المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

اشارة

سرشناسه:عميدي، ثامرهاشم حبيب

عنوان و نام پديدآور:المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي/ ثامرهاشم العميدي

مشخصات نشر:قم: مركز الرساله، 1425ق. = 1383.

مشخصات ظاهري:ص 197

فروست:(سلسله المعارف الاسلاميه 1)

شابك:964-8629-30-72800 ريال :

وضعيت فهرست نويسي:فهرستنويسي قبلي

يادداشت:عربي

يادداشت:چاپ دوم

يادداشت:كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع:مهدويت

محمدبن حسن(عج)، امام دوازدهم، 255ق.

مهدويت -- احاديث

رده بندي كنگره:BP224/4/ع 87م 9

رده بندي ديويي:297/462

شماره كتابشناسي ملي:م 83-35328

ص: 1

اشارة

المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي

ثامرهاشم العميدي

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

كلمة المركز للطبعة الأولي

اللهمّ إنّا نفتتح الثناء بحمدك و أنت مسدّد للصواب بمنّك.

إنّ الإشكالية الأساسية التي تعاني منها البشرية اليوم هي حالة الفراغ العقيدي و الخواء الروحي،هذه الإشكالية هي التي تفسّر لنا حالة التخبط و الفوضي،و القلق و الاضطراب علي الصعيد الفكري و النفسي،كما تفسر لنا حالة الانحدار الأخلاقي المريع الذي بلغته أكثر المجتمعات الغربية و بعض المجتمعات المسلمة.

لقد أصبح عالمنا المعاصر يشهد إحباطات متتالية و موضات مختلفة في الفكر،و السياسة،و العلاقات الاجتماعية،بل و الدولية.

فلغة القوّة و العنف أصبحت اللغة السائدة اليوم،و القهر و الظلم و الاضطهاد سمات ظاهرة،و الارهاب و التشويش الفكري و الحضاري يترك بصماته علي كلّ المجالات حتي ليصحّ القول:إنّ الدنيا بدأت تمتلأ ظلما و جورا،و طغيانا و كفرا.

إنّ المعايير الأخلاقية و الإنسانية لا يكاد يحتكم إليها.و إنّ قيم العدالة و الإنصاف لا يعتمد عليها إلاّ نادرا،و إنّ منطق العلم و قواعد المنطق الصحيح لم تعد لها المرجعية و الحسم إلاّ في مناسبات محدودة و موارد معدودة.

إنّ هذه الظواهر أصبحت مشخّصة في أكثر المجتمعات البشرية بما لا يحتاج معه إلي البرهنة عليها.

و في مثل هذه الأجواء المشحونة بالخوف من المستقبل و الملبّدة بسحب كثيفة تكاد تحجب الحقائق الناصعة،و في ظل هواجس و مخاوف يعيشها الإنسان المسلم و بخاصة بعد أن مارس ضده الاعلام الغربي-بكل

ص: 5

أساليبه الخبيثة-عمليات غسل الدماغ و التلويث الفكري تحت شعارات خلاّبة،و عناوين كبيرة حتي كادوا أن يسترهبوا قطاعات واسعة من المثقفين من أبناء الأمّة الإسلامية،و أوشكوا أن يخرجوهم من ملّتهم.

و إستنادا إلي ذلك كلّه،و استجابة للتحدّي الحضاري الكبير الذي تواجهه الأمّة المسلمة،و بغية وضع حقائق الإسلام و معارفه و أحكامه و مبادئه و رؤاه و نظرياته في مختلف مجالات الحياة الإنسانية المتنوعة، و من أجل التنوير و التبصير،و أخذا بيد الشباب المثقف لحمايتهم من غوائل المتربصين بالإسلام،و فتنتهم و كيدهم و مكرهم من أجل ذلك كلّه جاء مشروع(مركز الرسالة)ليؤدي دورا في هذا المجال،و نشاطا علميا و ثقافيا يتكامل مع الأنشطة و الفعاليات الثقافية التي تنهض بها مؤسسات و مراكز إسلامية منتشرة في شرق الأرض و غربها.

لذلك كلّه ارتأي مركزنا أن يفتتح باكورة أعماله و أنشطته الثقافية بقضية عقائدية من عقائد الإسلام،أحيطت بالتشويش،و تعرضت لمحاولات التشكيك و الطعن علي امتداد عصور متعاقبة،و هي تتعرض اليوم إلي حملات ثقافية شرسة،اجتمع علي التخطيط لها دهاقنة الغرب الصليبي الكافر،و خصوم الإسلام،كما نشهده و نلاحظه من كثرة الكتابات و الدراسات التي تناولت موضوع(المهدي الموعود)متذرعة بلباس العلمية،و هي تهدف إلي توجيه سهام النقد و التشويش لعقائدنا و رؤانا الدينية المستندة إلي الوحي الإلهي قرآنا و سنة.

و إذا كان ذلك يعدّ مبررا كافيا لبدء انشطتنا العلمية-كما نعتقد-فإنّنا سنحاول رفد المكتبة الإسلامية بما هو نافع و مفيد و أصيل إن شاء اللّه تعالي.

و منه تعالي نستمد العون و التسديد،و هو حسبنا و نعم الوكيل

مركز الرسالة

ص: 6

كلمة المركز للطبعة الثانية

الحمد للّه ربّ العالمين،و صلي اللّه علي محمد و آله الطيّبين الطاهرين، و سلّم تسليما كثيرا،و بعد..

حينما باشر مركز الرسالة أعماله العلمية في أواخر(سنة1416/ ه)تمّ الاتّفاق بين المشرف العام علي أعمال المركز سماحة العلامة المحقّق آية اللّه السيد علي الحسيني الميلاني،و الهيئة العلمية-المكوّنة من الأستاذ الدكتور عبد الجبار حمد شرارة المقيم في استراليا حاليا،و مؤلّف هذا الكتاب،و الأستاذ صائب عبد الحميد،و الشيخ محمد جواد الطريحي المقيم في هولندا حاليا-علي أن يقوم كلّ واحد من أعضاء الهيئة العلمية بالكتابة في أحد المواضيع التي اقترحها المركز ضمن كرّاسة التعريف بأهدافه و برامجه و طموحاتها.و قد بادر السيد العميدي إلي تأليف هذا الكتاب،و حين الوصول في تأليفه إلي الفصل الرابع(المهدي في منطق العقل و العلم)طلب الأستاذ شرارة في اجتماع الهيئة العلمية أن يقوم بتلخيص كتاب(بحث حول المهدي)للمفكّر الإسلامي الكبير السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدّس سرّه؛ليكون بمثابة الفصل الرابع للكتاب المذكور،و أن يعفي من الكتابة في موضوع آخر بسبب زحمة أعماله العلمية يومذاك،خصوصا و أنّ الكتاب سيصدر باسم مركز الرسالة؛إذ لم يتمّ تصويب كتابة أسماء المؤلّفين علي إصدارات المركز إلاّ بعد صدور واحد و عشرين كتابا!فنزل السيد العميدي عند رغبته،و لأجل أن تكون فصول الكتاب كلّها بسليقة واحدة و أسلوب واحد،قام بمراجعة جميع خلاصة الأستاذ شرارة،و أعاد ترتيبها،و صياغتها،و تحويل مادّتها إلي نمط السؤال و الجواب،مع إضافة اليسير عليها لدرجة تتعذّر معها نسبة الخلاصة المذكورة إلي أيّ منهما.

ص: 7

و لمّا افتتح مركز الرسالة باكورة أعماله بكتاب(المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي)ليحمل الرقم الأوّل من إصداراته،ضمن سلسلة معارفه الإسلامية(لسنة1417/ ه)لاقي ترحيبا في الساحة الثقافية،و نفدت طبعته الأولي بعد مدّة يسيرة،فقام مكتب سماحة آية اللّه العظمي السيد علي السيستاني في سوريا بإعادة طبعه(سنة1418/ ه).

و لتعميم فائدة الكتاب و اطّلاع غير الناطقين بلغة الضاد عليه من مسلمين و غيرهم،قامت مؤسّسة الإمام علي عليه السّلام و غيرها بترجمته إلي عدّة لغات:

ففي(سنة1419/ ه-1999 م)ترجم إلي ثلاث لغات:اللغة الأندنوسية،بترجمة أبي محمد الأندنوسي،و لغة الهوسا الأفريقية،و اللغة الكردية بترجمة بيهزاد عه بدوره حمان و مه لا سيروان تاره زوري.

و في(سنة1420/ ه)ترجمه محمد تقي-علي حساب المؤسّسة المذكورة-إلي لغة الاوردو.

و في(سنة1424/ ه)أنيطت ترجمة الكتاب إلي اللغة الإنجليزية من قبل المؤسّسة المذكورة أيضا إلي أبي حيدر الحسيني،و قد تمّ نشره بهذه اللغات الخمسة جميعا.

و أمّا اللغة الفارسية فقد ترجم لها مرّتين،الأولي:في(سنة1421/ ه) بترجمة و تحقيق الأستاذ مهدي علي زاده،و نشرته مؤسسة نشر آثار الإمام الخميني قدّس سره في مدينة قم المقدسة.

و الثانية:في(سنة1422/ ه)بترجمة محمد باقر محبوب القلوب، و نشر في مركز انتشارات مسجد مقدّس جمكران في مدينة قم أيضا.

و أخيرا نال الكتاب في(سنة1422/ ه)جائزة«كتاب الثقافة المهدوية للسنوات العشر السابقة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية».

ص: 8

و بناء علي رغبة مركزنا بإعادة طبع الكتاب للمرّة الثانية،فقد اقتضت الضرورة العلمية مراجعة فصول الكتاب لتلافي الأخطاء المطبعية التي رافقته في طبعته الأولي،و هو ما قام به مؤلّفه علي أحسن وجه،و قد أضاف اليسير جدّا علي بعض مطالبه،مع زيادة الفصل الثالث بما يناسب التمهيد للفصل الرابع الذي أبقاه كما هو اعتزازا باسم الأخ الأستاذ الدكتور عبد الجبار شرارة.

لقد استطاع كتاب(المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي)تسليط الأضواء الكاشفة علي العقيدة المهدوية بمنهج أكاديمي محكم،و أسلوب علميّ متين،و اختيار موفّق للنصوص مع مناقشة الآراء و الأفكار المعاكسة و تفنيدها..و هكذا أضاف الكتاب لبنة جديدة ناصعة إلي صرح الثقافة المهدوية الشامخ،و صار-كغيره من الكتب المميّزة في هذا الحقل-دليلا علي الطريق.

فلأجل معرفتك عزيزي القاريء بالمهدوية كما هي في عصورها الإسلامية الأولي...

و لأجل وقوفك السريع علي وثائق و مستندات تشخيص مصداقها الخارجي عبر ما رافقها من إرهاصات تاريخية...

و لأجل تزويدك بتقييم الاتّجاهات الدخيلة علي تلك العقيدة،و ما واكبها من أفكار و آراء معاكسة...نقدّم لك هذا الكتاب-الذي ثبتت جدارته علي أكثر من صعيد-مصحّحا منقّحا و مزيدا في طبعته القشيبة الثانية.

و اللّه الهادي إلي سواء السبيل

مركز الرسالة

ص: 9

ص: 10

مقدّمة المؤلّف للطبعة الأولي

اشارة

الحمد للّه ربّ العالمين،و الصلاة و السلام علي خير خلقه محمد و آله الطيّبين الطّاهرين،و صحبه المخلصين،و من اتّبعهم بإحسان إلي يوم الدّين.

و بعد..

اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الإسلامية و إلي اليوم بصحّة ما بشّر به النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلم من ظهور رجل من أهل بيته عليهم السّلام في آخر الزمان -يسمي المهدي-يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

و علي ذلك كان ترقّب المؤمنين و انتظارهم مهدي أهل البيت عليهم السّلام قرنا فقرنا،و لم يشذّ عنهم إلاّ شرذمة قليلة من دعاة التجديد و التحضّر،نتيجة لتأثرهم بالدراسات و البحوث الإستشراقية غير الموضوعية،من أمثال ما كتبه:فان فلوتن،و دونالدسن،و جولدزيهر،و غيرهم من المستشرقين الذين حاولوا-بتطرفهم المعهود في التحليل و الاستنتاج بخصوص ما يتّصل بعقائد المسلمين-إنكار ظهور المهدي عليه السّلام في آخر الزمان.

و قد يكون بعض من اغترّ بمناهجهم حسن النيّة في الدعوة إلي التجديد في فهم القضايا الإسلامية،و محاولة إبراز توافقها و إنسجامها مع المفاهيم الحضارية التي فرضتها المدنية المعاصرة،فرأي أنّ في إنكار فكرة ظهور المهدي عليه السّلام ردّا حاسما علي الدعوات الصليبية-المقنّعة بقناع الإستشراق-التي استهدفت الإسلام فصوّرته-ببحوثها و كتاباتها-آلة جامدة لا تنبض بالحياة.

و هكذا انعكست آثار بعض الدراسات الإستشراقية علي ثقافة البعض منّا،ممّا أسهم في إيجاد خرق من الداخل،تري من خلاله تأويل بعض الثوابت الدينية،و التشكيك بقسم منها كقضية ظهور الإمام المهدي عليه السّلام في

ص: 11

آخر الزمان،و ربّما قد تسمع الترديد المملّ لأقوال المستشرقين إزاء مسألة الظهور،و ما كان هذا ليتم لو لا التفاعل اللامدروس مع تلك الثقافات المحمومة،و التأثّر بها لدرجة الإعتقاد بأنّها حقائق مسلّمة،علي الرغم ممّا فيها من خبث و دهاء،و تطرّف في التحليل و الإستنتاج،و كيد بالإسلام و المسلمين،و كيف لا؟و هذا جولدزيهر،و دي بوير،و مكدونالد،و بندلي جوزي،يصرّحون بتناقض القرآن الكريم (1)؟!فلا غرابة أن نجد-في حركات التبشير الصليبي-من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي عليه السّلام (2)،هذا مع أنّ فكرة الظهور لم تكن حكرا علي المسلمين وحدهم كما سيتبيّن من دراستها في هذه المقدّمة:

عالمية الإعتقاد بالمهدي عليه السّلام:

إنّ فكرة ظهور المنقذ العظيم في آخر الزمان الذي سينشر العدل و الرخاء،و يقضي علي الظلم و الإضطهاد في أرجاء العالم،و يحقّق العدل و المساواة في دولته الكريمة،فكرة آمن بها أهل الأديان الثلاثة،و اعتنقتها معظم الشعوب.

فقد آمن اليهود بها،كما آمن النصاري بعودة عيسي عليه السّلام،و صدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه،و اعتنقها مسيحيو الأحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودور كمهديّ في آخر الزمان،و كذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو،و مثلهم المجوس إزاء ما يعتقدونه من حياة

ص: 12


1- المستشرقون و الإسلام/الدكتور عرفان عبد الحميد:17،و دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي/الدكتور حسام الدين الآلوسي:68،و بحوث في القرآن الكريم/الدكتور عبد الجبار شرارة:52-54،فقد نقلوا عمّن ذكرنا من المستشرقين قولهم بتناقض القرآن الكريم،و فنّدوا مفترياتهم.
2- عقيدة الشيعة/دونالدسن:231،و السيادة العربية/فان فلوتن:107 و 132.

أوشيدر.

و هكذا نجد البوذيّين ينتظرون ظهور بوذا،كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق،و المغول قائدهم جنگيز خان.

و قد وجد هذا المعتقد عند قدامي المصريين،كما وجد في القديم من كتب الصينيين (1).

و إلي جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب و فلاسفته بأنّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الامور و يوحّد الجميع تحت راية واحدة و شعار واحد:

منهم:الفيلسوف الإنجليزي الشهير برتراند راسل،قال:«إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت علم واحد و شعار واحد» (2).

و منهم:العلاّمة آينشتاين صاحب«النظرية النسبية»،قال:«إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح و الصفاء،و يكون الناس متحابّين متآخين ليس ببعيد» (3).

و الأكثر من هذا كلّه هو ما جاء به الفيلسوف الإنجليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه«الإنسان و السوبرمان».

و في ذلك يقول الاستاذ الكبير عبّاس محمود العقّاد في كتابه (برناردشو)معلّقا:«يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل،و أنّ دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة» (4).

أما عن المسلمين فهم علي إختلاف مذاهبهم و فرقهم يعتقدون بظهور5.

ص: 13


1- المهدية في الإسلام/سعد محمد حسن:43-44،و الإمامة و قائم القيامة/الدكتور مصطفي غالب:270.
2- المهدي الموعود و دفع الشبهات عنه/السيد عبد الرضا الشهرستاني:6.
3- المهدي الموعود و دفع الشبهات عنه:7.
4- برنارد شو/عباس محمود العقاد:124-125.

الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان،و علي طبق ما بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم، و لا يختص هذا الإعتقاد بمذهب دون آخر،و لا فرقة دون أخري.و ما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنّة ابتداء من القرن الثالث الهجري و إلي اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ إتّفاقهم،بل و من عقيدتهم أجمع،و الأكثر من هذا إفتاء بعض فقهائهم:بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي عليه السّلام، و بعضهم قال بوجوب تأديبه بالضرب الموجع و الإهانة حتي يعود إلي الحقّ و الصواب علي رغم أنفه-علي حدّ تعبيرهم-كما سنشير إليه في الفتوي الصادرة علي طبق معتقد المذاهب الأربعة.

و له ذا قال ابن خلدون-معبّرا عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي عليه السّلام:

«اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممرّ الأعصار:أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت،يؤيّد الدّين،و يظهر العدل، و يتبعه المسلمون،و يستولي علي الممالك الإسلامية،و يسمّي:

المهدي» (1).و قد وافقه علي ذلك الاستاذ أحمد أمين الأزهري المصري -علي الرغم ممّا عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة،معبّرا عن رأي أهل السنّة بها-بقوله:«فأمّا أهل السنّة فقد آمنوا بها أيضا» (2)،ثم ذكر نصّ ما ذكره ابن خلدون (3).

ثم قال:«و قد أحصي ابن حجر الأحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين» (4).

ثم ذكر ما قرأه من كتب أهل السنّة حول المهدي عليه السّلام فقال:«قرأت رسالة للاستاذ أحمد بن محمد بن الصدّيق في الردّ علي ابن خلدون8.

ص: 14


1- تاريخ ابن خلدون 1:/555الفصل(52).
2- المهدي و المهدوية/أحمد أمين:41.
3- المهدي و المهدوية:110.
4- المهدي و المهدوية:48.

سمّاها:(إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)،و قد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه علي الأحاديث الواردة في المهدي،و أثبت صحّة الأحاديث،و قال:إنّها بلغت التواتر» (1).

و قال في موضع آخر:(قرأت رسالة اخري في هذا الموضوع عنوانها:

«الإذاعة لما كان و ما يكون بين يدي الساعة»لأبي الطيّب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني» (2).

و قال أيضا:«قد كتب الإمام الشوكاني كتابا في صحّة ذلك سماه:

التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر و الدجال و المسيح» (3).

إذن،لا فرق بين الشيعة و أهل السنّة من حيث الإيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثا من طرقهم،و عدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة،و أثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في ذلك،و أنّهم ألّفوا في الرّد،أو القول بالتواتر كتبا و رسائل،بل لا فرق بين جميع المسلمين و بين غيرهم من أهل الأديان و الشعوب الاخري من حيث الإيمان بأصل الفكرة،و إن اختلفوا في مصداقها،مع إتّفاق المسلمين علي أنّ اسمه(محمّد)كإسم النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم،و لقبه عندهم هو(المهدي).

و من هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الأديان السابقة،و معظم الشعوب و القوميات،و عباقرة الغرب و فلاسفته-مع تعدّد الأديان،و تباين المعتقدات،و اختلاف الأفكار و الآراء و العادات-علي أصل الفكرة، لا يمكن أبدا أن يكون بلا مستند لإستحالة تحقّق مثل هذا الإتّفاق جزافا.0.

ص: 15


1- المهدي و المهدوية:106.
2- المهدي و المهدوية:109.
3- المهدي و المهدوية:110.

فإذا أضفنا إلي ذلك إتّفاق المذاهب الإسلامية جميعا علي صحّة الإعتقاد بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان،و أنّه من أهل البيت عليهم السّلام-كما سيأتي مفصّلا-علم أنّ اتّفاقهم هذا لا بدّ و أن يكون معبّرا عن إجماع هذه الامّة التي لا تجتمع علي ضلالة علي ما هو مقرّر في محلّه،و حينئذ فلا يضرّ إعتقادهم بظهور مهديّ أهل البيت عليهم السّلام اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الأديان و الشعوب،إذ بالإمكان معرفته حقّ معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عرف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع و التحديث شفة عن شفة وصولا إلي مصدر التشريع،و بما لا نظير له في حضارات العالم أجمع.

و مع هذا نقول:

إنّ اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لا يبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت عليهم السّلام كتبشيرها بنبوّة نبيّنا صلّي اللّه عليه و اله و سلم إلاّ أنّهم أخفوا ذلك عنادا و تكبّرا إلاّ من آمن منهم باللّه و اتّقي.

و يدلّ علي ذلك وجود ما يشير في أسفار التوراة إلي ظهور المهدي في آخر الزمان،كما في النصّ الذي نقله الكاتب أبو محمد الاردني من(سفر إرميا)و إليك نصّه: «اصعدي أيّتها الخيل و هيّجي المركبات،و لتخرج الأبطال:كوش و قوط القابضان المجنّ،و اللوديّون القابضون القوس،فهذا اليوم للسيّد ربّ الجنود،يوم نقمة للإنتقام من مبغضيه،فيأكل السيف و يشبع...لأن للسيّد ربّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات» (1).

و هناك ما هو أوضح من هذا بكثير جدّا،فقد قال الباحث السنّي سعيد1.

ص: 16


1- الكتاب المقدّس تحت المجهر/عودة مهاوش أبو محمد الاردني:155،و النصّ نقله من سفر إرميا:2/46-11.

أيّوب في كتابه(المسيح الدجال):«و يقول كعب:مكتوب في أسفار الأنبياء:المهدي ما في عمله عيب»ثمّ علّق علي هذا النصّ بقوله:

«و أشهد أنّني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب،لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جدّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم،فدلّت أخبار سفر الرؤيا إلي امرأة يخرج من صلبها إثنا عشر رجلا،ثمّ أشار إلي امرأة أخري،أي:التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدّته،و قال السفر:إنّ هذه المرأة الأخيرة ستحيط بها المخاطر،و رمز للمخاطر باسم«التنّين»و قال:(و التنّين وقف أمام المرأة العتيدة حتي تلد ليبتلع ولدها متي ولدت)سفر الرؤيا 12 :3،أي:أنّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام،و لكن بعد ولادة الطفل، يقول باركلي في تفسيره:«عندما هجمت عليها المخاطر اختطف اللّه ولدها و حفظه.

و النص:(و اختطف اللّه ولدها)سفر الرؤيا 12:5،أي:أنّ اللّه غيّب هذا الطفل كما يقول باركلي.

و ذكر السفر:أنّ غيبة الغلام ستكون ألفا و مئتين و ستين يوما،و هي مدّة لها رموزها عند أهل الكتاب،ثم قال باركلي-عن نسل المرأة عموما-:إنّ التنّين سيعمل حربا شرسة مع نسل المرأة،كما قال السفر:(فغضب التنّين علي المرأة،و ذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا اللّه) سفر الرؤيا 12:13» (1).ب.

ص: 17


1- المسيح الدجّال/سعيد أيوب:379-380،الطبعة الثالثة. أقول:المهدي عند الشيعة هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت و أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و حديث«المهدي حق و هو من ولد فاطمة»مقطوع بصحّته و مصرّح بتواتره عند أهل السنّة كما سيوافيك،و هو عند الشيعة المولود الثاني عشر لفاطمة عليها السّلام:ثلاثة بالمباشرة، و هم:الحسنان و محسن،و تسعة بدونها و هم الأئمة من ولد الحسين عليهم السّلام،و أمّا عن أولاد الحسن عليه السّلام فهم كذلك من بني فاطمة عليها السّلام إلاّ أنّهم اخرجوا من مجموع الإثني عشر لكونهم ليسوا بأئمّة،و لا يرد مثل هذا علي ما لم يكن إماما و هو محسن،لأنّ ولادته من فاطمة عليها السّلام بالمباشرة،و لهذا قال الاستاذ سعيد أيّوب:«هذه هي أوصاف المهدي،و هي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية»ثم علّق عليه في هامش ص 379 بما يدلّ علي تقارب الأوصاف.و هذا و إن كان ممكنا إلاّ أنّ اعتقاد الشيعة و غيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يكن علي أساس الإستدلال بما في كتب العهدين كما سنبينه مفصّلا في هذا الكتاب.

و هذا و إن لم يصحّ لمسلم الإحتجاج به لما منيت به كتب العهدين من تحريف و تبديل،إلاّ أنّه يدلّ و بوضوح علي معرفة أهل الكتاب بالمهدي، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه،إذ ليس كلّ ما جاء به الإسلام قد تفرّد به عن الأديان السابقة،فكثير من الامور الكلّية التي جاء بها الإسلام كانت في الشرائع السابقة قبله.

قال الشاطبي:«و كثير من الآيات أخبر فيها بأحكام كلّية كانت في الشرائع المتقدّمة و هي في شريعتنا،و لا فرق بينهما» (1).

و إذا تقرّر هذا فلا يضرّ إعتقاد المسلم بصحّة ما بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان،أن يكون هذا المعتقد موجودا عند أهل الكتاب(اليهود و النصاري)أو عند غيرهم ممّن سبق الإسلام، و لا يخرج هذا المعتقد عن إطاره الإسلامي بعد أن بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و بعد الإيمان بأنّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (2).

و أما عن إعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة كما مرّ، فيمكن تفسيرها علي أساس أنّ فكرة ظهور المنقذ لا تتعارض مع فطرة الإنسان و طموحاته و تطلّعاته،و لو فكّر الإنسان قليلا في إشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لأدرك أنّ وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير، يستمدّ الإنسان من خلالها قوّته في الصمود إزاء ما يري من إنحراف و ظلم و طغيان،و لا يترك فريسة يأسه دون أن يزوّد بخيوط الأمل و الرجاء بأنّ4.

ص: 18


1- الموافقات/الشاطبي المالكي 3:117،المسألة الرابعة.
2- سورة النجم:53:3-4.

العدل لا بدّ له أن يسود.

و أمّا عن اختلاف أهل الأديان السابقة و الشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر،فلا علاقة له في إنكار ما بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم،و ليس هناك ما يدعو إلي بيان فساد تشخيصهم لإسم المنقذ،مادام الإسلام قد تصدّي بنفسه لهذه المهمة فبيّن اسمه،و حسبه،و نسبه،و أوصافه،و سيرته، و علامات ظهوره،و طريقة حكمه،حتي تواترت بذلك الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها من طرق أهل السنّة،كما صرّح بذلك أعلامهم و حفّاظهم و فقهاؤهم و محدّثوهم،و قد روي تلك الأخبار عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم ما يزيد علي خمسين صحابيّا كما سنبرهن عليه في هذا البحث.

و أمّا عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم المهدي عليه السّلام كما هو معلوم بين أهل السنّة و الشيعة،فليس فيه أدني حجّة للمستشرقين و أذنابهم،بل هو-علي العكس-من الأدلّة القاطعة عليه؛ لأنّه من قبيل الإختلاف في تفاصيل شيء متحقّق الوجود،كإختلافهم في القرآن الكريم بين القول بقدمه و حدوثه من اللّه تعالي،مع اتّفاقهم علي تكفير منكره،و قس عليه سائر إختلافاتهم الاخري في تفاصيل بعض العقائد دون اصولها.

تهافت القول باسطورية فكرة الظهور:

إنّ النتيجة المنطقية لما تقدّم قاضية بتفاهة مزاعم المستشرقين و من وافقهم باسطورية فكرة ظهور المهدي في آخر الزمان،ذلك لأنّ الاسطورة التي ينتشر الإيمان بها بمثل هذه الصورة،لا شكّ أنّها سلبت عقول المؤمنين بها،و صنعت لهم تاريخا،و لكن التاريخ لا يعرف أمّة خلقت تاريخها أسطورة،فكيف الحال مع أمّة هي من أرقي أمم العالم حضارة في القرون الوسطي باعتراف المستشرقين أنفسهم.

ص: 19

و العجيب،أنّ القائلين بهذا يعترفون برقيّ الحضارة الإسلامية و سمّوها بين الحضارات العالمية،و لا ينكرون دور الإسلام العظيم في تهذيب نفوس المؤمنين من سائر البدع و الخرافات و العادات البالية التي تمجّها النفوس،و تستنكرها العقول، و لم يلتفتوا إلي أنّ أمة كهذه لا يمكن اتّفاقها علي الإعتقاد بأسطورة،و أغلب الظنّ أنّ هؤلاء المستشرقين لمّا وجدوا عقائد أسلافهم ملأي بالخرافات و الأساطير و الضلالات،كبر عليهم أن يكتبوا عن الإسلام-الذي هو أنقي من الذهب الإبريز-دون أن يضفوا عليه شيئا من أحقادهم،و لهذا وصفوا ما تواتر نقله عن النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلم بشأن ظهور المهدي في آخر الزمان بأنّه من الأساطير.

و المصيبة ليست هنا،لأنّا نعلم أنّ القوم كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً (1)،بل المصيبة تكمن في كتابات من تقمّصوا لباس السيّد جمال الدين الأفغاني،و الشيخ محمد عبده و نظائرهما من قادة الإصلاح،ممّا ساعد علي إخفاء حقيقتها و واقعها الذي لم يكن غير الإستظلال بفيء الخصوم،و طلب الهداية ممّن غرق في بحر الضلال،من دون ترو مطلوب،و لا إلتفات مسؤول إلي ما يهدّد تراث الإسلام الخالد، و يستهدف أصوله الشامخة.

و من هنا وجب التحذير من هؤلاء و أولئك،و الإحتراز عن كلّ ما ينفث، أو يبثّ،قبل بيان الدليل القاطع علي عقيدة المسلمين بالمهدي عليه السّلام في فصول هذا البحث.

و اللّه يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم8.

ص: 20


1- سورة الكهف:5/18.

مقدّمة المؤلّف للطبعة الثانية

الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنتهدي لو لا أن هدانا اللّه،و صلي اللّه علي نبيّنا محمد أشرف الأنبياء و المرسلين،و علي آله الأطهار الميامين، و بعد..

امتازت مسألة المهدوية في الفكر الإسلامي بأصالتها الدينية،و عمق حقيقتها التاريخية،و ثبات أساسها،و متانة حجّتها،و حركتها في وجدان الأمّة؛لما تختزنه من فلسفة قادرة علي العمل المبدع الصالح،و تهذيب النفوس بالورع و محاسن الأخلاق،و بناء المجتمع بناء إسلاميا،و التخطيط لمستقبله بوعي و إدراك بما يناسب حجم اللقاء المرتقب مع الإمام المهدي عليه السّلام في يومه الموعود.

و لكون العقيدة المهدوية واضحة مشخّصة في عقل الأمّة و وعيها صار انتظار المؤمنين لليوم الموعود لظهور مهدي الحقّ..مهدي آل محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلم مواكبا لأنفاسهم؛لأنّهم ليسوا بانتظار حلم من أحلام اليقظة،بل بانتظار حقيقة من حقائق الاسلام الكبري التي عرفتها الأديان السماوية كلّها، و بشّر بها نبيّ الرحمة صلّي اللّه عليه و اله و سلم،و أكّدها أهل بيته الأطهار عليهم السّلام بكلّ قوّة،مع التركيز المستمرّ علي مصداقها الخارجي،و تفصيل هويّته ببيان اسمه و كنيته و نسبه الشريف بمنتهي الدقّة و التفصيل.

و مع كلّ هذا الوضوح في هويّة الإمام المهدي عليه السّلام،و تعاقب الأجيال علي تلك العقيدة،و تراكم المؤلّفات في بيان أدلّتها تفصيلا..بقيت طوائف

ص: 21

من الأمّة تقول بمهدي مجهول يخلقه اللّه في آخر الزمان!و أنكر شذّاذ-من هنا و هناك-المهدوية جملة و تفصيلا،معلّلين ذلك باستلزامها الانهزام من الواقع،و الانعزال عن الحياة،و الانسحاب عن مشاكل الأمّة!!هذا في الوقت الذي يري فيه يقظة عقول المؤمنين بتلك العقيدة،و تحرّكهم الواعي المدروس،و انتظارهم المثمر للجهاد الأكبر من خلال الالتزام بعري الإيمان الوثيقة،و إقامة شعائر الدين الحنيف،و تحمّل المسؤولية الكاملة في تحقيق ما أراده اللّه و رسوله صلّي اللّه عليه و اله و سلم في أن يكون بناء الإنسان و الحياة بشكل أفضل.

و الواقع أنّ العقيدة بمهدي مجهول يخلقه اللّه في آخر الزمان لا تمتلك رصيدا علميا،و ليس لها أيّ سند معتبر أصلا،و لهذا فقدت أيّ حسّ ديني،و عاشت الخوار الفكري في نفسها،و بقيت تدور في فلك الاتّجاهات الدخيلة التي نمت ضمن نطاق اسلامي مميّز قد احتضنها، و غذاها بطائفيّته و صبغها بألوان عديدة من الزيف و الخداع.و هكذا صار الإيمان بمهدي مجهول يخلقه اللّه في آخر الزمان كإنكار أصل القضية جملة و تفصيلا؛لأنّهما-في النتيجة-سيّان.

و علي الرغم من كون دعايتهم الكذوب قد فقدت مبرّرات إثارتها من جديد؛إذ لا انسجام لها مع واقع القرآن و السنّة النبوية،و لا مع الفكر الإسلامي الأصيل،و تقاطعها مع التاريخ الإسلامي بكلّ وثائقه و مستنداته،فضلا عن منافاتها لشهادات أعلام الأمّة،الذين أفاضوا-منذ أقدم العصور و إلي الوقت الراهن-بكتابات سديدة و كثيرة بهذا الشأن تفصيلا.

علي الرغم من كلّ ذلك،برزت بقايا من تلك الاتّجاهات الدخيلة علي الفكر الإسلامي،لتحاول عبثا الوقوف بوجه الصحوة الإسلامية المعاصرة،

ص: 22

لتنال منها من خلال التطاول الغبي علي عقيدتها بالإمام المهدي عليه السّلام.

إنّ الواقعية التي عاشتها أجيال الأمّة مع المهدوية الحقّة في التاريخ، و انعكاساتها علي مسرح الحياة المعاصرة في الفكر و السلوك و العقيدة حتي بلغت الذروة في نفوس أتباعها،لن تخنق مبدأها اكذوبة.

و إذا كان الافتراء أعجز من أن يقتل و لو مجرّد فكرة؛لأنه زبد،فكيف له أن يحجب-بطرقه من الغشّ و التضليل-ما ينفع الناس في حاضرهم و مستقبلهم،و اللّه تعالي يقول: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

ثامر العميدي الإثنين 27 رجب الأصب1425/ ه قم ذكري المبعث النبوي الشريف

ص: 23

ص: 24

الفصل الأوّل: المهديّ في الكتاب و السنّة

اشارة

ص: 25

ص: 26

بعض الآيات المفسّرة في المهديّ عليه السّلام:

لا يخفي أنّ القرآن الكريم و السنّة النبويّة صنوان لمشرّع واحد.

و عقيدة المسلمين بالمهدي،المتواترة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم بلا شكّ و لا شبهة -كما سيأتي في هذا الفصل-قد أيّدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسّرين علي المهديّ المبشّر بظهوره في آخر الزمان.

و إذا ما تواتر شيء عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم،فلا بدّ من التسليم بأنّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرة و إن لم تدركه عقولنا؛لقوله تعالي: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُديً وَ رَحْمَةً وَ بُشْري لِلْمُسْلِمِينَ (1).

إذن،إستجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حقّ فهمه،و لا شكّ بأنّ أهل البيت عليهم السّلام هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين،و عليه فإنّ ما ثبت تفسيره عنهم عليهم السّلام من الآيات بالمهدي لا بدّ من الإذعان إليه و التصديق به.

و في هذا الصدد قد وقفنا علي الكثير من أحاديث أهل البيت عليهم السّلام المفسّرة لعدد من الآيات المباركة بالإمام المهدي عليه السّلام.و سوف لن نذكر منها إلاّ ما كان مؤيّدا بما في تفاسير أصحاب المذاهب الاخري و رواياتهم.

1-فمنه ا:ما نمهّد له بالقول:إنّ أعداء هذا الدّين من أهل الكتاب و المنافقين و المشركين و من والاهم يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَي اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (2).

ص: 27


1- سورة النحل:89/16.
2- سورة التوبة:32/9.

فهذه الآية العجيبة بيّنت لنا أنّ حال هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق،و يريد اللّه تعالي أن يزيده و يبلغه الغاية القصوي في الإشراق و الإضاءة.و في هذا منتهي التصغير لهم،و التحقير لشأنهم،و التضعيف لكيدهم؛لأنّ نفخة الفم القادرة علي إطفاء النور الضعيف-كنور الفانوس-لن تقدر علي إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع.

و هذا من عجائب التعبير القرآني،و من دقائق التصوير الإلهي،لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان،و لن تجد له نظيرا قط في غير القرآن.

ثم تابع القرآن الكريم ليبيّن لنا بعد هذا المثال،إرادة اللّه عزّ و جلّ الظهور التام لهذا الدين رغم انوفهم،فقال تعالي: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (1).

و المراد بدين الحقّ هو دين الإسلام بالضرورة؛لقوله تعالي: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (2).

و قوله تعالي: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ ،أي:لينصره علي جميع الأديان،و الضمير في قوله تعالي: لِيُظْهِرَهُ راجع إلي دين الحقّ عند معظم المفسّرين و أشهرهم،و جعلوه هو المتبادر من لفظ الآية.

و هذه بشري عظيمة من اللّه تعالي لرسوله صلّي اللّه عليه و اله و سلم بنصرة هذا الدّين و إعلاء كلمته،و قد اقترنت هذه البشري بالتأكيد علي أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الإسلام سوف لن تغلب إرادته تعالي و هي إظهار دينه القويم علي سائر الأديان،و لو كره المشركون.

و الإظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة و الإستيلاء،قال الرازي في3.

ص: 28


1- سورة التوبة:33/9.
2- سورة آل عمران:85/3.

تفسيره:«و اعلم أنّ ظهور الشيء علي غيره قد يكون بالحجّة،و قد يكون بالكثرة و الوفور،و قد يكون بالغلبة و الإستيلاء.و معلوم أنّه تعالي بشّر بذلك،و لا يجوز أن يبشّر إلاّ بأمر مستقبل غير حاصل،و ظهور هذا الدين بالحجّة مقرّر معلوم،فالواجب حمله علي الظهور بالغلبة» (1).

و لا يخفي أنّ تلك الغلبة علي الأديان الاخري قد تحقّقت في عهد النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و خير دليل علي ذلك أنّهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يد و هم صاغرون،و لا يخفي أيضا أنّ تلك الغلبة و النصرة كانت بما يتناسب و صيرورة الإسلام دينا قويا مهاب الجانب و ذا شوكة.

و لكن واقعنا اليوم ليس كذلك،و الذين دفعوا لنا الجزية بالأمس قد سيطروا اليوم علي مقدّساتنا،و العدو أحاط بنا،و غزينا في عقر ديارنا،مع ما يلاحظ من نشاط التبشير بأديان أهل الكتاب علي قدم و ساق.

و إذا كنّا نعتقد حقّا بأنّ القرآن الكريم صالح ليومه و غده؛فهل يكون معني ظهور الدين علي سائر الأديان منطبقا علي واقع الإسلام اليوم، الذي يكاد يكون مطوّقا بأنظمة المسلمين و سياساتهم؟و هل لتلك البشري من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلي الإسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد و تناقض،و اختلاف في العقائد و الأحكام؟!

هذا مع أنّ المروي عن قتادة في قوله تعالي: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ قال:«هو الأديان الستّة:الذين آمنوا،و الذين هادوا،و الصابئين، و النصاري،و المجوس،و الذين أشركوا.فالأديان كلّها تدخل في دين الإسلام،و الإسلام يدخل في شيء منها،فإنّ اللّه قضي بما حكم و أنزل أن يظهر دينه علي الدين كلّه و لو كره المشركون» (2).6.

ص: 29


1- التفسير الكبير/الرازي 16:40.
2- الدّر المنثور/السيوطي 4:176.

و في تفسير ابن جزّي:«و إظهاره:جعله أعلي الأديان و أقواها،حتي يعم المشارق و المغارب» (1).و هذا هو المروي عن أبي هريرة كما نصّ عليه جملة من المفسّرين (2).

و في الدر المنثور:«و أخرج سعيد بن منصور،و ابن المنذر،و البيهقي في سننه عن جابر رضي اللّه عنه في قوله تعالي: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ قال:

لا يكون ذاك حتي لا يبقي يهودي و لا نصراني صاحب ملّة إلاّ الإسلام» (3).

و عن المقداد بن الأسود قال:«سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم يقول:لا يبقي علي ظهر الأرض بيت مدر و لا وبر إلاّ أدخله كلمة الإسلام،إمّا بعزّ عزيز،و إمّا بذل ذليل.إمّا يعزّهم فيجعلهم اللّه من أهله فيعزّوا به،و إمّا يذلّهم فيدينون له» (4).

و من هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ الآية مبشّرة بظهور المهديّ في آخر الزمان،و أنّه-بتأييد من اللّه تعالي-سيظهر دين جدّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم علي سائر الأديان حتي لا يبقي علي وجه الأرض مشرك.و هو قول السدّي المفسّر (5).

قال القرطبي:«و قال السدّي:ذاك عند خروج المهدي،لا يبقي أحد إلاّ دخل في الإسلام» (6).

2-و منها:قوله تعالي: وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ5.

ص: 30


1- تفسير ابن جزي:252.
2- تفسير الطبري 14:16645/215،و التفسير الكبير 16:40،و تفسير القرطبي 8:121، و الدرّ المنثور 4:176.
3- الدّر المنثور 4:175.
4- مجمع البيان 5:35.
5- مجمع البيان 5:35.
6- تفسير القرطبي 8:121،و التفسير الكبير 16:40،و مجمع البيان 5:35.

قَرِيبٍ (1) .

فقد أخرج الطبري في تفسيره،عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يخسف به،و سيأتي ما يدلّ علي أنّ ذلك الخسف لم يحصل إلي الآن علي الرغم من روايته في كتب«الصحاح»و«المسانيد»المعتبرة، و أنّه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي عليه السّلام بلا خلاف (2).

و ما أخرجه الطبري،ذكره القرطبي في التذكرة مرسلا عن حذيفة بن اليمان،و به صرّح أبو حيّان في تفسيره،و المقدسي الشافعي في عقد الدّرر،و السيوطي في الحاوي للفتاوي،و أورده الزمخشري في كشّافه عن ابن عبّاس (3)،و قال الطبرسي في مجمع البيان:«و أورده الثعلبي في تفسيره،و روي أصحابنا في أحاديث المهدي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام مثله» (4).

3-و منها:قوله تعالي: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (5).

فقد صرّح البغوي في تفسيره،و كذلك الزمخشري،و الرازي، و القرطبي،و النسفي،و الخازن،و تاج الدين الحنفي،و أبو حيّان،و ابن كثير،و أبو السعود،و الهيثمي:إنّ الآية بخصوص نزول عيسي بن مريم عليه السّلام في آخر الزمان (6).8.

ص: 31


1- سورة سبأ:51/34.
2- أنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث ص:145.
3- تفسير الطبري 22:72،و عقد الدّرر:74 ب 4 من الفصل الثاني،و الحاوي للفتاوي 2:81، و الكشّاف 3:467-468.
4- مجمع البيان 4:398.
5- سورة الزخرف:61/43.
6- معالم التنزيل/البغوي 4:61/444،و الكشّاف 4:26،و التفسير الكبير 27:222، و تفسير القرطبي 16:105،و تفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن 4:108-109، و تفسير الخازن 4:109،و الدّر اللقيط 8:24،و البحر المحيط 8:25،و تفسير ابن كثير 4:142،و تفسير أبي السعود 8:52،و موارد الضمآن:ح 1758.

و قد أوّلها مجاهد في تفسيره،و هو من رؤوس التابعين و مشاهيرهم في التفسير،بنزول عيسي عليه السّلام أيضا (1).

و قد أشار السيوطي في الدرّ المنثور إلي ما أخرجه أحمد بن حنبل، و ابن أبي حاتم،و الطبراني،و ابن مردويه،و الفريابي،و سعيد بن منصور، و عبد بن حميد من طرق،عن ابن عبّاس:أنّها بخصوص ما ذكرناه (2).

و قال الكنجي الشافعي في كتابه البيان:«و قد قال مقاتل بن سليمان و من تابعه من المفسّرين في تفسير قوله عزّ و جلّ: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ هو المهدي عليه السّلام،يكون في آخر الزمان،و بعد خروجه يكون قيام الساعة و أمارتها» (3).

و مثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي،و الشبلنجي الشافعي ،و السفاريني الحنبلي،و القندوزي الحنفي،و الشيخ الصبّان (4).

و لا خلاف بين هؤلاء و أولئك لأنّ نزول عيسي سيكون مقارنا لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري و مسلم،و سائر كتب الحديث الاخري، كما سنبينه في الفصل الثالث من هذا البحث. و يؤيّده إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنّه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس،و أبي هريرة،و قتادة،و مالك بن دينار،و الضّحاك ما يدلّ علي أنّها في نزول عيسي بن مريم،مع التصريح بوجود الإمام9.

ص: 32


1- تفسير مجاهد 2:583.
2- الدّر المنثور 6:20.
3- البيان في أخبار صاحب الزمان:528.
4- الصواعق المحرقة:162،و نور الأبصار:186،و مشارق الأنوار-كما في الإمام المهدي عند أهل السنّة 2:58-و إسعاف الراغبين:153،و ينابيع المودة 2:126 باب 59.

المهدي وقت نزول عيسي بن مريم،و أنه يصلّي خلف المهدي عليهما السّلام.

4-و منها:قوله تعالي: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ (1)فقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:«إمام يخنس سنة ستين و مائتين،ثم يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء،فإن أدركت زمانه قرّت عينك» (2).

و لا يخفي أن هذا من الإخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم و الذي تلقّاه من الوحي عن اللّه جلّ شأنه.

و نكتفي بهذا القدر،علي أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسّرها أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بالإمام المهدي و ظهوره في آخر الزمان (3).

نظرة في أحاديث المهدي عليه السّلام

اشارة

إنّ نظرة واحدة في أحاديث المهدي الواردة في كتب المسلمين تكفي للجزم بتواترها عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم من دون أدني تردّد،و لمّا لم يكن بوسع البحث تسجيل كلّ ما ورد من أحاديث في المهدي بكتب المسلمين لكثرتها الهائلة؛لذا سنقتصر علي ذكر ما يدلّ علي قطعية صدورها عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و علي النحو الآتي:

أوّلا:من أخرج أحاديث المهدي عليه السّلام:

لا يبعد القول بأنّه ما من محدّث من محدّثي الإسلام إلاّ و قد أخرج

ص: 33


1- سورة التكوير 81:15-16.
2- أصول الكافي 1:22/341،و إكمال الدين 2:324 ب 32 ح 1،و كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي:101،و كتاب الغيبة/النعماني:149 ب 10 ح 1،و الهداية الكبري/الحضيني:88، و ينابيع المودة 3:85 باب71/.
3- ينابيع المودة 3:76-85 باب71/.

بعض الأحاديث المبشّرة بظهور الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان،و قد أفردوا كتبا كثيرة في الإمام المهدي عليه السّلام خاصة (1).

و أمّا عن العلماء و المحدّثين الذين أخرجوا أحاديث المهدي أو أوردوها عمّن تقدّم عليهم علي سبيل الإحتجاج بها-حسبما وقفنا عليه في كتبهم-فهم:

ابن سعد صاحب الطبقات الكبري(ت230/ ه)،و ابن أبي شيبة (ت235/ ه)،و أحمد بن حنبل(ت241/ ه)،و البخاري(ت256/ ه)ذكر المهدي بالوصف دون الاسم،و مثله فعل مسلم(ت261/ ه)في صحيحه كما سنبيّنه في الفصل الثالث من هذا البحث،و أبو بكر الأسكافي (ت260/ ه)،و ابن ماجة(ت273/ ه)،و أبو داود(ت275/ ه)،و ابن قتيبة الدّينوري(ت276/ ه)،و الترمذي(ت279/ ه)،و البزار(ت292/ ه)،و أبو يعلي الموصلي(ت307/ ه)،و الطبري(ت310/ ه)،و العقيلي (ت322/ ه)،و نعيم بن حمّاد(ت328/ ه)،و شيخ الحنابلة في وقته البربهاري(ت329/ ه)في كتابه(شرح السنّة)،و ابن حبّان البستي (ت354/ ه)،و المقدسي(ت355/ ه)،و الطبراني(ت360/ ه)،و أبو الحسن الآبري(ت363/ ه)،و الدارقطني(ت385/ ه)،و الخطابي (ت388/ ه)،و الحاكم النيسابوري(ت405/ ه)،و أبو نعيم الأصبهاني (ت430/ ه)،و أبو عمرو الداني(ت444/ ه)،و البيهقي(ت458/ ه)،ن.

ص: 34


1- أوصلها الاستاذ علي محمد علي دخيل في كتابه:الإمام المهدي عليه السّلام:259-265 إلي ثلاثين كتابا من كتب أهل السنّة في الإمام المهدي خاصة،بينما أوصلها العلاّمة ذبيح اللّه المحلاتي إلي أربعين كتابا و قد أدرجها بأسمائها و أسماء مؤلّفيها في كتاب:مهدي أهل البيت ص 18-21، و في الكتاب المذكور نفسه ذكر قائمة أخري للكتب المؤلّفة من قبل الشيعة في الإمام المهدي عليه السّلام فأوصلها إلي مائة و عشرة كتب،و هناك كتب كثيرة في المهدي لم تدرج في هذين الكتابين.

و الخطيب البغدادي(ت463/ ه)،و ابن عبد البر المالكي(ت463/ ه)، و الديلمي(ت509/ ه)،و البغوي(ت510/ أو 516 ه)،و القاضي عياض(ت544/ ه)،و الخوارزمي الحنفي(ت568/ ه)،و ابن عساكر (ت571/ ه)،و ابن الجوزي(ت597/ ه)،و ابن الأثير الجزري(ت606/ ه)،و ابن العربي(ت638/ ه)،و محمد بن طلحة الشافعي(ت652/ ه)، و العلاّمة سبط ابن الجوزي(ت654/ ه)،و ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي(ت655/ ه)،و المنذري(ت656/ ه)،و الكنجي الشافعي (ت658/ ه)،و القرطبي المالكي(ت671/ ه)،و ابن خلّكان (ت681/ ه)،و محبّ الدين الطبري(ت694/ ه)،و العلاّمة ابن منظور (ت711/ ه)(في مادة هدي من لسان العرب)،و ابن تيمية(ت728/ ه)، و الجويني الشافعي(ت730/ ه)،و علاء الدين بن بلبان(ت739/ ه)، و ولي الدين التبريزي(ت/بعد سنة 741 ه)،و المزي(ت739/ ه)، و الذهبي(ت748/ ه)،و ابن الوردي(ت749/ ه)،و الزرندي الحنفي (ت750/ ه)،و ابن قيم الجوزية(ت751/ ه)،و ابن كثير(ت774/ ه)، و سعد الدين التفتازاني(ت793/ ه)،و نور الدين الهيثمي(ت807/ ه)، و ابن خلدون المغربي(ت808/ ه)الذي صحّح أربعة أحاديث من أحاديث المهدي عليه السّلام علي الرغم من موقفه المعروف و الذي سيأتيك بيانه في الفصل الثالث،و الشيخ محمد الجزري الدمشقي الشافعي(ت833/ ه)،و أبو بكر البوصيري(ت840/ ه)،و ابن حجر العسقلاني(ت852/ ه)،و السّخاوي(ت902/ ه)،و السيوطي(ت911/ ه)،و الشعراني (ت973/ ه)،و ابن حجر الهيتمي(ت974/ ه)،و المتّقي الهندي (ت975/ ه)إلي غير ذلك من المتأخّرين:كالشيخ مرعي الحنبلي(ت1033/ ه)،و محمد رسول البرزنجي(ت1103/ ه)،

ص: 35

و الزرقاني(ت1122/ ه)،و محمد بن قاسم الفقيه المالكي (ت1182/ ه)،و أبي العلاء العراقي المغربي(ت1183/ ه)،و السفاريني الحنبلي(ت1188/ ه)،و الزبيدي الحنفي(ت1205/ ه)في كتاب(تاج العروس)مادة:هدي،و الشيخ الصبّان(ت1206/ ه)،و محمد أمين السويدي(ت1246/ ه)،و الشوكاني(ت1250/ ه)،و مؤمن الشبلنجي(ت1291/ ه)،و أحمد زيني دحلان الفقيه و المحدث الشافعي(ت1304/ ه)،و السيّد محمد صدّيق القنوجي البخاري(ت1307/ ه)،و شهاب الدين الحلواني الشافعي (ت1308/ ه)،و أبي البركات الآلوسي الحنفي(ت1317/ ه)،و أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي(ت1329/ ه)،و الكتاني المالكي(ت1345/ ه)،و المباركفوري(ت1353/ ه)،و الشيخ منصور علي ناصف(ت/بعد سنة 1371 ه)،و الشيخ محمد الخضر حسين المصري(ت1377/ ه)،و أبي الفيض الغماري الشافعي(ت1380/ ه)، و فقيه القصيم بنجد الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع(ت1385/ ه)، و الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي(ت1388/ ه)،و أبي الأعلي المودودي، و ناصر الدين الألباني إلي ما شاء اللّه من المعاصرين،و إذا ما أضفنا إليهم أعلام المفسّرين من أهل السنّة أيضا كما تقدّمت الإشارة إلي بعضهم فلك أن تقدّر حجم الإتّفاق علي رواية أحاديث المهدي عليه السّلام،و الإحتجاج بها.

و أمّا عن أعلام الشيعة و محدّثيهم و مفسّريهم الذين أوردوا أحاديث المهدي عليه السّلام فقد يسمج التعرض لبيان أسمائهم؛لكون الإيمان المطلق بظهور المهدي عليه السّلام عندهم من اصول عقائدهم.

ثانيا:من روي أحاديث المهدي عليه السّلام من الصحابة:

إنّ الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم أو الذين

ص: 36

كانت أحاديثهم موقوفة عليهم و لها حكم الرفع إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم-إذ لا يعقل اجتهادهم في مثل هذا-كثيرون جدّا،و لو ثبت النقل عن عشرهم لثبت التواتر بلا شك و لا شبهة،-كما في مصادر أهل السنّة وحدهم-و هم:

فاطمة الزهراء عليها السّلام(ت11/ ه)،و معاذ بن جبل(ت18/ ه)،و قتادة بن النعمان(ت23/ ه)،و عمر بن الخطاب(ت23/ ه)،و أبو ذرّ الغفاري(ت32/ ه)،و عبد الرحمن بن عوف(ت32/ ه)،و عبد اللّه بن مسعود(ت32/ ه)،و العبّاس بن عبد المطلّب(ت32/ ه)،و عثمان بن عفّان(ت35/ ه)،و حذيفة بن اليمان(ت36/ ه)،و سلمان الفارسي (ت35/ أو 36 ه)،و طلحة بن عبد اللّه(ت36/ ه)،و عمّار بن ياسر (ت37/ ه)،و الإمام علي عليه السّلام(ت40/ ه)،و الإمام الحسن السبط عليه السّلام (ت50/ ه)،و تميم الداري(ت50/ ه)،و عبد الرحمن بن سمرة (ت50/ ه)،و مجمع بن جارية(ت50/ ه)،و عمران بن حصين (ت52/ ه)،و أبو أيّوب الأنصاري(ت52/ ه)،و ثوبان مولي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم (ت54/ ه)،و عائشة(ت58/ ه)،و أبو هريرة(ت59/ ه)،و الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السّلام(استشهد سنة 61 ه)،و أمّ سلمة(ت62/ ه)،و علقمة ابن قيس بن عبد اللّه(ت62/ ه)،و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب(ت65/ ه)،و عبد اللّه بن عمرو بن العاص(ت65/ ه)،و عبد اللّه بن عبّاس (ت68/ ه)،و زيد بن أرقم(ت68/ ه)،و عوف بن مالك(ت73/ ه)،و أبو سعيد الخدري(ت74/ ه)،و جابر بن سمرة(ت74/ ه)،و جابر بن عبد اللّه الانصاري(ت78/ ه)،و عبد اللّه بن جعفر الطيار(ت80/ ه)،و أبو أمامة الباهلي(ت81/ ه)،و بشر بن المنذر بن الجارود(ت83/ ه)و قد اختلفوا فيه،فقيل:الراوي هو جدّه الجارود بن عمرو(ت20/ ه)، و عبد اللّه بن الحارث ابن جزء الزبيدي(ت86/ ه)،و سهل بن سعد

ص: 37

الساعدي(ت91/ ه)،و أنس بن مالك(ت93/ ه)،و أبو الطفيل (ت100/ ه أو 102 ه،أو 107 ه،أو 110 ه،أو 120 ه).و غيرهم ممّن لم اقف علي تاريخ وفياتهم:كأم حبيبة،و أبي الجحّاف،و أبي سلمي-راعي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم-،و أبي ليلي،و أبي وائل،و حذيفة بن اسيد،و الحرث بن الربيع و أبي قتادة الأنصاري،و زر بن عبد اللّه،و زرارة بن عبد اللّه،و عبد اللّه بن أبي أوفي،و العلاء بن بشير المزني،و علي الهلالي،و قرّة بن أياس.

ثالثا:طرق أحاديث المهدي عليه السّلام في كتب السنة إجمالا:

اشارة

لقد أجاد و أفاد الاستاذ الأزهري السيّد أحمد بن محمد بن الصدّيق، أبو الفيض الغماري الحسني الشافعي المغربي(ت1380/ ه)في كتابه الرائع:(إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)حيث أثبت فيه تواتر أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام بما لم يسبقه أحد إليه من قبل،و ذلك تفنيدا لتضعيفات ابن خلدون التي تذرّع بها بعض معاصريه:كأحمد أمين المصري،و محمد فريد وجدي،و غيرهما.و لا بأس هنا بإطلالة قصيرة علي ما ذكره من طرق أحاديث المهدي في كتب أهل السنّة التي فصّلت في هذا الكتاب تفصيلا يعبّر عن مقدرة فائقة في تتبّع طرق و أسانيد أحاديث الإمام المهدي في كتب أهل السنّة،إبتداء من طبقة الصحابة ثمّ التابعين ثمّ تابعي التابعين،وصولا إلي من أخرج هذه الأحاديث من المحدّثين.

قال أبو الفيض:«و لا يخفي أنّ العادة قاضية باستحالة تواطيء جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفسا فأزيد في جميع الطبقات،و ذلك فيما بلغنا و أمكننا الوقوف عليه في الحال،فقد وجدنا خبر المهدي واردا من حديث أبي سعيد الخدري،و عبد اللّه بن مسعود،و عليّ بن أبي طالب، و أم سلمة،و ثوبان،و عبد اللّه بن الحارث بن جزء الزبيدي،و أبي هريرة،

ص: 38

و أنس بن مالك،و جابر بن عبد اللّه الأنصاري،و قرّة بن أياس المزني،و ابن عبّاس،و أم حبيبة،و أبي امامة،و عبد اللّه بن عمرو بن العاص،و عمّار بن ياسر،و العبّاس بن عبد المطلّب،و الحسين بن عليّ،و تميم الداري، و عبد الرحمن بن عوف،و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب،و طلحة،و علي الهلالي،و عمران بن حصين،و عمرو بن مرّة الجهني و معاذ بن جبل، و من مرسل شهر بن حوشب،و هذا في المرفوعات دون الموقوفات و المقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع.

و لو تتبعنا ذلك لذكرنا منه عددا وافرا،و لكن في المرفوع منه الكفاية» (1).

أقول:إنّما ذكرت هذا لكي يعلم بأنّ مافات السيّد أبا الفيض الغماري من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام هو أكثر مما ذكره،فقد ذكر ستّة و عشرين صحابيّا مع شهر بن حوشب،و لم يذكر واحدا و ثلاثين صحابيّا و هم:

أبو أيّوب الأنصاري،و أبو الجحّاف،و أبو ذرّ الغفاري،و أبو سلمي راعي رسول اللّه(صلّي اللّه عليه و آله و سلم)و أبو الطفيل،و أبو ليلي،و أبو وائل،و جابر بن سمرة،و الجارود بن المنذر العبدي،و حذيفة بن اسيد، و حذيفة بن اليمان،و الحرث بن الربيع،و الإمام السبط الحسن عليه السّلام،و زرّ بن عبد اللّه،و زارة بن عبد اللّه،و زيد بن أرقم،و زيد بن ثابت،و سلمان الفارسي،و سهل بن سعد الساعدي،و عائشة،و عبد الرحمن بن سمرة،ب.

ص: 39


1- إبراز الوهم المكنون:437. هذا،و لأبي الفيض أخ يعدّ من فضلاء علماء المغرب يكني بأبي الفضل الغماري و هو صاحب كتاب(الإمام المهدي)و قد زاد فيه ما ذكره أخوه في إبراز الوهم ثلاثة من أسماء الصحابة،و خمسة من التابعين الذين رووا أحاديث المهدي،ثمّ أثبت ألفاظ روايات من ذكرهم واحدا بعد آخر حتي شغل بذلك ما يزيد علي نصف صفحات الكتاب.

و عبد اللّه ابن أبي أوفي،و عبد اللّه بن جعفر الطيّار،و عثمان بن عفّان، و العلاء بن بشير المزني،و علقمة بن قيس بن عبد اللّه،و عمر بن الخطّاب، و عوف بن مالك،و فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السّلام،و قتادة بن النعمان،و مجمع بن جارية.

و علي أية حال،فقد تتبّع أبو الفيض الغماري الشافعي أحاديث المهدي المروية عن أكثر من ثلاثين صحابيّا،مبيّنا من رواها عنهم و من أخرجها من المحدّثين بكلّ دقة و تفصيل.

و سوف نقتصر علي ما قاله عن حديث أبي سعيد الخدري وحده،و هو أوّل صحابي ذكره أبو الفيض،و قس عليه أحاديث الصحابة الآخرين.

قال:

(أمّا حديث أبي سعيد الخدري:فورد عنه من طريق:

أبي نظرة.

و أبي الصدّيق الناجي.

و الحسن بن يزيد السعدي.

أما طريق أبي نظرة:

فأخرجه أبو داود و الحاكم كلاهما من رواية عمران القطان،عنه.

و أخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد،و من رواية داود بن أبي هند كلاهما،عنه.لكن وقع في صحيح مسلم ذكره بالوصف لا بالإسم كما سيأتي.

و أمّا طريق أبي الصدّيق الناجي،عن أبي سعيد:

فأخرجه عبد الرزاق و الحاكم من رواية معاوية بن قرّة،عنه.و أخرجه أحمد و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم من رواية زيد العمي،عنه.و أخرجه أحمد و الحاكم من رواية عوف بن أبي جميلة الأعرابي،عنه.و أخرجه

ص: 40

الحاكم من رواية سليمان بن عبيد،عنه.و أخرجه أحمد و الحاكم من رواية مطر بن طهمان،و أبي هارون العبدي،كلاهما،عنه.و أخرجه أحمد أيضا من رواية مطر بن طهمان،وحده،عنه.و أخرجه أيضا من رواية العلاء بن بشير المزني،عنه،و أخرجه أيضا من رواية مطرف،عنه.

و أمّا طريق الحسن بن يزيد:

فأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية أبي واصل عبد بن حميد،عن أبي الصدّيق الناجي،عنه» (1).

أقول:لو رجعت إلي تاريخ ابن خلدون لوجدته لم يعرف أغلب هذه الطرق،إذ لم يذكر من طرق حديث أبي سعيد إلاّ القليل،فضلا عمّا تركه من أحاديث الصحابة الآخرين.

و لا يخفي أنّ القدر المشترك في جميع هذه الطرق إلي حديث أبي سعيد الخدري فقط دون سواه هو ظهور الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان،و لا شكّ أنّ النظر إلي جميع الطرق التي وردت بها أحاديث المهدي،عن جميع الصحابة،يقطع بتواتر ما بشّر به النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،بل حتي لو افترضنا وجود طريق واحد فقط لكلّ صحابي ذكر،فهو يكفي للإذعان بالتواتر،و قد مرّ أنّ عددهم يزيد علي الخمسين صحابيّا.

رابعا:صحّة أحاديث المهدي عليه السّلام:

سنذكر في هذه الفقرة بعض من صرّح بصحّة أحاديث المهدي عليه السّلام من أعلام أهل السنّة حسبما وقفنا عليه في مؤلّفاتهم،علي أنّه ليس هدفنا الإستقصاء،بل إعطاء النموذج المقتدي،و كما يلي:

1-الترمذي(ت279/ ه)،قال عن ثلاثة أحاديث في الإمام

ص: 41


1- إبراز الوهم المكنون:438.

المهدي عليه السّلام:«هذا حديث حسن صحيح» (1).

و قال عن حديث رابع:«هذا حديث حسن» (2).

2-الحافظ أبو جعفر العقيلي(ت322/ ه)،أورد حديثا ضعيفا في الإمام المهدي عليه السّلام ثم قال:«و في المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ» (3).

3-الحاكم النيسابوري(ت405/ ه)،قال عن أربعة أحاديث:«هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه» (4).

و عن ثلاثة أحاديث:«هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط مسلم و لم يخرجاه» (5).

و عن ثمانية أحاديث:«هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه» (6).

4-البيهقي(ت458/ ه)،قال:«و الأحاديث علي خروج المهدي أصحّ إسنادا» (7).

5-البغوي(ت510/ ه أو 516 ه)،أخرج حديثا في الإمام المهدي عليه السّلام في فصل الصحاح (8)و خمسة أحاديث فيه أيضا في فصل الحسان من كتابه مصابيح السنّة (9).5.

ص: 42


1- سنن الترمذي 4:2230/505 و 2231،4:2233/506.
2- سنن الترمذي 4:2232/506.
3- الضعفاء الكبير/العقيلي 3:1257/253 في ترجمة عليّ بن نفيل الحراني.
4- مستدرك الحاكم 4:429 و 465 و 553 و 558.
5- مستدرك الحاكم 4:450 و 557 و 558.
6- مستدرك الحاكم 4:429 و 442 و 457 و 464 و 502 و 520 و 554 و 557.
7- الاعتقاد و الهداية إلي سبيل الرشاد/البيهقي:127.
8- مصابيح السنّة/البغوي:4199/488.
9- مصابيح السنّة:492-4210/493-4213 و 4215.

6-ابن الأثير(ت606/ ه)،قال في النهاية في مادة(هدا):«و منه الحديث:سنّة الخلفاء الراشدين المهديين،المهدي:الذي هداه اللّه إلي الحقّ و قد استعمل في الأسماء حتي صار كالأسماء الغالبة،و به سمّي المهدي الذي بشّر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم،إنّه يجيء في آخر الزمان» (1)،و هذا القول لا يصدر إلاّ عمّن يري صحّة أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام،بل تواترها علي الأصح.

7-القرطبي المالكي(ت671/ ه)،و هو من القائلين بالتواتر.

و ما يهمنا هنا أنّه قال عن-حديث ابن ماجة-في المهدي:«إسناده صحيح» (2)مصرّحا بأنّ حديث:«المهدي من عترتي من ولد فاطمة»هو أصحّ من حديث محمد بن خالد الجندي (3)الذي سنناقشه فيما بعد.

8-ابن تيمية(ت728/ ه)،قال في منهاج السنّة:«إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها-يعني:العلاّمة الحلّي-علي خروج المهدي،أحاديث صحيحة» (4).

9-الحافظ الذهبي(ت748/ ه)،سكت عن جميع ما صحّحه الحاكم في مستدركه من أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام مصرّحا بصحّة حديثين (5)، و ردّه علي بعض ما صحّحه الحاكم من أحاديث في الفضائل و نحوها دليل علي أنّ سكوته إزاء ما صحّحه الحاكم معبّر عن موافقته علي ذلك التصحيح.

10-الكنجي الشافعي(ت658/ ه)،قال عن حديث أخرجه الترمذيم.

ص: 43


1- النهاية في غريب الحديث و الاثر/ابن الاثير 5:254.
2- التذكرة/القرطبي:704 باب ما جاء في المهدي.
3- التذكرة:701.
4- منهاج السنّة/ابن تيميّة 4:211.
5- تلخيص المستدرك/الذهبي 4:553 و 558،مطبوع بهامش مستدرك الحاكم.

و صحّحه في المهدي:«هذا حديث صحيح»،و عن آخر مثله (1).

و قال عن حديث:المهدي منّي أجلي الجبهة:«هذا الحديث ثابت حسن صحيح» (2).

و قال عن حديث:المهدي حق و هو من ولد فاطمة:«هذا حديث حسن صحيح» (3).

11-الحافظ ابن القيّم(ت751/ ه)،اعترف بحسن بعض أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام و صحّة بعضها الآخر،بعد أن أورد جملة منها (4)،و ابن القيّم من القائلين بالتواتر كما سيأتي.

12-ابن كثير(ت774/ ه)،قال عن سند حديث في الإمام المهدي عليه السّلام:«و هذا اسناد قوي صحيح» (5)،ثم نقل حديثا عن ابن ماجة و قال:«و هذا حديث حسن،و قد روي من غير وجه عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم» (6).

13-التفتازاني(ت793/ ه)،قال عن خروج المهدي في آخر الزمان:

«و قد ورد في هذا الباب أخبار صحاح» (7).

14-نور الدين الهيثمي(ت807/ ه)،أورد جملة من الأحاديث في الإمام المهدي عليه السّلام و اعترف بصحّتها و وثاقة رواتها.2.

ص: 44


1- البيان في أخبار صاحب الزمان/الكنجي الشافعي:481،و انظر:حديثي الترمذي في سننه 4:3230/505 و 3231.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان:500.
3- البيان في أخبار صاحب الزمان:486.
4- المنار المنيف/ابن القيّم:130-326/135 و 327 و 329 و 331.
5- النهاية في الفتن و الملاحم/ابن كثير 1:55.
6- المصدر السابق 1:56.
7- شرح المقاصد/التفتازاني 5:312.

فقال عن أحدهما:«قلت:رواه الترمذي و غيره باختصار كثير،و رواه أحمد بأسانيد،و أبو يعلي باختصار كثير.و رجالهما ثقات» (1).

و قال عن آخر:«رواه الطبراني في الأوسط،و رجاله رجال الصحيح» (2).

و قال عن ثالث:«و رجاله ثقات» (3).

و قال عن رابع:«رواه البزار و رجاله رجال الصحيح» (4).

و قال عن خامس:«رواه الطبراني في«الأوسط»،و رجاله ثقات» (5).

15-السيوطي(ت911/ ه)،رمز لبعض الأحاديث الواردة في المهدي بعلامة(صح) (6)أي:صحيح،و لبعضها الآخر بعلامة(ح) (7)أي:

حسن.

16-الشوكاني(ت1250/ ه)،نقل عنه القنوجي في الإذاعة قوله بصحّة أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام،بل و تواترها أيضا،و قد مرّ أنّه ألّف رسالة في تواتر أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام.

17-ناصر الدين الألباني:قال في مقال له بعنوان حول المهدي ما نصّه:«أما مسألة المهدي فليعلم أنّ في خروجه أحاديث صحيحة،قسم كبير منها له أسانيد صحيحة»،علي أنّ الألباني من المصرّحين بالتواتر أيضا (8)

ص: 45


1- مجمع الزوائد/الهيثمي 7:313-314.
2- مجمع الزوائد 7:115.
3- مجمع الزوائد 7:116.
4- مجمع الزوائد 7:117.
5- مجمع الزوائد 7:117.
6- الجامع الصغير/السيوطي 2:9241/672 و 9244 و 9245.
7- الجامع الصغير 2:9243/672 و 2:7489/438.
8- حول المهدي/الألباني:644-مقال نشر في مجلة التمدن الإسلامي-دمشق،السنة22/ ذي القعدة 1371 ه

و نكتفي بهذا القدر روما للإختصار،و من شاء المزيد فليراجع اعترافات العلماء و المحقّقين من أهل السنّة بصحّة أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام في كتابنا:دفاع عن الكافي،فسيجد هناك أكثر من ستّين إعترافا (1).

خامسا:تصريح العلماء بتواتر أحاديث المهدي عليه السّلام:

صرّح علماء الدراية و جملة من ذوي الإختصاص بعلوم الحديث -دراسة و تدريسا-بتواتر أحاديث المهدي الواردة في كتب أهل السنّة من الصحاح و المسانيد و غيرها،و بالنظر لكثرتهم سوف نقتصر علي ذكر بعضهم،و هم:

1-البربهاري شيخ الحنابلة و كبيرهم في عصره(ت329/ ه):نقل عنه الشيخ حمود التويجري في كتابه الإحتجاج بالأثر علي من أنكر المهدي المنتظر:28،أنّه قال في كتابه شرح السنة:«الإيمان بنزول عيسي بن مريم عليه السّلام:ينزل..و يصلّي خلف القائم من آل محمّد صلّي اللّه عليه[و آله] و سلّم»و لا يخفي أنّ(الإيمان)يعني:الإعتقاد،و الإعتقاد لا يبني علي خبر الآحاد.

2-محمد بن الحسين الآبري الشافعي(ت363/ ه).قال في كتابه مناقب الشافعي:«قد تواترت الأخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفي صلي اللّه عليه[و آله]و سلّم بمجيء المهدي،و أنه من أهل بيته صلّي اللّه عليه[و آله]و سلّم،و أنّه يملك سبع سنين،و أنّه يملأ الأرض عدلا،و أنّه يخرج مع عيسي فيساعده علي قتل الدجّال».

و قد نقل هذا عنه القرطبي المالكي في التذكرة:1:701،و المزي في تهذيب الكمال 25:5181/146-في ترجمة محمّد بن خالد الجندي،

ص: 46


1- دفاع عن الكافي/المؤلّف 1:343-405.

و ابن القيّم في المنار المنيف:327/142 و غيرهم.

3-القرطبي المالكي(ت671/ ه)،نقل قول الآبري المتقدّم،و أيّده بتصحيح ما أورده من أحاديث المهدي،و احتجّ بقول الإمام الحافظ الحاكم النيسابوري:«و الأحاديث عن النبيّ صلّي اللّه عليه[و آله]سلّم في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة،ثابتة» (1).

و قال في تفسيره الجامع لأحكام القرآن في تفسير الآية(33)من سورة التوبة:«الأخبار الصحاح قد تواترت علي أنّ المهدي من عترة الرسول صلّي اللّه عليه[و آله]سلّم» (2).

4-الحافظ المتقن جمال الدين المزي(ت742/ ه)،احتجّ بقول الآبري المتقدّم في تواتر أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام،و لم يتعرّض له بشيء،بل أطلقه إطلاق المسلّمات (3).

5-ابن القيّم(ت751/ ه)،أيّد قول الآبري أيضا و ذلك بتقسيم أحاديث الإمام المهدي إلي أربعة أقسام:الصحاح،و الحسان،و الغرائب، و الموضوعة (4)،و لا يخفي بأن مجموع الصحاح و الحسان ممّا يبلغ التواتر لكثرته و استفاضته.

6-ابن حجر العسقلاني(ت852/ ه)،نقل القول بالتواتر عن غيره (5)، و أيّده بقوله:«و في صلاة عيسي عليه السّلام خلف رجل من هذه الأمّة-مع كونه في آخر الزمان و قرب قيام الساعة-دلالة للصحيح من الأقوال:إنّ الأرض5.

ص: 47


1- التذكرة:701.
2- تفسير القرطبي 8:121-122.
3- تهذيب الكمال 25:5181/146.
4- المنار المنيف:135.
5- تهذيب التهذيب 9:201/125.

لا تخلو من قائم للّه بحجّة» (1).

7-شمس الدين السّخاوي(ت902/ ه)،صرّح غير واحد من العلماء بأنّ السخاوي من المصرّحين بتواتر أحاديث المهدي،منهم:العلاّمة الشيخ محمد العربي الفاسي في كتابه المقاصد،و المحقّق أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في مبهج القاصد،علي ما نقله عنهما أبو الفيض الغماري (2).

و منهم أبو عبد اللّه محمد بن جعفر الكتاني(ت1345/ ه)في نظم المتناثر من الحديث المتواتر:289/226.

8-السيوطي(ت911/ ه)،صرّح بتواتر أحاديث المهدي في الفوائد المتكاثرة في الاحاديث المتواترة،و في أختصاره المسمي بالأزهار المتناثرة،و غيرها من كتبه علي حدّ تعبير السيّد الغماري الشافعي (3).

9-ابن حجر الهيتمي(ت974/ ه)،دافع عن عقيدة المسلمين بظهور الإمام المهدي عليه السّلام كثيرا مصرّحا بتواترها (4).

10-المتّقي الهندي(ت975/ ه)،مؤلّف كنز العمّال،دافع المتّقي الهندي عن عقيدة الإمام المهدي عليه السّلام دفاعا مدعوما بالحجّة و البرهان و ذلك في كتابه البرهان في علامات مهدي آخر الزمان.

و لعلّ أهم ما في هذا الكتاب هو الفتاوي الأربع المذكورة فيه بخصوص من أنكر ظهور المهدي و هي:فتوي ابن حجر الهيتمي الشافعي،و فتوي الشيخ أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي،و فتوي الشيخ محمد بن محمد الخطابي المالكي،و فتوي الشيخ يحيي بن محمد/.

ص: 48


1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6:385.
2- المهدي المنتظر/أبي الفيض:9.
3- إبراز الوهم المكنون/أبي الفيض:436.
4- الصواعق المحرقة:162-167 الفصل1/ باب11/.

الحنبلي.

و قد نصّ المتقي علي أنّ هؤلاء هم علماء أهل مكة و فقهاء المسلمين علي المذاهب الأربعة،و من راجع فتاواهم علم علم اليقين أنّهم متّفقون علي تواتر أحاديث المهدي،و أنّ منكرها يجب أن ينال جزاءه،و صرّحوا:

بوجوب ضربه و تأديبه و إهانته حتي يرجع إلي الحقّ علي رغم أنفه-علي حدّ تعبيرهم-و إلاّ فيهدر دمه (1).

11-محمد رسول البرزنجي(ت1103/ ه)،صرّح بتواتر أحاديث المهدي فقال:«أحاديث وجود المهدي،و خروجه آخر الزمان،و أنّه من عترة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و من ولد فاطمة رضي اللّه عنها.

بلغت حد التواتر المعنوي،فلا معني لإنكارها» (2).

12-الشيخ محمد بن قاسم بن محمد جسوس(ت1182/ ه)،نقل الكتاني في نظم المتناثر تصريحه بالتواتر (3).

13-أبو العلاء العراقي الفاسي(ت1183/ ه)،له تأليف في الإمام المهدي،و قد نقل في نظم المتناثر تصريحه بالتواتر (4).

14-الشيخ السفاريني الحنبلي(ت1188/ ه)،نقل القنوجي عنه أنّه من القائلين بتواتر أحاديث المهدي في كتابه اللوائح (5).

15-الشيخ محمد بن عليّ الصبّان(ت1206/ ه)،نقل القول بالتواتر عن ابن حجر في الصواعق و غيره.و احتجّ به و لم يتعقّبه بشيء فدلّ علي6.

ص: 49


1- البرهان علي علامات مهدي آخر الزمان:178-183.
2- الإشاعة لأشراط الساعة/البرزنجي:87.
3- نظم المتناثر من الحديث المتواتر:289/226.
4- المصدر السابق:289/226.
5- الإذاعة/القنوجي:146.

أنّه قوله أيضا (1).

16-الشوكاني(ت1250/ ه)،و يكفي لإثبات قوله بتواتر أحاديث المهدي كتابه الشهير التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر و الدجّال و المسيح.

17-مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي(ت1291/ ه)،صرّح بتواتر أخبار المهدي مؤكدا علي أنّه من أهل البيت عليهم السّلام (2).

18-أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية(ت1304/ ه)،وصف أحاديث المهدي بالكثرة و قال:(و كثرة مخرجيها يقوّي بعضها بعضا حتي صارت تفيد القطع»و لا يخفي أنّ درجة القطع في الأخبار تحصل بالتواتر (3).

19-السيّد محمد صدّيق حسن القنوجي البخاري(ت1307/ ه)، قال عن أحاديث المهدي عليه السّلام:«و الأحاديث الواردة فيه علي إختلاف رواياتها كثيرة جدّا تبلغ حدّ التواتر» (4).

20-أبو عبد اللّه محمد بن جعفر الكتاني المالكي(ت1345/ ه)،نقل القول:بالتواتر عن جملة ممّن ذكرناهم،إلي أن قال:«و الحاصل:إنّ الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة» (5).

إلي غير هؤلاء ممّا لا يتّسع هذا البحث المختصر لإيراد أقوالهم كلّهم و قد تتبّعهم بعض الباحثين ابتداء من القرن الثالث الهجري و إلي الوقت8.

ص: 50


1- إسعاف الراغبين:145 و 147 و 152.
2- نور الأبصار/الشبلنجي:187 و 189.
3- الفتوحات الإسلامية 2:211.
4- الإذاعة:112.
5- نظم المتناثر من الحديث المتواتر:225-289/228.

الحاضر (1).

و هنا لا بدّ من تسجيل كلمة مهمّة للاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي -و هو من أفاضل علماء أهل السنّة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري- قال:«ليس في الدنيا قاطبة عصبة متساندة نبيلة شريفة ترقي إلي شرف آل البيت و منزلتهم،و ليس فيها قبيلة متوافقة ترقي إلي إتّفاق قبيلة آل البيت، و ليس فيها مجتمع أو جماعة منوّرة أنور من مجتمع آل البيت و جماعتهم.

نعم.إنّ آل البيت الذين غذّوا بروح الحقيقة القرآنية،و ارتضعوا من منبعها،و تنوّروا بنور الإيمان و شرف الإسلام،فعرجوا إلي الكمالات، و أنجبوا مئات الأبطال الأفذاذ،و قدّموا الوف القوّاد المعنويين لقيادة الأمّة؛لا بدّ أنّهم يظهرون للدنيا العدالة التامة لقائدهم الأعظم المهدي الأكبر،و حقانيته بإحياء الشريعة المحمّدية،و الحقيقة الفرقانيّة،و السنّة الأحمديّة،و تطبيقها،و إجراءآتها.

و هذا الأمر في غاية المعقولية فضلا عن أنّه في غاية اللزوم و الضرورة، بل هو مقتضي دساتير الحياة الاجتماعية» (2).8.

ص: 51


1- دفاع عن الكافي/المؤلف 1:343-405.
2- أشراط الساعة(من كليات رسائل النور-الشعاع الخامس)/بديع الزمان سعيد النورسي ترجمة احسان قاسم الصالحي ط 1 مطبعة الحوادث-بغداد 1412 ه ص:37-38.

ص: 52

الفصل الثاني: من هو الإمام المهدي؟

اشارة

ص: 53

ص: 54

اتّضح من خلال ما تقدّم إتّفاق المسلمين علي الإيمان بظهور الإمام المهدي عليه السّلام المبشّر به في الأخبار المتواترة عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم،و هنا لا بدّ للمسلم أن يسأل نفسه و يقول:

إذا كانت أخبار المهدي المبشّر بظهوره في آخر الزمان بهذه الدرجة و الوضوح عند علماء الإسلام حتي قطعوا بصحّتها،و صرّحوا بتواترها، فلماذا اختلفت بعض الروايات الواردة في نسب المهدي،و ربّما وصل بعضها إلي درجة التناقض و التضاد؟و من ثم،فمن هو الإمام المهدي؟ و هل يمكننا-في خضم هذه الإختلافات-تشخيصه،بحيث لا تكون هناك أدني شبهة في صرف لقب(المهدي)عن مسمّاه في الواقع؟

و للإجابة عن ذلك لا بدّ من بيان نوعية المعوقات التي تعترض البعض في تشخيص نسب الإمام المهدي عليه السّلام علي الرغم من إعتقاده بظهوره في آخر الزمان،و لكن يجب التأكيد-قبل بيان تلك المعوقات-علي أنّ من يعتقد بظهور الإمام المهدي بنحو قاطع،و لم يتعيّن له من هو المهدي علي طبق الواقع،فمثله كمثل من يعلم يقينا بوجوب الصلاة و لكنّه يجهل أركانها،و من كان كذلك فهو لا يسمّي مصلّيا،فكذلك الحال في من ينتظر مهديّا لا يعرفه،كما سنبرهن عليه.

و علي أية حال فإنّ علاج أية مسألة تعترض تشخيص نسب الإمام المهدي عليه السّلام قد تكفّل بها هذا الفصل،و اذا ما واصل القاريء العزيز الشوط معنا إلي آخره،سيدرك قسطا وافرا من الإجابة علي سؤال:من هو

ص: 55

المهدي الموعود المنتظر؟و نعاهده بأنّنا سنتجرّد عن قناعاتنا السابقة حتي لا تكون حاكمة علي الدليل ما دام الهدف هو الوصول إلي الحقّ سواء كان الحقّ معنا أو علينا،و العاقل هو من لم يكن بينه و بين الحقّ عداء،و إن تأمّل في كلامنا هذا فإنّه سيشهد لنا بالصدق علي ما نقوله في علاج معوقات التشخيص الحديثية في المباحث التالية:

و نعني بمعوقات التشخيص الحديثية:هي تلك الأحاديث التي تبدو متضاربة بعضها ببعض،ممّا قد يصعب علي كثير من الناس-لا سيّما اولئك الذين ليسوا علي إتّصال مباشر بعلوم الحديث الشريف-معالجتها، ممّا يسهّل-إلي حد بعيد-وقوع ضعيف الإيمان منهم في شراك اللامهدويين سواء كانوا من المتسمّين بالإسلام أو من المعلنين العداء لهذا الدين.

أحاديث في نسب الإمام المهدي عليه السّلام

اشارة

و الأحاديث الصحيحة الواردة في بيان نسب الإمام المهدي عليه السّلام علي طوائف و جميعها مؤتلفة غير مختلفة،و لا تشكّل عائقا في تشخيص نسب الإمام المهدي كما سيتّضح من دراستها علي النحو الآتي:

المهدي:كناني،قرشي،هاشمي:

أورد المقدسي الشافعي في عقد الدّرر،و مثله الحاكم في المستدرك حديثا ينسب الإمام المهدي عليه السّلام إلي كنانة،ثم إلي قريش،ثم إلي بني هاشم،و هو من رواية قتادة،عن سعيد بن المسيّب،قال:قلت لسعيد بن المسيّب:«المهدي حقّ؟قال:حقّ.

ص: 56

قلت:ممّن؟قال:من كنانة.

قلت:ثمّ ممّن؟قال:من قريش.

قلت:ثمّ ممّن؟قال:من بني هاشم...الحديث».

ثم قال:أخرجه الإمام أبو عمر عثمان بن سعيد المقري في سننه.

و أورده بلفظ آخر قريب من الأوّل عن قتادة،عن سعيد بن المسيّب أيضا.

و قال:أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنّاوي،و أخرجه الإمام أبو عبد اللّه نعيم بن حمّاد (1).

و قد يتصور أنّ الحديث يتناقض مع نفسه!إذ جمع في نسب الإمام المهدي:أنّه من كنانة تارة،و من قريش أخري،و من بني هاشم ثالثة.

و الجواب:لا فرق في ذلك كلّه،فإنّ كلّ هاشمي هو من قريش،و كلّ قرشي هو من كنانة،لأنّ قريش هو النضر بن كنانة باتّفاق أهل الأنساب.

حديث المهدي من أولاد عبد المطّلب:

و هو ما رواه ابن ماجة و غيره بالإسناد،عن أنس بن مالك قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه[و آله]و سلّم:نحن ولد عبد المطّلب سادة أهل الجنّة:أنا،و حمزة،و عليّ،و جعفر،و الحسن و الحسين،و المهدي» (2).

و أورده في عقد الدّرر بلفظ:«نحن سبعة بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنّة:أنا،و أخي عليّ،و عمّي حمزة،و جعفر،و الحسن،و الحسين، و المهدي»ثم قال:أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في

ص: 57


1- عقد الدّرر:42-44 الباب الأوّل،و انظر:مستدرك الحاكم 4:553،و مجمع الزوائد 7:115.
2- سنن ابن ماجة 2:1368 باب خروج المهدي،و مستدرك الحاكم 3:211،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:113،و جمع الجوامع للسيوطي 1:851.

كتبهم،منهم:الإمام أبو عبد اللّه محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه،و أبو القاسم الطبراني في معجمه،و الحافظ أبو نعيم الأصبهاني و غيرهم (1).

و هذا الحديث لا يعارض ما تقدّم بل يقيّد (2)ما قبله،إذ لا خلاف في كون عبد المطّلب جدّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم ابنا لهاشم،فأبناء عبد المطّلب هاشميون بالضرورة.فالمهدي عليه السّلام إذن من أولاد عبد المطّلب بن هاشم القرشي الكناني.

حديث المهدي من ولد أبي طالب:

و هذا الحديث أخرجه الشيخ المفيد في الإرشاد،و المقدسي الشافعي في عقد الدّرر،و قال:أخرجه نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن.و الحديث من رواية سيف بن عميرة قال:كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداء:

«يا سيف بن عميرة،لا بدّ من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب،فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟قال:أي و الذي نفسي بيده،لسماع أذني له،فقلت:يا أمير المؤمنين!،إنّ هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا!فقال:يا سيف!إنّه لحقّ،و إذا كان فنحن أوّل من يجيبه،أما إنّ النداء إلي رجل من بني عمّنا.

فقلت:رجل من ولد فاطمة؟فقال:نعم،يا سيف!لو لا أنّني سمعت من أبي جعفر محمّد بن عليّ يحدّثني به،و حدّثني به أهل الأرض كلّهم

ص: 58


1- عقد الدّرر:195 الباب السابع.
2- المراد بالتقييد هنا:حصر نسب المهدي بأولاد عبد المطلب بعد ان كان النسب إلي قريش مطلقا.

ما قبلته منهم،و لكنّه محمّد بن عليّ» (1).

و هذا الحديث يقيّد ما قبله أيضا لأنّ كلّ من انتسب إلي أبي طالب بالولادة لا شكّ في انتسابه إلي أبيه عبد المطّلب.

و بغض النظر عن التصريح الوارد في هذا الحديث بكون المهدي من أولاد فاطمة عليها السّلام-لما سنبحثه بطائفة أخري من الأحاديث-ستكون النتيجة إلي هنا هو أنّ المهدي المبشّر بظهوره في آخر الزمان إنّما هو من أولاد أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم القرشي الكناني.

أحاديث(المهدي من ولد العبّاس):

اشارة

لا شكّ أنّ هذه الطائفة من الأحاديث تشكّل عائقا في تشخيص نسب الإمام المهدي عليه السّلام بدقة؛لأنّ أولاد العبّاس غير أولاد أبي طالب،و لهذا لا بدّ من دراسة هذه الطائفة من الأحاديث،فنقول:

يمكن تقسيم الأحاديث الواردة في هذا الشأن إلي قسمين و هما:

أولا:الأحاديث المجملة في هذا المعني:
اشارة

و هي منحصرة بأحاديث الرايات،منها:ما أخرجه أحمد في مسنده، عن ثوبان،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال:«إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها و لو حبوا علي الثلج،فإنّ فيها خليفة اللّه المهدي» (2)و قريب منه حديث ابن ماجة في سننه (3).

كما روي الترمذي بسنده،عن أبي هريرة،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال:

«تخرج من خراسان رايات سود،فلا يردّها شيء حتي تنصب

ص: 59


1- الإرشاد/المفيد 2:370-371،و عقد الدّرر:149-الباب الرابع.
2- مسند أحمد 5:277.
3- سنن ابن ماجة 2:4082/1336.

بإيلياء» (1).

و هذه الأحاديث و إن لم يصرّح فيها بكون المهدي من ولد العبّاس لكنّه قد يستفيد البعض منها دلالتها عليه،بتقريب أنّ تلك الرايات السود، يحتمل أن تكون هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني من خراسان فوطّد بها دولة بني العبّاس،فتكون تلك الأحاديث ناظرة إلي المهدي العبّاسي!

ضعف الأحاديث المجملة مع عدم دلالتها علي نسب المهدي:

إنّ حديث مسند أحمد،و سنن ابن ماجة ضعفهما غير واحد من العلماء،منهم:ابن القيّم في(المنار المنيف)ثم قال:«و هذا-أي:حديث ابن ماجة-و الذي قبله لم يكن فيه دليل علي أنّ المهدي الذي تولّي من بني العبّاس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان» (2).

و ممّا يدلّ علي ذلك هو أنّ المهدي العبّاسي قد مات سنة(169 ه)، و قد شهد عصره تدخل النساء في شؤون دولته،فقد ذكر الطبري تدخل الخيزران زوجة الخليفة المهدي العبّاسي بشؤون دولته،و أنّها استولت علي زمام الأمور في عهد ابنه الهادي (3)،و من يكون هذا شأنه فكيف يسمي بخليفة اللّه في أرضه؟!

هذا،زيادة علي أن المهدي العبّاسي،بل خلفاء بني العبّاس كلّهم لم يكونوا في آخر الزمان و لم يحث المال حثوا أحد منهم،و لم يبايعوا بين الركن و المقام،و لم يقتلوا الدجّال،و لم ينزل نبيّ اللّه عيسي عليه السّلام ليصلّي خلف مهديهم،و لم تخسف البيداء في عهدهم،و لم تظهر أدني علامة

ص: 60


1- سنن الترمذي 4:2269/531.
2- المنار المنيف/ابن القيم:137-/138ذيل الحديثين:338 و 339.
3- تاريخ الطبري 3:466.

من علامات ظهور المهدي في سائر عصورهم.

و أما عن حديث الترمذي،فقد وصفه ابن كثير بأنّه حديث غريب،ثم قال:«و هذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أميّة في سنة ثنتين و ثلاثين و مائة،بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي..و المقصود أنّ المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه و ظهوره من ناحية المشرق» (1).

أقول:لا يبعد استغلال دعاة العبّاسيين لمثل هذه الأحاديث ترويجا لأمرهم،كما يدلّ عليه وضعهم لأحاديث صريحة في هذا المعني كما سنقف عليه في هذا البحث،و إلاّ فمن الصعب جدّا إنكار حديث الرايات السود الذي لا يدلّ علي أكثر من خروج الجيش المؤيّد للمهدي من جهة المشرق،لروايته بطرق كثيرة صحّح الحاكم بعضها علي شرط البخاري و مسلم (2).

ثانيا:الأحاديث المصرّحة بهذا المعني:

1-حديث:«المهدي من ولد العبّاس عمّي»فقد أورده السيوطي في الجامع الصغير،و قال:(حديث ضعيف) (3)و قال المنّاوي الشافعي في فيض القدير:(رواه الدارقطني في الافراد،قال ابن الجوزي:فيه محمد بن الوليد المقري،قال ابن عدي:يضع الحديث و يصله و يسرق و يقلّب الأسانيد و المتون،و قال ابن أبي معشر:هو كذّاب،و قال السمهودي:ما

ص: 61


1- النهاية في الفتن و الملاحم/ابن كثير 1:55.
2- مستدرك الحاكم 4:502.
3- الجامع الصغير 2:9242/672.

بعده و ما قبله أصحّ منه،و أمّا هذا ففيه محمد بن الوليد،و ضّاع» (1).

و ضعّفه السيوطي في الحاوي،و ابن حجر في صواعقه،و الصبّان في إسعافه،و أبو الفيض في إبراز الوهم المكنون،و أوردوا كلمات كثيرة تصرّح بوضعه (2).

2-حديث ابن عمر:«رجل يخرج من ولد العبّاس»فقد رواه في خريدة العجائب-مرسلا-عن ابن عمر،و هو من الموقوف عليه (3)و هو زيادة علي إرساله المسقط لحجيّته لم يصرّح فيه بالمهدي،فالأولي إلحاقه بالقسم الأوّل المجمل و إن صرّح فيه باسم العبّاس.

3-حديث ابن عبّاس،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال لعمّه العبّاس:«إنّ اللّه ابتدأ بي الإسلام و سيختمه بغلام من ولدك،و هو الذي يتقدّم عيسي بن مريم».

فقد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه و في إسناده محمد بن مخلد (4)،و ابن مخلد هذا ضعفه الذهبي،و تعجّب من عدم تضعيف الخطيب لابن مخلد فقال:«رواه عن محمد بن مخلد العطار،فهو آفته، و العجب أنّ الخطيب ذكره في تاريخه و لم يضعّفه،و كأنّه سكت عنه لانتهاك حاله» (5).

4-حديث أم الفضل،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم:«يا عبّاس!إذا كانت سنة9.

ص: 62


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير 6:9242/278.
2- أنظر:الحاوي للفتاوي 2:85،و الصواعق المحرقة:166،و إسعاف الراغبين:151،و إبراز الوهم المكنون:563.
3- خريدة العجائب/ابن الوردي:199.
4- تاريخ بغداد 3:323 و 4:117.
5- ميزان الإعتدال 1:328/89.

خمس و ثلاثين و مائة فهي لك و لولدك،منهم السفاح،و منهم المنصور، و منهم المهدي»و هذا الحديث أخرجه الخطيب أيضا و ابن عساكر عن أم الفضل (1).

قال الذهبي عنه:(و في السند أحمد بن راشد الهلالي،عن سعيد بن خيثم،بخبر باطل في ذكر بني العبّاس من رواية خيثم،عن حنظلة-إلي أن قال عن أحمد بن راشد-فهو الذي اختلقه بجهل» (2).

أقول:أشار الذهبي بهذا إلي جهل أحمد بن راشد في وضع الحديث لأنّ حكم العبّاسيين لم يبدأ بسنة135/ ه و إنّما بدأ حكمهم سنة/ 132 ه بالاتّفاق،و هذا من علامات جهل واضعه بابتداء حكم بني العبّاس.

5-و نظير هذا الحديث ما أخرجه السيوطي،عن ابن عبّاس في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة و قال:«موضوع،المتهم به:

الغلابي» (3).

و أورده ابن كثير في البداية و النهاية من رواية الضّحاك،عن ابن عبّاس و قال:«و هذا إسناد ضعيف،و الضّحاك لم يسمع من ابن عبّاس شيئا علي الصحيح،فهو منقطع» (4).

كما أخرجه الحاكم عن طريق آخر وقع فيه اسماعيل بن ابراهيم المهاجر (5)،و قد حكي أبو الفيض الغماري الشافعي،عن الذهبي،أنّ4.

ص: 63


1- تاريخ بغداد 1:63،و تاريخ دمشق 4:178.
2- ميزان الإعتدال 1:97.
3- اللآلي المصنوعة 1:434-435.
4- البداية و النهاية 6:246.
5- مستدرك الحاكم 4:514.

إسماعيل مجمع علي ضعفه،و أباه ليس بذلك (1).

هذه هي الأحاديث التي قد يغترّ بها البعض فيتصوّر كونها عائقا حقيقيا أمام تشخيص نسب الإمام المهدي.و قد اتّضح أن النتيجة الأخيرة في نسب الإمام المهدي عليه السّلام و هي كونه من أولاد أبي طالب صحيحة،لوضع أحاديث كون المهدي من ولد العبّاس،مع عدم دلالة حديث الرايات علي شيء يخالف تلك النتيجة.و سوف يأتي في طوائف أحاديث المهدي الاخري ما يقطع بأنّ المهدي ليس من ولد العبّاس جزما.

حديث المهدي من ولد عليّ عليه السّلام:

و لمّا كان لأبي طالب أكثر من ولد،فقد وردت أحاديث عيّنت المراد و قيّدت هذا الإطلاق بولده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،ليكون المهدي من أولاده عليه السّلام،و في ذلك وردت جملة من الاخبار منها:قول عليّ عليه السّلام:«هو رجل منّي» (2).

و غير خاف علي أحد أنّ لأمير المؤمنين عليه السّلام أكثر من ولد و تشخيص نسب المهدي بهذا الإطلاق متعذّر،و لكنّ أمره في غاية السهولة؛لأنّ من جملة أحاديث نسب المهدي المصرّح بصحّتها و تواتر نقلها،هي تلك الأحاديث الناصّة تارة:علي كون المهدي من أهل البيت،و أخري:علي أنّه من العترة،و ثالثة:علي أنّه من النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

و لا ريب في انحصار أهل البيت،و العترة،و ولد النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم بأولاد أمير المؤمنين عليه السّلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السّلام و إليك نموذجا من تلك

ص: 64


1- إبراز الوهم المكنون:543.
2- الفتن/نعيم بن حمّاد 1:1084/369،و التشريف بالمنن/السيّد ابن طاووس:/176 238 باب 19.

الأحاديث:

أحاديث المهدي من أهل البيت عليهم السّلام:

1-حديث:«لا تنقضي الأيام،و لا يذهب الدهر،حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي،اسمه يواطيء اسمي»و هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده،عن ابن مسعود من عدّة طرق،و أخرجه أيضا أبو داود في سننه،و الطبراني في المعجم الكبير،و صحّحه الترمذي،و الكنجي الشافعي،و عدّه البغوي من الأحاديث الحسان (1).

2-حديث:«لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث اللّه رجلا من أهل البيت يملؤها عدلا كما ملئت جورا».

و هذا الحديث هو المروي عن عليّ عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم،أخرجه أحمد في مسنده،و ابن أبي شيبة،و أبو داود،و البيهقي،و أشار الطبرسي في مجمع البيان إلي اتّفاق المسلمين من الشيعة و السنة علي روايته (2)، و قال أبو الفيض الغماري عن هذا الحديث:«هو صحيح بلا شك و لا شبهة» (3).

3-حديث:«لا تقوم الساعة حتي يلي رجل من أهل بيتي،يواطيء اسمه اسمي».

و هذا الحديث رواه ابن مسعود،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و أخرجه عن ابن

ص: 65


1- مسند أحمد 1:376 و 377 و 430 و 448،و سنن أبي داود 4:4283/107،و المعجم الكبير للطبراني 10:164-10218/165،و سنن الترمذي 4:2230/505،و البيان في أخبار صاحب الزمان:481 باب 1،و مصابيح السنّة 3:4210/492.
2- مسند أحمد 1:99،و المصنف لابن أبي شيبة 15:19494/198،و سنن أبي داود 4:107 4283/،و الإعتقاد للبيهقي:173،و مجمع البيان 7:67.
3- إبراز الوهم المكنون:495.

مسعود:أحمد،و الترمذي،و الطبراني من عدة طرق،و الكنجي و صحّحه،و الشيخ الطوسي.

و أخرجه أبو يعلي الموصلي في مسنده عن أبي هريرة (1)،و قال في الدّر المنثور:«و أخرجه الترمذي و صحّحه عن أبي هريرة» (2).

4-حديث:«المهدي منّا أهل البيت،أشم الأنف،أجلي الجبهة،يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».

و هذا من حديث أبي سعيد الخدري،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم،و أخرجه عنه عبد الرزاق،و صحّحه الحاكم علي شرط مسلم،و أورده الأربلّي في كشف الغمة (3).

أحاديث المهدي من العترة عليهم السّلام:

وردت أحاديث كثيرة بهذا المعني ننتخب منها واحدا،و هو حديث أبي سعيد الخدري،عن النبيّ،صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال:«لا تقوم الساعة حتي تمتلأ الأرض ظلما و عدوانا،ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي -الترديد من الراوي-يملؤها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و عدوانا».

أخرجه أحمد،و ابن حبّان،و الحاكم و صحّحه علي شرط الشيخين، و أورده الصافي في منتخب الأثر (4)و قال أبو الفيض الغماري الشافعي

ص: 66


1- مسند أحمد 1:376،و سنن الترمذي 4:3231/505،و المعجم الكبير للطبراني 10:165 10220/ و 10221،10:10227/167،و البيان للكنجي:481،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:113،و مسند أبي يعلي الموصلي 12:6665/19.
2- الدّر المنثور 6:58.
3- المصنف/عبد الرزاق 11:20773/372،و مستدرك الحاكم 4:557،و كشف الغمة 3:259.
4- مسند أحمد 3:36،و صحيح ابن حبّان 8:6284/290،و مستدرك الحاكم 4:557، و منتخب الأثر:19/148.

-بعد دراسة وافية لطرق الحديث و تتبع حال رواته-:«الحديث صحيح علي شرط الشيخين كما قال الحاكم» (1).

أحاديث المهدي من ولد النبيّ:

منها:ما رواه أبو سعيد الخدري،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم:«المهدي منّي،أجلي الجبهة،أقني الأنف،يملؤ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، يملك سبع سنين».

و هذا الحديث صحّحه الحاكم علي شرط مسلم،كما صحّحه الكنجي الشافعي،و السيوطي،و الشيخ منصور علي ناصف في التاج الجامع للأصول،و أبو الفيض (2)،و عدّه البغوي من الحسان،و حكم ابن القيّم بجودة إسناده (3)،و أخرجه عن أبي سعيد:أبو داود،و عبد الرزاق، و الخطابي في معالم السنن،و من الشيعة السيّد ابن طاووس،و ابن بطريق (4).

و منها:حديث أمير المؤمنين عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم قال:

«المهدي من ولدي،تكون له غيبة و حيرة تضل فيها الأمم،يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السّلام،فيملؤها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما».

و هذا الحديث أخرجه الشيخ الصدوق في إكمال الدين،و احتجّ به الجويني الشافعي في فرائد السمطين،و القندوزي الحنفي في ينابيع

ص: 67


1- إبراز الوهم المكنون:515.
2- مستدرك الحاكم 4:557،و البيان للكنجي:500،و الجامع الصغير 2:9244/672، و التاج الجامع للأصول 5:343،و إبراز الوهم المكنون:508.
3- مصابيح السنّة 3:4212/492،و المنار المنيف/ابن القيّم:330/144.
4- سنن أبي داود 4:4385/107،و المصنف/عبد الرزاق 11:20773/372،و معالم السنن 4:344،و التشريف بالمنن:189/153 و 190 باب 159،و الفتن لابن حمّاد 1: 1063/364 و 1064،و العمدة لابن بطريق الحلي:910/433.

المودة (1).

و بهذا القدر يتّضح ما ذكرناه من أنّ المهدي لا بدّ و أن يكون من ولد عليّ عليه السّلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السّلام.و قد ورد التصريح بهذا أيضا كما في:

حديث المهدي من ولد فاطمة عليها السّلام:

و هو من رواية أم سلمة،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال:«المهدي حقّ و هو من ولد فاطمة».

أخرجه عن أم سلمة:أبو داود،و ابن ماجة،و الطبراني،و الحاكم من طريقين،و قد أخرجه أربعة من علماء أهل السنّة عن صحيح مسلم (2)، و اعترف آخرون بصحّته وجودة إسناده،بل و صرّح بعضهم بتواتره (3).

و قد أخرج نعيم بن حمّاد بسنده عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«المهدي رجل

ص: 68


1- إكمال الدين 1:5/287 باب 25،و فرائد السمطين 2:587/335،و ينابيع المودّة:3 باب 94.
2- سنن أبي داود 4:4284/107،و سنن ابن ماجة 2:4086/1368،و المعجم الكبير/ الطبراني 23:566/267،و مستدرك الحاكم 4:557،و أخرجه عن صحيح مسلم كلّ من: ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة:163 باب 11 من الفصل الأوّل،و المتّقي الهندي في كنز العمال 14:38662/264،و الشيخ محمد بن علي الصبّان في إسعاف الراغبين ص:145، و الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في مشارق الانوار ص:112،فهؤلاء الأربعة اتّفقت كلمتهم علي وجود الحديث في صحيح مسلم،و لكن لا وجود له اليوم في نسخه المطبوعة!
3- حكم الكنجي في البيان:486 ب 2 بصحّة الحديث،و جزم بصحّته السيوطي في الجامع الصغير 2:9241/672،و مثله في هامش التاج الجامع للأصول 5:343،كما عدّة البغوي من الحسان في مصابيح السنّة 3:4211/492،و قد حقّق أبو الفيض في إبراز الوهم:500 سند الحديث.و انتهي إلي القول بأنّه حديث صحيح و أنّ رجاله كلّهم عدول أثبات،و اعترف الألباني بجودة إسناده كما في عقيدة أهل السنّة،و الأثر في المهدي المنتظر للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ص:18،و قد مرّ القول بتواتره عن القرطبي و غيره،فراجع.

منّا من ولد فاطمة» (1)كما اخرج عن الزهري أنّه قال:«المهدي من ولد فاطمة» (2)،و عن كعب مثله أيضا (3).

هذا،و قد ورد حديث جامع لمعظم الأخبار المتقدّمة،و هو المروي عن قتادة،-كما تقدم-قال:قلت لسعيد:أحقّ المهدي؟قال:نعم،هو حق.قلت:ممّن هو؟قال:من قريش،قلت:من أيّ قريش؟قال:من بني هاشم.قلت:من أي بني هاشم؟قال:من ولد عبد المطّلب.قلت:من أي ولد عبد المطّلب؟قال:من أولاد فاطمة» (4).

و علي الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال السابق:من هو المهدي الموعود المنتظر؟إلاّ أنّ العائق ما يزال موجودا في تشخيص نسبه الشريف بنحو لا يقبل الترديد بين أولاد فاطمة عليها السّلام،لوضوح أنّ هذا النسب-بهذا الإطلاق-ينتهي إلي السبطين الحسن و الحسين عليهما السّلام.

و لهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة و هي:

الأوّل:أن يكون المهدي من أولاد الإمام الحسن السبط عليه السّلام.

الثاني:أن يكون من أولاد الإمام الحسين السبط عليه السّلام.

الثالث:أن يكون من أولاد السبطين معا.

أمّا الإحتمال الثالث:فلا يحتاج قبوله أو ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الأخبار المؤيّدة للإحتمالين الأوّلين.

و أمّا فرض إحتمال رابع،و هو:كون المهدي من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة و غير معقول في نفسه؛لثبوت صحّة أحاديث3.

ص: 69


1- الفتن/نعيم بن حماد 1:1117/375،و عنه في كنز العمال 14:39675/591.
2- الفتن/نعيم بن حماد 1:1114/375 و عنه في التشريف بالمنن:237/176 باب 189.
3- الفتن/نعيم بن حماد 1:1112/374،و عنه في التشريف بالمنن:202/157 باب 163.
4- عقد الدرر:44 من الباب الأوّل،و الفتن/نعيم بن حمّاد 1:368-1082/369،و عنه السيّد ابن طاووس في التشريف بالمنن:201/157 باب 163.

المهدي و تواترها بخصوص كونه من أهل البيت عليهم السّلام،و من ولد فاطمة عليها السّلام.

إذن،لم يبق سوي التحقيق في مثبتات الإحتمالين الأوّلين.و يجب التنبيه قبل ذلك إلي أنّه:لو ثبت كذب ما يؤيّد الإحتمال الأوّل،فلا نحتاج أصلا إلي التحقيق في مثبتات الإحتمال الثاني،إذ سيصدق بالضرورة، و يكون هو المتيقن،المقطوع به،المطابق للواقع،لما مرّ من إستحالة كذب الإحتمالين معا؛لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة و تحقيق مثبتات الإحتمال الأوّل،فنقول:

حديث المهدي من ولد الإمام الحسن السبط عليه السّلام:

لم أجد ما يدلّ علي أنّ المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الإمام الحسن عليه السّلام في كتب أهل السنّة غير حديث واحد فقط،و ربّما لا يوجد في تراث الإسلام حديث غيره،و هو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه،و إليك نصه:

قال:«حدّثت عن هارون بن المغيرة،قال:حدّثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد،عن أبي إسحاق،قال:قال عليّ رضي اللّه عنه-و نظر إلي ابنه الحسن-فقال:(إنّ ابني هذا سيّد كما سمّاه النبي صلّي اللّه عليه و سلم، و سيخرج من صلبه رجل يسمّي باسم نبيّكم،يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق).ثم ذكر قصّة:يملأ الأرض عدلا» (1)انتهي بعين لفظه.

ص: 70


1- سنن أبي داود 4:4290/108،و أخرجه عنه في جامع الأصول 11:49-7814/50، و كنز العمّال 13:37636/647،كما أخرجه نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن 1:374-/375 1113.

بطلان الحديث من سبعة وجوه:

من دراسة سند الحديث و متنه،و مقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين عليه السّلام،يطمئن الباحث بوضعه،و ذلك من سبعة وجوه و هي:

الوجه الأوّل:اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث،فقد أورد الجزري الشافعي(ت833/ ه)هذا الحديث بسنده،عن أبي داود نفسه و فيه اسم:(الحسين)مكان(الحسن)،فقال:«و الأصح أنّه من ذرّية الحسين بن عليّ لنصّ أمير المؤمنين عليّ علي ذلك،فيما أخبرنا به شيخنا المسند،رحلة زمانه،عمر بن الحسن الرّقي-قراءة عليه،قال:أنبأنا أبو الحسن بن البخاري،أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي،أنبأنا أبو البدر الكرخي،أنبأنا أبو بكر الخطيب،أنبأنا أبو عمر الهاشمي،أنبأنا أبو عليّ اللؤلؤي،أنبأنا أبو داود الحافظ قال:حدّثت عن هارون بن المغيرة،قال:

حدّثنا عمر بن أبي قيس،عن شعيب بن خالد،عن أبي اسحاق قال:قال عليّ عليه السّلام-و نظر إلي ابنه الحسين-فقال:«إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلّي اللّه عليه و سلم،و سيخرج من صلبه رجل يسمّي باسم نبيّكم، يشبهه في الخلق،و لا يشبهه في الخلق»،ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا.

هكذا رواه أبو داود في سننه و سكت عنه» (1)،انتهي بعين لفظه.

و أخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص 45 من الباب الأوّل، و فيه اسم:(الحسن)،و أشار محقّقه في هامشه إلي نسخة باسم:(الحسين) و يؤيّد وجود هذه النسخة نقل السيّد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدّرر و فيه اسم:(الحسين) (2).

ص: 71


1- أسمي المناقب في تهذيب أسني المطالب/الجزري الدمشقي الشافعي:165-61/168.
2- المهدي/السيّد صدر الدين الصدر:68.

و هذا الإختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الإسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث،و هو مفقود في ترجيح(الحسن)و متوفّر في (الحسين).

الوجه الثاني:سند الحديث منقطع لأنّ من رواه عن عليّ عليه السّلام هو أبو إسحاق و المراد به السبيعي،و هو ممّن لم تثبت له رواية واحدة سماعا عن عليّ عليه السّلام كما صرّح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث (1)،إذ كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين علي عليه السّلام مردّدا ما بين ست،و سبع سنين؛لأنّه ولد إمّا:لسنتين بقيتا من خلافة عثمان كما في قول ابن حجر (2)،أو لثلاث بقين كما في قول ابن خلّكان (3).

الوجه الثالث:إن سنده مجهول أيضا؛لأن أبا داود قال:(حدّثت عن هارون بن المغيرة)و لا يعلم من الذي حدّثه،و لا عبرة في الحديث المجهول إتّفاقا.

الوجه الرابع:إنّ الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي-و هو من أعلام أهل السنّة-بسنده عن الإمام موسي بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمّد الصادق،عن جدّه عليّ بن الحسين،عن جدّه عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،و فيه اسم:(الحسين)لا:(الحسن)عليهما السّلام (4).

الوجه الخامس:إنّه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنّة تصرّح بأنّ المهدي من ولد الإمام الحسين عليه السّلام،منها:حديث حذيفة بن اليمان قال:«خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم فذكرنا بما هو كائن،ثم قال:«لو لم يبقر.

ص: 72


1- مختصر سنن أبي داود/المنذري 6:4121/162.
2- تهذيب التهذيب 8:100/56.
3- وفيات الأعيان 3:502/459.
4- التشريف بالمنن/السيّد ابن طاووس:413/285 ب 76،أخرجه عن فتن السليلي باختلاف يسير.

من الدنيا إلاّ يوم واحد،لطوّل اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتي يبعث فيه رجلا من ولدي،اسمه اسمي».فقام سلمان الفارسي رضي اللّه عنه فقال:يا رسول اللّه!من أي ولدك؟قال:«من ولدي هذا»،و ضرب بيده علي الحسين) (1).

الوجه السادس:إحتمال التصحيف في الإسم من(الحسين)إلي (الحسن)في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة إختلاف النقل،و مع عكس الإحتمال فإنّه خبر واحد لا يقاوم المتواتر،كما سنفصله في محلّه.

الوجه السابع:يحتمل قويّا وضع الحديث لما فيه من العلل المتقدّمة، و يؤيّد هذا الإحتمال أنّ الحسنيّين و أتباعهم و أنصارهم زعموا مهدوية محمد بن عبد اللّه بن الحسن المثني بن الإمام الحسن السبط عليه السّلام،الذي قتل سنة(145 ه)في زمن المنصور العبّاسي،نظير ما حصل-بعد ذلك- من قبل العبّاسيين و أتباعهم في ادّعاء مهدوية محمد بن عبد اللّه المنصور الخليفة العبّاسي الملقّب بالمهدي(158-169 ه)لما في ذلك من تحقيق أهداف و مصالح سياسية كبيرة لا يمكن الوصول إليها بسهولة من غير هذا الطريق المختصر.ع.

ص: 73


1- المنار المنيف/ابن القيّم:329/148 فصل50/،عن الطبراني في الأوسط،و عقد الدّرر: 45 من الباب الأول و فيه:(أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي)،و ذخائر العقبي/المحب الطبري:136،و فيه:(فيحمل ما ورد مطلقا فيما تقدّم علي هذا المقيد)،و فرائد السمطين 2: 575/325 باب61/،و القول المختصر/ابن حجر:37/7 باب1/،و فرائد فوائد الفكر: 2 باب1/،و السيرة الحلبية 1:193،و ينابيع المودة 3:63 باب94/،و هناك أحاديث أخري بهذا الخصوص في مقتل الإمام الحسين عليه السّلام/الخوارزمي الحنفي 1:196،و فرائد السمطين 2:310-/315الأحاديث 561-569،و ينابيع المودة 3:212/170 باب 93 و باب 94. و من مصادر الشيعة أنظر:كشف الغمة 3:259،و كشف اليقين:117،و اثبات الهداة 3:617 174/ باب 32،و حلية الأبرار 2:54/701 باب41/،و غاية المرام:17/694 باب/ 141،و في منتخب الأثر الشيء الكثير من تلك الاحاديث المخرّجة من طرق الفريقين، فراجع.

الحديث غير معارض لأحاديث:المهدي من ولد الحسين عليه السّلام:

مع فرض صحّة الحديث-علي الرغم ممّا تقدّم فيه-فإنّه لا تعارض بينه و بين الأحاديث الأخري المصرّحة بكون المهدي من ولد الإمام الحسين عليه السّلام و يمكن الجمع بينه و بينها،بأن يكون الإمام المهدي عليه السّلام حسيني الأب حسني الأم؛و ذلك لأنّ زوجة الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،أم الإمام الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام هي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبي عليه السّلام.

و علي هذا يكون الإمام الباقر عليه السّلام حسيني الأب حسني الأم،و ذرّيته تكون من ذرّية السبطين حقيقة.

و هذا الجمع له ما يؤيّده من القرآن الكريم قال تعالي: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ ...

وَ عِيسي وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ (1) .

فعيسي عليه السّلام ألحق بذراري الأنبياء من جهة مريم عليها السّلام،فلا مانع إذن من أن تلحق ذرّية الإمام الباقر بالإمام الحسن السبط عليهما السّلام من جهة الأم؛و لهذا ألحق السبطان عليهما السّلام برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم من جهة فاطمة الزهراء عليها السّلام بلا خلاف.

و هذا الجمع بين الأخبار لا ينبغي الشك فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود،و إن كان مخالفا للصحّة من كلّ وجه كما تقدّم.

و إلي هنا اتّضح لنا أنّ الإحتمال الثاني-أعني كون الإمام المهدي من ولد الإمام الحسين عليه السّلام-لم يكن مجرّد إحتمال،و إنّما هو الواقع بعينه، سواء قلنا:بصحّة حديث كون المهدي من ولد الإمام الحسن السبط عليه السّلام أو لم نقل بذلك.

أمّا مع فرض القول بصحّة الحديث،فلا تعارض بينه و بين أحاديث

ص: 74


1- سورة الأنعام:84/6-85.

كون المهدي من ولد الإمام الحسين عليه السّلام،بل هو مؤيّد لها كما تقدّم.

و أمّا مع القول بعدم صحّته-و هو الحقّ لما تقدّم في الوجوه السبعة -فالحال أوضح من أن يحتاج إلي بيان؛لما قلناه سابقا من أنّ إثبات بطلان أحد الإحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لإستحالة بطلانهما معا،إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود من ولد فاطمة عليها السّلام حقّا.

ما ورد معارضا لكون المهدي من أولاد الحسين عليه السّلام:

اشارة

لقد اتّضح من خلال البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي،أنّه لا بدّ و أن يكون من أولاد الإمام الحسين عليه السّلام،و قبل بيان مثبتات هذه النتيجة-التي يترتّب عليها إعتقاد الشيعة الإمامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الإمام الحسين عليه السّلام،و أنّه قد ولد حقّا و هو محمّد بن الحسن العسكري عليه السّلام-لا بدّ من التوقّف برهة مع ما ورد معارضا لذلك في لسان بعض الروايات-من طريق أهل السنّة-التي عيّنت اسم أبي المهدي ب:(عبد اللّه)،ممّا نجم عنها إعتقاد بعضهم بأنّ المهدي هو محمد بن عبد اللّه،و أنّه لم يولد بعد،و إنّما سيولد قبيل ظهوره في آخر الزمان.

و لمّا كان التواتر حاصلا لمهديّ واحد،فلا بدّ و أن يكون أحد الفريقين ينتظر مهديّا لا واقع له،و هذا ما يستدعي وجوب مراجعة كلّ فريق لأدلّته بمنظار أنّها خطأ يحتمل الصواب،و النظر لما عند الآخر باعتبار أنّه صواب يحتمل الخطأ،و هذا و إن عزّ،فلا يعدم عند من يسعي لإدراك الصواب -قبل فوات الأوان-أينما كان.

و لأجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي أهو:عبد اللّه،أو الحسن؟نقول:

ص: 75

أحاديث:«اسم أبيه اسم أبي»(عبد اللّه):

نودّ الإشارة قبل دراسة هذه الأحاديث إلي أنّ بعض علماء الشيعة قد أوردوا بعضها،لا إيمانا بها،لمخالفتها لاصول مذهبهم،و إنّما لأمانتهم في نقلها من كتب أهل السنّة دون تحريف أو حذف؛إمّا لإمكان تأويلها بما لا يتعارض و أصول المذهب،و إمّا للبرهنة علي الأمانة في النقل،و إيقاف المسلمين علي مناقشاتهم لها،و هي:

1-الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة،و الطبراني،و الحاكم،كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود،عن زرّ بن حبيش،عن عبد اللّه بن مسعود،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنه قال:«لا تذهب الدنيا حتي يبعث اللّه رجلا يواطيء اسمه اسمي،و اسم أبيه اسم أبي» (1).

2-الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني،و الخطيب البغدادي كلاهما،من طريق عاصم بن أبي النجود،عن زرّ بن حبيش،عن عبد اللّه بن مسعود،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنه قال:«لا تقوم الساعة حتي يملك الناس رجل من أهل بيتي،يواطيء اسمه اسمي،و اسم أبيه اسم أبي» (2).

3-الحديث الذي أخرجه نعيم بن حمّاد،و الخطيب،و ابن حجر، كلّهم،من طريق عاصم أيضا،عن زرّ،عن ابن مسعود،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال:«المهدي يواطيء اسمه اسمي،و اسم أبيه اسم أبي» (3).

ص: 76


1- المصنف/ابن أبي شيبة 15:19493/198،و المعجم الكبير/الطبراني 10:/163 10213 و 10:10222/166،و مستدرك الحاكم 4:442،و أورده من الشيعة المجلسي في بحار الانوار 51:21/82،عن كشف الغمة للأربلي 3:261،و الاخير نقله عن كتاب الأربعين/أبي نعيم.
2- سنن أبي عمرو الداني:94-95،و تاريخ بغداد 1:370،و لم يروه أحد من الشيعة.
3- تاريخ بغداد 5:391،و كتاب الفتن/نعيم بن حمّاد 1:1076/367 و 1077،و فيه يقول ابن حمّاد:«و سمعته غير مرّة لا يذكر اسم ابيه»،و أخرجه في كنز العمال 14:38678/268 عن ابن عساكر،و نقله السيّد ابن طاووس في التشريف بالمنن:196/156 و 197 باب/ 163 عن فتن ابن حمّاد،كما أورده ابن حجر في القول المختصر:4/40 مرسلا.

4-الحديث الذي أخرجه نعيم بن حمّاد بسنده،عن أبي الطفيل قال:

«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم:المهدي اسمه اسمي،و اسم أبيه اسم أبي» (1).

حقيقة هذا التعارض و بيان قيمته العلمية:

هذه هي الأحاديث التي جعلت مبرّرا لإختيار(محمّد بن عبد اللّه) كمهديّ في آخر الزمان،و كلّها لا تصحّ حجّة و مبرّرا لهذا الإختيار.و قد علمت أنّ الثلاثة الاولي منها كلّها تنتهي إلي ابن مسعود من طريق واحد و هو طريق عاصم بن أبي النجود.و سوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلا.

و أما الحديث الرابع،فسنده ضعيف بالاتّفاق إذ وقع فيه رشدين بن سعد المهري و هو:رشدين بن أبي رشدين المتّفق علي ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السنّة.

فعن أحمد بن حنبل:أنّه ليس يبالي عمّن روي،و قال حرب بن إسماعيل:«سألت أحمد بن حنبل عنه،فضعّفه»،و عن يحيي بن معين:لا يكتب حديثه.و عن أبي زرعة:ضعيف الحديث،و قال أبو حاتم:منكر الحديث،و قال الجوزجاني:عنده معاضيل،و مناكير كثيرة،و قال النسائي:

متروك الحديث لا يكتب حديثه.

و بالجملة،فإنّي لم أجد أحدا وثّقه قطّ إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه و كان أحمد بن حنبل حاضرا في المجلس،فتبسّم ضاحكا،و هذا يدلّك علي

ص: 77


1- الفتن/نعيم بن حمّاد 1:1080/368،و عنه السيّد ابن طاووس في التشريف بالمنن:/257 200.

تسالمهم علي ضعفه (1).

و لا شك،أنّ من كان حاله كما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.

و أما الأحاديث الثلاثة الاولي،فهي ليست بحجّة من كلّ وجه،و ممّا يوجب وهنها وردها هو أنّ عبارة:(و اسم أبيه اسم أبي)لم يروها كبار الحفّاظ و المحدّثين،بل الثابت عنهم رواية:(و اسمه اسمي)فقط من دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه،هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنّة الذين تتبّعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأنّ هذه الزيادة ليست فيها، كما سيأتي مفصّلا.

و من ثم،فإنّ إسناد هذه الأحاديث الثلاثة ينتهي إلي ابن مسعود فقط، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند أحمد-و في عدّة مواضع-(و اسمه اسمي)فقط (2)،و كذلك الحال عند الترمذي فقد روي هذا الحديث من دون هذه العبارة،مشيرا إلي أنّ المروي عن عليّ عليه السّلام، و أبي سعيد الخدري،و أم سلمة،و أبي هريرة هو بهذا اللفظ(و اسمه اسمي)ثم قال-بعد رواية الحديث عن ابن مسعود بهذا اللفظ-:«و في الباب:عن عليّ،و أبي سعيد،و أم سلمة،و أبي هريرة.و هذا حديث حسن صحيح» (3).

و هكذا عند أكثر الحفاظ،فالطبراني مثلا أخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أخري كثيرة،و بلفظ:(اسمه اسمي)،كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة:10214 و 10215 و 10217 و 102185.

ص: 78


1- راجع:تهذيب الكمال 9:1911/191،و تهذيب التهذيب 3:240،ففيهما جميع ما ذكر بحقّ رشدين بن أبي رشدين.
2- مسند أحمد 1:376 و 377 و 430 و 448.
3- سنن الترمذي 4:2230/505.

و 10219 و 10220 و 10221 و 10223 و 10225 و 10226 و 10227 و 10229 و 10230.

و كذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث،عن ابن مسعود بلفظ:

(يواطيء اسمه إسمي)فقط،ثم قال:«هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين و لم يخرجاه» (1)و تابعه علي ذلك الذهبي،و كذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث،عن ابن مسعود،من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث (2).

و قد صرّح المقدسي الشافعي بأنّ تلك الزيادة لم يروها أئمّة الحديث، فقال-بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة-:«أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في كتبهم،منهم:الإمام أبو عيسي الترمذي في جامعه،و الإمام أبو داود في سننه،و الحافظ أبو بكر البيهقي،و الشيخ أبو عمرو الداني،كلّهم هكذا» (3)أي:ليس فيه:(و اسم أبيه اسم أبي)ثم أخرج جملة من الأحاديث المؤيّدة لذلك مشيرا إلي من أخرجها من الأئمة الحفّاظ:كالطبراني،و أحمد بن حنبل،و الترمذي،و أبي داود،و الحافظ أبي داود،و البيهقي،عن عبد اللّه بن مسعود،و عبد اللّه بن عمر،و حذيفة (4).

هذا زيادة علي ما مرّ من إشارة الترمذي إلي تخريجها عن عليّ عليه السّلام، و أبي سعيد الخدري،و أم سلمة،و أبي هريرة؛كلّهم بلفظ:(و اسمه اسمي)فقط.

و لا يمكن تعقّل إتّفاق هؤلاء الأئمّة الحفّاظ بإسقاط هذه الزيادة(و اسم أبيه اسم أبي)لو كانت مروية حقّا،عن ابن مسعود،مع أنّهم رووها من2.

ص: 79


1- مستدرك الحاكم 4:442.
2- مصباح السنّة 4210/492.
3- عقد الدّرر:/51باب 2.
4- عقد الدّرر:51-/56باب 2.

طريق عاصم بن أبي النجود،بل و يستحيل تصوّر إسقاطهم لها لما فيها من أهمية بالغة في النقض علي ما يدّعيه الطرف الآخر.

و من هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت علي حديث ابن مسعود من طريق عاصم:إمّا من قبل أتباع الحسنيين و أنصارهم ترويجا لمهدوية محمّد بن عبد اللّه بن الحسن المثني،أو من قبل أتباع العبّاسيين و مؤيّديهم في ما زعموا بمهدوية محمّد بن عبد اللّه-أبي جعفر-المنصور العبّاسي.

و قد يتأكّد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الأوّل منهما كانت رتّة في لسانه،ممّا اضطر أنصاره علي الكذب علي أبي هريرة،فحدّثوا عنه أنّه قال:«إنّ المهدي اسمه محمّد بن عبد اللّه في لسانه رتّة) (1).

و لمّا كانت الأحاديث الثلاثة الأولي من رواية عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش،عن عبد اللّه بن مسعود،مخالفة لما أخرجه الحفّاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي-كما مرّ،فقد تابع الحافظ أبو نعيم الأصبهاني(ت430/ ه)في كتابه(مناقب المهدي)طرق هذا الحديث عن عاصم،حتي أوصلها إلي واحد و ثلاثين طريقا،و لم يرو في واحد منها عبارة(و اسم أبيه اسم أبي)بل اتّفقت كلّها علي رواية(و اسمه اسمي) فقط.و قد نقل نصّ كلامه الكنجي الشافعي(ت638/ ه)ثم عقّب عليه بقوله:«و رواه غير عاصم،عن زرّ،و هو عمرو بن حرّة،عن زرّ كلّ هؤلاء رووا«اسمه اسمي»إلاّ ما كان من عبيد اللّه بن موسي،عن زائدة، عن عاصم،فإنّه قال فيه:(و اسم أبيه اسم أبي).و لا يرتاب اللبيب أنّ هذه الزيادة لا إعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمّة علي خلافها-إلي أن قال- و القول الفصل في ذلك:إنّ الإمام أحمد-مع ضبطه و إتقانه-روي هذا4.

ص: 80


1- هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الإمام المهدي عن مقاتل الطالبيين:163- 164.

الحديث في مسنده*في*عدّة مواضع:و اسمه اسمي» (1).

و من هنا يعلم أنّ حديث:(..و اسم أبيه اسم أبي)فيه من الوهن ما لا يمكن الإعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر.

و عليه،فإنّ من ينتظر مهديّا باسم(محمّد بن عبد اللّه)إنّما هو في الواقع-و علي طبق ما في التراث الإسلامي من أخبار-ينتظر سرابا يحسبه الضمآن ماء.

و لهذا نجد الاستاذ الأزهري سعد محمد حسن يصرّح:بأنّ أحاديث (اسم أبيه اسم أبي)أحاديث موضوعة،و لكن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلي الشيعة الإماميّة لتؤيّد بها وجهة نظرها علي حدّ تعبيره (2)!!

و يتّضح ممّا تقدّم أنّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الإمام المهدي،قد انتهت إلي كونه من ولد الإمام الحسين عليه السّلام؛لضعف سائر الأحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة،مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحّة تلك الأحاديث،بل توفّرت القرآئن الدالّة علي إختلاقها.

و إذا عدنا الي نتيجة البحث في الطوائف المتقدّمة نجدها مؤيّدة بما تواتر نقله عند المسلمين.

مؤيّدات كون المهدي من ولد الحسين عليه السّلام

اشارة

هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الإمامية عيّنت الأئمّة الإثني عشر بأسمائهم واحدا بعد آخر ابتداء بالامام عليّ و انتهاء بالمهدي عليهما السّلام،مع

ص: 81


1- البيان في أخبار صاحب الزمان/الكنجي الشافعي:482.
2- المهدية في الإسلام/الاستاذ الأزهري سعد محمّد حسن:69.

مجموعة من الأحاديث في تعيين كل إمام لا حق بنصّ من الإمام السابق.

و أخري عند أهل السنّة مصرحة بعدد الأئمّة تارة كما في الصحاح، و مشخّصة لأسمائهم كما في كتب المناقب و غيرها،و إلي جانب هذا توجد جملة من الأحاديث المتّفق علي صحّتها تدلّ علي حياة المهدي ما بقي في الناس إثنان،و هذا لا يتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الإمام الحسين عليهما السّلام.و سوف لن نذكر من تلك الأحاديث إلاّ ما احتجّ به في كتب الفريقين.

حديث الثقلين:

ممّا لا شكّ فيه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم قد انتقل إلي الرفيق الأعلي و السنّة لم تدوّن بكلّ تفاصيلها في عهده،و هو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلي يوم القيامة،و منزّه أيضا عن إهمال أمته مع نهاية رأفته بهم و شفقته عليهم،فكيف يوكّلهم إلي القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم و متشابه،و مجمل و مفصّل،و ناسخ و منسوخ،فضلا عمّا في آياته من وجوه و محامل استخدمت للتدليل علي صحّة الآراء المتباينة كما نحسّ و نلمس عند أرباب المذاهب و الفرق الإسلامية.

هذا،مع علمه صلّي اللّه عليه و اله و سلم بأنّه قد كذب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته،و الدليل عليه قوله صلّي اللّه عليه و اله و سلم الذي اتّخذ بكتب الدراية مثالا علي التواتر اللفظي:«من كذّب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار».

فمن غير المعقول إذن أن يدع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله شريعته مسرحا لإجتهادات الآخرين من دون أن يحدّد لهم مرجعا يعلم ما في القرآن حقّ علمه،و تكون السنّة معلومة بكلّ تفاصيلها عنده.

و هذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة،و حفظها،و مراعاة استمرارها منهجا و تطبيقا في الحياة.

ص: 82

و من هنا تتّضح أهمية حديث الثقلين(القرآن و العترة)،و قيمة إرجاع الأمّة فيه إلي العترة لأخذ الدين الحقّ عنهم،كما تتّضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة و نوب متفرّقة،منها في يوم الغدير،و آخرها في مرضه الأخير.

فعن زيد بن أسلم،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم قال:«كأنّني قد دعيت فأجبت،إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر:كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي،فانظروا كيف تخلفوني فيهما،فإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض،إنّ اللّه مولاي،و أنا ولي كلّ مؤمن.من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهم وال من والاه،و عاد من عاداه» (1).

و عن أبي سعيد الخدري،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم قال:«إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي،أحدهما أعظم من الآخر:كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض،و عترتي أهل بيتي،و لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض،فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (2)،هذا فضلا عن تأكيده صلّي اللّه عليه و اله و سلم المستمر علي الإقتداء بعترته أهل بيته،و الإهتداء بهديهم، و التحذير من مخالفتهم،و ذلك بجعلهم:تارة كسفن للنجاة،و أخري أمانا للأمّة،و ثالثة كباب حطّة.

و في الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلي سؤال و استفسار من النبيّ صلّي اللّه عليه و آله لتشخيص المراد بأهل البيت،و هم يرونه و قد خرج للمباهلة و ليس معه غير أصحاب الكساء و هو يقول:«اللّهم هؤلاء أهلي» و هم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام،و إدراكا لما ينطوي عليهة.

ص: 83


1- مستدرك الحاكم 3:109.
2- سنن الترمذي 5:3786/662،و حديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابيّا، و بلغ عدد رواته عبر القرون المئات.راجع حديث الثقلين تواتره،فقهه،للسيّد عليّ الحسيني الميلاني:47-51.فقد ذكر فيه بعض الرواة و فيه الكفاية.

من قصر و إختصاص.و إلاّ فتسعة أشهر و هي المدّة التي أخبر عنها ابن عبّاس في وقوف النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم علي باب فاطمة صباح كل يوم و هو يقرأ:

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1) كافية لأن يعرف الجميع من هم أهل البيت عليهم السّلام؟

و مع هذا فلا معني لسؤالهم و استفسارهم من النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم عمّن يعصموا الأمّة بعده من الضلالة إلي يوم القيامة فيما لو تمسّكت بهم مع القرآن.

فحاجة الأمّة-و الصحابة أيضا-ليس أكثر من تشخيص أوّلهم ليكون المرجع للقيام بمهمّته بعد النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم حتي يأخذ دوره في عصمة الأمّة من الضلالة،و هو بدوره مسؤول عن تعيين من يليه في هذه المهمّة، و هكذا حتي يرد آخر عاصم من الضلالة مع القرآن علي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم الحوض.

و إذا علمت أنّ عليّا عليه السّلام قد تعيّن بنصوص لا تحصي،و منها:في حديث الثقلين نفسه،فليس من الضروري إذن أن يتولّي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم بنفسه تعيين من يلي أمر الأمّة باسمه في كلّ عصر وجيل،إن لم نقل إنّه غير طبيعي لو لا أن تقتضيه بعض الإعتبارات.

فالمقياس إذن في معرفة إمام كلّ عصر وجيل:إمّا أن يكون بتعيينهم دفعة واحدة،أو بنصّ السابق علي إمامة اللاحق و هو المقياس الطبيعي المألوف الذي دأبت عليه الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام،و عرفته البشرية في سياساتها منذ أقدم العصور و إلي يوم الناس هذا.

و إذا ما عدنا إلي واقع أهل البيت عليهم السّلام نجد النصّ قد توفّر علي إمامتهم بكلا طريقيه،و من سبر الواقع التاريخي لسلوكهم علم يقينا بأنّهم ادّعواي.

ص: 84


1- الأحزاب:33/33.و انظر:روايات وقوف النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم علي باب فاطمة عليها السّلام و هو يقرأ الآية،في تفسير الطبري:6/22،و مناقب الخوارزمي:34 عن أبي سعيد الخدري.

لأنفسهم الإمامة في عرض السلطة الزمنية،و اتّخذوا من أنفسهم كما اتّخذهم الملايين من أتباعهم أئمّة و قادة للمعارضة السلمية للحكم القائم في زمانهم،مع إرشاد كلّ إمام أتباعه علي من يقوم بأمر الإمامة من بعده، و علي هذا جرت سيرتهم،فكانوا عرضة للمراقبة و السجون و الإستشهاد بالسم تارة،و في سوح الجهاد تارة أخري و علي أيدي القائمين بالحكم أنفسهم.

ثم لو فرض أنّ أحدهم لم يعيّن لأتباعه من يقوم بأمر الإمامة من بعده، مع فرض توقّف النصّ عليه،فإنّ معني ذلك بقاء ذلك الإمام خالدا مع القرآن في كلّ عصر وجيل؛لأنّ دلالة قوله صلّي اللّه عليه و اله و سلم:«لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض»علي إستمرار وجود إمام من العترة في كلّ عصر كإستمرار وجود القرآن الكريم ظاهرة واضحة،و لهذا ذهب ابن حجر إلي القول:«و في أحاديث الحثّ علي التمسّك بأهل البيت إشارة إلي عدم انقطاع متأهل منهم للتمسّك به إلي يوم القيامة،كما أنّ الكتاب العزيز كذلك،و لهذا كانوا أمانا لأهل الأرض،و يشهد لذلك الخبر:«في كلّ خلف من أمتي عدول من أهل بيتي» (1).

حديث:(من مات و لم يعرف إمام زمانه):

سجّل هذا الحديث في أمّهات المصادر المعتبرة لدي الفريقين و بألفاظ مختلفة ترجع كلّها إلي معني واحد و مقصد فارد،و يكفي علي ذلك اتّفاق البخاري و مسلم-من أهل السنّة-علي روايته (2)،و الكليني، و الصدوق،و والده،و الحميري،و الصفار-من الشيعة الإمامية-علي

ص: 85


1- الصواعق المحرقة:149.
2- صحيح البخاري 5:13 باب الفتن،و صحيح مسلم 6:21-1849/22.

روايته أيضا (1)،و قد أخرجه كثيرون بطرق لا طاقة علي إستقصائها (2).

إذن الحديث ممّا لا مجال لأحد أن يناقش في سنده،و إن توهّم الشيخ أبو زهرة فعدّه من روايات الكافي فحسب! (3).

و الحديث كما تري في تخريجه لا يبعد القول بتواتره،و هو لا يحتمل التأويل،و لا صرف دلالته الواضحة علي وجوب معرفة الإمام الحقّ علي كلّ مسلم و مسلمة،و إلاّ فإنّ مصيره ينذر بنهاية مهولة.

و من ادعي أنّ المراد بالإمام الذي من لا يعرفه سيموت ميتة جاهلية هو السلطان أو الحاكم،أو الملك،و نحو ذلك و إن كان فاسقا ظالما!!فعليه أن يثبت بالدليل أنّ معرفة الظالم الفاسق من الدين أوّلا،و أن يبيّن للعقلاء الثمرة المترتّبة علي وجوب معرفة الظالم الفاسق بحيث يكون من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية.

و علي أية حال،فالحديث يدلّ علي وجود إمام حقّ في كلّ عصر وجيل،و هذا لا يتم إلاّ مع القول بوجود الإمام المهدي الذي هو حقّ و من ولد فاطمة عليها السّلام كما تقدّم.و ممّا يؤيّده:4.

ص: 86


1- أصول الكافي 1:5/303،1:1/308 و 2 و 3 و 1:2/378،و روضة الكافي 8:123/129،و إكمال الدين 2:412-10/413 و 11 و 12 و 15 باب 39،و الإمامة و التبصرة:69/219 و 70 و 71،و قرب الاسناد:1260/351،و بصائر الدرجات:259 و 509 و 510.
2- انظر:مسند أحمد 2:83،3:446،4:96،و مسند أبي داود الطيالسي:259،و المعجم الكبير للطبراني 10:10687/350،و مستدرك الحاكم 1:77،و حلية الأولياء 3:224، و الكني و الأسماء 2:3،و سنن البيهقي 8:156،157،و جامع الاصول 4:70،و شرح صحيح مسلم للنووي 12:440،و تلخيص المستدرك للذهبي 1:77 و 177،و مجمع الزوائد للهيثمي 5:218 و 219 و 223 و 225 و 312،و تفسير ابن كثير 1:517.كما أخرجه الكشي في رجاله:428/235 في ترجمة سالم بن أبي حفصة.
3- الإمام الصادق/أبو زهرة:194.

حديث:(إنّ الأرض لا تخلو من قائم للّه بحجّة):

و هذا الحديث قد احتجّ به الفريقان أيضا و أوردوه من طرق عدّة (1).

و قد رواه كميل بن زياد النخعي التابعي الجليل الثقة،عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام كما في نهج البلاغة،قال عليه السّلام-بعد كلام طويل-:«اللّهم بلي! لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة».

و عدم خلو الأرض من قائم للّه بحجّة لا يتمّ مع فرض عدم ولادة الإمام المهدي عليه السّلام،و قد تنبّه لهذا ابن أبي الحديد حتي قال في شرح هذه العبارة:«كي لا يخلو الزمان ممّن هو مهيمن للّه تعالي علي عباده،و مسيطر عليهم.و هذا يكاد يكون تصريحا بمذهب الإمامية،إلاّ أنّ أصحابنا يحملونه علي أنّ المراد به الأبدال» (2).

و قد فهم ابن حجر العسقلاني منه أنّه إشارة إلي مهدي أهل البيت عليهم السّلام فقال ما نصّه:«و في صلاة عيسي عليه السّلام خلف رجل من هذه الأمّة مع كونه في آخر الزمان،و قرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال:إنّ الأرض لا تخلو من قائم للّه بحجّة» (3).

أقول:و ممّا يقرّب دلالة العبارة في النهج علي الإمام المهدي عليه السّلام هو ما

ص: 87


1- أورد هذا الحديث أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في المعيار و الموازنة:81،و ابن قتيبة في عيون الأخبار:7،و اليعقوبي في تاريخه 2:400،و ابن عبد ربّه في العقد الفريد 1:265،و أبو طالب المكي في قوت القلوب في معاملة المحبوب 1:227،و البيهقي في المحاسن و المساويء:40، و الخطيب في تاريخه 6:379 في ترجمة إسحاق النخعي،و الخوارزمي الحنفي في المناقب:13، و الرازي في مفاتيح الغيب 2:192 و ابن أبي الحديد في شرح النهج كما سيأتي،و ابن عبد البر في المختصر:12 و التفتازاني في شرح المقاصد 5:241 و ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 6:385 و قد أخرجه الكليني من طرق عن أمير المؤمنين عليه السّلام في أصول الكافي 1:7/136،1:3/270،1:3/274،و الصدوق في إكمال الدين 1:4/287 ب 25 و 1:289-2/294 ب 26 من طرق كثيرة و 1:10302 ب 26.
2- شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد 18:351.
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري 6:385.

اتّصل بها من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.و هذا نصّه:«يا كميل بن زياد!إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها،فاحفظ عنّي ما أقول لك:الناس ثلاثة:

فعالم ربّانيّ،و متعلّم علي سبيل النجاة،و همج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح،لم يستضيئوا بنور العلم،و لم يلجأوا إلي ركن وثيق -إلي أن قال عليه السّلام-اللّهمّ بلي!لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة،إمّا ظاهرا مشهورا،و إمّا خائفا مغمورا؛لئلا تبطل حجج اللّه و بيناته» (1).

و من هنا جاء في الحديث الصحيح،عن الحسين بن أبي العلاء الخفّاف قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:تكون الأرض ليس فيها إمام؟قال:لا...

الحديث» (2).

و إذا ما اضيف هذا إلي حديث الثقلين،و حديث من مات،و حديث (الخلفاء إثنا عشر)الآتي،علم أنّ الإمام المهدي لو لم يكن مولودا حقّا لوجب أن يكون من سبقه حيّا إلي قيام الساعة،و لكن لا أحد يقول من المسلمين بحياة إمام غير المهدي عليه السّلام ثاني عشر أهل البيت،و هم من عينت الصحاح عددهم،و بينت كتب المناقب أسماءهم.

أحاديث:(الخلفاء إثنا عشر):

أخرج البخاري بسنده،عن جابر بن سمرة قال:«سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و سلم يقول:يكون اثنا عشر أميرا،فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي:إنّه قال:كلّهم من قريش» (3).

ص: 88


1- شرح نهج البلاغة/الشيخ محمد عبده 4:85/691،و شرح ابن أبي الحديد 18:351.
2- أصول الكافي 1:1/136 باب إنّ الأرض لا تخلو من حجة و سند الحديث هو:«عدّة من أصحابنا،عن أحمد بن محمد بن عيسي،عن محمد بن أبي عمير،عن الحسين بن أبي العلاء،عن الإمام الصادق عليه السّلام».
3- صحيح البخاري 4:164 كتاب الأحكام،باب الاستخلاف،و أخرجه الصدوق،عن جابر بن سمرة أيضا في إكمال الدين 1:19/272،و الخصال 2:469 و 475.

و في صحيح مسلم:«و لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة،أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» (1).

و في مسند أحمد بسنده،عن مسروق قال:«كنا جلوسا عند عبد اللّه ابن مسعود و هو يقرأ القرآن،فقال له رجل:يا أبا عبد الرحمن!هل سألتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟فقال عبد اللّه:ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك،ثم قال:نعم،و لقد سألنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم،فقال:«اثني عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل») (2).

و يستفاد من هذه الأحاديث أمور،و هي:

1-إنّ عدد الأمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الإثني عشر،و كلّهم من قريش بلا خلاف.و هذا العدد منطبق تمام الانطباق علي ما تعتقده الشيعة بعدد الأئمّة و نسبهم.

قد يقال:إنّ التعبير ب(الامراء أو الخلفاء)لا ينطبق مع واقع الأئمّة عليهم السّلام، و الجواب واضح جدّا؛لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم إنّما أراد بذلك الإمرة و الإستخلاف بإستحقاق،و حاشاه أن يقصد بذلك معاوية،و يزيد،و مروان و أمثالهم الذين لعبوا ما شاءوا بمقدرات الأمّة.

بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدّس، و لا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلّط الآخرين عليهم.

و لهذا جاء في(عون المعبود في شرح سنن أبي داود)ما نصّه:«قال0.

ص: 89


1- صحيح مسلم 2:119-كتاب الإمارة،باب الناس تبع لقريش،أخرجه من تسعة طرق.
2- مسند أحمد 5:90 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107،و أخرجه الصدوق،عن ابن مسعود في إكمال الدين 1:16/270.

النوربشتي:السبيل في هذا الحديث و ما يتعقّبه في هذا المعني أنّه يحمل علي المقسطين منهم،فإنّهم هم المستحقّون لإسم الخليفة علي الحقيقة و لا يلزم أن يكونوا علي الولاء،و ان قدّر أنّهم علي الولاء،فإنّ المراد منه المسمّون بها علي المجاز،كذا في المرقاة» (1).

2-إنّ هؤلاء الإثني عشر معنيّون بالنّص كما هو مقتضي تشبيههم بنقباء بني إسرائيل،قال تعالي: وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً (2).

3-إن هذه الأحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الإثني عشر جميعا،و أنّه لا بدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلي أن تقوم الساعة.

و قد أخرج مسلم في صحيحه و بنفس الباب ما هو صريح جدّا بهذا، إذ ورد فيه:«لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» (3).

و هو كما تري ينطبق تمام الإنطباق علي ما تقوله الشيعة بأنّ الإمام الثاني عشر(المهدي)حيّ كسائر الأحياء،و أنّه لا بدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،علي وفق ما بشّر به جدّه المصطفي صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

و غير خاف علي أحد أنّ أهل السنة لم يتّفقوا قطّ علي تسمية الإثني عشر،حتي إنّ بعضهم اضطر إلي إدخال يزيد بن معاوية،و مروان، و عبد الملك،و نحوهم وصولا إلي عمر بن عبد العزيز،لأجل إكتمال نصاب الإثني عشر (4)!!5.

ص: 90


1- عون المعبود 11:/262-شرح الحديث(4259).
2- سورة المائدة:12/5.
3- صحيح مسلم 2:119،كتاب الإمارة،باب الناس تبع لقريش.
4- أنظر أقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك/المقريزي 1:13-15 من القسم الأوّل، و تفسير ابن كثير 2:34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة،و شرح العقيدة الطحاوية 2: 736،و شرح الحافظ ابن القيم علي سنن أبي داود 11:263 شرح الحديث 4259،و الحاوي للفتاوي/السيوطي 2:85.

و هو بلا أدني شكّ تفسير خاطيء غير منسجم مع نصّ الحديث،إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة، بينما المفروض أنّ الدين لا يزال قائما بوجودهم إلي قيام الساعة.

إنّ أحاديث الخلفاء إثنا عشر تبقي بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها علي هذا المعني،لبداهة أنّ السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث،فضلا عن انقراضهم أجمع، و عدم النصّ علي أحد منهم-أمويين أو عبّاسيين-باتّفاق المسلمين.

و بهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي:«قال بعض المحقّقين:إنّ الأحاديث الدالّة علي كون الخلفاء بعده صلّي اللّه عليه و اله و سلم إثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة،فبشرح الزمان،و تعريف الكون و المكان،علم أنّ مراد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم من حديثه هذا:الأئمّة إثنا عشر من أهل بيته و عترته،إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن إثني عشر،و لا يمكن أن نحمله علي الملوك الامويّة لزيادتهم علي إثني عشر،و لظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز،و لكونهم غير بني هاشم؛لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم قال:كلّهم من بني هاشم،في رواية عبد الملك، عن جابر،و إخفاء صوته صلّي اللّه عليه و اله و سلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية:لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.و لا يمكن أن يحمل علي الملوك العبّاسية؛ لزيادتهم علي العدد المذكور،و لقلّة رعايتهم...

و يؤيد هذا المعني-أي:أنّ مراد النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم الأئمّة الإثنا عشر من أهل بيته-و يرجّحه حديث الثقلين» (1).ة.

ص: 91


1- ينابيع المودة 3:105 باب 77 في تحقيق حديث بعدي إثنا عشر خليفة.

و لا يخفي أنّ حديث:(الخلفاء اثنا عشر)قد سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الإثني عشر،و ضبط في كتب الصحاح و غيرها قبل تكامل الواقع الإمامي،فهو ليس انعكاسا لواقع،و إنّما هو تعبير عن حقيقة ربّانية نطق بها من لا ينطق عن الهوي،فقال صلّي اللّه عليه و آله:«الخلفاء بعدي إثنا عشر»ليكون ذلك شاهدا و مصدقا لهذا الواقع المبتديء بأمير المؤمنين عليّ،و المنتهي بالإمام المهدي عليهم السّلام،و هو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث (1).

فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الإخبار بالمغيّبات،أمّا محاولات تطبيقه علي من عرفوا بنفاقهم و جرائمهم و سفكهم للدماء من الامويين و العباسيين و غيرهم فهو يخالف الحديث مفهوما و منطوقا علي الرغم ممّا في ذلك من إساءة بالغة إلي مقام النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم إذ يعني ذلك أنّه أخبر ببقاء الدين إلي زمان عمر بن عبد العزيز مثلا،لا إلي أن تقوم الساعة!!

النص علي الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام يوضّح المراد

بالخلفاء الإثني عشر:

لأجل متابعة الأدلّة الأخري التي توضّح المراد بحديث:(الخلفاء إثنا عشر)،و تعيّن لنا شخص الإمام المهدي باسمه و نسبه و حسبه؛لا بدّ من التذكير قبل ذلك بأمر هو في غاية الأهمية،بحيث لو تدّبره المنصف، و أمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدني غشاوة علي عينيه،و لا كتفي بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلم لمعرفة إمام الزمان في

ص: 92


1- بحث حول المهدي/الشهيد السيد محمد باقر الصدر:54-55.

كلّ عصر و جيل،و لم يطلب بعدها أيّ دليل آخر.

و أعني بهذا الأمر تاريخنا الإسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتّفقت علي إقصاء عترة الرسول صلّي اللّه عليه و اله و سلم عن السلطة إقصاء تامّا،فضلا عمّا اقترفته تلك الأنظمة-الاموية و العبّاسية-من الأمور الفادحة بحقّ الذريّة الطّاهرة.

و من البداهة أن يعزّ النصّ علي الأئمّة الإثني عشر في الكتب المؤلّفة بوحي من الحكّام،و في ظل تلك الأنظمة التي اجتاحت آل الرسول صلّي اللّه عليه و اله و سلم، و أوشكت أن تبيد أولاد البتول عليهم السّلام،حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات اللّه عليه و سلم.

و من غير المعقول أن يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين عليه السّلام،أو أنّ المقصود بالخلفاء الإثني عشرهم أئمّة الشيعة الإثني عشر، اللّهم إلاّ ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، و روي بعيدا عن مسامعه،و علي الرغم من هذا الحصار فإنّ ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.

و لا يصحّ في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلي دليل

و هذا ممّا لا ينبغي اغفاله،و نحن نستعرض باختصار بعض الأحاديث المبيّنة لمعني(الخلفاء اثنا عشر).

1-في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي:نقلا عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي،بسنده عن الإمام الرضا عليه السّلام،عن آبائه عليهم السّلام،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم في حديث جاء فيه التصريح بأسماء الأئمّة الإثني عشر واحدا بعد واحد،ابتداء بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،و انتهاء بالإمام المهديّ محمّد بن الحسن العسكري عليهم السّلام.

ص: 93

قال القندوزي بعد روايته:«و أخرجه الحمويني» (1)أي:صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي.

2-و في الينابيع أيضا تحت عنوان:(في بيان الأئمّة الإثني عشر بأسمائهم).أورد عن فرائد السمطين بسنده عن ابن عبّاس حديثين عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم في ذكر الأئمّة بأسمائهم،و أوّلهم عليّ و آخرهم المهدي عليهم السّلام (2)،و نفس الشيء تجده في باب(في ذكر خليفة النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم مع أوصيائه عليهم السّلام) (3).

3-و فيه أيضا،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم:

«يا جابر إنّ أوصيائي و أئمّة المسلمين من بعدي،أوّلهم عليّ ثم الحسن،ثم الحسين...»ثم ذكر الأئمّة التسعة من أولاد الحسين بأسمائهم ابتداء بعليّ بن الحسين و انتهاء بالإمام المهديّ بن الحسن العسكري عليهم السّلام (4).

4-و في إكمال الدين:«حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي اللّه عنه،قال:

حدّثنا أبي،عن أحمد بن محمد بن عيسي؛و إبراهيم بن هاشم جميعا، عن الحسن بن محبوب،عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السّلام،عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:دخلت علي فاطمة عليها السّلام و بين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء،فعددت إثني عشر اسما آخرهم القائم،ثلاث منهم محمّد، و أربعة منهم عليّ صلوات اللّه عليهم» (5).

و رواه من طريق آخر عن أحمد بن محمد بن يحيي العطار،عن أبيه،8.

ص: 94


1- ينابيع المودة 3:161 ب 93.
2- ينابيع المودة 3:99.
3- ينابيع المودة 3:212 باب 93.
4- ينابيع المودة 3:170 باب 94.
5- إكمال الدين 1:4/313 باب 28.

عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن الحسن بن محبوب إلي آخر السند المتقدّم.

و قد يقال:إنّ السند غير حجّة من وجهين:

الأوّل:إنّ الحسين بن أحمد بن إدريس في السند الأوّل،و أحمد بن محمد بن يحيي العطار في السند الثاني لم يوثّقا.

قلت:هما من مشايخ الإجازة،و لم يذكر الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلاّ مترضيّا عليه،و من البداهة أن لا يقال للفاسق(رضي اللّه عنه)بل يقال ذلك للرجل الجليل،و لو طلبت ممن لا يقول بدلالة(الترضي)علي الوثاقة-كالسيد الخوئي مثلا-أن يترضي علي معلوم الفسق فلن يفعل ذلك-مع الاختيار-أبدا،فلم لا يكون الحال كذلك مع العالم بمداليل الألفاظ كالشيخ الصدوق و نظرائه؟!و لو تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ علي الوثاقة،فإنّه من البعيد كلّ البعد أن يتفق كلّ من الحسين بن أحمد بن إدريس و أحمد بن محمّد بن يحيي العطار علي الكذب علي أبيه بما لا يرجع إلي مدحه شيئا.

و ممّا يدلّ علي صدقهما أنّ الكليني أخرج الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود،و ابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق محمد بن يحيي العطار، عن محمّد بن الحسين،عن ابن محبوب،عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السّلام،عن جابر بن عبد اللّه الانصاري (1)،و المشايخ الثلاثة الأول في هذا السند من أجلاء المحدّثين و ثقاتهم المشهورين بالاتّفاق.

الثاني:إنّ أبا الجارود قد طعن عليه،فالسند ليس بحجّة،و الجواب:إنّ أبا الجارود تابعي،و من أين للتابعي أن يعلم بأنّ في أسماء الأوصياء عليهم السّلام ثلاثة باسم محمّد،و أربعة باسم عليّ؟!و هذا هو المنطبق مع الواقع،و قد6.

ص: 95


1- أصول الكافي 1:/532ح 9 باب 126.

مات أبو الجارود قبل اتمام هذا الواقع بعشرات السنين،علي أنّ الشيخ المفيد قد وثّقه في رسالته العددية (1).

هذا،و الصدوق أخرج حديث اللوح في أوّل الباب بهذا السند قال:

«حدّثني أبي،و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما،قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه،و عبد اللّه بن جعفر الحميري جميعا،عن ابي الحسن صالح بن حمّاد،و الحسن بن طريف،عن بكر بن صالح.

و حدثنا أبي،و محمد بن موسي المتوكّل،و محمد بن علي ماجيلويه، و أحمد بن علي بن ابراهيم،و الحسن بن ابراهيم بن ناتانة،و أحمد بن زياد الهمداني رضي اللّه عنهم قالوا:حدّثنا علي بن إبراهيم،عن أبيه إبراهيم بن هاشم،عن بكر بن صالح،عن عبد الرحمن بن سالم،عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام..الحديث».

و السندان صحيحان إلي بكر بن صالح الذي ضعّف.و لا يضرّ ضعفه هنا لأنّه من غير المعقول أن يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثم يتحقّق ذلك الشيء علي طبق ما أخبر به،ثم لا يكون المخبر-بعد ذلك -صادقا،فالرجل روي عن الإمام موسي بن جعفر عليه السّلام فمن أين له أن يعلم بأولاده وصولا إلي المهدي عليه السّلام؟!،و هو كما يبدو من طبقته لم يدرك الأئمة (الهادي و العسكري و المهدي عليهم السّلام)،و يدلّك علي هذا إنّ من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الأوّل،هو ابن أبي عمير(ت217/ ه)،و من في طبقته.

5-ما في كفاية الأثر في النص علي الأئمّة الإثني عشر للخزاز-منه.

ص: 96


1- سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد/جوابات أهل الموصل في العدد و الرؤية(الرسالة العددية) 9:25(طبع بيروت)،فقد جعله في عداد فقهاء أصحاب الإمام الباقر عليه السّلام،و من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام،الذين لا يطعن عليهم و لا طريق الي ذم واحد منهم،علي حد تعبيره رحمه اللّه.

أعلام القرن الرابع الهجري-:فقد خصّص كتابه كلّه في الأحاديث الواردة في النصّ علي الأئمّة الإثني عشر بأسمائهم،و لا مجال لنقل رواياته،و لكن لا بأس بنقل ما جاء في مقدّمة الكتاب،قال:«و ابتديء بذكر الروايات في النصوص عليهم عليهم السّلام من جهة أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم المعروفين مثل:

عبد اللّه بن عبّاس،و عبد اللّه بن مسعود،و أبي سعيد الخدري،و أبي ذرّ الغفاري،و سلمان الفارسي،و جابر بن سمرة،و جابر ابن عبد اللّه،و أنس بن مالك،و أبي هريرة،و عمر بن الخطاب،و زيد بن ثابت،و زيد بن أرقم، و أبي أمامة،و واثلة بن الأسقع،و أبي أيوب الأنصاري،و عمّار بن ياسر، و حذيفة بن أسيد،و عمران بن الحصين،و حذيفة بن اليمان،و أبي قتادة الأنصاري،و عليّ بن أبي طالب،و ابنيه:الحسن و الحسين عليهم السّلام.

و من النساء:أم سلمة،و عائشة،و فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

ثم أعقبه بذكر الأخبار التي وردت عن الأئمّة صلوات اللّه عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص علي الأئمة و نصّ كلّ واحد منهم علي الذي بعده؛ليعلموا-إن أنصفوا-و يدينوا به،و لا يكونوا كما قال اللّه سبحانه: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ (1)» (2).

6-و في إكمال الدين:عن محمد بن علي بن ماجيلويه،و محمد بن موسي بن المتوكل،عن محمد بن يحيي العطار،عن محمد ابن الحسن الصفار.

و عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد،عن محمد بن الحسن الصفار،عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت القمي،عن عثمان بن عيسي، عن سماعة بن مهران قال:«كنت أنا،و أبو بصير،و محمد بن عمران-مولية.

ص: 97


1- سورة الجاثية:17/45.
2- كفاية الأثر/الخزاز:8-9 من المقدمة.

أبي جعفر عليه السّلام-في منزل بمكة،فقال محمد بن عمران:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:نحن اثنا عشر مهديا.فقال له أبو بصير:تاللّه،لقد سمعت ذلك من أبي عبد اللّه عليه السّلام؟فحلف مرّة أو مرّتين أنّه سمع ذلك منه، فقال أبو بصير:لكنّي سمعته من أبي جعفر عليه السّلام» (1).

و أخرجه الكليني عن محمد بن يحيي،و أحمد بن محمد،عن محمد ابن الحسين،عن أبي طالب،عن عثمان بن عيسي،عن سماعة بن مهران بتمام ألفاظه (2).

و هو كما تري ليس في سنده من يتأمّل في وثاقته،فجميعهم من ثقات الرواة،و إن وجد في سند الصدوق ممدوح فقد كان إلي جنبه الثقة المأمون،و فيه كفاية علي بيان المراد من حديث:(الخلفاء اثنا عشر).

7-و في الكافي بسند صحيح جدا:عدّة من أصحابنا،عن أحمد بن محمد البرقي،عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري،عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال:«أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام و معه الحسن بن عليّ عليه السّلام و هو متكأ علي يد سلمان...»و فيه ذكر الأئمّة الإثني عشر جميعا عليهم السّلام ابتداء بعليّ عليه السّلام و انتهاء بالمهدي بن الحسن العسكري عليهما السّلام (3).

قال الكليني:«و حدثني محمد بن يحيي،عن محمد بن الحسن الصفار،عن أحمد بن أبي عبد اللّه،عن أبي هاشم مثله سواء.قال محمد6.

ص: 98


1- إكمال الدين 2:6/335 و ذيل الحديث نفسه أيضا.
2- أصول الكافي 1:534-20/535 باب 126.و قد عدّه المجلسي في مرآة العقول 6:235 حديثا مجهولا! و هو اشتباه قطعا،لتوفّر النصّ علي وثاقة رجال سند الكافي جميعا من قبل الشيخ و النجاشي و جميع من تأخّر عنهما.و الظاهر أنّه اشتبه بمحمد بن عمران مولي أبي جعفر عليه السّلام الذي لم يرد نصّ في توثيقه،و هو لا يضرّ وجوده لوجود الثقة معه،و إحراز سماع الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام من جهة أبي بصير،فأي ضير في أن يسمع الحديث من الصادق عليه السّلام أيضا.
3- أصول الكافي 1:1/525 باب 126.

ابن يحيي:فقلت لمحمد بن الحسن:يا أبا جعفر!وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد اللّه!قال،فقال:لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين» (1).

و المراد بالحيرة هنا:غيبة الإمام المهدي عليه السّلام في سنة 260 ه،و هي السنة التي توفّي فيها الإمام العسكري،و ما قاله محمد بن يحيي لا يوجب طعنا علي أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي؛لثقته بالاتّفاق،فكأنّ محمد بن يحيي تمنّي أن يكون من حدّث شيخه الصفار بهذا الحديث قد مات في حياة الإمام العسكري أو الإمام الهادي عليهما السّلام و ليس البرقي الذي عاش إلي سنة 274 ه،أو 280 ه،علي قول آخر؛لأنّ الإخبار عن شيء قبل وقوعه، و تحقّق ذلك الشيء علي طبق الخبر يعدّ من الإعجاز الذي لا يحتاج في قوّة ثبوته إلي شهرة الخبر بتعدّد رواته،إذ لا مجال لتكذيبه بأيّ حال من الأحوال و إن لم يرو إلاّ بسند واحد.

فجاء الجواب من الصفار بأنّ ما رواه الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين.

و لا يخفي علي أحد بأنّ المخبر-الذي لم يوثّق-عن شيء قبل وقوعه، لا يشترط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص عليها في قبول الخبر الضعيف،أو تحقّقه علي طبق خبره؛لأنّه كاشف عن صدقه، حتي و إن لم توثّقه كتب الرجال (2).

و مثال هذا ما رواه الكليني و الصدوق بسند صحيح،عن أبان بن أبي عياش،عن سليم بن قيس الهلالي،عن عبد اللّه بن جعفر الطيّار،عند.

ص: 99


1- أصول الكافي 1:2/526 باب 126.
2- و أمّا مع توفّر وثاقة المخبر فلا يشترط ذلك بالاتّفاق؛إذ المفروض صدقه،و ليس بعد الصدق إلاّ مطابقة الخبر للواقع كمسألة نزول عيسي،و ظهور المهدي،و فتنة الدجّال،و نحوها،و إن لم يتحقّق شيء منها بعد.

النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم في حديث جاء فيه النصّ علي الإمام عليّ و بعده ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين،ثم عليّ بن الحسين،ثمّ محمّد الباقر عليهم السّلام ثمّ،قال:«ثم تكملة إثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين» (1).

فضعف أبان بن أبي عياش لا يضر هنا لإخباره عن واقع قد تحقق علي طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته.

و في إكمال الدين للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز،و لكن من لا خبرة له قد جعلها ساقطة عن الاعتبار لضعفها سندا في زعمه!!علي الرغم من إنحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا قبل إكتمال التسلسل التاريخي للأئمّة الإثني عشر بأزمان بعيدة.

و ينطبق هذا الاعجاز علي غالبية أخبار غيبة الإمام الثاني عشر عليه السّلام كما شهد بذلك الصدوق،فقال:«إنّ الأئمّة عليهم السّلام قد اخبروا بغيبته عليه السّلام و وصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم،و استحفظ في الصحف و دوّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر،فليس أحد من أتباع الأئمّة عليهم السّلام إلاّ و قد ذكر ذلك في كثير من كتبه و رواياته و دوّنه في مصنفاته،و هي الكتب التي تعرف بالاصول مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد عليهم السّلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين،و قد اخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها.

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة،فألفوا ذلك في كتبهم و دوّنوه في مصنّفاتهم من قبل كونها،و هذا محال عند أهل اللّب و التحصيل،أو أن يكونوا أسّسوا في كتبهم الكذب،فاتّفق لهم الأمر كما ذكروا،و تحقّق كما وضعوا من كذبهم!ر.

ص: 100


1- أصول الكافي 1:4/529 باب 126،و إكمال الدين 1:15/270 باب 24،و الخصال 2: 41/477-من أبواب الإثني عشر.

علي بعد ديارهم،و اختلاف آرائهم،و تباين أقطارهم و محالهم.و هذا أيضا محال كسبيل الوجه الأوّل،فلم يبق في ذلك إلاّ أنّهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصيّة عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم من ذكر الغيبة،و صفة كونها في مقام بعد مقام إلي آخر المقامات،ما دوّنوه في كتبهم،و ألّفوه في أصولهم،و بذلك و شبهه فلج الحقّ و زهق الباطل،إنّ الباطل كان زهوقا» (1)انتهي.

و لا يخفي إنّ الاصول التي أشار لها الصدوق متواترة النسبة إلي أصحابها عنده،كتواتر نسبة إكمال الدين إلي الصدوق عندنا،و هذا يعني إنّ أخبار الغيبة حتي مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداء،فهو لا يقدح بصحّتها بعد نقلها من تلك الكتب مباشرة،و علي الرغم من ذلك فسوف لن نحتج بأخبار الشيعة الإماميّة إلاّ بما صحّ سنده مطلقا إلي الإمام عليه السّلام،أو إلي من أخبر بالواقع الإمامي قبل إكتمال تسلسله التاريخي و إن لم تعرف وثاقته.

المهدي من أولاد الحسين،و أنّه التاسع من ولده عليهم السّلام:

إنّ هذه النتيجة و إن ثبتت فيما تقدّم إلاّ أنّه لا بدّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتجّ بها بعض أعلام أهل السنّة أوّلا، و باليسير الصحيح عند الشيعة روما للإختصار،و هي:

1-الحديث المروي عن سلمان الفارسي،و أبي سعيد الخدري،و أبي أيّوب الأنصاري،و ابن عبّاس،و عليّ الهلالي-بألفاظ مختلفة-عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم انه قال:«يا فاطمة،إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأوّلين،و لا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت

ص: 101


1- كمال الدين 1:19 من مقدّمة المصنّف.

-إلي قوله صلّي اللّه عليه و اله و سلم-و منّا مهدي الأمّة الذي يصلّي عيسي خلفه،ثم ضرب علي منكب الحسين عليه السّلام فقال:من هذا مهدي الأمّة» (1).

2-في عقد الدّرر للمقدسي الشافعي:روي خبرا عن عليّ عليه السّلام جاء فيه:إنّ المهدي«من ولد الحسين،ألا فمن تولّي غيره لعنه اللّه» (2).

و قد أورده المقدسي محتجّا به فقال:«و نختم هذا الفصل بشيء من كلام الإمام علي عليه السّلام هازم الأبطال،فيما تضمنه من الأهوال الشديدة، و الامور الصعاب،و خروج الإمام المهدي مفرج الكروب،و مفرق الأحزاب»ثم ذكر الحديث.

3-و في عقد الدرر أيضا:عن جابر بن يزيد،عن الإمام الباقر عليه السّلام في حديث طويل جاء فيه:«و المهدي يا جابر!رجل من ولد الحسين» (3).

4-و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول الإمام عليّ عليه السّلام:(و بنا تختم لا بكم).قال:«اشارة إلي المهدي الذي يظهر في آخر الزمان،و أكثر المحدّثين علي أنّه من ولد فاطمة عليها السّلام،و أصحابنا المعتزلة لا ينكرونه،و قد صرّحوا بذكره في كتبهم،و اعترف به شيوخهم- إلي أن قال-و روي قاضي القضاة رحمه اللّه تعالي عن كافي الكفاة أبي القاسم اسماعيل بن عبّاد رحمه اللّه باسناد متصل بعليّ عليه السّلام،إنّه ذكر المهدي و قال:إنّه من ولد الحسين عليه السّلام و ذكر حليته فقال:رجل أجلي الجبين،اقني الأنف،ضخم البطن،أزيل الفخذين،أبلج الثنايا،بفخذه اليمني شامة.2.

ص: 102


1- أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي:501-502 باب 9،و الفصول المهمّة/ابن الصبّاغ المالكي:295-296 فصل120/،و فضائل الصحابة للسمعاني علي ما في ينابيع المودة:49 باب 94،و قد صرّح في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام 1:77/145 بكثرة طرق هذا الحديث،و أنّها ربّما بلغت نحو مجلد.
2- عقد الدّرر:132 باب 4 فصل 2.
3- عقد الدّرر:126 باب 4 فصل 2.

و ذكر هذا الحديث بعينه عبد اللّه بن قتيبة في كتاب غريب الحديث» (1)انتهي.

5-و في ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي:بسنده عن الإمام الحسين عليه السّلام قال:«دخلت علي جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم فأجلسني علي فخذه و قال لي:إنّ اللّه اختار من صلبك يا حسين!تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم،و كلّهم في الفضل و المنزلة عند اللّه سواء» (2).

6-و في الينابيع عن مناقب الخوارزمي أيضا،بسنده عن سلمان قال:

«دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم و أنّ الحسين بن عليّ علي فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه،و هو يقول:أنت سيّد ابن سيّد،أخو سيّد،أنت إمام ابن إمام أخو إمام،أنت حجّة أبو حجّة،و أنت أبو حجج تسعة،تاسعهم قائمهم» (3).

و حديث سلمان رضي اللّه عنه رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند في غاية الصحة،قال:«حدّثنا أبي رضي اللّه عنه،قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه،قال:حدّثنا يعقوب بن يزيد،عن حماد بن عيسي،عن عبد اللّه بن مسكان،عن أبان بن تغلب،عن سليم بن قيس الهلالي،عن سلمان الفارسي رحمه اللّه قال:دخلت علي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و إذا الحسين علي فخذيه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول:«أنت سيّد ابن سيّد،أنت إمام ابن إمام أبو الأئمّة،أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك،تاسعهم قائمهم» (4).

7-و في اصول الكافي:عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه إبراهيم بن هاشم،عن محمد بن أبي عمير،عن سعيد بن غزوان،عن أبي بصير،عن4.

ص: 103


1- شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد 1:281-282 شرح الخطبة رقم16/.
2- ينابيع المودة 3:168 باب 94.
3- ينابيع المودة 3:167 باب 94.
4- الخصال 2:38/475 أبواب الإثني عشر،و إكمال الدين 1:9/262 باب 24.

أبي جعفر عليه السّلام قال:«يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن عليّ تاسعهم قائمهم» (1).

و رواه الصدوق،عن أبيه،عن عليّ بن إبراهيم كما في الكافي سندا و متنا (2).

و ليس في واحد من رجال السند من يشك في جلالته،أو يرتاب في نقله.

8-و في الينابيع عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي:

بسنده عن الأصبغ بن نباتة،عن ابن عبّاس،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم:«أنا و عليّ و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون» (3).

المهدي هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السّلام:

سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص التي لا تقبل تأويلا، لدلالتها علي شخص الإمام المهدي،و الأخبار بغيبته قبل وقوعها،و هي:

1-ما رواه الصدوق بسند صحيح،عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار،عن يعقوب بن يزيد،عن أيّوب بن نوح قال:«قلت للرضا عليه السّلام:إنّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر،و أن يرّده اللّه عزّ و جل إليك من غير سيف،فقد بويع لك،و ضربت الدراهم باسمك، فقال عليه السّلام:ما منا أحد اختلفت إليه الكتب،و سئل عن المسائل،و أشارت إليه الأصابع،و حملت إليه الأموال،إلاّ أغتيل أو مات علي فراشه،حتي يبعث اللّه عزّ و جلّ لهذا الأمر رجلا خفي المولد و المنشأ،و غير خفي

ص: 104


1- أصول الكافي 1:15/533 باب 126.
2- الخصال 2:50/480 أبواب الإثني عشر.
3- ينابيع المودة 3:162 باب 94،و رواه في 2:83 في المودة العاشرة،تحت عنوان:(في عدد الأئمّة و أنّ المهدي منهم عليهم السّلام).

في نسبه» (1).

و في هذا الحديث اشارة إلي ما أحاط ولادة الإمام المهدي عليه السّلام من أمور لا يعلمها إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن عليّ العسكري عليه السّلام؛و لهذا جاء في الخبر الصحيح:إنّ المهدي هو من يقول الناس:لم يولد بعد!

فقد روي الصدوق بسند صحيح جدّا قال:«حدثنا أبي رضي اللّه عنه،قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه،قال:حدّثنا الحسن بن موسي الخشّاب،عن العبّاس بن عامر القصباني،قال:سمعت أبا الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام يقول:

صاحب هذا الأمر من يقول الناس:لم يولد بعد» (2).

2-ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدّرر عن الباقر عليه السّلام:«يكون هذا الأمر في أصغرنا سنّا» (3).و فيه اشارة إلي الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السّلام.

3-ما رواه الكليني بسند صحيح:عن عليّ بن إبراهيم،عن محمّد بن الحسين،عن ابن أبي نجران،عن فضالة بن أيّوب،عن سدير الصيرفي قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف عليه السّلام-إلي أن قال-فما تنكر هذه الأمّة أن يفعل اللّه جلّ و عزّ بحجّته كما فعل بيوسف،أن يمشي في أسواقهم،و يطأ بسطهم حتي يأذن اللّه في ذلك كما أذن ليوسف،قالوا:أ إنك لأنت يوسف؟قال:أنا يوسف» (4).

4-في ينابيع المودة:عن الإمام الرضا عليه السّلام:«الخلف الصالح من ولد الحسن بن عليّ العسكري هو صاحب الزمان و هو المهدي سلام اللّه عليهم».0.

ص: 105


1- إكمال الدين 2:1/370 باب 35.
2- إكمال الدين 2:2/360 باب 34،و أخرجه من طرق أخري أيضا في نفس الباب.
3- عقد الدرر:188 باب 6.
4- أصول الكافي 1:4/336 باب 80.

و قد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود هذا الحديث في كتاب الأربعين لأبي نعيم الأصبهاني (1).

5-و فيه:عن الإمام الرضا عليه السّلام:«إنّ الإمام من بعدي ابني محمّد،و بعد محمّد ابنه عليّ،و بعد عليّ ابنه الحسن،و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم و هو المنتظر في غيبته،المطاع في ظهوره فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و أمّا متي يقوم؟فإخبار عن الوقت،لقد حدّثني أبي،عن آبائه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم قال:مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة» (2).

6-و في اصول الكافي بسند صحيح:عن عليّ بن إبراهيم،عن الحسن بن موسي الخشّاب،عن عبد اللّه بن موسي،عن عبد اللّه بن بكير،عن زرارة قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم قال،قلت:

و لم؟قال:يخاف-و أومأ بيده إلي بطنه-ثم قال:يا زرارة،و هو المنتظر الذي يشك في ولادته،منهم من يقول:مات أبوه بلا خلف،و منهم من يقول:حمل*أي مات أبوه و هو حمل في بطن أمه*،و منهم من يقول:

أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين،و هو المنتظر غير أنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة،فعند ذلك يرتاب المبطلون،يا زرارة..الخ» (3).

7-و فيه بسند صحيح أيضا:عن محمد بن يحيي،عن محمد بن الحسين،عن ابن محبوب،عن إسحاق بن عمار قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

للقائم غيبتان:احداهما قصيرة،و الاخري طويلة،و الغيبة الاولي لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته،و الاخري لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصةد.

ص: 106


1- ينابيع المودة 3:166 باب 94.
2- ينابيع المودة 3:115-116 باب 80 مصرّحا بنقله عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي.
3- أصول الكافي 1:5/337 باب 80،و انظر إكمال الدين 2:24/342 باب 33 و 2:/346 32 ب 33 بسند آخر،و الأوّل أجود.

مواليه» (1).

و هذا الخبر لا ريب في صدوره عن الإمام الصادق عليه السّلام لوثاقة رواته جميعا،و دلالته علي الإمام المهدي بن الحسن العسكري عليهما السّلام أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار.

8-و في إكمال الدين بسند صحيح:«حدّثنا أبي رضي اللّه عنه،حدّثنا عبد اللّه ابن جعفر الحميري،عن أيّوب بن نوح،عن محمّد بن أبي عمير،عن جميل بن دراج،عن زرارة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم»،فقلت له:ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟قال:

«يتمسّكون بالأمر الذي هم عليه حتي يتبين لهم» (2).

9-و في اصول الكافي بسند صحيح:عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه، عن ابن أبي عمير،عن أبي أيّوب الخزاز،عن محمد بن مسلم،قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها» (3).

أقول:لم يغب من الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام سوي المهدي بالإتّفاق، و هو لم يكن مولودا في زمان صدور هذا الحديث،و لهذا جاء التأكيد فيه علي غيبته بعد ولادته.

و قد رواه الكليني بسند صحيح آخر،عن عدّة من أصحابنا،عن أحمد بن محمد،عن علي بن الحكم،عن محمد بن مسلم (4).

10-و في إكمال الدين:«حدّثنا أبي؛و محمّد بن الحسن رضي اللّه عنهما؛قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه؛و عبد اللّه بن جعفر الحميري؛ق.

ص: 107


1- أصول الكافي 1:19/340 باب 80.
2- اكمال الدين 2:44/350 باب 33.
3- أصول الكافي 1:10/338 باب 80.
4- أصول الكافي 1:15/340 من الباب السابق.

و أحمد بن إدريس؛قالوا:حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسي؛و محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب؛و محمّد بن عبد الجبار،و عبد اللّه بن عامر بن سعد الأشعري،عن عبد الرحمن بن أبي نجران،عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:

«إيّاكم و التنويه،أما و اللّه ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم،و لتمحصنّ حتي يقال:مات أو هلك،بأيّ واد سلك،و لتدمعنّ عليه عيون المؤمنين،و لتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر،و لا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه،و كتب في قلبه الإيمان،و أيّده بروح منه...» (1).

و رجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم من أجلاّء الرواة و ثقاتهم بلا خلاف،و أمّا محمّد بن مساور:فقد مات سنة 183 ه و حاله غير معلوم،و في وثاقة المفضل كلام،و لكن الحديث شاهد صدق علي أمانتهما في نقله لما فيه من إخبار معجز تحقّق بعد وفاة ابن المساور بسبعة و سبعين عاما لوقوع الغيبة فعلا في سنة(260 ه).

و قد أخرجه الكليني بسند صحيح إلي محمد بن المساور،عن المفضل أيضا (2)،و ممّا يقطع بصدوره الأحاديث الكثيرة جدّا عن أهل البيت بهذا المعني:

كصحيح عبد اللّه بن سنان الذي رواه الصدوق عن أبيه؛و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد،عن الصفار،عن العباس بن معروف،عن علي بن مهزيار،عن الحسن بن محبوب،عن حمّاد بن عيسي،عن إسحاق بن جرير،عن عبد اللّه بن سنان قال:«دخلت أنا و أبي علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:«فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدي،و لا علما0.

ص: 108


1- اكمال الدين 2:35/347 باب 33.
2- أصول الكافي 1:3/336 باب 80.

يري..» (1)؟

و ليس في رجال هذا الطريق-كما تري-إلاّ المتفق علي وثاقته بين جميع علماء الشيعة بلا استثناء.

11-و في اصول الكافي بسند صحيح:عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسي،عن أبيه محمّد بن عيسي،عن ابن بكير،عن زرارة قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ للقائم غيبة قبل ان يقوم،انه يخاف -و أومأ بيده إلي بطنه-يعني القتل» (2)و السند من أصح الأسانيد بلا خلاف.

12-و في عقد الدّرر للمقدسي الشافعي:عن الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السّلام قال:«لصاحب هذا الأمر-يعني الإمام المهدي عليه السّلام-غيبتان، احداهما تطول،حتي يقول بعضهم:مات،و بعضهم:قتل،و بعضهم:

ذهب...» (3).

و قد مرّ نظير هذا-بسند صحيح-في الحديث رقم 6 و 7،فراجع.

13-و في إكمال الدين:«حدثنا أبي؛و محمّد بن الحسن رضي اللّه عنهما قالا:حدّثنا سعد بن عبد اللّه؛و عبد اللّه بن جعفر الحميري،قالا:

حدّثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد،عن الحسين بن الربيع المدائني (4)قال:حدّثنا محمّد بن إسحاق،عن أسيد بن ثعلبة،عن أمن.

ص: 109


1- اكمال الدين 2:40/348 باب 33.
2- أصول الكافي 1:18/340 باب 80 و أخرجه الصدوق في إكمال الدين 2:10/418 باب 44 بسند صحيح علي الأصح من وثاقة محمّد بن علي ماجيلويه.
3- عقد الدّرر:178 باب5/.
4- أورده في الكافي 1:33/341 باب 80،(...عن أحمد بن الحسن،عن عمر بن يزيد،عن الحسن بن الربيع الهمداني)و الظاهر صحته،لعدم رواية سعد و الحميري،عن أحمد بن الحسين ابن عمر بن يزيد،بل روي سعد في مواضع كثيرة،عن أحمد بن الحسن و المراد به ابن علي بن فضال الفطحي الثقة،و أمّا عن عمر بن يزيد فسواء كان هو الصيقل أو بياع السابري،فإنّ وفاته قبل الغيبة بعشرات السنين.

هانيء قالت:لقيت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،فسألته عن هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ ؟ فقال:إمام يخنس في زمانه عند إنقضاء من علمه سنة ستّين و مائتين،ثم يبدو كالشهاب الوقّاد في ظلمة الليل،فإن أدركت ذلك قرّت عينك» (1).

و يلاحظ في سند الحديث:إنّ أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ثقة بالإتّفاق و من قبله كذلك،و هو قد روي عن أبي عبد اللّه؛و أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام،كما صرّح بهذا النجاشي في ترجمته،و أمّا من بعده فإنّ اثبات صدقهم في خصوص هذا الخبر،هو تقدّم وفاتهم لما في الخبر من إعلام معجز تحقّق بعد وفاتهم،و ورد بنقل الثقات عنهم،فالخبر شاهد علي صدقهم.

14-و في إكمال الدين:بسند صحيح،قال:«حدّثنا محمد بن الحسن رضي اللّه عنه،قال:حدّثنا سعد بن عبد اللّه،قال:حدّثنا أبو جعفر محمد ابن أحمد العلوي،عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السّلام يقول:الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟فقلت:و لم جعلني اللّه فداك؟ فقال:لانكم لا ترون شخصه،و لا يحلّ لكم ذكره باسمه،قلت:فكيف نذكره؟قال:قولوا:الحجّة من آل محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلم» (2).

و هذا السند حجّة لوثاقة رجاله،و العلوي الذي فيه هو من مشايخ الشيعة الأجلاّء كما يعلم من رجال النجاشي-في ترجمة العمركي البوفكي (3).

و نكتفي بهذا القدر من الأحاديث مع التنبيه علي ثلاثة أمور و هي:3.

ص: 110


1- إكمال الدين 1:1/324 باب 32،و أخرجه في الباب المذكور 1:15/330 باختلاف يسير،عن أم هانيء،عن الإمام الباقر عليه السّلام.
2- إكمال الدين 2:5/381 باب 37،و أصول الكافي 1:3/328 باب 75.
3- رجال النجاشي:828/303.

الأوّل:إنّ الحديث الأخير لا يدلّ علي عدم رؤية الإمام المهدي مطلقا؛لأنّ قوله عليه السّلام:(لا ترون شخصه)إذا عطف علي النهي عن التسمية المعلّل بوقوع الطلب أي الخوف علي حياة الإمام المهدي عليه السّلام في أحاديث أخري صحيحة (1)،يفهم منه الكناية عن الغيبة فيكون المعني:

إنّكم لا ترون إمامكم المهدي كلّما أردتم،إذ ليس قدرتكم علي رؤيته كقدرتكم علي رؤيتي في حياتي كلّما أردتم؛لأنّه سيكون في غيبة عنكم، و أيّاكم أن تذكروه باسمه،لكي لا يعرفه أعداء اللّه فيدركوا أثره.

و الحاصل:إنّ نفي الرؤية كناية عن الغيبة،و النهي عن التسمية لأجل الخوف عليه،مع اختصاص النفي و النهي بزمان الغيبة،و توجّهه للمخاطبين بالكلام كلّهم أو بعضهم دون غيرهم،و إلاّ فقد رآه المئات من أصحاب أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في حياته و بإذن منه،كما رآه غيرهم بعد وفاة أبيه عليهما السّلام كما سيتضح في هذا الفصل.

الثاني:إنّ ما ذكرناه من النصوص لا يمثّل في الواقع إلاّ جزء يسيرا من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن،و لم يخضع انتقاؤها لإعتبارات علمية،بمعني:إنّا لم نبحث عن الأسانيد الصحيحة لترسيخ العقيدة إذ المفروض رسوخها قبل ذلك،و إنّما كوسيلة لإثبات المدعي،و إلاّ فنحن لسنا بحاجة إلي الأسانيد اصلا،لسببين:

أحدهما:توفّر الدليل القاطع علي استمرار وجود الإمام المهدي عليه السّلام إلي آخر الزمان،و قد مرّ بيان ذلك مفصّلا،و مع هذا فأيّ حاجة تبقي للأسانيد؟

الآخر:توفّر الدليل علي أنّ الأحاديث المروّية في المهدي عليه السّلام قد اخذت مباشرة من الكتب المؤلّفة قبل ولادته عليه السّلام بعشرات السنين،و قد شهد الصدوق بذلك،و عليه فالضعف الموجود في سند بعضها عليم.

ص: 111


1- سنشير إلي تلك الأحاديث في أدلّة ولادة الإمام المهدي عليه السّلام.

الإصطلاح لا يقدح بصحّتها لكون الإخبار فيها اعجازا تحقّق بعد حين، و هو آية صدقها.

الثالث:إنّ أحاديث هوية الإمام المهدي عليه السّلام المسندة إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و إلي أهل البيت عليهم السّلام كلّها تعبر عن محور واحد،و تكشف عن حقيقة واحدة لاتّفاق عشرات الصادقين علي الإخبار عنها،و لا يضرّ في إثبات تلك الحقيقة وجود ما كان سنده ضعيفا في موضوعها،لامتناع أن يكون الموضوع الواحد صادقا و كاذبا معا في آن واحد،فلو أخبر الثّقة بحديث، ثم أخبر غيره به أيضا،لا نقول له:كذبت،و لو جاء ثالث،و رابع، و خامس...و عاشر لا نقول لهم:كذبتم،و إن لم نعرف درجة صدقهم،بل سيكون كلّ خبر من أخبارهم قرينة إحتمالية تضاف إلي خبر الثقة،حتي يصبح علي درجة عالية من اليقين،و هكذا كلّما تراكمت القرائن يتضاءل احتمال نقيضها حتي يصل إلي درجة قريبة من الصفر.أمّا لو كان عدد الثقاة المخبرين جمّا فلا معني لاحتمال بقاء النقيض بأيّ درجة كان.

إنّ منطق قواعد حساب الاحتمال و قوانينه الرياضية في تحصيل اليقين الموضوعي من تراكم الأخبار علي محور واحد،يستحيل معه أن لا يكون ذلك المحور صادقا و منطبقا مع الواقع.

و من هنا يعلم أنّ إثارة الشكوك حول أحاديث المهدي عليه السّلام و سلب دلالتها علي شخصه العظيم،كما يزعمه بعض المتطفّلين علي علم الحديث الشريف،متخطّيا في ذلك جميع الإعتبارات العلمية،و بخاصة بعد ثبوت إنطباقها عليه عليه السّلام،ليس إلاّ التعبير عن هزيمة نكراء من الداخل، و عن ضحالة التفكير في كيفية المساس بعقيدة و لو بالكذب و الإفتراء بعدم وجود الصحيح الثابت،مع التستر بمزاعم التصحيح كما تخبرك محاولات تحويل العقائد إلي حرفة صحفية تنطلق من أجواء الغرب،و تستظلّ بفيئه، و تحرّكها أصابعه،و تموّلها عملاؤه،غافلة عن أنّ العقيدة ليست قشّة في

ص: 112

مهب الريح،و تاركة ما رسمه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و أهل بيته عليهم السّلام من المسار الصحيح لمعرفة من هو الإمام المهدي؟باسمه و نسبه الكريم.

ولادة الإمام المهدي عليه السّلام

اشارة

لسنا بحاجة إلي ما يبيّن ولادة الإمام المهدي عليه السّلام و يثبتها تاريخيا بعد أن عرفنا إتّفاق كلمة المسلمين علي أنّه من أهل البيت،و أنّ ظهوره يكون في آخر الزمان،و عرفنا أيضا النتيجة التي انتهي إليها البحث في طوائف نسب الإمام المهدي عليه السّلام،و هي أنّه لا مجال للشك في كون المهدي الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السّلام،و هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد ابن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،و أنّه حسيني الأب حسني الأم من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أم الإمام الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام.

و هذا يعني أنّ البحث عن ولادة الإمام المهدي عليه السّلام و بيان ثبوتها شرعا بحث غير طبيعي لو لا وجود بعض الملابسات التاريخية حول ولادته عليه السّلام، كادّعاء عمّه جعفر الكذّاب بعدم وجود خلف لأخيه العسكري عليه السّلام،و قيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الإمام العسكري بعد وفاته لأخيه جعفر الكذاب أخذا بادّعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الإمامية الإثني عشرية انفسهم و لم يروه غيرهم قط إلاّ من طرقهم،و في هذا وحده كفاية للمنصف المتدبّر،إذ كيف يروي الشيعة أمرا و يعتقدون بخلافه،لو لم يثبت لهم زيف هذا الأمر و بطلانه؟!

إنّه من قبيل رواياتهم انكار معاوية منزلة عليّ عليه السّلام من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

فإنكار معاوية ثابت،و منزلة عليّ عليه السّلام ثابتة؛و ثبات كلاهما عند الشيعة

ص: 113

لا يخالجه شكّ؛لأنّه علي نحو اليقين،فكذلك إنكار جعفر الكذاب ثابت عندهم،و تصرّف السلطة علي وفق إدّعائه ثابت أيضا،و في مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي عليه السّلام بالإقرار و العيان،و ما بعدهما من برهان.

و لكن من يقتات علي موائد الغرب مع إنحرافه،لا يبعد منه إستغلال تلك الملابسات،و إثارتها بثوب جديد موشي بألوان(التصحيح).

و لأجل هذا نقول:إنّ ولادة أيّ إنسان في هذا الوجود تثبت بإقرار أبيه، و شهادة القابلة،و إن لم يره أحد قط غيرهما،فكيف لو شهد المئات برؤيته،و اعترف المؤرّخون بولادته،و صرّح علماء الأنساب بنسبه، و ظهر علي يديه ما عرفه المقرّبون إليه،و صدرت منه وصايا و تعليمات، و نصائح و إرشادات،و رسائل و توجيهات،و أدعية و صلوات،و أقوال مشهورة،و كلمات مأثورة،و كان وكلاؤه معروفين،و سفراؤه معلومين، و أنصاره في كلّ عصر وجيل يعدّون بالملايين.

و لعمري،هل يريد من استغل تلك الملابسات،و أنكر ولادة الإمام المهدي عليه السّلام أكثر من هذا لإثبات ولادته،أم تراه و لسان حاله يقول للمهدي،كما قال المشركون بلسان المقال لجدّه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّي تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلاً، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقي فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّي تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ!قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً (1).

اللّهمّ!إنّا لا نرجو هداية من عرف الحقّ و تمسّك بالباطل؛لأنّ من لا يقدر علي الإنتفاع بضياء الشمس،فهو علي الإنتفاع بنور القمر أعجز،3.

ص: 114


1- سورة الإسراء:90/17-93.

و إنّما نطمح إلي ايصال الحقّ إلي جاهله،و تقوية الإيمان به عند من ضعف في قلبه،فنقول:

إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي عليهما السّلام:

و يدلّ عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيي العطار،عن أحمد بن إسحاق،عن أبي هاشم الجعفري قال:قلت لأبي محمد عليه السّلام:جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن اسألك؟فقال:«سل»،قلت:يا سيّدي! هل لك ولد؟فقال:«نعم»،فقلت:فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال:«بالمدينة» (1).

و الخبر الصحيح عن عليّ بن محمّد،عن محمّد بن عليّ بن بلال قال:

«خرج إليّ من أبي محمّد عليه السّلام قبل مضيه بسنتين،يخبرني بالخلف من بعده،ثم خرج إليّ من قبل مضيه بثلاثة أيام،يخبرني بالخلف من بعده» (2).

و المراد بعليّ بن محمد هو علي بن محمّد الكليني الثقة و هو خال ثقة الإسلام الكليني،و له كتاب في ولادة الإمام المهدي عليه السّلام،كما يحتمل أيضا إرادة الثقة الأديب الفاضل علي بن محمّد بن بندار،و لا ضير في الترديد بين ثقتين،و أما عن محمّد بن عليّ بن بلال فإنّه من الوثاقة و الجلالة أشهر من نار علي علم بحيث كان يراجعه من مثل أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه،كما هو معلوم عند أهل الرجال.

شهادة القابلة بولادة الإمام المهدي عليه السّلام:

و هي السيّدة العلوية الطّاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد و أخت الإمام

ص: 115


1- أصول الكافي 1:2/328 باب 76.
2- أصول الكافي 1:1/328 باب 76.

الهادي و عمّة الإمام العسكري عليهم السّلام.و هي التي تولّت أمر نرجس أم الإمام المهدي عليه السّلام في ساعة الولادة (1)،و صرّحت بمشاهدة الإمام الحجّة بعد مولده (2)،و قد ساعدتها بعض النسوة في عملية الولادة،منهن:جارية أبي عليّ الخيزراني التي أهداها إلي الإمام العسكري عليه السّلام فيما صرّح بذلك الثقة محمد بن يحيي (3)؛و مارية و نسيم خادمة الإمام العسكري عليه السّلام (4).

و لا يخفي أنّ ولادات المسلمين لا يطلع عليها غير النساء القوابل،و من ينكر هذا فعليه أن يثبت لنا مشاهدة غيرهن لامّه في مولده!

هذا و قد أجري الإمام العسكري عليه السّلام السنّة الشّريفة بعد ولادة المهدي عليه السّلام فعقّ عنه بعقيقة (5)كما يفعل الملتزمون بالسنّة حينما يرزقهم اللّه من فضله مولودا.

من شهد برؤية المهدي من أصحاب الأئمة عليهم السّلام و غيرهم:

شهد برؤية الإمام المهدي في حياة أبيه العسكري عليهما السّلام و بإذن منه عدد من أصحاب العسكري و أبيه الهادي عليهما السّلام،كما شهد آخرون منهم و من غيرهم برؤية الإمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري عليهما السّلام و ذلك في غيبته الصغري التي ابتدأت من سنة(260 ه)إلي سنة(329 ه)،و لكثرة من شهد علي نفسه بذلك سوف نقتصر علي ما ذكره المشايخ المتقدّمون و هم:الكليني(ت329/ ه)الذي أدرك الغيبة الصغري بتمامها تقريبا، و الصدوق(ت381/ ه)و قد أدرك من الغيبة الصغري أكثر من عشرين

ص: 116


1- إكمال الدين 2:1/424 و 2 باب 42.و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:204/234.
2- أصول الكافي 1:3/330 باب 77.و إكمال الدين 2:14/433 باب 42.
3- إكمال الدين 2:7/431 باب 42.
4- إكمال الدين 2:5/430 باب 42.و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي 211/244.
5- إكمال الدين 2:6/431 باب 42 و 2:10/432 باب 42.

عاما،و الشيخ المفيد(ت413/ ه)،و الشيخ الطوسي(ت460/ ه) و لا بأس بذكر اليسير جدّا من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه عليه السّلام ثم الإكتفاء ببيان أسماء المشاهدين للإمام المهدي عليه السّلام مع تعيين موارد رواياتهم في كتب المشايخ الأربعة لأجل الاختصار.فمن تلك الروايات:

ما رواه الكليني في اصول الكافي بسند صحيح:عن محمد بن عبد اللّه؛ و محمّد بن يحيي جميعا؛عن عبد اللّه بن جعفر الحميري،قال:«اجتمعت أنا و الشّيخ أبو عمرو رحمه اللّه عند أحمد بن إسحاق،فغمزني أحمد ابن إسحاق أن أسأله عن الخلف،فقلت له:يا أبا عمرو!إنّي أريد أن أسألك عن شيء، و ما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه-إلي أن قال بعد إطراء العمري و توثيقه علي لسان الأئمّة عليهم السّلام-:فخرّ أبو عمرو ساجدا و بكي ثم قال:سل حاجتك،فقلت له:أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد عليه السّلام؟فقال:إي و اللّه و رقبته مثل ذا-و أومأ بيده-فقلت له:فبقيت واحدة،فقال لي:هات، فقلت:فالإسم؟قال:محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك،و لا أقول هذا من عندي،فليس لي أن أحلل و لا أحرم،و لكن عنه عليه السّلام،فإنّ الأمر عند السلطان:أنّ أبا محمّد مضي و لم يخلف ولدا و قسّم ميراثه و أخذه من لا حقّ له فيه،و هو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئا،و إذا وقع الاسم وقع الطلب،فاتقوا اللّه و أمسكوا عن ذلك» (1).

و منها:ما رواه في الكافي بسند صحيح:عن عليّ بن محمّد و هو الكليني الثقة المتقدّم،أو ابن بندار الثقة،عن مهران القلانسي الثقة،قال:

قلت للعمري:«قد مضي أبو محمّد؟فقال لي:قد مضي و لكن خلف فيكم7.

ص: 117


1- أصول الكافي 1:329-1/330 باب 77.

من رقبته مثل هذه،و أشار بيده» (1).

و أخرجه الصدوق بسند صحيح،عن أبيه و محمّد بن الحسن؛عن عبد اللّه ابن جعفر الحميري (2).

و منها:ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاّء المشايخ قال:«حدّثنا محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه قال:حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:قلت لمحمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه:إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه جلّ جلاله حين قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (3)فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟قال:نعم،و له رقبة مثل ذي،و أشار بيده إلي عنقه» (4).

و منها:ما رواه الصدوق في إكمال الدين قال:«و حدثنا أبو جعفر محمّد ابن عليّ الأسود رضي اللّه عنه قال:سألني عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه رضي اللّه عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السّلام أن يدعو اللّه عزّ و جلّ أن يرزقه ولدا ذكرا قال:فسألته،فأنهي ذلك،ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنّه قد دعي لعليّ بن الحسين،و أنّه سيولد له ولد مبارك ينفع اللّه به،و بعده أولاد-ثم قال الصدوق بعد ذلك:قال مصنّف هذا الكتاب رضي اللّه عنه:كان أبو جعفر محمّد بن علي الأسود رضي اللّه عنه،كثيرا ما يقول لي-إذا رآني أختلف إلي مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه،و أرغب في كتب العلم و حفظه -ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم،و أنت ولدت بدعاء3.

ص: 118


1- أصول الكافي 1:4/329 ب 76،و 1:4/331 باب 77.
2- إكمال الدين 2:14/441 باب 43.
3- سورة البقرة:260/2.
4- إكمال الدين 2:3/435 باب 43.

الإمام عليه السّلام» (1).

و منها:ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسند صحيح في غاية الصحة؛عن أجلاء هذه الطائفة و شيوخها قال:«و أخبرني محمد بن محمد بن النعمان؛و الحسين بن عبيد اللّه،عن أبي عبد اللّه محمد بن أحمد الصفواني قال:أوصي الشيخ أبو القاسم رضي اللّه عنه إلي أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي اللّه عنه فقام بما كان إلي أبي القاسم*السفير الثالث*فلمّا حضرته الوفاة،حضرت الشيعة عنده،و سألته عن الموكّل بعده،و لمن يقوم مقامه،فلم يظهر شيئا من ذلك،و ذكر أنّه لم يؤمر بأن يوصي إلي أحد بعده في هذا الشأن» (2).

و لا يخفي أنّ مقام السّمري مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الإمام تتطلّب رؤيته في كلّ أمر يحتاج إليه فيه،و من هنا تواتر ما خرج علي يد السفراء الأربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات من وصايا و إرشادات،و أوامر و كلمات الإمام المهدي عليه السّلام (3).

و هناك روايات أخري كثيرة صريحة برؤية السفراء الأربعة كلّ في زمان وكالته للامام المهدي عليه السّلام و كثير منها بمحضر من الشيعة،و ها نحن نشير إلي أسماء من رآه عليه السّلام و هم:

إبراهيم بن إدريس أبو أحمد (4)،و إبراهيم بن عبدة النيسابوري (5)،/.

ص: 119


1- إكمال الدين 2:31/502 باب 45.
2- كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي:363/394.
3- و قد جمعت هذه الأمور في ثلاث مجلّدات مطبوعة بعنوان«المختار من كلمات الإمام المهدي عليه السّلام»تأليف الشيخ محمد الغروي.
4- أصول الكافي 1:8/331 باب 77،و الإرشاد/الشيخ المفيد 2:253،و كتاب الغيبة/ الشيخ الطوسي:232/268،و:319/357.
5- أصول الكافي 1:6/331 باب 77،و الإرشاد 2:352،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي 268 231/.

و إبراهيم بن محمد التبريزي (1)،و إبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي (2)،و أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (3)و رآه مرة أخري مع سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف الأشعري(من مشايخ والد الصدوق و الكليني) (4)،و أحمد بن الحسين بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي،و قيل:

الأودي (5)،و أحمد بن عبد اللّه الهاشمي-من ولد العبّاس-مع تمام تسعة و ثلاثين رجلا (6)،و أحمد بن محمد بن المطهّر أبو علي من أصحاب الهادي و العسكري عليهما السّلام (7)،و أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون،و كان معه جماعة،منهم:عليّ بن بلال،و محمد بن معاوية بن حكيم،و الحسن بن أيّوب بن نوح،و عثمان بن سعيد العمري رضي اللّه عنه إلي تمام أربعين رجلا (8)،و اسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل (9)،و أبو عبد اللّه بن صالح (10)،و أبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي (11)،و أبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي (12)،و جعفر الكذاب عم الإمام المهدي عليه السّلام رأي الإمام المهدي عليه السّلام مرّتين (13)،و السيّدة العلوية الطّاهرة8.

ص: 120


1- كتاب الغيبة/الشيخ الطوسي:226/259.
2- إكمال الدين 2:19/445 باب 43.
3- إكمال الدين 2:1/384 باب 38.
4- إكمال الدين 2:21/456 باب 43.
5- إكمال الدين 2:18/444 باب 43،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:223/253.
6- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:226/258.
7- أصول الكافي 1:5/331 باب 77،و الإرشاد 2:352،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 233/269.
8- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:319/357.
9- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:237/272.
10- أصول الكافي 1:7/331 باب 77،و الإرشاد 2:352.
11- إكمال الدين 2:17/443 باب 43.
12- إكمال الدين 2:9/432 باب 43،و 2:1/434 باب 43.
13- أصول الكافي 1:9/331 باب 77،و إكمال الدين 2:15/442 باب 43،و الإرشاد 2: 353،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:217/248.

حكيمة بنت الإمام محمد بن عليّ الجواد عليهما السّلام (1)،و الزهري و قيل الزهراني و معه العمري رضي اللّه عنه (2)،و رشيق صاحب المادراي (3)،و أبو القاسم الروحي رضي اللّه عنه (4)،و عبد اللّه السوري (5)،و عمرو الأهوازي (6)،و علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي (7)،و علي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن إبراهيم اليماني (8)،و غانم أبو سعيد الهندي (9)،و كامل بن إبراهيم المدني (10)،و أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي اللّه عنه (11)،و محمد بن أحمد الأنصاري أبو نعيم الزيدي،و كان معه في مشاهدة الإمام المهدي عليه السّلام:أبو علي المحمودي،و علاّن الكليني،و أبو الهيثم الدّيناري،و أبو جعفر الأحول الهمداني،و كانوا زهاء ثلاثين رجلا فيهم السيّد محمّد بن القاسم العلوي العقيقي (12)،و السيّد الموسوي محمد بن إسماعيل بن الإمام9.

ص: 121


1- أصول الكافي 1:3/331 باب 77،و إكمال الدين 2:1/424 باب 42،و 2:2/426 باب 42،و الإرشاد 2:351،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:204/234،و:205/237، و:207/239.
2- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:236/271.
3- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:218/248.
4- إكمال الدين 2:61/502 باب 45،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:266/320 و:/322 269.
5- إكمال الدين 2:13/441 باب 43.
6- أصول الكافي 1:3/328 باب 76،و 1:12/332 باب 77،و الإرشاد 2:353،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:203/234.
7- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:228/263.
8- إكمال الدين 2:14/491 باب 45.
9- أصول الكافي 1:3/515 باب 125،و إكمال الدين 2:437 بعد الحديث 6 باب 43.
10- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:216/247.
11- أصول الكافي 1:1/329 باب 76،و 10:4/329 باب 76،و 1:4/331 باب 77، و الإرشاد 2:351،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:316/355.
12- إكمال الدين 2:24/470 باب 73،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:227/259.

موسي بن جعفر عليهما السّلام و كان أسنّ شيخ في عصره من ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم (1)،و محمد بن جعفر أبو العبّاس الحميري علي رأس وفد من شيعة مدينة قم (2)،و محمّد بن الحسن بن عبيد اللّه التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة (3)،و محمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولي الإمام الرضا عليه السّلام (4)،و محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه (5)و رآه العمري رضي اللّه عنه مع أربعين رجلا بإذن الإمام العسكري عليه السّلام،و كان من جملتهم:

معاوية بن حكيم،و محمد بن أيّوب بن نوح (6)،و يعقوب بن منقوش (7)، و يعقوب بن يوسف الضّراب الغساني (8)،و يوسف بن أحمد الجعفري (9).

شهادة وكلاء المهدي و من وقف علي معجزاته عليه السّلام برؤيته:

لقد ذكر الصدوق من وقف علي معجزات الإمام المهدي عليه السّلام و رآه من الوكلاء و غيرهم،مع تسمية بلدانهم،و قد أشرنا إلي بعضهم،و قد بلغوا من الكثرة حدّا يمتنع معه اتّفاقهم علي الكذب،لا سيما و هم من بلدان شتي، و إليك بعضهم:

ص: 122


1- أصول الكافي 1:2/330 باب 77،و الإرشاد 2:351،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 230/268.
2- إكمال الدين 2:477 بعد الحديث 6 باب 43.
3- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:234/269،و:235/270.
4- إكمال الدين 2:15/442 باب 43 حدّث عن رؤية جعفر الكذاب للامام المهدي عليه السّلام، و ظاهره أنّه رآه أيضا،و لكن صريح الكافي أنّه لم يره عليه السّلام و لكنه رأي من رآه و هو جعفر الكذاب.راجع:أصول الكافي 1:9/331 باب 77.
5- إكمال الدين 2:13/433 باب 42،و 2:3/435 باب 43،و 2:9/440 باب 43،و 2: 10/440 باب 43،و 2:14/441 باب 43.
6- إكمال الدين 2:2/435 باب 43.
7- إكمال الدين 2:5/437 باب 43.
8- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:238/273.
9- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:225/257.

فمن بغداد:العمري،و ابنه،و حاجز،و البلالي،و العطار.

و من الكوفة:العاصمي.

و من أهل الأهواز:محمّد بن ابراهيم بن مهزيار.

و من أهل قم:أحمد بن إسحاق.

و من أهل همدان:محمّد بن صالح.

و من أهل الري:البسامي،و الأسدي(محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي).

و من أهل آذربيجان:القاسم بن العلاء.

و من أهل نيسابور:محمد بن شاذان.

و من غير الوكلاء.

من أهل بغداد:أبو القاسم بن أبي حليس،و أبو عبد اللّه الكندي،و أبو عبد اللّه الجنيدي،و هارون القزّاز،و النيلي،و أبو القاسم بن دبيس،و أبو عبد اللّه بن فروخ،و مسرور الطباخ مولي أبي الحسن عليه السّلام،و أحمد و محمد ابنا الحسن،و إسحاق الكاتب من بني نوبخت و غيرهم.

و من همدان:محمد بن كشمرد،و جعفر بن حمدان،و محمد بن هارون بن عمران.

و من الدّينور:حسن بن هارون،و أحمد بن أخيّة،و أبو الحسن.

و من أصفهان:ابن باشاذالة.

و من الصيمرة:زيدان.

و من قم:الحسن بن النضر،و محمّد بن محمّد،و علي بن محمّد بن إسحاق،و أبوه،و الحسن بن يعقوب.

و من أهل الري:القاسم بن موسي،و ابنه،و أبو محمد بن هارون،و علي بن محمّد،و محمّد بن محمّد الكليني،و أبو جعفر الرفّاء.

و من قزوين:مرداس،و علي بن أحمد.

ص: 123

و من نيسابور:محمد بن شعيب بن صالح.

و من اليمن:الفضل بن يزيد،و الحسن بن الفضل بن يزيد،و الجعفري، و ابن الأعجمي،و علي بن محمّد الشمشاطي.

و من مصر:أبو رجاء و غيره.

و من نصيبين:أبو محمد الحسن بن الوجناء النصيبي.

كما ذكر أيضا من رآه عليه السّلام من أهل شهرزور،و الصيمرة،و فارس و قابس،و مرو (1).

شهادة الخدم و الجواري و الإماء برؤية المهدي عليه السّلام:

كما شاهد الإمام المهدي عليه السّلام من كان يخدم أباه العسكري عليه السّلام في داره مع بعض الجواري و الإماء،كطريف الخادم أبي نصر (2)،و خادمة إبراهيم ابن عبدة النيسابوري التي شاهدت مع سيّدها الإمام المهدي عليه السّلام (3)،و أبي الأديان الخادم (4)،و أبي غانم الخادم الذي قال:«ولد لأبي محمّد عليه السّلام ولد فسمّاه محمّدا،فعرضه علي أصحابه يوم الثالث،و قال:هذا صاحبكم من بعدي،و خليفتي عليكم،و هو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالإنتظار،فاذا امتلأت الارض جورا و ظلما خرج فملأها قسطا و عدلا» (5).

ص: 124


1- إكمال الدين 2:442-16/443 باب 43.
2- أصول الكافي 1:13/332 باب 77،و إكمال الدين 2:12/441 باب 43،و الإرشاد 2: 354،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي:215/246 و فيه:(ظريف)بدلا عن(طريف).
3- أصول الكافي 1:6/331 باب 77،و الإرشاد 2:352،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 231/268.
4- إكمال الدين 2:475 بعد الحديث 25 باب 43.
5- إكمال الدين 2:8/431 باب 42.

و شهد بذلك أيضا:عقيد الخادم (1)،و العجوز الخادمة (2)،و جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلي الإمام العسكري عليه السّلام (3)،و من الجواري اللّواتي شهدن برؤية الإمام المهدي عليه السّلام:نسيم (4)،و مارية (5).

كما شهد بذلك مسرور الطباخ مولي أبي الحسن عليه السّلام (6)،و كلّ هؤلاء قد شهدوا بنحو ما شهد به أبو غانم الخادم في بيت العسكري عليه السّلام.

تصرّف السلطة دليل علي ولادة الإمام المهدي عليه السّلام:

ولد الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في شهر ربيع الآخر سنة 232 ه،و قد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العبّاس و هم:المعتز(ت255/ ه)،و المهتدي (ت256/ ه)،و المعتمد(ت279/ ه).

و قد كان المعتمد شديد التعصّب و الحقد علي آل البيت عليهم السّلام و من تصفّح كتب التاريخ المشهورة كالطبري و غيره،و استقرأ ما في حوادث سنة 257 ه و 258 ه و 259 ه و 260 ه،و هي السنوات الأولي من حكمه،علم مدي حقده علي أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.

و لقد عاقبه اللّه في حياته،إذ لم يكن في يده شيء من ملكه حتي أنّه احتاج إلي ثلاثمائة دينار فلم ينلها،و مات ميتة سوء إذ ضجر منه الأتراك فرموه في رصاص مذاب باتّفاق المؤرّخين.

و من مواقفه الخسيسة أمره شرطته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام مباشرة بتفتيش داره تفتيشا دقيقا،و البحث عن الإمام

ص: 125


1- إكمال الدين 2:474 بعد الحديث 25 باب 43،و كتاب للشيخ الطوسي:237/272.
2- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي 2:273-238/276.
3- إكمال الدين 2:7/431 باب 42.
4- إكمال الدين 2:11/441 باب 43.
5- إكمال الدين 2:5/430 باب 42،و في هذا المورد شاهدته عليه السّلام نسيم مع مارية.
6- إكمال الدين 2:16/442 باب 43.

المهدي عليه السّلام،و الأمر بحبس جواري أبي محمّد عليه السّلام،و اعتقال حلائله، يساعدهم بذلك جعفر الكذاب طمعا في أن ينال منزلة أخيه العسكري عليه السّلام في نفوس شيعته،حتي جري بسبب ذلك-كما يقول الشيخ المفيد-علي مخلّفي أبي محمّد عليه السّلام كلّ عظيمة من اعتقال،و حبس، و تهديد،و تصغير،و إستخفاف،و ذلّ (1).

كلّ هذا و الإمام المهدي عليه السّلام في الخامسة من عمره الشريف،ولايهم المعتمد العبّاسي العمر بعد أن عرف أنّ هذا الصبي هو الإمام الذي سيهدّ عرش الطاغوت،نظرا لما تواتر من الخبر بأنّ الثاني عشر من أهل البيت عليهم السّلام سيملأ الدّنيا قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا.

فكان موقفه من مهدي الأمّة كموقف فرعون من نبي اللّه موسي عليه السّلام الذي ألقته أمّه-خوفا عليه-في اليمّ صبيّا،و بعض الشرّ أهون من بعض.

و لم يكن المعتمد العبّاسي قد عرف هذه الحقيقة وحده و إنّما عرفها من كان قبله:كالمعتز؛و المهدي؛و لهذا كان الإمام الحسن العسكري عليه السّلام حريصا علي أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي عليه السّلام إلاّ بين الخلّص من شيعته و مواليه عليه السّلام،مع أخذ التدابير اللازمة و الإحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيّع من الإختلاف بعد وفاته عليه السّلام،إذ أوقفهم بنفسه علي المهدي الموعود مرّات عديدة،و أمرهم بكتمان أمره،لمعرفة الطواغيت بأنّه (الثاني عشر)الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم، و أدركوا تواتره،و إلاّ فأيّ خطر يهدّد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟!لو لم يدرك أنّه هو المهدي المنتظر التي رسمت الأحاديث المتواترة دوره العظيم بكلّ وضوح،و بيّنت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.6.

ص: 126


1- الإرشاد 2:336.

و لو لم يكن الأمر علي ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب و زعمه بأنّ أخاه العسكري عليه السّلام مات و لم يخلف ولدا؟

أما كان بوسع السلطة أن تعطي جعفرا الكذاب ميراث أخيه عليه السّلام من غير ذلك التصرّف الأحمق الذي يدلّ علي ذعرها و خوفها من ابن الحسن عجل اللّه تعالي فرجه الشريف؟!

قد يقال:بأنّ حرص السلطة علي إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه هو الذي دفعها إلي التحرّي عن وجود الخلف لكي لا يستقلّ جعفر الكذاب بالميراث وحده بمجرّد شهادته!

فنقول:و مع هذا،فإنّه ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أن تتحرّي عن هذا الأمر بمثل هذا التصرّف المريب،بل كان علي السلطة أن تحيل دعوي جعفر الكذاب إلي أحد القضاة؛لا سيّما و أنّ القضية من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كلّ يوم مرّات،و عندها سيكون بوسع القاضي التحقيق و استدعاء الشهود:كأمّ الإمام العسكري عليه السّلام،و نسائه،و جواريه، و المقرّبين إليه من بني هاشم،ثم يستمع إلي أقوالهم،و يثبت شهاداتهم، ثم يصدر الحكم علي ضوء ما لديه من شهادات،أمّا أن تنفرد السلطة بنفسها،و يصل الأمر إلي أعلي رجل فيها،و بهذه السرعة،و لمّا يدفن الإمام الحسن عليه السّلام،و خروج القضية عن دائرة القضاء،مع أنّها من إختصاصاته،و من ثم مداهمة الشرطة لمن في بيت الإمام العسكري عليه السّلام بعد وفاته مباشرة،كلّ ذلك يدلّ علي تيقن السلطة من ولادة الإمام المهدي عليه السّلام و إن لم تره،لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت عليهم السّلام كما أشرنا إليه؛و لهذا جاءت للبحث عنه:لا بعنوان إعطاء ميراث العسكري عليه السّلام لمن يستحقه من بعده،و إنّما للقبض عليه و الفتك به،بعد أن لم يجدوا لذلك سبيلا في حياة أبيه العسكري عليه السّلام.

ص: 127

و لهذا كان الخوف علي حياته الشريفة من أسرار غيبته عليه السّلام كما مرّ عليك في إخبار آبائه الكرام عليهم السّلام عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.

اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي عليه السّلام:

إنّ ممّا لا شكّ فيه هو ضرورة الرجوع في كلّ فن إلي أصحابه،و ما نحن بصدده،علماء الانساب أولي به،و إليك بعضهم:

1-النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد اللّه بن داود بن سليمان البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري،كان حيّا سنة 341 ه،و هو من أشهر علماء الأنساب المعاصرين لغيبة الإمام المهدي الصغري التي انتهت سنة 329 ه.

قال في سر السلسلة العلوية:«و ولد عليّ بن محمّد التقي عليه السّلام:الحسن ابن عليّ العسكري عليه السّلام من أم ولد نوبيّة تدعي:ريحانة،و ولد سنة إحدي و ثلاثين و مائتين،و قبض سنة ستّين و مائتين بسامراء،و هو ابن تسع و عشرين سنة..و ولد عليّ بن محمّد التقي عليه السّلام جعفرا و هو الذي تسميه الإمامية:جعفر الكذّاب،و إنّما تسميه الإمامية بذلك؛لادّعائه ميراث أخيه الحسن عليه السّلام دون ابنه القائم الحجّة عليه السّلام،لا طعن في نسبه» (1).

2-السيّد العمري النسابة المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري قال ما نصّه:«و مات أبو محمّد عليه السّلام و ولده من نرجس عليها السّلام معلوم عند خاصة أصحابه و ثقات أهله،و سنذكر حال ولادته و الأخبار التي سمعناها بذلك، و امتحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته،و شره جعفر بن عليّ إلي مال أخيه و حاله،فدفع أن يكون له ولد،و أعانه بعض الفراعنة علي قبض جواري أخيه» (2).

ص: 128


1- سرّ السلسلة العلوية/أبي نصر البخاري:39.
2- المجدي في انساب الطالبيين:130.

3-الفخر الرازي الشافعي(ت606/ ه)،قال في كتابة الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّة تحت عنوان:«أولاد الإمام العسكري عليه السّلام»ما هذا نصّه:

«أمّا الحسن العسكري الإمام عليه السّلام فله إبنان و بنتان:أمّا الإبنان فأحدهما:

صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف،و الثاني موسي درج في حياة أبيه.و أمّا البنتان:ففاطمة درجت في حياة أبيها،و أم موسي درجت أيضا» (1).

4-المروزي الأزورقاني(ت/بعد سنة 614 ه)فقد وصف في كتاب الفخري جعفر بن الإمام الهادي في محاولته إنكار ولد أخيه بالكذّاب (2)، و فيه أعظم دليل علي اعتقاده بولادة الإمام المهدي عليه السّلام.

5-السيّد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبه(ت828/ ه)قال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب:

«أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسرّ من رأي،و كانت تسمّي العسكر،و أمّه أم ولد،و كان في غاية الفضل و نهاية النبل،أشخصه المتوكّل إلي سرّ من رأي فأقام بها إلي أن توفي،و أعقب من رجلين هما:

الإمام أبو محمّد الحسن العسكري عليه السّلام،و كان من الزهد و العلم علي أمر عظيم،و هو والد الإمام محمّد المهدي صلوات اللّه عليه ثاني عشر الأئمّة عند الإمامية،و هو القائم المنتظر عندهم من أم ولد اسمها نرجس.

و اسم أخيه أبو عبد اللّه جعفر الملقب بالكذّاب؛لادّعائه الإمامة بعد أخيه الحسن» (3).

و قال في الفصول الفخرية-مطبوع باللغة الفارسية-ما ترجمته:«أبو9.

ص: 129


1- الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّة/الفخر الرازي:78-79.
2- الفخري في أنساب الطالبيين:7.
3- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب:199.

محمّد الحسن،الذي يقال له العسكري،و العسكر هو سامراء،جلبه المتوكّل و أباه إلي سامراء من المدينة،و اعتقلهما،و هو الحادي عشر من الأئمّة الإثني عشر،و هو والد محمّد المهدي عليه السّلام،ثاني عشرهم» (1).

6-النسابة الزيدي السيّد أبو الحسن محمّد الحسيني اليماني الصنعاني من أعيان القرن الحادي عشر.

ذكر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،و تحت اسم الإمام عليّ التقي المعروف بالهادي عليه السّلام خمسة من البنين و هم:الإمام العسكري،الحسين،موسي،محمد،عليّ.و تحت اسم الإمام العسكري عليه السّلام مباشرة كتب:(محمد بن)و بازائه:(منتظر الإمامية) (2).

7-محمد أمين السويدي(ت1246/ ه)قال في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب:«محمد المهدي:و كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين،و كان مربوع القامة،حسن الوجه و الشّعر،أقني الانف،صبيح الجبهة» (3).

8-النسابة المعاصر محمّد ويس الحيدري السوري قال في الدّرر البهيّة في الأنساب الحيدريّة و الأويسيّة-في بيان أولاد الإمام الهادي عليه السّلام:

«أعقب خمسة أولاد:محمد،و جعفر،و الحسين،و الإمام الحسن العسكري،و عائشة.

فالحسن العسكري أعقب محمّد المهدي صاحب السرداب».ثم قال بعد ذلك مباشرة و تحت عنوان:(الإمامان محمّد المهدي،و الحسن6.

ص: 130


1- الفصول الفخرية(في الأنساب)للنسابة جمال الدين أحمد بن عنبه:134-135.
2- روضة الألباب لمعرفة الأنساب/للنسابة الزيدي السيّد أبي الحسن محمّد الحسيني اليماني الصنعاني:105.
3- سبائك الذهب/السويدي:346.

العسكري):

«الإمام الحسن العسكري:ولد بالمدينة سنة 231 ه و توفّي بسامراء سنة 260 ه.

الإمام محمّد المهديّ:لم يذكر له ذرّية،و لا أولاد له أبدا» (1).

ثم علّق في هامش العبارة الأخيرة بما هذا نصّه:«ولد في النصف من شعبان سنة 255 ه،و أمّه نرجس،وصف فقالوا عنه:ناصع اللون،واضح الجبين،أبلج الحاجب،مسنون الخدّ،أقني الأنف،أشم،أروع،كأنّه غصن بان،و كأنّ غرّته كوكب دريّ،في خدّه الأيمن خال،كأنّه فتات مسك علي بياض الفضّة،و له و فرة سمحاء تطالع شحمة أذنه،ما رأت العيون أقصد منه،و لا أكثر حسنا و سكينة و حياء» (2).

و بعد،فهذه هي أقوال علماء الأنساب في ولادة الإمام المهدي عليه السّلام و فيهم السنّي،و الزيدي،إلي جانب الشيعي،و في المثل:أهل مكّة أعرف بشعابها.

اعتراف علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهدي عليه السّلام:

هناك اعترافات ضافية سجّلها الكثير من أهل السنّة بأقلامهم بولادة الإمام المهدي عليه السّلام،و قد قام البعض بإستقراء هذه الإعترافات في بحوث خاصة،فكانت متّصلة الأزمان،بحيث لا تتعذّر معاصرة صاحب الإعتراف اللاحق لصاحب الإعتراف السابق بولادة المهدي عليه السّلام،و ذلك ابتداء من عصر الغيبة الصغري للإمام المهدي عليه السّلام(260 ه-329 ه)و الي الوقت الحاضر.

و سوف نقتصر علي ذكر بعضهم-و من أراد المزيد من ذلك فليراجع

ص: 131


1- الدّرر البهية في الأنساب الحيدريّة و الاويسيّة:73(طبع/حلب سوريا-1405 ه).
2- هامش الدّرر البهيّة:73-74.

الإستقراءات السابقة لتلك الاعترافات (1)-و هم:

1-ابن الأثير الجزري عزّ الدين(ت630/ ه)قال في كتابة الكامل في التاريخ في حوادث سنة(260 ه):«و فيها توفّي أبو محمّد العلوي العسكري،و هو أحد الأئمّة الإثني عشر علي مذهب الإمامية،و هو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظر» (2).

2-ابن خلكان(ت681/ ه)قال في وفيات الأعيان:«أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد المذكور قبله،ثاني عشر الأئمّة الإثني عشر علي إعتقاد الإمامية المعروف بالحجّة...كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين»ثم نقل عن المؤرّخ الرّحالة ابن الأزرق الفارقي(ت577/ ه)أنّه قال في تاريخ ميّافارقين:«إنّ الحجّة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأوّل سنة ثمان و خمسين و مائتين،و قيل:في ثامن شعبان سنة ست و خمسين، و هو الأصح» (3).

أقول:الصحيح في ولادته عليه السّلام هو ما ذكره ابن خلكان أوّلا،و هو يوم الجمعة منتصف شهر شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين،و علي ذلك اتّفق جمهور الشيعة،و قد أخرجوا في ذلك روايات صحيحة في ذلك مع6.

ص: 132


1- راجع كتاب الايمان الصحيح للسيد القزويني،و كتاب الإمام المهدي في نهج البلاغة للشيخ مهدي فقيه ايماني،و كتاب من هو الإمام المهدي للتبريزي،و كتاب الزام الناصب للشيخ علي اليزدي الحائري،و كتاب الإمام المهدي للاستاذ علي محمد دخيل،و كتابنا دفاع عن الكافي. و قد ذكرنا في هذا الأخير مائة و ثمانية و عشرين شخصا من أهل السنّة من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي عليه السّلام مع ترتيبهم بحسب القرون،ابتداء من عصر الغيبة الصغري و انتهاء بالقرن الرابع عشر الهجري.انظر:دفاع عن الكافي 1:568-592 تحت عنوان:الدليل السادس:اعترافات أهل السنة.
2- الكامل في التاريخ 7:274 في آخر حوادث سنة260/ ه
3- وفيات الأعيان 4:562/176.

شهادة أعلامهم المتقدّمين،و قد أطلق هذا التاريخ الشيخ الكليني المعاصر للغيبة الصغري بكاملها تقريبا إطلاق المسلّمات،و قدّمه علي الروايات الواردة بخلافه،فقال في باب مولد الصاحب عليه السّلام:«ولد عليه السّلام للنصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين» (1).

و قد روي الصدوق(ت381/ ه)عن شيخه محمد بن محمد بن عصام الكليني،عن محمّد بن يعقوب الكليني،عن علي بن محمّد بن بندار قال:

«ولد الصاحب عليه السّلام للنصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين» (2).

و الكليني لم ينسب قوله إلي علي بن محمّد،لشهرته و حصول الإتّفاق عليه.

3-الذهبي(ت748/ ه)اعترف بولادة المهدي عليه السّلام في ثلاثة من كتبه، و لم نتتبع كتبه الأخري.

قال في كتابه العبر:«و فيها*أي:في سنة 256 ه*ولد محمّد بن الحسن بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الكاظم ابن جعفر الصادق العلوي الحسيني،أبو القاسم الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجّة،و تلقّبه بالمهدي،و المنتظر،و تلقبه بصاحب الزمان،و هو خاتمة الإثني عشر» (3).

و قال في تاريخ دول الإسلام في ترجمة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:

«الحسن بن عليّ بن محمّد بن علي الرضا بن موسي بن جعفر الصادق،أبو محمّد الهاشمي الحسيني،أحد أئمّة الشيعة،الذي تدّعي الشيعة عصمتهم،و يقال له:الحسن العسكري،لكونه سكن سامراء،فإنّها يقال1.

ص: 133


1- أصول الكافي 1:514 باب 125.
2- إكمال الدين 2:4/430 باب 42.
3- العبر في خبر من غبر 3:31.

لها:العسكر.و هو والد منتظر الرافضة،توفّي إلي رضوان اللّه بسامراء في ثامن ربيع الأوّل سنة ستين و مائتين،و له تسع و عشرون سنة،و دفن إلي جانب والده.

و أما ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجّة، فولد سنة ثمان و خمسين،و قيل سنة ست و خمسين» (1).

و قال في سير أعلام النبلاء:«المنتظر الشريف أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضي بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين بن عليّ ابن الحسين الشهيد بن الإمام عليّ بن أبي طالب،العلوي،الحسيني خاتمة الإثني عشر سيّدا» (2).

أقول:ما يعنينا من رأي الذهبي في ولادة الإمام المهدي عليه السّلام فقد بيّناه، و أمّا عن اعتقاده بالمهدي عليه السّلام،فهو كما في جميع أقواله الاخري كان ينتظر -كغيره-سرابا،كما أوضحناه في من يعتقد بكون المهدي(محمّد بن عبد اللّه).

4-ابن الوردي(ت749/ ه)قال في ذيل تتمة المختصر المعروف بتاريخ ابن الوردي:«ولد محمّد بن الحسن الخالص سنة خمس و خمسين و مائتين» (3).

5-أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي(ت974/ ه)قال في كتابه (الصواعق المحرقة)في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصه:«أبو محمّد الحسن الخالص،و جعل ابن خلكان هذا هو العسكري،6.

ص: 134


1- تاريخ دول الإسلام:/159/113الجزء الخاص في حوادث و وفيات(251-260 ه).
2- سير أعلام النبلاء 13:/119الترجمة رقم(60).
3- نقله عنه مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار:186.

ولد سنة إثنتين و ثلاثين و مائتين...مات بسرّ من رأي،و دفن عند أبيه و عمّه،و عمره ثمانية و عشرون سنة،و يقال:إنّه سمّ أيضا،و لم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة،و عمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه اللّه فيها الحكمة،و يسمي القائم المنتظر،قيل:لأنّه ستر بالمدينة و غاب فلم يعرف أين ذهب» (1)انتهي.

6-الشبراوي الشافعي(ت1171/ ه)صرح في كتابه(الاتحاف) بولادة الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري عليهما السّلام في ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين من الهجرة (2).

7-مؤمن بن حسن الشبلنجي(ت1308/ ه)اعترف في كتابه(نور الأبصار)باسم الإمام المهدي عليه السّلام،و نسبه الشريف الطاهر،و كنيته،و ألقابه -في كلام طويل إلي أن قال:«و هو آخر الأئمّة الإثني عشر علي ما ذهب إليه الإمامية»ثم نقل عن تاريخ ابن الوردي ما تقدم برقم4/ (3).

8-خير الدين الزركلي(ت1396/ ه)قال في كتابه(الاعلام)في ترجمة الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام:«محمّد بن الحسن العسكري الخالص بن عليّ الهادي أبو القاسم،آخر الأئمّة الإثني عشر عند الإمامية..ولد في سامراء،و مات أبوه و له من العمر خمس سنين..و قيل-في تاريخ مولده-:

ليلة نصف شعبان سنة 255،و في تاريخ غيبته،سنة 265 ه» (4).

أقول:ابتداء تاريخ الغيبة الصغري هو(260 ه)باتفاق الشيعة أجمع و كذلك عند سائر من أرّخ لتاريخ الغيبة في ما اطلعنا عليه.و لعلّ ما ورد0.

ص: 135


1- الصواعق المحرقة/ابن حجر الهيتمي الطبعة الأولي ص 207،و الطبعة الثانية ص 124، و الطبعة الثالثة ص 313-314.
2- الإتحاف بحب الأشراف:68.
3- نور الأبصار:186.
4- الأعلام 6:80.

في الأعلام من غلط المطبعة؛لأنّ الزركلي لم يكتب سنة الغيبة كتابة بل رقما،و احتمال الغلط في طباعة الأرقام ممكن جدّا.

إلي غير هذا من الإعترافات الكثيرة الاخري التي لا يسعها البحث.

اعتراف أهل السنّة بأنّ المهدي هو ابن العسكري عليهما السّلام:

هناك إعترافات اخري من علماء أهل السنّة بخصوص كون المهدي الموعود بظهوره في آخر الزمان إنّما هو محمّد بن الحسن العسكري عليهما السّلام الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام الذين هم أئمّة للمسلمين جميعا،لا للرافضة وحدهم كما يدّعيه البعض مع الأسف الشديد،و كأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أوصي(الرافضة)وحدهم بالتمسّك بالثقلين كتاب اللّه و عترته أهل بيته عليهم السّلام!

و علي أية حال فإنّنا سوف نذكر بعض من أنصف و صرّح بالحقيقة و هم:

1-محيي الدين ابن العربي(ت638/ ه):صرّح بهذه الحقيقة في كتابه (الفتوحات المكيّة)في الباب السادس و الستّين و ثلاثمائة في المبحث الخامس علي ما نقله عنه عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي(ت973/ ه)في كتابه(اليواقيت و الجواهر)،كما نقل قوله الحمزاوي في(مشارق الأنوار)،و الصبّان في(اسعاف الراغبين)،و لكن من يدّعي الحفاظ علي التراث سوّلت له نفسه حذف هذا الإعتراف من طبعات الكتاب إذ لا يوجد في الباب المذكور-كما تتبعته بنفسي-ما نقله الشعراني عنه،فقال:«و عبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس و الستّين و ثلاثمائة من الفتوحات:و اعلموا أنّه لا بدّ من خروج المهدي عليه السّلام،و لكن لا يخرج حتي تمتليء الأرض جورا و ظلما فيملأها قسطا و عدلا،و لو لم يكن من الدّنيا إلاّ يوم واحد طوّل اللّه تعالي ذلك

ص: 136

اليوم حتي يلي ذلك الخليفة،و هو من عترة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم،من ولد فاطمة عليها السّلام،و جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب،و والده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي...» (1).

2-كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي(ت652/ ه)قال في كتابه (مطالب السؤول):«أبي القاسم محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل ابن القانع بن عليّ الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن عليّ المرتضي أمير المؤمنين بن أبي طالب،المهدي،الحجّة،الخلف الصالح، المنتظر عليهم السّلام.و رحمة اللّه و بركاته».

ثم أنشد أبياتا،مطلعها:

فهذا الخلف الحجّة قد أيّده اللّه هذا منهج الحقّ و آتاه سجاياه (2)

3-سبط بن الجوزي الحنبلي(ت654/ ه)قال في(تذكرة الخواص) -عن الإمام المهدي-:«هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ ابن موسي الرضا بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و كنيته أبو عبد اللّه،و أبو القاسم،و هو الخلف الحجّة، صاحب الزمان،القائم،و المنتظر،و التالي،و هو آخر الأئمّة» (3).

4-محمد بن يوسف أبو عبد اللّه الكنجي الشافعي(المقتول سنة/ 658 ه)،قال في آخر صحيفة من كتابه(كفاية الطالب)عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ما نصّه-:«مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر،من سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين،و قبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر بيع3.

ص: 137


1- اليواقيت و الجواهر/الشعراني 2:143 مطبعة مصطفي البابي الحلبي بمصر لسنة 1378 ه- 1959 م.
2- مطالب السؤول 2:79 باب 12.
3- تذكرة الخواص:363.

الأوّل سنة ستّين و مائتين،و له يومئذ ثمان و عشرون سنة،و دفن في داره بسرّ من رأي في البيت الذي دفن فيه أبوه،و خلف أبنه و هو:الإمام المنتظر صلوات اللّه عليه.و نختم الكتاب و نذكره مفردا».

ثم أفرد لذكر الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري عليه السّلام كتابا أطلق عليه اسم:«البيان في أخبار صاحب الزمان»و هو مطبوع بنهاية كتابه الأوّل (كفاية الطالب)و كلاهما بغلاف واحد،و قد تناول في البيان أمورا كثيرة كان آخرها إثبات كون المهدي عليه السّلام حيّا باقيا منذ غيبته إلي أن يملأ الدنيا بظهوره في آخر الزمان قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا (1).

5-نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي(ت855/ ه)عنون الفصل الثاني عشر من كتابه:(الفصول المهمّة)بعنوان:«في ذكر أبي القاسم الحجّة،الخلف الصالح،ابن أبي محمّد الحسن الخالص،و هو الإمام الثاني عشر».

و قد احتجّ بهذا الفصل بقول الكنجي الشافعي:«و ممّا يدلّ علي كون المهدي حيّا باقيا منذ غيبته إلي الآن،و إنّه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسي ابن مريم،و الخضر،و الياس من أولياء اللّه،و بقاء الأعور الدجّال،و إبليس اللعين من أعداء اللّه،هو الكتاب و السنّة»ثم أورد أدلّته علي ذلك من الكتاب و السنّة،مفصّلا تاريخ ولادة الإمام المهدي عليه السّلام،و دلائل إمامته، و طرفا من أخباره،و غيبته،و مدّة قيام دولته الكريمة،و ذكر كنيته، و نسبه،و غير ذلك ممّا يتّصل بالإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري عليهما السّلام (2).

6-الفضل بن روزبهان(ت/بعد 909 ه).قال في كتابه:إبطال الباطل0.

ص: 138


1- البيان في أخبار صاحب الزمان:521 باب 25.
2- الفصول المهة/ابن الصبّاغ المالكي:287-200.

كلاما جليلا بحقّ أهل البيت عليهم السّلام ثم قال:«و نعم ما قلت فيهم منظوما:

سلام علي المصطفي المجتبي سلام علي السيّد المرتضي

سلام علي ستّنا فاطمة من اختارها اللّه خير النسا

سلام من المسك أنفاسه علي الحسن الألمعي الرضا

سلام علي الأورعي الحسين شهيد يري جسمه كربلا

سلام علي سيّد العابدين عليّ بن الحسين المجتبي

سلام علي الباقر المهتدي سلام علي الصّادق المقتدي

سلام علي الكاظم الممتحن رضيّ السجايا إمام التقي

سلام علي الثامن المؤتمن عليّ الرضا سيّد الأصفيا

سلام علي المتّقيّ التّقيّ محمّد الطيّب المرتجي

سلام علي الأريحيّ النقي عليّ المكرّم هادي الوري

سلام علي السيّد العسكري إمام يجهّز جيش الصفا

سلام علي القائم المنتظر أبي القاسم العرم نور الهدي

سيطلع كالشمس في غاسق ينجيه من سيفه المنتقي

قويّ يملأ الأرض من عدله كما ملئت جور أهل الهوي

سلام عليه و آبائه و أنصاره،ما تدوم السما» (1)

7-شمس الدين محمّد بن طولون الحنفي مؤرّخ دمشق(ت953/ ه) قال في كتابه(الأئمّة الإثنا عشر)عن الإمام المهدي عليه السّلام:«كانت ولادته رضي اللّه عنه يوم الجمعة،منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين،و لمّا توفّي أبوه المتقدّم ذكره(رضي اللّه عنهما)كان عمره خمس سنين» (2).7.

ص: 139


1- دلائل الصدق/المظفر 2:574-575 من المبحث الخامس،علما بأن الشيخ محمد حسن المظفر نقل في كتابه(دلائل الصدق)كتاب(إبطال الباطل)بتمامه،و ردّ عليه تفصيلا.
2- الأئمة الاثنا عشر/ابن طولون الحنفي:117.

ثم ذكر الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام و قال:«و قد نظمتهم علي ذلك،فقلت:

عليك بالأئمّة الإثني عشر من آل بيت المصطفي خير البشر

أبو تراب،حسن،حسين و بغض زين العابدين شين

محمّد الباقر كم علم دري؟ و الصادق ادع جعفرا بين الوري

موسي هو الكاظم،و ابنه عليّ لقّبه بالرضا و قدره عليّ

محمّد التقيّ قلبه معمور عليّ النقيّ درّه منثور

و العسكريّ الحسن المطهّر محمد المهديّ سوف يظهر» (1).

8-أحمد بن يوسف أبو العبّاس القرماني الحنفي(ت1019/ ه)قال في كتابه(أخبار الدول و آثار الأول)في الفصل الحادي عشر:«في ذكر أبي القاسم محمّد الحجّة الخلف الصالح»:

«و كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين،أتاه اللّه فيها الحكمة كما اوتيها يحيي عليه السّلام صبيّا.و كان مربوع القامة،حسن الوجه و الشعر،أقني الأنف،أجلي الجبهة...و أتّفق العلماء (2)علي أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت،و قد تعاضدت الأخبار علي ظهوره،و تظاهرت الروايات علي إشراق نوره،و ستسفر ظلمة الأيام و الليالي بسفوره،و ينجلي برؤيته الظلم إنجلاء الصبح عن ديجوره،و يسير عدله في الآفاق،فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره» (3).

9-سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي(ت1270/ ه)، كان القندوزي رحمه اللّه من علماء الأحناف المصرّحين بولادة الإمام المهدي عليه السّلام و أنّه هو القائم المنتظر،و قد مرّت أقواله و إحتجاجاته كثيرا/.

ص: 140


1- الأئمة الاثنا عشر:118.
2- انظر الي قوله:(و اتفق العلماء)و قارن بما يدّعيه أنصاف المتعلّمين و بعض المغرر بهم من مزاعم باطلة تحت شعارات التصحيح.
3- أخبار الدول و آثار الأوّل/القرماني:353-354،الفصل11/.

في هذا البحث و لا بأس بذكر قوله:«فالخبر المعلوم المحقّق عند الثقات أنّ ولادة القائم عليه السّلام كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين في بلدة سامراء» (1).

و نكتفي بهذا القدر،علي أنّ ما تركناه من أسماء العلماء الذين قالوا بولادة الإمام المهدي،أو الذين صرّحوا بكونه هو المهدي الموعود المنتظر في آخر الزمان هم أضعاف ما ذكرناه،و قد أشرنا فيما تقدّم إلي الإستقراءات السابقة التي اعتنت بإعترافاتهم و سجّلت أقوالهم./.

ص: 141


1- ينابيع المودة 3:114 في آخر الباب79/.

ص: 142

الفصل الثالث: شبهات حول المهدي

اشارة

ص: 143

ص: 144

إذا كانت هناك ثمة أمور لم تعالج في فصول البحث المتقدّمة و لها اتّصال مباشر بمسألة الإعتقاد بالإمام المهدي عليه السّلام،فانّها لا تعدو محاولات التشكيك التي لا زالت تتردّد علي لسان بعض المتطفّلين علي تراث الإسلام الخالد،و قد تعجب لو قلت لك:إنّهم لا يعرفون من علوم الحديث الشريف و مصطلحه شيئا؛و لهذا وقعوا في حبالة الشبهات و تذرّعوا بحجج واهية هي أوهي من بيت العنكبوت،كما سيتضح ذلك من دراستها و مناقشتها في هذا الفصل،و علي النحو الآتي:

التذرّع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي عليه السّلام

اشارة

و من الذرائع الواهية التي تمسّكوا بها في هذا المقام هو أنّ البخاري و مسلما لم يرويا حديثا في الإمام المهدي عليه السّلام (1).

و قبل مناقشة حجّتهم تلك نود التأكيد علي أمور.

الأوّل:في الصحيح المنقول عن البخاري أنّه قال عن كتابه الصحيح:

أخرجت هذا الكتاب عن مائة ألف حديث صحيح-و في لفظ آخر:عن مائتي ألف حديث صحيح-و ما تركته من الصحيح أكثر،فالبخاري إذن لم يحكم بضعف كلّ حديث لم يروه،بل ما حكم عليه بالصحّة يزيد علي مجموع ما أخرجه عشرات المرّات.

ص: 145


1- انظر:الإمام الصادق/أبو زهرة:238-239،المهدي و المهدوية/أحمد أمين:41.

الثاني:إنّه لا يعرف عن عالم من أهل السنّة قط أنّه قال بضعف ما لم يروه الشيخان،بل سيرتهم تدلّ علي العكس تماما،فقد استدركوا علي الصحيحين الكثير من الأحاديث الصحيحة،و وضعوا لأجل ذلك الكتب.

الثالث:من مراجعة تعريفهم للحديث الصحيح لا تجده مشروطا بروايته في الصحيحين أو أحدهما،و كذلك الحال في تعريفهم للخبر المتواتر،و من هنا يعلم أنّه ليس من شرط صحّة الخبر أو تواتره أن يكون راويه البخاري أو مسلما أو كلاهما،بل و حتي لو اتّفق البخاري و مسلم علي عدم رواية خبر متواتر،فلا يقدح ذلك الإتّفاق بتواتره عند أهل السنّة،و خير ما يمثّل هذا هو حديث العشرة المبشّرة بالجنة كما هو معلوم عند أهل السنّة الذين ذهبوا إلي تواتره،و لم يروه البخاري و لا مسلم قط.

الرابع:إنّ من تذرّع في إنكار ظهور الإمام المهدي عليه السّلام بخلو الصحيحين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن،لا علم له بواقع الصحيحين كما سنوضحه في جواب هذا الإحتجاج،فنقول:

لا يخفي علي أحد،إنّ الأحاديث الواردة في الإمام المهدي عليه السّلام قد تعرّضت لبيان مختلف الأمور:كبيان اسمه الشريف،و بعض أوصافه، و علامات ظهوره،و طريقة حكمه بين الرعية،و غير ذلك من الأمور الكثيرة الأخري،و لا شكّ أنّه ليس من الواجب التنصيص علي لفظ (المهدي)في كلّ حديث من هذه الأحاديث،لبداهة معرفة المراد من دون حاجة إلي التشخيص.فمثلا لو ورد حديث يبيّن صفة من صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان عليه السّلام مع التصريح بلفظ(المهدي)،ثم ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلا لا بعنوان المهدي و إنّما بعنوان(رجل)فهل يشكّ عاقل في أن الرجل المقصود هو المهدي؟و إلاّ

ص: 146

فكيف يعرف الإجمال في بعض الأحاديث؟،و هل هناك طريقة عند علماء المسلمين شرقا و غربا غير ردّ المجمل إلي المفصّل سواء كان المجمل و المفصّل في كتاب واحد أو كان كلّ منهما في كتاب.

و اذا ما عدنا إلي الصحيحين سنجد أنّ البخاري و مسلما قد رويا عشرات الأحاديث المجملة في المهدي عليه السّلام،و قد أرجع علماء أهل السنّة تلك الأحاديث إلي الإمام المهدي لوجود ما يرفع ذلك الاجمال في الاحاديث الصحيحة المخرّجة في بقية كتب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات.

بل و نجد أيضا ما يكاد يكون صريحا جدّا بالإمام المهدي في صحيحي البخاري و مسلم،و قبل أن نبيّن هذه الحقيقة نودّ أن نقول بأنّ حديث:«المهدي حقّ،و هو من ولد فاطمة»قد أخرجه أربعة من علماء أهل السنّة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحة،و عند الرجوع إلي طبعات صحيح مسلم المتيسّرة لا تجد لهذا الحديث أثرا!!

أما من صرّح بوجود الحديث في صحيح مسلم و أخرجه عنه فهم:

1-ابن حجر الهيثمي(ت974/ ه)في الصواعق المحرقة ص 163، الباب الحادي عشر،الفصل الأول.

2-المتّقي الهندي الحنفي(ت975/ ه)في كنز العمال ج 14 ص 264 حديث 38662.

3-الشيخ محمد علي الصبان(ت1206/ ه)في إسعاف الراغبين ص 145.

4-الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي(ت1303/ ه)في مشارق الأنوار:ص 112 و علي أية حال فإنّ قسما من أحاديث الصحيحين لا يمكن تفسيره إلاّ بالإمام المهدي عليه السّلام.

ص: 147

و لم يكن هذا اجتهادا منّا في فهم أحاديث الصحيحين،و إنّما هو ما اتّفق عليه خمسة من شارحي صحيح البخاري كما سنوضحه في محلّه.

أحاديث الصحيحين المفسّرة في المهدي عليه السّلام:

1-أحاديث خروج الدجّال في الصحيحين:

اقتصر البخاري في صحيحه علي رواية خروج الدجّال و فتنته (1)بينما وردت في صحيح مسلم عشرات الأحاديث في خروج الدجّال،و سيرته، و أوصافه،و عبثه،و فساده،و جنده،و نهايته (2).

و قد صرح النووي في شرح صحيح مسلم بأنّ هذه الأحاديث الواردة «في قصّة الدجّال،حجّة لمذهب أهل الحق في صحّة وجوده،و أنّه شخص بعينه ابتلي اللّه به عباده-إلي أن قال-:هذا مذهب أهل السنّة، و جميع المحدّثين،و الفقهاء،و النّظار» (3).

أما علاقة هذه الأحاديث بظهور المهدي عليه السّلام فتظهر من شهادة أعلام أهل السنّة بتواتر أحاديث المهدي و ظهوره في آخر الزمان و خروج عيسي عليه السّلام معه فيساعده علي قتل الدجّال،و قد مرّت أقوالهم في إثبات تواتر تلك الأحاديث.

2-أحاديث نزول عيسي في الصحيحين:

أخرج البخاري و مسلم كلّ بسنده عن أبي هريرة أنّه قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم:كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم

ص: 148


1- صحيح البخاري 4:205 كتاب الأنبياء،باب ما ذكر عن بني إسرائيل،و 9:75 كتاب الفتن باب ذكر الدجّال.
2- صحيح مسلم بشرح النووي 18:23 و 58-78 كتاب الفتن و أشراط الساعة.
3- صحيح مسلم بشرح النووي 18:58.

و إمامكم منكم»؟ (1).

و في صحيح مسلم بسنده،عن جابر بن عبد اللّه قال:«سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و سلّم يقول:لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون علي الحقّ ظاهرين إلي يوم القيامة،قال:فينزل عيسي بن مريم عليه السّلام،فيقول أميرهم تعال صلّ لنا،فيقول:لا،إنّ بعضكم علي بعض أمراء تكرمة لهذه الأمّة» (2).

و إلي هنا يتّضح أنّ امام المسلمين الذي سيكون موجودا عند نزول عيسي بن مريم عليه السّلام كما في الصحيحين انّما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل علي الحقّ إلي يوم القيامة،كما في صحيح مسلم،بحيث يأبي عيسي من إمامة تلك الطائفة و أميرها في الصلاة،تعظيما و إجلالا و تكرمة لهم و هذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.

و إذا ما عدنا إلي كتب الصحاح الأخري و المسانيد و غيرها نجد الروايات الكثيرة جدّا التي تصرّح بأنّ هذا الإمام-أمير الطائفة التي تقاتل علي الحقّ إلي يوم القيامة-هو الإمام المهدي عليه السّلام لا سواه.

منها:ما أخرجه ابن أبي شيبة،عن ابن سيرين:«المهدي من هذه الأمّة و هو الذي يؤم عيسي بن مريم» (3).

و منها:ما أخرجه أبو نعيم،عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده،عن حذيفة أنّه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم:«...يلتفت المهدي و قد نزل عيسي ابن مريم كأنّما يقطر من شعره الماء،فيقول المهدي:تقدّم صلّ بالناس،8.

ص: 149


1- صحيح البخاري 4:205 باب ما ذكر عن بني إسرائيل،و صحيح مسلم 1:244/136 باب نزول عيسي بن مريم عليه السّلام،و قد وردت أحاديث اخري بهذا المعني في كلّ من البابين المذكورين.
2- صحيح مسلم 1:247/137 باب نزول عيسي عليه السّلام.
3- المصنّف/ابن أبي شيبة 15:19495/198.

فيقول عيسي:إنّما اقيمت الصلاة لك،فيصلّي خلف رجل من ولدي» (1).

و بعد فلا حاجة للاطالة في ايراد الأحاديث الأخري الكثيرة المبيّنة بأنّ المراد بالإمام في حديث الصحيحين هو الإمام المهدي عليه السّلام (2).

و قد جمع معظم هذه الأحاديث السيوطي في رسالته(العرف الوردي في أخبار المهدي)المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوي،أخرجها من كتاب الأربعين للحافظ أبي نعيم،و زاد عليها ما فات علي أبي نعيم كالأحاديث التي ذكرها نعيم بن حمّاد،الذي قال عنه السيوطي:«و هو أحد الأئمّة الحفّاظ،و أحد شيوخ البخاري» (3).

أقول:و من راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنّهم متّفقون علي تفسير لفظة(الامام)الواردة في حديث البخاري بالإمام المهدي عليه السّلام.

فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي أثناء شرحه لحديث البخاري المتقدّم حتي قال:«و في صلاة عيسي عليه السّلام خلف رجل من هذه الأمّة،مع كونه في آخر الزمان، و قرب قيام الساعة،دلالة للصحيح من الأقوال:إن الأرض لا تخلو عن قائم للّه بحجّة» (4).

كما فسّره في ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي،مصرّحا بإقتداء عيسي بالإمام المهدي عليهما السّلام في الصلاة (5).9.

ص: 150


1- الحاوي للفتاوي/السيوطي 2:81.
2- راجع:سنن الترمذي 5:2869/152،مسند أحمد 3:130،و الحاوي للفتاوي 2:78، و فيض القدير للمنّاوي 6:17.
3- الحاوي للفتاوي 2:80.
4- فتح الباري شرح صحيح البخاري 6:383-385.
5- إرشاد الساري/القسطلاني 5:419.

كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري (1)،و أمّا في فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثا مفسّرا لحديث البخاري ثم قال:

«فهذا صريح في أنّ مصداق الإمام في الأحاديث،هو الإمام المهدي- إلي أن قال:-و بأيّ حديث بعده يؤمنون؟» (2).

و أما في حاشية البدر الساري إلي فيض الباري فقد أطال في شرح الحديث المذكور مبيّنا ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلي أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه،و قد جمع من تلك الأحاديث المبيّنة لحديث البخاري ما حمله علي التصريح بأنّ المراد بالإمام هو الإمام المهدي عليه السّلام قال:«و قد بيّن هذا المعني حديث ابن ماجة مفصّلا،و إسناده قوي» (3).

3-أحاديث من يحثي المال في صحيح مسلم:

أخرج مسلم في صحيحه بسنده،عن جابر بن عبد اللّه،أنّه قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلم:يكون في آخر أمّتي خليفة يحثي المال حثيا،لا يعده عدّا» (4).

و قد رواه من طرق أخري عن جابر،و أبي سعيد الخدري،عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلم (5)،و صفة إحثاء المال(مبالغة في الكثرة)ليس لها موصوف قط غير الإمام المهدي عليه السّلام في كتب أهل السنّة و رواياتهم.

منها:ما أخرجه الترمذي و حسنه بسنده،عن أبي سعيد الخدري،عن

ص: 151


1- عمدة القاري بشرح صحيح البخاري/العيني 16:39-40 من المجلّد الثامن.
2- فيض الباري علي صحيح البخاري 4:44-47.
3- حاشية البدر الساري إلي فيض الباري 4:44-47.
4- صحيح مسلم بشرح النووي 18:38.
5- صحيح مسلم 18:39.

النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم قال:«إنّ في أمّتي المهدي-إلي أن قال-:

فيجيء إليه الرجل فيقول:يا مهديّ!أعطني أعطني،فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» (1).

و هذا هو المروي-من عدّة طرق-عن أبي هريرة،و أبي سعيد الخدري (2).

4-أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم:

أخرج مسلم في صحيحه بسنده،عن عبيد اللّه بن القبطية أنّه قال:

دخل الحارث بن أبي ربيعة،و عبد اللّه بن صفوان،و أنا معهما علي أمّ سلمة أم المؤمنين،فسألاها عن الجيش الذي يخسف به-و كان ذلك في أيّام ابن الزبير-فقالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم:«يعوذ عائذ في البيت، فيبعث إليه بعث،فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم» (3).

و قد يظن بعض الجهلاء أنّ هذا الحديث من وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبد اللّه بن الزبير مع الامويّين التي انتهت بقتله.و لكن الواقع ليس كذلك إذ روي الحديث من طرق شتي:عن ابن عبّاس،و ابن مسعود، و حذيفة،و أبي هريرة،و جدّ عمرو بن شعيب،و أم سلمة،و صفية، و عائشة،و حفصة،و نفيرة امرأة القعقاع،و غيرهم من كبار الصحابة،مع

ص: 152


1- سنن الترمذي 4:2232/506.
2- المصنف/ابن أبي شيبة 15:19485/196 و 19486،و مسند أحمد 3:80،و المصنف لعبد الرزا 11:20770/371،و مستدرك الحاكم 4:454،و دلائل النبوة للبيهقي 6: 514،و تاريخ بغداد 10:48،و عقد الدّرر للمقدسي الشافعي:61 باب4/،و البيان للكنجي الشافعي:506 باب11/،و البداية و النهاية 6:247،و مجمع الزوائد 7:314،و الدر المنثور 6:58،و الحاوي للفتاوي 2:59 و 62 و 63 و 64.
3- صحيح مسلم بشرح النووي 18:4 و 5 و 6 و 7.

تصحيح الحاكم لبعض طرقه علي شرط الشيخين (1).

و بالجملة-فإنّ خسف البيداء يكون بالجيش الذي يقاتل الإمام المهدي عليه السّلام في لسان جميع الأحاديث الواردة في هذا الشأن،و هي تكفي لتوضيح المراد بحديث مسلم،قال في غاية المأمول:«و ما سمعنا بجيش خسف به للآن،و لو وقع لاشتهر أمره كأصحاب الفيل» (2).

إذن لا بدّ من وقوع الخسف بأعداء المهدي عليه السّلام إن عاجلا أو آجلا، و هنالك سيخسر المبطلون.

التذرّع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي عليه السّلام

اشارة

تذرّع منكر و عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السّلام بتضعيفات ابن خلدون لبعض أحاديث المهدي،و للأسف إنّهم لم يلتفتوا إلي ردود علماء الدراية من أهل السنّة علي ابن خلدون،و تناسوا أيضا تصريح ابن خلدون نفسه أثناء تضعيفه لبعض الأحاديث الواردة في الإمام المهدي بصحّة بعضها الآخر.

قال الاستاذ الأزهري سعد محمد حسن-تلميذ الاستاذ أحمد أمين -عن أحاديث المهدي:«و لقد أوسع علماء الحديث و نقدته هذه المجموعة نقدا و تفنيدا،و رفضها بشدّة العلاّمة ابن خلدون» (3).

ص: 153


1- مسند أحمد 3:37،سنن الترمذي 4:2232/506،و مستدرك الحاكم 4:520 و تلخيص المستدرك للذهبي 4:520،و أخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح،كما نصّ علي ذلك في عون المعبود شرح سنن أبي داود 11:380 شرح الحديث 4268. و قد جمع السيوطي الكثير من طرق الحديث و من رواه من الصحابة في الدرّ المنثور 6:712- 714 في تفسير الآية 51 من صورة سبأ.
2- غاية المأمول شرح التاج الجامع للاصول 5:341.
3- المهدية في الإسلام:69.

و مثل هذا الزعم نجده عند استاذه أحمد أمين (1)،و كذلك عند أبي زهرة (2)،و محمد فريد و جدي (3)،و آخرين:كالجبهان (4)،و السائح الليبي الذي قال:«و قد تتبع ابن خلدون هذه الأحاديث بالنقد،و ضعفها حديثا حديثا» (5).

حقيقة تضعيفات ابن خلدون

ممّا لا شكّ فيه،أنّ ابن خلدون نفسه من القائلين:بصحّة بعض أحاديث المهدي عليه السّلام و ضعف بعضها الآخر،و هذا لم يكن اجتهادا منّا في تفسير كلام ابن خلدون،بل الرجل صرّح بهذا في تاريخه كما سنوافيك بنقل نصّ كلامه.و يبدو لي أنّ الاستاذ أحمد أمين لم ير تصريح ابن خلدون بصحّة بعض الأحاديث،فأشار إلي تضعيفاته فقط،ثم نقل هؤلاء عنه ذلك مع صياغة جديدة في التعبير من دون مراجعة تاريخ ابن خلدون!

ثم لو فرضنا أنّ ابن خلدون لم يصرّح بصحّة شيء من أحاديث المهديّ،أفلا يكفي تصريح غيره من علماء الحديث و الدراية بصحّة أحاديث المهدي و تواترها؟مع أنّ اختصاص ابن خلدون هو التاريخ و الاجتماع!!ثم ما هو المقدار الذي ضعّفه ابن خلدون حتي يضخّم عمله بهذه الصورة؟

إنّه لم يضعّف سوي تسعة عشر حديثا فقط من مجموع ثلاثة و عشرين حديثا فقط،و هو المجموع الكلّي الذي تناوله ابن خلدون بالدراسة

ص: 154


1- المهدي و المهدوية:108.
2- الإمام الصادق/أبو زهرة:239.
3- دائرة معارف القرن العشرين/محمد فريد وجدي 10:481.
4- تبديد الظلام/الجبهان:479-480.
5- تراثنا و موازين النقد/علي حسين السائح الليبي:185.مقال منشور في مجلة كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا،عدد10/ لسنة 1993 م-طبع بيروت.

و النقد،لا أكثر،و هو لم يذكر من الذين أخرجوا أحاديث المهدي غير سبعة فقط و هم:

«الترمذي،و أبو داود،و البزّار،و ابن ماجة،و الحاكم،و الطبراني،و أبو يعلي الموصلي» (1)،تاركا بذلك ثمانية و أربعين عالما ممّن أخرج أحاديث المهدي أولهم ابن سعد صاحب الطبقات(ت230/ ه)و آخرهم نور الدين الهيثمي(ت807/ ه).

كما لم يذكر من الصحابة الذين اسندت إليهم أحاديث المهدي عليه السّلام إلاّ أربعة عشر صحابيّا (2)،تاركا بذلك زهاء أربعين صحابيّا آخر كما فصّلنا ذلك في الفصل الأوّل.

علما بأنّه لم يذكر من أحاديث الصحابة الأربعة عشر إلاّ اليسير جدّا، في حين تتبّعنا مرويات أبي سعيد الخدري وحده-و هو من جملة الأربعة عشر-فوجدناها أكثر من العدد الكلي الذي تناوله ابن خلدون.بل و حتي الذي اختاره من أحاديث أبي سعيد الخدري لم يذكر سائر طرقه،بل اكتفي باليسير منها لعدم علمه ببقية طرق الحديث الأخري،و من راجع ما ذكرناه من طرق أحاديث المهدي و قارنه بما في تاريخ ابن خلدون- الفصل 52 من المجلّد الأوّل-علم علم اليقين بصحّة ما نقول.

و من هنا تعرّض ابن خلدون إلي مؤاخذات عنيفة،وردود مطوّلة و مختصره،و في هذا الصدد يقول أبو الفيض الشافعي في(إبراز الوهم) في الرد علي من تذرّع بتضعيفات ابن خلدون:«في الناس اليوم ممّن يخفي عليه هذا التواتر و يجهله،و يبعده عن صراط العلم جهله،و يصدّه من ينكر ظهور المهدي و ينفيه،و يقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه،مع6.

ص: 155


1- تاريخ ابن خلدون 1:555،الفصل52/.
2- تاريخ ابن خلدون:556.

جهله بأسباب التضعيف،و عدم إدراكه معني الحديث الضعيف،و تصوره مباديء هذا العلم الشريف،و فراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية بتواترها عن البيان لحالها و التعريف،و إنّما استناده في إنكاره مجرّد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المكذوبة،و لمز به ثقات رواتها من التجريحات الملفّقة المقلوبة،مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان،و لا ضرب له بنصيب،و لا سهم في هذا الشأن،و لا استوفي منه بمكيال و لا ميزان،فكيف يعتمد فيه عليه،و يرجع في تحقيق مسائله إليه؟!فالواجب:دخول البيت من بابه،و الحقّ:الرجوع في كلّ فن إلي أربابه،فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاظ الحديث و نقّاده» (1).

ثم نقل بعد ذلك عن جملة من حفّاظ الحديث و نقّاده قولهم بصحّة أحاديث المهدي و تواترها.

و قال الشيخ أحمد شاكر:«ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، و اقتحم قحما لم يكن من رجالها،إنّه تهافت في الفصل الذي عقده في «مقدّمته»تهافتا عجيبا،و غلط أغلاطا واضحة.إنّ ابن خلدون لم يحسن فهم قول المحدّثين،و لو اطّلع علي أقوالهم و فقهها ما قال شيئا ممّا قال» (2).

و قال الشيخ العباد:«ابن خلدون مؤرّخ و ليس من رجال الحديث فلا يعتدّ به في التصحيح و التضعيف،و إنّما الإعتماد بذلك بمثل:

البيهقي،و العقيلي،و الخطابي،و الذهبي،و ابن تيميّة،و ابن القيّم،.

ص: 156


1- إبراز الوهم المكنون:443.
2- الردّ علي من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي:مقال للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد،منشور في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة العدد1/ السنة12/ برقم(46) سنة 1400 ه.

و غيرهم من أهل الرواية و الدراية الذين قالوا بصحّة الكثير من أحاديث المهدي» (1).

و علي أية حال فإنّ حجّة المتمسّكين بتضعيفات ابن خلدون حجّة داحضة لإعتراف ابن خلدون نفسه بصحّة أربعة أحاديث من مجموع ما ذكره و هي:

1-ما رواه الحاكم من طريق عون الأعرابي،عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري،فقد سكت عنه ابن خلدون،و لم ينقده بحرف واحد،لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنّة قاطبة.و هو و إن لم يصرّح بصحّته إلاّ أنّ سكوته دليل علي إعترافه بصحّة الحديث (2).

2-ما رواه الحاكم-أيضا-من طريق سليمان بن عبيد،عن أبي الصدّيق الناجي،عن أبي سعيد الخدري،قال عنه ابن خلدون:«صحيح الإسناد» (3).

3-ما رواه الحاكم،عن عليّ عليه السّلام حول ظهور المهدي و صححه الحاكم علي شرط الشيخين،قال ابن خلدون:«و هو إسناد صحيح كما ذكر» (4).

4-ما رواه أبو داود السجستاني في سننه من رواية صالح بن الخليل، عن أم سلمة،قال ابن خلدون عن سنده:«و رجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم و لا مغمز» (5).8.

ص: 157


1- المصدر السابق.
2- تاريخ ابن خلدون 1:564 من الفصل52/.
3- تاريخ ابن خلدون 1:564.
4- تاريخ ابن خلدون 1:565.
5- تاريخ ابن خلدون 1:568.

تضعيفات ابن خلدون بلغة الأرقام:

إنّ لغة الأرقام الحسابية لا تقبل نقاشا و لا جدلا،و سوف نخضع نتائج البحث في تضعيفات ابن خلدون إلي تلك اللغة لنري القيمة العلمية لعمله علي جميع الإفتراضات المحتملة،و ذلك بعد تصنيف أحاديث المهدي عليه السّلام و استقرائها من ألف مجلّد كما في(معجم أحاديث المهدي) و يقع في خمسة مجلّدات اشتملت علي ما يأتي:

1-المجلدان:(الأوّل و الثاني)،اشتملا علي(560)حديثا من الاحاديث المروية بطرق الفريقين و المسندة جميعها إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

2-المجلدان:(الثالث و الرابع)،اشتملا علي(876)حديثا،اسندت إلي الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام،و اشترك أهل السنّة برواية الكثير جدّا منها مع الشيعة الامامية.

3-المجلد الخامس،اشتمل علي(505)أحاديث،و كلّها من الأحاديث المفسّرة للآيات القرآنية،و في هذا المجلّد تغطية وافية لجميع ما أورده المفسّرون-من أهل السنّة و الشيعة-من أحاديث تفسيرية في الإمام المهدي عليه السّلام.

و بهذا يكون مجموع الأحاديث غير المفسّرة للآيات(1436)حديثا و مع المفسّرة سيكون المجموع(1941)حديثا.

اما عن طرقها جميعا فلعلّها تقرب من أربعة آلاف طريق.

فإذا علمت هذا،فاعلم أخي المسلم أنّ:

1-مجموع أحاديث المهدي عليه السّلام التي تناولها ابن خلدون بالنقد هي (23)حديثا فقط.

2-أسانيد هذه الأحاديث(28)إسنادا فقط.

ص: 158

3-الصحيح منها بإعتراف ابن خلدون كما مرّ أربعة أحاديث.

4-الضعيف منها(19)حديثا فقط.

إذن:فأحاديث المهدي عليه السّلام التي لم تتناولها دراسة ابن خلدون هي (1918)حديثا منها(537)حديثا مسندا إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم و(876)حديثا مسندا إلي أهل البيت عليهم السّلام و(505)حديثا مفسّرا للآيات الكريمة في المهدي عليه السّلام.

و بهذا يعلم أنّ العدد(23)لا يشكل في الواقع إلاّ النسب التالية:

1-107,4%من مجموع الأحاديث المسندة إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

2-601,1%من مجموع الأحاديث المسندة إلي النبيّ و أهل البيت عليهم السّلام.

3-184,1%من مجموع سائر الأحاديث.

أما لو كان ابن خلدون قد تناول بالنقد جميع أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام لارتفع عدد الأحاديث الصحيحة(و هو أربعة عنده من مجموع 23)إلي الأرقام التالية طبقا للغة التناسب:

1-(98)حديثا صحيحا،لو كان تناول بالنقد جميع ما أسند إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

2-(250)حديثا صحيحا،لو كان تناوله لما أسند إلي النبيّ و أهل بيته عليهم السّلام.

3-(338)حديثا صحيحا،لو كان تناوله لسائر الأحاديث.

و لا يخفي بأنّ العدد الأوّل منها يكفي للحكم بتواتر أحاديث المهدي عليه السّلام.

و أما عن الأحاديث المردودة عند ابن خلدون،فلو قيست بما لم يتناوله من أحاديث المهدي أصلا،لكانت تضعيفاته بالقياس إلي مجموع

ص: 159

ما لم يضعّفه تمثّل النسب التالية:

1-392,3%من مجموع الأحاديث المسنده إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم.

2-320,1%من مجموع ما أسند إلي النبيّ و أهل بيته عليهم السّلام.

3-978,0%من مجموع سائر الأحاديث.

و هذه النسب-كما تري-نسب ضئيلة جدّا بحيث لا يمكن لعقل ابن خلدون أن يحتفظ بها لو كان عارفا بحقيقة تلك الأحاديث و مجموعها.

و بعد..فكيف يدّعي بأنّ ابن خلدون قد ضعّف جميع أحاديث المهدي عليه السّلام؟هذا مع ما تقدّم عنه بأنّه من المصرّحين بصحّة بعض الأحاديث علي الرغم من قلّة ما تناوله منها؟

حصر المهدي بعيسي بن مريم

ربّما قد تذرّع المنكرون من المستشرقين و غيرهم لظهور الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان بحديث محمد بن خالد الجندي الذي حصر المهدي بنبيّ اللّه عيسي عليه السّلام،و لم أجد أحدا تعرّض لهذا الحديث من علماء الإسلام إلاّ و قد سخر منه و انتقده،فهو مردود بالإتّفاق،و لكي لا ينطلي زيفه علي أحد لا بدّ من بيان حقيقته،فنقول:

الحديث أخرجه ابن ماجة،عن يونس بن عبد الأعلي،عن الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي،عن أبان بن صالح،عن الحسن البصري،عن أنس بن مالك،عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلم أنّه قال:«لا يزداد الأمر إلاّ شدّة،و لا الدّنيا إلاّ إدبارا،و لا الناس إلاّ شحّا،و لا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس،و لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم» (1).

ص: 160


1- سنن ابن ماجة 2:4039/1340،و قد أخرج ابن ماجة نفسه حديث:«المهدي حقّ و هو من ولد فاطمة»2:4086/1368،و قد سبق و أن ذكرنا من صححه أو من صرّح بتواتره من أهل السنّة.

و هذا الحديث لا يحتاج في ردّه و إبطاله إلي عناء،إذ تكفي مخالفته لجميع ما تقدّم من الأحاديث المصرّح بصحّتها و تواترها،و لو صحّ الإستدلال بكلّ ما يروي علي علاّته،لكان علم الرجال و فن دراية الحديث لغوا يجلّ عنه علماء الإسلام،و كيف لا يكون كذلك و معناه تصحيح الموضوعات،و الحكم علي الكذّابين بأنّهم من أعاظم الثقات،و علي المجاهيل بأنّهم من مشهوري الرواة،و علي النواصب بأنّهم من السادات ؟!و لما كان في الإسلام حديث متواتر قط بعد خلط الثقة المأمون بالمجروح و المطعون،و مزج الحابل بالنابل،و السليم بالسقيم.

و هل لعاقل مسلم أن يصدّق بدجّال من دجاجلة الرواة اسمه:محمّد ابن خالد الجندي؟و هو الذي وضع إلي الجند-مسيرة يومين من صنعاء -حديث الجند المشهور وضعه،و هو:«تعمل الرحال إلي أربعة مساجد:

مسجد الحرام،و مسجدي،و مسجد الأقصي،و مسجد الجند» (1).فانظر كيف حاول استمالة قلوب الناس إلي زيارة معسكر الجند بعد أن مهّد له بشدّ الرحال إلي المساجد الثلاثة المقدسة عند جميع المسلمين!

و العجب من الحافظ ابن ماجة كيف انطلت عليه زيادة محمد بن خالد الجندي عبارة:(و لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم)في هذا الحديث،مع أنّ هذا الحديث نفسه له طرق صحيحة اخري لا توجد فيها تلك الزيادة،منها:

ما أخرجه الطبراني،و الحاكم،بسندهما عن أبي امامة،و بألفاظ حديث ابن ماجة لكن من غير عبارة«و لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم»و قد صححّه الحاكم بقوله:«هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرّجاه» (2).7.

ص: 161


1- تهذيب التهذيب 9:202/125.
2- مستدرك الحاكم 4:440 كتاب الفتن و الملاحم،و انظر:المعجم الكبير للطبراني 8:/214 7757.

نعم،أورد الحاكم حديث ابن ماجة مع زيادته أيضا لكنه صرّح بأنّه إنّما أورده في مستدركه تعجّبا لا محتجّا به علي الشيخين:البخاري و مسلم (1).

و قد تناول ابن القيّم في(المنار المنيف)حديث:«و لا مهدي إلاّ عيسي ابن مريم»و نقل كلمات علماء أهل السنّة بشأنه،و أنّه ممّا تفرّد به محمّد ابن خالد الجندي،و نقل عن الآبري(ت363/ ه)قوله:«محمّد بن خالد-هذا -غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم و النقل»و عن البيهقي:

«تفرّد به محمد بن خالد هذا،و قد قال الحاكم أبو عبد اللّه:مجهول،و قد اختلف عليه في إسناده،فروي عنه،عن أبان بن أبي عياش،عن الحسن -مرسلا-عن النبي صلي اللّه عليه و سلم.قال:فرجع الحديث إلي رواية محمد بن خالد و هو مجهول،عن أبان بن أبي عياش و هو متروك،عن الحسن،عن النبي صلي اللّه عليه و سلم.و هو منقطع.و الأحاديث علي خروج المهدي أصح إسنادا» (2).

و نقل ابن حجر قدح أبي عمرو،و أبي الفتح الأزدي بمحمّد بن خالد (3).

و قال الذهبي:«قال الأزدي:منكر الحديث،و قال أبو عبد اللّه الحاكم:

مجهول،قلت:حديث(لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم)،و هو خبر منكر أخرجه ابن ماجة» (4).

و قال القرطبي:«فقوله:و لا مهدي إلاّ عيسي،يعارض أحاديث هذا الباب-ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد،و أنكر عليه حديثه إلي أن قال-:«و الأحاديث عن النبي صلي اللّه عليه و سلم في التنصيص علي5.

ص: 162


1- مستدرك الحاكم 4:441-442،كتاب الفتن و الملاحم.
2- المنار المنيف:129 و 324:325/130.
3- تهذيب التهذيب 9:202/125.
4- ميزان الإعتدال 3:7479/535.

خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم لها دونه» (1).

و قال ابن حجر:«و صرح النسائي بأنّه منكر،و جزم غيره من الحفاظ بأنّ الأحاديث التي قبله-أي الناصّة علي أنّ المهدي من ولد فاطمة-أصح إسنادا» (2).

كما وصف أبو نعيم في الحلية هذا الحديث بالغرابة،و قال:«لم نكتبه إلاّ من حديث الشافعي» (3).

و قال ابن تيمية:«و الحديث الذي فيه:(لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) رواه ابن ماجة،و هو حديث ضعيف،رواه عن يونس،عن الشافعي،عن شيخ مجهول من أهل اليمن،لا تقوم بإسناده حجّة،و ليس هو في مسنده بل مداره علي يونس بن عبد الأعلي،و روي عنه أنّه قال:حدّثت عن الشافعي،و في الخلعيّات و غيرها:حدّثنا يونس،عن الشافعي،لم يقل:

حدّثنا الشافعي،ثم قال عن حديث محمد بن خالد الجندي:و هذا تدليس يدلّ علي توهينه،و من الناس من يقول:أنّ الشافعي لم يروه» (4).

و لكثرة ما طعن به محمد بن خالد الجندي حاول بعض أنصار الإمام الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث،متّهما تلميذ الشافعي بالكذب في رواية هذا الخبر عنه،عن محمد بن خالد الجندي،مدّعيا أنّه رأي الشافعي في المنام،و هو يقول:«كذب عليّ يونس بن عبد الأعلي، ليس هذا من حديثي» (5).2.

ص: 163


1- التذكرة 2:701.
2- الصواعق المحرقة:164.
3- حلية الأولياء 9:61.
4- منهاج السنّة/ابن تيمية 4:101-102.
5- الفتن و الملاحم/ابن كثير:32.

و قد فنّد أبو الفيض الغماري حديث:(و لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) بثمانية وجوه هي في غاية الجودة و المتانة (1).

التذرّع بدعاوي المهدويّة السابقة

احتجّ اللامهدويون بدعاوي المهدويّة السابقة في إنكار عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السّلام في آخر الزمان،كإدعاء الحسنيّين مهدويّة محمّد بن عبد اللّه بن الحسن،و العبّاسيين مهدويّة المهدي العبّاسي،و نحو ذلك من الإدعاءات الأخري:كإدعاء مهدويّة ابن تومرت،أو المهدي السوداني،أو محمّد بن الحنفية رضي اللّه عنه.

و هذا الإحتجاج يبتني بالدرجة الأساس علي قياس فكرة ظهور المهدي بتلك الدعاوي المهدويّة الباطلة،و ليس هناك من ريب في أنّ هذا الإدّعاء هو مجرّد إصطناع موازنة خادعة بين الباطل من جهة و الحق من جهة أخري،ثم الخلط بين هذا و ذاك.

أمّا أوّلا:فإنّه لم تحصل أية علامة من علامات ظهور المهدي في حياة فرد واحد من أولئك الذين ادّعي لهم المهدويّة،و قد مرّ بعض هذه العلامات بروايات الصحيحين.

و أمّا ثانيا:فلثبوت وفاة هؤلاء جميعا،و لا يوجد أحد من المسلمين يعتقد بحياتهم.

و أما ثالثا:فإنهم لم يكونوا في آخر الزمان،و هو شرط ظهور الإمام المهدي عليه السّلام،و لا يعرف أحد منهم قد ملأ الدنيا قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

ص: 164


1- إبراز الوهم المكنون:538.

و أمّا رابعا:و هو الأهم،فإنّه لو صحّ هذا الإحتجاج لبطلت العدالة،إذ إدّعاها طواغيت الأرض كلّهم من فرعون مصر إلي فراعين عصرنا هذا، و لحكمنا علي العلماء بالجهل بدعوي أدعياء العلم من الجهلاء علي طول التاريخ،و لصار الشجاع في نظرنا جبانا،و الكريم بخيلا،و الحليم سفيها، إذ ما من صفة كريمة إلاّ و قد إدّعاها البعض فيه زورا.

و إذا ما عدنا إلي قضية(المهدي)نجدها واحدة من أهم القضايا التي دوّخت بصداها ذوي الأطماع السياسية،فلا جرم أن يدّعيها البعض لأنفسهم أو يروّجها لهم أتباعهم لتحقيق مآربهم.

و كما أنّ العاقل لا ينكر وجود الحقّ بمجرّد إدّعاء من لا يستحقّه، فكذلك ينبغي عليه أن لا ينكر ظهور المهدي المبشّر به في آخر الزمان علي لسان أكرم ما خلق اللّه عزّ و جلّ،نبيّنا الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلم،بمجرّد دعاوي المهدويّة الباطلة،هذا مع تصريح علماء الإسلام بصحّة الكثير من أحاديث المهدي المروية بطرق شتي بما يفيد مجموعها التواتر،كما أرسل بعضهم تواترها إرسال المسلّمات كما تقدّم في هذا البحث.

و بعد أن انكشف واقع الشبهات المتقدّمة،و أصبح ساقها هشيما، و عودها حطاما،و بناؤها ركاما،بقيت إثارات و تساؤلات أخري حول كيفية تسلّم الإمام المهدي عليه السّلام الإمامة في صباه،و طول عمره الشريف، و غيبته الطويلة،و مدي الاستفادة منها مع ادعاء كون هذه الأمور غير مقبولة عقلا!

و هذه الاثارات هي من أهم ما تمسّكوا به في المقام علي الرغم من مخالفتها لمنطق العقل و العلم.

إنّ للعقل حدودا تستقل عن رغبات الأفراد و أهوائهم الشخصية و ميولهم و اتجاهاتهم،و أحكاما يستسيغها جميع العقلاء و لا يقتصر قبولها علي

ص: 165

تصديق من أصحاب تلكم الإثارات.

و يبدو أن دعوي عدم تعقّل استلام الإمامة في مرحلة مبكرة من عمر الإمام،أو بقاء الإمام حيّا لأكثر من العمر المعتاد،و التشكيك بالغيبة، و الفائدة من الإمام الغائب؛تنطلق من واحد أو أكثر من الأمور الآتية:

1-الجهل بما في القرآن الكريم،و السنة النبوية،و التأريخ الإسلامي،مع عدم العلم بإمكان بقاء الإنسان حيّا لعدّة قرون.

2-التعصّب الطائفي الذي يقود-عادة-إلي مثل هذه الإثارات؛بهدف التضليل و محاولة سحق الطرف الآخر بعيدا عن الحجّة و البرهان.

3-الخلط بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه-كاجتماع النقيضين-و بين ما هو ممكن الوقوع و لكن لم تضطرد العادة بوقوعه كإمامة الصغير أو وجود معمّر أكثر من المألوف.

و الأوّل من المحال العقلي و الثاني من المحال في العادة و المشاهدة، و عدم التمييز بينهما قد يجعل ما هو محال عادة محالا عقليّا.

4-محاولة ربط المفاهيم الدينية بمعطيات الحضارة الماديّة التي ظهرت في أوربا بتأثير فلسفة القرنين الثامن عشر و التاسع عشر الميلاديين علي يد جوستاف لوبون،و كانت،و نيتشه،و جوته،و سبنسر،و غيرهم،و هي الفلسفة القائمة علي مبدأ العليّة و قوانينها من الحتمية و السببية،و بالتالي نشوء نظريات فلسفية عقيمة كنظرية الوجود التي أسرفت في تعميم مبدأ العليّة،و نظرية الحدوث التي تبنّت تحديد هذا المبدأ،و قد ثبت بطلانهما معا بأقوي دليل (1).

و علي الرغم من فشل المعطيات الفلسفية آنذاك إلاّ أنّ الاغترار بنظرياتها في تفسير مبدأ العلية و قوانينها أدّي إلي تأويل بعض الثوابت الدينية،6.

ص: 166


1- راجع:فلسفتنا للسيد الشهيد محمد باقر الصدر:316.

و التشكيك ببعضها الآخر في محاولة فاشلة تهدف إلي ربط جملة من المفاهيم الإسلامية بالآثار المعاصرة-يوم ذاك-تارة بعنوان الردّ العلمي الموضوعي علي الدعوات الصليبية الحاقدة التي استهدفت الإسلام، فصوّرته كآلة جامدة لا تنبض بالحياة!و تارة اخري بحجّة التجديد و مسايرة العصر!

و هكذا انعدم التوافق بين جملة من الثوابت الدينية،و بين تلك النظريات الفلسفية الخاطئة.و من هنا عجز بعض المثقفين الإسلاميين من إيجاد التفسير المقبول لسائر المعجزات و الخوارق و الغيبيات علي ضوء ما آمنوا به و روّجوا له من تلك النظريات،و وقفوا حياري أزاء الحقائق الدينية الثابتة،كتسليم الأشجار علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله،و إقبالها عليه إذا ما دعاها، و تسبيح الحصي بين يديه الشريفتين،و فوران الماء بين أصابعه المباركة سفرا و حضرا،و زيادة الطعام بحضرته المقدسة،و نحو ذلك من أمور أخري،كشروق الشمس من مغربها،و طول عمر الإمام المهدي عليه السّلام، و غيبته،و كثير من أشراط الساعة،و غيرها.

فهذه الأمور و أمثالها لم تتسع الفلسفة التي تأثّر بها محمّد رشيد رضا في «مناره»،و من تلقفها عنه:كأحمد أمين في(فجره)و(ضحاه)و(شمسه)، و محمد فريد وجدي في(دائرة معارفه)،و آخرون؛للإيمان بها،و من هنا كانت قضية الإمام المهدي بكل تلكم الأمور غير معقولة بنظرهم!!

و لأجل بيان حقيقة الحال جاء الفصل الرابع ليجيب علي تلك الإثارات من منطق العقل و العلم علي حدّ سواء.

ص: 167

ص: 168

الفصل الرابع: المهدي في منطق العقل و العلم

اشارة

ص: 169

ص: 170

إنّ المنكرين للإمام المهدي عليه السّلام بالتشخيص الذي حدّدناه-أي بكونه محمّدا نجل الإمام الحسن العسكري عليه السّلام-ينطلقون من دوافع و منطلقات بعيدة عن منهج الإسلام في الدعوة إلي الإيمان بالعقائد؛فمنهج الإسلام كما يقوم علي العقل و المنطق،فإنّه يعتمد علي الفطرة،و يستند إلي الغيب.

و الإيمان بالغيب جزء من عقيدة المسلم،إذ تكررت الدعوة قرآنا و سنّة،إلي ذلك،قال تعالي: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ* اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ... (1).

و قال تعالي: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ... (2)،و في السّنّة النبويّة مئات الروايات المؤكدة علي الإيمان بالغيب،و التصديق بما يخبر به الرسل و الأنبياء،و هذا الإيمان بالغيب لا تصحّ عقيدة المسلم بإنكاره سواء تعقّله و أدرك أسراره و تفصيلاته،أم لم يستطع إلي ذلك سبيلا،كما هو الأمر مثلا بالنسبة إلي الإيمان بالملائكة،و بالجنّ،و بعذاب القبر، و سؤال الملكين في القبر،إلي غير ذلك من المغيبات التي ذكرها القرآن أو أخبر بها نبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلم و نقلها إلينا الثقاة العدول المؤتمنون،و من جملة ذلك بل من أهمها قضية الإمام المهدي عليه السّلام الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا.1.

ص: 171


1- سورة البقرة:1/2-3.
2- سورة هود:49/11.

فالمهدي عليه السّلام قد نطقت به الصحاح و المسانيد و السنن فلا يسع مسلما إنكاره،لكثرة الطرق،و وثاقة الرواة،و دلائل التاريخ،و المشاهدة الثابتة لشخصه،كما حقّق في محلّه من هذا البحث.

و من هنا وجدنا المنكرين،سواء الذين تأثّروا بمناهج الغرب، و دراسات المستشرقين،أم ممّن نزعه عرق التعصّب لما توارثه عن سلفه، حاولوا جميعهم-بعد أن أعيتهم الحيلة،و اسقط ما في أيديهم إزاء الأدلّة النقلية المتظافرة،و البراهين الساطعة،و الإعترافات المتتالية بشخص المهدي الموعود-أن يثيروا بعض الشبهات الهزيلة،و التلبيسات الباطلة لصرف الأمّة المسلمة عن القيام بدورها،و النهوض بمسؤولياتها في مرحلة الإنتظار و الترقّب،متّبعين في ذلك مغالطات مفضوحة؛إذ زعموا أنّ طول عمر المهدي و ما يتّصل به يتعارض مع العلم و منطق العقل و الواقع،و سيتّضح للقارئ-بتسديد اللّه تعالي و توفيقه-كيف أنّ منطقهم ساقط بحسب موازين العلم،و أصول المنطق الحقّ،و المنهج السليم.

و لعلّ أهم الشبهات التي تثار هنا هي مسألة صغر سنّ الإمام،و طول عمره،و الفائدة من الغيبة بالنسبة له،و مسألة إستفادة الأمّة المسلمة منه و هو مستور غائب.

و سنحاول مناقشة ذلك وفق المنطق العلمي و الدليل العقلي.

السؤال الأوّل:كيف كان إماما و هو في الخامسة من عمره؟

و الجواب:إنّ الإمام المهدي عليه السّلام خلف أباه في إمامة المسلمين،و هذا يعني أنّه كان إماما بكلّ ما في الإمامة من محتوي فكري و روحي في وقت مبكر جدّا من حياته الشريفة.

و الإمامة المبكرة ظاهرة سبقه إليها عدد من آبائه عليهم السّلام،فالإمام الجواد محمّد بن علي عليه السّلام تولّي الإمامة و هو في الثامنة من عمره،و الإمام عليّ

ص: 172

ابن محمّد الهادي عليه السّلام تولّي الإمامة و هو في التاسعة من عمره،و الإمام أبو محمّد العسكري و هو والد الإمام المهدي المنتظر تولّي الإمامة و هو في الثانية و العشرين من عمره،و يلاحظ أنّ ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي و الإمام الجواد،و نحن نسمّيها ظاهرة لأنّها كانت بالنسبة إلي عدد من آباء المهدي عليهم السّلام تشكّل مدلولا حسيّا عمليّا عاشه المسلمون،و وعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل و آخر،و لا يمكن أن يطالب بإثبات ظاهرة من الظواهر هي أوضح و أقوي من تجربة أمّة، و نوضح ذلك ضمن النقاط الآتية:

1-لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت عليهم السّلام مركزا من مراكز السّلطان و النفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلي الابن،و يدعمها النظام الحاكم كما كان الحال في الامويّين و الفاطميّين و العباسيّين،و إنّما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة،عن طريق التغلغل الروحي،و الإقناع الفكري لتلك القواعد،بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام،و قيادته علي أسس فكرية و روحية.

2-إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام،و ازدهرت و اتّسعت علي عهد الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام و أصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان،في داخل هذه القواعد،تشكّل تيّارا فكريّا واسعا، في العالم الإسلامي يضمّ المئات من الفقهاء و المتكلّمين و المفسّرين و العلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية و البشرية المعروفة وقتئذ،حتي قال الحسن بن عليّ الوشاء:«فإنّي أدركت في هذا المسجد- يعني مسجد الكوفة-تسعمائة شيخ كلّ يقول:حدّثني جعفر بن محمد» (1).ء.

ص: 173


1- رجال النجاشي:80/40 في ترجمة الحسن بن عليّ بن زياد الوشاء.

3- إنّ الشروط التي كانت هذه المدرسة،و ما تمثّله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي،تؤمن بها،و تتقيّد بموجبها في تعيين الإمام و التعرّف علي كفاءته للإمامة شروط شديدة،لأنّها تؤمن بأنّ الإمام لا يكون إماما إلاّ إذا كان معصوما و كان أعلم علماء عصره.

4-إنّ المدرسة و قواعدها الشعبية كانت تقدّم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود علي عقيدتها في الامامة؛لأنّها كانت في نظر السلطة المعاصرة لها تشكّل خطا عدائيا،و لو من الناحية الفكرية علي الأقل،الأمر الذي أدّي إلي قيام السلطات وقتئذ و باستمرار تقريبا بحملات من التصفية و التعذيب،فقتل من قتل،و سجن من سجن،و مات من مات في ظلمات السجون و المعتقلات.و هذا يعني أنّ الإعتقاد بإمامة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام كان يكلّفهم غاليا،و لم يكن له من الإغراءات سوي ما يحسّ به المعتقد أو يفترضه من التقرّب إلي اللّه تعالي و الزلفي عنده.

5-إنّ الأئمّة الذين دانت هذه القواعد الشعبية لهم بالإمامة،لم يكونوا معزولين عنها،و لا متقوقعين في بروج عاجية عالية شأن السلاطين مع شعوبهم،و لم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي،و هذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة و المحدّثين عن كلّ واحد من الأئمّة الأحد عشر من آباء المهدي عليه السّلام،و من خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام و معاصريه،و ما كان يقوم الإمام به من أسفار من ناحية،و ما كان يبثّه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخري،و ما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمّتهم و زيارتهم في المدينة المنوّرة عندما يؤمّون الديار المقدّسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحج،كلّ ذلك يفرض تفاعلا مستمرا بدرجة واضحة بين الإمام و بين قواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف

ص: 174

طبقاتها من العلماء و غيرهم.

6-إنّ السلطة المعاصرة للأئمّة عليهم السّلام كانت تنظر إليهم و الي زعامتهم الروحية بوصفها مصدر خطر كبير علي كيانها و مقدّراتها،و علي هذا الأساس بذلت كلّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة،و تحمّلت في سبيل ذلك كثيرا من السلبيات،و ظهرت أحيانا بمظاهر القسوة و الطغيان حينما اضطرّها تأمين مواقعها إلي ذلك،و كانت حملات المطاردة و الاعتقال مستمرة للأئمّة أنفسهم علي الرغم ممّا يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الإشمئزاز عند المسلمين،و لا سيما الموالين علي إختلاف درجاتهم.

و إذا آخذنا بنظر الاعتبار هذه النقاط الست،و هي حقائق تاريخية لا تقبل الشك،أمكن أن نخرج بالنتيجة الآتية:

إنّ ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية و لم تكن وهما من الأوهام؛لأنّ الإمام الذي يبرز علي المسرح و هو صغير فيعلن عن نفسه إماما روحيّا و فكريّا للمسلمين،و يدين له بالولاء و الإمامة كلّ ذلك التيار الواسع لا بدّ أن يكون في أعلي الدرجات و المراتب من العلم و المعرفة، وسعة الافق،و التمكّن من الفقه و التفسير و العقائد،لأنّه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته،مع ما تقدّم من أن الأئمّة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم،و للأضواء المختلفة أن تسلط علي حياتهم و موازين شخصيتهم،فهل تري أن صبيّا يدعو إلي إمامة نفسه و ينصب منها علما للإسلام و هو علي مرأي و مسمع من جماهير قواعده الشعبية،فتؤمن به و تبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها و حياتها دون أن تكلّف نفسها إكتشاف حاله،و دون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف،و تقييم هذا الصبيّ الإمام؟

ص: 175

وهب أنّ الناس لم يتحرّكوا لإستطلاع الموقف،فهل يمكن أن تمرّ المسألة أيّاما و شهورا بل أعواما دون أن تتكشّف الحقيقة علي الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبيّ الإمام و سائر الناس؟

و هل من المعقول أن يكون صبيّا في فكره و علمه حقّا ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟

و إذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت عليهم السّلام لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر،فلماذا سكتت السلطة القائمة و لم تعمل علي كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟و ما كان أيسر ذلك علي السلطة القائمة لو كان الإمام الصبيّ صبيّا في فكره و ثقافته كما هو المعهود في الصبيان؟و ما كان أنجحه من اسلوب أن تقدّم الصبيّ إلي شيعته و غير شيعته علي حقيقته،و تبرهن علي عدم كفاءته للإمامة و الزعامة الروحية و الفكرية.

فلإن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين لتسلّم الإمامة،فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي إعتيادي مهما كان ذكيا و فطنا للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإمامية،و كان هذا أسهل و أيسر من الطرق المعقّدة و أساليب القمع و المجازفة التي انتهجتها السلطات و قتئذ.

إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنّها أدركت أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية،و ليست شيئا مصطنعا.

و الحقيقة أنّها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة-أي تعريضه للإختبار-فلم تستطع،و التأريخ يحدّثنا عن محاولات من هذا القبيل و عن فشلها،بينما لم يحدّثنا إطلاقا عن موقف تزعزت فيه ظاهرة الإمامة المبكّرة أو واجه فيه الصبيّ الإمام إحراجا يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

ص: 176

و هذا معني ما قلناه من أنّ الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت عليهم السّلام،و ليست مجرّد افتراض،كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها و حالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات و الزعامات الربّانية،و يكفي مثالا لظاهرة الإمامة المبكّرة في التراث الربّاني:النبيّ يحيي عليه السّلام،إذ أخبر عنه تعالي بقوله: يا يَحْيي خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.. (1).

و متي ثبت أن الإمامة المبكّرة ظاهرة واقعية و موجودة فعلا في حياة أهل البيت عليهم السّلام،لم يعد هناك إعتراض فيما يخصّ حياة المهدي عليه السّلام، و خلافته لأبيه و هو صغير.

السؤال الثاني:طول العمر

إنّ أهم ما يثيرونه في هذا المجال،و يروّجون له بإستمرار قديما و حديثا،هو قولهم:إذا كان المهدي يعبّر عن إنسان حيّ عاصر الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من أحد عشر قرنا،فكيف تأتّي له هذا العمر الطويل؟ و كيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتمّ مروره بمرحلة الشيخوخة؟!!

و من الجائز أن نطرح الشبهة بصورة سؤال كأن يقال:هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قرونا متطاولة؟!

و للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من التّمهيد ببحث مسألة الإمكان هنا.

فهناك ثلاثة أنواع متصوّرة للإمكان:

الأوّل:هو ما يصطلح عليه بالإمكان العملي،و يراد به ما هو ممكن فعلا و واقعا.أي له تحقق و وجود ظاهر و متعين.

و الثاني:هو ما يصطلح عليه بالإمكان العلمي،و يراد به ما هو غير

ص: 177


1- سورة مريم:12/19.و قد مرّ في الفصل الثاني برقم 5 و 8 إعتراف أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي،و أحمد بن يوسف القرماني الحنفي بان المهدي عليه السّلام اعطي الحكمة و هو صبيّ،فراجع.

ممتنع من الناحية العلمية الصرفة،أي أنّ العلم لا يمنع وقوعه و تحقّقه و وجوده فعلا.

و الثالث:هو ما يصطلح عليه بالإمكان المنطقي،و يراد به ما ليس مستحيلا عقلا،أي أنّ العقل لا يمنع وقوعه و تحقّقه.

و إستنادا إلي هذا نعرض المسألة كالآتي مبتدئين بالإمكان المنطقي، فنقول:

هل إنّ إمتداد عمر الإنسان مئات السنين ممكن منطقيا،أي ليس مستحيلا من وجهة نظر عقلية؟

و الجواب:نعم،بكل تأكيد،فقضية إمتداد العمر فوق الحدّ الطبيعي أضعافا مضاعفة ليست في دائرة المستحيل،كما هو واضح بأدني تأمل.

نعم،هو ليس مألوفا و مشاهدا،و لكن هناك حالات،نقلها أهل التواريخ، و تناقلتها بعض النشرات العلمية،تجعل الإنسان لا يستغرب و لا ينكر،علي أنّ الغرابة ترتفع تماما عندما يقرع سمع المسلم صوت الوحي و منطوق القرآن في النبيّ نوح عليه السّلام: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلي قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً (1)و لتقريب مسألة الإمكان بهذا المعني نضرب-مثالا- كالآتي:لو أنّ أحدا قال لجماعة:إنّي أستطيع أن أعبر النهر ماشيا،أو أجتاز النار دون أن أصاب بسوء،فلا بدّ أن يستغربوا و ينكروا،لكنّه لو حقّق ما قاله بالفعل،فعبر النهر ماشيا،أو اجتاز النار بسلام؛فإنّ إنكارهم و إستغرابهم سيزول عند ذلك،فلو جاء آخر،و قال مثل مقالة الأوّل،فإنّ درجة الإستغراب ستقلّ،و هكذا لو جاء ثالث و رابع و خامس،فإنّ ما استغربوا منه أوّل مرّة سوف لا يبقي علي حالته و قوّته في المرّة الخامسة، بل يضعف جدّا إلي أن يزول.9.

ص: 178


1- سورة العنكبوت:14/29.

و هكذا نقول في مسألتنا،فإنّ القرآن قد أخبر:أنّ نوحا عليه السّلام لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما،و هذا غير عمره قبل النبوّة!و أنّ عيسي عليه السّلام لم يمت و إنّما رفعه اللّه إليه،كما في قوله تعالي: وَ قَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (1).

و أيضا فقد جاء في روايات الصحيحين(البخاري و مسلم)أنّه سينزل إلي الأرض،و كذلك جاء فيهما أنّ الدجّال موجود حيّ (2).

و عليه فعند ما تتحدّث الروايات الصحيحة و يشهد الشهود،و تتوالي الإعترافات بوجود(المهدي)من عترة الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و اله و سلم،و من ولد فاطمة،نجل الحسن العسكري الذي ولد سنة(255 ه)،سوف لا يبقي عند ذك وجه للإستغراب و الإنكار إلاّ عنادا و إستكبارا.

و قد جاء في تفسير الرازي:«قال بعض الأطباء:المر الإنساني لا يزيد علي مائة و عشرين سنة،و الآية تدلّ علي خلاف قولهم،و العقل يوافقها، فإنّ البقاء علي التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته،و إلاّ لما بقي، و دوام تأثير المؤثّر فيه ممكن؛لأنّ المؤثّر فيه إن كان واجب الوجود فظاهر الدوام،و إن كان غيره فله مؤثّر،و ينتهي إلي الجواب و هو دائم،فتأثيره يجوز أن يكون دائما.فإذن البقاء ممكن في ذاته،فإن لم يكن فلعارض، لكن العارض ممكن العدم،و إلاّ لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود).

ص: 179


1- سورة النساء:157/4-158.
2- فصّلنا الحديث عن أحاديث نزول عيسي و أحاديث خروج الدجّال في الصحيحين(البخاري و مسلم)،و ذكرنا من اعتبرها عقيدة ثابتة لأهل السنّة مع تصريحهم ببقاء الدجّال حيّا إلي آخر الزمان و أنّ عيسي عليه السّلام سينزل في آخر الزمان ليساعد الإمام المهدي عليه السّلام علي قتله، راجع الفصل الثالث(التذرّع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي).

العارض المانع.فظهر أنّ كلامهم علي خلاف العقل و النقل» (1).

هكذا برهن الرازي علي جواز طول عمر الانسان بخلاف المعتاد كما هو الثابت في طول عمر عيسي عليه السّلام،و البرهان نفسه يصحّ الاستدلال به علي طول عمر المهدي عليه السّلام،و يقرّب هذا الاستدلال إتّفاق الصحاح و غيرها علي نزول عيسي في آخر الزمان لمساعدة المهدي علي قتل الدجّال و قد عرفت الجواب علي سؤال:من هو الإمام المهدي؟مفصّلا.

و ننقل الكلام إلي الإمكان العملي:

و نتساءل:

هل إنّ الامكان العملي بالنسبة إلي نوع الإنسان متاح الآن،و تساعد عليه التجربة أم لا؟

و الجواب:

إنّ التجارب المعاصرة في ضوء الإمكانات المتاحة و الظروف الموجودة لم تنجح لحد الآن في تحقيق مثل هذه الحالة،أي اطالة عمر الإنسان إلي حدّ أكثر من ضعف أو ضعفي العمر الطبيعي،و هذا أمر مشهود لا يحتاج إلي برهان.

و هذا لا يدلّ علي عدم طول عمر الإنسان،لأنّ الإمكان العملي ينحصر بمحاولات إطالة العمر الطبيعي للإنسان بيد الإنسان نفسه،إلاّ أن الأعمار بيد اللّه عزّ و جلّ،إذن تدخل الإنسان في إطالة العمر علي خلاف التقدير غير ممكن.

نعم،إنّه سبحانه يوفّر الأسباب الكفيلة بإدامة حياة المعمّرين إلي حين أجلهم،و دور العلم هنا اكتشاف تلك الأسباب لا أكثر إذ ليس بمقدوره إبداع الأسباب؛لإنحصارها بيده عزّ و جلّ بلا خلاف،و علي هذا يفسّر

ص: 180


1- التفسير الكبير/الرازي 25:42،في تفسير الآية:14 من سورة العنكبوت(المسألة الثانية).

الإمكان العلمي الآتي الذي ننقل الكلام إليه،فنتساءل:

هل إنّ زيادة عمر إنسان أكثر من الحدّ الطبيعي المعتاد ممكن علميّا أم لا؟!

و الجواب:

أوّلا:نعم،هي في دائرة الإمكان العلمي،و لدينا شواهد و أرقام كثيرة تؤكد إمكانها علميّا،منها:

1-إنّ التجارب العلمية آخذة بالإزدياد لإطالة عمر الإنسان أكثر من المعتاد،و هذه التجارب حثيثة و جادة لتعطيل قانون الشيخوخة،فقد جاء في مجلة المقتطف المصرية،الجزء الثاني من المجلّد 59،الصادرة في آب(اغسطس)1921 م،الموافق 26 ذي القعدة سنة 1339 ه ص 206 تحت عنوان«خلود الإنسان علي الأرض»ما هذا لفظه:

قال الاستاذ(ريمند بول)أحد أساتذة جامعة جونس هبكنس بأمريكا:

«إنّه يظهر من بعض التجارب العلمية أنّ أجزاء جسم الإنسان يمكن أن تحيا إلي أيّ وقت أريد،و عليه فمن المحتمل أن تطول حياة الإنسان إلي مائة سنة،و قد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها الي ألف سنة».

و ذكرت هذه المجلة في العدد الثالث لسنة 59 ص 239،«إنّه في الإمكان أن يبقي الإنسان حيّا ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته،و قولهم هذا ليس مجرد ظن،بل نتيجة عملية مؤيّدة بالإمتحان».

و نكتفي بهذا القدر في تأييد ما ذكرناه من الإمكان العلمي،الذي يسعي العلماء جاهدين لتحويله الي إمكان عملي واقعي فعلي.

2-و في كتاب صدر حديثا بعنوان حقائق أغرب من الخيال الجزء الأوّل ص:24 نشر مؤسسة الإيمان-بيروت،و دار الرشيد/دمشق.

ص: 181

جاء فيه:توفّي(بيريرا)في عام 1955 م في وطنه الأم مونتريا في سن 166 عاما،و قد شهد علي عمره أصدقاؤه،و سجلاّت مجلس البلدية، و بيريرا نفسه الذي استطاع أن يتذكّر بوضوح كبير معركة كاراجينا(حدثت في عام 1815 م)!و في نهاية حياته أحضر إلي نيويورك حيث فحصه جمع من الأطباء المختصّين،و مع أنّهم وجدوه محتفظا بضغط دم رجل شاب،و نبض شرياني صحيح،و قلب جيد،و عقل شاب،فقد قرّروا أنّه رجل عجوز جدّا أكثر من 150 عاما.

و جاء في ص 23،أن توماس بار عاش 152 عاما.

علي أنّ السجستاني العالم السني المشهور قد ألّف كتابا باسم (المعمّرون)ذكر فيه الكثير من المعمّرين،و فيهم من تجاوزت أعمارهم خمسمائة سنة.

3-إنّ مجرّد إجراء التجارب من قبل الأطباء للتعرّف علي مرض الشيخوخة،و أسباب الموت،و المحاولات الدائبة من قبلهم و نجاحها و لو بقدر محدود لإطالة عمر الإنسان،لهو دليل علي الإمكان،و إلاّ لكان تصرّفهم عبثا،خلاف العقل.

«و في ضوء ذلك كلّه لا يبقي مبرّر منطقي للإستغراب و الإنكار بخصوص(قضية المهدي)اللّهمّ إلاّ أن يسبق(المهدي)العلم نفسه، فيتحوّل الإمكان النظري(العلمي)إلي إمكان عملي في شخصه،قبل أن يصل العلم في تطوره إلي مستوي القدرة الفعلية.و هذا أيضا لا يوجد مبرر عقليّ لإستبعاده و إنكاره؛إذ هو نظير من يسبق العلم في إكتشاف دواء للسرطان مثلا.و مثل هذا السبق في الفكر الإسلامي قد حصل في أكثر من مفردة و عنوان،فقد سجّل القرآن الكريم نظائر ذلك حين أورد،و أشار إلي حقائق علمية تتعلّق بالكون و بالطبيعة و بالإنسان،ثم جاءت التجارب

ص: 182

العلمية الحديثة لتزيح عنها الستار أخيرا،ثم لماذا نذهب بعيدا و أمامنا القرآن الكريم يصرّح(بالإمكان العملي)فيما يتعلّق بعمر نوح عليه السّلام»؟

و كذلك صرّحت الآثار النبويّة بوجود أشخاص أحياء منذ قرون متطاولة:كالخضر،و النبيّ عيسي عليه السّلام،و الدجّال علي ما نقله مسلم في صحيحه من حديث الجساسة،فلماذا نؤمن بمثل هذه الوجودات المشخّصة،مع أنّهم ليس لهم من دور أو أهمية فيما يتعلّق بمستقبل الإسلام إلاّ المسيح الذي سيكون وزيرا و مساعدا للمهدي،و قائدا لجيوشه كما في الكثير من روايات الظهور.

و لماذا ينكر البعض حياة المهدي عليه السّلام الذي سيكون له ذلك الدور الأعظم،«يملأ الأرض قسطا و عدلا..»و ينزل عيسي ليصلّي خلفه (1)؟!!

ثانيا:لو افترضنا قانون الشيخوخة قانونا صارما،و إطالة عمر الإنسان أكثر من الحد الطبيعي و المعتاد هو خلاف القوانين الطبيعية التي دلّنا عليها الإستقراء؛فالأمر بالنسبة للمهدي عليه السّلام يكون حينئذ من قبيل المعجزة، و هي ليست حالة فريدة في التاريخ.

ثم إنّ الأمر بالنسبة للمسلم الذي يستمد عقيدته من القرآن الكريم و السّنة المشرّفة ليس منكرا أو مستغربا،إذ هو يجد أنّ القانون الطبيعي الذي هو أكثر صرامة قد عطّل،كالذي حدث بالنسبة للنبيّ إبراهيم عليه السّلام عند ما ألقي في النار العظيمة،فأنجاه اللّه تعالي بالمعجزة،كما صرّح القرآن قائلا: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ (2).

و هذه المعجزة و أمثالها من معاجز الأنبياء،و الكرامات التي أختصّ اللّه بها أولياءه،قد أصبحت بمفهومها الديني أقرب إلي الفهم بدرجة أكبر1.

ص: 183


1- اعترف بهذا خمسة من شارحي صحيح البخاري كما مرّ مفصلا في أول الفصل الثالث،فراجع.
2- سورة الأنبياء:69/21.

بكثير في ضوء المعطيات العلمية الحديثة،و الانجازات الكبيرة التي حقّقها العلماء بوسائلهم المادية؛فلقد بدأنا نشهد من الإختراعات و الإكتشافات التي لو حدّثنا عنها سابقا لأنكرناها غاية الإنكار،ثم ها هي بأيدينا الآن نستخدمها و نلهو بها أحيانا،فمثلا(التلفزيون)،فلقد كنّا نقرأ في الروايات في أبواب الملاحم(أنه سيكون في آخر الزمان يري و يسمع من في المشرق من هو في المغرب..).و ربّما عدّ بعضهم ذلك ضربا من اللامعقول،ثم ها نحن نشهده و نشاهده،و إستنادا إلي ذلك نقول:إنّ إستبعاد أمر و إنكاره لمجرّد عدم وجود حالة مماثلة أو مقاربة نشاهدها، ليس مقبولا منطقيا،و ليس مبرّرا علميّا،إذا كان الأمر يقع في دائرة الإمكان العلمي و المنطقي،و قامت عليه الشواهد و الأدلّة.

و نظير تلك الأخبار المنبئة في تراثنا عن بعض الإكتشافات العلمية الباهرة،الأخبار الأخري المنبئة بإعجاز عن ظهور الإمام المهدي بما ينطبق تمام الإنطباق مع معطيات الحضارة المعاصرة.

فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:«إنّ قائمنا إذا قام مدّ اللّه عزّ و جلّ لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم،حتي لا يكون بينهم و بين القائم بريد،يكلّمهم فيسمعون،و ينظرون إليه في مكانه» (1).

السؤال الثالث:لماذا هذه الغيبة الطويلة؟

قالوا:لماذا كلّ هذا الحرص علي إطالة عمر المهدي عليه السّلام إلي هذا الحدّ، فتعطّل القوانين لأجله،أو نضطر إلي المعجزة؟!و لماذا لا نقبل الإفتراض الآخر الذي يقول:إنّ قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك

ص: 184


1- روضة الكافي 8:329/201.

لشخص آخر يولد في ذلك الزمان،و يعيش الظروف الموضوعية،لينهض بمهمّته التغييرية؟!

و الجواب عنه-بعد الإحاطة بالمطالب المذكورة في البحث-واضح جدا،فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد أبقي أشخاصا في هذا العالم أو غيره أحياء أطول بكثير ممّا انقضي من حياة المهدي عليه السّلام،و ذلك لحكم و أسرار لا نهتدي إليها،أو علمنا ببعضها،و علي كلّ حال نؤمن بها إيمانا قطعيّا، فليكن الأمر كذلك بالنسبة الي المهدي؛لأنّا-كما أشرنا من قبل-بصفتنا مسلمين نؤمن بأنّ اللّه تعالي لا يفعل عبثا،و أيضا:نؤمن بمغيّبات كثيرة عنّا قامت عليها البراهين المتينة من العقل و النقل،فلا يضرنا إذا لم نعلم بالحكمة في معتقد من معتقداتنا،و كذلك الحال في الأحكام الشرعيّة و الأعمال العباديّة،فقد لا نهتدي إلي سرّ حكم من الأحكام،و فلسفة قانون من القوانين الإلهيّة،لكنّ التعبّد،كما في سائر الأديان الإلهيّة منها و غير الإلهيّة،بل حتي في القوانين البشريّة و الوضعيّة.

و عليه نقول:إن كانت الأدلّة التي أقمناها في الفصول السابقة علي ضرورة الإيمان بالمهدي،مع تلك المواصفات الخاصة،و أنّه الحجة ابن الحسن العسكري،و أنّه ولد و كان إماما بعد أبيه-و في الخامسة من عمره الشريف-و أنّه حيّ موجود علي طول عمره المبارك...فإنّ النتيجة الحتميّة هي القول بهذه الغيبة الطويلة،سواء علمنا-مع ذلك-بسرّ من أسرارها أو لم نعلم...و إن كان بالإمكان أن نتصوّر لها بعض الأسرار بقدر أفهامنا القاصرة و عقولنا المحدودة.فأمّا من لا يطيق من المسلمين الإلتزام بالمعجزة في طول عمر الإمام،و الفوائد المترتبة علي وجوده-مع كونه غائبا-وجب عليه تصحيح إعتقاده من الأصل،و علي ضوء الأدلّة من العقل و النقل.

ص: 185

و علي هذا الأساس أيضا لا يمكننا قبول الإفتراض الآخر،لأنّ المفروض أنّ الأدلّة قادتنا إلي إستحالة«خلو الأرض من حجّة للّه و لو آنا واحدا»،و بعد الإيمان بذلك-سواء علمنا بشيء من الحكم في ذلك،ممّا جاء في الكتب العلمية المفصّلة في الباب أو لم نعلم-فلا مناص من القول:

بوجود الإمام منذ ولادته،و أنّه لا مجال لفرض الإفتراض الآخر أبدا.

السؤال الرابع:كيف الإستفادة من الإمام الغائب؟

و أخيرا هناك سؤال ربّما يدور في الأذهان،و هو:إذا كان الإمام المهدي كذلك،فما هي الفائدة بالنسبة للامّة،و هو غائب مستور،متوار عن الأنظار؟!

و الجواب:

إنّ الذي يحقّق و يدقّق في هذه المسألة،يجب أن يضع في حسابه أوّلا الروايات و الأخبار الصحيحة التي تتحدّث عن ظهوره الذي سيكون بصورة مفاجئة و سريعة،أو علي حدّ لسان بعض الروايات(بغتة).أي:

دون تحديد زمن مخصوص أو وقت معيّن،و هذا يترتّب عليه ترقّب كلّ جيل من أجيال المسلمين لظهوره المبارك.إنّ المتأمل لهذه المسألة سوف لا يصعب عليه أن يكتشف فوائد و مزايا جمّة تتعلّق بالامّة المرحومة، منها:

1-إنّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلي أن يكون علي حالة من الإستقامة علي الشريعة،و التقيّد بأوامرها و نواهيها،و الإبتعاد عن ظلم الآخرين،أو غصب حقوقهم،و ذلك لأنّ ظهور الإمام المهدي عليه السّلام-الذي سيكون مفاجئا-يعني قيام دولته و هي التي ينتصف فيها للمظلوم من الظالم، و يبسط فيها العدل و يمحي الظلم من صفحة الوجود.و لا يقولنّ أحد:أنّ الشريعة منعت الظلم و التظالم و هذا يكفي.

ص: 186

فإنّ جوابه:إنّ الشعور و الإعتقاد بوجود السلطة و بتمكنها و سلطنتها يعدّ رادعا قويّا،و قد جاء في الأثر الصحيح«إنّ اللّه ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن..».

2-إنّ ذلك يدعو كلّ مؤمن إلي أن يكون في حالة طواريء مستمرّة من حيث التهيؤ للإنضمام إلي جيش الإمام المهدي،و الإستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة،و بسط سلطته علي الأرض لإقامة شرع اللّه تعالي،و هذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالة من التآزر و التعاون،و رصّ الصفوف و الانسجام،لأنّهم سيكونون جندا للإمام عليه السّلام.

3-إنّ هذه الغيبة تحفّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليته،و خاصة في مجال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فتكون الأمّة بذلك متحصّنة متحفّزة.إذ لا يمكن تقيّد أنصار الإمام المهدي عليه السّلام بالإنتظار فحسب،دون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،إستعدادا لبناء دولة الإسلام الكبري، و تهيئة قواعدها حتي ظهور الإمام المهدي عليه السّلام.

4-إنّ الامّة التي تعيش الإعتقاد بالمهدي الحيّ الموجود تبقي تعيش حالة الشعور بالعزّة و الكرامة،فلا تطأطيء رأسها لأعداء اللّه تعالي، و لا تذلّ لجبروتهم و طغيانهم،إذ هي تترقّب و تتطلّع لظهوره المظفّر في كلّ ساعة،و لذلك فهي تأنف من الذلّ و الهوان،و تستصغر قوي الإستكبار، و تستحقر كلّ ما يملكون من عدّة و عدد.

إنّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعا قويّا للمقاومة و الصمود و التضحية، و هذا هو الذي يخوّف أعداء اللّه و أعداء الإسلام،بل هذا هو سرّ خوفهم و رعبهم الدائم،و لذلك حاولوا علي مرّ التاريخ أن يضعفوا العقيدة بالمهدي عليه السّلام،و أن يسخّروا الأقلام المأجورة للتشكيك بها،كما كان الشأن دائما في خلق و إيجاد الفرق و التيارات الضالّة و الهدّامة لإحتواء

ص: 187

المسلمين،و صرفهم عن التمسّك بعقائدهم الصحيحة،و الترويج للإعتقادات الفاسدة مثلما حصل في نحلة:البابية،و البهائية،و القاديانية، و الوهابية.

هذا،و يمكن أن نضيف إلي هذه الثمرات و الفوائد المهمّة فوائد اخري يكتسبها المعتقد بظهور المهدي عليه السّلام في آخرته،و يأتي في مقدّمتها تصحيح إعتقاده بعدل اللّه تعالي،و رأفته بهذه الامّة،التي لم يتركها اللّه سدي ينتهبها اليأس،و يفتك بها القنوطّ،لما تشاهده من إنحراف عن الدين،دون أن يمدّ لها حبل الرجاء بظهور الدين علي كلّ الأرض بقيادة المهدي عليه السّلام.

و منها:تحصيل الثواب و الأجر علي الإنتظار،فقد ورد في الأثر الصحيح عن الصادق عليه السّلام:«المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه».

و منها:الإلتزام بقوله تعالي-حكاية عن وصية إبراهيم عليه السّلام لبنيه-:

يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفي لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (1) ،و قد مرّ بأنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه-و في عصرنا هو المهدي عليه السّلام-مات ميتة جاهلية،و إستنادا إلي كلّ ما ذكرناه يظهر معني:إنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه تعالي.

*** و أخيرا،فإنّ ممّا تسعي إليه بؤر النفاق و بشكل دؤوب هو بحثها الحثيث بين صفوف المسلمين،لعلّها تجد فيهم من تتلقّفه و تحوطه برعايتها،و تمنحه الألقاب العلمية الكاذبة التي يشره إليها؛لكي تتّخذه مطيّة لأغراضها،و بوقا لدعاياتها عبر المجلاّت و المؤتمرات التي تندّد بالإسلام و أصوله الشامخة،و لن تجد بغيتها إلاّ فيمن انحرف عن المحجّة البيضاء،و رمي بنفسه كالطفل في أحضان مربّية حمقاء تسخّره لكلّ لعبة2.

ص: 188


1- سورة البقرة:132/2.

قذرة،كما نلحظه اليوم في تقريب سليمان رشدي و من علي شاكلته،علي أمل أن تجد سمومهم طريقها إلي كلّ جسد ضعيف مسلم.

و لهذا كان من الواجب الإسلامي التنبيه علي هذه الوسيلة الدنيئة، و توعية المسلمين بأهدافها و غاياتها و أخطارها،و تحصينهم بالإيمان الصحيح الذي أمر به هرم الإسلام المقدّس:(القرآن الكريم،و السنّة المطهّرة،و مدرسة أهل البيت عليهم السّلام).

و تلبية لنداء الواجب الإسلامي،كان الحديث-في هذا الكتاب-عن الإمام المهدي عليه السّلام الذي هو حديث الإسلام بنقائه و صفائه،و قد تبيّن بالتفصيل أنّ الإعتقاد بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان إنّما هو من مستلزمات الوثوق بصدق رسالة الإسلام الخالدة،و أنّ التكذيب به هو تكذيب برسالة الإسلام التي أخبرت عن ظهوره!

و نحسب أنّ في فصول هذا الكتاب-الذي اعتني بسلاسة الاسلوب و قوة الدليل-ما يميزه عن غيره لما فيه من تلبية وافية لحاجة المثقف الإسلامي بأيّ درجة كان لمعرفة حقيقة المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي.

و الحمد للّه علي هدايته،و الصلاة و السلام علي أفضل أنبيائه و رسله محمّد،و علي آله الطاهرين، و صحبه المخلصين و من سار علي نهجهم إلي يوم الدين المحرم الحرام 1417 ه

ص: 189

ص: 190

فهرس الموضوعات

كلمة المركز للطبعة الأولي 5

كلمة المركز للطبعة الثانية 7

مقدّمة المؤلّف للطبعة الأولي 11

عالمية الإعتقاد بالمهدي عليه السّلام 12

تهافت القول باسطورية فكرة الظهور 19

مقدّمة المؤلّف للطبعة الثانية 21

الفصل الأوّل المهديّ في الكتاب و السنّة (25-51)

بعض الآيات المفسّرة في المهديّ عليه السّلام 27

نظرة في أحاديث المهدي عليه السّلام 33

أوّلا:من أخرج أحاديث المهدي عليه السّلام 33

ثانيا:من روي أحاديث المهدي عليه السّلام من الصحابة 36

ثالثا:طرق أحاديث المهدي عليه السّلام في كتب السنة إجمالا 38

رابعا:صحّة أحاديث المهدي عليه السّلام 41

من صرّح بصحّة أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام 41

1-الترمذي(ت279/ ه)41

ص: 191

2-الحافظ أبو جعفر العقيلي(ت322/ ه)42

3-الحاكم النيسابوري(ت405/ ه)42

4-البيهقي(ت458/ ه)42

5-البغوي(ت510/ ه أو 516 ه)42

6-ابن الأثير(ت606/ ه)43

7-القرطبي المالكي(ت671/ ه)43

8-ابن تيمية(ت728/ ه)43

9-الذهبي(ت748/ ه)43

10-الكنجي الشافعي(ت658/ ه)43

11-الحافظ ابن القيّم(ت751/ ه)44

12-ابن كثير(ت774/ ه)44

13-التفتازاني(ت793/ ه)44

14-نور الدين الهيثمي(ت807/ ه)44

15-السيوطي(ت911/ ه)45

16-الشوكاني(ت1250/ ه)45

17-ناصر الدين الألباني 45

خامسا:تصريح العلماء بتواتر أحاديث المهدي عليه السّلام 46

1-البربهاري شيخ الحنابلة و كبيرهم في عصره(ت329/ ه)45

2-محمد بن الحسين الآبري الشافعي(ت363/ ه)45

3-القرطبي المالكي(ت671/ ه)47

4-الحافظ جمال الدين المزي(ت742/ ه)47

5-ابن القيّم(ت751/ ه)47

6-ابن حجر العسقلاني(ت852/ ه)47

ص: 192

7-السّخاوي(ت902/ ه)48

8-السيوطي(ت911/ ه)48

9-ابن حجر الهيتمي(ت974/ ه)48

10-المتّقي الهندي(ت975/ ه)48

11-محمد رسول البرزنجي(ت1103/ ه)49

12-الشيخ محمد بن قاسم بن محمد جسوس(ت1182/ ه)49

13-أبو العلاء العراقي الفاسي(ت1183/ ه)49

14-الشيخ السفاريني الحنبلي(ت1188/ ه)49

15-الشيخ محمد بن عليّ الصبّان(ت1206/ ه)49

16-الشوكاني(ت1250/ ه)50

17-مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي(ت1291/ ه)50

18-أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية(ت1304/ ه)50

19-السيّد محمد صدّيق حسن القنوجي

البخاري(ت1307/ ه)50

20-أبو عبد اللّه محمّد بن جعفر الكتاني

المالكي(ت1345/ ه)50

الفصل الثاني من هو الإمام المهدي (53-141)

أحاديث في نسب الإمام المهدي عليه السّلام 56

المهدي:كناني،قرشي،هاشمي 56

حديث المهدي من أولاد عبد المطّلب 57

ص: 193

حديث المهدي من ولد أبي طالب 58

أحاديث(المهدي من ولد العبّاس)59

أولا:الأحاديث المجملة في هذا المعني 59

ضعف الأحاديث المجملة مع عدم دلالتها

علي نسب المهدي 60

ثانيا:الأحاديث المصرّحة بهذا المعني 61

حديث المهدي من ولد الإمام عليّ عليه السّلام 64

أحاديث المهدي من أهل البيت عليهم السّلام 65

أحاديث المهدي من العترة عليهم السّلام 66

أحاديث المهدي من ولد النبيّ 67

حديث المهدي من ولد فاطمة عليهم السّلام 68

حديث المهدي من ولد الإمام الحسن السبط عليهما السّلام 70

بطلان الحديث من سبعة وجوه 71

ما ورد معارضا لكون المهدي من أولاد الإمام الحسين عليهم السّلام 75

أحاديث:«اسم أبيه اسم أبي»(عبد اللّه)76

حقيقة هذا التعارض و بيان قيمته العلمية 77

مؤيّدات كون المهدي من ولد الإمام الحسين عليهم السّلام 81

حديث الثقلين 82

حديث:(من مات و لم يعرف إمام زمانه)85

حديث:(إنّ الأرض لا تخلو من قائم للّه بحجّة)87

أحاديث:(الخلفاء إثنا عشر)88

النص علي الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام يوضّح المراد بالخلفاء

الإثني عشر 92

ص: 194

المهدي من أولاد الإمام الحسين،و أنّه التاسع من ولده عليهم السّلام 101

المهدي هو محمد بن الإمام الحسن العسكري عليهما السّلام 104

ولادة الإمام المهدي عليه السّلام 113

إخبار الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي عليهما السّلام 115

شهادة القابلة بولادة الإمام المهدي عليه السّلام 115

من شهد برؤية المهدي من أصحاب الأئمة عليهم السّلام و غيرهم 116

شهادة وكلاء المهدي و من وقف علي معجزاته عليه السّلام برؤيته 122

شهادة الخدم و الجواري و الإماء برؤية المهدي عليه السّلام 124

تصرّف السلطة دليل علي ولادة الإمام المهدي عليه السّلام 125

اعترافات علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي عليه السّلام 128

1-النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد اللّه بن داود بن سليمان البخاري(كان حيّا سنة341/ ه)128

2-النسابة السيّد العمري من أعلام القرن الخامس الهجري 128

3-الفخر الرازي الشافعي(ت606/ ه)129

4-النسابة المروزي الأزورقاني(ت/بعد سنة 614 ه)129

5-النسابة السيّد جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبه(ت828/ ه)129

6-النسابة الزيدي السيّد أبو الحسن محمّد الحسيني اليماني الصنعاني(من أعيان القرن الحادي عشر)130

7-محمد أمين السويدي(ت1246/ ه)130

8-النسابة المعاصر محمّد ويس الحيدري السوري 130

ص: 195

اعتراف علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهدي عليه السّلام 131

1-ابن الأثير الجزري عزّ الدين(ت630/ ه)132

2-ابن خلكان(ت681/ ه)132

3-الذهبي(ت748/ ه)133

4-ابن الوردي(ت749/ ه)134

5-أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي(ت974/ ه)134

6-الشبراوي الشافعي(ت1171/ ه)135

7-مؤمن بن حسن الشبلنجي(ت1308/ ه)135

8-الزركلي الوهّابي(ت1396/ ه)135

اعتراف علماء أهل السنّة بأنّ الإمام المهدي هو ابن الإمام العسكري عليهما السّلام 136

1-محيي الدين ابن العربي(ت638/ ه)136

2-كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي(ت652/ ه)137

3-سبط بن الجوزي الحنبلي(ت654/ ه)137

4-محمد بن يوسف أبو عبد اللّه الكنجي الشافعي(المقتول سنة658/ ه)137

5-نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي(ت855/ ه)138

6-الفضل بن روزبهان(ت/بعد 909 ه)138

7-محمّد بن طولون الحنفي(ت953/ ه)139

8-أحمد بن يوسف أبو العبّاس القرماني الحنفي(ت1019/ ه)140

9-سليمان بن إبراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (ت1270/ ه)140

ص: 196

الفصل الثالث شبهات حول المهدي (143-167)

التذرّع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي عليه السّلام 145

ما يجب التأكيد عليه من أمور قبل مناقشة حجّتهم 145

أحاديث الصحيحين المفسّرة في المهدي عليه السّلام 148

1-أحاديث خروج الدجّال في الصحيحين 148

2-أحاديث نزول عيسي في الصحيحين 148

3-أحاديث من يحثي المال في صحيح مسلم 151

4-أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم 152

التذرّع بتضعيفات ابن خلدون لأحاديث المهدي عليه السّلام 153

حقيقة تضعيفات ابن خلدون 154

ابن خلدون يرغم علي الاعتراف بصحّة بعض أحاديث المهدي 157

تضعيفات ابن خلدون بلغة الأرقام 158

حصر المهدي بعيسي بن مريم 160

التذرّع بدعاوي المهدويّة السابقة 164

الفصل الرابع المهدي في منطق العقل و العلم (169-189)

السؤال الأوّل:كيف كان إماما و هو في الخامسة من عمره؟172

السؤال الثاني:حول طول العمر 177

السؤال الثالث:لماذا هذه الغيبة الطويلة؟184

السؤال الرابع:كيف الإستفادة من الإمام الغائب؟186

فهرس المحتويات 191

ص: 197

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.