براهين الحج للفقهاء و الحجج (الحج)

اشارة

سرشناسه : مدنی کاشانی رضا، 1282 - 1371. عنوان و نام پديدآور : براهین الحج للفقهاء و الحجج من مصنفات المدنی کاشانی مشخصات نشر : کاشان مرسل 1382. مشخصات ظاهری : 4 ج. شابک : 964-6446 ؛ (دوره 9648288992 ؛ (ج 1): 9648288305 ؛ (ج 2): 9648288313 ؛ ( ج. 3، چاپ چهارم 9648288976 ؛ (ج 4): 9648288984 يادداشت : عربی يادداشت : ج 4 - 1 (چاپ چهارم 1385). يادداشت : ج. 3 (چاپ چهارم: 1385). موضوع : حج موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه رده بندی کنگره : BP188/8 /م 36ب 4 رده بندی دیویی : 297/357 شماره کتابشناسی ملی : م 82-11744

[مقدمة المؤلف

المجلد الأول براهين الحجّ للفقهاء و الحجج من مصنّفات الفقيه الكبير آية اللّه العظمى الحاج آقا رضا المدني (كاشاني).

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي جعل الحجّ فريضة على من استطاع من النّاس و استغنى عمّن كفر به بوسوسة الخنّاس و الصّلوة و السّلام على النّبيّ الخاتم الذي لا يوصف فضائله بالبيان و لا بالقلم و القرطاس و على آله الّذين أمروا بالعدل و القسطاس و اللّعن الدّائم على من خالفهم من الأرجاس و الأنجاس إلى يوم يحشر فيه جميع الناس.

و بعد فيقول العبد المذنب الفاني الحاجّ رضا المدنيّ القاشاني نجل العالم الجليل و الحبر النّبيل المولى عبد الرّسول ابن محمّد بن زين العابدين بن محمود بن آقا عليّ الشيرازي أصلا و القاشاني نفسا و أبا و جدّا. بعد تنظيم نسخة لمناسك الحجّ مختصرا التمس منّي بعض الأحبّاء أن أكتب رسالة أبسط منها بل أشير إلى

بعض مداركها لينتفع بها بعض الفضلاء و المحقّقين كثّر اللّه أمثالهم و حفظهم من الشرور في كلّ حين و وفقني و إيّاهم لمعرفة الأصول و الفروع من أحكام الدّين فنذكر أحكام الحجّ في ضمن مسائل.

[كتاب الحج

[القول في حجة الإسلام و ما يجب بالنذر و ما في معناه و في أحكام النيابة]

المسألة الأولى لا إشكال في وجوب الحجّ على من استطاع إليه

بالكتاب و السنّة و الضرورة من أهل الدّين قال اللّه تعالى في كتابه الكريم «1» وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و أيضا قال تعالى شأنه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 10

«1» الآيات و قال أيضا وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ «2».

عن معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل له مال و لم يحجّ قطّ قال هو ممن قال اللّه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قال قلت سبحان اللّه أعمى قال أعماه اللّه عن طريق الحق «3» و عن أبي بصير قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا قال ذلك الذي يسوّف نفسه الحجّ يعني حجّة الإسلام حتى يأتيه الموت «4».

و عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذا لمن كان عنده مال و صحّة فإن سوّفه للتجارة فلا يسعه ذلك و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا ترك الحج و هو يجد ما يحج به فان دعاه أحد إلى أن يحمله فاستحيى فلا يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو

على حمار أجدع أبتر و هو قول اللّه تعالى وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ «5».

و الأخبار بهذه المضامين كثيرة من أراد فليطلب من الوسائل و المستدرك و عن أبي عبد اللّه (ع) من مات و لم يحج حجّة الإسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيّا «6» و في وصيّة النبي (ص) لعلي (ع) يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة القتّات «7» و السّاحر و الديّوث و ناكح المرأة حراما في دبرها و ناكح البهيمة و من نكح ذات محرم و السّاعي في الفتنة و بائع السّلاح من أهل الحرب و مانع الزّكوة و من وجد سعة فمات و لم يحجّ يا علي تارك الحجّ و هو مستطيع كافر يقول اللّه تبارك و تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ يا علي من سوّف الحجّ حتّى يموت بعثه اللّه يوم القيمة يهوديّا أو نصرانيا «8» و الاخبار بهذه المضامين أيضا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 11

كثيرة و ذكرها يوجب التّطويل.

المسألة الثّانية انما يجب الحجّ بأصل الشّرع مرّة واحدة لا أزيد

و يدلّ عليه بعد الإجماع و اقتضاء إطلاقات الكتاب و الأخبار الإتيان بصرف الوجود من الحجّ الذي يتحقّق الامتثال بمرّة واحدة بعض الأخبار المعتبرة الدالّة عليه صريحا كما عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (ع) قال ما كلّف اللّه العباد إلا ما يطيقون انّما كلّفهم في اليوم و اللّيلة خمس صلوات الى ان قال و كلّفهم حجّة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك الحديث «1» و عن الرّضا (ع) قال

إنّما أمروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك لأنّ اللّه وضع الفرائض على أدنى القوّة كما قال فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يعني شاة ليسع القويّ و الضعيف و كذلك سائر الفرائض انّما وضعت على ادنى القوم فكان من تلك الفرائض الحجّ المفروض واحدا ثمّ رغّب بعد أهل القوّة بقدر طاقتهم «2» الى غير ذلك من الرّوايات.

إيقاظ قد توهّم بعض أنّه يجب الحجّ على صاحب الغنى و الثروة في كلّ عام و استدلّ بالأخبار الكثيرة المروية في الوسائل و غيره مثل ما ورد عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال اللّه عزّ و جلّ فرض الحجّ على أهل الجدة (أهل الغنى و الثروة) في كلّ عام و ذلك قوله عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ قال قلت فمن لم يحجّ منّا فقد كفر قال لا و لكنّ من قال ليس هذا هكذا فقد كفر «4».

و عن حذيفة بن منصور عن ابي عبد اللّه (ع) قال انّ اللّه عزّ و جلّ فرض الحجّ على أهل الجدة (الغنى و الثّروة) في كلّ عام «5» و قد ورد بهذه المضامين أخبار كثيرة لا جدوى لذكرها و قال صاحب العروة الوثقى أعلى اللّه مقامه و ما نقل من الصّدوق في العلل من وجوبه على أهل الجدة في كلّ عام على فرض ثبوته شاذّ مخالف للإجماع و الاخبار.

أقول قد عرفت عدم وجوب الحجّ بأصل الشّرع إلّا مرّة واحدة فنقول انّ لفظ الجدة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 12

في هذه الاخبار امّا بكسر الجيم و تخفيف الدّال كما في مجمع البحرين و صريح جمع من

الفقهاء فهو مشتقّ من الوجدان فهو مال و ثروة وجدت لا ما بقي من الأزمنة السّابقة فمعنى الرّوايات (انّ اللّه فرض الحجّ على واجد الثروة في كلّ عام) فالظّرف متعلّق بمعنى الجدة لا بفرض و الحاصل انّ المعنى وجدان الثّروة في كل عام يوجب فرض الحجّ عليه و هذا ممّا لا اشكال فيه و هو معنى الآية الشريفة فإنّه بمجرّد الاستطاعة يحصل الفرض في كلّ عام كما لا يخفى و لذا فسّره الامام (ع) به و بعبارة اخرى انّ مستحدث الثّروة في كلّ عام يجب عليه الحجّ لا انّ وجوبه في كلّ عام على صاحب الثّروة و امّا هو بالتشديد من الجدّ ففيه معنى التجدّد أيضا و لا إشكال أنّه يتجدّد الثروة و الاستطاعة في كلّ عام لطائفة من النّاس و يجي ء الوجوب عليهم كما لا يخفى و لكن الأظهر هو المعنى الأوّل و على فرض تعلّق الجار بفرض فالمراد تجديد الفرض في كل عام على طائفة من النّاس و منه يعلم أيضا ضعف الوجوه التي ذكرها الفقهاء في معنى الأخبار المذكورة منها الحمل على الواجب الكفائي أي يجب على كلّ واحد من أهل الغنى و الثروة الحجّ بالوجوب الكفائي فالمراد عدم خلوّ بيت اللّه عن جماعة المسلمين في كل عام و عدم تعطيله كما ورد في الاخبار بهذه المضامين و هو اختيار صاحب الوسائل أيضا.

و ذلك لأنّ الأخبار المذكورة ظاهرة في الوجوب العيني لا الكفائي مع أنّ استشهاد الامام (ع) بقوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ يشهد بالوجوب العيني لا الكفائي مع أنّ الأخبار الدّالة على عدم جواز تعطيل البيت أو خلوّها من الزّائرين ليس المراد ذهاب الطّائفة الّتي حجّوا سابقا بل

المراد عدم تعطيله من جانب الّذين لم يحجّوا هذا مع كثرة الأشخاص الّذين يجب الحجّ عليهم عينا في كلّ عام كما لا يخفى هذا مع انّ عدم تعطيل البيت كما يحصل بالحجّ يحصل بالعمرة فترك الحجّ لا يستلزم التّعطيل كما لا يخفى.

و منها حمل هذه الأخبار المذكورة على الوجوب البدلي بمعنى انّه يجب في العام الأوّل فإن تركه ففي العام الثّاني و ان تركه ففي الثالث و هكذا هو المحكي عن العلّامة في براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 13

المنتهى و الشّيخ في التّهذيب و لكن يردّه عدم شاهد لهذا الحمل مع انّه خلاف لظاهرها و لاستشهاد الامام (ع) بالآية الشّريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فان المراد من الآية ليس الوجوب البدلي بهذا المعنى كما لا يخفى مع انّه ان كان المراد هكذا فالأولى ان يقول الامام (ع) (فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام الى ان يأتي بها).

و منها حملها على الاستحباب بشهادة الأخبار الكثيرة الواردة الدّالّة على الاستحباب في كلّ سنة و هو أيضا مردود بانّ ظاهر الاخبار فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام هو الوجوب لا الاستحباب و حمل لفظ الفرض على المعنى الثّابت الذي يعمّ الوجوب و الاستحباب بلا شاهد و دليل مع انّ تفسير الآية به من الامام (ع) يأباه.

فالحقّ في تفسير الأخبار المذكورة ما بيّنّاه أوّلا و لا نحتاج الى هذه التّفاسير العليلة و الوجوه الضعيفة أصلا.

المسألة الثّالثة لا إشكال في وجوب الحجّ في أوّل عام الاستطاعة

لظاهر الآيات و الأخبار كما لا إشكال في عدم جواز تركه الى زمان الموت سواء اتّفق موته بعد العام الأوّل أو الثّاني أو الثّالث و هكذا يدلّ عليه أيضا أخبار متواترة جدّا منها ما هو مذكور في

باب وجوب الحجّ مع الاستطاعة فورا و تحريم تركه و تسويفه فإنّها تدلّ على مذمّة تسويفه الى ان يموت و انّه ممّن قال اللّه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى و قوله تعالى وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا و في كثير منها انه ترك شريعة من شرائع الإسلام و في بعضها و هو قول اللّه تعالى وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ الى غير ذلك من الاخبار المتواترة.

و امّا في حصول المعصية إذا تركه في العام الأوّل مع امتثاله في العام الثّاني أو الثّالث بدون الاستخفاف به فلا يخلو عن اشكال نعم لا إشكال في حكم العقل بوجوبه فورا ففورا مع احتمال الموت مع التّرك في هذا العام لدفع الضّرر المحتمل خصوصا هذا الضّرر العظيم فإنّه لا إشكال في استحقاقه العقوبة بتركه في العام الأوّل عمدا ان مات فيه.

و لعلّ فتوى الفقهاء كثّر اللّه أمثالهم على فوريّة الوجوب هو الوجوب العقلي لا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 14

الشّرعي فلا يكون إجماعهم أيضا و ان كان محصّلا حجّة على الوجوب الفوري شرعا بل و كذا الأخبار الدّالة على عدم جواز التّسويف و أنّه لا يسعه ذلك لعلّ المراد بها الإرشاد إلى حكم العقل بعدم الوسع له في التسويف و كيف كان فلا دليل على استحقاق العقوبة بمجرّد التّعويق الى عام مؤخّر عن عام الاستطاعة إذا علم أو اطمئنّ بإدراكه الحجّ في العام الثّاني أو الثّالث مثلا.

فاستحقاق العقوبة بترك الحج في العام الأوّل مثلا موقوف على صدق الاستخفاف بأمر الحجّ و حصول موته بعد مضىّ زمان الحجّ أو صدق التجرّي بتركه ان قلنا باستحقاق العقوبة به و

غير ذلك من العناوين الموجبة للاستحقاق.

تذكرة يمكن الاستدلال على الفور بوجوه الأوّل الإجماع كما نقله جماعة من الفقهاء و فيه انّه على فرض تحقّقه لا دليل على حجيّته إلّا إذا كان موجبا للعلم بالحكم الشّرعي أو دليل معتبر عليه و هو ممنوع مضافا الى احتمال إرادتهم عدم جواز تركه و تسويفه عقلا لا شرعا كما بيّنّاه.

الثاني بعض الأخبار الدّالة على وجوب الحجّ على من عرضت عليه نفقة الحجّ فاستحيى و لم يفعل ففي بعضها هو ممّن يستطيع الحجّ و في بعضها لا يسعه الّا ان يخرج و لو على حمار أجدع أبتر و يأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالى في محلّها و فيه انّه لا دلالة فيها على الفور بل حصول الاستطاعة فيه كحصولها في سائر الموارد نعم يمكن ان يقال انّ الغالب في الباذلين انصرافهم عن البذل في الأزمنة المتأخرة فحينئذ يجب على المبذول الإتيان بالحجّ فورا للاطمئنان بعدم استطاعته بعد هذا العام و لكن نقول ليس هذا مختصّا بالاستطاعة البذليّة ففي الاستطاعة الماليّة يجب عليه أيضا فورا إذا احتمل ذهاب الاستطاعة في الأزمنة المتأخّرة.

الثّالث الاخبار الدّالة على عدم جواز التّسويف بالحجّ مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال هذا لمن كان عنده مال و صحّة و ان كان سوّفه للتّجارة فلا يسعه ذلك و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذ ترك الحجّ و هو يجد ما

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 15

يحجّ به «1» و أمثاله من الاخبار الكثيرة و فيه أوّلا عدم السّعة في التأخير بالتّسويف لعلّه

لما أشرنا إليه من حكم العقل بلزوم الإتيان به فورا ففورا لاحتمال تجدّد عذر أو مانع عنه بالتأخير كالموت أو ذهاب الثّروة أو منع السّلطان الجائر و نحوه من الموانع و الآفات الأرضيّة و السّماويّة (و في التّأخير آفات) و لذا قال (ع) و ان مات فقد ترك شريعة إلخ) فعدم السّعة في التّأخير ليس لفوريّة الوجوب بل لاستلزامه غالبا لتركه الى زمان الموت بل صرّح بذلك في بعض الاخبار كرواية أبي بصير المروية في الوسائل قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا قال ذلك الذي يسوّف نفسه الحج يعني حجّة الإسلام حتّى يأتيه الموت «2» و في رواية محمد بن الفضيل كما في الوسائل أيضا فقال نزلت فيمن سوّف الحجّ حجّة الإسلام و عنده ما يحجّ به فقال العام أحجّ العام أحجّ حتى يموت قبل ان يحجّ «3».

و الحاصل انّ الحرمة و استحقاق العقوبة يتحقق بترك الحجّ من المستطيع الى آخر العمر عمدا و امّا تحقّقه بتركه في العام الأوّل بمجرّده لا دليل عليه.

الرابع انّ في تركه استخفاف بالحجّ و هو حرام كما يدلّ عليه ما ورد في الباب 46 من أبواب جهاد النّفس من كتاب الجهاد من الوسائل قال في عيون الأخبار بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرّضا (ع) في كتابه إلى المأمون قال الايمان هو أداء الامانة و اجتناب جميع الكبائر الى ان قال و الاستخفاف بالحجّ و المحاربة لأولياء اللّه و الاشتغال بالملاهي و الإصرار على الذّنوب.

و فيه انه لا ريب في حرمة الاستخفاف بكلّ واجب من الواجبات المضيّقة أو الموسّعة فمن

ترك الصّلوة في أوّل وقتها فحرام أيضا ان كان استخفافا و هذا لا يدلّ على وجوبها فورا في أوّل الوقت بدون الاستخفاف مع أن الحرمة دائرة مدار صدق عنوان الاستخفاف فمن اتى بالحج أول عام الاستطاعة و بالواجبات الأخرى في أوّل وقتها مع صدق الاستخفاف و التّهاون فيتحقّق العصيان كما لا يخفى.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 16

و قد ذكر بعض المحقّقين من المعاصرين وجوها أخر للاستدلال بالفور كلّها ضعيفة لا جدوى للتعرّض لها أصلا و سيأتي الإشارة بهذا المرام في المسئلة (127) أيضا ثم يمكن ان يستدلّ على وجوب الفور بصحيحة سعيد بن ابي خلف و سعيد بن عبد اللّه الأعرج كما سيأتي شرحهما في المسألة 149 من هذا الكتاب في الدّليل الخامس للقول ببطلان الحجّ عن الميّت إذا كان على نفسه حجّة الإسلام و لكن لا يخلو عن اشكال كما سيأتي.

المسئلة الرابعة بناء على الفور لا إشكال في تحقّق المعصية مع التأخير بلا عذر

و هل هي من المعاصي الكبيرة أم لا وجهان فذهب جماعة من العلماء إلى الأوّل بل ادّعوا إجماعهم عليه و فيه انّك قد عرفت عدم حجيّة الإجماع إلا إذا أفاد العلم بالحكم الواقعي أو حجّة قاطعة بينهم خفيت علينا و هو ممنوع في فوريّة الوجوب فرضا على كونه من الكبائر و ما قيل في وجهه انّ كلّ معصية كبيرة بالنّسبة الى بعض و صغيرة بالنسبة الى بعض آخر و عليه فالمعاصي كلّها كبيرة.

ففيه أنّ الكبيرة بهذا المعنى ممّا لا اشكال و لا خلاف فيه فالإشكال انّما هو في كونه من المعاصي الكبيرة المعروفة الّتي عيّنها النّصوص و بيّنها.

فنقول لا دليل على انّه من الكبائر إلّا إذا كان التّرك كاشفا عن عدم الاعتقاد به فإنّه كفر و هو من الكبائر أو صدق عليه

الاستخفاف كما مرّ في رواية الفضل بن شاذان أنفا و كذا ورد في رواية الأعمش عن جعفر بن محمد (ع) قال و الكبائر محرّمة و هي الشّرك باللّه و قتل النّفس الى ان قال و الاستخفاف بالحجّ و المحاربة لأولياء اللّه «1» بل نقول هذه الرّواية المذكورة و أمثاله تدلّ على عدم كون التّرك من الكبائر لأنّها صرّحت بأنّ الاستخفاف به من الكبائر لا صرف التّرك بل هي ظاهرة في ان التّرك بمجرده ليس كبيرة كما لا يخفى.

نعم يمكن ان يقال ان تركه الى آخر العمر كبيرة مع تصريح القرآن بكفره و من كفر فان اللّه غنيّ عن العالمين كما فسر في كثير من الاخبار الكفر بالتّرك و لكن في بعض براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 17

الاخبار ما ينافي ذلك مثل ما ورد في ذيل خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال قلت فمن لم يحجّ منّا فقد كفر قال لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.

المسئلة الخامسة لو توقّف ادراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات

من السّفر و تهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحج في تلك السنة و هذا ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء كثّر اللّه أمثالهم و لكن قد يقال كيف يمكن القول بوجوب المقدّمات قبل وجوب ذيها فان نفس الواجب هي أعمال الحج و العمرة في زمان معيّن يأتي بعدا فيلزم منه وجود المعلول قبل العلّة إذ وجوب المقدّمة لا يأتي الا من قبل وجوب ذيها أقول قد زلّ الأقدام في الجواب في هذا المقام و مع ذلك يمكن الاستدلال بوجوه بعضها لا يخلو من ضعف.

الأوّل انّ وجوب الحج بالنسبة إلى زمانه واجب تعليقي و قد حقّق في محلّه انّ

الواجب التعليقي وجوبه يأتي من حين الأمر به و لو قبل الزّمان المأتي فيه الواجب فبمجرّد تحقّق الاستطاعة يجب الحجّ فاذا كان واجبا يجب الشروع بمقدّماته أيضا و لا يلزم تقدّم وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها و لا تقدّم المعلول على العلّة و محصّل الكلام من بعض المحققين ان نسبة الفعل الى الزمان و المكان متساوية و لا ريب في إمكان كون الفعل المطلوب مقيّدا بوقوعه في مكان خاصّ كالصّلاة في المسجد و كذا في إمكان كون وجوبه مشروطا بكون المكلّف في المكان الخاص و على الثاني لا بدّ ان يكون على وجه الاشتراط كان يقول إذا دخلت في المسجد فصلّ و هذان الوجهان بعينهما جاريان في الزّمان أيضا فيمكن ان يلاحظ الآمر الفعل المقيّد بوقوعه في زمان خاص فيطلب على هذا الوجه من المكلّف و لا بدّ ان يكون التعبير عن ذلك المعنى على وجه الإطلاق كان يقول صلّ صلاة واقعة في وقت كذا و يمكن ان يلاحظ الفعل المطلق لكن وجوبه المتعلّق به و طلبه يكون مشروطا بمجي ء وقت كذا فالوجوب على الأول فعلي و لا بأس باتّصاف مقدّمات الفعل على هذا الوجه بالوجوب إذ لا خلف حينئذ لأنّ ذا المقدّمة أيضا متّصف بالوجوب بخلاف الوجوب على الوجه الثاني فإن الفعلية منتفية في الواجب المشروط فيمتنع اتّصاف مقدّماته بالوجوب الفعلي ففي الموارد التي حكموا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 18

فيها بوجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها فيمكن ان يكون وقت إيقاعها قبل زمان إيجاده لأنّ زمان اتّصاف الفعل المقيّد بالوجوب ليس متأخّرا عن زمان اتّصاف المقدمة به بل يقارنه و ان كان زمان وقوع الفعل متأخّرا عن زمان وقوع المقدمة.

و حاصل كلام هذا المحقّق

انّ الزّمان تارة قيد للواجب و تارة قيد للوجوب فعلى الأول واجب معلّق و هو قسم من الواجب المطلق و على الثاني فهو واجب مشروط أقول انّ القيود الواردة في الأوامر على قسمين الأوّل ان يكون تحت طلب المولى بان يكون غرضه إيجادها في الخارج ان لم تكن موجودة مثل ان يقول صلّ في المسجد و على هذا فان كان المسجد موجودا يجب الصّلاة فيه و ان لم يكن موجودا فعليه بناء المسجد و الصلاة فيه و لا ريب في انّ هذا يأتي في القيود التي هي تحت قدرة المكلّف الثّاني ان لا يكون تحت طلبه سواء كان القيد متعلّقا بالطلب كقوله يجب الصّلاة في المسجد ان كان موجودا أو كان قيدا لمتعلّق الطّلب فإنّه يرجع أيضا الى تقييد الطّلب مثل قوله الصّلاة الواقعة في المسجد الذي كان موجودا واجبة فإنّ التقييد و ان كان راجعا الى متعلّق الطلب أعني الصّلاة و لكنّه في الواقع راجع الى نفس الطّلب فلا يجب الصلاة إلّا إذا كان المسجد موجودا في الخارج.

ثمّ لا يخفى انّ القيود التي ليست تحت قدرة المكلّف من هذا القبيل مثل قولك إذا زالت الشّمس وجبت عليك صلاة الظّهر أو قولك الصلاة وقت زوال الشّمس واجبة بلا فرق بينهما فان الوجوب فيهما لا يتحقّق قبل زوال الشّمس كما أنّه لا فرق بين قولك ان كانت الشمس طالعة فالنّهار موجود و قولك النهار عند طلوع الشّمس موجود و لا يمكن ان يكون من قبيل القسم الأوّل فلا يمكن ان يقول صلّ عند زوال الشمس و كان قصده إيجاد زوال الشّمس ثم الصّلاة فيه لعدم قدرته عليه و لا ريب في انّ القسم الثّاني بكلا قسميه

من قبيل الواجب المشروط لأنّ الطلب فيها مشروط بوجود القيد.

و الحاصل انّ ما يسمّى عندهم بالواجب المعلّق فهو في الواقع هو الواجب المشروط بلا فرق بينهما أصلا و ان شئت ادراك تحقيقات أزيد من ذلك فراجع بحث الواجب براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 19

المعلّق من كتاب درر الفوائد للعلّامة الأستاذ الأعظم مولانا الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري أعلى اللّه مقامه الشّريف حتّى ينكشف لك حقيقة الحال ان قلت فالواجبات المركّبة التدريجيّة مثل الصّوم لا تكون مطلقة بل مشروطة لان كلّ جزء منها ينطبق على جزء من الزمان قلت كونها بنظر العرف من قبيل الواجب المطلق لا يضرّنا بعد مساعدة الدليل على كون الأجزاء الآتية من قبيل الواجب المشروط هذا مع انّ كل واجب مشروط يصير مطلقا بعد تحقّق شرطه فباتيان كلّ جزء من الزّمان يصير الجزء المقارن له مطلقا كما لا يخفى.

الوجه الثّاني حكم العقل بوجوب مقدّمات الواجب المشروط مطلقا و لو قبل حصول الشرط بل يتعيّن تحصيلها قبلا ان علم عدم القدرة عليها بعده مثلا إذا قال المولى ان جائك زيد يوم الجمعة يجب عليك ذبح بقرة للضّيافة و أنت تعلم أنّ البقرة لا يوجد في يوم الجمعة و لكن يوجد قبله فالعقل حاكم بوجوب تحصيل البقرة قبلا للذبح يوم الجمعة.

ان قلت فلم لا يجب الوضوء قبل الظهر للصّلاة فيه.

قلت لعلّ هذا الوجوب عقلي لا شرعي لا يصحّ الوضوء امتثالا لهذا الأمر و لكن يمكن ان يقال يجب بحكم العقل ان يتوضأ بقصد الاستحباب قبلا إذا علم بعدم قدرته عليه بعد الظّهر و ثانيا لعله للاكتفاء بالبدل اعني التيمّم إذا عجز عنه كما لا يخفى.

ان قلت إذا كان وجوبه بحكم العقل فلا عقوبة

في تركه قلت العقوبة انّما هي على ترك ذي المقدمة بواسطة ترك هذه المقدّمة فإنّه كان قادرا على الإتيان بالواجب بوسيلة المقدّمة قبل حصول الشرط.

الوجه الثّالث تحقّق الإجماع المحصّل على وجوب مقدمات الحجّ بعد الاستطاعة و هو حجّة بعد حصول العلم القطعي بالمطابقة لقول السّابقين من العلماء حتّى الذين أدركوا زمن الأئمة الأطهار (ع) و مصاحبتهم و الأخذ منهم و حينئذ لا يمكن الخدشة فيه بعدم العلم بمطابقته مع قول الإمام أو حجّة معتبرة لم يصل إلينا كما لا يخفى.

الوجه الرّابع و هو ممّا يخطر بالبال في حلّ الإشكال هو انّ الواجب في باب الحج هو

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 20

القصد و السّعي من مكانه الى بيت اللّه و الشروع باعمال الحجّ الى تمامه كما قال اللّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلخ و قال أيضا وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و لا ريب انّ الحج بكسر الحاء بمعنى القصد و السّعي كما في مجمع البحرين و سائر كتب اللّغة و على هذا فالواجب مجموع قصد بيت اللّه و السّعي إليه إلى آخر الأعمال بعد حصول الاستطاعة و لذا لا إشكال في وجوب المقدّمات شرعا أو عقلا قبل زمان الحج من حين الشروع في السّعي بل القصد كما لا يخفى و لا يلزم تقدّم وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها و لا تقدّم المعلول على العلّة و عليه فلا يلزم الإشكال على وجوب المقدّمات بل لا نحتاج إلى الأجوبة السّابقة ظاهرا كما لا يخفى.

المسئلة السّادسة إذا صار مستطيعا و تعدّد الرفقة

يجب الخروج مع الطّائفة الأولى من الحجّاج و استقرّ عليه الحج لانّه صار مستطيعا فان تركه خرج مع الطّائفة الثّانية و هكذا و مع الترك في هذه السّنة

يجب عليه في السّنة اللّاحقة و هل يعصي مع التأخير قد عرفت بعض الكلام في الفور لكن يمكن ان يقال انّ التأخير عن هذه السّنة يوجب العصيان ان تحقّق موته في السنّة الآتية و لكن تحقق العصيان بتركه مع الطائفة الأولى فلا دليل عليه كما انّ موته قبل زمان الحج كاشف عن عدم وجوب الحج عليه كما لا يخفى نعم يجب بحكم العقل عدم التأخير عن الخروج مع الطائفة الأولى لاحتمال عدم التّوفيق أو حصول الموانع بعده في هذه السّنة و موته بعد زمان الحج و ذلك لدفع الضّرر المحتمل لاستحقاقه العقاب في هذه الصورة نعم مع الاطمئنان بالحياة و التمكّن من الخروج مع الطّوائف الأخيرة فالظاهر عدم الاستحقاق في هذه الصورة كما لا يخفى.

شرائط وجوب حجّة الإسلام أمور

أحدها العقل

المسألة السّابعة لا إشكال في عدم وجوب الحج على المجنون

للإجماع من تمام العلماء عليه مضافا الى الأخبار الواردة عموما على اشتراط العقل في كلّ التكاليف كما في الوسائل عن ابي جعفر (ع) قال لمّا خلق اللّه العقل استنطقه ثم قال له اقبل فأقبل براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 21

ثمّ قال له أدبر فأدبر ثم قال و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ الي منك و لا أكملتك إلّا فيمن أحبّ أما إنّي إيّاك آمر و إيّاك أنهى و إيّاك أعاقب و إياك أثيب «1» و أيضا عن ابي جعفر (ع) في حديث اوحى اللّه الى موسى (ع) انا أؤاخذ عبادي على قدر ما أعطيتهم من العقل «2» و فيه أيضا أخبار كثيرة تدلّ على اشتراط العقل فلا اشكال فيه نعم ان كان الجنون أدواريا فوفى أوقات إفاقته للحج فيجب عليه الامتثال كما هو أوضح من ان يخفى.

الثّاني البلوغ

المسألة الثامنة لا يجب الحجّ على الصّبي

الذي لم يبلغ و ان حجّ لم يجز عن حجّة الإسلام فلا بدّ من البحث في مقامات الأوّل انّ الظّاهر انّ البلوغ المعتبر في تعلّق التّكاليف الإلزامية على الإنسان و الحدود التّامة عليه هو بلوغ حدّ النكاح و صلاحيته له واقعا و يعرف بتحقّق الجماع و الإنزال منه في اليقظة و بالاحتلام في النوم كما قال اللّه تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا «3» الآية فعلى هذا يتحقق البلوغ بكلّ واحد من الأمرين امّا النكاح في اليقظة و امّا بالاحتلام في النّوم و أمّا اعتبار البلوغ في كثير من الأخبار بالاحتلام و عدم التعرّض للنكاح فلعلّ السّر فيه انّ الأطفال لا يتزوجون في أوّل عام البلوغ فلا

يعرف به البلوغ غالبا بخلاف الاحتلام كما ورد في تفسير البرهان ذيل الآية الشريفة وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ*

«4» في صحيحة عبد اللّه بن سنان امّا اليتم فانقطاع يتمه إذا بلغ أشده و هو الاحتلام «5» و يدلّ على ما ذكرنا، في تفسير عليّ بن إبراهيم ذيل الآية الأولى قال من كان في يده مال لبعض اليتامى فلا يجوز ان يعطيه حتّى يبلغ النّكاح و يحتلم فاذا احتلم وجب عليه الحدود و اقامة الفرائض و لا يكون مضيّعا و لا شارب خمر و لا زانيا فإذا أنس منه الرّشد دفع اليه المال و اشهد عليه و ان براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 22

كانوا لا يعلمون انّه قد بلغ فإنّه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته فاذا كان ذلك فقد بلغ فيدفع اليه ماله إذا كان رشيدا و لا يجوز ان يحبس عنه ماله و يعتلّ عليه بأنّه لم يكبر بعد فيظهر من الآية الشّريفة و التّفسير المذكور انّ دفع أمواله إليه مشروط بشرطين البلوغ و الرّشد الذي فسّر في الأخبار بحفظه المال.

ثم لا يخفى على المتأمّل في الآيات و الأخبار انّه يعرف البلوغ لشخص البالغ بان يجد نفسه طالبة للنكاح و اشتياقه اليه و بالاحتلام و لغيره ممّن حوله بالعلم باحتلامه أو نكاحه أو بريح إبطه أو نبت عانته أو كثرة شعر وجهه كما انّه يعرف بلوغ النّساء بتسع سنين أو بالحيض.

و هل يعرف البلوغ في الرجال ببلوغهم ثلاث عشرة سنين أو لا بدّ من بلوغهم الى خمس عشرة سنين و يمكن الاستدلال للأوّل بالأخبار الكثيرة الدّالة عليه مثل ما رواه الحسن ابن بنت الياس عن عبد

اللّه ابن سنان عن ابي عبد اللّه (ع) قال إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم و كتب عليه السيئات و كتب له الحسنات و جاز له كلّ شي ء إلّا ان يكون ضعيفا أو سفيها «1».

تبصرة ليس في رجال هذه الرواية ضعف و أمّا الحسن فهو الحسن ابن عليّ ابن زياد الوشّاء ابن بنت الياس فقيل انّه واقفي فرجع.

أقول ففيه أوّلا انّه على صحّة هذا النقل يدلّ على وثاقته لأنّه لم يثبت أوّلا عنده الحقّ فتأمّل حتّى وضع له الطريق بالبينة و البرهان فسلك طريق الحقّ مع البصيرة بخلاف من سلك الطّريق بدون التحقيق بل بالتقليد.

و ثانيا من قال بوقفه قال برجوعه و قوله للإمام الثّامن (ع) أشهد أنّك إمام مفترض الطّاعة و ثالثا لا إشكال في وثاقته و جلالة قدره و انّه كان من وجوه الشيعة و أدرك تسعمائة شيخ كلّهم يقول حدّثني جعفر ابن محمد (ع) و رابعا يدلّ على وثاقته و جلالة قدره استجازة مثل أحمد بن محمّد بن عيسى عنه و انّه قال في كتاب الرّجال من براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 23

الوسائل انه من أصحاب الرّضا (ع) و كان من وجوه هذه الطّائفة و ما رواه حسن بن سماعة عن آدم بيّاع اللّؤلؤ عن عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه (ع) قال إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتب عليه السّيئة و عوقب و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك و ذلك انها تحيض لتسع سنين «1».

تبصرة حسن بن سماعة و ان كان واقفيّا و قيل لم يرد فيه

مدح أو ذمّ و لكن قال في الوسائل عقيب هذه الرواية و رواه الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة و حميد ابن زياد كما في رجال ابي على ثقة كثيرة التّصانيف روى الأصول أكثرها و له كتب كثيرة قال و في المعالم عالم جليل واسع العلم كثير التصانيف إلخ.

و أمّا حسن بن محمّد بن سماعة و ان كان واقفيّا و لكنه ثقة كما نقله في كتاب الرجال لأبي على و سائر كتب الرّجال و أمّا آدم فهو أبو الحسين آدم ابن المتوكّل بيّاع اللؤلؤ كوفيّ ثقة له أصل قاله النجاشي كما هو مذكور في كتاب الرجال من صاحب الوسائل.

و ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابي محمّد المدائني عن عائذ بن حبيب بيّاع الهروي «2» عن عيسى بن زيد رفعه الى ابي عبد اللّه (ع) قال يثغر الغلام لسبع سنين و يؤمر بالصلاة لتسع سنين و يفرّق بينهم في المضاجع لعشر و يحتلم لأربع عشرة سنة و منتهى طوله لاثنين و عشرين و منتهى عقله لثمان و عشرين سنة الّا التجارب «3» على حمله على الدّخول في أربع عشرة سنة.

تبصرة رواية الكافي (عيسى بن زيد) و كذا في التهذيب و لكن في الوسائل حديث (10) باب 44 من أحكام الوصايا (زيد بن عيسى) و لعلّ الأوّل أولى أمّا أوّلا فلعدم اثر عن زيد بن عيسى في كتب الرّجال و ثانيا لا ريب في انّ ما في الكافي من الروايات أضبط و أتقن من غيره و لكن يضعف هذه الرّواية عدم توثيق بعض رواته مثل عيسى بن زيد و المدائني و هو

عليّ بن محمّد المدائني و عائذ بن حبيب الّا ان يقال مثل محمّد بن يعقوب روايته عنه كافية في تقويتها فتأمّل جيّدا.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 24

و ما رواه العيّاشي عن عبد اللّه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) متى يدفع الى الغلام ماله قال إذا بلغ و أونس منه الرّشد قال قلت فان منهم من يبلغ خمس عشرة سنة و ستّ عشرة سنة قال إذا بلغ ثلاث عشرة سنة جاز امره «1» و لكن يعارض الأخبار المذكورة أخبار أخر دالّة علي اعتبار البلوغ الى خمس عشرة سنة مثل موثقة حمران أو حمزة بن حمران قال سئلت أبا جعفر (ع) قلت متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التّامة و يقام عليه و يؤخذ بها قال إذا خرج عنه اليتم (اي كونه يتيما و بلا أب) و أدرك قلت فلذلك حد يعرف به فقال إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر (في وجهه) أو أنبت (في عانته) أقيمت عليه الحدود التّامة و أخذ بها و أخذت له قلت فالجارية متى تجب عليها الحدود التّامة و تؤخذ بها و يؤخذ لها قال (ع) انّ الجارية ليست مثل الغلام انّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشّراء و البيع و أقيمت عليها الحدود التامّة و أخذ لها و بها قال و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «2».

تبصرة هذه الموثّقة و ان كان في طريقها عبد العزيز

العبدي و قيل انّه ضعيف الّا ان رواية الحسن بن محبوب عنه توجب تقويتها و ذلك لأنّ العصابة اجتمعت على تصحيح ما يصح عنه كما في مستند النّراقي باب البيع و قال في الحدائق في المقام الثّاني في اشتراط البلوغ في البيع ما هذا عبارته (و الطّعن بضعف السند غير موجّه عندنا مع رواية الخبر المذكور أيضا في كتاب المشيخة المشار إليه الذي هو أحد الأصول المعتمدة) مضافا الى ان الوسائل رواها عن محمد بن يعقوب الكليني و الكافي من الكتب المعتبرة عند فقهاء الشيعة.

و مثل حسن يزيد الكناسي أو صحيحه عن ابي جعفر (ع) قال الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوجت و أقيم عليها الحدود التامّة و لها قال قلت الغلام إذا زوّجه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 25

أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ يقام عليه الحدود و هو على تلك الحال قال فقال امّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرّجال فلا و لكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة فلا تبطل حدود اللّه في خلقه و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «1» و مثل ما ورد عن بريد الكناسي قلت لأبي جعفر (ع) ا فيقام عليها الحدود و يؤخذ بها و هي في تلك الحال و انّما لها تسع سنين و لم تدرك مدرك النّساء في الحيض قال نعم إذا دخلت على زوجها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و أقيمت الحدود التامّة عليها و لها قلت فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية فقال يا أبا خالد انّ الغلام إذا

زوّجه أبوه و لم يدرك كان الخيار له إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك.

الى ان قال قلت فإن زوّجه أبوه و دخل بها و هو غير مدرك أ يقام عليه الحدود و هو في تلك الحال قال امّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا و لكن يجلد في الحدود كلها على قدر مبلغ سنّه فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة الحديث «2».

و مثل صحيح ابن وهب سألت أبا عبد اللّه (ع) في كم يؤخذ الصّبي بالصّيام قال ما بينه و بين خمس عشرة سنة و اربع عشرة سنة فان صام قبل ذلك فدعه «3».

و مثل صحيحة الآخر سألت أبا عبد اللّه (ع) في كم يؤخذ بالصّلوة فقال في ما بين سبع سنين و ستّ سنين قلت و كم يؤخذ بالصّيام قال فيما بين خمس عشرة و اربع عشرة و ان صام قبل ذلك فدعه «4» فان هذين الصّحيحين يدلّان على انّ البلوغ ليس خمس عشرة و الّا فاللازم التصريح بكفاية أربع عشرة مثلا و على هذا فالتضيق الوارد في الأخبار قبل خمس عشرة من باب التمرين لا الوجوب الشّرعي و قد يجمع بين الأخبار بحمل ما دلّ على اعتبار خمس عشرة على خصوص الحدود التّامّة و التكاليف الإلزاميّة و ما دلّ على اعتبار ثلث عشرة على الأحكام الوضعيّة و المستحبّات و فيه ان بعض الأخبار

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 26

المذكورة يأبى عن هذا الحمل فان قول الإمام (ع) في موثقة حمران المذكورة (و الغلام لا يجوز أمره في الشّراء و البيع لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة

سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك) ظاهر في نفي الصّحة في شرائه و بيعه و خروجه من اليتم لا الصّحة و عدم إلزامه بمقتضاه كما لا يخفى على المتأمّل.

إذا عرفت ذلك كله، فالتّحقيق ان يقال انّه مع عدم تحقّق شي ء من علائم البلوغ فالظّاهر لزوم اعتبار خمس عشرة سنة و عدم كفاية أقلّ منه امّا أوّلا فلانّ الأخبار الدالّة عليه أصحّ سندا.

و ثانيا هي أظهر دلالة و إمكان حمل غيرها على بعض المحامل مثل رواية الحسن ابن بنت الياس المرقومة على انّ المراد من قوله (ع) (إذا بلغ أشدّه) بلوغه حدّ النكاح و ان لم يحتلم و حمل رواية آدم بيّاع اللؤلؤ على انّ المراد من قوله (ع) (كتب عليه السيّئة و عوقب) ليس العقاب الأخروي مثل العصاة و الكفّار و ان كان موجبا لانحطاط الدّرجة بل التعزير في الدّنيا.

و أما رواية عيسى بن زيد فقوله (ع) (و يحتلم لأربع عشرة سنة) فلعلّه بحسب الغالب و لا ريب في الحكم إذا احتلم قبله.

و اما رواية العيّاشي فلا ريب في انّه إذا بلغ و أونس منه الرّشد يجوز امره و لو في الثلث عشرة و هكذا كلّ واحد من الأخبار الظّاهرة في الثلث عشرة يمكن حملها على وجه غير مخالف لها.

و ثالثا هي موافقة للكتاب اعني قوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ و قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ*

كما مرّ شرحهما في أوّل المسئلة و ذلك لأنّ المفروض عدم بلوغه النّكاح و لا الاحتلام بل و لا سائر العلائم.

و رابعا هذه الأخبار الدالّة على خمس عشرة أشهر بين

الأصحاب لعملهم على طبقها و المراد من قولهم خذ بما اشتهر بين أصحابك ليس المراد مجرّد نقل الخبر بدون عملهم به و على هذا فالخبر المشهور بين الأصحاب الّذين عملوا بها في المقام هو هذه الأخبار

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 27

لا غيرها.

و خامسا على فرض التّعارض و التكافؤ و عدم التّرجيح لأحدهما فلا ريب في انّ الأصل عدم بلوغه واقعا فلا تكليف عليه.

و سادسا الأخذ بالأخبار الظاهرة في الثّلث عشرة مستلزم لطرح الأخبار الدّالة على خمس عشرة بخلاف العكس فانّا إذا أخذنا بالثّانية يمكن حمل الأولى على استحباب العمل بما وجب على البالغين و لكن هذا انّما يصحّ في الأحكام التكليفية لا الوضعيّة فإنه مع الأخذ بالثانية يعني ما يدلّ على اعتبار خمس عشرة لا يمكن حمل الأولى على الاستحباب بل اللازم طرحها أيضا.

ان قلت بعض الأخبار المذكورة يدلّ على انّه في الثلاث عشرة كتبت عليه السيّئات.

قلت لعلّ المراد منه انحطاط الدّرجة لا العقوبة كعقوبة البالغين كما انّ في الدنيا موجب للتّعزير و يأتي بعض الكلام في البلوغ في المسئلة 158 إن شاء اللّه تعالى.

المقام الثّاني في انّ البلوغ شرط في وجوب الحجّ و يدلّ عليه عموما بعض الأخبار المذكورة في الباب الرّابع من أوّل الوسائل و أيضا يدلّ عليه رواية طلحة بن زيد المرويّة في الباب المذكور عن أبي عبد اللّه (ع) قال انّ أولاد المسلمين موسومون عند اللّه شافع و مشفّع فاذا بلغوا اثنتي عشر سنة كتبت لهم الحسنات فاذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السّيئات و غير ذلك من الأخبار و خصوصا مثل ما ورد في كتاب حجّ الوسائل عن إسحاق بن عمّار قال سألت أبا الحسن (ع) عن ابن عشر سنين

يحج قال عليه حجّة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت و فيه أيضا عن شهاب عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال سئلته عن ابن عشر سنين يحجّ قال عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت «1».

المقام الثّالث في عدم كفاية حجّ الصبيّ عن حجّة الإسلام و يدلّ عليه بعد الإجماع قول أبي عبد اللّه (ع) كما في الوسائل قال لو انّ غلاما حجّ عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام «2» و غير ذلك من الأخبار.

المسئلة التّاسعة يستحبّ للصبيّ المميّز ان يحج

و ان لم يكن مجزيا عن حجّة الإسلام و يمكن الاستدلال عليه بوجوه أوّلها الإجماع و استشكل بعض الفقهاء بان مدركه لعلّه هو الاستظهار من بعض الأخبار فليس بحجّة على حدة و انّما يكون حجّة إذا كان كاشفا قطعيّا عن قول الإمام أو حجّة معتبرة لم تصل إلينا و فيه انّه لم يصل إلينا حجّة دالّة على استحباب الحجّ على المميّز كتابا و سنّة ان وصل إلينا ما يدلّ على استحبابه على الصّبي كما سنشير إليها فلا نقص في كونه كاشفا قطعيّا كما لا يخفى.

ان قلت لعلّ مدركهم بعض الأخبار الدّالة على انّه يكتب للصبيّ الحسنات ببلوغهم اثنتي عشرة سنة كما يأتي في الدّليل الثالث هنا.

قلت ان كان كذلك لوقع الإجماع على اعتبار البلوغ اثنتي عشرة سنة لا على اعتبار التمييز كما لا يخفى.

ثانيها بعض الأخبار الدّالة على استحباب حجّ الصبي فإنّ القدر المتيقّن منه هو المميّز مثل ما ورد في الوسائل عن ابان بن الحكم قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول الصّبي إذا حج به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر «1» أقول المراد بحجّة

الإسلام هنا ما عليه قبل البلوغ من الحجّ المستحب لا المفروض بقرينة سائر الأخبار و قوله حتى يكبر فإنّه يدل على انّ عليه حجّة بعد الكبر.

ثالثها بعض الأخبار الدالّة على انّه يكتب للصبيّ الحسنات إذا بلغ اثنى عشر سنة مثل رواية طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه (ع) فاذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات إلخ كما مرّ في المقام الثّاني من المسئلة السّابقة فإنّ البلوغ الى تلك ملازم غالبا مع كونه مميّزا.

رابعها بعض الأخبار في المراهق كما في الوسائل عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الغلام متى يجب عليه الصوم و الصّلاة قال إذا راهق الحلم و عرف الصّلاة و الصوم «2» بدعوى انّ المراد من الوجوب هو اللزوم لا الوجوب براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 29

الشرعي و المراهق هو المميّز الذي يعرف الصّلاة و الصوم و شركة الحج مع الصوم و الصّلاة في الوجوب فتأمّل جيّدا.

و أمّا الاستدلال بإطلاق حكم الحج على البالغ و غيره و شموله لهما و لكن الإلزام مرفوع عن غير البالغ من جهة الامتنان فلا إشكال في محبوبيّة حج الصبي كمحبوبيّة حجّ البالغ الّا انّه رفع الإلزام عن الصّبي فضعيف جدا لأنّ الأخبار الدّالة على نفي التّكليف عن غير البالغ دالّة على عدم كونه مكلّفا من الأول لا انّه كان مكلّفا ثم رفع إلزامه امتنانا كقوله (ص) في بعضها على الصبيّ إذا احتلم الصّيام و على المرأة إذا حاضت الصّيام و قوله عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت و نحوها سائر الأخبار تدل على عدم كونه مكلّفا من الأوّل فهي حاكمة على أدلّة التكليف لكونها

ناظرة إليها و دلالتها على عدم وقوع التكليف على غير البالغ كما لا يخفى.

و ثانيا ان كان أصل التّكليف في غير البالغ باقيا و كان الإلزام به مرفوعا عنه امتنانا لكان الامتثال عن الصّبيّ مجزيا و كان حجّه كافيا عن حجّة الإسلام اعني الفريضة مع انّ الأخبار تدلّ على عدم كفايته عن الفريضة و لو حجّ عشر حجج كما مرّ في المقام الثّالث من المسئلة الثّامنة و نحوها.

و الحاصل انّه لا يكفي الإطلاقات الأوّلية بل يستدلّ على استحباب حجّ الصبيّ بغيرها من الأدلّة و كذا الاستدلال بالأخبار الدالّة على استحباب إحجاج الصبيّ الغير المميّز بالأولوية القطعيّة فإنّ ضعفه ظاهر بداهة انّ الاستحباب لم يعلم شموله للصبي الغير المميّز بل لعلّه مستحبّ على الولي احجاجه تمرينا و لا بأس بتعلّق الاستحباب عليهما إذا كان مميّزا.

كالاستدلال بالأخبار الذي تدلّ على انّ الصبيّ ان حجّ لم يجز عن حجة الإسلام لأنّها أيضا لا يدل على الاستحباب للصبيّ كما هو أوضح من ان يخفى.

المسئلة العاشرة هل يتوقّف حجّ الصّبي المميّز على اذن الولي أم لا

فنقول هنا أمور الأوّل إذا كان حجّه مستلزما لخوف خطر عليه أو مشقّة لا تتحمّل أو مفسدة فلا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 30

إشكال في جواز المنع من الولي بل وجوبه.

الثّاني إذا كان حجّه مستلزما لصرف أموال من البيع أو الشراء و نحوه فهو أيضا ممنوع لعدم جواز تصرّفاته بدون اذن الولي ان قلت اذنه من الشارع في الحجّ و استحبابه عليه يستلزم جواز تصرّفه في ذلك بدون الولي قلت ليس في أدلّة جواز حجّ الصّبي إطلاق أو عموم يشمل جواز التصرّفات الماليّة كما لا يخفى على المتأمّل فيها و على فرض القبول هي معارضة مع الأدلّة الدالّة على كونه محجورا عن التصرّفات في الأموال

و نحوه و بينهما عامّ و خاصّ من وجه فلا يكون حجّة في المورد.

الثالث إذا كان حجه غير مستلزم لما ذكر فهل يتوقّف نفس الحجّ بدون طرو عنوان آخر عليه على اذن الوليّ أم لا فالظّاهر عدم التوقّف.

و ما قيل من انّ الحجّ عبادة توقيفيّة مخالفة للأصل فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ففيه انّ العمومات الدّالة على شرعية في حقه كافية في صحّته شرعا و عدم توقفه على اذن الوليّ و مع الشكّ في اعتبار الإذن يجري أصالة البراءة عن القيد كسائر الموارد الّتي يشكّ في اعتبار شي ء فيها كما لا يخفى.

الرّابع ان منعه الوليّ عن الحج أو أوذي به هل يصحّ حجّه أم لا فالظاهر عدم صحّته كما يأتي في البالغ.

المسئلة الحادية عشر لا إشكال في وجوب حجّة الإسلام على البالغ و ان لم يأذن الولي

بل امره بتركه كسائر الواجبات إجماعا امّا حجّة المستحبّ فلا يعتبر اذن الوليّ بلا خلاف أيضا نعم يجب اطاعة الوالدين كما أمر بها في الأخبار مثل ما في الكافي باب البرّ بالوالدين عن محمّد بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول انّ رجلا اتى النبي (ص) فقال يا رسول اللّه أوصني فقال لا تشرك باللّه شيئا و ان حرّقت بالنّار و عذّبت الّا و قلبك مطمئن بالإيمان و والديك فأطعهما و برّهما حيّين كانا أو ميّتين و ان أمراك ان تخرج من أهلك و مالك فافعل فان ذلك من الإيمان.

ففي الحجّ المستحب يجب إطاعتهما فعلا و تركا كما يدلّ عليه عموم قوله (فأطعهما) و قوله (فافعل) فإنّهما يشملان ترك الحجّ و سائر العبادات المستحبّة و غيرها من الأفعال براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 31

كما لا يخفى بل النّصوص دالّة على وجوب ترك الواجبات الكفائيّة كالجهاد مع نهي الوالدين بل كراهتهما

كما في الكافي الباب المذكور عن جابر عن أبي عبد اللّه (ع) قال اتى رجل رسول اللّه (ص) فقال يا رسول اللّه (ص) انّي راغب في الجهاد نشيط قال فقال النبي (ص) فجاهد في سبيل اللّه فإنّك ان تقتل تكون حيّا عند اللّه ترزق و ان تمت فقد وقع أجرك على اللّه و ان رجعت رجعت من الذّنوب كما ولدت قال يا رسول اللّه انّ لي و الدين كبيرين يزعمان أنّهما يأنسان بي و يكرهان خروجي فقال رسول اللّه (ص) فقرّ مع والديك فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما و ليلة خير من جهاد سنة.

و أيضا في الباب المذكور عن جابر قال اتى رسول اللّه (ص) رجل فقال انّي رجل شابّ نشيط و أحبّ الجهاد ولي والدة تكره ذلك فقال له النبي (ص) ارجع فكن مع والدتك فو الذي بعثني بالحقّ لأنسها بك ليلة خير من جهاد في سبيل اللّه سنة لكن لا يخفى أن اطاعة الوالدين في ترك الواجبات الكفائية انّما هي إذا كان من به الكفاية موجدا و الّا ففيه اشكال بل منع بل لا يجوز ترك الإحسان و زجرهما بل إظهار الانزجار عندهما كما يدل عليه قوله تعالى وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً «1» و بالجملة لا يجوز الحجّ مستحبا مع نهي الأبوين أو كونه أذيّة لهما أو لأحدهما كما لا يخفى.

المسئلة الثّانية عشر الظاهر استحباب إحجاج الصبي

و لو كان غير مميّز من الولي فيستقل الصّبي في كلّ عمل من اعمال الحجّ و العمرة ان كان قادرا على الإتيان به و بإعانة

الولي فيما لم يقدر عليه باستقلاله و بإتيان الولي كلّ عمل لم يقدر الصّبي و لو بإعانته و يدل على هذه الجملة جملة من الأخبار كما ورد عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال قلت له انّ معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به فقال مر امّه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بقبيلها فأتتها فسألتها كيف تصنع به فقالت براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 32

إذا كان يوم التّروية فأحرموا عنه و جرّدوه و غسّلوه كما يجرّد المحرم وقفوا به المواقف فاذا كان يوم النّحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثمّ تزوروا به البيت و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و بين الصّفا و المروة «1» و عن معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه (ع) قال انظروا من كان معكم من الصّبيان فقدّموه إلى الجحفة أو الى بطن مرّ «2» و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه قال الصّدوق و كان على ابن الحسين (ع) يضع السّكين في يد الصبيّ ثم يقبض على يديه الرّجل فيذبح «3».

و أيضا عن زرارة عن أحدهما (ع) قال إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير فإنّه يأمره ان يلبي و يفرض الحجّ فان لم يحسن ان يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال يذبح عن الصّغار و يصوم الكبار و يتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى أبيه «4» و عن محمّد بن الفضيل قال سألت أبا جعفر الثّاني (ع) عن الصّبي

متى يحرم به قال إذا اثغر «5».

المسئلة الثّالثة عشر هل يستحبّ إحجاج الصّبي مطلقا

كما هو ظاهر أكثر الأخبار أم يجب تقييده بالاثغار كما مرّ آنفا في الرّواية عن الصّبي متى يحرم به قال (ع) إذا اثغر (اي سقط سنّه و هو في سبع سنين كما هو المعروف و أيضا قال أمير المؤمنين (ع) يثغر الصّبي لسبع و يؤمر للصّلاة لتسع و يفرّق بينهم في المضاجع لعشر إلخ) «6» ففيه خلاف فقال بعضهم بعدم استحباب الإحجاج قبل الاثغار و الذي يقتضيه التأمّل في الأخبار انّ لفظ الإحرام في بعضها يتعدّى بالباء و بعضها بعن مثلا في بعضها قال يحرم عنه فالمراد إحرام الولي عنه و في بعضها يحرم به فالمراد تلقين الصّبي أن يحرم بنفسه بتلقين الولي لا انّه حد للإحرام مطلقا و لو أحرم الولي عنه كما في بعض الرّوايات.

و الحاصل انّ بعد الإثغار يقدر الصبي على الإحرام بنفسه و لو بتلقين الوليّ و قبله لا يتمكن غالبا فيحرم الولي أي ينوي الإحرام نيابة عن الصّبي و يدلّ عليه إطلاق براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 33

سائر الأخبار فإنّها غير محدود بشي ء و يؤيّده صحيح عبد الرّحمن بن الحجّاج المذكور في المسئلة السّابقة (انّ معنا صبيّا مولودا) الظاهر في حديث السّن و لم يبلغ السّبع بل الأقلّ منه و قول حميدة فيها (فأحرموا عنه و جرّدوه إلخ) و لم تقل (أحرموا به).

و الحاصل انّ إحجاج الصبي مستحب مطلقا فان تمكّن من نيّة الإحرام نوى بنفسه و الّا نوى الوليّ و لكنّه يجرّد الصّبي و يغسّله لا ان يجرّد نفسه و يغتسل بنفسه و كذا يطوف به و يسعى به و يقف به في المواقف و يأمره بالرّمي إلّا مع عدم تمكّن

الصّبي فيرمى عنه و يأمره بصلاة الطّواف و ان لم يتمكن يصلّى عنه و يأمره بالذبح أو النّحر فان لم يتمكّن و لو بإعانته يتولّى الولي عنه و يحلق رأس الصّبي و هكذا في تمام اعمال الحج و العمرة.

المسئلة الرّابعة عشر اختلف العلماء في انّ المراد من الوليّ هل هو الولي الشرعي

كالأب و الجدّ و الوصي أو حاكم الشّرع أو القيّم المنصوب منه أو وكيل أحد المذكورين أو مطلق من يتولّى أمور الصّبي و يتكفّله ذهب المشهور إلى الأوّل و قال في العروة الوثقى لكن لا يبعد كون المراد الأعمّ أقول يمكن ان يكون المراد من لفظ الولي في هذه الأخبار هو الولي الشرعي و لكن في بعضها ليس لفظ الولي بل في بعضها (من كان معكم من الصبيان) و في بعضها (معنا صبيّا مولودا) و أمثالها فهي مطلقة يشمل غير الولي أيضا و تقييدها بالولي لا وجه له خصوصا مع تصريح بعضها في كفالة الأم مثل ما عن عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه (ع) قال سمعته يقول مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله برويثة (اسم موضع بين الحرمين) و هو حاجّ فقامت إليه أمرية و معها صبيّ لها فقالت يا رسول اللّه أ يحجّ عن مثل هذا قال نعم و لك اجره «1».

تبصرة إذا كان متكفّلة غير الولي الشرعي هل يعتبر الاستيذان من الولي الشرعي أم لا كوجوب الاستيذان من ولي الميّت لتجهيزه فالظاهر حرمة مزاحمة الولي الشرعي و تقديمه على غيره في تكفّله لأمور حجّ الصّبي مع حضوره و الّا فان لم يكن معه وليّ و تكفّله غيره فلا يجب الاستيذان و كذا نقول في الاستيذان من الولي في تجهيز الميّت براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 34

فإنّا نقول بعدم

جواز مزاحمة الولي في التّجهيز و تقديمه على غيره و مع عدم اقدامه يجب على سائر الناس القيام بتجهيزه كما لا يخفى على المتأمّل المدقّق و النّحرير المحقّق.

المسئلة الخامسة عشر هل يلحق بالصّبي الصّبية أم لا

ففيه اشكال لعدم التّصريح بالصّبية في الأخبار و اشتراك الإناث مع الذّكور في الأحكام.

فنقول انّ أكثر الأخبار و ان كان بلفظ الصّبي و لكن لا يفهم منه التقييد بالذّكور و يمكن إرادة الأعمّ للتّغليب و في كثير من الموارد يذكر لفظ المذكّر و يراد منه الأعمّ مثلا يقال زيد و عمرو و هند و زينب قالوا كذا و لا يقال قلن مثلا و كذا يقال الصّبيان في الجمع لا الصّبايا إذا كانوا متفرّقين من الذكور و الإناث أيضا ان قيل إذا شكّ رجل في الثّلاث و الأربع فالعرف يلغون خصوصيّة الرجليّة و يحكمون بأنّ المرأة أيضا حكمها كك و إذا قيل إذا تنجّست يدك فاغسلها لا يعلم منه الاختصاص باليد بل يحكم العرف بكونه أعمّ من سائر الأعضاء أيضا و هكذا فالعرف لا يفهمون التّقييد بالذكور نعم ان كان الحكم على عنوان الذّكور يفهم منه الخصوصيّة و لا يشمل الإناث فإنّه لا يستعمل الّا مقابلا للإناث و دليله انّه إذا كان جماعة من الذكور و الإناث لا يطلق على المجموع الذكور بخلاف لفظ الصّبيان كما لا يخفى فلا فرق بين الخطاب المتوجّه الى الذكر أو الى وليّ الذّكر لا يشمل الإناث و لا وليّ الإناث فما قال بعض الأساطين كما في تقريراته من الفرق و شمول الأوّل للإناث بخلاف الثاني ممّا لا وجه له أصلا كما هو أوضح من ان يخفى.

و يؤيد ما ذكرناه في تقريرات هذا الفاضل المعاصر من مرسلة دعائم الإسلام عن عليّ (ع) انّه

قال في الصّبي الذي يحجّ به و لم يبلغ قال لا يجزي ذلك عن حجّة الإسلام و عليه الحجّ إذا بلغ و كذا المرأة إذا حجّ بها و هي طفلة- فإنّها صريحة في حكم الصّبية.

ان قلت مقابلة المرأة و الطّفلة فيها للصّبي تدلّ على عدم إرادة الإناث من الصّبي في سائر الأخبار.

قلت تدلّ على عدم الإرادة في هذه الرّواية لا في سائر الأخبار التي ذكر فيها لفظ

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 35

الصّبي فقط فان لفظ الصّبي لا يراد منه الإناث إذا قابله لفظ الصّبيّة و نحوها لا إذا كان وحده بلا مقابلة شي ء كما لا يخفى و يدلّ على المطلوب أيضا ما نقله هذا الفاضل المعاصر كما في تقريراته موثّق يعقوب حيث سئل المعصوم (ع) انّ معي صبية صغارا و انا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون قال ائت بهم العرج فليحرموا منها «1».

و العجب من هذا الفاضل المعاصر الذي هو يعدّ من الأساطين قال كما في تقريراته وجه الاستدلال إطلاق السؤال و الجواب بناء على قراءة (يحرمون) مجهولا كي يكون واردا في الإحجاج و الّا فليس مربوطا بما نحن فيه أقول لا فرق بين قراءته مجهولا أو معلوما لأنّا قلنا آنفا انّ الصّبي يحرم به إذا اثغر و يحرم عنه إذا لم يثغر و في كليهما يصدق الإحجاج و لا يضرّ بالاستدلال كما لا يخفى و هذه الرّواية مذكورة في حجّ الوسائل في باب كيفيّة حج الصبيان و الحجّ بهم من أبواب أقسام الحجّ.

المسئلة السّادسة عشر قد عرفت الإشكال في جواز تصرّفات الصّبي

حتى المميّز في الأموال حتّى في نفقة الحجّ بدون اذن الولي في المسئلة العاشرة فنقول هل للوليّ الإنفاق على الصّبي للحجّ من مال الصّبي أم لا قد يقال انّ

مصارف الحجّ زائدا على مقدار نفقته في الحضر على الوليّ و مع احتياج امره الى المسافرة فبمقدار اللازم من مؤنة المسافرة من مال الصّبي و الزائد على الوليّ الّا أنّ النفقة الزائدة انّما هي على الوليّ إذا كان باذنه و الّا فعلى من أخرجه إلى الحج.

و أمّا ان حجّ بنفسه فعلى نفسه كما لا يخفى و ذلك لانّ النّفقة الزائدة انّما هي ضرر على الصّبي و لا يجوز الضّرر المالي عليه و لا التصرّف في أمواله إلّا إذا كان مصلحة لصبي أو بغير مفسدة عليه و صرف أمواله في الحج زائدا لا يخلو عن ضرر و مفسدة مالي للصّبي مع انّه في الوسائل عن عليّ بن جعفر عن أبي إبراهيم (ع) قال سألته عن الرّجل يأكل من مال ولده قال لا الّا ان يضطرّ إليه فيأكل منه بالمعروف «2» و كذا سائر الأدلّة التي تدلّ على المنع من صرف أموال الصّبي و الحكم بالجواز مع الاضطرار لأنّ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 36

الأب حينئذ واجب النفقة للولد فيصرف بمقدار الضّرورة.

و لكن يمكن ان يقال انّ نفقة الحجّ ليس من الضّرر و الإسراف و المفسدة على الصّبي لأنّ حجّ الصّبي إذا كان بنفقته و من ماله فالثواب يترتّب عليه و عائد إليه سواء كان نيّة الإحرام من الصّبي أو الوليّ و سواء أتى بأفعال الحجّ بنفسه أو بإعانة الولي و هذا لا ينافي ان يكون الولي أيضا مثابا و مستحبّا له كما صرّح في بعض الأخبار كقوله (ع) (و لك اجره) لامرأة معها صبيّ في الحجّ كما مرّ في المسئلة الرابعة عشر و ان شئت قلت انّ أدلّة الضّرر و الإسراف و المفسدة منصرفة عن

حجّ الصّبي من ماله. و الأخبار الواردة في حجّ الصّبي أو احجاجه تشمل الصّورة الّتي كان الإنفاق من ماله و ليس فيها ما يكون مقيّدا لها بان يكون من مال الولي.

و يؤيّد ما ذكرناه ان لم يكن دليلا عليه بعض الأخبار الواردة في جواز حجّ الأب من مال ولده مثل ما في الوسائل عن سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) أ يحجّ الرّجل من مال ابنه و هو صغير قال نعم قلت يحجّ حجّة الإسلام و ينفق منه قال نعم بالمعروف ثمّ قال نعم يحجّ منه و ينفق منه انّ مال الولد للوالد و ليس للولد ان يأخذ من مال والده إلّا باذنه «1» و ذلك لانّ الحجّ لنفسه من مال الولد إذا كان جائزا فاحجاج الولد من ماله اولى و يمكن ان يقال السّر في ذلك انّ الحجّ مما يكون الاهتمام به كثيرا فيجوز حتّى من مال الصّغير لنفسه أو للصغير كالعتق يجوز للأب ان يعتق مملوك ابنه لكثرة الاهتمام به في الشرع المقدّس و يدلّ عليه رواية الحسين بن علوان عن زيد بن علي عن آبائه عن عليّ (ع) فقال يا رسول اللّه (ص) انّ ابي عمد الى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرّة بي فقال رسول اللّه (ص) أنت و مالك من هبة اللّه تعالى لأبيك إلخ «2» و قد يقال انّه لا مال للولد في مقابل الأب بل هو و ماله لأبيه يتصرّف فيه كيف شاء سواء كان في الحجّ أو غيره مضطرّا كان الأب أم لا و استدلّ بالأخبار الكثيرة الواردة عن النّبي (ص) و غيره (أنت و مالك لأبيك) و لكنّه ضعيف و سيأتي منّا تحقيق الكلام

و تنقيح براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 37

المرام في هذا المقام بعون اللّه الملك العلّام في المسئلة (112) فانتظر.

المسئلة السّابعة عشر هل يجب الهدي على الوليّ أو على الصّبي

فقال في العروة تبعا للجواهر الهدي على الولي قال في الجواهر و امّا الهدي الذي يترتب عليه بسبب الحجّ فكأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السّبب في حجّه و قد صرّح به في صحيح زرارة بل صرّح به أيضا بأنّه ان قتل صيدا فعلى أبيه.

و فيه أوّلا انّي لا أجد من العلماء من صرّح بأنّ الهدي على الولي إلّا قليلا منهم و ثانيا مع فرض الإجماع أيضا لا حجيّة فيه إذا كان مدركهم الاخبار.

و ثالثا رواية زرارة (هي ما رواه في الجواهر و كذا في الوسائل باب كيفيّة حجّ الصّبيان من أبواب أقسام الحجّ) عن أحدهما قال إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير فإنّه يأمره ان يلبي و يفرض الحجّ فان لم يحسن ان يلبي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال يذبح عن الصّغار و يصوم الكبار و يتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثّياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى أبيه و لا يخفى على المتأمّل انّ هذه الرواية ليست ظاهرة في وجوب الهدي على الوليّ فرضا عن صراحتها بل الأمر بالعكس فإنّها ظاهرة في انّ الصّغار و الكبار من الحجّاج ليس لهم ما يذبحون فقال (ع) يذبح عن الصغار غيرهم و لكن الكبار فعليهم الصّوم و ذلك لعدم تمكّن الصغار عن الصّوم بخلاف الكبار فيجب على الكبار الصّيام و على الصّغار ليس شي ء لعدم تمكّنهم من الهدي و لا من بدله فيذبح عنه غيره وجوبا أو ندبا.

و الحاصل

انّ الصّغير إذا لم يكن له ما يذبحه فعلى غيره الذبح عنه بخلاف الكبير فعليه الصّيام بدلا عنه.

هذا مع انّه ان كان المراد من ضمير لهم في قوله (ليس لهم ما يذبحون) خصوص الكبار من الأولياء و غيرهم دون الصّغار فلا يستقيم الجواب بأنّه (يذبح عن الصّغار) لان المفروض انّ الأولياء ليس لهم ما يذبحون فيلزم التكليف بأمر غير مقدور عليهم.

و رابعا يمكن ان يكون قوله (ان قتل صيدا فعلى أبيه) أيضا في صورة عدم تمكن الصّبي و عدم تموّله بمقدار الكفّارة فهي على أبيه حينئذ و هذا لان مفروض الرّواية هو

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 38

عدم استطاعة الحجاج من الصغار و الكبار عن الذبح فلا إشكال في وجوب الكفّارة على أبيه حينئذ فهو أيضا ليس بصريح في وجوب الكفّارة على أبيه مطلقا سواء كان الصّغير متمولا أم لا كما لا يخفى.

و خامسا روى في الباب المذكور من الوسائل عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) قال انظروا من كان معكم من الصّبيان فقدموه إلى الجحفة أو الى بطن مرّ و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه و الظاهر ان ضمير (منهم) في قوله من لا يجد الهدي منهم يرجع الى الصّبيان لا إلى أوليائهم و الّا لقال (منكم) بدل منهم لانّ الخطاب كان متوجها إليهم بخلاف الصّبيان فالضّمير الغائب انّما هو راجع الى الصغار بل هو صريح في ان الهدي على الصّبيّ و ان لم يجد الهدي فالصوم على وليّه و لعلّه لعدم تمكّن الولي أيضا عن الهدي أو تخييره بينهما أيضا في الوسائل باب انّ المولى

إذا حج بالصّبي لزمه الذبح من أبواب الذّبح من كتاب الحجّ عن معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه (ع) في حديث الإحرام بالصّبيان قال و من لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليّه و الظّاهر انّ معناه و من لم يجد من الصّبيان هديا.

و الحاصل انّ الهدي على الصّبي أولا و مع عدم وجدانه فعلى الوليّ الهدي أو الصّيام هذا مع إمكان ان يكون الهدي أو بدله ندبا على الوليّ لخلو بعض الأخبار عنه أصلا مع انه في مقام البيان مثل قول حميدة في رواية عبد الرّحمن بن الحجّاج المذكور قريبا (فاذا كان يوم النّحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثم تزوروا به البيت و مري الجارية ان تطوف به البيت و بين الصّفا و المروة) ان قلت لكن رواية إسحاق بن عمّار المرويّة في الوسائل باب كيفيّة حجّ الصّبيان من أبواب أقسام الحجّ ظاهرها تعلّق الهدي على الولي لا الصّبي و فيه سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكّة بعمرة و خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام قال لهم يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم قلت هذا لا يعارض ما قدّمنا من الأدلّة و ذلك لأنّ الغالب في الصّبيان انّهم لا يقدرون على الهدي فالذّبح على الوليّ مستحبا أو وجوبا كما قدّمناه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 39

فالتمسّك به كما في المستمسك ضعيف كما لا يخفى و في كلامه هنا مواضع للنظر لا يخفى على المتأمّل بعد الإحاطة بما حققناه هنا.

المسئلة الثّامنة عشر كفّارة الصّيد هل هي على الوليّ أو الصّبي وجهان

فالمشهور قالوا بأنّه على الولي و هو مختار العروة و المستمسك و تقريرات العلّامة الشاهرودي لذيل رواية زرارة المذكورة في المسئلة السّابعة (و

ان قتل صيدا فعلى أبيه) و قد عرفت ضعفه في الجواب الرابع منّا بأنّ الرواية موردها انما يكون مع عدم تمكّن الصّبي من الهدي و الكفّارة فلا تدلّ على ثبوت الهدي و الكفارة على الولي مطلقا بل يمكن ان يكون على الصّبي أولا ثمّ مع عدم التمكن فهو على الولي بل هو كذلك لعدم تمكّن الصبيان غالبا على الهدي و الكفارة و عدم تموّلهم فإنهم غالبا في نفقة الأولياء كما لا يخفى و الحاصل انّ كفارة الصّيد أيضا كسائر الكفارات التي يأتي حكمها في المسئلة الآتية.

المسئلة التّاسعة عشر سائر الكفّارات هل يتعلق على الصّبي أو الوليّ أو لا يتعلق على أحدهما

وجوه فقد يقال بتعلّقه على الصّبي و استدلّوا على ذلك بانّ أدلّة التّكليف بالكفارات شاملة للصبي أيضا لأن موضوعها المحرم مطلقا و فيه انّ التكاليف مطلقا مختصّة بالبالغ اما غير البالغ ليس مكلّفا أصلا لا بالكفارات و لا بغيرها من التكاليف أصلا كما مرّ شرحه في المسئلة الثّامنة نعم يستحبّ عليه بعض الأعمال كما لا يخفى.

و اما تضمينه في باب الضّمانات فلدليل خاص كأنّه لعدم تفويت حقوق النّاس من غير فرق بين البالغ و غيره بخلاف الكفّارات فإنها ليست لتفويت حقّ من حقوق النّاس حكم الشارع بحفظها و جبرانها كما لا يخفى بل هي من قبيل الأحكام التكليفيّة بل الجزائيّة الّتي هي مختصّة بالبالغين.

و الحاصل انّ الخروج عن عمومات أدلة نفي التّكليف عن غير البالغ محتاج الى دليل خاص ليس في المقام.

و ثانيا ورد في الوسائل في باب استحباب تجريد الصّبيان و هو الثامن عشر من أبواب المواقيت للحجّ عن موسى بن جعفر (ع) و سئلته عن الصّبيان هل عليهم إحرام و هل يتقون ما يتّقي الرّجال قال يحرمون و ينهون عن الشي ء يصنعونه ممّا لا يصلح للمحرم براهين

الحج للفقهاء و الحجج، ص: 40

ان يصنعه و ليس عليهم فيه شي ء و الظّاهر ان لفظ (يحرمون) في الرواية بالصّيغة المعلومة لا المجهولة و الّا لقيل (يحرم بهم) فما استظهره بعض المعاصرين من انّه بالبناء للمفعول لا وجه له فهي صريحة في الصّبي الذي أحرم بنفسه لا بالولي فإذا أحرم به الولي فليس عليه شي ء بالأولوية القطعيّة.

و ثالثا ورد في باب حكم المعتوه و المجنون و الصّبيّ من أبواب العاقلة من كتاب الدّيات من الوسائل عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) قال ان عمد الصّبي خطائه واحد فيدلّ على عدم الكفّارة على الصّبي لعدم ثبوت الكفّارات على البالغ أيضا في صورة الخطاء و لكن أجيب عنه بأنّه مخصوص بباب الدّيات.

و فيه انّه لا دليل على الاختصاص و مجرّد ذكرهم في هذا الباب لا يفيد هذا مع انّه مؤيّد لأخبار نفي التّكليف عن غير البالغ كما ذكرنا فليس على الصّبي تكليف الّا ما خرج بالدّليل كالضّمانات في إتلاف مال الغير مثلا.

و استدلّ بعضهم على المطلوب بانصراف أدلّة التّكليف بالكفّارات عن الصّبي و لكنّه ممنوع جدّا كما لا يخفى و استدلّ بعضهم على عدم كون الصّبي مكلّفا بالكفارات بأنّ إحرامه صورة إحرام و ليس حقيقة محرما حتّى يتعلّق عليه الكفّارات و فيه أيضا منع ظاهر فان ظاهر الرّوايات انّه يحرم حقيقة.

و قد يقال بان الكفارات تتعلّق بالوليّ.

و استدلّ أيضا بوجوه منها انّه السّبب في ترتّب الكفارة فعليه أدائها و فيه انّه يمكن ان يكون سببا للحجّ لا فعل ما يوجب الكفّارة نعم هو مأمور بمنعه عن موجبات الكفارات و هو لا يستلزم تعلّق الكفارات عليه و على فرض كونه سببا لارتكاب الصّبي ما يوجب

الكفّارة فنقول ليس الكفارات تتعلّق على السبب بل على المباشر إذا كان محرما كما لا يخفى.

و منها ما رواه في الوسائل في الدّيات باب حكم عمد المعتوه و المجنون و الصّبي و السّكران من أبواب العاقلة انّ عليا (ع) كان يقول عمد الصّبيان خطأ يحمل على العاقلة و فيه انّ الكفارات في صورة الخطأ ليست على العاقلة حتّى يكون في الصّبي براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 41

في صورة العمد أيضا على العاقلة بل في صورة الخطأ لا تجب على الكبار أيضا.

و ثانيا هذه الرواية مخصوصة بباب الديّات و لذا ذكرها العلماء في الباب المذكور لا يناسب سائر أبواب الفقه.

و ثالثا قد لا يكون العاقلة متّحدا مع الوليّ لتفسير العاقلة بأشخاص لا يكون بعضهم من الأولياء كما حقّق في محلّه.

المسئلة العشرون الصبي إذا حجّ و أدرك المشعر بالغا فهل يجزي عن حجّة الإسلام أم لا وجهان

و استدلّوا للإجزاء بوجوه الأوّل انّه لا فرق بين المأمور به بالأمر الوجوبي أو الاستحبابي فإنّه عينه فان الحجّ الواجب بعد البلوغ هو عين الحجّ المندوب قبله بلا تفاوت أصلا فهو حقيقة واحدة كان مستحبا فوجب بالبلوغ و لذا قالوا باجزاء صلاة الصّبي إذا بلغ في أثناء الصّلوة بل بعدها قبل خروج الوقت.

و الحاصل انّ وحدة المتعلّق مانعة عن تعلّق أمر آخر على الفعل المفروض صحّته في الأثناء أو بعده فلا بدّ لعدم الإكتفاء بما جاء به من دليل و هو موجود في الحجّ بعد إتمامه كالأخبار الدّالة على انّ الصبيّ لو حجّ عشر حجج لم يجزء عن حجّة الإسلام بخلاف ما إذا بلغ في أثناء الحجّ.

و فيه على فرض تسليم انّ الحجّ المستحبّ و الواجب حقيقتهما واحدة و لكنّ حجّ الصّبي و حج البالغ باعتبار المكلّف بالفتح فردان بل حقيقتان مختلفتان و اجزاء إحديهما

عن الآخر محتاج الى الدليل كالصلاة بعد طلوع الفجر و قبله فإنّه لو اتى بركعتين قبل الفجر لا يكفي عن الواجب لأنّها موقّتة بالفجر و كذا الحجّ موقّت بزمان البلوغ و هو حجّة الإسلام بخلاف ما اتى به قبله فليس بحجّة الإسلام و لذا صرّح في الأخبار بعدم اجزائه عنه لتباينهما حقيقة بعد التقييد بزمان البلوغ و قبله كما لا يخفى و لا فرق بين وقوع تمامه قبل البلوغ أو بعضه في عدم الإجزاء بل نقول بعدم الإجزاء في باب الصلاة أيضا سواء أدرك البلوغ في أثناء الصّلوة أو بعده قبل انقضاء الوقت و ان أصرّ العلّامة المحقّق و النّحرير المدقّق الحاج آقا رضا الهمداني أعلى اللّه مقامه في كتابه مصباح الفقيه في أوقات الصّلوة باجزائه عنه.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 42

و الحاصل انّه إذا قال المولى ايّها الصّبي حجّ أو صلّ فاتى الصّبي بالحجّ أو الصّلوة مثلا ثم قال ايّها البالغ المكلّف حجّ أو صلّ فليس معذورا في ترك الامتثال بأنّه اتى به قبلا كما لا يخفى على المتأمّل.

ثمّ لا بأس بصرف عنان الكلام الى بعض ما أفاده العلّامة المعاصر في المستمسك في شرح المسئلة (65) من مسائل فروع الاستطاعة من العروة ذيل قوله (فالظاهر انّ حجّة الإسلام هو الحجّ الأوّل) بعد ان اعترف بانّ الحجّ قبل الاستطاعة غير مجز عن حجة الإسلام قال (و لا مجال لمقايسة المقام بصلاة الصّبي قبل البلوغ إذ أدلّة التشريع الأوّلية تقتضي كون موضوع الحكم في الصّبي و البالغ واحدا لإطلاق الأدلّة الشّاملة للصّبي كالبالغ نظير إطلاقها الشّامل للعادل و الفاسق و الشيخ و الكهل و نحو ذلك فاذا كان موضوع الخطاب و الحكم في الجميع واحدا

كانت الماهيّة واحدة لا متعدّدة فإذا جاء به الصّبي قبل البلوغ فلو وجب ثانيا بعد البلوغ كان من الأمر بتحصيل الحاصل أو من الأمر بالوجود بعد الوجود و الأوّل محال كما عرفت و الثاني خلاف ظاهر الأدلّة فلا يجب و ليس دليل نفي الوجوب عن الصّبي من قبيل إذا بلغت فصلّ كي يكون نظير المقام (اي قول الشّارع إذا استطعت فحجّ) بل ليس هو الّا حديث رفع القلم عن الصّبي و هو لا يقتضي الاثنينية و لا يدلّ عليها بل انّما يقتضي مجرّد نفي اللزوم عن الصّبي (إلى قوله) و لمّا لم يقتض الحديث المذكور الاثنينيّة لم يكن معارضا لما دلّ على الوحدة فيتعيّن العمل به و مقتضاه اجزاء الفعل قبل البلوغ و عدم الحاجة الى فعله ثانيا بعد البلوغ بل عدم مشروعيّته لما عرفت من الاشكال انتهى موضع الحاجة).

أقول و لكنّك خبير بأنّه لا فرق بين اشتراط الاستطاعة في الحجّ و اشتراط البلوغ في الصّلوة و غيرها من العبادات الّا بانّ اشتراط الاستطاعة انّما هي صريحة في خصوص الحجّ و امّا اشتراط البلوغ في التّكاليف بأسرها فهو بنحو العموم و الإطلاق.

و اما قوله (بل ليس هو الّا حديث رفع القلم عن الصّبي الى آخره) و كأنّه إشارة إلى رواية ابن ظبيان المرويّة في الباب الرّابع من أوّل الوسائل قال اتى عمر بامرئة مجنونة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 43

قد زنت فأمر برجمها فقال علي (ع) اما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتّى يحتلم و عن المجنون حتّى يفيق و عن النّائم حتّى يستيقظ ففيه أوّلا انّ رفع القلم ليس المراد منه رفع اللزوم فقط بعد إثبات أصل التكليف بل المراد عدم

التّكليف على الصّبي أصلا نظير المجنون و النّائم لأنّ التكليف عليهما محال على الحكيم تعالى شأنه لا انه رفع للامتنان مضافا الى انّه في الباب الثالث من أوّل الوسائل ذكر اخبارا صريحة في انّ فاقد العقل لا تكليف عليه أصلا و في بعضها (أما إنّي إيّاك أمر و إياك أنهى و إيّاك أعاقب و إيّاك أثيب) فيدلّ رواية ابن ظبيان على عدم التكاليف الّا بعد البلوغ.

و على هذا فأدلّة التكاليف مشروطة بالبلوغ و لا فرق في إثبات الشّرائط للأحكام في كلام متّصل كما في الحجّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أو في كلام منفصل كما في سائر التكاليف بقوله (يرفع القلم عن ثلاثة إلخ).

و بعد إثبات الشّرط للتّكاليف اعني البلوغ فليست هذه الأحكام قبله و لا دليل على وحدة الحقيقة المطلوبة قبل البلوغ و بعده بل إثبات المطلوبيّة قبل البلوغ محتاج الى دليل آخر غير هذه المطلقات و العمومات فلا يلزم الأمر بتحصيل الحاصل و لا الوجود بعد الوجود بل الأمر يدلّ على وجوب إيجاد المشروط بعد تحقّق شرطه.

و ثانيا ليس دليل اشتراط البلوغ في التّكاليف منحصرا في الرواية المذكورة بل هي كثيرة مذكورة في الباب الرابع من أوّل الوسائل و غيره كلّها صريحة في انّ التكاليف لا تثبت الّا بالبلوغ كقوله (ع) على الصبي إذا احتلم الصّيام و على المرأة إذا حاضت الصّيام و في بعضها (فاذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السّيئات) و الّا فاللازم ان يقول كتبت على النّاس السّيئات و رفع اللزوم عن الصّبي.

و الحاصل انّ التكاليف مشروطة بالبلوغ كما انّ الحج مشروط بالاستطاعة و لا فرق بينهما و ليس هنا ما يدلّ على تعدّد الحقيقة في

الحجّ و وحدتها في سائر التكاليف مضافا الى انّك قد عرفت انّه لا أثر لوحدة الحقيقة أو تعدّدها فيما هو المناط في الامتثال فإنّه يجب امتثال الآمر بعد تحقّق شرطه و ان اتى به قبلا و كان الحقيقة متّحدة مثلا إذا قيل براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 44

لك أعط الفقير منّا من الحنطة بعد الزوال فأعطيته قبله لا يكفي و ان كان حقيقة الحنطة واحدة و لا يكون من الأمر بتحصيل الحاصل و لا الأمر بالوجود بعد الوجود نعم يلزم طلب وجود المأمور به بعد وجود غيره كما لا يخفى الثّاني الأخبار الواردة في الوسائل و غيره في المملوك الذي أعتق عشيّة عرفة أو يوم عرفة مثل ما ورد عن معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه (ع) في مملوك أعتق يوم عرفة قال إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ و ان فاته الموقفان فقد فاته الحجّ و يتمّ حجّه و يستأنف حجّة الإسلام فيما بعد «1».

و فيه أيضا عن شهاب عن ابي عبد اللّه (ع) في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا له قال يجزي عن العبد حجّة الإسلام و يكتب للسّيد أجران ثواب العتق و ثواب الحجّ «2» و عن معاوية بن عمّار قلت لأبي عبد اللّه (ع) مملوك أعتق يوم عرفة قال إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ «3».

و فيه أيضا قال الشيخ روي في العبد إذا أعتق يوم عرفة انّه إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ «4» و عن شهاب عن أبي عبد اللّه (ع) في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا له أ يجزي عن العبد حجّة الإسلام قال نعم «5» فإنّها و ان كانت واردة في العبد

الّا انّ العرف يلقون خصوصيّة العبد و يرتّبون الحكم على كلّ من أدرك أحد الموقفين حاجا فيكفي عن حجّة الإسلام فلا فرق بين الصّبي و المملوك فالصبي أيضا إذا كان حاجا و أدرك الموقف فيجزي عن حجّة الإسلام و هذا الذي قلنا ليس بقياس و ليس ببعيد عن أذهان العرف مثلا إذا قيل إذا تنجّست يدك فاغسلها يحكمون بأنّ الرأس أيضا إذا تنجّست يجب غسلها.

و إذا قيل إذا شكّ الرّجل في الثلث و الأربع يبني على الأربع لا يحكمون بانّ هذا الحكم مخصوص بالرّجال دون النّساء فتأمّل.

و الإشكال بأنّ هذه الأخبار ليست مسوقة للعبد الذي كان حاجا استحبابا بل للعبد الذي ليس حاجّا فيمكن ان يحرم و يدخل في الحجّ بإدراك الموقف فليس ممّا نحن براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 45

بصدده من كفاية إحرامه الأوّل لحجّة الإسلام.

ففيه أولا انّ هذا خلاف الظّاهر من العبد الذي يكون مصاحبا لمولاه و لم يحرم حتّى اتى الموقف يوم عرفة و لو استحبابا و لو بأمر المولى.

و ثانيا فهو خلاف صريح بعضها كالرّواية الأولى عن معاوية بن عمّار.

و ثالثا ظاهر الأخبار المذكورة هو السؤال عن المسئلة بعد وقوعها لا التعلّم لما يقع بعدا فالإمام (ع) حكم باجزاء ما اتى به من الحجّ عن حجّة الإسلام إذا أدرك أحد الموقفين و لم يكن متنبّها لانقلاب حجّه الى حجّة الإسلام.

الحاصل انّ هذه الرّوايات انّما يستظهر منها انّ إدراك أحد الموقفين معتقا كاف في الاجزاء عن حجّة الإسلام بعد الإتيان بأصل الحجّ بنحو يأتي به العبيد كما لا يخفى على المتأمّل.

فعلى هذا يصحّ الحج و ان لم يجدّد النيّة غفلة عن الانقلاب نعم مع العلم بالانقلاب و الالتفات اليه لا ينوي

الخلاف و لكن الإنصاف انّ هذه الاخبار و ان لم يكن ظاهرة في خصوص العبد و لكن ليس ظاهرها عدم دخالة الخصوصية في الحكم أيضا فحينئذ التمسّك بها في المقام مشكل جدّا.

الثّالث الأخبار الدالّة على انّ من لم يحرم من مكة أحرم من حيث امكنه فإنّه إذا كان أنشأ الإحرام له صالحا فتجديد النيّة و قلبه بالإحرام الواجب أو انقلابه بالواجب بنفسه جائز بالأولويّة و فيه انّ مورد الأخبار المذكورة انّما هو إذا لم يكن محرما فأحرم من مكانه و امّا إذا كان محرما بالحجّ الاستحبابيّ فلا دليل على جواز إنشاء إحرام آخر بل صرّحوا بعدم جواز العدول إلى إحرام حجّ آخر و كذا انقلابه بنفسه إلى إحرام حجّ واجب و ان كان الدليل على الانقلاب موجودا في العبد كما عرفت.

الرابع الأخبار الدّالّة على انّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ و فيه انّ موردها من لم يحرم لحج آخر غير حجّة الإسلام فلا يشمل المقام فالقول بالاجزاء مشكل.

الخامس ان يقال انّ الصّبي إذا بلغ يوم عرفة و كان مستطيعا فهو مكلّف بالحجّ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 46

الواجب لقوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يجب عليه الإتيان بالحج الواجب.

ان قلت انّه مكلّف بإتمام الحجّ المستحبّ للإجماع و لقوله تعالى في سورة البقرة آية (192) وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و للنصوص المشتملة على كيفيّة حجّ المتمتّع المصرّحة بأن إهلال الحجّ بعد التّقصير المحلّل لإحرام العمرة فالظاهر عدم جواز ما يقع قبل إتمام الإحرام الأوّل بل باطل.

قلت فيه أوّلا منع الإجماع في المقام لفتوى جماعة بكفايته عن الواجب في الصّبي و ثانيا منع حجيّته إذا كان مدركه

الأدلّة المذكورة في كتب الفقه و ثالثا انصراف الآية الشّريفة عن الحجّ المستحبّ خصوصا مع التّزاحم بالواجب و رابعا قد يقال يجب تقديم الأقوى من المتزاحمين و الظّاهر انّ الحجّ الواجب مقدّم على إتمام الحجّ المستحب فالإتمام انّما هو واجب في غير من كلّف بالحج الواجب كما مرّ في اخبار العبد المعتق يوم عرفة و انقلاب حجّه بالواجب و اجزائه عنه.

و فيه انّه لا يجوز قياسه بالعبد المعتق لانّه منصوص أوّلا و ليس من قبيل المتزاحمين ثانيا لأنّ الأمر بإتمام المندوب واجب مطلق بخلاف حجّة الإسلام فإنّها مشروطة بالاستطاعة فمع الإتيان بالواجب المطلق لا يستطيع أن يأتي حجّة الإسلام نعم ان لم يأت به عصيانا فاتى بحجّة الإسلام فهو صحيح و مجز عن حجّة الإسلام كما لا يخفى.

و خامسا النّصوص المشتملة على كيفيّة حجّ التّمتع المصرّحة بأنّ إهلال الحجّ بعد التقصير ففيها أنّها أخصّ من المدّعى إذ المدّعى عدم جواز الإحرام قبل التّحليل من الآخر مطلقا سواء في التّمتع أو غيره مع انّها معارضة بأخبار أخر دالّة على صحّة الحجّ و العمرة إذا نسي أن يقصّر حتّى أحرم بالحجّ كما ذكرها في الجواهر و غيره كصحيح ابن الحجّاج سألت أبا إبراهيم (ع) عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحج فدخل مكّة و طاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ و نسي أن يقصّر حتّى خرج الى عرفات قال لا بأس به يبني براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 47

على العمرة و طوافها و طواف الحجّ على أثره «1» و غيره من الأخبار و بطلان العمرة و صحّة الحجّ إذا أحرم بالحجّ قبل التقصير عامدا أو جاهلا كما هو المستفاد من خبر محمّد ابن سنان عن

العلاء بن الفضيل سئلته عن رجل متمتّع طاف ثمّ أهلّ بالحجّ قبل ان يقصّر قال بطلت متعته و هي حجّة مبتولة «2» (اي مقطوعة و منفردة) و كيف كان يستفاد منها صحّة الإحرام الثاني قبل إتمام الإحرام الأوّل في صور النّسيان و العمد و الجهل و صحّة العمرة في النّسيان و بطلانها في صورة العمد بل الجهل أيضا كما هو مقتضى العموم.

إذا عرفت ذلك كله فهل يكتفي بإحرامه للحجّ قبل البلوغ و انقلابه الى الحجّ الواجب كالعبد أو يجب تجديد نيّة الإحرام من الميقات أو من مكانه فيمكن ان يقال الأحوط ان لم يكن أقوى تجديد الإحرام و لو من مكانه و الإتيان باعمال الحجّ إذا كان متذكّرا و يصير مشمولا للأخبار الدّالة على انّ من لم يحرم من مكّة يحرم من حيث امكنه و أيضا يكون مشمولا للأخبار الدالّة على انّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ لعدم مانع من التمسّك بهما حينئذ و أمّا إذا لم يكن متذكّرا لتجديد نيّة الإحرام و أتمّ الحجّ فيكون حجّه صحيحا امّا لكفاية إحرامه الأوّل كالعبد و امّا لعدم لزومه فلا أقلّ من ان يكون بلا إحرام فيكون مشمولا للأخبار الدّالة على صحّة الحج مع عدم الإحرام إذا نسيه أو جهل به و اتى بتمام أفعال الحجّ كما في الوسائل عن عليّ بن جعفر عن أخيه قال سألته عن رجل كان متمتّعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التّروية بالحجّ حتى رجع الى بلده قال إذا قضى المناسك كلها فقد تمّ حجّه «3» و نحوه اخبار آخر في الباب المذكور في النّاسي و الجاهل و المغمى عليه فراجع.

و لكن لا يخفى انّ ما ذكرنا مصحّح

لحجّ الصّبي إذا صار بالغا يوم عرفة و امّا انّه هل يجزي عمرته أيضا عن العمرة الواجبة فلا دليل على اجزائها عنها بل الظّاهر عدمه فعليه أن يأتي بالعمرة المفردة بعد الحجّ و أمّا اشتراط الاستطاعة فلا يبعد ان يكون من حين الشّروع في اعمال الحجّ بعد البلوغ لا من البلد و لا من الميقات إذا لم يكن براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 48

إحرامه من الميقات فتأمّل جيّدا.

المسئلة الحادية و العشرون من حجّ باعتقاد انّه غير بالغ فبان بعد الحجّ انه كان بالغا يجزيه عن حجّة الإسلام

على الأقوى و استشكل بعض في الصحّة بأمرين أوّلهما انّ حجّة الإسلام مغايرة مع الحجّ المندوب حقيقة نظير صلاة الصّبح مع نافلته فكيف يجزي أحدهما عن الآخر و ثانيهما انّ الإتيان بالحجّ بقصد الأمر النّدبي لا يكون امتثالا للأمر الوجوبيّ فلا موجب لسقوطه.

أقول تميّز العبادة المأمور بها عن غيرها على قسمين امّا ان يكون تميّزه بالقصد فقط نظير فريضة الصّبح و نافلته فيعتبر فيه القصد الى خصوص الفريضة و الّا لا يكفي عنها أصلا و لو اشتباها أو جهلا.

و أمّا ان يكون تميّزه بقيود واقعيّة كالصّيام المقيّد بشهر رمضان فيكفي كونه من شهر رمضان واقعا و ان لم يقصده بل قصد غيره جهلا أو اشتباها فهل الحجّ من قبيل القسم الأوّل أو الثّاني فالظاهر انّه من القسم الثّاني فان اتى به يجزي عن الواجب و ان لم يقصد الوجوب أو حجّة الإسلام إذا كان قيوده الواقعيّة موجودة كالعقل و البلوغ و الاستطاعة و الحرّية و أمثالها و لا يكفي ان لم يكن أحدها موجودا واقعا و ان اتى بقصد الوجوب و حجّة الإسلام.

و الحاصل انّه إذا اتى بحجّ باعتقاد عدم العقل و عدم البلوغ و عدم الاستطاعة و عدم الحريّة فبان بعدها وجود جميع هذه الشرائط

يصحّ و يكفي عن حجّة الإسلام سواء قصد الإتيان بأصل الحج من دون اعتبار قيد فيه أو اعتبر فيه عدم البلوغ و الاستطاعة و الحرية و أمثالها جهلا أو اشتباها و ذلك لكفاية القصد إلى أصل الحج قربة الى اللّه تعالى و إلغاء هذه القيود إذا صدر عنه جهلا أو اشتباها فإنّها كالعدم حينئذ كما لا يخفى نعم ان اتى بالحج مقيّدا بأنّه غير بالغ أو غير مستطيع مثلا بمعنى انّه لا يأتي به ان كان بالغا و مستطيعا فهو باطل و ان كان بالغا و مستطيعا واقعا كما إذا علم بأنّه بالغ و مستطيع فاتى به بعنوان عدم البلوغ و الاستطاعة و لكن تحقق هذا الفرض بعيد من العاقل فلا جدوى لتعرّضه الا تبعا للقوم.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 49

و الذي يدلّ على ما ذكرنا الأخبار التي وردت في العبد إذا أعتق يوم عرفة و اجزاء حجّه عن حجّة الإسلام كما استظهرنا منها جهله بالحكم و عدم القصد الى امتثال الأمر الوجوبي أو غفلته عنه بدليل انّه يسئل عن حكمه بعد الوقوع كما هو ظاهر الأخبار المذكورة و غيرها من سائر الموارد و الّا فلا وجه لاجزائه عنها كما لا يخفى.

ان قلت الظاهر من الاخبار انّ حقيقة حجّة الإسلام غير الحجّ المندوب و لذا ورد في الصّبي و العبد لو حجّ عشر حجج لا يجزي عن حجّة الإسلام.

قلت الظاهر خلافه فان الحجّ حقيقة واحدة واجبا كان أو ندبا و لكن عدم اجزاء حجّ الصّبي من البالغ أو غير المستطيع عن المستطيع أو العبد عن الحرّ أو المجنون عن العاقل و هكذا ليس لاختلاف حقيقة الحجّ كما توهّم بل لانّ التكليف الإلزاميّ يتوجّه على

العاقل البالغ الحرّ المستطيع سواء اتى بالحجّ قبل العلم بوجود هذه الأوصاف أو لا.

و الحاصل انّ الاختلاف انّما هو في حقيقة المكلّف لا المكلّف به مثلا إذا قيل إذا أدركت الزّوال فأعط زيدا منّا من الحنطة فأعطاه إيّاه قبل الزّوال فلا يجزى عن الأمر الإلزامي المذكور و ان كان إعطائه إيّاه مستحبّا أيضا قبله مع انّ حقيقة الحنطة واحدة لأنّ التكليف الإلزامي مشروط بإدراك الزّوال و كذا فيما نحن فيه فهو مأمور بإتيان حجّة الإسلام بعد البلوغ فان حجّ قبل زمان البلوغ لا يجزى عن الحجّ الذي يصير واجبا بعده و ان كان نفس الحجّ حقيقة واحدة كما لا يخفى على المتأمّل و سيأتي الإشارة إليه في المسئلة (119) و غيرها.

الشّرط الثالث الحرّيّة

المسئلة الثانية و العشرون لا ريب في انّ المملوك لا يجب عليه الحج

و ان كان مستطيعا من حيث المال للإجماع و الرّوايات الواردة في كتب الفقه و الاخبار كما ورد في الوسائل عن الفضل ابن يونس قال سئلت أبا الحسن (ع) فقلت يكون عندي الجواري و انا بمكّة فامرهنّ ان يعقدن بالحج يوم التّروية فأخرج بهنّ فيشهدن المناسك أو أخلّفهنّ بمكة فقال ان خرجت بهنّ فهو أفضل و ان خلّفتهن فلا بأس براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 50

فليس على المملوك حجّ و لا عمرة حتّى يعتق «1» و أيضا في الوسائل عن الفضل بن يونس عن ابي الحسن موسى (ع) قال ليس على المملوك حجّ و لا عمرة حتى يعتق و فيه أيضا في رواية يونس بن يعقوب المملوك لا حجّ له و لا عمرة و لا شي ء و لكنّه محمول على عدم الوجوب أو على عدم اذن مالكه «2» و فيه أيضا عن آدم بن علي عن ابي الحسن (ع) قال ليس على المملوك

حجّ و لا جهاد و لا يسافر إلّا بإذن مالكه «3» الى غير ذلك من الاخبار و فيما ذكرنا غنى و كفاية.

المسئلة الثالثة و العشرون هل يملك العبد شيئا أم لا فيه أقوال

فقيل يملك مطلقا و قيل لا يملك مطلقا و قيل يملك فاضل الضّريبة و أرش الجناية و قيل يملك و لكنه محجور عليه بالرّق حتّى يأذن له المولى و لكنّ الحقّ ان يقال انّ المملوك يملك و يصير مالكا و لكنّه مع أمواله مملوك للمولى فان مملوك المملوك مملوك و الحاكم على الحاكم حاكم نظير ما يملكه الإنسان فإنّه مع أملاكه مملوك للّه تعالى شأنه فيجوز له التصرّف في أمواله ما لم يردع عنه المولى المجازي كالمولى الحقيقي بالنّسبة إلى الأنام و هذا ممّا يصرّح به بعض الاخبار و يظهر من كثير منها فان في صحيحة عمر بن يزيد المرويّة في الوسائل ثمّ قال أبو عبد اللّه (ع) أ ليس قد فرض اللّه على العباد فرائض فإذا أدّوها اليه لم يسئلهم عمّا سواها قلت فللمملوك ان يتصدّق ممّا اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤدّيها إلى سيّده قال نعم و أجر ذلك له «4».

و أيضا- في الوسائل- عن ابي جعفر (ع) قال سألته عن رجل تزوّج عبده أمرية بغير اذنه فدخل بها ثمّ اطّلع على ذلك مولاه قال ذلك لمولاه فان شاء فرّق بينهما و ان شاء أجاز نكاحهما فان فرّق بينهما فللمرئة ما أصدقها الّا ان يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا و ان أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل فقلت لأبي جعفر (ع) فإنّ أصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر (ع) انّما اتى شيئا حلالا و ليس بعاص للّه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 51

تعالى انّما عصى سيّده و

لم يعص اللّه ان ذلك ليس كإتيان ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدّة و أشباهه «1» فإنّه يظهر من هذه الرواية صحّة النّكاح ما لم يردع عنه المولى و كذا يدلّ على صحّة الاصداق الا ان يكون كثيرا موردا لردع الولي و كذا قوله (اتى شيئا حلالا) الى آخر ما قاله (ع) دليل ما بيّنّاه و على هذا يصحّ إطلاق المالك على كلّ من العبد و المولى و لا تعارض بين الاخبار أصلا.

و ان شئت نذكر بعض الأخبار و الاستظهار منها في الوسائل عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا قال فقال المال للبائع إنّما باع نفسه الّا ان يكون شرط عليه ان كان له مال أو متاع فهو له «2» فإنّه يدلّ على إمكان تموّل العبد بدون ان يعلم به المولى لقوله (ع) (فوجد له مالا) و يدلّ أيضا على انّ أمواله للمولى لقوله (ع) (المال للبائع) إلّا مع الشّرط و أيضا عن زرارة قلت لابيعبد اللّه (ع) الرّجل يشتري المملوك و له مال لمن ماله فقال (ع) ان كان علم البائع انّ له مالا فهو للمشتري و ان لم يكن علم فهو للبائع «3» و هذه الرواية أيضا تدلّ على إمكان تموّله بدون علم البائع و لكنّه مع علم البائع يصير أمواله في اختيار المشتري لعدم إظهار البائع استثنائه و أمّا مع عدم علم البائع لم يذهب سلطانه على المال فهو باق على تسلّطه.

و أيضا عن زرارة عن ابي جعفر و أبي عبد اللّه (ع) في رجل باع مملوكا و له مال قال ان كان علم مولاه الذي باعه انّ له مالا

فالمال للمشتري و ان لم يعلم به البائع فالمال للبائع «4» و قد ورد بهذا المضمون روايات اخرى لا جدوى لذكرها.

و عن محمّد بن قيس عن ابي جعفر (ع) انّه قال في المملوك ما دام عبدا فإنّه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصيّة الا ان يشاء سيّده «5» فإنّه يدلّ على انّ قلّة العطاء صحيحة منه لعدم ردع المولى بخلاف كثيره فإنّه مورد الردع و المنع كالتحرير و الوصيّة.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 52

و في الوسائل عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا (ع) عن الرّجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم و شاع أ يجوز ذلك له فقال نعم إذا كانت أم ولده «1» فهو يدل على تملّك أم الولد لما يهبه لها من خدم و شاع و الّا لما صحّ الهبة و لكن يجوز له استردادها و الأخذ منها لانّ تسلّط المولى فوق تسلّط العبد نظير تسلّط السّلطان على الحاكم من قبله أو تسلّط اللّه تعالى على مملوكات الإنسان و القول بانّ استرداد المال من أمّ الولد انّما كان لأنّ الهبة جائزة ما دام الموهوب موجودا ففيه انه ان كان كذا لقال (ع) (نعم إذا كان هبة) بدل قوله (ع) (نعم إذا كانت أمّ ولده) كما لا يخفى.

و في الوسائل عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال إذا كاتب الرّجل مملوكه أو عتقه و هو يعلم انّ له مالا و لم يكن استثنى السّيد المال حين أعتقه فهو للعبد «2» و هذه الرواية في كمال الظهور فيما قلنا فان مال المملوك يتبعه إذا أعتق إلّا مع

استثنائه المال فهذا يدل على ملكيّة العبد للمال ما لم يردع عنه المولى.

و عن ابي جرير قال سئلت أبا جعفر (ع) عن رجل قال لمملوكه أنت حرّ ولي مالك قال (ع) لا يبدء بالحرّية قبل المال يقول لي مالك و أنت حرّ برضا المملوك فان ذلك أحبّ اليّ «3» أقول و السّر في هذا الحديث انّه يمكن ان يصير بعد العتق ملك العبد تاما لا يمكن للمولى استرداده و امّا قبله يجوز الاسترداد لنقصان ملك العبد. عن عبد الرّحمن بن ابي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع) قال سئلته عن رجل أعتق عبدا له و للعبد مال و هو يعلم انّ له مالا فتوفّي الذي أعتق العبد لمن يكون مال العبد يكون للذي أعتق العبد أو للعبد قال إذا أعتقه و هو يعلم انّ له مالا فماله له و ان لم يعلم فماله لولد سيّده «4».

أقول و ذلك لانّه مع العلم و عدم الاستثناء يصير المال تابعا للعبد بخلاف عدم العلم فلم يكن متوجّها الى المال فيكون تسلّطه السّابق باقيا بعد العتق أيضا و أيضا عن براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 53

جعفر عن أبيه انّ عليّا (ع) أعتق عبدا له فقال له انّ ملكك لي و لك و قد تركته لك «1» فلعلّه (ع) أراد ما ذكرنا من انّ الملك للعبد و العبد مع ملكه مملوكان له (ع) ثم قال (ع) (تركته لك).

و امّا التشريك بين المولى و العبد ممّا لم يقل به العلماء أما ما ورد في الوسائل عن عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه (ع) قال قلت له مملوك في يده مال عليه زكاة قال لا قلت فعلى سيّده

فقال لا انّه لم يصل الى السّيد و ليس هو للمملوك «2» فقد يستدلّ عليه بانّ المال للمولى لانّه صرّح فيه بأنّه ليس للمملوك و قال أيضا (مملوك في يده مال) و لم يقل له مال.

ففيه أوّلا انّه ان كان ملكا للمولى و امانة في يد العبد فهو في حكم الوصول الى السّيد فلم قال (ع) (لم يصل الى السّيد) فعدم الوصول لانّه ملك ناقص للعبد و في تصرّفه و لذا لم تجب الزّكوة على السّيد و أما حكمه بأنه ليس للمملوك يعني ليس ملكا تاما حتى تجب عليه الزكاة لانّ المولى مسلّط عليه و لعلّه يمنعه منه.

و ثانيا هذه الرّواية لا تصلح للمعارضة مع الأدلّة السّابقة كما لا يخفى.

و أما التمسّك بإطلاق أدلّة سببيّة الأسباب الموجبة للملك الّتي لا فرق فيها بين الحرّ و العبد للقول بانّ العبد يملك كالحرّ و الاستظهار منها للملكيّة التّامّة للعبد ففيه انّه بناء على ما بيّناه لا إشكال في سببيّة الأسباب المملكة كالبيع و الصّلح و الهبة و أمثالها بالنّسبة الى العبد أيضا انّ الفرق بين العبد و الحرّ في ذلك انّما سلّط اللّه تعالى على العبد و أمواله المولى بالأدلّة الّتي أشرنا إليها بخلاف الحرّ فملكيّة الحر تامّة بخلاف العبد كما لا يخفى.

و أمّا ما احتمله بعض الفقهاء من عدم قابليّة العبد للمالكيّة، و شكّهم فيها فإن أرادوا الملكية النّاقصة بالمعنى المذكور فقد عرفت عدم الشّك في انّه مدلول للأدلّة الخاصّة و ان كان المراد الملكيّة التامّة فقد عرفت انّها خلاف ظاهرها.

و أمّا التّمسك للملك التّامّ بالاذواق العرفيّة فإنّها حجّة عليه بعد الإطلاقات ففيه منع براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 54

ذوق العرف بالملك التّامّ أولا فإنّ

العرف لا يفهمون من ابتياع العبد شيئا مثلا الّا انّه تملّكه بالبيع.

و أمّا انّ المولى لا اختيار له في ملكه فلا كما لا يخفى و أمّا الإطلاقات فلا إطلاق في المقام إلّا إطلاق أدلّة الأسباب المملّكة و هي ليست حجّة في مقابل الاخبار الكثيرة الخاصّة الدالّة على نقصان ملكه تبصرة لا إشكال في انّ الحرّية شرط لوجوب حجّة الإسلام و ان قلنا بملكيّة العبد و الّا لوجب عليه و اجزء عن حجّة الإسلام إذا بذل المولى أو غيره بإذنه نفقة الحجّ و ذلك لانّ العبد يصير مستطيعا للحجّ و ان لم يكن مالكا كما لا يخفى.

المسئلة الرابعة و العشرون إذا حجّ المملوك أو المملوكة بإذن مولاهما فيصح

و لهما الأجر و ان لم يجز عن حجّة الإسلام بل يجب عليهما الإعادة بعد عتقهما كما هو مضمون الأخبار المعتبرة كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه (ع) قال انّ المملوك ان حجّ و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل ان يعتق و ان أعتق فعليه الحجّ «1» (اي الحجّ الواجب).

أيضا عن موسى بن جعفر (ع) قال المملوك إذا حجّ ثم أعتق فإنّ عليه اعادة الحجّ «2» و عن عبد اللّه بن سنان أيضا عن ابي عبد اللّه (ع) قال المملوك إذا حجّ و هو مملوك ثمّ مات قبل ان يعتق أجزأه ذلك الحجّ فإن أعتق أعاد الحجّ «3».

و خبر مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد اللّه (ع) قال لو انّ مملوكا حجّ عشر حجج ثمّ أعتق كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا «4» و غير ذلك من الاخبار المذكورة هنا أو غيره من الموارد.

و أما ما رود عن حكم ابن الحكيم الصّيرفي قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول أيّما عبد

حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام «5» فالمراد الحجّ الذي شرع له في حال المملوكيّة لا الحجّ الواجب الذي شرع عليه بعد العتق بقرينة سائر الأخبار المذكورة في هذا الباب و لا يلزم حمله على إدراكه أحد الموقفين و نحوه.

المسئلة الخامسة و العشرون إذا حجّ العبد بإذن مولاه ثمّ انعتق و أدرك أحد الموقفين فقد أجزأه عن الحجّ الواجب

بالإجماع و النّصوص الواردة في المقام و قد أشرنا إلى بعضها في المسئلة العشرين فراجع.

المسئلة السادسة و العشرون هل يجب على العبد بعد الانعتاق تجديد نية الإحرام أم لا

فنقول انّ حجّة الإسلام و ان كانت لا بدّ فيها بناء على اشتراط الحرّية ان يقع تمام اجزائها بعد الانعتاق الّا انّ الاخبار تدلّ على الاكتفاء بوقوع الإحرام و الوقوف بعرفة قبله إذا أدرك المشعر بعد الانعتاق و هذا مما لا ريب فيه.

و أمّا انّ اجزاء الحجّ بتمامها تعدّ مستحبّة أو واجبة أو مركّبة منهما بان يكون الإحرام و الوقوف بعرفة مستحبّين و سائر الأجزاء واجبة ففيه وجوه و لكن الظّاهر انّ الإحرام و الوقوف بعرفة و ان وقعا قبل الانعتاق و لم يتّصفا بالوجوب من الأوّل و لكنّهما مع سائر الأجزاء تتّصف بالوجوب من حين العتق و هذا نظير احتساب الصّلوة الحاضرة من الفائتة بعد العدول إليها فإنّ من نوى صلاة المغرب فتذكّر عدم الإتيان بصلاة العصر مثلا يجوز العدول الى العصر فما أتى بنيّة المغرب يحسب من العصر و كذا احتساب صلاة العصر مكان صلاة الظّهر فيمن نسي الظهر و اتى بالعصر فقال بعض الفقهاء بل الأخبار الصّحيحة بأنّه يحسب الظّهر فإنّه أربع مكان أربع فهي صلاة الظّهر حقيقة و ان نوى به العصر.

و لا ريب انّه مع التذكّر و الالتفات ينوي حجّة الإسلام و امّا مع الجهل أو الذهول فيكفي عن الواجب بل هو الواجب حقيقة كما هو ظاهر بعض الاخبار كصحيح معاوية بن عمّار (إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ) «1» ان قيل انّ لفظ يجزى في بعض الاخبار كصحيحة شهاب عن ابي عبد اللّه (ع) في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا له قال (ع) يجزى عن العبد حجّة الإسلام إلخ «2» يدلّ على مغايرة

المجزي عن المجزي عنه فيمكن ان يكون حجّه غير حجّة الإسلام و لكن يجزء عنها.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 56

قلت اسناد الاجزاء الى نفس الحقيقة أولى من إسناده إلى شي ء آخر مثلا إذا قال المولى ايتني بإنسان فتارة تأتي بفرد منه و يقول المولى يجزيك هذا و تارة تأتي بفرس يقول يجزيك هذا فلا ريب انّ اسناد الاجزاء الى الأوّل أولى منه الى الثاني فإن كان حجّه حجّة الإسلام حقيقة فهو أحقّ بصدق الاجزاء ممّا إذا كان حجّه ندبا و مجزيا عنها كما لا يخفى و ثانيا لفظ يجزى انما هو في رواية شهاب فقط و أمّا سائر الأخبار مشتمل على لفظ (أدرك) و نحوه و هو ظاهر ان لم يكن صريحا في وحدة الحقيقة فإنّ إدراك الحجّ يعني حجّة الإسلام لا المستحبّ فإنّ إدراكه ليس منوطا بإدراك أحد الموقفين.

المسئلة السّابعة و العشرون هل يشترط في الاجزاء كونه مستطيعا حين الدّخول

في الإحرام أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق أو لا يشترط أصلا أقوال مبنيّة على الاستظهار من الأخبار و هو على وجوه.

الأوّل ان يقال انّ هذا الحجّ كان مستحبّا حين شروع العبد فيه فكذا بعده للاكتفاء بإحرامه الأوّل و لكنّه يجزى عن الواجب تعبّدا.

الثّاني ان نقول انّ العتق كاشف عن وجوبه من الأوّل واقعا فتمامه كان من الأوّل حجّة الإسلام.

الثالث ان يستظهر منها انّ أوّل أعمال الحجّ في العبد المعتق من المشعر مثلا بخلاف غيره فإنّه من الميقات.

الرابع ان يكون حجّه مركّبا من المستحبّ قبل الوقوف و الواجب بعده.

الخامس ما حقّقناه من انّه كان مستحبا و لكن حين الانعتاق ينقلب الى حجّة الإسلام بتمامه من الأوّل.

فعلى الأوّل لا دليل على اشتراط الاستطاعة أصلا لانصراف أدلّة الاستطاعة عنه و إطلاق النّصوص في العبد المعتق.

و على

الثّاني يشترط الاستطاعة من الأوّل أيضا لأنّ الرّقيّة في أوّله كأمر زائد ألغاه الشّارع لا اثر له.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 57

و على الثالث فلا بدّ من كفاية الاستطاعة من المشعر مثلا لأنّه أوّل حجّة الإسلام بالنّسبة اليه.

و على الرابع فاللّازم وجود الاستطاعة أيضا من الأوّل لعدم الدليل على الاكتفاء بهذا الحجّ إذا لم يكن مستطيعا من الأوّل منتهى ما يدلّ عليه الدليل هو الاكتفاء بالحرّية من المشعر مثلا.

و أما سائر الشّرائط فلا بدّ ان تكون بحالها كما لا يخفى و على الخامس فلا بد من الاستطاعة من أوّل أعمال الحجّ أيضا لأنّه لا دليل على الانقلاب في غير هذه الصّورة كما انّ احتساب العصر ظهرا مثلا انّما يكون إذا كان سائر شرائط الظّهر موجودا مثل ان يكون في الوقت المشترك لا الاختصاص بالعصر أو مع الطّهارة و أمثالهما من الشرائط.

و أما العلّامة الطباطبائي في العروة الوثقى في هذا المقام فقد صرّح أولا بأنّ حجّة انقلاب شرعيّ و ثانيا قال في اشتراط الاستطاعة هل هو من حين الدّخول في الإحرام أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق أو لا يشترط ذلك أصلا أقوال أقواها الأخير لإطلاق النّصوص و انصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة عن المقام.

أقول ان كان مراده انقلاب بقيّة أعمال الحجّ من حين الوقوف بالمشعر مثلا فلا بدّ من شرط الاستطاعة من هذا الوقت أيضا و ان كان المراد انقلاب تمام الأوّل من الأول إلى الآخر كما حقّقناه فقد عرفت أيضا عدم الدّليل على سقوط شرط الاستطاعة.

و أمّا ما استدلّ عليه من إطلاق النّصوص فمراده النصوص الواردة في انعتاق العبد و إدراكه أحد الموقفين فغير مفيد ضرورة انّ النصوص المذكورة ليست في مقام

البيان من جهة الاستطاعة بل هي في مقام الاكتفاء بالحرّية من أحد الموقفين و كذا ما افاده من انصراف أدلّة اعتبار الاستطاعة عن المقام و ذلك لضرورة أنّ الانصراف انّما هو إذا لم يكن حجّة حجّة الإسلام كالقول الأوّل من الأقوال المذكورة مثلا و الّا فلا وجه للانصراف إذا كان حجّة الإسلام حقيقة بتمامه أو من أحد الموقفين كما لا يخفى ثمّ لا يخفى انّ العبد الذي يحجّ يكون مستطيعا غالبا امّا من حيث تموّله مع اذن مولاه أو

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 58

من حيث وجود باذل لمئونته للحج مولاه أو غيره ففرض عدم استطاعته للحجّ نادر قليل جدّا و معه لا يمكن التّمسّك لعدم اشتراط الاستطاعة بإطلاق النّصوص الواردة في العبد المعتق المدرك لأحد الموقفين مع وجود الاستطاعة فيه غالبا و كذا دعوى انصراف أدلّة الاستطاعة عن المقام ليس دليلا على عدم اشتراط الاستطاعة في المقام فلا يدلّ على اجزاء حجّة بدون الاستطاعة عن حجّة الإسلام فما تمسّك به العلّامة الطباطبائي في العروة الوثقى لا يخلو عن ضعف كما لا يخفى.

المسئلة الثّامنة و العشرون لا إشكال في اجزاء حجّة حجّة الإسلام إذا أدرك الموقفين كليهما

كما لا إشكال في إدراكه المشعر فقط أيضا و أمّا إجزاء حجّة عنه بإدراك عرفة فقط بدون المشعر ففيه اشكال و قال في الجواهر فلا يبعد عدم الإجزاء ضرورة ظهور النصّ و الفتوى في انّ كل واحد منهما مجز مع الإتيان بما بعده لا هو نفسه انتهى و فيه انّ عبارة النّص (إذا أدرك أحد الموقفين) «1» و هو ظاهر في كفاية إدراك كلّ واحد منهما و لو بدون الآخر أوّلا و لو كان كذلك لقال (ع) (إذا أدرك الموقفين أو المشعر) ثانيا مع انّه قال في ذيل صحيحة معاوية بن عمار

(و ان فاته الموقفان فقد فاته الحجّ إلخ) «2» ثالثا فإنّه مع فوت المشعر بدون عرفة لا يصدق (فات الموقفان) و على هذا فوت حجّة الإسلام منه منوط بفوت الموقفين لا أحدهما كما لا يخفى تبصرة هل يكفي الاضطراري من الوقوفين أو أحدهما أم لا وجهان من صدق الوقوف عليه و احتمال انصرافه إلى الاختياري الذي هو مجعول أوّلا و الأحوط عدم الاكتفاء به.

المسئلة التاسعة و العشرون الظّاهر انه لا فرق بين أنواع الحجّ من الإفراد و القران و التمتّع و ان وقعت تمام عمرته حال المملوكيّة و ذلك لإطلاق الأخبار الواردة في المقام مع انّ السائلين فيها من أهل المدينة الذين يجب عليهم حجّ التمتّع فان لم يجز عن عمرته لبيّنه الامام (ع) و أمر بإتيان العمرة المفردة بعد الحجّ كما لا يخفى.

ان قلت قد صرّح في بعض الأخبار بإدراك الحجّ بدون العمرة كما ورد عن محمد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن (ع) عن الحدّ الذي إذا أدركه الرّجل أدرك الحجّ فقال براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 59

إذا اتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له و ان لم يأت جمعا حتّى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له إلخ «1» فيستظهر منه انّ إدراك الحجّ لا يستلزم إدراك العمرة بل يمكن صحّة حجّه مفردا و يأتي بالعمرة بعده و يجزى عن حجّة الإسلام و ان كان تكليفه حجّ التمتّع.

أقول مورد الرواية غير ما نحن فيه لانّ هذه الرواية إنّما وردت في الحرّ و لا ربط لها بالمقام فإنّه في بيان حكم العبد المعتق مع انّ العبد المفروض في المقام اتى بالعمرة

كما هو ظاهر حاله و لو بعنوان عدم الوجوب بخلاف مفروض هذه الرّواية و الّا فلا يكون وجها لقوله (ع) (لا عمرة له).

المسئلة الثّلاثون إذا اذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له ان يرجع في اذنه

و يمكن الاستظهار له بوجوه الأوّل وجوب إتمام الحجّ و العمرة على المملوك كالحرّ بلا فرق بينهما لما قال اللّه تعالى في سورة البقرة آية (192) وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ بلا فرق بين الحجّ الواجب أو المستحبّ و الحرّ و المملوك و لعموم الأخبار الدالّة على حلّيته سوى الطّيب و النساء بالحلق و كذا الطّيب بالطّواف و السّعي و كذا النّساء بطواف النّساء كصحيحة معاوية بن عمّار المرويّة في الوسائل عن ابي عبد اللّه (ع) قال إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه الّا النّساء و الطّيب فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه الا النساء و إذا طاف طواف النّساء فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلخ «2» و لا ريب في انّ هذه الرواية و أمثالها لا اختصاص لها بالحرّ بل يشمل المملوك أيضا فيجب إتمام الأعمال عليه.

ان قلت هذا إذا لم يرجع المولى عن اذنه و الّا لم يصحّ بقيّة اعماله بدون اذن المولى لتسلّطه عليه و ان سلطانه فوق سلطنة العبد على نفسه كما مرّ قلت إذا دخل العبد في الإحرام يحرم عليه جميع المحرّمات حتّى يأتي بالأعمال المذكورة و لا يخرج عن الإحرام براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 60

إلّا به فسلطنة المولى حرجي على المملوك و هو منفي بلا حرج ان قلت المولى مسلّط على إبطال حجّه و عمرته أيضا.

قلت تسلط المولى على العبد في العبادات غير

معلوم بل معلوم العدم مثلا إذا دخل في الصّلوة بإذن المولى لم يكن له الرّجوع عن اذنه في أثناء الصّلوة.

ان قلت هذا في الصّلوة الواجب و أمّا في الصّلوة المستحبّ فان رجع عن اذنه يجب على المملوك قطع النافلة و كذا في الحجّ فإنه نافلة على العبد.

قلت بعد تكبيرة الإحرام و الدّخول في الصّلوة يحرم على المصلّي قطعها و لكن استثنى النّافلة و الّا لم يكن قطعها جائزة و لكن الإحرام في الحجّ لا يخرج عنه بعد إيجادها إلا بإتيان الأعمال المذكورة و لا دليل على التّحليل منها في الحجّ المستحبّ أيضا.

ان قلت انّا نأخذ بعموم سلطنة السّيد في المقام و نقول الأخذ بعموم وجوب إتمام الحجّ حرجيّ حينئذ على المملوك فيرفع بلا حرج.

قلت إذا دار الأمر بين سلطنة السّيد أو إتمام العبادة الواجبة فالظاهر بل المتيقّن تقدّم الثّاني على الأوّل ضرورة أنّ تسلّطه على العبد ليس بأكثر من تسلّطه على نفسه فان اشتغل السّيد بنفسه بالحجّ المستحبّ ليس مسلّطا على إبطاله فكيف يتسلّط على إبطال عمل غيره ثم على فرض كون المورد مشمولا لكلا العامّين اي عمومات تسلّط السّيد و عمومات وجوب إتمام الحجّ و التّعارض بالعموم من وجه فالأخذ بالثّاني أرجح لموافقة الكتاب اعنى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ و مع فرض عدم التّرجيح فمقتضى الاستصحاب إبقاء وجوب الإتمام على العبد و أيضا استصحاب عدم تسلّط السّيد على إبطال هذه العبادة كما انّه ما كان مسلطا عليه قبل تملّكه للعبد و أنت بعد الإحاطة على ما حقّقناه تعرف انّ المقام ليس موردا لأصالة البراءة عن وجوب الإتمام على العبد و ان حقّقه في تقريرات بعض المعاصرين و ذلك لبداهة تقدّم الاستصحاب

على أصل البراءة هذا مضافا الى إمكان الحكم بإبطال العبادة الواجبة للمملوك و لو كان وجوبه بالعرض و الأصل عدم تسلّطه في المقام من أصله كما لا يخفى.

و قد يستدل على المطلوب اعني وجوب إتمام الحجّ على العبد و ان رجع السّيد عن اذنه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 61

بالأخبار الدّالة على انّه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق كما في صحيحة صفوان عن ابي عبد اللّه (ع) قال لا تسخطوا اللّه برضى أحد من خلقه و لا تتقربوا الى الناس بتباعد من اللّه قال و من ألفاظ رسول اللّه (ص) لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و فيه عن عليّ (ع) قال لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق «1».

و عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون قال و برّ الوالدين واجب و ان كانا مشركين و لا طاعة لهما في معصية الخالق و لا لغيرهما فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «2» الى غير ذلك من الاخبار.

و فيه انّه إذا كان جواز إتمام الحجّ للعبد مشروطا ببقاء اذن السّيد فمع رجوعه عن اذنه لا يكون عدم إتمام الحجّ معصية بل هو طاعة الخالق للأمر بمتابعة السّيد.

و الحاصل انّ التمسك بهذه الاخبار انّما يفيد إذا أحرز انّ إتمام الحجّ معصية و لا يمكن استظهار أنّه معصية منها لانّ الحكم لا يكون حافظا لموضوعه و الا لزم الدّور.

و قال بعض الفقهاء من المعاصرين كما في تقريراته ما محصّله انّ كلّ عمل كان بطبعه الاوّلي و بعنوانه الاوّلي اعني مع قطع النّظر عن اطاعة المخلوق معصية لا يكون اطاعة المخلوق مجوّزا له مثلا ترك صوم شهر رمضان أو

ترك الصّلوة الواجبة مع قطع النّظر عن اطاعة المخلوق معصية فإذا صار ذلك معنونا بعنوان اطاعة المخلوق كما إذا أمر المولى بتركهما لم يكن هذا العنوان مجوّزا للترك و مخرجا له عن كونه معصية.

و محصّل كلام هذا الفقيه المتبحّر الكامل انّ الشّروع في الإحرام للعبد كان مستحبا أوّلا ثم صار إتمام الحجّ بعد الشروع واجبا و تركه معصية مع قطع النّظر عن أمر المولى فلا يصير أمر المولى بتركه مجوّزا له و مخرجا له عن المعصية انتهى ملخّصا.

و أنت خبير بانّ ما افاده دام بقائه في نهاية الجودة و لكن ليس هذا معنى الأخبار المذكورة لأنّها انّما هي بصدد الردّ على من اختار معصية الخالق لطاعة المخلوق و ليست في مقام بيان ان ترك الواجبات الأوّلية معصية.

نعم ان قال الامام (ع) لا طاعة لمخلوق في ترك الواجبات الأوّليّة لكان له وجه و انّما

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 62

قال (في معصية الخالق) و هو يتحقّق بعد إحراز أنّه معصية للخالق كما لا يخفى اللهمّ الّا ان يقال بانصراف قوله معصية الخالق الى ما كان معصية بعنوان الأوّلى كما انّه يمكن ان يقال انّ أدلّة تسلّط السّيد على المملوك لا يفيد السّلطة على إبطال عباداته الواجبة كالصّلوة و الصّوم و الحجّ إذا كانت واجبة و قد مرّ منّا انّ السّيد ليس مسلّطا على نفسه في إبطالها فكيف يسلّط على العبد في إبطالها فيبقى أدلّة وجوب إتمامها بحالها بلا معارض بلا فرق بين الحرّ و العبد كما لا يخفى.

المسئلة الحادية و الثّلاثون لو اذن السّيد له في الحجّ ثمّ رجع قبل تلبّس المملوك به لا إشكال في عدم جواز تلبّسه بالإحرام

إذا علم برجوعه و أمّا إذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به فهل يصحّ إحرامه و يجب إتمامه أو يصحّ و للمولى حلّه أو يبطل وجوه و الظّاهر انّ

السّيد ان منع عن الحجّ و اختار تركه فليس للمملوك اختيار في مقابل اختيار السّيد فهو باطل واقعا يظهر بطلانه بعد علم المملوك بالرّجوع و لكنّ ان كان مردّدا بنحو ليس له منع و لا اذن فالظاهر صحّة الحجّ لكنّ للسيد حلّه قبل إتمام الحجّ كسائر الموارد.

و لا يخفى انّ هذا الذي قلناه مبنيّ على ما استظهرناه من الأدلّة في المسئلة الثالثة و العشرين و غيرها من انّ الشّرط في صحّة إعمال المملوك عدم منع من السّيد و عدم اختيار له في مقابل اختياره و أما إذا قلنا باشتراط الاستيذان واقعا فهو باطل من رأسه و لا يجوز قياسه الى عمل الوكيل قبل العلم بعزله من طرف الموكّل و هذا لوجود الدليل على صحّة عمل الوكيل حينئذ بخلاف المملوك كما لا يخفى و كيف كان فقد عرفت ممّا بيّناه انّه لا وجه لأوّل الوجوه المذكورة أصلا كما لا يخفى.

المسئلة الثانية و الثّلاثون يجوز للمولى ان يبيع مملوكه المحرم باذنه

و ليس للمشتري حلّ إحرامه نعم مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ فيجب البحث فيه في مقامات ثلاثة الأوّل لا إشكال في جواز بيعه كسائر الموارد من البيع فالدّليل هو الدليل.

و أمّا الثّاني فلما عرفت سابقا من وجوب إتمام الحجّ عليه إذا كان شروعه في الإحرام بإذن السّيد فلا يجوز حلّه للبائع و لا للمشتري و ذلك لانّ الإتمام صار واجبا بالاذن و لا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 63

يجوز للسّيد قطع العبادة الواجبة كما عرفت شرحه في المسئلة (30).

و أمّا الثّالث اعني الخيار مع جهله به فلانّ المبيع ان كان نفس رقبة العبد و لكنّه بملاحظة الانتفاع به مثلا إذا كان العبد أجيرا لشخص آخر في مدّة مديدة ربما لا يرغب النّاس في شرائه

أصلا فإذا كان العبد بحيث لا يمكن الانتفاع به في مدّة فيصير كنقص في المبيع يوجب الخيار للمشتري و ذلك لعدم التزام المشتري باشتراء هذا النحو من العبد و عدم اقدامه عليه فوجوب الوفاء عليه محتاج الى الرّضاية عليه مع هذا الوصف فله الردّ لمخالفته مع المبيع حقيقة أو القبول لعدم تغايره معه عرفا فلا يحتاج الى عقد جديد كما لا يخفى.

و توجيه الخيار على النحو المذكور اولى من توجيهه بأنّه للشّرط الضّمني على البائع بكونه سالما عن هذا النّقص لبداهة انّ البائع ليس متعهّدا لهذه السّلامة أصلا لبيعه مع كونه عالما بإحرامه كما لا يخفى.

الّا ان يقال انّ البائع متعهد عرفا بتحويل المبيع مع منافعه فان العرف يحكمون بتعهّده كذلك و أنت خبير بانّا لا نحتاج الى هذا التّكليف بل يكفي في ثبوت الخيار عدم التزام المشتري بهذا المبيع كك و الحاصل انّ هذا ليس من قبيل الشرط الضّمني على البائع كما افاده جمع من المعاصرين بل من قبيل عدم الالتزام بهذا المبيع بالنّحو المذكور من طرف المشتري فليس البيع لازما الّا بتعقّب الرّضاية منه.

المسئلة الثّالثة و الثّلاثون لا إشكال في انّه إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه

و مع عدم التّمكن فعليه ان يصوم و ذلك لأنه كغيره من الأحرار يجب عليه ما يجب على سائر الأحرار كما لا يخفى.

المسئلة الرّابعة و الثّلاثون العبد الذي لم ينعتق فهل هديه عليه أو على مولاه أو عليه الصّوم

فنقول بناء على ما استظهرناه سابقا من انّ العبد يملك و لكن هو مع مملوكه لمولاه و انّ له ان يفعل ما يشاء ما لم يمنعه السّيد فان كان الحجّ بدون الاستيذان من السّيد و لكن لم يمنعه أيضا فلا يجب على السّيد شي ء فان كان للعبد مال يمكن ان يذبح من ماله ان لم يمنعه السّيد و الا فعليه الصّوم و مع عدم التّمكن يذبح بعد العتق براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 64

و ذلك لما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما في حديث قال سئلته عن المتمتّع المملوك فقال (ع) عليه مثل ما على الحرّ إمّا أضحية و امّا صوم «1» و ان كان حجّه بعد صدور الاذن من السّيد فالظّاهر انّ السّيد مخيّر بين الذّبح عنه من ماله أو من مال العبد أو أمره بالصّيام و ذلك لما رواه جميل بن درّاج عن ابي عبد اللّه (ع) عن رجل أمر مملوكه ان يتمتّع قال فمره فليصم و ان شئت فاذبح عنه «2» و أيضا في صحيح سعد بن ابي خلف سئلت أبا الحسن (ع) قلت أمرت مملوكي أن يتمتّع قال ان شئت فاذبح عنه و ان شئت فمره فليصم «3» و امّا خبر علي بن أبي حمزة سئلت أبا إبراهيم (ع) عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتّع ثمّ أهلّ بالحجّ يوم التّروية و لم اذبح عنه فله ان يصوم بعد النّفر فقال ذهبت الأيام التي قال اللّه تعالى الا كنت امرته ان يفرد الحجّ قلت طلبت الخير فقال (ع)

كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة و كان ذلك يوم النّفر الأخير «4» فهو محمول على رجحان أحد فردي التخيير للسيّد كما يدلّ عليه قوله (ع) (كما طلبت الخير) و امّا ما ورد عن الحسن العطّار قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أمر مملوكه ان يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أ عليه أن يذبح عنه قال لا لأنّ اللّه يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ «5» فهو محمول على عدم وجوبه عليه متعيّنا لجواز أن يأمره بالصّوم و الّا فلا يعارض ما تقدّم بضعف السّند أوّلا و اغتشاش متنه ثانيا فإنّ السّؤال عن وجوب الذّبح على السّيد و لكن الجواب معلّل بانّ العبد مملوك لا يقدر على شي ء.

المسئلة الخامسة و الثّلاثون إذا فعل المملوك ما يوجب الكفّارة فهل هي عليه أو على مولاه

في خصوص الصّيد أو مطلقا وجوه فالظّاهر أنّ كفّارة الصّيد إذا كان إحرامه بإذن مولاه على مولاه دون غيره من الكفّارات امّا الأوّل فلصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه (ع) قال كلّما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السّيد إذا اذن له في الإحرام «6» و في الوسائل قال و بهذا الاسناد مثله الّا انّه قال المملوك كلّما أصاب الصّيد و كيف كان فهو يدلّ على المطلوب و ان كانت الرّواية بالمضمون الأوّل براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 65

أيضا لأنّ قوله (أصاب) ظاهر في الصّيد.

ان قلت هذا ان لم يرد في بعض الأخبار عن عبد الرحمن ابن ابي نجران ما يعارضه و هو هكذا قال سئلت أبا الحسن (ع) عن عبد أصاب صيدا و هو محرم هل على مولاه شي ء من الفداء فقال لا شي ء على مولاه «1».

قلت أوّلا على فرض تسليم صحّة سند ابن نجران بينهما عامّ و

خاص مطلق لأنّ صحيحة حريز تدلّ على ثبوت الكفّارة على السّيد إذا اذن له و رواية ابن نجران مطلقة و بعد حمل المطلق على المقيّد يفيد انّ الكفارة إذا اذن المولى لإحرامه فهي على المولى و مع عدم الاذن ليس على المولى شي ء.

ان قلت لا بدّ من حمل رواية ابن ابي نجران أيضا على ما اذن المولى للإحرام و الّا فاحرامه غير صحيح أصلا قلت خبر ابن نجران ليس متعرّضا لصحّة إحرامه و بطلانه فلا دليل على صحّته حتّى يستلزم الاذن هذا مع انّه يكفي في صحّة الإحرام عدم منع المولى و ان لم يأذن أيضا بناء على ما قدّمناه سابقا نعم له إبطال إحرام العبد ح و كيف كان فلا يصلح للمعارضة مع صحيحة حريز و ثانيا هو معارض مع ما روى في الوسائل عن الرّيان بن شبيب في حديث سؤال القاضي يحيى بن أكثم عن أبي جعفر الجواد (ع) ما تقول في محرم قتل صيدا فقال أبو جعفر (ع) قتله في حلّ أو حرم (الى ان قال (ع)) و كلّما اتى به العبد فكفّارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه «2».

ان قلت هذه الرّواية عامّة تشمل كفارة غير الصّيد أيضا فبينهما عموم من وجه قلت لا فإنّها وردت جوابا عن القاضي و هو سئله (في محرم قتل صيدا) فهو ظاهر في خصوص الصّيد و لا أقلّ من عدم كونه ظاهرا في العموم أيضا و القدر المتيقّن هو كفّارة الصّيد.

ان قلت فحينئذ يقع التّعارض بين هذه الروايات كلّها أعني صحيحة حريز و رواية ابن نجران و رواية الرّيان فكلّها ساقطة عن درجة الاعتبار قلت لا تعارض بينها أصلا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 66

لأنّ

العرف يحكمون بالخاصّ أعني صحيحة حريز و يحملون كلّا من العامّين عليه مثلا إذا قيل أكرم العلماء ثم قيل لا تكرم العلماء ثم قيل أكرم العلماء النحويّين يأخذون الأخير شاهدا للجمع بين الأوّلين و يحكمون بوجوب إكرام العالم النّحويّ و حرمة إكرام العالم الغير النّحويّ و هكذا فيما نحن فيه بوجوب كفّارة الصّيد على السّيد إذا اذن له في الإحرام و عدم وجوبها عليه ان لم يأذن له.

ثمّ في المستمسك بعد فرض التّعارض بين صحيح حريز و رواية ابن نجران قال ثمّ بناء على فرض التّعارض يتعيّن الأخذ بالصّحيح (الى ان قال) لمّا كان موافقا لصحيحة الآخر الذي رواه المشايخ الثّلاثة بأسانيدهم المختلفة الصّحيحة كان أرجح من الآخر من باب التّرجيح بما وافق الكتاب بناء على انّ المراد من الكتاب بالمعنى الأعمّ من الكتاب و السّنة إلخ و أنت خبير بانّ مفاد صحيحي حريز كليهما واحد فان في أحدهما (المملوك إذا أصاب صيدا) و في الآخر (كلّ ما أصاب العبد) و الظّاهر انّ المراد من الثّاني أيضا هو اصابة الصّيد لا شي ء آخر فهما متّحدا المضمون سواء كانا في الأصل روايتين أو رواية واحدة فلا يصحّ ان يقال انّ الثاني مرجح بعد فرض التّعارض بين الأوّل و رواية ابن نجران.

أقول بل المرجّح بعد فرض التعارض انّما هو إطلاقات أدلّة الكفارات على المحرم فإنه لا فرق فيها بين الحرّ و العبد كما لا يخفى و أمّا الكفّارات سوى الصيد أو الصّيد الذي لم يكن المملوك مأذونا في الإحرام بناء على ما حقّقناه من كفاية عدم المنع في إحرامه فهي كلّها على شخص المملوك كما هو مقتضى القاعدة لأنّه أوجد موجبها و حينئذ فان تمكّن من أدائها

بإذن مولاه فهو و الّا يأتي بالصّوم بدلا عنه فيما كان له البدل و الّا يأتي بها بعد العتق و الّا فلا تكليف عليه للعجز نعم الظّاهر وجوب الاستغفار إذا لم يكن له عذر في ارتكابه و الّا فلا يجب الاستغفار أيضا كما لا يخفى.

المسئلة السادسة و الثّلاثون لو جامع المملوك المأذون زوجته قبل المشعر فهو كالحر

في وجوب الإتمام و القضاء في السّنة الآتية و الدّليل هو الدليل في الحرّ حرفا بحرف كما سيأتي و أما البدنة فهي كسائر الكفّارات و قد عرفت أنفا انّها على المملوك لا على براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 67

السّيد إلّا في كفارة الصّيد الذي اذن السّيد في إحرامه فلا جدوى في إعادته.

المسئلة السّابعة و الثّلاثون هل يجب على المولى تمكينه من القضاء أم لا

فالأظهر هو الأوّل لا لما ذكره في العروة من انّ الاذن في الشي ء اذن في لوازمه لمنعه أوّلا و إمكان الرجوع عن الاذن ثانيا بل لانّه لا يجب الاستيذان من السّيد في العبادات الواجبة فمنع السّيد عنه كمنعه عن الإتيان بفريضة الظّهر إذ لا فرق بين الواجب الأصلي من العبادات و العارضي كما مرّ نظيره في منع السّيد عن إتمامه الحجّ إذا كان مأذونا منه قبلا و من هنا ظهر لك ضعف ما قال في المستمسك من انّ الوجوب على المملوك و ان كان مقتضى عموم الأدلة لكنّه مزاحم بما دلّ على عدم جواز التّصرف في مال الغير بغير اذنه كما سبق فيكون من موارد اجتماع الأمر و النّهي و ذلك لانّه ليس للسّيد منع المملوك عمّا يجب عليه من العبادات بالذات كصلاة الظّهر أو بالعرض كقضاء الحجّ على المملوك إذا كان مأذونا في أصل الحجّ فلا مزاحم له و ليس من موارد اجتماع الأمر و النّهي كما لا يخفى على المتأمّل و قد عرفت انّه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق و سيأتي التحقيق منّا إن شاء اللّه تعالى في محلّه انّ الفرض هو الأوّل و أمّا الثاني فهو عقوبة.

المسئلة الثّامنة و الثّلاثون ان جامع العبد مع زوجته ثمّ انعتق قبل المشعر فلا إشكال في انّه كالحر

في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة و كونه مجزيّا عن حجّة الإسلام إذا اتى بالقضاء سواء قلنا بأنّ الأوّل حجّ و الثاني عقوبة كما هو كك لظاهر بعض الأخبار أو قلنا بالعكس و ذلك لانّ الاخبار انّما تدل على انّ الجماع قبل المشعر موجب لإتمام الحجّ و الإتيان به في العام المستقبل و البدنة فيجب علينا الامتثال بلا تفاوت بين ان يكون مقصود الامام (ع) انّ الأوّل حج و الثاني عقوبة أو بالعكس

بلا تفاوت بين الحرّ و العبد في ذلك كما لا يخفى.

المسئلة التّاسعة و الثّلاثون إذا أفسد حجّه بالجماع قبل المشعر و لكن انعتق بعد المشعر فالحكم كما ذكر

و لكنّه يكفي عن حجّة الإسلام بناء على القول بأن إتمام الأوّل عقوبة و الثّاني حج ان صدر عنه مستطيعا و امّا على القول بانّ الحجّ هو الأوّل و الثاني براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 68

عقوبة فلا يجزى الثاني عن حجّة الإسلام بل يجب عليه الحجّ بعده ان استطاع و لكن ان كان مستطيعا فعلا فهل يقدم حجّة الإسلام أو القضاء عقوبة فإن قلنا بانّ القضاء واجب موسّع و كان مستطيعا بالنّسبة إليهما بأن يأتي بهما في عامين فلا إشكال في وجوب تقديم حجّة الإسلام على القضاء بناء على انّها واجب فوري بخلافه و أمّا ان قلنا بانّ القضاء أيضا واجب فوريّ كما هو ظاهر الأخبار أو كان مستطيعا بالنسبة إلى واحد منهما و لا يقدر على كليهما فلا إشكال في تقديم القضاء لانّه واجب مطلق بخلاف حجّة الإسلام فإنّه مشروط بالاستطاعة و هي منتفية مع الإتيان بالقضاء فالواجب هو القضاء لا غير نعم ان لم يأت بالقضاء عصيانا فيمكن ان يقال بوجوب حجّة الإسلام لوجود الاستطاعة حينئذ فإنّه لم يكن مستطيعا إذا اتى بالقضاء و مع تركه يصير مستطيعا بالنّسبة الى حجّة الإسلام و حينئذ فإن تركهما معا يمكن ان يعاقب عليهما أمّا القضاء فلأنّه واجب مطلق عصى بتركه و امّا حجّة الإسلام فإنّها و ان كانت مشروطة و لكنّ الشّرط حاصل مع ترك امتثال الواجب المطلق كما لا يخفى.

تبصرة 1- قال في العروة في هذا المقام- و ان كان مستطيعا فعلا ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على انّ القضاء فوري أوّلا فعلى الأوّل يقدّم لسبق سببه و

على الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريّتها دون القضاء انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول قد عرفت ممّا بيّناه انّ تقديم القضاء عقوبة على حجّة الإسلام ليس لتقديم سببه لعدم اثر للتقديم في باب التّزاحم بل لانّه واجب مطلق بخلاف حجّة الإسلام فإنّه مشروط بعدم امتثال الواجب المطلق كما عرفت بل ليس مبنيّا على فوريّة القضاء أيضا لأنّه يجب تقديمه و ان قلنا بأنّه موسّع إذا علم بعدم قدرته على الامتثال مع التأخير عن هذه السّنة كما لا يخفى.

تبصرة 2- قد عرفت ممّا بيّناه انّ حجّة الإسلام مشروطة بالاستطاعة و هي منتفية مع امتثال الأمر المطلق لا نفس الأمر المذكور لأنّ الأمر المطلق بنفسه لا يسلب القدرة عن الواجب المشروط لانّه قادر و مستطيع أن يأتي بالمشروط مع ترك امتثال الأمر

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 69

المطلق و من هنا تعرف ما في كلام صاحب المستمسك في المقام (لانتفاء الاستطاعة بلزوم المبادرة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى من انّ وجوب الواجب إذا كان مانعا عن القدرة كان رافعا للاستطاعة) و ذلك لعدم انتفاء الاستطاعة بلزوم المبادرة و عدم ممانعة وجوب الواجب عن القدرة كما أوضحناه.

المسئلة الأربعون لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحجّ على المملوك

و عدم صحّته إلّا بإذن مولاه و عدم اجزائه عن حجّة الإسلام إلّا إذا انعتق قبل المشعر بين القنّ و المدبّر و المكاتب و أمّ الولد لإطلاق الأدلة و فتوى الأصحاب و لا اشكال فيه ظاهرا و أما المبعّض فالظّاهر انه لا يصدق عليه الحرّ لانّه يطلق على من كان بتمامه حرّا و لا المملوك أيضا لأنّه أيضا يطلق على من كان بتمامه مملوكا و لكنّ الظّاهر انّ الحرّية ليست شرطا في لسان الدّليل بل العمومات انّما تعلّق على النّاس في قوله

تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و لكن دليل المخصّص انّما يدلّ على خروج العبد و المملوك عن هذا العموم في قولهم (ع) و لا يجب على المملوك و هو ظاهر في من كان بتمامه مملوكا فمجموع العام و الخاص يدلّان على وجوب الحجّ على النّاس الّا من كان بتمامه مملوكا و عبدا فالمملوك المبعّض داخل في العام لا الخاصّ فيجب عليه حجّة الإسلام في نوبته إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية لإعمال الحجّ.

و يمكن ان يكون هذا مراد العلّامة الطّباطبائي أعلى اللّه مقامه الشريف في العروة الوثقى في قوله (و ان كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصّورة) اي انصراف لفظ المملوك عن المبعّض لظهوره فيمن كان بتمامه مملوكا و حينئذ يمكن التمسّك بعموم أدلّة وجوب الحجّ على المبعّض كما لا يخفى ان قلت قال في الجواهر (و من الغريب ما ظنّه بعض النّاس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ضرورة منافاته للإجماع المحكي من المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرّية المعلومة عدمها في المبعّض انتهى كلامه).

و حاصل كلامه انّ الإجماع منعقد على اشتراط الحريّة في وجوب الحج و الحرّ لا يصدق على المبعّض لانّه ظاهر فيمن كان بتمامه حرّا و على هذا فلا يجب عليه الحجّ مضافا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 70

الى انه يمكن ان يقال مع فرض وقوع التّعارض فيما هو شرط الوجوب بين مدلول الدليل اللّبي أعني الإجماع (و هو اشتراط الحرّية) و بين مدلول الدّليل اللّفظي أعني الاخبار (و هو اشتراط ان لا يكون مملوكا) يصيّر المخصّص مجملا من هذه الجهة و إجمال المخصّص المنفصل و ان لم يكن يسري الى العام و

لا يصيّره مجملا الّا انّه يسقطه عن الحجّية و على هذا فلا يكون عموم قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ حجّة في المبعّض كما لا يخفى.

قلت فيه أوّلا انّ الشّرط لا يكون الّا واحدا و لا يمكن ان يكون الدليل اللّبي مفسّرا للدّليل اللفظي بل الأمر بالعكس فيكون الأخبار مفسّرة للإجماع و ذلك لأنّها أظهر في المراد و ثانيا ان الإجماع المنقول ليس بحجّة و المحصّل منه غير حاصل و ثالثا لا يكون الإجماع المحصّل أيضا حجّة إذا كان مدركهم هو ما بأيدينا من الاخبار و كيف كان فوجوب الحجّ على المبعّض بحسب الأدلّة بلا إشكال لأنّه من الناس الذين يجب عليهم الحجّ في قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ إلخ و لا يكون مملوكا الذي يدل الاخبار على عدم وجوبه عليه لانّ المملوك ظاهر في من كان بتمامه مملوكا كما مرّ إلّا إذا انعقد الإجماع على عدم وجوبه على خصوص المبعّض و هو ممنوع جدّا بل لم ينقل الإجماع عليه و ان نقل الإجماع على اشتراط الحرّية مجملا كما لا يخفى على المتأمّل في كلماتهم.

الشّرط الرابع الاستطاعة

[الاستطاعة المالية]
المسئلة الحادية و الأربعون لا شكّ في اشتراط الاستطاعة

في وجوب الحجّ بالكتاب و السّنة بل الإجماع كما لا يخفى على من تأمّل في الكتب الفقهيّة و الاخبار و الظّاهر انّ المراد من الاستطاعة عرفا هو معنى يلازم القدرة على الشي ء بلا مشقّة و حرج لا يتحمّل عادة و لذا ورد في قوله تعالى في شأن الخضر مع موسى (ع) إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* «1» قال في مجمع البيان اي يثقل عليك الصّبر و لا يخفّ عليك و لم يرد انّه لا يقدر على الصّبر إلخ و قال في كتاب المفردات في غريب القرآن تأليف

العلّامة ابي براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 71

القاسم الحسين بن محمد المعروف براغب الأصفهاني (و الاستطاعة أخصّ من القدرة) الى ان قال أيضا (و قد يقال فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله فعلم انّ الاستطاعة في العرف بهذا المعنى لا بمعنى القدرة العقليّة فيقال لأمر كان شاقا لا استطيعه كما انّ في اللغة أيضا مأخوذ من الطّوع و لذا قال في الصّحاح و قوله تعالى فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ «1» قال الأخفش مثل طوّقت له و معناه رخّصت و سهّلت.

ثمّ لا يخفى انّ هذا المعنى هو الذي يدور عليه أحكام الاستطاعة في باب الحجّ لكثرة ورود الإشكال في الفروع الكثيرة التي سيأتي الإشارة إليها في محالّه ان شاء تعالى ان فسّرناها بالقدرة العقليّة و يأتي التّحقيق في معنى الاستطاعة في المسئلة الحادية و السّتين من هذا الكتاب في ذيل التنبيه الأوّل.

المسئلة الثّانية و الأربعون لا ريب في انّ من لم يكن له راحلة و لكن كان المشي له الى الحجّ سهلا يجب عليه الحجّ ماشيا

و هو الحقّ المحقّق و لكن ذهب جمع من الأصحاب رضوان اللّه عليهم الى عدم وجوب الحجّ عليه لزعمهم انّ الاستطاعة بمعنى الزاد و الراحلة و استدلوا بأخبار كثيرة مثل صحيحة محمّد بن يحيى الخثعمي قال سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه (ع) و انا عنده عن قول اللّه عزّ و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2» ما يعنى بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ أو قال ممّن له مال فقال له الحفص الكناسي فإذا كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه و له زاد و راحلة فلم يحج فهو ممّن يستطيع الحج قال نعم «3» و عن السّكونيّ عن ابي عبد اللّه (ع)

قال سأله رجل من أهل القدر فقال يا بن رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلخ أ ليس قد جعل اللّه لهم الاستطاعة فقال ويحك إنّما يعني بالاستطاعة الزاد و الرّاحلة ليس استطاعة البدن «4» و أيضا صحيح هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه (ع) في قوله عزّ و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 72

بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة «1» و غير ذلك من الأخبار المفسّرة في هذا الباب و غيره الدّالة على اشتراط التمكّن من الرّاحلة.

و الحاصل انّهم استدلّوا بهذه الأخبار انّ الاستطاعة معناه الزّاد و الراحلة و تخلية السّرب و صحّة البدن و غيره فلا يجب على من ليس له راحلة و لكن ذهب جمع من المتأخّرين إلى وجوبه ماشيا على من ليس له راحلة.

و يمكن الاستدلال لهم بوجوه الأوّل قوله تعالى وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ «2» فان الناس مأمورون بإتيان الحجّ رجالا اي ماشيا و لا ريب في انّ ظاهرها وجوبها عليهم لا يقال المخاطب في هذه الآية هو إبراهيم خليل الرّحمن (ع) فلا ربط لها بشريعتنا لانّه يقال أوّلا يستظهر من بعض الاخبار انّ المخاطب هو النّبي الخاتم (ص) كما في تفسير البرهان ذيل الآية الشريفة عن محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم (إلى قوله) عن أبي عبد اللّه (ع) قال انّ رسول اللّه (ص) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ثمّ انزل اللّه عزّ و جلّ عليه

وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا إلخ فأمر المؤذنين أن يؤذّنوا بأعلى صوتهم بانّ رسول اللّه (ص) يحجّ في عامه هذا فعلم من حضر بالمدينة و أهل العوالي و الأعراب فاجتمعوا لحجّ رسول اللّه (ص) (فذكر شرح اعمال النّبي (ص) في الحجّ الى ان قال) فلمّا كان يوم التّروية عند الزّوال أمر النّاس ان يغتسلوا و يهلّوا بالحجّ و هو قول اللّه عزّ و جل انزل على نبيّه (ص) فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ فخرج النّبي (ص) و أصحابه مهلّين بالحجّ الخبر و هي مفصّلة فيها شرح حجّ رسول اللّه (ص) و ثانيا على فرض انّ المخاطب هو إبراهيم (ع) فلا ريب في اشتراكنا مع أهل الشرائع السابقة خصوصا ملّة إبراهيم (ع) الّا ما خرج بالدليل خصوصا مع تمسّك الامام (ع) في الخبر المذكور بالآية المذكورة خصوصا مع إيذان النّبي (ص) بالحجّ بعد نزول هذه الآية الشريفة وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا إلخ و قد صرّح في كتاب اللّه تعالى في مواضع بوجوب متابعة ملّة إبراهيم منها قوله تعالى في سورة آل عمران آية 89 فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 73

و منها قوله تعالى في سورة الحجّ آية (77) ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ الآية و غيره من الأخبار و ثالثا مع الشّك في نسخ هذا الحكم يأتي استصحاب بقائه كما لا يخفى.

الثاني الأخبار الصّحيحة المعتبرة مثل صحيح معاوية بن عمّار سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل عليه دين أ عليه ان يحجّ قال نعم انّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان أكثر

من حجّ مع النّبي (ص) مشاة و لقد مرّ رسول اللّه (ص) بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدّوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم «1» و عن ابي بصير قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال يخرج و يمشي ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشي قال يمشي و يركب قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي قال يخدم القوم و يخرج معهم «2».

أقول لعلّه أريد به من لا يكون مهانا بالخدمة للقوم و لم يكن شاقّا عليه لعدم شأنه أو طاقته و الّا فلا يجب عليه الحجّ لدليل الجرح أو عدم كونه مستطيعا كما بيّناه في المسئلة قبلا مضافا الى عدم الإشكال في العمل بصدره و ان كان العمل بذيله مشكلا كما لا يخفى و صحيح محمد بن مسلم في حديث قال قلت لابيجعفر (ع) فان عرض عليه الحجّ فاستحيى قال هو ممّن يستطيع الحجّ و لم يستحي و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال قلت له من عرض عليه ما يحجّ به فاستحى من ذلك اهو ممّن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحي و لو يحجّ على حمار أجدع أبتر فإن كان يطيق ان يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ «3» الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي ذكرها موجب للتّطويل.

و الحق ان يقال انّ الأدلّة المذكورة خصوصا الآية الشّريفة المذكورة وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا

براهين الحج للفقهاء و

الحجج، ص: 74

إلخ مخصّصة للأخبار المرقومة أوّلا و هي أظهر فيجب العمل بها مع انّه المقتضى للجمع العرفي بينهما هذا مضافا الى انّ الاخبار المذكورة أوّلا إنّما وردت في مورد الغالب فان الغالب عدم التّمكن من المشي للحجّ خصوصا من البلاد البعيدة فإنّه غير ميسور ماشيا حتّى للمتمكّن من المشي بل من كان المشي له أسهل أيضا لبعد الطّريق فالمشي موجب للمشقّة الشديدة و الّا فإن فرض عدم تفاوت بين الركوب و المشي أو اسهليّته من الركوب فيجب الحجّ ماشيا لمن يتمكّن من الحجّ راكبا كما هو صريح الآية الشريفة بل الأخبار.

و لكنّ العلّامة الطباطبائي قدس اللّه نفسه قد قوّى القول بعدم وجوب الحجّ عليه و قال الأقوى هو القول الثّاني (أي عدم الوجوب) لإعراض المشهور عن هذه الاخبار مع كونها بمرئي منهم و مسمع فاللّازم طرحها أو حملها على بعض المحامل إلخ.

و حاصل كلامه انّه و ان كان مقتضى الجمع بين الأخبار هو القول بوجوب الحجّ و ليكن الأخبار الدّالة على وجوب الحجّ لا يمكن ان يكون مخصّصا للأخبار الأخرى و ذلك لإعراض المشهور عنها بعد رؤيتهم ايّاها و سماعهم فهذه الأخبار كالعدم لا تكون مخصّصة للأخرى.

و فيه أوّلا انّك عرفت دلالة الآية الشّريفة على وجوب الحجّ ماشيا اعنى قوله تعالى وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ و ثانيا انّه لم يثبت أعراض المشهور لاحتمال انصراف الفتاوى كالأخبار الى مورد الغالب من الاحتياج إلى الراحلة و السّير ماشيا موجب للحرج الشديد.

و ثالثا ذهب اليه جمع من الفقهاء أيضا خصوصا المتأخرين منهم كما اعترف به في العروة و قال ذهب جماعة المتأخّرين إلخ و رابعا أعراض المشهور لا يوجب ضعف التمسّك بها لجواز ان يكون سببه

موافقتها للعامّة بزعمهم و غفلوا عن تقديم موافقة الكتاب على مخالفة العامّة في التّرجيح كما يأتي.

لا يقال نعم و لكنّ الشّهرة حجّة بنفسها في مقابل الأخبار المذكورة و يكفي في حجيّتها قوله (ع) في رواية زرارة (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشّاذ النّادر فان براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 75

المجمع عليه لا ريب فيه).

لأنّه يقال و ان كان من المحتمل إرادة احدى المعاني الثّلاثة من هذه الرّواية.

أحدها الشهرة في الفتوى و ان لم تكن الشّهرة في الرّواية الثّاني الشهرة في الرواية بأن كان رواية متعدّدة يروون كلّهم عن الأئمة (ع).

الثّالث ان يكون الرّاوي عن الامام مثلا واحدا و لكن نقله عنه جماعة كثيرة و كانت الرّواية مشهورة بين الفقهاء- فالقدر المسلم هو شمول الرّواية للثاني من الاحتمالات بل الثالث أيضا على الظّاهر و أمّا الأوّل من الاحتمالات فلا يكون مشمولا للرّواية المذكورة كما يعلم من السّؤال المذكور فيها (فقلت يا سيّدي فإنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم) إذ لا يمكن ان يكون كلاهما مشهورين من حيث الفتوى و الذي يمكن هو شهرتهما من حيث الرّواية و على هذا فالشهرة في الفتوى ان كانت في المقام لا تكون مانعة عن حجيّة الأخبار الصّحيحة المعتبرة خصوصا إذا كانت الأخبار المذكورة مشهورة أيضا فإنّ هذه الرواية أيضا تدلّ على حجيّتها.

و الحاصل انّ كلّ طائفة من الاخبار مشهورة معتبرة فلا تعارض بينهما أصلا ان كان الاخبار العامّة منصرفة إلى موارد الاحتياج إلى الرّاحلة و الأخرى مختصّة بصورة عدم الاحتياج إليها أو التّعارض بالعموم و الخصوص و يجب حمل العام على الخاص كما في سائر الموارد.

تنبيه قد عرفت من مطاوي ما بيّناه انّه لا يمكن حمل الأخبار المذكورة على

التقيّة و ذلك لأنّها فرع التعارض و لا تعارض بينهما بنحو لا يمكن الجمع بينهما ثمّ مع فرض التعارض و عدم إمكان الجمع بينهما لا ريب في انّ الترجيح مع الأخبار الخاصّة إذ هي موافقة للكتاب اعني قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و مخالفة للعامّة إذ كثير من العامّة قائلون بعدم وجوب الحجّ عليه.

و على فرض شهرة القول بالوجوب بين العامّة كما لا يبعد ان يكون هذا سببا لذهاب جمع من الفقهاء كالشيخ و العلّامة و غيرهما الى عدم الوجوب و طرح هذه الأخبار الصّحيحة أو حملها على بعض المحامل كما ارتكبه صاحب العروة رحمة اللّه عليه.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 76

فنقول إذا دار الأمر بين موافقة الكتاب أو مخالفة العامّة فلا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني كما ورد في صحيح عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن الصّادق (ع) إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فخذوه و ما خالف كتاب اللّه فردّوه فان لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما على اخبار العامّة فما وافق اخبارهم فذروه و ما خالف اخبارهم فخذوه «1» بل يمكن ان يكون ادّعاء الإجماع على عدم الوجوب ناشيا من موافقته للعامّة و الإجماع قائم على وجوب مخالفة العامّة فيدّعون الإجماع لذلك و غفلتهم عن تقديم موافقة الكتاب على مخالفة العامّة كما لا يخفى على المتأمّل.

ثمّ لا بأس بصرف عنان الكلام الى بعض ما افاده سيّدنا المعاصر في المستمسك في هذا المقام و قال لكنّ الإنصاف أنّ التأمّل في نصوص الاحتمال الثّاني (أي وجوب الحجّ ماشيا) يقتضي البناء على الوجوب حتّى مع المشقّة الشّديدة أما صحيح معاوية «2» فلما

يظهر من قوله (ع) فيه و لقد كان أكثر من حجّ الى ان قال فشكوا اليه الجهد و العناء و أمّا خبر ابي بصير «3» يخرج و يمشي ان لم يكن عنده فالظّاهر منه انّه إذا لم يكن عنده ما يحج به يخرج و يمشي الى ان قال فيه يخدم القوم و يمشي معهم و كلّ ذلك ظاهر في الوجوب مع المشقّة اللّازمة من فقده ما يحتاج اليه و المهانة اللّازمة من الخدمة.

و أمّا صحيح ابن مسلم «4» فيظهر ذلك من قوله (ع) فيه و لو على حمار أجدع أبتر فإنّ المهانة اللّازمة من ذلك ظاهرة و نحوه مصحّح الحلبي «5» و على هذا يشكل الجمع المذكور و لا بدّ حينئذ ان يكون الجمع بحمل الاخبار الأول على صورة العجز حتّى مع المشقّة و الوقوع في المهانة و هذا الجمع من أبعد البعيد لانّه يلزم منه حمل المطلق على الفرد النّادر و حينئذ تكون النّصوص متعارضة لا تقبل الجمع العرفي و لا بدّ من الرجوع الى المرجّحات ان كانت و الا فالتخيير و لا ريب انّ الترجيح مع النّصوص الأول لموافقتها ما دلّ على نفى العسر و الحرج و مخالفة الثّانية.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 77

(لا يقال) النّصوص الأولى مخالفة أيضا لإطلاق الكتاب (لانّه يقال) إطلاق الكتاب لا مجال للأخذ به بعد ان كان محكوما لأدلّة نفي العسر و الحرج فموافقته لا تجدي في الترجيح) انتهى كلامه ادام اللّه إفاضاته.

و لكن لا يخفى على المتأمّل انّ فيما افاده موارد للنّظر أمّا أوّلا فصحيح معاوية ففيه (انّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين) و قوله أطاق أي قدر يعني كان قادرا على

المشي عرفا بدون مشقّة شديدة و لعلّ الّذين كانوا مع النّبي (ص) مشاة هم الّذين يقدرون على المشي بلا مشقة بل حرج و امّا شكايتهم من الجهد و العناء لعلّه ممّا وقع اتّفاقا كما يقع كثيرا ممّا يتفق في السّفر من الحرج هو المشقة لخصوصيّات تقع اتفاقا لا ان يكون الجهد و العناء لازما لسفرهم دائما أو غالبا خصوصا إذا كان دفع الجهد و العناء سهلا بشدّ الأزر و الاستبطان كما أمر بهما رسول اللّه (ص).

و أمّا ثانيا انّ رواية أبي بصير فهي أيضا مفسّرة للآية الشّريفة و انّ الاستطاعة بما ذا تحصل فقال ان لم يكن عنده راحلة يركبها يمشي فان لم يقدر على المشي تماما فيمشي بعضا و يركب بعضا و ان لم يقدر على المشي و يقدر على خدمة القوم و يخرج معهم فليفعل و قد عرفت هذا أيضا لا يكون في حقّ من لم يكن شأنه الخدمة بل من كان من شأنه الخدمة فليفعل و ليس شي ء من هذه الأمور مخالفا للاستطاعة الشرعيّة التي هي الاستطاعة العرفية كما يأتي شرحه ان شاء اللّه تعالى فلا تدلّ الرواية على خدمة تستلزم المهانة و لا على المشقّة كما لا يخفى.

و أما ثالثا فصحيح ابن مسلم و كذا مصحّح الحلبي لا يدلّان على المشقّة و لا المهانة فان الرّكوب على الحمار الأجدع الأبتر ربما لا يكون مشقة و لا مهانة بل يتحققان به نادرا لقليل من الناس فلا يكون حمل المطلق على المقيّد حينئذ بعيدا فضلا على ان يكون من أبعد البعيد و لا يلزم حمل المطلق على الفرد النادر و لا عدم إمكان الجمع بين الأخبار و لا يلزم الرجوع الى المرجّحات و

مع تسليمه فالمرجّح قوله تعالى في سورة آل عمران آية 91 وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلخ لا آية العسر و الحرج لعدم لزومهما أصلا فيما فرضناه.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 78

و أمّا رابعا فما ذكرنا فهو مع قطع النّظر عن قوله تعالى في سورة الحج آية (28) وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ إلخ و الّا فهو دليل على وجوب الحج ماشيا و على فرض ورود أخبار مخالفة لها يجب طرحها و ضربها على الجدار كما لا يخفى.

و الحاصل انّه لا اشكال لنا في وجوب الحج ماشيا على من كان مستطيعا للحجّ ماشيا و ان لم يكن له راحلة لوجوه الأوّل قوله تعالى وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا إلخ الثّاني الأخبار الخاصّة التي مرّ شرحها مفصلا الثالث عموم قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا بناء على ما مرّ من معنى الاستطاعة لغة و عرفا كما لا يخفى و قد عرفت ضعف ما افاده صاحب العروة و صاحب المستمسك أيضا فعلى هذا لا وجه لحمل الأخبار الخاصّة على الحجّ المندوب خصوصا مع انّ أكثرها مفسّر للآية الشريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و لا على من كان منزله قريبا من مكّة لأنّ الرّاوي فيها من أهل المدينة و غيرها و لا طلاقها و لا على من استقرّ الحجّ عليه سابقا لعدم الدليل عليه مع كون أكثرها آبيا عن الحمل على ذلك و لا يمكن حمل الآية الشريفة على القدر المشترك بين الوجوب و النّدب و الاستطاعة أيضا على القدر المشترك بين الاستطاعة التي هي شرط في الوجوب و هو

الراحلة بزعمهم و التي هي شرط في الاستحباب و هو القدرة العقلية و انّ الأخبار الدالّة على اشتراط الرّاحلة انّما هي شرط للوجوب و الاخبار الخاصّة وردت لشرط الندب لعدم دليل على ذلك كلّه هذا مضافا الى انّ الحمل على هذه الوجوه انما هو لعدم طرح الأخبار الخاصّة مع انّ طرحها أسهل من الحمل على هذه الوجوه كما لا يخفى.

المسئلة الثّالثة و الأربعون قد عرفت ممّا حقّقناه عدم اشتراط التمكّن من الراحلة إذا كان المشي ميسورا له

بين القريب و البعيد ذلك لإطلاق الأدلة المذكورة و لكن يمكن ان يقال انّ المشي في زماننا هذا من البلاد البعيدة صار معسورا بل غير ممكن عادة لأنّ الناس يسافرون الى الحجّ مع الطّائرة فلا يكون للماشي رفقة و لا منازل معدّة للماشي في أثناء السّفر و لا غير ذلك ممّا كان معدّة في الأزمنة السّابقة التي كانوا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 79

يسافرون مشاة أو راكبين على النّاقة و الحمار و نحوهما.

و الحاصل انّ المناط في الاستطاعة في كلّ زمان بحسبه فاذا كان مستطيعا اعني قادرا بسهولة على الحجّ ماشيا أو راكبا على الناقة أو الحمار أو السفينة أو السيارة أو الطيّارة أو غير ذلك يجب عليه الحجّ كما لا يخفى.

المسئلة الرابعة و الأربعون قد عرفت أيضا ممّا حقّقناه عدم اشتراط وجود الزاد و الراحلة عينا

بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من الأموال من المنقول و غيره حتى الأراضي و الدكاكين و الخانات و البساتين و نحوها لصدق الاستطاعة على مالكها بلا فرق بين تحصيل تمام الزّاد و الرّاحلة قبلا أو تحصيلها في أثناء السّفر شيئا فشيئا بمقدار الحاجة.

المسئلة الخامسة و الأربعون يعتبر في وجوب الحجّ القدرة على تحصيل المقدّمات

من المأكول و المشروب و المركب و كلّ ما يحتاج إليه في السّفر ذهابا و إيابا فعلا أو في أثناء السفر حتّى ما يأخذ منه الظّلمة بأيّ عنوان من العناوين و سائر ما يحتاج إليه في المسافرة بحسب حاله قوّة و ضعفا و زمانه حرّا و بردا و شأنه شرفا و ضعة لعدم صدق الاستطاعة بدونها كما لا يخفى.

المسئلة السّادسة و الأربعون إذا صار متموّلا في هذه السّنة و ذا ثروة كثيرة و لكن لم يجد إلّا مركبا ليس من شأنه ركوبه في المسافرة فلا إشكال في عدم وجوب الحجّ عليه

أصلا فإن خرج الى الحجّ هل يجزي عن حجّة الإسلام أم لا.

فان قلنا انّ عدم وجوب الحجّ انّما هو لقاعدة نفي العسر و الحرج لكونه حرجيّا عليه و الّا فاطلاقات وجوب الحجّ كانت شاملة له كما اختاره العلّامة الطّباطبائيّ في العروة بقوله (و ان كانت الآية و الأخبار مطلقة و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات) فالظّاهر اجزائه عن حجّة الإسلام و ذلك لأنّ هذه الحكومة انّما تنفي الوجوب لا أصل المشروعيّة لأنّ القاعدة انّما هي وضعت للامتنان و هو حاصل برفع اللّزوم فان اتى بالحجّ اتى بعين حجّة الإسلام.

و في الفرار عن هذا الإشكال لا يجدي ما أفاده العلّامة الحكيم في المستمسك بقوله براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 80

(اللهم الّا ان يستفاد ممّا دل على انّ الاستطاعة السّعة في المال أو اليسار في المال فإنّه لا يصدق مع العسر ففي رواية أبي الرّبيع الشّامي فقيل له فما السّبيل قال السّعة في المال إلخ) لأنّ المفروض في المثال الذي ذكرنا هو كونه ذا ثروة و ذا سعة في المال فلا بدّ في التفصّي عن هذا الاشكال تفسير الاستطاعة على النحو الذي ذكرنا فيه المسئلة (42) فان معناها عرفا هو القدرة على الإتيان بالحجّ بدون حرج و عسر فلا يشمله إطلاقات الآية و

الاخبار أصلا فإنّ حجّ ليس حجّة الإسلام أصلا و الّا فعلى مبني صاحب العروة بل المستمسك أيضا يشكل القول بعدم اجزاء الحجّ في المثال الذي بيّناه كما لا يخفى.

و قد عرفت في بعض المسائل السابقة منّا انّ الحجّ حقيقة واحدة لا تمايز بينها بحسب الوجوب و النّدب بل التمايز انّما هو باجتماع الشّرائط المعتبرة في الحجّ الواجب كالبلوغ و العقل و الحرّية و الاستطاعة و نحوها التي هي معتبرة في حجّة الإسلام فما اجتمع فيه هذه الشروط فهو حجّة الإسلام و الّا فلا و لا ريب انّ الحجّ ممّن لا يجد الرّاحلة إلّا ما هو دون شأنه فهو ممّن لا يستطيع الحجّ على ما فسرنا به الاستطاعة بخلاف ما فسّر به بعض الأعلام كما لا يخفى.

المسئلة السابعة و الأربعون من لم يكن له مال بمقدار الحجّ و لكن كان له كسب يشتغل به في السّفر

يمكن تحصيل مؤنة المسافرة دفعة أو تدريجا بحيث يمكنه تحصيل تمام ما يحتاج إليه في السّفر بدون حرج و عسر ففي صدق الاستطاعة إشكال و لا يبعد صدقها مع الاطمئنان لأنّ وجوب الحجّ لا يتوقف على التموّل بل على الاستطاعة من الحج.

المسئلة الثامنة و الأربعون من سافر من طهران الى امريكا مثلا و استطاع هناك بان يحجّ منه و عاد الى طهران أو غيره ممّا يقصده وجب عليه الحج

و ان لم يكن متمكنا من الحج من بلده لأنّه في امريكا صار مستطيعا فيجب عليه الحجّ و لا مدخل في المكان بعد حصول الاستطاعة و كذا لو حجّ متسكّعا فاستطاع قبل الميقات يجب عليه حجّة الإسلام بلا اشكال.

المسئلة التّاسعة و الأربعون من أحرم للحجّ فاستطاع بعد الإحرام فهل يجب عليه إتمام الحجّ مستحبا

و تأخير حجّة الإسلام إلى السنة الآتية ان كانت الاستطاعة باقية أو يجزي إحرامه لحجّة الإسلام أو يحتاج الى تجديد الإحرام من ميقات آخر ان كان امامه أو غيره فيه وجوه و استدل للأوّل بأنّه لا إحرام في إحرام لقوله تعالى في سورة البقرة آية (192) وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و لكن يمكن ادّعاء انصراف الآية عن الحجّ المندوب خصوصا في مقابل الحجّ الواجب و للثاني بأنّه لا فرق في حقيقة الحجّ فالحج المندوب هو الحجّ الواجب حقيقة فيجزي إحرامه عن إحرامه و فيه انّ وحدة الحقيقة لا تدلّ على وحدة المأمور به فان الفرد المندوب هو الحجّ قبل الاستطاعة و الفرد الواجب هو الحجّ بعد الاستطاعة مثلا إذا قال المولى أعط الفقير منّا من الحنطة بعد الظّهر فأعطيته قبله لا يجزي عنك مع انّ حقيقة الحنطة واحدة و كذا إذا قيل صلّ ركعتين بعد طلوع الفجر فأتيت بها قبله فلا يجزي عن الواجب و ان كان قبله مستحبّا.

و للثالث بعدم المانع لتجديد الإحرام بعد حصول الاستطاعة له الّا وجوب إتمام الحجّ المندوب و قد عرفت ضعفه خصوصا إذا قلنا بأنّ الإحرام ليس من اعمال الحجّ بل من شرائطه فلم يدخل في الحجّ بمجرّد الإحرام حتّى يجب الإتمام عليه و قد مرّ تحقيقات منّا في أطراف هذه المباحث في المسئلة (20) من هذا الكتاب فراجع و يأتي أيضا في المسئلة (129).

المسئلة الخمسون إذا وجد الطّيارة للحجّ مثلا و لكن لم يوجد شركاء يركبون معه فان لم يتمكّن من أداء أجرتها بتمامها سقط الوجوب

بلا اشكال و كذلك ان كان بذلها مجحفا و مضرّا بحاله و انّما الكلام إذا كان الضّرر كثيرا و لكن لا يكون مجحفا بحاله مثلا إذا كان الضّرر الف تومان و ثروته ألف ألف تومان أو أكثر فهل يجب الحجّ عليه أم

لا وجهان فعن العلّامة أعلى اللّه مقامه في نظير المسئلة في التذكرة قال (احتمل وجوب الحجّ لانّه مستطيع و عدمه لانّ بذل الزيادة خسران لا مقابل له) و لكن الظّاهر في هذا المقام تقديم أدلّة نفي الضرر لحكومته على أدلة الأحكام الأوليّة.

لا يقال هذا انّما يكون إذا كان للاحكام الأوّلية فردان ضرري و غيره فيخرج براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 82

الضّرري بلا ضرر و يبقى الباقي تحت الأدلّة باقيا مثلا للبيع فردان ضرريّ و غير ضرري فيرفع الضّرري منه بلا ضرر و يبقى الباقي و يحكم بلزومه كما لا يخفى بخلاف ما إذا كان الحكم الأوّلي ضرريا كلّه بنظر العرف نظير الحجّ فان كان قاعدة لا ضرر حاكمة على أدلّته لزم نسخ حكم الحج من أصله و عدم وجوبه مطلقا.

لأنّه يقال لا ريب في انّ مصارف الحجّ كلها ضرر بنظر العرف و أمر الشارع بتحمّلها و لكن بالمقدار المتعارف مثل ان يستلزم أداء اجرة الطّيارة بمقدار شخص واحد لا بتمامها فإنه يلزم عليه ضرر كثير غير ما هو المتعارف في الحجّ فإجراء قاعدة نفي الضّرر بلا اشكال.

لا يقال وجوب الحجّ انّما هو دائر مدار الاستطاعة فإذا صدق انه مستطيع يجب عليه الحجّ و امتثال الأمر ليس ضررا بنظر الشرع و ان كان ضررا بنظر العرف.

لأنّه يقال لا فرق في شمول أدلّة لا ضرر بين المقام و سائر موارد شمول أدلّة الأحكام الأوّلية فان في تمام أدلّة الأحكام يشمل موارد الضرر و قاعدة نفي الضرر حاكمة عليها و نافية لها فالأمر كذلك في هذا المقام فان عموم أدلّة الحج شامل للمقام لصدق الاستطاعة و لكن قاعدة نفي الضّرر تنفي الوجوب.

نعم في المقدار المتعارف من المصارف

للحجّ الّتي هي ضرر بنظر العرف فلا إشكال في عدم حكومة القاعدة على أدلّة وجوب الحجّ بل هذه واردة على القاعدة و يظهر منها انّه لا ضرر واقعا في امتثال حكم الشّرع بوجوب الحجّ.

و الحاصل انّه لا فرق في الضّرر إذا كان كثيرا بين ما إذا كان مجحفا بحاله أم لا فهو منفي بلا ضرر نعم يمكن الفرق بينهما بانّ الضّرر المجحف بحال الشخص يوجب عدم كونه مستطيعا بناء على انّ الاستطاعة معناه القدرة عليه بلا صعوبة كما عرفت معناه في المسئلة (42) و الّا فهما مشتركان في شمول القاعدة لهما.

و من هنا تعرف الفرق بينما نحن فيه و اشتراء الماء للوضوء بأضعاف قيمته فإنّه يجب الاشتراء للنّص الخاصّ و هو صحيحة صفوان سألت أبا الحسن (ع) عن رجل احتاج الى الوضوء للصّلوة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشتري و يتوضّأ أو يتيمّم قال بل يشتري قد أصابني مثل ذلك براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 83

فاشتريت و توضّأت و ما يشتري بذلك مال كثير «1» سواء أريد بذيلها أنّه طاعة اللّه فلذا اشترى مالا كثيرا أو أريد بأنّ الماء في مورد لا يوجد فقيمته كذا فهو مال كثير في هذا المورد و ان كانت قيمته قليلا في سائر الموارد.

نعم إذا كان الضرر بحيث انّه مجحف بحاله و لا يستطيع تحمّله عرفا فلا يجب اشترائه للوضوء لقاعدة لا ضرر بل لا حرج أيضا و ذلك لانصراف الصّحيحة المذكورة عن هذا المورد و شمول القاعدتين له بلا كلام مضافا الى انّه يمكن الاستدلال بخبر الحسين بن أبي طلحة قال سئلت عبدا

صالحا عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* ما حدّ ذلك قال فان لم تجدوا بشراء و غير شراء قلت ان وجد قدر وضوء بمائة ألف أو ألف و كم بلغ قال ذلك على قدر جدته «2» فان الجدة و ان كان بمعنى الثروة و لكن ليس المراد اشتراء الماء بمقدار تمام ثروته بل المراد بمقدار اقتضاء ثروته و هو يتفاوت بالنّسبة بحال الأشخاص كما أشار إليه الفقيه المتبحّر في مصباح الفقيه في السبب الثاني من أسباب التيمّم بقوله و غاية ما يمكن استفادته من النّصوص و الفتاوى انّما هو وجوب شرائه ما لم يكن مضرا بحاله كما أشار إليه الإمام (ع) بقوله (بقدر جدته) فان المتبادر منه ارادة استطاعته عرفا انتهى كلامه رفع مقامه و كيف كان فالظّاهر عدم وجوب الشّراء إذا كان الضّرر مجحفا بحاله بحيث لا يكون مستطيعا عرفا.

المسئلة الإحدى و الخمسون غلاء اجرة السّيارة أو الطّيارة أو نحوهما في هذه السّنة لا يوجب سقوط وجوب الحج

و لا التأخير عن هذه السّنة مع تمكّنه عن أداء الأجرة و لو كان بأضعاف أجرته ان لم يكن ضررا مجحفا بحاله و ذلك لصدق الاستطاعة الموجبة لوجوب الحجّ و عدم صدق الضّرر إذا صار أجرتها في هذه السّنة بهذا المقدار و هكذا لو نزل قيمة أملاكه و توقّف حجّه على بيعها بالقيمة النّازلة فإنّ قيمتها كك و لا يعدّ ضررا و لا حرجا فيجب الحجّ مع صدق الاستطاعة بخلاف ما إذا كان اقتراحا من المشتري فيشتريه بأقلّ من ثمن المثل لا لتنزّل السّعر فالظّاهر عدم وجوب الحجّ و ان كان مستطيعا.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 84

ان قلت انّ أدلّة الوجوب على المستطيع لمّا كانت متضمّنة لصرف المال كانت أخصّ من أدلّة نفي الضّرر

فتكون مخصّصة لها كما صرّح العلّامة المعاصر في المستمسك في ذيل المسئلة الثامنة من مسائل الاستطاعة من العروة.

قلت صرف المال في الحجّ بالمقدار المتعارف ممّا لا بدّ منه و الّا يلزم سقوط وجوب الحج من أصله و امّا الزائد على المقدار المتعارف بان يبيع أملاكه بأقلّ من قيمته المتعارفة و ان كان أدلّة وجوب الحجّ شاملا لهذا المورد أيضا لصدق الاستطاعة و لكن قاعدة لا ضرر حاكمة عليها و أمّا تخصيص أدلّة وجوب الحجّ للقاعدة انّما هو بالمقدار المتعارف من مصارف الحجّ لا أزيد.

و الحاصل انّ قاعدة لا ضرر حاكمة على أدلّة الأحكام الأوّلية إلّا في الحجّ و أمثاله بالمقدار المتعارف من المصارف و امّا المقدار الزائد عن هذا فهو مثل سائر الأحكام الأوّلية و قد عرفت نظير ذلك في المسئلة المتقدّمة فتم جيّدا فإنّه من مزالّ أقدام الأعاظم كما لا يخفى.

المسئلة الثانية و الخمسون كما يشترط الزاد و الراحلة للحجّ ذهابا كذلك يشترط التّمكن منهما إيابا لمن أراد العود الى وطنه

و ذلك لعدم صدق الاستطاعة على من لا يتمكّن من المراجعة أوّلا و دلالة اشتراط الزاد و الراحلة بنفسه على اشتراطه ذهابا و إيابا مثلا إذا قيل لك سافر الى طهران ان كان لك زاد و راحلة يفهم العرف من كلامه اشتراطهما ذهابا و إيابا و على هذا فلا نحتاج إلى قاعدة لا حرج في الاستدلال على المطلوب.

نعم ان أراد المسكن في بلد آخر يكفي تمكن الزّاد و الرّاحلة إلى ذاك البلد بشرط ان لا يكون نفقته أزيد من بلده و الّا يكفي تمكّنه من الزّاد و الرّاحلة إلى وطنه نعم ان كان محتاجا الى التوطّن في غير وطنه و كان العود الى وطنه حرجا عليه فيشترط التمكّن الى ذاك البلد لقاعدة لا حرج.

المسئلة الثّالثة و الخمسون ان لم يكن له من الأموال المنقولة و غير المنقولة إلّا ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه

كالدّار التي هي مسكنه و العبد المحتاج اليه و الثّياب المهنة بل التّجمل اللائق بحاله إذا كان لازما له و أثاث البيت و حليّ المرأة مع حاجتها

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 85

بالمقدار اللّازم بها في زمانها و مكانها بل الكتب اللّازم له و آلات الصنائع التي يحتاج إليها بل فرسه و السّيارة للرّكوب عليها مع الاحتياج إليها بل السلاح اللّازم له و الحاصل كلّ ما يحتاج إليه في معاشه فلا يجب بيعها للحجّ امّا لعدم صدق الاستطاعة عرفا ان كان أمواله منحصرا في ما ذكر بناء على ما بيّناه في المسئلة (42) من انّ الاستطاعة هي ما لا يكون صعبا عليه تحمّله و امّا لقاعدة نفي الحرج فان الحج و ان كان حرجيا خصوصا في الأزمنة السّابقة مع الرّكوب على الدّواب و أمثالها و لكنّ الحرج يقدّر بمقدار المتعارف منه اللّازم للحج و امّا الزائد عن المقدار المتعارف لعموم الحاج

فلا يجب تحمّله كما لا يخفى.

لا يقال لا يلزم حرج في المسافرة إلى الحجّ لأنه يقال و لكن وجوب الحجّ حينئذ مستلزم لوقوعه في الحرج و لا يمكن دفعه الّا برفع الوجوب و لا فرق في إجراء القاعدة فيما إذا كان نفس الحكم حرجيّا أو كان مستلزما له.

و لكن لا يخفى انّه مع انحصار أمواله فيما ذكر ممّا يحتاج إليه في معاشه فان باعه و حجّ به فهو لا يجزي عن حجّة الإسلام بناء على الأوّل ممّا عرفت من معنى الاستطاعة لعدم صدق المستطيع على هذا الشّخص و امّا بناء على الثاني أي إذا كان نفي الوجوب لقاعدة لا حرج فيمكن ان يقال باجزائه عنها و ذلك لأنّ قاعدة لا حرج إنّما تنفي الرّوم لا المشروعيّة لأنّ أصل المشروعيّة ثبت بالاستطاعة كما لا يخفى.

و لا يخفى أيضا انّه كلّ ما شكّ في الاستطاعة أو الحرج فالمرجع هو العرف فإن بقي الشكّ أيضا في الأوّل فالمرجع هو أصالة البراءة عن الحجّ و لا يجوز التّمسك بقوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و ذلك لعدم جواز التّمسك بالعام في الشّبهة المفهوميّة للمخصّص إذا كان كان متصلا كما إذا كان الشّك فيه من جهة الشك في مفهوم الاستطاعة لأنه لا إشكال في سراية إجمال المخصّص اعني قوله (مَنِ اسْتَطاعَ) الى العام لأنّ المجموع كلام واحد و لا يتمّ ظهوره الّا بعد تماميّته و الحاصل انّه يجب الحجّ على المستطيع و مفهوم هذا غير معلوم فلا يجوز التمسّك به.

و أمّا الثّاني أعني إذا كان المخصّص قاعدة لا حرج و هو مخصّص منفصل فقد يقال و ان كان للعام ظهور في العموم فيكون حجّة

في العموم و لا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 86

يكون الخاصّ إذا كان مردّدا بين الأقل و الأكثر حجّة إلّا في القدر المتيقّن و في هذا المقدار يرفع اليد عن ظهور العام قطعا و امّا أزيد من ذلك فليس دليل المخصّص حجّة فيه و لكن هذا صحيح في غير من كان عادته التخصيص بالمنفصل نظير النّبي الخاتم و الأئمة المعصومين (ع) و على هذا فالمخصّص المنفصل في كلامهم (ع) كالمخصّص المتّصل في كلام غيرهم فهو أيضا كالمجمل لا يجوز التّمسّك بالعام فيه الّا انّ الحقّ ان يقال لو كان الأمر كذلك لما جاز لأصحاب الأئمة (ع) التّمسك بكلامهم (ع) و ذلك لانّه كان كصدر كلام متكلّم قبل التكلّم بذيله و لما كان حجّة لهم و عليهم يظهر عدم كون كلامهم سابقا و لا حقا كالكلام الواحد المتّصل الصادر في مجلس واحد و على هذا فلا إشكال في جواز التمسّك بالعمومات و الإطلاقات الصادرة عنهم (ع) بعد الفحص لنا ان لم نجد مخصّصا مبيّنا كما لا يخفى.

نعم لا يجوز التمسّك بها قبل الفحص كما هو مبيّن في محلّه.

و الحاصل انّ التمسّك بعمومات وجوب الحجّ و إطلاقاته لا يصحّ على الأوّل بل يجري أصالة البراءة عن وجوب الحجّ بخلاف الثّاني فإنّه يمكن التمسّك بأدلّة وجوب الحجّ حتّى يتبيّن لنا انّه مصداق للحرج كما لا يخفى و على هذا يشكل ما يظهر من تقريرات بعض الأعاظم من المعاصرين فيما إذا كان مفهوم العسر و الحرج مردّدا بين الأقل و الأكثر و حكمه بعدم صحّة التمسّك بالعام و انّ المرجع هو أصالة البراءة من وجوب الحج و لا نطيل الكلام بذكره و قد ظهر جوابه ممّا بيّناه كما لا

يخفى.

المسئلة الرابعة و الخمسون من كان له دار موقوفة هي مسكنه و دار آخر مملوكة له

فان كان محتاجا إليها بأن يستفيد من إجارتها لمعاشه كلّا أو جزءا فلا يجب بيعها و كذا إذا كان مسكنه الدّار المملوكة و كان الانتقال إلى الموقوفة حرجا عليه و أمّا إذا كان الموقوفة كافية لمسكنه و ليس محتاجا إلى المملوكة و لا حرجا عليه بيعها فيجب بيعها و صرفها في مؤنة الحج و إذا حجّ متسكّعا فمع وجوب الحج عليه كان مجزيا عن حجة الإسلام و الّا فلا كما لا يخفى و كذا الحكم في الكتب إذا كان له كتب موقوفة و كتب ملكي له فمع عدم الاحتياج الى المملوك منها يجب بيعها لمئونة الحج و هكذا سائر

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 87

المستثنيات هذا إذا كان الدّار الموقوفة موجودة عنده و اما إذا تمكّن من تحصيلها فهل يجب عليه الحجّ أم لا فالظاهر عدم وجوبه لعدم صدق الاستطاعة حينئذ نعم يجب بعد تحصيلها كما هو أوضح من ان يخفى.

المسئلة الخامسة و الخمسون إذا كانت له دار لائقة بحاله بحيث لا يزيد عن شأنه و لكن ان باعها و اشترى دارا آخر بنصف ثمنه كانت هذه أيضا موافقا لشأنه فهل يجب البيع و الحجّ لصدق الاستطاعة أم لا

فهو على وجوه الأوّل ان يكون تبديلها صعبا أو مستلزما لأمور حرجيّة فلا يجب سواء قلنا بعدم صدق الاستطاعة حينئذ كما قدّمنا في مسئلة (20) و قلنا بحكومة قاعدة نفي الحرج الثاني ان يستلزم ضررا على البائع خصوصا في هذا الزمان لأنّ المعاملة في هذا الزّمان مستلزم للتضرّر كثيرا فيمكن ان نقول بعدم وجوبه أيضا بناء على ما بيّناه من حكومة قاعدة لا ضرر بالنسبة الى غير المتعارف من الضرر اللّازم للحجّ كما عرفت الثالث ان لا يستلزم حرجا و لا ضررا بل يمكن تبديله بسهولة فنقول بوجوب الحجّ حينئذ لصدق الاستطاعة عزما ثم لا فرق بين ان يكون التفاوت بين القيمتين قليلا أو كثيرا إذا كان التبديل سهلا لصدق الاستطاعة حينئذ بدون لزوم

الحرج و الضّرر كما لا يخفى.

المسئلة السّادسة و الخمسون لا يجب عليه بيع الدّار التي يحتاج إليها للسّكونة

و هكذا سائر المستثنيات مما يحتاج إليها و ذلك لعدم صدق الاستطاعة للحجّ عرفا بل و كذا لو باعها بقصد التبديل بدار آخر أو نحوها ممّا يحتاج إليها في معاشه فلا يجب صرفها في الحجّ لعدم صدق الاستطاعة عرفا و لا نحتاج حينئذ إلى قاعدة نفي الحرج بخلاف المسئلة الآتية.

المسئلة السّابعة و الخمسون إذا لم يكن له مسكن أو سائر المستثنيات ممّا يحتاج اليه لكن عنده ما يمكن شرائها به من النّقود أو نحوها فالظاهر وجوب صرفها في الحج

لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا الّا مع لزوم الحرج عليه فيرفع لزوم الحجّ دون مشروعيّته بقاعدة لا حرج و هكذا ان باع الدّار المسكونة أو غيرها ممّا يحتاج إليها لا بقصد التّبديل فان ثمنها يجب ان يصرف في الحجّ لصدق الاستطاعة عرفا الّا ان يكون حرجا عليه فيرفع لزومه بقاعدة لا حرج كما لا يخفى.

و لعلّ هذا هو مراد العلّامة الطّباطبائي في العروة في مسئلة (13) من مسائل شرط

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 88

الاستطاعة من الفرق بين المسئلتين و التمسّك بقاعدة لا حرج في الثاني دون الأوّل و لا يرد عليه ما في تقريرات بعض المعاصرين من الإشكال عليه قدّس سرّه بانّ المدرك في استثنائها هو قاعدة نفي العسر و الحرج و بناء عليه لا فرق في الحكم بذلك بينما إذا كان واجدا لأعيان المستثنيات أو كان واجدا لثمنها فإنّ الأمر بناء عليه دائر مدار لزوم العسر و الحرج الى آخره و ذلك لأنّك عرفت انّ المدرك فيهما مختلف ففي أحدهما عدم صدق الاستطاعة و في أحدهما لزوم الحرج كما عرفت كما لا احتياج الى توجيه بعض المعاصرين في المستمسك أيضا بقوله نعم قد تفترق المسئلتان باعتبار انّ بيع ما عنده أصعب من عدم شراء ما ليس عنده في نظر العقلاء و لا سيّما إذا جرت عادته على استعماله بحيث يكون ترك استعماله صعبا عليه

لصعوبة ترك العادة و ح قد يحصل الحرج في البيع و لا يحصل الحرج في ترك الشّراء إلخ كما لا يخفى على المتأمّل.

المسئلة الثّامنة و الخمسون إذا كان عنده ما يكفيه لمصارف الحجّ و لكن نازعته نفسه الى النّكاح فالظّاهر وجوب الحج

لانّ النّكاح مستحب لا يزاحم الواجب و لكن يمكن تقديم النكاح في موارد.

الأوّل ان يكون ترك النّكاح موجبا لوقوعه في الحرج فلا يجب الحجّ امّا لعدم صدق الاستطاعة عرفا كما عرفت في المسئلة (20) و امّا لقاعدة نفي الحرج.

الثّاني ان يكون ترك النكاح موجبا لمرض يوجب التّلف أو مرض غير قابل التحمّل و ذلك لعدم صدق الاستطاعة عرفا أيضا و امّا لوجوب حفظ النّفس و لا يعارضه وجوب الحجّ لانّه مشروط بالاستطاعة و لا استطاعة إذا كان ممتثلا للواجب المطلق اعني وجوب النكاح لوجوب حفظ النّفس و امّا لقاعدة نفي الحرج أيضا ثمّ على فرض التّزاحم بين الواجبين فيقدّم حفظ النفس كما سيأتي تحقيقه في المسئلة (118) من هذا الكتاب و أمّا إذا كان ترك النّكاح موجبا لمرض خفيف سهل المعالجة فلا يوجب سقوط وجوب الحجّ كما في التّزريقات لدفع الأمراض الموجبة للحمّى.

الثّالث ان يكون تركه موجبا لوقوعه في الزّنا بلا اختيار منه قهرا فهو أيضا كالثّاني فيما عرفت في الحرج أو عدم الاستطاعة عرفا أو تقديم الواجب المطلق اعني النّكاح للكفّ عن الزّنا على الواجب المشروط اعني الحجّ أو تقديم ترك المعصية على امتثال براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 89

الواجب إذا كان ترك المعصية أهمّ بنظر الشّارع مع التزاحم كما سيأتي تحقيقه في المسئلة (107) هذا إذا كان وقوعه في الزّنا بلا اختيار قهرا.

و أمّا إذا علم انّه مع ترك النكاح يقع فيه بسوء اختياره فلا يوجب سقوط الحجّ فيجب الحجّ و يحرم عليه الزّنا كما لا يخفى و كيف

كان فكل ما كان مدرك ترك الحجّ عدم الاستطاعة فلا يصح منه ان اتى به و كلّما كان مدركه قاعدة نفي الحرج فهو صحيح لأنّ القاعدة تنفي اللزوم لا أصل المشروعيّة.

المسئلة التّاسعة و الخمسون إذا لم يكن عنده ما يحجّ به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مؤنته أو بما تمّ به مؤنته فهو على وجوه

الأوّل ان يكون الدين حالًّا و كان المديون باذلا بمجرّد المطالبة أو بدونه فلا إشكال في وجوب الحجّ في هذه الصّورة لصدق الاستطاعة عرفا.

الثّاني ان يكون حالًّا و لم يكن باذلا الّا بالحرج و المشقة سواء كان مستلزما للرجوع الى الحاكم الشّرعي أو العرفي أو غيره ممّا يوجب الحرج فلا إشكال في عدم وجوب الحجّ لعدم صدق الاستطاعة أو لقاعدة نفي الحرج.

الثّالث ان يكون حالًّا و لا يكون باذلا الّا مع الرجوع الى الحاكم أو غيره لا للترافع و نحوه بل للوصول بدون استلزامه للحرج فالظّاهر وجوب الحجّ ح أيضا لصدق الاستطاعة عرفا بل ان كان مستلزما للترافع لسهولة بدون حرج و هذا المقدار من الزّحمة لا ينافي صدق الاستطاعة كما لا ينافيه إذا كان مفتاح الصندوق مفقودا فوجده بعد زحمات بدون ان يصدق عليه الحرج و ذلك لصدق الاستطاعة.

الرّابع ان يكون الدّين مؤجلا و امتنع المديون عن أدائه معجّلا فلا إشكال في عدم وجوب الحجّ ح ان لم يكن استطاع قبل هذه السّنة.

الخامس إذا كان الدين مؤجلا و بذله المديون معجلا فلا إشكال في وجوب الحجّ بعد البذل.

السادس إذا كان مؤجلا و لم يبذل المديون إلّا بالمطالبة فهل يجب الحجّ ح أم لا فالظّاهر عدم وجوب الحجّ لعدم صدق الاستطاعة كما افاده صاحب المستمسك و ذلك لانّ الاستطاعة موقوفة على مطالبة الدائن و أداء المديون فلا استطاعة قبلها فهو

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 90

تحصيل للاستطاعة و ليس بواجب نظير الاستقراض.

فما في العروة

في مسئلة (15) من مسائل الاستطاعة من وجوب الحجّ لو كان الدين مؤجلا و كان المديون باذلا قبل الأجل لو طالبه فهو مشكل جدا لعدم دليل على وجوب المطالبة و ما أفاده في الجواهر من منع الوجوب إذا بذله المديون قبل الأجل أشكل و ذلك لوجوب الحج مع البذل من غير المديون كما سيجي ء فكيف لا يجب مع البذل منه.

المسئلة الستّون من لم يكن له ما يحجّ به أصلا و لكن يمكن له الاستقراض لان يحجّ به فلا إشكال في عدم وجوبه

و ان كان متمكّنا من أدائه بسهولة لأنّه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب إجماعا إلّا في موارد الأوّل إذا كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحجّ فعلا الثاني ان يكون له مال حاضر لا راغب في شرائه.

الثالث ان يكون له دين مؤجّل لا يكون المديون باذلا قبل الأجل و لكن يمكنه الاستقراض للحجّ ثمّ وفائه بعد ذلك فهل يجب عليه الحج في هذه الموارد أم لا.

فقال العلّامة الطباطبائي في العروة (فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا إلّا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدّين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصّورة انتهى كلامه رفع مقامه).

و ما افاده قدّس سرّه لا يخلو من متانة و سداد فإنّه لا ريب في وجوب الحجّ مع صدق الاستطاعة عرفا و ذلك لأنه صاحب شأن و اعتبار يعرف بالصّدق و الأمانة مع وجود ما بحذائه من الأموال بالشرح المذكور فأخذه الوجوه من الأشخاص كأخذه من الصّندوق و لا إشكال إذا عدّ مستطيعا عرفا.

و لكن استشكله بعض الأساطين من المعاصرين في المستمسك شرحا على قوله في العروة (فالظّاهر وجوبه) في المسئلة (16) من مسائل شروط الاستطاعة الى ان قال (و المتحصّل انّ المستفاد من النصوص انّه يعتبر في الاستطاعة أمور الملك

للمال و كونه عنده و كونه ممّا يمكن الاستعانة به على السّفر و يظهر الأوّل من قولهم (ع) ان يكون له زاد و راحلة و يظهر الثاني من قولهم (ع) إذا قدر على ما يحجّ به أو كان عنده ما يحجّ به أو وجد ما يحجّ به و يظهر الشّرط الأخير من ذكر باء الاستعانة في قولهم (ع) ان يكون عنده ما يحجّ به فاذا لم يكن له ملك فليس بمستطيع و إذا كان ليس عنده كالعبد

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 91

الآبق و الدّين المؤجّل فليس بمستطيع و ان امكنه تبديله و إذ كان عنده و لكن لم يمكن تبديله بنحو يستعين به في السّفر و لو ببدله كالمال المرهون و المال الحاضر الذي لا يرغب أحد في شرائه فليس بمستطيع انتهى.

أقول و في كلامه موارد للنّظر أمّا أوّلا لا ريب في انّ الاستطاعة لها مفهوم واحد يعرفه أهل العرف كسائر المفاهيم المتعارفة فكلّ مورد يصدق الاستطاعة يحكم بوجوب الحجّ و كلّما شكّ في الصّدق يحكم بأصالة البراءة عنه و لا يلزم ان يعرّفه الشارع لنا.

و ثانيا الاخبار غالبها لا يفسّر مفهوم الاستطاعة فإنّه لا شكّ في انّ من له الزّاد و الرّاحلة مثلا ليس مفاد مفهوم الاستطاعة أصلا حتّى يقال انّ الاستطاعة شرعا هو بمعنى من له الزّاد و الرّاحلة بل هو أحد المصاديق لها مثلا إذا سألك شخص عن الماء و قال لك الماء ما هو فقلت في جوابه هو ما في البحر أو في الحوض مثلا فليس مقصودك تعيين مفهوم الماء بل تعريفه إجمالا و على هذا فان لم يكن له ملك و لكن أباح له شخص ما يمكن ان يحجّ

به فهو مستطيع كما يأتي في الأخبار البذليّة و لا يلزم ان يقال انّ الاستطاعة على قسمين الاستطاعة المالكية و الاستطاعة البذليّة كما يستفاد من كلام هذا النّحرير الفاضل المعاصر في بعض الموارد كما لا يصحّ ما أفاد في بعض الموارد انّ ما فسّر في بعض الأخبار بأنّه إذا قدر على ما يحجّ به أو عنده ما يحجّ به مطلق و الأخبار المفسّرة بمن له الزاد و الرّاحلة مقيّدة لأنّها تقيّده بالملك و يجب حمل المطلق على المقيّد لما عرفت من انها ليس في مقام بيان مفهوم الاستطاعة بل تعريف بعض مصاديقه إجمالا و يأتي ذيل المسئلة 72 و أيضا 75 ما هو نافع للمقام فراجع.

و ثالثا حمل المطلق على المقيّد انّما هو في الحكم الوارد عليهما كقوله أعتق رقبة مؤمنة بخلاف ما إذا قيل أعتق الرّقبة فقيل ما الرّقبة فقال تارة هو العبد المملوك و تارة قال هو المملوك المؤمن فإنّه لا يفهم من هذين الجملتين انّ المراد من الرّقبة هو خصوص المؤمنة بل الظّاهر انّ مطلق العبد المملوك رقبة كما ان خصوص الرّقبة المؤمنة أيضا رقبة فلا يمكن حمل المطلق على المقيّد هنا و السّر في ذلك ان المفسّر في مقام بيان تمام المراد فان لم يكن المطلق مرادا يلزم الإغراء بالجهل فلا بدّ ان يكون المطلق مرادا و المقيد يكون أحد مصاديقه.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 92

و رابعا المعاني المذكورة في كتب النّحو لكلمة اللام كالملك و الاختصاص و التّعليل و القسم في التعجّب و التّوقيت و بمعنى الى و غيرها فالظّاهر انها ليست معاني متعدّدة للّام بل هي موارد متعددة لاستعمالاتها فلها معنى واحد و مفهوم فأرد ينطبق على جميع

الموارد و هو ربط مخصوص فهو مشترك معنوي و على فرض الاشتراك اللفظي يحتاج إلى قرينة معيّنة لمعنى الملكيّة.

و خامسا على فرض ظهورها في الملكيّة انّما يحمل المطلق على المقيّد إذا كان المقيّد أظهر و ظهور اللام في قوله (ع) من له الزّاد و الرّاحلة في خصوص الملكيّة ليس أظهر من الإطلاق المستفاد من قوله (ع) من قدر على ما يحجّ به أو عنده ما يحجّ به و أمثالهما مضافا الى انّ شرط حمل المطلق على المقيّد ان يعلم وحدة المطلوب و انّ الحكم مربوط اما بالمطلق أو بالمقيّد و ليس المقام كذلك لاحتمال تعلّق الحكم عليها جميعا.

و سادسا المراد من قولهم (ع) (إذا قدر على ما يحجّ به) أو (كان عنده ما يحجّ به) أو (وجد ما يحجّ به) هو القدرة عليه بأيّ نحو من أنحاء القدرة و لو بالبيع و نحوه مثلا إذا أمكن بيع العبد الآبق مع الضّميمة يمكن صرف ثمنه في الحجّ كبيع سائر الأملاك و كذا الدّين المؤجّل يمكن تبديله بالبيع و غيره بثمن حالّ بل هو المتداول في الأسواق من تبديل الحوالات و أثمان الحالّ بالمؤجّل و المؤجّل بالحال و كثير من أهل السوق رءوس أموالهم عند غيرهم من الأشخاص فهم مستطيعون عرفا و حقيقة و العجب من هذا المحقّق الفاضل انّه حكم بأنّه ليس بمستطيع و ان امكنه تبديله و كذا الباء في قولهم (ع) (يحجّ به) ليس المراد صرف شخصه في الحجّ بل المراد ان يصير سببا للحجّ و لا ريب في انّ من كان له ألف ألف تومان مثلا من الأملاك التي لا راغب في شرائها فعلا يصير سببا لاعتبار مالكه و ان أخذ الأثمان من

النّاس فهو كأخذه من الصّندوق بلا فرق فيصدق انّه يقدر على الحجّ بسبب هذه الأموال.

و سابعا على فرض عدم شمول الأخبار المذكورة لهذه الموارد فلا يقدح في المطلوب أصلا بعد كونها من مصاديق عنوان الاستطاعة كما هو أوضح من ان يخفى و يأتي بعض الكلام في المسئلة (72).

المسئلة الحادية و السّتون إذا كان عنده ما يكفيه لمصارف الحجّ و لكن عليه دين

و دار الأمر بين ان يصرفه في الحجّ أو الدّين ففيه وجوه و أقوال لا تخلو عن ضعف و لمّا كان مناط الحكم هو معرفة معنى الاستطاعة و صدقها لا نحتاج الى ذكر الأقوال و التعرّض لوجه ضعفها بل يعلم من مطاوي ما نذكره إن شاء اللّه تعالى.

فنقول و باللّه الاستعانة قد مرّ منّا في المسئلة الحادية و الأربعين انّ الاستطاعة معناها القدرة على الشي ء بلا صعوبة و هي صادقة في المقام إذا رضي الدّائن بالتأخير في أداء الدّين مع وثوق المديون بل رجائه بأدائه و لو بعد موته بان يكون له أموال يؤدى الدّين منها سواء كان الدين حالًّا أو مؤجّلا.

و الحاصل عدم انزجار الدائن من تأخير الأداء الى زمان تحقّق التأدية و أمّا في غير هذه الصّورة يجب أداء الدّين لانّه واجب مطلق بخلاف الحجّ فإنّه واجب مشروط بالاستطاعة.

لا يقال انّه مستطيع اي قادر على الحجّ كقدرته على أداء الدين و كل منهما تحت قدرته و هو معنى الاستطاعة و مع عدم التّرجيح لأحدهما يتخيّر لانّه يقال لا إشكال في انّه يقدر على الإتيان بإحدى الوظيفتين امّا الحجّ وحده و امّا أداء الدّين وحده و لا يقدر على الجمع بينهما فلا يستطيع الحجّ إذا كان مؤدّيا للدّين و لا أداء الدّين إذا كان حاجّا و على هذا يتعيّن عليه أداء الدّين لانّه واجب مطلق و

ليس مشروطا بشي ء بخلاف الحجّ فإنّه واجب مشروط بالاستطاعة و قد عرفت أنّها منتفية إذا كان مؤدّيا للدّين.

ان قلت فكذلك لا يستطيع أداء الدّين إذا حجّ قلت نعم و لكن وجوب أداء الدّين ليس مشروطا بالاستطاعة شرعا فيجب مطلقا و مع امتثال أمر الدّين لا يستطيع الحجّ فليس بواجب.

ان قلت أ يبطل حجّه ان اتى به قلت لا بل عصى بتركه أداء الدّين و لكن حجّه صحيح لانّه كان بترك التأدية و عصيانه مستطيعا للحج.

و الحاصل انّ عليه أداء الدّين أوّلا ثم على فرض تحقّق العصيان بترك تأديته يستطيع الحجّ فيجب عليه في هذه الصّورة و يصحّ منه لو اتى به بل نقول في تركهما معا يتحقّق استحقاق عقوبتين لترك التّأدية و لترك الحجّ و سيأتي مزيد تحقيق في المسئلة (107) من هذا الكتاب فانتظر.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 94

لا يقال هذا إذا كان الدّين حالًّا و امّا مع التأجيل فلا مانع للحجّ و يصدق الاستطاعة فعلا لانّه يقال لا فرق بين الدّين المعجّل و المؤجّل فان لم يرض الدّائن بتأخير الدين عن موعده و لم يكن المديون واثقا بتأديته في الموعد فلا يجوز صرف المال في الحجّ بل يجب عليه إمساكه لأداء الدّين في رأس الموعد.

ان قلت لا يجب عليه أداء الدّين فعلا بل وجوبه مشروط بحضور موعده.

قلت أوّلا قيل انّ أداء الدّين واجب معلّق بإتيان موعده لا مشروط و قد حقّق في الأصول انّ ظرف الوجوب في الواجب المعلّق حاصل قبلا و ان كان ظرف الواجب مستقبلا فلمّا كان الوجوب فعليّا لا بأس بوجوب مقدّمته اعني إمساك المال لصرفه في أداء الدّين مستقبلا هذا على ما قيل و لكنّ التحقيق عدم الفرق

بين الواجب المشروط و المعلّق كما عرفت في المسئلة الخامسة من هذا الكتاب.

و ثانيا نقول بوجوب المقدّمات الوجوديّة قبل زمان الوجوب في الواجب المشروط أيضا مثلا إذا قيل يجب عليك ضيافة زيد ان جاءك يوم الجمعة و كنت تعلم بمجيئه في هذا اليوم و تعلم بعد التمكّن من تحصيل مقدّماته يوم الجمعة فلا ريب في وجوب تحصيل المقدّمات قبله مع القدرة عليها قبلا و مع التّرك تستحقّ العقوبة و المؤاخذة على ترك الضيافة يوم الجمعة و ذلك للتمكّن من تحصيل مقدّماتها قبلا و ان لم يكن متمكّنا بعد شرط الوجوب اعني مجيئه يوم الجمعة و قد مرّ بعض التّحقيقات منّا في ضمن المسئلة الخامسة من هذا الكتاب ممّا هو نافع للمقام أيضا فراجع.

و على هذا في الدّين المؤجّل أيضا ان حجّ يعاقب على ترك تأدية الدّين في موعده لانّه كان قادرا على التأدية بإمساك المال و عدم صرفه في الحجّ كما لا يخفى.

و يدلّ على ما ذكرنا من التّحقيق صدق المستطيع على المديون إذا رضي الدّائن بتأخير الأداء و كان المديون مطمئنا بأداء دينه بعدا بل في بعض الأخبار إشعار بذلك كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

و قد يستدل على وجوب تقديم أداء الدّين على الحجّ مطلقا بأمور الأوّل عدم صدق الاستطاعة مع وجود الدّين سواء كان مؤجّلا أو معجّلا مطالبا به أو لا و ذلك لتفسير الاستطاعة في بعض الاخبار باليسار مثل خبر عبد الرّحيم القصير المروي في براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 95

الوسائل «1» عن ابي عبد اللّه (ع) قال سأله حفص الأعور و انا اسمع عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

قال (ع) ذلك القوّة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممّن يستطيع قال نعم الحديث «2» و لا ريب في انّه لا يصدق اليسار و القوّة في المال مع وجود الدّين.

و فيه أوّلا منع عدم صدق اليسار مع القدرة على ما يحجّ به.

و ثانيا انّها كما فسرت باليسار في هذا الخبر فكذلك فسرت في بعضها الآخر بالزاد و الرّاحلة و في بعضها بالقدرة على ما يحجّ به و انّما الأخبار يفسّر بعضها بعضا فليس مفهوم الاستطاعة دائرا مدار صدق اليسار فقط بل يمكن صدقها مع كل واحد من هذه العناوين.

و ثالثا للاستطاعة مفهوم عرفيّ كما مرّ في المسئلة الحادية و الأربعين من هذا الكتاب لا يحتاج الى المفسّر و لا ريب في صدقها على المديون إذا رضي الدائن بالتأخير في الأداء الى زمان الأداء و كان المديون واثقا بالأداء.

الثاني اشتهار أهميّة حقّ الناس من حقّ اللّه تعالى فمع التزاحم يقدّم الدّين على الحجّ.

و فيه انه و ان كان مشهورا و لكن لا دليل على إطلاقه من الشارع و لكن يمكن ان يقال ان الفرق بينهما انّ مطالبة الحقّ من النّاس لعلّه أشدّ لعدم عفوهم عن حقوقهم بسهولة بخلاف ما إذا كان الحقّ للّه تعالى كما ورد في بعض الاخبار من انّ الظّلم ثلاثة فظلم لا يغفره اللّه و ظلم يغفره اللّه و ظلم لا يدعه اللّه فامّا الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشّرك و امّا الظّلم الذي يغفره اللّه فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين اللّه فامّا الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد و سيأتي ذكر من هذا الحديث في التّبصرة من المسئلة (142) من هذا الكتاب.

و الحاصل انّ العقل

حاكم على تقديم حقّ النّاس لعدم الابتلاء بمطالبتهم حقّهم يوم الحساب و لكن هذا لا يدلّ على أهميّة حقّ النّاس و لا ريب في انّ فعليّة الحكم تابع للأهمّ في مقام التزاحم هذا مع انّه انّما يفيد في موارد التّزاحم ممّا لا يدلّ دليل على براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 96

تقديم أحدهما لا فيما نحن فيه كما سيأتي شرحه.

الثالث صحيحة معاوية بن عمّار سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل عليه دين أ عليه ان يحجّ قال (ع) نعم انّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان أكثر من حجّ مع النبيّ مشاة و لقد مرّ رسول اللّه (ص) بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد و العناء فقال شدّوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم فان ظاهر هذه الصّحيحة انّ من عليه دين انّما يجب عليه الحجّ ماشيا إن أطاق المشي و الّا فلا يجب عليه الحجّ بل يجب صرف ماله في الدّين و لكن هذا بقرينة سائر الأدلّة محمول على الدّين الذي لا يرضى الدّائن بتأخيره أو عدم وثوق المديون بتمكّنه من الأداء بعدا و قد ذهب جماعة إلى تقديم الحجّ على الدّين.

و منهم العلّامة المعاصر في المستمسك قال و عن المحقّق الأردبيلي الوجوب و الظاهر انّه مذهب القدماء حيث لم يتعرّضوا لاشتراط الخلوّ عن الدّين و هو الحق لصدق الاستطاعة عرفا و المستفيضة المصرّحة بأنّ الاستطاعة ان يكون له مال يحجّ به (الى ان قال) و لا شكّ انّ من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا له فيصدق عليه انّ عنده مالا و له ما يحجّ به من المال للاتفاق على انّ ما يقرض ملك

للمديون و لذا جعلوا من إيجاب صيغة القرض ملكتك و صرّحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من أنحاء التّصرف و الأخبار المتضمّنة لوجوب الحجّ على من عليه دين بقول مطلق إلخ.

أقول مراده من الأخبار خبر عبد الرّحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه (ع) قال الحجّ واجب على الرّجل و ان كان عليه دين «1» و ما ورد عن معاوية بن وهب عن غير واحد قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) يكون عليّ الدين و يقع في يدي الدراهم فان وزعتها بينهم لم يبق شي ء فأحجّ بها أو أوزّعها بين الغرّام فقال (ع) تحجّ بها و ادع اللّه ان يقضي عنك دينك «2».

و ما ورد عن يعقوب بن شعيب قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل يحجّ بدين و قد حجّ حجّة الإسلام قال نعم انّ اللّه سيقضي عنه إن شاء اللّه تعالى «3» و مثل ما ورد عن براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 97

عبد الملك بن عتبة قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الرجل عليه دين يستقرض و يحجّ قال ان كان له وجه في مال فلا بأس «1» و ما ورد عن موسى بن بكر الواسطي قال سئلت أبا الحسن (ع) عن الرّجل يستقرض و يحجّ فقال ان كان خلف ظهره مال ان حدث به حدث ادى عنه فلا بأس «2» و مثلها غيرها من الأخبار الواردة بهذه المضامين.

و لكن فيه أوّلا انّ هذه الأخبار معارضة مع أدلّة القائلين بتقديم تأدية الدّين على الحجّ و مع الترجيح لموافقة الكتاب و هو اشتراط الاستطاعة في الآية الشريفة فمدار الحكم هو صدق الاستطاعة و قد عرفت عدم صدقها مع

عدم رضائه الدّائن بتأخير التأدية أو عدم وثوق المديون بأدائه بعدا.

و ثانيا يجب الأخذ بمعنى الاستطاعة و ان لم يقع التّعارض أيضا بين الأدلة كما عرفت مرارا.

و ثالثا كثير من هذه الأخبار المذكورة يستظهر منها أيضا وثوق المديون بتأديته بعدا كخبر عبد الملك و خبر موسى بن بكر و بعضها رجاء التأدية كرواية معاوية بن وهب و رواية يعقوب و غيرهما و كيف كان فلا اشكال مع الوثوق بتمكّنه من الأداء و كلّها منصرف عن مورد لا يرضى الدّائن بتأخير الأداء خصوصا مع ما يستظهر من معنى الاستطاعة كما لا يخفى.

و لكن بعد ذلك كلّه فنقول انّ وجوب الحجّ و أداء الدّين من قبيل الواجبين المتزاحمين فيجب تقديم ما هو الأهمّ منهما و يمكن ترجيح جانب الحجّ غالبا كما يفهم من الأخبار المذكورة أيضا و سيأتي تحقيقات منّا في المسئلة (107) من هذا الكتاب فانتظر.

تنبيهات
الأوّل ما حقّقناه هو ممّا يستفاد من مفهوم الاستطاعة الّتي هي مناط وجوب الحج لغة و عرفا

كما حقّقناه في المسئلة الحادية و الأربعين من هذا الكتاب و لا يقدح تفسير الاستطاعة في بعض الأخبار بالزّاد و الرّاحلة و في بعضها بالقدرة على ما يحجّ به و في بعضها باليسار و القوّة في المال و في بعضها ببذل ما يحجّ به و غير ذلك و ذلك لأنّها ليست مفسّرة لمفهوم الاستطاعة بل مفسّرة لبعض مصاديقها مثلا إذا وقع السّؤال عن الماء و قلت في جوابه تارة بما في الحوض و تارة بما في البئر و تارة بما في البحر و تارة بغير

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 98

ذلك من مصاديقها فلا يوجب الاختلاف في حقيقة الماء و لا يقع التّعارض بينها بل كلّها مشير الى مصاديقها فكذلك حال الأخبار المفسّرة للاستطاعة و هو معنى عرفيّ أعني القدرة

على الحجّ بلا صعوبة كما مرّ و كلّما فسّرت بشي ء آخر فيجب حمله على هذا المعنى و مع عدم إمكانه فهو مردود لانّه مخالف لظاهر الاستطاعة الّتي قيّد بها وجوب الحجّ في القرآن.

التنبيه الثّاني قد يتوهّم انّه يجب تقديم ما هو الأسبق سببا من الاستطاعة للحجّ أو الدّين

فان استطاع أوّلا ثم حصل الدّين يجب الحجّ و ان صار عليه الدّين أوّلا ثمّ صار مستطيعا يجب عليه أداء الدّين و فيه انه لا دليل على هذا التقديم أصلا بل يجب تقديم ما يقتضيه الدليل كما مرّ في المقام ثمّ مع عدم الدّليل يقدّم ما هو الأقوى مصلحة و الّا فالتّخيير كما لا يخفى.

التنبيه الثّالث قال في العروة يظهر من صاحب المستند (العلّامة الفاضل النّراقي أعلى اللّه مقامه الشريف) انّ كلا من أداء الدّين و الحجّ واجب

و اللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود و تقديم الحج في صورة الحلول مع الرّضا بالتأخير أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ و العود و لو مع عدم الوثوق بالتّمكّن من أداء الدّين بعد ذلك حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحجّ بلا مزاحم ففيه انّه لا وجه للتّخيير في الصّورتين الأوليين و لا لتعيين تقديم الحجّ في الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييريّا أو تعيينيّا مشروطا بالاستطاعة الغير الصّادقة في المقام انتهى موضع الحاجة أقول و في كلامهما مجال للنظر اما المستند فلما عرفت من كلامنا تقديم أداء الدّين على الحجّ في الصور الثلاثة المذكورة أعني لزوم الحرج أو كون الدّين حالا مع المطالبة أو مؤجلا مع المطالبة بعد حلول الأجل و العلم بعدم تمكّنه من الأداء بعد صرف ما في يده في الحجّ فلا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين من كلامه و لا لتقديم الحجّ في المؤجل مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدّين و امّا صاحب العروة أعلى اللّه مقامه فلمّا عرفت من صدق الاستطاعة فيما إذا لم يجب أداء الدّين لعدم المطالبة في رأس الموعد و عدم وقوعه في الحرج للدّين فما أفاد من قوله الاستطاعة الغير الصّادقة في المقام

بنحو

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 99

الإطلاق فلا يخلو من اشكال بل منع لما عرفت من التّفصيل في الصّدق.

المسئلة الثّانية و السّتون إذا دار الأمر بين صرف المال الذي عنده في الحجّ أو الزكاة فهل يقدّم الحجّ أو الزّكوة

فيجب التكلم في أمور الأول هل الزكاة تتعلّق بالعين أو الذمّة فلا إشكال في انّ ظاهر الأخبار هو الأوّل مثلا قولهم (ع) في أربعين شاة شاة و في خمس من الإبل شاة و في ثلاثين من البقر تبيع و فيما سقت السّماء العشر و في عشرين مثقالا من الذّهب نصف مثقال ظاهر في تعلّقه بالعين بمناسبة لفظ (في) و كذا صحيحة عبد الرّحمن بن ابي عبد اللّه قلت لأبي عبد اللّه (ع) رجل لم يزكّ ابله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها ان يزكّيها لما مضى قال نعم يؤخذ زكوتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكوتها البائع «1» و قول ابي عبد اللّه (ع) في رواية أبي المعزى انّ اللّه تعالى شرّك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم «2» و غيرها من الأخبار الظّاهرة في التعلّق بالعين كما لا يخفى.

الثّاني على فرض تعلّقها بالعين فهل هو نظير الرّهن أو عين منذور التصدّق أو الشّركة الحقيقية أو الكلّي في المعيّن أو استحقاق غرماء الميّت من تركته حقّهم أو من قبيل حقّ أرش الجناية في العبد أقوال و وجوه لا يخلو أكثرها أو كلّها من ضعف.

اما الأوّل فهو خلاف ظاهر الرّوايات المذكورة لأنّه في الحقيقة هو التعلّق بالذّمة و العين وثيقة.

و امّا الثّاني فمقتضاه عدم خروج العين من أموال صاحبها الّا بعد إخراج الزّكوة و أنت خبير بأن الأدلّة دالّة على شركة الفقراء في الأموال.

و أمّا الثالث فهو أيضا باطل لأنّه يقتضي حرمة تصرّف كلّ من الشّريكين في العين

بدون اذن صاحبه و عدم جواز دفع القيمة بغير رضاه و أنت خبير بجواز دفع القيمة و ليس لولي الزّكوة الامتناع من قبوله و تبعيّة النّماء للملك.

و أنت خبير بانّ النّماءات ليست لمستحقّ الزّكوة و ضمانة المالك مع التّفريط بالتأخير لمنافع مال الشّريك مع انّه ليس في المقام ضمانة للمنافع مع التّلف و ان يكون ضمان براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 100

العين في الأنعام بالقيمة لا بالمثل.

و أمّا الرابع فلا يمكن القول به في قولهم (ع) في خمسة من الإبل شاة بل انّما يتصوّر فيما إذا كان تمام اجزائه متساوية كصاع من الصّبرة مع انّه يلزم ان لا يكون تلف العين على وليّ الزّكوة مع انّ الضّرر يرد عليه أيضا.

و أمّا الخامس فإنّه إذا زاد التركة عن الدّيون و تلف بعض التركة بتلف سماويّ مثلا لا يضرّ بالدّائنين شيئا فلهم الاستيفاء لحقّهم فيكون نظير الكلّي في المعيّن و لكن في الماليّة لا في العين بخلاف الشّركة فيما نحن فيه فان التلف يوزّع بين المالك و الفقراء كما لا يخفى.

و امّا السّادس فلانّ المجني عليه مخيّر بين استرقاقه بمقدار حقّه أو قبول الفداء من سيّده بخلاف المقام فإنّه ليس الاختيار بيد ولي الزكاة بل الاختيار بيد المالك للعين كما لا يخفى و يأتي شطر من الكلام في المسئلة 134 من هذا الكتاب.

إذا عرفت هذا فالحقّ ان يقال ان تعلّق الزكاة بالعين نظير حقّ الثمن للزّوجة في الأبنية و العمارات فإنّه ليس من قبيل الأقسام الستّة المذكورة بل هو الشّركة في ماليّة الأعيان لا في نفس الأعيان فلا حقّ لوليّ الزكاة على خصوصيّات العين بل على ماليّتها كما لا حقّ للزوجة على خصوصيّات الأعيان بل لها

ماليّتها و على هذا فإن أدّاها المالك من غيرها فتبرأ ذمّته و الّا فلا يجوز له التصرف فيه أصلا بدون الإجازة من وليّ الزّكوة كما هو كذلك في حقّ الثمن للزّوجة كما لا يخفى.

و على هذا المعنى يحمل الأدلّة الدالّة على الشّركة فإنّها شركة في الماليّة لا في أعيان الأموال و لا يرد عليه ما يرد على الشّركة الحقيقيّة لأنّ ولي حقّ الزكاة يستحق ماليّتها فاذا دفعها المالك اليه فليس له الامتناع من قبوله كحقّ ثمن الزّوجة و ليس لولي الزكاة نمائات العين و لا يضمنها المالك مع التّلف و لا ينتقل ضمان العين في الأنعام بالقيمة لعدم كونها حقّا لولي الزّكوة حتّى ينتقل إلى القيمة بل الحقّ تعلّق من الأوّل على الماليّة و كذا بعد تلف العين.

الثالث لا إشكال في تقديم الزّكوة على الحجّ بناء على تعلّقها بالعين على الوجه الذي ذكرنا بل سائر الوجوه أيضا و امّا على القول بتعلّقها بالذّمة فهي كالدين المطالب به براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 101

لانّ أولياء الزكاة يطالبون فلا يستطيع الحجّ بل يجب صرفها في الزّكوة أيضا بناء على ما حقّقناه في الدّين و لا يبعد ترجيح ما هو الأهمّ منهما كما سيأتي في المسئلة 107.

و قد يستدل على تقديم الزّكوة لأنّها حقّ اللّه و حقّ النّاس معا بخلاف الحجّ فإنّه حقّ اللّه تعالى فقط و لكن لا يخلو عن ضعف لانّه يمكن ان لا يكون كلتا المصلحتين معادلة لمصلحة واحدة للحجّ و كانت هذه وحدها أقوى و أعظم منهما معا كما لا يخفى.

الرّابع إذا كان الحجّ قد استقرّ عليه سابقا أعني في السنة السابقة و الزكاة في هذه السّنة فلا إشكال في عدم سقوط وجوب

الحجّ عنه بل يجب و لو متسكّعا.

و امّا الزكاة فإن تعلّقت بالعين فلا يجوز صرفها في الحجّ بل يصرف في الزكاة و الّا فيمكن القول بالتخيير لعدم دليل على تقديم الأسبق كما لا دليل على تقديم حقّ النّاس بل ان كان منضما الى حقّ اللّه تعالى لما عرفت من إمكان ان يكون الحقّ الواحد أقوى و أعظم من الحقّين معا و كيف كان فلا يسقط الحقّ الآخر أيضا بل يجب عليه أدائه بعد التمكّن.

المسئلة الثّالثة و الستّون إذا كان له مال و دار امره بين صرفه في الحجّ أو الخمس فهو أيضا كدوران الأمر بين الحجّ و الزكاة

في تمام ما ذكر الّا انّه قد يقال انّ الأدلّة في باب الخمس ظاهرة في الشركة الحقيقيّة و لذا قال العلّامة النّراقي في المسئلة السّادسة عشر من المقصد الثالث من كتاب الخمس من كتاب المستند (مقتضى الآية و الأخبار تعلّق الخمس بالعين فيجب أدائه منها و لا يجوز العدول إلى القيمة إلّا إذا اعطى العين إلى أهلها ثمّ اشتراها منه.

نعم الظاهر جواز تولّي النّائب العام للمبادلة سيّما في سهم الإمام (ع) فإنّه يجوز له قطعا و لربّ المال القسمة بالإجماع و ظواهر الأخبار المتضمّنة لإفراز ربّ المال خمسه و عرضه على الامام و تقريره عليه) و كذا الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ «1» فإنّ إضافة الخمس الى ضمير الشي ء ظاهرة في الشّركة الحقيقيّة و كذا سائر الأدلّة.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 102

و لكن يمكن استظهار خلافه أيضا من بعض الأخبار كما في الوسائل في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) الى ان قال و عن الرّجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انّما يبيع منه الشّي ء بمأة درهم

أو خمسين درهما هل عليه الخمس فكتب امّا ما أكل فلا و اما البيع فنعم هو كسائر الضّياع «1» فإنّ الشّركة الحقيقيّة تقتضي بطلان البيع بدون إجازة وليّ الخمس كما أفاده في المستند مع انّ المشهور أفتوا على جواز أداء القيمة أيضا فنقول بالشّركة في الماليّة في الخمس أيضا بلا فرق بينه و بين الزّكاة كما مرّ مشروحا في المسئلة السابقة.

المسئلة الرّابعة و الستّون إذا شكّ في مقدار ماله و انّه وصل الى حدّ الاستطاعة أم لا هل يجب عليه الفحص أو لا

و كذا إذا علم مقداره و شكّ في مقدار مصرف الحجّ و انّه يكفيه أم لا فنقول هذا من الشّبهات الموضوعيّة المشهور عدم وجوب الفحص فيها بخلاف الحكميّة و اختار العلّامة الفقيه و المتبحّر في كتاب الصّلوة من مصباح الفقيه في الأمر الرّابع مما ينبغي التّنبيه عليه من صلاة المسافر ص 725 وجوب الفحص ما لم يكن حرجا عليه.

و حكى عن الأستاذ الأعظم المحقّق النّائيني قدّس سرّه وجوب الفحص في الجملة حتّى في الشّبهات الموضوعيّة مثل النّظر الى يده ليعلم أنّها قذرة أم لا مثلا.

و أمّا استأذنا الأعظم و الفقيه الأعلم العلّامة الحائري أعلى اللّه مقامه الشّريف قال في المسئلة السّادسة من مسائل صلاة المسافر ص 405 ما ملخّصه عدم إيجاب الأدلّة العقليّة و النقليّة للترخيص قبل الفحص امّا العقليّة فلوضوح انّ ملاكه عدم البيان و مع عدم الفحص يشكّ في تحقّقه إذ ليس المراد بالبيان المعتبر عدمه البيان الفعلي بل الأعم منه و مما يظفر به بعد الفحص بالمقدار المتعارف و لا فرق فيه بين الشّبهة الحكميّة و الموضوعيّة لوحدة الملاك و امّا النقليّة فلا مكان دعوى انصراف لفظ الشّك و عدم العلم عن مورد يمكن تحصيل العلم بسهولة و بمقدار متعارف من الفحص (الى ان قال) نعم خرج الشّبهة التحريميّة الموضوعيّة لقيام

الإجماع على الترخيص فيها قبل كالفحص و يبقى ما عداها من الشّبهة الحكميّة بقسميها و الوجوبيّة من الموضوعيّة تحت براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 103

القاعدة و اللّه العالم.

و يستظهر من كلام العلّامة الحافظ المتبحّر صاحب الحدائق (ره) في المقدّمة الخامسة من أوّل كتابه ما ملخّصه انّ الجاهل على قسمين الأوّل من كان غافلا عن الحكم بنحو لا يحتمل الوجوب أو التحريم الثاني من احتمل التكليف مع شكّه أو ظنّه فالقسم الأوّل معذور بخلاف الثاني يجب عليهم السؤال و الفحص.

و الحق ان يقال انّ الجاهل بالأحكام ليس له حكم فعليّ بل رخّصه الشارع في تركها سواء كان في الشّبهات الموضوعيّة أو الحكميّة و سواء في الشّبهات التحريميّة أو الوجوبيّة و لكنّ الفحص واجب في الحكميّة مطلقا دون الموضوعيّة فيجب التكلّم في المقامات الثّلاثة.

الأوّل هل الترخيص وارد من الشارع أم لا الثاني في كيفيّة التّرخيص و إمكانه الثّالث في وجوب الفحص في الشّبهات الحكميّة.

امّا الأوّل فلا إشكال في ترخيص ترك العمل بالواجبات و المحرّمات للجاهل بها لقوله (ص) وضع عن أمّتي تسعة خصال الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا اليه و ما استكرهوا عليه و الطّيرة و الوسوسة في التفكّر في الخلق و الحسد ما لم يظهر بلسان أو يد «1».

و عن الصادق (ع) أيضا كل شي ء مطلق حتّى يرد فيه نهي «2» و لصحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم (ع) قال سئلته عن الرّجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة هي ممّن لا تحلّ له ابدا فقال لا امّا إذا كان بجهالة فليتزوجّها بعد ما تنقضي عدّتها قال يعذر النّاس في الجهالة بما هو أعظم من

ذلك فقلت بأيّ الجهالتين يعذر بجهالته ان يعلم ان ذلك محرم عليه أم بجهالته انّها في عدة فقال احدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن اللّه حرّم عليه و ذلك لانّه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت هو في الأخرى معذور فقال نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور في ان يتزوجها «3» إلخ و أيضا رواية عبد الصّمد بن بشير عن ابي عبد اللّه (ع) قال جاء رجل يلبي حتى دخل براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 104

المسجد الحرام و هو يلبّى و عليه قميصه فوثب عليه الناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا شقّ قميصك و أخرجه من رجليك فان عليك بدنة و عليك الحجّ من قابل و حجّك فاسد (الى ان قال (ع)) فأخرجه من رأسك فإنّه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحجّ من قابل ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه إلخ «1» و رواية عبد الأعلى بن أعين قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عمّن لا يعرف شيئا هل عليه شي ء قال لا «2» و قوله (ع) كل شي ء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه و قوله (ع) النّاس في سعة ما لا يعلمون و أيضا عن جعفر بن محمد (ع) انّه قال رفع اللّه عن هذه الأمّة ما لا يستطيعون و ما استكرهوا عليه و ما نسوا و ما جهلوا حتّى يعلموا «3» و غيرها من الأخبار الواردة في الشّبهات الحكميّة أو الموضوعيّة أو مطلقا فلا إشكال في أصل الترخيص و انّه واقع من قبل الشارع.

امّا الثاني أعني كيفيّة الترخيص و الجمع بين الحكم الظّاهري و الواقعي و التخلّص من اشكال لزوم اجتماع الضّدين أو المثلين و الإرادة

و الكراهة فقد تفصّى القوم بوجوه موكول الى محلّه و الذي يقوّى في النّظر ان يقال انّ الأحكام الأوّليّة تعلّق بذات الموضوعات في حال التجرّد عن الخصوصيّات و العناوين الطارية مثلا قول الشّارع الخمر حرام تعلّق الحرمة على ذات الخمر بدون ملاحظة انّها مشكوك حرمته و لكن التّرخيص و الحلّية انّما تعلّق على الخمر باعتبار أنّها مشكوكة حرمتها و لا تعارض بينهما أصلا نظير سائر الأحكام الحيثى مثلا إذا قال الشارع الغنم حلال أي في حدّ ذاته بدون ملاحظة حال كونه موطوء و لا ينافيه قوله (ع) الغنم الموطوءة حرام فإنّه يرجع الى تعدّد الموضوع على هذا لا تنافي بين قولهم (ع) الخمر حرام و قولهم الخمر المشكوك الحرمة حلال و نظائره كثيرة في الأحكام الفقهيّة كما لا يخفى.

امّا الثالث فلا إشكال في انّ إطلاق الأدلّة المذكورة يقتضي عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة و الحكميّة سواء في الوجوبيّة أو التحريميّة و لكن يمكن ان يقال ان الدّليل قائم على وجوب الفحص في الشبهات الحكميّة و تحصيل العلم ان أمكن من الآيات و الأخبار مثل قوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* و في براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 105

البحار باب فرض العلم و وجوب طلبه (في المحاسن) ابي موسى ابن القاسم عن يونس قال سئل أبو الحسن موسى ابن جعفر (ع) هل يسع النّاس ترك المسئلة عمّا يحتاجون اليه فقال لا.

و في الحدائق في المقدّمة الخامسة من أوّل الكتاب بعد نقل الخبر المذكور قال و قول الصّادق (ع) لحمران بن أعين في شي ء سأله عنه انّما يهلك النّاس لأنّهم لا يسئلون و قوله (ع) لا يسع الناس حتّى يسئلوا و يتفقّهوا.

ثمّ قال في الحدائق و كذلك يدلّ على ذلك الأخبار المستفيضة بالأمر بطلب العلم و الأمر بالتّفقّه في الدّين و كيف كان فشارب الخمر مثلا يعاقب امّا على شرب الخمر مع العلم بحرمتها و امّا على ترك تحصيل العلم في صورة الجهل بأصل الحرمة هذا بخلاف الشّبهات الموضوعيّة فلا يعاقب فيها على ترك تحصيل العلم و الفحص و لا على ارتكاب شرب الخمر في صورة الجهل بأنّها خمر.

المسئلة الخامسة و الستّون من كان له نفقة الذّهاب و كان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج امره بعد العود لكن لا يعلم بقائه فهل يمكن استصحاب البقاء أم لا

فنقول ان كان قبلا بحيث كان كافيا لرواج امره بعد عوده ان كان حاجّا فلا إشكال في جريان الاستصحاب و امّا ان فرض انّه لم يكن كافيا و علم انّه ان كان باقيا صار كافيا لرواج امره فلا يكفي و هو الأصل المثبت.

و الحاصل ان جريان الاستصحاب موقوف على سبق العلم بكونه كافيا حين كان موجودا و كذا نقول فيما إذا شكّ في انّ أمواله الحاضرة تبقى الى ما بعد العود أو لا فان كان كافيا لرواج امره مع فرض عوده عن الحجّ فعلا يمكن استصحاب بقائه كافيا و امّا ان لم يكن فعلا كافيا و لكن لو كان بحيث يصير كافيا مع فرض بقائه و لم يكن كافيا فعلا فلا يجري الاستصحاب الّا على القول بالأصل المثبت.

المسئلة السّادسة و الستّون الظّاهر ان المناط في الاستطاعة هو القدرة على الذّهاب الى الحجّ في موسمه الى ان يأتي بتمام اعمال الحج
اشارة

من حيث التموّل و صحة البدن ان قلنا بها و تخلية السّرب و عدم مانع من عدوّ أو غيره و الحيوة.

و الحاصل انّ الاستطاعة عبارة عن تحقّق هذا المجموع في موسم الخروج الى الحجّ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 106

سواء خرج بعض الحجّاج أم كان هو أوّلهم فإن كان هذا المجموع مقدورا له قبل موسم الحجّ لا يكون مستطيعا لعدم قدرته على الحجّ بل لا يكون خروجه خروجا الى الحجّ مثلا من خرج من بلده لزيارة الأربعين في كربلاء من قبله بأيام يصدق الخروج لزيارة الأربعين و امّا بعد الأربعين ان خرج و قيل له لم خرجت فقال خرجت لزيارة الأربعين من السّنة الآتية فهو ممّا يضحك به الثّكلى و هكذا في المقام بعد أيّام الحجّ لا يصدق الخروج الى الحجّ و لا يعتبر الاستطاعة فيه الّا في الموسم و ما بعده فان كان قادرا على

الذّهاب في الموسم الى تمام اعمال الحجّ كان في الواقع مستطيعا و مع فقدان أحد الشّرائط لا يكون مستطيعا أصلا مثلا الصّوم واجب على من كان قادرا على الصّوم من الفجر الصّادق الى اللّيل و مع فقدان القدرة على الصّوم في بعض النّهار ينكشف عدم وجوبه أصلا.

و ممّا ذكرنا يعرف وجه جواز ازالة التموّل قبل موسم الحجّ لا فيه و ذلك لعدم حصول الاستطاعة قبلا فلا يجب الحجّ بخلاف ما بعده فمع تحقّق الاستطاعة واقعا و في علم اللّه يثبت الوجوب و ازالة الاستطاعة لا تسقط وجوب الحجّ بعد ثبوته فيجب و لو متسكّعا بخلاف زوال أحد الشّرائط بنفسه بدون أقدام المكلّف بأنّه يكشف عن عدم الاستطاعة واقعا كما لا يخفى.

ان قلت وجوب الحجّ مشروط بالاستطاعة و هي القدرة على مجموع التموّل و صحّة البدن و تخلية السّرب و فقدان المانع من عدوّ و غيره و لا يجب حفظ الموضوع مثلا يجب القصر على المسافر و الإتمام على الحاضر فكلّما كان حاضرا يجب الإتمام و كلّما كان مسافرا يجب القصر و لا يجب عليه الحضور كما لا يجب عليه السّفر بل يجوز تبديل الموضوع فكذا هنا يجب الحجّ على المستطيع و لكن يجوز له إزالة الاستطاعة قبلا و بعدا قبل إتمام الحجّ.

قلت ليس هذا من هذا و ذلك لما عرفت انّ الاستطاعة عبارة عن تحقّق مجموع أمور في الموسم إلى إتمام الحجّ واقعا بان كان قادرا على الذهاب الى الحجّ مع قطع النّظر عن إزالتها باختياره فمع تحقّقه ثبت وجوب الحجّ واقعا فإن أقدم على إزالة الاستطاعة من قبل نفسه لا يسقط الوجوب بل يكون عاصيا بترك الحجّ ان قلت بعد إزالة

براهين الحج للفقهاء و

الحجج، ص: 107

الاستطاعة لا يقدر على الإتيان بالحجّ قلت الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فإنّه كان قادرا على الذهاب الى الحج فان ترك الحجّ فهو بسوء اختياره و ليس هذا من قبيل المسافر و الحاضر لانّه من قبيل تبديل الموضوع بموضوع آخر و لكلّ منهما حكم يخصّه بخلاف هذا المقام فان الحجّ واجب على المستطيع و هو عبارة عن القادر على الذّهاب الى الحجّ و هو يحصل باجتماع الشّرائط المذكورة في موسم الحج واقعا و مع نقص أحد الشّرائط المذكورة ينكشف عدم الاستطاعة واقعا بخلاف ما إذا كان كلّها موجودا فأقدم المكلّف على ازالة بعضها أو كلّها فإنّه لا ينافي الاستطاعة كما لا يخفى.

تنبيهات
الأوّل قد عرفت من مطاوي ابحاثنا انّه لا مانع من ازالة التموّل قبل الموسم

بهبة أو صلح أو عتق أو نذر أو نكاح أو غير ذلك من أنحاء النّقل و الانتقال و ذلك لعدم تحقّق الاستطاعة قبل الموسم و لا وجوب الذّهاب الى الحجّ قبله فلا يشمله قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و لذا قال في المنتهى لو كان له مال فباعه قبل وقت الحجّ مؤجلا الى بعد فواته سقط الحجّ لانّه غير مستطيع و هذه حيلة يتصوّر ثبوتها في إسقاط فرض الحجّ على الموسر و كذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلمّا جاء وقت الخروج كان فقيرا لم يجب عليه و جرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الحول و كذا عبارة التّذكرة لو كان له مال فباعه نسية عند قرب وقت الخروج إلى أجل متأخّر عنه سقط الفور في تلك السّنة عنه لانّ المال انّما يعتبر وقت خروج النّاس و قد يتوسّل المحتال بهذا الى دفع الحجّ و غير ذلك من كلمات

الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و أمّا ما في الجواهر من قوله (و لا يخفى انّ تحريم صرف المال في النّكاح انّما يتحقّق مع توجّه الخطاب بالحجّ و توقّفه على المال فلو صرف فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج معه أو امكنه الخروج بدونه انتفى التّحريم قطعا فإن أراد من إمكان الحجّ بدون الوفد في الموسم فلا اشكال عليه بخلاف ما إذا أراد إمكانه و لو قبل الموسم كما هو الظّاهر ففيه ما لا يخفى و ذلك لعدم القدرة على الحجّ قبلا فلا يكون مستطيعا و لا يشمله قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا و ذلك لأنّه مستطيع على الخروج إلى سائر البلاد و له السّبيل إليها لا الى الحجّ لعدم بلوغ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 108

أوانه و كذا لا دليل على اعتبار شهر الحجّ إلّا في بلد يكون موسم الخروج الى الحجّ فيها لا مطلقا كما لا يخفى.

التنبيه الثّاني قد يقال ببطلان الهبة و الوقف و الصّلح و النّكاح و النّذر و العتق و سائر المعاملات بالمال الذي يستطيع به

و لعلّ نظر القائل بأنّ المعاملات المذكورة موجبة لإزالة الاستطاعة و هي موجبة لترك الحجّ الواجب فهي منهيّ عنها و النّهي في المعاملات موجب للفساد.

و فيه أوّلا انّ ازالة الاستطاعة لا توجب ترك الحجّ لإمكانه متسكّعا أو بالخدمة و ثانيا حرمة المعاملات المذكورة انّما هي لكونها مصداقا لإزالة الاستطاعة و هي مقدّمة لترك الحجّ الذي هو حرام و لا يكون حرمة مقدّمة الحرام الّا عقلا و الحرمة العقليّة لا توجب البطلان.

و ثالثا المقتضي لبطلان المعاملات انّما هو تعلّق النّهي بذات المعاملة لا بأمر خارج الى المقام لم يتعلّق النّهي بذات معاملة البيع و النّكاح و النذر و الهبة و الصّلح و الوقف و العتق و غيرها بل تعلّق

النّهي بأمر خارج عنها و هو إزالة الاستطاعة أو ترك الحجّ فلا يوجب البطلان أصلا.

و رابعا صرّح بعض الفقهاء بعدم اقتضاء النّهي في المعاملات البطلان أصلا و لكنّه لا يخلو عن ضعف لدعوى بعضهم الإجماع على البطلان و لإمكان دعوى انّ النّهي فيها كاشف عن عدم إمضاء الشّارع ايّاها بل ظاهر في عدم نفوذها و بعبارة فارسيّة (گذرا نبودن) و هو البطلان لا الحرمة التّكليفيّة نعم هذا فيما إذا تعلّق النّهي بذات المعاملة لا بأمر خارج كما عرفت.

التّنبيه الثّالث ان تصرّف في المال الذي يستطيع به بهبة أو صلح و نحوهما للفرار من الحج

قال العلّامة الطّباطبائي في العروة (أمكن ان يقال بعدم الصّحة) أقول امّا قبل الموسم بناء على ما حققناه فهو غير مستطيع لا إشكال في تصرّفاته و امّا في الموسم فصار مستطيعا و يجب الحجّ عليه و لو متسكّعا و امّا ان صار التّصرف موجبا لترك الحجّ فلا يوجب بطلان المعاملة و ان كان حراما عقلا بل و ان كان حراما شرعا لما عرفت من انّ النهي لم يتعلّق بذات المعاملة.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 109

ان قلت إذا كان النّهي تعلّق بالفرار عن الحج و كانت الهبة مثلا عين مصداق الفرار عن الحجّ يكون حراما و باطلا و لذا قال في العروة بإمكان عدم صحّته.

قلت على هذا أيضا لم يتعلّق النّهي على ذات عنوان الهبة و نحوها بل تعلّق على عنوان الفرار عن الحجّ و هو أيضا عنوان خارج عن عنوان الهبة و نحوها و لعلّه لهذا قال في العروة (أمكن ان يقال بعدم الصّحة) و لم يحكم به و كيف كان الفرار عن الحجّ هو أمر خارج لا يوجب النّهي عنه الفساد كما مرّ نظيره و اعترف به في العروة في هذا المقام.

التنبيه الرابع قال في العروة و الظاهر انّ المناط في عدم جواز التّصرف المخرج هو التمكّن في تلك السّنة

فلو لم يتمكّن فيها و لكن يتمكّن في السّنة الأخرى لم يمنع عن جواز التّصرف فلا يجب إبقاء المال الى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السّنة فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكانه بمسافة سنتين أقول من قال بأنّ الاستطاعة عبارة عن التموّل بقدر ما يحجّ به و لم يعتبر فيها القدرة من سائر الجهات كصحّة البدن و تخلية السّرب و خلوّ الطّريق عن العدوّ نحوها فلا بدّ ان يقول بمحض التموّل بقدر ما يحجّ به

يجب عليه الحجّ فان كان له مانع في هذه السّنة يجب حفظه إلى السّنة الآتية بل إلى الثّالثة.

و امّا على التحقيق من انّ المراد بالاستطاعة هي القدرة على الحجّ فلا بدّ من حصول مجموع التموّل بقدر ما يحجّ به و صحّة البدن و تخلية السّرب و خلوّ الطّريق عن العدوّ و بلوغ موسم الحجّ لعدم القدرة عليه قبله كما عرفت و هذا المجموع لا يحصل في ابتداء السنة فضلا عن قبلها بل لا بدّ من بلوغ أوان الحجّ حتّى يصير قادرا على الخروج الى الحجّ.

و على هذا فان صار متموّلا في محرم الحرام مثلا لا يجب عليه حفظه الى شهر ذي الحجّة الحرام بل يجوز له المعاملة و النّقل و الانتقال بأيّ نحو شاء و ذلك لصدق الاستطاعة و القدرة على الحجّ و الذّهاب إليه في موسم الخروج الى الحجّ و عدم صدقها قبلا لعدم القدرة على الإتيان بالحجّ و عدم صدق الخروج الى الحجّ.

المسئلة السّابعة و الستّون من كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو منضمّا الى ماله الحاضر

فان تمكّن من التّصرف في ذلك المال الغائب أيضا بأن يصرفه في مؤنة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 110

الحجّ و لو بان يبيع وكيله و أرسل ثمنه اليه فلا ريب في انّه مستطيع يجب الحجّ عليه سواء تملّك هذا المال بالإرث أو غيره بشرط ان يكون سائر شرائط الوجوب موجودة و الّا فلا يجب الحجّ لعدم تمكّنه منه و على هذا فان تلف هذا المال مع عدم التمكّن من التّصرف أصلا فلا ريب في عدم وجوب الحجّ و لا قضائه.

و امّا في صورة التمكّن من التصرف ففيه وجوه الأوّل ان يتلف المال بعد مضيّ زمان الحجّ بعد تحقّق جميع شرائط الوجوب قبلا الثّاني ان يتلف في موسم الحجّ و تحقّق

الشرائط و لكن كان التلف بتقصير منه و اختياره الثّالث ان يتلف قبل موسم الحجّ أو عدم تحقّق سائر الشّرائط الرّابع ان يتلف في الموسم لا بتقصير منه و اختياره سواء كان سائر الشرائط موجودة أم لا فلا ريب في انّ قضاء الحجّ واجب في الأوّل لاستقراره عليه كما هو أوضح من ان يخفى و كذا في الثاني كما مرّ سابقا و امّا الثّالث فلا يجب القضاء لعدم استقرار الوجوب كما مر نظيره و كذا الرّابع لانكشاف عدم كونه مستطيعا واقعا و على هذا فما في العروة من الحكم بوجوب الحجّ و استقراره عليه مع التمكّن في حال تحقّق سائر الشّرائط مطلقا لا يخلو عن ضعف كما يعرف ممّا حققناه.

المسئلة الثامنة و الستّون إذا وصل ماله الى حدّ الاستطاعة لكنّه كان جاهلا به أو غافلا عنه

ثمّ تذكّر بعد تلف المال قال العلّامة الطّباطبائي في العروة الوثقى (فالظّاهر استقرار وجوب الحجّ عليه إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة غاية الأمر أنّه معذور في ترك ما وجب عليه و حينئذ فإذا مات قبل التّلف أو بعده وجب الاستيجار عنه ان كان له تركة بمقداره و كذا إذا نقل ذلك المال الى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك انه بقدر الاستطاعة فلا وجه لما ذكره المحقّق القمّي (ره) في أجوبة مسائله عن عدم الوجوب لأنّه لجهله لم يصر موردا و بعد النّقل و التّذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقرّ عليه لانّ عدم التمكّن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي و القدرة الّتي هي شرط في التّكليف القدرة من حيث هي و هي موجودة و العلم شرط في التّنجز لا في أصل التّكليف انتهى كلامه رفع مقامه.

براهين الحج للفقهاء

و الحجج، ص: 111

أقول هذا مبني على ان الأحكام الواقعيّة حين الجهل بها هل هي فعليّة أم لا فعلى الفعليّة كما هو المشهور فالحكم كما أفاده في العروة و وافقه جمع من الفقهاء الرّاشدين رضوان اللّه عليهم أجمعين و امّا بناء على ما حقّقناه في المسئلة 64 من هذا الكتاب من انّ الترخيص حكم فعلى و مانع عن فعليّة الحكم الواقعي نظير الحكم الحيثي كقول الشارع الغنم حلال و الغنم الموطوئة حرام فان الحكم الأوّلي و هو الحلّية و ان كان موجودا و لكن لا فعليّة له إذا كانت حرمة الوطي فعليّة فلا اثر له أصلا فكذا فيما نحن فيه التّرخيص في ترك الحج حكم فعلي ليس معه الحكم الواقعي لوجوب الحجّ فعليّا أصلا فعلى هذا ما افاده المحقّق القمّي رحمة اللّه عليه في غاية الجودة فلا يجب عليه الحجّ وجوبا فعليا حين الجهل أو الغفلة و بعد التّذكر ليس مستطيعا فلم يجب عليه قضائه حيّا كان أم ميّتا كما لا يخفى.

هذا مع إمكان الاستدلال ببعض الأخبار أيضا كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) إذا قدر الرّجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» و كذا قوله (ع) من قدر على ما يحجّ به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فيه حتّى جاء الموت فقد ضيّع شريعة من شرائع الإسلام «2» فإنّ المراد بشغل يعذره اللّه فيه و ان كان واجبا آخر مزاحم للحجّ يصير سببا للخروج عن الاستطاعة للحجّ لما عرفت من انّ الحجّ واجب مشروط بالاستطاعة و الواجب الآخر مقدّم عليه إذا

كان مطلقا فيعذره اللّه به في تركه الحجّ مثلا لو كان له مريض ينجرّ الى التّلف ان سافر الى الحجّ فهو معذور في تركه الحجّ لحفظ هذا الشخص عن التّلف و لكن يفهم من هذين الحديثين انّ المناط هو جهة العذر لا المزاحم من حيث انّه واجب أو مزاحم نظير قولك أكرم زيدا العالم يفهم منه انّ المناط في وجوب إكرام زيد هو كونه عالما لا كونه زيدا ففي المقام أيضا يفهم انّ عدم ترك شريعة من شرائع الإسلام (بأن لم يكن الحجّ واجبا) منوط بالعذر سواء كان من جهة الواجب المزاحم أو الجهل أو الغفلة أو غيرها من الأعذار و لكن يمكن ان يقال انّه يحتمل ان يكون لزيد دخل في وجوب الإكرام و لا يكون الموضوع مطلق براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 112

العلم و لو في شخص آخر غيره فكذا في المقام يمكن ان يكون للشّغل اعني الواجب المزاحم دخل في عدم ترك الحجّ الواجب لا ان يكون الموضوع مطلق العذر و لو كان جهلا أو غفلة ثم ان الظاهر ان نظر المحقق القمي قدس اللّه نفسه في المقام هو الوجه الأوّل يعني عدم فعليّة الأحكام في حال الجهل لا الثّاني اي الأخبار المذكورة و ان وجّهه بعض المعاصرين به في المستمسك فإنّه لا دليل عليه أصلا.

المسئلة التّاسعة و الستّون من اعتقد انّه غير مستطيع فحجّ ندبا فالظاهر انّه يجزي عن حجّة الإسلام

إلّا إذا رجع الى التقييد بان يكون قصده عدم الإتيان بالحجّ الّا ندبا امّا عدم إجزاء الثّاني فواضح لأنّ العبادة تحتاج الى القصد و امّا إجزاء الأوّل فلأنّك عرفت في المسئلة (21) من هذا الكتاب انّ الحجّ حقيقة واحدة واجبة و مستحبّة فاذا اتى به المستطيع باعتقاد عدم الاستطاعة جهلا أو غفلة فيجزي لأنّه قصد

الإتيان بالحقيقة و عدم قصده الوجوب للجهل أو الغفلة لا يضرّ إذا كان واقعا مستطيعا نظير قصد الصّوم المستحب في شهر رمضان جهلا أو غفلة و قد مرّ منّا التحقيق في المسئلة (21) ما هو نافع في المقام فلا نعيد.

المسئلة السّبعون هل تكفي في الاستطاعة الملكيّة المتزلزلة لمئونة الحج

كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحجّ بشرط الخيار إلى مدّة معيّنة أو باعه محاباة كذلك ففيه وجوه الأوّل ان ينفسخ المصالحة أو البيع قبل اشتغاله باعمال الحجّ أو في أثنائه فلا ريب في انكشاف عدم الاستطاعة و عدم الوجوب واقعا.

الثّاني ان لا ينفسخ أصلا و لا ريب في كونه مستطيعا في الواقع الثالث ان لا ينفسخ الّا بعد تمام الأعمال فالظاهر اجزائه عن حجّة الإسلام لأنّه كان مستطيعا فيجب عليه الحجّ و ان وقع في الحرج و المشقّة بناء على انّ الحرج و المشقّة انما ينفيان الوجوب لا أصل التّشريع كما مرّ منّا هذا حكم المسئلة في الواقع و امّا حكمه في الظاهر فتارة يعلم المكلّف بالانفساخ فلا ريب في عدم وجوب الحجّ عليه فعلا و تارة يعلم بعدم الانفساخ فاللّازم إتيانه بالحجّ و تارة يحتمل الفسخ و عدمه فيأتي بالحجّ أيضا استصحابا لبقاء الاستطاعة و امّا في صورة انكشاف الخلاف ففي الأوّل يأتي بالحجّ لانّه كان مستطيعا واقعا و في الثاني.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 113

و الثالث لا يكفي حجّه عن حجّة الإسلام كما لا يخفى و كيف كان فلا وجه لما أفاده العلّامة الطّباطبائي في العروة من قوله في المقام وجهان اقويهما العدم لأنّها في معرض الزّوال إلّا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ لما عرفت من وجوب الحجّ مع احتمال عدم الفسخ للأصل تبصرة لو وهبه ما يكفي لأن يحجّ

به فان كان لذي رحم أو تصرّف فيه فلا إشكال في الاستطاعة و وجوب الحجّ و الّا ففيه وجهان من كونه ملكا متزلزلا نظير ما سبق و من كونه قادرا على التصرّف و عدم تسلط الواهب على الرّجوع فيصدق الاستطاعة مطلقا فان تسامح في التصرف و رجع الواهب فلا ينافي الاستطاعة لأنه كان مالكا و قادرا على إبقائه في يده بالتصرّف فهو نظير من كان مالكا لما يقدر معه الحجّ فقصّر في حفظه فلا يسقط عنه الحجّ لصدق الاستطاعة عليه كتلف المال بتفريطه و تقصيره و يأتي بعض الكلام في الهبة في المسئلة الثمانين.

المسئلة الحادية و السّبعون يشترط بقاء الاستطاعة ذهابا و إيابا في الحج

كما عرفت في المسئلة 52 بل يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله بل مقدار ما به الكفاية بعد الرّجوع كما يظهر من النّصوص و سيأتي الكلام فيه و لا اشكال فيه و امّا ان تلف ما يحجّ به فان كان قبل إتمام أعمال الحجّ فلا إشكال في عدم إجزاء حجّه عن حجّة الإسلام و ذلك لعدم الاستطاعة واقعا و ان كان بعده إيابا أو ما به الكفاية في الرّجوع أو مؤنة عياله بعد إتمام أعمال الحجّ فان كان دليل اعتبار هذه المؤنات قاعدة لا حرج فلا إشكال في اجزاء حجّه عن حجّة الإسلام و امّا ان كان دليله النصوص كما هو الظّاهر فقد يشكل اجزائه عن حجّة الإسلام و ذلك لانّ الاستطاعة عبارة عن التموّل بمقدار الزّاد و الرّاحلة ذهابا و إيابا و مؤنة العائلة و الرّجوع الى الكفاية جميعا و تلف ما بحذاء واحد منها كاشف عن عدم الاستطاعة واقعا لأنّ الاستطاعة عبارة عن التموّل بمقدار الجميع و سائر الشرائط جميعا من حيث المجموع فينتفى بانتفاء أحدها.

و لكن

يمكن ان يقال انّ الاستطاعة و ان كانت عبارة عن التموّل بمقدار مؤنة الذهاب و الإياب و العائلة و الرّجوع الى الكفاية جميعا و لكن يشترط وجوده بهذا المقدار في زمان الإتيان باعمال الحجّ فمن كان متموّلا بهذا المقدار و حجّ فحجّه مجزي عن حجّة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 114

الإسلام و ان صار تالفا بعد الإتيان باعمال الحجّ و لعله لذا قطع بالاجزاء صاحب المدارك كما حكى عنه قوله (فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحجّ لم يؤثّر في سقوطه قطعا و الّا لوجب اعادة الحجّ مع تلف المال في الرّجوع أو حصول المرض الذي يشقّ السّفر معه و هو معلوم البطلان انتهى) و حكى عن الذّخيرة أيضا.

و أمّا ما قال في العروة إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده الى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا وجهان لا يبعد الاجزاء و يقرّبه ما ورد من ان من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام بل يمكن ان يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحجّ أيضا أقول لعلّ وجه التقريب انّه كما بالتّلف ينكشف عدم الاستطاعة واقعا فكذا بالموت فان كان بقاء الاستطاعة إلى آخر الأعمال شرطا لما كان الإحرام و دخول الحرم مجزيا في الموت أيضا و لكن لا يخفى انّ هذا النحو من التقريبات نظير القياس و الاستحسانات الّتي لا نقول بها.

المسئلة الثّانية و السّبعون الظاهر عدم اعتبار الملكيّة في الزاد و الراحلة بل المعتبر هو صدق الاستطاعة سواء حصلت بالإباحة المالكيّة أو الشّرعيّة أو الوصيّة بل الهبة و البذل و أمثالها لما عرفت من صدق الاستطاعة و

القدرة على ما يحجّ به كما فسّرت الاستطاعة بها و عنده ما يحجّ به كما في بعض آخر و يجد ما يحجّ به كما في بعضها أيضا و من عرض عليه الحجّ أو ما يحجّ به فان عمومها يشمل ما ذكر و لكن يشترط فيما ذكر ان يكون سهل التّناول و الأخذ بخلاف ما إذا كان تناوله معسورا فان أباح له أو اوصى له أو وهبه أو بذل له مالا بمقدار ان يحجّ به و لكن تناوله يحتاج الى مقدّمات حرجيّة فلا يكون مستطيعا و لا يجب الحجّ بخلاف ما إذا كان مسلّطا على التّناول و الأخذ بسهولة.

قال العلّامة الطّباطبائي في العروة (مسئلة 30) الظّاهر عدم اعتبار الملكيّة في الزّاد و الرّاحلة فلو حصلا بالإباحة اللّازمة كفى في الوجوب لصدق الاستطاعة و يؤيّده الأخبار الواردة في البذل إلخ.

فقال العلّامة المعاصر في المستمسك (لا مجال للاستدلال به، صدق الاستطاعة) بعد ما

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 115

ورد في تفسير الاستطاعة بأن يكون له زاد و راحلة ممّا ظاهره الملك نعم في صحيح الحلبي إذا كان يقدر على ما يحجّ به و في صحيح معاوية إذا كان عنده ما يحجّ به أو يجد ما يحجّ به و هو أعمّ من الملك لكن الجمع بينه و بين غيره يقتضي تقييده بالملك و عدم الاجتزاء بمجرّد الإباحة مضافا الى انّه لم يظهر الفرق بين الإباحة المالكيّة و الإباحة الشرعيّة و ليس بنائهم على الاجتزاء بها في حصول الاستطاعة فلا يجب الاصطياد و الاحتطاب و أخذ المعدن و نحو ذلك إذا أمكن المكلّف ذلك لكونه مستطيعا بمجرّد الإباحة في التصرّف انتهى.

و في كلامهما نظر امّا صاحب العروة أعلى اللّه مقامه

فلتقييده الإباحة باللّازمة فإنّه لا فرق بين اللّازمة و غيرها إذا كان أخذه سهلا فإنّ الإباحة اللّازمة أيضا إذا كانت معسورا تناولها لا تفيد في الاستطاعة شيئا و ثانيا جعل الأخبار في البذل مؤيّدا للمطلوب مع إمكان الاستدلال بها كما عرفت منّا.

و أمّا صاحب المستمسك فأوّلا قوله (ع) (له زاد و راحلة) ليس اللّام فيه ظاهرا في خصوص الملكيّة بل يناسب الاختصاص أيضا كما يناسب في بعض الموارد للتّعليل أو التوقيت أو غيرها ففي كلّ مورد يناسب واحدا من المعاني المذكورة في النّحو و ان لم تكن هذه المذكورات من معاني اللّام بل لها معنى واحد و مفهوم فأرد و هو ربط مخصوص يفهم منها فالخصوصيات تجي ء من موارد استعمالها كما سيأتي الإشارة إليه في أثناء المسئلة (131) أيضا و ثانيا على فرض ظهور اللّام في الملكيّة انّما يحمل المطلق على المقيّد إذا ورد الحكم تارة على المطلق و تارة على المقيّد فيحمل المطلق على المقيّد لأنّه أظهر لا ان يرد الحكم على عنوان معيّن يعلم انّ الحكم انّما ورد على هذا العنوان لا غير و لكن شكّ في المراد من هذا العنوان ففسّر تارة بالمطلق و تارة بالمقيّد فإنه لمّا كان التّفسير في مقام بيان تمام المراد من هذا العنوان فلا يمكن ان لا يكون المطلق مرادا لانّه يلزم الإغراء بالجهل فعلى هذا إذا ورد حكم وجوب الحجّ على المستطيع فقيل ما الاستطاعة فلا يمكن ان يجيب الشّارع بالمطلق أو المجمل الّذين يحتاجان الى المقيّد و المبيّن لانّ الجواب بالمجمل عن السّؤال المجمل ليس عقلائيا إلّا في بعض الموارد

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 116

للاستهزاء و التّمسخر و على هذا نقول فاذا قيل مثلا

توضّأ بالماء فقال المخاطب ما الماء فقيل في جوابه ما في الحوض و تارة قيل في الجواب بما في البئر و تارة بما في البحر و تارة بأنّه جسم بارد سيّال بالطّبع يفهم منها انّ للماء مفهوما واحدا و معنى فاردا هو الأخير ممّا ذكر و باقي المذكورات في مقام تعيين مصداق من مصاديقه للإشارة إلى المراد منه إجمالا فلا يمكن التّقييد بواحد منها أو جميعها امّا الواحد منها يلزم ان لا يكون لباقي القيود دخل في الحكم امّا التّمام فيلزم ان يكون بينها جامع يشمل الكل و ليس غير المطلق المذكور في جواب السّائل ففي المقام إذا كان الحكم محمولا على الاستطاعة فقيل ما الاستطاعة فقال الشارع في جوابهم تارة بمن له الزّاد و الرّاحلة و تارة بمن يقدر على ما يحجّ به و تارة بمن كان عنده ما يحجّ به و تارة بمن عرض عليه الحجّ أو ما يحجّ به الى غير ذلك.

فيعلم منها انّ الاستطاعة هي القدرة على ما يحجّ به كما يؤيّده العرف و اللغة أيضا و باقي المذكورات من مصاديقها كما لا يخفى و الّا يلزم الإغراء بالجهل إذا قال هو القدرة على ما يحجّ به و كان المراد واقعا هو القدرة عليه بالملكيّة فقط.

و ثالثا كل من الإباحة المالكيّة و الشّرعية على قسمين امّا سهل التّناول و امّا صعب التّناول فالأوّل سهل التّناول منه كما إذا أباح له ما يحجّ به و نقل اليه المال و قال حجّ بهذا المال و امّا صعب التّناول منه كما إذا احتاج التّناول الى مقدّمات تكون عسرا على المباح له و الثاني أي الإباحة الشرعيّة أيضا على قسمين امّا سهل التّناول كما إذا

كان قائماً في حجر البحر و رأى جوهرا ثمينا من الجواهر يكفيه لمئونة حجّة فيمكن له الأخذ بيده فلا ريب في صدق الاستطاعة ح و امّا صعب التّناول كالاصطياد و الاحتطاب و أخذ المعدن ممّا يحتاج الى مقدّمات فما كان سهل التّناول منهما إذا حصل للشخص صار مستطيعا دون ما كان صعب التّناول كما لا يخفى.

المسئلة الثّالثة و السّبعون إذا نذر ان يزور الحسين (ع) في كلّ عرفة حصلت الاستطاعة فهل يقدّم النّذر مطلقا أو الحجّ مطلقا

أو ما يقدّم سببا أو لا تقديم لأحدهما إلّا مع كونه أهمّ أو تقديم النّذر ان تحقّق قبل الاستطاعة و ما هو الأهمّ ان تحقّق بعد

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 117

الاستطاعة كما هو مختار صاحب العروة أعلى اللّه مقامه ففيه وجوه.

الوجه الأوّل تقديم النّذر مطلقا لانّ الحجّ واجب مشروط بالاستطاعة بخلاف النّذر فإنّه واجب مطلق سواء قلنا بانّ الحجّ أهمّ من النّذر أو بالعكس و الحاصل انّ النّذر عذر و مانع شرعيّ دافع و رافع للاستطاعة و المانع الشّرعي كالمانع العقلي في الدّفع عن تحقّق الاستطاعة فلا يجب الحجّ.

و فيه انّ صيغة النّذر لا تأثير لها في الاستطاعة نفيا و إثباتا و ان كانت قبل تحقّق الاستطاعة لأنّ الاستطاعة بمعنى القدرة فإن كان المكلّف قادرا على الحجّ لا فرق بين ان يجري الصّيغة أم لا نعم يكون الوفاء بالنّذر مزاحما للإتيان بالحجّ في الخارج لعدم القدرة على الجمع بينهما و لذا قال جمع من المحقّقين بالتّزاحم و الأخذ بالأهم ان كان و الّا فالتخيير و لكن يمكن ان يقال انّ صيغة النّذر و ان لم تكن مزيلة للاستطاعة و لكن الوفاء بالنّذر يزيلها بدون فرق بين تقديم النّذر أو الاستطاعة فهو مسقط لوجوب الحجّ فالاستطاعة تحقّقها منوط بأحد أمرين الأوّل عدم وجوب العمل بالنّذر الثاني عدم الوفاء به

و ان كان واجبا.

و على هذا فان لم يف بالنّذر فهو مستطيع يجب الحجّ عليه و كذا ان لم يكن النذر واجبا فعليا و ان عمل به لانّه عمل لغو لا تأثير له أصلا و الحاصل ان الاستطاعة لا تتحقق فيما إذا و في بالنّذر و كان العمل به واجبا فالمتعيّن العمل بالنذر كما لا يخفى.

ان قلت مع الإتيان بالحجّ أيضا لا يقدر على الوفاء بالنّذر فيجب الحجّ دون النّذر أو يقع التّزاحم بينهما.

قلت نعم و لكن الحكم في النّذر لم يتعلّق على المستطيع بخلاف الحجّ و على هذا فالحكم بالوفاء بالنّذر واجب مطلق ليس معلّقا على شي ء بخلاف الحجّ فإنّه واجب بشرط الاستطاعة و هي منتفية مع الوفاء بالنّذر الذي كان واجبا مطلقا و قد مضى شرحه في المسئلة (61) و مضى الإشارة الى أنّ الحق انّهما من قبيل الواجبين المتزاحمين كما سيأتي شرحه في المسئلة (107) من هذا الكتاب فانتظر.

و يمكن الاستدلال لوجوب العمل بالنّذر أيضا بما ورد في صحيح الحلبي إذا قدر

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 118

الرّجل على ما يحجّ به ثمّ رفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1» فإنّه يدلّ على انّ مطلق العذر رافع لوجوب الحجّ و لا ريب في انّ الوفاء بالنّذر عذر فيكون رافعا للوجوب و فيه عدم الدّليل على انّ النّذر شغل يعذره اللّه فيه.

الوجه الثّاني تقديم الحجّ على النّذر و ذلك لعدم انعقاد النذر أصلا بعد تحقّق الاستطاعة و انحلاله ان كان قبلها لوجهين.

الأوّل لاشتراط النّذر حدوثا و بقاء برجحان المنذور من حيث نفسه و مع غضّ النّظر عن تعلّق النّذر و هو يوجب انحلاله بالاستطاعة.

و حاصل

مرامه انّ المنذور لا رجحان له لأدائه إلى ترك الحجّ الواجب و فيه انّ الرّجحان المعتبر في المنذور هو اعتباره في حدّ نفسه لا بالنّظر الى واجب آخر فان المنذور في المقام هو زيارة الحسين (ع) يوم عرفة و الأضحى مثلا و هو في حدّ نفسه راجح و امّا أدائه إلى ترك الحجّ فليس مربوطا بالرّجحان المعتبر في المنذور نعم يمكن ان يقال انّ المنذور و ان كان راجحا و لكنّ النّذر بنفسه مرجوح لكونه موجبا لترك الواجب اعني الحجّ فلا يشمله أدلّة الوفاء بالنّذر كما سيجي ء في الوجه السّادس.

الثاني لكونه من قبيل الشّرط المخالف للكتاب كما في الأخبار المؤمنون عند شروطهم الّا ما خالف كتاب اللّه و سنّة نبيّة و في حكمه النّذر و العهد و اليمين كما حقّقناه في كتاب توضيح التّقريرات فان هذا النذر موجب لترك الحج فيخالف قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ الآية و فيه انّ الآية انّما تدلّ على وجوب الحجّ على المستطيع و لا استطاعة مع الوفاء بالنّذر هذا مع انّ المراد من النّذر أو الشّرط المخالف ليس كل ما يستلزم ترك واجب أو فعل حرام بل المراد إذا اشترط مثلا فعل ما يخالف الكتاب و السّنة و من الواضح انّ فعل زيارة عرفة مثلا ليس مخالفا للكتاب و السّنة و لا محلّل للحرام و لا محرّم للحلال كما لا يخفى.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 119

الوجه الثالث انّ العلل الشّرعيّة انما هي كالعلل العقليّة فمع سبق واحد منهما لا محلّ لتأثير الآخر فعلى هذا ان تقدّم الاستطاعة يجب الحجّ و لا محلّ لتأثير النّذر و ان كان النّذر مقدّما فلا محلّ لوجوب الحج لعدم الاستطاعة

و القدرة عليه و هذا مما يستفاد من العلّامة المعاصر في المستمسك.

و فيه أوّلا انّ العلل المتواردة العقلية لا تأثير للمتأخّر منهما في المحلّ الأوّل مثلا إذا أحرق شي ء بالنّار و صار رمادا لا تأثير للنار الأخرى ثانيا فيه لعدم بقاء محلّ لتأثير النار ثانيا و امّا إحراق شي ء آخر بالنّار الأخرى فلا اشكال فيه.

و في هذا المقام أيضا من قبيل الثّاني فان الواجب بالنّذر زيارة الحسين (ع) يوم عرفة و الأضحى و الواجب بالاستطاعة الحجّ فكل من النّذر و الاستطاعة يؤثر في شي ء غير ما اثّر فيه الآخر فيتعدّد الموضوع فيهما و ثانيا في العلل العقليّة انّما لا تأثير للثاني إذا كان بعد تمام التأثير من الأوّل مثلا ما أحرق بالنّار حتّى صار رمادا فلا تأثير للنّار الثانية اما إذا كان النّار الأولى لم تحرق بعد أو لم يتم إحراقها يمكن ان يحرق الشّي ء بالنّار الأخرى.

و على هذا في هذا المقام نقول المفروض انّ تمام التّأثير في النّذر انّما هو بعد الوفاء بالنّذر و تمام التأثير في وجوب الحجّ انما هو بعد إتمام أعمال الحجّ و قبل تمام التّأثير يمكن ان يتبدّل الحكم بحكم آخر مثلا وجوب الحجّ قبل الشّروع فيه أو في أثنائه تبدّل بجواز التّرك و قام الوفاء بالنّذر مقامه في الوجوب و بالعكس و كيف كان فلا تأثير للسّبق في الأسباب كما لا يخفى و سيأتي منّا شطر من الكلام في تحقيق هذا المرام في المسئلة (123).

نعم في الأسباب الشرعيّة يمكن ان يقال انّ التأثير للأهم كما إذا دار الأمر بين حفظ النّفس أو الوفاء بالنّذر مثلا فلا إشكال في تقديم الأوّل سواء تقدّم سببه أو تأخّر.

الوجه الرّابع تقديم ما هو

الأهم كما هو الشّأن في الواجبين المتزاحمين في مقام الامتثال و التخيير مع عدم الأهمّ فيهما لأنّ الاستطاعة كما فسّرت في الأخبار هو الزّاد و الرّاحلة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 120

أو ما يقدر به الحجّ و نحوه و ليس فقدان واحد من الواجبات من النّذر و غيره شرطا في الاستطاعة لأنّها بمعنى القدرة و القدرة على الحجّ حاصلة و لو للناذر لزيارة عرفة و الأضحى مع انّ الآية و الأخبار الدالّة على اعتبار الاستطاعة منصرفة عن هذا النّحو من الاستطاعة فعلى هذا اجتمع سبب وجوب الحجّ و هو الاستطاعة و سبب وجوب الزّيارة و هو النّذر فهما واجبان متزاحمان يجب تقديم الأهم منهما ان كان و الّا فالتّخيير و لكنّه مبنىّ على اعتبار الاستطاعة في الحجّ مع قطع النّظر عن الأحكام الشرعيّة و كونها مانعا و هو الحقّ المحقّق كما سيأتي شرحه في المسئلة (107) فراجع.

الوجه الخامس ما أفاده في العروة الوثقى من تقديم النّذر إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين (ع) في كلّ عرفة ثم حصلت الاستطاعة لم يجب عليه الحجّ بخلاف ما لو حصلت الاستطاعة أوّلا ثم حصل واجب فوري آخر لا يمكن الجمع بينهما يكون من باب المزاحمة فيقدّم الأهمّ منهما.

و أنت خبير بأنّه انّما يصحّ هذا التّفصيل بناء على ما افاده من انّ النّذر بنفسه مانع شرعي عن حصول الاستطاعة و المانع الشرعي كالمانع العقلي فإذا تحقّق النّذر لا يتحقّق الاستطاعة بخلاف ما إذا حصلت الاستطاعة أوّلا فوجب الحجّ فاذا وجب الزيارة أيضا للنّذر يقع التّزاحم بينهما و يقدم الأهم و فيه انّه ان قلنا بان عدم النّذر أو واجب آخر ليس من شرائط الاستطاعة لأنّها بمعنى القدرة

و هي حاصلة مع وجود النّذر و نحوه أيضا كما عرفت في الوجه الرابع فهو من باب تزاحم الواجبين بلا فرق بين تقديم النّذر أو الاستطاعة.

و ان قلنا بانّ النّذر مؤثّر في عدم الاستطاعة فنقول قد عرفت انّ صيغة النّذر لا اثر لها و انّما الأثر على الوفاء به بعد وجوبه فهو ناف للاستطاعة و هو أيضا لا فرق بين تقديم النّذر و الاستطاعة كما انّك ستعرف ضعف هذا أيضا في المسئلة (107) و قد عرفت انّه لا تأثير لأسبق السّببين أيضا.

الوجه السادس هو الفرق بين تقديم النّذر على الاستطاعة فيصح و يجب العمل به براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 121

لأنه مانع عن حصول الاستطاعة و بين تأخيره فلا اثر له أصلا لأنّه من قبيل ازاله الاستطاعة و هي حرام فالنّذر باطل و فيه انّك قد عرفت في الوجه الأوّل انّ صيغة النّذر لا اثر لها في نفي الاستطاعة سواء تقدّم أو تأخّر نعم مع الوفاء به فله وجه كما عرفت و امّا انّه من قبيل ازالة الاستطاعة.

فنقول قد عرفت ممّا حقّقناه في التّنبيه الثّاني من المسئلة (66) ما فيه من انّ ازالة الاستطاعة حرمتها انّما هي لكونها مقدّمة لترك الحجّ الذي هو حرام و حرمة مقدّمة الحرام انّما هي عقلا لا شرعا و الحرمة العقليّة لا توجب البطلان مضافا الى انّ الموجب للبطلان النّهي الوارد على ذات النّذر لا على أمر خارج و هو إزالة الاستطاعة و هو لا يوجب البطلان أصلا نعم يمكن ان يقال انّه يكفي في بطلان النّذر حرمته عقلا و مرجوحيّته نفسا و ان كان المنذور راجحا مع إمكان ان يقال بانصراف أدلّة وجوب الوفاء بالنّذر عن هذا النحو

من النّذر الذي هو حرام عقلا لكونه مقدّمة للحرام كما لا يخفى و سيأتي شطر من الكلام في المسئلة (162) مما ينفع هذا المرام ان شاء اللّه.

تبصرة 1- إذا كان نذره الزيارة في عرفة و الأضحى من كلّ سنة و قلنا بتقديم النّذر فلا يجب الحجّ في السّنوات الآتية أيضا لبقاء العذر دائما و امّا إذا قلنا بتقديم الحجّ فهو في السّنة الأولى فيأتي بنذره في السّنوات الآتية.

تبصرة 2- إذا كان نذره الزّيارة في هذه السّنة فقط و قلنا بتقديم الحجّ سقط النّذر و امّا إذا قلنا بتقديم النذر فمع بقاء الاستطاعة إلى السّنة الآتية فلا إشكال في وجوب الحجّ فيها و امّا مع زوال الاستطاعة في السّنة الآتية فهل يجب الحجّ و لو متسكّعا أم لا فيه وجهان و الظّاهر عدم الوجوب لعدم وجود الاستطاعة في العام الأوّل أيضا بناء على انّ النّذر عذر شرعي كالمانع العقلي فليس مستطيعا في العام الأوّل و لا في العام الثّاني كما لا يخفى بل و كذا مع التّزاحم و تقديم النّذر لكونه أهم يمكن ان يقال بعدم صدق الاستطاعة فلا يجب الحجّ ان لم يكن مستطيعا في العام الثّاني أيضا.

تبصرة 3- إذا حصل واجب فوري غير النّذر و نحوه و حصلت الاستطاعة فيجي ء فيه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 122

الوجوه المذكورة في النّذر الّا الوجه الثاني لعدم اشتراط سائر الواجبات بما يشترط في النّذر كما لا يخفى.

المسئلة الرّابعة و السّبعون قال في العروة الوثقى النّذر المعلّق على أمر قسمان

تارة يكون التّعليق على وجه الشّرطية كما إذا قال ان جاء مسافري فللّه علي ان أزور الحسين (ع) في عرفة و تارة يكون على نحو الواجب المعلّق كان يقول للّه عليّ ان أزور الحسين (ع) في عرفة عند مجي ء

مسافري فعلى الأوّل يجب الحجّ إذا حصلت الاستطاعة قبل مجي ء مسافرة و على الثّاني لا يجب فيكون حكمه حكم النّذر المنجّز إلخ.

أقول ما افاده (قده) مبنيّ على أمرين الأوّل وجود الفرق بين الواجب المشروط و الواجب المعلّق لانّ ظرف الوجوب في الواجب المعلّق في الحال و ظرف الواجب فيه في الاستقبال بخلاف الواجب المشروط فان ظرف الوجوب و الواجب كليهما في الاستقبال.

الثاني انّه إذا كان النّذر من قبيل الواجب المشروط و حصلت الاستطاعة قبل مجي ء مسافرة يجب عليه الحجّ لعدم وجوب النذر فلا يمنع من تحقّق الاستطاعة بخلاف ما إذا كان من قبيل الواجب المعلّق فان ظرف الوجوب حالي فيكون كالمنجّز في المنع عن حصول الاستطاعة بمجرد النذر فلا يجب الحجّ و ذلك لتقدم الواجب المطلق اعني النّذر على الواجب المشروط اعني الحجّ كما تقدّم و قد عرفت ضعف الأوّل و عدم الفرق بين الواجب المشروط و المعلّق في المسئلة الخامسة من هذا الكتاب فراجع و كذا ضعف الثاني فإنّ النّذر و ان كان منجّزا أيضا ليس مانعا عن تحقق الاستطاعة إلّا إذا و في بالنذر بعد تنجّزه على وجه قد عرفته في الوجه الأوّل من وجود المسئلة السّابقة آنفا.

و على ما حققناه هنا فان جاء مسافرة و حصلت الاستطاعة و وفى بنذره بعد تسليم وجوبه لم يجب الحجّ لعدم الاستطاعة و امّا لو لم يكن النّذر واجبا أو لم يف بالنّذر و ان قيل بعصيانه فهو مستطيع يجب عليه الحجّ كما لا يخفى على من تأمّل فيما حقّقناه.

المسئلة الخامسة و السّبعون من عرض عليه ما يحجّ به يصير مستطيعا و يجب عليه الحج

و ان لم يكن مستطيعا قبلا من غير فرق بين تمليكه إيّاه أو إباحته له أو هبته أو بذل عينه أو ثمنه سواء كان البذل واجبا

على الباذل أو لا و ذلك لعموم الآية الشريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا لعدم الفرق بين أنواع الاستطاعة فإنّ من عرض عليه الحجّ أيضا مستطيع اي قادر على الحجّ فيجب عليه و أيضا عموم الأخبار الواردة في هذا الباب و هي كثيرة جدّا نذكر بعضها محمّد بن مسلم في حديث قلت لابيجعفر (ع) فان عرض عليه الحجّ فاستحيى قال هو ممّن يستطيع الحجّ و لم يستحي و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل «1».

عن معاوية بن عمّار قال قلت لابيعبد اللّه (ع) رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه أ يجزيه ذلك عنه عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة قال بل هي حجّة تامّة «2».

و عن معاوية بن عمّار أيضا عن ابي عبد اللّه (ع) في حديث قال فان كان دعاه قوم ان يحجّوه فاستحيى فلم يفعل فإنّه لا يسعه الّا ان يخرج و لو على حمار أجدع أبتر «3».

محمّد بن محمّد المفيد في المقنعة قال (ع) من عرضت عليه نفقة الحجّ فاستحيى فهو ممّن ترك الحجّ مستطيعا اليه السّبيل «4».

عن الحلبي عن ابي عبد اللّه (ع) في حديث قال قلت له فان عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك اهو ممّن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحي و لو يحجّ على حمار أجدع أبتر فإن يستطيع ان يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ «5».

و صحيحة أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول من عرض عليه الحجّ و لو على حمار اجدع مقطوع الذّنب فأبى فهو مستطيع للحجّ «6».

و عن أبي

أسامة بن زيد عن ابي عبد اللّه (ع) في قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال سألته ما السبيل قال يكون له ما يحج به قلت أ رأيت إن عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك قال براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 124

هو ممن استطاع اليه سبيلا قال و ان كان يطيق المشي بعضا و الرّكوب بعضا فليفعل قلت أ رأيت قول اللّه و من كفر اهو في الحجّ قال نعم قال هو كفر النّعم و قال من ترك «1» و غيرها من الأخبار الصّريحة في المطلوب ممّا لا مجال لذكرها بتمامها في هذا المقام و ينبغي التنبيه على أمور الأوّل انّه لا فرق بين أنواع العرض حتّى الهبة لصدق العرض فهو ممّن يستطيع الحجّ فيجب عليه القبول و ان كان لم يجب مع قطع النظر عن الحجّ الثّاني كثير من الأخبار يدلّ على وجوب الحجّ و لو على حمار أجدع أبتر و لا يخفى ان هذا ربما تكون فيه ذلّة عظيمة للمؤمن مع الاهتمام بعزّة المؤمن و عدم إهانته في الشّرع المقدّس و هو حرج عليه قطعا و لذا قد يتوهّم تخصيص قاعدة نفي الحرج بهذه الأخبار و لكنّه ضعيف كحمل بعضهم الأخبار المذكورة على الحجّ المندوب مع انّ أكثرها مفسّرة للآية الشريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و حمل بعضهم على من استقرّ عليه وجوب الحجّ في السّنوات الماضية لعدم الدّليل عليه مع كون أكثرها أبيا عن الحمل المذكور كما انّه لا يمكن حمل الآية الشريفة على القدر المشترك بين الوجوب و الندب و الاستطاعة أيضا على القدر المشترك بين الاستطاعة التي هي شرط

الوجوب و هو الرّاحلة و الّتي هي شرط الاستحباب كالقدرة العقليّة فالأخبار الدّالة على اشتراط الرّاحلة انّما هي شرط للوجوب و الأخبار الخاصّة وردت لشرط النّدب لانّه لا دليل على ذلك كلّه هذا مضافا الى انّ طرح هذه الأخبار أسهل من الحمل على هذه المذكورات كما هو أوضح من ان يخفى كما عرفت في آخر المسئلة (42) من هذا الكتاب.

فالتّحقيق ان يقال انّ الرّكوب على حمار أجدع أبتر ربما لا تكون ذلّة و اهانة و لا حرجا على أكثر النّاس نعم هي متحقّقة في قليل من النّاس و الأخبار منصرفة إلى أفراد كثيرة فلا يشمل بعض الناس ممّن هو صاحب الشّرف مضافا الى انّ صاحب الشرف من الناس أكثرهم مستطيعون لا يحتاجون الى بذل المال للحجّ بل ربما يكون عرض ما يحجّ به بالنّسبة إليهم اهانة فالأخبار المذكورة واردة بالنّسبة إلى المحتاجين براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 125

و لا اهانة لأكثرهم في ركوبهم على حمار أجدع أبتر و مع فرض وجود قليل من المحتاجين صاحب عزّة و شرف فالأخبار المذكورة منصرفة عنهم و لا أقلّ من ان تكون عامّة قابلة للتّخصيص بما يدلّ على الاهتمام بعزّة المؤمن و حفظ حرمته فنقول يجب الحجّ على المحتاجين ان عرض عليهم ما يحجّون به إذا لم يلزم ذهاب شرفهم و عزّتهم و لم يلزم الحرج عليهم و قد مرّ في المسئلة (42) من هذا الكتاب ما ينفعك في هذا المقام فراجع.

و لا يخفى انّ العمدة في تزلزل الأصحاب في هذا المقام إطلاق هذه الاخبار بالنّسبة الى من كان اهانة له و حرجا عليه في ركوبه على حمار أجدع أبتر لكونه ذا شرف و عزّة مع انّ الفقهاء

ليس بنائهم على العمل بمضمونها و ذلك انّما يكون لذهولهم عمّا حقّقناه في تفسيرها و ليس مضمونها مخالفا لعملهم كما عرفت.

و العجب من العلّامة المعاصر في المستمسك حيث حكم بورود الاشكال على جماعة من الأصحاب حيث استدلّوا بهذه النّصوص التي ليس بنائهم بزعمه على العمل بمضمونها ثمّ قال و مثله في الاشكال الاستدلال بالآية الشّريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ لصدق الاستطاعة مع البذل إذ فيه ما عرفت من انّ الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة و ان كانت صادقة لكن بعد ورود الأدلّة على تقييدها بملك الزاد و الرّاحلة كما في مصحّح الحلبي و مصحّح هشام بن الحكم و غيرهما لا مجال للتمسّك بإطلاقها و لا ينافي ذلك ما ورد في تفسيرها بان يكون عنده مال أو ان يجد ما يحجّ به أو ان يقدر على ما يحجّ به و ذلك كلّه صادق مع عدم الملك لانّ الجمع العرفي في أمثال المقام ممّا ورد في مقام الشّرح و التّحديد يقتضي التقييد فلا يتحقّق بمجرّد حصول واحد منها بل لا بدّ من حصول جميعها و ليس هو من قبيل القضايا الشرطية الّتي يتعدّد فيها الشّرط و يتّحد فيها الجزاء التي يكون الجمع بينها بالحمل على سببيّة كلّ واحد من الشّروط فاذا كان الجمع العرفي بين نصوص التفسير و التّحديد هو التّقييد تكون الاستطاعة مختصّة بصورة ما إذا كان الزاد و الرّاحلة مملوكتين فلا ينطبق على المقام كما أشرنا الى ذلك في المسئلة التّاسعة و العشرين انتهى موضع الحاجة من كلامه.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 126

أقول لا يخفى على المتأمّل البصير و المحقّق الكامل الخبير ما في كلماته أمّا أوّلا فلانّ الفقهاء رضوان اللّه عليهم

قديما و حديثا بنائهم على نقل هذه الأخبار و العمل بمضمونها و امّا الحجّ راكبا على حمار أجدع أبتر فالمراد من الأخبار و كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم ليس وجوبه على من كان ذا شرف و عزّة بحيث يكون اهانة و حرجا عليه بل هي منصرفة عنه و ذلك لانّه من الفرد النّادر إذ عرفت انّ من كان له عزّة و شرف يكون مستطيعا غالبا و لا يحتاج الى بذل المال بل يكون عرض ما يحجّ به عليه اهانة عليه فالأخبار الدّالة على وجوب الحجّ على من عرض عليه ما يحجّ به يراد بها المحتاجون الّذين لم يكونوا مستطيعين و امّا صاحب الشّرف و العزّة بحيث يكون الرّكوب على الحمار الأجدع الأبتر منافيا لشرفه و عزّته و كان اهانة أو حرجا عليه بين غير المستطيعين قليل نادر جدّا مثل بعض أهل العلم ممّن يكون عالما ربانيّا لم يكن بصدد جمع المال و الّا فالغالب ممّن يعرض عليه ما يحجّ به هم الأشخاص المحتاجون ممّن لا اهانة عليهم و لا حرج أصلا و ثانيا قد يكون التّفسير تامّا يكون في مقام شرح الحقيقة بنحو يكون جامعا و مانعا مثل قولك حيوان ناطق في جواب شخص قال لك الإنسان ما هو و قد لا يكون في مقام شرح الحقيقة و تعيّنها بل المراد الإشارة الى بعض أفرادها إجمالا كقولك زيد في جواب من قال ما هو الإنسان ما هو.

و هكذا في المقام إذا قيل ما الاستطاعة فقال الإمام (ع) هي ان يقدر على ما يحجّ به ثم قيل ما الاستطاعة فقال (ع) هي ان يملك الزّاد و الرّاحلة و تارة قال من عرض عليه الحجّ فهو ممن

يستطيع الى غيرها من التّفاسير فمن المعلوم انّه ليس كلّها في مقام بيان حقيقة الاستطاعة و مفهومها حتّى يكون بعضها مقيّدا لبعض آخر بل يكون بعضها في مقام بيان الحقيقة كقوله (ع) هي ان يقدر على ما يحجّ به فإنّ الاستطاعة هي بمعنى القدرة و بعضها في مقام بيانها إجمالا مشيرا الى بعض أفرادها كقوله (ع) أن يملك الزّاد و الرّاحلة و هكذا قوله (ع) من عرض عليه ما يحجّ به و أمثالهما و لا ريب في انّ هذا المقام ليس مورد الإطلاق و التّقييد خصوصا فيما إذا كان مفهوم الاستطاعة مفهوما واضحا عند العرف و هي القدرة فلا خفاء في انّ ملك الزاد و الرّاحلة أو العرض لما يحجّ به براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 127

و نحوهما من مصاديق الاستطاعة لا من تفاسير مفهوم الاستطاعة و حقيقتها و قد مرّ منّا في المسئلة 60 و أيضا في المسئلة (72) نظير المقال في هذا المقام فراجع.

و ثالثا حمل المطلق على المقيّد انّما هو في الأحكام الواردة على المطلق تارة و على المقيّد اخرى لا ما إذا كان الحكم على مفهوم معيّن و اختلف تفسير هذا المفهوم من حيث الإطلاق و التّقييد كما مرّ شرحه في المسئلة 60 فراجع.

التنبيه الثالث هل فرق في وجوب الحجّ بالبذل بين ان يكون الباذل موثوقا به أو لا فقيل نعم و قيل لا فالتّحقيق ان يقال انّ الوجوب الواقعي لا ريب في انّه دائر مدار استمرار البذل إلى إتمام أعمال الحجّ فان رجع الباذل و لو في الأثناء عن بذله فلا ريب في انّه كاشف عن عدم وجوب الحجّ واقعا و عدم اجزائه عن حجّة الإسلام و امّا ان

لم يرجع عن بذله فان كان المبذول له واثقا بعدم الرّجوع أيضا فلا ريب في اجزاء حجّه عن حجّة الإسلام و ان لم يحجّ فيجب عليه القضاء و امّا ان كان جاهلا أو واثقا بالرّجوع و لكن لم يرجع اتفاقا فهل كان الحجّ واجبا فعليّا عليه أم لا فان قلنا بفعليّة الأحكام في حال الجهل فيجب عليه القضاء ان لم يكن حاجّا و امّا ان قلنا بعدم فعليّة الأحكام في حال الجهل كما حقّقناه سابقا في ضمن المسئلة (64) و أيضا في المسئلة (68) فلم يجب عليه القضاء و في هذه الصّورة ان اتى بالحجّ فهل يجزى عن حجّة الإسلام لأنّه كان واجبا واقعا أولا يجزى لعدم فعليّة الوجوب في حقّه فلا يبعد الإجزاء و ذلك لانّ شرائط حجّة الإسلام من الاستطاعة و غيرها حصلت بتمامها فاتى بحجّة الإسلام حقيقة و ان لم يكن وجوبه فعليا و هذا من قبيل من كان جاهلا باستطاعته فقد عرفت اجزائه عن حجّة الإسلام الّا ان كان قصده مقيّدا بالاستحباب بمعنى عدم الإتيان بالحجّ الّا مستحبّا فلا يجزى حينئذ عن الوجوب كما لا يخفى على المتأمّل و قد مرّ منّا تحقيقات في المسئلة (21) من هذا الكتاب ما ينفعك في هذا المقام فراجع.

ان قلت فعلى ما ذكر من عدم وجوب القضاء مع ترك الحجّ للجهل فهل لا يجب على الجاهل قضاء صلاته و صومه أيضا.

قلت فرق بين الحجّ و بين الصّوم و الصّلاة لأنّهما واجبان مطلقان و ان لم يكن وجوبهما

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 128

فعليّا في حال الجهل و لكن يصير فعليّا بعد العلم أداء أو قضاء بخلاف الحجّ فإنّه مشروط بالاستطاعة فحين الجهل لم يكن وجوبه

فعليّا و بعد العلم ليس مستطيعا فلم يجب القضاء هذا كلّه حال الحكم بحسب الواقع و في مقام الثّبوت و اما بحسب الظّاهر مع احتمال رجوع الباذل هل يجب الإقدام للحجّ أم لا فالظاهر وجوبه إذا كانت الأمارة على استمرار البذل موجودا كالوثوق بالاستمرار أو استصحاب البقاء و لا يضر احتمال الرّجوع بعد إعطائه المال كما لا يضرّ احتمال زوال الاستطاعة الماليّة هذا إذا أعطاه ما بذله و امّا ان كان البذل بالوعدة مثل ان يقول حجّ و عليّ نفقتك و مراده إيصال النّفقة بالتّدريج فالظاهر عدم وجوب الحجّ إلّا إذا كان بينهما صفاء و خلوص بحيث كان المال في جيب الباذل ككونه في جيب المبذول له فله الأخذ كلّما شاء لصدق الاستطاعة ح كما لا يخفى.

المسئلة السّادسة و السّبعون لو كان له بعض ما ينفق في الحجّ فبذل الباذل له البقيّة يجب الحج

لصدق الاستطاعة و امّا لو بذله نفقة الذهاب دون الإياب و لم يقدر على الإياب لم يجب عليه الحجّ إلّا إذا كان من قصده الإقامة بمكّة كما عرفت في الاستطاعة الماليّة.

المسئلة السابعة و السّبعون لا إشكال في وجوب الحجّ ان بذله نفقة الذّهاب و الإياب مع نفقة العائلة

و امّا مع عدم بذل النّفقة للعائلة فهل يجب الحجّ لإطلاق أخبار البذل فان فيها (من عرض عليه ما يحجّ به) و ليس فيه نفقة العائلة أو لا يجب لأنّ الاستطاعة الحاصلة بالبذل كالاستطاعة الحاصلة بالمال بلا فرق بينهما.

فالتحقيق ان يقال ان نفقة العائلة على أربعة أقسام الأوّل من كان واجب النّفقة و كان قادرا على إنفاقهم بالاكتساب ان لم يحجّ فالأمر دائر بين الحجّ بالمبذول أو إنفاق عياله بالاكتساب فلا بدّ من الترجيح للأهم منهما كما سيأتي شرحه في المسئلة (107) ان صدق عليه انّه مستطيع و لكن يمكن منع الصّدق و الأخبار الواردة في تقديم الإنفاق على الحجّ في الاستطاعة الماليّة لعلّها ناظرة الى ذلك اعني عدم الاستطاعة مع الإنفاق عليهم كقوله (ع) في رواية أبي الرّبيع الشامي (من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوّت براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 129

عياله و يستغني به عن النّاس ينطلق إليهم فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا) «1» كما سيأتي في المسئلة (100) من هذا الكتاب.

الثّاني إذا كان واجب النّفقة و لكنّ لم يقدر على إنفاقهم و لو ترك الحجّ و لا ريب في وجوب الحجّ حينئذ لعدم وجوب الإنفاق عليهم مع عدم القدرة فلا يزاحم وجوب الحجّ و لا يكون مشمولا للأخبار المذكورة.

الثّالث إذا لم يكن واجب النّفقة و لكن كان ممّن يشق عليه ترك إنفاقه و حرجا عليه و هذا أيضا مقدّم على الحجّ لقاعدة الحرج بل عدم صدق الاستطاعة أيضا لأنّها

عبارة عن القدرة بلا صعوبة كما مرّ في المسئلة (41).

الرّابع إذا كان إنفاقه عليهم مستحبّا صرفا فلا ريب في تقديم الحجّ عليه تبصرة 1- لا يخفى انّ ما قلنا انّما هو فيما إذا اشترط الباذل صرف المبذول في الحجّ و امّا ان بذله مطلقا بدون اشتراط فالإنفاق الواجب مقدّم على الحجّ في القسم الثّاني أيضا كما لا يخفى.

المسئلة الثّامنة و السّبعون هل يمنع الدّين عن وجوب الحجّ في الاستطاعة البذليّة

فالحقّ ان يقال من عرض عليه ما يحجّ به فان لم يكن قادرا على أداء دينه بترك الحجّ فالحجّ عليه واجب و اما ان كان قادرا لو لم يحجّ و لو تدريجيا ففيه تفصيل يعرف ممّا حقّقناه في المسئلة (61) فراجع كما انّه إذا خيّره الباذل بين الحجّ و أداء الدّين أو بذله مطلقا فهو أيضا من قبيل هذه المسئلة.

المسئلة التّاسعة و السّبعون بناء على اشتراط الرّجوع عن الحجّ إلى كفاية في الاستطاعة، الماليّة كما سيجي ء شرحها فالظّاهر عدم اشتراطه في الاستطاعة البذليّة

إلّا إذا صار الحجّ سببا لاختلال نظم كسبه و معاشه بعد الرّجوع فحينئذ لا يجب الحجّ الّا بعد تحصيل ما يرجع به الى كفاية.

المسئلة الثّمانون قبول الهبة و ان لم يكن واجبا و لكنّ الظّاهر أنّه واجب في موسم الحج

إذا كان وهبه لان يحجّ بلا اشكال لكونه مشمولا لاخبار العرض و صدق الاستطاعة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 130

و امّا لو وهبه للحجّ في غير الموسم فلا يجب القبول لعدم تكميل الاستطاعة به الّا ان وهبه قبلا و لكن بقي إلى الموسم بلا ردّ و لا قبول فيجب القبول في الموسم و كيف كان يجب على الموهوب له الحجّ و ان لم يكن قادرا على إنفاق العائلة لعدم وجوبه عليه حينئذ بخلاف الهبة المطلقة أو المخيّرة بين الحجّ و غيره فإنّ إنفاق العائلة واجب إذا كان واجبا فهو كسائر الواجبات مقدّم على الحجّ لكونه واجبا مطلقا بخلاف الحجّ فإنه واجب مشروط بالاستطاعة و هي مفقودة مع الإتيان بواجب آخر من الإنفاق و غيره و لعلّ الأخبار الدّالة على اشتراط الإنفاق للعائلة في تفسير الاستطاعة كما سيأتي ناظرة الى ما ذكرنا اي كونه واجبا مطلقا و العمل به ينفي الاستطاعة للحجّ و لذا ليس الإنفاق شرطا في الاستطاعة بالبذل لعدم كون الإنفاق واجبا عليه إذا لم يقدر عليه.

و لكنّ التحقيق انّه من قبيل الواجبين المتزاحمين كما سيأتي في المسئلة (107) فيجب تقديم ما هو الأهم بنظر الشّارع مع إمكان دعوى عدم صدق الاستطاعة أيضا هذا إذا كان الهبة لخصوص الحجّ و امّا إذا خيّره بين الحجّ و غيره بدون ان يعيّن الغير أو وهبه مطلقا بدون ذكر الحجّ و عدمه فهل يجب القبول في الموسم أو لا.

فنقول ان لم يكن عليه واجب آخر فيجب أيضا و ذلك لحصول الاستطاعة بها فالقبول

شرط لوجود الحجّ لا لوجوبه بل يمكن ان يقال انّه إذا كان عليه واجب آخر أيضا يجب عليه القبول لوجوب مقدّمة الواجب الآخر عقلا أو شرعا و لكنّ الواجب الآخر يقدّم على الحجّ ان قلنا بتقديم الواجب المطلق على المشروط مطلقا و لكن فيه اشكال و الظّاهر انّهما من قبيل الواجبين المتزاحمين و سيأتي شرحه في المسئلة (107).

تنبيه و قد أورد بعض الفقهاء في هذا المقام اعتراضات الأوّل ما في المسالك من انّ قبول الهبة نوع من الاكتساب و هو غير واجب للحجّ لانّ وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق و من هنا ظهر الفرق بين البذل و الهبة فإنّ البذل يكفي فيه نفس الإيقاع في حصول القدرة و التّمكّن فيجب بمجرّده و فيه انّ بعض الفقهاء قال بأنّ الهبة أيضا لا يشترط فيه القبول بل يكفى براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 131

عدم الردّ فيها و ثانيا يصدق على الموهوب له لخصوص الحجّ (من عرض عليه ما يحجّ به) كما في اخبار البذل كما يصدق الاستطاعة بمجرّد إنشاء الهبة على الموهوب مطلقا و لو لم يكن للحجّ فيجب الحجّ بمجرّد الإنشاء لتمكّنه من الحجّ عرفا فالقبول شرط لوجود الحجّ لا لوجوبه كما لا يخفى.

الثاني انّ قبول الهبة فيه منّة و لا يجب تحمّلها و فيه انّ هذا المقدار منه المنّة لا بأس بها في المقام و الّا فأخبار العرض لا مورد لها أصلا.

الثالث ما في المستمسك من انّ الاستطاعة نوعان ملكيّة و بذليّة و تختصّ البذليّة بالبذل للحجّ فالهبة المطلقة قبل القبول خارجة عن النّوعين معا و ليست الاستطاعة نوعا واحدا و هو التّمكّن من المال كي يدّعي وجوب

القبول انتهى موضع الحاجة و حاصل كلامه انّ الاستطاعة البذلية لا تشمل الهبة المطلقة لانّ اخبارها انّما هي واردة في مورد العرض للحجّ فيمكن شموله للهبة للحجّ بخصوصه لا مطلق الهبة و كذا الاستطاعة الملكيّة لا تشمل الهبة.

و الحاصل انّ الهبة المطلقة خارجة عن النوعين اعني الاستطاعة البذليّة و الملكيّة فلا يجب القبول و فيه ما عرفت من انّ الاستطاعة لها مفهوم واحد و معنى فأرد و هي بمعنى القدرة على الحجّ و هي تحصل بالهبة لخصوص الحجّ و كذا بها للحجّ و غيره و بها مطلقا من دون ذكر الحجّ و لكن في الأخيرين يشترط عدم وجود واجب أخر أهمّ بنظر الشارع و الّا فيقدّم الأهمّ منهما هذا بحسب المال الموهوب و امّا مع قطع النّظر عنه فيمكن ان يزاحمه واجب آخر أيضا و لو في الهبة لخصوص الحجّ مثلا إذا دار الأمر بين الحجّ بالموهوب و حفظ نفس محترمة يقدّم الحفظ و هكذا.

المسئلة الحادية و الثّمانون في وجوب الحجّ على من عرض عليه الحجّ لا فرق بين ان يكون الباذل بذل المال من ماله أو من الموصى به أو المنذور أو الموقوفة أو غير ذلك

لصدق العرض بل الاستطاعة أيضا و لا يجب عليه الحجّ قبل البذل إلّا إذا اوصى ان يحجّ الشخص المعيّن و يتمكّن هذا الشخص من وصول المال بسهولة.

المسئلة الثّانية و الثّمانون قال العلّامة الطّباطبائي في العروة إذا أعطاه ما يكفيه للحجّ خمسا أو زكاة و شرط عليه ان يحج

فالظّاهر الصّحة و وجوب الحجّ عليه إذا كان فقيرا أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه انتهى.

أقول يجب التكلّم في ما افاده قدّس سرّه في أمور الأوّل لا إشكال في هذا الشّرط إذا كان من الزّكوة و كان من سهم سبيل اللّه و لا يشترط ان يكون الأخذ فقيرا و امّا ان كانت الزّكوة من سهم الفقراء أو الخمس كذلك و قلنا بعدم اعتبار اذن المجتهد في سهم السّادات أو كان مأذونا منه في الأخذ فهل يجوز الاشتراط عليه أم لا فقد يقال بعدم دليل على صحّة هذا الشرط سواء كان الشرط من قبيل إنشاء شرط العمل على المدفوع عليه بان يعطيه و اشترط عليه الإتيان بالحجّ أو كان قيدا للمدفوع بان يدفعه له مقيّدا بان يحجّ به لانّ المال للفقير و إعطائه إيّاه كإعطاء مال زيد إيّاه سواء اشترط أم لا فلا يكون للشّرط أثر أصلا و هذا ممّا يستفاد من العلّامة المعاصر في المستمسك و كذا يفهم بطلان الشّرط من تقريرات العلّامة الشّاهرودي أيّدهما اللّه تعالى بتأييداته لعدم دليل على ولايته على هذا الشّرط فليس للمعطي إلّا تعيين المستحقّ لا الاشتراط عليه.

أقول يمكن ان يقال لمّا كان تعيين المستحق بيد المعطي فله ان يعيّن زيدا بشرط ان يحجّ بمعنى انّه لا يعيّن زيدا ان لم يحجّ و على هذا فان لم يأت بالحجّ ينكشف عدم تعيينه من الأوّل و هذا واضح لا خفاء فيه و الحاصل انّه لا إشكال في انّ تعيين الفقير في الزّكوة و

نحوه انّما هو باختيار المعطي و هو لا يعيّن فقيرا لا يحجّ بل له ان يعيّن شخصا معيّنا يكون حاجّا لا غير و إنكار ذلك انّما هو إنكار اختياره في تعيين المستحقّ و العجب من هذين العلمين الفاضلين كيف خفي عليهما ذلك و لا يخفى انّ هذا ليس من قبيل الاشتراط في شي ء بل هو من قبيل تعيين المستحقّ.

و ان شئت قلت هو شرط التّعيين لا الشرط على المستحقّ بعد التّعيين و الّا فالأولى في ردّه ان يقال لا دليل على صحّة الشّروط الابتدائيّة بل الشّرط يجب العمل به إذا كان ضمن عقد لازم كما حقّقناه فيما علّقناه على متاجر شيخنا العلّامة الأنصاري أعلى اللّه مقامه الشّريف فما أفاده العلّامة الطباطبائي في العروة من قوله (فالظاهر الصحّة)

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 133

صحيح لا يرد عليه ما أوردوا عليه.

الأمر الثّاني انّ المال الذي يأخذه الشّخص للحجّ من زكاة و نحوه و يصير مستطيعا قيل هو من قبيل الاستطاعة الماليّة يحتاج الى كونه بمقدار يكفي لمئونة عياله و رجوعه إلى كفاية لا من قبيل الاستطاعة البذليّة حتّى لا يشترط فيه شي ء فقال في تقريرات الفاضل المعاصر في الجهة الثانية من الجهات الثّلاثة التي أوردها في المقام (التحقيق انّه لا ربط لها بمسئلة البذل و ذلك لأنّه في البذل انّما يعطيه المال بعنوان السير الى الحجّ بإباحة أو بتمليكه إيّاه للحجّ لكون الباذل صاحب المال و مالكا له.

و امّا فيما نحن فيه فليس ما يعطيه بهبة و لا اباحة لعدم كون المعطي مالكا له بل انّما يعطي الفقير حقّه لانّ الفقير شريك مع الغني فيما تعلّق به الخمس أو الزكاة على ما حقّقناه في محلّه و قلنا

بتعلّق حقّه بعين المال بنحو الإشاعة و ليس الخمس أو الزكاة صرف حكم تكليفي فعلى هذا يمكن للفقير ان لا يأخذ من الخمس أو الزّكوة بمقدار الاستطاعة الماليّة لئلّا يتحقّق له الاستطاعة لأنّ قبوله تحصيل لها و هو غير واجب بالاتّفاق و هذا بخلاف البذل إذ بمجرّد عرض الحجّ عليه يحكم بوجوبه عليه من دون توقّفه على القبول).

و فيه أوّلا انّك قد عرفت في المسئلة (80) و غيرها انّه لا فرق بين الاستطاعة الماليّة و البذليّة و انّ الاستطاعة مفهومها واحد و هو القدرة على الحجّ لكنّها لا تحصل مع وجوب واجب أخر لتقدّم الواجب المطلق على الواجب المشروط ففي الاستطاعة بالبذل لا يكون عليه واجب آخر من قبيل وجوب أداء الدّين أو نفقة العيال و غيرهما لعدم كونه ذا مال فوجوب الحجّ بلا مانع بخلاف الاستطاعة الحاصلة بالمال فاداء الدّين و نفقة العيال و أمثالهما واجبة عليه فلا يصير مستطيعا ان لم يكن المال زائدا على الواجب الآخر بمقدار ما يحجّ به.

و ثانيا قولهم (ع) في اخبار العرض (من عرض عليه ما يحجّ به) و أمثاله يشمل العرض بمثل ما نحن فيه ممّا يكون اختيار تعيين المستحق بيد المعطي و للفقير قبول المال و الرّد مع قطع النّظر عن الحجّ و امّا مع العرض للحجّ فلا يجوز له الردّ بل يصير مستطيعا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 134

و يجب عليه الحجّ كما عرفت في المسئلة السّابقة و قبلها فعلى هذا يجب عليه الحجّ لا واجب آخر لأنّه إنّما أعطاه المال لمصرف الحجّ لا لمصرف آخر و مع ترك الحجّ يحرم عليه التّصرف في المال الا ان يأذنه المعطي و الحاصل انّ تعيين المستحقّ انّما

هو باختيار المعطي و ليس للفقير التّصرف فيه الّا بعد ما عيّنه المعطي للأخذ و هو لا يعيّنه إلّا في صورة إتيانه بالحجّ كما لا يخفى.

و ثالثا حصر الاستطاعة بالبذل بالإباحة أو التمليك كما فعل هذا الفاضل لا دليل له كما لا دليل على كون الباذل صاحب المال و مالكا له بل المناط صدق العرض كما عرفت.

و رابعا هذا الفقير بخصوصه ليس شريكا مع الأغنياء بل الشّريك انّما هو الفقير الذي يعيّنه المالك ان كان معطيا للزّكوة و نحوها و الإمام أو نائبه ان لم يكن مؤدّيا فيؤخذ منه قهرا.

و خامسا تعلّق حقّ المستحقّ بعين المال في الزّكوة و الخمس بنحو الإشاعة فإنّ ظاهره هو الإشاعة في الملك و لكنّ الظّاهر هو الإشاعة في الماليّة لا في الملك نظير حق الثّمن للزوجة و الّا لم يكن للمالك إعطاء ثمنه بل كان للمستحقّ مطالبة العين و قد حقّقناه في المسئلة 62 مشروحا فليراجع من شاء حقيقة الأمر.

و سادسا ان كان هذا المستحقّ مالكا قبل إعطاء المالك و تعيينه إيّاه للأخذ فلم قال (يمكن للفقير ان لا يأخذ من الخمس أو الزّكوة بمقدار الاستطاعة الماليّة لئلّا يتحقّق له الاستطاعة لأنّ قبوله تحصيل لها و هو غير واجب بالاتفاق) لأنّه إذا كان الشّخص مالكا يجب عليه الأخذ و يجب الحجّ و لا يسقط الوجوب بالردّ لانّه كان مالكا لما يحجّ به و قادرا على التّصرف فيه بان يحجّ به فهذا أيضا كاشف عن عدم كونه مالكا قبل تعيين المعطي و إعطائه إيّاه و كيف كان فلا وجه لما ذكره هذا الفاضل المعاصر كما هو مذكور في التّقريرات التي تنسب اليه كما لا يخفى و سابعا قد عرفت انّ

المناط في وجوب الحجّ صدق العرض كما في قولهم (ع) (من عرض عليه ما يحجّ به) و لا ريب في صدقه هنا فيجب عليه القبول لصدق العرض و لا يجوز ردّه كما عرفت نظيره في الهبة

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 135

و غيرها و قد عرفت انّ القبول هنا انّما هو شرط لوجود الحج لا لوجوبه كما مرّ.

الأمر الثّالث لا إشكال في جواز إعطاء الفقير بمقدار قوت سنته فيصرفه في الحجّ سواء كان من الزّكوة أو الخمس و امّا إعطائه أزيد من قوت سنته بمقدار يحجّ به أيضا فلا إشكال أيضا في إعطائه من الزّكوة دفعة لانّه يجوز على الأقوى إعطائه أزيد من قوت السّنة بل بمقدار يستغني دفعة أيضا و اما في الخمس فقد يشكل إعطائه أزيد من قوت السّنة فالأحوط عدم الزيادة فإن كان صرفه في الحجّ لا يجوز له الأخذ مجدّدا لقوت سنته على الأحوط و لكن قد يقال انّ مؤنة الحجّ أيضا من قوت السّنة فإنّه ليس خصوص الأكل و الشّرب فقط بل هما مع سائر مصارفه في السّنة من الضّيافة و الزيارة لقبور الأئمة (ع) و الحجّ و غيرها من المصارف المتعارفة فعلى هذا فلا إشكال في إعطائه بمقدار يصرفه في الحجّ و سائر مؤنته في السّنة كما لا يخفى.

المسئلة الثّالثة و الثّمانون الحجّ البذليّ مجز عن حجّة الإسلام

فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك و يدلّ على ذلك الأخبار الكثيرة بل المتواترة كصحيحة محمّد بن مسلم في حديث قال قلت لأبي جعفر (ع) فان عرض عليه الحجّ فاستحيى قال هو ممّن يستطيع الحجّ و لم يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر قال فان كان يستطيع ان يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل «1» و صحيحة

الحلبي عن ابي عبد اللّه (ع) في حديث قال قلت له فان عرض عليه ما يحجّ فاستحيى من ذلك اهو ممّن يستطيع اليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيي و لو يحجّ على حمار أجدع أبتر فإن كان يستطيع ان يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ «2» و ما رواه محمّد بن محمد المفيد في المقنعة قال قال (ع) من عرضت عليه نفقة الحجّ فاستحيى فهو ممّن ترك الحجّ مستطيعا اليه السبيل «3» و ما رواه أبو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول من عرض عليه الحجّ و لو على حمار اجدع مقطوع فأبى فهو ممّن يستطيع الحجّ «4» و ما رواه أيضا أبو بصير عن ابي عبد اللّه (ع) قال قلت له من عرض عليه الحجّ فاستحيى ان يقبله اهو ممن يستطيع الحجّ قال مره فلا يستحيي و لو على حمار أبتر و ان كان يستطيع ان يمشي بعضا و يركب براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 136

بعضا فليفعل «1» و في رواية أبي أسامة زيد عن ابي عبد اللّه (ع) قلت أ رأيت ان عرض عليه ما يحجّ به فاستحيى من ذلك قال هو ممّن استطاع اليه سبيلا الى آخره «2» و لا إشكال في دلالة هذه الأخبار على انّ حجّه هو حجّة الإسلام و مجزى عنها فإن أيسر بعد ذلك لا يجب على الإعادة و عليه الإجماع.

إلّا عن الشيخ في الإستبصار فأوجب الحجّ بعد اليسار لخبر فضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (ع) قال سألته عن رجل لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه اقضى حجّة الإسلام قال (ع) نعم فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان

يحجّ قلت هل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله قال نعم قضى عنه حجّة الإسلام و تكون تامّة و ليست بناقصة و ان أيسر فليحجّ الحديث «3» و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال لو انّ رجلا معسرا حجّة رجل كانت له حجّته فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ الحديث «4».

و لكنّ الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم أجابوا عنه بأمور الأوّل حمل هذه على الاستحباب و لكنّ الإنصاف انّه بعيد خصوصا مع قوله (ع) (فعليه ان يحجّ) و قوله (ع) (فليحجّ) و قوله (ع) (كان عليه الحجّ).

و ثانيها الحمل على ان يحجّ عن غيره كما في الوسائل و بعده غير خفّي.

و ثالثها الحمل على الوجوب الكفائي كما في الوسائل أيضا و لكنّه بعيد في الغاية.

و رابعها وهن الخبرين بالإعراض و الهجر كما أفاده في المستمسك و فيه أوّلا انه لم يثبت اعراضهم عن هذه الأخبار و ثانيا يدلّ على عدم الإعراض حملها على الاستحباب أو الحجّ النّيابي أو الكفائي.

و خامسها على فرض التعارض لا تقاوم الأخبار المتقدّمة لكونها أرجح سندا و عددا و ظهورا خصوصا مع كونها مفسّرة للآية الشريفة و تطبيقها عليها بحصول الاستطاعة بها خصوصا مع ما عرفت من انّ الاستطاعة بمعنى القدرة و هي تحصل بالبذل كما

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 137

تحصل بالتّموّل.

و سادسها و هو لا يخلو عن دقّة هو انّ المراد من الأخبار المذكورة غير ما هو المراد من الأخبار المتقدّمة لأنّ موضوع الأدلة هو (من عرض عليه ما يحجّ به) و نحوه و هو ظاهر في إحضار ما يحجّ به أو الاطمئنان بإحضاره مما كان مثل الأخذ

و التّصرف بحيث صار مستطيعا و لكنّ الأخيرة ليس ظاهرا في الإحضار و الإيصال و لا الوثوق باعطائهم إيّاه ما يحجّ به و ان كان يمكن ان يكون من أحجّه كذلك كما يمكن ان يكون تاركا له في أثناء الطّريق و لا ريب في انّه لا يصدق الاستطاعة بصرف الإحجاج و تحمّل مؤنته تدريجا بدون ان يثق به هذا الشّخص الحاج و يؤيّده انّه ليس في هذين الخبرين تطبيق الآية الشريفة على موردهما بأنّه ممّن يستطيع بخلاف الأخبار الأولى كما عرفت.

ان قلت بعض الاخبار التي استدلّوا بها على الاجزاء عن حجّة الإسلام ورد بلفظ الإحجاج أيضا فهذا يدلّ على ان المراد من الإحجاج أيضا هو العرض اي تقديم ما يحجّ به مثل صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبيعبد اللّه (ع) رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه أ يجزيه ذلك عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة قال بل هي حجّة تامّة «1» و عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال فان دعاه قوم ان يحجّوه فاستحيى فلم يفعل فإنّه لا يسعه الّا ان يخرج و لو على حمار أجدع أبتر «2».

قلت أوّلا اخبار العرض في غاية الظّهور في إحضار ما يحجّ به أو بنحو يثق بإعطائه بنحو يصدق الاستطاعة بخلاف سائر الأخبار الدّالة على الإحجاج فإنّها يمكن إرادة إيجاد ما يحجّ به أو الاطيمنان بتحمّله كما يمكن ارادة تحمّل مؤنته بدون الوثوق تدريجا كما يمكن إرادة الأوّل من بعضها كهذين الخبرين المذكورين أخيرا و ارادة الثّاني من بعضها الآخر كالخبرين المذكورين قبلا مضافا الى إمكان إرادة الاستحباب من صحيحة معاوية بن عمّار و ان قال فيها (بل هي حجّة تامّة)

لأنّ تماميّة الحجّ لا ينافي الاستحباب كما في خبر يسار بن عبد الملك المرقوم آنفا.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 138

و الحاصل انّ الأخبار على قسمين بعضها ظاهر في استيلاء المبذول على المال الذي أعطاه الباذل امّا بالأخذ أو بنحو الوثوق كما كان في تصرّفه و هو معنى الاستطاعة كما في الأخبار الّتي ذكرناها أوّلا و بعضها الآخر ليس لها ظهور في ذلك بل يمكن ارادة العرض عليه بالاراءة أو الوثوق و الاطمئنان و عليه يحمل الخبرين الأخيرين كما يمكن إرادة ان لا يعرض عليه ما يحجّ به بل وعده ان يحجّ به و يتحمّل مخارجه تدريجا بلا وثوق و اطمينان عليه فلا يصير مستطيعا و لذا لم يحكم الامام باستطاعته كما في الخبرين الأوّلين.

تذكرة في تقريرات بعض الأساطين بعد نقل الأقوال و الاخبار الواردة في هذا الباب قال و الأقوى عدم الاجزاء و عليه الحجّ ثانيا إذا حصلت له الاستطاعة الماليّة و ذلك لانّ الطّائفة الثّانية (الدالّة على عدم الإجزاء) مفسّرة للطائفة الأولى بيان ذلك انّ الظّاهر من الطّائفة الأولى هو انّ حجّه حجّة الإسلام إلى آخر عمره فبمقتضاها لا بدّ من ان يحكم بعدم وجوب الحجّ على المبدول له ثانيا إذا استطاع و لكن الطّائفة الثانية تدلّ على انّه و ان كان حجّه حجّة الإسلام لكن ليس كك الى آخر عمره بل هو حجّة الإسلام ما دام لم يحصل له الاستطاعة الماليّة فان مات قبل حصول ذلك كان حجّه حجّة الإسلام و الّا كان عليه الحجّ ثانيا و هذا نظير ما ورد في حقّ الصّبي و المملوك من انّ الصّبيّ إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر «1» و العبد إذا

حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يعتق «2».

و أنت خبير بان هذا التّحقيق من هذا الفاضل جيّد بالنّسبة الى أخبار الإحجاج فان في بعضها مثل صحيحة معاوية ابن عمّار المذكورة (قال (ع) بل هي حجّة تامّة) و في بعضها الآخر مثل خبر فضل بن عبد الملك (قلت هل تكون حجّته تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله قال نعم قضى عنه حجّة الإسلام و تكون تامّة و ليست بناقصة و ان أيسر فليحجّ) فيمكن ان يقال انّ الخبر الثاني مفسّر للأوّل و مبين لتماميّة الحجّ المذكورة في الأولى بأنّ تماميّته و كونه حجّة الإسلام ما دام لم يصر موسرا امّا بعد اليسار

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 139

فيجب عليه الحجّ و امّا اخبار العرض فلا ربط لها بأخبار الإحجاج فإنّها بصدد بيان حصول الاستطاعة بعرض ما يحجّ به و وجوب الحجّ عليه خصوصا مع تطبيقه (ع) مورد العرض على الاستطاعة المذكورة في الآية الشّريفة فإنّها آبية عن الحمل على الحجّ الاستحبابي.

و العجب من هذا الفاضل العلّامة كيف غفل عن ذلك و حكم بعدم وجوب الحجّ بالبذل مع انّه مخالف للمشهور بل الإجماع ثم رجع عن ذلك و قال و بالجملة مقتضى الاحتياط وجوبا وجوب الحجّ عليه ثانيا الى ان قال (نعم الاحتياط حسن لكنّه غير الإفتاء بالوجوب).

المسئلة الرّابعة و الثمانون هل يجوز الرّجوع للباذل عن بذله قبل دخول المبذول له في الإحرام أو بعده

فنقول العرض الذي وقع في الأخبار (من عرض عليه الحجّ أو من عرض عليه ما يحجّ به) في بعضها انّما يحصل تارة بالوصيّة و قد مات الموصى أو الصّلح أو الهبة المعوّضة أو بذي رحم بعد القبض أو يكون هبة و لكن بعد التّصرف بالنّقل و نحوه أو النّذر أو الخمس أو الزّكوة فلا إشكال

في عدم جواز الرّجوع و هكذا سائر ما ينتقل اليه المال بنحو لازم و لو كان شرطا في ضمن عقد لازم و اما ان كان بنحو الإباحة أو الهبة قبل التّصرف و لم يكن معوّضة و لا بذي رحم أو شرط ابتدائي بدون ان يكون ضمن عقد لازم فيجوز الرّجوع و اما ان لم يكن تحت عنوان من هذه العناوين المذكورة مثل ان يقول حجّ بهذا المال كما هو الغالب في العرض أو قال حجّ و عليّ نفقتك كما هو الغالب في الإحجاج فالظّاهر انّه من باب الجعالة فللعامل الفسخ و لكن ليس له مطالبة شي ء و للجاعل أيضا الفسخ و لكن عليه تأدية الجعل بمقدار ما عمله العامل نعم يضاف إليه مؤنة عوده الى وطنه أيضا لا الذّهاب فقط.

ان قلت ليس في باب الجعالة عموم يشمل ما نحن فيه قلت الجعالة هي قاعدة معمول بها عند العرف قديما و حديثا كما قال اللّه تعالى في سورة يوسف آية (72) وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ و يكفي عدم الرّدع من الشّارع بل حكم بها و وافقها في كثير من الموارد كما في الأخبار المذكورة في بابه و الأخبار الواردة في هذا المقام أعمّ من الجعالة و غيرها

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 140

مما ذكر أوّلا و كيف كان فالحكم بالرّجوع عن البذل تابع للعنوان الطّارئ عليه سواء كان من باب الجعالة كما هو الغالب أو غيرها ممّا مرّ آنفا هذا بالنّسبة الى قبل الاشتغال بالإحرام و امّا بعده فان كان من قبيل العناوين اللّازمة ممّا مرّ الإشارة إليها فالأمر واضح ان كان من قبيل الجعالة فيجب أيضا إتمام الحجّ لقوله تعالى في سورة البقرة

آية (192) أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فالشّارع مانع عن عدم الإتمام و المانع الشّرعي كالمانع العقلي مثلا إذا فرضنا أنّ الطّيارة من طهران الى خراسان لا يهبط في أثناء الطريق فقال الجاعل من سافر مع الطّيّارة إلى خراسان فله مأة تومان أو قال له سافر مع الطيّارة إلى خراسان و عليّ مأة تومان فسافر هذا الشّخص فقال له الجاعل في وسط الطّريق فسخت ارجع الى طهران فهذا ممّا يضحك به الثّكلى فلا إشكال في وجوب تأدية المبلغ بتمامه الى العامل و الظّاهر انّه لا يقبل الفسخ بنظر العرف فالفسخ في وسط الطّريق في المسافرة المذكورة أو بعد الإحرام قبل إتمام الحجّ كالفسخ بعد إتمام السّفر أو الحجّ لا اثر له أصلا.

و دليل ما ذكرنا هو القاعدة العرفية بضميمة عدم الرّدع من الشّارع و امّا ان كان من قبيل الإباحة و نحوها ممّا ليس بلازم بل جائز فإنّه و ان قلنا بوجوب إتمام الحجّ للآية المذكورة الّا انّ الظاهر انّه ينفسخ بفسخ المبيح أو الواحد و نحوهما فيشكل استحقاقه بقيّة المبلغ لعدم دليل عليه الّا ان يجعل الهبة في مقابل فعل الحجّ مثل ان يقول له وهبتك بشرط ان تحجّ أو قال حجّ و وهبت لك هذا المال بحيث يفهم منه كون الهبة جعلا للإتيان بالحجّ فعلى هذا لا يجوز الفسخ بعد دخوله في الإحرام كسائر موارد الجعالة.

تذنيب قد تصدّى جماعة من الفقهاء لتوجيه عدم حقّ الرّجوع للباذل بعد الدّخول في الإحرام بوجوه.

الأوّل الاستشهاد بمن اذن للصّلاة في ملكه ثم رجع عن اذنه في أثناء الصّلاة فكما لا يجوز الرّجوع هناك فلا يجوز هنا أيضا.

الثّاني الاستشهاد بمن اذن في الغرس في ملكه ثم رجع عن

إذنه فإنّه لا تأثير في براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 141

رجوعه لان قلع الشّجر ضرر على الغارس و لا يعارض بالضّرر الوارد على المالك لأنّه أقدم عليه بنفسه بالإذن و هكذا القول فيمن اذن في دفن ميّت في ملكه فلا يجوز له إخراج الميّت بنبش القبر عن ملكه بعد الدّفن.

الثّالث إذا اذن المالك في رهن ملكه لنفسه لا للمالك فإنّه لا تأثير لرجوع المالك عن اذنه بعد إجراء صيغة الرّهن.

الرّابع عدم جواز رجوع المولى عن اذنه في حجّ عبده بعد دخوله في الإحرام و ان جاز قبله.

الخامس عدم جوازه لانّه مستلزم لتغرير المبذول له ببذله للحجّ فإنّه نوع من التّغرير الذي يوجب ضمان الغارّ ففي النّبوي المرسل المشهور المغرور يرجع على من غرّه و في باب تدليس الأمة و تزويجها من أبواب العيوب و التّدليس من نكاح الوسائل في رجل دلّس فزوّج امة عوض ابنته قال (ع) تردّ الوليدة على مواليها و الولد للرّجل و على الذي زوّجه قيمة الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل و خدعه و غيرهما من الأخبار الكثيرة المتواترة في موارد متفرّقة و لو لم يكن بلفظ الغرور و لكن يظهر منها عموم الحكم بضمان الغارّ و يمكن ان يجاب عنها أوّلا بان اجازة الغرس و دفن الميّت بل الصلاة أيضا يمكن ان تكون من قبيل حقّ العمرى و الرقبى في مدّة معيّنة كمدّة بقاء الشّجر في مغرسه و بقاء الميّت في المدفن و اقامة الصّلوة في المصلّى فإنّ العمرى و السّكنى و الرقبى لا يشترط فيها ان تكون ما دام عمر المالك أو من اذن له بل صرّح الأصحاب بجوازه في مدّة معيّنة و يمكن تعيين المدّة بهذا

المقدار فلا يجوز فيها رجوع المالك لأنّها ليست مجرّدة اجازة.

لا يقال يشترط في الأمور الثّلاثة المذكورة إجراء الصّيغة و المفروض عدم إجرائها.

فإنّه يقال كما يأتي المعاطاة في البيع و نحوه يأتي في باقي المعاملات أيضا على الأقوى فلا اشكال فيها.

ثمّ مع قطع النّظر عمّا قلنا فنقول فمجرّد الإجازة في الصّلوة و الغرس و الدّفن لا يوجب عدم جواز رجوع المالك عن إجازته ففي الصّلوة لما كانت صحّتها مشروطة بإذن براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 142

المالك حدوثا و بقاء فإنّها و ان كانت صحيحة حدوثا و لكنّها تبطل بقاء لزوال شرطها و هو الإذن من المالك و امّا في الغرس و الدّفن فإنّهما أيضا ان كانا لصرف الإجازة فالظّاهر حرمة بقاء الشّجر و الميّت في ملك الغير لزوال الإذن بعد رجوع المالك عن اذنه و الجواب عنه بإقدام المالك على الضّرر في الأوّل و اهانة الميّت في الثّاني غير صحيح لأنّ إقدام المالك انّما على الضّرر في مدّة لا دائما فاللّازم تحصيل رضايته بالإجازة ثانيا أو بيع الشّجر عليه أو اشتراء الملك عنه أو غير ذلك حتّى لا يكون غصبا هذا مع انّه ان كان أقدم على الضّرر الدّائمي أيضا فمن الآن يقدم على دفع الضّرر و لا يرضى ببقاء الشّجر في ملكه فاللّازم قلعه فلا يجوز إبقائه الّا على النحو الذي قلنا و كذا إبقاء الميّت في ملكه و دار الأمر بين الغصب أو توهين الميّت فتقديم أحدهما على الآخر غير معلوم ان لم نقل بأن مراعاة الغصب أهمّ مع انّا نقول نبش القبر و إخراج الميّت عن الأرض الغصبي ليس توهينا في مقابل حكم الشرع المقدس.

فالعمدة في الجواب ما حققناه من المقامات الثّلاثة

من قبيل حقّ العمرى و الرّقبى.

و عليه فالفرق واضح بين الأمثلة المذكورة و ما نحن فيه لانّه لا مانع فيه من جواز الرّجوع عن بذله بعد دخوله في الإحرام أيضا إذا كان صرف الإباحة أو الهبة الجائزة قبل التّصرف و ان كان إتمام الحجّ واجبا عليه.

و امّا الثالث أعني إجازة الرّهن فلانّ الرّهن عقد لازم أقدم الرّاهن بإجازة من المالك لا يقبل الفسخ أصلا فلا يجوز قياس ما نحن فيه به.

و امّا الرّابع اعني عدم جواز رجوع السّيد عن اذنه في حجّ عبده بعد دخوله في الإحرام و ليس للسيّد إبطال عبادة مملوكه إذا كانت واجبة كالصّلوة و الحجّ و لا ريب في انّ إتمام الحجّ أيضا واجب و المفروض انّ السيّد يحرم عليه إبطال صلاته و حجّه إذا كانتا واجبتين فكيف يجوز إبطال صلاة مملوكه و حجّه و قد مرّ تحقيق هذه المسئلة في ضمن المسئلة الثلاثين من هذا الكتاب فراجع.

و امّا الخامس على فرض استنباط عموم الحكم بضمان الغارّ لا ربط له بما نحن فيه فإنّه ليس في هذا المقام غارّ و لا مغرور و الّا ففي كل معاملة جائزة ان فسخ أحد

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 143

المتعاملين يكون أحدهما غارّا و الآخر مغرورا نعم ان أضاف إلى البذل قولا أو فعلا يدلّ على عدم الرّجوع عن بذله بحيث يصدق عليه انّه غرّه و خدعه فله وجه لا ان يكون قد اغترّ لطمعه أو لشوقه إلى زيارة بيت اللّه الحرام بدون ان يكون الباذل غارّا له.

المسئلة الخامسة و الثّمانون إذا رجع الباذل عن بذله في أثناء الطّريق فهل يجب عليه أداء نفقة عود المبذول له أم لا

فنقول لا إشكال في عدم استحقاقه شيئا زائدا على البذل إذا كان مستحقّا لتمام البذل كما إذا كان الاستحقاق بعقد لازم أو نذر أو وصيّة لخصوص

الشّخص المبذول له أو مطلقا بعد التأدية و كذا الخمس و الزّكوة بعد التأدية و امّا ان كان من قبيل الجعالة كما حققناه و رجع الباذل بعد دخوله في الإحرام فلا تأثير لرجوعه و امّا قبله فله الرّجوع و لكن عليه تأدية الجعل بالنسبة مثلا إذا كان مصارف حجّه ذهابا و إيابا خمسة الاف تومان على النّحو المتعارف و لكن بالمقدار الذي اتى منه مثلا الف تومان فيجب على الباذل خمس تمام الجعل لذهابه و إيابه الى هذا المكان الذي رجع فيه و امّا ان كان البذل بنحو جائز أو خمس أو زكاة قبل التأدية و كذا النّذر أو الوصيّة المطلقين لا لخصوص هذا الشخص و نحوها ممّا يمكن ان لا يؤدّي الى هذا الشخص فان رجع الباذل يجب عليه البذل بالنسبة الى ما اتى منه و امّا بالنّسبة إلى عوده فلا دليل على وجوبه الّا من باب الغرور و هو مشكل الّا بالتقريب الذي ذكرناه.

المسئلة السّادسة و الثّمانون قال في العروة الوثقى إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية

فلو ترك الجميع استقرّ عليهم الحجّ فيجب على الكلّ لصدق الاستطاعة بالنّسبة إلى الكلّ نظير ما إذا وجد المتيمّمون ماء يكفي لواحد منهم فان تيمّم الجميع يبطل أقول تصوير الوجوب الكفائي هنا مشكل بل ممنوع و ذلك لانّه موقوف على تصوير المستطيع بنحو الكلّي الجامع بينهم فنقول عنوان المستطيع امّا موجود في الخارج أم لا بل سيوجد فعلى الأوّل امّا موجود في الخارج أم لا بل سيوجد فعلى الأوّل امّا موجود في شخص معيّن فهو مكلّف بوجوب الحجّ تعيينا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 144

لا كفائيّا و كذا ان كان كلّ واحد منهم مستطيعا فيجب على كلّهم معيّنا أيضا و ان كان الفرد الذي ينطبق عليه انّه مستطيع سيوجد

و لم يكن موجودا فوجوب الحجّ على هؤلاء أيضا سيوجد.

توضيح ذلك انّ وجود الحكم في الخارج موقوف على وجود موضوعه في الخارج مثلا إذا قيل يجب الكفّارة على القاتل بين هؤلاء فإن كان القاتل موجودا في فرد معيّن فيجب عليه الكفّارة معيّنا و ان كانوا كلّهم قاتلين يجب على الكلّ تعيينا و ان لم يكن واحد منهم قاتلا و لكن سيوجد فيهم فوجوب الكفّارة أيضا لم يتحقّق في الخارج بل يتحقّق بعد تحقّق القتل و حينئذ فيجب على القاتل معيّنا فأين الوجوب الكفائي مثلا يجب غسل الميّت على العالمين بموته كفاية فان لم يكن العالم به موجودا في الخارج لم يكن الوجوب أيضا متحقّقا.

ان قلت فكما يتحقّق وجوب الغسل بوجود فرد من العالمين بموته أو إفراد فكذلك يتحقّق وجوب الحجّ بوجود فرد من المستطيع أو إفراد منه.

قلت وجوب الغسل تعلّق على الجامع بينهم مثل العالم بموته فيكفي امتثال أحدهم فإن كان الوجوب تعلّق هنا أيضا على صرف الوجود من المستطيع بينهم فهو أيضا يصير واجبا كفائيا و لكن حكم وجوب الحجّ انّما تعلّق على كلّ فرد فرد من إفراد المستطيع فكلّ فرد يوجد في الخارج و كان مستطيعا يجب عليه الحجّ معيّنا لا كفاية.

فالتحقيق ان يقال انّ حكم وجوب الحجّ لم يترتّب الّا على المستطيع فلا بدّ لنا من إثبات الموضوع اعني المستطيع حتّى يترتّب عليه وجوب الحجّ.

فنقول امّا ان يكون كلّ واحد منهم بصدد أخذ الثمن و امتثال أمر الحجّ بحيث يقع بينهم التّعارض و التّزاحم فلا إشكال في عدم تحقّق المستطيع بينهم فلا وجوب على أحدهم و امّا ان يكون واحد منهم بصدد الامتثال دون البقيّة فيجب عليه معيّنا لانّه مستطيع فقط و

امّا ان يكون كلّ منهم بصدد الامتثال و لكن لا بنحو يقع بينهم التّعارض و التّمانع بل لا يكون واحد منهم مانعا عن البقيّة فالظاهر ان كلّ واحد منهم مستطيع لانّ المستطيع عبارة عن من كان قادرا على الامتثال بلا مانع و المفروض انّ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 145

كلّ واحد منهم كان قادرا على الامتثال بلا مانع من أحد فيجب على الكلّ.

لا يقال كيف يسقط عن البقيّة ان أخذ الثّمن أحدهم فهو نظير الواجب الكفائي فإنّه أيضا يسقط مع إقدام أحد الأشخاص.

لأنّه يقال سقوطه في الواجب الكفائي لإتيان المأمور به و هو صرف الوجود من غسل الميّت و امّا سقوط الحجّ عن البقيّة ليس لتحقّق صرف الوجود من الحجّ بل لزوال الاستطاعة عن البقيّة لأنّ في وجوب الحجّ يشترط وجود الاستطاعة حدوثا و بقاء الى آخر الأعمال و امّا ان لا يكون واحد منهم بصدد الإتيان بالحجّ أصلا فلا ريب في عصيان الكلّ و لكن لا بنحو العصيان في الواجب الكفائي بل بنحو الواجب العيني لأنّك عرفت انّ الحجّ واجب على كلّ واحد واحد منهم عينا.

ان قلت لمّا كان بقاء الاستطاعة شرطا إلى أخر الأعمال فبعد أن بأخذ الثمن أحدهم ينكشف عدم استطاعة البقيّة بل لا يكون المستطيع الّا أحدهم.

قلت فعلى هذا بعد أخذه الثّمن يجب عليه عينا و قبله لا يجب على واحد منهم لا عينا و لا كفاية أصلا إذا عرفت هذا فنقول في مسئلة التيمّم الذي ذكره في المقام أيضا فان لم يصدق على أحدهم أنّه واجد للماء الّا بعد استيلاء واحد منهم عليه فلا وجه لبطلان تيمّم غيره منهم و ان صدق على كلّ واحد منهم بطل تيمّم الكلّ

لوجوب الوضوء على كلّ واحد منهم عينا و امّا ان كان الكلّي الجامع بينهم واجد الماء نظير الواجب الكفائي للزم وجوب الوضوء على واحد منهم و سقوطه عن البقيّة و عدم بطلان تيمّم الكلّ و لا وجه لقوله (فان تيمّم الجميع يبطل) مع انّ تصوير الواجب الكفائي هنا أيضا مشكل بل ممتنع نظير مسئلة الحجّ في المقام فيأتي فيه ما قلنا فيه حرفا بحرف و لا وجه للتكرار كما لا يخفى.

تبصرة في تقريرات بعض الأساطين قال (كلما شكّ في صدق هذا العنوان (من عرض عليه الحجّ) فالمرجع البراءة للشكّ في أصل توجه التّكليف قلت الظاهر انّ الحكم دائر مدار صدق الاستطاعة لا العرض لانّه من مصاديقه فالاستطاعة أعمّ منه كما مرّت إليه الإشارة في المسئلة 75 و 72 و غيرهما من المسائل.

المسئلة السّابعة و الثّمانون ثمن الهدي هل هو على الباذل

فنقول ان كان البذل معيّنا فلا إشكال في عدم استحقاق المبذول له شيئا أزيد منه و امّا ان لم يكن معيّنا مثل ان يقول حجّ و علي نفقتك فالظّاهر انصراف كلامه إلى نفقة حجّه الاختياريّ و منه بذل قيمة الهدي نعم كلّما قلنا بجواز الرجوع في البذل فنقول بجواز الرّجوع بالنّسبة إلى ثمن الهدي أيضا و قد مرّ الموارد التي يجوز فيها الرّجوع عن البذل في المسئلة (83) فراجع.

المسئلة الثّامنة و الثّمانون إذا اتى بما يوجب الكفّارة عمدا اختيارا فهي عليه لا على الباذل

و امّا ان كان اضطرارا أو جهلا أو نسيانا فان كان معفوّا في هذه الأحوال فلا كلام و امّا فيما لا يكون معفوّا بل يوجب الكفّارة كحال العمد مثل كفّارة الصيد فان كان البذل في مبلغ معيّن فلا إشكال في عدم اشتغال ذمّة الباذل بأزيد ممّا بذله و امّا ان لم يكن معينا مثل ان قال له حجّ و عليّ نفقتك فالظاهر عدم وجوبه على الباذل أيضا إلّا إذا استظهر من كلامه تعهّده لتأدية كفّاراته أيضا ثم على فرض استظهار تعهّده فله الرّجوع عن قبوله كما له الرّجوع في أصل البذل نعم ان كان البذل من قبيل الجعالة و كان ظاهر كلامه تعهّده لتأدية الكفّارات فليس له الرّجوع بعد تعلّق الكفّارة و ان كان له الرّجوع عن التّعهّد قبلا كما مرّ نظيره في المسئلة الثّالثة الثّمانين و غيره ثمّ مع الشّكّ في تعلّقه على الباذل فلا إشكال في انّ الأصل عدم تعلّقه عليه و امّا المبذول له فالظّاهر كفاية عمومات أدلّة الكفّارات على مرتكبها كما لا يخفى.

المسئلة التّاسعة و الثّمانون قال في العروة في مسئلة (45) انّما يجب بالبذل الحجّ الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة

فلو بذل للافاقي بحجّ القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه و كذا لو بذل للمكيّ لحجّ التّمتع لا يجب عليه و لو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام لم يجب عليه ثانيا و لو بذل لمن استقرّ عليه حجّة الإسلام و صار معسرا وجب عليه و لو كان عليه حجّة النّذر أو نحوه و لم يتمكّن فبذل له باذل وجب عليه و ان قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحجّ لشمول الأخبار من حيث التّعليل فيها بأنّه بالبذل صار مستطيعا و لصدق الاستطاعة عرفا انتهى.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 147

فقال في المستمسك شارحا للفقرة الأخيرة

ما هذا عبارته (و القول بعدم وجوب قبول الهبة لو وهبه لا للحجّ لا يرتبط بما نحن فيه لأنّه في أصل وجوب الحجّ و اشتغال ذمّته و قد عرفت انّ المقام ليس في ذلك لاستقرار الوجوب عليه بالسّبب السّابق و الكلام هنا في وجوب إفراغ ذمّته عقلا من الواجب المشغولة به فالقدرة هنا عقليّة لا شرعيّة فلا مناسبة بين المقام و ذلك المقام و من ذلك يظهر النظر في قوله (ره) لشمول الاخبار من حيث إلخ فإنّ المقام لا يرتبط بتلك الاخبار و لا بالتّعليل المذكور فيها و لا يصدق الاستطاعة لأنها كلّها في مقام أصل الوجوب و في حصول ملاكه لا فيما نحن فيه ممّا لم تكن الاستطاعة شرطا في الوجوب و لا في الملاك و ما كان يؤمّل من المصنف (ره) صدور مثل ذلك منه انتهى كلام المستمسك أيضا.

أقول لا يخفى ما في كلام صاحب المستمسك من الإشكال فإنّه ان أراد صاحب العروة من قوله أخيرا (فبذل له باذل وجب عليه) وجوب حجّة الإسلام بالبذل فلا يرد عليه شي ء من الإشكالات التي أوردها في المقام على صاحب العروة كما لا يخفى و امّا ان كان مراده قدّس سره وجوب حجّ النّذري كما هو ما اعتقده صاحب المستمسك و لا بعد فيه أيضا فلا يرد على صاحب العروة شي ء ممّا اعترضه عليه أيضا و ذلك لانّ المراد من قوله و ان قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحجّ يعني إذا بذل له باذل و ان لم يشترط عليه الحجّ بل بذل مطلقا فمع ذلك يجب عليه الحجّ النّذري و ان قلنا في مسئلة وجوب حجّة الإسلام بعدم وجوبه لو بذله لا للحجّ لوجود الفارق

بينهما فإنّ الاستطاعة أعني القدرة هنا شرط عقلي و هناك شرط شرعا و عدم حصول الشّرط شرعا بالهبة لا للحجّ لا يوجب عدم حصول الشّرط عقلا هنا.

و امّا اشكاله ثانيا فغير وارد أيضا فإنّ صاحب العروة قدّس سرّه لم يرد من قوله (شمول الأخبار من حيث التّعليل إلخ) شمول نفس الأخبار لهذا المورد بل (قال من حيث التعليل) يعني التّعليل فيها بانّ بالبذل يصير مستطيعا يعني كما يصير بالبذل هناك مستطيعا بقولهم (ع) (هو ممّن يستطيع) فكذا في المقام أيضا يصير مستطيعا و ذلك لانّ الاستطاعة بمعنى القدرة لا فرق بينهما الّا انّها هناك شرط شرعا و هنا شرط عقلا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 148

و هكذا في صدق الاستطاعة عرفا يعني في هذا المقام أيضا يصدق عرفا بأنّه صار متمكّنا و مستطيعا عرفا لامتثال الأمر بالحجّ النّذري كما لا يخفى و كيف كان فقد عرفت عدم ورود شي ء على صاحب العروة فالأولى ان يقال ما كان يؤمّل من صاحب المستمسك صدور مثل هذه الاعتراضات منه كما لا يخفى تذكرة إذا بذل له و خيّره بين ان يحجّ أو يزور الحسين (ع) فالظّاهر وجوب الحجّ لصدق الاستطاعة و شمول اخبار (من عرض عليه الحجّ) له كما قدّمناه في المسئلة (80).

المسئلة التّسعون لو بذل له مالا بمقدار يكفي لحجّة

فسرقه سارق في أثناء الطريق ينكشف عدم وجوب الحجّ من الأوّل لعدم استطاعته واقعا و في علم اللّه تعالى كما أشرنا إليه في المسئلة (66) أيضا.

المسئلة الحادية و التّسعون لو رجع الباذل عن بذله في الأثناء

و كان ذلك المكان يتمكّن من ان يأتي بتمام الأعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته فان كان قبل الإحرام فلا إشكال في وجوب الحجّ و كفايته عن حجّة الإسلام لكونه مستطيعا قبل الإحرام و امّا ان كان بعد الإتيان ببعض اعمال الحجّ فهل يجزى عن حجّة الإسلام لكونه مستطيعا بعضه بالبذل و بعضه بالمال الآخر فلا إشكال في اجزائه ان كان المال الآخر لنفسه من السّابق و امّا ان كان حصوله حادثا بعد إتيان بعض اعمال الحجّ ففيه إشكال لأنّ الرّجوع كاشف عن عدم استطاعته من الأوّل و حدوث التّمول بعدا لا يكفي في كونه مستطيعا إذا اتى ببعض اعمال الحجّ في حال عدم الاستطاعة لأنّك عرفت انّ الاستطاعة عبارة عن القدرة على ما يحجّ به واقعا و هذا لا يكون كذلك واقعا فهو نظير من حجّ متسكّعا و لكن حصل له أموال بالبذل و غيره متدرّجا فإنّه لا يجزي عن حجّة الإسلام و ان كان بالتدريج متمكّنا من المال في تمام الأعمال حتّى يرجع الى وطنه.

و على هذا فما أفاده العلّامة الطّباطبائي في العروة في مسئلة (48) من فروع الاستطاعة بقوله (لو رجع عن بذله في الأثناء و كان ذلك المكان يتمكّن من ان يأتي ببقيّة الأعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته وجب عليه الإتمام و اجزأه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 149

عن حجّة الإسلام) لا يخلو عن إشكال لأنّه بحدوث المال له لا يصير مستطيعا بعد عدم كونه

مستطيعا من الأوّل.

اللهم الا ان يقال انّ الاستطاعة انّما يعتبر فيه أمران الأوّل تمكّنه واقعا من الزّاد و الراحلة و سائر ما يحتاج امّا دفعة من أوّل أعمال الحجّ و امّا تدريجا مثل من له كسب يشتغل به في الطريق ذهابا و إيابا و يحصل له تمام مخارجه بالتدريج.

الثاني الاطمئنان بوجود تمام ما يحتاج به في تمام أحوال الحجّ بحيث لم يكن متزلزلا و متحيّرا بغير تدبير كالمتسكّع و كلا الأمرين موجود في المقام فإنّه كان له المال بمقدار الحاجة في تمام اعمال الحجّ و كان مطمئنا بلا تزلزل امّا في أوّله كان مطمئنا بوجود ما يحتاج به الى آخر اعمال الحجّ و في أثناء الأعمال صار مطمئنّا أيضا بحدوث المال بقدرته على الإتيان بباقي الأعمال فلم يكن متحيّرا في حال من الأحوال و ان شئت قلت هذا الشّخص كان مستطيعا و بمجرّد زوال الاستطاعة صار المال المستحدث جابرا له فلم يكن غير مستطيع في حال من الأحوال نعم ان اتى ببعض اعمال الحجّ متسكّعا فلا يجزى عن حجّ الإسلام فلا بد من حصول المال المستحدث قبل الإتيان بعمل من اعمال الحجّ كما لا يخفى.

المسئلة الثّانية و التّسعون قال في العروة لو عيّن له مقدارا ليحجّ به و اعتقد كفايته فبان عدمها وجب عليه الإتمام

في الصّورة التي لا يجوز له الرّجوع إلّا إذا كان مقيّدا بتقدير كفايته أقول لعلّ نظره (قده) الى انّ الباذل أراد تحمّل مؤنة الحجّ بتمامه و امّا تعيينه هذا المبلغ كان بواسطة اعتقاده كفايته للحجّ فعليه الإتمام في الصورة التي ذكرها و الأولى ان يقال انّ وجوب الإتمام على الباذل موقوف على أمرين الأوّل استظهار تعهّده لتأدية تمام نفقة الحجّ من كلامه مثل قوله حجّ و علي نفقتك أو غيره من كلام أو دليل معتبر عليه الثاني وجوب الوفاء فعليه

بالنّذر أو الشرط في ضمن عقد لازم أو بالجعالة بعد وروده في اعمال الحجّ بناء على ما حقّقناه من انّه بعد وروده في الأعمال يجب عليه الإتمام و لا يجوز ح فسخ الجعالة كما مرّ في المسئلة 84 و امّا وجوب الإتمام على الباذل للتغرير كما افاده بعض الفقهاء فهو موقوف على ظهور كلامه في كفاية

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 150

المبلغ الذي عيّنه لمئونة الحجّ و غرّه و قد عرفت حكمه في المسئلة 84.

المسئلة الثّالثة و التّسعون ان قال اقترض و حجّ و علىّ دينك فالظّاهر عدم وجوب الاقتراض عليه و لا الحج

لانّه من قبيل تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب و امّا ان قال اقترض لي و حجّ به فالظاهر انه أيضا كذلك لا يصدق معه الاستطاعة إلّا إذا كان المقرض موجودا عنده و قال له اقترض من هذا الشخص لي و حجّ به بحيث يصدق عليه (من عرض عليه ما يحجّ به) أو الاستطاعة عرفا و الحاصل انّ المدار على صدق أحدهما عليه و الّا فلا يجب الحجّ كما لا يخفى نعم يجب الاقتراض في بعض الموارد للحجّ كما مرّ موارده في المسئلة (60) فراجع.

المسئلة الرّابعة و التّسعون لو بذل له مالا ليحجّ به فتبيّن بعد الحجّ انّه كان مغصوبا ففي كفايته للمبذول له عن حجّة الإسلام و عدمها وجهان

أقواهما العدم كما اختاره في العروة الوثقى أقول يمكن ان يكون وجه كفايته عنها أحد أمرين الأوّل أنّ الاستطاعة عبارة عن القدرة على الحجّ بلا منع من الشّارع و هي موجودة هنا لانّه قادر على الحجّ و لا مانع من الشّارع عن التّصرف في المغصوب امّا بناء على عدم فعليّة الأحكام في حال الجهل بها فواضح إذ ليس حرمة الغصب فعليّا في حقّه بل الحكم الفعلي هو التّرخيص و الحلّية كما لا يخفى و امّا بناء على فعليّتها و ان كان التّصرف في المغصوب حراما واقعا و لكنّه معذور في حال الجهل فهو مستطيع يعني هو قادر على الإتيان بالحجّ بلا مانع و لكن يمكن ان يقال انصراف الآية الشّريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا عن الاستطاعة الحاصلة بالغصب بل نقول بناء على فعليّة حكم الغصب لا يصدق الاستطاعة أصلا الوجه الثاني انّه إذا قلنا بانّ استحقاق البذل نظير حقّ الجعالة كما حقّقناه سابقا فمع كونه مغصوبا ان صار باطلا و لكن لا ريب في استحقاقه اجرة المثل كما هو المشهور أو اجرة المسمّى كما

لا يبعد لأنّهما توافقا على ان يكون هذا المقدار اجرة لهذا العمل فتحصل الاستطاعة و لكن فيه انّ استحقاقه تمام الأجرة انما هو بعد إتمام عمل الحجّ و استحقاق اجزائها بعد إتمام كلّ جزء من اعمال الحجّ و الشّرط في الاستطاعة انما هو القدرة على ما يحجّ به مقارنا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 151

لإعمال الحجّ لا بعدها فلا يكفي هذا الاستحقاق في تحقّق الاستطاعة أصلا و امّا على القول بالإباحة في البذل فعدم صدق الاستطاعة أوضح و على هذا فالأقوى عدم اجزاء هذا الحجّ عن حجّة الإسلام لعدم وجوبه عليه كما لا يخفى وفاقا للعلّامة الطّباطبائي في العروة تبصرة ثمّ قال في العروة بعد ما حكينا عنه في أوّل المسئلة ما هذا عبارته (امّا لو قال حجّ و عليّ نفقتك ثمّ بذل مالا فبان كونه مغصوبا فالظّاهر صحّة الحجّ و اجزائه عن حجّة الإسلام لأنّه استطاع بالبذل أقول يمكن ان يكون وجه اجزائه عن حجّة الإسلام انّ البذل لم يقع على خصوص المال المغصوب بل في العهدة فالبذل وقع صحيحا يشمله اخبار البذل و يحصل الاستطاعة و ردّ المال المغصوب لا اثر له فهو كالعدم و فيه انّ البذل في مرحلة الإنشاء لم يقع الّا كالوعد و به لا يحصل الاستطاعة و امّا في الخارج فلم يقع الّا بالمغصوب و هو كالعدم فبم يحصل الاستطاعة و لذا استشكله في المستمسك و كذا في تقريرات بعض الأساطين فإنّهما صرّحا بعدم الإجزاء لما ذكرنا الّا انّه يمكن ان يقال بالإجزاء بناء على ما حقّقناه من انّ البذل من قبيل حقّ الجعالة و انّ الاستطاعة تحصل بمجرّد تعهّد تحمّل نفقة الحجّ إذا كان الباذل ممّن يوثق به

و يطمئن عليه و على هذا فيكفي في كونه مستطيعا تعهّده و اشتغال ذمّته بتأديته مع الاطمئنان عليه.

و امّا بناء على مذهب الأصحاب من انّ البذل إذا كان بقوله حجّ و عليّ نفقتك من قبيل الوعد و لم يشتغل ذمّته بشي ء ففي حصول الاستطاعة به مشكل و ان كان الوثوق و الاطمئنان بقوله حاصلا لانّ الوثوق و الاطمئنان إذا كان حاصلا و لم يف بالوعد و لم يعطه شيئا ينكشف عدم الاستطاعة واقعا و الرّد من المغصوب كالعدم و الظّاهر عدم كفاية تبديله من المال الحلال بعد انقضاء اعمال الحجّ لاشتراط الاستطاعة مقارنا للأعمال كما لا يخفى.

تبصرة في مورد المسئلة المذكورة يجوز للمغصوب منه الرّجوع الى الغاصب و أخذ قيمة المغصوب أو بدله عنه كما يجوز له الرّجوع الى المبذول له و لكن في هذه الصّورة يرجع المبذول له الى الغاصب و يأخذ منه ما ورد عليه من الخسارة كما هو محقّق في محلّه.

المسئلة الخامسة و التّسعون قال في العروة لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحجّ بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج

و لا ينافيه وجوب قطع الطّريق عليه للغير لانّ الواجب عليه في حجّ نفسه أفعال الحجّ و قطع الطّريق مقدّمة توصّليّة بأيّ وجه اتى بها كفى و لو على وجه الحرام أو لا بنية الحجّ و لذا لو كان مستطيعا قبل الإجارة جاز له اجارة نفسه للخدمة في الطّريق بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صحّ أيضا و لا يضرّ بحجّه.

أقول الذي يمكن ان يتوهّم منافاته لإيجار نفسه للخدمة في طريق الحجّ أحد أمرين الأوّل أنّ السّعي إلى الحجّ إذا كان واجبا للخدمة فكيف يصير واجبا للحجّ كما لا يمكن اجارة نفسه لشخص بعد إجارته لشخص آخر في زمان واحد.

الثاني من جهة اعتبار

الخلوص في نيّة العبادات فاذا اتى بالسّعي للأجرة فكيف يجزي عن حجّة الإسلام.

و يمكن التفصّي عن كلا الإشكالين بأمور الأوّل انّه يمكن إيجار نفسه للخدمة فقط و امّا أعمال الحجّ فللّه تعالى وحده و السّعي مقدّمة لهما.

الثاني ان يكون السّعي للحجّ و المستأجر انما يستحقّ الخدمة فقط.

الثّالث ان يكون السّعي للمستأجر و امّا الواجب من الحجّ هو الأعمال الواجبة و ح فالسّعي واجب نفسيّ للإجارة و واجب غيري للحجّ و لا منافاة بينهما و هذا ما أشار إليه في العروة في صدر المسئلة و لكن في المستمسك استظهر من قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ انّ السّعي واجب في الحجّ لانّ حجّ البيت يراد منه الذّهاب اليه و السّعي نحوه فيكون واجبا نفسيّا كسائر أفعاله و إذا أجمل مبدء السّير فالقدر المتيقّن السّير من الميقات الى ان قال فان قلت المراد من الآية الشريفة وجوب السّفر وجوبا غيريّا نظير قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* فإنه لا ريب في عدم وجوب السّعي إلى التّراب وجوبا نفسيّا.

قلت إذا كان المراد من آية التيمم ذلك لقرينة في الكلام و هي قوله تعالى ما يُرِيدُ

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 153

اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ضرورة انّ التطهير انّما يكون باستعمال التراب لا بالسعي اليه أو لقرينة خارجيّة من إجماع و غيره لا يقتضي حمل الأمر في المقام عليه لعدم القرينة عليه و لا سيّما كون الوجوب النّفسي هو الموافق للارتكاز العقلائي فإنّ السّعي إلى بيوت أهل الشأن مظهر من مظاهر العبوديّة فلاحظ.

أقول يمكن ان يقال أوّلا لا دلالة في الآية الشّريفة على وجوب السّعي إلّا مقدّمة لإعمال الحجّ خصوصا إذا كان للبيت

قديما و حديثا أعمال مخصوصة يؤتى بها مثلا إذا قيل اذهب الى كربلاء يظهر منه ارادة الذّهاب للتّشرف للزّيارة و انّ الذهاب مقدّمة له.

و ثانيا انّ القرينة هنا أيضا موجودة على انّ السّعي إليه مقدّمة لإعمال الحجّ و هي قوله تعالى في سورة الحجّ آية 28 وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فإنه يستظهر منه انّ الواجب انّما هو الحجّ فقط و امّا إتيان النّاس رجالا و ركبانا مقدّمة للامتثال و لذا لم يأمرهم بالإتيان بل قال تعالى يَأْتُوكَ يعني بحكم عقلهم.

التبصرة 1- لا إشكال في عدم جواز إجارته نفسه لشخص بعد إجارته لشخص آخر في الزّمان الواحد لانّه متعلّق حقّ الأوّل فلا يتعلّق به حق للثّاني و لا يصحّ الإجارة بعد الإجارة مثل بيع الدار بشخص ثمّ بيعها بشخص آخر امّا إجارة نفسه على عمل كان واجبا عليه من دون ان يكون حقّا لغيره فلعلّه ممنوع كما يظهر من كلمات الفقهاء في الموارد المتعدّدة كما يظهر من صاحب العروة في ذيل هذه المسئلة أيضا حيث قال (فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة) و الظاهر انّ هذا الحكم إجماعي و ان حكى عن المصابيح حكاية الفرق عن جماعة بين الواجب التعبّدي و التوصّلي بجواز أخذ الأجرة على الثّاني دون الأوّل و لكن الظّاهر من الأصحاب عدم الفرق بينهما أصلا نعم في التعبّدي يجي ء الإشكال من جهة اعتبار الخلوص في النّية أيضا فإنّه ينافيه الإتيان بقصد الأجرة كما لا يخفى.

التبصرة 2- الظّاهر من بعض الأخبار صحّة حجّ الأجير و الجمّال و التّاجر و أمثالهم براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 154

مثل

ما ورد عن معاوية بن عمّار قال قلت لابيعبد اللّه (ع) حجّة الجمّال تامّة أو ناقصة قال تامّة قلت حجّة الأجير تامّة أو ناقصة قال تامّة «1» و خبر الفضل بن عبد الملك انّه سئل عن الرّجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها فيحجّ و هو كرى يغني عنه حجّه أو يكون يحمل التّجارة إلى مكّة فيحجّ فيصيب المال في تجارته أو يضيّع تكون حجّة تامّة أو ناقصة أو لا يكون حتّى يذهب الى الحجّ و لا ينوي غيره أو يكون ينويهما جميعا أ يقضي ذلك حجّته قال نعم حجّته تامّة «2» و سؤال معاوية بن عمّار عن الصّادق (ع) عن الرّجل يمرّ مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكّة فيدرك النّاس و هم يخرجون الى الحجّ فيخرج معهم الى المشاهد أ يجزيه ذلك عن حجّة الإسلام فقال نعم و سئله أيضا عن حجّة الجمّال تامّة هي أو ناقصة فقال تامّة «3» فقد يستدلّ بهذه الأخبار على عدم اعتبار الخلوص في الحجّ.

و لكن يمكن ان يقال لا دلالة لها على هذا امّا الأوّل فلا مكان اكراء الجمال للاستفادة و اعمال الحجّ خالصا لوجه اللّه تعالى و السعي بينها وقع مقدّمة لهما أو كان السّعي جزء للحجّ و مقدمة للاكراء و كذا في الأجير الّا انه يمكن ان يكون السّعي جزء للإجارة أيضا دون الحجّ.

امّا الثاني فكذلك بالنّسبة إلى الإكراء و التّجارة و لكنّه يشكل في قوله (أو لا يكون حتّى يذهب الى الحجّ و لا ينوي غيره أو يكون ينويهما جميعا إلخ) و جواب الإمام (ع) (نعم حجّته تامّة) فإنّه ان كان الإخلاص في النّية معتبرا فكيف يكون الحجّ تاما مع انّه

ينويهما جميعا.

ان قلت إذا كان قصد الضّميمة في العبادات تبعيّا و قصد القربة أصليا فلا اشكال فيه كما إذا قصد التبرّد في الوضوء بالتبع.

قلت إطلاقه يقتضي صحّة الحجّ إذا كان كلاهما أصليّا بل إذا كان الحجّ تبعيّا أيضا و الّا فعلى الإمام بيانه الّا ان يقال انّ الإكراء و التّجارة لا يقعان في اعمال الحجّ فقصدهما لا يضرّ بالحجّ.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 155

و امّا الثالث فنقول لا دليل على كون السّعي إلى الميقات جزء للحجّ كما لم يكن الرّجل المسئول عنه بصدد الحجّ من الأوّل حتى خرج الى المشاهد و لكن خروجه الى المشاهد كان بقصد الحجّ لا غير كما انّ الكلام الواقع في ذيله أيضا يعلم من السّابق.

التبصرة 3- قد يشكل في أصل وجوب الحجّ بالبذل من جهة اعتبار الخلوص في النّية فإنّ الحجّ منه يصدر في مقابل البذل و لا إشكال في اعتباره كما لا يخفى و لكن يمكن ان يقال انّ البذل للحجّ ليس من قبيل المعاوضة كالإجارة مثلا و لذا لو استأجره للحجّ اعني لحجّ نفسه لا نيابة عن الغير لا يصحّ سواء قلنا بانّ البذل من قبيل الإباحة أو كان من قبيل الجعالة أو غير ذلك فإنّ الجعالة أيضا ليس اجرة في مقابل منفعة و لذا لا يشترط في الجعالة تعيين الجعل و لا المدّة بل هو من قبيل القرض و أرش الجناية مثلا إكرام الضّيف ليس في مقابل كونه ضيفا مثلا من قبيل المعاوضة فعلى هذا لا ينافي البذل مع اعتبار الخلوص فيأتي بالحجّ خالصا لوجه اللّه تعالى و امّا الاستنابة للحجّ فيمكن ان يكون كك كما يمكن ان نقول يعتبر فيه قصد القربة للميّت فلا منافاة

بين قصد الأجرة لنفسه و القربة للميّت كما لا يخفى.

المسئلة السّادسة و التّسعون إذا استأجره للخدمة بما يصير به مستطيعا للحجّ فهل يجب عليه القبول منه

و السّعي إلى الحجّ أم لا ففيه وجهان.

قال الفاضل النّراقي أعلى اللّه مقامه في المستند في هذا المقام و هل يجب إجابة المستأجر و قبول الإجارة قبل القبول أم لا المصرّح به في كلام الأكثر الثاني لأنّه مقدّمة الواجب المشروط و تحصيلها غير واجب و الحقّ الأوّل إذا كان ما استؤجر له ممّا لا يشقّ عليه و يتمشّى منه لصدق الاستطاعة و لانّه نوع كسب في الطّريق و قد مرّ وجوبه على مثله (الى ان قال) و التحقيق انّ هذا ليس تحصيل الاستطاعة لأنّه بعد تمكّنه ممّا استؤجر له يكون ذلك منفعة بدنيّة مملوكة له قابلًا لإيقاع الحجّ به فيكون مستطيعا كما لك منفعة ضيعة يفي مؤنته الحجّ غايته انّه يبادلها بالزاد و الرّاحلة.

و فيه أوّلا منع صدق الاستطاعة عليه مطلقا بل لا بأس بصدقه في خصوص من كان كسبه الخدمة للمسافرين في السّفر بحيث عدّ شغلا له.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 156

و ثانيا منافع الإنسان من شئون نفسه فكما انّ الشّخص لا يصير مالكا لنفسه لاعتبار تعدّد المالك و المملوك فكذلك لا يصير مالكا لمنافعه و لذا لو حبسه شخص لا يضمن منافعه أيّام حبسه فلا يكون كالعبد المحبوس و كيف كان فالحقّ ان يقال لا يجب عليه القبول لانّه تحصيل للاستطاعة إلّا إذا كان ممّن شغله إمرار معاشه بالخدمة في السّفر فهو مستطيع يجب عليه القبول ح و ان لم يكن مالكا لمنافع نفسه كما لا يخفى.

و لكن في المستمسك منع وجوب الحجّ لزعمه انحصار وجوب الحجّ في الاستطاعة بالملك و البذل و عدم كونه منهما.

و فيه منع ظاهر لأنّك عرفت مرارا

انّ الملاك صدق الاستطاعة بأيّ نحو كان و ملخّص ما في تقريرات بعض الأساطين لمّا لم يكن الإنسان مالكا لمنافعه فليست الإجارة فيه على حقيقتها بل هو تضمين و قابليّة الذّمة للضمان أمر بديهيّ كما اتّفق الفقهاء و غيرهم على الضّمان بإتلاف مال الغير.

و لا يخفى انّه ليس صحّة التّضمين متوقّفة على صدق عنوان المال على العمل فعلى هذا يمكن الالتزام بعدم ماليّة عمله قبل حصول التضمين الذي يسمّى بايجار النّفس و امّا بعد حصوله فيصدق عليه عنوان الماليّة لاعتبار العرف ماليّته.

و من هنا يصحّ ان يقال بعدم وجوب إيجار نفسه عليه لانّه على هذا تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب فلو طلب منه ان يقع أجيرا للخدمة بما يصير به مستطيعا لا يجب عليه القبول كما افاده المصنف (ره).

أقول اعتبار الملكيّة في المنافع التي تنتقل من المؤجر إلى المستأجر غير معلوم بل معلوم العدم لصراحة الأخبار الدّالة على صحّة إجارة الإنسان نفسه فالمؤجر و ان لم يكن مالكا لمنافع نفسه و لكن يصحّ منه تمليكها الى الغير كما هو مقتضى الأدلّة و لا يلزم ان يكون من قبيل التضمين بل لا دليل هنا على كونه من قبيل التضمين بعد ان نقول ان الإجارة هي ما ينتقل به المنافع من طرف المؤجر إلى المستأجر فيصير مالا للمستأجر كما لا يخفى و امّا انّه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب فهو صحيح في الغالب و لكن قد عرفت انّه في بعض الموارد كما إذا كان شغل المبذول له خدمة الناس براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 157

سفرا أو سفرا و حضرا كاشتغال بعض النّاس بكسب لائق به في السّفر يصدق عليه الاستطاعة و يجب الحجّ عليه

كما لا يخفى.

المسئلة السّابعة و التّسعون من ليس مستطيعا و لكن استؤجر للحجّ نيابة فصار مستطيعا بالأجرة فهل يجب عليه الحجّ نيابة أو حجّة الإسلام.

فنقول ان شرط عليه المستأجر إتيانه بالحجّ في هذه السّنة فيجب عليه حجّ النّيابة و امّا ان شرط الإتيان به في السّنة التالية أو مطلقا في سنة من السّنين فالظاهر وجوب حجّة الإسلام لأنّه فوريّ و النّيابيّ موسّع نعم لو علم بعدم قدرته على النّيابة فيما بعد أو وقوعه في الحرج فعليه الإتيان بالحجّ النّيابي كما لا يخفى.

المسئلة الثّامنة و التّسعون من حجّ متسكّعا بلا استطاعة لا يجزي عن حجّة الإسلام

فبعد الاستطاعة يجب عليه الحجّ و ذلك لانّ الحجّ الواجب انّما هو على المستطيع فلا يجزي ما اتى به غيره و يدلّ على عدم الإجزاء أيضا الأخبار الواردة في المقام مثل ما ورد في موثقة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (ع) قال انّ عبدا حجّ عشر حجج كانت عليه حجّة الإسلام أيضا إذا استطاع الى ذلك سبيلا إلخ) «1» و ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال لو انّ رجلا معسرا حجّه رجل كانت له حجّته فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ «2» و لكن في صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه (ع) في رجل ليس له مال حجّ عن رجل أو أحجّه غيره ثمّ أصاب مالا هل عليه الحجّ فقال يجزى عنهما جميعا فنقول بعد حمل رواية أبي بصير على انّ الإحجاج لم يكن على وجه يستطيع به و الّا فلا وجه لوجوب الحجّ عليه بعد اليسار بخلاف الإحجاج في الصّحيحة فيمكن ان يكون على نحو يوجب الاستطاعة كما حقّقناه سابقا من انّ الإحجاج إذا كان بالعرض عليه ما يحجّ به أو بنحو يحصل الاطمئنان و الوثوق بأداء الباذل فيصدق الاستطاعة بخلاف ما لم يحصل الوثوق بالباذل و ان و في بما وعد به و أحجّه إلى

آخر الأعمال و كيف كان الإحجاج على قسمين قسم منه يستطيع الحاج و قسم منه لا يستطيع و على هذا فلا تعارض ظاهرا بين الصّحيحة و غيرها كما لا

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 158

يخفى ثمّ على فرض وقوع التّعارض بان يكون المراد من الصحيحة الإحجاج بنحو لا يصير مستطيعا و الضّمير في عنهما كان ظاهرا في الإجزاء عن حجّة الإسلام فنقول لا ترجيح للصّحيحة لان موثق مسمع أيضا حجّة و في كتب الرّجال توثيقه و مدحه و انّه في تولية الغوص و اكتسابه أربعمائة الف درهم و إتيانه خمسها الى الصّادق (ع) و قوله (ع) جميع ما اكتسبت مالنا و قوله (ع) احمل الجميع إليك و تحليله جميعها له مشهور في غير موضع مذكور بل التّرجيح للموثّق لموافقة الكتاب أعني إطلاق قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فإنّ إطلاقه يشمل من حجّ بلا استطاعة و لمخالفته العامّة كما نقل عنهم الشيخ في الخلاف حيث قال (و باقي الفقهاء اجزأه) و على هذا فلا إشكال في المسئلة بحمد اللّه تعالى.

المسئلة التّاسعة و التّسعون إذا لم يكن مستطيعا و حجّ عن غيره فلا يجزي عن حجّة الإسلام لنفسه

فان استطاع يجب عليه الحجّ بلا خلاف ظاهرا و يدلّ عليه ما رواه أدم بن علي عن ابي الحسن (ع) قال من حجّ عن إنسان و لم يكن له مال يحجّ به اجزئت عنه حتّى يرزقه اللّه ما يحجّ به و يجب عليه الحجّ «1» و الظّاهر انّ الضّمير في قوله (لم يكن له) راجع الى من في قوله (من حجّ) لا الى قوله (إنسان) و ذلك لانّ الواو في قوله (ع) (و لم يكن له مال) للحاليّة فهي جملة حاليّة للموصول اعني قوله (من) و لا يجوز ان

يكون حالا للإنسان و ذلك لانّ الجملة لا تقع حالا عن النّكرة و انّما تقع حالا عن المعرفة نعم ان كان يقول (لم يكن له مال) بدون الواو لأمكن أن تكون الجملة نعتا لقوله (إنسان) و اما صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه (ع) قال حجّ الضرورة يجزي عنه و عمّن حجّ عنه «2» فيمكن ان يراد بها انّ الضّرورة ان حجّ عن نفسه يجزي عنه و ان حجّ عن غيره يجزي عمّن حجّ عنه فلا يعارض الخبر المذكور قبلا و ان أريد بها اجزاء الحجّ الواحد عنهما فيحمل على اجزائه عن نفسه ما دام معسرا فلا ينافي وجوب حجّة الإسلام بعد صيرورته موسرا.

و امّا صحيحته الأخرى قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل حجّ عن غيره يجزيه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 159

ذلك عن حجّة الإسلام قال نعم «1» فيمكن رجوع الضّمير في قوله (يجزيه) الى لفظ (غير) فلا تنافي ما ذكرنا و على فرض رجوعه الى قوله (رجل) فيمكن الاجزاء ما دام معسرا و وجوب الحجّ عليه مع اليسار كما صرّح به في خبر آدم بن علي المذكور.

و امّا صحيح جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه (ع) في رجل ليس له مال حجّ عن رجل أو أحجّه غيره ثمّ أصاب مالا هل عليه الحجّ فقال (ع) يجزي عنها جميعا «2» ففيه احتمالات كثيرة أظهرها عندي انّ الرّاوي سئل عن شخص ليس له مال حجّ عن غيره أو نفسه بالاحجاج فهل يجب عليه حجّة الإسلام إذا صار ذا مال بعده أم لا فقال (ع) لا يجب عليه بعده حجّة الإسلام بل يجزي عنهما جميعا يعني يجزي عن الآتي بالحجّ

و عمّن حجّ عنه هذا هو الظّاهر من الصّحيحة لا غير و امّا فقه الحديث فنقول امّا الإجزاء عن المنوب عنه بلا اشكال سواء كان واجبا عليه أم مستحبّا إذا كان ميّتا أو حيّا مريضا لا يقدر على الحجّ كما سيأتي في محلّه و امّا إذا كان سالما فالإجزاء عنه ممكن إذا كان مستحبا لا واجبا كما لا يخفى.

و أمّا الإجزاء عن نفسه فتارة يصير مستطيعا بالإحجاج بان كان واثقا و مطمئنا بأنّه يتحمّل نفقته فلا إشكال في الإجزاء عن نفسه.

و تارة لا يكون مطمئنا و لا وثوق له فلا يجزي عن حجّة الإسلام كما حقّقناه سابقا و تارة يحجّ عن الغير فهو أيضا لا يجزي عن حجّة الإسلام عن نفسه كما لا يخفى و كيف كان فلا مجال للأخذ بإطلاق هذه الصّحيحة و القول بالإجزاء عنهما مطلقا فلا بدّ من تقييدها بالأدلّة الأخرى بالنّحو الذي حقّقناه و امّا التّعرض لسائر الاحتمالات في الصّحيحة فلا جدوى فيه أصلا غير تضييع العمر كما لا يخفى على من كان متأمّلا فيها هذا حال الأخبار الواردة في المسئلة و لم يثبت إعراض الأصحاب عنها بعد ما عرفت حال كل واحد منها و ان حكم في المستمسك بإعراض الأصحاب عنها و عدم المقتضي للجمع العرفي بينهما ثمّ قال و الذي يقتضيه الجمع العرفي الأخذ بظاهرها و حمل غيرها على الاستحباب كما هو ظاهر هذا و النصوص من الطّرفين مختصّة بمن حجّ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 160

عن غيره انتهى) أقول قد عرفت انّ الجمع العرفي بينهما ممكن كما بيّناه و امّا الأخذ بظاهرها و حمل غيرها على الاستحباب ففيه ان خبر آدم بن علي لا يمكن حمله على

استحباب الحجّ بعد قوله (و يجب عليه الحجّ).

المسئلة المائة لما عرفت في المسئلة (41) انّ المراد من الاستطاعة هي الاستطاعة العرفيّة

و يعتبر فيها القدرة على الحجّ بلا صعوبة فنقول لا اشكال على هذا في انّ من كان له عيال و لم يكن ماله وافيا بالحجّ و نفقة العائلة معا و كان ترك الإنفاق عليهم حرجا عليه سواء كان واجب النّفقة أم لا فليس هذا الشّخص مستطيعا عرفا و لذا لو قيل لشخص لم لا تحجّ فقال انّي لا أستطيع لانّ لي عائلة و نفقتهم عليّ فهو مسموع عند العرف و ذلك لانّ الاستطاعة ليس معناه القدرة فقط بل هي بلا صعوبة و حرج فان لم يكن لنا دليل سوى الآية الشريفة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا لكانت لنا كافية مع انّ الأئمة (ع) قد صرّحوا في الأخبار و الرّوايات على ذلك و لنذكر بعضها تيمّنا و تبرّكا.

منها صحيحة سليمان بن مهران المعروف بالأعمش عن جعفر بن محمّد (ع) في حديث شرائع الدّين قال و حجّ البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا و هو الزّاد و الرّاحلة مع صحّة البدن و ان يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع اليه بعد حجّه «1» فان من الواضحات انّه ليس اعتبار أخلاف النّفقة للعائلة بل ما يرجع اليه بعد حجّه حينئذ في معنى الاستطاعة تعبّدا بل مقتضى معناها العرفي اعتبارهما في تحقّق الاستطاعة و امّا الخدشة في سنده فيأتي في المسئلة الاتية بطلانها.

و منها خبر ابي الربيع الشّامي قال سئل أبو عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال (ع) ما يقول الناس قال فقلت له الزاد و الرّاحلة قال

فقال أبو عبد اللّه (ع) قد سئل أبو جعفر (ع) عن هذا فقال هلك النّاس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوّت عياله و يستغني به عن النّاس ينطلق إليهم فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذا فقيل له فما السّبيل قال فقال براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 161

السّعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقي بعضا لقوت عياله أ ليس قد فرض اللّه الزّكاة فلم يجعلها الّا على من يملك مأتي درهم «1».

و امّا ضعف السّند فيه منجبر بعمل الأصحاب فإنّ استنادهم غالبا في المقام بهذا الخبر و امّا الدّلالة فإنّه لا ريب في انّ الإمام (ع) صرّح بانّ مقتضى اعتبار الاستطاعة في الكتاب الكريم يقتضي إبقاء القوت لعياله ثمّ الحجّ و ليس ذلك الّا ان الاستطاعة معناها القدرة بلا صعوبة و حرج لا ان ذلك معناها تعبّدا.

و منها صحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه (ع) قال من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيا «2» فإنّه و ان لم يصرّح فيه بأنّ الحاجة المجحفة به انّما هي مانعة عن وجوب الحجّ لاعتبار الاستطاعة و لكنّه لما عدّ الحاجة المجحفة في عداد الموانع عن الحجّ كالمرض و السّلطان يفهم منه انه لا يكون الّا لاعتبارها في وجوب الحجّ و هذا أيضا لا يناسب الّا ان يراد بالاستطاعة في الآية الشّريفة هي الاستطاعة العرفيّة و امّا ان إنفاق العائلة ممّا يكون من الحاجات المجحفة به فلا ريب فيه بل هي أشدّ الحاجات كما صرّح به الإمام (ع) في خبر

ابي الرّبيع الشّامي.

ثمّ ممّا يمكن الاستدلال به على اعتبار القدرة على تحمّل نفقة العائلة في وجوب الحجّ صحيحة هارون بن حمزة الغنوي في رجل مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يترك الّا قدر نفقة الحجّ و له ورثة قال هم أحقّ بميراثه ان شاءوا أكلوا و ان شاءوا حجّوا عنه «3» فان عدم وجوب الحجّ لعدم وجوبه على المورث حيث لم يكن له زائدا على مؤنة الحجّ ما ينفق على عائلته.

و كذا صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه (ع) الى ان قال و من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يترك الّا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحقّ بميراثه فان شاءوا أكلوا و ان براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 162

شاءوا حجّوا عنه «1» و الحمولة بمعنى الإبل التي تطيق ان يحمل عليها كناية عن الرّاحلة المعتبرة في الاستطاعة للحجّ.

و اما صحيح ضريس الكناسي قال سألت أبا جعفر (ع) عن رجل عليه حجّة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجّن به رجلا إلى مكّة فمات الذي نذر قبل ان يحجّ حجّة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر قال ان ترك مالا يحجّ عنه حجّة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحجّ به رجلا لنذره و قد وفى بالنّذر و ان لم يكن ترك مالا الّا بقدر ما يحجّ به حجّة الإسلام حجّ عنه بما ترك و يحجّ عنه وليه حجّة النّذر انّما هو مثل دين عليه «2» فمع انّ في مضمونه اشكالا فهو محمول على من استقرّ عليه الحجّ في السّنوات الماضية بقرينة قوله (ع) (عن رجل عليه حجّة الإسلام) أو كان

ممّن لم تكن له عائلة كان عليه نفقتهم أو نحو ذلك من المحامل فلا يكون معارضا لما مضى كما لا يخفى و كذا يمكن الاستدلال بما قد أسلفنا في المسئلة 61 فيما إذا كان الإنفاق على العيالات واجبا بأنّه واجب مطلق و الحجّ واجب مشروط و لا ريب في تقديم الواجب المطلق على المشروط بالتفصيل الذي بيّناه سابقا في المسئلة المذكورة و لكن فيه اشكال سيتّضح لك في المسئلة 107.

و كذا يمكن الاستدلال بقاعدة نفي الحرج إذا كان في ترك الإنفاق على العائلة حرج عليه و لكن قد عرفت ممّا حقّقناه انه لا نحتاج الى التّمسّك به بعد استظهارنا من لفظ الاستطاعة و اعتبار ان لا يكون صعبا و حرجا في معنى نفس الاستطاعة عرفا و على هذا فعدم الحرج معتبر في معنى الاستطاعة و ان لم يكن لنا قاعدة نفي الحرج كما لا يخفى.

تبصرة من لم يكن قادرا على إنفاق العيالات و لكن كان له ما يحجّ به و حجّ فهل حجّه مجزي عن حجّة الإسلام أم لا فنقول ان كان الاستدلال لعدم وجوب الحجّ بقاعدة نفي الحرج فلا ريب في اجزائه لأنّ القاعدة انّما تنفي وجوب الحجّ لا أصل تشريعه براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 163

و كذا ان كان الاستدلال بتقديم الواجب المطلق على الواجب المشروط لانّه لا ينفي الاستطاعة إلّا العمل بالواجب المطلق لا الوجوب بمجرّده كما أسلفناه في المسئلة (61) و امّا ان كان الاستدلال بسائر الأدلّة فالإجزاء مشكل بل ممنوع سواء قلنا بان مفهوم الاستطاعة يقتضي اعتبار قدرته على الإنفاق أو كان دليل آخر على اعتباره رأسا فإنّه حينئذ يكون شرط مشروعيّة حجّة الإسلام منتفيا كما لا يخفى على

المتأمّل.

المسئلة الحادية و المائة هل يعتبر الرّجوع الى كفاية

بحيث إذا رجع لم يقع في الحرج و المشقّة و لم يختل نظام أموره و معاشه بل كان باقيا على نظمه السّابق مثل ان يكون له إجارة أو صناعة أو حرفة أو كان شغله ان يكون أجيرا لأشخاص أو أموال يبقى منها بعد الحجّ ما يكفيه لمعاشه أو بساتين يكفي لمعاشه أو كان له إبل أو غنم أو بقرة مكفيّة لمعاشه أو كان من أهل العلم و يدار أمر معاشه بعد الحجّ و هكذا فقيل نعم و قيل لا و الظّاهر هو الأوّل.

و يمكن الاستدلال بأمور الأوّل ما عرفت من اقتضاء اعتبار الاستطاعة فإنّها بمعنى القدرة بلا صعوبة و حرج كما حقّقناه في المسئلة السّابقة و أيضا في المسئلة 41 فلا نعيد تقريرها.

الثّاني قاعدة نفي الحرج و لو لم نستظهر من معنى الاستطاعة ذلك.

الثّالث صحيحة سليمان بن مهران المعروف بالأعمش عن جعفر بن محمّد (ع) و حجّ البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا و هو الزّاد و الرّاحلة مع صحّة البدن و ان يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع اليه بعد حجّه «1» و صراحته في المطلوب غير خفيّة و قد يناقش فيه سندا و دلالة امّا الأوّل ففي تقريرات بعض المعاصرين بقوله (و لكن سنده ضعيف فلا عبرة به و جبر ضعفه بعمل الأصحاب غير معلوم لعدم إحراز استنادهم إليه فهي من قلّة التأمل في كتب الرّجال فان فيها كثيرا من فضائله و مدائحه فإنه كان فاضلا شيعيا محبّا لأهل بيت النّبي (ص) و المشهور المرويّ في كتب الخاصّة و العامّة انّه سئله المنصور كم تحفظ من الحديث في فضائل علي (ع) قال له براهين الحج للفقهاء و الحجج،

ص: 164

عشرة آلاف حديث و في كتاب روضات الجنّات نقل عن كتاب توضيح المقاصد الذي ينسب الى شيخنا البهائي ما صورته بعد ان ذكر شهر ربيع الأوّل الخامس عشر منه فيه توفي سليمان بن مهران الأعمش يكنى أبا محمّد و كان من الزهّاد و الفقهاء و الذي استفدته من تصفّح التواريخ انّه من الشّيعة الإماميّة و العجب انّ أصحابنا لم يصفوه بذلك في كتب الرّجال و قال له أبو حنيفة يوما يا أبا محمّد سمعتك تقول ان اللّه سبحانه إذا سلب عبدا نعمة عوّضه نعمة اخرى قال نعم قال و ما الذي عوّضك بعد ان اعمش عينيك (اي أضعف رؤيتهما مع سيلان الدّمع عنهما كثيرا و سلب صحّتهما فقال عوّضني ان لا ارى نعثلا مثلك) و النّعثل هو الشيخ الأحمق و اسم يهوديّ لحياني يشبّه به عثمان و كيف كان من شاء ان يتّضح له جلالة قدره فلينظر في كتاب الرّجال لأبي علي و كتاب روضات الجنّات و سائر كتب الرّجال حتّى ينكشف له حقيقة الحال و على هذا فلا ضعف في روايته حتّى يحتاج الى جبران العمل من الأصحاب فإنّه أجلّ من ذلك و على فرض تسليم ذلك فكيف لم يحرز استناد الأصحاب اليه مع انّهم استدلوا في كتب الفقه به في هذه المسئلة و غيرها كما هو أوضح من ان يخفى على المتتبّع و امّا الخدشة في مفاده كما في المستمسك بقوله (و امّا خبر الأعمش فلا جمال ما يرجع اليه بعد حجّه من حيث المدّة و انّها سنة أو أقلّ أو أكثر و من حيث الكميّة و انّه قليل أو كثير و حمله على ما لا بدّ له منه عند الرّجوع بقرينة

دليل نفي الحرج رجوع الى الدّليل المذكور و حينئذ يتعيّن العمل بمقتضاه لا غير) ففيها انّه لا إجمال فيه أصلا فإنّ مقصود الامام (ع) و اللّه اعلم ان لا يرجع عن الحجّ مع التحيّر و اختلال نظم كسبه و معاشه بحيث يقع في الحرج فان كان تاجرا يشتغل بتجارته و الزّارع بزراعته و الأجير بإجارته و من يستفيد من إجارة أملاكه فكذا كان باقيا بهذا الحال بالنّحو المتعارف و مع حصول الاختلال في أموره فلم يكن مستطيعا من الأوّل.

و امّا ما افاده من لزوم الرّجوع الى دليل نفي الحرج فنقول لا يلزم أصلا فإنّه يفهم من نفس الرّواية انّ الاستطاعة معناها يقتضي عدم وقوعه في الحرج بعد الرّجوع فإنّ الرواية حينئذ مقتضاها ذلك و ان لم يكن لنا قاعدة نفي الحرج و الحاصل انّ لزوم براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 165

عدم وقوع الحاج في الحرج تارة يستفاد من قاعدة نفي الحرج و تارة من نفس الاستطاعة فعلى الأوّل يجزي عن حجّة الإسلام لأنّ القاعدة انما تنفي اللّزوم لا أصل المشروعيّة بخلاف الثّاني و كذا ان تمسّكنا بسائر الأخبار كما لا يخفى.

المسئلة الثّانية و المائة لا يجوز للولد ان يأخذ من مال والديه للحجّ إلّا بإذنهما

كما لا يجب على الوالدين أيضا البذل له و أيضا لا يجوز للوالدة الأخذ من مال ولده للحجّ بلا خلاف و لا اشكال و امّا انّه هل يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده للحجّ بدون إذنه أم لا فيه وجهان بل قولان فقال شيخ الطّائفة في كتابه النّهاية (و من لم يكن يملك الاستطاعة و كان له ولد و له مال وجب عليه ان يأخذ من مال ابنه قدر ما يحجّ به على الاقتصاد و يحجّ) و قال أيضا في كتاب الخلاف

(إذا كان لولده مال روى أصحابنا انّه يجب عليه الحجّ و يأخذ منه قدر كفايته و يحجّ به و ليس للابن الامتناع منه و خالف جميع الفقهاء (أي العامّة) في ذلك دليلنا الأخبار المرويّة في هذا المعني من جهة الخاصّة و قد ذكرناها في الكتاب الكبير و ليس فيها ما يخالفها يدلّ على إجماعهم على ذلك) و قال الشيخ المفيد في المقنعة (و ان كان الرجل لا مال له و لولده مال فإنّه يأخذ من مال ولده ما يحجّ به من غير إسراف و تقتير و تبعهما جمع من الفقهاء الإماميّة و خالفهما أكثر المتأخّرين فنقول يمكن الاستدلال بصحيحة سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير قال نعم قال قلت يحجّ حجّة الإسلام و ينفق من ماله قال نعم بالمعروف ثمّ قال نعم يحجّ منه و ينفق منه انّ مال الولد للوالد و ليس للولد ان يأخذ من مال والده إلّا بإذنه «1» كما يمكن الاستدلال بإطلاق الأخبار الدّالة على جواز التصرّف للوالد في مال ولده مطلقا و لنذكر في المقام بعضها فنقول الأوّل صحيحة محمّد بن مسلم عن ابي عبد اللّه (ع) قال سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه قال يأكل منه بالمعروف فأمّا الأمّ فلا تأكل منه الا قرضا على نفسها «2» الثّاني أيضا صحيحة محمّد بن مسلم عن ابي عبد اللّه (ع) قال سألته عن الرّجل يحتاج الى مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال في كتاب علي (ع)

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 166

انّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا باذنه

و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر انّ رسول اللّه (ص) قال لرجل أنت و مالك لأبيك «1».

الثالث صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) انّ رسول اللّه (ص) قال لرجل أنت و مالك لأبيك ثمّ قال أبو جعفر (ع) ما أحبّ ان يأخذ من مال ابنه الّا ما احتاج اليه ممّا لا بدّ منه انّ اللّه لا يحب الفساد «2».

الرابع ما رواه ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه (ع) في الرّجل يكون لولده مال فأحبّ أن يأخذ منه قال فليأخذ و ان كانت امّه حيّة فما أحبّ ان تأخذ منه شيئا إلّا قرضا على نفسها «3».

الخامس ما رواه محمّد بن سنان انّ الرضا (ع) كتب اليه فيما كتب إليه في جواب مسائله و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لانّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جلّ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ «4» مع انّه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا و المنسوب اليه و المدعوّ له لقوله عزّ و جلّ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ و لقول النّبي (ص) أنت و مالك لأبيك و ليس للوالدة مثل ذلك لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب و لانّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها «5».

السادس ما رواه الثقة الجليل علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال سألته عن الرّجل يكون لولده الجارية أ يطأها قال ان أحبّ و ان كان لولده مال و أحبّ

ان يأخذ منه فليأخذه و ان كانت الأمّ حيّة فلا أحبّ ان تأخذ منه شيئا إلّا قرضا «6».

السابع خبر عليّ بن جعفر عن ابي ابراهيم (ع) قال سألته عن الرّجل يأكل من مال ولده قال لا الّا ان يضطرّ إليه فيأكل بالمعروف و لا يصلح للولد ان يأكل من مال براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 167

والده شيئا إلّا بإذن والده «1».

الثّامن خبر الحسين بن ابي العلا قلت لابيعبد اللّه (ع) ما يحلّ للرّجل من مال ولده قال قوته بغير سرف إذا اضطرّ اليه قال فقلت له فقول رسول اللّه (ص) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له أنت و مالك لأبيك فقال انّما جاء بأبيه إلى النّبي (ص) فقال يا رسول اللّه (ص) هذا ابي و قد ظلمني ميراثي عن أمّي فأخبره الأب انّه قد أنفقه عليه و على نفسه و قال أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرّجل شي ء أو كان رسول اللّه (ص) يحبس الأب للابن «2».

التّاسع صحيحة ابن سنان قال سئلته يعني أبا عبد اللّه (ع) ماذا يحلّ للوالد من مال ولده قال امّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النّفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا الحديث «3» ثم من تأمّل في الأخبار المذكورة يجد بعضها دالا على جواز أخذ الأب من مال الولد مطلقا بدون قيد و بعضها مقيّد بالاحتياج في كلام الرّاوي فلا اعتبار به و بعضها في كلام الإمام (ع) و لكن بلفظ (ما أحبّ ان يأخذ من مال ابنه الّا ما احتاج) و هو أيضا لا يدلّ على المنع و لكن الإشكال في كثير من الأخبار المذكورة حيث وقع التقييد بالاحتياج أو الاضطرار في

قول الإمام (ع) فقد يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد و قد يجمع بحمل المطلق على الجواز و المقيّد بعدم الاضطرار على الكراهة في غير المضطر و قد يعامل معهما معاملة التعارض ثم التّرجيح أو حمل الأخبار المطلقة على محامل بعيدة مع انّ إسقاطها أولى من الحمل على هذه المحامل.

و لكنّ الذي يختلج بالبال في حلّ الإشكال انّ الاحتياج و الاضطرار ذو مراتب أحدها ما يوجب حلية أكل الميتة و السّرقة.

الثاني ما يوجب وجوب نفقته على الأب و الولد مثل من لم يكن له مؤنة سنته.

الثالث ما يضطر إليه في حوائجه العاديّة و ان كان قادرا على مؤنة سنته و لم يكن واجب النّفقة على الأب أو الابن مثلا يضطرّ الى مال للضيافة بقدر شأنه أو المسافرة بالقدر المتعارف مثلا يضطرّ الى مال يحجّ به و لو لم يكن مستطيعا مع قطع النّظر عن مال الولد.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 168

و الحاصل الاضطرار الى مال بالمقدار المتعارف من حوائجه و ان كان أزيد من مؤنة السّنة نظير الاحتياج الى مال يحجّ به أو للضيافة بقدر شأنه.

فنقول المراد من الاحتياج و الاضطرار في الأخبار المذكورة على الظّاهر هو الشّق الثالث بل بعضها لا يمكن ارادة الشقّ الثاني منها كصحيحة محمّد بن مسلم و هو المذكور أولا لأنّ السائل يقول (فيحتاج الأب إليه) فيقول الإمام (ع) (يأكل منه بالمعروف) و لم يقل بمقدار النّفقة الواجبة ثمّ قال (ع) (فامّا الأم لا تأكل منه الّا قرضا على نفسها).

و على هذا فلا تعارض في الأخبار أصلا.

فنقول المراد من الاضطرار في الخبرين المذكورين اعني السّابع و الثّامن و هما خبر عليّ بن جعفر و خبر الحسين بن ابي العلاء

أيضا كذلك فان قوله (ع) (الّا يضطرّ فيأكل منه بالمعروف) في الأول يدلّ على انّ الاضطرار بالمعنى الثالث و الّا لقال (ع) فيأكل منه بالمقدار الذي يجب عليه إنفاقه و لا ريب في انّ الأكل بالمعروف أزيد من النّفقة الواجبة و كذا قوله (ع) في الثانية (قال قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه) يعني إذا اضطرّ الى الوقت بغير سرف لانّ مرجع الضّمير هو ما قبله يعني لفظ (قوته) لا القوت الذي لا يموت به و لا القوت الذي يجب على الابن إنفاقه و كذا في احتياجه إلى الجارية و كان للولد جارية و لا يكون الولد محتاجا إليها مثل ان يكون صغيرا أو له جارية أخرى أو زوجته لا يحتاج إلى الجارية فيجوز للأب تملكها بان يقوّمها على نفسه أو غير ذلك.

و على هذا لمّا توهّم السائل في خبر الحسين ابن ابي العلاء أنّ أموال الولد كلّها للأب لقول رسول اللّه (ص) (أنت و مالك لأبيك) و هو مناف لقول الإمام (ع) (قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه) فأجاب الإمام (ع) بان قول النّبي (ص) ذلك انّما كان في مورد خاصّ و هو اضطرار الأب إلى أخذ ماله للإنفاق عليه و على نفسه و لم يكن شي ء للأب حتّى يأخذ النّبي (ص) عنه للابن مع انّه لا ينبغي حبسه للابن و على هذا لا يلزم ان يكون الاضطرار بالمعنى الثّاني من الشقوق بل بالمعنى الثالث و هو الاضطرار إلى براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 169

الأمور المتعارفة حتّى مثل الحجّ و الضّيافة بالمتعارف و أمثالهما كما لا يخفى نعم لا يجوز الأخذ من مال الولد إذا كان موجبا للإسراف أو فساد مال الولد أو

الخروج من الحدّ المتعارف كما يظهر من بعض الاخبار أيضا.

تبصرة 1- صحيحة سعيد بن يسار التي ذكرتها قبل الأخبار المذكورة قد رويت على وجهين الأوّل ما نقلناه هنا عن كتاب تجارة الوسائل و هي ممّا رواها الشّيخ في التّهذيب عن الحسين بن سعيد عن عثمان ابن عيسى عن سعيد بن يسار على النّحو الذي مرّ هنا الثاني ما رواه في التهذيب في كتاب الحجّ عن موسى بن القاسم عن صفوان عن سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) الرّجل يحجّ من مال ابنه و هو صغير قال نعم يحجّ منه حجّة الإسلام قلت و ينفق منه قال نعم ثمّ قال انّ مال الولد لوالده انّ رجلا اختصم هو و والده إلى النّبي (ص) فقضى انّ المال و الولد للوالد «1» ثمّ قال في المستمسك يشكل الأخذ بالصّحيح المذكور يعني في العروة و أراد به صحيح سعيد بن يسار على ما نقل عن حجّ التهذيب لظهوره في انّ جواز الأخذ من أجل قول النّبي (ص) انّ المال و الولد للوالد الوارد في الخصومة بين الوالد و الولد فان ذلك معارض بما في خبر الحسين ابن ابي العلاء المتقدّم في شرح تلك الخصومة و قول النّبي (ص) الوارد فيها و حينئذ لا بد من الرجوع الى قواعد التعارض.

أقول فيه أوّلا انّ الصّحيح المذكور على النحو الذي في كتاب التجارة لم تكن فيه إشارة إلى قضيّة الخصومة.

و ثانيا على النّحو الذي في كتاب الحجّ و ان كان مشيرا إلى الخصومة و لكنّه لم يعلم منه ارتباط حكم الحجّ به لانّه ذكر أوّلا حكم الحجّ و بعده يقول (ثمّ قال انّ مال الولد لوالده انّ رجلا اختصم

إلخ) فإنّ الإتيان بلفظ ثمّ دليل على عدم ارتباطه بحكم الحجّ فلعلّه ذكر لأدنى مشابهة من حيث انّ نفقة الحجّ على الولد.

و ثالثا لعلّ الخصومة الّتي أشار إليها في الصحيح المذكور غير الخصومة الّتي ذكرت في خبر الحسين ابن ابي العلاء.

براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 170

و رابعا إذا قلنا انّ المراد من قوله في خبر الحسين ابن ابي العلاء (قوته بغير سرف إذا اضطرّ اليه) هو الاضطرار بالمعنى الثالث الذي أشرنا إليه آنفا و ذلك لانّ الضّمير في (اليه) انّما يرجع الى لفظ (قوته) في قوله (قوته بغير سرف) لا الى شخص آخر فلا يتحقّق التّعارض بينهما أصلا لأنّ الأب يضطرّ (بالمعنى الذي ذكرنا) الى مال يحجّ به فيجوز له الأخذ من ماله و الحجّ به.

و امّا ما في الخبر من انّ الأب أخبره (النبي (ص)) انّه قد أنفقه عليه و على نفسه فلعلّه كان الإنفاق عليهما أيضا بالنّحو المتعارف لا خصوص النّفقة الواجبة على الأب و الولد مع انّه لا يضرّنا ان قصد فيه الإنفاق الواجب أيضا بعد ان حكم الامام (ع) أوّلا بحلّيّة مال ولده إذا اضطرّ الى قوته بغير سرف اي المتعارف.

و خامسا إذا سلّمنا و قلنا انّ المراد من الاضطرار هو الشّق الثاني يعني الاحتياج إلى مؤنة سنته ممّا يوجب إنفاق الوالد على الولد و الولد على والده فسيأتي حكمه في التّبصرة التالية كما يتّضح إن شاء اللّه تعالى.

تبصرة 2- ثمّ لا يخفى انّ الاضطرار إذا قلنا بانّ معناه هو الشّق الثّاني فقط في الاخبار المذكورة و لا اعتبار للشّق الثالث الذي ذكرناه فيها فنقول إنّما الأخبار الواردة في المقام على أربعة أقسام الأوّل ما يدلّ على جواز الأخذ من

مال الولد مطلقا مثل قول النّبي (ص) أنت و مالك لأبيك و نحوه سائر الأخبار المطلقة.

الثاني الاخبار الدّالة على جواز الأخذ مع الاضطرار مثل خبر الحسين ابن ابي العلاء و خبر عليّ بن جعفر و غيرهما ممّا يقيّد بالاحتياج.

الثّالث ما يدلّ على عدم جواز الأخذ لغير المضطرّ من الآباء منطوقا مثل خبر عليّ بن جعفر و مفهوما في خبر الحسين ابن ابي العلاء و غيره.

الرّابع ما يدلّ على جواز الأخذ لغير المضطرّ منهم مثل الأخبار الدالّة على جواز الأخذ للأب و عدم جوازه للامّ الّا قرضا مثل رواية محمّد بن سنان و غيرها فنقول لا تعارض بين هذه الاخبار الّا بين القسم الثّالث و الرّابع إذا لم يكن الجمع العرفي ممكنا و لكنّه ممكن بحمل الأخبار المانعة على الكراهة و المجوّزة على الإباحة و ذلك لانّ براهين الحج للفقهاء و الحجج، ص: 171

الأخبار المجوّزة صريح في الجواز و لكن الأخبار المانعة ظاهرة في الحرمة فيقدّم الصّريح على الظّاهر فيحمل على الكراهة.

و امّا ان لم نقل باقتضاء الجمع العرفي كذلك فلا بدّ من الرّجوع الى المرجّحات فالمرجع هو القسم الأوّل من الأخبار أعني الأخبار المجوّزة مطلقا لا ما يدلّ على حرمة التصرّف في مال الغير كقوله (ع) لا يحلّ مال امرء الّا عن طيب نفسه و التّوقيع الشّريف لا يجوز لأحد ان يتصرّف في مال غيره الّا بإذنه ذلك لانّ المرجع انّما هو عام يكون أقرب الى المورد مع انّها مخالفة للعامّة أيضا كما عرفت من الشّيخ (قده) في كتابه الخلاف من قوله (و خالف جميع الفقهاء في ذلك و على هذا فالمتعيّن ان نقول انّ الاضطرار و الاحتياج يراد بهما هو الشّق الثّالث ممّا حقّقناه

حتّى لا يلزم محذور أشدّ كما عرفت.

تبصرة 3- الظّاهر عدم جواز أخذ الأب من مال ولده إذا لم يكن محتاجا الى مال ولده أصلا بشي ء من المعاني المذكورة و الظّاهر كما أشرنا إليه كفاية الاحتياج و الاضطرار بالشّق الثالث من المعاني المذكورة يعني فيما يحتاج اليه حتّى أموره العاديّة كالمسافرة الى الحجّ و الضّيافة و أمثالهما فضلا عن قوت السّنة و نحوه فمن كان له تموّل تامّ لا يحتاج الى مال ولده أصلا فليس له الأخذ قطعا كما هو مفاد الاخبار و فتاوى الأصحاب حتّى الشّيخ في النّهاية قال (و من لم يكن يملك الاستطاعة و كان له ولد له مال إلخ) و الشّيخ المفيد في المقنعة قال و ان كان الرجل لا مال له و لولده مال فإنّه يأخذ من مال ولده ما يحجّ به إلخ) كما انّ الظّاهر انّه يجوز له الأخذ بمقدار لا يوجب الفساد على الولد و لا إسراف و لا خروج عن حدّ المتعارف كما أشار الى ذلك كلّه في الأخبار الّتي نقلناها بأسرها.

تبصرة 4- الخبر التّاسع من الأخبار المذكورة أعني صحيحة ابن سنان قال سئلته يعني أبا عبد اللّه (ع) ماذا يحلّ للوالد من مال ولده قال امّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النّفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الّا ان يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال و يعلن ذلك قال و سئلته

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.