( بَلْ قالوا أضْغاثُ أحْلام بَلِ افْتَراهُ بَلْ

هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأتِنا بِآيَة كَما اُرْسِلَ الأوَّلونَ )[57].

( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أ نَّهُمْ يَقولونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحِدونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبيٌّ مُبينٌ )[58].

( إذْ يَقولُ الظَّالِمونَ إنْ تَتَّبِعونَ إلاّ رَجُلا مَسْحوراً )[59].

( فَإنْ أعْرَضوا فَما أ رْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفيظاً إنْ عَلَيْكَ إلاّ البَلاغُ وَإنَّا إذا أذَقْنا الإ نْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيَهُمْ فَإنَّ الإ نْسانَ كَفورٌ )[60].

( فَإنْ تَوَلَّوا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ )[61].

( يا رَبٍّ إنَّ هؤلاءِ قَوْمِ لا يُؤْمِنونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمونَ )[62].

( وَإنْ كَذَّبوكَ فَقُلْ لي عَمَلي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أنْتُمْ بَريئونَ مِمَّا أعْمَلُ وَأنا بَريءٌ مِمَّا تَعْمَلونَ )[63].

( قُلْ يا أ يُّها النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِنْ ديني فلا أعْبُدُ الَّذي تَعْبُدونَ مِنْ دونِ اللهِ وَلكِنْ أعْبُدُ اللهَ الَّذي يَتَوَفَّاكُمْ وَاُمِرْتُ أنْ أكونَ مِنَ المُؤْمِنينَ )[64].

( فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا وَلَّوْا مُدْبِرينَ )[65].

( وَما أنْتَ بِهادِ العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمونَ )[66].

( وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ اليَهودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدى اللهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصير )[67].

( وَالَّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَفْرَحونَ بِما اُنْزِلَ إلَيْكَ وَمِنَ الأحْزابِ مَنْ يُنْكِرْ بَعْضَهُ قُلْ إنَّما اُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللهَ وَلا اُشْرِكُ بِهِ إلَيْهِ أدْعو وَإلَيْهِ مَآب )[68].

( إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَة وَأجْر كَريم )[69].

( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنونَ )[70].

( وَلَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إنَّكُمْ إذاً

لَخاسِرونَ أيَعِدُكُمْ إذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً إنَّكُمْ مُخْرَجونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما توعَدونَ إنْ هِيَ إلاّ حَياتُنا الدُّنْيا نَموتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعوثينَ إنْ هُوَ إلاّ رَجُلٌ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنينَ )[71].

وهناك آيات كثيرة في هذا الباب لم نذكرها طلباً للاختصار.

30 _ وأمّا معاملة النبيّ ومن يرثه مع الناس فاللين والعفو ومشاورتهم في الأمر :

( فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَليظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ )[72].

( إنَّا نَزَّلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنينَ خَصيماً )[73].

31 _ ويتلو عليهم القرآن الكريم :

( وَأنْ أتْلو القُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإنَّما يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إنَّما أنا مِنَ المُنْذِرينَ )[74].

( وَقُلِ الحَمْدُ للهِ سَيُرِيَكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفونَها وَما رَبُّكَ بِغافِل عَمَّا تَعْمَلونَ )[75].

32 _ ويدعو إلى الله ويكون كالسراج المحترق من أجل إضاءة المجتمع :

( وَداعِياً إلى اللهِ بِإذْنِهِ وَسِراجاً مُنيراً )[76].

( وَبَشِّرِ المُؤْمِنينَ بِأنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضلا كَبيراً )[77].

33 _ وإنّما يتواضع للمؤمنين :

( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ )[78].

34 _ وعلى المؤمنين الإطاعة المحضة :

( وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إذا قَضى اللهُ وَرَسولُهُ أمْراً أنْ يَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبيناً )[79].

35 _ وأنّ بيعة الأنبياء إنّما هي بيعة الله ، والعلماء ورثة الأنبياء :

( إنَّ الَّذينَ يُبايِعونَكَ إنَّما يُبايِعونَ اللهَ )[80].

36 _ وأنّ الأنبياء ومن يحذو حذوهم حريصون على الاُمّة :

( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنينَ رَؤوفٌ رَحيمٌ )[81].

37 _ وإنّهم يصبرون لحكم الله ويكونوا مع المؤمنين

:

( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدْعونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ وَالعَشيِّ يُريدونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنْيا )[82].

38 _ وإن كان أكثر الناس لا يعقلون ولا يؤمنون :

( أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعونَ أوْ يَعْقِلونَ إنْ هُمْ إلاّ كَالأنْعامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبيلا )[83].

( وَما أكْثَرُ النَّاسِ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنينَ )[84].

39 _ فإنّهم من المستكبرين :

( إنَّهُمْ كانوا إذا قيلَ لَهُمْ لا إلهَ إلاّ الله يَسْتَكْبِرونَ )[85].

( فَأمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَروا في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقالوا مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أوَ لَمْ يَرَوْا أنَّ اللهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )[86].

40 _ وعجيب أمر الناس فإنّ :

( مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزوكَ في الصَّدَقاتِ فَإنْ اُعْطوا مِنْها رَضوا وَإنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْها إذا هُمْ يَسْخَطونَ )[87].

41 _ ثمّ بعضهم يجرحون مشاعر قادتهم ، على أ نّهم _ القيادة _ إنّما تسمع لحواشيهم وأطرافهم :

( وَمِنْهُمْ الَّذينَ يُؤْذونَ النَّبِيَّ وَيَقولونَ هُوُ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ خَيْر لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنين وَرَحْمَةً لِلَّذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَالَّذينَ يُؤْذونَ رَسولَ اللهَ لَهُمْ عَذابٌ أليمٌ )[88].

( إنَّ الَّذينَ يُؤْذونَ اللهَ وَرَسولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهيناً )[89].

42 _ فالأنبياء ومن يرثهم في علومهم إنّما سدّد الله خطاهم وثبّتهم على الحقّ وإلاّ :

( لَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَليلا )[90].

43 _ فعلى الاُمّة مراعاة الآداب مع قيادتها الدينية :

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تُقَدِّموا بَيْنَ يَدَي اللهِ وَرَسولِهِ وَاتَّقوا اللهَ إنَّ اللهَ سَميعٌ عَليمٌ )[91].

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَرْفَعوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَروا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أنْ تَحْبَطَ أعْمالَكُمْ وَأنْتُمْ لا تَشْعُرونَ إنَّ الَّذينَ يَغُضّونَ

أصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسولِ اللهِ اُولئِكَ الَّذينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُمْ لِلْتَقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأجْرٌ عَظيمٌ إنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِنْ وَراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلونَ وَلَوْ أ نَّهُمْ صَبَروا حَتَّى تَخْرُج إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفورٌ رَحيمٌ )[92].

44 _ وعليهم تحمّل الأذى والمصائب من أجل مبادئهم وعقيدتهم :

( لَتُبْلَوُنَّ في أمْوالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذينَ أ شْرَكوا أذىً كَثيراً وَإنْ تَصْبِروا وَتَتَّقوا فَإنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمورِ )[93].

( فَالَّذينَ هاجَروا وَاُخْرِجوا مِنْ دِياررهِمْ وَاُوذوا في سَبيلي وَقاتَلوا وَقُتِلوا لاُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلاُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ )[94].

(

قُتِلَ أصْحابُ الاُخْدودِ النَّارِ ذات الوُقودِ إذْ هُمْ عَلَيْها قُعودٌ وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلونَ بِالمُؤْمِنينَ شُهودٌ وَما نَقموا مِنْهُمْ إلاّ أنْ يُؤْمِنوا بِاللهِ العَزيزِ الحَميدِ )[95].

( وَالَّذينَ هاجَروا في اللهِ بَعْدَ ما ظُلِموا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ في الدُّنْيا حَسَنَةً وَلأجْرُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانوا يَعْلَمونَ )[96].

( الَّذينَ صَبَروا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلونَ )[97].

( إنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ آمَنوا )[98].

( اُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأ نَّهُمْ ظُلِموا وَأنّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَديرٌ )[99].

( الَّذينَ اُخْرِجوا مِن دَيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلاّ أنْ يَقولوا رَبُّنا اللهُ )[100].

( وَالَّذينَ هاجَروا في سَبيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلوا أوْ ماتوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ )[101].

45 _ وأخيراً ، انتظار اليوم الموعود ، يوم الخلاص وحكومة الله على الأرض في دولة الإمام المهدي المنتظر القائم من آل محمّد (عليهم السلام) :

( وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحونَ )[102].

( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوَّاً في الأرْضِ وَلا فَساداً وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ )[103].

( قَدْ جِئناكَ بِآيَة مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى

)[104].

---

[1]النساء : 55.

[2]النحل : 63.

[3]الأنعام : 10.

[4]يس : 30 . الرعد : 32 . الأنبياء : 41 . الأحقاف : 26 . الزخرف : 46 . الحجر : 11 . الأنبياء : 36 . الفرقان : 41 . الأحقاف : 26 . المائدة : 57.

[5]الكهف : 56 . النحل : 44.

[6]الأنعام : 34.

[7]النحل : 113.

[8]الحجّ : 42.

[9]الحجّ : 44.

[10]ص : 14.

[11]الحجر : 80 .

[12]الحجر : 13.

[13]الحجر : 81 .

[14]الحجر : 84 .

[15]المائدة : 53.

[16]الفاطر : 43.

[17]المؤمنون : 33.

[18]المؤمنون : 34.

[19]المؤمن : 36.

[20]المؤمنون : 37.

[21]النساء : 150.

[22]النساء : 152.

[23]المائدة : 32.

[24]يس : 18.

[25]البقرة : 87 .

[26]المؤمن : 84 .

[27]المؤمن : 85 .

[28]فصّلت : 15.

[29]فصّلت : 17.

[30]فصّلت : 18.

[31]الزخرف : 23.

[32]الزخرف : 24.

[33]الذاريات : 25 _ 55.

[34]الطلاق : 8 . الجنّ : 23.

[35]يونس : 74.

[36]آل عمران : 82 .

[37]إبراهيم : 9.

[38]ابراهيم : 10 _ 11.

[39]إبراهيم : 12.

[40]الأحقاف : 23.

[41]الأعراف : 93.

[42]هود : 93.

[43]الأعراف : 66.

[44]الأعراف : 66 _ 69.

[45]الأعراف : 71.

[46]الأعراف : 72.

[47]هود : 59.

[48]الأحقاف : 32.

[49]الأعراف : 35.

[50]الأعراف : 96.

[51]فاطر : 44.

[52]آل عمران : 21 . العنكبوت : 27.

[53]الأحزاب : 48.

[54]الفرقان : 7 _ 9.

[55]هود : 12.

[56]هود : 35.

[57]الأنبياء : 5.

[58]النحل : 103.

[59]الإسراء : 47.

[60]الشورى : 48.

[61]التوبة : 129.

[62]الزخرف : 88 _ 89 .

[63]يونس : 41.

[64]يونس : 104.

[65]الروم : 52.

[66]الروم : 53.

[67]البقرة : 120.

[68]الرعد : 36.

[69]يس : 11.

[70]يس : 76 . الإسراء : 90 _ 96.

[71]المؤمنون : 34 _ 38 . القصص : 19 . طه : 63 _ 64 _ 71 _ 72 . المؤمن : 26 ، 35 . المؤمنون : 24 . الشعراء : 116 . هود : 27.

[72]آل عمران : 159.

[73]النساء :

105.

[74]النمل : 92.

[75]النمل : 93.

[76]الأحزاب : 46.

[77]الأحزاب : 47.

[78]الشعراء : 215.

[79]الأحزاب : 36.

[80]الفتح : 10.

[81]التوبة : 128.

[82]الكهف : 28.

[83]الفرقان : 44.

[84]يوسف : 102.

[85]الصافّات : 35.

[86]فصّلت : 15.

[87]التوبة : 58.

[88]التوبة : 61.

[89]وقد قال الرسول الأكرم : من آذى فاطمة فقد آذاني ، وكلّ من يؤذي رسول الله فعليه لعنة الله في الدنيا والآخرة بنصّ الآية الشريفة ، ومن لعنه الله لن تجد له نصيراً كما في الآية الشريفة ، وهذا يعني أن نخالف ونرفض ولا ننصر من لعنه الله حتّى ولو كان مثلا فلان وفلان ، وبمثل هذا نقول برجحان لعن من آذى فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) . ولقد ذكرت تفصيل ذلك في كتاب « اللعن والتبرّي على ضوء القرآن والسنّة » ، فراجع.

[90]الإسراء : 74.

[91]الحجرات : 1.

[92]الحجرات : 2 _ 5 . الأحزاب : 53 . النور : 63.

[93]آل عمران : 186.

[94]آل عمران : 195.

[95]البروج : 4 _ 8 .

[96]النحل : 41.

[97]النحل : 42.

[98]الحجّ : 28.

[99]الحجّ : 39.

[100]الحجّ : 40.

[101]الحجّ : 58.

[102]الأنبياء : 105.

[103]القصص : 83 .

[104]طه : 48.

الخاتمة

العلماء ورثة الأنبياء ، كيف ولماذا ؟[1]

عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال :

« من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة ، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً به ، وإنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر »[2].

المقصود من إيراد

هذا الخبر الشريف أن نسلّط الأضواء على الفقرة الأخيرة من قوله (عليه السلام) : « العلماء ورثة الأنبياء » ، فإنّ كلام الإمام إمام الكلام ، فيه نور ، وله أشعّة وهّاجة ، وتحمل بطوناً من المعاني السامية كالقرآن الكريم ، إذ العترة الطاهرة الثقل الثاني وعدل القرآن الكريم ، الذي خلّفه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، لا سيّما والحديث حديثه.

فلا يخفى أنّ الوراثة _ وراثة العلماء للأنبياء _ لها أبعاد مختلفة وجوانب عديدة

نذكر بعضها على نحو الإجمال والإشارة ، ليكون معالم رئيسيّة ، لمن أراد السير العميق في طريق هذا الخبر الشريف ، وفوق كلّ ذي علم عليم.

من أبعاد الوراثة :

الوراثة الماليّة :

العلماء لا يرثون الأنبياء في أموالهم ، إنّما يرث النبيّ من كان من أرحامه ، يرثه على كتاب الله ، كما ورث سليمان داود ويوسف يعقوب ، فالعالم لا يرث النبي في ماله ومناله الدنيوي بنصٍّ منه في قوله : « إنّ الأنبياء لم يورّثوا _ أي للعلماء لتناسب الحكم والموضوع _ « ديناراً ولا درهماً » ، وفي رواية اُخرى : الأصفر والأبيض ، كناية عن الذهب والفضّة ، أو الدينار الذهبي والدرهم الفضّي الذي كان في صدر الإسلام.

2 _ الوراثة العلميّة :

فإنّ العلماء يرثون الأنبياء في علومهم كما ورد في النصّ : « ولكن ورّثوا العلم » ، والمراد من العلم هو العلم النافع الذي ينفع من علمه ويضرّ من جهله ، أي علم الدين في اُصوله وفروعه وأخلاقه ( علم الفقه والعقائد والأخلاق ) ، كما ورد ذلك في الروايات الشريفة ، ففي قول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « إنّما العلم ثلاث : آيةٌ

محكمة ، وسنّة قائمة ، وفريضة عادلة ».

3 _ الوراثة الخُلقيّة :

فإنّ العالم يرث النبي في أخلاقه السامية وسلوكه الرفيع ، من التواضع وحبّ المساكين وحسن الخلق والحلم والصبر على المصائب والمتاعب وتحمّل المشاكل من أجل أداء الرسالة ، وكان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) خلقه القرآن ، وإنّه لعلى خُلق عظيم ،

فالعالم الرسالي لا بدّ أن يتّصف بفضائل الأخلاق ومكارم الصفات اُسوة بنبيّه ، فإنّه وريثه في أخلاقه الحسنة ، وإنّ الكلام إذا خرج من القلب الصالح المتّقي الخلوق دخل في القلوب ، وإذا خرج من اللسان فإنّه لا يتجاوز الآذان ، العالم لا بدّ أن يجسّد في وجوده _ باطناً وظاهراً _ أنوار النبوّة وتجلّيات الولاية.

4 _ الوراثة في الهداية وتبليغ الرسالة :

وتعليم الناس وتزكيتهم وإنذارهم وتبشيرهم ، ودعوتهم إلى عبادة الله والإخلاص في العمل والخوف من يوم المعاد كما كان يفعل الأنبياء في اُممهم ( وَجَعَلْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا )[3] ، ( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلى المُؤْمِنينَ إذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسولا مِنْ أنْفُسِهِمْ يَتْلو عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ )[4] ، ( فَإنَّما عَلَيْكَ البَلاغُ )[5] ، ( الَّذينَ يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أحَداً إلاّ اللهَ )[6] ، ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فَرْقَة طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرونَ )[7] ، فالنبيّ كان طبيباً دوّاراً يعالج أمراض الناس والمجتمع بكتابه الكريم : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ )[8] ، ( هُدىً لِلنَّاسِ )[9] ، ( هُدىً لُلْمُتَّقينَ )[10] ، فالعلماء وكذلك الحوزات العلمية لا يحقّ لهم أن يكتفوا

بتدريس الفقه ، فإنّ ذلك كتدريس الطبّ ، والمدرّس غير الطبيب

، فالعالم الفقيه من يدرّس الفقه ، وينزل إلى الساحة لتربية الناس وهدايتهم وتعليمهم وتزكيتهم ، ولازم تبليغ الرسالة كما هو واضح ، تحمّل كلّ الأذى والمصائب من جميع شرائح المجتمع ، فيداويهم بالتي هي أحسن « اُمرت بمداراة الناس » ، وكان الأنبياء ينشرون بالمناشير ، ويسحب البساط من تحت أقدام الأئمة ، ولكلّ نبيّ فرعون ، وإنّ الناس أعداء ما جهلوا ، وعلى العالم أن يراعي أحساسيس الناس ومشاعرهم ويداويهم بكلّ ودّ وإخلاص ، فإنّه الطبيب الدوّار ، يعالج المجتمع كلّ حسب حاله ومرضه ، وله حالات مع الجهّال ، فمنهم : ( إذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلاماً )[11] ، ومنهم : ( خُذِ العَفْوَ وَأمُرْ بِالمَعْروفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجاهِلينَ )[12] ، ومنهم : ( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما اُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ )[13] ، ومنهم : ( وَاصْبِرْ عَلى ما يَقولونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَميلا )[14].

5 _ الوراثة في الاصطفاء :

فإنّ الله يصطفي من بين خلقه الأنبياء والمرسلين ( وَاصْطَفى رَبُّكَ آدَمَ )وعصمهم بعصمة ذاتيّة من الذنوب والآثام والسهو والنسيان ، فكذلك الله يصطفي ويجتبي من خلقه العلماء ، إلاّ أ نّه عليهم أن يعتصموا بالتقوى وبالعصمة في الأفعال ، ويترّفعوا عن الذنوب والمعاصي والمكروهات ، وإلاّ يبتلون بعقوبات إلهية ، أدناها يسلب منهم حلاوة المناجاة _ كما ورد في الروايات الشريفة _ .

6 _ الوراثة في البركة :

فإنّ النبيّ مبارك في حياته الفردية والاجتماعية ، ومظهر لبركة الله كما قال روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) ( وَجَعَلَني مُبارَكاً )[15] ، فالأنبياء منشأ البركات ، والبركة الخير الكثير المستمرّ والمستقرّ _ كما في اللغة _ والعالم وريث الأنبياء في بركاتهم ،

فهو مبارك في حياته بقلمه وقدمه وبيانه ووجاهته ، إذ هو كالشمعة تحرق نفسها من أجل إضاءة المجتمع ، العالم لا بدّ أن يكون منشأ الخيرات والبركات في تأسيس وإدارة مشاريع دينية وثقافية وخيرية كبناء المدارس والمستشفيات الأهلية والجوامع والحسينيات ونشر المعارف الحقّة بكلّ أشكالها وغير ذلك.

7 _ الوراثة الجهادية :

إنّ لكلّ نبيّ عدوّاً ، فإنّ الله أرسله لهداية الناس وليقوموا بالقسط ، ومن ثمّ يحارب الطغاة وأتباع الشيطان وأولياءه الذين يوحي إليهم الشيطان ، فالنبيّ منذ بداية دعوته وحتّى رحلته إلى ربّه في جهاد ونضال مستمرّ ودؤوب ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا تثني عزيمته عداوة المستكبرين وعراقيلهم ، فكذلك العالم فإنّه في خندقين ، خندق الهداية هداية الناس إلى الصراط المستقيم ، وخندق الجهاد والنضال ومحاربة الجبابرة والطغاة ، ومن يريد أن يستعبد الناس ويستثمرهم ويلهيهم عن عبادة الله والتقرّب إليه ، وقد فضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ، العلماء كالأنبياء يجاهدون في سبيل الله أعداء الله وأعداء دينه.

8 _ الوراثة في ثقل العقوبة :

فإنّ النبيّ بتركه الأولى يخرج من الجنّة _ كآدم (عليه السلام) _ وتخرج النبوّة من صلبه _ كيوسف (عليه السلام) _ ويبكي وينوح طيلة حياته حتّى سمّي نوحاً . كذلك العلماء ، فإنّه تعالى يغفر للجاهل سبعين ذنباً ، قبل أن يغفر للعالم ذنباً واحداً ، وإذا كانت حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين _ كما ورد _ فكذلك حسنات الجهّال سيّئات العلماء ، وأدنى ما يصنع بالعالم المذنب أن يسلب منه حلاوة المناجاة ، وكم من عالم سلب منه نعمة العلم ، وخرج من زيّ العلماء ، حينما لم يعمل بعلمه ، وتخلّى عن مسؤولياته

الثقيلة من هداية الاُمّة وإرشاد الناس ، وعيش آلامهم وأحاسيسهم من قريب . وقد ورد في الخبر الشريف : العالم الذي لا يعمل بعلمه ، ويعصي ربّه ، يُبتلى بواحد من ثلاث : إمّا أن يموت شاباً ، أو يخدم السلطان _ كوعّاظ السلاطين _ أو يكون في الرساتيق.

9 _ الوراثة في الحكومة :

النبوّة رئاسة عامّة في الدين والدنيا بنصّ من الله سبحانه ، فالنبيّ قائد الناس في دينهم ودنياهم ، وإنّ الدين نظام يقود المجتمع إلى الخير والصلاح ، وإنّ الأرض سيرثها عباد الله الصالحون بنصّ من القرآن الكريم ، وإنّ الغلبة لله ولرسله ( لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي )[16] والعلماء هم الذين يخشون الله ( إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ )[17] والعلم يدعو إلى الصلاح ، كما أنّ الصلاح لازم العلم ، والعباد الصالحون الذين يرثون الأرض هم العلماء الصلحاء الأخيار ، فإنّهم قادة وهداة ، وبيدهم زمام الاُمور ، ومقاليد الحكم ، وسياسة البلاد ، وبإشرافهم إدارة الحكومات ، فإنّهم ورثة الأنبياء.

10 _ الوراثة في الطبقات :

قال الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه « التوحيد » : إنّ الأنبياء طبقات ، فمنهم من هو نبيّ نفسه ، ومنهم نبي اُسرته ، ومنهم نبيّ محلّته ، ومنهم نبيّ بلده ، ومنهم نبيّ العالم أجمع وهم اُولو العزم ، وأصحاب الرسالات العالمية في زمانهم ، وحتّى ختم النبوّة بمحمّد (صلى الله عليه وآله) فرسالته إلى الناس كافّة ، وإنّه رحمة للعالمين ، وحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

والعلماء ورثة الأنبياء ، فمنهم من يكون في مقام نجاة نفسه ، واُخرى : ( قوا أنْفُسَكُمْ وَأهْليكُمْ ناراً )[18] ، وثالثة

: يقود سياسة محلّته ، ويكون إمام جماعة المسجد فيحلّ مشاكل الناس ويعيش آلامهم ، واُخرى يسوق البلد إلى شاطئ السعادة والخير ، وربما تكون رسالته عالمية ، وينتفع من علمه المبارك كلّ العالم ، كمراجع التقليد _ جزاهم الله خيراً _ والعلم إنّما يقذفه الله في قلب من يشاء ، والقلوب أوعية خيرها أوعاها ، وعلى كلّ عالم إسلامي أن ينظر إلى أقصى القوم ، ويوسّع في تفكيره وعزمه ونشاطه وسياسته ، ويخطّط لكلّ الأجيال ، ويهتمّ باُمور كلّ المسلمين ، فإنّ من أصبح ولم يهتمّ باُمور المسلمين فليس بمسلم ، فكيف بالعلماء وهم القادة والرعاة.

هذا ومن افتخار العلماء الأعلام أ نّهم ورثوا كلّ الأنبياء ، حتّى قيل في حقّهم : « علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل » ، وفي رواية اُخرى : « أفضل من أنبياء

بني إسرائيل ».

كما عاصروا أربعة عشر معصوماً _ الرسول الأكرم وفاطمة الزهراء وأمير المؤمنين وأولادهم المعصومين الأحد عشر (عليهم السلام) _ إذ بين أيديهم كلمات أئمّتهم ، فكأ نّهم في عصرهم ومحافلهم يتلقّون العلم والأدب منهم ، وهذا يعني المعاصرة لهم ، فورثوهم في علومهم وأخلاقهم وكلامهم وجهادهم وبركاتهم وقدسيّاتهم وقيادتهم وسياستهم ، فإنّهم ساسة العباد وأركان البلاد.

هذا عرض موجز لبعض أبعاد الوراثة النبويّة ، وهناك العشرات ، كما يتفرّع من كلّ بُعد المئات ، وما اُوتيتم من العلم إلاّ قليلا.

ثمّ لا يخفى أنّ هذه الوراثة العظمى بأبعادها المختلفة لا تحصل لكلّ من حمل العلم ، بل لا تكون إلاّ بشرطها وشروطها ، كما ورد حقيقة ذلك في الآيات الكريمة والروايات الشريفة ، فإنّها تصنّف العلماء إلى صنفين أساسيّين : علماء الخير والصلاح ، وعلماء الشرّ والسوء ،

ولكلّ من الصنفين مواصفات خاصّة ، ومن أبرز الصفات للأوّل : الخشية من الله والورع والتقوى.

( إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفورٌ )[19].

( أوَ مَنْ كانَ مَيِّتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نوراً يَمْشي بِهِ في النَّاسِ )[20].

( يُؤْتي الحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتيَ خَيْراً كَثيراً وَما يَذَّكَّرُ إلاّ اُولو الألْبابِ )[21].

ولقد عرفنا _ ولو بنظرة سريعة _ كيف أنّ العلماء يرثون الأنبياء ، ولماذا

وما هي مسؤولياتهم.

فإنّهم شموع دروب الحياة ومشاعل طرق الأحرار ، والنبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)يصفهم ويمثّلهم بقوله : إنّ مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر ، فإذا انطمست أوشك أن تضلّ الهداة[22].

وعن الإمام العسكري (عليه السلام) : قال محمد بن علي الباقر (عليه السلام) : العالم كمن معه شمعة تضيء للناس ، فكلّ من أبصر شمعته دعا له بخير ، كذلك العالم مع شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة[23].

وما أكثر النصوص الدينية من الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تحثّ على طلب العلم وتذكر فضائل العالم ، فإنّ النبيّ الأكرم يقول : فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر[24] . وقال (صلى الله عليه وآله) : ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم.

( قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذينَ يَعْلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمونَ إنَّما يَتَذَكَّرُ اُولو الألْبابِ )[25].

يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : ركعتان من عالم خيرٌ من سبعين ركعة من جاهل ; لأنّ العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه ، وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً[26].

وقال (عليه السلام) لكميل بن زياد : يا كميل بن زياد ، إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّي ما

أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم ربّاني ، ومتعلّم على سبيل

نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله.

يا كميل ، معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الاُحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه.

يا كميل ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة[27].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً[28].

وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) : تفقّهوا في دين الله ، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة ، وتمام العبادة ، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا ، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملا[29].

( يَرْفَعِ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَالَّذينَ اُوتوا العِلْمَ دِرَجات وَاللهُ بِما تَعْمَلونَ خَبيرٌ )[30].

أجل ، من مثل هذه النصوص يعرف قيمة العلم النافع والعلماء الصلحاء ،

يكفيك أنّ النظر إلى وجه العالم عبادة ، ذلك العالم الذي يصدق قوله فعله وفعله قوله ، فإنّ رؤيته تذكّر الله ، وبها يتعبّد الإنسان ، ويمهّد الطريق للوصول إلى الله سبحانه ، وبذلك يكون النظر إليه عبادة ، كما لمن نظر إلى الكعبة المشرّفة التي تذكّر الإنسان بربّه.

يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه

وآله) : النظر إلى وجه العالم خيرٌ لك من عتق ألف رقبة[31].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من وقّر عالماً فقد وقّر ربّه[32].

وقال الإمام السجّاد (عليه السلام) في رسالته في الحقوق : أمّا حقّ سائسك بالعلم فالتعظيم له والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك ، فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرّغ له عقلك وتحضره فهمك ، وتزكّي له قلبك وتجلّي له بَصَرك بترك اللذات ونقص الشهوات[33].

وإذا كان لزيارة العلماء هذا الفضل والثواب ، فما للعالم نفسه من مقام شامخ عند الله سبحانه ، فإنّ العالم يتجلّى فيه أبرز صفة من صفات الله الذاتيّة ، التي ترجع إليه جميع الصفات ، وهو صفة العلم ، فزيارة العالم تعدّ من زيارة الله سبحانه ، والنبيّ الأكرم يقول : زيارة العلماء أحبّ إلى الله تعالى من سبعين طوافاً حول البيت ، وأفضل من سبعين حجّة وعمرة مبرورة مقبولة ، ورفع الله تعالى له سبعين درجة ، وأنزل الله عليه الرحمة ، وشهدت له الملائكة أنّ الجنّة وجبت له[34].

هذا لمن زاره ، وأمّا من جلس عنده ليتعلّم منه ، فقد قال النبيّ في حقّه :

ما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم إلاّ ناداه ربّه عزّ وجلّ : جلست إلى حبيبي ، وعزّتي وجلالي لاُسكننّك الجنّة معه ، ولا اُبالي[35].

وقال (صلى الله عليه وآله) : يا أبا ذرّ ، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم ، أحبّ إلى الله من قيام ألف ليلة ، يصلّي في كلّ ليلة ألف ركعة ، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحبّ إلى الله من ألف غزوة ، وقراءة القرآن كلّه[36].

وعلى من يجلس عند

العالم ، أن يراعي آداب الحضور ، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : إنّ من حقّ العالم أن لا يكثر عليه السؤال ، ولا تأخذ بثوبه ، وإذا دخلت عليه وعنده قوم ، فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينك ، ولا تشِر بيدك ، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان خلافاً لقوله ، ولا تضجَر بطول صحبته ، فإنّما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتّى يسقط عليك منها شيء[37].

وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه[38].

ثمّ بعد المجالسة فالمفروض هو الاتّباع ، فإنّ طاعته مكسبةٌ للحسنات ، ممحاة للسيّئات ، وذخيرهٌ للمؤمنين ورفعةٌ في حياتهم[39].

ومن المعلوم الذي لا ريب فيه ، أنّ هذه المقامات الجليلة والدرجات الرفيعة ، ليس لكلّ واحد من العلماء ، فإنّ فيهم من هو عين الفساد وجرثومة الضلال كعلماء السوء ووعّاظ سلاطين الجور ، واُولئك الذين لا يعملون بعلمهم.

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهَ أنْ تَقولوا ما لا تَفْعَلونَ )[40].

يقول الإمام الكاظم (عليه السلام) ، عن المسيح (عليه السلام) : بحقّ أقول لكم : إنّ الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، ورجلٌ أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله ، فشتّان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وويلٌ للعلماء بالقول[41].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : تعلّموا ما شئتم أن تعملوا

، فلن ينفعكم الله بالعلم حتّى تعملوا به[42].

وقال (عليه السلام) : فإن أردت العلم فاطلب أوّلا في نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله ، واستفهم الله يُفهّمك[43].

وفي الأحاديث الشريفة : آفة العلم ترك العمل به ، والعلم وحشي إن تركته

يمشي ، والعلم يهتف بالعمل فإن وجده بقي ، وإلاّ ارتحل.

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : نعوذ بالله من علم لا ينفع ، وهو العلم الذي يضادّ العمل بالإخلاص ، واعلم أنّ قليل العلم يحتاج إلى كثير العمل ، لأنّ علم ساعة يلزم صاحبه استعماله طول عمره[44].

وأمّا من لم يعمل بعلمه فإنّه لا يرى خير العلم وآثاره في حياته ، ولا بركاته في الآخرة ، بل كما قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : من ازداد في العلم رشداً ، فلم يزدد في الدنيا زهداً ، لم يزدد من الله إلاّ بعداً.

وقال : من ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلاّ بعداً.

وعن الإمام السجّاد (عليه السلام) : مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولمّا تعملوا بما علمتم ، فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً ، ولم يزدد من الله إلاّ بعداً[45].

وقال (صلى الله عليه وآله) : إنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإنّ أشدّ أهل النار ندامةً وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله فاستجاب له وقبل منه ، فأطاع الله فأدخله الجنّة ، وادخل الداعي النار بتركه علمه واتّباعه الهوى[46].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : أشدّ الناس عذاباً عالم لا ينتفع من علمه بشيء ، والعالم بلا عمل جاهل ، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام)

: كفى بالعالم جهلا أن ينافي علمه عمله.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : من لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم[47].

وقال الأمير (عليه السلام) : فإنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق ، بل الحجّة عليه أعظم ، والحسرة له ألزم ، وهو عند الله ألزم.

هذا من الآثار السيّئة لمن لم يعمل بعلمه ولم يزدد به رشداً وهدىً ، وذلك في عين الله سبحانه ، فإنّه لم يزدد إلاّ بعداً وكفراً ، وأمّا من آثار السوء لمن لم يعمل بعلمه عند الناس وفي أعينهم ، فإنّه يهان ويهون ، ولا يقدّر ولا يحترم ، بل تفرّ الناس منه ، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، قال : لو أنّ حَمَلة العلم حملوه بحقّه لأحبّهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكنّهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله ، وهانوا على الناس[48].

وهذا هو من أهمّ الأسباب في ابتعاد الناس عن أهل العلم ، وهناك أسباب اُخرى ترجع إلى الناس أنفسهم ، فإنّهم لشقاوتهم هجروا العلماء وتركوا العلم وأهله.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّما زهّد الناس في طلب العلم كثرة ما يرون من قلّة من عمل بما علم[49].

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : يا أبا ذرّ ، مثل الذي يدعو بغير عمل ، كمثل الذي يرمي بغير وتر.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه ، زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا[50].

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، قال : رأيت ليلة اُسري بي إلى السماء ، قوماً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار ، ثمّ تُرمى ، فقلت : يا جبرئيل ، من

هؤلاء ؟ فقال : خطباء اُمّتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون[51].

وقال (صلى الله عليه وآله) : مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به ، مثل السراج يضيء للناس ويحترق نفسه[52].

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : علمٌ بلا عمل ، كشجر بلا ثمر[53].

وقال (عليه السلام) : وانهوا غيركم عن المنكر وتناهوا عنه ، فإنّما اُمرتم بالنهي بعد التناهي[54].

ومثل هؤلاء العلماء _ علماء السوء _ لا بدّ من نصيحتهم أوّلا ، وإلاّ فقطيعتهم وإنكارهم ، وكشف القناع عن وجوههم المكفهرّة.

قال حارث بن المغيرة : لقيني أبو عبد الله (عليه السلام) في بعض طرق المدينة ليلا فقال لي : يا حارث ، فقلت : نعم . قال : أما ليُحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم ، ثمّ مضى ، قال الحارث : ثمّ أتيته فاستأذنت عليه فقلت : جعلت فداك ، لِمَ قلت : ليُحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم ، فقد دخلني من ذلك أمرٌ عظيم ! فقال لي : نعم ، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهونه _ ممّا يدخل به علينا الأذى والعيب عند الناس _ أن تأتوه فتؤنّبوه وتعظوه وتقولوا له قولا بليغاً ، فقلت له : إذا لا يقبل منّا ولا يطيعنا ، فقال : فإذاً فاهجروه عند ذلك ، واجتنبوا مجالسته[55].

أجل إذا أردت أن تعرف خطر علماء السوء على الاُمّة ، وأ نّهم ثعالب وسرّاق دين الله من الناس ، فاقرأ معي هذا الخبر المرويّ عن الإمام العسكري (عليه السلام) : قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : ومن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون و ... ؟ قال : العلماء إذا فسدوا[56].

وقيل للنبيّ (صلى

الله عليه وآله) : أيّ الناس شرّ ؟ قال : العلماء إذا فسدوا[57].

فالعالم العامل المخلص المتّقي هو الناجح الموفّق في حياته العلمية والعملية ، ومثل هذا يكون وريثاً للأنبياء ، وتشمله الرحمة الإلهية والنبويّة ، كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

« رحم الله خلفائي ، فقيل : يا رسول الله ، ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يحيون سنّتي ويعلّمونها عبادَ الله[58].

عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اللّهم ارحم خلفائي _ ثلاث مرّات _ قيل : يا رسول الله ، ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنّتي ، فيسلّمونها الناس من بعدي[59].

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ، الاُمناء على حلاله وحرامه[60].

وما أخطر اُولئك العلماء الذين دخلوا في سلك خدمة الدول الظالمة ، والحكومات الجائرة ، وارتزقوا من أموال الطغاة والظَلَمة.

اُنظر إلى ما يقوله الإمام السجّاد (عليه السلام) في كتابه المعروف إلى محمّد بن مسلم الزهري من فقهاء المدينة : ... فانظر أيّ رجل تكون غداً ، إذا وقفت بين يدي الله ... ولا تحسبنّ الله قابلا منك بالتعذير ، ولا راضياً منك بالتقصير ، هيهات ! هيهات ! ليس كذلك ، أخذ الله على العلماء في كتابه إذا قال : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمونَهُ )واعلم أنّ أدنى ما كتمت وأخفّ ما احتملت أن آنستَ وحشة الظالم ، وسهّلت له طريق الغيّ ، بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت ، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غداً مع الخونة ، أو أن تسأل عمّا

أخذت بإعانتك على ظلم الظَلَمة ، إنّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك ، ودنوت ممّن لم يَرّدّ على أحد حقّاً ، ولم تردّ باطلا حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله ، أوَ ليس بدعائه إيّاك _ حين دعاك _ جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلّماً إلى ضلالتهم ، داعياً إلى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ! ! يدخلون بك الشكّ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم ، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ولا أقوى أعوانهم ، ألا دون ما بلغتَ من إصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم ، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ؟ وما أيسر ما عمروا لك ، فكيف ما خرّبوا عليك ؟ فانظر لنفسك ! فإنّه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول ، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلَفٌ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأدْنى وَيَقولونَ سَيغْفرْ لَنا ) أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب ، اُنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت ، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ، أم هل تراهم ذكرت خيراً أهملوه ، وعلمت شيئاً جهلوه ، بل حظيت بما حلّ حالك في صدور العامّة ، وكلّفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعرفون بأمرك ، إن أحللت أحلّوا وإن حرّمت حرّموا ، وليس ذلك عندك ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ، وذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحبّ الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم.

أمّا بعد فأعرض عن كلّ ما أنت فيه !

حتّى تلحق بالصالحين ، الذين دفنوا في أسمائهم لاصقةً بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنّك ، ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ، الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه ، المدخول في عقله ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! على مَن المعوّل ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثّنا وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ...[61].

فمن المصائب العظمى دخول العالم في متاهات السلاطين والحكومات الجائرة.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظة ظالم ، ولا سغب مظلوم[62].

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : إيّاكم وأبواب السلطان وحواشيها ، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله تعالى ، ومن آثر السلطان على الله عزّ وجلّ أذهب الله عند الورع وجعله حيراناً.

وقال (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول الله ، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم[63].

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : اعتبروا أ يّها الناس بما وعظ الله به أولياءه ، من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول : ( لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبارُ عَنْ قَوْلِهُمُ الإثْمَ ) ، وقال : ( لُعِنَ الَّذينَ كَفَروا مِنْ بَني إسْرائيلَ ) إلى قوله : ( لَبِئْسَ ما كانوا يَفْعَلونَ ) ، وإنّما عاب الله ذلك عليهم ، لأ

نّهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد ، فلا ينهونهم عن ذلك ، رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة ممّا يحذرون ، والله يقول : ( فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ )[64].

وقال (عليه السلام) : لو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت اُمور الله عليكم ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع ، ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم وأستسلمتم اُمور الله في أيديهم ، يعملون بالشبهات ، ويسيرون في الشهوات ، سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم[65].

وقال (عليه السلام) : والعمى والبكم والزمنى في المدائن مهملة لا ترحمون ، ولا في منزلتكم تعملون ، ولا من عمل فيها تعينون ، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون ، كلّ ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون ، وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء ولو كنتم تشعرون ...

فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور ، وبين مستضعف على معيشته مغلوب ، والناس لهم خول لا يدفعون يدَ لامس ، فمن بين جبّار عنيد ، وذي سطوة على الضعفة شديد ، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد ، فيا عجباً ، ومالي لا أعجب ؟ والأرض من غاش غشوم ، ومتصدّق ظلوم ، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم.

وقال (عليه السلام) : فقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قال في حياته : « من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل ، كان حقيقاً على

الله أن يدخله مدخله[66].

وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : من تولّى خصومة ظالم أو أعان عليها ، ثمّ نزل به ملك الموت ، قال له : أبشر لعنة الله ونار جهنّم وبئس المصير ، وقال : من دلّ جائراً على جور ، كان قرين هامان في جهنّم[67].

وقال : ما قرب عبد من سلطان إلاّ تباعد من الله تعالى[68].

وقال : من نكث بيعة أو رفع لواء ضلالة أو كتم علماً ، أو اعتقل مالا ظلماً أو أعان ظالماً على ظلمه ، وهو يعلم أ نّه ظالم ، فقد بُرئ من الإسلام[69].

وقال : أفضل التابعين من اُمّتي من لا يقرب أبواب السلطان[70].

وقال : من أرضى سلطاناً بما أسخط الله تعالى خرج من دين الإسلام[71].

وقال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الظَلَمة وأعوان الظلمة ، من لاق لهم دواة أو ربط لهم كيساً ، أو مدّة لهم مدّةً ، اُحشروه معهم[72].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : يا طالب العلم ، إنّ للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات ، ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة[73].

وقال (عليه السلام) : من دخل على إمام جائر فقرأ عليه القرآن ، يريد بذلك عرضاً من عرض الدنيا ، لعن القارئ بكلّ حرف عشر لعنات ، ولعن المستمع بكلّ حرف لعنة[74].

وقال الإمام العسكري (عليه السلام) : سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السنّة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنّة ، المؤمن بينهم محقّر ، والمنافق بينهم موقّر ، اُمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة[75].

فمن أبرز صفات

علماء السوء أن يكونوا على أبواب الظالمين ، وهذا من آفات العلم وهلاك المجتمع ، كما هناك آفات اُخرى ، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : آفة العلم العالم الفاجر[76].

وقال الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إنّ في جهنّم رحىً تطحن خمساً أفلا تسألوني ما طحنها ، فقيل له : وما طحنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : العلماء الفجرة والقرّاء الفسقة والجبابرة الظلمة والوزراء الخونة والعرفاء الكذبة[77].

وقال (عليه السلام) : ... ها إن هنا لعلماً جمّاً ( وأشار بيده إلى صدره الشريف ) لو أصبتُ حملةً ، بلى أصبت لِقناً غير مأمون عليه مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذّة سلس القياد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه[78].

وقال (عليه السلام) : قد سمّاه أشباه الناس عالماً وليس به ، بكّر فاستكثر من جمع ، ما قلّ منه خيرٌ ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من ماء أجن ، واكتنز من غير طائل[79].

وقال (عليه السلام) : لم يعضّ على العلم بضرس قاطع ، يُذري الروايات إذراء الريح الهشيم ، لا ملي _ والله _ بإصدار ما ورد عليه ، ولا هو أهل لما فوّض إليه.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية : ( الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوونَ )هم قوم تعلّموا

وتفقّهوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا[80].

وقال الأمير (عليه السلام) : زلّة العالم كانكسار السفينة تَغرق وتُغرق[81].

نستنتج من أمثال هذه الروايات الشريفة : أنّ العالم لا بدّ أن يكون عاملا بعلمه ، فإنّ له المقام والمنزلة العظيمة عند الله وعند الناس ، وعلى الناس إطاعة العلماء الصلحاء وتوقيرهم وإكبارهم وزيارتهم والجلوس عندهم للاستضاءة بنورهم وتقواهم ، ومراعاة حقوقهم فإنّهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسول واُمناؤه وحكّام على الناس وعلى الملوك ، ومراجع الاُمّة في التحاكم والقضاء ومراجعهم في العمل والإفتاء.

كما على العلماء أن يواجهوا المنكرات والظلم والجبابرة والمستبدّين ، وعليهم إرشاد الناس وتوعيتهم وتثقيفهم وتنبيههم ، وعليهم نفي البدع ، وإيقاظ الأفكار ، ونشر الوعي الإسلامي واليقظة الاجتماعية ، وبثّ روح الإنسانية وطرد اليأس ، ومراعاة حقوق المحرومين والبؤساء المادية والمعنوية ، وصيانة أموال الناس ورفع الظلم عنهم ، ومعرفة الزمان وأهله ، فإنّ العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.

كما واجبهم الديني النهوض والقيام لله مثنىً وفرادى ، وإنّ سكوتهم عن الحقّ والعدالة مبغوض عند الله تعالى ، وأنّ الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس ، ولا يقبل منهم الفرار من الموت ، وتسليم اُمور الدنيا والدين بيد الظالمين ، بل عليهم بذل الدماء لإنقاذ الاُمم ، فإنّ المصيبة الكبرى إهمالهم واجباتهم السياسية والاجتماعية ، ودخولهم فلك السلاطين ، فإنّ واجبهم الجهاد ومحاربة الظلم والفساد ، واستلام زمام الاُمور بأيديهم ، فإنّهم ورثة الأنبياء في مسؤولياتهم ومقاماتهم ، إن عقلوا الدين الإسلامي كما هو ، والمسؤولية الإلهية التي وقعت على عاتقهم ، أعني القيادة بشؤونها وأعبائها وأهميّتها البالغة ، فإنّ كلّ دين ونظام وكلّ جمهور واُمّة ، لا يرجى لها البقاء والسعادة إلاّ بقيادة صالحة ، تعرف وظائفها

، وتؤمن برسالتها الخالدة.

وتربية هؤلاء الأعلام من العلماء الصالحين الأتقياء إنّما يكون في المدارس والحوزات الدينية ، فإنّها تحفظ رسالات الأنبياء التي تعني صنع الإنسان ، والعالم اليوم متعطّش إلى الروحانيين وعلماء الدين ، فإنّ البشرية منذ اليوم الأوّل وحتّى عصرنا الراهن وغداً ، تبحث عن الحقيقة وسرّ الحياة ، وتريد كشف العلائق والارتباطات بين الإنسان ونفسه ، ومع ربّه ، ومع الآخرين ، وقد اختلفت الآراء والعقائد والمذاهب في ذلك ، ولا يزال الناس لم يتمكّنوا من معرفة الوجود وما دور الإنسان فيه ؟ ! ولا زالت الأسئلة الرئيسية التي تطرحها البشرية غامضة الجواب.

فلا زال الإنسان يسأل :

1 _ من أنا ؟

2 _ من أين أتيت ؟ من أوجدني ؟ من صنعني ؟

3 _ وإلى أين أذهب ؟

4 _ ومع من أكون ؟

5 _ وماذا يراد منّي ؟

6 _ وما هو المصير ؟

فجواب هذه الأسئلة إنّما هو عند الأنبياء وفي نطاق الوحي الإلهي ، فإنّه سبحانه أعرف بخلقه ، وإنّهم أشرفوا على الطبيعة ، وما فيها من الحقائق والأسرار لارتباطهم بالوحي ، ومن حقّهم حينئذ أن يقولوا : هكذا كونوا أ يّها الناس ، وهذه فلسفة الحياة وسرّ الخليقة ...

والعلماء ورثة الأنبياء فيحقّ لهم ذلك ، فإنّهم تخلّقوا بأخلاق الله سبحانه ، حتّى صاروا مظاهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فعرفوا حكمة الخلق وأجوبة المسائل ، فإنّ الدين هو الوحيد الذي يجيب عن تلك الأسئلة ، إلاّ أنّ البشر صمّ لا يسمع ، وأعمى لا يرى ، فلا بدّ أن نسعى ونصنع شيئاً ليكون الإنسان ذا سمع وبصر ، يرى الحقّ ويسمع نغماته ، ويصلح سريرته وطبيعته ، ويهذّب فطرته ونفسه ، حتّى يعرف

كيف يعيش وكيف يموت ، وما فيه خيره وصلاحه ؟ وإلاّ فأيّ شيء يقع بيد الإنسان الجاهل ، لو حكمت أنانيّته وحبّ الذات في وجوده ، فإنّه يحرّف موارد استعماله الصحيح ، فيخرّب بدلا من العمران ، ويهدّم عوضاً عن البناء ، ويجعل دنياه جهنّماً ، بعد أن كان بإمكانه أن يجعلها مزرعة آخرته ، وتكون جنّته التي يعيش فيها ، حياة طيّبة بعيش سعيد ورغيد.

والدين والمذهب الصحيح بيد العلماء الصلحاء ، فهم يأخذون بيد الإنسان ليصعد القمّة ، ويحلّق بما وراء الطبيعة ، ويفنى في مطلق الكمال والكمال المطلق.

وإنّما فعلوا ذلك بعد طيّهم مراحل الكمال وإيمانهم بما فعلوا ، فإنّهم إنّما أمروا بعد الائتمار ، ونهوا بعد التناهي ، فبدأوا بأنفسهم أوّلا ، وطبّقوا القوانين الإلهية في سيرتهم وسريرتهم ، واطمأنّوا بذكر الله سبحانه ، بعد جهادهم النفس وغلبتهم الهوى بالعلم والتقوى ، ولولا ذلك لأنكر البشر نفسه ، ووقع في حضيض الجهالة والتعاسة.

وزبدة الكلام في هذا المقام :

إنّ هداية البشر إنّما كانت على يد الأنبياء ، ثمّ الأوصياء ، ثمّ العلماء ، في أدوار ثلاثة.

فإنّ الله سبحانه لمّا تعلّقت حكمته بخلق آدم ليجعله خليفة في الأرض يحمل علمه سبحانه وتعالى ، فأهبطه إلى الأرض ، وجعل يهيّئ له أسباب السعادة ويهديه إلى طرق التكامل ، وما فيه الخير والصلاح ، حتّى يعيش حياة طيّبة وعيشة سعيدة ، ويتمكّن من العود إلى مقام القرب ومنازل الكرامة والدرجات الرفيعة في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فبعث لهذا المقصد في بنيه ( بني آدم ) رسله وأنبياءه ، وأنزل فيهم كتبه ، فقامت الأنبياء بتربية الناس وتعليمهم وإقامة الحقّ والعدالة ، يدعون إلى رسالة الله

وحكومته في الأرض بكلّ ما في وسعهم ببذل النفس والنفيس ليقوم الناس بالقسط ، فحاربوا النفس الأمّارة بالسوء ، والطغاة والجبابرة ونفوذهم واخطبوطهم ، ليحكم العلم والعدل والإحسان على الأرض في كلّ ربوعه وأقطاره.

وكان للأنبياء في مقاماتهم ورسالاتهم ، أوصياء ونقباء وأئمة ، يخلفونهم في جميع وظائفهم ومسؤولياتهم ، من أجل أن يحفظ الدين ، ويستمرّ نشر التعاليم الإلهية والرسالات السماوية ، ويستحكم اُسس العدالة الاجتماعية.

فجاءت الرسالات هكذا تترى حتّى ختمت بنبيّنا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) فبعثه ليكون سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ، فأكمل دينه وأتمّ عليه نعمته بالوصاية والإمامة ، لينقطع الوحي من بعده ، وتختم النبوّة ، ورضي الله الإسلام للناس ديناً إلى يوم القيامة ، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ، فإنّ الدين عند الله الإسلام.

فبلّغ النبيّ بما اُمر واستقام على الدين ، وكان كمال الإبلاغ بنصب هاد للاُمّة وعلم للملّة حتّى لا يكون العمل بالدين بلا كافل ، ولا يتركون الناس بعد رسول الله سدىً بلا إمام ، ولا يكون الطريق بلا علم ، ولا يكون القرآن بلا ناطق ، ولا تكون المسائل الجديدة بلا مجيب ...

فوصّى النبيّ بخليفته إماماً للناس ، والوصاية سنّة ثابتة في الأنبياء قد تحقّقت في الماضين ، فلا بدّ أن تتحقّق في الآخرين ( سُنَّة اللهِ في الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْديلا )[82] ، ولا سيّما في الدين الإسلامي الحنيف ، فإنّ النبيّ الخاتم الذي ينقطع برحلته الوحي فلا نبيّ بعده ، أولى أن ينصب للاُمّة _ بنصّ ووحي من الله وأمره _ من يليق أن يخلفه ويديم رسالته ، يكون بمنزلة نفسه وبعصمته ، حتّى لا

يخلو المجتمع عن ناطق عن الله وعن رسوله ودينه ، وهذا أمر يرشد إليه العقل ويحكم به الشرع والفطرة السليمة.

« ولأجل ذلك أقام نبيّنا (صلى الله عليه وآله) علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) علماً للاُمّة وناطقاً عن الكتاب والسنّة وناشراً للإسلام الصحيح _ وذلك في واقعة الغدير وغيرها _ .

وعند هذه المرحلة من التأريخ _ تأريخ دين الله على الأرض _ قد تمّ دور التشريع والتقنين وبدأ دور التفسير والتبيين ، وذهبت النبوّة وخلّفتها الإمامة.

وكان واجب الاُمّة حينئذ أن يعملوا بوصايا المشرّع الأعظم فيرتضوا عليّاً علماً لهم ، وإماماً ومرشداً وهادياً ، بعد موت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما نصبه النبيّ نفسه ، غير أنّ الاُمور جرت على العكس من هذا الواجب ، فانقسم المسلمون قسمين : إمامي وغير إمامي _ يتمثّل بالخلافة الظاهرية من قبل السقيفة ، فتكوّنت مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) _ يعني الذين اتّبعوا الإمام الذي نصبه النبي (صلى الله عليه وآله)والذين تركوه ، فبذلك بدأ دور الإمامة _ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) _ من ناحية ، ودور الخلافة _ مدرسة الخلفاء _ من ناحية اُخرى . وكلّما بعد العهد عن الوحي وعن حياة النبيّ ، زادت الشقّة وكثر التباعد ، حتّى ظهرت في حقل الخلافات الإسلامية اُمور لا تمتّ إلى الإسلام بوشيج صلة ... وحيث جرت الوقائع على تلك الأحداث ، قد صعب الأمر على خلفاء الرسول الواقعيين ، وسدنة الإسلام الصادقين ، إذ مثّل أمامهم أمران مهمّان باهظان ، وهما :

1 _ نشر الدين فيمن لا يعلم.

2 _ حفظ الدين فيمن لا يعمل.

وهناك قاموا بهذين الواجبين ، قياماً شاقّاً كادّاً مستوعباً فجرّعوا المصائب والآلام

، وكابدوا المشاقّ والمحن ، فاستمرّت حياتهم بين سجن وسبي وتشريد وقتل وما إلى ذلك ، وصار الأمر كما قال ابن خلدون : « وطُلَّت دماء أهل البيت في كلّ ناحية »[83] . وكما قال الدكتور علي سامي النشّار المصري : « ... وبدأ أبناء فاطمة يكتبون بدمائهم أكبر الملاحم ، ومات الحسن مسموماً ، وقُتل الحسين ابن علي وابن فاطمة مقتلةً لم يعرف الزمان لها مثيلا ، وتولّى آل مروان أعناق المسلمين بالسيف ... وقُتل زيد بن علي في ملحمة اُخرى قاسية وعنيفة ... »[84] . وكان كلّ ذلك حفظاً للإسلام عن التحريف ، وصيانة للعدل والإحسان عن الخذلان.

وقام الأئمة أيضاً بتربية اُناس من الاُمّة ، وثلّة من الجهابذة والأفاضل ، وطائفة من كبار الثوريين والمتحمّسين ، وهم وهؤلاء ، قد حفظوا تراث الدين وحقائق أحكام النبيين ، وحرسوا تعاليم القرآن في جميع أبعاده التوحيدية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والأخلاقية ، والعملية ، عن أيّ زوال أو تحريف ، رغم المضايقة والإرهاب الذي كان يحيطهم.

ولمّا انتهى عصر الإمامة _ بعد مضيّ 260 سنة من الهجرة القادسة _ وجاءت دورة الغيبة للوصيّ الثاني عشر (عليه السلام) ( وذلك لسوء اختيار الناس في تركهم حماية الحقّ وأهله ) ، بدأ عصر العلماء ، وذلك لأنّ الأئمة قد أورثوهم علوم الإسلام وتعاليمه ، وحملوا الناس على أن يرجعوا إليهم ، لأخذ تلك العلوم والتعاليم والعمل على وفقها وتطبيقها ، فما جرى على وجه الأرض من اللطف الإلهي بالناس ، في تتابع رسالاته لهدايتهم وإرشادهم ، تتمثّل في ثلاثة عصور :

1 _ عصر الأنبياء.

2 _ عصر الأوصياء.

3 _ عصر العلماء.

وإلى هنا قد ظهر للقارئ الكريم أنّ العالم

الشيعي الاجتماعي _ الذي يتصدّى للمناصب الدينية ولا سيّما المرجعية العظمى _ هو خليفة النبيّين ووصيّ الصدّيقين ، ووارث النبيّين.

العالم الإسلامي ، هو الممثّل للعصر الثالث من العصور الثلاثة من رسالات الله على الأرض ، فهو حجّة الله _ بالمعنى الأعمّ _ لأ نّه حجّة الإمام _ كما جاء في الحديث _ والإمام حجّة الله تعالى ، فالعالم حجّة الله على الناس بواسطة الإمام . وعلى هذا لا يصحّ أن يتصدّى لهذا المقام إلاّ من له صلة تامّة ، من حيث المواصفات ، بأصحاب العصرين السابقين ، وبذلك يتمّ لطف الله على الناس وتدوم رسالة الله على الأرض.

وهناك أهمية اُخرى لهذا المقام في الأقاليم الشيعية ، وهي ما ترجع إلى كيان الإسلام وبقائه وبسطه واعتلائه ; وذلك لأنّ المرجع لدى الشيعة هو الحافظ للإسلام وديمومته ، والحارس لجميع ما يتعلّق بالمجموعة الإسلامية . وهو الملاذ الوحيد لما هناك من القوادح والمخاطرات من جهة السياسة والاقتصاد والثقافة ; وهو المكافح أمام التيّارات المضادّة الداخلية والخارجية من ناحية أعداء الإسلام من اليهود والمسيحيين وغيرهم ; ومن ناحية المقتدرين والجبابرة والخونة ، والذين ظهروا في مقامات الحكّام والاُمراء والرؤساء والسلاطين المسلمين ، غير أ نّهم عملاء الأجانب وخدمة أعداء الإسلام ; كذلك التيّارات والمضادّة من ناحية المذاهب الفكرية والاعتقادية الباطلة ، والشيوعية والماسونية والصهيونية والاستكبار العالمي ، والقوانين الموضوعة بيد الحكومات اللاإسلامية[85] . أضف إلى ذلك كلّه ، ما يجب أن يتمتّع به ذلك العالم المرجع ، من معايشته لآلام الناس واطّلاعه على مشاكلهم ، وتحنّنه عليهم والوقوف بجانب المستضعفين واسترداده حقوقهم ، ودفاعه عن مظلومهم ، وعدم قراره على كِظة ظالم ولا سغب مظلوم[86] ، وكذلك اطّلاعه

على الثقافات العصرية والمواضيع الاقتصادية الحديثة[87] والمشاكل البشرية الحاضرة ( الحوادث الواقعة ).

وكلّ ما أشرنا إليه ، يدفع المسلمين إلى أن يمعنوا النظر في هذا الأمر ، وأن لا يغفلوا عمّا له من الأهميّة الكبرى ، وأن يجعلوا رجوعهم إلى العالم على ميزان دينيّ دقيق وانتباه سياسي واجتماعي ، له أثره في بقاء عزّة الدين واعتلاء الإسلام.

ولأن نلقي ضوءاً على هذا الأمر ، أكثر من ذي قبل ، نقدّم هذا الموضوع إلى القارئ الكريم :

المرجعيّة ومؤهّلاتها :

لقد مرّت مواصفات ينبغي أن تتوفّر لدى العالم المسلم ، وهي التي يجب أن تكون في المرجع القائد _ وهو الذي يخلف الإمام وينوب عنه في المجتمع _ بشكل أولى ; غير أ نّنا نشير هنا إلى ميزات مهمّة لا بدّ من أن يكون المرجع الديني واجداً لها ، مستوعباً إيّاها ، حتّى تتاح له القيادة والتوجيه :

1 _ العقليّة العملية بسعتها وعمقها المطلوب.

2 _ الاعتداد التامّ بالاستشارة وتبنّيها أصلا ، كما حثّت عليها التعاليم الإسلامية حثّاً.

3 _ تفهّم موقف الإسلام الصحيح ، تجاه مختلف القضايا المطروحة.

4 _ الفطنة وحدّة الفهم والبصيرة ، والقدرة على معرفة الواقع الشرعي ، بالنسبة إلى ما يكتنفه من الحقائق الزمنيّة.

5 _ الوعي السياسي الناضج.

6 _ الوعي الاجتماعي الشامل.

7 _ الوعي الاقتصادي في أشكاله الحديثة ، والتصلّب في تطبيق العدالة المالية والمعيشية بين الجماهير ، بأن يوضع كلّ شيء في موضعه ويصل كلّ واحد إلى حقّه.

8 _ النزاهة و « الحياة القلبية » ، والتحلّي بمكارم الأخلاق.

9 _ الشجاعة والجرأة في إحقاق الحقّ ، واسترداد حقوق المستضعفين ، حتّى يتسنّى له أن يجعل كلمة الله هي العليا.

10 _ معايشة المشاكل التي تحيط بالجماهير ،

والتفكّر الموضوعي لمعالجتها على ضوء تفهّمه لروح العصر الذي يعيش فيه.

11 _ وعي الواقع الإنساني ولمس الفقر والآلام التي تكتنف المحرومين والمضطهدين.

12 _ مقاطعة الأغنياء التاركين لواجباتهم الدينية ومسؤولياتهم الاجتماعية ، والمترفين الذين لا يحسّون بآلام الفقراء والمجتمع المحروم ، وقطع النظر عن أموالهم ونفقاتهم في أيّ سبيل كانت ( لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مالا )[88] ، حتّى يتاح له الوقوف في صفوف المظلومين والمغصوبين ، قولا وعملا معاً.

المرجعية ومنافياتها :

بعد أن علمنا مؤهّلات المرجعية والميزات التي تجعلها تنوب عن دعوة الأنبياء والأوصياء ، لا بدّ من أن نتحرّى الاُمور التي تنافي القيادة الدينية ، فإنّ لكلّ شيء وأمر إيجاباً وسلباً ، فلا بدّ من الإشارة إلى سلبيات المرجعية ، لكي يكون الناس على بصيرة من أمرهم ، تجاه هذا الأمر المصيري في حياة الاُمّة ، وإليك بعضاً منها :

1 _ ضحالة الفهم السياسي والاجتماعي وعدم استيعاب العلاقات المؤثّرة والمتأثّرة ، الفردية والاجتماعية ، بين المجتمع الإنساني[89].

2 _ عدم وعي الإسلام بجميع جوانبه كدين حيّ حاكم في الحياة.

3 _ الميل إلى الحياة الدنيا وتضاؤل ملكة التقوى والورع.

4 _ تخلّل الأهواء وانحسار حاكميّة العقل والبصيرة.

5 _ السكوت أمام الجبابرة والمعتدين ، وترك مواجهتهم ، تجنّباً لمكروههم.

6 _ الإحساس بالضعف والذلّ ، والتشاؤم من العمل والتحرّك في الاُمّة ، والوقوف عند الأهداف المرحليّة الضيّقة.

7 _ التفقّه بغير علم ( بمعناه الواسع الذي أشرنا إليه ).

8 _ عدم الإخلاص في المواقف والمفاهيم والمشاعر.

وبشكل عامّ ، أيّة صفة أو حالة تضادّ ما عدّدناه في المؤهّلات ولا تناسب طبيعة موقفهم ، كخلفاء لخلفاء الله في الأرض ، اُوكِل إليهم استكمال المسيرة التي اُريقت فيها دماء الأنبياء والأوصياء _ عبر القرون الطوال

من صراع جند الحقّ وجند الباطل _ فهي منافية لهذا المقام الديني والمسؤولية الكبرى[90].

هذا إجمال ما أردنا ذكره وبيانه ، في خصائص القائد الإسلامي ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ على الاُمّة الإسلامية في كلّ بلادها بحكومات إلهية تسلك شرائع الأنبياء ، وتنهج مناهج الإسلام ، وتطبّق القرآن الكريم والسنّة الشريفة في مجتمعاتنا بقيادة صالحة ، ومرجعية رشيدة ، وقائد إسلامي ورع تقيّ فقيه حاذق ، تجتمع فيه المواصفات الإسلامية والخصائص القرآنية ، وعلى كلّ مسلم أن يمهّد الطريق ويوطّئ السبيل لظهور دولة الحقّ العالمية ، فإنّه في ليله المدلهم يسرج الشموع ليضيء ما حوله ، وإن كان منتظراً لبزوغ الشمس وشروقها ، أليس الصبح بقريب ، نصر من الله وفتحٌ قريب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

---

[1]طبع موجز هذا الموضوع في مجلّة ( نور الإسلام ) الصادرة في بيروت ، العدد 41 و 42 ، سنة 1414 ه_.

[2]سفينة البحار 3 : 319.

[3]الأنبياء : 73.

[4]آل عمران : 164 . الجمعة 2.

[5]آل عمران : 20.

[6]الأحزاب : 39.

[7]التوبة : 122.

[8]الإسراء : 82 .

[9]البقرة : 185.

[10]البقرة : 2.

[11]الفرقان : 63.

[12]الأعراف : 199.

[13]الشورى : 15.

[14]المزّمّل : 10.

[15]مريم : 31.

[16]المجادلة : 21.

[17]الفاطر : 28.

[18]التحريم : 6.

[19]فاطر : 28.

[20]الأنعام : 122.

[21]البقرة : 269.

[22]منية المريد : 12.

[23]البحار 2 : 4.

[24]الكافي 1 : 34.

[25]الزمر : 9.

[26]البحار 1 : 208.

[27]نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده 3 : 186.

[28]أمالي الصدوق : 19.

[29]تحف العقول : 302.

[30]المجادلة : 11.

[31]البحار 1 : 204.

[32]غرر الحكم : 285.

[33]تحف العقول : 187.

[34]عدّة الداعي : 66.

[35]البحار 1 : 198 ، عن أمالي الصدوق.

[36]البحار 1 : 203 ، عن جامع الأخبار.

[37]الكافي 1 : 37.

[38]البحار 1 : 222 ، عن الاختصاص.

[39]تحف

العقول : 141.

[40]الصفّ : 2 _ 3.

[41]تحف العقول : 289.

[42]عدّة الداعي : 67.

[43]البحار 1 : 255.

[44]البحار 2 : 32.

[45]الكافي 1 : 44.

[46]عدّة الداعي : 67.

[47]الكافي 1 : 36.

[48]البحار 2 : 37 ، عن كنز الفوائد.

[49]غرر الحكم : 134.

[50]الكافي 1 : 44.

[51]الوسائل 11 : 420.

[52]عدّة الداعي : 70.

[53]غرر الحكم : 220.

[54]نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده 1 : 202.

[55]البحار 100 : 85 .

[56]البحار 2 : 89 .

[57]تحف العقول : 31.

[58]منية المريد : 10.

[59]الوسائل 18 : 101.

[60]تحف العقول : 172.

[61]تحف العقول : 198.

[62]نهج البلاغة : 52.

[63]الكافي 1 : 42.

[64]تحف العقول : 171.

[65]تحف العقول : 172.

[66]المصدر.

[67]البحار 102 : 293 ، عن أمالي الصدوق.

[68])_ (5) نوادر الراوندي : 4 _ 27.

[69]

[70]

[71]

[72]

[73]) الكافي 1 : 37.

[74]البحار 92 : 184 ، عن الاختصاص.

[75]المستدرك 2 : 322.

[76]غرر الحكم : 137.

[77]الخصال 2 : 142.

[78]نهج البلاغة ، شرح محمد عبده 3 : 187.

[79]نهج البلاغة ، شرح محمد عبده 1 : 48.

[80]البحار 2 : 298 ، عن تفسير العياشي.

[81]غرر الحكم : 188.

[82]الأحزاب : 62.

[83]تأريخ ابن خلدون 4 : 3 ، طبعة بيروت.

[84]نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 2 : و _ ط ، طبعة مصر ، دار المعارف.

[85]جاء في تعاليم الإمام علي (عليه السلام) قوله هذا : « علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به ، لا تغلب عليهم المرجئة » ( الخصال : 614 ) . يدلّنا هذا الكلام على أنّ مجابهة الانحراف العقيدي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وإنقاذ المجتمع منه ولا سيّما الناشئة ، لا طريق لها إلاّ العلم والانتباه والتوعية ، ولأجل ذلك فالإمام يأمر بأن نعلّم الصبيان ما ينفعهم الله به ، لكي لا تغلب عليهم الطوائف المنحرفة ، ولأن يكونوا قادرين على طرد

الآراء الزائفة والأفكار المدسوسة التي تغرّ الشباب وتضرّهم.

هذه التعاليم تعلّمنا بوضوح ، أنّ حوزة الزعامة الدينية يجب عليها أن تكون مشرفة على جميع التيّارات الفكرية والعقيدية والقضايا الاقتصادية ومسائل الإنسان الحديث ، إشرافاً كاملا ، وأن تقوم بنقد الزائف منها وبتّ الصحيح الناجع وأن توقف النفوس عليها _ حتّى الصبيان _ إيقافاً يكون فيه سلامتها واستقامتها في سبيل الحقّ والفضيلة . وعليها أن لا تخاف ضجّة الغوغاء التي يقوم بإيجادها الجبابرة الاقتصاديون وأصحاب الثروات الطائلة حفظاً لكيانهم ومنافعهم.

[86]نهج البلاغة : 52 ، عبده 1 : 32.

[87]حتّى لا ينخدع بتمويهات الأغنياء المترفين والمتكاثرين.

[88]هود : 29.

[89]قالوا : إنّ الفقيه العالم الكبير ، السيّد محمد الطباطبائي الفشاركي الإصفهاني ( م 1316 ه_ ق)، لمّا رجعوا إليه ، بعد رحلة اُستاذه الميرزا محمد حسن الشيرازي الكبير ( م _ 1312 ه_ ق ) لتسلّم المرجعيّة والزعامة الدينية ، قال : « إنّي لست أهلا لذلك » لأنّ الرئاسة الشرعية تحتاج إلى اُمور ، غير العلم بالفقه والأحكام ، من السياسات ، ومعرفة مواقع الاُمور ... » ( فوائد الرضوية 2 : 594 ).

وهذا العالم الزاهد اليقظ المتثبّت ، كان من أعاظم فقهائنا الربّانيين ، وكان يدرّس في حياة اُستاذه الميرزا الشيرازي ، ولقد تخرّج عليه أعلام كالميرزا محمد حسن النائيني ( م 1355 ه_ ق) والشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ( م 1355 ه_ ق ) ، ولقد وُصف في كلمات بعض الأجلّة ب_ « الاُستاذ الكبير » ( ريحانة الأدب 3 : 220 ).

[90]اقتباس من كتاب « الحياة » 2 : 374.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.