مفاد حديث الغدير

اشارة

سرشناسه : اميني، عبدالحسين، 1349 - 1281

عنوان و نام پديدآور : مفاد حديث الغدير/ تاليف العلامه الاميني؛ اعداد نعمان النصري

مشخصات نشر : [1418ق. = ]1376.

مشخصات ظاهري : ص 174

فروست : (من فيض الغدير2)

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص. 174 - 165؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : غدير خم

موضوع : علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اثبات خلافت

شناسه افزوده : نصري، نعمان، گردآورنده و مصحح

رده بندي كنگره : BP223/54/الف8م7 1376

رده بندي ديويي : 297/452

شماره كتابشناسي ملي : م 80-6936

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

كتاب الغدير:

كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة، ويمتدّ في الآفاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه... إنّه العمل الموسوعي الكبير الذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم: من تفسير، وحديث، وتأريخ، وأدب، وعقيدة، وكلام، وفرق، ومذاهب...

جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع، وفي صياغة الأديب الذي خاطب جميع القرّاء، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.

ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الأحد عشر من ذخائر هامة، لا غنى لطالب المعرفة عنها، وتيسيراً لاغتنام فوائدها، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام، لطباعتها ونشرها مستقلّة، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.

ص:7

مقدمة الإعداد:

الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمد وآله الطاهرين

مفاد حديث الغدير وبيان المعنى المفهوم منه من المواضيع المهمّة جداً التي طرحها المؤلّف قدس سره في الجزء الأول من كتابه لما لها من الأهمية القصوى من ابتناء المواضيع الآتية عليها؛ إذ إنّه يجب أن يؤسس أولًا المقصود من قوله صلى الله عليه و آله: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهل معنى المولى هنا هو الربّ أو العم أو المالك أو التابع أو المتصرّف في الأمر أو المتولّي في الأمر أو الأولى بالشي أو غير ذلك من المعاني السبعةِ والعشرين المذكورة في كتب اللغة؟ وقد أثبت في كتابه هذا أنّ المولى معناه الأولى بالشي ء، وطفق يدعم رأيه بما أوتي من سعة اطلاع وقوة بيان بما ذكر في كتب التفسير والحديث من أنّ لفظ مولى حينما يطلق يراد به أولى أو هو أحد معانيه مستدلًا

ص:8

ب «اثنين واربعين» قولًا من أقوال كبار علماء التفسير في تفسير قوله تعالى في سورة الحديد: مأواكم النار هي مولاكم فقد حصر سبعة وعشرون منهم التفسير بأن مولاكم تعني أولى بكم، والباقون جعلوه أحد المعاني في الآية وكلّ من ذكرهم من علماء السنّة، وهم من أئمة العربية وبواقع اللغة ممّن عرف أنّ هذا المعنى وهو الأولى من معاني مولى اللغوية.

وكذلك الحال في تفسير قوله تعالى: أنت مولانا و اللَّه مولاكم و هو مولانا فقد نصّ المفسّرون على أنّ المقصود من مولى هنا هو الأولى.

ومع هذا كلّه ترى بعض ممّن قادته العصبيّة العمياء الى مجانبة الحقّ وتشويه الحقائق والغمض عن الصواب، يعمد الى الذهاب الى خلاف ما ذهب إليه جمهور اللغويين والمفسّرين من أن المولى بمعنى الأولى، ومنهم الرازي صاحب التفسير الكبير الذائع الصيت عند أهل السنّة فإنّه حاول وبشتى الطرق توجيه ما قاله المفسرون بإنّ قولهم معنى لا تفسير، وقد تصدى له الشيخ الأميني بإثبات ان مولى معناه أولى وردّ أدلّته الواحد تلو الآخر مستنداً على أهم المصادر اللغوية والنحوية والتفسيرية المعتمدة لدى أهل السنة.

وقد تعرّض في بحثه أيضاً الى صخب وهياج تهجم بها على العربية- ومن العزيز على العروبة والعرب ذلك- الشاه وليّ اللَّه صاحب الهندي في تحفته الاثنا عشرية الذي حسب في ردّ دلالة

ص:9

الحديث أنّها لا تتم لا بمجي ء المولى بمعنى الولي وأنّ مفعلًا لم يأتي بمعنى فعيل فطفق يرد عليه بما جاء عن أئمة العربية- وهم العرب الاقحاح- من مجي ء المولى بمعنى الوليّ.

ومن المسائل المهمة التي تطرق إليها في بحثه هي القرائن المتصلة والمنفصلة المعيّنة لمعنى المولى وأنّه بمعنى الأولى وقد ذكر عشرين قرينة دالّة على أن مولى معناه أولى منها مقدمة الحديث وهي قوله صلى الله عليه و آله: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ثمّ فرّع ذلك على ذلك قوله: فمن كنت مولاه فعلي مولاه والتي رواها الكثير من حفّاظ أهل السنّة وأئمتهم كأحمد ابن حنبل وابن ماجة والنسائي وغيرهم كثير.

وقد ردّ في مطاوي بحثه ما عزاه ابن الأثير في نهايته والحلبي في سيرته وبعض أخر الى القيل ذاكرين بأنّ السبب في قوله صلى الله عليه و آله: من كنت مولاه فعلي مولاه: أنّ أسامة بن زيد قال لعلي: لست مولاي انّما مولاي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال صلى الله عليه و آله: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإنّما ارادوا بذلك حطّاً من عظمة الحديث وتحطيماً لمنعته، فصوّروه بصورة مصغّرة لا تعدو عن أن تكون قضيّة شخصية.

وذكر الأحاديث المفسرة لمعنى المولى والولاية ممّا روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام وختم حديثه بذكر كلمات أعلام وأئمة أهل السنّة حول مفاد الحديث.

فهذه دراسة تحقيقية نقدية وثائقية لمعنى المولى كتبها الشيخ

ص:10

العلّامة الأميني، وقد أحال في طيّاتها كثيراً على كتابه الغدير، فقمت بإلحاق هذه الإحالات بالمتن وجعلها هامشاً له، وأيضاً تحرّيت في كلّ ذلك الالتزام بنصّ الغدير كما اختطته يد المؤلّف متناً وإحالة، بالإضافة الى ما أفاده المؤلف قدس سره في الهامش جئت بها بلا تبديل سوى إضافة الاجزاء والصفحات للطبعات الحديثة وجعلتها بين قوسين، و نظراً الى أنّ بعض ما اعتمده المؤلف من المصادر كان مخطوطاً أو مفقوداً حينه فنقل عنها بالواسطة، وبعضها مخرّج على طبعة قديمة غير متداولة قمت بإخراج ذلك كلّه على الطبعات الحديثة مع ذكر مواصفاتها في فهرست المصادر والمراجع، فمواصفات الطبع مختصّ بما ذكر في الهامش دون المتن الذي حافظنا على وجوده كما هو.

وقد أعدت النظر في تقويم نصّ الكتاب من جديد متّبعاً في ذلك الطرق الحديثة في تقويم النصّ وتقطيعه، وقد قابلت الطبعة المتداولة التي اتخذتها أصلًا وهي طبعة دار الكتاب العربي- بيروت مع طبعة النجف للاستفادة من بعض الفوارق، واستخرجت الآيات والاحاديث والأقوال من المصادر الحديثة، وأملي أن ينال هذا الجهد المتواضع رضا اللَّه تعالى وينفع الباحث والقارئ المحترم.

وما توفيقي إلّاباللَّه عليه توكلّت وإليه أنيب.

نعمان النصري

22- جمادى الاولى 1418 ه.

ص:11

مفاد حديث الغدير

لعلّ الى هنا لم يبق مسلكٌ للشكِّ في صدور الحديث عن المصدر النبويّ المقدّس، وأمّا دلالته على إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام؛ فإنّا مهما شككنا في شى ء فلا نشكُّ في أنّ لفظة (المولى) سواءٌ كانت نصّاً في المعنى الذي نحاوله بالوضع اللغوي أو مجملة في مفادها لاشتراكها بين معان جمّة، وسواء كانت عريَّة عن القرائن لاثبات ما ندَّعيه من معنى الإمامةِ أو محتفّة بها، فإنّها في المقام لا تدلّ إلّا على ذلك، لِفَهْم من وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم، ومَن بلغه النبأ بعد حين ممّن يُحتج بقوله في اللغة من غير نكير بينهم، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجالات الأدب حتّى

ص:12

عصرنا الحاضر، وذلك حجّة قاطعةٌ في المعنى المراد، وفي الطليعة من هؤلاء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام؛ حيث كتب الى معاوية في جواب كتاب له من أبيات ستسمعها ما نصّه:

و أوجب لي ولايته عليكم***رسولُ اللَّه يومَ غدير خمِ

و منهم: حسّان بن ثابت الحاضر مشهد الغدير وقد استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن ينظم الحديث في أبيات منها قوله:

فقال له: قم ياعليُّ فإنّني***رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

ومن أولئك: الصحابي العظيم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي يقول:

وعليٌّ إمامنا وإمامٌ***لسوانا أتى به التنزيلُ

يوم قال النبيُّ مَن كنت مولاهُ فهذا مولاه خطبٌ جليلُ

ومن القوم: محمّد بن عبداللَّه الحميري القائل:

تناسوا نصبه في يوم «خمِّ»من الباري ومن خير الأنامِ

ومنهم: عمرو بن العاصي الصحابيّ القائل:

وكم سمعنا من المصطفى***وصايا مخصّصة في علي

و في يوم خمٍّ رقى منبراًوبلّغ والصحب لم ترحلِ

فأمنحه إمرة المؤمنين***من اللَّه مستخلف المنحلِ

وفي كفِّه كفُّه معلناًينادي بأمر العزيز العلي

وقال: فمن كنت مولى له***عليٌّ له اليوم نعم الولي

ومن أولئك: كميت بن زيد الأسدي الشهيد 126 حيث يقول:

ويم الدوحِ دوحِ غدير خمّ***أبان له الولاية لو أُطيعا

ولكنّ الرجال تبايعوهافلم أر مثلها خطراً مبيعا

ومنهم: السيد إسماعيل الحميري المتوفّى 179 في شعره الكثير الآتي ومنه:

لذلك ما اختاره ربّه***لخير الأنام وصيّاً ظهيرا

فقام بخمّ بحيثُ الغديرُوحطَّ الرحال وعاف المسيرا

ص:13

ص:14

وقُمَّ له الدوحُ ثم ارتقى***على منبرٍ كان رحْلًا وكورا

ونادى ضحى باجتماع الحجيج***فجاءوا إليه صغيراً كبيرا

فقال وفي كفّه حيدريليح إليه مبيناً مشيرا

ألا إنّ من أنا مولىً له***فمولاه هذا قضاً لن يجورا

فهل أنا بلغت؟ قالوا: نعم***فقال: اشهدوا غيَّباً أو حضورا

يبلِّغ حاضرُكم غائباًوأشهد ربّي السميع البصيرا

فقوموا بأمر مليك السمايبايعه كلٌّ عليه أميرا

فقاموا لبيعته صافقين***أكفّاً فأوجس منهم نكيرا

فقال: إلهيَ والِ الوليّ***وعادِ العدوَّ له والكفورا

وكن خاذلًا للأُلى يخذلون***وكن للألى ينصرون نصيرا

ص:15

فكيف ترى دعوة المصطفى***مجاباً بها أم هباءً نثيرا؟

أُحبّك يا ثانيَ المصطفى***ومن أُشهِدَ الناسُ فيه الغديرا (1)

ومنهم: العبدي الكوفي من شعراء القرن الثاني في بائيَّته الكبيرة بقوله:

وكان عنها لهم في خمّ مزدجرٌلمّا رقى أحمد الهادي على قتبِ

وقال والناس من دانٍ إليه ومن***ثاوٍ لديه ومن مصغٍ ومرتقبِ

قم ياعليُّ فإنّي قد أُمرت بأن***أُبلِّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إنّي نصبت عليّاً هاديّاً علمابعدي وإنّ عليّاً خير منتصبِ

فبايعوك وكلٌّ باسطٌ يده***إليك من فوق قلبٍ عنك منقلبِ

ومنهم شيخ العربية والادب أبوتمام المتوفّى 231 في رائيَّته بقوله:


1- ديوان الحميري: 210- 211.

ص:16

و «يوم الغدير» استوضح الحقّ أهله***بضحياء (1) لا فيها حجاب ولا سترُ

أقام رسول اللَّه يدعوهُم بهاليقربهم عرفٌ وينآهمُ نُكْرُ

يمدّ بضبعيه ويُعلم (2): أنّه***وليٌّ ومولاكم فهل لكمُ خبرُ؟

يروح ويغدو بالبيان لمعشرٍيروح بهم غمرٌ ويغدو بهم غمرُ

فكان لهم جهرٌ بإثبات حقِّه***وكان لهم في بزِّهم حقَّه جهرُ (3)

وتبع هؤلاء جماعة من بواقع (4) العلم والعربيّة الذين لا يَعدون مواقع اللغة، ولا يجهلون وضع الألفاظ، ولا يتحرّون إلّا الصحة في تراكيبهم وشعرهم، كد عبل الخزاعي، والحمّاني الكوفي، والامير أبي فراس، وعلم الهدى المرتضى، والسيد الشريف الرضي،


1- وفي نسخة: بفيحاء( للمؤلّف قدس سره).
2- من أفعل. ويظهر من الدكتور ملحم شارح ديوان أبي تمّام أنّه قرأه مجرّداً من علم لا مزيداً كما قرأناه، ومختارنا هو الصحيح الذي لا يعدوه الذوق العربي( للمؤلف قدس سره).
3- شرح ديوان أبي تمام لشاهين عطية.
4- بواقع جمع باقعة وهوالداهية من الرجال. العين 1: 184.

ص:17

والحسين بن الحجّاج، و ابن الرومي، وكشاجم، والصنوبري، والمفجّع، والصاحب بن عبّاد، والناشئ الصعير، والتنوخي، والزاهي، وابي العلا السروي، والجوهري، وابن علويّة، وابن حمّاد، وابن طباطبا، وأبي الفرج، ومهيار، والصوري النيلي، والفنجكردي... الى غيرهم من أساطين الأدب وأعلام اللغة، ولم يزل أثرهم مقتصّاً في القرون المتتابعة الى يومنا هذا، وليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعاً وهم مصادره في اللغة ومراجع الأمة في الأدب.

وهنالك زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعنى وإن لم يعربوا عنه بقريض، لكنّهم أبوه في صريح كلماتهم، أو أنّه ظهر من لوائح خطابهم، ومن أولئك الشيخان وقد أتيا أمير المؤمنين عليه السلام مهنئَين ومبايعَين وهما يقولان: أمسيت ياابن أبي طالب مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة (1) فليت شعري أيّ معنىً من معانى (المولى) الممكنة


1- مرّ حديث التهنئة بأسانيده وتفاصيله[ ج 1]: 270- 283( للمؤلف قدس سره). واليك ما أورده هناك بتهذيب منّا: أخرج أحمد بن محمّد الطبري المشهور بالخليلي عن طريق شيخه محمد بن أبى بكر بن عبدالرحمن وفيه:... وكان أول من صافق رسول اللَّه أبو بكر وعمر... وقال المولوى ولي اللَّه اللكهنوي في مرآة المؤمنين في ذكر حديث الغدير ما معرّبه: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت... وقال المؤرخ ابن خاوند شاه إلّافي روضة الصفا في الجزء الثاني من ج 1: 173:... وممن هنّأه من الصحابة عمر بن الخطاب فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات. وقال المؤرّخ غياث الدين في حبيب السير في الجزء الثالث من ج 1: 144 ما معرّبه: ثم جلس أمير المؤمنين بأمر من النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في خيمة تختص به يزوره الناس ويهنّئونه وفيهم عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ ذكر المؤلف قدس سره أسماء( 60) راوياً من أئمّة الحديث والتفسير والتأريخ من رجال السنّة لا يستهان بعدّتهم بين راوٍ مرسلًا له إرسال المسلّم وبين راوٍ إياه بمسانيد صحاح رجال ثفاة تنتهي الى غير واحد من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة والبراء بن عازب وزيد بن أرقم، فممن رواه: ابن أبي شيبة في المصنّف عن البراء، وأحمد بن حنبل في المسند 4: 281 عن البراء، وأبو العباس الشيباني عن البراء، وأبو يعلى، وابو جعفر الطبري في تفسيره 2: 428، وابن عقدة عن سعد بن أبي وقاص، والمرزباني عن ابي سعيد الخدري، والدارقطني، وابن بطّة عن البراء، والباقلاني في التمهيد في أصول الدين: 171، والخركوشي في شرف المصطفى عن البراء، وابن مردويه في تفسيره عن ابي سعيد، والثعلبي في الكشف والبيان عن البراء وابن السمان عن البراء، والبيهقي عن البراء، والخطيب البغدادي، وابن المغازلي في المناقب، والعاصمي في زين الفتى عن البراء، والسمعاني عن البراء، والشهرستاني في الملل والنحل، والخوارزمي في مناقبه: 94، وابن الجوزي في مناقبه، وابو السعادات مجد الدين ابن الاثير في النهاية 4: 246 والنطنزي في الخصائص العلوية عن أبي هريرة، وأبو الحسن عزّ الدين ابن الاثير والكنجي في كفاية الطالب وسبط ابن الجوزي في تذكرته: 18 عن البراء وعمر بن محمّد الملّا عن البراء، ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة والحمويني في فرائد السمطين في الباب 13، ونظام الدين عن أبي سعيد، ووليّ الدين الخصيب في مشكاة المصابيح: 557 عن البراء، والزرندي في درر السمطين وابن كثير في البداية والنهاية 5: 209- 210 عن البراء، والمقريزي في خططه: 223 عن البراء، وابن الصبّاغ في الفصوال المهمّة: 25 عن البراء، والأذرعي في بديع المعاني: 75 والميبذي في شرح الديوان المعزوّ إلى امير المؤمنين عليه السلام: 406 عن البراء وزيد بن أرقم. والسيوطي في جمع الجوامع والسمهودي في وفاء الوفا 2: 173 عن البراء وزيد والقسطلاني في المواهب اللدنيّة 2: 13، والبخاري، وابن حجر العسقلاني في الصواعق: 26، والهمداني في مودّة القربى والشيخاني في الصراط السويّ، والمناوي في فيض القدير، وابن باكثير في وسيلة المآل، والزرقاني في شرح المواهب 7: 13، والسهارنپوري في مرافض الروافض، والبدخشاني في مفتاح النجا وفي نزل الأبرار عن البراء وزيد، ومحمد صدر العالم في معارج العلى عن البراء وزيد، والدهلوي، والصنعاني في الروضة النديّة شرح التحفة والعلوية عن البراء، والمولوي محمّد مبين اللكهنوي في وسيلة النجاة عن البراء وزيد، والمولوي ولي اللَّه اللكهنوي في مرآة المؤمنين، ومحمّد محبوب العالم في تفسير شاهي عن أبي سعيد، وزيني رحلان في الفتوحات الإسلامية 2: 306.

ص:18

ص:19

تطبيقه على مولانا لم يكن قبل ذلك اليوم حتى تجدّد به، فأتيا يهنّئانه لأجله ويصارحانه.

بأنّه أصبح متلفعاً به يوم ذاك؟ أهو معنى النصرة أو المحبة اللتين لم يزل أمير المؤمنين عليه السلام متصفاً بهما منذ رضع ثديّ الإيمان مع صنوه المصطفى صلى الله عليه و آله أم غيرهما مما لا يمكن أن يراد في خصوص المقام؟

ص:20

لاها اللَّه لا ذلك ولا هذا، وإنما أرادا معنى فهمه كلّ الحضور من أنّه أولى بهما وبالمسلمين أجمع من أنفسهم، وعلى ذلك بايعاه وهنَّآه.

ومن أولئك: الحارث بن النعمان الفهري أو: جابر المنتقم منه بعاجل العقوبة يوم جاء رسولَ اللَّه صلى الله عليه و آله وهو يقول: يامحمّد أمرتنا بالشهادتين والصلاة والزكاة والحج، ثمّ لم ترضَ بهذا حتى رفعت بضَبْعَي ابن عمِّك ففضّلته علينا وقلت: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. وقد سبق حديثه (ص 239- 247)(1).


1- وإليك خلاصة ماأورده المؤلف قدس سره في الغدير 1: 239- 247: ومن الآيات النازلة بعد نصّ الغدير قوله تعالى من سورة المعارج:\i سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من اللَّه ذي المعارج\E وقد أذعنت به الشيعة، وجاء مثبتاً في كتب التفسير والحديث لمن لا يستهان بهم من علماء السنّة، ودونك نصوصها: 1- الحافظ أبو عبيدالهروي: روى في تفسيره:« غريب القرآن» قال: لمّا بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم غدير خمّ ما بلغ، وشاع ذلك في البلاد أتى جابر بن النضر بن الحارث ابن كلدة العبدري فقال: يا محمّد أمرتنا من اللَّه نشهد ألّاإله إلّااللَّه وأنّك رسول اللَّه، وبالصلاة والصوم والحجّ والزكاة فقبلنا... 2- أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي روى في تفسيره« شفاء الصدور» حديث أبي عبيد المذكور إلّاأنّ مكان جابر بن النضر: الحارث بن النعمان الفهري. 3- أبو إسحاق الثعلبي: وفيه... ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه... 4- الحاكم الحسكاني في« دعاة الهداة الى أداء حق الموالاة» عن حذيفة بن اليمان وعن الصادق عليه السلام وفيه:... ثمّ لم ترض حتّى نصّبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه.. 5- القرطبي في تفسير سورة المعارج وفيه: ثمّ لم ترض حتّى فضّلت علينا ابن عمك... 6- ابن الجوزي في تذكرته: 19 وفيه: حتّى رفعت ضبعي ابن عمك وفضّلته على الناس وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه... 7- الشيخ إبراهيم الوصّابي في الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء. 8- الحمويني في فرائد السمطين. 9- الشيخ محمد الزرندي في معارج الوصول ودرر السمطين. 10- شهاب الدين أحمد دولت آبادي في هداية السعداء. 11- ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة. 12- السمهودي في جواهر العقدين. 13- أبو السعود العمادي في تفسيره 8: 292. 14- شمس الدين الشربيني في تفسيره السراج المنير 4: 364 وفيه: ثمّ لم ترض حتّى فضّلت ابن عمّك علينا... 15- السيد جمال الشيرازي في الاربعين في مناقب أمير المؤمنين. 16- الشيخ المناوي في فيض القدير 6: 218. 17- السيد ابن العيدروس الحسيني اليمني في العقد النبوي والسرّ المصطفوي. 18- الشيخ ابن باكثير في وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل. 19- الشيخ عبدالرحمن الصفوري في نزهته 2: 242. 20- الشيخ الحلبي في السيرة الحلبية 3: 302. 21- السيد محمد القادري المدني في الصراط السوي في المناقب النبي. 22- شمس الدين الحنفي الشافعي في شرح الجامع الصغير للسيوطي 2: 387. 23- محمد صدر العالم سبط الشيخ أبي الرضا في معارج العلى في مناقب المرتضى. 24- الشيخ محمد محبوب العالم في تفسيره الشهير بتفسير شاهي. 25- الزرقاني في شرح المواهب اللدنيّة. 26- الشيخ أحمد بن عبدالقادر الحفظي الشافعي في ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل. 27- السيد محمد بن إسماعيل اليماني في الروضة الندية. 28- الشبلنجي في مناقب آل بيت النبي المختار: 78. 29- الاستاذ الشيخ محمد عبده المصري في تفسيره المنار 6: 464.

ص:21

ص:22

فهل المعنى الملازم للتفضيل الذي استعظمه هذا الكافر الحاسد، وطفق يشكك أنَّه من اللَّه أم أنّه محاباة من الرسول، يمكن أن يراد به أحد ذينك المعنيين أو غيرهما؟ أحسب أنَّ ضميرك الحرّ لا يستبيح لك ذلك، ويقول لك بكلّ صراحة: إنّه هو تلك الولاية المطلقة التى لم يؤمن بها طواغيت قريش في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّابعد قهر من آيات باهرة، وبراهين دامغة، وحروب طاحنة، حتى جاء نصراللَّه والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجاً، فكانت هي في أمير المؤمنين أثقل عليهم وأعظم، وقد جاهر بما أضمره غيره الحارث بن النعمان، فأخذه اللَّه أخذ عزيز مقتدر.

ص:23

ومن أولئك: النفرُ الذين وافوا أمير المؤمنين عليه السلام في رحبة الكوفة قائلين: السلام عليك يامولانا، فاستوضح الإمام عليه السلام الحالة لإيقاف السامعين على المعنى الصحيح وقال: «كيف أكون مولاكم وأنتم رهطٌ من العرب؟» فاجابوه: إنّا سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول يوم غدير خمّ: «من كنت مولاه فعلي مولاه»(1).


1- راجع ماأسلفناه من أسانيد هذا الحديث ومتنه: 187- 191( للمؤلف قدس سره). وإليك طرق وألفاظ حديث الركبان مما أورده المصنّف في غديره 1: 187- 191 بتهذيب منّا: أخرج أمام الحنابلة أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم عن حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى عليّ بالرّحبة فقالوا: السلام عليك يامولانا، قال: وكيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول يوم غدير خمّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه. قال رياح: فلمّا مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ فقالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري. وباسناده عن رياح قال: رأيت قوماً من الانصار قدموا على عليّ في الرحبة فقال: من القوم؟ فقالوا: مواليك ياأمير المؤمنين الحديث. ورواه عن إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي المعروف بابن ديزل في كتاب صفّين. ورواه الحافظ أبو بكرة ابن مردويه- كما في كشف الغمّة: 93- عن رياح بن الحارث. ورواه عن حبيب بن يسار عن أبي رميله. ورواه عن ابن الاثير في أُسد الغابة: 1: 368 عن كتاب الموالاة لابن عقدة باسناده عن أبي مريم زر بن حبيش. ورواه عن كتاب الموالاة لابن عقدة ابن حجر في الاصابة 1: 305. ورواه محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة 2: 169 من طريق أحمد، وعن معجم الحافظ البغويّ وابن كثير في تأريخه 5: 212 عن أحمد بطريقيه وفي 7: 347 عن أحمد و: 348 عن رياح بن الحارث. ورواه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 104 قال: رواه أحمد والطبري. وقال جمال الدين عطاء بن فضل اللَّه الشيرازي في الأربعين في مناقب أمير المؤمنين عند ذكر حديث الغدير: ورواه زر بن حبيش. وذكره أبو عمرو الكشّي في فهرسته: 30 فيما روي من جهة العامّة غير واحد من محدّثي المتأخرّين ذكروا هذه الإثارة لا نطيل بذكرهم المقال.

ص:24

عرف القارئ الكريم أنّ المولوية المستعظمة عند العرب الذين لم يكونوا يتنازلون بالخضوع لكلِّ أحد ليست هي المحبّة والنصرة، ولا شي ء من معاني الكلمة، وإنّما هي الرئاسة الكبرى التي كانوا يستصعبون حمل نيرها إلّابموجب يخضعهم لها، وهي التي استوضحها أمير المؤمنين عليه السلام للملأ باستفهام، فكان من جواب القوم: أنّهم فهموها من نصّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

وهذا المعنى غير خافٍ حتّى على المخدرّات في الحجال؛ فقد أسلفنا (ص 208) عن الزمخشري في ربيع الأبرار (1) عن الدارميّة


1- جاء في ربيع الابرار ونصوص الأخبار 3: 269 باب 41 ط دار الذخائر للمطبوعات قم بتحقيق د. سليم النعيمي ما نصّه: حجّ معاوية، فطلب أمرأة يقال لها: دارميّة الحجونية من شيعة علي عليه السلام وكانت سوداء ضخمة، فقال: كيف حالك يابنت حام؟ قالت: بخير ولست بحام أُدعى إنّما أنا امرأة من كنانة، قال: صدقت، هل تعلمين لم دعوتك؟ قالت: يا سبحان اللَّه! وأنّى لي بعلم الغيب؟ قال: لأسألك لِمَ أحببت عليّاً وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا، قالت: أمّا إذا أبيت فأنّي أحببت عليّاً على عدله في الرعية وقسمة السويّة وأبغضك على قتال من هو أولى بالامر منك وطلب ماليس لك، وواليته على ما عقد له رسول اللَّه من الولاء وحبّه للمساكين وإعظامه لأهل الدين وعاديتك على سفك الدماء وشقّ العصا.... وذكره في الغدير 1: 208 تحت عنوان« احتجاج دارميّة الحجونيّة على معاوية» مع اختلاف يسير.

ص:25

الحجونيّة التي سألها معاوية عن سبب حبّها لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضها له فاحتجّت عليه بأشياء منها: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عقد له الولاية بمشهد منه يوم الغدير خمّ، واسندت بغضها له الى أنّه قاتل مَن هو أولى بالأمر منه وطلب ماليس له. ولم ينُكره عليها معاوية.

وقبل هذه كلها مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام وإحتجاجه به يوم الرحبة، وقد أوقفناك على تفصيل أسانيده وطرقه الصحيحة المتواترة (ص 166- 185)(1)، وكان ذلك لمّا نوزع في خلافته


1- وإليك ما أورده المؤلف قدس سره في الغدير 1: 166- 185 من طرق وأسانيد حديث الرحبة: 1- أبو سليمان المؤذن: ذكر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة الحديث عن ابى إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذّن. 2- الاصبغ بن نباتة: رواه عنه ابن الاثير في اسد الغابة 3: 307 و 5: 205 عن الحافظ ابن عقدة عن محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي عن محمد بن خلف النميري عن علي بن الحسن العبدي عن الاصبغ. ورواه ابن حجر العسقلاني في الاصابة 2: 408 من طريق ابن عقدة عن الاصبغ. ورواه في 4: 80 وقال: قال أبو موسى: ذكره ابو العبّاس ابن عقدة في كتاب الموالاة من طريق علي بن الحسن العبدي عن سعد الاسكاف عن الاصبغ بن نباتة. 3- حَبّة بن جوين العرني أبو قدّامة البجلي الصحابي: روى الحافظ ابن المغازلي الشافعي في المناقب عن أبي طالب محمد بن أحمد بن عثمان عن أبى عيسى الحافظ يرفعه الى حبّة العرني. ورواه الدولابي باسناده عن أبي قدامة. 4- زاذان بن عمر: أخرج أحمد إمام الحنابلة في مسنده 1: 84 قال: ثنا ابن نمير ثنا عبدالملك عن أبى عبدالرحيم الكندي عن زاذان بن عمر قال: سمعت عليّاً في الرحبة... 5- زِرّ بن حبيش الاسدي: قال الحافظ الزرقاني في شرح المواهب 7: 13: أخرج ابن عقدة عن زرّ بن جبيش قال: قال علي: من ههنا من اصحاب محمد... 6- زياد بن أبي زياد: أخرج أحمد في مسنده 1: 88 قال: ثنا محمد بن عبداللَّه ثنا الربيع حدّثنا بن ابي زياد: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه ينشد الناس... 7- زيد بن ارقم: أخرج أحمد عن أسود بن عامر عن أبي إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان عن زيد بن أرقم قال: نشد عليّ الناس فقال:... 8- زيد بن يُشيع: أخرج أحمد بن حنبل في المسند 1: 118 قال: حدّثنا عليّ بن حكيم الأَودي أنبأنا شريك عن ابي إسحاق عن سعيد بن وهب وزيد بن يشيع قالا: نشد علي الناس في الرحبة... 9- سعيد بن أبي حدّان: روى شيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب العاشر قال: أخبرنا الشيخ عماد الدين عبدالحافظ بن بدران بقراءتي عليه قلت له: أخبرك القاضي محمد بن عبدالصمد أبي الفضل الخزستاني إجازة قال: أنبأ أبو عبداللَّه محمد بن الفضل العراوي إجازة قال: أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ قال: أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسين القاضي قال أنبأ أبو جعفر محمد بن نعيم قال: أنبأ أحمد بن حازم بن عزيزة قال أنبأ أبو غسّان« مالك» قال: أنبأ فضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي حدّان وعمرو ذي مرّة قالا: قال عليّ: أُنشد اللَّه... 10- سعيد بن وهب: أخرج ابن حنبل في مسنده 1: 118 عن علي بن حكيم الاودي عن شريك عن أبي إسحاق عن سعيد وزيد بن يُشيع بلفظ أسلفناه... 11- أبو الطفيل: روى أحمد في مسنده 4: 470 عن حسين بن محمَّد وأبي نعيم المعنى قالا: ثنا فطر عن أبي الطفيل قال: جمع علي رضي اللَّه عنه الناس في الرحبة... 12- أبو عمار عبد خير بن يزيد الهمداني: أخرج الخوارزمي في المناقب: 94 بإسناده عن الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي قال: أخبرني أبو محمد عبداللَّه بن يحيى بن هارون بن عبدالجبّار السكري ببغداد: أخبرني إسماعيل بن محمد الصفّار: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدّثني عبدالرزّاق، حدثني إسرائيل عن أبي اسحاق قال: حدّثني سعيد بن وهب وعبد خير... 13- عبدالرحمن بن أبي ليلى: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده 1: 119 عن عبيداللَّه بن عمر القواريري ثنا يونس بن أرقم عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت علياً رضي اللَّه عنه في الرحبة ينشد الناس... 14- عمرو ذي مرّة: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده 1: 118 قال: حدّثنا علي بن حكيم أنبأنا شريك عن أبي إسحاق عن عمرو بمثل حديث أبي اسحاق عن سعيد وزيد... 15- عميرة بن سعد: أخرج الحافظ أبو نعيم الاصفهانى في حلية الاولياء 5: 26 قال: حدّثنا سليمان بن أحمد( الطبرانى): ثنا أحمد بن إبراهيم بن كيسان: ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي: ثنا مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد قال: شهدت عليّاً على المنبر ناشداً أصحاب رسول اللَّه... 16- يعلى بن مرّة بن وهب الثقفي: روى ابن الاثير في أُسد الغابة 5: 6 من طريق أبي نعيم وأبي موسى المديني بأسنادهما الى أبى العبّاس بن عقدة عن عبداللَّه بن إبراهيم بن قتيبة عن الحسن بن زياد عن عمرو بن سعيد البصري عن عمرو بن عبداللَّه بن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جدّه بعلى قال: سمعت رسول اللَّه يقول... 17- هاني بن هاني الهمداني: روى ابن الاثير في اسد الغابة 3: 331 من طريق ابن عقدة وأبي موسى عن أبي غيلان عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مرّة وزيد بن يشيع وسعيد بن وهب وهاني بن هاني... 18- حارثة بن نصر التابعي: أخرج النسائي في الخصائص:40 قال: أخبرنا يوسف ين عيسى قال: أخبرنا الفضل بن موسى قال: حدّثنا الاعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قال علي رضى اللَّه عنه في الرحبة...

ص:26

ص:27

ص:28

وبلغه اتّهام الناس له فيما كان يرويه من تفضيل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله له وتقديمه إيّاه على غيره كما مرّ (ص 183 و 300 و 301 و 304 و 309) وقال برهان الدين الحلبي في سيرته (1) (3: 303) احتجَّ به بعد أن آلت إليه الخلافة ردّاً على من نازعه فيها.

أفَترى- والحالة هذه- معنىً معقولًا للمولى غير ما نرتئيه وفَهِمه هو عليه السلام ومَن شهد له من الصحابة ومَن كتم الشهادة إخفاءً لفضله حتّى رُمِي بفاضح من البلاء، ومن نازعه حتّى افحم بتلك


1- السيرة الحلبية: 3: 275.

ص:29

الشهادة؟ وإلّا فأيّ شاهد له في المنازعة بالخلافة في معنى الحبّ والنصرة وهما يعمّان سائر المسلمين؟ إلّاأن يكونا على الحد الذي سنصفه إن شاء اللَّه وهو معنى الاولوية المطلوبة.

والواقف على موارد الحِجاج بين أفراد الامة وفي مجتمعاتها وفي تضاعيف الكتب منذ ذلك العهد المتقادم الى عصورنا هذه جدُّ عليم بأنّ القوم لم يفهموا من الحديث إلّاالمعنى الذي يُحتج به للإمامة المطلقة، وهو الاولوية من كلّ أحد بنفسه وماله في دينه ودنياه، الثابت ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله وللخلفاء المنصوص عليهم من بعده، [و] نحيل الوقوف على ذلك على حيطة البحث وطول باع المتتّبع فلا نطيل بإحصائها المقامَ.

مفعل بمعنى أفعل

أمّا أنّ لفظ (مولى) يراد به لغة الأولى، أو أنّه أحد معانيه، فناهيك من البرهنة عليه ما تجده في كلمات المفسِّرين والمحدِّثين من تفسير قوله تعالى في سورة الحديد: فاليومَ لا يؤخذُ منكم فِديةٌ ولا مِن الذين كفروا مأواكم النّارُ هي مولاكم وبئس المصير (1) فمنهم من حصر التفسير بأنّها أولى بكم، ومنهم من جعله أحد المعاني في الآية، فمن الفريق الاوّل:


1- سورة الحديد: 15.

ص:30

1- ابن عباس في تفسيره (1) من تفسير الفيروز آبادي (: 242).

2- الكلبي (2) حكاه عنه الفخر الرازي في تفسيره (3) (8: 93).

3- الفرّاء يحيى بن زياد الكوفيُّ النحويُّ:(4) المتوفّى (207).

حكاه عنه الفخر الرازيُّ في تفسيره (8: 93).

4- أبو عبيدة معمّر بن مثنى البصري: المتوفّى (210).

ذكره عنه الرازي في تفسيره (8: 93) و ذكر استشهاده ببيت لبيد:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه***مولى المخافة خلفها وأمامها

وذكره عنه شيخنا المفيد في رسالته في معنى المولى (5)، والشريف المرتضى في الشافي (6) من كتابه غريب القرآن وذكر


1- تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: 458.
2- محمد بن سائب النسّابة المتوفى 146 بالكوفة[ ذكره في تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل: 97]( للمؤلف قدس سره).
3- التفسير الكبير 29: 227.
4- معاني القرآن 3: 134.
5- رسالة في معنى المولى: 38 المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 1 المجلّد 8.
6- الشافي في الامامة 2: 269.

ص:31

استشهاده ببيت لبيد، واحتجّ الشريف الجرجاني في شرح المواقف (1) (3: 271) بنقل ذلك عنه ردّاً على الماتن.

5- الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة النحوي:

المتوفى (215).

نقله عنه الفخر الرازي في «نهاية العقول» وذكر استشهاده ببيت لبيد.

6- أبو زيد سعد بن أوس اللغوي البصري: المتوفى (215).

حكاه عنه صاحب الجواهر العبقرية (2).

7- البخاري أبو عبداللَّه محمد بن إسماعيل: المتوفى (256).

قاله في صحيحه (3) (7: 240).


1- شرح المواقف 8: 361.
2- التحفة الاثنا عشرية: 208.
3- صحيح البخاري 4: 1851.

ص:32

8- ابن قتيبة: المتوفّى (276) المترجم (ص 96)(1).

قاله في القُرطين (2: 164) واستشهد ببيت لبيد.

9- أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى النحوى الشيباني: المتوفى (291).

قال القاضي الزَّوزني حسين بن أحمد المتوفى (486) في شرح السبع المعلقة (2) في بيت لبيد المذكور.

قال ثعلب: إنّ المولى في هذا البيت بمعنى الاولى بالشي ء كقوله:

مأواكم النار هي مولاكم أي: هي أولى بكم.

10- أبو جعفر الطبري المتوفّى (310).

ذكره في تفسيره (3) (9: 117).

11- أبوبكر الانباري محمد بن القاسم اللغويّ النحوي المتوفى (328).

قاله في تفسيره- مشكل القرآن (4)نقله عنه الشريف المرتضى


1- قال في كتابه الغدير 1: 96 ما نصّه: أبو محمد عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري البغدادي المتوفى 276 ترجمة الخطيب في تأريخه 10: 170 وقال: كان ثقة ديّناً فاضلًا، ووثقه ابن خلّكان في تأريخه وذكر فضله. يأتى عنه حديث احتجاج برد على عمر بن العاصي، وحديث مناشدة شابّ أبا هريرة.
2- شرح المعلقات السبع: 210.
3- جامع البيان 27: 131.
4- البيان في غريب إعراب القرآن 2: 422.

ص:33

في «الشافي»(1) وذكر استشاده ببيت لبيد، وابن بطريق في «العمدة»(2) (: 55).

12- أبو الحسن الرماني علي بن عيسى المشهور بالورّاق النحوي المتوفى (382- 384) ذكره عنه الفخر الرازي في «نهاية العقول».

13- أبو الحسن الواحدي المتوفى (468) المترجم (ص 111)(3) ففي الوسيط (4): مأواكم النار هي مولاكم هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، والمعنى: أنّها هي التي تلي عليكم؛ لأنها قد ملكت أمركم؛ فهي أولى بكم من كل شي ء.


1- الشافي في الامامة 2: 272.
2- عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار: 113.
3- قال في الغدير 1: 111 المفسّر الكبير أبو الحسن بن أحمد بن محمد بن علي بن متَّويه الواحدي النيسابوري المتوفى( 468) قال ابن خلّكان في تأريخه( 1: 361): كان أستاد عصره في النحو والتفسير، ورُزق السعادة في تصانيفه، وأجمع الناس على حسنها وذكرها المدرّسون في دروسهم منها الوسيط والبسيط والوجيز في التفسير، وله كتاب أسباب النزول.
4- تفسير الوسيط 4: 249.

ص:34

14- أبوالفرج ابن الجوزي المتوفّى (597) المترجم (ص 117)(1).

نقله في تفسيره زاد المسير (2) عن أبي عبيدة مرتضياً له.

15- أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي المتوفّى (652).

قاله في مطالب السؤول: 16.

16- شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيّ المتوفى (654).

قاله في التذكرة (3): 19.

17- محمد بن أبى بكر الرازي، صاحب مختار الصحاح.

قال في غريب القرآن- فرغ منه (668)-: المولى: الذي هو أولى بالشي ء ومنه قوله مأواكم النار هي مولاكم أي أولى بكم، والمولى في اللغة على ثمانية أوجه- وعدّ منها- الأولى بالشي ء.

18- التفتازاني المتوفّى (791).

ذكره في شرح المقاصد (4) (: 288) نقلًا عن أبي عبيدة.

19- ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى (855) المترجم (131)(5) عدّ


1- قال في الغدير 1: 117 ما نصّه: الحافظ عبدالرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج ابن الجوزي... البغدادي الحنبلي المتوفّى( 597 ه) قال ابن خلّكان في تأريخه 1: 301: كان علّامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنّف في فنون عديدة...
2- زاد المسير 7: 304.
3- تذكرة خواص الأمّة في خصائص الأئمة: 38.
4- شرح المقاصد 5: 273.
5- قال في الغدير 1: 130- 131 مانصّه: نور الدين علي بن محمد بن أحمد الغزي الأصل المكّي المالكي المعروف بابن الصبّاغ المولود 784 والمتوفى 855، يروى عنه السخاوى بالاجازة، وترجمه في ضوئه اللامع 5: 283، وذكر مشايخه في الفقه وغيرهم، ثمّ قال: له مؤلفات منها الفصول المهمّة لمعرفة الأئمة، وهم اثنا عشر، والعِبَر فيمن شفّه النظر اه...

ص:35

في الفصول المهمة (1) (: 28) الأولى بالشي ء من معانى المولى المستعملة في الكتاب العزيز.

20- جلال الدين محمد بن أحمد المحلّي الشافعي المتوفى (854).

في تفسير الجلالين (2).

21- جلال الدين أحمد الخجندي، ففي توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل عنه أنّه قال: المولى يطلق على معان، ومنها:

الأولى في قوله تعالى: هي مولاكم أي أولى بكم.

22- علاء الدين القوشجي المتوفّى (879).

ذكره في شرح التجريد (3).

23- شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي الحنفيُّ المتوفى (1069).


1- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمّة: 25.
2- تفسير الجلالين: 716.
3- شرح التجريد: الورقة 82 ط حجري. وفي ط جديد: 477.

ص:36

قاله في حاشية تفسير البيضاوي مستشهداً ببيت لبيد.

24- السيِّد الأمير محمد الصنعاني.

قاله في «الروضة الندية»(1) نقلًا عن الفقيه حميد المحلي [في محاسن الازهار].

25- السيد عثمان الحنفي المكي المتوفّى (1268).

قاله في «تاج التفاسير»(2) 2: 196.

26- الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي المتوفّى 1303، قال في النور الساري هامش صحيح البخاري (7: 240): هي مولاكم أولى بكم من كلّ منزل على كفركم وارتيابكم.

27- السيد محمد مؤمن الشلبنجي، ذكره في نور الأبصار (3) (ص 78).

ومن الفريق الثاني

28- أبو إسحاق أحمد الثعلبي المتوفى 427، قال في الكشف


1- الروضة الندية في شرح التحفة العلوية: 70 ط حجري وفي ط جديد: 158.
2- تاج التفاسير 2: 182.
3- نور الأبصار: 138.

ص:37

والبيان: مأواكم النار هي مولاكم أي: صاحبتكم وأولى وأحقّ بأن تكون مسكناً لكم، ثم استشهد ببيت لبيد المذكور.

29- أبوالحجاج يوسف بن سليمان الشنتميري المتوفّى (476).

قاله في تحصيل عين الذهب- تعليق كتاب سيبويه- (1: 202) في قول لبيد واستشهد بالآية الكريمة.

30- الفرّاء حسين بن مسعود البغوي المتوفى (510).

قاله في معالم التنزيل (1).

31- الزمخشري المتوفى (538).

ذكره في الكشاف (2) (2: 435)، واستشهد ببيت لبيد، ثمّ قال:

لا يجوز أن يراد هي ناصركم ... الخ.

32- أبو البقاء محب الدين العكبري البغدادي المتوفّى (616).

قاله في تفسيره (3) (: 135).

33- القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفّى (692).

ذكره في تفسيره (2: 497)(4) واستشهد ببيت لبيد.

34- حافظ الدين النسفي المتوفى (701 أو 710).


1- معالم التنزيل في التفسير والتأويل 5: 312.
2- الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 4: 476.
3- إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب و القراءات في جمع القرآن 2: 256.
4- تفسير البيضاوي 4: 245.

ص:38

ذكره في تفسيره هامش تفسير الخازن (4: 229).

35- علاء الدين علي بن محمد الخازن البغدادي المتوفى (741).

قاله في تفسيره (1) (4: 229).

36- ابن سمين أحمد بن يوسف الحلبي المتوفى (856).

قال في تفسيره المصون في عليم الكتاب المكنون: هي مولاكم يجوز أن يكون مصدراً أي: ولايتكم أي: ذات ولايتكم، وأن يكون مكاناً أي: مكان ولايتكم، وأن يكون [بمعنى] أولى بكم كقولك: هو مولاه (2).

37- نظام الدين النيسابوري، قاله في تفسيره (3) هامش تفسير الرازي.

38- الشربيني الشافعي المتوفّى (977).

قاله في تفسيره (4) (4: 200) واستشهد ببيت لبيد.

39- أبو السعود محمد بن محمد الحنفي القسطنطيني المتوفّى (972).


1- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون 6: 277.
2- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون 6: 277.
3- غرائب القرآن ورغائب الفرقان 27: 97.
4- السراج المنير 4: 208.

ص:39

ذكره في تفسيره (1) هامش نفسير الرازي (8: 72) ثمّ ذكر بقيّة المعاني.

40- الشيخ سليمان جمل:

ذكر [ه] في تعليقه على تفسير الجلالين الذي أسماه بالفتوحات الإلهية (2) وفرغ منه سنة (1198).

41- المولى جار اللَّه أللَّه آبادي.

قال في حاشية تفسير البيضاوي: المولى مشتقٌ من الاولى بحذف الزائد.

42- محبّ الدين أفندي، قاله في شرح بيت لبيد في كتابه تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات (3) ط سنة (1281).

ولولا أنّ هؤلاء- وهم أئمة العربيّة وبواقع اللغة- عرفوا أنّ هذا المعنى من معاني اللفظ اللغوية لما صح لهم تفسيره، وأمّا قول البيضاوي (4)بعد أن ذكر معنى الاولى-: وحقيقته محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم كقولك: هو مئنة الكرم أي


1- إرشاد العقل السليم الى القرآن الكريم 8: 208.
2- الفتوحات الإلهية 4: 290.
3- تنزيل الآيات على الشواهد من الابيات: 302.
4- تفسير البيضاوي 4: 245.

ص:40

مكان قول القائل: إنّه الكريم، أو: مكانكم عمّا قريب، من الولي وهو القرب، أو ناصركم على طريقة قوله: تحيّة بينهم ضربٌ وجيع. أو متولّيكم يتولّاكم كما تولّيتم موجباتها في الدنيا. انتهى.

فإنّه لا يعنى به الحقيقة اللغويّة التي نص بها أولًا وإنّما يريد الحاصل من المعنى، ويشعر (1) الى ذلك تقديم قوله: هي أولى بكم واستشهاده ببيت لبيد الذي لم يحتمل فيه غير هذا المعنى. وقوله أخيراً: مكانكم الذي يقال فيه... إلخ. وأنّه أخذ في تقريب بقيّة المعاني بأنحاء من العناية يناسب كلٌ منها واحداً منهنَّ إلّا معنى (الأولى) فإنّه لم يقربه من الوجهة اللغوية، بل أثبته بتقديمه والاستشهاد بالشعر، وإنّما طفِق يقرّبه من وجهة القصد والإرادة.

ويقرب منه ما في تفسير النسفي (2).

وقال الخازن (3) هي مولاكم أي: وليّكم. وقيل أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب. والمعنى هي التي تلي عليكم؛ لأنها ملكت أمركم وأسلمتم إليها، فهي أولى بكم من كلِّ شي ء، وقيل: معنى الآية: لا مولى لكم ولا ناصر؛ لأنّ من كانت النار مولاه فلا مولى له. اه انتهى.


1- الظاهر أنه قدس سره ضمّن الفعل« يُشعر» معنى الفعل« يُشير» ولذا عدّاه بالحرف« الى».
2- تفسير النسفي 4: 226.
3- المصدر السابق 4: 229.

ص:41

أمّا تفسيره بالوليّ فلا منافاة فيه لما ترتئيه؛ لما ثبت من مساوقة (الوليِّ) مع (المولى) في جملة من المعانى، ومنها: الاولى بالامر، وسيوافيك إيضاح ذلك إن شاء اللَّه، فيكون القولان محض تغاير في التعبير لا تبايناً في الحقيقة. وما استرسل بعد ذلك من البيان فهو تقريب لإرادة المعنى كما أسلفناه. والقول الثالث هو ذكر لازم المعنى سواءٌ كان هو الوليّ أو الاولى، فلا معاندة بينه وبين ما تقدّمه من تفسير اللفظ. وهناك آيات اخرى استعمل فيها المولى أيضاً بمعنى الاولى بالأمر منها:

قوله تعالى في سورة البقرة أنت مولانا (1) قال الثعلبي في الكشف والبيان (2): أي: ناصرنا وحافظنا و أولى بنا.

وقوله تعالى في سورة آل عمران: بل اللَّه مولاكم قال أحمد ابن الحسن الزاهد الدرواجكي في تفسيره المشهور بالزاهدي:

أي: اللَّه أولى بأن يُطاع.

وقوله تعالى في سورة التوبة: ما كتب اللَّه لنا هو مولانا وعلى اللَّه فليتوكّل المؤمنون (3) قال أبو حيان في تفسيره (5: 52): قال الكلبي: أي أولى بنا من أنفسنا في الموت


1- البقرة: 286.
2- الكشف والبيان: الورقة 92.
3- التوبة: 51.

ص:42

والحياة. وقيل: مالكنا وسيدنا؛ فلهذا يتصرف كيف شاء.

وقال السجستاني العزيزي في «غريب القرآن»(1): 154: أي:

وليّنا، والمولى على ثمانية أوجه: المعتِق- بالكسر- والمعتَق- بالفتح- والوليّ، والأولى بالشي ء، وابن العمّ، والصهر، والجار، والحليف.

كلام الرازي في مفاد الحديث

أقبل الرازي يتعتع ويتلعثم بشُبَه يبتلعها طوراً، ويجترّها تارةً، وأخذ يُصعّد ويصوب في الاتيان بالشُبَه بصورةٍ مكبّرة؛ فقال بعد نقله معنى الأولى عن جماعة ما نصّه:

قال تعالى: مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير وفي لفظ (المولى) ههنا أقوال: أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي:

مصيركم. وتحقيقه أنّ المولى موضع الولى وهو القرب، فالمعنى: أنّ النار هي موضعكم الذى تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم؛ وهو قول الزجّاج والفرَّاء وأبي عبيدة.

وأعلم أنَّ هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير اللفظ؛ لأنّه لو


1- غريب القرآن المسمى ب« نزهة القلوب»: 175.

ص:43

كان (مولى) و (أولى) بمعنى واحد في اللغة لصحَّ استعمال كلّ واحد منهما في مكان الآخر فكان يجب أن [يصحّ أن](1) يقال: هذا مولى من فلان [كما يقال: هذا أولى من فلان: ويصح أن يقال: هذا أولى فلان كما يقال: هذا مولى فلان](2). ولمّا بطل ذلك علمنا أنّ الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنّما نبّهنا على هذه الدقيقة؛ لأنّ الشريف المرتضى لمّا تمسّك في إمامة عليّ بقوله عليه السلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: أحد معاني (مولى) أنّه (أولى)، واحتجّ في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأنّ (مولىً) معناه (أولى) وإذا ثبت أنّ اللفظ محتمل له وجب حمله عليه؛ لأنّ ما عداه إمّا بَيِّن الثبوت ككونه ابن العم (3) والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتِق والمعتَق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. وأمّا نحن فقد بيّنّا بالدليل أنّ قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير، وحينئذٍ يسقط الاستدلال به. تفسير الرازي (4) 8: 93.


1- الزيادة من المصدر.
2- الزيادة من المصدر.
3- هذه غفلة عجيبة، وسيوافيك أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كان ابن عم جعفر وعقيل وطالب وآل أبي طالب كلّهم، ولم يكن أمير المؤمنين ابن عمّ لهم؛ فإنّه كان أخاهم، فهذا ممّا يلزم منه الكذب لو أريد من لفظِ المولى لا ممّا هو بيّن الثبوت( للمؤلف قدس سره).
4- التفسير الكبير 29: 228.

ص:44

وقال في نهاية العقول: إنّ (المولى) لو كان يجي ء بمعنى (الاولى) لصحّ أن يقرن بأحدهما كلُّ ما يصحُّ قرنه بالآخر، لكنّه ليس كذلك، فامتنع كون المول بمعنى الاولى.

بيان الشرطيّة: أنّ تصرّف الواضع ليس إلّافي وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فامّا ضمّ بعض تلك الألفاظ الى البعض بعد صيرورة كلِّ واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمرٌ عقليٌّ، مثلًا إذا قلنا: الإنسان حيوانٌ فإفادة لفظ الإنسان للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ الحيوان للحقيقة المخصوصة ايضاً بالوضع، فأما نسبة الحيوان الى الإنسان- بعد المساعدة على كون كلِّ واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص- فذلك بالعقل لا بالوضع، وإذا ثبت ذلك فلفظة (الأولى) إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة «مِن» موضوعة معنى آخر؛ فصحّة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.

وإذا ثبت ذلك؛ فلو كان المفهوم من لفظة (الأولى) بتمامه من غير زيادة ولا نفصان هو المفهوم من لفظة (المولى)، والعقل حَكَمَ بصحّة اقتران المفهوم من لفظة (مِن) بالمفهوم من لفظة (الاولى) وجب صحّة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة (المولى) لأَنّ صحة

ص:45

ذلك الاقتران ليست بين اللفظين بل بين مفهوميهما.

بيان أنّه ليس كلّما يصح دخوله على أحدهما صحّ دخوله على الآخر: أنّه لا يقال: هو مولى مِن فلان، ويصحّ أن يقال هو مولى وهما موليان، ولا يصح أن يقال: هو أولى- بدون مِن- وهما أوليان. وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد، ولا تقول: هو أولى الرجل وأولى زيد. وتقول: هما أولى رجلين وهم أولى رجال، ولا تقول: هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال. ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك. لا يقال: أليس يقال: ما أولاه! لأنّا نقول: ذاك أفعل التعجب، لا أفعل التفضيل، على أنّ ذاك فعلٌ، وهذا اسمٌ، والضمير هناك منصوبٌ، وهنا مجرورٌ، فثبت أنّه لا يجوز حمل المولى على الأولى. انتهى.

وإن تعجب فعجبٌ أن يعزب عن الرازي اختلاف الاحوال في المشتقّات لزوماً وتعدية بحسب صيغها المختلفة، إنّ اتّحاد المعنى أو الترادف بين الالفاظ إنّما يقع في جوهريات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب وتصاريف الالفاظ وصيغها، فالاختلاف الحاصل بين (المولى) و (الأولى)- بلزوم مصاحبة الثاني للباء وتجرُّد الأوّل منه- إنّما حصل من ناحية صيغة أفعل من هذه المادّة كما أنّ مصاحبة (مِن) هي مقتضى تلك الصيغة مطلقاً.

إذن فمفاد (فلانٌ أولى بفلان) و (فلانٌ مولى فلان) واحدٌ حيث يراد به الأولى به من غيره. كما أنّ (أفعل) بنفسه يُستعمل مضافاً الى المثنى والجمع أو ضميرهما بغير أداة فيقال: زيد أفضل الرجلين أو

ص:46

أفضلهما، وأفضل القوم أو أفضلهم، ولا يُستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفرداً فلا يقال: زيد أفضل عمرو، وإنّما هو أفضل منه، ولا يرتاب عاقلٌ في اتّحاد المعنى في الجميع، وهكذا الحال في بقيّة أفعل كأعلم وأشجع وأحسن وأسمح وأجمل الى نظائرهما.

قال خالد بن عبداللَّه الأزهري في باب التفضيل من كتابه التصريح: إنّ صحّة وقوع المرادف موقع مرادفه إنّما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانعٌ، وههنا منع مانع وهو الاستعمال؛ فإنّ اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجرِّ إلّا (مِن) خاصّة، وقد تُحذف مع مجرورها للعلم بها نحو: والآخرة خيرٌ وأبقى (1) (2).

على أنّ ما تشبّث به الرازي يطّرد في غير واحد من معاني المولى التي ذكرها هو وغيره، منها ماأختاره معنىً للحديث وهو (الناصر)؛ فلم يستعمل هو مولى دين اللَّه مكان ناصره، ولا قال عيسى على نبينا وعليه السلام: مَن مواليَّ الى اللَّه مكان قوله: مَن أنصاري الى اللَّه (3) ولا قال الحواريون: نحن موالي اللَّه بدل قولهم: نحن أنصار اللَّه.

ومنها الوليُّ فيقال للمؤمن: هو وليُّ اللَّه ولم يرد من اللغة مولاه،


1- الأعلى: 17.
2- شرح التصريح على التوضيح 2: 102.
3- الصف: 14.

ص:47

ويقال: اللَّه وليّ المؤمنين ومولاهم، كما نصَّ به الراغب في مفرداته (1): 555.

وهلمَّ معي الى أحد معاني (المولى) المتَّفق على إثباته؛ وهو المنعَم عليه؛ فإنّك تجده مخالفاً لأصله في مصاحبة (على) فيجب على الرازي أن يمنعه إلّاأن يقول: إنّ مجموع اللفظ وأداته هو معنى المولى، لكن ينكمش منه في الاولى به لأمر ما دبَّره بِلَيْل.

وهذه الحالة مطّردة في تفسير الالفاظ والمشتقّات وكثيرٍ من المترادفات على فرض ثبوت الترادف، فيقال: أجحف به وجحفه، أكبّ لوجهه وكبّه اللَّه، أحرس به وحرسه.

زريت عليه زرياً وأزريت به، نسأ اللَّه في أجله وأنسأ أجله، رفقت به وأرفقته، خرجت به وأخرجته، غفلت عنه وأغفلته، أبذيت القوم وبذوت عليهم، أشلتُ الحجر وشلتُ به.

كما يقال: رأمت الناقة ولدها أي: عطفت عليه. اختتأ له أي:

خدعه. صلّى عليه أي: دعا له، خنقته العبرة أي: غصّ بالبكاء، احتنك الجراد الارض وفي القرآن: لأحتنكن ذريته (2) أي:

أستولى عليها وأستولينّ عليهم. ويقال: استولى عليه أي: غلبه


1- المفردات في غريب القرآن: 533.
2- الإسراء: 62.

ص:48

وتمكّن منه. وكلّها بمعنىً واحد. ويقال: أجحف فلان بعبده أي:

كلّفه ما لا يطاق.

وقال شاه صاحب في الحديث: إنّ (أولى) في قوله صلى الله عليه و آله: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» مشتقٌ من الولاية بمعنى الحبّ. فيقال:

أولى بالمؤمنين أي: أحبّ إليهم. ويقال بصر به ونظر إليه ورآه وكلّها واحدٌ.

وأنت تجد هذا الاختلاف يطّرد في جُلِّ الالفاظ المترادفة الّتي جمعها الرماني- المتوفى (384)- في تأليف مفرد في (45) صحيفة- ط مصر (1321)- ولم ينكر أحدٌ من اللغويّين شيئاً من ذلك لمحض اختلاف الكيفيّة في أداة الصحبة كما لم ينكروا بسائر الاختلافات الواردة من التركيب فإنّه يقال: عندى درهمٌ غير جيد. ولم يجز: عندى درهمٌ إلّاجيد. ويقال: إنّك عالمٌ. ولايقال:

إنّ أنت عالم. ويدخل (الى) الى المضمر دون حتّى مع وحدة المعنى، ولاحظ (أم) و (أو) فإنّهما للترديد، ويفرقان في التركيب بأربعة أوجه، وكذلك هل والهمزة؛ فإنّهما للإستفهام، ويفرقان بعشرة فوارق، و (إيّان) و (حتّى) مع اتّحادهما في المعنى يفرقان بثلاث، و (كم) و (كأيِّن) بمعنى واحد ويفرقانِ بخمسة، و (أيّ) و (مَن) يفرقان بستة مع اتّحادهما، و (عند) و (لَدن) و (لدى) مع وحدة المعنى فيها تفرق بستّة أوجه.

ص:49

ولعلّ إلى هذا التهافت الواضح في كلام الرازي أشار نظام الدين النيسابوري في تفسيره (1) بعد نقل محصّل كلامه الى قوله:

وحينئذٍ يسقط الاستدلال به. فقال: قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى.

الشبهة عند العلماء

لم تكن هذه الشبهة الرازيّة الداحضة بالّتي تخفى على العرب والعلماء لكنَّهم عرفوها قبل الرازي وبعده، وما عرفوها إلّافي مدحرة البطلان، ولذلك تراها لم تزحزحهم عن القول بمجي ء (المولى) بمعنى (الاولى).

قال التفتازاني في شرح المقاصد (2) (: 289)، والقوشجي في شرح التجريد (3) ولفظهما واحدٌ: إنّ المولى قد يراد به المعتَق و الحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرّف، قال اللَّه تعالى: مأواكم النار هي مولاكم أي: أولى بكم ذكره أبو عبيدة، وقال النبيّ صلى الله عليه و آله «إيّما أمرأة نُكِحت بغير إذن مولاها...» أي: الأولى بها والمالك لتدبير أمرها، ومثله في الشعر كثير.


1- غرائب القرآن 27: 133.
2- شرح المقاصد 5: 273.
3- شرح التجريد: 477.

ص:50

وبالجملة استعمال (المولى) بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائعٌ في كلام العرب منقولٌ عن كثير من أئمة اللغة، والمراد أنّه اسم لهذا المعنى لا أنّه صفة بمنزلة الأولى، ليُعترض بأنّه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنّه لا يُستعمل استعماله. انتهى.

ذكرا ذلك عند تقريب الاستدلال بالحديث على الإمامة، ثمّ طفقا يردانه من شتّى النواحي عدا هذه الناحية؛ فأبقياها مقبولة عندهما، كما أن الشريف الجرجاني في شرح المقاصد حذا حذوهما في القبول، وزاد بأنّه ردّ بذلك مناقشة القاضي عضد بأنّ مفعلًا بمعنى أفعل لم يذكره أحدٌ فقال:

أُجيب عنه بأنّ المولى بمعنى المتولّى والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائعٌ في كلام العرب منقول من أئمة اللغة، قال أبو عبيدة: هي موليكم أي: أولى بكم، وقال عليه السلام: «أيّما أمرأة نكحت بغير إذن مولاها ...» أي: والاولى يها والمالك لتدبير أمرها (1). انتهى.

وابن حجر في الصواعق (2) (: 24) على تصلبه في ردّ الاستدلال بالحديث سلّم مجي ء المولى بمعنى الاولى بالشي ء، لكنّه ناقش في متعلّق الاولويّة في أنّه هل هي عامّة الأمور، أو أنّها الاولوية من بعض النواحي؟ واختار الأخير، ونسب فهم هذا


1- حاشية السيالكوتي على شرح المواقف 8: 361.
2- الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة: 65.

ص:51

المعنى من الحديث الى الشيخين أبي بكر وعمر في قولهما: أمسيت مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة. وحكاه عنه الشيخ عبدالحق في لمعاته، وكذا حذا حذوه الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبدالقادر الشافعي في ذخيرة المآل فقال:

التولّي: الولاية وهو الصديق والناصر، والاولى بالاتّباع والقرب منه كقوله تعالى: أنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه (1) وهذا الذي فهمه عمر رضى الله عنه من الحديث؛ فإنّه لمّا سمعه قال: هنيئاً يابن أبي طالب أمسيت وليَّ كلِّ مؤمن ومؤمنة. انتهى.

وسبق عن الأَنباري في مشكل القرآن (2): أنّ للمولى معان، أحدها: الأَولى بالشي ء، وحكاه الرازي عنه وعن أبي عبيدة فقال في نهاية العقول:

لا نسلّم أنّ كلّ من قال: إنّ لفظة (المولى) محتملةٌ للأولى قال بدلالة الحديث على إمامة عليٍّ رضي اللَّه عنه، أليس أنّ أبا عبيدة وابن الانباري حكما بأنّ لفظة (المولى) للأولى مع كونهما قائلين (3) بإمامة أبي بكر رضي اللَّه عنه؟ انتهى. ونقل الشريف المرتضى (4)


1- آل عمران: 68.
2- راجع ص 19؟؟؟؟ من هذا الكتاب.
3- لا يهمنا ما يرتأيانه في الإمامة، وإنّما الغرض تنصيصهما بمعنى اللفظ اللغوي( للمؤلف قدس سره).
4- الشافي في الإمامة 2: 219.

ص:52

عن أبي العباس المبرَّد أنَّ أصل تأويل الوليّ أي: الذي هو أولى وأحق، ومثله المولى.

وقال أبو نصر الفارابي الجوهري المتوفى (393) في صحاح اللغة (1) (2: 564) مادّة (ولي) في قول لبيد: إنّه يريد أولى موضع أن يكون فيه الخوف (2).

وأبوزكريا الخطيب التبريزي في شرح ديوان الحماسة (1: 22) في قوله جعفر بن علبة الحارثي:

ألهفي بقرِّي سَحْبَلٍ (3) حين أحلبت***علينا الوَلايا والعدوُّ المباسل

عدَّ من وجوه معاني المولى الثمانية (4) الوليّ والأولى بالشي ء، وعن عمر بن عبدالرحمن الفارسي القزويني في «كشف الكشاف»


1- تاج اللغة وصحاح العربية المشهور« بالصحاح» 6: 9. 252
2- في المصدر: العرب.
3- موضع في ديار بني الحارث بن كعب. معجم البلدان 3: 194.
4- وهي: العبد، والسيد، وابن العمّ، والصهر، والجار، والحليف، والوليّ، والاولى بالشي ء.( للمؤلف قدس سره).

ص:53

في بيت لبيد: أن مولى المخافة، أي: أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف، وعدّ سبط ابن الجوزي في «التذكرة (1)»: 19 ذلك من معاني المولى العشرة المستندة الى علماء العربيّة، ومثله ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول»: 16، وذكر الأولى في طليعة المعانى الّتي جاء بها الكتاب، وتبعه الشلبنجي في نور الأبصار (2): 78 وأسند ذلك الى العلماء، وقال شارحا المعلّقات السبع- عبدالرحيم بن عبدالكريم (3)، ورشيد النبيّ- في بيت لبيد:

إنّه أراد ب (وليّ المخافة) الأولى بها.

وبذلك كلّه تعرف حال ما أسنده صاحب التحفة الاثنا عشرية (4) في أهل العربيّة قاطبة من إنكار استعمال (المولى) بمعنى الأولى بالشي ء. أَوَ يحسب الرجل أنّ من ذكرناهم من أئمة الأدب الفارسي؟ أو أنّهم لم يقفوا على موارد لغة العرب كما وقف عليها الشاه صاحب الهندي؟ وليس الحَكَم في ذلك إلّاضميرك الحرّ.

مضافاً الى أنّ إنكار الرازي عدم استعمال (أولى) مضافاً ممنوعٌ


1- تذكرة الخواصّ: 38.
2- نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار: 138.
3- شرح المعلقات السبع: 54.
4- التحفة الاثنا عشرية: 209.

ص:54

على إطلاقه؛ لما عرفت من إضافته الى المثنى والمجموع، وجاءت في السنة إضافته الى النكرة؛ ففي صحيح البخاري (1) في الجزء العاشر (ص 7 و 9 و 10 و 13) بأسانيد جمّة قد اتفق فيها اللفظ عن ابن عبّاس عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها؛ فما تركت الفرائض فلأولى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ورواه مسلم في صحيحه (2) (2: 2) وفيما أخرجه أحمد في المسند (3) (1: 313):

«فلأولى ذكر»، وفي (ص 335) «فلأولى رجل ذكر»، وفي نهاية ابن الأثير (4) (2: 49): الأولى (5) رجل ذكر».

ويُعرب عمّا ترتئيه في حديث الغدير ما يماثله في سياقه جِدّاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «ما من مؤمن إلّاأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة إقرأوا إن شئتم: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيّما مؤمن ترك مالًا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دَينااً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه» أخرجه البخاري في صحيحه (6) (7: 190) وأخرجه مسلم في صحيحه (7) (2: 4) بلفظ: «إن على الأرض من مؤمن إلّاأنا أولى الناس به، فأيّكم ما ترك دَيناً أو ضياعاً فأنا مولاه».


1- صحيح البخاري 6: 2476/ 6351؛ وفيه: فما بقي، و: 2477/ 6354، و: 2478/ 6356، و: 2480/ 6365.
2- صحيح مسلم 3: 425/ 3 كتاب الفرائض.
3- مسند أحمد 1: 515/ 2857، و: 534/ 2986.
4- النهاية في غريب الحديث والأثر 5: 229.
5- في المصدر: فلأولى.
6- صحيح البخاري 4: 1795/ 4503.
7- صحيح مسلم 3: 430/ 15 كتاب الفرائض.

ص:55

كلمة أخرى للرازيّ

وللرازي كلمةٌ أُخرى صعّد فيها وصوّب، فحسب في كتابه «نهاية العقول» أنّ أحداً من أئمة النحو واللغة لم يذكر مجي ء «مفعل» الموضوع للحدثان أو الزمان أو المكان بمعنى «أفعل» الموضوع لإفادة التفضيل. وأنت إذا عرفت ما تلوناه لك من النصوص على مجي ء مولى بمعنى الأولى بالشي ء علمت الوهن في إطلاق ما يقوله هو و من تبعه كالقاضي عضدالايجي في المواقف (1) وشاه صاحب الهندي في التحفة الاثنا عشرية (2) والكابلي في الصواقع، وعبدالحق الدهلوي في لمعاته، والقاضي سناء اللَّه الپاني پتي في سيفه المسلول، وفيهم من بالغ في النكير حتّى أسند ذلك الى إنكار أهل العربيّة، وأنت تعلم أنّ أساس الشبهة من الرازي ولم يسندها إلى غيره، وقلّده أولئك عمى، مهما وجدوا طعناً في دلالة الحديث على ما ترتئيه الإمامية.

أنا لا ألوم القوم على عدم وقوفهم على كلمات أهل اللغة واستعمالات العرب لألفاظها؛ فإنهم بُعَداء عن الفنّ، بُعَداء عن العربية، فمن رازيٍّ الى إيجيٍّ، ومن هنديٍّ الى كابليٍّ، ومن دهلويٍّ الى پاني پتيٍّ، وأَين هؤلاءِ من العرب الأقحاح؟ وأين هم من


1- المواقف: 405.
2- التحفة الاثنا عشرية: 209.

ص:56

العربيّة؟ نعم حَنّ قِدحٌ ليس منها (1)، وإذا اختلط الحابل بالنابل طفق يحكّم في لغة العرب من ليس منها في حِلّ ولا مرتَحَل.

إذا ما فُصِّلت عليا قريشٍ***فلا في العِيرِ أنت ولا النفيرِ

أوَ ما كان الذين نصّوا بأنّ لفظ (المولى) قد يأتي بمعنى الأولى بالشي ء أعرف بمواقع اللغة من هذا الذي يخبط فيها خبط عشواء؟

كيف لا؟ وفيهم مَن هو من مصادر اللغة، وأئمة الأدب، وحذّاق العربيّة، وهم مراجع التفسير، أوليس في مصارحتهم هذه حجة قاطعة على أنّ (مفعلًا) يأتي بمعنى (أفعل) في الجملة؟ إذن فما المبِّرر لذلك الإنكار المطلق؟ لأمر ما جَدَعَ قصيرٌ أنفه!

وحسب الرازي مبتدع هد السفسطة قول أبي الوليد ابن الشحنة الحلبي في روض المناظر (2) في حوادث سنة ستّ وستّمائة من أنّ الرازي كانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربيّة، وقال أبو حيّان في تفسيره (4: 149) بعد نقل كلام الرازي: إنّ تفسيره خارجٌ عن مناحي كلام العرب ومقاصدها، وهو في أكثره شبيه بكلام الّذين يسمّون أنفسهم حكماء.


1- مثل يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس هو منها أو يتمدّح بما لا يوجد فيه. مجمع الامثال للميداني( 1: 341/ 1018).
2- روض المناظر 2: 199.

ص:57

م- وقال الشوكاني في تفسيره (1) (4: 163) في قوله تعالى:

لا تخف نجوت من القوم الظالمين القصص:25 وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدّاً لا تستحقّ أن تذكر في تفسير كلام اللَّه عزّ وجلّ، والجواب عليها يظهر للمقصر فضلًا عن الكامل.

ثمّ إنّ الدلالة على الزمان والمكان في (مفعل) كالدلالة على التفضيل في (أفعل) وكخاصة كلٍّ من المشتقات من عوارض الهيئات لا من جوهريات الموادّ، وذلك أمرٌ غالبيّ يسار معه على القياس ما لم يرد خلافه عن العرب، وأما عند ذلك فإنّهم المحكّمون في معاني ألفاظهم، ولو صفا للرازي اختصاص المولى بالحدثان أو الواقع منه في الزمان أو المكان لوجب عليه أن ينكر مجيئه بمعنى الفاعل والمفعول وفعيل، وها هو يصرح بإتيانه بمعنى الناصر، والمعتَق- بالفتح- والحليف. وقد صافقه على ذلك جميع أهل العربية، وهتف الكل بمجي ء (المولى) بمعنى الوليّ، وذكر غير واحد من معانيه الشريك، والقريب، والمحبّ، والعتيق، والعقيد، والمالك، والمليك. على أنّ مَن يذكر الأولى في معاني المولى وهم الجماهير ممن يُحتج بأقوالهم لا يعنون أنه صفةٌ له حتّى يناقش بأن معنى التفضيل خارج عن مفاد (المولى) مزيد عليه فلا يتفقان،


1- فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير 4: 211.

ص:58

وإنّما يريدون أنّه اسمٌ لذلك المعنى، إذن فلا شي ء يفت في عضدهم.

وهبْ أنّ الرازي ومن لفَّ لفّه لم يقفوا على نظير هذا الاستعمال في غير المولى فإنّ ذلك لا يوجب إنكاره فيه بعد ما عرفته من النصوص، فكم في لغة العرب من استعمال مخصوص بمادّة واحدة فمنها: كلمة (عجاف) جمع (أعجف)، فلم يجمع أفعل على فِعال إلّا في هذه المادة كما نصّ به الجوهري في الصحاح (1)، والرازي نفسه في التفسير (2)، والسيوطي في المزهر (3) (2: 63) وقد جاء في القرآن الكريم: وقال الملك إنّي أرى سبع بقرات سمان يأكلهنّ سبعٌ عجافٌ سورة يوسف: 43 ومنه شعر العرب في مدح سيّد مضر هاشم بن عبد مناف:

عمرو العلا هشمَ الثريدَ لقومه***ورجالُ مكّةَ مسنتون عِجافُ

ومنها: أنّ ما كان على فعَلتُ- مفتوح العين- من ذوات التضعيف متعدياً مثل (رددت وعددت) يكون المضارع منه مضموم العين إلّاثلاثة أحرف تأتي مضمومة ومكسورة وهي:


1- الصحاح 4: 1399 مادة« عجف».
2- التفسير الكبير 18: 147.
3- المزهر في علوم اللغة 2: 116.

ص:59

شدّ، ونمّ، وعلّ، وزاد بعض: بثَ (1). أدب الكاتب (2) (ص 361).

ومنها: أنّ ضمير المثنى والمجموع لا يظهر في شي ء من أسماء الأفعال ك (صه ومه) إلّا: (ها) بمعنى خذ فيقال: هاؤما، وهاؤم، وهاؤن، وفي الذكر الحكيم قوله سبحانه: هاؤم اقرأوا كتابيه (3) راجع التذكرة لابن هشام، والأشباه والنظائر للسيوطي (4).

ومنها: أنّ القياس المطّرد في مصدر تَفَاعَلَ هو التفاعل بضمِّ العين إلّافي مادة (التفاوت) فذكر الجوهري (5) فيها ضمّ الواو أوّلًا ثمّ نقل عن ابن السكيت عن الكلابييّن فتحه، وعن العنبري كسره، وحُكي عن أبي زيد الفتح والكسر كما في أدب الكاتب (6) (: 593)، و نقل السيوطي في المزهر (7) (2: 39) الحركات الثلاث.

ومنها: أنّ المطّرد في مضارع (فَعَل)- بفتح العين- الذي مضارعه (يفعل)- بكسره- أنّه لا يستعمل مضموم العين إلّافي


1- في المصدر: بتّ.
2- أدب الكاتب: 369.
3- الحاقة: 19.
4- الأشباه والنظائر في النحو 4: 202 عن التذكرة لأبن هشام.
5- الصحاح 1: 260 مادة« فوت».
6- أدب الكاتب: 510.
7- المزهر 2: 81.

ص:60

(وجَد) فإنّ العامريّين ضمّوا عينه كما في الصحاح (1) وقال شاعرهم لبيد:

لو شئتِ قد نَقعَ الفؤادُ بشربةٍفدع الصواديَ لا يَجدن غليلا

وصرّح به ابن قتيبة في أدب الكاتب (2) (: 361) والفيروزآبادي في القاموس (3) (1: 343) وفي المزهر (4) (2: 49) عن ابن خالويه في شرح الدريديّة أنه قال: ليس في كلام العرب فَعَل يفعل ممّا فاؤه واو وإلّا حرفٌ واحد: وَجَدَ يَجُدُ.

ومنها: أنّ اسم الفاعل من (أفعل) لم يأت على فاعل إلّا (أبقل)، و (أورَس)، و (أيفعَ) فيقال: (أبقل الموضع فهو باقل)، و (أورس الشجرة فهو وارس)، و (أيفع الغلام فهو يافع) كذا في المزهر (5) (2: 40)، وفي الصحاح (6): بلدٌ عاشبٌ ولا يقال في ماضيه إلّا:

أعشبت الأرض.


1- الصحاح: 547.
2- أدب الكاتب: 369.
3- القاموس المحيط 1: 356.
4- المزهر 2: 93.
5- المصدر السابق 2: 76.
6- الصحاح 1: 182.

ص:61

ومنها: أنّ اسم المفعول من (أفعل) لم يأتِ على فاعل إلّافي حرف واحد؛ وهو قول العرب: أسأمت الماشية في المرعى فهي سائمة، ولم يقولوا: مُسامة. قال تعالى: فيه تسيمون (1) من أسام يسيم. ذكره السيوطي في المزهر (2) (2: 47).

وتجد كثيراً من أمثال هذه النوادر في المخصّص لابن سيدة، ولسان العرب، وذكر السيوطي في المزهر (ج 2) منها أربعين صحيفة.

جواب الرازي عمّا أثبتناه

هناك للرازي جوابٌ عن هذه كلّها يكشف عن سوءة نفسه قال في «نهاية العقول»: وأمّا الذي نقلوا عن أئمة اللغة من: أنّ (المولى) بمعنى الأولى فلا حجّة لهم؛ إذ أمثال هذا النقل لا يصلح أن يُحتج به في إثبات اللغة، فنقول: إنّ أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالى: مأواكم النار هي مولاكم: معناه هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً الأخفش، و الزجّاج، وعليّ بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكنّ ذلك تساهلٌ من هؤلاء الائمة لاتحقيق؛ لأنَّ الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه إلّافي تفسير هذه


1- النحل: 10.
2- المزهر 2: 88.

ص:62

الآية أو آية اخرى مرسلًا غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة. انتهى.

ليت شعري من ذا الذي أخبر الرازي: أنّ ذلك تساهلٌ من هؤلاء الأئمة لا تحقيق؟ وهل يطَّرد عنده قوله في كلِّ ما نقل عنهم من المعاني اللغوية؟ أو أنّ له مع لفظ (المولى) حساباً آخر؟ وهل على اللغوي إذا أثبت معنى إلّاالاستشهاد ببيت للعرب أو آية من القرآن الكريم؟ وقد فعلوه.

وكيف تخذ عدم ذكر الخليل وأضرابه حجّة على التسامح بعد بيان نقله عن أئمة اللغة؟ وليس من شرط اللغة أن يكون المعنى مذكوراً في جميع الكتب، وهل الرازي يقتصر فيها على كتاب العين وأضرابه؟

ومَن ذا الذي شرط في نقل اللغة عنعنة الإسناد؟ وهل هو إلّا ركونٌ الى بيت شعر؟ أو آية كريمة؟ أو سنّة ثابتة؟ أو استعمال مسموع؟ وهل يجد الرازي خيراً من هؤلاء لتلقّي هاتيك كلِّها؟

وما بالُهُ لا يقول مثل قوله هنا إذا جاءه أحد من القوم بمعنى من المعاني العربيّة؟ أقول: لأنّ له في المقام مرمى لا يعدوه.

وهل يشترط الرجل في ثبوت المعنى اللغوي وجوده في المعاجم اللغويّة فحسب؟ بحيث لا يقيم له وزناً إذا ذُكر في تفسير آية، أو معنى حديث، أو حلّ بيت من الشِّعر، ونحن نرى العلماء

ص:63

يعتمدون في اللغة على قول أيِّ ضليع في العربية حتّى الجارية الأعرابيّة (1) ولا يشترط عند الأكثر بشي ء من الإيمان والعدالة والبلوغ، فهذا القسطلاني يقول في شرح البخاري (2) (7: 75):

قول الشافعي نفسه حجّة في اللغة. وقال السيوطي في المزهر (3) (1: 77) حُكم نقلِ واحد من أهل اللغة القبول. وحكى في (: 83) عن الأنباري قبول العدل الواحد ولا يشترط أن يوفقه غيره في النقل (4). وفي (: 87) بقول شيخ عربي يثبت اللغة (5) وحكى في (: 27) عن الخصائص لابن جنّي قوله: من قال: إنّ اللغة لا تُعرف إلّانقلًا فقد أخطأ فإنّها قد تعلم بالقرائن أيضاً؛ فإنّ الرجل إذا سمع قول الشاعر:

قومٌ إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم***طاروا إليه زرافات ووحدانا

يعلم أنّ الزرافات بمعنى الجماعات (6). وذكر أيضاً ثبوت اللغة


1- راجع المزهر 1: 83 و 84[ 1: 139]( للمؤلف قدس سره).
2- إرشاد الساري 10: 137.
3- المزهر 1: 129.
4- المصدر السابق 1: 138.
5- المصدر السابق 1: 144.
6- المصدر السابق 1: 59.

ص:64

بالقرينة وبقول شاعر عربيّ (1) فهذه المصادر كلّها موجودةٌ في لفظ المولى غير أنّ الرازي لا يعلم أنّ اللغة بماذا تثبت، ولذلك تراه يتلجلج ويرعد ويبرق من غير جدوى أو عائدة، ولا أحسبه يحير جواباً عن واحد من الأسئلة الّتي وجهناها إليه.

وكأنّه في احتجاجه بخلوّ كتاب «العين» عن ذلك نسي أو تناسى ما لهج به في المحصول (2) من إطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في كتاب «العين» كما نقله عنه السيوطي في المزهر (3) (2: 47 و 48).

وأنا لا أدري مالمراد من الكتب الأصليّة من اللغة؟ ومَن الذي خصّ هذا الاسم بالمعاجم التي يقصد فيها سرد الألفاظ وتطبيقها على معانيها في مقام الحجِّيَّة، وأخرج هنها ما الّف في غريب القرآن أو الحديث أو الأدب العربيّ؟ وهل نِيّةُ أرباب المعاجم دخيلة في


1- المزهر 1: 140.
2- المحصول في علم اصول الفقه 1: 73.
3- المزهر 1: 79.

ص:65

ححّة الاحتجاج بها؟ أو أنّ ثقة أرباب الكتب وتضلّعهم في الفنّ وتحرّيهم استعمال العرب هي التي تكسبها الحجّيّة؟ وهذه كلّها موجودةٌ في كتب الأئمة والأعلام الذين نُقل عنهم مجي ء المولى بمعنى الأولى.

مفعل بمعنى فعيل

هلمّ معي الى صخب وهياج تهجّم بها على العربية- ومن العزيز على العروبة والعرب ذلك- الشاه وليّ اللَّه صاحب الهندي في تحفته الإثنا عشرية (1) فحسب في ردّ دلالة الحديث أنّها لا تتم إلّا بمجي ء المولى بمعنى الوليّ وأنّ (مفعلًا) لم يأتِ بمعنى (فعيل) يريد به دحض ما نصّ به أهل اللغة من مجي المولى بمعنى الولي الذي يراد به وليّ الأمر كما وليّ المرأة، ووليّ اليتيم، وولي العبد، وولاية السلطان، ووليّ العهد لمن يقيّضه الملك عاهل مملكته بعده.

نعم عزب عن الدهلوي قول الفرّاء المتوفّى (207) في معاني القرآن (2) وأبي العباس المبِّرد: بانّ الوليّ والمولى في لغة العرب واحدٌ. وذهل عن إطباق أئمة اللغة على هذا، وعدّهم الوليّ من معانى المولى في معاجم اللغة وغيرها كما في مشكل القرآن للأنباري (3)، والكشف والبيان (4) للثعلبي في قوله تعالى: أنت مولانا (5) و الصحاح للجوهري (6) (2: 564) وغريب القرآن


1- التحفة الإثنا عشرية: 209.
2- معاني القرآن 3: 59.
3- البيان في غريب إعراب القرآن 2: 422.
4- الكشف والبيان: الورقة 92.
5- البقرة: 286.
6- الصحاح 6: 2528 مادّة« ولي».

ص:66

للسجستاني (1) (: 154)، وقاموس الفيروز آبادي (2) (4: 401)، والوسيط (3) للواحدي، وتفسير القرطبي (4) (3: 431)، ونهاية ابن الأثير (5) (4: 246) وقال: ومنه قول عمر لعليّ: أصبحت مولى كلّ مؤمن. وتاج العروس 10: 399 واستشهد بقوله تعالى:

بأنّ اللَّه مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم (6) وبقوله صلى الله عليه و آله: «أيَّما أمرأة نكحت بغير إذن مولاها..» وبحديث الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه»(7).

نظرة في معاني المولي


1- غريب القرآن: 175.
2- القاموس المحيط 4: 404.
3- الوسيط 4: 122.
4- الجامع لأحكام القرآن 16: 234.
5- النهاية في غريب الحديث 5: 228.
6- محمّد صلى الله عليه و آله و سلم: 11.
7- لايسعنا ذكر المصادر كلّها أو جلّها لكثرتها جدّاً، ولا يهمنا مثل هذا التافه( للمؤلف قدس سره).

ص:67

ذكر علماء اللغة من معانى المولى السيّد غير المالك والمعتق كما ذكروا من معانى الوليّ الامير والسلطان مع إطباقهم على اتّحاد معنى الوليّ والمولى، وكلُّ من المعنَيينِ لا يُبارح معنى الأولويّة بالأمر، فالأمير أولى من الرعيّة في تخطيط الأنظمة الراجعة إلى جامعتهم، وبإجراء الطقوس المتكفّلة لتهذيب أفرادهم، وكبح عادية كلٍّ منهم عن الآخر، وكذلك السيّد أولى ممّن يسوده بالتصرف في شؤونهم، وتختلف دائرة هذين الوصفين سعة وضيقاً باختلاف مقادير الإمارة والسيادة؛ فهي في والي المدينة أوسع منها في رؤساء الدواوين، وأوسع من ذلك في ولاة الأقطار، ويفوق الجميع ما في الملوك والسلاطين، ومنتهى السعة في نبيٍّ مبعوث على العالم كلّه وخليفة يخلفه على ماجاء به من نواميس وطقوس.

ونحن إذا غاضينا القوم على مجي ء (الأولى) بالشي ء من معاني (المولى) فلا نغاضيهم على مجيئه بهذين المعنيين، وانه لا ينطبق في الحديث إلّاعلى أرقى المعاني، وأوسع الدوائر، بعد أن علمنا أنّ شيئاً من معاني (المولى) والمنتهية الى سبعة وعشرين معنى لا يمكن إرادته في الحديث إلّاما يطابقهما من المعاني، ألا وهي:

1- الربّ 2- العمّ 3- ابن العمّ 4- الابن 5- ابن الاخت 6- المعتِق 7- المعتَق 8- العبد 9- المالك (1) 10- التابع

11- المنعَم عليه 12- الشريك 13- الحليف 14- الصاحب


1- في صحيح البخاري 7: 57[ 4: 1671]: المليك. وقال القسطلاني في شرح الصحيح 7: 77[ 10: 160]: المولى: المليك، لأنّه يلي أمور الناس، وشرحه كذلك أبو محمّد العيني في عمدة القاري[ 18: 170] وكذا قال لفظياً العدوي الحمزاوي في النور الساري[ 7: 57]( للمؤلف قدس سره).

ص:68

15- الجار 16- النّزيل 17- الصهر 18- القريب 19- المنعِم

20- العقيد 21- الوليّ 22- الأولى بالشي ء 23- السيّد غير المالك والمعتِق 24- المحبّ 25- الناصر 26- المتصرّف في الأمر 27- المتولّي في الامر.

فالمعنى الأوّل يلزم من إرادته الكفر؛ إذ لا ربّ للعالمين سوى اللَّه.

وأمّا الثاني والثالث إلى الرابع عشر فيلزم من إرادة شي ء منها في الحديث الكذب؛ فإنّ النبيّ عمّ أولاد أخيه إن كان له أخ، وأمير المؤمنين ابن عمّ أبيهم، وهو صلى الله عليه و آله ابن عبداللَّه، وأمير المؤمنين ابن أخيه أبي طالب.

ومن الواضح اختلاف أُمّهما في النسب فُخؤولة كلّ منهما غير خُؤولة الآخر، فليس هو عليه السلام بابن اخت لمن صلى الله عليه و آله ابن اخته.

وأنت جِدّ عليم بأنّ مَن أعتقه رسول اللَّه لم يعتقه أمير المؤمنين مرّة اخرى. أنّ كلّا منهما سيّد الأحرار من الأولين والآخرين، فلم يكونا معتَقين لأي ابن انثى، واعطف عليه العبد في السخافة والشناعة.

ومن المعلوم أنّ الوصيَّ- صلوات اللَّه عليه- لم يملك مماليك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلا يمكن إرادة المالك منه.

ولم يكن النبيُّ تابعاً لأيّ أحد غير مُرسِله جلّت عظمته؛ فلا

ص:69

معنى لهتافه بين الملأ بأنّ من هو تابعه فعليٌّ تابعٌ له.

ولم يكن على رسول اللَّه لأيّ أحد من نعمة، بل له المنن والنعم على الناس أجمعين فلا يستقيم المعنى بإرادة المنعَم عليه.

وما كان النبيُّ صلى الله عليه و آله يُشارك أحداً في تجارة أو غيرها حتّى يكون وصيّه مشاركاً له أيضاً، على أنّه معدودٌ من التافهات إن تحققت هناك شراكة، وتجارته لُامّ المؤمنين خديجة قبل البعثة كانت عملًا لها لا شراكة معها، ولو سلّمناها فالوصيّ عليه السلام لم يكن معه في سفره، ولا له دخلٌ في تجارته.

ولم يكن نبيُّ العظمة محالفاً لأحد ليعتزّ به، وانما العزةُ للَّه ولرسوله وللمؤمنين، وقد اعتزّ به المسلمون أجمع، إذن فكيف يمكن قصده في المقام؟ وعلى فرض ثبوته فلا ملازمة بينهما.

وأمّا الصاحب والجار والنزيل والصهر والقريب سوائٌ اريد منه قربى الرحم أو قرب المكان فلا يمكن إرادة شي ء من هذه المعاني لسخافتها لا سيما ذلك المحتشد الرهيب؛ في أثناء المسير، ورمضاء الهجير، وقد أمر صلى الله عليه و آله بحبس المقدَّم في السير، ومنع التالي منه في محلٍّ ليس بمنزل له، غير أنَّ الوحيَ الإلهي المشفوع بما يشبه التهديد إن لم يبلِّغ- حبَسه هنالك، فيكون صلى الله عليه و آله قد عقد هذا المحتفَل والناس قد أنهكهم وعثاء السفر، وحرُّ الهجير، وحراجة الموقف حتّى إنّ أحدهم ليضع رداءه تحت قدميه، فيرقى هنالك منبر

ص:70

الأهداج، ويُعلمهم عن اللَّه تعالى أنّ نفسه نعيت إليه، وهو مهتمّ بتبليغ أمر يخاف فوات وقته بانتهاء إيّامه، وأنّ له الأهمية الكبرى في الدين والدنيا، فيخبرهم عن ربّه بأمور ليس للاشادة بها أي قيمة وهي: أنّ مَن كان هو صلى الله عليه و آله مصطحباً أو جاراً أو مصاهراً له أو نزيلًا عنده أو قريباً منه بأيّ المعنيين فعليٌّ كذلك. لا ها اللَّه لا نحتمل هذا إلّافي أحد من أهل الحلوم الخائرة، والعقليّات الضعيفة، فضلًا عن العقل الأول، والانسان الكامل نبي الحكمة، وخطيب البلاغة، فمن الإفك الشائن أن يُعزى الى نبيّ الإسلام إرادة شي ء منها، وعلى تقدير إرادة شي ء منها فأيّ فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام حتّى يُبخبخ ويُهنّأ بها، ويُفضّلها سعد ابن ابي وقاص في حديثه (1) على حمر النعم لو كانت، أو تكون أحبّ إليه من الدنيا


1- راجع ص 38- 41( للمؤلف قدس سره). وإليك تهذيب ما أفاده في غديره 1: 38- 41: روي في الخصائص:4 بإسناده عن عبدالرحمن بن سابط عن سعد قال: كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فقلت: لقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول في عليّ خصال ثلاث لئن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم سمعته يقول:.... من كنت مولاه فعليّ مولاه. وأخرج الحافظ الكبير محمّد بن ماجة في السنن 1: 30 بإسناده عن عبدالرحمن بن سابط عن سعد قال: قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه... وروى الحاكم في المستدرك 3: 116 عن أبي زكريا يحيى بن محمّد العنبري عن إبراهيم بن أبي طالب عن علي بن المنذر عن أبي فضيل عن مسلم الملّائي عن خثيمة بن عبدالرحمن بن سعد قال له رجل: إنّ عليّاً يقع فيك أنّك تخلّفت عنه فقال سعد: واللَّه إنّه لرأي رأيته وأخطأ رأيي: إنّ علي بن أبي طالب اعطي ثلاثاً لئن أكون اعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها؛ فقد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يوم غدير خمّ بعد حمد اللَّه والثناء عليه: هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين؟ قلنا: بلى، قال: اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه.. وروى الحافظ الكنجي الشافعيّ في كفاية الطالب: 151: أخبرنا شيخ الشيوخ عبداللَّه بن عمر بن حمويه بدمشق أخبرنا الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللَّه الشافعي، أخبرنا أبو الفضل الفضيليّ أخبرنا أحمد بن شدّاد الترمذي علي بن قادم، أخبرنا إسرائيل عن عبداللَّه بن شريك عن الحرث بن مالك قال: أتيت مكّة فلقيت سعد ابن أبي وقّاص فقلت: هل سمعت لعليّ منقبة قال: لقد شهدت له أربعاً لئن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلي من الدنيا أعمّر فيها مثل عمر نوح،.. إلى أن قال: والرابعة: يوم غدير خمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأبلغ ثمّ قال: أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ثلاث مرّات قالوا: بلى، قال: أدن ياعلي فرفع يده ورفع رسول اللَّه يده حتّى نظرت بياض إبطيه فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه حتّى قالها ثلاثاً.

ص:71

وما فيها، عمّر فيها مثل نوح.

وأمّا المنعِم؛ فلا ملازمة في أن يكون كلٌّ من أنعم عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يكون أمير المؤمنين عليه السلام منعماً عليه أيضاً بل من الضروري خلافه، إلّاأن يراد أنّ مَن كان النبيُ صلى الله عليه و آله منعِماً عليه بالدين والهدى والتهذيب والإرشاد والعزَّة في الدنيا والنجاة في

ص:72

الآخرة فعليٌ عليه السلام منعِم عليه بذلك كلِّه؛ لأنّه القائم مقامه، والصادع عنه، وحافظُ شرعه، ومبلّغ دينه، ولذلك أكمل اللَّه به الدين، وأتمّ النعمة بذلك الهتاف المبين، فهو- حينئذٍ- لا يبارح معنى الإمامة الذي نتحرّاه، ويساوق المعاني التي نحاول إثباتها فحسب.

وأمّا العقيد: فلابدّ أن يراد به المعاقدة والمعاهدة مع بعض القبائل للمهادنة أو النصرة، فلا معنى لكون أمير المؤمنين عليه السلام كذلك إلّاتبعٌ له في كلّ أفعاله وتروكه، فيساوقه حينئذٍ المسلمون أجمع، ولا معنى لتخصيصه بالذكر مع ذلك الاهتمام الموصوف، إلّا أن يراد أنّ لعليٍّ عليه السلام دخلًا في تلك المعاهدات التي عقدها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لتنظيم السلطنة الإسلاميّة، وكلاءة الدولة عن التلاشي بالقلاقل والحرج، فله التدخّل فيها كنفسه صلى الله عليه و آله، وإن أمكن إرادة معاقدة الأوصاف والفضائل كما يقال: عقيد الكرم، وعقيد الفضل، أي: كريمٌ وفاضلٌ ولو بتمحّل لا يقبله الذوق العربيُّ، فيقصد أنَّ مَن كنت عقيد الفضائل عنده فلْيَعتقد في عليٍّ مثله، فهو والحالة هذه مقاربٌ لما نرتئيه من المعنى، وأقرب المعاني أن يراد به العهود التي عاهدها صلى الله عليه و آله مع مَن بايعه من المسلمين على اعتناق دينه، والسعي وراء صالحه، والذبّ عنه، فلا مانع أن يراد من اللفظ والحالة هذه؛ إنّه عبارةٌ اخرى لأن يقول: إنّه خليفتي والإمام مِن بعدي.

ص:73

المحب و الناصر

على فرض إرادة هذين المعنيين لا يخلو إمّا أن يراد بالكلام حثُّ الناس على محبَّته ونصرته بما أنه من المؤمنين به والذابّين عنه، أو أمره عليه السلام بمحبتهم ونصرتهم. وعلى كلٍّ فالجملة إمّا إخبارية أو إنشائية.

فالاحتمال الأوّل هو الإخبار بوجوب حبّه على المؤمنين فممّا لا طائل تحته، وليس بأمر مجهول عندهم لم يسبقه التبليغ حتّى يأمر به في تلك الساعة ويناط التواني عنه بعدم تبليغ شي ء من الرسالة كما في نص الذكر الحكيم، فيحبس له الجماهير، ويعقد له ذلك المنتدى الرهيب، في موقف حرج لا قرار به، ثمّ يكمل به الدين، وتتمّ به النعمة، ويرضى الربّ، كأنَّه قد أتى بشي ء جديد، وشرَّع ما لم يكن وما لا يعلمه المسلمون، ثمّ يهنِّأه مَن هنَّأه بأصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، مؤذناً بحدوث أمر عظيم فيه لم يعلمه القائل قبل ذلك الحين، كيف؟ وهم يتلون في آناء الليل وأطراف النهار قوله سبحانه: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (1) وقوله تعالى: إنّما المؤمنون إخوة (2) مشعراً بلزوم التوادد بينهم كما يكون بين الأخوين، نُجلّ نبيّنا الأعظم عن


1- التوبة: 71.
2- سورة الحجرات: 10.

ص:74

تبليغ تافه مثله، ونُقدِّس إلهنا الحكيم عن عبثٍ يشبهه.

والثاني: وهو إنشاء وجوب حبِّه ونصرته بقوله ذلك، وهو لا يقلُّ عن المحتمل الأول في التفاهة؛ فإنه لم يكن هنالك أمرٌ لم يُنشأ وحُكم لم يُشرع حتّى يحتاج الى بيانه الإنشائي كما عرفت، على أنّ حقَّ المقام على هذين الوجهين أن يقول صلى الله عليه و آله: مَن كان مولاي فهو مولى عليّ أي محبّه وناصره، فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ، ولعلّ سبط ابن الجوزي نظر الى هذا المعنى، وقال في تذكرته (1) (ص 19): لم يجز حمل لفظ المولى في هذا الحديث على الناصر، وسيأتي لفظه بتمامه (2). على أنّ وجوب المحبّة والمناصرة على هذين الوجهين غير مختصّ بأَمير المؤمنين عليه السلام وإنّما هو شرع سواء بين المسلمين أجمع، فما وجه تخصيصه به والاهتمام بأمره؟ وإن اريد محبّة أو نصرة مخصوصة له تربو عن درجة الرعيّة كوجوب المتابعة، وامتثال الأوامر، والتسليم له، فهو معنى الحجّة والإمامة، لا سيما بعد مقارنتها بماهو مثلها في النبيّ صلى الله عليه و آله بقوله: «مَن كنت مولاه..» والتفكيك بينهما في سياق واحد إبطال للكلام.

والثالث: وهو إخباره بوجوب حبّهم أَو نصرتهم عليه، فكان الواجب- عندئذٍ- إخباره صلى الله عليه و آله عليّاً والتأكيد عليه بذلك لا إلقاء


1- تذكرة الخواص:32.
2- راجع ص من هذا الكتاب.

ص:75

القول به على السامعين، وكذلك إنشاء الوجوب عليه وهو المحتمل الرابع، فكان صلى الله عليه و آله في غنىً عن ذلك الاهتمام وإلقاء الخطبة واستماع الناس والمناشدة في التبليغ، إلّاأن يُريد جلب عواطف الملأ وتشديد حبّهم له عليه السلام إذا علموا أنّه محبّهم أو ناصرهم ليتبعوه، ولا يخالفوا له أمراً، ولا يردّ له قولًا.

وبتصديره صلى الله عليه و آله الكلام بقوله: «مَن كنت مولاه» نعلم أنّه على هذا التقدير لا يريد من المحبّةِ أو النصرة إلّاما هو على الحدِّ الذي فيه صلى الله عليه و آله منهما؛ فإنّ حبّه لُامته ليس كمثلهما في أفراد المؤمنين، وإنما هو صلى الله عليه و آله يحبّ امته فينصرهم بما أنّه زعيم دينهم ودنياهم، ومالك أمرهم وكالي ء حوزتهم، و حافظ كيانهم، و أولى بهم من أنفسهم، فإنه لو لم يفعل بهم ذلك لأجفلتهم الذئاب العادية، و انتأشَتهم (1) الوحوش الكواسر، ومدّت إليهم الأيدي من كلّ صوب و حَدَب، فمن غارات تُشن، وأموال تُباح، ونفوس تُزهق، وحرمات تُهتك، فينتفض غرض المولى من بثّ الدعوة، وبسط أديم الدين، ورفع كلمة اللَّه العليا بتفرّق هاتيك الجامعة، فمن كان في المحبة و النصرة على هذا الحدّ فهو خليفة اللَّه في أرضه، وخليفة رسوله، والمعنى على هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه.


1- انتأشتهم: انتزعتهم.

ص:76

المعاني التي يمكن إرادتُها من الحديث

لم يبق من المعاني إلّاالوليُ، والأولى بالشي ء، والسيد غير قسيميه: المالك والمعتِق، والمتصرف في الامر ومتولّيه.

أمّا الولي فيجب أن يراد منه خصوص ما يراد في (الأولى) لعدم صحّة بقيّة المعاني كما عرّفناكه، وأمّا السيِّد (1) بالمعنى المذكور فلا يبارح معنى الاولى بالشي ء؛ لأنه المتقدم على غيره لا سيّما في كلمة يصف بها النبيُّ صلى الله عليه و آله نفسه ثمّ ابن عمّه على حذو ذلك، فمن المستحيل حمله على سيادة حصل عليها السائد بالتغلّب والظلم، وانّما هي سيادةٌ دينيّةٌ عامّة يجب اتّباعها على المسودين أجمع.

وكذلك المتصرف في الأمر، ذكره الرازي في تفسيره (2) (6: 210) عن القفّال عند قوله تعالى: واعتصموا باللَّه هو مولاكم الحج: 78 فقال: قال القفال: هو مولاكم: سيّدكم والمتصرف فيكم، وذكر هما سعيد الچلبي مفتي الروم، وشهاب الدين أحمد الخفاجي في تعليقهما على البيضاوي، وعدّه في الصواعق (3) (ص 25) من معانيه الحقيقية، وحذا حذوه كمال


1- عدّه من معاني المولى جمع كثير من أئمة التفسير واللغة لا يستهان بعدّتهم[ للمؤلف قدس سره].
2- التفسير الكبير 23: 74.
3- الصواعق المحرقة: 43.

ص:77

الدين الجهرمي في ترجمة الصواعق، ومحمّد بن عبدالرسول البرزنجي فى النواقض (1)، والشيخ عبدالحقّ في لمعاته، فلا يمكن في المقام إلّاأن يُراد به المتصرّف الّذي قيّضهُ اللَّه سبحانه لأن يُتبع، فيحدو البشر إلى سُنن النجاح، فهو أولى من غير بأنحاء التصرف في الجامعة الإنسانية، فليس هو إلّانبيٌّ مبعوث أو إمام مفترض الطاعة منصوص به من قِبله بأمر إلهيٍّ لا يُبارحه في أقواله وأفعاله وما ينطق عن الهوى* إن هو إلّاوحيٌ يوحى (2).

وكذلك متوليّ الأمر الذي عدّه من معاني المولى أبو العباس المبَرِّد، قال في قوله: أنّ اللَّه مولى الذين آمنوا (3) والوليُّ والمولى معناهما سواء، وهو الحقيق بخلقه المتولّي لأمورهم (4)، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (5)، والقرطبي في تفسيره (6) (4:


1- النواقض للروافض: الورقة 8 و 9.
2- النجم: 3 و 4.
3- محمّد صلى الله عليه و آله و سلم: 11.
4- حكاه عنه الشريف المرتضى في الشافي[ 2: 219][ للمؤلف قدس سره].
5- الوسيط 4: 122.
6- الجامع لأحكام القرآن 4: 149.

ص:78

232) في قوله تعالى في آل عمران [150] بل اللَّه مولاكم وابن الأثير في النهاية (1) والزبيدي في تاج العروس (10: 398)، وابن منظور فى لسان العرب (2) 20 وقالوا: ومنه الحديث: «أيّما أمرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» وفي رواية: «وليّها» أي متولّي أمرها، والبيضاوي (3) في تفسير قوله تعالى: ما كتب لنا هو مولانا التوبة [51] (1: 505) وفي قوله تعالى: واعتصموا باللَّه هو مولاكم الحج [78] (2: 114) وفي قوله تعالى: واللَّه مولاكم التحريم [2] (2: 530)، وأبو السعود العمادي (4) في تفسير قوله تعالى: واللَّه مولاكم التحريم هامش تفسير الرازي (8:

183)، وفي قوله تعالى: هي مولاكم والراغب في المفردات (5)، وعن أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي في تفسيره: المولى في اللغة من يتولّى مصالحك فهو مولاك يلي القيام بأمورك وينصرك


1- الجامع لأحكام القرآن 4: 149.
2- النهاية في غريب الحديث 5: 229.
3- لسان العرب 15: 401.
4- تفسير البيضاوي 1: 408 و 2: 98 و 505.
5- إرشاد العقل السليم 8: 208 و 266.

ص:79

على أعدائك، ولهذا سُمّي ابن العمّ والمعتِق مولى ثمّ صار اسماً لمن لزم الشي ء، والزمخشري في الكشاف (1) وأبو العبّاس أحمد بن يوسف الشيباني الكواشي المتوفى سنة 680 في تلخيصه، والنسفي (2) في تفسير قوله تعالى أنت مولانا (3) والنيسابوري في غرائب القرآن (4) في قوله تعالى أنت مولانا وقوله تعالى: فاعلموا أن اللَّه مولاكم (5) وقوله تعالى: هي مولاكم. وقال القسطلاني (6) في حديث مرَّ في (ص 318) عن البخاري ومسلم في قوله صلى الله عليه و آله «أنا مولاه» أي: وليّ الميّت أتولى عنه أموره، والسيوطي في تفسير الجلالين (7) في قوله تعالى: أنت مولانا وقوله: فاعلموا أنّ اللَّه مولاكم وقوله: لن يصيبنا إلّاما كتب اللَّه لنا هو مولانا فهذا المعنى لا يُبارح أيضاً معنى الأولى لا سيما بمعناه الذي يصف صاحب الرسالة صلى الله عليه و آله نفسه على تقدير إرادته.

على أنّ الذي نرتئيه في خصوص المقام- بعد الخوض في غِمار


1- الكشّاف 4: 476.
2- تفسير النسفي 1: 144.
3- البقرة: 286.
4- غرائب القرآن 28: 101.
5- الانفال: 40.
6- ارشاد الساري 5: 438/ 2399.
7- تفسير الجلالين: 84 و 348.

ص:80

اللغة، ومجاميع الأدب، وجوامع العربيّة-: أن الحقيقة من معاني المولى ليس إلّاالأولى بالشي ء، وهو الجامع لهاتيك المعاني جمعاء؛ ومأخوذ في كلٍّ منها بنوعٍ من العناية، ولم يطلق لفظ المولى على شي ء منها إلّابمناسبة هذا المعنى.

1- فالربّ سبحانه هو أولى بخلقه من أيّ قاهر عليهم؛ خلق العالمين كما شاءت حكمته ويتصرَّف بمشيئته.

2- والعمّ أولى الناس بكلاءة ابن اخيه والحنان عليه، وهو القائم مقام والده الذي كان أولى به.

3- وابن العمِّ أولى بالاتحاد والمعاضدة مع ابن عمِّه لأنَّهما غصنا شجرة واحدة.

4- والابن أولى الناس بالطاعة لأبيه والخضوع له قال اللَّه تعالى: واخفض لهما جناح الذلِّ من الرَّحمة (1).

5- وابن الاخت أيضاً أولى الناس بالخضوع لخاله الذي هو شقيق امّه.

6- والمعتِق- بالكسر- أولى على من أعتقه من غيره.

7- والمعتَق- بالفتح- أولى بأن يعرف جميل مَن أعتقه عليه ويشكره بالخضوع بالطاعة.

8- والعبد أيضاً أولى بالانقياد لمولاه من غيره، وهو واجبه الذي نيطت سعادته به.

9- والمالك أولى بكلاءة مماليكه وأمرهم والتصرُّف فيهم بما دون حدّ الظلم.


1- الإسراء: 24.

ص:81

10- والتابع أولى بمناصرة متبوعه ممّن لا يتبعه.

11- والمنعَم عليه أولى بشكر منعِمه من غيره.

12- والشريك أولى برعاية حقوق الشركة وحفظ صاحبه عن الإضرار.

13- والأمر في الحليف واضح، فهو أولى بالنهوض بحفظ مَن حالفه ودفع عادية الجور عنه.

14- وكذلك الصاحب أولى بأن يُؤدي حقوق الصحبة من غيره.

15- كما أنّ الجار أولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار كلّها من البعداء.

16- ومثلها النزيل فهو أولى بتقدير مَن آوى إليهم ولجأ الى ساحتهم وأمِن في جوارهم.

17- والصهر أولى بأن يرعى حقوق مَن صاهره فشدّ بهم أزره، وقوّى أمره، وفي الحديث: الآباء ثلاثة: أبٌ ولَّدك، وأبٌ زوّجك، وأبٌ علّمك».

18- واعطف عليها القريب الذي هو أولى بأمر القريبين منه

ص:82

والدفاع عنهم والسعي وراء صالحهم.

19- والمنعِم أولى بالفضل على من أنعم عليه، وأن يتبع الحسنة بالحسنة.

20- والعقيد كالحليف في أولوية المناصرة له مع عاقده، ومثلهما:

21 و 22- المحبّ والناصر؛ فإن كلّا منهما أولى بالدفاع عمّن أحبّه أو التزم بنصرته.

23- وقد عرفت الحال في الوليِّ.

24- والسيّد.

25- والمتصرِّف في الأمر.

26- والمتولّي له.

إذن فليس للمولى إلّامعنىً واحد وهو الأولى بالشي ء وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كلٍّ من موارده، فالاشتراك معنويٌّ وهو أولى من الاشتراك اللفظي المستدعي لأوضاع كثيرة غير معلومة بنصٍّ ثابت والمنفية بالأصل المحكم، وقد سبقنا الى بعض هذه النظرية شمس الدين ابن البطريق في العمدة (1) (: 56)


1- العمدة: 112.

ص:83

وهو أحد أعلام الطائفة في القرن السادس، وتطفح بشي ء من ذلك كلمات غير واحد من علماء أهل السنّة (1) حيث ذكروا المناسبات في جملة من معاني المولى تشبه ماذكرنا.

ويكشف عن كون المعنى المقصود (الأولى) هو المتبادر من المولى إذا اطلق كما يأتي بيانه عن بعض في الكلمات حول المفاد ما رواه مسلم بإسناده في صحيحه (2) (: 197) عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لا يقل العبد لسيّده مولاي» وزاد في حديث أبي معاوية: «فإنّ مولاكم اللَّه» وأخرجه غير واحدٍ من أئمة الحديث في تآليفهم.

القرائن المعينة متصلة ومنفصلة

إلى هنا لم يبقَ للباحث ملتحدٌ عن البخوع لمجي ء المولى بمعنى الأولى بالشي ء وإن تنازلنا إلى أنه أحد معانيه وأنّه من المشترك


1- راجع ما أسلفناه عن الدرواجكي وغيره[ ص 57 من هذا الكتاب]، وما يأتي عن سبط ابن الجوزي وغيره، فتجد هناك كثيراً من نظرائهما في مطاوي كلمات القوم.( للمؤلف قدس سره).
2- صحيح مسلم 4: 436/ 14 كتاب الألفاظ من الأدب والدعاء وغيرها.

ص:84

اللفظي؛ فإنّ للحديث قرائن متصلة واخرى منفصلة تنفي إرادة غيره، فإليك البيان:

القرينة الأولى: مقدمة الحديث؛ وهي قوله صلى الله عليه و آله: «ألست أولى بكم من أنفسكم» أو ما يؤدي مؤداه من ألفاظ متقاربة، ثمّ فرَّع على ذلك قوله: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه»، وقد رواها الكثيرون من علماء الفريقين؛ فمن حفّاظ أهل السنّة وأئمتهم:

1- أحمد بن حنبل 2- ابن ماجة 3- النسائي 4- الشيباني 5- أبو يعلى 6- الطبري 7- الترمذي 8- الطحاوي 9- ابن عقدة 10- العنبري 11- أبو حاتم 12- الطبراني 13- القطيعي 14- ابن بطّة 15- الدارقطني 16- الذهبي 17- الحاكم 18- الثعلبي 19- أبو نعيم 20- ابن السمّان 21- البيهقي 22- الخطيب 23- السجستاني 24- ابن المغازلي 25- الحسكاني 26- العاصمي 27- الخلعي 28- السمعاني 29- الخوارزمي 30- البيضاوي 31- الملّا 32- ابن عساكر 33- أبو موسى 34- أبو الفرج 35- ابن الأثير 36- ضياء الدين 37- قزأوغلي 38- الكنجي 39- التفتازاني 40- محبّ الدين 41- الوصّابي 42- الحمويني 43- الإيجي 44- ولي الدين 45- الزّرندي 46- ابن كثير 47- الشريف 48- شهاب الدين 49- الجزري 50- المقريزي 51- ابن الصبّاغ 52- الهيثمي 53- الميبدي 54- ابن حجر 55- أصيل الدين 56- السمهودي 57- كمال الدين 58- البدخشي 59- الشيخاني 60- السيوطي 61- الحلبي 62- ابن كثير 63- السهارنپوري 64- ابن حجر المكي.

ص:85

وقد ألمعنا الى موارد ذكر المقدمة بتعيين الجزء والصفحات من كتب هؤلاء الأعلام فيما أسلفناه عند بيان طرق الحديث عن الصحابة والتابعين، وهناك جمعٌ آخرون من رواتها لا يُستهان بعدّتهم لا نطيل بذكرهم المقال، أضف الى ذلك من رواها من علماء الشيعة الذين لا يُحصى عددهم.

فهذه المقدمة من الصحيح الثبت الذي لا محيد عن الاعتراف به كما صرّح بذلك غير واحد من الأعلام المذكورين (1) فلو كان صلى الله عليه و آله


1- راجع رواة الحديث من الصحابة والكلمات حول سند الحديث( للمؤلف قدس سره). واليك خلاصة ما أورده في الغدير ج 1 في ذكر الصحابة والتابعين الذين ذكروا مقدمة الحديث: أ براء بن عازب الأنصاري، روى حديثه أحمد في مسنده 4: 281 بإسناده عن عفّان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عنه قال:.... ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى، قال: ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه... وفي البداية والنهاية باسناده عنه:.... ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قلنا: بلى يارسول اللَّه، قال: ألست أولى بكم من أمّهاتكم؟ قلنا بلى يا رسول اللَّه، قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يارسول اللَّه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه... ب- جابر بن عبداللَّه الأنصاري، روى حديثه ابن عقد في حديث الولاية بإسناده عنه:... ثمّ قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم.... ج- زيد بن أرقم: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده 4: 368 بإسناده عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم... الى أن قال: فقال: ياأيها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟... وروى الحاكم في المستدرك 3: 109 بإسناده عنه:... أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات.... وفي ص 533 باسناده عنه أيضاً:... ياأيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟... ورواه عنه باسناده صاحب فرائد السمطين في الباب الثامن والخمسين:.... أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين؟... ورواه أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 105 نقلًا عن الترمذي والطبراني والبزّار بإسناده عن زيد:... أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ وفي مشكاة المصابيح: 557 عنه:... ايها الناس أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم... د- سعد بن أبي وقّاص:روى الحافظ الحاكم فى المستدرك 2: 116 باسناده عنه:.... هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين؟... ورواه عنه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 151 باسناده:... أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم.... ورواه عنه الهيثمي في مجمع الزوائد:.... ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم... سعيد بن مالك الأنصاري: أخرج الحافظ ابن عقدة في حديث الولاية باسناده عنه:.... أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم... و- أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه: أخرج الطحاوي في مشكل الآثار 2: 307 باسناده عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:.... قال: ألستم تشهدون أنّ اللَّه ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ وأنّ اللَّه ورسوله مولاكم؟....

ص:86

يريد في كلامه غير المعنى الذي صرّح به في المقدمة لعاد لفظه- ونُجلّه عن كلّ سقطة محلول العُرى، مختزلًا بعضه عن بعض، وكان في معزل عن البلاغة وهو أفصح البلغاء، وأبلغ من نطق بالضاد، فلا مساغ في الإذعان بارتباط أجزاء كلامه، وهو الحقّ في

ص:87

كلّ قول يلفظه عن وحي يوحى، إلّاأن نقول باتّحاد المعنى في المقدمة وذيها.

ويزيدك وضوحاً وبياناً ما في التذكرة لسبط ابن الجوزي الحنفي (1) (: 20) فانّه بعد عدّ معانٍ عشرة للمولى وجعل عاشرها الأولى قال:

والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر وهو الأولى، ومعناه: مَن كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به، وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين؛ فإنه روى هذا الحديث بإسناده الى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد علي فقال:

مَن كنت وليّه وأولى به من نفسه فعليّ وليّه»، فعلم أنّ جميع المعانى راجعةٌ الى الوجه العاشر، ودلّ عليه أيضاً قوله عليه السلام: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» وهذا نصٌّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته. انتهى.

ونصّ ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» (: 16) على ذهاب طائفة الى حمل اللفظ في الحديث على الأولى. وسيوافيك نظير هذه الجمل في محلّه إن شاء اللَّه تعالى.


1- تذكرة الخواص:32.

ص:88

القرينة الثانية: ذيل الحديث، وهو قوله صلى الله عليه و آله: اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه» في جملة من طرقه بزيادة قوله: «وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله» أو ما يؤدي مؤداه، وقد أسلفنا ذكر الجماهير الراوين له (1) فلا موجب الى التطويل بإعادة ذكرهم، ومرَّ


1- وهم كما ذكرهم في الغدير: 1- براء بن عازب الانصاري كما في سنن ابن ماجة 1: 28 و 29، والبداية والنهاية 7: 349. 2- جابر بن عبداللَّه الانصاري كما في العمدة لابن البطريق: 53. 3- جرير بن عبداللَّه البجلي كما في مجمع الزوائد للهيثمي 9: 106. 4- جندع بن عمرو بن مازن الانصاري كما في اسد الغابة 1: 308. 5- أبو قدامة العرني كما في اسد الغابة 1: 367 ومجمع الزوائد 9: 106. 6- حذيفة بن اسيد الغفاري كما في ينابيع المودّة: 38، والفصول المهمة: 25 والبداية والنهاية 5: 209 و 7: 348. 7- الإمام السبط الحسين الشهيد صلوات اللَّه عليه كما في زين الفتى للعاصمي. 8- زيد بن أرقم كما في مسند أحمد 4: 372، وخصائص النسائي: 15، والفصول المهمة: 24، ومجمع الزوائد 9: 105 و 163، وشرح المواهب 7: 13. 9- سعد بن أبي وقّاص كما في خصائص النسائي: 3 و 18. 10- أبو سعيد الخدري كما في الخصائص العلوية وتفسير النيسابوري 6: 194. 11- الضحّاك بن مزاحم الهلالي كما في فرائد السمطين. 12- عامر بن ليلى بن ضمرة كما في اسد الغابة 3: 92. 13- عبداللَّه بن عباس: كما في كتاب الولاية للسجستاني. 14- عبداللَّه بن عمر كما في مجمع الزوائد 9: 106. 15- عمارة الخزرجي الأنصاري كما في مجمع الزوائد 9: 107. 16- عمر بن الخطّاب كما في مودة القربى لشهاب الدين الهمداني والبداية والنهاية 5: 213. 17- عمرو بن مرّة الجهني كما في مسند أحمد. 18- علي بن زيد بن جدعان البصري كما في تأريخ الخطيب 7: 377. انتهى.

ص:89

عليك في ذكر الكلمات المأثورة حول سند الحديث:

(294- 313)(1) بأنّ تصحيح كثير من العلماء له مصبُّه الحديث مع


1- وإليك خلاصة ما أورده المصنف رحمه اللَّه تعالى في غديره 1: 294- 313؛ حيث ذكر هناك أسماء ثلاثة وأربعين من الحفّاظ الأثبات والأعلام الفطاحل ممّن تكلّم حول سند الحديث؛ وهم: 1- الحافظ الترمذي: قال في صحيحه 2: 298:« هذا الحديث حسن صحيح». 2- الحافظ الطحاوي: قال في مشكل الآثار:« فهذا الحديث صحيح الإسناد، ولا طعن لأحد في رواته». 3- الفقيه أبو عبداللَّه المحاملي: صحّحه في أماليه. 4- الحاكم: رواه بعدة طرق وصحّحها في المستدرك. 5- أحمد بن محمد العاصي: قال في زين الفتى:... وهذا حديث تلقّته الأمّة بالقبول، وهو موافق للأصول. 6- الحافظ ابن عبدالبر: قال في الاستيعاب بعد ذكر حديث المؤاخاة وحديثي الراية والغدير: هذه كلّها آثار ثابتة. 7- الفقيه أبو الحسن ابن المغازلي: قال في المناقب: هذا حديث صحيح عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم... 8- حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي: قال في سرّ العالمين: 9: اسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتّفاق الجميع. 9- الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي قال في المناقب: اتفق علماء السير على أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة.... 10- ابو المظفّر سبط ابن الجوزي: قال في تذكرته- بعد ذكر الحديث مع صدره وذيله، وتهنئة عمر بعدّة طرق-: وكلّ هذه الروايات خرّجها أحمد بن حنبل في الفضائل.... الى أن قال: اتفق علماء السير أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي حجّة.... 11- ابن أبي الحديد المعتزلي: عدّه في شرح نهج البلاغة 2: 449 من الأخبار العامّة الشائعة من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام. 12- الحافظ أبو عبداللَّه الكنجي الشافعي: قال في كفاية الطالب- بعد ذكر الحديث من طرق أحمد-: أقول: هكذا أخرجه في سنده، وناهيك به راوياً بسند واحد، وكيف وقد جمع طرقه مثل هذا الإمام... وقال.... قلت: هذا حديث مشهور حسن روته الثقاة. 13- الشيخ أبو المكارم علاء الدين السمناني: قال في العروة الوثقى.... وهذا حديث متّفق على صحته. 14- شمس الدين الذهبي الشافعي: قال: صدر الحديث متواتر؛ اتيقن أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قاله، وأمّا اللهم والِ من والاه فزيادة قوّية الإسناد. 15- الحافظ ابن كثير الشافعي الدمشقي: روى في تأريخه 5: 209 الحديث بلفظه المذكور بطريق النسائي ثمّ قال:... قال شيخنا أبو عبداللَّه الذهبي: هذا حديث صحيح. 16- الحافظ نور الدين الهيثمي: روى في مجمع الزوائد 9: 104- 109 حديث الركبان المذكور من طريق أحمد والطبراني وقال: رجال أحمد ثقات. 17- شمس الدين الجوزي الشافعي: روى حديث الغدير بثمانين طريقاً، وأفرد في إثبات تواتره رسالته: أسنى المطالب. 18- الحافظ ابن حجر العسقلاني: قال في فتح الباري 7: 16: وأمّا حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدّاً، وقد استودعها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من اسانيدها صحاح وحسان. 19- أبو الخير الشيرازي الشافعي: قال في إبطال الباطل الذّى ردّ به على نهج الحقّ: وأمّا ما روي من أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ذكره يوم غدير خمّ فقد ثبت هذا في الصحاح. 20- الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي قال: إنّه حديث متواتر. 21- الحافظ أبو العباس شهاب الدين القسطلاني: قال في المواهب اللدنية 7: 13: وأمّا حديث الترمذي والنسائي: من كنت مولاه فعليّ مولاه.... وطرق هذا الحديث كثيرة جداً استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد له، وكثير من أسانيدها صحاح حسان. 22- الحافظ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي المكي: قال في الصواعق المحرقة: 25: إنّه حديث صحيح لا مرية فيه. وقال ص 173: وإنّ كثيراً من طرقه صحيح أو حسن. 23- جمال الدين الحسيني الشيرازي قال في أربعينيته: أصل هذا الحديث... تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهو متواتر عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أيضاً. 24- جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن صلاح الدين الحنفي: قال في المعتصر من المختصر: 413:.... يؤيده الحديث الصحيح أنّه كان القول من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بغدير خمّ في رجوعه الى المدينة من حجّه عن زيد بن أرقم... 25- الشيخ نور الدين الهروي القاري الحنفي قال في المرقاة في شرح المشكاة 5: 568 بعد رواية الحديث بطرق شتّى: والحاصل أنّ هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفّاظ عدّه متواتراً... 26- زين الدين المناوي الشافعي: قال في فيض القدير 6: 218 قال ابن حجر: حديث كثير الطرق جداً قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد منها صحاح ومنها حسان. 27- نور الدين الحلبي الشافعي: ذكر في السيرة الحلبية 3: 302 ما مرّ عن ابن حجر من صحّة الحديث ووروده بأسانيد صحاح وحسان، وعدم الالتفات الى القادح في صحته وعدم كون ذيله موضوعاً ووروده من طرق صحّح الذهبي كثيراً منها. 28- الشيخ أحمد بن باكثير المكي الشافعي قال في وسيلة المال في مناقب الآل: أخرج هذه الرواية البزّاز برجال الصحيح عن فطر بن خليفة وهو ثقة، ثم قال: وهذا حديث صحيح لا مرية فيه، ولا شك ينافيه، وروي عن الجمّ الغفير من الصحابة وشاع واشتهر، وناهيك حجّة الوداع... 29- الشيخ عبدالحقّ الدهلوي البخاري قال في شرح المشكاة ما تعريبه: وهذا الحديث صحيح بلا شكّ... 30- الشيخ محمود بن محمّد الشيخاني القادري المدني قال في الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ: ومن تلك الاحاديث الواردة الصحيحة قوله صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ رضي اللَّه عنه: من كنت مولاه.... 31- السيد محمّد البرزنجي الشافعي: قال في تأليفه النواقض: والقدر الذي ذكرنا وهو: من كنت مولاه فعليّ مولاه فمادون تلك الزيادة من الحديث صحيح، وروي من طرق كثيرة. 32- ضياء الدين المقبلي: عدّ حديث الغدير في كتابه الأبحاث المسدّدة في الفنون المتعددة من الاحاديث المتواترة المفيدة للعلم. 33- الشيخ محمّد صدر العالم قال في معارج العلى في مناقب المرتضى: ثمّ اعلم أنّ حديث المولاة متواتر عند السيوطي رحمه اللَّه كما ذكره في قطف الأزهار، فأردت أن أسوق طرقه ليتّضح التواتر... 34- السيد ابن حمزة الحرّاني: روى حديث الغدير في كتابه البيان والتعريف 2: 136 و 230... ثمّ قال: قال السيوطي: حديث متواتر. 35- أبو عبداللَّه الزرقاني المالكي قال في شرح المواهب 7: 13: للطبراني وغيره بإسناد صحيح أنّه صلى الله عليه و آله و سلم خطب بغدير خمّ... 36- شهاب الدين الحفظي الشافعي: قال في ذخيرة الاعمال في شرح عقد جواهر الآل: هذا حديث صحيح لا مرية فيه.... 37- ميرزا محمد البدخشي: قال في نزل الأبرار: 21: هذا حديث صحيح مشهور، ولم يتكلّم في صحته إلّامتعصب جاحد لا اعتبار بقوله؛ فإنّ الحديث كثير الطرق جدّاً. وقال في مفتاح النجا في مناقب آل العبا: أخرج الحكيم في نوادر الاصول، والطبراني بسند صحيح في الكبير... انّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خطب بغدير خمّ... 38- مفتي الشام العمادي الحنفي الدمشقي عدّه في الصلاة الفاخرة: 49 من الأحاديث المتواترة. 39- أبو العرفان الصبّان الشافعي قال في إسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار: 153 بعد رواية الحديث: رواه عن النبي ثلاثون صحابياً، وكثيراً من طرقه صحيح أو حسن. 40- السيد محمود الآلوسي البغدادي قال في روح المعاني 2: 249: نعم ثبت عندنا أنّه صلى الله عليه و آله و سلم قال في حقّ الأمير هناك( يعني غدير خمّ): من كنت مولاه فعلي مولاه. 41- الشيخ محمّد الحوت البيروتي الشافعي: قال في أسنى المطالب: 227: حديث من كنت مولاه فعلي مولاه رواه أصحاب السنن غير أبي داود، ورواه أحمد، وصحّحوه. 42- المولوي ولي اللَّه اللكهنوي قال في مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيّد المرسلين بعد ذكر الحديث بغير واحد من طرقه ما تعريبه: وليعلم أنّ هذا الحديث صحيح، وله طرق عديدة، وقد أخطأ من تكلم في صحته؛ إذ أخرجه جمع من علماء الحديث مثل الترمذي والنسائي... 43- الحافظ المعاصر شهاب الدين أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحضرمي قال في كتابه: تشنيف الآذان: 77 وأمّا حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه فتواتر عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.

ص:90

ص:91

ص:92

ص:93

ص:94

ذيله، وفي وسع الباحث أيقرِّب كونه قرينة للمدّعى بوجوه لا تلتئم إلّامع معنى الأولوية الملازمة للإمامة:

«أحدهما»: أنّه صلى الله عليه و آله لمّا صدع بما خوّل اللَّه سبحانه وصيّه من المقام الشامخ بالرئاسة العامة على الأمة جمعاء، والإمامة المطلقة من بعده، كان يعلم بطبع الحال أنّ تمام هذا الأمر بتوفّر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال مع علمه بأنّ في الملأ مَن يحسده كما ورد في الكتاب العزيز (1) وفيهم من يحقد عليه، وفي


1- في قوله تعالى:\i أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللَّه من فضله\E[ النساء: 54] أخرج ابن المغازلي في المناقب[ ص 67/ 314] وابن أبي الحديد في شرحه 2: 236[ 7: 22 خطبة 108] والحضرمي الشافعي في الرشفة: 27: أنّها نزلت في عليّ وما خصّ به من العلم( للمؤلف قدس سره).

ص:95

زُمر المنافقين من يُضمر له العداء لأوتار جاهلية، وستكون من بعده هناة تجلبها النهمة والشَرَه من باب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء، ولا يدع الحقّ عليّاً عليه السلام أن يُسعفهم بمبتغاهم؛ لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلّبون عليه ظهر المجنّ، وقد أخبر صلى الله عليه و آله مجمل الحال بقوله: «أن تُؤمروا عليّاً- ولا أراكم فاعلين- تجدوه هادياً مهديّاً» وفي لفظ «إن تستخلفوا عليّاً- وماأراكم فاعلين- تجدوه هادياً مهديّاً» راجع (: 12، 13) من هذا الكتاب (1).


1- وإليك خلاصة ما ذكره المؤلف رحمه اللَّه في الغدير 1: هامش 12 و 13: أخرج أحمد في مسنده 1: 109 عن زيد بن يشيع عن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم:« وإن تؤمّروا عليّاً رضي اللَّه عنه- ولا أراكم فاعلين- تجدوه هادياً مهديّاً يأخذ بكم الطريق المستقيم». وروى الخطيب البغدادي في تأريخه 1: 47 عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم:« وإن وليتموها( الخلافة) علياً وجدتموه هادياً مهدياً يسلك بكم على الطريق المستقيم». وفي رواية أبي داود:« إن تستخلفوا( علياً)- ولن تفعلوا ذلك- يسلك بكم الطريق، وتجدوه هادياً مهدياً». وفي حديث أبي نعيم في الحلية 1: 64 عن حذيفة:« إن تولّوا عليّاً تجدوه هادياً مهديّاً يسلك بكم الطريق المستقيم». وفي لفظ آخر:« وإن تؤمروا عليّاً- ولا أراكم فاعلين- تجدوه هادياً مهدياً يحملكم على المحجّة البيضاء». وفي المستدرك للحاكم:« إن ولّيتموها عليّاً فهادٍ مهديّ يقيمكم على طريق مستقيم». وفي مناقب الخوارزمي: 68 مسنداً عن عبداللَّه بن مسعود:«... فقلت: يارسول اللَّه: استخلف. قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب قال: أوه ولن تفعلوا إذاً ابداً، واللَّه لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنّة».

ص:96

فطفق صلى الله عليه و آله يدعو لمن والاه ونصره، وعلى مَن عاداه وخذله؛ لِيتمّ له أمر الخلافة، ولِيعلم الناس أنّ موالاته مجلبةٌ لموالاة اللَّه سبحانه، وأنّ عداءه وخذلانه مدعاةٌ لغضب اللَّه وسخطه، فيزدلف [وا] إلى الحقّ وأهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العامّ لا يكون إلّا فيمن هذا شأنه، ولذلك أنّ أفراد المؤمنين الّذين أوجب اللَّه محبة بعضهم لبعض لم يُؤثّر فيهم هذا القول؛ فإنّ منافرة بعضهم لبعض جزئيات لا تبلغ هذا المبلغ، وإنّما يحصل مثله فيما اذا كان المدعو له دعامة الدين، وعلم الاسلام، وإمام الامة، وبالتثبيط عنه يكون فتٌّ في عضد الحقِّ وانحلال لعُرى الإسلام.

ثانيها: أنّ هذا الدعاء- بعمومه الافرادي بالموصول، والأزماني، والأحواليّ بحذف المتعلق- يدلّ على عصمة الإمام عليه السلام لإفادته وجوب موالاته ونصرته والانحياز عن العداء له وخذلانه على كل أحد في كلّ حين وعلى كلّ حال، وذلك يوجب أن

ص:97

يكون عليه السلام في كلّ على صفة لا تصدر منه معصية، ولا يقول إلّا الحقّ، ولا يعمل إلّابه، ولا يكون إلّامعه؛ لانه صدر منه شي ء من المعصية لوجب الإنكار عليه ونصب العداء له لعمله المنكر والتخذيل عنه، فحيث لم يستثنِ صلى الله عليه و آله من لفظه العام شيئاً من أطواره وأزمانه علمنا أنّه لم يكن عليه السلام في كلّ تلك المدد والأطوار إلّا على الصفة التي ذكرناها، وصاحب هذه الصفة يجب أن يكون إماماً لقبح أن يؤمّه مَن هو دونه على ماهو المقرّر في محلِّه، وإذا كان إماماً فهو أولى الناس منهم بأنفسهم.

ثالثها: أن الأنسب بهذا الدعاء الذي ذيّل صلى الله عليه و آله به كلامه- ولا بدّ أنّه مرتبط بما قبله- أن يكون غرضه صلى الله عليه و آله بيان تكليف على تكليف على الحاضرين من فرض الطاعة ووجوب الموالاة؛ فيكون في الدعاء ترغيب لهم على الطاعة والخضوع له، وتحذيرٌ عن التمرُّد والجموح تجاه أمره، وذلك لا يكون إلّاإذا نزّلنا المولى بمعنى الأولى، بخلاف ما إذا كان المراد به المحبّ أو الناصر؛ فإنّه- حينئذٍ- لم يعلم إلّاأنّ علياً عليه السلام محبّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أو ينصر من ينصره، فيناسب إذن أن يكون الدعاء له إن قام بالمحبة أو النصرة لا للناس عامة إن نهضوا لموالاته، وعليهم إن تظاهروا بنصب العداء له، إلّا يكون الغرض بذلك تأكيد الصلاة الودِّيَّة بينه وبين الأمة إذا علموا أنّه يحبّ وينصر كلّ فردٍ منهم في كلّ حال وفي كلّ زمان، كما أن

ص:98

النبيّ صلى الله عليه و آله كذلك، فهو يخلفه عليهما، وبذلك يكون لهم منجاة من كلّ هلكة، ومأوىً من كلِّ خوف، وملجأ من كلّ ضعة، شأن الملوك ورعاياهم، والأمراء والسُّوقة، فإنهما في النبيّ صلى الله عليه و آله على هذه الصفة، فلابدّ أن يكونا فيمن يحذو حذوه أيضاً كذلك وإلّا لا ختلَّ سياق الكلام، فالمعنى على ما وصفناه بعد المماشاة مع القوم متّحد مع معنى الإمامة، ومؤدٍّ مفاد الأولى.

وللحديث ألفاظ أثبتهاحفّاظ الحديث متّصلة به في مختلف تخريجاتهم لا تلتئم إلّامع المعنى الذي حاولنا من المولى.

القرينة الثالثة: قوله صلى الله عليه و آله: «ياأيها الناس بمَ تشهدون؟ قالوا:

نشهد أن لا إله اللَّه، قال: ثمّ مَهْ؟ قالوا: وأنّ محمّداً عبده ورسوله، قال: فمن وليّكم؟ قالوا: اللَّه ورسوله مولانا. ثمّ ضرب بيده الى عضد عليٍّ فأقامه، فقال: مَن يكن اللَّه ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه. الحديث».

هذا لفظ جرير، وقريبٌ منه لفظ أمير المؤمنين عليه السلام ولفظ زيد ابن أرقم وعامر بن ليلى، وفي لفظ حذيفة بن أسيد بسند صحيح:

«ألستم تشهدون أن لا إله إلّااللَّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟...- الى أن قال-: بلى نشهد بذلك.

قال: اللهم اشهد، ثم قال: ياأيها الناس إنّ اللَّه مولاي، وأنا

ص:99

مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه» يعني عليّاً (1) فإن وقوع الولاية في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة وسردها عقيب المولويّة المطلقة للَّه سبحانه ولرسوله من بعده لا يمكن إلّاأن يراد بها معنى الإمامة الملازمة للأولويّة على الناس منهم بأنفسهم.

القرينة الرابعة: قوله صلى الله عليه و آله عقيب لفظ الحديث: «اللَّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الربّ برسالتي، والولاية لعليّ


1- راجع ص 22 و 26 و 27 و 33 و 36 و 47 و 55( للمؤلف قدس سره). أقول: لفظ أمير المؤمنين عليه السلام: .... فقال: أيّها الناس ألستم تشهدون أنّ اللَّه ربّكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أنّ اللَّه ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ وأنّ اللَّه ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه إنّي تركت فيكم ماإن أخذتم لن تضلّوا بعدي: كتاب اللَّه بأيديكم وأهل بيتي رواه الحافظ الطحاوي في مشكل الآثار 2: 307. ولفظ زيد بن أرقم:« فقال: ياأيّها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه اللهم عادِ من عاداه ووالِ من والاه». رواه أحمد في مسنده 4: 368. ولفظ عامر بن ليلى بن ضمرة:« ألستم تشهدون أن لا إله إلّااللَّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله ... قالوا: بلى، قال: اللهم اشهد، ثمّ قال: أيّها الناس ألا تسمعون؟ ألا فإنّ اللَّه مولاي، وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه...» رواه ابن حجر في الإصابة 2: 257.

ص:100

بن أبي طالب»(1) ولفظ شيخ الإسلام الحموينى (2): «اللَّه أكبر تمام نبوتي، وتمام دين اللَّه بولاية عليّ بعدي»(3).


1- مفتاح النجا في مناقب آل العبا للبدخشي: 220، وكشف الغمّة للأربلي: 95.
2- فرائد السمطين 1: 315/ 250 باب 58.
3- راجع ص 43 و 165 و 231 و 232 و 233 و 235.( للمؤلف قدس سره). وإليك خلاصة ماأفاد في الجزء الأول من كتاب الغدير: ففي ص 43: روى الحافظ أبوالفتح محمد بن علي النطنزي في الخصائص العلويّة بإسناده عن أبي سعيد الخدري:«... ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية:\i اليوم أكملت لكم دينكم\E الآية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اللَّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي...». وفي ص 165: روى شسخ الإسلام ابن الحمويه بإسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثاني والخمسين عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي قال:«... فأنزل اللَّه تعالى ذكره:\i اليوم أكملت لكم دينكم\E الآية فكبّر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقال: اللَّه أكبر تمام نبوّتي وتمام دين اللَّه ولاية عليّ بعدي...». وفي ص 231: روى السيوطي في الدرّ المنثور 2: 259 أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: لمّانصب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عليّاً يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية هبط جبريل عليه بهذه الآية:\i اليوم أكملت لكم دينكم\E. وفي ص 232: روى الحافظ أبو نعيم الاصبهاني في كتابه ما نزل من القرآن في علي قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد بإسناده عن أبي سعيد الخدري:«... ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية:\i اليوم أكملت لكم دينكم\E الآية فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اللَّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي وبالولاية لعليّ عليه السلام من بعدي...». وفي ص 233: روى الحافظ الخطيب البغدادي في تأريخه 8: 290 بإسناده عن أبي هريرة:«... فأنزل اللَّه:\i اليوم أكملت لكم دينكم\E الآية....». وفي ص 235: روى شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل عن أبي حامد سعد الدين الصالحاني عن مجاهد رضي اللَّه عنه قال:« نزلت هذه الآية:\i اليوم أكملت لكم....\E بغدير خمّ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اللَّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليّ».

ص:101

فأيّ معنىً تراه يكمل به الدين، ويُتم النعمة، ويُرضي الربَّ في عداد الرسالة غير الإمامة التي بها تمام أمرها وكمال نشرها وتوطيد دعائمها؟ إذن فالناهض بذلك العب ء المقدّس أولى الناس منهم بأنفسهم.

القرينة الخامسة: قوله صلى الله عليه و آله قبل بيان الولاية: «كأنّي دُعيت فأجبت»، أو: «أنّه يوشِك أن ادعى فاجيب»، أو: «ألا وإنّي أوشِك أن أفارقكم»، أو: «يوشِك أن يأتي رسول ربّي فاجيب»، وقد تكرر ذكره عند حفّاظ الحديث كما مرَّ (1).


1- وإليك خلاصة ما ذكره المؤلف قدس سره في هذا الباب: نقل ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: 25«... قال: أيّها الناس إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلّانصف عمر النبيّ الذي كان قبله، وإنّي لأظنّ بأنّي ادعى واجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون هل بلّغت...». وروى ابن كثير في البداية والنهاية 5: 209 و 7: 348:« أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلّامثل نصف الذي قبله، وإنّي لأظن أن يوشك أن ادعى فاجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون...». وروى الحاكم في المستدرك 3: 533 بإسناده عن زيد بن أرقم:«... ياأيها الناس إنّه لم يبعث نبيّ قطّ إلّاما عاش نصف ما عاش الدي كان قبله، وإنّي يوشك أن ادعى فأجيب...». وروى الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 163:«... ثمّ قال: إنّي لا أجد لنبيّ إلّانصف عمر الذي قبله، وإنّي أوشك أن ادعى فأجيب، فما أنتم قائلون....». ونقل محمّد بن إسماعيل اليمني في الروضة النديّة شرح التحفة العلوية بسنده الى زيد بن أرقم قال:«... أمّا بعد أيّها الناس؛ فإنّه لم يكن لنبيّ من العمر ألّاالنصف من عمر الذي قبله، وإنّ عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإنّي شرعت من العشرين، ألا وإنّي يوشك أن أفارقكم، ألا وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون...». وروى السمهودي بإسناده عن عامر بن ليلى وحذيفة بن اسيد قالا:«... أيها الناس إنّه قد نبّأنّي اللطيف أنّه لم يعمّر نبيّ إلّانصف عمر الذي يليه من قبله، وإنّي لأظن أن ادعى فاجيب...». وأخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى بإسناده عن يزيد بن حيّان التميمي:« أمّا بعد أيّها الناس فإنّما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاجيب...».

ص:102

وهو يُعطينا علماً بأنه صلى الله عليه و آله كان قد بقي من تبليغه مهمّة يحاذر أن يدركه الأجل قبل الإشادة بها، ولولا الهتاف بها بقي ما بلّغه مخدَجاً، ولم يذكر صلى الله عليه و آله بعد هذا الاهتمام إلّاولاية أمير المؤمنين وولاية عترته الطاهرة الذين يَقْدِمهم هو صلى الله عليه و آله كما في نقل مسلم (1)، فهل من الجائز أن تكون تلك المهمة المنطبقة على هذه الولاية إلّا


1- صحيح مسلم 5: 25/ 36 كتاب فضائل الصحابة.

ص:103

معنى الإمامة المصرّح بها في غير واحدٍ من الصحاح؟ وهل صاحبها إلّاأولى الناس بأنفسهم؟

القرينة السادسة: قوله صلى الله عليه و آله بعد بيان الولاية لعليٍّ عليه السلام: «هنِّئوني هنِّئوني إنّ اللَّه تعالى خصّني بالنبوّة، وخصَّ أهل بيتي بالإمامة» كما مرَّ (ص 274)(1) فصريح العبارة هو الإمامة المخصوصة بأهل بيته الذين سيِّدهم والمقدّم فيهم هو أمير المؤمنين عليه السلام، وكان هو المراد في الوقت الحاضر.

ثمّ نفس التهنئة والبيعة والمصافقة والاحتفال بها واتّصالها ثلاثة أيّام، كما مرّت هذه كلّها (ص 269- 283) لا تُلائم غير معنى الخلافة والأولوية، ولذلك ترى الشيخين أبي بكر وعمر لقيا أمير المؤمنين فهنّآه بالولاية. وفيها بيان لمعنى المولى الذي لهج به صلى الله عليه و آله، فلا يكون المتجلّي به إلّاأولى الناس منهم بأنفسهم.

القرينة السابعة: قوله صلى الله عليه و آله بعد بيان الولاية: «فليبلغ الشاهد الغائب» كما مرَّ (ص 33 و 160 و 198)(2) أوَ تحسب أنّه صلى الله عليه و آله يؤكّد


1- رواه الحافظ أبو سعيد الخركوشي النيسابوري في تأليفه: شرف المصطفى بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل، باسناد آخر عن أبي سعيد الخدري.
2- جاء في الغدير 1: 33 عن الزهري عن زيد بن أرقم:«... ألا فليبلغ الشاهد الغائب». و في ص 160 عن الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبداللَّه الهمداني بإسناده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة:«... ليبلّغ الشاهد الغائب...». وفي ص 198 أخرج الحافظ الكبير ابن عقدة أنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام قال:«... ثمّ أمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب...». وفي ص 199 في احتجاج الإمام الحسين عليه السلام بحديث الغدير:«... وقال: ليبلّغ الشاهدالغائب».

ص:104

هذا التأكيد في تبليغ الغائبين أمراً علمه كلُّ فرد منهم بالكتاب والسنَّة من الموالاة والمحبَّة والنصرة بين أفراد المسلمين مشفوعاً بذلك الاهتمام والحرص على بيانه؟ لا أحسب أنّ ضُؤولة الرأي يُسفُّ بك الى هذه الخطَّة، لكنّك ولا شكّ تقول: إنّه صلى الله عليه و آله لم يُرد إلّا مهمّة لم تُتَحِ الفرص لتبليغها، ولا عرفته (1) الجماهير ممّن لم يشهدوا ذلك المجتمع، وما هي إلّامهمّة الإمامة التي بها كمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الربِّ، وما فهم الملأ الحضور من لفظه صلى الله عليه و آله إلّاتلك، ولم يؤثر له صلى الله عليه و آله لفظ آخر في ذلك المشهد يليق أن يكون أمره بالتبليغ له، وتلك المهمّة لا تساوق إلّامعنى الأولى من معاني المولى.

القرينة الثامنة: قوله صلى الله عليه و آله بعد بيان الولاية في لفظ أبي سعيد وجابر المذكور (ص 43 و 232 و 233 و 234 و 237): «اللَّه أكبر على إكمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الربّ رسالتي، والولاية


1- كذا والصحيح: عرِفَتْها.

ص:105

لعليّ من بعدي (1)» وفي لفظ وهب المذكور (ص 60): «إنّه وليّكم بعدي»(2) وفي لفظ عليٍّ الذي أسلفناه (ص 165): «وليُّ كلِّ مؤمن بعدي»(3).

وكذلك ما أخرجه الترمذي (4)، وأحمد، والحاكم، والنسائي، وابن أبي شيبة والطبري، وكثيرون آخرون من الحفّاظ بطرق صحيحة من قوله صلى الله عليه و آله: «إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي» وفي آخر: «هو وليكم بعدي».


1- روى هذا الحديث الحافظ أبو الفتح محمد بن علي النطنزي في الخصائص العلويةبأسناده عن ابي سعيد الخدري وعن جابر، والحافظ أبو نعيم الاصبهاني في كتابه ما نزل من القرآن في علي باسناده عن أبي سعيد، والحاكم الحسكاني باسناده عن ابي سعيد.
2- رواه في الاصابة 3: 641 بالاسناد عن ركين عن وهب بن حمزة قال: سافرت مع عليّ فرأيت منه جفاء فقلت: لئن رجعت لأشكونَّه، فرجعت فذكرت عليّاً لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فنلت منه فقال: لا تقولنّ هذا لعليّ؛ فإنّه وليّكم بعدي.
3- رواه شيخ الإسلام ابن الحمويه باسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي وهو من مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان بن عفّان.
4- سنن الترمذي 5: 590/ 3712، ومسند أحمد 6: 489/ 22503، والمستدرك على الصحيحين 3: 144/ 4652، والسنن الكبرى 5: 45/ 8146 كتاب المناقب، وفي خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 109/ 89، ومصنّف ابن أبي شيبة 12: 79/ 12170.

ص:106

وما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 86 وآخرون (1) بإسناد صحيح من قوله صلى الله عليه و آله: «من سرَّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي، وليقتد بالأئمة من بعدي؛ فإنهم عترتي خُلقوا من طينتي. الحديث».

و ماأخرجه أبو نعيم في الحلية 1: 86 بإسناد صحيح رجاله ثقات عن حذيفة وزيد وابن عباس عنه صلى الله عليه و آله:

«من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها اللَّه بيده ثمّ قال لها: كوني فكانت، فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب من بعدي».

فإنَّ هذه التعابير تُعطينا خبُراً بأنَّ الولاية الثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام مرتبةٌ تساوق ماثبت لصاحب الرسالة مع حفظ التفاوت بين المرتبتين بالأوّلية والأولويّة سواءٌ اريد من لفظ (بعدي) البعديّة الزمانيّة أو البعدّية في الرتبة، فلا يمكن أن يراد إذن من المولى إلّاالأولوية على الناس في جميع شؤونهم؛ إذ في إرادة معنى النصرة والمحبّة من المولى بهذا القيد ينقلب الحديث ويُعدُّ منقصةً دون مفخرة كما لا يخفى.


1- المستدرك على الصحيحين 3: 139/ 4642.

ص:107

القرينة التاسعة: قوله صلى الله عليه و آله بعد إبلاغ الولاية:

«اللهمَّ أنت شهيدٌ عليهم إنّي قد بلّغت ونصحت».

فالإشهاد على الأمة بالبلاغ والنصح يستدعي أن يكون ما بلّغه صلى الله عليه و آله ذلك اليوم أمراً جديداً لم يكن قد بلّغه قبلُ. مضافاً الى أنّ بقيّة معانى المولى العامَّة بين أفراد المسلمين من الحبِّ والنصرة لا تُتصوَّر فيها أيُّ حاجة الى الإشهاد على الأمة في عليٍّ خاصّة، إلّا أن تكون فيه على الحدِّ الذي بيَّناه.

القرينة العاشرة: قوله صلى الله عليه و آله قبل بيان الحديث وقد مرَّ (ص 165- 196):

«إنّ اللَّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أنَّ الناس مكذِّبيّ، فأوعدني لُابلّغها أو لَيعذِّبني (1)».

ومرَّ في (ص 221) بلفظ: «إنّ اللَّه بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وعرفت أنّ الناس مكذِّبي، فوعدني لُابلّغنَّ أو لَيعذِّبني (2)».

و (ص 166) بلفظ: «إني راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق


1- رواه شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن الحمويه باسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي.
2- رواه جلال الدين السيوطي الشافعي في الدر المنثور 2: 298 عن ابي الشيخ عن الحسن.

ص:108

ومكذِّبيهم، فأوعدني لأبلّغها أو لَيعذِّبني (1)».

ومرّ (ص 51): «لمّا امر النبيُّ أن يقوم بعليٌّ بن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبيُّ صلى الله عليه و آله الى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهلية، ومتى أفعل هذا به يقولوا: صنع هذا بابن عمّه ثمّ مضى حتّى قضى حجّة الوداع. الحديث (2)».

ومرَّ (ص 219): إنّ اللَّه أمر محمّداً أن ينصب عليّاً للناس فيخبرهم بولايته فتخوّف النبيّ صلى الله عليه و آله أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه. الحديث (3)».

ومرَّ (ص 217): لمّا أمر اللَّه رسوله صلى الله عليه و آله أن يقوم بعليّ فيقول له ما قال فقال: ياربّ إنَّ قومي حديث عهد بجاهلية- كذا في النسخ- «ثمَّ مضى بحجِّه فلمّا أقبل راجعاً نزل بغدير خمّ. الحديث (4).


1- رواه شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد بن الحمويه باسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي.
2- أخرجه الحافظ المحاملي في أماليه على ما نقله عنه الشيخ إبراهيم الوصّابي الشافعي في كتاب الاكتفاء بإسناده عن ابن عباس.
3- رواه الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباسٍ وجابر الأنصاري.
4- رواه الحافظ ابن مردويه بإسناده عن ابن عباس.

ص:109

ومرَّ (ص 217): لمّا جاء جبريل بأمر الولاية ضاق النبيُّ صلى الله عليه و آله بذلك ذرعاً وقال: قومي حديث عهدٍ بالجاهلية» فنزلت: ياأيّها الرسول (1) الآية.

هذه كلّها تنمُّ عن نبأٍ عظيم كان يخشى في بثّه بوادر أهل النفاق وتكذيبهم، الذي كان يحاذره صلى الله عليه و آله ويتحقق به القول بأنّه حابى ابن عمِّه يستدعي أن يكون أمراً يخصُّ أمير المؤمنين لا شيئاً يشاركه فيه المسلمون أجمع من النصرة والمحبة وما هو إلّاالأولوية بالأمر وما جرى مجراها من المعاني.

القرينة الحادية عشرة: جاء في أسانيد متكثرة: التعبير عن موقف يوم الغدير بلفظ النصب فمرَّ (ص 57) عن عمر بن الخطاب:

نصب رسول اللَّه عليّاً علماً (2) و (ص 165) عن علي عليه السلام: «أمر اللَّه نبيّه أن ينصبني للناس (3)...» وفي قوله الآخر في رواية العاصمي


1- رواه الحافظ ابن مردويه عن زيد بن علي.
2- رواه في مودء القربى لشهاب الدين الهمداني. ورواه عن الشيخ القندوزي في ينابيع المودة: 249.
3- رواه شيخ الإسلام ابن الحمويه بإسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين عن سليم بن قيس.

ص:110

كما تأتي: «نَصَبني علماً»(1) ومرّ (ص 199) عن الإمام الحسن السبط: «أتعلمون أنّ رسول اللَّه نصبه يوم غدير خمّ (2) و (ص 200) عن عبداللَّه بن جعفر: ونبيّنا قد نصب لُامته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خمّ،(3) و (ص 208) عن قيس بن سعد: نصبه رسول اللَّه بغدير خمّ (4)، و (ص 219) عن ابن عباس وجابر: أمر اللَّه محمّداً أن ينصب عليّاً يوم غدير خمّ، فنادى له الولاية (5).

فإنّ هذا اللفظ يُعطينا خُبراً بإيجاد مرتبة للإمام عليه السلام في ذلك اليوم لم تكن تُعرف له من قبل غير المحبة والنصرة المعلومين لكل أحد والثابتين لأي فرد من أفراد المسلمين، على ماثبت من اطِّراد استعماله في جعل الحكومات، وتقرير الولايات، فيقال: نصب السلطان زيداً والياً على القارَّة الفلانيّة، ولا يقال: نصبه رعيَّة له


1- انظر ص 47 في الأحاديث المفسّرة لمعنى المولى.
2- وردت هذه العبارة في مناشدة الإمام السبط الحسين عليه السلام وقول المصنّف رحمه اللَّه تعالى: عن الإمام الحسن السبط سهو من قلمه الشريف. وهذه المناشدة ذكرها المؤلف قدس سره في كتاب الغدير 1: 198- 199 نقلًا عن التابعي الكبير سليم بن قيس.
3- كتاب سليم بن قيس في احتجاج عبداللَّه بن جعفر على معاوية بعد شهادة أميرالمؤمنين عليه السلام.
4- كتاب سليم بن قيس الهلالي في احتجاج قيس بن سعد بحديث الغدير على معاوية.
5- رواه الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل.

ص:111

أو محباً أو ناصراً أو محبوباً أو منصوراً به على زنة ما يتساوى به أفراد المجتمع الذين هم تحت سيطرة ذلك السلطان.

مضافاً الى مجي ء هذا اللفظ في غير واحد من الطرق مقروناً بلفظ الولاية أو متلوّاً بكونه للناس أو للأمة.

وبذلك كلّه تعرف أنّ المرتبة المثبتة له هي الحاكمية المطلقة على الأمة جمعاء، وهي معنى الإمامة الملازمة للأولوية المدّعاة في معنى المولى، ويستفاد هذا المعنى من لفظ ابن عباس الآخر الذي مرّ (ص 51 و 217): قال: لمّا امر النبيُّ صلى الله عليه و آله أن يقوم بعليّ المقام الذي قام به...(1) ويُصرح بالمعنى المراد ما مرّ (ص 165) من قوله صلى الله عليه و آله: «إنّ اللَّه أمر أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي وصيّي وخليفتي، والّذي فرض اللَّه على المؤمنين في كتابه طاعته فقرّب بطاعته طاعتي وأمركم بولايته (2).

وقوله المذكور (ص 215): «فإنّ اللَّه قد نسبه لكم وليّاً وإماماً،


1- رواه الحافظ المحاملي في أماليه على مانقله الشيخ ابراهيم الوصّابى الشافعي في كتاب الاكتفاء باسناد عن ابن عباس. والحافظ ابن مردويه باسناده عن ابن عباس أيضاً. ولفظه في الأول: لمّا أمر النبيّ أن يقوم بعلي بن ابي طالب المقام الذي قام به، وفي الثاني: لمّا أمر اللَّه رسوله صلى الله عليه و آله و سلم أن يقوم بعلي فيقول له ماقال...»
2- من مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام ايام عثمان بن عفّان رواه ابن الحمويه باسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين عن سليم بن قيس.

ص:112

وفرض طاعته على كلِّ أحد، ماضٍ حكمه، جائزٌ قوله (1)».

القرينة الثانية عشرة: ما مرَّ (ص 52 و 217) من قول ابن عباس بعد ذكره الحديث: فوجبت واللَّه في رقاب القوم، في لفظ.

وفي أعناق القوم، في آخر (2)، فهو يُعطي ثبوت معنىً جديد مستفاد من الحديث غير ما عرفه المسلمون قبل ذلك وثبت لكلّ فرد منهم، وأكّد ذلك باليمين وهو معنى عظيم يلزم الرقاب، ويأخذ بالأعناق لدة الإقرار بالرسالة لم يُساوِ الامام عليه السلام فيه غيره، وليس هو إلّاالخلافة التي امتاز بها من بين المجتمع الاسلامي، ولا يُبارحه معنى الأولوية.

القرينة الثالثة عشر: ما أخرجه شيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين عن أبي هريرة قال:

لمّا رجع رسول اللَّه عن حجّة الوداع نزلت آية: باأيّها الرسول بلِّغ ما انزل إليك الآية. ولمّا سمع قوله تعالى: واللَّه يعصمك من الناس اطمأنّ قلبه- إلى أن قال بعد ذكر الحديث-:

وهذه آخر فريضة أوجب اللَّه على عباده، فلمّا بلَّغ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله


1- اخرجه الحافظ ابو جعفر الطبري في كتاب الولاية في طرقه حديث الغدير عن زيد بن أرقم.
2- اخرجه الحافظ السجستاني في كتاب الولاية الذي أفرده في حديث الغدير باسناده عن ابن عباس.

ص:113

نزلت (1) قوله: اليوم أكملت لكم دينكم الآية (2).

يُعطينا هذا اللفظ خُبراً بأن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صدع في كلمته هذه بفريضة لم يسبقها التبليغ، ولا يجوز أو يكون ذلك معنى المحبّة والنصرة لسبق التعريف بهما منذ دهر كتاباً وسنة، فلم يبق إلّاأن يكون معنى الإمامة الذي أخَّر أمره حتّى تكتسح عنه العراقيل، وتمرَّن النفوس بالخضوع لكلِّ وحي يوحى، فلا تتمرّد عن مثلها من عظيمة ت جفل عنها النفوس الجامحة، وهي الملائمة لمعنى الأولى.

القرينة الرابعة عشر: تقدّم (ص 29 و 36) في حديث زيد ابن أرقم بطرقه الكثيرة:

إنَّ خَتناً له سأله عن حديث غدير خمّ فقال له: أنتم أهل العراق فيكم ما فيكم.

فقلت له: ليس عليك منّي بأس.

فقال: نعم: كنّا بالجحفة فخرج رسول اللَّه. الحديث (3).


1- كذا والصحيح: نزل.
2- فرائد السمطين 1: 73.
3- أخرج أحمد بن حنبل في مسنده 4: 368 عن ابن نمير عن عبدالملك بن أبي سليمان عن عطية العوفي قالت: سألت زيدبن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أحبّ أن أسمعه منك، فقال: إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم. فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم كنّا بالجحفة، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد عليّ فقال: يا أيّها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. قال: فقلت له: هل قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال إنّما أخبرك كما سمعت.

ص:114

ومرّ (ص 24) عن عبداللَّه بن العلاء أنّه قال للزهري لمّا حدّثه بحديث الغدير: لا تُحدث بهذا بالشام (1). وأسلفناك (ص 273) عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: قلت لسعد بن أبي وقّاص:إنّي اريد أن أسألك عن شي ء وإني أتّقيك. قال: سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك...(2) فإنّ الظاهر من هذه كلّها أنّه كان بين الناس للحديث معنى لا يأتمن معه راوية من أن يصيبه سوءٌ أولدته العداوة للوصيّ- صلوات اللَّه عليه- في العراق وفي الشام، و لذلك أنّ زيداً اتّقى خَتَنَهُ العراقيَّ وهو يعلم ما في العراقيين من النفاق والشقاق يوم ذاك، فلم يُبد بسرِّه حتّى أمن من بوادره فحدَّثه بالحديث، وليس من الجائز أن يكون المعنى- حينئذٍ- هو ذلك المبتذل لكلّ مسلم،


1- رواه ابن الأثير في اسد الغابة 1: 308 بالاسناد عن عبداللَّه بن العلاء عن الزهري عن سعيد بن جناب عن أبي عنفوانة المزني عن جندع.
2- أخرجه الحافظ أحمد بن عقدة الكوفي في كتاب الولاية، وهو أول الكتاب عن شيخه إبراهيم بن الوليد بن حمّاد عن يحيى بن معلّى عن حرب بن صبيح عن ابن اخت حميد الطويل عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب.

ص:115

وإنّما هو معنىً ينوء بعبئِهِ الإمام عليه السلام بمفرده، فيفضل بذلك على مَن سواه، وهو معنى الخلافة المتّحدة مع الأولوية المرادة.

القرينة الخامسة عشر: احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بالحديث يوم الرحبة بعد أن آلت إليه الخلافة ردّاً على مَن نازعه فيها- كما مرّ (ص 344)(1)وإفحام القوم به لمّا شهدوا، فأيّ حجّة له في المنازعة بالخلافة في المعنى الذي لا يلازم الأولوية على الناس من الحبّ والنصرة؟

القرينة السادسة عشر: مرَّ في حديث الركبان (ص 187- 191): أنّ قوماً منهم أبو أيّوب الأنصاري سلّموا على أمير المؤمنين عليه السلام بقولهم: السلام عليك يا مولانا. فقال عليه السلام: «كيف أكون مولاكم وأنتم رهطٌ من العرب؟».

فقالوا: إنّا سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه (2).


1- راجع هذا الكتاب ص.
2- أخرجه إمام الحنابلة أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم عن حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي عن رياح بن الحارث. ورواه إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي المعروف بابن ديزل في كتاب صفّين عن يحيى بن سليمان الجعفي عن ابن فضيل محمد الكوفي. ورواه الحافظ أبو بكر ابن مردويه عن رياح بن الحارث وعن حبيب بن يسار عن أبي رميلة. ورواه ابن الاثير في اسد الغابة 1: 368 عن كتاب الموالاة لابن عقدة. ورواه عن كتاب الموالاة ابن حجر في الاصابة 1: 305. ورواه محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2: 169 وابن كثير في تأريخه 5: 212 و 7: 347. ورواه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 104. ورواه جمال الدين عطاء اللَّه بن فضل الشيرازي في كتابه الأربعين في مناقب أمير المؤمنين عند ذكر حديث الغدير. ورواه أبو عمرو الكشّي في فهرسته: 30.

ص:116

فأنت جِدّ عليم بأنّ أمير المؤمنين لم يتعجّب أو لم يُرد كشف الحقيقة للملأ الحضور لمعنى مبذول هو شرعٌ سواء بين أفراد المسلمين- وهو أن يكون معنى قولهم: السلام عليك يامحبّنا أو ناصرنا- لا سيّما بعد تعليل ذلك بقوله: «وأنتم رهط من العرب».

فما كانت النفوس العربيّة تستنكف من معنى المحبّة والنصرة بين أفراد جامعتها، وإنّما كانت تستكبر أن يخصّ واحدٌ منهم بالمولوية عليهم بالمعنى الذي نحاوله، فلا ترضخ له إلّابقوّةٍ قاهرةٍ عامتهم، أو نصّ إلهيٍّ يُلزم المسلمين منهم، وما ذلك إلّامعنى الأولى المرادف للإمامة والولاية المطلقة التي استخفى عليه السلام خبرها منهم، فأجابوه باستنادهم في ذلك الى حديث الغدير.

القرينة السابعة عشر: قد سلفت في (ص 191) إصابة دعوة

ص:117

مولانا أمير المؤمنين عليه السلام اناساً كتموا شهادتهم بحديث الغدير في يومي مناشدة الرحبة والركبان، فأصابهم العمى والبرص، والتعرّب بعد الهجرة، أو آفة اخرى، وكانوا من الملأ الحضور في مشهد يوم الغدير (1).

فهل يجد الباحث مساغاً لاحتمال وقوع هاتيك النقم على القوم، وتشديد الإمام عليه السلام بالدعاء عليهم لمحض كتمانهم معنى النصرة والحبِّ العامّين بين أفراد المجتمع الديني، فكان من الواجب إذن أن تصيب كثيراً من المسلمين الذين تشاحنوا، وتلاكموا، وقاتلوا، فقمّوا جذوم (2) تينك الصفتين، وقلعوا جذورهما، فضلًا


1- والذين أصابتهم الدعوة هم: أنس بن مالك، وبراء بن عازب، وجرير بن عبداللَّه البجلي، وزيد بن أرقم الخزرجي، وعبدالرحمن بن مدلج، ويزيد بن وديعة. وقد نقل حديث إصابة الدعوة كل من: أ ابن قتيبة في المعارف: 251 قال: أنس بن مالك كان بوجهه برص، وذكر قوم أنّ علياً رضي اللَّه عنه سأله عن قول رسول اللَّه: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: كبرت سنّي ونسيت، فقال عليّ: إن كنت كاذباً فضربك اللَّه ببيضاء لا تواريها العمامة. ب- البلاذري في أنساب الأشراف 1: 361. ج- ابن عساكر 3: 150. د- الخوارزمي من طريق الحافظ ابن مردويه في مناقبه عن زاذان أبي عمرو.
2- جمع جذم؛ وهو الأصل.

ص:118

عم كتمان ثبوتهما بينهم، لكنَّ المنقِّب لا يرى إلّاأنّهم وُسموا بِشِيَةِ العار، وأصابتهم الدعوة بكتمانهم نبأً عظيماً يختصّ به هذا المولى العظيم- صلوات اللَّه عليه- وما هو إلّاما أصفقت عليه النصوص، وتراكمت القرائن من إمامته وأولويته على الناس منهم بأنفسهم.

ثمّ إنّ نفس كتمانهم للشهادة لا تكون لأمر عاديّ هو شرعٌ سواء بينه وبين غيره، وإنّما الواجب أن تكون فيه فضيلة يختصُّ بها، فكأنّهم لم يَرقْهم أن يتبجَّح الإمام بها، فكتموها، لكن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحقّ، وأبقت عليهم مثلبة لائحة على جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياءً، ثمّ تضمنتها طيّات الكتب فعادت تلوكها الأشداق، وتتناقلها الألسن حتّى يرث اللَّه الأرض ومَن عليها.

القرينة الثامنة عشر: مرّ بإسناد صحيح (1) (ص 174 و 175)


1- رواه أحمد في مسنده 4: 370 عن حسين بن محمد وأبي نعيم المعنى جميعاً عن فطر عن أبي الطفيل. والنسائي في الخصائص:17 باسناده عنه. والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 104 من طريق أحمد. ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة 2: 169.

ص:119

في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحبّ الدين الطبري:

أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفرٌ من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأنّهم سمعوه منه.

قال أبو الطفيل: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً (1) فلقيت زيد ابن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاً رضي اللَّه عنه يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول له ذلك.

فما الذي تراه يستكبره أو يستنكره أبو الطفيل من ذلك؟ أهو صدور الحديث؟ ولا يكون ذلك؛ لأنَّ الرجل شيعيٌّ متفانٍ في حبّ أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثقانه، فلا يشكُّ في حديث رواه مولاه، لا، بل هو معناه الطافح بالعظمة، فكان عجبه من نكوس القوم عنه وهم عرب أقحاح يعرفون اللفظ وحقيقته، وهم أتباع الرَّسول صلى الله عليه و آله وأصحابه، فاحتمل أنّه لم يسمعه جلّهم، أو حجزت العراقيل بينهم وبين ذلك، فطمّنه زيد بن أرقم بالسماع، فعلم أنّ الشهوات حالت بينهم وبين البخوع له، وما ذلك المعنى المستعظم إلّا الخلافة المساوقة للأولوية دون غيرها من الحبّ والنصرة، وكلٌّ منهما منبسطٌ على أيِّ فرد من أفراد الجامعة الاسلامية.

القرينة التاسعة عشر: سبق أيضاً (ص 239- 246) حديث


1- كذا في لفظ أحمد، وفي لفظ النسائي: وفي نفسي منه شي ء. وفي لفظ محبّ الدين: وفي نفسي من ريبة شي ء.

ص:120

إنكار الحارث الفهريِّ معنى قول النبيِّ صلى الله عليه و آله في حديث الغدير (1)


1- رواه كلّ من: الحافظ أبو عبيد الهروي في تفسير غريب القرآن. أبو بكر النقّاش الموصلي البغدادي في تفسيره شفاء الصدور. أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري في تفسيره الكشف والبيان. الحاكم النيسابوري في كتاب دعاء الهداة الى أداء حقّ الموالاة. القرطبي في تفسيره في سورة المعارج. سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرة: 19. الشيخ ابراهيم بن عبداللَّه اليمني الوصّابي في كتابه الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء. شيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب 13. شهاب الدين أحمد دولت آبادي في كتابه هذاية السعداء في الجلوة الثانية من الهداية الثامنة. ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة: 26. شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي في تفسيره السراج المنير 4: 364. السيد جمال الدين الشيرازي في كتابه الأربعين في مناقب أمير المؤمنين الحديث 13. السيد ابن العيدروس الحسيني اليمني في العقد النبوي والسرّ المصطفوي. الشيخ أحمد بن باكثير المكّي الشافعي في وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل. الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي في السيرة الحلبية 3: 302. الشيخ عبدالرحمن الصفوري في نزهته 2: 242. السيد محمود بن محمد القادري المدني في تأليفه: الصراط السويّ في مناقب النبيّ. شمس الدين الحنفي الشافعي في شرح الجامع الصغير للسيوطي 2: 387. الشيخ محمد صدر العالم سبط الشيخ أبي الصفا في معارج العلى في مناقب المرتضى. الشيخ محمد محبوب العالم في تفسيره الشهير بتفسير شاهي. أبو عبداللَّه الزرقاني المالكي حكاه في شرح المواهب اللدنية 7: 13. الشيخ أحمد بن عبدالقادر الحفظي الشافعي في ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل. السيد محمد بن إسماعيل اليماني في الروضة الندية في شرح التحفة العلوية. السيد مؤمن الشبلنجي الشافعي المدني في نور الابصار في مناقب آل النبيّ المختار: 78. الاستاذ الشيخ محمد عبدة في تفسير المنار 6: 464.

ص:121

وشرحنا (ص 343) تأكّد عدم التئامه مع غير الأولى من معاني المولى (1).

القرينة العشرون: أخرج الحافظ ابن السمّان كما في الرياض النضرة (2) (2: 170) وذخائر العقبى للمحب الطبري (ص 68) ووسيلة المآل للشيخ أحمد بن باكثير المكّي (3)، ومناقب الخوارزمي (4) (ص 97)، والصواعق (5) (ص 107) عن الحافظ


1- انظر ص 7 من هذا الكتاب.
2- الرياض النضرة 3: 115.
3- وسيلة المآل: 119 باب 4.
4- المناقب: 160.
5- الصواعق المحرقة: 179.

ص:122

الدارقطني عن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعليّ: اقض بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟! فوثب إليه عمر وأحذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري مَن هذا؟ هذا مولاي ومولى كلِّ مؤمن، ومَن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.

وعنه وقد نازعه رجلٌ في مسألة فقال: بيني وبينك هذا الجالس، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب فقال الرجل: هذا الأبطن؟! فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتّى شاله من الأرض ثمَّ قال: أتدري مَن صغّرت؟ هذا مولاي ومولى كلِّ مسلم.

وفي الفتوحات الإسلامية (2: 307) حكم عليٌّ مرّة على أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلبَّبه عمر بن الخطاب وقال له:

ويلك إنّه مولاك ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.

وأخرج الطبراني أنّه قيل لعمر: إنّك تصنع بعليٍّ- أي: من التعظيم- شيئاً لاتصنع مع أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: إنّه مولاي. وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب (7: 13) عن الدارقطني.

فإنَّ المولويَّة الثابتة لأمير المؤمنين التي اعترف بها عمر على

ص:123

نفسه وعلى كلِّ مؤمن زِنَة ما أعترف به يوم غدير خمّ، وشفع ذلك بنفي الإيمان عمَّن لا يكون الوصيُّ مولاه، أي: لم يعترف له بالمولويَّة، أو لم يكن هو مولى له أي: محبّاً أو ناصراً، ولكن على حدّ ينفي عنه الإيمان إن انتفى عنه ذلك الحبّ والنصرة، لا ترتبط (1) إلّا مع ثبوت الخلافة له؛ ولا يمكن القول بذلك نظراً إلى ما شجر من الخلاف والتباغض بين الصحابة والتابعين حتّى آل في بعض الموارد إلى التشاتم، والتلاكم، وإلى المقاتلة، والمناضلة، وكان بعضها بمشهد من النبيِّ صلى الله عليه و آله فلم ينفِ عنهم الإيمان، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع في أحد منهم بذلك، فلم يبق إلّاأن تكون الولاية الّتي هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولوية المقصودة سواء أوعز عمر بكلمته هذه إلى حديث الغدير كما تومئ إليه رواية الحافظ محبّ الدين الطبري (2) لها في ذيل أحاديث الغدير، أو أنّه أرسلها حقيقة راهنة ثابتة عنده من شتّى النواحي.

تذييل:

عزى ابن الأثير في النهاية (3) (4: 246)، والحلبي في السيرة (4)


1- هذه الجملة الفعلية خبر إنّ في قوله المتقدم أول الفقرة: فإنّ المولويّة ...
2- راجع ص 103.
3- النهاية في غريب الحديث 5: 228.
4- السيرة الحلبيّة 3: 277.

ص:124

(3: 304) وبعض آخر إلى القيل، وذكروا أنّ السبب في قوله صلى الله عليه و آله:

«مَن كنت مولاه»: أنّ اسامة بن زيد قال لعليّ: لست مولاي إنّما مولاي رسول اللَّه، فقال صلى الله عليه و آله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه».

إنَّ من روى هذه الرواية المجهولة أراد حطّاً من عظمة الحديث، وتحطيماً لمنعته فصوَّره بصورةٍ مصغَّرةٍ لا تعدو عن أن تكون قضيَّة شخصيَّة، وحواراً بين إثنين من أفراد الأمة، أصلحه رسول اللَّه بكلمته هذه، وهو يجهل أو يتجاهل عن أنّه تَخْصمه على تلك المزعمة الأحاديثُ المتضافرة في سبب الإشادة بذلك الذكر الحكيم من نزول آية التبليغ إلى مقدِّمات ومقارنات اخرى لا يلتئم شي ء منها مع هذه الاكذوبة، ومثلها الآية الكريمة الناصَّة بكمال الدين، وتمام النعمة، ورضى الربِّ بذلك الهتاف المبين، وليست هذه العظمة من قيمة الإصلاح بين رجلين تلاحيا، لكن ذهب على الرجل أنّه لم يزد إلّاتأكيداً في المعنى وحجَّة على الخصم على تقدير الصحَّة.

فهب أنَّ السبب لذلك البيان الواضح هو ما ذكر، لكنّا نقول: إنَّ ما أنكره اسامة على أمير المؤمنين عليه السلام من معنى المولى، وأثبته لرسول اللَّه خاصّة دون أيِّ أحد لابدّ أن يكون شيئاً فيه تفضيل لا

ص:125

معنىً ينوءُ به كلُّ أحد حتّى اسامة نفسه، ولا تفاضل بين المسلمين من ناحيته في الجملة، وذلك المعنى المستنكر المثبت لا يكون إلّا الأولويّة أو ما يجري مجراها من معاني المولى.

ونقول: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه و آله لمّا علم أنّ في امّته من لا يلاحي ابن عمِّه ويناوئه بالقول، ويخشى أن يكون له مغبّة وخيمة تؤول إلى مضادَّته، ونصب العراقيل أمام سيره الإصلاحيِّ من بعده؛ عقد ذلك المحتشد العظيم، فنوَّه بموقف وصيّه من الدين، وزلفته منه، ومكانته من الجلالة، وإنّه ليس لأحد من أفراد الامّة أن يقابله بشي ء من القول أو العمل وإنّما عليهم الطاعة له، والخضوع لأمره، والرضوخ لمقامه، وأنّه يجري فيهم مجراه من بعده، فاكتسح بذلك المعاثر عن خُطّته، وألحب السَّنَن إلى طاعته، وقطع المعاذير عن محادَّته بخطبته التي ألقاها، ونحن لم نألُ جُهداً في إفاضة القول في مفاده.

ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (1) (5: 347) وآخرون عن بريدة قال: غزوت مع عليٍّ اليمن، فرأيت منه جَفوة، فلمّا قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذكرت عليّاً فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول اللَّه يتغيَّر فقال: «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول اللَّه.

قال: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه».


1- مسند أحمد 6: 476/ 22436.

ص:126

فكأنَّ راوي هذه القصَّة كراوي سابقتها أراد تصغيراً من صورة الأمر فصبَّها في قالب قضيَّةٍ شخصيَّة، ونحن لا يهمّنا ثبوت ذلك بعدما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المُرْبية على التواتر؛ فإنَّ غاية ما هنالك تكريره صلى الله عليه و آله بصورة نوعيَّة تارة وفي صورة شخصيَّةٍ اخرى، لتفهيم بريدة أنَّ ما حسبه جفوة من أمير المؤمنين لا يسوّغ له الوقيعة فيه على ما هو شأن الحكّام المفوّض إليهم أمر الرعيَّة، فإذا جاء الحاكم بحكم فيه الصالح العامّ ولم يرُقْ ذلك لفرد من السوقة ليس له أن يتنقَّصه؛ فإنَّ الصالح العامّ لا يدحضه النظر الفرديُّ، ومرتبة الولاية حاكمةٌ على المبتغيات الشخصيّة، فأراد صلى الله عليه و آله أن يُلزم بريدة حدَّه، فلا يتعدّى طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامّة نظير ما ثبت له صلى الله عليه و آله بقوله صلى الله عليه و آله: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟».

هذَا بَيانٌ لِلنّاسِ وَهدىً وَمَوْعِظةٌ لِلمُتَّقينَ (1).


1- آل عمران: 138.

ص:127

الاحاديث المفسِّرة لمعنى المولى والولاية

وقبل هذه القرائن كلّها تفسير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نفسه معنى لفظه، وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذَّة بالقذَّة.

أخرج القرشي عليّ بن حميد في شمس الأخبار (1) (ص 38) نقلًا عن سلوة العارفين- للموفّق باللَّه الحسين بن إسماعيل الجرجاني، والد المرشد باللَّه- بإسناده عن النبيِّ صلى الله عليه و آله أنّه لَمّا سُئل عن معنى قوله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه [اللهم وال من والاه وعاد من عاداه]»(2) قال:

«اللَّه مولاي أولى بي من نفسي لا أمرَ لي معه، وأنا مولى


1- مُسند شمس الأخبار المنتقى من كلام النبي المختار 1: 102 باب 7 نقلًا عن الأنواروأمالي المؤيّد.
2- الزيادة من الأصل.

ص:128

المؤمنين؛ أولى بهم من أنفسهم لا أمرَ لهم معي، ومَن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمَر له فعليٌّ مولاه أولى به من نفسه لا أمرَ له معه».

ومرَّ في صفحة (1) (200) في حديث احتجاج عبداللَّه بن جعفر على معاوية قوله: يا معاوية إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول على المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سلمة، واسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسي وأبو ذر، والمقداد، والزبير بن العوّام، وهو يقول:

«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا: بلى يا رسول اللَّه.

قال: «أليس أزواجي أمّهاتكم؟» قلنا: بلى يا رسول اللَّه.

قال: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه أولى به من نفسه» وضرب بيده على منكب عليّ فقال: «اللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، أيها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعليٌّ من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر» إلى أن قال عبد اللَّه:

ونبيّنا صلى الله عليه و آله قد نصب لُامّته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خمّ، وفي غير موطن، واحتجَّ عليهم به، وأمرهم بطاعته،


1- ورد هذا الحديث في كتاب قيس بن سليم الهلالي.

ص:129

وأخبرهم أنَّه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنَّه وليّ كلِّ مؤمن من بعده، وأنَّه كلُّ من كان هو وليّه فعليٌّ وليّه، ومَن كان أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به، وأنَّه خليفته فيهم ووصيّه. الحديث.

ومرَّ (ص 165) فيما أخرجه شيخ الإسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير- المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان قوله: ثمّ خطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال:

أيّها الناس أتعلمون أنّ اللَّه عزَّوجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول اللَّه.

قال: قم يا عليُّ، فقمت، فقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه. فقام سلمان قال: يا رسول اللَّه ولاءٌ كَماذا؟ قال: ولاءٌ كَوِلاي، من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه»(1).

وسبق (ص 196) في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفِّين قوله: ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«أيّها الناس إنّ اللَّه مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم، مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن


1- رواه ابن الحمويه بإسناده في فرائد السمطين في السمط الأول في الباب الثامن والخمسين عن التابعيّ الكبير سليم بن قيس الهلالي.

ص:130

عاداه، وانصر من نصره، وأخذل مَن خذله.

فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول اللَّه ولاءٌ كماذا؟ قال:

ولاءٌ كولاي؛ مَن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه»(1).

وروى الحافظ العاصمي في «زين الفتى» قال: سُئل عليُّ بن أبي طالب عن قول النبيِّ صلى الله عليه و آله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» فقال:

«نصبني عَلماً إذ أنا قمت فمن خالفني فهو ضالٌّ».

يريد عليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد يوم الغدير لمّا أمرّه به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليرفعه فيعرّفه وينصبه عَلَماً للُامّة، وقد مرَّ ذلك (ص 15 و 23 و 165 و 217) وأشار إليه حسّان في ذلك اليوم بقوله:

فقال له: قم يا عليُّ؛ فإنّني***رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

وفي حديث رواه السيِّد الهمداني في مودَّة القربى (2):

فقال- رسول اللَّه-:

«معاشر الناس أليس اللَّه أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني


1- رواه سليم بن قيس في كتابه.
2- مودّة القربى: انظر المودّة الخامسة.

ص:131

مالي على اللَّه أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه.

قال: مَن كان اللَّه وأنا مولاه فهذا عليٌّ مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من أمر ولا نهي، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، اللهمّ أنت شهيد عليهم إنِّني قد بلّغت ونصحت».

وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيُّ صلى الله عليه و آله لعليٍّ مسؤولٌ عنها يوم القيامة، [و](1) رُوي في قوله تعالى وقفوهم إنَّهم مسؤولون (2) أي: عن ولاية عليّ رضى الله عنه والمعنى: أنّهم يُسألون هل والوه حقَّ الموالاة كما أوصاهم النبيُّ صلى الله عليه و آله أَمْ أضاعوها وأهملوها، فتكون عليهم المطالبة والتبعة.

وذكره وأخرج حديثه شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب الرابع عشر (3)، وجمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين (4)، وابن حجر في الصواعق (5) (ص 89)، والحضرمي في الرشفة (ص 24).


1- الزيادة من المصدر.
2- الصافّات: 34.
3- فرائد السمطين 1: 79/ 47.
4- ( 4) نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين: 109.
5- الصواعق المحرقة: 149.

ص:132

وأخرج الحمويني (1) من طريق الحاكم أبي عبد اللَّه بن البيع (2) عن محمّد بن المظفَّر قال: ثنا عبد اللَّه بن محمد بن غزوان: ثنا عليّ بن جابر: ثنا محمد بن خالد الحافظ ابن عبداللَّه: ثنا محمَّد بن فضيل: ثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم بن الأسود عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

أتاني ملك فقال: يا محمَّد سَلْ (3) من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بُعثوا؟ [قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال](4) على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

وقال (5): وروي عن علي عليه السلام أنّه قال: «جُعلت الموالاة أصلًا من أصول الدين». وأخرج (6) من طريق الحاكم ابن البيِّع: ثنا محمّد بن عليّ: ثنا أحمد بن حازم: ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي (7) عن أبيه عن أبي صادق قال:

قال عليّ:


1- فرائد السمطين 1: 81/ 62.
2- معرفة علوم الحديث: 96.
3- في المصدر: واسأل.
4- ( 4) الزيادة من المصدر.
5- فرائد السمطين 1: 79/ 48 و 49.
6- فرائد السمطين 1: 79/ 48 و 49.
7- في المصدر: الحريري.

ص:133

«اصول الإسلام ثلاثة لا ينفع واحدٌ منها دون صاحبه (1):

الصلاة، والزكاة، والموالاة» ومرّ (ص 382) عن عمر بن الخطاب نفي الإيمان عمَّن لا يكون أمير المؤمنين مولاه (2).

وقال الآلوسي في تفسيره (3) (23: 74) في قوله تعالى:

وقفوهم إنّهم مسؤولون بعد عدّ الأقوال فيها:

وأولى هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك لا إله إلّااللَّه، ومن أجلّه ولاية عليٍّ كرّم اللَّه تعالى وجهه.

ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا جمع اللَّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنَّم لم يجزها أحدٌ إلّامن كانت معه براءة بولاية عليِّ بن أبي طالب. وأخرجه محبّ الدين الطبري في الرياض (4) (2: 172).

ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالى: وقفوهم إنّهم مسؤولون


1- في المصدر: لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتها.
2- راجع ص 92 من هذا الكتاب.
3- روح المعاني 23: 80.
4- الرياض النضرة 3: 137.

ص:134

وقوله: سَلْ مَن أرسلنا قبلك من رسلنا (1) وما أخرجه الحفّاظ عن النبيِّ صلى الله عليه و آله من حديث البراءة والجواز (2). فلا أحسب أنّ ضميرك الحرَّ يحكم بملائمة هذه كلّها مع معنىً أجنبيٍّ عن الخلافة والأولوية على الناس من أنفسهم، ويراه مع ذلك أصلًا من اصول الدين، وينفى الإيمان بانتفائه، ولا يرى صحَّة عمل عامل إلّابه.

وهذه الأولوية المعدودة من اصول الدين والمولويَّة الّتي ينفى الإيمان بنتفائها- كما مرَّ في كلام عمر (ص 382)(3) صرّح بها عمر لابن عباس في كلامه الآخر ذكره الراغب في محاضراته (4) (2: 213) عن ابن عبّاس قال:

كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلةٍ وعمر على بغل وأنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب فقال: أما واللَّه يا بني عبد المطّلب لقد كان عليٌّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي وأبي بكر.

فقلت في نفسي: لا أقالني اللَّه إن أقَلْته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما (5) الأمر منّا


1- الزخرف: 45.
2- الصافّات: 24.
3- راجع ص 98 من هذا الكتاب.
4- محاضرات الأدباء 2: 213.
5- في المصدر: وافترعتما.

ص:135

دون الناس.

فقال: إليكم يا بني عبد المطلب أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطاب، فتأخَّرتُ وتقدَّم هنيهة، فقال: سِر، لا سرتَ، وقال: أعد عليَّ كلامك.

فقلت: إنّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليه جوابه ولو سكتَّ سكتنا. فقال:

إنّا واللَّه ما فعلنا الّذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لِمَا قد وترها.

قال: فأردتُ أن أقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يبعثه، فينطح كبشها فلم يستصغره، أفستصغره أنت وصاحبك؟

فقال: لا جرم، فكيف ترى؟ واللَّه ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتّى نستأذنه.

وفي شرح نهج البلاغة (1) (2: 20) قال عمر: يا ابن عبّاس أما


1- شرح نهج البلاغة 6: 50 خطبة 66 و 12: 82 خطبة 223.

ص:136

واللَّه إنَّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّاأنّا خفناه على إثنين- إلى أن قال ابن عبّاس-: فقلت: وما هما يا أمير المؤمنين؟

قال: خِفناهُ على حداثة سنِّه، وحبّه بني عبد المطلب، وفي (2: 115): كرهناه على حداثة السنِّ وحبِّه بني عبد المطّلب.(1)

مفاد حديث الغدير ؛ ؛ ص136

لشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعنى المقصود هي نورٌ وحكمةٌ مودوعةٌ في قلوب مواليه عليه السلام، ودونها كانت تُشَدُّ الرحال، ولتعيين حامل عبئها كانت تبعث الرسل، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في المحاسن والمساوئ (2) (1: 30) في حديث طويل جرى بين ابن عبّاس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه: قال الشاميُّ:

يا بن عبّاس إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردَّني بغير حاجتي، فإنَّ القوم هالكون في أمر عليّ، ففرِّج عنهم فرَّج اللَّه عنك. فقال ابن عبّاس: يا أخا أهل الشام إنَّ مثل عليٍّ في هذه الامة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الّذي لقيه موسى عليه السلام- ثمّ ذكر حديث امّ سلمة وفيه لعليّ فضائل جمَّة- فقال الشامي: يا بن عبّاس ملأتَ صدري نوراً وحكمة، وفرَّجت عنِّي فرَّج اللَّه عنك، أشهد أنَّ علياً رضى الله عنه مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

هَذا صِرَاطُ رَبِّكَ مُستَقيماً قَد فَصَّلنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ (3)


1- العلامة الشيخ عبدالحسين اميني - نعمان النصري، من فيض الغدير (02) مفاد حديث الغدير، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1.
2- المحاسن والمساوئ: 43- 45.
3- الأنعام: 126.

ص:137

كلمات حول مفاد الحديث للأعلام الأئمّة في تآليفهم

لقد تمخَّضت الحقيقة عن معنى المولى، وظهرت بأجلى مظاهرها؛ بحيث لم يبق للخصم مُنْتَدحٌ عن الخضوع لها، إلّامَن يبغي لِداداً، يرتاد انحرافاً عن الطريقة المثلى، ولقد أوقَفَنا السير على كلمات دُرِّيَّة لجمع من العلماء حداهم التنقيب إلى صراح الحقِّ، فلهجوا به غير آبهين بما هنالك من جلبة ولغط، فإليك عيون ألفاظهم:

1- قال ابن زولاق الحسن بن إبراهيم أبو محمَّد المصريُّ المتوفّى (387) في تأريخ مصر:

وفي ثمانية عشر من ذي الحجَّة سنة (362)- وهو يوم الغدير- تجمَّع خلقٌ من أهل مصر والمغاربة ومَن تبعهم للدعاء؛ لأنَّه يوم عيد؛ لأنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عهد إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب

ص:138

فيه واستخلفه (1).

يُعرب هذا الكلام عن أنَّ ابن زولاق- وهو ذلك العربيُّ المتضلِّع- لم يفهم من الحديث إلّاالمعنى الذي نرتئيه، ولم ير ذلك اليوم إلّايوم عهدٍ إلى أمير المؤمنين واستخلاف.

2- قال الإمام أبو الحسن الواحديُّ المتوفّى (468) بعد ذكر حديث الغدير:

هذه الولاية التي أثبتها للنبي صلى الله عليه و آله هي مسؤولٌ عنها يوم القيامة.

راجع تمام العبارة (ص 387)(2).

3- قال حجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي المتوفّى (505) في كتابه: سرّ العالمين (3) (ص 9): اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنّها بالنصِّ، ودليلهم في المسألة قوله تعالى: قل للمخلَّفين من الأعراب ستُدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تُطيعوا يؤتكم


1- وحكاه عنه المقريزي في الخطط 2: 222[ 1: 389]( للمؤلف قدس سره).
2- راجع ص 1: 105، 107.
3- لا شكّ في نسبة هذا الكتاب إلى الغزالي؛ فقد نصّ عليه الذهبي في ميزان الاعتدال( 1: 500/ 1872) في ترجمة الحسن بن صباح الإسماعيلي، وينقل عنه قصّته- وصرّح بها سبط ابن الجوزي في التذكرة: 36[ ص 62]- وذكر شطراً من الكلام المذكور( للمؤلف قدس سره).

ص:139

اللَّه أجراً حسناً وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبلُ يعذِّبكم عذاباً شديداً (1) وقد دعاهم أبو بكر رضى الله عنه عنه بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى الطاعة فأجابوا (2)، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثاً (3) قال: في الحديث: أنَّ أباكِ هو الخليفة من بعدي يا حُميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى مَن نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر. ولأنَّه أمَّ بالمسلمين (4) على بقاء رسول اللَّه، والإمامة عماد الدين.

هذا جملةُ ما يتعلّق به القائلون بالنصوص ثمَّ تأوّلوا وقالوا: لو كان عليٌّ أوَّل الخلفاء لانسحب (5) عليهم ذيل الفناء ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعاً كما لا يقدح في نبوَّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا كان آخراً، والّذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أنَّ هذا وما يتعلّق به فاسدٌ وتأويلٌ باردٌ جاء على زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود، وزكريا، وسليمان (6)، ويحيى قالوا: كان لأزواجهُ ثمن الخلافة، فبهذا


1- الفتح: 16.
2- في المصدر: فأجابوه.
3- التحريم: 3.
4- ( 4) كذا في المصدر.
5- في المصدر: لا سحب.
6- في المصدر: وسليمان وزكريا.

ص:140

تعلّقوا وهذا باطلٌ؛ إذ لو كان ميراثاً لكان العبّاس أولى.

لكن أسفرت الحجَّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتِّفاق الجميع وهو يقول: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه». فقال عمر: بخٍ بخٍ [لك] يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.

فهذا تسليمٌ ورضى وتحكيمٌ، ثمَّ بعد هذا غلب الهوى لحبِّ الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدهام (1) الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلًا فبئس ما يشترون (2).

4- قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيُّ: المتوفّى (654) في تذكرة خواصّ الامّة (3) (ص 18): اتّفق علماء السِّيَرِ أنّ قصّة


1- في المصدر: ازدحام.
2- سرّ العالمين وكشف ما في الدارين: 20.
3- تذكرة الخواصّ: 37

ص:141

الغدير كانت بعد رجوع النبيِّ صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجَّة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً وقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. الحديث نصَّ صلى الله عليه و آله على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.

وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره (1) بإسناده أنَّ النبيّ صلى الله عليه و آله لَمّا قال ذلك طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار (ثمَّ ذكر ما مرَّ في آية سأل)(2) فقال:

فأمّا قوله: مَن كنت مولاه. قال علماء العربيَّة: لفظ المولى ترد على وجوه ثمّ ذكر من معاني المولى تسعة (3) فقال:

والعاشر بمعنى الأولى قال اللَّه تعالى: فاليومَ لا يُؤخذُ مِنكم فِديةٌ ولا مِنَ الّذين كفروا مَأواكم النارُ هِيَ مَولاكم (4) ثمَّ طفق يبطل إرادة كلٍّ من المعاني المذكورة واحداً واحداً فقال:

والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر؛ وهو: الأولى ومعناه: مَن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به، وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الإصبهاني في كتابه المسمّى ب «مرج البحرين» فإنّه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيد عليٍّ عليه السلام فقال: «مَن كنت وليَّه وأولى به من نفسه فعليٌّ وليّه» فعلم


1- الكشف والبيان: الورقة 234.
2- راجع ص 7 ه 1( من هذا الكتاب).
3- وهي الملك، المعتق، المعتَق، الناصر، ابن العم، الحليف، المتولّي لضمان الجريرة، الجار، السيد المطاع( للمؤلّف قدس سره).
4- الحديد: 15.

ص:142

أنّ جميع المعاني راجعةٌ إلى الوجه العاشر، ودلَّ عليه أيضاً قوله عليه السلام: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا نصٌّ صريحٌ في إثبات إمامته وقبول طاعته، وكذا قوله صلى الله عليه و آله: «وأدر الحق معه حيثما دار وكيفما دار» انتهى.

5- قال كمال الدين ابن طلحة الشافعي المتوفّى (654) في مطالب السؤول (ص 16) بعد ذكر حديث الغدير ونزول آية التبليغ فيه:

فقوله صلى الله عليه و آله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» قد اشتمل على لفظة (مَن) وهي موضوعةٌ للعموم، فاقتضى أنَّ كلَّ إنسان كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مولاه كان عليٌّ مولاه، واشتمل على لفظة (المولى) وهي لفظةٌ مستعملةٌ بإزاء معان متعدِّدة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارةً تكون بمعنى (أولى) قال اللَّه تعالى في حقّ المنافقين: مَأواكم النارٌ هي مولاكم معناه: أولى بكم.

ثمّ ذكر من معانيها: الناصر والوارث والعصبة والصديق والحميم والمعتق، فقال: وإذا كانت واردةً لهذه المعاني أيِّها حملت؟

إمّا على كونه أولى كما ذهب إليه طائفة، أو على كونه صديقاً حميماً فيكون معنى الحديث: مَن كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإنَّ عليّاً منه كذلك. وهذا صريحٌ في تخصيصه لعليٍّ عليه السلام بهذه المنقبة العليَّة وجعله لغيره كنفسه بالنسبة

ص:143

إلى من دخلت عليهم كلمة (مَن) التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.

وليُعلم أنَّ هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة قل تَعالوا نَدْع أبناءنا وأبناءكم ونِساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسَكم (1) والمراد نفس عليٍّ على ما تقدَّم؛ فإنّ اللَّه تعالى لَمّا قرن بين نفس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبين نفس عليٍّ وجمعهما بضمير مضافٍ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أثبت رسول اللَّه لنفس عليٍّ بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموماً؛ فإنّه صلى الله عليه و آله أولى بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيِّد المؤمنين، وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلّ عليه لفظ المولى لرسول اللَّه فقد جعله لعليٍّ عليه السلام وهي مرتبةٌ ساميةٌ، ومنزلةٌ سامقةٌ، ودرجةٌ عليَّةٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ خصَّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه.

تقرير ذلك وشرحه وبيانه: اعلم أظهرك اللَّه بنوره على أسرار التنزيل، ومنحك بلطفه تبصرةً تهديك إلى سواء السبيل أنّه لمّا كان من محامل لفظة (المولى) الناصرُ وأنَّ معنى الحديث: مَن كنت مولاه فعليٌّ ناصره، فيكون النبيُّ صلى الله عليه و آله قد وصف عليّاً بكونه ناصراً لكلّ مَن كان النبيُّ ناصره فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم، وإنّما أثبت النبيُّ هذه الصفة- وهي الناصريَّة- لعليٍّ لَمّا أثبتها اللَّه عزّوجلّ لعليٍّ؛ فإنَّه


1- آل عمران: 16.

ص:144

نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره (1) إلى أسماء بنت عميس قال: لَمّا نزل قوله تعالى: وإن تظاهرا عليه فإنَّ اللَّه هُو مَولاه وجبريل وصالحُ المؤمنين (2) سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «صالح المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام» فلمّا أخبر اللَّه فيما أنزله على رسوله وأنَّ ناصره هو اللَّه وجبريل وعليٌّ، يثبت الناصريَّة لعليٍّ فأثبتها النبيُّ صلى اللَّه عليه اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

ثمَّ وصفه صلى الله عليه و آله بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله، رواه الحافظ أبو نعيم في حليته (1: 66) بسنده: أنَّ عليّاً دخل عليه فقال:

«مرحباً بسيِّد المسلمين، إمام المتَّقين» فسيادة المسلمين وإمامة المتَّقين لمّا كانت من صفات نفسه صلى الله عليه و آله وقد عبَّر اللَّه تعالى عن نفس عليّ بنفسه صلى الله عليه و آله ووصفه بما هو من صفاته، فافهم ذلك.

ثمَّ لم يزل صلى الله عليه و آله يخصِّصه بعد ذلك بخصائص من صفاته نظراً إلى ما ذكرناه، حتّى روى الحافظ أيضاً في حليته (1: 67) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه لأبي برزة وأنا أسمع: «يا أبا برزة إنَّ اللَّه عهد إليَّ في عليِّ بن أبي طالب: أنَّه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة عليٌّ إمام المتَّقين،


1- الكشف والبيان: الورقة 216.
2- التحريم: 4.

ص:145

مَن أحبه أحبَّني، ومَن أبغضه أبغضني، فبشِّره بذلك. فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصيصه صلى الله عليه و آله عليّاً بكثير من الصفات دون غيره وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (1) (2).

6- قال صدر الحفّاظ فقيه الحرمين أبو عبد اللَّه الكنجيُّ الشافعيُّ: المتوفّى (658) في كفاية الطالب (3) (ص 69) بعد ذكر قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعليّ: «لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحدٌ أحقَّ منكَ لِقدْمتك في الإسلام، وقرابتك من رسول اللَّه، وصهرك، عندك فاطمة سيدة نساء العالمين».

وهذاالحديث وإن دلَّ على عدم الاستخلاف لكنّ حديث غدير خمّ دليل على التولية؛ وهي الاستخلاف، وهذا الحديث- أعني حديث غدير خمّ- ناسخٌ؛ لأنّه كان في آخر عمره صلى الله عليه و آله.

7- قال سعيد الدين الفرغانيُّ المتوفّى (699)- كما ذكره الذهبيُّ في العِبَر (4)في شرح تائيَّة ابن الفارض الحموي (5) المتوفّى (576)،


1- المطفّفين: 26.
2- نقلنا هذا الكلام على علّاته، وإن كان لنا نظر في بعض أجزائه[ للمؤلف قدس سره].
3- كفاية الطالب: 166 باب 36.
4- العِبَر في خبر من غبر 3: 398 تحقيق محمد زغلول ط. دار الكتب العلمية بيرت.
5- للفرغاني على التائية شرحان: فارسيّ سمّاه مشارق الدراري مطبوع في إيران، وعربي اسمه منتهى المدارك، طبع في مطبعة الصنائع في اسطنبول سنة 1293 ه، وكلامه هذا في شرح البيت رقم 620 من التائية، ويقع في هذه الطبعة في 2: 145.

ص:146

التي أوَّلها:

سقتني حُميّا الحبِّ راحةُ مقتلي***وكأسي مُحيّا مَن عن الحسن جلّتِ

وفي شرح قوله:

وأوضحَ بالتأويلِ ما كان مشكلًاعليٌّ بعلمٍ نالَهُ بالوصيَّة

وكذا هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان عليّ- كرَّم اللَّه وجهه- وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلًا من الكتاب والسنَّة بوساطة علم ناله بأن جعله النبيُّ صلى الله عليه و آله وصيّه وقائماً مقام نفسه بقوله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. وذلك كان يوم غدير خمّ على ما قاله- كرَّم اللَّه وجهه- في جملة أبيات منها قوله:

وأوصاني النبيُّ على اختياري***لُامَّته رضىً منه بحكمي

وأوجب لي ولايته عليكم***رسول اللَّه يوم غدير خمِ

وغدير خُم ماءٌ على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن:

طريق المشاة إلى مكّة، كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصيَّة من جملة الفضائل التي لا تُحصى خصَّه بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فورثها عليه الصلاة والسلام. وقال:

وأمّا حصَّة عليّ بن أبي طالب- كرم اللَّه وجهه- من العلم والكشف، وكشف معضلات الكلام العظيم، والكتاب الكريم الّذي هو من أخصِّ معجزاته صلى الله عليه و آله فأوضح بيان بما ناله بقوله صلى الله عليه و آله: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها». وبقوله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه»، مع فضائل اخر لا تُعدُّ لا تُحصى.

8- قال علاء الدين أبو المكارم السمنانيُّ البياضيُّ المكيُّ المتوفّى (736) في العروة الوثقى:

قال لعليّ- عليه السلام وسلام الملائكة الكرام: «أنت منّي بمنزلة هارون من من موسى ولكن لا نبيَّ بعدي»، وقال في غدير خمّ بعد حَجَّة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذاً بكتفه: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه»، وهذا حديثٌ متَّفقٌ على صحَّته، فصار سيِّد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمّد- عليه التحية والسلام- وإلى هذا السرِّ أشار سيِّد الصديقين صاحب غار النبيِّ صلى الله عليه و آله أبو بكر حيث بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى عليّ لاستحضاره بقوله: يا أبا عبيدة أنت أمين هذه

ص:147

ص:148

الامّة أبعثك إلى مَن هو في مرتبة مَن فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلّم عنده بحسن الأدب.

9- قال الطيبي حسن بن محمَّد المتوفّى (743) في الكاشف في شرح حديث الغدير، قوله: «إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» يعني به قوله تعالى: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم (1) أطلق فلم يُعرِّف بأيّ شي ء هو أولى بهم من أنفسهم، ثمَّ قيّد بقوله: وأزواجه امَّهاتهم (2) ليؤذن بأنَّه بمنزلة الأب، ويؤيِّده قراءة ابن مسعود رضى الله عنه:

النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبٌ لهم. وقال مجاهد:

كلّ نبيّ فهو أبو امّته، ولذلك صار المؤمنون اخوة، فإذن وقع التشبيه في قوله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» في كونه كالأب، فيجب على الامّة احترامه وتوقيره وبرُّه، وعليه رضى الله عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هنَّأ عمر بقوله: يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.

10- قال شهاب الدين ابن شمس الدين دولت آبادي المتوفّى (1049) في هداية السعداء:

وفي التشريح قال أبو القاسم رحمه الله: مَن قال: إنَّ علياً أفضل من عثمان فلا شي ء عليه؛ لأنَّه قال أبو حنيفة رضى الله عنه وقال ابن مبارك: مَن


1- الأحزاب: 6.
2- الأحزاب: 6.

ص:149

قال: إنَّ عليّاً أفضل العالمين، أو أفضل الناس، وأكبر الكبراء فلا شي ء عليه؛ لأنَّ المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته كقوله صلى الله عليه و آله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» أي: في زمان خلافته، ومثل هذا الكلام قد ورد في القرآن والأحاديث وفي أقوال العلماء بقدر لا يُحصى ولا يُعدُّ.

وقال أيضاً في هداية السعداء وفي حاصل التمهيد في خلافة أبي بكر ودُسْتُور الحقائق:

إنّ النبيَّ صلى الله عليه و آله لَمّا رجع من مكة نزل في غدير خمّ فأمر أن يُجمَع رحال الإبل فجعلها كالمنبر فصعد عليها فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟».

فقالوا: نعم.

فقال النبيُّ صلى الله عليه و آله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذلْ مَن خذله»، وقال اللَّه عزَّوجلَّ: إنَّما وليُّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذين آمنوا الّذين يُقيمون الصَّلاة ويُؤتون الزَّكاة وهُم راكعون (1) قال أهل السنَّة: المراد من الحديث: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» أي: في وقت خلافته وإمامته.


1- المائدة: 55.

ص:150

11- قال أبو شكور محمَّد بن عبد السعيد بن محمَّد الكشيُّ السالميُّ الحنفيُّ في التمهيد في بيان التوحيد:

قالت الروافض: الإمامة منصوصةٌ لعليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه بدليل أنّ النبيَّ صلى الله عليه و آله جعله وصيّاً لنفسه وجعله خليفةً من بعده حيث قال: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي»، ثمَّ هارون عليه السلام كان خليفة موسى عليه السلام فكذلك عليٌّ رضى الله عنه. والثاني: وهو: أنَّ النبيَّ عليه السلام جعله وليّاً للناس لَمّا رجع من مكّة ونزل في غدير خُمّ فأمر النبيُّ أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال:

«ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم.

فقال عليه السلام: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ وال مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل من خذله»، واللَّه- جلَّ جلاله- يقول: إنَّما وليكم اللَّهُ وَرَسوله والّذينَ آمَنوا الّذين يُقيمون الصَّلاة ويُؤتون الزَّكاةَ وهُم راكِعونَ نزلت في شأن علي رضى الله عنه، دلَّ على أنَّه كان أولى الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

ثمّ قال في الجواب عمّا ذكر:

وأمّا قوله: بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه و آله جعله وليّاً، قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضى الله عنه، وفي زمن معاوية رضى الله عنه ونحن كذا نقول. وكذا الجواب عن قوله تعالى: إنَّما وَليّكم اللَّه وَرَسوله والَّذين آمنوا ...

ص:151

الآية. فنقول: إنَّ عليّاً رضى الله عنه كان وليّاً وأميراً بهذا الدليل في أيّامه ووقته، وهو بعد عثمان رضى الله عنه وأمّا قبل ذلك فلا (1).

12- قال ابن باكثير المكّيُّ الشافعيُّ المتوفّى (1047) في وسيلة المآل في عدِّ مناقب الآل (2)بعد ذكر حديث الغدير بعدَّة طرق- وأخرج الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار رضى الله عنه قال: سمعت أبا بكر رضى الله عنه يقول: عليّ بن أبي طالب عترة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أي: الّذين حثَّ النبي صلى الله عليه و آله على التمسّك بهم، والأخذ بهديهم؛ فإنَّهم نجوم الهدى؛ مَن اقتدى بهم اهتدى، وخصَّة أبو بكر بذلك رضى الله عنه لأنّه الإمام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم والعرفان، فهو إمام الأئمّة، وعالم الامّة، وكأنّه أخذ ذلك من تخصيصه صلى الله عليه و آله له من بينهم يوم غدير خمّ بما سبق، وهذا حديثٌ صحيحٌ لا مِرْية فيه ولا شكّ ينافيه، ورُوي عن الجمِّ الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمعِ حجّة الوداع.

13- قال السيِّد الأمير محمّد اليمنيُّ: المتوفّى (1182) في الروضة النديَّة شرح التحفة العلويّة (3)بعد ذكر حديث الغدير


1- قصدنا من إيراد هذا القول وما يأتي بعده محض الموافقة في المفاد، وأمّا ظرف الولاية والأفضليّة فلا نصافق الرجل عليه، وقد قدّمنا البحث عن ذلك مستقصىً، وسيأتي بياننا الواضح( للمؤلف قدس سره).
2- وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: 118 باب 4.
3- الروضة النديّة شرح التحفة العلويّة: 159.

ص:152

بعدَّة طرق:

وتكلّم الفقيه حميد على معانيه وأطال وننقل بعض ذلك- إلى أن قال-: ومنها قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: «مَن كنت مولاه فهذا مولاه»، والمولى إذا اطلق من غير قرينة فُهم منه أنَّه الملك المتصرِّف، وإذا كان في الأصل يُستعمل لمعانٍ عدّة منها: المالك للتصرُّف، ولهذا إذا قيل: هذا مولى القوم سبق إلى الأفهام أنَّه المالك للتصرُّف في امورهم- ثمَّ عدَّ منها: الناصر وابن العمّ والمعتق والمعتَق، فقال-: ومنها: بمعنى الاولى قال تعالى مَأواكم النارُ هي مَولاكم أي: أولى بكم وبعذابكم.

وبعدُ فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة (مولى) السابق المالك للتصرّف لكانت منسوبة إلى المعاني كلّها على سواء وحملناها عليها جميعاً إلّاما يتعذَّر في حقّه عليه السلام من المعتق والمعتَق؛ فيدخل في ذلك المالك للتصرُّف، والأولى المفيد ملك التصرُّف على الامّة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان إماماً، ومنها قوله صلى الله عليه و آله: «مَن كنت وليَّه فهذا وليّه»، والولي المالك للتصرّف بالسبق إلى الفهم، وإن استعمل في غيره، وعكس هذا قال صلى الله عليه و آله:

«والسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له» يريد ملك التصرُّف في عقد النكاح،

ص:153

يعني أنَّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة بطريق الحقيقة؛ فإنّه يجب حملها عليها أجمع إذا لم يدلّ دليلٌ على التخصيص.

14- قال الشيخ أحمد العجيليُّ الشافعيُّ في ذخيرة المآل شرح عقد جواهر اللآل في فضائل الآل- بعد ذكر حديث الغدير وقصَّة الحارث بن نعمان الفهري-: وهو من أقوى الأدلَّة على أنَّ علياً رضى الله عنه أولى بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتِّباع باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم، وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي- إن شاء اللَّه تعالى- من أنَّ علياً رضى الله عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمّا قضى حجَّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره، وردّاً على مَن تكلّم فيه كبُرَيدة؛ فإنّه كان يُبغضه، ولَمّا خرج إلى اليمن رأى جفوة فقصَّه للنبيّ صلى الله عليه و آله فجعل يتغيَّر وجهه ويقول: «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. لا تقع يا بُريدة في عليٍّ؛ فإنَّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي»(1).

وَهُدوُا إلَى الطِّيبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إلى صِراطِ الحَميدِ (2).


1- مر الكلام حول هذا الحديث وامثاله ص 383 و 384[ 102 و 103 من هذا الكتاب]( للمؤلف قدس سره).
2- الحج: 24.

ص:154

توضيح للواضح في ظرف مفاد الحديث

دعانا إليه إغضاء غير واحد (1) ممّن اعترف بالحقِّ في مفاد الحديث؛ حيث وجده كالشمس الضاحية بلجاً ونوراً، أو تسالم عليه (2) عن لازم هذا الحقّ، وهو: أنّه إذا ثبتت لمولانا أمير المؤمنين خلافة الرسول صلى الله عليه و آله فإنّ لازمه الّذي لا ينفكُّ عنه أن تكون الخلافة بلا فصل، كما هو الشأن في قول الملك الّذي نصب أحد مَن يمتُّ به وليَّ عهده من بعده، أو مَن حضره الموت أوصى إلى أحد، وأشهدا على ذلك، فهل يحتمل الشهداء أو غيرهم أنَّ الملوكيَّة للأوَّل والوصاية للثاني تثبتان بعد ردحٍ من الزمن مضى على موت الملك


1- راجع من كتابنا هذا ص 397 و 398[ 121 و 122]( للمؤلّف قدس سره).
2- راجع شرح المواقف 3: 271[ 8: 361] والمقاصد 290[ 5: 273] والصواعق: 26[ 43] والسيرة الحلبية 3: 303[ 3: 274]( للمؤلّف قدس سره).

ص:155

و الموصي؟ أو بعد قيام اناس آخرين بالأمر بعدهما ممّن لم يكن لهم ذكرٌ عند عقد الولاية، أو بيان الوصيَّة؟ وهل من المعقول مع هذا النصِّ أن ينتخبوا للملوكيَّة بعد الملك، ولتنفيذ مقاصد الموصي بعده رجالًا ينهضون بذلك، كما هو المطِّرد فيمن لا وصيَّة له ولا عهد إلى أحد؟ اللهمّ. لا. لا يفعل ذلك إلّامَن عزب عن الرأي، فصدف عن الحقِّ الصراح.

و هلّا يوجد هناك مَن يُجابه المنتخبين- بالكسر- بأنَّه لو كان للملك نظرٌ إلى غير مَن عهد إليه وللموصي جنوحٌ إلى سوى من أفضى إليه أمره فلماذا لم ينصّا عليه و هما يشهدانه و يعرفانه؟ فأين أولئك الرجال ليجابهوا مَن مرَّت عليك كلماتهم من أنَّ الولاية الثابتة لمولانا بنصِّ يوم الغدير تثبت له في ظرف خلافته الصوريَّة بعد عثمان.

أَوَ ما كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يعرف الم_تق_دّمين على ابن عمِّه، ويشهد موقفهم، ويعلم بمقاديرهم من الحنكة؟ فلماذا خصَّ النصَّ بعليّ عليه السلام؟ بعد ما خاف أن يُدعى فيجيب، وأمر الملأ الحضور أن يُبايعوه، و يُبلّغ الشاهد الغائب (1)؟

و لو كان يرى لهم نصيباً من الأمر فلماذا أخّر البيان عن وقت


1- تجد هذه الجمل الثلاث في غير واحد من الأحاديث فيما تقدّم[ ص 36 ه 1]( للمؤلّف قدس سره).

ص:156

الحاجة؟ وهو أهمُّ فرائض الدين، وأصلٌ من اصوله، بطبع الحال أنَّ الآراء في مثله تتضارب [كما تضاربت] وقد يتحوَّل الجدال جلاداً، والحوار قتالًا، فبأيِّ مبرِّر ترك نبيُّ الرَّحمة امَّته سُدى في أعظم معالم الدين.

لم يفعل نبيُّ الرحمة ذلك، ولكن حسن ظنِّ القوم بالسلف الماضين العاملين في أمر الخلافة، المتوثِّبين على صاحبها لحداثة سنِّه وحبِّه بني عبد المطلب كما مرَّ (ص 389)(1) حداهم إلى أن يُزحزحوا مفاد النصِّ إلى ظرف الخلافة الصوريَّة، ولكن حسن اليقين برسول اللَّه صلى الله عليه و آله يُلزمنا بالقول بأنَّه لم يترك واجبه من البيان الوافي لحاجة الامَّة. هدانا اللَّه إلى سواء السبيل.


1- راجع ص 109 من هذا الكتاب.

ص:157

المصادر

ص:158

صفحه خالى

ص:159

أ

1- القرآن الكريم

2- ارشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني

3- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود العمادي ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت- ط 2 سنة 1411 ه.

4- الاشباه والنظائر للسيوطي تحقيق د. عبد العال سالم ط.

مؤسسة الرسالة.

5- إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن للعكبري. تحقيق عطوه عوض ط 1 مصر 1961 م.

ب

6- البيان في غريب إعراب القرآن للانباري ط. دار الهجرة- قم.

ت

7- تاج التفاسير للسيد عثمان الحنفي

ص:160

8- تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري تحقيق: احمد عبد الغفور عطّار.

9- تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب المطبوع أسفل كتاب سيبويه ط. مصر- 1316 ه.

10- التحفة الاثنا عشرية للدهلوي ط. حجري- باكستان.

11- تذكرة خواص الأمّة في خصائص الأئمّة لابن الجوزي ط. مؤسسة أهل البيت- بيروت 1401 ه.

12- التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ط. دار إحياء الكتاب العربي- بيروت ط 4- 1983 م.

13- تفسيير البيضاوي ط. مؤسسة الأعلمي- ط 1- 1990 م.

14- تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلّي ط. دار المعرفة- بيروت.

15- التفسير الكبير للفخر الرازي ط. دار الفكر- 1995 م.

16- تفسير النّسفيّ ط. دار الفكر.

17- تفسير الوسيط للواحدي ط. دار الكتب العلمية- بيروت.

ص:161

18- تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات لمحبّ الدين أفندي- ط. مصر.

19- تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ط. مصر.

ج

20- جامع البيان للطبري ط. دار المعرفة- بيروت.

21- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط 3- دار الكتاب العربي- بيروت- 1387 ه- 1967 م.

خ

22- خصائص أمير المؤمنين تحقيق أحمد البلوي.

23- ديوان الحميري تحقيق شاكر هادي شكر ط. بيروت.

ر

24- الروضة الندية في شرح التحفة العلوية للصنعاني ط.

حجري.

ص:162

25- الرياض النضرة لابن السمّان ط. دار الكتب العلمية بيروت.

ز

26- زاد المسير لابن الجوزي تحقيق محمد بن عبد الرحمن عبداللَّه ط. دار الفكر.

س

27- سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ط 4- مطبعة النعمان- النجف الأشرف- 1385 ه- 1965 م.

28- سنن الترمذي ط. دار الكتب العلمية- بيروت.

29- السنن الكبرى للبيهقي ط. دار الكتب العلميّة بيروت 1411 ه- 1991 م.

30- السيرة الحلبية في سيرة الأمين والمأمون إنسان العيون للحلبي ط. دار المعرفة بيروت.

ش

31- الشافي في الإمامة للسيد المرتضى- تحقيق السيد عبد

ص:163

الزهراء الخطيب ط. مؤسسة الصادق طهران.

32- شرح التجريد للقوشجي ط. حجري.

33- شرح التصريح على التوضيح ط. انتشارات ناصر خسرو- طهران.

34- شرح ديوان أبي تمام لشاهين عطية ط. دار الكتب العلمية بيروت 1407 ه- 1987 م.

35- شرح المعلقات السبع للزوزني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد- ط. مصر.

36- شرح المقاصد تحقيق د. عبد الرحمن عميرة ط. قم.

37- شرح المواقف للجرجاني ط 1- مطبعة السعادة مصر- 1325 ه- 1907 م.

38- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط 2- دار إحياء التراث العربي.

ص

39- صحيح البخاري تحقيق د. مصطفى ديب البغا ط 5- دار ابن كثير- 1993 م.

ص:164

40- صحيح مسلم ط 1 مؤسّسة عزّ الدين بيروت- 1407 ه.

41- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة لابن حجر الهيثمي- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ط 1 مكتبة القاهرة- 1385 ه و 1965 م.

ع

42- العِبَر في خبر من غَبَر للذهبي تحقيق محمّد زغلول- ط.

دار الكتب العلمية بيروت.

43- عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار لابن البطريق- ط. مؤسسة النشر الإسلامي قم- 1407 ه.

44- العين للفراهيدي تحقيق د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي ط 2- دار الهجرة قم- 1409 ه.

غ

45- غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين النيسابوري تحقيق إبراهيم عطوة عوض ط 1- مصر 1389 ه- 1969 م.

46- غريب القرآن المسمّى بنزهة القلوب للسجستاني ط.

مصر 1382 ه- 1963 م.

ص:165

ف

47- فتح الغدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني.

48- الفتوحات الإلهيّة لسليمان جمل- ط. دار إحياء الكتاب العربي- بيروت.

49- فرائد السمطين للحمويني ط 1- مؤسّسة المحمودي بيروت- 1398 ه- 1978 م.

50- الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة- مطبعة العدل النجف الأشرف.

ق

51- القاموس المحيط للفيروزآبادي- ط. دار الجبل بيروت.

52- القرطين لابن قتيبة- ط. دار المعرفة- بيروت.

ك

53- الكشّاف عن غوامض التنزيل عيون الأقاويل في وجوه

ص:166

التأويل للزمخشري ط. دار الكتاب العربي.

ل

54- لسان العرب لابن منظور ط 2- دار إحياء التراث العربي بيروت- 1412 ه.

م

55- المحاسن والمساوئ لإبراهيم بن محمد البيهقي ط. صادر بيروت 1390 ه- 1970 م.

56- محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ط. المطبعة الشرقية مصر.

57- المحصول في علم اصول الفقه للرازي ط. دار الكتب العلمية بيروت- 1408 ه- 1988 م.

58- مجمع الأمثال للميداني تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم- ط. دار الجيل- بيروت 1416 ه- 1996 م.

59- المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي- ط. دار إحياء الكتب العربية.

ص:167

60- مسند أحمد- ط. دار إحياء التراث العربي- بيروت.

61- مسند شمس الأخبار المنتقى من كلام النبيّ المختار ط 1- مؤسسة الأعلمي- 1407 ه- 1987 م.

62- معالم التنزيل في التفسير والتأويل ط. دار الفكر بيروت- 1985 م.

63- معاني القرآن للفرّاء تحقيق د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي- ط. قم.

64- معجم البلدان.

65- معرفة علوم الحديث للحافظ النيسابوري مكتبة المتنبّي- القاهرة.

66- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني تحقيق محمد سيّد گيلاني ط. المكتبة الرضوية.

ن

67- نظم درر السمطين في فضائل المصطفى و المرتضى و البتول و السبطين ط 1- مطبعة القضاء- النجف الأشرف- 1377 ه- 1958 م.

ص:168

68- النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير- ط. دار الفكر- بيروت.

69- النواقض للروافض للبرزنجي مخطوط.

70- نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار للشبلنجي ط 1- الدار العالمية- بيروت- 1405 ه.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.