الاتصال بالارواح

اشارة

سرشناسه : مکارم شیرازی ناصر، - 1305

عنوان و نام پديدآور : الاتصال بالارواح بین الحقیقه والخیال ناصر مکارم الشیرازی تعریب عبدالرحیم حمرانی مشخصات نشر : قم مدرسه الامام علی بن ابی طالب ع ، 1424ق = 1382.

مشخصات ظاهری : ص 176

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی يادداشت : عنوان اصلی ارتباط با ارواح

يادداشت : پشت جلد به انگلیسی Makarem Shirazi. Communication with spirits .

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس موضوع : احضار ارواح شناسه افزوده : حمرانی عبدالرحیم مترجم رده بندی کنگره : BF1268/ف2 م 72043 1382

رده بندی دیویی : 133/9

شماره کتابشناسی ملی : م 82-26135

موضوع الرّوح موضوعٌ كثير الصّخب و الضّوضاء

اشارة

تمهيد:

ليس هناك شي ءٌ أكثر إثارةً للإنسان، من الإرتباط بعالَمٍ غير عالَمه الذي يعيش فيه، خصوصاً إذا كان بوسع ذلك العالم، أن يرفع المَوانع و الحواجز بين الإنسان و الماضي، و الأصدقاء السّالفين، والآباء و الأمّهات و الأجداد، والأروع من ذلك، أن يجعله مطّلعاً على حوادث المستقبل.

جُهد و سَعي الإنسان، لأجل الإرتباط بعالَم الأرواح، ينبع أيضاً من هذا الظّمأ الرّوحي الحارق.

هناك على إمتداد التأريخ، كثيرون إدَّعَوا أنّهم على إرتباطٍ بعالم الأرواح، و لا سِيَّما في شبه القارّة الهنديّة، التي تعتبر أرضيّة روحيّة و اجتماعيّة خصبة لهذه الفكرة.

هذا الموضوع، ظهر في أواسط القرن التاسع عشر

الاتصال بالارواح، ص: 6

الميلادي، في أميركا الشّمالية، و وصلت أمواجه إلى بريطانيا، و منها سرت إلى باقي بلدان أوروبّا.

لا بأس بأن نسمع حوادث هذا الموضوع، من أَلْسِنة الأوروبييّن أنفسهم.

عالِم النّفس المعروف (بلاتونف)، في كتابه (عِلم النّفس)، الذي ترجم إلى الفارسية بعنوان «ميهمانان آن عالم» «1»، يكتب:

في عام 1848 م و في مدينة «روجستر»، إحدى المدن الأميركيّة، بدأت تتناقل على ألسُن النّاس قِصّة

إحضار الرّوح. و في تلك السّنة ظهر شخص يُدْعى «فوكس»، أعلن أنّه و أقرباءَه يتكلّمون مع أرواحِ الموتى

فوكس و زوجته و بناته الثّلاث، كانوا يجلسون خلف منضدةٍ مستديرةٍ، و يرفعون أيديهم فوق المنضدة المفتوحة، في هذه الأثناء يرتفع صوت من المنضدة، فيدّعون أن ذلك هو صوت الأرواح، تردّ على أسئلتهم. و سُرعان ما ظهر أشخاصٌ في أكثر المدن و العوائل الاتصال بالارواح، ص: 7

الأميركيّة، و كانوا يدّعون أنّ أرواح الآخرة على إرتباط بهم. يكتبون حروف الأَلفباء على أوراقٍ صغيرةٍ، و يضعون عليها طَبَقاً صغيراً، و يجعلون أحد أصابعهم فوق الطّبق، و من خلال حركة الطّبق على الحروف، يستلمون نِداء الأرواح. على العموم فإنّ الأرواح ترغب بأن تُحاور الأحياء عِبر الرّابطين أو الوسائط ...

ضيوف الآخرة أكثرهم كان من أقارب و عوائل مُحضّري الأرواح، ولكن في أغلب الأحيان، كانوا يدّعون أنّ ضيوفهم، (نابليون) أو (الإسكندر الكبير)!، و لهذا فإنّ أكثر الناس، كانوا يَودّون التّكلم مع الشّخصيّات المعروفة!

طبعاً إنتقاد و تخطِئة أوامر الأرواح، كان يُعَدُّ أمراً مناقضاً للأدب و الذّوق!. و كلّما كان تفهيم المنضدة أو الطّبق بشكل مُناجاة، فإنّه يكون ذا معانٍ عميقةٍ! «1».

الاتصال بالارواح، ص: 8

من البديهي أنّه في مثل هكذا أوقات، يبلغ سوق المكَّارين و الدّجالين أوجَه، و بالأخص لأنّ هذا العمل لا يتطَلّب رأس مالٍ كبيرٍ، و لا يحتاج إلُّا إلى منضدةٍ دوّارةٍ، و وَرقةٍ و طبقٍ صغيرٍ، مع عدة أشخاص ممن يَدّعي ذلك!.

و لهذا فإنّ عدداً كبيراً من النّاس سلك هذا الطريق، في هذا المِضمار، و فعلوا ما فعلوا. و شيئاً فشيئاً تحوّل الأمر إلى عملٍ مُسلٍّ، يشبه قِراءة الكَفّ، و سل الجُنون. و إنتهى إلى السّخريّة و الإبتذال.

تطوّر عندهم هذا العمل،

حتّى وصل إلى إحضار روح «الشِّمر»، و وضعوا في يده براءةً من النّار. كذلك إرتبطوا بجندي أردني إستشهد في حرب الأيّام السّتة، و قدّموا له سكّراً جنباً، فأدّى لهم التّحية العسكريّة، و قاموا بأمورٍ مُضحكةٍ كثيرةٍ من هذا القبيل.

هذا الموضوع كان سبباً لإحياء أُسطورة: «التّناسخ و عودة الأرواح»، و إصطفّت الأرواح أرتالًا لتأخذ دورها لِلمجي ء إلى هذا العالم.

و لعلّ العلاقة بين موضوع «إرتباط الأرواح»، و «عودة

الاتصال بالارواح، ص: 9

الأرواح إلى هذا العالم»، تهدف منح الصّبغة الأبديّة لِلأرواح، بل تجرّها إلى الأزليّة لتتّسع دائرة تسلّطهم.

و أما مُخرِجو هذه اللّعبة، فلأجل التخلص من سماجة بعض الناس، الذين لا ينفكّون عن السّؤال عن بعض الأرواح، و لِيُريحوا أنفسهم من خَطر ظهور بعض الأجوبة المتناقضة، فإنّهم يبعثون الأرواح المعنيّة إلى هذا الدنيا، حتى تقطع بينهم الرّوابط؛ إذ عندما تعود الأرواح مجدّداً إلى هذه الدنيا، فإنّها لا تتذكّر شيئاً من الماضي!.

الإنتشار بسرعة العدوى

هذا الموضوع و بعد 120 عاماً، و بِحكم التّقليد أو الموضة الأوربيّة و الأمريكيّة أو ماشئت فسمِّه، سَرى إلى بلادنا، و شاع فيها بشكلِ مَرضٍ عام. نحن و مجموعةٌ أُخرى علمنا بذلك في وقته، و قُمنا بنشر مقالاتٍ متعدِّدةٍ، و ألقينا محاضرات، حتى قضينا على هذا الأمر و هو في مهده، و فى الوقت نفسه، ذكرنا الحيثيّة الصّحيحة لإمكان الإرتباط بالأرواح بالطّرق العلميّة.

الاتصال بالارواح، ص: 10

و الكتاب الذين بين أيدينا، (والذي يضم تلك الأبحاث، الى جانب بعض الأبحاث الحديثة)، يتناول المواضيع الآتية:

* ما مدى صحّة قصّة المنضدة المستديرة و ما شابتهها.

* هل قضيّة تكرُّر الحياة و عودة الأرواح، التي نصطلح عليها عِلميّاً بالتّناسخ، و تعرف عند الهنود ب «كارما»، حقيقة أم خُرافة؟.

* هل بالإمكان الإرتباط بالأرواح؟.

* و في الفصل

الأخير من الكتاب، ردٌّ على بعض الأشخاص الذين أَوْردوا بعض النقاط، على ما قلناه بشكلٍ مفصّل حتّى يرتفع الإبهام عن هذا الموضوع.

120 ألف بطاقة دعوة!:

مما تجدر ملاحظَتُه أنّنا قُمنا عن طريق أعداد من مجلة (مكتب إسلام)، بدعوة أَتباع طريقة المنضدة المستديرة، و مُروِّجي هذا الموضوع لِلمجي ء إلى قُم، و إذا كان صِدقاً ما يَدّعون، من أنّهم يستطيعوا أن يتّصلوا بالأرواح عن طريق المنضدة المستديرة، فليأتوا وَسط مَجمع من الفُضلاء، و

الاتصال بالارواح، ص: 11

يؤدّوا عملهم أمامهم، و بدلًا من كلّ ذلك الكلام، و تسويد صفحات الجرائد، يُثبتون في ظَرف ساعةٍ أو ساعتين صِدق ما قالوه. حتّى أنّنا تعهّدنا بمصارف السّفر، و أسبوع يقضونه في أرقى فنادق قُم، و بما أنّ كلّ نسخةٍ من نُسخ المجلة تحمل بطاقة دعوة لهم فكان هناك أكثر من 120 ألف بطاقة دعوة، إنتشرت في كلّ مكان، ولكن لم يستجب منهم إلَّا واحد أعلن إستعداده، و عندما كتبنا له أن يتوجّه إلينا على جَناح السّرعة و نحن ننتظره، لم يصلنا منه خبر و لم يأتِ إلى الآن!.

ناصر مكارم شيرازى الاتصال بالارواح، ص: 13

الفصل الأَوَّل التّناسخ و عودة الأرواح

تأريخ و إبتداع فكرة التّناسخ «أو عودة الأرواح»

موضوع «عودة الأرواح بعد الموت إلى أبدانٍ أخرى»، من أقدم المواضيع التي كانت و ما زالت محلَّ بحثٍ في أوساط البشريّة، و هو التّناسخ المذكور في الكتب الفلسفيّة و كتب العقائد و الأديان.

و على الرّغم من أنّ بعض المدافعين عن هذه العقيدة، غير مُستعدّين لقبول عنوان (التّناسخ) لعقيدتهم، ولكن يجب أن تؤخذ المصطلحات العلميّة بنظر الإعتبار، فكلّ العلماء العظام لا يفهمون التّناسخ إلّا: «بأَنّه عودة الأرواح للحياة مجدّداً، في أبدانٍ أخرى في هذا العالم»، و ليس هُنا لِك من دليلٍ علمي يُبرِّى ء إصرارهم على التّنكر، لإطلاق التّناسخ على عقيدتهم، و لا ينسجم ذلك و ما ذهب اليه كافّة الفلاسفة و العلماء. و لنأخذ نموذجاً من ذلك:

الاتصال بالارواح، ص: 16

قال العلّامة الحُلّي، تعليقاً على

ما قاله الخَواجه نصير الدّين الطُوسي، في كتاب (تَجريد الإعتقاد) حول التّناسخ:

(التّناسخ يعني أنّ الرّوح التي هى مبدأ شخصيّة وَ وُجود الإنسان، إذا إنتقلت إلى بدنٍ آخر، فإنّها تكون أساسَ وُجوده).

و هذا هو المعنى الذي يستفاد من كلام الشّيخ الرّئيس أبي علي بن سينا، في كتابه (الإشارات)، في بحث التناسخ، و كذلك في حديث الخَواجة نصير الدّين الطّوسي في «شرح الإشارات»، و في حديث صدر المتألهين في (الأسفار).

كذلك يظهر هذا المعنى جَلِيّاً من حديث الفيلسوف المعروف الملَّا عبد الرزاق اللاهيجي، في كتابه (گوهر مراد)، و حديث الحكيم المشهور الملّا هادي السبزواري في (شرح المنظومة).

كتب الكاتب الإسلامي المعروف محمّد فريد وجدي في (دائرة معارف القرن العشرين)، تحت عنوان التناسخ (المجلد، العاشر، صفحة 173):

(التناسخ هو مذهب الّذين يعتقدون بأنّ الرّوح، بعد

الاتصال بالارواح، ص: 17

مفارقتها البدن، تنتقل إلى بدن حيوانٍ أو إنسانٍ آخر، حتى تصل إلى الكَمال و تليق لِلحياة بين الأرواح المتعالية في عالم القُدس).

هذه نماذج من أحاديث العلماء و كبار الفلاسفة في معنى التّناسخ، و ليس بمقدورنا أن نحصل على معنى أخر لِلتناسخ لدى أيِّ عالِم آخر.

أحياناً يُطلقون (التّناسخ) على رجوع الرّوح إلى بدن إنسانٍ آخر، و أحياناً يطلقونها بالمعنى الأعَمّ، و هو الرّجوع إلى بدن حيوانٍ أو إنسانٍ.

بعض الفلاسفة توسّعوا أكثر في هذا البحث، و إعتبروه أربع مراحل، (لابد من التّأمل):

1- «النَّسخ»: و تعني رجوع الرّوح إلى بدن إنسانٍ آخر.

2- «المَسخ»: عندما تحِلّ الرّوح في بدن الحيوان.

3- «الفَسخ»: عندما تتعلّق الرّوح بالنّبات.

4- «الرَّسخ»: عندما تتعلق بأحد الجَمادات. «1»

و كما سنرى فإنّ إقامة الدّلائل لإبطال التّناسخ، و عدم الاتصال بالارواح، ص: 18

إمكان رجوع الرّوح إلى حياةٍ أخرى في هذا العالم، تشمل جميع هذه المراحل.

يعتقد العُلَماء و

المؤرّخون، أنّ هذه العقيدة وُلِدَت في الهند و الصّين، و تَمتد جُذورها الى الأديان القديمة، و ما زالت قائمةً لِحدِّ الآن، ثم نَفذَت من هناك إلى أوساط الأقوام و الشّعوب الأخرى، و على قول الشّهرستاني في كتابه (المِلل و النِّحل): إنّ هذه العقيدة أفسدت أغلب الأقوام.

و لعلّ الحُرمة التي يُبديها الهندوس إتجّاه الحيوانات، يرتبط إلى حدٍّ ما بِهذه العقيدة.

من الجدير بالذِّكر هنا، أنّ من المُسلّم به أنّنا لا نجد أحداً في أوساط الفِرق الإسلاميّة يعتقد بالتّناسخ؛ إذ أنّ رجوع الرّوح إلى الحياة الجديدة في هذا العالم، سيتناقض مع نصوص الآيات القرآنية المجيدة.

و لم يشذ من تلك الفِرق، إلّاجماعةً صغيرةً تُدعى «التّناسخية»، كان لها وجود في الماضي أما الآن فلم يبق إلّا إسمها في كتب «المِلَل و النِّحَل».

الاتصال بالارواح، ص: 19

أمّا العقيدة المذكورة، فقد ظهر لها اليوم أتباع فى المحافل الرّوحية الأوروبيّة، يُدافعون عنها بسماجةٍ خاصّةٍ. و هُناك قلّةٌ في مجتمعنا إتّبعوا أولئك، بأعينٍ عمياء و آذانٍ صمّاء، دون ان يلتفتوا الى فساد هذه العقيدة.

الاتصال بالارواح، ص: 21

الاهداف التأريخيّة

اشارة

من أين نشأت عقيدة عودة الرّوح إلى بدنٍ آخر؟:

يُستفاد من مجموعة البحوث التي في كتب تأريخ (العقائد و المذاهب)، أنّ الدّافع الرّئيسي لإعتقاد بعض أتباع الأديان القديمة، بمسألة عودة الرّوح يعود إلى أحد الأمور التّالية:

1- إنكار البَعث و العالم الآخر:

فبعض أُولئك لِكونهم لم يعتقدوا بالعالم الآخر، و لعلّهم ظنّوا إستحالته، و لكونهم من جهةٍ أُخرى، يرون أنّ عدم مُجازاة الأخيار و الأشرار مُخالفٌ لعدالة اللَّه تعالى لِذا إعتقدوا بأنّ روح الأخيار ترجع مُجدّداً إلى بدنٍ آخر، في هذا العالم، و تتّصل ببدنٍ أكثر سعادةً من الأوّل، لترى أعمالها

الاتصال بالارواح، ص: 22

الخيِّرة السّابقة، و روح الأشرار ترجع إلى الأبدان التي تعيش في ألمٍ و عذابٍ، أو في أبدان ناقصي الخِلقَة، لتذوق و بال أعمالها السيّئة، و بهذه الطّريقة تُزكّى و تُطهّر الأرواح و تَتكامل.

2- مُلاحظة الأطفال المرضى و المعوقين:

و مجموعةٌ أُخرى بسبب مشاهدتها الأطفال المعوقين و المرضى تَرسَّخت في أذهانهم هذه الفكرة: أنّ هؤلاء الأطفال الأبرياء، لِمَ يخلقهم اللَّه تعالى بهذه الصّورة، و يبتليهم بهذا العذاب، و حَتماً إنّ الأرواح التي في أبدانهم، هى أرواح شرّيرة و آثمة و ظالِمة، جعلها اللَّه تعالى في هذه الأبدان ليُريها جزاء أعمالها، و أُرجعت مُجدّداً لهذا العالم لِتتعذَّب فيه!.

أولئك كانوا يتصوَّرون، أنّ في خَلق العالَم لا يمكن التّخلص من وجود هكذا أطفال، و حتماً فإنّ ذلك هو إرادة اللَّه سبحانه، في الوقت الذي نعلم بأنّ الآباء و الأمهات، و بالإلتزام بالمبادى ء الصّحيّة و مُراعاة سلسلة من القوانين الاتصال بالارواح، ص: 23

العلميّة، و بعبارةٍ أُخرى، الإلتزام بالقوانين التي أقرّها اللَّه سبحانه لحياة البشر في خَلق العالَم، سيُنجبون أولاداً يتمتَّعون بسلامةٍ تامّةٍ، وها نحن بسبب عدم إلتزامنا الكافي، نُبتَلى بِمِثل هؤلاء الأطفال النّاقصين. «لابدّ من الدّقة».

كذلك العَجز و الضّعف، في ملاحظة و تحليل النّجاح و الإخفاق، بالنسبة لِلّذين لا يرون في الظّاهر سبباً واضحاً لذلك، فإنّهم يلجأوون إلى هذه العقيدة، أولئك يقولون: إنّ هكذا أشخاص يَرون جزاءهم أو كفّارة أعمالهم في الحياة

السّابقة، في الوقت الذي أصبح فيه اليوم- و من خلال معرفة أُسس عِلم النّفس-، و تحليل أسباب هكذا نجاحات أو إخفاقات، و إرجاعهما إلى الإستعداد الكافي، أو النّقصان الخاص أمراً عادياً.

3- العوامل النّفسية- التّناسخ عامل مُسكِّن:

قلنا أن عقيدة: (عودة الرّوح إلى الحياة الجديدة في هذا العالم)، كانت موجودةً منذ أزمنةٍ بعيدةٍ جِدّاً، و بالأخص في أوساط الهنود و الصّينيين.

الاتصال بالارواح، ص: 24

يبدو أنّ أحد «الأسباب النفسيّة» لهذه العقيدة، هو الهزائم المختلفة التي كان يواجهها الكثير في حياتهم، و كان ردّ الفعل النّفسي لتلك الهزائم و الإخفاقات يظهر بأشكالٍ مختلفةٍ.

أحياناً تظهر بشكل: (تعلّق بالنّفس) و اللّجوء إلى الخيال). و الحصول على ضالّته في عالم الخيال، و هذا يلاحظ ذلك عند كثير من الشعراء، فأولئك عندما لا يجدون محبوبهم في هذا العالم، فإنّهم يرسمون وجهه في عالمَ الخَيال ليسقط وسط الكأس، و كانوا مسرورين و سعداء بذلك!

و بعضٌ آخر يجعل (عودة الرّوح إلى الحياة الجديدة في هذا العالم)، سبيلًا لِتهدئة أفكاره المضطربة.

هؤلاء الأفراد (المهزومون)، و لتلافي الهزائم و الإخفاق، كانوا يتوهّمون أنّ أرواحهم ستعود مرةً أخرى إلى هذا العالم في قالبٍ آخر، و سيحققون مرادهم و أمانيهم في الحياة الجديدة.

مثلًا لو فشلوا في حبّ فتاةٍ، فإنّهم كانوا يتصوّرون، أنّهم سيعيشوا مع بعضهم في الحياة الجديدة، كأخٍ و أختٍ و في الاتصال بالارواح، ص: 25

عائلةٍ واحدةٍ إلى الأَبد!

أحد الدوافع النفسيّة الأخرى لهذه العقيدة، هو تربية النّفس على الحِنق و الإنتقام و طلب الثأر.

مثلًا العرب في زمن الجاهليّة، كان لديهم إصرار على الإنتقام و طلب الثّأر، فكانوا يتوارثون الأحقاد و الضّغائن إتجّاه شخصٍ أو قبيلةٍ. و كانوا يعتقدون بأنّه عندما يُقتل شخصٌ من قبيلتهم، فإنّ روحه تستقر في قالب طير يشبه البوم، يمسّونه

«هامة»، و تبقى تدور حول جسد المقتول بلا إنقطاع، وَتَئِنُّ عليه أنيناً مُرعباً، و عندما يضعون جسد المقتول في القبر، فإنها تحوم حوله و تصرخ بإستمرار:

إسقوني! إسقوني!، و لا تكفّ عن أنينها المُحزنُ حتى يُراقَ دَم القاتل!.

إنّ تأثير هذه العقيدة فى إشعال روح الثّأر ما لا يمكن إنكاره.

هذه هى الأسباب النفسيّة لظهور عقيدة (التّناسخ). و الآن يجب أن نعرف، لماذا و بأيّ دليل يعتبر الفلاسفة و العلماء العظام، عقيدة (التّناسخ) عقيدةً خُرافيّة؟

الاتصال بالارواح، ص: 26

سفيد

الاتصال بالارواح، ص: 27

الدّليل الأوّل على إبطال عقيدة التّناسخ:

اشارة

عدم إمكان الرّجعة:

نحن نعلم أنّ الكائنات الحيّة في هذا العالم، لا تهدأ لحظةً واحدة، و هى دائماً في تغيرُّ من حالةٍ إلى أخرى و من مرحلةٍ إلى أخرى أكثر كمالًا.

إنّ مؤشِّر كافّة التّغيرات و التّحولات الحياتيّة، في كائنات العالم الحيّة، يتّجه صوب التّكامل و مراحل الحياة الأسمى

النُّطفة المُتكونة من تفاعل «الحَيمَن» و «البيضة»، هى في حركةٍ دائبةٍ ليلًا و نهاراً. في بِدءِ تكوينها لا تُرى إلّابصعوبةٍ شاقّةٍ بالعين المُجرّدة، و ليس لها أيّ شَبَهٍ بالإنسان، ولكنّها سُرعان ما تطوي أدوارها التّكامليّة، لتتخذ في النّهاية شكل الإنسان الكامل.

الشّي ءُ الذي يستحيل إمكانه في هذا القانون، هو العَودة

الاتصال بالارواح، ص: 28

و الرّجوع إلى الوراء. فالطّفل في شهره الأوّل، يستحيل رجوعه إلى نطفةٍ، و الطّفل المتكامل لا يعود عَلَقةً.

و عندما تتكامل أدوار الجنين النهائيّة، و لا يعود الرّحم صالِحاً له، فإنّه و بأمرٍ طبيعي يصدر من مبدأ الخَلق، يخرج من ذلك الرَّحم، كما في الفاكهة النّاضجة عند سقوطها من الشّجرة.

و كما أنّ التّفاحة السّاقطة من الشّجرة، لا يمكنها العودة إليها، كذلك الجنين لن يرجع مرّةً أُخرى إلى الرّحم!.

بل لا يمكن رجوع هذا الجنين الى الرّحم، حتّى و إن إصطدم

ببعض الموانع التي لا تدعه يواصل تكامله، و لم يبد هنا لك من أثرٍ لبقاءه في الرّحم و يسقط ناقصاً، على غِرار الفاكهة غير النّاضجة التي تسقط من الشّجرة.

هذا القانون يشمل النبات و الحيوان و الإنسان، و كافّة أحياء العالم بشكلٍ عام. و ليس لِكائنٍ في أن يرجع القَهقَرى و يعود الى المرحلة التي إجتازها بعد أن قطع مسيرته نحو التّكامل، و إن حصلت هذه المسيرة بصورةٍ ناقصةٍ.

و الفلاسفة السّابقون يُعبّرون أحياناً عن هذه الحقيقة

الاتصال بالارواح، ص: 29

بشكلٍ آخر، و يقولون: الكائن إذا تحول من القوّة إلى الفعل، فلا يمكنه الرّجوع إلى الحالة الأولى. (القوّة).

نظريّة أحد الفلاسفة المشهورين:

بعد البحوث السّالفة التي ذُكرت حول إبطال عقيدة (التّناسخ)، و رجوع الرّوح إلى بدنٍ آخر، نُطْلع القرّاء الكِرام على ما قاله الفيلسوف المعروف الملّا صدرا الشيرازي، في كتابه المشهور (الأسفار)، حول إستحالة عقيدة (التّناسخ)، معزّزاً بالأدلة الكثيرة، يقول الشيرازي:

(الرّوح في بدءِ تكوّنها هى مَحض إستعداد و قوّة، و لم تبلغ مرحلة (الفعليّة) في أيّة جهةٍ، كما أنّ البدن كذلك في بدايته، يعني أنّ كلّ شي ءٍ فيه كامن في مرحلة (الإستعداد).

هذان الإثنان (الرّوح و البدن)، يتطوّران و يتقدّمان جنباً إلى جنب، و ما فيهما من (قوّة و إستعداد) كامنين، يتحول تَدريجيّاً الى مرحلة (الفعليّة و الظّهور).

و كما أنّ الجسمَ، يستحيل أن يرجع بعد وصوله الى مرحلة من (الفعليّة) أو (القوّة و الإستعداد).

الاتصال بالارواح، ص: 30

كعودة الجَنين الكامل إلى نُطفةٍ أو عَلَقةٍ، أو يعود بعد الوِلادة إلى الرّحم، كذلك الرّوح يستحيل عليها العودة مرة أخرى من حالةٍ تعَدّتها، إلى حالةٍ سابقةٍ لها، أي من دور (الفعليّة) إلى دور (القوّة).

إنّ حركة هذين الإثنين (الرّوح و الجسم)، هى نوع من أنواع (الحركة

الجوهريّة) التي تَتمّ في ذوات الأشياء، و العودة في الحركة الجوهريّة غير مُمكنة مُطلقاً.

ولو فرضنا أنّ روحاً بعد وصولها إلى مرحلة (الفعليّة)، عادت و إستقرّت في بدن جنينٍ، و هو محض الإستعداد و القوّة، يلزم من ذلك إتحاد شيئين متضادّين، أي إتّحاد بدن في حالة الإستعداد و القّوة، بروح وصلت مرحلة الفعليّة و الظّهور، ولا شكّ في إستحالة هذا.

هذه خلاصة ما قاله هذا الفيلسوف المشهور، مع توضيح مختصر لنا. «1»

و الآن نتابع عرضْ بقيّة نقاط ضَعف عقيدة التّناسخ:

ولكن الإعتقاد بالتّناسخ يخالف هذا القانون المُسّلَم به.

الاتصال بالارواح، ص: 31

هذه العقيدة تقول: إنّ الإنسان يموت و روحه تنفصل عن جسده، كما في الفاكهة النّاضجة أو غير النّاضجة السّاقطة من الشّجرة، ولكن سرعان ما تعود هذه الرّوح إلى جسدٍ آخر، ولتبدأ من جديد بتلك الأدوار أولًا في داخل النّطفة، ثم تخرج بشكل جنينٍ كاملٍ.

و تَتَولد مرّةً أُخرى

ثم تطوي مراحل الطفولة مرة أُخرى بكلّ مشاكلها و مرارتها و حلاوتها.

الرّوح التي كانت في الماضي، تتكلم و تمشي و تأكل و تفكّر و ربّما تقرأ و تكتب، كلّ هذه الأشياء تنساها، مرّةً أخرى يجب على الأم أن تعلّمها طريقة المشي، و شيئاً فشيئاً تلقّنها الحُروف حتّى تستطيع التّكلم. و تنتقل بها خطوةً خطوةً، لتتعلم كيف تمشي.

مرةً أُخرى تتعلَّم كيفيّة إرتداء الملابس، و تذهب إلى المدرسة، و من جديد تتعلم «دار دور»، و من جديد يعلمونها كلّ الأشياء.

هذه هى و الرَّجعة الواضحة، هذا هو الرجوع بكلّ معناه،

الاتصال بالارواح، ص: 32

هذه هى الخُطوة العريضة نحو الأدوار السّالفة.

هذا الكلام لا يستطيع أيّ فيلسوف تقبّله، و لا أيّ عالم طبيعي أو محقّق.

الشّخص الذي يكون عابداً للَّه، معتقداً بنظام كائنات عالَم الوُجود، و أنّه

مطابِق لإرادةٍ، أزليةٍ و يدار وفق سلسلة قوانين صحيحة، كيف يمكنه أن ينسب هذا العمل الأحمق إلى خالق العالَم العظيم، و يقول: بعد أن يطوي الكائن كلّ أدوراه التّكامليّة- بشكلٍ كاملٍ أو ناقصٍ-، فإنّه يرجع مرةً أُخرى إلى حالته الأولى ليبدأ من الصِّفر!؟

لو أنّ هناك أحداً يُعيد طالِباً جامعيّاً- مهما كان ضعيفاً فى درسه-، إلى الصّف الأوّل الإبتدائي، و يحمله على دراسة الحُروف و (دار دور)، ألا يضحكون عليه؟.

فكيف يُمكن أن يُنسب هذا العمل المُضحك إلى اللَّه تعالى !.

الحقّ أنّ الرّوح بعد مفارقة البدن، لن تعودَ إلى هذا العالم و لا إلى داخل الرَّحم، و الرّجوع إلى حياةِ الآخرة، لا يتمّ إلّافي مرحلةٍ أعلى، و في عالمٍ آخر أسمى من هذا العالم.

الاتصال بالارواح، ص: 33

و في الحقيقة كما أنّ (هذا العالم)، يُعَدُّ دوراً تكامليّاً أعلى من (عالم الرّحم)، كذلك (عالم الآخرة) سيكون أعلى بهذه النّسبة التكامليّة من هذا العالم.

على كلِّ حال، أنّ الاعتقاد بعودة الرّوح، إلى حياةٍ جديدةٍ في هذا العالم، هو عقيدةٌ رجعيّة، بكلّ معنى الكلمة.

الاتصال بالارواح، ص: 35

الدّليل الثّاني على إبطال عقيدة التّناسخ:

الرّوح لا تستطيع الحياة إلا في بدنها:

إن فلاسفتنا العُظماء يرفضون عقيدة (التّناسخ)، و عودة الأرواح إلى أَبدان الحيوان أو الإنسان في هذا العالم، و لم يُبطلوها إستناداً إلى الآيات القرآنيّة المجيدة و مصادر الحديث الإسلامي فحسب، (بالشّكل الذي سنعرض له بالتّفصيل لِاحِقاً)، بل علاوةً على ذلك، أبطلوا تلك العقيدة بالدّلائل العقليّة الواضحة.

الى جانب ذلك فإنّ لهذه العقيدة معطياتها السَيِّئة من الناحية العمليّة، و التي ستمر على القُراء الإعزاء خلال هذه الأبحاث.

في البحث السّابق أثبتنا أنّ النّقص الكبير في هذه العقيدة، هو مخالفتها الصّريحة لقانون (التّكامل في عالم الحياة)، و رجعيّة تلك العقيدة.

الاتصال بالارواح، ص: 36

كيف يمكننا الإعتقاد، بأنّ اللَّه سبحانه

يعيد الأرواح إلى حالتها الأولى بعد طيِّ مراحلها التكامليّة (ولو كانت نسبيّة)، و مرة أُخرى يُقِرُّ روح إنسان في الأربعين من عمره في داخل جنين، ثم يسيره في أدوار الطّفولة تلك، و هو سيرٌ محدّد و عَديم الفائدة، لأنّه سيعود بعد فترةٍ إلى حالته الأُولى

و الآن ننتقل إلى الأدلّة العقليّة الأُخرى

الرّوح لا تنفع بدناً آخر:

خلافاً لما يتصوّره البعض، فإنّ روح الإنسان لم تكن موجوداً كاملًا و مُعدّاً حاضراً، و لكنّه يطوي أدواره التكامليّة في هذا العالم بصورةٍ تدريجيّةٍ.

من الذي لا يعلم أنّ روح الطّفل طفوليّة كَبدَنِه؟. و روح الشّاب هى شابّةٌ نشطةٌ و ثائرةٌ و ساخنةٌ مثله؟.

إنّ روح الإنسان و بدنه، على علاقةٍ وثيقةٍ جدّاً ببعضهما، و يؤثّر أحدهما في الآخر تأثيراً مباشراً.

الدراسات الحديثة لفلاسفتنا التي بُنيت على أساس نظريّة (الحركة الجوهريّة)، تُظهِر أنّ من المُستحيل إعتبار

الاتصال بالارواح، ص: 37

الرّوح كائناً مُستقلًاّ و منفصلًا عن الجسد، و الحقيقة هذا نوعٌ من الثنويّة و الإتحاد، بل العلاقة بين الإثنين أكثر ممّا نتصور، الى جانب تأثير أحدهما بالآخر، أو بتعبير البَعض فإنّ علاقة الرّوح بالجسد، كعلاقة (ماء الورد) بالورد، و إنّ علماء النّفس المُعاصرون، تقدّموا في هذا الحقل و وثّقوا العلاقة أكثر بينهما.

ولا ينبغي الخَلط هنا، فنحن لا نَزْعُم ما يردّده المادّيون، من أنّ الرّوح لَيست سِوى خَواص المادّة، بل نُريد أن نقول:

إنّ الرّوح في الوقت الذي تكون فيه كائناً، فوق المادّة، هى على إرتباطٍ و إتحادٍ وثيقٍ بالجسم و المادّة.

لم يكن هذا إدعاءً بل حقيقةً، و إنّ الفلسفة و علم النّفس يثبتان ذلك.

و نستنتج من هذا كُلِّه: إنّه كما أنّ أيّ جسمين لا يتشابهان من جميع الجِهات، كذلك لا يمكن لروحين أن يتشابها من جميع الجهات.

فَلأن

الرّوح ستحمل صبغة بدنها، فإنّها ستتطور بالنّسبة لذلك. و لهذا فإنّك لن تجد أبداً، شخصين مُتشابهين فى شخصيتهما و حالاتهما النّفسية، و شِئتَ أم أبيتَ ستجد بينهما

الاتصال بالارواح، ص: 38

نقاط إختلاف و تفاوت.

و بتعبير آخر لو أن هناك جِسمين مُتشابهين من جميع الجِهات، فيسكونان جَسداً و احداً، ولو أنّ هنالك روحين مُتشابهين في كلّ الأشياء فسيكونان رُوحاً واحداً.

مع الأخذ بنظر الإعتبار سنَخيّة (النّفس) و (البدن)، أو (الرّوح) و (الجسم)، فمن غير المُمكِن لأيِّ روحٍ أن تستقر في بدنٍ آخر غير بدنها، ما دام ليس بينهما تطابق و توافق.

كلّ جسمٍ لائقٍ و موافقٍ للروح التي ترتبط به، و بالعكس فإنّ كلّ روح لائقةٍ و موافقةٍ لجسدها.

و يبدو هذا التّناسب و الإنسجام، الى درجةٍ بحيث لو إفترض إرسال روح الى جسدٍ آخر، لكانت غريبةً عليه تماماً و ليست مُناسبةً له.

و كذلك بنفس هذا الدّليل، يجب أن تعود الرّوح لهذا البدن نفسه (يوم القيامة)، لأنّ إستمرار نشاط الرّوح الحيوي، لا يتم بدونه، فقد ترتّب معه، و ستعيش معه ولكن في مرحلةٍ أكمل.

ويبدو أنّ أتباع عقيدةِ (التّناسخ) نسوا كلّ هذه الحقائق، و توهّموا أنّ (الرّوح)، هى مسافرةٌ تحل أحياناً في هذا المنزل،

الاتصال بالارواح، ص: 39

و أحياناً أُخرى في ذلك المنزل، أو كطيرٍ خفيف الطّيران، يسكن كلّ يوم في عشٍّ جديد. مع أنّ الأمر ليس كذلك؛ فالمُسافر و الطّير شي ءٌ، و المنزل و العِش شي ءٌ آخر. ولكنّ الرّوح و الجسم، بينهما من الإرتباط و الإمتزاج ما لا يستطيع أن يكون هذا الجسد قالباً لروح أخرى و لا الرّوح الأُخرى يمكنها أن تعيش و تقترن و تتّفق مع هذا الجسد، أنّهما مثل الأقفال المختلفة، لكلّ قُفلٍ مفتاحٌ خاصّ، لا يصلح

إلّاله.

ما لا تستطيع إبداعه الرّوح:

لنفرض أنّنا صرفنا النّظر عن هذه الحقيقة، و قلنا: إنّ روح الإنسان يمكن أن تحلّ ببدنٍ آخرِ، فكيف يمكن لروح إنسانٍ في الخمسين من عمره، و قد طوت أدوارها المختلفة، أن تستقِرّ في جَنينٍ صغيرٍ، و بعد الولادة تكون كروح الطّفل، تحمل تصرّفات الأطفال فتتذرع، و تبكي، و تُعاند، و تصرخ و تلعب كالأطفال، و تُخاصِم و تُصالِح، و في مرحلة الشّباب تؤدّي أعمال الشباب؟!. حقّاً لا يجوز عَليها مثل هذا الفعل، ولا يمكن الإيمان بهذا الموضوع. وَ لَسنا بِصَدَد رجعيّة هذا

الاتصال بالارواح، ص: 40

السّير؛ إلّاأنّ المراد إنّه لو كان لِلرجعَة و العَودة الى الوراء، من سبيلٍ الى عالم الحَياة، فإنّ هذا العمل لا يمكن القيام به، بواسطة إعادة روح الإنسان الذي له خمسون عاماً الى بدن طفلٍ.

أَتباع عقيدة التّناسخ، لم ينتبهوا ظاهراً إلى لَوازم عقيدتهم، و اكتفوا بالتّعلق بالأهداف التي ذُكرت في البحث السّابق، و إلّافلا يُعقل أنّ أحداً يصل إلى هذه الحِسابات، و يبقى ثابتاً على هذه العقيدة، أو لا يُداخله على الأقل الشّك في صِحَتها.

الدّليل الثالث: إستحالة النّسيان المطلق على الأرواح:

الدّليل الآخر الذي يجعل من المُسَلَّم به بُطلان عقيدة:

(عودة الأرواح إلى أبدانٍ أُخرى ، هو موضوع: (النّسيان المطلق) لذكريات الماضي.

توضيح ذلك: لو بَنَينا على أنّ كلّ الأرواح، أو الأرواح غير المتكاملة تعود إلى أبدان أخرى فكيف يمكنها أن تنسى جميع ذكريات الماضي؟

إنّنا لم نَرَ أنفسنا أو أيّ شخص ممن نعرفه، يتذكر أو يعلم أنّه كان مرّةً سابقةً في هذا العالم، و قد رأى حوادثه، و مهما نفكر، فإنّنا لا نتذكر أدنى ذِكرى من عالمٍ آخرٍ متقدّمٍ.

كيف يمكن لشخصٍ في الثّلاثين من عمره، أو في الخمسين أو أكثر أن يعيش في هذا العالم، و يدرس علوماً كثيرةً،

وَ يبرع في كثيرٍ من الفنون، أن ينسى ذلك كلّه، آلاف الاتصال بالارواح، ص: 42

الذّكريات في الشّدة و الرّخاء، لقاءَه بآلافِ الأصدقاءِ و الأعداءِ، كيف ينسى كلَّ ذلك؟.

هكذا نِسيان، غيرُ مُمكنٍ لِلروح، وَ وِفقاً لِلنصوص القُرآنيّة و الأدلّة العقليّة المتوفِّرة، فإنّ الأرواح تعود يوم القيامة إلى أبدانها الكاملة، و تَتذكّر تقريباً كلّ الأشياء، تَتذكّر أعمالها و أفعالها في هذا العالم، و حتّى الأصدقاء و الأعداء لو رأتهم فستعرفهم.

كيف يمكن أن يكون، التّفاوت و البُعد بين العُودة إلى هذا العالم و العَودة في يوم القيامة بهذا المِقدار؟.

و لو فرضنا إمكان ذلك، فإنّه باطلٌ و لا جدوى فيه؛ لأنّ أَتباع هذه العقيدة يعتقدون بأنّ الحياة الجديدة هى: (تَذكُّر) و (تكامل)، و أحياناً تكون جزاءً لِمعاصي الحياة الأولى

من البديهي أنّ هذه المواضيع، لا تعني شيئاً بالنّسبة لِلأشخاص الذين نسوا ماضيهم بالكامل. فهم لا يتذكّرون الجرائم و المعاصي التي إرتكبوها حتّى يعتبروا و يتيقّظوا، و لا يتذكّرون شيئاً من الحِرمان حتى يلتذّوا بالإنتصارات، و بالوصول إلى الأهداف في حياتهم الجديدة، لأن كلّ هذه المفاهيم تكون مُشروطةً بتذكّر الماضي.

الاتصال بالارواح، ص: 43

بعضٌ من أتباع عقيدة (التّناسخ)، لغطوا لَغطاً عجيباً في توضيح النّسيان المُطلق، و قالوا: إنّ في بعض أَطراف العالم، يَلاحظ أنّ هناك أفراداً يتذكُروا قليلًا أو كثيراً ذكريات الحياة الأولى .

يحب أن يُقال لِهؤلاء: أوّلًا لا يوجد أيّ دليلٍ مُعتبرٍ يُستَند عليه في إمكان إثبات هذا الإدّعاء في البحوث العلميّة، و على فرض وجود شخصٍ يَدّعي هكذا ادِّعاء، فمن غير البعيد أن يكون إدِّعاءُه من قبيل التّوهم و الخيال، و هذا نوع، من الأمراض النّفسية المُبتلى بها عِدَّة منهم، و إلّا فكلّ واحدٍ منا يعرف آلاف الأشخاص الأسوِياء

و يختلِط معهم، ولم نَرَ أحداً منهم إدّعى هذا الإدِّعاء.

ثانياً- على فرض وجود هكذا أفراد، و أنّهم يتمتّعون بالسّلامة التّامة من الناحية النفسيّة، يتبادر هذا السُّؤال: ما هو دليل هذا التَّمييز؟ لماذا يدّعي عدد قليل من الأشخاص، إنّهم يتذكّرون الحياة السّالفة ولا يّدعي ذلك الجميع؟، هذا التَّمييز لا دليل له مطلقاً.

تشهد كلّ هذه الأُمور على وهميّة الزّعم المَذكور.

الدّليل الرّابع على إبطال عقيدة التّناسخ

الأرواح غير المُكلَّفة و المنتظرة الحائرة!:

الإشكال الآخر الذي يَرِد على عقيدة (التّناسخ)، و العودة إلى الحياة مُجدّداً هو:

لو تمَّ هذا الأُسلوب بالنّسبة لكلِّ الأفراد الذين يحتاجون إلى تكاملٍ جديدٍ، فيلزم من ذلك، أن يتَقارن دائماً موت شخصٍ مع إنعقاد نُطفةٍ أُخرى لكي تنتقل الرّوح بعد إنفصالها من البدن الأوّل إلى البدن الثّاني، الذي هو في حال: النُّطفَه.

فلو أنّ حادثةً وقعت، كالزّلزلة أو الفيضان الذي يُهلك الكثيرين في مدّةٍ قصيرةٍ، أو الحروب العالميّة التي تدمّر و تُهلك الكثير في لحظاتٍ خاطفةٍ، ولا سِيَّما إذا إستخدمت فيها الأسلحة الذريّة، كما حدث في اليابان من فاجعة: (ناكازاكي و هيروشيما)، فماذا سيكون مصير هذه الأرواح؟.

و مع علمنا التّام بأنّه سوف لن تنعقد نُطفٌ، بذلك العدد في الظّروف الطبيعيّه، إذن تبقى هذه الأرواح بغير تكليف، و

الاتصال بالارواح، ص: 46

يجب أن تبقى تنتظِر دورها، كالمُسافرين ينتظرون الحافلات داخل المدن الكبيرة، و ماذا سيكوِن مصير الرّوح التي فقدت جِسمها الأوّل، في الفترة التي يتأخَّر فيها حُصولها على الجسم الثّاني؟!.

هل يستطيع أحد أن يدّعي، أنّ عدَد الوِلادات التي تنعقد نُطفهم، يعادل عدد الوفيّات دائماً، في الوِقت الّذي نرى فيه خِلاف ذلك، بدليل إحصاء الحروب و التَّدمير النّاشِى ء من السيّول و الزّلازل. «1»

هذا كلِّه دليلٌ على ضَعف و خَطأ هذه العقيدة الخُرافيّة، و أنّ الإسلام و الأديان السّماوية الأخرى

قد ابطلت هذه العقيدة و أتبَتَت زيفها.

العَودة إلى الحياة الجديدة من وِجهة نظر القُرآن

جميع الفِرق الإسلاميّة تتَّفِق، على أنّ الرّوح لن تعودَ إلى بدنٍ آخر في هذا العالم، بَعدَ فناء هذه الحياة، و علماء الشّيعة و السنّة أدانوا بكلِّ صراحةٍ عقيدة التّناسخ، و إعتبروها إحدى خُرافات الأديان القديمة، ك: (الهنديّة).

إلّا أنّ هناك مجموعةً صغيرةً كانت تُدعى: «التّناسخيّة» اتَّبعت هذه العقيدة، و نحن اليوم لا نجد سِوى إسم هذه المجموعة في كتب (المِلل و النِّحل)، و لا نرى لها اليوم وجوداً بين صفوف المسلمين.

و لعلَّ مصيرها كان كمصير تلك الفرق و الجماعات التي إندثرت، و لم يبق إلّاإسمها في كتب «المِلل و النّحل»، و إنّها لم تظهر، إلّاحين نشطت حركة تَرجمة الكتب الفلسفيّة اليونانيّة و سائر الكتب الدينيّة، و تصاعد حِدَّة الأبحاث و

الاتصال بالارواح، ص: 48

المحاورات الدينيّة من قبل بعض الأفراد ممن لاحَظَّ لهم من عِلمٍ أو معرفةٍ.

مؤلّف دائرة معارف القَرن العشرين، (في المجلد العاشر، صفحة 181)، يقول:

عقيدة عودة الأرواح إلى أبدانٍ أُخرى في هذا العالم، هى إعتقاد قديم وسالِف، ظهر أوّل مرّةٍ في الهند، و لحدِّ الآن في أوساطهم من يعتقد بتلك العَقيدة ...

و في الإسلام لم يؤمن أحد بهذه العقيدة، إلّافرقة:

(التناسخيّة)، و أولئك لم يأخذوا هذه العقيدة عن القرآن، و لكن إقتبسوها من الهنود، و مِمّا تناقلته العرب من فلسفة أولئك ...

و يجب مُلاحظة: أنّه يستفاد من مختلف المصادر، أنّ هذه العقيدة كان لها أتباع، ينتمون إلى الأقوام التي لا تؤمن بالمَعاد و يوم القيامة، كما نؤمن بِهما، و على ضوء ما أشار اليه القُرآن الكريم.

لأنّه لو قبلنا أنّ الأرواح، تعود مرةً أخرى إلى أبدانٍ جديدةٍ في هذا العالم لترى نتيجة أعمالها، فلن تَعودَ هناك من ضرورةٍ لِلمعاد يوم القيامة.

الاتصال

بالارواح، ص: 49

يقول بعض أتباع هذه العقيدة: إنّ الفقير و المَحروم سيعود بشكل رجلٍ ثري و ذي يَسار، أو أنّ الثّري الطاغي سيعود بصورة عاملٍ بائِسٍ فقيرٍ، أو أَنَّ من فَشل في الحبِّ! يصل إلى قُرب المَحبوب و إلى وِصاله، والذين خانوا و لم يَفوا في الحُبِّ! يبتلون بالبعد و الهِجران. أو أنَّ: «نايب حسين الكاشي»، سيعود على الهَيئة الفلانيّةِ ليُحاسب على أعماله. و مع كلّ هذا لا تبقى ضرورة ليوم القيامة، و في الحقيقة فإنّ يومَ قِيامتهم يتمّ في هذه الحياة الدّنيا، و ليس قيامةً و بعثاً آخر، و إعداد محكمة و حساب و كتاب آخر، فهو غير ضروري؛ لأنّ عقاب من نال جزاءَ أعماله في هذه الدنيا، يُعدّ نوعاً من الظلّم و الجَور.

لذا فإنّ الأحاديث الواردة عن أئمَّة الإسلام العظام، تضمَّنت الإشارة الى لوازم هذه العقيدة- و في مقدّمتها انكار البعث و المعاد- الى جانب بُطلانها.

فقد روى المرحوم (الصّدوق)، المحدث الإسلامي الكبير، في كتابه (عيون أخبار الرّضا) عن الإمام عَليّ بن موسى الرّضا عليه السلام، في جواب المأمون عن مسألة التّناسخ، قال:

الاتصال بالارواح، ص: 50

«من قال بالتّناسخ فهو كافر باللَّه العظيم؛ يُكذِّب بالجنّة و النّار».

و النّقطة التي يجب أن تُلاحظ أكثر في هذا الحديث هى، أنّ الإعتقاد بالتّناسخ ذُكر مقارناً لعدم الإعتقاد باللَّه تعالى. و العلاقة بين الإثنين: (الإعتقاد بالتّناسخ و الكفر باللَّه تعالى)، تتّضح بِملاحظة موضوعٍ واحدٍ هو: أنّنا نقرأ في كتب (التأريخ و الأديان)، أنّ فرقةً من أتباع التّناسخ المُعاندين كانوا مجموعةً من الماديّين، فقد رَغبوا بهذه الفكرة أثر نَفِيهم لوجود اللّه، فإضطرّوا للإعتقاد بأزليّة الأرواح و عدم وجود خالِقٍ لها، و إنّ هذه الأرواح يجب أن تبقى خالدةً طول العُمر،

و في كلّ فترةٍ تُقيمُ في بدنٍ، و مع فَناء البَدن تستقرُّ في بدنٍ آخر، و هكذا تُديم عمرها!.

و هكذا تتَّضح العلاقة بين هذه العقيدة و العقيدة الماديّة.

وردت في القُرآن الكريم، الذي هو مصدر العلوم و الثّقافة الإسلاميّة، آيات كثيرة ترفض عقيدة التّناسخ، و منهما ما يأتي:

الاتصال بالارواح، ص: 51

1- ى حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ آرْجِعون* لَعليِّ أعمل صالحاً فيما تركت كلّا إنّها كلمة هو قائلها ... ى. «1»

هذه الآية الشّريفة، تنفي بصراحةٍ رجوع الأرواح إلى هذه الحياة، لِتَتَدارَك ما فات في الماضي.

2- ى كيف تكفرون باللَّه و كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يُميتكم ثم يحييكم ثم إليه تُرجعون ى. «2»

هذه الآية تُثبت بصراحةٍ أنّ هناك حياةً واحدةً بعد الموت، و تلك الحياة تكون في يوم القيامة، و الرجوع إليه سبحانه و الإتصال بالأزل و الحياة في دار الخلود.

من الواضح أنّ من يعتقد بعَودة الرّوح إلى بدنٍ آخر، و الحياة الجديدة في هذا العالم، يجب أن يعتبر أنّ هُناك حياةً و موتاً آخرين، و هذا يخالف ما جاء في الآية الشّريفة التي نحن بِصَددها. «3»

الاتصال بالارواح، ص: 52

3- ى اللَّه الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ى. «1»

في هذه الآية الشّريفة ذُكر الموت و الحياة مرةً واحدةً، بعد الخلق الأوّل، الذي هو هذا العالم، و حياة الآخرة.

4- ى و هو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إنّ الإنسان لكفورى. «2»

في هذه الآية اعتبرت الحياة بعد الموت منحصرةً بحياةٍ واحدةٍ لا أكثر، و تلك هى الإحياء يوم القيامة.

5- ى قالوا ربّنا أمتّنا إثنتين و احيّيتنا إثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ى. «3»

قد يتّخذ البعض جملة: «أمتّناً إثنتين»، وسيلةً ليستدِلَّ على أن الإماتة مرّتين، تعني أنّ الإنسان يعود

ليحيا مرةً أخرى في هذا العالم، ثمّ يموت، ولو أنّه لم يعد لهذه الحياة، لكانت الإماتة مرةً واحدةً لا أكثر.

ولكن بالتّركيز على الآيات الشّريفة الآنِفة الذِّكر، يتّضح جليّاً أنّ المقصود من «الموت الأوّل»، هو الحالة التي كان الاتصال بالارواح، ص: 53

عليها الإنسان قبل الحياة في هذا العالم، إذ كان موجوداً بدون روح: (تُراب)، ثم أُلبِس ثَوب الحياة، و إذا عُبّر عنهما (بالإماتَة)، فهو من باب التّغليب في الإصطلاح العامّي، (و المراد بالتّغليب هو: أن نريد التّعبير عن شيئين فَننتَخب لَفظ أحدهما و نثنّيه، و نُعبِّر عنهما بهذا اللّفظ، فمثلًا قولنا «القَمرين»، هو تعبيرٌ عن «الشّمس» و «القَمر»، أو قولنا:

«الأبوَين»، فهو لفظٌ بدل: «الأب» و «الأمّ»، و كذلك هنا في الآية الشّريفة، فبدلًا من قول المَوت و الإماتة ذكر اللّفظتين بلفظِ «الإماتتين»، فلو دقّقنا النّظر في الآية الشّريفة، نرى أن هناك شاهداً حيّاً يدلّ على هذا المعنى و هو أنّ مجموع «الإحياء» مرّتين «وأحييَتنا إثنتين» قد ذُكر صريحاً، فَلو كانت هناك حياة جديدة في هذه الدنيا بالإضافة إلى حياة الآخرة، فسيكون المجموع ثلاث «حيوات».

و بناءً على هذا فإنّ الآية الشّريفة الآنفة الذِّكر، من الآيات التي تفنّد عقيدة التّناسخ.

و في خطب الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، تُلاحظ بعض العبارات التي تُبطل عقيدة التّناسخ، كقوله في الأموات:

الاتصال بالارواح، ص: 54

«لا عن قبيح يستطيعون إنتقالًا، و لا في حسن يستطيعون إزدياداً». «1»

و من الواضح أنّ المعتقدين بالتّناسخ، يقولون: إنّ الإنسان يعود بعد الموت إلى هذه الدنيا، لتدارك أعماله السّابقة، و على حد قولهم لكي يتمّ تكامله النّاقص و يعوِّض ما فاته.

و هنا أدلةٌ كثيرةٌ و لكّننا أعرضنا عنها لتفادي الإطالة في الكلام.

الاتصال بالارواح، ص: 55

الفصل الثّاني الإرتباط بالأرواح

لعبة المائدة المستديرة!

هل يمكن الإرتباط بأرواح الماضين و إستلام معلومات منهم؟.

هل أنّ كلّ هذه المناقشات و المحاورات التي أدعتهما مؤسّسات «الرّوحيّين»، و «المعتقدين بعودة الأرواح»، بشأن الإرتباط بالأرواح كانت لغواً لا طائل فيه؟، و هل يكون الكلام الفارغ بهذا المقدار؟، أم أنّ هناك شيئاً من الواقعيّة و الصّحة في ذلك الكلام؟.

و هل أنّ إحضار الأرواح- أو بالأصح الإرتباط بالأرواح-، عن طريق المائدة المستديرة التي إنتشرت أخيراً «1» في كلّ مكان، بواسطة بعض مجلّات «الموضة» صحيحة، و كلّ النّاس يستطيعون أن يعدّوا منضدة دائريّة

الاتصال بالارواح، ص: 58

دون مسامير، و يجلسون حولها و يضعون أيديهم عليها، و ينوون و يرتبطون بالرّوح المعنيّة و يسألون منها ما يريدون، ويستلمون أجوبتها- الموجبة و السّالبة-، بواسطة الدّوران الهادى ء و الإضطراري للمنضدة؟.

و هل أنّ الأمر يتمّ حقاً بكلّ هذه البساطة، و إنّ منضدةً دائريّةً بلا مسامير، تكون «مفتاحاً لعالم الغيب»، و «جهاز إرسال و إستلام»؟!.

هذه الأسئلة يروم الكُلّ أن يعلم أجوبتها.

إسمحوا لنا أيضاً أن نبدأ بهذا الموضوع من السؤال الأخير، و نشرع في قصّة المنضدة الدائريّة، التي أحدثت أخيراً ضجّةً و صخباً، ثم ندخل في البحوث الأكثر أصوليّة.

و إسمحوا لنا أيضاً، أن نبدأ الكلام برسالةٍ لطيفةٍ مبرهنةٍ، من أحد الذين إشتغلوا كثيراً في هذا المجال، و هذا نصّ الرّسالة:

(في هذه الأيام ظهر الإرتباط بالأرواح بواسطة الطاولة المدوّرة بشكل «عدوى ، و كلّ من حضر دقائق قليلة في جلسة الإرتباط، و رأى حركة الطّاولة،

الاتصال بالارواح، ص: 59

يقع أسير التّفكير، في أنّ يعدّ طاولة بلا مسامير مع صحيفة مدوّرة متحركة، حتى ينشغل بالإرتباط بالأرواح.

أمّا الشّي ء الذي يثير العجب و المُؤسف، فهو أنّ الأشخاص الذين يرومون الإرتباط بالرّوح المعنية- و بناءً على توصية كاتب إحدى مجلات

طهران-، سيوفّقون لذلك بعد قراءة سورة الحمد، و إستدعاء الرّوح التي يرومون مخاطبتها و يسألون عمّا يشاؤون، و الشّي ء الألطف هو أن يسمعوا ما يُحبّون سَماعه!.

و لحد الآن لم أُشاهد مثلًا: البعض من أتباع إحدى الفرق الإسلامية، يجلسون حلقةً حول منضدةٍ و يسألون الروح التي يرتبطون بها عن سبيل الحقّ، أو أن يسمعوا شيئاً لغير فرقتهم، و بالطّبع فإنّ مخالفيهم يسمعون العكس مما يسمع هؤلاء!!

و من المُسَلّم به أنّه لا يشك أحد، في أنّ صحيفة الطّاولة تدور وحدها، أمّا أنّه هل الروح سبب تدوير الطّاولة؟

ولو كانت هى الرّوح، فما هى العلّة التي يُعرّف بها

الاتصال بالارواح، ص: 60

المذهب الحقّ بأنّه: (مذهب الإماميّة الإثني عشريّة).

أمامي أنا الشّيعي، و يعرّف المذهب الآخر لسالكه بأنّه هو الحق؟.

عدّة مرّات قمت بالإختبارٍ، و سألت: فلانٌ مريض هل سيشفى أم لا؟، سألت روحاً هذا السؤال طيلة ليلتين متواليتين؛ فأجابتني كلّ مرةٍ بجوابٍ يناقض ما قبله!.

و الآن يجدُر بِنا أن نرى ما هى القوة التي تحرك الطّاولة؟ و ما هو السّبب؟، أنا شاهدت عدّة مرّات أنّ الجلسات تمَّت بواسطة مناضد حديديّة كبيرة، و تمّ الإرتباط من خلالها. فلو وجب أن تكون المنضدة بدون مِسمار، و أنّ المِسمار يؤثِّر تأثيراً كبيراً عليها، فلماذا تتحرّك المنضدة الحديدية؟.

إنّ الّذي حصلت عليه من كلّ ذلك، هو: أنّ الأشخاص الذين يجلسون حول المنضدة، يقعون و بشكل لا إرادي تحت تأثير بعض الكلمات، و الظّرف الإستثنائي الخاص الذي يعدّون فيه أنفسهم للإرتباط بالأرواح.

و الذي لا يمتلك قوّة السّيطرة على أعصابه من الاتصال بالارواح، ص: 61

الحاضرين، هو الذي يحرّك المنضدة.

هؤلاء الأفراد هم: «واسطة الإرتباط» القويّة، لاحظوا أنّ الواسطة القويّة هى كلّ الأشخاص الذين لا يمتلكون القدرة على أعصابهم، و عموماً

من هم عصبيّون.

أنا شخصيّاً من مدينة «نيسابور»، و أحد مديري جلسة الإرتباط، و قد يكون أكثر مَن هم الآن في (نيسابور)، و الذين يعقدون الآن جلسات إرتباط قد جاءوا منزلي في المرحلة الأولى و تعلّموا منّي، لم يكن مرادي التّفاخر بنفسي، ولكن أُريد أن أقول: إنّني ما كتبت هذه الكلمات من خلال الضّجيج و الإستماع.

في إحدى جلسات الإرتباط، كان المرتَبَط به قد عَرَّفَ نفسه: أبو علي بن سينا! سألناه عن مريض ....

المريض كان إمرأةً على و شك الولادة، فأجاب الأستاذ بأنّها ستلد في التّاسع و العشرين من الشّهر الحالي، و هو ما لم يحصل واقعاً!.

و الألطف من كلّ هذا هو، أنّ سيدةً من نيسابور و بمجرد جلوسها حول الطّاولة، و وضع يدها عليها، و

الاتصال بالارواح، ص: 62

بدون سؤال و جواب بدأت الطّاولة بالحركة الدورانيّة، و كلّما سألت السيّدة، كان الجواب إيجابيّاً حتى أنّها سألت سؤالًا سلبيّاً، فأتاها الجواب إيجابيّاً أيضاً!.

كما شاهدت في مجلس، أنّ المنضدة لم تتحرّك مهما طالبوها و ألحّوا عليها، فما كان من صاحب المجلس الّا أن تدخّل شخصيّا، و تصرّف بالمنضدة لِتمُارس دورها في الحركة.

بإختصار أنّ كلّ ما يجري في تلك المجالس، هو أنّ 80% منه تدخّل عَمدي أو لا إرادي، و 20% منه هو حقيقة.

و إن هذه، ال 20% لم يتأكّد أنّها تجري بواسطة الرّوح!.

خلاصة ذلك أنّ مجموعة من الناس تبقى حائرةً تائهةً بجانب الطّاولة إلى السّاعة الواحدة أو الثّانية بعد منتصف اللّيل. و كلّ واحد منهم يستلم نداءً يطابق ذوقه و رغبته، و يجب أن يُخشى ذلك اليوم، الذي تكون فيه هذه الإرتباطات نقطة عطفٍ للأعداء و المخالفين، أو تكون لعبةً سياسيةً جديدةً تدبّر خلفَ الاتصال بالارواح، ص: 63

الكواليس، لتختفي

وراءها المؤامرات.

النّتيجة التي توصّلت إليها: هى أنْ أُسَمِّي هذا الموضوع لعبةً أو لهواً، و الأسئلة التي تُطرح في هذا المضمار، أُجيب عنها في قول اللَّه تعالى في القُرآن الكريم: ى و يسألونك عن الرّوح قلْ الرّوح من أمرِ ربّي ى «1».

كاظم سراج الأنصاري أعتقد أنّ هنا نقطة واحدة جديرة بالذّكر، و هى لا نَحن و لا كاتب هذه الرّسالة المحترم و لا أيّ شخصٍ آخر، نريد- بل لا نستطيع- إنكار وجود الأرواح. (و المراد ليس هذا)، لأنّ الأدلّة الفلسفيّة و الحسيّة و التّجارب التي أُقيمت لإثبات وجود الرّوح، أكبر من أن نستطيع تجاهلها أو أنْ لا نأخذها بِنظر الإعتبار.

و كذلك: (و مع كلّ هذه الشّواهد الكثيرة)، لا يمكننا إنكار إمكانيّة الإرتباط بالأرواح بالطّرق العلميّة الصّحيحة، للأشخاص الذين روّضوا أنفسهم و عملوا و تحمّلوا العِب ء

الاتصال بالارواح، ص: 64

في هذا السبيل، و كما سنرى أيضاً من أحاديث أئمة الإسلام الطّاهرين عليهم السلام، أنّ التّسليم بإمكانيّة هذا الموضوع أمرٌ واقعٌ.

ولكنّ الحديث يَكُمن في أن لا يُزدرى هذا الموضوع، إلى الحدِّ الذي يأتي فيه مَنْ يشاء، و يعمل لنفسه طاولةً مستديرةً دوّارةً للتسلية و التّرفية، و يجمع حولها حَفنةً من الرّجال و النّساء و الصّغار و الكبار، ليحضِّر لهم ليلةً: روح (أبي علي بن سينا)، و ثانيةً يُزعج: (أبا زكريّا الرّازي)، و ليلةً ثالثةً يتعب بها (اينشتاين)، و ليستمتعوا في لياليهم، و لِيعلَموا تأريخ ولادة السيّدة عليها السلام، و ليحكموا بصحّة و بطلان المَذاهب و الأديان، و المدارس الفلسفيّة التي هى محلُ بحثٍ و سؤالٍ، و كذلك فإنّ تلك الأرواح و لأجل أن لا تكدِّر هواجسُ السائلين، و لا تتألّم منها، فإنّها تجيبهم كما يُحبون و يرغبون، إنّ وضعاً كهذا لا

ينسجم مع أيِّ منطقٍ، و لا يُصدِّق أيّ عقل بأنّ هذه المسألة المهمة تحقّر إلى هذا الحدّ.

و الخَطر الكبير الذي هو أهمّ من كلّ ذلك، أنّهم بهذه الطريقة، يهدِّدون المسائل و الأمور الدينيّة و الأخلاقيّة و الاجتماعيّة و حتى السياسيّة، و كاتب الرّسالة آنفة الذّكر

الاتصال بالارواح، ص: 65

أشار إلى ذلك إشارةً صغيرةً.

لأنّه و عندما تتبدّل مسألة الإرتباط بالأرواح، بهذا الشّكل المبتذل، فكلّ أحد يستطيع أن يتّهم عشرات الناس الأبرياء، لكي يحصل على «أمواله المسروقة»، و كلّ إنسان من المُنحرفين و ذَوي العقائد الفاسدة، يستطيع أن يتشبَّث بهذه الوسيلة لإثبات مذهبه و طَريقته، و كلّ «منتفع سياسي»، و لأجل التّفرقة و الحَرب النفسيّة، و خُداع الناس السُّذَّج يأتي عن طريق المنضدة الدائريّة، ليوظِّف عُملاءه ليستمعوا المواضيع المطلوبة من أرواح الأموات، إنّ خَطر هذا الوَضع ظاهرٌ جَليّ، و يجب أن يُخشى من عَواقبه الوخيمة؛ لأنّ هذه الطّريقة هى أسهل الطّرق و أيسرها، لتضفي على النّوايا الخبيثة الصّبغة الملكوتيّة و السماويّة و ما فوق عالم المادة.

و بالتّأكيد فإنّ الإنتهازيين و المنتفعين، سوف لن يتركوا هذه المسألة تمرُّ بسهولةٍ بل يسعون لتحقيق مآربهم عبر هذا الطّريق، و يستعينون بها على تحقيق تلك الأهداف.

الاتصال بالارواح، ص: 67

ماذا رأيت في جلسة الإرتباط بالأرواح؟

لقد طالعت- كسائر الآخرين- البحوث المتعلّقة بالإتصال بالأرواح، بطريقة المنضدة المستديرة في الكتب و المجلات، و كنت منتظراً الفرصة المناسبة لأتابع شخصيّاً الموضوع عن كَثَب. و لأنّي لا أُصدق بسهولةٍ، فقد أردت أن أرى الأمر بأُمّ عينى. ولحُسن الحظ فإنّ الفرصة أُتيحت لي بكلّ سهولةٍ.

في الصّيف الفائت كنت مَدعواً لقضاءِ عدّة أيامٍّ في إحدى مدن محافظة خُراسان، (و هى مدينة (سَبزوار) التي تعرف بجمالها و أَدب أَهلِها و إيمانهم.

كنت قد سمعت مُسبقاً من

أصدقائي في مدينة مشهد، أنّ مدينة (سبزوار)، هى إحدى قَواعد موضوع «المنضدة المستديرة» و «الإرتباط بالأرواح»، و في السّنوات الأخيرة

الاتصال بالارواح، ص: 68

أخذ هذا الموضوع هُناك مَأخذاً عظيماً، و أصبح موضَة العَصر.

نشاطُ أبتاع «الإرتباط بالأرواح» و «مجالس المنضدة المستديرة»، كان قد أخذ قسماً ملحوظاً من وقت بعض أهل المدينة، و أصبح وَسيلةَ لهوٍ لمجموعةٍ، وَ وسيلةَ إطمئنان بوجود عالم ماوراء الطّبيعة لِمجموعةٍ أُخرى

أنا أيضاً كنت راغباً في إنتهاز الفرصة لأرى عن قُرب، وضع هذه المَجالس حتى أستطيع و ببصيرةٍ نافذةٍ، أن أُتابع البَحث الذي بَدأته في هذا الحَقل، و لأِضع القُرّاء الكرام على بيِّنةٍ من واقعيّة الأحداث.

أَعترِف بأنّ حضور النّاس البُسطاء في هذه المجالس قد يكون غير صحيح، أمّا بالنسبة لِلمُحقّقين في هذا الحقل، و المُعرّضين لِلسؤال من قبل الآخرين، فأحياناً يلزمهم حُضورها.

سأحاول أن أنقل لكم ما رأيته بِأمِّ عيني، متفحّصاً و مدقّقاً و أترك لكم إصدار الأحكام.

يلزَمُني أولًا أن أضع بين يدَيِّ القُراء الكرام، ما حصلت الاتصال بالارواح، ص: 69

عليه من «عدّة مُحاورات» أُجريت مع أُناسٍ ثُقاتٍ، ثم أشرح مُشاهداتي.

ممّا جاء في محاوراتِ كثيرٍ من الناس المَعروفين، و الأشخاص الذين كان لهم إرتباط بهذه المَجالس:

1- إنّ موضوع الإرتباط بالأرواح: «طبعاً بطريقة المنضدة المستديرة»، قد راج و إشتهر في هذه المدينة من سنة أو سنتين؛ حتّى أنّه حسب قول أحد الظّرفاء، منح فرصةً لإزدهارسوق النّجارين لِصناعة المناضد المُستديرة!.

2- إنّ كيفيّة عمليّة إرتباط أولئك بالأرواح، يتمّ بأن يجلسوا حول منضدةٍ من الخشب، لم يُستخدم فيها مِسمار، و عليها صحيفةٌ مدوّرةٌ و حرّةٌ و مستقرّة من وسطها على قَضيب خشبي تدور حوله.

يضع شخص أو عدّة أشخاص أيديهم على الصّحيفة المدوّرة، و يقرأون الحمد و سورة أخرى

(و هم يعتقدون بأنّ قراءة الحمد و سورة أخرى مُستحبّاً و ليس واجباً)، ثمّ يركّزون أفكارهم دون الحاجة لأيّ مقدّمة أخرى فإنّهم يتّصلون بإحدى الأرواح.

الاتصال بالارواح، ص: 70

إِشارة الإتّصال بالرّوح، هى أن تدور الصّحيفة المدوّرة لإحدى الجهات تِلقائِيّاً، و الأكف موضوعة فوق المنضدة.

ثمّ يوجّهون الأسئلة لِلروح، و يستلمون منها أجوبةً و رسالات و بهذا الشّكل، فإنّ الشّخص الذي يدير الجلسة، يبدأ بعدّ حروف الأَلفباء من الأوّل، و يدوّنون كلّ حرف.

تتحرك المنضدة عند ذكره، ثمّ يكوّنون من مجموع هذه الحروف جملة: «الرّسائل» و «أجوبة» الرّوح.

أحياناً يقطع الإتصال، و أحياناً تدخل أَرواح أُخرى وسط الإرتباط، و تعمل على تَخريب و إضطراب الإتّصال.

3- أَكثر مُديري هذه النّدوات الأساسيّين، يعتقدون بأنّه لا إستدارة المنضدة شَرطاً، و لا عَدم وجود المَسامير، و النّدوة التي تَمّ فيها الإتصال بِحُضورى، كانت هناك طاولةً ذات أربع أرجل خشبيّة، و كانت ترتفع إثنتان منها عند الإرتباط.

أولئك يقولون، أنّه من المُمكن أن يتمّ الإرتباط بواسطة طاولة حديديّة، و كانوا يعتقدون بأنّ ما نشرته إحدى الاتصال بالارواح، ص: 71

مجلات طهران: (إطلاعات هفتكي) «1»، من أنّ لإجراء هذا الموضوع خاصّةً لا أساس له من الصّحة، و حتّى كاتب هذه السّلسلة من المقالات نفسه، و الذي أَشاع هذا البَحث في أوساط العديد من النّاس، لم يكن يمتلك المعلومات العمليّة الكافية في هذا الحَقل، بلْ إنّ معلوماته كانت ذاتَ طابعٍ نظري، مُقتبسة و مترجمة عن المقالات الأجنبيّة.

بعضُ الأشخاص الذين حاوَرتُهم، كانوا يرون أنفسهم أكثر خِبرةً من ذلك الكاتب.

4- مُديرو هذه الجلسات، يعتقدون أنّ مسألة الإرتباط بالأرواح، لا تستلزم أيّ رياضةٍ، و إعدادٍ، و تمرينٍ، و تعليماتٍ أوليّة، ولكنّها تحتاج إلى قوّةٍ خفيّةٍ تكمن في وجود الإنسان نفسه،

و هذه القوّة تتفاوت عند الأشخاص بين الشدّة و الضّعف، و لذلك لا يتوفّق الكلّ في الإتصال الاتصال بالارواح، ص: 72

بالأرواح، على العَكس من البعض، فإنّهم بما لديهم من قوّةٍ كاملةٍ يرتبطون بالأرواح بكلّ سهولةٍ.

5- يرتبط كلّ واحد من مديري هذه الجَلسات بأرواحٍ مُختلفةٍ، في هذا المضمار، يبدأون من روح: أبي علي بن سينا، و آية اللَّه البروجردي، إلى أراوح أقاربهم و ذوي العلاقة و أَحياناً بالقَساوسة المَسيحيّين و الوثنيّين، الصينيّين، و حتّى «الشّمر»!، يرتبطون بكلّ هؤلاء، و يستلمون رسائلهم و أجوبتهم التي يكون بعضها رائِعاً و البعض الآخر مُضحكاً.

مثلًا أحد هؤلاء السّادة، كان يُصرّح أنّنا كُنّا مُنشغلين بالإرتباط بالأرواح، و بِلا سابِق إنذارٍ رأينا روحاً تُعرِّف نفسها: «ش م ر»!.

سألناه: هل أنت شِمر قاتل الإمام الحسين عليه السلام؟

تحرّكت المنضدة بإشارة المُوافقة.

سألناه: في أيّ وضعٍ أنت الآن؟

أجابنا بتلك الطّريقة، أي طريقة الحُروف:

حالتي حسنة جدّاً الآن!.

قلنا كيف؟

أجابنا: محمّد صلى الله عليه و آله و سلم تجاوز عنّي!.

(فى حين أنّهم يتّصلون و يرتبطون ببعض الأرواح و تقول لهم: نحن نحترق و وضعنا سيّ ء، مع أنّ أصحابها أحسن الاتصال بالارواح، ص: 73

منزلةً بمراتٍ من شِمر ... فهل هذا ممكن؟ ....).

6- تأمل قليلًا، غالباً ما يكون المشتركون في هذه الجلسات، يعتقدون أنّ الطّاولة تتحرّك نتيجةً لعوامل مُبهمةٍ، و لا تتدخّل فيها أيدِي الأشخاص، حتّى أنّ الحركة أحياناً تكون من الشدّة، بِنَحوٍ يفزع منه الحاضرون، أمّا هل أن هذه العوامل المُبهمة، هى أمواجٌ خاصّةٌ في وجود الأرواح، أمْ في وجود مدير الجلسة؟. آراء مختلفة في أوساط أولئك، أحد الذين كانوا من أساتذه هذه الجلسات، و أخيراً عدل عن عقيدته، كان يعتقد بأنّ كلّ ما يحدث هو من داخل الإنسان نفسه،

و العوامل المُبهمة كائنةٌ في داخله.

فريقٌ آخر يعتبر أنّ العامل في حركة المنضدة، منحصر بالأرواح فقط، أما عقيدتي إتِّجاه حركة المنضدة فسأقولها لاحقاً.

7- (لابُدَّ من الدِّقة أيضاً). يعتقد المشتركون و مدير و هذه الجلسات عموماً، بأنّ الأجوبة و الرّسائل التي يستلمونها من الأرواح، تكون صحيحةً دائماً، أحياناً تأتي صحيحةً و مُطابقةً إلى الحدِّ الذي تَملَؤُهم فيه عجباً، ولكن الاتصال بالارواح، ص: 74

كثيراً ما يتّفق، أن تأتي الأجوبة غير صحيحة و مخالفة للواقع، بحيث ترهب الإنسان.

هذا الأمر أوجد إختلافاً في الآراء، و جرَّ نقاشاتٍ كثيرةٍ بينهم:

البعض يعتقد: أنّ أولئك- كما يعرّفون أنفسهم-: أرواحٌ غير طاهرةٍ، ولكنّها أرواح شرّيرةٌ، أو أنّها دونَ موجودات ماوراء الطّبيعة، ليست ملتزمةٌ دائماً بالصّدقِ!، أو أنّ معلوماتها ناقصة و محدودة.

البعض الآخر يَحمِل هذه الموارد على عدم الإِرتباط الصحيح؛ بعضٌ ثالثٌ يُعرِب عن عَدم علمه، بِعلّة كون الرّسائل ليست صحيحةً دائماً.

8- الأجوبة و النّداءات الّتي يدعون أنّهم يستلمونها من الأرواح، غالباً ما تحمل التّعميم، و تنطبق على أكثر المواضيع، مثلًا: (هذا العمل لا يحقّق- ستُوفّق- روح أبيك- راضيةً عنك- إعمل العمل الفُلاني خير، و أمثال ذلك).

هذه نماذج من رسائل الأرواح، ولكن بعض مديري هذه الجلسات يدّعون أنّ هناك نِداءات خُصوصيّة يستلمونها، و

الاتصال بالارواح، ص: 75

علامات لا يعلم بها أيُّ أحدٍ، ولكن هذا غير مُسَلَّمٍ به.

9- يعتقد مديرو هذه الجلسات، بأنّ مسألة الإرتباط بالأرواح، خلقت كثيراً من الأفراد من غير المُعتقدين و اللّامبالين، أناساً معتقدين و ملتزمين بالأُسس الأخلاقيّة و الدينيّة، و أثَّرت أثراً عميقاً و بارِزاً في تحسين سلوكهم و أصلَحتهم.

و بعضٌ آخر يعتقد: بأنّ هذا الموضوع ظهر الآن بشكلٍ سيّ ءٍ، و كان سبباً لِتَمكين لكثيرين من أن يوجّهوا التُّهم غير اللّائقة لِمُخالفيهم،

و حتّى أنهم إدّعوا أنّ هناك نِداءات حول غضب أرواح موتى مُخالفيهم، لِينتقموا و ليصفُّوا حساباتهم عبر هذا السَّبيل.

هذه مجموعةٌ من النتائج، الّتي إستخلصتها من الأشخاص المعروفين في جلسات الإرتباط بالأرواح في تلك المدينة.

الاتصال بالارواح، ص: 77

مشاهداتي في جلسة الإرتباط بالأَرواح

كان مُقرّراً أن أتحدّث إليكم بالتفصيل، عما شاهدته في «جلسة» الإرتباط بالأرواح، «طبعاً عن طريق المنضدة المستديرة»، الّتي شاركت فيها، بناءً على الضَّرورة العلميّة و الدينيّة، و من المُمكن أن تكون واجباً كِفائيّاً، و أترك لكم الحُكم و القضاء.

كلّ الأصدقاء كانوا يقولون: هذا الشّاب هو من أعرق و أمهر الأشخاص، الذين يعملون في مجال الإرتباط بالأرواح عن طريق المنضدة، في تلك المدينة: (مدينة سَبزوار)، و هو شابٌّ مؤمن و موضع إعتمادٍ وثقةٍ.

السّاعة تشير إلى حوالي الحادية عشرة ليلًا، و قد جلس الشّاب خلف المنضدة، الجَلسة كانت خُصوصية، و أُقيمت الاتصال بالارواح، ص: 78

بناءً على إقتراحنا، و لم يحضرها سِوى مجموعة من الأصدقاء المُقرَّبين.

لماذا انتخب هذا الوقت؟ كانوا يقولون: لأن التّجارب أثبتت- (و قد تكون الأرواح نفسها قد أخبرتهم بذلك)-: أنّ أفضل أوقات الإرتباط، يكون من أوّل اللّيل إلى السّاعة الثّانية عشرة ليلًا، و من السّاعة العاشرة صباحاً و حتى الظّهر، و الأوقات الأُخرى غير مناسبةٍ و تزعج الأرواح.

على كلّ حال، على الرّغم من وجود منضدةٍ مستديرةٍ في المنزل، إلّا أنّ الشّاب فضّل أنّ يتم الإتصال، بواسطة طاولة صغيرة ذات أربع أرجل، مستطيلة الشّكل و ثقيلة نَوعاً ما.

جلس هو على كرسي خلف الطّاولة، بِنحوٍ جعله مُسلَّطاً تَسلُّطاً تامّاً عليها، و وضع كِلتا كَفَّيهِ على الطّاولة.

قرأ الشّاب و من حضر الجلسة، الفاتحة و سورة بعنوان هديّة للأرواح- سابقاً قلنا أن قراءة الفاتحة و سورة لا يعدونها واجباً بل مستحباً-، ثم

أحكم نظره فوق المنضدة، و الكلّ كانوا يراقبونه، و قال الشاب بلهجةٍ جديّةٍ: أرجو أن ترتبطوا بنا ... أرجو .... (كأنّه يشاهد أرواحاً خاصّةً).

الاتصال بالارواح، ص: 79

خشبة المنضدة أحدثت صوتاً طفيفاً. الشّاب قال بنفس اللّهجة: أرجو أن يكون إتصالكم أقوى ....

و فجأة إرتفعت ركيزتا المنضدة الأمامّيتان، و اللّتان كانتا إلى جهة الشّاب بمقدار عشرين سانتيمتراً عن الأرض، إذ أحد الحاضرين تصور أنّ ركائز المنضدة إرتفعت عن الأرض بسبب ضَغط اليدَين، و كان أيضاً محلًاّ للشك!، ولكن كانوا يقولون أنّ ركائز المنضدة ترتفع لوحدها و ليس بتأثير ضغط اليدَين، ولكن لم يُعرف ذلك بدقّة.

بالتّالي فإنّ هذه الحركة دلّت على أنّه قد تمّ الإرتباط، كان المفروض أنّ الرّوح المُرتَبَط بها تُعرِّف نَفسها، طريقة التَّعريف كانت بالشّكل التّالي، و كذلك طريقة إعطاء النّداء من قبل الرّوح:

واسطة الإرتباط- يعنى ذلك الشّاب-، يقوم بِعدِّ حروف «الأَلفَباء»: «ألفٌ- باءٌ- تاءٌ- ثاءٌ ...». و هناك شخصان من الحاضرين كانا يسجِّلان الحرف الذي ترتفع المنضدة عند ذِكره، و من ثمّ كانت ركائز المنضدة تعود إلى حالتها الأولى بضغطٍ شديدٍ، و تُقرأ حروف الأَلفَباء مجدداً من أوّلها، و هكذا

الاتصال بالارواح، ص: 80

يسجِّل على ورقةٍ كلّ الحُروف الّتي ترتفع معها ركائز المنضدة.

سُرعان ما عُلِم أنّ الرّوح المُرتَبَط بها كانت: «ب روج ردي»، يعني المرحوم آية اللَّه البروجَردي. حركات المنضدة دلَّت على أنّ لدى المرحوم رسالةً يريد أن يوجِّهها، (نص كتابة الجلسة موجود لدي الآن)، الرّسالة دوِّنت بالشّكل التّالي:

(ق ا ل ال ل ه ت ع ا ل ى ق و ل و ل ا ل ه إل ا ا ل ل ه ت ف ل ح و ا). و بِرَبط هذه الحروف تتكون لدينا العبارة

التّالية:

قال اللَّه تعالى: (قولوا لا إله إلا اللَّه تفلحوا).

ولكن عندما دقّقنا في الحروف جيِّداً، رأينا أوّلًا: إن عبارة الرّسالة غير صحيحةٍ في عدَّة نقاطٍ، يعني لا تطابق حروف هذه الجملة تماماً، ثانياً: يكتب في اللّغة العربية ألف بعد واو الجماعة، لذا يجب أن يوجد ألف بعد واو الجماعة للفعل «قولوا» و «تُفلحوا»، ولكنّه لم يكن موجوداً، ثالثاً: إنّ كلمة «تُفلحوا» تكتب ب «ح» و ليس «ه» كما جاء في الرّسالة، و يُستبعد أن يرتكب المرحوم آية اللَّه البروجردي خطأً واضحاً

الاتصال بالارواح، ص: 81

كَهذا؛ لأنّ المرحوم إضافةً إلى مقامه الشّامخ في العلم، كان له باعٌ طويلٌ في الأدب.

لكنّنا أَغضَضنا الطَّرف عن الإشكال الأوّل، و قُلنا: يمكن أن تكون الرّسالة قد استلمت بدقّةٍ غيرُ كافيةٍ.

الإشكال الثّاني: إنّ الألف الذي يأتي بعد واو الجماعة لا يلفظ.

أمّا الثّالث: فَحَملناه على أنّ الخطأ كان من مُستَلم الرّسالة»، لا من المرحوم آية اللَّه البُروجردي، لأنّ آخر الرّسالة استلم «بالألقاء»، (مرادنا بالإلقاء هو أنّ المرتبط بالأرواح، يُحسّ أحياناً بأنّه يُلقى إليه، و لا يحتاج إلى حركة المنضدة، و تلقى الحُروف مُتتابعة في قلبه، و هو يقرأها بصوتٍ عالٍ: ت- ف- ل- ه ...، و يثبِّتها الذين حوله.

كلّ هذا كان يمكن التّغاضي عنه، ولكن هناك نقطة بقيت مبهمة لنا و هى، أنّ جملة: (قولوا لا إله الّا اللَّه تُفلحوا)، هى قولٌ معروفٌ لِلرّسول الأكرَم صلى الله عليه و آله و سلم، لا: (للَّه تعالى ، و صدور هذا الخَطأ من روح آية اللَّه البروجردي، غير قابل لِلسكوت!، و يُعطينا الحقّ في أن نشكَّ في صحّة هذا الإربتاط.

الاتصال بالارواح، ص: 82

و هُنا وُجِّهَ لِيَ سؤال: هل لَدَيَّ سؤال لروحِ آية اللّه البروجَردي؟

قلت: إسألوه ماذا

سيكون مستقبل الحوزة العلميّة في قُم؟

-، (لأنّي في تلك الأيّام كنت قَلقاً عليها لأسبابٍ خاصّةٍ)-، و تمَّ الإرتباط بنفس الطّريقة السّابقة، و جاء الجواب عامّاً، كما كنّا على عِلمٍ به و توضيحاً لِواضِح، و حيث لم يَسعُنا الإكتفاء بالجواب الكُلّي، فإلتمَسنا أن يُطلب منه عَلامةً من تلك العلامات، الّتي كانت بيننا و بين المرحوم أيّام حياته في قُم، و الّتي تأخذ طابعاً خُصوصيّاً و لا يعلم بها الآخرون؛ حتّى يطمئننا على أنّ الإرتباط تمّ بروحِ المَرحوم.

و مع الأسف قُطع الإرتباط هنا لأسبابٍ مجهولةٍ!، و لم نستطع أن نسمع منه جواباً عن سُؤالنا هذا.

في هذه اللّحظات تحرّكت المنضدة ثانيةً، و وِفق المنهج السّابق، واضحٌ أنّه قد تمّ إرتباط، سُئل: هل أنت آية اللَّه البروجَردي؟

فلم تتحرَّك المنضدة.

الاتصال بالارواح، ص: 83

إذَنْ عرّف نفسك.

و بسرعةٍ جاء الجواب بالحروف الآتية: (ف ق ي ه ...).

توضيح أنّ الإرتباط قد تمّ مع روح المرحوم الفقيه السّبزواري.

ذلك الفقيد و بِدون أن نوجه إليه سُؤالًا، بعث نداءً بِنَفس تلك الطّريقة، أي طريقة الحروف، و هذا نصُّ نِدائه: كان حَسناً أن تنشر مجلَّتكم، بشكلٍ تكون في متناول أيدي الشّباب العُطاشى (هذا أيضاً نِداءٌ عام).

و مُجدّداً أصرَرنا على أن يكون الإرتباط ب: المرحوم السيّد البروجردي، و يُطلب منه العَلامة التي أشرنا إليها، ولكن لِلأسف لم يتمّ الإرتباط!.

في هذه الأثناء تحرّكت المنضدة ثانيةً، ظاهر ذلك أنّه قد تمّ إرتباطٌ جديدٌ، مع روحٍ أخرى، و عندما أريد منه أن يُعرِّف نفسه جاء الجواب: جورج هاكوبيان! ...

كانوا يقولون أنّ هذا الرّجل قد دخل عدّة مرات في الإرتباطات السّابقة، و وفقاً لإفادته فإنّه كان قِسّيساً مسيحيّاً، و إعتنق الإسلام آخر حياته، و مات و هو مسَلم، و هو رجل صالح.

الاتصال

بالارواح، ص: 84

هذا أيضاً وجَّه لنا نِداءاً، و هو موجودٌ في مذكَّراتي عن تلك الجلسة، و نصُّه: «ا ل ه ز ي م ة ن ه ا ي ت ا ل م س ي ح ي ة» و تعني، الهزيمة نهاية المسيحيّة. (و كان هذا كلاماً عامّاً أيضاً).

مرةً أُخرى أصرَرنا على أن يكون الإرتباط بروح المرحوم السيّد البروجردي، و نطلب العلامة الخُصوصيّة منه، أيضاً لم يتمّ معه الإرتباط!.

كانت تمرّ على الجلسة ساعاتٌ حساسَّةٌ. نحن نصرُّ على أخذ علامةٍ، ليس فيها جانب عُمومي، لنطمئِّن من ذلك، إلّا أنّ الرّوح لمِ تستَعِد للإرتباط بنا.

ثمّ تبدّل المَشهد، و وقعت أحداثٌ مثيرةٌ، ستقرأون حديثها في البحوث الآتيةِ، إنْ شاء اللَّه تعالى

الاتصال بالارواح، ص: 85

خاتِمة جلسة الإرتباط بالأرواح

وَصلنا في البحث السّابق إلى:

أَنَّ الشّخص الواسطة في الإرتباط بالأرواح أَعلن في حضورنا، أنّه إتَّصل بروح المرحوم آية اللَّه البروجردي، و نقل لَنا رسالةً منه.

وَ لأِجل أن نطمئِّن من أنَّ الإرتباط قد تمّ حقاً، مع روح آية اللَّه البروجردي و ليس غيره، طلبنا علامةً منه، ولكن لِلأسف قطع الإرتباط لأِسبابٍ غيرُ معروفةٍ.

مُجدّداً حاولنا الإتصال، ولكن دخلت أرواحٌ أخرى في الوَسط، ولم يتمّ الإرتباط بالرّوح المُرادة.

و أصرَرنا على أنّ الإرتباط يجب أن يتمّ بروح المرحوم آية اللَّه البروجردي، و تُؤخذ منه علامة، ولكن كأنّ الرّوح أيضاً أصرَّت على أن لا ترتبِط بنا، و وصل الأمرُ إلى موقفٍ الاتصال بالارواح، ص: 86

حرجٍ و حسّاسٍ، يجعل الإنسان يدور في دوّامة الشّك، و الآن تابِعوا معنا بقيّة الحَوادث.

في هذه الأثناء، رأينا أنّ المنضدة تحرّكت مرةً أخرى (كما في الحالة الّتي فصَّلناها في البحث السّابق)، و كانت حركتها أشدّ من الأولى

يفهم من ذلك أنّه قد تمّ إرتباطٌ بروحٍ تائِهةٍ، و

كما في الحالات التي مرّت، فقد سُئِلت الرّوح، فأَجابَت مسرعةً:

ا ح ت ر ق: (احترق)!

سُئل: مَن تكون أنت؟

أجاب: ج ي ن ك: (جينك)!.

من أين أنت؟!.

أجاب: م ن أ ه ل ا ل ت ب ت: (من أهل التبت)، و هنا طلب من الحاضرين، أن يَستغفروا له و يدعوا لِنجاته.

هذه المرحلة مرَّت أيضاً، أمّا أنا فبقيت مَصرّاً على أن يرتبطوا بروح المرحوم آية اللَّه البروجردي و يأتوا بعلامة منه، و بعد ذلك صرّحت، أن هذه العلامة يمكن أن تكون أحد أشكالٍ ثلاثٍ:-

الاتصال بالارواح، ص: 87

1- أن يذكرنا المرحوم بإحدى المسائل الخُصوصيّة التي كانت بَينَنا و بينه.

2- أن نسأل المرحوم سُؤالًا عامّاً بحيث يكون جوابه باللّغة العربية؛ لأنّ تمكنه من اللّغة العربيّة كان واضِحاً، بالإضافة إلى أنّ (الرابط)، يعتقد أنّ الروح يمكنها الإجابة بأيّة لُغةٍ، و بناءً على ذلك، كان لنا الحقُّ في أن نطلب الإجابة من المرحوم آية اللَّه البروجردي باللّغة العربية.

3- أنا أضمُر موضوعاً في ذهني، و المرحوم يقرأ ما يعلق في ذهني، (لأنّ أولئك يقولون: إن الأرواح تستطيع أن تقرأ ما في الأذهان).

و المُراد من كلّ ذلك أن لا نقبل أيّ موضوعٍ بلا تحقيق؛ لأنّ العقل لا يرخِّصنا بأن نُسَلِّم لأمر- بأعينٍ مغمضةٍ، و أذانٍ صمّاءٍ-، و كذلك اللَّه تعالى لا يرضى بذلك.

في هذه الأثناء، ظهر مشهدٌ آخرٌ، و قد عاهدتكم بأن أكتب لكم عن كلِّ شي ء، حسناً كان أم سيِّئا، لِذا أذكر لكم هنا ما قَدْ جَرى بعينه:

إهتزَّت المنضدة بشدّةٍ، و إرتبطت بِنا روحٌ أخرى أمّا

الاتصال بالارواح، ص: 88

روح مَن كانت؟ لا يُعلم ذلك. سرعان ما عُلِم أنّ هذه الرّوح مجهولة، ولديها رسالة مفصلة تريد أن تُؤدِّيها بطريقة:

«الإلقاء»، لا بطريقة حركة المنضدة. (سبق

و أن شرحنا طريقة (الإلقاء) هذه في البحث السّابق).

مباشرةً طلب «الرّابط» ورقةً و قلماً، ثم ركَّز نظره في نقطةٍ لا على التّعيين، و قال: «أرجوكم تفضلوا ... تفضلوا»، ثمّ شَرع بالكتابة كأنّ أحداً يُملي عليه و هو يكتب!، و لَديَّ نصُّ تلك الكتابة، الرّوح المجهولة، بهذه الطّريقة بعثت لي برسالةٍ حادّةٍ و خشنةٍ، و نصّها كالآتي:

(كيف تفكر حِيالنا، ناصِرَ الشّيرازي؟ في الوقت الذي ترتدي فيه زيَّ العلماء! هل تَنكر وجود الرّوح؟ ... أو الإرتباط بالرّوح؟! ... لا تَتوهَّم، أنَّ هذه هى طريقة «إرتباط» و إتِّصال و ليست «إحضاراً»! ... أنت تعلم بأنَّ إحضار الأرواح يحتاج إلى رياضة، و عدَّةٌ قليلةٌ من المشركين:

(المُرتاضين الهنود)، قادِرةٌ على إجراء ذلك ... إذَن لا تفكرِّ بالإختبار و الإمتحان! لا أقول أن تقبل الأمر جاهزاً ...

الأشياء التي لا تعلمها حقّق فيها، و طالع كتب العظماء و أئمّة

الاتصال بالارواح، ص: 89

دينكم، الّذين تحدّثوا كثيراً عن وجود الأرواح، و هؤلاء الذين يرتبطون معك، هم أحياء، لذا ...)، و هنا قُطع الإرتباط!.

أنا أوّلًا تعجَّبت من كلام هذه الرّوح المتناقِض، و كذلك جَسارتها و عصبِيَّتها، و قد ألصقت بنا تهمةً بغير حقّ.

رأيتها من ناحيةٍ تقول: (لا تقبل شيئاً جاهزاً، و حقِّق حول ما لا تعلمه). و من ناحيةٍ أخرى تقول: (لا تفكر بالإختبار و الإمتحان)!. بقيت حَيراناً أيّهما أقبل؟!

مع ذلك ما هذه التّهمة غير المناسبة التي ألصقتها بِنا. و ما هذا التّشنيع، فأنا لم أكن مُنكراً لِلروح، و لا مُنكراً لِلإرتباط بالأرواح، أنا كنت في صدد التّحقيق، حول المنضدة المستديرة و الإتصال بالأرواح عن هذا الطريق، و ما يدّعونه عن ذلك، بالإضافة إلى أننّي كنت قد طالعت، كتب عظماء ديننا أكثر بكثير من هؤلاء

السّادة.

لا أُخفي عليكم، فإنّي لم أفرّ من ساحة غضب هذه الرّوح المَجهولة، لكنّي كنت أقول لِلسادة الذين يرتبطون بالأرواح في تلك المدينة: من الآن فصاعداً، إذا أردتم أن تَرتبطوا لَنا بالأرواح، فلَديّ شَرطان هُما:

الاتصال بالارواح، ص: 90

أوّلًا: لا ترتَبطوا لي بأرواحٍ عصبيّةٍ.

ثانياً: إشرطوا على تلك الأرواح أن لا تشنّع علينا.

و إستمرت الجلسة، وقلت مع كلّ هذا أنا أريد علامتي، إحدى العلامات الثّلاث التي ذَكرناها، و بدون العلامة لا أقبل الأمر بهذه السّهولة، لأَنّ العقل لا يُجيزُني.

الرّابط بالأرواح يمكن أن يكون حتّى ذلك الوقت، لم يَرَ في جلساته إنساناً لَجوجاً مِثلي، مرّةً أُخرى سَعيت لأن يرتبط بروح آية اللَّه البروجَردي، و مرّةٌ أُخرى تَحرّكت المِنضدة، يبدو أنّ هُناك إتّصالٌ جديدٌ قد تمّ.

هل لَديكم نِداء؟ (كلامٌ موجَّهٌ لِلروح).

تحرّكت المنضدة، يَعني: نعم.

استُلِم النِّداء بطريقةِ الألفَباء، و كان كالآتي:

ك ي ف ن ر ي ا ن ف س ن ا: (كيف نري أنفسنا؟!).

حالةٌ غريبةٌ إنتابت الجميع عند سماع هذا النّداء، الكلّ كانوا يفكرِّون، في أنّ الرّوح كيف تُريد أن تُرِيَ نفسها و تظهرها!، كم هو رائعٌ أن نرى الرّوح نفسها،- ولو في قالبٍ مثالي-، يا لَهُ من منظرٍ رائعٍ! بعدها سنتيقَّن و سيكون كلّ شي ءٍ واضحٍ كالشّمسِ.

الاتصال بالارواح، ص: 91

أنا أيضاً أُهَيّ ءُ نفسي لِمُشاهدة الرّوح، ولكنّي كنت أُلقِّنها لئلّا أقع تحت تأثير وضع المَجلس، و بسبب القدرة التّخيليّة يتجَسَّم في نظري شي ءٌ خياليٌّ، على كلِّ حال كنت أنتظر بفارغ الصَّبر، أن أَرى هذه الروح المجهولة!

ولكن فجأةً شاهدنا أنَّ حال «الرّابط» قد إضطربت، و أخذ ينظر إلى إحدى زوايا الغرفة القريبة من السّقف مُندهشاً، كأنّه رأى نوراً مُدهشاً فقطّب عينَيه ثمّ أَغمضَهُما و إضطربت حالته أكثر، و وَضع رأسه فوق المِنضدة و

مَكث فترةً ثم رفع رأسه، و كأنّه إستيقظ من نومٍ عميقٍ، أو كأنّه نجا من حادثةٍ مخيفةٍ طويلةٍ، كان يبدو و كأنّه تعبٌ و مهمومٌ، بعدها مباشرةً نزل من خلف المِنضدة، و جَلس على الأرض، و عندما عادت حالته إلى الوَضع الطّبيعي، سألناه: ماذا رأيت؟ نحن لم نرَ أيَّ أحدٍ.

- قال: رأيت سيّداً محترماً ذا عينين مُحمَرَّتين.

- قلت: هل يشبه آية اللَّه البروجردي؟

- قال: لا! ...

- قلت: من تظنُّه قد كان مَثلًا؟

- لا أعلم.

الاتصال بالارواح، ص: 92

و بهذا الشّكل إنتهت الجَلسة، ولم نستطع أن نحصل على علامتنا من روح المرحوم آية اللَّه البروجردي، و كانت السّاعة تُشير إلى الثّانية عشرة ليلًا! ...

و من ذلك الحين و حتى الآن أفكرِّ، لو أنّ الرّوحِ تُري نفسها حتى يطمئن بذلك، فهل يجب أن تُري نفسها لنا لأنّنا في صدر التّحقيق، أم «لِلرابط» الذي يرى كلّ شي ء و يقبله؟.

لماذا لم تُحسن إلينا هذه الرّوح، و على الأقل أن تُظهر نفسها لَنا، نحن الحاضرين الذين قَدِمنا تلك الجلسة لِلتحقيق؟.

لماذا إمتنعت روح آية اللَّه البروجردي- مع كلِّ إصرارنا و إلتماسنا-، من إعطائنا علامةً جزئيَّةً، و حتّى من الإرتباط المُجدَّد معنا؟.

لِماذا يهرب هؤلاء «المُرابطون» في المَضائق، و لماذا تضطرب أحوالهم آخر المَطاف؟.

كلّ هذه كانت أسئلةً لم أحصل على الإجابة عنها ... و حُكم ذلك لَكم.

كلّ هذا يجعل الإرتباطات مَشكوكاً في أمرها، و فاقِدةً للقيمة العلميّة.

الاتصال بالارواح، ص: 93

نقاط الشّك في هذه الإرتباطات

اشارة

يجب القَول: إنّ الإرتباط بالأرواح ممكن للأسباب التي سنعرضها، و ليس لدينا أيّ دليلٍ على إنكاره، ولكن يستلزم هذان الموضوعان ظروفاً و إستعداداتٍ كبيرة، و كأيَّ عمل آخر لا بد هنا من التّخصُّص و الإستعداد الكافي. و إلّافهي ليست مُيسَّرةً دون التخصّص.

نِقاشنا الآن يدور

عن موجة الصّخب حول المائدة المستديرة، التي يمكن لأيَّ راغب أن يهيِّئها في بيته بدون قيدٍ أو شرطٍ. (آلة رخيصة الثَّمن للإتّصال بالأرواح)، و بواسطتها يقضي أوقاته ليتَّصل بعالم الأرواح، حتى أنّه عِوَضاً عن مُراجعة طبيبٍ عادي، يستطيع أن يتّصل بروح (أبي علي بن سينا)!، و يستلم منه «وصفة طبيب»- بدون ثمن الفحص- لإبنه و إبنته و سائر أهل بيته.

الاتصال بالارواح، ص: 94

الحقيقة هى أنّنا نعتبر هذا الموضوع أشبه بلعب الأطفال، و اللّهو منه بالواقع خُصوصاً في هذه الأيام، التي ابتذل فيها عمل المنضدة المستديرة، إلى الحدِّ الذي تطور فيه إلى وسيلةٍ خطيرةٍ لتصفية الحِسابات الشّخصية، أو لإثبات العقائد و المَسالك الخاصّة، و مستمسكاً لإلصاق التّهم بِهذا و ذاك.

و المَوجة الأخيرة لِلمنضدة المُستديرة- كسائر الأشياء الأخرى ، هى هديّةُ الغرب لنا، و التي ترجمت عن مَقالاتهم و مَجلاتهم.

يقولون قبل حوالي (120) سنة، إنتشرت هذه اللّعبة في أميركا و أصبحت موضة العصر في وقتها، و الآن هى وسيلة بعض مَجلّاتنا المتأثّرة بالغرب، يروِّجونها في محيطنا معزّزةً بالمسائل الخرافيّة، التي لا أساس لها، (كَمسألة التّناسخ و عودة الأرواح إلى أبدانٍ أخرى).

لكي تَعرفوا أنّ عمليّة الإتصال بالأرواح في محيطنا، إلى أيّ حدٍّ وصلت و بأيِّ شكلٍ ظَهرت، أضع بين أيديكم نصّ إحدى الرّسائل التي وصلتنا بعد تلك الدعوة العامّة. (مع فائق إعتذاري).

الاتصال بالارواح، ص: 95

سيّدٌ مجهولٌ يكتب في رسالته الّتي لا تَحمل توقيعاً:

نحن أيضاً نتّصل بالأرواح بطريقةِ المنضدة المستديرة، و بالشّكل الذي ذكر تموه في مجلتكم: (بدون مِسمار ...)!. ولكنّ الفرق بين عملنا و عمل الآخرين هو:

أنّه بعد أن يتّم الإتصال، نمسك القلم بأيدينا، و نضع رأسه على الوَرقة-، و تقوم روح المتوفى بتحريك القلم ليكتب أجوبةً لأسئلتنا!،

لكن كلّ الحروف التي تكتبها متّصلةً و مرتّبةً. (لا جرم لأنّها روح، فكلّ شي ءٍ فيها يجب أن يتّخذ شكلًا آخر). و أحياناً عند إحضار بعض الأرواح تأتي روحٌ متطفِّلة بدل الرّوح المعيَّنة!.

مثلًا: أردنا إحضار روح أحد أقاربنا، و دارت الآلة لكن جاءت روح متطفِّلة أخرى و جرت بيننا هذه الأسئلة و الأجوبة، و كانت كالآتي:

س- من تكون؟

ج- جندي أردُني، قتلتُ في حرب الأيّام السّتة!.

س- أين قَبرك و محلّ دفنك؟: (نصّ العِبارة)!.

ج- ليس لَديَّ قَبر!.

الاتصال بالارواح، ص: 96

س- ماذا تريد مِنّا؟!

ج- محُتاجٌ إلى الخَيرات!.

س- ماذا نعمل لكَ من «خيرٍ»؟

ج- «قطعةً من الحلوى !!!.

بعد ذلك بعثنا له قطعةً من الحَلوى و أحضرناه مرةً أخرى

س- هل وصلتك خَيراتنا؟.

ج- نعم أَحسنتم!.

س- ألا تشكرنا!؟.

بعد ذلك رأينا «أشياءً»، إنعكست على الورقة، و بعد أن قُطع الإرتباط، نظرنا إلى الورقة إذا بِنا نرى صورته رُسمت على الورقة، و هو يُؤدّي التّحيَّة العَسكرية! ... «1»

الاتصال بالارواح، ص: 97

لِماذا تدور المنضدة؟

الآن نعود إلى تحليل موضوع المائدة المُستديرة:

حول حركة المائدة المُستديرة، هُناك من يعتقد بأِنّها تتحرّك بدون تسليط أيِّ قُوّةٍ، على ما يَبدو أنّ حركة المنضدة، هى معلولةٌ لتمركز القّوة الفكريّة لِلشخص نفسه. و تأثيرها- يكون لا إرادياً- على أعصاب يده ...

بهذا الشّكل فإنّ الشّخص أو الأشخاص الذين يضعون أيديهم حرّةً على المنضدة، بواسطة التّمركز الفِكرى، و الإنتباه الخاصّ لأمرٍ مّا، و الرّغبة بنوعٍ من الجواب، فإنّ القوّة الداخليّة اللاإراديّة للأشخاص، تسلط ضغطاً على أعصاب أيديهم، و تؤدّي إلى دَوران المنضدة إلى إحدى الجِهتين، و لِهذا السَّبب فإنّهم يظنون أنّ المنضدة تدور وَ حدها، و لذلك غالباً ما تُوافق حركة المنضدة: «أسلوب التّفكير» و «نوعيّة الميول» لذلك الشّخص أو الأشخاص، و لا توافق

الرّوح التي يدّعون أنهم على إرتباط بها، و كذلك حركة القلم على الورقة، فهي معلولةٌ لِهذا الأمر أيضاً.

مثلًا الشخص الذي يوزّع الحلوى ليالي الجمعة ثواباً

الاتصال بالارواح، ص: 98

لِموتاه، يتصوَّر أن الجُندي الأردني يريد حَلوى، (حتّى لو لم يكن عِندَهم هذه المادة، لتُوزَّع كثوابٍ و بهذه الصّورة).

لِلتأثير اللّاإرادي نماذجٌ كثيرةٌ، وأحد نماذجه البسيطة، أنّه كثيراً ما يَحدُث، عند كتابةِ رسالةٍ أو التّحدثَ مع شخصٍ، أن نستعمل- بدون إلتفاتٍ- بدلَ إسم الشّخص إسماً آخر نحن على رابطةٍ به، لأنّ الضّمير يؤثّر بصورةٍ لا إراديّة على أعصاب اليّد أؤ اللّسان، و يجذبها إلى جانبٍ يوافق رَغباتنا.

هذا الموضوع يتّخذ شكلًا أسرع عند الأطفال و صغار السن، و لذلك فإنّ أكثر هذه الإرتباطات تتمّ بواسطة هؤلاء.

أنا كنت أقول لأصحاب المنضدة المُستديرة: لو أنّ الرّوح تتَّصل بِكُم فهل أنَّها لا تَمتلِك القُدرة على أن تحرّك المنضدة، التي تكون بهذه الخِفَّة و السُّهولة، بدون وضع أيديكم عليها؟!.

هل أنّ الرّوح مع تلك القدرة عاجزةٌ عن أداء هذا العمل البَسيط؟.

إرفعوا أيديكم من على المنضدة، و آطلبوا من الرّوح أن تُشارك قليلًا و تحرّك المنضدة ... ولكنّ كلّ هؤلاء السّادة

الاتصال بالارواح، ص: 99

يعترفون، بأنّه إذا لم توضع الأيدي على المِنضدة فَلَن تتحرَّك، و هذه مَسألةٌ عجيبةٌ!.

جديرٌ بالملاحظة: أنّ ما ينقل عن عَددٍ من المُرتاضين و أَساتِذة الرّياضَة الروحيّةِ، هو أنّهم يستطيعون بواسطة الأرواح، تدوير المِنضدة، بدون تدخّل اليدّ، بل ويؤدّون أعمالًا أعلى من ذلك بِدرجاتٍ.

و كَما سنتحدث إنْ شاء اللَّه تعالى لا حِقاً، فإِنّه كثيراً ما يَحدث: أن يضعوا المُرتَبِط بِالأَرواح في قفصٍ، مقيّد اليدين، و يحولون دون أيِّ حركةٍ مِنه، و في هذه الحالة و بطريقةِ الإرتباط بالأرواح فإنّه يَؤدّي أعمالًا تُحيِّرُ العقل،

ولكنَّ أصحاب المِنضدة المُستديرة، لا يستطيعون تدويرها إلّا إذا وضعوا أيديهم فوقَ المِنضدة!، رفع ركائز المنضدة لا يقلّ شيئاً عن تدويرها!، و أنا شخصيّاً جرّبت ذلك، و رأيت أنّه بِضغط اليدين يُمكن أن تُرفع رَكائزها عن الأرض.

الاتصال بالارواح، ص: 101

نداءُ الأَرواح

اشارة

إنّ سبب حركة المنضدة، التي يُتَصوّر أنّها تتمّ بواسطة الأرواح، ظاهرٌ إلى حَدٍّ مّا، ندخل الآن في بحث النِّداءات التي يستلمونها من الأرواح:

النّداءات التي يدّعون أنّهم يستلمونها من الأرواح عن طريق: (المنضدة المستديرة)، حسبَما رأينا لا يُمكن الوثوق بها، كما تفتقر لِلإعتبار العِلمي.

لأنّ هذه النِّداءات تحمل في طيّاتِها عَيباً أساسِيّاً و هو:

إمّا أن تكون من العُموميّات و لها مصاديقٌ في حياة كلِّ شخصٍ، أو أنّها تتعلق بمسائل لا سبيل لإثباتها أو نَفِيها.

توضيح ذلك؛ أنَّ الإنسان يَشهد في حياته، إخفاقات أو نَجاحات في الإمتحان، و أمور الدّرس، في العمل و الكَسب التّجاري، و في نِضاله السّياسي، و في زَواجه، و في علاقته بالأصدقاء، و أمثال ذلك.

الاتصال بالارواح، ص: 102

على حينِ غفلةٍ يحضر مجلساً، و إذا بشخصٍ يجلس خلف المنضدة، و من باب العَمد أو بسبب تلقينات؛ يدّعي أنّه على إرتباطٍ بالأرواح، يطلب منه أن يتصل بالرّوح الفلانيّة، و يأتيه منها بنداء، النّداء يأتي بهذا الشّكل:

(لا تتألَّم ممّا حدث لك من إخفاق، فإنّه يمكن تَلافيه).

أو أنّه يقول: (إحذر الإغترار بنجاحاتك على أن تفَقدها بسهولةٍ).

النّاس البسطاء يتعجَّبون من سماع هذا الحديث، و يتصوّرون أنّ الرّوح قد أخبرتهم بما في داخِلهم من أسرار، في الوقت الذي يكون فيه هذا الحديث: «حديثاً عامّاً»، يمكن أن يطبّق على الجميع، و لكنَّكم تُطبِّقونه على الحوادث الخاصّة، الدّائِرةَ في أذهانكم، و تتصوَّرون أنّه قد أُسدل السّتار على هذه القضايا الشخصيّة، مع أنّ الأمر

ليس كذلك.

أو مثلًا كلُّ مِنّا قدَّم خدمات لأصدقائه و معارفه، و كمْ من هؤلاء من لم يعرفْ قِيمة هذه الخدمة، و لا يعرف لها قَدراً، و يبقى هذا المَشهد المُرتبِط بهذا الموضوع في زوايا أَذهاننا.

فُجأةً تجد أحدهم يدّعي أنّ روح فلانٍ بَعثت لك هذه الاتصال بالارواح، ص: 103

الرّسالة: (لقد أحسنت لِشخصٍ، ولكنَّه أساء إليك، و سيَرى عاقِبة أمره)! ...

سرعان ما تَتصوَّر أَنّ هذا الشَّخص، الذي يدّعي الإرتباط بالأرواح، قد أخبرك بما في داخلك، و ستجلس مُنتِظراً ما يُعاقب به المقابل.

أو أنّ المُرتبط بالأرواح، يدّعي أنّ روح أبيك حاضرةٌ و تقول: (أنا راضٍ عنك، إبعث لي طعاماً)!.

واضحٌ أنّ هذا الموضوع من المواضيع التي لا سبيل لإثباتها أو نَفِيها. في أنّ أبي راضٍ عَنّي أمْ لا.

و الآن إسمحوا لي بأن أنقُل لكم قِسماً من النّداء، الذي إستلمه لي أحد الأصدقاء، و هو الآن محفوظٌ لَديَّ و بخطِّ يده:

يقول هذا الصديق في الإرتباط الذي قُمت به، حصلت لك على نداءاتٍ منها:-

(لديك شي ءٌ تعتزُّ به و تحترمه لِلغاية)!.

(لماذا لم تُنجز عمل الشّخص الذي راجعك لِأجله، فإنّ فيه مَرضاة اللَّه تعالى)!

الاتصال بالارواح، ص: 104

(شَدَّني إليه بقدر لا نهاية له)!

تُصدِّقون أنّ هذه الكليّات، لا تستطيع أبداً أن تكون دليلًا على الإرتباط بالرّوح،؛ لأنّه من البَديهي أنّ لِكلّ شخصٍ شيئاً يعتزّ به ويحترمه، و من بين الكثير الذين يراجعون الإنسان، هناك شخصٌ لم يُنجَز عمله، ولو كان قد أُنجِز لكان أفضل، و أمثال ذلك.

أرجو المَعذرة أنّني عندما أسمع هذه المقالات العامّة، أتذكّر الفَوالين القُدماء، (و المحتمل وجودهم حاليّاً)، الذين يتنبّأون بحوادث الحياة الحالِيّة و الماضِية و المُستقبليّة، المُستقبِليّة بواسطة عدد من حبّات الحُمُّص، و بعد أن ينقل الحَبّات من مكانٍ إلى آخر،

ينقَبض وجهه، و ينظر إليها بإمعانٍ، و يبدأون حديثهم هكذا:

- رجلٌ طويل القامة، يجاورك، كنُ على حذرٍ منه!.

- عَرَض لك خطرٌ و مَرَّ بسلام، إحذر من تكراره!.

- يصلك خبرٌ مفرِحٌ في الأسبوع القادم، و إذا لم يصل فَفي الشّهر القادم أو السّنة القادمة.

الاتصال بالارواح، ص: 105

- حدثت لك صَدمةٌ في الطّفولة، أزعجتك كثيراً!.

- لا تُفش أسرارك لِلجميع!.

- سترى أحلاماً سعيدةً!.

- لديك مُسافر، سيعود من سَفِره في القَريبِ العاجل!.

- لا تغتم كثيراً لِبعض الأماني؛ فإنّها ستتحقَّق تدريجِيّاً!.

هذه الجُمل تُؤثّر تأثيراً غريباً في الأشخاص البُسطاء، و يتعجَّبون من هذا الفَوّال الفَطِن، كيف تنبَّأ بالماضي و المستقبل لهؤلاء، و بواسطة حَمُّصاتٍ أربع، حتى أنّه أخبرهم بأحلامهم و مُسافرهم؟!.

بينما ليس هُنا لِك ما يدعو لِلتعُّجب؛ لأنّ كلّ شخصٍ عادةً له مُسافر: (أحد أقربائه أو أصدقائه)، و كذلك يرى أحلاماً سعيدةً و مُزعجةً، و في الطفّولة ما كان سالِماً دائماً، و لا بدَّ أنّه أُصيب بمرضٍ، و أيضاً فجيرانه ليسوا كلَّهم أقزاماً، و مما لا شكَّ فيه أنّه حزينٌ لبعضِ المواضيع، و هو يَأْمَل أن تتحقّق شيئاً فشيئاً.

أو أنّنا نقرأ في هَوامش التّقويم، (مثلًا في شهر كانون):

كما نسمع عن فصل الرّبيع مَثلًا:

الاتصال بالارواح، ص: 106

(حالة الكواكب تدلّ على هُبوب رياحٍ باردةٍ، و الإنقلاب الجوّي، و هُطول الأمطار في بعضِ المُدن، و موت أحد العُظماء في أحد البُلدان، و إزدهار سوق المَنسوجات، و شِحّة اللّحوم و الدّهون)!!

(حالة النّجوم تدلّ على إعتدال الجَوّ، و هطول الأمطار النّافعة، و حدوث سيل في طرفٍ من البلاد، و رغبة النّاس في الخروج، و تخاصُم بعضُ الدُوَل، و ظهور الإشاعات في قِسم من البلاد، و تحسُّن أحوال بعض أصحابِ الحِرَف، و إبتلاء بعض المحاصيل بالآفات ...).

من

الواضِح أنّ كشف هذه الحقائق العظيمة!، لا يحتاج إلى جُهدِ مطالعة أحوال الكواكب و رصد الثَّوابت و السَّيارات، بل يكفي لإدراك هذه الأسرار، مطالعة الأحوال اليوميّة و السنويّة لهذه الكرة الأرضيّة، و بلا شَكٍّ قد تقع هذه الحوادث المذكورة، في فَصلَيّ «الرّبيع» و «الشّتاء»، في قسمٍ من البلاد!.

إذن ما نوعيّة النّداءات الّتي تبعث الإطمئنان؟:

جواب هذا السّؤال واضحٌ جداً، و هو أنّ النّداء يجب أن يُشير إلى المسائل الخاصّة، مع كلّ علاماتها مُبتعداً عن التعميمات التي يَعلمُها كلّ شخص.

مثلًا تضمُر في نفسك أسماء بعض الأصدقاء الذين حولك، (و التي تكون من الأسماء غير المألوفة)، لو إستطاع من يدّعي الإرتباط، أن يقرأ تلك الأسماء التي في ذِهنك صراحةً، يمكن أن يُقبَل إدِّعاؤه إلى حدٍّ ما.

أو أنّك تضع إشارةً بشكلٍ سِرّي، على عِدَّة أسماءٍ في دفتر هَواتفك الخاصّ أو العامّ، فلو إستطاع مُدّعي الإرتباط، أن يذكر كلّ أرقام هواتف الأسماء التي وُضعت عليها إشارات، لَتبيّن أن ذلك أمرٌ غير عادي.

مُرادنا من حصول العَلامة، هو هذه الأشياء أيضاً، علاماتٌ خاصّةٌ و معيّنةٌ، لا يطَّلع عليها النّاس العادِيّون.

و لو أنَّ شخصاً إستطاع بإِتِّصالِه بالأرواح، أن يُظهر علامات كَهذه، لَوَجب أن توضع أقواله موضع بحث، و إلّا فالتّكلم بالعموميّات ليس له أيُّ قيمةٍ علميّةٍ في هذا البحث، بأيِّ شكلٍ من الأشكال.

علمٌ إسمُه: «علمُ الإتِّصال بالأَرواح»

كان بحثنا حَول مَوجة: (المائِدة المُستديرة)، و مُدّعي الإرتباط بالأرواح عبر هذا الطّريق. و أظُنّ أنّه قد ثَبت بالقَدر الكافي لِلقرّاء الِكرام، أنّ «هؤلاء المدعين لا يُدركون مَنالَه»!.

و مسألة الإرتباط بالأرواح عن طريق المِنضدة المُستديرة، مسألةٌ لا أساسَ لها و لا ركيزَةَ، و الآن نتناول مسألةَ الإرتباط بالأرواح بالبحث العام و المُوسَّع.

الإتِّصال بالأرواح بالصّورة العلميّة، (و ليس بصورة اللّعب الخاطِى ء للمنضدة المُستديرة، الذي لا يمتلك أيّ قيمةٍ علميّةٍ و تحقيقيّة)، جديراً بالدّراسة من جهاتٍ مُختلفةٍ.

أُلِّفت في هذا المِضمار كتب و رسائل مختلفة، من قبل علماء الشّرق و الغرب، و خَصّصت بعض دوائر المعارف الاتصال بالارواح، ص: 110

العلميّة صفحاتٌ كثيرةٌ لِهذا الموضوع.

عُلماء هذا الفنّ، أعني: العلماء المبتعدين عن الضّجيج الإعلامي، و الذين بَذلوا الجَهد

سنواتٍ طويلةٍ في هذا السّبيل، يصرِّحون بأنّهم إستطاعوا بالجهود المُضنية و التّجارب الوافرة، أن يكشِفوا السِّتار عن زاويةٍ من العالم الخَفي و المجهول لِلأرواح، و يشاهدوا عن قُربٍ الأعمال الخارِقة لِلعادة التي يُؤدّونها بأنفسهم.

كاتب دائرة معارف القرن العشرين، الذي يُعدُّ من مُحقّقي عصرنا، في المُجلد الرّابع من كتابه في مادة (الرّوح)، يذكر جَدولًا لِأسماء العُلماء المعروفين، الذين إعترفوا بواقعيّة هذا العِلم، في هذا الجدول يُدوّن أسماء (47) عالِماً كبيراً من فرنسا، و إيطاليا، و ألمانيا و أَمريكا، و من ضِمنِهم: دو مرجان:

(رئيس جمعية الرّياضيّين الإنجليز)، و ليم كروكس: (رئيس التجمُّع العالمي البريطاني)، و روسل و الاس: أكبر الفيزيولوجييّن البريطانيّين في عصره)، و الصّديق المُقرّب ل «دارون»، و فارلي: (رئيس قسم الهندسة لشركات التّلغراف)، و أكسون: (أستاذ جامعة أوكسفورد)، و كاميل الاتصال بالارواح، ص: 111

فلاماريون: (عالم فَلكي و رياضي فرنسي معروف)، فيكتور هيجو: (كاتب معروف و عالم فرنسي)، و لمبررز و: أحد مشهوري علماء الجَريمة، و هيزلوب: أستاذ و عالم أميركي، و لورد بِلفور: سياسي بريطاني، و عدد آخر من الشخصيّات العلميّة و الأدبيّة و السياسيّة للقرون الأخيرة.

ثمَّ يصرِّح أنّ هؤلاء السَّبعة و الأربعين شخصاً، أسماء اختيرت من آلاف الأسماء لِلعلماء و المُحقّقين في هذا الحَقل.

و ينقل ضِمن حديثه المُفصَّل في هذا البحث، شهادةً صريحةً لكثيرٍ من هؤلاء العلماء و مُشاهداتهم، حول تأييد هذا العلم.

و كذلك شهادة الجمعيّات العديدة التي شُكّلت لِلتحقيق في:

مسألة الرّوح و الإتّصال بالأرواح و العادات الخارقة التي ينسبونها لِلأرواح، و التي أمضوا لأِجلها أشهُراً مُتواليةً في البحث و التّحقيق، ثمّ يشرح هذا الموضوع بِوَصفه حقيقةً غير قابلةٍ لِلإنكار. (و سنذكر قِسماً منه لا حِقاً).

الاتصال بالارواح، ص: 112

لا شَكّ أنّ هذا العلم قبل

أن ينضَج في الغرب، كان له وجودٌ في الشّرق، فقد كان موضع إهتمام العديد من علماء الشّرق.

ولكن بعد إنتقاله لِلغرب، و ككثير من العلوم الأخرى جُعِل موضع بحثٍ و إهتمامٍ أكبر.

لا بَأس بأن نضع بين يَديّ القُرّاء المحترمين، قِسماً من البحوث التي أوردها مُحقّق كتاب: (على أطلال المذهب المادّي)، و (دائرة معارف القَرن العشرين)، في هذا الحقل بعباراتٍ مُختصرةٍ، يقول:

أتباع عِلم الإتّصال بالأرواح و علماء هذا الفَن، يعتقدون أنّ: (الرّوح لا تَفنى أبداً بِفناء الجِسم و البَدن، بل تَستمر حياتها بجسمها الشفّاف و اللّطيف، ذلك الجسم الذي يكون فوق مادة هذا العالم، و لا تتحكمَّ فيه قوانين عالم المادة).

و لِذا من المُستطاع التكلُّم مع الأرواح، بواسطة الأشخاص الذين يمتلكون الإستعداد الخاص، بل يمكن رُؤيتها.

الاتصال بالارواح، ص: 113

الرّوح تستطيع، عن طريق واسِطة الإرتباط و بلسانه، أن تتحدّث بُلغاتٍ عديدةٍ، لا يعرفها واسِطة الإرتباط نفسه، و كذلك تستطيع أن تكشف كثيراً من أسرار العلم و الفلسفة و المسائل الرياضيّة المعقّدة، التي لم يطّلع عليها «الوسيط» و المستمعون و الحاضرون أبداً، بل حتّى يمكنها في حالة إغلاق عيون (الواسطة) إغلاقاً تامّاً، أن تكتب رسائل متعدِّدة و صفحات كثيرة.

بإختصار فإنّ الرّوح يمكنها أن تُبدي أعمالًا عجيبةً و خارقةً للعادة، لا يمكن تأديتها بالوسائل و الطّرق الماديّة و العاديّة، حتّى إنّها أحياناً تُري نفسها للِحاضرين، و تحرّك الأجسام من دون لمسها بيدها.

جديرٌ بالملاحظة، أنّ علماء هذا الفن لأجل أن يزيلوا أيّ إحتمالٍ لِلغشِّ و التّدخّل المخفي «لِلواسطة»، في إجراء هكذا أعمال خارقة لِلعادة، و لا يبقى أيّ مجالٍ للشكّ في إسناد هذه الأمور للأرواح، فإنّهم يوثقون (الواسطة) وثاقاً مُحكماً إلى كُرسيّه، حتّى أنّهم أحياناً يحبسونه في قفصٍ حَديدي، و

يُحكِمون إغلاق باب الحُجرة التّي الاتصال بالارواح، ص: 114

تُجرى فيها التّجارب، و يوصلون أسلاكاً كهربائيّةً بيده، حتّى يكشفوا أيّ حركة- مهما كانت ضعيفة و سريعة-، و من مجموع هذه الأمور، فإنّهم يطمئنون أنّ هذه الأعمال مختصَّةُ بالأرواح و ليست بشخص (الواسطة). «1»

ثمّ أنّ العلماء تعمّقوا في هذه الفكرة، و أنّه كيف يُمكن تفسير هذه الأعمال الخارِقَة لِلعادة، و العَجيبة الباهِرة.

هل أنّ هُناك سَبيلًا لتفسير ذلك غير الإعتقاد بوجود أرواح عاملة؟!.

هل أنّ الواسطة يجري هذه الأعمال، عن طريق نوعٍ من الغِشّ و التّدليس، و الخدعة و الحِيلة، و المهارة الخاصّة؟،

أم أنّه قادرٌ على اٍجراء هذه الأُمور، بواسطة الآلات و

الاتصال بالارواح، ص: 115

الأدوات الدقيقة المُبهمة؟.

أم أنّه يستطيع التّصرف في أفكار الحاضرين بواسطة الإيحاء و الّتمثيل، و يتظاهر لهم بأنّه قد حدثت هكذا حوادث، في الوقت الذي لم يقع في الخارج أيّ شي ء؟.

العلماء و المحقّقون الذين لا يُصدّقون بسهولةٍ، شاركوا في الجلسات العلميّة المذكورة و إعترفوا بصراحةٍ: إنّ هذه الأعمال العجيبة و الخارقة لِلعادة، لا يمكن إسنادها لِايٍّ من الأمور التي ذُكرت، عدا فعّاليّة الرّوح.

لأنّهم إتخذوا كلّ التّدبيرات اللّازمة، لِلحيلولة دون مهارة الواسطة بإستخدام الأدوات المخفية، و أنّهم لم يكونوا من الأشخاص الذين يقعون تحت تأثير الإيحاءات بهذه السُهولة.

أولئك يقولون: أنّنا إختبرنا هذه المسألة في أشهرٍ متواليةٍ عدّة مرات، و أغلقنا طرق كلّ الإحتمالات، و من وجهة النّظر العلميّة فإنّ وجود هذه الأمور المحيّرة، لا يمكن أن يكون له تفسير إلّا وجود الرّوح و فعاليتها.

الاتصال بالارواح، ص: 116

هذه كانت عصارة بحوث و تحقيقات العلماء المذكورة في الكتابين سابقيّ الذّكر، و شهادات العلماء الصّريحة، هذه دليل على أنّ المسألة المذكورة، جديرةٌ بالبحث من وجهة النّظر العلميّة.

الاتصال بالارواح، ص: 117

النّتيجة النهائيّة لِلبحث

تُفسَّر عَودة الأرواح و التّناسخ بعلم الإتّصال بالأرواح، (و يتأكَّد هذا المَعنى من خلال الرجوع الى المعاجم و الموسوعات الإنجليزيّة)، و نحن لا نتحدث أبداً عن التّسمية، و لكنّنا نؤكّد هذا الحقيقة، و هى أنّ مسألة عودة الأرواح بِأيِّ إسمٍ كانت و تحت أيِّ موضوعٍ، فهي غلطٌ و غير منطقيّةٍ، أمّا مسألة الارتباط بالأرواح، فَبِأيِّ إسمٍ كانت في حدودٍ خاصّةٍ و معيّنةٍ، فهي جديرةٌ بالوقوف عندها، و خَلط هذين الموضوعين ببعضهما هو سَفسطَةٌ و تَحريفٌ لِلحقائق.

مع مُلاحظة ما تقدّم، نتابع الموضوع السّابق:

هنا لك بعض المشاهير من بين العلماء الذين إعترفوا بإمكانيّة (الارتباط بالأرواح بالطرق العلميّة)، ممن لا يمكن الزّعم أنّهم أُغفلوا جميعاً، أو تأثّروا بالإيحاء الكاذب لبعض الدّجالين.

و لا سيما أنّ أغلبهم دخلوا في بحث هذا الموضوع،

الاتصال بالارواح، ص: 118

بروح التّشاؤم أو الإنكار الشّديد، ولكن مع كلّ هذا فإنّهم أنفسهم رأوا، أشباحاً لا تفسّر إلّا بأشباح الأرواح، أو أصواتاً و حركاتٍ دون أيّ سببٍ مادي، و دون أن تتدخل فيها يد شخصٍ، و أعمال أخرى خارقةٌ للعادةِ، و شاهدوها و إستلموا نداءات كثيرة، و قد ولَّد عندهم مجموع ذلك إيماناً راسخاً بصحة هذا العلم.

دعونا نضع بين أيديكم قِسماً من إعتراقات العلماء، التي آستخرجت و اقتبست من مصدرٍ جديرٍ بالإهتمام، أعني:

(دائرة معارف القرن العشرين).

1- عندما إنتشرت هذه العقيدة: (عقيدة إمكان الإرتباط بالأرواح)، في أوساط الشّعوب الأوروبية، شُكّلت لجنة من العلماء في سنة 1869 م، للبحث الدّقيق حول هذه المسألة، و هذه اللجنة مؤلّفة من (جان لبوك)، و (كروكس): الطّبيعي البريطاني الكبير في ذلك الوقت، و (لويس): الفيزيائي المعروف، و (روسل والاس): أحد الفيزيولوجيين البارزين في بريطانيا في عصره، و الصديق المقرّب لدارون، و (دو مرجان): رئيس

جمعية الرّياضيين في بلاده، و (فارلي):

رئيس شركات التّلغراف، و (جان كوكس): الفَيلسوف المعروف، و (اكسون): أستاذ جامعة أو كسفورد، و بعض من الاتصال بالارواح، ص: 119

الأفراد المعروفين الآخرين.

عندما إنتشر خبر تشكيل هذه اللّجنة، كان عدد من مختلف نقاط العالم، يعدّون اللّحظات في إنتظار الرّأي النّهائي لهذه اللّجنة، لكن أولئك إستمروا في بحثهم و تفحُّصهم حول هذه المسألة، مدّة 18 شهراً مُتَوالياً، و شاركوا في جَلسات الإرتباط، و شاهدوا عن قربٍ النّداءات، و الأعمال الخارقة لِلعادة، و في النّهاية أصدروا بياناً مُفصّلًا، إليكم جانبا مِمّا وَرد فيه:

(... إنّ هذه اللّجنة في فحوصاتها العلميّة حَول مسألة إلارتباط بالأرواح، إعتمدت على المُشاهدات الحِسِّية لأعضائها، و المُقترنة بالأدلَّة القطعيَّة فقط.

و من الجَدير بالملاحظة، أنّ أربعة أخماس أعضاء اللّجنة، كانوا مُنكِرين لهذه المسألة في بداية التّحقيق إنكاراً شديداً، و كانوا يعتبرون كلّ ذلك وَليد الوَهم و الخَيال، أو الغِشّ و التّزوير، أو على الأقل نتيجة سِلسِلَةٍ من الحالات العصبيّة الإضطِراريّة.

ولكن بعد مشاهدة كلّ هذه الحوادث، في ظلِّ ظروفٍ و كيفياتٍ خاصّةٍ تنفي كلّ الإحتمالات المُنحرفة، و بعد الإختبارات الدّقيقة التي أُجريت عدّة مرّات، فإن أعضاء هذه الاتصال بالارواح، ص: 120

اللّجنة، لُا بدّ لهم من الإعلان عن أنّ هذه العادات الخارقة تَنبثِق من (عاملٍ مُبهم)، غير ما كانوا يظُنّون ...»!. (لاحظوا أنّ أولئك إعترفوا فقط بوجود عامل مُبهمٍ في هذه الظّواهر).

2- الأستاذ «كروكس» الذي كان يترأس الهيئة العلميّة الملكيّة البريطانيّة، أعلن صراحةً أمام مِئات الأفراد من أعضاء اللجنة المذكورة، بمناسبة الحِوار الذي دار حول:

«الإرتباط بالأرواح»:

(و أنا لا أقول أنّ هذا الموضوع أمرٌ ممكنٌ بل أقول إنّه عين الواقع)!

و كذلك فإنّ الشّخص المذكور، كتب في كتابه المُسمّى «الظّواهر الرّوحية»، الذي أُعيد طبعه

عَشرات المرّات، يقول:

(إنّني مع إيماني بوجود هذه الظّواهر، و هذا نوع من الجُبنِ و الخوفِ الأدبي، أخاف إنتقادات السّاخرين و أمثالهم، الذين ليس لديهم إطّلاع في هذا الحقل، و لا يستطيعون أن يحكموا ضِدَّ آلأوهام المقيّدين بها، فإنّني أكتم شهادتي حيال آثار الرّوح. و بمُنتَهى الصّراحة أشرح (في هذا الكتاب)، ما رأيته بِأُمِّ عيني في هذا الشّأن و إختبرته بِالتجارب الدّقيقة المتعدِّدة ...

3- (روسل والاس) الذي كان زميلًا لدارون في كشف الاتصال بالارواح، ص: 121

قانون (الإنتخاب الطّبيعي)، في كتابه (عجائب الإرتباط بالأرواح)، كتب ما يلي:

(كنت ماديّاً صِرفاً و كنت أُؤمن إيماناً كبيراً بِمذهبي، ولم تكن أيّة نقطة في فكري محلًاّ لِقبول مسألة (الرّوح)، ولا لِوجود مبدأ آخر غير هذا العالم المادّي، و القوى المتعلِّقة به ...، و لكن في النّهاية رأيت أنّه من غير المُمكن، التّغاضي عن المشاهدات الحسيّة و رميِها جانباً، كلّ ذلك إضطرّني لأن أُؤمِن قبل كلّ شي ء بوجود سلسلةٍ من الواقعيّات الجديدة، قبل أن أعرف أنّ ذلك مرتبط بالأرواح أم لا. هذه المشاهدات شيئاً فشيئاً شغلت حَيِّزاً من فكري. و لكن يجب أن أقول: إنّ هذا الموضوع ما كان مُرتبطاً أبداً بالإستدلالات الذِهنيّة، بل كان مُستنداً على المشاهدات الحِسيّة، التي ترتَّبت الواحدةُ بعد الأُخرى حتّى لم أستطِعْ أن أُؤمِن بسببٍ لرذلك غير الأرواح ...).

النّتيجة: أمثال هذه الإعترافات، كُتبت من قِبَلِ مَجموعةٍ كبيرةٍ من العلماء، في كتبهم الخاصّة في هذا المجال، أو أَشاروا إليها في كتبٍ أُخرى و بِمُلاحظة أقوال كثيرين من الاتصال بالارواح، ص: 122

علماء الشّرق، التي لو أردنا نقلها لإحتِجنا إلى كتابٍ كبيرٍ.

يمكن التّصديق بأنّ (الإرتباط بالأرواح) فاقَ حدّ المسائل النظريّة القديمة، و ظهر بشكل مسألةٍ حسيّةٍ و تجريبيّةٍ،

و أظنُّ أنّ كلَّ شخصٍ يجلس عن كثبٍ، و يجعل هذه الإعترافات محلّ بحثٍ و لا يحكم من بُعدٍ، سُيقِرّ هذا.

بناءً على هذا يجب القَول:

إنّ الإرتباط بالأرواح، يمكن أن يُؤخذ بإعتباره موضوعاً واقِعيّاً، ولكن لا ينبغي النّظر إليه من بُعد، لأنّ الكثير إستغلَّ هذه المسألة. أو الأفراد السّذج الذين يظنون أنّهم يستطيعون بِبَساطة، أن يتّصلوا بالأرواح الصّغيرة و الكبيرة، بدون أيِّ إطّلاعٍ علمي، بواسطة منضدةٍ دوّارةٍ، أو فنجانٍ أو صفحةٍ من الورق مملوءةٍ بحروفِ الأَلفَباء. لتّنتشر بعد ذلك لعبة المائدة المستديرة، و شيئاً فَشيئاً تظهر مسألة التّناسخ و عودة الأرواح إلى أبدانٍ جديدةٍ، و تُخلط واقعيّة واحدة بآلافِ الأوهامِ.

إنّ أصل الإتصال بالأرواح أمرٌ ممكن، ولكن من بين آلاف المدّعين، يُحتمل صِدق واحدٍ فقط.

الاتصال بالارواح، ص: 123

الفصل الثّالث ردود على الإشكالات

لماذا دخلنا هذا البحث؟

اشارة

بعد نشر بحوثنا حول موضوع عودة الأرواح و الإتّصال بالأرواح، أحد كُتّاب مجلة «إطلاعات هفتكي»، عن عقيدته في هذا الحقل، و لإنارة الرأي العام و بيان قيمة تلك المَجادلات، أضفنا هذا الفصل بعنوان سُؤال و جَواب على بُحوث الكتاب.

سؤال: لماذا كلّ هذه الجهود لإبطال مسألة (التّناسخ) و (المِنضدة المستديرة)؟

الجواب: لَدينا أصلٌ مسلَّمٌ به يؤيِّده كثيرٌ من الأدلَّة العقليّة و النقليّة، و أَستخلِص ذلك الأصل من حديثٍ نبويٍّ شريفٍ، و هو: «إذا ظهرت البِدع فَعلى العالم أن يُظهر عِلمه، و الّا عليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين». هذا من جانب.

و من جانبٍ آخر: فإنّ هذا الأصل مُسَلّمٌ به في أوساط

الاتصال بالارواح، ص: 126

جميع عُلماء المُسلمين من الشّيعة و السنّة، ما عَدا فرقة صغيرة و ضعيفة تُسمّى التّناسخيّة، لم يبق منها إلّا إسمُها في كتب العقائد و المذاهب. و كلّهم يُؤمنون، بِأنّ التّناسخ وَ عَودَة الأرواح إلى أبدانٍ أُخرى

بأيّة صورةٍ، هو باطلٌ لا أساسَ له، و الدّلائل العقليّة و النقليّة تُبطل ذلك قطعاً، فيما إذا كان التّناسخ بِشكلٍ تَنازلي، يَعني العودة إلى الحياةِ الأَحقَر، أو تَصاعدِيّاً يعني العَودة إلى الحياة، في بدنِ إنسانٍ كان أم حيوانٍ. تنطوي هذه العقيدة الخُرافيّة على كثيرٍ من الفساد لأنّه:

أوّلًا: (التّناسخ) من وجهة النّظر الدينيّة، يكون ذريعةً لإنكار القيامة، و عدم الحاجة لِلثواب و العِقاب في تلك الدار، و أحياناً يكون ذريعةً للقول بِأزليّة الرّوح، كما دُوِّن فىّ كتب العقائد، و لِذا فإن المُسلم الواقعي لا يستطيع الإعتقاد بالتّناسخ و عودة الأرواح بأيّة صورةٍ كانت، و التّحقيق في هذا الموضوع يسيرٌ على علماء الدين، و كثير من الآيات القرآنيّة الشّريفةَ تنفي هذه العقيدة.

ثانياً: من وجهة النّظر الإجتماعيّة، تكون وسيلةً مؤثِّرةً لتَخدير العقول، و إعداد الأشخاص لِلإستِسلام لأِنواعِ الاتصال بالارواح، ص: 127

الحِرمان و التَّعاسة و الإخفاق، بِدعوى أنّ هذا جزاء الأعمال السّابقة في الحَياة الأولى و يجبَ تَحمُّل ذلك لِتطهير الرّوح و تكامُلها!.

أو بِأَمل، تَدارك في عودته لِلحياة المستقبليّة في هذا العالم، فالإستسلام سوف لن يكون أمراً مُزعجاً، و بهذا فإنّ هذه العقيدة، تُشجِّع المحرومين و المَظلومين على الإستسلام و الخَيبة و التَّعاسة!.

ثالثاً: من وجهة النّظر الأخلاقِيّة، فإنّ هذه العقيدة تَخلق كثيراً من التّفرقة الإجتماعيّة و الظُلم و الجَور، و تعتبر السّعي لِمُحاربة كلّ ذلك، لا دليل عليه ما دام هؤلاء الأفراد، سيدفعون كفّارة جرائمهم في الحياة السّابقة. ليتطهّروا إذن.

لماذا نكون مانعاً عن تكاملهم، و نضع حَجراً في طريق تزكيتهم؟. فلا داعي لِلترحُّم على أمثالِ هؤلاء!، كما لا يجب علينا الإنزعاج، لِرؤية الأفراد المَعلولين و ناقصي الخِلقة أو الشّعوب المُستعمرة و المعذّبة!.

أمّا مسألة الإتِّصال بالأرواح، و لعبة المِنضدة المُستديرة،

بالوضع الذي نعرفه و يعرفونه، فهي:

أوّلًا:

أنّه عامل لتقوية الإعتقاد بتناسخ الأرواح، كما يزعُم أصحاب المِنضدة المُستديرة و أمثالهم، إنّهم يستَلِمون من الأرواح إعترافات تدور حول تِكرار عودة الأرواح، (كما سنرى نَموذج ذلك).

و ثانياً: إنّ فتح هذا الباب سيكون سبباً لِلهَرج و المَرج في العقائد و الأفكار، كما لدى عدد من السّذج أو المنتفعين، أو المُصابين بالأمراض النفسيّة، فإنّهم يجلسون كلّ ليلةٍ حول المنضدة، و يدّعون الإتصال بروحٍ فوق العادة، و على مستوى رفيع!!، و الحصول على إعترافات جديّة حول خير و شرِّ الأفراد، و حتّى صحّة و فساد العقائد المرتبطة بهذا المذهب و ذاك. (و ما أكثر المذاهب الباطلة و الفرق الضّالة)!.

فلَيلةً يكتشفون في عالم الأرواح عقوبةً بالأقساط، (كما في الثلّاجة و المُبرِّدة تُباع بالأقساط)، (و كما جاء في العدد 1487 من إطلاعات هفتگي)، و ليلةً أخرى يجدون دليلًا

الاتصال بالارواح، ص: 129

على أحقيّة بعض الفِرق الضّالة، و التي وَ ضعُها واضحٌ لِلجميع، (كما يُصرِّح به أحد الأصدقاء، الذي عمل مدّةً طويلةً في هذا القِسم، ثمّ ترك هذا العمل لهذا السّبب)، و أمثال هذه الأُمور.

يقولون: إنّ هذه الأُمور تتمّ بسبب تدخُّل الأرواح الخبيثة و الشّريرة التي حولنا، و المُنتشرة في كلِّ مكانٍ، و عملها الكذب و التّلفيق و التّلاعب في الأفراد!.

و عليه فإنّ هذا العمل غير صحيحٍ و غير جديرٍ بالإعتماد و الثّقة، و من البديهي فإنّ هذا الهَرج و المَرج، الفكري و العقائدي و الأخلاقي و الإجتماعي، ينجُم عنه أضرار لا يُمكن تَلافيها.

هذا ما جعلنا نُحارب هذه العقيدة الفاسدة، ولو أنّنا سكتنا عن هذا الموضوع، و وَقع في الضَّلال عدد من أصحاب الإطلاع النّاقص في الدّين و العلم، لَكان سُكوتنا مخالفاً لوجهة النّظر الدينيّة و الإنسانيّة؟!.

حشد من الكلام البَذي ء و التُّهم!

سؤَال: كيف تلقَّيتم الرّدود

عليكم في مجلة (إطلاعات هفتكي)؟

الجواب: من حُسن الحظّ أنّ المقالات الثّلاث عشرة، التي كَتبناها في مجلة (مكتب إسلام) في هذا الشّأن، و الّتي وُضِعت الآن بشكلٍ أكملٍ تحت تصرُّف القرّاء الكِرام، كانت سَبباً مُؤثِّراً لإنتشال الكثيرين من الشَّك و التردّد، و قد يكون هذا الموضوع، سَبباً في السَّعي الحَثيث لبعض مُروِّجي هذه العقيدة الأساسييّن، لإعادة المياه إلى مجاريها. و إنزعجوا إلى حدٍّ، جعلهم يسبّون و يشتمون الأرض و السّماء و أكابر عُلمائنا وَ مفاخرنا، لِيكشفوا عن ماهِيَّتهم.

و الرّدود التي أجابونا بها، و التي طُبعت في أعدادٍ من تلك المَجلة، كان سَيلًا من التهم الرّخيصة و قبضةً من الشَّتم و الكلام البَذِي ء، بحقِّ عُظمائِنا الذين يفتِخر بِهم عالَم الإنسانيّة، و كتبهم تُدرَّس قُروناً في أكبر جامعاتِ الغَرب، التي يفتخر هذا الكتاب بذكر إسمها.

و الأَسَوأ من كلّ هذا، قفزهم من غصنٍ إلى آخر، و فِرارِهم الاتصال بالارواح، ص: 131

من الجَواب الأساسي، و إلهاء النّاس بسلسِلة من البُحوث المتفرقة، و أحياناً بالقصّة و المِزاح و الأمور التي لا أساس لها، ظانّين أنّهم يؤثِّرون على معنوياتنا أو معنويات القراء الأعزّاء، بهذه الضحيّة المفتعلة.

لِذا فإنّ القرّاء الواعون، قد حكموا على تلك الرّدود، و أعلنوا إخفاق و إنهزام الخَصم في هذا البحث، من خِلال رسائلهم، أو حِوارهم المُواجِه، و يعتبرون طعناتِهم و سَبِّهم و كلامهم البَذِي ء، و فرارهم من المسائل الأساسِيّة دَليلًا دامِغاً على هزيمتهم، حتّى أنَّ قسماً من قُرّائنا، كتبوا رُدوداً على سَفسطة هذا الكِتاب و أرسلوها لنا.

نحن لا نشتم أحداً، و لا نفرُّ من جَوابٍ، و لا نُسَفسِط و لا نُغالط، لأِنّنا لم نعط هكذا تعليمات، و لا نشعر بحاجةٍ إلى ذلك مِمّا لدينا من منطقٍ قويٍّ، نحن لا

نُبدّل مائة ألف صفحة من هذا الكلام البَذي ء و الحديث المنتثر، بِحبَّة شعيرٍ من المَنطق.

أساساً إنّ البحث العِلمي لم يكن بحاجةٍ إلى هذه الحيلة، و المَكر، و هذه الأعمال هى دون شأن طُلّاب الحَقيقة. و اللَّه تعالى شاهدٌ: لو أنّ الطّرف المقابل، ما كان قد سبّ أو تكلّم الاتصال بالارواح، ص: 132

بكلامِه البَذي ء، على عُلمائنا و أَكابرنا، لما كُنّا أجزنا لأنفسنا هذا العمل.

حد التّهرب من الحقائق:

سؤال: بإعتقادكم لماذا يهرب أولئك من المَواضيع الأساسيّة؟

الجواب: بإعتقادنا أنّهم يفعلون ذلك لأنّهم لا يمتلكون مَنطقاً واضحاً و لا دِراسةً مُنظَّمةً، كما في عددٍ من المقالات التي إحتلَّت مِئات الأسطر من المجلة، و التي لا تَرتبط بِبَحثنا، سوى عَدد من العبارات التي سنشير إليها و نردّ عليها.

إنّ أحدهم يسعى دائماً، لأن يفرّ من البحث بأِدنى مُناسبة لِيدخل بعضَ المَتاهات.

و من نماذج ما كتبه أحدهم في العدد 1497، حيث يذكر جدّه المرحوم بخير، ثمّ فُجأةً أرخى قلمه ليوصِل الموضوع إلى موضعٍ مُضحِكٍ. يكتب قائلًا:

(جدّي لِأُميّ عاش مائة و بضع و عشرين عاماً، بالرّاحة و السّعادة و الإحترام الكبير في المجتمع، و كان الاتصال بالارواح، ص: 133

ذا غِنى واسع، و فى طريق، أصفهان، لأنّه كان عنده فلّاحاً مسلماً و آخر (زرادشتياً)، وضع سلالم و صبوراً في كِلا جانِبَي مخزن الماء، حتّى يكون أحدهما لِلمُسلم و الآخر لِلزرادشتي، و كان قد صقل المخزن بالجُصّ الأبيض، و كما هى عادَةُ أهل يزد ... علاوةً على ذلك فإنّني رأيت بسطاً في عدد من مساجد يزد، كان قد فرشها هو، و عندما ذهب إلى الحجّ، أعدّ فُرشاً و بُسطاً لكثيرٍ من المساجد و مراقد أولاد الأئمة، و أظنّ أنّ الفرش يعمِّر مائتي عام!.

في أحد الأيام و في طريق

كاشان، توقَّفت السَّيارة أمام إحدى المقاهى، التي كان بقربها مرقد لأحد أولاد الأئمة عليهم السلام، دخلت إلى المرقد فشاهدت بِساطين معلّقين أمام البوّابة، قد حيك إسمه على حاشيتهما.

و في مدينة (گنبر) الواقعة بين يزد و أصفهان، و في قلب الصّحراء المركزيّة، و من كلّ أطرافها و لعدّة فراسخ لا يوجد ماء و لا شجر، إنّنى و بعد عدّة سنوات من موته، إطَّلعت صدفةً على أنّه قد أوصل الماء، من الاتصال بالارواح، ص: 134

بعد فرسخين عن طرف الجبل، إلى المخازن التي كانت في زمن الصفويّين، و التي كانت قد جفّت، و كلفّه ذلك مبلغاً كبيراً. نترك النقاط الأخرى و لكنّي لا أنسى تلك اللّيلة التي تحدّث فيها لِلأشخاص الذين كانوا بمنزله، و قال: (أنا في كلّ عمري لم أقل آه مرةً واحدةً! هذه هى الحقيقة، (طبعاً كانت حقيقةً و سنفهم وجود حقيقتها الآن)، في المائة و العشرين من عمره، و لم يمرض مرةً واحدةً، كان ذا بُنْيَةٍ قويَّةٍ جداً و هيكلٍ عظيمٍ و قوي، و هذه نعمة أخرى كانت نصيبه، في السّنوات الأخيرة من عمره و لم يبتَلْ بمرضٍ يُقلق، إلّاأنّه أحياناً يرتفع ضَغط دمه، و هو مُصاب بمرض النّسيان، (و هذا أيضاً لا يبعث على القَلق!)، قضى كلّ عمره بالرّاحة و السّعادة و ...).

أُقسم عليكم باللَّه، ما علاقة هذه الأمور بِبحثنا، قل: إنّني أعرف شخصاً كان إنساناً جيّداً، و بعد العودة إلى هذا العالم ستكون حياته جيِّدة، وضع البساط ذا المائتي عام جانباً، و مخزن الماء في گنبد و أصفهان، و مخزن الماء ذا الطّرفين في الاتصال بالارواح، ص: 135

يزد، و هذه الأمور المُتفرّقة و التي لا علاقة لها. و هذا الرجل يُحسد على

هكذا أحاديث كقصّة التّرياك، و ما يُكَنّونه أصحابه في المقاهى بال «بنزين» و الأتراك يقولون «تيرياك»!، و لماذا أصحاب التّرياك يسمونه بنزيناً و أمثال ذلك. (العدد 1498).

و الأَلطَف من كلّ ذلك هو قصّة جدّه العظيم نفسها، التي نقلها في العدد (1482)، و بصراحة يكتب:-

(كان قد أُصيبَ بالشّلل لِعدَّةِ سنوات، غالباً، (ليس أحياناً) ما يُصاب بالنسيان، و أحياناً يقع مُغمى عليه. (العدد 1482).

و طبعاً أنّ شخصاً مُصاباً بالشّلل و إرتفاع ضَغط الدّم لِسنوات، و يصل إلى حالة الإغماء و حَدّ الموت، لم يكن لديه خُمول و إصابة و إنزعاج و حتى سوف لن يقول آه مرةً واحدة!!. فالشّخص يُناقض كلامه في نقل تاريخ جدّه المرحوم، و أمّا قيمة التّواريخ الأخرى التي ينقلها فحدِّث و لا حرج، و القسم الأعظم من بحوثه هى نقل التأريخ.

من الذي يتلاعب بالألفاظ نحن أم أنتم؟:

سؤال: يقولون أنَّكم تتلاعبون بالألفاظ؟

الجواب: حقّاً إنَّه أمرٌ مضحكٌ، أنتم الذين وضعتم إسم «التّناسخ» و «عودة الأرواح»، على عكس العلماء الذين إستعملوا كلمة التّناسخ، و إعتبروه عين «عودة الأرواح» (التّصاعدي و التّنازلي) و قلتم أنّهما إثنان مُستقلان، و بظنّكم أنّه بتغيير الإسم تَصونون أنفسكم من الضّربات المدمّرة، التي وجَّهتها الفلسفة و الأدلّة النقليّة لهذا المذهب، فهل أنتم تتلاعبون بالألفاظ أم نحن؟!.

لَدينا مُستمسكات كثيرة من مختلف العلماء، الذين يعتبرون أنّ التّناسخ هو عَين: «عودة الأرواح إلى الأبدان الأخرى فى هذا العالم»، فإن كنتم صادقين فقولوا: أين دليلكم على هذا التّلاعب اللّفظي، (بشرط أن لا تقفزوا من غُصنٍ إلى غُصن)، ولكن قولوا بصراحةٍ أين دليلكم؟.

أنتم تقولون: إنّ الرّوح إذا عادت إلى جسمٍ، و مستوى تكامله أعلى من الرّوح، فيسمّى «عودة الأرواح» و هو صحيح، ولو أنّها عادت إلى جسمٍ مُستوى تكامله مَساوٍ أو

الاتصال

بالارواح، ص: 137

أَدنى من الرّوح، فهذا يُسمّى (التّناسخ)، و هو باطل، فمن أين أتيتم بهذه التقسيمات في معنى التّناسخ، على خِلاف ما قاله كلّ العلماء في ذلك؟.

التّناسخ كلمةٌ عربيةٌ و ليست كلمةً أجنبيةً، كما جاءت في كلّ الكتب التي في مُتناول أيدينا، ك: الخواجة نصير الدين الطوسي في شرح الإشارات، و العلّامة الحلّي في شرح تَجريد الإعتقاد، و صدر المُتألّهين في الأسفار، و المِيرداماد، و الشّيخ الرّئيس أبو علي بن سِينا، و المُلا عبد الرّزاق اللّاهيجي في جوهر المُراد، و سعد بن عبداللَّه القُمّي في كتاب المَقالات و الفِرق، و محمّد فريد وجدي فى دائرة معارف القرن العشرين، و المُلا هادي السَبزواري في شرح المَنظومة، و آخرون كثيرون كما سنذكر ذلك مُفصّلًا، كلّ أولئك شهود على هذا المُدّعى

المعلومات الوافرة؟:

الجدير بالذّكر إنّ هذا السيّد، يروم إبداء وجهة نظره بشأن مَقالات الفَلاسِفة العُظماء و المسائل الإسلاميّة، إنّ معلوماته ضعيفةٌ جِدّاً في الفلسفة و المواضيع الإسلاميّة، و هو يتصوّر

الاتصال بالارواح، ص: 138

أنّه يستطيع أن يُحارب عُظماء الفلاسفة، بمعرفته لأِسماء بعض الكتب أو تِكرار بعض الألفاظ الأجنبيّة أو الضّجيج.

الآن و مع خالِص الإعتذار نورد زاوية من معلومات هذا الكاتب، الذي يضع كلّ علماء الشّرق في الحَضيض، فما عسى أن يكون مُستواه العِلمي، ذلك أنّه لا يفرِّق بين «الجَوهر» و «العَرض»، و يقول إنَّ فلاسفتنا إختلفوا في «أنَّ الصّورة جوهر أم عرض». (العدد 1497). في حين أنّ أيّ شخصٍ يَمتلك أدنى إطّلاع في الفَلسفة، يَعلَم أنّ الصّورة (بالمُصطلح الفَلسفي)، من أقسام الجَوهر ولا علاقة لها بالعَرض.

2- يقول: (الواجب في الصّلاة قِراءة سورة واحدة من القُرآن على الأقل). (في العدد 1495). في حين أنّه لو طالع رسالةً عمليّةً بسيطةً لَعلِم

أنّ الواجب في الصّلاة بإعتقاد الشّيعة أربع سور من القُرآن على الأقل، و في إعتقاد السنّة على الأقل سورتان من القُرآن الكريم: (قراءة الحَمدْ مَرّتين و بعضٌ من الآيات).

3- في الإشكال بِحسب ظَنِّه، الذي أورده علي إبن سينا

الاتصال بالارواح، ص: 139

في مسألة الزّمان، يقول: (ماذا يعني اللّابِدء؟ فهل يعني غير القِدَم؟) (العدد 1499). كلامه هذا يدلّ على أنّه لا يُفرِّق بين «القِدَم الزّماني» و «القِدَم الذّاتي»، في حين أنّ أيّ شخص يمتلك أدنى معرفة بالفلسفة، يعلم الفَرق بين هذين الإثنين.

4- في محلٍ آخر يقول: إنّ الفلاسفة تنازعوا مدّة 900 عام حَولَ: أنّ بُعد الزّمان منظور أم مقطور؟ و إلى الآن لم يُعلم أنّه بِالقاف أم بِالفاء!.

سيّدي العزيز، إنّ بحث الزّمان من أهمّ البحوث الفلسفيّة، و يحتل صفحات عديدة في كلّ كُتبنا الفلسفيّة، و فلاسفتنا إكتشفوا علاقة ذلك «بالحركة» قبل «أنشتاين». قل من هم الذين تنازعوا 900 عام. (أساساً المُراد من البُعد: المكان و ليس الزّمان). على الأقل لو ألقيت نظرةً على بحوث الزّمان و المكان، في شرح المنظومة و الأسفار و الإشارات.

بالإضافة إلى أنّه لم يتنازع أحد في مسألة: «ف و «ق»، كما في قصّة خسن و خسين.

5- إطّلاعاته في التّفسير كانت من السّعة، بحيث عَجز عن ترجمة حتّى آية واحدة، مثلًا الآية «فمن يعمل مثقال ذرّةِ

الاتصال بالارواح، ص: 140

خيراً يره»، هكذا يفسّرها: كلّ من يعمل ذرّة خير أو مثقال خير فسيراه، و كلّ شخص يعمل ذرّة شر أو مثقال شر سيراه.

(العدد 1391).

هذا الرّجل توهّم في «مثقال» الواردة في الآية، و في اللّغة أنّه هو نفس مثقال دكّان العطّار التي تستعمل اليوم في الفارسية، في حين أنّه ليس كذلك، فإنّ «المثقال» يعنى «الوَزن»، بل إنّه

يعني بقدر وزن «الذّرة» و «الذرّة» أساساً تعني «النّملة»، و تطلق أيضاً على الأشياء الصغيرة، (فليُراجع قاموس اللّغة).

إلّا أنّ هذا العلّامة: بحر العلوم، فسّر المِثقال بنفس المعنى المُتعارف عليه في الفارسية، و دكّان العَطّار!. ثق أنّ أيّ شخص يَمتلك معلومات كافية لا يُسى ءُ إلى العلماء و النّوابغ بكلمةٍ واحدةٍ، و دائماً لا يعرف قدر العالِم إِلّا العالِم، و لا يعرف قيمة الذّهب إلّاالصّائغ ...

6- يقول: أنّ ما أقوله حول عودة الأرواح، ليس «تناسُخاً بل «نَسخاً»!، هذا هو نص عِبارته: (نحن نعتبر التناسخ باطلًا و لَغواً، و نُخالف «التّناسخية» و زعماء «التّناسخية»

الاتصال بالارواح، ص: 141

يخالفوننا أيضاً، يعني أنّهم يعتبرون إعتقادنا ب: عودة الأرواح، أمراً مرفوضاً) ولكنّ (النّسخ قريب لإعتقادنا بعودة الأرواح).

أيهّا الكاتب، إنّ ما تقوله هو عين التّناسخ، و «التّناسخ»، و «النّسخ» كلاهما مُشتقٌ من مادّةٍ واحدةٍ و لا فرق بينهما، و كلمة عَودة الأرواح أيضاً تَعني ذلك، لكن أحياناً يأتي «التّناسخ» بمعناه الأوسع، فيطلقونه على عودة أرواح الإنسان، إلى بدن الإنسان الآخر، و على عودة روح الإنسان إلى الحيوان.

بإختصار أنّك و بتغيير إسم «التّناسخ» «بالنّسخ»، في الواقع لم تعمل شيئاً. فإنّ كليهما لِمعنى واحد. آخر ما قلته إنّكم تعتقدون أنّكم بعودة روح الإنسان إلى الإنسان فقط، وليس لِلحيوان، و لكن هذا لا يعني إنكار التّناسخ، بل إنّكم قبلتم قِسماً منه و رَفضتم قِسماً آخر، و بالتّأكيد فإنّكم تناسخيون بإعتقادكم هذا، فلِماذا تخافون من هذه التَّسمِية؟.

عقيدةُ عودة الأرواح، وليدةُ جَهل الإنسان

اشارة

سؤال: يقولون أنّ الإعتقاد بعودة الأرواح، و التي لها جذور تأريخية، هى وليدةُ فلسفةٍ خاصّةٍ، و أنّ المُعتقدين بها يدافعون عنها اليوم؛ لأنّها تَحِلّ مشكلاتهم.

الجَواب: هُناك ظَواهر مُبهمة كانت تنبع منها في الماضي فرضيّة التّناسخ و عَودة الأرواح، و قد

إتّضحت هذه الظواهر اليوم، في ظِلِّ التّقدم العلمي الواسع، و لم تَعُد الحاجَة لهذه الفرضيّات الخُرافيّة.

توضيح ذلك: إنّ تأريخ العقائد و الأديان، يشير إلى أنّ الاعتقاد بالتّناسخ و عودَة الأرواح، من أقدم العقائد التي وُجِدت في العالم، و تأريخها ينتهي لِعصر «الأساطير».

و يُحتمل إحتمالًا قويّاً أنّ «الهند» و «الصين»، هُما وطنها الأصلي، و الآن ينتشر هذا الإعتقاد في أوساط وَ ثَنِيّي الهِند، و قد إمتزج بحياتهم حتّى أصبح من الصّعب التّفكيك بينهما.

الاتصال بالارواح، ص: 144

الإحترام الخاص الذي يولّيه الهِندوس لِلحيوانات و حتّى الحَشرات، ينبع في الحقيقة من هذا الإعتقاد، إنتشار «أكل النبات» في الهند و مخالفتهم لأِكل لَحوم الحيوان يرتبط بهذا الإعتقاد أيضاً.

المؤرِّخ الغربي المَشهور «ويل ديورانت» في كتابه قصة الحَضارة، يقول:

(الهندوس الواقعيّون يمتنعون ما إستطاعوا من قتل الحشرات، و حتّى من هم لَيسوا من أهل الفضيلة، يتعاملون مع الحيوانات كأخوةٍ ضُعفاء صامِتين، و ليس كمخلوقاتٍ حقيرةٍ يتحكَّمون بها وفقاً لِما أمرهم اللَّه تَعالى به)!. «1»

الهُنود يُطلقون كلمة «كارما» على التّناسخ و عَودة الأرواح مُطلقاً، سواء كانت في بدن الإنسان أو الحيوان.

هذا الإعتقاد- كالإعتقاد بالخرافات الكثيرة الأخرى ، كان وليد الجهل و ضعف الإنسان في تفسير الظّواهر الطبيعيّة أو الإجتماعيّة المختلفة.

الاتصال بالارواح، ص: 145

بعبارةٍ أوضح: القدُماء كالعَديد من النّاس اليوم، غالِباً ما كانوا يصطدِمون بحوادث، يعجزون عن تفسيرها تفسيراً علميّاً أو فلسفيّاً صحيحاً، و بما أنّ طبيعة البشر حبُّ الإطّلاع، الذي لا يُرخّص؟ الإنسان بأن يترك سؤالًا في ذهنه دون جواب، فيضطر إلى الوقوع في التّخيّلات و يُؤلِّف تفسيراً خَياليّاً لها، و أكثر الخُرافات ظَهرت وَ وُجدت عن هذا الطّريق.

مثلًا قد يكون الكثير منّا سمع، بأنّ بعض «العامّة» يفسرون ما يرونه ليلًا عند عَدْوِ الخَيل،

من أنّ بريقاً يُضي ء تحت حافرها: بأنّ الجِنَّ تُشعل مصابيح تحت أرجلها!، إنّهم لا يفكرون بأنّ هذا العمل، ماذا يفيد الجِنّ، و هل أنّ الجِنّ ليس لديها أعمال إلّا إضاءة المصابيح تحت أرجل الخيل.

أولئك كانوا يرون هذه الظّاهرة الطبيعيّة و يعجزون عن تفسيرها، لذا يلجأون إلى التّخيلات.

أو الحرائق التي تحدث في بعض المنازل، و لم يَظهر لها سبب فيفسِّرونها بأنّها معلولةٌ لأعمال الجِنّ.

لكن اليوم نعلم جيِّداً أنّ الشّرارة الكهربائيّة تحدث بسبب الاتصال بالارواح، ص: 146

الإحتكاك القوي لِجسمين مع بَعضهِما، و هى أمرٌ طبيعي، ليس له علاقة بحافر الخيول ولا الظّلمة، و تحليلُها العِلمي واضحٌ أيضاً، أو إنّنا نعلم أنّ بعض المواد الكيمياويّة تكون سبباً لِلحرائق، و التي تشتعل بدون سببٍ و في ظروفٍ خاصّةٍ، فإذا إقتربتْ منها بعض الأشياء قَسراً او تلقائيّاً إحترقت.

في ظِلّ الإكتشافات الفيزيائيّة أو الكيمياوية، فإنّ هذه الظّاهرة خرجت عن كونها خُرافةً سابقةً. طبعاً نحن لا ننكر وجود كائنات بإسم الجِنّ، (الجِنّ في الأصل بِمعنى كائِن مُختَفٍ)، لكنّ الجنّ بمعناه الصّحيح و الذي يُؤيِّده العِلم، و الفلسفة و أيضاً، جاء في القُرآن اكريم، يختلف كثيراً عن الجِنّ ذي الذّيل و ذي الحافِر، الذي خلقته أفكار العامّة و نَسجهُ خيالهم، و لَسنا بِصدد التّعرض لِهذا الموضوع.

مسألة التّناسخ و عودَة الأرواح هى أيضاً من هذا النَّسج، لأنّه:

في الماضي كان كثير من الناس يَرون، أنّ في المُجتمع أفراداً معلولين و أفراداً ناقِصي الخِلقة من الولادة، و يرون الاتصال بالارواح، ص: 147

أنّ بعض الأفراد يتعذّبون طِوال عُمرهم، بعكس الآخرين فإنّهم مُرفّهين تَماماً، و شَخصاً ذا ثروةٍ لا يستطيع أن يحسِبُها، الآخر لا يملك قوتَ يومه، و يحن الى رغيفِ الخُبز، و شخصاً موفّقاً في كلّ أعماله

الحياتيّة، و آخَراً يواجِه الفشل في أغلب الأحيان.

و لِأنّهم لم يكونوا مطّلعين على الأسباب الجسميّة و النفسيّة و الإجتماعيّة لهذه الأمور، و لم يكونوا متمكنّين من تفسير هذه اللّاعدالة بالطرق الواقعيّة، فإنّهم يذهبون إلى «تناسخ الأرواح» و ال «كارما» بسرعة، و يقولون: إنّ هؤلاء الأفراد المَعلولين و النّاقصين و المحرومين و المظلومين، كانوا قد جاءوا في الماضي إلى هذا العالم، و لابدّ أنّهم في حياتهم السّابقة كانوا قد إرتكبوا جرائم، و يجب أن يرَوا كلّ هذا العَذاب، جزاء تلك الجرائم و ليتطهّروا، و هذه هى عَينُ العَدالة!

(و يل ديورانت) في المجلد الثاني، الصفحة 735 من تأريخه: «مشرق الأرض تاريخ الحضارة»، يقول:

أنّ أساس «الكارما» يفسر لِلشعوب الهنديّة كثيراً من الاتصال بالارواح، ص: 148

الحقائق المُبهمة، أو الأمور غير العادلة ... أنواع المصائب التي تظلم الكرة الأرضيّة و تلطخ التأريخ.

كلّ ذلك العذاب و تلك الآلام، التي تسير في دم و لحم الإنسان منذ ولادته و حتّى مثواه الأخير، كلّ هذا يهوّنه و يُيسِّره أصل «الكارما»، للهندوس الذين يعتقدون به.

هذه المصائب و الجور، و هذا الإختلاف بين النّبوغ و البلاهة، و الفقر و الغِنى كلّ ذلك نتائج الحياة السّابقة و وَليد ذلك القانون القديم، كان يُرى ظُلماً و جَوراً في ميزان عمر الإنسان القصير، أو اللّحظة من الأزَل. أمّا في النهاية فقد ظهر أنّه هو عين العدالة و الإنصاف.

ال «كارما» من جملة الإبداعات الكثيرة، التي أراد الإنسان أن يتحمّل و بمساعدتها المصيبة و الشّر بكلّ صبرٍ و حلمٍ. «1»

إذا كانت الشّعوب الهنديّة أو باقي الشّعوب القديمة، قد أنشأت فرضيّة عودة الأرواح لتفسير هذه الظّواهر، فاليوم و

الاتصال بالارواح، ص: 149

في ظِلّ تقدم «علم الطّب» و «علم النفس» و «العلوم

الإجتماعية» الأخرى، لم تعد حاجة لتلك الفرضيّات الخُرافيّة، لتفسير هكذا ظواهر؛ لأِنّنا نعلم:

لو إلتزم الإنسان بالتّعليمات الصحيّة لسَلامة جِسمه، و راعى الأب و الأم التعليمات الصحيّة و النّصائح الطبيّة الخاصّة بالجَنين، فسوف لا يأتي إلى الدنيا طِفل ناقِص.

و بعبارةٍ أخرى إنّ وجود الأفراد المُشوّهين و النّاقصين ليس أمراً حَتِميّاً، فإنّ جهاز خلق الإنسان دقيق إلى الحدّ الذي، لو التُزم بالمراقبة الكاملة و استخدمت القوانين الخاصّة به، لكان الناتج سالماً مائة بالمائة.

و علاوةً على ما سبق، فإنّ كثيراً من الفلاحين كانوا يتصوّرون، أنّ قسماً من محصولاتهم الزراعيّة أو فاكهة الأشجار، ستكون حتماً ناقصة و مصابة بالدّيدان، و هذا من لوازم وجودها، و كانوا يقولون: (آفة الشّجرة هى من الشّجرة نفسها)، ولكنّ الدراسات العلميّة أظهرت أنّه ليس كذلك؛ و إنّ الفلاح النّموذجي بإستخدام القوانين الزراعية الصحيحة، سيكون كلّ محصوله سالماً، ولن يكون هناك تفاحةٌ واحدةٌ

الاتصال بالارواح، ص: 150

مصابةً بالآفة في كلّ محصوله.

بناءاً على هذا فإنّه امّا أن يكون الأب و الأم مقصّرين، أو المجتمع الذي يعيشان فيه، لأنّه يزودهما على الأقل بالتعليمات الصحيحة أو الصحيّة أو لوازمهما الحياتيّة، حتّى لا يقع أولادهما بهذه المصيبة، و كما لو أنّ إنساناً ضرب آخر وفقأ عينه، فالإنسان هو المقصّر لا جهاز الخَلق و، أصل الخِلقة، و هذا هو المعيار و الضّابط في من يُولَد من بطن أُمّه مكفوف البصر، و يستَند التّقصير في ذلك الى نفس الفرد أو المجتمع.

و أمّا في موارد ثراء البعض، و فقر البعض الآخر؛ فإنّ هذا الموضوع اليوم مَردود إلى: أنّ الأنظمة الإجتماعيّة الخاطِئة و الأنظمة الإقتصادية الفاسدة، هى التي ينبع منها هذا الإفراط و التّفريط، و ليست مسألة عودة الأرواح و الكارما. و منه المُحتَمل

أن يكون إستنباط الهندوس القُدماء سائِغاً؛ لعدم علمهم بأصول «العلوم الإجتماعيّة»، و «الإقتصاد الحديث».

لكن اليوم فإنّه لا قيمة لكلّ هذه الإستنباطات.

العامل الأساسي للفشل الإجتماعي:

إنّ ملاحظة الوضع النّفسي لِلأفراد، و كذلك طريقة تربيتهم العائليّة و الإجتماعيّة، تستطيع أن تكشف السّتار عن أسباب الموفَّقيّة و عَدمها للأفراد، و توضِّح نقاط ضعفهم النّفسي و التّربوي، الذي هو مصدر لهذا الفشل، و بعدها لا تعود حاجة لِلِّجوء إلى الخُرافات و عودة الأرواح.

كاتب بحث: «أسرار الرّوح و الحياة»، في مجلة «إطلاعات هفتكي»، يقول: (الموفقيّة أو عدمها في أثرٍ علمي أو أدبي أو فنّي أو إختراع صناعي، هو نوع من الثّواب و العقاب لِأعمال الإنسان في الحياة السّابقة، و تدخّل الأرواح في هكذا حوادث، أمرُ قطعي ... (هذه الأمور) ظاهراً غير منصفة ...).

الحل الوحيد لِهذا اللّغز هو ما كُشف ببركة أصحاب الإعتقاد بعودة الأرواح، يعني هو نوع من الثّواب و العِقاب و تدخّل الأرواح إلى حدّ مّا!. (العدد 1493).

و بالإستناد الى الحقائق أعلاه، يتّضح بِجلاء أنّه لا الأرواح تتدخّل بلا سبب في أعمال خلق اللَّه تعالى و لا

الاتصال بالارواح، ص: 152

الحياة السابقة جزاؤها هذا، بل لكلّ هذا أسباب نفسيّة و إجتماعيّة و تربويّة و جسميّة خاصّة، و لا تحتاج لهذه الفرضيّات الفاسدة.

هذا عجيب، أنّ الكاتب المذكور أعلاه، بقوله إنّ هذه الحوادث هى نوع من الثّواب و العِقاب، و في تصريح له في الأعداد السّابقة، (مثلًا في العدد 1461)، يقول: (أنتم أيّها الآباء و الأمّهات إعلموا أنّ التفرقة بين الأبناء هى جريمة عُظمى سيكون جزاؤها في أعناقكم، امّا في هذه الدنيا و أمّا بعد الموت في عالم الأرواح، و حتّى في حياتكم القادمة التي تعود بها إلى هذا العالم).

يقول هذا الكاتب: لِماذا

«السيّد مكارم» ينسِب إليَّ هذا الأمر الآتي: (الرّوح و بعد الإنفصال عن البدن، إذا كانت بحاجة إلى التّكامل فستعود إلى بدنٍ آخر، و تشرع بدورةٍ جديدةٍ من الحياة أحياناً، تكون هذه الدّورة الجديدة يشوبها العذاب و الهُموم، حتّى تُلاقي أعمالها السّيئة السّابقة، و أحياناً يشوبها النّجاح و الموفَّقية لِتُعوِّض حرمانها السابق).

ثم يقول: أيّ موضوع كتبته يتناسب (واحد بالألف) مع الاتصال بالارواح، ص: 153

هذا الكلام الخاطى ء الذي نسبته إلَيّ ...، عملك هذا يسمّى عُرفاً و شَرعاً و قانوناً: تَحريفاً. نعم تَحريفاً!!. (العدد 1497).

بضمائركم هل أنّ هذا الحديث الذي نسبناه إليه لم يكن عَين ما نقلناه أعلاه، فلو كان هذا تحريفاً لكانت الحقائق كلّها تَحريفاً، لماذا ينسى هذا الكاتب بهذه السّرعة ما قاله. (إذا أَرَتك المِرآة عيوبك فإكسر نفسك، فإنّ كسر المرآة خطأ)!.

ما الذي حرّفناه؟!:

والألطف من ذلك ما قاله في (العدد 1498)، في مجلة مكتب إسلام في (العدد 113)، الصفحة الرابعة: الأرض التي نمشي عليها هى اللَّه!، المحيطات و الأمطار هى اللَّه!، هذه النّجوم و المجرات التي أمام أعيننا هى اللَّه، أنا لم أُحرِّف ذلك، إنّما هذا هو نصّ عبارته!.

حقّاً إنّ الإنسان لا يعلم ماذا يسمّي هذا العمل: هل أنا- (مكارم)- قلت إنّ الأرض التي نمشي عليها هى اللَّه؟،

الاتصال بالارواح، ص: 154

المحيطات و الأمطار هى اللَّه؟ ...، هل أنت صادق في أنّ هذا هو نصّ عبارتي؟، إذَن إسمحوا لي أن أكتب في هذه الصفحة نصّ عبارتي، و أترك تعيين إسم عملك هذا إلى ضمائر القراء اليَقِظة:

(إنّ ما نفهمه من كلمة الطبيعة في الموارد الأخرى هو هذه النّواة و الإلكترونات، هذه الموجودات البسيطة التي تتألف منها تركيبات مختلفة، ما هى إلّاهذه الأرض التي نمشي عليها، و هذا الهواء الذي

نستنشقه، و هذا الماء الذي نشربه، و هذه العواصف، و بالنّهاية هذه السّيارات و الكواكب و المجرّات؟. هل هذه بهذا القدر من الإدراك و العقل و التدبير؟

طبعاً لا!، إذن مُراد أولئك (الماديّين الذين يقولون إنّ ذلك من آثار الطبيعة)، من كلمة الطبيعة: هو في الحقيقة أنّها قوّةٌ فوق كلّ ذلك، تلك القوّة التي يُسمّيها البعض «اللَّه»، و بعضٌ آخر (الرّب)، و هؤلاء يسمّونها «الطّبيعة»!

لاحظوا أنّ الشّي ء الذي نسبه إليَّ هو نَقيض ما قلته، و الشّي ء الذي نسبته إليه هو عَين ما قالَه، ولكم الآن أن تقولوا:

أيّنا محرِّف؟.

لماذا تجدَّدت الفرضيَّة القديمة لِعودة الأرواح؟

اشارة

سؤال: هناك سُؤالٌ يطرح نفسه: لماذا تُصرّ بعض محافل الغرب الرّوحيّة في القرنين الأخيرين، على تجديد الفَرضيّة القديمة و الخُرافيّة لعودة الأرواح و التّناسخ، و ينفخون روحاً جديدة في جِسمها؟، و هل أنّ أولئك يميلون إلى الخُرافات!؟.

عندما نرى في أوساط علماء الغَرب، العلماء الذين وصلوا القَمر أوّل مرّة و التّكنيك و الصّناعات الباهرة، و التّقدم العجيب في كلّ المجالات، نرى أفراداً من أتباع ال «كارما» و «عودة الأرواح». فهل يُمكننا أن نَحدس أنّ هناك أسرار في هذا الموضوع، و أُموراً إنكشفت لهم و بقيت خافيةً علينا؟.

ماذا تقولون في هذا؟.

الجواب: في الإجابة عن مثل هذا السّؤال يجب القول بكلّ صراحةٍ:

الاتصال بالارواح، ص: 156

أوّلًا: مِمّا لا عجب فيه أنّ الخُرافات في أوساط الغرب، إن لم تكن أوسع مما هى عليه في الشّرق، فليست بأقلّ منه، فأعدادٌ كبيرةٌ من المنجِّمين و القوّالين، بِمُنتهى الخفّة الحديثة و بصيغَةٍ جديدَةٍ. منتشرون في العواصم، «كباريس»، و ليس التّكنيك و الصّناعات المتقدِّمة دليلًا على عدم وجود الخُرافات، و لا تمنع من وُجودها، و حتّى الصّناعة و الفلسفة فإنّهما مستقلّان تماماً عن بعضهما.

ثانياً: إنّ مسألة الإعتقاد

بعودة الأرواح لها طابع إستعماري من جهةٍ، و من جهةٍ أُخرى فإنّ روح الإستعمار إمتزجت بحياة و أفكار العديد من الغربيين، بالحدّ الذي جعلها تنفذ إلى الفلسفة، و الأداب، و البُحوث العلمية و المسائل الإعلاميّة، إنّ سوء الظّن يجعل المَرء يظنّ بأنّ شُيوع الإعتقاد بالتّناسخ و عودة الأرواح، مرتبط أيضاً بالأفكار الإستعماريّة.

و الآن لاحِظوا التّوضيح التّالي:

إنّ الإعتقاد بالكارما و عودة الأرواح يتّصف بصبغةٍ إستعماريّةٍ، لأنّه يُشجِّعِ الشّعوب المحرومة و المستعمرة

الاتصال بالارواح، ص: 157

لتقبّل طريقة الحياة الخاملة هذه، بذريعة أنّها قد تكون كفارةً لِما إقترفته من ذنوب في الحياة السّابقة، و يجعلها تتحمَّلُها.

الإعتقاد بالتّناسخ يوجد حالةً من الإستسلام و الرّضا عند الأفراد، و يدعوهم لقبول الإضطهاد و الحرمان بوصفه طريقةً لِلتكامل و تطهير الرّوح.

لم يكن مُصادفةً أن يعترف بعض المُفكرين، بالدّور المُؤثّر لِلإعتقاد بِعودة الأرواح، في الإستعمار الهندي و التّسلط الطبّقي على الشّعب الهِندي.

في حاشية كتاب: (مشرقُ الأرض: مهدَ الحضارة)، المجلد الثّاني، الصفحة 735، نقرأ هكذا:

(الإعتقاد بالكارما و التّناسخ هو من أكبر الحواجز النّظرية، في طريق تنفيذ مُخطَّط إجتثاث سلطة التّفرقة في الهِند؛ لأنّ الهندوس المتديّنين يعتقدون بأنّ الإختلافات الطبقيّة، هى نتاج سلوك الرّوح خلال الحياة السّابقة، و جزءٌ من الُمخطَّط الإلهي، و تعطيله يُعتبر بِمنزلة هَتكٍ لحُرمة الدّين و المُقدسات!!). «1»

الفلسفة و فلاسِفة الشّرق:

نحن نُخالف الوثنيّة، و نُخالف التّمويه و الهلع.

كلّ من له أقلّ إطلاع على تأريخ الفَلسفة، يعلم أنّه بعد أُفول شمس الفَلسفة في اليونان، و إنتهاء عصر الفَلسفة الأُولى، بَزغَت شمس الفلسفة مرةً أخرى من الشّرق و خاصّةً من البلدان الإسلاميّة.

(الفرد جيوم) مدير كليّة «كلهم» الإنجليزية، مع أنّه يُعد من العلماء المتطرّفين، لأنّه ينظر إلى علوم الشّرق نظرةً سِلبيّةً، قال في نهاية المقالة التي كتبها

حول فلسفة الشّرق، و نشرت مع مقالاتٍ لإثني عشر أستاذاً و مستشرقاً إنجليزياً في كتاب «ميراث الإسلام»:

عندما ندرس كلّ الكتب و الآثار القيِّمة في مكتبات و متاحف أوروبّا، نرى أنّ نفوذ العرب (المسلمين)، «و الذي هو فينا لحد الآن»، في حضارة القرون الوسطى (من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الميلادي)، أكثر بكثير ممّا

الاتصال بالارواح، ص: 159

حدّدوه. (ميراث الإسلام، ص 362).

ما أكبر الفَرق بين هذا الحديث و حديث من قال: (بدلًا من الإهتمام بالفلسفة القديمة، خُذوا بفلسفة الغرب التي هى حيّةٌ و متحرِّكةٌ و نشطةٌ و ليست كفلسفة الشّرق، جامِدةٌ و راكدةٌ و مكرَّرةٌ ...!). (العدد 1500). هذه المقالة التي قالها المتأثِّر بالغرب و الّتي تَمطر و ابِلًا من الحقد و الكراهيَّة، و ليس لها أيّة قيمةٍ إتجِّاه شهادة الّذين فوّضوا هذا الكاتب أن يتكلم عنهم.

أساساً هذا لا يَحتاج إلى البحث و الإستدلال، لأنّ الشّرق كان و ما زال: «مهدَ الفلسفة». و ما زالت الأفكار الفلسفيّة الأصليّة تنبعث من الشّرق.

دراسة الأفكار الفلسفيّة لأفرادٍ أمثال: الفيلسوف الشّهير «ديكارت» الفرنسي، و «برتراندراسل» الإنجليزي المُعاصر، أو «مترلينغ» البلجيكي، و مقارنتها بالآثار الفلسفيّة «لِفلاسفة الشّرق»، يعرِّفنا أكثر بفلسفة الشّرق، و يُطلعنا (في كثيرٍ من البحوث) على سطحيّة الفلسفة الغربيّة.

مثلًا يوضّح (برتراندراسل) السّبب في عدم إعتقاده باللَّه تعالى، قائلًا:

الاتصال بالارواح، ص: 160

(الدّليل الأساسي لِمعرفة اللَّه تعالى هو بُرهان عِلّة العِلل، و لهذا السّبب كنت في شبابي مُؤمناً باللَّه، ولكن بعد ذلك إرتدّدت عن هذه العقيدة، لأِنّي فكرَّت لو كان لِكلِّ شي ءٍ عِلَةٌ، إذن اللَّه يحتاج إلى علةٍ أيضاً)!.

أتذكر كلمات (مترلينغ) (و أفكار العقل الكبير!)، فإنّه أورد هذا الإشكال في بحث معرفة اللَّه أيضاً.

هذا الإشكال هو واحد من أبسط الإشكالات،

التي يعرف الإجابة عنها أيّ تلميذ في درس الفلسفة في الشّرق، في الوقت الذي جرّ هذا الإشكال إلى الإلحاد أفراداً كراسل!.

أىّ تلميذ في درس الفلسفة في الشّرق يعلم، أنّه لو قلنا:

«كلّ موجود يحتاج إلى خالق»، أنّ المُراد من «كلّ موجود» هو: الموجودات التي لا يكون وجودها من داخل ذاتِها و من أنفسها، و من المُسَلَّم به أنّ موجودات كهذه تحتاج إلى خالق، ولكن الموجود الذي يكون وجودُه من ذاتِه، و هو عَين الوجود، و بِمصطلح فلسفة الشّرق: «واجب الوجود»، فإنّه ليس بحاجةٍ إلى خالق.

اللَّه تعالى وجودٌ أزليٌّ و دائمي، بدون بداية و نهاية،

الاتصال بالارواح، ص: 161

موجود كَهذا لا يحتاج إلى عِلّة.

إذا كان «راسل» أو «مترلينغ» لا يقبلون اللَّه تعالى، فهل يقبلون وجود «المادّة الأولى أم لا؟، فنقول: من أين جاءت هذه «المادة الأولى ؟، فإذا كان قانون العليّة قانوناً عامّاً فلِماذا تُستثنى منه المادّة الأولى ، لا بد أنّهم سيقولون أنّ «المادة الأوّلية» أزليّة لا تحتاج إلى خالق و علّة، حسناً فإنّ المؤمنين باللَّه تعالى يقولون هذا القول نفسه بشأن اللَّه تعالى

بإختصار: إنّ مسألةً فلسفيّةً بهذا الوضوح، بقيت غامِضةً على راسل و مترلينغ، و هذا دليل على مدى تأخّر الغرب في الفلسفة، (و خاصّة في مباحث الفلسفة الإلهيّة).

كثيرٌ من الباحثين طالعوا الإستدلالات الثّلاثة، لديكارت الفيلسوف الفرنسي المعروف، (حول إثبات وجود اللَّه)، إنّ ديكارت يعتبر هذه الإستدلالات الثّلاثة، (و ليس هنا محل شرحها)، من أروع أعماله العلميّة مع أنّها لا تُعد برأينا من المواضيع المهمّة، فضلًا عن أنّ بعضها لا يخلو من إشكال.

إنّ جملة ديكارت المعروفة: (أنا أُفكِّر إذن أنا موجود)، و التي تُشكِّل القاعدة الأساسيّة لفلسفته، هى في رأينا سطحيّة،

الاتصال بالارواح، ص: 162

و

لا أساس لها؛ لأنّ الذي يقول «أنا أُفكِّر» فإنّه يقرّ و يعترف بوجوده في هذه الجُملة الأولى، و بعدها لا يحتاج أن يُثبت وجوده بواسطة التّفكير.

أمثال هذه الأمور كثيرٌ في كتابات فلاسفة الغرب.

فإذا كان الأمر كذلك، فهل من الانصاف أن نقول: خُذوا بفلسفة الغرب فإنّها حيٌّة و متحرِّكة، و ليست كفلسفة الشّرق جامدة و راكدة و مكررة ....

بإعتقادنا يجب القول، إنّ طريقة تفكير شخصٍ كَهذا جامدةٌ و راكدةٌ! ...

الفرق بين العِلم و الفلسفة:

هنا نقطة يجب أن تلاحظ بدقةٍ، حتّى يمكن تفادي أيّ سوء فهمٍ في هذا المجال، و ذلك أنّ فلسفة الشّرق تتركّب من بحوثٍ مختلفةٍ يمكن تلخيصها في قسمين:

القِسم الأوّل: البحوث في المسائل العامّة و الإلهيات.

القِسم الثاني: في الطبيعيّات و الفلكيّات.

الاتصال بالارواح، ص: 163

في القسم الأوّل الذي يُشكِّل أساس الفلسفة، بحثٌ عن القوانين العامّةِ للوجود، و تلك الأُسس العامّة تَحكُم كلّ عالَم الوُجود.

و في القسم الثاني بحثٌ عن سلسلة بحوث العلوم الطبيعيّة و الفلكيّة.

و مِمّا لا يَنكر أنّ القسم الثاني قد أصبح عرضةً للتغيرات الكثيرة، و الأفلاك البَطليموسيَّة التّسعة، حلَّ محلّها شكلٌ جديدٌ وضع أساسه كلّ من «كلير» و «غاليلو»، وزالت من البيت العناصر الأربعة: الماء، و الهواء، و التراب و النار، و إتّضح أنّ جميعها «مركَّبةٌ» من الماء، و حلّ محلها أكثر من مائة عنصر، و إنشطرت «الذّرة غير القابلة للإنقسام» على رأي القدماء، و إضمحلّت و تلاشت في ظِلّ التّفاسير العلميّة الجديدة، التي قامت على أساس التّجارب أو المُشاهدات أو التَحليل.

لكنّنا نعلم بأنّ كلّ هذا يرتبط بالقسم الثّاني من فلسفة الشّرق، و في الواقع لا يُعد جزءاً من الفلسفة، و اليوم يسمونها «العلوم» التي تقع مقابل «الفلسفة».

الاتصال بالارواح، ص: 164

«العلوم» تبحث في المواضيع و الأشياء

الخاصّة، بينما تبحث «الفلسفة» في القوانين و الأُسس العامّة، القسم الأوّل من فلسفة الشّرق لا يزال مُحتفظا بقيمته كما كان.

بناءً على هذا، فإنّ من يتّخذ مسألة الأفلاك البطليموسيّة ذريعةً لِسحق «فلسفة الشرق»، فإنّه لم يُدرك المعنى الصّحيح لِلفلسفة، و الفرق بينها و بين «العِلم»، و لا يَعي رسالة فلسفة الشّرق.

لا مانع من النّقد، لكن:

الموضوع الآخر الذي تجب ملاحظته هو، أنّ أيّ عالِم و باحِثُ، لا يقول يجب التّسليم لجميع أفكار هذا الفيلسوف أو ذاك، مهما كان من النبوغ و سُمو المقام، لأنّ التّسليم المُطلق لا مفهوم له في المباحث العلميّة، و لا يتَّفِق أبداً مع روح التحقيق.

العلم و الفلسفة يجب أن يتقدَّما تدريجيّاً، و ليس هنالك من وسيلةٍ لِلتطور و التّكامل غير التّحقيق و المتابعة و النقد.

نحن لا نعتبر إبن سينا مَعصوماً، و لا كُلّ أفكاره صحيحة و

الاتصال بالارواح، ص: 165

مطابقة للواقع، بل ننظر دائماً إلى مَنطِقها و إستدلالاتها، و نستلهم أحياناً من الأفكار السامية، و ما رأيناه صحيحاً بأفكارنا أخذناه و إلّارفضناه.

إنّ عَوامّ الناس قد يقولون: لأنّنا قبلنا كلام ابن سينا المُبرهن في بحث إبطال عَودة الأرواح، و يجب أن نقبل كلّ كلامه، و أسوَأ من كلام العوام، أن يضرب شخص جميع أفكار عالِم كإبن سينا عرض الحائط، لأنّ نظريته في المسألة الفلانيّة قد رُفضت، و يعتبر جميع أرائه الفلسفيّة العميقة عديمة القيمة.

النّقد ليس جائزاً فحسب، بل هو ضرورةٌ لازمةٌ لإحياء المجتمع، أو التّخصص العلمي و الفكري، ولكن أيّ نقدٍ؟؛ إنّه النّقد الصادر ممّن له صلاحيّة النّقد العلميّة، يعني من له رأي و تخصّص، لا النقد الصّادر ممن لا يدرك الألفباء الأولى من ذلك الفن.

عندئذٍ لا يجوز أبداً أن يفسّر النقد بمعنى الإهانة، و التحقير، و الهتك،

و التمويه و أمثال ذلك، فهذه طريقةٌ خاطئةٌ للتفكير.

الاتصال بالارواح، ص: 166

من العجب أنّه في بلد يحتضن مهرجان الألفيّة لأبي علي بن سينا، و يشترك فيه مئات العلماء و الشّخصيات العالميّة، و تُلقى المحاضرات الكثيرة حول شخصيّة «إبن سينا»، و تسمّى بإسمه عشرات المُؤسّسات الكبيرة، و في الغرب يولّونه إحتراماً أكثر من الشّرق، أن يُهاجم إبن سينا بهذا الأُسلوب العَنيف، البعيد عن المنطق و الأدب و مَتوهِّماً أنّها وسيلة لشيوع شهرته، و يطلق عبارات يضحك عليه من سمعها، مثلًا يقول فيه: (إن إبن سينا لم يكن أساساً فيلسوفاً بالمعنى الواقعي للكلمة، و لم تكن له آراء خاصّة منظّمة ... و ما إشتهر بإسم فلسفة إبن سينا ما هو إلّامزيج مطبوخ)!.

(إطلاعات هفتكي- العدد 1498-، مقالة أسرار الحياة و الموت).

حسناً أيّها الكاتب، لو أنّ إبن سينا الذي سمّاه الغربيّون فيلسوف العرب (المسلمين) لم يكن فيلسوفاً، إذن من هو الفيلسوف؟، أنت تصرِّح بأنّك ودَّعت آثاره منذ أربعين سنة، و لا يعلم أساساً أنّك قد قرأت آثاره أم لا، فكيف تريد و بكلِّ جَسارةٍ أن تخطَّ بقلم أحمر على فلسفة إبن سينا؟.

إنّ طريقة تفكيرٍ كهذه لا تنسجم مع أيّ منطقٍ.

الاتصال بالارواح، ص: 167

المنضدة المستديرة في خدمة التّناسخ و عَودة الأرواح

سؤال: يقولون ثبت لنا بواسطة الإتصالات التي أجريناها بالأرواح، إنّ الرّوح تعود مرّةً أخرى إلى حياةٍ جديدةٍ، و هذا أمرٌ محسوسٌ لنا، ماذا تقولون أنتم في مقابل هذا الدليل؟

الجواب: المَثل المَعروف يقول: سألوا الثّعلب من هو شاهدُك؟ قال: ذَيلي!، ليس هناك من يعتبر دَعوى المُدّعي دليلًا يُثبت دعواه.

و الجدير بالإهتمام، إنّ ادّعاءاتهم هذه سند لِبُطلان عقيدتهم؛ لأنّهم ينسجون أقوالًا عن الأرواح مضحكةً حقّاً، و إن لم تصدِّقوا، فلاحِظوا القِصّة الآتية التي كتبها الكاتب المذكور:

السيّد ناصر مكارم:

نحن

لم نُصدِّق عودة الأرواح بالكلام، نحن رأيناها عملًا، إنّك لا تعلم شيئاً من مشاهداتى و مشاهدات الآخرين، نحن رأينا مرّاتٍ عديدةٍ روحاً من عالم الأرواح أخبرتنا بأنّها

الاتصال بالارواح، ص: 168

ستعود عاجلًا. و لم يمض وقت طويلُ، حتّى أخبرتنا بأنّها ستعود إلى الدنيا، في بطن المرأة الفلانيّة!.

و بعد مدّةٍ جاءت في إحدى اللّيالي، و قالت: إنّني أظهر لآخر مرّةٍ. بعدها سوف لن أرتبط بكم، لأنّه بعد يوم أو يومين سأُلْقى على جسم جنينٍ في بطن إمرأة، (تلك المرأة التي أخبرت بها قبل عدّة أشهر). و أيضاً أخبرتنا بكونه و لداً لابِنتاً، و بعدها حدث كما قالت مُسبقاً!.

الأعجب من ذلك هو أنّي رأيت إحدى النّساء، و كانت يائسةً من الحمل بسبب عمليّة جراحيّة كانت قد أجرتها سابقاً، أو بسبب آخر حيث لا أتذكرَّه دقيقاً، ولكنّني أتذكّر جيّداً أنّها ضحكت عندما قُلنا لها، بأنّ روح إبراهيم: (الذي هو أحد أقرباء تلك المرأة)، ستعود قريباً في بطنك، و إعتبرت الأمر مِزاحاً. لكن لم يمض شهر حتّى ظهرت عليها آثار الحمل!! (ما هذا الإفتراء العَجيب)

و أيضاً أتذكّر جيّداً أنّ المرأة و زوجها و أقرباءها و منذ الأشهر الأولى لِلحمل، كانوا على يقين بأنّ المولود سيكون ذكراً و هو نفس إبراهيم، و أنّ والد إبراهيم و هو أحد أقارب المرأة، كان من المعتقدين «بالتّناسخ و عودة الأرواح»، و تعرّف على هذه الأصول في فرنسا في ما مَضى من حياته.

الاتصال بالارواح، ص: 169

و عندما كانت المرأة تُقسم لتؤكِّد موضوعاً ما، فإنّها كانت تُشير إلى بطنها، و تقول: و حقّ إبراهيم!، إلى هذا الحدّ كان أمر كون المولود ذَكراً و أنه هو نفسه إبراهيم قطعيّاً، (أُقسم عليك بروح إبراهيم تلك، قلْ بصدقٍ: أَليست

هذه القصّة مزيّفة؟).

أسموه إبراهيم في حياته الجديدة و قبل أن يولد، و الآن على ما أظُنّ أنّه في الثّانية و العشرين من عمره.

كنت أراه قبل ست أو سبع سنوات، و قبل أن يرحل مع أهله من إيران، و كنت أقول له مازِحاً: «إبراهيم الثّاني».

(اطلاعات هفتكي- العدد 1500).

إنّ هذه القصّة من رأسها حتّى أُخمَص قَدميها، هى وَليدة الأوهام و الخَيالات أو الكَذب و الإفتراء، و هى نموذج لِنوعيّة إستدلال أتباع هذه المدرسة.

الخِتام الذي استخدم في نهاية القصّة، كان تمويهاً و إخفاقاً في إخفاء الدّيك الذي بقى ذنبه ظاهراً، أنه يقول:

(قبل سِت أو سبع سنوات رحل مع عائلة من إيران)، (و أكيد أنه مجهول المكان في فرنسا). يعني لِئلّا تفكروا في أخذ إسمه و عنوانه و تلتقون معه؛ لأنّه رحل من إيران قبل سِت سنوات، رحل و سوف لن يعثر عليه أحد.

شي ء يشبه الفَأل و تسخير الجِن!

بِما أنّ الحديث جَرى مُجدّداً حول مسألة الإتصال بالأرواح، فنحنُ مُضطرّون لأن نطبِّق هذه النقطة، و هى أنّ مسألة الإرتباط بالأرواح أو إحضار الأرواح، ظهرت فِعلًا بشكل دُكّان خطر، و لقد عملوا بِساطاً كالبِساط الذي يستخدمه الفوّالون و مُسخّرو الجِن، لِيضلّوا السُّذّج من الناس به.

حَقّاً إنّ أساس مسألة الإرتباط، من وجهة النظر العلميّة و الفلسفيّة، جديرٌ بالتصديق، ولكن كونوا على ثقة، بأنّ في أوساط آلاف المُدَّعين، لا يُحتمل أنّ أحداً عالِم بِأُصول هذا العلم.

إتّساع متاعب الناس النفسيّة من جهةٍ، و الأراجيف و الدعايات الكاذبة المُزخرفة، لِبعض هؤلاء المُدّعين من جهةٍ أُخرى سبب لإقبال العديد من السذّج عليهم لعلاج أمراضهم النفسيّة، و هؤلاء (المُدَّعون)، إستغلوا هذا الوضع الاتصال بالارواح، ص: 172

إستغلالًا كبيراً.

هُناك شاب كان يُعاني من متاعب نفسيّة طفيفة، و تاهَ أربعة أشهر خلف هؤلاء،

نَقل لي قِصّته التي تبعث على الشّفقة، قِصّة لو سَمعتموها، لتأثَّرتم كثيراً.

في بعض البلدان عندما تنصب هذه اللّعبة: (لِعبة خَيال الظّل)، سرعان ما يُفكِّر العديد من العلماء، لِتشكيل جَلسة و إحضار هؤلاء المُدَّعين، و يتابعون وضع أولئك عن قُربٍ، و بعدها يعلنون رأيهم النِّهائي فيها.

لعرض نموذج من ذلك، لاحظوا هذا التّقرير التّالي:

(فى عام 1875 ميلادي و بناءً على مقترحات (مندليف)، فوَّض مجمع الفيزيائيّين التابع لجامعة «سانت بِطرس بورغ»، لجنةً لِلدراسة حول مسألة إحضار الأرواح، لِتعلن نتائج تحقيقاتها.

شارك في الندوة أحدَ عشر عالماً غير مندليف، و في نهاية الإجتماعات العديدة و المفاوضات الكثيرة، أعلنوا نتائج عملهم، كالآتي:

بعد التّحقيق و الدراسة و المشاهدات الكثيرة وصلنا إلى هذه النتيجة، و هى: أنّ الظّواهر المُتعلِّقة بالأرواح و بِسبب الاتصال بالارواح، ص: 173

الحركات اللّا إراديّة أو الخاطِئة شي ءٌ مُبهم، و لا يعني إحضار الأرواح شيئاً غير الأوهام. و بِهذا فإنّ مِيكانيكيّة أعمال الفِكر المُحرِّكة، ليست باعثةٌ على «إنتقال الفِكرة» فَحسب، بل توجد بعض الظّواهر الروحيّة أيضاً. و خلاصة ذلك أنّه في بداية القرن الحالي، تمكِّن فيزيائي أمريكي يدعى (روبرت وود)، بمساعدة الأشعة البنفسجِيَّة من فضح غِشِّ و خُدعة جَلسات إحضار الأرواح. «1»

طبعاً أُجريت التّحقيقات المذكورة أعلاه بشأن المُدَّعين الكاذبين الكثيرين، وحَبَّذا لو عُمل بهذا الموضوع في مُجتمعنا.

نحن دَعَونا عَلناً عِدَّة مرات هؤلاء المُدَّعين، لِيأتوا ويُظهروا صدق إدّعائهم في وسط الفُضلاء، ولكنّهم أثبتوا عَجزهم عن ذلك بِعدم الإجابة على هذه الدّعوات المُكرَّرة.

قم- ناصر مكارم الشيرازي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.