بحوث فقهية هامة(للمكارم) (الحج)

اشارة

سرشناسه : مکارم شیرازی ناصر، 1305 - عنوان و نام پديدآور : بحوث فقهیه مهمه ناصر مکارم الشیرازی مشخصات نشر : قم مدرسه الامام علی بن ابی طالب ع 1422ق = 1380. مشخصات ظاهری : 592 ص شابک : 20000ریال ‮ 964-6632-70-X : ؛ 35000 ریال (چاپ دوم)‮ يادداشت : عربی يادداشت : چاپ دوم: 1428ق. = 1386. يادداشت : عنوان روی جلد: بحوث فقهیه هامه یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس عنوان روی جلد : بحوث فقهیه هامه موضوع : اصول فقه شیعه شناسه افزوده : مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع) رده بندی کنگره : BP159/8 /م7ب3 1380 رده بندی دیویی : 297/312 شماره کتابشناسی ملی : م 79-23150

(1) حكم الأضحية في العصر الحاضر

تمهيد

حينما تشرّفت بزيارة بيت الله الحرام لأوّل مرّة، ذهبت إلى منى لأُشاهد عن قرب عمليّة نحر الأضاحي في المسلخ يوم العيد، فإذاً بي أواجه مشهداً عجيباً،. الآلاف المؤلّفة من أشلاء الأنعام من الشياه و البقر و الإبل قد غطّت أرض المسلخ بحيث كان من الصّعب اختراقها و العبور من خلالها، في حين كانت شمس الحجاز الحارقة تلهب بحرارتها وجه البسيطة، فيسرع العفن في ذلك الركام الهائل من الأضاحي، دون أن يستفيد منها أحد من النّاس لا سيّما المساكين.

و بادرت الحكومة السعودية- من أجل أن تمنع انتشار الأوبئة بين الحجيج بسبب تعفّن الأضاحي بعد نحرها- إلى دفنها رغم ما يتعرض هذا العمل من صعوبات.

و بعد أن اطّلعت على هذا الوضع سعيت بدوري للحصول على شاة صحيحة تتوفّر فيها المواصفات المطلوبة لهديها، فتمّ لي ذلك، و قدّمتها لبعض المساكين هناك، و لعلّهم أيضاً اكتفوا ببعض منها و تركوا الباقي.

كما لاحظت

وجود عدد من الفقراء المعوزين الذين كانوا ينقلون أجزاءً من الأضاحي خارج المسلخ، و لكن لا تتجاوز نسبة ما يقتطعونه من الأضاحي في أحسن الأحوال عشرة بالمائة، فيتلف الباقي بالدفن أو الحرق! و كما قلنا فإنّ عملية الإتلاف لا تتمّ بسهولة، و لهذا قد تُنجز بشكل ناقص فيوجب تلوّث بيئة منى و تعفّنه يومي الحادي عشر و الثاني عشر من ذي الحجة لا سيّما المناطق القريبة من المسلخ.

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 10

و لعلّ الكثير من الأفراد الذين يدخلون المسلخ و يشاهدون الوضع فيه يتساءلون في أنفسهم عن رأي الشرع المقدّس في هذه الظاهرة، و موقف الفقهاء و مراجع الدّين منها، و هل هي من المسائل المستحدثة، أم كانت بهذا الشكل منذ عصر المعصومين و فقهاء السلف؟

في تلك الفترة كنت من طلاب العلوم الدينية، و حديث عهد ببحوث الفقه الاستدلالي، و كنت مقلّداً في عدد من المسائل، و منها مسائل الحج، فكانت وظيفتي الذبح ثمّ طرح الأضحية في محلّها، أو أن أقوم بعملية صورية في أخذ النيابة من الفقير ثمّ القبول من جانبه و تركها في نفس المحلّ.

و لكن بعد أن حصلت على قدرة أكثر في استنباط المسائل، استغرقت في الفكر و عزمت على ملاحظة أدلّة المسألة بالدقّة و التأمل اللائقين، و عدم الاقتناع بمقولة الآخرين و ممارساتهم العملية، خصوصاً بعد أن تعقّدت المسألة بانتقال جميع الأضحية من منى إلى خارجه مع أنّ من شروط صحة الأضحية عند فقهاء الشيعة كونها في منى، و عدم إجزاء ما يقع خارجها، و لذلك تفحّصت جميع روايات أبواب الذبح بدقّة و تدبّر، و تعمّقت في كلمات القوم و فتاوى الفقهاء الكرام و استدلالاتهم، و ناقشت بعضهم، و سعيت لأن

أجرّد ذهني من الخلفيات المعرفية حتّى أفتى في المسألة مع فراغ البال، و أستجلي الحقيقة من روافدها الشرعية و أدلّتها المعتبرة،- كما حصل للعلّامة الحلّي (قدس سره) في حكمه بردم بئر داره، ثمّ الفحص عن أدلّة اعتصام ماء البئر، و في النهاية أفتى بالاعتصام خلافاً لجميع من كانوا قبله- فانتبهت إلى أنّ مثل هذه الأضاحي ليست مجزية لوظيفة الحج، و على الحجّاج الاجتناب عنها و الاحتياط بالإتيان بها في أيام ذي الحجّة في أوطانهم، أو مكان آخر.

و لهذا عزمت على إظهار ما ثبت لي من الدليل على هذه الفتوى مع أداء التكريم و الاحترام لجميع المراجع و الفقهاء العظام في فتاواهم، كيما ينفتح بذلك للباحثين باب بحث أكثر و فحص أبلغ حول هذه المسألة المهمّة.

المحور الأصل في المسألة

اشارة

و قبل كلّ شي ء لا بدّ أن نعلم أنّ لمسألة الأضحية في زماننا هذا أربع حالات:

1- إذا أمكن إيقاع الذبح في منى (أو في المذابح الموجودة اليوم مع عدم التمكن منه في منى) و صرف لحوم الأضاحي في مصارفها بحيث لا يلزم الإتلاف و الدفن و الإحراق، فلا إشكال في تقدّمه على أيّ شي ء آخر.

2- إذا لم يوجد المستحقّون في منى، و لكن يمكن نقل اللحوم إلى خارج مني، أو إلى خارج المملكة السعودية بتجفيف اللحم، أو استخدام إحدى الوسائل لحفظه و تعبئته في علب تدرأ عنه الفساد، ثمّ صرفه للمستحقّين، يجب الذبح أيضاً في منى، ثمّ النقل إلى خارجها.

3- إذا لم يمكن نقل اللحوم إلى خارج مني أو خارج الحجاز، و أمكن الذبح في مكان آخر داخل مكّة أو داخل الحرم و صرف اللحوم في مصارفها، وجب الذبح في ذلك المكان على الاحتياط اللازم.

4- إذا استعصت الحالات الثلاثة السابقة،

بحيث لم يبق إمامنا إلا الإتلاف أو الإحراق، يمكن القول بسقوط وجوب الذبح (لأنّ الواجب ليس مجرد إراقة الدم، بل مشروط في الكتاب و السنّة بصرفها في مصارفها، و حيث لا يمكن تحصيل الشرط يسقط المشروط، كما سيأتي تفصيلا).

و لكن الأحوط وجوباً عزل ثمنها، ثمّ الإتيان بسائر المناسك، ثمّ الذبح في الوطن أو محل آخر بعد الرجوع في شهر ذي الحجة، و الأولى في صورة الإمكان، التنسيق و الاتفاق مع بعض الأهل و الأصدقاء للذبح يوم الأضحى في الوطن- لكي يصرف لحم الذبيحة في مصارفها- و التقصير بعده (لكن هذا ليس بواجب لأنّه يوجب العسر و الحرج على كثير من الحجاج).

[الأدلة على وجوب الذبح في غير منى

اشارة

و الدليل على ذلك (أي وجوب الذبح في غير منى في هذه الحالة) أمور أربعة:

الأوّل: ليس الواجب في الهدي مجرّد إراقة الدّم
اشارة

المستفاد من ظاهر الآيات الواردة في حكم الأضحية في القرآن الكريم إنّ الأضحية المطلوبة في الشريعة الإسلامية هي ما يصرف لحومها للفقراء و المساكين لا مجرّد إراقة الدّم، قال الله تبارك و تعالى (وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ). «1» فالمستفاد من هذه الآية- خصوصاً بقرينة الفاء (فَكُلُوا.)- جعل الأضحية في سبيل الإطعام، و لزوم استفادة المضحّي و القانع و المعترّ (القانعون من الفقراء و المعترّون منهم) من لحومها، و من الواضح أنّ الآية ليست ناظرة إلى الموارد التي لا يأكل منها المضحّون و القانعون و المعترّون، بل تلتهمها حفر الأرض و مصاهر النار! إن قيل: لعلّ مفهوم قوله تعالى بعد الآية المزبورة (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى «2» عدم موضوعية المصرف، و أنّ المهم إنّما هو التقوى و النيّات الخالصة حين الذبح، و بعبارة أخرى: لإراقة الدم موضوعيّة.

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 13

قلنا: لازم هذا الاستنباط عدم لزوم إراقة الدم، و عدم وجوب الأضحية أيضاً (لأنّها تقول (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها)) و هو خلاف المطلوب، فالصحيح أن يقال: إن المقصود في الآية الشريفة أنّ قيمة إراقة الدم و صرف المضحّي لحومها لنفسه و لغيره، إنّما هي في ما إذا كانت الأضحية ملازمة لقصد القربة و خلوص النيّة، فهو نظير ما إذا قلنا: إنّ قيامكم أو قعودكم في الصلاة ليس بمهمّ، إنّما المهم هو إخلاص النية و قصد التقرب إلى الله تعالى.

و نظير الآية المزبورة (أي قوله (وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ.)) في الدلالة على لزوم الصرف و موضوعية الاستفادة من اللحوم آية أخرى من سورة الحج و هي (وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ.) «1» حيث إنّه لو سلمنا أنّ صيغة «فَكُلُوا» في هذه الآية في مقام دفع توهّم الحظر من أكل المضحيّ (و لازمه عدم دلالتها على الوجوب كما قال به الكثير من الفقهاء و المفسرين) فلا إشكال في دلالة «أَطْعِمُوا» على وجوب صرف اللحوم في الفقراء، كما تدلّ عليه الروايات الواردة في أبواب الذبح أيضاً، و أنّه أمر واجب بعد الذبح مرتبط به لا ينفك عنه بحسب ظاهر الآيات، بل الذبح مقدّمة له.

دفع شبهة تعدّد المطلوب

إن قيل: لعلّ المسألة من قبيل تعدّد المطلوب، فكانت إراقة الدم في منى أمراً مطلوباً، و صرف اللحوم في المصارف المنصوصة مطلوباً آخر، فإذا لم يقدر المكلّف بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 14

على إتيان أحدهما (و هو صرف اللحوم) لم يسقط الآخر، و هو إراقة الدم في منى.

قلنا: ظاهر الأمر في الآية الشريفة هو وحدة المطلوب، لأنّ تعدّد المطلوب يحتاج إلى قرينة، و هي مفقودة في المقام، بل القرينة قائمة على خلافه؛ لظاهر التفريع بالفاء.

و بالجملة: على مدّعي التعدّد تقديم القرينة؛ مضافاً إلى ما سيأتي من عدم سبق إراقة الدم بدون صرف اللحوم في عصر نزول القرآن و أعصار المعصومين (عليهم السلام) حتى يدّعى التعدّد، فإنّ تعدّد المطلوب يرجع إلى نوع من الإطلاق و شمول الدليل، و الإطلاق بالنسبة إلى مصداق، فرع وجود ذلك المصداق كما أشرنا إليه سابقاً.

مقتضى صناعة الفقه

إن قيل: لازم وحدة المطلوب سقوط الهدي مطلقاً، فإنّ المطلوب الواحد ينتفي بانتفاء قيده، و هو في المقام وقوع الهدي في منى أوّلا، و صرفه في الفقراء ثانياً، فانتفاء الأوّل بانتقال المذبح إلى خارج منى، و انتفاء الثاني بإعدام اللحوم بالدفن أو الحرق، يوجبان انتفاء أصل الهدي و سقوطه عن الوجوب.

قلنا: هذا و إن كان محتملا بحسب صناعة الفقه، و لكنّه مخالف للاحتياط قطعاً، خصوصاً بعد ملاحظة عدم إسقاط الشارع المقدّس الهدي في مورد من الموارد، حتى بالنسبة إلى من لم يجد ثمن الهدي، فأوجب عليه بدل الهدي الصيام ثلاثة أيام متوالية في الحج و سبعة بعد الرجوع إلى أهله. و فيما نحن فيه حيث إنّه واجد لثمن الهدي، و دليل الصيام مختص بمن لم يجد، فلا أقلّ من أنّ مقتضى الاحتياط إتيان الهدي في محلّ آخر

كما مرّ، لا سيّما أنّ الهدي قد يقع في مكان آخر غير منى و في أيّام أخرى كما في المصدود، و هو المنصوص كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله، فهنا لا ينتفي المقيّد إذا انتفى القيد.

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 15

و بعبارة أخرى: لعلّ عدم سقوط الهدي في جميع الموارد يمكن أن يكون دليلا على أنّه إذا لم يمكن الهدي في منى وجب إتيانه في محلّ آخر إلّا إذا لم يكن واجداً للثمن، فيأتي ببدله و هو الصيام.

إن قيل: إتيان الهدي بالقيدين المذكورين (وقوع الذبح في منى و صرف لحوم الهدي) معاً متعذّر غالباً في الظروف الحالية، فلا بدّ من ترك أحدهما و الإتيان بالآخر، فإمّا أن يأتي بالهدي في منى مع عدم صرف لحومها، أو يترك الهدي في منى و يأتي به في خارجه، مع صرف اللحوم في مصارفها و ترجيح أحد القيدين على الآخر محتاج إلى دليل، و لا دليل على تقديم الصورة الثانية على الصورة الأولى.

قلنا: أوّلا: جميع المذابح في يومنا هذا خارجة عن منى، فوقوع الذبح في منى أيضاً متعذّر، و ثانياً: ليس القيدان على حدّ سواء، فإنّ صرف اللحوم في مصارفها من أركان الهدي في نظر العرف و أهل الشرع، و من البعيد جداً أن يكون لمجرّد إراقة الدم موضوعيّة، سيّما إذا أدّى ذلك إلى الإسراف أو التبذير الحرام في رأي الشارع المقدّس، و سيأتي شرحه في المباحث اللاحقة.

و حينئذ فإنّ ترجيح أحد القيدين على الآخر- أي إيقاع الهدي خارج منى و صرف اللحوم في مصارفها- ليس من قبيل الترجيح بلا مرجّح.

و ممّا يدلّ على ذلك (دلالةً قويّةً) ما ورد بطريقين مختلفين في أبواب الذبح عن الإمام الصادق (عليه السلام)

عن آبائه عن جدّهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنّه قال «إنّما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم».

«1» و إذا تأملت في هذه الرواية علمت أنّ الأضاحي التي تؤتى بها في الحج حالياً (و لا تصرف لإطعام الفقراء و إشباعهم) خارجة عن نطاق أوامر الشرع!

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 16

و الرواية و إن أدرَجَها صاحب الوسائل في أبواب الأضحية المستحبّة، و لكن مفادها عام يشمل الجميع.

دفع شبهة مطلوبية مجرّد إراقة الدم

إن قيل: هناك روايات تدل على مطلوبية مجرد إراقة الدم، مثل ما رواه شريح بن هاني عن علي (عليه السلام) أنّه قال «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا و ضحّوا، إنّه ليغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة تقطر من دمها»

«1» و ما رواه بشر بن زيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لفاطمة (عليها السلام)

«اشهدي ذبح ذبيحتك، فإنّ أول قطرة منها يغفر الله بها كلّ خطيئة عليك إلى أن قال هذا للمسلمين عامّة».

«2» قلنا: التمسّك بمثل هذه الرّوايات لمطلوبية مجرّد إراقة الدم و اعتبار الموضوعية لها، كما ترى، لأنّ كلّ من ألمّ بفنون الكلام عرف أنّ مثل هذا التعبير كناية عن سرعة أثر الأضحية للمضحّي بلا فصل و من دون مهملة، كمن يريد بيان فضيلة الجهاد، فيقول: «يغفر الله للمجاهد بأوّل خطوة يضعها في طريق الجهاد في سبيل الله» أي أنّ من يخرج من بيته قاصداً الجهاد في سبيل الله و إحياء أمر الله يسرع إليه غفران الله بأوّل خطوة يخطوها، لا أنّ المطلوب من الجهاد يحصل بأوّل الخطوة.

و هكذا ما نحن فيه، فكأنّ الإمام (عليه السلام) قال: «من ذبح ذبيحته في سبيل الله لإشباع المساكين و إطعامهم فإنّه ينال غفران الله

عند أوّل قطرة تقطر من دمها». فمثل هذه العبارة لا تشمل من أقدم على الأضحية لأن يشبع بها حفر الأرض و مصاهر النار،

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 17

و يعلم بعدم إطعام المساكين منها، بل تحرق أو تدفن، خصوصاً بعد ملاحظة ما مرّ من قول رسول الله (صلى الله عليه و آله)

«إنّما جعل الله هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم»

«1» فالرسول الذي ينطق بمثل هذا البيان كيف يأمر 8 أمّته بإهراق دماء الأضاحي و لو لم يترتب عليه الإشباع و الإطعام.

و بما ذكرنا يظهر الجواب عن التمسك بروايات تعبّر عن الهدي بالدّم، فإنّ «الدّم» أو «إهراق الدّم» (نظير ما ورد في قوله (صلى الله عليه و آله)

«ما أنفق الناس نفقة أعظم من دم يهراق في هذا اليوم»

«2» و قول الصادق (عليه السلام) في رجلين اقتتلا و هما محرمان «على كلّ واحد منهما دم»

) «3» كناية عن الهدي و عظمته، لا على عظمة إراقة الدّم و لو بلغ ما بلغ، فإنّه نظير ما إذا قلنا في محاورتنا اليومية لمن نجا ولده من خطر السقوط و الموت مثلا، أو نجا هو و أهل بيته من حادثة سيّارة في الطريق: «عليه إهراق الدم»، فمن الواضح أنّه كناية عن إطعام المساكين من لحمها في سبيل الله، لا مجرّد إهراق الدّم مطلقاً و إن لم يصرف من لحمها في سبيل الله.

قياس الهدي بالطواف و السعي

إن قيل: هل وجدتم في لسان الروايات مورداً أمر الشارع فيه بإيقاع الهدي خارج منى؟ أ ليس هذا من قبيل الإتيان بالطواف أو السعي في غير مكّة؟

قلنا: توجد موارد عديدة في روايات الباب توجب إيقاع الهدي خارج منى، فليس الهدي كالطواف و السعي القائمين بمكان معيّن:

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 18

منها:

المصدود- و هو من أتى بهدي، و منع من الدخول في الحرم أو مكّة- إذا ساق هدياً، فالروايات و فتاوى المشهور من الفقهاء العظام متّفقة على وجوب ذبحه في نفس محلّ الصدّ، فلو كان الهدي في غير منى كالطواف في غير مكّة، سقط وجوب الهدي. «1» و منها: رجل ساق الهدي، فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه، فعليه أن ينحره أو يذبحه و يكتب كتاباً أنّه هدي، و يضعه عليه ليعلم من مرّ به أنّه صدقة، و يأكل من لحمها إن أراد. «2» فهذه الروايات تدل أبلغ دلالة، أوّلا: على جواز الهدي خارج منى في موارد الضرورة.

و ثانياً: على لزوم السعي في صرف لحمه إلى المستحقّين ابتداءً، و في صورة عدم حضور المستحقّين ينصب علامة تدلّ على أنّه هدي و صدقة يجوز للمؤمنين و المستحقّين الأكل منه.

إن قيل: أ لا يمكن هذا في مذابح منى في يومنا هذا، أي يكتب كتاباً و ينصب على الأضاحي حتى ينتفع منها المستحقّون؟

قلنا: المفروض في المقام عدم وجود المستحقّ مطلقاً، بحيث لا محيص عن دفنها أو إحراقها كما نشاهده في كلّ عام، و من المعلوم لغويّة الكتابة و النصب في هذه الحالة.

نعم لو وجدنا مستحقّين في منى- و لو بالنسبة إلى بعض الأضاحي- يجب ذبحها (ذبح البعض) في منى أو قريب منها مع التعذر فيها على الأحوط، و لكن حيث تذبح الأضاحي بمقدار المستحقّين بفتوى الآخرين يسقط الذبح عنا في الحال الحاضر.

توهّم لزوم البدعة

و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ ما قد يقال: من أنّ الذبح خارج منى (كالذبح في الوطن أو مكان آخر) بدعة و أمر جديد، كلام بلا أساس.

فقد ظهر أوّلا: وجود موارد أمر الشارع

فيها بإيقاع الهدي خارج منى.

و ثانياً: أنّ الأضاحي التي تؤتى بها في أيّامنا هذه، خارجة عن نطاق أوامر الشرع (لمكان اللام في قوله (عليه السلام)

«لتشبع مساكينكم.»

وفاء التفريع في الآية الكريمة (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها.)) بل لعل إيقاع الهدي خارج المذبح في يومنا هذا، مع عدم إشباع المساكين و إطعامهم بدعة و أمر جديد، لم يسبق له في الشرع و في أزمان المعصومين مثل و لا نظير.

و ثالثاً: أنّ الحكم بإيقاع الهدي في الوطن أو مكان آخر مبنيّ على مجرد الاحتياط، و إلّا فمقتضى الصناعة احتمال سقوط الهدي من رأس كما مرّ مراراً، و لا معنى لأن يكون الحكم المبنيّ على مجرّد الاحتياط بدعة، بل لعل ذبح الأضاحي و دفنها أشبه بالبدعة، و الله العالم.

[الدليل الثاني: عدم شمول أدلّة الأضحية للمصاديق الموجودة في العصر لحاضر

إشكال في أنّ مسألة الأضحية بشكلها الحالي من المسائل المستحدثة التي لا سابق لها في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام)، و ذلك لقلّة عدد الحجاج يومذاك و كثرة المستحقّين، بحيث كانت اللحوم تصرف جميعها في أيّام الحج، و لعل بداية الوضع الفعلي قد تحصلت في القرن الأخير، و لذلك يخبر المعمّرون منّا أنّ لحوم الأضاحي كانت تصرف بسرعة في منى و خارجها. و بهذا يظهر أنّ وجه عدم طرح هذه المسألة في كتب الفقهاء السابقين إنّما هو عدم ابتلائهم بها.

و المستفاد من آيات الأضحية تقيّد موضوع الهدي بصرف اللحوم في مصارفها، و استهداف الصرف في الواجب الشرعي يعني المقوّمية له كما مرّ.

و المستفاد من الروايات أيضاً أنّ صرف لحوم الأضاحي كانت تصرف بتمامها في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) في الأيّام الأولى بعد الذبح، بحيث نهى عن ادّخارها أكثر من ثلاثة أيّام؛ و ذلك

لكثرة المستحقّين في ذلك العصر:

منها: ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال «كان النبي (صلى الله عليه و آله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيّام من أجل الحاجة، فأمّا اليوم فلا بأس به».

«1»

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 21

و مثله الحديث الثالث من نفس الباب عن محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) أيضاً قال «إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيّام».

و منها: ما رواه أبو الصلاح عن الصادق (عليه السلام) و حنان بن سدير عنه أيضاً قال «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثمّ أذن فيها و قال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادّخروا».

«1» فيستفاد من جميع هذه الروايات و روايات أخرى صرف اللحوم بتمامها في تلك الأيّام أو جعلها على الأقل بصورة القديد لادّخارها لأيّام أخر (و كان الادّخار ممنوعاً في بداية الأمر لكثرة المحتاجين ثمّ أذن فيه). بل يستفاد منها منع إخراج اللحوم من منى لكثرة أرباب الحاجة إليها، نعم بعد أن كثرت اللحوم و قلّ المستحقّون أجيز نقلها إلى خارج منى و الانتفاع بها.

ففي حديث محمّد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) قال سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: «كنّا نقول: لا يخرج منها شي ء لحاجة النّاس إليه، فأمّا اليوم فقد كثر النّاس فلا بأس بإخراجه».

«2» كما أنّ مدلول مجموع هذه الروايات صرف لحوم الأضاحي في أعصار الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أيضاً، إمّا في الأيام الأولى من الحج في منى، أو في أيّام أخر في مكة أو خارج مكة، و أمّا ما نشاهده اليوم من دفنها أو إحراقها

فهو أمر مستحدث لم يكن له وجود في الأزمنة السابقة، و حينئذ من المشكل جداً إطلاق روايات بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 22

الأضحية بحيث تشمل تمام صور المسألة حتى صورة الدفن أو الحرق؛ لأنّ المصداق الموجود في عصرنا إنّما هو من قبيل الفرد النادر أو الفرد المعدوم في عصر نزول آيات الهدي و صدور رواياتها.

إن قيل: قلّة المصداق أو عدم وجوده لا يوجب عدم شمول إطلاق أو عموم بالنسبة إليه، و إلّا لم يجز التمسّك بالعمومات و الإطلاقات للمصاديق المستحدثة من موضوعات الأحكام، كالتمسّك بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لصحّة عقد التأمين مثلا، و غيره من العقود الحديثة.

قلنا: إنّه كذلك، أي التمسّك بتلك العمومات أو الإطلاقات في باب العقود المستحدثة مشكل جداً لنفس الإشكال، و طريق حلّ مشكلة هذه العقود منحصر بإلغاء الخصوصية القطعيّة العرفيّة في الموارد التي يمكن ذلك فيها. لكن من المعلوم أنّ الخصوصية موجودة في محلّ البحث يقيناً، فلا يمكن إلغاؤها؛ لأنّه لا يمكن لأحد دعوى اليقين أو الاطمئنان بعدم الفرق بين الذبائح الّتي تصرف لحومها و الّتي تعدم بالدفن أو الحرق، فهذا دليل آخر على عدم الاجتزاء بهذه الأضاحي.

[الدليل الثّالث: جميع المذابح خارجة عن منى
اشارة

إنّا نعلم بانتقال المذابح كلّها حالياً من منى، و على هذا حتّى لو أغمضنا أيدينا عن أدلة حرمة الإسراف- الّتي سيأتي بيانها- و فرضنا شمول أدلة الذبح لصورة فساد اللحوم و عدم صرفها في مصارفها الشرعية، كان الإشكال باقياً على حاله، فإنّ إجماع العلماء قائم على لزوم وقوع الذبح في منى، و الروايات أيضاً تصرّح بأنّه «إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى»

«1» و في بعض الروايات «لا ذبح إلّا بمنى»

«2». و على أيّ حال، العمل بهذا الواجب غير ممكن في هذه الأيّام، و

حينئذ إن قلنا: إنّ إيقاع الذبح في منى شرط في صحّته مطلقاً، سواء في الاختيار و الاضطرار، فلازمه سقوط الذبح من الأساس؛ لأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، نظير ما إذا قلنا: إنّ الصلاة غير واجبة على فاقد الطهورين؛ لأنّ الطهارة شرط على الإطلاق. و إن قلنا بأنّه شرط حال الاختيار فقط، فلازمه سقوط هذا الشرط حال الاضطرار و وجوب الإتيان به في محلّ آخر، من دون فرق بين وادي محسّر و غيره؛ لعدم الدليل بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 24

على لزوم رعاية الأقرب فالأقرب، أو كون وادي محسّر أو المعتصم بدلا عن منى.

إن قيل: جاء في غير واحد من الروايات جواز الذبح في مكّة، مثل معتبرة معاوية بن عمّار في قوله قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ أهل مكّة أنكروا عليك أنّك ذبحت هديك في منزلك بمكّة فقال: «إنّ مكّة كلّها منحر»

«1» و في معناه غيره.

و الجمع بينها و بين ما دلّ على أنّ الذبح لا يكون إلّا بمنى، يقتضي حملها على صورة عدم إمكان الذبح بمنى.

قلنا: أوّلا: لا بدّ من حمل هذه الروايات على الهدي غير الواجب، لورود التصريح بأنّه «إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء»

«2» لا على صورة عدم إمكان الذبح بمنى، حيث إنّه لو كان الذبح في منى متعذّر، لم يكن وجه لإنكار أهل مكّة على الإمام (عليه السلام).

ثانياً: سلّمنا، و لكن الذبح بمكّة أيضاً متعذّر في زماننا هذا، نعم يمكن ذلك للنادر من الحاجّ لأنّ الجهات المسئولة لا ترخّص لهم ذلك كما هو واضح، فلا تساعد هذه الروايات في حلّ هذه المشكلة، و أين مكّة من وادي محسّر؟!

شبهة الارتكاز لدى المتشرّعة

قد يقال:

إنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة من المسلمين أنّ محلّ إيقاع مناسك الحج و شعائره ليس إلّا مساحة الأرض الّتي تحيط ببيت الله الحرام زادها الله شرفاً و عزّاً، و لا يجزي ما يؤتى بها في خارج هذه القطعة من وجه الأرض إلّا عدد يسير مما نطقت به الأدلّة كالإحرام من مسجد الشجرة و كصيام سبعة أيّام بدل الهدي.

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 25

و الظاهر أنّ هذا الارتكاز لا يفرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار، و هذا الارتكاز و إن لم يكن ممّا ينبغي أن يعتمد عليه في الجزم بالحكم الشرعي، إلّا أنّه يمنع عن الركون إلى خلاف ما يقتضيه في استنباط الحكم الشرعي.

قلنا: هذا أشبه شي ء بالاستحسان الظنّي، و لا يمكن الركون إليه كما اعترف به صاحب هذا المقال، و إذا لم يكن ممّا يمكن الركون إليه، فلما ذا يمنع عن الركون إلى خلاف ما يقتضيه؟! هذا- مضافاً إلى أنّ الذي لا يجوز الإتيان به من المناسك في غير هذه القطعة من الأرض أمور خاصّة كالوقوف بعرفات، و منى، و مشعر، و الطواف، و السعي، ممّا يكون قوامه بالمحلّ الخاص، و لكن غير واحد من المناسك قد يؤتى بها في غير هذه القطعة كركعتي الطواف، فقد أفتى فقهاؤنا- رضوان الله عليهم- بأنّه إذا نسيها و لم يأت بها و خرج من مكّة و لم يمكنه الرجوع إليها يأتي بهما في الطريق، و إذا تذكّر بعد الرجوع إلى وطنه يأتي بهما في وطنه، و قد صرّحت بذلك روايات الباب أيضاً:

منها: ما رواه أبو بصير- يعني المرادي- قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال الله

تعالى (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) حتّى ارتحل، قال: «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه، و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث يذكر»

«1». و مثله ما رواه أبو الصباح الكناني «2» عن أبي عبد الله (عليه السلام).

و منها: ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 26

«من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل آخر من المسلمين»

«1». و منها: ما رواه معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) فلم يذكر حتّى ارتحل من مكّة، قال: «فليصلّهما حيث ذكر، و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتّى يقضيهما»

«2». هذا بالنسبة إلى ركعتي الطواف، و أمّا بالنسبة إلى الهدي الذي هو محل الكلام فقد مرّ أنّه إذا كان معه الهدي و عطب في بعض الطرق و مرض بحيث يخشى هلاكه يجوز نحره أو ذبحه في محلّه و إن كانت بينه و بين الحرم مسافة بعيدة كمن خرج من مسجد الشجرة قاصداً مكّة و بعد طيّ مسافة قليلة مرض هديه و عطب، ففي رواية حفص بن البختري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه و لا يعلم أنّه هدي قال: «ينحره و يكتب كتاباً أنّه هدي و يضعه عليه ليعلم من مرّ به أنّه صدقة»

«3». و مثله سائر روايات الباب فراجع. و الإصرار على كتابة الكتاب في هذا الحديث دليل على وجوب صرفها في مصارفها.

و مرّ أيضاً ذكر المصدود

إذا ساق هدياً و أنّ الروايات و فتاوى المشهور متّفقة على وجوب ذبحه في نفس محلّ الصدّ، ففي حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)

«فإنّ المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه.»

«4». و في رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 27

«إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين صدّ بالحديبيّة قصّر و أحلّ و نحر ثمّ انصرف منها.»

«1». و كذلك بالنسبة إلى التقصير، فقد ورد التصريح في جملة من الروايات بجوازه خارج تلك القطعة المعروفة من الأرض:

منها: ما مرّ آنفاً في الرواية الأخيرة (رواية حمران) من أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قصّر في الحديبيّة.

و منها: ما رواه مسمع قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتّى نفر؟ قال: «يحلق في الطريق أو أين كان»

«2». و مثلها الرواية السادسة من نفس الباب.

هذا- مضافاً إلى ما اعترف به صاحب الإشكال من خروج الإحرام الذي هو من مناسك الحج عن تلك القطعة، فإنّ المواقيت كلّها خارجة عن الحرم، و كذا صيام سبعة أيّام بدل الهدي.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ كثيراً من مناسك الحج يجوز فعلها خارج المواقف الخاصّة عند الاضطرار، لا سيّما نفس محلّ الكلام، و هو الهدي، لما مرّ من رواية حفص البختري فيمن كان معه الهدي و عطب في بعض الطرق، و روايتي حمران و زرارة في المصدود، فلو كان الهدي ممّا يقوم بتلك القطعة من الأرض كالوقوفين و السعي و الطواف لم يجز إتيانه خارجها اختياراً و اضطراراً.

حكم وادي محسّر و قياس الهدي بالوقوف

إن قيل: مقتضى القاعدة عند تعذّر الذبح بمنى و إنّ كان جواز الذبح في أيّ مكان بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 28

آخر

يختاره الحاجّ، إلّا أنّ هذا إنّما يصحّ القول به لو لم يتوفّر دليل على ثبوت بدل اضطراري بمنى، و الدليل على ذلك موجود، و هو موثّق سماعة في قوله قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا كثر الناس بمنى و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: «يرتفعون إلى وادي محسّر»

«1» فإنّ المتفاهم العرفي من هذه المعتبرة قيام وادي محسّر مقام منى عند كثرة الحجّاج و ضيق منى عن استيعابهم في جميع ما هو وظيفة الحاجّ فيها حتّى بالنسبة إلى ذبح الأضحية.

قلنا: هذا الاستدلال ضعيف جدّاً؛ لأنّ ظاهر الرواية أنّها واردة في مورد الوقوف في منى لا مطلق ما يؤتى به في منى، و حينئذ قياس الأضحية على الوقوف قياس مع الفارق، فإنّ الوقوف قائم بمنى نفسها، فإنّه لا معنى للوقوف في غيره، فعند التعذّر يرتفع الحاجّ بمقتضى هذه الرواية إلى وادي محسّر، و أمّا الأضحية فقد عرفت أنّه قد تتّفق في غير منى أيضاً، فقياسها على الوقوف قياس مع الفارق، و هو غير جائز عندنا.

نعم لو دلّ نصّ خاص على إمكان إيقاع الهدي في محلّ قريب من منى (كوادي محسّر) عند التعذّر لقلنا به، و حيث لم يرد نصّ كذلك، و القياس و الاستحسان ممنوعان عندنا، فمقتضى الصناعة سقوط الهدي من رأس، أو إتيان الهدي في أيّ مكان، نعم: لا ريب في أنّ الأولى رعاية الأقرب فالأقرب، و لكن هذا إذا أمكن إيقاع الهدي مع شرائطه الواجبة الّتي منها إشباع المساكين و إطعامهم، لا ما إذا كان هذا الأمر متعذّراً في وادي محسّر أيضاً.

[الدليل الرابع: حرمة الإسراف و التّبذير
اشارة

إنّ القرآن الكريم نهى عن الإسراف نهياً شديداً، و واجه المسرفين مواجهة عنيفة، فقال تبارك و تعالى في سورة الأنعام (وَ لا

تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) «1».

و قال في تعبير أشدّ في سورة غافر (وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) «2».

و قال في آية أخرى من هذه السورة (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) «3».

و في سورة الأنبياء جعل المسرفين في زمرة الهالكين فقال (وَ أَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) «4» بل جعل في سورة الفرقان عدم الإسراف حتّى في الإنفاق من علائم عباد الرحمن- مع أنّ الإنفاق عمل مطلوب مستحسن، حثّ عليه الشارع في آيات كثيرة- فقال:

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 30

(وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) «1».

و نهى القرآن عن التبذير أيضاً بلحن شديد، فعرّف المبذّرين بأنّهم إخوان الشياطين حيث قال (وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً). «2»

الفرق بين الإسراف و التّبذير

و قد وقع الكلام بين المحقّقين في بيان الفرق بين الإسراف و التبذير، و الذي يظهر من خلال الدقّة و التأمّل أنّ الإسراف بمعنى الخروج عن حدّ الاعتدال و الاقتصاد من دون تضييع شي ء بحسب الظاهر، كلبس الثياب الثمينة القيّمة الّتي تساوي قيمتها أضعاف قيمة الثياب العادية مئات المرّات مثلا، فهو إسراف، و في الحال لم يضيّع شي ء، و لكن التبذير هو ما يؤدي إلى تضييع نعم الله تعالى، كما إذا هيّأ لعشرة أشخاص مثلا طعام خمسين شخصاً بحيث يطرح الزائد و يفسد.

هذا هو الفرق بين الكلمتين، و يؤيد ذلك أيضاً المعنى اللغوي لهما، نعم ربّما اتحدا و استعملا في معنى واحد.

سعة دائرة مفهومي الإسراف و التّبذير

ثمّ إنّ دائرة مفهوم الإسراف أو التبذير واسعة بحيث تشمل أخسّ الأشياء فضلا عن الموضوعات المهمّة و الأشياء الثمينة، فقد جاء في حديث داود الرقّي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 31

«إنّ القصد أمر يحبّه الله عزّ و جل و إنّ السرف يبغضه حتّى طرحك النواة، فإنّها تصلح لشي ء، و حتّى صبّك فضل شرابك»

«1». و في حديث بشر بن مروان قال دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فدعى برطب فأقبل بعضهم يرمي بالنوى قال: فأمسك أبو عبد الله (عليه السلام) يده فقال: «لا تفعل، إنّ هذا من التّبذير وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ»

«2». و في حديث مكارم الأخلاق عن الصّادق (عليه السلام)

«أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء و ابتذال ثوب الصون و إلقاء النّوى»

«3». و عن الكاظم (عليه السلام)

«. و لكن السرف أن تلبس ثوب صونك في المكان القذر»

«4». بل جاء في روايات عديدة أنّ الأئمة (عليه السلام) كانوا يأخذون فتات الخبز المطروحة في حواشي المائدة و يأمرون به

أصحابهم خشية الإسراف و التّبذير.

دفن الأضاحي أو إحراقها من أوضح مصاديق الإسراف أو التبذير

إذا عرفت ذلك فلا يخفى عليك أنّ ذبح الأضاحي مع دفنها أو إحراقها أو طرحها حتّى تتعفّن بحيث لا تأكلها الكلاب أيضاً، من أوضح مصاديق الإسراف و التبذير الممنوعين شرعاً، لا سيّما إذا كان بهذا المقدار و العدد الكبير الذي قد يبلغ مليون أو

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 32

أكثر، فهل يرضى الشّارع الحكيم بمثل هذا الإسراف الفاحش؟! و ما الدليل على خروجه عن محكمات الآيات و الروايات الواردة في حرمة الإسراف و التبذير حتّى في النواة و فضل ماء الشرب؟

فإن قيل: لا إشكال في ذلك إذا كان في طريق إطاعة أمر الله.

قلنا: هذه مصادرة على المطلوب، فإنّ تعلّق الأمر به ممنوع جدّاً، كما عرفت فيما سبق، مع أنّ كونه من المصاديق العرفية للإسراف و التّبذير ممّا لا ريب فيه، فتشمله إطلاقاتهما حتماً.

و الخلاصة: أنّ قوة إطلاقات أدلة الإسراف و التبذير و استحكامها تكون إلى حدّ تحوي في دائرتها أخسّ الأشياء فضلا عن تضييع المئات و الآلاف من نعم الله تعالى.

شبهة عدم الإسراف في الحج

فإن قيل: قد ورد في بعض الرّوايات أنّه لا إسراف في الحج، و هو ما رواه ابن أبي يعفور في الصحيحة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)

«ما من نفقة أحبّ إلى الله عزّ و جل من نفقة قصد، و يبغض الإسراف إلّا في الحج و العمرة، فرحم الله مؤمناً اكتسب طيّباً و أنفق من قصد أو قدّم فضلا»

«1». قلنا: لا شكّ في أنّ المستفاد من مثل هذه الرواية ليس هو تضييع المال بطرحه أو إحراقه أو دفنه أو تهيئة طعام خمسين شخصاً مثلا لعشرة أشخاص بحيث يطرح الزائد و يفسد و لو كان في الحجّ، بل الظاهر

منها بسط اليد في الإنفاق ببذل الزاد و تهيئة الهدايا للأقرباء و الأصدقاء؛ و الشاهد على ذلك:

أوّلا: نفس ما ورد في الرواية من تقابل الإسراف و القصد في النفقة، فإنّه شاهد

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 33

قطعي على أنّ المقصود من الإسراف هو النفقة من غير قصد و اعتدال، أي إكثار النفقة و بسط اليد فيها، لا تضييع المال و إفساده، فهل يفتي فقيه بجواز أن يحمل زائر بيت الله الحرام عشرة دوابّ مع أنّه يركب واحداً منها، فيطرح الزائد و يتركه في الطريق حتّى يموت و يتلف، أو يحمل مئونة عشر نفرات مع حاجته إلى مئونة فرد واحد، فيلقي ما زاد منها في مكّة أو المدينة في المزابل حتّى يتضيّع و يفسد.

و ثانياً: ما ورد في آداب السفر عموماً من استحباب بذل الزاد و إنّه من المروّة «1». و في آداب سفر الحجّ خصوصاً من أنّ «هديّة الحاجّ من نفقة الحاجّ»

«2» و

«هديّة الحجّ من الحجّ»

«3» و

«إنّ إكثار النفقة في الحجّ فيه أجر جزيل»

«4» و

«نفقة درهم في الحجّ أفضل من ألف ألف درهم في غيره في البرّ»

«5» فإنّ جميعها تشهد على أنّ المقصود من الإسراف في الحج إنّما هو هذا القبيل من الصلات و الإنفاقات و الهدايا «6» لا إحراق ملايين من الشياه و البقر و الإبل.

و ثالثاً: يشهد لما ذكرنا ما ورد في ذيل نفس الرواية المبحوث فيها فإنّ قوله «فرحم الله مؤمناً اكتسب طيّباً و أنفق من قصد أو قدّم فضلا»

يقتضي دوران أمر نفقات الحاجّ بين القصد و تقديم الفضل، و الأوّل هو ملاحظة الاعتدال، و الثاني هو

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 34

بسط اليد و البذل، لا إلقاء النعم الإلهية في المزابل أو دفنها و إحراقها.

و

رابعاً: أضف إلى ذلك كلّه أنّ محل الكلام هو من مصاديق التبذير لا الإسراف، فإنّ الفرق بينهما- كما مرّ- أنّ الإسراف هو الخروج عن حدّ الاعتدال من دون تضييع، و التبذير ما يؤدي إلى التضييع و الإفساد.

النّسبة بين حكم الأضحية و حرمة الإسراف و التّبذير

إذا عرفت هذا، فيأتي الكلام في أنّه ما هي النسبة بين الدليلين: دليل وجوب الأضحية، و دليل حرمة التبذير أو الإسراف؟

فإن قلنا: إنّ دليل وجوب الأضحية لا إطلاق له بالنسبة إلى المصاديق الفعلية ممّا تدفن أو تحرق فتتلف- كما هو الحق- فلا كلام و لا إشكال. و إن قلنا: له إطلاق يشمل ما نحن فيه، فإن كانا من قبيل المتعارضين كانت النسبة بينهما العموم و الخصوص من وجه، و اللازم تقديم عمومات الإسراف؛ لأنّها أقوى دلالة على المطلوب، فإنّ الأضحية في يومنا هذا من أظهر مصاديقه، و أمّا أدلّة الأضحية فإطلاقها أضعف منها بالنسبة إلى ما نحن فيه؛ لأنّه من أخفى مصاديقه.

سلّمنا أنّهما متساويان من حيث القوّة و الضعف و الظهور و الخفاء، و لكنّ اللازم حينئذ التساقط في محلّ الاجتماع، فيرجع إلى الأصول العملية، و الأصل العملي في المقام هو البراءة، لأنّه من قبيل الأقل و الأكثر الارتباطيين، و المعروف بين المعاصرين و القريبين من عصرنا إجراء البراءة فيه، و هو الأقوى، فيسقط الأمر بالأضحية هنا، و إن كان الاحتياط فعلها في محلّ آخر لا يحصل من الأضحية فيه الإسراف و التبذير.

هذا كلّه إذا قلنا إنّهما يتعارضان، و إن قلنا إنّ هذين من قبيل المتزاحمين، و أنّ بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 35

ملاك الأضحية موجود في مثل هذه الأضاحي، كما أنّ ملاك الإسراف أيضاً موجود فيها، فاللازم الأخذ بأقوى الملاكين، و لا دليل على أنّ ملاك الأضحية أقوى،

بل الأمر بالعكس. و لكنّ الإنصاف أنّ المقام ليس من قبيل المتزاحمين، فإنّ وجود ملاك الأضحية في المقام دعوى بلا دليل، فاللازم معاملة المتعارضين معهما.

إن قيل: وجود ملاك الإسراف أيضاً دعوى بلا دليل.

قلنا: يلزم هذا الكلام الشكّ في وجود أحد الملاكين إجمالا، و هذا اعتراف بخروج المقام عن بحث التزاحم و دخوله في مسألة التعارض، فيعود الكلام السابق فيه.

هذا كلّه بناءً على شمول المماشاة، و إلّا قد عرفت أنّه لا ينبغي الشكّ في عدم شمول إطلاقات الأضحية للموارد التي لا تصرف فيها لحوم الأضاحي فيما يلزم صرفها فيه مع قطع النظر عن دليل الإسراف، و مع ملاحظته فالأمر أوضح.

خلاصة الكلام في المسألة

قد ظهر ممّا سبق من جميع ما ذكرنا أنّا مع احترامنا لفتاوى الفقهاء المعاصرين كثّر الله أمثالهم نعتقد:

أوّلا: أنّ مسألة الأضحية بشكلها الحالي الذي تتلف فيه جميع الأضاحي أو أكثرها بالدفن أو الحرق، مسألة مستحدثة لا سابق لها في الأدوار الماضية حتّى يبرز الفقهاء الماضين الكرام آراءهم بالنسبة إليها، فقد كانت اللحوم يومذاك تصرف جميعاً في أيّام الحج كما يشهد بذلك أخبار كثيرة من المعمّرين و كما تشهد به الروايات بالنسبة إلى أعصار المعصومين (عليهم السلام).

فالمسألة من المسائل المستحدثة، و لذلك لم يسبق ذكرها في كلمات فقهائنا العظام.

ثانياً: ظاهر الآيات الكريمة و الروايات عدم موضوعية إهراق الدّم في منى، بل الظاهر أنّه مقدمة لمصارفه الشرعية.

ثالثاً: إطلاق الآيات و الروايات الواردة في الهدي، لا تشمل الأضاحي في يومنا هذا، لعدم وجود هذه المصاديق في عصر صدورها، فالاكتفاء بهذا النحو من الهدي في يوم الحجّ مشكل جدّاً، فلا بدّ أن نلتزم مؤقّتاً بالتوقّف في مسألة الهدي في مثل هذه الظروف، أو إيقاعه في محلّ آخر حيث يمكن فيه

صرفه في مصارفه الشرعية،

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 37

و العمل بالاحتياط يوجب الالتزام بالوجه الثاني.

رابعاً: جميع المذابح الفعلية خارجة عن منى بلا استثناء، و توهّم بعض أنّ قطعة صغيرة منها داخل في منى، قد ثبت خلافه في الفحوصات الأخيرة، و لو سلّم أنّه كذلك فلا تحلّ به مشكلة الأضاحي كما لا يخفى.

و عليه لا يحصل شرط وقوع الذبح في منى (المستفاد من روايات «لا ذبح إلّا بمنى») و لا فرق بين وادي محسّر الذي انتقل إليه المذبح أخيراً و سائر الأماكن كالمعتصم.

نعم لو كان الهدي فيه ملازماً مع شرائطه، أي يصرف في مصارفه الشرعية فالمرجّح من باب الاحتياط إيقاع الذبح فيه.

خامساً: أدلّة حرمة الإسراف و التبذير قويّة محكمة، تمنع عن إتلاف هذا العدد الكبير من لحوم الأضاحي و دفنها أو إحراقها، فإنّ الإسلام الذي يمنع عن إلقاء النوى و هراقة فضل الإناء، كيف يسمح مثل هذا الإتلاف مع عدم وجود أيّ دليل على تخصيص أدلة الإسراف و التبذير في هذا المجال.

سادساً: و نتيجة ما ذكر، أنّه ما دامت لحوم الأضاحي تتلف بهذه الصورة المدهشة، لا بدّ من ترك الذبح و عزل قيمة الهدي على الاحتياط اللازم، و الإتيان بسائر المناسك (و الذبح في الوطن أو محلّ آخر بعد الرجوع في ذي الحجّة الحرام) أو التنسيق و الاتفاق مع بعض الأهل و الأصدقاء للذبح يوم الأضحى في الوطن، ثمّ الإتيان بسائر المناسك.

و هذا نظير من عُدم الهدي و وجد الثمن، الذي تصرّح الروايات «1» بوجوب أن يخلف الثمن عند ثقة يشتريه و يذبحه في مكّة في ذي الحجّة و يأتي بسائر المناسك بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 38

(و لا يخفى أنّه حيث إنّ إخلاف الثمن عند الثقات للذبح

في مكّة في الوقت الراهن أمر غير ممكن إلّا في عدد يسير و بالنسبة إلى قليل من الناس- مع أنّ الحكم عامّ للجميع- لا يمكن الأخذ بهذا في مسألتنا).

نعم لو أمكن في المستقبل نقل اللحوم بتمامها أو غالبها (لا بعضها اليسير) إلى خارج مني أو مكّة أو خارج الحجاز بتجفيف اللحوم أو استخدام إحدى الوسائل الحديثة لصيانتها، ثمّ صرفها للمستحقّين ففي هذا الحال يجب الذبح في منى أو قريب منه على الاحتياط الوجوبي.

سابعاً: عمدة الأدلّة التي تشهد على ما ذكرنا هي ما يلي:

1- عدم وجود دليل على صحّة الأضاحي التي لا تصرف لحومها.

2- ما يستفاد من ظاهر الآيات و الروايات من أنّ صرف لحومها في مصارفها من مقوّمات الهدي.

3- جميع المذابح الموجودة حالياً ليست في منى.

4- حرمة الإسراف و التبذير خصوصاً في هذا المقياس العظيم و عدم وجود دليل على جواز مثل هذا الإسراف، بل تبذير الذي هو أشدّ عقوبة من الإسراف.

و في خاتمة هذا البحث بقي سؤالان لا بدّ من الالتفات إليهما:

الأوّل: هو أنّ الأضحية في منى من مناسك الحج إحدى شعائر الإسلام، و حذفها من هذه الشعائر الكبيرة يقلّل من عظمته و خاصّة إذا صدر هذا الأمر من فئة خاصة حيث يثير علامات استفهام بين المخالفين.

و في الجواب على هذا السؤال ينبغي الالتفات إلى أمرين:

1- إنّ الأضحية بشكلها الفعلي- التي تتحول إلى ركام هائل من اللحوم المتعفنة التي لا بدّ من دفنها و إحراقها لضمان سلامة الحجاج من الأمراض و المشاكل المتولدة من ذلك- أيضاً تثير علامات استفهام حول شعائر الإسلام في كل سنة بين المسلمين بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 39

و الأجانب، و يعتبر ذلك من نقاط الضعف في هذه الشعائر الإلهية، فإنّ

أحد علماء الإسلام (رحمه الله) كان يقول: «عند ما تشرفت لأوّل مرّة لزيارة بيت اللّه الحرام كان كل شي ء ممتعاً بالنسبة لي سوى مشكلة واحدة استعصى عليَّ حلها و كلما فكرت فيها لم أجد جواباً لها و هي مشكلة الهدي بصورته الفعلية حيث لا أرى أن ذلك ينسجم مع الإسلام و تعاليمه السامية، حتى سمعت فتواكم في هذا الصدد و أن الهدي يجب أن يكون بحيث تصرف جميع اللحوم في مواردها المقرر عند ذلك فانحلت لي هذه المعضلة» فعند ما تكون المسألة مشكلة و مستعصية على العلماء و أهل الفضل فكيف بالآخرين؟

2- إنّ الفتوى هذه في عدم جواز الهدي بشكله الفعلي في منى انتشرت بين جماعة من علماء الإسلام، و لذا طرحوا فكره اللحوم بشكل مناسب للجوانب الصحية و إرسالها إلى المناطق المحرومة من البلدان الإسلامية.

و بالجملة فإنّ هذه الفتوى أثارت حركة و نشاط للتخلّص من نقطة الضعف هذه و نحن مطمئنّون إلى أنّ جميع المسلمين في المستقبل القريب سوف يجدون حلًّا مناسباً لمسألة لحوم الأضاحي و مصرفها و وضع حلّ لهذه المشكلة لا حاجة إليها و هذه خدمة كبيرة للإسلام و المسلمين و لمناسك الحج العظيمة، و حصلت هذه الفكرة أيضاً لدى منظمة الحج الإيرانية حيث إنّهم في صدد وضع برنامج لها.

و لو انحلت هذه المشكلة يوماً فعند ذلك نقول نحن بأولوية الذبح في منى و ننهى مقلّدينا عن الذبح في إيران و سائر المناطق و في ذلك اليوم يمكن القول بأنّ عظمة مناسك الذبح سوف تعود إليها.

السؤال الآخر: أ لا ينبغي في الظروف الحالية أي حال عدم مشروعية الهدي بشكله الفعلي، الانتقال إلى البدل و هو الصوم حيث يقول القرآن الكريم (فَمَنْ لَمْ

يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) «1».

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 40

و في الجواب على هذا السؤال ينبغي الالتفات إلى نقطة مهمّة و هي أنّ تبديل الهدي بالصيام شرّعت للأشخاص الذين يفتقدون القدرة المالية لشراء الهدي لا الأشخاص الذين يتمتّعون بالقدرة المالية و لكنهم لا يحصلون على الهدي أو يستطيعون الحصول عليه إلّا أنّهم لا يتمكّنون من إيصال لحمه إلى مصرفه الشرعي فيؤدّي إلى تلفه، و التعبير في الآية (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ.) بمعنى عدم القدرة على الهدي من اللحاظ المالي و في الأحاديث الإسلامية ورد تأكيد على هذه المسألة أيضاً، فلذا يقول الشّيخ الصّدوق (قدس سره) في كتابه الشريف (من لا يحضره الفقيه): «روي عن النّبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمّة (عليهم السلام)

أن المتمتع إذا وجد الهدي و لم يجد الثمن صام ثلاثة أيّام في الحج. و سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي » «1». فعلى هذا فإنّ الصوم لا يتعلق بالأشخاص الذين يمتلكون ثمن الهدي و لا يستطيعون مراعاة الجوانب الشرعية في ذلك.

نسأل الله أن يوفّقنا و جميع الباحثين في هذه المسألة سواءً الموافق و المخالف لما يحبّ و يرضى. و الحمد لله ربّ العالمين «2».

أسئلة و استفتاءات حول مسألة الأضحية

باسمه تعالى سماحة المرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (مد ظلّه) نرجو من سماحتكم و بعد تقديم خالص التحيات الإجابة عن المسائل و بيان الأحكام المتعلّقة بالأضحية:

مع فائق الاحترام: جمع من طلبة العلوم الدينية 1- ينتهي مصير الأضاحي في الوقت الحاضر إلى تلف في لحومها و دفنها دونما فائدة، ما هو واجب مقلّديكم تجاه ذلك؟

الجواب: و يجب على الأحوط ادّخار المبلغ المعادل بثمن الأضحية في شهر ذي الحجة

ثمّ التضحية في مكان آخر. للاستفادة من لحوم الأضاحي، آمل أن يأتي اليوم الذي يتمكّن فيه المسلمون ذبح أضاحيهم في منى ثمّ نقله إلى الأماكن المناسبة.

2- ما هو موقف الحاج لو ذبح أضحيته في منى و هو عالم بتلفها؟

الجواب: لا يجوز ذلك و يجب عليه أن يضحّي في بلده أيضاً.

3- ما هو موقف الحاج إذا شكّ في تلف الأضحية أو عدمه؟

الجواب: يتعيّن عليه الانصراف فهناك من يضحّي بما فيه الكفاية.

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 43

4- هل يجب التحقيق في الاستفادة عن لحوم الأضاحي أو عدمه؟

الجواب: لا يجب التحقيق في الظروف الحالية و التي يطمئن فيها بعدم صرفها في مصارفها.

5- ما هو واجب الحاج إزاء الأعمال التي تعقّب ذبح الأضحية؟

الجواب: يكتفي الحاج بعزل ثمن الأضحية و استئناف أعمال الحج في منى ثمّ يخرج من الإحرام و يتمّ حجّه بطواف النّساء و بذلك ينهي المناسك ثم تذبح في محل آخر.

6- كيف يتمّ تحديد مبلغ الأضحية و هل يكون على أساس ثمنها في مكّة أم في بلاده؟

الجواب: حسب سعرها في بلده.

7- هل يصحّ لمن نوى الحج عزل ثمن الأضحية في بلده قبل الذهاب إلى مكّة و هل يمكن أن يوصي بعزل المخصّص لشراء الأضحية لذبحها في الأضحى؟

الجواب: لا مانع من ذلك.

8- لو نوى الحاج في تقديم الأضحية في بلده عوضاً عنه، هل ستكون التضحية في يوم العيد بمكّة أم في بلاده؟

الجواب: المعيار يوم العيد في مكة.

9- ما هو تكليف الحاج لو أخّر عن ذبح الأضحية في شهر ذي الحجّة؟

الجواب: يجب عليه الأضحية في العام القابل.

10- لو ذبح الأضحية لدى عودته من الحج، هل يجوز له إطعام أصدقائه من لحمها؟

الجواب: لا مانع بشرط إطعام الفقراء منها.

11- هل يجوز لمقلِّدي المراجع

المتوفّين العمل بفتاواكم في مسائل الأضحية انطلاقاً من تجويزكم للبقاء على تقليد الميّت؟

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 44

الجواب: يلزمهم العمل بهذه الفتوى لو كان ذلك حجّهم الأوّل و ما عدا ذلك يجوز لهم العمل بما أفتاه أولئك المراجع الكبار.

12- هل يجوز ذبح شياه الكفّارة في مكة أو منى أم في بلد الحاج؟

الجواب: يجوز ذبحها في بلده حتى مع احتمال الاستفادة منها في مكّة و منى.

هذا و تقبّل اللّه سعي المؤمنين و أرجو منهم أن لا ينسوا إخوانهم الذين لم يتشرفوا بحجّ بيت اللّه الحرام بعدُ.

الإجابة على عدّة أسئلة فقهية أخرى: حول هذه المسألة

السّؤال (1): يتساءل البعض أ ليس الذّبح في غير محله من الذّبح في منى خلاف إجماع المسلمين؟

الجواب: أن الإجابة على هذا السّؤال واضحة جداً، لأنه:

أوّلًا: لقد قلنا مراراً أن مسألة دفن لحوم الأضاحي في الحج و إحراقها و إتلاف مئات الآلاف من الأغنام و الأبقار بهذا الشكل هي من الموضوعات و المسائل المستحدثة و الجديدة، و ليست لها ماض قديم كما يُصدر علماؤنا الأعلام فتاواهم في هذا المجال، و بعبارة أخرى: أن هذه المسألة برزت إلى الوجود في القرن الأخير، و قد كانت لحوم الأضاحي تصرف في السابق في مواردها، و لهذا السبب لا توجد في الرّوايات الإسلامية و كتب الفتاوى رواية أو فتوى تتحدّث عن حكم إتلاف الأضاحي و على هذا فإن ادّعاء الإجماع في هذه المسألة لا ينسجم مع الموازين الفقهية و الأصولية.

ثانياً: كما قلنا سابقاً لقد كان محل الذّبح في الأزمنة الغابرة داخل منى، و لكن الآن أصبحت المجازر خارج منى، و انتقلت إلى وادي محسّر، ثم وادي المعتصم و هذا الموضوع من المواضيع الجديدة و المستحدثة تماماً، و ادعاء الإجماع على ذلك غير ممكن، بل الأمر بالعكس.

بحوث

فقهية هامة(للمكارم)، ص: 46

ثالثاً: كما قلنا سابقاً أيضاً أنه توجد موارد متعددة في الفقه تدل على جواز الذبح في غير منى و غير مكّة و وادي محسر و أمثال ذلك لوجود بعض الشرائط الخاصّة، و نحن نعتقد أن الظروف الحالية لذبح الأضاحي في المذابح الفعلية و التي تسبّب في إتلاف الأضحية من قبيل تلك الظروف الخاصّة.

السّؤال (2): أ لا يكون الذّبح في المدن البعيدة بدعة؟

الجواب: أن هذا العمل هو وظيفة شرعية و ليس بدعة فالبدعة هي العمل على ما يخالف الشرع المقدس ناوياً أنّه عمل مشروع، و ما أبرزناه من الفتوى موافق لأحكام الشرع، و قد أثبتنا ذلك بأدلة عديدة، مضافاً إلى أننا قلنا مراراً أن هذه المسألة من المسائل الجديدة التي لم يكن لها وجود في الزمن السابق كيما يفتي العلماء في موردها، ففي الماضي كانت لحوم الأضاحي تصرف في اليوم الأول من ذبحها، و قد وردت الأحاديث الشريفة في منع ادّخار لحوم الأضاحي أيضاً، و لكن بعد أن ازدادت الأضاحي ورد الجواز بادّخارها (بواسطة التجفيف) و لم يرد خبر عن إحراقها أو دفنها إطلاقاً، فلو أنّنا رأينا على الفتاوى للمسائل المستحدثة بأنّها بدعة، فإنّه يجب أن نحكم على جميع الفتاوى المتعلّقة بزرع الأعضاء للتشريح، و التأمين، و شراء الدّم للمرضى و الجرحى، و البنوك الإسلامية و أمثالها، بأنها بدعة لأنها لم تكن موجودة و مثله رمي الجمرات من الطبقة العالية فإنّه أمر مستحدث، فهل هو بدعة، و هكذا السعي من الطبقة العالية (على القول بجوازه) في الأزمنة السالفة.

السّؤال (3): ورد في بعض الرّوايات أن النّبي (صلى الله عليه و آله) ذبح مائة من الإبل في حجّة الوداع، فهل من المعقول أن كل هذه

اللحوم قد صرفت في الإطعام؟

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 47

الجواب: أن ما يستفاد من كتب التّواريخ المختلفة هو أنّ عدد الحجاج في تلك السنة بلغ مائة ألف نفر أو أكثر رافقوا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) في سفره ذلك، و لم يكن لدى الكثير منهم هدي، فأعطى النبيّ الأكرم (صلى الله عليه و آله) لحوم الأضاحي التي أمر بذبحها لهؤلاء، حتى إنه (صلى الله عليه و آله) أمر بأن لا يعطي الجزّارون منها الجلد و القلادة، بل تقسم بين الناس، و يستفاد من بعض الروايات أن هؤلاء الناس رافقوا النبي (صلى الله عليه و آله) عشرة أيّام، و بحساب بسيط نعلم بأن نصيب كل ألف نفر سيكون بعيراً واحداً قُسّم لحمه على الألف نفر لما كان نصيب كل واحد منهم سوى أقل من كيلو واحد بكثير، و لو قُسّم ذلك على عشرة أيّام، فسوف تكون حصّة كل يوم شيئاً قليلًا جدّاً لكل فرد، فعلى هذا من العجيب جداً أن يتصور البعض أنه قد تلف قسم من هذه اللّحوم، و لو كان لأفراد آخرين أضاحي أيضاً، فمن الواضح أنها كانت بمقدار قليل و أقل من حاجة الناس حتماً فإن كثيراً من الحجاج في تلك السنة لم تكن عندهم أضاحي.

السؤال (4): هل يُفهم من فتواكم أن الذّبح واجب مقدمي و الإطعام واجب نفسي؟ فلو كان كذلك إذن، فلا يجب على الحجاج ذبح الهدي، بل يمكنهم شراء ما يعادل الذبيحة من اللحم من الجزّار و توزيعه على المحتاجين.

الجواب: أنّ الإجابة على هذا السؤال واضحة أيضاً فإن الذبح و الصرف كلاهما واجبان، إلّا أن أحدهما مقدمة للآخر، كما في الوضوء و الطّواف فكلاهما واجبان، و لكن أحدهما مقدمة

للآخر، و لا فائدة للمقدمة بدون ذي المقدمة.

و على هذا الأساس، لا يصح الذبح ثمّ إتلاف الأضحية بحرقها أو دفنها، فنحن لا نجد في أي من الروايات الإسلامية أن إجراء دم الحيوان مطلوب بحدّ ذاته، و إذا ورد التعبير في بعض الرّوايات الإسلامية «عليه الدم» و أمثال ذلك، فهو إشارة و كناية عن ذلك الذبح المعهود و المتعارف بين جميع المسلمين بأن يذبحوا الأضحية و يقسّموا

بحوث فقهية هامة(للمكارم)، ص: 48

لحمها في مصارفه، كما أن هذا الكلام متداول بيننا أيضاً حينما نقول: إنّه لا بدّ من الذبح لشفاء المريض أو لقدوم المسافر، أو لبركة البناء، فهو إشارة إلى أنّه أو يُستحب يجب ذبح الشاة ثمّ تقسيم لحمها في الإطعام، لا أنّه يسفك دم الحيوان ثمّ يلقى بعيداً.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.