حكم الأضحية فى عصرنا

اشارة

سرشناسه : مکارم شیرازی ناصر، - 1305 عنوان و نام پديدآور : حکم الاضحیه فی عصرنا/ تقریرا مکارم شیرازی احمد قدسی مشخصات نشر : قم مدرسه الامام علی بن ابی طالب ع ، 1418ق = 1376. مشخصات ظاهری : [46] ص شابک : 964-6632-29-7 1500ریال يادداشت : عربی یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس موضوع : ذبح (فقه موضوع : حج -- قربانی موضوع : فقه جعفری -- رساله علیه شناسه افزوده : قدسی احمد، گردآورنده رده بندی کنگره : BP188/8 /م75ح8 1376 رده بندی دیویی : 297/357 شماره کتابشناسی ملی : م 79-3310

تمهيد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حينما تشرّفت بزيارة بيت اللَّه الحرام لأوّل مرّة، ذهبت الى منى لأُشاهد عن قرب عمليّة نحر الأضاحي في المسلخ يوم العيد، فاذاً بي اواجه مشهداً عجيباً، ... الآلاف المؤلّفة من أشلاء الأنعام من الشياه والبقر والإبل قد غطّت أرض المسلخ بحيث كان من الصّعب اختراقها والعبور من خلالها، في حين كانت شمس الحجاز الحارقة تلهب بحرارتها وجه البسيطة، فيسرع العفن في ذلك الركام الهائل من الاضاحي، دون أن يستفيد منها أحد من النّاس لا سيّما المساكين.

وبادرت الحكومة السعودية- من أجل أن تمنع انتشار الأوبئة بين الحجيج بسبب تعفّن الأضاحي بعد نحرها- إلى دفنها رغم ما يتعرض هذا العمل من صعوبات.

وبعد أن اطّلعت على هذا الوضع سعيت بدوري للحصول على شاة صحيحة تتوفّر فيها المواصفات المطلوبة لهديها، فتمّ لي ذلك، وقدّمتها لبعض المساكين هناك، ولكن لعلّهم أيضاً اكتفوا ببعض منها وتركوا الباقي.

كما لاحظت وجود عدد من الفقراء المعوزين الذين كانوا ينقلون أجزاءً

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 4

من الأضاحي خارج المسلخ، ولكن لاتتجاوز نسبة ما يقتطعونه من الأضاحي في أحسن الأحوال عشرة بالمئة، فيتلف

الباقي بالدفن أو الحرق!

وكما قلنا فانّ عملية الإتلاف لاتتمّ بسهولة، ولهذا قد تُنجز بشكل ناقص فيوجب تلوّث فضاء منى وتعفّنه يومي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة لاسيّما المناطق القريبة من المسلخ.

ولعلّ الكثير من الأفراد الذين يدخلون المسلخ ويشاهدون الوضع فيه يتساء لون في أنفسهم عن رأي الشرع المقدّس في هذه الظاهرة، وموقف الفقهاء ومراجع الدّين منها، وهل هي من المسائل المستحدثة، أم كانت بهذا الشكل منذ عصر المعصومين وفقهاء السلف؟

في تلك الفترة كنت من طلاب العلوم الدينية، وحديث عهد ببحوث الفقه الاستدلالي، وكنت مقلّداً في عدد من المسائل، ومنها مسائل الحج، فكانت وظيفتي الذبح ثمّ طرح الأضحية في محلّها، أو أن أقوم بعملية صورية في أخذ النيابة من الفقير ثمّ القبول من ناحيته وتركها في نفس المحلّ.

ولكن بعد أن حصلت على قدرة أكثر في استنباط المسائل، استغرقت في الفكر وعزمت على ملاحظة أدلّة المسألة بالدقّة والتأملّ اللائقين، وعدم الاقتناع بمقولة الآخرين وممارساتهم العملية، خصوصاً بعد أن تعقّدت المسألة بانتقال جميع المذابح من منى إلى خارجه مع أنّ من شروط صحة الأضحية عند فقهاء الشيعة كونها في منى، وعدم إجزاء ما يقع خارجها، ولذلك تفحّصت جميع روايات أبواب الذبح بدقّة وتدبّر، وتعمّقت في كلمات القوم وفتاوى الفقهاء الكرام واستدلالاتهم، وناقشت بعضهم، وسعيت لأن أجرّد ذهني من الخلفيات المعرفية حتّى أفتي في المسألة مع حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 5

فراغ البال، وأستجلي الحقيقة من روافدها الشرعية وأدلّتها المعتبرة،- كما حصل للعلّامة الحلّي قدس سره في حكمه بردم بئر داره، ثمّ الفحص عن أدلّة اعتصام ماء البئر، وفي النهاية أفتى بالإعتصام خلافاً لجميع من كانوا قبله- فانتبهت إلى أنّ مثل هذه الأضاحي ليست مجزية لوظيفة الحج،

وعلى الحجّاج الإحتناب عنها والاحتياط بالإتيان بها في أيام ذي الحجّة في أوطانهم، أو مكان آخر.

ولهذا عزمت على بيان ما ثبت لي من الدليل علي هذه الفتوى مع أداء التكريم والاحترام لجميع المراجع والفقهاء العظام في فتاواهم، كيما ينفتح بذلك للباحثين باب بحث أكثر وفحص أبلغ حول هذه المسألة المهمّة.

المحور الأصلي في المسألة

وقبل كلّ شي ء لابدّ أن نعلم أنّ لمسألة الأضحية في زماننا هذا أربع حالات:

1- إذا أمكن إيقاع الذبح في منى (أو في المذابح الموجودة اليوم مع عدم التمكن منه في منى) وصرف لحوم الأضاحي في مصارفها بحيث لايلزم الإتلاف والدفن والإحراق، فلا اشكال في تقدّمه على أيّ شي ء آخر.

2- إذا لم يوجد المستحقّون في منى، ولكن يمكن نقل اللحوم إلى خارج منى، أو إلى خارج المملكة السعودية بتجفيف اللحم، أو استخدام إحدى الوسائل الحديثة لحفظه وتعبئته في علب تدرأ عنه الفساد، ثمّ صرفه للمستحقّين، يجب الذبح أيضاً في منى، ثمّ النقل إلى خارجها.

3- إذا لم يمكن نقل اللحوم إلى خارج منى أو خارج الحجاز، وأمكن حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 6

الذبح في مكان آخر داخل مكّة أو داخل الحرم وصرف اللحوم في مصارفها، وجب الذبح في ذلك المكان على الاحتياط اللازم.

4- إذا استعصت الحالات الثلاثة السابقة، بحيث لم يبق أمامنا إلا الإتلاف أو الإحراق، يمكن القول بسقوط وجوب الذبح (لأنّ الواجب ليس مجرد إراقة الدم، بل مشروط في الكتاب والسنّة بصرفها في مصارفها، وحيث لايمكن تحصيل الشرط يسقط المشروط، كما سيأتي تفصيلًا).

ولكن الأحوط وجوباً عزل ثمنها، ثمّ الإتيان بسائر المناسك، ثمّ الذبح في الوطن أو محل آخر بعد الرجوع في شهر ذي الحجة، والأولى في صورة الإمكان، التنسيق والاتفاق مع بعض الأهل والأصدقاء للذبح يوم

الأضحى في الوطن- لكي يقع الذبح والصرف في نفس اليوم- والتقصير بعده (لكن هذا ليس بواجب لأنّه يوجب العسر والحرج على كثير من الحجاج).

والدليل على ذلك امور أربعة:

الأوّل: ليس الواجب في الهدي مجرّد إراقة الدّم

اشارة

المستفاد من ظاهر الآيات الواردة في حكم الأضحية في القرآن الكريم أنّ الأضحية المطلوبة في الشريعة الإسلامية هي ما يصرف لحومها للفقراء والمساكين لا مجرّد إراقة الدّم، قال اللَّه تبارك وتعالى:

«وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ». «1»

فالمستفاد من هذه الآية- خصوصاً بقرينة الفاء «فَكُلُوا ...»- جعل الأضحية في سبيل الإطعام، ولزوم استفادة المضحّي والقانع والمعترّ (القانعون من الفقراء والمعترّون منهم) من لحومها، ومن الواضح أنّ الآية ليست ناظرة إلى الموارد التي لا يأكل منها المضحّون والقانعون والمعترّون، بل تلتهمها حفر الأرض ومصاهر النار!

إن قيل: لعلّ مفهوم قوله تعالى بعد الآية المزبورة: «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى «2» عدم موضوعية المصرف، وأنّ المهم حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 8

إنّما هو التقوى والنيّات الخالصة حين الذبح، وبعبارة اخرى: لإراقة الدم موضوعيّة.

قلنا: لازم هذا الاستنباط عدم لزوم إراقة الدم، وعدم وجوب الأضحية أيضاً (لأنّها تقول: «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها») وهو خلاف المطلوب، فالصحيح أن يقال: إن المقصود في الآية الشريفة أنّ قيمة إراقة الدم وصرف المضحّي لحومها لنفسه ولغيره، انّما هي في ما إذا كانت الأضحية ملازمة لقصد القربة وخلوص النيّة، فهو نظير ما إذا قلنا: إنّ قيامكم أو قعودكم في الصلاة ليس بمهمّ، إنّما المهم هو إخلاص النية وقصد التقرب إلى اللَّه تعالى.

ونظير الآية المزبورة (أي قوله: «وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ ...») في الدلالة على

لزوم الصرف وموضوعية الاستفادة من اللحوم آية اخرى من سورة الحج وهي:

«وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ... لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ». «1»

حيث إنّه لو سلمنا أنّ صيغة «كلوا» في هذه الآية في مقام دفع توهّم الحظر من أكل المضحيّ (ولازمه عدم دلالتها على الوجوب كما قال به الكثير من الفقهاء والمفسرون) فلا اشكال في دلالة «أطعموا» على وجوب صرف اللحوم في الفقراء، كما تدلّ عليه الروايات الواردة في أبواب الذبح أيضاً، وأنّه أمر واجب بعد الذبح مرتبط به لا ينفك عنه بحسب ظاهر الآيات، بل الذبح مقدّمة له.

دفع شبهة تعدّد المطلوب

إن قيل: لعلّ المسألة من قبيل تعدّد المطلوب، فكانت إراقة الدم في منى أمراً مطلوباً، وصرف اللحوم في المصارف المنصوصة مطلوباً آخر، فاذا لم يقدر المكلّف على إتيان أحدهما (وهو صرف اللحوم) لم يسقط الآخر، وهو إراقة الدم في منى.

قلنا: ظاهر الأمر في الآية الشريفة هو وحدة المطلوب، لأنّ تعدّد المطلوب يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة في المقام، بل القرينة قائمة على خلافه؛ لظاهر التفريع بالفاء.

وبالجملة: على مدّعي التعدّد تقديم القرينة؛ مضافاً إلى ما سيأتي من عدم سبق إراقة الدم بدون صرف اللحوم في عصر نزول القرآن وأعصار المعصومين- عليهم السلام- حتى يدّعى التعدّد، فإنّ تعدّد المطلوب يرجع إلى نوع من الإطلاق وشمول الدليل، والإطلاق بالنسبة إلى مصداقٍ، فرع وجود ذلك المصداق كما أشرنا إليه سابقاً.

مقتضى صناعة الفقه

إن قيل: لازم وحدة المطلوب سقوط الهدي مطلقاً، فإنّ المطلوب الواحد ينتفي بانتفاء قيده، وهو في المقام وقوع الهدي في منى أوّلًا، وصرفه في الفقراء ثانياً، فانتفاء الأوّل بانتقال المذبح إلى خارج منى، وانتفاء الثاني بإعدام اللحوم بالدفن أو الحرق، يوجبان انتفاء أصل الهدي وسقوطه عن الوجوب.

قلنا: هذا وإن كان محتملًا بحسب صناعة الفقه، ولكنّه مخالف للاحتياط قطعاً، خصوصاً بعد ملاحظة عدم إسقاط الشارع المقدّس الهدي في مورد من الموارد، حتى بالنسبة إلى من لم يجد ثمن الهدي، فأوجب عليه بدل حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 10

الهدي الصيام ثلاثة أيام متوالية في الحج وسبعة بعد الرجوع إلى أهله. وفيما نحن فيه حيث إنّه واجد لثمن الهدي، ودليل الصيام مختص بمن لم يجد، فلا أقلّ من أنّ مقتضى الاحتياط إتيان الهدي في محلّ آخر كما مرّ، لا سيّما أنّ الهدي قد يقع في مكان آخر غير منى وفي ايّام اخرى

كما في المصدود، وهو المنصوص كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللَّه، فهنا لا ينتفي المقيّد إذا انتفى القيد.

وبعبارة اخرى لعلّ عدم سقوط الهدي في جميع الموارد يمكن أن يكون دليلًا على أنّه إذا لم يمكن الهدي في منى وجب إتيانه في محلّ آخر إلّا إذا لم يكن واجداً للثمن، فيأتي ببدله وهو الصيام.

إن قيل: إتيان الهدي بالقيدين المذكورين (وقوع الذبح في منى وصرف لحوم الهدي) معاً متعذّر غالباً في الأوضاع الحالية، فلابدّ من ترك أحدهما والإتيان بالآخر، فإمّا أن يأتي بالهدي في منى مع عدم صرف لحومها، أو يترك الهدي في منى ويأتي به في خارجه، مع صرف اللحوم في مصارفها وترجيح أحد القيدين على الآخر محتاج إلى دليل، ولا دليل على تقديم الصورة الثانية على الصورة الاولى.

قلنا: أوّلًا: جميع المذابح في يومنا هذا خارجة عن منى، فوقوع الذبح في منى أيضاً متعذّر، وثانياً: ليس القيدان على حدّ سواء، فإنّ صرف اللحوم في مصارفها من أركان الهدي في نظر العرف وأهل الشرع، ومن البعيد جداً أن يكون لمجرّد إراقة الدم موضوعيّة، سيّما إذا جرّ ذلك إلى الإسراف أو التبذير الحرام في رأي الشارع المقدّس، وسيأتي شرحه في المباحث اللاحقة.

وحينئذ فإنّ ترجيح أحد القيدين على الآخر- أي إيقاع الهدي خارج منى وصرف اللحوم في مصارفها- ليس من قبيل الترجيح بلا مرجّح.

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 11

وممّا يدلّ على ذلك (دلالةً قويّةً) ما ورد بطريقين مختلفين في أبواب الذبح عن الامام الصادق عليه السلام عن آبائه عن جدّهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّه قال:

«انّما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم». «1»

وإذا تأملّت في هذه الرواية علمت أنّ الأضاحي التي تؤتى بها

في الحج حالياً (ولا تصرف لإطعام الفقراء وإشباعهم) خارجة عن نطاق أوامر الشرع!

والرواية وان ذكرها صاحب الوسائل في أبواب الأضحية المستحبّة، ولكن مفادها عام يشمل الجميع.

دفع شبهة مطلوبية مجرّد إراقة الدم

إن قيل: هناك روايات تدل على مطلوبية مجرد إراقة الدم، مثل ما رواه شريح بن هاني عن علي عليه السلام أنّه قال:

«لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحّوا، إنّه ليغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة تقطر من دمها» «2»

ومارواه بشر بن زيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لفاطمة عليها السلام:

«اشهدي ذبح ذبيحتك، فإنّ أول قطرة منها يغفر اللَّه بها كلّ خطيئة عليك إلى أن قال هذا للمسلمين عامّة». «3»

قلنا: التمسّك بمثل هذه الرّوايات لمطلوبية مجرّد إراقة الدم واعتبار الموضوعية لها، كما ترى، لأنّ كلّ من ألمّ بفنون الكلام عرف أنّ مثل هذا التعبير كناية عن سرعة أثر الأضحية للمضحّي بلا فصل ومن دون مهملة،

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 12

كمن يريد بيان فضيلة الجهاد، فيقول: «يغفر اللَّه للمجاهد بأوّل خطوة يضعها في طريق الجهاد في سبيل اللَّه» أي أنّ من يخرج من بيته قاصداً الجهاد في سبيل اللَّه وإحياء أمر اللَّه يسرع إليه غفران اللَّه بأوّل خطوة يخطوها، لا أنّ المطلوب من الجهاد يحصل بأوّل الخطوة.

وهكذا ما نحن فيه، فكأنّ الامام عليه السلام قال: «من ذبح ذبيحته في سبيل اللَّه لإشباع المساكين وإطعامهم فإنّه ينال غفران اللَّه عند أوّل قطرة تقطر من دمها». فمثل هذه العبارة لا تشمل من أقدم على الأضحية لأن يشبع بها حفر الأرض ومصاهر النار، ويعلم بعدم إطعام المساكين منها، بل تحرق أو تدفن، خصوصاً بعد ملاحظة ما مرّ من قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«إنّما جعل اللَّه هذا

الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم» «1»

فالرسول الذي ينطق بمثل هذا البيان كيف يأمر امّته بإهراق دماء الأضاحي ولو لم يترتب عليه الإشباع والإطعام.

وبما ذكرنا يظهر الجواب عن التمسك بروايات تعبّر عن الهدي بالدّم، فإنّ «الدّم» أو «إهراق الدّم» (نظير ماورد في قوله صلى الله عليه و آله:

«ما أنفق الناس نفقة أعظم من دم يهراق في هذا اليوم» «2»

وقول الصادق عليه السلام في رجلين اقتتلا وهما محرمان:

«على كلّ واحد منهما دم») «3»

كناية عن الهدي وعظمته، لا على عظمة إراقة الدّم ولو بلغ ما بلغ، فإنّه نظير ما إذا قلنا في محاورتنا اليومية لمن نجا ولده من خطر السقوط والموت مثلًا، أو نجا هو وأهل بيته من حادثة سيارة في الطريق: «عليه إهراق الدم»، فمن الواضح أنّه كناية عن حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 13

إطعام المساكين من لحمها في سبيل اللَّه، لا مجرّد إهراق الدّم مطلقاً وإن لم يصرف من لحمها في سبيل اللَّه.

قياس الهدي بالطواف والسعي

إن قيل: هل وجدتم في لسان الروايات مورداً أمر الشارع فيه بإيقاع الهدي خارج منى؟ أليس هذا من قبيل الإتيان بالطواف أو السعي في غير مكّة؟

قلنا: توجد موارد عديدة في روايات الباب توجب إيقاع الهدي خارج منى، فليس الهدي كالطواف والسعي القائمين بمكان معيّن:

منها: المصدود- وهو من أتى بهدي، ومنع من الدخول في الحرم أو مكّة- إذا ساق هدياً، فالروايات وفتاوى المشهور من الفقهاء العظام متّفقة على وجوب ذبحه في نفس محلّ الصدّ، فلو كان الهدي في غير منى كالطواف في غير مكّة، سقط وجوب الهدي. «1»

ومنها: رجل ساق الهدي، فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه، فعليه أن ينحره أو يذبحه ويكتب كتاباً أنّه هدي، ويضعه عليه ليعلم

من مرّ به أنّه صدقة، ويأكل من لحمها إن أراد. «2»

فهذه الروايات تدل أبلغ دلالة، أوّلًا: على جواز الهدي خارج منى في موارد الضرورة. وثانياً: على لزوم السعي في صرف لحمه إلى المستحقّين ابتداءً، وفي صورة عدم حضور المستحقّين ينصب علامة تدلّ على أنّه هدي وصدقة يجوز للمؤمنين والمستحقّين الأكل منه.

إن قيل: ألا يمكن هذا في مذابح منى في يومنا هذا، أي يكتب كتاباً

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 14

وينصب على الأضاحي حتى ينتفع منها المستحقّون؟

قلنا: المفروض في المقام عدم وجود المستحقّ مطلقاً، بحيث لا محيص عن دفنها أو إحراقها كما نشاهده في كل عام، ومن المعلوم لغويّة الكتابة والنصب في هذه الحالة.

نعم لو وجدنا مستحقّين في منى- ولو بالنسبة إلى بعض الأضاحي- يجب ذبحها (ذبح البعض) في منى أو قريب منها مع التعذر فيها على الأحوط، ولكن حيث تذبح الأضاحي بمقدار المستحقّين بفتوى الآخرين يسقط الذبح عنا في الحال الحاضر.

توهّم لزوم البدعة

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ ما قد يقال: من أنّ الذبح خارج منى (كالذبح في الوطن أو مكان آخر) بدعة وأمر جديد، كلام بلا أساس.

فقد ظهر أوّلًا: وجود موارد أمر الشارع فيها بإيقاع الهدي خارج منى.

وثانياً: إنّ الأضاحي التي تؤتى بها في ايّامنا هذه، خارجة عن نطاق أوامر الشرع (لمكان اللام في قوله عليه السلام:

«لتشبع مساكينكم ...»

وفاء التفريع في الآية الكريمة «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ...») بل لعل إيقاع الهدي خارج المذبح في يومنا هذا، مع عدم إشباع المساكين وإطعامهم بدعة وأمر جديد، لم يسبق له في الشرع وفي أزمان المعصومين مثل ولانظير.

وثالثاً: إنّ الحكم بايقاع الهدي في الوطن أو مكان آخر مبنيّ على مجرد الإحتياط، والّا فمقتضى الصناعة احتمال سقوط الهدي من رأس كما مرّ

مراراً، ولامعنى لأن يكون الحكم المبنيّ على مجرّد الإحتياط بدعة، بل لعل ذبح الأضاحي ودفنها أشبه بالبدعة، واللَّه العالم.

الثاني: عدم شمول أدلّة الأضحية للمصاديق الموجودة في عصرنا

لا إشكال في أنّ مسألة الأضحية بشكلها الحالي من المسائل المستحدثة التي لا سابق لها في عصر النبي صلى الله عليه و آله والأئمة- عليهم السلام-، وذلك لقلّة عدد الحجاج يومذاك وكثرة المستحقّين، بحيث كانت اللحوم تصرف جميعها في أيّام الحج، ولعل بداية الوضع الفعلي قد تحصلت في القرن الأخير، ولذلك يخبر المعمّرون منّا أنّ لحوم الأضاحي كانت تصرف بسرعة في منى وخارجها. وبهذا يظهر أنّ وجه عدم طرح هذه المسألة في كتب الفقهاء السابقين إنّما هو عدم ابتلائهم بها.

والمستفاد من آيات الأضحية تقيّد موضوع الهدي بصرف اللحوم في مصارفها، واستهداف الصرف في الواجب الشرعي يعني المقومية له كما مرّ.

والمستفاد من الروايات أيضاً أنّ صرف لحوم الأضاحي كانت تصرف بتمامها في عصر النبي صلى الله عليه و آله في الأيّام الاولى بعد الذبح، بحيث نهى عن ادّخارها أكثر من ثلاثة أيّام؛ وذلك لكثرة المستحقّين في ذلك العصر:

منها: ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال:

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 16

«كان النبي صلى الله عليه و آله نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيّام من أجل الحاجة، فامّا اليوم فلا بأس به». «1»

ومثله الحديث الثالث من نفس الباب عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أيضاً قال:

«إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيّام».

ومنها: ما رواه ابو الصلاح عن الصادق عليه السلام وحنان بن سدير عنه أيضاً قال:

«نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثمّ أذن فيها وقال: كلوا

من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادّخروا». «2»

فيستفاد من جميع هذه الروايات وروايات اخرى صرف اللحوم بتمامها في تلك الأيّام أو جعلها على الأقل بصورة القديد لادّخارها لأيّام اخر (وكان الادّخار ممنوعاً في بداية الأمر لكثرة المحتاجين ثمّ أذن فيه). بل يستفاد منها منع إخراج اللحوم من منى لكثرة أرباب الحاجة إليها، نعم بعد أن كثرت اللحوم وقلّ المستحقّون أجيز نقلها إلى خارج منى والانتفاع بها.

ففي حديث محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال:

«كنّا نقول: لا يخرج منها شي ء لحاجة النّاس إليه، فأمّا اليوم فقد كثر النّاس فلا بأس بإخراجه». «3»

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 17

كما أنّ مدلول مجموع هذه الروايات صرف لحوم الأضاحي في أعصار الأئمة المعصومين- عليهم السلام- أيضاً، إمّا في الأيام الاولى من الحج في منى، أو في أيّامٍ اخر في مكة أو خارج مكة، وأمّا ما نشاهده اليوم من دفنها أو إحراقها فهو أمر مستحدث لم يكن له وجود في الأزمنة السابقة، وحينئذ من المشكل جداً إطلاق روايات الأضحية بحيث تشمل تمام صور المسألة حتى صورة الدفن أو الحرق؛ لأنّ المصداق الموجود في عصرنا إنّما هو من قبيل الفرد النادر أو الفرد المعدوم في عصر نزول آيات الهدي وصدور رواياتها.

إن قيل: قلّة المصداق أو عدم وجوده لا يوجب عدم شمول إطلاق أو عموم بالنسبة إليه، والّا لم يجز التمسّك بالعمومات والإطلاقات للمصاديق المستحدثة من موضوعات الأحكام، كالتمسّك بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لصحّة عقد التأمين مثلًا، وغيره من العقود الحديثة.

قلنا: إنّه كذلك، أي التمسّك بتلك العمومات أو الإطلاقات في باب العقود المستحدثة مشكل جداً لنفس الإشكال، وطريق حلّ مشكلة هذه العقود منحصر بإلغاء الخصوصية القطعيّة

العرفيّة في الموارد التي يمكن ذلك فيها. لكن من المعلوم أنّ الخصوصية موجودة في محلّ البحث يقيناً، فلا يمكن إلغاؤها؛ لأنّه لا يمكن لأحد دعوى اليقين أو الاطمئنان بعدم الفرق بين الذبائح الّتي تصرف لحومها والّتي تعدم بالدفن أو الحرق، فهذا دليل آخر على عدم الاجتزاء بهذه الأضاحي.

الثّالث: جميع المذابح خارجة عن منى

اشارة

إنّا نعلم بإنتقال المذابح كلّها حالياً من منى، وعلى هذا حتّى لو رفعنا أيدينا عن أدلة حرمة الإسراف- الّتي سيأتي بيانها- وفرضنا شمول أدلة الذبح لصورة فساد اللحوم وعدم صرفها في مصارفها الشرعية، كان الإشكال باقياً على حاله، فإنّ إجماع العلماء قائم على لزوم وقوع الذبح في منى، والروايات أيضاً تصرّح بأنّه «إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى» «1»

وفي بعض الروايات:

«لا ذبح إلّا بمنى». «2»

وعلى أيّ حال، العمل بهذا الواجب غير ممكن في هذه الايّام، وحينئذ إن قلنا: إنّ إيقاع الذبح في منى شرط في صحّته مطلقاً، سواء في الاختيار والاضطرار، فلازمه سقوط الذبح من الأساس؛ لأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، نظير ما إذا قلنا: إنّ الصلاة غير واجبة على فاقد الطهورين؛ لأنّ الطهارة شرط على الإطلاق. وإن قلنا بأنّه شرط حال الاختيار فقط، فلازمه سقوط هذا الشرط حال الاضطرار ووجوب الاتيان به في محلّ آخر، من دون فرق بين وادي محسّر وغيره؛ لعدم الدليل على لزوم رعاية الأقرب حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 19

فالأقرب، أو كون وادي محسّر بدلًا عن منى.

إن قيل: جاء في غير واحد من الروايات جواز الذبح في مكّة، مثل معتبرة معاوية بن عمّار في قوله: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ أهل مكّة أنكروا عليك أنّك ذبحت هديك في منزلك بمكّة فقال:

«إنّ مكّة كلّها منحر» «1»

وفي معناه غيره.

والجمع بينها

وبين ما دلّ على أنّ الذبح لا يكون إلّا بمنى، يقتضي حملها على صورة عدم إمكان الذبح بمنى.

قلنا: أوّلًا: لابدّ من حمل هذه الروايات على الهدي غير الواجب، لورود التصريح بأنّه «إن كان هدياً واجباً فلا ينحره الّا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء» «2»

لا على صورة عدم إمكان الذبح بمنى، حيث إنّه لو كان الذبح في منى متعذّر، لم يكن وجه لإنكار أهل مكّة على الامام عليه السلام.

ثانياً: سلّمنا، ولكن الذبح بمكّة أيضاً متعذّر في زماننا هذا، نعم يمكن ذلك للنادر من الحاجّ لانّ الجهات المسؤولة لا ترخّص لهم ذلك كما هو واضح، فلا تفيد هذه الروايات في حلّ هذه المشكلة، وأين مكّة من وادي محسّر؟!

شبهة الارتكاز لدى المتشرّعة

قديقال: إنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة من المسلمين أنّ محلّ إيقاع حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 20

مناسك الحج وشعائره ليس إلّا مساحة الأرض الّتي تحيط ببيت اللَّه الحرام زادها اللَّه شرفاً وعزّاً، ولا يجزي ما يؤتى بها في خارج هذه القطعة من وجه الأرض الّا عدد يسير مما نطقت به الأدلّة كالإحرام من مسجد الشجرة وكصيام سبعة أيّام بدل الهدي. والظاهر أنّ هذا الارتكاز لا يفرق بين حالتي الاختيار والاضطرار، وهذا الارتكاز وإن لم يكن ممّا ينبغي أن يعتمد عليه في الجزم بالحكم الشرعي، إلّا أنّه يمنع عن الركون إلى خلاف ما يقتضيه في استنباط الحكم الشرعي.

قلنا: هذا أشبه شي ء بالاستحسان الظنّي، ولا يمكن الركون اليه كما اعترف به صاحب هذا المقال، وإذا لم يكن ممّا يمكن الركون إليه، فلماذا يمنع عن الركون إلى خلاف ما يقتضيه؟!

هذا- مضافاً إلى أنّ الذي لا يجوز الإتيان به من المناسك في غير هذه القطعة من الأرض أمور خاصّة

كالوقوف بعرفات، ومنى، ومشعر، والطواف، والسعي، ممّا يكون قوامه بالمحلّ الخاص، ولكن غير واحد من المناسك قد يؤتي بها في غير هذه القطعة كركعتي الطواف، فقد أفتى فقهاؤنا- رضوان اللَّه عليهم- بأنّه إذا نسيها ولم يأت بها وخرج من مكّة ولم يمكنه الرجوع إليها يأتي بهما في الطريق، وإذا تذكّر بعد الرجوع إلى وطنه يأتي بهما في وطنه، وقد صرّحت بذلك روايات الباب أيضاً:

منها: ما رواه ابو بصير- يعني المرادي- قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، وقد قال اللَّه تعالى: «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» حتّى ارتحل، قال:

«إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه، ولا آمره أن يرجع ولكن يصلّي حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 21

حيث يذكر». «1»

ومثله ما رواه ابو الصباح الكناني «2» عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.

ومنها: ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:

«من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل آخر من المسلمين». «3»

ومنها: ما رواه معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتّى ارتحل من مكّة، قال:

«فليصلّهما حيث ذكر، وإن ذكرهما وهو في البلد فلا يبرح حتّى يقضيهما». «4»

هذا بالنسبة إلى ركعتي الطواف، وأمّا بالنسبة إلى الهدي الذي هو محل الكلام فقد مرّ أنّه إذا كان معه الهدي وعطب في بعض الطرق ومرض بحيث يخشى هلاكه يجوز نحره أو ذبحه في محلّه وإن كانت بينه وبين الحرم مسافة بعيدة كمن خرج من مسجد الشجرة قاصداً مكّة وبعد طيّ

مسافة قليلة مرض هديه وعطب، ففي رواية حفص بن البختري قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه ولا يعلم أنّه هدي قال:

«ينحره ويكتب كتاباً أنّه هدي ويضعه عليه ليعلم من مرّ به أنّه صدقة». «5»

ومثله سائر ورايات الباب فراجع.

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 22

والإصرار على كتابة الكتاب في هذا الحديث دليل على وجوب صرفها في مصارفها.

ومرّ أيضاً ذكر المصدود إذا ساق هدياً وأنّ الروايات وفتاوى المشهور متّفقة على وجوب ذبحه في نفس محلّ الصدّ، ففي حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«فإنّ المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه ...». «1»

وفي رواية حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين صدّ بالحديبيّة قصّر وأحلّ ونحر ثمّ انصرف منها ...». «2»

وكذلك بالنسبة إلى التقصير، فقد ورد التصريح في جملة من الروايات بجوازه خارج تلك القطعة المعروفة من الأرض:

منها: ما مرّ آنفاً في الرواية الأخيرة (رواية حمران) من أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قصّر في الحديبيّة.

ومنها: ما رواه مسمع قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتّى نفر؟ قال:

«يحلق في الطريق أو أين كان». «3»

ومثلها الرواية السادسة من نفس الباب.

هذا- مضافاً إلى ما اعترف به صاحب الاشكال من خروج الإحرام الذي هو من مناسك الحج عن تلك القطعة، فإنّ المواقيت كلّها خارجة عن الحرم، وكذا صيام سبعة أيّام بدل الهدي.

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 23

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ كثيراً من مناسك الحج يجوز فعلها خارج المواقف الخاصّة عند الاضطرار، لا سيّما نفس محلّ الكلام، وهو الهدي، لما

مرّ من رواية حفص البختري فيمن كان معه الهدي وعطب في بعض الطرق، وروايتي حمران وزرارة في المصدود، فلو كان الهدي ممّا يقوم بتلك القطعة من الأرض كالوقوفين والسعي والطواف لم يجز إتيانه خارجها اختياراً واضطراراً.

حكم وادي محسّر وقياس الهدي بالوقوف

إن قيل: مقتضى القاعدة عند تعذّر الذبح بمنى وإنّ كان جواز الذبح في أيّ مكان آخر يختاره الحاجّ، إلّا أنّ هذا إنّما يصحّ القول به لو لم يتوفّر دليل على ثبوت بدل اضطراري بمنى، والدليل على ذلك موجود، وهو موثّق سماعة في قوله: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال:

«يرتفعون إلى وادي محسّر» «1»

فإنّ المتفاهم العرفي من هذه المعتبرة قيام وادي محسّر مقام منى عند كثرة الحجّاج وضيق منى عن استيعابهم في جميع ما هو وظيفة الحاجّ فيها حتّى بالنسبة إلى ذبح الأضحية.

قلنا: هذا الاستدلال ضعيف جدّاً؛ لأنّ ظاهر الرواية أنّها واردة في مورد الوقوف في منى لا مطلق ما يؤتى به في منى، وحينئذ قياس الأضحية على الوقوف قياس مع الفارق، فإنّ الوقوف قائم بمنى نفسها، فإنّه لا معنى حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 24

للوقوف في غيره، فعند التعذّر يرتفع الحاجّ بمقتضى هذه الرواية إلى وادي محسّر، وأمّا الأضحية فقد عرفت أنّه قد تتّفق في غير منى أيضاً، فقياسها على الوقوف قياس مع الفارق، وهو غير جائز عندنا.

نعم لو دلّ نصّ خاص على إمكان إيقاع الهدي في محلّ قريب من منى (كوادي محسّر) عند التعذّر لقلنا به، وحيث لم يرد نصّ كذلك، والقياس والاستحسان ممنوعان عندنا، فمقتضى الصناعة سقوط الهدي من رأس، أو إتيان الهدي في أيّ مكان، نعم: لا ريب في أنّ الاولى رعاية الأقرب فالأقرب، ولكن هذا إذا

أمكن إيقاع الهدي مع شرائطه الواجبة الّتي منها إشباع المساكين وإطعامهم، لا ما إذا كان هذا الأمر متعذّراً في وادي محسّر أيضاً.

الرّابع: حرمة الإسراف والتّبذير

اشارة

إنّ القرآن الكريم نهى عن الاسراف نهياً شديداً، وواجه المسرفين مواجهة عنيفة، فقال تبارك وتعالى في سورة الأنعام: «وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» «1»

وقال في تعبير أشدّ في سورة غافر:

«وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ» «2»

وقال في آية اخرى من هذه السورة:

«إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ» «3»

وفي سورة الأنبياء جعل المسرفين من دلائل الهلاك والمَحْق وقال:

«وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ» «4»

بل جعل في سورة الفرقان عدم الإسراف حتّى في الإنفاق من علائم عباد الرحمن- مع أنّ الإنفاق عمل مطلوب مستحسن، حثّ عليه الشارع في آيات كثيرة- فقال:

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 26

«وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً». «1»

ونهى القرآن عن التبذير أيضاً بلحن شديد، فعرّف المبذّرين بأنّهم إخوان الشياطين حيث قال:

«وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً». «2»

الفرق بين الإسراف والتّبذير

وقد وقع الكلام بين المحقّقين في بيان الفرق بين الإسراف والتبذير، والّذي يظهر من خلال الدقّة والتأمّل أنّ الإسراف بمعنى الخروج عن حدّ الاعتدال والاقتصاد من دون تضييع شي ء بحسب الظاهر، كلبس الثياب الثمينة القيّمة الّتي تساوي قيمتها أضعاف قيمة الثياب العادية مئات المرّات مثلًا، فهو إسراف، وفي الحال لم يضيّع شي ء، ولكن التبذير هو ما يؤدي إلى تضييع نعم اللَّه تعالى، كما إذا هيّأ لعشرة أشخاص مثلًا طعام خمسين شخصاً بحيث يطرح الزائد ويفسد.

هذا هو الفرق بين الكلمتين، ويؤيد ذلك أيضاً المعنى اللغوي لهما، نعم ربّما اتحدا واستعملا في معنى واحد.

سعة دائرة مفهومي الإسراف والتّبذير

ثمّ إنّ دائرة مفهوم الإسراف أو التبذير واسعة بحيث تشمل أخسّ الأشياء

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 27

فضلًا عن الموضوعات المهمّة والأشياء الثمينة، فقد جاء في حديث داود الرقّي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال:

«إنّ القصد أمر يحبّه اللَّه عزّ وجل وإنّ السرف يبغضه حتّى طرحك النواة، فإنّها تصلح لشي ء، وحتّى صبّك فضل شرابك». «1»

وفي حديث بشر بن مروان قال: دخلنا على أبي عبد اللَّه عليه السلام فدعى برطب فأقبل بعضهم يرمي بالنوى قال: فأمسك أبو عبد اللَّه عليه السلام يده فقال:

«لا تفعل، إنّ هذا من التّبذير واللَّه لا يحبّ الفساد». «2»

وفي حديث مكارم الأخلاق عن الصّادق عليه السلام:

«أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء وابتذال ثوب الصون وإلقاء النّوى» «3»

وعن الكاظم عليه السلام:

«... ولكن السرف أن تلبس ثوب ثوب صونك في المكان القذر». «4»

بل جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة عليه السلام كانوا يأخذون فتات الخبز المطروحة في حواشي المائدة ويأمرون به أصحابهم خشية الإسراف والتّبذير.

دفن الأضاحي أو إحراقها من أوضح مصاديق الإسراف أو التبذير

إذا عرفت ذلك فلا يخفى عليك أنّ ذبح الأضاحي مع دفنها أو إحراقها أو طرحها حتّى تتعفّن بحيث لا تأكلها الكلاب أيضاً، من أوضح مصاديق الإسراف والتبذير الممنوعين شرعاً، لا سيّما إذا كان بهذا المقدار والعدد الكبير الذي قد يبلغ مليون أو أكثر، فهل يرضى الشّارع الحكيم بمثل هذا الإسراف الفاحش؟! وما الدليل على خروجه عن محكمات الآيات والروايات الواردة في حرمة الإسراف والتبذير حتّى في النواة وفضل ماء الشرب؟

فإن قيل: لا إشكال في ذلك إذا كان في طريق إطاعة أمر اللَّه.

قلنا: هذه مصادرة على المطلوب، فإنّ تعلّق الأمر به ممنوع جدّاً، كما عرفت فيما سبق، مع أنّ كونه من المصاديق العرفية للإسراف والتّبذير ممّا لا ريب فيه، فتشمله إطلاقاتهما

حتماً.

والخلاصة: إنّ قوة إطلاقات أدلة الإسراف والتبذير واستحكامها تكون إلى حدّ تحوي في دائرتها أخسّ الأشياء فضلًا عن تضييع المئات والآلاف من نعم اللَّه تعالى.

شبهة عدم الإسراف في الحج

فإن قيل: قد ورد في بعض الرّوايات أنّه لا إسراف في الحج، وهو ما رواه ابن أبي يعفور في الصحيحة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«ما من نفقة أحبّ إلى اللَّه عزّ وجل من نفقة قصد، ويبغض الإسراف إلّا في الحج والعمرة، فرحم اللَّه مؤمناً اكتسب طيّباً وأنفق من حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 29

قصد أو قدّم فضلًا». «1»

قلنا: لا شكّ في أنّ المستفاد من مثل هذه الرواية ليس هو تضييع المال بطرحه أو إحراقه أو دفنه أو تهيئة طعام خمسين شخصاً مثلًا لعشرة اشخاص بحيث يطرح الزائد ويفسد ولو كان في الحجّ، بل الظاهر منها بسط اليد في الإنفاق ببذل الزاد وتهيئة الهدايا للأقرباء والأصدقاء؛ والشاهد على ذلك:

أوّلًا: نفس ما ورد في الرواية من تقابل الإسراف والقصد في النفقة، فإنّه شاهد قطعي على أنّ المقصود من الإسراف هو النفقة من غير قصد واعتدال، أي إكثار النفقة وبسط اليد فيها، لا تضييع المال وإفساده، فهل يفتي فقيه بجواز أن يحمل زائر بيت اللَّه الحرام عشرة دواب مع أنّه يركب واحداً منها، فيطرح الزائد ويتركه في الطريق حتّى يموت ويتلف، أو يحمل مؤونة عشر نفرات مع حاجته إلى مؤونة فرد واحد، فيلقي ما زاد منها في مكّة أو المدينة في المزابل حتّى يتضيّع ويفسد.

وثانياً: ما ورد في آداب السفر عموماً من استحباب بذل الزاد وإنّه من المروّة. «2» وفي آداب سفر الحجّ خصوصاً من أنّ «هديّة الحاجّ من نفقة الحاجّ» «3»

و

«هديّة الحجّ

من الحجّ» «4»

و

«إنّ إكثار النفقة في الحجّ فيه أجر جزيل» «5»

و

«نفقة درهم في الحجّ أفضل من الف الف درهم في حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 30

غيره في البرّ» «1»

فإنّ جميعهاتشهد على أنّ المقصود من الإسراف في الحج إنّما هو هذا القبيل من الصلات والإنفاقات والهدايا «2» لا إحراق ملايين من الشياه والبقر والإبل.

وثالثاً: يشهد لما ذكرنا ما ورد في ذيل نفس الرواية المبحوث فيها فإنّ قوله «فرحم اللَّه مؤمناً اكتسب طيّباً وأنفق من قصد أو قدّم فضلًا»

يقتضي دوران أمر نفقات الحاجّ بين القصد وتقديم الفضل، والأوّل هو ملاحظة الاعتدال، والثاني هو بسط اليد والبذل، لا إلقاء النعم الالهية في المزابل أو دفنها وإحراقها.

ورابعاً: أضف إلى ذلك كلّه أنّ محل الكلام هو من مصاديق التبذير لا الإسراف، فإنّ الفرق بينهما- كما مرّ- أنّ الإسراف هو الخروج عن حدّ الاعتدال من دون تضييع، والتبذير ما يؤدي إلى التضييع والإفساد.

النّسبة بين حكم الأضحية وحرمة الإسراف والتّبذير

إذا عرفت هذا، فيأتي الكلام في أنّه ما هي النسبة بين الدليلين: دليل وجوب الأضحية، ودليل حرمة التبذير أو الإسراف؟

فإن قلنا: إنّ دليل وجوب الأضحية لا إطلاق له بالنسبة إلى المصاديق حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 31

الفعلية ممّا تدفن أو تحرق فتتلف- كما هو الحق- فلا كلام ولا إشكال. وإن قلنا: له إطلاق يشمل ما نحن فيه، فإن كانا من قبيل المتعارضين كانت النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه، واللازم تقديم عمومات الإسراف؛ لأنّها أقوى دلالة على المطلوب، فإنّ الأضحية في يومنا هذا من أظهر مصاديقه، وأمّا أدلّة الأضحية فإطلاقها أضعف منها بالنسبة إلى ما نحن فيه؛ لأنّه من أخفى مصاديقه.

سلّمنا أنّهما متساويان من حيث القوّة والضعف والظهور والخفاء، ولكنّ اللازم حينئذٍ التساقط في محلّ الاجتماع، فيرجع إلى

الاصول العملية، والأصل العملي في المقام هو البراءة، لأنّه من قبيل الأقل والأكثر الارتباطيين، والمعروف بين المعاصرين والقريبين من عصرنا إجراء البراءة فيه، وهو الأقوى، فيسقط الأمر بالأضحية هنا، وإن كان الاحتياط فعلها في محلّ آخر لايحصل من الأضحية فيه الإسراف والتبذير.

هذاكلّه إذا قلنا إنّهما يتعارضان، وإن قلنا إنّ هذين من قبيل المتزاحمين، وأنّ ملاك الأضحية موجود في مثل هذه الأضاحي، كما أنّ ملاك الإسراف أيضاً موجود فيها، فاللازم الأخذ بأقوى الملاكين، ولا دليل على أنّ ملاك الأضحية أقوى، بل الأمر بالعكس. ولكنّ الإنصاف أنّ المقام ليس من قبيل المتزاحمين، فإنّ وجود ملاك الأضحية في المقام دعوى بلا دليل، فاللازم معاملة المتعارضين معهما.

إن قيل: وجود ملاك الإسراف أيضاً دعوى بلا دليل.

قلنا: يلزم هذا الكلام الشكّ في وجود أحد الملاكين إجمالًا، وهذا اعترف بخروج المقام عن بحث التزاحم ودخوله في مسألة التعارض، فيعود

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 32

الكلام السابق فيه.

هذا كلّه على شمول المماشاة، وإلّا قد عرفت أنّه لا ينبغي الشكّ في عدم شمول إطلاقات الأضحية للموارد التي لا تصرف فيها لحوم الأضاحي فيما يلزم صرفها فيه مع قطع النظر عن دليل الإسراف، ومع ملاحظته فالأمر أوضح.

خلاصة الكلام في المسألة

قد ظهر ممّا سبق من جميع ماذكرنا أنّا مع احترامنا لفتاوى الفقهاء المعاصرين كثّر اللَّه أمثالهم نعتقد:

أوّلًا: إنّ مسألة الأضحية بشكلها الحالي الذي تتلف فيه جميع الأضاحي أو عمدتها بالدفن أو الحرق، مسألة مستحدثة لا سابق لها في الأدوار الماضية حتّى يبرز الفقهاء الماضين الكرام آرائهم بالنسبة إليها، فقد كانت اللحوم يومذاك تصرف جميعاً في أيّام الحج كما يشهد بذلك أخبار كثيرة من المعمّرين وكما تشهد به الروايات بالنسبة إلى أعصار المعصومين- عليهم السلام-.

فالمسألة من المسائل المستحدثة، ولذلك لم

يسبق ذكرها في كلمات فقهائنا العظام.

ثانياً: ظاهر الآيات الكريمة والروايات عدم موضوعية إهراق الدّم في منى، بل الظاهر أنّه مقدمة لمصارفه الشرعية.

ثالثاً: إطلاق الآيات والروايات الواردة في الهدي، لا تشمل الأضاحي في يومنا هذا، لعدم وجود هذه المصاديق في عصر صدورها، فالقناعة بهذا النحو من الهدي في يوم الحجّ مشكل جدّاً، فلا بدّ أن نلتزم مؤقّتاً بالتوقّف في حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 34

مسألة الهدي في مثل هذه الظروف، أو إيقاعه في محلّ آخر يمكن فيه صرفه في مصارفه الشرعية، والعمل بالاحتياط يوجب الالتزام بالوجه الثاني.

رابعاً: جميع المذابح الفعلية خارجة عن منى بلا استثناء، وتوهّم بعض أنّ قطعة صغيرة منها داخل في منى، قد ثبت خلافه في التحقيقات الأخيرة، ولو سلّم أنّه كذلك فلا تحلّ به مشكلة الأضاحي كما لا يخفى.

وعليه لا يحصل شرط وقوع الذبح في منى (المستفاد من روايات «لا ذبح إلّا بمنى») ولا فرق بين وادي محسّر الذي انتقل إليه المذبح أخيراً وسائر الأماكن.

نعم لوكان الهدي فيه ملازماً مع شرائطه، أي يصرف في مصارفه الشرعية فالمرجّح من باب الاحتياط إيقاع الذبح فيه.

خامساً: أدلّة حرمة الإسراف والتبذير قويّة محكمة، تمنع عن إتلاف هذا العدد الكبير من لحوم الأضاحي ودفنها أو إحراقها، فإنّ الإسلام الذي يمنع عن إلقاء النوى وهراقة فضل الإناء، كيف يسمح مثل هذا الاتلاف مع عدم وجود أيّ دليل على تخصيص أدّلة الإسراف والتبذير في هذا المجال.

سادساً: ونتيجة ما ذكر، أنّه ما دام لحوم الأضاحي تتلف بهذه الصورة المدهشة، لابدّ من ترك الذبح وعزل قيمة الهدي على الاحتياط اللازم، والإتيان بسائر المناسك (والذبح في الوطن أو محلّ آخر بعد الرجوع في ذي الحجّة الحرام) أو التنسيق والاتفاق مع بعض الأهل والأصدقاء

للذبح يوم الأضحى في الوطن، ثمّ الإتيان بسائر المناسك.

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 35

وهذا نظير من عُدم الهدي ووجد الثمن، الذي تصرّح الروايات «1» بوجوب أن يخلف الثمن عند ثقة يشتريه ويذبحه في مكّة في ذي الحجّة ويأتي بسائر المناسك (ولا يخفى أنّه حيث إنّ إخلاف الثمن عند الثقات للذبح في مكّة في مستوى اليوم أمر غير ممكن إلّا في عدد يسير وبالنسبة إلى قليل من الناس- مع أنّ الحكم عامّ للجميع- لا يمكن الأخذ بهذا في مسألتنا).

نعم لو أمكن في المستقبل نقل اللحوم بتمامها أو غالبها (لا بعضها اليسير) إلى خارج منى أو مكّة أو خارج الحجاز بتجفيف اللحوم أو استخدام إحدى الوسائل الحديثة لحفظه، ثمّ صرفها للمستحقّين ففي هذا الحال يجب الذبح في منى أو قريب منه على الأحتياط الوجوبي.

سابعاً: عمدة الأدلّة التي تشهد على ما ذكرنا هي مايلي:

1- عدم وجود دليل على صحّة الأضاحي التي لا تصرف لحومها.

2- ما يستفاد من ظاهر الآيات والروايات من أنّ صرف لحومها في مصارفها من مقوّمات الهدي.

3- جميع المذابح الموجودة ليست في منى.

4- حرمة الإسراف والتبذير خصوصاً في هذا المقياس العظيم وعدم وجود دليل على جواز مثل هذا الإسراف، بل تبذير الذي هو أشدّ عقوبة من الإسراف.

وفي خاتمة هذا البحث بقي سؤالان لابدّ من الالتفات إليهما:

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 36

الأوّل: هو أنّ الاضحية في منى في مناسك الحج احدى شعائر الاسلام، وحذفها من هذه الشعائر الكبيرة يقلّل من عظمتها وخاصّة إذا صدر هذا الأمر من الشيعة حيث يثير علامات استفهام بين المخالفين.

وفي الجواب على هذا السؤال ينبغي الالتفات الى أمرين:

1- إنّ الاضحية بشكلها الفعلي- التي تتحول إلى ركام هائل من اللحوم المتعفنة التي لابدّ من

دفنها وإحراقها لضمان سلامة الحجاج من الأمراض والمشاكل المتولدة من ذلك- أيضاً تثير علامات استفهام حول شعائر الاسلام في كل سنة بين المسلمين والاجانب، ويعتبر ذلك من نقاط الضعف في هذه الشعائر الإلهية، فإنّ أحد علماء الاسلام رحمه الله كان يقول: «عندما تشرفت لأوّل مرّة لزيارة بيت اللّه الحرام كان كل شي ء ممتعاً بالنسبة لي سوى مسألة واحدة استعصى عليَّ حلها وكلما فكرت فيها لم أجد جواباً لها وهي مسألة الهدي بصورته الفعلية حيث لا أرى أن ذلك ينسجم مع الاسلام وتعاليمه السامية، حتى سمعت فتواكم في هذا الصدد وأن الهدي يجب أن يكون بحيث تصرف جميع اللحوم في مواردها المقرر عند ذلك فانحلت لي هذه المعضلة» فعندما تكون المسألة مشكلة ومستعصية على العلماء وأهل الفضل فكيف بالآخرين؟

2- إنّ الفتوى هذه في عدم جواز الهدي بشكله الفعلي في منى انتتشرت بين جماعة من علماء أهل السنة، ولذا فكروا بجمع لحوم الأضاحي وبشكل مناسب ومع مراعاة الجوانب الصحيّة وإرسالها إلى المناطق المحرومة من البلد الاسلامي.

وبالجملة فإنّ هذه الفتوى أدّت إلى إيجاد حركة ونشاط للتخلّص من نقطة الضعف هذه ونحن مطمئنّون إلى أنّ جميع المسلمين في المستقبل حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 37

القريب سوف يجدون حلّاً مناسباً لمسألة لحوم الأضاحي ومصرفها ووضع حلّ لهذه المشكلة السلبية وهذه خدمة كبيرة للاسلام والمسلمين ولمناسك الحج العظيمة، وحصلت هذه الفكرة أيضاً في منظمة الحج الإيرانية حيث أنّهم في صدد وضع برنامج لها.

ولو انحلت هذه المشكلة يوماً فسوف نقول نحن بأولوية الذبح في منى وننهى مقلّدينا عن الذبح في إيران وسائر المناطق وفي ذلك اليوم يمكن القول بأنّ عظمة مناسك الذبح سوف تعود إليها.

السؤال الآخر: ألا ينبغي في الظروف الحالية أي

حال عدم مشروعية الهدي بشكله الفعلي، الانتقال الى البدل وهو الصوم حيث يقول القرآن الكريم: «فَمَن لَم يَجد فَصِيام ثَلاثهَ أيّام فِى الحجِ وسبعةً إذا رجعتُم» «1»

.وفي الجواب على هذا السؤال ينبغي الالتفات إلى نقطة مهمّة وهي أنّ تبديل الهدي بالصيام شرّعت للأشخاص الذين يفتقدون القدرة المالية لشراء الهدي لا الأشخاص الذين يتمتّعون بالقدرة المالية ولكنهم لا يحصلون على الهدي أو يستطيعون الحصول عليه إلّاأنّهم لا يتمكّنون من إيصال لحمه إلى مصروفه الشرعي فيؤدّي إلى تلفه، والتعبير في الآية: «فمن لم يجد ....» بمعنى عدم القدرة على الهدي من اللحاظ المالي وفي الإحاديث الإسلامية وردت تأكيد على هذه المسألة أيضاً، فلذا يقول الشّيخ الصّدوق قدس سره في كتابه الشريف (من لا يحضره الفقيه):

«روي عن النّبي صلى الله عليه و آله و سلم والائمّة عليهم السلام أن المتمتع إذا وجد الهدي ولم يجد الثمن حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 38

صام ثلاثة أيّام في الحج ... وسبعة أيّام إذا رجع إلى أهله تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي» «1».

فعلى هذا فإنّ الصوم لا يتعلق بالاشخاص الذين يمتلّكون ثمن الهدي ولا يستطيعون مراعاة الجوانب الشرعية في ذلك.

نسأل اللَّه أن يوفّقناوجميع الباحثين في هذه المسألة سواءً الموافق والمخالف لما يحبّ ويرضى ... والحمد للَّه ربّ العالمين. «2»

اسئلة و استفتاءات

بسمه تعالى سماحة آيه اللّه العظمى المرجع الديني مكارم الشيرازي (مدظلّه العالي)

نرجو من سماحتكم وبعد تقديم خالص التحيات الإجابة عن المسائل وبيان الأحكام المتعلّقة بالأضحية:

مع فائق الاحترام: جمع من طلبة العلوم الدينية

1- ينتهي مسير الأضاحي في الوقت الحاضر الى تلف في لحومها ودفنها دونما فائدة، ما هو واجب مقلّديكم تجاه ذلك؟

الجواب: تسقط التضحية في مثل هذه الظروف ويجب على الأحوط ادّخار المبلغ المعادل

بثمن الأضحية في شهر ذي الحجة ثمّ التضحية في مكان آخر. للاستفادة من لحوم الأضاحي، آمل أن يأتي ذلك اليوم يتمكّن المسلمون ذبح أضاحيهم في منى ومن ثمّ نقله الى حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 40

الأماكن المناسبة.

2- ما هو موقف الحاج لو ذبح أضحيته في منى وهو عالم بتلفها؟

الجواب: لا يكتفي بأضحيته ويجب عليه أن يضحّي في بلده أيضاً.

3- ما هو موقف الحاج إذا شكّ في تلف الأضحية أو عدمه؟

الجواب: يتعيّن عليه الانصراف فهناك من يضحّي بما فيه الكفاية.

4- هل يجب التحقيق في الاستفادة عن لحوم الأضاحي أو عدمه؟

الجواب: لا يجب التحقيق في الظروف الحالية ولكن لو تيقّن الاستفادة وجب عليه ذبح الأضحية هناك.

5- ما هو واجب الحاج إزاء الأعمال التي تعقّب ذبح الأضحية؟

الجواب: يكتفي الحاج بعزل ثمن الأضحية واستئناف أعمال الحج في منى ثمّ يخرج من الإحرام ويتمّ حجّه بطواف النّساء وبذلك ينهي المناسك.

6- كيف يتمّ تحديد مبلغ الأضحية وهل يكون على أساس ثمنها في مكّة أم في بلاده؟

الجواب: حسب سعرها في بلاده.

7- هل يصحّ لمن نوى الحج عزل ثمن الأضحية في بلاده قبل الذهاب الى مكّة وهل يمكن أن يوصي بعزل المخصّص لشراء الأضحية لذبحها في الأضحى

الجواب: لا مانع من ذلك.

8- لو نوى الحاج في تقديم الأضحية فى بلاده عوضاً عنه، هل ستكون التضحية في يوم العيد بمكّة أم في بلاده؟

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 41

الجواب: المعيار يوم العيد في مكة.

9- ما هو تكليف الحاج لو أخّر عن ذبح الأضحية في شهر ذي الحجّة؟

الجواب: يجب عليه الأضحية فى العام القابل؟

10- لو ذبح الأضحية لدى عودته من الحج، هل يجوز له إطعام أصدقائه ومعارفه من لحمها؟

الجواب: لا مانع شريطة إطعام الفقراء منها.

11- هل

يجوز لمقلِّدي المراجع المتوفّين العمل بفتاواكم في مسائل الأضحية انطلاقاً من تجويزكم للبقاء على تقليد الميّت؟

الجواب: يلزمهم العمل بهذه الفتوى لو كان ذلك حجّهم الأوّل وما عدا ذلك يجوز لهم العمل بما أفتاه أولئك المراجع الكبار؟

12- هل يجوز ذبح شياه الكفّارة في مكة أو منى أم في بلد الحاج؟

الجواب: يجوز ذبحها في بلده حتى مع احتمال الاستفادة منها في مكّة ومنى

هذا وتقبّل اللّه سعي المؤمنين وأرجو منهم أن لا ينسوا إخوانهم الذين لم يتشرفوا بحجّ بيت اللّه الحرام بعدُ.

الإجابة على عدّة أسئلة فقهية سُئل عنها سماحته:

السّؤال (1): يتساء ل البعض أليس فتوى الذّبح في غير محل الذّبح في منى خلاف إجماع المسلمين؟

الجواب: إن الاجابة على هذا السّؤال واضحة جداً، لأنه:

أوّلًا: لقد قلنا مراراً أن مسألة دفن لحوم الأضاحي في الحج واحراقها وإتلاف مئات الآلاف من الأغنام والأبقار بهذا الشكل هي من الموضوعات والمسائل المستحدثة والجديدة، وليست لها ماضٍ قديم كيما يصدر علماؤنا الأعلام فتاواهم في هذا المجال، وبعبارة اخرى إن هذه المسألة برزت الى الوجود في القرن الاخير، وقد كانت لحوم الأضاحي تصرف في السابق في مواردها، ولهذا السبب لا توجد في الرّوايات الإسلامية وكتب الفتاوي رواية أو فتوى واحدة تتحدّث عن حكم إتلاف الأضاحي وعلى هذا فإن إدّعاء الاجماع في هذه المسألة لا ينسجم أي مع الموازين الفقهية و الاصولية.

ثانياً: كما قلنا سابقاً لقد كان محل الذّبح في الأزمنة الغابرة داخل أرض منى ولكن الآن أصبحت المحلّات المخصّصة للذّبح خارج منى ووضعت في وادي محسّر، وهذا الموضوع من المواضيع الجديدة والمستحدثة تماماً، وإدعاء الاجماع على ذلك لا ينسجم مع أيّ واحد من التعابير الفقهية.

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 43

ثالثاً: كما قلنا سابقاً أيضاً أنه توجد موارد متعددة في الفقه

في جواز الذبح في غير منى وغير مكّة ووادي محسر وأمثال ذلك لوجود بعض الشرائط الخاصّة، ونحن نعتقد أن الشرائط الحالية لذبح الأضاحي في المذابح الفعلية والتي تسبّب في إتلاف الأضحية من قبيل تلك الشرائط الخاصّة.

السّؤال (2): ألا يكون الذّبح في المدن البعيدة بدعة؟

الجواب: إن هذا العمل هو وظيفة شرعية وليس بدعة فالبدعة هي العمل على خلاف أوامر الشرع المقدس مع نيّة أنه من العمل المشروع، وما قلناه من الفتوى موافق لأحكام الشرع، وقد أثبتنا ذلك بالأدلة المختلفة، مضافاً الى أننا قلنا مراراً أن هذه المسألة من المسائل المستحدثه التي لم يكن لها وجود في السابق كيما يفتي العلماء في موردها، ففي الماضي كانت لحوم الأضاحي تصرف في اليوم الأول من ذبحها، وقد وردت الاحاديث الشريفة في منع إدّخار لحوم الأضاحي أيضاً، ولكن بعد أن ازدادت الأضاحي ورد الجواز بادّخارها (بواسطة التجفيف) الى الناس، ولم يرد خبر عن إحراقها أو دفنها إطلاقاً، فلو أنّنا حكمنا على الفتاوي للمسائل المستحدثة بأنّها بدعة، فيجب أن نحكم على جميع الفتاوي المتعلّقة بزرع الأعضاء للتشريح، والتأمين، بيع وشراء الدّم، والبنوك الاسلامية و .. بأنها بدعة لأنه لم تكن موجودة في السابق.

علاوة على ذلك، فان اختلاف فتاوى الفقهاء والمراجع أمر موجود دائماً، وليست هذه المسألة متعلّقة بالبدعة وأمثالها، بل يجب على مقلّدي المراجع العظام أن يعملوا بفتوى المرجع الذي يقلّدوه دون حاجة الى الاستفسار

حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 44

والاستشكال السّؤال (3): ورد في بعض الرّوايات أن النّبي صلى الله عليه و آله ذبح مائة من الإبل في حجّة الوداع، فهل من المعقول أن كل هذه اللحوم قد صرفت في الاطعام؟

الجواب: أن ما يستفاد من كتب التّواريخ المختلفة هو أنّ عدد

الحجاج في تلك السنة بلغ مائة ألف نفر أو أكثر رافقوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سفره ذلك، ولم يكن لدى الكثير منهم هدي، فاعطى النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله لحوم الأضاحي التي أمر بذبحها لهؤلاء، حتى أنه صلى الله عليه و آله أمر بأن لا يعطي القصّابون منها الجلد والقلادة، بل تقسم بين الناس، ويستقاد من بعض الروايات أن هؤلاء الناس رافقوا النبي صلى الله عليه و آله عشرة أيّام، وبحساب بسيط نعلم بأن نصيب كل ألف نفر سيكون بعيراً واحداً قُسّم لحمه على الألف نفر لما كان نصيب كل واحد منهم سوى أقل من الكيلو الواحد بكثير، ولو قُسّم ذلك على عشرة أيّام، فسوف تكون حصّة كل يوم شيئاً قليلًا جدّاً لكل فرد، فعلى هذا من العجيب جداً أن يتصور البعض أنه قد تلف قسم من هذه اللّحوم، ولو كان لأفراد آخرين أضاحي أيضاً، فمن الواضح أنها كانت بمقدار قليل وأقل من حاجة الناس حتماً.

السّوال (4): هل المفهوم من فتواكم هو أن الذّبح واجب مقدمي والإطعام واجب نفسي؟ فلو كان كذلك إذن، فلا يجب على الحجاج ذبح الهدي، بل يمكنهم شراء ما يعادل الذبيحة من اللحم من القصّاب وتوزيعه على المحتاجين.

الجواب: إنّ الإجابة على هذا السّوال واضحة، أيضاً فان الذبح والصرف كلاهما واجبان، إلّاأن أحدهما مقدمة للآخر، كما في الوضوء والطّواف حكم الأضحية فى عصرنا، ص: 45

فكليهما واجب، ولكن أحدهما مقدمة للآخر، فعلى هذا لو لم يكن الطواف ممكناً أبداً في صورة من الصور، سقط وجوب الوضوء للطّواف أيضاً، ويمكن أن يقال- كما تقدم في متن هذه الرسالة- إنّ ظاهر كتاب اللّه و الروايات الإسلامية يدلّ على وحدة

المطلوب، لا تعدد المطلوب بأن يكون الذبح وإجراء الدم واجباً مستقلًا والإطعام واجباً آخر، بل أن كلا هذين الأمرين مندمجان معاً بشكل لا يجوز فصلهما عن الآخر.

وعلى هذا الاساس، لا يصح الذبح ثمّ إتلاف الأضحية بحرقها أو دفنها، فنحن لا نجد في أي من الروايات الاسلامية أن إجراء دم الحيوان مطلوب بحدّ ذاته، وإذا ورد التعبير في بعض الرّوايات الإسلامية «عليه الدم» وأمثال ذلك، فهو إشارة وكناية عن ذلك الذبح المعهود والمتعارف بين جميع المسلمين بأن يذبحوا الأضحية ويقسّموا لحمها في مصارفه، كما أن هذا الكلام متداول بيننا أيضاً حينما نقول: انّه لابدّ من الذبح لشفاء المريض أو لقدوم المسافر، أو لبركة البناء، فهو إشارة الى أنّه يجب ذبح الشاة ثمّ تقسيم لحمها في الإطعام، لا أنّه يسفك دم الحيوان ثمّ يلقى بعيداً.

وفي الختام نعيد القول بأن فتوى كل مرجع من المراجع محترمة لدى مقلّديه، وعلى مقلّدينا العمل بما ورد في هذه الرسالة بدقّة، ولكن لا مانع من البحث العلمي والمنطقي التوأم مع رعاية الاحترام والأدب كما هو شأن السلف الصالح والأعاظم الماضين، نسأل اللّه تعالى أن يوفق الجميع لخدمة الاسلام والمسلمين ... واللّه العالم.

الفهرس

تمهيد ..... 3

المحور الأصل في المسألة ..... 5

والدليل على ذلك امور أربعة: ..... 7

الأوّل: ليس الواجب في الهدي مجرّد إراقة الدّم ..... 7

دفع شبهة تعدّد المطلوب ..... 9

مقتضى صناعة الفقه ..... 9

دفع شبهة مطلوبية مجرّد إراقة الدم ..... 11

قياس الهدي بالطواف والسعي ..... 13

توهّم لزوم البدعة ..... 14

الثاني: عدم شمول أدلّة الأضحية للمصاديق الموجودة في عصرنا ..... 15

الثّالث: جميع المذابح خارجة عن منى ..... 18

شبهة الارتكاز لدى المتشرّعة ..... 19

حكم وادي محسّر وقياس الهدي بالوقوف ..... 23

الرّابع: حرمة الإسراف والتّبذير

..... 25

الفرق بين الإسراف والتّبذير ..... 26

سعة دائرة مفهومي الإسراف والتّبذير ..... 27

دفن الأضاحي أو إحراقها من أوضح مصاديق الإسراف أو التبذير ..... 28

شبهة عدم الإسراف في الحجّ ..... 28

النّسبة بين حكم الأضحية وحرمة الإسراف والتّبذير ..... 30

خلاصة الكلام في المسألة ..... 33

اسئلة واستفتاءات ..... 39

الإجابة على عدّة أسئلة فقهية سُئل عنهاسماحته: ..... 42

الفهرس ..... 47

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.