الإحصار و الصد

اشارة

نام كتاب:الإحصار و الصد

نام مؤلف:الگلپايگاني، السيد محمد رضا

موضوع:الفقه الاستدلالي

زبان:عربي

تعداد جلد:1

كتاب الحج

الركن الثالث في اللواحق

اشارة

و فيه مقاصد

الأول في الإحصار و الصد

في الفرق بين الحصر و الصد

الصد بالعدو و الإحصار بالمرض لا غير و اختلاف الأحكام بين المحصور و المصدود صار سببا لاختلاف التعريف.

و يمكن القول بالترادف بينهما، لان الحصر لغة مطلق الضيق و الحبس، عن السفر و غيره و الصد المنع كما في القاموس و الصحاح، بل في المدارك هو قول أكثر الجمهور بل فيها أيضا أنه نقل النيشابوري و غيره اتفاق المفسرين على نزول قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ «1» في حصر الحديبية.

و يمكن أن يكون اختصاص الحصر بالمرض و هو خيرة الشرائع، و عن صاحب الجواهر: هو المعروف بين الفقهاء و في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم. روى الصدوق قدس سره بإسناده عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: المحصور غير المصدود، و قال: المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله صلى الله عليه و آله و هو غير مريض، و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء «2» و إلى ذلك أشار قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ «3» ربما حكي عن ثغلب أيضا و إذا كان كذلك يمكن استظهار معنى الصد من دليل آخر من الرواية و غيرها.

و أما وجوب إتمام الحج لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ «4» إلا لعذر شرعي كالمحصور و المصدود إن قلنا بالترادف، فهو بعد مرخص من كل شي ء إلا النساء لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5» إذ بعد المنع يبعث بهديه و إذا بلغ الهدي محله يقصر و يحل من كل شي ء إلا

النساء. و إن قلنا بالتغاير، فالعذر تارة شرعي كالمحصور فهو كما قلناه و أخرى عقلي، فكالمصدود، فهو يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الحديبية من إحلاله عن كل شي ء حتى النساء و الذبح في مكان الصد.

و كيف كان فالمحصور و المصدود يشتركان في ثبوت أصل التحلل في الجملة، و يفترقان في أمور:

الأول:

عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له على طوافهن. الثاني:

الإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فإن فيه خلافا فبعض يحكم باللزوم، و بعض بالعدم.

الثالث:

تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.

الرابع:

افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي بخلاف المصدود، فان فيه قولين، فبعض يحكم بالوجوب

الإحصار و الصد، ص: 6

و بعض بالعدم لكن من المعلوم أن اختلاف هذه الأحكام مع وقوع كل واحد من السببين منفردا عن الآخر أما إذا اجتمعا على المكلف بأن مرض و صده العدو ففي المسالك: في ترجيح أيهما أو التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره أو الأخذ بالأخف فالاخف من أحكامهما أوجه، أجودها الأخير و هو خيرة الأستاد دام ظله العالي.

و لا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة أو متعاقبين إذا كان قبل الشروع في حكم السابق فلو عرض الصد بعد بعث المحصر، أو الإحصار بعد ذبح المصدود و لما يقصر احتمل ترجيح السابق و هو خيرة الدروس.

و عن صاحب الجواهر: لا يخلو القول بترجيح السابق مطلقا أو على الوجه الذي ذكره الشهيد من وجه.

و إن فرض تعاقب الصد و الحصر: فتارة بعد أخذه بحكم أحدهما يطرء عليه الآخر فلا

يبقى مورد للكلام عن تقديم ما أخذ لان المصدود بعد الصد يحل عن كل شي ء حتى النساء و إن أحصر بعده.

و أخرى قبل أن يأخذ بحكم أحدهما يطرء عليه الآخر، فإذن إن قلنا بعدم لزوم القصد للمصدود في الإحلال فهو أيضا حل عن كل شي ء، لان المصدود لا يصدق عليه المحصور لشهرة أن الممنوع لا يمنع و إن قلنا به فكالسلام المخرج عن الصلاة فللبحث عن تقديم أحدهما على الآخر مجال.

و لكن الإنصاف إن كان الصد سابقا على الحصر فهو حل عن كل شي ء، و لا يحتاج إلى التكلف و البحث عن تقديم أحدهما على الأخر

[أحكام المصدود]
اشارة

قال صاحب الشرائع فالمصدود إذا تلبس بإحرام حج أو عمرة وجب عليه الإكمال مع الاختيار.

أما إذا تلبس بإحرام الحج ثم صد تحلل بمحلله من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير موضع الصد لان الطريق منحصر فيه و المفروض أن العدو منعه عنه أو كان له طريق و قصرت نفقته و الظاهر عند الأستاد حفظه الله الفرع الأخير من مصاديق عدم الاستطاعة، لا أنه من أفراد المصدود كما صرح بذلك المصنف، و تبعه صاحب الجواهر.

و كيف كان فالمحصور غير المصدود لان المحصور بعد بعث الهدي إلى محله يحتاج إلى التقصير و طواف النساء، بخلاف المصدود الذي إن صد يحل من كل شي ء حتى النساء هذا مضافا إلى ما سمعته سابقا من قول الصادق عليه السلام: في صحيح معاوية بن عمار «1» و رواه في كتاب المقنع «2» مرسلا مثله ثم قال: و المحصور و المضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه، و قد فعل رسول الله صلى الله عليه و آله ذلك يوم الحديبية حين

رد المشركون بدنته و أبوا أن يبلغ المنحر فأمر بها فنحرت مكانه. و في رواية أخرى عن معاوية بن عمار «3» عن أبى عبد الله عليه السلام في قضية سيد الشهداء عليه السلام صرح فيها الامام بالفرق بين المحصور و المصدود. و خبر زرارة «4» عن أبى جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور

الإحصار و الصد، ص: 7

يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الان عن النساء إذا بعث. و كرواية حمران «1» عن أبى جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر، ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير. و نحوها غيرها في الدلالة على أن المصدود يحل عن كل شي ء و لا يجب عليه طواف النساء أيضا، نعم إن صد في الحج الواجب يأتي في القابل. قال المحقق: و يستمر إذا كان له مسلك غيره و لو كان أطول مع تيسر النفقة وافقه صاحب الجواهر لأنه في ضمن شرح كلام المصنف قال: بل ليس هو من المصدود و مفهومه أن النفقة إن قصرت يكون مصدودا. و عن الأستاد حفظه الله: و قد قلنا سابقا قصر النفقة منشأه عدم الاستطاعة لا أنه من مصاديق المصدود. و من هنا قال صاحب الشرائع: و لو خشي الفوات حينئذ: أي في فرض طول الطريق مع تيسر النفقة لم يتحلل

و صبر حتى يتحقق الفوات ثم يتحلل بعمرة نحو غيره ممن يفوته الحج بدون الصد، هذا. و الجدير بالذكر عدم تعرض المصنف فرض العلم بالفوت، نعم في قواعد العلامة إنه قال: المصدود من طريق إن كان له طريق آخر وجب عليه سلوكه و إن كان أطول مع تيسر النفقة، و إن خاف الفوات لم يتحلل، لان التحلل خلاف مقتضى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ «2» إلا ما خرج بالدليل و هو الصد، أو يعلم الفوات على إشكال. و عن فخر الإسلام في الإيضاح نقلا عن والده: و لعله من الضرر بالاستمرار كما في الصد و لذلك له التحلل.

و عن الأستاد دام بقاؤه: بل أولا: إن التحلل هنا أولى من الصد، لان المصدود مع احتمال رفع الصد عنه يجب عليه الإحلال، بخلاف العلم بالفوات الذي لا احتمال فيه أصلا.

ثانيا: وردت النصوص بوجوب الإحلال للمصدود دون غيره، و لذا لا يمكن إسراء الحكم منه إلى غيره لان جواز الإحلال للمصدود لا يكون من جهة الضرر حتى يمكن التعدي عنه إلى غيره. و عن صاحب الجواهر: و لا ضرر في استمراره إلى تحقق الفوات مضافا إلى عدم جريان قاعدة لا ضرر في البحث لأنها لا تجري في موارد الضرري مثل الحج و الجهاد و أمثالهما.

و يمكن أن يقال: أنه لا دليل هنا على الانقلاب و العدول بل إن الحج يبدل بالعمرة و الإحلال بعدها. و يؤيد هذا الاحتمال ما عن الفخر في الإيضاح حيث إنه قال: لا يجوز للعالم بالفوات العدول من الحج إلى العمرة و لا انقلاب، بل تبديل الحج بالعمرة و الإحلال بعدها.

و كيف كان المصدود يحل من كل شي ء أحرم منه.

الإحصار و الصد، ص: 8

قال

المحقق صاحب الشرائع: ثم يقضي أي يأتي بالفعل بعد رفع الصد عنه في القابل واجبا إن كان الحج واجبا عليه وجوبا مستقرا أو كان مستطيعا في السنة القابلة و إلا أتى به ندبا و ألحق في المسالك بالأول و هو الوجوب الاستقراري من قصر في السفر بحيث لولاه لما فاته الحج، كأن ترك السفر مع القافلة الأولى و لم تصد، و في المدارك هو إنما يتم إذا أوجبنا الخروج مع الاولى، أما إذا جوزنا التأخير إلى سفر الثانية مطلقا أو على بعض الوجوه سقط وجوب القضاء، لعدم ثبوت الاستقرار، و انتفاء التقصير. و فيه: لا يكون الفرق في وجوب القضاء عليه بين أن يكون التأخير عن تقصير أو عن علم لان الاستطاعة بواقعها تثبت القضاء عليه. قال المحقق صاحب الشرائع: و كيف كان فلا يتحلل المصدود إلا بعد ذبح الهدي أو نحره كما صرح به غير واحد، بل نسبه بعض إلى الأكثر، و آخر إلى المشهور، بل في المنتهى قد أجمع عليه أكثر العلماء إلا مالكا لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «1» بناء على أن المراد من الإحصار فيها ما يشمل الصد، بل عن الشافعي لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، بل في المدارك عن النيشابوري و غيره اتفاق المفسرين على نزولها في حصر الحديبية، و قد قلنا سابقا. و في المسالك عند العامة الحصر و الصد واحد من جهة العدو. فظهر من ذلك كله وجوب الهدي للمصدود. و عن صاحب الجواهر وجوب الهدي للمصدود لاستصحاب حكم بقاء الإحرام إلى أن يعلم حصول التحلل. و عن الأستاد دام عزه: و ما ذهب إليه صاحب الجواهر جيد

لان المحدث حين ما شك في إيجاب الطهارة المائية أو الترابية عليه لرفع الحدث عنه لا يتمكن من إجراء البراءة بل لا بد له من استصحاب بقاء الحدث و وجوب الطهارة عليه. و لما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بالمرسل عن الصادق عليه السلام المحصور و المضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه «2» و به يدل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المصدود يذبح حيث شاء و يرجع صاحبه فيأتي النساء «3» فما عن ابن إدريس و ظاهر المحكي عن علي بن بابويه من سقوط الهدي و ربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين للأصل الذي هو عبارة عن براءة ذمة المصدود عن كل شي ء بعد الصد هو الممنوع أو المقطوع كما عن الجواهر بما عرفت. و عن الأستاد دام ظله مراده من الممنوع هو المنع من تمسكه بالبراءة لان المصدود إن شك في وجوب بقاء الإحرام عليه بعد الصد لا بد و أن يستصحب وجوب بقاء الإحرام عليه إلى أن يعلم بحصول التحلل لا أنه عند الشك يتمسك بالبراءة.

الإحصار و الصد، ص: 9

و من المقطوع: الروايات الواردة في حكم المصدود التي يحكم الامام فيها بوجوب الهدي للمصدود. و ما عساه يظهر من المحكي عن الفقه «1» المنسوب إلى الرضا عليه السلام الذي لم تثبت حجيته عندنا، قال: و إن صد رجل عن الحج و قد أحرم فعليه الحج من قابل، و لا بأس بمواقعة النساء، لان هذا مصدود و ليس كالمحصور على أنه مطلق يقيد بما سمعت من النصوص الواردة في حكم المصدود: يذبح حيث صد و نقل العلامة في المنتهى عن المالك إنه قال: المصدود يتحلل من غير تقصير و كأن

المالك يشبه المصدود بمن أتم نسكه. و أورد العلامة على المالك ما خلاصته و قال: ما ذهب إليه المالك:

أولا خلاف النصوص الواردة التي أمر الإمام عليه السلام فيها بوجوب الهدي و التقصير للمصدود.

ثانيا: خلاف ما فعله النبي صلى الله عليه و آله يوم الحديبية لأنه قصر و أحل و نحر.

ثالثا: المصدود منعوه عن إتمام نسكه و لم يمنعوه عن ذبح الهدي و التقصير، فظهر مما مضى أن المصدود لا يجب عليه ذبح الهدي في مكانه.

و المناقشة بأعمية فعله صلى الله عليه و آله من الوجوب واضحة الضعف، خصوصا بعد ظهوره في امتثال ما نزل إليه من الله تعالى بقي هنا شي ء:

و هو هل كان معه صلى الله عليه و آله الهدي حين صد بالحديبية أم لا؟ و الثمرة تظهر فيما إذا لم يكن كذلك حين صد لانه لا يمكن القول باشتراء الهدي و ذبحه في مكان الصد. و أما زمان النحر فمن حين الصد إلى ضيق الوقت عن الحج إن صد عنه كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله مضافا إلى الروايات الواردة في حكم المصدود. كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المصدود يذبح حيث شاء و يرجع صاحبه فيأتي النساء «2» و نحوها غيرها في الدلالة على أن المصدود يذبح في مكان الصد و لا يجب عليه إرسال الهدي إلى مكة كالمحصور. و عن أبي الصلاح و الغنية أنهما قالا: المصدود كالمحصور في وجوب البعث عليه إلى مكة. و عن الإسكافي من التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، و عدمه فينحرها في مكانه. و عن أحمد: المصدود إن ساق الهدي معه فهو كالمحصور في وجوب البعث عليه إلى مكة،

و إلا يذبح في مكان الصد. و عن الأستاد دام عزه: و ما ذهب إليه أبو الصلاح و غيره خلاف صريح الروايات الواردة في حكم المصدود، حيث إنها نص بأن المصدود يذبح حيث شاء. نعم قد يستدل لأبي الصلاح و غيره بعموم قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «3» إن قلنا بأن الحصر في الآية فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ «4» لغة مطلق الضيق و الحبس و مقتضاه الترادف بين الصد و الحصر من حيث المعنى، خلافا

الإحصار و الصد، ص: 10

لصاحب الجواهر حيث صرح باختصاص قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ «1» بالمحصور، و أما المصدود يذبح في مكان الصد. و إن قلنا إن الحصر يشمل الصد أيضا يخصص بالروايات فيبقى المحصور تحت الآية و يبعث بهديه و يذبح المصدود حيث صد. قال المحقق صاحب الشرائع: و كيف كان فيجب نية التحلل عند ذبح الهدي كما صرح به الشيخ و ابن حمزة و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل و غيرهم، على ما حكي عن بعضهم، بل نسبه إلى الأكثر، و في المنتهى: و لأنه عن إحرام فيفتقر إلى نية كمن يدخل فيه. و عن صاحب الجواهر: مجرد مصادرة، مع وضوح الفرق بين الابتداء و الانتهاء. و فيه: إن قلنا إن الإحلال و الإحرام من قبيل الإنشائيات فما ذهب إليه العلامة في المنتهى جيد لان الخروج عن الإحرام كالدخول في الإحرام يحتاج إلى النية كالزوجية و الملكية فكما أن العلقة بينهما تحتاج إلى العقد فكذلك ارتفاعهما. و أما إن قلنا أنهما من قبيل الأحكام كالصوم و الصلاة و ما اختاره صاحب الجواهر حق لأن الإحرام لا يحتاج إلى الخروج عنه إلى النية.

و عن

صاحب الرياض: يجوز للمصدود البقاء على إحرام الحج حتى يفوت الحج و يحل بعمرة بعدها. و فيه: مراده أن الإحلال يتوقف وجوده بالقصد و نية التحلل، و بدونه لم يتحلل و لو يذبح ألف مرة، لا أنه كالارتداد الذي لا يتوقف خروج الزوجة عن الزوجية بقصد الزوج بعد ارتداده نعم إن قلنا بتوقفه على القصد فبعد أن صد يحل من كل ما أحرم منه. و عن المنتهى ذلك أيضا لأن الذبح يقع على وجوه.

و رد بأنه يمكن الاكتفاء بقصد القربة بعد أن لم يكن الأمر مشتركا بينه و بين غيره يذبح الهدي في الفرض، بل الأمر به إنما هو للتحلل الخاصة، و نية التعيين إنما يحتاج إليها مع التعدد كما عرفته غير مرة. و عن الرياض إنه قال عدم وجوب نية التعيين للمصدود حين الذبح بل بصرف الصد يذبح بعد أن قال الهدي للمصدود و يرجع البحث إلى قولين إحداهما: توقف الإحلال على النية، و بدونها لا يمكن الإحلال و لو يبقى ألف سنة. الثاني: عدم توقفه على النية و على هذا إن صد يحل من كل ما أحرم منه و ذهب كل إلى قولين. و عن المبسوط بعد وروده في أحكام الصد و الحصر ما ملخصه قال: و إن صد من الوقوف بالموقفين أو عن أحدهما جاز له التحلل لعموم الآية و الأخبار، و إن لم يتحلل ففاته الحج يتحلل بعمرة. انتهى كلامه. و قد ظهر من ذلك ذهاب الشيخ في المبسوط إلى توقف الإحلال على القصد، و ذهب ابن إدريس في السرائر مثل ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط في أن الإحلال يتوقف على القصد.

و هل يجب على المصدود مضافا إلى الهدي الحلق

أو التقصير أو كلاهما أم لا؟

الإحصار و الصد، ص: 11

فيه أقوال: و عن صاحب الجواهر: ثم إن ظاهر المتن و غيره، بل قيل: الأكثر عدم اعتبار غير الذبح أو النحر على الوجه المزبور للأصل و إطلاق الأدلة السابقة الظاهرة في حصول التحلل بذلك من دون توقف على شي ء آخر. و فيه مراده من الأصل هو براءة ذمة المصدود بعد الذبح عن كل شي ء. إن قلت: يستصحب بقاء الإحرام عليه و لو بعد الذبح أيضا، قلت: بعد تسليم بقاء وجوبه مع تغير الحال الأول إنه يكفي إطلاق الأدلة السابقة كتابا و سنة في قطعه.

و فيه: أولا: لا نسلم تغير الحال الأول لأن العرف حاكم في تعيين موضوع الاستصحاب و هو لا يرى الفرق بين المصدود و غيره.

ثانيا: على فرض تغير الحال الأول أصالة البراءة مقطوع بالإطلاقات الواردة. منها رواية عامية «1» بحلقه صلى الله عليه و آله يوم الحديبية. و منها رواية الفضل بن يونس «2» عن أبي الحسن عليه السلام: قال فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه. الظاهر في عدم وجوب الحلق عليه، و لكن الإنصاف لا يمكن الاتكال عليها و العمل بها. و منها رواية حمران «3» عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر، ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير و لكن في سندها كالمرسل ضعف، و لذا لا يتعارضان خلافا للفاضل في القواعد، فاعتبر مع ذلك التقصير، و للمراسم و الكافي و الفقيه فخيروا بينه و بين الحلق في أحد النقلين عن

الأخيرين: و في آخر تعين الحلق، و اختار الشهيد ان التخيير بينهما و كذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكة و عن الشرح من وصل إلى مكة و منع من فعل الطواف و السعي أنه بحكم المصدود أيضا. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو كان ساق هديا و قرن الحج و العمرة و أشعر ما ساق أو قلد يجب عليه ذبح ما ساقه صد أم لم يصد، و هل يجب عليه هدي آخر للتحلل أم لا قيل و القائل الصدوقان يفتقر إلى هدي التحلل مع ذلك، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب كالافطار في رمضان، و قول القائل ظهرك كظهر أمي، و للمحكي من فقه «4» الرضا عليه السلام فإذا قرن الرجل الحج و العمرة فأحصر بعث هديا مع هديه، و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بلغ محله أحل و انصرف إلى منزله، و عليه الحج من قابل، و لا يقرب النساء حتى يحج من قابل، و إن صد رجل عن الحج و قد أحرم فعليه الحج من قابل، و لا بأس بمواقعة النساء، لان هذا مصدود و ليس كالمحصور. و المناقشة فيه من جهة تعرضه عليه السلام حكم المحصور دون المصدود، و لا بأس به بعد صرف الكلام في ذيلها إلى حكم المصدود أيضا، و للاستصحاب بعدم قطعه بإبراء ذمته بعد ذبح ما ساقه فيستصحب وجوب بقاء الإحرام عليه.

الإحصار و الصد، ص: 12

و لعله إليه يرجع ما عن ابن الجنيد من أنه إن أحصر و معه هدي قد أوجبه الله تعالى بحال من نذر أو إشعار بعث بهدي آخر عن إحصاره، فإن لم يكن أوجبه بحال من إشعار و لا

غيره أجزأه عن إحصاره، و في الدروس إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما فالأصل عدم كفاية ذبح ما ساقه للتحلل، و إن كان دون ذلك أي دون ما وجب بالاشعار و لا التقليد أجزأه. و قيل و القائل المشهور يكفيه ما ساقه مطلقا و إن وجب بإشعار أو غيره. و عن المحقق صاحب الشرائع و هو الأشبه بأصول المذهب بعد صدق قوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «1» عليه و بعد ما قيل من أنه لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر و الصد هديا مستقلا، و إنما المستفاد من الأدلة كتابا و سنة إنما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول أو هديه كما في الثاني و لا ريب في صدقهما على المسوق مطلقا في محل البحث، و إن كان لا يخلو ما ذكره أولا من نظر أو منع، و خبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل ساق الهدي ثم أحصر، قال: يبعث بهديه قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه. «2» و عن الأستاد دام ظله: كأنه عندهم من إرسال المسلم على عدم وجوب الهدي المستقل للتحلل عليه سوى ما ساقه، و الروايات و لو وردت في حكم المحصور و لكن مع ذلك لا يكون في هذه الجهة عدم وجوب الهدي المستقل و فرق بين المحصور و المصدود و المريض و غيره إن لم نقل بعموميتها خصوصا ما فعله النبي صلى الله عليه و آله يوم الحديبية حين صده المشركون لانه نحر بدنته. و قد قلنا سابقا لا يكون الفرق بين الحج و العمرة من

جهة عدم وجوب الهدي المستقل سوى ما ساقه أيضا و مما ظهر لك فيما مضى سقوط التمسك بالاستصحاب و أصالة تعدد المسبب بتعدد السبب إن قلنا بإطلاق الآية و الرواية و إلا فلا. و صحيح «3» رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل ساق الهدي ثم أحصر قال: يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه. و صحيح محمد بن مسلم «4» عن أبي جعفر عليه السلام، و عن فضالة: عن ابن أبي عمير، عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني قال: يبعث بهديه، قلنا: هل يتمتع في قابل: قال: لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج منه. و فيه أن الراوي يعلم وجوب القضاء عليه و لكن يتردد من أن القضاء مقيد بمثل ما خرج أم لا يكون مقيدا به، فأجاب عليه السلام بقوله: و لكن يدخل في مثل ما خرج منه. و احتمال أن يكون مراد السائل عن كيفية الهدي و لأجل ذلك أجاب عليه السلام: يبعث بهديه في جواب السائل بعيد

الإحصار و الصد، ص: 13

عن السياق جدا، و صحيح رفاعة بن موسى «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج الحسين عليه السلام معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم و حلق شعر رأسه و نحرها مكانه، ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي عليه السلام ابني و رب الكعبة افتحوا له الباب، و كانوا قد حموه الماء فأكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد. و لا يبعد ظهورها

في كفاية ذبح ما ساقه عن هدي التحلل أيضا، و عدم بعثه إلى منى من جهة عدم تمكنه عليه السلام من هذا، و أما حلق رأسه فهو لعلة داية عليه السلام و أما ما من الفاضل من احتمال أن يكون المراد أن هدي السياق كاف لكن يستحب هدي آخر للتحلل ففيه ما لا يخفى، كما عن الجواهر من أنه لا دليل له، مع أنه لا يخلو إما أن يحل بما ساقه، فلا معنى لذبح هدي آخر للتحليل أو لا، فيجب الآخر، و إن قدمه على ما ساقه أشكل نية الإحلال به، و يشكل تقديم ما ساقه بلا نية الإحلال بناء على وجوبها، اللهم إلا أن يريد الاحتياط من الاستحباب فينوي بهما التحلل للاحتياط، و على كل حال فقد ظهر أن الأقوى ما عليه المشهور مما عرفت، و به ينقطع استصحاب البقاء على الإحرام، كما أنه بالتأمل فيما ذكرنا تندفع كثير من المناقشات انتهى كلامه رفع مقامه. هذا كله فيمن ساق هديا فلا ريب في وجوب هدي التحلل عليه و أما إذا لم يقدر على التحصيل كما لم يكن عنده دراهم، أو لم يتمكن من التحصيل كما لم يوجد في السوق فهل له بدل كما في الحج التمتع أم لا؟ بل لا بد و أن يبقى في الإحرام إلى أن يتمكن من الحج أو العمرة. فأجاب عن ذلك صاحب الشرائع قال: و لا بدل لهدي التحلل و عن صاحب الجواهر لا اختيارا و لا اضطرارا، لكن عن الإسكافي أنه يتحلل حينئذ بدون دم، لقوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ «2» و لم يستيسر. و أجاب عنه جمع من العلماء ما ذهب إليه الإسكافي ضعيف جدا لأن الإحلال تارة

بإكمال النسك، و أخرى بذبح الهدي إن صد، و في غيرهما لا يكون دليل من الشارع للإحلال فالحق مع المشهور و لعله مما عرفت و من العسر و الحرج، و قول الصادق عليه السلام في حسن ابن عمار «3» في المحصور و لم يسق الهدي ينسك و يرجع فإن لم يجد ثمن هدي صام بناء على أن كلمة ينسك بمعنى الهدي. و كذا في صحيحة «4» إلا أن فيه قيل له: فإن لم يجد هديا؟ قال: يصوم. و عن الأستاد دام ظله العالي: و فيهما جهات من البحث و الإشكال: أولا عدم تعين عدد أيام الصوم فيهما. ثانيا: هل كلمة يصوم إشارة إلى ما في الآية أم لا؟ و إن قلنا بها هل يريده عليه السلام ما في الآية أم لا؟ ثالثا لو قلنا أن المصدود إن لم يجد ثمن هدي أو لم يجد هديا، يصوم و يتحلل و لكن في الروايات لم يفهم هذا الحكم و لذا قال صاحب المدارك إن هذه الرواية كانت دلالتها ناقصة من جهة إجمال كلمة يصوم في الرواية و عدم معلومية أنها بدل حج تمتع أم بدل للمصدود، و لو من جهة السند تام.

الإحصار و الصد، ص: 14

و قد عرفت مما ذكرنا أولا أن الروايات مضافا إلى اختلافها و عدم اجتماع شرائط الحجية في أكثرها وردت في حكم المحصور و لا يمكن التعدي عنها إلى حكم المصدود أيضا. ثانيا: لو سلمنا يبعد حمل الصوم الواقع فيها على الواجب في بدل الهدي، و من هنا قلنا سابقا اتفاقهم على عدم بدل لهدي التحلل، و عن صاحب الحدائق إن أحصر الرجل فعليه البدل للتحلل، لان عدم تعرض الأصحاب لعدم رؤيتهم. و

عن الشيخ في التهذيب لا يمكن القول بعدم رؤيتهم بل عدم تعرضهم لاختلافها و عدم اجتماع شرائط الحجية في أكثرها، و لذا قال في الجواهر فلم يتحقق إعراضهم عنها حينئذ لعدم الدليل على بدل الهدي للتحلل و إن كان الأصح ما عرفت. قال المحقق صاحب الشرائع: و حينئذ فلو عجز عنه و عن ثمنه بقي على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو على إتمام النسك و لو عمرة، بل لا مدخل هنا للعجز عن ثمنه. و على كل حال لو تحلل حينئذ بغير ما ذكرنا لم يحل إلا مع الاشتراط بناء عليه. و عن الأستاد دام ظله، و الأقوال فيه مختلفة، و عن بعض إن اشترط حين الإحرام فعند العجز عن الهدي يحل و لا يحتاج إلى الهدي و لو مع التمكن، و عن بعض آخر و له الهدي مع التمكن، و عن ثالث الصد يؤثر عليه، و عن رابع إن اشترط عند الصد و الحصر يحل و إلا يصبر حتى اليأس. قال المحقق صاحب الشرائع: و يتحقق الصد عن الحج بالمنع عن الموقفين اختياريا و اضطراريا و أما إن لم يمنع عن اضطراري أحدهما و يدرك اختياري أحدهما مع اضطراري الآخر فهو لا يكون مصدودا. و يمكن بعد منعه عن الموقفين رجوعه إلى منى و يحل بالعمرة المفردة. انتهى كلامه دام عزه في شرح كلام المصنف. و عن صاحب الجواهر و لا يجب عليه الصبر حتى يفوته الحج للأصل و إطلاق النصوص، و لأنه لا فوات حقيقة إلا بالموت و خصوصا العمرة المفردة. و فيه: إن الأصل هو البراءة عن وجوب الصبر على المصدود حتى يفوته الحج، و لكن البراءة تعارض مع الاستصحاب و

الاحتياط لان المصدود بعد أن صد يشك في وجوب الصبر عليه إلى أن يفوت الحج عنه و عدمه، و الاستصحاب يقتضي بقاء الصبر عليه، و أما إطلاق الأدلة و هو قوله عليه السلام في موارد مختلفة المصدود يذبح حيث صد و هو من هذه الجهة قبل الفوات و بعدها مطلق و به يمكن الحكم بانقطاع الاستصحاب عن الحجية رأسا. و ربما نوقش بالمنع عن إطلاق النصوص، فإن الصد عن الوقوف إنما يتحقق بالصد عنه إلى فوات وقته، أو يفرق بين العمرة و الحج، لافتراقهما بالفوات و عدمه. و فيه إن الفوات يتحقق بفوت وقته، بل في المسالك، و من هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا، و لم يمكن التأخير عنهم لخوف العدو منهم أو من غيرهم، فإن التقية هنا لم تثبت، و لعله لأنها في موضوع. و ربما يؤيده ما ورد «1» من الأمر بقضاء يوم العيد الذي ثبت عندهم و أفطر فيه تقية، اللهم إلا أن يفرق بينهما بشدة

الإحصار و الصد، ص: 15

االمشقة في الحج دون صوم اليوم، فيلحق الموضوع حينئذ فيه بحكم التقية و يجزيه الوقوف معهم بخلاف الصوم. و فيه: إن قلنا بإجزاء الموافقة معهم تقية فحينئذ يتجه إدراجه في حكم من صح حجه لا في حكم المصدود. و إن قلنا بعدم إجزاء الموافقة معهم تقية يتجه إدراجه في حكم من فاته الحج. و عن صاحب الجواهر و ما اختاره المسالك في غاية الإشكال خصوصا بعد وضوح منع تحقق الصد في ذلك سيما في بعض الافراد. قال المحقق صاحب الشرائع: و كذا يتحقق الصد بالمنع من الوصول إلى مكة سواء كان المنع حين ذهابه

إلى مكة أولا، أو ذهابه بعد إتمام نسكه في منى. قال المحقق صاحب الشرائع: و لا يتحقق الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث و المبيت بها، بل يحكم بصحة الحج و يستنيب في الرمي. و فيه: و لم يتعرض المصنف حكم الممنوع إذا أراد الرجوع من المشعر إلى منى للرمي و ذبح الهدي و الحلق ثم التحلل عن كل شي ء. و عن المسالك و الجواهر ما ملخصه: و لو صد عن نزول منى خاصة استناب في الرمي و الذبح كما في المريض. و فيه: مقتضي القاعدة عدم وجوب الاستنابة في الذبح بخلاف الرمي لعدم اشتراط المباشرة في الذبح. و عن صاحب الجواهر: إن لم يمكنه الاستنابة فالأقوى جواز التحلل بالهدي في مكانه كالسعي و الطواف. و فيه: تصريح بعموم الآية فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ. «1» و لأجل ذلك يرد عليه ما يرد عليه في مسألتي الطواف و السعي. إلا أن صاحب الجواهر يمكن أن يدعي الخروج بالنص و الإجماع، و ذهابهم إلى أن للمصدود عن نزوله للرمي أن يستنيب كالمريض من جهة عدم التمكن من إتيان الفعل في الخارج، الذي يترك لكل عذر كما في السعي و الطواف. و في كشف اللثام لو صد عن السعي و الطواف يستنيب. و عن صاحب الجواهر لم أر موافقا لما اختاره الكشف، لان المصدود من السعي و الطواف يتحلل بالذبح. نعم يمكن دعوى ظهور أدلة الصد فيما يفوت به الحج فإذن يكفي في التحلل الذبح، و أما إن لم يفت الحج بفواته فالأقوى إمكان الاستنابة فيه، و جعله في المسالك أجود الوجهين أي إن لم يمكنه الاستنابة فالأقوى جواز التحلل بالهدي. و دعوى ظهور أدلة الصد فيما

يفوت به الحج أو العمرة بالكلية لا بعض أفعالها المتأخرة يدفعها و لو من الفحوى في الأعم من ذلك. و عن الأستاد دام عزه: و فيه عدم صحة الفحوى، لعلمنا بعدم موافقة الشارع ترك الأفعال التي يمكن إيجادها في الخارج. إنما الكلام في سقوط الترتيب بين أفعال الحج و عدمه؟ و هل يسقط إن قدم أعمال منى على السعي و الطواف أم لم يسقط؟ و قد تلخص مما تقدم ذهاب صاحب الجواهر إلى الإحلال بالهدي في مكانه إن لم يمكنه الاستنابة.

الإحصار و الصد، ص: 16

و فيه: إن منع من معظم الاجزاء لم يقيد الشارع الإحلال بالتمكن عن الاستنابة، فبعض الأجزاء أولى بالإحلال بعدم التمكن فالجزء أولى بالإحلال من الكل، لان الجزء اولى بالإحلال من الكل بالهدي. إن قلت لقائل أن يقول أولا لا يجب تدارك الجزء إن كان غير ركن، لان صاحب الجواهر يقول: ظاهر الأدلة كتابا و سنة وحدة الاجزاء حكما و إذا لم يقدر على إيجاد جزء في الخارج كاف في جريانه لكل جزء ركنا كان أم غير ركن، و حينئذ يكون الأصل تحقق الصد الموجب للتحلل بالهدي بالمنع عن الحج و العمرة، و لو أبعاضهما و سقوط ما صد عنه بعد التحلل في عامه و لكن وجوب الحج باق في ذمته. ثانيا إن قلنا بعدم شمول دليل الأولوية للتحلل بالهدي في مكانه فبسبب استصحاب بقاء وجوب الإحرام عليه يمكن إثبات توقف الإحلال على الذبح، و ليس من لوازم المصدود قضاء الحج وجوبا أو ندبا في القابل، إلا في صورة الاستقرار عليه فأذن يأتي به في القابل، و أما لو أفسد الحج فعليه الإتمام في تلك العام و القضاء في القابل. و عن

صاحب المدارك و المسالك و القواعد: و يحتمل أن يحلق و يأتي بالطواف و السعي و يستنيب في الرمي و الذبح إن أمكن و يتحلل بما عدا الطيب و النساء و الصيد حتى يأتي بالمناسك. و إن لم يمكنه الاستنابة يحلق و يأتي بالطواف و السعي و يأتي قضاء الرمي و الذبح في القابل. و أشكل عليهم الأستاد حفظه الله و قال: إن قلنا بشمول دليل جواز الإحلال للمصدود بعد صده من الرمي و الذبح فعليه القضاء في القابل، لان الحج لا يبطل بتركهما و لو عمدا، و إن قلنا بعدم شموله فالعمدة هي إشكال الفاضل في القواعد في ذلك، حيث قال: و لو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال أي في تحقق الصد و أحكامه و ادعاء انصراف صدق الصد على الاجزاء التي تكون ركنا. و عن الأستاد حفظه الله، قلنا أولا لا يمكن الافتراق بين الاجزاء ركنا كان الجزء أم غيره. ثانيا: قدر المتيقن من جواز التحلل للمصدود هو الصد عن الموقفين و باقي المناسك كما يقتضي ذلك كتابا و سنة و فتوى، لا ما إن صد من دون الموقفين، و في صدق الصد عليه إشكال. نعم الفرق بين التارك و المصدود موجود لأن في فرض الترك مضافا على القضاء في القابل يكون على التارك المعصية بخلاف المصدود فإن عليه القضاء في القابل فقط. و إن قلنا يكون جواز الإحلال رخصة لا أنه عزيمة فله التحلل بعد الطواف و السعي و القضاء في القابل. و إن قلنا بقدر المتيقن في المسألة فله الحلق و بعده يسعى و يطوف و يصح حجه. و عن صاحب الجواهر: و لا يخفى عليك ما في الاحتمال المزبور مع

عدم إمكان الاستنابة بعد عدم الدليل بل ظاهر الأدلة خلافه، لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ «1»، و إن لم يقدر على الإتمام فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «2» و هذا الحكم عام يشمل كل جزء ركنا كان الجزء أم غير ركن.

الإحصار و الصد، ص: 17

و يمكن تقريب البحث على نهج آخر: و هو أن المحلل للإحرام، إما أن يأتي المناسك، أو أنه صد عن الموقفين إذ إن لم يصد عنهما لا بد و أن يأتي بباقي الأفعال فإذن يرجع البحث أيضا إلى تمامية الأفعال و عدمها. و لو صد عن الذبح خاصة و لم يمكنه إيداع الثمن فيمن يذبحه فهل يصدق عليه اسم المصدود حتى يحكم له بالتحلل أم لا بد له أن يأتي بالبدل و هو صيام عشرة أيام؟ و قد اختار سيدنا الأستاد ما ذهب إليه كشف اللثام، و هو إن صد من السعي و الطواف بعد إدراك الموقفين و أعمال منى يستنيب. و خلاصة الكلام و لو صد عن مكة خاصة بعد الإتيان بأفعال منى فإن أتى بالطواف و السعي في تمام ذي الحجة و لو بالاستنابة كما صرح به في الروضة صح حجه، و إلا ففي المبسوط و السرائر و القواعد و التذكرة و التحرير و المنتهى و الدروس و حواشي الكركي و ظاهر التبصرة و التلخيص على ما حكي عن بعضها بقي على إحرامه بالنسبة للنساء و الطيب و الصيد. و ما ذهب إليه المشهور أي تحقق الصد و جواز التحلل لإطلاق قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «1» الذي لا يمكن تقييده بأن الصد يتحقق إن لم يمكنه الاستنابة. و ما ذهب إلى بقاء الإحرام عليه

قال لان المحلل للإحرام إما الهدي للمصدود أو المحصور، أو الإتيان بأفعال يوم النحر و الطوافين و السعي، فإذا شرع في الثاني و أتى بمناسك يوم النحر تعين عليه الإكمال، لعدم جواز التحلل بالهدي حينئذ، فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك. و خيرته حفظه الله ما اختاره المشهور، و هو تحقق الصد و جواز التحلل و وجوب القضاء عليه في القابل. هذا كله لو صد عن الطواف و السعي الذي يحكم له بالتحليل، و لو صد عن طواف النساء خاصة هل يجوز له الإحلال أم لا بد أن يأتي و لو بالاستنابة؟ و قد أفاد الأستاد دام ظله في ضمن البحث و قال: إن قلنا أنه جزء من أفعال الحج فبالصد يتحلل بالهدي و لا يمكن أن يرد و قال إن الصد عن طواف النساء إنما يتحقق بالصد عنه إلى فوات وقته، لأنا قلنا إن المصدود لا يجب عليه الصبر حتى يفوت عنه وقته، بل له التحلل بالهدي و لو بأن له التمكن من قبل. و إن قلنا إنه يباح جواز الوطي لم يصدق عليه اسم المصدود لان طواف النساء في الفرض الأخير لا يكون جزء الحج حتى بعد المنع عنه يتحقق الصد، و لهذا الفرع ثمرة عملية كما ذكرها بعض الأساطين: و هي إن قلنا أنه جزء الحج فللنائب إتيانه للمنوب عنه و أما إن قلنا أنه يباح جواز الوطي فيأتي النائب بنفسه. بقي شي ء: و هو إن منع من المبيت بمنى فهل للممنوع القضاء في القابل أو الاستنابة به أو الفداء عن كل ليلة شاة. و عن المشهور الأخير، بل عن صريح الخلاف و الغنية و غيرهما، و ظاهر المنتهى و

غيره الإجماع عليه. و إن كان المصدود معتمرا بعمرة التمتع يتحقق صده بمنعه عن دخول مكة، أو بمنعه بعد الدخول في مكة عن الطواف و السعي فله التحلل بالهدي في مكانه.

الإحصار و الصد، ص: 18

و في المسالك: في تحقق الصد بالمنع من السعي خاصة بعد الطواف أي عدم إتيان الطواف و هل يجوز له التحلل أو البقاء على إحرامه حتى يأتي بباقي المناسك: أو لا هذا و لا ذاك؟ بل يصبر حتى يفوت عنه المناسك و يعمل بعدها كما يعمل قبل الفوت وجهان من إطلاق الأدلة و عدم مدخلية الطواف في التحلل فيتحقق الصد، و من عدم التصريح بذلك في النص و الفتوى فلم يتحقق الصد. و عن صاحب الجواهر: و فيه ما لا يخفى بعد وضوح الصدق اسم الصد عليه، و شمول أدلة التحلل بالهدي. ثم قال الوجهان آتيان في العمرة المفردة مع زيادة إشكال فيما لو منعه بعد التقصير عن طواف النساء، فيمكن أن لا يتحقق الصد حينئذ، بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن. و عن صاحب الجواهر: و فيه منع واضح أيضا بعد عدم توقف تحقق الصد على عدم إمكان الإتيان بالنسك، بل ظاهر النص و الفتوى تحققه، و إن كان يمكن فيما بعد ذلك الإتيان بالمصدود و عنه مع البقاء على إحرامه، و من ذلك يظهر لك النظر فيما في حاشية القواعد للكركي من دعوى عدم صدق الصد على المعتمر عمرة إفراد بالشروع في بعض أفعالها، فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي الباقي، نعم لو منع من دخول مكة أو المسجد تحقق الصد. و عن صاحب الجواهر: لا يمكن صدق الصد على المعتمرة إفرادا و ذلك لعدم تصوير الفوت فيها لأنا

قلنا سابقا يصدق الصد على من يفوت عنه الحج. و عن الأستاد دام عزه: و فيه نظن أن الكركي أراد التفصيل بين الكل و البعض ففي الأول يحكم بتحقق الصد فيه بخلاف الثاني، و لكن محط نظر صاحب الجواهر و دليله قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ. «1» و لأجل ذلك يحكم بتحقق الصد كلا منع أم بعضا فيتحلل بالهدي في مكانه كما قلنا سابقا. ثم إن الأمر بالإحلال في النص و الفتوى و إن أفاد الوجوب إلا أن الظاهر إرادة الإباحة منه، لأنه في مقام توهم الحظر كما صرح به غير واحد، بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما عن بعض الاعتراف به، فإذا بقي على إحرامه حينئذ للحج حتى فات الحج كان عليه التحلل بعمرة إن تمكن منها كما هو شأن من يفوته الحج، و لا دم عليه لفوات الحج كما صرح المصنف في الفرع الثاني و الفاضل و غيرهما، و إن لم يتمكن بمنعه عن دخول مكة بعد الإحرام فله التحليل بالهدي أو الصبر حتى فات الحج و عليه التحليل بالعمرة فقط، و إن كان الحج تمتعا، و أما إن كان التحليل عمرة مفردة فعليه طواف النساء. و عن صاحب الجواهر: لكن في محكي الخلاف عن بعض الأصحاب أن عليه دما لخبر داود الرقي «2» قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام بمنى إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج فقال نسأل الله العافية، ثم قال: أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلق، و عليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، و إن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة، ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة

فأحرموا منه و اعتمروا فليس عليهم الحج من قابل، و أنت خبير بعدم دلالتها على ما في المحكي من الخلاف، بدعوى أن الظاهر كون الدم للتحلل لعدم تمكنهم من العمرة لا

الإحصار و الصد، ص: 19

للتحليل بالعمرة الذي كان البحث عن ذلك، بمعنى إن فات الحج كان عليه التحلل بعمرة و معه دم شاة أيضا أم لا. و الظاهر منها عدم لزوم التحليل بعمرة، بل إن فات الحج عليه دم شاة للتحلل. و يمكن حملها على من لم يتمكن من العمرة و لأجل ذلك أمر عليه السلام تفضلا بالإهراق إن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة، و عن الشيخ كان الحج مندوبا و للمتطوع التحليل بغير بدل. و إن أمر عليه السلام بالإهراق لكن كان هذا استحبابا و فيه خلاف ظاهر. و على كل حال فهل يجوز له التحلل بعمرة قبل الفوات؟ كما يجوز ذلك بعد الفوات؟ عن المنتهى و التذكرة إشكال، و به قال بعض الجمهور لجواز العدول بدون الصد، فمعه أولى، و مؤيد ما ذهب إليه الجمهور، ما فعله رسول الله صلى الله عليه و آله بالحديبية حين صده المشركون، و قد أمر صلى الله عليه و آله أصحابه بالعدول إلى العمرة، و نصوص الواردة فيمن أحرم بإحرام الحج التي يحكم فيها عليه السلام بجواز العدول. و عن صاحب الجواهر: و هو أي التحلل بالعمرة بعد الفوات و قبلها متجه حيث يجوز له العدول لإطلاق دليله الشامل لحال الصد. و عن الأستاد دام عزه: و فيه: لا يشمل دليل الصد جواز التحليل بالعمرة قبل الفوت. قال المحقق صاحب الشرائع:

فروع:
الأول: إذا حبس بدين

فإن كان قادرا عليه و مع ذلك لم يدفعه يقول صاحب الشرائع لم يتحلل بالهدي،

ضرورة عدم كونه من المصدود الذي شرع في حقه ذلك. و إن عجز عن أدائه تحلل بالهدي لكونه من المصدود عن الحج حينئذ، لأن الصد هو المنع الصادق على مثله، و عن الجواهر مثل ما عن الشرائع. و في المسالك ما ملخصه أولا: إن المديون إذا حبس ظلما كان مصداقا للمصدود، لا أنه من أقسام الصد كما ذهب إليه صاحب الشرائع و تبعه في ذلك صاحب الجواهر. ثانيا: انحصار الصد و الحصر فيما ذكروه مورد نظر، لان فناء النفقة و فوات الوقت و ضيقه لا تكون من أمثالهما، مع أنه يجوز التحلل عندها لرواية حمران بن أعين «1» إنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقول: حلني حيث حبستني، قال: هو حل حيث حبسه الله قال أو لم يقل. و في إلحاق أحكام هؤلاء بالمصدود أو بالمحصر أو استقلالهم عنها نظر، من مشابهة كل منهما، و الشك في حصر السبب فيهما، و عدم التعرض لحكم غيرهما، و يمكن ترجيح جانب الحصر على الصد لأنه أشق و به يتيقن البراءة. و أجاب عنه الجواهر: ضرورة عدم صدق كل منهما على أمثال هؤلاء بالمصدود، و لأجل ذلك لا يجوز له التحلل إن فات الوقت أو ضاقت، بل يبقون على الإحرام أو إلى الإتيان بالنسك أو العمرة المفردة. و استشكل بعض بأن المديون لا يصدق عليه اسم المصدود، بل الصد اسم لمنع العدو. و أجيب: إن المديون إن كان عاجزا عن أداء دينه كأن في حكم المانع للعدو، و عليه التحليل إذا حبس و وردت

الإحصار و الصد، ص: 20

الرواية التي يمكن التمسك بها بإطلاقها و الحكم فيها بأن المديون إذا حبس عن ظلم يصدق عليه

الصد كما يشهد له ما سمعته في خبر الفضل بن يونس «1». قال المحقق صاحب الشرائع: و كذا لو حبس ظلما و قد وقع البحث في كلمة كذا و هل يرجع بالجزء الأخير من حكم المديون و هو قوله (تحلل) فيكون الحاصل حينئذ إن المحبوس ظلما يتحلل مطلقا، لانه مصدود سواء قدر على رفع المطلوب منه أم لا، و سواء، كان مجحفا أم لا؟. و ربما احتمل في عبارة المتن كون المشبه به المشار إليه بذا مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله، فيكون الحاصل حينئذ أن المحبوس ظلما إن قدر على رفع ما يراد منه لم يتحلل، و إن عجز تحلل نحو ما سمعته في المديون، و إن قلنا بالأول: فهو يوافق لما يأتي حيث قال: إن منع قبل الإحرام و طلب منه مالا و هو قادر على دفعه يتحلل، و إن قلنا بالثاني فهو موافق لما قيل الذي نقل عنه صاحب الشرائع في الفرع الخامس و هذا نص عبارته: لو طلب مالا لم يجب بذله و لو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا. ربما قيل إنه كان الاولى للمصنف العكس، فيجب بذل جميع ما يتمكن و يقدر مع التلبس بالإحرام لوجوب الإتمام عليه وجوبا مطلقا، فيقتضي وجوب مقدمته، بخلاف ما إذا لم يتلبس بالحج فإن الوجوب فيه مشروط بتخلية السرب، و هو منتف، و شرط الواجب لا يجب تحصيله، و قال صاحب الجواهر و أجاب: إن قلنا أن وجوب المقدمة تقتضي دفعه ففي كلا الحالتين مراد قبل التلبس و بعده و يمكن أن يقال إن الوجوب للمقدمة يعارضه قاعدة نفي الحرج و نفي الضرر و غيرهما، و لذا قيد بعضهم وجوبها بما إذا

لم يستلزم ضررا، و ملخص ما تقدم إن كان قادرا على دفع ما طلب منه فهو مما لا يكون ظلما و لذا لا بد أن يدفع ما طلب منه، و لا يصدق عليه أنه مصدود لانه قادر على دفعه، و إن لم يقدر على دفع ما طلب فهو مصدود و له التحلل. قال المحقق صاحب الشرائع:

الفرع الثاني:

إذا صابر ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي و تحلل بعمرة و قال صاحب الجواهر تبعا للماتن: لعدم صدق اسم المصدود حينئذ عليه، و إن الصد في زمن بقاء الحج، و إذا انقضى أيام الحج فلا يصدق عليه اسم المصدود. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا أن الصد و الحصر كالمسافر و الحاضر فما اختاره صاحب الشرائع صحيح، لعدم جواز التحلل له بالهدي لفوات الحج منه، بل لا بد، أن يتحلل بعمرة، كما أن المسافر لا بد، أن يأتي صلاته ناقصة، و أما إن قلنا أنهما كمثل قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. «2» فما ذهب إليه الماتن لا يصح، لصدق اسم المصدود عليه، و لذلك له جواز التحلل بالهدي، لقوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «3» و إذا شككنا في أن المصدود إذا صابر ففات له الحج هل يكون كالمسافر و الحاضر حتى لا يصح له التحلل بالهدي، أم يكون كمن قتل حتى يصح له التحلل، فيمكن بالاستصحاب إثبات عدم وجوب شي ء عليه، سوى جواز التحلل له بالهدي، و لو فات عنه الحج لصدق اسم المصدود عليه.

الإحصار و الصد، ص: 21

نعم إن لم يمكن إثبات التحلل بالهدي فليتحلل بعمرة عليه كما قاله صاحب الشرائع و تبعه صاحب الجواهر. قال المحقق صاحب

الشرائع: و لا دم و عليه القضاء أي تدارك الحج إن كان واجبا و إلا فإن كان ندبا بالأصل فلا يجب عليه القضاء و إن كان قد وجب بالشرع. و عن الأستاد حفظه الله: و لو بقي على هذا الحال، فتارة يذهب إلى مكة و يتحلل بعمرة، و أخرى يرجع إلى بيته و لا يقدر على التحلل بعمرة فعليه الهدي فالتحلل و إلى ما قلناه يرجع: ما في الدروس: لو صار إلى بلده و لم يتحلل و تعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود، فله التحلل بالذبح في بلده و التقصير و تبعه عليه في المدارك. و استشكل عليه صاحب الجواهر: و لكنه لا يخلو من نظر، ضرورة عدم صدق اسم الصد على مثله عرفا. و عن الأستاد دام بقاؤه: و فيه لا يبعد القول بشمول أخبار الصد حتى في مورد البحث أيضا: نعم لو صار إلى بلده و تعذر العود لخوف الطريق يصدق عليه انتفاء السرب عنه و هو ممن لا يستطيع، و أما إن لم يتحلل فهو يصدق اسم المصدود عليه، فما ذهب إليه العلمين حق خصوصا إن قلنا إن وقت العمرة تكون طيلة العمر فإذن هو مما لا شك و لا ريب في صدق اسم المصدود عليه. قال المحقق صاحب الشرائع:

الفرع الثالث
اشارة

إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز له التحلل بل عن بعض و لو علم ذلك، بل عن الجواهر لا أجد فيه خلافا معتدا به فضلا عمن كان يرجوه، لصدق اسم المصدود، و يكفي في العموم النصوص السابقة، نعم قد يشك في صورة العلم التي يمكن دعوى ظهور كلمات الأصحاب في خلافها، و لولا ذلك لكان إلحاقها متجها

أيضا و عن الأستاد أدام الله ظله: لو علم انكشاف العدو لم يجز له التحلل، نعم يمكن القول بالعموم كما ذهب إليه صاحب الجواهر و غيره. و استشكل على العموم صاحب المدارك بأن ما وصل إلينا من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة أي صورة غلبة الظن، و مع انتفاء العموم الحكم بالجواز مشكل، أو يلوح من كلام الشهيد في الروضة و موضع من الشرح أن التحل ل إنما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت، و لا ريب في أنه أولى. قال المحقق صاحب الشرائع: و لكن الأفضل و عن الجواهر و الأولى بل و الأحوط البقاء على إحرامه فإذا انكشف أتم و لو اتفق الفوات تحلل بعمرة و لم يعرض فيه المصنف حكم من تحلل اختيارا و انكشف العدو. هنا بحث: و هو هل جواز التحلل للظان حكم ظاهري أم واقعي؟ و تظهر الثمرة إن قلنا أنه حكم ظاهري إذا المصدود لو غلب على ظنه انكشاف العدو و تحلل و لكن مع ذلك يكون محرما فعليه إتيان مناسكه بعد انكشاف الخلاف، لذهاب الأصحاب رضوان الله عليهم إلى أن الحكم الظاهري حجة ما لم ينكشف خلافه، فإذا انكشف خلافه لا يكون حجة، و أما إن قلنا إنه حكم واقعي فهو حل واقعا و لو انكشف الخلاف، فإذن يحرم ثانيا بإحرام الحج من ميقاته أو بإحرام العمرة من ميقاتها هذا. و لكن ما استفاد العلماء من مجموع الأدلة أن حكم الإحلال حكم واقعي لا ظاهري.

فائدة:

إن قلنا بعدم شمول الأدلة مورد الظن و الرجاء بانكشاف العدو لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ «1» يمكن القول بانصراف الآية إلى القدر

المتيقن منها و هو مورد اليقين بعدم انكشاف العدو إلى فوات الوقت، و أما إن قلنا بشمولها لموردهما أيضا فالمتجه تسوية الكل في الحكم أي جواز التحلل إلا مورد العلم بانكشاف العدو قبل فوات الوقت. قال المحقق صاحب الشرائع:

الفرع الرابع:

لو أفسد حجه و تصويره كما لو جامع امرأته التي كانت تحت يده قبل الوقوفين فصد كان عليه بدنة للإفساد و دم التحلل للصد و الحج من قابل للإفساد، و تلخص مما تقدم إن أفسد حجه فعليه الإتمام لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ «2» الذي لا يمكن القول بالتفصيل بين الحج الفاسد و الصحيح، لأن الإتمام الذي أمر به سبحانه و تعالى في كتابه عام يشمل كلا الموردين، نعم إن أفسد حجه فصد فعليه التحلل. لا يقال أدلة الصد لا تشمل الفرض المذكور. لأنا قلنا عموم الأدلة و إطلاقها رافع لاحتمال اختصاص الصد بالحج الصحيح. و اختلف كلمات الأصحاب رضوان الله عليهم في الحج القابل، ذهب بعض و منهم صاحب الجواهر إلى أنه إن كانت الحجة التي أفسدها حجة الإسلام و الثانية عقوبة فعليه إتمام الحجة في عامه، و الحج في القابل مطلقا، سواء كانت الحجة التي أفسدها واجبا أو مندوبا، هذا فيما إذا أفسد و لم يصد، و أما إن صد بعد إفساده فلم يكف الحج الواحد أيضا إذا لم يأت بشي ء مما عليه من العقوبة و حجة الإسلام فقد وجبا عليه، لان المفروض تحلله بالصد، و إن قلنا إن الاولى عقوبة كان المتجه وجوب حجة واحدة كما عن المبسوط و الإيضاح و غيرهما، للأصل بعد كون المعلوم وجوبه عليه عقوبة إتمام ما أفسده، و الفرض سقوطه عنه بالصد فليس عليه إلا حجة

الإسلام، بعد أن لم يكن دليل على قضاء حجة العقوبة، و أما المصنف حيث أطلق الكلام في المتن فقال المحقق صاحب الشرائع: و الحج من قابل و ادعى صاحب الجواهر تبعية المصنف القول الأول و هذا نص عبارته في حق الماتن: إلا أن ظاهر المصنف كون الأولى حجة الإسلام و الثانية عقوبة، و لذا أطلق وجوبها عليه. و عن صاحب الجواهر، و لعله لانه حج واجب قد صد عنه، وكل حج واجب قد صد عنه يجب عليه قضاؤه، و لما تسمعه فيما يأتي إنشاء الله من الخبر «3» الدال صريحا على أن الاولى حجة الإسلام و الثانية عقوبة. و عن الأستاد حفظه الله أولا: بعد وجود الدليل الدال على أن الاولى منهما حجة الإسلام و الثانية عقوبة لانحتاج إلى التعليل. ثانيا: إن كان المأمور به كليا و أراد المأمور إيجاده في الخارج في ضمن الفرد، إن كان قادرا على إتمامه فعليه الإتمام، و يسقط عنه الكلي الذي أمر به سبحانه و تعالى في كتابه العزيز، و إذا قام على إيفاء وظيفته و طرء المانع عليه يسقط عنه وجوب الإتمام، و لكن لم يسقط عنه أصل التكليف لانه باق إلى أن يأتي، و كذلك الحج في مثل البحث فإن صد في عامه لم يسقط عنه أصل التكليف، و إن سقط وجوب الإتمام عنه، و لأجل ذلك فعليه الحج من قابل، و عن صاحب الجواهر:

الإحصار و الصد، ص: 23

و على كل حال فبناء على وجوب الحج تين عليه ينبغي تأخرها حينئذ عن حجة الإسلام لتقدم وجوبها، بل عن الإيضاح الإجماع عليه. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بالإجماع فما اختاره صاحب الجواهر حق، و إلا فلا

يمكن القول بالترتيب عموما، نعم في بعض الأحيان للترتيب ثمرة كما عن صاحب العروة في قضاء رمضان. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو انكشف العدو في وقت يتسع لاستيناف القضاء وجب و عن صاحب الجواهر وجب القضاء في عامه إن كان واجبا من أصله، ضرورة تناول الخطابات له مع فرض بقاء الوقت، و عن الأستاد دام عزه قلنا إن الإحلال حكم واقعي و لا بأس به و إن أعاد الإحرام بعد انكشاف العدو. و قيد صاحب الجواهر وجوب الاستيناف بالوجوب، و قال إن كان الحج واجبا وجب عليه القضاء و مفهومه إن لم يكن واجبا لم يكن عليه وجوب القضاء، مع أن المصنف حكم بوجوب القضاء مطلقا، و مؤيد ما ذهب إليه الماتن قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ. قال المحقق صاحب الشرائع: و هو حج يقضى بل عن المبسوط و السرائر و المنتهى إنه ليس في غير هذه الصورة حج فاسد يقضى لسنته و عن الأستاد دام عزه للقضاء معان متفاوتة، يختلف على حسب موارده عند القوم، فتارة يطلق القضاء على شي ء و يراد به إتيان الفعل في الخارج، كقوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ «1» أي أتيتم، و أخرى يطلق القضاء و يراد منه تدارك ما فات عنه و هذا كقوله عليه السلام اقض ما فات كما فات أي تدارك الذي فات عنك، و لأجل ذلك وقع الخلاف بينهم، فإن كانت الوقت باقية هو حج يؤتى به في سنته، فلا يصدق عليه القضاء في تلك السنة. نعم إن أحرم يسقط عنه لقوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «2» كالمسافر و الحاضر و لذا يدخل في عموم قوله

تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ «3»، فيكون الموضوع اثنين قبل التلبس و بعده، ففي الأول الأول، و في الثاني الثاني، فإن أفسد حجه و صد فعليه الحج من قابل، و إن انكشف العدو و كان الوقت باقيا فصدق القضاء عليه أي الإتيان في عامه يكون بدليل خارج، فلا يصدق على ما أتاه القضاء بل هو أداء لأنه وقع في عامة. و لا يرد إشكال اثنينية الموضوع لانه موضوع واحد. نعم يمكن القول بالقضاء على هذا الفرض مسامحة و أنى بإثبات هذا. و لأجل ذلك يقول صاحب الجواهر ناقلا عن الأصحاب، نعم الظاهر إرادة التدارك من القضاء في هذه السنة، ضرورة كونها حجة الإسلام، و هذا العام عامها، لا أنها قضاء فيه، فإذن لا يبقى في ذمته حجة العقوبة أيضا، خلافا لما ذهب إليه الماتن من أن حج العقوبة عليه باقية في القابل، و تبعه صاحب الجواهر. و عن صاحب الجواهر: هذا كله في حج الإسلام المستقر أو المستمر، أما إذا كان مندوبا و قد أفسده ثم صد و تحلل ثم

الإحصار و الصد، ص: 24

انكشف العدو قضى ايضا واجبا و يكون حكمه كالحج الواجب أم فيهما خلاف. و عن الأستاد دام عزه: هنا بحث: الجهة الاولى في حكم الحج الندبي و هو إن قلنا أن الثانية عقوبة، و الحج و إن كان مندوبا إلا أنه بعد أن أفسد و صد و تحلل و انكشف العدو لا بد و أن يقضي واجبا فعليه الحج من قابل عقوبة، و لذا أطلق المصنف. قال المحقق صاحب الشرائع: و على ما قلناه فحجة العقوبة باقية و أما إن قلنا أن الاولى عقوبة و الحج مندوب يتجه له القضاء

حينئذ، بمعنى أنه يتدارك عن الفاسد مع فرض سعة الوقت، و كونه حجا يقضي لسنته، ضرورة عدم وجوبه عليه في القابل لو كان غير حج الإسلام، و قد تداركه في تلك السنة. و عن الجواهر: و على كل حال فمما ذكرناه يظهر لك النظر فيما في التنقيح حيث قال: إذا أعتق العبد في الحج الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حج الإسلام، و لو كان العتق بعد الوقوف و قلنا الاولى فرضه لم يجزه، و يجب حج الإسلام بعد حج القضاء، و إن قلنا أنها العقوبة أجزأ القضاء عن حجة الإسلام لصدق عتقه قبل الوقوف انتهى كلام التنقيح إذ فيه أولا ما لا يخفى عليك بعد ما عرفت من الإجماع على وجوب تأخير حج القضاء عن حج الإسلام. و عن الأستاد: ما تمسك به الجواهر ردا لما اختاره التنقيح غير صحيح، و لو قلنا بتقدم السبب، لأن في الفرض المذكور سبب قضاء الحج مقدم على حج الإسلام لتقدم سببه، لان العبد في حال العبودية لا يجب عليه حج الإسلام، و إن أجاز له المولى بعد أن أفسد و أعتق و استطاع فالقضاء مقدم على حج الإسلام لتقدم سببه. و عن الجواهر: و ثانيا ما في قوله: أي التنقيح: و إن قلنا إنها العقوبة إلى آخره كأن مراده على الظاهر كون عتقه قد حصل قبل وقوف القضاء، و قد قلنا إن الثانية هي حجة الإسلام، و هو قد أعتق قبل وقوف حجة الإسلام فيجزيه لعموم قولهم عليهم السلام «1»: إذا أعتق العبد قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام و فيه إن القضاء إنما يجزي عن حجة الإسلام على القولين في موضع لو سلم من الإفساد

لأجزأ عن حج الإسلام، و في الفرض لو سلم عن الإفساد لم يجز عن حج الإسلام، لكون المفروض وقوع العتق بعد الموقفين، و لأن القضاء قد صار عليه بسبب الإفساد، فلا يجزي عن حج الإسلام الذي لا يجزي عنه الفاسد على تقدير عدم فساده. و عن الأستاد: إن قلنا إن الذي يدل على إيجاب القضاء هي الرواية لا عموم: و لله على الناس. «2» فيجب عليه حج الإسلام بعد حج القضاء، و إن لم نقل به، بل قلنا إن الذي يدل على إيجاب القضاء أيضا هي الآية و لله على الناس. أجزأه القضاء عن حج الإسلام و لو لم يكن قد تحلل مضى في فاسده و قضاه في القابل قال المحقق صاحب الشرائع:

الفرع الخامس

لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب سواء غلب على الظن السلامة أو العطب.

الإحصار و الصد، ص: 25

و عن الأستاد: البحث فيه من جهتين، الجهة الاولى: عبارة عن تعيين حدود مقدمة الواجب واجب. الجهة الثانية: تعيين موضع صدق الصد، و مع الإغماض عن هاتين الجهتين إن سد طريق المسلمين و لم يكن طريق إلى مكة فهل يجب الدفاع أم لا؟. و عن صاحب الشرائع: لم يجب، و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك الاتفاق عليه، و في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و لعله للأصل السالم عن معارضة باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا و مشقة و نحوهما مما تسقط بمثله كما في غير المقام. و عن الأستاد دام عزه: إن قلنا وجوب دفع العدو يكون من باب مقدمة الواجب و رفعناه بلا حرج و غيره فلا نحتاج إلى الأصل، إلا أن يقال أن مراده

رحمه الله من الأصل اللاحرج و غيره. و عن المنتهى: إن كان مسلما و في قتالهم مخاطرة النفس و المال و قتل المسلم فالأولى تركه، و في محكي المبسوط الأعداء إن كانوا مسلمين فالأولى ترك القتال إلا أن يدعوه الامام عليه السلام أو نائبه إلى القتال فيجوز، لأنهم تعدوا على المسلمين بمنع الطريق، فأشبهوا سائر قطاع الطريق، و إن كانوا مشركين لم يجب أيضا قتالهم لأنه إنما يجب للدفع عن النفس، أو الدعوة للإسلام، و إذا لم يجب فلا يجوز أيضا سواء كانوا قليلين أو كثيرين، و المسلمون أكثر أو أقل، مع أنه قال في المسلمين: إن الاولى ترك قتالهم، و هو مشعر بالجواز، و من هنا قال في المسالك الظاهر إرادته التحريم لأنه أولى، و تعليله بإذن الإمام عليه السلام يدل عليه. و عن الجواهر: و لكن فيه المنع من اشتراط إذن الامام في ذلك، ضرورة كونه من الدفاع إذا كان قد أراد السير في الطريق المباح فمنعه، أو من النهي عن المنكر، و لذا صرح الفاضل و الشهيد بالجواز في الكفار إذا ظن الظفر بهم. و عن الأستاد أدام الله ظله: إن قلنا إن النهي عن المنكر واجب و لا يتوقف إلى إذن الامام و إن ينته إلى المقاتلة فلا يمكن رفعه بدليل الحرج، لانه الحكم في مورد الحرج، و لا يمكن رفع الشي ء بنفسه، و اختار بعض هذا القول و منهم الفاضل حيث عبر بالجواز. و إن قلنا هو واجب من غير حاجة إلى إذن الامام عليه السلام إن لم ينته إلى المقاتلة، يمكن رفعه بلا حرج، و ذهب بعض إلى هذا القول و منهم الشيخ في المبسوط. و عن الأستاد أدام

الله ظله: إن قلنا بوجوب النهي عن المنكر فما ذهب إليه الفاضل و الشهيد من الجواز خلاف، و استشكله في المسالك بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال و الحرج على إذن الامام، إلى هنا تنتهي كلمات الأصحاب و لقد تعرضناها مستوفاة مع الغمض عن مقدمة الواجب واجب. و أما إن يصدق على الممنوع بالعدو المصدود فلا يبقى في البين واجب لكي يبحث عن وجوب مقدمته، نعم بناء على ما سلكناه من أن الأمر في الآية فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «1» واقع موقع توهم الحظر كان يجوز لها التحلل كما يجوز له الإتمام إن كان قادرا على دفع العدو و رفع المانع.

الإحصار و الصد، ص: 26

و ملخص الكلام إن قلنا بحرمة المقاتلة مع المسلم و الكافر، فالممنوع و إن وجد له طريق غصبي لا مانع له من إدامة الطريق إلا من هذه الجهة فله إدامة السير، إلا أن الممنوع يصدق عليه أنه المصدود قبل رفع المانع، و أما إن لم نقل بحرمة المقاتلة معهم، بل قلنا بالجواز، فيمكن البحث من أنه هل يصدق عليه الصد و عدمه، فتارة دفع العدو لا يكون فيه معونة أصلا بل بصرف الحركة و التهيؤ يندفع، فإذن دفعه واجب، و أخرى لا يمكن دفعه بأدنى الحركة و التصميم، بل للمصدود لزوم الإحلال و إيقاع نفسه في المعركة، فما ذهب إلى الجواز يرى أولوية المحاربة معهم من باب مقدمة الواجب واجب. و من لم يذهب إلى الجواز يرى الإحلال و ترك المقاتلة، و لقد أجاد صاحب الجواهر و تذكر ما لم يتذكر المصنف حيث قال: و لو بدأ العدو بالقتال فإن اضطر إلى الدفاع وجب، و كان جهادا واجبا من غير

حاجة إلى إذن الامام عليه السلام. و عن الأستاد أدام الله ظله: إن لم يقدر على المصالحة و المواساة و لا على الفرار فالقتال واجب، و لا يكون في ذلك فرق بين الظن بالسلامة و عدمها. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو طلب مالا لم يجب بذله و عن المسالك: إن لم يكونوا موثوقين بل و إن بذلوه منعوا بعد أن أخذوه لم يجب عليه إتمام الحج و له التحلل. و عن الأستاد أدام الله ظله: فتارة لم يكن متمكنا من بذل المال فإذن يصدق عليه أنه المصدود، و لذلك له التحلل، و له الصبر حتى يحل بعمرة، و أخرى له التمكن من أداء المال و رفع المانع. و عن صاحب الشرائع عدم وجوب بذل المال له و لو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا و لذلك لا يجوز له التحلل، بل يجب عليه أداء المال و إتمام الحج. و عن الأستاد أدام الله ظله: و في كلام الماتن نظر، إذ قد سمعت منه ما ذكره سابقا من وجوب التحمل مع التمكن، و إن سده العدو قبل التلبس بالحج، و لم يقيد بأن لا يكون ما طلب مجحفا، بخلاف ما في هنا حيث قال: عليه وجوب الأداء إذا كان غير مجحف، و من هنا قال في المسالك و المدارك: كان حقه التسوية بين المقامين أو عكس الحكم و هو قبل التلبس يجب عليه إن كان غير مجحف، و بعده يجب مع التمكن و لو كان مجحفا. و عن صاحب الجواهر: و إن كان فيه أن الظاهر إرادته عدم الإجحاف من التمكن في السابق، ضرورة كون المناسب لسقوط باب المقدمة بقاعدة نفي العسر و

الحرج، و غيرها. و عن الأستاد حفظه الله: أي القولين من الماتن أوفق بالقواعد؟ و لقد أفاد في ضمن البحث حفظه الله و قال: و ما اختاره المصنف أوفق، حيث قال: قبل التلبس لم يصدق عليه قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «1»، ما دام لم يقدر على تحصيل ما يحتاج إليه في السفر من الزاد و الراحلة، و لذلك قيد الماتن رحمه الله عليه بذله إن لم يكن مجحفا، و أما إذا تلبس و طلب مالا فيجب له بذله لأن إيجاب إتمام التكليف و هو قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ «2» يقتضي ذلك، نعم

الإحصار و الصد، ص: 27

يجب عليه على حسب ما كلف، بمعنى أن إيجاب دفعه عليه منوط بعدم كونه زائدا على مقدار المتعارف و إلا يمكن رفعه فيأتي الحرج و الضرر و أشباههما، و لذلك قال الأستاد دام عزه: التعبير بليس بجيد منهما ردا على المصنف لا يكون بصحيح. و أفاد صاحب الجواهر حين الشرح تسوية قول الماتن و المسالك و المدارك حتى يرفع النزاع من رأسه، حيث قال: بل قد سمعت ما ذكره المصنف سابقا من وجوب التحمل مع التمكن قبل التلبس بالحج فضلا عن الفرض المأمور فيه بإتمام الحج و العمرة هذا كله في المصدود. قال المحقق صاحب الشرائع:

[في أحكام المحصور]

و أما المحصر اسم مفعول من أحصره المرض إذا منعه من التصرف، أو المنع عن الوصول إلى مكة أو إتمام حجه، واصلة من باب الأفعال، و يقول للمحبوس: حصر بغير همز فهو محصور، و على كل حال فهو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين على حسب ما سمعته في المصدود. قال المحقق صاحب الشرائع:

إذا تلبس هذا بالإحرام لحج أو عمرة تمتع أو مفردة ثم أحصر كان عليه أن يبعث ما ساقه إن كان قد ساق و لو لم يسق بعث هديا أو ثمنه، و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله و هو منى إن كان حاجا، و مكة إن كان معتمرا. و فصل المصنف رحمه الله بين الصد و الإحصار و قال: بلوغ الهدي محل الصد و أما الحصر بلوغه في الحرم، نعم ما سمعته من البحث في الاجتزاء في التحلل بالهدي المسوق في المصدود يجري هنا، و كذا الكلام في اعتبار النية و عدمها، و إنما الخلاف في البعث و عدمه، و كيف كان فالحصر و الصد يشتركان في أصل ثبوت التحلل عند المنع من إكمال النسك في الجملة، و يفترقان في أمور تعرفها في تضاعيف الباب و ما اختاره الماتن في المحصور و هو بلوغ هديه بمنى إن كان حاجا، و مكة إن كان معتمرا، موافق للمحكي عن ابن بابويه و الشيخ و أبي الصلاح و بني حمزة و البراج و إدريس و الدراج، بل حكى غير واحد عليه الشهرة، نعم عن الأكثر تقييد مكة بفناء الكعبة، و ابن حمزة بالجزورة، و عن الراوندي في فقه القرآن تخصيص مكة بالعمرة المفردة، و جعل منى محل المتمتع بها كالحج، و سلار ففصل بين التطوع و حجة الإسلام، ففي الأول يذبح الهدي حيث أحصر، و عن المقنع: و المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه «1». و عن المسالك كان الاولى للمصنف ترك ذكر المحل، لان كل موضع يذبح فيه الهدي أو ينحر فهو محله، سواء كان أحد الموضعين المذكورين أو محل الصد كما يقتضيه

تفسير الآية عندنا، فإنها شاملة للمصدود و المحصور و إن عبر فيها بلفظ المحصر، فيراد حينئذ بالمحل الأعم، و ليس في ذكره فيها ما يفيد الاختصاص بالموضعين بل هو حكم مشترك بين المحصور و المصدود، و إنما تمتازان بمكان الذبح و هو أحد الموضعين في المحصر، و موضع الصد في المصدود. و استدل للمشهور بأن المراد من الآية فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ «2» من أحصره المرض أو الخوف، أو المتيقن منها المريض الذي

الإحصار و الصد، ص: 28

منع عن الوصول إلى مكة، أو عن إتمام نسكه، و عن مجمع البيان ما ملخصه وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «1» أي لا تحلوا من إحرامكم حتى يبلغ الهدي محله فينحر أو يذبح. و اختلف العامة في محل الهدي على قولين: الأول أنه الحرم، الثاني الموضع الذي يصد فيه. و أما على مذهبنا فالأول حكم الحصر بالمرض، و الثاني حكم المحصور بالعدو. و إن قلت: مقتضى قوله تعالى حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ تارة يمكن و أن يقول فيه إذا أحصر يبعث بهديه و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، و أخرى عدم وجوب البعث عليه بل ينحر أو يذبح حيث أحصر و لا يحتاج إلى قوله تعالى حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و يمكن أن يؤيد القول الثاني بما في المدارك حيث قال في تفسير الآية حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ يحتمل أن يكون معناها حتى تنحروا هديكم حيث حبستم كما هو المنقول عن حمران «2» عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر، ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك،

فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير. فكما أن الآية لا اختصاص لها بالصد بل هي أعم منه و من المحصور، فكذلك لا يكون فيها الاختصاص بالموضعين بل أعم منهما و من المكان الذي أحصر فيه. قلت: هذا خلاف ما استظهرناه و ما ذهب إليه المشهور من أن المصدود يذبح حيث صد، و المحصور يبعث بهديه و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله و هو منى إن كان حاجا، و مكة إن كان معتمرا. و عن صاحب الجواهر: و يدفع ما عن المدارك ظاهر النصوص الواردة. منها «3» الخبر المشتمل على احتجاج الرسول صلى الله عليه و آله بالآية على عدم جواز الإحلال حتى يبلغ الهدي محله: منى. منها عن أبان، عن زرارة «4» عن أبي جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد، و يرجع صاحبه فيأتي النساء و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شي ء و ليمسك الان عن النساء إذا بعث. بل و صحيحة معاوية بن عمار «5» قال: سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد أصحابه ميعادا، فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، و إذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة

الإحصار و الصد، ص: 29

قصر و أحل، و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله

رجع و نحر بدنة إن أقام مكانه، و إن كان في عمرة فإذا برء فعليه العمرة واجبة، و إن كان عليه الحج فيرجع إلى أهله و أقام ففاته الحج و كان عليه الحج من قابل فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا .. إن قلت: كيف يمكن الجمع بين قوله عليه السلام محل الهدي يوم النحر و بين و نحر بدنة قلت: يمكن أن يقال: بحمل الصدر على عدم إرادة الرجوع إلى أهله، و لأجل ذلك قيد الامام عليه السلام في الذيل إن أراد الرجوع و لذلك لا يكون في جملة و نحر بدنة دلالة على أن المحصور ينحر مكانه إذا أحصر، بل للمحصور أن يبعث هديه. و أما قضية إرجاع الدراهم فظاهر في عدم وجود ما ينحر، و لذا قال عليه السلام: فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و لكن يبعث من قابل. و يمكن أن يكون مراده عليه السلام: و نحر بدنة يعني عليه ما عليه في مكة أو منى، و لكن الان في إيجاد سبب النحر و هو الدراهم. و يضعف هذا الاحتمال بما في الذيل و هو قوله عليه السلام: فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها لصراحته على عدم لزوم بعث الهدي إلى محله، نعم قد يعارض ذلك ما في ذيل صحيح ابن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الحسين عليه السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه السلام ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في السقيا و هو مريض، فقال يا بني

ما تشتكي؟ قال: أشتكى رأسي، فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه، و رده إلى المدينة، فلما برأ من وجعه اعتمر، فقلت: أ رأيت حين برء من وجعه أحل له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال النبي صلى الله عليه و آله حين رجع إلى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي صلى الله عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السلام محصورا. إن قلت: ذيلها تعارض صدرها من ناحية مكان النحر، قلت: أولا إن القضية المسؤولة عنها لا تكون بكلية بل قضية شخصية في واقعة، و قد سئلها الراوي بعد فرضه مورد المسؤول عنه مريضا عن صحة إرسال هديه و عدمها، و أجاب الامام عليه السلام بقوله: فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر. الثاني: يمكن حمل الصدر على من أرسله هديا لان المصدود و المحصور جائزان لهما إرسال هديهما إلى مكة لأن الأمر في مقام توهم الحظر أي المنع. الثالث: فإذا حملنا الصدر على عدم لزوم البعث فمقتضى الذيل الذي يقول فيها (و نحرها) لا يكون فيها بأس أصلا. و فيها جهات من النظر أيضا، الأولى قوله عليه السلام فلما برء من وجعه اعتمر شاهد لاحصاره و مع ذلك نحر بدنته في المكان الذي أحصره المرض فيه.

الإحصار و الصد، ص: 30

الثانية: و المناقشة باحتمال أن لا يكون محرما عليه السلام واضحة الضعف لان السقيا هي البئر التي كان النبي صلى الله عليه و آله يستعذب مائها فيستقى له منها، و اسم أرضها الفلجان لا السقيا التي يقال بينها و بين

المدينة يومان. الثالث: لا ينبغي القول بعدم مرضه عليه السلام و عن الجواهر: و ما في المدارك من عدم صلاحية هذه الرواية للمعارضة ليس بجيد. و ملخص ما حققناه تعارض الصدر مع الذيل و لكن في الباب روايات أخرى فيها دلالة على المطلوب. منها عن أبان، عن زرارة «1»، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المصدود يذبح حيث صد، و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الان عن النساء إذا بعث. منها صحيحة أو موثقة عن زرعة «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل أحصر في الحج قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله و محله منى يوم النحر إذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى. و في قوله عليه السلام" فليبعث بهديه" دلالة على وجوب البعث للمحصور. منها صحيحة زرارة «3» عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق و وجد في نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، و لينحر هديه، و لا شي ء عليه و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل و العمرة،

قلت: فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه إن كانت حجة الإسلام، و يعتمر إنما هو شي ء عليه. منها صحيح محمد بن مسلم «4»، عن أبي جعفر عليه السلام و عن فضالة و عن ابن أبي عمير، عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام إنهما قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني، قال: يبعث بهديه، قلنا: هل يتمتع في قابل؟ قال: لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج منه. و فيها يبعث بهديه «5» صريح في لزوم الإرسال للمحصور و لكن لا مطلقا بل للقارن الإرسال إلى مكة أو منى. منها: عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل ساق الهدي ثم أحصر، قال: يبعث بهديه قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه.

الإحصار و الصد، ص: 31

منها، عن رفاعة «1»، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت له: رجل ساق الهدي، ثم أحصر قال: يبعث بهديه. و يظهر لك من مجموع هذه النصوص مع ما في بعضها الإطلاق و في بعض آخر خصوص القارن لزوم بعث الهدي للمحصور إلى مكة أو منى و مما حققناه يظهر لك بالتأمل أيضا معارضة هذه الروايات مع ما في ذيل رواية ابن عمار «2». نعم إن قلنا بمقالة المشهور و منهم صاحب الجواهر رحمه الله كما هو الحق و التحقيق، فيمكن حمل ذيل صحيحة ابن عمار «3» السابق على الضرورة فإذن للمحصور البعث إلى مكة أو منى إلا في حال الضرورة فيذبح في مكان الحصر، فلا يصح القول لرفع التغاير

و التنافي بالفرق بين السائق هديه و عدمه فالأول يبعث، و الثاني عدم لزوم البعث فيذبح في مكان الحصر، و لا يصح القول أيضا لرفع التعارض و التنافي بالفرق بين حجة الإسلام و حج المندوب، ففي الأول لزوم البعث بخلاف الثاني فيذبح في مكان الحصر. كما يظهر لك من رواية المفيد في المقنعة «4» قال: قال عليه السلام المحصور بالمرض، إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، ثم يحل و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان حجة الإسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و قد أحل مما كان أحرم منه فإن شاء حج من قابل، و إن شاء لا يجب عليه الحج، و المصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه بمكانه، و يقصر من شعر رأسه و يحل و ليس عليه اجتناب النساء سواء كانت حجته فريضة أو سنة إن قلنا إن منتهى قوله عليه السلام فيها إلى هذا و الباقي من المفيد. و لا يصح أيضا لرفع التعارض و التنافي القول بالتخيير بين البعث و عدمه مطلقا كما اختاره ابن الجنيد و ذهب إليه صاحب الحدائق و المستند و صاحب المدارك حيث إن المدارك بعد نقل قوله عليه السلام (فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر). قال: و المسألة لا تكون إجماعيا حتى يجب للمحصور البعث، فإذا كان كذلك له الإرسال و له الذبح في مكان الحصر، و من أجل ذلك يقول: إن البعث كان قبل إحصاره. و عن الأستاد دام عزه: و فيه أولا إن كان مراده إن البعث كان قبل إحصاره بمعنى بعث هديا بعد ما كان مريضا و لم يكن محرما

بعيد جدا كما أن تقديم البعث استحبابا قبل إحصاره مشكل جدا. و احتمال (أخرج) مكان (أحرم) مردود كما يرده ما عن المجلسي في مرآة العقول: من أن كلمة (أخرج) تصحيف لا أصل لها بل الصحيح هو (أحرم) و من الأدلة التي

الإحصار و الصد، ص: 32

تمسك بها صاحب المدارك لإثبات قوله أيضا ما رواه الصدوق في المقنع «1» مرسلا مثله ثم قال: و المحصور و المضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه، و قد فعل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذلك يوم الحديبية حين رد المشركون بدنته، و أبوا أن يبلغ المنحر فأمر بها فنحرت مكانه. و عن الأستاد دام بقاؤه: هل المضطر فيما نحن فيه هو الذي لا يتمكن من إرسال هديه إلى محله، أو الذي له أن يحل قبل بلوغ هديه. و بعبارة أخرى: تارة يصدق على المحصور الاضطرار من حيث منعه من إرسال هديه، و أخرى من جهة عدم قدرته على بقاء إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله لانه اشتد عليه مرضه، و ثالثة يصدق عليه المضطر من كلتا الجهتين فيرجع التعارض و التغاير بين الروايات الواردة في هذا الباب و لكن الإنصاف عدم مقاومة هذه النصوص مع العمومات الواردة في لزوم البعث إلى مكة أو منى، فيسقط ما تمسك به المدارك عن الاعتبار رأسا، نعم المتيقن منها خروج حال الاضطرار عنها و يبقى الباقي تحت العام. و عن الشهيد: و ربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضر به التأخير، و هو في موضع المنع لجواز التعجيل مع البعث يعنى تعجيل الإحلال قبل بلوغ الهدي محله، و خالف الدروس و قال: كلام الشهيد موضع منع لأن في

تأخير الإحلال ضرر، لا في إرسال الهدى فإذن يبعث بهديه و يحل قبل وصوله إلى محله. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا إن المستفاد من النصوص الواردة في الباب توقف الإحلال على وصول الهدي إلى محله فلا يجوز له الإحلال قبل بلوغ هديه. فكأنما الدروس يقول: للمحصور واجبان أحدهما هو البعث، و الثاني: عدم الإحلال إلى أن يبلغ الهدي محله فإذا لم يتمكن من إيجاد أحد الواجبين و هو البقاء على الإحرام حتى يصل هديه إلى محله، لا بد و أن لا يترك الثاني و هو البعث فإذن يبعث بهديه و لكن يحل قبل وصول هديه. و عن الأستاد حفظه الله: ما اختاره الدروس صحيح إن قلنا بعدم تقييد الإحلال إلى بلوغ الهدي محله و أما إن قلنا به فلا يجوز له الإحلال قبل بلوغ هديه. و عن صاحب الجواهر: إن النصوص التي استفدنا منها و هي مرسلة المفيد و قصة الامام عليه السلام بعضها ظاهر في أن المحصور حال الاضطرار أو الضرر له أن يذبح في المكان الذي اضطر فيه و يحل، لا أنه يبعث و يحل قبل بلوغ هديه إلى محله. و عن الأستاد دام ظله: يظهر من كلام صاحب الجواهر أولا: تعين الذبح للمضطر في مكان الإحصار و الإحلال بعده، ثانيا: تمسك هو لإثبات قوله و هو تعين الذبح. بقوله عليه السلام الذي يصرح عليه السلام فيها: المضطر له الذبح في مكان الإحصار و الإحلال بعده. و لكن بعد ذلك كله قال: اللهم إلا أن يحمل على إرادة أن المحصور قبل بلوغ

الإحصار و الصد، ص: 33

الهدي محله إذا احتاج إلى حلق رأسه لأذى به، ساغ له ذلك، و واجب عليه

الفداء كما عن المنتهى، مستدلا عليه بالخبر المزبور، و حينئذ يكون الذبح كفارة لا أنه للتحلل، فإذن يطابق قول المشهور و هو توقف الإحلال على البعث و بلوغه إلى محله. و عن الأستاد حفظه الله: ظاهر النص خلاف ما اختاره المنتهى، لان النص صريح في جواز الذبح في مكان الاضطرار فيمن لا يتمكن من البعث. هذا كله في مكان الذبح. و أما الكلام في زمان الهدي ففي رواية ابن عمار «1» و قصة الامام الحسين عليه السلام يصرح فيهما زمان ذبح الهدي يوم النحر، و لكن عن القواعد و أيام التشريق لأن أيام التشريق كلها يوم النحر، و عن صاحب الجواهر كذلك، و لا يكون في هذا الحكم أيام التشريق كلها يوم النحر فرق بين الحاج و المحصور، فإن تعين زمان الهدي و مكانه في رواية أو غيرها يأخذ و يعمل بها و إن لم يتعين فينصرف إلى ما عين. و كيف كان قال المحقق صاحب الشرائع: فإذا بلغ قصر و أحل إلا من النساء خاصة حتى يحج من قابل إن كان واجبا، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا هذا حكم المحصور في الحج الواجب و المندوب، و أما حكم المصدود فقد سمعت ما ذكره المصنف سابقا حيث قال: فالمصدود إذا تلبس ثم صد تحلل من كل ما أحرم منه، هذا مما لا شك فيه و لا ريب فيه يعتريه، و إنما الكلام في كيفية حلية النساء بعد الحصر و هل يجب عليه في القابل طواف النساء خاصة، أم إتيان طواف الزيارة و السعي بين الصفا و المروة و ما يجب إتيانه في الحج؟ فظاهر عبارة الشرائع الثاني إن كان الحج واجبا، و

أما إن كان ندبا فيأتي طواف النساء بنفسه أو يطاف عنه، هذا كله في عالم الثبوت. و أما في عالم الإثبات فيكفي ذيل رواية محمد بن محمد المفيد في المقنعة «2» و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان حجة الإسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه، و قد أحل مما كان أحرم منه فإن شاء فيحج من قابل، و إن شاء فلا يجب عليه الحج. و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك إذ قد سمعت في صحيح معاوية بن عمار «3» المتقدم المشتمل على الفرق بين المصدود و المحصور بذلك، و صحيحة الآخر «4» المشتمل على إحصار الحسين عليه السلام مضافا إلى النصوص «5» المتقدمة فيمن نسي الطواف الدالة على جواز الاستنابة فيه و إن تمكن من الرجوع بنفسه كما مر الكلام فيه مفصلا.

الإحصار و الصد، ص: 34

و عن الأستاد دام عزه: و فيه إن كان قادرا على الرجوع و إتيانه بنفسه فلا يجوز أن يطاف عنه، نعم إن تعذر من الرجوع فعليه الاستنابة فيه.

تنبيه:

الأول هل يمكن إلحاق العامد و الجاهل بالناسي أم لا؟

الثاني: هل يمكن استفادة عموم النيابة من النصوص حتى يشمل العامد الذي ترك الطواف عمدا أم لا؟ و هل يجوز له النيابة بعد أن صار قادرا على إتيانه بنفسه؟

الثالث: هل يكون الفرق بين المعذور و غيره لان المعذور يجوز له أن يطاف بخلاف غيره، فلا بد في إثبات كل واحد من هذه الاحتمالات و نفيها من الرجوع إلى النصوص. منها صحيحة علي بن جعفر «1» عن أخيه قال: سألته عن من نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف

يصنع؟ قال: يبعث بهديه إن كان تركه في حج بعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و وكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه. و عن الأستاد دام إقباله: و المسؤول عنه و إن كان حكم نسيان طواف الفريضة إلا أن الشيخ حمله على طواف النساء بقرينة واقعة فيها و هي و واقع النساء و يمكن أن يكون أمر ما في أمر الإمام عليه السلام بالتوكيل للطواف للمعذور و غيره، و لقائل أن يقول أمره عليه السلام بالتوكيل للحرج و للمشقة. قلنا فالحرج و المشقة بمقدار المتعارف ملازم لكل تكليف كنفس الحج مثلا الذي لا يمكن منع الناس عنه بمجرد وجود المشقة و الحرج فيه. نعم إن زاد عن المقدار المتعارف فيمكن رفع التكليف بقاعدتي اللاحرج و اللاضرر و أمثالهما من رأسه. منها عن معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليه أو غيره، فأما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضى عنه، و إن نسي الجمار فليسا بسواء إن الرمي سنة، و الطواف فريضة. و عنه حفظه الله: و هل كلمة لا يصلح معناها الكراهة أم يكون بمعنى عدم الصحة، فإن قلنا هي حكم وضعي فهو في معنى عدم الصحة، و أما إذا استعمل في حكم تكليفي فتارة يستعمل في عدم الصحة، و أخرى في الكراهة و لا أقل يكون استعمالها فيها بمعنى عدم الصحة: أي لا يصح له مواقعة النساء إلا بعد إتيان طوافه مباشرة، نعم إن قلنا

بعدم ظهوره في عدم الصحة و الحرمة تصير النص مجملا من جهة لزوم المباشرة و عدمها. منها عن معاوية بن عمار «3» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: يرسل فيطاف عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه.

الإحصار و الصد، ص: 35

و عن الأستاد دام عزه: و قال عليه السلام فيها يرسل فيطاف عنه فاكتفى عليه السلام فيها في الحل بالاستنابة في طواف النساء خلافا لما قبلها حيث قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. و إن قلت إذا رجع إلى بيته فالرجوع إلى مكة ضرر قلنا بهذا العنوان لا يمكن إثبات العذر حتى يوكل غيره ليطاف عنه. و يمكن الجمع بينهما بأن يقال له الاستنابة أو الإرسال و إن كان إتيان الطواف بنفسه أولى. و عن الشيخ: حكمه عليه السلام فيها بالإرسال في فرض عدم قدرته إلى الرجوع بمكة و إتيانه بنفسه. منها عن معاوية بن عمار «1»، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فإن لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه. و فيه للشيخ شاهد جمع بين هاتين النصين و تأييد له فيهما كما نقلناه عنه قبل أسطر. نعم إن قلنا جملة (فإن لم يقدر يأمر من يطوف عنه) للإمام عليه السلام فظاهر في التقييد، و لكن من المعلوم هي من الراوي أضافها للسؤال عن حكمه، فإذن الأفضل له الإتيان بنفسه، فإن لم يقدر على إتيان الأفضل فله الاستنابة فيه. منها عن معاوية بن عمار، قال «2»: قلت لأبي عبد الله عليه

السلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره. و قال سيدنا الأستاد دام عزه: و في هذه الرواية مع ما قبلها موضع من البحث: الأول حكمه عليه السلام بالاكتفاء بالاستنابة عنه في مفروض المسألة بقوله عليه السلام (يأمر من يقضي عنه إن لم يحج) و التقييد بعدم القدرة في الرواية السابقة حيث قال (إن لم يقدر عليه يأمر من يطوف عنه) و نفى ذلك إن لم يذهب فيستنيب، و إذا ذهب اختيارا إلى مكة يأتي به و إلا يطاف عنه. الثاني: يفهم من (لا تحل له النساء حتى يزور البيت) و (يأمر من يقضي عنه إن لم يحج) توقف حلية النساء بأعم من المباشرة و الاستنابة. الثالث: ظهور قوله عليه السلام في (إن لم يحج) أقوى في الاختيار من ظهور قوله عليه السلام في جواب السائل حيث قال: (يأمر من يطوف عنه إن لم يقدر) في الاضطرار، و مما حررناه يظهر لك بالتأمل أني لم أكن بصدد إثبات كيفية الوجوب و هل هو تخييري كخصال الكفارات أم لا؟ بعد أن كان أعم من المباشرة و الاستنابة، و لأجل ذلك لا يكون فرق فيما حررناه بين القادر و عدمه، حيث أطلق القول، و قال: (لا تحل له النساء حتى يزور البيت).

الإحصار و الصد، ص: 36

منها عن الحلبي «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يرسل فيطاف عنه، و إن مات قبل أن يطاف عنه طاف عنه

وليه، قال: و سمعته يقول: من اعتمر من التنعيم قطع التلبية حين ينظر إلى المسجد. و ملخص القول في الجمع بين النصوص هو أن الناسي و إن كان قادرا على إتيان طواف النساء بنفسه و المباشرة في ذلك و لكن مضافا على هذا، له الاستنابة و الإرسال، و مع ذلك لا يمكن التعدي عن هذا الحكم إلى العامد و الجاهل و أمثالهما كالمحصور، على الخصوص بعد أن كان الواجب تعبديا. و عن صاحب المستمسك رحمه الله في دليل الناسك كلام حيث قال: و أما العامد و الجاهل فيتعين الرجوع فيهما إلى القواعد التي تقتضي وجوب المباشرة كما قيل، أو جواز الاستنابة كما هو التحقيق إلى أن يقوم الإجماع على خلاف ذلك. و ما اختاره رحمه الله ضعيف جدا بعد أن قلنا إن الطواف يكون واجبا تعبديا كالصلاة مثلا مع أن الإجماع على خلافه، و قد ظهر لك مما قدمناه: أن التفصيل بين الحج الواجب و المندوب و الحكم بإتيان طواف النساء بنفسه في الأول و جواز الاستنابة أو الإتيان بنفسه في الثاني مشكل. و إلى ما قلناه يرجع ما في المدارك فإنه بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيها إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه و لم يستدل عليه بشي ء، و استدل عليه جمع من المتأخرين بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء قال: و هو مشكل جدا لإطلاق قوله عليه السلام «2»: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة. و تبعه المحدث البحراني حيث قال: و ما اختاره القوم من التفصيل بين

الحج الواجب و المندوب فلا يمكن استظهاره من النصوص فإذن إما أن نأخذ بالإطلاق و نحكم بالتسوية بينهما و معنى ذلك عدم حلية النساء عليه إلا أن يأتي الطواف بنفسه واجبا كان الحج أو مندوبا، و إما أن نختار سقوط طواف النساء فيه بعد أن حملنا ما في النص هنا على الواجب فبناء على ذلك في الحج المندوب يذبح حيث أحصر، و لا يكون عليه أن يطوف، أو يطاف عنه طواف النساء و هو الأقوى، للأصل، و مرسل المفيد. و قال حفظه الله: إذا كان الشك في التكليف بعد الإحلال نشك في بقاء وجوب طواف النساء و عدمه عليه فما اختاره المحدث البحراني و هو تمسكه بالأصل الذي هي البراءة حق إن لم نقل بشمول الإطلاق لكلا قسمي الحج و كذا الاخبار إلا أن المفيد قد تعرض لحكم حج التطوع، فإذن مقتضى القاعدة عند الشك في التكليف البراءة كما اختاره المحدث البحراني، إلا من ناحية حلية النساء لإبقاء حرمتهن عليه إذ لا يمكن الاتكال على البراءة حينئذ، لأن الاستصحاب حاكم عليها، و لذلك يستصحب بقاء حرمتهن عليه كما كانت قبل الإحلال، نعم إن قلنا بالإجماع فالتفصيل

الإحصار و الصد، ص: 37

صحيح، إلا أنه أولا دون إثباته خرط القتاد، ثانيا لم يقل به أحد غير العلامة في المنتهى. ثالثا تصريح الشرائع هنا يدل على أن الأصحاب لا اتفاق بينهم في ذلك، فإذن الحق ما عليه المشهور، و هو جواز الاستنابة فيه كما عن الجواهر ذلك أيضا، و لكن فيه إشكال من جهة أخرى و هو عدم وجود طواف النساء في الإطلاق و لا في النصوص بل يأمر فيها تارة في جواب السائل عليه الحج في القابل،

و أخرى يأمر فيها بالطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة، و لذلك إتيان طواف النساء من دون أن يضم إليه السعي بين الصفا و المروة مشكل، إلا أن يأتي في ضمن المناسك كلها، و عليه إن أحصر و بقي في مكة حتى تمضي أيام الحج لا يجوز له إتيان طواف النساء من دون أن يحج في القابل، بل لا بد من إتيانه في ضمن المناسك كلها إلا أن يقوم الإجماع على كفاية ذلك وحده، و إلى ما اخترناه يرجع ما عن الجواهر ردا على المحدث البحراني حيث قال: و لكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالإطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه، و المرسل بعد تسليم ظهوره في ذلك على وجه لا يقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه، و لقد أجاد دام عزه في بيان ما عن الجواهر و قال: قوله عليه السلام (لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة) عام و معنى ذلك أن الناسي عن الطواف لا يحل له النساء حتى يقضي المناسك كلها واجبا كان الحج أم مندوبا، و مرسل المفيد خاص حيث قال (تحل له النساء في الحج المندوب) فينحصر الطواف في الحج الواجب دون المندوب، و لذا ما اختاره المحدث البحراني من حمل النص هنا على الواجب يجري في ما فعله الامام الحسين عليه السلام أيضا و عليه يسقط حمل الإطلاقات على الحج المندوب لأنها تنصرف عنه. و عن العلامة فيما يحكى عنه إلحاق الواجب غير المستقر هنا بالمندوب في النيابة بل و الواجب المستقر مع عجزه عنه في القابل. و عن الأستاد دام عزه: إن قلنا بالاستنابة و ما يحكى عنه صحيح، و لكن ظهر

لك ما قدمناه من عدم جواز الاستنابة إلا في صورة النسيان إن لم يقدر على إتيانه و إلا فيأتي بنفسه أيضا، هذا و لكن عن صاحب الجواهر إشكال حيث قال: كل ذلك مع ضعف دلالة الصحيح المزبور على ذلك، لكونه في مقام بيان الفرق بين المصدود و المحصور، لا لبيان أجزاء الاستنابة و عدمها كما هو واضح. و فيه، و الصحيح و إن كان مهملا من جهة بيان إجزاء الاستنابة و عدمها، و لكن صريح من ناحية أخرى و هو حاكم و ذاك محكوم، و لم يقل أحد بالتعارض بينهما بل وظيفة الدليل الحاكم السعة في الموضوع، فعليه إن أمرنا بالتكليف و إيجاده في الخارج فهو أعم من المباشرة و الاستنابة. إن قيل و ما اختاره بعض العلماء من جواز النيابة فيه و في الواجب أعم من أن يكون قادرا عليه أم لم يكن قادرا خلاف ما قلت نعم لو كان قادرا على الإتيان به و الفرض استقرار وجوبه لا استمراره لم يتحلل إلا بالإتيان بالنسك، فلا يجديه الطواف فضلا عن الاستنابة فيه كما هو ظاهر الشرائع و المنتهى و المقنع و الإرشاد للأصل و ما سمعته من قول

الإحصار و الصد، ص: 38

الصادق عليه السلام «1» (لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة) الظاهر في الإتيان بالنسك كقوله عليه السلام في مرسل المفيد «2» (و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك). قلنا و إطلاق العبارة المزبورة و إن اقتضى جواز الاستنابة في الواجب مع القدرة إلا أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه، مضافا إلى الأصل و الصحيح «3» و غيره مع احتمال إرادتهم بالإطلاق المزبور أي يطوف أو

يطاف عنه- (يحج أو يحج عنه) التفريع و التخيير كتخيير المسافر في الكوفة بين القصر و الإتمام لا الاجزاء مطلقا و على كل حال، و ما نص عليه الإتيان بنفسه في ضمن النسك إن استقر وجوب الحج عليه، لان الطواف وحده لا يجديه فضلا عن الاستنابة. و إن قيل: مقتضى ما نقلت عن الفقيه و التحرير لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهن في قابل أو يطاف عنه و غيره الاجتزاء بالاستنابة من غير فرق بين الواجب و المندوب. قلنا: نعم إلا أنه مخالف للإجماع، و مما ذكرنا يظهر لك ما اختاره صاحب الجواهر، و هو اختصاص الواجب حينئذ بتوقف الإحلال منه على فعل النسك مع القدرة، و مع العجز أو الندب أو عدم استقرار الوجوب يكفي الحج عنه، و منه يعلم ما في احتمال مدافعة الإطلاق المزبور بما سمعته من الإجماع المنتهى على الفرق بين الواجب و المندوب، و من هنا قال بعض الناس: يتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح المقتضي، لعدم الاجتزاء بالاستنابة من غير فرق بين الواجب و المندوب، لكنه كما ترى، ضرورة إمكان كونه بعد التسليم خرقا للإجماع المركب، إذ الأصحاب بين مفصل بينه و بين الواجب بما عرفت، و بين مطلق بجوازها فيه و في الواجب، و بين قائل بالتحلل بالندب من غير توقف على شي ء كما عن المراسم و ظاهر المفيد أو محتمله، للمرسل الذي عرفته، لعدم وجود القائل في الإجماع المركب، و هو الإتيان في المندوب بنفسه. و عن الأستاد دام ظله: إن قلنا به فالقول بمساواة المندوب للواجب غير متين، بل يطاف عنه طواف النساء إن كان الحج تطوعا و يحج في القابل إن كان واجبا، و إن لم

نقل فالحكم ما عن المدارك و هو عدم الفرق في الواجب و المندوب و المستقر و غيره في الإتيان بنفسه. و عن صاحب الجواهر: ضرورة عدم المستند أي عدم معلومية مستند صحة النائب في الواجب و المندوب، و عدم معلومية ما قاله المفيد، و هو عدم لزوم الطواف في المندوب لانه من المرسلات فلا مناص حينئذ عن القول المشهور، و هو جواز الاستنابة في المندوب دون الواجب، بل يقوى إلحاق المستأجر و المتبرع عن الغير بذلك. فرع: و لو أحصر في عمرة التمتع فهل يتوقف حل النساء له على فعل المناسك كأقسام الحج و العمرة المفردة؟ أم تحلل

الإحصار و الصد، ص: 39

المحصور بعد التقصير؟ فإن قلنا مقتضى إطلاق قوله عليه السلام «1» لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة منصرف إلى ما لا يمكن الإحلال منه إلا بعد إتيان طواف النساء فالظاهر أن المحرم بإحرام التمتع حل له النساء، إذ حلية النساء فيها بالتقصير و لا يحتاج إلى الإحلال بإتيان طواف النساء، و إن قلنا بشموله لها فالظاهر لا يحللن له إلا بعد طواف النساء. و في الدروس: و لو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له، إذ لا طواف لأجل النساء فيها، و استحسنه بعض من تأخر عنه، بل استدل له بصحيح البزنطي «2» سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء، فقال من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم. و عن صاحب الجواهر: لكن فيه أنه مطلق شامل للعمرة المفردة و الحج بأقسامه و لا

قائل به حينئذ، و إخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالإجماع و إن أمكن جمعا بين الصحيح و الإجماع إلا أنه غير منحصر في ذلك. و فيه: توضيح الجمع و هو بحمل الأول على من لا يحللن له النساء إلا بعد إتيان طوافه. و الثاني على من لا يحتاج إليه و هو المحرم بإحرام التمتع إلا أن الشاهد لهذا الجمع يكون في الخارج و لا ارتباط به بسياق الدليل كمثل الجمع بين ثمن العذرة سحت و لا بأس ببيع العذرة بحمل الأول على ما لا يؤكل لحمه، و الثاني على ما يؤكل لحمه، إلا أنه غير منحصر في ذلك، إذ من المحتمل حمله على التقية، فإن من العامة من يرى الإحلال حتى من النساء مطلقا، و منهم من لا يرى الإحلال إلا أن يأتي بالأفعال، فإن فاته الحج تحلل بالعمرة، خصوصا مع كون زمان الامام عليه السلام المروي عنه في شدة التقية، أو إذا استناب و طيف عنه كما ذكره صاحب الوسائل، إذ ليس فيما وصل إلينا من النصوص تعرض لذكر طواف النساء، و لكن لا يخفى عليك: السياق اعتبار الطواف في حلهن مع الحصر عن النسك الذي يتوقف حلهن عليه، أما إذا لم يكن معتبرا فيه ذلك فالمحلل للنساء و غيرهن متحد، و هو الإتيان بالنسك، أو ما جعله الشارع محللا في الحصر، و هو الهدي، و لعل هذا أقوى، و إن كان الأحوط الإتيان به مباشرة أو الاستنابة في الحال الذي تجوز فيه، كما عرفت، و الله العالم. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو بان أن هديه لم يذبح قلنا أن المحصور لو أحصر و بعث بهديه أو أرسل دراهم لشراء الهدي يجوز

له الإحلال من كل شي ء إلا النساء حتى يأتي طوافه أو الحج في القابل، و إن بان أن هديه لم يذبح أو ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه فقد أحل و لم يبطل تحلله و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك أي عدم الابطال و الحج في القابل كما اعترف به غير واحد بل و لا إشكال، لأن تحلله قد كان بإذن من

الإحصار و الصد، ص: 40

الشارع، و لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة «1» قال: المصدود يذبح حيث صد، و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي محله أحل هذا في مكانه، قلت: أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الان عن النساء إذا بعث. و قد ظهر لك منها حلية كل شي ء حتى النساء إلا إذا بعث فعليه الإمساك بعد البعث. و لقول الصادق عليه السلام في رواية ابن عمار «2» عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد أصحابه ميعادا، فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، و إذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، فلا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، و إن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها: فإذا كان تلك الساعة قصر و أحل. و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا. و قد صرح الامام عليه السلام في الرواية الأولى بالإمساك عن النساء دون الثانية، و عدم تصريحه عليه السلام بوقت الإمساك في الثانية دون الاولى حيث قال فيها فعليه

الإمساك بعد البعث. و لموثقة زرعة «3» قال: سألته عن رجل أحصر في الحج قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم النحر إذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكة، فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى. الظاهر أن الإحلال وقع منه صحيحا و إن تخلف الميعاد، و لا ريب في صحة الإحلال لاتفاقهم، إنما الاختلاف في أن الإمساك عن كل شي ء أو من النساء خاصة و على كل تقدير هو واجب أو مندوب. و عن المشهور وجوب الإمساك عليه إلى يوم الوعد، كما هو مقتضى الخبرين، كما اعترف به ثاني الشهيدين و غيره هذا في أصل الإمساك، و أما في وقت الإمساك اختلاف أيضا و لذا ذهب بعض في كون الإمساك عن النساء من حين الانكشاف، و آخرون في كون الإمساك عنه حين البعث، و ثالثة حين رفع الإحرام الذي بعث هديه معه.

تذنيب:

إن النصوص الواردة عن طريقهم عليهم السلام تكون هكذا: (لو أحصر يبعث بهديه فيعدهم يوما) و على هذا عنوان المواعدة طريقي أم موضوعي؟. إن قلنا بموضوعيتها فيرجع البحث إلى أن الامام عليه السلام نزل المواعدة منزلة البلوغ، بمعنى أن للتحلل سببين و هما بلوغ الهدي محله لقوله تعالى «4» وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و المواعدة. و إن قلنا بطريقيتها فالنسبة بين الآية و الرواية كنسبته بين الامارة و الأصل، فكما في فقد الأمارة يأخذ بالأصل فكذلك

الإحصار و الصد، ص: 41

في البحث، ففي فقد البلوغ يأخذ بالمواعدة، فتظهر الثمرة

إن قلنا بطريقية المواعدة فعليه الإمساك عنهن من حين الانكشاف كما ذهب إليه بعض، و إن قلنا بموضوعيتها فعليه الإمساك عن النساء حين البعث فلو بعث بعد مدة لم يجب عليه الإمساك قبل البعث و لو بعد الانكشاف. و الظاهر عند الأستاد أدام الله ظله عنوان المواعدة موضوعي فلا يجب عليه الإمساك، كما هو خيرة المصنف في النافع، و الفاضل في المختلف، و المقداد و الحلي على ما حكي عنهم، بل هو ظاهر المتن و غيره للأصل. و مراده من الأصل هو استصحاب عدم وجوب الإمساك عنهن بعد الانكشاف إن شك في بقاء الوجوب و عدمه، هذا إن قلنا أن ما يستفاد من النصوص السابقة أو الإجماع هو موضوعية المواعدة، و أما إن قلنا بطريقيتها و لم يمكن استفادة غيرها منها فكان الأمر بالعكس، بمعنى أنه كان قبل هذا محرما و عند الشك في بقائه عليه و عدمه يستصحب. و هل وجوب الإمساك و عدمه بعد الانكشاف منوط بالجميع أو عنهن فقط؟ و اختار بعض الأجلة الإمساك عليه عن الجميع، و يمكن استفادة غيره من النص لأن في إحداهما صرح عليه السلام بالإمساك عنهن فقط حيث قال و ليمسك الان عن النساء إذا بعث و في اخريهما قال: و ليمسك أيضا فيحمل إحديهما على الأخرى فيحكم بوجوب الإمساك عليهم عنهن فقط. بحث روائي: و ما اختاره صاحب الرياض و الحدائق و صاحب المستند و الجواهر في قول و هو ذهابهم إلى أن ما نقلها زرارة موثقة لوجود حسن بن محمد بن سماعة «1» و أحمد بن الحسن الميثمي فيها بدليل أنهما من الواقفيين في عبد الله بن أفطح غير صحيح. لأن النجاشي اعترف في كتابه

بوثاقته حيث قال: إن أحمد بن الحسن الميثمي فقيه ثقة كثير الحديث، و عن العلامة بعين ما نقله النجاشي، و عن الشيخ إنه صحيح الحديث، و عن المجلسي في مرآة العقول إنه ثقة. و مع اعتراف هؤلاء الأعاظم في توثيقه لا يبقى للمتأمل شك في وثاقته. بقي الكلام في شي ء: و هو أن ظاهر الموثق المزبور حلية النساء للمحصور ببلوغ الهدي محله، و قد عرفت عدم حلهن إلا بإتيان الطواف بنفسه أو يطاف عنه على الوجه الذي تقدم، و من هنا قال الكاشاني: لعل المراد بإتيانه النساء إتيانه إياهن بعد الطواف و السعي بعث هديا و أرسل ليطاف عنه. و عن الجواهر: و فيه أنه خلاف صريح الخبر كما اعترف في الحدائق، لكن قال: اللهم إلا أن يحمل إتيانه النساء على الخطأ و الجهل بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في سائر محرمات الإحرام، و يكون قوله عليه السلام ليس عليه شي ء يعني من حيث الجهل، فإنه معذور كما في غير موضع من أحكام الحج، و أنه بعد العلم بذلك فليمسك الان عن النساء إذا بعث، و فيه بعد الإغضاء عما في دعواه من معذورية الجاهل مطلقا في الحج من غير فرق بين الكفارة و غيرها إنه أيضا خلاف ظاهره، و لعل الاولى حمله على عمرة التمتع التي قد عرفت أن الأقوى عدم احتياج حل النساء فيها إلى الطواف، كما سمعت الكلام فيه مفصلا و الله العالم.

الإحصار و الصد، ص: 42

قال المحقق صاحب الشرائع: و لو بعث هديا ثم زال العارض قبل التحلل لحق بأصحابه و عن الأستاد و ما أفاده صاحب الجواهر قبل التحلل صحيح لان بعد التحليل لا يصح إطلاق القول باللحوق عليه، بل

لا بد و أن يرجع إلى الميقات و لبس الإحرام منها و إتيان الحج ثانيا مع التمكن إن كان الحج واجبا، لان المحصور إذا أحل ثم زال العارض عنه قبل فوت الوقت كأنه في حكم من وجب عليه الحج ابتداء و عليه الإحرام من مكانه، و أما إذا كان الحج مندوبا فعليه الخيار بين الإتيان و عدمه، هذا فيما إذا كان شرط صحة اللحوق قبل التحلل، و أما إن قلنا بصحة اللحوق مطلقا قبل التحلل و بعده بتقريب أن المتيقن من أدلة المحصور هو بقاؤه في الحصر إلى أن يفوت عنه الحج، و أما إذا أحصر مدة ثم زال العذر و الحال أن الوقت باقية، و لو مدة أمكن فيها إدراك أحد الموقفين فلا يصدق عليه أنه محصور، فبناء على ذلك و لو أحل فكأنما لم يحل لان الحل وقع منه في غير محل فحكمه حكم السلام قبل الوقت في الصلاة فكما أن السلام في غير المحل لا يخرج المصلي عن حال الصلاة، فكذلك هذا الإحلال الواقع منه في غير محله، لا يخرج المحرم عن الإحرام. قال المحقق صاحب الشرائع: فإن أدرك أحد الموقفين في وقته، فقد أدرك الحج، و إلا تحلل بعمرة و عليه في القابل قضاء الواجب و يستحب قضاء الندب ضرورة شمول قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ. «1» لهذا الفرض، مضافا إلى صحيح زرارة «2» عن أبي جعفر عليه السلام إذا أحصر بعث بهديه فإذا أفاق و وجد من نفسه خيفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و ينحر هديه، و لا شي ء عليه، و إن قدم

مكة و قد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة، قلت: فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه إذا كان حجة الإسلام و يعتمر إنما هو شي ء عليه. و قوله عليه السلام أو العمرة يعني إن كان إحرامه للحج فعليه الحج في القابل، و إن كان عمرة فعليه العمرة في القابل، نعم بناء على ما عن بعض النسخ من العطف بالواو لا (أو) يتجه إرادة عمرة التحلل و الحج في القابل. إن قلت: لم لا يكون ذكر لعمرة التحلل فيها قلت: يقتضي التحلل بلوغ الهدي محله، و يمكن أن يقال توقف التحليل بالنية كما عن الجواهر ذلك، حيث قال: و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من أنه لا عموم يقتضي التحليل (التحلل خ ل) ببلوغ الهدي على وجه يشمل الفرض و نحوه فالأصل بقاؤه على الإحرام حتى يأتي بالعمرة، فيبقى حينئذ عموم حكم من فاته الحج، و هو التحلل بالعمرة بحاله. و أما قول الماتن (و إلا تحلل بعمرة) بمعنى أنه إن لم يدرك أحد الموقفين تحلل بعمرة يكون مطلقا بمعنى عدم المانع منه قبل الذبح و بعده. و هل وجوب التحلل بعمرة يكون منوطا بقبلة أو بعده أم يكفي للتحلل النية؟ اختار بعض وجوب التحلل بعمرة لعدم

الإحصار و الصد، ص: 43

صدق المحصور على ما زال عذره قبل أن يفوت عنه الحج، لان النصوص لا تكون أعم من أن يزول عذره قبل فوت الحج أو بعده، بل تكون أخص لشمولها على من يبقى في الإحصار إلى أن يفوت الحج عنه، و آخرون إلى كفاية بلوغ الهدي للتحلل. و تلخص مما ذكرناه أنه لا يمكن

إثبات لزوم التحلل بعمرة، و لو ذهب بعض إليه، و منهم صاحب الجواهر، حيث قال: فالأحوط و الأقوى وجوب المضي إلى مكة للتحلل بعمرة. و لو فات الحج عنه بعد البعث و زوال العذر لعدم قدرته على استمرار الطريق، و قلنا شرط الحصر هو بقاؤه إلى أن يفوت عنه درك أحد الموقفين أو كلاهما، و هل هو يدخل في حكم المحصور، أم هو يدخل في عموم حكم من فاته الحج. إن قلنا بالأول فيكفيه للتحلل بلوغ الهدى محله، و إن قلنا بالثاني فعليه في القابل قضاء الحج إن كان واجبا. و قد اختلف الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم لوجود العلم الإجمالي في البين و هو تردد التكليف بين دخوله في المحصور أو في من فاته الحج، و لأجل ذلك أفتى بالاحتياط بعض و قال: عليه الحج في القابل إن كان مستطيعا هذا كله في الحاج. قال المحقق صاحب الشرائع: و المعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر كقضية الامام الحسين عليه السلام حيث أحصر و تحلل، فعليه القضاء في القابل إن كان واجبا، و وجوبها تكون تارة بسبب حجة الإسلام و لكن ليس لها ارتباط بالحج أصلا، و أخرى بنذر أو عهد، أو غيرهما و إلا فندبا. و قيل في الشهر الداخل هذا أي وجوب القضاء في القابل إن كان واجبا و إلا فندبا كالحج مما لا ريب فيه و لا إشكال يعتريه إنما الكلام في اعتبار مضي الزمانين بين الإحرامين كالعمرتين و عدمه، و ذهب بعض الأصحاب إلى مضي الشهر بين العمرتين بناء على اشتراط فصل شهر بين العمرتين، و عن بعض آخر فصل عشرة أيام، و عن بعض ثالث فصل ثلاثة أيام،

و عن المسالك: يأتي به عند زوال العذر من غير تربص زمان بناء على التوالي بين العمرتين، فأذن في الناقص عدم توقفه على الفصل أولى. و يمكن البناء على الخلاف في المتن في وجوب الفصل كما عن الشيخ في محكي النهاية و المبسوط و بنو حمزة و البراج و إدريس، و عدمه بل في المدارك: ظاهر الأصحاب أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين عمرتين، قال في الدروس: المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا، فيبني على الخلاف. قال في المدارك: و فيما قاله الأصحاب من أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة مناقشة إذ لا يمكن إرجاع هذه إلى تلك، لعدم صدق اسم العمرة على الناقص و على هذا لا يجب عليه الفصل بين العمرتين. اللهم إلا أن يقال وجوب الفصل هنا بين الإحرامين، لانه أحصر بعد إحرامه بعمرة مفردة و لم يقدر على إتمامها و عليه إتيانها في الشهر الاتي. و عن الأستاد دام عزه: و فيه وجوب الفصل بين العمرتين لا بين الإحرامين حيث إنه مقتضى الاخبار و ظاهر الشرائع هنا و في النافع كما عن الجواهر القضاء عند زوال العذر مع اشتراطه فيه مضي الشهر بين العمرتين.

الإحصار و الصد، ص: 44

نعم يمكن أن يقال أن المتيقن من الاخبار وجوب الفصل بين الإحرامين الكاملين لا الناقصين فيرجع الخلاف إلى وجوب الفصل بين الإحرامين كالعمرتين و عدمه خلافا لما زعمه المدارك. قال المحقق صاحب الشرائع: و القارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا و قيل: يأتي بما كان واجبا و إن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه و إن كان

الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل. و عن العلامة التفصيل بين الواجب و المندوب، ففي الأول هو الحكم بوجوب المماثلة عليه في القابل، خلافا للمندوب يحرم بما شاء في المستقبل. و البحث فيه من جهتين: مرة على ما اقتضاه القواعد، و أخرى ما يمكن استظهاره من النصوص الواردة في الباب. أما الأول: إن المحصور إن كان قد أحصر و قد أحرم بالحج قارنا يبعث بهديه و أحل فعليه القضاء في القابل إن كان الحج واجبا معينا، و إلا فندبا: و إن كان مخيرا بينه و بين غيره كأهل مكة فهو الان مخير أيضا. و قال المصنف في المتن: القارن لم يحج في القابل إلا قارنا سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، و الواجب تعيينيا أم تخييريا. و عن المسالك و المدارك: أنه مشهور، و عن صاحب الجواهر: بل الأكثر، بل المشهور لصحيحي محمد بن مسلم «1» عن أبي جعفر عليه السلام و عن فضالة، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني، قال: يبعث بهديه قلنا: هل يتمتع في قابل، قال: لا (لكن يدخل بمثل ما خرج منه). و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى إطلاق قول الراوي و هو (القارن يحصر) و (رجل ساق الهدي) و ترك استفصال الامام عليه السلام شمول الأقسام المتصورة في المسألة، بمعنى أن القارن لم يحج في القابل إلا قارنا سواء كان الحج واجبا أم مندوبا و الواجب تعيينيا أم تخييريا. و ما في كشف اللثام من احتمال أن فرضه قران لا قرينة عليه فيها، بل عليه إتمامه بمثل ما خرج منه. و يمكن

حمل النصوص المزبورة على الندب لعدم وجوب الدخول عليه بمثل ما خرج منه عدا واجب التعييني هذا إن قلنا بعدم اقتضاء قوله عليه السلام (يدخل) على الوجوب كما عن المستند، و أما إن قلنا بظهوره، في الوجوب آكد في البعث من الصيغة كما عن البعض، فالمتجه حملها على الندب و الواجب التخييري أيضا، لعدم وجوب القضاء عليه فيهما في القابل، نعم يمكن أن يقال لا يجب عليه القضاء، و لكن إن قضى فليقضه مماثلة: كالصلاة النافلة التي لا يجب على المكلف إتيانها و لكن إذا أراد إتيانها فعليه إتيانها مع الطهارة كالفريضة، و حينئذ لا يمكن رفع اليد عن إطلاق النصوص، و حملها على الفرد الخاص، أو على إرادة الندب و الواجب التخييري منها، بل المتيقن ما عليه المشهور و منهم المصنف. هذا أولا، و أما ثانيا حملها على الندب مخالف لما قاله الامام عليه السلام في جواب السائل (لا) بمعنى أنه لا يجوز الدخول خلاف ما خرج منه، نعم إن كان فرضه التمتع و قرن للضرورة ثم أحصر أو صد لا يمكن الحكم عليه بوجوب القضاء في القابل قارنا لانصراف النصوص عنه، فيبقى على مقتضى الأصول.

الإحصار و الصد، ص: 45

و عن صاحب الجواهر: مقتضى الاحتياط هو الدخول بمثل ما خرج منه، و عن سيدنا الأستاد حفظه الله: مقتضى الاحتياط هو الإتيان بالتمتع و الأقوى هو التمتع و القران، و إن شك في بقاء وجوب القران بعد رفع الحصر يمكن استصحاب عدم وجوبه عليه، فيأتي في القابل تمتعا. و لكن عن ابن إدريس: حيث إنه لا يعمل بالاخبار الآحاد أنكر على ما قاله الشيخ في النهاية و هو الحكم بالدخول بمثل ما خرج منه قال:

و بما شاء يحرم في المستقبل لانه مقتضى القاعدة. و عن الأستاد حفظه الله: بل القاعدة تقتضي خلاف ذلك و هو الدخول في القابل تعيينيا إن كان ما خرج منه واجبا تعيينيا، و مندوبا إن كان ندبا، و مخيرا إن كان تخييريا، نعم يمكن أن يقال إن لم يكن له واجب بما شاء يحرم في المستقبل و إلا فعليه وجوب الدخول بمثل ما خرج منه و إلى ذلك يمكن حمل إشكاله على الشيخ. ثم إن مفروض المسألة يكون خصوص من حج قارنا و هل يمكن إظهار إرادة العموم من جواب الامام عليه السلام بقوله (لا) أم لا؟ مقتضى الجواب إتيان قاعدة كلية و هي وجوب المماثلة منها، و إن كان المورد القران، و حينئذ إن دخل قارنا ثم أحصر ثم تحلل يقضي قارنا و هكذا في التمتع و الإفراد. قال المحقق صاحب الشرائع: و روي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم فإذا كان وقت المواعدة أحل لكن هذا لا يلبي و قد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في باعث الهدي تطوعا الذي يواعد أصحابه يوما لتقليد ما أرسله أو أشعر ليحرم حتى يبلغ الهدي محله، ثم يحل في اليوم الذي وعدهم يوما، هل هو مشروع أم لا؟ و على فرض تشريعه يكون واجبا أم مندوبا؟. و عن الأستاد حفظه الله: الاتفاق على أنه مندوب، و إذا أحرم فهل عليه الاجتناب عما يجتنبه المحرم كالمحرم في الميقات أم لا يكون واجبا بل الاجتناب مكروها و إذا ارتكب محرمات الإحرام فهل عليه الكفارة أم لا؟ و على فرضها هل تكون واجبة أم مندوبة؟ و عن الشيخ في النهاية

ما ملخصه: قال يبعث بهديه و يواعد يوما للتقليد و يجتنب عما يجتنب المحرم و الحكم بوجوب الكفارة عليه كمثل المحرم في الميقات إلا أن هذا لا يلبي. ورد ابن إدريس لها قائلا (أنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها و لا يعرج إليها، و هذه أمور شرعية يحتاج مثبتها و مدعيها إلى أدلة شرعية، و لا دلالة من كتاب و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع، فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم و لا يودعونه في تصانيفهم، و إنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب النهاية إيرادا لا اعتقادا لان الكتاب المذكور كتاب خبر و لا كتاب بحث و نظر، كثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها و الأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية. ورده في المختلف بأن هذه الاخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء، فكيف يجعل ذلك شاذا من غير دليل، و هل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة و مدارك الأحكام الشرعية، و تبعه على ذلك غير واحد كالشهيدين و الصدوق في الفقيه، فظهر مما ذكرنا ثبوت مشروعية بعث الهدي تطوعا و المواعدة مع أصحابه وقتا لذبحه أو نحره و التهيأ للدعاء يوم عرفة، و أما حكم الاجتناب عما يجتنبه المحرم، و المواعدة للتقليد فيمكن استظهارهما من النصوص الواردة.

الإحصار و الصد، ص: 46

عن أبي الصباح الكناني «1» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث بهدي مع قوم و واعدهم يوما يقلدون فيه هديهم و ينحرون فيه فقال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله، فقلت: أ رأيت إن اختلفوا في ميعادهم و أبطأوا في السير،

عليه جناح في اليوم الذي واعدهم؟ قال: لا يحل في اليوم الذي واعدهم. منها عن أبان عن سلمة «2» عن أبي عبد الله عليه السلام إن عليا عليه السلام كان يبعث بهديه ثم يمسك عما يمسك عنه المحرم غير أنه لا يلبي و يواعدهم يوم ينحر بدنة، فيحل. منها عن عبد الله بن سنان «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن ابن عباس و عليا عليه السلام كانا يبعثان هديهما من المدينة ثم ينحران، و إن بعثا بهما من أفق من الافاق واعدا أصحابهما بتقليدهما و إشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم، و يجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا. و منها عن الحلبي «4» في الصحيح أيضا (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث بهديه مع قوم فساق و واعدهم يوما يقلدون فيه هديهم و يحرمون قال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله: قلت: أ رأيت إن اختلفوا في الميعاد و أبطأوا في المسير، عليه و هو يحتاج إلى أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه قال: ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه). و منها عن معاوية بن عمار «5» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال: يواعد أصحابه يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب عما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، حيث صده

المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع إلى المدينة. و عن سيدنا الأستاد حفظه الله استدلال الامام عليه السلام بما فعله رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الحديبية يدل على كفاية الذبح للإحلال و عدم توقفه على شي ء بعده و يظهر من ذلك كله لزوم المواعدة للإشعار كما يكون ذلك للنحر خلافا للماتن و صاحب الجواهر لان العرف يحكم بهما. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو أتى بما يحرم على المحرم كفر استحبابا و تبعه الفاضل و غيره في ذلك، و لكن عن ظاهر الشيخ وجوب التكفير لو فعل ما يحرم على المحرم و عن صاحب الجواهر: بل هو المنساق من التصريح بوجوب اجتناب ما يحرم على المحرم فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى اعتبار كفارات الإحرام.

الإحصار و الصد، ص: 48

ثم إن الشهيد حكم بلزوم النية في تروك الإحرام لأنها عبادة و لكن التحقيق تركها إلا بالقصد. و هل صرف الداعي يكفي فيها أم لا بد و أن يخطر بالبال؟ ما اختاره الشهيد هو الثاني و عن الأستاد حفظه الله صرف الداعي يكفي في تحقق القصد، و لو غض بعد. و عن المسالك: من احتمال الاجتزاء باجتناب تروك الإحرام من غير أن يلبس ثوبيه، لان ذلك هو مدلول النصوص، و تظهر الفائدة فيما لو اقتصر على ستر العورة أو جلس في بيته عاريا و نحو ذلك، و أما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها و كذلك كشف الرأس و نحوه. و عن صاحب الجواهر: لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد ملاحظة الانسياق في النصوص و الفتاوى، بل الظاهر اعتبار النية في هذه العبادة و إن كانت النية هي الداعي

عندنا. و عن الأستاد حفظه الله: لا يمكن استظهار وجوب ثوبي الإحرام من رواية هارون ابن خارجة و غيرها كما نقل عن الشهيد ذلك. نعم يمكن استظهاره بطريق آخر و هو من جملة (يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه) الذي يدل على وجوب ثوبي الإحرام لباعث الهدي تطوعا بالملازمة، و لأجل ذلك قال بعض: نهى الراوي أبا مراد عن لبس المخيط و لو لمكان أبي جعفر فبعثه إلى الامام عليه السلام ليسأل عنه حكمه، و حكم عليه السلام بوجوب البدنة عليه كفارة عن لبس المخيط، إلا أنه حمله على الاستحباب، لأن كفارة ثوب المخيط لا يكون بدنة. و عن الأستاد حفظه الله: أصلها واجبة و لكن البدنة مندوبة فإذن البقرة أفضل. و مما ذكرنا يظهر لك أن الحكم مشترك بين المرأة و الرجل، و إن كان المورد خاصا، هذا أولا، و ثانيا لا يمكن الاتكال على ما استنبطه صاحب الجواهر من رواية هارون بن خارجة و لا يصح أيضا ما اختاره الشهيد. و أما مصرف هدي التطوع و هل هو كمصرف الكفارات التي هي حق للفقراء؟ أو يكون مصرفه كمصرف هدي التمتع في التثليث؟ أو كهدي القران الغير الواجب بنذر و شبهه؟ فيه أقوال، أجودها الثالث لأصالة البراءة مما زاد على الذبح. و أما زمان النحر: فقد صرح به في بعض الروايات الواردة لتعيين موضعه بالخصوص و هو يوم النحر منها: عن معاوية بن عمار «1» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال: يواعد أصحابه يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر فإذا كان يوم النحر أجزأ

عنه، فان رسول الله صلى الله عليه و آله حيث صده المشركون نحر بدنة و رجع إلى المدينة. منها: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن ابن عباس و عليا كانا يبعثان هديهما من المدينة ثم ينحران، و إن بعثا بهما من أفق من الافاق واعدا أصحابهما بتقليدهما و إشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم، و يجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا.

الإحصار و الصد، ص: 49

و في بعض آخر بالعموم، و هو قوله عليه السلام في جواب الحلبي «1». منها: عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث بهديه مع قوم فساق و واعدهم يوما يقلدون فيه هديهم و يحرمون قال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدى محله، قلت: أ رأيت إن اختلفوا في الميعاد و أبطأوا في المسير عليه و هو يحتاج أن يحل هو في اليوم الذي وعدهم فيه، قال: ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه. و حينئذ تقيد العام و هو الحلبي بواسطة الخاص و هو صحيح ابن سنان، و معاوية بن عمار، فالمتعين من زمان النحر هو يوم النحر و هو يوم العيد. و أما مكان النحر ففي المسالك: و النصوص و الفتاوى خالية من بيان مصرفه و زمانه و مكانه. و عن صاحب الجواهر: المنساق من النصوص كون مكانه منى. و مما ذكرنا يظهر لك أن مكان النحر لباعث الهدي المتطوع كالحج الواجب أيضا هو منى، هذا مما لا ريب

فيه و لا شك يعتريه، إنما الكلام في انحصار الذبح في منى و عدمه، و قد تعرضنا هذا الحكم جوابا لسؤال بعض المؤمنين لشيوع أن مكان النحر تغير من منى إلى وادي محصر فإن قلنا بانحصاره فيه ففي غيره لا يجزي إلا مع الاضطرار أو عن تقية، و إن لم نقل به فهو مع غيره مساو في الاجزاء في حال الاختيار. فنقول مستعينا بالله: و للقائلين بانحصاره فيه وجوه: الأول قول الأصحاب رضوان الله عليهم و عن المنتهى: لا بد من ذبح الهدي في منى و هو مذهب علمائنا، و في التذكرة: هو مشعر بالإجماع، و عن الأردبيلي في الفوائد: أنه المشهور، و كأنما هذا القول لا يكون عنده إجماعيا. و عن الأستاد حفظه الله: و لو قلنا بأنه إجماعي و لكن لا يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام لانه هو إجماع مدركه قول الأصحاب و التأسي و غير ذلك الذي هو مخدوش من وجوه. الثانية: التأسي و هو ما يفعله رسول الله صلى الله عليه و آله و معلوم أن ما فعله صلى الله عليه و آله حجة علينا و واجب اتباعه فإذن الذبح في منى واجب علينا، و فيه أولا: لا يكون كل ما فعله صلى الله عليه و آله واجب علينا كالسواك و التهجد في الليل لقوله تعالى فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً «2» و أمثال ذلك. ثانيا: بعد أن اجتمع الناس حوله لذبح هديهم رأى صلى الله عليه و آله أن الأمر شاق عليهم قال: منى كله منحر «3» بمعنى ان الذبح جائز حتى في البيت و أمثالها، فيخرج هذا من عموم قوله صلى الله عليه و آله: (خذوا عني مناسككم). الثالث:

قوله صلى الله عليه و آله منى كله منحر مفهومه عدم جواز ذبح الهدي في غير منى لانه لا يكون فيه صلاحية المنحرية. و عن الأستاد دام عزه: لا يكون في قوله صلى الله عليه و آله مفهوم، نعم إن كان الدليل موجودا لنفي منحرية منى فهو

الإحصار و الصد، ص: 50

، و إلا لا يمكن إثبات عدم منحرية غير منى بهذه الروايات، و أما الروايات منها، عن إبراهيم الكرخي «1» عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى، و فيها وجوب الذبح بمنى. و منها عن معاوية بن عمار «2» قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة، فقال: إن مكة كلها منى. و هو يدل على عدم وجوب ذبح الهدي بمنى و لأجل ذلك حملها الشيخ على التطوع. و عن الأستاد حفظه الله هذا الحمل بعيد، لأن في الفعل المندوب لا يكون تعيير مضافا إلى ظهور هديك في الهدي الواجب. نعم لا يمكن استظهار الإشعار أو التقليد منه أيضا. و عن صاحب الحدائق حملها على التقية حيث قال: جمهور العامة يجوزون ذبح الهدي في مكة حتى هدي التمتع. و عن الأستاد أدام الله ظله: نعم و لكن صدور التعيير منهم يدل على أنهم كانوا يذبحون بمنى إذ لو كانوا في مكة لم يعيرونه عليه السلام. و هل تعييرهم يرجع بخصوص ما فعله عليه السلام في منزله؟ أو بمكة؟ لأن

التعيير إن كان يرجع بمكة فيصير مقابلا بمنى. و عن الأستاد حفظه الله: لا يبعد رجوعه إلى كليهما. و يحتمل أن يكون الهدي لعمرة مفردة فإذن (مكة كلها منحر) للعمرة المفردة لأن الإمام عليه السلام استدل في جواب المعترضين عليه بقوله (إن مكة كلها منحر) كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله (منى كله منحر) و من ذلك كله يظهر لك عدم انحصار منى في المنحرية بل مكة كلها منحر فيجوز ذبح الهدي للعمرة بمكة و إن كان في منى لا بأس به. و منها عن شعيب العقرقوفي «3» قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة، قلت: فأي شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا، و اهد ثلثا، و تصدق بثلث. و عن الأستاد دام عزه: و فيه أنه إن كان ذبح الهدي بمكة جائزا للمعتمر فللحاج يجوز أيضا. و منها عن مسمع «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخل بهديه في العشر فإن كان أشعره و قلده فلا ينحر إلا يوم النحر بمنى، و إن كان لم يقلده و لم يشعره فلينحره بمكة إذا قدم في العشر. و منها عن عبد الأعلى «5» قال قال أبو عبد الله عليه السلام: لا هدي إلا من الإبل، و لا ذبح إلا بمنى. و فيه انحصار المنحرية في منى، و لكن لا يخفى فيها من المناقشة من جهة الدلالة، و هي قوله عليه السلام (لا هدي إلا من الإبل) و الحال أن الإبل من بين الأنعام الثلاثة مندوب، و حينئذ ذبح الهدي في منى يكون بواسطة المقابلة مندوبا أيضا

الإحصار و الصد، ص: 51

و عن صاحب

المدارك: الحكم بوجوب الكفارة لو فعل ما يحرم على المحرم، و عن صاحب المسالك: الحكم بالكراهة الشديدة، و عن سيدنا الأستاد حفظه الله: الباعث بالهدي تطوعا كالمحرم في الميقات. نعم ينبغي اختصاص مورد المسألة ببعث الهدي نفسه لا ثمنه خلافا لما أورده الشهيد في المسالك على صاحب الشرائع حين نقل عبارته حيث قال و فيه أمور: الأول ما ملخصه: إرسال الهدي تطوعا عبادة و لا يمكن انحصارها ببعث الهدي نفسه بل أعم من الهدي نفسه و من ثمنه فلا يكون بينهما في الإرسال من هذه الجهة فرق، للمرسل «1» في الفقيه عن الصادق عليه السلام (ما يمنع أحدكم من أن يحج كل سنة؟ فقيل له: لا تبلغ ذلك أموالنا فقال: أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيأ و أتى المسجد و لا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس. و فيه إن الظاهر كون ذلك صورة أخرى غير الصورة السابقة لعدم ذكر المواعدة فيه و لا إشعار الهدي و لا الاجتناب عما يجتنبه المحرم فإذن يكون مختلف فيها في تلك الهدي و في هذا الثمن، و إحداهما غير الأخرى و من هنا جعله غير واحد كيفية أخرى، و أما الثياب المأمور بها فيمكن أن يكون غير الإحرام، و لأجل ذلك حكموا أصحابنا بإرساله: نعم لا بأس به بعد التسامح في أدلة السنن. ثم إن النصوص الواردة في الباب و لو كانت مختلفا فيها من جهة الإرسال ففي بعضها لفظ الهدي و في أخرى الثمن و في ثالثها لفظ البدن، و لكن مقتضى نصوص الهدي

في الحج يقتضي التخيير بين النعم الثلاثة و إن كان البدن أفضل. و أما مكان الإشعار أو التقليد: فالموجود في الروايات هو (و واعدهم يوما) و أمثاله فهو مشعر بالإطلاق قبل الميقات أو بعدها وقت الإحرام أو قبله و لأجل ذلك في المسالك قال: لا فرق في يوم المواعدة بإشعاره أو تقليده بين كونه وقت إحرامهم و غيره لإطلاق النص. و عن الأستاد حفظه الله: و المنساق من المواعدة في النصوص هو تعين الميقات التي يحرمون الناس منها و يشعرون و يقلدون، نعم إن قلنا بعدم اشتراط إشعار سوق الهدي للحج بالميقات ففي سوق الهدي تطوعا كذلك و إلا فلا يصح الاشعار قبل الميقات و لا يصح أيضا تلبسهم بالإحرام قبلهم إلا أن يبعث بثمن أضحية فحينئذ لا بأس بالذبح عنه حيث وجد الهدي و اشترى لعدم مواعدته معهم و عدم لزوم الإشعار أو التقليد. و لكن عن الشهيد (لو افتقر على المواعدة بالذبح من غير إشعار و تقليد و في تأدية الوظيفة به وجه، لعدم ذكره في الخبر السابق و إن ذكر في غيره من الاخبار و عبارة الماتن هنا تدل عليه فإنه اقتصر على ذكر المواعدة للذبح). و عن الأستاد حفظه الله: الاكتفاء بالذبح فقط دون الإشعار أو التقليد للإحرام مشكل و بناء على ذلك كما عن الجواهر ان باعث الهدي تطوعا يواعد يوما للإشعار أو التقليد و يواعدهم يوما ينحرون فيه، و يجتنب عما يجتنبه المحرم خلافا لما يبعث بثمن أضحية، الذي لا يكون عليه شي ء إلا أن يلبس ثيابه يوم عرفة و تهيأ و أتى المسجد و لا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس.

، فمقتضى قوله عليه السلام (لا هدي) أي

لا هدي كامل إلا من الإبل، و لا ذبح كامل إلا في منى. و منها عن إسحاق بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يخرج (يجتر ح خ ل) من حجته شيئا يلزمه منه دم، يجزيه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: نعم، و قال فيما أعلم يتصدق به، قال إسحاق: و قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم و لا يهريقه حتى يرجع إلى أهله، قال: يهريقه في أهله و يأكل منه الشي ء. و عن الأستاد حفظه الله: أرادوا أن يستفيدوا منها عدم لزوم ذبح الهدي في منى. و قوله عليه السلام (و يأكل منه الشي ء) يدل على أنه يكون الهدي هدي التمتع. و عن المجلسي في مرآة العقول حملها على الضرورة، و هل يمكن تصحيح ذبح الهدي في غير منى و لا ضرورة حتى يساوي غيره معه في الاجتزاء أم لا؟ و إذا لم يمكن استنباط الجواز و لو ضرورة فلا بد و أن يعمل بمقتضى الأصل. و عن بعض ذبح الهدي في منى مقتضى الأصل و التأسي و السنة و الإجماع المنقول. و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن أن يقال مراده من الأصل اشتغال الذمة و عدم فراغها لو يذبح في غير منى. و فيه: قوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «3» يكون مطلقا، و لا يمكن تقييدها بعد أن لم يمكن تقيد الاخبار، لان مفروض الكلام في قوله تعالى حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «4» هو حلق الرأس و لا يمكن أن يفهم منه لحصر ذبح الهدي في منى خصوصية، هذا كله في حال الاختيار. و أما حال

الاضطرار: و هل يمكن لإثباته التمسك بقاعدة الميسور و لو في قرب منى؟ فإن قلنا بشمولها له فيمكن القول بجواز ذبح الهدي في غير منى لانه ما تيسر من إيفاء الوظيفة، و لو كان الذبح في وادي محصر، و حينئذ لا يحتاج إلى غيرها من القواعد. و أما إن لم نقل به فإذن لا بد من التمسك بقوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ «5» و هل مراده تعالى عدم وجدان الهدي؟ أو عدم التمكن من الذبح؟ أو عليه إعطاء الدراهم ليذبح عنه طوال ذي الحجة، أو سقوط التكليف عنه لعدم وجود شرطه و هو التمكن من الذبح في منى؟ أو عليه أن يصوم بمقتضى قوله تعالى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ «6» إن قلنا أن مراده تعالى من فَمَنْ لَمْ يَجِدْ عدم القدرة على الذبح؟ أو عليه الاحتياط بمعنى أنه عليه أن يعطي درهما لاشتراء الهدي له و يذبح عنه طوال ذي الحجة مضافا عن الصيام؟ و عن الأستاد حفظه الله: و لم أعثر فيما رأينا في كلماتهم حكم حال الضرورة إلا عن بعض، و هو قال: يجوز ذبح الهدي بمنى إن كان في غير الضرورة. و ادعى لقوله بالأدلة الأربعة، و هي السنة و الأصل و الإجماع و التأسي، و أما

الإحصار و الصد، ص: 52

المحصور، فبعد الحصر يكون عليه بعث ما ساقه إلى منى مع القدرة إن كان في الحج، و مكة إن كان في العمرة، و أما مع العجز و الضرورة ففيه عدة من الروايات ففي بعضها يحكم الامام عليه السلام بالذبح في مكان الحصر، و وضع الشي ء عليه أي علامة على هديه للاعلان بأنه الهدي لا غير، ففي بعض أخرى

يحكم بالبدل. و عن الأستاد حفظه الله: أجابه الامام عليه السلام من عدم سقوط وجوب ذبح الهدي و لو مع الحصر في الضرورة، بخلاف المكان أي منى لانه خاص، و لأجل ذلك لا يمكن التعدي عنه إلى غيره. و ملخص الكلام إن قلنا بعدم خصوصية في منى لذبح الهدي فيمكن القول بصحة ذبح الهدي في خارج منى، و لو مع الاختيار، و إن قلنا بها فلا يجزي في غيره و لو اختيارا، و لم أعثر فيما أعلم ذهابهم إلى جواز ذبح الهدي في غير منى مع الاختيار، و على هذا الأساس لا يمكن التفرد في القول، و الحكم بجواز ذبح الهدي في غير منى و لو اختيارا، نعم عن الصدوق في المقنع بعد أن قال بعدم جواز ذبح الهدي في غير منى ما نص عبارته، قال: و إن نسيت أن تذبح بمنى حتى زرت البيت فأت بمكة و انحر بها و ليس عليك شي ء فقد أجزأ عنك، مضافا إلى ما سمعته من الروايات مثل ما قاله الصدوق رحمه الله: و لو كانت الروايات أعم منه و من حال الاضطرار و العصيان هذا، و لكن الإنصاف كما عن الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم لا تكون الرواية صريحة فيما اختاره الصدوق. نعم إن قلنا إن الذبح يكون من باب تعدد المطلوب فيمكن التمسك بقاعدة الميسور و ما فعله رسول الله صلى الله عليه و آله لصحة ذبح الهدي في غير منى في حال الاضطرار. و يمكن مضافا إلى ما احتملناه لإثبات صحة ذبح الهدي في غير منى في حال الاضطرار القول بالتقية، لقوله عليه السلام (التقية ديني و دين آبائي) توضيح ذلك: تبعية المخالف تارة تقتضي إيجاد

الفعل في الخارج و حكم من أحكامهم و هو كالوضوء نكسا، و أخرى تقتضي الترك و هذا كالافطار في يوم رمضان، ففي الأول يصح المتابعة إن لم يمكن إتيانه على غير ما حكموا به لخوف أو غيره. و أما في الثاني فلا يمكن الحكم بالصحة لقوله عليه السلام بالقضاء عليه، لعدم موافقة حكم من أحكامهم بل هو في هذا الحال، أي في إفطار صوم يومه تارك. و بعبارة أخرى تارة تقتضي التقية إيجاد الصلاة في الخارج بدون الوضوء و أخرى مقتضاها الوضوء نكسا فلا ريب في بطلان الصلاة في الأول بخلاف الثاني. و هل متابعة المخالف في ذبح الهدي في غير منى يدخل في الأول حتى يحكم ببطلانه و عدم إجزائه، أو يكون الذبح في غير منى من مصاديق الثاني حتى يحكم بالصحة. و عن الأستاد حفظه الله: لا يبعد دخوله في الثاني بمعنى جواز ذبح الهدي في غير منى لخوف أو غيره كما أن الوقوف على ما حكموا به صحيح إذا اقتضت التقية متابعتهم إن لم يتمكن من إتيانه ثانيا في غيره. ثم إن قلنا إن التقية مجز في حال الخوف أو غيره لا يمكن تقييدها بعدم علمهم بما يفعل من أنه يتبعهم واقعا أم خوفا حقنا من الدماء، لان الملاك عندهم متابعة أعمالهم و حكم حاكمهم، سواء كانت المتابعة صوريا أو واقعيا.

الإحصار و الصد، ص: 53

و تلخص مما اختاره الأستاد حفظه الله جواز ذبح الهدي في غير منى تقية، و لكن الأحوط مضافا إلى ذبح الهدي عليه صيام عشرة أيام، هذا إن لم يقدر على ذبح الهدي في منى طوال ذي الحجة و إذا تمكن فعليه ذبح الهدي في منى طوال ذي الحجة

فلا يحتاج إلى هذا الاحتياط. و الله العالم

المقصد الثاني في أحكام الصيد

اشارة

كان البحث في باب ما يحرم على المحرم عن حرمة الصيد عليه و حليته، و لكن البحث هنا في إثبات ما يجب من الكفارة و عدمها فيه. فنقول: لا كفارة للمحرم في الصيد الحلال كالسمك، و أما الحرام ففيه تفصيل فذهب بعض بوجوب الكفارة فيه. و اختار الآخرون بعدم وجوبها فيه، و عن صاحب الشرائع: الصيد هو الحيوان الممتنع، و قيل يشترط أن يكون حلالا أي أكله كما عن الماتن في النافع، فالمتيقن عنده الصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم. و عن صاحب الجواهر حلالا و حراما كما في القواعد، مع زيادة بالأصالة التي يمكن إرادة المصنف لها أيضا، و لو بدعوى انسياقها من إطلاق الممتنع، حتى لا يرد عليه ما عن المسالك من دخول ما توحش من الأهلي و الممتنع كالإبل و البقر و نحوهما مما قتله جائز إجماعا، و لا خروج ما استأنس من الحيوان البري كالظبي، بل عن الرواندي هو أي التعريف بما سمعت أي الممتنع بالأصالة مذهبنا مشعرا بالإجماع عليه. و عن الأستاد دام عزه: لا تنال يد الشارع في تعيين موضوع اللفظ، نعم له تعيين موضوع الحكم الشرعي، و مما يشهد له ما نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: صيد الملوك ثعالب و أرانب و إذا ركبت فصيدي الأبطال و عن الأستاد حفظه الله: حصر الصيد فيهما لا بأس به، و لكن الاستعمال أعم من الحقيقة و المجاز، و مما يؤيد أن قوله عليه السلام صيد الملوك إلخ لحصر الصيد في الإبطال، قول العرب (سيد الصيد الأسد). و عن الأستاد حفظه الله: و فيه تعيين موارد الاستعمال،

و هو أعم من اللغوي، هذا مضافا إلى خبر زيد الشحام «1» عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ «2» قال: إن رجلا انطلق و هو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار إلى وجهه و جعل الثعلب يصيح و يحدث من إسته، و جعل أصحابنا ينهونه عما يصنع، ثم أرسله بعد ذلك، فبينما الرجل نائم إذ جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت عنه الذي هو أقوى شاهد على أن في قتل محرم الأكل أيضا كفارة و هذا لتطبيقه عليه السلام قوله تعالى وَ مَنْ عادَ. على الثعلب خلافا لما زعم أن موضوع الآية و هو (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) «3» مختص بالممتنع الحلال. و عن الأستاد حفظه الله: فالبحث هنا في إثبات أن الصيد هل هو الحيوان الممتنع بالذات أو هو أعم منه و من الممتنع بالعرض؟ و هل هو خصوص المحرم أو هو مع المحلل.

الإحصار و الصد، ص: 54

و بعبارة أخرى هل موضوع الصيد في الآية الكريمة هو الأعم من المحلل و المحرم، أو المنساق من الكتاب إرادة خصوص مأكول اللحم منه بعد أن كان الصيد ما توحش من الأهلي و الممتنع كالإبل و البقر و نحوهما جائزا إجماعا و عدم جواز صيد ما استأنس من الحيوان البري كالظبي و نحوه إجماعا. و لو قيل: إن الصيد يطلق على الممتنع بالفعل فلا يمكن صدق الصيد على ما استأنس من الحيوان البري كالظبي إن اصطيد. قلنا: نعم و يمكن مع ذلك أن يصدق عرفا أنه صيد اصطيد، ثم إن قلنا بعدم إمكان تقييد لفظ الصيد بالحلال

لعدم الإطلاق عند الشك فمقتضى قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «1» هو المحلل و المحرم بريا كان أم بحريا، و لا بد لإخراج المحرم منها من التماس دليل. نعم يستثني من هذا الإطلاق صيد البحر لقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «2» فظهر مما ذكرنا أن مراده سبحانه و تعالى من قوله لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «3» حرمة قتل الصيد الحلال لا الأعم منه و من الحرام. و مما يؤيد ما استظهرناه قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً «4» أي أكل ما كان حلالا و حرمت بسبب الإحرام لمعلومية حرمة أكل ما كان حراما علينا قبل الإحرام أيضا. و عن صاحب الجواهر: فلو كان صيد هذه الأنواع المحرمة محرما للزم فيه الفداء بمقتضى ما مر من التلازم الظاهر من الآية و الأخبار، و التالي باطل مما عرفت من الإجماع، فتعين أن المراد بالصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم، و إلا للزم إما الفداء فيه مطلقا، و هو خلاف الإجماع كما مضى، أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية و الأخبار كما قدمناه، و لا سبيل إليه أيضا، فإن تخصيص الصيد فيهما بالمحلل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما، سيما و إن التخصيص و لو في الجملة لو عم الصيد لازم أيضا قطعا، و إشعار عبارة الراوندي بالإجماع موهون بما عرفت من الحكاية عن الأكثر التخصيص بالحلال، فلا مستند حينئذ لدعوى العموم في الصيد. فصار نتيجة البحث حصر الآية في الحلال و التلازم بينه و بين الكفارة، و عدم لزوم الكفارة في قتل المحرمات إلا الأسد مع اختلافهم فيه، و

مؤيد لما استظهرناه قول الشيخ في محكي المبسوط، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر، بل اختيار المصنف في النافع اختصاصه بالحلال خلافا لما في الشرائع حيث قال: (و قيل يشترط أن يكون حلالا) و النظر فيه يستدعي فصولا:

الأول الصيد
اشارة

قسمان

فالأول منهما ما لا يتعلق به كفارة

و عن بعض الاشكال عليه في التعريف لأولوية تقسيم الصيد على قسمين فالحكم بالجواز و عدمه، فقسم يجوز قتله، و الآخر لا يجوز قتله، فالأول لا يكون فيه كفارة، و في الثاني التفصيل ففي بعضه وجوب الكفارة، و في آخر عدمه. و في الثاني التلازم بين جواز القتل و عدم لزوم الكفارة

الإحصار و الصد، ص: 55

و هو صيد البحر كتابا «1» و سنة «2» و إجماعا بقسميه، بل هو كذلك بين المسلمين كما في المنتهى فضلا عن المؤمنين. ثم إن الصيد الذي يعيش في الماء دائما كالسمك فلا يحتاج في تعريفه إلى معونة بيان، و هكذا فيما يعيش في البر دائما و إنما الاشكال و الإبهام فيما يتردد بينهما في طوال العمر، و لأجل ذلك قال المحقق صاحب الشرائع: كصيد البحر و هو ما يبيض و يفرخ في الماء و عن صاحب الجواهر: و بحكم ذلك التوالد. و عن الأستاد حفظه الله: فيما شككنا في جواز قتله و عدمه عند عدم الدليل مقتضى الأصل جواز القتل. و مثله الدجاج الحبشي و عن صاحب الجواهر: المسمى بالسندي و الفرغر، و في المسالك: قيل إنه طائر أغبر اللون قدر الدجاج الأهلي، أصله من البحر، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص. منها صحيح معاوية بن عمار «3» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدجاج الحبشي فقال ليس من الصيد، إنما الصيد ما طار بين السماء و الأرض وصف). و منها صحيح جميل و محمد بن مسلم «4» قالا: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم فقال: نعم، لأنها لا تستقل بالطيران) إلى غير ذلك من النصوص

العامة لإباحة كل ما لا يصف و الخاصة للدجاج الحبشي، بل منها يستفاد أنه ليس بصيد، لعدم امتناعه خلافا للمحكي عن الشافعي فحرمه، قال: لأنه وحشي يمتنع بالطيران و إن كان ربما يألف البيوت، و هو الدجاج البري قريب من الأهلي في الشكل و اللون. و عن الأزهري (كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة أعتى الناس على الله تعالى فقالوا قولا لم يقله أحد، فعاقبهم الله بعقوبة ترونها الان بأعينكم، جعل رجالهم قردة، و برهم الذرة، و كلابهم الأسود، و رمانهم الحنظل و عنبهم الأراك، و جوزهم السرو، و دجاجهم الفرغر، و هو دجاج الحبش، لا ينتفع بلحمه لرائحته) و عن التهذيب: لاغتذائه بالعذرة. قال المحقق صاحب الشرائع: و كذا النعم و لو توحشت لعدم صدق اسم الصيد عليه أولا، و امتناعه بالعرض ثانيا، و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى نسبته إلى علماء الأمصار، مضافا إلى الأصل و إطلاق النصوص «5» الدالة على جواز ذبحها و ذبح الدجاج في الحرم و للمحرم عند الشك، فما عن مالك من عدم الجزاء للمستأنس منه و عدم جواز قتل ما توحش في غير محله، كالمحكي عن المزني من عدم الجزاء أيضا في المملوك منه، و عن الأستاد حفظه الله: ضرورة منافاته لإطلاق الروايات الواردة في الباب التي ذكرناها. قال المحقق صاحب الشرائع: و لا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة إلا الأسد فإن على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في المستثنى منه، بل عن صريح الخلاف و ظاهر المبسوط و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل.

الإحصار و الصد،

ص: 56

و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا ان المتيقن من قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ «1» مأكول اللحم كما هو الحق، و المحقق عدم التلازم بين لزوم الكفارة و محرم الأكل يكفي جريان أصالة البراءة عند الشك كما قلنا سابقا خلافا لما ذهب إلى أن يثبت حلية القتل بالاخبار عند الشك. و عن صاحب الجواهر: و أما المعتبرة المستفيضة المبيحة قتلها إذا إرادته أو خشيها على نفسه التي منها ما سمعته سابقا و منها قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر عبد الرحمن العرزمي «2» (يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه). و في خبر أبي البختري «3» المروي عن قرب الاسناد للحميري (يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره، و يقتل الزنبور و العقرب و الحية و النسر و الذئب و الأسد و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور). و منها صحيح حريز «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كلما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيره فليقتله، و إن لم يردك فلا ترده). و منها قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية «5» الذي عبر بمضمونه في محكي المقنع (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء و تضرم أهل البيت، و أما العقرب فإن نبي الله صلى الله عليه و آله مد يده إلى جحر فلسعته عقرب، فقال: لعنك الله لا برا تدعينه و لا فاجرا، و الحية إذا أرادتك فاقتلها، و إن لم تردك فلا تردها، و الكلب العقور و السبع إذا أراداك فاقتلهما، فإن لم يريداك فلا تردهما، و الأسود الغدر

فاقتله على كل حال، و ارم الحدأة و الغراب رميا عن ظهر بعيرك). و عن الأستاد حفظه الله: و فيه أولا معلومية استثناء صيد البحر منها، و ثانيا بعد عدم التلازم بين القتل و الكفارة في السباع لا يمكن استظهار الكفارة منها و عدمها، بل الحكم بسكوتها قريب من الفهم، نعم في قوله عليه السلام (إن أرادك فاقتلها) يدل على عدم وجوب الكفارة في قتله عليه. و منها صحيح معاوية بن عمار «6» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم قتل زنبورا قال: إن كان خطأ فليس عليه شي ء. قلت: لا بل متعمدا قال: يطعم شيئا من الطعام، قلت: إنه أرادني قال: إن أرادك فاقتله). و عن الأستاد حفظه الله معناها إن لم يردك فلا تقتله، و إن قتلته فعليك الكفارة في قتله، و بناء على ما قلنا سابقا من عدم لزوم الكفارة في قتل السباع مطلقا يمكن حمله على السباع كما ذهب إليه بعض لأن في قتل الصيد كفارة وقع القتل عمدا أو خطأ أو جهلا. و منها مرسل المقنعة «7» قال: (سئل عن قتل الذئب و الاسد فقال: لا بأس بقتلهما للمحرم إن أراداه) و لكن مع ذلك

الإحصار و الصد، ص: 57

كله في رواية ضعيفة يحكم الامام عليه السلام بلزوم الكفارة في قتل الأسد و هي خبر أبي سعيد المكاري «1» قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل قتل أسدا في الحرم قال: عليه كبش يذبحه) و عن صاحب الجواهر: و هو مع ضعفه و اختصاصه بالحرم، و لذا اقتصر عليه في الدروس محلا كان أو محرما خال عن التقييد بعدم الإرادة و إن قيده الشيخ بذلك جمعا

بينه و بين غيره المجوز لقتله مع الإرادة، و لكن قد يناقش بأن الخبر و إن كان ضعيفا و لكنه معتضد بالمحكي عن الفقه المنسوب «2» إلى الرضا عليه السلام (و إن كان الصيد أسدا ذبحت كبشا). و عن الأستاد حفظه الله: و إن قلنا سابقا يكفي في حلية جواز القتل عند الشك أصالة البراءة و لكن مقتضى الاحتياط إتيان الكبش للكفارة عند القتل فإذن تلخص مما اخترناه هو عدم لزوم الكفارة في قتل السباع أرادك أم لم يردك إلا الأسد فإن على قاتله كبشا على ما ذهب إليه صاحب الشرائع أيضا خصوصا إذا كان في الحرم لمورد السؤال انتهى. و عن الأستاد حفظه الله: و أما اختصاصه بالحرم و عدم شموله للمحرم خارج الحرم فيمكن إثباته بوجهين، الأول خبر أبي سعيد المكاري السابق المعتضد بالمحكي عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام و بما سمعته من الإجماعين في الغنية و الخلاف و بما قيل (من أن كل ما يحرم قتله في الحرم يحرم قتله على المحرم) و لكن الأحوط عليه الكبش إن كان في الحرم: و قد أوردناه توضيحا لما سبق و لو لم يكن واجبا. قال المحقق صاحب الشرائع: و كذا لا كفارة فيما تولد بين وحشي و أنسي أو بين ما يحل للمحرم و ما يحرم و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشارة إلى أنه لا يمكن القول مطلقا بعدم حرمة قتل ما توحش و ما تؤنس، و عدم الكفارة فيهما بخلاف ما هنا، و لأجل ذلك أطلق الماتن الحكم بعدم الكفارة فيما تولد بين وحشي و أنسي و عدم حرمة قتل ما تولد منهما كالمتولد بين الظبي و الشاة، و

إن قيل إن حرمة القتل منوط بصدق اسم الصيد عليهما، و إذا لم يكن كذلك بل كان أحدهما أهليا و الآخر وحشيا لم يكن الصيد حراما، فنقول هذا صرف ادعاء. (أو بين ما يحل للمحرم و ما يحرم) كالمتولد بين القردة و الشاة فإن كان محرم الأكل فلا كفارة في قتله بخلاف ما إذا كان محلل الأكل لأن في قتله كفارة. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بلزوم رعاية الاسم في ما تولد منهما كان حسنا، هذا إذا كان المتولد منهما لا يشتبه، و أما إذا اشتبه الأمر و لا يمكن الإدخال فيما امتنع و ما لا يمتنع فمقتضى الأصل عدم حرمة القتل و عدم وجوب الكفارة إن قلنا بعدم حرمة قتل كل دابة على المحرم إلا ما استثني، و إن قلنا بها فلو لم يكن له اسم كالسمع المتولد بين الذئب و الضبع و لكن يمكن إدخاله فيما امتنع جنسه بالأصالة فحينئذ يحرم قتله و تجب الكفارة لعموم حرمة قتل كل دابة على المحرم إلا ما استثني، لدخوله فيما نهي عن قتل السباع ما لم يردك. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو قيل يراعى الاسم كان حسنا و عن الأستاد حفظه الله: و فيه ما لا يخفى لعدم كفاية صدق الاسم في الحكم بجواز القتل و وجوب الكفارة، نعم إن كان مراده أن الصيد إذا صار ممتنعا بالذات فعليه

الإحصار و الصد، ص: 58

الكفارة في قتله و لو استأنس عارضا فصحيح، و لكن البحث فيما تولد و استأنس ذاتا و أما إذا كان ممتنعا بالذات و استأنس بالعرض فلا، فالصحيح عند الأستاد (لو قيل يراعى الاسم و كان ممتنعا فقتله حرام و إلا

فلا). قال المحقق صاحب الشرائع: و لا بأس بقتل الأفعى و العقرب و الفأرة و مقتضى ظاهر العبارة هنا عدم حرمة قتلهن و عدم وجوب الكفارة فيهن، خلافا للفرع السابق الذي يمكن القول بحرمة قتلهن لما سمعت في صحيح معاوية بن عمار «1» عن الصادق عليه السلام (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة) الذي يكون ظاهرا في جواز قتل المستثنى مطلقا و لو لم يردك، نعم في بعض الروايات جواز القتل يكون مقيدا بصورة الإرادة كقول الصادق عليه السلام في صحيح حريز «2» (كلما خاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله، و إن لم يردك فلا ترده) و في خبر ابن عمار «3» (و الحية إن أرادتك فاقتلها، و إن لم تردك فلا تردها) و لأجل ذلك وقع الكلام في أنه هل يمكن تقييد إطلاق النهي عن قتل الدواب الذي هو كالصريح في بعض النصوص السابقة بغير السباع أم لا يمكن التقييد بغيرهن بل لا بد و أن يبقى الإطلاق على حاله و القول بحرمة قتلهن إلا مع الإرادة، و لكن التدبر فيها أجمع يقتضي جواز القتل في هذه الثلاثة لأن قتلها مطلوب رأسا لأن الفأرة هي التي توهي السقا و تضرم أهل البيت، و أما العقرب فإن نبي الله مد يده إلى الجحر فلسعته عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لعنك الله لا برا تدعينه و لا فاجرا، بخلاف السباع الذي لا يكون في قتلهن مطلوبية فلا بد حينئذ من الجمع بين ما أمر بقتله مطلقا أراد أم لم يرد و بين ما لم يرد بحمل الثاني على الكراهة و الجواز في

الأول. قال المحقق صاحب الشرائع: و برمي الحدأة و الغراب رميا و عن الأستاد حفظه الله: و مقتضى قول الصادق عليه السلام: (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها) لزوم الاجتناب عن رميهما أيضا، و لكن استثني من عمومها الحدأة و الغراب كما استثني منها غيرهما، هذا مما لا إشكال فيه و لا كلام إنما الكلام في أن الاستثناء هل هو يشمل الرمي دون القتل أو هو أعم من القتل و الرمي؟ ظاهر النصوص المزبورة جواز رميهما لا قتلهما إلا إذا اتفق إفضاء الرمي إلى القتل، خلافا للمحكي عن المبسوط فجوز قتلهما، بل يظهر منه الإجماع عليه، ثم جواز الرمي الذي يمكن إفضائه إلى القتل هل هو مقيد بكونه عن ظهر البعير كما ذكر في صحيح معاوية بن عمار «4» عن أبي عبد الله عليه السلام (و ارم الغراب و الحدأة رميا عن ظهر بعيرك) أم هو أعم منه و من غيره، مقتضى اختيار الأستاد حفظه الله و ظاهر المتن و غيره العموم، و ربما يؤيده ما سمعته في خبر محمد بن فضيل «5» (لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة) و في خبر حنان بن سدير «6» (و الغراب الأبقع ترميه) بل عن الشيخ تقييد جواز الرمي للغراب و الحدأة بالمحرم و ذلك لانصراف الآية و الرواية عنده بما عدا المحرم من الصيد، خلافا للأستاد حفظه الله حيث خص الصيد بالمحلل، فيمكن استثناء ما كان قتله حراما بمعونة الروايات، ثم هل هما ضربان

الإحصار و الصد، ص: 59

مأكول و غير مأكول؟ فيه خلاف اختار صاحب الجواهر: أنه ضرب واحد و هو مأكول اللحم، و لكن عن صاحب الرياض الاعتراف بأنهما ضربان مأكول و غير مأكول، حيث قال:

(لا بأس به إن لم نقل بحرمته مطلقا، لإطلاق ما دل على حرمة الصيد من الكتاب و السنة المتواترة الشامل لما حل من الغراب، و تقييده بما عدا الغراب لهذين الصحيحين و هما قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار «1» (و ارم الحدأة و الغراب رميا عن ظهر بعيرك) و قول الصادق عليه السلام في خبر حنان بن سدير «2» (و الغراب الأبقع ترميه) و إن أمكن لكنه ليس بأولى من تقييد إطلاقهما بما عدا المحلل، فإن التعارض بينهما و بين الكتاب عموم من وجه، لان التعارض بين الكتاب و السنة في الغراب الحلال و من هنا يقدم صاحب الرياض تخصيص الآية على الرواية. و عن صاحب الجواهر: ما ملخصه، أولا نمنع كونهما على ضربين مأكول اللحم و غير مأكول اللحم و على فرض تسليمه يكون التعارض بينهما هو العموم و الخصوص مطلقا، بل إن قلنا إن المحرم في الكتاب خصوص أكل الصيد أو قتله كان بينهما التباين. و عن الأستاد حفظه الله: سلمنا الفرق بين القتل و الرمي: و لكن مقتضى ظهور النصوص المزبورة عدم البأس بالقتل إذا اتفق إفضاء الرمي إليه، فالمتجه ما ذهب إليه صاحب الرياض، و لكن لصاحب الجواهر أن يقول: يجوز له الرمي من دون إفضائه إلى القتل فالمتجه بينهما التباين، هذا كله إن قلنا بكون الغراب على ضربين، و أما إن لم نقل بذلك ففي فصحة من ذلك، لان مقتضى الآية كما عرفت سابقا عموم الصيد للمحلل و المحرم، و مقتضاه عدم الفرق بين الحدأة و الغراب و غيرهما، كما أن مقتضاه عدم الفرق بين القتل و التنفير و غيرهما من أنواع الأذى، لكن مقتضى الرواية

السابقة جواز رمي الغراب و الحدأة عن ظهر البعير مطلقا، و لا ريب في أنه خاص بالنسبة إلى ذلك مطلقا، هذا إن لم نقل بوحدة المطلوب كقول القائل: أعتق رقبة ثم بعد ذلك يأمر بعتق رقبة مؤمنة، لان مقتضى ذلك تفسير الآية بالرواية و لكن ظاهر النصوص يأبى عن ذلك. قال المحقق صاحب الشرائع: و لا بأس بقتل البرغوث كما في القواعد، و عن موضع من المبسوط، و عن صاحب الجواهر للأصل. و عن الأستاد حفظه الله: مجرى الأصول يكون مع فقد الامارة، و مع وجودها لا تصل النوبة إليها، إلا مع عدم شمول الدليل في مورد يشك فيه، و أما إذا لم يكن كذلك كما نحن فيه لوجود الدليل العام الشامل بعمومها الاحتراز عن كل دواب كقوله عليه السلام (إذا أحرمت فاتق الدواب كلها) فلا يصح التمسك بالأصل، و لذلك بعد قوله للأصل، يقول: و قول الصادق عليه السلام في مرسل ابن فضال «3» (لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم) و هو مخصص لعموم قوله عليه السلام: (فإذا أحرمت إلخ) و ما في محكي السرائر عن نوادر البزنطي عن جميل «4» قال: (سألت أبا عبد الله

الإحصار و الصد، ص: 60

عليه السلام عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا أذاه قال: نعم) و هو أيضا كقبله عام، نعم قيد السائل الجواز بالأذية، و لذلك يمكن الحكم بسكوته عن غيره، بمعنى عدم وجود مفهوم الموافقة فيه حتى يمكن الحكم بعدم جواز القتل إن لم يؤذ، فمقتضى هذه كلها تخصيص العام الشامل لوجوب الاجتناب للمحرم عن كل دواب. و خبر زرارة «1» عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن المحرم يقتل البقة

و البرغوث إذا رآه قال: نعم) مقتضى ذلك جواز القتل حتى مع عدم الإرادة، نعم في رواية ظاهرها عدم جواز قتل البرغوث، و هي خبر زرارة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يحك المحرم رأسه؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة) لعمومها البرغوث. و عن الأستاد حفظه الله: يمكن تخصيص ما يقول بالجواز بما إذا لم يتعمد في قتله. قال المحقق صاحب الشرائع: و في الزنبور تردد و منشأ الترديد اختلاف الروايات كما سمعته من النهي في النصوص السابقة عن قتل ما لم يردك من المؤذيات، و في بعض آخر جواز القتل مع الكفارة. و عن صاحب الجواهر: من الأصل و كونه من المؤذيات و معنى ذلك عدم البأس بالقتل عند الشك في الجواز و عدمه. و لكن عن الأستاد حفظه الله: مقتضى قوله عليه السلام: (فإذا أحرمت فاتق الدواب كلها) حرمة ما يدب في الأرض إلا ما خرج بالدليل، و مما يمكن التمسك به لأجل خروج بعض ما يدب في الأرض عن عموم المنع خبر غياث بن إبراهيم «2» عن الصادق عليه السلام قال: (يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود الغدر و الذئب و ما خاف أن يعدو عليه و قال الكلب العقور هو الذئب). و عن الأستاد حفظه الله: و فيه احتمالان: الأول عدم البأس بقتل الزنبور مطلقا، و أما غيرها من المؤذيات فجواز قتلها مقيد بالخوف، الثاني: من الممكن القول بأنها من مصاديق ما يخاف، و حينئذ لا يجوز قتلهن إلا مع الإرادة، و أما مع عدمها فيبقى تحت عموم المنع، هذا كله إن قلنا أن المراد من الخوف في الحديث يكون شخصيا، و أما إن لم

نقل به بل قلنا مراده عليه السلام من الخوف يكون نوعيا فإذن الحكم هو جواز القتل أراد أم لم يرد. و مما يؤيد ما قلناه خبر أبي البختري «3» المروي عن قرب الاسناد للحميري عن علي عليه السلام قال: (يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره، و يقتل الزنبور و الحية و النسر و الذئب و الأسد و ما خاف أن يعدو عليه من السباع و الكلب العقور). و عن الأستاد حفظه الله: معنى ذلك جواز قتل الأسد و الزنبور مطلقا مع أن الأصحاب رضوان الله عليهم جوزوا قتل الأسد حيث أراد، و مع ذلك يجب عليه الكفارة، هذا كله إن لم نقل بأنه من مصاديق ما يخاف، و أما إن قلنا بأنه من مصاديق ما يخاف يقيد بما إذا أراد و مع عدمها يبقى عدم جواز القتل تحت عموم المنع، و لأجل ذلك وافق الأستاد الماتن و قال: و الوجه المنع و معنى ذلك أن المتيقن من الأدلة عدم جواز قتله مطلقا، بل جواز القتل مقيد بصورة الإرادة، و لأجل ذلك و لو تردد ابتداء في الجواز و عدمه و لكن بعد ذلك حكم بالمنع في فرض عدم الإرادة.

الإحصار و الصد، ص: 61

قال المحقق صاحب الشرائع: و لا كفارة في قتله خطأ و في قتله عمدا صدقة و لو بكف من طعام لصحيح معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم قتل زنبورا قال: إن كان خطأ فليس عليه شي ء، قلت: لا بل متعمدا قال: يطعم شيئا من الطعام، قلت: إنه أرادني، قال: إن أرادك فاقتله). و عن الأستاد حفظه الله: و فيها دلالة على عدم

وجوب شي ء على المحرم، إن قتل زنبورا خطأ بخلاف قتله عمدا حيث قال عليه السلام: (عليه إطعام شي ء من الطعام). و هل مقتضى قوله عليه السلام: (إن أرادك فاقتله) وجوب الكفارة أم لا؟ و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بجواز القتل للمحرم مع الإرادة فالحق سقوط الكفارة عنه، مع أن الإرادة لا يذهب التعمد في القتل، و لو قلنا بأن العامد تارة يتعمد بالقتل لخوف و أخرى من دونه هذا كله مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه و إنما الإشكال في أن الماتن قال: (و في قتله عمدا صدقة و لو بكف من طعام) خلافا للنصوص المتفقة على أن للقاتل شي ء من طعام لا مطلق الصدقة و لو بكف من طعام، كما هو ظاهر المتن، و لعل التقدير بها لأنه أقل ما ينتفع به الفقير، و أقل ما قدر به ذلك من الطعام في غيرها. هذا مع أن مقتضى قوله عليه السلام: (يطعم شيئا من الطعام) عدم كفاية غيره من الدرهم و غيره، و لكن عن بعض و هو الشيخ في المبسوط إنه فسر الشي ء بالتمر، لقول القائل: (ادفع الخطر عنك و لو بتمرة) خلافا للأستاد حفظه الله حيث قال: لا يمكن تفسير الشي ء بالتمر، و عن المقنعة: إن كان الزنبور واحدا فليتصدق بتمرة و عن القواعد أضاف إليها: و شبهها و عن الأستاد حفظه الله: و لم يعلم مراده بها هل هو التمر أو الزبيب أو الكف أو غير ذلك و لكن الأخير خلاف الظاهر. ثم إنه قد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في قتل الكثير منه، و عن الكافي (فإن قتل زنابير فصاع، و في قتل الكثير دم شاة) و

عن الفقيه و المهذب (في الكثير منه شاة). و عن الأستاد حفظه الله: كل ذلك خلاف ما سمعت من النصوص، لان مقتضى الروايات الواردة في حكم الزنبور هو الحكم بإعطاء كف من الطعام إن كان المقتول واحدا، و إن كان كثيرا فلكل واحد منها كف من طعام، و عن بعض إيجاب الشاة لكثيره، للحمل على الجراد. و عن الأستاد حفظه الله: حمل كثير الزنبور في الكفارة على الجراد قياس. و عن بعض أن موردها كبعض العبارات الزنبور المتحد فالمتعدد و الكثير خال عن النص فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل و هو البراءة. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشكال لعدم إمكان أن نقول: في الواحد كف من طعام، و لكن في كثيره لزوم الرجوع إلى الأصل و هو البراءة كقولنا لمن يفطر صومه في شهر الصيام عمدا: عليك عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين، و إن أفطرت شهرا كاملا فلا يجب عليك شي ء. نعم يمكن القول به إن قلنا بتداخل الأسباب، و لكن لم أر القول الأخير في فتاوى الأصحاب. ثم إن طيور الحرم كما حققناه في محله صيده حرام للمحرم و حرام عليه أيضا لحرمة الحرم، و لا يجوز التعرض لطير الحرم و الأخذ منه و لكن مع ذلك اختلف الأصحاب في الدباسي و القماري و اختار بعض جواز شرائهما دون القتل و منهم

الإحصار و الصد، ص: 62

صاحب الشرائع حيث قال: و يجوز شراء القماري جمع قمرية بالضم ضرب من الحمام. و القمرة بالضم لون الخضرة أو الحمرة فيه كدرة و الدباسي جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد و الحمرة، و منه الدبسي لطائر أدكن يفرف

و إخراجهما من مكة على رواية العيص بن القاسم بل حسنة بل صحيحة «1» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء القماري يخرج من مكة و المدينة قال: لا أحب أن يخرج منها شي ء) و الأمر يدور بين إبقاء لفظ (لا أحب) على ظاهره من الكراهة و بين صرفه عن ظاهره إلى التحريم، فالأول أولى مما يقتضيه الإنصاف من دلالة الصحيح على جواز الإخراج من مكة و لو بملاحظة حكم المدينة المعلوم أنه الجواز. و لذلك اختار صاحب الشرائع هنا جواز إخراجهما و شرائهما لان مورد السؤال أمران و هما الشراء و الإخراج و أجاب عليه السلام بقوله: (لا أحب) و هو يرجع إلى الأخير و لا مساس له بالأول، و لذا حكم بالجواز و الخروج معا، و تبعه صاحب الجواهر في ذلك أيضا. و مما يؤيد أو يدل أن كلمة (لا أحب) لا بد و أن يحمل على ظاهره و هو الكراهة عطفه عليه السلام المدينة بمكة و نحن بعد أن علمنا خارجا كراهة خروج طير المدينة فإذن يمكن الحكم بالكراهة فيهما. و عن الأستاد حفظه الله: يمكن حمل كلمه (لا أحب) مع ظهورها في الكراهة على عدم الجواز و هو شائع في العرف، كمن يريد أن يظهر انزجاره عن الشيئين الذين يهديهما أو أحدهما إليه يبرز بكلمة (لا أحب) مع أنهما أو أحدهما حرام عليه شرعا في الواقع و نفس الأمر و إذا كان كذلك يبقى الاحتمال المزبور و هو دوران كلمة (لا أحب) بين الكراهة و الحرمة على حاله. و عن الأستاد حفظه الله: و فيهما نصوص فلا بد من إطلاق النظر إليها و هل أن حكم الجواز مختص بالإخراج

و الشراء أم هو أعم منهما و من القتل و الإخراج و عدم ردها إلى مكة و التصدق بثمنه إذا تلف أيضا أم لا؟ و منها صحيح علي بن جعفر «2» قال: (سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة فقال: يرده إلى مكة) و نحوه صحيحة الآخر «3» عن أخيه موسى عليه السلام و زاد فيه: (فإن مات تصدق بثمنه). و فيهما حكم عليه السلام بالعود إليها بعد الإخراج عنها، فلا يمكن استفادة عدم جواز الإخراج منها، نعم هما ساكتتان عن عدم جواز شرائهما، و لكن مع ذلك يمكن استظهار عدم جواز شرائهما من عدم جواز إخراجهما عن قوله عليه السلام (يرده إلى مكة) بمعنى أنهما كسائر طيور الحرم في عدم جواز التعرض لها. و منها قال علي بن جعفر عليه السلام «4» في الصحيح (سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق به) و فيه عدم جواز إخراج الحمام مطلقا.

الإحصار و الصد، ص: 63

و منها عن يونس بن يعقوب «1» قال: أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام إن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها معا إلى مكة فاعتمرنا و أقمنا إلى الحج، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة، فعلينا في ذلك شي ء؟ فقال للرسول: فإنهن كن فرهة، فقال: قل له يذبح مكان كل طير شاة. و عن الأستاد حفظه الله: و هل يكون للإمام عليه السلام قرينة على أن السائل أخرج الحمام من الحرم و ذبحها في الكوفة و لذلك حكم بالشاة في قتل كل واحد منها

و هل الجزاء الذي عينه الامام عليه السلام لمخرج الطير من الحرم كانت لطير المدينة أو لحرمة الحرم لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و ملخص كل ذلك إن كان في البين دليل على عدم حرمة إخراج طير المدينة و عدم وجوب الجزاء لها إن أخرجت منها فإذن وجوب الفداء في بعض النصوص و عدم جواز إخراجها فيه مختص بطيور الحرم، و لا فرق في ذلك بين المحرم و غيره، و فيه تأييد لما استظهرناه من الاحترام الخاص بمكة و إذا أدخلت الحمام فيها فليس عليك إخراجها. و منها مرسل يعقوب «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها، فإذا أدخلته مكة فليس لك أن تخرجه). و منها عن علي بن جعفر قال: (سألت أخي موسى عليه السلام «3» عن حمام الحرم يصاد في الحل، فقال: لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه دلالة على أن الاحترام مخصوص بالحرم فلا يجوز لأحد أن يخرج حمام الحرم و لا يجوز أكله و لا صيده: فتلخص مما قدمناه لك حرمة إخراجها منها حتى القماري و الدباسي. و مما يدل على أن كلمة (لا أحب) لا يمكن حملها على ظاهرها و هي الكراهة بل لا بد و أن يحمل على معناها الحقيقي و هو الحرمة وجود كلمة (شي ء) في ذيل رواية العيص بن القاسم و هو من ألفاظ العموم، فلا يمكن القول بالكراهة فيهما و بالحرمة في غيرهما، و خلاصة ما حررنا لك أنه لا فرق في حرمة الخروج بين القماري و الدباسي و غيرهما و

لو ذهب الماتن و الشيخ إلى الجواز و لكن العلامة اختار حرمة إخراج، كل ذلك لعدم مقاومة النصوص الدالة على جواز إخراج في مقابل الروايات الناهية على عدم جواز إخراجها عن مكة. و عن صاحب الجواهر: فمن الغريب عن المختلف و التذكرة من الاستدلال بالصحيحة على الحرمة، و عن الأستاد حفظه الله: قلنا مقتضى رواية العيص عدم الجواز إن لم نقل بحرمة إخراجها منها فتصير الرواية مجملة فلا تصلح حجة لأحد القولين لان كلمة (لا أحب) إن كانت ترجع إلى المدينة فمعناها الكراهة و إن كانت ترجع إلى مكة فمعناها حرمة الإخراج. و إن ادعي إرادة القدر المشترك بين الكراهة و الحرمة من قوله عليه السلام (لا أحب) حتى يصير مثل اغسل للجمعة و الجنابة فالأول موافق للنصوص و حيث لا دليل على الكراهة أو الجواز بالنسبة إلى طيور مكة و الحكم بحرمة إخراجها كلها حتى القماري و الدباسي.

الإحصار و الصد، ص: 64

ثم إن جواز الإخراج منها مختص بالقماري، و لكن ألحق الماتن به الدباسي مع أنه ليس فيها أي في الصحيحة و غيرها أثر منه، و عن صاحب الجواهر: نعم هو خاص بالقماري و يمكن إتمامه بعدم القول بالفصل. و عن الأستاد حفظه الله: و أشكل عليه الأصحاب بأنه خلاف مقتضى التحقيق. نعم يمكن أن يكون القائل بعدم الفصل سعة تتبعه أزيد منا و أنى بإثبات ذلك. و عن كشف اللثام: من أنه ليس فيها أي في الصحيحة و لا في شي ء من الفتاوى إلا الإخراج من مكة لا الحرم. و عن ابن إدريس عدم جواز الإخراج عن الحرم، فلا يخالفه منع ابن إدريس من الإخراج منه، فيمكن إرجاع قوله إلى ما عن الشرائع

و عن المبسوط، و هو جواز الإخراج من مكة. نعم نص الشهيد على جواز الإخراج عن الحرم، و عن كشف اللثام: لم أعرف جهته، و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه من عدم جواز الإخراج عن مكة يمكن أن يكون بمقتضى فهمه الكراهة أو الحرمة من كلمة (لا أحب) يمكن أنه يرى التلازم بينها و بين الحرم، و نتيجة ذلك إن قلنا بجواز الإخراج عن مكة دون الحرم فيصير الحرم بمنزلة بيت من بيوت مكة، و إن قلنا بعدم جواز الإخراج منها فلازم ذلك عدم جواز الإخراج من الحرم أيضا، فيصير مخالفا لما ذهب إلى جواز الإخراج من الحرم دون مكة و موافقا لما اختاره صاحب الجواهر من التلازم بين عدم جواز الإخراج من مكة و الحرم و هل يمكن قبول هذا التلازم؟ عن الأستاد حفظه الله: و فيه قولان: الأول عدم إمكان القول بالتلازم المذكور لانه من الممكن القول بأنه أخرجه من الحرم دون مكة، الثاني إمكان القول به، و فيه إن قلنا مكة كلها منحر فما اختاره صاحب الجواهر صحيح، و إن قلنا بعدمها فلا، فإذن لا يمكن القول بأن جواز الإخراج عن مكة ملازم للإخراج عن الحرم، و مما تمسك به صاحب الجواهر لإثبات جواز الإخراج عن مكة قوله في ذيل عبارته (و لو بترك الاستفصال). و عن الأستاد حفظه الله: توضيح ذلك، و قد سأل الراوي عن رجل أخرج القماري عن مكة، و ترك الامام عليه السلام الاستفصال عن مكة إلى الحرم أو بالعكس أو كليهما حاك بعدم الفرق بينهما، و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشكال لإمكان القول بأن ترك الاستفصال حاك عن جواز القتل و عدمه

أيضا، و لأجل ما ذكرنا يقول صاحب الشرائع: و لا يجوز قتلهما و لا أكلهما و عن الأستاد حفظه الله: و لا يكون في كلامه رحمه الله تفصيل من ناحية ممنوعية القتل و الأكل. و هل هما يختصان بالحرم أم هما أعم منه و من خارج الحرم أيضا؟ عن كشف اللثام: يشمل اتفاقا للمحرم و لغيره في الحرم. و عن صاحب الجواهر، بل ظاهر غيره المفروغية من ذلك للعمومات و ما تسمعه من خبر سليمان بن خالد «1» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام ما في القمري و الدبسي و السماني و العصفور و البلبل؟ قال: قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم. و إن سلمنا جواز شرائهما و إخراجهما عن مكة هل يمكن تسليم جواز قتلهما في خارج الحرم أيضا، قال في الدروس: القماري و الدباسي مستثنى من الصيد فيجوز على كراهة شرائهما و إخراجهما من الحرم للمحل و المحرم على الأقوى لا

الإحصار و الصد، ص: 65

إتلافهما، بل إن خرج بهما لا يجوز قتلهما للمحل في خارج الحرم أيضا كما احتمل في المسالك تحريم الإتلاف و الأكل لو خرج بهما المحل من الحرم لتحريمها في الحرم ابتداء خرج منه الإخراج بالدليل فيبقى الباقي تحت الحرمة، و عن صاحب الجواهر، و إن كان فيه ما لا يخفى. و عن الأستاد حفظه الله إن كان مقتضى الروايات عدم جواز القتل و الأكل و لو عن المحل في خارج الحرم، فما ذهب إليه المسالك حق لخبر زرارة «1» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخرج طيرا من مكة إلى الكوفة فقال: يرده إلى مكة، فإن مات تصدق بثمنه) نعم إن خرج

بنفسه عن الحرم يخرج من حكم الصيد اتفاقا. و في كشف اللثام بعد نقل خبر سليمان بن خالد «2» قال: لدلالته على أنها كسائر الصيود، و حينئذ معنى كلمة (لا أحب) حرمة قتلها على المحرم في الحرم حتى الشراء و الإخراج. و عن صاحب الجواهر: قلت لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه عدم الوقع لهذا الكلام بعد أن كان المستثنى الشراء و الإخراج دون القتل و الإتلاف في الحرم أو في الإحرام. و عن الأستاد حفظه الله: و قد ظهر لك من مطاوي ما استظهرناه من الروايات مساواة القمري مع سائر الطيور في المنع حتى الإخراج فيحصل التعارض بين روايتي العيص و الخالد لان مقتضى رواية العيص جواز الإخراج خلافا لما اقتضاه رواية خالد حيث كان مضمونه المنع مطلقا حتى الإخراج، اللهم إلا أن يقال باستثناء الشراء و الإخراج منه دون القتل و الأكل. كان البحث في الصيد سابقا و قلنا إنه قسمان فالأول منهما ما لا يتعلق به الكفارة و قد تقدم الكلام فيه مفصلا، قال المحقق صاحب الشرائع:

الثاني ما يتعلق به الكفارة
اشارة

و هو ضربان:

الأول ما لكفارته بدل
اشارة

و هو كل ما له مثل من النعم و مراده من المثل المماثلة في صفة الحيوانية لا القيمة، نحو البدنة في النعامة، و البقرة الأهلية في البقرة الوحشية و الشاة الأهلية في الظبي، و الأصل فيه قوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «3» لكن المصنف و غيره عدوا البيض من ذوات الأمثال، و لا مماثلة بينه و بين فدائه لا صورة و لا قيمة، و من هنا كان المدار على الثابت شرعا و لو لم يكن في العرف مماثلة. قال المحقق صاحب الشرائع: و أقسامه خمسة:

الأول النعامة

و في قتلها بدنة و عن الأستاد حفظه الله و لقد دار البحث فيها بين الأصحاب رضوان الله عليهم هل هي تنطبق على الناقة أو هي أعم منها و من الإبل؟ فتظهر الثمرة في براءة الذمة في الذبح ثانيا إن قلنا بالثاني، و أما إن قلنا إنها أي البدنة خاصة بالناقة فذبح الإبل لا يكفي في سقوط الذمة عند الشك في اشتغال الذمة و عدمه، فلا بد لتيقن براءة الذمة ذبح الناقة ثانيا ذهب بعض إلى الأول و هو انطباقها على الناقة و إن كان الموجود في الروايات هو انطباق البدنة للجزور أيضا إذ لا فرق بين البدنة و الجزور.

الإحصار و الصد، ص: 66

و عن صاحب الجواهر قال: مع فرض شمول البدنة للجزور و إلا فلا، قال الصادق عليه السلام في صحيح حريز «1» في قول الله عز و جل فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ قال: (في النعامة بدنة، و في حمار الوحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة) و قال أيضا في صحيح زرارة و ابن مسلم «2» (في محرم قتل نعامة عليه بدنة

فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن كان قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا و إن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة) و قال أيضا في صحيح سليمان بن خالد «3»: (في الظبي شاة، و في البقرة بقرة، و في الحمار بدنة، و في النعامة بدنة، و فيما سوى ذلك قيمة) و لكن في خبر أبي الصباح «4» سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل في الصيد مَنْ قَتَلَهُ إلى آخره قال: في الظبي شاة و في حمار وحش بقرة، و في النعامة جزور) و عن صاحب الجواهر: و لو قال المحقق في الشرائع: في قتل النعامة بدنة، و لكن لا بد و أن يعمم حتى تشتمل الذكر و الأنثى، و لذلك عند الشك في الاجزاء و عدمه لا بد و أن يذبح الناقة لصحة روايتها. و عن الأستاد حفظه الله: و ما ورد من النصوص في حكم كفارة النعامة على ما في الوسائل سبعة و قد صرح الامام عليه السلام في ستة منها للنعامة بدنة، و واحدة منها للنعامة جزور، و عن المشهور: في قتل النعامة بدنة، و عبارة بعض الأصحاب مشعر بالإجماع، بل هو المحكي عن أكثر مخالفينا أيضا، و عن صاحب الحدائق: أجمع الأصحاب على أن للنعامة بدنة، و لكن مع ذلك أفتى أن أي في النعامة جزور. و في محكي النهاية و المبسوط و السرائر و التذكرة و المنتهى: هو مشعر أو ظاهر في إرادة الجمع بين القولين أي الجزور و البدنة و مستند القائلين بالقول الأول هو النصوص لتعددها و

صحتها و اعتضادها بمعقد نفي الخلاف و الإجماع و أكثر الفتاوى، بل هو المشهور في التعبير نقلا و تحصيلا، و مستند القائلين بالقول الثاني قوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ و مراده سبحانه و تعالى من المثل في الآية الكريمة هو في الصورة تقريبا فإذن مثل النعامة في الصورة، و إطلاق البدنة على الأعم من الذكر و الأنثى في عبارات الأصحاب و رواية أبي الصلاح «5» السابقة (و في النعامة جزور). و أجاب الأستاد حفظه الله: و أما إطلاق الآية فقولهم: مراده تعالى من المثل، المثل في الصورة صحيح، إن لم يكن قيد زائدا على الآية في الرواية و إلا فلا بد و أن يؤخذ بمضمونها، و إلا فيوافق ما عن التذكرة من اعتبار المماثلة بين الصيد و فدائه، قال: ففي الصغير من الإبل ما في سنه، و في الكبير كذلك، و في الذكر ذكر، و في الأنثى أنثى، و لكن الإنصاف أن للبدنة إطلاق و لا يصح تقييدها بالمماثلة التي ذكرها العلامة، بل لا بد من إعطاء البدنة حتى للنعامة الصغيرة لارادتهم عن البدنة الجنس، و عن بعض لا فرق بين البدنة و الجزور إلا أن البدنة ما يحرز للهدي و الجزور أعم، و إنما سميت البدنة بدنة لعظم بدنها و سمنها.

الإحصار و الصد، ص: 67

و لكن مع ذلك كله إمكان الفرق بينهما لانطباق البدنة على الناقة دون الجزور بل هو أعم من الأنثى و الذكر و لأجل ذلك يختلف الفتاوى. و عن المشهور لا يمكن انطباق البدنة على غير الناقة و عن آخر: التخيير بين الأنثى و الذكر، و في محكي التذكرة: لا يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع، فمن

قتل نعامة و هو محرم وجب عليه جزور و نحوه عن المنتهى و هو مشعر أو ظاهر في إرادة الجمع بين القولين. فملخص الكلام: إن قلنا بوحدة القولين فهو و إلا فمستند عدم القائلين بالوحدة بين البدنة و الجزور قوله تعالى مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ كما قدمنا لك و رواية أبي الصباح، إلا أن في طريقه محمد بن الفضيل، بل في كشف اللثام: لا مخالفة بينه و بين النصوص السابقة و لا بين القولين كما يظهر من المختلف.

(بحث روائي) و عن صاحب الجواهر: اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم حول محمد بن الفضيل و هل هو الفضيل بن محمد بن قاسم أم غيره، و عن الوحيد البهبهاني الاعتراف بأنه هو الفضيل بن محمد بن القاسم، و عن المقدس الأردبيلي في شرح الفوائد إنه اعترف بصحة روايته و لكن عن الشيخ انه ضعفه. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بصحتها و قبولها فهو الفضيل بن محمد بن القاسم فعلى هذا لا يكون في البين معارض، فإذن التمسك بها لا مانع منه. و لكن كما قدمنا لك الترجيح مع روايات البدنة لصحتها و تعددها. و عن صاحب الجواهر ردا على ما عن التذكرة: قال و لم نقف له، أي لصاحب التذكرة على دليل سوى دعوى كونه المراد من المماثلة في الآية، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص المقتضي كون مسمى البدنة مماثلا للنعامة على كل حال، لأصالة براءة الذمة المكلف عند الشك في تكليف زائد على وجوب الأنوثية و الذكورية. قال المحقق صاحب الشرائع: و مع العجز تقوم البدنة و يفض ثمنها على البر، و يتصدق به لكل مسكين مدان، و لا يلزم ما زاد عن

ستين و قد اختلف الأصحاب عباراتهم بعد العجز عن البدنة فعن بعض: عليه شراء البر معادلا لقيمة البدنة و يتصدق به لكل مسكين مدان، و عن بعض: التصدق بنفس الدراهم، و عن آخر: إطعام ستين مسكينا، و عن بعض: لكل مسكين مد، و في العروة في باب كفارات الصوم: فإن عجز عن البدنة فعليه صيام ثمانية عشر يوما. و عن الأستاد حفظه الله: فإن عجز عن البدنة فعليه أن يعطي لكل مسكين مدين و إن عجز عن الإطعام فعليه التصدق بالدراهم، و إن عجز عن التصدق فيصوم، و خلاصة الكلام بعد العجز عن البدنة هل عليه البر أو مطلق الطعام؟ و قد اختلفت الروايات الواردة في باب الكفارات. منها ما عن الزهري عن علي بن الحسين «1» فيما رواه الصدوق في محكي المقنع و الهداية قال: أ تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال: قلت: لا أدرى فقال: يقوم الصيد قيمة عدل ثم تفض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر أصواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما)، و قبلها صاحب الحدائق، و عن صاحب الجواهر: لا قائل به، و عن الأستاد حفظه الله: يمكن أن يكون مراده قلة القائل، و معها يصير في حكم إعراض الأصحاب عنها، و أما البر أو مطلق الطعام

الإحصار و الصد، ص: 68

فالاحتياط يقتضي حمله على البر، و إن كانت الرواية ضعيفة سندا و لا يكون قابلا للاعتماد عليها، و مؤيد ما قلناه من حمل الطعام أو الإطعام عليه، أو انصراف الطعام إلى البر المتيقن من كل ما يسمى طعاما و على كل حال هو المتيقن هنا، و إن كان في الاجتزاء بغيره مما يجزي في الكفارات

لا بأس به، و مما يؤيد ما ذكرناه قوله عليه السلام: (ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع) أي عليك إتيان البر لكل مسكين مدان. و أما قوله عليه السلام (يطعم لكل مسكين مدا) فلا دلالة فيها على وجوب الإعطاء بل ظاهر في الإطعام، و كيف كان فالموجود في أكثر النصوص الواردة في الباب هو (الإطعام) أو (يطعم) إلا أن الموجود في رواية الزهري عن الامام السجاد عليه السلام هو البر، و تلك مطلقات لا يمكن تقييدها بغيرها على مذاق سيدنا الأستاد حفظه الله، فأذن رواية البر في نهاية القوة و إن كان في ما يسمى طعاما كفاية أيضا كما في سائر الكفارات و لا فرق في ذلك بين الإطعام و الإعطاء، لصحيح أبي عبيدة «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاءه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) الذي هو ظاهر في الإعطاء انتهى كلامه حفظه الله. بقي هنا شي ء، و هو تعيين مقدار ما يكفر لكل مسكين و هل هو مدان أو مد؟ و قد اختلفت الروايات في الباب. و الموجود في بعضها كفاية نصف صاع لكل مسكين كخبري الزهري «2» و أبي عبيدة «3» السابقين، إلا أن غيرهما من النصوص بين مطلق كصحيح زرارة و محمد بن مسلم «4» عن أبي عبد الله عليه السلام في محرم قتل نعامة قال: (عليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فان كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا

لم يزد على إطعام ستين مسكينا، و إن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة) و بين مقيد بالمد، كخبر أبي بصير «5» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال: عليه بدنة قلت: فإن لم يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين، قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة قال: عليه بقرة قلت: فإن لم يقدر على بقرة قال: فليطعم ثلاثين مسكينا قلت: فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم تسعة أيام قلت: فإن أصاب ظبيا، قال: عليه شاة، قلت: فان لم يقدر، قال: فإطعام عشرة مسكين، فإن لم يقدر على ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام. نعم خبر على بن جعفر «6» عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال عليه بدنة فإن لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما) ضعيف، كما أن خبر داود الرقي

الإحصار و الصد، ص: 69

«1» عن الصادق عليه السلام (فيمن عليه بدنة واجبة في فداء قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما) لا عامل به هنا، فتنحصر الروايات المعمول بها في المدين و المد و نصف صاع، فتتعارضان، و إنا اخترنا في حاشيتنا لكل مسكين مدان، و لو كان الحق الجمع بينهم. و عن المدارك اختيار المدين بحمل المدين على الأفضلية، و عن صاحب الجواهر: اختيار المدين هنا للاستحباب و المد في

باقي الكفارات و لعله للفرق بين المقام و غيره بتعارض حق الفقراء هنا، إذ هو تفريق للموجودين، بخلاف غيره فإنه دفع ممن عليه الكفارة، فلا بأس باستحباب دفعه المدين بخلاف ما هنا. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه ما لا يخفى. فالتحقيق يقتضي صحة ما اختاره المشهور و هو المدان لكثرة قائله، و لا يصح القول بأن مقتضى الاحتياط مدان لأن صحة الاحتياط في فرض وجوب المد و إن أراد درك الأفضلية فعليه إعطاء المدين، و لكن هنا كان الأمر من أول الأمر وجوب المدين، و عن بعض الجمع بإعطاء المدين إن وفى و إلا فلا يجب عليه إلا مد واحد. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه ما لا يخفى برجوع هذا الجمع إلى تعدد كفارات النعامة فتارة مدان و أخرى مد واحد، و عن صاحب الحدائق: ما اختاره العامة بعينه هو ما اختاره الخاصة و لأجل ذلك القول برفع اليد عن قول المشهور و هو المدان مشكل، و اختيار الأقل و هو المد أشكل. و عن كنز العرفان هو أي المدان اختيار أصحابنا، و فيه عدم وجود الإجماع للمخالف، و عن صاحب الجواهر هو الموافق بالفتاوى. و عن الأستاد حفظه الله: توضيح ذلك يرجع إلى وجود روايتين متعارضتين فمقتضى قوله عليه السلام: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) أن يجب علينا الأخذ برواية المدين و هو يرجع إلى قول صاحب المدارك الذي اختار المدين لاستحبابه و أفضليته، و عن بعض مقتضى صحيح ابن عمار «2» و أبي عبيدة «3» عموم و خصوص مطلقا. و عن الأستاد حفظه الله: قوله عليه السلام (من أصاب شيئا) عام لعدم تقييده بالمحرم أو المحل و هو مع

إطلاقه يحكم على العاجز عن البدنة أن يعطي لكل مسكين مدا، و قوله عليه السلام: (إذا أصاب المحرم الصيد فعليه نصف صاع) و هو خاص بالمحرم، و من جهة أخرى أيضا بينهما عموم و خصوص مطلقا لأن رواية أبي عبيدة يحكم بالمدين بخلاف رواية ابن عمار فإنها يحكم بالمد، فيخصص الأول بالثاني و فيهما اختلاف من جهة أخرى أيضا لأن جزاء كل صيد في رواية ابن عمار بدنة، بخلاف رواية أبي عبيدة فإن الواجب فيها بدنة في صيد نعامة، و لأجل ذلك يقدم المد على المدين. و عن بعض التخيير لعدم إمكان تقييد المطلقات، إلا أن الظاهر من الإطلاقات موافقة ستين مسكينا مع المد، لان الإطعام أعم من الإعطاء و غيره، و إذا كان كذلك فالحكم بالمد أقوى، و لكن المشهور اختار المدين. و مما ذكرنا يظهر عدم إمكان إثبات المدين عند الشك في الأقل و الأكثر فهل حينئذ لا بد و أن يؤخذ بالأكثر للاحتياط

الإحصار و الصد، ص: 70

أو إجراء براءة ذمته عن الأكثر للأصل لتقدم المدين على المد بالتعارض و لمطابقته لفتوى المشهور لا للاحتياط، بل و عدم قياس مطلق الكفارات مع ما هنا لان روايات باب الكفارات لا مساس لها بالباب، بل روايات باب كفارة النعامة مخصوصة بها. و أما عدم وجوب الزائد و لا إكمال الناقص: فعن الخلاف الإجماع على الأول. و عن صاحب الجواهر: فلا خلاف أجده فيه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص الدالة على الحكمين التي لا ينافيها إطلاق غيرهما من النصوص في إطعام الستين بعد تنزيله على ذلك لقوله عليه السلام: (أ تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري) و إن قرأناه بالكسر فيصير مساويا للمقدار،

و إن قرأناه بالفتح فيصير مساويا للحكم. و أما قوله تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ و قد اختلف الأصحاب في أن مقتضى كلمة (أو) هل هو التخيير من أول الأمر كما كان الأمر كذلك في غيرها كخصال الكفارات، أم هو الترتيب خلافا لمقتضى كلمة (أو). و عن بعض مخالفينا التخيير، لكن أصحابنا اختاروا الترتيب للروايات الواردة في الباب التي قيد الامام عليه السلام الحكم فيها بالعجز فإذا كان كذلك فالروايات حاكم و مفسر لإجمال الكتاب، فيتعين الترتيب، خلافا لمقتضى ما هو في الكتاب، و هو التخيير هذا، و إن كان المصرح في الروايات هو الصوم و لكن لا يجب عليه إطعام أكثر من ستين و لو زادت الأمداد على ستين مسكينا لصحيح محمد بن مسلم و زرارة «1» و مرسل جميل «2» و لذا لا يجب الزائد و لا إكمال الناقص. بقي شي ء في البين و إن لم يتعرض به الماتن و لكن تعرضه صاحب الجواهر، و هو تعيين المراد من حكم العدلين الوارد في قوله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ و عن بعض اعتبار الشاهدين العدلين، بمعنى أنهما يعينان المثلية في الجزاء إن لم يكن متعينا و أما في فرض التعين لا يحتاج إلى تعيينهما، و إذا كان كذلك ينافي اعتبار الحكم، و أما إن قلنا بعدم اعتبار التعدد في الحكم كما في الكافي و العياشي عن الباقر و الصادق عليهما السلام (و العدل رسول الله صلى الله عليه و آله و إلامام من بعده، ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب) فالاية تكون دليلا على أن المراد من (ذوا عدل) النبي صلى الله عليه و آله و الإمام من بعده لأن الألف في

(ذوا عدل) من تصرف نساخ القرآن خطأ و الصواب عدم نسخها، و ذلك إن قلنا بلزوم ثبوت الالف فيه فيفيد أن الحاكم لا بد و أن يكون اثنين، و الحال أنه واحد و هو الرسول صلى الله عليه و آله في زمانه ثم كل إمام في زمانه على سبيل البدل، هذا مما اختاره الأستاد حفظه الله. و لكن عن صاحب الجواهر: ذهب المفسرون إلى غير ذلك، و هو اعتبار التعدد في الحكم، و من هنا قال الطبرسي عليه الرحمة في جوامع الجامع و المقداد في آيات الأحكام: (يحكم به رجلان عدلان فقيهان) خلافا لما اختاره الفقهاء عليهم رضوان الله من أن اعتبار التعدد ينافي الحكم، هذا كله إن كان المثل معينا، و أما إن لم يكن معينا فإن شهدا على تعيينه فهو، و إلا أي و إن لم يكن في البين شاهد فحينئذ يرجع الاختلاف تارة إلى القيمة و أخرى إلى العين، فالأول مجرى البراءة خلافا للثاني لعدم إمكان إجراء البراءة فيه بل هنا يلزم مراعاة الاحتياط و إعطاء الأكثر.

الإحصار و الصد، ص: 71

إيقاظ: و قد تبين لك مما قدمناه أن الحق في الآية الكريمة هو الترتيب بمعنى أنه بعد العجز عن البدنة تقوم ثمنها على البر، و يطعم الطعام فإن عجز عن إطعام الطعام صام عن كل مدين يوما. فإن لم يتمكن عن البدنة و لكن كان قادرا على أن يعطي الدراهم لمن يشتري الطعام فهل يصدق عليه أنه عاجز أم لا؟ اختار الأستاد حفظه الله أنه لا يكون عاجزا بل عليه إعطاء الدراهم لاشتراء الطعام و الإعطاء لكل مسكين حقه، و هل عليه شراء البر أم لا يكون مقيدا به كسائر الكفارات؟ فعن

بعض عدم وجوب شرائه بل له هنا ما عليه في سائر الكفارات، و عن بعض التقييد به. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا إنه مصداق لما يطعم فلا بأس بإعطاء غيره، و إن قلنا إنه فيه خصوصية لا يمكن القول بصحة مطلق الطعام لتعدد المطلوب. هذا مما لا ريب فيه و لا إشكال. و إنما الكلام في أن ملاك العجز الذي تكلمنا حوله هل هو مقيد بأعم من مكة و غيرها أم هو مختص بمكة ظاهر صاحب الجواهر الثاني لقوله: و لو فقد العاجز عن البدنة مثلا البر و قلنا بتعينه دون قيمته فأقوى الاحتمالات عند الفاضل وضع قيمة عادلة عند ثقة ليشتريه إذا وجده إذا أراد الرجوع، و إلا أبقاها عنده مترقبا لوجوده. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو عجز صام من كل مدين يوما وفاقا للمشهور، و لكن عن الصدوق و العماني: فإن عجز صام ثمانية عشر يوما و مستند القولين الاخبار. إلا أن المشهور لم يأخذوا بإطلاق الروايات الإمرة بصوم ثمانية عشر يوما بعد العجز عن إطعام ستين مسكينا بل قيدوها بالعجز عن صوم ستين يوما لتعدد رواياتها و صحتها و وضوح دلالتها، و لأجل ذلك لا يحتاج إلى ذلك التأويلات، و لكن عن صاحب العروة و عليه صيام ثمانية عشر يوما عند العجز عن البدنة. و عن الأستاد حفظه الله: ما رأيت قط ما اختاره صاحب العروة في كلام المتقدمين. و بعد العجز عن البدنة يتصدق بثمنها، نعم في الصدقة خلاف ذهب البعض إلى وجوب التصدق بثمنها و إن لم يتمكن فعليه إطعام ستين مسكينا و نتيجة ذلك: إن نقص القيمة عن إطعام الستين فعليه إكماله.

(فرع) قد ظهر من مطاوي

ما قدمناه لك وجوب صوم ستين يوما عن كل مدين أو مد على خلافهم لما سمعته من خبر الزهري «1» و صحيح أبى عبيدة «2» و صحيح زرارة و محمد بن مسلم «3» إن ساواهما، فإن زاد لم يجب غير الستين كما لم يجب عليه إكماله إن نقص بل يصوم بمقدار ما يساوي الأمداد. فإن صام شهرا بعد أن كان عليه وجوب صوم ستين يوما و عجز عن الصوم بعد ذلك فهل عليه صيام ثمانية عشر يوما أم لا؟ فعن الأستاد حفظه الله: لم يجب عليه بعد ذلك صيام ثمانية عشر يوما لان عجزه كاشف عن أنه تعالى لم يكن كلفه إلا ببدل الشهرين و هو ثمانية عشر يوما و لا يدخل بهذا في عموم الاخبار و الفتوى بتسعة عن شهر لأنها فيمن

الإحصار و الصد، ص: 72

كان تكليفه شهرا من أول الأمر لا من بقي عليه شهر بخلاف البحث هنا لانه عليه من أول الأمر إلى آخره أنه ممن عليه شهران، و قد عجز عنهما فتشمله أدلة الثمانية عشر يوما، و قد صامها، نعم يمكن لرفع الاشكال القول بإلقاء الخصوصية بينهما و إثبات هذا دونه خرط القتاد. قال المحقق صاحب الشرائع: و في فرخ النعامة روايتان: إحداهما مثل ما في النعامة و هي صحيحة أبان بن تغلب «1» عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعا قال: عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها على عدد الفراخ و على عدد الرجال). و الأخرى من صغار الإبل كما عن النهاية و السرائر و المبسوط إرسالها و إن كنا لم نقف عليها و هو الأشبه و عن صاحب

الجواهر بأصول المذهب و قواعده خلافا للأستاد حفظه الله حيث قال بالاشتغال هنا لوجود المباينة في الصغير و الكبير و إذا كان كذلك لا يكفي الصغير في فرخها عند الشك في براءة الذمة و عدمها بل عليه ذبح الصغير و الكبير فكما في مورد النذر لا بد و أن يأتي بالأكثر بمقتضى الاحتياط فكذلك هنا هذا بخلاف ما لو قلنا بكفاية الصغير لمرسل أو غيره لإمكان إجراء أصالة البراءة عند الشك في خصوصية أو قيد زائد على أصل التكليف، و لو لم يكن بإعطاء الكبير بأس إن أراد ذلك لعدم خصوصية في الكبير منه أو الصغير. و من الأدلة التي ترجح المرسلة على الصحيحة موافقة المشهور معها لتقدمها عليها لقاعدة معروفة بين الأصحاب و هي (خذ بما اشتهر بين أصحابك) مضافا إلى انجبار ضعفها و إرسالها بموافقة المشهور معها. و منها احتمال حصول جنايتين: القتل و الأكل، و لذلك لا ينافي وجوب الصغار في فرخها دون ما إذا كان القتل و الأكل، هذا كله فيما لو شك في وجوب خصوصية في التكليف زائدا على أصل التكليف، و أما إن قلنا أن المراد منها هو الجنس فيمكن تقييد الإطلاق و هو رواية البدنة بالخاص و هو صغير من الإبل بضميمة قوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ و حينئذ فجزاء الصغير صغير و الكبير كبير و بذلك يرفع التنافي بينهما. و اختار صاحب الجواهر هنا ما اختاره الماتن، و إن كان الكبير أفضل خلافا للأستاد حفظه الله حيث قال: إن مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الكبير عليه و لذا يبرء ذمته بإعطاء الصغير، فإن عجز عنها تصدق بثمنها أو يصوم ستين يوما أو ثمانية عشر

يوما، لما قلناه و لكن الإنصاف أنه لم يأت في النصوص الترتيب بهذا النهج في فرخها، و إن يمكن الحكم به كليا في النعامة، هذا و لكن اختار الشهيد في المسالك تعين الكبار حين عجز عن الصغار، و عدل بعد ذلك و قال: لا يمكن القول بالتعين، بل الحق و لو كان متمكنا من صغار الإبل لا بأس بالكبار إلا أنه أفضل، و عن الأستاد حفظه الله: و هذا نظير إعطاء من عليه الغنم المريض لا بأس بالغنم الصحيح و إن كان الصحيح أفضل. و تلخص مما قلناه أنه يمكن القول بإجزاء الكبير بدلا عن الصغير من وجهين: الأول على نحو الواجب التخييري و من المعلوم أنه على هذا الفرض لا تصل النوبة إلى العجز كما لم تصل النوبة أيضا إلى الصيام أو الإطعام. الثاني: و لو كان التكليف من أول الأمر إتيان للصغير و لكن يمكن أن يثبت من دليل خارج إجزاء الكبير بدلا عن

الإحصار و الصد، ص: 73

الصغير أيضا و هذا كمن كان ذمته مشغولا و يؤتي الدراهم لان يبرء ذمته، و في هذه الحالة يقبل الشارع الكبير من الصغير لأن الأمر من أوله كان على الصغير و إن لم يقدر فلا يكون للشارع أن يأمره على الصغير حتى يحكم بإجزاء الكبير عن الصغير. و قد أثبتنا في محاوراتنا وجوب الصوم لكل مد أو مدين، و هل هو ستين يوما أو ثمانية عشر يوما؟ فيه قولان: البراءة و الاحتياط، مقتضى الدليل الأول هو لانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي و الشك البدوي، لأن التكليف مردد بين الأقل و الأكثر فيمكن الأخذ بالأقل و إجراء البراءة في الأكثر لأنه من الشك البدوي للتكليف.

و أما الدليل للثاني: أنه إنا مكلفون بالتكفير فلا يمكن الأخذ بالأقل لأنه بعد الأخذ به يمكن أن نشك في أن الأقل مسقط للتكليف و قابل للتكفير أم لا؟ مقتضى الاحتياط عدمه، فلا بد من الأخذ بالأكثر. و عن الأستاد حفظه الله: إن كان التكليف مرددا بين الأقل و الأكثر و لم يكن بينهما تغاير و تضاد مقتضى القاعدة بعد الأخذ بالأقل و الشك في الأكثر هو البراءة لا الاشتغال. بقي الكلام في أنه هل فيه لزوم التتابع أم لا بعد عدم الفرق بين أن يكون التكليف ثمانية عشر يوما أم ستين يوما أو ثمانية عشر يوما؟ ذهب بعض إلى عدم وجوب التتابع فيها لحصر التتابع في غيرها لصحيح سليمان بن جعفر الجعفري «1» قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفريقه قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار و كفارة اليمين). و عن بعض آخر لزوم التتابع، و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى القاعدة لزوم التتابع لعدم تحقق الأمثال بتفريقه، و لكن الإنصاف أن الشك في الامتثال مسبب عن الشك في السبب و هو الأمر فالأصل عند الشك عدم لزوم التتابع، لعدم معلومية قيد زائد على التكليف. قال المحقق صاحب الشرائع:

الثاني البقرة الوحشية و الحمار الوحشي

و في قتل كل واحد منهما بقرة أهلية و في الأول منهما اتفاق الأصحاب، بل و في الثاني إلا ما عن الصدوق من وجوب البدنة فيه، و عن الإسكافي التخيير بين البقرة و البدنة، و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى المماثلة في الآية الكريمة إيجاب الحمار الأهلي في الحمار الوحشي، و إن لم يقل به أحد و

حينئذ فالمرجع ما حكم به ذوا عدل. و يمكن أن يقال ببدلية البقر عن الحمار لانتفاع الناس من أكله بخلاف الحمار الذي يتنفر الطبع من لحمه و إن لم يكن به بأس هذا، و في المسألة أقوال ثلاثة: الأول وجوب البقرة لصحيح حريز «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في قول الله عز و جل فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قال: في النعامة بدنة، و في حمار وحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة و به روايات أخرى الثاني: وجوب البدنة لرواية أبي بصير «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم أصاب نعامة و حمار وحش قال: عليه بدنة قال: قلت: فإن لم يقدر على بدنة؟ قال: فليطعم ستين مسكينا قلت، فإن لم

الإحصار و الصد، ص: 74

يقدر على أن يتصدق؟ قال فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة، قال عليه بقرة، قلت، فإن لم يقدر على بقرة؟ قال: فليطعم ثلاثين مسكينا) و به روايات أخرى. و أما القول الثالث فهو التخيير، لإمكان رفع اليد عن ظهور تعيين وجوب كل واحد من البدنة و البقرة و صرفه إلى التخيير، و عن بعض إرادة البقرة من البدنة لكبرها المقابل للشاة لصغرها. و عن الأستاد حفظه الله: هذا خلاف ما ورد في الروايات التي نرى بالعيان تقابل البدنة و البقرة فيها، و بعد أن كان هذا الاحتمال ضعيفا فيرجع الأمر إلى القولين: التعيين بين البدنة أو البقرة أو التخيير بينهما، و إن قلنا بالتخيير جمعا بين الأدلة فهو و إلا لا بد و أن يرى الترجيح. و

عن صاحب الجواهر و فيه: أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه، و عن الأستاد حفظه الله: و لكل من المسلكين روايات صحيحة لولاها لأمكن الأخذ، و لذلك الجمع أولى من الطرح و لم يعرف يقدر على أن يتصدق؟ قال فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة، قال عليه بقرة، قلت، فإن لم يقدر على بقرة؟ قال: فليطعم ثلاثين مسكينا) و به روايات أخرى. و أما القول الثالث فهو التخيير، لإمكان رفع اليد عن ظهور تعيين وجوب كل واحد من البدنة و البقرة و صرفه إلى التخيير، و عن بعض إرادة البقرة من البدنة لكبرها المقابل للشاة لصغرها. و عن الأستاد حفظه الله: هذا خلاف ما ورد في الروايات التي نرى بالعيان تقابل البدنة و البقرة فيها، و بعد أن كان هذا الاحتمال ضعيفا فيرجع الأمر إلى القولين: التعيين بين البدنة أو البقرة أو التخيير بينهما، و إن قلنا بالتخيير جمعا بين الأدلة فهو و إلا لا بد و أن يرى الترجيح. و عن صاحب الجواهر و فيه: أنه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه، و عن الأستاد حفظه الله: و لكل من المسلكين روايات صحيحة لولاها لأمكن الأخذ، و لذلك الجمع أولى من الطرح و لم يعرف قول الجواهر بالتكافؤ، نعم إن قلنا بعدم المعارضة فما ذهب إليه الجواهر حق و لكن إثبات هذا دونه خرط القتاد. و يمكن أن يقال: أن مراده إعراض الأصحاب عن رواية البدنة إلا الصدوق و إذا كان الأمر كذلك لا يصح أن يتمسك بها بل تصل النوبة إلى الترجيح، و عن بعض: مقتضى الاحتياط إتيان البدنة و فيه:

لا معنى لذلك الاحتياط إلا أن يقال بأفضلية البدنة عن غيرها، و لكن مع ذلك ذهب المشهور إلى أن في البقرة و حمار الوحش بقرة أهلية قال المحقق صاحب الشرائع: و مع العجز تقوم البقرة الأهلية و يفض عنها على البر و يتصدق به كل مسكين مدان و لا يلزم ما زاد على ثلاثين و الخلاف هنا كالخلاف في النعامة من أنه يفض ثمنها على البر أو على غيره؟ و هل لكل مسكين مدان أو مد؟ إلا أن في البقرة الوحشية وردت روايات مختلفة، و لذلك حكم بعض المتأخرين بالتخيير بين الإطعام لكل مسكين إن كان قادرا و إلا فعليه صيام ثمانية عشر يوما، و عن بعض آخر صيام ستين يوما أفضل فردي الواجب التخييري. و عن الأستاد حفظه الله: و القول الأخير خلاف ظاهر مقتضى الروايات الواردة في الباب لصحيح أبي عبيدة «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجدها يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاما ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) و لم يعين فيها عدد المساكين بل حكم بلزوم الإطعام لكل مسكين نصف صاع أو يقوم الدراهم من النعم، و لكن الإنصاف أنه يمكن تعيين عدد المساكين بمعونة روايات أخرى كرواية أبي بصير «2» عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال: عليه بدنة قلت: فإن لم يقدر على بدنة قال: فليطعم ستين مسكينا قلت؟ فإن لم يقدر على أن يتصدق قال: فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة

مد على كل مسكين قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة قال: عليه بقرة إلخ). و عليه فالتعارض بين هاتين الروايتين موجودة، و يمكن تقديم إحديهما على الأخرى و لكن المشهور قيدوا بما لم يقدر. قال المحقق صاحب الشرائع: و مع العجز يصوم عن كل مدين أو مد على الاختلاف السابق يوما و إن عجز صام تسعة أيام

الإحصار و الصد، ص: 75

فرع:

إذا قلنا بوجوب صوم يوم عن كل مد أو مدين فزاد عنه ربع صاع فهل يجب أيضا صوم يوم لهذه الزيادة أم لا؟ فعن الأصحاب لزومه، و عن بعض آخر عدم إيجاب الصوم عليه، لان الروايات تحكم به في ما ساوى الباقي مدا أو مدين و أما إن نقص فلا يجب عليه إكماله، و في الفرض لا يجب عليه صيام يوم. قال المحقق صاحب الشرائع:

الثالث في قتل الظبي شاة

لخبر أبي بصير «1» عن الصادق عليه السلام قال: (قلت فإن أصاب ظبيا قال: عليه شاة: قلت فإن لم يقدر قال: فإطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد ما يتصدق به فعليه صيام ثلاثة أيام) و مقتضى ذلك لزوم صيام ثلاثة أيام إن لم يقدر على ما يتصدق به و لكن هنا روايات أخرى التي حكم فيها الامام عليه السلام بلزوم ستين يوما أو ثمانية عشر يوما أو تسعة أيام فإذن أمكن القول بالتخير أو الحكم بإتيان أفضل فردي الواجب التخيري و من ذهب إلى أن الأفضل هو صيام ستين يوما اختاره هذا أيضا و اختلاف الأصحاب في ولد الشاة كاختلافهم في فرخ النعامة و هل يمكن إلحاق ولدها بها أم لا؟ قلنا في قتل الظبي شاة هل في ولدها أيضا شاة أم لا؟ بل يكون بينهما فرق؟ فإن

قلنا بالمماثلة ففي الفرخ فرخ كما في الشاة شاة و إلا فلا. قال المحقق صاحب الشرائع: و في الثعلب و الأرنب شاة لخبر البزنطي «2» عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا فقال: في الأرنب دم شاة) و لصحيح الحلبي «3» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأرنب يصيبه المحرم فقال: شاة هديا بالغ الكعبة) و لخبر أبي بصير «4» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل ثعلبا قال: عليه دم، قلت فأرنبا قال: مثل ما في الثعلب) هذا لا خلاف و لا ارتياب فيه و إنما الكلام و الإشكال في أن السؤال وقع عن كليهما و الجواب عن بعضهما، و لذلك استشكل على هذه الرواية صاحب المدارك، و قال: إنها ضعيفة لأن السائل أراد أن يعلم حكم كليهما و الإمام عليه السلام أجاب عن حكم الأرنب فقط، و عن صاحب الجواهر: و لا ينافي تخصيص الأرنب بالشاة في الصحيح الأول بعد احتمال أنه عليه السلام ترك ذكر الثعلب لوجوه منها الاكتفاء بذكر الأرنب لمعلومية التساوي بينهما. و فيه إشكال لعدم الدليل في البين على أن حكم الثعلب كالارنب في الكفارة و لذلك لقائل أن يحكم بعدم الكفارة في الثعلب لان السكوت في مقام البيان يدل على عدم الكفارة فيه. و فيه: عدم البيان في المورد الذي يكون فيه وجود بيان آكد يدل على السكوت و عدم الحكم، إلا أن هذا لم يكن دليلا لكي يمكن إثبات وجود المعارضة مع ما فيها حكم الثعلب لان عدم البيان لا يمكن أن يعارض مع البيان مضافا إلى بيان حكمهما في تحف العقول و في رواية أبي

بصير و في الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام و في دعائم الإسلام إلا أن صحة الأخيرين لم يثبت عندنا. و أما ما في تحف العقول و إن كان ضعيفا إلا أن الأصحاب عمل بمضمونه و لذلك لا يمكن رده و المناقشة فيه من هذه

الإحصار و الصد، ص: 76

الجهة كما عن المدارك، و حينئذ يكون حكم الأصحاب بالشاة فيهما منحصرا برواية أبي بصير و تحف العقول. فتلخص مما ذكرناه أن حكم الثعلب كالارنب في كفاية الشاة، هذا كله إن كان قادرا، و أما إن لم يقدر فظاهر المصنف عدم بدل لفدائهما. قال المحقق صاحب الشرائع: و قيل فيه ما في الظبي لخبر أبي عبيدة «1» السابق الشامل لهما، و عن المسالك اختيار القول الأول، لعدم وضوح مستند القول الثاني بعد اختصاص الرواية بوجوب الشاة. ثم قال: (فعلى الأول و هو الأقوى يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام لصحيح معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها إلى أن قال و الفرق بين مدلول الروايات و بين إلحاقهما بالظبي يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين، فعلى الإلحاق يقصر على القيمة، و على الرواية يجب إطعام العشرة). و عن صاحب الجواهر: و فيه ما لا يخفى، ضرورة ظهور النصوص السابقة أو صراحتها في أن الإطعام يتبع القيمة و إن كان لا يزيد على الستين في قيمة البدنة، و لا الثلاثين في قيمة البقرة، و لا العشرة في قيمة الشاة، كما أن الصيام يتبع ذلك على الوجه الذي ذكرناه، فتلخص أن كان الدليل رواية أبي عبيدة و بعد العجز تقوم الشاة.

قال المحقق صاحب الشرائع: و الإبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير و قيل على الترتيب، و هو الأظهر و الأول كخصال الكفارات في شهر رمضان، و عن صاحب الجواهر التخيير عند جماعة لظهور أو في الآية فيه كما أن و القائل بالترتيب هو المشهور هذا. و في المسالك أن الصوم الأخير في الثلاثة و هو الثمانية عشر و التسعة و الثلاثة لا خلاف في أنه مترتب على المتقدم بمعنى أنه إن لم يقدر على إتيان الأبدال السابقة فعليه أن يصوم ثلاثة أيام هذا. و أما القائل بالتخيير لظهور (أو) في الآية فيه و لو لقول الصادق عليه السلام في صحيح حريز «2»: (كل شي ء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، وكل شي ء في القرآن فمن لم يجد فعليه كذا فالأول بالخيار). و عن الأستاد حفظه الله: لعدم إمكان القول بعدم ظهور (أو) في التخيير فإذن إن لم يكن في البين رواية لم يمكن استفادة الترتيب من ظهور كلمه (أو). و قد ظهر مما ذكرناه أن الآية الكريمة لا تكون في بيان الترتيب أو التخيير بل لبيان مصاديق ما يمكن أن يقع بدلا عن غيره، و لذا يتمسك القائلون بالترتيب بالروايات الواردة في الباب بمعنى أن الامام عليه السلام فسر الآية بالخصوص لسؤالهم عن معنى الآية فأجاب عليه السلام هو بالترتيب، فإذن إن كلمه (أو) في الآية و لو تكون ظاهرة. في التخيير و لكن الامام عليه السلام فسرها بالترتيب للروايات الواردة، منها صحيح أبي عبيدة «3» السابق و هو أقوى شاهد على أنها أي الإبدال الثلاثة تكون للترتيب، و بناء على ذلك إن الآية و لو ابتداء يوافق مع القائلين بالتخيير،

الإحصار و الصد،

ص: 77

أما بعد تفسيره عليه السلام بالترتيب تكون في الترتيب أظهر و هذا حكم يجب مراعاته في كل مورد. قال المحقق صاحب الشرائع:

الرابع: في كسر بيض النعام

إذا تحرك فيه الفرخ بكارة من الإبل لكل واحدة واحدة و عن الأستاد حفظه الله: و قد اختلفت الاخبار في بيض النعامة و لأجل اختلاف الاخبار اختلفت الفتاوى عن الأصحاب، و عن الوسيلة: ماخض، و عن الكافي و الفقيه فصيل، و عن الجامع و السرائر صغار من الإبل، و عن بعض: يرسل فحولة من الإبل، و لذلك صار الجمع بينهم مشكلا لتغايرها و تضادها، و عن المدارك بعد نقل قول الماتن قال: هو إجماع الأصحاب. و عن الأستاد حفظه الله: إن كان الحكم إجماعيا فالأمر سهل و إن لم يكن كذلك يبقى الأمر بإشكاله. و عن صاحب الجواهر: فتلف بالكسر: و عن الأستاد حفظه الله الانكسار على قسمين: تارة بعد الانكسار يتلف البيض أيضا و أخرى لم يتلف بل يبقى و يعيش، و معلوم أن الفداء و هو بكارة من الإبل يتعلق بالكسر مع الإتلاف و أما إذا لم يتلف بعد الانكسار لم يجب عليه شي ء هذا، فإذا كانت الأخبار متغايرة فلا بد من إطلاق النظر إليها و إخراج الحكم عنها. منها صحيح علي بن جعفر «1» سأل أخاه عليه السلام (عن رجل كسر بيض نعام و في البيض فراخ قد تحرك فقال: عليه لكل فرخ قد تحرك بعير ينحره في المنحر) و الحكم فيه بالفداء منحصر بقتل فرخ قد تحرك فبناء على ذلك إن لم يكن في البيض فراخ لم يكن عليه شي ء و هكذا إن كان و لكن لم يتلف بالانكسار بل يبقى على حاله و يعيش. و منها خبر

سليمان بن خالد «2» عن الصادق عليه السلام قال: (إن في كتاب علي عليه السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل) و فيه: و إن لم يقيده عليه السلام بالتحرك و لكن أمكن تقييده: خبر علي بن جعفر السابق و الحكم بأن مراده عليه السلام بيض و فيه فراخ قد تحرك. و هل هما عام و خاص مطلقا لشمول الثاني البيض سواء تحرك فيها الفراخ أم لا، و لشموله أيضا ما وجد الفرخ فيه و ما لم يوجد فيه فرخ خلافا للأول الذي هو خاص بالبيض الذي فيه فرخ قد تحرك أم هما مفهومان متغايرا لا مساس لأحدهما على الآخر؟ فإن قلنا بالأول فهما متعارضتان مع الرواية التي يحكم فيها بإرسال فحولة من الإبل و إن لم نقل به بل قلنا بأنهما بنفسهما متعارضتان لم يكن للعلامة مجال على أن يحكم بعدم وجوب الفداء إن لم يكن فيه فرخ قد تحرك و لكن الإنصاف يقتضي أن كل واحد منهما موضوع على حده لا مساس لأحدهما على الآخر. منها عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد «3» عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة فشدخه، فقال: يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم كما يرسل الفحل في مثل عدة البيض للنعام من الإبل) و في هذه الرواية و إن لم يقيده بالتحرك و لكن قال: عليه إرسال فحولة من الإبل. منها صحيح الحلبي «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من أصاب بيض نعام و هو محرم فعليه أن يرسل الفحل في

الإحصار و الصد، ص: 78

مثل

عدد البيض من الإبل، فإنه ربما فسد كله، و ربما خلق كله، و ربما صلح بعضه و فسد بعضه فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة). و منها المرسل «1» الذي رواه الشيخان في التهذيب و المقنعة (إن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطأت ناقتي بيض نعام و كسرته فهل علي كفارة؟ فقال له: امض فاسأل ابني الحسن عنها، و كان بحيث يسمع كلامه فتقدم إليه الرجل فسأله، فقال له الحسن عليه السلام: يجب عليك أن ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض، فما نتج فهو هدي لبيت الله تعالى، فقال له أمير المؤمنين: يا بني كيف قلت ذلك و أنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق، فقال عليه السلام يا أمير المؤمنين و البيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق، فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: صدقت يا بني ثم تلا «2» (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). و قد اختار المشهور إن كان في البيض فراخ و قد تحرك فعليه بكارة من الإبل، و أما إن لم يكن فيه أصلا أو كان و لم يتحرك يرسل فحولة من الإبل و لذلك قال صاحب الشرائع: و قبل التحرك إرسال فحولة من الإبل في إناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي و قد قلنا سابقا إن الاخبار في هذا الباب مختلفة، ففي صحيح علي بن جعفر السابق يحكم بالبعير إن كان المكسور بيض نعام و فيه فراخ قد تحرك خلافا لما ورد في رواية سليمان بن خالد التي حكم فيها عليه

لكسر مطلق البيض بكارة من الإبل، و لأجل الاختلاف حمل الثاني على الأول لأن يرتفع الخلاف. و عن صاحب الجواهر: بناء على كون المراد فيه الكامل في الاجزاء بمعنى أن البعير لا ينفي البكارة من الإبل بل لأجل كماله قال: عليه بعير ينحره في المنحر، أو أن المراد من البعير البكارة من الإبل، و نتيجة ذلك وحدة مضمون الخبرين. و أما اختلافهما من ناحية إطلاق خبر سليمان بن خالد الذي حكم عليه السلام فيه: في بيض النعام بكارة من الإبل و خصوصية رواية علي بن جعفر لقوله: لكل فرخ قد تحرك بعير، فقال صاحب الجواهر: إنه يراد من إطلاق رواية سليمان خالد ما إذا كان فيه فراخ قد تحرك. و كأنما أراد صاحب الجواهر أن يجمع بين إطلاق رواية الخالد و خصوصية رواية على بن جعفر، و لذلك قال: يمكن تقييد إطلاق رواية الخالد بما إذا كان فيه فراخ قد تحرك فعليه بكارة من الإبل. و عن الأستاد حفظه الله: لا يصح تقييد إطلاق رواية الخالد بما في خبر علي بن جعفر، لتغاير موضوعهما و لعدم صحة إطلاق الفرخ على نفس البيض، نعم أمكن هذا الإطلاق مجازا. و أما ملاحظة أخبار إرسال فحولة من الإبل مع ما يأمر بالبعير أو ببكارة من الإبل بعد الانكسار، و هما أيضا بينهما عموم و خصوص مطلقا و لذلك يجب علينا أن نطلق النظر إليهما حتى يمكن لنا إخراج الحكم منهما. منها المرسل السابق «3» الذي حكم فيه بعد الانكسار بإيجاب إرسال فحولة من الإبل فما نتج فهو هدي لبيت الله تعالى

الإحصار و الصد، ص: 79

و روايات الإرسال و إن كانت مطلقة إلا أن الأصحاب حملها على المكسور

قبل التحرك فعليه أن يرسل فحولة من الإبل جمعا بينه و بين صحيح علي بن جعفر لصراحته في فرخ قد تحرك بعير، ليناسب الحكم مع الموضوع، و في صحيح علي بن جعفر «1» ما هو الموجود فرخ قد تحرك فعليه بعير، و أما في المرسل: بيض له في المستقبل أن يصير فرخا فعليه إرسال فحولة من الإبل. و عن الأستاد حفظه الله: ما هو الموجود في البيض ما دام لم يلج فيه الروح لم يصح إطلاق الفرخ عليه، و لذلك إطلاق الفرخ على البيض منصرف إلى ما ولج فيه الروح. و مما يؤيد ما قلناه خبري أبي الصباح الكناني «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها، فقال: قضى فيها أمير المؤمنين عليه السلام أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل الإناث، فما لقح و سلم كان النتاج هديا بالغ الكعبة، و قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ما وطئته أو وطأته بعيرك أو دابتك و أنت محرم فعليك فداؤه) و المرسل السابق. فتلخص من جميع ما قدمناه أنه إن لم يكن فيه فرخ لم يصح إطلاق الفرخ عليه لقوله عليه السلام: (يا بني كيف قلت ذلك و أنت تعلم أن الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق) هذا مما لا ريب فيه و لا إشكال لإمكان القول و الجمع بينهما بأنه قبل التحرك يجب عليه إرسال فحولة من الإبل و بعد التحرك عليه البعير، و إنما الاشكال فيما يأمر عليه بعد الانكسار عن كل بيض شاة، و هو أيضا يكون مطلقا و لأجل ذلك حمله المشهور على صورة العجز من البعير أو من بكارة

من الإبل كما عن صاحب الشرائع أيضا حيث قال: و مع العجز عن كل بيضة شاة، و مع العجز إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام هذا هو المشهور، و المخالف و إن كان موجودا إلا أنه لا يمكن الاعتناء بمخالفته، فمستند قول المشهور مضمون خبر علي بن حمزة «3» عن أبي الحسن عليه السلام (قال: سألته عن رجل أصاب بيض نعام و هو محرم، قال: يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض، قلت: فإن البيض يفسد كله و يصلح كله، قال: ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة، و إن لم ينتج فليس عليه شي ء، فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد تصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام). و عن صاحب المدارك: ظاهر الأصحاب الاتفاق على مضمون خبر علي بن أبي حمزة المتقدم و يمكن انجبار ضعفها لوجود سهل بن زياد بعمل المشهور. و عن صاحب الجواهر: و لعله الحجة، فما عن الصدوق من العكس فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين لخبري أبي بصير «4» و ابن الفضيل «5» في غير محله لعدم اعتناء المشهور بهما أولا و ضعفهما ثانيا.

الإحصار و الصد، ص: 80

و هل يمكن إجراء البحث هنا و هو إيجاب المد أو المدين كما أجريناه في كفارة صيد النعامة أم لا؟ و عن الأستاد حفظه الله: لا يصح إجراؤه هنا للفرق بين المقام و هو البحث عن بيض النعام بخلافه هناك الذي يكون البحث فيه في نفس النعامة. أما الكلام في بيان محل ذبح الفداء: فصريح بعض النصوص هو هدي

بالغ الكعبة، و عن صاحب الشرائع إنه أطلق كونه هديا. و أما مصرف هذا الهدي، فالواجب تفريقه على المساكين في الحرم لا مطلق المساكين، و عن صاحب الجواهر: و الأظهر أن مصرف هذا الهدي كغيره من جزاء الصيد مساكين الحرم، لإطلاق اسم الهدي عليه في الكتاب، و فحوى إبداله بإطعام المساكين و غير ذلك، و لا يجب ترتيبه للأصل و غيره. و عن الأستاد دام عزه: و قوله (و لا يجب ترتيبه) هو الفرق بين هدي الحج و غيره، خلافا للأستاد دام عزه حيث قال بعدم الفرق بين هدي الحج و غيره. نعم في شمول قوله تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ على مورد البحث نظر و تأمل، بقي شي ء: و هو أنه هل يجب في إرسال النتاج أن نصبر حتى يصير كبيرا أم لا يجب الصبر؟ فعن الأصحاب عدم وجوب الصبر، و لكن عن الأستاد حفظه الله: مقتضى تناسب الحكم و الموضوع هو الصبر حتى يكون فيه صلاحية للإرسال. قال المحقق صاحب الشرائع:

الخامس في كسر بيض القطاة و القبج

إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم و الأول يأكل الحجر و الثاني هو الكبك المعروف، البحث هنا كالبحث في بيض النعام، بمعنى أنه يجب فيه صغار الغنم بعد الكسر إن كان فيه فراخ قد تحرك و مات، و أما إن لم يكن فيه فراخ قد تحرك أو كان و لم يمت فيجب إرسال الفحل في عدد البيض من الغنم. و مستند هذا القول صحيح سليمان بن خالد «1» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: في كتاب علي عليه السلام: في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل) و صحيحه الآخر «2» عن

أبي عبد الله عليه السلام: قال: في كتاب علي عليه السلام: في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام). و عن الأستاد حفظه الله: و المثل فيه في أصل الكفارة لا أن بيض القطاة في الكفارة مساو لبيض النعام، بل كفارة بيض النعام بكارة من الإبل و كفارة بيض القطاة صغار من الغنم، و دعوى احتمال المثلية بينهما أي بين بيض النعام و بيض القطاة مدفوع بمقتضى خبر سليمان بن خالد «3» المتقدم. قال المحقق صاحب الشرائع: و لكن قيل عن البيضة مخاض من الغنم لمضمر سليمان بن خالد «4» قال: (سألته عن

الإحصار و الصد، ص: 81

رجل وطأ بيض قطاة فشدخه قال: يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل، و من أصاب بيضته فعليه مخاض من الغنم). و غاية ما يمكن أن يقال هو حمل الصدر على ما لم يكن فيه فراخ قد تحرك و حمل الذيل على البيض التي فيها فراخ قد تحرك و إذا كان كذلك فهو معارض لما في صحيحة و هو صغار من الغنم في كسر بيض القطاة هذا. و تلخص مما حررناه لك أن فتوى صاحب الشرائع و من تبعه و منهم صاحب الجواهر حمل قوله عليه السلام: (يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم) بقبل التحرك و قوله عليه السلام: (عليه صغار من الغنم) ببعد التحرك جمعا بين المسلكين و حماية من النصوص الواردة المختلفة في الباب، و لذلك لم يقبل صاحب الجواهر المضمر و يحكم بمعارضته مع سائر الروايات و يضعفه، و هذا نص ما قاله: و هو أي المضمر مع إضماره و عدم ذكر تحرك الفرخ فيه،

و ظهوره في الفرق بين الوطء و الإصابة المفسرة بالأكل، و كون المذكور فيه بيضة لا بيض قطاة، فيحتمل بيضة النعام، كما يحتمل في المخاض إرادة بنت المخاض من الإبل لأن فيها فرخا يتحرك بناء على أنها من البكارة، و استبعاد كون الجزاء في البائض حملا فطيما و في البيض مخاضا معارض بما سمعت من صحيحة و غيره). و عن الأستاد حفظه الله، و أما قوله: (مع إضماره) مردود، لنقله روايات متعددة في هذا الباب وكلها تكون مسندا إلى أبي عبد الله عليه السلام أولا و صحة الوسائل ثانيا و نقل عبارات ما سأله بعينه عنه عليه السلام، و أما قوله (عدم ذكر تحرك الفرخ فيه) بمعنى أنه يلزم من ذلك دخول غير المتحرك فيه، و فيه: مشاركة بكارة من الإبل مع هذا الاحتمال، و أما قوله: (و كون المذكور إلخ) و هو بعيد عمن له أدنى المسك من الفضل لان هذا العمل خارج عن طور البحث، نعم يبقى الاستبعاد بحاله لاتحاد الفداء للبيض و البائض، و لذلك لا يمكن العمل بمضمونها بل لا بد من طرحها أو إرادة المخاض من البكارة، و حينئذ يرتفع الخلاف و إن قلنا بالتباين كليا جاز الحمل على الفضل فكيف و إنما يتباينان جزئيا كما عن كشف اللثام، و عن الأستاد حفظه الله توضيحا لما قاله كشف اللثام: و هو جواز صغار من الغنم إلا أن إعطاء المخاض أفضل. و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما حررناه لك في بيض النعام أن ما سمعته يجري هنا أيضا، و لعله لذلك قال المصنف هنا: فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام لمرسل ابن رباط «1» عن أبي عبد الله عليه

السلام: (سألته عن بيض القطاة قال: يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل) إلا أن الفداء هناك يكون إبلا بخلاف البحث حيث إن الفداء يكون غنما، كما أن هناك لا بد من إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض كذلك هنا لا بد من إرسال فحولة الغنم في إناث منها بعدد البيض. و عن الأستاد حفظه الله: و معناه أنه إذا تعذر الإرسال بعد الانكسار فيجب عليه الشاة فذلك هنا، و عن النهاية و المبسوط: إن تعذر الإرسال فعليه يجب الشاة، و عن صاحب الجواهر: لكن عن المصنف في النكت: (في وجوب الشاة بعد التعذر إشكال لوجوب الإطعام بعد التعذر عن الإرسال. و عن الأستاد حفظه الله لم يعلم ارتباط قوله: (فإن عجز) بما قبله و هل مراده قبل التحرك أو بعده؟ و قال ابن

الإحصار و الصد، ص: 82

إدريس: هكذا أورده شيخنا في نهايته، و قد وردت بذلك أخباز. و عن المنتهى، عندي في ذلك أي في ورود الاخبار تردد كما عن المدارك، و ذلك لوجوب الإطعام بعد التعذر دون إرسال الشاة، و هذا هو المراد من قوله في النهاية و المبسوط: فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام كذلك هنا، نعم لا يكون التشبيه من جميع الجهات بل من جهة الإطعام. و عن الأستاد حفظه الله: و لقد رأيت النكت قال المصنف فيه بعد نقل كلام الشيخ: لا يكون عندنا رواية لإرسال الشاة بعد التعذر لأنه أي إرسال الشاة محمول على فراخ قد تحرك، و إذا لم يكن فيه فرخ قد تحرك فلا دليل عندنا على إرسال الشاة مع أن في القطاة حمل فطيم و مختار صاحب الشرائع

و من تبعه هو الشاة، و أما صاحب الجواهر فحيث أن مختاره بعد التعذر عن الإرسال هو الشاة يدافع عما هو يختاره و يقول: و أما الاستبعاد فمع أنه غير حجة يمكن منعه، و لا ينافي ذلك فإن الشاة و إن كانت أقوى في الشبه و لكن الإرسال أشق منها على الحاج لانه يتوقف على تحصيل الفعل الكثير و الانتظار حتى تلد ثم يهدي، بخلاف ذبح الشاة و تفريقه على فقراء الحرم فإنه سهل غالبا، و عن الشهيد في الروضة: إن لم يكن فيه فرخ قد تحرك فرواية الإرسال للتسهيل و وجوب الشاة أسهل، و يرجع ما في الروضة إلى التخيير بين الشاة و الإرسال و لو مع القدرة فإذا لم يقدر فعليه الشاة. و فيه ما لا يخفى، لوجوب الشاة بعد العجز عن الإرسال، و الإرسال يجب لمن كسر البيض و لا يكون فيه فرخ قد تحرك. و عن الأستاد حفظه الله: و قد اختلفت الروايات و الفتاوى هنا: و عن بعض بعد العجز عن الإرسال وجوب الشاة كصاحب الشرائع و تبعه صاحب الجواهر و غيره، و عن بعض آخر: بعد العجز عن عليه إطعام عشرة مساكين كما عن الشيخ و غيره، و عن بعض آخر: وجوب القيمة هذا كله في مقام الثبوت و أما مقام الإثبات فالإنصاف أنه بعد العجز عن الإرسال يجب إطعام عشرة مساكين، بمقتضى قوله تعالى في الآية الكريمة فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. أَوْ إِطْعامٌ حيث إنه أوفق بالقواعد و أصول المذهب و هكذا اختار الشيخ و من تبعه. قال المحقق صاحب الشرائع:

الثاني فيما لا بدل له على الخصوص
اشارة

و هو خمسة أقسام بخلاف الأول الذي لكفاراته بدل بالنص. و من هنا ذكر بيض

القطاة و القبج من الأول و بائضهما من الثاني، و يمكن تعيين البدلية و لها من الآية و النصوص الواردة

الأول الحمام

و هو اسم لكل طائر يهدر و عن صاحب الجواهر و يرجع صوته و يواصله مرددا. و عن الأستاد حفظه الله و هو أي تعريف الماتن عنوان عام لا خصوصية له بالحمام، خلافا لصاحب الجواهر حيث خص التعريف به و بأشباهه و يعب الماء و يشربه كرعا أي يضع منقاره في الماء و يشربه، لا بأن يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة و يبلعها بعد إخراجه كالدجاج و العصافير قال المحقق صاحب الشرائع: و قيل كل مطوق و في قتلها شاة على المحرم و عن صاحب الجواهر: في الحل، و هو مختار الأستاد و الماتن كما سيأتي إنشاء الله، على المشهور، و به قال علي

الإحصار و الصد، ص: 83

عليه السلام و عمر و عثمان و ابن عمر، بل روى العامة «1» أن ابن عباس قضى في الحمام حال الإحرام بالشاة و لم يخالفه أحد من الصحابة كل ذلك مضافا إلى روايات مستفيضة، منها قول الصادق عليه السلام في حسن «2» حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، و إن قتل فراخها ففيه حمل، و إن وطأ البيض فعليه درهم) و رواه العياشي في (تفسيره) عن حريز «3» و زاد كل هذا أي الشاة و الدرهم و الحمل يتصدق بمنى إن كان في الحج و بمكة إن كانت في العمرة و هو قول الله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ البيض و الفراخ وَ رِماحُكُمْ الأمهات الكبار. و منها موثق الكناني «4» عن أبي عبد الله عليه

السلام قال: في الحمام و أشباهها إن قتله المحرم شاة، و إن كان فراخا فعدلها من الحملان الحديث). و عن الأستاد حفظه الله و مراده عليه السلام (و أشباهها) كل طائر يشبه الحمام. و منها خبر أبي بصير «5»، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم، قال: عليه شاة- (إلى أن قال) قلت: فمن قتل فرخا من حمام الحرم و هو محرم قال: عليه حمل). و عن الأستاد حفظه الله تعالى: و الظاهر أنه إن كان القتل خارج الحرم و هو محرم فعليه حمل، بخلاف ما إذا كان في الحرم و هو محرم فعليه الحمل للغداء، و القيمة لمحرمة الحرم. و منها عن عبد الله بن سنان «6» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول في حمام مكة الطير الأهلي من غير حمام الحرم: من ذبح طيرا منه و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه، فإن كان محرما فشاة عن كل طير). و منها خبره الثالث «7» عنه عليه السلام أيضا إنه قال (في محرم ذبح طيرا: إن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن). و منها عن حريز «8» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: و إن وطأ المحرم بيضة و كسرها فعليه درهم كل هذا يتصدق به بمكة و منى و هو قول الله تعالى تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ. و منها، عن علي بن جعفر «9» عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن رجل كسر بيض حمام و في البيض فراخ قد تحرك، قال: عليه أن يتصدق عن

كل فرخ قد تحرك بشاة، و يتصدق بلحومها إن كان محرما و إن كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم).

الإحصار و الصد، ص: 84

و عن الأستاد مد ظله العالي: و فيه إشكال لافضلية البيض على البائض في الفداء، إلا أن يراد منها جنسها حتى يشمل الصغير و الكبير، و حينئذ يرتفع الإشكال (لإمكان الحكم بكفاية الصغير و إن كان الكبير أفضل. إلا أنه مع ذلك اختلفت الفتاوى لاختلاف الروايات في أن المحل في الحرم إن قتل حمامة من حمام الحرم فهل عليه القيمة أو الدرهم أو الثمن فعن بعض و منهم المصنف و صاحب الجواهر وفاقا للمشهور أن عليه درهم و إن كانت القيمة (أزيد، و في المدارك: أن المتجه اعتبار القيمة مطلقا و عن صاحب الجواهر: قلت لكنه مخالف لكلام الأصحاب المقطوع فيه بعدم إرادة كون ذلك قيمة سوقية له، و في محكي التذكرة: لو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص فالأقرب الغرم عملا بالنصوص، و الأحوط وجوب الأزيد من الدرهم و القيمة. و عن الأستاد حفظه الله: لا بد من إطلاق النظر إلى الروايات و بعد الغور فيها يجب الأخذ بالمتيقن منها سندا و دلالة، هذا إذا لم تكن الروايات مجملة و إلا فعلى المتتبع الرجوع إلى الأصول العملية و هل هي الاحتياط أو البراءة؟ أما الروايات فمنها عن عبد الرحمن بن الحجاج «1» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قيمة الحمام درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم). و عن الأستاد حفظه الله: و هل يكون عنوان الدرهم فيه تعبدا؟ أو يكون لبيان قيمة الحمام؟ فإن قلنا بالأول فلا

يصح إعطاء الأزيد و لو كانت القيمة أزيد من درهم، و لا الأنقص و لو كانت القيمة أنقص، و أما إن قلنا بالثاني فهو طريق. و منها عن منصور بن حازم «2» قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أهدي لنا طير مذبوح بمكة فأكله: أهلنا، فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت: فأي شي ء تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه). و منها، عن الحرث بن المغيرة «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم قال: عليه لكل بيضة دم، و عليه ثمنها سدس أو ربع درهم الحديث). و عن صفوان بن يحيى «4» عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: من أصاب طيرا في الحرم و هو محل فعليه القيمة، و القيمة درهم يشتري علفا لحمام الحرم). و عن الأستاد حفظه الله: و فيه يمكن أن يعلم الامام عليه السلام القيمة فحينئذ يكون مصداقا للقيمة لا واجبا، بل الواجب هي القيمة و يستفاد تعين الدرهم من تفسيره عليه السلام قوله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ. و منها عن ابن أبي عمير عن حفص البختري «5» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيضة ربع درهم). و عن الأستاد حفظه الله: هل يكون تعيين الدرهم فيها حكما كليا بجميع الأعصار و الأزمان أم هو مخصوص بزمانه

الإحصار و الصد، ص: 85

عليه السلام، إن قلنا بالأول فلا خلاف و لا شك في إشكاله، بخلاف الثاني الذي لا إشكال فيه. و منها خبر محمد بن الفضيل «1» عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل

قتل حمامة من حمام الحرم و هو غير محرم، قال: عليه قيمتها و هو درهم، يتصدق به أو يشتري طعاما لحمام الحرم، و إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة) و عن الأستاد حفظه الله: و يظهر من قوله عليه السلام (عليه قيمتها) التعبد. و منها عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن فرخين مسرولين ذبحتهما و أنا بمكة محل، فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقلت: جائتني بهما جارية قوم من أهل مكة، فسألتني أن أذبحهما، فظننت أني بالكوفة، و لم أذكر الحرم فذبحتهما، فقال: تصدق بثمنها، فقلت كم ثمنها؟ فقال درهم خير من ثمنها). و عن الأستاد حفظه الله: و أما قوله عليه السلام: (درهم خير من ثمنها) فظاهر في أن الواجب هو الثمن و لكن الدرهم أفضل فبناء على ما استظهرناه أمكن الحكم بأن الدرهم في كل هذه الروايات يكون طريقا لا أصلا تعبديا حتى لا يمكن التعدي عنه إلى غيره. و منها، صحيح صفوان «3» إلا أن فيه: (قال: عليك قيمتها: فقلت: كم قيمتها؟ فقال درهم و هو خير منها). و عن الأستاد حفظه الله: و معناه أن الدرهم يكون قيمة شرعية و هو أفضل من القيمة الواقعية و يمكن أن يكون الدرهم أكثر ثمنا. و منها: عن منصور بن حازم «4» قال: (حدثني صاحب لنا ثقة قال: كنت: أمشي في بعض طرق مكة فلقيني إنسان، فقال لي: اذبح لي هذين الطيرين فذبحتهما ناسيا و أنا حلال، ثم سألت أبا عبد الله عليه السلام فقال: عليك الثمن). و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بأن الدرهم قيمة واقعية فيمكن أن يكون

مخالفا مع قوله عليه السلام: (عليك الثمن) لأن القيمة يمكن أن تكون تارة أنقص من الدرهم و أخرى أزيد، فيرجع الأمر إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة و هو مشكل جدا. و منها، عن أبي بصير «5» عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) إنه سأله عمن قتل حمامة من حمام الحرم في الحرم و هو حلال، قال: (عليه ثمنها ليس عليه غيره). و عن الأستاد حفظه الله: هل تكون النسبة بين القيمة و الثمن عموم و خصوص من وجه؟ أو لأجل تطابقهما في الخارج غالبا قال عليه السلام: عليه ثمنها و هو يدل على مساواة القيمة و الثمن، و أما إن قلنا بعدم التنافي بينهما فكأنه يصير الحكم في حكم قياس المساواة لعدم التنافي بين الثمن و الدرهم أيضا. فنهاية ما يمكن أن يقال هنا في قتل حمام الحرم أنه إن كان القاتل محرما و هو في الحل فعليه درهم، و لكن الإنصاف كما عن الأستاد حفظه الله أن ذلك خلاف الظاهر لان الثمن

الإحصار و الصد، ص: 86

عبارة عما يشترى به الشي ء و لو قلنا بأنه طريق إلى القيمة لإمكان زيادة الثمن على الدرهم و نقصانه عنه. و منها، عن حريز «1» عن محمد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جي ء به و هو في الحرم محل قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه أن الدرهم في الروايات السابقة يكون نحوا من الثمن و هذا هو المؤيد لقول صاحب المدارك حيث قال: (إن المتجه اعتبار القيمة مطلقا) و عن صاحب الجواهر قلت: لكنه مخالف للمشهور

و منهم صاحب الشرائع حيث قال: و على المحل في الحرم درهم مع اختلافها باختلاف الأزمنة، و لو قلنا: كانت القيمة السوقية سابقا للحمام درهما، و لكن في زماننا هذا لا يمكن قبول مثل هذا الحكم عقلا و لذلك اختار الأستاد حفظه الله أرجحية القيمة السوقية على الدرهم مخالفا للمشهور. فكيف كان لو أمكننا أن نستفيد تعيين الفداء من النصوص فهو، و إلا فمقتضى الأصول العملية هو البراءة عند الشك في إيجاب الأكثر بعد الإتيان بالأقل، لأنه من باب الأقل و الأكثر غير الارتباطي، فيجري البراءة عند الشك في إيجاب الأكثر بعد إعطاء الأقل و هذا لاتفاقهم على ذلك. نعم يمكن أن يقال بالاشتغال بوجوب الكفارة علينا و لنا محو آثارها و عند الشك في الأكثر لا يمكن إجراء البراءة لأن هذا الشك يرجع إلى الشك في المحصل، فمقتضى الشك في المحصل هو الاشتغال لا البراءة. و عن الأستاد حفظه الله، و الإنصاف هو الأول لا الثاني و كيف كان فعن الكركي (إن إجزاء الدرهم في الحمام مطلقا في غاية الإشكال، لأن المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم تلزمه قيمته السوقية بالغة ما بلغت فكيف يجزي الأنقص في الحرم). و فيه: إن هذا إنما يتم إذا قلنا بكون فداء المملوك لمالكه، لكن سيأتي إنشاء الله أن الأظهر كون الفداء لله تعالى، و للمالك القيمة السوقية. و عن الأستاد حفظه الله: هذه الأولوية غير صحيحة بل الصحيح هو الذي حكم به الشارع. قال المحقق صاحب الشرائع: و في فرخها للمحرم حمل وفاقا للمشهور أيضا لما سمعته من حسن «2» حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، و إن

قتل فراخه ففيه حمل، و إن وطأ البيض فعليه درهم) و خبر أبي بصير «3»، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم، قال: فقال: عليه شاة- (إلى أن قال) قلت: فمن قتل فرخا من حمام الحرم و هو محرم، قال: عليه حمل). و خبر أبي الصباح الكناني «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام و أشباهها إن قتله المحرم شاة، و إن كان فراخا فعدلها من الحملان الحديث).

الإحصار و الصد، ص: 87

نعم في صحيح ابن سنان «1» عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في محرم ذبح طيرا: إن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل من الضأن). و عن المسالك: (روى عبد الله سنان) و عن المدارك أجتزي به، و عن صاحب الجواهر: إلا أني لم أجد له موافقا، و عن الحدائق بعد نقل عبارة المدارك قال: لا بأس به، و عن الأستاد حفظه الله: و فيه: أنه يمكن أن يكون مراد صاحب الجواهر من قوله: إلا أني. قبل الحدائق و لذا قال: و المعروف بين الأصحاب كالنصوص تعين الحمل. و عن الأستاد حفظه الله: و يحتمل أن يكون عدم أخذ الأصحاب بالجدي إدخال كلمة (أو) فيها زيادة عن الراوي و معناه أن كلمة (أو) لا تكون عن الامام عليه السلام و إن تردد نافيه فلا يمكن الإفتاء بمضمونها. قال المحقق صاحب الشرائع: و للحمل في الحرم نصف درهم وفاقا للمشهور، و للنصوص الاتية. منها صحيح بن الحجاج «2» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (في قيمة الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و

في البيض ربع درهم). و عن الأستاد و لو لم يذكر فيه المحل و المحرم و كونه في الحل أو الحرم و لكن يمكن تعيين كل ذلك بقرينة روايات أخرى، منها صحيح ابن الحجاج «3» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن فرخين مسرولين ذبحتهما و أنا بمكة محل فقال لي: لم ذبحتهما؟ قلت: جائتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة و لم أذكر الحرم فذبحتهما فقال: عليك قيمتها، قلت: كم قيمتها؟ قال: درهم، و هو خير من ثمنها). و عن الأستاد حفظه الله: و يحتمل أيضا كما قلنا في الفرع السابق أن يكون ما حكمه عليه السلام في الفرخ من نصف درهم تعبديا كما يحتمل أن يكون طريقيا و الظاهر أنه تعبدي لتغيير القيمة السوقية كما ذهب إليه صاحب الجواهر. و يحتمل أيضا أن يكون قوله عليه السلام: (درهم و هو خير من ثمنها) لاختيار العامة الثمن، و لذلك حكم عليه السلام بأرجحية الدرهم عن الثمن، و لم أر قط هذا الاحتمال و عليكم بالفحص و البحث. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران وفاقا للمشهور، بل عن شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه و لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، و دعوى عدم صدق هذه القاعدة على المورد، لانه من وحدة المسبب و لو قلنا بتعدد السبب كالنوم و البول و الحدث مدفوع، لدخول المورد فيها لانه يكون مثل إن ظاهرت فكفر، و إن أفطرت فكفر، و حينئذ انطباق المورد على القاعدة قهري لأن المحرم في الحرم إن قتل شيئا، فإنه قد هتك الحرم و الإحرام فيجتمع عليه الأمران و للنصوص. و منها

خبر محمد بن الفضيل «4» عن أبي الحسن عليه السلام: (و إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة درهم).

الإحصار و الصد، ص: 88

و منها خبر أبي بصير «1» عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل قتل طيرا من طيور الحرم و هو محرم في الحرم فقال: عليه شاة و قيمة الحمامة درهم يعلف به حمام الحرم، و إن كان فرخا فعليه حمل و قيمة الفرخ نصف درهم يعلف به حمام الحرم). و منها، عن الحلبي «2» عن أبي عبد الله عليه السلام (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام الحرم). و منها عن زرارة بن أعين «3» عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه و يتصدق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه و هو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه). و عن الأستاد حفظه الله: و في قوله عليه السلام: (إلى أن يبلغ الظبي) احتمالان: الأول: معناه: عليه دم شاة يهريقه إلى أن يبلغ مقدار الظبي، و أما إذا تجاوز هذا الحد فعليه فداء آخر، الثاني: عليه تضاعف الفداء ما لم يبلغ الفداء إلى البدنة و إذا وصل إليها لم يجب عليه تضاعف الفداء، و قد تمسك به بعض لإثبات تضاعف الفداء ما دون البدنة و أما في البدنة فلا يجب التضاعف لكونه أعظم ما يكون، قال الله عز و جل «4» وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ إلا أن الأصحاب لم يعملوا به و حكموا بلزوم التضاعف حتى في البدنة، و عن

بعض تضاعف الفداء لا تضاعف الفداء و القيمة بمعنى أنه إن كان عليه البدنة يجب عليه ذبح الاثنين منهما، و منشأ ذلك النصوص الواردة و هو المحكي عن الإسكافي و قد استدل به بقول الصادق عليه السلام في الحسن أو الصحيح «5»: (إن أصبت الصيد و أنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك، و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد). و قوله عليه السلام في الموثق «6»: (و إن أصبته و أنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا) إلا أنه يمكن تنزيلهما بإرادته من المضاعفة و لو مجازا هو تضاعف الفداء و القيمة أو على غير المقام، فيقع التعارض بينهما و لكن يمكن رفع التعارض بتصريح النصوص الواردة في البحث، و الحكم فيها بتضاعف الفداء و القيمة لا تضاعف الفداء نفسه كما عن بعض، و حينئذ فلو كان التضاعف هو عبارة عن تكرار ما هو الفرد، و لكن هنا لا بد من تنزيله بنوع خاص من التضاعف و هو تكرار القيمة و الدرهم. قال المحقق صاحب الشرائع: و في بيضها إذا تحرك الفرخ حمل و ظاهر المصنف عدم الفرق في ذلك بين المحل و المحرم خصوصا مع ملاحظة تفصيله في الفرخ قبل التحرك بين أن للمحرم في الحل حمل و للمحل في الحرم درهم، و مال إليه

الإحصار و الصد، ص: 89

صاحب المدارك قال: (و عبارة المصنف كالصريحة في التعميم حيث أطلق وجوب الشاة بعد تحرك الفرخ و فصل الحكم قبله). و عن الأستاد دام ظله: و مقتضى ذلك زيادة فداء كسر حمل البيض ذي الفرخ المتحرك في الحرم على

فداء الفرخ نفسه الذي عرفت وجوب نصف درهم له، و عن الشهيدين: إن حكم البيض بعد تحرك الفرخ حكم الفرخ، و مقتضاه اختصاص هذا الحكم بالمحرم في الحل، و يجب على المحل في الحرم نصف درهم، و يجتمع الأمران على المحرم في الحرم). و عن الأستاد حفظه الله: يجب علينا النظر إلى الروايات و إخراج الحكم المتيقن منها. منها خبر يونس بن يعقوب «1» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض قال: إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة، و لكل فرخ حملا، و إن لم يتحرك فدرهم، و للبيض نصف درهم). و عن الأستاد حفظه الله: و لا دلالة فيه على ما اختاره صاحب الشرائع بل هو يدل على ما ذهب إليه الشهيدان لقوله عليه السلام: (عن رجل أغلق بابه في الحرم بعد ما أحرم للبيض نصف إن لم يتحرك) معناه إن ترك و هو محرم في الحل حمل. و منها صحيح علي بن جعفر «2» سأل أخاه عليه السلام (عن رجل كسر بيض الحمام و في البيض فراخ قد تحرك قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك شاة، و يتصدق بلحومها إن كان محرما، و إن كان الفراخ لم تتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم). و عن الأستاد حفظه الله: و فيه احتمالان: الأول: ضرب الذيل و هو (إن كان محرما) بالصدر و هو قوله عليه السلام: (عليه أن يتصدق إلخ) فيصير موافقا لما اختاره الشهيدان، و أما أن لم نضرب الذيل و هو (إن كان محرما) بالصدر و

هو قوله عليه السلام: (عليه أن يتصدق إلخ) فيصير موافقا لما اختاره الشيخ و من تبعه، و منهم صاحب الشرائع، و لكن مع ذلك كله لا يصير الرواية دليلا على ما اختاره صاحب الشرائع لإجماله و تردده بين هذين الاحتمالين. و منها، صحيح الحلبي «3» قال: حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبد الله عليه السلام، فقال: جديين أو حملين) و حمله الشيخ على الفراخ المتحرك، و إن كان الموجود في الرواية بيضتان بمقتضى ما في صحيح علي بن جعفر المتقدم فإنه عليه السلام حكم فيه في كسر البيضتين بحملين. و عن الأستاد حفظه الله: فإن قدمنا الحلبي على غيره من الصحاح يقع التعارض بينهما إذ الموجود في الأول (في البيض المتحرك حمل) و في الثاني: (في الفرخ المتحرك درهم) و يمكن رفع التعارض بأن نحكم في الفرخ بوجوب درهم إلا إذا كان

الإحصار و الصد، ص: 90

في البيض، و في هذه الحالة على قاتله حمل.

و هذا بعيد لرجوع أشدية البيض على البائض، و إن أفتى به الشيخ و تبعه صاحب الشرائع، و الحق عند الأستاد كما عن صاحب الجواهر أيضا أن للبيض إذا تحرك الفرخ فيه للمحرم في الحل نصف درهم مطلقا خارج البيض أم فيه. قال المحقق صاحب الشرائع: و قبل التحرك على المحرم درهم، و على المحل ربع درهم، و لو كان محرما في الحرم لزمه درهم و ربع و عن الأستاد حفظه الله: يمكن استظهار تفصيل صاحب الشرائع من ناحية الجمع بين النصوص التي منها ما سمعته من حريز «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة، و إن قتل فراخه ففيه

حمل، و إن وطأ البيض فعليه درهم) و هو و إن كان مطلقا لكن بضميمة نصوص أخرى عليه يمكن حمله على المحرم في الحل. و منها عن حفص البختري «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحمام درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيضة ربع درهم) و هو في الإطلاق و إن كان كقبله إلا أنه لا بد و أن يحمل على المحل في الحرم، فإذا اجتمع الأمران و هو المحرم في الحرم فعليه درهم و ربع، و هذا كقتل المحرم الحمامة في الحرم الموجبين للشاة و الدرهم. قال المحقق صاحب الشرائع: و يستوي الأهلي و حمام الحرم في القيمة و عن الأستاد حفظه الله: و في التعبير بالأهلي إجمال، لإشعاره بكونه مملوكا أو غيره، و يمكن أن يكون مراده من الأهلي إدخال ما ليس من الحرم في الحرم، و يحتمل أن يكون مراده من الأهلي ما استأنس في البيوت، و يمكن أن يكون مقصوده من الأهلي هو إدخال الحمام الأهلي في الحرم، و هما يستويان في الفداء و الاحتمال الأخير هو اختيار الأستاد حفظه الله، فكما يستويان في الحرم يستويان في الحل أيضا لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و للنصوص، منها قوله عليه السلام: (كما لا يجوز قتل حمام الحرم لا يجوز قتل حمام غير الحرم) هذا كله مما لا ريب فيه و لا خلاف إلا من داود، فلا جزاء لصيد الحرم لكبره، فإذن لا يمكن رفع المعصية بالكفارة، بل الفداء مختص بالأهليات. و عن صاحب الجواهر: و يمكن القطع بفساده بملاحظة النصوص السابقة و الفتاوى و الإجماعات، نعم في بعضها التخيير بين الصدقة به و بين أن

يشتري به علفا لحمام الحرم. منها خبر محمد بن الفضيل «3» سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم و هو محرم، قال: إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة درهم) و هذا هو الشاهد لمن يقول بلزوم الكفارة في صيد الحرم. و منها صحيح الحلبي «4» درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمامة مكة، فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها).

الإحصار و الصد، ص: 91

و عن الأستاد حفظه الله: بإطلاقه يحكم بعدم الفرق بين حمام الحرم أهليا كان أم غيره، و الأول مملوكا دون الثاني، و الثاني مستوحش دون الأول، خلافا لمن يقول بالفرق بين الحرمي و غيره. و منها عن الحلبي «1» الحرم فإن عليك جزاؤه، فإن فقأت عينيه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة) و عن الأستاد دام عزه: الظاهر منه هو وجوب الفداء إذا قتل صيدا بين البريد إلى الحرم، و لو كان من خارج الحرم و دخل فيه لقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً. فتلخص مما ذكرناه مساواة القيمة بين الحرمي و غيره، و لكن عن بعض النصوص يظهر الفرق و التفصيل بين الحرمي و غيره و هو خبر حماد «2» غير الحرم، قال: يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم و يتصدق بجزاء الآخر). و عن الأستاد حفظه الله: و البحث فيه من جهتين: الأول: هل يجب شراء الحنطة معينا أم هو مثال، إن قلنا بالأول فيمكن تقييد إطلاق غيره من النصوص به و أما إن قلنا بالثاني فحينئذ هو أحد فردي الواجب التخييري الثاني: اشتراء الحنطة ينحصر بالحرمي منها و أما في غيره فهل يجب عليه أن

يتصدق بجزاء الآخر أم لا؟ عن الأستاد حفظه الله: شراء الحنطة للحرمي أفضل و يتصدق لغير الحرمي. و عن المسالك ما نصه: (إن المراد بالقيمة ههنا ما يعم الدرهم و الفداء ليدخل حكم بيضه و فرخه و غيرهما) ثم قال: (و إنما يستويان في ذلك مع إذن المالك في إتلاف الأهلي أو كان المتلف هو المالك أما لو كان غيرهما افترق الحكم على الأقوى، إذ يجتمع على المتلف في الأهلي القيمة للمالك و الفداء كما سيجي ء إلى أن قال و أما الأهلي فقد أطلقوا وجوب الصدقة بقيمته على المساكين، و ينبغي أن يكون ذلك في موضع لا يضمنه للمالك، و إلا كان فداؤه للمساكين و قيمته للمالك، فينبغي تأمل ذلك، فإن النص و الفتوى متطابقان). و عن صاحب الجواهر: قلت: لا ريب في أن ما ذكره أحوط و إن كان الأصل و ظاهر النص و الفتوى خلافه، اللّهمّ إلا أن يدعى انسياقها إلى غير المملوك، و إن عبروا عنه بالأهلي و نحوه، و إنما المراد منه كما عرفت الذي يألف البيوت و يسكنها في مقابل الوحشي، هذا. و عن الأستاد حفظه الله: لا يؤثر عدم المملوكية و عدم الاستيناس في استواء القيمة لأنا قلنا سابقا باستوائهما في الفداء. و في الرياض مانصه: (و هل يختص الاستواء المزبور بالمحل أم يعمه و المحرم؟ حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني، و مع الفداء على الأول؟ إشكال من إطلاق النص و الفتوى باجتماع الأمرين إذا جنى على الحمام في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها و الحرمي، و من أن ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة

الإحصار و الصد،

ص: 92

الحرم و الإحرام فيلزمه الأمر ان كل بسببه، و هذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة، لكونه صيدا منع عنه المحرم، و أما الأهلي منها فلا منع فيه إلا من جهة الحرم، لان من دخله كان آمنا، و لم أر من الأصحاب من تعرض لهذا الفرض فضلا عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه و الأول من وجهي الإشكال هو الأقرب، لقوة دليله) إلى آخره. قال المحقق صاحب الشرائع:

الثاني في كل واحد من القطاة و الحجل و الدراج

حمل قد فطم و رعى لصحيح سليمان بن خالد «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وجدنا في كتاب علي عليه السلام في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن و أكل من الشجر). و عن سليمان بن خالد «2» عن أبي جعفر عليه السلام قال: في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام (من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجا أو نظيرهن فعليه دم). و عن الأستاد حفظه الله: و هما و إن كانا مطلقا و مقيدا و لكن نقل تقيد الدم عن أبي عبد الله عليه السلام بالحمل و الإطلاق و إن لم يكن أقوى و لذلك تفسيره أظهر من أن يقال: إن الحمل أحد أفراد وجوب الدم أو الأقل حمل و لا بأس بالأكثر هذا. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه أي في عبارة الشرائع إشكال لاستلزامه وجوب الحمل في البائض و وجوب المخاض في البيض و هو مدفوع بأن الشرع على اختلاف المتماثلات و اتفاق المختلفات، فجاز أن يثبت في الصغير أزيد مما يثبت في الكبير. و عن بعض: بأن المراد من المخاض بنت المخاض، و عدم الفرق بين البائض و البيض لوجوب المخاض في كليهما. و عن صاحب

المدارك: إن لم يمكن الحكم بالتساوي بينهما فالأقوى ترك رواية المخاض لضعف سندها و الأخذ بغيره و الحكم بالحمل في البيض و البائض، هذا قال المحقق صاحب الشرائع:

الثالث في قتل كل واحد من القنفذ و الضب و اليربوع

جدي لحسن مسمع أو صحيحة «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في اليربوع و القنفذ و الضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي، و الجدي خير منه، و إنما جعل عليه هذا لكي ينكل عن قتل غيره من الصيد). و عن بعض التعدي منها و إلحاق أشباها بها، و عن الأستاد حفظه الله: لا يمكن التعدي عن النص إلى غيره لإثبات حكم شرعي، إلا أن يلحق الغير بها بالأولوية. قال المحقق صاحب الشرائع:

الرابع في كل واحد من العصفور و القبرة و الصعوة

مد من طعام وفاقا للمشهور. و عن الأستاد حفظه الله: و في كل واحد منها أقوال: الأول: مد من طعام، و هو قول المشهور و منهم صاحب الشرائع، الثاني: دم شاة، و هو للصدوقين فأوجبا لكل طائر عدا النعامة شاة، الثالث: القيمة: و هو للإسكافي فأوجب في

الإحصار و الصد، ص: 93

العصفور و القمري و ما جرى مجراهما قيمته إن كان في خارج الحرم، و في الحرم قيمتان، هذا. و مستند قول المشهور مرسل صفوان «1» عن أبي عبد الله عليه السلام: (في القبرة و العصفور و الصعوة إذا قتله المحرم فعليه مد من طعام). و عن صاحب الجواهر: المنجبر بالشهرة إن لم نقل باعتباره في نفسه. و مستند القول الثاني: صحيح ابن سنان «2» عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا إنه قال: (في محرم ذبح طيرا إن عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن) و هو مع عمومه يمكن تخصيصه بالمرسل لذهاب المشهور بخلافه، و عن صاحب المدارك: هذا صحيح إن قلنا بصحة سنده، إذ الثاني و هو خبر ابن سنان صحيح، دون الصفوان الذي هو مرسل، و عن صاحب الجواهر: ينجبر ضعف

مرسل صفوان بعمل الأصحاب به. و مستند القول الثالث خبر سليمان بن خالد «3» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام ما في القمري و الدبسي و السماني و العصفور و البلبل قال: قيمته، فإن أصابه و هو محرم فقيمتان، ليس عليه فيه دم شاة). و عن الأستاد حفظه الله: الأول فهو قاصر سندا، و الثاني لم يعمل به الأصحاب إلا الإسكافي فلا يكون معمولا بها لعدم اعتبارها فيقع التعارض بين الصحيح و المرسل، و مقتضى الاحتياط بعد عدم التمكن من تصحيح سند المرسل هو إعطاء الشاة لتباينهما و عدم إمكان إجراء البراءة في الأكثر و هو دم شاة بعد الشك في التكليف أي المكلف به. قال المحقق صاحب الشرائع:

الخامس في قتل الجرادة

تمرة لصحيح معاوية بن عمار «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس للمحرم أن يأكل جرادا و لا يقتله، قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم قال: تمرة خير من جرادة و هي من البحر. الحديث) و معناه أفضليتها عليها كقوله: (درهم خير من ثمنها) قال المحقق: و الأظهر كف من طعام لصحيح محمد بن مسلم «5» عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن محرم قتل جرادة قال: كف من طعام، و إن كان كثيرا فعليه شاة). و عن الأستاد حفظه الله: و قد نهى عليه السلام بقوله: (ليس للمحرم إلخ) عن الأكل و القتل، و لكن تترتب الفداء على القتل دون الأكل، و لذلك لا بد من البحث من أنه هل للأكل كفارة خاص أم هو ملحق بالقتل؟ بمعنى عدم الفرق بينهما في الكفارة، و عن صاحب الجواهر: فالمتجه إلحاق الأكل بقتلها في التصدق بتمرة.

الإحصار و الصد،

ص: 94

و عن حماد «1» عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم قتل جرادة قال: يطعم تمرة، و التمرة خير من جرادة). و عن محمد بن مسلم «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا، قال: كف من طعام، و إن كان أكثر فعليه شاة). و عن الأستاد حفظه الله: لا يكون بين الواحد و الكثير تعارض لأن في خبر حماد يحكم عليه السلام بإطعام تمرة في قتل جرادة خلافا للثاني و هو خبر محمد بن مسلم حيث قال عليه السلام: كف من طعام إن كان كثيرا فحينئذ فالجمع بينهما بأنه إن كانت الجرادة واحدة فتمرة، و إن كانت كثيرا فكف من طعام، و إن كان أكثر فعليه دم شاة، و عن بعض إنه جمع بينهما بالتخيير، و عن المختلف: (و الذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته: (و إن قتلت جرادة تصدقت بتمرة، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة) انتهى كلامه ملخصا. و عن محمد بن مسلم «3» عن أبي جعفر عليه السلام (قال: سألته عن محرم قتل جرادة قال: كف من طعام، و إن كان كثيرا فعليه دم شاة). و عن عروة الحناط «4» عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أصاب جرادة فأكلها، قال: عليه دم). و عن الأستاد حفظه الله: العمل بخبر الحناط مشكل لأجل الجمع بين الأكل و القتل، و يمكن الجمع بينها و بين سائر النصوص، بالحكم بتمرة في قتل جرادة و في الأكل و القتل دم شاة، و هذا أيضا ضعيف و لذلك قال الشيخ: هذا محمول على الجراد الكثير، و إن أطلق عليه المفرد، لأنه أراد الجنس،

و عن صاحب المدارك بعد نقل قول الماتن: (في قتل الجرادة تمرة) قال: التخيير بين التمرة و كف من طعام أفضل) و هذا هو مختار سيدنا الأستاد حفظه الله، هذا كله في حال الاختيار فإذا قتل جرادة فعليه الاختيار بين التمرة و كف من طعام فإن كان أكثر فعليه دم شاة، و أما في حال الاضطرار فعن حريز «5» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان في طريقه، فإن لم يجد بدا فقتل فلا بأس (فلا شي ء عليه خ ل). و عن معاوية «6» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجراد يكون في ظهر الطريق و القوم محرمون، فكيف يصنعون؟ قال: يتنكبونه ما استطاعوا قلت: فإن قتلوا منه شيئا فما عليهم؟ قال لا شي ء عليهم) فلا شي ء عليهم بمقتضى هذه الروايات.

الإحصار و الصد، ص: 95

هذا كله في القتل، و أما الأكل فمقتضى قوله عليه السلام في خبر الحناط: (أصاب جرادة فأكلها قال: عليه دم) أن للأكل و القاتل معا دم و هو مردود لضعف سنده، و عدم عمل الأصحاب به، و لكن عن صاحب الجواهر: إلحاق الأكل بالقتل، و عن الأستاد حفظه الله: إن صح هذا الإلحاق فهو و إلا فلا، و دعوى إثبات وجوب الكفارة في الأكل بالأولوية مدفوع بأنه أولوية هنا. قال المحقق صاحب الشرائع: و كذا في القملة يلقيها من جسده و معناه: إذا ألقاها عن جسده فعليه كف من طعام، و إن لم يفض إلى القتل، و عن صاحب المسالك: و حكم قتلها حكم إلقائها على المشهور خلافا للشيخ في المبسوط حيث جوز قتلها و أوجب الفداء

في رميها دون قتلها، هذا و أما الاخبار: فمنها، خبر حماد بن عيسى أو صحيحة «1» (قال: سألت الصادق عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما). و عن الأستاد حفظه الله: و إن لم يكن فيه كف من طعام و لكن يمكن إرادة الكف من إطعام الطعام مكانه، إذ هو أقل مقدر منه. لا يقال يمكن إعطاء الأقل من الكف أيضا، لان مقتضى قوله عليه السلام (يطعم مكانها طعاما) هو الانصراف إلى كف من طعام هذا، مع أنه يمكن تفسيره بالنصوص الواردة في الباب. و منها خبر ابن مسلم «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما) و عن الأستاد حفظه الله: و لكن الأصحاب حكموا بضعف هذين الخبرين لوجود عبد الرحمن في طريقهما كما عن المدارك، و عن بعض آخر و هو المجلسي و المامقاني: هو ثقة لأنه كان عاملا لتقسيم بيت المال من ناحية الإمام عليه السلام و هذا هو السر بحكم البعض بوثاقته و إن لم يعترف بوثاقته في كتب الحديث و الرجال و لذلك عمل بهما الأصحاب و حكموا بكف من طعام في إلقاء القملة، هذا كله في هاتين الصحيحتين. و منها صحيح الحسين بن أبي العلاء «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده). و عن الأستاد حفظه الله: قوله عليه السلام (متعمدا) أي جهالة و عن غير صواب: و قوله عليه السلام (قبضة بيده) يطابق كفا من طعام.

و منها خبر ابن مسكان «4» عن الحلبي (قال: حككت رأسي و أنا محرم فوقع منه قملات فأردت ردهن فنهاني، و قال: تصدق بكف من طعام).

الإحصار و الصد، ص: 96

و عن الأستاد حفظه الله: و قوله (حككت) ظاهر في عدم العمد، و الرواية و لو نقلها الحلبي إلا أنه في حكم ما صدر عن. الامام عليه السلام. و منها صحيح ابن عمار «1» سأل الصادق عليه السلام (عن المحرم يحك رأسه فيسقط منه القملة و الثنتان: فقال لا شي ء عليه و لا يعود) و هو ظاهر في عدم الكفارة. و عن الأستاد حفظه الله: و قد يجمع بينهما و بين خبر ابن مسكان كون الكفارة في إلقاء القملة على الندب، و عن صاحب الجواهر مع ذهابه بصحة خبر حماد قال: خصوصا مع صحة سند النافي لها، و ضعف المثبت لها، و مراده من الضعف المثبت لها وجود عبد الرحمن فيهما، و لكن قلنا عمل بهما المشهور، و به يمكن انجبار ضعفهما إن كان، و حينئذ يدور الأمر بين الترجيح و الحكم بلزوم الكفارة أو الجمع و الثاني أولى. و قد تلخص مما حررناه أن في المسألة أقوالا: الأول و هو مختار الأستاد أدام الله ظله العالي هو حمل رواية ابن مسكان على أنه يكون غير متعمد في إلقائها كما هو ظاهر من قوله: (يحك رأسه) و قال حفظه الله: هو أتقن الجمع و أحسنها، الثاني يخصص بما عدا الكف، و يرجع هذا الجمع إلى عموم مطلق، و معناه لا شي ء عليه إلا كف من طعام، و عن الأستاد حفظه الله: هذا الجمع غير صحيح لانه لا يصح الحكم بعدم لزوم الكفارة في المورد الذي يكون

فيه كفارة و بعد ذلك نقول إلا كف من طعام، الثالث الجمع بينهما و بين خبر ابن مسكان بلزوم الكفارة لايذائها في الثاني دون الأولين، و هذا الجمع أيضا غير صحيح. و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن الجمع بينهما و الحكم بعمومية كف من طعام أعم من أن تؤذيه أم لم تؤذه و بين خبر ابن مسكان بعدم العقاب لا عدم الكفارة، نعم إن ألقاها نسيانا لا فيه كفارة و لا فيه عقاب. و عن بعض الجمع بينهما و بين خبر ابن مسكان بعدم العقاب و عدم الكفارة المعينة. و عن الأستاد: هذا الجمع بعيد لانه لا يمكن أن ينفى العقاب و لا يتكلم عن الكفارة. و عن معاوية بن عمار «2» قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شي ء عليه في القملة، و لا ينبغي أن يتعمد قتلها) أقول: ذكر الشيخ أنهما محمولان على نفي العقاب إذا كانت تؤذيه، أو على نفى كفارة معينة محدودة كغيرها، و يحتمل الحمل على النسيان. و عن الأستاد حفظه الله: كل هذه الاحتمالات خلاف الظاهر. و عن أبي الجارود «3» قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حككت رأسي و أنا محرم فوقعت قملة، قال: لا بأس، قلت: أي شي ء تجعل علي فيها؟ قال: و ما أجعل عليك في قملة، ليس عليك فيها شي ء) و فيه أنه ليس قابلا للعمل لضعف سندها.

الإحصار و الصد، ص: 97

و عن أبي الجارود «1» قال: سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: بئس ما صنع، قلت: فما فداؤها قال: لا فداء لها) و هذه كلها معارض

لما قبلها و لذلك ذهب بعض إلى القول بكون الكفارة في ذلك على الندب، و عن صاحب الجواهر: و لكنه مناف للاحتياط، خصوصا بعد العمل بظاهر الأمر ممن عرفت. و عن الأستاد حفظه الله: يمكن حمل هذه النصوص على الاضطرار أو غير العمد و هو النسيان، و مع ذلك كله لا منافاة فيها لوجوب الكفارة دون العقاب كالتظليل. قال المحقق صاحب الشرائع: و كلما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته و عن صاحب الجواهر: لقاعدة الضمان مع عدم ما يخالفها من نص و نحوه، و معناه أنه إن أتلف مال الغير فهو له ضامن و كذلك هنا. و عن الأستاد حفظه الله: و فيها يبحث من جهتين: الأول: تارة يوجد لما أتلف مثل في النعم و ورد النص من الشارع به و أخرى لا يوجد له مثل من النعم، و حينئذ تحكم قاعدة الضمان في المثلي على المثل و في القيمي على القيمة، و ملخص الكلام بعد تعارض النصوص و عدم إمكان التمسك بها فالقاعدة تقتضي وجوب القيمة فيما لا تقدير لفديته، و لقول الصادق عليه السلام في صحيح سليمان بن خالد «2» (في الظبي شاة، و في البقرة بقرة و في الحمار بدنة، و في النعامة بدنة، و فيما سوى ذلك قيمته). و عن الأستاد حفظه الله: و قوله عليه السلام: (و فيما سوى ذلك قيمته) عام يشمل بعمومه الطير و غيره و لكن نعلم بالعيان خروج بعض الطيور بالنص، فحينئذ يبقى الباقي تحت العام فعليه القيمة بعد القتل، هذا كله إن لم يمكن إثبات الضمان بالقاعدة، و إلا فمع إمكان الإثبات نحن في غنى عن النص الخاص، و قد عرفت سابقا أن هذا

و نحوه حكم المحرم في الحل، و المحل في الحرم، و أما المحرم في الحرم فتتضاعف عليه القيمة. قال المحقق صاحب الشرائع: و قيل في البطة و الإوزة و الكركي شاة لصحيح ابن سنان «3» عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: (في محرم ذبح طيرا إن عليه دم شاة يهريقه: فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن). و عن الأستاد حفظه الله: قوله عليه السلام: (ذبح طيرا) عام يشمل كل طير حتى الكركي و الإوزة و البطة و لم يقل بالعموم إلا الصدوق، و لكن تخصيصه بها غير صحيح، و لذلك قال الماتن: و هو تحكم و عن بعض أنه خاص بالذبح، مع أنه لا فرق بينه و بين غيره من الإشارة و الدلالة و غيرها في الكفارة خلافا لظاهر الصحيح الذي يحصر الكفارة في الذبح دون غيره، و أجاب بأنه يدفع بعدم القول بالفصل. و أما مسألة التقويم فهو بعد عدم وجود المثل في الخارج إن قلنا بفقده عادة هنا كغيره من المقامات فيجري البحث في إجزاء العدل الواحد لكونه من باب الاخبار، أو لا بد من التعدد لكونه من باب الشهادة؟ في القواعد و غيره:

الإحصار و الصد، ص: 98

يجب أن يحكم في التقويم عدلان عارفان و لو كان أحدها القاتل أو كلاهما فإن كان عمدا لم يجز، و إلا جاز، و أما قوله: و لعدم الاجزاء في حال العمد بالفسق المخرج عن العدالة، إلا أن تفرض التوبة. و عن الأستاد: ما أدري ما المراد من التوبة لقبول شهادته؟ و لو حكم عدلان بأن له مثلا من النعم، و عن الأستاد حفظه الله: بناء على هذا الفرض يخرج من غير

النصوص و يدخل في النصوص. قال المحقق صاحب الشرائع:

فروع خمسة:
الأول

إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور و الأعور فداه بصحيح و لو فداه بمثله جاز لظاهر الآية، هذا إن قلنا إن المراد من المثل في الآية هو الشخص، و لكن إن لم نقل به بل قلنا إن مراده من المثل هو الجنس فالحكم بالاجزاء مشكل، لأن المأمور به و لو يكون أعم من الصحيح و المعيب و لكن الأمر على هذا الفرض يختص بالصحيح دون الأعم، و على كل حال فلا ريب في أن الصحيح أفضل و أولى لأنه زيادة في الخير و في تعظيم الشعائر، و إن قلنا بالثاني. قال المحقق صاحب الشرائع: و يفدى الذكر بمثله و بالأنثى و كذا الأنثى و عن بعض الشافعية عدم الاجزاء بالذكر عن الأنثى لأن لحمها أطيب و أرطب، و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشكال لعدم كلية هذه القاعدة. و إن شككنا في أن المثل في الآية هو شخصي أو نوعي فيمكن إجراء البراءة في الشك في الزيادة عن المكلف به لانه قيد زائد على أصل التكليف، و لكن عن الأستاد حفظه الله: مقتضى الاحتياط هو إتيان الصحيح في كلتا الحالتين و مراعاة المماثلة في الذكورية و الأنوثية. قال المحقق صاحب الشرائع:

الثاني:

الاعتبار بتقويم الجزاء وقت الإخراج لأنه بعد العجز عن الفداء ينتقل إلى القيمة فتجب، و الواجب أصالة هو الجزاء و فيما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف و عن صاحب الجواهر: لانه وقت الوجوب. و عن الأستاد حفظه الله: و الأولى هنا التمسك بقاعدة الضمان و صحيح ابن خالد «1» المتقدم لان القيمي يمكن إثباته بهما و بناء على ذلك لا بد من ملاحظة قيمة يوم التلف، و في قيمة البدل من النعم بمنى إن

كانت الجناية في إحرام الحج، و بمكة إن كانت في إحرام العمرة لأنهما محل الذبح، هذا و قد ذهب بعض و منهم صاحب الشرائع إلى وجوب الفداء يوم التلف لانه هو المنساق من قاعدة الضمان و اختار بعض آخر وجوب الفداء يوم الأداء لأن العين التالف تضمن إلى يوم الأداء و في هذا اليوم يمكن أداء العين أو القيمة. قال المحقق صاحب الشرائع:

الثالث

إذا قتل ماخضا مما له مثل يخرج ماخضا و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك احتمال إجزاء غير الماخض قويا لعدم تأثير هذه الصفة في زيادة اللحم، بل ربما اقتضت نقصه، فلا يعتبر وجودها كاللون، و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن أن يكون مراده احتمال إجزاء غير الماخض لتوقف حق الفقراء عليه، و لذلك لا بد و أن يذبح الأنفع و هو غير الحامل، و لكن في التحرير و التذكرة و المنتهى: إنه لو أخرج عن

الإحصار و الصد، ص: 99

الحامل حائلا ففي الإجزاء نظر لانتفاء المماثلة، و من أن الحمل لا يزيد في اللحم بل ينقص منه غالبا، فلا يشترط كاللون و العيب، و في الدروس: (لو لم تزد قيمة الشاة حاملا عن قيمتها حائلا ففي سقوط اعتبار الحمل هنا نظر) هذا. و عن الأستاد حفظه الله: و منشأ الاختلاف و الفرق هو اختيار الجنس من المثل في الآية أو اختيار الشخص فلو قلنا بالأول و لكن هنا لا يفيد لان المثل إن قلنا هو الذي عينه الشارع فحينئذ مثل الظبي هو الشاة و إن كانت البدنة أفضل، و من هنا يظهر إن الإجماع الذي ادعى صاحب الجواهر يكون اجتهاديا لا تعبديا، لأنه إن كان الإجماع

تعبديا فلا يصح إعطاء الغير إن كان له مثل في البين، نعم إن قلنا إن الكفارة عبارة عن تدارك ما مضى و حق للفقراء فيدور الأمر بين إعطاء ما نفعه أكثر أو ما هو الأقل فالأول أوفق بالغرض و موافق للاحتياط فإذا كان كذلك يصح ما عن البعض و من احتمال إجزاء الحائل عن الحامل. نعم عن الشافعي لا يذبح الحامل من الفداء، لان فضيلتها لتوقع الولد، و قال: يضمها بقيمة مثلها، لأن قيمة المثل أكثر من قيمة اللحم. و عن الأستاد حفظه الله: هذا صحيح إذا قتل حائلا و أراد أن يفدي حاملا لأن في هذا الحال فضيلتها لتوقع الولد و لا بد أن يصبر حتى تلد كالمرأة الحامل التي لا بد و أن يصبر الحاكم حتى تلد و بعد ذلك يجري في حقها الحكم الشرعي، هذا مع أنه قياس و استحسان خاص بالعامة. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو تعذر يقوم الجزاء ماخضا و لا يكون فيه مخالف، و إن كان المخالف في فداء المثل موجودا، و الوجه في ذلك و إن قلنا بلزوم الجنس في المماثلة و لكن من أتلف مال الغير فعليه قيمة المثل لان الشارع إذا أمر بإعطاء شي ء ينصرف حكمه إلى الفرد المتعارف، فحينئذ في القول بعدم إجزاء الحائل عن الحامل كما عن بعض إشكال، نعم إعطاء الأقل لا يجزي و إن كان إعطاء قيمة الأكثر أفصل، و عن الشهيد: (لو زاد جزاء الحامل عن إطعام المقدر كالعشرة في شاة الظبي فالأقرب وجوب الزيادة بسبب الحمل إلا أن يبلغ العشرين فلا يجب الزائد) و يحتمل عن بعض وجوبه، و عن بعض الآخر عدم لزوم الزائد عن العشرة. قال المحقق

صاحب الشرائع:

الرابع

إذا أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم مات فدى الام بمثلها و الصغير بصغير و لو عاشا لم يكن عليه فدية إذا لم يعب المضروب و لو عاب ضمن أرشه و لو مات أحدهما فداه دون الآخر، و لو ألقت جنينا ميتا لزمه الأرش، و هو ما بين قيمتها حاملا و مجهضا و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بحياة الطفل في بطن أمه ثم مات بالضرب لزمه فدى الام و الطفل، و أما إن لم نقل به بل قلنا و لو كان في بطن أمه حيا و لكن الفداء يدور مدار سقوطه حيا فإذا سقط حيا فعليه الفداء، و إذا مات بعد السقوط فلا يلزمه الفداء. ملخص الكلام: مرجع الحكم باللزوم هو العلم بالحياة على الأول، فإن لم نعلم يمكن استصحاب عدم الحياة أو استصحاب عدم ولوج الروح فيه، لان بعد الضرب لا نعلم أنه كان حيا ثم مات بالضرب أم لا؟ و من يقول بلزوم الحياة بعد السقوط ففي فصحة لأنه سقط ميتا.

الإحصار و الصد، ص: 100

و أما على القول الأول و هو العلم بالحياة فلا يمكن الحكم بعدم الفداء و لو أسقطه ميتا و تلخص أيضا بعد السقوط إن كان ميتا ففي كلتا الحالتين الأصل هو عدم وجوب الفداء عليه، لعدم صدق الصيد عليه أولا و لموته بعد سقط ثانيا، نعم عليه الأرش و هو التفاوت ما بين الصحيح و المعيب. و لو ضرب ظبيا فنقص عشر قيمته احتمل وجوب عشر الشاة كالوقف المشاع الذي يكون عشره وقفا لمصالح المسلمين فله التصرف في التسعة من العشرة دون العشر الباقي فكذلك هنا، و معناه بعد الذبح له التصرف في التسعة

من العشرة و يعطي العشر في سبيل الله، و يحتمل وجوب عشر ثمنها. هل القول الأول صحيح أم الثاني؟ و أجاب الأستاد حفظه الله: مقتضى الاحتياط الجمع بين القيمة و إعطاء عشر الشاة. و لو أزمن صيدا و أبطل امتناعه فهل و يجب عليه كمال الجزاء؟ أو ضمان الأرش؟ و هو تفاوت بين قيمتها صحيحا و معيبا. فعن الأستاد حفظه الله: و الأقوى عندي هو الأرش، و كذا لو أبطل أحد امتناعي مثل النعامة و الدراج ضمن الأرش قطعا. قال المحقق صاحب الشرائع:

الخامس:

إذا قتل المحرم حيوانا و شك في كونه صيدا لم يضمن و عن الأستاد حفظه الله: الشك قسمان: قسم مصداقي و هو عبارة عن اشتباه الصيد بالآخر بعد أن كانا معا فرمى المحرم فأصاب، فلا يدري بأيهما أصاب، فإن أصاب بالظبي فعليه شاة و إن أصاب بالآخر فلا يجب عليه الجزاء لانه شك في التكليف و الأصل فيه هو البراءة، و قسم مفهومي و هو عبارة عن وجود الواحد في الخارج و لكن لا يدري هو ظبي أم شي ء آخر، فرمى فأصاب فمات فلا يجب عليه الجزاء أيضا، و لا يمكن في هذين الحالتين التمسك بقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ «1» لإثبات إيجاب الكفارة عليه، و كذا إذا شك في كونه صيد البر، و أما إذا علم عين المقتول و شك في كونه صيدا أو صيد البر ففي كشف اللثام عليه الاستعلام كما قد يرشد إليه قوله عليه السلام «2» في الجراد (ارمسوه في الماء) و لكن عن صاحب الجواهر: و فيه نظر لأصالة البراءة و الخبر إنما هو في مقابل من قال إنه صيد بحري لا مثل الفرض. و عن الأستاد

حفظه الله: و إن علم أنه صيد و لكن شك في أنه بحري أم بري يمكن القول بانطباق قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ عليه فيجب الجزاء في قتله لانه عام و بعمومه يشمل كل مورد يشك فيه، للشك في خروجه عن العام بواسطة الخاص، و هو قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ و الشك أيضا في دخوله تحت الخاص الآخر و هو قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ حتى يجب عليه الجزاء إن رماه فأصاب فمات و هو كقوله أكرم العلماء و لا تكرم الفساق، و إذا شك في وجوب الإكرام و عدمه في أحد للشك في أنه فاسق حتى يحرم عليه الإكرام أم غير فاسق حتى يجب عليه الإكرام يمكن التمسك بالعام و إثبات إيجاب الإكرام عليه هذا.

الإحصار و الصد، ص: 101

و قد ظهر مما ذكرناه و هو إثبات وجوب الجزاء عليه للتمسك بقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ خلافا لكشف اللثام الذي تمسك لإثبات الجزاء بالنص، و هو الرواية الواردة عن المعصوم عليه السلام.

الفصل الثاني في موجبات الضمان
اشارة

و هي ثلاثة: مباشرة الإتلاف و اليد و السبب

أما المباشرة

فنقول: قتل الصيد موجب لفديته فإن أكله لزمه فداء آخر، و قيل يفدي ما قتل و يضمن قيمة ما أكل و هو الوجه و عن صاحب الجواهر: قيل للأصل و قول الصادق عليه السلام في موثق ابن عمار «1»: (و أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك). و حسن منصور بن حازم أو صحيحة «2» عن الصادق عليه السلام أيضا قال له: (أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قال: فأي شي ء تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه) و معنا ذلك: إن شك في المتباينين و لم يكن أحدهما ثمنا فمقتضى الاحتياط وجوب إعطاء كل منهما، و لكن إن كان أحدهما ثمنا فمقتضى القاعدة إجراء أصالة البراءة عن الآخر و إتيان القيمة. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إن كان الجزاء ثمنا و لم يعلم لغيره مدخلية فيه أم لا؟ فمقتضى القاعدة إجراء أصالة البراءة، و أما إذا كان التكليف مرددا بين الثمن و الشاة و في البين نصوص مؤيدة للجزاء لا يمكن القول عند الشك: مقتضى الأصل إعطاء القيمة دون الفداء بل مقتضى الأصل في الأكل كالقتل الفداء. منها، عن ابن بكير و زرارة جميعا «3» عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل اضطر إلى ميتة و صيد و هو محرم، قال: يأكل الصيد و يفدي). و منها، عن الحلبي «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد أ ليس

هو بالخيار (أما يجب أن) يأكل؟ قلت: بلى قال: إنما عليه الفداء فليأكل و ليفده) و في هذا الباب و هو باب ثلاث و أربعين من أبواب كفارات الصيد و توابعها من وسائل الشيعة اثنتي عشرة رواية و في عشرة منها صرح الامام عليه السلام بلزوم الفداء بعد الأكل على أن فيها حسن و صحيح و موثق. فتلخص مما ذكرناه إيجاب الفداء في الأكل كالقتل. و هل هذا يرجع إلى تعدد المسبب بتعدد السبب؟ أم يتداخل؟ قال سيدنا الأستاد حفظه الله بعدم التداخل، فحينئذ يجب لكل منهما الفداء، إلا عن بعض و منهم المصنف و قيل عليه بعد الأكل قيمته للأصل و موثق ابن عمار «5» و حسن حازم «6» المتقدم.

الإحصار و الصد، ص: 102

ثم إن الأصحاب اختلفوا في الفداء لاختلاف الروايات و عن بعض وجوب الشاة، و عن بعض آخر لزوم إتيان البدنة. و عن الأستاد حفظه الله: الحق عندي فداء الأكل هو الشاة لتعدد نصوصها، بل إذا شككنا في الزائد منها فمقتضى الأصل هو البراءة، و مستند مالية الفداء هو النصوص المصرحة بها حيث أجاب عليه السلام في رواية ابن فضال «1» قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي: قال هو. أي الصيد مالك، لان عليك فداؤه و في غيرها مثله خلافا لما اختاره الجواهر: في النعامة بدنة و في غيرها الشاة. قال المحقق صاحب الشرائع: لو رمى صيدا فأصابه و لم يؤثر فيه فلا فدية و عن صاحب الجواهر: و لكن يستغفر الله تعالى بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر جماعة الإجماع عليه، بل و لا إشكال للأصل. و عن الأستاد حفظه الله: و معناه: مقتضى الآية

الكريمة و هو فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «2» هو الفداء للقتل، و لازم ذلك عدم وجوبه مما دون ذلك فيما ضرب و لم يؤثر. و أما قوله ليستغفر الله إلخ): لزوم الاستغفار تارة يرجع إلى أن المحرم فعل حراما، و أخرى حاك عن جرأته للمولى و بعبارة أخرى يعد متجريا، و اختار الأستاد القول الثاني. قال المحقق صاحب الشرائع: و لو جرحه ثم رآه سويا ضمن أرشه و عن الأستاد حفظه الله: و يظهر من مطاوي ما ذكره الماتن مساواة الجرح و الكسر في الضمان و يمكن إظهار ذلك أيضا من قوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ إن قلنا لازم ضمان الكل ضمان الجزء أيضا. نعم إن قلنا بالانفكاك بين الكل و الجزء فلا يجب عليه الفداء في الجزء و إن كان يجب عليه في الكل. و يمكن القول بمساواة الضمان في الجرح و الكسر لوجود الإجماع كما عن صاحب الجواهر. فتلخص مما حررناه لك عدم الفرق بين انكسار اليد و الرجل في النصوص في الضمان إن كان، و إلا فلا بد بعد عدم وجود النص الخاص فيهما الرجوع إلى الأرش أو ربع القيمة فيهما إلا أنه مع ذلك فرق الماتن بين الجرح و الكسر، و في الأول قال بالأرش خلافا للثاني حيث قال: و قيل ربع القيمة مع أن الربع في النص مخصوص بالكسر دون الجرح. فعلى كل حال مقتضى الآية أو الإجماع أو القاعدة هو الأرش كما عن الجواهر ذلك أيضا لعدم إمكان الحكم بعدم الضمان في صورة الكسر. نعم عن والد الصدوق و المفيد و الحلبي و الديلمي و ابن حمزة التصدق بشي ء لأنه جناية لا تقدير فيها)

و لكن ذهب الباقي إلى الربع أو الأرش، و اختار الأكثر الثاني، هذا كله في الجرح فقد عرفت عدم النص فيه. و أما الكسر فإن كان فيه نص و لكن اختلف التعبير فيه و لذلك لا بد من حمل أحدهما إلى الآخر. و منها: صحيح علي بن جعفر «3» عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى صيدا فكسر يده أو رجله فتركه فرعى الصيد قال: عليه ربع الفداء.

الإحصار و الصد، ص: 103

و منها خبر أبي بصير «1» قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل رمى ظبيا و هو محرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع فقال: عليه فداؤه، قلت فإنه رآه بعد ذلك مشى قال: عليه ربع ثمنه). و عن الأستاد حفظه الله: و قوله عليه السلام: (عليه ربع الفداء) معناه يمكن أن يكون ربع القيمة أو ربع نفسه بعد ذبحه، و لكن إطلاق الربع منصرف إلى ربع القيمة، و قد أفاد الأستاد حفظه الله قولا لارتفاع الاختلاف بين هاتين الروايتين و هو إرجاعه أي الفداء إلى القيمة: و معناه في كسر الظبي ربع قيمته انتهى. و منها، عن أبي بصير «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت، ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال: عليه ربع قيمة الغزال، قلت: فإن هو كسر قرنيه؟ قال: عليه نصف قيمته يتصدق به، قلت فإن فقأ عينيه؟ قال: عليه قيمته، قلت: فإن هو كسر احدى يديه؟ قال: عليه نصف قيمته، قلت: فإن هو كسر احدى رجليه؟ قال: عليه نصف قيمته، قلت: فإن هو قتله؟ قال: عليه قيمته، قال: قلت: فإن هو فعل

به و هو محرم في الحل؟ قال: عليه دم يهريقه، و عليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم) و إن لم يمكن إرجاع الفداء إلى القيمة فيطابق قول الماتن و هو الأرش و لو (قيل ربع القيمة). فظهر هما اختاره الماتن هنا مساواة الجرح و الكسر في الضمان هذا و لكن كما قلنا سابقا اتفاق الأكثر على الأرش و إن لم يعلم حاله لزمه الفداء و معناه لزوم الفداء لو احتمله الهلاك بعد الإصابة عليه لاتفاق الاخبار على ذلك و كذا لو لم يعلم أنه أثر فيه أو لا و فيه: إن مقتضى النص على أنه إذا أصاب فغاب الصيد و لم يعلم حاله ضمن فداءه بخلاف ما لم يعلم أنه أثر فيه أم لا، فإنه لا يكون عليه شي ء، نعم يمكن بمقتضى التعليل بأنه لا يدري لعله قد هلك اختيار الماتن العموم. و لكن الإنصاف: مقتضى التعليل ثبوت الحكم بعد الإصابة لا حتى إذا لم يصيب لان مقتضى القاعدة في الشك في الإصابة هو عدم ثبوت الفداء كما اعترف به الماتن في المسألة الأولى، و من غلبة التأثير مع فرض حصولها. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بطريقية الإصابة و قلنا في المسألة الأولى بعد الإصابة لم يعلم أنه هلك أم لا فحينئذ يجب عليه الفداء، فبناء على ما استظهرناه في الشك في التأثير بعد الإصابة و عدم القول بطريقيتها فالأصل عدم وجوب الفداء، و لا يمكن التمسك في هذا الفرض بالتعليل المتقدم من غلبة التأثير مع الإصابة لإثبات وجوب الفداء عليه، لان ظاهر النصوص و صريح الفتاوى صورة القطع به لا الظن. و منها، عن علي بن جعفر «3» عن أخيه

موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل رمى صيدا و هو محرم فكسر يده أو رجله فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد قال: عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد). و منها، عن أبي بصير «4» عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن محرم رمى صيدا فأصاب يده و عرج، فقال: إن كان الظبي قد مشى عليها و رعى و هو ينظر إليه فلا شي ء عليه و إن كان الظبي ذهب على وجهه و هو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه لأنه لا يدري لعله قد هلك).

الإحصار و الصد، ص: 104

و عن الأستاد حفظه الله: و الجمع بينهما بحمل الأول على رجوع السلامة إليه بعد الكسر بسبب الإصابة فلا شي ء عليه بخلاف الثاني الذي لم يرجع إليه السلامة بعد الكسر بسبب الإصابة فعليه فداؤه. و مما حررناه ظهر لك أن في المسألة صور خمس: الاولى: رمى و لم يصب: الثانية: رمى فأصاب فوقع الكسر ثم رآه يعيش: الثالثة: رمى فأصاب فوقع الكسر فغاب عن النظر، الرابعة: رمى صيدا فأصاب فوقع فغاب و لم يدر وقع الكسر أم لا: الخامسة: رمى و لكن يشك في الإصابة و عدمها، فإن الكسر أو الجرح لو وقع و بعد وقوعه مضى الصيد فعليه الفداء كاملا: و أما إن كان الكسر أو الجرح وقع و يعيش فعليه الأرش، و أما إن رمى فلا يدري وقع الكسر أو الجرح أم لا، أثر فيه بعد الرمي أم لا فلا شي ء عليه، و أما إن شك في التأثير بعد الرمي فالأصل عدم التأثير فليس عليه شي ء انتهى كلام الأستاد و ما أفاده حفظه الله.

و في رواية أبي بصير «1» المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام: في كسر قرني الغزال نصف قيمته، و في كل واحد ربع، و في عينيه كمال قيمته، و في كسر إحدى يديه نصف قيمته، و كذا في إحدى رجليه و في الرواية ضعف و عن صاحب الجواهر: و هو إن كان كذلك لما في المدارك من أن في طريقها عدة من الضعفاء منهم أبو جميلة المفضل ابن صالح، و قيل إنه كان كذابا يضع الحديث، و تبعه على ذلك غيره، و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بانجبار ضعفها لعمل الأصحاب بها و لو أنه معارض مع غيرها، لان حكم الكسر فيها نصف قيمته، و حكم الكسر في صحيح علي بن جعفر «2» المتقدم ربع قيمته، و لكن يمكن الجمع بينهما بحمل الكسر فيها بعدم البرء بعد الوقوع، و أما الكسر فيه بالبرء بعد الوقوع، فإذن المتجه العمل بها، و لكن ينبغي الاقتصار على مضمونها. و أما في غيره فالأرش. و لو اشترك جماعة في قتل صيد ضمن كل واحد منهم فداء و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى قاعدة الضمان بعد ما أتلف مال الغير، إن كان واحدا فعليه القيمة إن كان قيميا أو المثل إن كان مثليا، و إن اشترك جماعة في الإتلاف فعليهم الاشتراك في القيمة أو في المثل و لكن يلزم هنا تعبدا، للنص و الإجماع على كل منهم الفداء كاملا، و كذلك عند الاجتماع في الأكل، الذي تقدم من النصوص ما يدل عليه «3» أيضا، إلا عن بعض العامة فأوجب فداء واحدا عليهما. و هل يكون الفرق في ذلك بين المحرمين و المحلين و المختلفين؟ ظاهر عبارة الشرائع عدم

الفرق في ذلك، نعم إن قلنا بأن الفداء هو الشاة يجب إخراج المحل لأنه إن اشترك مع غيره في قتل الصيد، أو قتل صيدا فعليه القيمة و أما إن قلنا بالقيمة فلا فرق بينه و بين غيره في ذلك، مضافا إلى خبر معاوية بن عمار «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا اجتمع قوم على صيد و هم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته) و خبر علي بن جعفر «5» عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا و هم حرم ما عليهم؟ قال: على كل من أكل منهم

الإحصار و الصد، ص: 105

فداء صيد، كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملا) و خبر معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: و أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك) و خبر أبان بن تغلب «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها و أكلوها، فقال: عليهم مكان كل فرخ أصابوه و أكلوه بدنة يشتركون فيهن فيشترون على عدد الفراخ و عدد الرجال، قلت: فإن منهم من لا يقدر على شي ء، قال: يقوم بحساب ما يصيبه من البدن و يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما) و خبر عبد الرحمن بن الحجاج «3» قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا و هما محرمان، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما الجزاء؟ فقال: لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد، قلت: إن

بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه: إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا). و كيف كان فإن هذه النصوص تدل على أن لكل واحد منهم الفداء كاملا و مورد النصوص و إن كان جماعة محرمين إلا أن إطلاق الفتاوى يشملهم و غيرهم من المحلين في الحرم و المتفرقين، ثم إن قلنا بأن القوم لفظ عام يشمل بعمومه كل ما يمكن أن يتصور هنا فلا يحتاج إلى التكلف الذي وقع (ابتلى) به صاحب الجواهر حيث قال: و احتمال إرادة ما يشمل القيمة منه ليس بأولى من ارادة خصوص المحرمين، بل هو أولى باعتبار غلبة تعبير الأصحاب بمضمون النصوص و رجحان التخصيص على المجاز مع التعارض، و خصوصا هنا، لانصراف الإطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب على المحرم من الكفارات إليه دون المحل و لو في الحرم، انتهى كلامه) و لكن مع ذلك كله ذهب الشيخ في التهذيب في المحل و المحرم إذا اشتركا في قتل صيد حرمي إلى أنه يجب على المحرم الفداء كاملا و على المحل نصف الفداء. و من كان محرما في الحرم ضرب بطير على الأرض فقتله بعد أن اصطاده فيه كان عليه دم و قيمتان: إحداهما للحرم و أخرى لاستصغاره هذا الحكم مسلم بين الأصحاب، إلا أنه خلاف مقتضى القواعد، و الأصل فيه ما نقله الشيخ عن معاوية بن عمار «4» سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله قال: عليه ثلاث قيمات قيمة لإحرامه، و قيمة للحرم، و قيمة لاستصغاره إياه و عن الأستاد حفظه الله: قال: لا يتضح المراد من قوله

عليه السلام (فقتله) هل المراد أنه بعد اصطياده هذا ضربه على الأرض فقتله فيكون الفاء للتفريع، أو أنه وضعه على الأرض و ذبحه، ظاهر النص الأول، و هو القتل بالضرب، و عن الشهيد: و أما قوله عليه السلام فيه (لاستصغاره إياه) فيحتمل عود الضمير فيه للحرم، من حيث الاستخفاف بجاره و للطير، و حينئذ فينسعب فيما إذا فعله في الحل) و معناه وجوب القيمات الثلاث عليه و إن كان خارج الحرم، و عن الأستاد حفظه الله: ما اختاره الشهيد فيه إشكال لأن حرمة الطير تكون بواسطة الحرم، نعم إن قلنا بعود الضمير إليه يصير حكمه في الحرم و الخارج سواء، و لكن الإنصاف لا يمكن تعميم الحكم و القول بلزوم ثلاث قيمات للاستصغار حتى في خارج الحرم لضعف الخبر، لوجود محمد بن أبي بكر

الإحصار و الصد، ص: 106

و زكريا فيه أولا، و مخالفته مع القواعد ثانيا، و عن صاحب الجواهر: المنجبر بالشهرة بل عدم الخلاف، و إن اختلفوا في التعبير عن ذلك، فمنه ما عرفت، و في محكي الوسيلة و المهذب التعبير بالجزاء و قيمتين، و عن بعض ثبوت الدم و قيمتين، و يمكن حمل القيمة الأولى على الدم لثبوته في بعض الطيور، و التعبير بالقيمة و إرادة الفداء شائع في العرف كإطلاق الشمس على القمر في قولهم الشمسين، إلا أن مقتضى قوله عليه السلام (طيرا) و كذا قول الراوي يشمل مطلق الطير، فلا يمكن إخراج الحمام عن هذا الحكم، بل بعمومه يشمل كل طير حتى العصفور، و لكن جزاء كل على حسبه، و عن الشهيد في بعض تحقيقاته أن استصغاره يرجع إلى قصده، فإن قصد استصغاره بالحرم لزمه دم و قيمتان إن كان الفعل

بالحرم، و إن كان في غير الحرم فعليه القيمة لا غير، و إن قصد الاستصغار بالصيد لزمه مطلقا القيمتان سواء كان في الحل أو الحرم، و عن الأستاد حفظه الله: فيلزم منه عدم وجوب شي ء عليه إن قتله من دون قصد. مع أن النص لم يقيد إيجاب الفداء و عدمه على القصد و عدمه، بل نفس الاستصغار موجب للقيمات الثلاثة. و عن بعض زاد التعزير مع ذلك لخبر حمران فإنه قال: لأبي جعفر عليه السلام «1»: (محرم قتل طيرا فيما بين الصفا و المروة عمدا قال: عليه الفداء و الجزاء و يعزر قال: قلت: فإنه فتله في الكعبة عمدا قال: عليه الفداء و الجزاء و يضرب دون الحد و يقام للناس كي ينكل غيره) و عن بعض وجوب التعزير مطلقا داخل الحرم أم خارج الحرم، و عن بعض آخر حصر التعزيز فيهما أي فيما بين الصفا و المروة). و من شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم و قيمة اللبن و أغفل المصنف عن قيد الإحرام و إن كان موجودا في خبر يزيد بن عبد الملك «2» عن الصادق عليه السلام (في رجل مر و هو محرم في الحرم فأخذ عنق ظبية فاحتلبها و شرب لبنها قال: عليه دم و جزاء للحرم عن اللبن و هو الذي نقله الشيخ و الكافي و الوافي و أفتى به جمع من الأصحاب إلا ما عن الوسائل لاختلاف التعبير و جاء بدل (عنق): بكلمة (عنز) و عن المدارك الإشكال في خبر يزيد بن عبد الملك لضعفه و مجهولية صالح بن عقبة لكذبه و عدم اعتناء الأصحاب بما رواه غالبا هذا أولا، و أن الحكم مخالف للأصل و مقتضى القواعد

ثانيا، فيبقى تركه و الحكم بدخوله فيما لا نص فيه فعليه وجوب قيمة اللبن، و عن صاحب الجواهر: و ضعفه منجبر بعمل الأصحاب به، و زاد صاحب الحدائق بقوله: لم أر فيما أعلم من ردها، و عن صاحب الرياض: الظاهر جبره و لا خلاف فيه بينهم، نعم وقع الاختلاف بينهم في التعبير عنه، و أغفل بعض عن الحرم: كما أغفل الآخر عن الإحرام، و عن الأستاد حفظه الله: المتجه اعتبار جميع القيود إن قلنا بحصول الانجبار و حصول العمل به، و عدم إمكان التعدي عن مقدار ما عمل به كقاعدة لا ضرر، فما عن الشهيد من احتمال وجوب القيمة على المحل في الحرم و الدم على المحرم في الحل قياس في غير محله، لعدم تصريحه عليه السلام به، فينبغي الاقتصار فيه على النص في محل الانجبار كقاعدة لا ضرر و لا حرج اللتين لا يمكن التعدي منهما إلى زائد على ما أثبته الأصحاب، نعم يمكن إلغاء الخصوصية من جهة العنق و العنز و القول بعدم الفرق فيهما في إيجاب الحكم، و أما من ناحية الاحتلاب، فعن بعض الإلغاء أيضا، و عن بعض آخر لزومه، و عن الأستاد حفظه الله:

الإحصار و الصد، ص: 107

و إن كان فيه وجهان إلا انه لا يبعد إلغاؤه كما عن الشرائع أيضا، و معناه عدم الفرق بين الحلب و الشرب و بين إحلاب الغير و شربه، فعلى كلتا الحالتين لزمه دم و قيمة اللبن، و عن العلامة في محكي التذكرة و المنتهى زيادة الاستدلال: بأنه شرب مالا يحل شربه، إذا اللبن كالجزء من الصيد فكان ممنوعا منه فيكون كالأكل لما لا يحل أكله، فيدخل في قول الباقر عليه السلام «1» (من

نتف إبطه إلى أن قال أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة) إذ لا فرق بين الأكل و الشرب، ثم قال: (و أما وجوب قيمة اللبن فلانه جزء صيد، فكان عليه قيمته) و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذكره من إدخال الشرب في الأكل و استواء الحكم في الحالتين لا يخلو من نظر بل منع، نعم إن قلنا بعدم الفرق بينهما في عموم الحكم و تمكنا من استفادة عموم الحكم من نص أو الآية يمكن التعدي من مورد النص و هو حصر الحكم في المحرم إلى المحل أيضا، و القول بحرمة شرب اللبن و لزوم الفداء و القيمة على المحرم في الحل أيضا، و يتفرع الحكم عليه انسحاب الحكم في غيرها أي الظبية إلى البقرة و نحوها، هذا كله إن لم نقل بانصراف الأكل عن الشرب و القول بصحة إطلاقه عليه و عمومية حرمة الصيد حتى اللبن و إلا فلا. و لو رمى الصيد و هو حلال فأصابه و هو محرم لم يضمنه لافتتاح الجناية في وقت لم يجب عليه الضمان و كذا لو جعل في رأسه ما يقتل القملة ثم أحرم فقتله نعم قيده الكركي بما إذا لم يتمكن من الإزالة حال الإحرام، و إلا ضمن، و كذا الكلام لو نصب شبكة للصيد محلا فاصطادت محرما أو احتفر بئرا كذلك، و عن صاحب الجواهر. و لو لم يقصد الصيد بها لم يضمن للأصل و غيره، و عن الأستاد حفظه الله: فإن قلنا يتوقف تحققه بالقصد أمكن إلحاقه بالقتل خطأ و معنى ذلك، أنه في حال

الإحلال نصب شبكة لاصطياده ما يحل له صيده فوقع ما يحرم عليه صيده، و لأجل ذلك لم يجب عليه شي ء بعد الإحرام.

الموجب الثاني اليد

و معناه كما عن الأستاد حفظه الله، إن اصطاد صيدا في الإحلال و أحرم وجب عليه إرساله فإن لم يرسله و بقي تحت يده فتلف وجب عليه ضمانه، و عن الجواهر الإجماع عليه صريحا، و عن صاحب الجواهر، و لعله العمدة في إثبات ذلك، و عن المسالك و المدارك: هو المقطوع به بين الأصحاب، و عن العلامة في المنتهى: الإجماع على ذلك، و عن الأستاد حفظه الله: و يتفرع على ما قلناه أحكام: الأول كما عن الشرائع أيضا و من كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه الثاني و وجب إرساله الثالث إن أمسكه بعد صيده حتى مات فعليه الفداء هذا كله مما لا خلاف فيه بين الأصحاب، إنما الخلاف و الإشكال في بقاء الملك و عدمه إن أمسكه بعد صيده في الإحلال حتى خرج من الإحرام، و عن المدارك: و ربما قيل ببقاء ملكيته له، و تظهر الفائدة فيما لو أخذه آخذ و جنى عليه جان فعليه ضمانه للمالك، و عن الأستاد حفظه الله: إن قام الإجماع على وجوب الإرسال بعد الإحرام و خروجه عن ملكه فهو و إلا فيمكن الاتجاه على نحو ما قيل من أنه لا يملكه ابتداء فكذا استدامة، و عن الأستاد حفظه الله: ورد لوضوح منع التلازم، إذ يمكن إثبات الملكية له استدامة دون الابتداء، و بناء على ذلك فإن أمكن إثبات حرمة جميع التقلبات عليه و حرمة التصرف فدل على خروجه عن ملكه بمقتضى قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً إلا أن خروج الصيد

عن ملكه مقيد بوصف

الإحصار و الصد، ص: 108

الإحرام، و بعده خروجه عن ملكه يتوقف على الدليل، و أما النصوص، منها: في خبر أبي سعيد المكاري «1» عن الصادق عليه السلام (لا يحرم أحد و معه شي ء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم و مات لزمه الفداء) و عن الأستاد حفظه الله: قوله عليه السلام: (لا يحرم) نهي تكليفي لا وضعي، و معناه: ينعقد الإحرام عنه و لو أمسك و لم يرسله، نعم إن لم يرسله و مات في يده فعليه الفداء. و خبر بكير بن أعين «2» سألت أبا جعفر عليه السلام (عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال: إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فلا شي ء عليه، و إن أمسكه حتى مات فعليه الفداء) و عن الأستاد حفظه الله: أنهما ضعيفان من جهة السند أولا، و عدم صراحتهما في خروجه عن ملكه ثانيا، نعم أمكن إثبات عدم ملكيته له بقوله عليه السلام (فعليه الفداء) إذ الفداء مغاير للمكلية، إلا أن الإنصاف أنه يمكن جبر ضعف السند بما ادعاه الجواهر و الخلاف من الإجماع عليه، و اعترف به صاحب الجواهر، و إن لم يمكن قبوله مستقلا، و لكن اعتضاده بهاتين الروايتين يصير سببا للقبول: هذا كله مما يمكن استظهاره. و لكن في المسألة و هي زوال ملكية الصيد عن المحرم و لزوم إرساله بعد لبس الإحرام لصاحب الجواهر الدلائل الأربعة، الأولى: الإجماع الثانية: عموم الآية فإن صيد البر فيها ليس مصدرا، الثالثة: خبري أبي سعيد المكاري «3» و بكير بن أعين «4» السابقين، الرابعة التلازم، وردها

كلا إلا الإجماع حيث قال: و لعله العمدة في إثبات ذلك: و أما الخبران: فإن مفاد الخبر الأول وجوب الإرسال بعد دخول الحرم لا بعد الإحرام، و عدم دلالة الخبر الثاني على المطلوب بوجه، و إنما فيه الفداء و عدمه، و أما التلازم: فوضوح بطلان كل من الملازمة و اللازم، مضافا إلى ضعف الخبر و عدم الجابر، خصوصا بعد ما قيل من عدم ظهور ما في الغنية ظهورا يعتد به. و عن الأستاد حفظه الله: و ما اختاره صاحب الجواهر من أن مفاد الخبر هو زوال ملكية الصيد عنه بعد دخول الحرم و وجوب إرساله عليه لا مطلقا حتى بعد الإحرام قبل دخول الحرم صحيح، و أما قوله (و بطلان كل من الملازمة و اللازم) فإن قلنا بالتلازم العقلي فما ذهب إليه صاحب الجواهر صحيح، لحرمة إيجاد الملكية للمحرم ابتداء دون استدامة كحرمة إيجاد الزوجية بين المحرم و غيره ابتداء دون استدامة، و إن قلنا بالتلازم بعد قيام الدليل بعدم تحقق الملكية لمحرم حدوثا و بقاء فلازم ذلك أمنية الوحوش عنه. و أما الآية فقد أورد عليها صاحب الجواهر ثلاث إشكالات: الاولى: عدم دلالة الآية بعد تسليم إرادة غير المصدر من الصيد فيها إلا حرمة الإبقاء، الثانية: قيل فلا يفيد فساده إلا إذا اقتضاه النهي و كان ذاكرا، الثالثة: و لو سلم فالدليل أخص من المدعي فإنه قد ينسى. و عن الأستاد حفظه الله: توضيح المدعى: و المدعى هو زوال الملكية مطلقا فإن أردتم أن تزول الملكية عنه بالنهي يمكن قبوله إذا كان النهي منجزا، و أما إن لم يكن منجزا كمن ينسى فلازم ذلك عدم زوال الملكية عنه فيصير الدليل أخص من المدعى.

الإحصار و

الصد، ص: 109

و ما اختاره صاحب الجواهر فيه غموض و إشكال، أما قوله من عدم كون المراد من الصيد معناه الاسمي بل المراد المعنى المصدري فيرجع النهي إلى النهي عن الرمي في البر، فإن هذا مخالف لظاهر الأدلة: و أما قوله: (فلا يفيد فساده إلخ) فإن كان المورد مما يمكن اندراجه في باب المعاملات أو العبادات فحينئذ يسع لنا أن نتكلم في صحته أو بطلانه و أما إذا لم يكن منهما فلا يمكن البحث عن حليته أو حرمته، و لأجل ذلك اختار عدم ملكية الصيد على المحرم لأجل حرمة جميع التقلبات لا من حيث أن النهي يدل على الفساد. و إن قلنا إنه أخذ بقصد التملك أو أخذ آخذ فيمكن البحث في أنه هل كان النهي يرجع إلى أخذ الصيد في حال الإحرام ففي هذه الصورة يمكن البحث هل أن مقتضى الأخذ الحلية أم الحرمة: و عن الأستاد حفظه الله: الفرق بين العبادات و المعاملات واضح لمن له أدنى تأمل، لأن النسيان في الأول لا يضر بالمقربية بخلاف الثاني الذي لا يكون فيها بين الناسي و العالم، و عن الشيخ الحائري: النهي تارة يرجع إلى المعاملة و أخرى لا ترجع كالجمعة أي صلاتها، و في الأول قام الإجماع على بطلان المعاملة علاوة عن المعصية و هذا النوع من المعاملة لا مساس لها به تنجز النهي و عدمه، و ملخص ما ذكرناه هو عدم إمكان الموافقة و التبعية مما اختاره صاحب الجواهر. و لكن الإنصاف وجود الإطلاق في الإجماع حتى يشمل الحرم و خارجه و لو أن مفاد خبر أبي سعيد المكاري في خصوص الفداء إن مات في الحرم و ظاهره تقيده بالحرم و لكن قلنا

سابقا ما أفاده الخبر لم يقل به العلماء، و ما اختاره العلماء لم يقل به الخبر، و لأجل ذلك لا يمكن انجباره لأجل الفتوى فإذن وجوب الفداء عليه مطلقا، و عن صاحب الجواهر: نعم إن لم يتمكن من إرساله بعد الإحرام لم يجب عليه ضمانه، و عن الأستاد حفظه الله: يمكن إثبات الضمان عليه أيضا بقاعدة على اليد، لان يده عليه لم يكن يد أماني حتى يكون خارجا من عموم على اليد، و إن مات في يده فعليه ضمانه أيضا، و لو لم يرسله حتى أحل و لم يكن قد أدخله الحرم فلا شي ء عليه سوى الإثم، للأصل و غيره. و هل عليه وجوب الإرسال بعد الإحلال أم لا؟ اختار البعض عدم وجوب الإرسال عليه كاصطياده قبل الإحرام، و لكن مع شرط عدم إدخاله في الحرم. توضيح ذلك: إن اصطاد المحل صيدا و أمسكه حتى أحرم و مات في يده و هو محرم فهو به ضامن، و إن أمسكه حتى أحرم و لم يدخله الحرم و أحل بعد ذلك بعمرة مفردة مثلا و رجع و أخذه لم يجب عليه إرساله، لأن هذا الحكم و أمثاله مختص بالمحرم، و المفروض أنه يكون محلا و لا يحتاج لإثبات ذلك التمسك بالاستصحاب، لان عدم وجوب الإرسال يكون بمقتضى الدليل كوجوب القصر على المسافر و إتمامه عليه بعد أن كان حاضرا، و إن شك في بقاء الحكم و ارتفاعه عنه لا يصح التمسك به لتعيين وظيفة كل منهما في كل من الموطنين من ناحية الدليل من قبل الشارع. و عن الأستاد حفظه الله: ما اختاره البعض صحيح إن كان الدليل منحصرا بالآية لان موضوعها حرمة التصرف على المحرم ما

دام محرما، و من المعلوم أنه لا يمكن إيجاب حكم الإحرام و إنجازه عليه، حتى بعد الإحرام، مع أنه ليس كذلك، بل وردت النصوص في الباب أيضا. منها قول الصادق عليه السلام في ذيل خبر أبي سعيد المكاري (فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم و مات لزمه الفداء) فعليه يمكن إثبات الإطلاق و القول بوجوب الضمان عليه إن مات في يده حتى بعد الإحلال لقوله عليه السلام بلزوم الإرسال عليه قبل الإطلاق و إن لم يفعل ذلك

الإحصار و الصد، ص: 110

حتى دخل الحرم وجب عليه إرساله فإن لم يفعل و مات في يده حتى بعد الإحلال فعليه فداؤه، هذا كله إن قلنا إن مقتضى التعبد بالنصوص إيجاب الضمان عليه حتى بعد الإحلال، و أما إن لم نقل به فالحكم مختص بالحرم و المحرم. و لأجل ذلك يكفي في عدم الضمان عليه إن مات في يده بعد الإحلال عدم الدليل. و أما الإجماع الذي ادعاه صاحب الجواهر: و فيه اختلاف المجمعين أيضا، لذهاب أكثرهم إلى عدم الضمان عليه إن مات في يده بعد الإحلال، هذا كله بعد الإغماض عن صراحة الدليل على عدم وجوب الضمان عليه. ثم إن قلنا بعدم وجود الدليل في البين لإثبات ذلك الحكم فلا يمكن التمسك بالاستصحاب أيضا. و هل يمكن التمسك بالبراءة كما اختاره صاحب الجواهر و ذهب إليه أم لا؟ و أجاب سيدنا الأستاد حفظه الله: بأن ما اختاره مشكل لوجود الاستصحاب في البين و إثبات الضمان عليه به قبل الإحلال، و بعد الإحلال نشك في بقائه و ارتفاعه فنستصحب بقاء الضمان عليه. نعم إن قيل إن الاستصحاب جريانه متوقف على العلم

ببقاء موضوعه سابقا و الشك في بقائه لا حقا، و أما إذا لم يدر ثبوت موضوعه في البين فلا يمكن إجراؤه و إثبات الحكم على الموضوع و هو جار في ما نحن فيه. لان استصحاب وجوب الإرسال عليه بعد الإحلال لا يمكن لتبدل موضوعه و هو الإحلال بعد الإحرام. قلنا هذا صحيح إن قلنا ببقاء موضوعه بالدليل: لان موضوعه تارة عقلي. و أخرى من ناحية الدليل. و ثالثة عرفي، و في الأول لا يمكن إجراؤه لتبدل موضوعه بالشك. و هكذا في الثاني. و لكن يمكن إجراؤه في الثالث كالحاضر و المسافر إذ بعد أن صارحا ضرا فعليه إن شك في بقاء موضوعه عليه و عدمه أن يستصحب أحكام الحاضر و يعمل، و ما نحن فيه كذلك إذ عنه الشك في وجوب الإرسال عليه و عدمه يجب عليه استصحاب وجوب الإرسال لوجوبه قبل الإحلال و لو لم يجب عليه الإرسال من ناحية الدليل لتبدل موضوعه. و لو أرسله ثم اصطاده لم يضمن قطعا: و عن الأستاد حفظه الله: إن أحل أو حين الإحرام أرسله و اصطاد ثانيا فهو مملوكه بلا شك و لا ريب، إنما الإشكال و الكلام في أنه إن قلنا بخروج الصيد عن ملك المحرم بعد الإحرام فهل يتوقف عود الملكية إليه على اصطياده ثانيا أو أخذه من يد مرسل أو يكتفي بنية التمسك ثانيا و الحق عند الأستاد هو الأخير لاحتياج الملكية إلى السبب لعدم عود الملكية إليه بعد الإحلال، و سبب الملكية تارة تكون شرعيا كالإرث و أخرى يكون معامليا، و عن الشهيد يتوقف عود الملكية باصطياده أو أخذه من مرسل أو بكفاية نية التمسك ثانيا، و لو أرسل من يده مرسل

فلا ضمان عليه. و هل يصدق عليه عنوان الآية الكريمة و هو (حرم عليكم) أم لا؟ اختار البعض العدم لانه نهي عن المنكر و كأنما هو عامل من طرف الشارع، خلافا لأبي حنيفة، و عن الأستاد حفظه الله: توضيح ذلك: تارة يأخذ مال الغصب ليدفعه إلى صاحبه فهو في هذا الحال يكون محسنا و لا يكون عليه ضمانه إن أتلفه في يده بمقتضى الآية الكريمة ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و أخرى يأخذ من غاصب ليدفع إلى غاصب آخر و إليه يمكن إرجاع مخالفة أبي حنيفة، فعليه فكما يحرم وضع إليه على الصيد للمحرم يحرم للمرسل أيضا، لعدم الفرق بين الإرسال و الإمساك، و لو قلنا بأنهما واجبان و لكن لا يكون على المرسل واجبا إرساله بل على الممسك واجب إرساله و لو لم يكن عليه عقاب و هذا كأكل الخبز الغصبي في حال الاضطرار، لأن في هذا الحال و لو لم

الإحصار و الصد، ص: 111

يكن عليه عقاب أخروي و لكن حكم الوضعي و هو الضمان ثابت عليه و ما نحن فيه أيضا كذلك، لأنا و لو قلنا لم يكن عليه عقاب أخروي و لكن حكم الوضعي و هو وجوب الضمان عليه باق على كل حال، فتلخص من جميع ذلك أنه إن قلنا بانصراف أدلة الصيد من هذا النحو من الصيد فلا وجه لمخالفة أبي حنيفة و إن لم نقل به فالمتجه حرمة التصرف للمحرم مطلقا، و لو يكون على هذا النحو. و لو أدخله الحرم ثم أخرجه: و معنى ذلك أن المحرم إن اصطاد صيدا فأدخله الحرم ثم أخرجه هل عليه إعادته إليه ثانيا أم لا بعد معلومية وجوب إعادة صيد الحرم إن

أخرجه منه، و عن بعض الأصحاب وجوب الإعادة إليه للرواية. و عن الشهيد المناقشة في كونه من صيد الحرم بمجرد الإدخال، على أن النصوص مختصة بالطير، و عن الأستاد حفظه الله: نعم يمكن لإثبات وجوب الإعادة عليه بعد إخراجه منه التمسك بقوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً فبناء على ذلك بعد إدخاله فيه و إن أخرجه لا بد و أن يكون مأمونا من الأذى فالاحتياط يقتضي إدخاله فيه، و لو أخرجه منه. و لو كان الصيد بيده وديعة أو عارية أو شبههما: و معناه أنه إن كان الصيد في يده بعنوان الأمانة أو العارية أو شبههما و يريد أن يحرم و المفروض عدم تمكنه أن يرده إلى المالك أو الوكيل المأذون من قبله، أو حاكم عدل (أو عدول المؤمنين فعن بعض يجب عليه إرساله و ضمانه لمالكه، و عن المدارك فيه إشكال لعدم إمكان استفادة هذا الحكم من النص. و لكن عن الأستاد حفظه الله: يمكن استفادته من خبر أبي سعيد المكاري السابق في قول الصادق عليه السلام (لا يحرم أحد و معه شي ء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه) بناء على أن الملك في قوله (عن ملكه) أعم من يد الأماني و الأصالي فإذن يقع التعارض بين عموم ما دل على حفظ المال لمالكه إلى أن يرده إليه و بين ما يدل على وجوب إرسال الصيد عليه بعد الإحرام بالعموم و الخصوص. و هل يمكن تقديم الخاص و هو وجوب الإرسال عليه على العام أم لا و على فرض عدم إمكان تقديمه عليه يتساقطان فإذن المرجع هو الأصل. هذا كله إذا كان الصيد معه و لو

كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه و عن الأستاد حفظه الله: الأصل فيه صحيح جميل «1» سأل الصادق عليه السلام (عن الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم و هو في منزله قال: و ما به بأس لا يضره) بل عن صاحب الجواهر: فله البيع و الهبة و غيرهما كما في المنتهى و التحرير التصريح بذلك. بل في المسالك و غيرها (و كما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداؤه أي للبعيد) فلو اشترى صيدا أو اتهبه أو ورثه انتقل إلى ملكه أيضا: بل عن الأستاد حفظه الله: فإذا كان الصيد لم يزل عن ملكه لكونه نائيا عنه فله أن يأمر بذبحه له لعدم شمول قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ هذا الفرض. و أضاف صاحب الجواهر بقوله: للأصل و إطلاقات الأدلة: توضيحهما عن الأستاد: و مراده من الإطلاقات هو جواز التصرف في ملكه. و إن قيل يحرم عليه التصرف في الصيد في حال الإحرام. قلنا هو الصيد الذي كان معه لا ما إذا كان نائيا فيخصص بواسطة إطلاقات أدلة جواز التصرف في الملك ممنوعية المحرم من التصرف في ملكه فيحكم بعدم الاشكال

الإحصار و الصد، ص: 112

فيه إن كان نائيا. بل يمكن استظهار عدم وجوب الإرسال عليه بمقتضى النص و هو قوله عليه السلام: (لا يحرم أحد و معه شي ء من الصيد) لان مفهومه عدم وجوب الإرسال إن كان نائيا. و عن صاحب الجواهر: و لكن عن بعض المنع في الأول و هو بقاؤه في الملك. و عن ظاهر الشيخ المنع في الثاني و هو جواز البيع و الهبة و عنه أيضا: إن قلنا إن الصيد هو

الاصطياد فلا إشكال فيه لانحصار الحرمة في الاصطياد دون البيع و الهبة و غيرها خصوصا بملاحظة قوله تعالى وَ إِذا حَلَلْتُمْ إلخ لحرمة الاصطياد للمحرم و بعد الإحلال لا يكون الاصطياد عليه حراما. و عن الأستاد حفظه الله: ما اختاره بعيد عن الصواب لانطباق جميع الأحكام على الصيد لا الاصطياد. و أما قوله تعالى وَ إِذا حَلَلْتُمْ إلخ) و فيه يمكن أن يقال بحرمة جميع التصرف فبعد ذلك يقول إِذا حَلَلْتُمْ. فليس عليكم جناح في اصطيادكم على أن صاحب الجواهر في هذه المسألة و أمثالها يتمسك بالإجماعات المنقولة و يفتي، مع أن الغنية ادعى حرمة جميع التصرفات من الأكل و الصيد و أمثالهما على المحرم أيضا و يقول: كل ذلك للإجماع و للاحتياط و لقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أي حرمة جميع التصرفات على المحرم. و عن الأستاد حفظه الله: هل يمكن القول بالتلازم بين بقاء الملك و جواز البيع و الهبة و غيرهما هذا أولا و ثانيا إن قلنا بعدم خروجه عن ملكه فما هو الدليل على جواز البيع و الهبة و غيرهما مع أنا قلنا بحرمة جميع التصرفات فيه إلا أنه يبقى في ملكه في حال إحرامه. و لكن صاحب الجواهر يتمسك لإثبات قول الشيخ الذي منع البيع و الهبة بخبر أبي الربيع «1» سأل الصادق عليه السلام (عن رجل خرج إلى مكة و له في منزله حمام طيارة فألفها طير من الصيد و كان مع حمامه قال: فلينظر أهله في المقدار أي الوقت الذي يظنون أنه يحرم فيه، و لا يعرضون لذلك الطير و لا يفزعونه و يطعمونه حتى يوم النحر و يحل صاحبهم من إحرامه) و لكن يرده بقوله: و لازم ذلك

أن يجوز التصرف لأهله في الصيد. و عن الأستاد حفظه الله: أولا الفرق بين مورد البحث و هو إثبات جواز التصرف في الملك في حال الإحرام و عدمه و بين الخبر الذي يمنع التصرف عن أهل المحرم. و ملخص القول أنه إن قلنا إن الطير يحسب آلة الصيد له و اصطاد أهله له في حال إحرامه فلا بد أن لا يعامل معه معاملة الصيد حتى يحل، و إذا كان كذلك فالحق ما اختاره الشيخ و هو منع التصرفات في ملكه و في غير هذه الصورة فيجوز التصرف فيه. و لو أمسك المحرم صيدا فذبحه محرم ضمن كل منهما فداء و عن الأستاد حفظه الله: يمكن إثبات الحكم فيهما من الآية و النص: أما الفداء للقاتل لما صدر عنه الفعل و هو قد خالف ما نهي عنه بقوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إذ بعد الإحرام كان ممنوعا عن إيذاء الصيد و خالف حكم الله سبحانه و تعالى فعليه الفداء. و أما في الممسك فهو أيضا ممنوع بمقتضى قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ و معناه حرمة جميع أفعال المكلفين في حال الإحرام كما قلنا سابقا، خلافا للأصحاب حيث قالوا بحرمة كل ما فعله المحرم بالنسبة إلى الصيد و منها الإمساك، أعم من أن يقتل الآخر أو لا لأولويته من الضمان بالدلالة و المشاركة في الرمي بدون إصابة. و أما النص. فعن الحلبي «2» عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: لا

الإحصار و الصد، ص: 113

تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطادوه، و لا تشر إليه فيستحل من

أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده) و عن الأستاد حفظه الله: و إن لم يتعرض عليه السلام فيه يحكم الإمساك و لكن هو شبيه بحكم الأولوية فإذا كان في الإشارة إلى الصيد فداء فيكون في الإمساك بطريق أولى. و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا إن العقل حاكم بها فهذه هي الأولوية لا المفهوم الموافقة. و يمكن التمسك لإثبات الفداء للممسك بعموم التعليل و هو قوله عليه السلام: (فيستحل) و هو عام بعمومه يشمل كل مورد يصير سببا للاستحلال، كقوله لا تشرب الخمر لانه مسكر و هو عام بعمومه يشمل كل مورد يكون فيه الإسكار، و مما حررنا لك يظهر إمكان التمسك لإثبات الفداء للممسك بعموم التعليل، و لا يكون الدليل منحصرا في الأولوية كما انحصرها صاحب الجواهر و غيره من العلماء. و يمكن التمسك لإثبات الفداء للممسك أيضا بالمفهوم الموافقة و هو إن قلنا في الدلالة أو الإشارة على الصيد فداء فمفهومه في الإمساك أو غيره يجب الفداء بطريق أولى كقوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ مفهومه حرمة الضرب أو الشتم بطريق أولى. و ملخص الكلام كل ما يقوله عليهم السلام لا يكون خارجا عن قوله تعالى، بل كله ما حكم به القرآن لأنهم محبط الوحي و معدن الحكمة و منهم الرسول الأمي صلى الله عليه و آله و سلم. و خبر منصور بن حازم «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء) فتلخص مما قلناه حرمة كل عمل من المحرم بالنسبة إلى الصيد. و لو كانا في الحرم تضاعف الفداء ما لم يكن بدنة إن قلنا به، و إلا إن جنى المحرم

بصيد في الحرم فعليه تضاعف الفداء مطلقا بدنة كانت أم غيرها و لو كانا محلين في الحرم لم يتضاعف و لو كان أحدهما محرما و الآخر محلا تضاعف الفداء في حقه، و لو أمسك المحرم الصيد في الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة) (و لو نقل بيض صيد عن موضعه ففسد ضمنه فإن كانت المنقول بيض نعامة أو حمامة أو غيرها فعلى النقال الضمان، و إن لم يكن في هذا الفرض نص كما صرح به غير واحد. بل عن الشيخ نسبته إلى الاخبار، و لعله يريد أخبار الكسر و هي خبر الكناني «2» عن الصادق عليه السلام (ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك و أنت محرم فعليك فداؤه) و المرسل الذي رواه الشيخان «3» في التهذيب و المقنعة: (إن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين إني خرجت محرما فوطأت ناقتي بيض نعام فكسرته هل علي كفارة الحديث) و لذلك يمكن انسحاب الحكم من كسر البيض إلى هنا، و إثبات ممنوعية كل تصرف حتى الانتقال للمحرم. و لو أحضنه فخرج الفرخ سليما لم يضمنه و عن الأستاد حفظه الله: و معناه إن عمل بعد الانتقال حتى خرج بسببه

الإحصار و الصد، ص: 114

الفرخ منه سليما لم يكن عليه شي ء و المفروض عدم فساد البيض بعد الانتقال، و يمكن أن يكون حكم الفداء مترتبا على الفساد الواقعي إذ لازم قوله: (و لو أحضنه إلخ) عدم الضمان إن لم يفسده بعد الانتقال و أما إن شك في الفساد و عدمه فلا يكون عليه ضمان. و لكن عن المسالك: الأقوى ضمانه ما لم يتحقق عدم خروج الفرخ منه سليما،

فلو جهل الحال ضمنه أيضا و يمكن أن يكون كلامه ناظرا إلى ما سمعته فيمن رمى صيدا فأصابه فغاب فلم يعرف حاله و غير ذلك مما تقدم في نصوص بيض النعام. و إذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة و يحرم على المحل، و لا كذا لو اصطاده و ذبحه محل و قد تقدم الكلام فيه سابقا فراجع.

الموجب الثالث السبب
اشارة

و هو يشتمل على مسائل:

الاولى:

من أغلق على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض ضمن بالإغلاق فإن كان النص موجودا كالاغلاق يؤخذ به و يحكم على حسب ما يمكن استظهاره من النصوص، و إن لم يكن فيه نص خاص يمكن إدخاله في قاعدة (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) فإذا سد المحرم بيتا من بيوت الحمام حتى مات من الجوع أو العطش أو سد البيض ففسدت البيض فعليه في كل من الحالتين الضمان. فإن زال السبب و أرسلها سليمة سقط الضمان، و لو هلك ضمن الحمامة بشاة و الفرخ بحمل، و البيضة بدرهم إن كان محرما، و إن كان محلا ففي الحمامة درهم و في الفرخ نصف و في البيضة ربع هذا كله لأجل النص. منها: عن إبراهيم بن عمرو سليمان بن خالد «1» قالا: قلنا لأبي عبد الله عليه السلام رجل أغلق بابه على طائر، فقال: إن كان أغلق الباب بعده أحرم فعليه شاة، و إن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه) و منها «2» عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات، قال: (يتصدق بدرهم يطعم به حمام الحرم) فقد صرح فيه عليه السلام بأن يتصدق بدرهم، و إن لم يكن فيه صراحة على أنه حين إغلاقه عليه كان محرما أم محلا أو كان في الحرم أم في خارجه بل تعرض لحكم حمام الحرم فأمر عليه السلام بالتصدق بدرهم. و منها: عن يونس بن يعقوب «3» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أغلق بابه على حمام من

حمام الحرم و فراخ و بيض، فقال: إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهم، و لكل فرخ نصف درهم، و لكل بيضة ربع درهم، و إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة، و لكل فرخ حملا و إن لم يكن تحرك فدرهم، و للبيض نصف درهم) و يمكن تقييد رواية الحلبي بها و القول بأن الأغلاق فيها كان قبل الإحرام لتصريح الامام عليه السلام بقوله: (إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهم. و إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة)

الإحصار و الصد، ص: 115

نعم لم تكن في غير رواية الحلبي (أغلق. فمات) لإمكان وقوع الأغلاق في الإحرام و حين رجوعه بعد الأعمال من الطواف و التقصير و غيرهما رآه سالما و حينئذ يمكن أن يقال: بترتيب الفداء على الموت كما عن الأصحاب و منهم صاحب الشرائع حيث قال: فإن زال السبب و أرسلها سليمة سقط الضمان و لكن عن الشيخ يستقر الضمان بنفس الأغلاق و لو مع السلامة. هذا. و عن صاحب المدارك الاعتراف بقيد هذا الحكم إن كان السند صحيحا، خلافا للحدائق حيث اعترف بصحة السند و المناقشة في الدلالة لمغايرتها مع النصوص السابقة. إذ فيها: على المحرم في الحرم الفداء و القيمة خلافا لظاهر ما هنا و هو الفداء دون القيمة، و يشكل حملها على غير الحرم أيضا لأنه لا شي ء فيه حينئذ على المحل، اللّهمّ إلا أن يكون ذلك حكم حمام الحرم و إن لم يكن في الحرم لقوله: (حمامة من حمام الحرم) و معنا ذلك مساواة خارج الحرم مع الداخل في

الحكم، فعليه على المحرم لاحترام الإحرام شاة و على المحل لحرمة الحرم القيمة، و يشكل أيضا الحكم بوجوبهما عليه لحصول السببين كالحرم، اللهم إلا أن يقال: بعدم وجوبهما عليه في هذا القسم من الإتلاف فالنصوص السابقة مخصوص بالقتل بخلاف ما هنا لاختصاصها بالإغلاق دون الموت كما هو مختار الأستاد و الشيخ أيضا. و لكن فيه ما عرفت من أن الأغلاق مع السلامة أو لي بعدم الضمان من الرمي مع عدم الإصابة و من الأخذ ثم الإرسال فلا بد من حمل الخبر على حال الهلاك. انتهى كلام صاحب الجواهر. و عن الأستاد: تقييد الأغلاق بالإصابة بل بالهلاكة مخالف لنصوص الرمي لأن الفداء فيها منوط بالإصابة و إن لم ينته إلى الهلاك و حملها على حال الأغلاق مطلقا و إن لم يكن فيه الإصابة أيضا مخالف لنصوص الرمي لمخالفتها معها، إذ في الأول الفداء هو الشاة دون الثاني، و حملها على حال الهلاك مخالف للنصوص السابقة لتضاعف الفداء و القيمة في الثاني دون الأول، و لذلك لا يمكن تخصيص الأغلاق بالإصابة و القول بعدم تقدمه منه لأن الرمي من دون الإصابة يكون تجريا على المولى بخلاف الأغلاق لاصابة الطائر فيه قطعا و مخالفة العبد مع المولى. و ملخص الكلام أنه لا يمكن الحكم بمساواتهما إذ الفرق بين مورد البحث و الرمي واضح لمن له أدنى مسك من العلم. و ما عن الجواهر: إلا أنا لم نتحققه، أي عدم وجود القائل به. و عن الأستاد حفظه الله: تارة يمكن القول بأن حملهم على حال الهلاكة كان لوجود القرينة و لكن خفيت تلك علينا. و أخرى طرحها و تقييدها بالهلاكة كما هو ظاهر الآية و الرواية إلا أنهم لم

يفتوا بتضاعف الفداء في الحرم.

الثانية

قيل إذا نفر حمام الحرم فإن عاد فعليه شاة واحدة، و إن لم يعد فعن كل حمامة شاة و هكذا قال: علي بن بابويه و تبعه الأصحاب و منهم صاحب الشرائع: و معنى النفر بالفارسي هو (رمانيدن) و نفرته أي (رمانيدم) و قد استعمل لازما و متعديا، و قد كان من عادة الأصحاب الرجوع إلى فتوى ابن بابويه عنه عدم النص بناء على أنه لا يحكم إلا بما دل عليه النص الصحيح عنده، و عن الحدائق: إن فيها ما هو مأخوذ من الفقه الرضوي «1» ثم للتنفير و العود احتمالات. منها: يمكن أن يقع التنفير من

الإحصار و الصد، ص: 116

مكان من الحرم إلى مكان آخر منه، و هل يصدق عليه التنفير أم لا؟. و منها نفرها من الحرم إلى خارج الحرم. و منها عن الوكر و إليه، و منها عن كل مكان يكون فيه و إليه، و عن الأستاد حفظه الله: إذا لم يمكن استفادة معنى النفر من اللغة و لم يكن في كلام الأصحاب أيضا الإشارة إلى معناه و شككنا في انطباق مفهوم النفر على المصداق فلا بد و أن يتمسك في مورد الشك بالقدر المتيقن من النفر و هو الاحتمال الثالث، و إن كان النفر أقل منه كالأول لا يمكن الحكم عليه بالفداء لانه مورد شك و عنه الشك يمكن إجراء البراءة عن الفداء. و أما الشاك في العدد يبني على الأقل و يجري أصالة البراءة عن الزائد. ثم إن الأقوى عدم وجوب شي ء في الواحدة و لذلك لا بد من حمل قوله: (إذا نفر حمام الحرم إلخ) على أن المراد منه هو اسم جنس جمعي لا

أنه اسم جنس لشموله الأقل و الأكثر، إذ إن قلنا بالثاني يرد عليه أولا مساواة العود بعد النفر و عدمه في الحكم و هو وجوب الشاة إن كانت واحدة، و ثانيا مساواة القتل و الرمي و العود في الحكم مع أن حكم القتل مختص بالنصوص السابقة التي تكلمنا حولها في حكم قتلها، و ما قيل: إن غاب بعد النفر فعليه شاة إن احتمل التلف، فهو كمن رمى صيدا و لم يعلم حاله. قال: الأستاد حفظه الله: هذا قياس باطل إلا أن يكون النفر سببا للإتلاف، فإذن يكون وجوب الفداء عليه بدليل الإتلاف لا بما هو شبيه بالرمي و لم يعلم حاله. ثم هل يكون الفرق بين المحرم و المحل في الحرم أم هما في الحكم سواء؟ فعن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بوجود النص فيه فلا يمكن الحكم بالفرق بينهما لظاهر النص نعم يمكن إثبات الفرق بينهما بمقتضى عموم التعليل الذي قال: للمحرم تعدد الفداء للحرم و للاحرام، دون المحل في الحرم فعليه شاة للحرم، و عن الجواهر: لا يمكن الاعتراف بصحة الفروع إلا بعد صحة مستند أصل الحكم. و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه الجواهر مشكل لفتوى ابن بابويه و متابعة المشهور و منهم الشيخ رحمة الله عليه فلا يمكن الاعراض عنه و إن كان مقتضى الاحتياط الاقتصار على أصل الحكم و هو المقدار المتيقن و إجراء البراءة في الزائد.

الثالثة:

إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما و أخطأ الآخر فعلى المصيب فداء بجنايته، و كذا على المخطي لإعانته و قيد الماتن وجوب الفداء على المخطي بالإعانة مع أنها لم تكن في النص موجودة لإطلاقها و عدم تقييدها بالإعانة أو غيرها، إلا أن

يدل عليه فيجب للدلالة للرمي أو أغراه أو أغواه، أما الرمي: إذا رمى صيدا فأخطاء فبذلك رمى الآخر فأصاب، و أما الإغراء فهو إيجاد الشوق للرمي في الغير لعدم بنائه على الرمي. و أما الإغواء فهو انحرافه للتهيأ للرمي. و عن صاحب الجواهر: و لعل المراد بالإعانة إرادة صيده للرامي. و عن الأستاد حفظه الله: ما اختاره صاحب الجواهر في تعريف الإعانة مشكل لعدم صدق الإعانة عليه إذ لا يمكن انطباقها على صيده للرامي أو لنفسه، مع أن ما اختاره الماتن في التعريف و هو وجوب الفداء للإعانة مغاير لقوله سابقا: إن رميا صيدا فأصابه أحدهما دون الآخر فعلى المصيب فداء دون المخطئ إلا أن يقيد الحكم و هو وجوب الفداء بالإعانة، و لكن كما قلنا سابقا النص و الفتوى بخلافه لاطلاقهما و عدم تقيدهما بالإعانة و غيرها، كصحيح ضريس بن أعين «1» قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجلين محرمين رميا صيدا

الإحصار و الصد، ص: 117

فأصابه أحدهما قال: على كل واحد منهما الفداء) و خبر إدريس بن عبد الله «1» قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما؟ قال: عليهما جميعا، يفدي كل واحد منها على حده). و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بمقالة الماتن فيمكن التعدي من مورد النص إلى غيره لعدم الفرق حينئذ بين المحرم و المحل في الحكم و لا بين تعدد الرامي أو اتحاده، و إن لم نقل بها فلا يمكن التعدي من النص و إسراء الحكم من المحرم إلى المحل، و الحكم بوجوب الفداء عليه أيضا إلا أن يكون فعله سببا للإتلاف فإذن يمكن التعدي

لوجوب الاقتصار على مورد النص، و هل يمكن التعدي منهما أي المحرمين إلى غيرهما؟ فيه وجهان: من أن الحكم الموجود في النص يكون على خلاف مقتضى القاعدة فلا يمكن التعدي إلى غيره. و من أنه يمكن أن يكون للاجتماع مدخلية في العرف فيمكن التعدي إلى غيره. ثم إن قلنا بالتعدي فإذا تعدد الرامي فهل يجب على كل واحد منهم غير المصيب فداء على حده أم يحتمل الاجتزاء بفداء واحد لجميع المخطئين.

الرابعة

إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها صيد لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد، و إلا لزمهم فداء واحد و عن الأستاد حفظه الله: و هل هو حكم عام يشمل المحرم و المحل أم هو خاص بالمحرم بعد فرض معلومية عدم وجوب شي ء للمحل في خارج الحرم؟ و مستند الحكم صحيح أبي ولاد الحناط «2» قال: (خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه و كنا محرمين فمر بنا طير صاف مثل حمامة أو شبهها فاحترق جناحاه فسقط في النار فمات، فاغتممنا لذلك فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام بمكة فأخبرته و سألته فقال: عليكم فداء واحد تشتركون فيه جميعا إن كان ذلك منكم على غير تعمد، و لو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كل رجل منكم دم شاة، قال: أبو ولاد و كان ذلك منا قبل أن ندخل الحرم) و إن أوقد المحل في الحرم نارا فهل يمكن الحكم عليه بوجوب القيمة و لو كان ذلك بدون قصد منه أم لا؟ فعن الأستاد حفظه الله: الحكم به مشكل، لعدم الدليل، و كذا الحكم في المحرم في

الحرم إلا أن يكون هو سببا، كل هذا لعدم إمكان التعدي من مورد النص إلى غيره، فيجب الاقتصار في مورده، و أما مع القصد فعلى المحل في الحرم القيمة و للمحرم في الحرم تضاعف الجزاء كما أن المتيقن من النص هو الإيقاد عن جماعة، و إذا كان الموقد واحدا فلا يكون عليه شي ء.

الخامسة:

إذا رمى صيدا اضطرب فقتل فرخا أو صيدا آخر كان عليه فداء الجميع و عن الأستاد حفظه الله: كل هذا للتسبيب، و لا فرق في ذلك بين الاضطراب و غيره، بل إن رمى صيدا فاضطرب الصيد فبسببه وقع جنايتان مثل أن يقتل فرخين فعليه فداء الجميع و لو قصد قتلا واحدا، خصوصا إن قلنا بعدم الفرق في الصيد بين الخطأ و العمد كأن رمى حجرا فأصاب السهم الحجر فوقع الحجر على الصيد فمات فعليه أيضا فداؤه.

السادسة

السائق للدابة يضمن ما تجنيه دابته و كذا الراكب إذا وقف بها و إذا سار ضمن ما تجنيه بيديها لقاعدة الضمان، إلا أن الضمان في إتلاف أموال الناس، القيمة إن كان قيميا، و المثل إن كان مثليا بخلاف الصيد ففيه الفداء، هذا كله في السائق و أما الراكب إذا سار ضمن ما تجنيه دابته بيديها و رأسها كالقائد لقوله صلى الله عليه و آله في المرسل «1»: (الرجل جبار) أي هدر خلافا للنص الاتي لإطلاقه و عدم تقييده بما عن الماتن، و شموله في وجوب الفداء حتى على الواقف إذا جنى دابته بيديها و رجليها، و على المرسل للرعي، و على الراكب و السائق و القائد إذا وقعوا على الأرض و بذلك جنوا، مع عدم لزوم الفداء عليهم، إذ الميزان في الفداء هو التسبيب لا الأعم منه و من غيره، و هو صحيح أبي الصباح الكناني «2» إنه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ما وطأته أو وطأته بعيرك أو دابتك و أنت محرم فعليك فداؤه) و عن معاوية بن عمار «3» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ما وطئته أو وطأه بعيرك و أنت محرم فعليك

فداؤه الحديث) و عن صاحب الجواهر: إلا أني لم أجد عاملا بهما على إطلاقهما، و لذلك حملهما على مقتضى القاعدة و هو وقوع الفعل تسبيبا لا ما هو أعم، و حينئذ يطابق النص و الفتوى هذا كله في المحرم، و أما المحل و إن لم يكن فيه شي ء تضمن ضمانه بجناية دابته إلا أنه يمكن أن يستفاد من فحوى نصوص الضمان بالدلالة للمحرم و المحل في الحرم التسبيب الذي لا فرق بين المحل و المحرم فتتجه مضاعفة الجزاء فيه حينئذ أيضا إلا أن يكون من غير تسبيب فلا شي ء عليه، بل في المدارك: (لم أقف على رواية تتضمن تضمينه بجناية دابته إلا أن الأصحاب قاطعون بأن ما يضمنه المحرم في الحل يضمنه المحل في الحرم، و يتضاعف الجزاء في اجتماع الأمرين) و عن الأستاد حفظه الله: بناء على هذا يمكن أن يكون مستند قولهم و هو مساواة الحكم بين المحرم و المحل التسبيب.

السابعة:

إذا أمسك صيدا له طفل فتلف بإمساكه ضمن و لو أمسك المحرم الأم في الحرم فمات الطفل فيه أيضا فعليه الفداء للتسبيب و كذا لو أمسك المحل صيدا له طفل في الحرم فتلف الطفل فيه فعليه ضمانه لانه قتل صيد الحرم كأن رمى المحل صيدا في الحرم فعليه فداؤه و أما إن كان لامساك في الحرم فتلف الطفل في الحل فلا يكون عليه فداؤه: ففي خبر مسمع «4» عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله قال: عليه الجزاء لان الافة جاءت الصيد من ناحية الحرم) و لا يكون قياسا لانه بمقتضى تعليل النص الذي قال هذا لعدم حرمة الحرم.

الثامنة:

إذا أغرى المحرم كلبه بصيد فقتله ضمن سواء كان في الحل أو في الحرم، لكن يتضاعف إذا كان في الحرم للتسبيب، كما قلنا سابقا في حكم المحرم إذا أمسك صيدا، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الإغراء في الحرم أو في الحل، و لا بين أن يكون محرما أو محلا و كان الصيد في الحرم، بل بحكم الإغراء في الضمان حل الكلب المربوط في الحرم فقتل صيدا، و كذا لو حل الصيد المربوط فتسبب ذلك لأخذ الكلب إياه فعليه الفداء إن لم يكن للإحسان و إلا فلا يكون عليه شي ء.

التاسعة:

لو نفر صيدا فهلك بمصادمة شي ء أو أخذه جارح ضمن و عن الأستاد حفظه الله: لا يشمل هذا حمام الحرم، لخروجها عن هذا الحكم و إنما الحكم فيه عدم وجوب الضمان للنافر إن لم تعد، بل الحكم راجع إلى من نفر صيدا و تلف بمصادمته فعليه ضمانه، أو أخذه جارح ضمنه، و مفهومه لو عاد إلى وكره أو استقر بعد ذلك لم يضمن، و كذا إذا سكن في غير ما نفره لم يضمن و لو تلف، إذا لم يستند التلف إلى ما سكن فيه لزوال السبب، و إن استند إليه ضمن كل ذلك للتسبيب. إنما الكلام لو نفر صيدا و لم يعلم حاله بعد نفره، فعن المدارك: عدم وجوب الضمان عليه، خلافا لما قلنا سابقا من أنه إذا رمى صيدا فغاب و لم يعلم حاله فعليه ضمانه، و عن بعض يحتمل ضمانه، و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى الأصل هو عدم وجوب الضمان عليه، و لو قلنا به هناك فهو للإصابة و لم يعلم حاله بعد الإصابة بخلافه هنا الذي لم يقع الإصابة،

و أما لو تلف بعد النفر بآفة سماوي فعن الأستاد: الحكم بعدم الضمان عليه لعدم صدق التسبيب على هذا النوع من التلف، و لكن عن المدارك: فيه وجهان: من عدم صدق التسبيب على هذا النوع من التلف فلا يجب عليه الضمان، و من أن مقتضى النص وجوب الرد بعد النفر إلى مكانه و إذا تلف و لو بآفة سماوي يصدق عدم العود عليه فلذلك يجب عليه ضمانه، و عن الأستاد حفظه الله: تارة تلفه يرجع إلى نفره، و أخرى إلى مسألة اليد و مقتضى النص هو الثاني، عن علي بن جعفر عليه السلام قال: سألت أخي موسى عليه السلام: عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها، قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق به) إن قلنا: وجوب التصدق عليه يرجع الى نفره من الحرم فعليه لا يمكن الحكم بوجوب الفداء عليه في كل نفر، بل الفداء يجب إن كان النفر من الحرم إلا أن يعود، فإذن يغاير النص مع الفرض إذ الفرض هو النفر و النص هو اليد، و إن قلنا: وجوبه عليه يرجع إلى اليد كأن حبس صيدا و مات فيه و لو بتلف سماوي ليضمن فيشمل مورد النص و لكن هذا خلاف الفرض إذ هو في النفر دون اليد فينحصر وجوب الضمان في صدق التسبيب بعد النفر و وقوع المصادمة فعليه ضمانه و إلا فلا، نعم إن شك في أصل نفره فالأصل عدم ضمانه لأن الشبهة موضوعية.

العاشرة:

لو وقع الصيد في شبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمن و مثله لو أراد تخصيص الصيد من فم هرة أو من سبع أو من شق جدار فهلك ضمن، و

عن الأستاد حفظه الله: مقتضى النص وجوب الضمان عليه من دون أن يكون الفرق في ذلك بين إتلافه أو تلفه في نفسه و إن كان الظاهر من قوله (فهلك) صيرورته سببا للقتل و لو لم يقصد قتله، بل من باب الإحسان أراد تخليصه لصدق قتل الصيد و لو خطأ، فهو كالطبيب الذي أراد أن يعالج مريضا أو يداويه فمات في يده، أو كالتظليل الذي لا ينافي الضمان كل هذا لعدم انطباق صدق قاعدة الإحسان هنا، نعم إن لم يمكن استناد تلفه إلى تخليصه لم يجب عليه ضمانه، و يمكن أن يقال بالقطع بعدم الضمان، لان تخليصه مباح و إحسان محض، و ينطق عليه قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ هذا مع أن المتيقن من الضمان في النص وضع اليد عليه مع العدوان دون غيره، عن حفص البختري «1» عن أبي عبد الله عليه السلام: (فيمن أصاب طيرا في الحرم، قال إن كان مستوي الجناح فليخل عنه، و إن كان غير مستو فنتفه و أطعمه و أسقاه، فإذا استوى جناحاه خلى عنه) لعدم إمكان إثبات الضمان أو عدمه به لعدم

الإحصار و الصد، ص: 120

تعرضه عليه السلام: لكل واحد من هذين الاحتمالين فالمتجه كما قلنا هو عدم لزوم الضمان عليه إن كان التخليص من باب الإحسان.

الحادية عشر:

من دل على صيد فقتل ضمن من دون أن يكون الفرق في ذلك بين القاتل و الدال و لا بين أن يكون الدال هو المحرم كالقاتل أم يكون الدال هو المحرم دون القاتل أو بالعكس إن كان في الحرم لان الحل إن دل محرما على الصيد في الحل لم يضمن لانه لا ضمان عليه بالمباشرة فضلا عن التسبيب، و

مفهومه عدم وجوب الضمان مع عدم ترتب أخذ أو جرح أو قتل للدلالة و إن عصى بفعله و يمكن إثبات الفداء على الدال مع قطع النظر عن النص بالتسبيب، لكن عن بعض إطلاق الفداء للدال قتل أم لم يقتل لخبر ابن حازم بحذف قوله عليه السلام: (فقتل) منه، «1» و إن كان هو موجودا في نسخ الكافي و التهذيب، و لما عن الحلبي «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطادوه) و لا تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده) و عن الأستاد حفظه الله: أولا ظاهر لفظ ضمن هو إيجابه بعد التلف، و ثانيا يمكن حمل المطلق و هو الدلالة من دون وقوع القتل على المقيد و هو الدلالة مع القتل، و الحكم بوجوب الضمان بعد القتل، و إن لم يقتل فلا يجب عليه الفداء.

الفصل الثالث في صيد الحرم

في حكم اشتراك جماعة في قتل صيد. و هو أي الحرم ما أحاط بمكة من جميع جوانبها، و عن المعصوم عليه السلام: هو بريد في بريد مع زيادة في بعض الأطراف و النقصان في بعض آخر، و السر في ذلك، إما لان آدم عليه السلام: لما أهبط إلى الأرض خاف على نفسه من الشيطان فبعث الله ملائكة تحرسه فوقفوا في مواضع أنصاب الحرم فصار ما بينه و بين مواقفهم حرما، و إما لان حجر الأسود لما وضعه الخليل على نبينا و آله و عليه الصلاة في الكعبة حين بناها أضاء الحجر يمينا و شمالا و شرقا و غربا فحرم الله من حيث

انتهى نوره، و هي أي الاعلام مبنية، و هي الأنصاب من جميع جوانبه خلا جهة جده و أول من وضع الأنصاب على حدود الحرم إبراهيم الخليل عليه السلام بدلالة جبرئيل عليه السلام ثم قصي بن كلاب، و قيل نصبها إسماعيل، و قلعتها قريش في زمن النبي صلى الله عليه و آله فاشتد ذلك عليه فجاءه جبرئيل و أخبره أنهم سيعيدونها فرأى رجال منهم في المنام قائلا يقول: حرم أعزكم الله به، نزعتم أنصابه سيحطكم العرب فأعادوها، فقال جبرئيل للنبي صلى الله عليه و آله يا محمد قد أعادوها، فقال: هل أصابوا فقال ما وضعوا فيها إلا بيد ملك، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عام الفتح تميم بن أسيد فجددها ثم بعث عمر لتجديدها بن نوفل، ثم جددها عثمان، ثم معاوية ثم الخلفاء و الملوك إلى عهدنا هذا. و عن الأستاد: قوله عليه السلام: للنبي صلى الله عليه و آله (ما وضعوا فيها الا بيد ملك) هو نظير قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ و معنا ذلك بعد أن كانت لها جهات معينة و مبينة فإنا لها لحافظون. يحرم من الصيد على الحل في الحرم ما يحرم على المحرم و قد قلنا سابقا للمحرم في الحرم تضاعف الفداء و للحمل

الإحصار و الصد، ص: 121

فيه القيمة، و أما في الحل فعلى المحرم الفداء دون الحل، و لا خلاف بيننا في ذلك لما رواه الحلبي «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام و لا و أنت حلال في الحرم و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطادوه، و لا

تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمد. فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه أي قيمته لما عرفته سابقا من كون الأصح ذلك عند المصنف و غيره، و عن الأستاد حفظه الله: و إن لم يتعرض لحكم الحل في الحرم و لكن لا فرق في ذلك بين المحرم و الحل في الحرم لاتحاد حكمهما فيه إلا أن المحرم تجب هي عليه مع الفداء إذا كان مما له فداء، كقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ و إلا تضاعفت القيمة للإحرام و الحرم. و لو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء و فيه تردد و عن الأستاد حفظه الله: وجد تردده هو النص باحتمال اختصاصه بالمحرمين كأكثر النصوص دون الحل في الحرم، و لذلك حكم باتحاد حكمهما في الحرم و تردد بعده، و يمكن أن يقال باتحاد حكم الحل مع المحرم و هو إلغاء الخصوصية عن المحرم و القول بعدم الفرق في الفداء بين المحلين و المحرمين، لرواية معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا اجتمع قوم على صيد و هم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته) و عن الأستاد حفظه الله: يمكن إنه أراد أن يكشف لهم حرمة الإحرام فإذا كان كذلك فله يشمل حكم الحل في الحرم، و يمكن أراد أن يبين لهم لزوم حرمة الصيد، و لا فرق في ذلك بين المحرم في الحرم و المحل فيه، و إذا كان كذلك يمكن شموله للمحل أيضا، و لكن مع ذلك كله في المسألة نصوص لم تكن فيها قيد الإحرام، منها قول الصادق عليه السلام: في خبر ابن

عمار «3» (أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشكال من جهة عدم إمكان الحكم بلزوم الفداء على المحل إن قتل صيدا و أكل منه في خارج الحرم، و حينئذ الأمر يدور بين اختصاصه بالمحرم في خارج الحرم، أو اختصاصه بالحل و المحرم في الحرم و الثاني (أولى و معنا ذلك حرمة قتل الصيد في الحرم للمحل و المحرم و حرمة أكله أيضا لهما فإن فعله فعليهما فداء على حسب ما ورد في النص، و من هنا يتضح أنه إن قلنا: بلزوم الفداء لكل واحد منهما فللمحرم في الحرم بطريق أو أولى، إلا أن يقال باختصاصه للمحرم أيضا كما كان كذلك في سائر النصوص، و عن الأستاد حفظه الله: لا مانع من شموله للمحل أيضا و عن الأستاد حفظه الله: و الأولى استفادة الحكم بمساواة المحللين، لهم من قوله عليه السلام «4» (من نتف إبطه إلى أن قال أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعله ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة) فعليه يمكن الحكم بعدم الفرق بين المحل في الحرم و المحرم في خارج الحرم، لإمكان عدم تمامية دلالته و ضعفه و عدم وجود لفظ المحرم فيه و إمكان القول بالفرق بين المحل في الحرم و المحرم في خارجه، كل ذلك لتعليق

الإحصار و الصد، ص: 122

الحكم على الاجتماع و عدم وجود النص في الحرم في حال الاجتماع و إذا كان كذلك فلا يمكن الحكم بوجوب الفداء على كل واحد منهم، لانه ليس

بأعظم من الاشتراك في قتل مؤمن إذ ألزمت الدية، بل على كل منهم على حسب نسبته فإن كانوا عشرة فنسبة كل واحد منهم هي العشر، و إن كانوا اثنين فلكل واحد منهما نصف الفداء كما هو المروي أي الأخير عن بعض لعدم إمكان وجوب الفداء في الواحد دون الجماعة، هذا كله في حكم المحرم مع المحرم أو المحل مع المحرم، و أما إذا كان الاشتراك بين المحل و المحرم في خارج الحرم: أما المحل فلا يجب عليه شي ء هذا مما لا إشكال فيه و لا ارتياب، إنما الكلام في حكم المحرم في خارج الحرم في هذا الحال فهل عليه فداء كامل أم نصف الفداء؟ و لم يتعرض الماتن على هذا الفرع و لا يرد نص خاص أيضا و هل يمكن الحكم بوجوب نصف الفداء للمحرم أم يجب عليه فداء كامل؟ فعن الصادق عن أبيه عليهما السلام: و الراوي إسماعيل بن أبي زياد «1»: (كان علي عليه السلام: يقول في محرم و محل قتلا صيدا على المحرم الفداء كاملا و على المحل نصف الفداء) و عن الأستاد المحل نصف الفداء إن كان في الحرم و أما إذا كان في المحل فلا شي ء عليه خلافا للمحرم كما قلنا سابقا بمساواة الحكم للمحرم في حال الاشتراك و الانفراد و لا فرق في ذلك بين أن يكون الاشتراك مع المحل أم مع المحرم فإذا كان كذلك فعليه الفداء كاملا دون المحل، فإن تم ذلك فيقع التعارض بينهما، فيحكم على المحرم الفداء و على المحل نصف الفداء و يمكن توجيه النص و هو الحكم بإيجاب نصف فداء المحرم عليه إن كان في الحرم و لكن مقتضى الاحتياط هو الاعراض عنه،

و هل يحرم و هو يؤم الحرم قيل نعم و القائل هو الشيخ في الاستبصار و التهذيب و قيل يكره و هو الأشبه و القائل هو الشيخ و الصدوق و ابن إدريس، و عن الأستاد حفظه الله: و البحث فيه يقع من جهات ثلاثة: الجهة الأولى: هي تعيين حكم رمي الصيد الذي يؤم الحرم. الجهة الثانية: هل أن وجوب الفداء عليه و عدمه يختص بما إذا دخل الصيد في الحرم فمات فيه أم يعمه و ما كان خارج الحرم الجهة الثالثة: هل يقيد كون موته بسبب الرمي أم لا؟ أما الأول فقد تبين لك أنها ذات قولين و علة اختلاف الأقوال ترجع إلى اختلاف الروايات و هل يمكن الجمع بينهما لكي ترتفع التعارض أم لا؟ و من يحكم بحرمة رمي الصيد الذي يؤم الحرم يتمسك بنصوص، منها: مرسل ابن أبي عمير «2» عن الصادق عليه السلام: (كان يكره أن يرمى الصيد و هو يؤم الحرم) بناء على إرادة الحرمة من الكراهة فيه، و منها عن مسمع «3» عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل محل رمى صيدا في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم؟ فقال لحمه حرام مثل الميتة) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه قوله عليه السلام: لحمه مثل الميتة يدل على عدم جواز رميه و لو رماه في الحل و بعده دخل في الحرم فمات فلذلك حكم بأنه مثل الميتة و منها عن علي بن عقبة أبيه عقبة بن خالد «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل قضى حجة ثم اقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريبا من الحرم و الصيد متوجه نحو الحرم فرماه

فقتله ما عليه في ذلك؟ قال: يفديه على نحوه) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه: و إن لم يكن فيه ما يدل على دخوله في الحرم و عدمه إلا أنهم استدلوا بذلك

الإحصار و الصد، ص: 123

أي حكمه عليه السلام: بالفداء عليه بعدم جواز رمي الصيد الذي يؤم الحرم. و مستند القائلين بالكراهة نصوص أيضا، منها عن عبد الرحمن بن الحجاج «1» عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل يرمي الصيد و هو يؤم الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه، قال: ليس عليه شي ء إنما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه، قلت: هذا عندهم من القياس؟ قال: لا إنما شبهت لك شيئا بشي ء) و عن الأستاد حفظه الله: (و هو) في قوله عليه السلام: (و هو يؤم الحرم) مردد بين إرجاعه إلى الرامي أو إلى الصيد و الظاهر هو الثاني خلافا للحدائق لذهابه إلى الأول لمتابعته القائلين بالحرمة. و مما يؤيد الكراهة أصاب رميه به في البريد الذي يحيط الحرم من كل جانب و الحرم داخل فيه، على أن الامام عليه السلام نزل ذلك منزلة من نصب شبكة في الحل إلى جانب الحرم فكما لا يمكن الحكم في المقيس بالضمان فكذلك لا يمكن الحكم به في المقيس عليه أيضا، و قد أشار مرتبطا بالبحث سيدنا الأستاد دام إقباله إلى الفرق بين القياس و التشبيه بقوله: القياس هو سراية الحكم من فرد إلى فرد آخر مماثله له خلافا للتشبيه حيث إن الحكم فيها تطبيق الفرد المجهول على الكلي المعلوم و هو عدم وجوب الضمان على المحل الذي رمي صيدا في

الحل و هو يؤم الحرم، إذ من المعلوم عدم وجوب شي ء على الحل في الحل إن رمى صيدا كما صرح به النصوص فاشتبه الحال في هذا الفرد و هو الفرض المذكور للسائل فسأله عن الامام عليه السلام: و أجاب فشبه لتوضيح الحال بمن نصب شبكة و أضاف لتكميل الغرض بقوله عليه السلام: (إنما شبهت لك الشي ء بالشي ء لتعرفه) و رواه في العلل عن الحجاج أيضا و قد اختار صاحب الحدائق و صاحب الوسائل حرمة رمي الصيد الذي يؤم الحرم جمعا بين النصوص المتعارضة قائلا: إن المراد من ضمير (هو) في قوله عليه السلام: (و هو يؤم الحرم) أن الرجل كان يوم الحرم لا الصيد فلا منافاة، خلافا للأستاد حيث قال: إنه خلاف الظاهر، و حينئذ يمكن حمل رواية العقبة و الحلبي على الاستحباب لرجوع السؤال فيهما عن الجزاء و عدمه دون حرمة الرمي و عدمها خلافا لرواية ابن الحجاج لدلالتها على حرمة الرمي لوجوب الفداء، و أما إن قلنا: بأن مقتضى السؤال في الكل الجزاء و حمل رواية البقعة و الحلبي بالاستحباب فلا ينافي الحرمة لرواية ابن الحجاج أصلا و إذا لم يكن في البين دليل يكفي عدم الدليل في عدم الحرمة و هو الأصل، و حمل قوله عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير (و هو يكره) على الكراهة، و إن استعمل في الحرمة أيضا على انه ليس في رواية الحجاج الصيد يؤم الحرم بل هو مطلق لقوله: (رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته إلخ) «2» و لذلك اختار صاحب الحدائق: أن المراد هو الصيد الذي لا يؤم الحرم لقوله عليه السلام: (ليس عليه جزاء) خلافا للأستاد حفظه الله: حيث قال: و العلة

عام فيشمل الصيد الذي يؤم الحرم و لذلك يقع التعارض بينهما بين الثاني الموجب بالفداء و المثبت له فيحمل على الاستحباب، و عن الحدائق وجه آخر لرفع التعارض و هو حمل يكره في مرسل ابن أبي عمير على الحرمة فلذلك يجب عليه أن يفديه و أما غيره على التقية، و عن الأستاد: هذا الجمع أيضا غير صحيح لتصريحه عليه السلام: في جواب السائل حين قال: هذا قياس عند الناس (إنما شبهت لك الشي ء بالشي ء لتعرفه) و قد ظهر (

الإحصار و الصد، ص: 124

من مطاوي ما قد منا لك خيرة الحدائق في البحث و هي حرمة رمي الصيد الذي يؤم الحرم ثم قال: و يتفرع على ذلك ما يلي: و هو عدم وجوب الفداء إن قلنا: بالكراهة، و لزوم الفداء إن قلنا: بحرمة رميه و هو يؤم الحرم، و عن المسالك: حرمة اللحم و أنه ميتة على القولين و عن الأستاد حفظه الله: للنص إن قلنا: بإمكان استفادة حرمة لحمه و كونه ميتة عن رواية مسمع «1» بدعوى عدم ارتباطه بحلية الرمي أو الكراهة لعدم وجود المعارض له، خلافا لمن يفرع حكمهما بمسألة حرمة الرمي و كراهيتها لوجود المعارض معه و هو رواية ابن الحجاج لقوله عليه السلام: بعدم البأس و تمثيله بمن نصب شبكة، و لذلك خالف صاحب الحدائق مع صاحب المسالك بقوله: إن قلنا بكراهة الرمي فالحكم بكونه كالميتة بعيد لانحصار كونه كالميتة بحرمة رميه، و عن الأستاد حفظه الله:، إن قلنا بالتعارض فيتعارض الحلبي و ابن الحجاج، اللهم إلا أن يلتزم بما التزم به الشهيد في المسالك و هو كونه كالميتة لحسن سمع المتقدم لعدم وجود المعارض له عنده و حينئذ المتجه هو

كراهة الرمي و إن كان جواز الرمي مع كونه كالميتة مشكلا، و عن صاحب الجواهر: الأقوى هو الكراهة و عدم لزوم الفداء لتشبيه الامام عليه السلام في رواية الحجاج بمن نصب شبكة لأنه محل فلا يكون عليه شي ء هذا و إن كان يعارض ما في صحيح الحلبي «2» و خبر عقبة «3» لدلالتهما على الحرمة و على كونه ميتة رواية و لكن يمكن توجيهما بأنه لا بأس بكونه كالميتة لإمكان كونه ميتة و لكن يجوز رميه و عدم لزوم الفداء عليه. و يكره الاصطياد بين البريد و الحرم على الأشبه و هو الموافق لأصول المذهب و فحوى صحيح الحلبي «4» و ابن الحجاج «5» لتشبيه الامام عليه السلام: الرامي فيهما بمن نصب شبكة، لأن الصيد في الحل و يؤم الحرم على أن الرامي أيضا كان محلا، و ما يفهم من الأدلة من انحصار المانع من الاصطياد في الحرم و الإحرام و مفهوم قوله تعالى «6» حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً المقتضي عدم الحرمة ما دمتم محلين كقوله تعالى «7» وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا خرج منه صيد الحرم للإجماع و بقي الباقي، و منه ما نحن فيه و لو أصابه صيدا فيه ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا إن قلنا باستحبابها و إلا فيجب الصدقة عليه للنص عن الحلبي «8» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت محلا في الحل فقتلت صيدا فيما بينك و بين البريد إلى الحرم فإن عليك جزاؤه، فإن فقأت عينيه أو كسرت قرنه لصدقت بصدقة) و هو الدليل للقائلين بالاستحباب عن عبد الغفار البخاري «9» عن أبي عبد الله عليه السلام: (في حديث) قال:

و ذكر أنك إذا كنت حلالا و قتلت صيدا ما بين البريد و الحرم فإن عليك جزاؤه، و إن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة) و عن الأستاد حفظه الله: و لأجلهما حكم الماتن باستحباب الفداء فحمله على الكراهة لعدم وجود النهي فيهما إلا أن الامام

الإحصار و الصد، ص: 125

عليه السلام قال في جواب السائل بقوله: (فإن عليك جزاؤه) نعم يمكن أن يقال بالجواز، و مع ذلك عليه الفداء كالتظليل، و يمكن ان يقال: مقتضى قوله عليه السلام: (تصدقت بصدقة) هو البأس، و يمكن أن يقال جمعا بين النصوص الحكم باستحباب الفداء مع كراهة الرمي، و لا يمكن أن يتعدى من مورد النص إلى غيره و هو وجوب الفداء في كسر الرجل لعدم النص و وجود الأصل و لو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم لم يجر إخراجه، للاية «1» وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً الذي استدل الامام بها في مساواة الحكم بعد الدخول إنسانا كان أم غيره، و حينئذ لو دخل الحرم مربوطا لا يجوز إخراجه، بل في المدارك: الاستدلال عليه بأنه بعد الدخول يصير من صيد الحرم، فيتعلق به حكمه، و عن صاحب الجواهر: و إن كان فيه منع واضح، و عن الأستاد حفظه الله: ما اختاره المدارك: موافق لاستدلال الامام عليه السلام فهو المختار لأنهم عالمون بالقرآن و حكماء بتأويله و تنزيله، فحيث قال: بعد الدخول يصير من صيد الحرم، فلا بد و أن يبقى مأمونا من الاذاء، فإذن و لو قلنا بأنه خارج عن صيد الحرم موضوعا و لكن يدخل فيه حكما، عن عبد الأعلى بن أعين «2» سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل أصاب

صيدا في الحل فربطه إلى جانب الحرم فمشى الصيد بربطه حتى دخل الحرم و الرباط في عنقه فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه و الرجل في الحل من الحرم، فقال ثمنه و لحمه حرام مثل الميتة) عن معاوية بن عمار «3» أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: لا يمس لان الله عز و جل يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و ملخص القول فيهما الحكم بالأمان بعد الدخول فيه، سواء كان إنسانا أم غيره خصوصا مع ما في خبر ابن الأعين من حرمة لحمه و ثمنه و كون لحمه كالميتة. (و لو كان في الحل فرمى صيدا في الحرم فقتله فعليه فداؤه للإجماع، و عدم الخلاف، و النص، منه صحيح ابن سنان «4» (و ما دخل من الوحش و الطير في الحرم كان آمنا من أن يهاج و يوذى حتى يخرج من الحرم) و عن الأستاد حفظه الله: و لا فرق في عدم جواز القتل بين أن يكون في الحرم أو في خارجه لأنه في كلتا الحالتين مأمون من أن يهاج أو يؤذى، و عن الجواهر و المدارك: و بمعناه إرسال الكلب عليه، و معنا ذلك: أن يبقى هو في الحل و أرسل كلبه عليه و يدخل في ورائه فيه و يأخذه، نعم وجوب الضمان عليه مقيد بإرساله عليه، أما إذا أرسله على صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه إلى الحرم فقتل صيدا آخر على وجه لا يكون صاحبه سببا في ذلك فلا ضمان لانتفاء المباشرة و التسبيب، و لكن إن أرسله على صيد في الحل، و كذا لو رمي و هو و الصيد في الحل و لكن

دخل الصيد الحرم ثم أصابه السهم، وجهان: من عدم تسبيبه ذلك فلا يجب عليه ضمانه، و من أنه قتل صيدا حرميا فيجب عليه ضمانه إن قلنا بعدم الفرق في وجوب الضمان عليه في الصيد بين قتله عمدا أو خطأ و كذا لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله للإجماع، و النص الخاص، و لا يمكن الاستدلال بالآية الكريمة هنا في الحكم بعدم جواز رمي الصيد من الحرم إلى الحل، و كذا لا يمكن التمسك بالنصوص الواردة عن المعصومين عليهم صلوات الله لإثبات المنع عن رمي الصيد إن كان الرامي في الحرم و هو في الحل لعدم وجوده في الحرم و الرامي لا

الإحصار و الصد، ص: 126

يكون محرما أيضا و خلو النصوص في حكاية منع الرامي و هو في الحرم و الصيد في الحل، و انحصار الآية في احترام الصيد الحرمي للمحل، نعم يمكن إثبات المنع من نص خاص و هو صحيح مسمع «1» عن الصادق عليه السلام: (في رجل حل في الحرم رمي صيدا خارج الحرم فقتله فقال: عليه الجزاء لان الافة جائت الصيد من ناحية الحرم) و عن الأستاد حفظه الله: معناه للحرم حرمة لا يجوز التعدي عن أحد لأحد سواء كان إنسانا أو غيره، و لا فرق في عدم الجواز بين أن يكون هو في الحرم و يتعدى له أو في خارجه و يتعدى منه إليه في خارج الحرم و لو كان بعض الصيد في الحرم فأصاب ما هو في الحل أو في الحرم منه فقتله ضمنه و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى النصوص الواردة في حرمة الحرم عدم جواز رمية إلا أن يشك في تحقق عنوان الحرمة فالأصل هو البراءة،

و أما إذا تيقن بموضوعه فالأصل هو عدم جواز الرمي. و لو كان الصيد على فرع شجرة في الحل فقتله ضمنه إذا كان أصلها في الحرم و لزوم الضمان على الرامي لا يكون منحصرا في الطيور بل هو أعم منها و من غيرها و كذا لو كان أصلها في الحل و الصيد على فرعها في الحرم فقتله ضمنه) و إن لم يتعرض عليه صاحب الشرائع، و مستند القولين قوي السكوني «2» (عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام إنه سئل عن شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحل على غصن منها طير رماه رجل فصرعه قال: عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم) و صحيح معاوية «3» قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل قال: حرم فرعها لمكان أصلها، قال: قلت: فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم فقال: حرم أصلها لمكان فرعها) و عن الأستاد حفظه الله: مقتضاهما حرمة الغصن أو الأصل لحرمة الغصن لوجودها في الحرم، و المنطوق حكمه ظاهر في وجوب الفداء بخلاف المفهوم الذي يدل على عدم إيجاب الفداء إن لم يكن أصلها في الحرم فإذن يقع التعارض بين منطوق ابن عمار لان مقتضاه تحريم الأصل الذي هو في الحل لمكان كون الفرع في الحرم، و هو مناف في الظاهر مع المفهوم في خبر السكوني و لذلك قال في المسالك: (الضابط أن أصل الشجرة متى كان في الحرم فما كان عليها مضمون مطلقا و متى كان في الحل فأغصانها تابعة لهواء ما هي فيه، فما كان منها في الحرم بحكمه و ما كان في الحل بحكمه، و الثاني لا

إشكال فيه، و الأول مروي عن علي عليه السلام) و عن الأستاد حفظه الله: ما خلاصته، مقتضاه تقديم المفهوم على المنطوق لعمومية الثاني و هي حرمة كل جزء في الحرم سواء كان أصلها في الحل و أغصانها في الحرم أو بالعكس بخلاف الأول إذ الحرمة فيه مختص بما إذا كان أصلها في الحرم و أما إن كان أصلها في الحل و أغصانها و إن كانت في الحرم فلا يجب احترامها. و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن أن يقال في تعارض العموم مع الإطلاق بتقديم العام على المطلق لعدم ذكر القيد في الإطلاق، و لذلك يتمسك به عند الشك في احتمال إرادة الخاص منه بخلاف العام لان دلالته على الافراد تكون بالوضع هذا مع أن المنطوق دلالته على عموم الافراد أظهر من المفهوم فيقدم العام عليه و لذلك ذهب الأكثر إلى حرمة الشجر إن كان غصنه في الحرم و إن كان البعض تبع الشهيد و قدم المفهوم على المنطوق فلا يلزم لأحد الاحترام للشجر الذي أصله في الحل و لو كان غصنه في الحرم، و يظهر مما حررنا لك موافقة الماتن مع الشهيد:

الإحصار و الصد، ص: 127

و من دخل بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله و لو أخرجه فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف بسببه أو بغيره و قد قلنا سابقا إن للغاصب ضمان المال المغصوب لو تلف في يده فكذلك هنا عليه ضمانه إن كان الصيد في يده فدخل به الحرم و لم يرسل، إذ عليه إرساله و لو أخرجه فمات ضمنه أيضا و إن مات حتف أنفه، و عن صاحب الجواهر: نعم إن سلمه غيره فأرسله و علم بالإرسال ثم مات فلا

ضمان: و عن الأستاد حفظه الله: إن كان مراده من تسليمه إلى غيره إرساله مباشرة أو تسبيبا فهو و لا كلام فيه في عدم الضمان عليه إذ هو مقتضى النصوص في الباب و المتيقن منها، و إن كان مراده من تسليمه إلى غيره، هو إعطاؤه إلى الغير و هو الوكيل للإرسال في أيام الحج أو بعدها مع إذن صاحبه أو بدون إذنه أو أخذ صيدا و أدخله الحرم قاصدا لامساكه و لكن فر الصيد، أو مات في يده قبل إرساله، أو أخذه آخذ و أرسله من دون إذنه ففي هذه الصور كلها يمكن البحث عن سقوط الضمان و عدمه، و المتيقن من النصوص في عدم الضمان هو الإرسال بعد الدخول و إن مات بعده فلا شي ء عليه، و إن أمسكه حتى مات فعليه ضمانه إذ هو مقتضى خبر بكير بن أعين «1». قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال: إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شي ء عليه، و إن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء) و عن الأستاد حفظه الله: منطوق الصدر يحكم بعدم الضمان عليه بعد تخلية السبيل عنه، و مفهومه إيجاب الضمان عليه إن لم يخل عنه سبيله مباشرة أو تسبيبا، بل عليه ضمانه إن أخذه آخذ و لم يرسله، أو يعطيه لغيره ليحفظه و هو يرسله. و للذيل منطوق و هو إيجاب الضمان عليه إن كان أمسكه حتى مات، و مفهومه إن لم يمسكه فلا يجب عليه ضمانه اختيارا أو اضطرارا و يتفرع للثاني إن أخذه آخذ و فر من يده أو فر من يد صاحبه فلا يجب عليه ضمانه،

و حينئذ يدور الأمر بين الأخذ بالصدر و الحكم بوجوب الضمان عليه إن لم يرسله، أو الأخذ بمفهوم الذيل و الحكم بعدم وجوب الضمان عليه إن لم يمسكه و الأول أولى لقاعدة تقديم جانب مفهوم الصدر على الذيل لأنا إن قلنا ابتداء، (الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شي ء) و قلنا بعده (الماء القليل الكائن في الكوز ينجسه شي ء) لا يمكن انحصار أفراد مفهوم الصدر في الذيل إذ من الممكن أن يكون الذيل موردا للنظر و لذلك يتكلم فيه، إذ الميزان في قبول النجاسة كل ما يكون قليلا لا أنه ينحصر في ماء الكوز، فلو لا ملاحظة مناسبة بين الحكم و الموضوع لقلنا بأن عليه الضمان إن لم يرسله إلا أن يرسله، و لكن الإنصاف أن الإرسال مقدمة لعدم الإمساك حتى الموت لا حكم الضمان يشمل عموم أفراد مفهوم الصدر، فإن كان حكم الضمان ينحصر في ما لم يرسل إذ هو المتيقن من المفهوم و إذا شك في باقي أفراد المفهوم لوجوب الضمان و عدمه مقتضى الأصل هو البراءة. و لو كان طائرا مقصوصا وجب حفظه حتى يكمل ريشه ثم يرسله لصحيح حفص البختري «2» عن أبي عبد الله عليه السلام (فيمن أصاب طيرا في الحرم قال: إن كان مستوي الجناح فليخل عنه، و إن كان غير مستو نتفه و أطعمه و أسقاه، فإذا استوى جناحاه خلى عنه) و صحيح زرارة «3»: (إن الحكم سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل أهدي له في الحرم حمامة مقصوصة فقال: انتفها و أحسن علفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها) و يستفاد منهما وجوب الحفظ لإكمال

الإحصار و الصد، ص: 128

ريشها، و عن محمد بن مسلم

«1» (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام أهلي و جي ء به و هو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) و عن داود بن فرقد «2» قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام بمكة و داود بن علي بها فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: قال لي داود بن علي: ما تقول يا أبا عبد الله في قماري اصطدناها و قصصناها (قصيناها خ ل)، فقلت: تنتف و تعلف فإذا استوت خلى سبيلها) و عن ابن بكير «3» قال: سألت أحدهما عليهما السلام: عن رجل أصاب طيرا في الحل فاشتراه فأدخله الحرم فمات فقال: إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فمات فلا شي ء عليه و إن كان أمسكه حتى مات عنده في الحرم فعليه الفداء) عن مثنى «4» عن كرب الصيرفي قال: كنا جماعة فاشترينا طائرا فقصصناه فأدخلناه الحرم فعاب ذلك علينا جميعا أهل مكة فأرسل كرب إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله فقال: استودعه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة (مسلمة خ ل) فإذا استوى ريشه خلوا سبيله عن مثنى «5» قال: خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج (و هو موضع بين مكة و المدينة) حيث بلغنا البريد فنتف النساء جناحيه، ثم دخلوا به مكة، فدخل أبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فأخبره فقال: ينظرون امرأة لا بأس بها فيعطونها الطير تعلفه و تمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلته) و هل هذا الحكم (وجوب الحفظ لإكمال ريشه ثم الإرسال) مخصوص بالطير أو هو أعم منه و من غيره؟ فعن الأستاد حفظه الله: فيه وجهان

إن قلنا بإمكان إلحاق غيره إليه فلا بأس أن يحكم بأن الحكم عام، و ذكر الطير من باب المثال، إذ ملاك الحفظ و عدم الإيذاء عام يشمل كل صيد فيجب حفظه ثم إرساله، و إن قلنا بعدم إمكان إلحاق غيره إليه فالحكم مختص بالطائر و لا يمكن التعدي من النص إلى غيره. و هل يشترط العدالة فيمن يحفظ الطير أم لا؟ قد اختلف كلمة الأصحاب في ذلك، ذهب بعض بلزوم إسلامه و ذهب بعض آخر بلزوم تشيعه و لكن الإنصاف كما عن الأستاد حفظه الله إنما الواجب للحافظ حفظه و إرساله، إذ هو المتيقن من النصوص فلا يشترط العدالة و الإسلام و التشيع فيه، نعم يجب على المودع الاطمئنان من ذلك و إلا فعليه ضمانه كما قلنا سابقا. و هل يجوز صيد حمام الحرم و هو في الحل؟ و عن الأستاد حفظه الله: أي المحل إذا كان في الحل هل يجوز له صيد الحرم إن كان في الحل أم لا؟ فحينئذ البحث في الجواز و عدمه في خارج الحرم ينحصر بالمحل دون المحرم، إذ قلنا سابقا: مقتضى النص و الفتوى عدم جواز الصيد للمحرم فلا فرق في ذلك بين الحرم و غيره. قيل: نعم و القائل الشيخ و تبعه جمع من متأخري المتأخرين و قيل و القائل الشيخ في حج المبسوط لا و إن كان قوله في غيره نعم، و منشأ اختلاف الفتاوى اختلاف النصوص، إذ مقتضى بعضها الجواز و بعضها الآخر عدمه، و الذي

الإحصار و الصد، ص: 129

يختار الجواز يقول به مع قطع النظر عن الأصل، إذ الأصل بعد اليأس عن النص، و عند ما لم يكن النص موجودا فالأصل عند الشك في

جواز صيد الحرم للمحل في خارج الحرم و عدمه هو البراءة على أن الآية الكريمة (و من دخله كان آمنا). تحكم بلزوم الاحترام و الأمان من أن يهاج أو يؤذي ما دام فيه، و أما لزوم الاحترام حتى بعد الخروج فلا، عن عبد الله بن سنان «1» أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قال: من دخل الحرم مستجيرا به كان آمنا من سخط الله، و من دخله من الوحش و الطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم) و عن الأستاد حفظه الله: و الظاهر من قوله عليه السلام (حتى يخرج من الحرم) جواز الصيد بعد الخروج من الحرم، لحصر الحرمة لهم بما إذا كان في الحرم و أما بقاء الحرمة لهم حتى في خارج الحرم فلا يمكن استفادة ذلك منه على أنه يوافق لحكم الإنسان الملتجئ إليه بل يوافق مع ما ينحصر حرمة أهل مكة فيما إذا كانوا فيها و أما بعد الخروج عنها فلا يجب لأحد احترامهم. هذا و لكن في الباب نصوص أخرى تمنع عن صيد الحرم و لو كان خارجا عن الحرم و لذلك فلا بد من الجمع بينهما بحمل النصوص الناهية عن صيد الحرم في خارج الحرم على الكراهة أو القول بالتخصيص بمعنى حصر حرمة الصيد في خارج الحرم بالحمام دون غيره لان النصوص الناهية عن صيد الحرم منها عبد الله بن سنان «2» السابق عام يشمل كل صيد طير أم غيره بخلاف الثاني و هو خبر علي بن جعفر «3» لانه خاص، و مفهوم الأول عدم الحرمة إن كان خارج الحرم و الثاني

حصر الحرمة بالحمام و لكن لا فرق في ذلك بين أن يكون في الحرم أو خارجه، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام «4» قال: سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخله في الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم على حال، و لا فرق في ذلك بين أن يكون من الحرم و خرج منه أو كان أصله من خارج الحرم ثم دخل به ثم خرج منه، عن عبد الله بن سنان «5» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم من ذبح منه طيرا و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة إن كان محرما بشاة عن كل طير) و لأجل المقابلة بين المحرم و غيره يفهم منه أن المقصود هو ما كان خارج الحرم فحينئذ يدور الأمر بين القول بالكراهة بحمل النصوص عليها كلا و بين التخصيص و هو القول بحرمة صيد الحمام في خارج الحرم دون غيره من الطيور، و الأقوى عند الأستاد حفظه الله هو الثاني و إن كان الأقوى عند صاحب الجواهر الأول لانصراف الطير عنده إلى الحمام، و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه صاحب الجواهر خلاف الظاهر لقوله عليه السلام (و من دخله من الوحش و الطير) نعم لو قال و من دخل من الطير لأمكن تصحيح مقالة الجواهر، و إثباته دون خرط القتاد و لكن عن صاحب الشرائع و الأحوط هو الترك. و من نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه صدقة و عن الأستاد حفظه الله: و إن لم يذكر إيجاب الفداء على الناتف

إن

الإحصار و الصد، ص: 130

كان في الحرم أو في الحل أو الأعم منهما و لكن مقتضى النصوص السابقة هو إيجاب الفداء عليه إن كان في الحرم، و عن صاحب المدارك و غيرها هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب لخبر إبراهيم بن ميمون «1» و إن كان ضعيفا إلا أن ضعفه ينجبر بعمل الأصحاب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل نتف ريشة من حمام الحرم قال يتصدق بصدقة على كل مسكين و يعطي باليد التي نتف بها فإنه قد أوجعه) و عن الأستاد حفظه الله: لو تعدد نتف الريشة تكرر الفداء خلافا للدفعة فلا يجب تكرار الفداء و يجب أن يسلمها بتلك اليد لقوله عليه السلام في خبر إبراهيم بن ميمون السابق (و يعطي باليد التي نتف بها فإنه قد أوجعه) و لذلك أوجب الأصحاب الإعطاء باليد التي نتف بها، و عن الدروس (الأقرب عدم وجوب تسليم الأرش باليد الجانية و إن قلنا بوجوب إعطاء الصدقة باليد الجانية) و عن صاحب الجواهر: بل إن لم يكن الإجماع أمكن القول بذلك فيها أيضا بعد حمل الخبر المزبور على ضرب من الندب. بل لولاه لأمكن القول بالندب في أصل الصدقة مع فرض عدم العيب، خصوصا بعد إطلاق الصدقة الذي مقتضاه الاكتفاء بمسماها. و من أخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته بلا خلاف أجده فيه. إلا في القماري و الدباسي الذي عرفت الحكم فيهما سابقا، و عن الأستاد حفظه الله: و إن كان وجوب الإعادة إلى الحرم في النص مخصوصا بالطير، و لكن كما عن الماتن و غيره وجب على من أخرج صيدا أن يرده إذ ما هو الموجود في النصوص شامل فلا خصوصية فيه،

و لا فرق في وجوب الرد و لزوم الضمان إذا مات في خارج الحرم بين أن يكون الصيد من الحرم و بين ما لم يكن من الحرم بل أدخله فيه من خارج الحرم ثم أخرجه منه، و مدرك الحكم هو النص، منها صحيح علي بن جعفر «2» قال: سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها، قال: عليه أن يردها، فإن ماتت فعليه ثمنها يتصدق به) و عن الأستاد حفظه الله: و الظاهر من قوله عليه السلام (فإن مات إلخ) أي إن مات قبل أن يردها فعليه ثمنها يتصدق به بخلاف ما إذا ردها قبل الموت فلا يجب عليه شي ء و منها صحيح علي بن جعفر «3» عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: (سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة كيف يصنع؟ قال: يرده إلى مكة، فإن مات تصدق بثمنه) و مقتضاهما تعليق وجوب الضمان على الموت أولا، و تعيين الضمان و هو الثمن ثانيا و حينئذ ما استفدنا منهما موافق لما اختاره الماتن و تفسيره، إذ الضمان لم يكن معلوما و بذلك صار معلوما و هو الثمن، و منها عن يونس بن يعقوب «4» قال: أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: حمام أخرج بها من المدينة إلى مكة ثم أخرجها من مكة إلى الكوفة، قال له: أرى أنهن كن فرهة (رفهمة خ ل) قل له: أن يذبح عن كل طير شاة) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه جهات من البحث: أولا: إن الطير لم يكن من الحرم بل أدخله فيه ثم أخرجه و مع ذلك أمره عليه

السلام بذبح الشاة عن كل طير الثاني: الضمان هو الشاة الثالث: وجوب الشاة لا يكون مقيدا بالموت خلافا للصحيحين السابقين رابعا: يمكن أن يقال إن وجوب

الإحصار و الصد، ص: 131

الشاة لكل طير منوط و مخصوص بمن أدخل ثم أخرج منه، و منها عن يعقوب بن يزيد، عن بعض رجاله «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت و إذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه) فلا فرق في عدم جواز الإخراج من الحرم بين الإحلال و الإحرام، و منها ما عن الحلبي «2» عن أبي عبد الله عليه السلام: إنه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم و هو حي، قال: إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه أكله و إمساكه فلا يشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي ء به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه زيادة على ما قلنا سابقا من أن الإخراج حرام (حرمة أكله و إمساكه و حرمة الاشتراء في الحرم إلا جواز الأكل للمحل) و منها ما عن منصور بن حازم «3» قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أهدي لنا طير مذبوح بمكة فأكله أهلنا، فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت: فأي شي ء تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه) و الظاهر وقوع الذبح في مكة فلذلك لا يجوز لهم أكله و قد أمره عليه السلام بإعطاء الثمن بدلا عن الأكل فإذن وقع الضمان على الأكل و إن لم يقع الإخراج، عن زرارة «4» إنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل

أخرج طيرا له من مكة إلى الكوفة، قال: يرده إلى مكة) عن يونس بن يعقوب «5» قال: أرسلت إلى أبي الحسن (موسى عليه السلام خ) إن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها معا إلى مكة فاعتمرنا و أقمنا إلى الحج، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة، هل علينا في ذلك شي ء؟ فقال للرسول: فإنهن كن فرهة، قل له يذبح عن كل طير شاة) هذا كله مع اختلافها و تغاير بعضها في المنطوق مع بعض فلا بد لرفع الاختلاف من الجمع بينها، فيمكن أن يقال: إن مقتضى الجمع بينها وجوب الشاة بالإخراج و الصدقة بالثمن لو مات في الخارج قبل أن يرده إليها و حينئذ إذا أخرجه ورده قبل الموت فعليه الشاة للإخراج دون التصدق بالثمن و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشكال إذ مقتضى صحيحي علي بن جعفر السابقين حصر الضمان بالموت بعد الإخراج و قبل الرد إليها و هو مخالف لما في خبر يونس بن يعقوب إذ فيه وجوب الشاة للإخراج إذ معنى ذلك سكوت الامام عليه السلام في وقت البيان و هو لا يناسب شأنه عليه السلام و يمكن الجمع أيضا بطريق آخر و هو وجوب الشاة للأكل و التصدق بالثمن للموت و الشاة أيضا للإخراج، و عن الأستاد حفظه الله: و فيه إشكال إذ يمكن الجمع بينها بالتخيير بمعنى وجوب الشاة إن أخرجه و لا يعيده أو التصدق بالثمن أو كما عن الجواهر: و ربما جمع بينه و سابقه بإرادة الشاة من الثمن و فيه إشكال. لعدم إمكان إرادة الشاة من الثمن إذ الفرق بينهما واضح إذ مقتضى وجوب الشاة هو الذبح و مقتضى التصدق هو الثمن:

و في التهذيب جمع بنحو آخر و هو أنه فرق بين من أدخل طيرا في الحرم و أخرجه فعليه دم و بين من أخرج طيرا من الحرم فعليه التصدق بالثمن لقوله: (و لا يجوز أن يخرج شيئا من طيور الحرم من الحرم، و من أخرج وجب على من أخرجه أن يرده، فإن مات فعليه ثمنه يتصدق بها) و استدل عليه بخبر علي بن جعفر السابق، ثم قال: (و إذا أدخل المحرم طير الحرم

الإحصار و الصد، ص: 132

فليس له إخراجه منه، و إذا أخرجه فعليه دم) و استدل عليه بخبر يونس، و مقتضاه كونهما عنوانين، و عن الأستاد حفظه الله: و إن يمكن الإذعان و الاعتراف بما ذهب إليه الشيخ و لكن التفكيك بين الإخراج ابتداء و الإخراج ثانيا أي بعد الدخول مشكل، بل و إن قلنا بإيجاب الإرسال عليه بعد الدخول و لم يرسل، و هو في هذا الحال يكون كالمحرم الذي يقتل صيد الحرم هذا، و لكن مع ذلك كله إن قلنا به يرتفع الخلاف و النزاع بينهما و يصح ما قال صاحب الشرائع و لو تلف قبل ذلك ضمنه. و لو رمي بسهم في الحل فدخل الحرم ثم خرج إلى الحل فقتل صيدا لم يجب الفداء عن الأستاد حفظه الله: لوضوح أنه رماه في الحل فقتله في الحل بخلاف ما إذا رماه المحل في الحرم أو المحرم في الحل فعليهما لزوم الفداء للنصوص السابقة، نعم عن التذكرة التوقف في الضمان، و لعله لصدق خروج السهم من الحرم المقتضي للضمان، و عن الأستاد: و فيه إشكال و هكذا الاشكال إن أرسل الكلب و دخل الحرم ثم خرج منه فأخذ صيدا فإن المتجه عدم

الضمان. و لو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة لخبر وهب بن وهب «1» عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام: (إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام و الحلال و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام) و عن الأستاد حفظه الله: و هو صريح في أن المحرم إذا ذبح صيدا و هو كالميتة، و إن كان ضعيفا من جهة السند و لكن انجباره بإجماع الفرقة في حرمة صيد المذبوح للمحرم و المحل إن ذبحه المحرم مضافا إلى غيره من النصوص الظاهرة في ذلك و بها يمكن تأييده و إن لم تكن صريحة في ذلك، و هكذا الحال إن كان المحرم ذبح صيدا في الحل. و لو ذبحه في الحل فأدخله الحرم لم يحرم على المحل و يحرم على المحرم. و لا يدخل في ملكه شي ء من الصيد على الأشبه لأصالة عدم دخوله بعد الشك في تناول سبب الملك له، بخلاف ما إن عكس الأمر إذ مقتضى الأصل هناك هو بقاء الملك له، و لا يمكن التمسك في الفرع الأول عند الشك بالأصل إذ التمسك به يكون بعد فقد الدليل مع أن العمومات المقتضية للملك كأحل الله البيع و أمثاله موجودة بل الدليل يمنع عن الدخول في الملك و التصرف فيه بل يقتضي الخروج عن ملكه و لو كان قبل ذلك في ملكه، و حينئذ يدور الأمر بين القول بسلب الملكية عنه إذ منعه عن التصرف في ملكه مناف لملكيته المقتضية لجواز التصرف، و بين القول بأن النهي عن التصرف لا يغاير بقاء الملكية له لصحيح معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام سأله

(عن طائر أهلي أدخل الحرم حيا فقال: لا يمس، إن الله عز و جل يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و صحيح الآخر عنه أيضا «3» قال: (قال الحكم بن عيينة سألت أبا جعفر عليه السلام ما تقول في رجل أهدي له حمام أهلي و هو في الحرم، فقال: أما إن كان مستويا خليت سبيله) و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بالمنع عن التصرف في الحرم فهو مناف لملكيته له و لذلك إن باع و اشترط في ضمن العقد عدم جواز التصرف فيه يحكم بالبطلان لانه خلاف مقتضى العقد، نعم إن اشترط منع التصرف فيه في موارد خاصة فلا يبعد القول بعدم المغايرة مع ملكيته له و حينئذ بقاء الملكية له و عدمه عند الأستاد حفظه الله مقيد بالأول دون الثاني.

الإحصار و الصد، ص: 133

و قيل يدخل و عليه إرساله إن كان حاضرا معه و عن الأستاد حفظه الله: يمكن إرجاع قوله (إن كان حاضرا معه) إلى الإرسال و عليه: يجب الإرسال إن كان حاضرا معه: كما يمكن رجوعه إلى قوله (و لا يدخل في ملكه) فإن قلنا بالأول معناه عدم إمكان تملكه و عليه إن مات في الحل أبوه و هو في الحرم منع عن الميراث للحرم، و إن قلنا بالثاني: معناه عدم دخوله في ملكه إن كان حاضرا، و أما إن كان غائبا فلا مانع من دخوله في ملكه، و عن المدارك و هو الصحيح للإجماع و لكن في الأول و هو وجوب الإرسال عليه إن كان حاضرا معه إشكال و إن كان في الصيد النائي ينبغي القطع بإمكان الدخول في ملكه بإرث أو شراء وكيل أو اصطياد أجير أو غير ذلك

و عدم إخراج الصيد عن ملكه بعد الدخول في الحرم و يجب عليه إرساله إن كان حاضرا معه و عدم جواز الإمساك أيضا: و عن الأستاد: عدم المغايرة بين الملك و المنع عن التصرف إن كان في مورد خاص.

الفصل الرابع في التوابع

فيما يجب على المحرم في الحرم من الكفارة كلما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد أو المحل في الحرم يجتمعان على المحرم في الحرم و عن الأستاد حفظه الله: أما المحرم في الحل فيلزم عليه مثله بدليل قوله تعالى مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «1» و إن لم يكن موجودا فبدله و إن لم يجد فقيمته، و أما المحل في الحرم فعليه القيمة، و أما المحرم في الحرم فيجب عليه كفارة المحل في الحرم فهي القيمة و فداء المحرم في الحل فعليه يجتمع على المحرم في الحرم الفداء و القيمة هذا كله إن لم تبلغ البدنة فإن بلغت البدنة فلا تضاعف فيها فالبحث يقع في أمرين: الأول أي دليل يوجب على المحرم في الحرم تضاعف الفداء، الثاني ما هو وجه عدم تضاعف الكفارة إذا بلغت إلى البدنة، أما دليل الأول هو الإجماع كما عن شرح الجمل للقاضي، و منشأ الحكم هو النصوص الواردة في الباب، و إن قيل بعدم الاجتماع أو الاختلاف في أصل الاجتماع، و هل مراد القائلين بالاجتماع هو تضاعف الفداء و القيمة، و قد نص صاحب الوسائل في كتابه بأن للمحرم في الحرم اجتماع الفداء و القيمة خلافا للماتن حيث اكتفى بذكر الاجتماع، و يضاف على الفداء و القيمة التعزير إن وقع الصيد في مكة، عن زرارة بن أعين «2» عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم حمامة من حمام

الحرم إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه و يتصدق بمثل ثمنه، و إن أصاب منه و هو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه) هذا و إن لم يكن مقيدا بالحرم و لكن الظاهر وقوع الإصابة في الحرم لتضاعف الفداء بخلاف ما إذا لم يكن في الحرم فلا يجب عليه تضاعف الفداء بل إن كان محرما في الحل فعليه فداؤه أو بدله أو قيمته، و إن كان محلا في الحرم فعليه قيمته، عن الحلبي «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه و يتصدق به أو يطعمه حمام مكة، فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها) و فيه صراحة بأن المراد من الاجتماع في كلام الأصحاب و منهم الماتن هو الفداء و الثمن عن حمران بن أعين «4» عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له محرم قتل طيرا فيما بين الصفا و المروة عمدا، قال: عليه الفداء و الجزاء و يعزر، قال: قلت: فإنه قتله في الكعبة عمدا قال: عليه الفداء و الجزاء و يضرب دون الحد، و يقام (يقلب خ ل) للناس كي ينكل غيره).

الإحصار و الصد، ص: 134

و حملوا الجزاء على الثمن، عن الحارث بن المغيرة «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم و هو محرم، قال: عليه لكل بيضة دم، و عليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم ثم قال: إن الدماء لزمته لأكله و هو محرم، و إن الجزاء لزمه لأخذ بيض حمام الحرم). هذا مع أن الذي حكم به الامام عليه السلام بتضاعف الفداء في بعضها

و تضاعف الفداء و التعزير في بعض آخر هو خاص بالطير و لكن نصوص أخرى في الباب فلا بد من النظر إليها، منها ما عن يزيد بن عبد الملك «2» في رجل مر و هو محرم فأخذ عنز ظبية فاحتلبها و شرب لبنها، قال: عليه دم و جزاء الحرم عن اللبن و رتب فيه عليه السلام حكم القتل على الأخذ و أمره بلزوم الفداء و الجزاء، و عن سليمان بن خالد «3» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما في القمري و الدبسي و السمان و العصفور و البلبل؟ قال: قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم) منها للقاضي ابن أكثم «4» فسأل عن الامام الجواد عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام: إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها فعليه شاة، و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا) و هل مراده عليه السلام (فعليه الجزاء مضاعفا) هو تضاعف الفداء، أو تضاعف الجزاء و هو الثمن، فعن بعض التفصيل بين الطير و غيره و الحكم بتضاعف الفداء في الثاني بخلاف الأول فعليه الفداء و القيمة، ورد بأنه ليس هذا معمولا لذهاب الأصحاب كلهم إلى تضاعف الفداء في الكل من غير فرق بين الطير و غيره، أو الفداء و القيمة في الكل و خبر أبي بصير «5» عن الصادق عليه السلام أيضا في الغزال (ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال عليه ربع قيمة الغزال، قلت: فإن كسر هو قرنيه؟ قال: عليه نصف قيمته يتصدق به، قلت: فإن هو فقأ عينيه؟ قال: عليه قيمته؟ قلت فإن هو

كسر إحدى يديه؟ قال: عليه نصف قيمته، قلت، فإن هو كسر إحدى رجليه؟ قال: نصف قيمته، قلت: فإن هو قتله: قال عليه قيمته: قال: قلت: فإن هو فعل به و هو محرم في الحل؟ قال عليه دم يهريقه، و عليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم) و عن الأستاد حفظه الله: و قد وقع البحث بينهم في قوله عليه السلام: (و عليه هذه القيمة) هل الواجب هو دم أو هو مع القيمة بعد أن قلنا بأن المراد من الجزاء في كلامه عليه السلام هو الثمن و لكنه خلاف التحقيق، لانه يكون في غير الطير، و يمكن أن يكون مراده عليه السلام (و عليه هذه القيمة) هو الفداء، و لذلك حكم الأصحاب بتكرر الفداء في الغزال، و يمكن إرجاع قوله عليه السلام: (عليه هذه القيمة) إلى قوله: (عليه قيمته) فحينئذ يجب على المحرم في الحرم الفداء و القيمة كما هو المشهور بين الأصحاب، فصار ملخص القول فيه كقبله هو الفداء و القيمة للمحرم في الحرم، و لكن ذهب بعض إلى تكرر الفداء أي على المحرم في الحرم تكرر القيمة إن لم يكن المثل موجودا أو تكرر الفداء،

الإحصار و الصد، ص: 135

و عن الأستاد حفظه الله: فلا بد من قصر النظر في القولين و هو تكرار الفداء أو القيمة و الفداء و البحث لإثبات تقديم أحدهما على الآخر من دون مراجعة إلى تفاصيل أخرى، منها الفرق بين الطيور و الصيد، و منها الفرق بين الطيور الكبار و الصغار، و منها الفرق بين الاشتراك و الانفراد لعدم إمكان انطباقها مع النصوص الواردة أو لا، و على فرض الانطباق ليست هذه التفاصيل معمولا بها فيصير كالشاذ النادر، و

قد كثر النص في حكم المحرم في الحرم، و المحل في الحرم، و المحرم في الحل مع صحتها و استفاضتها و صراحة دلالتها و وجود التعليل في النص الذي حكم بلزوم الفداء و القيمة للمحرم في الحرم بأن الفداء للإحرام و القيمة للحرم، و هل يمكن إثبات الحكم بتضاعف الفداء للمحرم في الحرم من دون مراجعة إلى النصوص الواردة في حكم الاجتماع للمحرم في الحرم لعدم الاحتياج بها مع وجود النصوص في حكم المحرم في الحل إن صاد، و حكم المحل في الحرم لإمكان الجمع بينهما و الحكم بلزوم الفداء و القيمة للمحرم في الحرم إذ بتعدد الأسباب يتعدد المسببات، فإن قلنا بإمكانه لا يحتاج إليها أصلا فحينئذ يصير الحكم موافقا لما قاله الماتن: للمحرم في الحرم الفداء و القيمة. و يمكن المناقشة في الحكم بالثمن للمحل في الحرم مع إلغاء قيد الإحلال و الإحرام لان الاصطياد في الحرم من المحل، أو من المحرم في الحل يصير سببا للزوم الثمن أو الفداء عليه؟ إذ مع بقاء القيد لا يمكن الحكم للمحل بعد الإحرام بالثمن و لذلك فإن لم يكن نصوص الاجتماع موجودا أمكن القول للمحرم في الحرم بالفداء و القيمة. و اختار جمع و منهم صاحب الجواهر و المدارك: إن قلنا للمحل في الحرم الثمن فمعناه يكون صيد الحرم علة للزوم الثمن مطلقا، محرما كان أم محلا، و الاصطياد من المحرم علة للزوم الفداء سواء كان خارجا عن الحرم أو في الحرم فعليه للمحرم في الحرم الفداء و القيمة، فإن أغمضنا عن إثبات الحكم للمحرم في الحرم بالإطلاق أمكن إثباته له بالأولوية، لأنا إن قلنا للمحل في الحرم الثمن فللمحرم فيه بطريق أولى، و إن

قلنا للمحرم في خارج الحرم الفداء فله فيه بطريق أولى. و يمكن أن يقال: لا يمكن إثبات الحكم بالتضاعف للمحرم في الحرم لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ لإطلاقه الشامل بعدم الفرق بين الحرم و خارجه لعدم، إمكان القول بحصر الآية في خارج الحرم، و لكن نقول: حكم تجاوز المحرم في الحرم يتحصل إثباته بمعونة النصوص الواردة في أن الحرم كان آمنا و بلحاظ الثمن، و لذلك يمكن القول أيضا بعدم الاحتياج بالنصوص الواردة في حكم المحرم في الحرم إذ بمقتضى الآية و النصوص الواردة في أن الحرم كان آمنا أمكن الحكم للمحرم في الحرم بالفداء و القيمة و القول بصحة ما قاله الماتن و هو الفداء و القيمة في حال الاجتماع، هذا كله فيما يمكن أن يستفاد من النصوص الواردة في حكم المحرم في الحل و المحل في الحرم حكم المحرم في الحرم، و يمكن اتخاذ حكمه مع المراجعة إلى نصوصه أيضا و هي و إن كانت التعبير فيها مختلفة إلا أن الأصحاب اتفقوا على قولين الأول: الفداء و الثمن، لا يقال: مراده عليه السلام من الثمن في بعض النصوص هو الفداء أيضا، لأنا نقول: هما نظير المسكين و الفقير إن اجتمعا في الخارج اتحدا، و إن افترقا تغايرا و الثاني: هو الفداء مضاعفا و يشهد للقول الثاني ما نقله يحيى بن أكثم عن أبي جعفر الثاني عليه السلام «1» و هو يأمر بتضاعف الفداء فيما نقله عنه مرتين: الأول في كبار الطيور (إن المحرم إذا قتل

الإحصار و الصد، ص: 136

صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطيور و كان الطير من كبارها فعليه شاة، و إن أصابه في الحرم

فعليه الجزاء مضاعفا) فالظاهر هو تضاعف الشاة، و الثاني: (و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، و إن كان ظبيا فعليه شاة، و إن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا. و عن معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن أصبت الصيد و أنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك، و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فقيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد) و إشكال صاحب المختلف من جهة السند مدفوع لاعتراف الحدائق و غيره بصحة سنده، هذا كله للنصوص الحاكمة بتضاعف الفداء و أما النصوص الواردة في حكم اجتماع الفداء و القيمة، منها ما عن الحلبي «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، و ثمن الحمامة درهم أو شبهه، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة، فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها) و عن الأستاد حفظه الله و لا يمكن أن يقال إن مراده عليه السلام من الثمن هو الشاة، و منها ما عن حمران بن أعين «3» عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت له محرم قتل طيرا فيما بين الصفا و المروة عمدا، قال: عليه الفداء و الجزاء و يعزر، قال: قلت: فإنه قتله في الكعبة عمدا قال: عليه الفداء و الجزاء و يضرب دون الحد، و يقام (يقلب خ ل) للناس كي ينكل غيره) و الظاهر من قوله عليه السلام: (الجزاء) هو الثمن و إن احتمل غيره، و توجيه النصوص الواردة في الاجتماع و

هو الفداء و الثمن لأخذ النصوص الإمرة بالتضاعف يتوقف على القول بعدم إمكان الجمع بينهما، و معه لا يحتاج إليها، و إن قيل بضعف خبر يحيى بن أكثم، و لكن صاحب الجواهر خالف بقوله: لمعروفيته بين المخالف و الموافق و إن بقي ضعف الراوي بحاله. و ملخص الكلام هل يمكن تقديم القول الأول لكثرة نصوصه و اعتضاده بذهاب المشهور على القول الثاني أم لا، اختار سيدنا الأستاد حفظه الله تقديمه، و أول القول الثاني و هو تضاعف الفداء بما يعم من الفداء و القيمة. هذا كله فيما لم يبلغ الصيد البدنة و إذا بلغ البدنة فلا يجب على المحرم في الحرم تضاعفها بل يعطي بنفسها كما هو مختار المشهور و منهم صاحب الشرائع، و الدليل على ذلك هو النص، عن الحسن بن علي، عن بعض رجاله «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة حتى إذا بلغ البدنة فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف لأنه أعظم ما يكون قال الله عز و جل وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. عن ابن فضال، عن رجل سماه «5» عن أبي عبد الله عليه السلام في الصيد يضاعفه ما بينه و بين البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف). و عن الأستاد حفظه الله: و التعارض بين هاتين النصين و بين غيرهما من الصحاح المتقدمة من حيث العموم

الإحصار و الصد، ص: 137

و الخصوص فيمكن لارتفاع التعارض القول بتضاعف الفداء حتى يبلغ البدنة فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف و ضعفهما ينجبر بعمل الأصحاب بهما، و حينئذ فما عن ابن إدريس من الحكم بالتضاعف مطلقا حتى في البدنة غير صحيح،

و لا يمكن التمسك عند الشك في التضاعف و عدمه فيما إذا بلغ البدنة بوجود النص، نعم إذا وجب للمحرم في الحرم قيمة البدنة ففقدها فلا يسقط عنه تضاعف القيمة و كذا إذا وجب عليه الأرش بجناية أو غيرها فلا يسقط الأرش بل عليه الأرش و الفداء. و كلما تكرر الصيد من المحرم نسيانا وجب عليه ضمانه و عن الأستاد حفظه الله: إن قيل: كيف يمكن تصوير هذا الحكم و هو تكرار الكفارة في قتل الصيد إذا تكرر نسيانا أو سهوا مع أن ظاهر الآية و هو قوله تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ حصر الحكم و هو الكفارة للعامد دون غيره، قال صاحب الجواهر: و لو أن في الواقع يرجع القيد و هو التعمد إلى العود فيجب التكرار مع تكرره و لو عمدا، و لذا قال الماتن: و قيل تتكرر و لكن يجب رجوع القيد و هو التعمد إلى الانتقام فلا يجب في تكراره تكرار الفداء للإجماع و لذا قال الماتن: و الأول أشهر و هو الحجة بعد العموم كتابا و سنة. و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه صاحب الجواهر، و هو إبقاء قيد العمد في الآية و مع ذلك الحكم بتكرار الكفارة للناسي أيضا غير سديد. اللهم إلا أن يقال بوجود الإجماع و الأخبار على أن القيد و هو العمد يرجع إلى الانتقام لا أنه يرجع إلى الجزاء، و لكن إن أسقطنا القيد و هو العمد فلا مانع من الحكم بلزوم تكرار الكفارة للنسيان و الخطا و غيرهما، و إذا ثبت ذلك تتكرر الكفارة بتكرر القتل و هذا

نظير قول القائل للمفطر في يوم رمضان إطعام ستين مسكينا، فعليه إن تكرر الإفطار تكرر الإطعام فكذلك هنا تتكرر الكفارة بخلاف العامد لظهور قوله تعالى وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ في أن الجزاء مع العود انتقام الله تعالى في مقابل جزاء الابتداء من الفدية، و مرجعه إلى أن الجزاء للتكفير لا للعقوبة، هذا مضافا إلى ما في النصوص من التصريح بكون المراد من الآية ذلك، عن معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محل، و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد فإن عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد) عن أحمد بن محمد «2» قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو عمد أو خطأ أهم فيه سواء، قال: لا: قال: فقلت: جعلت فداك ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة هو محرم قال: عليه الكفارة) و عن البزنطي «3» سأل الرضا عليه السلام عن المحرم يصيبه الصيد بجهالة قال: عليه كفارة، قلت فإن أصابه خطأ قال: و أي شي ء الخطأ عندك قلت: ترى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى. قال: نعم هذا الخطأ و عليه الكفارة) هذا كله في أصل لزوم الكفارة، و عدم الفرق بين العامد و الجاهل و غيرهما مؤيدا بالإجماع حتى المذاهب الأربعة و أما تكرر الكفارة بتكرره و حكم العامد

الإحصار و الصد، ص: 138

في هذا الحال و هل هو كغيره أم الفرق موجود بين العامد و غيره في التكرار فعن محمد بن يعقوب «1» عن أبي عبد الله عليه السلام في محرم أصاب صيدا قال: عليه الكفارة قلت: فإن

أصاب آخر: قال: إذا أصاب فليس عليه كفارة، و هو ممن قال الله عز و جل وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ لما عن ابن أبي عمر «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه و النقمة في الآخرة، و لم يكن عليه الكفارة، و عن ابن عمر «3» عن بعض أصحابه، إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبدا في كل ما أصاب الكفارة الحديث). و ملخص الكلام هو عدم تكرار الكفارة إن تكرر القتل عمدا بخلاف ما إذا وقع القتل جهلا أو خطأ فيتكرر الفداء بمقتضى النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام في تفسير الآية، هذا كله مع القول بإسقاط القيد و هو التعمد عنها فيصير المعنى: على القاتل لزوم الفداء سهوا كان القتل أو جهلا للزوم تعدد السبب بتعدد المسبب، و لا يتوقف لزوم الكفارة في القتل على القصد إذ القتل لا يكون كبعض الأفعال الذي لا يوجد في الخارج صحيحا إلا بالقصد كالركوع أو السجدة بل بنفس الفعل يتحقق في الخارج فيجب على فاعله الكفارة، و لذلك لا يمكن أن يقال بإرجاع القيد و هو التعمد إلى الجزاء بل هو قيد للإعادة فيرجع المعنى للقاتل الكفارة مطلقا إلا العامد فإن عاد فينتقم الله منه، كل هذا بعد الإغماض عن النصوص الواردة في تكرار الكفارة بتكرر القتل إلا العامد. و عن صاحب الجواهر: غاية ما يمكن أن يقال إن مقتضى الآية هو عموم الجزاء للقاتل عامدا كان أم غيره دون لزوم

تكرار الكفارة بتكرر القتل هذا إن قلنا إن كلمة (ما) في قوله تعالى ما قَتَلَ تكون موصولة لأنها في بيان الفرد الخاص و هو الجزاء بالمثل فيصير المعنى جزاء مثل الذي قتل. و أما إن قلنا إن كلمة (ما) في قوله تعالى ما قَتَلَ هي الوقتية فيلزم التكرر بتكرره، و عن الأستاد حفظه الله: نختار الشق الأول و نحكم بالملازمة مطلقا عامدا كان أم غيره لتعدد المسبب بتعدد السبب، هذا إذا كان المسبب قابلا للتكرر، و أما إن لم يكن قابلا له فلا يجب التكرر و حينئذ فلا يحتاج لإثبات التكرر إلى القول بأن كلمة (ما) في قوله تعالى ما قَتَلَ هي الوقتية، هذا كله فيما إذا قلنا أن القيد و هو التعمد و ما يترتب عليه و هو الإعادة فيصير الآية بعد إسقاطهما (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) و يمكن القول بإثباتهما و الحكم بالإخراج و عدم لزوم التكرار بتكرره في العمد بمقتضى النص، منها ما عن الحلبي «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه و ينتقم الله منه، و النقمة في الآخرة). فإن قيل: كيف يجوز التصدق بالصيد مع كون المقتول في الحرم كالميتة؟ قلنا: أولا جاء قوله عليه السلام في بعض

الإحصار و الصد، ص: 139

النسخ و يتصدق للصيد مكان بالصيد فعلى هذا فلا إشكال في البين لان الواجب التصدق للصيد لا نفس الصيد و ثانيا على فرض كون قوله عليه السلام و يتصدق بالصيد فقد تصدي لتصحيحه بأن الباء للسببية لا أنها مفعول به إذ يصير في الواقع: يتصدق

الصيد، و لذلك حكموا بعدم لزوم الكفارة في العامد إن عاد، بل عليه الجزاء في الأول دون الثاني فينتقم الله منه، لعدم شموله القاتل سهوا إن قلنا بعدم الانتقام منه. و قد ظهر مما قدمنا لك حكم قاتل الصيد عمدا و سهوا كما عن الماتن لقوله: و يضمن الصيد بقتله عمدا و سهوا و هكذا فيما لو رمى الصيد فمرق السهم فقتل آخر حيث قال: فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان و كذا لو رمى غرضا فأصاب صيدا ضمنه إلا الجراد و السبع الذي أرادك أن يقتلك. و لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله كان على المحرم عن كل بيضة شاة، و على المحل عن كل بيضة درهم للنص خلافا لما سبق من أن المحل في الحل إن قتل صيدا لم يكن عليه شي ء، بل و لو اشترك في الصيد مع المحرمين لا يجب عليه الكفارة، نعم إن دل عليه بالقتل أو أعانه فيه فعليه الكفارة. و إن ذهب بعض إلى عدم لزوم الكفارة عليه حتى إذا انجر الاشتراك إلى الإعانة أيضا) و هو صحيح أبي عبيدة «1» (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم، و على المحرم لكل بيضة شاة). لإطلاقه الشامل للمحل و إن كان في الحل. و عن صاحب الجواهر: و لا استبعاد فيه بعد النص و الفتوى، و لكن في المسالك: (يمكن وجوب أكثر الأمرين عليه من القيمة و الدرهم لو كان في الحرم، لان حكم البيض المذكور يقتضي تغليظا، فلو اقتصر على الدرهم مع وجوب القيمة

في غيره، مع فرض زيادتها عليه لكان أنقص منه و الواقع خلافه) و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه المسالك مجرد استحسان و اعتبار، لإطلاق النص بعدم الفرق في ذلك بين أن يكون في الحرم أو خارجه خصوصا مع ترك الاستفصال فيه سؤالا و جوابا، و لإمكان أن يكون ما فعله إعانة للإثم إذ من الممكن عدم شموله المورد الذي اشتراه لنفسه و أهدى للمحرم فأكله، و قال أيضا فيها: (من أن الأكل إن كان في الحل فالحكم كما ذكر و إن كان في الحرم ففي تضاعف الفداء بحيث يجتمع عليه الشاة و الدرهم نظر، من إطلاق القاعدة الدالة على الاجتماع، و من إطلاق النص هنا على وجوب الشاة و يمكن هنا قويا أن يجمع بين المطلقين بالتضاعف لعدم المنافاة إلا أن الأصحاب هنا لم يصرحوا بشي ء) و عن الأستاد حفظه الله: و ما اختاره المسالك في الباب مردود عقلا، بحكومة القاعدة (و هو القيمة للمحل في الحرم و الفداء للمحرم في الحل و كلاهما في حال الاجتماع) على النص أولا، و عدم شمولها بمورد البحث ثانيا لعدم ورود نص هنا له حكم مخصوص لكل واحد من المحرم في الحل و المحل في الحرم حتى أمكن الحكم بالتضاعف في حال الاجتماع، بل الحكم هنا خاص لهما على كل حال، فلا يمكن التعدي من مورد النص إلى غيره لاختصاصه به فللاكل الشاة داخل الحرم كان أم خارجه، و للبايع الدرهم خارج الحرم أم داخله، و إن قال الشهيد: الحكم بالتضاعف للمحرم في الحرم يكون بمقتضى النصوص السابقة لإطلاقها الشاملة هنا أيضا، فنقول بالتخصيص لعمومها و خصوص المورد و الحكم بالتضاعف للمحرم في كل مورد

إلا هنا فعلى المحرم الشاة و لو كان في الحرم، و للمحل الدرهم.

الإحصار و الصد، ص: 140

و عن صاحب الجواهر: إن كسر بيض النعام قبل التحرك موجب للإرسال، فلا يتم إطلاق وجوب الشاة هنا بل إن كسره ثم أكله وجب الجمع بين الإرسال بسبب الكسر، و الشاة بسبب الأكل، تقريرا للنصين) و عن صاحب الجواهر: قلت بتقديم الخاص و هو صحيح أبي عبيدة «1» السابق على غيره الإمرة بالإرسال بعد الكسر لإطلاقه الظاهر في عدم الفرق بين أن يكون الكسر بيد المحرم أو بيد المحل، و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بإطلاقه فما ذهب إليه صاحب الجواهر حق إذ إن كان عليه شي ء آخر سوى الشاة فاللازم ذكره فعدم البيان في مورد الحاجة يدل على عدم وجوب شي ء سوى الشاة، فحينئذ يقدم الخاص على العام، و القول بوجوب الإرسال للكسر إلا هنا. و هل يمكن التعدي من مورد النص أم لا بد من الاقتصار عليه؟ فعن الأستاد حفظه الله: إن قلنا إن مدار الكفارة و عدمه في البيض هو زوال الاستعداد عنه فلا فرق بين الكسر و الإفساد و الطبخ و أما إن لم نقل به فلا يمكن التعدي من مورد النص إلى غيره لإمكان أن يكون فيه خصوصية دون غيره. و لو كان المشتري للمحرم محرما فهل يكون للأكل الشاة و للبايع الدرهم أم يختص الحكم بالمحل و المحرم لعدم شموله فيما إذا كان البائع و الأكل محرمين؟ و لو انتقل إلى المحل بغير شراء و بذله للمحرم أو انتقل إليه غير البيض مثل الظبي مثلا فذبحه و أكله فهل يكون حكمه مثل البيض أم لا؟ فلو طبخه المحرم ثم كسره و أكله

فهل يكون عليه الإرسال مع الشاة أم لا بد من الاقتصار على الشاة؟ فعن الأستاد حفظه الله: أما حكم الطبخ فهل هو مثل الكسر أم لا فهو منوط بمقدار ما يمكن أن يستظهر من النصوص السابقة في حكم الإرسال للبيض المكسور فإن قلنا علة الحكم زوال الاستعداد عن البيض فيمكن التعدي من مورد النص و هو الكسر إلى غيره فحينئذ يصح ما اختاره المسالك من أن الأقوى وجوب الإرسال مع الشاة لمساواة الطبخ للكسر في منع الاستعداد للفرخ و أما إن لم نقل بالعلية بل قلنا بالحكمة فلا يمكن التعدي منه إلى غيره فلا يجب على المحرم الإرسال و كذا القول في الإفساد و غيره. و أما حكم اشتراء المحرم للمحرم، ففي المسالك احتمل قويا وجوب الدرهم خاصة، لأولويته من المحل بذلك، و عن صاحب الجواهر: منع الأولوية بالنسبة إلى الدرهم لإمكان اختصاص الحكم بالمحل دون غيره و لأن حكم المحرم قد نص في النصوص السابقة فحينئذ إن أمكن استفادة حكم المحرم منها فيمكن الحكم عليه بالأولوية و إلا فلا لانه يكون كالقياس. و أما لو انتقل إلى المحل بالإرث أو بالحيازة أو غيرهما فهل يجب عليه الدرهم لإعانته عليه أولا و لعدم الخصوصية في الاشتراء ثانيا يمكن التعدي من مورد النص إلى غيره و إلا فلا. و لا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد و لا ابتياع و لا هبة و لا ميراث و قد قلنا سابقا: المنع عن جميع التصرفات ينافي الملكية ابتداء و استدامة لان سبب الملكية بالإحرام يزول حدوثا و بقاء لظهور الكتاب في التنافي بين الإحرام و تملك الصيد، و أما السنة لقوله عليه السلام: (على المحرم وجوب إرسال الصيد

و على المحل في الحرم إرساله و إن مات قبل

الإحصار و الصد، ص: 141

الإرسال فعليه ضمانه) «1» و هذا كله يدل على عدم إمكان تملك الصيد للمحرم، و عن الأستاد حفظه الله: إن المنع عن التصرف في الملك مطلقا يغاير الملكية كما عن المدارك ايضا ضعيف، بل الحق التفصيل بين ما إذا كان المنع في كل حال فهو مغاير للملكية، و أما إن لم يكن المنع في كل حال فلا يكون ملازما لسلب الملكية عن مالكه. نعم يمكن استظهار الملازمة بين المنع عن التصرف و زوال الملكية إن قلنا إن معنى الصيد في الآية هو الاصطياد بدليل المقابلة بين الأمر بالاصطياد في القرآن (فإذا حللتم فاصطادوا) للمحل و بين النهي عنه للمحرم لقوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً و حينئذ نهى الشارع عن الاصطياد الذي هو أحد أسباب الملكية، هذا كله بناء على أن النهي هو نفس الاصطياد، و لكن عن بعض التفصيل بين الاصطياد و بين غيره و الحكم بالجواز في الأول دون الثاني، و عن بعض آخر الحكم بعدم خصوصيته في الاصطياد، بل مقتضى الحكم كون الصيد مأمونا و محفوظا من إيهاج المحرم و عدم سقطه عليه، و معنا ذلك إثبات منع الاصطياد بمعونة الآية الكريمة و إلغاء الخصوصية عن غيره. فالقول بالملازمة بين المنع عن التصرف و زوال الملكية و معه لا يحتاج إلى غيرها من الأدلة. و عن صاحب الجواهر: خصوصا إذا لوحظ كون تملكه من جملة الانتفاع، و عن الأستاد حفظه الله: القول بحرمة جميع التصرفات حتى التملك يحتاج إلى دليل و ليس في البين دليل. هذا كله إن قلنا إن الصيد معناه هو الاصطياد، و

أما إن قلنا إن مقتضى قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أي حرم عليكم جميع التصرفات و منه الاصطياد يصح القول حينئذ بحرمة الاصطياد أيضا لأنه يكون من مصاديق ما هو المحرم من قبل الله تعالى. و كيف كان بعد إثبات حرمة التصرفات فلا فرق في ذلك أي عدم التملك بين أن يكون سبب الملك اختياريا كالاصطياد أو يكون قهريا كالإرث خلافا للبعض لذهابهم إلى الفرق بين الأسباب القهرية فيملك و بين غيره، فلا يمكن القول بدخوله في ملكه، و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه البعض يمكن قبوله إن لم نقل بممنوعية التصرف فيه و عدم دخوله في ملكه للإحرام، و أما إن قلنا به فلا يصح القول بالفرق بين الملك القهري و الاختياري، و على كل حال فليس له القبض من البائع أو الواهب أو نحوهما لحرمة إثبات اليد على الصيد، فلو قبض و تلف في يده فعليه الجزاء و القيمة للمالك الذي هو البائع و نحوه، لكونه مقبوضا بالمعاملة الفاسدة، و إن أذن المالك، ضرورة كون القبض عدوانا باعتبار عدم المشروعية، و ما في كشف اللثام من التوقف، في غير محله، و كأنه أراد بالتوقف ما لم يقبضه هو، و أما إذا قبضه فلا يصح الحكم بالضمان عليه. و عن المسالك: الفرق بين علم البائع بالفساد فلا يكون للمحرم الضمان، بخلاف ما لم يكن عالما فعليه ضمانه، و عن الأستاد حفظه الله: هذا التفصيل غير صحيح لرجوعه مع العلم بالفساد إلى هتك ماله و تلفه بيده مع أن مبنى المعاملة هو على التمليك، و رضاية البائع مبني على هذا النحو من المعاملة، فإذن إن تلف في يد المحرم فعليه ضمان ما تلف

في يده، و حكي عن المبسوط أنه قال: لا قيمة عليه للواهب لقاعدة ما لا يضمن لصحيحة لا يضمن بفاسده و عن الأستاد

الإحصار و الصد، ص: 142

حفظه الله: و في كلا الشقين إشكال: لكون القبض عدوانا و لعدم كون يده يد أمانة شرعية، فإذا تلف في يده فعليه ضمانه لان رضا البائع لا يكفي في رفع الضمان، اللهم إلا أن يقال بقيام الإجماع على صحتها و إلا فمقتضى قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي هو وجوب الضمان، إلا مع التصريح من البائع بأنه راض على هذا النحو من المعاملة، هذا كله إذا كان القبض بالعقد. و لو باع صيدا ثم أحرم و صار المشتري مفلسا و لم يكن قادرا على أن يعطي القيمة للبائع فللغارم أخذ عين ماله إن لم يكن محرما و أما إن كان محرما و حكم الحاكم العدل بتقسيم مال المفلس فللمشتري إخراج حصة البائع، و كذا لو باع و اتفقا على الخيار للبائع ثم أحرم فلا يصح له إعمال حق خياره بخلاف ما إذا كان ذلك للمشتري فله رد المبيع و أخذ ثمنه. و في كشف اللثام: (و للمشتري رده بعيب أو غيره من أسباب الخيار و لكن ليس له الأخذ) و فيه أن الرد بالعيب إذا لم يترتب عليه تملك البائع للعين يمكن منع مشروعيته، بل حقيقة الرد رجوع العين إلى ملك البائع. ثم بناء على عدم التملك بالإرث إذا كان معه، قال في كشف اللثام: (يبقى الموروث على ملك الميت إذا لم يكن وارث غيره، و إذا أحل دخل في ملكه إن لم يكن في الحرم. (و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن الحكم ببقاء الموروث على ملك

الإمام إلى أن يحل و يدخل في ملكه بعد الإحلال: بخلاف ما إذا كان الوارث طفلا و لم تضعه أمه إذ الحكم ببقاء الموروث على ملكه يكون بالنص كالكافر الذي أسلم قبل قسمة الموروث فهو شريك في التركة بخلاف ما إذا أسلم بعد القسمة فلا يكون له الحق منها (و إن لم يكن معه إلا وارث أبعد اختص بالصيد و هو بغيره) و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ* بقاء الموروث في ملكه و لو كان صيدا حتى يحل و ينتقل عن ملك المتوفى إلى ملكه، اللهم إلا أن يقال: مقتضى قاعدة الإرث هو انتقال التركة إلى الورثة حال موت المورث و مع عدم إمكان تملكه للإحرام ينتقل إلى غيره و إن كان أبعد منه. و لو استودع صيدا محلا ثم أراد الإحرام سلمه إلى المالك ثم إلى الحاكم إن تعذر المالك، فإن تعذر الحاكم فإلى ثقة محل لما عرفت من حرمة استيلائه على الصيد حال الإحرام، فإن تعذر الثقة فله الإرسال و الضمان، و يحتمل الحفظ و ضمان الفداء إن تلف تغليبا لحق الناس. و عن الأستاد حفظه الله: إن كان الإحرام ندبا فالأقوى ترك الإحرام تغليبا لحق الناس، و لرد ملك الغير إليه، إذ يلزم من الحكم بالإحرام تقديم المندوب على الواجب مع أن الحكم بخلافه، و أما إن كان الحج واجبا و صيده عنده فعليه اختيار الأهم و هو لزوم الإحرام مع التقصير بعده و الفداء للصيد و ترك المهم. و ملخص الكلام: أمره يدور بين تقديم حق الناس و ترك الإحرام ورد الملك إلى مالكه أو تقديم حق الله و هو الإرسال و الفداء

للصيد إذ في تقديم حق الله كأنه جمع بين الحقين كمن عنده عدد من الخبز و هو جوعان فله أكله و عليه ضمانه للمالك، لكن مقتضى الإنصاف هو القول بالتخيير بين الإرسال و الإبقاء، إذ لم يحرز أهمية حق الناس في فرض إعطاء القيمة بدلا عن الصيد هذا كله فيما إذا كان الصيد عنده و لو كان في بلده ففيه تردد من وجود الإحرام المانع عن

الإحصار و الصد، ص: 143

الملك بدليل الآية و غيرها، و من البعد الموجب لعدم خروج الصيد فيه عن الملك، فيقبل دخوله فيه و الأشبه أنه يملك و عن صاحب الرياض: للأصل بلا معارض و لكنه يعارضه عموم قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن أن يكون مراده من الأصل هو الأصل العملي أو غيره، فإن كان مراده هو الأول معناه: عند الشك في انتقاله إليه بعد موت المورث و عدمه الأصل هو عدم الانتقال كما أن الأصل في العقود عند الشك في الانتقال و عدمه هو الفساد. و يمكن إثبات الملكية له بالاستصحاب التعليقي، توضيح ذلك: قبل إحرام الوارث إذا مات المورث يرث عنه الصيد، و إذا اتفق موته حال إحرامه فشك في أنه يرث عنه أيضا أم لا فيستصحب إلى أن يثبت خلافه، و عن الأستاد حفظه الله: لا يمكن الاستصحاب التعليقي هنا و الحكم بانتقال الموروث إلى الوارث حتى في حال الإحرام أيضا. و ما عن بعض: من أن وجود الإحرام مانع عن الملك فلا يدخل في ملكه، و من أن البعد موجب لدخول الصيد في الملك غير سديد، بل التحقيق: إن قلنا مقتضى ظهور الكتاب هو التنافي

بين الإحرام و تملك الصيد فيمكن به تخصيص العمومات الواردة في الكتاب من أن الوارث يملك الموروث بالميراث، و يملك البائع و المشتري كلا من الثمن و المثمن بعد البيع و الشراء إذ بينهما عموم و خصوص مطلق و بتقديم الخاص على العام يحكم بعدم المانع من الدخول في الملك، إلا للمحرم حال إحرامه فإنه لا يدخل في ملكه الصيد بسبب من الأسباب. و يمكن أن يقال: و لو كان مقتضى قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً هو المنع عن التصرف سواء كان التصرف تصرفا خارجيا كالقتل و الضرب و غيرهما أو اعتباريا كالبيع و الوقف و الهبة و نحوها، يمكن تقييده بالصيد الذي كان معه، دون النائي الذي ليس فيه منع عن التصرف فيه إذا كان التصرف تصرفا اعتباريا مع أنه لا يتمكن من التصرف خارجا، و كذا الكلام في قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ فحينئذ يمكن حصر المنع في المنع عن ملك الصيد الذي كان معه دون النائي، إذ هو المتيقن من النص عند الشك في شمولها للأعم و عدمه أولا و عدم إمكان التصرف الخارجي فيه مع إمكانه اعتبارا ثانيا، و استهجان منعه عن التصرف في النائي اعتبارا هذا سيما إذا قلنا: إن مقتضى عموم الآية (حرم عليكم إلخ) هو تغاير الإحرام مع الملك سواء كان الصيد عنده أو في بلده، و لا ينافي استدامة الملك له مع أنه ينافي بما كان ابتداء إلا أن يقوم الإجماع بالملازمة خلافا لما ذهب إليه الأستاد حفظه الله: حيث قال: استهجان منعه عن التصرف في النائي اعتبارا يخرج عن عموم المنع و حينئذ يملك المحرم النائي عنه، بخلاف ما

كان معه (و لو اضطر المحرم إلى أكل الصيد أكله و فداه و لو كان عنده ميتة أكل الصيد إن أمكنه الفداء و إلا أكل الميتة لقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ* حيث أحل للإنسان الميتة مطلقا للاضطرار، و إذا دار الأمر بين أكل الصيد و الفداء و بين أكل الميتة أيهما يأكل؟ و هل له أكل الصيد و الفداء أو يجب عليه أكل الميتة فلا فداء عليه، أو له التخيير بينهما أيهما شاء يأكل، أو التفصيل بين ما إذا كان معه الفداء فيقدم أكل الصيد و بين ما إذا لم يكن عنده الفداء فيأكل الميتة كما عن الشرائع ذلك أيضا، أو التفصيل بين ما إذا ذبح المحل الصيد في الحل فيأكله و إن حرم عليه أكله للإحرام إلا أن ما ذبحه

الإحصار و الصد، ص: 144

المحل في الحل فهو مذبوح شرعا، و بين ما إذا ذبح المحرم في الحل أو المحل في الحرم فلا يأكله لحرمة الأكل عليه و لذلك يأكل الميتة للاية دونها، أو بتقديم أكل الميتة على الصيد مطلقا لتعارض النصوص و تغايرها و مع عدم إمكان ترجيح أحدها على الأخر و تساقطها فيقدم أكلها للاية، عن الحلبي «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد أ ليس هو بالخيار (أما يحب أن) يأكل من ماله؟ قلت: بلى قال: إنما عليه الفداء فليأكل و ليفده) و عن يونس بن يعقوب «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد، قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله عز و جل

قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها و لم يحل له الصيد، قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت: من مالي، قال: هو مالك، لان عليك فداؤه، قلت: فإن لم يكن عندي مال؟ قال: تقضيه إذا رجعت إلى مالك) و علل الإمام في جواب السائل حيث قال: أحل له الميتة و لم يحل له الصيد بقوله: (تأكل الصيد و هو مالك لان عليك فداؤه) فحينئذ تكون المعاوضة بين أكل الصيد و الفداء قهرية خصوصا إذا ذبحه المحل في الحل، إذ لا يكون أكل الصيد مقيدا بالحياة أو الممات أو ذبحه هو أم غيره، أو ذبحه هو في الحل و الذبح في المحل و إن كان حراما للمحرم إلا أن الاضطرار رافعها و إن قلنا بخروجه عن ملكه إلا أن المعاوضة بينه و بين الفداء تجعله من ماله، و يمكن أن يقال بتقديم الصيد على الميتة لمعاوضته بالفداء دونها، كما إذا دار الأمر بين ترك ما وجب و معه البدل و بين فعل ما حرم و معه الكفارة مقتضى القاعدة تقديم ماله البدل من فعل أو ترك، و كذلك هنا فلا بد من تقديم أكل الصيد لتقابله بالفداء دونها، و يمكن أن يكون ملكية الصيد له في هذا الحال للاضطرار فيذبح و يأكل و يفدي بدلا له كما يمكن أن يقال بجواز ذبحه في هذا الحال لانه ملكه، هذا كله فيما علم أن التقديم يكون بإذنه، أو القول بعدم التفاته بكونه ملكه فأمره عليه السلام بتقديم أكله على الميتة. محمد بن علي بن الحسين «3» قال: قال أبو الحسن الثاني عليه السلام: يذبح الصيد و يأكله و يفدي أحب إلي من الميتة) و هو

صريح في أنه يذبح و يأكل، و لذلك يمكن أن يستظهر من قوله عليه السلام: (يذبح الصيد و يأكله) تقديم أكل الصيد على الميتة و لو ذبحه المحرم فعليه كفارتا الذبح و الأكل، و يتفرع عليهما رفع العقاب و بقاء المصلحة على ما هي عليها. عن علي بن جعفر «4» عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد و ميتة، و قلت إن الله عز و جل حرم الصيد و أحل الميتة، قال: يأكل و يفديه فإنما يأكل ماله). و في هذه النصوص كلها يأمر بأكل الصيد و يفدي لانه يأكل ماله، خلافا للنصوص الاتية الإمرة بأكل الميتة لأنه تعالى قال بجواز أكلها للمضطر قال «5» (و قد روي أنه يأكل من الميتة لأنها أحلت له و لم يحل له الصيد).

الإحصار و الصد، ص: 145

و عن إسحاق عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام إن عليا عليه السلام كان يقول «1»: إذا اضطر المحرم إلى الصيد و إلى الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له) و قد حمله الشيخ على من لم يجد فداء الصيد و لم يتمكن من الوصول إليه لما مر. عن عبد الغفار الجازي «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها و وجد صيدا، فقال: يأكل الميتة و يترك الصيد: و قد حمله الشيخ على من لا يتمكن من الفداء و جوز حمله على التقية، لأن ذلك مذهب بعض العامة، و على من وجد الصيد غير مذبوح، و لأجل تغاير الاخبار و تعارض بعض مع البعض لا بد من الجمع بينها ليرتفع الاختلاف و عن بعض: يأكل الصيد و

يفدي مطلقا سواء كانت الميتة موجودة أم لم تكن موجودة و عن بعض آخر: يأكل الميتة مطلقا و عن ثالث: إن كان له الفداء فيأكل الصيد و إن لم يكن له الفداء فيأكل الميتة و عن الأستاد حفظه الله: و هذا على خلاف ما صرح بأكل الميتة من النصوص، اللهم إلا أن يقال: إنه مقيد بإمكان الفداء و عن رابع: تقديم الميتة على الصيد فيما إذا ذبح المحرم الصيد أو ذبحه المحل في الحرم دون ما إذا ذبحه المحل في الحل فيقدم على الميتة، هذه كلها وجوه الأقوال في المسألة و إن لم يكن شاهد جمع فيها لها، إذ ظاهر بعض النصوص لزوم أكل الصيد و وجوب الفداء عليه من غير فرق بين أن يكون عنده أو لم يتمكن فعلا من أدائه أو في المستقبل، و لا يكون تقديم أكل الصيد على الميتة مقيدا بما إذا ذبحه المحل في الحل، بل إن ذبحه المحرم في الحرم أيضا مقدم أكله عليها، و حينئذ يدور الأمر بين الجمع بينهما أو التخيير إن قلنا بأنهما متزاحمان، أو الترجيح إن قلنا بأهمية بعضها دون الآخر، و عن بعض: أقوى الوجوه هو الثاني لموافقة الكتاب معه لان الله أحل أكل الميتة للمضطر دون الصيد، و عن الأستاد حفظه الله: و ظاهر الكتاب هو الاضطرار بالميتة لا ما إذا كان الأمر بينها و بين غيره لعدم صدق الاضطرار حينئذ، و يمكن تقديم أخبار الصيد لمخالفتها مع العامة لأن الرشد في خلافهم و إذا كان كذلك لم يصل النوبة بأيهما شاء أخذ، و لم يصل النوبة أيضا إلى تخيير عقلي و هو تقديم ترك واجب فيه بدل و فعل حرام فيه الكفارة

على غيره فيما إذا دار الأمر بينه و بين غيره مما لا يكون له بدل أو الكفارة لعدم العقاب أولا و لتدارك المصلحة الواقع ثانيا، و بعبارة أخرى إن أكل الصيد و الفداء يفهم بارتفاع العقاب و بقاء المصلحة دون ما إذا أكل الميتة هذا كله فيما له الفداء، و أما إن لم يكن له الفداء فعن الماتن تقديم أكل الميتة على الصيد، و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه الشرائع لا يمكن قبوله مطلقا بل الحق هو التفصيل بين ما إذا تعلق الفداء بالذمة فلا فرق حينئذ بين أن يكون موجودا أم لم يكن موجودا إذ يبقى التعارض بحاله، و بين ما إذا لم يتعلق بالذمة فلا يمكن أيضا في هذا الحال تقديم الميتة على الصيد، إذ في كل ما يتصور فقد الفداء يجب أكل الصيد، اللهم إلا أن يقال إنهما عام و خاص إذ نصوص الميتة مخصوص بما إذا لم يتمكن من الفداء و لا يبعد أن يكون كل منهما عاما من جهة و خاصا من جهة أخرى، و لكن الإنصاف هو الأول، و عليه لا بد و أن يؤخذ بالمتيقن و هو ما يوافق مع قول الماتن، هذا كله إن لم نقل بتقديم أكل الصيد مطلقا و إلا فأكل الصيد مقدم و إن لم يتمكن من الفداء فيأتي ببدله. (و إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه و في المسالك: هكذا أطلق عليه الأكثر، ثم قال: و يترتب على ما ذهب إليه الماتن مفاسد:

الإحصار و الصد، ص: 146

منها: و لما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر، و لما إذا كانت الجناية من المحرم في الحل

أو في الحرم أو من المحل في الحرم فيشمل ما يجتمع فيها القيمة و الجزاء و مقتضاه أنه لا يجب له تعالى سوى ما يجب للمالك، مع أن القواعد المستقرة تقتضي ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان، و كما قد يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران قد يقتضي ضمان ما هو أقل، فيتحصل في المسألة مخالفة في أمور، منها لزوم البدنة عوضا عن النعامة مع أنها قيمته، و منها لو كان المتلف بيضا موجبا للإرسال فأرسل الجاني و لم ينتج شيئا يلزم ضياع حق المالك و إن أوجبنا القيمة هنا و نفينا الإرسال لزم الخروج عن النص المعلوم، و منها لو كان المحرم مثلا دالا ضمن أيضا مع المباشر، إلى غير ذلك من المخالفات للأصل المتفق عليه من غير موجب يقتضي المصير إليه، و لذلك ذهب المحقق الشيخ علي إلى أن فداء المملوك لله تعالى، و عليه القيمة لمالكه، و عن صاحب الجواهر: و لا ريب في قوة مختاره إن لم نقل بتعارض الأدلة من وجه باعتبار إطلاق ما دل على ضمان المال لصاحبه بمثله أو قيمته، و إطلاق ما دل على ضمان النعامة مثلا بالبدنة سواء كانت مباحة أو مملوكة، و لكن في الأول تكون لله تعالى باعتبار عدم مالك غيره بخلاف الثاني الذي كان المالك فيه غيره، و عن الأستاد حفظه الله: و في قوله: (في الأول تكون لله تعالى باعتبار عدم مالك غيره إلخ). لا بد و أن يكون الدليل الدال عليه موجودا و إلا فلا فرق بين ما يجب عليه إتيان البدنة لله تعالى أم

للمخلوق، و هكذا هديا بالغ الكعبة لعدم الفرق بين أن يكون صيدا أو غيره و إن قلنا بعموم من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع و لا يمكن تقديم أحد الدليلين على الآخر، بل لا بد و أن يتمسك بالأصل، هذا و قد أجمع صاحب الجواهر بينهما على طريق آخر، و هو عدم معارضة عموم ما دل على ضمان الأموال بالمثل و القيمة مع غيرها و هو ظهور الكتاب و السنة في كون الفداء المزبور إنما هو لله تعالى و إن كان محرما في الحرم و أتلف مال الغير فهو له ضامن، و عن الأستاد حفظه الله: و ما ذهب إليه مشكل إلا أن يقال: مقتضى ذلك اختصاصه تعالى ماله هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ و عن المسالك: و المفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال، و يجب الرد لمالكه إلا أن إطعام عشرة مساكين مردد بين الإطعام و الإعطاء لصاحبه أو الحصر على إطعام عشرة مساكين، و ذهاب البعض إلى ضمان الفداء للمالك إن كان و إلا فلا مخالف لقاعدة نفي الضرر و حينئذ عليه أن يتدارك بالمثل أو القيمة. و إن لم يكن مملوكا تصدق به بعد ذبحه إن كان حيوانا، و الدليل على ذلك نصوص، منها ما عن الحلبي «1» قال الصادق عليه السلام: (إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به) و هو ظاهر في التصدق به بعد ذبحه، منها صحيح زرارة «2»: (إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه و يتصدق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه و هو حلال

فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه) و مقتضى ما تقدم من النصوص هو التصدق به بعد ذبحه، و هل يشترط اعتبار الايمان في مستحق هذه الصدقة أم لا، و عن المدارك لم أقف للأصحاب تصريح باعتبار

الإحصار و الصد، ص: 147

الايمان و لا بعدمه، و إطلاق النصوص مقتضي العدم. و عن الأستاد حفظه الله: و لكن مقتضى قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلخ هو اعتبار الايمان، و مؤيد ذلك ما عن المعصوم عليه السلام في جواب السائل: عليه إعادة زكاة المخالف بعد استبصاره دون سائر عباداته، لاتيانها بالمخالف، نعم إن قلنا من أن مستحق هذه الصدقة فقراء الحرم و ساكنيه كما هو المنقول فعليه إتيانهم باستجازتهم أي استجازة المؤمن. وكل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة إن كان معتمرا و بمنى إن كان حاجا و عن المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، و عن صاحب الجواهر: و هو كذلك في الأخير، و أما الأول فعن بعض: عليه تأخير فداء العمرة و الذبح بمنى حيث يذبح الناس، و عن ابن إدريس إن عمرة التمتع كالحج في ذبح فداء الصيد بمنى، و أما العمرة المفردة فيذبح بمكة قبالة الكعبة، و عن بعض جواز فداء الصيد في موضع الإصابة و إن كان الأفضل التأخير إلى مكة و منى حاملا للاية على ذلك: و أما النصوص منها ما عن عبد الله بن سنان «1» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم فإن كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، و إن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة) و هو صريح في لزوم الذبح أو النحر في

الحج بمنى و العمرة بمكة، و ما عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «2» قال: في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، فإن كان في عمرة نحره بمكة الحديث) منها ما عن أبي عبيدة «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما) و يستفاد منه وجوب دفع كفارة الصيد في موضع الإصابة و إن لم يجد فالقيمة و لكن مع ذلك له جواز الذبح في منى، و ما عن ابن أبي عمير «4» قال: يفدي المحرم فداء الصيد من حيث أصابه) و هو صريح في فداء الصيد من حيث أصاب في مكة أو منى، منها ما عن زرارة «5» عن أبي جعفر عليه السلام إنه قال: في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، و إن كان في عمرة ينحره بمكة، و إن شاء تركه إلى أن يقدم مكة و يشتريه فإنه يجزي عنه) معناه وجوب ترك ذبح ما يجب عليه ذبحه بمنى و وجوب ذبحه بمكة، و ما عن حريز «6» عن محمد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جي ء به و هو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) معناه: عليه إتيان ثمنه فيما أصابه لا

في غيره. و عن الأستاد حفظه الله: و النصوص مختلفة من جهة أن بعضها يأمر بلزوم الذبح بمنى إن كان في حج و بمكة إن كان في عمرة تارة، و بعضها يأمر بالترك في الأول و يأتي بمكة فيذبح كمن كان في عمرة، و في بعض آخر لزوم الذبح في مكان (

الإحصار و الصد، ص: 148

الإصابة، و إن كان الأفضل منى في الحج و مكة في العمرة، و هل يمكن أن يجمع بالخيار مطلقا، أو الحكم بمقتضى قوله: (و إن شاء تركه) إلخ بأن له جواز تأخير الذبح إلى أن يأتي أهله و يذبح حتى أفاد ذبحه المؤمنين الذين هم الأصل فيه بعد أن قلنا باعتبار الايمان في مستحقيها، أو الأقل له جواز تأخير الذبح إلى مكة لاستفادة من له الأهلية و هم المؤمنون لعدم لزوم ذبح الكفارة بمنى كالهدي، و عن المبسوط التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى، هذا كله لما يمكن استظهاره من النصوص و أما إن أغمضنا عنها فمقتضى أصالة البراءة عدم مدخلية المكان في الذبح فيذبح بعد الوجوب عليه حيث شاء و خلاصة الكلام: هل يجب ذبح الفداء مطلقا صيدا كان أم غيره للحاج بمنى و للمعتمر بمكة كما عن الماتن أو ذبحه فيهما على الأفضلية فيجوز ذبحه في غيرهما و لو في الصيد، مع أن ظاهر الأمر هو الفور فيجب فورا و لو عقلا، و لكن وجوب التأخير إليهما إن قلنا بالتعين فيهما أو إلى غيره أيضا إن قلنا بالأفضلية فيهما بمقتضى النصوص، و قوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أو الوجوب فيهما منحصر بفداء الصيد دون سائر الكفارات و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى النص الثاني فلا

يصح أن يعارض غيرها معها لقلتها و ضعفها سندا، عن أبي عبيدة «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم) و عن الأستاد حفظه الله: و هو صريح في عدم لزوم الذبح فيهما بل وجوب الذبح عليه هو من موضعه الذي أصاب فإن لم يجد قوم جزاؤه دراهم و حينئذ يصح القول بلزوم ذبح فداء الصيد فيهما دون غيره. و عن المفيد مرسلا «2» (في المقنعة) قال: قال عليه السلام: المحرم لا يأكل من الصيد و إن صاده الحلال، و على المحرم في صيده في الحل فداء، و عليه في الحرم القيمة مضاعفة، و يأكل الحلال من صيد الحرم لا حرج عليه في ذلك قال: و قال عليه السلام: المحرم يفدي فداء الصيد من حيث صاده). و عن الأستاد حفظه الله: و قوله عليه السلام: (من حيث صاده) يحتمل أن يكون مكانيا أي يفدي فداء الصيد في المكان الذي أصابه، و يحتمل أن يكون المعنى أن ابتداء لزوم ذبح الفداء من هنا، و الاحتمال الثاني هو خيرة الأستاد حفظه الله، و عن حريز «3» سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهدي إليه حمام أهلي جي ء به و هو في الحرم محل قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا مراده عليه السلام من قوله: (مكانه) هو الموضع الذي أصابه لا عوضه الذي أصابه يدل على لزوم التصدق عليه في مكانه الذي أصاب و لكن الإنصاف أنه لا ارتباط لها بالبحث إذ الحكم فيها منوط

بالمحل و عليه التصدق بالقيمة لا الفداء و عليه لا يمكن التمسك بها لاستظهار تعيين موضع ذبح الفداء لعدم تعرضها، و عن معاوية بن عمار «4» قال يفدي المحرم فداء الصيد من حيث أصابه) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه أولا عدم معلومية المنقول عنه هل هو الإمام أو معاوية بن عمار، الثاني: قوله عليه السلام: (يفدي) يمكن أن يكون معناه يجب، أو يذبح، أو يشتري. هذا كله مما يمكن أن يتمسك بها لإثبات عدم تعيين ذبح فداء الصيد فيهما كما عن بعض أيضا، و لكن الإنصاف أنه لا يمكن رفع اليد عن النصوص الواردة في تعيين حكم ذبح فداء الصيد فيهما لصحتها و اعتضادها بقوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ و عدم إمكان التمسك بغيرها لقلتها و ضعفها سندا و إرسال بعضها فحينئذ لا يمكن الجمع بينهما بحمل الاولى منهما على الأفضلية و الجواز في غيرها. ثم إن الكلام بعد أن قلنا بلزوم ذبحه للحاج بمنى و للمعتمر بمكة في أنه هل يمكن إثبات عدم لزوم ذبحه للمعتمر بمكة أم لا؟ فعن منصور بن حازم «5» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال: بمكة إلا أن يشاء صاحبها أو يؤخرها إلى منى، و يجعلها بمكة أحب إلي و أفضل، و فيه: أنه بإطلاقه يدل بأفضلية ذبح كفارات الصيد و غيره بمكة، و عن الشيخ حمله على غير كفارات الصيد، و خالف معه الأستاد و قال: لا داعي لهذا الحمل اللهم إلا أن يقال: صرح النص بعدم تقييد غير الصيد بالمكان فيؤخذ به و إلا يبقى الإطلاق بحاله، عن زرارة «6» عن أبي جعفر

عليه السلام إنه قال: في

المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، و إن كان في عمرة ينحره بمكة، و إن شاء تركه إلى أن يقدم مكة و يشتريه فإنه يجزي عنه) و معنا ذلك: عليه في عمرة التمتع ذبح الفداء بمنى إن كان قادرا و إن لم يقدر أو لم يوجد يرجع إليها و يذبح بمكة و لكن نقلها في الباب الأخرى غير ما نقلها هنا، و هي: العياشي في (تفسيره) عن زرارة «7» عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قال: من أصاب نعامة فبدنة، و من أصاب حمارا أو شبهه فعليه بقرة، و من أصاب ظبيا فعليه شاة بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره إن كان في حج فبمنى حيث ينحر الناس، و إن شاء في عمرة نحر بمكة، و إن كان تركه حتى يشتريه بعد ما يقدر فينحره فإنه يجزي عنه) و الظاهر هو عدم تقييد ذبح فداء الصيد بمكان في العمرة خلافا للحج لتقييده بمنى، و مما يمكن استظهار عدم لزوم ذبح فداء غير الصيد بمكة بل له الخيار في الذبح بمكة أو الرجوع إلى أهله و ذبحه ما عن أحمد بن محمد «8»

الإحصار و الصد، ص: 149

عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد فإن الله عز و جل يقول هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ و عن الأستاد حفظه الله: و هو بإطلاقه يشمل عدم تقييد ذبح فداء غير الصيد

بالمكان حجا كان أو عمرة و له أن يذبح حيث شاء و لو تركه حتى يرجع إلى أهله و يذبح هناك إلا الصيد، إذ مقتضى قوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ هو ذبح فدائه بمنى إن كان في الحج و بمكة إن كان في العمرة، و انحصار ذبح فداء الصيد فيهما مع قوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ يكون بالنص، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه لإرساله، و لذلك لا يمكن أن يعارض مع غيره و يقدم عليه في غير الصيد و الحكم بعدم لزوم مكان خاص في غير الصيد بل الحكم بإطلاقه منوط فيهما في الصيد كان أم غيره و هو أي صحيح ابن حازم من حيث عدم لزوم الذبح بمكان خاص في العمرة المفردة يشمل بإطلاقه صيدا و غيره و إن حمله الشيخ على كفارة غير الصيد، للنص، و هو صحيح عبد الله بن سنان لتعين ذبحه فيه بأحد الموضعين، و هاتان الروايتان و إن يمكن الجمع بينهما بالعموم و الخصوص مطلقا فيقدم الخاص و هو صحيح عبد الله بن سنان على العام و هو صحيح ابن حازم فيحكم بلزوم ذبح فداء الصيد بمكة دون غيره: إلا أن الإنصاف أن بينهما عموم و خصوص من وجه بيان ذلك: أن مقتضى صحيح ابن سنان هو الإطلاق من ناحية لزوم ذبح فداء الصيد بمكة مفردة كانت العمرة أم تمتعا، و تقتضي رواية ابن حازم الإطلاق من جهة كفارة العمرة المفردة له الذبح بمكة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى و يجعلها بمكة أحب إلي و أفضل صيدا و غيره، و يتعارضان في عمرة التمتع و الصيد، إذ مقتضى صحيح ابن سنان ذبح كفارة التمتع بمكة فيما

إذا كان التمتع بمكة فيما إذا كان صيدا، كما أن مقتضى رواية ابن حازم الإطلاق صيدا و غيره بمكة أفضل و له الذبح بمنى، دون صحيح ابن سنان لتعين ذبح فداء الصيد فيه بمكة، هذا و لكن الشيخ حمل صحيح ابن حازم على كفارة غير الصيد فيرتفع التعارض، إذ مقتضاه حينئذ جواز ذبح فداء غير الصيد في العمرة المفردة بغير مكة و إن كان الذبح فيها أحب و أفضل، و مقتضى صحيح ابن سنان ذبح فداء الصيد في عمرة التمتع بمكة و يمكن تخصيص عموم أحدهما بمعونة الأخرى فيخصص رواية ابن حازم بمعونة رواية ابن سنان إذ مقتضاه جواز ذبح فداء الكفارة في العمرة المفردة بغير مكة صيدا كان أو غيره و إن كان الذبح فيها أفضل فيخصص بمعونة رواية ابن سنان فيحكم به إلا في الصيد لتعين ذبحه بمكة، و كذا يخصص عموم رواية ابن سنان بمعونة رواية ابن حازم إذ مقتضى رواية ابن سنان تعين ذبح الكفارة فيهما فيخصص بمعونة رواية ابن حازم فيحكم به إلا في العمرة المفردة بجواز ذبحه بمنى أيضا و إن كان الذبح بمكة أفضل. و ملخص الكلام أنه إن قلنا بالجمع بينهما يمكن استثناء العمرة المفردة من صحيح ابن سنان و الحكم بجواز ذبح فداء غير الصيد بغير مكة و إلا فلا، بل يبقى هو أيضا تحت الإطلاق و يقدم رواية ابن سنان بإطلاقه عن غيره، و يحكم بلزوم ذبح الفداء بمكة إن كان في العمرة و بمنى إن كان في الحج. و عن المدارك قال: و هذه الروايات كما ترى مختصة بفداء الصيد، أما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين، فلو قيل

بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا و لذلك ذهب بعض إلى أن هذه النصوص تكون في غير الصيد، عن محمد بن إسماعيل «1» قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى، و فيه: أنه لا بد و أن يكون الإحرام للحج لحكمه عليه السلام بذبح فداء غير الصيد كالتظليل و غيره أيضا بمنى، و عن الأستاد حفظه الله: و إن يمكن القول بإطلاقه حتى يشمل الحج و العمرة و لكن الإنصاف: الظاهر أن كفارة الحج في الصيد متعينة بمنى، و عن علي بن جعفر «2» قال: سألت أخي عليه السلام، أظلل و أنا محرم؟ فقال: نعم و عليك الكفارة، قال: فرأيت عليا عليه السلام إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل) و عن الأستاد حفظه الله: و إن حكم الامام عليه السلام بذبح الكفارة في غير الصيد بمنى، و لكن

لا دلالة فيه على التعين. بقي شي ء: و هو بعد عدم القدرة على ذبح فداء غير الصيد فيهما (إن قدمنا نصوص التعين فيهما حتى في غير الصيد

الإحصار و الصد، ص: 150

أيضا) هل عليه الإطعام أو الصوم أو يجوز له التأخير حتى يذبح فداءه بعد الرجوع إلى أهله، فعن الأستاد حفظه الله: و إن كان النص موجودا في المسألة و يحكم فيما إذا لم يقدر على ذبحه فيهما فعليه الرجوع إلى أهله و يذبح هنا، و لكن الأصحاب لم يتعرضوا حكم هذه المسألة عن معاوية بن عمار «1» و عن الأستاد حفظه الله: و هو بإطلاقه يشمل كون عدم ذبحه عن عصيان أو أنه لم يكن قادرا على الذبح و أمره عليه

السلام بالصدقة يدل على أنه هو الكفارة، و عن يونس بن يعقوب «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد قال: يأكل الصيد، قلت: إن الله عز و جل قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها و لم يحل له الصيد قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي، قال: هو مالك، لان عليك فداؤه، قلت: فإن لم يكن عندي مال؟ قال: تقضيه إذا رجعت إلى مالك) و عن الأستاد حفظه الله: و ملخص هاتين الروايتين هو دلالتهما على جواز ذبح الفداء بمنزله و لا يجب عليه الرجوع بعد مجيئه إلى أهله و لكن مع ذلك كله الحكم بالجواز و عدمه منوط بذهاب المشهور إليه و عدمه، و لا بد من الغور في كلماتهم حتى يظهر الحال: فعن العلامة في المنتهى و التذكرة ما خلاصته: يجب ذبح الفداء و التصدق بعده إذ لا يجوز التصدق قبله لقوله تعالى هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ. أي ما يهدي و إن لم يكن قادرا على ذبحه فيها فيجب عليه إطعام فقراء مكة أيضا و عن الحدائق: و ما ذهب إليه العلامة جيد إن كان النص موجودا و روى معاوية بن عمار «3» في الصحيح أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد و عجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج و قد قلنا سابقا إن قتل نعامة مثلا فعليه بدنة و مع العجز تقوم البدنة و يفض ثمنها على البر، و لكن في مورد البحث في كفارة الصيد بعد العجز عن الشاة إن وجب عليه حكم بإطعام عشرة مساكين، و عن

الأستاد حفظه الله: و إن يتراءى الخلاف منهما و لكن يمكن التمسك بإطلاقه كما قيل (إذ لا يكون فيه لفظ الصيد و الحج) و الحكم بعدم المانع من إطعام عشرة مساكين حجا كان أم غيره صيدا هو أم غيره.

المقصد الثالث في باقي المحظورات

اشارة

و هي سبعة:

الأول الاستمتاع بالنساء
اشارة

فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا عالما بالتحريم فسد حجه و عليه إتمامه و بدنة و الحج من قابل سواء كان حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا لصحيح معاوية «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) و قد استظهر الأصحاب من قوله عليه السلام: (فعليه الحج من قابل) فساد ما أتى به لفقدانه في النصوص إلا صحيح سليمان بن خالد «5» قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (في حديث): و الرفث فساد الحج، إلا أن الكلام في أنه هل يكون مرادهم من الفساد عدم كون تحقق

الإحصار و الصد، ص: 151

المأمور به في الخارج صحيحا أم يكون مرادهم عدم إمكان حمل آثار الصحة عليه و إن كان المأتي وقع صحيحا؟ لسؤال الراوي عن الامام عليه السلام بأن الأولى هي الحج و الثانية عقوبة أو العكس، و أجاب عليه السلام بقوله: الأولى التي أحدث فيها ما أحدث هي الحج و الأخرى عليه العقوبة. و عن معاوية بن عمار «1» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء و إن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة، و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليه الحج من قابل) و عن جميل بن دراج «2» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم وقع على أهله قال: عليه بدنة قال: فقال له زرارة: قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي: عليه

بدنة، قلت: عليه شي ء غير هذا؟ قال: عليه الحج من قابل و عن علي بن جعفر «3» عن أخيه عليه السلام (في حديث) قال: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و إن لم يجد فشاة، و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم) و عن معاوية بن عمار «4» عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله) عن أبان بن عثمان رفعه «5» إلى أبى جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام قالا: المحرم إذا وقع على أهله يفرق بينهما، يعني بذلك لا يخلو ان، و أن يكون معهما ثالث) و عن خالد الأصم «6» قال: حججت و جماعة من أصحابنا، و كانت معنا امرأة، فلما قدمنا مكة جائنا رجل من أصحابنا، فقال يا هؤلاء قد بليت، قالوا: بماذا؟ قال: شكرت بهذه المرأة فاسألوا أبا عبد الله عليه السلام: فسألناه، فقال فسألناه: عليه بدنة فقالت المرأة: اسألوا لي أبا عبد الله عليه السلام فإني قد اشتهيت فسألناه، فقال: عليها بدنة). عن معاوية بن عمار «7» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع المحرم امرأته قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الحج من قابل) و عن حماد «8» رفعه إلى أحدهما عليهما السلام قال: معنى يفرق بينهما أي لا يخلو ان و أن يكون معهما ثالث). هذا كله لا خلاف فيه و لا إشكال في أن من جامع زوجته عامدا و عالما فسد حجه و عليه إتمامه و بدنة و الحج من قابل، بل إن إطلاق النصوص التي هي كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في

الزوجة الدائمة و المنقطعة و الحرة و الأمة كما صرح به غير واحد لصدق الزوجة و الأهل و الامرأة، و إن يمكن يدعى اختصاص الدائمة لدعوى الانصراف إليه إلا أن الأصح كما قلنا، لعدم الفرق في ترتب الحكم و هو فساد الحج على ذلك كله، إذ يمكن دعوى عدم لحاظ الخصوصية كالحرة و الدائمة و الأمة في الحكم بل الحكم ثبوته و عدمه يدور مدار صدق تحقق الوطي و عدمه.

الإحصار و الصد، ص: 152

و بناء على ما قلنا من عدم لحاظ الخصوصية في الحكم فيندرج حكم السفاح في البحث أيضا و عليه ما عليه من فساد الحج و الحج من قابل و إتمامه، و مما يؤيد ما استظهرناه من عدم الفرق بين الأقسام المتصورة و من أن الحكم بفساد الحج و عدمه متوقف على صدق الوطي و عدمه كلمة (رفث) في بعض النصوص المتقدمة و هو صحيح ابن خالد «1» إذ هو بإطلاقه يشمل الأقسام المتصورة و به يسقط دعوى الانصراف إلى الدائمة، و عن «2» البزنطي عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: قلت له: أ رأيت من ابتلي بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال: يسوق الهدي و يفرق بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، فقلت: أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق فيجتمعا إذا قضيا المناسك)، بل مقتضى ما تقدم عدم الفرق بين القبل و الدبر إذ العنوان هو الجماع و الإتيان و الوطء و هو كذلك لتناسب الحكم و الموضوع أولا، و لصدقه لكل منهما، فإن الدبر أحد المأتيين و يجب عليه الغسل كما في

النص ثانيا، و حينئذ يفسد حجه لو وطأها في الدبر أيضا كما في القبل و عليه الحج من قابل، و عن بعض أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة، و فيه: إن قلنا بعدم عمومية العنوان كالجماع و الإتيان و أمثالهما فهو كما ذكر، و إن لم نقل بالاختصاص كما هو الحق فالحكم كما ذكرنا من غير فرق بين القبل و الدبر، و عن صاحب الجواهر، إن لم يصح إطلاق الوطء على من واقع في الدبر فالأولى عدم وجوب شي ء عليه و إن قلنا بصحة إطلاقه عليه أيضا فالحكم كما ذهب إليه المشهور: و عن الأستاد حفظه الله: لا مورد لإشكال صاحب الجواهر عليه إذ يمكن استفادة ذلك من وطي دون الفرج. ثم إمكان انسحاب الحكم من النساء إلى الذكر ان و تجاوزه عنها إليه و عدمه يتوقف على صدق الوطي و الإتيان و عدمه فإن قلنا بالصدق فيندرج تحت الحكم العام و هو الحج من قابل و الإتمام و البدنة، و إن لم يصدق عليه الوطي و الجماع فهو خارج عن حكمهم، و كذا الكلام فيما لو وطأ الخنثى المشكل في الدبر، و عن الأستاد حفظه الله: إن الخنثى إن كان قادرا على الجماع و الإتيان و يقدر على التوليد فلا يمكن اندراجه تحت حكم الخنثى لصدق الإتيان و الجماع خلافا للماتن حيث قال بعدم ترتب الحكم ما لو وطأها في القبل خاصة، نعم إن لم يصدق عليه الوطي يندرج تحت حكم ما دون الفرج و عليه البدنة لا غير. و أما وطي البهيمة فحكمه حكم وطي الدبر لصدق الجماع و الإتيان، و لوجودها في النصوص الواردة في حكم من أتى بهيمة، و أما

الإنزال فالظاهر عدم الفرق بينه و بين عدمه بعد صدق العنوان المزبور في النصوص. ثم إن ظاهر النصوص و إن كان حكم الإعادة فيها مقيدا بالمحرم إلا أن الإنصاف القول بكونه قيدا للإحرام، و معنا ذلك حكم الإحرام بعد إفساده عليه إتمامه و بدنة و الحج من قابل من غير فرق بين الحج الواجب و الندب الذي يجب إتمامه بالشروع و العمرة و إن لم يجب عليه الإعادة في القابل في العمرة المفردة للنص و هو ما عن مسمع «3» عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا

الإحصار و الصد، ص: 153

و المروة، قال: قد أفسد عمرته و عليه بدنة و عليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثم يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه و آله لأهله فيحرم منه و يعتمر) هذا كله فيما إذا لم يأت إلى المزدلفة عن معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يقف بالمزدلفة فعليه الحج من قابل). و به قال الأستاد. و أيضا عن معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا واقع المحرم امرأته قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الحج من قابل) و مفهومه عدم وجوب شي ء عليه إن أتى بامرأته بعدها أي بعد المجي ء إلى المزدلفة و ما اخترناه هو خيرة الشرائع أيضا خلافا للمحكي عن المفيد و سلار و الحلبي فاعتبروا تقدمه على عرفة لما روي «3» من أن الحج عرفة، و هو مع ضعفه

سندا يحتمل أن يكون المراد به أنه أعظم الأركان، و منه يظهر فساد قول من يقول بتعلق الحكم لمن جامع قبل المشعر بعد عرفة. ثم إن ظاهر عبارة الشرائع و هو قوله: (فسد حجه) أو ظاهر النص و هو قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار «4»: (الرفث فساد الحج) أنه إذا أتى أهله قبل أن يقف بالمزدلفة و من يحذو حذوه وجوب الإعادة في القابل لبقائه عليه بعد إفساده، و معناه أنه لا يبرء الذمة بوحدة مجردا لو مات، بل المبرء هو، مع القضاء إن كان ما أفسده هو الواجب، أو قلنا: لا فرق في ذلك أي الإعادة بين ما إن قلنا إن الاولى هي الحج و الثانية عقوبة أو بالعكس، و لا بد من الإتيان بها في القابل بعد التحلل منها كما في الصد و الإحصار، و حينئذ لا مغايرة بين الإتمام و فساد الحج، خلافا لما قيل من أنه إن كان الحج صحيحا لم يجب عليه إتمامه إذ مقتضى النص وجوب الحج في القابل، و عن الأستاد حفظه الله: مقتضى النص خلافه لقوله عليه السلام في رواية زرارة «5» قال: سألته عن محرم غشي امرأته. و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما. قلت: فأي الحجتين لهما قال: الأولى التي أحدثا فيهما ما أحدثا، و الأخرى عقوبة عليهما) و بناء على ما قلناه إن المراد بالفساد كونها كالفاسد، و مما يؤيده ما رواه حمران بن أعين «6» (فيمن جامع بعد أن طاف ثلاثة أشواط قال: قد أفسد حجه و

عليه بدنة) مع الإجماع على صحة الحج في هذه الصورة. و عن صاحب الجواهر: مؤيدا باستصحاب الصحة و نحوه: و عن الأستاد حفظه الله: و معنى ذلك إن قلنا بفقدان النص و عدم إمكان تشخيص حج الإسلام عن حجة العقوبة، أو كان، و قلنا بالمعارضة، و إن كان الواقع خلافه المحرم قبل أن يقف بالمزدلفة، أو قبل وقوفه بعرفة، أو قبل أن يقف بالمشعر بعد عرفه إذا أتى امرأته و شك بعد ذلك في صحة الحج و عدمها نستصحب بقاء الصحة، بمعنى عدم المانع من إلحاق غيرها بها ليكمل الماهية المخترعة (المحصولة من الشارع)

الإحصار و الصد، ص: 154

و لكن مع القول بالصحة التأهلية لها لا يجوز البحث في أن الإتيان مفسد شرعا أم لا إذ الصحة لا تكون مترتبا على عدم الإفساد، و لو كانت الملازمة بين الإفساد و عدم صحة التأهلية (أي الصحة بالقوة) ثابتة عقلا و تظهر الفائدة بناء على أن الاولى الحج و الثانية عقوبة أو العكس في النية، فينوي على الأول في الإحرام مثلا حجة الإسلام، و على الثاني ما وجب عليه بالإفساد، و أما الأجير للحج في سنته أو الأعم منها و من غيرها، فعلى الأول مضافا إلى حج العقوبة عليه إن قلنا إن الثانية هي العقوبة فلا يستحق أجرة المثل لتغاير المأمور به مع المأتي به، بخلاف الثاني لأنه يستحق أجرة المثل و لو كان عليه حج الإسلام و حج العقوبة، و أما النائب عن الميت، فإن قلنا إن الاولى هي الحج يبرء ذمة الميت و له أجرة المثل و أما بالنسبة إلى حج العقوبة فيقضي في المستقبل من دون توقف ذمة الغير عليه بل هو بنفسه عليه الإتيان،

فإن لم يقدر عليه فله أن يستأجر غيره ليقضي عنه، نعم إن قلنا إن مقتضى الإجارة هو الحج التام من حيث الاجزاء و الشرائط، و الأجير و إن أوجد مضمون الإجارة في الخارج لكن لا بما هي بل بما يغاير واقع الإجارة فلا يستحق أجرة المثل. و أما النذر في سنته، أو الأعم منها و من غيرها، فعلى الأول مضافا إلى حج العقوبة عليه إن قلنا إن الاولى هي الحج كفارة حنث النذر و كذا العكس، و على الثاني عليه حج الإسلام و حج العقوبة دون كفارة حنث النذر، و أما المفسد المصدود إن قلنا إن الاولى هي العقوبة كفى قضاء واحد و هو حج الإسلام و لا يكون عليه غيره لسقوط حجة العقوبة بالتهلل منها كما تقدم سابقا، بخلاف ما إن قلنا إن الاولى هي حج الإسلام فعليه حج العقوبة و حج الإسلام. و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن التمسك لإثبات بقاء صحة المأتي به بعد الإفساد بإطلاق قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و الحكم بصحة الحج حتى في مورد الإفساد للإجماع ببقاء صحة الحج بعد الفسوق و الجدال إلا أنه عليه الكفارة لأن كلمة (لا) تكون في النهي التكليفي لا الوضعي فيمكن بمعونة عدم القول بالفصل الحكم ببقاء صحة الحج بعد الرفث أيضا كما قلنا سابقا في أول البحث: و عليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذ احجا على تلك الطريق و عن الأستاد حفظه الله: ظاهر ذلك هو وجوب الافتراق في حجة القضاء دون الحج الفعلي مع أن الثاني أيضا تكون لازما فيه الافتراق لصحيح ابن عمار «1» قال: سألت

أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء و إن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليه الحج من قابل) و فتوى المشهور: و كذا في الحج القابل عليهما أن يفترقا من ذلك المكان إلى أن يقضيا مناسكهما حتى يرجعا إليه فيجتمعا، نعم ظاهر قوله: (إذا حجا على تلك الطريق) اعتبار سلوك ذلك الطريق و إلا فلا يجب الافتراق، كما أن مقتضى ظاهر قوله: (حتى يقضيا المناسك) هو انتهاء افتراقهما يكون بانقضاء المناسك و لو لم يصلا إلى المكان الذي أصابا فيه خلافا لبعض النصوص. ثم إن أصل التفريق يكون موردا للإجماع كما عن المدارك، و إن يظهر من المختلف عدم ذلك لترديد الأصحاب، و لذلك يمكن حمل هاتين الخبرين على الندب، و عن الأستاد حفظه الله: و إن لم يكن المسألة مجمعا عليها و لكن هو مشهور قطعا، و أما وجوب الافتراق في القضاء هو ظاهر المصنف و تبعه المدارك و صاحب الجواهر فنحكم بعدم الفرق بين القضاء

الإحصار و الصد، ص: 155

و الحج الاولى في وجوب الافتراق، و عن المدارك تفريقهما في حج القضاء يكون موردا للإجماع و يتمسك بالنص، و أما الحج الاولى فعن بعض وجوب التفريق في ذلك أيضا خلافا للبعض حيث اختار عدم وجوب التفريق فيه، و عن الأستاد حفظه الله: إذا كان مدرك الحكم هو النص فالأمر سهل لان مقتضاها و لو يكون متغايرا بدوا إلا أن الإنصاف يمكن إرجاعها إلى الحكم الواحد و هو وجوب الافتراق في الحج الاولى و القضاء

معا. ثم إن ظاهر قول الماتن: (عليهما أن يفترقا) وجوب الا التفريق بين الذكر و الأنثى و تبعه صاحب الجواهر، و عن الحدائق: الظاهر أن الخطاب بالوجوب هو الامام و من يقوم مقامه، و عن الأستاد حفظه الله: هو كذلك بعد أن كان في زمن الماضي وظيفة الإمام و من ينوب عنه تعليم أحكام الحج للناس في طريقه، و عن الأستاد حفظه الله: إلا أن مقتضى النص وجوب التفريق عليهما عينا ثم على الامام و من ينوب عنه كذلك، ثم على باقي الناس وجوبا كفائيا. و كيف كان فلا بد من تعيين الغاية للتفريق لتغاير النصوص في المضمون، و في صحيح معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء و إن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة. و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليه الحج من قابل) و عن الأستاد حفظه الله: قوله عليه السلام: (و يفرق) يأمر بلزوم التفريق بينهما بعد أن كان لازما عليهما الافتراق، و لذلك يقول صاحب الحدائق: إن المخطاب بالتفريق هو الامام و من ينوب عنه، و هو صريح في لزوم الافتراق من هنا إلى هنا و لو لم يقل بوجوب التفريق عليهما في الحج القابل و لكن مع ذكره في مورد آخر لا إشكال فيه، عن معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله) و عن الأستاد حفظه

الله: و فيه أيضا لزوم الافتراق عليهما حتى يبلغ الهدي محله و هو كناية عن الإحلال أي بعد كونه بمنى يذبح هديه و يحل و لو لم يأت بالمناسك كلها و لكن لا مانع من اجتماعهما بواسطة بلوغ الهدي محله. ثم إن الجماع تارة يقع في الحج المتمتع بها، و أخرى في الافراد، فعلى الأول المراد من رجوعهما إلى المكان الذي أصابا فيه هو الرجوع إلى مكة فبناء على ذلك هل يمكن الحكم بعد وصولهما إلى مكة بعدم لزوم التفريق و لو بقيا على إحرامهما لعدم انقضاء المناسك، أم الحكم بارتفاع التفريق متوقف على انقضاء المناسك؟ فيه وجهان و أما على الثاني فيمكن أن يكون محل الجماع قبل وصولهما إلى مكة لإمكان إحرامهما قبلها و لو في مسجد الشجرة مثلا فلو قلنا إن مقتضى النص لزوم التفريق قبل انقضاء المناسك يمكن تقييده بالنص الذي يكون مضمونه لزوم الافتراق بعد انقضاء المناسك. و عن حماد بن عثمان «3» عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أ رأيت. و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا) و عن الأستاد حفظه الله: يمكن حمله على حج الافراد، و عن سليمان بن خالد «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال إن كانت المرأة

الإحصار و الصد، ص: 156

أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء عن علي بن

أبي حمزة «1» قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله قال: قد أتى عظيما قلت: أفتني" قد ابتلي" فقال: استكرهها أو لم يستكرها؟ قلت: أفتني جميعا، قال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان و إن لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة، و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة، و عليهما الحج من قابل لا بد منه قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال: نعم هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما، فإن أبي كان يقول ذلك). و عن الأستاد حفظه الله: و الجمع بين هذه النصوص هو كفاية بلوغ الهدي إلى محله و إن كان الأفضل البقاء على التفريق حتى يقضيا مناسكهما في الحج الاولى، و أما في الحج القابل وجوب التفريق بينهما حتى يقضيا مناسكهما، أو الحكم بالوجوب على التفريق في الحج الاولى و القضاء حتى يقضيا مناسكهما و إن كان الأفضل هو البقاء على التفريق حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه. و في الحدائق و الرياض: (إن الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الاخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب، فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة و إن أحلا و قضيا المناسك قبله، ثم قضاء المناسك، ثم بلوغ الهدي محله كما في الصحيحين، و هو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الاخبار المتقدمة، و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة العليا، ثم الوسطى سيما في الحجة الأولى لكثرة أخبارها و اشتهارها). و عن الأستاد حفظه

الله: و مرجع قولهما هو البقاء على التفريق وجوبا حتى يبلغ الهدي محله و إن كان الأفضل البقاء إلى أن يقضيا مناسكهما أو الرجوع إلى موضع الخطيئة، و معنى ذلك إبقاء ظهور الأمر في الوجوب فيما إذا بلغ الهدي محله و صرفه إلى الاستحباب في غيره، و هو قضاء المناسك كلها أو الرجوع إلى الموضع الذي أصابا فيه، و عن صاحب الجواهر: و فيه أن الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر إن لم يكن إجماع كون الغاية العليا في الأداء و القضاء، و هي محل الخطيئة، نعم يمكن تحصيل الإجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء إلى قضاء المناسك لا أزيد. و عن الأستاد حفظه الله: و مرجع قوله إلى أن الأمر يدور بين رفع اليد عن ظهور الأمر فيها في الوجوب و حمله على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب فيها، أو الإبقاء على حاله. و الثاني مختاره خلافا للأستاد لذهابه إلى الأول لشيوعه في الشريعة المقدسة. و كيف كان فالذي اختاره سيدنا الأستاد حفظه الله هو حمل النصوص التي تعين وجوب الافتراق بما دون الموضع الذي أصابا فيه ما أصابا إلى عدم رجوعه من موضع الخطيئة و حمل النصوص التي تعين انتهاء وجوب الافتراق فيها إلى الموضع الذي أصابا فيه ما أصابا إلى من يريد العبور من موضع الخطيئة و بهذا الجمع خرجنا عما وقع فيه صاحب الحدائق

الإحصار و الصد، ص: 157

و الرياض، و هو صرف الأمر عن الوجوب إلى تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب، و كذلك خرجنا عما وقع فيه الجواهر و هو تقديم منطوق أحدهما على مفهوم الآخر، عن حماد بن عثمان «1» عن

أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أ رأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة و إن كانت المرأة بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و إن كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: نعم الحديث عن محمد بن مسلم «2» عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: قلت له: أ رأيت من ابتلي بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال: يسوق الهدي، و يفرق بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك، و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا فقلت: أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق، قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك). و علق انتهاء التفريق فيهما إلى انقضاء المناسك و العود إلى مكان الخطيئة أيضا، و الظاهر من قوله عليه السلام: (حتى يقضيا المناسك) و إن كان كلها إلا أنه لا مانع منه إذا بقي شي ء منها خصوصا إن قلنا ينتهي التفريق أيضا إذا بلغ الهدي محله و هو منى إذ بعده يبقى شي ء من المناسك و هو السعي و طواف الزيارة و النساء، و هل يجب الرجوع من موضع الخطيئة أم لا؟ أجاب سيدنا الأستاد بقوله: لا يجب الرجوع من موضع الخطيئة عليهما. ثم إن مقتضى النصوص تعليق الحكم على المحرم مع أنه أعم من عمرة التمتع و الإفراد، و معلوم أن من أفسد عمرته المفردة عليه البدنة و القضاء في شهر آخر دون الحول القابل كل هذا للنص،

و عليه يخرج عمرته المفردة عن هذا العموم خلافا للعمرة المتمتع بها فعليه الحج في القابل و البدنة و وجوب التفريق بينهما، هذا إذا كان له الخيار لتبديل العمرة المتمتع بها بغيرها و إلا عليه إلحاق العمرة الفاسدة بالحج و القضاء في القابل مع الحج. نعم ظاهر المصنف وجوب الافتراق في حجة القضاء دون الحج الأولى للإجماع خلافا للحدائق و الجواهر لذهابهما بوجوب التفريق في الحج الاولى و حجة القضاء. و كذا يظهر منه أيضا أن وجوب التفريق منوط بالرجوع من إمكان الخطيئة و إلا فلا يجب التفريق بينهما، و إن اتفق الطريقان خلافا لبعض الأصحاب حيث قال في الفرض الأخير بوجوب التفريق بينهما، و عن الأستاد حفظه الله: لا فرق في وجوب التفريق بين حجة الإسلام و حجة القضاء و البقاء على التفريق بينهما، و في حجة القضاء إن أرادا الرجوع من مكان الخطيئة فلا بد من أن يفترقا حتى يقضيا مناسكهما، و إلا فلا يجب خصوصا في حجة القضاء اتفق الطريقان أم لم يتفقا. و لا فرق أيضا في وجوب الافتراق بين صورتي الإكراه و المطاوعة لإطلاق النصوص و الفتاوى، و عن صاحب الجواهر: و ربما يوجد في بعض الفتاوى تقييده بالمطاوعة، و لا وجه له، نعم قد يدل مفهوم مضمر زرارة «3» على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية أو أحدهما عالما و الآخر جاهلا و المكره بحكم الجاهل، لكنه مقطوع السند، فلا يقيد به إطلاق الاخبار السابقة و عن الأستاد حفظه الله: و قد صرح النص بعدم لزوم شي ء من

الإحصار و الصد، ص: 158

االتفريق و الحج في القابل و البدنة على الجاهل

إذا وقع عنه الخطيئة، خلافا للمكره فلا يمكن إلحاقه إليه لوجود النص الذي يأمر فيه بوجوب التفريق بينهما، نعم يمكن إدراج المكره في حكم الجاهل بمعونة تنقيح المناط و إثباته دون خرط القتاد. هذا مع أن عدم لزوم القضاء على المكره لا يلزم الحكم ببطلان التفريق أيضا، عن حماد بن عثمان «1» عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أ رأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة و إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان فينحرانهما، و إن كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء، و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: (نعم الحديث) و عن الأستاد حفظه الله: و السر في إلحاق المكره بالجاهل في عدم لزوم التفريق عند صاحب الجواهر انحصار الدليل بمضمر زرارة و الحال أن النصوص المطلقة يحكم فيها الامام بلزوم التفريق بينهما بعد أن أمكن التمسك بقوله عليه السلام: (يفرق بينهما) لإثبات الفرق و وجوب التفريق في المكره، هذا كله فيما إذا كان المرء مكرها للمرءة فانعكس الأمر يمكن أن يكون كذلك أي وجوب البدنتين عليها إن قلنا بتنقيح المناط و إلا فلا و كذا فيما إذا أكرههما ثالث. و معنى الافتراق أن لا يخلوا إلا و معهما ثالث و يمكن أن يكون المراد بذلك هو الافتراق في المكان و معنا ذلك تفريق كل منهما في خباء غير ما فيه الأخر، أو هو كناية عن المانع من المواقعة و لو بحضور ثالث يمتنع معه حصولها، و على الثاني

لا عبرة بغير المميز و الزوجة و الأمة و نحوهم ممن لا يمنعها حضورهم. و لو أكرهها كان حجها ماضيا للأصل و النص، و يكفي لعدم وجوب القضاء عليها في القابل عدم الدليل بالنسبة إليها، إذ للشارع بيان ما يمكن أن يكون سببا للإفساد، نعم يمكن أن يحكم بفساد حجها و لو كانت مكرهة لرواية سليمان بن خالد «2» قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (في حديث): و الرفث فساد الحج) و هو بعمومه يحكم ببطلان الحج بعد المواقعة من دون أن يكون فرق بين المكره و غيره، و لا بين أن يكون الجماع بالاختيار أو الاضطرار، و إذا كان كذلك لا يصح الحكم بانصرافه إلى الاختيار، و لو أمكن تخصيصه بالاختيار للنص، و لكن مقتضى إطلاقه هو العموم، و حينئذ لا يصح التمسك لصحة حج المرأة بالأصل بعد الدليل العام الذي يدل بإطلاقه أنه لا يفرق بين المرأة و الرجل في فساد الحج بعد المواقعة، نعم يمكن إخراج حكم المرأة المكرهة عن تحت هذا العام بدليل خاص و هو صحيح معاوية بن عمار «3» (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم واقع أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج في القابل، و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان، و عليه الحج من قابل). نعم يمكن انسحاب حكم الرجل للمرأة أيضا فيما إذا كانت المرأة أعانت بشهوة لصحيح سليمان بن خالد «4» عن أبي

الإحصار و الصد، ص: 159

عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما، فقال: إن كانت المرأة

أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء). و عن الحلبي «1» عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: قلت: أ رأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة و إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و إن كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء، و يفرق بينهما حتى ينفر الناس، و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: نعم (الحديث). و عن الأستاد حفظه الله: و الظاهر منهما عدم وجوب الحج في القابل للمرأة المكرهة: و لو قيل: إنهما ساكتان عن الحج في القابل عليها لما فيهما من أن عليهما بدنتان ينحرانهما بعد المواقعة دون إيجاب شي ء آخر عليهما، فإنه يقال: مقتضى قوله عليه السلام: (فليس عليها شي ء) هو نفي الشي ء عنها و لا يمكن رفع اليد عن عمومه، و لو كان ساكتا عن عدم لزوم شي ء آخر، فحينئذ لا يبعد القول بانصراف الأحكام إلى الاختيار و الحكم بعدم شمول غيره، كما أن إخراج الجاهل يكون كذلك، لعدم شمول الحكم له خصوصا انصراف قول السائل (رجل وقع إلى أهله) إلى الاختيار و العمد، و جواب الامام لقوله: (قال: و إن كانت المرأة) إلخ: و إذا كان كذلك مقتضى الأصل عدم بطلان حجها و عدم وجوب القضاء عليها في القابل، هذا كله إن قلنا: مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: (و

الرفث فساد الحج) هو إفساد الحج، و عليه لا بد و أن يكون لإخراج المرأة المكرهة دليل و يكفي في خروجها قوله عليه السلام: (فليس عليها شي ء) لوجوده في سياق النفي فإخراج المرأة المكرهة يكون بوجود الدليل فلا يحتاج إلى الأصل حينئذ، و لا يمكن الحكم ببقاء الحكم التكليفي في الإكراه عليها للدليل الحاكم و هو ما عن النبي صلى الله عليه و آله رفع عن أمتي التسع الخطأ و النسيان .. و ما استكرهوا عليه بعد بقاء الحكم الوضعي و هو بقاء صحة حجها على ما هو عليه بمقتضى النصوص الواردة في خروج حكم المرأة المكرهة، و إن قيل: ما معنى وجوب إتيان البدنة عليها بعد صحة حجها، فإنه يقال: و لو قلنا بصحة حجها و عدم لزوم شي ء عليها إلا أن وقوع المواقعة في ضمن الحج تصير سببا لنقصان مصلحة حجها فيمكن تداركها بها و لو لم تكن مأمورا بها لعدم وجوبها عليها لقوله: و كان عليه كفارتان للنص عن علي بن أبي حمزة «2» قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله قال: قد أتى عظيما، قلت: أفتني (قد ابتلي) فقال: استكرهها أم لم يستكرهها قلت: أفتني فيهما جميعا، قال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان، و إن لم يكن يستكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة، و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة، و عليهما الحج من قابل لا بد منه قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ قال: نعم هي امرأته كما هي الحديث).

الإحصار و الصد، ص: 160

و إلا فمقتضى الأصل عدم لزوم كفارة المرأة عليه، و عن سليمان بن خالد

«1» سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ قال: إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا، و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها فليس عليها شي ء) و قال في المدارك: (و ربما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة على الزوج مع الإكراه: و عن الأستاد حفظه الله: و يظهر لك مما قدمنا لك ضعف ما قاله المدارك لذهاب المشهور إليه بل هو أي وجوب كفارتين عليه إجماعي و به ينجبر ضعف سنده أيضا. و لو جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجه صحيحا و عليه بدنة لا غير و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في الأول بل الإجماع بقسميه عليه و كأنما حصل له ثاني الإجماعين و هو المحصل بنفسه. و عن الأستاد حفظه الله: و يظهر من قوله: (و لو جامع بعد الوقوف) إلخ أقوال أربعة: الاولى: إن أتى امرأته قبل أن يطوف طواف الزيارة و لو كان قبل الرمي و التقصير و لكن بعد الوقوف بالمشعر كان حجه صحيحا و عليه بدنة، الثانية: إن واقع امرأته بعد أفعال الحج قبل أن يطوف طواف النساء كان حجه صحيحا و عليه بدنة، الثالثة: إن جامع ما دون الفرج قبل الوقوف كان حجه ماضيا، الرابعة: إن الإتيان الذي هو سبب للإفساد يكون مقيدا بالعلم و العمد دون الجهل كما سيأتي إنشاء الله حكمه،

قال في المدارك نقلا عن المنتهى: الإجماع على عدم لزوم القضاء عليه إن واقع امرأته بعد الوقوف بالمشعر و تمسكا بالأصل أيضا، و عن الأستاد حفظه الله: إن كان النص موجودا كالاية و الرواية فلا يمكن التمسك بالأصل بعد الإتيان عند الشك في بقاء صحة الحج و عدمه، و لو قيل بفقد النص هل يمكن لعدم إفساد المواقعة في الحج التمسك بالأصل أم لا؟ إن كان بعد الوقوف، فأجاب عن ذلك سيدنا الأستاد حفظه الله: نعم كالضاحك في أثناء الصلاة بعد فقد النص و القول ببطلانه في الصلاة يمكن التمسك بالأصل و الحكم ببقاء الصحة إلى أن يتمها: إلا أن الإنصاف بين المقامين فرق واضح، إذ في قضاء الحج لا يحتاج إلى أمر جديد بخلاف قضائها لاحتياجه إليه، اللهم إلا أن يقال: إن الأصل هو البراءة إن قلنا إن الشك يرجع إلى الأقل و الأكثر و معنا ذلك هو البراءة عند الشك في قيد زائد أو شرط في التكليف و لكن كل ذلك لا يرجع إلى محصل للعمومات و هي قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و هو بعمومه يشمل قبل الوقوف و بعده و ملخص الكلام: حكم الأصحاب بعدم لزوم القضاء عليه في القابل بعد الإتيان إلى امرأته بعد الوقوف و هذا للنص و به يمكن تخصيص العام. ثم إن في كلام الماتن: (و لو جامع بعد الوقوف) قلق و اضطراب، و لذلك ذهب بعض كصاحب الجواهر و المدارك و المسالك و غيرهم إلى أن الاولى كان ترك ذكرها: و عن الأستاد حفظه الله: (و لو جامع قبل أن يأتي الطواف كلها لم يكن عليه القضاء في القابل)

أو (و لو جامع قبل إتيان السعي و طواف الزيارة يكون حجه صحيحا و عليه بدنة و لو كان ذلك قبل أن يطوف طواف النساء بتوهم أن إتمام الحج بعد الطوافين و لو قبل أن يأتي طواف النساء) و ما ذكرنا أولى بالصحة من

الإحصار و الصد، ص: 161

الماتن، و الذي يخرج هذا عن العموم هو النص، عن معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) و يمكن أن يكون الثاني تفسيرا للأول كما يمكن أن يكون كلمة (دون) بمعنى قبل و لا يصح أن يكون بمعنى بعد، و مفهوم ذلك: فليس عليه الحج في القابل إن أتى امرأته بعد مزدلفة عن معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا وقع المحرم امرأته قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل) و عن الأستاد حفظه الله و مفهومها و إن كان مشكلا إخراج هذا الحكم عن العموم و هو عدم لزوم الحج في القابل إلا أنه يمكن إخراجه عنه بمعونة النصوص الواردة إذ فيها كما ستسمع إنشاء الله من أنه لا شي ء عليهما قبل أن يطوفا طواف الزيارة أو السعي أو غير ذلك و حينئذ لا يصح أن يقال بانحصار المخصص بالمفهومين بعد ذلك مضافا إلى قبولها و الفتوى بمضمونها و هذا كله فيه كفاية و غنى للحكم بعدم لزوم الحج في القابل إن أتى امرأته بعد مزدلفة و أما وجوب البدنة على الذي أتى امرأته بعد الوقوف بالمشعر فهو للنص، عن محمد بن علي بن الحسين «3» قال: الصادق عليه السلام (في

حديث) إن جامعت و أنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة و الحج من قابل، و إن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل) عن معاوية بن عمار «4» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع وقع على أهله و لم يزر قال: ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال: جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء لما عن زرارة «5» قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال عليه جزور سمينة الحديث) عن أبي خالد القماط «6» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور؟ قال: إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة، و إن كان غير ذلك فبقرة، قلت: أو شاة؟ قال: أو شاة) و كذا غيرها من النصوص الإمرة بلزوم البدنة على الذي أتى امرأته قبل أن يتم طواف النساء و لكن إن أتم و أتى امرأته بعده لم يكن عليه شي ء هذا كله في طواف النساء و أما طواف الزيارة فعليه البدنة و لو وقع بعده أو في الأثناء أهله. و أما لو جامع في غير الفرج، فظاهر عبارة الماتن يوهم عدم لزوم البدنة على الذي أتى امرأته بعد الوقوف أو لم يكن حجه ماضيا و لكن هذا التوهم فاسد إذ إن كان حجه صحيحا قبل الوقوف مع مجامعته في غير الفرج كان صحته بالأولوية

الإحصار و

الصد، ص: 162

بعد الوقوف لأن الإتيان بأحد الفرجين بعد الوقوف لا يكون سببا للإفساد و لو كان سببا للإفساد قبل الوقوف و حينئذ المواقعة على أهله بعد الوقوف لا يكون موجبا للإفساد بالأولوية، و لذلك قال في المسالك في ذيل كلام الماتن: و هو يدل على التعميم و معنى ذلك عدم بطلان الحج لو جامع ما دون الفرج كان قبل الوقوف أو بعده هذا كله في نفس الحج و أما في وجوب البدنة و عدمه فلا يمكن القول بالتعميم إذ من الممكن عدم لزوم البدنة على من أتى أهله بعد الوقوف مع لزومه عليه قبله مع وضوح عدم بطلان حجه، عن معاوية بن عمار «1» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل). و عن الأستاد حفظه الله: و قوله عليه السلام: (و إن كانت المرأة تابعته على الجماع) إلخ و إن كان بظاهره مخالفا للنص، إلا أن الإنصاف يمكن أن يقال: إن الإتيان و لو وقع ابتداء فيما دون الفرج و لكن لا يبعد القول بالوقوع حقيقيا لتوافقهما على ذلك، و إذا كان كذلك يصح ما حكم به الامام بقوله: (فعليهما مثل ما عليه) إذ من البديهي أنه ليس للمرأة المكرهة في هذا الحال (أي في حال متابعته) شي ء إلا لمتابعته، و عن معاوية بن عمار «2» عن أبي عبد الله عليه السلام في المحرم يقع على أهله، قال: إن كان أفضى إليها فعليه بدنة

و الحج من قابل، و إن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، الحديث).

تفريع

إذا حج في القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أولا و إن أفسد عشر حجج، فإذا أتى في السنة الرابعة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء و لا يجب عليه قضاء آخر، و عن الأستاد حفظه الله: و قد رأيت الكتب حتى أجد فيها دليلا لما ذهبوا إليه و هو وجوب الحج الواحد صحيحا على الذي أفسد حجه و لكن لم أر شيئا و لذلك يمكن أن يكون حكمهم بذلك للعمومات الشاملة له، هذا إلا أن الإنصاف أنه لو قيل في المقام أن مقتضى تعدد السبب هو تعدد الأسباب كان أولى، و مؤيد ذلك ذهابهم في البدنة إذ عليه في الحج الخامس حج واحد صحيح و إتيان خمسة بدنة مثلا. و عن العلامة في التذكرة: إذا أفسد حجه في القضاء وجب عليه بدنة أخرى و إتمام القضاء و القضاء في القابل للعمومات، و عن الأستاد حفظه الله: لإمكان القول بشموله (أي الإتيان في القابل و البدنة) للحج الواجب دون القضاء و لذلك قال: يلزمه أن يأتي بالقضاء إذا أفسد الحج في القابل و إتيان البدنة بعد وجوب إتمام ما أفسد لكن لا يتعدد القضاء إذا لم يفسد فإذا أتى في السنة الثالثة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء و لا يجب عليه قضاء آخر و إن أفسد عشر حجج لأنه إنما كان يجب عليه حج واحد صحيح، هذا كله لذهابه إلى أن الثانية هي حج الإسلام إذ هو مقتضى قوله: (لانه يجب عليه حج واحد صحيح) و بناء على ذلك إن

أفسد الحجة الأولى و أكمله يبقى في ذمته الحجة الثانية و هي حج الإسلام و كذا إن أفسد الحجة الثانية و أتمها يجب عليه أن يأتي بحج الإسلام في القابل أيضا و هكذا، و عن الأستاد: لا يمكن مساعدة دليل معه لو قلنا به، و أما إن قلنا إن الثانية هي العقوبة و الأولى هي حج الإسلام فلا يصح القول بكفاية حج واحد بدلا

الإحصار و الصد، ص: 163

عن الذي أفسده بل يتعدد المسبب بتعدد السبب، و لذا إن وقع على أهله في الحج الأول يجب عليه إتمامه و القضاء عقوبة في القابل و إن أتى أهله في الحجة الثانية و أفسد حجه فعليه إتمامه و حجان في القابل و هكذا. و في الاستمناء بدنة و عن الأستاد حفظه الله: لم يقيد بالإنزال كما عن المدارك ذلك، نعم يمكن استظهاره من ظاهر كلامه إن قلنا مجرد قصد الأمناء لا يوجب بطلان الحج و لا يجب على الفاعل الكفارة، و أما إن قلنا بالبطلان بمجرد قصده كما هو كذلك في الصوم يبطل حجه و إن لم ينزل، و لكن لا يجب عليه الكفارة، هذا مضافا إلى قولهم بعدم الخلاف بأن الاستمناء مع الانزال يكون سببا للزوم الكفارة على الفاعل و هو كذلك، و لا فرق في لزوم البدنة على الفاعل به بين أن يكون هو بيده أو بملاعبة غيره أو بالنظر إلى غيره أو يكون الفكر أو الخيال سببا للإنزال. (و هل يفسد به الحج و يجب القضاء قيل: نعم كما عن الشيخ إلا أنه قال: من يعبث بيده فأمنى فعليه مثل ما على الذي يجامع و قيل: لا كما عن ابن إدريس، و عن الشرائع: و

هو الأشبه و منشأ اختلاف الأقوال هو اختلاف النصوص، و اختار القول الأول في المختلف مع شمول النصوص التي وردت فيما دون الفرج على الاستمناء أيضا إذ الفرق بينه و بين الاستمتاع بغير الجماع تجرده عن قصد الإمناء بخلافه، لموثق إسحاق بن عمار «1» عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل) و صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج «2» قال: سألت أبا الحسن عليه السلام: عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) و عن الأستاد حفظه الله: و الثاني صحيح سندا إلا أنه ناقش فيه صاحب المدارك من جهة دلالته، لقوله عليه السلام: (عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) و عن الأستاد: و فيه أولا: تنزيله عليه السلام العابث بغير الجماع منزله الذي يجامع فكما في الجماع إن كان قبل الوقوفين يجب عليه القضاء فكذلك فيمن يعبث بأهله فعليه الحج في القابل. و ثانيا: إمكان الحكم للعابث أهله بالكفارة دون الحج في القابل كمن يجامع، لحكمه عليه السلام بالكفارة مثل ما على الذي يجامع، كما ناقش في الأول و هو موثق إسحاق سندا لانه كان فطحيا، هذا كله يرجع إلى عدم قبوله ما عن العلامة من أنه يجب عليه الحج في القابل بعد الاستمناء لإفساد حجه بسببه) إذ غاية ما يمكن أن يقال حمل الحج في القابل على الاستحباب، و عن صاحب الجواهر: و المناقشة في السند

مدفوعة بما حررناه في الأصول من حجية الموثق، على أنه معتضد هنا بما في التنقيح قال: قال ابن الجنيد: هي في حديث الكليني عن مسمع بن عبد الملك «3» عن الصادق عليه السلام فلذلك العمل بها أحوط، و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بصحة ما رواه إسحاق فهو نص واحد حكمه وجوب الحج في القابل و البدنة، في مقابل سائر النصوص الواردة في حكم ما دون الفرج و هو وجوب البدنة لا غير، و هل هما متعارضتان أم لا؟ إن قلنا به يتعارضان في المجمع عليه (مورد الإجماع) و هو المواقعة فيما دون الفرج مع الانزال و حينئذ

الإحصار و الصد، ص: 164

فمقتضى رواية إسحاق بن عمار هو الحج في القابل و البدنة بخلافها، إذ مقتضاها إتيان البدنة لا غير، و إن تساقط بعد التعارض فمقتضى الأصل عدم لزوم شي ء عليه أصلا، و عن الأستاد حفظه الله: إن قلنا بانحصار الحكم (في محرم عبث بذكره فأمنى) كما عن الحدائق فعليه الحج في القابل و البدنة فلا يمكن التعدي عن النص إلى غيره كما عن التنقيح إذ قال: و لو أنزل الماء بإدمان نظره أو لرقبة أو غير ذلك فهو يجب عليه الحج في القابل و البدنة، على أن النص يحكم بعدم لزوم شي ء على من أتى أهله و أمنى لعدم صدق الخصوصية عليه و هي العبث بذكره، عن معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال: لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربه و إن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء

عليه، و إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم و قال: في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: عليه بدنة. و عن الأستاد حفظه الله: و يمكن أن يكون مراده عليه السلام بقوله (و إن حملها من غير شهوة) حملها لاضطرار لإمكان إتيانها بسبب خاص، و تلخص: إن جامع فيما دون الفرج و هو و إن كان لا إشكال فيه للمحل و لكن للمحرم البدنة، و هو و إن أتى به في الحرم فعليه الحج في القابل و البدنة، و لكن صاحب الجواهر حمل موثق إسحاق على الندب لتعارضه بما في الصحيحين و رجحانهما عليه، و عدم موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع المتقدمة لعدم الاستدلال بها لأحد سوى المقداد في التنقيح، و إمكان أن يكون المراد بها ما في صحيح ابن الحجاج المصرح بالكفارة مثل الذي جامع. و عن الأستاد حفظه الله: الظاهر من التمثيل في قوله عليه السلام: (و عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) هو تنزيل حكم الأمناء منزلة الجماع في إفساد الحج فعليه مثل ما على الذي يجامع، على أن صاحب التنقيح بعد ذكرها قال: فانجبر ضعف رواية ابن عمار بهذه أي مدح الصادق عليه السلام المسمع مع أن القائل بها أكثر و العمل بها أحوط. هذا كله إن قلنا بصحة ما نقله المسمع فلا إشكال للتعدي عنه إلى غيره لمساواة حكم الجماع مع الأمناء في إفساد الحج و عدم الفرق في ذلك بين أن يكون السبب هو النظر أو الإدمان، أو الريبة، و عدم لزوم حمل رواية إسحاق على الندب لصراحته في الحكم الإيجابي مع عدم معارضتها مع غيرها كما نص

على ذلك الشهيد. ثم و إن لم يكن في النصوص تفصيل بين من عبث بأهله قبل الوقوف بالمشعر أو بعده و كذا في الفتاوى و منهم الماتن لتردده بين النفي و الإثبات و إن مال إلى الأول، إلا أنه يمكن أن يحكم بما إذا وقع ذلك قبل المشعر كما عن الشيخ حيث قال: من عبث بذكره قبل المشعر حتى أمنى كان حكمه حكم من جامع على أهله فعليه الحج في القابل و البدنة، و أما بعده لم يكن عليه شي ء غير الكفارة، لا بعده، و يمكن تقديم أحد المتعارضين في محل الاجتماع و الحكم بالكفارة فيما إذا أتى أهله دون الفرج لا غير و أما غيره فهو الأمناء و المواقعة ففيه الحج في القابل و البدنة. و لو جامع أمته محللا و هي محرمة بإذنه تحمل عنها الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة و إن كان معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام و عن المدارك نسبه إلى قطع الأصحاب مشعرا بالإجماع، بل عن النهاية عليه بدنة، و عن المبسوط و السرائر كان

الإحصار و الصد، ص: 165

عليه كفارة يتحملها عنها، فإن لم يقدر على البدنة كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام لموثق إسحاق بن عمار «1» أو صحيحة (قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخبرني عن رجل محل وقع على أمة محرمة قال: مؤسرا أو معسرا، قلت: أجبني عنهما، قال: هو أمرها أو لم يأمرها و أحرمت من قبل نفسها، قلت أجبني عنهما، قال إن كان موسرا و كان عالما أنه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالإحرام كان عليه بدنة؟ و إن شاء بقرة، و إن شاء شاة، و إن لم

يكن أمرها بالإحرام فلا شي ء عليه مؤسرا كان أو معسرا؟ و إن كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام). و عن الأستاد حفظه الله: و إن لم يكن في المتن التفصيل بين العالم و الجاهل كما كان كذلك في الفرع السابق إلا أنه يمكن استظهار الفرق بينهما عن تنظيره عليه السلام بالجماع، إذ الحكم فيه مقيد بالعلم و العمد و كذلك الحكم في البحث، و أما الصيام و إن لم يكن مقداره في البحث متعينا و لكن أمكن إدراج البحث فيما عجز عن الشاة و الحكم بأنه ثلاثة أيام التي هي المعروفة في بدل الشاة مع احتمال الاكتفاء باليوم الواحد. و رواه البرقي في (المحاسن) عن صباح الحذاء «2» مثله، إلا أنه قال: أو صيام أو صدقة) و عن الأستاد حفظه الله: و فيه جهات من النظر: الاولى الفرق بين ما إذا كان أمرها بالإحرام مع علمه بأنه لا ينبغي له هذا العمل و عدم أمرها به: ففي الأول إن كان مؤسرا فعليه البدنة، أو البقرة، أو الشاة دون الثاني، لعدم لزوم شي ء عليه مؤسرا كان أو معسرا، و إن كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام، فعليه يمكن الحكم بتحملها عنها مع عدم لزوم شي ء على المحل و لو فعل أحد محرمات الإحرام، الثانية: هل يمكن الحكم بلزومها عليها بدلا عن المولى أم لا و لو كان المولى محلا مع عدم المانع من لزوم الكفارة على المحل إن جامع مع أمته المحرمة، إلا أنه أشكل إخراجه لإطلاقه و إن كان المتيقن منه هو عدم لزوم شي ء على الأمة سواء أكرهها أم وقع ذلك مطاوعة، و عن الفاضل و

من تبعه باختصاص الحكم هنا بحال الإكراه لعدم تعرض النص لحال المطاوعة، و فيه: أمكن إخراج الحكم مطاوعة كانت أم إكراها، ذكرا كان أم أنثى، و لو جامع مع حيوان أو وقع مفاهة بمقتضى عموم الأهل و المرأة الشامل للأمة أيضا، و لو قيل بانصراف النص عن حكمها و اختصاص الحكم بالمرء، أو القول باختصاص الحكم للمرء و عليه إتيان البدنة لأمرها به دون الأمة لعدم الفرق بين الإكراه و المطاوعة كما هو ظاهر الأصحاب لقطعهم مشعرا بالإجماع عليه، خلافا لمن قال بالفرق بين الإكراه و المطاوعة للعمومات الشاملة في محل البحث أيضا كما عن الأستاد حفظه الله، نعم تكون نصوص أخرى ظاهرها معارضته مع الموثق و إن كان الواقع خلافه لإمكان حملها على غير مورده عن وهب بن عبد ربه «3» عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها، إله أن ينقض إحرامها و يطأها قبل أن يحرم؟ قال: (نعم) و عن الأستاد حفظه الله: يمكن أن يكون إحرامها بغير إذن و قد أحرمت قبل سيدها فيسأل الله أن ينقض إحرامها فأجاب بقوله نعم، أو كان قبل التلبية،

الإحصار و الصد، ص: 166

و عن ضريس «1» قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت و لم يكن هو أحرم، فغشيها بعد ما أحرمت، قال: يأمرها فتغتسل ثم تحرم و لا شي ء عليه) كما يمكن حمله على أنها لم تكن لبت بعد لما تقدم للنص بالنسبة إلى المرء و كذا الحال في المرأة لعدم الفصل بينهما في الحكم فقد ظهر مما حررنا ضعف ما ذهب إليه صاحب الجواهر (و هو

عدم شمول العمومات في محل البحث، إذ هو حكم خاص فلا بد من الجمود فيه) مع شمولها لعدم الفرق بين المرأة و الأمة و الفرق بين الإكراه و المطاوعة للنصوص السابقة، بعد إمكان دعوى انسباق الموثق المزبور إلى ما هو الغالب من علم الجارية بتقديم طاعة المولى على كل شي ء فهي غير عالمة بالحال، فلا يترتب عليها شي ء، و لو كان المحرم بإذنه عبدا فالظاهر عدم إلحاقه بالأمة في الحكم، لأصالة البراءة من الكفارة، و الاشتراك في المملوكية و كونه أفحش لا يقتضيان ترتبها بعد حرمة القياس، و إن حكى عن بعض المتأخرين اختياره، و لكنه أحوط، ثم إن الكلام في حرمة وطي الأمة المحرمة للمولى و عدمها، و عن الأستاد حفظه الله، إن طاوعته على ذلك فهي حرام عليها للنص و هو قوله تعالى فَلا رَفَثَ. فِي الْحَجِّ المتيقن منه هو الحرمة التكليفية إن لم نقل بالأعم من الوضعي، و عليه الإثم لمعاونته إياها، هذا لا ريب فيه، فإن أكرهها لا إثم للأمة نحو ما قيل في الزوج الذي حكمه الإفطار مع الزوجة التي حكمها الصيام، و إن كان له إكراهها في غير الصيام و الحج و كذلك فيهما لعدم حرمة إكراهها عليه في الحالتين الصيام و الحج إلا أن لزوم الكفارة عليه جابرة لتدارك ما نقص من حجها، و عن صاحب الجواهر: إن المنساق من النص و الفتوى حرمة وطي الأمة المحرمة و عن الأستاد حفظه الله: أما الفتوى و إن كانت عارية عن الحرمة و الحلية إلا أنه يمكن استظهارها من الحكم بالكفارة عليه و لو قيل بالملازمة بينها و بين الكفارة، و أما نصا فهو كذلك فظاهر قوله عليه السلام: (لا

ينبغي له) في ذلك أو الأعم من الكراهة، أو يمكن إظهار الحرمة منه بضميمة الكفارة عليه، و حينئذ لا يتحمل عنها، بل هو بنفسه عليه الكفارة، و لو جامع المحرم قبل طواف الزيارة لزمه بدنة.

كتاب العمرة

اشارة

و هي لغة الزيارة أخذا من العمارة، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته و شرعا اسم لمناسك مخصوصة واقعة في الميقات و مكة زادها الله تعالى شرفا.

[الأول الكلام في صورتها]

و صورتها أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام منه ثم يدخل مكة فيطوف و يصلي ركعتيه ثم يسعى بين الصفا و المروة و يقصر و قد أشكل في هذه العبارة من جهة العمرة المفردة إذ التعريف مشتركة بين المتمتع بها و المفردة لا أن المراد صورة المفردة، و إلا لوجب ذكر طواف النساء و التخيير بين القصر لها و الحلق، و لا المتمتع بها خاصة، لعدم ذكر لها بالخصوص. خلافا للمسالك و المدارك حيث انهما ذهبا إلى عدم الإشكال في التعريف صورة و لولا يناسب مع ما عليه من تقسيمها إلى المفردة و المتمتع بها، نعم إن قلنا قصده العموم فلا بد عليه أن يذكر في ضمن التعريف طواف النساء أيضا هذا.

الإحصار و الصد، ص: 167

و قد اختار صاحب المسالك ميقات عمرته المفردة للنائي كالحج، خلافا لصاحب العروة حيث قال: للمعتمر المفردة ميقاتان، إحدى من المواقيت الخمس، أو في الحل، فأذن في العمرة المفردة إن لم يحرم منها فهو عاص، فكذلك في الحج و لو عامدا. خلافا للأستاد الأكبر لذهابه ببطلان الحج في فرض العمد. و هذا البحث و هو إثبات الميقات في العمرة المفردة في الحل كان مهما و لكن البحث الان في تقسيمها الى المتمتع بها، و المفردة. و هي واجب كالحج مرة، و الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى الكتاب و السنة. قال الله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ. منها: محمد بن الحسن بإسناده عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن

فضالة، عن أبان، عن الفضل أبي العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل «1» وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ قال: هما مفروضان. منها: و بإسناده عن موسى بن القاسم، عن عمار بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال «2» العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لان الله تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و إنما نزلت العمرة بالمدينة. منها: و رواه الكليني «3» عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله و زاد، قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي عنه قال: نعم. منها «4» و بإسناده عن المفضل بن صالح، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العمرة مفروضة مثل الحج الحديث. منها: قال صلى الله عليه و سلم و قال أمير المؤمنين عليه السلام أمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيهما بدأ ثم قال الصدوق: يعني العمرة المفردة دون عمرة التمتع فلا يجوز أن يبدأ بالحج قبلها منها «5» و في العلل عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج دون العمرة، قال: لا و لكنه يعني الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان ثم إن ظاهر النصوص و الفتاوى كالمتن و نحوه أنه لا يشترط في وجوب العمرة

المفردة الاستطاعة للحج معها، بل لو استطاع لها خاصة وجبت، كما أنه لو استطاع للحج الإفراد خاصة دونها وجب، بل صرح في القواعد بالثاني، قال: و لو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة. هذا أولا و الثاني عدم ارتباطها بالحج، و في كلا القولين ضعف و قول الثالث وجود الارتباط بينهما.

الإحصار و الصد، ص: 168

بخلاف التمتع الذي تطابقت النصوص و الفتاوى على كونه ثلاثة أطواف بالبيت و طوافين بالصفا و المروة، دون القران و الإفراد فإنهما طوافان بالبيت و سعي واحد. فيجب تقديم عمرة التمتع التي فرضها للنائي على الحج بخلاف الحاضر فليس عليه إلا المفردة نعم إذا اضطر المتمتع إلى تأخير العمرة عن الحج، فإنه حينئذ يكون له حكم الافراد فتصح عمرته في جميع السنة لكن تجب الفورية التي هي ليست بتوقيت عندنا، فلا ينافي التأخير إلى المحرم و ما بعده و إنما اقتصروا على استقبال المحرم لما في التهذيب أن الأصحاب رووا عن الصادق عليه السلام أنه قال: المتمتع إذا فاته عمرة المتعة و أقام إلى هلال المحرم اعتمر، فأجزأت عنه و كان مكان عمرة المتعة و لذلك لا بأس بإتيان العمرة المفردة للأجير الذي أتى من البعيد لأداء المناسك من خارج المكة و لو لم يقل به بعض إلا للاحتياط و مقتضى ظهور النصوص عدم وجوب حج التمتع و عمرتها على النائي إلا عند الاستطاعة عنهما و بذينك يتجه عدم وجوب عمرة التمتع على النواب النائين في سنة النيابة و إن استطاعوها استطاعة شرعية. و لذا ذهب الأصحاب إلى القول بعدم الارتباط بين حج التمتع و عمرتها و هذا للاحتمالين، الأول: عمرة التمتع كعمرة الحج أي للمستطيع يجب إتيانها الثاني،

عدم وجوب التمتع للنائي، بل عليه إتيان العمرة المفردة. و في كلا الاحتمالين ما لا يخفى. لاختلافهما، و عدم وجوب غير المتعة للنائي إنما الكلام في أنه لو قلنا بلزوم الفورية فيها فهل هي كالحج في المعصية و الإثم و وجوب القضاء في التأخير أم لا؟ يمكن أن يقال بالفرق بينهما. إذ وقت المتمتع بها أشهر الحج، و وقت المفردة ممن يجب عليه حج الافراد أو القرآن بعد الحج. ثم هل يشترط في إتيان المفردة إتيانها بعد الحج أم لا بأس بإتيانها قبل الحج أيضا ظاهر كلام الأصحاب جواز تأخير إتيانها بعد الحج. و على كل حال

[الثاني في شرائط وجوبها]

و شرائط وجوبها شرائط وجوب الحج و مع الشرائط تجب في العمر مرة و عن صاحب الجواهر: كالحج بل الإجماع بقسميه عليه. و عن الأستاد مد ظله العالي لا صراحة في النصوص في أن شرائطها مع الشرائط نعم في الوجوب يشتركان و إلى هذا يرجع سؤال الرواة فلذا لا بد و أن نتكلم حول النصوص الواردة في الباب و هل يمكن أن يتطهر الوجوب فيها منها أو هي مع الكتاب. و بعبارة أخرى هل الدليل الدال على وجوب العمرة مرة في العمر ينحصر بالنصوص أم هي مع الكتاب إذ من الممكن أن يقال إن الآية نزلت في الحج دون العمرة و قوله تعالى «1» وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ هو الأمر بإتمام الحج و العمرة و ليس ناظرا الى أن العمرة وجبت على كل الناس كالحج، بل في بعض النصوص أطلق على العمرة الحج. نعم إن قلنا بأن المراد من الحج في الآية و لله على الناس حج البيت الحج و العمرة كفى في إثبات الوجوب لهما

مرة في العمر ذلك كما ذهب إليه الأصحاب لأمره تعالى بالطبيعة و هي تسقط بالامتثال مرة و كذا قول الله تعالى «2» وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و قال زرارة «3» في الصحيح قلت لأبي جعفر عليه السلام الذي يلي الحج في الفضل قال: العمرة المفردة ثم

الإحصار و الصد، ص: 169

يذهب حيث شاء، و قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، فإن الله تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ إلى غير ذلك من النصوص التي تسقط بفعلها مع الحجة الإسلام و لا خلاف أجده في أنها على الفور و هو واضح في عمرة التمتع التي هي جزء من الحج الذي قد عرفت فوريته على من يجب عليه، بل و المفردة أيضا المشبهة بالحج في الوجوب مضافا إلى ما سمعته من الإجماع المحكي، هذا و لكن مع ذلك كله لم يتعرض المصنف صاحب الشرائع وجوبها بل تعرض شرائط وجوبها كشرائط وجوب الحج و لذا يستفاد من هذه العبارة وجوبها على المكلفين في العمر مرة واحدة كالحج و قد ظهر مما قدمنا لك و هو وجوب الحج و العمرة للنائي إن استطاع إليهما سبيلا، بخلاف العمرة المفردة فيجب عليه إن استطاع و لو كان نائيا فلذا لا يجوز الحكم بالاحتياط للحاضر بل العمرة المفردة واجبة على النائي و الحاضر إن استطاع إليها سبيلا، لظهور ما سمعته من الأدلة في وجوبها و أنها كالحج حتى في الفورية كما سمعت منا ذلك، فالمتجه إخراجها من التركة لو مات و يأتي الأجير عنه مع الاستطاعة لها و التمكن من أدائها و لو قبل أشهر الحج و نية كونها عمرة الإسلام و كذلك للمستطيع لها و للحج

إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام فقد تحصل من مجموع ما سبق في مطاوي ما قلنا لك هل وجوب العمرة معلق على من استطاع إلى الحج أم لا بد و أن يستطيع المكلف لها خاصة؟ ذهب إلى الأول الشهيد في الدروس و قال: إن العمرة لا تجب إلا مع الاستطاعة للحج بخلاف الحج و كذلك ما عن المستند و مدرك القولان قوله تعالى لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، فصار الحج قسمان قسم يذهب الحاج فيه إلى العرفات، و آخر إلى زيارة البيت فإذا كان كذلك صح القول بتعلق وجوب أحدهما على الآخر، في حج التمتع خلافا لعمرة المفردة إلى تعلق الاستطاعة بها بنفسها دون الحج نعم إن قلنا بترتب العمرة عليه كترتب العصر على الظهر فما ذهب إليه الدروس صحيح فإذن لو أتى بها دون الحج فالحكم هو البطلان بخلاف ما إذا أتى بالحج و عن الأستاد حفظه الله لا يجب الترتيب فيهما لفقد الدليل و على فرضه يلزم مراعاته في من استطاع إليهما سبيلا دون من يستطيع إلى أحدهما، و لأجل ذلك ذهب المشهور إلى الصحة من جهة فقد الدليل و عدم لزوم الترتيب بحيث لو وجب كلاهما لا يكون العمرة بعد الحج لو لم يدع الإجماع. ثم إنه يمكن أن يقال بعدم الفرق بين العمرتين المتعة و المفردة إلا أن الثاني يؤتى بها بعد الحج خلافا للأول حيث لا بد و أن يؤتى بها قبل الحج فإنه يقال مع أنه خلاف الإجماع يكون خلاف لفظ الافراد المأتي به في النصوص أيضا و هذا هو المعنى للافراد الذي لا بد و أن يؤتى بها مفردا خلافا

للمتعة حيث لا بد و أن يؤتى بهما منضما إلى الحج فلذلك لو أتى بها منفردا يصير الحج باطلا، و هذا بخلاف الافراد و لو في التأخير و عدم الإتيان معصية و لكن الحج ليس بباطل بقي هنا شي ء: و هو حكم الإحرام منهما و هل هما من ناحية الصورة مشتركة أم للمتعة صورة أخرى غيرها أي المفردة ظاهر قول الماتن: و شرائط وجوبها شرائط وجوب الحج عدم الفرق فيهما من هذه الجهة أيضا كما يكون كذلك من ناحية العقل و الحرية و البلوغ و قد تجب بالنذر و ما في معناه و بالاستيجار و الإفساد و الفوات من غير فرق بين أن يكون في أشهر الحج أم في غيرها، و لذلك إن استطاع إلى العمرة المفردة في ذي القعدة و ذهب إلى مكة ليأتي بها و أتى بها و بعد أن تم الأعمال صار مستطيعا للحج يجب عليه إتيان الحج و عمرة التمتع كما يجب على المكلفين إتيان العمرة لفوت الحج فإن من فاته وجب عليه التحلل بعمرة، و للإفساد و لو كان مستحبا بدوا فيصير للإفساد واجبا و للدخول و إن لم يكن وقت الحج،

الإحصار و الصد، ص: 170

و إن كان الدخول مقارنا للوقت فهو مخير بين الحج و العمرة المفردة إلا الحطاب و الحشاش و من أصل و مما يمض شهر و يتكرر وجوبها بحسب السبب.

[الثالث في أفعالها]

و أفعالها ثمانية: النية و الإحرام و الطواف و ركعتاه و السعي و التقصير و طواف النساء و ركعتاه و هذه هي التي تكون أعمال العمرة المفردة و إن لم يصرح بها هنا أو فيما مضى عند ذكرها أيهما المتعة و الأخرى المفردة و لكن الحق

ان ما مضى أعمال المتعة و ما ههنا هو العمرة المفردة

[الرابع في أقسامها]

و لذا التعريف الاولى للنائي و الثانية لمن حاضري المسجد الحرام و الأول لا تصح إلا في أشهر الحج كما تسقط المفردة عنها و لا تصح إلا في أشهر الحج، و تسقط المفردة معها فعلى هذا الأساس للحاضر العمرة المفردة و بالمتعة تسقط المفردة. و هذا مخالف لقوله: و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام إذ بين المفهومين تدافع ظاهر كما عن المسالك و أجاب عن ذلك: و كأن الموجب لذلك أي سقوط المفردة بالمتعة كون عمرة التمتع أخف من المفردة، فكانت المفردة بسلب ذلك أكمل و هي المشروعة بالأصالة المفروضة قبل نزول آية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة و يكون قوله و المفردة تلزم إلى آخره إشارة الى ما استقر عليه الحال و صار هو الحكم الثابت الان بأصل الشرع، ففي الأول إشارة إلى ابتدائه و الثاني إلى استقراره، و هو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي و عن الأستار حفظه الله وجه أخفية المتعة منها في أمور منها: إن في عمرة التمتع يتعين التقصير و في العمرة المفردة تخير بينهما: منها أنه لا يكون في عمرة التمتع طواف النساء و في العمرة المفردة يجب طواف النساء، منها ميقات عمرة التمتع أحد المواقيت، و ميقات العمرة المفردة أدنى الحل. ثم أنه لا إشكال و لا خلاف في أن المواقيت التي عينها رسول الله صلى الله عليه و آله عام يشمل بعمومها الحج و عمرته فلذا يجب للحاج الذي يمر على طريق المدينة في إحرامه لحج المتعة كان الإحرام

أم للعمرة المفردة في أشهر الحج هذا الإحرام، أم غيرها واجبا كان الإحرام أم مندوبا إن يحرم من ميقاتهم و هو نفس مسجد الشجرة و لا يجوز التأخير اختيارا إلى الجحفة و هي لأهل الشام و ما شاكل و إن عصى و أخر إلى أن يأتي الجحفة و أحرم منها صح إحرامه إفرادا كان الإحرام أم تمتعا و لا يجب عليه العود إلى المدينة و الإحرام منها. ثم لو أخر الإحرام إلى أن يأتي مكة يجب عليه العود و إلا بطل إحرامه، و هنا مواقيت آخر منها: أدنى الحل و هو لكل عمرة مفردة سواء كانت بعد حج القران أو الافراد أم لا، و الأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة، و في هذه الصورة إن قلنا بأنه يختص لمن كان منزله مكة فالذي يكون خارجها ففيه تفصيل، و هو إن كان بعد الميقات فميقاته دويرة أهله، و إن كان قبله فميقاته. و هذا بخلاف ما لو لم نقل به بل قلنا باختصاصه بها فهو كسائر المواقيت التي يجب الإحرام منها و لذا إن عصى و أخر الإحرام إلى أن يأتي في الحل و أحرم منه فعمرته صحيح و إن عصى للفرق بين العمرة المفردة و المتمتع بها إذ في الثاني يجب الإحرام له من ميقاته بخلاف الأول، نعم لو نسي فعليه العود إليه و إلى هذا تشير، أي جواز الإحرام من أدنى الحل للتأسي و النصوص منها: عن معاوية بن عمار «1»، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه

الإحصار و الصد، ص: 171

و آله و سلم ثلاث عمرات متفرقات: عمرة ذي القعدة أهل من عسفان و هي

عمرة الحديبية، و عمرة أهل من الجحفة و هي عمرة القضاء، و عمرة من الجعرانة حين أقبل من الطائف من غزوة حنين. و رواه الصدوق مرسلا إلا أنه قال: ثلاث عمرات متفرقات كلهن في ذي القعدة. و منها: عن أبان «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عمرة الحديبية و قضى الحديبية من قاتل و من الجعرانة حين أقبل من الطائف ثلاث عمرات كلهن في ذي القعدة. ففي العمرة المفردة لم يجب الإحرام من ميقاتها إذ في فرض الوجوب يجب على النبي صلى الله عليه و آله و سلم أيضا الإحرام من قرن المنازل و هو لأهل الطائف و من يمر عليه لا من الجعرانة. تلخص مما قدمنا لك صحة إحرام العامر بالعمرة المفردة من أدنى الحل تأسيا لما فعل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين هذا معلق على القول بشرط أن تكون الإقامة بقصد المجاورة فينقلب فرضه إلى فرض المكي بعد الدخول في السنة الثالثة فعليه الإحرام للحج من مكة و للعمرة من خارجها فكأنما أدنى الحل ميقات عملي لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما أن سائر المواقيت هو الميقات القولي.

مسألة 4 «2» لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل و إن كان متمكنا من العود إلى الميقات فأدنى الحل له مثل كون الميقات إمامه و إن كان الأحوط مع ذلك العود إلى الميقات. و عن الأستاد حفظه الله: و قال الماتن فيها و

إن كان الأحوط و لبعض الأعاظم هنا كلام: و لو ترك عمدا و تعذر عليه التدارك من الميقات فإن لم يكن مريدا للنسك و لا أتى بها و لكن عازما إلى دخول مكة كان عاصيا بتركه و لا يجوز له الإحرام لو تجاوز الميقات. و أما إذا كان مريدا للناس و لم يحرم من الميقات به أخر الإحرام إلى أن يأتي أدنى الحل صح إحرامه بالعمرة المفردة و إن أثم بتجاوزه عن الميقات. و عن صاحب مستمسك العروة لكن قد يقال: إن المراد بطلان الإحرام لا للعمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري، و إن أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات، بل قيل إن الأصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا. فإذن إن قلنا بميقاتية أدنى الحل فالحاكم هو النصوص إذ فيها عدم جواز الإحرام من غير المواقيت التي عينها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هي أي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج تقول أدنى الحل ميقات عن أبي عبد الله عليه السلام «3» لما قال له سفيان: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له: هو وقت من مواقيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: و أي وقت من مواقيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هو؟ فقلت له: أحرم منها حين قسم غنائم حنين و مرجعه من الطائف و هذا نص عبارة الحدائق: الرابع المفهوم من الاخبار و به صرح الأصحاب إن المجاور بمكة متى انتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مستحبا مفردا من مكة و إن كان من أهل

الإحصار و الصد، ص: 172

الافاق إنه يخرج

إلى خارج الحرم مثل الجعرانة و الحديبية و نحوهما فيحل منه بالحج، و إن الصرورة منهم يهل بالحج من أول الشهر، و هذا الميقات أيضا ميقات لمن أراد الاعتماد عمرة مفردة. «1» و روى أيضا في الصحيح عن صفوان عن أبي الفصل «2» قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه السلام من أين أحرم بالحج؟ فقال من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه و آله من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت: متى أخرج؟ قال: إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، فإذا كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام و تصح في جميع أيام السنة و أفضلها ما وقع في رجب لا إشكال في جواز الإتيان بالعمرة المفردة مستحبا كانت أم واجبة في أشهر الحج أم في غيرها إنما الكلام في جواز إتيانها لو استطاع إليهما قبل أشهر الحج كما هو ظاهر الماتن ذلك أم لا عن صاحب الجواهر: و لو وجبا معا فقد قطع الأصحاب بوجوب تأخير العمرة حينئذ عن الحج بل ظاهر غير واحد كالعلامة الطباطبائي و سيد الرياض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الإجماع قولا و فعلا عليه، بل عن المنتهى ذلك أيضا و قد ذكرنا سابقا ان الإجماع المزبور هو العمدة في إثبات ذلك، و لولاه لكان للنظر فيه مجال، إذ في استفادته من النصوص نظر كما في المدارك، بل ظاهرها خلافه، و الله العالم. و عن الأستاد حفظه الله: هذا كله في فرض ثبوت الإجماع على ذلك، إذ في الاخبار، المعتمر يعتمر في أي شهور السنة

شاء و لو في غير أشهر الحج إذ بعد الوجوب لا بد و أن يأتي بها فورا و لا يجوز للمعتمر التأخير إلى أشهر الحج و يأتي بعدها الحج إفرادا كان أم قرانا و لأجل ذلك ذهب الجواهر إلى جواز إتيانها قبل الحج، إلا أن الكلام في أنه يأتي بها في رجب أم في رمضان؟ و الأصحاب و إن صرحوا بأن جميع أوقات السنة صالح للعمرة المبتولة إلا أن أفضلها رجب. محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة «3» عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال له: ما أفضل ما حج الناس، قال: عمرة في رجب و حجة مفردة في عامها الحديث، و هذا يختص لمن يتمكن من إتيانهما معا في عامهما و معناه للنائي حج التمتع و بعده يأتي العمرة المفردة و حجة في عامها، أو هو في مكة و يريد أن يأتي العمرة المفردة و الأفضل أن يأتيها في رجب. عن زرارة «4» عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ثم قال: و أفضل العمرة عمرة رجب، و قال: المفردة للعمرة إن اعتمر ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامة، و حجته ناقصة مكية و هو صريح في أفضلية عمرة رجب عن غيره و تمامية عمرته لوقوعها في رجب و ناقصية حجته بإتيانه حج غير المتعة إذ فرضه المتعة و أتى الإفراد الذي وظيفة من كان في مكة. محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن معاوية بن عمار، عن أبى عبد الله عليه السلام «5» انه سئل أي العمرة أفضل عمرة رجب أو عمرة شهر رمضان؟ فقال: لا بل عمرة في رجب أفضل.

الإحصار و الصد،

ص: 173

و هو أيضا كسابقه صريح في أفضليته عمرة رجب عن غيره عن عبد الله بن الحسن «1» عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن عمرة رجب ما هي؟ قال: إذا أحرمت في رجب و إن كان في يوم أحد منه فقد أدركت عمرة رجب و إن قدمت في شعبان فإنما عمرة رجب أن تحرم في رجب. و هذا أيضا يدل على أن عمرة رجب أفضل من غيره و لو كان في يوم منه أحرم فتحها في شعبان فقد أدرك عمرة رجب يكتب له الفضل فيه أي عمرة رجب. عن ابن بكير عن عسير الفراء «2» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أهل بالعمرة في رجب و أحل في غيره كانت عمرته لرجب و إذا أحل في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب. و من أحرم في جمادى الآخر و طاف في رجب فعمرته رجبية. و مع ذلك كله في الباب نصوص أخرى تدل على أفضلية عمرة رمضان على غيره. عن علي بن مهزيار، عن علي بن حديد «3» قال: كنت مقيما بالمدينة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة و مائتين، فلما قرب الفطر كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن الخروج في شهر رمضان أفضل أو أقيم حتى ينقضي الشهر و أتم صومي؟ فكتب إلى كتابا قرأته بخطه: سألت رحمك الله عن أي العمرة أفضل، عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك الله. الظاهر عند سيدنا الأستاد دام ظله العالي لا يمكن القول بأفضلية عمرة شهر رمضان عن كل شهر حتى عن عمرة شهر رجب. فإذن يمكن تارة يقال: أن مورد السؤال هو

أفضلية الخروج في شهر رمضان لإتيان العمرة في مكة؟ أو بقاؤه في وطنه حتى ينقضي الشهر و أتم صومه؟ فكتب عليه السلام الخروج لدرك عمرة رمضان أفضل من بقائه ليتم صيامه. كما يمكن أن يقال أخرى: أسأله أن عمرة رمضان أفضل أم شهر الشوال فكتب عليه السلام بخطه: عمرة شهر رمضان أفضل. و مع ذلك لا منافاة بين الاحتمالين و أفضلية عمرة شهر رجب. عن الوليد بن صبيح «4» قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام بلغنا أن عمرة شهر رمضان تعدل حجة فقال: إنما كان ذلك في امرأة وعدها رسول الله صلى الله عليه و آله فقال لها: اعتمري في شهر رمضان فهو لك حجة. و في هذا الحديث يقول المسائل للإمام عليه السلام: بلغنا عمرة رمضان تعدل حجة. فقال له: ذلك لامرأة وعدها رسول الله صلى الله عليه و آله حينما سئلت عنه فالخصوصية للمورد و لا يمكن التعدي عنه إلى غيره فلا يشمل البحث الذي نحن نكون بصدد إثباته على غيره فالحق أفضلية عمرة شهر رجب عن غيره. قال المحقق صاحب الشرائع: و من أحرم بالمفردة و دخل مكة جاز أن ينوي التمتع و يلزمه إن من دخل مكة بعمرة

الإحصار و الصد، ص: 174

مفردة في غير أشهر الحج فليس له أن يتمتع بها و إن كان في أشهر الحج فان له أن يتمتع بها. و في الحقيقة البحث يدور حول جواز فيه التمتع للعامر الجائي في أشهر الحج بمكة ليعتمر عمرة مفردة أم هو يختص لمن قدر على إتيانهما معا أي المفردة و المتمتع بها و لا فرق في ذلك بين أن يكون واجبا عليه إتيان ذلك بالأصالة كمن حاضري المسجد الحرام،

أم هناك سبب يقتضي تعين المفردة على وجه لا يكفي في امتثاله المتمتع بها كالنذر. ذهب إلى قول الأول صاحب الشرائع و قال: جاز له ذلك مع النية و عليه دم. خلافا لصاحب المسالك حيث قال: يجوز ذلك إن لم يتعين عليه بسبب من الأسباب. و خالف في ذلك صاحب المدارك و ذهب إلى أن من دخل مكة في أشهر الحج بعمرة مفردة له أن يتمتع بها بدون النية لفقد وجود القيدين في النص بل في النص: هل للمعتمر بعمرة مفردة أن يقيم بمكة و يأتي الحج ليصير المتعة أم لا و عن الأستاد حفظه الله ما اختاره صاحب المدارك له ثمرة و هي جواز إتيان التمتع له مع ما عليه عمرة مفردة و لو بالنذر هذا. و عن الأستاد حفظه الله: في الفرع نصوص لا بد من قرائتها و إطلاق النظر إليها لنبين هل فيها هذه القيود التي تعرضها الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أم لا؟ و هي إن من أتى بعمرة مفردة غير متمتع بها إلى الحج في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى أن أدرك يوم التروية فعليه أن يحرم بالحج و في هذه الصورة هل ينقلب فرضه إلى المتعة أم لا؟ و على فرض الانقلاب وقع الحنث في نذره أم لا؟ و على فرض إتيانهما معا في عامها هل عليه عمرة مفردة في عام القادم أم لا بل يسقط المتعة و عمرة مفردة للنذر. و عنه، عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدرك

الحج كانت عمرته متعة، و قال: ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج و عن الأستاد حفظه الله و في هذه الرواية الدلالة على أن للمعتمر بعد قضاء عمرته له أن يخرج و له أن يقيم، و على فرض البقاء و إدراك الحج كانت عمرته متعة لوقوعها في أشهر الحج. ثم إن أتى بعمرة مفردة فطاف طواف النساء يأتي البحث و هو هل يجب عليه ذلك أم لا؟ ذهب إلى الجواز مع النية و عدم الوجوب صاحب الشرائع خلافا لصاحب المدارك، حيث قال: المقيم يرجع حكمه إلى هذا بدون أن يحتاج إلى النية. كما ذهب بعض إلى ذلك إن لم تكن متعينة. و الحال ان النص من كل هذه القيود مطلق. و معنى ذلك للمعتمر بعد إتمامها البقاء كما له الخروج أيضا، عمر بن يزيد «2»، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل مكة بعمرة فأتم إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس. و عن الأستاد دام عزه: يوافق ظاهرها مع كلام صاحب المدارك الذي يقول بانقلابها إلى المتعة و لو بدون القصد إليها، بل و لو أتمها ثم أقام بمكة إلى هلال ذي الحجة فليس له إلا التمتع. لأن الأعمال بالنيات كما عن الشرائع ذلك.

الإحصار و الصد، ص: 175

و في الواقع يدور الكلام حول إمكان انقلابها إلى المتعة و عدمه؟ هذا لعدم وضوح كل هذه الاحتمالات. إذ يمكن أن يقال تارة بإطلاقها على نحو يشمل عليها، مثل أن يقيم مكة فعليه حج الافراد، بخلاف ما إذا يأتي من الخارج في أيام ذي الحجة فعليه المتعة، أو الافاقي الذي يأتي مكة لإتيان العمرة و يبقى بمكة إلى حلول

أشهر الحج فعليه عمرة التمتع و عليه لا يجب على الافاقي أن يأتي مكة بعمرة المتعة بل و لو يذهب إلى مكة بعمرة مفردة و صادف أشهر الحج فعليه إتيان التمتع، و أخرى لا. و الإنصاف أن في الرواية ليست إطلاق بحيث يشمل بإطلاقها كلما يحتمل في الفرع إذ في الآيات و الروايات للافاقي المتعة فإذن الحكم بانقلاب العمرة المفردة إلى المتعة و لو بدون النية مشكل، نعم إن كان فيها إطلاق أو المتعة هي العمرة المفردة فالحكم بالانقلاب صحيح. فالصحيح هو الحكم بانقلابها إلى المتعة بعد أن أحرم إليها، أو أن العمرة إنما وقعت أولا بنية الافراد إلا أنها من حيث الوقوع في أشهر الحج صارت مرتبطة بالحج مع قصده و إرادته. و عليه أن الحج متعة إنما هو على جهة الأفضلية و الاستحباب، لا أن الافاقي له أن يأتي بالمفردة و ينقلب فرضه إلى المتعة، أو الحاضر لو خرج عنها ثم دخل فيها فعليه إتيان المتعة. فالرواية لا مساس لها بانقلاب التكليف، بل تختص بمن جاز له الافراد بعد دخوله مكة جاز له التمتع أيضا، كما عليه الجمع بينهما. فإذن يقع التعارض بينها و بين النصوص الحاكمة بالتخيير بين البقاء و إتيان التمتع، و بين الخروج إلى حيث شاء. عن إبراهيم بن عمر اليماني «1» عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج إلى بلاده قال: لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم، و إن الحسين بن على عليه إسلام خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا. و عن الأستاد حفظه الله: و فيها عدم وجوب

الحج بعد إتيان العمرة المفردة و لذلك لا بأس بخروجه إلى بلاده و إن حج من عامه فلا بأس عليه. و يتفرع على هذا، جواز إتيان المفردة في أشهر الحج أو المتعة إن لم يجب عليه المتعة أو غيرها و إلا فلا. و قد ظهر مما قدمنا لك ضعف ما ذهب إليه القول بانقلاب المفردة إلى المتعة في الفرض و وجه الضعف قوله عليه السلام كانت عمرته متعة، إذ هو ظاهر أو صريح في أن المعتمر بعد إتمامها يجعل متعة و يحج تمتعا أو إفرادا. هذا خلافا لما ذهب إليه صاحب العروة: من أن الانقلاب قهري، و استدل على ذلك بنصوص «2» و ادعى عمل بها جماعة، بل في الجواهر: لا أجد فيه خلافا و عن الأستاد حفظه الله: و المتيقن منها المعتمر إن أتم العمرة و بقي فيها إلى أن يأتي أشهر الحج فعليه أن يتمتع إما ينقلب عمرته إلى المتعة فلا يدل على ذلك نص.

الإحصار و الصد، ص: 176

نعم في بعض النصوص يستحب للمعتمر أن يبقى بعد ذلك إلى حلول أشهر الحج و يأتي المتعة و إلا فلا بأس بعمرته و يحج إفرادا. تلخص مما ذكرنا أن من دخل مكة في أشهر الحج كان له أن يتمتع و إن شاء ذهب حيث شاء بل يستحب أن يقيم حتى يحج و يجعلها متعة و لو كان في غير أشهر الحج لم يجز و عن صاحب الشرائع: و لو دخل مكة متمتعا لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحج لأنه مرتبط به، نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز، و لو خرج فاستأنف عمرة تمتع بالأخيرة و قد قلنا سابقا أنه لا

يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج إلا لحاجة عرضت له، و أنه إن أراد ذلك عليه أن يحرم بإحرام الحج فيخرج محرما. و لو خرج محلا عصى و مع ذلك فان رجع في شهره دخل محلا، و إن رجع في غير شهره دخل محرما. و الأولى هي عمرة مفردة كما أن الأخيرة هي المتمتع بها التي وصلت بحجته. و عن صاحب الشرائع: و لو أحرم بعد وروده بمكة بالمتعة و خرج عنها و أراد الرجوع إليها لا يحتاج إلى الإحرام. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه احتمالان الأول: إن أحرم فيها و خرج منها بعد الإحرام لا يجب عليه أن يحرم من الميقات. الثاني: إن وقع الخروج قبل الشهر فكذلك. فكأنما يرجع نظره رحمة الله عليه إن رجع فيها قبل مضى الشهر لا يحتاج إلى أن يتجدد الإحرام بخلاف ما اختاره سيدنا الأستاد دام عزه بأنه لا يجوز له الخروج قبل أن يأتي بالحج. فإذن لا بد من النظر في النصوص و استظهار الحكم منها و هل يمكن استفادة ما ذهب إليه الماتن، و هو عدم المنع عن الخروج أن لا يحتاج به تجديد الإحرام؟ أو الخروج مشكل، ذهب المشهور بعدم جواز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج كما عن الملاك ذلك إذا كان الخروج محتاجا إلى تجديد العمرة، بأن كان الرجوع بعد شهر، و المهذب كذلك خلافا للوسيلة لذهابه إلى ما ذهب إليه الماتن. منها: عن حريز، عن زرارة «1» عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتى الوقت فتلبي إلى أن قال: (و ليس لك

أن تخرج من مكة حتى تحج) مقتضى ظهور ذلك عدم جواز الخروج من مكة إلا بعد أن أحرم بإحرام الحج. منها: عن معاوية بن عمار «2»، عن أبى عبد الله عليه السلام في حديث قال: تمتع فهو و الله أفضل، ثم قال: إن أهل مكة يقولون: إن عمرته عراقية و حجته مكية كذبوا أو ليس هو مرتبطا بالحج لا يخرج حتى يقضيه. مقتضى المنع عن الخروج في هذه هو المتمتع بها لا الافراد الذي فرض حاضري المسجد الحرام. منها: عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: إني أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر، فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: إن المدينة منزلي و مكة منزلي، ولي بينهما أهل و بينهما أموال، فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة، و احتاج إلى الخروج إليها، فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا

الإحصار و الصد، ص: 177

يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاورا ههنا فخرج يتلقى ملتقيا بعض هؤلاء فكما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج. و عن الأستاد حفظه الله: الفرق بين هذه و ما قبلها، إن الحكم و هو الفرق بين الرجوع في شهره و بغير شهرة في حماد بن عيسى معلق على الجهل به بخلاف خبر إسحاق بن عمار الذي لا يكون الحكم فيه معلق على الجهل، إذ فيه عليه السلام من دون أن يسئل عنه أجاب بدوا:

المتمتع إن رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه لا بد و أن يعتمر، و إلا فلا. منها، عن أبان بن عثمان، عمن أخبره «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج إلا أن يأبق غلامه، أو تضل راحلته، فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة. و عن الأستاد حفظه الله: و فيه لا يجوز الخروج من مكة إلا لضرورة أي الحاجة كما يأبق عبده، أو تضل راحلته و مع ذلك لا بد و أن يخرج محرما منها، محمد بن على بن الحسين «2» قال: قال عليه السلام: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا أن يعلم لا يفوته الحج، و إن علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا، و إن دخلتها دخلها في غير ذلك الشهر دخلتها دخلها محرما. و عن الأستاد: يحفظه و هذا مرسل الصدوق الذي يقول به لحاجة عرضت للمعتمر و لذا لا مجال للاعتماد عليه لإرساله و القول بأنه يعارض هو و ما ورد في صحيح الحلبي من كلمة ما أحب مع الصحاح الآخر غير صحيح. منها، عن عبد الله بن الحسن، عن جده على بن جعفر «3» عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن رجل قدم متمتعا ثم أحل قبل يوم التروية إله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج و لا يجاوز الطائف و شبهها، و عن الأستاد حفظه الله. ملخص مما قد منا لك إن المسألة ذات قولين: الأول، جواز الخروج من مكة حلالا لحاجة

عرضت له إن لم يفت حجه، الثاني: عدم جواز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج كما صرح بذلك النصوص السابقة أيضا و على هذا فلا يمكن الحمل بالكراهة بالجمع بين هذه النصوص و مرسل الصدوق و صحيح الحلبي الذي فيه لا أحب، أو الحكم بالجواز ما دام لم يفت حجة. لأن المتيقن من هذين القولين هو الثاني و على فرض الضرورة لا بد و أن لا يخرج الا محرما. بقي شي ء: و هو مكة كلها حرم أم الحرم أوسع من مكة إن قلنا بالأول فلا بد أن لا يخرج من الحرم الا أن يحرم منه. بخلاف القول الثاني إذ عليه أن يحرم قبل أن يخرج من مكة ثم يأتي الكلام حول تعيين مصداق هذا المفهوم الذي صرح به النصوص و علق الحكم عليه. و هو هذا المفهوم ينطبق على ما كانت في الأيام السالفة، أو زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الوصي عليه السلام

الإحصار و الصد، ص: 179

أو الان؟ مقتضى الاحتياط لا بد و أن لا يخرج من مكة السابقة إلا و أن يحرم. قال المحقق صاحب الشرائع: و تستحب المفردة في كل شهر و أقله عشرة أيام و يكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من عشرة أيام و قيل يحرم و الأول أشبه. و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، إلا من العماني فأعتبر السنة بين العمرتين، لقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي «1» قال: العمرة في كل سنة مرة. عن حريز، «2» عن أبي عبد الله عليه السلام، و عن جميل، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام

قال: لا يكونان عمرتان في سنة. و لكن لا قائل به غيره، لندرة القائل بهما. و لذا حملهما الشيخ على عمرة التمتع. و لذا لم يرد ما قاله صاحب الشرائع أحد من العلماء، بل ذهب بعض إلى استحبابها لكل عشرة عمرة، بل عن الشرائع جواز الاتباع بين العمرتين مطلقا و لو في كل يوم و إن كره في أقل من عشرة أيام للتسامح في المستحبات كالناقلة. و عن المدارك ذلك إلا أنه ادعى لم أر فيه نص دل على هذا، إلا أنه قال يكفي في إثبات هذا عمومات تسامح في أدلة السنن. و وجه الاختلاف، اختلاف النصوص، فإنها طوائف. منها: محمد بن على بن الحسين «3» قال: و قال الرضا عليه السلام العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. منها: محمد بن علي بن الحسين «4» قال: و روى عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: الحجة ثوابها الجنة، و العمرة كفارة لكل ذنب و أفضل العمرة عمرة رجب مقتضى إطلاقه مسوق لبيان الفضيلة فيها و إن العمرة كفارة للذنوب من دون أن يكون مقيدا بالفصل بينهما بالشهر أو العشرة أو اليوم كالصلاة. منها: عن عبد الرحمن بن الحجاج «5» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في كتاب علي عليه السلام في كل شهر عمرة. و إن جاء الخبر على أن لكل سنة عمرة فالثاني مغاير مع الأول. منها: عن يونس بن يعقوب «6» قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي عليه السلام يقول: لكل شهر عمرة. منها: عن علي بن أبي حمزة «7» قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين

الإحصار

و الصد، ص: 180

و الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا، و إذا خرج فليخرج محلا، قال: و لكل شهر عمرة، فقلت: يكون أقل، فقال: في كل عشرة أيام عمرة، ثم قال: و حقك لقد كان في عامي هذه السنة ست عمرات، قلت: و لم ذاك؟ قال: كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف، و كان كلما دخل دخلت معه. و عن الأستاد حفظه الله: ظاهرها عدم وجوب العمرة في كل سنة إلا أن السائل لما أخبره بدخول الرجل مكة في السنة المرة و المرتين كيف يصنع؟ فأجابه من دون أن يحددها بالوقت و لزوم الفصل بينهما فقال: و لكل شهر عمرة، و لما يعلم في الأقل منه إشكال. فقال: في كل عشرة أيام عمرة، قال: و حقك. و كان كلما دخل دخلت معه، و هذه مطلق يشمل بإطلاقه فيما إذا كان الفصل أقل من يوم أيضا فإذن يستحب العمرة لكل أحد و لو في كل يوم بل الأقل منه، إلا أن القادم إلى مكة لا بد و أن يأتي محرما بعد مضي الشهر من خروجه عنها، الخلاف ما لم يمض. منها: عن معاوية بن عمار «1» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان على عليه السلام يقول: لكل شهر عمرة. كل هذه النصوص تدل على أن الإتيان بالعمرة في كل شهر يكون موردا لتأكيد الشارع المقدس، و لا ينافي إتيانها في كل شهر إتيانها في كل يوم أو في كل عشرة أيام أيضا. منها: عن إسحاق بن عمار «2» قال: قال أبو عبد الله عليه السلام السنة اثنى عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة. منها: و بإسناده عن علي بن أبي حمزة، عن

أبي الحسن موسى «3» قال: لكل شهر عمرة، قال و قلت له: يكون أقل من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة. يمكن أن يكون داره في المدينة فلا يتمكن من إتيانها في الأقل من شهر فأجابه هكذا. منها: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «4»، عن الرضا عليه السلام أنه قال: لكل شهر عمرة. أقول: و تقدم ما ظاهره اعتبار الشهر في كفارات الاستمتاع. تلخص: مما يمكن ما يستفاد من مجموع هذه النصوص و ما ورد من أن العمرة إلى العمرة كفارة بينهما صالح للحكم بالاستحباب و أن الاتي بها له الفضل و الثواب. هذا كله فيما إذا كان الفصل بين العمرتين شهر و أما إذا كان الفصل بينهما عشرة أيام أو اليوم فقط بل الأقل منه مقتضى الأصل العملي في الحكم بالاستحباب و عدمه هو عدم الاستحباب للشك في مشروعيتها عما وقع في الأقل من الشهر. خلافا لصاحب الجواهر حيث أيد الماتن و يكره، و قيل يحرم، و الأول أشبه بقوله: بأصول المذهب و قواعده التي منها التسامح في المستحبات مع أن الأصل في العبادات عدم مشروعيتها حينما يشك في شرعيتها و لذا لا يمكن الاكتفاء

الإحصار و الصد، ص: 181

في الحكم بالوجوب أو الاستحباب بعدم الدليل بل لا بد مضافا على ذلك وجود الدليل به و الذي يمكن أن يقال أو قيل على مشروعيتها أمور، منها: إطلاقات و عدم لزوم الفصل بينهما فيما صدر عنهم عليهم السلام بعبائر متفاوتة و الحث و الترغيب إليها الظاهرة في أنها مستحبة على كل حال بل في كل يوم، و كفارة من الذنوب و للمأتي بها فضل و ثواب، و لذلك ذهب صاحب المستند، إن كان للإتيان

بها فضل و لم يكن للتحديد دليل فلا مانع من الأخذ بإطلاقات و الإتيان في كل حال، فإذا كان كذلك لا يمكن القول بالتعارض بين النصوص المتضمنة للتحديد بأشهر و بينها بالعشرة إذ مقتضى كل منها تأكد الاستحباب في كل يوم و في اليوم أكثر من مرة أيضا فراجع و تأمل. منها: التسامح في المستحبات ما وصل إلينا من طريقهم صلوات الله عليهم. وجوب المرة في العمر، و كفى في ذلك فتاوى العلماء أيضا كما عن الجواهر ذلك. إنما الكلام فيما زاد عن المرة و حكمها، و على فرض عدم العلم ببلوغ النص عن النبي صلى الله عليه و آله بالخصوص في الزائد عن المرة، يمكن إثبات الاستحباب و مشروعيتها بحديث من بلغ لكن الإنصاف إن البحث في أدلة التسامح في السنن معلق على عدم العلم بالاستحباب فيما زاد عن المرة أو أكثر، و المفروض ورود الروايات المتظافرة باستحبابها و فيها ترغيب الناس إليها ليعتمر عمرة مفردة. فإذن لا يمكن الحكم بانطباق أدلة السنن في مورد البحث ثم مقتضى أدلة السنن إثبات الأمرين. الأول: هذا العمل ليس بحرام. الثاني: أنه مستحب. و على هذا لا يمكن إثبات الاستحباب و نفى الحرمة التشريعية عن هذا العمل في مورد الشك بين الحرمة و الاستحباب. نعم إن كان مرجع احتمال الحرمة في الواقعة إلى أنه ليس بمشروع لأنه أمر عبادي و هو يتوقف على الأمر من ناحية الشارع و بلوغ النص باستحبابه فيمكن إثبات استحبابه بمعونة أدلة التسامح في المستحبات. هذا كله في إثبات استحباب العمرة و إتيانها أزيد من المرة بالإطلاقات و التسامح في المستحبات لولا المانع. و أما المانع فهو صحيح الحلبي و حريز اللذان مضى

الكلام فيهما في صدر البحث و الجواب عنهما. فيأتي الكلام حول إثباتها في كل يوم، و في كل شهر، و لكل عشرة أيام عمرة. و أما حديث لكل شهر عمرة ففي المقامين، الأول: ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام، و الثاني منهما، ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبى عبد الله عليه السلام أيضا و كلاهما يدلان على عدم المنع من إتيانها في كل شهر لا أنهما في مقام إثبات المنع في أزيد من المرة في كل شهر، إذ ليست العمرة استحبابها منحصرة بالمرة في كل سنة و على هذا لا يمكن إثبات المنع عن الزائد من المرة في كل شهر. و كذا الكلام في لكل عشرة أيام عمرة تلخص مما قدمنا لك عدم المانع من إتيان العمرة في كل شهر و كذلك الأمر في كل عشرة أيام لتأكدها و الحث عليهما في النصوص بخلاف اليوم الذي ليس فيها في اليوم تأكيد. هذا بقي الكلام في عدم الفرق في إتيانها بين الليل و اليوم من ناحية الفضل و الثواب إذ لا مدخلية في إجزائها و ترتب المثوبة عليها اليوم. و عن صاحب الشرائع: و يتحلل من المفردة بالتقصير و لكن الحلق أفضل عمرة المفردة كعمرة التمتع إلا في أمور، منها: إن في عمرة التمتع يتعين التقصير و لا يجوز له الحلق، خلافا للمعتمر بعمرة مفردة الذي له الاختبار بينهما، كما

الإحصار و الصد، ص: 182

للحاج كذلك إن كان غير صرورة، و إلا فيتعين عليه الحق و ذلك لما روى عبد الله بن سنان «1» عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجئ معتمرا عمرة مبتولة، قال: يجزيه إذا طاف بالبيت

و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافا واحدا بالبيت و من شاء أن يقصر قصره و عن الأستاد حفظه الله: لقد فهموا و استفادوا الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم إطلاق الحكم بالنسبة إلى المعتمر بالعمرة المفردة مطلقا أي صرورة كان أم لا و الحال هؤلاء أغمضوا عن الإشكال في خبر معاوية بن عمار «2» في الحج في التخيير بين الحلق و التقصير مع أن الحكم هناك كذلك. عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج و ليس في المتعة إلا التقصير. فيمكن تخصيص إطلاقها بالروايات الواردة في حكم الصرورة بالخصوص و إن عليها ليس إلا الحلق. عن بكر بن خالد «3» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس للصرورة أن يقصر، و عليه أن يحلق. عن معاوية بن عمار «4» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي للصرورة أن يحلق، و إن كان قد حج فإن شاء قصر و إن شاء حلق، فإذا لبد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق، و ليس له التقصير، عن عيص قال «5»: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل عقص شعر رأسه و هو متمتع ثم قدم مكة فقضى نسكه و حل عقاص رأسه فقصر و أدهن واحل، قال: عليه دم شاة، و عن الأستاد حفظه الله: يجب عليه الحلق لقصاص رأسه و لم أتى بوظيفته فقصر و لذا حكم عليه السلام: عليك دم شاة. عن أبي سعيد «6» عن أبي عبد

الله عليه السلام قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد، و رجل حج بدوا لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه. عن حريز «7» عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الحديبية: اللهم اغفر للمحلقين مرتين، قيل: و للمقصرين يا رسول الله، قال: المقصرين دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في هذه الرواية و استغفر للمحلقين مرتين و للمقصرين مرة واحدة، و لم يعلم من ظاهر الخبر أن المحلق الذي دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم له رجل حج البيت أو اعتمر بدوا و لم يزرها قبلها أم لا. عن سالم أبي الفضل قال «8» قلت لأبي عبد الله عليه السلام: دخلنا بعمرة نقصر أو نحلق؟ فقال: أحلق فان رسول الله صلى الله عليه و آله ترحم على المحلقين ثلاث مرات، و على المقصرين مرة واحدة و عن الأستاد حفظة الله: و معنى ذلك أفضلية الحلق على التقصير في العمرة و مع ذلك يجوز له التقصير أيضا إلا أن الحلق بدوا و التقصير بعدا و إلى ذلك ما

الإحصار و الصد، ص: 183

في الآية عن سليمان بن مهران و في حديث أنه قال «1» لأبي عبد الله عليه السلام: كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين، ألا تسمع قول الله عز و جل لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ و عن صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده و لا إشكال في أن التقصير يكفي في العمرة المفردة إن قام القرينة من إجماع أو

غيره على أنه يختص بالحج، و إلا ففي العمرة المفردة يكفي التقصير أيضا لكن الأفضل الحلق و الله العالم. و عن صاحب الشرائع: فإذا أتى بطواف النساء حل له النساء فهو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من امرأة و خصي و صبي خلافا لما سمعته سابقا من ظاهر العماني من عدم الوجوب فيها و نقل الشهيد في الدروس عن الجعفي أنه حكم بسقوط طواف النساء في العمرة المفردة و قد مر الكلام فيه مفصلا. و هذا لا ريب فيه و لا إشكال بعد ما كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل «2» يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء و العمرة التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء و أما التي يتمتع بهما إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، قال: و لا بد له بعد الحلق من طواف آخر «3». و عن الأستاد حفظه الله: و هذا مطلق و بإطلاقه يشمل المعتمر بعمرة التمتع و غيرها و ليكن يقيد إطلاقه بحديث محمد بن عيسى المتقدم فينحصر طواف النساء وجوبه في العمرة المبتولة. عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام «4»: يقول إذا قدم المعتمر مكة و طاف و سعى فان شاء فليمض على راحلته و ليلحق بأهله. و عن الأستاد حفظه الله: و قد حملوها بمعونة الروايات السابقة على أنه طاف و سعى و حل له كل شي ء فهو حل لركوب على راحلته و الإلحاق بأهله. عن أبي بصير «5» عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

العمرة المبتولة يطوف بالبيت و بالصفا و المروة ثم يحل، فإن شاء أن يرتحل من ساعته ارتحل. و هذا كسابقه لا بد و أن يحمل على غير ظاهره. و لذا حمل صاحب الوسائل على غيره و قال: المراد بالطواف هنا طواف العمرة و طواف النساء لما مضى و يأتي هنا و في أحاديث العمرة. أنه قال لإبراهيم بن عبد الحميد «6» يسأل له أبا الحسن موسى عليه السلام عن العمرة المفردة على صاحبها طواف

الإحصار و الصد، ص: 184

النساء؟ فجاء الجواب أن نعم هو واجب لا بد منه، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال: نعم هو واجب، فدخل بشير بن إسماعيل بن عمار الصيرفي فسأله عنها فقال: نعم هو واجب. عن صفوان بن يحيى «1» قال: سأله أبو حارث، عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف و سعى و قصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى. عن الفقيه «2» قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء، لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة. عن صاحب الوسائل: أقول حمله الشيخ و غيره على لزومه في الحج لا في العمرة. و فيه، و هو غريب فإن الفرض في أوله دخول مكة بعد التلبس بحج التمتع و عن الأستاد حفظه الله: دخل مكة بعد الرجوع من منى و لذا لا يعمل به. ملخص مما حررناه وجوب طواف النساء في العمرة المفردة على الرجال و النساء و الخصي و الصبي دون عمرة التمتع. و

الله العالم. و عن صاحب الشرائع و إذا أقصر أو حلق حل له كل شي ء إلا النساء عن الأستاد حفظه الله: ظاهر ذلك حلية كل شي ء له بعد طواف النساء من دون أن يذكر الماتن توقف حلها له بأن يأتي ركعتاه أيضا هذا أولا، و هل هو بعد السعي و التقصير أو الحلق أم لا مانع من إتيانه قبل السعي و التقصير أو الحلق ثانيا؟ و كذلك صاحب الجواهر. أي لم يبين أنه بعد السعي أم قبله. و عن الأستاد حفظه الله: لا إشكال في ما أوردته عليه أولا بعد أن يكون الروايات كذلك إلا في بعض. عن الفقيه «3» قال عليه السلام: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء لأن عليه لتحل النساء طوافان و صلاة. و أما ما أوردته عليه ثانيا: و قد تعرض صاحب الجواهر ذلك و أضاف عند ذكر الماتن فهو واجب في المفردة بعد السعي و الحلق أو التقصير، كما أن الروايات كذلك و ما ذهب إلى حلية النساء بعد الطواف النساء و تبعاته، غير جيد، لبعده و عن الأستاد حفظه الله: و لكن مع ذلك كله مقتضى ظهور بعض الروايات عدم وجوب طواف النساء عن زرارة «4»، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إذا قدم المعتمر مكة و طاف و سعى فإن شاء فليمض على راحلته و ليلحق بأهله. و عن الأستاد حفظه الله: أنه حمله الأصحاب على أنه أتى بطوافه جميعا و يشير إلى هذا ما في ذيل الرواية و هو: و

ليلحق بأهله.

الإحصار و الصد، ص: 185

عن أبي عبد الله عليه السلام «1» قال: المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، قال: و لا بد له بعد الحلق من طواف آخر. و عن الأستاد حفظه الله: و هذا موافق لما اختاره صاحب الجواهر في ضمن شرح قول الماتن حيث قال: بوجوب طواف النساء بعد السعي و الحلق أو التقصير. و معنى ذلك لا بد و أن يأتي الحلق أو التقصير بعد الطواف إذ لا يجوز له الحلق قبل إتيان الطواف ليحل مع الحلق عن كل شي ء. فإذن مقتضى الاحتياط إتيان الطواف بعد الحلق و ركعتاه و لا يجوز له المواقعة قبل إتيان ركعتاه أيضا. و عن صاحب الشرائع: و هو واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من امرأة و خصى و صبي و وجوب العمرة على الفور. و عن الأستاد حفظه الله: و الأحكام الوضعية لا تخص المكلف و لذا على الولي أمر المميز به، و الطواف بغير المميز، فإن لم يفعلوه و حرمن عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه استصحابا للأوامر لأن الطواف حكم المحرم فإن لم يفعل ذلك المحرم لم يحل له ما حرم عليه رجالا كان المحرم أم نساء كما عن المسالك ذلك. فيمكن اعتبار هذا الطواف في حج النساء بالنسبة إلى حل الرجال لهن، للأصل مضافا إلى تصريح غير واحد به من المتأخرين و متأخريهم، و الإجماع و الأخبار على حرمة الرجال عليها بالإحرام، و قاعدة الاشتراك إلا ما خرج بالدليل. هذا و على الخصيان إجماعا محكيا عن المنتهى و التذكرة، مضافا إلى الأصل و هو الاستصحاب و هو بقائه في الإحرام حتى يأتي طواف النساء و ركعتاه لتحل

له النساء. و يشترط في صحة الطواف أن يكون مختونا و لا يعتبر ذلك في المرأة. و الحمد لله الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج أوله الشكر على ذلك أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا. و قد تم كتاب مباحث من الحج في عشية يوم السبت الرابع من شهر رجب المرجب 1414 المشتمل على الأحكام المتعلقة بالإحصار و الصد و أحكام الصيد و ما يتعلق به الكفارات و الضمان و باقي المحظورات و العمرة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.