ص: 2

وقد أجاب عنها فقهاء الشیعة وعلماؤهم من القدماء والمعاصرین ، فجزاهم الله خیر الجزاء لدفاعهم عن ظلامة أهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام) ومذهبهم الحق .

وهذه أسئلة وإشکالات علمیة کتبناها لتکون جواباً علی ما یثیرونه علینا ،وتنبیهاً إلی أن الأولی لهم أن یعالجوا المشکلات والتناقضات التی امتلأت بها مصادرهم، وقامت علیها مؤلفاتهم وأبحاثهم فی عقائدهم وفقههم وتفسیرهم، فإن إصلاح الدار أوجب من انتقاد الجار !

وقد اعتمدنا فیها علی مصادرهم الأساسیة فی الحدیث والتفسیر والفقه والعقائد ، وأقوال کبار أئمتهم من القدماء والمتأخرین .

واعتمدنا فی ترتیب أبوابها علی کتب: الوهابیة والتوحید ، وتدوین القرآن ، والعقائد الإسلامیة ، وآیات الغدیر ، وغیرها .

أما المنهج الذی اخترناه فهو تحریر المسألة بعبارة ملیئة ، موثقة من المصادر ، ثم توجیه الأسئلة حولها أو الإشکالات ، وبذلک یسهل الأمر علی القارئ ، والباحث .

والله ولی القصد والتوفیق ، والهادی إلی سواء السبیل .

علی الکورانی العاملی

شوال المکرم1423

ص: 4

ص: 6

یری فی الدنیا والاخرة جوازاً ووقوعاً ) !

وأول ما ظهرت أحادیث الرؤیة بالعین والتشبیه من عمر بن الخطاب قال: (إن کرسیه وسع السموات والأرض ، وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید إذا رُکِبَ ، من ثقله . رواه البزار ورجاله رجال الصحیح) . ( مجمع الزوائد:1/ 83 )

وفی روایة السیوطی فی الدر المنثور:1/328: عن عبد بن حمید ، وابن أبی عاصم فی السنة ، والبزار ، وأبی یعلی ، وابن جریر ، وأبی الشیخ ، والطبرانی، وابن مردویه ، والضیاء المقدسی فی المختارة ، عن عمر...وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید إذا رکب من ثقله ، ما یفضل منه أربع أصابع ).

ویبدو أن عمر أخذه من کعب الأحبار ، فقد روی ابن خزیمة فی توحیده ص225 قال: ( اجتمع ابن عباس وکعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأی ربه مرتین ، قال فکبر کعب حتی جاوبته الجبال ! فقال: إن الله قسم رؤیته وکلامه بین محمد وموسی) ! انتهی .

وهذا یدل علی أن کعباً کان یتبنی الرؤیة وکان بنو هاشم ینفونها ، وقد نسبها هذا الأثر الی بنی هاشم زاعماً أنهم قبلوا بها ، ولیس بصحیح !

وفی تفسیر الطبری:52/ 12: عن کعب الأحبار قال لرجل: (سألت أین ربنا ، وهو علی العرش العظیم متکئٌ واضعٌ إحدی رجلیه علی الأخری ، ومسافة هذه الأرض التی أنت علیها خمسمائة سنة ، ومن الأرض إلی الأرض مسیرة خمسمائة سنة ، وکثافتها خمسمائة سنة ، حتی أتمَّ سبع أرضین ، ثم من الأرض إلی السماء مسیرة خمسمائة سنة ، وکثافتها خمسمائة سنة ، والله علی العرش متکئ ) !

ص: 8

وقد رد علیٌّ(علیه السّلام)علی کعب الأحبار فی مجلس عمر وکذَّبه ، کما کذَّبت عائشة حدیثهم الذی زعموا فیه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه ، وکذلک ابن عباس وابن مسعود ، وجمهور الصحابة .

روی المجلسی فی البحار:36/194: (عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب یوماً وعنده کعب الحبر، إذ قال (عمر): یا کعب أحافظ أنت للتوراة؟ قال کعب: إنی لأحفظ منها کثیراً . فقال رجل من جنبة المجلس: یا أمیر المؤمنین سله أین کان الله جل ثناؤه قبل أن یخلق عرشه ، ومِمَّ خلق الماء الذی جعل علیه عرشه ؟

فقال عمر: یا کعب هل عندک من هذا علم ؟

فقال کعب: نعم یا أمیر المؤمنین ، نجد فی الأصل الحکیم أن الله تبارک وتعالی کان قدیماً قبل خلق العرش ، وکان علی صخرة بیت المقدس فی الهواء ، فلما أراد أن یخلق عرشه تَفَلَ تَفَلَةً کانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناک خلق عرشه من بعض الصخرة التی کانت تحته ، وآخر ما بقی منها لمسجد قدسه !

قال ابن عباس: وکان علی بن أبی طالب(علیه السّلام)حاضراً ، فَعَظَّمَ عَلِیٌّ رَبَّهُ وقام علی قدمیه ونفض ثیابه ! فأقسم علیه عمر لمَّا عاد إلی مجلسه ، ففعله .

قال عمر: غُصْ علیها یا غواص ما تقول یا أبا الحسن ، فما علمتک إلا مفرجاً للغم . فالتفت علی(علیه السّلام)إلی کعب فقال:

(غلط أصحابک وحرفوا کتب الله وفتحوا الفریة علیه !

یا کعب ویحک ! إن الصخرة التی زعمت لاتحوی جلاله ولاتسع عظمته ، والهواء

ص: 9

الذی ذکرت لایحوز أقطاره ، ولو کانت الصخرة والهواء قدیمین معه لکان لهما قِدْمته ، وعزّ الله وجل أن یقال له مکان یومی إلیه ، والله لیس کما یقول الملحدون ولا کما یظن الجاهلون ، ولکن کان ولا مکان بحیث لا تبلغه الأذهان ، وقولی (کان) عجز عن کونه وهو مما عَلَّمَ من البیان یقول الله عز وجل (خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَیَانَ) فقولی له(کان)مما علمنی من البیان لأنطق بحججه وعظمته ، وکان ولم یزل ربنا مقتدراً علی ما یشاء محیطاً بکل الأشیاء ، ثم کَوَّنَ ما أراد بلا فکرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت علیه فیما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غیر شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وکان قدیراً أن یخلق الظلمة لامن شئ کما خلق النور من غیر شئ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور یاقوتة غلظها کغلظ سبع سماوات وسبعٍ أرضین ، ثم زجر الیاقوتة فماعت لهیبته فصارت ماءً مرتعداً ، ولا یزال مرتعداً إلی یوم القیامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله علی الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان یسبح الله کل لسان منها بعشرة آلاف لغة لیس فیها لغة تشبه الأخری ، وکان العرش علی الماء من دونه حجب الضباب وذلک قوله: (وَکَانَ عَرْشُهُ عَلَی الْمَاءِ لِیَبْلُوَکُمْ).

یا کعب ویحک ! إن من کانت البحار تفلته علی قولک ، کان أعظم من أن تحویه صخرة بیت المقدس أو یحویه الهواء الذی أشرت إلیه أنه حل فیه !

فضحک عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر ، وهکذا یکون العلم ، لا کعلمک یا کعب . لاعشت إلی زمان لا أری فیه أبا حسن) . انتهی .

ص: 10

یقصد ابن تیمیة أن الشئ الوحید الذی عابه الله علی الیهود فی توحیدهم هو قولهم (عزیر ابن الله) ، وهذا یعنی أنه أقر ما بقی من صفات التجسیم لله تعالی الموجودة فی توراتهم !

وقد شذ ابن تیمیة فی قوله بصحة عقائد التوراة ، فإن أحداً غیره من علماء المسلمین لم یفهم من رد القرآن لبنوة عزیر ، أنه أقر ببقیة افتراءات الیهود فی التوحید والصفات ، ولا أنه یقر بأن التوراة الفعلیة صحیحة غیر محرفة !

نعم شذ مثله البخاری وقال بصحة ألفاظ التوراة ، کما یأتی !!

أما محمد بن عبد الوهاب فقلد إمامه ابن تیمیة ، وقال فی حدیث الحاخام الذی زعموا أنه علم نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )توحید الیهود!قال فی آخر کتابه المسمی(التوحید):

( فیه مسائل: الأولی: تفسیر قوله: والأرض جمیعاً قبضته یوم القیامة .

الثانیة: أن هذه العلوم وأمثالها باقیة عند الیهود الذین فی زمنه(ص)لم ینکروها ولم یتأولوها .

الثالثة: أن الحبر لما ذکر ذلک للنبی (ص) صدقه ، ونزل القرآن بتقریر ذلک !

الرابعة: وقوع الضحک الکثیر من رسول الله (ص) عنده ، لما ذکر الحبر هذا العلم العظیم .

الخامسة: التصریح بذکر الیدین ، وأن السموات فی الید الیمنی والأرضین فی الأخری .

السادسة: التصریح بتسمیتها الشمال .

السابعة: ذکر الجبارین والمتکبرین عند ذلک .

الثامنة: قوله کخردلة فی کف أحدهم .

التاسعة: عظمة الکرسی بنسبته إلی السماوات .

ص: 13

العاشرة: عظمة العرش بنسبته إلی الکرسی .

الحادیة عشرة: أن العرش غیر الکرسی والماء .

الثانیة عشرة: کم بین کل سماء إلی سماء .

الثالثة عشرة: کم بین السماء السابعة والکرسی .

الرابعة عشرة: کم بین الکرسی والماء .

الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء .

السادسة عشرة: أن الله فوق العرش .

السابعة عشرة: کم بین السماء والأرض .

الثامنة عشرة: کثف کل سماء خمسمائة سنة.

التاسعة عشرة: أن البحر الذی فوق السماوات ، بین أسفله وأعلاه مسیرة خمسمائة سنة) . انتهی !!

وینشرها بین المسلمین، فزجره النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسماه وجماعته (المتهوکین) وحذر المسلمین منهم !

لکن عمر واصل بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نشر ثقافة الیهود التی کان معجباً بها ، واستطاع مع کعب الأحبار أن یبثوا الإسرائیلیات فی ثقافة المسلمین !!

وقد تبع البخاری عمر فقال إن التوراة الفعلیة صحیحة منزلة بألفاظها من عند الله تعالی ، وأن معنی تحریف الیهود للکتاب فی مثل قوله تعالی: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِیثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِیَةً یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) ، أنهم یتأولونها ، ولیس معناه أنهم غیروا ألفاظها !

قال فی صحیحه:8/216: ( باب قوله تعالی: بل هو قرآن مجید فی لوح محفوظ... یحرفونه: یزیلونه ، ولیس أحد یزیل لفظ کتاب الله من کتب الله عز وجل، ولکنهم یحرفونه یتأولونه عن غیر تأویله ) !!

أما ابن تیمیة فقد زاد علی البخاری وأخذ عقیدته بالله تعالی من التوراة وقال بصحة کل ما فیها من تجسیم وکفر ، ما عدا قولهم إن عزیراً ابن الله!

فکیف تقبلون ادعاءه وقد نص القرآن وأجمعت أجیال المسلمین علی أن الیهود والنصاری حرفوا توراتهم وإنجیلهم ، وأنه لا یوثق بما فیهما ؟!

قال الله تعالی: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِیثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِیَةً یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ وَلاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَی خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِیلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ ). (سورة المائدة -13)

وقال تعالی: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَی بَشَرٍ مِنْ شَیْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْکِتَابَ الَّذِی جَاءَ بِهِ مُوسَی نُوراً وَهُدیً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِیسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ کَثِیراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُکُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ

ص: 15

یَلْعَبُونَ). (سورة الأنعام:91)

وقال تعالی: (ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَانُوا یَکْفُرُونَ بِآیَاتِ اللهِ وَیَقْتُلُونَ النَّبِیِّیْنَ بِغَیْرِ الْحَقِّ ذَلِکَ بِمَا عَصَوا وَکَانُوا یَعْتَدُونَ ). (سورة البقرة:61)

فالذین یکفرون بآیات الله ویقتلون الأنبیاء(علیهم السّلام) هل یستبعد علیهم أن یحرفوا ما أنزل الله تعالی ، فکیف نثق بما فی أیدیهم؟!

بل وصل طمعهم الی محاولة تحریف القرآن ! قال تعالی: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِیقًا یَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْکِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْکِتَابِ وَمَاهُوَ مِنَ الْکِتَابِ وَیَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِاللهِ وَمَاهُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَیَقُولُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ ). (سورة آل عمران: 78 )

وقال تعالی: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ یُؤْمِنُوا لَکُمْ وَقَدْ کَانَ فَرِیقٌ مِنْهُمْ یَسْمَعُونَ کَلامَ اللهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ یَعْلَمُونَ ). (سورة البقرة: 75)

4- ما قولکم فی رد ابن حجر علی البخاری وابن تیمیة ؟

قال فی فتح الباری:13/436: ( قوله: ولیس أحد یزیل لفظ کتاب الله من کتب الله عز وجل، ولکنهم یحرفونه یتأولونه عن غیر تأویله... .

قال شیخنا بن الملقن فی شرحه هذا الذی قاله أحد القولین فی تفسیر هذه الآیة وهو مختاره أی البخاری ، وقد صرح کثیر من أصحابنا بأن الیهود والنصاری بدلوا التوراة والإنجیل ، وفرعوا علی ذلک جواز امتهان أوراقهما ، وهو یخالف ما قاله البخاری هنا ) . انتهی

وهو کالصریح فی أن قوله :"ولیس أحد "إلی آخره من کلام البخاری ذیَّل به تفیسر ابن عباس ، وهو یحتمل أن یکون بقیة کلام بن عباس مزید توضیح للعبارة فی تفسیر الآیة.

وقال بعض الشراح المتأخرین: اختُلف فی هذه المسألة علی أقوال:

أحدها أنها بدلت کلها ، وهو مقتضی القول المحکی بجواز الإمتهان ، وهو

ص: 16

إفراط ، وینبغی حمل إطلاق من أطلقه علی الأکثر وإلا فهی مکابرة ، والآیات والأخبار کثیرة فی أنه بقی منها أشیاء کثیرة لم تبدل ، من ذلک قوله تعالی: (الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِیل)..الآیة ، ومن ذلک قصة رجم الیهودیین، وفیه وجود آیة الرجم ، ویؤیده قوله تعالی: (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ) .

ثانیها: أن التبدیل وقع ولکن فی معظمها وأدلته کثیرة ، وینبغی حمل الأول علیه .

ثالثها: وقع فی الیسیر منها ومعظمها باق علی حاله ، ونصره الشیخ تقی الدین بن تیمیة فی کتابه الرد الصحیح علی من بدل دین المسیح .

رابعها: إنما وقع التبدیل والتغییر فی المعانی لافی الألفاظ ، وهو المذکور هنا ! ( أی هو قول البخاری ) !

وقد سئل بن تیمیة عن هذه المسألة مجرداً فأجاب فی فتاویه: إن للعلماء فی ذلک قولین ، واحتج للثانی من أوجه کثیرة ، منها قوله تعالی :( لا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ ) وهو معارض بقوله تعالی: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَی الَّذِینَ یُبَدِّلُونَهُ ) ، ولا یتعین الجمع بما ذکر من الحمل علی اللفظ فی النفی وعلی المعنی فی الإثبات لجواز الحمل فی النفی علی الحکم وفی الاثبات الإثبات علی ما هو أعم من اللفظ والمعنی .

ومنها ، أن نسخ التوراة فی الشرق والغرب والجنوب والشمال لایختلف ، ومن المحال أن یقع التبدیل فتتوارد النسخ بذلک علی منهاج واحد !

وهذا استدلال عجیب لأنه إذا جاز وقوع التبدیل جاز إعدام المبدل توضیح؟، والنسخ الموجودة الآن هی التی استقر علیها الأمر عندهم عند التبدیل ، والأخبار بذلک

ص: 17

طافحة .

أما فیما یتعلق بالتوراة فلأن بختنصر لما غزا بیت المقدس وأهلک بنی إسرائیل ومزقهم بین قتیل وأسیر ، وأعدم کتبهم حتی جاء عزیرا تنوین فأملاها علیهم .

وأما فیما یتعلق بالإنجیل فإن الروم لما دخلوا فی النصرانیة جمع ملکهم وأکابرهم علی ما فی الإنجیل الذی بأیدیهم . وتحریفهم المعانی لا ینکر بل هو موجود عندهم بکثرة ، وإنما النزاع هل حرفت الألفاظ أو لا ، وقد وجد فی الکتابین ما لا یجوز أن یکون بهذه الألفاظ من عند الله عز وجل أصلاً !

وقد سرد أبو محمد بن حزم فی کتابه الفصل فی الملل والنحل أشیاء کثیرة من هذا الجنس ، من ذلک أنه ذکر أن فی أول فصل فی أول ورقة من توراة الیهود..... وأن الله تعالی قال لما أکل آدم من الشجرة هذا آدم قد صار کواحد منا فی معرفة الخیر والشر ، وأن السحرة عملوا لفرعون نظیر ما أرسل علیهم من الدم والضفادع ، وأنهم عجزوا عن البعوض ، وأن ابنتی لوط بعد هلاک قومه ضاجعت کل منهما أباها بعد أن سقته الخمر فوطأ کلاً منهما فحملتا منه!! إلی غیر ذلک من الأمور المنکرة المستبشعة !!

وذکر فی مواضع أخری أن التبدیل وقع فیها إلی أن أعدمت فأملاها عزرا المذکور علی ما هی علیه الآن ، ثم ساق أشیاء من نص التوراة التی بأیدیهم الآن الکذب فیها ظاهر جداً ! ثم قال: وبلغنا عن قوم من المسلمین ینکرون أن التوراة والإنجیل اللتین بأیدی الیهود والنصاری محرفان ، والحامل لهم علی ذلک قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة ، وقد اشتملا علی أنهم یحرفون الکلم عن مواضعه ویقولون علی الله الکذب وهم یعملون ، ویقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ویلبسون الحق بالباطل ویکتمون الحق وهم یعلمون ) . انتهی.

ص: 18

5- اعترف الیهود والنصاری بضیاع النسخة الأصلیة من التوراة والإنجیل ، وأنها وقع فیها التغییر وکتبت بعد عصر أنبیائها بقرون ! فهل تقبلون أن یکون ابن تیمیة مَلَکیاً متعصباً للتوراة أکثر من الیهود أنفسهم ؟!

یقول الدکتور أحمد الشلبی فی (مقارنة الأدیان ، الیهودیة) ص254:

وقد تعرض لهذا الموضوع العلامة ول دیورانت وکتب عنه موجزا یمکن أن نقتبسه ، قال هذا الباحث:

(کیف کتبت هذه الأسفار ، ومتی کتبت ، وأین کتبت ؟ ذلک سؤال کتب فی الإجابة عنه آلاف المجلدات ، ولکن یجب أن نفرغ منه هنا فی فقرة واحدة ، إن العلماء مجمعون علی أن أقدم ما کتب من أسفار التوراة هو سفر التکوین ، وقد کتب بعضه فی یهوذا وبعضه فی إسرائیل ، ثم تم التوافق بین ما کتب هنا وهناک بعد سقوط دولتی الیهود ، والرأی الغالب أن سفر التثنیة من کتابة عزرا ، ویبدو أن أسفار التوراة الخمسة قد اتخذت صورتها الحاضرة حوالی عام300 ق م.) . ( قصة الحضارة:2/367 - 368 )

ویقول متولی یوسف شلبی فی (أضواء علی المسیحیة) ص40:

(کما أنهم یتفقون کذلک علی أن أقدم نسخة لهذا الإنجیل (متی) کانت باللغة الیونانیة وقد ضاعت .

یقول جیروم إن: متی کتب الإنجیل باللسان العبری ، وهو فی أرض یهودیة للمؤمنین فی الیهود . ...

ج- تاریخ تدوینه وترجمته: یختلف المسیحیون کثیراً فی تحدید تاریخ تدوین إنجیل متی ، کما یختلفون فی من ترجمه ؟

ص: 19

1- رأی ابن البطریق: یقول: إن متی دون إنجیله فی عهد قلدیوس ولکنه لم یعین السنة التی تم فیها أو بدئ فیها بتدوین هذا الإنجیل ، ویقول عن مترجمه إنه یوحنا .

2- رأی جرجس زوین (لبنانی): یقول: إن متی کتب بشارته فی أورشلیم سنة 39 م ، لأنه کتبه إجابة لمطلب الیهود الذین آمنوا بالمسیح ، أو کتبه استجابة للرسل ، وکانت لغة تدوینه بالعبرانیة لابالیونانیة کما ذکر ذلک أو سیبیدس کلمة واحدة فی تاریخه . فالسید جرجس زوین اللبنانی یحدد سنة التدوین39 م ویحدد لغة التدوین ، ولکنه لم یحدد من هو المترجم .

3- رأی الدکتور بوست: یقول: کتب متی إنجیله قبل خراب أورشلیم ، وکانت لغة تدوینه بالیونانیة . وبهذا یخالف الدکتور بوست إجماع المؤرخین المسیحیین فی الإتفاق علی أن لغة التدوین التی کتب بها متی إنجیله هی أما العبریة ، أو السریانیة ) . انتهی.

فکیف ادعی البخاری وابن تیمیة للتوراة والإنجیل مالم یدعه لها الباحثون من الیهود والنصاری ؟!

ص: 20

وقد صح أن أبا هریرة کتم حدیثاً کثیراً مما لا یحتاجه المسلم فی دینه وکان یقول: لو بثثته فیکم لقطع هذا البلعوم ، ولیس هذا من باب کتمان العلم فی شئ ، فإن العلم الواجب یجب بثه ونشره ویجب علی الأمة حفظه ، والعلم الذی فی فضائل الأعمال مما یصح إسناده یتعین نقله ویتأکد نشره ، وینبغی للأمة نقله ، والعلم المباح لایجب بثه ولاینبغی أن یدخل فیه إلا خواص العلماء ) . انتهی .

وقصده بالعلم المباح أی المحظور ، من تسمیة الشئ بضده ، فیجب کتمانه إلا علی خواص العلماء ! شبیهاً بالعلم الذی یحصره الیهود والنصاری برؤساء الإکلیروس ، أی کبار الکرادلة والحاخامات !!

وقد عقد إمام الوهابیین فی کتاب توحیده باباً تحت عنوان (باب من جحد شیئاً من الأسماء والصفات) لیقول إن الإیمان بکل صفات الله تعالی واجب وإنکار شئ منها کفر ، وبما أن عدداً من صفات الله تعالی علی مذهبه یلزم منها التجسیم ، کما رأیت من شرحه لحدیث الحاخام ، لذا تحدث عن وجوب کتمان ذلک ، واستشهد مثل الذهبی بروایتین عن علی(علیه السّلام)وابن عباس لیثبت جواز کتمان هذا العلم ، مع أنه لاعلاقة للروایتین بالموضوع !

2 - لماذا لایفتی لهم علماؤهم باستحباب صنع تمثال لمعبودهم ، لکی یربوا أولادهم علی معرفته ، ویضعوه فی بیوتهم وسیاراتهم ، فیذکرونه أکثر؟!

3 - هل یوجد فرق جوهری بین عبادتهم للشاب الأجعد الشعر ، وبین عبادة الیهود لمعبودهم الشایب ، وعبادة السیخ لأصنامهم المختلفة ؟!

4 - کیف یدعون أنهم أهل التوحید وأنهم رافعوا رایة التوحید ، وهم یعبدون شاباً علی صورة آدم ، أجعد الشعر؟!

5 - کیف یفتون بکفر المسلمین ویتهمونهم بأنهم یشرکون بالله تعالی لأنهم یتوسلون إلیه بنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، بینما هم یعبدون صنماً مادیاً مخلوقاً یزعمون أنه الله الخالق ؟! (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یَصِفُونَ) .

ص: 29

الحیل اللفظیة التی یستعملها ابن تیمیة وتلامیذه ؟!

قال الألبانی: (ضعیف. ظلال الجنة/612. مختصر العلو/193،250 . ثم نقض ذلک فی هامشه فقال: العماء: السحاب. قال العلماء: هذا من حدیث الصفات ، فنؤمن به من غیر تأویل ولا تشبیه ، ونکل علمه إلی عالمه) !!

الحدیث ، وإنما هو: رأی رِئِیَّة بیاء مشددة . وقد قال علی رضی الله عنه: حدثوا الناس بما یعرفون ودعوا ما ینکرون .

وقد صح أن أبا هریرة کتم حدیثاً کثیراً مما لایحتاجه المسلم فی دینه ، وکان یقول: لو بثثته فیکم لقطع هذا البلعوم ، ولیس هذا من باب کتمان العلم فی شئ ، فإن العلم الواجب یجب بثه ونشره ویجب علی الأمة حفظه ، والعلم الذی فی فضائل الأعمال مما یصح إسناده یتعین نقله ویتأکد نشره وینبغی للأمة نقله ، والعلم المباح لایجب بثه ولا ینبغی أن یدخل فیه إلا خواص العلماء) !! انتهی کلام الذهبی .

وقصده بالعلم المباح ، العلم الممنوع ، من تسمیة الشئ بضده ، وقد نقل کلامه بعینه تقریباً إمام الوهابیین حیث عقد باباً فی آخر کتابه التوحید ، تحت عنوان: باب من جحد شیئاً من الأسماء والصفات ! ویقصد به أن الإیمان بکل صفات الله تعالی واجب وإنکار شئ منها کفر ، وبما أن عدداً من صفات الله تعالی علی مذهبه یلزم منها التجسیم ، لذا نقل کلام الذهبی عن وجوب کتمان ذلک العلم إلا عن أهله !

وقد صححه الألبانی مرجعهم فی الحدیث تعلیقته نقص فی العبارة؟ علی سنة ابن أبی عاصم برقم (471) وجاء فیه أنها سمعت رسول الله(ص)یذکر أنه رأی ربه عز وجل فی المنام: ( فی أحسن صورة ، شاباً ، موفراً ، رجلاه فی خضرة ، علیه نعلان من ذهب ، علی وجهه فراش من ذهب ) !

ص: 34

4 - ألا تخافون علی معبودکم من المرکبات الفضائیة التی یطلقونها ؟!

والثانی: أن الضمیر فی قوله (علی صورته) یعود علی الله بدلیل ما جاء فی روایة أخری صحیحة (علی صورة الرحمن) وهو ظاهر السیاق ولایلزم علی ذلک التشبیه فإن الله سمی نفسه بأسماء سمی بها خلقه ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه ، ولم یلزم من ذلک التشبیه ، وکذا الصورة ، ولا یلزم من إثباتها لله تشبیهه بخلقه ، لأن الإشتراک فی الإسم وفی المعنی الکلی لایلزم منه التشبیه فیما یخص کلاً منهما ، لقوله تعالی: (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَئٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیر ) . انتهی .

أن یقال له: هذه الصورة صورة المجرم لکنها لا تشبهه أبداً ؟!

فسأله عن الحلال والحرام ، ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول ؟ فقال أبو الحسن(علیه السّلام): کل محمول مفعول به مضاف إلی غیره محتاج ، والمحمول اسم نقص فی اللفظ ، والحامل فاعل وهو فی اللفظ مدحة ، وکذلک قول القائل: فوق وتحت وأعلی وأسفل ، وقد قال الله: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا) ، ولم یقل فی کتبه ، إنه المحمول بل قال: إنه الحامل فی البر والبحر ، والممسک السماوات والأرض أن تزولا ، والمحمول ما سوی الله ! ولم یسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال فی دعائه: یا محمول !!

قال أبو قرة: فإنه قال:(وَیَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّکَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ) وقال: (الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) ؟

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): العرش لیس هو الله ، والعرش اسم علم وقدرة ، وعرشه فیه کل شئ ، ثم أضاف الحمل إلی غیره: خلق من خلقه ، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه ، وهم حملة علمه ، وخلقاً یسبحون حول عرشه وهم یعملون بعلمه ، وملائکة یکتبون أعمال عباده؟ واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بیته ، والله (عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَی) کما قال ، والعرش ومن یحمله ومن حول العرش الله الحامل لهم ، الحافظ لهم ، الممسک القائم علی کل نفس ، وفوق کل شئ ، وعلی کل شئ ، ولا یقال: محمول ولا أسفل ، قولاً مفرداً لایوصل بشئ فیفسد اللفظ والمعنی .

قال أبو قرة: فتکذب بالروایة التی جاءت أن الله إذا غضب إنما یعرف غضبه أن الملائکة الذین یحملون العرش یجدون ثقله علی کواهلهم ، فیخرون سجداً ، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلی مواقفهم ؟

فقال أبو الحسن(علیه السّلام): أخبرنی عن الله تبارک وتعالی منذ لعن إبلیس إلی یومک

ص: 40

هذا هو غضبان علیه ، فمتی رضی؟ وهو فی صفتک لم یزل غضبان علیه وعلی أولیائه وعلی أتباعه ! کیف تجترئ أن تصف ربک بالتغییر من حال إلی حال وأنه یجری علیه ما یجری علی المخلوقین؟! سبحانه وتعالی ، لم یزُل مع الزائلین ، ولم یتغیر مع المتغیرین ، ولم یتبدل مع المتبدلین ، ومن دونه یده وتدبیره ، وکلهم إلیه محتاج ، وهو غنی عمن سواه ) ؟

والسمنانی، والدارمی ، وأبی العباس السراج ، وإسحاق الحنظلی.. وغیرهم من المشبهین والمجسمین ، الذین نشروا فی المسلمین ثقافة الیهود بتشجیع من السلطة الأمویة ، ثم الخلفاء العباسیین ، ما عدا قلة منهم !

وسنعقد فصلاً لتبنی الخلفاء القرشیین لأحبار الیهود والثقافة الیهودیة !

بهؤلاء: بنی أمیة !

3 - لو کانت هذه الأحادیث صحیحة ،وهی فی ذات الله تعالی وصفاته أهم عقیدة إسلامیة ، لکانت معروفة جیداً فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من کل الصحابة أو من غالبهم ؟ فلماذا لم یروها بقیة الصحابة ، بل استنکروها ؟!!

قرأت: یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّک.. الآیة ، ولکنه رأی جبرئیل(علیه السّلام)فی صورته مرتین ).

وفی صحیح مسلم:1/110: (عن عائشة: من زعم أن محمداً رأی ربه فقد أعظم علی الله الفریة). انتهی.

وقد هاجمها ابن خزیمة فی کتاب التوحید ص225 فقال: (هذه لفظة أحسب عائشة تکلمت بها فی وقت غضب ، ولو کانت لفظة أحسن منها یکون فیها درک لبغیتها کان أجمل بها ، لیس یحسن فی اللفظ أن یقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفریة ، وأبو ذر ، وأنس بن مالک ، وجماعات من الناس الفریة علی ربهم ! ولکن قد یتکلم المرء عند الغضب باللفظة التی یکون غیرها أحسن وأجمل منها... نقول کما قال معمر بن راشد لما ذکر اختلاف عائشة وابن عباس فی هذه المسألة: ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس... وإذا اختلفا فمحال أن یقال قد أعظم ابن عباس الفریة علی الله ، لأنه قد أثبت شیئاً نفته عائشة... الخ.) . انتهی.

وقد قوی أمر الحنابلة المجسمة فی بغداد فی عصر المتوکل وبعده ، وکان لهم أتباع سوقة یهاجمون من یخالفهم ، وهجومهم علی الطبری مشهور عندما سألوه عن قعود الله علی العرش ، فنفی أن الله تعالی یقعد علی العرش ویقعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی جنبه ! فأرادوا قتله ! وعندما توفی هجموا علی جنازته ومنعوا دفنه فی مقابر المسلمین !

وکذلک هاجموا ابن حبان المحدث المعروف شبیهاً بما فعلوا بالطبری !

ص: 44

قال الحموی فی معجم الأدباء:9/جزء18/57 فی ترجمة الطبری: (فلما قدم إلی بغداد من طبرستان بعد رجوعه إلیها تعصب علیه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبیاضی . وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل فی الجامع یوم الجمعة ، وعن حدیث الجلوس علی العرش ، فقال أبو جعفر :أما أحمد بن حنبل فلا یعد خلافه . فقالوا له :فقد ذکره العلماء فی الاختلاف ، فقال :ما رأیته روی عنه ولا رأیت له أصحاباً یعول علیهم . وأما حدیث الجلوس علی العرش فمحال ، ثم أنشد :

سبحان من لیس له أنیسُ

ولا له فی عرشه جلیسُ

فلما سمع ذلک الحنابلة منه وأصحاب الحدیث وثبوا ورموه بمحابرهم وقیل کانت ألوفاً ، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتی صار علی بابه کالتل العظیم !

ورکب نازوک صاحب الشرطة فی ألوف من الجند یمنع عنه العامة ، ووقف علی بابه یوماً إلی اللیل وأمر برفع الحجارة عنه .

وکان قد کتب علی بابه: سبحان من لیس له أنیس ولا له فی عرشه جلیس ، فأمر نازوک بمحو ذلک ، وکتب مکانه بعض أصحاب الحدیث :

لأحمدَ منزلٌ لا شکَّ عالٍ

إذا وافی إلی الرحمن وافد

فیدنیه ویقعده کریماً

علی رغم لهم فی أنف حاسد

علی عرش یغلفه بطیب

علی الأکباد من باغ وعاند

له هذا المقام الفرد حقاً

کذاک رواه لیثٌ عن مجاهد

فخلا فی داره وعمل کتابه المشهور فی الإعتذار إلیهم ، وذکر مذهبه واعتقاده، وجرح من ظن فیه غیر ذلک ، وقرأ الکتاب علیهم وفضل أحمد بن

ص: 45

حنبل ، وذکر مذهبه وتصویب اعتقاده !

ولم یزل فی ذکره إلی أن مات! ولم یخرج کتابه فی الإختلاف حتی مات فوجدوه مدفوناً فی التراب ، فأخرجوه ونسخوه أعنی اختلاف الفقهاء ، هکذا سمعت من جماعة منهم أبی(رحمه الله) ) !

3- ما رأیکم فیما قاله الشیخ محمد عبده فی تفسیر المنار:9/148:

( فعلم مما تقدم أن ما روی عن ابن عباس من الإثبات هو الذی یصح فیه ماقیل خطئاً فی نفی عائشة إنه استنباط منه ،لم یکن عنده حدیث مرفوع فیه، وإنه علی ما صح عنه من تقییده الرؤیة القلبیة معارض مرجوح بما صح من تفسیر النبی(ص) لآیتی سورة النجم وهو أنهما فی رؤیته (ص) لجبریل بصورته التی خلقه الله علیها .

علی أن روایة عکرمة عنه لایبعد أن تکون مما سمعه من کعب الأحبار الذی قال فیه معاویة (الراوی) إن کنا لنبلو علیه الکذب ، کما فی صحیح البخاری . وروایة ابن إسحاق لایعتد بها فی هذا المقام فإنه مدلس وهو ثقة فی المغازی لافی الحدیث . فالإثبات المطلق عنه مرجوح روایةً کما هو مرجوح درایةً ) . انتهی .

وقال فی تفسیر المنار:9/139: ( فعائشة وهی من أفصح قریش تستدل بنفی الإدراک علی نفی الرؤیة مع ما علم من الفرق بینهما ، وتستدل علی نفیها أیضاً بقوله تعالی: وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْیاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وقد حملوا هذا وذاک علی نفی الرؤیة فی هذه الحیاة الدنیا ، ولکن إدراک الأبصار للرب سبحانه محال فی الآخرة کالدنیا ) . انتهی. ؟!

4 - هل توافقون علی هذا الإرهاب الفکری الذی مارسه أجدادکم علی الطبری وابن حبان ، وغیرهما ، ویمارسه آباؤکم وأبناؤهم علی المسلمین خاصة فی الحرمین الشریفین ؟!

ص: 47

5 - ما رأیکم فی الطبری وابن حبان ، هل هما مسلمان عندکم أم کافران؟

ولم یقنعوا أن یقولوا صفة فعل حتی قالوا صفة ذات ، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لانحملها علی توجیه اللغة ، مثل الید علی النعمة والقدرة ، ولا المجئ والإتیان علی معانی البر واللطف ، ولا الساق علی الشدة ، بل قالوا نحملها علی ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدمیین ! والشیء إنما یحمل علی حقیقته إن أمکن ، فإن صرف صارف حمل علی المجاز . ثم یتحرجون من التشبیه ویأنفون من إضافته إلیهم ویقولون: نحن أهل السنة !! وکلامهم صریح فی التشبیه ) .

الجوامع والمشاهد ، والمحافل والمساجد ، والأسواق والطرقات ، والخلوة والجماعات ، ثم غرهم الطمع والإهمال ومدهم فی طغیانهم الغی والضلال ، إلی الطعن فیمن یعتضد به أئمة الهدی وهو للشریعة العروة الوثقی ، وجعلوا أفعاله الدینیة معاصی دنیة ، وترقوا من ذلک إلی القدح فی الشافعی رحمة الله علیه وأصحابه ، واتفق عود الشیخ الإمام الأوحد أبی نصر ابن الأستاذ الإمام زین الإسلام أبی القسم القشیری(رحمه الله)من مکة حرسها الله ، فدعا الناس إلی التوحید وقدس الباری عن الحوادث والتحدید ، فاستجاب له أهل التحقیق من الصدور الأفاضل والسادة الأماثل .

وتمادت الحشویة فی ضلالتها ، والإصرار علی جهالتها ، وأبوا إلا التصریح بأن المعبود ذو قدم وأضراس ولهوات وأنامل، وأنه ینزل بذاته ویتردد علی حمار فی صورة شاب أمرد بشعر قطط ، وعلیه تاج یلمع ، وفی رجلیه نعلان من ذهب ! وحفظ ذلک عنهم وعللوه ، ودونوه فی کتبهم وإلی العوام ألقوه، وأن هذه الأخبار لاتأویل لها ، وأنها تجری علی ظواهرها ، وتُعتقد کما ورد لفظها ، وإنه تعالی یتکلم بصوت کالرعد کصهیل الخیل !

وینقمون علی أهل الحق لقولهم إن الله تعالی موصوف بصفات الجلال ، منعوت بالعلم والقدرة والسمع والبصر والحیاة والإرادة والکلام ، وهذه الصفات قدیمة وإنه یتعالی عن قبول الحوادث ، ولا یجوز تشبیه ذاته بذات المخلوقین ، ولا تشبیه کلامه بکلام المخلوقین .

ومن المشهور المعلوم أن الأئمة الفقهاء علی اختلاف مذاهبهم فی الفروع کانوا یصرحون بهذا الإعتقاد ویدرسونه ، ظاهراً مکشوفاً لأصحابهم ومن

ص: 50

هاجر من البلاد إلیهم ، ولم یتجاسر أحد علی إنکاره ، ولاتجوز متجوز بالرد علیهم ، دون القدح والطعن فیهم ، وإن هذه عقیدة أصحاب الشافعی ، یدینون الله تعالی بها ). انتهی. فما رأیکم ؟!

3 - ما هو موقفکم من الحشویة أول من سموا أنفسهم (أهل السنة) هل ترون أنهم أسلافکم من أهل السنة ؟!

4 - إذا کان اعتقادکم بالصفات الحسیة لله تعالی اجتهاداً منکم ، فلماذا تحرمون الإجتهاد علی غیرکم ، وتحکمون بکفر أو ضلال من ینزه الله تعالی عن الصفات الحسیة ؟!

ص: 51

(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):من کنت مولاه فعلی مولاه). تراهم یحملون علیها مساحیهم ومعاول تأویلهم ، لکی یمیعوا معناها !!

قال شیخهم ابن باز فی فتاویه:4/382: (الصحیح الذی علیه المحققون (من هم هؤلاء المحققون ؟!) أنه لیس فی القرآن مجاز علی الحد الذی یعرفه أصحاب فن البلاغة ، وکل ما فیه فهو حقیقة فی محله ) . انتهی .

إِلاهُوَ کُلُّ شَئْ هَالِکٌ إِلاوَجْهَهُ لَهُ الْحُکْمُ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ) (سورة القصص: 88) ؟

هل تقولون والعیاذ بالله إن الله یفنی إلا صورة وجهه ؟!!

3 - إن کنتم تعتقدون بحرمة التأویل فتحرمون تأویل الآیات المتشابهة! فلماذا تناقضون أنفسکم فترتکبون تأویل الآیات المحکمة التی تنفی التشبیه والتجسیم، ولا تأخذون بها بظاهرها ، وتحملون المتشابه علی المحکم کما یفعل عامة المسلمین ؟!

من هذه الآیات المحکمة قوله تعالی: (ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ کُلِّ شئ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَئْ وَکِیلٌ. لا تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ). (سورة الأنعام: 102 - 103) .

(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً یَذْرَأُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَئٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ). (سورة الشوری: 11)

(یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلایُحِیطُونَ بِهِ عِلْماً). (سورة طه: 110)

(الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَکُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (سورة البقرة: 22)

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ). (سورة الأعراف: 143)

(وَإِذْ قُلْتُمْ یَا مُوسَی لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّی نَرَی اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) . (سورة البقرة: 55)

(یَسْأَلُکَ أَهْلُ الْکِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَیْهِمْ کِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَی أَکْبَرَ مِنْ ذَلِکَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِکَ وَآتَیْنَا مُوسَی سُلْطَاناً مُبِیناً). (سورة النساء: 153)

ص: 54

(وَقَالَ الَّذِینَ لایَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلائِکَةُ أَوْ نَرَی رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَکْبَرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً کَبِیراً). (سورة الفرقان: 21)

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ. لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ. وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ) (سورة الاخلاص:4)

فلماذا تقولون إن التأویل حرام ، ثم تؤولون کل ذلک بالتشبیه ؟!

4- إذا کان القرآن کله حقیقة والتأویل فیه حرام ، فالسنة أیضاً کلها حقیقة والتأویل فیها حرام ! فما بالکم لا تترکون حدیثاً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یخالف رأیکم إلا أعملتم فیه معول التأویل ؟!

5- ما دام التأویل عندکم حراماً منکراً ، فما ینتج عنه حرام ومنکر ! فکیف تستندون فی تفسیرکم للقرآن والسنة الی تأویلکم أو تأویل المتأولین ، وتبنون مذهبکم علی الحرام والمنکر ؟!

6- ما دام التأویل عندکم حراماً منکراً ، فلا فرق بین أن ترتکبوه أنتم أو یرتکبه غیرکم ، فما بالکم تبحثون عن

شخص أول الآیة أو الحدیث فتستندون الیه ؟! ألیس مثلکم فی ذلک کمن أفتی بتحریم ذبیحة ثم بحث عمن یحللها لکی یأکل منها ؟! وهل سمعتم بالطلمنکی المؤول الذی وجده إمامکم ابن تیمیة وإمامکم ابن باز؟! قال ابن باز فی فتاویه:1/148: (قال أبو عمر الطلمنکی رحمه الله تعالی: أجمع المسلمون من أهل السنة علی أن معنی قوله تعالی ( وهو معکم أین ما کنتم ) ونحو ذلک من القرآن أنه علمه ، وأن الله فوق السماوات بذاته مستوٍ علی عرشه کما نطق به کتابه ). انتهی .

فقد استند ابن باز کإمامه الی تأویل الطلمنکی ، والی إجماع المسلمین علیه ، الذی ادعاه الطلمنکی !

ص: 55

فإن صح إجماعهم فهو إجماع علی التأویل ینقض تحریمکم له ، وإن لم یصح ، فلا ینفعکم تأویل الطلمنکیین ! فما رأیکم ؟!

وقالوا: إنه یظهر لعباده ضاحکاً .

وقالوا: إنه ضحک لطلحة وسعد .

وقالوا: إنه یضحک .. ویظل یضحک .

وقالوا: منطقه کالرعد ، وضحکه کالبرق .

وقالوا: یظهر متجسداً لأبی بکر خاصة .

وقالوا: یجلس علی العرش ولعرشه أطیط وصریر وأزیز من ثقله .

وقالوا: إنه تعالی أثقل من الحدید .

وقالوا: الشمس تذهب کل یوم إلی تحت العرش .

وقالوا: حملة العرش حیوانات کما فی التوراة .

وقالوا: حملة العرش ملائکة صوفیة یتکلمون الفارسیة .

وقالوا: جالس علی کرسیه وغائب عن العالم ، وحوله الأنبیاء علی کراسی .

وقالوا: یجلس أبو بکر علی کرسی عند العرش .

وقالوا: یجلس صاحب أحمد بن حنبل علی سجاد العرش .

وقالوا: جنة عدن مسکن الله تعالی وعرشه فیها .

وقالوا: یری بالعین فی الآخرة وإن رؤیته بالعین من أکبر اللذات .

وقالوا: یکشف عن ساقه بل عن ساقیه ، ویعفو عن المنافقین .

وقالوا: إنه یجلس علی الجسر ویضع رجله علی الأخری .

وقالوا: لاتمتلئ النار حتی یضع الله رجله فیها .

وقالوا: إن الله تعالی جسم ینزل إلی الأرض کل لیلة .

وقالوا: إنه تعالی ینزل لیلة النصف من شعبان ، ویوم عرفة....!!

إلی آخر مقولاتهم وافترائهم... !!

الیهودیة ، الذین سماهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )(المتهوکون) وحذر المسلمین منهم؟!

2 - ما الذی تقبلونه من هذه النصوص ، وما الذی تکذبونه ؟

3 - عندما ینزل الله إلی الأرض بزعمکم ، هل یصعد أم لا ؟

4 - تزعمون أن معبودکم ینزل کل لیلة ، والأرض دائماً علیها لیل ، فبأی توقیت ینزل ؟

فیه أمیر المؤمنین من تقسم القلب ، فقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): دعوه فإن الذی یریده الأعرابی هو الذی نریده من القوم ، ثم قال: یا أعرابی إن القول فی أن الله واحد علی أربعة أقسام: فوجهان منها لایجوزان علی الله عز وجل ، ووجهان یثبتان فیه ، فأما اللذان لا یجوزان علیه فقول القائل: واحد یقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لایجوز ، لأن مالا ثانی له لا یدخل فی باب الأعداد ، أما تری أنه کفر من قال ( ثالث ثلاثة ).

وقول القائل: هو واحد من الناس ، یرید به النوع من الجنس ، فهذا ما لایجوز علیه لأنه تشبیه ، وجل ربنا عن ذلک وتعالی.

وأما الوجهان اللذان یثبتان فیه فقول القائل: هو واحد لیس له فی الأشیاء شبه ، کذلک ربنا ، وقول القائل: إنه عز وجل أحدیُّ المعنی ، یعنی به أنه لاینقسم فی وجود ولاعقل ولاوهم . کذلک ربنا عز وجل ) . انتهی.

وقد نتج من قولهم بالإثنینیة أنهم قالوا إن القرآن کلام الله فهو جزء من ذاته تعالی ، وهو قدیم غیر مخلوق ولا محدث !

ورد علیهم أئمة أهل البیت(علیهم السّلام) بأن القرآن کلام الله تعالی وهو محدث مخلوق ، ولیس معنی کونه کلام الله تعالی أنه جزء من ذاته ، بل معناه أنه تعالی خلقه وارتضاه ونسبه إلی نفسه .قال الله تعالی: (مَا یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ یَلْعَبُونَ). (سورة الأنبیاء:2)

2 - إذا کانت صفات الله تعالی غیر ذاته یلزم أن یکون تعالی مرکباً من أجزاء ، فهل تلتزمون بلوازم ذلک ؟

3 - کیف تفسرون قوله تعالی: (مَا یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ یَلْعَبُونَ) . (سورة الأنبیاء: 2)

2 - وهل تحکمون بکفر علماء الأشاعرة ، لأنهم قامت علیهم حجتکم ، وبکفر عوام الأشاعرة إذا قامت علیهم حجتکم فلم یقبلوها ؟!

3- ما رأیکم فی الأحادیث الکثیرة التی تبطل مذهبکم فی التشبیه ، والتی رواها البیهقی فی کتابه الأسماء والصفات وغیره ، هل تردونها أم تؤولونها ؟!

الروافض، ولهذا قال الرازی(؟): الیهود أکثرهم مشبهة ، وکان بدء ظهور التشبیه فی الإسلام من الروافض مثل هشام بن الحکم ، وهشام بن سالم الجوالیقی ، ویونس بن عبد الرحمن القمی وأبی جعفر الأحول (1) .

وکل هؤلاء الرجال المذکورین هم ممن تعدهم الإثنا عشریة فی الطلیعة من شیوخها ، والثقات من نقلة مذهبها (2) . . . وقد حدد شیخ الإسلام ابن تیمیة أول من تولی کبر هذه الفریة من هؤلاء فقال:(وأول من عرف فی الإسلام أنه قال إن الله جسم هو هشام بن الحکم). (3 ) .

وقبل ذلک یذکر الأشعری فی مقالات الإسلامیین أن أوائل الشیعة کانوا مجسمة ، ثم بین مذاهبهم فی التجسیم ونقل بعض أقوالهم فی ذلک إلا أنه یقول بأنه قد عدل عنه قوم من متأخریهم إلی التعطیل(4) .

وهذا یدل علی أن اتجاه الإثنی عشریة إلی التعطیل قد وقع فی فترة مبکرة ، وسیأتی ما قیل فی تحدید ذلک (5) .

وقد نقل أصحاب الفرق کلمات مغرقة فی التشبیه والتجسیم منسوبة إلی هشام بن الحکم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنین. یقول عبد القاهر البغدادی: زعم هشام بن الحکم أن معبوده جسم ذو حد ونهایة وأنه طویل عریض عمیق وأن طوله مثل عرضه...(6) .

ویقول: إن هشام بن سالم الجوالیقی مفرط فی التجسیم والتشبیه لأنه زعم أن معبوده علی صورة الإنسان... وأنه ذو حواس خمس کحواس الإنسان(7). وکذلک ذکر أن یونس بن عبد الرحمن القمی مفرط أیضاً فی باب التشبیه ، وساق بعض أقواله فی ذلک (8) . وقال ابن حزم: ( قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه ) (9) .

انتهی .

ص: 62

وقال فی هامشه: (1) اعتقادات فرق المسلمین والمشرکین ص 97 . (2) أنظر محسن الأمین/ أعیان الشیعة:1/106 . (3 ) منهاج السنة :1/20 . (4) أنظر :مقالات الإسلامیین:1/106 – 109 .

(5) فی المبحث الثانی . (6) الفرق بین الفرق ص 65 . (7 ) المصدر السابق :ص 68 69 . (8 ) السابق ص 70 . (9) الفصل :5/40 .

ص: 63

ص: 66

صلوات الله علیه: (لاتشدوا الرحال إلا إلی ثلاثة مساجد) فشد الرحال إلی نبینا (ص) مستلزمٌ لشد الرحل إلی مسجده وذلک مشروعٌ بلا نزاع ، إذ لاوصول إلی حجرته إلا بعد الدخول إلی مسجده ، فلیبدأ بتحیة المسجد ، ثم بتحیة صاحب المسجد ، رزقنا الله وإیاکم ذلک ) . انتهی.

وقال الحافظ الممدوح فی کتابه (رفع المنارة لتخریج أحادیث التوسل والزیارة) ص51-54: (یحذف کلام الأئمة الفقهاء فی استحباب زیارة القبر الشریف:قال الإمام المجمع علی علمه وفضله أبو زکریا النووی: (واعلم أن زیارة قبر رسول الله(ص)من أهم القربات وأنجح المساعی ، فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مکة استحب لهم استحباباً متأکداً أن یتوجهوا إلی المدینة لزیارته (ص) وینوی الزائر مع الزیارة التقرب وشد الرحل إلیه والصلاة فیه ). (المجموع:8 / 204) .

وقال أیضاً فی الإیضاح فی مناسک الحج: (إذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مکة فلیتوجهوا إلی مدینة رسول الله (ص) لزیارة تربته (ص)فإنها من أهم القربات وأنجح المساعی، وقد روی البزار والدارقطنی بإسنادهماعن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): (من زار قبری وجبت له شفاعتی) (ص214) .

وعلق الفقیه ابن حجر الهیتمی علی الحدیث فقال فی حاشیة الإیضاح: الحدیث یشمل زیارته (ص)حیاً ومیتاً ، ویشمل الذکر والأنثی ، والآتی من قرب أو بُعد ، فیستدل به علی فضیلة شد الرحال لذلک وندب السفر للزیارة ، إذ للوسائل حکم المقاصد . انتهی. ( ص 214 حاشیة الایضاح ) .

وقال الإمام المحقق الکمال ابن الهمام الحنفی فی شرح فتح القدیر: ( المقصد الثالث فی زیارة قبر النبی(ص): قال مشایخنا رحمهم الله تعالی من أفضل

ص: 68

المندوبات. وفی مناسک الفارس وشرح المختار: إنها قریبة من الوجوب لمن له سعة، ثم قال بعد کلام مانصه: والأولی فیما یقع عند العبد الضعیف تجرید النیة لزیارة قبر النبی(ص) ثم إذا حصل له إذا قدم زیارة المسجد ، أو یستفتح فضل الله سبحانه فی مرة أخری ینویهما فیها ، لأن فی ذلک زیادة تعظیمه وإجلاله (ص)). انتهی. ( :3 / 179 - 180 ) .

وقال محقق مذهب الحنابلة أبو محمد بن قدامة المقدسی: (ویستحب زیارة قبر النبی (ص) لما روی الدارقطنی بإسناده عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص):(من حج فزار قبری بعد وفاتی فکأنما زارنی فی حیاتی) وفی روایة:(من زار قبری وجبت له شفاعتی) ، رواه باللفظ الأول سعید ، ثنا حفص بن سلیمان عن لیث عن مجاهد عن ابن عمر ) . انتهی کلام الحافظ الممدوح .

وقال تعالی: (أولَئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلَی رَبِّهِمُ الْوَسِیلَةَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَیَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَیَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُوراً ) . (سورة الإسراء - 57)

فقد دلت الآیة علی مشروعیة أصل التوسل ، ومدحت المتوسلین بأنهم یبحثون عن الوسیلة الأقرب إلی الله تعالی ، ونحن نقول إن أقرب الناس وسیلة إلی الله تعالی هم محمد وأهل بیته الطاهرون فالتوسل بهم مشروع بل مأمور به !

وقد تخبط مفسروهم فی تفسیر الآیة فی وجوه بعیدة لایدل علیها ظاهر اللفظ ، ولا ورد بها حدیث شریف !

وکذلک قوله تعالی عن أولاد یعقوب(علیه السّلام): (قَالُوا یَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا کُنَّا خَاطِئِینَ) (سورة یوسف: 97) ، وغیرها ممادل علی مشروعیة التوسل .

علی القبور مساجد ولاقباب..الخ).!(موقع ابن باز:http:// ibnbaz.org )

أما شیخهم مقبل الوادعی ومرجعهم فی الیمن ، فکتب رسالة صریحة بعنوان: (حکم القبة المبنیة علی قبر الرسول (ص)) ، وأفتی فیها بوجوب هدم القبة الشریفة وهدم المسجد ، وجعل القبر الشریف خارج المسجد !! وقد جرت مناقشات حول کتابه فی شبکات الأنترنت ، منها فی موقع القلعة السلفی بتاریخ :18-3-2001(http://www.qal3ah.net:4444/vb/index.php )

وقال السید یوسف الرفاعی فی کتابه (نصیحتی إلی علماء نجد) فی مقابلة مع مجلة المنبر: (http://www.14masom.com/menbar/07/05.htm)

(عندما هدموا بقیة القبب لم تبق سوی قبة الحبیب المصطفی فحاولوا هدمها ، ومن کان حاضراً من المسلمین من أهل مکة والمدینة نصحوا الملک عبد العزیز وأعلموه بالأمر ، فحال بینهم وبین هدم القبة . کذلک أشرت إلی هذا الموضوع فی کتابی .

وهناک أحد علماء السلفیین یدعی مقبل الوادعی وهو من الیمن ، کتب رسالة یطالب فیها بإخراج قبر النبی الشریف !

والمصیبة أنها أُقرّت ومنح علیها الماجستیر !

کما قرأت فی کتاب (الجنائز) أن الألبانی قال: ( أنا لا أصلی فی الحرم النبوی لوجود القبر فیه ویجب إخراجه) ! والحمد لله أن الحکومة السعودیة لاتستمع للأصوات التی تطالب إخراج قبر النبی(ص) من الحرم النبوی ، لأنها تدرک قدسیة هذه الأمور عند المسلمین ولا تشجع الأفکار المتطرفة ، ونسأل الله تعالی أن یهدی المسؤولین الکرام لإعادة بناء أضرحة أهل البیت قریباً). انتهی کلام

ص: 73

الرفاعی ، وهو عالم سنی .

وقد أخذوا فتاویهم هذه من شیخهم ابن تیمیة ، الذی تعرض لوجوب هدم القبة النبویة بشکل غیر صریح خوفاً من المسلمین ! لکن تلمیذه ابن القیم کان أکثر صراحة من شیخه ابن تیمیة ، فأفتی بوجوب هدم قبة قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وإخراج قبره من المسجد !

قال فی کتابه إغاثة اللهفان:1/210: ( وأبلغ من ذلک أن رسول الله هدم مسجد الضرار ، ففی هذا دلیل علی هدم ما هو أعظم فساداً منه کالمساجد المبنیة علی

القبور ، فإن حکم الإسلام فیها أن تهدم کلها حتی تسوی بالأرض، وهی أولی بالهدم من مسجد الضرار! وکذلک القباب التی علی القبور یحب هدمها کلها ! لأنها أسست علی معصیة الرسول لأنه قد نهی عن البناء علی القبور )!!

مسجداً فبنوه لیعبدوا الله فیه ویتبرکوا بهم ، ولو کان عملهم منکراً لما أقره الله تعالی وسماه مسجداً . (تفسیرالواحدی:2/657،وأبی السعود:5 /215،وفتح القدیر:3/277) .

2 - کانت القباب والمبانی علی قبور الأنبیاء والأولیاء(علیهم السّلام) موجودة عند مجئ الإسلام ، ولم یتعرض لها المسلمون فی الفتح الإسلامی ولم یهدموها ، ومنها قبر داود وقبر موسی(علیهماالسّلام)فی القدس وقبور غیرهم ، بل أقرها الخلفاء وصلوا عندها ، ولم یستنکرها أهل البیت(علیهم السّلام) . فهل کانوا جمیعاً علی ضلال؟

3 - إن المسجد الحرام والکعبة الشریفة التی نتوجه الیها فی صلاتنا ونطوف حولها ملیئة بقبور الأنبیاء والأولیاء(علیهم السّلام) ! بل إن حجر إسماعیل(علیه السّلام) الذی أمرنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن ندخله فی طوافنا ما هو إلا مُحَوَّطةٌ أقامها إسماعیل (علیه السّلام)علی قبر أمه هاجر رضی الله عنها ، حتی لاتدوسَ القبر أقدام الطائفین ، ثم أوصی(علیه السّلام)أن یدفنوه فی نفس المکان . وقد استفاضت مصادر التاریخ والحدیث عند الشیعة والسنة ، بوجود قبر هاجر واسماعیل وقبور الأنبیاء(علیهم السّلام) حول الکعبة الشریفة !

ففی تاریخ الطبری:1/221: (وعاش إسماعیل فیما ذکر مائةً وسبعاً وثلاثین سنة ، ودفن فی الحجر عند قبر أمه هاجر ) .

وفی تفسیر القرطبی:2/130: ( ما بین الرکن والمقام إلی زمزم قبور تسعة وتسعین نبیاً ، جاءوا حجاجاً فقبروا هنالک(علیهم السّلام) ) .

وفی الکافی:4/210:(عن الإمام الصادق(علیه السّلام):(الحجر بیت إسماعیل وفیه قبر هاجر وقبر إسماعیل ).

وفی الکافی:4/214:( یحذف عن الإمام الباقر(علیه السّلام)قال:(صلی فی مسجد الخیف سبعمائة نبی، وإن ما بین الرکن والمقام لمشحون من قبور الأنبیاء(علیهم السّلام) وإن آدم(علیه السّلام)لفی

ص: 75

حرم الله عز وجل ) .

وفی علل الشرائع:1/37 ، عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: (إن إسماعیل دفن أمه فی الحجر ، وجعله عالیاً ، وجعل علیها حائطاً ، لئلا یوطأ قبرها ) .

فهل تقولون إن کل المسلمین الذین یطوفون حول تلک القبور ویصلون عندها ملعونون لأنهم اتخذوها مساجد ؟!

وهل تترکون الحج والصلاة إلی القبلة ، لأنها صلاة إلی القبور ؟!

4- إذا کانت الصلاة الی جهة فیها قبر حراماً ، فکیف أمرنا الله تعالی أن نصلی الی الکعبة الشریفة ، وحولها العدید من قبور الأنبیاء(علیهم السّلام) ؟!

ص: 76

الدعاء عنده ؟! فهل هو عندکم أفضل من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

2 - لماذا لاتطبقون مذهبکم وفتاواکم علی قبر إمامکم أحمد ، الذی ما زال مزاراً ومصلی ومحل توسل إلی الیوم ، فلماذا لاتطلبون من الحکومة العراقیة أن تهدم قبته وتسوی القبر بالأرض ؟!

3- ما قولکم فی الکرامات التی یرویها أسلافکم لقبر أحمد بن حنبل وزواره ؟!

ص: 78

القبور فی أصح قولی العلماء )!!

وقال: (المخالفة السادسة: التکرار والإکثار من زیارة قبره (ص) ، کأن تکون زیارته بعد کل فریضة ، أو فی کل یوم بعد فریضه بعینها ، ففی هذا مخالفة لهدی النبی(ص)وفی هذا مخالفة لقوله (ص): لاتجعلوا قبری عیداً ) .

فلماذا تخافون من المسلمین وتستعملون معهم التقیة ولاتجهرون برأیکم فی أن زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )غیر مستحبة أبداً ، بل هی جائزة علی کراهة ، بشرط أن تکون فی العمر مرة واحدة لا أکثر ! فإذا کررها المسلم کلما دخل إلی المسجد فهی معصیة ، وصاحبها محدث فی المدینة ، یستتاب عند القاضی ، فإن تاب من هذه الجریمة یعزر حسب نظر القاضی أو یعفی عنه ، وإن أصرَّ علی جریمته یجب قتله ، والأفضل أن یکون قتله قرب قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی یکون عبرةً للآخرین؟

3 - ما رأیکم فی إمامکم الألبانی الذی تقدم عنه أنه لایصلی فی المسجد النبوی لوجود قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیه ؟

4- ما رأیکم فی إمامکم ابن باز الذی نقلوا عنه أنه افتخر بأنه صلی إماماً فی المسجد النبوی ثلاثین سنة ، وکان یمر من عند قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یسلم علیه حتی مرة واحدة ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رجل جاء ومضی !!

ص: 81

الشافعی فی کتابه الأذکار، ولکن خلع "المحقق" ربقة الأمانة! فحذف قصة العتبی فی الطبعة التی حققها لحساب دار الهدی بالریاض سنة1409 !!

ولم یکتف بهذا التحریف فله نظائر أخری منها: قال الإمام النووی فی الأذکار:(فصل فی زیارة قبر رسول الله (ص) وأذکارها: إعلم أنه ینبغی لکل من حج أن یتوجه إلی زیارة رسول الله(ص)سواء کان ذلک طریقه أو لم یکن، فإن زیارته (ص) من أهم القربات وأربح المساعی وأفضل الطلبات..إلخ). هذه عبارة الإمام النووی ، ولکن المحقق حرَّف عبارة النووی ، وهذا نص تحریفه ص295: (فصل فی زیارة مسجد رسول الله(ص)...الخ.). !! انتهی کلام الممدوح.

فانظروا إلی انعدام الأمانة العلمیة عند هؤلاء ! وجرأتهم علی تحریف مصادر المسلمین ، وتزویر کتاب الأذکار للنووی ، مع أنه کتاب مطبوع ومؤلفه فقیه معروف ! وهذا مثلٌ من تحریفاتهم ، ولها أمثال أخری !

3- هل تسقط عدالة الفقیه أو الراوی إذا ارتکب التحریف والتزویر؟!

مع أن العقل والشرع یقولان: إن حکم التوسل واحد ، فإن کان بالمیت شرکاً بالله تعالی لأنه دعاء غیر الله تعالی ، فهو بالحی شرکٌ أیضاً ! فلو جاز بالحی لجاز بالمیت ، ومحال أن یکون بعض الشرک إیماناً لایخرج عن الإسلام ، وبعضه حرام مخرج عن الإسلام !

قال ابن باز فی جواب سؤال عن الإستغاثة بالحی فیما یقدر علیه: (أما الحی فلا بأس أن یتعاون معه ، لأن له عملاً فیما یجوز شرعاً من الأسباب الحسیة کما قال تعالی: (فََاسْتَغَاثَهُ الَّذِی مِنْ شِیعَتِهِ عَلَی الَّذِی مِنْ عَدُوِّهِ) ، فی قصة موسی ، فإن موسی حیٌّ وهو المستغاث به ، فاستغاثه الإسرائیلی علی الذی من عدوه وهو القبطی، وهکذا الإنسان مع إخوانه ومع أقاربه ، یتعاونون فی مزارعهم ، وفی إصلاح بیوتهم ، وفی إصلاح سیاراتهم ، وفی أشیاء أخری من حاجاتهم یتعاونون بالأسباب الحسیة المقدورة ، فلا بأس... فالتعاون مع الأحیاء شئ جائز بشروطه المعروفة ، وسؤال الأموات والإستغاثة بالأموات والنذر لهم أمر ممنوع ومعلوم عند أهل العلم (من هم؟) أنه شرک أکبر) ! (موقع فتاوی ابن باز:http:// ibnbaz.org/ )

2 - ما دام التوسل بالحی عندکم جائزاً ، فأنتم تقرون مبدأ التوسل ، ولا مانع عندکم من أصل التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلا أنه بزعمکم میت لاینفع !

فلو اعتقد المسلم بأن النبی حیٌّ عند ربه یرزق ویسمع وینفع بإذن ربه ، فالتوسل له حلال ، فلماذا تحرمونه علیه وتحکمون علیه بأنه مشرک کافر ؟!!

3- ماحکم ملایین المسلمین فی العصور الماضیة بمن فیهم أئمة المذاهب وحتی أسلافکم أنتم هل هم کفار لأنهم یعتقدون بالتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

4/138 ، بروایتین . ورواه الحاکم فی المستدرک:1/313 ، وقال:هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ! ورواه فی:1/519 ، بسندین آخرین ، وقال بعدهما:هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. ورواه فی:1/ 526 ، وقال:تابعه شبیب بن سعید الحبطی عن روح بن القاسم ، مع زیادات فی المتن والإسناد والقول...وقال أیضاً:هذا حدیث صحیح علی شرط البخاری ولم یخرجاه ، وإنما قدمت حدیث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالی من الأسانید . ورواه الطبرانی فی کتاب الدعاء ص320 ، وما بعدها بعدة طرق ، وکذا فی المعجم الکبیر:9/31 ، والصغیر:1/183 ، وصححه . ورواه فی مجمع الزوائد:2/ 279، وقال:قلت:روی الترمذی وابن ماجه طرفاً من آخره خالیاً عن القصة ، وقد قال الطبرانی عقبه:والحدیث صحیح ، بعد ذکر طرقه التی روی بها . ورواه فی کنز العمال:2/181، و6/521 ( ت، ه-، ک، عن عثمان بن حنیف. حم. ت. حسن صحیح غریب. هک. وابن السنی، عن عثمان بن حنیف) ورواه ابن خزیمة فی صحیحه:2 / 225 ) .

وفی السنن الکبری للنسائی:6/168: ( عن عثمان بن حنیف أن رجلاً أعمی أتی النبی(ص)فقال:یا رسول الله إنی رجل أعمی ، فادع الله أن یشفینی ، قال بل أدَعُک ، قال:أدع الله لی مرتین أو ثلاثاً . قال: توضأ ثم صل رکعتین ثم قل: اللهم إنی أسألک وأتوجه إلیک بنبیی محمد نبی الرحمة ، یا محمد إنی أتوجه بک إلی الله أن یقضی حاجتی ، أو حاجتی إلی فلان ، أو حاجتی فی کذا وکذا . اللهم شفع فی نبیی وشفعنی فی نفسی). انتهی . ثم رواه النسائی بروایتین أیضاً .

الأحادیث الصحیحة فی حیاته عند ربه ونفعه لنا حیاً ومیتاً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟!

3- تعترضون علی المسلمین قائلین: لماذا تتوسلون بالمخلوق ، ولاتدعون الله تعالی مباشرة ؟! هلاَّ وجهتم اعتراضکم الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لماذا علَّم هذا الأعمی أن یتوسل به الی الله تعالی ، ولم یعلمه أن یدعو ربه مباشرة ؟!

4- لماذا لاتعترضون علی الله تعالی لأنه أمرنا أن نبتغی الیه الوسیلة فقال فی آخر سورة أنزلها علی نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة المائدة: 35) ، أم تقولون بأن هذه الآیة منسوخة بفتوی أحمد عبد الحلیم الحرانی؟!

من أصحابه الذین یثقون به ویظنون أنه علی صواب والواقع خلاف ذلک .

ومن المخدوعین به من یدعی حمدی السلفی الذی یحقق المعجم الکبیر ، فقد أقدم بجرأة علی تضعیف أثر صحیح لم یوافق هواه کما لم یوافق هوی شیخه، وکان کلامه فی تضعیفه هو کلام شیخه نفسه ! فأردت أن أرد الحق إلی نصابه ، ببیان بطلان کلام الخادع والمخدوع به ، وعلی الله اعتمادی ، وإلیه تفویضی واستنادی :

روی الطبرانی فی المعجم الکبیر:9/17، من طریق ابن وهب ، عن شبیب ، عن روح بن القاسم ، عن أبی جعفر الخطمی المدنی ، عن أبی أمامة بن سهل بن حنیف ، عن عمه عثمان بن حنیف (رضی الله عنه):أن رجلاً کان یختلف إلی عثمان بن عفان (رضی الله عنه)فی حاجة له فکان عثمان لا یلتفت إلیه ولا ینظر فی حاجته، فلقی عثمان بن حنیف فشکا إلیه ذلک ، فقال له عثمان بن حنیف:إئت المیضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فیه رکعتین ثم قل:اللهم إنی أسألک وأتوجه إلیک بنبیک محمد (ص) نبی الرحمة . یامحمد إنی أتوجه بک إلی ربی فتقضی لی حاجتی. وتذکر حاجتک ، ورح إلیه حتی أروح معک . فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتی باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتی أخذ بیده ، فأدخله علی عثمان بن عفان فأجلسه معه علی الطنفسة ، وقال له ما حاجتک فذکر حاجته فقضاها له ، ثم قال:ما ذکرت حاجتک حتی کانت هذه الساعة، وقال:ما کانت لک من حاجة فأتنا .

ثم إن الرجل خرج من عنده فلقی عثمان بن حنیف فقال له:جزاک الله خیراً ما کان ینظر فی حاجتی ولا یلتفت إلیَّ حتی کلمتَه فیَّ . فقال عثمان بن حنیف:والله ما کلمتُه ، ولکن شهدتُ رسول الله (ص) وأتاه رجل ضریر فشکا

ص: 91

إلیه ذهاب بصره ، فقال له النبی (ص) أو تصبر؟ فقال: یا رسول الله إنه لیس لی قائد وقد شقَّ علی. فقال له النبی (ص): إئت المیضأة فتوضأ ثم صل رکعتین ، ثم ادع بهذه الدعوات ! قال عثمان بن حنیف:فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحدیث ، حتی دخل علینا الرجل کأنه لم یکن به ضُرٌّ قَطْ .

صححه الطبرانی ، وتعقبه حمدی السلفی بقوله:لاشک فی صحة الحدیث المرفوع ، وإنما الشک فی هذه القصة التی یستدل بها علی التوسل المبتدع ، وهی انفرد بها شبیب کما قال الطبرانی ، وشبیب لابأس بحدیثه ، بشرطین:أن یکون من روایة ابنه أحمد عنه ، وأن یکون من روایة شبیب عن یونس بن یزید . والحدیث رواه عن شبیب بن وهب وولداه إسماعیل وأحمد ، وقد تکلم الثقات فی روایة ابن وهب عن شبیب فی شبیب ، وابنه اسماعیل لایعرف ، وأحمد وإن روی القصة عن أبیه إلا أنها لیست من طریق یونس بن یزید ، ثم اختلف فیها علی أحمد. ورواه ابن السنی فی عمل الیوم واللیلة، والحاکم من ثلاثة طرق بدون ذکر القصة ، ورواه الحاکم من طریق عون بن عمارة البصری عن روح بن القاسم به ، قال شیخنا محمد ناصر الدین الألبانی:وعون هذا وإن کان ضعیفاً فروایته أولی من روایة شبیب لموافقتها لروایة شعبة وحماد بن سلمة ، عن أبی جعفر الخطمی . انتهی .

وفی هذا الکلام تدلیس وتحریف نبینه فیما یلی:

أولاً: هذه القصة رواها البیهقی فی دلائل النبوة من طریق یعقوب بن سفیان، حدثنا أحمد بن شبیب بن سعید ، ثنا أبی عن روح بن القاسم ، عن أبی جعفر الخطمی ، عن أبی أمامة بن سهل بن حنیف ، عن عمه عثمان بن حنیف ، أن رجلاً کان یختلف إلی عثمان بن عفان (رضی الله عنه) ، فذکر القصة بتمامها .

ص: 92

ویعقوب بن سفیان هو الفسوی الحافظ الإمام الثقة ، بل هو فوق الثقة ، وهذا إسناد صحیح البخاری ، ومعنی ذلک أنها صحیحة ، وهذا الذی

یوافق کلام الحافظ ویبطل ما استنبطه الألبانی من کلام الحافظ فی مقدمة فتح الباری، فلیتأمل. وإن الحفاظ أیضاً صححوا هذه القصة ، کالمنذری فی الترغیب والترهیب:1/476 بإقراره للطبرانی ، والهیثمی فی مجمع الزوائد: 2/ 279 ، أیضاً ، وقبلهما الإمام الحافظ الطبرانی فی معجمه الصغیر: 1/307 ، الروض الدانی . وغیرهم .

ثانیاً: أحمد بن شبیب من رجال البخاری ، روی عنه فی الصحیح وفی الأدب المفرد ، ووثقه أبو حاتم الرازی ، وکتب عنه هو وأبو زرعة ، وقال ابن عدی: وثقه أهل البصرة وکتب عنه علی بن المدینی. وأبوه شبیب بن سعید التمیمی الحبطی البصری أبو سعید ، من رجال البخاری أیضاً ، روی عنه فی الصحیح وفی الأدب المفرد . ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائی والذهلی والدارقطنی والطبرانی فی الأوسط. قال أبو حاتم: کان عنده کتب یونس بن زید ، وهو صالح الحدیث لا بأس به . وقال ابن عدی:ولشبیب نسخة الزهری عنده عن یونس عن الزهری أحادیث مستقیمة . وقال ابن المدینی:ثقة کان یختلف فی تجارة إلی مصر ، وکتابه کتاب صحیح .

هذا ما یتعلق بتوثیق شبیب ، ولیس فیه اشتراط صحة روایته بأن تکون عن یونس بن یزید ، بل صرح ابن المدینی بأن کتابه صحیح . وابن عدی إنما تکلم علی نسخة الزهری عن شبیب فقط ، ولم یقصد جمیع روایاته !

فما ادعاه الألبانی تدلیس وخیانة ! یؤکد ذلک أن حدیث الضریر صححه الحفاظ ولم یروه شبیب عن یونس عن الزهری ! وإنما رواه عن روح بن القاسم !

ص: 93

ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فیها حیث لم یذکرها بعض الرواة عند ابن السنی والحاکم لون آخر من التدلیس ! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة یروی الحدیث وما یتصل به کاملاً ، وبعضهم یختصر منه بحسب الحاجة ، والبخاری یفعل هذا أیضاً ، فکثیراً ما یذکر الحدیث مختصراً أو یوجد عند غیره تاماً . والذی ذکر القصة فی روایة البیهقی إمام فذ ، یقول عنه أبو زرعة الدمشقی:قدم علینا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما یعقوب بن سفیان ، یعجز أهل العراق أن یرو مثله رجلاً .

وتقدیمه روایة عون الضعیف علی من زاد القصة ، لون ثالث من التدلیس والغش ! فإن الحاکم روی حدیث الضریر من طریق عون مختصراً ، ثم قال: تابعه شبیب بن سعید الحبطی عن روح بن القاسم زیادات فی المتن والإسناد ، والقول فیه قول شبیب فإنه ثقة مأمون ، هذا کلام الحاکم ، وهو یؤکد ما تقرر عند علماء الحدیث والأصول أن زیادة الثقة مقبولة ، وأن من حفظ حجة علی من لم یحفظ ! والألبانی رأی کلام الحاکم لکن لم یعجبه لذلک ضرب عنه صفحاً ، وتمسک بأولویة روایة عون الضعیف عناداً وخیانة .

ثالثاً: تبین مما أوردناه وحققناه فی کشف تدلیس الألبانی وغشه ، أن القصة صحیحة جداً ، رغم محاولاته وتدلیساته ،وهی تفید جواز التوسل بالنبی (ص) بعد انتقاله ، لأن الصحابی راوی الحدیث فهم ذلک ، وفهم الراوی له قیمته العلمیة ، وله وزنه فی مجال الإستنباط .

وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابی علی سبیل التنزل ، والحقیقة أن ما فعله عثمان بن حنیف من إرشاده الرجل إلی التوسل کان تنفیذاً لما سمعه من النبی (ص)کما ثبت فی حدیث الضریر . قال ابن أبی خیثمة فی تاریخه:حدثنا مسلم

ص: 94

بن ابراهیم، ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمی ، عن عمارة بن خزیمة ، عن عثمان بن حنیف (رضی الله عنه): أن رجلاً أعمی أتی النبی (ص) فقال:إنی أصبت فی بصری فادع الله لی قال: إذهب فتوضأ وصل رکعتین ثم قل:اللهم إنی أسألک وأتوجه إلیک بنبیی محمد نبی الرحمة . یا محمد إنی أستشفع بک إلی ربی فی رد بصری . اللهم فشفعنی فی نفسی ، وشفع نبیی فی رد بصری . وإن کانت حاجة فافعل مثل ذلک . إسناده صحیح.

والجملة الأخیرة من الحدیث تصرح بإذن النبی (ص)فی التوسل به عند عروض حاجة تقتضیه .

وقد أعلَّ ابن تیمیة هذه الجملة بعلل واهیة . بینت بطلانها فی غیر هذا المحل . وابن تیمیة جرئ فی رد الحدیث الذی لا یوافق غرضه ولو کان فی الصحیح ! مثال ذلک: روی البخاری فی صحیحه حدیث (کان الله ولم یکن شئ غیره) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتیقن ، لکنه خالف رأیه فی اعتقاده قدم العالم ، فعمد إلی روایة للبخاری أیضاً فی هذا الحدیث بلفظ ( کان الله ولم یکن شئ قبله ) فرجحها علی الروایة المذکورة ، بدعوی أنها توافق الحدیث الآخر (أنت الأول فلیس قبلک شئ ) . قال الحافظ ابن حجر:مع أن قضیة الجمع بین الروایتین تقتضی حمل هذه الروایة علی الأولی لا العکس ، والجمع مقدم علی الترجیح بالإتفاق .

قلت: تعصبه لرأیه أعماه عن فهم الروایتین اللتین لم یکن بینهما تعارض...

مثالٌ ثانٍ: حدیث أمر رسول الله( ص) بسد الأبواب الشارعة فی المسجد وترک باب علی، حدیث صحیح، أخطأ ابن الجوزی بذکره فی الموضوعات. ورد علیه الحافظ فی القول المسدد . وابن تیمیة لانحرافه عن علی کما هو

ص: 95

معلوم، لم یکفه حکم ابن الجوزی بوضعه، فزاد من کیسه حکایة اتفاق المحدثین علی وضعه !! وأمثلة رده للأحادیث التی یردها لمخالفة رأیه کثیرة یعسر تتبعها ). انتهی کلام الحافظ المغربی ، وهو کلام متین ..

علی ابن الجوزی ). انتهی .

وقد رواه البخاری فی الأدب المفرد ص207 ، والحربی فی غریب الحدیث:2/673، وابن الأثیر فی النهایة:2/13، والنووی فی الأذکار ص305، والصالحی فی سبل الهدی والرشاد:11/431 ..الخ. فما قولکم فیه ؟!

هذا الأثر بسعید بن زید ، وهو مردود لأن سعیداً من رجال مسلم ، ووثقه یحیی بن معین. ذکر الألبانی تضعیفه فی کتابه (التوسل أنواعه وأحکامه ط.ثانیة ص128) واحتج بحجج باطلة علی عادته فی تمویهاته ، حیث نقل کلام ابن حجر فی التقربب الذی یوافق هواه ولم ینقل من هنالک أنه من رجال مسلم فی صحیحه ، فلننتبه إلی هذا التدلیس وهذه الخیانة التی تعود علیها هذا الرجل ، الذی یصف أعداءه بکتمان الحق وما یخالف آراءهم ، کما فی مقدمته الجدیدة لآداب زفافه والتی حلاها بما دل علی اختلاطه من هجرٌ وخناً ؟، ثم أردف ذلک بنقل ترجمة سعید بن زید من المیزان للذهبی ، زیادة فی الکتم والتعمیة ، وقد خان فلم یذکر ما ذکر الحافظ ابن حجر فی تهذیب التهذیب:4/29 من نقل أقوال موثقیه ، زیادةً علی أنه من رجال مسلم فی الصحیح.... وضعفه أیضاً باختلاط أبی النعمان، وهو تضعیف غیر صحیح لأن اختلاط أبی النعمان لم یؤثر فی روایته، قال الدارقطنی: تغیر بآخره وما ظهر له بعد اختلاطه حدیث منکر وهو ثقة . وقول ابن حبان وقع فی حدیثه المناکیر الکثیرة بعد اختلاطه

رده الذهبی فقال: لم یقدر ابن حبان أن یسوق له حدیثاً منکراً ! ) .

فأی قیمة تبقی عندکم لکلام أمکم ، التی تدَّعون تقدیرها وإطاعتها ؟!

2- حکمت عائشة بکفر من یزعم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رأی ربه ، فشمل حکمها إمامکم ابن تیمیة ! وشملکم لأنکم قبلتم منه وقلدتموه فیه !

وکفَّر إمامکم ابن تیمیة کل من یتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد وفاته ، فشمل حکمه أمکم عائشة لأنها أمرت المسلمین بالتوسل بالمیت وهو شرک أکبر؟!

فأی أبناء بارِّین بأمکم أنتم وقد بلغ من برکم بها أنکم تکفرونها ؟

وأی أم محبة لکم هی ، وقد بلغ من حبها لکم أنها تکفرکم ؟!

والعجیب فیهم أنهم یغمضون أعینهم عن الأحادیث الشریفة الصحیحة الصریحة فی حیاة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأن سلامنا یبلغه ، وأنه یرد الجواب علی من سلَّم علیه ، وأن صلاتنا علیه تبلغه ، وأعمالنا تعرض علیه !

وینسون أن الله تعالی أمرنا بآیة صریحة فی کتابه أن نأتی إلیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونستغفر الله عنده ونطلب منه أن یستغفر لنا ، فقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً) ( سورة النساء: 64)

وهو أمرٌ عام لکل عصر ، ومطلقٌ لحیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو بعد وفاته ، وتخصیصه بحیاته تحکُّمٌ بلا دلیل .

قال الصدیق المغربی فی الرد المحکم المتین ص44: (فهذه الآیة عامة تشمل حالة الحیاة وحالة الوفاة وتخصیصها بأحدهما یحتاج إلی دلیل وهو مفقود هنا .

فإن قیل: من أین أتی العموم حتی یکون تخصیصها بحالة الحیاة دعوی تحتاج إلی دلیل؟ قلنا: من وقوع الفعل فی سیاق الشرط . والقاعدة المقررة فی الأصول أن الفعل إذا وقع فی سیاق الشرط کان عاماً ، لأن الفعل فی معنی النکرة لتضمنه مصدراً منکراً ، والنکرة الواقعة فی سیاق النفی أو الشرط تکون للعموم وضعاً). انتهی.

ولایتسع المجال لاستقصاء الأدلة من الآیات والأحادیث وفتاوی فقهاء المذاهب، علی حیاة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ربه ، وسماعه سلامنا وصلاتنا علیه وتوسلنا به ، واستغفاره ودعائه لنا ، فنکتفی ببعضها :

منها: ما رواه فی مجمع الزوائد:9/24 قال: (باب ما یحصل لأمته (ص) من استغفاره بعد وفاته): عن عبدالله بن مسعود، عن النبی (ص) قال: ( إن لله ملائکة سیاحین یبلغونی عن أمتی السلام . قال وقال رسول الله (ص):حیاتی خیر لکم

ص: 100

تحدثون وتحدث لکم ، ووفاتی خیر لکم تُعرض علیَّ أعمالکم ، فما رأیت من خیر حمدت الله علیه ، وما رأیت من شر استغفرت الله لکم ). رواه البزار ورجاله رجال الصحیح . انتهی. کما صححه عدد کبیر من علماء السنة ، وقد عدَّدَ من صححه الحافظ السقاف فی الإغاثة ص11 .

ومنها: أنه لوکان نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لایسمع توسل المتوسلین إلی الله تعالی به کما یزعمون ، فإن من اللغو والعبث أن یخاطبه المسلمون فی صلاتهم فیقولون: (السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته ) ؟!

وقد تحیر أتباع ابن تیمیة الحرانی بهذا الإشکال، لأنهم مع جمیع المسلمین یقولون فی صلواتهم: (السلام علیک أیها النبی) !

وارتکب الألبانی محاولة مفضوحة للهروب من هذا الإشکال فوجد روایة ضعیفة عن ابن مسعود أعرض عنها المسلمون تقول أن بعض المصلین قال: (السلام علی النبی ورحمة الله وبرکاته) فتشبث بها وحاول أن یغیر صیغة السلام فی صلاة المسلمین ، من الخطاب إلی الغیبة !

وقد رد علیه الحافظ الصدیق المغربی فی رسالته (القول المقنع فی الرد علی الألبانی المبتدع ص13)وکذا فی رسالته (إرغام المبتدع الغبی فی جواز التوسل بالنبی) فقال فی الأخیرة ص19: (تواتر عن النبی (ص) تعلیم التشهد فی الصلاة، وفیه السلام علیه بالخطاب ونداؤه(السلام علیک أیها النبی)وبهذه الصیغة علمه علی المنبر النبوی أبو بکر وعمر وابن الزبیر ومعاویة ، واستقر علیه الإجماع کما یقول ابن حزم وابن تیمیة !

والألبانی لابتداعه خالف هذا کله وتمسک بقول ابن مسعود (فلما مات قلنا

ص: 101

السلام علی النبی) ، ومخالفة التواتر والإجماع هی عین الإبتداع ) . انتهی.

ولاینفع الألبانی وغیره من علمائهم أن یغیروا صیغة السلام علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی الصلاة ، لأن إمامهم ابن تیمیة وابن عبد الوهاب کانا یقولان فی صلاتهما: (السلام علیک أیها النبی)فیخاطبونه وهومیت وهو نوع من التوسل وهو عندهما شرک أکبر ! فإن أرادوا أن یخلصوا أنفسهم من (الشرک) فقد وقع فیه أئمتهم !

ومنها: ما رواه الحافظ الممدوح فی رفع المنارة ص62 ، قال:(قد صح أن النبی (ص) قال: الأنبیاء أحیاء فی قبورهم یصلون . أخرجه البیهقی فی حیاة الأنبیاء ص15 ، وأبو یعلی فی مسنده :6/147، وأبو نعیم فی أخبار أصبهان:2/44، وابن عدی فی الکامل:2/739 . وقال الهیثمی فی المجمع:8/211: ورجال أبی یعلی ثقات . اه ، والحدیث له طرق .

وقال رسول الله (ص): مررت علی موسی وهو قائم یصلی فی قبره . أخرجه مسلم :4/1845 ، وأحمد:3/120، والبغوی فی شرح السنة:13/351 ، وغیرهم .

وقال ابن القیم فی نونیته عند الکلام علی حیاة الرسل(علیهم السّلام) بعد مماتهم (النونیة مع شرح ابن عیسی:2/160 ) .

والرسل أکمل حالةً منه (الشهید) بلا

شک ، وهذا ظاهر التبیان

فلذاک کانوا بالحیاة أحق من

شهدائنا بالعقل والبرهان

وبأن عقد نکاحه لم ینفسخ

فنساؤه فی عصمة وصیان

ولأجل هذا لم یحل لغیره

منهن واحدة مدی الأزمان

أفلیس فی هذا دلیل أنه

حیٌّ لمن کانت له أذنان. انتهی

ومن العجیب أن ابن القیم تلمیذٌ مغال فی شیخه ابن تیمیة ، ومع ذلک یعترف

ص: 102

بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیٌّ عند ربه یسمع وینفع ، مع أن شیخه یقول إن التوسل به(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شرک لأنه میت لایسمع ولا ینفع !!

قال الشیخ أحمد زینی دحلان شیخ الشافعیة فی

الدرر السنیة:1/42 ، فی حدیثه عن محمد بن عبد الوهاب: (حتی أن بعض أتباعه کان یقول:عصای هذه خیر من محمد ، لأنها ینتفع بها فی قتل الحیة ونحوها ، ومحمد قد مات ولم یبق فیه نفع أصلاً !!)!! . انتهی.

ونقله أیضاً الشیخ الزهاوی شیخ الأحناف فی العراق ، فی کتابه الفجر الصادق ص18 . والشیخ أبو حامد الإستانبولی من علماء الأحناف فی ترکیا فی کتابه التوسل بالنبی ص245 . والسید محسن الأمین من علماء الشیعة فی کتابه کشف الإرتیاب ص127.

علی أن اعتقاد أتباع ابن تیمیة بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد وفاته لاینفع ، ثابتٌ علیهم لایحتاج إلی روایة مسندة عن ابن عبد الوهاب ولاغیره ، لأن ذلک عقیدتهم إلی الیوم ، وعلیه یرتکز تحریمهم التوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل الأموات ، وإن سألت أی شیخ منهم هل ینفع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الیوم؟ لرأیته یلف ویدور ولایقول ینفع ! بینما تراهم یجوزون التوسل بأی شخص حی حتی لو کان کافراً بوالاً علی عقبیه ! (وَمَنْ یُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِیلاً) (سورة النساء: 88)

العادیین بأنهم (أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ) وهم أقل درجة من الرسل ؟!

2 - لقد فهم جمیع المسلمین قوله تعالی: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ...) بأنها تشمل حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعد وفاته، وعملوا بها ، وأفتی بها فقهاء جمیع المذاهب ودونوها فی مناسکهم ! فما دلیکم علی حصرها بحیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ وهل کان المسلمون کلهم علی ضلال حتی جاء ابن تیمیة فی القرن الثامن واکتشف أن جمیع المسلمین مشرکون کفار لأنهم یقصدون زیارة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ویتوسلون إلی الله به عند قبره ؟!!

3 - ما رأیکم فی الأدلة الثلاثة التی ذکرناها علی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ربه ؟

4 - هل تخاطبون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی صلاتکم فتقولون کما یقول المسلمون: (السلام علیک أیها النبیُّ ورحمة الله وبرکاته ) أم تقلدون الألبانی؟

وإذا قلدتم الألبانی ، فهل أن من یسلم علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بصیغة الخطاب ، یکون مشرکاً ، ومنهم أئمتکم ؟!

5 - هل یستطیع أحدکم أن یجیب بلا مواربة ولا تقیة علی السؤال التالی:

أیهما أنفع الآن برأیکم: العصا ، أم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 104

الرد علی الأخنائی ص168 ) انتهی. !

حرب منسوب إلی حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبی جعفر المنصور وإلی حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربیة ، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها یزار ) .

وفی مناقب الإمام أحمد لابن الجوزی الحنبلی ص454: (حدثنی أبو بکر بن مکارم بن أبی یعلی الحربی وکان شیخاً صالحاً قال: کان قد جاء فی بعض السنین مطرٌ کثیر جداً قبل دخول رمضان بأیام ، فنمت لیلة فی رمضان فأریت فی منامی کأنی قد جئت علی عادتی إلی قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأیت قبره قد التصق بالأرض حتی بقی بینه وبین الأرض مقدار ساف أو سافین ، فقلت:إنما تم هذا علی قبر الإمام أحمد من کثرة الغیث ! فسمعته من القبر وهو یقول: لا، بل هذا من هیبة الحق عزوجل لأنه عز وجل قد زارنی !! فسألته عن سر زیارته إیای فی کل عام فقال عز وجل: یا أحمد ، لأنک نصرت کلامی فهو ینشر ویتلی فی المحاریب . فأقبلت علی لحده أقبله ثم قلت: یا سیدی ما السر فی أنه لا یقبل قبر إلا قبرک ؟ فقال لی: یا بنی ، لیس هذا کرامة لی ولکن هذا کرامة لرسول الله (ص)! لأن معی شعرات من شعره! ألا ومن یحبنی یزورنی فی شهر رمضان ! قال ذلک مرتین ) !!

وفی طبقات الحنابلة لأبی یعلی الموصلی:2/186: ( سمعت رزق الله یقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضی الشریف أبو علی فرأیته یقبل رجل القبر ! فقلت له: فی هذا أثر ؟ قال لی: أحمد فی نفسی شئ عظیم ، وما أظن أن الله تعالی یؤاخذنی بهذا ) !!

وفی تاریخ بغداد للخطیب:4/423: (عن أبی الفرج الهندبانی یقول: کنت أزور قبر أحمد بن حنبل فترکته مدة ، فرأیت فی المنام قائلاً یقول لی: لمَ ترکت

ص: 113

زیارة إمام السنة ) !!

وفی عمدة القاری فی شرح البخاری للعینی:5 جزء9/241: (سعید العلائی قال: رأیت فی کلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبیل قبر النبی (ص) وتقبیل منبره ، فقال: لا بأس بذلک . قال فأریناه للشیخ تقی الدین بن تیمیة ، فصار یتعجب من ذلک ویقول: (عجبت ! أحمد عندی جلیل ، یقول هذا الکلام ) ! وأی عجب وقد روینا عن الإمام أحمد أنه غسل قمیصاً للشافعی وشرب الماء الذی غسله به )!!

وفی تاریخ الإسلام للذهبی:14/335: ( قال ابن خزیمة: هل کان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعی ؟) .

الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو الولی ما لایقدر علیه إلا الله تعالی، وهذا یستلزم أنه یؤلهه!

لکن هذا کذب وافتراء علی المسلمین المتوسلین لأنهم یعرفون أن الأمر کله لله تعالی، وأنه لیس للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولا لمخلوق مع الله ذرة شراکة ، وإنما یستشفعون بنبیه لکرامته علی ربه ، فهو یطلب من الله بواسطة نبیه ، أو یطلب من نبیه أن یشفع له إلی ربه !

أو کمثل شرطی من هیئة الأمر بالمعروف الوهابیة رآک وقد تعطلت سیارتک فی الطریق فنادیت شخصاً: یامحمد ساعدنی ، أغثنی ، أتوسل بک ، فأخذک وسلمک إلی مشایخه ویقول لهم: رأیته یعبد شخصاً من دون الله تعالی ، فأقیموا علیه الحد الشرعی! فأخذوک إلی الإعدام وأنت تصرخ والله ما عبدته بل توسلت به لیساعدنی مما أعطاه الله من قدرة !

علی قولک هذا أن یکون الله تعالی جسماً ، یقول إن لازم المذهب لیس بمذهب ! فکیف احتج علی المتوسل بلوازم عمله ، وحسب فهمه هو ؟!

الفقه ولم یبحثوها فی أصول العقائد ؟!

2 - إذا قدمت إلی القاضی(تهمة بجریمة)وکان تقیاً ، فهل یحتاط بأن یصنفها فی الجرائم العادیة ، أو فی جرائم أمن الدولة لیحکم علی صاحبها بالإعدام؟!

3 - هل ابن تیمیة وابن عبد الوهاب محتاطون فی الفتوی بإراقة دماء المسلمین ؟!

4- هل تعملون بقاعدة: (الحدود تدرأ بالشبهات) ، وهل رأیکم أنها یجب أن تستبدل بقاعدة: (الحدود تقام بالشبهات) ؟!

ص: 118

وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام ! والفرق بین هذین متفق علیه بین المسلمین. المتوسل إنما یدعو الله ویخاطبه ویطلب منه لایدعو غیره إلا علی سبیل استحضاره لا علی سبیل الطلب منه. وأما الداعی والمستغیث فهو الذی یسأل المدعو ویطلب منه ویستغیثه ویتوکل علیه ). انتهی .

لکن المتأمل یجد أن ابن تیمیة لفَّ کلامه بلفافة ، حیث جوَّز التوسل لأنه دعاء لله ولیس للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وبهذا کذب نفسه عندما قال إن التوسل بالمیت دائماً دعاء له وهو شرک ! لکنه جعل التوسل قسماً فی مقابل الإستغاثة مع أنهما شئ واحد! ثم جعل الإستغاثة دعاءً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من دون الله تعالی وعبادةً وتوکلاً علیه من دون الله تعالی !

وهذا ما لایقصده أحدٌ من المسلمین بتوسله بنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

أنه استعمل التقیة مع قضاة المذاهب الربعة ! فأیهما تختارون ؟!

روایة أنه طلب من النبی (ص) أن یدعو له ! فدل الحدیث علی أنه (ص) شفع له بدعائه ، وأن النبی (ص) أمره هو أن یدعو الله ، ویسأله قبول شفاعته . فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غیر الله شرک لأن النبی (ص) أمره أن یسأل قبول شفاعته ، فدل علی أن النبی (ص) لایدعی ، ولأنه (ص) لم یقدر علی شفائه إلا بدعاء الله له . فأین هذا من تلک الطوام؟! والکلام إنما هو فی سؤال الغائب (یقصد النبی بعد موته ) أو سؤال المخلوق فیما لا یقدر علیه إلا الله ! أما أن تأتی شخصاً یخاطبک (یعنی شخصاً حیاً) فتسأله أن یدعو لک فلا إنکار فی ذلک علی ما فی حدیث الأعمی . فالحدیث سواء کان صحیحاً أو لا ، وسواء ثبت قوله فیه یا محمد أو لا، لایدل علی سؤال الغائب (المیت) ولا علی سؤال المخلوق فیما لا یقدر علیه إلا الله بوجه من وجوه الدلالات . ومن ادعی ذلک فهو مفتر علی الله وعلی رسوله (ص) ) !! انتهی .

فانظر کیف شکک فی حدیث الأعمی الذی صححه علماء المذاهب ، وقبله إمامه ابن تیمیة !

ثم انظر کیف افترض أن المستشفع (یدعو) النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من دون الله تعالی، ویطلب منه ما لا یقدر علیه إلا الله تعالی!!

کل ذلک لکی یثبت أن المسلم المستغیث إلی الله برسوله قد کفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول ! ویستحل بذلک قتله وأخذ ماله وعرضه !! حتی لو قال أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن الضار النافع هو الله تعالی فقط !!

وقال صلاح البدیر إمام الجمعة فی المسجد النبوی: (والإستغاثة بالأموات ، والإستعانة بهم ، أو طلب المدد منهم ، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب

ص: 122

الفوائد ودفع الشدائد ، شرکٌ أکبر ! یخرج صاحبه عن ملة الإسلام ، ویجعله من عُبَّاد الأوثان ) . انتهی.

وبذلک حکم هذا الشیخ علی کل المسلمین بالکفر ، لأنهم یقولون: یارسول الله إنا نتوسل بک إلی الله ، ونستشفع بک إلیه ، ونستغیث إلی الله بجاهک عنده أن یرحمنا !! وحکم بوجوب قتلهم وجعل أموالهم غنائم ونسائهم وبناتهم إماءً ، له وللمطوعین الذین علی شاکلته !!

، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وأوصی طائفة من أصحابه أن لا یسألوا الناس شیئاً ، فکان سوط أحدهم یسقط من کفه فلا یقول لأحد ناولنی إیاه. وقال: فهذه المنهی عنها . والجائزة طلب دعاء المؤمن لأخیه... الخ.). انتهی. (ونحوه فی فتح القدیر:2/450)

4- إن قلتم إن التوسل والإستشفاع والإستغاثة منها ما أذن به الله تعالی فهذا لیس شرکاً ، ومنها ما لم یأذن به فهذا شرک .

فجوابه: نعم ، وهذا هو جوهر خلافکم مع المسلمین ، فهم یقولون إن الله تعالی أکرم النبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأذن بالتوسل والإستغاثة بهم بل وأمر به ، بمثل قوله تعالی: (یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة المائدة: 35) فصار ذلک عبادةً لله وامتثالاً لأمره سبحانه ، ومحالٌ أن یأمرنا بما هو شرکٌ وکفرٌ ، کما تزعمون !

5 - ما معنی قول إمامکم: (مثل أن یقول لمخلوق حی أو میت: إغفر ذنبی أو أنصرنی علی عدوی... أو یطلب منه وفاء دینه من غیر جهة معینة ، أو غیر ذلک ) وما هو مثال التوسل الحلال بالمیت لیقضی له دینه من جهة معینة؟!

ص: 126

السابقین(علیهم السّلام) وکتب الله المنزلة وعباده الصالحین، وبالأعمال الصالحة. ( مصباح المتهجد ص358 و302)

3- ما قولکم فیما رواه إمامکم أحمد فی مسنده :5 /419: (حدثنا عبد الله حدثنی أبی ثنا یحیی بن آدم ثنا حنش بن الحرث بن لقیط النخعی الأشجعی عن ریاح بن الحرث قال جاء رهط إلی علی بالرحبة فقالوا: السلام علیک یا مولانا، قال کیف أکون مولاکم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله(ص) یوم غدیر خم یقول من کنت مولاه فإن هذا مولاه . قال ریاح فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا نفر من الأنصار فیهم أبو أیوب الأنصاری .

حدثنا عبد الله حدثنی أبی ثنا أبو أحمد ثنا حنش عن ریاح بن الحرث قال: رأیت قوماً من الأنصار قدموا علی علی فی الرحبة ، فقال مَن القوم؟

قالوا موالیک یا أمیر المؤمنین ، فذکر معناه ) . انتهی.

فهل معنی ذلک أن کل مسلم هو مولی لعلی بن أبی طالب(علیه السّلام) ، فیصح أن یقال لکل واحد منکم: (أنت عبد علی) ؟!

ص: 130

ص: 132

وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلیس غریباً أن یکون أعظمهم شفاعة عند الله تعالی .

وبما أن سیئات الناس تتفاوت درکاتها ویصل بعضها إلی تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً.. فالذین تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلی النجاح والأفضل من مجموع المسیئین ، وقد وردت فی شروطهم عدة أحادیث ، منها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (إن أدناکم منی وأوجبکم علیَّ شفاعةً: أصدقکم حدیثاً ، وأعظمکم أمانةً ، وأحسنکم خلقاً ، وأقربکم من الناس).(مستدرک الوسائل: 11/171).

وعلی هذا فالشفاعة مقننة بقوانین دقیقة ککل الأعمال الإلهیة الدقیقة الحکیمة ، ولیست من نوع الوساطات والمحسوبیات الدنیویة ، کما یتصوره بعض المستشرقین أو المسلمین .

قال المستشرق الیهودی جولد تسیهر فی کتابه مذاهب التفسیر الإسلامی ص192، مادحاً المعتزلة لقولهم بعدم شمول الشفاعة لمرتکبی الکبائر: ( لایریدون التسلیم بقبول الشفاعة علی وجه أساسی حتی لمحمد ، ذلک بأنه یتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهی المطلق ) .

وقال بعض المتأثرین بالأفکار الوهابیة: (إن الشفاعة إنما هی بالشکل فقط ، ولیست حالة وساطة بالمعنی الذی یفهمه الناس فی علاقتهم بالعظماء حیث یلجأون إلی الأشخاص الذین تربطهم بهم علاقة مودة أو مصلحة أو موقع معین لیکونوا الواسطة فی إیصال مطالبهم وقضاء حوائجهم عنده ) .

وقال: (إن الشفاعة هی کرامة من الله لبعض عباده فیما یرید أن یظهره من فضلهم فی الآخرة فیشفعهم فی من یرید المغفرة له ورفع درجته عنده ، لتکون المسألة فی الشکل واسطة فی النتائج التی یتمثل فیها العفو الإلهی الربانی ، تماماً

ص: 134

کما لو کان النبی السبب أو الولی هو الواسطة) .

وقال: (وفی ضوء ذلک لامعنی للتقرب للأنبیاء والأولیاء لیحصل الناس علی شفاعتهم ، لأنهم لایملکون من أمرها شیئاً بالمعنی الذاتی المستقل ، بل الله هو المالک لذلک کله علی جمیع المستویات ، فهو الذی یأذن لهم بذلک فی مواقع محددة ، لیس لهم أن یتجاوزوها . الأمر الذی یفرض التقرب إلی الله فی أن یجعلنا ممن یأذن لهم بالشفاعة له) . (خلفیات مأساة الزهراء(علیهماالسّلام):1/221)صاحب خلفیات متأثر بالوهابیة ؟.

الکلمة فی الناس وأظهرها الشیطان حتی بلغت أرض الحبشة فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلک ...) !!

وفی بعض روایاتهم: (ألقی الشیطان علی لسانه: وهی الغرانیق العلی شفاعتهن ترتجی ، فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشرکون إلا أبا أحیحة سعید بن العاص فإنه أخذ کفاً من تراب فسجد علیه وقال: قد آن لابن أبی کبشة أن یذکر آلهتنا بخیر! فبلغ ذلک المسلمین الذین کانوا بالحبشة أن قریشاً قد أسلمت فأرادوا أن یقبلوا ، واشتد علی رسول الله(ص)وعلی أصحابه ما ألقی الشیطان علی لسانه فأنزل الله: (وما أرسلنا من قبلک من رسول ولا نبی..الآیة) ) .

وقد روی قصة الغرانیق فی مجمع الزوائد:6/32 و:7/70 ، ورواها البخاری ومسلم لکنهما حذفا جزءاً یسیراً منها! ففی البخاری:2/32: (عن عبدالله أن النبی(ص) قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقی أحد من القوم إلا سجد! فأخذ رجل من القوم کفاً من حصی أو تراب فرفعه إلی وجهه وقال یکفینی هذا).ومسلم:2/ 88

وبذلک تعرف من أین أخذ المستشرقون وسلمان رشدی ما کتبوه !!

3- هل عرفتم من أین دخلت الإسرائیلیات والقرشیات الی مصادرکم ، وصارت منفذاً للمستشرقین للطعن فی الإسلام ونبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

4- ما رأیکم فی روایات البخاری فی أول کتابه عن عائشة عن أحد الطلقاء ، تحت عنوان (باب کیف کان بدء الوحی) وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن واثقاً بنبوته ، وأنه جاء من جبل حراء وهو یرتجف ، فأخذته خدیجة الی النصرانی ورقة بن نوفل فطمأنه أنه نبی ! قال البخاری فیما قال: (عن عائشة أم المؤمنین أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله (ص)من الوحی الرؤیا الصالحة فی النوم فکان لایری رؤیا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إلیه الخلاء وکان یخلو بغار حراء فیتحنث فیه ، وهو التعبد اللیالی ذوات العدد ، قبل أن ینزع إلی أهله ویتزود لذلک ث، م یرجع إلی خدیجة فیتزود لمثلها ، حتی جاءه الحق وهو فی غار حراء فجاءه الملک فقال إقرأ . قال: ما أنا بقارئ . قال فأخذنی فغطنی حتی بلغ منی الجهد، ثم أرسلنی فقال: إقرأ . قلت: ما أنا بقارئ ، فأخذنی فغطنی الثانیة حتی بلغ منی الجهد ، ثم أرسلنی فقال: إقرأ . فقلت: ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی الثالثة ثم أرسلنی ! فقال: إقرأ باسم ربک الذی خلق خلق الإنسان من علق. إقرأ وربک الأکرم ، فرجع بها رسول الله(ص) یرجف فؤاده فدخل علی خدیجة بنت خویلد فقال: زملونی زملونی ، فزملوه حتی ذهب عنه الروع، فقال لخدیجة وأخبرها الخبر: لقد خشیت علی نفسی، فقالت خدیجة: کلا والله ما خزیک الله أبداً إنک لتصل الرحم وتحمل الکل وتکسب المعدوم وتقری الضیف وتعین علی نوائب الحق ، فانطلقت به خدیجة حتی أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزی ابن عم خدیجةوکان امرأً قد تنصر فی الجاهلیة، وکان یکتب الکتاب

ص: 138

العبرانی فیکتب من الإنجیل بالعبرانیة ما شاء الله أن یکتب ، وکان شیخاً کبیراً قد عمی ، فقالت له خدیجة: یا ابن عم إسمع من ابن أخیک ، فقال له ورقة: یا ابن أخی ماذا تری؟ فأخبره رسول الله(ص)ما رأی فقال له ورقة: هذا الناموس الذی نزل الله علی موسی ، یا لیتنی فیها جذعاً ، لیتنی أکون حیاً إذ یخرجک قومک! فقال رسول الله (ص)أوَمخرجیَّ هم ؟ قال: نعم ، لم یأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودی ، وإن یدرکنی یومک أنصرک نصراً مؤزراً . ثم لم ینشب ورقة أن توفی وفتر الوحی) ! انتهی.

فهل روایة البخاری عن بعثة الله تعالی لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولقائه بجبرئیل(علیه السّلام)فی هذا الأفق البدوی الملبد بالشک والریب هی الصحیحة ، أم الأفق المبین الذی قال فیه تعالی:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ . ذِی قُوَةٍ عِنْدَ ذی الْعَرْشِ مَکِینٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِینٍ . وَمَا صَاحِبُکُمْ بِمَجْنُونٍ . وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِینِ . وَمَا هُوَعَلَی الْغَیْبِ بِضَنِینٍ ) . (سورة

التکویر: 19 - 24) ؟!

ص: 139

وقد تفضلت بعض روایاتهم فاعترفت بشئ للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قبل البعثة وقالت إن خدیجة هی التی کانت تعبد اللات والعزی وتحث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی عبادتهما ، فکان یمتنع من ذلک ! قال أحمد فی مسنده:4/222و:5/362: (عن عروة بن الزبیر (ابن أخت عائشة) قال: حدثنی جار لخدیجة بنت خویلد أنه سمع النبی (ص) وهو یقول لخدیجة: أی خدیجة والله لا أعبد اللات والعزی والله لا أعبد أبداً ! قال فتقول خدیجة: خل اللات خل العزی . قال: کانت صنمهم التی کانوا یعبدون ثم یضطجعون ) !! انتهی .

وکل ذلک عملٌ یقصد منه المساس بشخصیة النبی وأجداده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أجل تکبیر شخصیة الحاکم وأقاربه !!

أما مصادرنا فقد روت الحقیقة ، وهی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یکره الأصنام من صغره ، قال الصدوق(قدسّ سرّه)فی قصة الراهب بحیری إنه قال للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ( یاغلام أسألک عن ثلاث خصال بحق اللات والعزی إلا ما أخبرتنیها . فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ذکر اللات والعزی وقال: لاتسألنی بهما فوالله ما أبغضت شیئاً کبغضهما ، وإنما هما صنمان من حجارة لقومی !

فقال بحیری: هذه واحدة ، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتنی .

فقال: سل عما بدا لک فإنک قد سألتنی بإلهی وإلهک الذی لیس کمثله شی. فقال: أسألک عن نومک ویقظتک ، فأخبره عن نومه ویقظته وأموره وجمیع شأنه ، فوافق ذلک ما عند بحیری من صفته التی عنده ، فانکب علیه بحیری فقبل رجلیه وقال: یابنی ما أطیبک وأطیب ریحک ، یا أکثر النبیین أتباعاً...الخ.) (کمال الدین:1/184)

ص: 141

2 - نحن نفتی بأن الیمین الشرعی لاینعقد إلا بالله تعالی ، ومن حلف بغیره فلا یمین له ولا شئ علیه . وقد أفتی منکم ابن قدامة فی المغنی:1/169 و:11/162 وابن حزم فی المحلی: 8/51 ، بأن من حلف باللات والعزی فلا شئ علیه إلا الإستغفار ، وعلله فی:11/ 163 بقوله: (لأن الحلف بغیر الله سیئة والحسنة تمحو السیئة ، وقد قال الله تعالی: إن الحسنات یذهبن السیئات ، وقال النبی (ص): إذا عملت سیئة فأتبعها حسنة تمحها . ولأن من حلف بغیر الله فقد عظم غیر الله تعظیماً یشبه تعظیم الرب تبارک وتعالی ، ولهذا سمی شرکاً لکونه أشرک غیر الله مع الله تعالی فی تعظیمه بالقسم به ، فیقول لا إله إلا الله توحیداً لله تعالی وبراءة من الشرک ) .

فهل تفتون بذلک وأن من حلف بصنم لایخرج عن الملة ولا شئ علیه إلا التهلیل، وتقولون إن من حلف بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو بأحد من عترته(علیهم السّلام) فهو مشرک یخرج من الملة ؟!

3- أنتم تعرفون أن رواسب التعصب القبلی کانت أقوی من رواسب عبادة الأصنام ، ولاطریق لنا لمعرفة النقی منها إلا شهادة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وعندنا شهادته لعلی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی صحاحکم بأنه مع القرآن والحق ، ولایمیل مع عشیرته ، فهل عندکم شهادة مثلها تبرئ أهل السقیفة من العصبیة القرشیة والقبلیة ؟!

ص: 144

3- لماذا اختار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )اللات والعزی صنمی قریش دون غیرهما من الأصنام ، واختار قریشاً دون غیرها من العرب ؟

علی أنه (أی المقام المحمود) مقام الشفاعة). انتهی. وهو ما یفهم من روایة البخاری:5/228 و:8 /184 ، وابن ماجة:1/ 239 ، وهو صریح: 4/365 روایة الترمذی عن أبی هریرة قال: قال رسول الله(ص)فی قوله: (عَسَیأَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَاماً مَحْمُوداً)وسئل عنها قال: هی الشفاعة ) . انتهی.

لکن الحنابلة فقد ردوا هذه الأحادیث الصحیحة وأشربوا فی قلوبهم حب الإسرائیلیات التی تصف الله تعالی بأنه یجلس علیالعرش والأنبیاء(علیهم السّلام) حوله فقالوا إن المقام المحمود أن الله تعالی یقعده علی العرش إلی جنبه !

وقد وجدوا ما یتشبثون به من أقوال کعب الأحبار وتلامیذه ، وما رواه عنه عمر من أن العرش یبقی منه أربعة أصابع تتسع لجلوس نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

قال عالمهم ابن أبی عاصم فی کتاب السنة ص305: (695- حدثنا أبو بکر ، ثنا ابن فضیل ، عن لیث ، عن مجاهد: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً . قال یقعده معه علی العرش ). انتهی.

وزاد علیه الخلال الحنبلی فی کتابه السنة:1/215 فحکم بکفر کل من أنکر إقعاد الله تعالی لنبیه علی العرش إلی جنبه لأنه بزعمهم ینکر فضیلة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهو زندیق یجب قتله !!

ونتج عن ذلک فتن کثیرة فی بغداد وغیرها، وصف ابن الأثیر إحداها فی تاریخه:5/121 بقوله: (فی سنة 317 ه- وقعت فتنة عظیمة ببغداد بین أصحاب أبی بکر المروزی الحنبلی وبین غیرهم من العامة ودخل کثیر من الجند فیها، وسبب ذلک أن أصحاب المروزی قالوا فی تفسیر قوله تعالی: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، هو أن الله سبحانه یقعد النبی(ص)معه علی العرش! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل بینهم قتلی کثیرة).

وذکرها الذهبی فی تاریخ الإسلام:23/384 ، (وأنها کانت بسبب تفسیر آیة المقام

ص: 147

المحمود ، حیث قالت الحنابلة إنها تعنی أن الله یقعده علی عرشه کما قال مجاهد . وقال غیرهم: بل هی الشفاعة العظمی) . انتهی.

وجاء ابن تیمیة فی القرن الثامن فأحیا تجسیم الحنابلة ، وتبنی مقولة قعود النبی علی العرش مع الله تعالی! (منهاج السنة:1/264) !!

وتبعه ابن القیم فی ذلک (بدائع الفوائد:4/39) !! ونسب القول به إلی الطبری !

لکن الشیخ محمود أبو ریة کذبه فی کتابه أضواء علی السنة المحمدیة ص190 فقال فی هامشه: ( نقلنا هذا الخبر عن ابن القیم فی الطبعة الثانیة ، ولکن تبین أن ابن القیم هذا وهو حنبلی لم یکن صادقاً فیما نسبه إلی ابن جریر الطبری، فقد جاء فی تاریخه الذی ذکره صاحب معجم الأدباء(ج18/57-59) أنه لما قدم إلی بغداد من طبرستان تعصب علیه قوم وسأله الحنابلة عن حدیث الجلوس علی العرش فقال: أما حدیث الجلوس علی العرش فمحال، ثم أنشد: سبحان من لیس له أنیسُ ولا له فی عرشه جلیسُ ترتیب

فلما سمع ذلک الحنابلة وأصحاب الحدیث وثبوا ورموه بمحابرهم فدخل داره ، فرموا داره بالحجارة حتی صار علی بابه کالتل العظیم ، فرکب صاحب الشرطة فی عشرات (ألوف) من الجند یمنع عنه العامة ووقف علی بابه یوماً إلی اللیل ، وأمر برفع الحجارة ، وکان قد کتب علی بابه هذا البیت الذی أوردناه آنفاً ، فأمر صاحب الشرطة بمحوه وکتب مکانه بعض أصحاب الحدیث هذه الأبیات:

لأحمد منزلٌ لا شکَّ عالٍ

إذا وافی إلی الرحمن وافد

فیدنیه ویقعده کریماً

علی رغم لهم فی أنف حاسد

علی عرش یغلفه بطیب

علی الأکباد من باغ وعاند

ص: 148

له هذا المقام الفردحقاً

کذاک رواه لیث عن مجاهد ).

وتبع ابن تیمیة فی هذه العقیدة ابن عبد الوهاب وجماعته !

لکن الألبانی تشجع وخالفهم فقال: (إن قول مجاهد هذا وإن صح عنه لایجوز أن یتخذ دیناً وعقیدة ما دام أنه لیس له شاهد من الکتاب والسنة ، فیالیت المصنف إذ ذکره عنه جزم برده وعدم صلاحیته للإحتجاج به ، ولم یتردد فیه ) . انتهی. (البشارة والإتحاف للسقاف ص27)

ولیت الألبانی استکمل شجاعته فشهد بأن فکرة قعود الله تعالی علی العرش وإقعاد الأنبیاء(علیهم السّلام) حوله فکرة یهودیة ، جاءت من کعب الأحبار إلی عمر ثم إلی مجاهد !

وقد شهد بذلک الشیخ محمود أبو ریة ونقل فی کتابه القیم أضواء علی السنة المحمدیة ص190 عن کتاب العقیدة والشریعة للمستشرق جولد تسیهر ص42 و43 قال: (وهناک جمل أخذت من العهد القدیم والعهد الجدید وأقوال للربانیین ، أو مأخوذة من الأناجیل الموضوعة وتعالیم من الفلسفة الیونانیة ، وأقوال من حکم الفرس والهنود ، کل ذلک أخذ فی الإسلام عن طریق الحدیث حتی لفظ (أبونا) لم یعدم مکانه فی الحدیث المعترف به ، وبهذا أصبحت ملکاً خالصاً للاسلام بطریق مباشر أو غیر مباشر ! وقد تسرب إلی الإسلام کنز کبیر من القصص الدینیة حتی إذا ما نظرنا إلی المواد المعدودة فی الحدیث ونظرنا إلی الأدب الدینی الیهودی فإننا نستطیع أن نعثر علی قسم کبیر دخل الأدب الدینی الإسلامی من هذه المصادر الیهودیة ). انتهی.

وهی کذلک عقیدة مسیحیة ، ففی قاموس الکتاب المقدس ص795: (وقد وصف یسوع بأنه رئیس کهنة المؤمنین العظیم الذی نضح قدس الأقداس

ص: 149

السماوی بدمه ، والذی جلس عن یمین الأب هناک حیث هو الآن یشفع فیهم ). ( عب 4: 14 و7: 25 و9: 12 ) الخ .

المطیع منهم والعاصی ! المسلم والمنافق والکافر !

ففی الدر المنثور:6/285: (وأخرج ابن مردویه عن عبد الرحمن بن میمون أن کعباً دخل یوماً علی عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثنی إلی ما تنتهی شفاعة محمد یوم القیامة ؟! فقال کعب: قد أخبرک الله فی القرآن أن الله یقول: (ما سلککم فی سقر إلی قوله الیقین) قال کعب: فیشفع یومئذ حتی یبلغ من لم یصل صلاة قط ویطعم مسکیناً قط ومن لم یؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم یبق أحد فیه خیر! ) انتهی .

ومعناه شمول الشفاعة حتی للکافر الذی لایؤمن بیوم الدین !

وفی مجمع الزوائد:1/16: (عن عمر أن رسول الله (ص) أمره أن یؤذن فی الناس أنه: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له مخلصاً دخل الجنة ، فقال عمر: یا رسول الله إذاً یتکلوا فقال: دعهم . رواه أبو یعلی والبزار إلا أن عمر قال یا رسول الله إذاً یتکلوا ! قال دعهم یتکلوا ).

وفی مجمع الزوائد:1/23: (عن عقبة بن عامر قال: جئت فی اثنی عشر راکباً حتی حللنا برسول الله (ص) فقال أصحابی: من یرعی إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله (ص) فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله (ص)؟ فقلت: أنا ، ثم قلت فی نفسی: لعلی مغبون ، یسمع أصحابی ما لا أسمع من نبی الله (ص) ، فحضرت یوماً فسمعت رجلاً قال: قال رسول الله (ص): من توضأ وضوء کاملاً ثم قام إلی صلاة کان من خطیئته کیوم ولدته أمه ، فتعجبت من ذلک، فقال عمر بن الخطاب: فکیف لو سمعت الکلام الآخر کنت أشد عجباً! فقلت: أردد علیَّ جعلنی الله فداءک ، فقال عمر بن الخطاب: إن نبی الله (ص) قال: من مات لایشرک بالله شیئاً فتحت له أبواب الجنة یدخل من أیها شاء ، ولها ثمانیة أبواب !

ص: 152

فخرج علینا رسول الله (ص) فجلست مستقبله فصرف وجهه عنی ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلک ثلاث مرات ، فلما کانت الرابعة قلت: یا نبی الله بأبی أنت وأمی لم تصرف وجهک عنی؟! فأقبل علیَّ فقال: أواحدٌ أحب إلیک أم اثنا عشر ؟ مرتین أو ثلاثاً ! فلما رأیت ذلک رجعت إلی أصحابی) !

وفی مجمع الزوائد:1/22: (عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: جئت ورسول الله(ص) قاعد فی أناس من أصحابه فیهم عمر بن الخطاب وأدرکت آخر الحدیث ورسول الله (ص) یقول: من صلی أربع رکعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت بیدی هکذا یحرک بیده إن هذا حدیث جید ، فقال عمر بن الخطاب: لما فاتک من صدر الحدیث أجود وأجود ! قلت یا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب: حدثنا رسول الله (ص) أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) !!

وفی مجمع الزوائد:1/32و49: (عن عمر بن الخطاب أنه سمع النبی(ص) یقول: من مات یؤمن بالله والیوم الآخر ، قیل له أدخل من أی أبواب الجنة الثمانیة شئت . رواه أحمد وفی إسناده شهر بن حوشب وقد وثق) . انتهی.

ومعنی هذه الأحادیث عن عمر: أن مجرد شهادة لا إله إلا الله تکفی لدخول الجنة ، ولو بدون الإیمان بأحد من الأنبیاء(علیهم السّلام) ، وبدون عمل صالح !!

ص: 153

منها والشفاعة جائزة لهم) .

وفی تفسیر الإمام العسکری(علیه السّلام)ص578: (قال الله تعالی: وما هم بخارجین من النار ) کان عذابهم سرمداً دائماً ، وکانت ذنوبهم کفراً ، لاتلحقهم شفاعة نبی ولا وصی ، ولا خیِّر من خیار شیعتهم) .

وقال الطوسی فی تفسیر التبیان:2/524: (الخلود فی اللغة هو طول المکث ، ولذلک یقال: خلده فی السجن وخلد الکتاب فی الدیوان . وقیل للأثافی: خوالد مادامت فی موضعها ، فإذا زالت لاتسمی خوالد .والفرق بین الخلود والدوام: أن الخلود یقتضی (فی) کقولک خلد فی الحبس ، ولایقتضی ذلک الدوام ، ولذلک جاز وصفه تعالی بالدوام دون الخلود .

إلا أن خلود الکفار المراد به التأبید بلا خلاف بین الأمة... ومعنی خلودهم فیها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من ألیم العقاب ، فأما من لیس بکافر من فساق أهل الصلاة ، فلا یتوجه إلیه الوعید بالخلود ).

وقد فسرت مصادرهم عبارة(إلا من حبسه القرآن)بالتأبید،کما فی البخاری:8/183و:5/147: ( إلا من حبسه القرآن ووجب علیه الخلود... إلا من حبسه القرآن یعنی قول الله تعالی: خالدین فیها ) .

وفی هذه العقیدة الأساسیة تدخَّل عمر بن الخطاب أیضاً ، فقال إن أهل النار لیسوا مخلدین فیها ، فالنار تفنی وینقل أهلها إلی الجنة !!

وقد وافقه علی ذلک ابن تیمیة ! وعلله تلمیذه ابن القیم بأن النار کالسجن لابد أن تخرب بمرور الوقت ، فلا یبقی لأهلها مکان إلا الجنة !

قال السیوطی فی الدر المنثور:3/350: (وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر قال: لو لبث أهل النار فی النار کقدر رمل عالج لکان لهم یوم علی ذلک یخرجون فیه ) . انتهی !!

وعالج: صحراء رملیة ذاریة بین نجد والبحرین .

وقد تحمس لرأی عمر ابن قیم الجوزیة فی رسالته حادی الأرواح ، ومن المتأخرین محمد رشید رضا فی تفسیر المنار:8/68 ، حیث أورد فی کتابه رسالة ابن قیم کلها ، وهی نحو خمسین صفحة ، ومدح ابن القیم وغلا فیه لأنه مفکر إسلامی نابغة استطاع أن یحل المشکلة ویثبت رأی الخلیفة بخمسة وعشرین دلیلاً ، رصف کلامها رصف الخطیب المکثر !

وتدور رسالة ابن قیم المدرسة الجوزیة علی محور واحد هو أن النار تفنی کما یخرب السجن ، فلا یبقی محل لأهلها إلا أن ینقلوا إلی الجنة !!

لکن الشوکانی تشجع وألف رسالة فی الرد علی عمر وابن تیمیة ، قال فی مقدمة فتح القدیر:1/9: (للشوکانی مؤلفات ، منها کتاب نیل الأوطار شرح منتقی الأخبار.... وکشف الأستار فی إبطال القول بفناء النار ). انتهی .

ص: 157

وقد أخذ عمر عقیدته هذه من الیهود ولم یأخذ بتکذیب القرآن لهم ، ففی سیرة ابن هشام:2/380: (قال ابن إسحاق: وحدثنی مولی لزید بن ثابت عن عکرمة أو عن سعید ابن جبیر عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدینة والیهود تقول: إنما مدة الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنما یعذب الله الناس فی النار بکل ألف سنة من أیام الدنیا یوماً واحداً فی النار من أیام الآخرة ، وإنما هی سبعة أیام ثم ینقطع العذاب !!

فأنزل الله فی ذلک من قولهم: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ)(سورة البقرة:80 - 81) أی خلداً أبداً. (وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ) (سورة البقرة:82) أی من آمن بما کفرتم به وعمل بما ترکتم من دینه فلهم الجنة خالدین فیها، یخبرهم أن الثواب بالخیر والشر مقیم علی أهله أبداً ولا انقطاع له) .

واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد) !

ورواه البخاری أیضاً فی:3/149 والنسائی :4/51 وفیه: ( فقلت وما وجبت یا أمیر المؤمنین ؟ قال: قلت کما قال رسول الله (ص): أیما مسلم شهد له أربعة قالوا خیراً أدخله الله الجنة . قلنا: أو ثلاثة ؟ قال: أو ثلاثة. قلنا: أو اثنان ؟ قال: أو اثنان) !! (ورواه الترمذی :2/261 . ورواه أحمد:1 /21 و22 و27 و30 و45 و46 ، والبیهقی فی سننه: 10/124 ).

وإلیکم هذه الروایة التی تدل علی أن هذه العقیدة من أخبار الآحاد وأن أصلها وأساسها من عمر الذی تفرد بها من بین الصحابة !

قال أحمد فی مسنده:1/54: (حدثنا عبد الله حدثنی أبی ثنا وکیع ثنا عمر بن الولید الشنی عن عبد الله بن بریدة قال: جلس عمر مجلساً کان رسول الله (ص) یجلسه ، فمر علیه الجنائز ، قال فمروا بجنازة فأثنوا خیراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فأثنوا خیراً فقال: وجبت . ثم مروا بجنازة فقالوا خیراً فقال: وجبت . ثم مروا بجنازة فقالوا هذا کان أکذب الناس ، فقال: إن أکذب الناس أکذبهم علی الله ، ثم الذین یلونهم من کذب علی روحه فی جسده ، قال قالوا: أرأیت إذا شهد أربعة ؟ قال: وجبت . قالوا: أو ثلاثة ؟ قال: وثلاثة ، قال وجبت . قالوا: واثنین ؟ قال: وجبت ، ولأن أکون قلت واحد أحب إلی من حمر النعم . قال فقیل لعمر: هذا شئ

تقوله برأیک أم شئ سمعته من رسول الله (ص)؟ قال: لا ، بل سمعته من رسول الله (ص) ) . انتهی .

فالمجلس هو ذلک المجلس الرسمی الذی کان یجلسه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لوداع الجنائز، وقد تعجب الصحابة الحاضرون من قول عمر لأن ذلک ینقض عدالة قوانین العقاب والثواب الإلهیة ، ولم یسمعوا شبیهه من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقد تجرأ

ص: 160

بعضهم أن یسأل عمر رغم عنفه وسطوته ، فأکد لهم أنه سمع ذلک من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

غالب الهمدانی ، عن أبی إسحاق السبیعی قال: خرجت حاجاً فلقیت محمد بن علی فسألته عن هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ ..الآیة؟ فقال: ما یقول فیها قومک یا أبا إسحاق؟ یعنی أهل الکوفة ، قال قلت: یقولون إنها لهم . قال: فما یخوفهم إذا کانوا من أهل الجنة ؟! قلت: فما تقول أنت جعلت فداک ؟ فقال: هی لنا خاصة یا أبا إسحاق ، أما السابق بالخیرات فعلی بن أبی طالب والحسن والحسین والشهید منا أهل البیت، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم باللیل ، وأما الظالم لنفسه ففیه ما جاء فی التائبین وهو مغفور له . یا أبا إسحاق بنا یفک الله عیوبکم ، وبنا یحل الله رباق الذل من أعناقکم ، وبنا یغفر الله ذنوبکم ، وبنا یفتح الله وبنا یختم لا بکم ، ونحن کهفکم کأصحاب الکهف، ونحن سفینتکم کسفینة نوح ، ونحن باب حطتکم کباب حطة بنی إسرائیل ) .

وقال ابن شعبة الحرانی فی تحف العقول ص425: ( لما حضر علی بن موسی (علیهماالسّلام)مجلس المأمون وقد اجتمع فیه جماعة علماء أهل العراق وخراسان . فقال المأمون: أخبرونی عن معنی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآیة ؟ فقالت العلماء: أراد الله الأمة کلها . فقال المأمون: ما تقول یا أبا الحسن ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): لا أقول کما قالوا ولکن أقول: أراد الله تبارک وتعالی بذلک العترة الطاهرة . فقال المأمون: وکیف عنی العترة دون الأمة ؟

فقال الرضا لنفسه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ، ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیر . ثم جعلهم کلهم فی الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغیرهم .

ص: 163

ثم قال الرضا(علیه السّلام): هم الذین وصفهم الله فی کتابه فقال: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً ، وهم الذین قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی مخلف فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی لن یفترقا حتی یردا علی الحوض، فانظروا کیف تخلفونی فیهما، یا أیها الناس لاتعلموهم فإنهم أعلم منکم .

قالت العلماء: أخبرنا یا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غیر الآل ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): هم الآل .فقالت العلماء: فهذا رسول الله یؤثر عنه أنه قال: أمتی آلی، وهؤلاء أصحابه یقولون بالخبر المستفیض(!!) الذی لا یمکن دفعه: آل محمد أمته !فقال الرضا(علیه السّلام): أخبرونی هل تحرم الصدقة علی آل محمد ؟

قالوا: نعم . قال(علیه السّلام): فتحرم علی الأمة ؟ قالوا: لا .

قال(علیه السّلام): هذا فرق بین الآل وبین الأمة ، ویحکم أین یذهب بکم ، أصرفتم عن الذکر صفحاً ، أم أنتم قوم مسرفون ، أما علمتم أنما وقعت الروایة فی الظاهر علی المصطفین المهتدین دون سائرهم !

قالوا: من أین قلت یا أبا الحسن ؟

قال(علیه السّلام): من قول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ). (سورة الحدید: 26) فصارت وراثة النبوة والکتاب فی المهتدین دون الفاسقین. أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَإِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ) (سورة هود: 45) وذلک أن الله وعده أن ینجیه وأهله ، فقال له ربه تبارک وتعالی: (إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلاتَسْأَلْنِ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِینَ) (سورة هود: 46) فقال المأمون: فهل فضل الله العترة علی سائر الناس؟ فقال الرضا(علیه السّلام): إن الله العزیز الجبار فضل العترة علی سائر الناس فی محکم کتابهُ .

ص: 164

قال المأمون: أین ذلک من کتاب الله ؟

قال الرضا(علیه السّلام): فی قوله تعالی: إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ. ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. (سورة آل عمران:23-34) وقال الله فی موضع آخر: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکاً عَظِیماً.(سورة النساء:54)ثم رد المخاطبة فی أثر هذا إلی سائر المؤمنین فقال: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ)(سورة النساء: 59) یعنی الذین أورثهم الکتاب والحکمة وحسدوا علیهما بقوله: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکاً عَظِیماً، یعنی الطاعة للمصطفین الطاهرین ، والملک هاهنا الطاعة لهم . قالت العلماء: هل فسر الله تعالی الإصطفاء فی الکتاب ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): فسر الإصطفاء فی الظاهر سوی الباطن فی اثنی عشر موضعاً . فأول ذلک قول الله: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الأَقْرَبِین .(سورة الشعراء: 214) وهذه منزلة رفیعة وفضل عظیم وشرف عال حین عنی الله عز وجل بذلک الآل فهذه واحدة . والآیة الثانیة فی الإصطفاء قول الله: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (سورة الأحزاب: 33) وهذا الفضل الذی لایجحده معاند ، لأنه فضل بین .

والآیة الثالثة، حین میز الله الطاهرین من خلقه أمر نبیه فی آیة الإبتهال فقال: قل یامحمد: (تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَی الْکَاذِبِینَ). (سورة آل عمران:61) فأبرز النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً والحسن والحسین وفاطمة(علیهم السّلام) فقرن أنفسهم بنفسه...إلی آخر الروایة ).انتهی.

وهذا المعنی هو المقصود بقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی رواه عمر: (سابقنا سابق،

ص: 165

ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له) لأنه یستحیل أن یکون مقصوده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کل ظالم من أمته ، وقد نص القرآن والسنة علی دخولهم بعضهم النار .

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: (وأخرج العقیلی وابن هلال وابن مردویه والبیهقی من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله (ص) یقول: سابقنا سابق ،

ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه.. الآیة ). انتهی. ( وروی السیوطی نحوه عن أنس ، ورواه فی کنز العمال:2/10و485 عن عمر وأضاف لمصادره: الدیلمی فی الفردوس والبیهقی فی البعث والنشور ).

ویؤیده مارواه السیوطی:5/251، (عن الطبرانی والبیهقی فی البعث ، عن أسامة بن زید: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات ، قال قال رسول الله (ص): کلهم من هذه الأمة ، وکلهم فی الجنة). انتهی . (ونحوه فی کنز العمال:2/ 486 ، ومجمع الزوائد:7/96 . وتعبیر کلهم من الأمة یدل علی أنهم لیسوا کل الأمة) .

غیر أن عمر وکعب الأحبار وَسَّعَا بعد ذلک (الذین اصطفاهم الله وأورثهم الکتاب ) فجعلوهم کل المسلمین !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: (وأخرج عبد بن حمید عن صالح أبی الخلیل قال قال کعب: یلومنی أحبار بنی اسرائیل أنی دخلت فی أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة ! ثم تلا هذه الآیة: ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا ، حتی بلغ جنات عدن یدخلونها... قال قال: فأدخلهم الله الجنة جمیعاً ) .

وأخرج ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل کعباً عن قوله: (ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا..الآیة؟ قال: نجوا کلهم . ثم قال: تحاکت مناکبهم ورب الکعبة ، ثم أعطوا

ص: 166

الفضل بأعمالهم ) .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: (وأخرج سعید بن منصور وابن أبی شیبة وابن المنذر والبیهقی فی البعث عن عمر بن الخطاب أنه کان إذا نزع بهذه الآیة قال: ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له). انتهی.

وزعم الخولانی وهو من تلامذة کعب أنه قرأ ذلک فی کتب الیهود !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: ( وأخرج عبد بن حمید عن أبی مسلم الخولانی قال: قرأت فی کتاب الله (کتب الله) أن هذه الأمة تصنف یوم القیامة علی ثلاثة أصناف: صنف منهم یدخلون الجنة بغیر حساب، وصنف یحاسبهم الله حساباً یسیراً ویدخلون الجنة ، وصنف یوقفون ویؤخذ منهم ما شاء الله ، ثم یدرکهم عفو الله وتجاوزه).

وقد وافق عثمان بن عفان کعباً علی تفسیره! قال السیوطی فی تفسیره:5/252: (وأخرج سعید بن منصور وابن أبی شیبة وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآیة قال: إن سابقنا أهل جهاد ، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا ، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا ). انتهی .

وکذلک وافقت عائشة علی هذا التعمیم ! فقد روی الحاکم:2/426 ، عن عقبة بن صهبان الحرانی قال: قلت لعائشة: یا أم المؤمنین أرأیت قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیر ؟ فقالت عائشة: أما السبَّاق فمن مضی فی حیاة رسول الله

فشهد له بالحیاة والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتی یلحق بهم. وأما الظالم لنفسه فمثلی ومثلک ومن اتبعنا ، وکل فی الجنة . صحیح الإسناد ولم یخرجاه ) . (ورواه فی مجمع الزوائد:7 /96 . وقال عنه السیوطی

ص: 167

فی الدر المنثور: 5/251: وأخرج الطیالسی وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی فی الأوسط والحاکم وابن مردویه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة ... الخ ).

ومن الواضح أن عثمان وعائشة اعتمدا علی کعب الأحبار وعمر ، أو علی فهمهما للآیات ، حیث لم یذکرا روایة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ولم أجد من خالف توسیع عمر وکعب بصراحة إلا الحسن البصری !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: (وأخرج سعید بن منصور وعبد بن حمید وابن المنذر والبیهقی عن کعب الأحبار أنه تلا هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، إلی قوله: لغوب ، قال: دخلوها ورب الکعبة . وفی لفظ قال: کلهم فی الجنة ، ألا تری علی أثره والذین کفروا لهم نار جهنم فهؤلاء أهل النار . فذکر ذلک للحسن فقال: أبت ذلک علیهم الواقعة !

وأخرج عبد بن حمید عن کعب فی قوله: جنات عدن یدخلونها قال: دخلوها ورب الکعبة ، فأخبر الحسن بذلک فقال: أبت والله ذلک علیهم الواقعة ) . انتهی .

یقصد الحسن البصری أن التقسیم الثلاثی للمسلمین الذی ورد فی سورة الواقعة یردُّ تفسیر کعب وعمر وهو قوله

تعالی: وَکُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِمَاأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ.وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَاأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِکَ الْمُقَرَّبُونَ. فِی جَنَّاتِ النَّعِیمِ . (سورة الواقعة: 7 - 12)

وکلام الحسن البصری یدل علی أن توسیع عمر وکعب لورثة الکتاب کان برأیهما ولیس عندهما حدیث نبوی، وکلامه قوی لأن الخطاب عنده فی الآیة للمسلمین، ولوکان المقصودبالمصطفین الذین أورثهم الله الکتاب کل المسلمین لکانوا جمیعاً من أهل الجنة ، ولما بقی معنی لتقسیم المسلمین فی سورة الواقعة إلی سابقین وأصحاب یمین فی الجنة ، وأصحاب شمال فی النار .

ص: 168

وقد بلغ من تفاقم القضیة وکثرة أحادیثها أن الهیثمی عقد باباً:8/214 فی عدة صفحات بعنوان: باب فی کرامة أصله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وأورد فیه أحادیث عن طهارة آباء النبی وأمهاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ونقل حوادث خطیرة أهان فیها القرشیون أسرة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )! هذا وهم فی حیاته، وتحت قیادته فی المدینة! وهم مسلمون مهاجرون أو طلقاء استحقوا القتل بالأمس فی فتح مکة ، فمنَّ علیهم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعفا عنهم ! قال فی مجمع الزوائد:9/257: (عن عبد الرحمن بن أبی رافع أن أم هانی بنت أبی طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها ، فقال لها عمر بن الخطاب: إعلمی فإن محمداً لایغنی عنک شیئاً ، فجاءت إلی النبی (ص)فأخبرته به فقال رسول الله (ص): مابال أقوام یزعمون أن شفاعتی لاتنال أهل بیتی؟! وإن شفاعتی تنال حا وحکم ! وحا وحکم قبیلتان ). انتهی .

وفی البحار:93/219: (أن عمر قال لها: غطی قرطک فإن قرابتک من محمد لاتنفعک شیئاً! فقالت له: هل رأیت لی قرطاً یا ابن اللخناء! ثم دخلت علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبرته بذلک وبکت . . . الخ . ) .

النار یبلغ کعبیه یغلی منه أم دماغه)!! (ورواه فی:4/202 ونحوه أحمد:1/290 و295 و206 و207 و:3/9 و50و55 والحاکم:4/582 والبیهقی فی البعث والنشور ص59 والذهبی فی تاریخ الإسلام:1/234 وغیره وغیره) .

وفی البخاری:4/247: قال له عمه العباس: (ما أغنیت عن عمک فوالله کان یحوطک ویغضب لک؟ قال: هو فی ضحضاح من نار ، ولولا أنا لکان فی الدرک الأسفل من النار) !! (ورواه فی:7/121و203 ومسلم:1/135 وأحمد:1/206 و207 و210 و:3 /50 و55 ) .

هذه الشفاعة التی ابتکرها (العقل) القرشی لایقبلها عقل ! لأن الشفاعة إما أن یأذن بها الله تعالی لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فینجو صاحبها من النار ویدخل الجنة ، وإما أن لایأذن بها فیبقی الشخص فی مکانه فی النار . .

أما شفاعة الضحضاح فهی أقرب إلی الشفاعة العکسیة ، لأن الضحضاح کما قال السدی وهو من أتباع السلطة: (إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح فی النار فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب کأنهن البغال الدهم، وأفاع کأنهن البخاتی، فضربنهم) ! (الدر المنثور: 4/127)

وعدهم أن یبل رحمهم بشئ ما ! قال البخاری:7/73: باب یبل الرحم ببلالها. عن قیس بن أبی حازم أن عمرو بن العاص قال: (سمعت النبی(ص) جهاراً غیر سر یقول: إن آل(أبی طالب)قال عمر وفی کتاب محمد بن جعفر بیاض ، لیسوا بأولیائی ، إنما ولیی الله وصالح المؤمنین) . زاد عنبسة بن عبد الواحد ، عن بیان ، عن قیس ، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبی(ص): ولکن لهم رحمٌ أبلها ببلاها ، یعنی أصلها بصلتها . قال أبو عبد الله (أی البخاری) ببلاها کذا وقع ، وببلالها أجود وأصح ، وببلاها لا أعرف له وجهاً . (وروی نحوه مسلم:1/133 والترمذی: 5/ 19 والنسائی: 6/248 - 250 وأحمد:2 /360 و519).

انتهی .

لکن جواب علماء السلطة حاضر ، وهو أن أبا طالب مجرم کبیر مثل أبی لهب وأبی جهل وفراعنة قریش الذین کذبوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وتآمروا لقتله ! ولذلک لا تؤثر فیه الشفاعة إلا بنقله من قعر جهنم إلی الضحضاح !!

فحماة الأنبیاء فی منطق السلطة کأعداء الأنبیاء(علیهم السّلام) ، بل أسوأ حالاً !

مدر وشجر ، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل إلیکم وتعجز عن أهل بیته) ؟! انتهی.

وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ . أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَی اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِکْرَی لِلْعَالَمِینَ ). (سورة الأنعام: 83 -90)

وقال عن دعاء زکریا بالذریة الطیبة:

(هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعَاءِ) . (سورة آل عمران: 38)

وقال عن ذریة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکثرتهم :

(وَکَذَلِکَ أَنْزَلْنَاهُ حُکْماً عَرَبِیّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا وَاقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّیَّةً وَمَا کَانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ إلا بِإِذْنِ اللهِ لِکُلِّ أَجَلٍ کِتَابٌ) (سورة الرعد: 37 - 38)

(إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَکَ هُوَالأَبْتَرُ). (سورة الکوثر)

وقال عن دعاء الملائکة للذریات المؤمنة :

(الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَئْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ . وَقِهِمُ السَّیِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّیِّئَاتِ یَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِکَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِیمُ ). (سورة غافر: 7 - 9)

وقال عن الأسرة والذریة فی الآخرة أیضاً :

(وَالَّذِینَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً وَیَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ أُولَئِکَ لَهُمْ عُقْبَی الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَالْمَلائِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ) . (سورة الرعد: 22 - 24)

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنَّاتٍ وَنَعِیمٍ. فَاکِهِینَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ . کُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِیئًا بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . مُتَّکِئِینَ عَلَی سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَجْنَاهُمْ بِحُورٍ

ص: 180

عِینٍ . وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍ کُلُّ امْرِئٍ بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ) . (سورة الطور: 17 - 21 )

فمبدأ الأسرة والذریة نظام طبیعی فی بنی آدم ، وقد أقره الله تعالی واستفاد منه فی رسالاته للبشر .

وإذا کانت البشریة قد عانت الویلات والمآسی وأنواع الظلم والإضطهاد من نظام الأسر الفاسدة المتجبرة ، فذلک یرجع إلی فساد تلک الأسر ، ولایصح جعله سبباً لرفض بنیة الأسرة وفکرتها . فهذه البنیة الإجتماعیة تختزن إیجابیات کبری لحمل الرسالة واستمرارها ، کما أن فیها خطر سلبیات کبری أیضاً بأن تتحول إلی ملک عضوض .

وقد تحدث القرآن عن الأجیال التی فسدت من أسر الأنبیاء(علیهم السّلام) وأتباعهم، وذم المنحرفین منها ، واستثنی الصالحین ، فقال تعالی:

(أُولَئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْرَائِیلَ وَمِمَّنْ هَدَیْنَا وَاجْتَبَیْنَا إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُکِیًّا . فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا یُظْلَمُونَ شَیْئًا). ( سورة مریم: 58 - 60)

روته مصادر الجمیع مختصراً ومطولاً ، منه ما رواه أحمد :3/17: (عن أبی سعید الخدری عن النبی (ص) قال: إنی أوشک أن أدعی فأجیب وإنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله عز وجل وعترتی کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی وإن اللطیف الخبیر أخبرنی أنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض فانظرونی بمَ تخلفونی فیهما ) . انتهی .

ولو فکرتَ فی کلامه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لرأیت أنه لایمکن تفسیر قوله: ( وإن اللطیف الخبیر أخبرنی أنهما لن یفترقا حتی یردا علیَّ الحوض) ، إلا أن الله تعالی أخبره بأنه سیکون من عترته وذریته إمامٌ معصوم فی کل عصر ، یواصل خط نبوته إلی یوم القیامة !

لایمکننا أن نفهم تاریخ الإسلام والمشرکین إلا إذا وعینا أن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعشیرته بنو هاشم کانوا عقدة العقد عند بطون قریش ، فقد عجزوا عن إخضاعهم بسبب أن زعیمهم القوی الشجاع أبا طالب استمات فی الدفاع عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وأن خططهم فی قتل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فشلت ، الواحدة تلو الأخری !

وعندما توفی أبو طالب حامی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکثفت بطون قریش عملها لقتل محمد ، فاجأهم بأنه وجد أنصاراً فی یثرب وهاجر الیهم ، وسرعان ما شکل دولة تجثم فی طریق قوافلهم التجاریة .

وبدؤوا حروبهم فی بدر ، واستمرت معارکهم مع محمد ثمانی سنین لکنهم فشلوا فی کسب نتیجة تنفس شیئاً من عقدهم !

وإذا بمحمد یفاجؤهم فی مکة بعشرة آلاف من جنود الله ، ویجبرهم علی خلع سلاحهم ورفع أیدیهم والتسلیم ، وإعلان الإسلام والطاعة لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعشیرته !

هذا کله فی جانب ، وفی جانب آخرالقرآن الذی کان یتنزل علی محمد بذمهم ولعنهم ووعیدهم ، فیسری فی العرب أبلغ من قصائد امرئ القیس !

لقد وصفهم فی سوره الأولی بأنهم فراعنة ، ووعدهم بالأخذ الوبیل ، فقال للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (وَاصْبِرْ عَلَی مَایَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِیلاً. وَذَرْنِی وَالْمُکَذِّبِینَ أُولِی النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِیلاً. إِنَّ لَدَیْنَا أَنْکَالاً وَجَحِیمًا.وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِیمًا.یَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَکَانَتِ الْجِبَالُ کَثِیبًا مَهِیلاً. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَیْکُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَیْکُمْ کَمَا أَرْسَلْنَا إِلَی فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِیلاً). ( المزمل:10- 16)

نعم ، لقد أجبر محمد زعماء بطون قریش وجنودهم علی خلع سلاحهم والتسلیم ! لکنه لم یعلن اتخاذهم عبیداً أرقاء ، ولم یسب نساءهم ویوزعها علی

ص: 183

المسلمین ، بل قال لهم: إذهبوا فأنتم فعلاً طلقاء !

ثم فتح الباب أمامهم أن یکون لهم ماللمسلمین وعلیهم ما علیهم ! ودعاهم بعد فتح بلدهم مباشرة لأن یخرجوا معه ویقاتلوا هوازن أی تحالف قبائل نجد الذین تجمعوا فی حنین ! فخرجوا معه بألفین من جنودهم إلی حنین ، وهم حیاری سکاری مما حدث لهم !

ثم ذهبت السکرة من زعماء قریش وجاءت الفکرة.. یجب أن نرث سلطان محمد ونقصی بنی هاشم ! وسرعان ما تصرفوا فأزاحوا عن قیادتهم أبا سفیان ابن عم بنی هاشم ، ونصبوا سهیل بن عمر الداهیة وأحد الفراعنة الذین کان یلعنهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی قنوته !

وبعد معرکة حنین ورحیل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی المدینة أمسک سهیل بمکة وتوابعها ، حتی صار (أسید بن عتاب الأموی) الحاکم المعین من قبل النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حاکماً بالإسم فقط حتی أنه اختبأ عندما توفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خوفاً من القتل، واحتاج الی أمان من الحاکم الحقیقی سهیل بن عمر السهمی !

ولایتسع المجال لبیان نشاطات قریش فی السنتین من حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد فتح مکة ، لکن غرضنا منها نظریتها التی روجت لها بأن آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کفار وعمه أبا طالب کافر ، وإنما مثله فی بنی هاشم (کمثل نخلة نبتت فی کبا ) أی مزبلة !! وبالتالی فلا شرعیة لعشیرته وأسرته لتدعی وراثته وإنما هو من قریش ، وقریش أولی بسلطان ابنها ، وخلافته فی بطون قبائلها !

وهکذا استطاعت قریش أن تخترع حصاراً جدیداً لبنی هاشم وبنی عبد المطلب ، أحکمته هذه المرة أکثر من حصارها لهم فی شعب أبی طالب ، فألبسته ثوباً من الدین الذی جاء به محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فنجح الحصار وطال قروناً

ص: 184

وأجیالاً ، إلا من رحم ربک من أصحاب البصائر !

إن هذه الحقائق تکفی للباحث السوی الذهن ، لیقرر إعادة النظر فی الأحکام التی أصدرتها الخلافة القرشیة وفقهاؤها علی أبی طالب عم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی کل آبائه وأجداده الطاهرین(علیهم السّلام) !

بعضهم إلیه لینحیه عنه ، فقال له عبد المطلب: دع ابنی فإن الملک قد أتاه ).

وفی الکافی:4/58: (عن الإمام الصادق(علیه السّلام)قال: إن أناساً من بنی هاشم أتوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشی وقالوا: یکون لنا هذا السهم الذی جعله الله للعاملین علیها فنحن أولی به ، فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا بنی عبد المطلب إن الصدقة لاتحل لی ولا لکم ولکنی قد وعدت الشفاعة ، فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثراً علیکم غیرکم....الخ.). (ورواه فی تهذیب الأحکام:4/ 58 وتفسیر العیاشی:2/93 وتفسیر نور الثقلین:2/235، و:3/210 ووسائل الشیعة: 6/185 ومستدرک الوسائل:7/119) .

5 - بماذا تفسرون افتخار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بنبوته وجده عبد المطلب عندما قاتل فی معرکة حنین ، وهل یمکن أن یفتخر سید المرسلین بجده الکافر؟!

6 - بماذا تفسرون ما ثبت عندکم عن عبد المطلب من إلهامه حفر زمزم وموقفه عند غزو أبرهة للکعبة ، ورعایته الخاصة لحفیده النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

7 - بأی مبرر شرعی تردون شهادة أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن جدهم أبا طالب وآباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کلهم کانوا مؤمنین علی ملة ابراهیم(علیه السّلام)؟

8- ألا تلاحظون أن المسلمین الیوم منقسمون کما کان العرب فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! فأکثرهم مع قریش المناهضین لبنی هاشم ، وقلة مع بنی هاشم؟!

ص: 187

کانت له نوراً یوم القیامة ).

(؟ المصدرقال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلما رأی الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ ، فخضب الرجل بالسواد ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نورٌ وإسلامٌ وإیمانٌ ، ومحبةٌ إلی نسائکم ، ورهبةٌ فی قلوب عدوکم ).

وروی البخاری:4/216: (عن أنس بن مالک: أتی عبید الله بن زیاد برأس الحسین بن علی فجعل فی طست فجعل ینکته وقال فی حسنه شیئاً فقال أنس: کان أشبههم برسول الله(ص)وکان مخضوباً بالوسمة). أی بالسواد .

وفی وسائل الشیعة:1/403: (عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه سئل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): غیروا الشیب ولاتشبهوا بالیهود ، فقال: إنما قال ذلک والدین قلٌّ ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه ، فامرؤٌ وما اختار ). انتهی.

ومعناه أن الأمر بتغییر الشیب لیس للوجوب ، بل هو لإثبات الرخصة فی مورد توهم الحظر والتحریم ، کما یعتقد الیهود .

وتدخلت بطون قریش فی هذا التشریع کعادتها ، لحساسیتها من عبد المطلب وأولاده ، وتمسکت بالخضاب بالأحمر والأصفر ، فنتج عن ذلک أن ولدت أحادیث تُحَرِّم الخضاب بالسواد ، وتَحْرِم صاحبه من الجنة والشفاعة ، وتسوِّد وجهه یوم القیامة !!

قال ابن قدامة فی المغنی:1/76: (وعن الحکم بن عمر الغفاری قال: دخلت أنا وأخی رافع علی أمیر المؤمنین عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخی مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الإسلام ، وقال لأخی رافع: هذا خضاب الإیمان. وکره الخضاب بالسواد . قیل لأبی عبد الله تکره الخضاب

ص: 189

بالسواد ؟ قال: إی والله ) !

بل روی الحاکم:3/526 قصة أخری جعل رأی الخلیفة عمر حدیثاً قال: (دخل عبد الله بن عمر علی عبد الله بن عمرو وقد سوَّدَ لحیته ، فقال عبد الله بن عمر: السلام علیک أیها الشویب ! فقال له ابن عمرو: أما تعرفنی یا أبا عبد الرحمن؟ قال بلی أعرفک شیخاً فأنت الیوم شاب ! إنی سمعت رسول الله: الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الکافر ).

وروی النسائی:8/138: (عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم یخضبون بهذا السواد آخر الزمان کحواصل الحمام لایریحون رائحة الجنة) . وقال النسائی: والناس فی ذلک مختلفون والله تعالی أعلم ، لعل المراد الخالص ، وفیه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مکروهٌ ، وللعلماء فیه کلام ، وقد مال بعض إلی جوازه للغزاة لیکون أهیب فی عین العدو ، والله تعالی أعلم ) . ورواه أبو داود فی: 2/291 ، وأحمد:1/273 ، والبیهقی:7 /311 .

وفی مجمع الزوائد:5/163: روایةً موثقة عند ابن حنبل وابن معین وابن حبان عن أبی الدرداء قال قال رسول الله (ص): من خضب بالسواد سوَّد الله وجهه یوم القیامة ) ! .

ولذا أجمع فقهاؤهم علی ذم الخضاب بالسواد، وأغلبهم علی أنه ذمَّ تحریم وقلیل منهم علی أنه ذم تنزیه !

وسئل ابن باز کما فی فتاویه:4/58 ، طبعة مکتبة المعارف بالریاض:

س: ما مدی صحة الأحادیث التی وردت فی صبغ اللحیة بالسواد فقد انتشر صبغ اللحیة بالسواد عند کثیر ممن ینتسبون إلی العلم ؟

جواب: ( فی هذا الباب أحادیث صحیحة کثیرة ، وذکر حدیث حواصل

ص: 190

الحمام ، وقال بعده: وهذا وعیدٌ شدید ، وفی ذلک أحادیث أخری کلها تدل علی تحریم الخضاب بالسواد وعلی شرعیة الخضاب بغیره ). انتهی .

وقد فات ابن باز وأمثاله أن أبا بکر وعمر قبلا فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الخضاب بالسواد ولو أنه خضاب عبد المطلب ، وأنهما اختضبا بالسواد فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) (مسند أحمد:3/100و:3/108و160و178) ، وأن النهی عن الخضاب به والأمر بخضاب الجاهلیة بالأصفر والأ

حمر کان بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقط ، ومنه ولدت أحادیث النهی عن السواد ! وأن بعض أئمتکم کالزهری الذی روی عنه البخاری فی صحیحه نحو1200حدیثاً ، تجرأ فی القرن الثانی وخالف سنة عمر بعد أن خفَّت حدة المسألة ، وکان یصبغ شیبه بالسواد ویقول إن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمر بتغییر الشیب ولم یحدد لون الصبغ !

قال أحمد:2/309: (قال رسول الله(ص):إن الیهود والنصاری لایصبغون فخالفوهم. قال عبد الرزاق فی حدیثه: قال الزهری: والأمر بالإصباغ، فأحلکها أحب إلینا. قال معمر: وکان الزهری یخضب بالسواد ).

3 - علی فرض تحریم الخضاب بالسواد شرعاً ، هل یستحق من فعله أن یکون من أهل جهنم ؟

4 - ما رأیکم فی تدخلات عمر حتی فی الأحکام الشرعیة ! وهل توافقون علی کلمة أم سلمة التی رواها البخاری:6/69 عن عمر نفسه: (فقالت أم سلمة عجباً لک یا بن الخطاب دخلت فی کل شئ ، حتی تبتغی أن تدخل بین رسول الله (ص) وأزواجه! )؟!

ص: 192

صحابیاً ، وفضح آخر علی رؤوس الأشهاد ، وأعلن أنه ابن زنا !

ثم أصرَّ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی المسلمین: سلونی سلونی سلونی !

فقام عمر وأعلن التوبة ؟! فهدَّأ الموقف وسکت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

فما هی القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدی والفضح النبوی !

وما سبب هذه التوبة العمریة ، التی اختصرها البخاری وفصلها غیره ، حتی رووا أنه قبَّل رجل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهو یسترضیه !

لکی تحصل علی أجوبة لهذه الأسئلة علیک أن تجمع أشلاء هذه القصة فی الصحاح ، ولاتغترَّ إذا وجدتها قطعاً مجزأة ، ووجدت فوق القطعة منها عنواناً مضللاً لتغطیتها !

وستجد أن بعض قطعها مفیدة جداً کالتی رواها مسلم وبیَّن فیها أن غضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن من أسئلة المسلمین کما زعم البخاری ! بل کان لشئ کریه بلغه عن أصحابه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن یسألوه (عن أنسابهم) وتحداهم فخافوا وبکوا ، فقام عمر وتاب !!

قال مسلم فی صحیحه:7/92: (عن أنس بن مالک قال: بلغ رسول الله (ص) عن أصحابه شئ فخطب ! فقال: عرضت علیَّ الجنة والنار فلم أر کالیوم فی الخیر والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً . قال فما أتی علی أصحاب رسول الله (ص)یوم أشد منه !! قال غطَّوْا رؤسهم ولهم خنین! قال فقام عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً ! قال فقام ذاک الرجل فقال: من أبی؟ قال أبوک فلان ، فنزلت: یا أیها الذین آمنوا لاتسألوا عن أشیاء إن تبد لکم تسؤکم)! انتهی. وروی جزء منها فی:3/167

فالمسألة إذن غضبٌ نبویٌّ لما بلغه عن(أصحابه)وخطبةٌ نبویة ناریة بحضور

ص: 194

جبرئیل ! وتحدٍّ نبوی لهم فی أنسابهم ! وبکاء أصحاب الفریة من الخوف ! وأن ذلک الیوم کان أشد یوم مر علیهم مع نبیهم.. وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أجابهم وطعن فی نسبهم وتحداهم أن یسألوه عن نسبهم ! فسأله بعضهم عن نسبه ففضحه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !! فقام عمر إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبرک عند رجلیه وقبل قدمه ! وأعلن توبته وتوبتهم !!

فأین هذا مما فعله البخاری فنسب الذنب إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه غضب فی تعلیمه للمسلمین من سؤال سألوه ؟!

وأین بروک التلمیذ بین یدی أستاذه من بروک عمر علی أقدام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

لقد بلغ من براعة البخاری أنه قطع قصة الحدیث وجعله ستة أشلاء ، واخترع لکل قطعة منه عنواناً ، أو عقد باباً (مناسباً) ، واتهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بسوء الخلق !! کل ذلک للتغطیة علی عمر !

ففی:1/31: (عقد له باباً باسم: باب الغضب فی الموعظة والتعلیم إذا رأی ما یکره فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !

وفی ص32: (جعله من نوع تأدب التلمیذ بین یدی معلمه فسمی الباب: باب من برک علی رکبتیه عند الإمام أو المحدث !

وفی ص136: (وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال ! بمناسبة أن خطبة النبی(ص)الناریة القاصعة کانت عند الزوال !

وفی:4/73: (جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء فی قول الله تعالی وهو الذی یبدأ الخلق ثم یعیده وهو أهون علیه.. بحجة أن الراوی قال: قام فینا النبی (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتی دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !

وفی:7/157: (عقد له باباً باسم باب التعوذ من الفتن ! وکأن الموضوع کان

ص: 195

حدیثاً هادئاً عاماً لکل الأمة عن الفتن الآتیة ، وأن عمر قال: رضینا بالله رباً وبمحمد رسولاً... نعوذ بالله من الفتن !

وفی:8/142: (عقد له باباً باسم: باب ما یکره من کثرة السؤال وتکلف ما لایعنیه وحشر فیها آیة: لاتسألوا عن أشیاء إن تبد لکم تسؤکم ! مع أنه کان ینبغی أن یسمی الباب: باب وجوب امتثال أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا أمر بالسؤال ، لأن موضوع الآیة المحشورة کراهة السؤال ، وموضوع الحدیث أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المکرر المشدد لمؤذیه من قریش أن یسألوه !

ولعل البخاری یقصد بکراهة السؤال کراهة إلحاح المعلم علی تلامیذه بقوله سلونی! وأن الخطأ کان من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لإلحاحه علیهم أن یسألوه عن آبائهم ! وأن موقف عمر هو تصحیح خطأ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما هی عادته !!

القصة أن رجلاً من بنی عبد الدار قال من أبی؟ قال سعد: نسبه إلی غیر أبیه، بخلاف ابن حذافة ! وسیأتی مزید لهذا فی تفسیر سورة المائدة.

قوله فلما رأی عمر.. هو بن الخطاب.. ما فی وجهه ، أی من الغضب ، قال: یا رسول الله إنا نتوب إلی الله ، أی مما یوجب غضبک ، وفی حدیث أنس الآتی بعد أن برک عمر علی رکبتیه ، فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً ، والجمع بینهما ظاهر ، بأنه قال جمیع ذلک فنقل کل من الصحابیین ما حفظ ، ودل علی اتحاد المجلس اشتراکهما فی نقل قصة عبد الله بن حذافة.....

قوله: باب من برک: هو بفتح الموحدة والراء المخففة یقال: برک البعیر إذا استناخ ، واستعمل فی الآدمی مجازاً .

قوله: خرج ، فقام عبد الله بن حذافة: فیه حذف یظهر من الروایة الأخری والتقدیر: خرج فسئل فأکثروا علیه ، فغضب ! فقال سلونی فقام عبد الله .

قوله: فقال رضینا بالله رباً.. قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلک الأسئلة قد تکون علی سبیل التعنت أو الشک ، فخشی أن تنزل العقوبة بسبب ذلک ! فقال رضینا بالله رباً الخ . فرضی النبی(ص)بذلک ، فسکت !

قوله وقال سلونی: فی حدیث أنس المذکور فصعد المنبر فقال: لاتسألونی عن شئ إلا بینته لکم . وفی روایة سعید بن بشیر عند قتادة عن أبی حاتم: فخرج ذات یوم حتی صعد المنبر ، وبیَّن فی روایة الزهری المذکورة فی هذا الباب وقت وقوع ذلک وأنه بعد أن صلی الظهر ، ولفظه: خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر فلما سلم قام علی المنبر فذکر الساعة ثم قال: من أحب (!) أن یسأل عن شی فلیسأل عنه فذکر نحوه .

قوله: فقام رجل فقال یا رسول الله من أبی... بیَّن فی حدیث أنس من روایة

ص: 197

الزهری اسمه ، وفی روایة قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل کان إذا لاحی أی خاصم دعی إلی غیر أبیه ، وذکرت اسم السائل الثانی ، وأنه سعد ، وأنی نقلته من ترجمة سهیل بن أبی صالح من تمهید بن عبد البر .

وزاد فی روایة الزهری الآتیة بعد حدیثین فقام إلیه رجل فقال: أین مدخلی یا رسول الله؟ قال: النار ! ولم أقف علی اسم هذا الرجل فی شئ من الطرق کأنهم أبهموه عمداً للستر علیه !

وللطبرانی من حدیث أبی فراس الأسلمی نحوه ، وزاد: وسأله رجل فی الجنة أنا ؟ قال: فی الجنة ، ولم أقف علی اسم هذا الآخر .

ونقل ابن عبد البر عن روایة مسلم أن النبی(ص)قال فی خطبته: لایسألنی أحد عن شئ إلا أخبرته ، ولو سألنی عن أبیه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذکر فیه عتاب أمه له وجوابه ، وذکر فیه فقام رجل فسأل عن الحج فذکره ، وفیه: فقام سعد مولی شیبة فقال مَن أنا یا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولی شیبة. وفیه فقام رجل من بنی أسد فقال: أین أنا ؟ قال: فی النار ! فذکر قصة عمر . . .

قوله: فلما رأی عمر ما بوجه رسول الله (ص)من الغضب.. بین فی حدیث أنس أن الصحابة کلهم فهموا ذلک ، ففی روایة هشام فإذا کل رجل لافاً رأسه فی ثوبه یبکی ، وزاد فی روایة سعید بن بشیر: وظنوا أن ذلک بین یدی أمر قد حضر! وفی روایة موسی بن أنس عن أنس الماضیة فی تفسیر المائدة:فغطوا رؤوسهم ولهم خنین.. زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتی علی أصحاب رسول الله (ص)یوم کان أشد منه !

قوله: فقال إنا نتوب إلی الله عز وجل.. زاد فی روایة الزهری: فبرک عمر علی رکبته فقال رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد رسولاً. وفی روایة قتادة من

ص: 198

الزیادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفی مرسل السدی عند الطبری فی نحو هذه القصة: فقام إلیه عمر فقبل رجله وقال: رضینا بالله رباً فذکر مثله ، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفی الله عنک فلم یزل به حتی رضی) !

یدیه ثم أذن لی فی الشفاعة ، لم أوثر علی أهل بیتی أحداً .

أیها الناس: عظموا أهل بیتی فی حیاتی وبعد مماتی ، وأکرموهم وفضلوهم لا یحل لأحد أن یقوم لأحد غیر أهل بیتی ، فانسبونی من أنا ؟!

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأیدیهم السلاح ، وقالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أخبرنا یا رسول الله من آذاک فی أهل بیتک حتی نضرب عنقه ؟!!

قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ثم انتهی بالنسب إلی نزار ، ثم مضی إلی إسماعیل بن إبراهیم خلیل الله ، ثم مضی منه إلی نوح ، ثم قال: أنا وأهل بیتی کطینة آدم(علیه السّلام)نکاح غیر سفاح !

سلونی ، والله لا یسألنی رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبیه !

فقام إلیه رجل فقال: من أنا یا رسول الله ؟ فقال: أبوک فلان الذی تدعی إلیه! قال فارتد الرجل عن الإسلام .

ثم قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والغضب ظاهر فی وجهه: ما یمنع هذا الرجل الذی یعیب علی أهل بیتی وأهلی وأخی ووزیری وخلیفتی من بعدی وولی کل مؤمن ومؤمنة بعدی ، أن یقوم ویسألنی عن أبیه ، وأین هو فی جنة أم فی نار ؟!

قال فعند ذلک خشی فلان علی نفسه أن یذکره رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویفضحه بین الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنا عفی الله عنک ، أقلنا أقالک الله ، أسترنا سترک الله ، إصفح عنا جعلنا الله فداک .

فاستحیا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وسکت ، فإنه کان من أهل الحلم وأهل الکرم وأهل العفو ثم نزل(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ) !!

ص: 200

مصر فی أربع رفاق علی أربعة أمراء ، المقلل یقول ستمائة والمکثر یقول ألف ، علی الرفاق عبدالرحمن بن عدیس البلوی وکنانة بن بشر اللیثی ، وسودان بن حمران السکونی ، وقتیرة بن فلان السکونی . وعلی القوم جمیعاً الغافقی بن حرب العکی ، ولم یجترئوا أن یعلموا الناس بخروجهم إلی الحرب وإنما خرجوا کالحجاج ومعهم ابن السوداء .

وخرج أهل الکوفة فی أربع رفاق ، وعلی الرفاق زید بن صوحان العبدی والأشتر النخعی وزیاد بن النضر الحارثی وعبد الله بن الأصم أحد بنی عامر ابن صعصعة ، وعددهم کعدد أهل مصر ، وعلیهم جمیعاً عمرو بن الأصم.

وخرج أهل البصرة فی أربع رفاق ، وعلی الرفاق حکیم بن جبلة العبدی وذریح بن عباد العبدی....الخ) .

ثم أورد الطبری دخولهم الی المدینة وما جری فی أحداث قتل عثمان !

وقال ابن کثیر فی البدایة والنهایة:7/191: (ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة یؤلبون الناس علی حربه والانکارهمزة علیه ، وکان عظم ذلک مسندا تنوین إلی محمد بن أبی بکر ، ومحمد بن أبی حذیفة ، حتی استنفرا نحوا من ستمائة راکب یذهبون إلی المدینة فی صفة معتمرین فی شهر رجب ، لینکروا علی عثمان فساروا إلیها تحت أربع رفاق ، وأمر الجمیع إلی عمرو بن بدیل بن ورقاء الخزاعی ، وعبد الرحمن بن عدیس) .

وقال الدکتور حسن بن فرحان فی کتابه( نحو إنقاذ التاریخ الإسلامی) ص 148: (فالخارجون علی عثمان أصناف کثیرة ولیسوا متفقین فی الأهداف (تَحْسَبُهُمْ جَمِیعاً وَقُلُوبُهُمْ) مع جزمنا بأنهم علی باطل وان عثمان رضی الله عنه علی حق، لکن فی الوقت نفسه نعرف لعبد الرحمن بن عدیس البلوی رضی الله عنه صحبته

ص: 203

وبیعته تحت الشجرة وهو من الخارجین علی عثمان . ونعرف للاشتر - فاتک بن الحارث النخعی - حقه وتدینه وندمه وکراهیتة لمقتل عثمان وهو من الخارجین لکنه اعتزل عنهم آخر الأمر فلم یکن من محاصری عثمان یوم مقتله وقد ندم . کل هذا بأسانید صحیحة ولیس هنا مجال ذکرها .

کذلک نعرف لأبناء بدیل بن ورقاء رضی الله عنهم صحبتهم وهم من الخارجین ، ونعرف لعمرو بن الحمق الخزاعی رضی الله عنه صحبته وهجرته وهو من الخارجین ، والعجب فیمن یعذر معاویة فی الخروج علی علی رضی الله عنه ولا یعذر عبد الرحمن بن عدیس البلوی فی الخروج علی عثمان رضی الله عنهما، مع أن عبد الرحمن بن عدیس أفضل من معاویة فهو من أصحاب بیعة الرضوان الذین شهد لهم النبی (ص) بالجنة ! أما معاویة فلم یکن أسلم یومئذ ولا عمرو بن العاص ولا کل أهل الشام الذین حاربوا علیاً بصفین ، فابن عدیس خیر منهم جمیعاً ، ومع هذا تجد المؤرخین یتهمون ابن عدیس - تبعاً لسیف بن عمر - بأنه من السبئیة !!

سبحان الله ؟ أصحاب رسول الله (ص) سبئیة ؟! أصحاب بیعة الرضوان سبئیة ؟!) . انتهی.

فما هو موقفکم ممن بایع تحت الشجرة ، وزعمتم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شهد له بالجنة ، ثم شارک فی قتل عثمان ، هل تحکمون بکفره أم تقولون إنه من أهل بیعة الرضوان ؟!

ص: 204

ولکنه منطق یرفضه العقل والقرآن لمنافاته لقوانین الحق والعدل الإلهی التی أقام الله تعالی علیها الکون والحیاة ، وأنزلها فی کتابه وأوحی بها إلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفکرون !

وقد حاول بعضهم أن یجعل القسم قوله تعالی: (وَإِنْ مِنْکُمْ إِلا وَارِدُهَا کَانَ عَلَی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیّاً. ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِینَ فِیهَا جِثِیّاً) (مریم:71 - 72) ، لکنه تفسیر من الرواة ، لأنه لیس فی هذه الآیة قسم حتی یکون ورودهم تحلة للقسم ، ولأن الورود فیها یتحقق بالمرور من فوق النار ، بینما تعبیر البخاری وغیره الولوج والدخول فی النار !

ومن مفارقات البیهقی أنه رد تفسیرهم لتحلة القسم بهذه الآیة من سورة مریم کما فی سننه:10/64 ، بحجة أنه یحلل التلاعب بالأیمان ، وکأن التلاعب بالأیمان حرام علی الناس حلال علی الله تعالی !

معنی قول عمر إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال له: (یاعمر إنک لاتسأل عن أعمال الناس ، ولکن تسأل عن الفطرة ) ! (الدر المنثور:2/116) .

وهو معنی توسیعات عمر المتقدمة للشفاعة لکل من نطق بالتوحید !

وهو معنی قول عبد الله بن عمرو بن العاص: (قال رسول الله (ص): من لقی الله لایشرک به شیئاً لم تضره معه خطیئة) ! (مسند أحمد:2/170)

وهو معنی ما رواه الترمذی:3/87: أن النبی (ص)سمع ذات یوم رجلاً یقول: الله أکبر الله أکبر ، فقال: علی الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار ) ! (ونحوه فی مسلم:2/4 وأحمد:3/241)

وقد تصدی علی والأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) لرد هذه التحریفات:

ففی علل الشرائع للصدوق:2/602، عن علی(علیه السّلام)قال: (یحشر المرجئة عمیاناً ، إمامهم أعمی ، فیقول بعض من یراهم من غیر أمتنا: ما تکون أمة محمد إلا عمیاناً! فأقول لهم: لیسوا من أمة محمد ، لأنهم بدَّلوا فبدل ما بهم ، وغیَّروا فغیر ما بهم ).

وأول ما أطلق اسم المرجئة رسمیاً علی المتخلفین عن بیعة علی(علیه السّلام) ونصرته علی الفئة الباغیة . وأول من أطلق علیهم اسم المرجئة..

قال النعمانی فی شرح الأخبار:2/82: (فأما المتخلفون عن الجهاد مع علی(علیه السّلام) وقتال من نکث بیعته ومن حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه فی ذلک من المعروفین من الصحابة: سعد بن أبی وقاص وکان أحد الستة الذین سماهم عمر للشوری ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، ومحمد بن مسلمة ، واقتدی بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم یشهدوا شیئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا ، وذهب إلی ذلک من رأیهم جماعة من الناس

ص: 210

وصوبوهم فیه وذهبوا إلی ما ذهبوا إلیه ، فقالوا فی الفریقین فی علی ومن قاتل معه وفی الذین حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفریقین: إنهم یخافون علیهم العذاب ویرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم یقطعوا علیهم بغیر ذلک وتخلفوا عنهم . والإرجاء فی اللغة التأخیر فسموا مرجئة لتأخیرهم القول فیهم ، وتأخرهم عنهم ولم یقطعوا علیهم بثواب ولا عقاب ، لأنهم زعموا أنهم کلهم موحدون ولا عذاب عندهم علی من قال: لا إله إلا الله ، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فکان هذا أصل الإرجاء ، ثم تفرق أهله فرقاً إلی الیوم یزیدون علی ذلک من القول وینقصون ) . انتهی .

وهو یدل علی أنهم تمسکوا بمقولة کعب وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص ، التی تکتفی لدخول الجنة بالتوحید بدون عمل .

وقد أحب المستشرقون المرجئة لأنهم یسقطون فرائض الإسلام ویقولون کما یقول الیهود والنصاری: لایضر مع الإیمان عمل !

قال الدکتور حسن إبراهیم فی کتابه تاریخ الإسلام:1/416: (وهی طائفة المرجئة التی ظهرت فی دمشق حاضرة الأمویین بتأثیر بعض العوامل المسیحیة خلال النصف الثانی من القرن الأول الهجری . وقد سمیت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخیر ، لأنهم یرجئون الحکم علی العصاة من المسلمین إلی یوم البعث . کمایتحرجون فصل عن إدانة أی مسلم مهما کانت الذنوب التی اقترفها... وهؤلاء هم فی الحقیقة کتلة المسلمین التی رضیت حکم بنی أمیة ، مخالفین فی ذلک الشیعة والخوارج . ومع هذا فإنهم یتفقون فی العقیدة إلی حد ما مع طائفة المحافظین وهی أهل السنة ، وإن کانوا - کما یری فون کریمر - قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنیین باعتقادهم (أنه لا یخلد مسلم مؤمن فی النار) وعلی

ص: 211

العموم فهم یضعون العقیدة فوق العمل . وکانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموی ومن یلوذ به ، بحیث لایستطیع أحد من الشیعیین أو الخوارج أن یعیش بینهم ، فی الوقت الذی تمکن فیه المسیحیون وغیرهم من المسلمین أن ینالوا الحظوة لدیهم ، أو یشغلوا المناصب العالیة). انتهی .

ویکشف لنا النص التالی عن الإمام الصادق(علیه السّلام)سر تقریب بنی أمیة لهم ، قال(علیه السّلام): (لعن الله القدریة ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة ولعنت هؤلاء مرتین ! قال: إن هؤلاء یقولون إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثیابهم إلی یوم القیامة ، إن الله حکی عن قوم فی کتابه: (قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَیْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّی یَأْتِیَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْکُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَکُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِی بِالْبَیِّنَاتِ وَبِالَّذِی قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ) قال: کان بین القاتلین والقائلین خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا ) . انتهی . (الکافی:2/409) .

ومعنی کلامه(علیه السّلام)أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسین(علیه السّلام)مؤمنون من أهل الجنة ولایعاقبون علی جریمتهم ! وبذلک صار المرجئة شرکاء لبنی أمیة فی الجریمة ، لأن من رضی بعمل قوم شَرِکهم فیه !

وقد تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة فی الإرجاء ، خاصة أبو حنیفة (راجع المجروحین لابن حبان:3/63 ، وکتاب الرفع والتکمیل للکنوی 154 ).

أما الصحاح فیأخذک العجب من کثرة رواتها المرجئة !

منهم من باب المثال: الفأفاء، وکان رأس فی المرجئة متعصباً لبنی أمیة مبغضاً لعلی(علیه السّلام)بل کان مبغضاً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وکان یقرأ لخلفاء بنی أمیة القصائد فی

ص: 212

هجاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقد قتله العباسیون فی ثورتهم.. ومع ذلک فهو معتمدٌ عند ابن المدینی شیخ البخاری ویقول عنه قتل مظلوماً ، وروی عنه البخاری فی الأدب المفرد ومسلم والنسائی وابن ماجة والترمذی وأبی داود ! (راجع ترجمته فی تهذیب التهذیب:3/ 83 وغیره )

ومنهم الحمانی ، الذی روی عنه البخاری ومسلم وأبو داود والترمذی وابن ماجة.. قال فی تهذیب التهذیب:6/109: (وقال أبو داود:کان داعیة فی الإرجاء!!)

ومنهم شعیب بن إسحاق ، مولی بنی أمیة الذی روی عنه البخاری ومسلم وأبو داود والنسائی وابن ماجة.. قال فی تهذیب التهذیب:4/304: (قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حدیثه وأوثقه. وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ) !

ومنهم الغنوی الذی روی عنه مسلم والأربعة.. قال فی تهذیب التهذیب:1/411: (وقال العجلی: کوفی ثقة ، وقال العقیلی: مرجئ متهم متکلم فیه). انتهی.

وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض علی أصحاب الصحاح فقال فی الإیضاح ص502: (ومن جهة أخری تروون عن المرجئة ویروون عنکم ، وتروون عن القدریة ویروون عنکم ، وتروون عن الجهمیة ویروون عنکم ، فتقبلون منهم بعض أقاویلهم وتردون علیهم بعضها ، فلا الحق أنتم منه علی ثقة ، ولا الباطل أنتم منه علی یقین ،وأنتم عند أنفسکم أهل السنة والجماعة ! )! .

ص: 213

علی قبل أن أخلق ؟ فقال رسول الله ((صلّی الله علیه و آله وسلّم )): فحج آدم موسی مرتین) !! (ورواه بصیغة فیها تعنیفٌ لآدم(علیه السّلام)قال فی:7/214: (فقال له موسی یا آدم أنت أبونا خیبتنا وأخرجتنا من الجنة)! (ونحوه أیضاً: 8/203) !

وخالفناهم نحن شیعة أهل البیت(علیهم السّلام) لأن الکون کله تحت سلطان الله تعالی حدوثاً وبقاءً ، ولذا نعتقد بالبداء وهو المحو والإثبات فی أفعال الله تعالی التی لم یخبر بها ملائکته ورسله علی نحو الحتم ، کما قال تعالی: (یَمْحُوا اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ) . (سورة الرعد - 39) .

وفی شرح الأسماء الحسنی للسبزواری:2/84: عنه(علیه السّلام): ( أنحن فی أمر فرغ أم فی أمر مستأنف ؟ فقال فی أمر فرغ ، وفی أمر مستأنف).

وقد شنع علینا مخالفونا لعقیدتنا بالبداء ، وافتری علینا بعضهم بأنا ننسب الجهل إلی الله تعالی ! وأن معنی البداء الذی نعتقد به - بحسب قولهم - أن الأمر یبدو لله تعالی ویظهر بعد أن لم یکن ظاهراً ! وهذا کفرٌ لأنه ینسب الجهل إلی العلیم المطلق والحکیم المطلق عز وجل.

بل معنی البداء أن الله تعالی یبدی الأمر لعباده بشکل ، ثم یمحوه ویبدیه علی واقعه . ومن ذلک أن زکریا(علیه السّلام)طلب من الله تعالی ولداً یرثه ویرث من آل یعقوب: (وَإِنِّی خِفْتُ الْمَوَالِیَ مِنْ وَرَائی وَکَانَتِ امْرَأَتِی عَاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیّاً . یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیّاً). (سورة مریم: 5 - 6) ، فوهب له یحیی(علیه السّلام) ، وکان ظاهر الأمر أنه استجاب له ووهبه له لکی یرثه ویرث من آل یعقوب، ولکن یحیی استشهد فی حیاة أبیه زکریا ولم یرثه بل ورثهما معاً عیسی(علیهم السّلام) ، ففی مثل هذا الأمر یقال (بدا لله تعالی فی نبیه یحیی(علیه السّلام)) .

ص: 216

وأما الثالثة: فواقفٌ علی عقر حوضی یسقی من عرف من أمتی .

وأما الرابعة: فساتر عورتی ومسلمی إلی ربی .

وأما الخامسة: فلست أخشی علیه أن یرجع زانیاً بعد إحصان أو کافراً بعد إیمان). (ورواه أبو نعیم فی الحلیة:10/211 والطبری فی الریاض النضرة فی فضائل العشرة: 2/203 وکنز العمال 6 / 403) .

وفی الغدیر:1/321: (أخرج الطبرانی بإسناد رجاله ثقات عن أبی سعید الخدری قال: قال النبی(ص): یا علی معک یوم القیامة عصا من عصی الجنة ، تذود بها المنافقین عن الحوض) . (الذخایر 91 ، الریاض: 2/211 ، مجمع الزوائد: 9/135 ، الصواعق 104 . انتهی . وهو فی الطبرانی الصغیر:2/89 ، وفردوس الأخبار:5/317/408، وفی طبعة أخری من الصواعق / 174)

وفی مستدرک الحاکم:3/138 (عن علی بن أبی طلحة قال: حججنا فمررنا علی الحسن بن علی بالمدینة ، ومعنا معاویة بن حدیج ، فقیل للحسن: إن هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی ، فقال علی به ، فأتی به فقال: أنت الساب لعلی ؟! فقال: ما فعلت ! فقال: والله إن لقیته ، وما أحسبک تلقاه یوم القیامة ، لتجده قائماً علی حوض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یذود عنه رایات المنافقین ، بیده عصاً من عوسج ! حدثنیها الصادق المصدوق ، وقد خاب من افتری) . هذا حدیث صحیح الإسناد ، ولم یخرجاه) یحذف. انتهی. ورواه فی مسند أبی یعلی:6/174 وفیه: (لتجدنه مشمر الإزار علی ساق یذود عنه رایات المنافقین ذود غریبة الإبل). ورواه أبویعلی :12/139، والطبرانی فی الأوسط:3/22، وفی الکبیر:913 ، وفی مجمع الزوائد: 9/130، و272 ، وفیه: (قال: یا معاویة بن حدیج إیاک وبغضنا فإن رسول الله قال: لایبغضنا ولایحسدنا أحدٌ إلا ذید عن الحوض یوم القیامة بسیاط من نار). (ورواه فی مختصر

ص: 219

تاریخ دمشق:12 جزء24/393 ، وفی کفایة الطالب ص89 ، عن أبی کثیر ، وفی شرح نهج البلاغة: 8 جزء 15/ 18 ، عن المدائنی) .

وفی فردوس الأخبار:3/444: (عن أنس بن مالک عن النبی (ص) قال: لیرفعن أناسٌ من أصحابی وأنا علی الحوض فإذا عاینونی عرفتهم وأنا علی الحوض قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دونی) .

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: ( من أحب علیاً وأطاعه فی دار الدنیا ورد علی حوضی غداً ، وکان معی فی درجتی فی الجنة . ومن أبغض علیاً فی دار الدنیا وعصاه ، لم أره ولم یرنی یوم القیامة ، واختلج دونی وأخذ به ذات الشمال إلی النار ) .

وفی مصنف ابن أبی شیبة:15/109: (عن حذیفة قال: المنافقون الذین فیکم الیوم شرٌ من المنافقین الذین کانوا علی عهد رسول الله (ص)قال الراوی- هو شقیق- قلت: یا أبا عبد الله وکیف ذاک؟! قال: إن أولئک کانوا یسرون نفاقهم ، وإن هؤلاء أعلنوه !! )!!.

ص: 220

إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِیَاهُ فِی الْعَذَابِ الشَّدِید. قَالَ قَرِینُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَیْتُهُ وَلَکِنْ کَانَ فِی ضَلالٍ بَعِیدٍ. قَالَ لاتَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ. مَایُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَیَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِیدِ . یَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِید) . (سورة ق: 17 - 30)

قال أکثر مفسریهم إن المخاطب ب-(ألقیا) شخص مفرد ، وهو القرین ، أو مالک خازن النار ، وأن الأمر جاء بصیغة المثنی للتأکید ، کما تقول ( ألقِ ، ألقِ) ! وقالوا إن العرب تستعمل المثنی للمفرد .

وهو ادعاءٌ باطل لاشاهد له من کلام العرب ، وهو یتنافی مع مصداقیة النص القرآنی الدقیق دائماً ، خاصة أنه تعالی کرر التثنیة فقال: (فألقیاه فی العذاب الشدید) . ولاحجة فیما استشهدوا له بخطاب الشعراء للمثنی کقولهم یاصاحبیَّ وهم یقصدون صاحباً واحداً ، وقول امرئ القیس:(قفا نبک من ذکری خلیل ومنزل) فإن للشعر ضروراته ، ولم یأتوا من غیر الشعر بمثال مقنع ، وروایتهم قول الحجاج: (یاحرسی إضربا عنقه) إما مخترعة ، أو أنه ثنی الضمیر لأن عنده اثنین یقتلان الناس فالمثنی موجود فی ذهنه !

ولهذا احتاج الحسن البصری أن یقول: أصل ألقیا (ألقین)فالألف فیها بدل نون التوکید ..الخ. وهو تمحل آخر بلا دلیل للتخلص من المخاطب المثنی !

والجواب: أن جعل المخاطب مثنی فیه خطر علیهم ! لأن الحدیث الشریف لم یقبل أن یفسر المخاطبین فی الآیة بالملکین ، بل فسرهما بمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعلی(علیه السّلام)! لذلک طبقوا قاعتدهم فی سد الذرائع وأنکروا المثنی من أساسه ، لکی یسدوا الطریق علی الحدیث النبوی الذی ما رواه السنة والشیعة ونص علی أن المخاطبیْن هما: محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی(علیه السّلام)، فرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حاکم المحشر ، ومعه علی(علیه السّلام)قسیم الجنة والنار !

فهذا هو السبب فی إصرارهم علی إنکار المثنی وجعله مفرداً ! وقولهم إن المخاطب مفرد مفرد ، حتی لوکانت صیغته التثنیة !!

قال ابن منظور فی لسان العرب:15/428: (وقال أبو عکرمة الضبی فی قول امرئ القیس: (قفا نبک من ذکری حبیب ومنزل) قال: أراد قفن فأبدل الألف من النون الخفیفة کقوله قوما أراد قومن . قال أبو بکر: وکذلک قوله عز وجل: ألقیا فی جهنم ، أکثر الروایة أن الخطاب لمالک خازن جهنم وحده ، فبناه علی ما وصفناه) . انتهی .

ومقصوده ب-(أکثر الروایة أن الخطاب لمالک خازن جهنم وحده) روایتهم عن مفسری الدولة الأمویة کالحسن البصری وعکرمة ، مقابل (أقل الروایة) عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التی غیبوها لأنها تقول إن المخاطب بها مثنی !!

ففی تفسیر الجلالین: (ألقیا فی جهنم) أی: ألق ألق ، أو ألقین ، وبه قرأ الحسن فأبدلت النون ألفاً ) یحذف. انتهی . (راجع وتأمل فی ضیاعهم وتمحلاتهم: مبسوط السرخسی:18/184 ، وتفسیر الطبری:27/103و26/212، وتفسیر ابن الجوزی:7/196 والقرطبی:12/149 ، وابن کثیر:4/241 ، وبرهان الزرکشی:2/ 239 ، وتفسیر الثعالبی:5/287 ) .

وقد تأثر بهم أکثر المفسرین من السنة والشیعة مع الأسف ، وخالفهم بعضهم

ص: 223

فجعل المخاطب مثنی حقیقیاً ، هو السائق والشهید ، کالرازی ، أوجعله خازن النار وملک معه کابن منظور ، أو ملکین آخرین کصاحب المیزان ، ولم یتتبعوا روایات التفسیر النبوی ، ولا بحثوا فی أسانیدها !

وأشهر روایة لتفسیر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للآیة قصة أبی حنیفة التالیة مع الأعمش التی روتها مصادر السنة والشیعة بسند صحیح ، وکانت تحدیاً من الأعمش(رحمه الله)فی ختام حیاته لأبی حنیفة والمخالفین لأهل البیت(علیهم السّلام) !

روی الطوسی فی الأمالی ص628: (1294/7: وعنه (حدثنا الشیخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علی بن الحسن الطوسی قدس الله روحه) قال: أخبرنا جماعة ، عن أبی المفضل قال: حدثنا إبراهیم ابن حفص بن عمر العسکری بالمصیصة قال: حدثنا عبید بن الهیثم بن عبیدالله الأنماطی البغدادی بحلب قال: حدثنی الحسن بن سعید النخعی ابن عم شریک قال: حدثنی شریک بن عبدالله القاضی قال: حضرت الأعمش فی علته التی قبض فیها ، فبینا أنا عنده إذ دخل علیه ابن شبرمة وابن أبی لیلی وأبو حنیفة ، فسألوه عن حاله ، فذکر ضعفاً شدیداً ، وذکر مایتخوف فاصلةمن خطیئاته ، وأدرکته رنة فبکی ، فأقبل علیه أبو حنیفة ، فقال: یا أبا محمد إتق الله وانظر لنفسک ، فإنک فی آخر یوم من أیام الدنیا ، وأول یوم من أیام الآخرة ، وقد کنت تحدث فی علی بن أبی طالب بأحادیث ، لو رجعت عنها کان خیراً لک .

قال الأعمش: مثل ماذا یا نعمان؟!

قال: مثل حدیث عبایة: (أنا قسیم النار) .

قال: أوَ لمثلی تقول هذا یا یهودی؟! أقعدونی سندونی أقعدونی:

حدثنی - والذی إلیه مصیری - موسی بن طریف ، ولم أر أسدیاً کان خیراً منه

ص: 224

قال: سمعت عبایة بن ربعی إمام الحی قال:سمعت علیاً أمیر المؤمنین (علیه السّلام)یقول: أنا قسیم النار ، أقول هذا ولیی دعیه ، وهذا عدوی خذیه .

وحدثنی أبو المتوکل الناجی فی إمرة الحجاج وکان یشتم علیاً(علیه السّلام)شتماً مقذعاً - یعنی الحجاج - عن أبی سعید الخدری ، قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة یأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلی علی الصراط ، ویقال لنا: أدخلا الجنة من آمن بی وأحبکما ، وأدخلا النار من کفر بی وأبغضکما. قال أبو سعید: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما آمن بالله من لم یؤمن بی ، ولم یؤمن بی من لم یتول - أو قال لم یحب - علیاً ، وتلا :( أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِید).

قال فجعل أبو حنیفة إزاره علی رأسه ، وقال: قوموا بنا ، لایجیئنا أبو محمد بأطم من هذا . قال الحسن بن سعید: قال لی شریک بن عبد الله: فما أمسی - یعنی الأعمش - حتی فارق الدنیا رحمه الله). انتهی .

وقد روی هذا الحدیث (الصاعقة) الشیخ الطوسی(رحمه الله)فی أمالیه وغیره من مصادرنا بأسانید متعددة ، ورواه عدد من علمائهم ، ومنهم الحاکم الحسکانی النیسابوری ، وهو من أولاد بریدة الأسلمی ، فی کتابه القیم شواهد التنزیل بسنده عن الکلابی، وعن الحمانی عن شریک: حدثنیه أبو الحسن المصباحی، حدثنا أبو القاسم علی بن أحمد بن واصل ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا یعقوب بن إسحاق من ولد عباد بن العوام ، حدثنا یحیی بن عبد الحمید ، عن شریک ، عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوکل الناجی: عن أبی سعید الخدری قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): (إذا کان یوم القیامة قال الله تعالی لمحمد وعلی: أدخلا الجنة من أحبکما ، وأدخلا النار من أبغضکما ، فیجلس علی علی شفیر جهنم فیقول لها: هذا لی وهذا لک ! وهو قوله: ألقیا فی جهنم کل کفار عنید ). ورواه بأسانید

ص: 225

أخر فیها الصحیح علی مبانیهم !!

قال المفید فی تصحیح اعتقادات الإمامیة ص108:(وقد جاء الخبر بأن الطریق یوم القیامة إلی الجنة کالجسر یمر به الناس ، وهو الصراط الذی یقف عن یمینه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعن شماله أمیر المؤمنین(علیه السّلام)ویأتیهما النداء من قبل الله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ ) . انتهی .

وفی طبقات ابن سعد:6/161: (عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: نادی رجل من أهل الشام یوم صفین فقال: أفیکم أویس القرنی؟ قالوا نعم ، قال إنی سمعت رسول الله (ص)یقول: إن(من)خیر التابعین أویساً القرنی ، ثم ضرب دابته فدخل فیهم). (ورواه أحمد:3/480 ، وقد رواه أبو نعیم فی الحلیة:2/86 وقال فی مجمع الزوائد:10/22 ، رواه أحمد وإسناده جید ورواه ابن سعد فی الطبقات: 6/163 واللالکائی فی کرامات الأولیاء 109، بطریقین ، وابن معین فی تاریخه ( روایة الدوری):1/324 واللواتی فی تحفة النظار:2/190 )

ورواه أبو نعیم فی الحلیة:2/221، وقال بعده: (ورواه جماعة عن شریک ، وقال ابن عمار الموصلی: ذکر عند المعافی بن عمران أن أویساً قتل فی الرجالة مع علی بصفین ، فقال معافی: ما حدث بهذا إلا الأعرج ! فقال له عبد ربه الواسطی: حدثنی به شریک ، عن یزید ، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی ! قال: فسکت ) !! انتهی .

وفی اختیار معرفة الرجال:1/315: (وروی الحسن بن الحسین القمی ، عن علی بن الحسن العرنی ، عن سعد بن طریف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال کنا مع علی(علیه السّلام)بصفین فبایعه تسعة وتسعون رجلاً ، ثم قال: أین المائة لقد عهد إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یبایعنی فی هذا الیوم مائة رجل . قال: إذْ جاء رجلٌ علیه قباء صوف متقلداً بسیفین فقال: أبسط یدک أبایعک ، قال علی(علیه السّلام): علی مَ تبایعنی؟ قال: علی بذل مهجة نفسی دونک ! قال: من أنت ؟ قال: أنا أویس القرنی . قال فبایعه فلم یزل یقاتل بین یدیه حتی قتل ، فوجد فی الرجالة ) .

وفی روایة أخری ، قال له أمیر المؤمنین(علیه السّلام): کن أویساً .قال: أنا أویس . قال کن قرنیاً ، قال: أنا أویس القرنی .

وإیاه یعنی دعبل بن علی الخزاعی فی قصیدته التی یفتخر فیها علی نزار ،

ص: 228

وینقض علی الکمیت بن زید ، قصیدته التی یقول فیها :

ألا حییت عنا یا مدینا

أویس ذو الشفاعة کان منا

فیوم البعث نحن الشافعونا

(راجع: خصائص الأئمة ص53، الخرائج والجرائح:1/200 والثاقب فی المناقب ص266 وجامع الرواة:1/110 ، ومدینة المعاجز:2/299 ، ومعجم رجال الحدیث:4/ 154) .

وفی فردوس الأخبار:3/64: (عن ابن عباس أن النبی (ص) قال: علی باب حطة ، من دخل منه کان مؤمناً ، ومن خرج منه کان کافراً ) .

عن أبی ذر أن النبی (ص) قال: (علی باب علمی ومبین لأمتی ما أرسلت به من بعدی ، حبه إیمانٌ وبغضه نفاق والنظر إلیه رأفة ومودته عبادة ).

وفی صحیح مسلم:1/60 ، تحت عنوان: باب حب علی من الایمان . عن زر بن حبیش قال قال علی: (والذی فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبی (ص) إلی أن لایحبنی إلا مؤمن ، ولا یبغضنی إلا منافق ).

(ورواه ابن ماجة:1/42 ، والنسائی فی سننه:8/115 و117 وفی خصائص علی: 1375 ، وأحمد فی مسنده:1/84 و95 و128 وفضائل الصحابة:2/ 264 ، وابن أبی شیبة فی المصنف: 12/ 56 ، وعبد الرزاق فی المصنف:11/ 55 ، وابن أبی عاصم فی السنة:5842 ، وابن حبان فی صحیحه:9/40،والخطیب فی تاریخ بغداد: 2 ص 255 و: 14 / 426 ، وابن عبد البر فی الاستیعاب: 3 / 37 ، وأبو نعیم فی الحلیة: 8/185 ، وابن حجر فی الإصابة:2/503 ، والحاکم فی المستدرک: 3 /139 ،والبیهقی فی سننه: 5/47 ، وابن حجر فی فتح الباری:7/57 ، ومسند أبی یعلی:1/237 )

وفی فتح الباری:7/72: (وفی کلام أمیر المؤمنین کرم الله وجهه یقول: لو ضربت خیشوم المؤمن بسیفی هذا علی أن یبغضنی ما أبغضنی ، ولو صببت الدنیا بجمانها علی المنافق علی أن یحبنی ما أحبنی! وذلک أنه قُضِیَ فانقضی علی لسان النبی الأمی (ص) أنه قال: یا علی لا یبغضک مؤمن ، ولا یحبک منافق ) .

وهو فی نهج البلاغة:2/154، شرح محمد عبده ، وقال ابن أبی الحدید فی شرحه2: 485: فی الخبر الصحیح المتفق علیه أنه لا یحبه إلا مؤمن ولا یبغضه إلا منافق ، وحسبک بهذا الخبر ، ففیه وحده کفایة .

وقال فی موضع آخر: قال شیخنا أبو القاسم البلخی: قد اتفقت الأخبار الصحیحة التی لاریب عند المحدثین فیها أن النبی(ص) قال له: (لایبغضک إلا

ص: 231

منافق ولا یحبک إلا مؤمن) . (البحار:39/294 )

من أصحابی ؟! فیجیبنی ملکٌ فیقول: وهل تدری ما أحدثوا بعدک ؟! ) .

وفی مسلم:7/70: (عن أبی هریره أن النبی(ص) قال: لأذودن عن حوضی رجالاً کما تذاد الغریبة من الإبل ).(ورواه أحمد:2/298، المسند الجامع تحقیق د. عواد:3/343 و:5/135 و18 /471 ، والبیهقی فی البعث والنشور ص125 ومجمع الزوائد:10/665)

وروی مسلم:2/369، وأحمد:5/390: (عن عمار بن یاسر قال: أخبرنی حذیفة عن النبی(ص) قال: فی أصحابی إثنا عشر منافقاً ، منهم ثمانیةٌ لا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط ) ! انتهی

وقال المفید فی الإفصاح ص50: (وقال(النبی) علیه السلام: أیها الناس بینا أنا علی الحوض إذ مُر بکم زمراً فتفرق بکم الطرق فأنادیکم: ألا هلموا إلی الطریق ، فینادینی مناد من ورائی: إنهم بدلوا بعدک ، فأقول: ألا سحقاً ، ألا سحقاً ) . (1) .

وقال علیه السلام: (ما بال أقوام یقولون إن رحم رسول الله لاتنفع یوم القیامة ! بلی والله إن رحمی لموصولةٌ فی الدنیا والآخرة ، وإنی أیها الناس فرطکم علی الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل منکم یارسول الله أنا فلانٌ بن فلان ، وقال الآخر: أنا فلانٌ بن فلان فأقول: أما النسب فقد عرفته ، ولکنکم أحدثتم بعدی فارتددتم القهقری) .(2) .

وقال(علیه السّلام)، وقد ذکر عنده الدجال: أنا لفتنة بعضکم أخوف منی لفتنة الدجال (3) .وقال علیه السلام: إن من أصحابی من لا یرانی بعد أن یفارقنی . (4) .

فی أحادیث من هذا الجنس یطول شرحها ، وأمرها فی الکتب عند أصحاب الحدیث أشهر من أن یحتاج فیه إلی برهان .

علی أن کتاب الله عز وجل شاهد بما ذکرناه ، ولو لم یأت حدیث فیه لکفی فی بیان ماوصفناه . قال الله سبحانه وتعالی: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شَیْئاً وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ) (سورة آل عمران: 144)

ص: 234

فأخبر تعالی عن ردتهم بعد نبیه((صلّی الله علیه و آله وسلّم ))علی القطع والثبات !

وجاء فی هامشه: (1) مسند أحمد: 6/ 297 ، ومسند أبی یعلی: 11/ 387 ) (2) مسند أحمد: 3: 18 و62 قطعة منه (3) کنز العمال: 14/ 322 / 28812 (4) مسند أحمد: 6/ 307 .

مناد من بطنان العرش أیها الناس ، وفی لفظ:یا أهل الجمع غضوا أبصارکم ونکسوا رؤوسکم حتی تجوز فاطمة بنت محمد إلی الجنة. وفی لفظ: حتی تمر علی الصراط ، فتمر وعلیها ریطتان خضراوان ). انتهی.

وتدل بعض الأحادیث علی أن هذا المشهد قبل أن یفرغ أهل المحشر من الحساب، ولذا تکون فاطمة أول شخص تدخل الجنة مقدمة لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

ففی کنز العمال:12/110: (أول شخص یدخل الجنة فاطمة بنت محمد، ومثلها فی هذه الأمة مثل مریم فی بنی إسرائیل). (أبو الحسن أحمد بن میمون فی کتاب فضائل علی، والرافعی عن بدل بن المحبر عن عبد السلام بن عجلان عن أبی یزید المدنی).

وفی میزان الإعتدال للذهبی:2/618: (عن عبد السلام بن عجلان عن أبی یزید المدنی، عن أبی هریرة قال رسول الله: أول شخص یدخل الجنة فاطمة. أخرجه أبو صالح المؤذن فی مناقب فاطمة). انتهی. (اللمعة البیضاءص55: عن مقتل الحسین للخوارزمی:56، والفردوس:1/38ح81 ، ونظم درر السمطین:ص180 ، والخصائص الکبری للسیوطی:2/225 ، ومسند فاطمة الزهراء: ص52 ح114 ، ومناقب ابن شهر آشوب ).

وفی أمالی الصدوق ص69: (حدثنا محمد بن إبراهیم ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن جریر الطبری قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الواحد الخزاز قال: حدثنی إسماعیل بن علی السندی، عن منیع بن الحجاج ، عن عیسی بن موسی ، عن جعفر الأحمر ، عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاری یقول: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا کان یوم القیامة تقبل ابنتی فاطمة علی ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبین ، خطامها من لؤلؤ رطب ، قوائمها من الزمرد الأخضر ، ذنبها من المسک الأذفر ، عیناها یاقوتتان حمراوان ، علیها قبة من نور یری ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله ، علی

ص: 237

رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون رکناً ، کل رکن مرصع بالدر والیاقوت ، یضئ کما یضئ الکوکب الدری فی أفق السماء ، وعن یمینها سبعون ألف ملک ، وعن شمالها سبعون ألف ملک ، وجبرئیل آخذ بخطام الناقة ینادی بأعلی صوته: غضوا أبصارکم حتی تجوز فاطمة بنت محمد....). انتهی.

ص: 240

واتهموا علیه آراءکم ، واستغشوا فیه أهواءکم .

العمل العمل ، ثم النهایة النهایة . والإستقامة الإستقامة ، ثم الصبر الصبر ، والورع الورع . إن لکم نهایة فانتهوا إلی نهایتکم ، وإن لکم علماً فاهتدوا بعلمکم . وإن للإسلام غایة فانتهوا إلی غایتکم . واخرجوا إلی الله بما افترض علیکم من حقه ، وبین لکم من وظائفه . أنا شاهد لکم ، وحجیج یوم القیامة عنکم ) .

وفی نفس الوقت اخترع عمر الأحرف السبعة ووسَّع القراءات فتفاوتت قراءات الناس فاختلفوا فی المساجد وعند الکتاتیب ، ثم تفاقمت مشکلة الفراغ القرآنی فی خلافة عثمان وکادت تقع معرکة بین المسلمین المشارکین فی فتح أرمینیة ، فجاء حذیفة من أرمینیة وأصر هو والصحابة علی عثمان حتی اعتمد نسخة القرآن الفعلیة ! وقد فصلنا ذلک فی کتاب تدوین القرآن .

تأخذه وتأخذ تفسیره من العترة .

- کما رویتم بأحادیث صحیحة أن بعض الصحابة وأولهم علی(علیه السّلام)جمعوا القرآن فی عهد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأن علی . جملة ناقصة ؟

- ثم نقضتم ذلک فرویتم بأحادیث صحیحة أیضاً أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمر المسلمین أن یأخذوا القرآن من أربعة: ابن مسعود ، وأبی بن کعب ، وسالم ومعاذ . فلا من العترة أخذتم ، ولا من هؤلاء الأربعة ؟!

- ثم نقضتم ذلک فرویتم أن القرآن لم یکن مجموعاً ، وأن أبا بکر وعمر جمعاه من السعف واللخم ، والقحوف ، وصدور الرجال .. الخ !

- ثم نقضتم ذلک بأن القرآن لم یکن مجموعاً فی عهد أبی بکر ولا عمر ، حتی جمعه عثمان فی أواخر خلافته ، وهو هذا القرآن !

- ثم نقضتم ذلک فقلتم إن أبا بکر شکل لجنة لجمع القرآن من ثلاثة أشخاص: أبی بکر وعمر وزید بن ثابت ، وأن هذه اللجنة عملت طوال خلافة أبی بکر وخلافة عمر ، بضع عشرة سنة ولم یظهر منها نتیجة !

- ثم نقضتم ذلک فقلتم إن اللجنة العتیدة کانت تجمع القرآن وتضعه أمانة عند حفصة ، وأن قرآن عثمان کتب من صحف حفصة !

- ثم نقضتم ذلک أیضاً فرویتم أن حفصة لم تعط الصحف لعثمان وبقی مصراً علی أخذها ، وبقیت مصرة علی منعه حتی ماتت ، وبعد دفنها رجع مروان مع أخیها عبد الله بن عمر إلی بیتها وأخذ تلک الصحف وأحرقها !

3- ألا تدل هذ التناقضات علی أن مسألة جمع القرآن کانت مسألة سیاسیة ولو کانت مسألة فنیة لانحلت فی شهر وأقل؟! وما هی إلا أن عمر یرید أن

ص: 245

یدخل فی القرآن آراءه وقراءاته التی ستعرفونها ؟!

ص: 246

ص: 248

أبعثهم فی الأمم کما بعث عیسی بن مریم الحواریین فی بنی إسرائیل ) !

لقد وعد عمر المسلمین بأنه سیجمع القرآن علی اجتهاده ، وشکل لجنة لجمعه فی عهد أبی بکر مؤلفة من أبی بکر وعمر وزید بن ثابت ! وعملت اللجنة العتیدة طوال خلافة أبی بکر وطوال خلافة عمر ، وکانت نتیجة عملها صحف عمر التی کانت مودعة عند حفصة ! والتی رفضت حفصة أن تعطیها لعثمان حتی أخذها مروان یوم وفاتها وأحرقها !!

قال عمر بن شبة فی تاریخ المدینة:3/1003: (عن ابن شهاب قال حدثنی أنس قال: لما کان مروان أمیر المدینة أرسل إلی حفصة یسألها عن المصاحف لیمزقها وخشی أن یخالف الکتاب بعضه بعضاً فمنعتها إیاه.... قال الزهری: فحدثنی سالم قال: لما توفیت حفصة أرسل مروان إلی ابن عمر بعزیمة لیرسلن بها ، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر فشققها ومزقها مخافة أن یکون فی شئ من ذلک خلاف لما نسخ عثمان ! ) . (ونحوه فی مجمع الزوائد:7/156، وقال: رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح ) .

وبذلک نعرف أن مصحف عمر الذی جمعه لینشره ویلزم المسلمین به ، کان فیه تحریفات لم یتحملها جماعة عثمان لأنها تخالف المصحف الذی جمعه خلیفتهم عثمان !

ولا بد أن یکون فی مصحف عمر کل ما روی عن عمر من قراءات شاذة کان یقرأ بها ، وفیه سورتا الحفد والخلع اللتان کان یقرؤهما فی صلاته ، والکثیر الکثیر من اجتهادات عمر التی أراح الله المسلمین منها !!

ص: 251

علیک أن تقبلها حتی ولو لم تفهمها ولم یفهمها أبوک وعلماؤک !

وقد یسکت ابنک ، لکن یبقی السؤال یجول فی نفسه ویقول:

هل یمکن أن یتکلم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بغیر المعقول ؟!

ألا یمکن أن یکون عمر مشتبهاً ؟

لقد تحیر کبار علماء السنة ومفسروهم وما زالوا متحیرین إلی یومنا هذا فی نظریة عمر(الأحرف السبعة)! فلا هم یستطیعون أن یردوها لأنها بتصورهم حدیث نبوی رواه عمر ! ولا هم یستطیعون أن یقنعوا بها أحداً ، أو یقتنعوا هم بها !! وسیظلون متحیرین إلی آخر الدهر ، لسبب بسیط هو أنهم یبحثون عن معنی معقول لمقولة لیس لها معنی معقول !!

من کبار العلماء المتحیرین الإمام ابن جزی المشهود له فی التفسیر وعلوم القرآن، فقد نقل فی تاریخ القرآن ص87 قوله: (ولا زلت أستشکل هذا الحدیث - أی حدیث نزول القرآن علی سبعة أحرف - وأفکر فیه وأمعن النظر من نحو نیف وثلاثین سنة حتی فتح الله علیَّ بما یمکن أن یکون صواباً إن شاء الله تعالی ، وذلک أنی تتبعت القراءات صحیحها وضعیفها وشاذها فإذا هی یرجع اختلافها إلی سبعة أوجه )!! انتهی .

وأنت تری أن ابن جزی بعد تفکیر أکثر من ثلاثین سنة غیر مطمئن إلی ما توصل إلیه ، وإن سماه فتحاً علمیاً ! ولذا عبر عنه بأنه ( یمکن أن یکون صواباً ) ومن حقه أن یشک فی هذا الفتح ، لأن معناه أن نسخة القرآن نزلت من عند الله تعالی مفصلة علی حسب قراءات سوف یولد أصحابها ! وسوف تکون اختلافاتهم فی سبعة وجوه لا أکثر !!

فکیف تعقَّل هذا العالم أن نسخة القرآن نزل بها جبرئیل مفتوحة لاجتهادات

ص: 254

القراء الذین سوف یأتون ! ثم اعتبر ذلک فتحاً علمیاً ؟!

بالله علیک هل تتعقل أن مؤلفاً یؤلف کتاباً بسبعة نصوص سوف تظهر علی ید أشخاص بعد نشره ؟!!

قال السیوطی فی الإتقان فی علوم القرآن:1/172: (وقال ابن حجر: ذکر القرطبی عن ابن حبان أنه بلغ الإختلاف فی الأحرف السبعة إلی خمسة وثلاثین قولاً، ولم یذکر القرطبی منها سوی خمسة ، ولم أقف علی کلام ابن حبان فی هذا، بعد تتبعی مظانه .

قلت: قد حکاه ابن النقیب فی مقدمة تفسیره عنه بواسطة الشرف المزنی المرسی . فقال: قال ابن حبان اختلف أهل العلم فی معنی الأحرف السبعة علی خمسة وثلاثین قولاً ) .

وقال السیوطی فی ص176: (قال ابن حبان: فهذه خمسة وثلاثون قولاً لأهل العلم واللغة فی معنی إنزال القرآن علی سبعة أحرف ، وهی أقاویل یشبه بعضها بعضاً وکلها محتملة ویحتمل غیرها ). انتهی.

وهو اعتراف من ابن حبان بأن جمیع هذه الأقوال لاتزید عن کونها احتمالات استنسابیة غیر مقنعة !

ثم نقل السیوطی تصریحاً مشابهاً لأحد علمائهم فقال: (وقال المرسی: هذه الوجوه أکثرها متداخلة ، ولا أدری مستندها ، ولا عمن نقلت ، ولا أدری لم خص کل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذکر ، مع أن کلها موجودة فی القرآن فلا أدری معنی التخصیص ! وفیها أشیاء لا أفهم معناها علی الحقیقة ، وأکثرها یعارضه حدیث عمر مع هشام بن حکیم الذی فی الصحیح ، فإنهما لم

ص: 255

یختلفا فی تفسیره ولا أحکامه ، إنما اختلفا فی قراءة حروفه . وقد ظن کثیر من العوام أن المراد بها القراءات السبع ، وهو جهل قبیح ) انتهی .

هذه نماذج من أقوال أکبر علمائهم! وهی کافیة للتدلیل علی أن النظریة برأیهم غیر قابلة للفهم والتعقل.. فهل یجوز نسبتها والحال هذه إلی الله تعالی وإلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

وجل کما أنزله الله علی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد جمعته من اللوحین فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فیه القرآن لا حاجة لنا فیه فقال أما والله ما ترونه بعد یومکم هذا أبداً، إنما کان علی أن أخبرکم حین جمعته لتقرؤوه ) ! انتهی.

من ذلک الیوم ولدت أرضیة التفاوت فی النص القرآنی، فالناس یقرؤون ولا یستطیع الخلیفة أن یصحح لهم کما کان الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

وما لبث التفاوت فی قراءاتهم ، أن انتشر ، الفاصلة هنا ؟ثم تحول إلی اختلاف بین القراء فی هذه الکلمة وتلک ، وهذه الآیة وتلک ، فهذا یقرأ فی صلاته أو یعلم المسلمین بنحو ، وذاک بنحو آخر ! وهذا یؤکد صحة قراءته وخطأ القراءة

المخالفة، وذاک بعکسه.. وهذا یتعصب لهذه القراءة وقارئها ، وهذا لذاک.. إلی آخر المشکلة الکبیرة التی تهم کیان الدولة الإسلامیة وتمس قرآنها المنزل !!

هنا کان لابد أن تتدخل الدولة لحل المشکلة ، وکان الواجب علی عمر أن یختار نسخة من القرآن ویعتمدها من علی(علیه السّلام)أو من غیره کما فعل عثمان ، ولکنه لم یرد اعتماد نسخة معینة فاختار حل المشکلة بالتسامح فی نص القرآن ! وأفتی بصحة جمیع القراءات المختلف علیها ! واستند بذلک إلی حدیث ادعاه علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یدعه غیره بأن فی القرآن سعة ، وأنه نزل علی سبعة أحرف !!

روی النسائی:2/150:( عن ابن مخرمة أن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حکیم بن حزام(من الطلقاء)یقرأ سورة الفرقان فقرأ فیها حروفاً لم یکن نبی الله(ص) أقرأنیها ! قلت من أقرأک هذه السورة؟! قال رسول الله (ص) . قلت کذبت ، ما هکذا أقرأک رسول الله(ص)! فأخذت بیده أقوده إلی رسول الله (ص)وقلت: یا رسول الله إنک أقرأتنی سورة الفرقان وإنی سمعت هذا یقرأ فیها

ص: 257

حروفاً لم تکن أقرأتنیها ! فقال رسول الله (ص): إقرأ یا هشام فقرأ کما کان یقرأ ، فقال رسول الله (ص): هکذا أنزلت! ثم قال إقرأ یا عمر فقرأت ، فقال: هکذا أنزلت !! ثم قال رسول الله (ص): إن القرآن أنزل علی سبعة أحرف ! )! . (ورواه البخاری:6/100و:6/110و:3/90و:8/215،ومسلم:2/201بروایتین، وأبوداود:1/331، والترمذی:4/263، والبیهقی:2

/383 ، وأحمد:1/24و39 و45 و264)

وکلام عمر صریح فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: نزلت من عند الله هکذا وهکذا ! أی بنحوین مختلفین بل بسبعة أشکال ! تعالی الله عن ذلک !

وستعرف أن عمر قام بتحریف حدیث نبوی فی أن القرآن نزل علی سبعة أقسام من المعانی ، ولا علاقة له بألفاظ القرآن وحروفه !

فالنظریة إذن ، ولدت علی ید عمر عندما واجه مشکلة لایعرفها ، ولم یعالجها بنسخة القرآن ، بل روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حدیث الأحرف السبعة لیثبت مشروعیة التسامح والتفاوت فی قراءة النص القرآنی !

ولکنه بذلک سکَّن المشکلة تسکیناً آنیاً ، ثم حیَّر أتباعه من علماء الأمة أربعة عشر قرناً فی تصور معنی معقول لنظریته العتیدة وحدیثه الغریب المزعوم عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

فقد کانت هذه التوسعة المزعومة خاصة به دون غیره !!

ثانیاً: أن عثمان نقضها وأوجب أن یقرأ القرآن بالحرف الذی کتب علیه مصحفه ! فأین صارت السبعة أحرف التی قلتم إن حدیثها صحیح متواتر ؟!

لقد صار معناها أن القرآن نزل من عند الله تعالی علی سبعة أحرف ، ثم صار فی زمن عثمان إلی حرف واحد!! فیکون حدیث عمر مفصلاً لمشکلة اضطراب القراءة فی زمنه فقط ! فهل رأیتم حدیثاً نبویاً لادور له إلی یوم القیامة إلا أداء وظیفة خاصة وهی تسکین مشکلة اختلاف القراءات آنیاً ؟!

ثالثاً: إن التوسعة علی الناس والتسامح فی نص القرآن مسألة کبیرة وخطیرة! فکیف لم تکن معروفة فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعامة الصحابة والمسلمین ، ثم عرفت علی ید عمر عندما وجدت مشکلة تفاوت القراءات؟!

وأکبر دلیل علی أنها لم تکن موجودة وأن الذی اخترعها عمر ، أن المسلمین کانت عندهم حساسیة من أدنی تغییر فی ألفاظ القرآن ، وکان هذا سبب اختلافهم فی القراءة ، فلو أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أجاز لهم التوسع فی ألفاظه وتبدیلها کما زعم عمر ، لما اختلفوا !

بل رووا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یؤکد علی الدقة والحساسیة حتی فی الأدعیة التی یعلمهم إیاها! ففی البخاری:1/67: ( عن البراء بن عازب قال: قال لی النبی (ص): إذا أتیت مضجعک فتوضأ وضوءک للصلاة ثم

اضطجع علی شقک الأیمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهی الیک وفوضت أمری الیک وألجأت ظهری الیک ، رغبة ورهبة إلیک ، لاملجأ ولا منجا منک إلا الیک . اللهم آمنت بکتابک الذی أنزلت ونبیک الذی أرسلت.

ص: 259

فإن مت من لیلتک فأنت علی الفطرة ، واجعلهن آخر ما تتکلم به .

قال: فرددتها علی النبی (ص) ، فلما بلغت اللهم آمنت بکتابک الذی أنزلت قلت: ورسولک ، قال: لا ، ونبیک الذی أرسلت) ! انتهی.

فما دام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لایقبل تغییر لفظة النبی بالرسول ، فکیف یرضی بتغییر ألفاظ القرآن الموحاة من رب العالمین ؟!

رابعاً: إذا صحت نظریة عمر فی الأحرف السبعة ، وأن الله تعالی قد وسع علی المسلمین فی قراءة نص کتابه ، فلماذا حَرَمَ الله نبیه من هذه النعمة وحرم علیه تبدیل شئ منه فقال تعالی: (وَإِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا بَیِّنَاتٍ قَالَ الَّذِینَ لایَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا یُوحَی إِلَیَّ إِنِّی أَخَافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ)(سورة یونس: 15)، وألزمه بحفظه حرفیاً بدقة عالیة وکان ینزل علیه جبرئیل کل عام مرة لیضبط علیه نص القرآن، وفی سنة وفاته ضبطه علیه مرتین لیتأکد من دقة تبلیغه له؟!

وهل یقبل العقل من رئیس عادی أن یصدر قانوناً ویتشدد مع وزیره فی ضبط نصه وطباعته ، وبعد نشره للتطبیق یجیز

للناس أن یقرؤوه بعدة نصوص ، ولو بتغییر ألفاظه ؟!!

خامساً: هشام بن حکیم بن حزام الذی قال عمر إن القصة حدثت معه ، هو أحد الطلقاء الذین أسلموا تحت السیف فی فتح مکة ، أی فی السنة الثامنة للهجرة ، ولا بد أن یکون اختلاف عمر معه فی القراءة بعد أن جاء هشام إلی المدینة مع ألوف الطلقاء الذین أرسلتهم قریش لیکونوا لها ثقلاً فی المدینة !

فزمن القصة نحو السنة الأخیرة من حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومعناها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان

ص: 260

إلی ذلک الوقت یقرأ نص القرآن بصیغة واحدة وحرف واحد ولم یقل لجبرئیل شیئاً ، إلی أن جاءه جبرئیل فی أواخر حیاته وقال له کما زعموا: (إن الله عز وجل یأمرک أن تقرئ أمتک القرآن علی حرف ، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتی لا تطیق ذلک! ) فصعد جبرئیل ثم نزل وزاده حرفاً فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):(أمتی لاتطیق ذلک) وظل یساومه ویستزیده وجبریل یصعد وینزل، حتی وصل معه إلی سبعة أحرف ! (النسائی:2/150 ، وغیره من مصادرهم !!) فهل تجدون هذا النوع من تعامل الأنبیاء(علیهم السّلام) مع ربهم تعالی ، إلا فی روایات الیهود ؟!

مسعود... إلخ . وعن البیهقی فی شعب الإیمان عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه وغرائبه فرائضه وحدوده ، فإن القرآن نزل علی خمسة أوجه حلال وحرام ومحکم ومتشابه وأمثال ، فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحکم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال ). انتهی .

وقال السیوطی فی الإتقان ص170 وهو یعدد الأربعین وجهاً فی تفسیر کلام عمر: ( الحادی عشر: أن المراد سبعة أصناف ، والأحادیث السابقة ترده ، والقائلون به اختلفوا فی تعیین السبعة فقیل: أمر ونهی وحلال وحرام ومحکم ومتشابه وأمثال ، واحتجوا بما أخرجه الحاکم والبیهقی عن ابن مسعود عن النبی (ص) قال: (کان الکتاب الأول ینزل من باب واحد علی حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب علی سبعة أحرف: زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحکم ، ومتشابه ، وأمثال..الخ.). انتهی .

وقصده بالأحادیث السابقة التی ترد هذا الوجه: أحادیث عمر التی تنص علی أن السبعة أحرف تقصد ألفاظ القرآن لامعانیه ! وبهذا یکون السیوطی وقف إلی صف الذین أقفلوا باب الحل المعقول لورطة الأحرف السبعة !

وقال فی ص172: ( السادس عشر: إن المراد بها سبعة علوم: علم الإنشاد والإیجاد ، وعلم التوحید والتنزیه ، وعلم صفات الذات، وعلم صفات الفعل ، وعلم العفو والعذاب ، وعلم الحشر والحساب ، وعلم النبوات ). انتهی .

ولا بد أن السیوطی یرد هذا الوجه أیضاً ، لأن حدیث عمر یقول إن المقصود بالسبعة الألفاظ لا المعانی !

وقال الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/152: (وعن عبد الله یعنی ابن مسعود أن النبی (ص) قال: أنزل القرآن علی سبعة أحرف لکل آیة منها ظهر وبطن... الخ. رواه البزار وأبو یعلی فی الکبیر وفی روایة عنده لکل حرف منها بطن وظهر،

ص: 262

والطبرانی فی الأوسط باختصار آخره ، ورجال أحدهما ثقات . وروایة البزار عنه محمد بن عجلان عن أبی إسحاق ، قال فی آخرها: لم یرو محمد بن عجلان عن إبراهیم الهجری غیر هذا الحدیث ، قلت: ومحمد بن عجلان إنما روی عن أبی إسحاق السبیعی ، فإن کان هو

أبو إسحاق السبیعی فرجال البزار أیضاً ثقات ) .انتهی.

حرام إلی یوم القیامة ، فیه شرعکم وخبر من قبلکم وبعدکم ، وجعله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علماً باقیاً فی أوصیائه ، فترکهم الناس وهم الشهداء علی أهل کل زمان ، فعدلوا عنهم ثم قتلوهم واتبعوا غیرهم... ضربوا بعض القرآن ببعض ، واحتجوا بالمنسوخ ، وهم یظنون أنه الناسخ ، واحتجوا بالمتشابه وهم یرون أنه المحکم ، واحتجوا بالخاص وهم یقدرون أنه العام ، واحتجوا بأول الآیة وترکوا السبب فی تأویلها ، ولم ینظروا إلی ما یفتح الکلام وإلی ما یختمه ، ولم یعرفوا موارده ومصادره ، إذ لم یأخذوه عن أهله... ولقد سأل أمیر المؤمنین صلوات الله علیه شیعتُه عن مثل هذا فقال: إن الله تبارک وتعالی أنزل القرآن علی سبعة أقسام کل منها شاف کاف، وهی: أمر، وزجر وترغیب، وترهیب ، وجدل ، ومثل ، وقصص . وفی القرآن ناسخ ومنسوخ ، ومحکم ومتشابه ، وخاص وعام ، ومقدم ومؤخر ، وعزائم ورخص ، وحلال وحرام ، وفرائض وأحکام ، ومنقطع ومعطوف ، ومنقطع غیر معطوف ، وحرف مکان حرف، ومنه ما لفظه خاص ، ومنه ما لفظه عام محتمل العموم، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع ، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد ، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل ، ومنه ما لفظه علی الخبر ومعناه حکایة عن قوم أخر ، ومنه ما هو باق محرف عن جهته ، ومنه ما هو علی خلاف تنزیله ، ومنه ما تأویله فی تنزیله ، ومنه ما تأویله قبل تنزیله ، ومنه ما تأویله بعد تنزیله . ومنه آیات بعضها فی سورة وتمامها فی سورة أخری ، ومنه آیات نصفها منسوخ ونصفها متروک علی حاله، ومنه آیات مختلفة اللفظ متفقة المعنی، ومنه آیات متفقه اللفظ مختلفة المعنی ، ومنه آیات فیها رخصة وإطلاق بعد العزیمة... الخ ) .

وینبغی الإلتفات إلی أنه(علیه السّلام)استعمل کلمة (أقسام) وترک استعمال کلمة

ص: 264

(أحرف أو حروف) حتی لایحرفها أحد بألفاظ القرآن کما حرفوا السبعة أحرف فی الحدیث المروی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

قال المحقق البحرانی فی الحدائق الناضرة:8/99: ( ثم اعلم أن العامة قد رووا فی أخبارهم أن القرآن قد نزل علی سبعة أحرف کلها شاف واف ، وادعوا تواتر ذلک عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، واختلفوا فی معناه إلی ما یبلغ أربعین قولاً ، أشهرها الحمل علی القراءات السبع. وقد روی الصدوق(قدسّ سرّه)فی کتاب الخصال بإسناده إلیهم(علیهم السّلام) قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أتانی آت من الله عز وجل یقول إن الله یأمرک أن تقرأ القرآن علی حرف واحد، فقلت یا رب وسع علی أمتی ، فقال: إن الله یأمرک أن تقرأ القرآن علی سبعة أحرف.

وفی هذا الحدیث ما یوافق أخبار العامة المذکورة ، مع أنه(علیه السّلام)قد نفی ذلک فی الأحادیث المتقدمة وکذبهم فی ما زعموه من التعدد ، فهذا الخبر بظاهره مناف لما دلت علیه تلک الأخبار والحمل علی التقیة أقرب فیه ). انتهی .

وقال المحقق الهمدانی فی مصباح الفقیه:2/274: (والحق أنه لم یتحقق أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ شیئاً من القرآن بکیفیات مختلفة ، بل ثبت خلافه فیما کان الإختلاف فی المادة أو الصورة النوعیة التی یؤثر تغییرها فی انقلاب ماهیة الکلام عرفاً ، کما فی ضم التاء من أنعمت ، ضرورة أن القرآن واحد نزل من عند الواحد کما نطقت به الأخبار المعتبرة المرویة عن أهل بیت الوحی والتنزیل ، مثل ما رواه ثقة الإسلام الکلینی بإسناده عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: إن القرآن واحد من عند الواحد ولکن الإختلاف یجئ من قبل الرواة ! وعن الفضیل بن یسار فی الصحیح قال قلت لأبی عبد الله(علیه السّلام): إن الناس یقولون نزل القرآن علی سبعة أحرف ،

ص: 265

فقال کذبوا أعداء الله ولکنه نزل علی حرف واحد من عند الواحد . ولعل المراد بتکذیبهم تکذیبهم بالنظر إلی ماأرادوه من هذا القول مما یوجب تعدد القرآن ، وإلا فالظاهر کون هذه العبارة صادرة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل قد یدعی تواتره ، ولکنهم حرفوها عن موضعها وفسروها بآرائهم ، مع أن فی بعض روایاتهم إشارة إلی أن المراد بالأحرف أقسامه ومقاصده ، فإنهم علی ما حکی عنهم رووا عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: نزل القرآن علی سبعة أحرف: أمر وزجر وترغیب وترهیب وجدل وقصص ومثل . ویؤیده ما روی من طرقنا عن أمیر المؤمنین (علیه السّلام)أنه قال: إن الله تبارک وتعالی أنزل القرآن علی سبعة أقسام کل قسم منها کاف شاف ، وهی أمر وزجر وترغیب وترهیب وجدل ومثل وقصص ..... فظهر مما ذکرنا أن الإستشهاد بالخبر المزبور لصحة القراءات السبع وتواترها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی غیر محله. وکفاک شاهداً لذلک ما قیل من أنه نقل اختلافهم فی معناه إلی ما یقرب من أربعین قولاً ! ) .

وقال السید الخوئی فی مستند العروة:14/474: (هذا ، وحیث قد جرت القراءة الخارجیة علی طبق هذه القراءات السبع لکونها معروفة مشهورة ، ظن بعض الجهلاء أنها المعنی بقوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی ما روی عنه ، إن القرآن نزل علی سبعة أحرف ، وهذا کما تری غلط فاحش ، فإن أصل الروایة لم تثبت ، وإنما رویت من طریق العامة ، بل هی منحولة مجعولة کما نص الصادق(علیه السّلام)علی تکذیبها بقوله: کذبوا أعداء الله ! نزل علی حرف واحد ). انتهی .

وقال السید الخوئی فی البیان ص180: بعد إیراد روایات السبعة أحرف: (وعلی هذا فلا بد من طرح الروایات ، لأن الإلتزام بمفادها غیر ممکن . والدلیل علی

ص: 266

ذلک :

أولاً: أن هذا إنما یتم فی بعض معانی القرآن ، التی یمکن أن یعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة ....

ثانیاً: إن کان المراد من هذا الوجه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد جوز تبدیل کلمات القرآن الموجودة بکلمات أخری تقاربها فی المعنی ، ویشهد لهذا بعض الروایات المتقدمة ، فهذا الإحتمال یوجب هدم أساس القرآن ، المعجزة الأبدیة ، والحجة علی جمیع البشر... وقد قال الله تعالی: قُلْ مَا یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلا

مَا یُوحَی إِلَیَّ...(سورة یونس:15) وإذا لم یکن للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یبدل القرآن من تلقاء نفسه ، فکیف یجوز ذلک لغیره؟! وإن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علم البراء بن عازب دعاء کان فیه (ونبیک الذی أرسلت) فقرأ براء: (ورسولک الذی أرسلت ) ، فأمره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن لایضع الرسول موضع النبی! فإذا کان هذا فی الدعاء فماذا یکون الشأن فی القرآن ؟ ...

ثالثاً: أنه صرحت الروایات المتقدمة بأن الحکمة فی نزول القرآن علی سبعة أحرف هی التوسعة علی الأمة ، لأنهم لا یستطیعون القراءة علی حرف واحد ، وأن هذا هو الذی دعا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الإستزادة إلی سبعة أحرف . وقد رأینا أن اختلاف القراءات أوجب أن یکفر بعض المسلمین بعضاً حتی حصر عثمان القراءة بحرف واحد وأمر بإحراق بقیة المصاحف .

ویستنتج من ذلک ... أن الإختلاف فی القراءة کان نقمةً علی الأمة وقد ظهر ذلک فی عصر عثمان (ظهرت نقمته) ، فکیف یصح أن یطلب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الله ما فیه فساد الأمة؟! وکیف یصح علی الله أن یجیبه إلی ذلک؟!

وقد ورد فی کثیر من الروایات النهی عن الإختلاف ، وأن فیه هلاک الأمة ،

ص: 267

وفی بعضها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تغیر وجهه واحمر حین ذکر له الإختلاف فی القراءة ... وحاصل ما قدمناه: أن نزول القرآن علی سبعة أحرف لایرجع إلی معنی صحیح ، فلا بد من طرح الروایات الدالة علیه ، ولاسیما بعد أن دلت أحادیث الصادقین(علیهم السّلام) علی تکذیبها وأن القرآن إنما نزل علی حرف واحد ، وأن الاختلاف همزةقد جاء من قبل الرواة ) . انتهی.

کلماته وجمله بأخری ولو بمعناهاکما زعم عمر ؟!

إن له أهیل سوء... الخ ! (الصحیح من السیرة :2/153 ، عن العقد الفرید:4/413 ط دار الکتاب العربی ، وأنساب الأشراف:4/28 ، وغیرهما ) .

یقول ابن الزبیر کما یروی عنه عمر بن شبة فی تاریخ المدینة:3/990:

(حدثنا الحسن بن عثمان قال: حدثنا الربیع بن بدر ، عن سوار بن شبیب قال: دخلت علی ابن الزبیر فی نفر ، فسألته عن عثمان لم شقق المصاحف ولم حمی الحمی؟ فقال قوموا فإنکم حروریة ، قلنا: لا والله ما نحن حروریة. قال: قام إلی أمیر المؤمنین عمر رجل فیه کذب وولع!! فقال: یا أمیر المؤمنین إن الناس قد اختلفوا فی القراءة ، فکان عمر قد هم أن یجمع المصاحف فیجعلها علی قراءة واحدة، فطعن طعنته التی مات فیها ، فلما کان فی خلافة عثمان ، قام ذلک الرجل فذکر له ، فجمع عثمان المصاحف ، ثم بعثنی إلی عائشة فجئت بالصحف التی کتب فیها رسول الله القرآن ، فعرضناها علیها حتی قومناها ، ثم أمر بسائرها فشققت ) . انتهی .

فقد اعترض سوار ورفقاؤه القراء علی عثمان لأنه وحَّد نسخة القرآن ومزق الباقی ! وقد تعودوا هم علی الإختلاف وتعلموا من عمر أن القرآن نزل علی سبعة نسخ کلها صحیحة !

ودافع ابن الزبیر عن عثمان بأنه لم یخالف عمر ، فقد کان عمر ینوی توحید نسخة القرآن ، والتنازل عن الأحرف السبعة !

وقال لهم ابن الزبیر إن السبب فی نیة عمر تلک ، أنه یوجد (رجل فیه کذب وولع) کان یصر علیه بهذا العمل ، ثم (قام ذلک الرجل) وأخذ یصر علی عثمان ، فجمع القرآن من مصحف خالتی عائشة !

فهذا الرجل الکبیر الحکیم الذی کان السبب فی توحید نسخة القرآن هو الذی

ص: 270

یکرهه عبدالله بن الزبیر ویصفه بأنه (فیه ولع وکذب) وهو الذی واصل مسعاه مع عثمان حتی نجح فی هدفه !

فمن هو هذا الشخص الحکیم الحریص علی قرآن المسلمین؟!

إنه علی(علیه السّلام)الذی قلما تتحدث روایات السلطة عن دوره ، لکنها تحدثت عن دور حذیفة فی جمع القرآن ، وهو الشیعی المطیع لإمامه !

ثم أضاف ابن شبة: ( عن ابن شهاب قال: حدثنی أنس بن مالک أنه اجتمع لغزوة أرمینیة وأذربیجان أهل الشام وأهل العراق، فتذاکروا القرآن فاختلفوا فیه حتی کاد یکون بینهم فتنة ، فرکب حذیفة بن الیمان إلی عثمان لما رأی من اختلافهم فی القرآن فقال: إن الناس قد اختلفوا فی القرآن حتی والله إنی لأخشی أن یصیبهم ما أصاب الیهود والنصاری من الإختلاف ، ففزع لذلک عثمان فزعاً شدیداً ، فأرسل إلی حفصة فاستخرج المصاحف التی کان أبو بکر أمر بجمعها زیداً ، فنسخ منها مصاحف بعث بها إلی الآفاق .

عن ابن شهاب الزهری، عن خارجة بن زید ، عن زید بن ثابت أن حذیفة بن الیمان قدم من غزوة غزاها بفرج أرمینیة فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق یقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود ویأتون بما لم یسمع أهل الشام ، ویقرأ أهل الشام بقراءة أبی بن کعب ویأتون بما لم یسمع أهل العراق ، فیکفرهم أهل العراق ! قال: فأمرنی عثمان أن أکتب له مصحفاً فکتبته فلما فرغت منه عرضه .

حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثنی عمرو بن الحارث أن بکیراً حدث: أن ناساً کانوا بالعراق یسأل أحدهم عن الآیة فإذا قرأها قال فإنی أکفر بهذه ! ففشا ذلک فی الناس واختلفوا فی القراءة ، فکلم عثمان بن عفان فی ذلک ، فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ، وکتب مصاحف ثم بثها فی الأجناد). انتهی.

فالسبب الأساسی الذی حرک عثمان لمعالجة فتنة الأحرف السبعة العمریة هو علی(علیه السّلام)، فقد أصر هو وحذیفة علی عثمان وجعله یصدر مرسوماً خلافیاً بذلک ، ویبدو أن خطبة عثمان التالیة کانت بعد مجئ حذیفة قائد الجبهة الشرقیة للفتوحات ومعه عدد من القادة العسکریین یحذرون من المشکلة .

ص: 272

قال فی کنز العمال:2/582: (عن أبی قلابة قال: لما کان فی خلافة عثمان جعل المعلم یعلم قراءة الرجل ، والمعلم یعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان یتلقون فیختلفون حتی ارتفع ذلک إلی المعلمین ، حتی کفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلک عثمان فقام خطیباً فقال: أنتم عندی تختلفون

وتلحنون ، فمن نأی عنی من الأمصار أشد اختلافاً وأشد لحناً ! فاجتمعوا یا أصحاب محمد فاکتبوا للناس إماماً ) انتهی .

أما ما رواه أحمد عن فزع أهل الکوفة إلی ابن مسعود وتسکیته لهم ، فهو یعبر عن سیاسة عمر ، ولعل القضیة کانت فی عهد عمر !

قال أحمد:1/445: (عن عثمان بن حسان ، عن فلفلة الجعفی قال: فزعت فیمن فزع إلی عبد الله فی المصاحف فدخلنا علیه فقال رجل من القوم: إنا لم نأتک زائرین ولکن جئناک حین راعنا هذا الخبر ! فقال: إن القرآن نزل علی نبیکم(ص)من سبعة أبواب علی سبعة أحرف أو قال حروف وإن الکتاب قبله کان ینزل من باب واحد علی حرف واحد) .

کانت مشکلة وأزمة خطیرة إذن ، شملت التلامیذ ومعلمیهم فی مکاتب القرآن ، والمصلین فی المساجد ، وحکام الأمصار والمجاهدین فی جیوش الفتح ، بسبب فتنة أحرف عمر السبعة ! وکان علاجها الوحید تدوین القرآن علی حرف واحد وجمع المسلمین علیه ، ورمی مقولة عمر فی السلة !

المؤمنین عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال آمرکم أن تلزموا عماراً . قالوا: إن عماراً لایفارق علیاً ! قال: إن الحسد أهلک الجسد ! وإنما ینفرکم عن عمار قربه من علی؟! فوالله لعلی أفضل من عمار أبعد ما بین التراب والسحاب ، وإن عماراً لمن الأخیار . وهو یعلم أنهم إن لزموا عماراً کانوا مع علی) .

وقال الذهبی فی السیر:2/361: (حذیفة بن الیمان . من نجباء أصحاب محمد (ص) ، وهو صاحب السر... حلیف الأنصار ، من أعیان المهاجرین... عن ابن سیرین أن عمر کتب فی عهد حذیفة علی المدائن إسمعوا له وأطیعوا وأعطوه ما سألکم... ولیَ حذیفة إمرة المدائن لعمر ، فبقی علیها إلی بعد مقتل عثمان ، وتوفی بعد عثمان بأربعین لیلة... وحذیفة هو الذی ندبه رسول الله (ص) لیلة الأحزاب لیجس له خبر العدو ، وعلی یده فتح الدینور عنوة . ومناقبه تطول ، رضی الله عنه ...

خالد عن أبی قلابة عن حذیفة قال: إنی لأشتری دینی بعضه ببعض مخافة أن یذهب کله...

أبو نعیم: حدثنا سعد بن أوس ، عن بلال بن یحیی قال: بلغنی أن حذیفة کان یقول: ما أدرک هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشتری بعض دینه ببعض . قالوا: وأنت ؟ قال: وأنا والله ! )! . انتهی .

وکما کان حذیفة من حواریی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وموضع سره ، صار بعده من خاصة شیعة علی(علیه السّلام). وهذا یؤکد أنه لایقوم بعمل مهم إلا بأمر علی(علیه السّلام)، مضافاً الی شهدة ابن

الزبیر وغیرها من أنه(علیه السّلام)کان وراء توحید نسخة القرآن !

وقد اعترف الجمیع أن الذی قام بدور (یا للمسلمین.. للقرآن) هو حذیفة الذی

ص: 274

کان حاکماً علی المدائن ، وقائداً لجیش الفتح فی فارس وآذربیجان وأرمینیة ، وقد جاء إلی المدینة خصیصاً مع وفد من جیش الفتح ، شاکیاً إلی عثمان طالباً منه حل المشکلة الخطیرة داخل جیوش الفتح ، فاستجاب له عثمان بعد أن کانت المسألة نصف ناضجة فی ذهنه ، وأصدر مرسومه التاریخی بتوحید القرآن ، وبقی حذیفة فی المدینة یواکب تدوین القرآن ، ثم قام بتنفیذ المرسوم عملیاً بأمر عثمان مسعملاً نفوذ حذیفة الأدبی باعتباره من کبار أصحاب النبی(علیه السّلام)، وکان علیه أن یصادر المصاحف التی فیها تغییر عن المصحف العثمانی ، وهی مصحف عمر الذی عند حفصة ، ومصحف أبی موسی الأشعری ، ومصحف أبی ، ومصحف ابن مسعود .

أما مصحف عمر فقد استعصت به حفصة ولم تسلمه إلی عثمان حتی توفیت ، فأخذه مروان وأحرقه .

وأما مصحف أبی بن کعب فیظهر أن عثمان أخذه من ورثته بدون مشکلة . فقد روی فی کنز العمال:2/585: ( عن محمد بن أبیّ بن کعب أن ناساً من أهل العراق قدموا علیه فقالوا ، إنا تحملنا إلیک من العراق ، فأخرج لنا مصحف أبیٍّ ، فقال محمد قد قبضه عثمان قالوا: سبحان الله أخرجه ، قال: قد قبضه عثمان - أبوعبید فی الفضائل وابن أبی داود ) انتهی .

وأما مصحف أبی موسی فقد ذهب حذیفة إلی البصرة وصادره منه وهو یتأسف علی زیاداته ویترجاه أن یبقیها !

بینما استعصی ابن مسعود(رحمه الله)بمصحفه حتی توفی !

قال ابن شبة فی تاریخ المدینة:3/998: (حدثنا عمرو بن مرة الجملی قال: استأذن رجل علی ابن مسعود فقال الآذن: إن القوم والأشعری ، وإذا حذیفة

ص: 275

یقول لهم: أما إنکما إن شئتما أقمتما هذا الکتاب علی حرف واحد فإنی قد خشیت أن یتهون الناس فیه تهون أهل الکتاب ! أما أنت یا أباموسی فیطیعک أهل الیمن ، وأما أنت یا ابن مسعود فیطیعک الناس. قال ابن مسعود: لو أنی أعلم أن أحداً من الناس أحفظ منی لشددت رحلی براحلتی حتی أنیخ علیه قال: فکان الناس یرون أن حذیفة ممن عمل فیه حتی أتی علی حرف واحد !

حدثنا عبد الأعلی بن الحکم الکلابی قال: أتیت دار أبی موسی الأشعری فإذا حذیفة بن الیمان وعبد الله بن مسعود وأبو موسی الأشعری فوق إجار ، فقلت: هؤلاء والله الذین أرید ، فأخذت أرتقی لهم فإذا غلام علی الدرجة فمنعنی أن أرتقی إلیهم فنازعته حتی التفت إلیَّ بعضهم فأتیتهم حتی جلست إلیهم ، فإذا عندهم مصحف أرسل به عثمان فأمرهم أن یقیموا مصاحفهم علیه ، فقال أبو موسی: ما وجدتم فی مصحفی هذا من زیادة فلا تنقصوها ، وما وجدتم من نقصان فاکتبوه فیه ! فقال حذیفة: فکیف

بما صنعنا ؟!والله ما أحد من أهل هذا البلد یرغب عن قراءة هذا الشیخ یعنی ابن مسعود ، ولا أحد من أهل الیمن یرغب عن قراءة هذا الآخر یعنی أبا موسی .

وکان حذیفة هو الذی أشار علی عثمان أن یجمع المصاحف علی مصحف واحد ! )! انتهی .

ویبدو أن محل هذه الحادثة البصرة مرکز ولایة أبی موسی الأشعری ، ولا بد أن حذیفة ذهب خصیصاً لمصادرة مصحف أبی موسی ! وأن عبد الله بن مسعود کان زائراً ، لقول حذیفة فیها (من أهل هذا البلد) وهو یدل علی أن أهل البصرة غیر الیمانیین کانوا یقرؤون بقراءة ابن مسعود ، والیمانیین بقراءة أبی موسی ! ولو

ص: 276

کانت الحادثة فی المدینة لما صح ذلک لأن أهلها کانوا یقرؤون بقراءة أبیّ !

ویظهر من کلام أبی موسی أنه سلم نسخته إلی حذیفة خوفاً من عثمان ومنه ، رغم إضافاتها العزیزة علی قلبه ! ولابد أنهم أتلفوا نسخته وخلصوا الأمة الإسلامیة من زیاداتها السامریة ، کما خلصوها من زیادات عمر وتنقیصاته ، وفتنة أحرفه السبعة.. جزاهم الله خیراً .

أم علیٌّ(علیه السّلام)الذی جاء بنسخة القرآن إلی أبی بکر وعمر فرفضاها ، ثم سعی فی خلافة عمر وعثمان لأن تعتمد الدولة نسخة القرآن علی حرف واحد ، وتخلص المسلمین من فریة الأحرف السبعة وغیرها ؟!

4- ما رأیکم فی قول عبدالله بن الزبیر أن القرآن کتب عن نسخة خالته عائشة ، وقول زید إنه کتب عن نسخة أبی بکر ؟!

5 - ما رأیکم بقول حذیفة: (ما أدرک هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشتری بعض دینه ببعض . قالوا: وأنت ؟ قال:

وأنا والله ! ) ؟!

6 - روی البخاری فی صحیحه:4/215 و:7/139: ( عن إبراهیم قال ذهب علقمة إلی الشام فلما دخل المسجد قال: اللهم یسر لی جلیساً صالحاً فجلس إلی أبی الدرداء ، فقال أبو الدرداء: ممن أنت ؟ قال من أهل الکوفة ، قال: ألیس فیکم أو منکم صاحب السر الذی لایعلمه غیره ؟ یعنی حذیفة ، قال قلت: بلی ، قال: ألیس فیکم أو منکم الذی أجاره الله علی لسان نبیه (ص) یعنی من الشیطان یعنی عماراً ؟ قلت: بلی...). وروی عنه وصف نفوذ المنافقین بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال:8/100: (عن حذیفة بن الیمان قال: إن المنافقین الیوم شر منهم علی عهد النبی (ص) کانوا یومئذ یسرون والیوم یجهرون ... إنما کان النفاق علی عهد النبی (ص) فأما الیوم فإنما هو الکفر بعد الإیمان !! ) انتهی . فمَن هم هؤلاء الذین کانوا یجهرون بالنفاق ، فی عهد أبی بکر وعمر وعثمان ، وما هو النفاق الذی کانوا یجهرون به ؟!

ملاحظة: ورد فی مصادرنا الطعن علی عثمان بن عفان لحرقه المصاحف ، ولضربه الصحابی عبدالله بن مسعود.. وهما أمران صحیحان ، لکن لاعلاقة لقضیة

ص: 278

ابن مسعود بتوحید نسخة القرآن ، کما أن حرق عثمان للمصاحف موضوع مستقل ، وإن کان من نتائج توحیده لنسخة القرآن .

اختلفوا فی الشئ أخروه حتی ینظروا آخرهم عهداً بالعرضة الأخیرة فکتبوه علی قوله .

حدثنا وهب بن جریر قال حدثنا هشام بنحوه ، وزاد: قال محمد فأرجو أن تکون قراءتنا هذه آخرتها عهداً بالعرضة الأخیرة ) . انتهی.

وعلیه ، لابد من القول إن الأعضاء الإستشاریین کانوا کثیرین ، وأن یکون حذیفة فی طلیعتهم ، وعلی(علیه السّلام)مرجعهم ، وأن الأعضاء الکتاب والنساخین کانوا کثیرین أیضاً ، وکان أبرزهم زید بن ثابت .

والظاهر أن اسم أبی بن کعب جاء فی اللجنة بدل اسم ابنه محمد بن أبی بن کعب ، لأن أبیّاً توفی فی زمن عمر ، وقد ورد اسم ولده محمد بأنه سلم مصحف أبیه کعب إلی الخلیفة عثمان. وقد أشکل المستشرقون علی ذکر أبی بن کعب فی لجنة جمع القرآن وضخموا ذلک ، وأرادوا أن یطعنوا بسببه فی نسخة القرآن ، علی عادتهم السیئة !

ومَن الذی هو آخرهم عهداً بالعرضة الأخیرة ، غیر علی(علیه السّلام)الذی کان ملازماًللنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، والذی رووا أنه جمع القرآن بعد وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واعتذروا له عن تأخره عن بیعة أبی بکر بأنه کان مشغولاً بجمع القرآن ؟!

أما ما جاء فی الروایة من أنهم کتبوه عن صحف عمر عند حفصة ، فیرده ما ثبت من امتناعها عن إعطائها لهم حتی ماتت ! کما یرده رسالة عثمان إلی الأمصار التی بعثها مع المصاحف ، وذکر فیها أسماء أربعة من اللجنة ، ولم یذکر أی صعوبات مما ذکرته روایات عمر وزید فی جمع القرآن ، بل بشر عثمان المسلمین بأنه نسخ لهم نسخ القرآن عن آخر نسخة غضة طریة مسموعة من فم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لکنه نسب النسخة إلی عائشة !!

ص: 280

قال فی تاریخ المدینة:3/997: (عن أبی محمد القرشی: أن عثمان بن عفان کتب إلی الأمصار: أما بعد فإن نفراً من أهل الأمصار اجتمعوا عندی فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافاً شدیداً ، فقال بعضهم قرأت علی حرف أبی الدرداء .

وقال بعضهم قرأت علی حرف عبد الله بن مسعود ، وقال بعضهم قرأت علی حرف عبد الله بن قیس ، فلما سمعت اختلافهم فی القرآن والعهد برسول الله (ص)حدیث ، ورأیت أمراً منکراً ، فأشفقت علی هذه الأمة من اختلافهم فی القرآن ، وخشیت أن یختلفوا فی دینهم بعد ذهاب من بقی من أصحاب رسول الله(ص) الذین قرأوا القرآن علی عهده وسمعوه من فیه ، کما اختلفت النصاری فی الإنجیل بعد ذهاب عیسی بن مریم ، وأحببت أن نتدارک من ذلک ، فأرسلت إلی عائشة أم المؤمنین أن ترسل إلیَّ بالأدم الذی فیه القرآن الذی کتب عن فم رسول الله(ص)حین أوحاه الله إلی جبریل ، وأوحاه جبریل إلی محمد وأنزله علیه ، وإذا القرآن غض ، فأمرت زید بن ثابت أن یقوم علی ذلک ، ولم أفرغ لذلک من أجل أمور الناس والقضاء بین الناس، وکان زید بن ثابت أحفظنا للقرآن ، ثم دعوت نفراً من

کتَّاب أهل المدینة وذوی عقولهم ، منهم نافع بن طریف ، وعبد الله بن الولید الخزاعی ، وعبد الرحمن بن أبی لبابة ، فأمرتهم أن ینسخوا من ذلک الأدم أربعة مصاحف وأن یتحفظوا ) . انتهی.

فالمصحف الذی بأیدینا مکتوب عن تلک النسخة الفریدة المکتوبة من فم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، والتی لم یدع أحد غیر علی(علیه السّلام) أنها عنده ، ولا روی أحد أنها کانت عند أحد غیره ! فالقرآن الفعلی لاینطبق إلا علی قراءة علی(علیه السّلام)وهو یخالف ما ثبت فی نسخ غیره !

ص: 281

قال الذهبی فی سیر أعلام النبلاء:2/426: (حفص ، عن عاصم ، عن أبی عبد الرحمن قال: لم أخالف علیاً فی شئ من قراءته ، وکنت أجمع حروف علیٍّ ، فألقی بها زیداً فی المواسم بالمدینة فما اختلفنا إلا فی التابوت کان زید یقرأ بالهاء وعلیٌّ بالتاء ). انتهی .

ونعید تأکید القول إن مصحفنا الفعلی لایمکن أن یکون کتب عن صحف عمر التی کان عند حفصة واستعصت بها حتی ماتت !

قال عمر بن شبة فی تاریخ المدینة:3/1003: (قال الزهری: فحدثنی سالم قال ، لما توفیت حفصة أرسل مروان إلی ابن عمر بعزیمة لیرسلن بها ، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر ، فشققها ومزقها مخافة أن یکون فی شئ من ذلک خلاف لما نسخ عثمان !! )!! .

فلا بد من رد روایة أن القرآن کتب عنها إما لأنها روایة مکذوبة ، أو أن السلطة قالتها لرد المعترضین علی فعل عثمان .

ثم إن عثمان فی رسالته إلی الأمصار نسب النسخة الغضة إلی عائشة ، ولم یذکر حفصة !

ثم إن نسخة حفصة لابد أن تکون فیها قراءات عمر الثابتة عنه بروایاتهم القطعیة ، والتی لاتوجد فی مصحفنا والحمد لله .

کما لایمکن أن یکون عن مصحف عثمان ؟ کان عنده مصحف، لشهادة عثمان فی رسالته الی الأمصار ، ولأنهم رووا أن عثمان لما أکملوا نسخ القرآن وعرضوه علیه نظر فیه وقال: ( إن فیه لحناً وستقیمه العرب بألسنتها ) !

ففی کنز العمال:2/586 ، عن کتاب المصاحف لابن الأنباری وابن أبی دؤاد ،

ص: 282

قال: ( عن قتادة أن عثمان لما رفع إلیه المصحف قال: إن فیه لحناً وستقیمه العرب بألسنتها.... وعن عکرمة قال: لو کان المملی من هذیل والکاتب من ثقیف لم یوجد فیه هذا ) !

کما لایمکن أن یکون عن نسخة عائشة ، لأن أحداً لم یدع أن عائشة کان عندها نسخة ذلک القرآن الذی وصفه عثمان فی رسالته إلی الأمصار: (القرآن الذی کتب عن فم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین أوحاه الله إلی جبریل وأوحاه جبریل إلی محمد وأنزله علیه، وإذا القرآن غض) .

فلو کان عندها لما استکتبت نسخة من القرآن المتداول کما فی روایة مسلم:2/112: (عن أبی یونس مولی عائشة أنه قال أمرتنی عائشة أن أکتب لها مصحفاً وقالت إذا بلغت هذه الآیة فآذنی حافظوا علی الصلوات والصلاة الوسطی ، فلما بلغتها آذنتها فأملت علیَّ حافظوا علی الصلوات والصلاة الوسطی وصلاة العصر ، وقوموا لله قانتین) !

ولو کان عندها مثل تلک النسخة لاحتجت بها علی نساء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عندما خالفنها فی مسألة رضاع الکبیر ومسألة کفایة خمس رضعات.. فقد قالت کما فی صحیح مسلم:4/167: (کان فیما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات یحرِّمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفی رسول الله (ص) وهن فیما یقرأ من القرآن ! )! .

وقال أحمد:6/271: (کانت عائشة تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن یرضعن من أحبت عائشة أن یراها ویدخل علیها وإن کان کبیراً خمس رضعات ثم یدخل علیها ! وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبی (ص) أن یدخلن علیهن بتلک الرضاعة

ص: 283

أحداً من الناس ، حتی یرضع فی المهد .. ) انتهی .

فقد کان مهماً عند عائشة أن تحتج لمسألة الرضاعة ، لأن نساء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) خالفنها وانتقدنها ، وکانت متحمسة لإثبات صحة عملها !

فالقرآن الفعلی یختلف عما ثبت فی کل هذه النسخ ، ولاینطبق إلا علی نسخة علی بن أبی طالب(علیه السّلام) ، وما روی عنه(علیه السّلام)من قراءات ، وقد تقدم من سیر الذهبی(2/426) أن عاصماً روی عن أستاذه أنه قال: ( لم أخالف علیاً فی شئ من قراءته ، وکنت أجمع حروف علیّ ٍ).

وعلیه ، لابد من حمل ما ورد فی رسالة عثمان إلی الأمصار من نسبة النسخة إلی عائشة ، أنه قول سیاسی لغرض من الأغراض .

ص: 286

ص: 288

عذاب برحمة !!)!! . انتهی. وقال عنه فی مجمع الزوائد:7/150: (رواه أحمد والطبرانی بنحوه إلا أنه قال واذهب وأدبر ، وفیه علی بن زید بن جدعان وهو سئ الحفظ وقد توبع وبقیة رجال أحمد رجال الصحیح) !

وقال السیوطی فی الإتقان:1/168، عن أبی هریرة من حدیث عمر: (إن القرآن کله صواب ما لم تجعل مغفرة عذاباً أو عذاباً مغفرة . أسانیدها جیاد). انتهی. ( راجع أیضاً التاریخ الکبیر للبخاری:1/382، وأسد الغابة:5/156 ، وکنز العمال:1/550 و618، و619، و:2/52 و603، لتری بقیة المصیبة !) .

وزاد الطبری فی تفسیره:1/34، عن ابن أبی موسی الأشعری أن میکائیل ساعد أباه وعمر فعلم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن لایقبل بقراءة القرآن بنص واحد وأن یستزید جبرئیل: (عن عبد الرحمن بن أبی بکرة ، عن أبیه، قال: قال رسول الله (ص): قال جبریل: إقرءوا القرآن علی حرف ، فقال میکائیل: استزده ، فقال علی حرفین ، حتی بلغ ستة أو سبعة أحرف فقال: کلها شاف کاف ما لم یختم آیة عذاب برحمة ، أو آیة رحمة بعذاب ، کقولک هلم وتعال ) ! (وقال فی هامشه: رواه الإمام أحمد فی المسند (ج7 حدیث20447) بشئ من الإختصار. ورواه أیضاً (ج7حدیث20537) بنحوه وفیه زیادة: نحو قولک تعال ، وأقبل ، وهلم واذهب ، وأسرع وأعجل ) !!!

لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ فإن الله لم یعط لرسوله حق إضلال أمته ، بینما عندما قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للمسلمین إیتونی بدواة وقرطاس أکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، قال له عمر: کتاب الله حسبنا !! ولا نرید کتابک ونرید أن نضل !

ثم لم یعط الله تعالی لنبیه الحق فی تغییر القرآن فقال له:(قُلْ مَا یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا یُوحَی إِلَیَّ إِنِّی أَخَافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ)(سورة یونس: 15) لکن عمر أعطی لنفسه حق التغییر فی کتاب الله تعالی فقال: (إن القرآن کله صواب مالم تجعل مغفرة عذاباً أوعذاباً مغفرة!! )!! .

2 - إذا کذبتم هذه الروایات عن عمر وهی صحاج وجیاد وحسان ! فأخبرونا من الکاذب من رواتها ، حتی نشطب علی روایاته فی مصادرکم ؟!

3 - لماذا تشنون حملة علی الشیعة وتتهمونهم بالقول بتحریف القرآن بسبب وجود روایات فی مصادرهم تضیف إلی الآیة کلمة تفسیریة أو ما شابه ؟! وإمامکم عمر یقول لکم: إذا رأیتم أحداً یقرأ القرآن غلطاً فلا تغیِّروا علیه ، فقد غیرت یوماً علی شخص قراءته فقال النبی(ص) کله صحیح، کله تمام !

أو کما قال أبو موسی الأشعری ونسب إلی أبیّ بن کعب أنه دهش وشک فی نبوة النبی(ص) فقال له لاتشک فاصل فنص القرآن هکذا أنزله الله !! أی مفتوحاً عائماً ، یصح أن تقرأه بأی لفظ ، بشرط بسیط أن لایکون بعکس المعنی !!

4 - ما قولکم الآن فی مقولة عمر بالأحرف السبعة ؟! ألا ترون أنها بسیطة أمام هذه الفریة الکبیرة ؟! فالأحرف السبعة تهز أرکان وحدة نص القرآن !

وهذه الفریة تخرب نص القرآن وتهدم صرحه من أصله !!

5 - ماذا یرید عمر من سیاسته تجاه القرآن؟!

ص: 291

فقد غیَّب النص القرآنی الموحد ونُسخته الرسمیة فی عهد أبی بکر وعهده کما غیَّب السنة !

وشکل لجنة شکلیة لجمع القرآن ، وأبعد منها کل الذین أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) المسلمین أن یأخذوا القرآن منهم !!

وأعلن أنه ضاع من القرآن أکثره ، وأن اللجنة التی کلفها بجمعه بذلت جهوداً کبیرة لجمعه من الناس والمکتوبات بشرط شاهدین عادیین فقط ! بل بشاهد واحد کما زعموا فی آیات آل خزیمة ! .

ثم کان یخبئ القرآن الذی تجمعه اللجنة المحترمة أی هو عند بنته حفصة ولا یطلع علیه أحداً ، والحمد لله أنه تم

إحراقه بعد وفاة حفصة !!

ثم طرح مقولة الأحرف السبعة ، لکن لم یسمح بها للناس ، ولم یستفد منها أحد إلا هو نفسه !!

ثم طرح رأیه بتعویم نص القرآن وتمییعه ، وأعطی لنفسه الحق فی أن یرخص للناس فیما لم یرخص الله به لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟!!

فماذا یرید عمر ؟ وهل رأیتم أحداً صنع بالقرآن ما صنعه عمر ؟!

6 - إسمحوا لنا الآن أن نسألکم عن معنی قوله تعالی: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). ؟ علامة السؤال(سورة الحجر: 9)

أحادیث نزول القرآن علی سبعة أحرف، وهذا یلزمه أنهم یفتون بجواز تحریفه وقراءته بسبعة أشکال !

ولم یقفوا عند هذا الحد ، بل أفتوا بصراحة بجواز تغییر نص القرآن ، وبجواز تغییر نص تشهد الصلاة الذی رووه عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بطریق أولی لأنه أخف من القرآن !

قال الشافعی فی اختلاف الحدیث ص489 وفی الأم:1/142:

(وقد اختلف بعض أصحاب النبی فی بعض لفظ القرآن عند رسول الله (ص)

ولم یختلفوا فی معناه ، فأقرهم وقال:

هکذا أنزل ، إن هذا القرآن أنزل علی سبعة أحرف فاقرؤوا ما تیسر منه !! فما سوی القرآن من الذکر أولی أن یتسع هذا فیه إذا لم یختلف المعنی ! قال: ولیس لأحد أن یعمد أن یکف عن قراءة حرف من القرآن إلا بنسیان ، وهذا فی التشهد وفی جمیع الذکر أخف !! )!! .

وقال البیهقی فی سننه:2/145: ( قال الشافعی(رحمه الله): فإذا کان الله برأفته بخلقه أنزل کتابه علی سبعة أحرف ، معرفة منه بأن الحفظ قد نزر لیجعل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فیه ، کان ما سوی کتاب الله أولی أن یجوز فیه اختلاف اللفظ ما لم یخل معناه ! )!.

وقال ابن قدامة الحنبلی فی المغنی:1/575: (فصل. وبأی تشهد تشهد مما صح عن النبی(ص)جاز ، نص علیه أحمد فقال: تشهد عبد الله أعجب إلیَّ وإن تشهد بغیره فهو جائز لأن النبی(ص) لما علمه الصحابة مختلفاً دل علی جواز الجمیع ، کالقراءات المختلفة التی اشتمل علیها المصحف... وقال ابن حامد: رأیت بعض أصحابنا یقول لوترک واواً أو حرفاً أعاد الصلاة لقول الأسود: فکنا نتحفظه عن

ص: 293

عبدالله کما نتحفظ حروف القرآن ، والأول أصح لما ذکرنا . وقول الأسود یدل علی أن الأولی والأحسن الإتیان بلفظه وحروفه وهو الذی ذکرنا أنه المختار ، وعلی الثانی أن عبد الله کان یرخص فی إبدال لفظات من القرآن فالتشهد أولی ! فقد روی عنه أن إنساناً کان یقرأ علیه: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ، طَعَامُ الأَثِیمِ) فیقول طعام الیتیم ، فقال له عبد الله: قل طعام الفاجر) !!

وقال فی عون المعبود:4/244: (وحدیث أحمد بإسناد جید صریح فیه. وعنده بإسناد جید أیضاً من حدیث أبی هریرة: أنزل القرآن علی سبعة أحرف علیماً حکیماً غفوراً رحیماً . وفی حدیث عنده بسند جید أیضاً: القرآن کله صواب ما لم یجعل مغفرةً عذاباً أو عذاباً مغفرةً ، ولهذا کان أبیُّ یقرأ کلما أضاء لهم سعوا فیه بدل مشوا فیه ، وابن مسعود: أمهلونا أخرونا ، بدل أنظرونا...)!! .

وقال ابن حزم فی الأحکام:4/528: (فإن ذکر ذاکر الروایة الثابتة بقراءات منکرة صححت عن طائفة من الصحابة ، مثل ما روی عن أبی بکر الصدیق(رض) (وجاءت سکرة الموت) . ومثل ما صح عن عمر(رض)من قراءة (صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم والضالین) ، ومن أن ابن مسعود(رض)لم یعد المعوذتین من القرآن ، وأن أبیاً (رض)کان یعد القنوت من القرآن ونحو هذا.

قلنا: کل ذلک موقوف علی من روی عنه شئ لیس منه عن النبی(ص)البتة، ونحن لاننکر علی من دون رسول الله(ص)الخطأ ، فقد هتفنا به هتفاً ، ولا حجة فیما روی عن أحد دونه(علیه السّلام) ، ولم یکلفنا الله تعالی الطاعة له ولا أمرنا بالعمل به ولا تکفل بحفظه ، فالخطأ فیه واقع فیما یکون من الصاحب فمن دونه ممن روی عن الصاحب والتابع ،ولا معارضة لنا بشئ من ذلک .....

ص: 294

ومن العجب أن جمهرة من المعارضین لنا وهم المالکیون قد صح عن صاحبهم ما ناه المهلب بن أبی صفرة الأسدی التمیمی ، قال ابن مناس: نا ابن مسرور ، نا یحیی نا یونس بن عبد الأعلی، نا ابن وهب حدثنی ابن أنس قال: أقرأ عبد الله بن مسعود رجلاً: (إن شجرة الزقوم طعام الأثیم) فجعل الرجل یقول: طعام الیتیم ، فقال له ابن مسعود: طعام الفاجر . قال ابن وهب: قلت لمالک: أتری أن یقرأ کذلک؟ قال: نعم أری ذلک واسعاً ! فقیل لمالک: أفتری أن یقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب فامضوا إلی ذکر الله ؟ قال مالک: ذلک جائز، قال رسول الله(ص): أنزل القرآن علی سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تیسر مثل: تعلمون یعلمون . قال مالک: لا أری فی اختلافهم فی مثل هذا بأساً ، ولقد کان الناس ولهم مصاحف ، والستة الذین أوصی لهم عمر بن الخطاب کانت لهم مصاحف .

قال أبو محمد: فکیف یقولون مثل هذا؟! أیجیزون القراءة هکذا ؟! فلعمری لقد هلکوا وأهلکوا وأطلقوا کل بائقة فی القرآن ! أو یمنعون من هذا ؟! فیخالفون صاحبهم فی أعظم الأشیاء ، وهذا إسناد عنه فی غایة یخالفهم الصحة وهو مما أخطأ فیه مالک مما لم یتدبره لکن قاصداً إلی الخیر ولو أن امرءاً ثبت علی هذا وجازه بعد التنبیه له علی ما فیه ، وقیام حجة الله تعالی علیه فی ورود القرآن بخلاف هذا لکان کافراً ، ونعوذ بالله من الضلال).

فهذه فتاواهم صریحة بجواز تحریف القرآن واستبدال ألفاظه بألفاظ أخری! وأن الألفاظ التی یختارها القارئ بدل ألفاظ القرآن تکون قرآناً منزلاً من عند الله عز وجل ! ولم یخالفهم إلا ابن حزم! تعالی الله عما ینسبون إلیه علواً کبیراً .

ص: 295

أما فقهاء مذهب أهل البیت(علیهم السّلام) فهم أتباع القرآن والعترة المحافظون علی کتاب ربهم ، لذا تراهم یحکمون ببطلان الصلاة إذا غیَّر المصلی فی قراءتها حرفاً واحداً من القرآن ، أو غیَّر حرکة إعراب واحدة !

قال السید الخوئی فی منهاج الصالحین:1/164:

(مسألة606): ( تجب القراءة الصحیحة بأداء الحروف وإخراجها من مخارجها علی النحو اللازم فی لغة العرب ، کما یجب أن تکون هیئة الکلمة موافقة للأسلوب العربی ، من حرکة البنیة ، وسکونها ، وحرکات الإعراب والبناء وسکناتها، والحذف ، والقلب ، والإدغام ، والمد الواجب ، وغیر ذلک، فإن أخل بشئ من ذلک بطلت القراءة).

(ونحوه فی منهاج الصالحین للسید السیستانی:1/207، وتحریر الوسیلة للسید الخمینی:1/167)

وقال الشیخ زین الدین فی کلمة التقوی:1/ 417:

(المسألة457): (تجب القراءة الصحیحة بإخراج الحروف من مخارجها المعروفة بحیث لایبدل حرفاً بحرف ، أو یلتبس به

عند أهل اللسان . وموافقة الأسلوب العربی فی هیئةالکلمة وهیئة الجملة فی حرکات بناء الهیئة وسکناته وحرکات الإعراب والبناء فی آخر الکلمة وسکناتهما ، والمد الواجب ، والإدغام والحذف ، والقلب فی مواضعها ).

وقال صاحب جواهر الکلام:13/341:

(ولو کان الإمام یلحن فی قراءته لم یجز إمامته بمتقن علی الأظهر) لم ینته القول؟ بل المشهور نقلاً وتحصیلاً ، بل لا أجد فیه خلافاً بین المتأخرین ، لأصالة عدم سقوط القراءة ونقصان صلاة الإمام عن صلاة المأموم). انتهی .

ص: 296

أخذ منها شئ إلی مکان آخر ، نادی بغربته حتی یرجع إلی طبقه !

لقد أتقن الله تعالی بناء القرآن بدقة متناهیة وإعجاز کبناء السماء! (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ . إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ).(سورة الواقعة: 75-77)

والتناسب بین عناصر القسم الذی تراه فی القرآن ، یدل علی التشابه فی دقة بناء السماء ومواقع نجومها ، وبین سور القرآن وآیاته وکلماته وحروفه !

وإلی الیوم لم یکتشف العلماء من بناء الکون إلا القلیل ، وکلما اکتشفوا جدیداً خضعت أعناقهم لبانیه عز وجل !

ولم یکتشفوا من بناء القرآن إلا القلیل ، وکلما اکتشفوا منه جدیداً خضعت أعناقهم لبانیه عز وجل !!

من جهة أخری ، فإن التاریخ لم یعرف أمة اهتمت بحفظ کتاب وضبطه ، والتألیف حول سوره وآیاته وکلماته وحروفه ، فضلاً عن معانیه ، کما اهتمت أمة الإسلام بالقرآن ، وهذا سند ضخم ، رواته الحفاظ والقراء والعلماء وجماهیر الأمة ، سنداً متصلاً جیلاً عن جیل إلی جیل السماع من فمِ الذی أنزله الله علی قلبه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

فسند القرآن العظیم هو هذه القوة الذاتیة والمعماریة الفریدة ، وتلک العنایة الفائقة الممیزة من أمة الإسلام عبر أجیالها !!

هذا هو اعتقاد المسلمین بالقرآن سواءٌ منهم الشیعة والسنة ، وسواء استطاع علماؤهم وأدباؤهم أن یعبِّروا عنه ، أم بقی حقائق تعیش فی عقولهم وقلوبهم وتعجز عنها ألسنتهم والأقلام !

ونحن الشیعة نفتخر بأن اعتقادنا بالقرآن راسخ، ورؤیتنا له صافیة، ونظریاتنا

ص: 299

حوله واضحة، لأنها مأخوذة من منبع واضح صافٍ، منبع أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وباب مدینة علمه !

وإذا کانت بعض المصادر السنیة قبل الشیعیة فیها ما یخالف ذلک ، فلا عبرة بکل ما خالف حقیقة القرآن الساطعة وشمسه الطالعة !!

لکنا مضطرون لسد باب التهریج علی شیعة أهل البیت الطاهرین(علیهم السّلام) ، وأن نکشف بعض ما فی مصادر مخالفینا من طوام حول القرآن ، ومنها أن التواتر الذی یزعمونه ویتبجحون به بأسانید رواتهم لاوجود له عندهم !

فأین سندهم المتواتر للمعوذتین ، وأحادیثهم عنها ما بین مثبت ومشکک والمشکک أعلی صحة لأن البخاری اختاره !

وأین سندهم المتواتر للبسملة ، والنافی لقرآنیتها من أوائل السور منهم أضعاف المثبت لها علی تخوف وظن وترجیح !

وأین سندهم المتواتر لآیات خزیمة وآل خزیمة ، وادعاءات زید بن ثابت کاتب عمر المفضل ، وفتاه المقرب ؟!

ثم ضاعت ثانیة ووجدها زید أیضاً ! ولم تکن موجودة عند أحد من الناس إلا عند آل خزیمة ! فقبل زید شهادة خزیمة وحده ولم یطلب شاهدین ، لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سماه: (ذا الشهادتین) !

وفی روایة عن زید نفسه أنه وجدها عند ابن خزیمة ولیس عند خزیمة ، وفی روایة أنه وجدها عند أبی خزیمة لا ابنه ولا حفیده !

وفی روایة أنه وجدها عند(خزیمة آخر) فأجری علیهم جمیعاً حکم خزیمة ذی الشهادتین ، لمجرد اسم خزیمة !

( فالتمستها فوجدتها مع خزیمة بن ثابت أو ابن خزیمة...

وجدت آخر سورة التوبة مع أبی خزیمة الأنصاری لم أجدها مع أحد غیره...

فلم أجدهما مع أحد منهم حتی وجدتهما مع رجل آخر یدعی خزیمة أیضاً) .

وقد أکثرت مصادرهم من روایة آیات خزیمة ، وفی بعضها أن الذی وجدها هو عمر أو عثمان ولیس زید بن ثابت !

وفی بعضها أن الذی وجدها صاحبها خزیمة! کما فی کنز العمال:2/576 عن طبقات ابن سعد !

روی البخاری:8/177: (أن زید بن ثابت حدثه قال: أرسل الیَّ أبوبکر فتتبعت القرآن حتی وجدت آخر سورة التوبة مع أبی خزیمة الأنصاری لم أجدها مع أحد غیره ! لقد جاءکم رسول من أنفسکم ، حتی خاتمة براءة ) .

ورواه فی:6/22و98وفی:3/206، وفیه: ( فلم أجدها إلا مع خزیمة ابن ثابت الأنصاری الذی جعل رسول الله(ص)شهادته شهادة رجلین) . ورواه أحمد:5/188، والترمذی:4/347 ، وکنز العمال:2/581 ! فالآیة فی هذه الروایات آخر التوبة ، والذی وجدها زید عند أبی خزیمة ، والوقت فی زمن أبی بکر !

ص: 301

وقال البخاری:5/31: (أنه سمع زید بن ثابت یقول: فقدت آیة من الأحزاب حین نسخنا المصحف کنت أسمع رسول الله (ص) یقرؤها فالتمسناها فوجدناها مع خزیمة بن ثابت الأنصاری:من المؤمنین رجال صدقوا ماعاهدوا الله علیه فمنهم من قضی نحبه ومنهم من ینتظر، فألحقناها فی سورتها فی المصحف) .

فالآیة من سورة الأحزاب ، والذی وجدها زید وزملاؤه النُّساخ ، وجدوها عند خزیمة ، والوقت کما یبدو زمن عثمان !

وفی کنز العمال:2/574 ، عن ابن أبی داود وابن عساکر:

(عن یحیی بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن یجمع القرآن فقام فی الناس فقال: من کان تلقی من رسول الله(ص) شیئاً من القرآن فلیأتنا به ، وکانوا کتبوا ذلک فی الصحف والألواح والعسب ، وکان لایقبل من أحد شیئاً حتی یشهد شاهدان فقتل وهو یجمع ذلک ، فقام عثمان فقال من کان عنده من کتاب الله شئ فلیأتنا به ، وکان لایقبل من ذلک شیئاً حتی یشهد علیه شاهدان ، فجاء خزیمة بن ثابت فقال: قد رأیتکم ترکتم آیتین لم تکتبوهما ! قالوا ما هما ؟ قال: تلقیت من رسول

الله(ص): لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزیز علیه ما عنتم الی آخر السورة ، فقال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأین تری أن نجعلهما؟ قال: إختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختم بهما براءة ) ! فالذی وجدها خزیمة نفسه ، والوقت فی زمن عمر ، وعند جمع عثمان للقرآن !

وفی تاریخ المدینة:3/1001: ( بدایةعن خارجة بن زید ، عن زید بن ثابت قال: عرضت المصحف فلم أجد فیه هذه الآیة: من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا الله علیه فمنهم من قضی نحبه ومنهم من ینتظر وما بدلوا تبدیلا . قال: فاستعرضت المهاجرین أسألهم عنها فلم أجدها مع أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم

ص: 302

عنها فلم أجدها مع أحد منهم!! حتی وجدتها مع خزیمة بن ثابت الأنصاری فکتبتها ، ثم عرضته مرة أخری فلم أجد فیه هاتین الآیتین: لقد جاءکم رسول من أنفسکم الی آخر السورة ، قال: فاستعرضت المهاجرین أسألهم عنها فلم أجدهما مع أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنهما فلم أجدهما مع أحد منهم!! حتی وجدتهما مع رجل آخر یدعی خزیمة أیضاً من الأنصار فأثبتهما فی آخر (براءة) !! قال زید: ولو تمت ثلاث آیات لجعلتها سورة واحدة ) . انتهی.

فالآیة من سورة التوبة ، والذی وجدها زید ، مع خزیمة آخر ، والوقت بقرینة بقیة الروایة زمن جمع عثمان للمصحف !

ومن الطریف أن زید بن ثابت یدعی أنه کان صاحب قرار فی تدوین المصحف الإمام ، وأنه کان یتصرف برأیه کأنه لایوجد أحد غیره ! وأنه لو کان ما عثر علیه ثلاث آیات لجعلها سورة مستقلة وصار قرآننا 115 سورة !! وربما کان اسم السورة الأخیرة: (سورة زید بن ثابت) !

وقد أطال الباحثون والمستشرقون فی أمر آیات آل خزیمة ، لأنها تثیر الشبهة علی القرآن ، وأن فیه آیات کتبت بشهادة شخص واحد فهی غیر متواترة ، وبذلک تبطل دعوی المسلمین بتواتر قرآنهم !

وهذا الإشکال یرد علی الذین یثقون بزید بن ثابت ، ویصدقون مبالغاته ومبالغات أمثاله ، التی فتحت علی القرآن والوحی والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )باباً دخل منه المستشرقون وأعداء الإسلام فوجهوا سهامهم الی الإسلام والقرآن !

أما الحقیقة ، فهی أن نسخ القرآن کانت کثیرة میسرة ، وأن حفظة القرآن ومدونیه من أهل البیت(علیه السّلام)وبقیة الصحابة کانوا حاضرین علی مشروع توحید

ص: 303

نسخة القرآن، وأن زیداً کان کاتباً من الکتاب ، وأنه کذب فی تضخیم دوره فی جمع القرآن ! وکذب فی أنه کتبه زمن أبی وعمر للدولة ! نعم قد یکون کتبه بالأجرة لأحد من الناس ، کما کان غیره یکتب عن النسخ الکثیرة المتداولة ! ثم کذب فی زعمه أنه وجد آیات لم یجدها غیره !

ص: 306

وقال فی سیر أعلام النبلاء:4/424: ( عن قبیصة بن ذؤیب قال: کنا فی خلافة معاویة وإلی آخرها نجتمع فی حلقة بالمسجد باللیل: أنا ، ومصعب وعروة ابنا الزبیر وأبو بکر بن عبد الرحمن ، وعبد الملک بن مروان ، وعبد الرحمن المسور ، وإبراهیم بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبید الله بن عبد الله بن عتبة. وکنا نتفرق بالنهار ، فکنت أنا أجالس زید بن ثابت وهو مترئس بالمدینة فی القضاء والفتوی والقراءة والفرائض فی عهد عمر وعثمان وعلی . ثم کنت أنا وأبو بکر بن عبد الرحمن نجالس أبا هریرة ، وکان عروة یغلبنا بدخوله علی عائشة ) . انتهی .

لکن قول قبیصة عن منصب زید فی عهد علی(علیه السّلام)اشتباه ، فزید لم یکن مع علی(علیه السّلام)بل مع معاویة فقد کان یروی فی فضل معاویة حدیثاً لم یصححه أحد من العلماء أبداً !

قال فی سیر أعلام النبلاء:3/129: (عن زید بن ثابت: دخل النبی(ص)علی أم حبیبة ، ومعاویة نائم علی فخذها فقال: أتحبینه ؟ قالت: نعم . قال: للهُ أشد حباً له منک له ، کأنی أراه علی رفارف الجنة ) !!

أما مارواه عنه أحمد فی مسنده ، والصدوق فی علل الشرائع وربما غیرهما فی فضل علی وأهل البیت(علیهم السّلام) ، فلعل الرواة عنه کالقاسم بن حسان وسعید بن المسیب استخرجوا ذلک منه فی فترة من خلافة علی(علیه السّلام)أو فی حالة منه لم تدم ! قال أحمد:5/181 ونحوه ص189: (عن القاسم بن حسان عن زید بن ثابت قال: قال رسول الله (ص): إنی تارک فیکم خلیفتین کتاب الله حبل ممدود ما بین السماء والأرض أو ما بین السماء إلی الأرض ، وعترتی أهل بیتی ، وإنهما لن یتفرقا حتی یردا علیَّ الحوض) .

وروی الصدوق فی علل الشرائع:1/144: (حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا أحمد بن

ص: 308

عبدة قال: حدثنا أبو الربیع الأعرج قال: حدثنا عبد الله بن عمران ، عن علی بن زید بن جدعان ، عن سعید بن المسیب عن زید بن ثابت قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أحب علیاً فی حیاتی وبعد موتی کتب الله له الأمن والإیمان ما طلعت الشمس أو غربت . ومن أبغضه فی حیاتی وبعد موتی مات میتة جاهلیة ، وحوسب بما عمل ) . انتهی .

وإلا فقد کان زید شاباً مندفعاً فی موجة السقیفة وقد أفرط فی عدائه لعلی والعترة(علیهم السّلام) وکان فیمن هاجموا بیت علی وفاطمة الزهراء(علیهماالسّلام)لإحراقه علی من فیه إن لم یبایعوا ! فقد عد التاریخ من المهاجمین مع عمر بن الخطاب: خالد بن الولید ، وعبد الرحمن بن عوف ، وثابت بن قیس ، وزیاد بن لبید ، ومحمد بن مسلمة ، وزید بن ثابت وسلمة بن سالم بن وقش ، وسلمة بن أسلم ، وأسید بن حضیر . (الصحیح من السیرة:5/30 عن أنساب الأشراف ) .

وکان زید ممن تخلف عن بیعة علی(علیه السّلام)فلم یبایع !

(الصحیح من السیرة:5/30 عن الطبری:4/430 و431 ، والکامل:3 /191 )

وکان یحرض الناس علی سب علی(علیه السّلام)! (الصحیح:5/30)

ونقل الفضل بن شاذان فی الإیضاح ص519: شهادة من أبیّ بن کعب تدل علی أن زیداً کان یدرس مع صبیان الیهود مع أنهم لایقبلون فی مدارسهم غیر صبیانهم ، قال: (ومثل قول أبیّ بن کعب فی القرآن: لقد قرأت القرآن وزید هذا غلام ذو ذؤابتین یلعب بین صبیان الیهود فی المکتب). انتهی.

وعلیه لایمکن أن نثق فی تبرئة زید لنفسه من الیهودیة التی رواها البخاری: 8/120: (عن زید بن ثابت أن النبی(ص) أمره أن یتعلم کتاب الیهود حتی کتبت للنبی(ص) کتبه وأقرأته کتبهم إذا کتبوا إلیه).

فمتی کانت تأتی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کتب باللغة العبریة وکان الیهود فی الجزیرة یکتبون بالعربیة ؟!

ویؤید ما قلناه أن أحمد:5/182 ، روی عن زید أنها اللغة السریانیة ولیست العبریة ! قال: ( قال زید بن ثابت قال

لی رسول الله (ص): تحسن السریانیة إنها تأتینی کتب؟ قال قلت لا، قال فتعلمها ، فتعلمتها فی سبعة عشر یوماً ) !!

دریت ما میراثک من أبیک ؟! ) . انتهی .

وهذا یدل علی حالة الثقافة والریاضیات فی الجزیرة ، وأن أبا بکر وعمر وعثمان بعد أن أبعدوا العترة الطاهرة وتلامیذهم، لم یکن عندهم من یحسب الإرث إلا زید ! ولذا کانوا ینفذون فتاواه الجُزافیة فی مواریث المسلمین !

قال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:5/18: (وقال ابن أبی خیثمة: کان هو وخارجة بن زید بن ثابت فی زمانهما یستفتیان وینتهی الناس إلی قولهما ویقسمان المواریث

ویکتبان الوثائق) . انتهی .

وقال الترمذی:3/285: (واختلف فیه أصحاب النبی(ص)فورث بعضهم الخال والخالة والعمة . وإلی هذا الحدیث ذهب أکثر أهل العلم فی توریث ذوی الأرحام ، وأما زید بن ثابت فلم یورثهم وجعل المیراث فی بیت المال ! ) .

وقال الدارمی فی سننه:2/361 و362: ( عن خارجة بن زید عن زید بن ثابت أن أتی فی ابنة أو أخت، فأعطاها النصف وجعل ما بقی فی بیت المال ! وقال زید بن ثابت: للجدة السدس وللإخوة للأم الثلث ، وما بقی فلبیت المال) .

وفی مصنف عبد الرزاق:7/125: (عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن زید بن ثابت قال: ترث أمه منه الثلث ، وما بقی فی بیت المال) !

وفی سیر أعلام النبلاء:2/434: (عن الشعبی أن مروان دعا زید بن ثابت وأجلس له قوماً خلف ستر ، فأخذ یسأله وهم یکتبون ففطن زید فقال یا مروان أغدراً ؟ إنما أقول برأیی ! رواه إبراهیم بن حمید الرؤاسی عن ابن أبی خالد ، نحوه وزاد: فمحوه) !! انتهی .

أی محوا ما کتبوه من إجابات زید فی المواریث وغیرها ، لأنها کانت تخرصات لا ترجع إلی قرآن ولا سنة ولا قاعدة حسابیة !

ص: 311

وفی المبسوط:29/182: ( أبو حنیفة احتج بما نقل عن ابن عباس أنه کان یقول: ألا یتقی الله زید بن ثابت یجعل ابن الإبن ابناً ولا یجعل أب الأب أباً)!

ولکن زیداً کان مدعوماً من السلطة فهو لایخشی کلام ابن عباس ، بل یرد علیه ویتهمه بأنه مثله یقول بالظن والإحتمال ! قال الدارمی فی سننه:2/346: (عن عکرمة قال أرسل ابن عباس إلی زید بن ثابت: أتجد فی کتاب الله للأم ثلث ما بقی؟ فقال زید: إنما أنت رجل تقول برأیک وأنا رجل أقول برأیی)!! فواصل

ولذلک کان الإمام الباقر(علیه السّلام)یجهر بإدانة أحکام زید فی المواریث :

روی الکلینی فی الکافی:7/407: أنه قال: (الحکم حکمان حکم الله وحکم الجاهلیة، وقد قال الله عز وجل: أَفَحُکْمَ الْجَاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ . واشهدوا علی زید بن ثابت لقد حکم فی الفرائض بحکم الجاهلیة ! ) . انتهی .

هذا هو علم زید بن ثابت الذی جعله عمر أمیناً علی مشروع جمعه للقرآن وقربه وأحبه! بینما أقصی أهل البیت(علیهم السّلام) والصحابة الکبار ، ثم اتبعوا سنة عمر فسموه حبر الأمة ! ووضعوا له المدائح علی لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومنها أنه أعلم الأمة بالحساب والریاضیات !!

قال ابن حجر فی تهذیب التهذیب:3/345: (وقال أبو هریرة یوم مات زید: مات الیوم حبر الأمة وعسی الله أن یجعل فی ابن عباس منه خلفاً ). انتهی .

بل وضعوا فی مدح علمه أحادیث علی لسان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

قال أحمد:3/281: (عن أنس بن مالک عن النبی(ص)قال: أرحم أمتی بأمتی أبو بکر ، وأشدهم فی دین الله عمر . وقال عفان مرة: فی أمر الله عمر ، وأصدقهم حیاء عثمان ، وأفرضهم زید بن ثابت...)! (راجع کشف الخفاء للعجلونی:1/108 وتصحیح

ص: 312

بعضهم له ! وأصل الحدیث: أقضی أمتی علیٌّ ، فزادوا فیه ونقصوا منه !!)!!.

یعینهم!! أفرض له ألفین ، قال: ففرض له ألفاً ، أو قال: ألفین ) !!

وفی مصنف ابن أبی شیبة:7/ 618: (فأبصر وهیباً یغنیهم فی بیت المال ، فقال: من هذا ؟ فقال زید: هذا مملوک لی ، فقال عثمان: أراه یعین المسلمین وله حق ، وإنا نفرض له ، ففرض له ألفین ! فقال زید: والله لانفرض لعبد ألفین ، ففرض له ألفاً ) !! (والإستیعاب:1/189)

لکن حظ الجاریة التالیة کان سیئاً ، فقد اتهمها زید ونفی عنها الولد :

قال السرخسی فی المبسوط:17/99: (وعن زید بن ثابت أنه کان یطأ جاریته فجاءت بولد فنفاه ، فقال: کنت أطأها ولا أبغی ولدها ، أی أعزل عنها ) . (ورواه الشافعی فی کتاب الأم: 7 /242) .

جالساً فی المسجد فأقبلت حتی جلست إلی جنبه فأخبرنا أن زید بن ثابت أخبره أن رسول الله(ص) أملی علیه: لایَسْتَوِی الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ . فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِینَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَی الْقَاعِدِینَ دَرَجَةً وَکُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَی وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِینَ عَلَی الْقَاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً، قال فجاءه ابن أم مکتوم وهو یملها علیَّ فقال: یا رسول الله لو أستطیع الجهاد لجاهدت ، وکان رجلاً أعمی ، فأنزل الله تعالی علی رسوله (ص) وفخذه علی فخذی فثقلت علیَّ حتی خفت أن ترض فخذی ثم سری عنه ، فأنزل الله عز وجل: (غَیْرُ أُولِی الضَّرَرِ)) ! (ورواه أیضاً 5/182، وأحمد:5/191، وأبو داود:1/563. ومسلم:6/43بدون وصف الوحی وإتکاء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بفخذه علی فخذ زید!) فواصل

ولا یمکنک فهم هذا الحدیث حتی تعرف أن مروان بن الحکم الذی هو طلیق مطروداً الإعراب؟ من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یحاول أن یثبت لنفسه منزلة المهاجرین والمجاهدین لأنه من أولی الضرر الذین سقط عنهم الجهاد ! وکان زید بن ثابت یساعده علی ذلک بالأحادیث النبویة ومنها هذا الحدیث !

بینما کان أبو سعید الخدری یخالفه ویروی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن رتبة الصحابی والمهاجر لا تثبت لمسلمة الفتح الطلقاء !

روی أحمد فی مسنده:3/22و:5/187: ( عن أبی سعید الخدری عن رسول الله (ص) أنه قال لما نزلت هذه السورة: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَیْتَ النَّاسَ..قال قرأها رسول الله (ص)حتی ختمها وقال: الناسُ حِیزٌ وأنا وأصحابی حِیز ، وقال لا هجرة بعد الفتح ولکن جهاد ونیة .

فقال له مروان کذبت ، وعنده رافع بن خدیج وزید بن ثابت وهما قاعدان معه علی السریر ، فقال أبو سعید لو شاء هذان لحدثاک ، ولکن هذا یخاف أن تنزعه

ص: 315

عن عرافة قومه ، وهذا یخشی أن تنزعه عن الصدقة فسکتا ، فرفع مروان علیه الدرة لیضربه ، فلما رأیا ذلک قالوا: صدق ! )!. انتهی .

وفی المسلمین جیاع وعرایا ؟!

7 - ما رأیکم فی مروان بن الحکم ، هل هو صحابی جلیل من المهاجرین الذین سقط عنهم الجهاد لأنه کان أعرج أفحج ، فقد کان یسخر بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ویمشی کالأفحج فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )(کن کذلک ) فصار کذلک ؟!

مولاک ؟! فعزله واستعمل خالد بن العاص بن هشام ). انتهی !

والصحیح أن عمر لم یعزل ابن أبزی بل أقره نائباً لوالیه علی مکة والطائف ثم رآه وأعجبه وجعله من خاصته ، فصار هذا الغلام الخمری من الصحابة وشخصیات التاریخ الإسلامی ، لأنه محظوظ بصوته ومعرفته بشئ من الحساب! وقد ترجم له البخاری فی تاریخه:5/245 ، وروی له فی صحیحه:1/87 و88 فتوی عمر بوجوب ترک الصلاة لمن لم یجد ماء ، وتحریم التیمم !!

وروی له فی:3/44 و45 و46 ، فی شراء السلف ، وفی: 4/239 و:6/15 فی التوبة علی قاتل النفس المحترمة . وروی له مسلم:1/193 و:8 /242 . وروی له النسائی فی:1/165 و168 و169 و:3/235 و244 و245 و247 و250 و:7/289 و:8/62 .

وفی مسلم:2/201 ، أن عمر قال عن ابن أبزی: (إنه قارئ لکتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض ، أما إن نبیکم(ص)قد قال إن الله یرفع بهذا الکتاب أقواماً ویضع به آخرین) . انتهی . یقصد أن عبد الرحمن بن أبزی عالم بالحساب کزید بن ثابت ، وقارئ للقرآن کأبی بن کعب .

ولعل أهم ما روی ابن أبزی عن عمر السورتین اللتین اخترعهما عمر وسماهما: (الخلع والحفد) وکان یقرؤهما فی صلاته أو قنوته ! کما فی سنن البیهقی:2/211، وکنز العمال:8/74 و75.

الخمر ترید ، الخمر ترید !! ) !!. انتهی.

فهذا هو ابن أبزی ، الذی وثقوه ورووا له ، ولم یلتفتوا الی تضعیف بعض علمائهم فیه ، وقولهم إنه لم یثبت له ولا لأبیه رؤیة ولا صحبة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

أتیته متقاضیاً . فأمر له المختار بأربعة آلاف درهم ، وقال له: إن أصبحت بالکوفة قتلتک . فخرج من لیلته حتی لحق بالشام ) !

وسکن عبد الرحمن بعد ذلک بالکوفة وروی عن النبی(ص)وعن أبیه وأبی بکر وعمر وعلی وأبی بن کعب وغیرهم. روی عنه ابناه عبد الله وسعید وعبد الرحمن بن أبی لیلی والشعبی وأبو مالک الغفاری ، وغیرهم. وذکره ابن حبان فی ثقات التابعین ، وقرأت بخط مغلطای لم أر من وافقه علی ذلک . قلت: وقال أبو بکر بن أبی داود: لم یحدث عبد الرحمن بن أبی لیلی عن تابعی إلاعن عبد الرحمن بن أبزی . لکن العمدة علی قول الجمهور ، والله أعلم ) .

وقال فی:1/176، عن أبیه أبزی: (وقال ابن منده: لاتصح له (لأبزی) صحبة ولا رؤیة. ثم أخرج حدیثه عن بن السکن واستغربه ! ورجح أبو نعیم هذه الروایة وقال: لایصح لأبزی روایة ولارؤیة، واستصوب بن الأثیر کلامه . قلت: وکلام ابن السکن یرد علیه، والعمدة فی ذلک علی البخاری فإلیه المنتهی فی ذلک).

وکأن البخاری عند ابن حجر هو الجمهور ، لأنه یتعصب للمحبین لعمر فهو الناطق بلسان الجمهور !

أما لماذا صار عبد الرحمن عندهم خیراً من أبیه أبزی ، فلأن أبزی شهد صفین مع علی(علیه السّلام)، وبذلک استحق نزع صفة الصحابی ، روی ابن خیاط148 عن أبزی أنه قال: (شهدنا مع علی ثمان مائة ممن بایع بیعة الرضوان ، قتل منا ثلاثة وستون ، منهم عمار بن یاسر ) . انتهی .

بینما ولده عبد الرحمن أحبه عمر وقربه ، فصار من الصحابة ! مع أنه کان فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )طفلاً أو غلاماً صغیراً ، وکان هو وأبوه أبزی غلامین لسید واحد ، یعیشان فی بیت واحد !

وقال فی أسد الغابة:1/44: (أبزی والد عبد الرحمن بن أبزی الخزاعی ، ذکره محمد بن إسماعیل (أی البخاری) فی الوحدان ، ولم تصح له صحبة ولا رؤیة .

ص: 321

ولابنه عبد الرحمن صحبة ورؤیة ) !

وقد وجدوا حلاً لذلک بأن عبد الرحمن کان طفلاً فی فتح مکة أو فی حجة الوداع ورأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو یصلی ، وکأن أباه کان نائماً فلم یر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!!

ص: 324

بصلاة قارئهم ، قال عمر: نعم البدعة) . انتهی.

وفی تهذیب الکمال:2/269: (عن أبی نضرة العبدی: قال رجل منا یقال له جابر أو جویبر: طلبت حاجة إلی عمر فی خلافته فانتهیت إلی المدینة لیلاً ، فغدوت علیه وقد أعطیت فطنة ولساناً أو قال منطقاً فأخذت فی الدنیا فصغرتها فترکتها لا تسوی شیئاً ، وإلی جنبه رجل أبیض الشعر أبیض الثیاب فقال لما فرغت: کل قولک کان مقارباً إلا وقوعک فی الدنیا ، وهل تدری ما الدنیا؟ إن الدنیا فیها بلاغنا، أو قال زادنا إلی الآخرة، وفیها أعمالنا التی نجزی بها فی الآخرة ، قال: فأخذ فی الدنیا رجل هو أعلم بها منی . فقلت: یا أمیر المؤمنین من هذا الرجل الذی إلی جنبک؟ قال: سید المسلمین أبی بن کعب ) .

وقال فی تحفة الأحوذی:10/271: (فضل أبی بن کعب رضی الله عنه) هو أبی بن کعب الأنصاری الخزرجی کان یکتب للنبی(ص)الوحی وهو أحد الستة الذین حفظوا القرآن علی عهد رسول الله(ص)وأحد الفقهاء الذین کانوا یفتون علی عهد رسول الله(ص)وکان أقرأ الصحابة لکتاب الله تعالی ، کنَّاهُ النبی(ص)أبا المنذر ، وعمر أبا الطفیل! وسماه النبی(ص): سید الأنصار وعمر: سید المسلمین . مات بالمدینة سنة تسع عشرة ).

وفی تاریخ البخاری:2/40: (عن أبی بردة قال عمر لأبی: یا أبا الطفیل ، قال أبو عبد الله: وله ابن یقال له: الطفیل ) . انتهی.

فإن قلت: لماذا غیر عمر کنیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )له بأبی المنذر ، وکناه أبا الطفیل مع أن أبا المنذر أحسن منها من عدة جهات ؟

فالجواب: لعل عمر فعل ذلک لأنه رأی أبا المنذر لقباً کبیراً علی أبیّ ، أو فعله

ص: 326

إکراماً لأم الطفیل زوجة أبی بن کعب ، التی کانت من حزب کعب الأحبار وعمر فی التجسیم ، فعنها یروون حدیث رؤیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لربه علی شکل شاب یلبس نعلین من ذهب ! کما تقدم فی المسألة السابعة !

الله عز وجل وأنا أمشی فی طریق من طرق المدینة ، فإذا أنا برجل ینادینی من بعدی: أتبعْ (أی أکمل) ابنَ عباس ، فإذا هو أمیر المؤمنین عمر فقلت: أتبعک علی أبیِّ بن کعب؟ فقال: أهو أقرأکها کما سمعتک تقرأ؟ قلت: نعم ، قال فأرسل معی رسولاً قال: إذهب معه إلی أبی بن کعب فانظر یقرأ أبی کذلک ؟ قال فانطلقت أنا ورسوله إلی أبی بن کعب ، قال فقلت: یا أبیّ قرأت آیة من کتاب الله فنادانی من بعدی عمر بن الخطاب: أتبع ابن عباس ، فقلت أتبعک علی أبی بن کعب ، فأرسل معی رسوله ، أفأنت أقرأتنیها کما قرأت ؟ قال أبیٌّ: نعم . قال فرجع الرسول إلیه فانطلقت أنا إلی حاجتی ، قال: فراح عمر إلی أبیّ فوجده قد فرغ من غسل رأسه وولیدته تدری لحیته بمدراها ، فقال أبیٌّ: مرحباً یا أمیرالمؤمنین أزائراً جئت أم طالب حاجة؟ فقال عمر بل طالب حاجة ، قال فجلس ومعه مولیان له حتی فرغ من لحیته ، وأدرت جانبه الأیمن من لمته ، ثم ولاها جانبه الأیسر ، حتی إذا فرغ أقبل إلی عمر بوجهه فقال: ما حاجة أمیر المؤمنین ؟

فقال عمر: یا أبیّ علی مَ تقنِّط الناس؟

فقال أبیّ: یا أمیر المؤمنین إنی تلقیت القرآن من تلقاء جبریل وهو رطب . فقال عمر: تا الله ما أنت بمنته وما أنا بصابر ، ثلاث مرات ، ثم قام فانطلق! )!.

ولم تذکر الروایة الآیة ، وکیف أن قراءة أبیّ لها تقنیط للناس، وقراءة عمر تأمیل لهم بالجنة ! وقد تکون مثل توسیعاته المتقدمة للشفاعة ! لکنه غضب من إصرار أبیّ ، وأعلن أنه لن یصبر علیه بعد الیوم ! وما أنا بصابر !!

فهل کان عمر یفکر بحبس شیخ القراء المشهود له من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ کلا ، بل

ص: 328

قرر أن یمنعه من تعلیم المسلمین القرآن وتصحیح قراءتهم بالوسیلة العمریة المفضلة ، وهی السوط علی رأس ووجه أکبر شیبة فی الأنصار ، وأکبر حفظة القرآن بشهادة الخلیفة ! علی باب مسجد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو داخل المسجد ، علی مرأی جماعته ومسمعهم ! وهکذا نفذ خلیفة النبی وصیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معکوسة تماماً ، کما نفذ وصیة النبی بآله وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وقد أغفلت الصحاح الستة قصة ضرب عمر لأبیّ بن کعب ، لکن روتها مصادر أخری موثوقة عندهم وتفاوتت فی ذکر السبب.. والذی یظهر من روایة الراغب فی محاضرات الأدباء:1/133 أن السبب هو خروج عدد من تلامیذ أبیّ ومحبیه معه من المسجد ومشیهم معه فی الطریق! قال الراغب:(ونظر عمر إلی أبیّ بن کعب وقد تبعه قوم ، فعلاه بالدرة وقال: إنها فتنة للمتبوع ومذلة للتابع ) .

ولکن الدارمی وعمر بن شبة صرحا بأن السبب أن أبیّاً خالف أمر الخلیفة بعدم تحدیث الناس عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال الدارمی:1/132: (عن سلیمان بن حنظلة قال: أتینا أبی بن کعب لنحدِّث إلیه ، فلما قام قمنا ونحن نمشی خلفه فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرة! قال: فاتقاه بذراعیه فقال یا أمیر المؤمنین ما تصنع؟!! قال: أو ما تری ؟ فتنة للمتبوع مذلة للتابع ! )! انتهی .

وقال ابن شبة فی تاریخ المدینة:2/691: (حدثنی أبو عمرو الجملی ، عن زاذان أن عمر خرج من المسجد فإذا جمع علی رجل فسأل: ما هذا؟ قالوا: هذا أبیّ بن کعب کان یحدث الناس فی المسجد فخرج الناس یسألونه ، فأقبل عمر حرداً فجعل یعلوه بالدرة خفقاً ، فقال: یا أمیر المؤمنین أنظر ما تصنع ، قال: فإنی علی عمد أصنع، أما تعلم أن هذا الذی تصنع فتنة للمتبوع مذلة للتابع!!)!! انتهی . فالسبب لیس مخالفة أبیّ لعمر فی قراءة القرآن فقط ، بل یضاف إلیه مخالفته

ص: 329

لمرسوم عمر بمنع الصحابة من مجرد التحدیث عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! فکل صحابی یقول: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فهو جریمة یعاقب علیها ! فإن قال ذلک فی المسجد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فالجریمة مضاعفة !! وهناک سبب أکبر !!

(قال عمر: أقتلوا سعدا قتله الله ، فوثب قیس بن سعد فأخذ بلحیة عمر وقال: والله یا بن صهاک الجبان فی الحرب والفرار ، اللیث فی الملأ والأمن ، لو حرکت منه شعرة ما رجعت وفی وجهک واضحة .

فقال أبو بکر: مهلاً یا عمر مهلاً ، فإن الرفق أبلغ وأفضل .

فقال سعد: یا بن صهاک وکانت جدة عمر الحبشیة: أما والله لو أن لی قوة علی النهوض لسمعتها منی فی سککها زئیراً أزعجک وأصحابک منها ولألحقنکما بقوم کنتما فیهم أذناباً أذلاء تابعین غیر متبوعین ، لقد اجترأتما !!

ثم قال للخزرج: إحملونی من مکان الفتنة فحملوه وأدخلوه منزله ، فلما کان بعد ذلک بعث إلیه أبو بکر أن قد بایع الناس فبایع. فقال: لا والله حتی أرمیکم بکل سهم فی کنانتی وأخضب منکم سنان رمحی وأضربکم بسیفی ما أقلَّتْ یدی ، فأقاتلکم بمن تبعنی من أهل بیتی وعشیرتی. ثم وأیم الله لو اجتمع الجن والإنس علیَّ لما بایعتکما أیهما الغاصبان حتی أعرض علی ربی وأعلم ما حسابی . فلما جاءهم کلامه قال عمر: لابد من بیعته . فقال بشیر بن سعد: إنه قد أبی ولجَّ ولیس بمبایع أو یقتل ، ولیس بمقتول حتی یقتل معه الخزرج والأوس فاترکوه فلیس ترکه بضائر، فقبلوا قوله وترکوا سعداً ، فکان سعد لا یصلی معهم .

قال: وبایع جماعة الأنصار ومن حضر من غیرهم ، وعلی بن أبی طالب مشغول بجهاز رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فلما فرغ من ذلک وصلی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والناس یصلون علیه ، من بایع أبا بکر ومن لم یبایع ، جلس فی المسجد ، فاجتمع علیه بنو هاشم ومعهم الزبیر بن العوام، واجتمعت بنو أمیة إلی عثمان بن عفان ، وبنو زهرة إلی عبد الرحمن بن عوف ، فکانوا فی المسجد کلهم مجتمعین ، إذ أقبل أبو بکر ومعه عمر وأبو عبیدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراکم حلقاً شتی قوموا فبایعوا أبا

ص: 332

بکر فقد بایعته الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبایعوا وانصرف علی وبنو هاشم إلی منزل علی(علیه السّلام) ومعهم الزبیر ....

قال: فذهب إلیهم عمر فی جماعة ممن بایع فیهم أسید بن حصین وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعین فقالوا لهم: بایعوا أبا بکر فقد بایعه الناس، فوثب الزبیر إلی سیفه، فقال عمر: علیکم بالکلب العقور... فاکفونا شره ، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السیف من یده فأخذه عمر

فضرب به الأرض فکسره وأحدقوا بمن کان هناک من بنی هاشم ومضوا بجماعتهم إلی أبی بکر ، فلما حضروا قالوا: بایعوا أبا بکر فقد بایعه الناس، وأیم الله لئن أبیتم ذلک لنحاکمنکم بالسیف... فقال علی(علیه السّلام): أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولی بالبیعة لی أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم علیهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البیت غصباً ، ألستم زعمتم للأنصار أنکم أولی بهذا الأمر منهم لمکانکم من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأعطوکم المقادة وسلموا لکم الإمارة ، وأنا أحتج علیکم بمثل ما احتججتم علی الأنصار ، أنا أولی برسول الله حیاً ومیتاً ، وأنا وصیه ووزیره ومستودع سره وعلمه ، وأنا الصدیق الأکبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه، وأحسنکم بلاءافی جهاد المشرکین وأعرفکم بالکتاب والسنة وأفقهکم فی الدین وأعلمکم بعواقب الأمور ، وأذربکم لساناً وأثبتکم جناناً ، فعلامَ تنازعونا هذا الأمر؟ أنصفونا إن کنتم تخافون الله من أنفسکم ، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لکم الأنصار ، وإلا فبوؤا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون . . .

فقال عمر: إنک لست متروکاً حتی تبایع طوعاً أو کرهاً .

فقال علی(علیه السّلام): إحلب حلباً لک شطره ، أشدد له الیوم لیرد علیک غداً إذاً والله لا أقبل قولک ، ولا أحفل بمقامک ، ولا أبایع .

ص: 333

فقال أبو بکر: مهلاً یا أبا الحسن ما نشک فیک ولا نکرهک .

فقال أبو عبیدة إلی علی(علیه السّلام)فقال: یا بن عم لسنا ندفع قرابتک ولا سابقتک ولاعلمک ولا نصرتک ، ولکنک حدث السن وکان لعلی(علیه السّلام)یومئذ ثلاث وثلاثون سنة ، وأبو بکر شیخ من مشایخ قومک ، وهو أحمل لثقل هذا الأمر ، وقد مضی الأمر بما فیه فسلم له ، فإن عمرک الله یسلموا هذا الأمر إلیک ، ولا یختلف فیک اثنان بعد هذا إلا وأنت به خلیق وله حقیق ، ولا تبعث الفتنة فی أوان الفتنة فقد عرفت ما فی قلوب العرب وغیرهم علیک ...

فقال بشیر بن سعد الأنصاری الذی وطَّأ الأرض لأبی بکر ، وقالت جماعة من الأنصار: یا أبا الحسن لو کان هذا الأمر سمعته منک الأنصار قبل بیعتها لأبی بکر ...الخ ) .

وفی الإحتجاج للطبرسی:1/97: (عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبی عبد الله جعفر بن محمد الصادق(علیهماالسّلام): جعلت فداک هل کان أحد فی أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنکر علی أبی بکر فعله وجلوسه مجلس رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ قال: نعم کان الذی أنکر علی أبی بکر اثنا عشر رجلاً .

من المهاجرین: خالد بن سعید بن العاص ، وکان من بنی أمیة ، وسلمان الفارسی ، وأبو ذر الغفاری ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن یاسر، وبریدة الأسلمی .

ومن الأنصار: أبو الهیثم بن التیهان ، وسهل وعثمان ابنا حنیف ، وخزیمة بن ثابت ذو الشهادتین ، وأبی بن کعب ،

وأبو أیوب الأنصاری .

قال: فلما صعد أبو بکر المنبر تشاوروا بینهم فقال بعضهم لبعض: والله لنأتینه

ص: 334

ولننزلنه عن منبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلک إذاً أعنتم علی أنفسکم فقد قال الله عزوجل: وَلا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ ،فانطلقوا بنا إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)لنستشیره ونستطلع رأیه ، فانطلق القوم إلی أمیر المؤمنین بأجمعهم فقالوا: یا أمیر المؤمنین ترکت حقاً أنت أحق به وأولی به من غیرک ، لأنا سمعنا رسول الله یقول (علی مع الحق والحق مع علی یمیل مع الحق کیفما مال ) ولقد هممنا أن نصیر إلیه فننزل عن منبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، فجئناک لنستشیرک ونستطلع رأیک فما تأمرنا ؟

فقال أمیر المؤمنین: وأیم الله لو فعلتم ذلک لما کنتم لهم إلا حرباً ، ولکنکم کالملح فی الزاد وکالکحل فی العین ، وأیم الله لو فعلتم ذلک لأتیتمونی شاهرین بأسیافکم مستعدین للحرب والقتال وإذا تنوین لأتونی فقالوا لی :بایع وإلا قتلناک ، فلا بد لی من أدفع القوم عن نفسی ، وذلک أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أوعز إلیَّ قبل وفاته وقال لی: یا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بک من بعدی وتنقض فیک عهدی ، وإنک منی بمنزلة هارون من موسی، وإن الأمة من بعدی کهارون ومن اتبعه والسامری ومن اتبعه! فقلت: یا رسول الله فما تعهد إلیَّ إذا کان کذلک؟ فقال: إذا وجدت أعوانا فبادر إلیهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً کف یدک واحقن دمک حتی تلحق بی مظلوماً .

فلما توفی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )اشتغلت بغسله وتکفینه والفراغ من شأنه ثم آلیت علی نفسی یمیناً أن لا أرتدی برداء إلا للصلاة حتی أجمع القرآن ، ففعلت ، ثم أخذت بید فاطمة وابنیَّ الحسن والحسین فدرت علی أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقی ودعوتهم إلی نصرتی ، فما أجابنی منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد ، ولقد راودت فی ذلک بقیة أهل بیتی ، فأبوا علی إلا السکوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بیت نبیه ، فانطلقوا بأجمعکم إلی الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبیکم ، لیکون ذلک أوکد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا وردوا علیه .

ص: 335

فسار القوم حتی أحدقوا بمنبر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان یوم الجمعة ، فلما صعد أبو بکر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتکلموا فقال الأنصار للمهاجرین: بل تکلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بکم فی الکتاب.... فأول من تکلم به خالد بن سعید بن العاص ، ثم باقی المهاجرین ، ثم بعدهم الأنصار ....

فقام إلیه خالد بن سعید بن العاص وقال:

إتق الله یا أبا بکر فقد علمت أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال ونحن محتوشوه یوم بنی قریظة حین فتح الله له باب النصر وقد قتل علی بن أبی طالب(علیه السّلام)یومئذ عدة من صنادید رجالهم وأولی البأس والنجدة منهم: یا معاشر المهاجرین والأنصار إنی موصیکم بوصیة فاحفظوها وموعدکم أمراً فاحفظوه ، ألا إن علی بن أبی طالب أمیرکم بعدی وخلیفتی فیکم ، بذلک أوصانی ربی . ألا وإنکم إن لم تحفظوا فیه وصیتی وتوازروه وتنصروه اختلفتم فی أحکامکم واضطرب علیکم أمر دینکم وولیکم أشرارکم .

ألا وإن أهل بیتی هم الوارثون لأمری والعالمون لأمر أمتی من بعدی .

اللهم من أطاعهم من أمتی وحفظ فیهم وصیتی فاحشرهم فی زمرتی واجعل لهم نصیباً من مرافقتی یدرکون به نور الآخرة .

اللهم ومن أساء خلافتی فی أهل بیتی فاحرمه

الجنة التی عرضها کعرض السماء والأرض .

فقال له عمر بن الخطاب: أسکت یا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن یقتدی برأیه .

فقال له خالد: بل أسکت أنت یابن الخطاب ، فإنک تنطق علی لسان غیرک وأیم الله لقد علمت قریش أنک من ألأمها حسباً ، وأدناها منصباً ، وأخسها قدراً ، وأخملها ذکراً ، وأقلهم غناءا عن الله ورسوله ، وإنک لجبان فی الحروب ، بخیل

ص: 336

بالمال ، لئیم العنصر ، مالک فی قریش من فخر ، ولا فی الحروب من ذکر ، وإنک فی هذا الأمر بمنزلة الشیطان: إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرئٌ مِنْکَ إِنِّی أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِین. فَکَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِی النَّارِ خَالِدَیْنِ فِیهَا وَذَلِکَ جَزَاءُ الظَّالِمِینَ . فأبلس عمر ، وجلس خالد بن سعید .

ثم قام سلمان الفارسی وقال....

ثم قام أبو ذر الغفاری فقال....

ثم قام المقداد بن الأسود فقال....

ثم قام إلیه بریدة الأسلمی فقال.....

ثم قام عمار بن یاسر فقال.....

ثم قام أبیُّ بن کعب فقال: یا أبا بکر لاتجحد حقاً جعله الله لغیرک ، ولاتکن أول من عصی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی وصیه وصفیه ، وصدف عن أمره ، أردد الحق إلی أهله تسلم ، ولا تتماد فی غیک فتندم ، وبادر الإنابة یخف وزرک ، ولا تخصص بهذا الأمر الذی لم یجعله الله لک نفسک فتلقی وبال عملک ، فعن قلیل تفارق ما أنت فیه وتصیر إلی ربک ، فیسألک عما جنیت وما ربک بظلام للعبید .

ثم قام خزیمة بن ثابت فقال.....

ثم قام أبو الهیثم بن التیهان فقال.....

ثم قام سهل بن حنیف فحمد الله وأثنی علیه وصلی علی النبی محمد وآله ثم قال... وقام معه أخوه عثمان بن حنیف ، وقال ...

قال الصادق(علیه السّلام): فأفحم أبو بکر علی المنبر حتی لم یحر جواباً ، ثم قال: ولیتکم ولست بخیرکم ، أقیلونی أقیلونی !

فقال له عمر بن الخطاب: إنزل عنها یا لکع! إذا کنت لا تقوم بحجج قریش لِمَ

ص: 337

أقمت نفسک هذا المقام ؟ والله لقد هممت أن أخلعک وأجعلها فی سالم مولی أبی حذیفة .

قال: فنزل ثم أخذ بیده وانطلق إلی منزله ، وبقوا ثلاثة أیام لا یدخلون مسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

فلما کان فی الیوم الرابع جاءهم خالد بن الولید ومعه ألف رجل فقال لهم: ماجلوسکم فقد طمع فیها والله بنو هاشم ؟ وجاءهم سالم مولی أبی حذیفة ومعه ألف رجل ، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل ، فما زال یجتمع إلیهم رجل رجل حتی اجتمع أربعة آلاف رجل ، فخرجوا شاهرین بأسیافهم یقدمهم عمر بن الخطاب حتی وقفوا بمسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال عمر:

والله یا أصحاب علیّ لئن ذهب منکم رجل یتکلم بالذی تکلم بالأمس لنأخذن الذی فیه عیناه . فقام إلیه خالد بن سعید بن العاص وقال: یا بن صهاک الحبشیة أبأسیافکم تهددوننا أم بجمعکم تفزعوننا ، والله إن أسیافنا أحد من أسیافکم وإنا لأکثر منکم وإن کنا قلیلین لأن حجة الله فینا ، والله لو لا أنی أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامی أولی بی ، لشهرت سیفی وجاهدتکم فی الله إلی أن أبلی عذری .

فقام أمیر المؤمنین وقال: أجلس یا خالد ، فقد عرف الله لک مقامک وشکر لک سعیک ، فجلس .

وقام إلیه سلمان الفارسی فقال: الله أکبر الله أکبر ! سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بهاتین الأذنین وإلا صمتا یقول: بینا أخی وابن عمی جالس فی مسجدی مع نفر من أصحابه إذ تکبسه جماعة من کلاب أصحاب النار یریدون قتله وقتل من معه ، فلست أشک ألا وإنکم هم !

ص: 338

فهمَّ به عمر بن الخطاب فوثب إلیه أمیر المؤمنین(علیه السّلام)وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ، ثم قال: یابن صهاک الحبشیة لولا کتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم ، لأریتک أینا أضعف ناصراً وأقل عدداً !! ثم التفت إلی أصحابه فقال: إنصرفوا رحمکم الله ، فوالله لا دخلت المسجد إلا کما دخل أخوای موسی وهارون إذ قال له أصحابه: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّکَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ . والله لا دخلته إلا لزیارة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو لقضیة أقضیها ، فإنه لا یجوز بحجة أقامها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یترک الناس فی حیرة !!

وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم إن عمر احتزم بأزاره وجعل یطوف بالمدینة وینادی: ألا إن أبا بکر قد بویع له فهلموا إلی البیعة ، فینثال الناس یبایعون ، فعرف أن جماعة فی بیوت مستترون ، فکان یقصدهم فی جمع کثیر ویکبسهم ویحضرهم المسجد فیبایعون !

حتی إذا مضت أیام أقبل فی جمع کثیر إلی منزل علی(علیه السّلام)فطالبه بالخروج فأبی، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذی نفس عمر بیده لیخرجن أو لأحرقنه علی ما فیه ! فقیل له: إن فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیه ، وأنکر الناس ذلک من قوله فلما عرف إنکارهم قال: ما بالکم أترونی فعلت ذلک ، إنما أردت التهویل ، فراسلهم علی أن لیس إلی خروجی حیلة لأنی فی جمع کتاب الله الذی قد نبذتموه وألهتکم الدنیا عنه ، وقدحلفت أن لاأخرج من بیتی ولاأدع ردائی علی عاتقی حتی أجمع القرآن .

قال: وخرجت فاطمة بنت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلیهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لاعهد لی بقوم أسوء محضراً منکم ، ترکتم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جنازة بین أیدینا وقطعتم أمرکم فیما بینکم ولم تؤمرونا ، ولم تروا لنا حقاً ، کأنکم لم تعلموا ما

ص: 339

قال یوم غدیر خم، والله لقد عقد له یومئذ الولاء لیقطع منکم بذلک منها الرجاء ، ولکنکم قطعتم الأسباب بینکم وبین نبیکم . والله حسیب بیننا وبینکم فی الدنیا والآخرة ). انتهی.

هذا ، وقد روی فی الإحتجاج:1/153: کلاماً طویلاً لأبی بن کعب(رحمه الله) اعتراضاً علی أبی بکر فی مسجد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أول جمعة من شهر رمضان تلک السنة: (عن محمد ویحیی ابنی عبد الله بن الحسن ، عن أبیهما ، عن جدهما، عن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)قال: لما خطب أبو بکر قام إلیه أبی بن کعب وکان یوم الجمعة أول یوم من شهر رمضان وقال: یا معشر المهاجرین الذین اتبعوا مرضات الله، وأثنی الله علیهم فی القرآن، ویا معشر الأنصار الذین تبوؤا الدار والإیمان وأثنی الله علیهم فی القرآن:

تناسیتم أم نسیتم ، أم بدلتم ، أم غیرتم ، أم خذلتم ، أم عجزتم ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قام فینا مقاماً أقام فینا علیاً فقال: من کنت مولاه فهذا مولاه یعنی علیاً ، ومن کنت نبیه فهذا أمیره ؟

ألستم تعلمون أن رسول الله قال:یا علی أنت منی بمنزلة هارون من موسی طاعتک واجبة علی من بعدی کطاعتی فی حیاتی غیر أنه لا نبی بعدی؟ ألستم تعلمون أن رسول الله قال: أوصیکم بأهل بیتی خیراً فقدموهم ولا تقدموهم ، وأمروهم ولا تأمروا علیهم ؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله قال:أهل بیتی منار الهدی والدالون علی الله أو لستم تعلمون أن رسول الله قال لعلی: أنت الهادی لمن ضل ؟

أو لستم تعلمون أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: علی المحیی لسنتی، ومعلم أمتی ، والقائم بحجتی ، وخیر من أخلف من بعدی ، وسید أهل بیتی وأحب الناس الیَّ ،

ص: 340

طاعته کطاعتی علی أمتی؟ . . . الخ .

فقامت إلیه رجال من الأنصار فقالوا:

أقعد رحمک الله یا أبیّ ، فقد أدیت ما سمعت الذی معک ، ووفیت بعهدک ) . انتهی .

أعاهدک لئن أبقیتنی إلی یوم الجمعة لأتکلمن بما سمعت من رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا أخاف فیه لومة لائم. قال ثم انصرفت عنه وجعلت أنتظر یوم الجمعة فلما کان یوم الخمیس خرجت لبعض حاجتی فإذا الطرق مملوءة من الناس ، لا آخذ فی سکة إلا استقبلنی الناس، قال: فقلت: ما شان الناس؟ قالوا :إنا نحسبک غریباً ؟ قال: قلت: أجل ، قالوا :مات سید المسلمین أبی بن کعب ، قال :فلقیت أبا موسی بالعراق فحدثته ، فقال: هلا کان یبقی حتی تبلغنا مقالته؟! هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه) . انتهی ، (ورواه بروایات أخری فی ترجمة أبی هنا ، وفی :3/302 وفی طبقات ابن سعد :3/500و501، وجاء فیه قول الراوی الآخر: (قلت لأبیّ بن کعب: ما لکم أصحاب رسول الله (ص) نأتیکم من البعد نرجو عندکم الخبر أن تعلمونا فإذا أتیناکم استخففتم أمرنا کأنا نهون علیکم ؟! فقال: والله لئن عشت إلی هذه الجمعة لأقولن فیها قولاً لا أبالی أَستحییتمونی علیه أو قتلتمونی!! فلما کان یوم الجمعة من بین الأیام أتیت المدینة فإذا أهلها یموجون بعضهم فی بعض فی سککهم ، فقلت: ما شأن هؤلاء الناس؟! قال بعضهم: أما أنت من أهل هذا البلد؟ قلت لا ، قال فإنه قد مات سید المسلمین الیوم أبیُّ بن کعب ، قلت: والله إن رأیت کالیوم فی الستر أشد مما ستر هذا الرجل ) . انتهی.

وفی مسند أحمد:5/140: (عن قیس بن عباد

قال أتیت المدینة للقی أصحاب محمد (ص)ولم یکن فیهم رجل ألقاه أحب إلی من أبیّ ... ثم حدث فما رأیت الرجال متحت أعناقها إلی شئ متوحها إلیه ! قال: سمعته یقول :هلک أهل العقدة ورب الکعبة! ألا لاعلیهم آسی ، ولکن آسی علی من یهلکون من المسلمین ! وإذا هو أبیّ ، والحدیث علی لفظ سلیمان بن داود).

ص: 342

وفی صحیح ابن خزیمة:3/33: (ثم استقبل القبلة فقال: هلک أهل العقدة ورب الکعبة ثلاثاً. ثم قال: والله ما علیهم آسی ولکن آسی علی من أضلوا قال :قلت من تعنی بهذا قال: الأمراء). (ونحوه فی حلیة الأولیاء:3/110).

وفی تهذیب الکمال:2/270: (عن عتی بن ضمرة قال: قلت لأبی بن کعب ما شأنکم یا صحابة رسول الله (ص) نأتیکم من الغربة نرجو عندکم الخیر أن نستفیده عندکم فتهاونون بنا ؟! فقال أبیّ: أما والله لئن عشت إلی هذه الجمعة لأقولن قولاً لا أبالی أَستحییتمونی أو قتلتمونی !

قال فلما کان یوم الجمعة من بین الأیام خرجت من منزلی فإذا أهل المدینة یؤذنون فی سککها ! فقلت لبعضهم: ما شأن الناس؟ قالوا :وما أنت من أهل البلد ؟ قلت: لا ، قال: فإن سید المسلمین مات الیوم! قلت: من هو ؟ قال: أبیُّ بن کعب. فقلت فی نفسی: والله مارأیت کالیوم فی الستر أشد مما ستر هذا الرجل) !

وفی المعجم الأوسط:7/217: (هلک أهل العقدة ورب الکعبة والله ما علیهم آسی ولکنی آسی علی من أهلکوا من أمة محمد )!!

وفی نیل الأوطار:3/222: (فسمعته یقول: هلک أهل العقدة ورب الکعبة ألا لاعلیهم آسی ولکن آسی علی من یهلکون من المسلمین ! وإذا هو أبیُّ یعنی ابن کعب . هذا لفظ أحمد ، وقد أخرج الحدیث أیضاً النسائی وابن خزیمة فی صحیحه. ومتحت بفتح المیم وتاءین مثناتین بینهما حاء مهملة أی مدت. وأهل العقدة بضم العین المهملة وسکون القاف یرید البیعة المعقودة للولایة).

وفی الکافی:4/545: عن الإمام الباقر(علیه السّلام)قال: (کنت دخلت مع أبی(علیه السّلام) الکعبة

ص: 343

فصلی علی الرخامة الحمراء بین العمودین فقال: فی هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو قتل ألا یردوا هذا الأمر فی أحد من أهل بیته أبداً ! قال قلت: ومن کانوا؟ قال: کان الأول والثانی ، وأبو عبیدة بن الجراح ، وسالم ابن الحبیبة). ! انتهی.

وهکذا قتل أبیُّ بن کعب قبل أن ینفذ عهده الذی عاهد الله علیه أن یفضح المؤامرة علی عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!! ولامجال لذکر فعالیات الشبکة القرشیة وحلفائها الیهود ، التی کانت وراء السقیفة !

وهذا المغیرة بن شعبة وهو من الصحابة ، ادعی علیه الزنا وشهد علیه قوم بذلک ، فلم ینکر ذلک عمر ولا قال: هذا محال وباطل لأن هذا صحابی.....

وهاهنا من هو أمثل من المغیرة وأفضل: قدامة بن مظعون لما شرب الخمر فی أیام عمر فأقام علیه الحد ، وهو رجل من علیة الصحابة، ومن أهل بدر ...

وقال أبو بکر فی مرضه الذی مات فیه: وددت إنی لم أکشف بیت فاطمة ولو کان أغلق علی حرب ، فندم ...

ثم ینبغی للعاقل أن یفکر فی تأخر علی(علیه السّلام)عن بیعه أبی بکر ستة أشهر إلی إن ماتت فاطمة ، فإن کان مصیباً فأبو بکر علی الخطأ فی انتصابه فی الخلافة.....

ثم قال أبو بکر فی مرض موته أیضاً للصحابة: فلما استخلفت علیکم خیرکم فی نفسی یعنی عمر فکلکم ورم لذلک أنفه یرید أن یکون الأمر له . لما رأیتم الدنیا قد جاءت.....

وکلمة أبیّ بن کعب مشهورة منقولة: ما زالت هذه الأمة مکبوبة علی وجهها منذ فقدوا نبیهم ! وقوله: ألا هلک أهل العقیدة (العقدة)، والله ما آسی علیهم إنما آسی علی من یضلون من الناس !!

ثم قول عبد الرحمن بن عوف: ما کنت أری أن أعیش حتی یقول لی عثمان یا منافق ، وقوله: لو استقبلت من أمری ما استدبرت ما ولیت عثمان شسع نعلی ، وقوله: اللهم إن عثمان قد أبی أن یقیم کتابک فافعل به وافعل)!!

ص: 345

والله لئن أحببت لألزمن بیتی فلاأحدث شیئاً ولا أقرئ أحداً حتی أموت ! فقال عمر بن الخطاب: اللهم غفراً ، إنا لنعلم أن الله قد جعل عندک علماً فعلم الناس ما علمت ) . انتهی .

وأحیاناً کانت تشتد المواجهة فیصر عمر علی رأیه ، ویوبخ أبیاً ولایقبل منه ، ویأمر المسلمین بکتابة المصحف علی ما یقوله هو ، وأن یمحوا ما یقوله أبیٌّ ! الخ . ففی تاریخ المدینة:2/711: (عن خرشة بن الحر قال: رأی معی عمر بن الخطاب لوحاً مکتوباً فیه: إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة فاسعوا إلی ذکر الله ، فقال: من أملی علیک هذا ؟ قلت: أبیُّ بن کعب ، فقال :إن أبیاً کان أقرأنا للمنسوخ ، إقرأها: فامضوا إلی ذکر الله ! ). (وفی الدر المنثور:6/219: عن أبی عبید فی فضائله ، وسعید بن منصور ، وابن أبی شیبة ، وابن المنذر، وابن الأنباری فی المصاحف . وقراءة عمر فی البخاری:6/63)

وروی البیهقی:3/227 (عن سالم ، عن أبیه قال: ما سمعت عمر بن الخطاب یقرؤها إلا: فامضوا إلی ذکر الله... أنبأ الشافعی ، أنبأ سفیان بن عیینة ، فذکره بنحوه ) .

والسبب فی إصرار عمر علی تحریف نص القرآن أن کلمة(السعی) فی الآیة مشترکة بین السعی المعنوی والمادی ! لکنها فی ذهن عمر تعنی الرکض! وبما أن المطلوب لصلاة الجمعة هو المضی والذهاب ولیس الرکض فلا یصح التعبیر بالسعی! فلا بد أن تکون نزلت من عند الله: فامضوا ، وأن (فاسعوا) اشتباه من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو جبرئیل(علیه السّلام)!!

وعندما یجتهد عمر ویضع فی رأسه شیئاً ، یغیب عنه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أمر

ص: 347

المسلمین أن یأخذوا القرآن من أبیّ بن کعب ، ولیس من عمر !

ویبدو أن هذا المعنی العمری للسعی کان موجوداً فی أذهان بعضهم ، ففی الدر المنثور:6/219 عن البیهقی: (عن عبد الله بن الصامت قال: خرجت إلی المسجد یوم الجمعة فلقیت أبا ذر ، فبینا أنا أمشی إذ سمعت النداء فرفعت فی المشی لقول الله: إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة فاسعوا إلی ذکر الله فجذبنی جذبة فقال: أو لسنا کلمة واحدة؟فی سعی؟!).

أما علیٌّ وأهل البیت(علیهم السّلام) فکانوا ملتفتین إلی أن السعی هنا لیس بمعنی الرکض بل بمعنی السعی المعنوی الذی یتناسب مع المشی إلی صلاة الجمعة بسکینة ووقار .

روی المغربی فی دعائم الإسلام:1/182: (عن علی(علیه السّلام)أنه سئل عن قول الله تعالی: یا أیها الذین آمنوا إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة فاسعوا إلی ذکر الله ، قال: لیس السعی الاشتداد ، ولکن یمشون إلیها مشیاً ) .

وروی الصدوق فی علل الشرائع:2/357: ( عن حماد عن الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إذا قمت إلی الصلاة إن شاء الله فأتها سعیاً ولیکن علیک السکینة والوقار ، فما أدرکت فصل وما سبقت به فأتمه فإن الله عزوجل یقول: یا أیها الذین آمنوا إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة فاسعوا إلی ذکر الله . ومعنی قوله فاسعوا هو الإنکفات ) .

وفی تفسیر علی بن إبراهیم:2/367 ، عن الإمام الباقر(علیه السّلام) (إسعوا: إعملوا لها وهو قص الشارب ، ونتف الأبط وتقلیم الأظافیر والغسل ولبس أفضل ثیابک، وتطیب للجمعة فهو السعی ، یقول الله: ومن أراد الآخرة وسعی لها سعیها وهو

ص: 348

مؤمن ) انتهی .

وقال الراغب فی مفرداته ص233: ( السعی المشی السریع وهو دون العدو . ویستعمل للجد فی الأمر خیراً کان أو شراً ، قال تعالی: وسعی فی خرابها ، وقال: نورهم یسعی بین أیدیهم . وقال: ویسعون فی الأرض فساداً ، وإذا تولی سعی فی الأرض ، وأن لیس للإنسان إلا ما سعی وأن سعیه سوف یری ، إن سعیکم لشتی. وقال تعالی: وسعی لها سعیها ، کان سعیهم مشکوراً . وقال تعالی: فلا کفران لسعیه).

وقال الخلیل فی کتاب العین:2/202: (السعی عدو لیس بشدید . وکل عمل من خیر أو شر فهو السعی ، یقولون السعی :العمل أی الکسب . والمسعاة فی الکرم والجود ) .

وقال الجوهری فی الصحاح:6/2377: ( سعی الرجل یسعی سعیاً أی عدا ، وکذلک إذا عمل وکسب ) .

وقال الطریحی فی مجمع البحرین:2/375: (فاسعوا إلی ذکر الله ، أی بادروا بالنیة والجد ، ولم یرد للعدو والإسراع فی المشی. والسعی یکون عدواً ومشیاً وقصداً وعملاً ، ویکون تصرفاً بالصلاح والفساد . والأصل فیه المشی السریع لکنه یستعمل لما ذکر وللأخذ فی الأمر) .

ولا تجد أحداً من السنیین انتصر للقرآن ، فأید أبیاًّ وخطَّأ عمر ! بل تراهم غضوا أبصارهم عن فضیحة عمر، وخرسوا عن شهادته الزور بالنسخ ، ودعوا له بالستر والسلامة ، کما فعل البخاری !

ص: 349

وغایة ما وصلت إلیه جرأة کبارهم الإنتقاد البعید بالإشارة البعیدة !

قال البیهقی فی سننه:3/227: (قال الشافعی: ومعقول أن السعی فی هذا الموضع العمل لا السعی علی الأقدام ، قال الله تعالی: إن سعیکم لشتی ، وقال: ومن أراد الآخرة وسعی لها سعیها وهو مؤمن ، وقال: وکان سعیکم مشکوراً ، وقال: وأن لیس للإنسان إلا ما سعی . وقال: وإذا تولی سعی فی الأرض لیفسد فیها . قال الشیخ(البیهقی): وقد روی عن أبی ذر ما یؤکد هذا ) انتهی . وقد أخذها الشافعی عن أهل البیت(علیه السّلام)کما رأیت !

وتبع الشافعی والبیهقی ، ابن قدامة فی المغنی:2/143.

أما السیوطی فقد جمع ست عشرة روایة فی قراءة عمر هذه ، ولم یعلق علیها ! (الدر المنثور: 6/219) وروی فیها: (ما سمعت عمر یقرؤها قط إلا فامضوا إلی ذکر الله.... لقد توفی عمر وما یقول هذه الآیة التی فی سورة الجمعة إلا: فامضوا إلی ذکر الله ! وروی عن ابن عباس ومحمد بن کعب قال: السعی العمل ). (راجع کنز العمال:2/591 تحت

الأرقام: 48087 و4809 و4821 و4822 ، والتسهیل لابن جزی:2/445 . قرأ عمر: وامضوا إلی ذکر الله ) انتهی .

وتفسیر السعی بالعمل ، الذی رواه عن ابن عباس ومحمد بن أبیّ بن کعب ، هو رد غیر صریح علی عمر ، وقول محمد مؤشر علی أن نسبة ذلک إلی أبیه کذب علیه !

ص: 350

یهتدی إلیها حتی إبلیس !

روی الحاکم:3/305: ( عن أبی سلمة ومحمد بن إبراهیم التیمی قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو یقول: وَالسَّابِقُونَ

الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِی اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.. إلی آخر الآیة ، فوقف علیه عمر فقال: إنصرف ، فلما انصرف قال له عمر: من أقرأک هذه الآیة ؟ قال: أقرأنیها أبی بن کعب . فقال: إنطلقوا بنا إلیه ، فانطلقوا إلیه فإذا هو متکئ علی وسادة یرجل رأسه فسلم علیه فرد السلام فقال: یا أبا المنذر ، قال: لبیک ، قال: أخبرنی هذا أنک أقرأته هذه الآیة ؟ قال: صدق تلقیتها من رسول الله (ص) .

قال عمر: أنت تلقیتها من رسول الله (ص)؟!

قال: نعم أنا تلقیتها من رسول الله . ثلاث مرات کل ذلک یقوله ، وفی الثالثة وهو غضبان: نعم والله ، لقد أنزلها الله علی جبریل وأنزلها جبریل علی محمد ، فلم یستأمر فیها الخطاب ولا ابنه !! فخرج عمر وهو رافع یدیه وهو یقول: ألله أکبر ، ألله أکبر ! ). (ورواه فی کنز العمال:2/605 وقال: (أبو الشیخ فی تفسیره، ک ، قال الحافظ ابن حجر فی الأطراف: صورته مرسل. قلت: له طریق آخر عن محمد بن کعب القرظی مثله أخرجه ابن جریر وأبو الشیخ ، وآخر عن عمر بن عامر الأنصاری نحوه ، أخرجه أبو عبید فی فضائله ، وسنید وابن جریر وابن المنذر وابن مردویه هکذا. صححه، ک).

وفی تاریخ المدینة:2/707: (حدثنا معاذ بن شبة بن عبیدة قال :حدثنی أبیّ عن أبیه عن الحسن: قرأ عمر: والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار الذین اتبعوهم بإحسان(بدون واو)فقال أبیٌّ:وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ، فقال عمر: والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار الذین اتبعوهم بإحسان ، وقال: أشهد أن الله أنزلها هکذا ، فقال أبی: أشهد أن الله

ص: 352

أنزلها هکذا ، ولم یؤامر فیها الخطاب ولا ابنه ! )! .

(وقال فی هامشه: فی منتخب کنز العمال:2/55 عن عمرو بن عامر الأنصاری أن عمر بن الخطاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار الذین... ورد فی نفس المرجع:2/56 عن أبی سلمة ومحمد بن إبراهیم التیمی قالا... وروی روایة الحاکم المتقدمة ، ثم قال: وانظر تفسیر ابن کثیر 4: 228) .

وروی فی کنز العمال:2/597: ( عن عمرو بن عامر الأنصاری أن عمر بن الخطاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار الذین اتبعوهم بإحسان . فرفع الأنصار ولم یلحق الواو فی الذین ، فقال زید: والذین اتبعوهم بإحسان . فقال عمر: الذین اتبعوهم بإحسان. فقال زید: أمیر المؤمنین أعلم ! فقال عمر: ائتونی بأبیّ بن کعب ، فسأله عن ذلک فقال أبیّ: والذین اتبعوهم بإحسان ، فجعل کل واحد منهما یشیر إلی أنف صاحبه بإصبعه ، فقال أبیّ: والله أقرأنیها رسول الله (ص) وأنت تتبع الخبط ، فقال عمر: نعم إذن ، فنعم إذن فنعم إذن ، نتابع أبیاً ) ! (أبو عبید فی فضائله ، وابن جریر وابن المنذر وابن مردویه. وقال فی هامشه: الخبط بفتح الخاء والباء -- الورق ینفض بالمخابط ویجفف ویطحن). انتهی .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:3/269: (أخرج أبو عبید وسنید وابن جریر وابن المنذر وابن مردویه عن حبیب الشهید عن عمرو بن عامر الأنصاری أن عمر بن الخطاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار الذین اتبعوهم بإحسان . فرفع الأنصار ولم یلحق الواو فی الذین ! فقال له زید بن ثابت: والذین . فقال عمر الذین ! فقال زید أمیر المؤمنین أعلم ! فقال عمر: إئتونی بأبی بن کعب ، فأتاه فسأله عن ذلک فقال أبی: والذین . فقال عمر: فنعم إذن نتابع أبیاً ).

ثم قال السیوطی: (وأخرج ابن جریر وأبو الشیخ عن محمد بن کعب القرظی قال

ص: 353

مرَّ عمر برجل یقرأ: السابقون الأولون من المهاجرین والأنصار ، فأخذ عمر بیده فقال: من أقرأک هذا ؟ قال أبی بن کعب . قال: لا تفارقنی حتی أذهب بک إلیه ، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآیة هکذا ؟ قال: نعم . قال وسمعتها من رسول الله (ص) ؟ قال: نعم . قال: لقد کنت أری أنا رُفعنا رفعةً لا یبلغها أحد بعدنا ! فقال أبیٌّ: تصدیق ذلک فی أول سورة الجمعة: وآخرین منهم لما یلحقوا بهم . وفی سورة الحشر: والذین جاؤا من بعدهم یقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذین سبقونا

بالإیمان. وفی الأنفال: والذین آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معکم فأولئک منکم) .

ومعنی قول عمر: (قد کنت أری أنا رُفعنا رفعةً لایبلغها أحد بعدنا ) ، أنه یری أن قریشاً فوق الجمیع فلا یساوی بها أحد ، بینما وجود الواو فی الآیة یجعل الأنصار معهم علی قدم المساواة ! فالحل عند عمر أن تقرأ الآیة المئة من سورة التوبة:(والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصارُ الذین اتبعوهم) ، فتحذف الواو وترفع کلمة الأنصار لیکون المعنیأن الله رضی عن المهاجرین وعن أتباعهم الأنصار !!

فعمر یرید أن یجعل اختیار الله تعالی لقریش من أجل قبائلها کلها ولیس من أجل أن یختار منهم بنی هاشم ، ویختار منهم محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وآله المطهرین المعصومین فقط .

یرید عمر طبقیة لقریش علی العالم ، وأنها شعب الله المختار ، علی خطی الیهود الذین زعموا أنهم شعب الله المختار والناس خدم لهم !

وهذا التحریف یثیر حفیظة کل مسلم ، ویثیر حفیظة الأنصار بصورة خاصة

ص: 354

لأن الله جعلهم علی قدم المساواة مع المهاجرین وإن ذکر اسمهم بعدهم ، وعمر یرید أن یجعلهم تابعین لهم !

ولایمکن أن نصدق أن موقف عمر کان ولید ساعته عندما سمع رجلاً یقرأ الآیة فی الطریق! فهذه الضربة(الفنیة)للأنصار لابد أنها کانت مدروسة حاضرة عنده ، وقد یکون هو الذی دبَّر رجلاً لیقرأها ویقول أقرأنیها أبیّ بن کعب ، لیکون ذلک سبباً لذهاب عمر إلیه لیناقشه فیها لعله یقبل معه !! بل لابد أن الموضوع کان مطروحاً مرات مع خاصته فی دار الخلافة ، ومع أبیّ نفسه ، وأن ذلک أثار الأنصار فأعلنوا نفیرهم من أجلها ، کما أتذکر أنی قرأت ! یعنی مش اکید؟

أما زید بن ثابت ، الأنصاری أماً الیهودی أباً ، فقد سلَّم لعمر ( فقال زید: أمیر المؤمنین أعلم) . ولو وقف فی وجهه ولم یخش سطوته لربح المعرکة ، لأن کل الأنصار سیقفون إلی جانبه ، ویؤیدهم أهل البیت(علیهم السّلام) ، ولکن زیداً ضعیف الشخصیة !

لکن أبی بن کعب(رحمه الله)مع أنه یخاف سطوة عمر ویداریه کثیراً ، فقد وقف فی وجهه لأنه حافظ للقرآن ، وأکبر سناً من عمر ، ومن صحابة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) المقربین ، والمسألة تمس کیان الأنصار !

وقد دافع الشوکانی عن عمر بأن المسألة اشتباه رجع عنه عمر عندما شهد له أبیّ ! لکن بماذا یفسر تأکید عمر وشهادته أن الآیة نزلت بدون واو ؟!

قال عمر: ( أشهد أن الله أنزلها هکذا. ابن شبة:2/707) !

فإذا کان قوله هذا اجتهاداً من عنده لأن مکانة قریش برأیه عند الله أعلی من مکانة الأنصار ، فهو جرأة علی تحریف کتاب الله !!

وإن کان صادقاً فی شهادته فلماذا تراجع بمجرد شهادة أبیٍّ وتأکیده ؟! ولماذا

ص: 355

لم یقل لأبیّ إن شهادتک فی مقابل شهادتی ، فلنرجع إلی شهادات الصحابة ؟!

بل کیف أمر بکتابتها فی القرآن کما قال ابن کعب ، ولم یطلب حتی شاهداً آخر علیها ، ألا یحتاج النص القرآنی إلی شاهدین ، بل الی تواتر؟!

مهما یکن ، فلولا موقف أبیّ بن کعب لارتکب عمر تغییر آیة فی کتاب الله تعالی بحذف واو واحدة ! لکن الله تعالی حفظ کتابه وهو القائل:

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). (سورة الحجر: 9)

ص: 356

الزبیر قرأ: صراط من أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم وغیر الضالین ، فی الصلاة .

وأخرج ابن أبی داود عن ابراهیم قال کان عکرمة والأسود یقرآنها: ( صراط من أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم وغیر الضالین ) .

وفی کنز العمال:2/593: (عن عمر أنه کان یقرأ: سراط من أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین - وکیع وأبو عبید ، ص ، وعبد بن حمید وابن المنذر ، وابن أبی داود ، وابن الأنباری معاً فی المصاحف ) .

ورواه البغوی فی معالم التنزیل:1/42: والراغب فی محاضراته:2/199 وابن جزی فی التسهیل.. وغیرهم.. وغیرهم.

ومن بین هذه الروایات المتظافرة ، تجدهم رووا روایة نسبوا فیها قراءة عمر إلی أبیّ بن کعب! قال السیوطی فی الدر المنثور:1/17: ( وأخرج ابن شاهین فی السنة عن إسماعیل ابن مسلم قال: فی حرف أبی بن کعب: غیر المغضوب علیهم وغیر الضالین . آمین . بسم الله ) . انتهی

ومن الواضح أن ذلک لتخفیف جریمة عمر ، أو لتسویق قراءته !

کما أن من الواضح أن قراءة عمر أسبق من قراءة عکرمة وابن الزبیر ، وأنهما قلداه فیها ، فقولهم عن عمر: (أنه کان یقرأ) ، یفید الدوام .

وإذا سألتهم: لماذا کان عمر یقرأ هکذا ویخالف المسلمین کلهم؟!

فلا تجد جواباً إلا أنه استحلی ذلک !!

والحمد لله أن أحداً من المسلمین لم یطعه فی (تصحیحاته) للقرآن !

وبذلک تجلی قوله تعالی: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

ص: 358

الله إن هذا خالف قراءتی فی السورة التی علمتنی! فقال رسول الله (ص): إقرأ یا أبیّ فقرأتها فقال لی رسول الله(ص): أحسنت . ثم قال للرجل: إقرأ فقرأ فخالف قراءتی فقال له رسول الله (ص): أحسنت ! ثم قال رسول الله (ص): یا أبیُّ إنه أنزل القرآن علی سبعة أحرف کلهن شاف کاف !

ثم روایة ثالثة عن أبیّ أنه قال: ما حاک فی صدری منذ أسلمت إلا أنی قرأت آیة وقرأها آخرغیر فاصل قراءتی فقلت: أقرأنیها رسول الله(ص) وقال الآخر: أقرأنیها رسول الله (ص) ! فأتیت النبی(ص) فقلت :یا نبی الله أقرأتنی آیة کذا وکذا ، قال :نعم ، وقال الآخر :ألم تقرئنی آیة کذا وکذا ؟ قال: نعم ، إن جبریل ومیکائیل أتیانی فقعد جبریل عن یمینی ومیکائیل عن یساری فقال جبریل: إقرأ

القرآن علی حرف ، قال میکائیل :استزده استزده حتی بلغ سبعة أحرف ، فکل حرف شاف کاف ! ) !انتهی .

وهذا یدل علی مکانة أبیّ بن کعب الکبیرة فی نفوس المسلمین ، وثقتهم بقراءته، فاستغلت السلطة اسمه لترویج مقولتها فی توسیع النص القرآنی !

ص: 361

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الله عز وجل ولیس آیة ، وکذا فی:5/219 (عن أبی واقد اللیثی قال: کنا نأتی النبی(ص)إذا أنزل علیه فیحدثنا فقال لنا ذات یوم: إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإیتاء الزکاة ولو کان لابن آدم واد لأحب أن یکون إلیه ثان ولو کان له وادیان لأحب أن یکون إلیهما ثالث ولا یملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم یتوب الله علی من تاب). (وقریباً منه عن عائشة فی:6/55) .

لکنه رواه أیضاً فی:3/122، بصیغة الشک بین الحدیث والآیة: (عن أنس قال: کنت أسمع رسول الله (ص) یقول فلا أدری أشئ نزل علیه أم شئ یقوله؟ وهو یقول: لو کان لابن آدم وادیان من مال لابتغی لهما ثالثاً ، ولایملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ویتوب الله علی من تاب). (وقریب منها فی:3/272 .

ثم رواه أحمد:4/368 بصیغة الجزم بأنه آیة: (عن زید بن أرقم قال: لقد کنا نقرأ علی عهد رسول الله(ص): لو کان لابن آدم وادیان من ذهب وفضة لابتغی إلیهما آخر ولایملأ بطن ابن آدم إلا التراب ویتوب الله علی من تاب).

ورواه فی:5/117، عن ابن عباس قال: ( جاء رجل إلی عمر یسأله فجعل ینظر إلی رأسه مرة وإلی رجلیه أخری هل یری علیه من البؤس شیئاً ؟ ثم قال له عمر: کم مالک؟ قال: أربعون من الإبل. قال ابن عباس فقلت: صدق الله ورسوله: لو کان لابن آدم وادیان من ذهب لابتغی الثالث ولایملأ جوف ابن آدم إلا التراب ویتوب الله علی من تاب . فقال عمر :ما هذا ؟ فقلت :هکذا أقرأنیها أبیٌّ ! قال: فمر بنا إلیه ، قال فجاء إلی أبیّ فقال: ما یقول هذا ؟ قال أبیٌّ: هکذا أقرأنیها رسول الله (ص) ! قال: أفأثبتها ؟ فأثبتها ! )! .

ورواه مجمع الزوائد:7/141، وقال: (قال: أفأثبتها فی المصحف؟ قال: نعم ! رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح ) .

ص: 363

ثم رواها الهیثمی من قول عمر ولیس ابن عباس ولا أبیّ ولا غیرهما ! قال: (وعن ابن عباس قال :جاء رجل إلی عمر فقال :أکلتنا الضبع ، قال: معسر؟ یعنی السِّنة ، قال: فسأله عمر: ممن أنت؟ قال :فما زال ینسبه حتی عرفه ، فإذا هو موسر ، فقال عمر: لو أن لابن آدم واد ووادیین لابتغی إلیهما ثالثاً ولایملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ثم یتوب الله علی من تاب .

قلت: رواه ابن ماجة غیر قول عمر ثم یتوب الله علی من تاب ، رواه أحمد ورجاله ثقات ، ورواه الطبرانی فی الأوسط ) .

ورواه فی:10/243، عن عائشة وقال: (رواه أحمد وأبو یعلی إلا أنه قال: إنما جعلنا المال لتقضی به الصلاة وتؤتی به الزکاة ، قالت: فکنا نری أنه مما نسخ من القرآن !)!. (ورواه الدارمی:2/318 عن أنس بصیغة التشکیک قریباً مما فی أحمد:3/272)

ورواه ابن شبة فی تاریخ المدینة:2/707 ، وفیه: ( قال عمر: أفنکتبها ؟ قال: لا آمرک . قال: أفندعها ؟ قال: لا أنهاک ! قال: کان إثباتک أولی من رسول الله(ص) أم قرآن منزل) ! انتهی.

أی لیتک کنت تثبتت من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هل هی قرآن أم لا ؟

(ورواه السیوطی فی الدر المنثور:1/106 وفیه:ولایملأ عین ابن آدم إلا التراب...قال ابن عباس فلا أدری أمن القرآن هو أم لا. وفی:6/378 عن ابن عباس.. وسأله عمر: أفأثبتها فی المصحف؟ قال: نعم. ثم عن ابن الضریس عن ابن عباس...فقال عمر أفأکتبها؟ قال: لا أنهاک. قال فکأن أبیاً شک أقولٌ من رسول الله (ص) أو قرآن منزل ) ! .

ویتعجب الباحث من هذه الغزارة فی الروایات ، کما یتعجب من سلوک عمر ! فمرة یمحو هو الآیة ، ومرة یرد شهادة أبیّ ، ومرة یحب أن یکتبها لکنه ینتظر

ص: 364

إشارة من أبیّ أو ابن عباس فیسأله: أفأکتبها فی المصحف؟

فهل الملاک فی کون نص من القرآن هو رأی عمر أو أبیّ ، أو رأی ابن عباس ، أو زید بن ثابت کما تقول روایة رابعة ؟

أو هو شهادة اثنین من الصحابة کما تقول خامسة ؟

إلی آخر التناقضات الواردة فی روایات جمع القرآن عندهم !

لکن المتتبع یعرف أن الملاک الأول والأخیر هو رأی عمر وأنه کان یکتب ذلک فی مصحفه الذی عند حفصة ، وأحرقه مروان وأراح المسلمین منه . والحمد لله القائل:

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .

ص: 365

بهدلة وثقه قوم وضعفه آخرون ، وبقیة رجاله رجال الصحیح).

ورواه فی کنز العمال:2/567 وفیه: (إن الله أمرنی أن أقرأ علیک القرآن ، فقرأ علیه لم یکن، وقرأ علیه :إن ذات الدین عند الله الحنیفیة..ط حم ت ، حسن صحیح،ک ص) .

وعلی هذه الروایات الصحیحة السند عندهم! ینبغی أن تسمی هذه الآیات المخلوطة من آیة وادی التراب وذات الدین وغیرهما . کما ینبغی أن تسمی: (الآیات المنزلة إلی أبیَّ بن کعب) ! لأنهم قالوا فی نصوصها إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لأبیّ: (إن الله أمرنی أن أقرأ علیک) !

ولاینبغی الشک فی کذب کل روایات الزیادة والنقصان المنسوبة إلی أبیّ بن کعب(رحمه الله)، لأنه ثبت أنهم کذبوا علیه ونسبوا الیه ما ثبت لغیره من مقولات الزیادة والنقص فی القرآن !!

ص: 367

الدرداء رکب إلی المدینة فی نفر من أهل دمشق ، فقرؤوا یوماً علی عمر: إذ جعل الذین کفروا فی قلوبهم الحمیة حمیة الجاهلیة ولو حمیتم کما حموا لفسد المسجد الحرام. فقال عمر: من أقرأکم هذا ؟ قالوا: أبی بن کعب . فدعا به فلما أتی قال: إقرؤوا فقرؤوا کذلک ، فقال أبیٌّ: والله یا عمر إنک لتعلم أنی کنت أحضر ویغیبون وأدنی ویحجبون ویصنع بی ویصنع بی ، ووالله لئن أحببت لألزمن بیتی فلا أحدث شیئاً ولا أقرئ أحداً حتی أموت ! فقال عمر: اللهم غفراً ، إنا لنعلم أن الله قد جعل عندک علماً فعلم الناس ما علمت ) . (ورواه فی کنز العمال:2/594) .

والذی یعرف قصة عمر فی الحدیبیة واعتراضه بجفاء علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لقبوله الصلح ، وإصراره علی أن یدخل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مکة عنوة ویقاتل قریشاً ! وتصریحه بأنه شک فی نبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یومئذ ، وقیامه بأعمال لإفساد الصلح وإیقاع الحرب.. یعرف أن الزیادة المزعومة فی الآیة منه لامن أبیّ لیست ؟ بن کعب ، وأن الرواة حرفوا فیها لتبرئة عمر علی عادتهم !

لقد عمل عمر بکل ما استطاع فی الحدیبیة(لیحمِّی)المسلمین فظلوا باردین ولم یستجیبوا له ! وبعد سنوات انکشف لعمر وجه الحکمة من الصلح النبوی وأن المسلمین لوحموا فاصلةوقاتلوا کما أراد ، لکان ذلک ضرراً علی مکة وحرمتها فقال: ولو حمیتم کما حموا لفسد المسجد الحرام ! لکن غفل عن أنه لاتناسب بین حمیة الجاهلیة القرشیة وحمیة المسلمین لإسلامهم ! ولا بین ذلک وبین فساد المسجد الحرام !

فلو أن المسلمین حموا لإسلامهم لهزموا المشرکین ودخلوا المسجد الحرام

ص: 370

فاتحین ، کما أخبر الله تعالی: (وَلَوْ قَاتَلَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لایَجِدُونَ وَلِیًّا وَلا نَصِیرًا . سُنَّةَ اللهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِیلاً . وَهُوَ الَّذِی کَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَکَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَکُمْ عَلَیْهِمْ وَکَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرًا) . (سورة الفتح: 22-24)

فمقولة: (لفسد المسجد الحرام) لاتصح إلا إذا کان مقصوده فساده بقتل أهله القرشیین المشرکین ، الذین صاروا فیما بعد أنصار عمر وسکنوا المدینة واختاروه وأبا بکر لخلافة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

فالزیادة محاولة لإثبات مکرمة لکفار قریش ، وهی ترتبط بعمر القرشی ، وأبیُّ بن کعب الأنصاری بریئًٌ منها !! وشهادة الحاکم بأن روایتها صحیحة علی شرط الشیخین ، تضرُّ رواتها ولا تُقَوِّم قناتها !

ونورد فیما یلی خلاصة موقف عمر فی الحدیبیة ، لمزید التوضیح: فی البخاری:3/178: من روایة طویلة تحت عنوان (باب الشروط فی الجهاد والمصالحة مع أهل الحروب وکتابة الشروط) ، جاء فیها:

خرج رسول الله (ص) زمن الحدیبیة حتی کانوا ببعض الطریق ، قال النبی (ص): إن خالد بن الولید بالغمیم فی خیل لقریش طلیعة فخذوا ذات الیمین، فوالله ما شعر بهم خالد حتی إذا هم بقترة الجیش فانطلق یرکض نذیراً لقریش! وسار النبی(ص)حتی إذا کان بالثنیة التی یهبط علیهم منها برکت به راحلته فقال الناس: حل حل، فألحت فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء! فقال النبی(ص): ما خلأت القصواء وما ذاک لها بخلق ، ولکن حبسها حابس الفیل، ثم قال:والذی

ص: 371

نفسی بیده لایسألونی خطة یعظمون فیها حرمات الله إلا أعطیتهم إیاها، ثم زجرها فوثبت ! قال: فعدل عنهم حتی نزل بأقصی الحدیبیة علی ثمد قلیل الماء یتبرضه الناس تبرضاً ، فلم یلبثه الناس حتی نزحوه ، وشکی إلی رسول الله (ص) العطش فانتزع سهما تنوین من کنانته ثم أمرهم أن یجعلوه فیه ، فوالله ما زال یجیش لهم بالری حتی صدروا عنه !

فبینما هم کذلک إذ جاء بدیل بن ورقاء الخزاعی فی نفر من قومه من خزاعة وکانوا عیبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة ، فقال: إنی ترکت کعب بن لؤی وعامر بن لؤی نزلوا إعداد میاه الحدیبیة ومعهم العوذ المطافیل وهم مقاتلوک وصادوک عن البیت ، فقال رسول الله (ص): إنا لم نجئ لقتال أحد ولکنا جئنامعتمرین، وإن قریشاً قد نهکتهم الحرب وأضرت بهم ، فإن شاؤا ماددتهم مدة ویخلوا بینی وبین الناس ، فإن أظهر فإن شاؤا أن یدخلوا فیما دخل فیه الناس فعلوا وإلا فقد جموا ، وإن هم أبوا فوالذی نفسی بیده لأقاتلنهم علی أمری هذا حتی تنفرد سالفتی ، ولینفذن الله أمره .

فقال بدیل: سأبلغهم ما تقول ، قال: فانطلق حتی أتی قریشاً ، قال: إنا قد جئناکم من هذا الرجل وسمعناه یقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه علیکم فعلنا . فقال سفهاؤهم: لاحاجة لنا أن تخبرنا عنه بشئ ، وقال ذوو الرأی منهم: هات ما سمعته یقول ، قال: سمعته یقول کذا وکذا فحدثهم بما قال النبی(ص)....

ثم ذکر البخاری مجئ رسول قریش عروة بن مسعود ومفاوضته لهم ، ثم مجئ رسول آخر وهو رجل من بنی کنانة ، ثم مجئ رجل یقال له مکرز بن حفص (فلما أشرف علیهم قال النبی (ص): هذا مکرز وهو رجل فاجر فجعل یکلم النبی (ص) ، فبینما هو یکلمه إذ جاء سهیل بن عمرو .... قال الزهری فی حدیثه: فجاء

ص: 372

سهیل بن عمرو فقال: هات أکتب بیننا وبینکم کتاباً ، فدعا النبی (ص) الکاتب ....

فقال عمر بن الخطاب: فأتیت نبی الله (ص) فقلت ألست نبی الله حقاً ؟ قال: بلی.

قلت: ألسنا علی الحق وعدونا علی الباطل؟ قال: بلی. قلت: فلم نعطی الدنیة فی دیننا إذاً ؟ قال: إنی رسول الله ولست أعصیه وهو ناصری .

قلت: أو لیس کنت تحدثنا أنا سنأتی البیت فنطوف به ؟

قال: بلی ، فأخبرتک أنا نأتیه العام ؟ قال: قلت لا، قال: فإنک آتیه ومطوف به! قال: فلما فرغ من قضیة الکتاب، قال رسول الله(ص) لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.... فنحروا وجعل بعضهم یحلق بعضاً ، حتی کاد بعضهم یقتل بعضاً غماً ) !!

وفی البخاری:6/45: (فقال: یا ابن الخطاب إنی رسول الله ولن یضیعنی الله أبداً ، فرجع متغیظاً فلم یصبر حتی جاء أبا بکر ! فقال: یا أبا بکر ألسنا علی الحق وهم علی الباطل؟! قال: یا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن یضیعه الله أبداً . فنزلت سورة الفتح ) .

وفی تاریخ الطبری:2/280: (فلما التأم الأمر ولم یبق إلا الکتاب وثب عمر بن الخطاب فأتی أبا بکر فقال: یا أبا بکر ألیس برسول الله ؟! ).

وروی فی کنز العمال:10/494 ، تحریض عمر لأبی جندل ابن سهیل بن عمرو علی قتل أبیه: (فلصق به عمر وأبوه آخذ بیده یجتره وعمر یقول: إنما هو رجل ومعک السیف ) .

وفی سیرة ابن هشام:2/476: ( أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله (ص): یا رسول الله دعنی أنزع ثنیتی سهیل بن عمرو ویدلع لسانه ، فلا یقوم علیک خطیباً

ص: 373

فی موطن أبداً ! قال: فقال رسول الله (ص): لا أمثل به فیمثل الله بی وإن کنت نبیاً ) . انتهی.

وهذا تصرف غریب من عمر ، لأن سهیل بن عمر رسول قریش المفاوض ، وقتله أو التمثیل به مخالف لکل الأعراف والأدیان !

وقد أظهر عمر ندمه بقوله: ولو حمیتم کما حموا لفسد المسجد الحرام ! لأن سهیل بن عمرو صار رئیس قریش بعد فتح مکة، وصار صدیقاً حمیماً لعمر ، وکان له الدور الأکبر فی إنجاح السقیفة !

ولهذا وضعوا علی لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما فی سیرة ابن هشام:2/476، وتاریخ الطبری:2/162: ، ما عبر عنه ابن إسحاق بأنه بلغه! قال: ( قال ابن إسحاق: وقد بلغنی(؟)أن رسول الله(ص)قال لعمر فی هذا الحدیث: إنه عسی أن یقوم مقاماً لا تذمه) . انتهی .

والمقصود بالمقام تأیید سهیل فی مکة لبیعة السقیفة کما روی الحاکم والبیهقی فی الدلائل: (قال عمر: دعنی یا رسول الله أنزع ثنیتی سهیل بن عمرو فلا یقوم خطیباً فی قومه أبداً . فقال: دعها فلعلها أن تسرک یوماً ، فلما مات النبی(ص) نفر أهل مکة فقام سهیل عند الکعبة فقال: من کان یعبد محمداً فإن محمداً قد مات والله حی لا یموت) . (الدر المنثور:2/81) .

فقد طمأن سهیل القرشیین بأن مرحلة عبَّاد محمد قد انتهت ، وأن قریشاً هی التی تحکم من الآن وصاعداً ، وتعبد الله ولا تعبد محمداً !

ولابد أنه کان اتفق مع أبی بکر وعمر علی مضمونها ، فجاءت نسخة من خطبة أبی بکر فی المدینة !!

ص: 374

ویقول إن سبب حدیث الناس بأن ابن عمر أسلم قبل أبیه ، أن ابنه بایع بیعة الشجرة قبله ، لأنها کانت بمثابة تجدید إسلام المسلمین ، خاصة من استثقل منهم الأمر النبوی بالإحلال من الإحرام ونحر الأضحیة بدون دخول مکة ، وبالأخص الذین شکوا فی نبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کعمر !

ولو صح کلام البخاری لکان معناه أن عمر اعتذر للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وزال تغیظه وجدد إسلامه وبایعه تحت الشجرة ، وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قبل منه ذلک واستغفر له ولم یبق فی قلبه شئ علیه بعد بیعة الشجرة !

لکن بیعة الشجرة نزل بها الوحی عندما أرسل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی مشرکی مکة طالباً الصلح ، وقبل مجئ سهیل بن عمر عمرووإبرام الصلح معه ، وقد نص علی ذلک المحدثون منهم الصالحی فی سبل الهدی والرشاد: 5/48 .

فکیف یکون تغیظه زال وجدد إسلامه بالبیعة ، ثم قام بما یرویه نفسه من محاولاته لتخریب الصلح بعد مجئ سهیل وعند إبرامه وبعد إبرامه ! وأنه قام بتحریک أبی جندل بن سهیل عمرو لقتل أبیه !

ففی أحمد:4/330 ودلائل النبوة:5/331: (فرفع رسول الله(ص)صوته وقال: یا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لک ولمن معک من المستضعفین فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا مع القوم صلحاً وأعطیناهم وأعطونا علی ذلک عهداً ، وإنا لا نغدر . ومشی عمر بن الخطاب إلی جنب أبی جندل وقال له: إصبر واحتسب فإنما هم المشرکون وإنما دم أحدهم دم کلب ، وجعل عمر یدنی قائم السیف منه ! قال عمر: رجوت أن یأخذ السیف فیضرب به أباه ، قال: فضن الرجل بأبیه) !

فهل هذا حال من أطاع نبیه وجدد إسلامه ورضی بحکم ربه ؟!

ص: 376

2- حذف البخاری آخر الحدیث وأن عمر سأل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أوَ فتحٌ هوَ ؟! ، لکنه رواه فی مناسبة أخری(:4/70) زعم فیها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ سورة الفتح علی عمر خاصة فقال: (فنزلت سورة الفتح فقرأها رسول الله (ص)علی عمر إلی آخرها فقال عمر: یا رسول الله أوَ فتحٌ هوَ ؟ قال: نعم ) . انتهی.

بینما روی السیوطی فی الدر المنثور:6/79:(أخرج ابن أبی شیبة وأحمد والبخاری ومسلم والنسائی وابن جریر والطبرانی وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن سهل بن حنیف. . . فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله (ص) إلی عمر فأقرأه إیاها قال: یا رسول الله أوَفتحٌ هو؟ قال :نعم ).

3 - یرید عمر وأتباعه کالبخاری أن یقولوا: إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الذی صالح عمر وکلمه بعد أن غاضبه! لکن الصحیح المعقول مارواه فی سبل الهدی والرشاد:5/59: (وروی ابن أبی شیبة والإمام أحمد، وابن سعد، وابو داود، وابن جریر، وابن المنذر ، والحاکم وصححه ، وابن مردویه ، والبیهقی فی الدلائل ، عن مجمع بن جاریة الأنصاری قال: شهدنا الحدیبیة مع رسول الله(ص)فلما انصرفنا عنها إلی کراع الغمیم إذ الناس یوجفون الأباعر ، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحی إلی رسول الله(ص)فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله (ص) علی راحلته عند کراع الغمیم فاجتمع الناس إلیه فقرأ علیهم:إنا فتحنا لک فتحاً مبیناً، فقال رجل من أصحاب النبی(ص): أوَ هوَ فتحٌ ؟ فقال: إی والذی نفسی بیده إنه فتح ) !! . انتهی.

فکیف یجمعون بین هذه الروایة ، وروایة أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أرسل علی عمر وقرأها علیه ؟! هل بعد تلاوتها علی المسلمین ، أم قبلها ؟ وهل تخصیص

ص: 378

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمر بتلاوتها علیه لو صح، فضیلة ، أم هو إقامة حجة علیه ، لأنه ما زال متغیظاً معترضاً غیر مقتنع بالصلح ، وما زال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مغاضباً له ؟

وفی سنن البیهقی:9/222: (قال ابن شهاب: فما کان فی الإسلام فتح أعظم منه ، کانت الحرب قد أجحرت الناس فلما أمنوا لم یکلم بالإسلام أحد یعقل إلا قبله ، فلقد أسلم فی سنتین من تلک الهدنة أکثر ممن أسلم قبل ذلک) .

8 - کیف تفسرون قول أبیّ بن کعب: (ما زالت هذه الأمة مکبوبة علی وجهها منذ فقدوا نبیهم ) ؟!

9 - لماذا لاتقرؤون فی صلاتکم مثل عمر: (یا أیها الذین آمنوا إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة فامضوا إلی ذکر الله ) ؟!

10 - لماذا لاتصححون قرآنکم بشهادة عمر وتکتبون فیه (فامضوا) بدل (فاسعوا) ؟!

11 - لماذا لاتصححون قرآنکم بشهادة عمر وتکتبون فیه: ( صراط من أنعمت .. وغیر الضالین ) ؟!

12 - بماذا تفسرون محاولة عمر حذف الواو من آیة (وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ..) ؟!

13- هل یصح معنی آیة عمر: ولوحمیتم کما حموا لفسد المسجد الحرام؟

14 - لقد شهد عمر علی نفسه أنه شک فی نبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فشکه قطعی وتجدید إسلامه ظنی ، فکیف تثبتون أنه جدد إسلامة وزال شکه ؟!

15 - بماذا تفسرون قول عمر فی روایة ابن عباس وأبی سعید الخدری: (والله لقد دخلنی یومئذ من الشک حتی قلت فی نفسی: لو کنا مائة رجلٍ علی مثل رأیی ما دخلنا فیه أبداً )!! وما حکم الشاک فی نبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ وما حکم من نوی الخروج علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورفض أمره ، لکنه لم یستطع ؟!

16- متی زال تغیظ عمر من الصلح فی الحدیبیة وجدد إسلامه ؟!

ص: 381

ص: 382

ص: 384

ولا یمکن قبول تفسیر السیوطی بأن ما نسخ من القرآن أکثر من الثلثین ! فلو کان ذلک لبان وشاع ، ولا یعقل أن یکون المنسوخ أکثر من القرآن الفعلی!

وقد تلقی بعض علمائهم هذا الأثر عن عمر بالقبول وأخذ یفسره ، وقد صرح الهیثمی أن أحداً قبل الذهبی لم یطعن أو یتکلم فی محمد بن عبید بن آدم ، الذی هو شیخ الطبرانی ، وبقیة رواة الحدیث ثقاة !

ومن المعروف أن الذهبی کثیراً ما یطعن براوٍ موثق بسبب متن حدیث لم یعجبه ، مع أنه راویه لیس مسؤولاً عنه !

أما قول ابن حجر فی لسان المیزان:5/276: ( محمد بن عبید بن آدم بن أبی إیاس العسقلانی: تفرد بخبر باطل، قال الطبرانی..الحدیث). فإن أراد به أن معنی الحدیث باطل فهو صحیح ، وإن أراد الطعن بمحمد بن عبید ، فالتفرد لیس طعناً ، وهو من شیوخ الطبرانی الموثقین عندهم ، ولذلک اعتبره السید الخوئی(قدسّ سرّه)موثقاً فقال فی البیان ص202: (وأخرج الطبرانی بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف ، بینما القرآن الذی بین أیدینا لا یبلغ ثلث هذا المقدار ، وعلیه فقد سقط من القرآن أکثر من ثلثیه ). انتهی.

وقد ترجم السمعانی فی الأنساب:4/191 ، لجده آدم بن إیاس ومدحه وترجم له ولم یضعفه ، قال: ( قال أبو حاتم الرازی: حضرت آدم بن أبی إیاس العسقلانی وقال له رجل: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن شعبة: کان یملی علیهم ببغداد أو یقرأ ؟ قال: کان یقرأ رمزاً ، وکان أربعة أنفس یکتبون . وآدم ویملی الناس . فقال آدم: صدق ، کنت سریع الخط وکنت أکتب ، وکان الناس یأخذون من عندی ....

ص: 386

وحفیده محمد بن عبید بن آدم العسقلانی یروی عن أبی عمیر عیسی بن محمد النحاس الرملی ، روی عنه سلیمان بن أحمد بن أیوب الطبرانی ) .

ثم لو تنزلنا وقلنا إن حدیث عمر هذا ضعیف بمحمد بن عبید ، فإن شواهده الآتیة ترفعه إلی درجة الصحیح عندهم .

فمن شواهده: ما رواه عبد الرزاق:7/330: (عن معمر ، عن ابن جدعان ، عن یوسف بن مهران ، أنه سمع ابن عباس یقول: أمر عمر بن الخطاب منادیاً فنادی أن الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: یا أیها الناس لاتُخدعن، آیة الرجم فإنها قد نزلت فی کتاب الله عز وجل وقرأناها، ولکنها ذهبت فی قرآن کثیر ذهب مع محمد (ص)وآیة ذلک أنه(ص)قد رجم...).

وهذا السند مقبول عندهم ، فجمیع رواته موثقون حتی ابن جدعان الذی هو علی بن زید بن جدعان ، ولیس لهم علیه مأخذ إلا أنه کان یتشیع ! والتشیع لیس تضعیفاً عندهم .

قال العجلی فی الثقات:2/154: (علی بن زید بن جدعان بصری ، یکتب حدیثه ولیس بالقوی ، وکان یتشیع . وقال مرة لا بأس به ).

وحتی الذین لایقبلون حدیث ابن جدعان ویضعفونه ، فقد قبلوا روایته عن یوسف بن مهران ! قال الرازی فی الجرح والتعدیل:9/229: (یوسف بن مهران ، مکی روی عن ابن عباس وابن عمر ، روی عنه علی بن زید بن جدعان ، سمعت أبی یقول ذلک.... ثنا عبد الرحمن قال: سألت أبی عن یوسف بن مهران فقال: لاأعلم روی عنه غیر علی بن زید بن جدعان ، یکتب حدیثه ویذاکر به . نا عبد الرحمن قال: سئل أبو زرعة عن یوسف بن مهران فقال: مکی ثقة ).

وقال فی هامش: المجروحین:2/103: (علی بن زید بن جدعان أحد علماء

ص: 387

التابعین ، اختلفوا فیه فقوی أمره جماعة کالجریری ومنصور بن زاذان وحماد بن سلمة ، وتکلم فیه الأکثرون . قال شعبة: کان رفاعاً ، وقال مرة: حدثنا علی قبل أن یختلط . وکان ابن عیینة یضعفه...) . وقال فی هامش سیر أعلام النبلاء:2/134، عن حدیث آخر: (وإسناده ضعیف لضعف علی بن زید وهو ابن جدعان، ومع ذلک فقد حسنه الترمذی (3206) فی التفسیر ) .

وقال فی:3/375: ( وفی سند الطبرانی محمد بن سعید الأثرم وهو ضعیف ، وفی سند البزار علی بن زید بن جدعان وهو ضعیف ، لکن یتقوی کل منهما بالآخر فیحسن ، وآخر من حدیث ابن عباس عند ابن عدی:89/2 ، وفی سنده حکیم بن جبیر وهو ضعیف ، فالحدیث صحیح بهذه الشواهد). انتهی.

فهذا الحدیث بشواهده صحیح عندهم، فضلاً عن صلاحیته کشاهد لحدیث الطبرانی عن عمر .

ومن شواهده: مارواه ابن عساکر فی تاریخه:7/265: (وأخبرنا أبو عبدالله البلخی، أنا ثابت بن بندار ، أنا الحسین بن جعفر قالا: أنا الولید بن بکر ، نا علی بن أحمد بن زکریا ، نا أبو مسلم صالح بن أحمد العجلی ، حدثنی أبی أحمد ، حدثنی أبو عثمان البغدادی ثقة ، نا سفیان بن عیینة عن عمرو بن دینار ، عن ابن أبی ملیکة ، عن المسور بن مخرمة ، قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم یکن فیما یقرأ: قاتلوا فی الله آخر مرة کما قاتلتم فیه أول مرة ؟ قال: متی ذاک یا أبا محمد؟ قال: إذا کانت بنو أمیة الأمراء وبنو مخزوم الوزراء .

وقد روی هذا الحدیث عن ابن أبی ملیکة من وجه آخر: أخبرناه أعلی من هذا بأربع درجات أبو بکر بن المزرفی ، نا أبو الحسین بن المهتدی ، نا عیسی بن علی ، أنا عبد الله بن محمد ، نا دواد بن عمرو، نا نافع بن عمر ، عن ابن أبی

ص: 388

ملیکة ، عن المسور بن مخرمة ، قال قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فیما أنزل الله: جاهدوا کما جاهدتم أول مرة ؟ قال: بلی . قال: فإنا لا نجدها؟! قال: أسقطت فیما أسقط من القرآن ! قال أتخشی أن یرجع الناس کفاراً قال ما شاء الله . قال: لئن رجع الناس کفاراً لیکونن أمراؤهم بنی فلان ووزراؤهم بنی فلان..). انتهی.

وقال فی الدر المنثور:1/106: (وأخرج أبو عبید وابن الضریس وابن الأنباری عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فیما أنزل علینا أن جاهدوا کما جاهدتم أول مرة فإنا لا نجدها ؟! قال: أسقطت فیما أسقط من القرآن) !!

(ورواه فی کنز العمال:2/567 من مسند عمر وقال: فی روایة أخری:.. فرفع فیما رفع )!

ومن شواهده: مارواه فی الدر المنثور:1/106:(وأخرج أبو عبید وابن الضریس وابن الأنباری فی المصاحف عن ابن عمر قال: لا یقولن أحدکم قد أخذت القرآن کله ، ما یدریه ما کله ؟! قد ذهب منه قرآن کثیر ، ولکن لیقل قد أخذت ما ظهر منه ) !! انتهی.

فهذه الشواهد، وکل أحادیث الباب شواهد له وبعضها صحیح بنفسه کقول عمر:(ولکنها ذهبت فی قرآن کثیر ذهب مع محمد)! ونصوصهم علی أن سورة الأحزاب ضاع منها أکثر من مئتی آیة ! وأن سورة براءة ضاع أکثرها.. فهی کافیةٌ للحکم بصحة قول عمر الأول ، وأنه کان یری أن القرآن الموجود بین أیدینا أقل من ثلث القرآن المنزل ، وأنه فُقد أکثر من ثلثیه بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

ولو قایسنا قول عمر هذا بمجموع روایات مصادرنا التی تدعی أنهم حذفوا العدید من آیات القرآن فی فضائل أهل البیت(علیهم السّلام) ومطاعن قریش ! لکانت شیئاً

ص: 389

قلیلاً أمام مقولة عمر العجیبة !!

علی أنا نرد الجمیع ، ونقول بعصمة القرآن عن الزیادة والنقص .

عنه بالأحادیث الصحیحة أنه لایقول بالزیادة کحذیفة وأبیّ وابن مسعود، فلا یصح نسبة الزیادة إلیه ، لأنه کان لایقول بها . ولهذا نرد روایتهم عن حذیفة(رحمه الله)بضیاع أکثر سورة براءة ، وإن وثقها فی مجمع الزوائد:7/28، قال: (عن حذیفة قال: تسمون سورة التوبة هی سورة العذاب ، وما تقرؤون منها مما کنا نقرأ إلا ربعها . رواه الطبرانی فی الأوسط ورجاله ثقات). وقال الحاکم:2/330: (عن حذیفة: قال: ما تقرؤون ربعها، یعنی براءة وإنکم تسمونها سورة التوبة وهی سورة العذاب ! هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه ) .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:3/208: (وأخرج ابن أبی شیبة ، والطبرانی فی الأوسط ، وأبو الشیخ ، والحاکم ، وابن مردویه ، عن حذیفة رضی الله عنه قال: التی تسمون سورة التوبة هی سورة العذاب ! والله ما ترکت أحداً إلا نالت منه ، ولا تقرؤون منها مما کنا نقرأ إلا ربعها !! )!! . انتهی .

وقد نصت روایاتهم علی أن حذیفة وأبا موسی الأشعری کانا علی طرفی نقیض فی الزیادة المدعاة فی السورة ، فأبو موسی یقول إن للسلطة الحق فی الإستعانة بالفجار وأن تعطیئهم مناصب الدولة ومقدرات المسلمین کما فعل عمر ، ویقرأ آیات مزعومة فی ذلک نزلت فی سورة التوبة ! بینما کان حذیفة یشن حملة علیهم ویصرخ إنهم الیوم أخطر منهم فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنهم صاروا فی السلطة، وأنهم یعلنون نفاقهم ، کما ورد فی البخاری !

فالزیادة المزعومة فی سورة التوبة لمصلحة أبی موسی والسلطة ، وحذیفة ضدها ! ویظهر ذلک من قوله عن سورة التوبة إنها سورة العذاب ، وما ترکت أحداً زعماء قریش إلا ونالت منه ! فکیف یصح أن ینسب الیه تأیید زیادة أبی موسی المزعومة فیها ؟!

ص: 394

ولو صح عن حذیفة أنه تکلم فی سورة التوبة فلا بد أنه یقصد تشدید الحملة علی المنافقین وأنکم لاتقرؤون السورة حق قراءتها ! ولیس التخفیف عن المنافقین والتنظیر لاعتماد الدولة علیهم !! وقد کانت هذه المسألة قضیة مهمة کان ینتقدها الصحابة فی زمن أبی بکر وعمر !

ص: 396

ص: 398

وروی عن نافع مولی عبد الله... فأرسل عمر إلی رطائب من جرید فضربه بها حتی ترک ظهره دبرة ثم ترکه حتی برأ ، ثم عاد له ! ثم ترکه حتی برأ ، فدعا به لیعود له !! قال فقال صبیغ: إن کنت ترید قتلی فاقتلنی قتلاً جمیلاً وإن کنت ترید أن تداوینی فقد والله برئت !! فأذن له إلی أرضه وکتب إلی أبی موسی الأشعری أن لایجالسه أحد من المسلمین ) !

وفی کنز العمال:2/331: (فقام إلیه وحسر عن ذراعیه فلم یزل یجلده حتی سقطت عمامته فقال: والذی نفس عمر بیده لو وجدتک محلوقاً لضربت رأسک ، ألبسوه ثیاباً واحملوه علی قتب ، وأخرجوه حتی تقدموا به بلاده ، ثم لیقم خطیب ثم یقول: إن صبیغاً ابتغی العلم فأخطأه ، فلم یزل وضیعاً فی قومه حتی هلک وکان سید قومه) . (ابن الأنباری فی المصاحف ، ونصر المقدسی فی الحجة ، واللالکائی ، وابن عساکر ) .

وقال ابن قدامة فی المغنی:12/80: ( ظاهر کلام أحمد والخرقی أنه لایعتبر فی ثبوت أحکام التوبة من قبول الشهادة وصحة ولایته فی النکاح إصلاح العمل ، وهو أحد القولین للشافعی ، وفی القول الآخر یعتبر إصلاح العمل... ولأن عمر لما ضرب صبیغاً أمر بهجرانه حتی بلغته توبته ،

فأمر أن لا یکلم إلا بعد سنة .

ولنا: قوله(علیه السّلام): التوبة تجب ما قبلها ، وقوله: التائب من الذنب کمن لا ذنب له ، ولأن المغفرة تحصل بمجرد التوبة فکذلک الأحکام ، ولأن التوبة من الشرک بالإسلام لا تحتاج إلی اعتبار ما بعده وهو أعظم الذنوب کلها ، فما دونه أولی ) . انتهی .

ثم نقض ابن قدامة مبناه الفقهی القوی المتقدم فقال: (وما ورد عن عمر فی حق صبیغ إنما کان لأنه تائب من بدعة وکانت توبته بسبب الضرب والهجران ،

ص: 400

فیحتمل أنه أظهر التوبة تستراً بخلاف مسألتنا . وقد ذکر القاضی أن التائب من البدعة یعتبر له مضی سنة لحدیث صبیغ رواه أحمد.....

والصحیح أن التوبة من البدعة کغیرها إلا أن تکون التوبة بفعل یشبه الإکراه کتوبة صبیغ فیعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إکراه )!!

وهکذا طبق الفقهاء علی صبیغ المظلوم أنه لابد أن تمضی علیه سنة حتی یعرف أنه (اجتنب من کان یوالیه من أهل البدع ویوالی من کان یعادیه من أهل السنة) ، ولکن صبیغاً لم یکن له فئة غیر أهل السنة ، وإن کان له فئة فکیف یعرف أنه اجتنبهم وهو ممنوع المجالسة والمکالمة ؟!!

5 - بماذا تفسرون تحریم عمر للسؤال والبحث العلمی فی القرآن ، ألا تحتملون أن سبب ذلک قلة علمه ؟!

ص: 402

ص: 404

لکن خوفهم من البسملة بقی ! فالذی کان بالأمس یؤذی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیقرأ علیه البسملة فترتعد فرائصه ویولی فراراً ، یصعب علیه أن یتحمل سماعها الیوم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مسجده بالمدینة ! کما یصعب علیه أن یقرأها بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویجهر بها ؟!

وقد ظهر انتقام الطلقاء من البسملة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنهم حرَّموا قولها فی الصلاة جهراً ، أی حذفوها عملیاً من الصلاة !

وهذا معنی قول الإمام الصادق(علیه السّلام): (کتموا بسم الله الرحمن الرحیم ، فنعم والله الأسماء کتموها )!! ویبدو أنهم أقنعوا أبا بکر وعمر بذلک فترکاها ، فقد رووا عنهما أنهما ترکاها فی صلاتهما ، وروی عنهما أنهما قالاها ، ولابد أن یکون ذلک قبل قرار الحذف !

ثم نشروا مقولتهم بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یکن یجهر بها !! ثم وصل أمرهم إلی إنکار أن البسملة آیة من القرآن کما ستری !!

قال النووی فی المجموع:3/343: (قالوا: ولأن الجهر بها منسوخ ، قال سعید بن جبیر: کان رسول الله(ص)یجهر ببسم الله الرحمن الرحیم بمکة ، وکان أهل مکة یدعون مسیلمة الرحمن ، فقالوا إن محمداً یدعو إلی إله الیمامة ، فأمر رسول الله(ص)فأخفاها فما جهر بها حتی مات .

قالوا: وسئل الدارقطنی بمصر حین صنف کتاب الجهر فقال: لم یصح فی الجهر بها حدیث . قالوا: وقال بعض التابعین:

الجهر بها بدعة ! قالوا قیاساً علی التعوذ ) . انتهی.

ونلاحظ أنهم اعترفوا بجهر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بها فی مکة ! وزعموا أن الوحی نسخها

ص: 406

بسبب مسیلمة ، قبل أن یوجد اسم مسیلمة !

أما(بعض التابعین)الذین قالوا إن الجهر بها بدعة ! فمن یکونون غیر بعض الطلقاء ؟!!

وأما قول الدارقطنی فهو عدم اطلاع منه أو تعصب ، وستعرف أن الشافعیة وغیرهم رووا أحادیث صحاحاً عن أبی هریرة وأنس فی المدینة أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یجهر بها !

ص: 407

ببالک من الرکاکة ! مثل استدلالهم علی عدم قرآنیة البسملة بالحدیث النبوی الذی یقول إن الله قسم سورة الحمد بینه وبین عبده ، فقال أبو حنیفة إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بدأ فی الحدیث من شرح آیات الحمد من آیة: (الحمد لله) لامن البسملة ، فهذا دلیل علی إعدام البسملة ونفیها من القرآن !

واستدل بأن القسمة لابد أن تکون متساویة ، فتکون الحمد ست آیات ، ومع البسملة تکون سبع آیات ولا تنقسم قسمین متساویین ! فالبسملة لیست آیة ! والسبع المثانی لیست سورة الحمد !

قال السرخسی فی المبسوط:1/15 ، مدافعاً عن رأی أبی حنیفة: (والمسألة فی الحقیقة تنبنی علی أن التسمیة لیست بآیة من أول الفاتحة ولا من أوائل السور عندنا ، وهو قول الحسن فإنه کان یعد إیاک نعبد وإیاک نستعین آیة.....

ولنا حدیث أبی هریرة عنه أن النبی(ص)قال یقول الله تعالی قسمت الصلاة بینی وبین عبدی نصفین فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمین یقول الله تعالی حمدنی عبدی.... فالبداءة بقوله الحمد لله رب العالمین دلیل علی أن التسمیة لیست بآیة من أول الفاتحة ، إذ لو کانت آیة من أول الفاتحة لم تتحقق المناصفة فإنه یکون فی النصف الأول أربع آیات إلا نصفاً ، وقد نص علی المناصفة . والسلف اتفقوا علی أن سورة الکوثر ثلاث آیات ، وهی ثلاث آیات بدون التسمیة . و لأن أدنی درجات اختلاف الأخبار والعلماء إیراث الشبهة ، والقرآن لایثبت مع الشبهة فإن طریقه طریق الیقین والإحاطة). انتهی.

وقد فات أبا حنیفة ومقلده السرخسی أنه لایناسب إمام مذهب مثله ولا طالب علم، أن ینتقی حدیثاً واحداً فی الموضوع ویفسره کمایظن ویبنی علیه مذهباً،

فلماذا أغمض عینه عن أحادیث الباب الکثیرة الصحیحة الصریحة ؟!

ص: 409

وفاتهما: أن بدء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بآیة الحمد قد یکون لنسیان الراوی ما قاله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی البسملة ، ولو صح أنه بدأ بها ، فلا یکون دلیلاً علی قتل البسملة ورد أحادیث جزئیتها لسورة الحمد ، وهی صحیحة عندهم !

وفاتهما: أن المناصفة بین الله تعالی وعبده فی سورة الحمد ، هی مناصفة معنویة قبل أن تکون لفظیة بتعداد الکلمات والحروف !

وفات السرخسی: أن یقول لنا أی سلف هؤلاء الذین أجمعوا علی عد سورة الکوثر ثلاث آیات ، وکأنه لم یقرأ اختلاف أقوال العدادین ومبانیهم فی عدِّ البسملة وترکها ! أو وصل بعض الآیات وفصلها !

علی أن أسوأ ما وقع فیه السرخسی قوله: (ولأن أدنی درجات اختلاف الأخبار والعلماء إیراث الشبهة ، والقرآن لا یثبت مع الشبهة)!!

یقول ما دامت توجد شبهة ولو بسیطة علی قرآنیة البسملة فی الحمد وأوائل السور لحدیث أو قول أحد العلماء ، فقد اهتزت قرآنیتها ووجب أن لاتعد من القرآن !! فهل یلتزم هو بذلک فی المعوذتین ؟!

مهما یکن ، فقد تأسفت لأنی ضیعت وقتی فی تتبع آرائهم فی البسملة وتمحلاتهم وتوحلاتهم ، فلا أضیع فیها وقت القارئ ، وأکتفی بنماذج قلیلة وأکثرها من مجموع النووی فقد سوَّد کغیره صفحات کثیرة فی الموضوع .

ولایفوتنی قبل ذلک أن أشیر إلی أن المخالفین لأهل البیت(علیهم السّلام) مع شدة اختلافهم وتناقض آرائهم فی البسملة ، اتفقوا علی أن من جحد أنها من القرآن لا یحکم بکفره ، ومن أثبتها منه علی نحو الظن لایحکم بکفره ، ومن أثبتها علی نحو القطع فإن کان من العلماء یحکم بکفره ، وإن کان العوام فبعضهم یحکم بکفره وآخرون بإسلامه !!

ص: 410

أحمد هی آیة فی أول الفاتحة ولیست بقرآن فی أوائل السور وعنه روایة أنها لیست من الفاتحة أیضاً...!

واحتج من نفاها فی أول الفاتحة وغیرها من السور بأن القرآن لا یثبت بالظن ولایثبت إلا بالتواتر وبحدیث أبی هریرة عن النبی(ص):قسمت الصلاة بینی وبین عبدی نصفین ، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمین ..إلی آخر الحدیث ، ولم یذکر البسملة . رواه مسلم ) .

وقال فی المجموع:16/235: (والثانیة: أنها لیست من کلام الله سبحانه وتعالی ، وإنما کانت وحیاً منه ، وقد یوحی ما لیس بقرآن کما روی عن النبی(ص) أنه قال: أتانی جبریل یأمرنی أن أجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، ولم یکن ذلک قرآناً وکلاماً من الله تعالی) !!

وقال فی ص337: (وفی سنن البیهقی عن علی وأبی هریرة وابن عباس وغیرهم: أن الفاتحة هی السبع من المثانی وهی السبع آیات وأن البسملة هی الآیة السابعة . وفی سنن الدارقطنی عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحیم ، إنها أمُّ القرآن وأم الکتاب والسبع المثانی ، وبسم الله الرحمن الرحیم إحدی آیاتها . قال الدارقطنی رجال إسناده کلهم ثقاة . فهذه الأحادیث متعاضدة محصلة للظن القوی بکونها قرآناً حیث کتبت، والمطلوب هنا هو الظن لالقطع خلاف ماظنه القاضی أبو بکر الباقلانی حیث شنع علی مذهبنا وقال لایثبت القرآن بالظن . وأنکر علیه الغزالی وأقام الدلیل علی أن الظن یکفی فیما نحن فیه) !

وقال فی ص338: (وأما الجواب عن قولهم لایثبت القرآن إلا بالتواتر فمن

ص: 412

وجهین:

أحدهما ، أن إثباتها فی المصحف فی معنی التواتر . والثانی، أن التواتر إنما یشترط فیما یثبت قرآناً علی سبیل القطع ، أما ما یثبت قرآناً علی سبیل الحکم فیکفی فیه الظن کما سبق بیانه ، والبسملة قرآن علی سبیل الحکم علی الصحیح وقول جمهور أصحابنا ) !

وقال السید الخوئی(رحمه الله)فی البیان ص 445 :

واستدل القائلون بأن البسملة لیست جزء من السورة بوجوه:

الوجه الأول: أن طریق ثبوت القرآن ینحصر بالتواتر ، فکل ما وقع النزاع فی ثبوته فهو لیس من القرآن ، والبسملة مما وقع النزاع فیه .

والجواب أولاً: أن کون البسملة من القرآن مما تواتر عن أهل البیت(علیهم السّلام) ولا فرق فی التواتر بین أن یکون عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبین أن یکون عن أهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) بعد أن ثبت وجوب اتباعهم .

وثانیاً: أن ذهاب شرذمة إلی عدم کون البسملة من القرآن لشبهة لایضر بالتواتر ، مع شهادة جمع کثیر من الصحابة بکونها من القرآن ، ودلالة الروایات المتواترة علیه معنی .

وثالثاً: أنه قد تواتر أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقرأ البسملة حینما یقرأ سورة من القرآن وهو فی مقام البیان ، ولم یبین أنها لیست منه وهذا یدل دلالة قطعیة علی أن البسملة من القرآن . نعم لا یثبت بهذا أنها جزء من السورة . ویکفی لإثباته ما تقدم من الروایات فضلاً عما سواها من الأخبار الکثیرة المرویة من الطریقین. والجزئیة تثبت بخبر الواحد الصحیح ، ولا دلیل علی لزوم التواتر فیها أیضاً.....). انتهی. (راجع أیضاً: الخلاف للشیخ الطوسی:1/332 ، المعتبر للمحقق الحلی:2/179 ، تذکرة الفقهاء للعلامةالحلی:1/114، تفسیر سورة الحمد للسید محمد باقر الحکیم ص 139 ، وتفسیر القرطبی:1/93 )

ص: 413

ولنا حدیث عبد الله بن المغفل عنه أنه سمع ابنه یجهر بالتسمیة فی الصلاة فنهاه عن ذلک فقال یا بنی إیاک والحدث فی الإسلام فإنی صلیت خلف رسول الله(ص)وخلف أبی بکر وعمر فکانوا لایجهرون بالتسمیة . وهکذا روی عن أنس ) .

وقال النووی فی المجموع:3/332: (ویجب أن یبتدئها ببسم الله الرحمن الرحیم فإنها آیة منها ، والدلیل علیه ما روته أم سلمة أن النبی (ص) قرأ بسم الله الرحمن الرحیم فعدها آیة ، ولأن الصحابة أثبتوها فیما جمعوا من القرآن ، فدل علی أنها آیة منها ، فإن کان فی صلاة یجهر فیها جهر بها کما یجهر بسائر الفاتحة ، لما روی ابن عباس أن النبی(ص)جهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، ولأنها تقرأ علی أنها آیة من القرآن ، بدلیل أنها تقرأ بعد التعوذ ، فکان سنتها الجهر کسائر الفاتحة ). انتهی.

فهل رأیت منطق هؤلاء العاملین فی إنتاج الفقه التبریری للحکام ، ومحاولاتهم البائسة فی الإستدلال والتفسیر ؟!

فالبسملة عندهم لیست من القرآن ، ومن ینکر أنها آیة من القرآن مسلم تام الإسلام !

والبسملة قرآن حکماً ! وظناً لا قطعاً ! فمن أثبت قرآنیتها بنحو قطعی فهو کافر إذا کان من العلماء ! ومن العوام فیه اختلاف !!

وقراءتها فی الصلاة مکروهة سراً وجهراً ، بل یجوز قراءتها سراً ویکره الجهر بها ، بل یستحب الجهر بها ! بل الأحوط عدم قراءتها أصلاً !

ص: 415

إلی آخر فتاواهم المتضاربة المتناقضة !!

ومنشأ مصیبتهم: أن البسملة موجودة فعلاً فی القرآن وهذا یحتاج إلی تفسیر!

وفیها أحادیث صحیحة أنها آیة ، وأحادیث صحیحة أنها لیست آیة ! فهی أحادیث متناقضة ، منها عن أنس وحده ستة أحادیث ببضعة أشکال ! فهم یحتاجون الی تبریر هذه الأحادیث المتناقضة !

والجهر بالبسملة مکروه عند قریش ، فهو یحتاج إلی توجیه !

وبعض الحکام قرأ بها وبعضهم ترکها ، وبعضهم جهر بها وبعضهم أخفاها وبعضهم عمل بالشکلین ! وعمل الجمیع صحیح ! یحتاج إلی فتوی تسنده !

لذلک یری هؤلاء الفقهاء الموظفون أنه لاطریق أمامهم إلا أن یهجروا منطق العقل ، ویقبلوا الضدین والنقیضین ، بل الأضداد والنقائض! لیحلوا المعضلة !!

ص: 416

قال الکلینی(رحمه الله):(خطب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)فحمد الله وأثنی علیه ثم صلی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم قال: ألا إن أخوف ما أخاف علیکم خلتان: اتباع الهوی وطول الأمل ، أما اتباع الهوی فیصد عن الحق ، وأما طول الأمل فینسی الآخرة.... وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحکام تبتدع ، یخالف فیها حکم الله یتولی فیها رجال رجالاً !

ألا إن الحق لو خلص لم یکن اختلاف ، ولو أن الباطل خلص لم یخف علی ذی حجی ، لکنه یؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغث فیمزجان فیجللان معاً ! فهنالک یستولی الشیطان علی أولیائه ، ونجا الذین سبقت لهم من الله الحسنی .

إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: کیف أنتم إذا لبستم فتنة یربو فیها الصغیر ویهرم فیها الکبیر ، یجری الناس علیها ویتخذونها سنة فإذا غیر منها شئ قیل قد غیرت السنة ، وقد أتی الناس منکراً .

ثم تشتد البلیة ، وتسبی الذریة ، وتدقهم الفتنة کما تدق النار الحطب ، وکما تدق الرحا بثفالها ، ویتفقهون لغیر الله ، ویتعلمون لغیر العمل ، ویطلبون الدنیا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه(علیه السّلام)وحوله ناس من أهل بیته وخاصته وشیعته فقال:

قد عملت الولاة قبلی أعمالاً خالفوا فیها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )متعمدین لخلافه ناقضین لعهده مغیرین لسنته ! ولو حملت الناس علی ترکها وحولتها إلی مواضعها وإلی ما کانت فی عهد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لتفرق عنی جندی ، حتی أبقی وحدی أو فی قلیل من شیعتی الذین عرفوا فضلی وفرض إمامتی من کتاب الله عز وجل وسنة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!!

أرأیتم لو أمرت بمقام إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فرددته إلی الموضع الذی وضعه فیه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورددت فدک إلی ورثة فاطمة(علیهاالسّلام)ورددت صاع رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما کان ،

ص: 418

وأمضیت قطائع أقطعها رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ! ورددت دار جعفر إلی ورثته وهدمتها من المسجد ! ورددت قضایا من الجور قضی بها ، ونزعت نساءً تحت رجال بغیر حق فرددتهن إلی أزواجهن واستقبلت بهن الحکم فی الفروج والأرحام ، وسبیت ذراری بنی تغلب ، ورددت ما قسم من أرض خیبر ، ومحوت دواوین العطایا وأعطیت کما کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یعطی بالسویة ولم أجعلها دولة بین الأغنیاء ، وألقیت المساحة وسویت بین المناکح ، وأنفذت خمس الرسول کما أنزل الله عز وجل وفرضه ورددت مسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی ما کان علیه ، وسددت ما فتح فیه من الأبواب وفتحت ماسد منه ، وحرمت المسح علی الخفین ، وحددت علی النبیذ ، وأمرت بإحلال المتعتین ، وأمرت بالتکبیر علی الجنائز خمس تکبیرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، وأخرجت من أدخل مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مسجده ممن کان رسول الله أخرجه ، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ممن کان رسول الله أدخله ، وحملت الناس علی حکم القرآن ، وعلی الطلاق علی السنة ، وأخذت الصدقات علی أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلی مواقیتها وشرائعها ومواضعها ، ورددت أهل نجران إلی مواضعهم ، ورددت سبایا فارس وسائر الأمم إلی کتاب الله وسنة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، إذاً لتفرقوا عنی !!

والله لقد أمرت الناس أن لایجتمعوا فی شهر رمضان إلا فی فریضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم فی النوافل بدعة ، فتنادی بعض أهل عسکری ممن یقاتل معی: یا أهل الإسلام غیرت سنة عمر ، ینهانا عن الصلاة فی شهر رمضان تطوعاً ! ولقد خفت أن یثوروا فی ناحیة جانب عسکری !!

ما لقیت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة ، والدعاة إلی النار ...

ص: 419

مالقی أهل بیت نبی من أمته مالقینا بعد نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! والله المستعان علی من ظلمنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم) . انتهی.

وشاهدنا من الخطبة قوله(علیه السّلام): (وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم)، وأنه مما غیرته الولاة قبله !

ویظهر من روایة الشافعی التالیة أن أهل المدینة فی زمن معاویة کانوا یجهرون بالبسملة عملاً بسنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان جلهم من الأنصار ومن أهل البیت(علیهم السّلام) ، وقلَّ فیهم الطلقاء ، لأنهم صاروا ولاة أو انتقلوا إلی الشام ، ولذلک اعترض أهل المدینة علی معاویة عندما صلی بهم ولم یقرأ البسملة ، وقالوا له (کما فی الأم للشافعی:1/129): (یامعاویة سرقت صلاتک ! أین بسم الله الرحمن الرحیم ؟!.... فصلی بهم صلاة أخری فقال ذلک فیها ، الذی عابوا علیه) !!

وفی دعائم الإسلام:1/110: (وقال جعفر بن محمد صلوات الله علیه: التقیة دینی ودین آبائی إلا فی ثلاث: فی شرب المسکر ، والمسح علی الخفین ، وترک الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ).

وفی عیون أخبار الرضا:1/196: فی صفة صلاة الإمام الرضا(علیه السّلام)قال إنه کان(یجهر ببسم الله الرحمن الرحیم فی جمیع صلاته باللیل والنهار).

وفی الکافی:3/313: (عن یحیی بن أبی عمران الهمدانی قال: کتبت إلی أبی جعفر(الإمام الجواد)(علیه السّلام): جعلت فداک ما تقول فی رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحیم فی صلاته وحده فی أم الکتاب فلما صار إلی غیر أم الکتاب من السورة ترکها ، فقال العباسی: لیس بذلک بأس؟

فکتب بخطه: یعیدها مرتین علی رغم أنفه ، یعنی العباسی ) .

ص: 420

البسملة والمعوذتین وآیات خزیمة التی زعم زید بن ثابت أنها لم توجد عند غیره ! وقد تقدم قول زید فی البخاری:8/177: (فتتبعت القرآن حتی وجدت آخر سورة التوبة مع أبی خزیمة الأنصاری لم أجدها مع أحد غیره )؟ !

11 - مادام ثبت عندکم إجماع أهل البیت(علیهم السّلام) علی الجهر بالبسملة ، فلماذا لا تأخذون بما أجمع علیه بیت نبیکم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین أوصاکم باتباعهم مع القرآن فقال: إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی؟!

12 - ما رأیکم بقول الفخر الرازی فی تفسیره:1/105بعد أن نقل روایة البیهقی الجهر بالبسملة عن عمر وابن عباس وابن عمر وابن الزبیر ، قال ما لفظه: ( وأما أن علی بن أبی طالب رضی الله عنه کان یجهر بالتسمیة فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدی فی دینه بعلی بن أبی طالب فقد اهتدی . والدلیل 1علیه قول رسول الله (ص): اللهم أدر الحق مع علی حیث دار ) ؟!

13 - ما رأیکم فی قول الفخر الرازی:1/106، عن روایات أنس المتناقضة فی البسملة: (وأیضاً ففیها تهمة أخری ، وهی أن علیاً کان یبالغ فی الجهر بالتسمیة ، فلما وصلت الدولة إلی بنی أمیة بالغوا فی المنع من الجهر بها سعیاً فی إبطال آثار علی ) ؟!

14 - بماذا تفسرون أصل مشکلة البسملة ، واضطراب سلوک الحکام فیها ، واختلاف الفقهاء وتضاد فتاواهم وتناقضها ؟

15 - ماقولکم فی بدعة التراویح ، وهل یجوز لأحد من الحکام المعاصرین أن یبتدع مثلها ؟

ص: 422

ص: 424

شیطان وهامة ومن کل عین لامة ). انتهی .

أما بخاری فروی تعویذ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للحسنین(علیهماالسّلام)بغیر المعوذتین، قال فی:4/119: (عن ابن عباس قال:کان النبی(ص)یعوذ الحسن والحسین ویقول: إن أباکما کان یعوذ بها إسماعیل وإسحاق: أعوذ بکلمات الله التامة من کل شیطان وهامة ومن کل عین لامة ).(ونحوه ابن ماجة:2/1165، وأبو داود:2/421 ، والترمذی:3/267 ، وأحمد:1/236 و270 ، والحاکم:3/167و:4/416وقال فی الموردین: صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه).

ورواه البخاری بعدة روایات عن عائشة لکنها لم تسم الحسنین(علیهماالسّلام)! قال فی:7/24: ( عن مسروق عن عائشة أن النبی(ص)کان یعوذ بعض أهله یمسح بیده الیمنی ویقول: الله رب الناس أذهب الباس واشفه وأنت الشافی لا شفاء إلا شفاؤک ، شفاء لا یغادر سقماً ) .

وفی:7/26: ( قالت: کان النبی(ص)یعوذ بعضهم یمسحه بیمینه... أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافی لاشفاء إلا شفاؤک شفاء لایغادر سقماً). (ونحوه أحمد: و6/44 و45 .. إلخ ) .

ورواه مجمع الزوائد:5/113،بعدة روایات ، وفی إحداها تفصیل جمیل وهی عن عبد الله بن مسعود قال: (کنا جلوساً مع رسول الله(ص)إذ مرَّ به الحسین والحسن وهما صبیَّان فقال: هاتوا ابنیَّ أعوذهما مما عوذ به إبراهیم ابنیه إسماعیل وإسحاق ، قال: أعیذکما بکلمات الله

التامة من کل عین لامة ومن کل شیطان وهامة . رواه الطبرانی وفیه محمد بن ذکوان وثقه شعبة وابن حبان وضعفه جماعة ، وبقیة رجاله ثقات ) . انتهی .

وبهذا العمل النبوی المکرر ارتبطت المعوذتان فی أذهان جیل الصحابة بالحسنین(علیهماالسّلام)، وسری إلیهما منهما الحب أو الحسد ! ولهذا حاول بعضهم حذفهما من القرآن وأن یضع بدلهما (سورتی) الحفد والخلع اللتین کان یقرأ

ص: 426

بهما عمر فی صلاته !

من القرآن.

وقال الشافعی فی الأم:7/199: (عن عبد الرحمن بن یزید قال: رأیت عبد الله یحک المعوذتین من المصحف ویقول لاتخلطوا به ما لیس منه. ثم قال عبدالرحمن: وهم یروون عن النبی(ص) أنه قرأ بهما فی صلاة الصبح. وهما مکتوبتان فی المصحف الذی جمع علی عهد أبی بکر ثم کان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان علیه الناس ، وهما من کتاب الله عز وجل ، وأنا أحب أن أقرأ بهما فی صلاتی) . انتهی.

وهو یدل علی أن الراوی وهو شامی قد صدق مقولة جمع القرآن ثلاث مرات ! لکن شهادته بأنه رأی ابن مسعود أو روی عنه ، محل شک !

قال البخاری عنه فی تاریخه:5/365: (1155:

عبد الرحمن بن یزید بن جابر الأزدی الشامی ، سمع مکحولاً وبشر بن عبید الله وأبا طعمة ، سمع منه ابن المبارک ، قال حماد ابن مالک: مات سنة اربع وخمسین . قال ابراهیم بن موسی: سمعت عیسی بن یونس ذکر سعید بن عبد العزیز فذکر خیراً ولم یکن عبد الرحمن بن یزید من أجلاسها . قال الولید: کان عند عبد الرحمن کتاب سمعه وکتاب آخر لم یسمعه. قال یحیی بن بکیر: مات سنة ثلاث وخمسین ومائة ).

2/555 !

قال فی صحیحه: 6/96: ( سورة قل أعوذ برب الفلق... عن زر بن حبیش قال: سألت أبیَّ بن کعب عن المعوذتین . فقال: سألت رسول الله (ص)فقال: قیل لی فقلت . فنحن نقول کما قال رسول الله (ص) ... سورة قل أعوذ برب الناس... وحدثنا عاصم عن زر قال: سألت أبی بن کعب: قلت أبا المنذر إن أخاک ابن مسعود یقول کذا وکذا . فقال أبیّ: سألت رسول الله(ص)فقال لی: قیل لی فقلت ! قال: فنحن نقول کما قال رسول الله (ص) )!! انتهی .

وبذلک یکون البخاری متوقفاً فی أن المعوذتین من القرآن ، لإعراضه عن روایة الجهنی التی رواها فی تاریخه !!

فإن قلت: توجد مواضع متعددة من صحیح البخاری صرح فیها عند ذکر بعض الآیات من هاتین السورتین بقوله: قال تعالی.. وهذا یؤکد أنه یری أنهما من القرآن . فقد قال فی کتاب القدر: (وقوله تعالی: قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) . وقال فی کتاب الطب:( باب السحر وقول الله تعالی: ولکن الشیاطین کفروا یعلمون الناس السحر .... وقوله تعالی: ومن شر حاسد إذا حسد . وقال فی کتاب التوحید: باب قول الله تعالی: ملک الناس) .

فالجواب: أن البخاری یعرف الإختلاف فی أن المعوذتین من القرآن أم زائدتان ؟! ومع ذلک تعمد أن یروی روایة التشکیک فیهما فقط ویترک الروایات التی تثبت أنهما من القرآن ! فلماذا ترک أحادیث صحیحة علی شرطه ، وقد روی بعضها الحاکم؟!

لذلک فإن ما ذکره من کلمات ظاهرها أنه یعتقد بقرآنیة المعوذتین ، یزید الإشکال علیه: بأنک عندما وصلت إلی أحادیث أنهما من القرآن ، وعمدتها

ص: 429

عندک وعند أستاذک ابن خزیمة أحادیث الجهنی.. لم تروِ شیئاً منها ! ورویت بدلها الأحادیث التی تقول بأنهما وحیٌ علمه جبریل للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لیتعوذ بهما ویعوذ الحسنین(علیهماالسّلام)، ولکن جبرئیل لم یقل له إنهما من القرآن؟!

فالإشکال علی البخاری أنه اقتصر علی الروایات النافیة لجزئیتهما ، مع علمه بوجود أحادیث صحیحة تثبت جزئیتهما ! وهویفهم أن التشکیک فی جزئیة سورة من القرآن نفیٌ لقرآنیتها لأن القرآن لایثبت بالظن بل بالیقین ؟!!

وقد درس البخاری عند أستاذه ابن خزیمة صحیحه:1/266، وفیه: (باب قراءة المعوذتین فی الصلاة ضد قول من زعم أن المعوذتین لیستا من القرآن.. أخبرنا...) وأورد الروایة التی ترکها البخاری توضیح!!!

وقال ابن نجیم المصری فی البحر الرائق:2/68: ( وما وقع فی السنن وغیرها من زیادة المعوذتین أنکرها الإمام أحمد وابن معین ، ولم یخترها أکثر أهل العلم ، کما ذکره الترمذی . کذا فی شرح منیة المصلی ) . انتهی .

فمن هم الذین زعموا إن المعوذتین لیستا من القرآن عند ابن خزیمة؟ هل هم الشیعة؟! وما هی السنن التی تقول بزیادة المعوذتین إلا روایات البخاری التی رواها هو وغیره ؟! ولکن الفرق أن غیره روی معها ما یثبت أنهما من القرآن ، بینما هو اقتصر علی روایة التشکیک !!

ثم لوکان القول بزیادتهما لاوجود له ، فلماذا احتاج إمامکم أحمد بن حنبل أن یرده ؟! وهل هذا القول إلا ما رواه البخاری ؟!

فالصحیح أن البخاری وقع فی تناقض حیث ظهر من بعض کلامه أنه یقول بجزئیة المعوذتین من القرآن ، بینما اقتصر فی روایته علی ما تمسک به النافون لجزئیتهما !

ص: 430

وهذه المسألة واضحة عند فقهائهم حیث اختلفوا فی کفر من سخر بآیات المعوذتین ! قال ابن نجیم فی البحر الرائق:5/205: (ویکفر إذا أنکر آیة من القرآن أو سخر بآیة منه إلا المعوذتین ففی إنکارهما اختلاف ، والصحیح کفره ، وقیل لا ، وقیل إن کان عامیاًّ یکفر ، وإن کان عالماً: لا ) .

فمن هم هؤلاء الذین قالوا ( لایکفر من سخر بآیاتهما ) وأن قرآنیتهما لم تثبت ؟! هل هم الشیعة ؟!!

، وهی صحیحة علی مبناه وعند أستاذه ؟!!

5 - لماذا کانت قراءة المعوذتین فی الصلاة أمراً مستنکراً عند أتباع الخلافة وکان أول من جهر بقراءتهما عبید الله بن زیاد بعد نحو أربعین سنة من وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟! قال ابن أبی شیبة فی المصنف: 7/216: ( عن مغیرة عن إبراهیم قال: أول من جهر بالمعوذتین فی الصلاة عبید الله بن زیاد ) . انتهی .

فهل جاء هذا العرف عند عامة الناس إلا من القول بزیادتهما ، أو التشکیک فیهما ، فمن هو المشکک ؟!

6 - مارأیکم فی فتوی البخاری وابن حبان وغیرهما الذین جوزوا أن یضم المصلی إلی قراءة المعوذتین سورة أخری ، لأنهما مشکوک فی قرآنیتهما !! قال ابن حبان فی صحیحه:6/201: ( ذکر الإباحة للمرء أن یضم قراءة المعوذتین إلی قراءة قل هو الله أحد فی وتره) ؟!!

7 - ما رأیکم فی قول الرازی فی المحصول:4/480: ( أنکر ابن مسعود کون المعوذتین من القرآن ، فکأنه ما شاهد قراءة الرسول (ص) لهما ولم یهتدِ إلی ما فیهما من فصاحة المعجزة ، أو لم یصدق جماعة الأمة فی کونهما من القرآن) ؟انتهی اقتباس الرازی . فإن کانت تلک الجماعة لیست حجة علیه فأولی أن لا تکون حجة علینا ، فنحن معذورون فی أن لا نقبل قولهم ). ؟!!

8 - ما رأیکم فی قول النووی فی شرح المهذب: ( أجمع المسلمون علی أن المعوذتین والفاتحة من القرآن وأن من جحد منهما شیئاً کفر وما نقل عن ابن مسعود باطل لیس بصحیح ، ففیه نظر ، وقد سبقه لنحو ذلک أبو محمد بن حزم فقال فی أوائل المحلی: ما نقل عن بن مسعود من إنکار قرآنیه المعوذتین فهو

ص: 432

کذب باطل، وکذا قال الفخر الرازی فی أوائل تفسیره: الأغلب علی الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود کذب باطل .

والطعن فی الروایات الصحیحة بغیر مستند لایقبل ، بل الروایة صحیحة والتأویل محتمل والإجماع الذی نقله إن أراد شموله لکل عصر فهو مخدوش وإن أراد استقراره فهو مقبول ). ؟!! (فتح الباری: 8/571)

9 - هل تقولون بکفر منکر المعوذتین ومانع الزکاة؟ وهل توافقون علی قول ابن الصباغ: ( وإنما قاتلهم أبو بکر علی منع الزکاة ، ولم یقل إنهم کفروا بذلک وإنما لم یکفروا لأن الإجماع لم یکن استقر ، قال: ونحن الآن نکفر من جحدها! قال: وکذلک مانقل عن ابن مسعود فی المعوذتین یعنی أنه لم یثبت عنده القطع بذلک ثم حصل الإتفاق بعد ذلک) ؟!! (فتح الباری: 8/572)

ص: 433

روی عنه بعد ذلک أنه قال: (والله لأقربن بکم صلاة رسول الله(ص)فکان أبو هریرة یقنت فی الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح ، ویدعو للمؤمنین ویلعن الکفار ). انتهی .

وقد عملت السلطة القرشیة بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لمعالجة هذه المشکلة لأن عدداً من الملعونین وأبناءهم الطلقاء سکنوا المدینة بعد فتح مکة ، وبثقلهم استطاع عمر أن ینتزع الخلافة من بنی هاشم والأنصار ! فقد ورد أن عدد الذین کان أرسلهم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )منهم فی جیش أسامة تسع مئة مقاتل ! وهذا یعنی أن عددهم کان ألوفاً .

وقد عالج الخلفاء وأتباعهم مشکلة الملعونین بعدة معالجات :

منها ، أنهم رووا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )اعترف بخطئه ، ودعا الله تعالی أن یجعل لعنه لهم ( صلاة وقربة ، زکاة وأجراً ، زکاة ورحمة ، کفارة له یوم القیامة ، صلاة وزکاة وقربة تقربه بها یوم القیامة ، مغفرة وعافیة وکذا وکذا.. برکة ورحمة ومغفرة وصلاة فإنهم أهلی) علی حد تعبیر الروایات! فقد روی البخاری:7/157(عن أبی هریرة أنه سمع النبی (ص) یقول: اللهم فأیما مؤمن سببته فاجعل ذلک له قربة إلیک یوم القیامة) . وروی مسلم: 8/26 عن أبی هریرة أیضاً (سمعت رسول الله (ص)یقول:

اللهم إنما محمد بشر یغضب کما یغضب البشر، وإنی قد اتخذت عندک عهداً لن تخلفنیه، فأیما مؤمن آذیته أو سببته أو جلدته فاجعلها له کفارة وقربة تقربه بها إلیک یوم القیامة) . وروی مسلم سبع روایات أخری . وروت مصادرهم عشرات الروایات من نوعها !

ومنها ، زعمهم أن الله تعالی أنزل علیه توبیخاً لذلک بقوله تعالی: (لَیْسَ لَکَ مِنَ الأَمْرِ شَئٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (سورة آل عمران: 128) فإنک تجد

ص: 435

الروایات فی تفسیرهم لها من کل حدب وصوب فی تخطئته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وتوبیخه لأنه دعا بأمر ربه علی طغاة قریش ولعنهم! وکأنهم وجدوا ضالتهم من القرآن ضد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!!

فقد عقد البخاری لها أربعة أبواب! روی فیها کیف رد الله تعالی دعاء نبیه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیهم ومنعه من لعنهم !

ولم یسم البخاری فی أکثر روایاته أولئک الملعونین المحترمین حفاظاً علی (کرامتهم) ! قال فی:5/35: (عن سالم عن أبیه أنه سمع رسول الله (ص)إذا رفع رأسه من الرکوع من الرکعة الأخیرة من الفجر یقول اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما یقول سمع الله لمن حمده ربنا ولک الحمد ، فأنزل الله عزوجل: لیس لک من الأمر شئ.. الی قوله: فإنهم ظالمون). وفی:5/35: (کان رسول الله(ص)یدعو علی صفوان بن أمیة وسهیل بن عمرو والحرث بن هشام فنزلت: لیس لک من الأمر شئ إلی قوله فإنهم ظالمون) انتهی.

ونتیجة روایاتهم: أن الآیة نزلت عدة مرات ، من أجل عدة أشخاص أو فئات ، وفی أوقات متفاوتة ، فبلغت أسباب نزولها العشرین مناسبة متناقضة فی الزمان والمکان والأشخاص الملعونین !!

ومنها ، أن جبرئیل جاء إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو یقنت ویلعنهم فی صلاته ، فقطع علیه قنوته وصلاته ووبخه وعلمه بدل اللعن (سورتی الحفد والخلع ) !!

قال البیهقی فی سننه:2/210: (عن خالد بن أبی عمران قال: بینا رسول الله (ص) یدعو علی مضر(یعنی قریش)إذ جاءه جبرئیل فأومأ إلیه أن اسکت فسکت ، فقال: یا محمد إن الله لم یبعثک سَبَّاباً ولا لَعَّاناً ! وإنما بعثک رحمة ولم یبعثک عذاباً ، لیس لک من الأمر شئ أو یتوب علیهم أو یعذبهم فإنهم ظالمون . ثم

ص: 436

علمه هذا القنوت:

اللهم إنا نستعینک ونستغفرک ونؤمن بک ونخضع لک ونخلع ونترک من یکفرک .

اللهم إیاک نعبد ولک نصلی ونسجد وإلیک نسعی ونحفد ونرجو رحمتک ونخشی عذابک ونخاف عذابک الجد ، إن عذابک بالکافرین ملحق ) .

ثم قال البیهقی: (هذا مرسل وقد روی عن عمر بن الخطاب صحیحاً موصولاً .

ثم روی أن عمر قنت بعد الرکوع فلعن کفرة أهل الکتاب ! وقال:

بسم الله الرحمن الرحیم . اللهم إنا نستعینک ونستغفرک ونثنی علیک ولا نکفرک ونخلع ونترک من یفجرک .

بسم الله الرحمن الرحیم . اللهم إیاک نعبد ولک نصلی ونسجد ولک نسعی ونحفد ونخشی عذابک الجد ونرجو رحمتک ، إن عذابک بالکافرین ملحق . رواه أبو سعید بن عبد الرحمن ابن أبزی عن أبیه عن عمر فخالف هذا فی بعضه).انتهی.

وکرر البیهقی فی روایات متعددة ، لیس أکثر منها إلا روایات السیوطی فی الدر المنثور: 6/420 ، تحت عنوان:( ذکر ما ورد فی سورة الخلع وسورة الحفد) .

ثم أفتی فقهاؤهم باستحباب ذلک شرعاً ففی فتح العزیز:4/250: (واستحب الأئمة منهم صاحب التلخیص أن یضیف إلیه (القنوت) ما روی عن عمر) !! وأفتی به مالک فی المدونة:1/103، والشافعی فی الأم:7/148، والنووی فی المجموع:3/493 ، وأوردوا روایة البیهقی وقنوت عمر .

ومن الطبیعی أن تکون هاتان (السورتان)موجودتین فی مصحف عمر الذی کان عند حفصة ! ولم یسعه نشره ، حتی أحرقه مروان والحمد لله .

ص: 437

علاقة لهما بالأنصار ولا بأبیّ بن کعب !

وأن کل روایة تنسبهما إلیه(رحمه الله)فهی لاستغلال اسمه فی تسویقهما ! من نوع ما رواه فی الدر المنثور: 6/420 ، عن حماد قال: (قرأنا فی مصحف أبیّ بن کعب: اللهم إنا نستعینک وتستغفرک ونثنی علیک الخیر ولا نکفرک ، ونخلع ونترک من یفجرک . قال حماد: هذه الآیة سورة !!

وفی مصحف ابن عباس قراءه أبیٍّ وأبی موسی: بسم الله الرحمن الرحیم . اللهم إنا نستعینک ونستغفرک ونثنی علیک الخیر ولا نکفرک ونخلع ونترک من یفجرک . وفی مصحف حجر: اللهم إنا نستعینک . وفی مصحف ابن عباس قراءة أبیّ وأبی موسی: اللهم إیاک نعبد ولک نصلی ونسجد وإلیک نسعی ونحفد ، نخشی عذابک ونرجو رحمتک إن عذابک بالکفار ملحق ). انتهی.

فإن أرادوا نسبتها إلی أبیٍّ نفسه ، فقد عرفت ما فیه .

وإن أرادوا نسبتها إلی مصحفه ، فإن ابنه محمداً سلمه إلی عثمان عندما وحد المصحف ، ولم یکن عند أحد .

3- کیف تتعقلون أن الله تعالی أخبر عن أکثر فریش أنهم حق علیهم البقول ولن یؤمنوا ، ثم تقولون صاروا مؤمنین ؟! قال الله تعالی: (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَی أَکْثَرِهِمْ فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ) (یس:6-7)

4 - کیف تقبلون ٍبما نسبه مسلم إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من أنه کان یؤذی ویسب ویضرب ظلماً بدون حق؟ (صحیح مسلم: 8/26عن أبی هریرة: سمعت رسول الله (ص)یقول: اللهم إنما محمد بشر یغضب کما یغضب البشر، وإنی قد اتخذت عندک عهداً لن تخلفنیه، فأیما مؤمن آذیته أو سببته أو جلدته فاجعلها له کفارة وقربة تقربه بها إلیک یوم القیامة) ؟!!

5 - هل تقبلون أسباب النزول المتناقضة التی روتها صحاحکم فی سبب نزول قوله تعالی: (لَیْسَ لَکَ مِنَ الأَمْرِ شَئٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)؟!

6 - هل تقبلون روایة البیهقی فی نزول جبرئیل وتوبیخ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقطع صلاته ، أم توافقون علی کلام ابن حزم فی رده ؟!

7 - هل تقبلون نسبة سورتی الحفد والخلع إلی أبیّ بن کعب ؟!

8 - هل تفتون باستحباب القنوت بسورتی عمر ؟!

ص: 440

ص: 442

البخاری عن عمر فی:8/18، بأن معنی القیام نفس معنی القیوم !

وفی فتح الباری:8/510: (قوله کما قرأ عمر الحی القیام.. وقد أخرج أبو عبیدة فی فضائل القرآن من طریق یحیی بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبیه عن عمر أنه صلی العشاء الآخرة فاستفتح آل عمران فقرأ: الله لا إله إلا هو الحی القیام. وأخرج بن أبی داود فی المصاحف من طرق عن عمر أنه قرأها کذلک ) .

قلت قرأها نخرة بغیر ألف جمهور القراء وبالألف الکوفیون لکن بخلف عن عاصم .

تنبیه: قوله والباخل والبخیل . فی روایة الکشمیهنی بالنون والحاء المهملة فیهما ، وبغیره بالموحدة والمعجمة ، وهو الصواب .وهذا الذی ذکره الفراء قال هو بمعنی الطامع والطمع والباخل والبخل . وقوله سواء أی فی أصل المعنی وإلا ففی نخرة مبالغة لیست فی ناخرة ) . انتهی .

5 - لو أنصفتم لرأیتم أن المشکلة لیست هذه القراءات العمریة فقط ، بل الکثیر غیرها أیضاً من آراء عمر وشهاداته فی الآیات وقراءاته !

فماذا تصنعون عندما یثبت لکم قول أو فعل لعمر یخالف القرآن الذی بأیدی المسلمین ؟!

ص: 447

وکانت عائشة ترسل الرجل الذی تریده أن یدخل علیها إلی أختها أو زوجة أخیها فترضعه خمس رضعات فیصیر محرماً !

وذکر الرواة أسماء بعض الرجال الذین أرضعتهم عائشة عند أقاربها لیدخلوا علیها بدون حرج .

قال أحمد فی مسنده:6/271: (کانت عائشة تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن یرضعن من أحبت عائشة أن یراها ویدخل علیها وإن کان کبیراً ، خمس رضعات ثم یدخل علیها ! وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبی(ص)أن یدخلن علیهن بتلک الرضاعة أحداً من الناس حتی یرضع فی المهد ) . انتهی .

أما الأئمة من أهل البیت(علیهم السّلام) فقالوا: لارضاع بعد فطام ، ولا رضاع مع طعام ، فلا بد أن یکون الطفل فی سن الرضاعة ، وأن یرضع من المرأة خمس عشرة رضعة متصلة ، أو یرضع ما ینبت اللحم ویشد العظم .

بنت عمر ، فأمرتها أن ترضعه عشر مرات ففعلت ، فکان یلج علیها بعد أن کبر ). انتهی . ؟

3 - ما رأیکم بفتوی عبد الله بن عمر بأن المصة الواحدة تحرِّم ؟ قال السیوطی فی الدر المنثور:2/135: (وأخرج ابن أبی شیبة عن ابن عمر قال: المصة الواحدة تحرِّم ) انتهی .

4 - مارأیکم فیما رواه البخاری:6/125: (عن مسروق عن عائشة أن النبی (ص) دخل علیها وعندها رجل ، فکأنه تغیر وجهه کأنه کره ذلک ! فقالت :إنه أخی . فقال: أنظرن من إخوانکن ! فإنما الرضاعة من المجاعة) !

وفی:3/150:قال: یاعائشة من هذا؟ قلت :أخی من الرضاعة... ؟

5 - زعمتم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تمرض وتوفی ودفن فی بیت عائشة أی فی غرفتها. وقالت عائشة هنا: (ولقد کان فی صحیفة تحت سریری ، فلما مات رسول الله(ص)وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأکلها) ، وهذا یدل علی أن مرض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووفاته لم یکن فی غرفة عائشة ، وإلا لما دخلتها السخلة فی أیام مرضه أو بعد وفاته ! فما قولکم ؟!

6 - تقول عائشة فی روایة مسلم: (فتوفی رسول الله(ص)وهن فیما یقرأ من القرآن) ! وهذا نص فی أن تلک الآیات المزعومة لم تنسخ ، وأن القرآن بقی ناقصاً ! فهل تصدقون عائشة بنقص القرآن ؟!

7 - کیف تجمعون بین قول عائشة المتقدم وبین ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:2/135، قال: (وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت: لقد کانت فی کتاب

ص: 450

الله عشر رضعات ثم رد ذلک إلی خمس ، ولکن من کتاب الله ما قبض مع النبی (ص) .

وأخرج ابن ماجه وابن الضریس عن عائشة قالت: کان مما نزل من القرآن ثم سقط: لا یحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات) ؟!!

8 - تشنعون علی الشیعة بأن فی مصادرهم روایات تقول بنقص القرآن ، وقد ردها علماؤهم متناً وسنداً.. وهذه عائشة تقول بنقص القرآن صراحةً ، فهل تخطئونها ، أوتطعنون فی سند روایتها ؟!

9 - تطلبون من الشیعة أن یکفروا من قال من علمائهم لشبهة وردت علیه بنقص آیة من القرآن ، أو حرف واحد ، وبإسقاط المصدر الذی روی ذلک !

فهل تطبقون ما تطلبونه منا علی عمر وعائشة والأشعری وغیرهم ، وعلی البخاری ومسلم وغیرهما ؟!

10 - ما رأیکم فی وصف ابن حزم خبری عائشة فی المحلی:10/14: (وهذان خبران فی غایة الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ، ولا یسع أحداً الخروج عنهما )؟!

11 - حسب قول عائشة ، فإن السخلة سببت أن یکون قرآن المسلمین ناقصاً إلی یوم القیامة ! وهذه جریمة تاریخیة بحق الأمة الإسلامیة والبشریة. ألا یجب علی السنیین أن یکرهوا السخال والماعز أو یحرموا لحومها ، قیاساً علی الخنزیر ؟!

ص: 451

4 - الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ، قال تعالی: (قَالَ یَا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ . قَالَ عِفْرِیتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِکَ وَإِنِّی عَلَیْهِ لَقَوِیٌّ أَمِینٌ . قَالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّی لِیَبْلُوَنِی أَأَشْکُرُ أَمْ أَکْفُرُ وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیٌّ کَرِیمٌ) (النمل:38 - 40)

5 - مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ، قال تعالی: ( وَیَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ). (سورة الرعد:43 )

وقد دلت الأحادیث الصحیحة علی أن الراسخین فی العلم ، والذین عندهم علم الکتاب ، هم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أهل بیته الطاهرون(علیهم السّلام) ، ویدل علیه حدیث الثقلین المتفق علیه بین الجمیع وهو قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی أوشک إن أدعی فأجیب وإنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله عز وجل وعترتی کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی وإن اللطیف الخبیر أخبرنی أنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض فانظرونی بم تخلفونی فیهما.(رواه أحمد:3/17 بأسانید صحیحة ، وغیره ، وغیره) , فإنه لامعنی لإخبار الله تعالی لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنهما لن یفترقا إلی یوم القیامة ، إلا أنه سیکون منهم إمام فی کل عصر عنده علم الکتاب ، ویکون أفضل من وزیر سلیمان ووصیه آصف بن برخیا (الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ).

إلی هنا لامشکلة ولاخلاف ، لکن مارأیک بمن أراد أن یکسر کلمة (مَنْ) فی قوله تعالی: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ) فیغیرها من اسم موصول إلی حرف جر ، ویکسر کلمة: عِنْدَهُ ، فیجعلها: عِنْدِهُ ؟!

ص: 453

لابد أنک تقول إن هذا العمل شیطنة وتحریف للقرآن !

وتقول إنه لایصح لأن معنی الجملة یصیر: قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ ، وبالله الذی علم الکتاب عنده، وهو معنی رکیک یقطع الربط بین الفقرتین ویجعل (ومِنْ عنده) جملة جدیدة بعیدة عن الموضوع ، مع أن الآیة آخر آیة فی سورة الرعد !

ولکن هاوی التحریف لایهمه رکاکة المعنی ، فهدفه أن ینفی وجود أشخاص عندهم علم الکتاب ، ویبعد الآیة عن علی(علیه السّلام)!!

وهذا ما عمله عمر فی قراءته: (وَمِنْ عِنْدِهِ) ، ونسبه إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/69: ( وأخرج تمام فی فوائده وابن مردویه عن عمر أن النبی (ص) قرأ: ومن عندِه علم الکتاب ، قال: من عندِ الله علم الکتاب ) ! وفی کنز العمال:2/593: ( عن عمر أن النبی (ص) قرأ: وَمِنْ عِنْدِهِ عِلمُ الکتاب . الدارقطنی فی الإفراد ، وتمام ، وابن مردویه ) .

وفی:12/589: (عن ابن عمر قال: قال عمر ، وذکر إسلامه ، فذکر أنه حیث أتی الدار لیسلم سمع النبی(ص) یقرأ: ومِن عندِه علم الکتاب . ابن مردویه)!

مبغضی علی(علیه السّلام)مثل مجاهد والحسن البصری وشعبة وقتادة وهارون والضحاک بن مزاحم ! وتجنب روایتها عن عمر ، مع أن عمر أسندها إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

قال الطبری: ( وقد روی عن رسول الله(ص)خبر بتصحیح هذه القراءة وهذا التأویل ، غیر أن فی إسناده نظراً ، وذلک ما حدثنا القاسم قال ثنا الحسین قال: ثنا عباد بن العوام ، عن هارون الأعور ، عن الزهری ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبیه عن النبی(ص) أنه قرأ: وَمِنْ عِنْدِهِ عِلم الکتاب ، عند الله علم الکتاب ، وهذا خبر لیس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهری . فإذا کان ذلک کذلک وکانت قراء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق علی القراءة الأخری وهی:(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب)کان التأویل الذی علی المعنی الذی علیه قراء الأمصار أولی بالصواب ممن خالفه، إذ کانت القراءة بما هم علیه مجمعون أحق بالصواب ) انتهی .

وبذلک رجح الطبری قراءة الفتح علی الموصولیة علی قراءة عمر ومن تبعه من کبار القراء والمفسرین القدماء ! وأسقط روایة الزهری لأن تلامیذ الزهری الثقاة لم یوثقوها ! لکنه أغفل أن قراءة الکسر لیست محصورة بطریق الزهری وأن أول من اخترعها عمر وأسندها الی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

أما الفخر الرازی فقد هرب من معرکة قراءة الکسر واکتفی فی تفسیره:19/69، بذکر الأقوال بناء علی قراءة الفتح وقراءة الکسر ، ولم یرجح أیاً منها فقال: (والله تعالی أعلم بالصواب) !

وهکذا اختار مفسروا السنة قراءة الفتح ، واضطروا أن یسلکوا طریقاً آخر لإبعاد الآیة عن علی(علیه السّلام)فقالوا إن المقصود بالکتاب فیها لیس القرآن ، بل

ص: 455

التوراة والإنجیل ، والمقصود (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب) هو عبد الله بن سلام ، أو غیره من علماء الیهود والنصاری !

لکن یرد علیهم ثلاث إشکالات لا جواب لها :

أولاً: أنه لو کان عند عبد الله بن سلام وعلماء الیهود والنصاری علم الکتاب لکانت درجتهم أعلی من درجة آصف بن برخیا الذی أتی بعرش بلقیس من الیمن ، والذی عنده علم من الکتاب !

ثانیاً: کیف یجعل الله تعالی علماء الیهود والنصاری شهداء علی الأمة الإسلامیة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟! بینما لو سألتهم عن نبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لنفوها ؟!

ثالثاً: لو سلمنا أن هؤلاء عندهم علم التوراة والإنجیل ، فأین الذی عنده علم القرآن من أمة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟!

فهل لایوجد علم القرآن بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند أحد ؟! أو یوجد عند فلان وفلان الصحابی الذی لم یکن یعرف معنی آیة: (وَفَاکِهَةً وَأَبّاً) ؟!

رابعاً: قال لهم سعید بن جبیر: إن الآیة مکیة ، والیهودی عبد الله بن سلام أسلم فی المدینة ، فکیف تقصده الآیة قبل إسلامه ؟! أربع إشکالات ولیس ثلاث

وهکذا نری أن تنازل الجیل التالی منهم عن قراءة عمر بالکسر ، لم یرفع عنهم الإشکال فی تفسیرها ! فقد بقی السؤال متوجهاً الیهم: من هو هذا الذی جعله الله شاهداً علی الأمة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟

وتفسیرهم لها بعبد الله بن سلام أوغیره من علماء الیهود یعقد المشکلة ولا یحلها ، ولا یخلصهم من علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) ! فکیف یقبلون أن یکون

ص: 456

الشهداء الربانیون علی الأمة الإسلامیة علماء الیهود کلهم أو بعضهم ؟!!

ومن طریف ما رواه الطبری فی تفسیره:7/118 روایة (عن أبی صالح فی قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب؟ قال: رجل من الإنس ولم یسمه )!!

فقد خاف أبو صالح أن یقول إنه علی(علیه السّلام) فقال: رجل من الإنس !!

فدخل علیه فوسعوا له حتی دخل فقال: السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، فقال: وعلیک

السلام ما جاء بک یا عبد الله بن سلام ؟

قال: جئت لأثبت حتی استشهد أو یفتح الله لک... فی حدیث طویل ، قال فی آخره: رواه الطبرانی ورجاله ثقات ) انتهی .

ومعنی ذلک أن الصحابة کانوا کلهم ضد عثمان ، وأن ابن سلام یدعی أنه کان من الأوفیاء الثابتین معه ! ولکنا نعرف أن الیهود أول الناس هروباً ، وقد قتل عثمان وبقی بدون دفن ، فلو کان ابن سلام بذل له دمه فی حیاته ، فأین کان عن تشییعه ودفنه ؟!

ونعرف بذلک السبب فی جعلهم ابن سلام مجاهداً مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بل بدریاً !

قال فی هامش تهذیب الکمال:15/75 (وقال ابن حجر: ذکره أبو عروبة فی البدریین وانفرد بذلک! وأما ابن سعد فذکره فی الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها ، والله أعلم). تهذیب التهذیب:5/249) .

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقرؤها بالکسر!

ثم نقل السیوطی عدة روایات عن ابن سلام یفتخر بهذا الثوب الذی ألبسته إیاه قریش ، وسرقته له من علی بن أبی طالب(علیه السّلام) !

قال السیوطی: (وأخرج ابن جریر وابن مردویه من طریق عبد الملک بن عمیر أن محمد بن یوسف بن عبد الله بن سلام قال : قال عبد الله بن سلام: قد أنزل الله فیَّ القرآن:ً قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَاب.. عن جندب قال : جاء عبد الله بن سلام حتی أخذ بعضادتی باب المسجد ثم قال: أنشدکم بالله أتعلمون أنی أنا الذی أنزلت فیه ومن عنده علم الکتاب ؟ قالوا : اللهم نعم !

عن عبد الله بن سلام أنه لقی الذین أرادوا قتل عثمان فناشدهم بالله فیمن تعلمون نزل: قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ؟ قالوا : فیک . وعن مجاهد أنه کان یقرأ: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب ، قال : هو عبد الله بن سلام ).

ثم روی السیوطی روایتین تکذبان أن یکون المقصود بالآیة ابن سلام قال: (وأخرج سعید بن منصور وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والنحاس فی ناسخه عن سعید بن جبیر أنه سئل عن قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب، أهو عبد الله بن سلام؟قال: وکیف وهذه السورة مکیة؟!... وعن الشعبی قال: ما نزل فی عبد الله ابن سلام شئ من القرآن) ! ثم روی تفسیراً آخر وسع فیه: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب ، لیشمل عدة أشخاص مع ابن سلام ! قال : ( وأخرج عبد الرزاق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن قتادة فی الآیة قال: کان من أهل الکتاب قوم یشهدون بالحق ویعرفونه منهم عبد الله بن سلام والجارود وتمیم الداری وسلمان الفارسی ) .

ثم روی السیوطی تفسیراً آخر جعل الشهداء علی الأمة الإسلامیة کل أهل

ص: 459

الکتاب (الذین یشهدون ضدها !) قال:

( وأخرج ابن جریر من طریق العوفی عن ابن عباس وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب ، قال هم أهل الکتاب من الیهود والنصاری ! ) ! .

ثم روی تفسیراً آخر جعله جبرئیل(علیه السّلام)قال: (وأخرج ابن أبی حاتم عن سعید بن جبیر فی قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب ، قال: جبریل) ؟ ! وتفسیراً آخر جعله الله تعالی قال: (وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن مجاهد: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الکتاب ، قال:هو الله عز وجل)!

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

عن برید بن معاویة العجلی قال: قلت لأبی جعفر(علیه السّلام): قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ؟ قال: إیانا عنی وعلیٌّ أفضلنا وأولنا وخیرنا بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

عن عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبی جعفر(علیه السّلام): هذا ابن عبد الله بن سلام یزعم أن أباه الذی یقول الله. قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ؟ قال: کذب.. هو علی بن أبی طالب !

عن عبد الله بن عجلان عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: سألته عن قوله: قُلْ کَفَی بِاللهِ شَهِیدًا بَیْنِی وَبَیْنَکُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ؟ فقال: نزلت فی علی بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفی الأئمة بعده ، وعلی عنده علم الکتاب) انتهی .

وقال علی بن إبراهیم القمی فی تفسیره:1/367: (حدثنی أبی عن ابن أبی عمیر عن ابن أذینة عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: الذیعِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ هو أمیر المؤمنین (علیه السّلام). وسئل عن الذیعِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ أعلم أم الَّذِی عِنْدَهُ مِنَ عِلْمُ الْکِتَابِ؟ فقال: ما کان علم الذی عنده علم من الکتاب عند الذی عنده علم الکتاب، إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر.. فقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): ألا إن العلم الذی هبط به آدم من السماء إلی الأرض وجمیع ما فضلت به النبیون إلی خاتم النبیین فی عترة خاتم النبیین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )). انتهی.

ص: 461

ص: 462

ص: 464

، وفی الإتقان:1/101 ومسند أحمد:4/298)

وفی البخاری: 5/182: (قال سمعت سعید بن جبیر قال: آیة اختلف فیها أهل الکوفة ، فرحلت فیها إلی ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآیة: ومن یقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم ، هی آخر ما نزل ، وما نسخها شئ ) !! (ونحوه فی:6/15). وفی الدر المنثور:2/196: (وأخرج عبد بن حمید ، والبخاری ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائی وابن جریر ، والطبرانی من طریق سعید بن جبیر قال: اختلف أهل الکوفة فی قتل المؤمن ، فرحلت فیها... هی آخر ما نزل وما نسخها شئ) ! (ومجموع النووی:18/345 ) .

وفی مستدرک الحاکم:2/338: (عن أبی بن کعب قال: آخر ما نزل من القرآن: لقد جاءکم رسول من أنفسکم، عزیز علیه ما عنتم حریص علیکم بالمؤمنین رؤف رحیم . حدیث شعبة عن یونس بن عبید صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ). انتهی.

وهذه الروایة الصحیحة علی شرط الشیخین تقصد الآیتین 128 و129 من سورة التوبة .

وفی الدر المنثور:3/295: (وأخرج ابن أبی شیبة ، وإسحاق بن راهویه ، وابن منیع فی مسنده ، وابن جریر ، وابن المنذر ،وأبو الشیخ ، وابن مردویه ، والبیهقی فی الدلائل ، من طریق یوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، عن أبی بن کعب قال: آخر آیة أنزلت علی النبی(ص) وفی لفظ إن آخر ما نزل من القرآن: لقد جاءکم رسول من أنفسکم .. إلی آخر الآیة .

وأخرج ابن الضریس فی فضائل القرآن ، وابن الأنباری فی المصاحف ، وابن مردویه ، عن الحسن أن أبی بن کعب کان یقول: إن أحدث القرآن عهداً بالله - وفی لفظ بالسماء - هاتان الآیتان: لقد جاءکم رسول من أنفسکم .. إلی آخر

ص: 466

السورة .

وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل فی زوائد المسند ، وابن الضریس فی فضائله ، وابن أبی دؤاد فی المصاحف ، وابن أبی حاتم وأبو الشیخ ، وابن مردویه ، والبیهقی فی الدلائل ، والخطیب فی تلخیص المتشابه ، والضیاء فی المختارة ، من طریق أبی العالیة ، عن أبی بن کعب ، أنهم جمعوا القرآن فی مصحف فی خلافة أبی بکر ، فکان رجال یکتبون ویمل علیهم أبی بن کعب حتی انتهوا إلی هذه الآیة من سورة براءة: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم ... قوم لایفقهون ، فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن ، فقال أبی بن کعب: إن النبی (ص) قد أقرأنی بعد هذا آیتین: لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزیز علیه ما عنتم حریص علیکم بالمؤمنین رؤف رحیم ، فإن تولوا فقل حسبی الله لا إله إلا هو علیه توکلت وهو رب العرش العظیم . فهذا آخر ما نزل من القرآن . قال فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله ، یقول الله: وما أرسلنا من قبلک من رسول إلا یوحی إلیه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ).

وفی مسلم:8/243: (عن ابن عباس: تعلم - وقال هارون تدری - آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جمیعاً ؟ قلت نعم ، إذا جاء نصر الله والفتح . قال: صدقت ).

وفی المعجم الکبیر للطبرانی:12/19: (عن ابن عباس قال: آخر آیة أنزلت: واتقوا یوماً ترجعون فیه إلی الله ). انتهی . وهی الآیة 281 من سورة البقرة !

ولعل السیوطی استحی من کثرة أحادیثکم (الصحیحة) فی آخر ما نزل من القرآن ، فأجملها إجمالاً ، ولم یعددها أولاً وثانیاً ، کما عدد الأقوال الأربعة فی

ص: 467

أول ما نزل ! ونحن نعدها باختصار:

1 - أن آخر آیة هی آیة الربا ، وهی الآیة 278 من سورة البقرة .

2 - أن آخر آیة هی آیة الکلالة ، أی الورثة من الأقرباء غیر المباشرین ، وهی الآیة 176 من سورة النساء .

3 - أن آخر آیة هی آیة ( واتقوا یوماً ترجعون فیه إلی الله .. ) وهی الآیة 281 من سورة البقرة .

4 - أن آخر آیة هی آیة ( لقد جاءکم رسول من أنفسکم ... ) وهی الآیة 128 من سورة التوبة .

5 - أن آخر آیة هی آیة ( وما أرسلنا من قبلک من رسول ... ) وهی الآیة 25 منسورة الأنبیاء .

6 - أن آخر آیة هی آیة ( فمن کان یرجو لقاء ربه ... ) الکهف - 110 .

7 - أن آخر آیة هی آیة ( ومن یقتل مؤمنا متعمداً...) النساء: 93 .

8 - أن آخر سورة نزلت هی سورة التوبة .

9 - أن آخر سورة نزلت هی سورة النصر .

هذا ماجاء فقط فی إتقان السیوطی:1/101 ، وقد تبلغ أقوال أئمتهم وروایاتهم الصحیحة والموثقة ضعف ذلک ، لمن یتتبع المصادر !!

ص: 468

ص: 470

ص: 472

حنیف ، أن رهطاً من أصحاب النبی(ص)أخبروه أنه قام رجل منهم من جوف اللیل یرید أن یفتتح سورة کان قد وعاها ، فلم یقدر منها علی شئ إلا بسم الله الرحمن الرحیم ! فأتی باب النبی(ص)یسأله عن ذلک ، وجاء آخر وآخر حتی اجتمعوا فسأل بعضهم بعضا:ً ما جمعهم ؟ فأخبر بعضهم بعضاً بشأن تلک السورة ، ثم أذن لهم النبی(ص)فأخبروه خبرهم ، وسألوه عن السورة ؟ فسکت ساعة لا یرجع إلیهم شیئاً ، ثم قال: نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ، ومن کل شئ کانت فیه !!

وروی مثلاً آخر عن أبی موسی الأشعری قال: (نزلت سورة مثل براءة ثم رفعت ! فحفظ منها: إن الله یؤید الدین بأقوام لاخلاق لهم ولو أن لابن آدم وادیین من مال لتمنی وادیاً ثالثاً ، ولا یملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ویتوب الله علی من تاب ...

وروی عن مجاهد قال: إن الأحزاب کانت مثل البقرة أو أطول !

وعن أبیّ بن کعب أنه قال: (والذی أحلف به لقد نزلت علی محمد(ص) وإنها لتعادل البقرة أو تزید علیها ).

وعن ابن مسعود أنه قال: (أنزلت علی رسول الله(ص)آیة فکتبتها فی مصحفی فأصبحت لیلة فإذ الورقة بیضاء ! فأخبرت رسول الله (ص) فقال: أما علمت أن تلک رفعت البارحة ). انتهی.

ولایمکننا تصدیق هذه الروایات ، فإنها فی أحسن حالاتها أخبار آحاد لاتنهض لإثبات أمر کبیر ، لو کان لبان ، ولرواه غیر هؤلاء !!

ص: 474

ثم قال ابن الجوزی: القسم الثانی ما نسخ رسمه وبقی حکمه:

وطبقه علی آیة عمر(فالرجم حق علی من زنا..) وآیة عمر الأخری: (فإنه کفر بکم أن ترغبوا عن آبائکم ) ، وقد تقدمتا من البخاری ومسلم .

وروی قول عمر: (وأیم الله لولا أن یقول قائل زاد عمر فی کتاب الله لکتبتها فی القرآن....وأنها قد أنزلت وقرأناها: الشیخ والشیخة إذا زنیا فارجموهما البتة. ولولا أن یقال زاد عمر فی کتاب الله لکتبتها بیدی ).

ثم روی ابن الجوزی عن أبیّ بن کعب أنه قال عن سورة الأحزاب: (إن کنا لنقرأها کما نقرأ سورة البقرة وإن کنا لنقرأ فیها: إذا زنی الشیخ والشیخة فارجموهما البتة نکالاً من الله ، والله عزیز حکیم ).

ثم روی عن عمر أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: ( ألم تجد فیما أنزله الله علینا أن: جاهدوا کما جاهدتم أول مرة ؟ فإنا لا نجدها ؟! قال: أسقطت فیما أسقط من القرآن )!

وروی عن حمیدة أنه کان فی مصحف عائشة: (إن الله وملائکته یصلون علی النبی ، والذین یصلون فی الصفوف الأولی ) .

وعن أنس: (أن رسول الله(ص)بعث حراماً خاله فی سبعین رجلاً فقتلوا یوم بیر معونة ، قال فأنزل علینا فکان مما نقرأ فنسخ: أن بلغوا قومنا إنا لقینا ربنا فرضی عنا وأرضانا ، وقال ابن الجوزی: انفرد بإخراجه البخاری ). انتهی.

والثانی: أن آیاته المزعومة کلها رکیکة ، لاتشبه آیات القرآن فی شئ!

والثالث: أن آیة عمر: (جاهدوا کما جاهدتم أول مرة) فسرها عمر بأن ذلک إذا کان الأمراء من بنی أمیة والوزراء من بنی مخزوم ! فقد روی السیوطی فی الدر المنثور:4/371: نفس روایة ابن الجوزی عن ابن عوف ، وتتمتها: ( قلت بلی، فمتی هذا یا أمیر المؤمنین؟ قال: إذا کانت بنو أمیة الأمراء وبنو المغیرة الوزراء) ! وقال السیوطی: (أخرجه البیهقی فی الدلائل عن المسور بن مخرمة) . انتهی.

ونحن نوافق علی هذا المعنی ، لأنه ورد فی أحادیث صحیحة عندنا وعندهم ، وهی توجب علی المسلمین جهاد قریش علی تأویل القرآن کما جاهدهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول مرة علی تنزیله ، وأن الذی یقوم بذلک هو علی(علیه السّلام).

ومن أحادیثه فی مصادرهم (حدیث خاصف النعل) الذی رواه الترمذی:5/298، وصححه، وفیه: (یا معشر قریش لتنتهن أو لیبعثن الله علیکم من یضرب رقابکم بالسیف علی الدین، قد امتحن الله قلوبهم علی الایمان. قالوا من هو یا رسول الله؟ فقال له أبو بکر من هو یا رسول الله؟ وقال عمر: من هو یا رسول الله؟ قال: هو خاصف النعل ، وکان أعطی علیاً نعله یخصفها).(رواه الحاکم:2/138و:4/298وصححه علی شرط مسلم) .

ومن أحادیثه فی مصادرنا مارواه العیاشی:2/229، فی تفسیر قوله تعالی: (أَلَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ کُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) عن الإمام الصادق(علیه السّلام) قال: ما تقولون فی ذلک؟فقال: نقول هما الأفجران من قریش بنو أمیة وبنو المغیرة ، فقال: بل هی قریش قاطبة ، إن الله خاطب نبیه فقال: إنی قد فضلت قریشاً علی العرب ، وأتممت علیهم نعمتی ، وبعثت إلیهم رسولاً فبدلوا نعمتی ، وکذبوا رسولی) . انتهی .

ص: 476

فمقولة الجهاد أول مرة وثانی مرة ، أو الجهاد علی تنزیل القرآن ثم علی تأویله ، مقولة إسلامیة ثابتة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومنسجمة مع اعتقاد أهل البیت (علیهم السّلام) ، لکنا لانوافق علی أنه نزلت فیها آیة ، ثم رفعت أو فقدت أو أسقطت ، کما تقول روایة عمر .

والرابع: أن روایات هذه الآیة المزعومة متعارضة ، ففی بعضها أن مدعی الآیة هو عمر کما تقدم، وفی بعضها أنه ابن عباس کالذی رواه السیوطی فی الدر المنثور:5/197 ، وذکر حواراً دار فیها بین عمر وبین ابن عباس ، وکأن عمر لایعرفها أو یشک فیها ویقرر ابن عباس بها :

قال السیوطی: (وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن ابن عباس أن عمرسأله... فقال عمر: مَنْ أمرنا أن نجاهد؟ قال: بنی مخزوم وعبد شمس ! ) !. انتهی.

وهذا التعارض یوجب الشک فی أصل وجود آیة کانت ، ثم نسخت !

والخامس: أن الحکم بأنها من القسم الثانی ما نسخ رسمه وبقی حکمه ، وإن کان یناسبه تعبیر أنها نسخت ، أو رفعت من القرآن کما فی بعض روایاتها ، لکن روایة ابن الجوزی وروایة المسور بن مخرمة (فی کنز العمال:2/567 وغیره) تعارض ذلک وتقول إنها أسقطت فیما أسقط من القرآن ! ومعناه أنها لم تنسخ بل أسقطت عمداً أو سهواً أو لضیاعها ! ولیس شئ من ذلک نسخاً !

والسادس: أن آیة عائشة المزعومة لیس لها معنی معقول مفهوم ، حتی نقبل أن تکون نزلت آیة ثم رفعت ! فما معنی أن الله تعالی یقرن الصلاة علی نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالصلاة علی المصلین فی الصف الأول؟! وکیف یصح حینئذ أن یفرع

ص: 477