ائمه اهل البيت عليهم السلام

اشارة

سرشناسه : آل محسن ، علي ، ‫1334 -

عنوان و نام پديدآور : ايمه اهل البيت عليهم السلام/ تاليف علي آل محسن.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر ‫، 1391.

مشخصات ظاهري : ‫136 ص. ؛ 12 × 17 س م.

شابك : ‫ 978-964-540-378-0

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

موضوع : ائمه اثناعشر

موضوع : ائمه اثناعشر -- احاديث

رده بندي كنگره : ‫ BP36/5 ‫ /آ66‮الف 9 1391

رده بندي ديويي : ‫ 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 2748230

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كلمة المعهد

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل صلواته وسلامه على أشرف خلقه محمّدٍ وأهل بيته الطيّبين الذين أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

إنّ مؤسّس أيّة مدرسةٍ فكريّةٍ سياسيةٍ واجتماعيّةٍ يُدرك أنّ عليه تعيين أشخاصٍ يخلفونه بعد أن يربّيهم وفق التعاليم التي يتبنّاها، وذلك من أجل استمرار الرسالة التي من أجلها أسّس هذه المدرسة وترسيخ تعاليمها؛ وهذا الأمر يُعتبر أصلاً من الأُصول التي يُذعن بها العلماء والمفكّرون. وكذا هو الحال بالنسبة إلى الأديان السماويّة، ولا سيّما الإسلام، إذ إنّها ليست مُستثناة من هذا الأصل، لذا نلاحظ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «

إنّي تركتُ فيكم خليفتين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوضَ » . كما أكّد صلوات الله عليه في حديثٍ آخر على أنّ خلفاءه من أهل البيت هم اثنا عشر إماماً. ولكن، من هم هؤلاء الخلفاء؟ وما هي خصائصهم؟ وما هو شأنهم بين العلماء المسلمين؟ وما إلى ذلك من أسئلةٍ واستفساراتٍ تُطرح حولهم، حيث قام الباحث الكريم الشيخ (آل محسن) ببيانها والإجابة عنها معتمداً في ذلك على النصوص المعتبرة لدى أهل السنّة.

وباسم معهد الحجّ والزيارة نتقدّم بجزيل الشكر وفائق الامتنان للباحث الكريم، سائلين الله تبارك وتعالى أن يوفّقه لخدمة مدرسة أهل البيت: أفضل توفيقٍ، وأن يجعل هذا الأثر خطوةً نحو ترسيخ الوحدة بين المسلمين. t t t

إنه ولي التوفيق.

معهد الحج والزيارة

فرع الكلام والمعارف

ص: 6

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيِّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين المعصومين، وبعد:

فإن كثيراً من المسلمين لا يعرفون عن أئمة أهل البيت عليهم السلام شيئاً ذا بال، إلا القليل الذي سمعوه عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والإمامين الحسن والحسين عليهم السلام، والكثير منهم لم يسمع بالإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ومن جاء بعده من أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وكان خلفاء الدولتين: الأموية والعباسية الذين تعاقبوا على حكم المسلمين ومن جاء بعدهم حاولوا جهدهم التعتيم على أهل البيت عليهم السلام، وصد الناس عنهم، وصرف الأنظار إلى غيرهم ممن لا يدانيهم في علم ولا في عمل ولا في فضل؛ لأنهم رأوا أن أمرهم لا يستقيم إلا بذلك، رغم أن جملة وافرة من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله أكَّدت على أن أهل البيت عليهم السلام لهم حقوق كثيرة على هذه الأمة، وحذّرت الأمة من هدرها أو التهاون في أدائها، ومع ذلك فإن هذه الحقوق قد أُهدرت وضاعت، ولم تؤدَّ إلى أهل البيت عليهم السلام، وإنما صُرفت عنهم إلى غيرهم.

ومع أن كثيراً من الناس يعرفون بعض حقوق أهل البيت عليهم السلام، إلا أنهم

ص: 8

لا يعرفون أهل البيت هؤلاء الذين تجب لهم تلك الحقوق، مع أن معرفتهم هي أهم حقوقهم، بل إن كل حقوقهم الأخرى يتوقف أداؤها لهم على تلك المعرفة.

فلأجل كل ذلك كان من الضروري التعريف بأئمة أهل البيت عليهم السلام الذين جهلهم كثير من الناس مع ما لهم من عظيم الحقوق، كي يتمكن المسلم من أدائها إليهم، حتى لا يكون ممن ظلمهم أو أعان على ظلمهم، وأسأل المولى جلَّ شأنه أن يتقبَّل مني هذا القليل، إنه قريب سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيِّبين الطاهرين.

22 شهر رمضان 1433ه- علي آل محسن

ص: 9

حقوق أهل البيت عليهم السلام

اشارة

أجمع الشيعة وأهل السنة على فضل أهل البيت عليهم السلام، ووجوب مودّتهم، وحرمة بغضهم ومعاداتهم، ولم يُجمع الشيعة وأهل السنة على فضل فئة من الناس كما أجمعوا على فضل أهل البيت عليهم السلام بخصوصهم دون غيرهم.

ويعود السبب في ذلك إلى وجود أحاديث صحيحة معلومة الصدور عن رسول الله صلى الله عليه وآله، مشتملة على حث الأمّة على مودّة أهل البيت عليهم السلام، والتأكيد على اتّباعهم والتمسّك بحبلهم، والتحذير من معاداتهم، أو قطيعتهم، أو إيذائهم، فضلاً عن قتالهم وقتلهم.

ولهذا فإن كلمات علماء أهل السنة قد تضافرت في بيان عقيدتهم في أهل البيت عليهم السلام، وما لهم من فضل، وما يجب لهم على الأمة من حقوق.

والأحاديث التي أشرنا إليها آنفاً اشتملت على بيان بعض حقوق أهل البيت عليهم السلام التي لا يسع المسلم أن يتهاون فيها.

ومن هذه الحقوق:

1- وجوب مودتهم وحرمة بغضهم.

2- الحث على الصلاة عليهم.

3- وجوب اتباعهم والتمسك بحبلهم.

4- وجوب دفع الخمس لهم عليهم السلام.

5- وجوب اتخاذهم خلفاء على هذه الأمة.

ونحن سنتكلم في هذه الأمور باختصار.

ص: 10

ص: 11

وجوب مودة أهل البيت عليهم السلام وحرمة بغضهم

اتفق الشيعة وأهل السنة على وجوب محبّة أهل البيت عليهم السلام، ولزوم مودّتهم، وحرمة بغضهم ومعاداتهم، وقد دلَّ على ذلك من آيات الكتاب العزيز قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) [الشورى: 23].

وهذه الآية واضحة الدلالة على وجوب محبّة قربى النبي صلى الله عليه وآله كما قال أئمة أهل البيت عليهم السلام، فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن زرارة، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قال: هم الأئمة عليهم السلام (1).

وهو قول معروف للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام.

فقد روى السدي، عن أبي الديلم قال: لما جيء بعلي بن الحسين أسيراً، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرني الفتنة. فقال له علي بن الحسين: أقرأتَ القرآن؟ قال: نعم. قال: أقرأتَ آل حم؟ قال: قرأت القرآن، ولم أقرأ آل حم. قال: ما قرأت: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟ قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم (2).

وروى الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره في أماليه حديثاً جاء فيه: فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام، فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة. فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضى كلامه، قال


1- الكافي 1/413.
2- تفسير الطبري 25/16، وقد ذكر هذا القول عن علي بن الحسين عليه السلام أيضاً: ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 4/112، وابن الجوزي في زاد المسير 7/117، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 16/21، وغيرهم.

ص: 12

له علي بن الحسين عليهما السلام: أما قرأت كتاب الله عزَّ وجل؟ قال: نعم. قال: أما قرأت هذه الآية: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟ قال: بلى. قال: فنحن أولئك.

إلى أن قال: فرفع الشامي يده إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أتوب إليك. ثلاث مرات، اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد، ومن قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم (1).

ومع ذلك فقد حاول بعضهم صرف هذه الآية عن مودّة قربى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى معان أخرى متكلَّفة لا تصح.

وسواء دلَّت هذه الآية على وجوب مودّة أهل البيت أم لم تدل فإن الأحاديث الدالة على ذلك كثيرة.

منها: ما أخرجه الترمذي بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبّوا الله لما يغذوكم من نِعَمه، وأحبّوني بحب الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي (2).

وأخرج أيضاً بسنده عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب: أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً وأنا عنده، فقال: ما أغضبك؟ قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش؟ إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك! قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجهه، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّكم لله ورسوله (3).

وأخرج ابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار (4).


1- أمالي الصدوق: 141.
2- سنن الترمذي 5/664. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
3- نفس المصدر 5/652، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
4- صحيح ابن حبان 15/435. المستدرك 3/162، وصحّحه الحاكم، كما صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/643.

ص: 13

وأخرج الحاكم بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بني عبد المطلب، إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالَّكم، وأن يعلِّم جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام، فصلى وصام، ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار (1).

ومن طرق الشيعة ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا سيد ولد آدم، وأنت يا علي والأئمة من بعدك سادة أمتي، من أحبَّنا فقد أحب الله، ومن أبغضنا فقد أبغض الله، ومن والانا فقد والى الله، ومن عادانا فقد عادى الله، ومن أطاعنا فقد أطاع الله، ومن عصانا فقد عصى الله (2).

وبسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحبَّنا أهل البيت حشره الله تعالى آمناً يوم القيامة (3).

وروى الكليني قدس سره بسنده عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال في حديث: والله ما أحبَّ اللهَ من أحبَّ الدنيا ووالى غيرنا، ومن عرف حقَّنا وأحبَّنا فقد أحبَّ الله تبارك وتعالى (4).

وبسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال في حديث: وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت (5).

ولهذا تضافرت كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في القول بوجوب محبّة أهل البيت عليهم السلام.


1- المستدرك 3/161، قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
2- أمالي الصدوق: 384.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2/64.
4- الكافي 8/129.
5- نفس المصدر 2/46.

ص: 14

قال ابن تيمية في عقيدته الواسطية في بيان عقيدة أهل السنة: ويحبّون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: «أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» ، وقال أيضاً للعباس عمّه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: «والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبّوكم لله ولقرابتي» ، وقال: «إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (1).

وقال ابن كثير: ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وُجد على وجه الأرض، فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متّبِعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذرّيته، رضي الله عنهم أجمعين (2).

وقال شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي قدس سره: المراد بذلك مودة ذوي القربى الذين تجب طاعتهم، وليس إذا علمنا وجوب طاعتهم بالإمامة ومحبَّتهم علينا لا يجوز أن تجب علينا محبَّتهم وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وإن كنا علمنا وجوب طاعة الله ورسوله بالعقل والعلم المعجز، وليس يمتنع أن يكون المراد جميع أهل البيت وأنه تجب علينا محبّتهم ومودّتهم لمكان نسبهم، وإن وجب علينا أن نبغضهم لمكان فسقهم، وعندنا تجتمع المحبة في شخص واحد على إيمانه وطاعته، مع البغض له على فسقه ومعاصيه، وإنما يخالف فيه أصحاب الوعيد من المعتزلة وغيرهم (3).

وقال العلامة الحلي قدس سره: وعليك بصلة الذرية العلوية؛ فإن الله تعالى قد


1- العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى 3/1٠2.
2- تفسير القرآن العظيم 4/113.
3- الرسائل العشر: 318.

ص: 15

أكَّد الوصية فيهم، وجعل مودّتهم أجر الرسالة والإرشاد، فقال تعالى: ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذرّيتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل أحبَّ ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا (1).


1- قواعد الأحكام 3/715.

ص: 16

ص: 17

الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام

زخرت كتب الحديث المشهورة بأحاديث صحيحة وواضحة، ورد فيها الحث على الصلاة على النبي وآله امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: (إ ِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56].

فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بلى، فأهدها لي. فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلِّم عليكم؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1).

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي مسعود الأنصاري، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمَرَنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنَّينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم (2).

وأخرج الحاكم بسنده عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: أقبل رجل


1- صحيح البخاري 2/1٠41. صحيح مسلم 1/3٠5.
2- صحيح مسلم 1/3٠5.

ص: 18

حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقال: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله، ثم قال: إذا أنتم صليتم عليَّ فقولوا: اللهم صلِّ على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1).

وعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا تشهَّد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، كما صلَّيت وباركت وترحَّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (2).

وروى الشيخ الكليني قدس سره بسند صحيح عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلَّى على محمد وآل محمد (3).

وفي صحيحة صفوان الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: كل دعاء يُدعى الله عزَّ وجل به محجوب عن السماء حتى يصلَّى على محمد وآل محمد (4).

وفي صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

الصلاة عليَّ وعلى أهل بيتي تُذهِب بالنفاق (5) .

وفي صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل


1- المستدرك 1/4٠1، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
2- نفس المصدر 1/4٠2، قال الحاكم: وقد أسند هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود بإسناد صحيح.
3- الكافي 2/491.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر.

ص: 19

به، فيُخرج صلى الله عليه وآله الصلاة عليه، فيضعها في ميزانه فيرجح [به] (1).

قال الإمام الشافعي: فرض الله عزَّ وجل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56]، قال الشافعي: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفت من أن الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فرض في الصلاة، والله تعالى أعلم (2).

وقال القاضي عياض: اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على الجملة، غير محدَّد بوقت؛ لأمر الله تعالى بالصلاة عليه، وحمله الأئمة والعلماء على الوجوب، وأجمعوا عليه (3).

وقال ابن حجر الهيتمي المكي: وبهذا كله اتّضح قول الشافعي رضي الله عنه بوجوب الصلاة على النبي في التشهد؛ لما علمت منه أنه صحَّ عنه الأمر بوجوبها فيه، ومن أنه صحَّ عن ابن مسعود تعيين محلّها، وهو بين التشهد والدعاء، فكان القول بوجوبها، لذلك الذي ذهب إليه الشافعي هو الحق الموافق لصريح السُّنّة ولقواعد الأصوليين، ويدل له أيضاً أحاديث صحيحة كثيرة استوعبتُها في شرحي الإرشاد والعباب، مع بيان الرَّدّ الواضح على من شنَّع على الشافعي، وبيان أن الشافعي لم يشذ، بل قال به قبله جماعة من الصحابة، كابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وأبي مسعود البدري وغيرهم، والتابعين كالشعبي، والباقر وغيرهم كإسحاق بن راهويه، وأحمد، بل لمالك قول موافق للشافعي رجَّحه جماعة من أصحابه (4).

وقال ابن كثير: ومن ههنا ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته، وقد شرع


1- نفس المصدر 2/494.
2- الأم 1/117.
3- الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/51.
4- الصواعق المحرقة 2/432.

ص: 20

بعض المتأخّرين من المالكية وغيرهم يشنِّع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه قد تفرَّد بذلك، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض عنهم، وقد تعسَّف هذا القائل في ردّه على الشافعي، وتكلَّف في دعواه الإجماع في ذلك، وقال ما لم يحط به علماً، فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية، ومفسَّر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن مسعود، وأبو مسعود البدري، وجابر بن عبد الله، ومن التابعين: الشعبي، وأبو جعفر الباقر، ومقاتل بن حيان. وإليه ذهب الشافعي، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضاً، وإليه ذهب الإمام أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي به، وبه قال إسحاق بن راهويه، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي رحمهم الله تعالى، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علَّمهم أن يقولوا لما سألوه، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله، وممن حكاه البندنيجي، وسليم الرازي، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولاً عن الشافعي، والصحيح أنه وجه، على أن الجمهور على خلافه، وحكوا الإجماع على خلافه، والقول بوجوبه ظاهر الحديث، والله أعلم. والغرض أن الشافعي رحمه الله لقوله بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سلف وخلف كما تقدّم، ولله الحمد والمنّة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثاً، والله أعلم (1).

وقد اختلف في المراد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله على أقوال متعدّدة، من أهمها:

القول الأول: أن المراد بصلاة الله تعالى هو كل ما فعله الله تعالى من كرامة وتفضيل ورفع منزلة وثناء عليه وغير ذلك، وصلاة الملائكة الدعاء بذلك، وصلاة المؤمنين أن يقولوا: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد.


1- تفسير القرآن العظيم 3/5٠8.

ص: 21

قال شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي قدس سره: يقول الله تعالى مخبراً أنه يصلي وملائكته على النبي صلى الله عليه وآله، وصلاة الله تعالى هو ما فعله به من كراماته، وتفضيله، وإعلاء درجاته، ورفع منازله، وثنائه عليه، وغير ذلك من أنواع إكرامه، وصلاة الملائكة عليه مسألتهم الله تعالى أن يفعل به مثل ذلك.

ثم قال: ثم أمر تعالى المؤمنين المصدِّقين بوحدانيته المقرِّين بنبوّة نبيّه أن يصلّوا أيضاً عليه، وهو أن يقولوا: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم - في قول ابن عباس. ثم أمر المؤمنين أيضاً أن يسلِّموا لأمره تعالى وأمر رسوله تسليماً في جميع ما يأمرهم به، والتسليم [أيضاً] هو الدعاء بالسلامة، كقولهم: سلَّمك الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، وكقولك: السلام عليك يا رسول الله (1).

القول الثاني: أن صلاة الله تعالى هي ثناؤه على النبي وآله، وتبجيله لهم، وصلاة الملائكة هي ثناؤهم على النبي ودعاؤهم له.

قال الطبرسي قدس سره: (

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) ، معناه: أن الله يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويثني عليه بالثناء الجميل، ويبجِّله بأعظم التبجيل، وملائكته يصلون عليه: يثنون عليه بأحسن الثناء، ويدْعون له بأزكى الدعاء (2).

القول الثالث: ما رواه الترمذي في سننه عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم أنهم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار (3).

قال القرطبي في تفسيره: والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره (4).

ويشبه هذا المعنى ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي المغيرة عن


1- التبيان في تفسير القرآن 8/359.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن 8/369.
3- سنن الترمذي 2/356.
4- الجامع لأحكام القرآن 14/232.

ص: 22

أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: ما معنى صلاة الله وصلاة ملائكته وصلاة المؤمنين؟ قال: صلاة الله رحمة من الله، وصلاة ملائكته تزكية منهم له، وصلاة المؤمنين دعاء منهم له (1).

قلت: إن صحَّت الرواية فلا كلام يقال بعدها، وإلا فربما يقال: بما أن الله تعالى ذكر كلمة (يُصّلُّونَ) خبراً عنه سبحانه وعن ملائكته، فلا بد أن يكون معناها واحداً في حق الله تعالى وحق ملائكته، لما تقرَّر في الأصول من عدم صحّة استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى.

وعليه، فلعل الأرجح في معنى الصلاة هو الثناء الجميل من دون تفريق بين معنى صلاة الله تعالى وصلاة الملائكة وصلاة الناس.

ولا يخفى أن الصلاة لها معان متعددة تختلف بحسب مواقعها من الكلام، والمنقول عن كتاب ابن خالويه أن الصلاة لها تسعة معان:

الأول: الصلاة المعروفة بالركوع والسجود.

الثاني: الدعاء، كقوله تعالى: ( وصَلِّ عَلَيْهِم ) [التوبة: 1٠3]، ومنه الحديث: «

إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليُجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليُصلِّ » ، أي فليدْعُ لأرباب الطعام بالمغفرة والبركة.

الثالث: الرحمة التي هي صلاة الله، قال السيد بهاء الدين بن عبد الحميد والشيخ مقداد: إنها الرضوان، تفصّياً من التكرار في قوله تعالى: ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) [البقرة: 157]، وقال ابن خالويه: العطف لاختلاف اللفظين.

الرابع: التبريك، كقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) ، أي يباركون عليه.

الخامس: الغفران، كقوله تعالى: ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) ،


1- ثواب الأعمال: 188.

ص: 23

وقال ابن عباس: المؤمن إذا سلَّم الأمر لله، ورجع، واسترجع عند المصيبة، كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله وهي المغفرة، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى.

السادس: الدِّين والمذهب، قال تعالى حكاية عن قوم شعيب: ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) [هود: 87]، أي دِينك.

السابع: الإصلاح والتسوية، قال الجوهري: صلّيتُ العصا بالنار إذا ليَّنْتها وقوَّمْتها، وصليت الرجل ناراً: أدخلته إليها، وجعلته يصلاها.

الثامن: بيت النصارى، ومنه قوله تعالى: ( لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ) [الحج: 4٠]، ويقال لهذا البيت: صلاة. قاله ابن خالويه.

التاسع: إحدى صلوي الدابة، وهما ما اكتنف الذنب من يمين وشمال.

وفي الصلاة على النبي وآله مباحث أخرى كثيرة لا يسعها هذا الكتاب.

ص: 24

ص: 25

وجوب ات-ّباع أهل البيت عليهم السلام والتمسّك بهم

اشارة

ذكر حفاظ الحديث في كتبهم المشهورة أحاديث صحيحة وواضحة، مشتملة على الحث المؤكَّد على التمسّك بالثّقَلين العظيمين اللذين خلَّفهما النبي صلى الله عليه وآله لهذه الأمة، وهما القرآن الكريم وأئمة أهل البيت عليهم السلام.

حديث الثقلين:

من أصحّ وأوضح الأحاديث الدالة على وجوب التمسّك بالكتاب والعترة النبوية الطاهرة: حديث الثقلين الذي رُوي بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة.

: ما أخرجه الترمذي وغيره عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجّته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني قد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي (1).

وأخرج الترمذي أيضاً عن زيد بن أرقم وأبي سعيد، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلِّفونّي فيهما (2).

وأخرج أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وصحَّحه ووافقه الذهبي عن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجّة الوداع ونزل غدير خم،


1- سنن الترمذي 5/662. قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وصحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 3/542.
2- سنن الترمذي 5/663. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. صحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 3/543.

ص: 26

أمر بدوحات فقُمِمْن (1)، فقال: كأني قد دُعِيتُ فأجبتُ، إني قد تركتُ فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما، فإنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض. . . (2).

وأخرج الحاكم النيسابوري أيضاً بسنده عن زيد بن أرقم، قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فصلى، ثم قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وذكَّر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم قال: أيها الناس، إني تاركٌ فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتَّبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي. . . (3).

وأخرج الحاكم أيضاً وصحَّحه ووافقه الذهبي عن زيد بن أرقم أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض (4).

وغير ما ذكرناه كثير، لا حاجة لذكره كله، فمن أراده فليرجع إليه في مظانّه.

صحة سند حديث الثقلين:

صحَّح هذا الحديث أو حسَّنه جمع من أعلام أهل السنة، منهم:

1، 2- الحاكم النيسابوري، وشمس الدين الذهبي: صحَّحا حديث الثقلين في المستدرك وتلخيصه في عدة مواضع ذكرنا بعضاً منها آنفاً.

3- جلال الدين السيوطي: روى عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله


1- الدوحات: الأشجار العظيمة. وقُممن: أي كُنس ما تحتهن.
2- المستدرك على الصحيحين 3/118. قال ابن كثير في البداية والنهاية 5/184: قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح.
3- المستدرك 3/118.
4- المصدر السابق 3/16٠.

ص: 27

صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرّقا حتى يرِدا على الحوض.

ورمز للحديث بالصحة في الجامع الصغير (1).

4- نور الدين الهيثمي: قال في مجمع الزوائد: عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض.

وقال: رواه أحمد، وإسناده جيد (2).

وقال في موضع آخر: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات (3).

5- البوصيري: روى عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله -في حديث - قال: وقد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله،

سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي.

ثم قال: رواه إسحاق بسند صحيح (4).

وروى عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تاركٌ معكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله عزَّ وجل وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض.

ثم قال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد، ورواته ثقات (5).

6- ابن حجر العسقلاني: روى عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله -في حديث أنه قال: وقد تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله، سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي.


1- الجامع الصغير 1/4٠2.
2- مجمع الزوائد 9/162.
3- نفس المصدر 1/17٠.
4- مختصر إتحاف السادة المهرة 9/194.
5- نفس المصدر 8/461.

ص: 28

ثم قال: هذا إسناد صحيح (1).

7- ابن حجر المكي الهيتمي: صحَّح حديث الثقلين في كتابه (الصواعق المحرقة) .

قال: ومن ثم صحَّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي (2).

وقال: وفي رواية صحيحة: «

كأني قد دُعيتُ فأجبت، إني قد تركتُ فيكم الثقلين، أحدهما آكد من الآخر: كتاب الله عزَّ وجلَّ وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض » . . . ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابيًّا، لا حاجة لنا إلى بسطها (3).

8- ابن كثير الدمشقي: قال في تفسيره: وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بغدير خم: إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض (4).

9- محمد ناصر الدين الألباني: ذكر هذا الحديث ضمن أحاديث سلسلته الصحيحة، وخرَّج بعض طرقه وأسانيده الصحيحة والحسنة، وذكر بعض شواهده وحسَّنها، ووصف من ضعَّف هذا الحديث بأنه حديث عهد بصناعة الحديث، وأنه قصَّر تقصيراً فاحشاً في تحقيق الكلام عليه، وأنه فاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة، فضلاً عن الشواهد والمتابعات، وأنه لم يلتفت إلى أقوال المصحِّحين للحديث من العلماء؛ إذ اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة دون غيرها، فوقع في هذا الخطأ الفادح في تضعيف الحديث الصحيح (5).


1- المطالب العالية 4/65.
2- الصواعق المحرقة 2/428.
3- نفس المصدر 2/653.
4- تفسير القرآن العظيم 4/113.
5- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/355.

ص: 29

دلالة حديث الثقلين:

قوله صلى الله عليه وآله: «إني تارك» أو «إني مخلِّف» : فيه إشعار بعِظم وأهمية ما سيخلِّفه أو سيتركه للأمّة من بعده؛ لأن ما يخلّفه النبي صلى الله عليه وآله للأمّة لا بد أن يكون نفيساً وخطيراً.

ثم إنه - بقرينة ما سيأتي - لا بد أن يكون منبعاً من منابع العلم، ومصدراً من مصادر الهداية والحكمة؛ لأن الأنبياء لا يورِّثون للأمَّة دراهم أو دنانير، وإنما يورِّثون لهم الهداية والعلم والحكمة.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر (1).

وقوله صلى الله عليه وآله: «الثقلين» : ذكرهما النبي صلى الله عليه وآله في الحديث، وبيَّن أنهما: كتاب الله، والعترة النبويّة الطاهرة.

قال ابن حجر: سَمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وعترته - وهي الأهل والنسل والرهط الأدنون - ثقلين؛ لأن الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك؛ إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية، والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية، ولذا حث صلى الله عليه وسلم على الاقتداء والتمسّك بهم، والتعلم منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت. وقيل: سُمِّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما (2).

قلت: وهذا المعنى للثقلين ذكره أرباب المعاجم اللغوية، منهم ابن منظور في لسان العرب، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث، والهروي في غريب الحديث، وغيرهم.

قال ابن منظور: قال ثعلب: سُمِّيا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل، والعمل بهما ثقيل، قال: وأصل الثَّقَل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون: ثَقَل.


1- سنن الترمذي 5/49.
2- الصواعق المحرقة 2/441.

ص: 30

فسمَّاهما «ثقلين» إعظاماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما (1).

وقريب من ذلك كلام ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث، والفيروزآبادي في القاموس المحيط (2).

وقال الملا علي القاري: سمَّى كتاب الله وأهل بيته بهما لِعِظم قدرهما؛ ولأن العمل بهما ثقيل على تابعهما (3).

وقال الزمخشري: الثقل المتاع المحمول على الدابة، وإنما قيل للجن والإنس الثقلان؛ لأنهما قُطَّانُ الأرض، فكأنهما أثقلاها، وقد شبَّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما، ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين (4).

قوله صلى الله عليه وآله: «وعترتي أهل بيتي» :

قال ابن منظور في لسان العرب: عِتْرَة الرجل: أقرباؤه من ولد وغيره. . . وقال أبو عبيد وغيره: عِتْرَة الرجل وأُسرَته وفصيلته: رهطه الأدنون. [وقال] ابن الأثير: عِتْرَة الرجل أخصّ أقاربه. وقال ابن الأعرابي: العِتْرة: ولد الرجل وذرّيّته وعَقِبه من صُلبه، قال: فعترة النبي صلى الله عليه وسلم ولد فاطمة البتول عليها السلام. وروي عن أبي سعيد قال: العترة ساق الشجرة، قال: وعترة النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب وولده. وقيل: عترته أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعلي وأولاده. وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم. . . إلى آخر ما قال (5).

وأقول: لما كان النبي صلى الله عليه وآله في صدد بيان ما يُتمسَّك به من بعده، فلا بد أن يكون كلامه صلى الله عليه وآله واضحاً غير مبهم؛ لأن الإبهام يتنافى مع غرضه صلى الله عليه وآله، وهو هداية الناس من بعده، ولا سيما مع علمه صلى الله عليه وآله بأن الأمة ستختلف من بعده إلى فِرَق وطوائف كثيرة.


1- لسان العرب 11/88.
2- النهاية في غريب الحديث 1/216. القاموس المحيط: 875.
3- مرقاة المفاتيح 1٠/516.
4- الفائق في غريب الحديث 1/15٠.
5- لسان العرب 4/538.

ص: 31

ولذا فسَّر النبي صلى الله عليه وآله المراد بعِتْرته في كل الأحاديث التي سقناها إليك وغيرها بأنهم أهل بيته، والأحاديث الأخرى الكثيرة أوضحت بما لا يحتمل اللبس أن أهل البيت هم: علي، وفاطمة، وأبناؤهما عليهم السلام، ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله في غنى عن بيانهم مجدَّداً في حديث الثقلين؛ لأنه صلى الله عليه وآله قد أحالهم على ما هو معلوم عندهم، وواضح لديهم.

ولوضوح المراد بالعترة عند القوم لا نرى في كل تلك الأحاديث واحداً ممن سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وآله يسأله عن العترة مَن هم؟ أو يستفسر عن أهل البيت الذين يجب التمسّك بهم من يكونون؟

والأحاديث التي دلَّت على أن المراد بأهل بيته صلى الله عليه وآله هم: عليٌّ، وفاطمة، وأبناؤهما عليهم السلام، كثيرة:

منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في حديث طويل: ولمَّا نزلت هذه الآية: ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) [آل عمران: 61]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي (1).

وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه عن عائشة، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْط مُرَحَّل (2)من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (

إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3).

وأخرج الترمذي في سننه وحسَّنه، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، وغيرهما عن أنس بن مالك وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمرُّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: الصلاة يا أهل البيت، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ


1- صحيح مسلم 4/1871.
2- المرط: كساء من صوف، أو من خز أو غيرهما، والمرحَّل: الذي نُقِش فيه تصاوير الرِّحال.
3- صحيح مسلم 4/1883.

ص: 32

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1).

وأخرج الحاكم عن عامر بن سعد، قال: قال معاوية لسعدبن أبي وقاص رضي الله عنه: ما يمنعك أن تسبَّ ابن أبي طالب؟ قال: فقال: لا أسُبُّ ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَأن تكون لي واحدة منهن أَحَبّ إليَّ من حمر النعم. قال: ما هن يا أبا إسحاق؟ قال: لا أسبُّه ما ذكرت حين نزل عليه الوحي فأخذ عليًّا وابنيه وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه، ثم قال: ربِّ إن هؤلاء أهل بيتي (2).

وأخرج الحاكم أيضاً في المستدرك عن أم سلمة، قالت: في بيتي نزلت: (

إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ، قالت: فأرسل رسول الله صلى

الله عليه وآله إلى عليٍّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي (3).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالّة على ما قلناه، فراجع إن شئت: مسند أحمد بن حنبل، مجمع الزوائد، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، السنن الكبرى للبيهقي، مسند أبي داود الطيالسي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، كتاب السنة لابن أبي عاصم، وغيرها (4).


1- سنن الترمذي 5/225. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. المستدرك 3/158، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
2- المستدرك 3/117، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وقال الذهبي: على شرط مسلم فقط. وأخرجه أيضاً بلفظ قريب مما مرَّ في حديث طويل آخر 3/143، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي.
3- المستدرك 3/158، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه أيضاً في 3/159 عن واثلة بن الأسقع وعن عائشة، وصحَّحه في الموضعين، ووافقه الذهبي فيهما.
4- مسند أحمد بن حنبل 1/185، 330، 4/107، 6/292، 323. مجمع الزوائد 9/166-174. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/61. السنن الكبرى للبيهقي 2/149-150. مسند أبي داود الطيالسي: 274. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: 30، 47. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/588.

ص: 33

ثم إن المراد من العترة ههنا هم أئمة الدين من أهل البيت النبوي، لا كل من انتسب إلى النبي صلى الله عليه وآله من نسل السيّدة فاطمة عليها السلام؛ لأن مقتضى الأمر بالتمسّك بالعترة هو أن الذين يجب التمسّك بهم لا بد أن يكونوا علماء بررة حتى يكون التمسّك بهم عاصماً من الوقوع في الضلال.

وقد نصَّ غير واحد من أعلام أهل السنة على أن المراد بالعترة هم العلماء لا الجهّال:

قال المناوي: قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون؛ إذ هم الذين لا يفارقون القرآن، أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي عن المقام (1).

وقال ابن حجر الهيتمي: ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسُنَّة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيّده الخبر السابق: «

ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم » ، وتميَّزوا بذلك عن بقية العلماء؛ لأن الله أذهب عنهم الرجس، وطهَّرهم تطهيراً، وشرَّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مرَّ بعضها (2).

أقول: أجلى مصاديق هؤلاء العلماء من العترة النبوية الطاهرة هم أئمة أهل البيت الاثنا عشر عليهم السلام، فإنهم الذين اتَّفقت الأمَّة على حسن سيرتهم، وطيب سريرتهم، وأجمعوا على أنهم علماء يُقتدى بهم، وتُقتفى آثارهم، وسيأتي ما يبيّن ذلك مفصَّلاً إن شاء الله تعالى.

وقوله صلى الله عليه وآله: «ما إن تمسَّكتم بهما» يدل على أن ترك التمسُّك بهما يؤدّي إلى الضلال؛ لأن المشروط عدَمٌ عند عدم شرطِه.

قال المناوي في شرح الحديث: يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه، وانتهيتم بنواهيه، واهتديتم بهدي عترتي، واقتديتم بسيرتهم، فلن تضلوا. قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله، وإبرارهم،


1- فيض القدير 3/14.
2- الصواعق المحرقة 2/442.

ص: 34

وتوقيرهم، ومحبَّتهم، وجوب الفرائض المؤكَّدة التي لا عذر لأحد في التخلّف عنها، هذا مع ما عُلِم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وآله، وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ عنها، وفروعه التي نشؤوا عنه، كما قال: فاطمة بضعة مني (1).

وقال التفتازاني: لاتّصافهم بالعلم والتقوى مع شرف النَّسَب، ألا يُرى أنه صلى الله عليه وسلم قَرَنَهم بكتاب الله في كون التمسّك بهما منقِذاً من الضلالة، ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلا الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا في العترة (2).

وقال الدهلوي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسَّكتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» ، وهذا الحديث ثابت عند الفريقين: أهل السنة والشيعة، وقد عُلم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا في المقدِّمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمي القدر، والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً لهما في الأمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال، ومذهبه باطل لا يُعبأ به، ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الرَّدى (3).

أقول: والتعبير بالتمسُّك دون الإمساك يدل على قوة الاقتداء بهما وشدّة اتِّباعهما، وعليه فلا ينجو من الضلال من أخذ بشيء منهما، واتّبع غيرهما، وتمذهب بمذهب غيرهما.

وقوله صلى الله عليه وآله: «بهما» يدل على أن التمسّك بأحدهما غير منجٍ من الوقوع في الضلال، وبذلك يتّضح أن قول عمر: «حسْبنا كتاب الله» (4)

يتنافى مع ما قاله


1- فيض القدير 3/14.
2- شرح المقاصد 5/3٠3.
3- مختصر التحفة الاثني عشرية: 52.
4- قاله عمر لما أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكتب في مرضه كتاباً لا تضل به الأمة من بعده، وهذا الحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه. أخرجه البخاري 1/38، 4/85، 121، وأخرجه مسلم في صحيحه 3/1257-1259 بألفاظ متقاربة.

ص: 35

النبي صلى الله عليه وآله في هذه الأحاديث.

وقوله صلى الله عليه وآله: «وإنهما لن يفترقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض» .

قال المناوي: وفي هذا مع قوله أولاً: «إني تارك فيكم» تلويح بل تصريح بأنهما - أي الكتاب والعترة - كتوأمين خلَّفهما، ووصَّى أمَّته بحسن معاملتهما، وإيثار حقّهما على أنفسهم، واستمساك بهما في الدين، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية، والأسرار والحِكَم الشرعية، وكنوز الحقائق، وخفايا الدقائق. وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين، فَطِيبُ العنصر يؤدِّي إلى حسن الأخلاق، ومحاسنها تؤدِّي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته (1).

أقول: ورد في بعض ألفاظ الحديث قوله: «وإنهما لن يتفرَّقا» ، وفي بعض آخر قال: «وإنهما لن يفترقا» ، والفرق بين التفرّق والافتراق أن التفرّق إنما يكون في الأجسام، وأما الافتراق ففي الآراء.

وعليه، فإن أهل البيت عليهم السلام لا يفترقون عن كتاب الله من جهتين:

الجهة الأولى: أنهم لا يفترقون عن القرآن في أقوالهم وفتاواهم، فإنها دائماً موافقة لمعاني القرآن الظاهرة والباطنة؛ ولولا ذلك لوقعوا في مخالفة الكتاب العزيز من حيث لا يعلمون، فيقع الافتراق بين الكتاب والعترة، وهو ما نفاه هذا الحديث، وتحقق التعارض بين علامتَي الحق يستلزم وقوع الناس في مزيد من الضلال والحيرة.

الجهة الثانية: أنهم لا يفترقون عن القرآن في أفعالهم وسلوكهم؛ وذلك أنهم لمَّا علموا معاني القرآن وفهموا جميع مقاصده عملوا بما فيه في جميع شؤونهم وأحوالهم، فلا يقع منهم ما يخالفه، لا عن عمد، ولا عن جهل، ولا عن سهو، ولا غفلة، ولولا ذلك لافترقوا عنه في بعض أحوالهم، فلا يصح وصفهم حينئذ


1- فيض القدير 3/15.

ص: 36

بأنهم لا يفترقون عنه ولا يفترق عنهم، وهذا دليل على عصمتهم؛ لأن القرآن الكريم معصوم عن الخطأ والزلل؛ لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن كان موافقاً للمعصوم في جميع أقواله وأفعاله فهو معصوم مثله.

ومعنى أن الكتاب والعترة «لن يتفرَّقا» هو أن أهل البيت عليهم السلام لا يفارقون القرآن في الوجود، فلا بد من وجود مَن يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت عليهم السلام في كل زمان إلى قيام الساعة، حتى يتوجّه الحث المذكور على التمسّك بهاتين العلامتين على مر العصور.

قال ابن حجر: والحاصل أن الحث وقع على التمسّك بالكتاب وبالسنة

وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأُمور الثلاثة إلى قيام الساعة (1).

وقال: وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: «

في كل خَلَف من أُمتي عدول من أهل بيتي. . . » إلى آخره (2).

وقال المناوي: قال الشريف: هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجَّه الحث المذكور إلى التمسّك به، كما أن الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض (3).

وقوله صلى الله عليه وآله: «

فانظروا كيف تخلّفونّي فيهما » :

معناه: فانظروا لأنفسكم ماذا تختارون؟ هل تسلكون سبيل الهدى باتباع الكتاب والعترة، أم سبيل الضلال باتباع غيرهما؟ والعاقل مَن يسلك ما ينجيه،


1- الصواعق المحرقة 2/439.
2- المصدر السابق 2/442.
3- فيض القدير 3/15.

ص: 37

ويبتعد عما يُرديه، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) [يونس: 35].

ولو نظرنا إلى أئمة المذاهب وغيرهم من علماء أهل السنة لوجدنا بعضهم يلجأ في أمور الدين إلى بعض، وكل واحد منهم يعترف بالقصور، فتأمل في سِيَرهم وأحوالهم وأخبارهم لترى أنهم علموا شيئاً وغابت عنهم في أمور الدين أشياء وأشياء.

وفي قوله صلى الله عليه وآله: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما» إشارة إلى أن كثيراً من الناس لن يتّبعوا الكتاب والعترة، كما حدث في قوم موسى فيما أخبر به الله جلَّ وعلا، حيث قال: ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [الأعراف: 15٠].

وهذا ما حدث في هذه الأمة، فإن أكثر الناس جحدوا فضل العترة النبوية الطاهرة، حتى لا يكاد يذكرهم ذاكر بما هم أهله من الذِّكْر الحسن والثناء الجميل.

قال المناوي بعد أن ذكر أن التمسّك بالعترة واجب على الأمة وجوب الفرائض المؤكَّدة التي لا عذر لأحد في تركها: ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسَبَوا نساءهم، وأسَروا صغارهم، وخرَّبوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبَّهم ولعنهم، فخالفوا المصطفى صلى الله عليه وسلم في وصيّته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيّته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يُعرَضون عليه (1).


1- فيض القدير 3/15.

ص: 38

أقول: إن غير الشيعة مضافاً إلى أنهم مالوا عن أهل البيت إلى سواهم، فاتّبعوا غيرهم، وقلَّدوا سواهم من أئمة المذاهب الأخرى، فإنهم أنكروا فضل أهل البيت، وجحدوهم حقوقهم، واتّفقوا على مخالفة الأحاديث الصحيحة الدالة على فضلهم عليهم السلام التي رووها في كتبهم وصحَّحوها، وحديث الثقلين الذي نحن بصدد الحديث عنه مثال واضح على جحد فضائل أهل البيت عليهم السلام، فإنك لا تكاد تسمع منهم من يذكر هذا الحديث في كتاب أو مجمع، ومن يذكره خجلاً أو اضطراراً عادة ما يسعى إلى تفريغه عن محتواه والتقليل من شأنه، ومن يصحّحه منهم لا يعمل به، فضلاً عن حث الناس على العمل به، فالله المستعان على ما يصفون.

ص: 39

وجوب دفع الخمس لأهل البيت عليهم السلام

قال سبحانه وتعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الأنفال: 41].

وهذه الآية واضحة الدلالة على أنه يجب على عامة المكلفين أن يؤدّوا خمس جميع ما يغنمونه، أي يكسبونه من مال منقول وغير منقول، من غنائم الحرب وغيرها؛ وذلك لأن (مَا غَنِمْتُمْ) في الآية غير مقيَّد بغنائم الحرب، وإنما هو عام في كل شيء.

والآية دلّت على أن الخمس يقسّم على ستة أسهم، هي: سهم لله سبحانه، وسهم آخر لرسوله صلى الله عليه وآله، وسهم ثالث لذوي القربى، وثلاثة أسهم أخرى لليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

وسهم الله وسهم رسوله صلى الله عليه وآله يعطيان إلى خليفة الله ورسوله صلى الله عليه وآله، وهو الإمام القائم من العترة النبوية الطاهرة، وسيأتي بيان من هو إن شاء الله تعالى.

كما أن سهم ذوي القربى يعطى لأولى الناس به، وهو إمام أهل البيت عليهم السلام، فيكون مجموع ما يعطى إمام العصر من الخمس: ثلاثة أسهم من ستة، وأما باقي الأسهم فتعطى لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم.

وقد دلَّت الأحاديث على أن الله تعالى فرض الخمس الذي يُعطى لقربى رسول الله صلى الله عليه وآله إكراماً لهم، وتنزيهاً لفقيرهم عن أن يأكل من الزكاة التي وُصفت في الأحاديث بأنها أوساخ الناس.

فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل

ص: 40

محمد، إنما هي أوساخ الناس (1)

ومن المستبعد جدًّا أن يفرض الله تعالى الخمس في خصوص غنائم الحرب، وهو سبحانه يعلم أن الحروب التي تقع بين المسلمين والكفار قليلة على مر العصور، مع أنه ربما لا تكون فيها غنائم، وإن وُجدت فربما لا تسد حاجة فقراء أهل البيت عليهم السلام، والملاحظ أن أكثر حروب المسلمين مع بعضهم، وغنائم هذه الحروب لا خمس فيها.

مضافاً إلى ذلك فإن الله تعالى يعلم أن الذين سيتولّون أمور المسلمين من الأمويين والعباسيين وغيرهم من أعداء أهل البيت عليهم السلام لن يعطوا قرابة النبي صلى الله عليه وآله شيئاً من الخمس، فيكون حال الفقير الذي لا ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أحسن من حال ينتسب إلى النبي صلى الله عليه وآله؛ لأن الفقير الآخر لا تحرم عليه الصدقة، وأما فقير أهل البيت فإنه تحرم عليه الصدقة ولا يُعطى شيئاً من الخمس، إما لعدم وجود غنائم، أو لأن الغنائم صارت بيد سلاطين الجور الذين لا ينصفونهم.

وفقهاء أهل السنة قصروا الخمس في غنائم الحرب وأمور أخرى قليلة جدًّا، ربما لا تحصل عبر مئات السنين.

منها: الركاز.

قال الترمذي: والركاز: ما وُجد في دفن أهل الجاهلية، فمن وجد ركازاً أدَّى منه الخمس إلى السلطان، وما بقي فهو له (2).

ويدل على أن الركاز يجب فيه الخمس ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» (3).


1- صحيح مسلم 2/753.
2- سنن الترمذي 3/662.
3- صحيح البخاري 1/448. صحيح مسلم 3/1334.

ص: 41

قال البخاري: وقال مالك وابن إدريس: «الركاز: دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدن بركاز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المعدن: «جبار، وفي الركاز الخمس» ، وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة، وقال الحسن: «ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان من أرض السلم ففيه الزكاة، وإن وُجدت اللقطة في أرض العدو فعرّفها، وإن كانت من العدو ففيها الخمس» ، وقال بعض الناس: «المعدن ركاز، مثل دفن الجاهلية؛ لأنه يقال: أركز المعدن إذا خرج منه شيء» . قيل له: قد يقال لمن وُهب له شيء أو ربح ربحاً كثيراً أو كثر ثمره: أركزت، ثم ناقض، وقال: لا بأس أن يكتمه فلا يؤدي الخمس (1).

واختلفوا فيما يُستخرج من البحر، هل فيه الخمس أم لا؟

قال ابن بطال: اختلف العلماء فى العنبر واللؤلؤ حين يخرجان من البحر، هل فيهما خمس أم لا؟ فجمهور العلماء على ألا شيء فيهما، وأنهما كسائر العروض، وهذا قول أهل المدينة، والكوفيين، والليث، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وقال أبو يوسف: في اللؤلؤ والعنبر وكل حلية تخرج من البحر الخمس. وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وابن شهاب (2).

وقال ابن حجر العسقلاني: وقد فرَّق الأوزاعي بين ما يوجد في الساحل فيُخمَّس، أو في البحر بالغوص أو نحوه فلا شيء فيه، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب فيه شيء، إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز كما أخرجه ابن أبي شيبة، وكذا الزهري والحسن كما تقدَّم، وهو قول أبي يوسف، ورواية عن أحمد (3).

واختلافهم دليل على أنهم لا يقصرون الخمس على غنيمة الحرب فقط، مضافاً إلى أنه مع كثرة الحروب التي حصلت بين المسلمين وغيرهم، فلم يحدث


1- صحيح البخاري 1/448.
2- شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/550.
3- فتح الباري 3/443.

ص: 42

التاريخ أن خلفاء الدولتين الأموية والعباسية كانوا يعطون أئمة أهل البيت عليهم السلام شيئاً من خمس تلك الغنائم التي قصروا وجوب الخمس فيها.

ص: 43

أئمة أهل البيت عليهم السلام هم خلفاء هذه الأمة

اشارة

دلَّت أحاديث صحيحة بل متواترة عند الشيعة وأهل السنة على أن الخلفاء اثنا عشر خليفة، لا يزيدون ولا ينقصون، يكون الإسلام بهم عزيزاً منيعاً قائماً، ويكون أمر الناس بهم ماضياً صالحاً.

من هذه الأحاديث: ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش (1).

قال البغوي: هذا حديث متّفق على صحّته (2).

وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلَّم بكلام خفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش (3).

وبسنده عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. ثم تكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش (4).

وبسنده أيضاً عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش (5).


1- صحيح البخاري 4/2257.
2- شرح السنة 15/31.
3- صحيح مسلم 3/1452.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر 3/1453.

ص: 44

وعن جابر بن سمرة أيضاً، قال: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة. فقال كلمة صَمَّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش (1).

وأخرج أبو داود حديث الخلفاء الاثني عشر بثلاثة طرق صحيحة، صحَّحها الألباني في صحيح سنن أبي داود (2).

قال في أحدها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليه الأمة. فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش (3).

وقال في آخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. قال: فكبَّر الناس وضجّوا، ثم قال كلمة خفية. قلت لأبي: يا أبه، ما قال؟ قال: كلهم من قريش (4).

وأما من طرق الشيعة الإمامية فأحاديث الأئمة الاثني عشر قد بلغت حد التواتر عندهم.

منها: ما رواه الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره بسند صحيح عن ثابت بن دينار، عن سيِّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأئمة من بعدي اثنا عشر، أوَّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذِكْره على يديه مشارق الأرض ومغاربها (5).

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً بسند صحيح عن إسماعيل بن


1- نفس المصدر.
2- صحيح سنن أبي داود 3/807.
3- سنن أبي داود 4/106.
4- نفس المصدر.
5- أمالي الصدوق: 97. عيون أخبار الرضا 1/66.

ص: 45

الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرني بعدد الأئمة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوَّلهم أنت، وآخرهم القائم (1).

ومنها: ما رواه الحر العاملي قدس سره عن كتاب الفضل بن شاذان (إثبات الرجعة) بسند صحيح عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه، عن الحسن عليه السلام، قال: سألت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأئمة بعده، فقال: الأئمة بعدي بِعَدد نقباء بني إسرائيل: اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي. . . (2).

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدِّه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الأئمة بعدي اثنا عشر، أوَّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، فهم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحُجج الله على أمّتي بعدي. . . (3).

ومنها: ما رواه الكليني، والصدوق، والمفيد قدّس الله أسرارهم بأسانيدهم عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: نحن اثنا عشر إماماً، منهم: حسن وحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين عليه السلام (4).

ومنها: ما رواه الكليني والمفيد والطوسي والصفار قدَّس الله أسرارهم بأسانيدهم عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الاثنا عشر الإمام من آل محمد، كلهم مُحدَّث، من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وولد علي بن أبي طالب عليه السلام، فرسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هما الوالدان (5).

ومنها: ما رواه الكليني والصدوق والمفيد والطوسي قدَّس الله أسرارهم


1- أمالي الصدوق: 5٠2.
2- عن إثبات الهداة 2/233.
3- من لا يحضره الفقيه 4/136. عيون أخبار الرضا 1/61.
4- الكافي 1/533. الخصال: 478. الإرشاد 2/347.
5- الكافي 1/533. الإرشاد 2/347. الغيبة: 97. بصائر الدرجات 2/111.

ص: 46

بأسانيدهم عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم عليه السلام، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي (1).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تركناها روماً للاختصار.

صحَّة حديث الخلفاء الاثني عشر:

اشارة

تبيَّن مما تقدّم أن حديث الخلفاء الاثني عشر حديث صحيح، بل هو حديث متَّفق عليه باصطلاحهم؛ لأنه مروي في صحيحي البخاري ومسلم، وعليه فلا حاجة عند أهل السنة لتصحيح أحد بعد تخريجه في الصحيحين.

وأما من صحَّح هذا الحديث من علماء الشيعة، أو قال بتواتره، فمنهم:

١- الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق قدس سره:

قال: إن الأخبار في هذا الباب كثيرة، والمفزع والملجأ إلى نَقَلة الحديث. . .

إلى أن قال: ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً ظاهراً مستفيضاً من حديث جابر بن سمرة، ما حدَّثنا به أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري، وكان من أصحاب الحديث، قال: حدثني أبو بكر بن أبي داود، عن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، عن الوليد بن هشام، عن محمد بن ذكوان، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن سيرين، عن جابر بن سمرة السوائي، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: «يلي هذه الأمة اثنا عشر» ، قال: فصرخ الناس، فلم أسمع ما قال، فقلت لأبي - وكان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مني: ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: قال: «كلهم من قريش، وكلهم لا يُرى مثله» . وقد أخرجتُ طرق هذا الحديث أيضاً، وبعضهم روى: «اثنا عشر أميراً» ، وبعضهم روى «اثنا عشر خليفة» ، فدلَّ ذلك على أن الأخبار التي في يد الإمامية، عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بذكر الأئمة الاثني عشر أخبار صحيحة (2).


1- الكافي 1/532. عيون أخبار الرضا 1/52. الإرشاد 2/346. الغيبة للطوسي: 92.
2- كمال الدين وتمام النعمة: 67-68.

ص: 47

٢- شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي قدس سره:

قال: ويدل على إمامة الاثني عشر - على ما نذهب إليه - ما تواترت به الشيعة من نص النبي صلى الله عليه وآله على الاثني عشر في الجملة، ورووه أيضاً عن إمام إمام على من يقوم مقامه، وترتيب ذلك كترتيب النص على أمير المؤمنين عليه السلام (1).

وقال أيضاً: أما الذي يدل على صحَّتها فإن الشيعة الإمامية يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية والنصوص على أمير المؤمنين عليه السلام، والطريقة واحدة. وأيضاً فإن نقل الطائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدل على صحّة ما قد اتّفقوا على نقله؛ لأن العادة جارية أن كل من اعتقد مذهباً، وكان الطريق إلى صحّة ذلك النقل، فإن دواعيه تتوفّر إلى نقله، وتتوفّر دواعي من خالفه إلى إبطال ما نقله، أو الطعن عليه، والإنكار لروايته، بذلك جرت العادات في مدائح الرجال، وذمِّهم، وتعظيمهم، والنقص منهم، ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها، ولم تتعرَّض للطعن على نقله، ولم تنكر متضمَّن الخبر، دلَّ ذلك على أن الله تعالى قد تولى نقله، وسخَّرهم لروايته، وذلك دليل على صحّة ما تضمَّنه الخبر (2).

٣- الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره:

قال: ولعمري إن هذه الأخبار إن لم تكن من المتواترة على كثرتها، وكثرة رواتها، وكثرة الكتب التي نُقلت فيها، لم يكن متواتر أصلاً. ثم إن لم تكن متواترة فهي من المحفوفة بالقرائن، وإنما حُفظت بلطف الله، وكان مقتضى الحال إخفاءها؛ لإخلالها بدينهم المؤسَّس بالسقيفة، المودع في ضمن تلك الصحيفة، ومخالفتها لهوى الأمراء، فظهورها مع أن المقام يقتضي إخفاءها قرينة على أن الجاحد لا يمكنه إنكارها كما أنكر كثيراً من أضرابها (3).


1- الاقتصاد: 471.
2- الغيبة للطوسي: 1٠٠.
3- كشف الغطاء 1/77.

ص: 48

4- المحقّق السيّد أبو القاسم الخوئي قدس سره:

قال: الروايات المتواترة الواصلة إلينا من طريق العامّة والخاصّة قد حدَّدت الأئمة عليهم السلام باثني عشر من ناحية العدد (1).

مَن هم الخلفاء الاثنا عشر؟

حاول غير الشيعة الإمامية كشف المراد بالخلفاء الاثني عشر في الأحاديث السابقة، بما يتَّفق مع مذاهبهم، ويلتئم مع معتقداتهم، فذهبوا ذات اليمين وذات الشمال لا يهتدون إلى شيء صحيح.

وحاولوا جاهدين أن يصرفوا هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ويجعلوها في غيرهم ممن لا تنطبق عليهم الأوصاف الواردة فيها، فتاهوا وتحيَّروا، حتى ذهبوا إلى مذاهب عجيبة، وصدرت منهم أقوال غريبة، وأقرَّ بعضهم بالعجز، واعترف بعضهم بعدم وضوح معنى لهذه الأحاديث تركن إليه النفس.

قال ابن الجوزي في كشف المشكل: هذا الحديث قد أطلتُ البحث عنه، وتطلَّبتُ مظانّه، وسألتُ عنه، فما رأيت أحداً وقع على المقصود به. . . (2).

وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث - يعني بشيء معين (3).

اختلاف أهل السنة في الخلفاء الاثني عشر:

اشارة

كثرت أقوال أهل السنة في هذه المسألة، واختلفت آراؤهم اختلافاً عظيماً، وتضاربت تضارباً شديداً، ومع كثرة تلك الأقوال لا تجد فيها قولاً خالياً من الخدش والخلل، وكل أقوالهم مبتنية على الظنون والاحتمالات التي لا تغني عن


1- صراط النجاة 2/477.
2- كشف المشكل 1/449.
3- فتح الباري 13/18٠.

ص: 49

الحق شيئاً، وسأذكر ثلاثة من أقوالهم في هذه المسألة، وبيان ما فيها:

١- ما احتمله القاضي عياض:

احتمل القاضي عياض في معنى الحديث عدة وجوه، منها: أن المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزَّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره، والاجتماع على مَن يقوم بالخلافة، وقد وُجد فيمن اجتمع عليه الناس، إلى أن اضطرب أمر بني أمية، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم (1).

وقد رجَّح ابن حجر العسقلاني هذا الوجه من ضمن أوجه ذكرها القاضي عياض في معنى الحديث، وقال: لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: «كلّهم يجتمع عليه الناس» ، وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، إلى أن وقع أمر الحَكَمين في صفِّين، فتسمَّى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر، بل قُتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد: عمرُ بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع الناس عليه لما مات عمّه هشام، فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيَّرت الأحوال من يومئذ، ولم يتَّفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك. . . (2).

وهذا هو قول أبي بكر البيهقي أيضاً في دلائل النبوة، حيث قال بعد أن


1- فتح الباري 13/257.
2- نفس المصدر 13/259.

ص: 50

ساق بعضاً من الأحاديث السابقة: وقد وُجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيدبن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسية. . . (1).

ثم قال: والمراد بإقامة الدين - والله أعلم - إقامة معالمه وإن كان بعضهم يتعاطى بعد ذلك ما لا يحل (2).

أقول:

1- يرُدّ هذا القول وسائر أقوالهم ما رواه القوم عن سفينة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك مُلْكاً.

ولأجل هذا صرَّحوا بأن الخلافة عندهم منحصرة في أربعة، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي استناداً إلى هذا الحديث، أو خمسة بضميمة عمر بن عبدالعزيز (3)، فكيف صار غير هؤلاء خلفاء مع أن الحديث نصَّ على أن ما بعد ثلاثين سنة لا تكون خلافة، بل يكون ملك؟ !

وفي سنن الترمذي: قال سعيد: فقلت له [أي لسفينة راوي الحديث]: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم. قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك (4).

وفي سنن أبي داود: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليًّا عليه السلام لم يكن بخليفة. قال: كذبت أستاه بني الزرقاء - يعني بني مروان (5).


1- دلائل النبوة 6/52٠.
2- نفس المصدر 6/521.
3- قال السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 183: عمر بن عبد العزيز بن مروان، الخليفة الصالح أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين. وقال الذهبي في كتابه العِبَر 1/91: في رجب [سنة إحدى ومائة] توفي الإمام العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبدالعزيز. وأخرج أبو داود في سننه 4/2٠7: عن سفيان الثوري أنه قال: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبدالعزيز.
4- سنن الترمذي 4/5٠3. قال الترمذي: وهذا حديث حسن.
5- سنن أبي داود 4/211. وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/879.

ص: 51

وقال القاضي عياض وغيره في الجمع بين حديث سفينة وحديث الخلفاء الاثني عشر: إنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة، ولم يقيّده في حديث جابر بن سمرة بذلك (1).

وقال الألباني: وهذا جمع قوي، ويؤيّده لفظ أبي داود: «خلافة النبوة ثلاثون سنة» ، فلا ينافي مجيء خلفاء آخرين من بعدهم؛ لأنهم ليسوا خلفاء النبوة، فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لا غيرهم، كما هو واضح (2).

ويردّه: أن خلافة النبوة هذه لم يذكر لها علماء أهل السنة معنى واضحاً، واختلفوا في بيان المراد منها، فمنهم من قال: إن خلافة النبوة هي التي لا طلب فيها للملك ولا منازعة فيها لأحد، وهذا قول الطيبي (3)، فعليه تخرج خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام عن كونها خلافة نبوّة؛ لمنازعة أهل الجمل وأهل النهروان ومعاوية وأهل الشام له (4)، مع أنهم ذكروا أن خلافته عليه السلام خلافة نبوة، وهذا تهافت واضح.

وذكر البغوي في شرح السنة، والمناوي في فيض القدير أن خلافة النبوة إنما تكون لمن عملوا بالسُّنَّة، فإذا خالفوا السنّة وبدّلوا السيرة فهم ملوك وإن تسمّوا بالخلفاء (5).

وعليه تكون خلافة النبوة أكثر من ثلاثين سنة، لقولهم: «إن عمر بن عبدالعزيز كان يعمل بالسنّة» ، ولعدّهم إياه من الخلفاء الراشدين، مع أنهم لم يذكروه من ضمن مَن كانت خلافتهم خلافة نبوة.


1- فتح الباري 13/257.
2- سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/748.
3- عون المعبود 12/388.
4- ذهب إلى ذلك ابن أبي العز حيث قال: «إن زمان علي لم ينتظم فيه الخلافة ولا الملك» . وسنذكر كلمته قريباً. وقال الطيبي كما في عون المعبود 12/388: إن الخلافة في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما مشوبة بالملك.
5- شرح السنة 14/75. فيض القدير 3/5٠9.

ص: 52

وقال الملا علي القاري: إن المراد بالخلافة في حديث سفينة هي الخلافة الحقَّة، أو المرضيّة لله ورسوله، أو الكاملة، أو المتّصلة (1).

وعليه فتكون خلافة النبوة هي خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وابنه الإمام الحسن عليه السلام فقط دون غيرهما.

ولو سلَّمنا أن خلافة الأربعة كانت مرضيّة لله ورسوله أو كاملة أو غير ذلك فلا بد أن يُضاف إليها عندهم خلافة عمر بن عبد العزيز، فتكون خلافة النبوة حينئذ أكثر من ثلاثين سنة.

والصحيح أن يقال في هذا الحديث على تقدير صحَّته: إن خلافة النبوة لا يمكن أن يراد بها إلا الخلافة التي كانت بنصّ النبي صلى الله عليه وآله، فمَن استخلفه النبي صلى الله عليه وآله على الأمة فهو خليفة النبي، وخلافته هي خلافة النبوة، ومَن لم يستخلفه واستخلفه الناس فهو خليفتهم، والنبي صلى الله عليه وآله استخلف عليًّا عليه السلام، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، ليس هذا موضع ذكرها.

وعليه يكون معنى حديث سفينة: إن خلافة النبوة - وهي خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام - تستمر إلى ثلاثين سنة، ثم يتولى أمور المسلمين الملوك. وعدم تمكّن أمير المؤمنين عليه السلام من تولي أمور المسلمين، أو عدم اتّباع الناس له إلا النفر القليل لا يسلب عنه الخلافة بعد أن حكم الشارع المقدّس بها ونصّ عليها، وهذا له نظائر كثيرة في الأصول والفروع لا تخفى.

منها: أن وصف الرسالة والنبوّة لا يرتفع عن النبي والرسول بسبب عدم اتباع الناس له، وعدم قناعتهم بنبوّته ورسالته، وصاحب المال أو المتاع لا

يُحكم بصيرورة المال لغيره بمجرّد عدم قدرته على التصرّف فيه، وتمكّن غيره منه، وهو واضح معلوم.

وأما حديث الخلفاء الاثني عشر ففيه بيان لعدد أئمة الهدى وخلفاء الحق وسادة الخلق المنصوبين من الله سبحانه، الذين لا يضرّهم من ناواهم، ويكون


1- مرقاة المفاتيح 9/271.

ص: 53

الإسلام بهم عزيزاً، وبهذا يتّضح أنه لا منافاة بين الحديثين بهذين المعنيين.

2- أن أكثر مَن ذكرهم القاضي عياض والبيهقي لم يجتمع عليهم الناس، فإن عثمان وإن تمَّت له البيعة واجتماع الناس في أول خلافته، إلا أن الأمور انتقضت عليه بعد ذلك حتى قتله الناس، وأما الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يجتمع عليه الناس من أول يوم في خلافته؛ وذلك لأن أهل الشام لم يبايعوه، وهم كثيرون، وخرج عليه طلحة والزبير وعائشة بعد ذلك، فحاربهم في البصرة، ثم خرج عليه الخوارج فحاربهم في النهروان. . . وكل ذلك كان في أقل من خمس سنين.

قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: علي رضي الله عنه. . . لم يجتمع الناس في زمانه، بل كانوا مختلفين، لم ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك (1).

فعلى ذلك لا يكون الإمام علي عليه السلام من هؤلاء الخلفاء عندهم.

وأما يزيد بن معاوية فلم يبايعه الإمام الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته حتى قُتلوا في كربلاء، وخرج عليه أهل المدينة، فأخرجوا منها عامله وسائر بني أمية، ثم وقعت بينهم وبينه وقعة الحرة، وخرج عليه بعد ذلك ابن الزبير في مكة واستولى عليها. . . فأي اجتماع حصل له! ؟

3- أن معاوية ومن جاء بعده من ملوك بني أمية وغيرهم لم يجتمع عليهم الناس، بل كانوا متغلِّبين على الأمَّة بالقوة والقهر، ومن الواضح أن هناك فرقاً بيِّناً بين اجتماع الناس على شيء وجمعهم عليه، فإن الاجتماع مأخوذ في معناه اختيار المجتمعين، وأما الجمع فمأخوذ فيه عدم الاختيار، والذي حصل لبني أميَّة هو الثاني، والمذكور في الحديث هوالأول، وهذا واضح معلوم لمن نظر في تاريخ بني أمية وسيرتهم في الناس.

وقد روي الكثير مما يدل على ذلك، ومنه ما روي عن سعيد بن سويد، قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة - يعني خارج الكوفة - الجمعة في الضحى، ثم خطبنا، فقال: ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، قد


1- شرح العقيدة الطحاوية: 473.

ص: 54

عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون (1).

4- أن الخلفاء حسبما جاء في كلام القاضي عيَّاض ثلاثة عشر لا اثنا عشر، وهم: أبو بكر، عمر، عثمان، الإمام علي عليه السلام، معاوية، يزيد بن معاوية، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك، الوليد بن يزيد. t

قال ابن كثير: إن الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد أكثر من اثني عشر على كل تقدير (2).

٢- رأي ابن حجر العسقلاني:

قال ابن حجر العسقلاني: الأَولى أن يحمل قوله: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة» على حقيقة البَعْدية، فإن جميع من ولي الخلافة مِن الصدِّيق إلى عمر بن عبدالعزيز أربعة عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدَّتهما، وهما معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء كما أخبرصلى الله عليه وسلم.

إلى أن قال: ولا يقدح في ذلك قوله: «يجتمع عليهم الناس» ؛ لأنه يُحمَل على الأكثر الأغلب؛ لأن هذه الصفة لم تُفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير مع صحّة ولايتهما، والحُكم بأن مَن خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل ابن الزبير، والله أعلم (3).

أقول: على هذا القول يكون الخلفاء الاثنا عشر هم: أبو بكر، عمر، عثمان، الإمام علي عليه السلام، الإمام الحسن عليه السلام، معاوية، يزيد بن معاوية، عبد الله بن الزبير، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن


1- البداية والنهاية 8/134.
2- نفس المصدر 6/255.
3- فتح الباري 13/183.

ص: 55

عبد العزيز.

وقوله: إن «يجتمع عليهم الناس» محمول على الأكثر الأغلب، يردّه أن مجيء التأكيد ب- «كل» في قوله صلى الله عليه وآله: «كلّهم يجتمع عليه الناس» الدال بالنصّ على العموم يقدح في كلام ابن حجر.

هذا مع أن الصفة المذكورة - وهي اجتماع الناس - فُقدت في غير الحسن عليه السلام وابن الزبير كما مرَّ آنفاً.

وقوله: «إن معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم لم تصح ولايتهما» يردّه أن يزيدبن معاوية إن كانت ولايته صحيحة كما قال، فنص يزيد على ابنه معاوية من بعده يصحِّح ولايته بلا ريب ولا شبهة وإن لم تطل مدّته، وإن كان التغلّب على أمور المسلمين يصحّح خلافة معاوية، فتغلّب مروان بن الحكم بعد ذلك مصحِّح لخلافته أيضاً.

ثم إن جَعْله طول الولاية دليلاً على صحَّتها واعتبارها لا يصح؛ إذ لا دليل عليه، وصحّة الولاية غير مشروطة بطولها، مع أن ابن حجر صحَّح خلافة الإمام الحسن بن علي عليه السلام التي دامت ستة أشهر، ولم يصحِّح خلافة مروان بن الحكم التي دامت نفس هذه الفترة.

ومن الغريب أن ابن حجر زعم أن معاوية لم يثبت استحقاقه للخلافة إلا بعد قيامه على الخليفة الحق وهو الإمام الحسن عليه السلام، وتنازل الإمام الحسن له بالخلافة، وأن عبد الملك بن مروان لم يثبت استحقاقه للخلافة إلا بعد قيامه على من يرى أنه الخليفة الحق آنذاك وهو عبدالله بن الزبير وقتله، فأي خلافة هذه التي تؤخذ بالانتزاع والغلبة وقتل الخليفة الشرعي؟

والذي يظهر من كلام ابن حجر أنه يرى أن كل أولئك الحكَّام كانوا متأهِّلين للخلافة ومستحقّين لها، مع أن أكثر هؤلاء لم يكونوا متّصفين بالصفات التي ذكروا أنه يجب توفّرها في إمام المسلمين من العلم والاجتهاد والعدالة، ولا سيما يزيد بن معاوية الذي لا يختلف المنصفون في عدم أهليّته للخلافة وعدم

ص: 56

استحقاقه لها؛ لأنه تولَّى ثلاث سنين: في السنة الأولى قتل الإمام الحسين عليه السلام، وفي السنة الثانية أباح المدينة المنوّرة، وفي السنة الثالثة هدم الكعبة المشرَّفة. . . فكيف يكون يزيد من الخلفاء الذين يكون الإسلام بهم عزيزاً منيعاً قائماً! ؟

٣- قول ابن كثير وابن تيمية:

وهو أن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوالَ أيامهم، ويؤيِّده ما أخرجه مُسدَّد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر، أن أبا الجلد حدَّثه أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة.

وعلى هذا فالمراد بقوله: «ثم يكون الهرج» أي الفتن المؤذنة بقيام الساعة، من خروج الدجّال ثم يأجوج ومأجوج إلى أن تنقضي الدنيا (1).

قال ابن كثير: قد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا، وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدّمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثِّره، ويجعل في ذرّيّته اثني عشر عظيماً. قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية: وهؤلاء المبشَّر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقرّر أنهم يكونون مفرّقين في الأمّة، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا (2).

قال السيوطي: وعلى هذا فقد وُجد من الاثني عشر خليفة: الخلفاء الأربعة، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، ويحتمل أن يُضم إليهم المهتدي من العباسيين؛ لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي العباسي؛ لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الطاهر؛ لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران، أحدهما


1- البداية والنهاية 6/256. فتح الباري 13/182.
2- البداية والنهاية 6/256.

ص: 57

المهدي؛ لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم (1).

أقول: يُفسد هذا القول أن الإمام عليًّا وابنه الإمام الحسن عليهما السلام -وهما من أهل البيت عليهم السلام - لم يعش واحد منهما ثلاثين سنة والآخر أربعين، وعليه فينبغي إخراجهما من جملة هؤلاء الاثني عشر.

قال ابن كثير: إن إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر خلاف ما نصَّ عليه أئمة السنة، بل والشيعة (2).

هذا مضافاً إلى أن عد السيوطي من هؤلاء الخلفاء ثلاثة من أهل البيت خلاف حديث أبي الجلد الذي أيَّدوا به قولهم.

ثم إن عد معاوية ممن يعمل بالهدى ودين الحق خلاف ما هو معلوم من حاله ومشهور من أفعاله، وحسبك أنهم اتَّفقوا على إخراجه من زمرة الخلفاء الراشدين، فجعلوهم أربعة أو خمسة، ولم يجعلوه منهم.

وقد أخرج مسلم بسنده عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة -في حديث طويل - قال: فقلت له - أي لعبد الله بن عمرو بن العاص -: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله يقول: (

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) . قال: فسكت ساعة، ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصِه في معصية الله (3).

وأخرج الحاكم وصحَّحه على شرط الشيخين، عن عبادة بن الصامت، أنه

قام قائماً في وسط دار عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً أبا القاسم يقول: «سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، فلا تعتبوا أنفسكم» ،


1- تاريخ الخلفاء: 1٠.
2- البداية والنهاية 6/255.
3- صحيح مسلم 3/1472.

ص: 58

فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك. فما راجعه عثمان حرفاً واحداً (1).

ثم إن إخبار النبي صلى الله عليه وآله بهؤلاء الخلفاء لم يكن عبثاً، وإنما كان لغرض مهم أراد النبي صلى الله عليه وآله بيانه لهذه الأمة، وهو لزوم مبايعة هؤلاء الخلفاء، ومتابعتهم، والأخذ بهديهم دون غيرهم ممن لم يكن على صفتهم.

وعليه، فلو صحَّ قول ابن تيمية في معنى الحديث لما كان هناك فائدة مهمة في بيان وجود اثني عشر خليفة يعملون بالهدى ودين الحق في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة، وإن لم تتوالَ أيامهم، إذا لم يتميّز هؤلاء الخلفاء بأعيانهم وأشخاصهم بحيث لا يدخل فيهم غيرهم.

مع أن كل خليفة يمكن أن يدّعي أنه أحد هؤلاء الخلفاء الممدوحين، وهذه الادّعاءات توقع الناس في مزيد من الحيرة والضلال، ويلتبس الأمر على الناس، فلا يدرون، هل يُبايعون هذا الخليفة، ويُتابعونه باعتباره أحد الخلفاء الاثني عشر، أو لا يبايعونه؛ لأنه ليس واحداً منهم؟ وذِكْر العدد المجرَّد القابل للانطباق على كل من يتولّى أمر الأمَّة لا يحل هذه المشكلة.

والغريب من ابن كثير كيف رجَّح قول أبي الجلد بكونه ينظر في كتب أهل الكتاب، واستدلّ في هذه المسألة بحديث مذكور في التوراة، مع أنَّا لا نحتاج لإثبات مسألة مهمَّة كهذه إلى توراة أو إنجيل محرَّفين، وعندنا أحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي تكفّلت ببيان مسائل الخلافة وغيرها.

وهذا دليل واضح على مبلغ التخبّط والحيرة التي وقع فيها غير الشيعة حتى التجؤوا إلى ما لا يجوز الالتجاء إليه، واعتمدوا على ما لا يصح الاعتماد عليه.

ثم إن البيان الذي ذكره السيوطي غير صحيح؛ لما قلناه من أن معاوية لم يكن يعمل بالهدى ودين الحق، وكذلك ابن الزبير الذي قال فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: خَبٌّ ضَب (2)، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة


1- المستدرك على الصحيحين 3/357.
2- الخب: المخادع. قال الطريحي في مجمع البحرين 2/48: يقال: «فلان خب ضب» إذا كان فاسداً، مفسداً، مراوغاً.

ص: 59

الدين لاصطياد الدنيا، وهو بَعْدُ مصلوب قريش (1).

هذه هي أهم أقوالهم، وهناك أقوال أخر تركناها لضعفها وركاكتها، قِسْها على ما ذكرناه.


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7/48.

ص: 60

ص: 61

الخلفاء الاثني عشر هم ائمة اهل البيت عليهم السلام

بعد أن تبين بطلان الأقوال السابقة كلها نقول:

إن الخلفاء الاثني عشر الذين بشَّر بهم النبي صلى الله عليه وآله في الأحاديث المتقدّمة هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، ويدل على ذلك أمور:

1- أن هذه الأحاديث نصَّت على العدد المعيَّن - أي الاثني عشر - وهو عدد أئمة أهل البيت عليهم السلام، بلا زيادة ولا نقيصة، فلا نحتاج لأن نتكلَّف إسقاط بعض أو ضم بعض آخر كما فعل مَن صرَفها إلى غيرهم.

ولا يصح أن يراد بهم ملوك بني أمية أو ملوك بني العباس كلهم؛ لأنهم يزيدون على هذا العدد بكثير، ولا أن يُراد بعضهم دون بعض؛ لأنه لا ترجيح في البين؛ لأن أحوالهم متقاربة، وسِيَرهم متشابهة، مع أن كل واحد منهم لا تنطبق عليه الأوصاف المذكورة في الأحاديث كما أو ضحنا ذلك فيما تقدَّم.

2- أن الأحاديث المذكورة أشارت إلى أوصافهم، فأوضحت أن الدين يكون بهم عزيزاً منيعاً قائماً، وأن أمر الناس يكون بهم صالحاً ماضياً، وهذا لا يتحقق إلا إذا تولى أمر المسلمين من يرشدهم إلى الحق، ويدلّهم على الهدى، ويحملهم على الخير، ويكون اتّباع الناس له سبباً لسعادتهم في الدنيا ولفوزهم في الآخرة.

ولا يختلف المسلمون في أن الإسلام يكون عزيزاً منيعاً قائماً، وأمر الناس يكون ماضياً صالحاً بأئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين هم عصمة للأمة من الضلال، وأمان لها من الفرقة والاختلاف، فإن أهل السنة لا يختلفون في ورعهم وتقواهم وعلمهم، وأن الناس لو اتّبعوهم لَمَا ضلّوا، ولو اجتمعوا عليهم لَمَا افترقوا، ولهذا يصح لنا أن نقول: إن الأمة أجمعت واجتمعت عليهم.

ص: 62

وأما غير هؤلاء الأئمة من الخلفاء والحكام - ولا سيما بنو أمية - فإن الأمة لم تنل بولايتهم إلا التفرّق والوقوع في الفتن والمهالك، ولا أظن منصفاً ينكر ذلك.

3- أننا قلنا فيما تقدّم: «إن الغاية من ذِكر هؤلاء الخلفاء في هذه الأحاديث هي الحث على اتّباعهم والاهتداء بهم» ، وحديث الثقلين الذي سبق تخريج مصادره فيما سبق (1)يدل بوضوح على أن الذين يجب على الأمة اتّباعهم والاهتداء بهم هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو موضح للمراد بالخلفاء الاثني عشر في تلك الأحاديث، ولا سيما أن النبي صلى الله عليه وآله أطلق لفظ (الخليفة) على العترة النبوية الطاهرة كما ورد في بعض طرق حديث الثقلين، حيث قال: إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض (2).

ولعل قوله صلى الله عليه وآله: «كلهم من قريش» فيه نوع إشارة إلى هؤلاءالخلفاء، فإنه صلى الله عليه وآله لما أراد أن يوضِّح هؤلاء الأئمة وينص عليهم بأعيانهم حال الضجيج بينه وبين ذلك، فاكتفى بالإشارة عن صريح العبارة.

وليس من البعيد أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد أوضح هذا الأمر ونصَّ على أن هؤلاء الأئمة من عترته أو من بني هاشم، إلا أن يد التحريف عبثت بهذه الأحاديث رعاية لمآرب أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله من الحُكَّام وغيرهم.

وقد روى الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره بسند صحيح عن غياث بن إبراهيم عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليه السلام، قال: سُئل أمير


1- راجع صفحة 25.
2- مسند أحمد 5/182، المعجم الكبير للطبراني 5/153، 154، مجمع الزوائد 1/17٠، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وقال في موضع آخر 9/163: رواه أحمد، وإسناده جيد. وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/482، وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات.

ص: 63

المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «إني مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي» ، مَن العترة؟ فقال: أنا، والحسن، والحسين، والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم، حتى يرِدُوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه 1.

والحاصل أن صلاح هؤلاء الأئمة، وطيب سيرتهم، ونقاء سريرتهم، وأهليّتهم للإمامة العظمى والخلافة الكبرى مما لا ينكره إلا مكابر أو متعصِّب.

أما أهلية الإمام أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين عليهم السلام للإمامة والخلافة فهي واضحة لا تحتاج إلى بيان، ومع ذلك فقد أقرَّ بها وبأهلية غيرهم من الأئمة بعض أعلام أهل السنة.

قال الذهبي: فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه، نُحِبّه أشد الحب، ولا ندَّعي عصمته، ولا عصمة أبي بكر الصديق، وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك (1).

وقال في ترجمة الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: وكان له جلالة عجيبة، وحقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى؛ لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه، وكمال عقله (2).

وقال في ترجمة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: وكان أحد مَن جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة (3).

وقال في ترجمة الإمام جعفر الصادق عليه السلام: مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه (4).


1- سير أعلام النبلاء 13/12٠.
2- المصدر السابق 4/398، 13/12٠.
3- المصدر السابق 4/4٠2، 13/12٠.
4- تاريخ الإسلام: حوادث ووفيات سنة 141-16٠ه-، ص 93. سير أعلام النبلاء 13/12٠.

ص: 64

وقال في الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: كبير القدر، جيّد العلم، أولى بالخلافة من هارون [الرشيد] (1).

وقال في ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة (2).

وفي مقام الردّ على من قال بإمامة الأئمة الاثني عشر دون غيرهم لِما امتازوا به من الفضائل التي لم يحزها غيرهم قال ابن تيمية: إن تلك الفضائل غايتها أن يكون صاحبها أهلاً أن تُعقد له الإمامة، لكنه لا يصير إماماً بمجرد كونه أهلاً.

إلى أن قال: إن أهلية الإمامة ثابتة لآخرين كثبوتها لهؤلاء ، وهم أهل أن يتولّوا الإمامة، فلا موجب للتخصيص، ولم يصيروا بذلك أئمة (3).

وكلامه واضح في الاعتراف بأهلية هؤلاء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام للخلافة، ولو كان بوسعه إنكار أهليّتهم للخلافة لأنكرها كما أنكر كثيراً من الأحاديث الصحيحة في كتابه (منهاج السنة) كحديث الموالاة وغيره؛ لأنه كان في مقام المناظرة مع خصمه لا في مقام المجاملة.

وقوله: «لكنه لا يصير إماماً بمجرد كونه أهلاً» مردود بأنه إذا كان أهلاً للإمامة فإنه يتعين لها دون غيره ممن هو ليس بأهل.

وقوله: «فلا موجب للتخصيص» غير صحيح؛ لأن التخصيص حاصل بالأهلية أولاً، وبالنصوص الصحيحة الآمرة بالتمسّك بأهل البيت عليهم السلام دون غيرهم ثانياً، فلا سبيل للعدول عنهم إلى غيرهم.

هذا ما عثرتُ عليه من إقرار علماء أهل السنة والسلفية بأهلية هؤلاء الأئمة، ولو أطلت البحث في كتبهم لعثرت على أكثر من ذلك، ولعل الباحث


1- سير أعلام النبلاء 13/12٠.
2- المصدر السابق 9/392.
3- منهاج السنة النبوية 4/213.

ص: 65

المتتبّع يجد المزيد، إلا أن ما ذكرناه كاف، فإن علماءهم مع إقرارهم بأهلية أئمة أهل البيت عليهم السلام للخلافة لم يتّفقوا على إدخال الخلفاء الثلاثة الأوائل في الخلفاء الاثني عشر، فضلاً عن إثبات أهليتهم وأهلية غيرهم، وهذا دليل واضح على أن كل ما قالوه لصرف هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام إنما كان ظنًّا وتخرّصاً لا يغنيان عن الحق شيئاً.

ص: 66

ص: 67

وجوب معرفة أئمة أهل البيت عليهم السلام

لقد تبيَّن مما مرّ أن أهل البيت عليهم السلام لهم حقوق عظيمة على هذه الأمة، والواجب على كل مسلم أن يؤدِّي إليهم حقوقهم كاملة، ولا يُنقص منها شيئاً، وإلا كان ظالماً لهم عاصياً لله سبحانه وتعالى، وجافياً لرسول الله صلى الله عليه وآله.

وحقوقهم سلام الله عليهم لا يمكن تأديتها من دون معرفتهم بأشخاصهم، فإن المعرفة الإجمالية غير كافية؛ لأنها لا تمكن المكلف من أداء واجباته نحو كل إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام.

ولا شك أن الذين ينتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرون جدًّا، وفيهم المؤمن الصالح وغيره، كما أن فيهم العالم والجاهل، ومن غير المعقول أن يوجب الله تعالى هذه الحقوق العظيمة للعصاة الذين يصدون عن سبيله، أو للجهال الذين لا يعرفون أحكامه، ولا يعملون بشرائع دينه، ولا بد أن تكون هذه الحقوق العظيمة التي فرضها الله تعالى على عباده المتّقين واجبة لخير أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله الذين اتّفقت الكلمة على صلاحهم وعلمهم وفضلهم وجلالتهم وحسن سيرتهم ونقاء سريرتهم، وهم الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام.

وكل الحقوق التي ذكرناها وغيرها إما لهم خاصة أو هي مشتركة بينهم وبين غيرهم، فهم القدر المتيقَّن دون غيرهم.

ومن هذا كله نخلص إلى أن هؤلاء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام هم الذين تجب مودتهم، ويحرم بغضهم وعداوتهم، وتجب الصلاة عليهم أو تستحب على الخلاف بين العامة، كما يجب دفع الخمس إليهم دون غيرهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله.

وحديث الثقلين الذي مرَّ الكلام فيه يدل على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام

ص: 68

هم أحد الثقلين اللذين يجب التمسّك بهما، وكما أن التمسّك بالكتاب العزيز لا يتحقّق من دون معرفته، فكذلك لا يمكن التمسّك بالعترة النبوية من دون معرفة كل واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام؛ لأن من تمسَّك بأئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام فلا شك في أنه تمسّك بالعترة النبوية المذكورة في حديث الثقلين، بخلاف من تمسَّك بغيرهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه لا يُعلم أنه تمسَّك بالعترة أم لا.

مضافاً إلى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله أخبر أمته بأن خلفاءه الذين يكون الإسلام بهم عزيزاً منيعاً، ويكون أمر الناس بهم صالحاً ماضياً، هم اثنا عشر خليفة، لا يزيدون ولا ينقصون، كما حذَّر الأمة في أحاديث أخر من خلفاء لا يهتدون بهديه، ولا يستنون بسُنّته.

فقد أخرج مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع (1).

وهذا كله يحتّم على كل مسلم أن يعرف هؤلاء الخلفاء الهادين المهديين الاثني عشر؛ الذين تجب عليه بيعتهم، وطاعتهم، وأداء حقوقهم إليهم، والتمسّك بهم، والاهتداء بهديهم، وكل هذه الأمور الواجبة لا تتم إلا بمعرفتهم معرفة تامة تفصيلية بأسمائهم وأعيانهم، وما يتوقّف عليه الواجب فإنه واجب حتماً، فتكون معرفتهم واجبة.

ولا يخفى أن المعرفة الإجمالية بأن أهل البيت عليهم السلام فيهم من هو متأهِّل لأنْ يُتمسَّك به، وأن المسلمين فيهم اثنا عشر خليفة يهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وآله، ويستنّون بسنته، غير كافية، ولا بد من المعرفة التفصيلية بالذين يجب التمسّك


1- صحيح مسلم 3/1475.

ص: 69

بهم من أهل البيت بأسمائهم وأعيانهم، كي يتسنّى له أن يتّبعهم، ويهتدي بهديهم، ويبايع إمام العصر منهم، وإلا فإن تلك المعرفة لا تفيده بشيء؛ لأنه لا يترتب عليها شيء مهم ذو بال.

وبتعبير آخر: إن المعرفة الواجبة هي المعرفة التي تدعو المسلم إلى السير على منهاج أهل البيت عليهم السلام، وأخذ أحكام الشريعة منهم، مع الالتزام بطاعة إمام العصر منهم في كل ما يأمر، وتصديقه في كل ما يقول.

وهذه المعرفة مضافاً إلى دلالة العقل على لزومها، فإن الأحاديث دلّت أيضاً على وجوبها، منها:

1- صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إن الله عزَّ وجل بعث محمداً صلى الله عليه وآله إلى الناس أجمعين رسولاً، وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله، واتبعه، وصدَّقه، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله، ولم يتبعه، ولم يصدِّقه، ويعرف حقَّهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله، ويعرف حقّهما؟ ! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله، ويصدِّق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حق معرفتكم؟ قال: نعم. . . (1).

2- صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله عزَّ وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول، وهو ضالٌّ، متحيِّر، والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلَّت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنَّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها. . . . فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها، فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزَّ وجل ظاهر عادل، أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد أن


1- الكافي 1/18٠.

ص: 70

أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد (1).

3- صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجل: ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) [البقرة: 269]، فقال: طاعة الله، ومعرفة الإمام (2).

4- موثقة بريد، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قول الله تبارك وتعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) [الأنعام: 122]، فقال: ميت، لا يعرف شيئاً، و ( نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) : إماماً يؤتم به، (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) ، قال: الذي لا يعرف الإمام (3).

5- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمن تبارك وتعالى: الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) [النساء: 8٠] (4).

ومن كتب أهل السنة ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر - في حديث - عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ومن مات وليس في عنقه بيعة مات


1- نفس المصدر 1/183.
2- نفس المصدر 1/185.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.

ص: 71

ميتة جاهلية (1).

وروى ابن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية (2).

بتقريب: أن من مات ولم يعرف إمام زمانه فإنه سيموت وليس في عنقه بيعة له، أو سيموت وليس عليه إمام، فتكون ميتته ميتة جاهلية، فإن تحقّق البيعة مترتّب على المعرفة كما قلنا، وهذا الحديث لم يقتصر على وجوب معرفة الإمام فقط، بل أوجب بيعته أيضاً بعد معرفته.


1- صحيح مسلم 3/1478.
2- كتاب السنة: 489، قال الألباني: إسناده حسن، ورجاله ثقات.

ص: 72

ص: 73

من هم أهل البيت عليهم السلام؟

بعد أن عرفنا أن أهل البيت عليهم السلام لهم حقوق عظيمة على هذه الأمة، فإن أداء هذه الحقوق إليهم عليهم السلام يتوقف على معرفتهم بأعيانهم.

وقد وقع الاختلاف في أهل البيت من هم؟ وهل أن نساء النبي صلى الله عليه وآله من ضمن أهل البيت أم لا؟

من هم أهل البيت عليهم السلام:

اختلف أهل السنة في المراد بأهل البيت على أقوال:

القول الأول: أنهم نساء النبي صلى الله عليه وآله خاصة، لا يشترك معهن غيرهن، وإلى هذا القول ذهب عكرمة، ونسب إلى ابن عباس.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره: كان عكرمة ينادي في السوق: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة (1).

وهذا القول مردود؛ إذ لم يدل دليل صحيح على أن الآية نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله، أو أن المراد بأهل البيت هم نساء النبي صلى الله عليه وآله خاصّة، بل إن أكثر المفسِّرين ذهبوا إلى أن هذه الآية نزلت في الخمسة أصحاب الكساء كما دلَّت على ذلك الأحاديث.

قال ابن حجر المكي: أكثر المفسِّرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين؛ لتذكير ضمير (عَنْكُمُ) وما بعده (2).


1- جامع البيان في تفسير القرآن 22/7.
2- الصواعق المحرقة 2/421.

ص: 74

وأقوى ما يمكن أن يُستدل به على أن المراد بأهل البيت هم نساء النبي صلى الله عليه وآله منفردات أو مشتركات مع غيرهن هو أن آية التطهير وقعت في سياق آيات متعدِّدة كان الخطاب فيها موجَّهاً إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله، وهذا دليل على أن المراد بأهل البيت في آية التطهير هم نساء النبي صلى الله عليه وآله خاصّة.

وهذا مردود بأن تغيّر الضمائر من ضمير جمع المؤنث إلى ضمير جمع المذكر يمنع السياق المزعوم؛ لأن مجيء الخطاب في آية التطهير في قوله سبحانه: (عَنْكُمُ) و (وَيُطَهِّرَكُمْ) بلفظ المذكَّر دالٌّ على أن المخاطبين إما ذكور فقط، أو ذكور وإناث فغُلِّب الذكور على الإناث؛ لأن التغليب لا يصح إلا في حال اجتماع الذكور والإناث، ولا يصح خطاب الإناث بضمير الجمع المذكر.

مع أن السياق لو سلّمنا به فإنه دليل ضعيف لا يقاوم الأحاديث التي دلت على أن الإمام عليًّا وفاطمة والحسن والحسين هم أهل النبي صلى الله عليه وآله، وأهل بيته.

فقد أخرج مسلم بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال: ولما نزلت هذه الآية: ( تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُم ْ) [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي (1).

وكذا لا يقاوم السياق ما دلَّ على أن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها، فقالت: أسرَّ إلي: إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً


1- صحيح مسلم 4/1871.

ص: 75

بي. فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك (1).

كما أن السياق المزعوم لا يقاوم الأحاديث التي دلَّت على أن بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله لسن من أهل البيت.

فقد أخرج الترمذي بسنده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33] في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلَّلهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره، فجلّله بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت على خير (2).

وعن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلَّل

على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي، أَذهِبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً. فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير (3).

وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي زوجك وابنيك. قالت: فجاء علي، والحسين، والحسن، فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري. قالت: وأنا أصلي في الحجرة، فأنزل الله عزَّ وجل هذه الآية: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت: فأخذ فضل الكساء، فغشَّاهم به، ثم أخرج يده، فألوى بها إلى السماء، ثم


1- صحيح البخاري 3/1117. صحيح مسلم 4/19٠5.
2- سنن الترمذي 5/351، صحّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/3٠6.
3- سنن الترمذي 5/699، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو أحسن شيء رُوي في هذا الباب. وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/57٠.

ص: 76

قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فأذهِبْ عنهم الرّجس، وطهِّرْهم تطهيراً، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فأذهِبْ عنهم الرّجس، وطهِّرْهم تطهيراً. قالت: فأدخلت رأسي البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير (1).

وأخرج الحاكم بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أم سلمة: يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنك أهلي (2)خير وهؤلاء أهل بيتي، اللهم أهلي أحق (3).

قلت: قوله صلى الله عليه وآله: «هؤلاء أهل بيتي» يردُّ قول من قال: «إن أهل بيته هم نساؤه خاصة لا يشترك معهن غيرهن» ؛ لأن هذا القائل ينفي أن غيرهن من أهل بيته، مع أن الأحاديث السابقة دلَّت على أن عليًّا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هم أهل بيته، كما أن هذه الأحاديث تدل على فساد جعل نساء النبي صلى الله عليه وآله من أهل بيته؛ لأن هذه الأحاديث دلت على أن أم سلمة رضي الله عنها ليست من أهل بيته، مع حصر أهل البيت فيها بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام دون غيرهم، ولو كان معهم غيرهم لقال: إن هؤلاء من أهل بيتي.

القول الثاني: أن أهل البيت هم جميع بني هاشم وبني عبد المطلب.

وهذا القول منسوب إلى زيد بن أرقم كما في حديث أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث: وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به. فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي،


1- مسند أحمد بن حنبل 6/292، قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
2- هكذا في المطبوعة، والصحيح هو: «إنك إلى خير» أو «على خير» كما جاء في أحاديث أخر.
3- المستدرك 2/451، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ص: 77

أذكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم (1).

وإلى هذا القول ذهب الشافعي وغيره.

قال النووي في المجموع: فرع في بيان آل النبي صلى الله عليه وسلم المأمور بالصلاة عليهم، وفيهم ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح في المذهب أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهو الذي نصَّ عليه الشافعي في حرملة، ونقله عنه الأزهري والبيهقي، وقطع به جمهور الأصحاب (2).

إلا أن هذا القول لم يدل عليه دليل، مع أن الكلام إنما هو في من هم أهل البيت، لا في المراد بآل محمد، فإن بعضهم يخلط بين هذا وهذا، فإن كلمة «آل» ربما يراد بها المعنى اللغوي، أي أهل محمد الذي ربما يشمل رجالاً ونساء لا يشملهم اصطلاح أهل البيت، مع أن الدليل قد دل على أن آل محمد هم أهل البيت من دون فرق، وكيف كان فإن الأحاديث التي دلَّت على أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ترد هذا القول.

مضافاً إلى أن بني هاشم فيهم الفسَّاق والجهال، وهؤلاء ليس لهم عند الله تعالى مقام بحيث يأمر الله تعالى خيار هذه الأمة بالصلاة عليهم بخصوصهم.

وقد اختار ابن حجر العسقلاني أن المراد بآل محمد الذين يُصلّى عليهم هم من حرمت عليهم الصدقة، والمراد بهم في التشهد أزواجه وذرّيّته ومن حرمت عليهم الصدقة جمعاً بين الأدلة؛ لأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه غيره.

وأيَّد ابن حجر العسقلاني هذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي عليهما السلام: «إنَّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة» ، وقوله: «إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ


1- صحيح مسلم 4/1873.
2- المجموع شرح المهذب 3/466.

ص: 78

الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» (1).

ويردّه أن هذا جمع تبرّعي لم يدل عليه دليل، ونهي النبي صلى الله عليه وآله الإمام الحسن عليه السلام عن الأكل من الصدقة إنما هو باعتبار أنه من آل محمد ومن أهل البيت الذين لا تحل لهم الصدقة، وهذا لا يمنع أن يدل دليل آخر على حرمة الصدقة على جميع بني هاشم وبني عبد المطلب من دون أن يشملهم عنوان آل محمد أو أهل البيت.

القول الثالث: أن أهل البيت هم جميع المسلمين التابعين للنبي صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة.

قال ابن حجر العسقلاني: قال ابن العربي: مال إلى ذلك مالك، واختاره الأزهري، وحكاه أبو الطيب الطبري عن بعض الشافعية، ورجَّحه النووي في شرح مسلم، وقيَّده القاضي حسين والراغب بالأتقياء منهم، وعليه يُحمل كلام من أطلق، ويؤيِّده قوله تعالى: ( إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) [الأنفال: 34]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوليائي منكم المتّقون» ، وفي نوادر أبي العيناء أنه غضَّ من بعض الهاشميين، فقال له: أتغض مني وأنت تصلي عليَّ في كل صلاة في قولك: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؟ ! فقال: إني أريد الطيِّبين الطاهرين، ولستَ منهم. ويمكن أن يحمل كلام من أطلق على أن المراد بالصلاة الرحمة المطلقة فلا تحتاج إلى تقييد، وقد استدل لهم بحديث أنس رفعه: «آل محمد كل تقي» ، أخرجه الطبراني، ولكن سنده واهٍ جدًّا، وأخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف (2).

ويَرُدُّ هذا القول أن دليل هؤلاء حديث ضعيف لا تقوم به حجّة، مع أنه يمكن أن يكون معناه هو: أن آل محمد هم الجامعون لصفات الأتقياء، كقولهم: «كل الصيد في جوف الفرا» ، أي أن الفرا - وهو حمار الوحش - جمع كل صفات الصيد المرغوبة.


1- فتح الباري 11/187.
2- نفس المصدر 11/188.

ص: 79

مع أن الكلام في المراد بأهل البيت أو آل محمد، لا في شمول أولياء رسول الله صلى الله عليه وآله - وهم محبّوه وناصروه - لكل مؤمن تقي.

القول الرابع: أهل البيت هم أمير المؤمنين والسيدة فاطمة والإمامان الحسن والحسين والأئمة من أبناء الحسين عليهم السلام.

والأحاديث التي رواها الشيعة وأهل السنة دلت على أن أهل البيت في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا منحصرين في أصحاب الكساء عليهم السلام دون غيرهم.

وحديث الثقلين الذي سبق ذكره يدل كما أوضحنا فيما تقدَّم على أن أهل

البيت لا يفترقون عن كتاب الله سبحانه، وحتى يتحقق ذلك لا بد أن يكون فيهم في كل عصر إمام يُقتدى به.

ولا يخفى أن معنى «أهل البيت» في اللغة: أصحابه والساكنون فيه، وهذا يشمل الزوجات وغيرهن من النساء والأولاد والبنات، كباراً وصغاراً، ولكن لفظ «أهل البيت» صار مصطلحاً خاصًّا، لا يراد به المعنى اللغوي الشامل لكل هؤلاء، كما أن لفظ «البيت» صار في بعض استعمالاته اصطلاحاً خاصًّا يراد به الكعبة المشرفة، دون بقية البيوت، وكذلك لفظ «المدينة» فإنه وإن كان موضوعاً في اللغة لكل مدينة، إلا أنه صار اصطلاحاً خاصًّا للمدينة المنورة.

وأهل البيت صار كما قلنا مصطلحاً خاصًّا لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأفضل أهل البيت في عصره بعد الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام.

أما في زمان النبي صلى الله عليه وآله فإنه حصر إطلاقه على علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما دلّت عليه أحاديث كثيرة ذكرنا بعضاً منها فيما تقدَّم.

ص: 80

أئمة أهل البيت الاثنا عشر عليهم السلام

اشارة

اتّفقت كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة على جلالة أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام، وعلمهم، وتقواهم، وورعهم، وزهدهم، وغير ذلك، ولا تجد فئة من الناس غيرهم اتفق الشيعة وأهل السنة على أهليّتهم للإمامة.

وسنذكر في الصفحات الآتية تعريفاً بهؤلاء الأئمة، ومن أراد التوسّع فليرجع إلى كتب التراجم الموسَّعة.

الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

اشارة

(23 ق. ه- - 4٠ ه-)

وُلد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة المشرفة في السنة الثالثة والعشرين قبل الهجرة، ولم يولد قبله ولا بعده في جوف الكعبة أحد.

قال الحاكم النيسابوري: وقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة (1).

وقال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد قدس سره: وُلد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالى سواه، إكراماً من الله تعالى له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم (2).


1- المستدرك 3/483.
2- الإرشاد 1/5.

ص: 81

وقال أمين الإسلام الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره: وُلد عليه السلام بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد قط في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً لمحله ومنزلته، وإعلاء لرتبته (1).

وهو أول من آمن من الذكور، فإنه آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وهو صبي صغير، ونصر رسول الله صلى الله عليه وآله منذ صباه، ولما أراد

النبي صلى الله عليه وآله أن يهاجر إلى المدينة أمره أن يبات في فراشه، فنزل قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [البقرة: 2٠7]، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وآله بعد أن أدّى ما عنده من أمانات، وحمل معه إلى المدينة فاطمة بنت رسول الله عليها السلام، وغيرها.

وزوَّجه رسول الله ابنته السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام سيّدة نساء العالمين، ورُزق منها ولديه الحسن والحسين عليهما السلام، ونزل في فضله آيات كثيرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في فضائله ما لم يقله في أحد غيره حتى مُلئت كتب المسلمين بذكر فضائله.

ومن نظر بإنصاف في فضائله ومزاياه يجد أنه من الظلم أن يُقاس غيره به، لأنه سلام الله عليه فاق جميع الناس في جميع الفضائل، فقد كان أول الصحابة إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، وأشجعهم، وأورعهم، وأزهدهم، وأكرمهم، وأعدلهم في الرعية، وأقسمهم بالسوية، وأسبقهم في كل فضيلة.

وكان كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، وقد حُفِظ من كلامه خُطَب ومكاتبات ووصايا وكلمات كثيرة بلغت الغاية في الفصاحة والبلاغة، حتى جمع جملة وافرة منها السيّد الرضي قدس سره في كتاب أسماه: نهج البلاغة.

وشهد أمير المؤمنين عليه السلام مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله كلها، وكان حامل لوائه


1- إعلام الورى: 159.

ص: 82

فيها، وله في كل المشاهد بطولات مشهورة، وقد فتح حصن خيبر، وقتل مرحباً اليهودي، وجندل عمرو بن عبد ود العامري، وغيرهما من شجعان العرب، حتى خلّد الدهر شجاعته التي صارت مضرب المثل.

وخلَّفه رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة لما ذهب إلى غزوة تبوك، وقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي.

وهو أحد الذين نزل فيهم قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [الأحزاب: 33]، وأحد الذين خرج بهم النبي صلى الله عليه وآله لمباهلة نصارى نجران، بعدما نزل قوله تعالى: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) [آل عمران: 61].

ورغم أن سلاطين الجور أكبوا على منابذته وكتم فضائله وجحد مآثره، إلا أن ما ظهر من فضائله لا يُعَد ولا يُحصى.

وقد سُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله: ما تقول في علي بن أبي طالب؟ فقال: ما أقول في حق امرئ كتمتْ فضائلَه أولياؤه خوفاً، وكتمت مناقبَه أعداؤه حسداً، ثم ظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين.

وقد نظم السيد تاج الدين العاملي رحمه الله هذا المعنى في قوله:

لقد كَتمتْ آثارَ آلِ محمّدٍ *مُحِبُّوهمُ خوفاً وأعداؤهم بُغْضا *فأُبْرِزَ مِنْ بَيْنِ الفريقينِ نُبْذَةٌ *بها مَلأَ اللهُ السماواتِ والأرضا . t .

وقد أخبره النبي صلى الله عليه وآله بأن الأمة ستغدر به من بعده، فقد أخرج الحاكم بسنده عن علي عليه السلام، قال: إن مما عهد إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده (1).

وقال له: أما إنك ستلقى بعدي جهداً. قال: في سلامة من ديني؟ قال: في


1- المستدرك 3/15٠، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ص: 83

سلامة من دينك (1).

كما أخبره صلى الله عليه وآله بضغائن في صدور أقوام لا يبدونها له إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وآله، فقد أخرج الحاكم بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتنق عليًّا، ثم أجهش باكياً، قال: قلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي. قال: قلت: يا رسول الله في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك (2).

وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله تولى أمير المؤمنين عليه السلام تجهيزه ودفنه، بينما انشغل غيره بالنزاع على الخلافة في سقيفة بني ساعدة، ومع أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى له بالخلافة في أحاديث كثيرة لا تخفى على كل منصف، إلا أن الخلافة زُحزحت عنه، فبايع الناس أبا بكر، ثم عمر، ولما ضُرب عمر، أوصى بأن يكون أمير المؤمنين عليه السلام من ضمن الستة أصحاب الشورى، إلا أن الخلافة آلت إلى عثمان، وبعد مقتل عثمان بايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام، لكن الأمور لم تستقر له؛ إذ رفض معاوية أن يبايعه، واستقل بالشام، وخرج عليه طلحة والزبير وعائشة، وذهبوا إلى البصرة، فضربوا عامله وأخرجوه منها، فكانت موقعة الجمل التي أسفرت عن مقتل طلحة والزبير، ثم كانت موقعة صفين التي توقفت بمكيدة من عمرو بن العاص لما رفع هو وأصحابه المصاحف، وطالبوا بتحكيم كتاب الله تعالى، ومع أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يرضَ بالتحكيم، وكان يعلم أنها مكيدة، إلا أنه وافق عليه لما رأى اختلاف عسكره وإصرارهم على التحكيم، وكان جماعة كبيرة من عسكره رفضوا التحكيم، ورفعوا شعار: «لا حُكْم إلا لله» ، فانشقّوا عليه، فسُمّوا بالخوارج، وهؤلاء خطَّؤوا أمير المؤمنين عليه السلام بل كفّروه، وطالبوه بالتوبة، ثم حاربوه في موقعة النهروان، فهزمهم شرّ هزيمة، ولكنهم تآمروا عليه


1- نفس المصدر 3/151، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
2- مسند أبي يعلى 1/256. المعجم الكبير 11/73. وأخرجه الحاكم مختصراً في المستدرك 3/149، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ص: 84

بعد ذلك، فقتله غيلةً واحدٌ منهم وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي أثناء صلاة الفجر في مسجد الكوفة في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك في سنة أربعين من الهجرة، وبقي عليه السلام بعد أن ضُرب ثلاثة أيام، ثم انتقل إلى جوار ربه، ودُفن في الغري من ناحية الكوفة، وصار قبره ملاذاً للشيعة، إذ انتقل كثير منهم للسكنى إلى جواره، فيما صار يُعرف بالنجف الأشرف، وهي مدينة كبيرة صارت مأوى للعلماء والمفكّرين وطلاب العلوم الدينية، وله فيها مقام مشهور يُزار ويُتبرَّك به.

له من الأولاد الذكور والإناث ثمانية وعشرون، أشهرهم الإمامان الحسن، والحسين، وزينب الكبرى، وأم كلثوم عليهم السلام، وأمّهم فاطمة بنت رسول الله عليها السلام، ومن أشهر أولاده العبّاس عليه السلام، وأمّه أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية عليها السلام، ومحمد بن الحنفية، وأمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال السيوطي: عليٌّ رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيِّدة نساء العالمين رضي الله عنها، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العلماء الربّانيين، والشجعان المشهورين، والزهّاد المذكورين، والخطباء المعروفين، وأحد من جمع القرآن وعرضه على النبي عليه الصلاة السلام. . . وهو أول خليفة من بني هاشم، وأبو السبطين، أسلم قديماً، بل قال ابن عباس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة: إنه أول من أسلم. ونقل بعضهم الإجماع عليه. . . وكان عمره حين أسلم عشر سنين، وقيل: تسع، وقيل: ثمان، وقيل دون ذلك. . .

إلى أن قال: وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدراً وأُحداً وسائر المشاهد إلا تبوك، فإن النبي صلى الله عليه وآله استخلفه على المدينة، وله في جميع المشاهد آثار مشهورة، وأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام اللواء في

مواطن كثيرة. . .

ص: 85

وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة (1).

وقال الإمام النووي: كنية علي رضي الله عنه أبو الحسن، وكنّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا تراب، فكان أحب ما يُنادى به إليه، وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيّدة نساء العالمين، وأبو السبطين، وأول هاشمي وُلد بين هاشميِّين، وأول خليفة من بني هاشم، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد العلماء الربانيّين، والشجعان المشهورين، والزهّاد المذكورين، وأحد السابقين إلى الإسلام (2).

وقال ابن عبد البر: وأجمعوا على أنه [أي عليًّا عليه السلام] صلّى القبلتين، وهاجر، وشهد بدراً وأُحداً وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وأُحد والخندق وخيبر بلاءً عظيماً، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة.

إلى أن قال: ولم يتخلّف إلا في تبوك، خلَّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة، وقال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (3).

وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: «سلوني» إلا علي (4).

وقال: كان عمر بن الخطاب يتعوّذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن (5).

وعن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب: أقرؤنا أُبَيٌّ، وأقضانا عليٌّ (6).


1- تاريخ الخلفاء: 155.
2- تهذيب الأسماء واللغات 1/344.
3- الاستيعاب 3/33.
4- تهذيب الأسماء واللغات 1/346. تاريخ الإسلام 2/638. الاستيعاب 3/4٠.
5- الطبقات الكبرى 2/339. الاستيعاب 3/39. تاريخ الإسلام 2/638.
6- صحيح البخاري 3/1354.

ص: 86

وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عمر وعلي وابن مسعود وعبد الله رضي الله عنهم (1).

وقال عبد الله بن عياش: كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم،

وكان له البسطة في العشيرة، والقِدم في الإسلام، والعهد برسول الله صلى الله عليه وآله، والفقه في السنة، والنجدة في الحرب، والجود في المال (2).

وعن ابن عباس، قال: إذا حدّثَنا ثقة عن علي بفُتْيا لا نعدوها (3).

وقال: أُعطي علي تسعة أعشار العلم، والله لقد شاركهم في العُشر الباقي (4).

وقال الإمام النووي: وأما علمه فكان من العلوم بالمحل العالي. . . وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور، وأما زهده فهو من الأمور المشهورة التي اشترك في معرفتها الخاص والعام. . .

إلى أن قال: وأحوال علي رضي الله عنه وفضائله في كل شيء مشهورة غير منحصرة (5).

ما قيل في فضائله عليه السلام:

قال الإمام أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي (6).

وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حقِّ أحد


1- تاريخ الإسلام 2/638. تاريخ الخلفاء:16٠.
2- الاستيعاب 3/43. تاريخ الخلفاء:16٠.
3- الطبقات الكبرى 2/338. الاستيعاب 3/4٠. تاريخ الخلفاء: 16٠.
4- تهذيب الأسماء واللغات 1/346. الاستيعاب 3/4٠.
5- تهذيب الأسماء واللغات 1/345-348.
6- المستدرك 3/1٠7. تاريخ الإسلام 2/638. الاستيعاب 3/51.

ص: 87

من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في علي (1).

وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس، قال: كانت لعلي ثماني عشرة منقبة لو لم يكن له إلا واحدة منها لنجا بها، ولقد كانت له ثلاث عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمّة (2).

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن سعد بن أبي وقاص، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أمَّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلَّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليًّا. فأُتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع إليه الراية، ففتح الله عليه. ولمَّا نزلت هذه الآية: ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) [آل عمران: 61]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي (3).

وأخرج أحمد بن حنبل بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحبَّ إليَّ من حمر النعم: زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، وولدت له، وسدَّ الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر (4).


1- الصواعق المحرقة: 148.
2- المعجم الأوسط 6/18٠.
3- صحيح مسلم 4/1871.
4- مسند أحمد بن حنبل 2/26. مسند أبي يعلى 5/1٠2. قال ابن حجر في فتح الباري 7/19: أخرجه أحمد، وإسناده حسن. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/12٠: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح. وقال الألباني في ظلال الجنة 2/345: إسناده جيّد، رجاله كلهم ثقات.

ص: 88

وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد: هو أول عربي وأعجمي صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، والذي صبر معه يوم المهراس (1)، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره (2).

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس، قال: ما نزل في شأن أحد من كتاب الله ما نزل في علي.

وقال: نزلت في علي ثلاثمائة آية (3).

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: ما أنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلا علي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في غير مكان، وما ذكر عليًّا إلا بخير (4).

قلت: لأمير المؤمنين عليه السلام فضائل كثيرة لم يشاركه فيها أحد من الصحابة، ورد بعض منها في الأحاديث السابقة، وبعضها الآخر سيأتي، ويكفي أن الشيعة وأهل السنة اتّفقوا على كثير من فضائله، وأما فضائل غيره من الصحابة فإنهم اختلفوا في ثبوتها.

بعض فضائل أمير المؤمنين عليه السلام:
اشارة

فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر من أن تُحصر، وأشهر من أن تذكر، وسنذكر بعضاً من فضائله سلام الله عليه.

فمن فضائله عليه السلام:


1- يوم المهراس هو يوم أُحد، جاء فيه علي عليه السلام بماء من مهراس. والمهراس: صخرة منقورة تسع كثيراً من الماء.
2- المستدرك 3/111. الاستيعاب 3/27.
3- تاريخ دمشق 45/278.
4- المعجم الكبير 11/264.

ص: 89

١- الإمام علي عليه السلام أول الناس إسلاماً:

أخرج الطبراني عن أبي إسحاق: إن عليًّا رضي الله عنه لما تزوّج فاطمة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: زوَّجتنيه أُعَيمش عظيم البطن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سِلماً - أي إسلاماً - وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً (1).

وعن معقل بن يسار - في حديث - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: أما ترضين أن أزوّجك أقدم أُمّتي سِلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً (2).

وأخرج الترمذي وأحمد والحاكم وابن سعد وغيرهم عن زيد بن أرقم، قال: إن أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب (3).

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن سلمان، قال: أول هذه الأمّة وروداً على نبيِّها صلى الله عليه وسلم أولها إسلاماً: علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4).

وعن ابن عباس، قال: علي بن أبي طالب أول من آمن من الناس بعد خديجة (5).


1- المعجم الكبير 1/94. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/1٠2: رواه الطبراني، وهو مرسل صحيح الإسناد. در السحابة: 2٠5، ووثق رجاله.
2- مسند أحمد 5/26. مجمع الزوائد 9/1٠1، قال: رواه أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان، وثقه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله ثقات.
3- سنن الترمذي 5/642 وصحّحه. مسند أحمد 4/368. المستدرك 3/136، وصحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي.
4- المعجم الكبير 6/265. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/1٠2: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
5- مسند أحمد 1/331. المستدرك 3/143، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. قال ابن عبد البر في الاستيعاب 3/28: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد؛ لصحَّته وثقة نقَلَته.

ص: 90

وأخرج أحمد بن حنبل عن علي، قال: أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وأخرج أحمد والطبراني وأبو يعلي عن علي عليه السلام - في حديث - قال: اللهم لا أعترف أن عبداً لك من هذه الأمّة عبَدَك قبلي غير نبيّك - ثلاث مرار - لقد صلّيت قبل أن يصلي الناس سبعاً (2).

وأخرج الحاكم وغيره عن أنس، قال: نُبِّئ النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء (3).

وعن بريدة - في حديث - قال: أُوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء (4).

قال السيوطي: قال ابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وجماعة (5): إنه أول من أسلم. ونقل بعضهم الإجماع عليه (6).

وقال ابن عبد البر: قال ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل وقتادة وأبو إسحاق: أول من أسلم من الرجال علي. واتفقوا على أن خديجة أوّل من آمن بالله ورسوله، وصدَّقه فيما جاء به، ثم علي بعدها.

وقال: سُئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم: أعليٌّ أم أبو بكر رضي الله عنهما؟ قال: سبحان الله، عليٌّ أولهما إسلاماً، وإنما شُبِّه على الناس لأن عليًّا أخفى


1- مسند أحمد 1/141. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/1٠3: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير حبة العرني، وقد وُثق.
2- مسند أحمد 1/99. المعجم الأوسط 1/473. مسند أبي يعلى 1/217. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/1٠2: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار والبزار والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. در السحابة: 2٠6، وحسَّنه.
3- المستدرك 3/112. در السحابة: 2٠7، ووثق الشوكاني رجاله.
4- المستدرك 3/112. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
5- منهم: أبو ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبو سعيد كما في أسد الغابة 4/18، والاستيعاب 3/27. ومنهم: أبو رافع، وعفيف بن عبد الله الكندي، وأبو أيوب الأنصاري، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة الأسلمي، والبراء بن عازب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وكعب بن زهير، وخزيمة بن ثابت، وغيرهم خلق كثير. راجع ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق 1/41 - 116، الغدير 3/224 وما بعدها.
6- تاريخ الخلفاء: 156.

ص: 91

إسلامه [خوفاً] من أبي طالب (1)، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، ولا شك أن عليًّا عندنا أولهما إسلاماً (2).

٢- الإمام علي عليه السلام مولى كل مؤمن ومؤمنة:

أخرج الترمذي وأحمد وغيرهما عن زيد بن أرقم وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي في سننه، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجة في سننه، والحاكم في المستدرك، وصحَّحه، ووافقه الذهبي. كما أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، وغيرهم، وعدَّه السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة) من الأحاديث المتواترة، وكذا الكتاني في نظم المتناثر، والزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة، والحافظ شمس الدين الجزري في أسنى المطالب، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3).

والمراد بالمولى هنا: مَنْ له الولاية الذي هو الأولى بالتصرّف، فالمولى والولي شيء واحد، بدليل ما ورد في كثير من طرق الحديث، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيها الناس، ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه (4).


1- هذا بناء على معتقدهم بعدم إيمان أبي طالب عليه السلام، ولكن مع قيام الأدلة الثابتة على إيمانه فإن زعم إخفاء أمير المؤمنين عليه السلام إيمانه خوفاً من أبيه لا يمكن قبوله بحال، والأحاديث الكثيرة الصحيحة دلت على أن أمير المؤمنين عليه السلام هو أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله من الرجال، وهذا كاف وواف.
2- الاستيعاب 3/29. للإطلاع على المزيد راجع كتاب الغدير للأميني 3/219 - 243.
3- سنن الترمذي 5/633. سنن ابن ماجة 1/43. المستدرك 3/1٠9، 11٠. مسند أحمد بن حنبل 1/84، 118، 119، 152، 331، 4/281، 368، 37٠، 372، 5/347، 366، 419. قطف الأزهار المتناثرة: 277. نظم المتناثر: 2٠6. لقط اللآلئ المتناثرة: 2٠5. أسنى المطالب: 5. سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/343.
4- سنن ابن ماجة 1/43. صحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/26. وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/331: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/1٠4: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. وقال الحاكم المستدرك 3/11٠: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. وقال البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة 9/194: رواه إسحاق بسند صحيح.

ص: 92

وقوله صلى الله عليه وآله: «إن عليًّا منّي وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي» شاهد على ذلك.

قال المناوي: قال الحرالي: والمولى هو الولي اللازم الولاية، القائم بها، الدائم عليها لمن تولاّه، بإسناد أمره إليه فيما هو ليس بمستطيع له (1).

وهذا نص صريح وصحيح في خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام دون سواه.

٣- منزلة الإمام علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله كمنزلة هارون من موسى:

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي (2).

ومنزلة هارون من موسى عليهما السلام في كتاب الله العزيز هي منزلة الوزارة والخلافة.

قال تعالى: ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ) [طه: 29، 3٠]، وقال سبحانه: ( وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) [الأعراف: 142].

ومن كانت له هذه المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله فهو المتعيِّن للخلافة، دون


1- فيض القدير 4/358.
2- صحيح البخاري 3/1142. صحيح مسلم 4/187٠-1871. عدّ السيوطي هذا الحديث في (قطف الأزهار المتناثرة) : 281 من الأحاديث المتواترة. وكذا الكتاني في (نظم المتناثر) : 2٠6، والزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة) : 31.

ص: 93

من لم تثبت له من رسول الله صلى الله عليه وآله مثل هذه المنزلة.

4- الإمام علي عليه السلام خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده:

أخرج أحمد والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (1).

وأخرج ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لستَ نبيًّا، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي (2).

وفي موضع آخر قال صلى الله عليه وآله: أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لستَ بنبي، وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي (3).

5- الإمام علي عليه السلام يحب الله ورسوله ويحبّانه:

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله (4).

6- الإمام علي عليه السلام مع القرآن والقرآن مع علي:

أخرج الحاكم وغيره عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي


1- مسند أحمد بن حنبل 1/33٠-331. المعجم الكبير للطبراني 12/99. المستدرك 3/133، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/12٠: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي بلج الفزاري، وهو ثقة، وفيه لين.
2- كتاب السنة 2/551، قال الألباني في تعليقته: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ.
3- كتاب السنة 2/589 بنفس السند السابق في 2/551.
4- صحيح البخاري 3/128٠. صحيح مسلم 4/1871-1872.

ص: 94

مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض (1).

٧- الإمام علي عليه السلام مع الحق، يدور الحق معه حيثما دار:

أخرج أبو يعلى وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار، فخرج علينا، فقال: ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى. قال: خياركم الموفون المطيبون، إن الله يحب الحفي التقي. قال: ومرَّ علي بن أبي طالب فقال: الحق مع ذا، الحق مع ذا (2).

وأخرج البزار عن حذيفة بن اليمان، قال: انظروا إلى الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها، فإنها على الهدى (3).

وأخرج الترمذي والحاكم عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم أدِر الحق معه حيث دار (4).

وأخرج البزار أيضاً عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي من فارقني فارق الله، ومن فارقك يا علي فارقني (5).

قال الفخر الرازي: ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى،

والدليل عليه قوله عليه السلام: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار (6).

٨- النظر إلى وجه الإمام علي عليه السلام عبادة:

أخرج الحاكم وغيره عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


1- المستدرك 3/124. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
2- مسند أبي يعلى 1/451. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/235 234: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات.
3- قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/236: رواه البزار، ورجاله ثقات.
4- سنن الترمذي 5/633. المستدرك 3/124-125، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
5- قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/135: رواه البزار ورجاله ثقات. ووثق الشوكاني رواة الحديث في در السحابة: 226.
6- التفسير الكبير 1/2٠5.

ص: 95

النظر إلى وجه علي عبادة (1).

٩- أخو النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخرة:

أخرج الترمذي وغيره، عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيتَ بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة (2).

أقول : ذكر هذه المؤاخاة كثير ممن ترجم أمير المؤمنين عليه السلام وقد تقدَّم شيء من ذلك.

١٠- باب مدينة العلم:

أخرج الحاكم عن علي عليه السلام وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب (3).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال السيوطي: هذا حديث حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم، ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي، وقد بيَّنتُ حاله في التعقيبات على الموضوعات (4).

وقال ابن حجر في فتاويه: إنه من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة، ولا ينحط إلى الكذب (5).

وقال الحافظ العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار طرقه، لا صحيح ولا


1- المستدرك 3/141-142، وصحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 161: إسناده حسن. وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة، ص 361 بعد أن ذكر طرق الحديث: فظهر بهذا أن الحديث مِن قسم الحسن لغيره، لا صحيحاً كما قال الحاكم، ولا موضوعاً كما قال ابن الجوزي.
2- سنن الترمذي 5/636، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. المستدرك 3/14.
3- المستدرك 3/126-127.
4- تاريخ الخلفاء: 159.
5- عن فيض القدير 3/46.

ص: 96

ضعيف (1).

وقال الزركشي: الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً (2).

قال ابن عساكر: قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.

قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية، وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه (3).

قلت: إذا صحَّ هذا الحديث عن أبي معاوية فهو صحيح عندهم؛ لأن أبا معاوية يرويه عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، والقوم إنما يتّهمون بوضع هذا الحديث أبا الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، وهو إنما يرويه عن أبي معاوية.

وقد روى هذا الحديث عن أبي معاوية جماعة كما قال الخطيب، منهم: رجاء بن سلمة، والحسن بن علي بن راشد، وأحمد بن سلمة أبو عمرو الجرجاني، وعمر بن إسماعيل بن مجالد، ومحمد بن جعفر الفيدي، وجعفر بن محمد البغدادي (4).

١١- لا يحب عليًّا عليه السلام إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق:

أخرج مسلم وغيره، عن علي عليه السلام قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمّي إليَّ أنه لا يحبّني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق (5).

وعن أبي سعيد الخدري، قال: إنّا كنّا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار


1- المصدر السابق 3/47.
2- نفس المصدر.
3- تاريخ دمشق 45/291.
4- راجع تاريخ دمشق 45/289-292.
5- صحيح مسلم 1/86.

ص: 97

ببغضهم علي بن أبي طالب 1.

١٢- الإمام علي عليه السلام سيّد العرب:

أخرج الحاكم النيسابوري وغيره، عن عائشة وغيرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا سيّد ولد آدم، وعلي سيّد العرب (1).

وقريب منه ما رواه الحاكم بسنده عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوحي إليَّ في علي ثلاث: أنه سيّد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجَّلين (2).

وهذان الحديثان واضحا الدلالة على أفضلية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه أولى من غيره بالخلافة.

١٣- الإمام علي عليه السلام خشن في ذات الله:

أخرج أحمد والحاكم، عن أبي سعيد الخدري، قال: شكا عليَّ بن أبي طالب الناسُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس، لا تشكوا عليًّا، فو الله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله (3).

١4- الإمام علي عليه السلام ممّن أُمر النبي بحبّهم:

أخرج الترمذي، وابن ماجة، وأحمد، والحاكم، وغيرهم، عن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبّهم، قيل: يا رسول الله سمِّهم لنا. قال: عليٌّ منهم - يقول ذلك ثلاثاً - وأبو ذر، والمقداد، وسلمان،


1- المستدرك 3/124، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
2- المستدرك 3/148، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
3- مسند أحمد 3/86. المستدرك 3/134، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. ووثق الشوكاني رواة الحديث في در السحابة: 223. وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/626: وهذا إسناد جيِّد، رجاله ثقات معروفون، غير زينب بنت كعب، فقال في التجريد: صحابية تزوَّجها أبو سعيد الخدري.

ص: 98

أمرني بحبّهم، وأخبرني أنه يحبّهم (1).

١5- الإمام علي عليه السلام ممَّن تشتاق الجنة إليهم:

أخرج الحاكم والبزار والطبراني وغيرهم، عن أنس وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي، وعمّار، وسلمان (2).

١6- أمر النبي صلى الله عليه وآله بسد الأبواب إلا باب الإمام علي عليه السلام:

أخرج الترمذي وأحمد والحاكم وغيرهم، عن ابن عباس وغيره، أن

رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بسد الأبواب إلا باب علي (3).

وعن سعد قال: أمرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي رضي الله عنه (4).

وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك (5).

وأورد السيوطي بعض طرق حديث سد الأبواب إلا باب علي، وصحَّح


1- سنن الترمذي 5/636، وقال: هذا حديث حسن. سنن ابن ماجة 1/53، مسند أحمد 5/351، 356. المستدرك 3/13٠، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
2- المستدرك 3/137، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. المعجم الكبير 6/215. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/33٠: رواه البزار، وإسناده حسن، وقال 9 /344: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي ربيعة الأيادي، وقد حسَّن الترمذي حديثه.
3- سنن الترمذي 5/641، المستدرك 3/125. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مسند أحمد 1/175، 331، 2/26، 4/369. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/114: وإسناد أحمد حسنٌ.
4- مسند أحمد بن حنبل 1/175. قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 7/11: أخرجه أحمد، والنسائي، وإسناده قوي. ثم ساق بعض طرق الحديث، ووثق أسانيد بعضها، وحسَّن بعضاً آخر منها، ثم قال: وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها.
5- سنن الترمذي 5/639، وقال: هذا حديث حسن غريب.

ص: 99

بعضها، وحسَّن بعضها الآخر، ثم قال: قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة، بل المتواترة، أنه صلى الله عليه وسلم منع من فتح باب شارع إلى مسجد، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعمّه العباس، ولا لأبي بكر، إلا لعلي (1).

وقال الشوكاني: بالجملة فالحديث ثابت، لا يحل لمسلم أن يحكم ببطلانه، وله طرق كثيرة جدًّا (2).

١٧- الإمام علي مِن النبي صلى الله عليه وآله، والنبي منه:

أخرج البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي: أنت مني، وأنا منك (3).

وأخرج الترمذي بسنده عن حبشي بن جنادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي منّي، وأنا من علي، ولا يؤدّي عني إلا أنا أو علي (4).

قال ابن حجر: قوله: «وقال لعلي: أنت منّي وأنا منك» أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا، ولم يرد محض القرابة، وإلا فجعفر شريكه فيها (5)، وهو قول الملا علي القاري والمناوي وغيرهما (6).

١٨- الإمام علي عليه السلام أحب الخلق إلى الله:

أخرج الترمذي والحاكم، عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير، فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه (7).


1- الحاوي للفتاوي 2/16.
2- الفوائد المجموعة: 366.
3- صحيح البخاري 2/82٠، 3/114٠، 1289.
4- سنن الترمذي 5/636، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/522.
5- فتح الباري 7/4٠9.
6- مرقاة المفاتيح 1٠/461. فيض القدير 4/357.
7- سنن الترمذي 5/636. المستدرك 3/142، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحّت الرواية عن علي، وأبي سعيد الخدري، وسفينة. المعجم الكبير 7/82. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/125-126: رواه البزار والطبراني باختصار، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة. وقال الذهبي في تاريخ الإسلام 3/633: له طرق كثيرة عن أنس متكلّم فيها، وبعضها على شرط السنن.

ص: 100

أقول : أنكر أكثر القوم هذا الحديث، وضعَّفوه مع صحّة سنده، وكثرة طرقه التي تلحقه بالحَسن على الأقل، والسبب أنه مخالف للمعتقد الموروث بتفضيل غيره عليه، ومَن لم يجسر على رد هذا الحديث أوَّله بما يخرجه عن أن يكون فضيلة ذات شأن لأمير المؤمنين عليه السلام.

١٩- من آذى الإمام عليًّا عليه السلام فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وآله:

أخرج أحمد والحاكم وغيرهما، عن عمرو بن شاس الأسلمي - في حديث - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ آذى عليًّا فقد آذاني (1).

وأخرج أبو يعلى بسنده عن سعد بن أبي وقاص، قال: كنتُ جالساً في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان يُعرَف في وجهه الغضب، فتعوَّذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم وما لي؟ من آذى عليًّا فقد آذاني (2).

٢٠- مَن سبَّ الإمام عليًّا عليه السلام فقد سبَّ رسول الله صلى الله عليه وآله:

أخرج أحمد والحاكم وغيرهما، عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن سبَّ عليًّا فقد سبَّني، ومن سبَّني فقد سبَّ الله

تعالى (3).


1- مسند أحمد3/483. المستدرك 3/131. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/129: رواه أحمد والطبراني. . . ورجال أحمد ثقات. . . ورمز له السيوطي في الجامع الصغير 2/547 بالصحة. وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/373: وبالجملة، فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق.
2- مسند أبي يعلى 1/325. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/129: رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.
3- مسند أحمد 6/323. المستدرك 3/121، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/13٠: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي عبد الله الجدلي، وهو ثقة. ورمز له السيوطي في الجامع الصغير 2/6٠8 بالصحة.

ص: 101

٢١- مَن أحبَّ الإمام عليًّا عليه السلام فقد أحبَّ النبي صلى الله عليه وآله، ومَن أبغضه أبغضه:

أخرج الحاكم وغيره، عن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبَّ عليًّا فقد أحبَّني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني (1).

٢٢- رد الشمس للإمام علي عليه السلام:

أخرج الطبراني والطحاوي وغيرهما، عن أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليًّا في حاجة، فرجع وقد صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي فنام، فلم يحرِّكه حتى غابت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن عبدك عليًّا احتبس بنفسه على نبيِّه، فرُدَّ عليه الشمس» . قالت: فطلعت عليه الشمس حتى رفعت على الجبال وعلى الأرض، وقام علي فتوضأ وصلَّى العصر، ثم غابت وذلك بالصهباء (2).

قال السيوطي: الحديث صرَّح جماعة من الأئمة والحفّاظ بأنه صحيح. قال القاضي عياض في الشفاء: أخرج الطحاوي في مشكل الآثار عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي. . . فذكر الحديث. قال الطحاوي: وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات. وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كان يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء؛ لأنه من علامات النبوّة (3).

ثم قال: ومما يشهد بصحة ذلك قول الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره: «ما أُوتي نبي معجزة إلا أوتي نبيّنا صلى الله عليه وسلم نظيرها أو أبلغ منها» ، وقد صحَّ أن الشمس حُبست


1- المستدرك 3/13٠، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. . . ووافقه الذهبي. ورمز له السيوطي بالصحة في الجامع الصغير 2/554، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/1٠34، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 3/288.
2- المعجم الكبير 24/145. مشكل الآثار 2/9، 4/388، 389.
3- اللآلئ المصنوعة 1/337.

ص: 102

على يوشع ليالي قاتل الجبارين، فلا بد أن يكون لنبيّنا صلى الله عليه وسلم نظير ذلك، فكانت هذه القصة نظير تلك، والله أعلم (1).

أقول : لقد أشبع شيخنا العلّامة الأميني أعلى الله مقامه البحث حول هذا الحديث في كتاب الغدير 3/126-141، فذكر طُرُقه ومَن صحَّحه من أعلام أهل السنّة، بما لا يحتاج إلى مزيد، وألف العلّامة المحقّق المتتبِّع السيد محمد مهدي الخرسان حفظه الله كتاباً خاصًّا في رد الشمس، أسماه: (مزيل اللبس في مسألتي شق القمر ورد الشمس) ، فراجعه فإنه نافع جدًّا.

ولو أردنا أن نستقصي فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لطال بنا المقام، وما بلغنا الغاية، وما ذكرناه فيه الكفاية.


1- المصدر السابق 1/341.

ص: 103

الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

اشارة

(3 - 5٠ه-)

هو السبط الأول وسيد شباب أهل الجنة، أمّه السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام، وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله.

ولد بالمدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان في سنة ثلاث من الهجرة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله حسناً، وكناه بأبي محمد، وعقَّ عنه كبشاً.

وكان الحسن بن علي عليه السلام أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله في خَلْقه وخُلُقه وسؤدده وهديه، وفضائله كثيرة سنذكر جملة منها.

وهو أحد من نزل فيهم قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33]، وأحد الذين خرج بهم النبي صلى الله عليه وآله لمباهلة نصارى نجران، بعد نزول قوله تعالى: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) [آل عمران: 61].

وقُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له من العمر سبع سنوات وأشهر، وعاش مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام سبعاً وثلاثين سنة، وقد بايعه الناس بالخلافة بعد مقتل أبيه، وكان وصي أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وقد كتب له عهداً مشهوراً ذكره السيد الرضي قدس سره في نهج البلاغة (1)، وكان مع أخيه الإمام الحسين عليهما السلام أفضل أهل زمانهما، وبقي خليفة على الناس ستة أشهر وثلاثة أيام، ثم وقع الصلح بينه وبين


1- نهج البلاغة: 3٠7.

ص: 104

معاوية في سنة إحدى وأربعين من الهجرة، فتنازل لمعاوية عن الأمر لما رأى تخاذل أصحابه وخيانتهم، وعلم أن بعض رؤساء أصحابه كاتبوا معاوية سرًّا، وضمنوا له تسليم الإمام الحسن عليه السلام له، فاضطر لمصالحة معاوية حقناً لدمه ودماء أهل بيته وباقي المسلمين.

وبعد أن تمَّ الصلح عاد الإمام الحسن عليه السلام إلى المدينة، ومكث فيها عشر سنين، إلى أن مات مسموماً في الثامن والعشرين من شهر صفر من

سنة خمسين من الهجرة، سمَّته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، بإيعاز من معاوية الذي أوصل إليها مائة ألف درهم، ووعدها أن يزوّجها من ابنه يزيد إن هي فعلت ذلك، وبعد أن دسَّت السم للإمام الحسن عليه السلام بقي مريضاً أربعين يوماً، ثم مات مظلوماً، فتولى الإمام الحسين عليه السلام تجهيزه، ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد عليها السلام في البقيع.

له من الأولاد الذكور والإناث: ستة عشر، أشهرهم القاسم بن الحسن من شهداء كربلاء، وزيد بن الحسن، كان جليل القدر، وكان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله، والحسن بن الحسن المعروف بالحسن المثنى، وكان جليلاً فاضلاً، تولى صدقات أمير المؤمنين عليه السلام.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال النووي: هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المدني، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله سيّدة نساء العالمين عليها السلام. . . وكان حليماً كريماً ورعاً، دعاه ورعه وحلمه إلى أن ترك الدنيا والخلافة لله تعالى (1).

وقال: ومناقبه رضي الله عنه كثيرة مشهورة (2).

وقال الذهبي: وقد كان هذا الإمام سيّداً، وسيماً، جميلاً، عاقلاً، رزيناً،


1- تهذيب الأسماء واللغات 1/158.
2- المصدر السابق 1/16٠.

ص: 105

جواداً، ممدحاً، خيِّراً، ديِّناً، ورِعاً، محتشماً، كبير الشأن (1).

وقال السيوطي: الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أبو محمد، سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام وريحانته وآخر الخلفاء بنَصِّه. . . روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروت عنه عائشة رضي الله عنها وخلائق من التابعين. . . وكان شبيهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسمّاه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن، وعقّ عنه يوم سابعه، وحلق شعره، وأمر أن يُتصدّق بزنة شعره فضّة، وهو خامس أهل الكساء (2).

قال المفضل: إن الله حجب اسم الحسن والحسين حتى سمّى بهما النبي عليه الصلاة والسلام ابنيه الحسن والحسين (3).

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: هذا - يعني الحسن - أحب أهل الأرض إلى أهل السماء (4).

بعض فضائله عليه السلام:
اشارة

قد وردت في فضله أحاديث كثيرة صحيحة، منها:

١- أن النبي صلى الله عليه وآله سمّاه الحسن:

فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن علي، أنه قال: لما وُلد الحسن سمّيته حرباً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سمَّيتموه؟ قال: قلت: حرباً (5). قال: بل هو حسن. فلما وُلِد الحُسين سمّيته حرباً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أروني ابني، ما سمَّيتموه؟ قال: قلت: حرباً. قال: بل هو حسين. فلما وُلد


1- سير أعلام النبلاء 3/253.
2- تاريخ الخلفاء: 175.
3- المصدر السابق: 176.
4- قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/177: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير هاشم بن البريد، وهو ثقة.
5- ليس صحيحاً أن أمير المؤمنين عليه السلام سمَّى أبناءه بحرب، ولكن نقلت هذا الحديث لما فيه من الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله سمَّى الحسن والحسين والمحسن بهذه الأسماء المباركة.

ص: 106

الثالث سمّيته حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سمّيتموه؟ قلت: حرباً. قال: بل هو محسن. ثم قال: سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبر وشبير ومشبر (1).

٢- أن الإمام الحسن عليه السلام يُشبه النبي صلى الله عليه وآله:

فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي جحيفة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه. . . (2).

ولاحظ قوله: «عليهما السلام» في هذا المورد، وهو جارٍ على ما هو المتعارف عند الشيعة، وسيأتي مثله قريباً إن شاء الله.

وعن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد منهم أشبه برسول الله من الحسن بن علي (3).

٣- أن النبي صلى الله عليه وآله يحبّه، ويدعو الله أن يحبّه، وأن يحبَّ من يحبّه:

فقد أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة في حديث قال: . . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحبّه، فأحبّه، وأحبب من يحبّه (4).

وأخرج البخاري بسنده عن البراء بن عازب، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه، يقول: اللهم إني أحبّه، فأحبَّه (5).

وتصريح النبي صلى الله عليه وآله بأنه يحبّه ورد في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر كما


1- مسند أحمد بن حنبل 1/98، 118. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/52: رواه أحمد والبزار. . . والطبراني، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ وهو ثقة. وصحَّحه الحاكم في المستدرك 3/165.
2- صحيح البخاري 3/1٠99.
3- سنن الترمذي 5/659، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/54٠. المستدرك 3/168.
4- صحيح مسلم 4/1883.
5- صحيح البخاري 3/115٠.

ص: 107

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (1).

4- الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة:

فقد أخرج الترمذي والحاكم وغيرهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة (2).

وهذا الحديث يدل على فضيلة عظيمة للإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، بل يدل على أفضليتهما على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصدِّيقين؛ ما عدا رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي ثبت بالدليل القطعي أنه خير ولد آدم من الأولين والآخرين، وعدا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام؛ الذي ثبت أنه عليه السلام خير منهما كما جاء في بعض الطرق الصحيحة لهذا الحديث.

فقد أخرج ابن ماجة والحاكم وغيرهما عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما» (3).

ولو قلنا: «إن جميع الأنبياء والمرسلين خير من الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام» لما صحَّ أن يقال: «إنهما سيِّدا شباب أهل الجنة» ، وفي الجنة ألوف كثيرة خير منهما.


1- سير أعلام النبلاء 3/251.
2- سنن الترمذي 5/656، وقال: هذا حديث حسن صحيح. المستدرك 3/167، قال الحاكم: هذا حديث قد صحَّ من أوجه كثيرة، وأنا أتعجّب أنهما لم يخرجاه. مسند أحمد بن حنبل 3/3، 62، 64، 8٠، 82. المعجم الكبير للطبراني 3/24-3٠، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/182-184: رواه الطبراني، وإسناده حسن. وعدَّه من الأحاديث المتواترة: السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة: 286، والكتاني في نظم المتناثر: 2٠7، والزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة: 149. وذكره الألباني في سلسلته الصحيحة 2/438، وخرّج طرقه، وقال: وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب، بل هو متواتر كما نقله المناوي، وكذلك الزيادات التي سبق تخريجها، فهي صحيحة ثابتة.
3- سنن ابن ماجة 1/44. المستدرك 3/167، صحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، كما صحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/26، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 2/428، 431.

ص: 108

5- الحسن والحسين عليهما السلام ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وآله:

قال ابن الأثير: الريحان والريحانة: الرزق والراحة، ويُسمّى الولد ريحاناً وريحانة لذلك (1).

وقد أخرج البخاري عن ابن أبي نُعْم، قال: كنت شاهداً لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا» (2).

وأخرج الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي نعم: أن رجلاً من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا، يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحسن و الحسين هما ريحانتاي من الدنيا (3).

6- أن الإمام الحسن عليه السلام من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس:

فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مِرْط مُرَحَّل (4)من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [الأحزاب: 33] (5).

وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر


1- النهاية في غريب الحديث 2/288.
2- صحيح البخاري 3/1151.
3- سنن الترمذي 5/657، قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/538.
4- المرط: كساء من صوف، وربما كان من خز أو غيره. والمرحَّل: الذي نُقش فيه تصاوير الرِّحال.
5- صحيح مسلم 4/1883.

ص: 109

بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1).

وأخرج الحاكم أيضاً عن أم سلمة، قالت: في بيتي نزلت: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: هؤلاء أهل بيتي (2).

ورواه عن واثلة بن الأسقع، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الحسن والحسين، فأقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لفَّ عليهم ثوباً، وقال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، اللهم أهل بيتي أحق (3).

٧- أن الإمام الحسن عليه السلام أحد من خرج بهم النبي صلى الله عليه وآله للمباهلة:

فقد أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص - في حديث طويل - قال: ولما نزلت هذه الآية: ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) [آل عمران: 61]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، فقال: اللهم هؤلاء أهلي (4).

وذكر خروج النبي صلى الله عليه وآله للمباهلة ومعه علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام أصحاب التفاسير، كالطبري في جامع البيان، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم، والسيوطي في الدر المنثور،


1- سنن الترمذي 5/352، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. المستدرك على الصحيحين 3/172. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
2- المستدرك 3/158، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
3- المستدرك 3/159، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وقال الذهبي: على شرط مسلم.
4- صحيح مسلم 4/1871.

ص: 110

وغيرهم (1).

قال الفخر الرازي: واعلم أن هذه الرواية كالمتَّفق على صحّتها بين أهل

التفسير والحديث (2).

8- أن الإمام الحسن عليه السلام سيّد:

فقد أخرج البخاري في حديث - أن أبا بكرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يُقْبِل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: إن ابني هذا سيِّد، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (3).

وعن المقبري قال: كنا مع أبي هريرة، فجاء الحسن بن علي رضي الله عنهما، فسلَّم فردّ عليه القوم، ومعنا أبو هريرة لا يعلم فقيل له: هذا حسن بن علي يسلّم. فلحقه فقال: وعليك يا سيّدي. فقيل له: تقول: يا سيّدي؟ فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه سيّد (4).

9- أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقبّله، ويضمّه، ويشمّه، ويدخل لسانه في فِيْهِ، ويحمله، ويُركبه ظهره:

فقد أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، أنه لقي الحسن بن علي فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل بطنك، فاكشف الموضع الذي قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُقَبِّله. قال: وكشف له الحسن، فقبَّله (5).


1- تفسير الطبري (جامع البيان في تفسير القرآن) 3/211-213. الجامع لأحكام القرآن 4/104. تفسير القرآن العظيم 1/370-371. الدر المنثور 4/231-232.
2- التفسير الكبير 8/80.
3- صحيح البخاري 2/822.
4- المعجم الكبير 3/24. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/178: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وقال الحاكم في المستدرك 3/169: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
5- المستدرك 3/184، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. مسند أحمد 2/488. المعجم الكبير 3/19. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/177: رواه أحمد والطبراني. . . ورجالهما رجال الصحيح، غير عمير بن إسحاق، وهو ثقة.

ص: 111

وعن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل حسناً، وضمَّه إليه، وجعل يشمّه، وعنده رجل من الأنصار، فقال الأنصاري: إن لي ابناً قد بلغ، ما قبَّلته قط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان الله نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي؟ (1).

وعن سعيد بن زيد بن نفيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتضن حسناً،

ثم قال: اللهم إنّي قد أحببتُه فأحبَّه (2).

وعن أبي هريرة قال: لا أزال أحب هذا الرجل بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ما يصنع. رأيت الحسن في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه في لحية النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يُدخل لسانه في فمه، ثم قال: اللهم إني أحبّه فأحبّه (3).

وعن أبي هريرة قال: كنّا نصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلما صلّى جعل واحداً ههنا وواحداً ههنا. . . (4).

وعن عمر بن الخطاب، قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: نِعْمَ الفَرس تحتكما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونِعْم الفارسان (5).

١٠- أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعوِّذ الإمام الحسن عليه السلام بكلمات:

فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن


1- المستدرك 3/186، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
2- المعجم الكبير 3/19. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/176: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير يزيد بن نحيس، وهو ثقة.
3- المستدرك 3/185، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
4- المستدرك 3/183، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. مسند أحمد 2/513. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/181: رواه أحمد والبزار. . . ورجال أحمد ثقات.
5- قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/181: رواه أبو يعلى في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. وراجع سنن الترمذي 5/661.

ص: 112

والحسين، يقول: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة. ثم يقول: هكذا كان يعوذ إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق (1).

11- أن من أبغض الإمام الحسن عليه السلام فقد أبغض النبي صلى الله عليه وآله:

فقد أخرج ابن ماجة في سننه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبَّ الحسن والحسين فقد أحبَّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني (2).

وأخرج أحمد في مسنده بسنده عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبَّهما فقد أحبَّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني (3).

12- الأمر بموالاة الإمام الحسن عليه السلام والتحذير من معاداته:

فقد أخرج أبو يعلى في مسنده عن أم سلمة - في حديث - قالت: فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، يأكلون، قالت أم سلمة: وما سامني النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكل طعاماً وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم - تعني سامني: دعاني إليه - فلما فرغ التفَّ عليهم بثوبه، ثم قال: اللهم عادِ من عاداهم، ووالِ من والاهم (4).

13- أن النبي صلى الله عليه وآله كان راضياً عنه:

فقد أخرج الطبراني في معجمه الأوسط بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسط شملة، فجلس عليها هو وفاطمة، وعلي، والحسن، والحسين، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمجامعه، فعقد عليهم، ثم قال: اللهم


1- المستدرك 3/167، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
2- سنن ابن ماجة 1/51. حسَّنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/29. وقال الحاكم في المستدرك 3/171: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصحّحه البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 9/322.
3- مسند أحمد بن حنبل 16/507، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/931.
4- مسند أبي يعلى 6/96. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/166: رواه أبو يعلى، وإسناده جيد.

ص: 113

ارضَ عنهم كما أنا عنهم راضٍ (1).


1- المعجم الأوسط 4/145. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/169: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير عبيد بن طفيل وهو ثقة.

ص: 114

ص: 115

الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

اشارة

(4 - 61ه-)

ولد الإمام الحسين عليه السلام في الثالث من شهر شعبان في السنة الرابعة من الهجرة، في المدينة المنورة، سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله حسيناً، وعقَّ عنه كبشاً، وعاش في كنف جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله حوالي سبع سنين، ومع أبيه أمير المؤمنين ستًّا وثلاثين سنة، ومع أخيه الإمام الحسن ستًّا وأربعين سنة، وكانت مدة إمامته عشر سنين وأشهراً.

وهو أحد أهل البيت الذين حثَّ النبي صلى الله عليه وآله على مودَّتهم والتمسك بهم، وهو أحد سيّدَي شباب أهل الجنة، وأحد من نزلت فيهم آية التطهير، وأحد الذين خرج بهم النبي صلى الله عليه وآله لمباهلة نصارى نجران.

وكان من أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يحبّه، ويحبّ من يحبّه، بل يأمر بحبّه وموالاته، ويحذر من بغضه.

وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بأنه سيُقتل في العراق في أرض تسمى كربلاء، وبكى عليه وهو لا يزال صبيًّا صغيراً.

كما أن الأحاديث الدالة على فضله عليه السلام كثيرة، وهي مشهورة بين الفريقين، وستأتي جملة منها.

وكان الإمام الحسين عليه السلام بعد وفاة أخيه الإمام الحسن عليه السلام أفضل أهل الأرض عند أهل السماء، وكان من جملة بنود صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية أن الأمر بعد معاوية للإمام الحسن، فإن أصابه شيء فللإمام الحسين.

ولما هلك معاوية أمر يزيد بن معاوية عامله على المدينة بأخذ البيعة من

ص: 116

جماعة منهم الإمام الحسين عليه السلام، إلا أنه عليه السلام رفض البيعة، وذهب إلى مكة، ولكنه اضطر إلى الخروج منها لما علم أن يزيد أمر بقتله وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة، فخرج إلى العراق استجابة لأهل الكوفة الذين كاتبوه وطلبوا منه القدوم لمبايعته بالخلافة.

إلا أن الإمام الحسين وهو في طريقه إلى العراق بلغه أن أهل الكوفة نكثوا بيعتهم، وأنهم انقلبوا على رسوله إليهم مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، وقتلوه.

وكان عبيد الله بن زياد والي يزيد على الكوفة قد هيأ ثلاثين ألف مقاتل لمحاربة الإمام الحسين عليه السلام بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، ووقعت معركة في كربلاء في العاشر من محرم سنة 61ه-، انتهت بمقتل الإمام الحسين عليه السلام وأبنائه وإخوته وأبناء عمومته وأصحابه الذين كان عددهم ينيف على السبعين بقليل.

وقد عاقب الله تعالى كل من شرك في قتله وأعان عليه بأنواع العقوبات وأشدِّها.

قال ابن كثير: وأما ما رُوي من الأحاديث والفتن التي أصابت مَنْ قَتَله فأكثرها صحيح، فإنه قلَّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابهم الجنون (1).

ومنذ أن قُتل الإمام الحسين عليه السلام إلى يومنا هذا صار قبره مزاراً للشيعة، يرتاده كل عام الملايين من شيعته ومحبّيه، رغم المخاطر التي واجهوها في عصر المتوكل العباسي الذي أمر في سنة 236ه- بهدم قبر الحسين عليه السلام، ومنع الناس من زيارته (2)، وفي العصر الحاضر منع صدام حسين الناس من الذهاب إلى زيارة الحسين عليه السلام مشياً على الأقدام، وربما عاقب من خالف ذلك بالقتل، ومع هذا


1- البداية والنهاية 8/2٠3.
2- سير أعلام النبلاء 12/35.

ص: 117

فإن الزيارة لم تنقطع، بل صار الزوار يعدون بالملايين في الزيارات المخصوصة كزيارة الأربعين، وزيارة ليلة نصف شعبان.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال الذهبي: الإمام الشريف الكامل، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب. . . (1).

وقال النووي: الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته رضي الله عنه، وهو وأخوه الحسن سيّدا شباب أهل الجنّة. . .

وقال: وقبره مشهور، يُزار ويُتبرَّك به، وحزن الناس عليه كثيراً، وأكثروا فيه المراثي رضي الله عنه (2).

وقال ابن الأثير: الحسين بن علي بن أبي طالب. . . أبو عبد الله، ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم، وشبهه من الصدر إلى ما أسفل منه، ولما وُلِد أذَّن النبي صلى الله عليه وسلم في أذنه، فهو سيَّد شباب أهل الجنّة، وخامس أهل الكساء، أمّه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيّدة نساء العالمين، إلا مريم عليهما السلام (3).

وقال: وكان الحسين رضي الله عنه فاضلاً كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها (4).

وقال ابن كثير: هو. . . السبط الشهيد بكربلاء، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء، وريحانته من الدنيا (5).

وقال: إن الحسين عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصَحِبه إلى أن توفي وهو عنه


1- نفس المصدر 3/28٠.
2- تهذيب الأسماء واللغات 1/162-163.
3- أسد الغابة 2/18.
4- المصدر السابق 2/2٠.
5- البداية والنهاية 8/152.

ص: 118

راضٍ، ولكنه كان صغيراً، ثم كان الصدّيق يكرمه ويعظِّمه، وكذلك عمر وعثمان. . . وكان معظَّماً موقَّراً (1).

وقال: وليس على وجه الأرض يومئذ أحد يساميه ولا يساويه (2).

وقال أيضاً: فكل مسلم ينبغي له أن يُحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً، وشجاعاً، وسخيًّا (3).

بعض فضائله عليه السلام:

وفضائله عليه السلام كثيرة، تقدّم شطر منها في فضائل أخيه الإمام الحسن عليه السلام، وهي على نحو الإجمال:

1- أن رسول الله صلى الله عليه وآله سمّاه: الحسين.

2- أن الحسن والحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنة.

3- أنهما عليهما السلام ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وآله.

4- أن الإمام الحسين عليه السلام من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

5- أنه عليه السلام ممن باهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله نصارى نجران.

6- أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحمله على عاتقه وظهره في الصلاة وغيرها.

7- أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعوّذه بكلمات كان إبراهيم الخليل عليه السلام يعوّذ بها ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام.

8- أن بُغض الإمام الحسين عليه السلام بغض للنبي صلى الله عليه وآله، وحبُّه حبّه.

9- أنه عليه السلام ممن أُمِر الناس بموالاتهم، ونُهوا عن معاداتهم.


1- المصدر السابق 8/153.
2- المصدر السابق 8/154.
3- المصدر السابق 8/2٠4.

ص: 119

1٠- أن الإمام الحسين عليه السلام ممن كان النبي صلى الله عليه وآله عنهم راضياً، ودعا الله لهم ليرضى عنهم.

فضائل أخر لم ت-ُذكر سابقاً:
١- أن الإمام الحسين عليه السلام شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله:

أخرج البخاري والترمذي وغيرهما، عن أنس وغيره، قال: أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليه السلام، فجُعل في طست، فجَعل ينكت، وقال في حُسنه شيئاً، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة (1).

وأخرج الترمذي وغيره عن علي، قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك (2).

٢- أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحب الإمام الحسين عليه السلام:

أخرج الترمذي وأحمد وغيرهما، عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر حسناً وحسيناً، فقال: اللهم إني أحبّهما فأحبَّهما (3).

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو حامل الحسين بن علي وهو يقول: اللهم إنّي أحبه فأحبَّه (4).

٣- أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يلثم فم الإمام الحسين عليه السلام:

أخرج الحاكم عن أبي هريرة، قال: . . . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً. . . فجلس في المسجد. . . فأتى حسين يشتد حتى وقع في حجره، ثم أدخل يده في


1- صحيح البخاري 3/115٠. سنن الترمذي 5/659.
2- سنن الترمذي 5/66٠، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
3- سنن الترمذي 5/661، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد 5/21٠. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/179: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وفي 5/18٠ قال: رواه البزار، وإسناده جيد. وروى هذا الحديث أيضاً 5/18٠ عن أبي هريرة، وقال: رواه البزار، وإسناده حسن.
4- المستدرك 3/195 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

ص: 120

لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فم الحسين، فيدخل فاه في فيه، ويقول: اللهم إني أحبّه، فأحبَّه (1).

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن أنس، قال: لما أُتي برأس الحسين بن علي إلى عبيد الله بن زياد، جعل ينكت بقضيب في يده، ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقلت: والله لأسوأنَّك، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل موضع قضيبك من فيه (2).

4- أن الإمام الحسين عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله، ورسول الله منه:

أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وأحمد بن حنبل وغيرهم، عن يعلى ابن مرَّة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسين مني، وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط (3).

5- أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وبكى عليه:

أخرج أحمد بن حنبل في مسنده وغيره عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبرْ أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذا؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدَّثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك إلى أن أشمّك من


1- المستدرك 3/196، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
2- المعجم الكبير 3/134. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/195: رواه البزار والطبراني بأسانيد، ورجاله وثِّقوا.
3- سنن الترمذي 5/658، قال الترمذي: هذا حديث حسن. سنن ابن ماجة 1/51. المستدرك 3/177، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مسند أحمد بن حنبل 4/172. المعجم الكبير 3/21. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/181: رواه الطبراني، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/539، وصحيح سنن ابن ماجة 1/3٠، وصحَّحه في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/229.

ص: 121

تربته؟ قال: قلت: نعم. فمدّ يده، فقبض قبضة من التراب، فأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا (1).

وعن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: لا يدخل عليَّ أحد. فانتظرت، فدخل الحسين رضي الله عنه، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل! فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: تحبّه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم. قال: إن أمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قُتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء. فقال: صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء (2).


1- مسند أحمد 1/85. المعجم الكبير 3/111. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا. ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/162، وقال: بالجملة فالحديث المذكور أعلاه والمترجم له صحيح بمجموع هذه الطرق وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، لاسيما وبعضها قد حسَّنه الهيثمي.
2- المعجم الكبير 3/115. مجمع الزوائد 9/188. قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات.

ص: 122

ص: 123

الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

اشارة

(38- 95ه-)

هو الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، كنيته أبو الحسن، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى. ومن أشهر ألقابه: زين العابدين، والسَّجَّاد.

وُلد في المدينة المنورة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وأدرك سنتين من حياة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام، واثنتي عشرة سنة من حياة عمّه الإمام الحسن عليه السلام، وكان عمره لما قُتل أبوه الإمام الحسين عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة، وكانت مدة إمامته أربعاً وثلاثين سنة.

وكان قد حضر مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وشهد كل ما وقع فيها من المصائب والمآسي، ولم يشارك في القتال؛ لأنه كان عليلاً لا يقوى على القتال، وبعد انتهاء المعركة أخذ أسيراً ومعه نساء بني هاشم إلى عبيد الله بن زياد، وصار بينهما كلام أغضب ابن زياد، فأمر بقتله، ولكن عمته زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام حالت دون ذلك، ثم سُيِّر إلى يزيد بن معاوية في الشام، وبعدها رُدَّ إلى المدينة.

وكان مشهوراً بالعلم والزهد والورع وكثرة العبادة حتى لُقّب بالسجاد وبزين العابدين، وقد جمعت بعض أدعيته في كتاب سُمّي بالصحيفة السجادية، ومن أدعيتها دعاؤه إذا عرضت له مُهمَّة، أو نزلت به مُلمَّة، وهو:

يا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ المَكَارِهِ، وَيا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدائِدِ، وَيا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الَمخْرَجُ اِلى رَوْحِ الْفَرَجِ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبابُ،

ص: 124

وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضاءُ، وَمَضَتْ عَلى إِرادَتِكَ الأشْياءُ، فَهِيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإِرادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ، أَنْتَ المَدْعُوُّ لِلْمُهِمّاتِ، وأَنْتَ المَفْزَعُ في المُلِمّاتِ، لا يَنْدَفِعُ مِنْها إِلّا ما دَفَعْتَ، وَلا يَنْكَشِفُ مِنْها إِلّا ما كَشَفْتَ، وَقَدْ نَزَلَ بي يا رَبِّ ما قَدْ تَكأَّدَني ثِقْلُهُ، وَأَلَمَّ بي ما قَدْ بَهَظَني حَمْلُهُ، وَبِقُدْرَتِكَ أَوْرَدْتَهُ عَلَيَّ، وَبِسُلْطانِكَ وَجَّهْتَهُ إِلَيَّ، فَلا مُصْدِرَ لِما أَوْرَدْتَ، وَلا صارِفَ لِما وَجَّهْتَ، وَلا فاتِحَ لِما أَغْلَقْتَ، وَلا مُغْلِقَ لِما فَتَحْتَ، وَلا مُيَسِّرَ لِما عَسَّرْتَ، وَلا ناصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ، وَافْتَحْ لي يا رَبِّ بابَ الْفَرَجِ بِطَولِكَ، وَاكْسِرْ عَنّي سُلْطانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وَأَنِلْني حُسْنَ النَّظَرِ فيما شَكَوْتُ، وَأَذِقْني حَلاوَةَ الصُّنْعِ فيما سَأَلْتُ، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمةً وَفَرجاً هَنيئاً، وَاجْعَلْ لي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيًّا، وَلا تَشْغَلْني بِالاِْهتِمامِ عَنْ تَعاهُدِ فُرُوضِكَ، وَاسْتِعْمالِ سُنَّتِكَ، فَقَدْ ضِقْتُ لِما نَزَلَ بي يا رَبِّ ذَرْعاً، وامْتَلأتُ بِحَمْلِ ما حَدَثَ عَليَّ هَمًّا، وأَنْتَ الْقادِرُ عَلى كَشْفِ ما مُنيتُ بِهِ، وَدَفْعِ ما وَقَعْتُ فيهِ، فاَفْعَلْ بي ذلِكَ وَإِنْ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ مِنْكَ، يا ذَا الْعَرْشِ الْعَظيمِ (1)

للإمام علي بن الحسين عليه السلام هيبة عظيمة وجلالة عجيبة، حتى إنه لما جاء لاستلام الحجر الأسود انفرج له الناس سماطين، وكان هشام بن عبد الملك أراد أن يستلم الحجر فلم يستطع من زحام الناس، فسأل بعضُهم هشاماً متعجباً: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة، وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال: لا أعرفه. وكان الفرزدق الشاعر حاضراً، فقال: ولكني أعرفه. وأنشأ على الفور قصيدته العصماء التي من أبياتها قوله:

هذا الذي تَعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ *والبيتُ يَعرفُه والحِلُ ّ والحَرَمُ هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كُلّهمُ *هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلَه *بجدِّه أنبياءُ اللهِ قد خُتِموا *ولَيْسَ قولُكَ: مَنْ هذا؟ بِضَائِرِهِ *العُرْبُ تَعْرفُ مَنْ أَنْكَرْتَ والعَجَمُ


1- الصحيفة السجادية الكاملة: 65.

ص: 125

كلتا يديهِ غِيَاثٌ عَمَّ نفعُهما *يُستوكَفانِ ولا يَعْرُوهما عَدَمُ *سَهْلُ الخليقةِ لا تُخشى بوادِرُه (1)*يزينه اثنانِ: حُسْنُ الخَلْقِ والشِّيَمُ *حمَّالُ أثقالِ أقوامٍ إذا وَفَدوا *حُلوُ الشمائلِ تحلو عِندَه نَعَمُ *ما قال: «لا» قطُّ إلا في تَشَهُّدِه *لولا التشهدُ كانت لاؤُه «نَعَمُ» *عمَّ البريةَ بالإحسانِ فانقشعتْ *عنها الغياهبُ والإملاقُ والعّدَمُ *إذا رأتْه قريشٌ قالَ قائلُها: *إلى مكارمِ هذا ينتهي الكَرَمُ *يُغضي حياءً ويُغضى مِنْ مهابتِهِ *فما يُكلَّمُ إلا حينَ يبتسمُ *بِكَفِّه خَيْزُرانٌ رِيْحُه عَبِقٌ *مِنْ كَفِّ أرْوَعَ، في عِرْنِيْنِه شَمَمُ (2)*يكادُ يُمسكُه عرفان راحتِه *ركنُ الحطيمِ إذا ما جاء يستلمُ *اللهُ شرَّفَه قِدْماً وعظَّمَه *جرى بذاك له في لوحِهِ القلمُ *أيُّ الخلايقِ ليستْ في رقابِهِمُ *لأوَّلِيّةِ هذا أو له نِعَمُ *مَنْ يَشكُرِ اللهَ يَشكُرْ أوَّليةَ ذا *فالدِّيْنُ مِنْ بيتِ هذا نَالَه الأممُ *يُنْمَى إلى ذروةِ الدينِ التي قَصُرتْ *عنها الأكفُّ وعن إدراكِها القَدَمُ *مَنْ جَدُّه دانَ فضلُ الأنبياءِ له *وفضلُ أمَّتِه دانت له الأممُ *مشتقَّةٌ مِن رسولِ اللهِ نبعتُه *طابتْ عناصرُه والخِيمُ (3)والشِّيَمُ *ينشقُ ّ نورُ الدُّجى عن نورِ غُرَّتِه *كالشمسِ تنجابُ عن إشراقِها الظُّلَمُ *مِنْ معشرٍ حُبُّهم دِيْنٌ وبُغْضُهُمُ *كُفرٌ وقربُهُمُ مَنْجىً ومُعْتَصَمُ *مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللهِ ذِكْرُهُمُ *في كلِّ بَدْءٍ ومختومٌ به الكَلِمُ *إنْ عُدَّ أهلُ التُّقَى كانوا أئمتَهُمْ *أو قيل: مَنْ خيرُ أهلِ الأرضِ؟ قيل: هُمُ *لا يستطيعُ جوادٌ بُعْدَ غايتِهِمْ *ولا يُدانيهِمُ قومٌ وإنْ كَرُمُوا *هُمُ الغيوثُ إذا ما أزمةٌ أزَمَتْ *والأُسْدُ أُسْدُ الشّرَى والبأسُ محتدمُ *لا يُنْقِصُ العُسرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُ *سِيَّانِ ذلك: إن أَثْرَوا وإنْ عَدِموا


1- الخليقة: الطبيعة. وبوادره: جمع بادرة، وهي ما يبدو من الإنسان عند حدَّته.
2- العبق: الطيب الرائحة، والأروع: من يعجبك بحسنه أو شجاعته.
3- الخيم: الطبيعة والسجية.

ص: 126

يُستدفَعُ الشَّرُّ والبلوى بِحُبِّهِمُ *ويُسْتَرَبُّ (1) به الإحسانُ والنِّعَمُ (2). . . .

له من الأولاد الذكور والإناث: خمسة عشر، أفضلهم وأجلّهم ابنه محمد المكنى بأبي جعفر الباقر عليه السلام، وزيد الشهيد رضوان الله عليه الذي تنتسب إليه فرقة الزَّيْدية.

توفي بالمدينة المنورة في الخامس والعشرين من شهر محرم سنة 95ه-، وكان له من العمر سبع وخمسون سنة، ودفن في البقيع بجانب قبر عمّه الإمام الحسن الزكي عليه السلام، وجدَّته فاطمة بنت أسد عليها السلام.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال ابن حجر: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي زين العابدين، ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور (3).

وقال: قال ابن سعد: وكان ثقة، مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً (4).

وقال الزهري: ما رأيت قرشيًّا (أو هاشميًّا) أفضل من علي بن الحسين (5).

وقال أيضاً: ما رأيت أحداً كان أفقه من علي بن الحسين (6).

وقال: كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة (7).

وقال: لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين (8).


1- يسترب: يستزاد.
2- ديوان الفرزدق 2/178.
3- تقريب التهذيب: 400.
4- تهذيب التهذيب 7/269، تهذيب الأسماء واللغات 1/343.
5- تهذيب التهذيب 7/269. طبقات الحفاظ: 37.
6- تهذيب التهذيب 7/269. تذكرة الحفاظ 1/75.
7- سير أعلام النبلاء 4/389.
8- نفس المصدر 4/389.

ص: 127

وقال مالك: لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل علي بن الحسين (1).

وقال: كان من أهل الفضل (2).

وقال: بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، وكان يسمَّى (زين العابدين) لعبادته (3).

وقال أبو حازم الأعرج: ما رأيت هاشميًّا أفضل منه (4).

وقال الذهبي: وكان له جلالة عجيبة، وحقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى؛ لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألّهه، وكمال عقله (5).

وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فَقَدوا ما كانوا يُؤتون به في الليل (6).

وقال الواقدي: كان من أورع الناس، وأعبدهم، وأتقاهم لله عزّ وجلّ (7).

وقال النووي: أجمعوا على جلالته في كل شيء (8).

وقال ابن عائشة: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السِّر حتى مات علي بن الحسين (9).

وقال يحيى بن سعيد: سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته (10).


1- تهذيب التهذيب 7/269.
2- طبقات الحفاظ: 37.
3- تهذيب التهذيب 7/269. تذكرة الحفاظ 1/75.
4- تذكرة الحفاظ 1/75.
5- سير أعلام النبلاء 4/398.
6- حلية الأولياء 3/136.
7- البداية والنهاية 9/11٠.
8- تهذيب الأسماء واللغات 1/343.
9- حلية الأولياء 3/136.
10- تهذيب التهذيب 7/269.

ص: 128

وقال سعيد بن المسيب: ما رأيت أورع منه (1).

وقال العجلي: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: تابعي ثقة، وكان رجلاً صالحاً (2).

وقال ابن تيمية: وأما علي بن الحسين فمن كبار التابعين، وساداتهم علماً وديناً (3).

وقال: ولهذا من يتّبع المنقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه وأئمة أهل بيته، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر، وابنه أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق شيخ علماء الأمة، ومثل أنس بن مالك والثوري وطبقتهما، وجد ذلك جميعه متّفقاً مجتمعاً في أصول دينهم. . . الخ (4).

وقال الذهبي: علي بن الحسين. . . السيِّد الإمام زين العابدين الهاشمي العلوي المدني (5).

وقال: مناقبه كثيرة، من صلواته، وخشوعه، وحَجّه، وفضله رضي الله عنه (6).

وقال ابن حبان: وكان من أفاضل بني هاشم، من فقهاء أهل المدينة وعُبَّادهم. . . وكان يقال بالمدينة: إن علي بن الحسين سيّد العابدين في ذلك الزمان (7).

وقال الشبراوي (8): وكان [زين العابدين] رضي الله عنه عابداً، زاهداً، ورِعاً،


1- تهذيب التهذيب 7/269، طبقات الحفاظ: 37.
2- تاريخ الثقات: 344.
3- منهاج السنة 2/123.
4- حقوق آل البيت:4٠.
5- سير أعلام النبلاء 4/386.
6- العبر في خبر من غبر 1/83.
7- كتاب الثقات 5/159.
8- قال في معجم المؤلفين 6/124: عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي القاهري الشافعي [1٠92-1171ه-]. . . محدّث فقيه أصولي متكلم أديب شاعر مشارك في بعض العلوم. ولد سنة 1٠92 ه- تقريباً، وولي مشيخة الأزهر، وتوفي في 6 ذي الحجة. من مؤلفاته: عنوان البيان وبستان الأذهان، ديوان شعر، نزهة الأبصار في رقائق الأشعار، شرح الصدور بغزوة أهل بدر، والإتحاف بحب الأشراف.

ص: 129

متواضعاً، حسن الأخلاق، وكان إذا توضأ للصلاة اصفرّ لونه، فقيل له: ما هذا الذي نراه يعتريك عند الوضوء؟ فقال: أما تدرون بين يدي مَنْ أريد [أن] أقف؟ ! وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. . . وكان يتصدق سرًّا، ويقول: صدقة السِّر تطفئ غضب الرب (1).

وقال ابن خلكان: وهو أحد الأئمة الاثني عشر ومن سادات التابعين، قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه (2).

ثم قال: وفضائل زين العابدين ومناقبه أكثر من أن تحصر (3).


1- الإتحاف بحب الأشراف: 136.
2- وفيات الأعيان 3/267.
3- نفس المصدر 3/269.

ص: 130

ص: 131

الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

اشارة

(57 - 114ه-)

هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، كنيته أبو جعفر، ولُقِّب بالباقر لتبقّره في العلم أي تبحّره فيه.

أمّه هي أم عبد الله فاطمة بنت الإمام الحسن السبط عليه السلام، فهو هاشمي من هاشميين، وأول علوي من علويين.

وُلد في غرة رجب أو في الثالث من صفر من سنة سبع وخمسين من الهجرة في المدينة المنورة، وقبض فيها في ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة، وله من العمر سبع وخمسون سنة (1).

وكان عمره لما قتل جدّه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء أربع سنين، وتولى الإمامة بعد أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام وعمره تسع وثلاثون سنة، وكانت مدة إمامته ثماني عشرة سنة.

عاصره من خلفاء بني أمية: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وتوفي في أيام ملك هشام بن عبد الملك.

كان سيّد أهل البيت في عصره، علماً، وتقوى، وورعاً، وجلالة وهيبة، نشر علوم آبائه الطاهرين، وبثها في شيعته ومحبّيه، وقد روى عنه الشيعة آلاف الروايات في العقيدة والفقه والآداب والمستحبات والأخلاق والتفسير وغيرها، وأقر بإمامته وجلالته المؤالف والمخالف.


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: 259. راجع الكافي 1/469. الإرشاد 2/158.

ص: 132

له سبعة أولاد، أجلهم وأعظمهم ابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وبه يكنَّى، وعبد الله بن محمد، وأمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وإبراهيم وعبيد الله، وعلي، وزينب، وأم سلمة، وقيل: إن للإمام الباقر عليه السلام بنتاً واحدة فقط، هي زينب التي تكنى بأم سلمة.

له قبر معروف في البقيع بالمدينة المنورة بجانب قبر أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام، وقبر عمّه الإمام الحسن عليه السلام، وقبر ابنه الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وقبر جدّته فاطمة بنت أسد عليها السلام، فما أعظم

وأجل هذه البقعة الشريفة عند الله تعالى.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال الذهبي: أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني، أحد الأعلام. . . وكان سيّد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر من قولهم: «بَقَرَ العلم» يعني: شَقَّهُ فعلم أصله وخَفيَّه. وقيل: إنه كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة، وعدّه النسائي وغيره من فقهاء التابعين في المدينة (1).

وقال: وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة، وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين تبجّلهم الشيعة الإمامية، وتقول بعصمتهم ومعرفتهم بجميع الدين. . .

وقال: وشُهر أبو جعفر بالباقر مِنْ: بَقَرَ العلم، أي شقَّه، فعرف أصله وخفيَّه، ولقد كان أبو جعفر إماماً، مجتهداً، تالياً لكتاب الله، كبير الشأن. . . (2).

ثم قال: وقد عدّه النسائي وغيره من فقهاء التابعين بالمدينة، واتّفق الحفّاظ على الاحتجاج بأبي جعفر (3).


1- تذكرة الحفاظ 1/124.
2- سير أعلام النبلاء 4/4٠2.
3- نفس المصدر 4/4٠3.

ص: 133

وعن سلمة بن كهيل في قوله: ( لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) [الحجر: 75]، قال: كان أبو جعفر منهم (1).

وقال ابن سعد: وكان ثقة، كثير العلم والحديث (2).

وقال العجلي: مدني، تابعي، ثقة (3).

وقال ابن البرقي: كان فقيهاً، فاضلاً (4).

وقال الزبير بن بكار: كان يقال لمحمد: «باقر العلم» (5).

وقال محمد بن المنكدر: ما رأيت أحداً يفضل على علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمداً، أردت يوماً أن أعظه فوعظني (6).

وقال النووي: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، القرشي الهاشمي المدني، أبو جعفر المعروف بالباقر، سُمّي بذلك لأنه بقر العلم، أي شقّه، فعرف أصله وعلم خفيّه. . . وهو تابعي جليل إمام بارع مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم (7).

وقال السيوطي: وثّقه الزهري وغيره، وذكره النسائي في فقهاء التابعين من أهل المدينة (8).

وقال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحدٍ أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكَم عنده كأنه متعلِّم (9).


1- نفس المصدر 4/4٠5.
2- الطبقات الكبرى 5/324.
3- تاريخ الثقات: 41٠. تهذيب التهذيب 9/312.
4- تهذيب التهذيب 9/312.
5- نفس المصدر 9/313.
6- نفس المصدر 9/313.
7- تهذيب الأسماء واللغات 1/87.
8- طبقات الحفاظ: 56.
9- حلية الأولياء 3/186. صفة الصفوة 2/11٠. البداية والنهاية 9/323.

ص: 134

وقال ابن كثير: وهو تابعي جليل، كبير القدر كثيراً، أحد أعلام هذه الأمة علماً وعملاً وسيادة وشرفاً.

وقال: وسمّي الباقر لبقْره العلوم واستنباطه الحكم، كان ذاكراً خاشعاً صابراً، وكان من سلالة النبوة، رفيع النسب عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرِضاً عن الجدال والخصومات (1).

وقال ابن خلكان: كان الباقر عالماً سيِّداً كبيراً، وإنما قيل له (الباقر) لأنه تبقَّر في العلم أي توسَّع، والتبقّر: التوسّع. وفيه يقول الشاعر:

يا باقِرَ العلمِ لأهلِ التقى

*وخيرَ مَن لبَّى على الأَجْبُلِ (2)وقال ابن تيمية: أبو جعفر محمد بن علي من خيار أهل العلم والدين، وقيل: إنما سُمي «الباقر» لأنه بقر العلم (3). وقال الشبراوي: وله [يعني زين العابدين عليه السلام] من الأولاد خمسة عشر ما بين ذكر وأنثى، أجلّهم وأفضلهم، بل أشرف آل البيت، وأنبلهم، وأعزّهم، وأكملهم، الخامس من الأئمة: محمد الباقر بن علي زين العابدين. . . ولُقّب بالباقر لبقره العلم، يقال: بقر الشيء: فجَّره. سارت بذكر علومه الأخبار، وأُنشدت في مدائحه الأشعار (4).

وقال: ومناقبه رضي الله عنه باقية على ممر الأيام، وفضائله قد شهد بها الخاص والعام (5).


1- البداية والنهاية 9/321.
2- وفيات الأعيان 4/174.
3- منهاج السنة 2/123.
4- الإتحاف بحب الأشراف: 143.
5- نفس المصدر: 145.

ص: 135

الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

اشارة

(83 - 148ه-)

هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. يكنى بأبي عبد الله، وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

وُلد بالمدينة المنورة في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة (1)، وعاش مع جدّه الإمام زين العابدين اثنتي عشرة سنة، وتولى الإمامة وله من العمر واحد وثلاثون سنة، وكانت مدة إمامته أربعاً وثلاثين سنة.

عاصره من الملوك: سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد ين الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية، ثم عاصره أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي المعروف بالسفاح، وتوفي في زمان ملك أبي جعفر المنصور العباسي بعد عشر سنين من ملكه.

قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره: كان عليه السلام أعلم أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمانه بالاتفاق، وأنبههم ذِكْراً، وأعلاهم قدراً، وأعظمهم منزلة عند العامة والخاصة، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نُقل عنه، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل (2).


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: 266. راجع الكافي 1/472. الإرشاد 2/179.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: 276.

ص: 136

قلت: روى عنه الإمام مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وغيرهم.

وأما شيعته فإنهم انتسبوا إليه، وتمذهبوا بأقواله وفتاواه التي هي أقوال آبائه الطاهرين، فسُمّوا بالجعفرية، وقد رووا عنه علماً كثيراً في العقيدة، والفقه، والآداب، والسنن، والأخلاق، والتفسير، وغيرها.

له عشرة أولاد، هم: إسماعيل وعبد الله وأم فروة، وأمهم فاطمة بنت الحسين ابن الإمام زين العابدين عليه السلام، والإمام موسى الكاظم، وهو أجل

أبنائه والإمام من بعده، وإسحاق، وفاطمة، ومحمد، وأمهم حميدة البربرية، والعباس وعلي وأسماء.

توفي في النصف من رجب سنة ثمان وأربعين ومائة، وله من العمر خمس وستون سنة، ودفن في البقيع مع أبيه وجده زين العابدين وعمه الإمام الحسن الزكي عليهم السلام.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال الذهبي: جعفر بن محمد بن علي ابن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق، أحد السادة الأعلام.

وقال: مناقب هذا السيّد جمَّة (1).

وقال: أحد الأئمة الأعلام، بَرّ، صادق، كبير الشأن (2).

وقال: وكانا - أي جعفر بن محمد وأبوه - من جلّة علماء المدينة (3).

وقال يحيى بن معين: جعفر ثقة، مأمون (4).


1- تذكرة الحفاظ 1/166.
2- ميزان الاعتدال 1/414.
3- سير أعلام النبلاء 6/255.
4- ميزان الاعتدال 1/415.

ص: 137

وقال النسائي في الجرح والتعديل: ثقة (1).

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: جعفر بن محمد ثقة لا يُسأل عن مثله (2).

وقال: سمعت أبا زرعة وسُئل عن جعفر بن محمد عن أبيه، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه، والعلاء عن أبيه: أيما أصح؟ قال: لا يُقرن جعفر إلى هؤلاء - يريد جعفر أرفع من هؤلاء في كل معنى (3).

وسُئِل الشافعي: كيف جعفر بن محمد عندك؟ فقال: ثقة (4).

وسئل أبو حنيفة: من أفقه من رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد (5).

وروى ابن عقدة بسنده عن حسن بن زياد، قال: سمعت أبا حنيفة، وسئل:

من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة، بعث إليّ، فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد، فهيِّئ له من مسائلك الصعاب. فهيأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلّمت وأذن لي، فجلست، ثم التفت إلى جعفر، فقال: يا أبا عبد الله، تعرف هذا؟ قال: نعم، هذا أبو حنيفة. ثم أتبعها: قد أتانا. ثم قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله. فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة. ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم


1- تهذيب التهذيب 2/89.
2- الجرح والتعديل 2/487.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق.
5- تهذيب الكمال 5/79، سير أعلام النبلاء 6/257.

ص: 138

الناس أعلمهم باختلاف الناس؟ ! (1)ع.

وذكر ابن حبّان الإمام جعفراً الصادق عليه السلام في الثقات وقال: كان من سادات أهل البيت فقهاً، وعلماً، وفضلاً، روى عنه الثوري، ومالك، وشعبة، والناس (2).

وقال الشهرستاني: وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم (3).

وقال الساجي: كان صدوقاً، مأموناً، إذا حدَّث عنه الثقات فحديثه مستقيم (4).

وقال عمرو بن أبي المقدام: كنتُ إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيّين (5).

وقال مالك: اختلفت إليه زماناً، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مُصَلٍّ، وإما صائم، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدِّث إلا على طهارة (6).

وقال ابن تيمية: وجعفر الصادق رضي الله عنه من خيار أهل العلم والدين (7).

وقال ابن العماد الحنبلي في أحداث سنة 148 ه- من شذراته: وفيها توفي الإمام سلالة النبوة أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين


1- سير أعلام النبلاء 6/257، تاريخ الإسلام: حوادث 141-16٠ه-، ص 89. تهذيب الكمال 5/79.
2- الثقات 6/131.
3- الملل والنحل 1/166.
4- تهذيب التهذيب 2/89.
5- تهذيب التهذيب 2/88، منهاج السنة 2/124، تهذيب الكمال 5/78، تهذيب الأسماء واللغات 1/15٠.
6- تهذيب التهذيب 2/89.
7- منهاج السنة 2/123.

ص: 139

علي بن الحسين الهاشمي العلوي. . . وكان سيّد بني هاشم في زمنه (1).

وقال الذهبي: مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده، وفضله، وعلمه، وشرفه رضي الله عنه (2).

وقال في ردّه على يحيى بن سعيد القطان الذي ذكر أن في نفسه من جعفر شيئاً، ومجالد أحب إليه منه: هذه من زلقات يحيى القطان، بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفراً أوثق من مجالد، ولم يلتفتوا إلى قول يحيى (3).

وقال: قال أبو أحمد بن عدي: له حديث كثير عن أبيه عن جابر وعن آبائه، ونُسَخٌ لأهل البيت، وقد حدَّث عنه الأئمة، وهو من ثقات الناس كما قال ابن معين (4).

وقال ابن خلكان: وكان من سادات أهل البيت، ولُقِّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يُذكر (5).

وقال النووي: اتّفقوا على إمامته، وجلالته، وسيادته (6).

وقال الشبراوي: أبو عبد الله، السادس من الأئمة، جعفر الصادق، ذو المناقب الكثيرة والفضائل الشهيرة، روى عنه الحديث أئمة كثيرون، مثل مالك بن أنس، وأبي حنيفة، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم.

وقال: وغُرَر فضائله وشرفه على جبهات الأيام كاملة، وأندية المجد والعز بمفاخره ومآثره آهلة (7).


1- شذرات الذهب 1/22٠.
2- تاريخ الإسلام: حوادث ووفيات سنة 141-16٠ه-، ص 93.
3- سير أعلام النبلاء 6/256.
4- نفس المصدر 6/257.
5- وفيات الأعيان 1/327.
6- تهذيب الأسماء واللغات 1/15٠.
7- الإتحاف بحب الأشراف: 146.

ص: 140

وقال ابن خلكان: وتوفي في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر، وجدّه علي زين العابدين، وعم جدّه الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين، فللَّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه (1).


1- وفيات الأعيان 1/327.

ص: 141

الإمام موسى بن جعفر الكاظم

اشارة

عليه السلام

(128- 183ه-)

هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وُلد بالأبواء وهو موضع بين مكة والمدينة في السابع من شهر صفر سنة ثمان وعشرين ومائة (1)، وأمه أم ولد اسمها حميدة المصفَّاة، كنيته أبو الحسن، وأبو الحسن الأول، وأبو إبراهيم، وأبو علي، ويلقب بعدة ألقاب، منها: الكاظم، وهو أشهر ألقابه، والعبد الصالح، والعالِم، وراهب بني هاشم.

تولى الإمامة بعد أبيه في سنة 148ه-، وله من العمر عشرون سنة، وكانت مدة إمامته خمساً وثلاثين سنة، وقد عاصره من ملوك العباسيين: أبو جعفر المنصور، ثم ابنه المهدي، ثم ابنه موسى الملقب بالهادي، ثم هارون الملقب بالرشيد.

وكان عالماً، ورعاً، زاهداً، عابداً، يقابل من أساء إليه بالإحسان، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه، فيبعث إليه بصرّة فيها دنانير.

قال أبو الفرج الأصفهاني: حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتي دينار، فكانت صرار موسى مَثَلاً (2).

وقد سجن في أيام هارون الرشيد مراراً، فإنه سجن أولاً في سجن عيسى بن جعفر، ثم نقل إلى سجن الفضل بن الربيع، ثم إلى سجن الفضل بن يحيى، ثم نقل


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: 286.
2- مقاتل الطالبيين: 499.

ص: 142

أخيراً إلى سجن السندي بن شاهك، وهو طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار، وكان عليه السلام مشغولاً بالعبادة، يحيي الليل كله بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن، ويصوم النهار في أكثر الأيام، وكان من دعائه في السجن: اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرّغ لي مكاناً لعبادتك، اللهم وقد فعلت، فلك الحمد على ذلك.

استشهد مسموماً في سجن السندي بن شاهك، بعد مضي خمس عشرة سنة من ملك هارون، في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة، ودفن في بغداد، وله مزار مشهور في نواحي بغداد في منطقة صارت تعرف بالكاظمية نسبة إليه، يزوره الشيعة، ويتبركون بقبره.

له من الأولاد: سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى، أجلهم وأفضلهم ابنه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ومنهم إبراهيم والعباس والقاسم وإسماعيل وفاطمة المعصومة عليها السلام لها مقام مشهور بمدينة قم المقدسة.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال ابن حجر العسقلاني: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق عابد (1).

وقال: ومناقبه كثيرة (2).

وقال أبو حاتم: ثقة، صدوق، إمام من أئمة المسلمين (3).

وقال الذهبي: كان صالحاً، عابداً، جواداً، حليماً، كبير القدر (4).

وقال: وقد كان موسى من أجواد الحكماء، ومن العبّاد الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد (5).


1- تقريب التهذيب: 55٠.
2- تهذيب التهذيب 1٠/3٠3.
3- الجرح والتعديل 8/139.
4- العبر في خبر من غبر 1/222.
5- ميزان الاعتدال 6/539.

ص: 143

وقال: رجعنا إلى تتمّة آل جعفر الصادق، فأجلهم وأشرفهم ابنه موسى الكاظم، الإمام القدوة السيِّد أبو الحسن العلوي والد الإمام علي بن موسى الرضا، مدني نزل بغداد (1).

وقال: روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسجد سجدة في أول الليل، فسُمع وهو يقول في سجوده: «عظُمَ الذنب عندي، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة» ، فجعل يردّدها حتى أصبح. وكان سخيًّا كريماً، يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه، فيبعث إليه بصُرَّة فيها ألف دينار (2).

وقال يحيى بن الحسن بن جعفر النسَّابة: كان موسى بن جعفر يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده (3).

وقال ابن الجوزي: كان يُدعى العبد الصالح، لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال (4).

وقال ابن كثير: كان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل له بالذهب والتحف (5).

وقال ابن تيمية: وموسى بن جعفر مشهور بالعبادة والنسك (6).

وقال السويدي: هو الإمام الكبير القدر، الكثير الخير، كان يقوم ليله، ويصوم نهاره، وسُمي كاظماً لفرط تجاوزه عن المعتدين. . . وكانت له كرامات ظاهرة، ومناقب لا يسع مثل هذا الموضع ذكرها (7).


1- سير أعلام النبلاء 6/27٠.
2- نفس المصدر 6/271.
3- تهذيب التهذيب 1٠/3٠2.
4- صفة الصفوة 2/184.
5- البداية والنهاية 1٠/189.
6- منهاج السنة 2/124.
7- سبائك الذهب: 75.

ص: 144

ص: 145

الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

اشارة

(148- 2٠3ه-)

هو الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكنيته أبو الحسن. ومن أشهر ألقابه: الرضا، ولقب بذلك لأنه رضي به المؤالف والمخالف.

أمه أم ولد اسمها تكتم، وقيل: أم البنين، وقيل: نجمة.

قال الشاعر يمدح الإمام الرضا عليه السلام:

ألا إنَّ خيرَ الناسِ نفساً ووالِداً *ورهطاً وأجداداً عليُّ المعظَّمُ *أتتْنا به للعِلْمِ والحِلمِ ثامناً *إماماً يؤدِّي حُجَّةَ اللهِ تكتمُ .

وُلد في المدينة المنورة في سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة، وتولى الإمامة بعد أبيه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مدة عشرين سنة.

وعاصره من ملوك بني العباس: أبو جعفر المنصور، ثم ابنه محمد الملقب بالمهدي، ثم موسى الملقب بالهادي، ثم هارون الملقب بالرشيد، ثم محمد بن هارون الملقب بالأمين، ثم عبد الله بن هارون الملقب بالمأمون، وفي أيامه توفي مسموماً.

وفي سنة 2٠1ه- طلب منه المأمون العباسي قبول ولاية العهد، فرفض، إلا أن المأمون أكرهه على ذلك، فقبل ولاية العهد على ألا يأمر، ولا ينهى، ولا يفتي، ولا يقضي، ولا يولي، ولا يعزل، ولا يغيِّر شيئاً مما هو قائم، فقبل المأمون منه ذلك، وضرب الدراهم باسمه، وكتب إلى الآفاق بذلك، وأمر بترك السواد

ص: 146

وهو شعار العباسيين، ولبس الخضرة وهو شعار العلويين.

وبعد أن صار ولياً للعهد تعاظم أمره عند الخاصة والعامة، وقصده الشعراء بمدحه، فمدحه دعبل الخزاعي بقصيدة مشهورة، وكذلك فعل الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس، ولهذا حاول المأمون العباسي إسقاط محله من قلوب شيعته، فأمر بإحضار العلماء من مختلف الطوائف والأديان لمناظرته، فكان له الفلج عليهم، حتى كتب الشيخ محمد بن علي بن بابويه قدس سره كتاباً في مجلدين أسماه: (عيون أخبار الرضا عليه السلام) ، ذكر فيه جملة وافرة من تلك المناظرات، ومسائل كثيرة وُجهت للإمام الرضا عليه السلام، فأجاب عنها.

مات كما قلنا مسموماً في صفر من سنة ثلاث ومائتين من الهجرة بطوس من أرض خراسان في مدينة تعرف الآن بمشهد، وله من العمر خمس وخمسون سنة، وقبره الآن في مشهد يزوره الملايين من شيعته ومحبيه ويتبركون به على مدار العام.

له ولد واحد فقط، هو الإمام أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام المعروف بالجواد أو التقي، كان عمره عند وفاة أبيه سبع سنين وأشهراً.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال الذهبي: علي الرضا، الإمام السيّد، أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين، الهاشمي العلوي المدني (1).

وقال: وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة (2).

وقال السمعاني: والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب (3).


1- سير أعلام النبلاء 9/387.
2- نفس المصدر 9/392.
3- الأنساب 3/74. تهذيب التهذيب 7/34٠.

ص: 147

وعدّه ابن حبان في الثقات، وقال: علي بن موسى الرضا. . . من سادات أهل البيت وعقلائهم، وجلّة الهاشميين ونبلائهم، يجب أن يعتبر حديثه. . . لأنه في نفسه كان أجلّ من أن يكذب، ومات علي بن موسى الرضا بطوس. . . وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يُزار، بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جدّه وعليه، ودعوت الله إزالتها عني، إلا استُجيب لي، وزالت عني تلك الشدّة، وهذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين (1).

وقال الحاكم النيسابوري: وكان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيّف وعشرين سنة، روى عنه من أئمة الحديث آدم بن أبي إياس، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن رافع القشيري وغيرهم (2).

وقال: سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة (3)، وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون، إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، فرأيت من تعظيمه - يعني ابن خزيمة - لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا (4).


1- الثقات 8/456.
2- تهذيب التهذيب 7/339.
3- قال الذهبي في تذكرة الحفّاظ 2/72٠: ابن خزيمة الحافظ الكبير إمام الأئمة شيخ الإسلام. وقال أيضاً في 2/723: هذا الإمام كان فريد عصره. وقال أبو حاتم محمد بن حبان التميمي 2/723: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن بين عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط. وقال الدارقطني 2/728: كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً معدوم النظير (ص 728 . وقال ابن حبان في كتابه الثقات 9/156: كان رحمه الله أحد أئمة الدنيا علماً وفقهاً وحفظاً وجمعاً واستنباطاً حتى تكلم في السنن بإسناد لا نعلم سبق إليها غيره من أئمتنا مع الإتقان الوافر والدين الشديد إلى أن توفي رحمه الله.
4- تهذيب التهذيب 7/339.

ص: 148

وقال ابن تيمية: إن علي بن موسى له من المحاسن والمكارم المعروفة والممادح المناسبة للحالة اللائقة به ما يعرفه بها أهل المعرفة. (منهاج السنة 2/125 .

وقال يوسف النبهاني: أحد أكابر الأئمة، ومصابيح الأُمّة من أهل بيت النبوّة، ومعادن العلم والكرم والفتوَّة، كان عظيم القدر، مشهور الذكر، وله كرامات كثيرة (1).

وقال الواقدي: سمع علي [أي الرضا] الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم، وكان ثقة، يفتي بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيّف وعشرين سنة، وهو من طبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة (2).

وقال الشبراوي: كان لموسى الكاظم من الأولاد سبعة وثلاثون ولداً ما بين ذكر وأنثى، أجلّهم، وأفضلهم، وأشرفهم، وأكملهم الثامن من الأئمة علي الرضا، كان رضي الله عنه كريماً، جليلاً، مهاباً (3).

وقال: كانت مناقبه عليَّة، وصفاته سنيَّة، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، كراماته أكثر من أن تُحصر، وأشهر من أن تُذكر. . .

ثم ساق بعض كراماته (4).

وقال السويدي: علي الرضا كانت أخلاقه عليَّة، وصفاته سنيَّة. . . وكراماته كثيرة، ومناقبه شهيرة، لا يسعها مثل هذا الموضع (5).


1- جامع كرامات الأولياء 2/156.
2- عن تذكرة الخواص: 315.
3- الإتحاف بحب الأشراف: 155.
4- نفس المصدر: 156.
5- سبائك الذهب: 75.

ص: 149

الإمام محمد بن علي الجواد

اشارة

عليه السلام

(195- 22٠ه-)

هو الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، كنيته أبو جعفر، أو أبو جعفر الثاني، ولقبه: الجواد، والتقي.

أمه أم ولد، يقال لها: سبيكة، ويقال: دُرَّة، ثم سماها الرضا عليه السلام: خيزران. وكانت نُوْبية (1).

ولد في المدينة المنورة سنة خمس وتسعين ومائة،

قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدس سره: كان عليه السلام قد بلغ في كمال العقل والفضل والعلم والحكم والأدب - مع صغر سنّه - منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي السن من السادات وغيرهم، ولذلك كان المأمون مشغوفاً به لما رأى من علو رتبته وعظم منزلته في جميع الفضائل، فزوَّجه ابنته أم الفضل، وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفِّراً على تعظيمه وتوقيره وتبجيله (2).

تولى الإمامة بعد أبيه وله من العمر سبع سنين وأشهر، وكانت مدة إمامته سبع عشرة سنة.

عاصره من ملوك بني العباس: المأمون العباسي، ثم المعتصم.

أشخصه المعتصم العباسي إلى بغداد في أول سنة 22٠ه-، وأقام بها حتى


1- نسبة إلى بلاد النُّوبة، وهي بلاد واسعة في جنوب مصر، أول بلادهم بعد أسوان. (معجم البلدان 5/3٠9 ، وقال في لسان العرب 1/776: هم: جيل من السودان.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى: 335.

ص: 150

مات مسموماً في أواخر شهر ذي القعدة من نفس العام، وله من العمر خمس وعشرون سنة، ودفن بجوار جدِّه الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، وحرمهما مشهور يزوره الملايين كل عام، في منطقة صارت تعرف بالكاظمية، في نواحي مدينة بغداد.

خلّف من الأولاد: ابنه الإمام علي الهادي عليه السلام، وموسى، ومن البنات: حكيمة، وخديجة وأم كلثوم.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال صلاح الدين الصفدي: محمد بن علي هو الجواد بن الرضا بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر رضي الله عنهم، كان يلقَّب بالجواد، وبالقانع، وبالمرتضى، وكان من سروات أهل بيت النبوّة.

وقال: وكان من الموصوفين بالسخاء، ولذلك لُقِّب الجواد، وهو أحد الأئمة الاثني عشر (1).

وقال ابن تيمية: محمد بن علي الجواد كان من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء والسؤدد، ولهذا سُمّي الجواد (2).

وقال سبط ابن الجوزي: وكان على منهاج أبيه في العلم، والتقى، والزهد، والجود (3).

وقال يوسف النبهاني: محمد الجواد بن علي الرضا، أحد أكابر الأئمة ومصابيح الأُمّة من ساداتنا أهل البيت، ذكره الشبراوي في (الإتحاف بحب الأشراف) (4)، وبعد أن أثنى عليه الثناء الجميل، وذكر شيئاً من مناقبه وما جرى له مما دلَّ على فضله وكماله، وأن المأمون العباسي زوَّجه بنته أم الفضل، حكى أنه


1- الوافي بالوفيات 4/1٠5.
2- منهاج السنة 2/127.
3- تذكرة الخواص: 321.
4- الإتحاف بحب الأشراف: 168.

ص: 151

لما توجَّه رضي الله عنه من بغداد إلى المدينة الشريفة خرج معه الناس يشيّعونه للوداع، فسار إلى أن وصل باب الكوفة عند دار المسيب، فنزل هناك مع غروب الشمس، ودخل إلى مسجد قديم مؤسَّس بذلك الموضع يصلي فيه المغرب، وكان في صحن المسجد شجرة نبق [وهو ثمر السدر] لم تثمر قط، فدعا بكوز فيه ماء، فتوضأ في أصل الشجرة، فقام وصلى معه الناس المغرب. . . ثم بعد فراغه جلس هنيهة يذكر الله، وقام فتنفَّل بأربع ركعات، وسجد معهن سجدتي الشكر، ثم قام فودّع الناس وانصرف، فأصبحت النبقة وقد حملت من ليلتها حملاً حسناً، فرآها الناس، وتعجّبوا من ذلك غاية العجب، وكان ما هو أغرب من ذلك، وهو أن نبق هذه الشجرة لم يكن لها عجم، فزاد تعجّبهم من ذلك، وهذا من بعض كراماته الجليلة، ومناقبه الجميلة (1).

وقال الشبراوي قبل ذكره للقصَّة المذكورة: وكراماته رضي الله عنه كثيرة، ومناقبه شهيرة (2).

وقال الشبلنجي: قال صاحب كتاب مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا محمّد أبو جعفر الثاني. . . وإن كان صغير السن فهو كبير القدر، رفيع الذِّكر، ومناقبه رضي الله عنه كثيرة (3).

وقال القرماني: وأما مناقبه فما امتدت أوقاتها، ولا تأخَّر ميقاتها، بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلة بقائه في الدنيا، فقلَّ مقامه، وعاجله حِمامه، ولم تطل أيامه، غير أن الله عزَّ وجلَّ خصَّه بمنقبة شريفة، وآية منيفة. . .

ثم ساق قضية وقعت له في صباه مع المأمون العباسي (4).


1- جامع كرامات الأولياء 1/136.
2- الإتحاف بحب الأشراف: 168.
3- نور الأبصار: 283.
4- أخبار الدول وآثار الأول 1/346.

ص: 152

ص: 153

الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

اشارة

(212 - 254ه-)

هو الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، كنيته: أبو الحسن، أو أبو الحسن الثالث. وأشهر ألقابه: الهادي، والنقي.

وُلد بصريا (1) من المدينة المنورة، في النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة، على ما ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد، والطبرسي في إعلام الورى (2)، وفي دعاء رجب الذي رواه ابن عياش عن الحسين بن روح قدس سره دلالة على أنه عليه السلام وُلد في رجب، حيث ورد في الدعاء قوله: اللهم إني أسألك بالمولودَين في رجب: محمد بن علي الثاني، وابنه علي بن محمد المنتجب. . . (3).

وأمّ الإمام الهادي عليه السلام أم ولد يقال لها: سُمانة، وكانت جليلة فاضلة تقية مرضية.

تولى الإمامة وله من العمر ثماني سنوات، وكانت مدة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة.

وقد روى الشيخ الكليني قدس سره النص من أبيه الإمام الجواد عليه السلام على إمامته، فقد روى بسند صحيح عن إسماعيل بن مهران، قال: لما خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك


1- صريا: هي قرية تقع على بعد ثلاثة أميال من المدينة المنورة.
2- الإرشاد 2/297. إعلام الورى: 339.
3- مصباح المتهجد: 557.

ص: 154

إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكرَّ بوجهه إليَّ ضاحكاً، وقال: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة. فلما أُخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم التفت إلي فقال: عند هذه يُخاف عليَّ، الأمر من بعدي إلى ابني علي (1).

عاصره من ملوك بني العباس: المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق خمس سنين وسبعة أشهر، ثم المتوكل أربع عشرة سنة، ثم ابنه المنتصر ستة أشهر، ثم ملك المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم سنتين وتسعة أشهر، ثم ملك المعتز، وهو الزبير بن المتوكل ثماني سنين وأشهراً، وفي أواخر أيام ملكه توفي الإمام الهادي عليه السلام.

وفي سنة 243ه- أشخصه المتوكل العباسي من المدينة المنورة إلى سر من رأى مع يحيى بن هرثمة بن أعين، فأقام بها حتى مضى لسبيله، وكان السبب في ذلك هو أن والي المدينة وهو عبد ا لله بن محمد سعى به إلى المتوكل، فكتب المتوكل إليه كتاباً يأمر فيه بإشخاصه إلى منطقة العسكر قرب سامراء، فلما وصل الإمام إلى سر من رأى أنزل في خان يعرف بخان الصعاليك، ثم أمر المتوكل بإفراد دار له، فانتقل إليها.

وله مع المتوكل حوادث متعدّدة، من ضمنها الحادثة التي ذكرها ابن عماد الحنبلي وغيره، وسنذكرها قريباً.

قال الشيخ المفيد قدس سره: وأقام أبو الحسن عليه السلام مدة مقامه بسر من رأى مكرماً في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك، وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له وبيّنات (2).

توفي بسامراء في سنة أربع وخمسين ومائتين، وله من العمر إحدى وأربعون سنة وأشهر.


1- الكافي 1/323.
2- الإرشاد 2/311.

ص: 155

له من الأولاد خمسة: أفضلهم أبو محمد الحسن العسكري، وهو الإمام من بعده، ومن أولاده: الحسين، ومحمد وهو رجل جليل يُتبرَّك به، ويتوسَّل به في قضاء الحاجات، وله مقام مشهور في قرية قرب سامراء تسمّى بلد، وجعفر الملقب بالكذاب، وابنته علية.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

ذكره الذهبي في أحداث سنة 254ه-، فقال: وفيها [توفي] أبو الحسن علي بن الجواد محمد، بن الرضا علي، بن الكاظم موسى، بن الصادق جعفر، العلوي الحسيني المعروف بالهادي، توفي بسامراء وله أربعون سنة، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً، استفتاه المتوكِّل مرة، ووصله بأربعة آلاف دينار (1).

وقال أيضاً: كان مفتياً صالحاً، وصله المتوكِّل مرَّة بأربعة آلاف دينار، وعاش أربعين سنة (2).

وقال ابن العماد الحنبلي في أحداث السنة المذكورة: وفيها [توفي] أبو الحسن علي بن الجواد. . . المعروف بالهادي، كان فقيهاً إماماً متعبِّداً. . . سُعي به إلى المتوكّل وقيل له: إن في بيته سلاحاً وعدَّة ويريد القيام. فأمر من هجم عليه منزله، فوجده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر، يصلي ليس بينه وبين الأرض فراش، وهو يترنَّم بآيات من القرآن في الوعد الوعيد، فحُمِل إليه ووُصف له حاله، فلما رآه عظّمه، وأجلسه إلى جنبه، وناوله شراباً، فقال: ما خامر لحمي ولا دمي فاعفني منه. فأعفاه. وقال له: أنشدني شعراً. فأنشده أبياتاً أبكاه بها، فأمر له بأربعة آلاف دينار، وردَّه مكرَّماً (3).

والأبيات التي أنشدها المتوكّل هي:


1- العبر في خبر من غبر 1/364.
2- دول الإسلام: 138.
3- شذرات الذهب 2/128. راجع تفصيل هذه القضية في البداية والنهاية 11/17، ووفيات الأعيان 3/272.

ص: 156

باتوا على قُلَلِ الأجبالِ تحرُسُهمْ *غُلْبُ الرجالِ فما أغنَتْهمُ القُلَلُ *واستُنزِلوا بعد عزٍّ مِن معاقلِهمْ *فأُودِعُوا حُفَراً يا بئسَ ما نَزَلوا *ناداهمُ صارخٌ مِن بعد ما قُبِروا: *أين الأَسِرّةُ والتيجانُ والحُلَلُ؟ *أين الوجوهُ التي كانت منعَّمةً *مِن دونِها تُضرَبُ الأستارُ والكللُ؟ *فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساءَلهم: *تلك الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتلُ *قَدْ طالما أَكلوا دهراً وما شربوا *فأصبحوا بَعْدَ طُولِ الأكلِ قَدْ أُكِلُوا *وطالما عمَّروا دُوراً لتُسكِنهم *ففارقوا الدُّورَ والأهلينَ وانتقلوا *وطالما كَنَزُوا الأموالَ وادَّخروا *. ففرَّقُوها على الأعداءِ وارتحلوا *أضحتْ منازلُهم قفراً معطَّلةً *وساكِنُوها إلى الأجداثِ قد نَزَلوا . .

وقال ابن كثير: وكان عابداً زاهداً، نقله المتوكّل إلى سامرا، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر (1).

وقال ابن حجر الهيتمي: كان وارث أبيه علماً وسخاءً (2).

وقال الشبلنجي: ومناقبه رضي الله عنه كثيرة (3).

وقال السويدي: علي الهادي وُلد بالمدينة، وكنيته أبو الحسن، ولقبه الهادي. . . ومناقبه كثيرة .


1- البداية والنهاية 11/17.
2- الصواعق المحرقة: 239.
3- نور الأبصار:29٠.

ص: 157

الإمام الحسن العسكري عليه السلام

اشارة

(232 - 26٠ه-)

هو الإمام الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، كنيته أبو محمد، وأشهر ألقابه: العسكري، ولقب بالعسكري نسبة إلى قرية يقال لها عسكر، قرب سامراء. وأمه أم ولد يقال لها: حديث، وكانت امرأة جليلة فاضلة تقية طاهرة.

ولد في المدينة المنورة في يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائتين من الهجرة.

وكان أفضل أهل البيت عليهم السلام في عصره علماً، وزهداً، وتقوى، وورعاً، وصلاحاً، وروي أنه كان أسمر اللون، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة وهيبة (1).

عاصره من ملوك بني العباس: المعتز، ثم المهتدي حوالي سنة واحدة، ثم ملك أحمد المعتمد على الله ابن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد عشر شهراً، وقد قبض الله تعالى الإمام العسكري عليه السلام بعد خمس سنين من ملك المعتمد.

ويظهر من بعض الأخبار أنه عليه السلام سُجن مراراً، فقد سجن مرة عند صالح بن وصيف، ومرة أخرى عند علي بن أوتاش، ومرة ثالثة عند نحرير الخادم.

وكانت مدة إمامته ست سنين.

توفي في يوم الجمعة في الثامن من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، في


1- الكافي 1/5٠3.

ص: 158

سامراء، وله ثمان وعشرون سنة، ودُفن في داره، وهو البيت الذي دُفن فيه أبوه الإمام الهادي عليه السلام، وهو الآن مقام مشهور ومزار عامر يرتاده الزوار في أنحاء العام.

لم يخلف من الأولاد إلا ولداً واحداً، هو الإمام المنتظر محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وهو المعدُّ لإزالة دولة الظلم، وإحياء كلمة الحق والعدل، وقد أنكر كثير من العامة أن يكون له ولد؛ لأنه عليه السلام أخفى مولد ابنه إلا عن خاصة خاصته خوفاً عليه من سلاطين عصره.

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال يوسف النبهاني: الحسن العسكري أحد أئمة ساداتنا آل البيت العظام، وساداتهم الكرام، رضي الله عنهم أجمعين.

وقال: وقد رأيت له كرامة بنفسي، هي أنه في سنة 1296هجرية، سافرت إلى بغداد من بلدة كوي سنجق إحدى قواعد بلاد الأكراد، وكنت قاضياً فيها، ففارقتها قبل أن أكمل المدّة المعيّنة؛ لشدة ما وقع فيها من الغلاء والقحط الذي عمَّ بلاد العراق في تلك السنة، فسافرت في الكلك، وهو ظروف يشدّون بعضها إلى بعض، ويربطون فوقها الأخشاب، ويجلسون عليها، ويسافرون، فلما وصل الكلك قبالة مدينة سامراء، وكانت مقرًّا لخلفاء العباسيين، أحببنا أن نزور الإمام الحسن العسكري المذكور، وهو مدفون فيها، فوقف الكلك هناك، وخرجنا لزيارته رضي الله عنه، فحينما دخلتُ على قبره الشريف حصلت لي حالة روحانية لم يحصل لي مثلها قط، إلا حينما زرت نبي الله يونس في الموصل، فقد حصلت لي تلك الحالة أيضاً، وهذه كرامة له رضي الله عنه (1).

وقال سبط ابن الجوزي: كان عالماً ثقة، روى الحديث عن أبيه عن جدّه، ومن جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز، ذكره جدّي أبو الفرج [ابن الجوزي] في كتابه المسمَّى ب- (تحريم الخمر) ونقلته من خطّه وسمعته يقول: أشهد بالله لقد


1- جامع كرامات الأولياء 2/18.

ص: 159

سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي يقول: . . . أشهد بالله لقد سمعت الحسن بن علي العسكري يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، عليَّ بن محمد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، محمد بن علي بن موسى الرضا يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، عليَّ بن موسى يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، موسى يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، جعفَر بن محمد يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، محمدَ بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، عليَّ بن الحسين يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، الحسين بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت أبي، عليَّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: أشهد بالله لقد سمعت محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أشهد بالله لقد سمعت جبرئيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت ميكائيل يقول: أشهد بالله لقد سمعت إسرافيل يقول: أشهد بالله على اللوح المحفوظ أنه قال: سمعت الله يقول: شارب الخمر كعابد الوثَن (1).

قال: ولمّا روى جدِّي هذا الحديث في كتاب تحريم الخمر قال: قال أبو نعيم الفضل بن دكين: هذا حديث صحيح ثابت، روته العترة الطيِّبة الطاهرة (2).

وأخرجه أبو نعيم الأصفهاني في حليته بتغيّر طفيف، وقال: هذا حديث صحيح ثابت، روته العترة الطيِّبة (3).

وقال شمس الدين بن طولون: هذا حديث جليل القدر من رواية هذه السادة الأخيار، الأئمة الأطهار رضي الله عنهم (4).

ومما قيل فيه عليه السلام أيضاً ما قاله الشبلنجي، قال: ومناقبه رضي الله عنه كثيرة. . .

ثم ساق له بعض الكرامات (5).


1- تذكرة الخواص: 324.
2- المصدر السابق.
3- حلية الأولياء 3/2٠4.
4- الأئمة الاثنا عشر: 12٠.
5- نور الأبصار: 294.

ص: 160

ص: 161

المهدي المنتظر الإمام محمدبن الحسن العسكري عليه السلام

اشارة

(255ه- - حي يُرزق)

هو الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وُلد عليه السلام في النصف من شعبان سنة 255ه- بسُرَّ مَنْ رأى، وتولَّى الإمامة بعد وفاة أبيه في الثامن من شهر ربيع الأول سنة 26٠ه- وعمره حوالي خمس سنين، وقد بقي متوارياً عن الأنظار في غيبة صغرى استمرت إلى سنة 329ه-، لا يراه فيها إلا خواص شيعته، وكان عنده أربعة سفراء هم الواسطة بينه وبين شيعته، ثم غاب بعد موت سفيره الرابع غيبة كبرى، وبقي متوارياً عن الأنظار حيًّا يُرزق إلى هذا اليوم، وهو باقٍ إلى أن يأذن الله له في الخروج؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

وهو مهدي هذه الأمّة، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئتْ ظلماً وجوراً، وقد بشَّر به النبي صلى الله عليه وآله، وأخبر بخروجه في أحاديث كثيرة بلغت حدّ التواتر، رواها الشيعة وأهل السنة في كتبهم المشهورة.

ولكن اختلف المسلمون في شخص المهدي المنتظر من هو؟ مع اتفاقهم على اسمه وكنيته، وأنه من أهل البيت عليهم السلام، ومن ولد فاطمة عليها السلام بالخصوص.

والذي عليه الشيعة هو أن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، والذي عليه أكثر أهل السنة أنه رجل آخر غيره.

ص: 162

ثبوت ولادته عليه السلام:

أنكر بعض أهل السنة ولادته، وزعموا أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام مات ولم يخلف ولداً.

قال ابن حجر الهيتمي: والكثير على أن العسكري لم يكن له ولد؛ لطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لما مات، فدلَّ طلبه أن أخاه لا ولد له، وإلا لم يسعه الطلب (1).

وقال شمس الدين الذهبي: ذكر ابن جرير وابن قانع وغيرهما أن الحسن بن علي العسكري لم يعقب (2).

ولكن مع قيام الدليل الصحيح عندنا على ولادته عليه السلام لا نرى قيمة لإنكار ولادته ووجوده من قبل جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام أو غيره ممن لم يعلم بولادته عليه السلام، ولم يقم دليل عنده على وجوده.

الأدلة الدالة على ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام:

1- أنا إذا لم نقل بولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام وبقائه، فإنه يلزم خلو هذا العصر من إمام من العترة النبوية الطاهرة، ولا يكون أي مصداق في هذا العصر لحديث الثقلين، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تاركٌ فيكم الثَّقَلين: كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما فلن تضلُّوا بعدي أبداً، وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (3).

وإذا أنكرنا وجود الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام وبقاءه في هذا العصر، فلا يوجد إمام آخر من العترة النبوية الطاهرة يصلح للتمسّك به، وينطبق عليه حديث الثقلين في عصرنا، وهذا يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وآله في هذا


1- الصواعق المحرقة: 482.
2- المنتقى من منهاج الاعتدال: 172.
3- سبق تخريج هذا الحديث في صفحة 25، فراجعه.

ص: 163

الحديث الصحيح أو تخطئته، وهذا لا يقوله مسلم، فإن الحديث دلَّ بوضوح على وجود متأهِّل من أهل البيت صالح للإمامة في كل عصر إلى أن تقوم الساعة، وإلا لحصل الافتراق بين الكتاب والعترة المنفي في الحديث.

قال ابن حجر الهيتمي المكي: والحاصل أن الحث وقع على التمسّك بالكتاب والسنّة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة (1).

وقال: وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك.

وقال المناوي: قال الشريف: هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة، حتى يتوجَّه الحثّ المذكور إلى التمسّك بهم، كما أن الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض (2).

2- أنَّا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي عليه السلام ووجوده وأنه إمام هذا العصر فلا بد من القول بأن كل المسلمين في عصرنا وفي العصور السابقة لعصرنا ميتتهم ميتة جاهلية؛ لقوله صلى الله عليه وآله: «مَنْ مات وليس في عنقه بيعة فميتته ميتة جاهلية» (3)؛ لأن كل المسلمين حينئذ لا إمام لهم، وهذا باطل بالإجماع.

3- أنَّا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام وبقائه، وقلنا: «إن الإمام المهدي شخص آخر غيره، سيولد في آخر الزمان» كما هو معتقد أهل السنة، فإنه تلزم محاذير وإشكالات كثيرة لا يمكن دفعها.

منها: أن الإمام المهدي إذا كان لا يتلقّى وحياً من السماء، وأنه رجل عادي، فإنه لا يعرف أنه هو الإمام المهدي الموعود به، ولأجل ذلك كثر المدَّعون


1- الصواعق المحرقة: 151.
2- فيض القدير 3/14.
3- صحيح مسلم 3/1478.

ص: 164

للمهدوية من أهل السنة؛ لأن مجموع الصفات التي ذكروها للإمام المهدي عليه السلام من أنه أجلى الجبهة، وأقنى الأنف، وأنه من ولد فاطمة، واسمه محمد، غير كافية في الدلالة عليه، وتمييزه عن غيره.

ومنها: أنه يجب على الإمام المهدي أن يبايع واحداً من سلاطين عصره؛ فإنه إذا لم يبايع أحداً منهم فقد ترك واجباً من أهم الواجبات الدينية؛ لأنه لا يجوز له أن يبيت ليلة وليس في عنقه بيعة لإمام؛ لما رووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: مَنْ مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (1).

وقوله: مَنْ مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية (2).

وإن بايع الإمام المهدي واحداً من أولئك السلاطين فلا يجوز له القيام عليه؛ لأن بيعته له تعني إقراره بشرعية حُكمه ولزوم طاعته.

ومنها: أنه يحرم على الإمام المهدي عليه السلام أن يقوم على سلاطين عصره؛ لأن سلاطين عصره إن كانوا يحكمون بالعدل فلا يجوز القيام عليهم، وإن كانوا ظَلَمة فكذلك؛ لأن أحاديث أهل السنة وفتاوى علمائهم نصَّت على أن الواجب على الناس هو الصبر والسَّمع والطاعة لسلاطين الجور، وعدم جواز القيام عليهم إلا إذا رأوا منهم كفراً بواحاً.

وعلى هذا جرت سيرة علماء أهل السنة على مَرّ العصور، وانعقدت إجماعاتهم، وتضافرت كلماتهم، فإنهم لم يقوموا على سلاطين الدولتين الأموية

والعباسية، ولم يجوِّزوا نقض بيعتهم وخلع طاعتهم، بل سلَّموا لهم مع عظيم ظلمهم، ووضوح تجاهرهم بالفسق والمجون.

قال القرطبي: الذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء، وشَنّ الغارات على المسلمين،


1- صحيح مسلم 3/1478.
2- كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/489. قال الألباني: إسناده حسن، ورجاله ثقات.

ص: 165

والفساد في الأرض (1).

وعليه، فلا مُصحِّح لقيام الإمام المهدي عليه السلام على سلاطين عصره بحسب دلالة الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة وأقوال علمائهم.

ومنها: أن الناس لا يستطيعون تمييز الإمام المهدي المنتظر عن غيره؛ وذلك لأن الإمام المهدي عند أهل السنة ليست له علامات تشخِّصه، ولا تجري على يده كرامات تميِّزه عن غيره ممن يدَّعون المهدوية.

وهذا ما أوقع الكثير من الناس في اللبس حتى صدَّقوا المدَّعين للمهدوية تارة، وظنوا المهدوية في بعض آخر تارة أخرى.

وأما الشيعة فالأمر عندهم سهل؛ لأنهم لا يعتقدون بمهدوية مَن لا يأتي بالكرامة الدالة على صدقه، فكل من عجز عن ذلك فهو كذَّاب مفترٍ عندهم.

وهناك ستة إشكالات أخر غير هذه الإشكالات الأربعة ذكرتها كلها مفصَّلة في كتابي (من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟) ، فراجعها.

4- أنَّ جماعة من علماء أهل السنة قد أقرَّوا بولادته عليه السلام، سنذكرهم قريباً إن شاء الله تعالى.

ومن المجازفة العظيمة إنكار ولادة رجل قال بولادته المؤالفون، واعترف بها جمع من العلماء المخالفين الذين لا يُتَّهمون بممالأة خصومهم ولا بمجاملة مخالفيهم! !

5- أنه قد ثبت بسند صحيح عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه أقرَّ بولادة ابنه الإمام المهدي عليه السلام.

فقد روى الكليني قدس سره في كتاب الكافي بسند صحيح عن محمدبن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد عليه السلام: جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سَلْ. قلت: يا سيدي


1- الجامع لأحكام القرآن 2/1٠9.

ص: 166

هل لك ولد؟ فقال: نعم. فقلت: فإن حدَثَ بك حدثٌ فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة (1).

وثبوت الولادات في عموم الأشخاص يُرجَع فيه إلى والد الشخص نفسه، فإذا ثبت عنه برواية واحدة صحيحة أنه قد اعترف بأنه قد وُلد له ولد، فحينئذ لا بدَّ من تصديقه والإقرار له به، وقد أقرَّ الإمام العسكري عليه السلام بأنه قد وُلد له الخلَف من بعده.

وسنذكر فيما بعد بعض الروايات الأخرى الدالة على ذلك، فانتظر.

6- أن جملة كبيرة من العلماء والصلحاء والمؤمنين رأوا الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام في وقائع كثيرة وحوادث عديدة، حتى جمع الميرزا النوري الطبرسي قدس سره في كتابه (جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحُجّة) حكايات كثيرة مسندة عمَّن رأوا الإمام المهدي عليه السلام، وهذا الكتاب مطبوع مستقلاً، كما طُبع في ذيل المجلد الثالث والخمسين من كتاب بحار الأنوار للشيخ المجلسي قدس سره.

وقد اعترف برؤيته بعض علماء أهل السنة، منهم الشيخ حسن العراقي، كما صرَّح بذلك عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) ، حيث قال: إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ. . . فهناك يُترقَّب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين هجرية، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا - وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة - سبعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص (2).


1- الكافي 1/328.
2- اليواقيت والجواهر 2/562.

ص: 167

وقد ذكر الشيخ يوسف النبهاني في كتابه جامع كرامات الأولياء (1)قصة لقاء الشيخ حسن العراقي بالإمام المهدي عليه السلام، فراجعها.


1- جامع كرامات الأولياء 2/33.

ص: 168

ص: 169

الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام هو إمام هذا العصر

اشارة

ويمكن إثبات ذلك بثلاثة أدلة:

١- اشتراط العصمة في الخليفة:

ويدل على ذلك أمور:

1- أن الله تعالى قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء: 59]، فساوى بين طاعته، وطاعة أولي الأمر - وهم الأئمة عليهم السلام-؛ لانتفاء الخطأ في الكل، وهذا كاشف عن عصمتهم، ولولا ذلك لما اتجه الأمر بطاعتهم مطلقاً.

2- أن الله تعالى قال: ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [البقرة: 124]، فبيَّن تعالى أن الظالم لا يصلح للإمامة، وغير المعصوم ظالم لنفسه؛ لوقوع المعاصي منه، وكل من ارتكب معصية فقد ظلم نفسه على الأقل، فلا يصلح للإمامة، فذكْر الظالمين بصيغة العموم يشمل من ظلم نفسه ومن ظلم غيره، ومراده بالعهد في الآية هو الإمامة، بدليل الكلام المتقدّم.

3- أن الخلافة الكبرى التي يتوقَّف عليها بقاء الدين وصلاح أمور المسلمين، لا يصح أن توكل إلى إمام يخطئ ويصيب، ويحكم في القضية بحكم ثم ينقضه، ويفتي في المسألة بفتوى ثم يبدّلها، فينمحق الدين وتتبدّل الأحكام مع توالي الأئمة وتطاول الأزمنة، وقد عصم الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله من

ص: 170

كل خطأ؛ حتى بلَّغوا شرائعه وأحكامه تامة صحيحة.

إذا عرفت ذلك نقول:

إن الإمام المهدي عليه السلام معصوم بنص النبي صلى الله عليه وآله، إذ قال: «يملأها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً» ، وذلك لا يتم إلا بعصمته وتمام معرفته بشرائع الله وأحكامه.

قال البرزنجي: [هذه] تكملة في فوائد تضمنها الأحاديث ودلَّ عليها الكشف الصحيح، لخّصتها من كلام إمام المحققين محيي الملة والدين محمد بن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي. قال رحمه الله ورضي عنه في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات المكّية ما ملخّصه: إن لله خليفة يخرج وقد

امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً، يقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، له ملَك يسدِّده من حيث لا يراه. . . (1).

ثم قال: وأما عصمة المهدي ففي حُكْمه.

وقال أيضاً: لا يحكم المهدي إلا بما يُلقي إليه الملَك من عند الله الذي بعثه الله إليه يسدّده، وذلك هو الشرع الحنفي المحمدي، الذي لو كان محمد صلى الله عليه وسلم حيًّا، ورُفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بحكم هذا الإمام. . . ولذا قال صلى الله عليه وسلم في صفته: «يقفو أثري لا يخطئ» ، فعرفنا أنه متَّبِ-ع لا مشرِّع، وأنه معصوم، ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه معصوم من الخطأ، فإنَّ حكم الرسول لا يُنسب إليه الخطأ، فإنه لا ينطق عن الهوى، إنْ هو إلا وحي يُوحى (2).

وعليه، فإن قلنا بعصمة الإمام المهدي عليه السلام ووجوده في هذا العصر تعيَّن للإمامة دون غيره من الناس؛ لأن الأمّة أجمعت على أن غير المهدي في هذا الزمان ليس بمعصوم، وإلا فقد خلا الزمان ممن يصلح للإمامة، وهذا باطل باتفاق المسلمين.


1- الإشاعة لأشراط الساعة: 1٠7. راجع الفتوحات المكية 3/327.
2- الإشاعة لأشراط الساعة: 1٠8.

ص: 171

٢- لزوم النص على الخليفة:

ويدل على ذلك عدة أدّلة:

1- أنه قد ثبت اشتراط العصمة في الإمام، والعصمة أمر نفساني لا يظهر لأكثر الناس، ولهذا تمس الحاجة إلى النصّ عليه من الله تعالى العالم بالخفيات، والمطلع على خبايا جميع خلقه.

2- أن ترك النص يفتح باب الخلاف، ويفضي إلى النزاع، كما وقع في سقيفة بني ساعدة، واستمر منها الخلاف في الخلافة إلى يومنا هذا، وأكثر النزاعات وقعت بين المسلمين بسبب الخلافة، وإذا كان الله سبحانه أمر بالألفة ونبْذِ الفرقة، فقال: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) [آل عمران: 1٠3]، وقال: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]، فمن غير المقبول بحال أن يفتح الله للمسلمين باباً واسعاً للفرقة والنزاع، فيجعل اختيار الخليفة موكولاً إلى الناس يتنازعون في اختياره.

3- أن غير النص - وهو الشورى - لا يفضي إلى تنصيب الأفضل؛ لأن اختيار الخليفة لا يتحقّق إلا بدافع المنافع الشخصية والمصالح الفردية، أو بباعث العصبيات، أو الميول النفسية، أو لاتباع الظن الذي لا يغني عن الحق

شيئاً كما قال سبحانه: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) [الأنعام: 116]،

وأفضل الأمَّة قد لا يعرفه الناس، وإذا عرفوه ربما لا يبايعونه إذا كان حازماً في الحق، قليل العشيرة والأعوان.

4- أن الإمامة خلافة لله ورسوله، والإمام خليفة الله ورسوله، ولا تكون الخلافة عنهما إلا بقولهما.

5- أن الله سبحانه وتعالى بيَّن في كتابه العزيز أنّ الإمام والخليفة لا يكون إلا بجعْل منه سبحانه، ولم نجد آية واحدة في كتاب الله العزيز أشارت إلى أن

ص: 172

ذلك موكول إلى الناس.

قال تعالى: ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) [ص: 26]، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 3٠]، ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء: 73]، (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) [البقرة: 124].

وهذا يقتضي لزوم النص على الإمام، وبطلان خلافة كل حاكم لم يُنَص عليه من قبل الله ورسوله أو من إمام الحق السابق، ولا سيما أنا لاحظنا أن كل التجارب التي خاضها الناس في اختيار الخلفاء والحكام كانت فاشلة.

وعليه نقول: إن الإمام المهدي عليه السلام إن كان هو الإمام المنصوص عليه في هذا الزمان، فقد ثبت المطلوب، وإن لم نقل بوجوده فضلاً عن النّص عليه فقد خلا الزمان ممن يصلح للإمامة؛ لأن الأمّة قد أجمعت على عدم النّص على غير الإمام المهدي عليه السلام، وخلو الزمان من متأهِّل للإمامة باطل بإجماع المسلمين.

٣- حديث الثقلين:

وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثَّقَلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِتْرَتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض (1).

وهو يدل على لزوم التمسّك بإمام صالح للإمامة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، لا يفترق عن كتاب الله في قوله وفعله، ويعرف معاني الكتاب الظاهرة والباطنة، فيعمل بما فيه في جميع شؤونه وسائر أحواله، لا يحيد عنه،

ولا يميل إلى سواه.

ومثل هذا الإمام المتصف بهذه الصفات موجود في كل عصر إلى قيام الساعة، ولولا ذلك لما صحَّ الحث على التمسّك بأهل البيت عليهم السلام، وقد بيَّنا ذلك


1- سبق تخريج مصادره في صفحة 25.

ص: 173

فيما تقدّم.

وعليه، فإن قلنا بوجود الإمام المهدي عليه السلام في هذا العصر فهو المتعيِّن للإمامة، وإلا فلا يوجد من يصلح للتمسّك به من أهل البيت النبوي وغيرهم في هذا الزمان؛ لأن الأمة قد أجمعت على أن كل من ادّعى الإمامة من غير أهل البيت عليهم السلام ربما يفترق عن القرآن في بعض أموره قولاً وعملاً؛ لعدم عصمته، فإما أن نكذب هذا الحديث الصحيح ونردّه، وهو غير جائز، وإما أن نقول بإمامة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وهو المتعيِّن.

ص: 174

ص: 175

شبهات حول معتقد الشيعة في الإمام المهدي المنتظرعليه السلام

اشارة

أُورد على معتقد الشيعة الإمامية في الإمام المهدي عليه السلام عدّة شبهات، نستعرض أهمها، ونجيب عنها بإيجاز.

الشبهة الأولى: طول عمر الإمام المهدي عليه السلام:

وهذه الشبهة مترتبة على القول بولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام سنة 255ه-؛ لأنه من غير المألوف أن يُعمَّر الإنسان ما ينيف على ألف عام، ولأجل هذا صار الاعتقاد ببقاء المهدي عليه السلام هذه المدّة الطويلة مما يشنِّع به خصوم الشيعة عليهم.

قال بعضهم مخاطباً الشيعة:

ما آنَ للسِّردابِ أن يَلِدَ الذي *كلَّمتموه بجهلِكم ما آنا. *فعلى عقولِكمُ العَفَاءُ فإنكم *ثلَّثتمُ العَنْقاءَ والغِيْلانا (1).

والجواب يتضح بأمور:

الأول : أن بقاء المهدي عليه السلام إلى هذا الوقت إنما هو بقدرة الله تعالى، وقدرته سبحانه تتعلّق بالممكنات، وهذا أمر ممكن، بل هو واقع كما سيأتي، فلا مانع من تعلّق قدرة الله تعالى به، بل لا مفرّ من ذلك؛ لتعيّن الإمامة فيه دون غيره كما أوضحناه فيما تقدَّم. .


1- المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 152.

ص: 176

قال فخر الدين الرازي: قال بعض الأطباء: العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة. وقوله: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ) [العنكبوت: 14]، يدل على خلاف قولهم، والعقل يوافقه، وإلا لما بقي نوح هذه المدة، والمؤثِّر في بقاء الإنسان عمراً طويلاً إما أن يكون هو الله سبحانه أو ينتهي إليه، والله سبحانه دائم، فتأثيره يجوز أن يكون دائماً، فالبقاء إذن ممكن في ذاته.

وقال: ثم نقول: لا نزاع بيننا وبينهم؛ لأنهم يقولون: العمر الطبيعي لا يكون أكثر من مائة وعشرين. ونحن نقول: هذا العمر ليس طبيعيًّا، بل هو عطاء إلهي، وأما العمر الطبيعي فلا يدوم عندنا ولا لحظة، فضلاً عن مائة أو

أكثر (1).

قلت: لا شك في أن طول عمر الإمام المهدي عليه السلام لم يكن جارياً على المألوف عند الناس، بل هو خارج عن العادة، ولكنه حاصل بقدرة الله عزَّ وجل، كغيره من خوارق العادات التي وقعت في حياة الأنبياء والأولياء، والتي اتفق المسلمون بشتى مذاهبهم على وقوعها، مثل طول عمر نوح عليه السلام، وبقاء أصحاب الكهف نياماً في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين، وولادة عيسى عليه السلام من غير أب، وكلامه في المهد صبيًّا، وإبرائه الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى. . . وغير ذلك مما يطول ذكره.

ولما انحصرت الإمامة في هذا الزمان في الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام كما مرَّ بيانه مفصَّلاً، وقد رآه كثير من الناس، حكمنا ببقائه وبطول عمره الشريف.

الثاني : أن الله جلَّ وعلا أطال أعمار جمع كثير من الناس في الأمم السالفة والسنين الماضية، كما تقدَّم في آية سورة العنكبوت الدالة على أن نوحاً عليه السلام لبث في قومه يدعوهم إلى عبادة الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعاش آدم عليه السلام ألف


1- التفسير الكبير 25/42، بتوضيح منّا.

ص: 177

سنة (1)، ولبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاثمائة وازدادوا تسعاً، وعاش سلمان الفارسي أكثر من مائتين وخمسين عاماً على جميع الأقوال (2).

الثالث : أن المسلمين يعتقدون ببقاء رجال صالحين غير المهدي عليه السلام عمراً طويلاً، كعيسى والخضر عليهما السلام، وإدريس وإلياس عليهما السلام على بعض الأقوال، كما يعتقدون ببقاء رجال غير صالحين كالدجَّال.

أما عيسى عليه السلام: فقد دلَّت آيات الكتاب العزيز على أن الله رفعه إليه.

قال جلَّ وعلا: ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )

[النساء: 57، 58].

ودلّت الأحاديث المروية في صّحاح أهل السنة على أنه ينزل في آخر الزمان، كحديث مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لينزلنَّ ابن مريم حَكَماً عدلاً، فليكسرنَّ الصليب، وليقتلنَّ الخنزير، وليضعنَّ الجزية. . .

وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم؟ ! (3).

وقد نصَّ أعلام أهل السنة على أنه لا يزال حيًّا إلى الآن:

قال ابن حجر العسقلاني: إن عيسى رُفع، وهو حيٌّ على الصحيح (4).


1- قصص الأنبياء 1/57.
2- قال ابن حجر في الإصابة 2/62: قال الذهبي: وجدت الأقوال في سِنّه كلها دالّة على أنه جاوز المائتين وخمسين سنة، والاختلاف إنما هو الزائد. . . إلى أن قال: إن ثبت ما ذكروه يكون ذلك من خوارق العادات في حقّه، وما المانع من ذلك؟ ! فقد روى أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين من طريق العباس بن يزيد، قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون سنة فلا يشكّون فيها.
3- صحيح مسلم 1/136.
4- فتح الباري 6/29٠.

ص: 178

وقال ابن كثير: المقصود من السياق - أي سياق الآيات - الإخبار بحياته الآن في السماء، وليس كما زعمه أهل الكتاب الجهلة أنهم صلبوه، بل رفعه الله إليه، ثم ينزل من السماء قبل يوم القيامة كما دلّت عليه الأحاديث المتواترة (1).

وقال: إنه رفعه إليه، وإنه باقٍ حيٌّ، وإنه سينزل قبل يوم القيامة كما دلَّت عليه الأحاديث المتواترة (2).

وقال القرطبي: الصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس، وقاله الضحاك (3).

قلت: لا يخفى أنه ليس المراد بقوله: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) أن الله تعالى في السماء، وإنما رفعه إلى موضع في السماء، فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام أن لله تعالى بقاعاً في سماواته، فمن عُرج به إلى بقعة منها فقد عُرج به إليه (4).

وأما الخضر عليه السلام: فقد ذهب المشهور إلى أنه لا يزال حيًّا إلى الآن.

قال النووي: جمهور العلماء على أنه حيٌّ موجود بين أظهرنا، وذلك متَّفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يُحصر، وأشهر من أن يُستر (5).

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هو حيٌّ عند جماهير العلماء والصالحين، والعامة معهم في ذلك. قال: وإنما شذّ بإنكاره بعض المحدثين (6).


1- النهاية في الفتن والملاحم: 93.
2- تفسير القرآن العظيم 1/577.
3- الجامع لأحكام القرآن 4/1٠٠.
4- من لا يحضره الفقيه 1/143.
5- شرح صحيح مسلم 15/135. تهذيب الأسماء واللغات 1/177.
6- شرح صحيح مسلم 15/136. الحذر في أمر الخضر: 86. تهذيب الأسماء واللغات 1/177. الزهر النضر في نبأ الخضر: 38.

ص: 179

وقال القرطبي: وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر عليه السلام ولقوه، يفيد مجموعها غلبة الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما (1).

وأما النبي إدريس عليه السلام: فقد ذهب بعض المفسِّرين إلى أنه باقٍ إلى الآن لم يمت.

فقد روي عن مجاهد في قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيًّا ) [مريم: 57]. قال: رُفع إدريس كما رُفع عيسى، ولم يمت (2).

وأما النبي إلياس عليه السلام: فهو باقٍ لم يمت على بعض الأقوال أيضاً.

فقد أخرج ابن عساكر عن كعب رضي الله عنه قال: أربعة أنبياء اليوم أحياء: اثنان في الدنيا، واثنان في السماء: فأما اللذان في الدنيا فإلياس والخضر، وأما اللذان في السماء فعيسى وإدريس عليهما السلام (3).

وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر، فنزلنا منزلاً، فإذا رجل في الوادي يقول: «اللهم اجعلني من أمّة محمد المرحومة المغفورة المثاب لها» ، قال: فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاث مائة ذراع، فقال لي: مَنْ أنت؟ قال: قلت: أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: أين هو؟ قلت: هو ذا يسمع كلامك. قال: فأته وأَقْرِئْه مني السلام، وقل له: «أخوك إلياس يُقْرِئك السلام» ، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته، فجاء حتى لقيه، فعانقه وسلَّم عليه، ثم قعدا يتحدّثان، فقال له: يا رسول الله إني إنما آكل في كل سنة يوماً، وهذا يوم فطري، فآكل أنا وأنت. فنزلت عليهما مائدة من

السماء، عليها خبز وحوت وكرفس، فأكلا وأطعماني،


1- الجامع لأحكام القرآن 11/43.
2- الدر المنثور 5/519. تفسير القرآن العظيم 3/126.
3- تاريخ مدينة دمشق 9/155.

ص: 180

وصلينا العصر، ثم ودَّعه، ثم رأيته مرَّ على السحاب نحو السماء (1).

وأخرج ابن عساكر بسنده عن عبد الله بن شوذب، قال: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل، فيلتقيان كل عام بالموسم (2).

قال عبد العزيز بن أبي روّاد: إن إلياس والخضر عليهما السلام يصومان شهر رمضان في كل عام ببيت المقدس، يوافيان الموسم في كل عام. وذكر ابن أبي الدنيا أنهما يقولان عند افتراقهما عن الموسم: ما شاء الله، ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله. . . الخ (3).

وقال ابن حجر العسقلاني: روى الدارقطني في الأفراد من طريق عطاء عن ابن عباس مرفوعاً: «يجتمع الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله» ، الحديث في إسناده محمد بن أحمد بن زيد. . . وهو ضعيف، وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى عن ابن أبي رواد نحوه، وزاد: «ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما إلى قابل» ، وهذا معضل (4)، ورواه أحمد في الزهد بإسناد حسن عن ابن أبي رواد، وزاد: أنهما يصومان رمضان ببيت المقدس (5).

وأما الدجَّال: فقد دلَّت روايات أهل السنة على أنه باقٍ من زمان النبي صلى الله عليه وآله إلى هذا اليوم، إما لأنه ابن صيَّاد، أو لأنه شخص آخر مصفَّد في الأغلال إلى حين خروجه.

أما ابن صيَّاد: فقد ذكروا له أخباراً غريبة وصفات عجيبة.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: (باب ذِكْر ابن صيَّاد) يقال له ابن


1- المستدرك 2/674، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
2- تاريخ مدينة دمشق 9/156.
3- الجامع لأحكام القرآن 15/116.
4- المعضل: هو الحديث الذي سقط من إسناده اثنان فصاعداً.
5- فتح الباري 6/337.

ص: 181

صياد وابن صائد، وسُمِّي بهما في هذه الأحاديث، واسمه صاف. قال العلماء: وقصّته مشكلة، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجَّال المشهور أم غيره؟ ولا شك في أنه دجَّال من الدجاجلة، قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوحَ إليه بأنه المسيح الدجَّال ولا غيره، وإنما أوحي إليه بصفات الدجَّال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجَّال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: «إن يكن هو فلن تستطيع قتله» . وأما احتجاجه هو بأنه مُسْلِم والدجَّال كافر، وبأنه لا يولد للدجَّال وقد وُلد له هو، وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة، وهو متوجِّه إلى مكة، فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض، ومن اشتباه قصّته وكونه أحد الدجاجلة الكذّابين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: «أتشهد أني رسول الله؟» ، ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشاً فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجّال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: «إني لأعرفه، وأعرف مولده، وأين هو الآن» ، وانتفاخه حتى ملأ السّكّة، وأما إظهاره الإسلام وحَجّه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجَّال. قال الخطابي: واختلف السلف في أمره بعد كبره، فرُوي عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم: «اشهدوا» . قال: وكان ابن عمر وجابر فيما رُوي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجَّال، لا يشكَّان فيه. فقيل لجابر: إنه أسلم. فقال: وإن أسلم. فقيل: إنه دخل مكة وكان في المدينة. فقال: وإن دخل. وروى أبو داود في سُننه بإسناد صحيح عن جابر قال: «فقَدْنا ابن صياد يوم الحرة» ، وهذا يعطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصُلِّيَ عليه، وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أن ابن صيَّاد هو الدجّال، وأنه سمع عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: والله ما أشك أن ابن صياد هو المسيح الدجَّال. قال البيهقي في كتابه البعث والنشور: اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً كثيراً، هل هو

ص: 182

الدجال؟ قال: ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجسَّاسة الذي ذكره مسلم بعد هذا (1).

قلت: اختلاف أهل السنة حتى زمان متأخّر في أن ابن صياد هو الدجَّال أو لا، يدل على أنه إن كان هو الدجّال فإن طول عمره حينئذ لا يشكّل أية مشكلة عندهم.

وأما خبر الجسَّاسة فقد رووه في كتبهم، وهو يدل على أن الدجَّال كان موجوداً منذ زمان النبي صلى الله عليه وآله، مصفَّداً بالأغلال، ينتظر وقت الخروج.

فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إني والله ما جمعتُكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانيًّا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجَّال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أَرْفَأوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أَقرُب (2)السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتْهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قُبُلُه من دُبُره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلكِ ما أنت؟ فقالت: أنا الجسَّاسة. قالوا: وما الجسَّاسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدَّيْر، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمَّتْ لنا رجلاً فَرِقْنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدَّيْر، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خَلْقاً وأشده وِثَاقاً، مجموعةٌ يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقْرُبها فدخلنا الجزيرة. . . فقال: أخبروني عن نخل بَيْسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها


1- صحيح مسلم بشرح النووي 18/46.
2- جمْع قارِب.

ص: 183

هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زُغَر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أَقاتَله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذَن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطَيْبة، فهما محرَّمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردتُ أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني مَلَك بيده السيف صَلْتاً يصدّني عنها، وإن على كل نَقْب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طَيْبَةُ، هذه طَيْبَةُ، هذه طَيْبَةُ - يعني المدينة - ألا هل كنت حدَّثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدِّثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قِبَل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو. وأومأ بيده إلى المشرق (1).

قال القرطبي بعد أن ذكر الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «أُقسم بالله ما على الأرض من نَفْس منفوسة تأتي عليها مائة سنة» : قال علماؤنا: وحاصل ما تضمّنه هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أخبر قبل موته بشهر أنَّ كل من كان من بني آدم موجوداً في ذلك [الوقت] لا يزيد عمره على مائة سنة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من نفس منفوسة» ، وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن؛ إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك، ولا الحيوان غير العاقل؛ لقوله:


1- صحيح مسلم 4/2262، 2264، 2265.

ص: 184

«ممن هو على ظهر الأرض أحد» ، وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل، فتعيَّن أن المراد بنو آدم، وقد بيَّن ابن عمر هذا المعنى فقال: «يريد بذلك أن ينخرم ذلك القَرْن» ، ولا حُجَّة لمن استدل به على بطلان قول من يقول: «إن الخضر حي» ، لعموم قوله: «ما من نفس منفوسة» ؛ لأن العموم وإن كان مؤكّد الاستغراق فليس نصًّا فيه، بل هو قابل للتخصيص، فكما لم يتناول عيسى عليه السلام، فإنه لم يمت ولم يُقتل، فهو حيٌّ بنص القرآن ومعناه، ولا يتناول الدجَّال مع أنه حيٌّ، بدليل حديث الجسَّاسة، فكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام، وليس مشاهَداً للناس ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضاً، فمثل هذا العموم لا يتناوله (1).

إذا عرفت ذلك نقول: كما أن الدليل القطعي قد دلّ على بقاء عيسى والخضر عليهما السلام، ودلَّ على بقاء الدجَّال مدة أطول بكثير من العمر الطبيعي، كذلك دلَّت الأدلة القطعية التي مرَّ بيانها على وجود الإمام المهدي عليه السلام، وأنه هو إمام هذا الزمان، فيجب قبوله والتسليم به.

وعدم بقاء الإنسان هذا العمر الطويل عادة لا يسوِّغ طرح الأدلة الصحيحة الدالة على وجود الإمام المهدي عليه السلام وبقائه وإمامته، كما لم يسوِّغ ذلك ردّ ما دلَّ على بقاء عيسى والخضرعليهما السلام.

الشبهة الثانية: لا فائدة في الإمام الغائب:

ما فائدة إمام غائب عن الأنظار، مختفٍ عن الأبصار، لا ينتفع به المسلمون، ولا يستفيد منه المؤمنون، مع شدّة الحاجة إليه إذا انتابتهم النوائب، أو ألم-َّتْ بهم المصائب؟

وجوابها:

1- ما أفاده السيّد المرتضى أعلى الله مقامه من أنَّا إذا علمنا أن المهدي عليه السلام


1- الجامع لأحكام القرآن 11/42.

ص: 185

هو الإمام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه إلا لسبب اقتضى ذلك، ومصلحة استدعته، وضرورة حملت عليه، وإنْ لم يُعلم وجهه على التفصيل؛ لأن ذلك مما لا يلزم علمه، ويكون كلامنا حينئذ في الغيبة ووجهها جارياً مجرى الكلام في وجه المصلحة في رمي الجمار والطواف وما أشبه ذلك، فإنَّا إذا عوَّلنا على حكمة الله سبحانه، فلا بد من وجهٍ حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه، وبذلك نسد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم، إلا أنّا نتبرّع بإيراد جوابات تلك المسائل على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار (1).

2- ننقض عليهم بعيسى بن مريم عليه السلام، فإنه غائب موجود في السماء، بل إن نفع المهدي عليه السلام الغائب في الأرض أقرب من نفع عيسى عليه السلام الغائب في السماء.

ولو سلّمنا بأنه لا فائدة للمهدي الآن في غيبته، فليس في ذلك محذور إذا كانت منفعته المدّخرة - وهي ملء الأرض قسطاً وعدلاً - مقطوعاً بها، كما أن عيسى عليه السلام لا محذور في عدم نفعه الآن إذا كانت له منفعة مدَّخرة مقطوع بها في آخر الزمان.

3- أن الإمام عليه السلام ينتفع به الناس وإن كان غائباً، فغيبته لا تمنع من أن تكون له منافع مهمة وفوائد جليلة غير ما يتعلق بتبليغ الأحكام الشرعية، مثل رفع العذاب عن الناس؛ لأن الإمام من أهل البيت عليهم السلام أمان لأهل الأرض من العذاب كما ورد في حديث جابر الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبتْ أتاها ما يوعَدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنتُ، فإذا ذهبتُ أتاهم ما يوعَدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعَدون (2).

ومع أن كل وظائف الإمام عليه السلام في زمان الغيبة لا نعلمها ولا نحيط بها،


1- رسائل الشريف المرتضى 2/295.
2- المستدرك على الصحيحين 2/486، 3/517، قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ص: 186

إلا أن كثيراً من الشيعة الذين وقعوا في مآزق وخطوب وبلايا، لقيهم الإمام عليه السلام فخلّصهم من محنهم، وأعانهم في شدَّتهم.

ولا أدري من أين حصل القطع للمخالفين بأن الإمام عليه السلام لا يصل إليه أحد من المسلمين، ولا ينتفع به أحد من المؤمنين، مع أن هذا أمر غير معلوم لهم، ولا سبيل إلى القطع به من قبلهم، ولا سيما أن الإمام عليه السلام منهم خاف واتقى، وبسببهم غاب واختفى، فلا يُتوقع ظهوره لهم والتقاؤه بهم مع تمييزه بشخصه ومعرفته بوصفه.

4- أن الإمام عليه السلام ليس بغائب عنّا، بل نحن لا نعرفه بشخصه، ولا نميِّزه عن غيره.

فقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في أخبار ظهوره عليه السلام، أن القبائل يثور بعضها على بعض، فتقتتل ويُنهب الحاج، وتسيل الدماء على جمرة العقبة، ويأتي سبعة رجال علماء من آفاق شتى على غير ميعاد، وقد بايع لكل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر، فيجتمعون بمكة، ويقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه الفتن ويُفتح له قسطنطينية، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأُمّه. . . فيتّفق السبعة على ذلك، فيطلبونه بمكّة، فيقولون: أنت فلان ابن فلان؟ فيقول: بل أنا رجل من الأنصار. فينفلت منهم، فيصفونه لأهل الخبرة به والمعرفة فيه، فيقولون: هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة. فيطلبونه بالمدينة، فيخالفهم إلى مكة. . . وهكذا إلى ثلاث مرات. . . ويأتي أولئك السبعة فيصيبونه بالثالثة بمكة عند الركن، ويقولون: إثمنا عليك، ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك. . . فيجلس بين الركن والمقام ويمد يده فيبايع (1).

وقوله: «فيصفونه لأهل الخبرة به والمعرفة فيه» دال على أن هناك من يعرفه


1- الفتن لنعيم بن حماد: 241. لوامع الأنوار البهية 2/81. العرف الوردي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2/72.

ص: 187

معرفة جيّدة، وإن كان يجهل أنه هو المهدي المنتظر.

وقولهم: «هو صاحبكم الذي تطلبونه» دال على أنهم وجدوا فيه الصفات الفاضلة والمزايا العالية التي تؤهّله لأن يكون مهدي هذه الأمّة، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذه المعرفة لا تكون إلا مع طول المعاشرة وكثرة المخالطة.

الشبهة الثالثة: إمامة الصبي وولايته

فإن من لوازم القول بإمامة الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام أنه كان إماماً للمسلمين وهو ابن خمس سنين، مع أنه لا يصح أن يتولى الصبي إمامة المسلمين؛ لعدم كفاءته لتولّي هذا المنصب الخطير، مضافاً إلى أن الصبي مولّى عليه، فكيف تكون له الولاية على غيره؟ !

والجواب:

أن شرط إمام المسلمين أن يكون كُفْئاً، وأن يتحلى بالمزايا التي تؤهّله للقيام بمهام الإمامة، مثل قوة الذكاء، وشدة الفطنة، وتمام العقل، والورع عن محارم الله، والعلم بأحكام الله. . . وما إلى ذلك.

وأما كبر السن والتقدّم في العمر فغير معتبر ما دام قادراً على أداء مهام الإمامة على أكمل وجه.

ولهذا لم يُدَّعَ هذا المنصب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لأكبر المسلمين سنًّا، وليس ثمة ما يمنع من أن يكون الإمام صبيًّا، ولا محذور في أن ينعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه وحُججه وأوليائه بنعمه الظاهرة والباطنة التي تؤهِّلهم للرسالة أو الإمامة صغاراً وكباراً، وقد أخبر الله سبحانه في محكم كتابه أنه آتى يحيى عليه السلام الحُكْم وهو صبي، فقال عزَّ من قائل: ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ) [مريم: 12].

قال الشوكاني: المراد بالحُكْم الحكمة، وهي الفهم للكتاب الذي أُمر

ص: 188

بأخذه، وفهم الأحكام الدينية. وقيل: هي العلم وحفظه والعمل به. وقيل: النبوة. وقيل: العقل. ولا مانع من أن يكون الحُكْم صالحاً لحمله على جميع ما ذُكر (1).

وقال الفخر الرازي: إن الحكم هو ما يصلح أن يُحكَم به على غيره ولغيره على الإطلاق، وذلك لا يكون إلا بالنبوة. فإن قيل: كيف يُعقل حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟ قلنا: هذا السائل، إما أن يمنع من خرق العادة أو لا يمنع منه، فإن منع منه فقد سدَّ باب النبوات؛ لأن بناء الأمر فيها على المعجزات، ولا معنى لها إلا خرق العادات، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد، فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلاً أشد من استبعاد انشقاق القمر وانفلاق البحر (2).

بل أخبر سبحانه أنه آتى عيسى عليه السلام الكتاب وجعله نبيًّا وهو رضيع في مهده لم يمضِ على مولده إلا وقت يسير، فقال سبحانه: ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ) [مريم: 29-32].

قال الفخر الرازي: وقوله: (آتَانِيَ الْكِتَابَ) يدل على كونه نبيًّا (3)في ذلك الوقت (4).

وقال: إنه تعالى جعله مع صغر جثّته قوي التركيب كامل العقل، بحيث كان يمكنه أداء الصلاة والزكاة، ولهذا اتّجه تكليفه بالصلاة والزكاة في قوله


1- فتح القدير 3/325. راجع تفسير القرطبي 11/87. الكشاف 2/4٠7. تفسير القرآن العظيم 3/113. تفسير الطبري 16/42. التفسير الكبير 21/191.
2- التفسير الكبير 21/192.
3- بل قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) أوضح دلالة على كونه نبيًّا في ذلك الوقت، بل قبل ذلك الوقت كما هو مقتضى دلالة الفعل الماضي.
4- التفسير الكبير 21/214.

ص: 189

تعالى: ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ) ، فإنه يفيد أنه عليه السلام كان مكلَّفاً منذ بدء حياته (1).

فإذا عرفت ذلك يتّضح أنه لا مانع من أن يكون الإمام المهدي عليه السلام إماماً للمسلمين وهو صبي، له من العمر خمس أو ست سنين، بل قبوله هنا أولى؛ لأنه إذا صحَّت نبوَّة الرضيع عندهم صحَّت إمامة الصبي بالأولوية من جهتين.

ونحن قد أثبتنا فيما تقدَّم أنَّ جَعْل النبي والإمام موكول إلى الله سبحانه، وليس موكولاً لاختيار البشر، وأن الإمام المهدي سلام الله عليه مجعول من قِبَل الله تعالى، وجعْله عليه السلام إماماً وهو صبي كاشف عن أهليته للإمامة وعدم مانعية صغر سنِّه، كما أن جعل عيسى عليه السلام نبيًّا وهو رضيع كاشف عن أهليته للنبوة في ذلك الحين.

وأما أن الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام قد آتاه الله الحكمة صبيًّا فقد أقرَّ به بعض أعلام أهل السنّة.

قال ابن حجر الهيتمي: مات [الحسن العسكري] بسر من رأى، ودُفن عند أبيه، وعمره ثمانية وعشرون سنة. . . ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويُسمَّى القائم المنتظر (2).

وعليه، فلا مانع من كونه إماماً للمسلمين مع صغر سنِّه، وبهذا يندفع الإشكال بحمد الله ونعمته.

الشبهة الرابعة: أن اسمه محمد بن عبد الله

فقد أخرج أبو داود في سننه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه وغيرهم بأسانيدهم عن ابن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زَرّ بن


1- نفس المصدر 21/215.
2- الصواعق المحرقة:24٠.

ص: 190

حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً (1).

بتقريب أنَّ مواطأة اسم المهدي واسم أبيه لاسم النبي صلى الله عليه وآله واسم أبيه تعني أن اسم المهدي: محمد بن عبد الله، لا محمد بن الحسن كما يذهب إليه الشيعة.

والجواب:

1- أن هذا الحديث قد ورد بصيغ مختلفة كما سيأتي، وهو مروي من طريق غيرنا، فلا يكون حجة علينا، وهو لم يصح عندنا.

ثم إنه حديث لم يصل إلى درجة الصحَّة، بل أكثر ما يقال فيه عندهم: «إنه حديثٌ حسَنٌ» ، فلا يصحّ لأجله أن نردّ كل ما تقدم من الأدلة العقلية والنقلية الدالة على أن المهدي عليه السلام هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام، وأن نتجاهل كل الإشكالات الواردة على إنكار أنه عليه السلام هو الإمام المهدي.

2- أن الحديث الذي ورد فيه قوله: «واسم أبيه اسم أبي» كل طرقه تنتهي إلى عاصم بن أبي النجود صاحب القراءة المشهورة، وهو معروف عندهم بسوء حفظه.

وإليك ما قالوه فيه:

قال الذهبي: ثَبْتٌ في القراءة، وهو في الحديث دون الثَّبْت، صدوق يهم.

وقال يحيي القطان: ما وجدتُ رجلاً اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.

وقال النسائي: ليس بحافظ.

وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.


1- سنن أبي داود 4/1٠6-1٠7.

ص: 191

وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.

وقال شعبة: حدَّثَنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها.

وقال ابن سعد: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.

وقال أبو حاتم: ليس محله أن يقال: ثقة (1).

وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وهو ثقة.

وقد تكلَّم فيه ابن علية، وقال: كان كل من اسمه عاصم سيِّئ الحفظ.

وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ (2).

قلت: إذا كان حال الرجل هكذا فكيف يصح التعويل على روايته في مسألة مهمة مع وضوح الأدلة الأخرى الدالة على أن المهدي المنتظر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام؟

3- أن الرواية عن عاصم قد اختلفت من هذه الناحية، فمنهم من رواها عنه من دون ذكر: «واسم أبيه اسم أبي» ، ومنهم من رواها عنه مشتملة على ذلك.

فقد أخرج الترمذي بسنده عن سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي (3).

وأخرج أيضاً بسنده عن سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي (4).


1- راجع هذه الأقوال في ميزان الاعتدال 4/13-14.
2- تهذيب التهذيب 5/35-36.
3- سنن الترمذي 4/5٠5. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/488: حسن صحيح.
4- سنن الترمذي 4/5٠5. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/488: حسن صحيح.

ص: 192

والذين رووا هذا الحديث عن عاصم خالياً من قوله: «واسم أبيه اسم أبي» كثيرون، منهم:

1- محمد بن إبراهيم أبو شهاب: في صحيح ابن حبان 13/284، وموارد الظمآن 2/839.

2- عثمان بن شبرمة: في صحيح ابن حبان 15/238، وموارد الظمآن 2/839.

3- عبد الملك بن حميد بن أبي غنية: في المعجم الأوسط للطبراني 5/135، والمعجم الكبير 1٠/134.

4- أبو الأحوص سلام بن سليم: في المعجم الصغير للطبراني 2/148، والمعجم الكبير 1٠/136.

5- الأعمش: في المعجم الكبير 1٠/133.

6- أبو إسحاق الشيباني: في المعجم الكبير 1٠/133.

7- عبد الله بن حكيم بن جبير: في المعجم الكبير 1٠/134.

8- شعبة: في المعجم الكبير 1٠/134.

9- سفيان الثوري: في سنن أبي داود 4/1٠7، والمعجم الكبير 1٠/134.

1٠- سفيان بن عيينة: في مسند أحمد 1/376، 43٠، والمعجم الكبير 1٠/134.

11- حكيم بن جبير: في المعجم الكبير 1٠/134.

12- عمر بن عبيد الطنافسي: في مسند أحمد 1/376، 448، والمعجم الكبير 1٠/135.

13- واسط بن الحارث: في المعجم الكبير 1٠/135.

14- أبو بكر بن عياش: في المعجم الكبير 1٠/136.

ص: 193

15- معاذ بن هشام عن أبيه: في المعجم الكبير 1٠/136.

16- عمرو بن قيس: في المعجم الكبير 1٠/137.

17- عبد الله بن شبرمة: في المعجم الكبير 1٠/137.

وبعض الرواة الذين رووا هذا الحديث مشتملاً على هذه الزيادة، قد رووه هم أنفسهم خالياً منها، ومن هؤلاء:

1- عمر بن عبيد: روى الحديث بالزيادة في سنن أبي داود 4/1٠6، ورواه بدونها كما تقدّم في الرقم 13.

2- أبو بكر بن عياش: رواه بالزيادة في سنن أبي داود 4/1٠6، ورواه بدونها كما مرَّ في رقم 15.

3- سفيان: رواه بالزيادة في سنن أبي داود 4/1٠6، وصحيح ابن حبان 15/236، وبدونها كما مرَّ في 1٠ أو 11.

4- عمرو بن أبي قيس: رواه بالزيادة كما في المعجم الكبير 1٠/135، وبدونها كما مرَّ في رقم 17، إلا أنه قال: عمرو بن قيس.

فإذا كان حال الرواية في الاضطراب هكذا فكيف يصح التعويل عليها في إثبات اسم والد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؟

4- أن هذه الرواية قد رُوِيتْ بأسانيد غير مشتملة على عاصم بن أبي النجود خالية عن قوله: «واسم أبيه اسم أبي» .

فقد أخرج البزار في مسنده بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا مُلئتْ جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني، اسمه اسمي أو اسمه اسم أبي (1)، يملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئتْ جوراً وظلماً. . . (2).


1- هذا شك من الراوي، وسيأتي في الرواية التالية أنه قال: «اسمه اسمي، أو اسمه اسم نبي» .
2- مسند البزار 8/258.

ص: 194

وفي زوائد مسند الحارث عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا مُلئتْ جوراً وظلماً بعث الله عزَّ وجل رجلاً مني، اسمه اسمي أو اسم نبي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ جوراً. . . (1).

5- لو سلَّمنا بصحة هذه الرواية فإنه يمكن حملها على أن المراد بالاسم فيها هو الكنية، فربما أُطلق الاسم وأُريد به الكنية.

فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإنْ كان ليفرح به إذا دُعي بها (2).

وفي صحيح مسلم قال سهل: ما كان لعلي اسم أحبَّ إليه من أبي التراب، وإنْ كان ليفرح إذا دُعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سُمِّي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت. . . إلى أن قال: فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقِّه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب (3).

ومن الواضح أن (أبا تراب) كنية؛ لأن الكنية هي كل ما صُدِّر بأب أو أم، ولهذا قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: (باب القائلة في المسجد) ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته أبا تراب (4).

وعليه فيكون المراد بالحديث هو أن كنية والد المهدي ككنية والد النبي صلى الله عليه وآله، فكلاهما أبو محمد.

ومن الواضح أن قوله: «يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي» ، عبارة طويلة غير صريحة في بيان الاسم، ومن السهل إيجازها بما هو أبلغ منها وأصْرَح،


1- بغية الباحث 1/248. إتحاف الخيرة المهرة 1٠/281.
2- صحيح البخاري 4/1976.
3- صحيح مسلم 4/1874.
4- فتح الباري 11/58.

ص: 195

كقوله: «اسمه محمد بن عبد الله، أو محمد بن الحسن» ، إلا أنه لما كان غرض النبي صلى الله عليه وآله قد تعلَّق بإبهام الاسم الصريح للإمام المهدي عليه السلام، خوفاً عليه من سلاطين الجور وأئمة الضلال، عبَّر عنه بما يحتمل أكثر من معنى، لتذهب العقول حيث شاءت، لئلا تتيسَّر معرفته ويسهل تمييزه للطالبين لقتله عليه السلام والساعين في الإمساك به.

الشبهة الخامسة: أن المهدي عليه السلام من ولد الإمام الحسن عليه السلام.

فقد أخرج أبو داود بسنده عن أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيِّد كما سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يُسمَّى باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْق. ثم ذكر قصة «يملأ الأرض عدلاً» (1).

والجواب:

1- أن هذا الحديث ضعيف السند، فإن أبا داود لم يروِه عن هارون بن المغيرة نفسه، وإنما رواه عمن حدَّثه عنه، فيكون الحديث مرسلاً.

وهارون بن المغيرة وإن ذكره ابن حبّان في الثقات إلا أنه قال: ربما أخطأ (2).

وفي سند هذه الرواية: عمرو بن أبي قيس.

قال فيه أبو داود: لا بأس به، في حديثه خطأ.

وقال الذهبي: صدوق له أوهام (3).

وقال عثمان بن أبي شيبة: لا بأس به، كان يهم في الحديث قليلاً (4).


1- سنن أبي داود 4/1٠8.
2- الثقات 9/238.
3- ميزان الاعتدال 5/341.
4- تهذيب التهذيب 8/82.

ص: 196

وأما أبو إسحاق السبيعي فقيل: إنه لم يروِ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وإنما رآه رؤية.

قال المنذري: هذا [الحديث] منقطع، أبو إسحاق السبيعي رأى عليًّا عليه السلام رؤية (1).

وقال الألباني في تعليقته على مشكاة المصابيح: إسناد الحديث ضعيف (2).

2- أنا لم نجد عندهم دليلاً آخر يدل على أن المهدي عليه السلام من ولد الإمام الحسن السبط عليه السلام، إلا الاستحسانات والظنون التي لا تنفع في المقام.

قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: اختُلف في أنه [أي المهدي] من بني الحسن أو من بني الحسين، ويمكن أن يكون جامعاً بين النسبتين الحسنيين، والأظهر أنه من جهة الأب حسني، ومن جانب الأم حسيني، قياساً على ما وقع في ولدَي إبراهيم، وهما إسماعيل وإسحاق عليهم الصلاة والسلام، حيث كان أنبياء بني إسرائيل كلهم من بني إسحاق، وإنما نُبِّئ من ذرية إسماعيل نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وقام مقام الكل، ونِعْمَ العِوَض، وصار خاتم الأنبياء، فكذلك لما ظهرت أكثر الأئمة وأكابر الأمة من أولاد الحسين، فناسب أن ينجبر الحسن بأن أُعطي له ولد يكون خاتم الأولياء، ويقوم مقام سائر الأصفياء، على أنه قد قيل: لما نزل الحسن رضي الله تعالى عنه عن الخلافة الصورية كما ورد في منقبته في الأحاديث النبوية، أُعطي له لواء ولاية المرتبة القطبية، فالمناسب أن يكون من جملتها النسبة المهدوية المقارنة للنبوة العيسوية، واتفاقهما على إعلاء كلمة الملة النبوية. . . وسيأتي في حديث أبي إسحاق عن علي رضي الله عنه ما هو صريح في هذا المعنى، والله تعالى أعلم (3).

والجواب:

1- أن نَسَب الإمام المهدي عليه السلام لا يثبت بأمثال هذه الاستحسانات، وإنما


1- تحفة الأحوذي 6/4٠3.
2- مشكاة المصابيح 3/26.
3- مرقاة المفاتيح 9/349.

ص: 197

يثبت بما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة، والملا علي القاري لم يرتكز في استحساناته على دليل تام صحيح، فلا قيمة لكلامه؛ لأنه مبتنٍ على الظنون التي لا يعوَّل عليها في ثبوت الأنساب.

2- أن قوله: «ويمكن أن يكون [المهدي] جامعاً بين النسبتين الحسنيين» .

جوابه: أنَّا لا ننازع في إمكان ذلك، بل ننازع في ثبوت كونه عليه السلام حَسَني الأب.

وقوله: «والأظهر أنه من جهة الأب حَسَني، ومن جانب الأم حُسَيني، قياساً على ما وقع في وَلَدَي إبراهيم، وهما إسماعيل وإسحاق عليهم الصلاة والسلام» .

جوابه: أن الأنساب لا تثبت بالقياس ولا بالاستظهارات التي لا دليل عليها.

ولا يصح أن يقال: إن مقتضى الجمع بين ما دلَّ على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام من ولد الإمام الحسن عليه السلام، وما دلَّ على أنه من ولد الإمام الحسين عليه السلام هو أنه حَسَني الأب حُسَيني الأم، لاحتمال العكس، فيكون حُسَيني الأب حسني الأم لو صحَّت الرواية الدالة على أنه من ولد الإمام الحسن عليه السلام، مع أنها لا تصح كما مرَّ آنفاً.

وقوله: «حيث كان أنبياء بني إسرائيل كلهم من بني إسحاق، وإنما نُبِّئَ من ذرية إسماعيل نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وقام مقام الكل، ونِعْمَ العِوَض، وصار خاتم الأنبياء، فكذلك لما ظهرت أكثر الأئمة وأكابر الأمة من أولاد الحسين، فناسب أن ينجبر الحسن بأن أُعطي له ولد يكون خاتم الأولياء، ويقوم مقام سائر الأصفياء» .

جوابه: أن هذا القياس غير صحيح؛ لأن نبيّنا صلى الله عليه وآله كان خاتم الأنبياء وأفضلهم، وأما الإمام المهدي عليه السلام فهو وإن كان خاتم الأئمة عليهم السلام، إلا أنه لم يكن أفضلهم.

ص: 198

وجعل الأنبياء والأئمة لا يكون لأمثال هذه المناسبات، بل لعلم الله سبحانه بأهلية النبي أو الإمام لهذا المقام، كما قال سبحانه: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام: 124].

وقوله: «على أنه قد قيل: لما نزل الحسن رضي الله تعالى عنه عن الخلافة الصُّورية كما ورد في منقبته في الأحاديث النبوية، أُعطي له لواء ولاية المرتبة القطبية، فالمناسب أن يكون من جملتها النسبة المهدوية المقارنة للنبوة العيسوية، واتفاقهما على إعلاء كلمة الملة النبوية» .

جوابه: أن هذه المناسبات المزعومة لا نسلِّم بها، ولا يصح أن يثبت بها نَسَب كما مرَّ.

ولا ندري ماذا يريد بلواء ولاية المرتبة القطبية، فإن كان مراده لواء إمامة المسلمين فإن الإمامة العظمى كانت ثابتة للإمام الحسن الزكي عليه السلام قبل نزوله عن الخلافة الصُّورية وبعدها، وإن أراد به شيئاً آخر مغايراً للإمامة قد ثبت له عليه السلام بسبب نزوله عن الخلافة فهذا يحتاج منه إلى إيضاح وإثبات، حتى يتبيَّن لنا هل من المناسب أن تكون النسبة المهدوية من جملة لواء المرتبة القطبية أو لا.

وقوله: «وسيأتي في حديث أبي إسحاق عن علي رضي الله عنه ما هو صريح في هذا المعنى» .

جوابه: أنَّا أوضحنا فيما تقدَّم ضعف سند هذا الحديث، وأنه لا يصلح أن يكون دليلاً في المقام.

3- أن بعض رواياتهم قد دلَّ على أن الإمام المهدي عليه السلام من ولد الإمام الحسين عليه السلام، فقد أخرج أبو نعيم الأصفهاني في كتابه (صفة المهدي) بسنده عن حذيفة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن، ثم قال: «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لَطوَّلَ الله عزَّ وجل ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي» . فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، من أي ولدك؟ قال: «هو من ولدي هذا» ، وضرب بيده على الحسين

ص: 199

عليه السلام (1)كتاب الخصال: 475. كمال الدين وتمام النعمة: 262.

(2).

وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق، ولو استقبلتْه الجبال لهدمها واتخذ فيها طُرُقاً (3).

وعن أبي قبيل قال: يخرج رجل من ولد الحسين لو استقبلتْه الجبال الرواسي لهدَّها واتخذ فيها طُرُقاً (4).

4- أن الروايات الصحيحة المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام دلت على أن الإمام المهدي عليه السلام من ولد الإمام الحسين عليه السلام.

منها: صحيحة الصدوق عن سلمان الفارسي رحمه الله أنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وإذا الحسين عليه السلام على فخذيه وهو يقبِّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيِّد ابن سيِّد، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حُجَج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم (5).

ومنها: حسنة أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكري عليه السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ ! قلت: ولِ-مَ جعلني الله فداك؟ فقال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه. قلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد صلوات الله وسلامه عليه (6).

*****

هذه هي أهم الشبهات التي أُوردتْ حول معتقد الشيعة في الإمام المهدي


1- صفة المهدي لأبي نعيم (عن عقد الدرر: 2
2- .
3- الفتن لنعيم بن حماد: 263.
4- نفس المصدر: 264.
5- كتاب الخصال: 475. كمال الدين وتمام النعمة: 262.
6- علل الشرائع 1/245.

ص: 200

عليه السلام، وهناك شبهات أُخر ضعيفة أعرضنا عنها رعاية للاختصار، فمن أرادها فليطلبها في مظانّها.

( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) [الأنعام: 66].

ص: 201

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

ص: 206

ص: 207

كلمة أخيرة

لقد تبيَّن للقارئ الكريم من كل البحوث السابقة أن أهل البيت عليهم السلام لهم على هذه الأمة حقوق كثيرة، وأن كثيراً من المسلمين الذين يحبّون أهل البيت عليهم السلام لا يعرفونهم جميعاً، ولا يعرفون حقوقهم، ويظنون أن حُبَّهم هو كل ما لهم عليهم من حقوق، وأن من أحبّهم فقد أدَّى حقّهم الواجب عليه وإن لم يعرفهم بأشخاصهم!

ومن أهم الأسباب التي جعلت كثيراً من المسلمين لا يعرفون أهل البيت عليهم السلام ولا يعرفون حقوقهم هو أن أكثر أئمة أهل البيت عليهم السلام عاشوا في زمان الدولتين الأموية والعباسية اللتين جرت سياستهما على إقصاء أهل البيت، والتقليل من شأنهم، وتقديم غيرهم عليهم، ومحاربة مذهبهم، والتضييق عليهم وعلى أتباعهم، ومنع الناس من الأخذ منهم، أو سؤالهم، أو الرواية عنهم، إلا القليل الذي بعضه مكذوب عليهم، وبعضه لا يتنافى مع توجّهات هاتين الدولتين.

يضاف إلى هذا أن الأحاديث دُوِّنت في زمان الدولة الأموية والعباسية، وأن أهم كتب العقائد والأحكام وغيرها أُلّفت في هذه الفترة، كما أن المذاهب العقدية والفقهية المخالفة لمذهب أهل البيت نشأت في زمان الدولة العباسية، وكانت محل رعاية الخلفاء ودعمهم.

ولأجل ذلك اشتهرت المذاهب الأخرى المغايرة لمذهب أهل البيت، وانتشرت الكتب المشتملة على ما يخالف مذهب أهل البيت عليهم السلام، وصارت معروفة عند الناس، بل صارت هذه المذاهب بنظرهم هي الإسلام الصحيح، الذي يُحكَم على كل ما يخالفه بأنه ضلال مبين، رغم أن هذه المذاهب قد افتعلتها السياسة القائمة في ذلك الوقت.

ثم إن خلفاء الدولتين الأموية والعباسية ومن جاء بعدهم قرَّبوا كل من لم يشايع أئمة أهل البيت عليهم السلام، ووظّفوا من تجاهر بمعاداتهم، واشتهر بعداوتهم، وقاموا بنشر كتب الحديث المشتملة على فضائل مكذوبة لغيرهم، ولا تشتمل على مناقب أهل البيت عليهم السلام التي تفضّلهم على غيرهم.

كل هذا التعتيم إنما حدث في العصور الماضية لأن جميع وسائل الإعلام

ص: 208

آنذاك من وعاظ وشعراء وكُتَّاب كانوا يعملون على طبق توجيهات السلطات التي كانت تهدف إلى إضفاء الشرعية على الخلافة القائمة، والتعتيم على أصحاب الشرعية الحقيقيين، وهم أهل البيت عليهم السلام.

وربما يكون الجاهل بأهل البيت عليهم السلام معذوراً في ذلك الزمان؛ لعدم تيسّر المعرفة لكل أحد، ولصعوبة الحصول على كتب أتباع أهل البيت عليهم السلام، وقد لا يتأتى له أن يلتقي بعالم من أتباعهم عليهم السلام.

وأما في هذا العصر فإن الأمور قد اختلفت عن ذي قبل بشكل كبير وواضح؛ إذ انتشر العلم، وتفتحت آفاق المعرفة، وكثرت الفضائيات، وتيسَّرت وسائل التواصل بين الناس عبر الإنترنت التي فتحت آفاقاً واسعة لتلقي العلوم والمعارف، وصار من السهل جدًّا الحصول على مختلف الكتب التي تبين علوم أهل البيت عليهم السلام، وتتحدّث عن سِيَرِهم، وما صحَّ من الأحاديث الدالة على فضلهم، وما امتازوا به عن غيرهم.

وأنا أدعو كل باحث منصف أن يتعرَّف على أئمة أهل البيت عليهم السلام من خلال الكتب التي كتبها أتباعهم في سِيَرهم وأحاديثهم في العقيدة والفقه والتفسير والأخلاق وغيرها.

ومن أراد الاطلاع على كل ذلك بموضوعية وإنصاف فله أن يقرأ الكتب التالية:

1- كتب السِّيْرة: ومنها: كتاب (الإرشاد) للشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد، وكتاب (مناقب آل أبي طالب) لأبي جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، وكتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى) لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، و (كشف الغمة في معرفة الأئمة) لأبي الحسن علي بن عيسى الإربلي، وغيرها.

2- كتب العقيدة: ومن ضمنها كتاب (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) للعلامة الحلي، وكتاب (شرح الباب الحادي عشر) للمقداد السيوري، وكتاب (عقائد الإمامية) للشيخ محمد رضا المظفر.

3- كتب أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام: ومنها الكتب الأربعة المشهورة: (الكافي) للكليني، و (تهذيب الأحكام) ، و (الاستبصار) للشيخ الطوسي، و (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق، وكتاب (وسائل الشيعة) للحر العاملي، وكتاب (الوافي) للفيض الكاشاني، وغيرها.

4- كتب الفقه: ومنها كتاب (المقنعة) للشيخ المفيد، وكتاب (النهاية) للشيخ الطوسي، وكتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي، وكتاب (قواعد

ص: 209

الأحكام) للعلامة الحلي، وكتاب (العروة الوثقى) للسيد كاظم اليزدي، وكتاب (منهاج الصالحين) للسيد محسن الحكيم أو السيد الخوئي أو غيرهما.

5- كتب تفسير القرآن: ومنها كتاب (التبيان في تفسير القرآن) للشيخ الطوسي، وكتاب (مجمع البيان في تفسير القرآن) للطبرسي، وكتاب (الميزان في تفسير القرآن) للسيد محمد حسين الطباطبائي، وكتاب (مواهب الرحمن في تفسير القرآن) للسيد عبد الأعلى السبزواري.

6- كتب الأخلاق: ومنها: كتاب (مكارم الأخلاق) لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي، وكتاب (أعلام الدين في صفات المؤمنين) للحسن بن أبي الحسن الديلمي، وكتاب (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء) لمحمد بن المرتضى المعروف بالفيض الكاشاني، و (جامع السعادات) لمحمد مهدي النراقي، وغيرها.

ولا يخفى أنا لا نقول: «إن هذه الكتب خالية من الأخطاء والاشتباهات» ، فإن كل كتاب - غير كتاب الله - لا يخلو من سهو أو غفلة أو خطأ، كما أن كتب الأحاديث التي ذكرتها تشتمل على أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا يصح التعويل عليها ولا الاحتجاج بها، وعلى العالم الباحث أن يميِّز بين الصحيح، فيحتج به، والضعيف فيطرحه.

وما أريد أن أؤكد عليه هو أن اللازم على كل مسلم أن يعرف أئمة أهل البيت عليهم السلام واحداً واحداً؛ ليتمكّن من القيام نحوهم بما يجب لهم عليه، وهذا الأمر صار في عصرنا سهلاً يسيراً لا يستطيع أحد أن يتذرّع بأنه لا يعرفهم ولا يعرف حقوقهم بعد هذه الثورة المعلوماتية المعاصرة.

وفي الختام أسأل الله تعالى أن يتقبّل مني هذا الكتاب بقبول حسن، وأن يجعله ذخراً لي يوم فقري وفاقتي، إنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

ص: 210

ص: 211

والمراجع

القرآن الكريم.

1- الأئمة الاثنا عشر: شمس الدين محمد بن طولون، تحقيق صلاح الدين المنجد، دار بيروت وصادر 1377ه-.

2- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: أحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق: ابن سعد وابن إسماعيل، مكتبة الرشد، الرياض 1419ه-.

3- الإتحاف بحب الأشراف: عبد الله بن محمد الشبراوي، المطبعة الأدبية بمصر 1316ه-.

4- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: محمد بن الحسن بن علي الحر العاملي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1425ه-.

5- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، دار الكتب العلمية - بيروت 14٠7ه-. أو صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط الثانية 1414ه-.

6- أخبار الدول وآثار الأول: أبو العباس أحمد بن يوسف الشهير بالقرماني، تحقيق: د. فهمي سعد، د. أحمد حطيط، عالم الكتب، بيروت 1412ه-.

7- الإرشاد في معرفة حُجج الله على العباد: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري، المعروف بالمفيد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت 1429ه-.

8- الاستيعاب: يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت 1412ه-.

9- أسد الغابة: عز الدين علي بن محمد بن الأثير، تحقيق معوض وعبد

ص: 212

الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت.

1٠- أسنى المطالب: شمس الدين الجزري، تحقيق محمد هادي الأميني، بيروت.

11- الإشاعة لأشراط الساعة: محمد بن رسول الحسيني البرزنجي، دار الكتب العلمية، بيروت.

12- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، تحقيق معوض وعبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت 1415ه-.

13- إعلام الورى بأعلام الهدى: الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت 1399ه-.

14- الاقتصاد فيما يجب على العباد: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: السيد محمد كاظم الموسوي، دار دليل ما، قم المقدسة 143٠ه-.

15- الأمالي: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 14٠٠ه-.

16- الأم: محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت.

17- الأنساب: عبد الكريم بن محمد السمعاني، تحقيق عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت 14٠8ه-.

18- البداية والنهاية: ابن كثير الدمشقي، تحقيق د. أحمد أبو ملحم وجماعة، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠5ه-.

19- بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار، مؤسسة الأعلمي، طهران 14٠4ه-.

2٠- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (زوائد الهيثمي) : الحارث بن أبي أسامة / الحافظ نور الدين الهيثمي، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، تحقيق: د. حسين أحمد صالح الباكري، المدينة المنورة، 1413ه-.

21- تاريخ الإسلام: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق د. عمر عبد

ص: 213

السلام تدميري، دار الكتاب العربي، بيروت 14٠8ه-.

22- تاريخ الثقات: أحمد بن عبد الله العجلي، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠5ه-.

23- تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠8ه-.

24- تاريخ دمشق الكبير: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر، تحقيق علي عاشور الجنوبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1421ه-.

25- التبيان في تفسير القرآن: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

26- تحفة الأحوذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية،

بيروت.

27- تذكرة الحفاظ: شمس الدين الذهبي، ط الهند مصورة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

28- تذكرة الخواص: سبط ابن الجوزي، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت 14٠1ه-.

29- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق: علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، بيروت 1398ه-.

3٠- تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، مصورة دار المعرفة، بيروت 14٠3ه-.

31- التفسير الكبير: فخر الدين الرازي، مصورة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

32- تقريب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، حلب 14٠6ه-.

ص: 214

33- تلخيص المستدرك (المطبوع بذيل المستدرك على الصحيحين) : شمس الدين الذهبي، ط الهند.

34- تهذيب الأسماء واللغات: محي الدين بن شرف النووي، مصورة دار الكتب العلمية، بيروت.

35- تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت 14٠4ه-.

36- تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدين يوسف المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت 14٠6ه-.

37- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 14٠3ه-.

38- جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري) : محمد بن جرير الطبري، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، مصر 1323ه-.

39- الجامع الصغير: جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت 14٠1ه-.

4٠- جامع كرامات الأولياء: يوسف بن إسماعيل النبهاني، دار الكتب العلمية، بيروت 1422ه-.

41- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) : محمد بن أحمد القرطبي، مصورة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

42- الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ط الهند.

43- الحاوي للفتاوي: جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠2ه-.

44- الحذر في أمر الخضر: الملا علي القاري، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت 1411ه-.

45- حقوق آل البيت: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت.

46- حلية الأولياء: أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت

ص: 215

14٠5ه-.

47- الخصال: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق) ، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 141٠ه-.

48- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: محمد علي الشوكاني، تحقيق د. حسين بن عبد الله العمري، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق 1411ه-.

49- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت 14٠3ه-.

5٠- دلائل النبوة: أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠5ه-.

51- دول الإسلام: شمس الدين الذهبي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 14٠5ه-.

52- ديوان الفرزدق: همام بن غالب بن صعصعة المشهور بالفرزدق، دار بيروت، بيروت 14٠4ه-.

53- رسائل السيد المرتضى: السيد علي بن الحسين الموسوي المرتضى، دار القرآن الكريم، قم 14٠5ه-.

54- رسائل الشيخ الطوسي: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران.

55- الزهر النضر في نبأ الخضر: ابن حجر العسقلاني، تحقيق سمير حسين حلبي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠8 ه-.

56- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي، دار الكتب العلمية، بيروت.

57- سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠5ه-.

58- سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد بن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي،

ص: 216

مصورة دار الفكر، بيروت.

59- سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت.

6٠- سنن الترمذي: محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

61- سير أعلام النبلاء: شمس الدين الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، بيروت 141٠ه-.

62- شذرات الذهب: عبد الحي بن العماد الحنبلي، دار المسيرة، بيروت.

63- شرح السنة: الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق الشاويش والأرنؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠3ه-.

64- شرح صحيح البخاري: علي بن خلف بن عبد الملك المعروف بابن بطال، تحقيق: إبراهيم بن سعيد الصبيحي، مكتبة الرشد، الرياض 1423ه-.

65- شرح صحيح مسلم: محي الدين بن شرف النووي. مصورة دار الفكر، بيروت 14٠1ه-.

66- شرح العقيدة الطحاوية: محمد بن علي بن أبي العز الحنفي، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠4ه-.

67- شرح المقاصد: مسعود بن عمر، الشهير بسعد الدين التفتازاني، تحقيق عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب، بيروت 14٠9ه-.

68- شرح نهج البلاغة: عبد الحميد هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد، دار الكتب العربية الكبرى، مصر 1329ه-. وطبعة أخرى بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، مصر 1387ه-.

69- الشفا بتعريف حقوق المصطفى: القاضي عياض، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، تحقيق: كمال بسيوني زغلول، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت 1421ه-.

7٠- صحيح ابن حبان (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) : محمد بن حبان

ص: 217

أبو حاتم البستي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1414ه-.

71- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، مراجعة القطب والبخاري، المكتبة العصرية، بيروت وصيدا 1418ه-.

72- صحيح الجامع الصغير: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الرياض 14٠6ه-.

73- صحيح سنن ابن ماجة: محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج - الرياض 14٠8ه-.

74- صحيح سنن أبي داود: محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 14٠9ه-.

75- صحيح مسلم: مس-لم بن الحجاج القشري، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، مصورة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

76- الصحيفة السجادية الكاملة: الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، الدار الإسلامية، بيروت 1428ه-.

77- صراط النجاة: مجموعة فتاوى للسيد الخوئي وميرزا جواد التبريزي، مكتبة فدك، إيران، قم 1426ه-.

78- صفة الصفوة: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، دار المعرفة، بيروت 14٠6ه-.

79- الصواعق المحرقة: أحمد بن محمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط بيروت، وط محققة، تحقيق التركي والخراط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1417ه-.

8٠- طبقات الحفاظ: جلال الدين السيوطي، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، مصر 1393ه-، ودار الكتب العلمية، بيروت 14٠3ه-.

81- الطبقات الكبرى: محمد بن سعد، مصورة دار صادر، بيروت.

82- ظلال الجنة في تخريج السنة: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي،

ص: 218

بيروت 14٠5ه-.

83- العِبَر في خبر من غبر: شمس الدين الذهبي، تحقيق محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠5ه-.

84- العَرْف الوردي في أخبار المهدي (ضمن الحاوي للفتاوي) : جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠2ه-.

85- عقد الدرر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠3ه-.

86- علل الشرائع: محمد بن علي بن بابويه (الصدوق) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 14٠8ه-.

87- عون المعبود شرح سنن أبي داود: أبو الطيب محمد شمس الدين العظيم آبادي. دار الفكر، بيروت.

88- عيون أخبار الرضا عليه السلام: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 14٠4ه-.

89- الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني، دار الكتاب العربي، بيروت 14٠3ه-.

9٠- الغيبة: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مكتبة الألفين، الكويت.

91- الفائق في غريب الحديث: جار الله محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت 1417ه-.

92- فتح الباري: أحمد بن حجر العسقلاني، المطبعة البهية المصرية، مصر 1348ه-.

93- فتح القدير: محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت.

94- الفتن: نعيم بن حماد المروزي، تحقيق: مجدي بن منصور بن سيد الشورى، دار الكتب العلمية، بيروت 1418ه-.

95- الفتوحات المكّية: محي الدين محمد بن علي المعروف بابن عربي، مصورة دار صادر، بيروت.

ص: 219

96- الفوائد المجموعة: محمد بن علي الشوكاني، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، دار الباز، مكة المكرمة 1398ه-.

97- فيض القدير: محمد عبد الرؤوف المعروف بالمناوي، ط مصر 1391ه-.

98- قصص الأنبياء: إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، دار الحديث، مصر.

99- قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: جلال الدين السيوطي، تحقيق الشيخ خليل محي الدين الميس، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠5ه-.

1٠٠- قواعد الأحكام: الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران.

1٠1- الكافي: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران 1388ه-.

1٠2- كتاب الثقات: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند 1393ه-.

1٠3- كتاب السنة: عمر بن أبي عاصم الشيباني، مع تعليق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠5ه-.

1٠4- الكشاف: جار الله الزمخشري، ط مصر، مصورة دار المعرفة، بيروت.

1٠5- كشف المشكل: عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض 1418ه-.

1٠6- كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت 14٠8ه-.

1٠7- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: جلال الدين السيوطي، مصورة دار المعرفة، بيروت 14٠3ه-.

1٠8- لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي، دار صادر، بيروت.

1٠9- لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة: محمد مرتضى الحسيني

ص: 220

الزبيدي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠5ه-

11٠- لوامع الأنوار البهية: محمد بن أحمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠5ه-.

111- مجمع البحرين: فخر الدين الطريحي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

112- مجمع البيان في تفسير القرآن: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1379ه-، وطبعة دار مكتبة الحياة، بيروت.

113- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي، دارالكتاب العربي، بيروت 14٠2ه-.

114- المجموع شرح المهذب: أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، دار الفكر، بيروت.

115- مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: أحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت 1417ه-.

116- مختصر التحفة الاثني عشرية: عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي، مكتبة إيشيق، استانبول بتركيا 1979م.

117- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: الملا علي القاري، تحقيق صدقي محمد العطار، المكتبة التجارية، مكة المكرمة 1412ه-.

118- المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 1411ه-.

119- مسند أبي يعلى الموصلي: أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 1418ه-.

ص: 221

12٠- مسند أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل، المطبعة الميمنية بمصر 1313ه-، ط أخرى: تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر.

121- مسند البزار: أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت 14٠9ه-.

122- مشكاة المصابيح: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 14٠5ه-.

123- مشكل الآثار: أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، طبعة حيدرآباد بالهند 1333ه-.

124- مصباح المتهجد: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1418ه-.

125- المطالب العالية: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار المعرفة، بيروت.

126- المعجم الأوسط: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمَّان، الأردن 142٠ه-.

127- معجم البلدان: ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1399ه-.

128- المعجم الكبير: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، مطبعة الزهراء الحديثة، الموصل بالعراق.

129- معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

13٠- مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار المعرفة، بيروت.

131- الملل والنحل: محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، دار المعرفة، بيروت.

132- من لا يحضره الفقيه: محمد بن علي بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 14٠6ه-.

ص: 222

133- المنار المنيف في الصحيح والضعيف: محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب الفرافرة 14٠3ه-.

134- المنتقى من منهاج الاعتدال: تأليف تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، واختصار: شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: محب الدين الخطيب، مكتبة المؤيد، مصر.

135- منهاج السنة النبوية: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، المطبعة الكبرى

الأميرية، مصر 1322ه-. طبعة أخرى: تحقيق محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث، القاهرة 1425ه-.

136- الموضوعات: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة 1386ه-.

137- ميزان الاعتدال: شمس الدين الذهبي، دار المعرفة، بيروت.

138- نظم المتناثر من الحديث المتواتر: جعفر بن إدريس الشهير بالكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠3ه-.

139- النهاية في الفتن والملاحم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، دار الكتب العلمية، بيروت 14٠8ه-.

14٠- النهاية في غريب الحديث: مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير، تحقيق الزاوي والطناحي، ط مصر.

141- نهج البلاغة: محمد بن الحسين الموسوي (الشريف الرضي) ، شرح محمد عبده، تعليق عاشور والبنا، دار ومطابع الشعب، القاهرة.

142- نور الأبصار: السيد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 14٠5ه-.

143- الوافي بالوفيات: خليل بن ايبك المعروف بصلاح الدين الصفدي، دار النشر فرانزشتاينر بفيسبادن 14٠1ه-.

144- وفيات الأعيان: أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار

ص: 223

صادر، بيروت.

145- اليواقيت والجواهر: عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المصري الحنفي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.