كتاب موتمر علماء بغداد

اشارة

سرشناسه : ابن عطيه مقاتل - 505ق

عنوان و نام پديدآور : كتاب موتمر علماء بغداد تاليف ابي الهيجاء شبل الدولة مقاتل بن عطية ؛ مع مقدمة شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي.

مشخصات نشر : قم موسسه انصاريان للطباعه والنشر 1432 ق. 2011 م. 1390.

مشخصات ظاهري : 71 ص.

شابك : ‮ 978-964-219-218-2

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : عنوان ديگر: موتمر علماء بغداد.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

عنوان ديگر : موتمر علماء بغداد.

موضوع : شيعه -- احتجاجات

موضوع : اهل سنت -- احتجاجات

شناسه افزوده : مرعشي شهاب الدين 1276 - 1369.

رده بندي كنگره : ‮ BP228/4 ‮ /‮الف 2م8 1390

رده بندي ديويي : ‮ 297/417

شماره كتابشناسي ملي : 2476380

تمهيد

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من بُعث رحمة للعالمين محمد النبي العربي وآله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه المطيعين.

وبعد:

فهذا كتاب (مؤتمر علماء بغداد) الذي انعقد بين السنّة والشيعة الذين جمعهم الملك الكبير (ملك شاه سلجوقي) تحت اشراف العالم العظيم الوزير (نظام الملك)، وكان من قصّة ذلك:

ان الملك شاه لم يكن رجلاً متعصبّاً أعمى، يقلّد الآباء والأجداد عن عصبية وعمى، بل كان شاباً متفتّحاً محباً للعلم والعلماء وكان في نفس الوقت ولعاً باللهو والصيد والقنص.

أما وزيره (نظام المُلك) فقد كان رجلاً حكيماً فاضلاً، زاهداً عارفاً عن الدنيا، قويّ الإرادة، يحب الخير وأهله، يتحرّى الحقيقة دائماً، وكان يحب أهل بيت النبي حباً جماً كثيراً، وقد أسس المدرسة النظامية - في بغداد- وجعل لأهل العلم رواتب شهرية، وكان يحنو على الفقراء والمساكين.

حوار بين الملك وبعض جلسائه

وذات مرّة دخل على الملك شاه احد العلماء الكبار واسمه: (الحسين بن علي العلوي) وكان من كبار علماء الشيعة... ولمّا خرج العالم من عند الملك استهزء به بعض الحاضرين وغمزه فقال الملك: لماذا إستهزئتَ به؟ قال الرجل: ألا تعرف أيها الملك انه من الكفار الذين غضب الله عليهم ولعنهم؟ فقال الملك - متعجباً-: ولماذا؟ أليس مسلماً؟ فقال الرجل: كلا انه شيعي!، فقال الملك: ومامعنى الشيعي؟ أليس الشيعة هم فرقة من فرق المسلمين؟ قال الرجل: كلا انهم لايعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، قال الملك: وهل هناك مسلم لايعترف بإمامه هؤلاء الثلاثة؟ قال الرجل: نعم هؤلاء هم الشيعة، قال الملك: وإذا لايعترفون بإمامة هؤلاء الصحابة فلماذا يسميّهم الناس مسلمين؟ قال الرجل: ولذا قلت لك انهم كفار.... فتفكّر الملك مليّاً، ثم قال: لابد من إحضار الوزير نظام الملك لنرى جليّة الحال.

حوار الملك مع وزيره

والكلام حول السنة والشيعة

أحضر الملكُ نظامَ الملك وسأله عن الشيعة: هل هم مسلمون؟ قال نظام الملك: اختلف أهل السنة فطائفة منهم يقولون أنهم مسلمون لأنهم -أي الشيعة- يشهدون ان لاإله إلا الله وان محمداً رسول الله ويصلّون ويصومون، وطائفة منهم يقولون انهم كفار. قال الملك: وكم عددهم؟ فقال نظام الملك لاحصي عددهم كاملاً ولكنهم يشكّلون نصف المسلمين تقريباً. قال الملك: فهل نصف المسلمين كفار؟ قال الوزير: ان بعض أهل العلم يعتبرونهم كفاراً واني لاأُكفّرهم. قال الملك: فهل لك أيها الوزير أن تحضر علماء الشيعة وعلماء السنة لنرى جليّة الحال؟ قال الوزير: هذا أمر صعب واخاف على الملك والمملكة!.

قال الملك: لماذا؟ قال الوزير: لأن قضيّة الشيعة والسنة ليست قضية بسيطة، بل هي قضية حق وباطل قد أُريقت فيها الدماء، وأُحرقت فيها المكتبات، وأُسرت فيها نساء وأُلفّت فيها

كتب وموسوعات وقامت لأجلها حروب!!

تعجب الملك الشاب من هذه القضية العجيبة، وفكّر مليّاً ثم قال: أيها الوزير انك تعلم ان الله أنعم علينا بالمُلك العريض، والجيش الكثيف فلا بد ان نشكر الله على هذه النعمة، ويكون شكرنا ان نتحرّى الحقيقة ونرشد الضال الى الصراط المستقيم، ولابد ان تكون إحدى هاتين الطائفتين على حق والأخرى على باطل، فلا بد ان نعرف الحق فنتبعه ونعرف الباطل فنتركه، فاذا هيّأت -أيها الوزير- مثل هذا المؤتمر بحضور العلماء من الشيعة والسنة بحضور القُوّاد والكتّاب وسائر أركان الدولة فاذا رأينا ان الحق مع السنة أدخلنا الشيعة في السنة بالقوة.

قال الوزير: وإذا لم يقبل الشيعة ان يدخلوا مذهب السنة فماذا تفعل؟ قال الملك الشاب: نقتلهم! فقال الوزير: وهل يمكن قتل نصف المسلمين؟ قال الملك: فما هو العلاج والحل. قال الوزير: ان تترك هذا الأمر.

إنتهى الحوار بين الملك ووزيره الحكيم العالم، ولكن بات الملك تلك الليلة متفكراً قلقاً ولم ينم الى الصباح، فكيف يستعصى عليه هذا الأمر المهم. وفي الصباح الباكر دعى نظام الملك وقال له: حسناً نستدعي علماء الطرفين، ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات التي تدور بينهما ان الحق مع أيّهما، فان كان الحق مع مذهب السنة دعونا الشيعة بالحكمة والموعظة الحسنة ورغبناهم بالمال والجاه كما كان يفعل رسول الله (ص) مع المؤلّفة قلوبهم، وبذلك نتمكن من خدمة الاسلام والمسلمين، فقال الوزير: رأيك حسن ولكني أتخوّف من هذا المؤتمر! قال الملك: ولماذا الخوف؟ فقال الوزير: لأني أخاف ان يتغلّب الشيعة على السنّة وتُرجّح احتجاجاتهم علينا وبذلك يقول الناس في الشك والشبهة! فقال الملك: وهل يمكن ذلك؟ قال الوزير: نعم لأن الشيعة لهم أدلّة قاطعة وبراهين ساطعة من القرآن والأحاديث الشريفة

على صحة مذهبهم، وحقيقة عقيدتهم! فلم يقتنع الملك بهذا الجواب من وزيره (نظام المُلك) وقال له لابد من إحضار علماء الطرفين لينكشف لنا الحق ونميّزه عن الباطل، فاستمهل الوزيرُ الملك الى شهر لتنفيذ الأمر، ولكن الملك الشاب لم يقبل ذلك... وأخيراً تقرر أن تكون لمدة خمسة عشر يوماً.

اجتماع علماء السنة والشيعة

تمهيد]

و في هذه الأيام جمع الوزير (نظام المُلك) عشرة رجال من كبار علماء السنة الذين يعتمد عليهم في التاريخ والفقه والحديث والأصول والجدل، كما أحضر عشر من كبار علماء الشيعة، كان ذلك في شهر شعبان في المدرسة النظامية ببغداد، وتقرّر ان ينعقد المؤتمر على الشروط التالية:

أولاً: ان يستمر البحث من الصباح الى المساء باستثناء وقت الصلاة والطعام والراحة.

ثانياً: ان تكون المحادثات مستندة الى المصادر الموثوقة والكتب المعتبرة لاعن المسموعات والشايعات.

ثالثاً: ان تُكتب المحادثات التي تدور في هذا المؤتمر.

وفي اليوم المعيّن جلس الملك ووزيره وقوّاد جيشه وجلس علماء السنة عن يمينه كما جلس علماء الشيعة عن يساره وافتتح وزير نظام الملك المؤتمر باسم الله الرحمن الرحيم والصلاةعلى محمد وآله وصحبه ثم قال: لابد ان يكون الجدال نزيهاً، وان يكون طلب الحق هو رائد الجميع وان لايذكر أحدٌ صحابة الرسول(ص) بسب أو سوء.

بدء الكلام حول الصحابة

قال كبير علماء السنة (و هو الملقّب بالشيخ العباسي): اني لااتمكن أن اجادل مذهباً يكفّر كل الصحابة.

قال كبير علماء الشيعة (و هو الملقّب بالعلوي واسمه الحسين بن علي): ومَن هم الذين يكفّرون الصحابة؟

قال العباسي: أنتم الشيعة هم اولئك الذين تكفّرون كل الصحابة.

قال العلوي: هذا الكلام منك خلاف الواقع، أليس من الصحابة علي عليه السلام و(العباس) و(سلمان) و(ابن عباس) و(المقداد) و(ابوذر) وغيرهم، فهل نحن الشيعة نكفّرهم؟

قال العباسي: اني قصدتُ بكل الصحابة ابابكر وعمر وعثمان واتباعهم.

قال العلوي: نقضتَ نفسك بنفسك، ألم يقرّر أهل المنطق ان (الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكليّة) فانك تقول مرة ان الشيعة يكفّرون كل الصحابة، وتقول مرة: ان الشيعة يكفّرون بعض الصحابة.

وهنا أراد نظام الملك ان يتكلم لكن العالم الشيعي لم يمهله وقال: أيها الوزير العظيم لايحق لأحد ان يتكلّم إلا اذا عجزنا

عن الجواب والاّ كان خلطاً للبحث، وإخراجاً للكلام عن مجراه، من دون نتيجة.

ثم قال العالم الشيعي: تبين ايها العباسي إن قولك ان الشيعة يكفّرون كل الصحابة كذب صريح.

ولم يتمكن العباسي من الجواب واحمرّ وجهه خجلاً ثم قال: دَعنا عن هذا ولكن هل انتم الشيعة تسبّونه أبابكر وعمر وعثمان؟

قال العلوي: ان في الشيعة من يسبهم وفيهم من لايسبهم.

قال العباسي: وانت ايها العلوي من أي طائفة منهم؟

قال العلوي: من الذين لايسبّون ولكن رأيي ان الذين يسبّون لهم منطقهم، وان سبّهم لهؤلاء الثلاثة لايوجب شيئاً، لاكفراً ولافسقاً ولاهو من الذنوب الصغيرة.

قال العباسي: أسمعتَ أيها الملك ماذا يقول هذا الرجل؟

قال العلوي: ايها العباسي ان توجيهك الخطاب الى الملك مغالطة، فان الملك أحضرنا لأجل التكلم حول الحجج والأدلّة لا لأجل التحاكم الى السلاح والقوة.

قال الملك: صحيح مايقول العلوي، ماهو ردّك أيها العباسي.

قال العباسي: واضح ان من يسب الصحابة كافر.

قال العلوي: واضح عندك لاعندي، ماهو الدليل على كفر من يسبّ الصحابة عن اجتهاد ودليل، ألا تعترف ان من يسبّه الرسول يستحق السب؟

قال العباسي: أعترف.

قال العلوي: فالرسول سبَّ أبا بكر وعمر.

قال العباسي: واين سبّهم؟ هذا كذب على رسول الله.

قال العلوي: ذكر أهل التواريخ من السنة ان الرسول هيئ جيشاً بقيادة (اسامة) وجعل في الجيش ابابكر وعمر وقال: لعن الله من تخلّف عن جيش اسامة، ثم ان أبابكر وعمر تخلّفا عن جيش أسامة، فشملهم لعن الرسول ومن يلعنه الرسول يحق للمسلم ان يلعنه.

وهنا أطرق العباسي برأسه ولم يقل شيئاً.

فقال الملك (متوجّهاً الى الوزير): وهل صحّ ماذكره العلوي؟

قال الوزير: ذكر أهل التواريخ ذلك.

قال العلوي: واذا كان سب الصحابة حراماً وكفراً، فلماذا لاتُكفّرون معاوية بن أبي سفيان ولاحكمون بفسقه وفجوره لأنه كان سبّ الامام علي

بن ابي طالب عليه السلام الى أربعين سنة وقد امتدّ سبُّ الامام الى سبعين سنة!؟

قال الملك: اقطعوا هذا الكلام وتكلّموا حول موضوع آخر.

جمع القرآن وتدوينه

قال العباسي: من بدعكم انتم الشيعة انكم لاتعترفون بالقرآن!

قال العلوي: بل من بدعكم أنتم السنّة أنّكم لاتعترفون بالقرآن والدليل على ذلك انكم تقولون: ان القرآن جمعه عثمان، فهل كان الرسول جاهلاً بما عمله عثمان، حيث إنه لم يجمع القرآن حتى جاء عثمان وجمعه، وثم: كيف ان القرآن لم يكن مجموعاً في زمن النبي وكان النبي يأمر قومه وأصحابه بختم القرآن فيقول: من ختم القرآن كان له (كذا) من الأجر والثواب، هل يمكن ان يأمر بختم القرآن ما لم يكن مجموعاً، وهل كان المسلمون في ضلال حتى أنقذهم عثمان؟.

قال الملك (موجّهاً كلامه إلى الوزير) وهل يصدق العلوي ان أهل السنة يقولون بان القرآن من جمع عثمان؟

قال الوزير: هكذا يذكر المفسرون وأهل التواريخ.

قال العلوي: إعلم ايها الملك ان الشيعة يعتقدون ان القرآن جُمع في زمن الرسول كما تراه الآن لم ينقص منه حرف ولم يزد فيه حرف، أمّا السنة فيقولون: ان القرآن زيد فيه ونُقص منه، وانه قُدّم وأخّر وان الرسول لم يجمعه وانما جمعه عثمان لما تسلّم الحكم وصار أميراً.

حوار حول الإمامة والخلافة

قال العباسي (وقد انتهز الفرصة): هل سمعت أيها الملك ان هذا الرجل لايسمي عثمان خليفة وانما يسميّه أميراً.

قال العلوي: نعم عثمان لم يكن خليفة.

قال الملك: ولماذا؟

قال العلوي: لأن الشيعة يعتقدون بطلان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان!

قال الملك: (بتعجّب واستفهام) ولماذا؟

قال العلوي: لأن عثمان جاء الى الحكم بشورى ستة رجال بينهم عمر وكل أهل الشورى الستة لم ينتخبوا عثمان وانما انتخبه ثلاثة أو أثنين منهم، فشرعيّة خلافة عثمان مستندة الى عمر، وعمر جاء إلى الحكم بوصيّة ابي بكر، فشرعيّة عمر مستندة الى ابي بكر، وجاء ابو بكر الى الحكم بانتخاب جماعة صغيرة تحت شراسة السيف والقوة فشرعيّة

خلافة أبي بكل مستندة الى السلاح والقوة ولذا قال عمر في حقه: (كانت بيعة الناس لأبي بكر فلتة من فلتات الجاهلية وَقى الله المسلمين شرها فمن عاد إليها فاقتلوه) وأبو بكر نفسه كان يقول:(أقيلوني فلستُ بخيركم وعليّ فيكم) ولذا فالشيعة يعتقدون بأن خلافة هؤلاء باطلة من اساسها.

قال الملك (موجهاً الكلام الى الوزير): وهل صحيح ما يقوله العلوي من كلام ابي بكر وعمر؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون!

قال الملك: فلماذا نحن نحترم هؤلاء الثلاثة؟

قال الوزير: اتباعاً للسلف الصالح!

قال العلوي للملك: أيها الملك قل للوزير. هل الحق أحق ان يتبّع أم السلف؟ أليس تقليد السلف ضد الحق مشمولاً لقوله تعالى: (قالوا إنّا وجدنا آبائنا على أمّة وانا على آثارهما مقتدون)؟!.

قال الملك (موجهاً الخطاب الى العلوي): اذا لم يكن هؤلاء الثلاثة خلفاء لرسول الله فمن هو خليفة رسول الله؟

قال العلوي: خليفة رسول الله هو الامام علي بن ابي طالب

قال الملك: ولماذا هو خليفة؟

قال العلوي: لأن الرسول عيّنه خليفة من بعده، حيث انه صلى الله عليه وآله وسلم أشار الى خلافته في مواطن كثيرة جداً ومن جملتها لما جمع الناس في منطقة بين مكة والمدينة يقال لها: (غدير خم) ورفع يد علي وقال للمسلمين: من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم نزل عن المنبر وقال للمسلمين - وعددهم يزيد على مائة وعشرين ألف إنسان-: سلّموا على علي بإمرة المؤمنين، فجاء المسلمون واحداً بعد واحد وهم يقولون لعلي: السلام عليك ياأمير المؤمنين، فجاء أبو بكر وعمر وسلَّما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين وقال عمر: السلام عليك ياأمير المؤمنين (بخ بخ لك ياابن أبي طالب أصبحت مولاي

ومولى كل مؤمن ومؤمنة). فإذن: الخليفة الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي طالب.

قال الملك (موجهاً الكلام الى الوزير) هل صحيح مايذكر العلوي؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكر المؤرخون والمفسّرون.

قال الملك: دعوا هذا الكلام، وتكلّموا حول موضوع آخر.

نسبة الإدعاء بتحريف القرآن

قال العباسي: ان الشيعة يقولون بتحريف القرآن.

قال العلوي: بل المشهور عندكم -ايها السنة- انكم تقولون بتحريف القرآن!

قال العباسي: هذا كذب صريح.

قال العلوي: ألَم ترووا في كتبكم انه نزلت على رسول الله آيات حول (الغرانيق) ثم نُسخت تلك الآيات وحُذف من القرآن.

قال الملك(للوزير): وهل صحيح مايدّعيه العلوي؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكر المفسرون.

قال الملك: فكيف يُعتمد على قرآن محرّف؟

قال العلوي: إعلم أيه الملك أنّا لانقول بهذا الشئ وانما هذه مقالة اهل السنُة، وعلى هذا فالقرآن عندنا معتمد عليه لكن القرآن - عند السنة- لايمكن الاعتماد عليه!

قال العباسي: وقد وردت بعض الأحاديث في كتبكم وعن علمائكم؟

قال العلوي: تلك الاحاديث اولاً: قليلة، وثانياً: هي موضوعة ومزوّرة وضَعها أعداء الشيعة لتشويه سمعة الشيعة، وثالثاً: رواتها وأسنادها غير صحيحة، وما نقل عن بعض العلماء، فلايعتمد على كلامهم، وانما علماؤنا العظام الذين نعتمد عليهم لايقولون بالتحريف ولايذكرون كما تذكرون أنتم حيث تقولون ان الله أنزل آيات في مدح الأصنام فقال- وحاشاه ذلك- تلك الغرانيق العُلى منها الشفاعة تُرتجى.

قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلموا بغيره.

الكلام حول رؤية الله وصفاته

قال العلوي: والسنة ينسبون إلى الله تعالى مالايليق بجلال شأنه.

قال العبّاسي: مثل ماذا؟

قال العلوي: مثل أ،هم يقولون: ان الله جسم، وانه مثل الانسان يضحك ويبكي وله يدٌ ورجل وعين وعورة ويُدخل رجله في النار يوم القيامة، وانه ينزل من السماوات الى سماء الدنيا على حمارٍ له!

قال العباسي: وما المانع من ذلك، والقرآن يصرّح به (وجاء ربك) ويقول: (يوم يُكشف عن ساق) ويقول: (يد الله فوق أيديهم) والسُنة وردت بأن الله يُدخل رجله في النار.

قال العلوي: أمّا ماورد في السنة والحديث فهو باطل عندنا وكذب وافتراء، لأن أبا هريره وأمثاله كذبوا على رسول الله(ص) حتى أن عمر منع أبا

هريرة عن نقل الحديث وزَجره.

قال الملك -موجهاً الخطاب الى الوزير-: هل صحيح ان عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث؟

قال الوزير: نعم منعه كما في التواريخ.

قال الملك: فكيف نعتمد على أحاديث أبي هريرة؟

قال الوزير: لأن العلماء اعتمدوا على احاديثه.

قال الملك: اذن: يجب أن يكون العلماء أعلم من عمر لأن عمر منع أباهريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة؟!

قال العباسي: هَب -أيها العلوي- ان الأحاديث الواردة في السنة حول الله غير صحيحة، ولكن ماذا تصنع بالأيات القرآنية؟

المحكم والمتشابه في القرآن

قال العلوي: القرآن فيه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأُخر متشابهات وفيه ظاهر وباطن فالمحكم الظاهر يُعمل بظاهره، واما المتشابه فاللازم ان تنزّله على مقتضى البلاغة من ارادة المجاز والكناية والتقدير والاّ لايصح المعنى لاعقلاً ولاشرعاً فمثلاً: اذا حملت قوله تعالى (وجاء ربك) على ظاهره فقد عارضتَ العقل والشرع لأن العقل والشرع يحكمان بوجود الله في كل مكان وأنه لايخلو منها مكان أبداً، وظاهر الآية تقول بجسميّة الله، والجسم له حيّز ومكان، ومعنى هذا ان الله لو كان في السماء خلا منه الأرض ولو كان في الأرض خلال منه السماء، وهذا غير صحيح لاعقلاً ولاشرعاً.

إرتبك العباسي أمام هذا المنطق الصائب وتحيّر في الجواب ثم قال: اني لاأقبل هذا الكلام، وعلينا ان نأخذ بظواهر آيات القرآن.

قال العلوي: فما تصنع بالآيات المتشابهات؟؟، ثم انك لايمكنك ان تأخذ بظاهر كل القرآن، والاّ لزم ان يكون صديقك الجالس الى جنبك الشيخ احمد عثمان (و هو من علماء السنة وكان أعمى البصر) من أهل النار؟

قال العباسي: ولماذا؟

قال العلوي: لأن الله تعالى يقول: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) فحيث أن الشيخ أحمد أعمى

الآن في الدنيا فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، فهل ترضى بهذا ياشيخ أحمد؟

قال الشيخ: كلا، كلا، فان المراد ب_(الأعمى) في الآية المنحرف عن طريق الحق.

قال العلوي: اذن: ثبت انه لايتمكن الانسان ان يعمل بكل ظواهر القرآن.

وهنا اشتد الجدال حول ظواهر القرآن، هذا والعلوي يُفحم العباسي بالأدلة والراهين حتى قال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا الى غيره.

الجبر و التخيير

قال العلوي: ومن انحرافاتكم وأباطيلكم -أنتم السنة حول الله سبحانه انكم تقولون: ان الله يجبر العباد على المعاصي والمحرمات ثم يعاقبهم عليها؟

قال العباسي: هذا صحيح لأن الله يقول: (ومن يضلل الله) ويقول: (طبع الله على قلوبهم).

قال العلوي: أما كلامك انه في القرآن، فجوابه: ان القرآن فيه مجازات وكنايات يجب المصير اليها، فالمراد (بالضلال) ان الله يترك الانسان الشقي ويهمله حتى يضل، وذلك مثل قولنا: (الحكومة أفسدت الناس) فالمعنى انها تركتهم لشأنهم ولم تهتم بهم، هذا أولاً، وثانياً: ألم تسمع قول الله تعالى: (ان الله لايأمر بالفحشاء) وقوله سبحانه (إنّا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا، إنا هديناه النجدين)، وثالثاً: لايجوز عقلاً ان يأمر الله بالمعصية ثم يعاقب عليها، ان هذا بعيد من عوام الناس فكيف من الله العادل المتعال سبحانه وتعالى عما يقول المشركون والظالمون علوّاً كبيرا.

قال الملك: لا، لا، لايمكن أن يجبر الله الانسان على المعصية ثم يعاقبه، ان هذا هو الظلم بعينه، والله منزّه عن الظلم والفساد (وان الله ليس بظلاّم للعبيد)، ولكن لاأظن ان أهل السنة يلتزمون بمقالة العباسي؟

ثم وجّه خطابه الى الوزير وقال: هل أهل السنة يلتزمون بذلك؟

قال الوزير: نعم المشور بين أهل السنة ذلك!

قال الملك: كيف يقولون بما يخالف العقل؟

قال الوزير: لهم في ذلك تأويلات واستدلالات.

قال الملك: ومهما يكن من تأويل واستدلال، فلن

يُعقل ولاأرى إلاّ رأي السيد العلوي بأن الله لايجبر أحداً على الكفر والعصيان، ثم يعاقبه على ذلك؟!.

نبسة الإدعاء بأن النبي (ص) يشك بنبوته والتصرفات التي لا تليق بمقامه:

قال العلوي: ثم ان السنة يقولون ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان شاكّاً في نبوّته.

قال العباسي: هذا كذب صريح.

قال العلوي: ألستم ترون في كتبكم ان رسول الله قال(ماأبطأ عليّ جبرئيل مرة الاّ وظننت انه نزل على ابن الخطاب) مع العلم ان هناك آيات كثيرة تدل على ان الله اخذ الميثاق من النبي محمد(ص) على نبوّته؟

قال الملك -موجهاً الخطاب الى الوزير-: هل صحيح مايقوله العلوي من ان هذا الحديث موجود في كتب السنة؟

قال الوزير: نعم يوجد في بعض الكتب.

قال الملك: هذا هو الكفر بعينه.

قال العلوي: ثم ان السنة ينقلون في كتبهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمل عائشة على كتفيه لتتفرّج على المطبلين والمزمّرين، فهل هذا يليق بمقام رسول الله ومكانته؟

قال العباسي: انه لايضر.

قال العلوي: وهل انت تفعل هذا، وانت رجل عادي، هل تحمل زوجتك على كتفك لتتفرّج الى الطبّالين؟؟

قال الملك: ان من له أدنى حياء وغيرة لايرضى بهذا فكيف برسول الله و هو مثال الحياء والغيرة والايمان. فهل صحيح ان هذا موجود في كتب أهل السنة؟

قال الوزير: نعم موجود في بعض الكتب!

قال الملك: فكيف نؤمن بنبيٍّ يشكّ في نبوته؟

قال العباسي: لابد من تأويل هذه الرواية؟

قال العلوي: وهل تصلح هذه الرواية للتأويل؟، أعرفت ايها الملك ان اهل السنة يعتقدون بهذه الخرافات والأباطيل والخزعبلات؟

قال العباسي: واي اباطيل وخرافات تقصد؟

قال العلوي: لقد بيّنتُ لك انكم تقولون:

1- ان الله كالانسان له يد ورجل وحركة وسكون.

2- ان القرآن محرّف فيه زيادة ونقصان.

3- ان الرسول يفعل مالا يفعله حتى الناس العاديين من حمل عائشة على كتفه.

4- ان

الرسول كان يشكّ في نبوّته.

5- ان الذين جاؤوا الى الحكم قبل علي بن ابي طالب، استندوا الى السيف والقوة في اثبات انفسهم، ولاشرعيّة لهم.

6- ان كتبهم تروي عن ابي هريرة وامثاله من الوضّاعين والدجّالين والى غير ذلك من الأباطيل.

قال الملك: دعوا هذا الموضوع وانتقلوا إلى موضوع آخر.

فيمن نزلت (عبس و تولى)

قال العلوي: ثم ان السنة ينسبون الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالا يجوز حتى على الانسان العادي!

قال العباسي: مثل ماذا؟

قال العلوي: مثل انهم يقولون: ان سورة (عبس وتولَّى) نزلت في شأن الرسول!

قال العباسي: وما المانع من ذلك؟

قال العلوي: المانع قول الله تعالى: وانك لعلى خلق عظيم، وقوله: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، فهل يُعقل ان الرسول الذي يصفه الله تعالى بالخُلق العظيم ورحمة للعالمين ان يفعل بذلك الأعمى المؤمن هذا العمل اللاانساني؟؟

قال الملك: غير معقول ان يصدر هذا العمل من رسول الانسانية ونبي الرحمة، فاذن: ايها العلوي: فيمن نزلت هذه السورة؟

قال العلوي: الأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي الذين نزل القرآن في بيوتهم تقول أنها نزلت في عثمان بن عفان، وذلك لما دخل عليه ابن أم مكتوم فأعرض عنه عثمان وأدار ظهره اليه.

وهنا انبرى السيد جمال الدين (و هو من علماء الشيعة وكان حاضراً في المجلس) وقال: قد وقعت لي قصة مع هذه السورة وذلك: ان أحد علماء الانصاري قال لي: ان نبينا عيسى أفضل من نبيكم محمد(ص) قلت لماذا؟ قال: لأن نبيكم كان سيئ الاخلاق يعبس للعميان ويدير اليهم ظهره، بينما نبينا عيسى كان حسن الأخلاق يبرئ الأكمه والأبرص. قلت: ايها المسيحي اعلم اننا نحن الشيعة نقول ان السورة نزلت في عثمان بن عفان لافي رسول الله صلى الله عليه ولآله وسلم، وان

نبينا محمد (ص) كان حسن الاخلاق، جميل الصفات، جميد الخصال وقد قال فيه تعالى: (وانك لعلى خُلق عظيم) وقال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

قال المسيحي: لقد سمعت هذا الكلام الذي قلته لك من احد خطباء المسجد في بغداد!

قال العلوي: المشهور عندنا ان بعض رواة السوء وبايعي الضمائر نسبوا هذه القصة الى رسول الله ليُبرّؤا ساحة عثمان بن عفان فإنهم نسبوا الكذب الى الله والرسول وحتى ينزّهوا خلفاءهم وحكّامهم!

قال الملك: دعوا هذا الكلام وتكلّموا في غيره.

أحوال الخلفاء الثلاثة

ووصولهم إلى الحكم

قال العباسي: ان الشيعة تنكر إيمان الخلفاء الثلاثة، و هو غير صحيح اذ لو كانوا غير مؤمنين فلماذا صاهرهم رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم؟

قال العلوي: الشيعة يعتقدون انهم -اي الثلاثة- كانوا غير مؤمنين قلباً وباطناً وان أظهروا الاسلام لساناً وظاهراً والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل إسلام من تشهّد بالشهادتين ولو كان منافقاً واقعاً وكان يعاملهم معاملة المسلمين، فمصاهرة النبي لهم ومصاهرتهم للنبي من هذا الباب.

قال العباسي: وماهو الدليل على عدم إيمان ابي بكر؟

قال العلوي: الأدلة القطعية على ذلك كثيرة جداً، ومن جملتها: انه خان الرسول في مواطن كثيرة، منها: تخلّفه عن جيش أسامة ومعصية أمر الرسول في ذلك، والقرآن الكريم نفى الأيمان عن كل من يخالف الرسول، يقول تعالى: (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما).

فأبو بكر عصى أمر الرسول وخالفه فهو داخل في الآية التي تنفي إيمان مخالف الرسول.

وأضف الى ذلك ان رسول الله(ص) لعن المتخلّف عن جيش اسامة وقد ذكرنا سابقاً ان ابابكر تخلّف عن جيش اسامة: فهل يلعن رسولُ الله المؤمن؟

طبعاً: لا.

قال الملك: اذن يصح كلام العلوي انه

لم يكن مؤمناً!

قال الوزير: لأهل السنة في تخلّفة تأويلات.

قال الملك: وهل التأويل يدفع المحذور، ولو فتحنا هذا الباب لكان لكل مجرم ان يأتي لإجرامه بتأويلات؟

فالسارق يقول: سرقت لأني فقير، وشارب الخمر يقول: شربتُ لأنني كثير الهموم، والزاني يقول كذا وهكذا.. ويختل النظام ويتجرأ الناس على العصيان، لا.. لا.. التأويلات لاتنفعنا.

فاحمرّ وجه العباسي، وتحيّر، ماذا يقول، واخيراً... تلعثم وقال: وماهو الدليل على عدم ايمان عمر؟

قال العلوي: الأدلة كثيرة جداً، منها: انه صرّح بنفسه بعدم ايمانه!

قال العباسي: في أي موضع؟

قال العلوي: حيث قال: (ماشككتُ في نبوة محمد(ص) مثل شكّي يوم الحديبية) وكلامه هذا يدل: على انه كان شاكاً دائماً فيث نبوة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم، وكان شكّه يوم الحديبية اكثر واعمق واعظم من تلك الشكوك، فهل -ايها العباسي- قل لي بربك: الشاك في نبوة محمد(ص) يعتبر مؤمناً سكت العباسي وأطرق برأسه خجلاً.

فقال الملك- موجّهاً الخطاب الى الوزير-: هل صحيح قول العلوي ان عمر قال هكذا؟

قال الوزير: هكذا ذكر الرواة!

قال الملك: عجيب.. عجيب جداً.. اني كنت اعتبر عمر من السابقين الى الاسلام، واعتبر ايمانه ايماناً مثالياً، والآن ظهر لي ان في اصل إيمانه شك وشبهة!

قال العباسي: مهلاً ايها الملك، ابق على عقيدتك، ولا يخدعك هذا العلوي الكذاب.

فأعرض الملك بوجهه عن العباسي وقال مغضباً: ان الزوير نظام الملك يقول: ان العلوي صادق في كلامه، وان قول عمر الوارد في الكتب وهذا الأبله - يعني العباسي- يقول انه كاذب، اليس هذا العناد بعينه؟

أخبار عثمان بن عفان

ساد المجلس سكون رهيب، فقد غضب الملك وانزعج من كلام العباسي... وأطرق العباسي وسائر علماء السنة... وصمت الوزير.. وبقي العلوي رافعاً رأسه ينظر في وجه الملك، ليرى النتيجة؟.

مرّت لحظات صعبة على العباسي، تمنّى فيها ان

تنشق الأرض تحته فيغيب فيها، أو يأتيه ملك الموت فيقبض روحه فوراً، من شدّة الخجل وحَرج الموقف، فلقد ظهر بطلاب مذهبه، ولقد ظهرت خرافة عقيدته أمام الملك ووزيره وسائر العلماء والأركان.. ولكن: ماذا يصنع؟ لقد احضره الملك للسؤال والجواب، ولتمييز الحق من الباطل، ولهذا استجمع قواه ورفع رأسه وقال:

وكيف تقول ايها العلوي ان عثمان لم يكن مؤمناً في قلبه، وقد زوجه الرسول ببنتيه رقية وام كلثوم؟

قال العلوي: الأدلة في عدم ايمانه كثيرة ويكفي في ذلك: ان المسلمين -وفيهم الصحابة- اجتمعوا عليه فقتلوه، وانتم تروون ان النبي قال: (لاتجتمع أمتي على خطأ) فهل يجتمع المسلمون- وفيهم الصحابة- على قتل مؤمن؟

ولقد كانت عائشة تُشبّهه باليهود وتأمر بقتله وتقول: أُقتلوا نعثلاً- اسم رجل يهودي- فقد كفر، اقتلوا نعثلاً قتله الله، بُعداً لنعثل وسحقا.

وقد ضرب عثمان عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل حتى أُصيب بالفتق وصار طريح الفراش ومات.

وقد سفّر أباذر الغفاري، ذلك الصحابي الجليل الذي قال فيه الرسول: (ماأظلّت الخضراء ولاأقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، ونفاه وأبعده من المدينة المنورة الى الشام مرة أو مرتين ثم الى الربذة- وهي أرض جرداء بين مكة والمدينة- حتى مات أوب ذر في الربذة جوعاً وعطشا- في الوقت الذي كان عثمان يتقلّب في بيت مال المسلمين ويوزّع الأموال على أقاربه من الأمويين والمروانيين-!.

قال الملك للوزير: وهل يصدق العلوي في كلامه هذا؟

قال الوزير: ذكر ذلك المؤرّخون!

قال الملك: فكيف اتّخذه المسلمون خليفة؟

قال الوزير: بالشورى.

قال العلوي: مهلاً أيها الوزير، لاتقل ماليس بصحيح!

قال الملك: ماذا تقول أيها العلوي؟

قال العلوي: ان الوزير أخطأ في كلامه، ان عثمان لم يأت الى الحكم إلا بوصية من عمر وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط وهم: طلحة

وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، فهل هؤلاء المنافقين الثلاثة يمثّلون المسلمين جميعاً؟

ثم ان التواريخ تذكر ان هؤلاء المنتخبين عدلوا عن عثمان عندما رأوا طغيانه وهتكه لأصحاب رسول الله ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار اليهودي وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان!

قال الملك- موجّهاً الخطاب الى الوزير-: هل صحيح كلام العلوي؟

قال الوزير: نعم، كذا يذكر المؤرخون!

قال الملك: فكيف قلت انه جاء إلى الخلافة بالشورى؟

قال الوزير: كنت أقصد شورى هؤلاء الثلاثة!

قال الملك: وهل إختيار ثلاثة أشخاص يصحح الشورى!

قال الوزير: ان هؤلاء الثلاثة شهد لهم رسول الله(ص) بالجنة؟!

حديث العشرة المبشرين بالجنة

قال العلوي: مهلاً أيها الوزير، لاتقل ماليس بصحيح ان حديث (العشرة المبشّرة بالجنة) كذب وافتراء على رسول الله(ص)!

قال العباسي: وكيف تقول انه كذب وقد رواه الرواد الموثّقون؟

قال العلوي: هناك أدلّة كثيرة على كذب هذا الحديث وبطلانه، أذكر لك منها ثلاثة:

الأول: كيف يشهد رسول الله بالجنة لمن آذاه و هو طلحة؟

فقد ذكر بعض المفسّرين والمؤرخّين ان طلحة قال: "لئن مات محمد لننكحن أزواجه من بعده- أو- لأتزوجنّ عائشة" فتأذّى رسول الله من كلام طلحة وأنزل الله قوله: "وماكان لكم أن تؤذوا رسول الله ولاان تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلك كان عند الله عظيما".

الثاني: ان طلحة والزبير قاتلا الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام وقد قال رسول الله (ص) في حق علي عليه السلام: "ياعلي حربُك حربي وسلمك سلمي"، وقال: "من أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني"، وقال: "علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، وقال: "علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق معه حيثما دار"، فهل: محارب

رسول الله وعاصيه يكون في الجنة؟. وهل محارب الحق والقرآن يكون مؤمناً؟

الثالث: ان طلحة والزبير سعيا في قتل عثمان، فهل من الممكن أن يكون عثمان وطلحة والزبير كلهم في الجنة، وقد قاتل بعضهم بعضاً، ويقول رسول الله (ص) -في حديث له-: القاتل والمقتول كلاهما في النار؟؟

قال الملك متعجباً: هل كل مايقوله العلوي صحيح؟

هنا سكت الوزير، ولم يقل شيئاً.

وسكت العباسي وجماعته ولم ينطقوا شيئاً.

ماذا يقولون؟

أيقولون الحق؟ وهل يسمح الشيطان بالاعتراف بالحقظ وهل ترضى النفس الأمّارة بالسوء أن تخضع للحق والواقع؟ أتظن ان الاعتراف بالحق أم سهل وبسيط؟

كلا.. انه صعب جداً، لأنه يستدعي سحق العصبية الجاهلية ومخالفة الهوى، والناس أتباع الهوى والباطل إلا المؤمنين وقليلٌ ماهُم!

... مزَّق السيد العلوي ستار الصمت والسكوت فقال:

أيها الملك: ان الوزير والعباسي وكل هؤلاء العلماء يعلمون صدق كلامي وصحّة مقالتي، وحقيقة حديثي، ولو أنكروا ذلك، فان في بغداد من العلماء من يشهد على صدق كلامي وصحته وحقيقته، وانَّ في خزانة هذه المدرسة كتب تشهد بصدق كلامي، ومصادر معتبرة تصرّح بصحة مقالتي وحقيقته... فان اعترفوا بصدق كلامي فهو المطلوب، وإلاّ فأنا مستعد آلان الآن أن آتي اليك بالكتب والمصادر والشهود!

قال الملك (متوجّهاً الى الوزير): هل كلام العلوي صحيح من أنّ الكتب والمصادر تصرّح بصحة مقالته وصدق حديثه؟

قال الوزير: نعم.

قال الملك: فلماذا سكتَّ في أول الأمر؟

قال الوزير: لأني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله(ص)!

قال العلوي: عجيب! أنت تكره ذلك والله ورسوله لم يكرها ذلك حيث انه تعالى عرّف بعض الصحابة بالمنافقين وأمر رسوله بجهادهم كما يجاهد الكفار، والرسول بنفسه لعن بعض أصحابه!

عدالة الصحابة

قال الوزير: ألم تسمع أيها العلوي قول العلماء: ان كل أصحاب الرسول عدول؟

قال العلوي: سمعتُ ذلك، ولكني اعرف انه كذب وافتراء،

اذ كيف يمكن أن يكون كل أصحاب الرسول عدول وقد لعن اللهُ بعضهم، ولعن الرسول بعضهم، ولعن بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضاً، وشتم بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم بعضاً؟؟

وهنا وجد العباسي الباب مسدوداً أمامه، فجاء من باب آخر وقال: أيها الملك: قل لهذا العلوي إذا لم يكن الخلفاء مؤمنين فكيف اتخذهم المسلمون خلفاء، واقتدوا بهم؟

قال العلوي: أولاً: لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء وإنما أهل السنة فقط.

ثانياً: ان هؤلاء الذين يعتقدون بخلافتهم ينقسمون إلى قسمين: جاهل ومعاند، أما الجاهل فلا يعرف فضائحهم وحقائقهم وإنما يتصورهم أناساً طيبين مؤمنين، وأما المعاند فلا ينفعه الدليل والبرهان مادام قد أصرَّ على العناد واللجاج، يقول تعالى: "ولو جئتهم بكل آية لايؤمنون"، ويقول سبحانه: "سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون"!

ثالثاً: ان هؤلاء الذين اتخذوهم خلفاء أخطئوا في الاختيار، كما أخطأ المسيحيون حيث قالوا: "المسيح ابن الله"، وكما أخطأ اليهود حيث قالوا: (عُزير ابن الله)، فالانسان يجب عليه أن يطيع الله والرسول وأن يتبع الحق لا أن يتبع الناس على الخطأ والباطل، يقول تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول".

قال الملك: دعوا هذا الكلام، وتكلّموا حول موضوع آخر.

قال العلوي: ومن إشتباهات أهل السنة وأخطاءهم أنهم تركوا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتبعوا كلام الأولين.

قال العباسي: ولماذا؟

قال العلوي: لأن علي بن أبي طالب عيَّنه الرسول(ص) وأولئك الثلاثة لم يعيّنهم الرسول؛ ثم أردف قائلاً:

أيها الملك: انك لو عيَّنتَ في مكانك ولخلافتك إنساناً فهل يجب ان يتبعك الوزراء وأعضاء الحكومة؟ أم يحق لهم أن يعزلوا خليفتك، ويعيِّنوا إنساناً آخر مكانك؟

قال الملك: بل الواجب أن يتبعوا خليفتي الذي عيَّنته أنا، وأن يقتدوا به ويطيعوا أمري فيه.

قال العلوي: وهكذا فعل الشيعة، فقد اتبعوا خليفة رسول الله الذي عينه(ص)

بأمر من الله تعالى و هو علي بن أبي طالب وتركوا غيره.

قال العباسي: لكن علي بن أبي طالب لم يكن أهلاً للخلافة حيث أنه كان صغير العمر، بينما كان أبو بكر كبير العمر، وكان علي بن أبي طالب قد قتل صناديد العرب وأباد شجعانهم فلم تكن العرب ترضى به، ولم يكن أبو بكر كذلك!

قال العلوي: أسمعتَ أيها الملك ان العباسي يقول: ان الناس أعلم من الله ورسوله في تعيين الأصلح، لأنه لايأخذ بكلام الله ورسوله في تعيين علي بن أبي طالب، ويأخذ بكلام بعض الناس في أصلحية أبي بكر، كأنَّ الله العليم الحكيم لايعرف الأصلح والأفضل حتى يأتي بعض الناس الجهّال فيختاروا الأصلح؟ ألم يقل الله تعالى: "وماكان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرَة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا"؟

ألم يقل سبحانه: "ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم"؟

قال العباسي: كلا اني لم أقُل ان الناس أعلم من الله ورسوله.

قال العلوي: إذن لامعنى لكلامك، فان كان الله والرسول قد عيّنا إنساناً واحداً للخلافة والإمامة، فاللازم أن تقتدي به، سواء رضي به الناس أم لا!

مؤهلات الإمام علي عليه السلام دون غيره:

قال العباسي: لكن المؤهّلات في علي بن أبي طالب كانت قليلة؟

قال العلوي: أولاً: معنى كلامك ان الله لم يكن يعرف علي ابن أبي طالب حق المعرفة، فلم يكن يعلم ان مؤهلاته قليلة ولهذا عيّنه خليفة وهذا هو الكفر الصريح، وثانياً: ان الواقع ان مؤهّلات الخلافة والامامة كانت متوفرة كاملاً في علي بن أبي طالب، بينما لم تكن متوفرة في غيره!

قال العباسي: وماهي تلك المؤهّلات -مثلاً-؟

قال العلوي: ان مؤهلاته عليه السلام كثيرة جداً، فأوّل المؤهلات تعيين الله وتعيين رسوله له

عليه السلام.

وثانيها: انه كان أعلم الصحابة على الاطلاق، فهذا رسول الله يقول: "أقضاكم علي"، ويقول عمر بن الخطاب (أقضانا علي)، ويقول رسول الله: "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة والحكمة فليأت الباب"، وقال هو عليه السلام: "علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب"، ومن الواضح ان العالم مقدّم على الجاهل يقول تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون والذي لايعلمون".

وثالثها: أنه عليه السلام كان مستغنياً عن غيره، وغيرهُ كان محتاجاً اليه، ألم يقل أبوبكر: "أقيلوني فلست بخيّر فيكم وعليٌ فيكم"؟

ألم يقل عمر في أكثر من سبعين موضع: "لولا علي لهلك عمر"؟،"ولا أبقاني الله لمعضلة لست فيها ياأبا الحسن"، و"لايفتينَّ أحدكم في المسجد وعلي حاضر"؟

ورابعها: ان علي بن أبي طالب(عليه السلام) لم يكن قد عصى الله ولم يكن قد عبد غير الله، ولم يكن قد سجد للأصنام طيلة حياته أبداً، وهؤلاء الثلاثة كانوا قد عصوا الله وعبدوا غيره وسجدوا للأصنام وقد قال الله تعالى: "لاينال عهدي الظالمين" ومن الواضح أن العاصي ظالمٌ، فلا يكون مؤهّلاً لنيل عهد الله أي: النبوة والخلافة.

خامسها: ان علي بن أبي طالب كان ذا فكر سليم وعقل كبير ورأي صائب منبعث من الاسلام، بينما كان غيره ذا رأي سقيم منبعث من الشيطان، فقد قال أبو بكر: ان لي شيطاناً يعتريني.

عمر بن الخطاب و اجتهاده أمام النص

وقد خالف عمر رسول الله في مواضع عديدة، وكان عثمان ضعيف الرأي تؤثّر فيه حاشيته السيئة أمثال: الوزغ بن الوزغ الذي لعنه رسول الله ولعن من في صلبه -إلا المؤمن وقليل ماهم-: (مروان بن الحكم) وكعب الأحبار اليهودي وغيرهما!

قال الملك (موجهاً الخطاب إلى الوزير): هل صحيح ان أبابكر قال: (ان لي شيطاناً يعتريني)؟

قال الوزير: هذا

موجود في كتب الروايات!.

قال الملك: وهل صحيح ان عمر خالف رسول الله؟

قال الوزير: نستفسر من العلوي ماذا يقصد من هذا الكلام؟

قال العلوي: نعم ذكر علماء السنة في الكتب المعتبرة عمر ردّ على رسول الله(ص) في موارد عديدة، وخالفه مواطن كثيرة، منها:

1- حين أراد النبي أن يصلي على عبد الله بن أُبي، فقد ردّ عمر على رسول الله رداً نابياً وقاسياً حتى تأذّى منه رسول الله والله يقول: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم) 2- حين أمر رسول الله(ص) بالفصل بين عمرة التمتع وحج التمتع وجوّز مقاربة الرجل وزوجته بين العمرة والحج، فاعترض عليه عمر وقال هذه العبارة البشعة:)أنُحرم ومذاكيرنا تقطر منيّا) فردَّ عليه النبي(ص) قائلاً: انك لم تؤمن بهذا أبداً، وبهذه العبارة عرَّفه النبي بأنه -أي عمر- ممن يؤمن ببعض ويكفر ببعض.

3- في متعة النساء، حيث لم يؤمن بها، ولما جاء إلى الحكم، وغصب كرسي الخلافة قال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أُحرِّ مهما وأُعاقب عليهما) بينما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) حيث ذكر المفسرون أنها نزلت في جواز المتعة، وقد كان عمل المسلمين على هذه حتى أيام عمر، فلمَّا حرّمها عمر كثُر الزنا والفجور بين المسلمين، وبهذا العمل عطَّل عمر حكم الله وسنَّة رسول الله، وروَّج الزنا والفجور!، وصار مشمولاً للأية: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.. الفاسقون.. الكافرون).

4- في صلح الحديبية - كما مرّ-.

إلى غيرها من الموارد التي كان عمر يخالف رسول الله ويؤذيه بقساوة كلامه!

زواج المتعة:

قال الملك: وفي الحقيقة اني أيضاً لاأرضى بمتعةالنساء!

قال العلوي: هل أنت تعترف بأنه تشريع إسلامي أم لا؟

قال الملك: لا أعترف.

قال العلوي: فما معنى الآية:

(فما استمتعتم به منهن فآتوهن أُجورهن)؟ وما معنى قول عمر: (متعتان كانتا... الخ)؟

ألا يدل قول عمر على أن متعة النساء كانت جائزة وجارية في عهد رسول الله، وفي أيام حكم أبي بكر، وفي جزء من حكم عمر ثم نهى عنها ومنعها؟

بالاضافة إلى سائر الأدلة وهي كثيرة، أيها الملك: ان عمر نفسه كان يتمتع بالنساء وان عبد الله بن الزبير وُلد من المتعة!

قال الملك: ماذا تقول يانظام الملك؟

قال الوزير: حجة العلوي سليمة وصحيحة، ولكن حيث ان عمر نهى، يلزم علينا اتباعه.

قال العلوي: هل الله والرسول أحق بالاتباع أم عمر؟

ألم تقرأ أيها الوزير قوله تعالى: (ماآتاكم الرسول فخذوه) وقوله: (وأطيعوا الرسول)، وقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة)، والحديث المشهور: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة)؟

قال الملك: إني أؤمن بكل تشريعات الاسلام، لكن لاأفهم وجه العلَّة في تشريع المتعة، فهل يرغب أحدكم أن يعطي بنته أو أخته لرجل، كي يتمتع بها ساعة، أليس هذا قيحاً؟.

قال العلوي: وما تقول في هذا أيها الملك: هل يرغب الانسان أن يزوج بنته أو أخته عقداً دائماً لرجل، و هو يعلم انه يطلقها بعد ساعة من الاستمتاع بها؟

قال الملك: لاأرغب ذلك.

قال العلوي: مع ان أهل السنة يعترفون بأن هذا العقد الدائم صحيح، والطلاق بعده صحيح أيضاً، فليس الفارق بين عقد المتعة والعقد الدائم إلاّ ان المتعة تنتهي بانتهاء مدَّتها والعقد الدائم ينقطع بالطلاق، وبعبارة أخرى: عقد المتعة بمنزلة الاجارة، وعقد الدوام بمنزلة الملك، حيث ان الاجارة تنتهي بانتهاء المدة والملك ينتهي بالبيع - مثلاً-!

إذن: فتشريع المتعة سليم وصحيح لأنه قضاء حاجة من حاجات الجسد. كما ان تشريع الدوام الذي ينقطع بالطلاق سليم وصحيح لأنه قضاء

حاجة من حاجات الجسد.

ثم أسألك - أيها الملك- ماتقول في النساء الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن ولم يتقدَّم أحد لخطبتهن: أليس عقد المتعة هو العلاج الوحيد لصيانتهن من الفساد والفجور؟

أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى؟

وماتقول في الشباب والرجال الذين لايسمح لهم ظروفهم بالزواج الدائم أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية الطائشة؟! وللوقاية من الفسق والميوعة؟

أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش واللواط والعادة السريَّة؟

انني أعتقد- أيها الملك- ان كل جريمة زنا أو لواط أو استمناء تقع بين الناس، يعود سببها إلى عمر، ويشترك في إثمهم عمر، لأنه الذي منعها، ونهى الناس عنها! وقد ورد في أخبار متعددة: ان الزنا كثُر بين الناس منذ أن منع عمر المتعة!

أما قولك- أيها الملك- اني لاأرغب...الخ، فالاسلام لم يجبر أحداً على هذا، كما لم يجبرك على أن تزوّج بنتك لمن تعلم انه يطلقها بعد ساعة من عقد النكاح، بالاضافة الى انَّ عدم رغبتك ورغبة الناس في شئ لايقوم دليلاً على حرمته، فحكم الله ثابت لايتغيَّر بالأهواء والآراء!

قال الملك - موجّهاً الخطاب للوزير-: حجة العلوي في جواز المتعة قويّة!

قال الوزير: لكن العلماء اتبعوا راي عمر.

قال العلوي: أولاً: إن الذين اتَّبعوا رأي عمر هم علماء السنة فقط لاكل العلماء.

ثانياً: حكم الله ورسوله أحق بالاتباع أم قول عمر؟

وثالثاً: ان علماءكم ناقضوا بأنفسهم قول عمر وتشريعه.

قال الوزير: كيف؟

قال العلوي: لأن عمر قال: (متعتان كانتا في عهد رسول الله أنا أحرمهما: متعة الحج ومتعة النساء) فإن كان قول عمر صحيحاً فلماذا لم يتبع علماءكم رأيه في متعة الحج؟ حيث أن علماءكم خالفوا عمر وقالوا: بأن متعة الحج صحيحة، على الرغم من تحريم عمر!

وإن كان قول عمر باطلاً

فلماذا اتبع علماءكم رأيه في حرمة متعة النساء، ووافقوه؟

الوزير سكت ولم يقل شيئاً.

قال الملك -موجّهاً الكلام إلى الحاضرين-: لماذا لاتجيبون العلوي؟

فقال أحد علماء الشيعة واسمه الشيخ حسن القاسمي: الايراد والاشكال وارد على عمر وعلى من تبعه، ولهذا ليس لهؤلاء -أيها الملك- جواب على إيراد سيدنا العلوي حفظه الله تعالى.

قال الملك: إذن دعوا هذا الموضوع وتكلَّموا حول موضوع آخر.

عمر بن الخطاب و الفتوحات

قال العباسي: ان هؤلاء الشيعة يزعمون أنه لافضل لعمر وكفاه فضلاً انه فتح تلك الفتوحات الإسلامية.

قال العلوي: عندنا لذلك أجوبة:

أولاً: ان الحكام والملوك يفتحون البلاد لأجل توسعة أراضيهم وسلطانهم، فهل هذه فضيلة؟

ثانياً: لو سلّمنا أن فتوحاته فضيلة، لكن هل الفتوحات تبرّر غصبه لخلافة الرسول؟ والحال ان الرسول لم يجعل الخلافة له وإنما جعلها لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)... فإذا أنت -أيها الملك- عيَّنتَ خليفة لمقامك، ثم جاء إنسان وغصب الخلافة من خليفتك وجلس مجلسه، ثم فتح الفتوحات وعمل الصالحات، فهل ترضى أنت بفتوحاته أم تغضب عليه، لأنه خلع من عيَّنته، وعزل خليفتك وجلس مجلسك بغير إذنك؟

قال الملك: بل أغضب عليه وفتوحاته لاتغسل جريمته!

قال العلوي: وكذلك عمر، غصب مقام الخلافة، وجلس مجلس الرسول بغير إذن من الرسول!

ثالثاً: ان فتوحات عمر كانت خاطئة وكان لها نتائج سلبية معكوسة، لأن رسول الاسلام(ص) لم يهاجم أحداً، بل كانت حروبه دفاعية ولذلك رغب الناس في الاسلام ودخلوا في دين الله أفواجا لأنهم عرفوا ان الاسلام دين سِلم وسلام، أمّا عمر فإنه هاجم البلاد وأدخلهم في الاسلام بالسيف والقهر، ولذلك كره الناس الاسلام واتهموه بأنه دين السيف والقوة، لادين المنطق واللِّين وصار ذلك سبباً لكثرة أعداء الإسلام، فإذن: فتوحات عمر شوَّهت سمعة الاسلام وأعطت نتائج سلبية معكوسة.

ولو لم يغصب أبو بكر وعمر وعثمان

الخلافة من صاحبها الشرعي: الإمام علي عليه السلام، وكان الإمام يتسلم مهام الخلافة بعد الرسول مباشرة لكان يسير بسيرة الرسول ويقتفي أثره، ويطبّق منهاجه الصحيح، وكان ذلك موجباً لدخول الناس في دين الإسلام أفواجاً، ولكانت رقعة الإسلام تتسع حتى تشمل وجه الكرة الأرضية!

ولكن: لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.

وهنا تنفّس السيد العلوي تنفساً عميقاً، وتأوّه من صميم قلبه وضرب بيد على أخرى أسفاً وحزناً على ماحلّ بالاسلام بعد وفاة رسول الله(ص) بسبب غصب الخلافة من صاحبها الشرعي: الإمام علي عليه السلام.

فتوحات الإمام علي (عليه السلام)

قال الملك- موجّهاً الكلام إلى العباسي-: ماهو جوابك على كلام العلوي؟

قال العلوي: الآن وحيث سمعت هذا الكلام، وتجلّى لك الحق فاترك خلفائك، واتّبع خليفة رسول الله الشرعي (علي ابن أبي طالب عليه السلام).

ثم أردف العلوي قائلاً: عجيب أمركم معاشر السنة تنسون وتتركون الأصل وتأخذون بالفرع.

قال العباسي: وكيف ذلك؟

قال العلوي: لأنكم تذكرون فتوحات عمر، وتنسون نوحات علي بن أبي طالب!

قال العباسي: وماهي فتوحات علي بن أبي طالب؟

قال العلوي: أغلب فتوحات الرسول حصلت وتحققت على يد الإمام علي بن أبي طالب مثل بدر وفتح خيبر وحنين وأُحُد والخندق وغيرها.. ولولا هذه الفتوحات التي هي أساس الإسلام لم يكن عمر، ولم يكن هنالك إسلام ولاإيمان، والدليل على ذلك ان النبي(ص) قال- لمّا برز عليٌ لقتل عمرو بن عبد ودّ في يوم الأحزاب (الخندق)-: (برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلِّه، إلهي إن شئت أن لاتُعبَد فلا تُعبَد) أي: إن قُتل علي تجرَّأ المشركون على قتلي وقَتلِ المسلمين جميعاً، فلا يبقى يعده إسلام ولاإيمان. وقال(ص): ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين، فصحَّ أن نقل ان الاسلام محمَّديّ الوجود علويّ البقاء، وان الفضل الله ولعلي في بقاء الاسلام!

ما ورد في أبي بكر و خالد بن الوليد

قال العباسي: لو فرضنا أن قولكم في أن عمر كان مخطئاً وغاصباً وأنه غيَّر وبدَّل صحيح، ولكن لماذا تكرهون أبابكر؟

قال العلوي: نكرهه لعدة أمور، أذكر لك منها أمرين:

الأول: ما فعله بفاطمة الزهراء بنت رسول الله، و سيدة نساء العالمين- عليها الصلاة و السلام-.

الثاني: رفعه الحدّ عن المجرم الزاني: خالد بن الوليد.

قال الملك- متعجباً-: وهل خالد بن الوليد مجرم؟

قال العلوي: نعم.

قال الملك: و ماهي جريمته؟

قال العلوي: جريمته انه: أرسله أبو بكر إلى الصحابي الجليل: (مالك بن نويرة)- الذي بشَّره رسولُ الله أنه

من أهل الجنة- وأمره- أي: أمر أبو بكر خالداً- أن يقتل مالك وقومه، وكان مالك خارج المدينة المنورة فلما رأى خالداً مقبلاً اليه في سرّية من الجيش أمر مالك قومه بحمل السلاح، فحملوا السلاح، فلما وصل خالد اليهم احتال وكذب عليهم وحلف لهم بالله انه لايقصد بهم سوءاً وقال: اننا لم نأت لمحاربتكم بل نحن ضيوف عليكم الليلة، فاطمأنَّ مالك - لمّا حلف خالد بالله- بكلام خالد ووضع هو وقومه السلاح وصار وقت الصلاة فوقف مالك وقومه للصلاة فهجم عليهم خالد وجماعته وكتّفوا مالكاً وقومه ثم قتلهم المجرم خالد عن آخرهم، ثم طمع خالد في زوجة مالك (لما رآها جميلة) وزنى بها في نفس الليلة التي قتل زوجها، ووضع رأس مالك وقومه أثافي للقدر وطبخ طعام الزنا وأكل هو وجماعته!، ولمّا رجع خالد إلى المدينة أراد عمر أن يقتص منه لقتله المسلمين ويجري عليه الحد الزناه بزوجة مالك ولكن أبابكر (المؤمن!) منع عن ذلك منعاً شديداً، وبعمله هذا أهدر دماء المسلمين وأسقط حدّاً من حدود الله!

قال الملك (متوجهاً الى الوزير): هل صحيح ماذكره العلوي في حق خالد وأبي بكر؟

قال الوزير: نعم هكذا ذكر المورخّون!.

قال الملك: فلماذا يسمي بعض الناس خالداً ب_(سيف الله المسلول)؟

قال العلوي: إنه سيف الشيطان المشلول ولكن حيث أنه كان عدواً لعلي بن أبي طالب وكان مع عمر في حرق باب دار فاطمة الزهراء سمّاه بعض السنة بسيف الله!

قال الملك: وهل أهل السنة أغداء علي بن أبي طالب؟

قال العلوي: إذا لم يكونوا أعداءه فلماذا مدحورا من غصب حقه والتفوا حول أعداءه وأنكروا فضائله ومناقبه حتى بلغ بهم الحقد والعداء إلى أن يقولوا:(إن أبا طالب مات كافراً) والحال إن أبا طالب كان مؤمناً و

هو الذي نصر الاسلام في أشد ظروفه ودافع عن النبي في رسالته!

الثلاثة المسلمين الأوائل

وبغض المؤرخين لهم وذريتهم

قال الملك: وهل ان أبا طالب أسلم؟

قال العلوي: لم يكن أبو طالب كافراً حتى يسلم، بل كان مؤمناً يخفي إيمانه، فلما يُعث رسول الله (ص) أظهر أبو طالب الاسلام على يده فهو ثالث المسلمين: أولهم علي بن أبي طالب، والثاني: السيد خديجة الكبرى زوجة النبي(ص)، والثالث: هو أبو طالب (عليه السلام).

قال الملك للوزير: هل صحيح كلام العلوي في حق أبي طالب؟

قال الوزير: نعم ذكر ذلك بعض المؤرّخين.

قال الملك: فلماذا اشتهر بين أهل السنة أن أبا طالب مات كافراً؟

قال العلوي: لأن أبا طالب أبو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام فحقد أهل السنة على علي بن أبي طالب أوجب أن يقولوا: ان أباه مات كافراً، كما أن حقد السنة على (علي) أوجب أن يقتلوا ولديه الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، حتى قال أهل السنة الذين حضروا كربلاء لقتل الحسين: نقاتلك بُعضاً منّا لأبيك ومافعل بأشياخنا يوم بدر وحنين!

قال الملك- موجهاً الكلام إلى الوزير-: هل قال هذا الكلام قتَلة الحسين؟

قال الوزير: ذكر المؤرخون أنهم قالوا هذا الكلام للحسين!

قال الملك للعباسي: فما جوابك عن قصة خالد بن الوليد؟

قال العباسي: ان أبابكر رأى المصلحة في ذلك!

قال العلوي - متعجباً-: سبحان الله! وأي مصلحة تقتضي أن يقتل خالد الأبرياء ويزني بنسائهم ثم يبقى بلا حدّ ولاعقاب، بل يفوّض اليه قيادة الجيش، ويقول فيه أبو بكر انه سيف سلّه الله، فهل سيف الله يقتل الكفار أو المؤمنين وهل سيف الله يحفظ أعراض المسلمين أو يزني بنساء المسلمين؟

قال العباسي: هَب -أيها العلوي- أن أبابكر أخطأ لكن عمر تدارك الأمر!

قال العلوي: تدارك الأمر هو أن يجلد خالد

للزنا، ويقتله لقتله الأبرياء المؤمنين، ولم يفعل ذلك عمر، فعمر أخطأ كما أخطأ أبو بكر من قبله.

فاطمة الزهراء (عليها السلام) والخلفاء

قال الملك: انك أيها العلوي قلت في أول الكلام ان أبابكر أساء إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) فما هي إساءته إلى فاطمة؟

قال العلوي: ان أبابكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالارهاب والسيف والتهديد والقوة أرسل عمراً وقنفذاً وخالد بن الوليد وأبا عبيدة الجراح وجماعة أخرى- من المنافقين- إلى دار علي وفاطمة (عليهما السلام) وجمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة (ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله وقال: السلام عليكم ياأهل بيت النبوة، وما كان يدخله إلاّ بعد الاستئذان) وأحرق الباب بالنار، ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه عَصَر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها ونبت بسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة: أبتاه يارسول الله انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! فالتفت عمر إلى مَن حوله وقال: إضربوا فاطمة، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله وبضعته حتى أدموا جسمها!

وبقيت آثار هذه العصرة القاسية والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة، فأصبحت مريضة عليلة حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيّام - ففاطمة شهيدة بيت النبوة، فاطمة قُتلت بسبب عمر بن الخطاب!

قال الملك للوزير: هل مايذكره العلوي صحيح؟

قال الوزير: نعم اني رأيت في التواريخ مايذكر العلوي!.

قال العلوي: وهذا هو السبب لكراهة الشيعة أبا بكر وعمر!

وأضاف العلوي قائلاً: ويدلّك على وقوع هذه الجريمة أبي بكر وعمر أن المؤرّخين ذكروا ان فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر وقد ذكر الرسول(ص) في عدة أحاديث له: (ان الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها وأنت أيها الملك تعرف

ما هو مصير من غضب الله عليه!؟

قال الملك (موجهاً الخطاب للوزير): هل صحيح هذا الحديث؟ وهل صحيح ان فاطمة ماتت وهي واجدة -أي غاضبة- على أبي بكر وعمر؟

قال الوزير: نعم ذكر ذلك أهل الحديث والتاريخ!

قال العلوي: ويدلّك أيها الملك على صدق مقالتي: أن فاطمة أوصت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن لايُشهد أبابكر وعمر وسائر الذين ظلموها جنازتها، فلا يصلُّوا عليها، ولايحضروا تشييعها، وأن يخفي عليٌ قبرها حتى لايحضروا على قبرها، ونفّذ عليٌ (عليه السلام) وصاياها!

قال الملك: هذا أمر غريب، فهل صدر هذا الشئ من فاطمة وعلي؟

قال الوزير: هكذا ذكر المؤرّخون!

قال العلوي: وقد آذى أبو بكر وعمر فاطمة أذية أخرى!

قال العباسي: وماهي تلك الأذيّة؟

قال العلوي: هي أنهما غصبا مِلكها (فدك.

قال العباسي: وماهو الدليل على أنهما غصبا (فدك)؟

قال العلوي: التواريخ ذكرت أن رسول الله(ص) أعطى فدكاً لفاطمة فكانت فدك في يدها - في أيام رسول الله- فلما قُبض النبي(ص) أرسل ابوبكر وعمر من أخرج عمّال فاطمة من (فدك) بالجبر والسيف والقوة، واحتجّت فاطمة على أبي بكر وعمر لكنهما لم يسمعا كلامها، بل نهراها ومنعاها، ولذلك لم تكلّمهما حتى ماتت غاضبة عليهما!.

قال العباسي: لكن عمر بن عبد العزيز ردّ فدك على أولاد فاطمة- في أيام خلافته-؟

قال العلوي: وما الفائدة؟ فهل لو أن انساناً غصب منك دارك وشرّدك ثم جاء إنسان آخر بعد أن متَّ أنت، وردّ دارك على أولادك كان ذلك يمسح ذنب الغاصب الأول؟

قال الملك: يظهر من كلامكما -أيها العباسي والعلوي- أن الكل متفقون على غصب أبي بكر وعمر فدكاً؟

قال العباسي: نعم ذكر ذلك التاريخ.

قال الملك: ولماذا فعلا ذلك؟

قال العلوي: لأنهما أرادا غصب الخلافة، وعلما بأن فدك لو بقيت بيد فاطمة لبذلت ووزّعت واردها

الكثير (مائة وعشرون ألف دينار ذهب -على قول بعض التواريخ-) في الناس، وبذلك يلتف الناس حول علي عليه السلام، وهذا ماكان يكرهه أبو بكر وعمر!

قال الملك: إذا صحت هذه الأقوال فعجيب أمر هؤلاء! وإذا بطلت خلافة هؤلاء الثلاثة، فمن ياتُرى يكون خليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟

الخلفاء اثنا عشر

قال العلوي: لقد عيّن الرسول بنفسه- وبأمر من الله تعالى- خلفاءه من بعده، في الحديث الوارد في كتب الحديث حيث قال: (الخلفاء بعدي اثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل وكلهم من قريش).

قال الملك للوزير: هل صحيح أن الرسول قال ذلك؟

قال الوزير: نعم.

قال الملك: فمن هم اولئك الاثنا عشر؟

قال العباسي: اربعة منهم معروفون وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

قال الملك: فمن البقية؟

قال العباسي: خلاف في البقية بين العلماء.

قال الملك: عدّهم.

فسكت العباسي.

قال العلوي: أيها الملك: الآن أذكرهم لك بأسمائهم حسب ماجاء في كتب علماء السنة وهم: علي، الحسن، الحسين، علي، محمد، جعفر، موسى، علي، محمد، علي، الحسن، المهدي عليهم الصلاة والسلام.

المهدي المنتظر (ع)

قال العباسي: اسمع ايها الملك: ان الشيعة يقولون بأن (المهدي) حي في دار الدنيا منذ سنة (255) وهل هذا معقول؟ ويقولون: انه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعد ان تملأ جورا.

قال الملك (موجهاً الخطاب الى العلوي): هل صحيح انكم تعتقدون بذلك؟

قال العلوي: نعم صحيح ذلك، لأن الرسول قال بذلك، ورواه الرواة من الشيعة والسنة.

قال الملك: وكيف يمكن ان يبقى انسان هذه المدة الطويلة؟

قال العلوي: الآن لم يذهب من عمر الامام المهدي مقدار ألف سنة، والله يقول في القرآن حول نوح النبي: (فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاماً) فهل يعجز الله ان يبقي إنساناً هذه المدة؟

أليس الله بيده الموت والحياة و هو على كل شئ قدير؟

ثم أن الرسول قال ذلك و هو صادق مصدّق.

قال الملك (موجهاً الخطاب الى الوزير): هل صحيح ان الرسول أخبر بالمهدي، على مايقوله العلوي؟

قال الوزير: نعم قال الملك للعباسي: فلماذا أنت تنكر الحقائق الواردة عندنا نحن السنة؟

قال العباسي: خوفاً على عقيدة العوام أن تتزلزل، وتميل قلوبهم نحو الشيعة!

قال العلوي: إذن

انت أيها العباسي مصداق لقوله تعالى: (إن الذين يكتمون ماانزلنا من البينات والهدى من بعد مابيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) فشملتك اللعنة من الله تعالى..

ثم قال العلوي: ايها الملك اسئل من هذا العباسي: هل يجب على العالم المحافظة على كتاب الله واقوال رسول الله أم يجب عليه المحافظة على عقيدة العوام المنحرفة عن الكتاب والسنة؟

انتشار البدع عند المسلمين

قال العباسي: اني احافظ على عقيدة العوام حتى لاتميل قلوبهم الى الشيعة لان الشيعة اهل البدعة!

قال العلوي: ان الكتب المعتبر تحدثنا ان إمامكم (عمر) هو اول من ادخل البدعة في الاسلام، وصرّح هو بنفسه حين قال: (نعمتِ البدعة هذه) وذلك في قصة صلاة التراويح لما أمر الناس ان يصلوا النافلة جماعة مع العلم ان الله والرسول حرّما النافلة جماعة، فكانت بدعة عمر مخالفة صريحة لله والرسول!

ثم: ألم يبدع عمر في الاذان باسقاط (حي على خير العمل) وزيادة (الصلاة من خير النوم)؟

ألم يبدع بالغاء سهم المؤلفة قلوبهم خلافاً لله والرسول؟

ألم يبدع في إلغاء متعة الحج، خلافاً لله والرسول؟

ألم يبدع في إلغاء متعة النساء خلافاً لله والرسول؟

ألم يبدع في إلغاء اجراء الحدّ على المجرم الزاني: خالد بن الوليد، خلافاً لأمر الله والرسول في وجوب اجراء الحدّ على الزاني والقاتل؟

إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر.

فهل أنتم أهل بدعة أم نحن الشيعة؟

قال الملك للوزير: هل صحيح ماذكره العلوي من بدع عمر في الدين؟

قال الوزير: نعم ذكر ذلك جماعة من العلماء في كتبهم!

قال الملك: إذن كيف نتبع نحن إنساناً أبدع في الدين؟

قال العلوي: ولهذا يحرم اتباع هكذا إنسان، لأن رسول الله (ص) قال: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فالذين يتبعون عمر في بدعه -وهم عالمون بالأمر-

فهم من أهل النار قطعاً-!

قال العباسي: لكن أئمة المذاهب أقرُّوا فعل عمر؟

قال العلوي: وهذه بدعة أخرى أيها الملك!

قال الملك: وكيف ذلك؟

قال العلوي: لأن أصحاب هذه المذاهب وهم: أبو حنيفة مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، لم يكونوا في عصر النبي(ص)، بل جاؤوا بعده بمائتي سنة -تقريباً- فهل المسلمون الذين كانوا بين عنصر الرسول وبين عصر هؤلاء كانوا على باطل وضلال؟ وماهو المبرّر في حصر المذاهب في هؤلاء الأربعة وعدم اتباع سائر الفقهاء؟ وهل أوصى الرسول بذلك؟

قال الملك: ماتقول ياعباسي؟

قال العباسي: كان هؤلاء أعلم من غيرهم!

قال الملك: فهل ان علم العلماء جفّ دون هؤلاء؟

قال العباسي: ولكن الشيعة أيضاً يتّبعون مذهب (جعفر الصادق)؟

قال العلوي: إنما نحن نتبع مذهب جعفر لأن مذهبه مذهب رسول الله لأنه من أهل البيت الذين قال الله عنهم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وإلاّ فنحن نتبع كل الأئمة الإثني عشر لكن حيث ان الإمام الصادق (ع) تمكن أن ينشر العلم والتفسير والأحاديث الشريفة أكثر من غيره من الأئمة (بسبب وجود بعض الحريّة في عصره) حتى كان يحضر مجلسة أربعة آلاف تلميذ، وحتى استطاع الإمام الصادق أن يجدد معالم الإسلام بعدما حاول الأمويون والعباسيون القضاء عليها، ولهذا سمي الشيعة ب_(الجعفرية) نسبة إلى مجدد المذهب و هو الامام جعفر الصادق عليه السلام.

قال الملك: ماجوابك ياعباسي؟

قال العباسي: تقليد أئمة المذاهب الأربعة عادة اتخذناها نحن السنة!

قال العلوي: بل أجبركم على ذلك بعض الأمراء، وأنتم اتبعتم أولئك متابعة عمياء لاحجة لكم فيها ولابرهان!

سكت العباسي.

من مات ولم يعرف إمام زمانه

قال العلوي: أيها الملك: اني أشهد ان العباسي من أهل النار، إذا مات على هذه الحالة.

قال الملك: ومن أين علمت انه من أهل النار؟

قال العلوي: لأنه ورد عن

رسول الله(ص) قوله: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية) فاسأل أيها الملك: من هو إمام زمان العباسي؟

قال العباسي: لم يرد هذا الحديث عن رسول الله.

قال الملك للوزير: هل ورد هذا الحديث عن رسول الله؟

قال الوزير: نعم ورد!

قال الملك مغضباً: كنت أظن انك أيها العباسي ثقة، والآن بين لي كذبك!

قال العباسي: اني أعرف إمام زماني!

قال العلوي: فمن هو؟

قال العباسي: الملك!

قال العلوي: اعلم أيها الملك انه يكذب، ولايقول ذلك إلا تملّقاً لك!

قال الملك: نعم اني أعلم انه يكذب، واني أعرف نفسي بأني لاأصلح أن أكون إمام زمان الناس، لأني لاأعلم شيئاً، وأقضي غالب أوقاتي بالصيد والشؤون الإدارية!

ثم قال الملك: أيها العلوي فمن هو إمام الزمان في رأيك؟

قال العلوي: إمام الزمان في نظري وعقيدتي هو (الإمام المهدي) عليه السلام كما تقدم الحديث حوله عن رسول الله (ص) فمن عرفه مات ميتة المسلمين. و هو من أهل الجنة، ومن لم يعرفه مات ميتة جاهلية و هو في النار مع أهل الجاهلية!

خاتمة المناظرة وإعلان الملك

تشيّعه مع الوزير

وهنا تهلّل وجه الملك شاه، وظهرت آثار الفرح والسرور في وجهه والتفت إلى الحاضرين قائلاً:

إعلموا أيتها الجماعة اني قد اطمأننتُ ووثقتُ من هذه المحاورة (وقد كانت دامت ثلاثة أيام) وعرفتُ وتيقّنتُ أن الحق مع الشيعة في كل مايقولون ويعتقدون، وان أهل السنة باطل مذهبهم، منحرفة عقيدتهم، واني أكون ممن أذا رأى الحق أذعن له واعترف به، ولا أكون من أهل الباطل في الدنيا وأهل النار في الآخرة ولذلك فإنني أُعلن تشيّعي أمامكم، ومن أحب أن يكون معي فليتشيّع على بركة الله ورضوانه ويُخرج نفسه من ظلمات الباطل إلى نور الحق!

فقال الوزير نظام الملك: وأنا كنت أعلم ذلك، وان التشيّع حق، وان المذهب الصحيح

فقط هو مذهب الشيعة منذ أيام دراستي ولذا أعلن أنا أيضاً تشيّعي.

وهكذا دخل أغلب العلماء والوزراء والقوّاد الحاضرين في المجلس (وكان عددهم يقارب السبعين) في مذهب الشيعة.

وانتشر خبر تشيّع الملك ونظام الملك والوزراء والقواد والكتّاب في كافة البلاد، فدخل في التشيّع عدد كبير من الناس، وأمر نظام الملك - و هو والد زوجتي- أن يدرّس الأساتذة مذهب الشيعة في المدارس النظامية في بغداد!

لكن بقي بعض علماء السنة الذين أصرّوا على الباطل على مذهبهم السابق مصداقاً لقوله تعالى: (فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة).

وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ونظام الملك وحمَّلوه تبعة هذا الأمر إذ كان هو العقل المدبّر للبلاد، حتى امتدَّت اليه يدٌ أثيمة -بإيعاز من هؤلاء المعاندين السنة- فاغتالوه في 12 رمضان سنة (485)، وبعد ذلك اغتالوا الملك شاه سلجوقي.

فإنّا لله وإنّا اليه راجعون فلقد قُتلا في سبيل الله ومن أجل الحق والإيمان، فهنيئاً لهم ولكل من يُقتل في سبيل الله ومن أجل الحق والايمان.

وقد نظمتُ قصيدة رثاء للشيخ العظيم نظام الملك ومنها هذه الأبيات:

كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * نفيسة صاغها الرحمن من شرف

عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردّها غيرة منه إلى الصدف

اختار مذهب حق في محاورة * تبدي الحقيقة في برهان منكشف

دين التشيع حق لامراء له * وما سواه سراب خادع السجف

لكنَّ حقداً دفيناً حرّكوه له * فبات بدر الدجى في ظل منخسفِ

عليه ألف سلام الله تاليه * تترى على روحه في الخلد والغرف

هذا وقد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة، وقد سجَّلت كل مادار في المجلس، ولكني حذفت الزوائد، واختصرتُ المجلس في هذه الرسالة.

والحمد لله وحده والصلاة على محمد وآله الأطياب وأصحابه الأنجاب.

كتبته في بغداد في المدرسة النظامية.

مقاتل بن عطية

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.