دوله الامام المهدي علیه السلام وعصر ظهوره

اشارة

دوله الامام المهدي علیه السلام وعصر ظهوره

تالیف: شيخ كاظم مصباح

دارالکاتب العربی

الطبعة الأولى 1428م .2007 م

دارالكاتب - العربي للطباعة والنشر والتوزيع

هاتف: 03/257984 - فاکس: 01/553456 . ص.ب.

25/355 - غبيري - بيروت

Daralkatebalarabi@hotmail.com

دولة الإمام المهدي(علیه السّلام)

وعصر ظهوره تالیف الشيخ كاظم مصباح

دار الکاتب العربی

ص: 1

اشارة

دوله الامام المهدي علیه السلام وعصر ظهوره

تالیف: شيخ كاظم مصباح

ص: 2

الطبعة الأولى 1428م .2007 م

دارالكاتب - العربي للطباعة والنشر والتوزيع

ص: 3

ص: 4

المقدمة

تعریف موضوع الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، ثم الصلاة والسلام على خاتم رسله وخير بريته ومبلغ رسالاته أبي القاسم محمد وعلى آله المنتجبين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين، من الأولين إلى الآخرين إلى قيام يوم الدين .

يطرح كتابنا هذا على بساط البحث موضوعاً عقائدياً مهماً طالما استثمرته الأقلام المأجورة للطعن بالطائفة الشيعية والاستهزاء بها من خلال تحريفه وتشويه معالمه وتسويف أدلته وتفسيرها بما ينسجم مع أهوائها وطموحات أسيادها المستكبرين الهادفة إلى تقويض مذهب أهل البيت (علیهم السّلام) واجتثاث جذوره ومحو آثاره .

فموضوع «دولة الإمام المهدي وعصر ظهوره» المراد بحثه في هذا الكتاب لا يقل أهمية عن موضوع إثبات وجوده وكيفية انتظاره ،

لأنه يكمل جميع الأبحاث المتعلقة بقضية الإمام المهدي (علیه السّلام) ويلم بجميع أبعادها السياسية والاجتماعية وأهدافها الرسالية والإنسانية ..

ص: 5

يشتمل هذا الكتاب على جزءين يتناول الجزء الأول منه موضوع حتمية ظهور المهدي (علیه السّلام) وعلائم ظهوره الاجتماعية والكونية والوقائع التي تسبق ظهوره منها الحروب والفتن المدمرة التي ستلتهم ثلثي البشرية ولا تبقي مها إلا الثلث المشبع بالبؤس والحرمان الذي طالما كابد أشد المآسي والمحن طيلة فترة غيبة الإمام المهدي (علیه السّلام) ، وصبر على ما أصابه من المصائب والكوارث حتى تكحلت نواظره بطلعة المنقذ والمصلح العالمي وحضي بعدله ورفاه دولته المباركة.

وسيضم الجزء الأول من هذا الكتاب ثلاثة فصول يتناول الفصل

الأول الأدلة القرآنية والروائية الدالة على حتمية ظهور المهدي (علیه السّلام) وقيام نهضته العالمية وانتصارها بمحق الظلم والطغيان ونشر القسط والعدل وإنقاذ البشرية من ظلمات العصور الجاهلية الحديثة .

ويتناول الفصل الثاني موضوع الرد على جميع شبهات المنکرین الظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) والمشككين فيه والساخرين من الطائفة الشيعية لانتظارهم إمامهم الموعود منذ ألف ومائة عام واصفين إياهم بالجنون وعدم التعقل بدون دلیل يذكر.

وأما الفصل الثالث فسيطرح على بساط البحث علائم الظهور

الحتمية وغيرها، والحوادث التي تسبق ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) كظهور السفياني وخروج الدجال ووقوع الفتن والحروب.

وفي نهاية هذا الفصل يتم ذكر أصحاب الإمام المهدي (علیه السّلام) وقادة جيشه مع ذكر صفاتهم وعدتهم والحروب التي يخوضونها ضد أعدائه کالسفياني والدجال، وذكر أهداف نهضته الرسالية الهادفة .

ص: 6

ويبحث الجزء الثاني موضوع دولة الإمام المهدي (علیه السّلام) ومشقاته ضمن ثلاثة فصول أيضاً. يتناول الفصل الأول سيرة الإمام ومزايا دولته وسعتها ومكان عاصمتها وفتوحاتها ومدة بقائها.

ويذكر الفصل الثاني أهم إنجازات دولة الإمام المهدي (علیه السّلام) وعطاءاتها كالتقدم العلمي والازدهار الاقتصادي وتحقيق الأمن والاستقرار وإيجاد حالة التالف والتآخي بين المسلمين وتوثيق العلائق الاجتماعية وتحقيق الوحدة الإسلامية بأحسن صورها وأفضل أشكالها.

ويختص الفصل الثالث بذكر موضوعات متفرقة ذات علاقة بدولة

الإمام (علیه السّلام) وانعكاساتها الإيجابية على المجتمع البشري بمختلف طوائفه وأديانه وشرائحه الاجتماعية .

موجبات الكتاب وأهميته

إن أهمية هذا الكتاب تكمن بالدرجة الأولى في تفنيد حجج المنکرین لحتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) والمشككين به والمسرفين له الذين استثمروا هذه القضية واتخذوا منها ذريعة للتهجم على الطائفة الشيعية والاستهزاء بها لأنها آمنت بوجود الإمام المهدي (علیه السّلام) وحتمية ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت جوراً وظلماً استناداً إلى الدلالة القرآنية والروائية التي اعترف الكثير من علماء المسلمين بتواترها. وستری عزيزي القارئ من خلال مطالعة الأبواب المختصة بذلك

ص: 7

أن المنکرین لحتمية ظهور الإمام المهدي والمشككين فيه يختلفون في النفي والإثبات، فبعضهم ينفي وجود الإمام المهدي (علیه السّلام) ويثبت حتمية ظهوره بالإجماع وتواتر الأخبار، والبعض الآخر ينفي الوجود وحتمية الظهور في آن واحد من خلال تضعيف الأخبار الدالة على ذلك والتشكيك في إمكانية حصول ذلك عقلاً، ومنهم من قال : لا مهدي إلا عیسی بن مریم اعتماداً على رواية ضعيفة لفظها الكثير من أقرانه ونظرائه من علماء إخواننا أبناء العامة إن لم نقل: أجمعوا على ضعفها وعدم الاعتماد عليها ...

ربما يجهل البعض خطورة هذا الاختلاف بين علماء المسلمين حول قضية الإمام المهدي (علیه السّلام) ونهضته، ولا يدرك ما يترتب عليه من آثار سيئة وأخطار جسيمة على حاضر المسلمين ومستقبلهم.

لا ريب أن هذا الاختلاف الذي يستهين به البعض ولا يعير له أدنى اهتمام يورث الفرقة والتخاصم والعداء بين المسلمين ويجعلهم فرقة متناحرة يسخر بعضها من بعض، ويؤجج نار الأحقاد الطائفية وهذا ما يسعد أعداء الإسلام ويمكنهم من توسيع دائرة نفوذهم ونهب خیرات المسلمين وثرواتهم بدون مقاومة أو معارضة تذكر ..

إن تسويف قضية حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) من خلال إثارة الشكوك والاختلاف يؤدي إلى زرع اليأس والقنوط في نفوس المؤمنين به ويطفي جذوة الأمل المتوقدة فيها، فبدلاً من أن يعد المؤمنون أنفسهم لاستقبال منقذهم ومحررهم من قيود الذل والعبودية ومن ظلمات الجهل والتخلف تراهم أكثر الناس إقراراً

ص: 8

بالواقع الفاسد وإذعاناً لمشيئة أعداء الإسلام من المستکبرین وعملائهم الرجعيين نتيجة لحالة اليأس والقنوط التي تنتابهم وتشل إرادتهم وتحجم نشاطهم الرسالي وتمنعهم من أداء دورهم بالشكل المطلوب ..

ونحن نسعى من خلال كتابنا هذا أن نبحث الموضوع المشار إليه من جميع جوانبه وإزالة غبار الشكوك والريب عنه وذلك بذكر جميع الأدلة الثبوتية التي تساعد على إثبات الموضوع على نحو الحقيقة واليقين لعلنا بذلك نسد ثغرة طالما حاول أعداء الإسلام النفوذ منها لإيجاد الفرقة والتخاصم بين المسلمين، وبذا نستطيع أن نعيد الأمل إلى نفوس المنتظرين بلهفة واشتياق ليوم خلاصهم وتحررهم من قيود الذل والعبودية ..

لا تنحصر أهمية هذا الكتاب وموجباته في الرد على شبهات وافتراءات المرتدين والمنکرین والمشككين في حتمية ظهور المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته المباركة فحسب وإنما سيرد أيضاً على حجج المتخاذلين ومبررات سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وابتعادهم عن ساحات جهاد أعداء الإسلام وعدم مشاركتهم في إحباط مخططاتهم الجهنمية الهادفة إلى سحق الإسلام الأصيل المتجسد بمذهب أهل البيت واجتثاث جذوره ومحو آثاره .

إن تخلف هؤلاء عن أداء واجباتهم والسعي لإعداد أنفسهم وتمهيد الأرضية الصالحة لنهضة إمامهم المهدي (علیه السّلام) لا يعد ولاءَ له بل هو أكثر ضرراً من جحود أعدائه وإنكار وجوده، لأنهم يعتقدون

ص: 9

بضرورة الاستسلام لأعداء الإسلام وعدم مقاومتهم، والتزام الصمت إزاء مفاسدهم ومنکراتهم بحجة أن تفشي الظلم وشيوع الفساد يؤدي إلى الإسراع في ظهور المهدي (علیه السّلام) وإعلان نهضته.

إن مفهوم الانتظار السلبي الذي يحمله هؤلاء يُولد صدفة وبدون مؤثر خارجي، بل هناك عوامل شتي ساهمت في إيجاده وترسيخه في أعماق نفوسهم وقد مرت الإشارة لتلك العوامل بشكل مفصل في کتاب (الإمام المهدي ومفهوم الانتظار) ولا حاجة لذكرها هنا. ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع الكتاب المذكور. فأهمية كتابنا وموجباته تتلخص في تفنيد حجج وشبهات الاتجاهين المذكورين والرد عليها، وثبات الأدلة الدالة على حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته، وبعث الأمل في النفوس التي طال عليها الانتظار، وكاد اليأس أن يتسرب إلى أعماقها من جراء التشويش والتحريف الذي مارسته الأقلام المأجورة بهدف طمس معالم نهضة الإمام المهدي (علیه السّلام) وتضعيف أدلتها وإظهارها بمظهر الخرافة والاستهزاء بمن يؤمن بها.

تفنيد أكاذيب وافتراءات وعاظ السلاطين

اشارة

ولكي يطلع القارئ العزيز على ما روجته أقلام وعاظ السلاطين من أكاذيب حاولوا بها تشويه قضية الإمام المهدي (علیه السّلام) وتحويلها إلى أسطورة خرافية لا بد لنا أن نذكر نموذجين من هذه الأكاذيب النثبت بها صدق ما ذهبنا إليه من أن الأقلام المأجورة غمرت قضية الإمام المهدي (علیه السّلام) بأكاذيبها وتهمهاالملفقة لغرض إخفاء حقائقها

ص: 10

وتغيير معالمها وتشويه صورتها بالشكل الذي يصعب على العاقل التصديق بها والإيمان بصحتها وحتمية وقوعها..

النموذج الأول:

قال القرماني في كتابه (الصراع بين الإسلام والوثنية): وإن أغبي الأغبياء، وأجمد الجامدين هم الذين غيبوا إمامهم في السرداب ، وغيبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومن يذهبون كل ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيبوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام(1).

وقال ابن كثير في كتابه (النهاية) : المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وليس الذي تزعمه الرافضة، وترتجي ظهوره من سرداب سامراء..(2).

وقال في مكان آخر من كتابه : يخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة . . (3)

وقال ابن بطوطة في رحلته: إن مكان السرداب في الحلة(4).

إن المتأمل في النصوص المذكورة أعلاه يستشف منها شدة الحقد الذي يكنه هؤلاء الشيعة أهل البيت (علیهم السّلام) بحيث يطفو على

ص: 11


1- الصراع بين الإسلام والوثنية 1: 374.
2- النهاية 1: 34، وانظر كتاب المهدي عند أهل السنة 1: 396.
3- النهاية 1: 39، وانظر كتاب المهدي عند أهل السنة 1: 301.
4- رحلة ابن بطوطة 3: 198.

فلتات لسانهم بشكل صريح فيصفون الشيعة بالغباء والجمود والجهل ولا يتورعون عن ممارسة السب والشتم لتمرير أكاذيبهم وافتراءاتهم وتهمهم الملفقة على السذج من الناس المضللين

والمخدوعين بازیائهم العلمائية المقدسة .

فالحقد الأسود المكنون في صدورهم على شيعة أهل البيت (علیهم السّلام) أفقدهم صوابهم وساقهم إلى التسافل والانحطاط الأخلاقي فصار الكذب وتلفيق التهم، ووضع الأحاديث، والسب والشتم من أهم الوسائل التي يستخدمونها في تشويه وتحریف عقائد الشيعة الإمامية ومنها قضية الإمام المهدي (علیه السّلام) التي أجمع علماء المسلمين باستثناء ابن خلدون وابن الوليد البغدادي على حتمية ظهوره.

ولا غرابة في ذلك لأن الإمام الذي يأتمون به هؤلاء هو كذّاب مفتر لا يتورع عن تلفيق التهم وممارسة السب والشتم ضد أقدس وأعلم شخصية بعد رسول الله وهو صنو الرسول وزوج البتول وأبو السبطين الحسن والحسين بطل الإسلام ومحطم الأصنام، أول المسلمين إسلاماً وأقدمهم إيماناً، وأشجع الصحابة وأكثرهم علماً وزهداً وتقوى، وأقومهم قسطاً وعدلاً ذلك هو بطل ساحات الجهاد وحامل لواء رسول الله في ثلاث وثمانين غزوة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) .

وأظن أن القارئ العزيز عرف إمام هؤلاء قبل أن أصرح باسمه وهو معاوية بن أبي سفيان الذي جعل الكذب والسب والشتم سنة

ص: 12

يستنٌّ بها المسلمون طيلة فترة الحكم الأموي البغيض. وهو الذي أمر أئمة الجمعة والجماعة أن يسبوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) على منابر المسلمين ويقنتوا به في صلواتهم اليومية حتى أصبح ذلك السب سنة يستوحش المصلون من عدم ذكرها ويشعرون بالإثم والعصيان . فإذا نسي الإمام أن يقنت بالسب تعالت أصوات المصلين لتذكره بها - السنة السنة ....

وقال العلامة الأميني في كتابه (الغدير) في معرض رده على أكاذيب وعاظ السلاطين : وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطنبور نغمة بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اضطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام، والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب، ولا هم غيبوه فيه، ولا أنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب : إنه مغيب ذلك النور، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء...(1).

أضف لذلك أن عقيدة الشيعة راسخة في أن إمامهم ما غاب غيبته الكبرى، إلا بإذن الله وإشاعته، ولا يظهر في آخر الزمان إلا بإذن الله أيضاً، فلذا تراهم يدعون الله ليل نهار بدعاء الفرج كي يأذن الله بظهوره ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فمن المستحيل أن يتصرف الشيعة تصرفة يخالف ما يعتقدون به

ص: 13


1- الغدیر 3: 308.

فيذهبون بخيولهم وحميرهم إلى السرداب الذي غيبوا فيه إمامهم منذ أكثر من ألف عام ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم كما يزعم القرماني.

فهل هناك كذب أكثر افتضاحاً من هذا وأشنع منه، إذ كيف يمارس الشيعة هذا العمل ويرتكبون مثل هذه الحماقات ولمدة ألف عام دون أن تتصدى لهم السلطة الحاكمة وتضع حداً لممارساتهم غير الموزونة. مع العلم أن كل الحكومات التي حكمت العراق منذ عصر الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا كانت حكومات سنية وكان بعضها ناصبية معادية لأهل البيت (علیهم السّلام) . فمن غير المعقول أن ترى تلك الجموع المحتشدة بباب سرداب الغيبة مع خيولهم وحميرهم في كل ليلة ولا تتصدى لهم وتمنعهم من مواصلة ممارساتهم الصبيانية التي لا يقرها من له ذرة من العقل.

ويعلم الجميل أن سكان سامراء من إخواننا أبناء العامة وأن الشيعة بعيدون عنها فكيف تسنى لهم مع شحة الوسائل وبدائيتها أن يحضروا في كل ليلة مع دوابهم بباب السرداب لیندبوا إمامهم وأهل سامراء يرون تلك المشاهد المخالفة لعقائدهم وأعرافهم تتكرر في كل ليلة ولا يبادرون لوضع حد لها ومنع حصولها.

إن كلاماً كهذا لا يصدقه المجانين ناهيك عن ذوي العقول والبصائر فلم يصر فقهاء السوء على مواصلة منهج القرماني في سرد هذه القصص الخرافية المفتعلة دون أن يفكروا في عواقبها الوخيمة التي ستفقدهم ثقة الناس وتزعزع إيمانهم بالإسلام وتسوقهم نحو الكفر والعصيان.

ص: 14

ومما يؤسف له أن يتدنى مستوى بعض علماء المسلمين إلى هذا الحد من الانحطاط الأخلاقي بحيث يمارسون أسوأ أنواع الكذب ويلفقون التهم ضد الطائفة الشيعية ولم نر من يتصدى لهم ويمنعهم عن ممارسة هذا المنهج اللاأخلاقي الذي يوجد الفرقة والتباغض والتناحر الطائفي الممقوتة .

النموذج الثاني :

مما جاء في باب علائم الظهور خروج دابة من الأرض تكلم الناس وهذا ما أشارت له الآية «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ » وقد استثمر هذا الموضوع أسوأ استثمار الكذابون والوضاعون فصوروا الدابة تصويراً غير معقول حيث جعلوا لها وبراً وريشاً وضخّموا حجمهابشكل مهول لا يصدق به أحد. وسنترك المجال هنا لابن دحية (رضي الله عنه) ليحدثنا عما قرأه حول هذا الموضوع.

قال ابن دحية (رضي الله عنه)...: قد قرأت أكثر کتب المقرئ الفاضل أبي عمر عثمان بن سعيد بن عثمان توفي سنة أربع وأربعين وأربع مائة . فمن تأليفه كتاب (السنن الواردة بالفتن وغوائلها، والأزمنة وفسادها، والساعة وأشراطها) وهو مجلد مزج فيه الصحيح بالسقيم، ولم يفرق فيه بين نسر وظليم، وأتي بالموضوع وأعرض عما ثبت من الصحيح المسموع، فذكر الدابة في الباب الذي نصه (باب ما روي أن الوقعة التي تكون بالزوراء وما يتصل بها من الوقائع والآيات والملاحم والطوام وأسند ذلك عن عبد الرحمن عن سفيان الثوري،

ص: 15

عن قيس بن مسلم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة ... وذكر خروج الدابة قال: قلت: يا رسول الله وما الدابة؟ قال: ذات وبر وریش عظمها ستون ميلاً ليس يدركها طالب ولا يفوتها هارب...(1)

محمد بن زكريا الغلابي قال في الرد على مثل هذه الأخبار : أبو الحسن الدارقطني كان يضع الحديث على رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) وعظم هذه الدابة المذكورة وطول يأجوج وماجوج على تلك الصورة يدل على وضع هذا الحديث بالتصريح، ويقطع العاقل بأنه ليس بصحيح لأن مثل هذا القدر في العظم والطول يشهد على كذب واضعه في المنقول، وأي مدينة تسع طرقاتها دابة عرضها ستون ميلاً ارتفاعاً وأي سبيل يضم يأجوج وماجوج، وأحدهم طولاً وعرضاً مائتان وأربعون ذراعاً، لقد اجترأ هذا الفاسق على الله العزيز الجبّار بما اختلقه على نبيه المختار، فقد صح عنه بإجماع من أئمة الآثار أنه قال : من كذّب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ...(2).

فهذان نموذجان مما افتعلته أقلام السلاطين ضمن حملتها الإعلامية التشويهية والتحريفية التي استهدفت نسف القضية المهدوية من جذورها من خلال التشويه والتحريف وإثارة الشكوك من حولها، كما حاولت من قبل نسف القضية الحسينية وطمس معالمها، والقضايا الإسلامية الأخرى بتجريدها من مضامينها الجوهرية، ومحتواها . الإنساني، وأهدافها الرسالية، وتحويلها إلى قصص خرافية تشمئز منها

ص: 16


1- التذكرة للقرطبي: 613، وانظر كتاب المهدي عند أهل السنة 1: 197 .
2- التذكرة للقرطبي: 613، وانظر كتاب المهدي عند أهل السنة 1: 198.

النفوس وتعرض عن ذکرها ومطالعة فصولها. ذکر هذه الافتراءات والتشويهات والرد عليها نختم مقدمة الكتاب ونشرع في تدوين موضوعاته ومحاور بحثه حسب التسلسل المذكور فيها.

وخلاصة هذه المقدمة هي تعريف الكتاب وذكر موضوعاته ومحاور بحثه، وإثبات حتمية ظهور المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته، والرد على الشبهات والشكوك التي أثارتها الأقلام المأجورة حول الموضوع المذكور، ودحض الأكاذيب والافتراءات والتهم المختلفة التي نسجتها أقلام فقهاء السوء بهدف تحريف وتشويه مضامين النهضة المهدوية ، وتضعيف أدلتها، وإخماد جذوة الأمل المتوقدة في قلوب منتظري الإمام (علیه السّلام) ورواد نهضته التي ستملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً..

ص: 17

ص: 18

الجزء الأول

اشارة

ص: 19

ص: 20

الفصل الأول: أدلة حتمية ظهور المهدي (ع)

اشارة

ص: 21

ص: 22

الدليل الأول: إخبار الله تعالى بقيام القائم(ع)

اشارة

هنالك عدد غير قليل من آيات الكتاب الكريم ذكرت ظهور القائم وقيام دولته المباركة. انتخبنا بعض هذه الآيات لتكون دليلاً قرآنية يدل على حتمية ظهور المهدي (علیه السّلام) في آخر الزمان، وزوال الظلم والجور باندثار النظم الوضعية الطاغوتية، ونشر العدل والقسط في كل أرجاء الأرض، وتحرير البشرية قاطبة من أغلال الذل والعبودية وإنقاذها من ظلمات الجهل والتخلف.

الآية الأولى: في سورة الأنفال قوله تعالى : «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ »(1) عن أبي جعفر (علیه السّلام) لم يجي تأويل هذه الآية ولو قام قائمنا بعد سیری من يدرك ما يكون من تأويل هذه الآية ليبلغن دین محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض(2).

جاء في تفسير الصافي حول الآية المذكورة وعن القمي: أي

ص: 23


1- سورة الأنفال آية : 39.
2- إلزام الناصب 1: 64.

کفر قال: وهي ناسخة لقوله: كفوا أيديكم، ولقوله : ودع أذاهم ويكون الدين كله لله ويضمحل عنهم الأديان الباطلة(1).

وفي الكافي عن الباقر (علیه السّلام) : لم يجئ تأويل هذه الآية إلّا بعد أن رخص لهم رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لحاجته وحاجة أصحابه فلو جاء تأويلها لم يقبل منهم ولكنهم يقتلون حتى يوحد الله وحتى لا يكون شرک(2).

وفي المجمع والعياشي عن الصادق (علیه السّلام) : لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قام قائمنا بعد سیری من يدركه ما يكون من دین محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم(3) .

وفي تفسير البرهان ذكر الروايات المارة الذكر وأضاف رواية طويلة في تفسير قوله : ( وقاتلوهم...) جاء فيها: ... ولا يبقى في الأرض قرية إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله وهو قوله: « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ »ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وهو قول الله : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ

ص: 24


1- تفسير الصافی 2: 303.
2- المصدر السابق .
3- المصدر السابق .

فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ » قال أبو جعفر (علیه السّلام) : يقاتلون والله حتى يوحد الله ولا يشرك به شيئاً ...(1)

الآية الثانية : قوله تعالى:«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(2) عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : والله ما أنزل تأويلها حتى يخرج القائم فإذا خرج القائم لم يبقَ كافر بالله، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى لو كان كافر في بطن صخرة قالت: يا مؤمن في بطني کافر فاكسرني واقتله(3).

في تفسير الصافي : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ »ليظهر دين الحق على سائر الأديان ولو كره المشركون. ونقل عن القمي: نزلت في القائم من آل محمد (علیه السّلام) قال : وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله، وفي الإكمال عن الصادق (علیه السّلام) في هذه الآية والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم فإذا خرج القائم (علیه السّلام) لم يبقَ كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه ...

وفي الكافي عن الكاظم (علیه السّلام) : في هذه الآية هو الذي أمر رسوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق ليظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (علیه السّلام) والله متم ولاية القائم ولو کره

ص: 25


1- البرهان 2: 83 الطبعة الحجرية .
2- سورة التوبة آية : 33.
3- إلزام الناصب 1: 64.

الكافرون بولاية علي (علیه السّلام) قيل : هذا تنزيل قال : نعم هذا الحرف تنزيل وأما غيره فتأويل.

وفي حديث مناجاة موسی (علیه السّلام) ربه وقد ذكر محمداً (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : فتحت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ولأعبدنّ بكل مكان.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) : وغاب صاحب هذا الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوة، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ويظهر دین نبيه على يديه على الدين كله ولو كره المشركون.

وفي المجمع عن الباقر (علیه السّلام) في هذه الآية أن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد (علیه السّلام) فلا يبقى أحد إلا أقر بمحمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم).

وفي العياشي عنه (علیه السّلام) ما معناه قال (علیه السّلام) : وفي خبر آخر قال : ليظهره الله في الرجعة، وعن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنه قال : أظهر ذلك بعد؟ قالوا: نعم، قال : كلا فوالذي نفسي بيده حتى لا يبقى قرية إلا وتنادي بشهادة أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بكرة وعشياً.

وعن الصادق (علیه السّلام) في هذه الآية قال : إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا كافر إلا كره خروجه(1).

ص: 26


1- تفسير الصافي 2: 337، وراجع تفسير البرهان 2: 121.

الآية الثالثة : قوله تعالى : « وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً» (1) عن أبي جعفر (علیه السّلام) : قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة حتى لا يكون شركٌ ويكون الدين كله لله فقال : ولم يجئ تأويل هذه الآية ولو قد قام قائمنا بعد سیری من پدر که ما يكون من تأويل هذه الآية وليبلغن دین محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال الله تعالى (2).

الآية الرابعة : قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ» (3). عن الصادق (علیه السّلام) في الكتب كلها ذكر الله أن الأرض يرثها عبادي الصالحون قال: القائم (علیه السّلام) وأصحابه . وعن أبي جعفر (علیه السّلام) أن الأرض يرثها عبادي الصالحون - هم أصحاب المهدي في آخر الزمان...(4)

وفي تفسير الصافي عن المجمع قوله : ويدلّ على ذلك ما رواه الخاصّ والعام عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(5).

الآية الخامسة: قوله تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ »(6).

ص: 27


1- سورة التوبة الآية : 36.
2- إلزام الناصب 1/ 65.
3- سورة الأنبياء الآية: 105.
4- إلزام الناصب 1: 76.
5- تفسير الصافي 3: 358.
6- سورة النور الآية : 55.

عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : نزلت في علي بن أبي طالب (علیه السّلام) والأئمة من ولده، ولیمکنن دینهم الذي ارتضی ولیبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، قال : عني به ظهور القائم(1).

في الصافي عن القمي أنه قال: نزلت في القائم من آل محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) . وقال صاحب تفسير الصافي أقول: تبدیل خوفهم بالأمن يكون بالقائم أو مجموع ذلك معا يكون به فلا ينافي الخبرالسابق .

وفي المجمع المروي عن أهل البيت (علیهم السّلام) : أنها في المهدي من آل محمد (علیهم السّلام) .

قال : وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين (علیه السّلام) : أنه قرأ الآية وقال : هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأمة وهو الذي قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

قال : وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وأهل بيته .

وفي الإكمال عن الصادق (علیه السّلام) في قصة نوح وذكر انتظار المؤمنين من قومه الفرج حتى أراهم الله الاستخلاف والتمكين، قال :

ص: 28


1- إلزام الناصب 1: 78.

وكذلك القائم (علیه السّلام) فإنه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمر المنتشر في عهد القائم (علیه السّلام) قال الرّاوي: فقلت : يا ابن رسول الله فإن هذه النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ فقال : لا لا يهد الله قلوب الناصبة متى كان الدّين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكناً بانتشار الأمر في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشك من صدورها في عهد واحد من هؤلاء وفي عهد علي (علیه السّلام) مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم(1).

الآية السادسة: قوله تعالى : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ »(2) عن الباقر (علیه السّلام) والصادق (علیه السّلام) : أن فرعون وهامان ههنا هما شخصان من جبابرة قريش يحييهما الله تعالی عند قيام القائم (علیه السّلام) من آل محمد في آخر الزمان فينتقم منهما بما أسلفنا والروايات في أن هذه الآية نزلت في الأئمة من آل محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) كثيرة ذكرها جلها السيد الأجل المحدث البحراني في تفسير البرهان وغيره(3).

وفي تفسير الصافي : عن أمير المؤمنين (علیه السّلام)

قال : هم آل

ص: 29


1- تفسير الصافي 3: 443.
2- سورة القصص آية : 5.
3- إلزام الناصب 1: 81، تفسير البرهان .

محمد (صلوات الله عليهم) يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل أعداءهم.

وفي نهج البلاغة قال (علیه السّلام) : لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا عقيب ذلك : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ.. الآية .

وفي المعاني عن الصادق (علیه السّلام) : أن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) و نظر إلى علي والحسن والحسين (علیهم السّلام) فبكى وقال : أنتم المستضعفون بعدي إن الله عزّ وجلّ يقول: «وَنُرِيدُ ... الآية فقيل للصادق (علیه السّلام) : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : معناه أنكم الأئمة بعدي إن الله عزّ وجلّ يقول: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ... الآية) ثم قال : هي لنا أو فينا.

وفي الإكمال والغيبة أن القائم (علیه السّلام) لمّا تولّد نطق بهذه

الآية (1).

الآية السابعة: قوله تعالى : «فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ » (2) عن علي بن الحسين (علیه السّلام) : أنه الحق قیام القائم (علیه السّلام) وفيه نزلت «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا » (3) .

ص: 30


1- تفسير الصافي 4: 80.
2- سورة الذاريات آية : 23 .
3- إلزام الناصب 1: 94.

الآية الثامنة : قوله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ »(1) عن أبي جعفر (علیه السّلام) في القائم (علیه السّلام) وأصحابه .

وعن الصادق (علیه السّلام) : العامة يقولون : نزلت في رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لما أخرجته قریش من مكة، وإنما هو القائم (علیه السّلام) إذا خرج يطالب بدم الحسين (علیه السّلام) وهو قوله : (نحن أولياؤكم في الدم وفي طلب الدية)(2).

الآية التاسعة: قوله تعالى: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا »(3).

عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : أخذ الله الميثاق على النبيين وقال : ألست بربکم؟ قالوا: بلى وإن هذا محمداً رسولي وإن علياً أمير المؤمنين والأوصياء من بعده ولاة أمري وخزان علمي وإن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي فأنتقم به من أعدائي وأعبد به طوعاً وكرهاً، قالوا: أقررنا ربنا وشهدنا ولميجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزيمة على الإقرار وهو قول الله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً(4).

الآية العاشرة : قوله تعالى : «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا

ص: 31


1- سورة الحج آية : 39.
2- إلزام الناصب 1: 76، الصافي 3: 380.
3- سورة طه آية : 115.
4- إلزام الناصب 1: 74.

الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(1).

عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : هذه لآل محمد المهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين، ويميت الله عزّ وجلّ به وأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحق حتى لا يرى أثر من الظلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولله عاقبة الأمور(2).

وفي تفسير الصافي عن القمي عن الباقر (علیه السّلام) : فهذه لآل محمد(صلوات الله عليهم) إلى آخر الآية، والمهدي (علیه السّلام) وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدّين، ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات الشقاة الحق حتى لا ترى أين الظلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (3).

مداليل الآيات:

أولاً: دلت الآيات العشر المارة الذكر بشكل صريح على حتمية انتصار الإسلام في نهاية المطاف وقيام دولته العادلة التي ستهيمن على مشارق الأرض ومغاربها، وتزيل كل مظاهر الكفر والشرك والظلم والجور، وتنقذ المستضعفين من متاهات الجهل والتخلف، وتجعل الإسلام الدين الوحيد الذي يحكم العالم برمته.

ص: 32


1- سورة الحج آية: 41.
2- إلزام الناصب 1: 76.
3- تفسير الصافي 3: 382.

وبما أن البشرية لم ترَ مصداقاً لهذا الوعد الإلهي منذ ابتداء الإسلام إلى يومنا هذا فلا بد أن يتم تحقيقه على يد الفاتح العظيم وهو الإمام المهدي (علیه السّلام) كما أشار الأئمة لذلك، وإلا ستفقد الآيات المذكورة مصداقيتها وهذا خلاف ما وعد الله به عباده الصالحين وحاشا لله أن يخلف وعده فتأمل.

ثانياً: أكدت الآيات المارة الذكر على أن المراد بالمستضعفين والأئمة الوارثين وعباد الله الصالحين الوارد ذكرهم في الآيات هم آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم)بشكل عام والإمام المهدي (علیه السّلام) بشكل خاص، ولكن زعم البعض من الناصبة - أي الذين ينصبون العداء لأهل البيت (علیهم السّلام) - أنها نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان (رض) وعلي بن أبي طالب (علیهم السّلام) .

فرد الإمام الصادق (علیه السّلام) على هذا الزعم بقوله: لا يهد الله قلوب الناصبة متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكناً بانتشار الأمر في الأمة، وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشك من صدورها في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد علي (علیه السّلام) مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم.

صدق إمامنا الصادق متى استقرت الأوضاع السياسية والأمنية في زمن واحد من هؤلاء بحيث سيطر الإسلام وظهر على الأديان فلم يبق کافر أو مشرك على سطح الأرض إلا وأخضعه لسلطته وألهمه دعوته ..

ص: 33

ففي زمن أبي بكر (رض) واجه حروب الردة والعصيان التي نشبت في أماكن متعددة من الوطن الإسلامي، واستثمر تلك الظروف المضطربة ليوجه ضربة قاضية لأحد الرموز الإسلامية البارزة المضطربة اليوجه ضربة قاضية لأحد الرموز الإسلامية البارزة والموالية لعلي بن أبي طالب (علیهم السّلام) والمعتقد بولايته، والطاعنة بشرعية السقيفة وخلافة أبي بكر ذلك هو مالك بننويرة الذي خوله رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) جمع زکوات المنطقة التي هو فيها .. .

فاستعان بخالد بن الوليد ونظائره للقضاء عليه ومحو وجوده السياسي ومكانته الدينية والاجتماعية. وتمكن خالد بالغدر أن يقتل مالكاً وأفراد عشيرته في ليلة واحدة ويدخل بزوجته ويفعل من المنکرات والقبائح التي ما زال المسلمون يشم روائحها النتنة إلى يومنا هذا.

وفي زمن عمر بن الخطاب (رض) خاض الحروب مع الكفر في أماكن متعددة من العالم وسيطر على العراق والشام وبلاد فارس بسببها.

وبالرغم من أن تلك الفترة كانت تعد من أفضل الفترات التي مر بها الإسلام حيث الفتوحات التي أدت إلى توسيع رقعته إلا أنه لم يتمكن فيها من فرض سيطرته التامة على العالم أجمع وإظهار دعوته على الأديان كلها، ولم يتم فيها الأمن والاستقرار الذي وصفته الآيات القرآنية المارة الذكر ..

وواجه المسلمون في زمن عثمان معضلات عصيبة، ومشکلات

شائكة منشؤها انحراف حكام الولايات الذين يتم تعيينهم من قبله.

ص: 34

وتجسّد هذا الانحراف في إجراءات تعسفية جائرة تمثلت في مصادرة أموال الناس ومقاطعاتهم الزراعية والاستحواذ على بيت مال المسلمين، وفي ممارسات لا أخلاقية من قبيل التجاهر بشرب الخمور واقتراف الرذائل والموبقات.

ففي هذه الفترة العصيبة المظلمة المتسمة بالاضطرابات وعدم الاستقرار بدلامن أن تتركز دعائم الإسلام وتقوي شوكته نرى أن أعمال الولاة المنافقين وممارساتهم المنافية لأبسط القيم والأخلاق الإسلامية أدت إلى تضعيف عقائده ومبادئه في نفوس الكثير من المسلمين، وجعلته على حافة الانهيار .

وكانت حصيلة تلك الإجراءات الجائرة والممارسات اللاأخلاقية حصول فتنة التهمت الكثير من المسلمين وأودت بحياة عثمان نفسه ، ومهدت السبيل لمعركة الجمل الطاحنة التي ذهب ضحيتها أكثر من سبعين ألف من المسلمين.

وواجه الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام) في زمن خلافته حروب الناكثين والقاسطين والمارقين فكانت حرب الجمل وصفين والنهروان التي تمخضت عنها حروب ومآس أخرى لا حصر لها ومنها مأساة الطف التي ذبح بها الحسين بن علي وأبناؤه وإخوته أبشع ذبحة عرفها التاريخ.

ولم يرَ المسلمون الأمن الذي وعدهم الله به في الآيات المذكورة بعد انقضاء مدة حكم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهم السّلام) بل استمرت القلاقل والفتن والحروب في جميع الأعمار التي مرت بها الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا.

ص: 35

نتبين مما تقدم صحة كلام الإمام الصادق وصواب تفسيره في أن المراد بالمنقذ والمحرر والمصلح الذي عنته الآيات غير هؤلاء الأربعة ومن أعقبهم في حكم البلاد الإسلامية، وإنما هو المهدي الذي يظهر الإسلام على الأديان كلها ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويحقق الأمن والاستقرار، وهذا ما أشار له الرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) في جملة من أحاديثهم وفي تفسير الآيات النازلة في المهدي (علیه السّلام) وحتمية ظهوره وقيام دولته، حيث ذكرت النصوص المذكورة اسمه ونسبه وشمائله حتى لا يلتبس الأمر على أحد من المسلمين.

ثالثاً : ودلت الآيات العشرة أيضاً والنصوص الواردة في تفسيرها على أن الذي يقوم بهذه النهضة العظيمة ويقضي على عروش الظلم والطغيان وينشر القسط والعدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويميت الله به وبأصحابه البدع(1) ويحيى بهم السنة، ويمحق الباطل والضلال ويحق الحق حتى يظهر دين الله على الأديان كلها.

ص: 36


1- البدعة : نذكر هنا جملة من البدع التي روجها الخلفاء ووعاظ السلاطين وحكام المسلمين خلال أربعة عشر قرناً. ومن هذه البدع بدعة صلاة التراويح وإتمام الصلاة بالسفر وتغير فصول الأذان بإدخال لفظة (الصلاة خير من النوم) وإسقاط (حي على خيرالعمل) ووجوب الصوم في السفر، وبدعة التفاضل بالعطاء والنهي عن المتعتين : متعة الحج ومتعة النساء والتكتف بالصلاة وسب الإمام علي والزهراء وابنيهما على منابر المسلمين مدة طويلة والقنوت بلعنهم أثناء الفرائض اليومية، وتحديد مهور النساء وبيع أمهات الأولاد، ومنع الزهراء من إرث أبيها خلافاً لما نص عليه القرآن الكريم، وجعل الخلافة ملكية وراثية وغيرها من البدع التي لا تعد ولا تحصى. راجع كتاب النص والاجتهاد وغيره من الكتب التي ذكرت ذلك.

وهذا ما لا يرى له المسلمون مصداقاً في جميع العصور والحكام الذين حكموا البلاد الإسلامية خلال أربعة عشر قرن بعد رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) إذ كان جميع أولئك الحكام باستثناء الإمام علي يحرفون الأحكام ويزيدون وينقصون فيها. ويبتدعون أحكاماً غير مستنبطة من القرآن والسنة وفق ما تقتضيه الأهواء والمصالح.

فبدلاً من أن يميتوا البدعة ويحيوا السنة سعى أولئك الحكام الجائرون إلى نشر البدع وتحريف الأحكام على نطاق واسع بحيث لو ظهر الحجة (علیه السّلام) وباشر في تنفيذ أحكام القرآن كما هي قال الناس : جاءنا بقرآن جديد.

فإذا ثبت أن جميع أولئك الحكام باستثناء البعض منهم كانوا مبتدعين ومحرفين ثبت بأن المراد بالمهدي الذي يهدي الأمة إلى دين الحق ويميت البدعة ويحيي السنة غير أولئك الحكام الجائرين. وإن الآيات المذكورة لم تعنِ أحداً منهم، وإنما عنت المهدي من آل محمد الذي بشر به الرسول الأكرمأمته في مواطن شتی وذكر صفاته وأوصافه في مئات الأحاديث المختصة به.

ص: 37

الدليل الثاني: إخبار الرسول (ص) والأئمة الأطهاربقيام القائم من طرق العامة

اشارة

عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : (صلّی الله علیه وآله وسلّم)لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي(1).

وذكر نحوه مع اختلاف لفظي يسير وإضافة قوله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : واسم أبيه اسم أبي(2).

وعن عبد الله بن مسعود أيضاً قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لو لم يبقَ في الدنيا إلا ليلة الملك فيها رجل من أهل بيت النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) . وفي حديث آخر قال: لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

وعن عبد اله قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم)

: لو لم يبقَ من الدنيا

ص: 38


1- المهدي عند أهل السنة 1: 82 عن المعجم الكبير، ص 78 وص 79 و 80.
2- المهدي عند أهل السنة 1: 79 عن المعجم الكبير، ص 81 عن المعجم أيضاً.

إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي(1).

وعن عبد الله بن عباس عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي (علیه السّلام) فينزل روح الله عیسی بن مريم (علیه السّلام) فيصلي خلفه، وتنير الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب(2).

وعن أبي هريرة عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية وجبل الديلم. ولو لم يبقَ إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يفتحها(3).

عن حذيفة (رضي الله عنه) قال : خطب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فذكر ما هو كائن، ثم قال : لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي اسمه اسمي. فقام سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله من أيّ ولدك هو؟ قال : من ولدي هذا. فضرب بيده على ظهر الحسین (علیه السّلام) (4).

وفي كتاب عون المعبود في شرح سنن أبي داود عن عبد الله

ص: 39


1- المهدي عند أهل السنة 1: 81، جامع الأصول من أحاديث الرسول 11: 48.
2- المهدي عند أهل السنة 1: 226 رواه عن فرائد السمطين،كمال الدين 1: 149، غاية المرام: 692.
3- المهدي عند أهل السنة 1: 232، السمطين : 318، ورواه ابن ماجه في أبواب الجهاد تحت رقم (1000) وفي فضائل الخمسة 3: 330.
4- المهدي عند أهل السنة 1: 239 - 240، ورواه المحب الطبري في ذخائر العقبی: 136 .

عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم... لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي بواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي(1).

وفي سنن أبي داود عن أبي الطفيل، عن علي (علیه السّلام) ، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بیتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً(2).

وعن أبي سعيد الخدري، قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يملك سبع سنين(3)..

. وعن أبي سعيد الخدري أيضاً قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : أبشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً، قال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: بالسوية بين الناس،ويملأ الله قلوب أمة محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) غناءً ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً... (4)

وأخرج (ك) الطبراني في الأوسط عن ابن عمر (أن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم)

ص: 40


1- المهدي عند أهل السنة 2: 176، عون المعبود: 370.
2- سنن أبي داود في كتاب المهدي: 107، وانظر المهدي عند أهل السنة 1: 41، جامع الأصول 11: 49 تذكرة ابن الجوزي: 364.
3- سنن أبي داود في كتاب المهدي: 107، وانظر المهدي عند أهل السنة 1: 41، جامع الأصول من أحاديث الرسول 11: 46، مختصر سنن أبي داود 6: 110.
4- مجمع الزوائد 7 عن المهدي عند أهل السنة 1: 320.

أخذ بيد علي (علیه السّلام) فقال : سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي، فإنه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي(1).

وأخرج الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري : سمعت رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) يقول: يخرج من أهل بيتي يقول بسنتي، ينزل الله له القطر من السماء، وتخرج له الأرض من بركتها، تملأ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعمل على هذه الأمة سبع سنين، وينزل بيت المقدس(2).

وأخرج أحمد وأبو نعيم عن أبي سعيد قال : قال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم):لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجلٌ من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً، يملك سبع سنين (3).

وأخرج أبو نعيم عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله (4) .

وأخرج الحارث بن أبي أسامة وأبو نعيم، عن أبي سعيد قال :

ص: 41


1- الحاوي للفتاوى للسيوطي في أخبار المهدي : 130 ، انظر كتاب المهدي عند أهل السنة 1: 361.
2- الحاوي للفتاوي في أخبار المهدي 2: 131، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 362.
3- الحاوي للفتاوي في أخبار المهدي 2: 132، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 363.
4- الحاوي للفتاوي في أخبار المهدي 2: 132، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 363.

قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لتملأن الأرض ظلماً وعدواناً، ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً(1).

وأخرج أبو نعيم عن حذيفة، سمعت رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) يقول : ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم؟ فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويقومهم بقلبه، فإذا أراد الله أن يعيد الإسلام عزيزاً قسم كل جبار عنيد، وهو القادر على ما شاء أن يصلح أمة بعد فسادها، یا حذيفة لم لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد الطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم

على يديه، ويظهر الإسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب(2).

وأخرج (ك) الحاكم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم حتى تضيق الأرض عنهم، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض شيئاً من بذرها إلا أخرجته، ولا السماء شيئا من قطرها إلا صبته يعيش فيهم سبع سنين أو ثماني أو تسعاً(3).

ص: 42


1- الحاوي للفتاوي في أخبار المهدي 2: 132، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 363.
2- الحاوي للفتاوي في أخبار المهدي 2: 133، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 364.
3- الحاوي للفتاوي في أخبار المهدي 2: 135، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 366.
أخبار النبي والأئمة (ع) بقيامه من طرق الخاصة

في البحار عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم الحق منّا وذلك حين يأذن الله عز وجل له، ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك، ألا عباد الله فا . توه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله وخليفتي(1).

وفيه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لما عرج بي إلى السماء ... «إلى أن قال»: وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي...(2).

وفيه عن النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتي رجل من ولد الحسين (علیه السّلام) يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(3).

وفيه قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في مرضه: والذي نفسي بيده لا بد لهذه الأمة من مهدي (علیه السّلام) وهو والله من ولدك(4).

وفي کتاب کنز الواعظين للفاضل المحدث البرغاني، عن غيبة النعماني مسنداً عن إبان بن عثمان، عن الصادق (علیه السّلام) ، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال لعلي: ألا أبشرك ألا أخبرك يا علي؟ فقال :

ص: 43


1- عن البحار في إلزام الناصب 1: 170.
2- عن البحار في إلزامالناصب 1: 171.
3- عنه في إلزام الناصب 1: 171.
4- المصدر السابق .

بلی یا رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، فقال : كان جبرائیل عندي آنفاً وأخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً من ذريتك من ولد الحسين (علیه السّلام) ...(1).

وفي إثبات الهداة للشيخ الحر العاملي (ره) عن الأصبغ، عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) قال : فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يكون الغيبته حيرة يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون إلى أن قال : أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة(2).

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال بعد أن ذكر أسماء الأئمة الأحد عشر : ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً هؤلاء خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدة منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله عز وجل السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها (3) .

عن سليم بن قيس الهلالي عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال في مخاطبته للزهراء (علیها السّلام) في مرضته الأخيرة : ... وابناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده

ص: 44


1- عنهما في إلزام الناصب 1: 173.
2- عنه في إلزام الناصب 1: 174 .
3- كمال الدين 1: 258.

مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً...(1)

وعن ثابت بن دینار، عن سيد العابدين علي بن الحسين، عن سید الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الأوصياء أمير المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السّلام) قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها(2).

روی جابر الأنصاري عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : منا مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعضهم فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير وقر كبيراً فيبعث الله عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين يفتح حصون الضلالة وقلوباً غفلاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً(3)، وبهذا المضمون أخبار كثيرة .

عن علي بن علي الهلالي، عن النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) - إلى أن قال: إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً

ص: 45


1- کمال الدين 1: 264.
2- كمال الدين 1: 282.
3- البحار 52: 266، وانظر الإمام المهدي (ع) وظهوره: 207، طبع الكويت مكتبة دار الإرشاد .

فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبة غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان يملا الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً(1).

نكتفي بهذا القدر مما روته العامة والخاصة من الأخبار الدالة على حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته المباركة التي ستضم مشارق الأرض ومغاربها.

دلائل الروايات

نستخلص من مضامين الروايات المارة الذكر سواء التي نقلت من طرق العامة أو الخاصة الأدلة التالية :

أولاً: يستفاد من قوله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لا تذهب الدنيا... أو قوله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لو لم يبق من الدنيا ... أو لو لم يبق من الدهر إلا ليلة أو إلا يوم يطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي، يستفاد من تلك العبائر حتمية ظهور المهدي وقيام دولته حتى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد. وهذا ما أجمعت عليه روايات الفريقين بشكل صریح لا غموض فيه إذ باستطاعة أي إنسان تجاوز مرحلة الأمية أن يدرك ذلك بدون أدنى تأمل وعناء.

وبتعاضد الروايات والآيات المارة الذكر يصبح دلیل حتمية ظهور الإمام دليلاً قطعياً لا ريب فيه ومحل إجماع علماء المسلمين قاطبة

ص: 46


1- عقد الدرر الفصل الثالث من الباب التاسع: 217، وانظر كتاب المهدي وظهوره: 207.

باستثناء نفر قليل ممن لا علم له بالرواية والدراية سنذكر أسماءهم و شبهاتهم ونترك المجال للعلماء ليردوا عليهم ويفندوها بالأدلة القطعية المقنعة.

ثانياً: أجمعت روايات الفريقين على أن المهدي من ذريةالرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وأهل بيته من ولد فاطمة بضعته. غير أنه أشارت بعض تلك الروايات أن المهدي من صلب الحسين إلا أن هذا الأمر ليس موضع إجماع العلماء لأنهم اختلفوا في تحديد نسبه هل إنه حسني أو حسيني؟ وسبق أن بحثنا ذلك في كتابنا (الإمام المهدي حقيقة لا خیال) وأثبتنا فيه أن المهدي (علیه السّلام) الإمام التاسع من صلب الحسين (علیه السّلام) .

ثالثاً: دلت الروايات المذكورة على أن الإمام المهدي (علیه السّلام) لا يظهر حتى يشمل الظلم والجور مسلمي العالم أجمع بحيث تضيق الأرض بهم ولا يجد أحدهم ملجأ يلجأ إليه وهذا لا خلاف فيه. ومعنى هذا أن ظهور الإمام يكون مسبوقاً بحكومات ظالمة جائرة فاسقة فاجرة، وفتن كثيرة وحروب مدمرة واضطرابات لا حصر لها.

وهذا ما ستذكره الروايات في موضع علائم الظهور والوقائع التي تسبقه بشكل مفصل.

تواتر الأحاديث الدالة على حتمية الظهور

قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل : لا مهدي إلا عيسی، والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى (علیه السّلام) وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد

ص: 47

التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم...(1).

ولا شك في أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين الشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة سلفا عن خلف، إلا من لا يعتد بخلافه(2).

وقال السيد محمد صديق في كتابه (الإذاعة): منها المهدي الموعود المنتظر الفاطمي، وهو أولها، والأحاديث الواردة فيه على اختلاف روایاتها كثيرة جداً، تبلغ حد التواتر، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمساند(3).

وقال الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي في كتاب [الوائح الأنوار البهية، وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضيئة في عقد الفرقة المرضية ] : وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير ما ذكر منهم بروایات متعددة، وعن التابعين ومن بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي.

فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم

ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة، ونقل العلامة الشيخ المرعي في كتابه (فوائد الفكر] عن محمد بن الحسين أنه قال : قد تواترت

ص: 48


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 20 عن كتاب لوائح الأنوار .
2- الإذاعة : 145، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 103.
3- الإذاعة : 113، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 70.

الأحاديث واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى(صلّی الله علیه وآله وسلّم) بمجيء المهدي، وإنه من أهل بيته(صلّی الله علیه وآله وسلّم)(1).

وقال القاضي الشوكاني في الفتح الرباني : الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً وثمانية وعشرون أثرا تم سردها مع الكلام عليها، ثم قال : وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع، انتهى(2) .

وممن نص على تواتر أحادیث المهدي أيضاً الحافظ شمس الدين السخاوي في فتح المغيث والحافظ جلال الدين السيوطي في الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة واختصاره الأزهار المتناثرة وغيرهما من كتبه، والعلامة ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة وغيره من مصنفاته، والمحدث الزرقاني في شرحه للمواهب اللدنية وجم غفير من الحفاظ النقاد والمحدثين المتقنين لفنون الأثر .

وذكر القنوجي في الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة أن القاضي أبا عبد الله محمد بن علي الشوكاني ألف في إثبات تواتر أخباره کتاباً سماه (التوضيح في تواتر ما في المنتظر والدجال والمسيح... (3).

وقد حكى عن غير هؤلاء التواتر الشيخ عبد المحسن العباد في

ص: 49


1- الإذاعة : 146، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 104.
2- تحفة الأحوذي لشرح جامع الترمذي 6: 485، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 203.
3- إبراز الوهم المكنون: 434، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 230.

مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثالث السنة الأولى فذكر منهم الحافظ أبا الحسين محمد بن الحسين الإبري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي، ومحمد البرزنجي ...

وممن حکی تواتر أحاديث المهدي من المتأخرين الشيخ محمد ابن جعفر الكناني المتوفي سنة 1345 ه قال في كتابه (نظم المتناثر من الحديث المتواتر]: وقد ذكروا أن نزول سیدنا عیسی (علیه السّلام) ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ثم قال : والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سیدنا عیسی(علیه السّلام)(1).

هؤلاء بعض من قال بتواتر أحادیث المهدي وحتمية ظهوره من علماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين. وباعتقادي أن هذا يكفي للتدليل على تواتر أحاديث المهدي (علیه السّلام) لأنه لا يسعنا أن نذكر كل من قال بتواترها لأن علماء المسلمين من الفريقين أقروا بذلك ما عدا نفرة قليلاً لا يتجاوز عدد أصابعاليد ضعفوها وأنكروا ظهوره استناداً إلى رواية ضعيفة مفادها أن لا مهدي إلا عیسی بن مریم.

وسنذكر حجج أولئك وشبهاتهم بالتفصيل ثم الرد عليها وتفنيدها

وإثبات حتمية الظهور إن شاء الله فيما يأتي .

ص: 50


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 402 نقلاً من مجلة الجامعة الإسلامية العدد 3 السنة 1388 ه شباط 1969م.

الدليل الثالث على حتمية ظهور الإمام المهدي:هو الإجماع

اشارة

مما لا ريب فيه أن علماء الشيعة مجمعون على وجود الإمام المهدي (علیه السّلام) وعلى حتمية ظهوره. وقد أشار الكثير من علماء إخواننا السنة إلى ذلك الإيمان وكونه جزءاً من عقيدتهم وفيما يلي نشير إلى بعض عبائرهم وأقوالهم الدالة على ذلك.

وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير ما ذكر منهم (رضي الله عنهم) بروایات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي.

فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة وكذا عند أهل الشيعة ...(1).

وقال آخر: لا شك في أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غیر تعیین لشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة سلفاً عن خلف، إلا من لا يعتد بخلافه .

ص: 51


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 21.

وليس القول بظهوره بناء على أقوال الصوفية ومكاشفاتهم أو أهل التنجيم، أو الرأي المجرد، بل إنما قال به أهل العلم لورود الأحاديث الجمة في ذلك(1).

وجاء في كتاب (عون المعبود شرح سنن أبي داود) قوله : واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت (علیهم السّلام) يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي(2).

وفي كتاب (التاج الجامع للأصول) جاء فيه: اشتهر بين العلماء سلفا وخلفة أنه في آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من أهل البيت يسمى المهدي...(3).

وقال صاحب کتاب (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) : أما بعدفإن الساعة آتية لا ريب فيها، قريبة مقبلة بما فيها وإن لإتيانها أعلاماً ولقيامها أشراطاً ألا وإن من أعلامها الصريحة وأشراطها الثابتة الصحيحة ظهور الخليفة الأكبر والإمام العادل الأشهر، الذي يحيي الله به ما درس من آثار السنة النبوية واندثر، ويميت به ما شاع من ضلالات أهل البدع وذاع وانتشر ... إلى أن قال : وصحت عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) في ذلك الآثار، وشاع ذكره

ص: 52


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 103.
2- عون المعبود 11: 361، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 167 .
3- التاج الجامع للأصول 5: 341، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 218.

وانتشر خبره بين الكافة من أهل الإسلام على مر الدهور الأعصار . فالإيمان بخروجه واجب واعتقاد ظهوره تصديقاً لخبر الرسول محتم لا ريب كما هو مدون في عقائد أهل السنة والجماعة من سائر المذاهب، ومقرر في دفاتر علماء الأمة على اختلاف

طبقاتها ...(1).

وجاء في مجلة التمدن الإسلامي جوابا على سؤال أحد القراء : وخلاصة القول: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة متواترة عنه (صلّی الله علیه وآله وسلّم) يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين (2).

وقال الشيخ عبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية في معرض رده على ابن خلدون وغيره ممن أنكر ظهور الإمام المهدي : إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها مؤلفون وحکی تواترها جماعة واعتقد موجباً أهل السنة والجماعة وغيرهم من الأشاعرة تدل على حقيقة ثابتة بلا شك هي حصول مقتضاها في آخر الزمان...

وقال في مكان آخر: وإذا فإن أحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها وإثباتها في دواوين أهل السنة يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة المقتضاها إلا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها، والتصديق بها داخل في الإيمان بأن محمداً(صلّی الله علیه وآله وسلّم) رسول الله، لأن من الإيمان به (صلّی الله علیه وآله وسلّم) تصدیقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي

ص: 53


1- إبراز الوهم المكنون: 433، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 229.
2- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 391.

امتدح الله المؤمنين به بقوله: «الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ »وداخل في الإيمان بالقدر ...(1).

وقال ابن باز تعليقة وتعقيبا على محاضرة الأستاذ عبد المحسن العباد التي نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية: ونص أهل العلم الموثوق بهم على ثبوتها - يعني أحاديث المهدي (علیه السّلام) - وتواترها. وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشياء كثيرةبأقل من ذلك، والحق أن جمهور أهل العلم بل هو الاتفاق على ثبوت أمر المهدي، وأنه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان .

أما من شذّ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه

في ذلك(2).

وقال في عدد آخر من مجلة الجامعة الإسلامية الشيخ عبد

المحسن العباد في معرض رده على الشيخ ابن محمود الذي ضعف أحاديث المهدي وجعلها بدعة من بدع الشيعة : وإيضاحاً للحق ودفعاً اللباطل أقول: إن علماء أهل السنة المعتد بهم في القديم والحديث مصدقون بالأحاديث الثابتة عن الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) الدالة على خروج المهدي في آخر الزمان ولا ينكرها إلا شاذ عنهم، وسبق أن أشرت في مواضيع من هذا البحث إلى تسمية بعض علماء أهل السنة الذين احتجوا بأحاديث المهدي وقالوا بثبوت خروجه آخر الزمان .

ص: 54


1- مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثالث، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 431.
2- مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثالث، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 433.

وقد يكون من المناسب هنا تسمية عدد من هؤلاء العلماء ليتضح أن علماء أهل السنة المتبعين للنصوص الذين لا يعارضونها بالشبهة العقلية كما أنهم أهل الكمية فهم أهل الكيفية، وإن الذين شذوا عنهم ليسوا ذوي كمية ولاكيفية، وليس ذلك للمقارنة والموازنة معاذ الله .

وبعد ذكر أسماء 22 عالماً من ذوي الاختصاص قال : وهؤلاء الذين ذكرتهم قطرة من بحر من علماء أهل السنة القائلين بخروج المهدي في آخر الزمان استناداً إلى الأحاديث الصحيحة في ذلك، وهم أهل الرواية والدراية وهم أهل الخبرة والاختصاص، وهم العلماء المحققون الذين يعول على حكمهم، وهم أهل الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، وهم أهل العلم والدين وهم أهل الكمية والكيفية(1).

وقال الشيخ محمد الخضر حسين في معرض رده على من ضعف أحاديث الإمام المهدي (علیه السّلام) بالجملة : والواقع أن أحاديث المهدي بعد تنقيتها من الموضوع والضعيف القريب منه، فإن الباقي منها لا يستطيع العالم الباحث على بصيرة أن يصرف عنه نظره، كما يصرفه عن الأحاديث الموضوعة. وقد صرح الشوكاني في رسالته المشار إليها آنفا بأن هذه الأحاديث بلغت مبلغ التواتر فقال : الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، ... بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.

ص: 55


1- مجلة الجامعة الإسلامية العدد 46، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 493 و 495 .

يقول بعض المنکرین لأحادیث المهدي جملة: إن هذه الأحاديث من وضع الشيعة لا محالة، ويرد هذا بأن هذه الأحاديث مروية بأسانيدها، ومنها ما تقصينا رجال سنده فوجدناهم ممن عرفوا بالعدالة والضبط، ولم يتهم أحد من رجال التعديل والتجريح يتشیع مع شهرة نقدهم للرجال(1).

وقال الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين) : ثم تأملنا أخبار الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فوجدناها قد وردت بأن الأرض تملأ قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً برجل من عترته، فدلنا هذا الحديث على أن القيامة لا تقوم على هذه الأمة إلا بعدما ملئت الأرض عدلا، فإن هذا الدين الذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يؤيده الله عز وجلّ كما أيده الأنبياء والرسل لمّا بعثهم لتجديد الشرايع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودة غير معدومة .... (2).

وأشار الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة) إلى إجماع الطائفة الشيعية على حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) بقوله: ومما يدل أيضاً على إمامة ابن الحسن (علیه السّلام) زائد على ما مضى أنه لا خلاف بين الأمة أنه سيخرج في هذه الأمة مهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ...(3).

ص: 56


1- مجلة التمدن الإسلامي العدد 35 و36 محرم الحرام سنة 1370 ه، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 212.
2- كمال الدين 1: 66.
3- الغيبة للشيخ الطوسي: 109.
وقفة تأمل وتدقيق في نصوص الإجماع

من تأمل بدقة في نصوص الإجماع المذكورة يرى بوضوح أن مسألة الإيمان بحتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) تعد جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية الراسخة في أعماق نفوس المسلمين رغم مضي أكثر من ألف وأربع مائة سنة على بدء التبشير بها من قبل الرسول الأعظم(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، ورغم شدة عواطف الشكوك والريب المثارة حولها.

ثم إن الإيمان بهذه العقيدة ملازم للإيمان بالغيب الذي أشارت

له نصوص القرآن الكريم ووصفت معتنقيها بالمتقين ..

واشارت النصوص المذكورة إلى أن منشأ هذه العقيدة هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وليس منشؤها بدع الشيعة وأضاليلهم كما زعم بعض من شذ من علماء المسلمين الذين أعمى الحقد الطائفي بصائرهم وجعلهم يتخبطون خبط عشواء في إصدار أحكامهم استناداً إلى حجج واهية تثبت جهلهم وعدم معرفتهم بعلوم الرواية والدراية .. .

ثم يرى المتأمل فيها أيضا أن الإجماع المستخلص منها إجماعاً مدهشاً لم يسبق له نظير في إجماعیات علماء المسلمين، إذ طالما اتفقوا على أمور سواء في الأصول أو الفروع ولكن توافقهم وإجماعهم لم يكن حرفياً كما حصل في هذه العقيدة المهدوية.

وبثبوت هذا الإجماع وبالكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة تم إثبات ما أردنا إثباته وهو حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته المباركة.

ص: 57

وعصر ظهورهإن هذا الإجماع الرائع الذي استقطب كل علماء المسلمين سنة وشيعة ما عدا نفراً شاذاً، لم يترك أي مجال للخصم ليشكك بهذه العقيدة ويثير بسببها النزاع والتخاصم بين المسلمين.

ولأجل إزالة جميع الرواسب العالقة بأذهان المؤمنين التي أفرزتها أقلام المشككين والمنکرین لهذه العقيدة النيرة لا بد لنا أن نذكر بالتفصيل آراءهم وشبهاتهم وحججهم الواهية وتفنيدها بردود العلماء المتخصصين بعلوم الحديث والجرح والتعدیل کی تنقى هذه العقيدة المهدوية من جميع الشوائب والشكوك لئلا يبقى ثغرة يحاول أعداء الإسلام النفوذ من خلالها لغرض تفريق المسلمين وإفساد عقائدهم.

ص: 58

الفصل الثاني : الرد على شبهات المنكرين لظهور الإمام المهدي (ع)

اشارة

ص: 59

ص: 60

شبهات ابن خلدون والرد عليها

وأول من اتجه إلى نقد أحاديث المهدي فيما عرفنا أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون، فقد ذكر في مقدمة تاريخه أن في من أنكروا أحاديث المهدي وتكلموا فيها، وأورد منها ثمانية وعشرين حديثة. وقد منعه ما اعتاده من تحقيق البحث في القضايا العلمية أن يحكم عليها كما يفعل غير أهل العلم بأنها غير ثابتة، بل تصدي إلى نقدها بنقل ما قدح به أهل الفن في بعض رواتها، وأورد من بينها حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً وظلماً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي رجل يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً).

وقال : هذا الحديث رواه الحاكم قال : هذا صحيح على شرط الشيخين - يعني البخاري ومسلمة . ولم يخرجاه . وأورد فيها ما رواه الحاكم أيضاً عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : (يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحة، وتكثر الماشية، وتعظم

الأمة، ويعيش سبعاً أو

ص: 61

ثمانياً) - يعني حججاً. وقال الحاكم: في هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه يعني البخاري ومسلماً.

ثم اعترف ابن خلدون بعد بأن بعض الأحاديث خلص من النقد إذ قال : فهذه جملة الأحاديث التي أخرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان كما رأيت، لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه.

ونحن نقول: متى ثبت حدیث واحد من هذه الأحاديث وسلم من النقد، كفي في العلم بما تضمنه من ظهور رجل في آخر الزمان يسوس الناس بالشرع، ويحكمهم بالعدل، إذ أريناك أن مسألة المهدي لم تكن من قبيل العقائد التي لا تثبت إلا بالأدلة القاطعة .

والصحابة الذين رویت من طرقهم أحاديث المهدي (علیه السّلام) نحو (27) صحابياً (رضي الله عنهم) منهم أبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم سلمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمار بن یاسر، والعباس بن عبد المطلب، وتميم الداري، وابن عباس.

والواقع أن أحاديث المهدي بعد تنقيتها من الموضوع والضعيف القريب منه، فإن الباقي منها لا يستطيع العالم الباحث على بصيرة أن يصرف عنه نظره، كما يصرفه عن الأحاديث الموضوعة.

وقد صرح الشوكاني في رسالته المشار إليها آنفاً بأن هذه

الأحاديث بلغت مبلغ التواتر فقال : والأحاديث الواردة في المهدي

ص: 62

التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.

يقول بعض المنکرین لأحاديث المهدي جملة : إن هذه الأحاديث من وضع الشيعة لا محالة، ويرد هذا بأن الأحادیث مروية بأسانيدها. ومنها ما تقصينا رجال سنده، فوجدناهم ممن عرفوا بالعدالة والضبط، ولم يتهم أحد من رجال التعديل والتجريح بتشيع مع شهرة نقدهم للرجال.

وقال ابن خلدون: ربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما رواه محمد بن خالد الجندي عن آبان بن صالح، عن الحسن البصري عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : لا مهدي إلا عيسی.

وهذا حديث مصنوع فقد نقده نقاد الأسانید کالحاكم: إن محمد بن خالد رجل مجهول. وقال ابن عبد البر: إنه متروك، وقال الأزدي : منكر الحديث، وآخذ في مثل يقول ابن حزم : إذا كان في سند الحديث رجل مجروح بكذب، أو غفلة، أو مجهول الحالة، لا يحل عندنا القول به ، ولا تصديقه، ولا الأخذ بشيء منه(1).

وجاء في هامش تحفة الأحوذي: وبالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحادیث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ وما روي من رواية محمد بن المنكدر عن

ص: 63


1- مجلة التمدن الإسلامي العدد : 30 و 36 محرم الحرام 1370 ه، انظر كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 213.

جابر : (من كذب بالمهدي فقد كفر)، فموضوع والمتهم فيه أبو بكر الإسكاف وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روي مرفوعاً أنه قال : لا مهدي إلا عيسى بن مريم، والحديث ضعفه البيهقي والحاكم فيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث والله أعلم كذا في عون المعبود . قلت: الأحاديث الواردة في خروج الإمام المهدي كثيرة جداً، ولكن أكثرها ضعاف، ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الترمذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف.

فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح للاحتجاج بلا مرية، فالقول بخروج الإمام المهدي وظهوره هو القول الحق والصواب والله تعالى أعلم(1).

وجاء في كتاب (التاج الجامع للأصول) في الهامش: اشتهر بین العلماء سلفاً وخلفاً أنه في آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من أهل البيت يسمى المهدي يستولي على الممالك الإسلامية ويتبعه المسلمون ويعدل بينهم ويؤيد الدين، وبعده يظهر الدجال وينزل عیسی (علیه السّلام) فيقتله أو يتعاون عیسی مع المهدي على قتله، وقد روى أحادیث المهدي جماعة من خيار الصحابة، وخرجها أكابر المحدثين كأبي داود والترمذي، وابن ماجه، والطبراني، وأبي يعلى، والبزاز، والإمام أحمد، والحاكم (رضي الله عنهم أجمعين) لقد أخطأ منضعف أحاديث المهدي كلها كابن خلدون وغيره، وما روي من حديث : لا

ص: 64


1- تحفة الأحوذي 6: 484، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 202.

مهدي إلا عیسی بن مریم، فضعيف كما قاله البيهقي والحاكم

وغيرهما(1).

وفي كتاب (إبراز الوهم المكنون) عن الفتوحي قال : وقد أضجع القول فيها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حيث قال : يحتجون في الباب بأحادیث خرجها الأئمة، وتكلم فيها المنكرون وربما عارضوها ببعض الأخبار إلى آخر ما قال. وليس كما ينبغي فإن الحق الأحق بالاتباع والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع. إن المعتبر في الرواة رجال الحديث أمران لا ثالث لهما وهما الضبط والصدق دون ما اعتبره عامة أهل الأصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك كيف ومثل ذلك يتطرق إلى رجال الصحيحين وأحاديث المهدي عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة فتعرض المنكرون لها ليس كما ينبغي والأحاديث يشد بعضهابعضاً، ويتقوى أمرها بالشواهد والمتابعات وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار(2).

ألف الشيخ محمد بن الصديق كتاب (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) وعرض فيه حجج ابن خلدون ورد عليها بوجوه

ص: 65


1- التاج الجامع للأصول 5: 341، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 218.
2- إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون: 435 ، انظر المهدي عند أهل السنة 2: 231 - .238

متعددة لا يسعنا هنا إلا أن نذكر منه جملاً قصيرة وسطوراً قليلة في نقده لابن خلدون، والذي يطلب المزيد فليراجع الكتاب المذكور . قال محمد بن الصديق : وقد كثر في الناس اليوم ممن يخفى عليه هذا التواتر - يعني تواتر أحاديث المهدي - ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ويضله من ينكر ظهور المهدي وينفيه ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه مع جهله بأسباب التضعيف وعدم إدراكه معنی الحديث الضعيف وتصوره مبادئ هذا العلم الشريف، وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنية بتواترها عن البيان لحالهاوالتعريف وإنما استناده في إنكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزورة المكذوبة ولمز به ثقات رواتها من التحريجات الملفقة المقلوبة مع أن ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن ولا استوفي منه بمكيال ولا میزان فكيف يعتمد فيه عليه ويرجع في تحقيق مسائله إليه فالواجب دخول البيت من بابه والحق الرجوع في كل فن إلى أربابه فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلا من حفاظ الحديث ونقاده .

ثم قال : ولما لم أر أحداً تصدى للرد عليه فيما علمت ولا بلغني ذلك عن أحد فيما رویت وسمعت بعثني باعث الغيرة الدينية الأثرية وحثني فضل الانتصار والذب عن السنة النبوية على أن أدحض حججه الباطلة وأرد شبهه الفاسدة العاطلة، فكتبت على ضعف في الاستعداد وقلة من المواد هذه الرسالة واختطفت من أنياب العوائق هذه العجالة بعد أن فهمت مرامه وتدبرت كلامه فإذا هو مموه بشبه

ص: 66

واهية يعارض بعضها بعضاً مركب من مقدمات وهمية موهمة تناقض نتائجها نقضاً مؤلف من مغالطات يخيل للناظر أنها حجج قوية ترفض النزاع رفضاً محشواً بتعسفات تغض من صاحبها غضاً ومجازفات تحط من قدره وتنقص منه طولاً وعرضاً كما ستعلم ذلك وتتحققه عند عرضنا له عليك عرضاً...(1).

وممن رد على ابن خلدون والمنکرین لحتمية ظهور المهدي بمحاضرة مطولة هو الأستاذ عبد المحسن العباد ذكر فيها حجج ابن خلدون الواهية ورد عليها بشكل مفصل حيث ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي وأسماء الأئمة الذين خرجوها، والذين ألفوا فيها كتباً، والذين حكوا تواترها وما ورد منها في الصحيحين، وذكر من احتج بها من علماء السنة وغير ذلك من الموضوعات المتعلقة بها. ثم قال في كلمة ختامية : إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها مؤلفون وحکی تواترها جماعة، واعتقد بموجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم من الأشاعرة تدل على حقيقة ثابتة بلا شك هي حصول مقتضاها في آخر الزمان ...

ثم قال : ومعتقدهم - يعني أهل السنة - في المستقبل عند نزول عیسی بن مریم (علیه السّلام) حقيقة ثابتة بلا شك أيضاً فلا عبرة بقول من قفا ما ليس له به علم وقال: إن الأحاديث في المهدي لا يصح نسبتها إلى رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لأنها من وضع الشيعة كما تقدمت الإشارة إلى هذا في أول المحاضرة.

ص: 67


1- إبراز الوهم المكنون: 443 - 444، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 237.

وإذا فإن أحاديث المهدي (علیه السّلام) على كثرتها وتعدد طرقها وإثباتها في دواوينأهل السنة يصعب كثيرة القول بأنه لا حقيقة المقتضاها إلا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها ولم يقف على كلام أهل العلم المعتمد بهم فيها، والتصديق بها داخل في الإيمان بأن محمدا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لأن من الإيمان به (صلّی الله علیه وآله وسلّم) تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله تعالى : «الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ »(1).

وعلق نائب رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على المحاضرة بقوله: إن الحق والصواب هو ما أبداه فضيلته في هذه المحاضرة، كما بينه أهل العلم فأمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة ومتعاضدة، وقد حكي غير واحد من أهل العلم تواترها كما حكاه الأستاذ في هذه المحاضرة وهي متواترة تواترة معنوياً لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق ...

ثم قال : والحق أن جمهور أهل العلم بل هو الاتفاق على ثبوت أمر المهدي، وإنه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه ...(2).

ص: 68


1- مجلة الجامعة الإسلامية العدد 3 سنة 1388 ه، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 431.
2- المهدي عند أهل السنة 2: 432 - 433.

إن هذا القدر من الردود كاف لتفنيد أكاذيب ابن خلدون

وافتراءاته، وإثبات جهله وضلاله، وبطلان أدلته الواهية .

الرد على بقية من كذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي

وممّن كذّب بأحاديث الإمام المهدي وحتمية ظهوره هو الشيخ عبد الله بن زید المحمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر. وحاول هذا الشخص استثمار حادثة الحرم المكي الشريف سنة 1400 ها لبث أكاذيبه وتخرصاته ، ظناً منه أن الظرف ملائم لكي يصدق الناس بمفترياته وتلفيقاته المفضوحة التي لا تنطلي إلا على البسطاء والسذج من الناس .

وتصدى للرد على هذا المفتري سماحة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، وبما أن الرد مطول فلا يسعنا إلا أن نذكر مقاطع مهمة منه بإيجاز واختصار لئلا يطول المقام ويسبب الملل ..

قال الشيخ عبد الله بن محمود: وإن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء فلم يقع لها ذکر بين الصحابة في القرن الأول، ولا بين التابعين.

والجواب : أن الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في خروج المهدي في آخر الزمان قد تلقاها عنه الصحابة رضي الله عنهم) وتلقاها عنهم التابعون فكيف يقال : إنه لم يكن لذلك ذکر بین الصحابة في القرن الأول ولا بين التابعين وقد قال الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح كما في كتاب الإذاعة لصدیق حسن خان : والأحاديث الواردة في المهدي التي

ص: 69

أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جداً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.

وحكى الشيخ ابن محمود عن ابن القيم في (المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف) أنه يضعف الأحاديث الواردة في المهدي فقال في صفحة 9 بعد أن أورد الأقوال التي ذكرها ابن القيم إجمالاً قال : ومن لوازم قوله - يعني ابن القيم - أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب أنه لا حقيقة له .

ابن القيم لم يقل بتضعيف أحاديث المهدي

وقال ابن محمود في ص 19: لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث - أي المتعلقة بالمهدي - التي يتلونها ويموهون بها على الناس فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الحرج والتضعيف وكونها مزورة على الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من قبل الزنادقة الكذابين، وممن انتقد هذه الأحاديث وبين معايبها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) وقال أيضاً في ص 25: وقد رأينا من يؤيد قول ابن خلدون من العلماء المتقدمين والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهم العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه (المنار المنيف) منأحاديث المهدي وضعفها.

ص: 70

والجواب أن نقول: لم يضعف ابن القيم الأحاديث الواردة في المهدي كما يقول ابن محمود، بل يبين أن ما فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وذلك في كتابه (المنار) ولا أدري كيف خفي ذلك على الشيخ ابن محمود فنسب إليه القول بتضعيفها مع أن كلامه رحمه الله واضح وصريح في تصحيحها والقول بثبوتها، ومن ذلك أنه نقل كلام أبي الحسين الإبري المتوفي عام 363 ه في تواتر الأحاديث الواردة في المهدي وسکت عليه ولم يعقب. وهو قول أبي الحسين الإبري في كتاب (مناقب الشافعي) وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وذكر المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عیسی بن مریم يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عیسی خلفه .

ومن ذلك نقل قول البيهقي: والأحاديث على خروج المهدي

أصح إسنادة، ثم ذكر ابن القيم بعض الأمثلة لهذه الأحاديث.

ومنها أن ابن القيم قال : وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وأبي

أمامة

الباهلي، وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم.

ثم أورد عدة أحاديث رواها بعض أهل السنن والمسانید وغيرها

منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف أورده للاستیناس به ثم قال ابنالقيم: وهذه الأحاديث أربعة أقسام: صحاح وحسان وغرائب وموضوعة .

ص: 71

ومنها أنه ذكر الأقوال في المهدي وقال في ثالثها: القول

الثالث : إنه رجل من أهل بيت النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم)

...(1).

وخلاصة ما قاله ابن القيم يثبت كذب ابن محمود وبطلان مدعياته .

ونسب هذا المفتري تهمة تضعیف أحاديث المهدي (علیه السّلام) إلى الإمام الشاطبي صاحب كتاب (الاعتصام) زوراً وبهتاناً .

فأجابه الأستاذ عبد المحسن بقوله: إن الشيخ ابن محمود ذکر أن ممن سبق ابن خلدون في تضعیف احادیث المهدي الإمامين ابن القيم والشاطبي وسبق إيضاح عدم صحة ما نسبه إلى ابن القيم في ذلك. أما الإمام الشاطبي فما نسبه إليه غير صحيح أيضاً فإن كلام الشاطبي عن أتباع المهدي المغربي لا علاقة له بالأحاديث الواردة في المهدي الذي يخرج في آخر الزمان والتي قال بصحتها وثبوتها العلماء من أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً ...(2).

ومما احتج به هذا المفتري هو قول ابن خلدون في تضعیف روايات المهدي. فأجابه عبد المحسن العباد : أولاً إن ابن خلدون اعترف بسلامة بعضها من النقد حيث قال بعد إيراد الأحاديث في المهدي : فهذه جملة الأحاديث التي أخرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه.. على أن ابن خلدون فاتهالشيء الكثير من الأحاديث.

ص: 72


1- مجلة الجامعة الإسلامية العدد 45، انظر الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 450 451.
2- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 451.

ثانياً : إن ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتماد بذلك بمثل البيهقي والعقيلي والخطابي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي، فالذي يرجع في ذلك إلى ابن خلدون كالذي يقصد الساقية ويترك البحور الزاخرة، وعمل ابن خلدون في نقل الأحاديث أشبه ما يكون بعمل المتطبب إذا خالف الأطباء الحذاق المهرة(1).

وقد أحسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه أحاديث مسند أحمد حيث قال : أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها.. وقال : إنه تهافت في الفصل الذي عقد في مقدمته للمهدي تهافتاً عجيباً وغلط أغلاطاً واضحة .. وقال : إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل .. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال...(2).

وأضاف ابن محمود افتراء آخر إلى افتراءاته فقال : ولست أناأول من قال ببطلان دعوى المهدي وكونه لا حقيقة لها فقد رأيت الأستاذنا الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رسالة حقق فيها بطلان دعوى المهدي وأنه لا حقيقة لوجوده، وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة جداً فلا ينكر على من أنكره.

وأجابه الشيخ عبد المحسن العباد بقوله: إن الشيخ محمد بن

ص: 73


1- المهدي عند أهل السنة 2: 449.
2- المهدي عند أهل السنة 2: 450.

مانع رحمه الله قال: اولاً کلاماً محتملاً تضعیف احادیث المهدي وذلك في كتابه (الكواكب الدرية) اغتراراً بكلام ابن خلدون يدل على ذلك قوله في كتابه المذكور : ومن أراد تحقيق هذه المسألة فليراجع مقدمة ابن خلدون فقد أفاد فيها وأجاد ولكنه بعد أن حدق النظر في الموضوع عاد فألف رسالة سماها اتحديق النظر بأخبار الإمام المنتظر» توجد منها نسخة خطية في دار الكتب المصرية قال فيها بعد أن ذکر كلام ابن خلدون وتعقب صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود عليه قال : وأقول: قول العلامة الهندي في هذه الأحاديث أقرب إلى الصواب من قول من جزم بضعفها كلها فمن صح عنده حديث عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) منها أو من غيرها وجب عليه قبوله والاعتقاد بمدلوله، ومن علم بضعف الحديث وتيقنه لم يجب عليه شيء من ذلك.

وإذا اعتبرنا هذه الأحاديث الواردة في المهدي بخصوصها وجدنا التي لم يصرح فيها باسمه أقوى، ورأينا الضعف غالباً على ما ذكر فيها اسمه، ولهذا قلت في الكواكب لما قال السفاريني. فكلها صحت به الأخبار أي بأكثرها فإن الأحاديث التي فيها ذكر المهدي لم تصح عند علماء الحديث ... إلى أن قال : فإن التي لم يذكر فيها اسمه بل ذکر نعته فيها القوي والضعيف ولهذا نعتقد ونجزم بخروج رجل من أهل البيت آخر الزمان اسمه محمد بن عبد الله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ...(1).

ص: 74


1- المهدي عند أهل السنة 2: 452 - 453.

الرد على حجج محمد رشيد رضا المنكرة لخروج الإمام المهدي ع

وقال الشيخ ابن محمود في إدامة قوله في ذكر أسماء المنکرین الخروج الإمام المهدي (علیه السّلام) : كما رأيت أيضاً لمنشئ (مجلة المنار) محمد رشید رضا رسالة ممتعة يحقق فيها بطلان دعوى المهدي وإن كل الأحاديث الواردة فيه لا صحة لها قطعاً، وأشار إلى بطلان دعواه في تفسير المنار ونقل في ص 62 والصفحتين بعدها شيئاً من كلامه في دعوى بطلان أحاديث المهدي ومنه في صفحة 64 قوله : وردت أحاديث في المهدي منها ما حكموا بقوة إسناده ولكن ابن خلدون عنى بإعلالها وتضعيفها كلها ومن استقصى ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار وعرف مواردها ومصادرها يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة.

فأجابه الأستاذ عبد المحسن العباد بقوله :

أولاً: اعتماد الشيخ محمد رشید رضا على بطلان الأحاديث الواردة في المهدي مبنية على إعلال ابن خلدون لأحاديث المهدي، وسبق أن أوضحت أن ابن خلدون ليس ممن يعتمد عليه في مجال نقل الأحاديث والحكم عليها صحة أو ضعفة، لأنه ليس من أهل الاختصاص.

ثانياً: ما ادعاه من أن الأحاديث في المهدي كلها منقولة عن الشيعة مردود بأن أحاديث المهدي عند أهل السنة مدونة في كثير من الكتب المعتمدة في السنن والمساند تنتهي إلى رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) عن طریق صحابته الكرام (رضي الله عنهم) أما الأحاديث عند الشيعة فهي

ص: 75

تنتهي إلى أئمتهم المعصومين في زعمهم، وقد تصل لرسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وما صح من الأحاديث الواردة في المهدي عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لا علاقة له بالشيعة ولم ينقل عن الشيعة ثم إن المهدي عند الشيعة هو محمد بن الحسن العسكري صاحب السرداب ، أما المهدي عند أهل السنة فاسمه مواطی اسم رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) واسم أبيه اسم أبيه، فعقيدة أهل السنة في المهدي في واد وعقيدة الشيعة في مهديهم في واد آخر.

ثالثاً: لا شك أن ما زعمه الشيخ محمد رشید رضا في إنكار خروج المهدي في آخر الزمان خطأ واضح وأخطر منه خطؤه في إنكار رفع عیسی (علیه السّلام) حياً إلى السماء ونزوله في آخر الزمان ... ثم ذکر رد الشيخ خليل المهراس رحمه الله عليه فيما يتعلق برفع عيسى (علیه السّلام) .

ثم قال : وما دام أن الشيخ محمد رضا سقط هذه السقطة السحيقة - يعني إنكاره لرفع عيسى (علیه السّلام) حياً إلى السماء وقتله للدجال - في شأن عيسی (علیه السّلام) فليس بمستغرب أن يسقط ويتردى في شأن المهدي(1).

الرد على تخرصات أحمد أمين في شأن المهدي (ع)

نقل الشيخ المفتري ابن محمود أقوال أحمد أمين ونسبها إلى نفسه دون حياء أو خجل وذكر ذلك في رسالته المتعلقة بالمهدي من غير أن يذكر اسم قائلها وبذا اقترف السرقة الأدبية بالإضافة إلى كذبه وافتراءاته ولا ندري ما سيقترفه من الجرائم بعد هذا.

ص: 76


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 454.

وكلام أحمد أمين الذي نسبه لنفسه هو: وقال أحمد أمين في کتاب ضحى الإسلام ج 3: 241: وفكرة المهدي هذه لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية ، ففي نظري أنها نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من أيديهم.

وقال في ج 3: 243: واستغل هؤلاء القادة المهرة أفكار الجمهور الساذجة المتحمسة للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطاهرة، ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في ذلك، وأحكموا أسانيدها من طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب البساطته، وسکت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم.

وقال في نفس الصفحة أيضاً : حديث المهدي هذا حديث خرافة

وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين.

وقال في ص 244: فامتلأت عقول الناس بأحادیث تروی وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمه الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون فأخبار العرب والروم، وأخبار في قتال الترك... إلخ.

فرد الأستاذ الشيخ عبد المحسن العباد على السارق والمسروق منه بقوله: إن التابع نقل كلام المتبوع بنصه ونسبه إلى نفسه دون نسبته إلى قائله، وإن كان مثل هذا الكلام يعتبر في الحقيقة منقصة لمن ينسب إليه، ثم إن الشيخ ابن محمود يعيب جمهور الأئمة سلفاً وخلفاً أنهم يقلد بعضهم بعضاً والمقلد لا يعد من أهل العلم في ص 5 و8 من رسالته)، وفي نفس الوقت يرضى لنفسه أن يقلد مثل أحمد

ص: 77

أمين ومحمد فريد وجدي ممن هم أجانب عن علم الحديث الشريف ، فإذا كان من يقلد أهل الاختصاص مثل الترمذي العقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر العسقلاني وغيرهم لا يعد من أهل العلم فبم يوصف من يكون قدوته من هو أجنبي عن العلم الشرعي مثل محمد فريد وجدي وأحمد أمين؟

ومن جعل الغراب له دليلا

يمر به على جيف الكلاب(1)

مناقشة كلام أحمد أمين وتفنيد افتراءاته

ثم قال الشيخ عبد المحسن العباد بعد أن استعرض أقوال أحمد أمين : ثم إني أناقش هذا الكلام الذي اشترك في حمل وزره الأستاذ أحمد أمين والشيخ ابن محمود فأقول:

أولاً: ما قاله التابع والمتبوع من أن فكرة المهدي نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وأنهم استغلوا أفكار الجمهور الساذجةوتحمسهم للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الطاهرة، ووضعوا الأحاديث يروونها عن الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في ذلك، وأحكموا أسانيدها وأذاعوها عن طرق مختلفة وصدقها الجمهور الطيب لبساطته ...

هذا القول الذي قالاه يشتمل على تنقص سلف هذه الأمة أوعية السنة ونقلة الآثار، والنيل منهم، ووصف أفكارهم بالسذاجة، وأنهم يصدقون بالموضوعات لبساطتهم، ولا شك أنه كلام في غاية

ص: 78


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 458 - 459.

الخطورة؛ لأن القدح بالناقل قدح بالمنقول - وهو الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) - وفي مقابل هذا الكلام الذي هو من أسوأ الكلام أنقل فيما يلي كلاماً لأبي بكر الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث هو من أحسن الكلام ... ثم نقل كلام البغدادي وقال: هذا ما قاله الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث. وبعد أن يتفق ابن محمود مع أحمد أمين في هذا الكلام ينفرد الشيخ ابن محمود بلمز لأهل الحديث فيقول في ص 23 من رسالته: لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من مؤمن بالله ، ولهذا أكثروامن أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة حتى بلغت خمسين حديثاً في قول الشوكاني كما نقله عنه السفاريني في (لوامع الأنوار) وأورد ابن کثیر في (نهايته) الكثير منها وسأتكلم حول هذا الموضوع إن شاء الله تعالی.

ثانياً: قول أحمد أمين: فامتلأت عقول الناس بأحادیث تروی وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمه الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون، فأخبار العرب والروم، وأخبار في قتال الترك... إلخ.

هذا القول فيه زيادة في الهلكة لما فيه من استنكار هذا الباب الذي اشتملت عليه دواوين السنة النبوية وهو باب الملاحم وما يندرج تحته من أحاديث عن أخبار بمغيبات وكثير من أحاديث هذا الباب موجودة في الصحيحين وفي غيرهما.

ص: 79

ثالثاً : ما قالاه من أن نظرية المهدي نظرية لا تتفق وسنّة الله في خلقه، ولا تتفق والعقل الصحيح، يجاب عنه بأن مثل ذلك لا يصلح أن يطلق عليه نظرية؛ لأنه من الأمور الغيبية التي هي ليست محلاً للرأي والنظر، وإنما يتوقف قبول ذلك على صحة الحديث به عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وقد صحت الأحاديث بخروج المهدي في آخر الزمان والعقل السليم لا يختلف مع النقل الصحيح بل يتفق معه إذ إن العقل تابع للنقل وهو معه كالعامي المقلد مع العالم المجتهد كما قال ذلك بعض العلماء، وخروج المهدي في آخر الزمان متفق مع سنة الله في خلقه فإن سنة الله تعالى أن الحق في صراع دائماً مع الباطل والله تعالی يهيئ لهذا الدين في كل زمان من يقوم بنصرته ولا تخلو الأرض في أي وقت من قائم الله بحجته، والمهدي فرد من أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ينصر الله به دينه في الزمن الذي يخرج فيه الدجال وينزل فيه عیسی بن مریم صلى الله عليه وسلم من السماء كما صحت الأخبار بذلك عن الذي لا ينطق عن الهوى(صلّی الله علیه وآله وسلّم)(1).

هل إن خروج المهدي والاعتقاد به بدعة؟

وصف الشيخ ابن محمود القول بصحة خروج المهدي بأنه اعتقاد سيء وأنه بدعة، وأنه من محدثات الأمور، فقال في ص 12: وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام حيث تأثرت بقوله - يعني في صحة خروج المهدي - حتى بلغت سن الأربعين من العمر، وبعد أن

ص: 80


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 459 - 460.

توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المصري وعللها وتعارضها واختلافها فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيء والحمد لله، وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم). وبعد كتاب الله.

وقال في ص 19: ومنهم يعني الذين ردوا الأحاديث الواردة في المهدي - الإمام الشاطبي صاحب كتاب الاعتصام) فقد ألحق المهدوية والإمامية بأهل البدع ويعني بالمهدوية الذين يعتنقون صحة خروج المهدي.

وقال في ص 30: فبسبب مجاورتهم - يعني بعض أهل السنة والجماعة - للشيعة واختلاطهم بهم اقتبسوها منهم وإلا فإنها ليست من عقيدة أهل السنة.

وقال في ص 31: فهما - يعني الشيعة وأهل السنة الذين يصدقون بخروج المهدي - في فساد الاعتقاد به - يعني المهدي - سیان.

وقال في ص 58: ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية

على الكذب الصريح، والاعتقاد السيء القبيح.

وقال في ص 58 أيضاً: وقال (صلّی الله علیه وآله وسلّم)

: إياكم ومحدثات الأمور، والمهدي واعتقاده هو من محدثات الأمور.وأجابه الأستاذ عبد المحسن العباد على شبهاته بما يلي:

أولاً: جوابه أن اعتقاد خروج المهدي في آخر الزمان هو مذهب أهل السنة والجماعة قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعده، وسلوك ابن

ص: 81

محمود بعد تجاوزه سن الأربعين من العمر مسلكا غير سبيلهم انتقال من اعتقاد مبني على التصديق بالنصوص الشرعية الصحيحة إلى اعتقاد سيء مبني على الشبهة العقلية الواهية وليس للشيخ ابن محمود في معتقده الجديد سلف من أهل العلم المعتد بهم. أما حمده الله على زوال الاعتقاد السيء عنه - على حد تعبيره - فإنه لا يحمد على مكروه سوى الله تعالى ولقد أحسن من قال :

يقضي على المرء في أيام محنته

حتی یری مالیس بالحسن

ثانياً: ما نقله عن الشاطبي في الاعتصام من أنه ألحق المهدية بأهل البدع وأن في رأي الشاطبي هم الذين يعتقدون في صحة خروج المهدي جوابه: أن ما نسب إلى الشاطبي غير صحيح ومقصود الشاطبي بالمهدية أتباع المتمهدي المغربي وقد فسر مراده بالمهدية بأنهم الذين يجعلون أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت وسبق إيضاح ذلك في رقم 12.

ثالثاً: ما ذكره من أن عقيدة أهل السنة في المهدي مقتبسة من عقيدة الشيعة وأن الشيعة وأهل السنة في فساد الاعتقاد بالمهدي سيان . جوابه أن عقيدة أهل السنة في المهدي مستقاة من الأحاديث الصحيحة في الأصول المعتمدةعندهم ولا علاقة لها بعقيدة الشيعة ...

رابعاً: قوله ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيء القبيح، جوابه : أن عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي مبنية على نصوص صحيحة قال بصحتها أهل العلم المعتد بهم .

ص: 82

خامساً: قوله: والمهدي واعتقاده من محدثات الأمور، جوابه أن ذلك يقال: لو كان القول بخروجه آخر الزمان ليس فيه حدیث صحيح عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أما وقد صحت الأحاديث بذلك عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فإن القول بأنه من محدثات الأمور يعتبر من الزعم الباطل والقول الخاطئ، وأما الذي يُعتبر من محدثات الأمور أن يأتي بعض الكتاب في القرن الرابع عشر فيسلكون مسلكاً خطيراً حادثاً هو رد النصوص الشرعية بناء على شبه عقلية فيرخون لعقولهم العنان ثم يتركونها بدون خطام أو زمام(1).

نقض إجماع المنكرين لخروج الإمام المهدي (ع)

والحاصل أن الثمانية الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته من المتقدمين والمتأخرين خرج منهم ابن القيم والشاطبي حتماً فلم يقولا بضعف أحاديث المهدي كما يزعم الشيخ ابن محمود، وخرج ابن خلدون أيضاً فإنه لميقل بضعفها كلها فضلاً عن القول بأنها موضوعة، وخرج الشيخ ابن مانع والشيخ أبو الأعلى المودودي وبقي مع الشيخ ابن محمود من المتأخرين الذين سماهم الشيخ محمد رشید رضا ومحمد فريد وجدي، ومن المحتمل أن يكون البلاغي ثالثاً لهم، ومع الشيخ ابن محمود أيضاً اثنان من كتاب القرن الرابع عشر قلدهم الشيخ ابن محمود ولم يسمهم في رسالته أحدهما الأستاذ أحمد أمين وقد مر ذكره والثاني محمد فهيم أبو عيبة ..

ص: 83


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 482 - 483.

وهؤلاء الذين بقوا مع الشيخ ابن محمود أو بقي معهم هم الذين

كاد ينعقد إجماعهم على أن أحاديث المهدي مصنوعة موضوعة إذ قال الشيخ ابن محمود في ص 36 من رسالته: وقد كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والإشكالات مما يجعل الأمر جلية للعيان ولا يخفي إلا على ضعفة الأفهام والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقیم.

فإن هذا الإجماع المزعوم اعتمده الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فهيم وجديوالبلاغي وأحمد أمين وأبو عيبة والشيخ ابن محمود ونتيجته في كلام الشيخ ابن محمود : أن أحاديث المهدي مصنوعة موضوعة بدلیل تعارضها وتناقضها. مما يجعل الأمر جلياً للعيان ولا يخفى إلا على ضعفة الأفهام، والوصف بضعف الفهم لم يسلم منه إلا أولئك الذين كاد أن ينعقد إجماعهم ومن لف لفهم والله المستعان. ثم إن هؤلاء الذين كادوا أن يجمعوا هم أهل العلم والدين في قول الشيخ ابن محمود في ص 57 وأرجو بهذا البيان أن تستريح نفوس الجائرين ويعرفوا رأي أهل العلم والدين في هذه المشكلة التي تثار بین آن وآخر. وهم أهل الكيفية في قول الشيخ ابن محمود، فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل. والقوة للكاثر على أن الكمية لا تغني عن الكيفية شيئاً وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم وقليل منهم المحققون .

ص: 84

وإيضاحاً للحق ودفعاً للباطل أقول: إن علماء أهل السنة المعتد بهم في القديم والحديث مصدقون بالأحاديث الثابتة عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) الدالة على خروج المهدي في آخر الزمان ولا ينكرها إلا شاذ عنهم، وسبق أن أشرت في مواضع من هذا البحث إلى تسمية بعض علماء السنة الذين احتجوا بأحاديث المهدي وقالوا بثبوت خروجه آخر الزمان وقد يكون من المناسب هنا تسمية عدد من هؤلاء العلماء ليتضح أن علماء أهل السنة المتبعین للنصوص الذين لا يعارضونها بالشبه العقلية كما أنهم أهل الكمية فهم أهل الكيفية، وإن الذين شذوا عنهم ليسوا ذوي کمية ولا كيفية وليس ذلك للمقارنة والموازنة معاذ الله(1). ثم ذكر الأستاذ عبد المحسن 22 عالماً من مشاهیر علماء أهل السنة ممن احتجوا بأحاديث الإمام المهدي (علیه السّلام) بالإضافة إلى من تقدم ذكرهم(2).

ص: 85


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 492- 493.
2- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 410.

نتائج الفصل الأول والثاني وخلاصة مضامينهما

تناول الفصل الأول الأدلة الروائية والقرآنية وإجماع علماء المسلمين قاطبة ما عدا نفر قليل شذ عنهم على إثبات حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) وتواتر الأحاديث المتعلقة به مع نقض جميع الشبهات والشكوك المثارة حولها.

وكانت نتائج هذا الفصل كالآتي :

أولاً: ثبوت أدلة الكتاب والسنة والإجماع أكدت حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) في آخر الزمان بشكل لا ريب فيه، وأنه سیملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ..

ثانياً : نقض جميع حجج المنکرین لظهوره (علیه السّلام) بالتفصيل بأدلة علمية، وتفنيد أكاذيبهم واتهاماتهم الملفقة ضد مشاهير علماء أهل السنة والجماعة الذين دونوا أحاديث الإمام المهدي (علیه السّلام) في مساندهم بعد التأكد من صحة صدورها عن الرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وسلامة أسانيدها وثبوت تواترها المعنوي واللفظي والإيمان بمقتضاها.

ص: 86

ثالثاً: ثبت بشكل قطعي أن أحاديث المهدي (علیه السّلام) وحتمية ظهوره (علیه السّلام) حقيقة ثابتة مستمدة من الأدلة القطعية وليست هي بدعة ابتدعها الشيعة الإمامية كما زعم المنکرون من وعاظ السلاطين، الذين حاولوا بكل صلافة وعناد أن ينقضوا أدلة الكتاب والسنة وإجماع علماء المسلمين بشبه عقلية وأدلة وهمية نسجتها عقول الجهلة والشذاذ بدوافع طائفية حاقدة تهدف إلى إفساد عقائد المسلمين وتفريق صفهم، وتثبيت الحكومات الرجعية الجائرة، وضمان مصالح المستکبرین، وتحقيق مآرب أعداء الإسلام ومكائدهم الشيطانية الخبيثة .

وكانت نتائج الفصل الثاني تفنيد شبهات المنکرین لخروج الإمام المهدي ونقض إجماعهم وبذا ثبتت أدلة الفصل الأول وبقي الإجماع بدون معارض يذكر .

ص: 87

ص: 88

الفصل الثالث : حول علائم ظهوره(ع)يضم هذا الفصل بين طياته ذكر الأوضاع الاجتماعية والسياسية

اشارة

ص: 89

ص: 90

الفساد العقائدي وارتداد الناس

تسبق علائم الظهور الحتمية فتن وابتلاءات تغمر المسلمين

فتضعضع إيمانهم وتفسد أخلاقهم، وتسلب استقرارهم، وتجفف عواطفهم، وتمسخ إرادتهم، وتذهب عقولهم، فتصبح الدنيا أكبر همهم، والدین بضاعة تباع بأبخس الأثمان، وترى الكثير من الناس يصبحون مؤمنين ويسمون كافرين ويرتد الكثير منهم يهوداً ونصاری، عند ذلك تكون الموازين مقلوبة، فالمنكر معروف والمعروف منكراً، ويعير المؤمن بإيمانه كما تعير الزانية بزناها، ويعق الولد والديه ويقرب صديقه، ولا يعطف الكبير على الصغير، ولا يوقر الصغير الكبير، وتنعدم القيم الإسلامية والإنسانية، وتسود القوانين الوضعية المنحطة، ويضعف الإيمان حتى يصل إلى أدنى حد بحيث يبيع المسلم دينه بعرض الدنيا، فيقرأ القرآن ويتفقه بالدين لغير الله ، فعندها تكثر الفتن والابتلاءات وتشدّد المحن والمآسي، ويشيع القتل وسفك الدم في كل مكان فعندها يمر المؤمن على قبر أخيه فيتمنى أن يكون هو الملحود مكانه.. .

وفيما يلي نذكر بعض تلك الأخبار التي تشير لذلك :

ص: 91

عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : تكون فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً، تأتيكم كوجوه البقر لا تدرون أيها من أي(1).

عن عروة بن الزبير، عن کرز بن علقمة الخزاعي قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وسأله رجل: هل للإسلام من منتهى؟ قال: نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم في الإسلام، قالم : ثم مه؟ قال : ثم تكون فتن كأنها الظلل، فقال الرجل : کلا والله إن شاء الله يا رسول الله ، فقال رسول الله : بلى والذي نفسي بيده، ثم لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض (2). قال الزهري: الأسود الحية إذا نهشت نزت، ثم ترفع رأسها ثم تنصب.

۔ عن أبي موسى الأشعري (رض) عنه قال : إن بعدكم فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح کافراً(3).

. . - عن عبد الله بن مسعود (رض) عنه (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : هذه فتن قد أظلمت كقطع الليل كلما ذهب منها رسل بدا رسل آخر، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع فيها أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل(4).

ص: 92


1- الفتن : 12.
2- الفتن: 13 ، أخرجه أحمد في مسنده 3: 477، والحاكم في المستدرك 4 : 454، والحميدي : 574، والطبراني 19 : 198، وأبو نعيم في الدلائل : 479، والبغوي 15: 29 وغيرهم.
3- الفتن: 14، أخرجه أبو داود (4363 - بتحقيقي) وأحمد 4 : 408، والحاكم 4 : 440.
4- الفتن: 14، إسناده حسن.

. عن أبي موسى الأشعري (رض) عنه قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إن بين يدي الساعة لهرجاً، قالوا: وما الهرج؟ قال : القتل والكذب، قالوا: يا رسول الله قتل أكثر مما يقتل الآن من الكفار؟ قال: إنه ليس يقتلكم الكفار، ولكن يقتل الرجل جده وأخاه وابن عمه(1).

. وعن عمرو بن العاص (رض) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : ستكون فتن في أمتيحتى يفارق الرجل فيها أباه وأخاه ، حتى يعير الرجل ببلائه كما تعير الزانية بزناها(2). وفي خبر آخر يعير المؤمن بإيمانه، كما يعير اليوم الفاجر بفجوره حتى يقال للرجل: إنك مؤمن فقيه (3).

- عن المرحوم العطار، عن أبي عمران الجوني، عن أبي الجلد جيلان قال : ليصيبن أهل الإسلام البلاء والناس حولهم يرتعون، حتى إن المسلم ليرجع يهودية أو نصرانياً من الجهد(4).

. عن النعمان بن بشير (رض) عنه قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إن بين يدي الساعة فتناً كأنها قطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع قوم فيها أخلاقهم بعرض من الدنيا يسير، أو بعرض من الدنيا، قال الحسن :

ص: 93


1- الفتن : 13 ، أخرجه أبو يعلى (7255)، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة (21).
2- الفتن: 16.
3- الفتن: 23.
4- الفتن: 21.

فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيتهم صوراً ولا عقول، وأجساماً ولا أحلام، فراش نار، وذبان طمع، يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن عنز)(1).

عن حذيفة بن اليمان (رض) عنه قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : تكون فتنة تعرج فيها عقول الرجال حتى ما تكاد ترى رجلاً عاقلاً، وذكر ذلك في الفتنة الثالثة(2).

۔ عن ابن عمر (رض) عنهما قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر فيقول : لوددت أني مكان صاحبه، لما يلقى الناس من الفتن(3). ونحوه جملة من الأخبار مع اختلاف يسير.

وجاء في كتاب إلزام الناصب عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : - في جواب سؤال سلمان عن علائم الظهور -: إذا قلت علماؤكم، وذهبت قراؤكم، وقطعتم زکاتکم، وأظهرتم

منکراتكم، وعلت أصواتكم في مساجدكم وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم، والعلم تحت أقدامكم والكذب حديثكم والغيبة فاكهتكم، والحرام غنیمتكم، ولا يرحم كبيركم صغيركم ولا يوقر صغیرکم کبیر کم فعند ذلك تنزل اللعنة عليکم...(4).

ص: 94


1- الفتن : 24 - 25، أخرجه أحمد: 273، وأبو نعيم في الحلية 10: 170، والحاكم 3: 531، وأبو عمرو الداني: 50 دون قول الحسن.
2- الفتن : 36.
3- الفتن : 43، أخرجه البخاري 9: 73، ومسلم في كتاب الفتن: 53.
4- الزام الناصب 2: 136.

وفي حديث فيه عن غيبة الطوسي، عن بنت الحسين بن علي (علیه السّلام) تقول : لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض...(1).

. وعن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : إن من أشراط الساعة : إضاعة الصلاة، واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم المال وبيع الدين بالدنيا فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره....(2) .

وفي حديث آخر قال الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : ... ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله، ويمنع اليسير في طاعة الله، ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوأ الناس حالا عند الولد، ويفرح بأن يفتري عليهما ... إلى أن قال : ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك ، ورأيت الأذان بالأجر، الصلاة...(3).

ويستمر هذا التداعي: الديني والعقائدي حتى يصبح المؤمن أعز من الكبريت الأحمر ويعود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً وهذا ما أشار له الحديث الآتي:

ص: 95


1- عن غيبة الطوسي في إلزام الناصب 2: 135.
2- الزام الناصب 2: 138.
3- الزام الناصب 2: 145.

۔ عن الإمام الصادق (علیه السّلام) ، عن آبائه، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. وعن الإمام الرضا (علیه السّلام) ، عن آبائه ، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) نحوه(1).

وقال صاحب كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) وظهوره في بيان كلمة الغريب : أي أنه كان في أول الأمر كالغريب والوحيد الذي لا أهل له لقلة المسلمين يومئذٍ وسيعود غريباً كما كان أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء، فطوبى للغرباء أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره وإنما خصّهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرة ولزومهم دین الإسلام(2).

وهذا ما أشار له الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) في حديث له فقال : والذي بعثني بالحق بشيرة إن الثابتين على القول بإمامته [به] في زمان غیبته الأعز من الكبريت الأحمر3(3) .

انقلاب الموازين والقيم الأخلاقية والاجتماعية

تغمر العالم الإسلامي قبل ظهور علائم الظهور موجة من الانحطاط الأخلاقية وانتشار المفاسد في كل ربوعه، فيتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وترى النساء كاسيات عاريات وفي الفتن داخلات، ومن الدين خارجات وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء

ص: 96


1- البحار 191:52، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 208.
2- الإمام المهدي (ع) وظهوره: 208
3- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 249 - 250.

بالنساء ويغار على الصبيان كما يغار على النساء وتشاع المنكرات والفجور، وتنقلب موازين القيم والأعراف الاجتماعية، وتسود القيم الجاهلية فيصبح الوضيع رفيعاً والرفيع وضيعاً، والفاسق رئيس قبيلته ، ويحترم الرجل مخافة شروره، ويحتقر الفاضل والعالم ويكون زعيم القوم أرذلهم وكذا تتداعى الأخلاق والقيم حتى تمتلئ الدنيا بالفسق والفجور وبالقسوة والجفاء، وبالبغض والعداء، ويصل المجتمع المسلم إلى درجة من الفساد بحيث لا يمكن إصلاحه إلا بمجيء المصلح العالمي ومنقذ البشرية من متاهات الكفر والضلال الحجة ابن العسكري أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ..

ولأجل إثبات المطالب السالفة الذكر لا بد من ذكر بعض الروايات الدالة عليها.

. وعن أبي هريرة، قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إذا اتخذ الفيء دولاً(1) والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه،وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة وخسوفاً ومسخاً، وقذفاً، وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع (2).

ص: 97


1- دول : جمع دولة أي غلبة من المداولة والمناولة ...
2- المام المهدي عند أهل السنة 1: 265.

ورواه الترمذي .

- في حديث عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال في جواب سؤال سلمان : أي والذي نفسي بيده يا سلمان إن عندها يؤتى بشيء من المشرق ويؤتى بشيء من المغرب يلون أمتي فالويل لضعفاء أمتي والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، ولا يوقرون كبيراً، ولا يتجاوزون عن مسيء خيارهم حثاً وقلوبهم قلوب الشياطين، قال سلمان : وإن هذا الكائن یا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : أي والذي نفسي بيده يا سلمان وعندها تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها، ويشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ويركبن ذوات الفروج السروج... وقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : أي والذي نفسي بيده یا سلمان إن عندها تزخرف البيع والكنائس وتحلىالمصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة والسن مختلفة ... وقال : وعندها يتحلى ذكور أمتي بالذهب ويکیسون الحرير والدیباج ويتخذون جلود النمور صفوفاً... وقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : أي والذي نفسي بيده وعندها يظهر الربا ويعاملون بالغيبة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا ... وقال : وعندها تظهر القينات والمعازف ويليهم أشرار أمتي ... وقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : وعندها يحج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، وعندها يكون أقوامٌ يتفقهون لغير الله ، وتكثر أولاد الزنا، ويتغنون بالقرآن ، ويتهافتون بالدنيا ...(1).

ص: 98


1- إلزام الناصب 2: 139 - 140.

وفي روضة الكافي عن أبي عبد الله (علیه السّلام) في حديث له قال : ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الأرحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوجن بالنساء، ورأيت الثنا قد كثر... إلى أن قال : ورأيت الجار يؤذي جاره، وليس له مانع... ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزّ وجلّ، ورأيت الأمر بالمعروف ذليلاً، ورأيت الفاسق فيها لا يحب الله قوياً محموداً، ورأيت صاحبي الآثار يحتقرون ويحتقر من يحبهم...

ورأيت الرجال يتسمنون للرجال والنساء للنساء،ورأيت الرجل معیشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها... ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخیر بیت من يساعد النساء على فسقهن ... ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتتفق على زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدني من الطعام والشراب ... ورأيت القمار قد ظهر ورأيت الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، ورأيت الملاهي يمر بها لا يمنعها أحد أحداً... إلى أن قال الصادق (علیه السّلام) : ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر واطلب من الله عزّ وجلّ النجاة واعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقباً...(1).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال :

ص: 99


1- إلزام الناصب 2: 140 - 146، روضة الكافي: 31-36.

وأطاع الرجل زوجته وجفا جواره، وقطع رحمه، وذهبت رحمة الأكابر، وقلحياء الأصاغر، وشيدوا البنيان وظلموا العبيد والإماء، وشهدوا بالهوى وحكموا بالجور، وسب الرجل أباه، وحسد الرجل أخاه، ويعامل الشركاء بالخيانة، وقل الوفاء، وشاع الزنا وتزین الرجال بثياب النساء وسلب منهن قناع الحياء، ودب الكبر في القلوب کدبيب السم في الأبدان، وقل المعروف، وظهرت الجرائم، وهونت العظائم وطلبوا المدح بالمال، وأنفق المال للغناء، وشغلوا بالدنيا عن الآخرة، وقل الورع وكثر الطمع والهرج والمرج، وأصبح المؤمن ذلية، والمنافق عزيزاً، مساجدهم معمورة بالأذان، وقلوبهم خالية من الإيمان، واستخفوا بالقرآن، بلغ المؤمن عنهم كل هوان، فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الحنظل، فهم ذئاب وعليهم ثياب ، ما من يوم إلا يقول الله تعالى : أنبي تفترون، أم علي تجترون أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون؟ فوعزتي وجلالي لولا من يعبدني مخلصاً ما أمهلت من يعصيني طرفة عين ولولا ورع الورعين من عبادي لما أنزلت من السماء قطرة، ولا أنبت ورقة خضراء، فواعجباه لقوم آلهتهم أموالهم وطالت آمالهم، وقصرت آجالهم وهم يطمعون في مجاورة مولاهم، ولا يصلون إلى ذلك إلا بالعمل، ولا يتم العمل إلا بالعقل(1).

وفي كتاب (الفصول المهمة) عندما سئل الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : فمتى

ص: 100


1- إلزام الناصب 2: 136 - 137 عن البحار 52.

يخرج قائمكم؟ قال : إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وركبت ذوات الفروج السروج، وأمات الناس الصلوات، واتبعوا

الشهوات، وأكلوا الربا واستخفوا بالدماء، وتعاملوا بالربا، وتظاهروا بالزنا، وشيدوا البناء واستحلوا الكذب ، وأخذوا الرشا، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، وقطعوا الأرحام ومنوا بالطعام، وكان الحلم ضعيفة، والظلم فخراً... إلى أن قال : وشربت الخمور وركبت الذكور الذكور، واشتغلت النساء بالنساء واتخذ الفتي مغنماً، والصدقة مغرماً، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم...(1).

. وفي الروضة عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال: ... ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ويشان بالسكر، وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ولا يعزر بسكره، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه...(2) .

وفي مكان آخر قال : ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان ورأيت سفك الدماء يستخف بها، ورأيت الرجل يطلب الرياسة بغرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى ويسند إليه الأمور ورأيت الصلاة قد استخف، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ولم يزکه منذ ملکه، ورأيت الميت ينشر من قبره ويودي وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران، لا يهتم بما الناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم

ص: 101


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 348 عن الفصول المهمة .
2- روضة الكافي : 35، إلزام الناصب 2: 145.

تفترس بعضها بعضاً، ورأيت الرجل يخرج من مصلاه ويرجع وليس عليه من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم... ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يذم ويعير...(1).

الفساد السياسي والإداري وشيوع الظلم والجور

أشار رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) إلى شدة الظلم والجور الذي يمارسه حكام المسلمين بحيث لا يجد المسلم ملجأ يلجأ إليه فراراً من ظلمهم وجورهم قبل ظهور القائم (علیه السّلام) .

ومن ثم يذكرون أوصافهم بدقة متناهية فهم الفجرة الفسقة الذين لا يحكمون بما أنزل الله ويعطلون حدوده، ويتبعون الهوى ويفشون الرشا، ويتخذون عباد الله خولاً، وماله دولاً، ويتسمون بالغلظة والجفاء، فلا يحترمون كبيراً ولا يعطفون على صغير، منغمرون بالشهوات والملذات، تاركون مقاليد الأمور بيد أعوانهم الفجرة، ووزرائهم الكذبة ليسلبوا أموالهم ويهتكوا أعراضهم، ويستبيحوا

حرماتهم، ويستهينوا بمقدساتهم فيذلوا المؤمنين ويعزوا المنافقين، ويعطلوا القوانين ويتخذوا من الجور والاستبداد أسلوباً للقمع والتحكم بالناس وكتم الأصوات وسلب الحريات ونشر الضلال والفسادعلى أوسع نطاق. ونحن مهما بالغنا في وصف أولئك الفجرة الظلمة لا نستطيع أن نصف عشر معشار ما انطوت عليه نفوسهم من السمات

ص: 102


1- روضة الكافي : 34، إلزام الناصب 2: 144.

الخبيثة، وما اقترفته أيديهم من الجرائم، لذا نترك المجال للرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) ليحدثونا عن سماتهم وخصائصهم كما هي.

. وعن الحافظ أبي عبد الله الحاكم في مستدركه على البخاري ومسلم (رضي الله عنهما) عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع ببلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة حتى تملأ الأرض جوراً وظلماً لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم فيبعث الله عزّ وجلّ رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، الحديث(1)..

وعن الحافظ أبي نعيم في مناقب المهدي، والحافظ أبي القاسم الطبراني في معجمه، والإمام أبي محمد الحسين في كتاب المصابيح، عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: ذكر رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً الحديث(2).

۔ عن عبد الله بن عمرو قال : تكون بالشام فتنة ترتفع فيها ریاسهم وأشرافهم، ثم لا يأتي عليها إلا قليل حتى يرتفع فيها

ص: 103


1- عقد الدرر الفصل الأول الباب الرابع : 43، وانظر الإمام المهدي وظهوره: 207.
2- عقد الدرر: 60، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 208.

سفهاؤهم وسفلتهم حتى يستعبدوا ریاسهم كما كانوا يستعبدونهم قبل ذلك (1).

۔ عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: لا تقوم الساعة

حتى يقوم على الناس من لا يزن قرن شعيرة يوم القيامة(2) .

. عن کثیر بن مرة قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : من أشراط الساعة أن يملك منليس أهل أن يملك، ويرفع الوضيع ويوضع الرفيع (3).

. وعن الفصول المهمة في كتاب المهدي عند أهل السنة عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال في وصف حكام المسلمين ما قبل قيام القائم : ... وكان الحلم ضعفاً، والأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والأعوان ظلمة... (4).

۔ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : ... وذهبت رحمة الأكابر، وقل حياء الأصاغر، وشيدوا البيان وظلموا العبيد والإماء، وشهدوا بالهوى وحكموا بالجور... تری وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الحنظل فهم ذئاب وعليهم ثيابه(5).

ص: 104


1- الفتن : 160.
2- الفتن: 162.
3- الفتن : 163.
4- المهدي عند أهل السنة 1: 348.
5- إلزام الناصب 2: 137.

۔ عن عبد الله بن عباس ، عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : عندها يليهم أمراء جورة، ووزراء فسقة وعرفاء ظلمة وأمناء خونة... وقال : فعندها إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان على المنابر ... إلى أن قال: فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا نفسهم، وليطأواحرمتهم، ولتسفکن دماؤهم، وتملان قلوبهم رعباً فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين ...(1).

. وفي روضة الكافي عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : ورأيت الولاية قبالة لمن زادوا ورأيت ذوات الأرحام ینکحن ويكتفي بهن ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة ... إلى أن قال : ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر، ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون... ورأيت الشريف يستند له الذي يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه ...(2).

وقال أيضاً في نفس الخبر : ورأيت السلطان يحتكر الطعام... ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون... (3).

ص: 105


1- إلزام الناصب 2: 128 - 129، روضة الكافي : 33.
2- إلزام الناصب 2: 143، روضة الكافي: 34.
3- إلزام الناصب 2: 145، روضة الكافي : 36.35 .

- وفي معاني الأخبار عن عقد الدرر عن أمير المؤمنين أنه قال : ... واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادات الزور، واستعلن الفجور...(1).

تهافت العلماء على الدنيا وتفشي الجهل والرياء

من أهم الأسباب التي ساهمت في ازدياد الفساد الديني والأخلاقي هو فساد أكثرية علماء الدين المسؤولين عن توجيه الناس وإرشادهم وتبليغ أحكام الدين ونشر عقائده ومفاهيمه.

فإذا غلب عليهم حب الدنيا والجاه والسلطان وانغمروا في ملذات الحياة وشهواتها الحيوانية ابتعدوا عن الله بمقدار حبهم وتعلقهم بها وصار همهم الوحيد الحفاظ على مكاسبهم الدنيوية وإن أدى ذلك إلى فساد عقائدهم وأفكارهم وثقافتهم الإسلامية. وعندها تری کثرة فقهاء السوء وازدياد عددهم وانتشارهم في كل مكان، وبذا يشتد خطرهم على الإسلام والمسلمين أكثر من أي خطر آخر، لأنهم يسعون إلى نسف المجتمع الإسلامي من الداخل من خلال إفساد عقائده وأخلاقياته ومفاهيمه الإسلامية السامية، وتحطم جميع روابطه . وعلائقه الاجتماعية المستمدة من الإسلام ونوازعه الإنسانية وإبدالها بعلائق مادية دنيوية بحتة.

ص: 106


1- إلزام الناصب 2: 132.

ولكي يطلع القارئ على حال علماء آخر الزمان الذين يظهرون قبل ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) ، ندرج هنا بعض الأحاديث التي ترسم لهم صورة جلية واضحة تكشف عن خبث أنفسهم وفساد عقائدهم وانشدادهم الوثيق بالدنيا ومغرياتها وركوعهم على أعتاب سلاطين الجور والظلم والاستبداد.

وفي روضة الكافي عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أنه قال : ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرياسة ... ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله ...(1) .

وفي مكارم الأخلاق من جملة وصايا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لابن مسعود قوله: يا ابن مسعود يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه مثل القابض بكفه الجمرة، فإن كان في ذلك الزمان ذئباً وإلا أكلته الذئاب، یا ابن مسعود علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة إلا أنهم أشرار خلق الله وكذلك أتباعهم ومن يأتيهم ويأخذ منهم ويحبهم ويجالسهم ويشاورهم أشرار خلق الله ، يدخلهم نار جهنم صم بكم عمي فهم لا يرجعون ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصمّاً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها...

يا ابن مسعود يدعون أنهم على ديني وسنتي ومنهاجي وشريعتي إنهم مني براء وأنا منهم بريء.

ص: 107


1- روضة الكافي: 34، 36.

یا ابن مسعود لا تجالسوهم في الملأ، ولا تبايعوهم في الأسواق ولا تهدوهم إلى الطريق ولا تسقوهم الماء، قال الله تعالی : «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ » ، يقول الله تعالى «وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ » .

يا ابن مسعود : وما أكثر ما تلقى أمتي منهم العداوة والبغضاء والجدال أولئك أذلاء هذه الأمة في دنياهم والذي بعثني بالحق اليخسفن الله بهم ويمسخهم قردة وخنازير، قال : فبكى رسول الله وبكينا لبكائه وقلنا: يا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما يبكيك؟ فقال : رحمة للأشقياء يقول الله تعالى : «وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ » يعني العلماء والفقهاء .

يا ابن مسعود : من تعلم العلم يريد به الدنيا وآثر عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط الله عليه وكان في الدرك الأسفل من النار مع اليهود والنصارى الذين نبذوا كتاب الله تعالى قال الله تعالی :

« فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ».

يا ابن مسعود من تعلم القرآن للدنيا وزينتها حرم الله عليه الجنة . يا ابن مسعود من تعلم العلم ولم يعمل به [فيه] حشره الله يوم القيامة أعمى، ومن تعلم العلم ریاء وسمعة يريد به الدنيا نزع الله بركته وضيق عليه معيشته ووكله الله إلى نفسه ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك...(1).

ص: 108


1- إلزام الناصب 2: 150 - 152 عن مكارم الأخلاق .

. وفي كتاب الفتوحات المكية ج 3 في باب المهدي عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) في صفة المهدي : يقفو أثري لا يخطئ، فعرفنا أنه منبع لا متبوع، وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ، فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى كما أنه لا يسوغ القياس في موضوع يكون فيه الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) موجوداً وأهل الكشف النبي عندهم موجود فلا يأخذون الحكم إلا عنه .

ولهذا الفقير الصادق لا ينتمي إلى مذهب إنما هو مع الرسول الذي هو مشهود له، كما أن الرسول مع الوحي الذي ينزل عليه فينزل على قلوب العارفين الصادقين من الله التعريف بحكم النوازل أنه حكم الشرع الذي بعث به رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

وأصحاب علم الرسول ليست لهم هذه المرتبة أكبوا عليه من حب الجاه والرياسة والتقدم على عباد الله وافتقار العامة إليهم فلا يفلحون في أنفسهم ولا يفلح بهم. وهي حالة فقهاء الزمان الراغبين في المناصب من قضاة وشهادة وحسبة وتدریس، وأما المتلبسون منهم بالدين فيجمعون أكتافهم وينظرون إلى الناس من طرف خفي نظر الخاشع ويحركون شفاههم بالذكر ليعلم الناظر إليهم أنهم ذاکرون ويعجمون في كلامهم ويتشدقون ويغلب عليهم رعونات النفس وقلوبهم قلوب الذئاب لا ينظر الله إليهم، هذا حال المتدين منهم لا الذين هم قرناء الشيطان لا حاجة لله بهم، لبسوا للناس جلود الضأن من اللين، إخوان العلانية أعداء السريرة فالله يراجع بهم ويأخذ بنواصيهم إلى ما فيه سعادتهم.

ص: 109

فليس له عدوّ مبين إلا الفقهاء خاصة فإنهم لا تبقى لهم ریاسة ولا تمييز عن العامة، ولا يبقى لهم علم محكم إلا قليل. ويرتفع الخلاف من العالم في الأحكام بوجود هذا الإمام ولولا أن السيف بيد المهدي لأفتى الفقهاء بقتله، ولكن الله يظهره بالسيف والكرم فيطمعون ويخافون فيقبلون حكمه من غير إيمان بل يضمرون خلافه....(1).

ومما تقدم نعلم أن أهم العوامل التي ساهمت في تركيز الجهل وإشاعة المنكرات، والاستخفاف بتعاليم الدين وأحكامه في العبادات والمعاملات هو تهافت علماء الدين على الدنيا وطلب الوجاهة والرياسة، والابتعاد عن الدين وتعاليمه القيمة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يتحول المعروف منكراً أو المنكر معروفاً، وتفقد الناس ثقتها بعلمائها لأنهم يأمرونهم بالمعروف ولا

يأتمرون به ، وينهونهم عن المنكرات ولا ينتهون، ولأنهم يقولون ما لا يفعلون ويسعون إلى ستر جرائم الحكام وتبرير فسقهم وفجورهم لقاء مناصب في محاكم الطغاة أو وجاهة أو أموالٍ مسروقة من بيت مال المسلمين مقابل سكوتهم على ما يقترفون من جرائم ومظالم واغتصاب حقوق الأمة، وسلب أموال اليتامى والفقراء والمساكين وسرقة أموال بیت المال جهراً وبدون رقيب.

فمنشأ هذا الظلم والتعسف والاستبداد والفساد الإداري والتفسخ الاجتماعي، والانحطاط الأخلاقي هو فقهاء السوء الذين انخرطوا في

ص: 110


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 115.114 .

سلك الحكام الظالمين والتزموا الصمت إزاء كل ما أحدثوا من البدع والمنكرات وما اقترفوا من جرائم نكراء بشعة .

إن القول المأثور القائل : إن فساد العلماء يؤدي إلى فساد العالم، هذا ما سنرى مصادیقه على صعيد المستقبل وقبل ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) كما أخبرنا بذلك رسول الإنسانية وأبناؤه الأئمة الأطهار.

إن فساد المجتمع بالصورة البشعة الموحشة التي وصفها الرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وأبناؤه البررة ليس بمقدور أي إنسان إصلاحه إلا إذا كان يستمد قوته وتسديده من الله تعالى، وهذا ما يؤكد وجوب قيام المصلح العالمي الذي أعده الله لهذه المهمة الصعبة كما أشارت لذلك آيات القرآن الكريم وروايات الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) و والأئمة الأطهار المجمع على صحتها وتواترها، وذلك هو الإمام المهدي (علیه السّلام) المعصوم من الخطأ والزلل عصمة مطلقة، والذي يمتلك مواهب وخصائص عظيمة تمكنه من إنجاز تلك المهمة المشار إليها تماماً كما فعل ذلك الأنبياء والمرسلون.

من إفرازات ومردودات فساد العلماء

من إفرازات ومردودات فساد العلماء في آخر الزمان وقبل ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) المدخر لإصلاح العالم وإقامة دولة العدل والمساواة، ظهور عدد غير قليل من الدجالين والمشعوذين الذين يستثمرون ظروف الجهل والفساد العقائدي والديني وتفشي النفاق والرياء أسوأ استثمار حيث يبدأون بترويج أضاليلهم ودعواتهم الباطلة

ص: 111

بهدف التسلط على الناس والاستحواذ على أموالهم وصرفها في ملذاتهم وشهواتهم الحيوانية على حساب بؤس وشقاء المحرومین والمستعبدين ...

فلو طالعنا الأخبار المختصة بعلائم الظهور نرى أن بعض أولئك الدجالين يدعي الربوبية لنفسه والبعض الآخر يدعي النبوة والإمامة وفيما يلي نذكر بعض تلك الأخبار ما عدا أخبار الدجال والسفياني اللذين سنفرد لهما أبواباً خاصة نذكر فيها أخبارهما بالتفصيل.

- وروي عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبي يسرع الناس إلى طاعته المشرك والمؤمن يملأ الجبال خوفاً(1).

. وفي حديث آخر: أني يكون ذلك ولم يقم الزنديق من قزوین فيهتك ستورها ويكفّر صدورها، ويغيّر سورها ويذهب ببهجتها، من فر منه أدركه ومن حاربه قتله ، ومن اعتزله افتقر، ومن تابعه كفر حتى يقوم باکیان: باك يبكي على دينه وباك يبكي على دنياه ... الحديث (2).

- وذكر الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) باب علامات قيامه (علیه السّلام) خبراً مفاده خروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة(3).

- وفي غيبة الشيخ (قدس سره) ذکر حديثاً عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم)

ص: 112


1- البحار 213:52 .
2- البحار 52 : 213 رقم 61.
3- الإمام المهدي (ع) وظهوره: 199.

قال : لا تقوم الساعة حتى يخرج نحو من ستين كذاباً كلهم يقول : أنا نبي(1).

. عن أبي عبد الله الصادق (علیه السّلام) أنه قال : لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه(2).

. ومن أولئك الدجالين والمشعوذين العوف السلمي الذي سيخرج من الجزيرة وهو من أهل تكریت من بلاد العراق وبخروج هذا الشخص تخرج الفتنة.

وقد ورد في رواية حذلم بن بشير قال : قلت لعلي بن الحسين (علیه السّلام) : صف لي خروج المهدي(علیه السّلام) ، وعرفني دلائله وعلاماته! فقال (علیه السّلام) : يكون قبل خروجه (علیه السّلام) خروج رجل يقال اله: عوف السلمي بأرض الجزيرة ويكون مأواه تکریت وقتله بمسجددمشق الحديث(3).

- وفي خطبة لأمير المؤمنين علي (علیه السّلام) قوله في بيان إفرازات فساد العلماء : وقول البهتان والإثم والطغيان، وحليت المصاحف وزخرفت المساجد، وطولت المنائر، وأكرم الأشرار، وازدحمت الصفوف واختلفت الأهواء، ونقضت العهود، واقترب الموعود، ويشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفساق واستمع منهم جماً ...

ص: 113


1- کتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 266 طبع إيران، إصدار مكتبة نينوى الحديثة - طهران - ناصر خسرو.
2- کتاب الغيبة للطوسي: 267.
3- البحار 52 : 213 الحديث رقم 65 ، الإمام المهدي وظهوره: 216.

التدهور الاقتصادي والقحط والجفاف وقلة الثمار

وقبل حصول علامات الظهور الحتمية تقل الأمطار فيحصل الجفاف وتقل المحاصيل الزراعية إثر ذلك وتأتي أفواج من الجراد التأكل ما تبقى منها فيكون القحط والمجاعة والركود الاقتصادي وكساد

التجارات من أبرز سمات ذلك العصر.

ولقد أشارت الآيات والروايات لذلك بوضوح منها قوله تعالی :«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ».

. عن الصدوق في (كمال الدين)، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول: إن لقيام القائم علامات تكون من الله عزّ وجلّ للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني الله فداك؟ قال (علیه السّلام) : قول الله عز وجل: (ولنبلونكم - يعني المؤمنین - قبل خروج القائم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرین...) والجوع بغلاء أسعارهم ونقص في الأموال، قال : کساد التجارات وقلة الفضل، ونقص من الأنفس، قال: موت ذریع ونقص من الثمرات قلة ريع ما يزرع وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم (عج)(1).

. وفي كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، عن أبي عبد الله (علیه السّلام)

ص: 114


1- إلزام الناصب 2: 112، كمال الدين: 649.

قال : إن قدام القائم (علیه السّلام) لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل فلا تشكوا في ذلك(1).

- وفيه أيضاً عنه (علیه السّلام) : إن قدام القائم بلوى من الله ، قيل : وما هو جعلت فداك؟ فقرأ (لنبلونكم...) ثم قال : الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار ونقص من الأموال من کساد التجارات، وقلة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار (2).

. وفي کتاب کشف الغمة ذكر علامات ظهور القائم: منها وخوف يشمل أهل العراق، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات، وقلة ريع ما يزرعه الإنسان ....(3).

. وفي كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) وظهوره ذكر القحط الشديد فقال: ويظهر من بعض الأخبار أنه من العلائم الحتمية الواقعة كما ذكر ذلك صاحب كفاية الموحدين ويستفاد من الأخبار أنه لا بد من وقوع القحط الشديد قبل قيام الحجة ويصلهم من ذلك الخوف الشديد.

. وفي حديث أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السّلام) لا بد أن يكون قدام القائم (علیه السّلام) سنة يجوع فيها الناس، ويصيبهم خوف شديد من

ص: 115


1- إلزام الناصب 2: 148.
2- إلزام الناصب 2: 148.
3- إلزام الناصب 2: 149.

ظهورهالقتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فإن ذلك في كتاب الله ليبين ثم تلا هذه الآية (ولنبلونكم بشيء...)(1).

. وفي حديث آخر عنه (علیه السّلام) (والجوع) بغلاء أسعارهم(ونقص من الأموال) فساد التجارات وقلة الفضل فيها الحديث(2) .

ثم قال صاحب كتاب المهدي (علیه السّلام) وظهوره: وقد وردت أخبار كثيرة بهذا المضمون في تفسير الآية الشريفة، وقد عبّر في بعض الأخبار عن القحط الشديد بشدة الحاجة كما في حديث محمد بن فضيل عن أبيه، عن أبي جعفر (علیه السّلام) فيما ذكر من بعض العلائم أنه قال : ولكن إذا اشتدت الحاجة والفاقة، وأنكر الناس بعضهم بعضاً فعند ذلك توقعوا هذا الأمر صباحاً ومساء(3).

. وفي حديث آخر عن سليمان الأعمش، عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن أنس بن مالك خادم رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) : ثم يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتى يبلغ بهم الجهد ثم يعود عليهم الحديث (4).

. وفي كتاب المهدي عند أهل السنة نقلاً من كتاب الفتاوی الحديثة ذكر ما يصيب المؤمنين من الجوع الشديد فقال : وإن الدجال يحاصر المؤمنين في بيت المقدس فيصيبهم جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم من الجوع...(5).

ص: 116


1- غيبة النعماني: 251ب 14، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 303.
2- غيبة النعماني: 251ب 14، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 303.
3- البحار 52 : 185، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 203.
4- البحار 52: 219، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 203.
5- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 438، الفتاوى الحديثة : 43.

- وأخرج ابن المنادي في الملاحم: ليخرجنّ رجل من ولدي عند اقتراب الساعة حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان لما

لحقهم من الضرر والشدة والجوع...(1).

- وفي كتاب الفتن: قال أبو عبد الله نعیم: وأخبرت عن ابن عباس، عن سالم بن عبد الله عن أبي محمد، عن رجل من أهل المغرب: قال : لا يخرج المهدي حتى يخرج الرجل بالجارية الحسناء الجمال، فيقول: من يشتري هذه بوزنها طعاماً ، ثم يخرج المهدي(2).

هذه النصوص تعطي صورة واضحة للقارئ العزيز عما يصيب الناس قبل ظهور الإمام المهدي من الجوع الشديد والبؤس والحرمان بحيث يبيع الرجل جاريته الحسناء بما يعادل وزنها من الطعام.

وهذا القحط الشديد والفقر المدقع والجوع الممض من العوامل المهمة في إنشاء الفساد العقائدي والتفسخ الاجتماعي والأخلاقي ونشر الفسق والفجور، لأن الرجل الجائع والمرأة الجائعة اللذين لا يستطيعان أن يشبعا جوعتهما إلا من الدبر والفرج هل بمقدورهما الحفاظ على العقيدة والدين بعد أن أجبرتهما المجاعة والحرمان على هذا الانحطاط الأخلاقي؟! فهل بمقدور الإنسان أن يجمع بين الفضيلة والرذيلة في آن واحد، أو بين الدين والفسق والفجور؟ إن جمع الأضداد في وقت واحد أمر مستحيل وهذا أجمع عليه جميع العقلاء دون استثناء .

ص: 117


1- الحاوي للفتاوي للسيوطي 2: 163، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 395.
2- الفتن: 232.

انعدام الأمن، وازدياد الفتن، وشيوع القتل

ومن العلائم المروعة التي تسبق ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) هي انعدام الأمن، وازدياد الفتن، وشيوع القتل وسفك الدماء بحيث يصطبغ ماء دجلة والفرات بلون الدم، وتصبح ظاهرة القتل ظاهرة طبيعية في كل مكان لا يستغرب منها أحد عندما يرى مئات الأشلاء متناثرة على أرصفة الطرق يعجز الناس عن دفنها ومواراتها لكثرتها وازدياد عددها يوما بعد آخر لشدة الفتن وكثرة الحروب المتلاحقة .

وبيان هذه الحالة المروعة التي تشمل العالم أجمع قبل ظهور القائم، وإعطاء صورة واضحة عنها يستلزم ذكر بعض ما تعلق بها من النصوص.

. ففي كتاب (الفتن) للحافظ نعیم بن حماد الخزاعي المتوفی

سنة 229 ه، أي قبل ولادة المهدي (علیه السّلام)

بخمس وعشرين سنة، عن یحیی بن اليمان عن كيسان الرواسي القضار، وكان ثقة قال: حدثني مولاي، قال : سمعت علياً (رضي الله عنه) يقول : لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث(1).

وفيه أيضاً عن أبي هريرة، عنه، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : تحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة، فإذا أدركتموه فلا تقربوه(2). وذكر نحوه عن أبي هريرة أيضاً في ص 234(3).

ص: 118


1- الفتن: 231، أخرجه أبو عمرو الداني في السنن 3: 551.
2- الفتن: 233، أورده السيوطي في الحاوي 2: 75.
3- الفتن: 234 ، أورده ابن كثير في جامع المساند 2: 679.

. وفيه أيضاً عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : في ذي القعدة تحارب القبائل، وعامئذ ينهب الحاج، فتكون ملحمة بمنى، فيكثر فيها القتلى، وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة حتى يهرب صاحبهم فيوقی بین الركن والمقام فيبايع وهو كاره ....(1) .

ويبدو أن هذه الملحمة تسبق الظهور بقليل.

- وفي كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) وظهوره، ذكر جملة من الروايات التي ذكرت ما يحصل في الكوفة من مجازر ومذابح بشعة قبل ظهوره (علیه السّلام) .

منها: عن أبي جعفر (علیه السّلام) لما سُئل: متى يكون هذا الأمر؟

قال : أتي يكون ذلك يا جابر ولمّا تكثر القتلى بين الحيرة والكوفة(2).

ومنها: عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه : من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره ويقول: هذا منهم فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم.

وفي إلزام الناصب نقلا عن البحار، عن الصادق (علیه السّلام) قال : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس، فقيل : فإذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ فقال (علیه السّلام) : أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي (3)؟

ص: 119


1- الفتن: 238، أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 503.
2- البحار 52 :209 ، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 218.
3- إلزام الناصب 2: 136.

- وفي الإرشاد: وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين(1). وفي حديث آخر: وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعین(2).

وهذه النفس الزكية ليست تلك التي تقتل بين الركن والمقام في مكة المكرمة. ويحتمل قوياً أنها تعني آية الله السيد محمد باقر الحكيم ومن قتل معه من الصلحاء - بباب حرم الإمام علي (علیه السّلام) حيث أن النجف تعد ظهر الكوفة والله أعلم.

. وفي كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) عند أهل السنة نقلاً من كتاب الإشاعة فقال : ما ذكره في كتاب الإشاعة أنه يحسر الفرات عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه، واجتمع عليه ثلاثة كلهم ابن خليفة يقتلون عنده ثم لا يصير إلى أحد منهم فيقول لكل واحد: والله لئن تركت الناس يأخذون منه ليذهبن بكله، فيقتتلون عليه حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون، وفي رواية فيقتل تسعة أعشارهم، وفي رواية من كل تسعة سبعة...(3).

۔ عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (علیه السّلام) في خبر اله: ثم يمر الجيش ببغداد ويقتل على جسره سبعون ألفاً حتى تحمی الناس ثلاثة أيام من الدماء وتنتن الأجساد، ثم يمر الجيش بالكوفة حتى ينزلون موقع قبر هود بالنخيلة وهو على بعد فرسخين من الكوفة

ص: 120


1- الإرشاد المفيد في باب علامات ظهوره، المهدي (ع) وظهوره: 219.
2- البحار 52 : 273 ح 167.
3- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 15.

فيخربون ما حولها ويستعبد بعض أهلها ولا يدعون أحداً إلا قتلوه...(1).

- وفي أربعين المير اللوحي عن فضل بن شاذان، عن أبي جعفر (علیه السّلام) يقول: كأني بقوم قد خرجوا من أقصى المشرق من بلدة يقال لها: شیلا يطلبون حقهم من أهل الصين فلا يعطون ثم يطلبونه فلا يعطون فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فرضوا بإعطاء ما سألوه فلم يقبلوا وقتلوا منهم خلقاً كثيراً ثم يسخرون بلاد الترك والهند كلها... (2).

دلت هذه الأخبار المذكورة وغيرها على اختلال موازين القوى في العالم بصورة مذهلة، بحيث يؤدي ذلك إلى إيجاد اختلافات شديدة بين شعوب الأرض قاطبة، وحروب طاحنة تقضي على ثلثي سكان العالم أو تسعة أعشاره تبعاً لاختلاف الأخبار، وتخلق حالة من الهرج والمرج وانعدام الأمن والاستقرار، وشيوع الطاعون والأمراض الفتاكة إثر ذلك من جراء المجازر الدموية البشعة وشدة الاضطرابات والقلق الشديد الذي يعتري الناس في شرق الأرض وغربها حينذاك . وتصبح البشرية في حالة يرثى لها لعظم ما يلم بها من المحن والأهوال ويرفع الكل أيديهم بالدعاء إلى الله يرجون موتاً عاجلاً يريحهم مما يعانون، أو مصلحاً عالمياً ينقذهم مما يكابدون من المصائب والمصاعب .

ص: 121


1- إلزام الناصب 2: 158.
2- إلزام الناصب 2: 160.

عندها تكون الأرضية الصالحة قد تمهدت تماماً لظهور المهدي (عج) وقيام دولته، لأن الناس كل الناس يتجهون إليه ويعقدون الآمال عليه، ما عدا نفر قليل من الدجالين والمشعوذين والمتصيدين بالماء العكر، وهؤلاء سوف يتغلب عليهم الإمام المهدي (علیه السّلام) بعون الله وينقذ العالم من شرورهم..

علامات ظهور المهدي (ع) الحتمية

بعد ذكر الوقائع والفتن التي تسبق علامات الظهور الحتمية نبدأ الآن بذكر العلامات التي تسبق ظهوره ومنها السفياني والدجال ونزول عیسی (علیه السّلام) والصيحة وقتل النفس الزكية في مكة المكرمة بين الركن والمقام، وخسف الأرض بجيش السفياني، وخروج السيد الحسني، والنداءات الثلاثة التي تسمعها كل الخلائق، والعلامات الكونية كالخسوف والكسوف والريح الحمراء والمطر الشديد في غير أوانه، وطلوع كف من السماء والزلازل والفيضانات،وغيرها من العلامات الكونية .

خروج السفياني علامة حتمية لا بد منها

ذكرت كتب الفريقين أخباراً كثيرة نصت على حتمية خروج السفياني قبل القائم (علیه السّلام) وسنذكر بعضها للتدليل على ذلك بما يتسع لها المقام ولتثبت إجماع علماء المسلمين بحتمية ظهوره. .

جاء في كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) عند أهل السنة، نقلاً من كتاب (البدء والتاريخ) أخبار مفادها حتمية خروج السفياني :

ص: 122

منها: رواية هشام بن الغار عن مكحول، عن أبي عبيدة بن الجراح عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية(1).

. وعن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) في ذكر الفتن بالشام قال : فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد على أثره ليستولي على منبر دمشق فإذا كان ذلك انتظروا خروج المهدي(علیه السّلام) (2).

وفي كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي ذكر أخباراً بصدد خروج السفياني منها: عن عمار بن یاسر قال : إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح(3).

ومنها: وأخرج (ك) أيضاً عن الوليد بن مسلم قال : لا يخرج

المهدي حتى يقوم السفياني على أعوادها(4).

وفي كتاب الفتن للحافظ الخزاعي المروزي خبر يذكر خروج السفياني قبل خروج المهدي (علیه السّلام) : حدثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة عن أبي قبيل قال : يملك رجل من بني هاشم فيقتل بني أمية، فلا يبقي منهم إلا اليسير، لا يقتل غيرهم، ثم يخرج رجل من بني أمية فيقتل بكل رجل رجلين حتى لا يبقي إلا النساء، ثم يخرج المهدي (علیه السّلام)(5).

ص: 123


1- المهدي عند أهل السنة 1: 57، انظر كتاب البدء والتاريخ ج 1: 176.
2- المهدي عند أهل السنة 1: 58 ، انظر كتاب البدء والتاريخ 1: 177 .
3- الحاوي للفتاوي 2: 141، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 372.
4- الحاوي للفتاوي 2: 150، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 381.
5- الفتن: 192.

وفي كتاب البحار عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : السفياني من المحتوم وخروجه من أول خروجه إلى آخر خمسة عشر شهراً...(1)

. وعن معلی بن خنیس قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول : من الأمرالمحتوم ومنه ما ليس بمحتوم، ومن المحتوم خروج السفياني في رجب(2).

. وعن الفضل، بن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : إن من الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لا بد منه (3).

- وعن أبي حمزة قلت لأبي جعفر(علیه السّلام) : خروج السفياني من المحتوم؟ قال (علیه السّلام) : نعم...(4).

اسم السفياني ونسبه وصفاته

في كتاب إلزام الناصب ذكر السفياني فقال : ويخرج السفياني عثمان بن عنبسة أبوه من ذرية أبي سفيان وأمه من ذرية يزيد بن معاوية ...(5) .

وفي كتاب الفتن عمن حدثه عن محمد بن جعفر بن علي قال :

ص: 124


1- البحار 248:52 .
2- البحار 52: 249.
3- البحار 52 : 249.
4- إلزام الناصب 2: 146.
5- إلزام الناصب 2: 166.

السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة بوجهه آثار جدري، وبعينه نكتة بياض...(1).

وفيه أيضاً: السفياني أبيض، جعد الشعر ... وفيه أيضاً: يخرج رجل من ولد أبي سفيان ... دقيق الساعدين والساقين، طویل العنق، شديدالصفرة، به أثر العبادة(2).

وفي كتاب المهدي (علیه السّلام) عند أهل السنة نقلاً من كتاب (لوائح الأنوار ...) ذكر اسم السفياني وأوصافه بقوله :

أما السفياني فاسمه عروة واسم أبيه محمد وكنيته أبو عنبسة .

وفي عقد الدرر أن السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفیان ملعون في السماء والأرض، وهو أكثر خلق الله ظلماً. قال علي (رضي الله عنه) : السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان رجل ضخم الهامة بوجهه أثر الجدري، بعينه نكتة بياض ...(3).

وفي إلزام الناصب عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) قال: من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان رجل ضخم الهامة بوجهه أثر الجدري، بعينه رکنه بیاض ...(4).

وفي البحار عن أبي جعفر الباقر (علیه السّلام) قال : السفياني أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط ولم يرَ مكة ولا المدينة قط...(5) .

ص: 125


1- الفتن: 189.
2- الفتن : 190.
3- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 16.
4- إلزام الناصب 2: 130 ، المهدي عند أهل السنة 1: 485.
5- البحار 52: 254.

وفي إلزام الناصب عن أبي عبد الله (علیه السّلام) عن أبيه (علیه السّلام) قال : قال أمير المؤمنين (علیه السّلام) : يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة وخشي الوجه ، ضخم الهامة بوجهه أثر الجدري إذا رأيته حسبته أعور اسمه عثمان وأبوه عنبسة وهو من ولد أبي سفیان ... (1).

قساوة السفياني وسوء أخلاقه

الحديث عن قساوة السفياني وسوء أخلاقه يقودنا إلى البحث والتحقيق في منشأ القساوة وسوء الخلق اللتين يتصف بهما هذا الوغد الحقير.

ومعلوم لدى الجميع أن التربية والمحيط والإيمان والعوامل الاجتماعية والوراثية والقومية والطائفية لها آثار مهمة في صياغة شخصية الفرد وبناء مقوماته الفكرية والأخلاقية والعقائدية .

فإذا نشأ الإنسان من نطفة نجسة، وعاش في بيئة فاسدة وتخلق بأخلاق منحطة، وترسبت في أعماق نفسه العصبيات الجاهلية والقبلية والطائفية فإنه سيكون بركاناً من الأحقاد والضغائن جاهزاً للانفجار والتدمير كلما أتيحت له الفرص والظروف المؤاتية.

فالسفياني الذي انحدر من سلالة أموية فاسدة، ونطفة غير مشروعة وتربى في محيط مفعم بالحقد والعداء لعلي وأهل بيته وشیعته، وتأصلت في نفسه نزعة الثأر لأجداده الذين صرعوا بسيف

ص: 126


1- إلزام الناصب 2: 130 وص 166.

علي (علیه السّلام) في بدر وأحد، فهذه العوامل مجتمعة جردت السفياني من محتواه الإنساني وحولته إلى حيوان وحشي شرس حقودٍ قاسٍ لا يعرف معنى للرحمة والعطف، ولا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق الشيوخ والنساء والأطفال دون تمييز.

فبقر بطون الحوامل، وإلقاء الأطفال في الزيت المغلي، وسفك الدماء البريئة، وهتك أعراض الشيعة، وسلب أموالهم وحرق بيوتهم بعض إفرازات الحقد السفياني الذي لا حد له...

وفيما يلي نذكر بعض تلك الجرائم الوحشية التي تقشعر منها

الأبدان.

. ففي كتاب (الفتن) عن ابن مسعود، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: إذا عبر السفياني الفرات، وبلغ موضعاً يقال له : عاقر قوفا محا الله تعالی الإيمان من قلبه، فيقتل بها إلى نهر يقال له: الدجيل سبعين ألفاً متقلدین سیوفاً محلاة، وما سواهم أكثر، فيظهرون على بيت الذهب ، فيقتلون المقاتلة والأبطال، ويبقرون بطون النساء يقولون: لعلها حبلی بغلام...(1).

وفي كتاب إلزام الناصب نقلاً من البحار، قال الصادق (علیه السّلام) : أنك لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس.. إلى أن قال : ولقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له وهي حية مخافة أن تدل عليه(2).

ص: 127


1- الفتن: 209.
2- إلزام الناصب 2: 135.

وفيه أيضاً: ما يصدر من جيش السفياني الذي يبعثه إلى العراق في المشارق في خبر سطيح الكاهن: فيخرج رجل من ولد صخر فيبدل الرايات السود بالحمر فيبيح المحرمات، ويترك النساء بالشدايا معلقات وهو صاحب نهب الكوفة، فرب بيضاء الساق مکشوفة على الطريق مردوفة بها الخير محفوفة قتل زوجها وكثر عجزها واستحل فرجها ...(1).

وفيه أيضاً: نقلاً من كتاب معاني الأخبار، عن عقد الدرر، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : يخرج رجل يقال له: السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب فيقيل حتى ينفد بطون النساء، ويقتل الصبيان... (2)

-فيه أيضاً: ويبعث جيشه إلى الزوراء مائة وثلاثين ألفاً ويقتل على جسرها إلى مدة ثلاثة أيام سبعين ألف نفس ويفتض اثنتي عشرة ألف بکر وترى ماء الدجلة محمراً من الدم ومن نتن الأجساد ...(3).

وفي كتاب (خريدة العجائب وفريدة الغرائب) لمؤلفه سراج الدين عمر بن مظفر الشافعي نقل جملة أخبار عن السفياني منها خبر رواه عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأنه قال: من ولد یزید ابن معاوية بوجهه آثار الجدري وبعينه نقطة من بيان يخرج من ناحية دمشق ويبعث خيله وسراياه في البر والبحر

ص: 128


1- إلزام الناصب 2: 157 - 158..
2- إلزام الناصب 2: 131 .
3- إلزام الناصب 2: 67.

فيبقرون بطون الحبالى، وينشرون الناس بالمناشير، ويحرقون ويطبخون الناس في القدور(1).

وفي كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي، وأخرج (ك) أيضاً عن علي قال : يبعث بجيش - يعني السفياني - فيأخذون من قدروا عليه من آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ويقتل من بني هاشم رجالاً ونساء، فبعد ذلك يهرب المهدي والبيض من المدينة إلى مكة ... (2).

وفيه أيضاً عن أبي قبيل قال : يبعث السفياني جيشاً، فيأمر بقتل كل من كان من بني هاشم، فيقتلون ويفترقون هاربين إلى البراري والجبال، حتى يظهر المهدي (علیه السّلام)...(3).

وفيه أيضاً عن أبي هريرة قال : يكون بالمدينة وقعة يغرق فيها أحجار الزيت - يعني بالدم -، ما الحرة عندها إلا كضربة سوط ... (4). وفي كتاب (کنز العمال): يخرج رجل يقال له: السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب ، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان...

. وعن فسق السفياني وفجوره نقل صاحب كتاب الحاوي للفتاوي

ص: 129


1- خريدة العجائب وفريدة الغرائب : 198 طبعة حجرية، انظر الهدي عند أهل السنة 1: 274.
2- الحاوي للفتاوي 2: 141، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 374.
3- الحاوي للفتاوي 2: 141، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 374.
4- کنز العمال 14: عنه في الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 453.

عن حذيفة خبر، قال : حتى أنه يطاف بالمرأة في مسجد دمشق في الثوب على مجلس مجلس حتى تأتي فخذ السفياني فتجلس عليه وهو في المحراب قاعد، فيقوم رجل مسلم من المسلمين فيقول: ويحكم، أكفرتم بعد إيمانكم، إن هذا لا يحل، فيقوم فيضرب عنقه في مسجد دمشق، ويقتل كل من شایعه على ذلك...(1) .

- وفي كتاب الفتن عن ابن عباس يقول: يخرج السفياني فيقاتل

حتى يبقر بطون النساء، ويغلي الأطفال في المراجل (2).

حروب السفياني وجرائمه البشعة ومدة حكمه

سنذكر في هذا الباب جملة من حروب السفياني ومواجهاته العنيفة مع أصحاب الرايات التي تخرج في زمانه الباطلة منها والمحقة، فالباطلة تقاتله على الملك والسلطان والسيطرة على البلاد الإسلامية، والمحقة تقاتله انتصارا للحق ودفاعاً عن المستضعفين المستعبدين من قبله، والذين ذاقوا على يديه الآثمتين أمر أنواع العذاب والتقتيل.

منها: عن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون، فيقاتلهم جميعاً، فيظهر عليهم جميعا، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده، وله فورة شديدة يستقتل

ص: 130


1- الحاوي للفتاوي 2: 160، المهدي عند أهل السنة 1: 391.
2- الفتن: 210.

الناس قتل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص، وراياتهم صفر، وثيابهم ملونة، فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه، ثم تظهر الروم وتخرج إلى تل سما فأقبل، ثم يسير إلى العراق، وترفع قبل ذلك اثنتا عشرة راية بالكوفي معروفة منسوبة، ويقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه، ويظهر رجل من الموالي، فإذا استبان أمره وأسرف في القتل، قتله السفياني(1).

ومنها: عن محمد بن جعفر قال : قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عنه : يبعث السفياني على جيش العراق رجلاً من بني حارثة له غدیرتان يقال له : نمر أو قمر بن عباد، رجلاً جسيماً على مقدمته رجل من قومه قصير أصلع، عريض المنكبين، فيقاتله من بالشام من أهل المشرق، وفي موضع يقال له : الثنية، وأهل حمص في حرب المشرق وأنصارهم، وبها يومئذٍ منهم جند عظيم يقاتلهم فيما يلي دمشق، كل ذلك يهزمهم ثم ينحاز من دمشق وحمص مع السفياني ويلتقون وأهل دمشق في موضع يقال له اليدين مما يلي شرق حمص، فيقتل بها نیف وسبعون ألفاً، ثلاثة أرباعهم من أهل المشرق، ثم تكون الدبرة عليهم، ويسير الجيش الذي بعث إلى المشرق حتى ينزلوا الكوفة، فكم من دم مهراق، وبطن مبقور، ووليد مقتول، ومال منهوب، ودم مستحل، ثم يكتب إليه السفياني أن يسير إلى الحجاز بعد أن يعرکها عرك الأديم ...(2)

ص: 131


1- الفتن: 199.
2- الفتن: 207.

وفي إلزام الناصب: وفي الخبر أن السفياني بعد خروجه وبعثه جيشا إلى الحجاز يبعث إلى العراق مائة وثلاثين ألفاً أو سبعين ألفاً ويمر جيشه بقرقيسا بالكسر بلد على الفرات ويقع فيها بينهم وبين ولد العباس حرب عظيمة فيقتلون من الجبارين من بني العباس مائة ألف ثم يمر الجيش ببغداد ويقتل على جسره سبعون ألفاً حتى تحمى الناس ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجساد، ثم يمر الجيش بالكوفة فيخرجون ما حولها ويستعبد بعض أهلها ولا يدعون أحداً إلا قتلوه، حتى أن الرجل منهم يمر بالدرة المطروحة العظيمة فلا يتعرض لها، ويمر على الصبي الصغير فيلحقه ويقتله ويسبي منها سبعون ألف بكر لا يكشف عنها كف ولا قناع حتى يوضعن في المحامل ويذهب بهن إلى الثوية موضع قبر کمیل وبعض أصحاب أمير المؤمنين وينادي منادي أهل الجيش: من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره ويقول: هذا منهم فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم، ثم يخرجون إلى الشام ومعهم السبايا والغنائم فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ...(1).

وفي كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة نقلاً من كتاب الحاوي للفتاوي، عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : إذا خرجت السودان طلبت العربمکشوفين حتى يلحقوا ببطن الأرض، أو قال: ببطن الأردن، فبينما هم كذلك إذ خرج السفياني في ستين

ص: 132


1- إلزام الناصب 2: 158.

وثلاث مائة راكب حتى يأتي دمشق، فلا يأتي عليهم شهر يتابعه من کلب ثلاثون ألفاً، فيبعث جيشاً إلى العراق، فيقتل بالزوراء مائة ألف، وينجرون إلى الكوفة فينهبونها فعند ذلك تخرج راية من المشرق ويقودها رجل من تميم يقال له: شعيب بن صالح، فيستنقذ ما في أيديهم من سبي، أهل الكوفةويقتلهم، ويخرج جيش آخر من جيوش السفياني إلى المدينة فينهبونها ثلاثة أيام، ثم يسيرون إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل (علیه السّلام) فيقول : يا جبريل، عذبهم، فيضربهم برجله ضربة يخسف الله بهم فلا يبقى منهم إلا رجلان، فيقدمان على السفياني، فيخبرانه بخسف الجيش، فلا يهوله، ثم إن رجالا من قريش يهربون إلى قسطنطينية فيبعث السفياني إلى عظيم الروم أن يبعث بهم في المجامع، فيبعث بهم إليه، فيضرب أعناقهم على باب المدينة بدمشق(1).

وفي كتاب (التذكرة) للقرطبي عن ابن مسعود فيه: ثم إن

عروة بن محمد السفياني يبعث جيشاً إلى الكوفة فيه خمسة عشر ألف فارس، ويبعث جيشاً آخر فيه خمسة عشر ألف راكب إلى مكة والمدينة لمحاربة المهدي ومن تبعه.

فأما الجيش الأول فإنه يصل إلى الكوفة فيتغلب عليها ويسبي من كان فيها من النساء والأطفال، ويقتل الرجال ويأخذ ما يجد فيها من الأموال ثم يرجع فتقوم صيحة بالمشرق فيتبعهم أمير من أمراء بني تميم يقال له: شعيب بن صالح فيستنقذ ما في أيديهم من السبي ويرد إلى الكوفة.

ص: 133


1- الحاوي للفتاوي 2: 160، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 390.

وأما الجيش الثاني فإنه يصل إلى المدينة فيقاتلونها ثلاثة أيام ثم يدخلونها عنوة ويسبون ما فيها من الأهل والولد، ثم يسيرون نحو مكة أعزها الله لمحاربة المهدي ومن معه فإذا وصلوا إلى البيداء مسحهم الله أجمعين فذلك قول الله تعالى: «وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ »(1).

السفياني والرايات السود

سيخوض السفياني حروباً عديدة مع أصحاب الرايات السود وهم الذين جاؤوا من المشرق لنصرة المهدي (عج) ويقودهم رجل من بني هاشم بكفه اليمنى خال أو اليسرى، على مقدمته رجل من بني تميم يقال له: شعیب بن صالح الذي سبق أن خاض معركة ضارية مع جيش السفياني واستعاد منه السبي والغنائم بعد انتصاره عليه.

ومن هذه الحروب التي دارت بين جيش السفياني وشعيب بن صالح حرب وقعت بباب أصطخر حيث حصلت ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني فعند ذلك يتمنى الناس المهدي (علیه السّلام) ويطلبونه(2).

وفي كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) عند أهل السنة نقلاً من كتاب (لوائح الأنوار): ثم يخرج وراء النهر خارج يقال له: الحارث على مقدمته رجل يقال له: المنصور، يمكن لآل محمد، واجب على كل

ص: 134


1- التذكرة للقرطبي: 610، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 195.
2- الفتن: 221، والحاوي للفتاوي 2: 140، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 372.

مؤمن نصره، وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو الهاشمي الآتي ذكره ويلقب الحارث كما يلقب المهدي بالجابر .

ويحتمل أن يكون غيره، ويثور أهل خراسان بعساكر السفياني فتكون بينهم وقعات. فإذا طال عليهم قتاله بايعوا رجلاً من بني هاشم بكفه اليمنى خال سهل الله أمره وطريقه هو أخو المهدي من أبيه أو ابن عمه وهو حينئذٍ بآخر المشرق بأهل خراسان و طالقان ومعه الرايات السود الصغار وهي غير رايات بني العباس وعلى مقدمته رجل من بني تميم الموالي ربعة أصفر قليل اللحية كوسج واسمه شعيب بن صالح التميمي يخرج إليه في خمسة آلاف فإذا بلغه خروجه صيره على مقدمته لو استقبلته الجبال الرواسي لهدها، يمهد الأرض للمهدي، فيلتقي الهاشمي بخيل السفياني فيقتل منهم مقتلة عظيمة بيضاء أصطخر حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها ثم تأتيه جنود من قبل سجستان عليهم رجل من بني عدي فيظهر الله أنصاره وجنوده ثم يجتمع مع المهدي ويبايعه وبالله التوفيق(1).

وفي كتاب الفتن عن ضمرة بن حبيب ومشايخهم قالوا: يبعث

السفياني خيله وجنوده فيبلغ عامة الشرق من أرض خراسان، وأرض فارس، فيثور بهم أهل المشرق فيقاتلونهم، ويكون بينهم وقعات في موضع، فإذا طال عليهم قتالهم إياه بایعوا رجلاً من بني هاشم، مولی لهم، أصفر قليل اللحية، يخرج إليه في خمسة آلاف إذا بلغه خروجه فيبايعه، فيصيره على مقدمته لو استقبلته الجبال الرواسي لهدها،

ص: 135


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 17 نقلاً من لوائح الأنوار .

فيلتقي هو وخيل السفياني فيهزمهم ويقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم تكون الغلبة للسفياني، ويهرب الهاشمي، ويخرج شعيب بن صالح متخفية إلى بيت المقدس يوطن للمهدي منزله إذا بلغه خروجه إلى الشام(1).

هذا الحديث يعارض الحديثين اللذين قبله لأنهما أكّدا على أن المنتصر هو الهاشمي بينما أكد هذا الحديث على غلبة السفياني، فكيف نوفق بينهما ونرفع هذا التعارض ونثبت بأن الغلبة لأصحاب الرايات السود فنقول:

أولاً: إن عدداً غير قليل من الأخبار بالإضافة إلى الخبرين المتقدمين والواردة بعدة طرق والتي بلغت حد التواتر تؤكد أن الغلبة لأصحاب الرايات السود. فالرواية المتواترة لا تعارضها الرواية غير المتواترة وإن صح سندها، ناهيك عن الرواية المجهولة الراوي والمروي عنه.

نذكر هنا بعض الأخبار الواردة من طرق مختلفة تؤكد غلبة

الرايات السود:

1- عن نعیم بن حماد، عن محمد بن الحنفية قال : تخرج رايات سود لبني العباس - المعني بهذه الرايات أبو مسلم الخراساني كما سيأتي - ثم تخرج من خراسان أخرى سود قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له: شعیب بن صالح من تميم،

ص: 136


1- الفتن: 221، أورده السيوطي في الحاوي 2: 70 ونسبه للمصنف، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 373.

يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بیت المقدس يوطي للمهدي سلطانه...(1).

2- عن نعیم بن حماد، عن أبي جعفر قال : يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمين خال من خراسان برایات سود بين يديه شعیب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم(2).

3. وأخرج (ك) أيضاً عن علي (علیه السّلام) قال : تخرج رايات سود تقاتل السفياني، فيهم شاب من بني هاشم في كفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل من تميم يدعی شعیب بن صالح، فيهزم أصحابه (3).

ثانياً : إن الرواية ذكرت صفة شعيب أنه : لو استقبل بهم الجبال لهذها ثم قالت الرواية : فيلتقي هو وخيل السفياني، فيهزمهم فيقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم تكون الغلبة للسفياني، فكيف يهزمهم شعيب ويقتل منهم مقتلة عظيمة ثميكون هو المغلوب؟! ثم إن هذه الهزيمة لا تنسجم مع قوله (علیه السّلام) لو استقبل بهم الجبال لهدها. وبما أن التناقض لا يجوز صدوره من المعصوم فلا بد أن تكون الإضافة صادرة من غير المعصوم يعني تكون من الراوي .

ثالثاً: إن سند الرواية ضعيف إذ لم يذكر فيه الراوي والمروي عنه، بصراحة فعبارة ضمرة بن حبيب ومشايخهم عبارة مقتضبة

ص: 137


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 370
2- الحاوي للفتاوي 2: 140، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 371.
3- الحاوي للفتاوي 2: 141، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 372.

وملتبسة لا يفهم منها الراوي، فضعف السند يؤدي إلى ضعف الرواية لا سيما الشطر الأخير منها، لأنه لا يعضدها أي نص من النصوص المتعلقة بهذا الباب. فانفرادها بهذه الإضافة مع ضعفها يؤكد حقيقة الوضع فيها.

رابعاً: ثم إن عدداً غير قليل من الروايات تؤكد أن شعيباً هو الذي سيرسل بيعته من الكوفة لمّا يسمع بظهور المهدي بمكة المكرمة وهو الذي سيكون على مقدمة جيشه عندما يلتقي مع السفياني في الشام، وهو الذي سيقتل السفياني على أعتاب القدس، وهذا يدل بشكل صريح أن المهزوم إلى القدس هو السفياني وليس شعيباً كما يزعم الراوي.

مقتل السفياني على أعتاب القدس

وقد تكاثرت الروايات والآثار بأمر المهدي وقد ذكر العلماء أن أول ظهوره يكون شاباً .. إلى أن قال: ثم يتوجه إلى المدينة ومعه المؤمنون، ثم يسيرون إلى جهة الكوفة ثم يعود منهزماً من جيش السفياني فيخرج الله على السفياني من أهل المشرق وزير المهدي - يعني به شعيبة - فيهزم السفياني إلى الشام فيقصده المهدي فيذبحه عند عتبة المقدس كما تذبح الشاة ويغنمه ومن معه من أخواله الذين هم جنده من بني كلب ولا أكثر من تلك الغنيمة.

وفي رواية أنه يخرج رجل من كلب يقال له: كنانة يعينه کوکب في رهط من قومه حتى يأتي الصخري يعني السفياني - فيبعث إليه المهدي راية وأعظم راية في زمانه مائة رجل، فتصل كلب خيلها

ص: 138

ورجلها وإبلها وغنمها فإذا تسامت الخيلان ولت کلب أدبارها فيقتلونهم ويسبونهم حتى تباع العذراء منهم بثمانية دراهم، ويؤخذ الصخري فيؤتى به أسيراً إلى المهدي فيذبح على صخرة المعترضة على وجه الأرض عند الكنيسة التي ببطن الوادي على درج طور زیتا المقنطرة التي على الوادي كما تذبح الشاة.

وفي رواية ثم يؤخذ عروة السفياني على أعلى شجرة على بحيرة طبرية .. (1)وفي رواية ابن مسعود: ... ثم إن المهدي (علیه السّلام) يقول : أيها الناساخرجوا إلى قتال عدو الله وعدوكم فيجيبونه ولا يعصون له أمرة، فيخرج المهدي ومن معه من المسلمين من مكة إلى الشام المحاربة عروة بن محمد السفياني وكل من معه من كلب ثم يتبدد جيشه ثم يوجد عروة السفياني على أعلى شجرة على بحيرة طبرية والخائب من خاب يومئذ من قتال کلب ولو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة... (2)

الرواية الأولى ذكرت أن الإمام المهدي يعود مهزوماً من جيش السفياني من الكوفة وهذا افتراء محض لأن المهدي عندما يقدم الكوفة يجدها محررة من السفياني بواسطة - شعيب والهاشمي - كما مر ذلك، وإن جيشه محفوف بالملائكة وجبرائيل عن يمينه ومكائيل عن شماله ومكتوبٌ على رايته الاسم الأعظم وأنه منصور لا محالة ومسبوق بالرعب فلا تستطيع أي قوة في العالم أن تدحر جيشاً محفوفاً

ص: 139


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 19.
2- التذكرة للحافظ القرطبي: 618، الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 203.

برعاية الله ومدعومة بملائكته ومسدداً بتسديده، وفيما يلي نذكر بعض الأخبار التي ذكرت ذلك لنفد بها الأكذوبة التي مر ذكرها.۔ عن ابن مسعود وغيره من الصحابة : أنه يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى - يعني المهدي (علیه السّلام) - يمشي النصر بين يديه أربعين میلاً، راياته بيض وصفر فيها رقوم فيها اسم الله الأعظم مکتوب فلا تهزم له راية، وقيام هذه الرايات وانبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له : ماسنة من قبل المغرب فيعقد هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله لهم میثاق النصر والظفر أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون... إلى أن قال : فيخرج المهدي ومن معه من المسلمين من مكة إلى الشام لمحاربة عروة بن محمد السفياني وكل من معه من كلب ... مر الحديث في الصفحة السابقة ...

- وفي كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة : ... ثم يتوجه إلى الشام وجبرائیل على مقدمته ومیکائیل على يساره ومعه أهل الكهف أعوان له ... إلى أن قال : فيقدم الشام فيأخذ السفياني فيذبح تحت الشجرة التي أغصانها إلى بحيرة طبرية .

والذي يجهر في الجمع بين روایات ذبح السفياني أنه يذبح تحت الشجرة هو أو وزیره، والذي يذبح على العتبة هو نفسه إن كان المذبوح تحت الشجرة وزيره....(1).

ص: 140


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 19. 20.

مدة ولاية السفياني حمل امرأة

ذكرت أغلب الأخبار أن مدة ولاية وحكومة السفياني سبعة أشهر أو ثمانية أو تسعة وهي مدة حمل المرأة كما هو معروف، ولكن انفردت رواية واحدة حيث ذكرت مدة ولايته بثلاث سنين ونصف وهذا معارض للإجماع الذي أقره علماء المسلمين بأن مدة حكمه حمل امرأة وهذا ما ستثبته هنا:

- في كتاب الفتن عن جابر ، عن أبي جعفر قال : يملك السفياني حمل امرأة(1).

- وفيه أيضاً عن أبي هزان عن كعب قال : ولايته تسعة أشهر أو

سبعة أشهر .

قال أبو بكر: وقال ضمرة ودینار بن دینار : ولايته حمل(2).

. وفيه أيضاً: عن سليمان بن عيسى قال : بلغني أن السفياني

يملك ثلاث سنين ونصف(3).

وفي كتاب البحار ذكر رواية عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : السفياني من المحتوم وخروجه من أول خروج إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً(4).

ص: 141


1- الفتن: 188 فيه جابر هو الجعفي: ضعيف.
2- الفتن : 189 إسناد ضعيف .
3- الفتن : 189 إسناده ضعيف: فيه يحيى بن سعيد العطار : ضعيف. وشيخ سليمان بن عیسی: مجهول.
4- البحار 52 : 248.

العلامة الثانية خروج الدجال

خروج الدجال : الأخبار الصحيحة متواترة بخروجه بلا شك

وإنما الاختلاف في صفته وهيئته(1).

. وفي كتاب المهدي عند أهل السنة عن أبي بكر الإسكافي في فوائد الأخبار، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر(2).

. وفي كتاب الفتن عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال :

خطبنا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وقال : أيها الناس إنها لم تكن فتنة في الأرض أعظم من فتنة الدجال، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذّر أمته وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة ...(3) .

الرد على الكذب بالدجال

أصدر الشيخ عبد الله بن زید المحمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطررسالة سماها (لا مهدي ينتظر بعد رسول البشر) جاء فيها قوله حول الدجال : إن ما ورد بشأن الدجال أشبه بالأساطير الباطلة فإن رجلاً يمشي على رجلين يطوف البلاد يدعو الناس لعبادته ويكون معه جنة ونار، يلقي فيهما من يشاء كل هذا من الأمور التي لا يسيغها العقل والنبي أجل من أن يأتي بشيء تنقضه بداهة النظر، وإلا

ص: 142


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 67.
2- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 392، عن كتاب الحاوي للفتاوي 2: 160، الفتاوي الحديثة : 37.
3- الفتن : 355.

فما هي جنته وما هي ناره التي تتبعانه حيث سار هل هما مرئيان أو خیالیان ... إلخ؟.

فأجابه عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية الشيخ عبد

المحسن العباد بقوله:

ويجاب عن هذه الشبهة بأن ما صح عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من أخبار الدجال يقبله العقل السليم، ولا يرده والعقل لا يتعارض مع النقل الصحيح وإذا لم يحصل الاتفاق والتطابق بين العقل والنقل على أمر ما تعين اتهام العقل كما ثبت في الصحيحين عن سهل بن حنیف (رض) أنه قال : يا أيها الناس اتهموا رأيكمعلى دينكم وكما جاء عن علي (رضي الله عنه) في سنن أبي داود قال الحافظ في الفتح بسند حسن أنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه. هذا من جهة ومن جهة أخرى العقول تتفاوت فقد يقبل هذا ما لا يقبله هذا، وأحاديث الدجال الثابتة صدّق بها الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) وقبلتها عقولهم وكذا التابعون لهم بإحسان .

فالعقول التي لم تقبل ما قبلوه قد أصيبت بمرض لا شفاء لها

منه إلا بالاعتصام بما جاء في الكتاب والسنة على ما درج عليه سلف الأمة.

ومن جهة ثالثة هذه الأمور التي يأتي بها الدجال هي من جملة فتنته التي هي أعظم فتنة في الحياة الدنيا، وهي تحصل منه بإذن الله ابتلاء وامتحاناً للعباد في ذلك الزمان، وهي غير مستحيلة عقلاً أما کونها على خلاف ما هو معتاد ومألوف فنعم ومن أجل هذا صارت

ص: 143

فتنة، ومن عرف أن الله على كل شيء قدير وأن الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى أخبر عن الدجال بهذه الأخبار التي منها طوافه البلاد ودخولها ما عدا مكة والمدينة ومعه جنة ونار، أقول: من عرف كمال قدرة الله وأخبار المصطفی (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بهذه الأمور لم يتردد في التصديق بذلك وأنه سيقع وفقاً لما أخبر(صلّی الله علیه وآله وسلّم)(1).

قوله : كيف يعقل أن رجلاً أعور مكتوب على جبهته کافر يقرأها الكاتب والأمي على السواء يقوم بين الناس فيدعوهم لعبادته فتروج له دعوة أو تسمع له كلمة أي يبلغ به الانحطاط العقلي إلى درجة يعتقد فيها بألوهية رجل مشوه الخلقة مكتوب في وجهه كافر بالأحرف العريضة وأي جيل من أجيال الناس تروج فيهم مثل هذه الدعوة؟... إلخ.

فأجاب الشيخ عبد المحسن على هذه الشبهة بقوله: أقول: هذه إحدى شبهة التي اعتمد عليها في رد النصوص الصحيحة ولا أدري کیف فات على هذا المسكين أن الأبصار لا تغني شيئاً إذا عميت البصائر فإنها لا تعمي الأبصار بل تعمي القلوب التي في الصدور وكيف ينكر النصوص المتواترة لأن عقله استبعد أن تروج دعوة الدجال ويقبل قوله وقد كتب على وجهه کافر يقرأها الكاتب والأمي مع وجود المثال المحسوس فيما نشاهده ونعاين في هذا العصر الذي

ص: 144


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 456، انظر مجلة الجامعة الإسلامية العدد 45 سنة 1400 ه.

نعيش فيه فأكثر البلاد التي تنتمي إلى الإسلام لا تحكم بشريعة الإسلام معأن آيات القرآن ينادي بها بأعلى الأصوات، ومنها قول الله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ » وقوله: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا » وقوله تعالى : «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » إلى غير ذلك من الآيات فإن الذين تروج عليهم دعوة الدجال في آخر الزمان فيتبعونه العمى بصائرهم مع أنه مكتوب على وجهه كافر يقرأها الكاتب والأمي هم من جنس الذين عميت أبصارهم في عصرنا فلم يحكموا شريعة الإسلام مع قراءتهم القرآن وفيه مثل هذه الآيات وسماعهم لها في الإذاعات ما أشبه الليلة بالبارحة والله المستعان.

قوله : لماذا لم يذكر في القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئاً مع خطورة أمره وعظم فتنته كما تدل عليه الأحاديث الموضوعة، فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذي معه جنة ونار يفتن به الناس؟!

تلازم القرآن والسنة

والجواب عن هذه الشبهة أن الله تعالى قال في كتابه العزيز : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »وقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة، والسنة والقرآن متلازمان لا يفترقان ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن ومن زعم فصل السنة عن القرآن يقال له : أين وجدت في القرآن أعداد الصلوات وأعداد

ص: 145

وكيفيتها وغير ذلك مما لا يعرف توضيحه وبيانه إلا في السنة التي هي شقيقة القرآن والموضحة والمبينة له؟

ولم تعدم السنة منذ أزمان أعداء لها هم في الحقيقة أعداء للقرآن يشككون فيها ويحاولون فصلها عن القرآن وقد هيأ الله من العلماء من يذب عنها ويدحض لشبه أعدائها ومنهم الحافظ السيوطي فقد ألف رسالة لطيفة سماها مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة افتتحها بعد حمد الله بقوله: اعلموا يرحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء ومن الآراء هيئة الخلاء لا تذكر إلا عند داعية الضرورة، وإن مما فاح ريحه في الزمان وكان دارساً بحمد الله منذ زمان وهو أن قائلاً رافضاً زنديقاً أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علواً وشرفاً - لا يحتج بها وأن الحجة في القرآن خاصة - إلى أن قال: . فاعلموا رحمكم الله أن من أنکر کون حدیث النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فرق الكفرة روى الإمام الشافعي (رضي الله عنه) یوماً حديثاً وقال : إنه صحيح فقال له قائل : أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب وقال : يا هذا أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجاً من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زناراً؟ أروي حديثاً عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ولا أقول به(1).

نضيف إلى كلام الأستاذ الشيخ عبد المحسن العباد حججاً

أخرى في الرد على شبهة ابن محمود فنقول: إن كثيراً من الفتن التي

ص: 146


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 456 - 457، انظر مجلة الجامعة الإسلامية العدد 45 سنة 1400 ه.

أخبر بها رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وحصل بعضها وسيحصل البعض الآخر على صعيد المستقبل لم يذكرها القرآن ولم يشر لها بأي شكل من الأشكال فهل يصح لنا أن نكذب الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ولا نصدق بما أخبر به من الفتن بحجة أن القرآن لم يشر لها مع أن الكثير منها قد حصل فعلا وشاهد المسلمون أحداثها فيما مضى؟

أيصح للمسلم الذي آمن بنبوة الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) و وصدّق بالقرآن الموحى إليه بكل ما فيه من المغيبات كالحشر والنشر والبرزخ والجنة والنار، أن يكذبه فيما لا يعقله من الفتن التي أخبر بها مع أن القرآن يوجب عليه الإيمان بكل ما أخبر به سواء المذكور منها في القرآن أو غير المذكور فيه على حد سواء.

فأي آية من آيات القرآن أشارت بصراحة إلى فتنة الجمل وخروج عائشة أم المؤمنین (رض) على الخليفة المنتخب من قبل المسلمين، وإحداث مجزرة دامية ذهب ضحيتها الكثير منهم؟ وأي آية ذكرت فتنة صفين وخروج معاوية بن أبي سفيان على خليفة المسلمين، وتسبيبه في قتل الآلاف منهم، وإحداث فتنة المصاحف التي تسببت في تفريق صفوف المسلمين وخروج فرقة الخوارج الذين قتل منهم ما يقارب الأربعة آلاف في معركة النهروان؟

لقد حصلت كل هذه الفتن التي أخبر عنها الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بالجملة بقوله: (يا علي إنك ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي) ولم نرَ أي إشارة لها في القرآن الكريم، فليس الأمر منحصراً في فتنة الدجال حتى يقال : إن عدم ذكرها موجب لتكذيبها وعدم التصديق بها.

ص: 147

فدعوی ابن محمود في تكذيب رجال الفتنة بحجة أنها لم تذكر

في القرآن الكريم دعوى باطلة لا تستند إلى دليل، وأنها ساقته إلى تکذیب ما نص القرآن على وجوب تصديقه وهو الرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وأحدثت الخلل المبين في إيمانه وعقائده ..

أوصاف الدجال وأفاعيله ومكان خروجه وأوصاف أتباعه ومقتله

نذكر هنا بعض الأخبار التي ذكرت أوصافه وأوصاف أصحابه و مکان خروجه وما يؤول إليه مصيره حيث يقتل على يدي منقذ البشرية من الظلم والضلال الإمام المهدي (عج) روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء .

ومن هذه الأخبار ما ذكره البلخي في كتابه (البدء والتاريخ من خبر الدجال حيث قال : خروج الدجال الأخبار الصحيحة متواترة بخروجه بلا شك، وإنما الاختلاف في صفته وهيئته. قال قوم : هو صائف بن صائد اليهودي عليه اللعنة، ولد عهد رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فكان أحياناً يربو في مهده وينتفخ في بيته حتى يملأ بيته، فأخبر النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بذلك فأتاه بنفر من أصحابه فلما نظر إليه عرفه فدعا الله سبحانه وتعالی فرفعه إلى جزيرة من جزائر البحر إلى وقت خروجه .

وفي رواية أخرى أن المسيح الدجّال قد أكل الطعام ومشى في الأسواق وروى أن اسمه عبد الله وهو يلعب مع الصبيان فقال : ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فقال له النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : أشهد أني رسول الله . فقال ابن صیاد :أتشهد أني رسول الله؟ فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إني قد خبأت له خبءة، قال : ما هو؟ قال : هو الدخ - يعني

ص: 148

الدخان . فقال النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) اخسأ ولن تعدو قدرك . قال عمر: أتأذن لي فأضرب عنقه؟ فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : دعه فإن يكنه فلن تسلط عليه، وإلايكنه فلا خير في قتله ، ثم دعا النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فاختطف .

وجاء في الحديث أنه أغمّ جفال الشعر مكتوب بين عينيه کافر

يقرأه كل أحد كاتب وغير كاتب.

واختلفوا في مخرجه فقال قوم: يخرج من أرض کوثي بالكوفة ، واختلفوا في من يتبعه، قال قوم: يتبعه اليهود والنساء والأعراب وأولاد المومسات، واختلفوا في العجائب التي تظهر على يديه فقال قوم: يسير حيث سار معه جنة ونار فجنته نار وناره جنة وأنه يدعي أنه رب الخلائق فيأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت ويبعث الشياطين في صورة الموتى ويقتل رجلاً ثم يحييه فيفتتن الناس به [...](1) ويؤمنون به ويبايعونه، وقالوا: ولا يسخر له من الدواب إلا الحمار واختلفوا في هيئة حماره ... إلخ(2).

وفي كتاب الفتن عن أسماء بنت يزيد الأنصاري (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في بيتي فذكر الدجال، فقال : إن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت إبلك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: نعم، قال : فتمثل له الشياطين نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعاً وأعظمها أسنمة، ويأتي الرجل وقد مات أبوه

ص: 149


1- ما بين المعقوفتين كلمة غير مقروءة.
2- البدء والتاريخ 1: 186 - 189، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 67 - 70.

ومات أخوه فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فتمثل له الشياطين نحو أبيه وأخيه ...(1) .

وفي كتاب إلزام الناصب عن الأصبغ بن نباتة سئل أمير المؤمنين (علیه السّلام) عن الدجال فقال: يا أمير المؤمنين من الدجال؟ فقال لي : ألا إن الدجال صايد بن صيد فالشقي من صدقه والسعيد من كذبه، يخرج من بلدة يقال لها: أصبهان من قرية تعرف باليهودية ، عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته تضيء كأنه كوكب الصبح فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب کافر يقرأه كاتب وأمي، يخوض البحر وتسير معه الشمس بين جبل من دخان وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام يخرج في قحط شدید، تحته حمار أقمر خطوة حماره میل، تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمر بما إلا غار إلى يوم القيامة، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى أنا ربكم الأعلى وكذب عدو الله إنه أعور ويطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإن ربكم ليس بأعور ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ألا وإن أكثر أشياعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عز وجل بالشام على عتبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة على أيدي من يصلي المسيح عیسی بن مریم خلفه ...(2).

ص: 150


1- الفتن: 367.
2- إلزام الناصب 2: 132 - 133.

العلامة الحتمية الثالثة هي الصيحة

وقد ورد في كثير من الروايات أن من علائم ظهوره الحتمية هي الصيحة. فورد عن أبي عبد الله (علیه السّلام) في البحار قال : ينادي مناد باسم القائم (علیه السّلام) ، قلت : خاص أو عام؟ قال : عام يسمع كل قوم بلسانهم، قلت: فمن خالف القائم (علیه السّلام) وقد نودي باسمه؟ قال : لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل فيشكك الناس(1).

وفيه أيضاً: عن عبد الله بن سنان قال : كنت عند أبي عبد الله (علیه السّلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامة يعيّروننا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئا فغضب وجلس ثم قال : لا ترووه عني وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني سمعت أبي يقول: والله إنّ ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ لبيّن حيث يقول : «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ » فلا يبقى في الأرض يومئذٍ أحد إلا خضع وذلت رقبته له، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب (علیه السّلام) وشیعته، فإذا كان الغد صعد إبليس في الهواء حيث يتوارى عن أهل الأرض ثم ينادي : ألا إن الحق في فلان... إلخ قال : فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول، ویرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا فعند ذلك يتبرؤون منا ويتناولوننا فيقولون: إن المنادي الأول سحر

ص: 151


1- البحار 52 : 205.

من أهل هذا البيت ثم تلا أبو عبد الله (علیه السّلام) قول الله عزّ وجلّ :«وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ »(1).

وفي كتاب الفتاوي الحديثة لابن حجر المكي : وقول أبي جعفر : لا يخرج المهدي حتى يروا الظلمة، وقوله : ينادي منادٍ من السماء أن الحق في آل محمد، وينادي منابر من الأرض: أن الحق في آل عيسى أو قال العباس فشك فيه، وإنما الصوت الأسفل كلمة الشيطان والصوت الأعلى كلمة الله العليا(2).

وفي كتاب الإشاعة الأشراط الساعة : ومنها - أي من علائم ظهوره - أنه ينادي مناد من السماء : أيها الناس إن الله قد قطع عنكم الجبارين والمنافقين وأشياعهم وولاكم خير أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وسلم فالحقوا بمكة فإنه المهدي ...(3).

وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السّلام) : إن أبا جعفر كان يقول : خروج السفياني من المحتوم والنداء من المحتوم... إلى أن قال: قلت: وكيف يكون النداء؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار يسمعه كل قوم بألسنتهم: ألا إن الحق في علي وشیعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إن الحق في عثمان(4) وشیعته،فعند ذلك يرتاب المبطلونه(5).

ص: 152


1- البحار 52 : 292، الآية 3 من سورة القمر .
2- الفتاوى الحديثية : 42، المهدي عند أهل السنة 1: 437.
3- الإشاعة أشراط الساعة : 90، المهدي عند أهل السنة 1: 483.
4- المراد بعثمان في هذا الخبر هو السفياني الذي اسمه عثمان بن عنبسة .
5- الغيبة للطوسي: 266.

وفي كتاب ينابيع المودة عن كتاب الدرّ المنتظم للشيخ كمال الدين الشافعي ومن إمارات خروج المهدي (علیه السّلام) منادٍ ينادي : ألا إن صاحب الزمان قد ظهر وهو في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان فلا يبقى راقد إلا قام ولا قائم إلا قعد... إلخ(1).

وفي كتاب عقد الدرر ص 103 عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : إذا كانت الصيحة في رمضان، فإنه يكون معمعة في شوال، وتمير القبائل في ذي القعدة، وسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم...

العلامة الحتمية الرابعة الخسف بجيش السفياني

وفي كتاب عون المعبود في الهامش عن مسلم عن عبيد الله بن القبطية قال :دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به - وكان ذلك في أيام الزبير - فقالت : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : يعود عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم... (2).

وفي كتاب لوائح الأنوار بعد ذكر أوصاف السفياني قال : ويخرج إليه رجل من أهل بيتي في الحرم فيبلغ السفياني فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا جاز بیداء من

ص: 153


1- ينابيع المودة الباب الثامن والستون: 414.
2- عون المعبود 11: 380، المهدي عند أهل السنة 2: 186.

الأرض خسف بهم فلا ينجو إلا المخبر عنهم أخرجه الحاكم في مستدرکه وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه(1).

وفي كتاب التذكرة للقرطبي عن ابن مسعود: ... وأما الجيش الثاني فإنه يصل إلى المدينة فيقاتلونها ثلاثة أيام ثم يدخلونها عنوة ويسبون ما فيها من الأهل والولد، ثم يسيرون نحو مكة أعزها الله لمحاربة المهدي ومن معه فإذا وصلوا إلى البيداء أمسحهم الله أجمعين وذلك قول الله تعالى : «وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ »(2).

وفي كتاب الحاوي للفتاوي عن حذيفة بن اليمان، عن

رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال في حديث له: ويخرج جيش آخر من جيوش السفياني إلى المدينة فينهبونها ثلاثة أيام، ثم يسيرون إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل (علیه السّلام) فيقول: يا جبريل عذبهم فيضربهم برجله ضربة يخسف الله بهم فلا يبقى منهم إلا رجلان فيقدمان على السفياني فيخبرانه بخسف الجيش.. (3) .

وخلاصة الموضوع أن السفياني يرسل جيش إلى المدينة

فيستبيحها ثلاثة أيام ثم يخرج نحو مكة المكرمة ويخسف به الأرض قبل وصوله مكة. وهذه العلامة حتمية أجمع علماء المسلمين على حصولها قبل ظهور القائم من آل محمد.

ص: 154


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 16.
2- التذكرة للقرطبي: 610، المهدي عند أهل السنة 1: 195.
3- الحاوي للفتاوی 2: 160، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 390.

وعلامة السفياني وقتل النفس الزكية والخسف بالبيداء، والصوت من السماء علامات متتابعة كنظام الخرر كما وصفها الإمام الصادق (علیه السّلام)(1).

العلامة الخامسة قتل النفس الزكية بظهر الكوفة

هذه النفس الزكية غير تلك التي تقتل بظهر الكوفة مع سبعين من الصالحين والتي مر ذكرها، لأن هذه تقتل بين الركن والمقام كما ذكرت الأخبار ذلك وقتلها يكون قبل ظهور المهدي (علیه السّلام) بوقت قليل جداً.

. فعن ابن محبوب، عن الثمالي قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السّلام) : إن أبا جعفر (علیه السّلام) كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم، قال لي: نعم واختلاف ولد العباس من الأمر المحتوم، وقتل النفس الزكية من الأمر المحتوم، وخروج القائم (علیه السّلام) من المحتوم(2).

. وفي كتاب الفتن، عن عمار بن یاسر (رضي الله عنه) قال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إذا قتل النفس الزكية وأخوه، يقتل بمكة ضيعة، نادى منادٍ من السماء: إن أميركم فلان، وذلك المهدي الذي يملأ الأرض حقاً وعدلا


1- غيبة النعماني الباب الرابع عشر: 262.
2- البحار 206:52 .

قال : وهو يستعرض علائم ظهور المهدي (علیه السّلام) : ... وخروج السفياني من الشام واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء وقتل غلام من آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء..(1).

. وفي كتاب إبراز الوهم المكنون، عن مجاهد قال : حدثني رجل من أصحاب النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : أن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها ... (2).

العلامة السادسة خروج السيد الحسني

ومن العلامات الحتمية خروج السيد الحسني الصبيح الوجه ويحتمل أن يكون هو السيد الهاشمي قائد أصحاب الرايات السود أو الخرساني كما نرى ذلك من خلال القرائن الحالية واللفظية التي تكشف عنها الأخبار الآتية:

- وفي حديث المفضل قال : سألت سيدي الصادق (علیه السّلام) : هل للمأمور المنتظر المهدي (علیه السّلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال : حاشا الله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شیعتنا (والحديث مفصل) - إلى أن قال : ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم يصيح

ص: 156


1- البحار 191:52 .
2- إبراز الوهم المكنون..: 573، المهدي عند أهل السنة 2: 365.

بصوت فصيح: یا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطالقاني كنوز، وأي كنوز! ليست من فضلة ولا ذهب بل هي رجال كزبر الحديد على البراذين الشهب بأيديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفي أكثر الأرض فيجعلها له معقلاً..(1)

وفي كتاب لوائح الأنوار في حديث له: ويثور أهل خراسان بعساكر السفياني فتكون بينهم وقعات فإذا طال عليهم قتاله بايعوا رجلا من بني هاشم بكفه اليمنى خال سهل الله أمره وطريقه هو أخوه المهدي من أبيه أو ابن عمه وهو حينئذٍ بآخر المشرق من أهل خراسان و طالقان ومعه الرايات السود الصغار وهي غير رايات بني العباس، على مقدمته رجل من تميم الموالي ... إلى أن قال : فيلتقي الهاشمي بخيل السفياني فيقتل منهم مقتلة عظيمة ... (2)

وفي سفينة البحار في خطبة الملاحم لأمير المؤمنين (علیه السّلام) التي خطب بها بعد وقعة الجمل بالبصرة ، قال : يخرج الحسيني صاحب طبرستان مع جم كثير من خیله ورجله حتى يأتي نيسابور فيفتحها ويقسم أبوابها ثم يأتي أصبهان ثم إلى قم فيقع بينه وبين أهل قم وقعة عظيمة يقتل فيها خلق كثير فينهزم أهل قم فيفزع أهل قم إلى رجل يقال له: وراردهار، فيقيم الحسني ببلدهم أربعين يوماً ويقتل منهم عشرين رجلاً ويصلب منهم رجلين ويرحل عنهم...(3).

ص: 157


1- البحار 53: 15.
2- عنه في كتاب المهدي عند أهل السنة 1: 17.
3- سفينة البحار 2: 446.

- وفي كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة نقلاً من كتاب الفتن والملاحم لابن كثير: تخرج من خراسان رایات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء(1). ثم قال : وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني، فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخر تأتي صحبة المهدي(علیه السّلام) ... (2).

وفي كتاب الفتن عن محمد بن الحنفية قال : ... ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود، وثيابهم بيض، على مقدمتهم رجل يقال له:شعیب بن صالح بن شعيب من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل ببيت المقدس ..(3).

وفيه أيضاً: عن علقمة عن عبيد الله (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال في حديث له: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون بعدي بلاءً وتطريداً وتشريداً حتى يأتي قوم من ها هنا، من نحو المشرق أصحاب رایات سود... (4)

وفيه أيضاً: عن عبد الله بن إسماعيل البصري، عن أبيه، عن الحسن قال: يخرج بالري رجل ربعة أسمر مولی لبني تميم، کوسج

ص: 158


1- ذكرها الترمذي في صحيحه 2: 44 أبواب الفتن .
2- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 301.
3- أخرجه أبو عمرو الداني 5: 573، الفتن: 213.
4- الفتن: 213، أخرجه أبو عمرو الداني 5: 546، وابن أبي عاصم في السنة 2: 633.

يقال له: شعیب بن صالح في أربعة آلاف، ثيابهم بيض، راياتهم سود يكون على مقدمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فله(1).

وفيه أيضاً: عن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : يخرج شاب من بني هاشم،بكفه اليمنى خال، من خراسان، برایات سود، بین يديه شعيب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم(2).

هذه نماذج من الروايات الدالة على خروج الحسني الهاشمي الخراساني قبل ظهور مولانا القائم (عج) وهي تدل على أن الحسني والهاشمي والخراساني وأصحاب الرايات السود واحد لا غير وهذا ما أكدته القرائن :

منها: إن جميع هؤلاء يخرجون من جهة الشرق من جهة خراسان لا غير، وإذا علمنا أن الذي يخرج من خراسان واحد كما ذكرت الأخبار لا أكثر فيكون الموصوف بأوصاف أربع هو واحد خراساني وسيد من بني هاشم وحسني.

ومنها: إن الذي يخرج بقيادة الرايات السود شاب من بني هاشم، بكفه اليمنى خال، وعلى مقدمته شعیب بن صالح التميمي وإذا علمنا أن شعيب واحد لا غير فلا بد أن يكون الجيش الخارج من خراسان واحد أيضاً، وإلّا كيف يستطيع رجل واحد أن يقود أربعة جيوش ويكون على مقدمتها في آن واحد؟ وهناك قرائن أخرى لا موجب لذكرها لأن ما ذكرناه كاف في إثبات أن السيد الحسني الهاشمي الخراساني واحد.

ص: 159


1- الفتن: 214، أورده السيوطي في الحاوي 2: 68.
2- الفتن: 214، أورده السيوطي في الحاوي 2: 68.

العلامة السابعة والقريبة من الظهور جداً هي تحارب القبائل بمنی

وهذه العلامة التي ستقع قبل ظهور الإمام المهدي بأيام حيث إنها تقع في منى في شهر ذي الحجة ويكون ظهوره (علیه السّلام) في عشرة محرم الحرام .

فالفاصل بين ظهوره وهذه الملحمة التي تقودها القبائل في مني أقل من شهر. وقد أشار رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لهذه الملحمة في جملة من الأخبار فذكر بعضها:

- ففي كتاب الحاوي للسيوطي عن شهر بن حوشب قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : سيكون في رمضان صوت، وفي شوال معمعة وفي ذي الحجة تحارب القبائل، وعلامته [أن] ينهب الحاج، وتكون ملحمة بمني، تكثر فيها القتلى، وتسيل فيها الدماء، حتى تسيل دماؤهم على الجمرة، حتى يهرب صاحبهم فيؤتي بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره ....(1).

وفي كتاب الفتن عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : في ذي القعدة تحارب القبائل، وعامئذٍ ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى، فيكثر فيها القتلى، وتسفك فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة حتى يهرب صاحبهم فيؤتي بين الركن والمقام فيبايع وهو كاره، ويقال له: إن أبيت ضربنا عنقك، فيبايعه مثل عدة من أهل بدر ...(2).

ص: 160


1- الحاوي للفتاوي 2: 160، المهدي عند أهل السنة 1: 392.
2- الفتن: 238، أخرجه الحاكم عن عمرو بن شعيب في المستدرك 4: 503.

وفيه أيضاً: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو (رض) عنهما قال : يحج الناس معاً، ويعرفون معاً على غير إمام، فبينما هم نزول بمنى إذا أخذهم كالكلب، فثارت القبائل بعضهم إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً، فيفزعون إلى خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلى الكعبة ..(1).

. وفيه أيضاً: عن شهر بن حوشب قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : في ذي القعدة تحارب القبائل، وفي ذي الحجة ينهب الحاج، وفي المحرم ينادي مناد من السماء(2).

العلامة الثامنة خروج دابة الأرض

ومن العلامات الحتمية خروج دابة من الأرض تكلم الناس كما

أشار لذلك القرآن : «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ » فيما إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر (3).

وعن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : خروج الدابة بعد طلوع الشمس، فإذا خرجت قتلت الدابة إبليس، وهو ساجد، ويتمتع المؤمنون في الأرض بعد ذلك أربعين سنة، لا يتمنون شيئاً إلا أعطوه ووجدوه، فلا جور ولا ظلم، وقد أسلم الأشياء لرب العالمين طوعاً وكرهاً، والمؤمنون طوعاً والكفار کرهاً، والسبع والطير کرهاً، حتى أن السبع لا يؤذي دابة ولا طير، ويلد المؤمن فلا يموت حتى يتم أربعين سنة بعد

ص: 161


1- الفتن: 238 .
2- الفتن : 238 ، أخرجه أبو عمرو الداني 5: 519، وأخرجه الطبراني في الأوسط 1: 512.
3- الفتن: 446، أخرجه الطبري 10: 15.

خروج دابة الأرض، ثم يعود فيهم الموت فيمكثون بذلك ما شاء

الله ... (1).

. وعن حماد بن سلمة بإسناده عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : تخرج الدابة ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان (علیه السّلام) فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتى أن الخوان ليجتمعون فيقول هذا: يا مؤمن، وهذا: یا کافر (2).

. وعن ابن عباس : قوله تعالى : « أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ » قال : هي ذات زغب وریش، لها أربع قوائم، تخرج في بعض أودية تهامة ؛ وقال عبد الله بن عمرو : تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء ، فتفشو في وجهه حتى يسود وجهه وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو في وجهه حتى يبيض وجهه، فيجلس أهل البيت على المائدة، فيعرفون المؤمن من الكافر، ويتبايعون في الأسواق، فيعرفون المؤمن من الكافر(3) .

- وفي إلزام الناصب عن صعصعة بن صوحان، عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنه قال في حديث له: خروج الدابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا سليمان ، تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فيطبع فيه : هذا مؤمن حقاً، وتضعه على وجه الكافر فيكتب

ص: 162


1- الفتن : 447 ، أخرجه الحاكم في المستدرك 4 : 521.
2- الفتن : 448، أخرجه الترمذي في سننه 3: 34، وابن ماجه (4066) وأحمد في مسنده 2: 295، الحاكم في المستدرك 4 : 485، والطيالسي (2564) والبغوي 3: 429، والطبری 15:10 .
3- الفتن : 448 ، أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 105.

فيه: هذا كافر حقا حتى أن المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر، وإن الكافر ينادي : طوبى لك يا مؤمن وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزاً عظيماً.

ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله عزّ وجلّ بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً(1).

من خلال مطالعة النصوص المتعلقة بهذه العلامة نعلم أنها قريبة جدا من وقت ظهوره أيضاً، وأن الهدف منها هو تميز المؤمنين عن المنافقين والمشركين والكافرين لكي لا يلتبس الأمر على المؤمنين بحيث لا يعرفون صديقهم ونصيرهم من عدوهم ومحاربهم.

فإذا عرف المؤمنون بعضهم البعض الآخر وشخصوا أعداءهم تمكنوا باتحادهم وبقيادة الإمام (علیه السّلام) من القضاء عليهم قضاء تاماً ، وتمهيد الأرضية الصالحة لقيام دولته (علیه السّلام) ، إذ مع وجود أعداد كبيرة من المنافقين والمشركين والكافرين في كل أرجاء العالم لا يتمكن الإمام (علیه السّلام) بمعية المؤمنين أن يقيم دولته المباركة، ولا ينجز قوانينها العادلة، ولا يستطيع إجراء مشاريعها الإصلاحية التي ستصلح كل ما فسد من شؤون البشرية ما لم يقض عليهم قضاءً مبرماً ولا يترك منهم أحداً على سطح الأرض بحيث لا يبقى إلا الموحدون من حملة مبادئه

ص: 163


1- إلزام الناصب 2: 133 .

السامية ودعاة نهضته العادلة، وهذا ما أشارت له الآيات والروايات المارة الذكر، والتي سنذكر بعضها أيضاً في باب إنجازات الإمام (علیه السّلام) وثمار دولته المباركة.

هذا ما أدركه عقلنا القاصر من النصوص المتعلقة بدابة الأرض والله العالم بحقيقة الأمر والحكمة من وراء إخراجها، لأننا مهما أجهدنا أنفسنا لانستطيع أن ندرك العلة التامة لمثل هذه الأمور وإنما ندرك من خلال الظواهر الأمور التي تدور مدار العلة ليس إلا.

العلامة التاسعة النداءات الثلاثة التي تسبق الظهور بقليل

ثلاثة نداءات من السماء تسمعها كلِّ الخلائق كل بلغته التي يفهمها وذلك قبل ظهور المهدي (عج) بقليل. وهذه العلامة تعد من العلامات الحتمية التي لا بد من حصولها قبل ظهوره بفترة وجيزة.

وتتألف هذه العلامة من نداءات ثلاثة متعاقبة تصدر من السماء

على النحو التالي:

النداء الأول : ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

النداء الثاني : أزفت الآزفة.

والنداء الثالث: بدن يرى في السماء أمام جرم الشمس ويظهر

صوت منه: هذا أمير المؤمنين رجع إلى الدنيا لهلاك الظالمين.

. عن ابن محبوب، عن أبي الحسن الرضا (علیه السّلام) في حديث له طویل اختصرنا منه موضع الحاجة : وقد نودوا نداءً يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب يكون رحمة للمؤمنين وعذابة على الكافرين،

ص: 164

فقلت: وأي نداء هو؟ قال: ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء صوتاً منها : ألا لعنة الله على القوم الظالمين، والصوت الثاني : أزفت الآزفة يامعشر المؤمنين، والصوت الثالث: يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين. وفي رواية الحميري والصوت بدن يرى في قرن الشمس يقول: إن الله بعث فلانة فاسمعوا له وأطيعوا، وقالا جميعاً فعند ذلك يأتي الناس الفرج وتودّ الناس لو كانوا أحياء ويشفي الله صدور قوم مؤمنين(1).

العلامة العاشرة ذهاب ثلثي العالم

ومن علامات الظهور ذهاب ثلثي العالم بالحروب والأمراض والآفات الطبيعية ولا يبقى من سكانه إلا الثلث، وهذه العلامة تبدو أنها حتمية أيضاً.

ومن خلال مطالعة العلامات التي تسبق الظهور نرى أن هذه

العلامة تكون الأولى من حيث الترتيب، لأن خروج السفياني والدجال وما تدور من حروب بينهما وبين أصحاب المهدي (علیه السّلام) تكون بالسلاح الأبيض وليست بالأسلحة الفتاكة، ومعنى هذا أن العالم في ذلك الوقت خال من الأسلحة النووية والجرثومية والكيميائية والصواريخ البعيدة المدى والطائرات الحربية المتطورة وغيرها، إذ لو كانت موجودة لما استغنى الطواغيت عن استخدامها.

وخلو العالم من هذه الأسلحة يعني حصول حرب كونية ثالثة

ص: 165


1- غيبة الشيخ الطوسي: 268 طبع طهران إصدار مكتبة نينوى الحديثة ناصر خسرو مروي.

شرسة قبل ظهوره (علیه السّلام) تودي بحياة ثلثي سكان العالم وتحطم جميع تلك الأسلحة الفتاكة وتقضي على مراكز القوى وتحدث الخلل بالموازنات العسكرية، وتتسبب بنشوب معارك طاحنة بين شعوب الأرض. وتفسح المجال لظهور السفيانيين والدجالين والمشعوذين ليستثمروا الظروف الاستثنائية المشحونة بالاضطرابات والهرج والمرج التحقيق مصالحهم الشخصية على حساب بؤس وشقاء المستضعفين والمعذبين في العالم أجمع.. . ومن هذه الروايات التي ذكرت ذهاب ثلثي العالم :

۔ عن الصادق (علیه السّلام) قال : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس، فقيل: فإذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ فقال (علیه السّلام) : أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي(1).

- وفي غيبة النعماني عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس(2).

. وفي كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة نقلاً من كتاب الإشاعة رواية مفادها: أنه يحسر الفرات عن جبل من ذهب كما تقدم في ص 14 فإذا سمع به الناس ساروا إليه واجتمع عليه ثلاثة كلهم ابن خليفة يقتتلون عنده ثم لا يصير إلى أحد منهم فيقول لكل واحد: والله لئن تركت الناس يأخذون منه ليذهبن بكله فيقتتلون عليه حتى

ص: 166


1- إلزام الناصب 2: 136 عن البحار .
2- إلزام الناصب 2: 125 عن غيبة النعماني .

يقتل من كل مائة تسعة وتسعون، وفي رواية فيقتل تسعة أعشارهم، و وفي رواية من كل تسعة سبعة ...(1).

العلامة الحادية عشرة ظهور الآيات الكونية

وفيما يلي نذكر بعض العلامات والآيات الكونية التي تسبق ظهور الإمام المهدي (عج) ومنها حتمي ومنها غیر حتمي، وبعضها قد حصل فيما مضى وبعضها سيحصل على صعيد المستقبل.

منها: طلوع كف من السماء. فذكر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أنه قال : النداء من المحتوم، والسفياني

من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم الحديث(2).

ومنها: كسوف الشمس وخسوف القمر. ففي إرشاد المفيد: وكسوف الشمس في نصف شهر رمضان وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات (3).

- وعن يزيد بن خليل الأسدي قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي فذكر آيتين تكونان قبل المهدي (علیه السّلام) لم تکونا منذ أهبط الله تعالی آدم وذلك أن الشمس تنکسف في النصف من شهر رمضان والقمر ينخسف في آخره...(4).

ص: 167


1- المهدي عند أهل السنة 2: 15.
2- غيبة النعماني : 252ب 14.
3- الإرشاد باب علامات قیامه(ع) : 357.
4- عقد الدرر: 66 الفصل الأول، الروضة: 179.

. وفي كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي : وأخرج (ك) نعيم عن کعب قال : يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي (علیه السّلام) له ذنب يضيء(1).

. وفيه أيضاً وأخرج نعيم عن شريك قال : بلغني أنه قبل خروج

المهدي (علیه السّلام) ينخسف القمر في شهر رمضان مرتين(2).

. وفي كتاب التذكرة للحافظ القرطبي يروي من حديث شريك أنه بلغه أن قبل خروج المهدي تنکسف الشمس في رمضان مرتين والله أعلم(3).

- وفي سنن الدارقطني عن جابر، عن محمد بن علي قال : إنالمهدينا آيتين لم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض، ینکسف القمر الأول ليلة من رمضان، وتنکسف الشمس في النصف منه ولم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض (4).

. ومن الآيات الكونية التي تسبق الظهور طلوع الشمس من

مغربها .. (5).

. وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (علیه السّلام) في تفسير قوله : « إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً » (6): وطلوع الشمس من مغربها(7) .

ص: 168


1- الحاوي للفتاوي 2: 160، انظر الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 392.
2- الحاوي للفتاوي 2: 392، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 392.
3- التذكرة للقرطبي: 619، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 204.
4- التذكرة : 619، عن سنن الدار قطني، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 204.
5- الأنعام: 37.
6- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 209.
7- بحار الأنوار 52 : 181.

. وفي خطبة مولانا أمير المؤمنين (علیه السّلام) : ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله عزّ وجلّ بعد طلوع الشمس من مغربها الحديث(1).

- وجعل بعض هذه العلامة من علامات القيامة الكبرى، ويحتمل أن تكون من علامات الظهور وعلامات القيامة الكبرى کليهما ويحتمل أن تكون كناية من ظهوره (علیه السّلام) حيث يظهر (علیه السّلام) من مكة التي هي سمت المغرب كما يستفاد ذلك من خطبة أمير المؤمنين وهو قوله (علیه السّلام) : التاسع من ولد الحسين بن علي وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام... إلخ(2).

- ومن الآيات الكونية التي تسبق الظهور توقف الشمس في وسط السماء من أول الزوال إلى العصر، ذكرها المفيد في الإرشاد من جملة العلامات الواردة في الآثار (رکود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر)(3).

- وفي البحار عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر (علیه السّلام) في قوله تعالى: «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ » ... قال : قلت: وما الآية؟ قال: رکود الشمس من بين زوال الشمس إلى وقت العصر الحديث (4).

ص: 169


1- بحار الأنوار 52: 194.
2- بحار الأنوار 52 : 195.
3- الإرشاد باب علامات قیام القائم (ع).
4- البحار 52: 221.

وعصر ظهوره- ومن علامات ظهوره أيضاً: طلوع نجم من المشرق يضيء كما يضيء القمر ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه(1).

ومن الآيات أيضاً: نزول مطر شديد في جمادي الثانية ورجب

بحيث لم يرَ مثله، ونزول الثلج بغزارة في الروم والجزائر.

هذه أهم الآيات الكونية والطبيعية التي تسبق ظهوره (علیه السّلام) . وقد يستغرب البعض من حصول هكذا آیات قبل قيام القائم، أو يرى أنّ لا موجب لها، إذ باستطاعة الله عزّ وجلّ أن يظهر القائم فجأةً ومن دون مقدمات ليكون أكثر اقتداراً في توجيه ضربة قاضية لأعدائه على حين غرة وبصورة مفاجئة قبل أن يعدوا له أنفسهم ويستعدوا للقائه ، وبذا يتمكن من القضاء على أعدائه بفترة وجيزة والسيطرة على الأوضاع بتضحيات أقل بكثير مما لو لم تكن ضربته مفاجئة.

وفي جواب من يقترح اقتراحة كهذا نقول: إننا نؤمن إيماناً قطعياً أن الله تعالی حکیم علیم ولا يفعل الحكيم شيئاً ما لم يكن في منتهی الحكمة والتدبير، ولكن عقولنا قد لا تدرك أبعاد تلك الحكمة ولا تحيط بها علماً. فليس العيب فيما يعده الله تعالى لإصلاح ما فسد من شؤون عباده جراء عصيانهم وانحرافهم عن صراطه المستقيم، وإنما العيب في قصور عقولنا التي يصعب عليها إدراك ما يفعله الحكيم الخبير .

فلو لم تكن في تلك العلامات ضرورة مهمة تستوجب حصولها

ص: 170


1- الأنوار النعمانية : باب علامات قیام القائم (ع)، عقد الدرر الفصلالرابع ب 4: 114.

لما أوجدها الله تعالى، لأن الله لا يوجد شيئاً عبثاً. فربما أراد بذلك أن ينبه أصحاب المهدي (علیه السّلام) ومنتظريه وقادة نهضته بقرب ظهوره حتى يعدوا أنفسهم إعداداً يتناسب مع مستوی مهماتهم القيادية والرسالية في بناء جيش الإمام وتمهيد الأرضية الصالحة لقيام نهضته ، وتكوين دولته المباركة.

ذكر الثائرين من أصحاب الإمام المهدي (ع) والممهدين لنهضته

ذكر الرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) أصحاب الإمام المهدي الممهدين لنهضته المباركة العادلة التي ستزيل كل ما أفرزته الحكومات الطاغوتية من فساد وآثار سلبية تسببت في شقاء وبؤس وحرمان الغالبية الساحقة من البشرية في كل أرجاء العالم.

ومن هذه الروايات قوله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي (علیه السّلام) ، يعني سلطانه(1). وأخرجه أبو بكر الحنبلي الدمشقي في كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف)(2).

وفي نفس الكتاب روي عن ابن مسعود رواية جاء فيها: (بينما نحن عند رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) اغرورقت عيناه، وتغير لونه. فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ قال: إنا أهل بيتاختار الله لنا الآخرة على الدنيا. وإن أهل بيتي سيلقون بلاءً وتشريداً حتى يأتي قوم من أهل

ص: 171


1- التذكرة للقرطبي: 614، انظر الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 199.
2- المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 145، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 286.

المشرق ومعهم رایات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ماساً فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج)(1) .

وفي كتاب النهاية لابن كثير ذكر رواية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : تخرج من خراسان رایات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيليا... ثم قال ابن كثير : وهذه الروايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني، فاستلب بها دولة أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ... إلى أن قال : ويؤيده - أي المهدي - بناس من أهل المشرق ينصرونه، ويقيمون سلطانه، ويشيدون أركانه ، وتكون راياتهم سود أيضاً...(2).

- وفي کتاب مجمع الزوائد للهيثمي روى عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : يخرج قوم من قبل المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه. ورواه الطبراني في الأوسط (3).

. وفي الصواعق المحرقة ذكر ابن حجر ما أخرجه ابن ماجه في سننه : (بينما نحن عند رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) إذ أقبل فئة من بني هاشم ... إلخ، ثم ذكر نفس الرواية التي رواها ابن مسعود وقد مر ذكرها(4).

ص: 172


1- المنار المنيف في الصحيح والضعيف: 149، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 190.
2- کتاب النهاية في أبواب الفتن والملاحم، الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 301.
3- مجمع الزوائد 7: 318، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 325.
4- الصواعق: 163، المهدي عند أهل السنة 1: 422.

. وفي كتاب الفتاوي الحديثية عن الطبراني في الأوسط :

(أنه (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أخذ بيد علي فقال : يخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً،فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي - يعني شعیب بن صالح - فإنه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي).

وأخرج أحمد ونسيم بن داود والحاكم وأبو نعيم أنه(صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فانتوها ولو حبواً على الثلج(1).

وفي کنز العمال للمتقي الهندي رواية هذا نصها: إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي(2).

وفيه أيضاً: تخرج من خراسان رایات سود فلا يردها شيء حتى

تنصب بإيلياء(3).

وفيه أيضاً: يخرج أناس من المشرق فيوطئون للمهدي

سلطانه (4) .

ص: 173


1- الفتاوي الحديثية : 37، المهدي عند أهل السنة 1: 432 .
2- کنز العمال 14 رقم: 38651، المهدي عند أهل السنة 1: 443.
3- کنز العمال 14 رقم: 38652، المهدي عند أهل السنة 1: 443.
4- کنز العمال 14 رقم: 38657، المهدي عند أهل السنة 1: 443.

صفات أصحاب المهدي (ع) وحالاتهم

ذكرت جملة من الروايات صفات أصحاب الإمام المهدي (علیه السّلام) أنهم الصلحاء والنجباء والفقهاء المشتاقون للشهادة في سبيل الله ، وكأن قلوبهم زبد الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، رهبان بالليل اليوث بالنهار، لو حملوا على الجبال لأزالوها على حد تعبير الروايات، وأنهم أعرف الناس بأهل زمانهم.

۔ عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : له کنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة وراية لم تنشر منذ طويت، ورجال كأن قلوبهم زبد الحديد

لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال الأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان ، يتمسّحون بسرج الإمام (علیه السّلام) يطلبون بذلك البركة، يحفّون به، يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد فيهم.

رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدويّ النحل يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، اليوث بالنهار، وهم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله ، شعارهم: يا لثارات الحسین.

إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسلاً، بهم ينصر الله إمام الحق(1).

ص: 174


1- البحار 52 : 308.

وعن عاصم بن حمزة، عن على (علیه السّلام) أنه قال : لتملأن الأرض ظلماً وجوراً حتى لا يقول أحد: الله إلا مستخفياً، ثم يأتي الله بقوم صالحين يملؤونها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً(1).

وفي حديث طويل عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) يذكر فيه عدّتهم وبلادهم - إلى أن يقول (علیه السّلام) - : وهم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدّين، يمسح الله بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم(2).

- وعن أبي عبد الله الحاكم في مستدرکه ، عن محمد بن الحنفية قال : كنا عند علي (رضي الله عنه) وقد سأله رجل عن المهدي فقال : هيهات - عقد بيده سبعاً - فقال: ذاك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل : الله الله قتل، فيجمع الله له قوماً قزعاً كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد دخل فيهم، على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأولون، ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ... الحديث. قال : قال الحاكم: وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه(3).

وعن أبي عمرو عثمان بن سعيد المقري في سننه ، عن حذيفة بن اليمان، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في قصة المهدي وظهور أمره قال : فتخرج

ص: 175


1- البحار 117:51 .
2- دلائل الإمامة للطبري: 310.
3- عنه في عقد الدرر: 59 الفصل الأول ب 4.

الأبدال من الشام وأشباههم، ويخرج إليه النجباء من مصر وعصائب أهل الشرق وأشباههم حتى يأتوا مكة فيبايع له بين زمزم والمقام الحديث(1). - وفي ينابيع المودة، عن كتاب الدرر المنظم قال : ومن إمارات خروج المهدي (علیه السّلام) - إلى أن قال : ويبايعه بين الركن والمقام ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من الأخيار كلهم شبان لا كهل فيهم إلخ(2).

-وعن حذيفة قال : سمعت رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) يقول: إذا كان عند خروج القائم(علیه السّلام) ينادي منادٍ من السماء : أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين، وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب [أهل] العراق، رهبان بالليل، اليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبد الحديد فيبايعونه بين الركن والمقام(3).

-حدثنا الوليد عمن حدثه وقرأه عن کعب قال : قادة المهدي خير الناس، أهل نصرته وبيعته من أهل كوفان واليمن وأبدال الشام.. (4).

نكتفي بهذا المقدار من الروايات الواردة في أصحاب الإمام المهدي الممهدين لنهضته. وقد ذكرت هذه الروايات صفاتهم

ص: 176


1- عنه في عقد الدرر: 59 الفصل الأول ب 4.
2- ينابيع المودة: 413 ب 68.
3- البحار 52 : 304.
4- الفتن : 250، أورده في الحاوي 2: 60.

وحالاتهم والأماكن التي جاؤوا منها ومحاربتهم لأعداء الإمام كالدجال والسفياني وتمهيد السبيل لخروجه وإقامة دولته.

وبهذا نختم الجزء الأول من هذا الكتاب ونشرع إن شاء الله تعالى بكتابة الجزء الثاني منه الذي يحتوي على كل ما يتعلق بدولة الإمام وخصائصهاوإنجازاتها وعطاءاتها وبناتها من حملة أفكاره ومبادئه وأعلام نهضته .

ص: 177

ص: 178

الجزء الثاني

اشارة

ص: 179

ص: 180

الفصل الأول:دولة الإمام المهدي (ع) وعصر ظهوره

اشارة

ص: 181

ص: 182

نسب الإمام المهدي وتاريخ ولادته وكناه وألقابه

ذكرت کتب العامة والخاصة تاريخ ولادة الإمام المهدي (علیه السّلام) وأجمعت أن ولادته كانت مع فجر الخامس عشر من شعبان سنة 255ه .

- قال الشيخ عبد الله بن محمد الشافعي في كتابه (الإتحاف بحب الأشراف: الحجة الإمام قيل : هو المهدي المنتظر ولد الإمام محمد الحجة ابن الإمام الحسن الخالص (رضي الله عنه) بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين قبل موت أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاء حين ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء فإنهم كانوا في ذلك الوقت يتطلبون الهاشميين ويقصدونهم بالحبس والقتل ويريدون إعدامه (1).

. وفي نور الأبصار قال الشبيلنجي: محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسی الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدین بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

أمه أم ولد يقال لها: نرجس وقيل: صقيل، وقيل : سوسن،

ص: 183


1- الإتحاف بحب الأشراف: 68 ط . مصر.

وكنيته أبو القاسم، ولقّبه الإمامية بالحجة، والمهدي، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي(1).

. وفي تاريخ ابن الوردي ولد محمد بن الحسن الخالص سنة

خمس وخمسين ومائتين ... (2).

- وقال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : أبو محمد حسن العسكري بن علي الهادي مولده بالمدينة، إلى أن قال : ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه، وخلف ابنه الإمام المنتظر (صلوات الله عليه)(3).

. وقال سراج الدين الرفاعي في كتابه (صحاح الأخبار): وأما الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد ولقبه التقي، والعالم والأمير، والدليل، والعسكري، والنجيب، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة، وتوفي شهيدة بالسم في المدينة في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين بسر من رأي لثلاث خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وكان له خمسة أولاد: الإمام الحسن العسكري، والحسين، ومحمد، وجعفر، وعائشة. فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الإمام محمد الهادي(4).

وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق : ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة ويسمى القاسم المنتظر...(5).

ص: 184


1- نور الأبصار : 68 ط. الشعبية.
2- عنه في نور الأبصار : 168، من هو المهدي: 429.
3- كفاية الطالب: 458 ط. الغري.
4- صحاح الأخبار : 55 ط - بومبي سنة 1306.
5- الصواعق: 124 ط. مصر .

ولا نطيل المقام بذكر هذه النصوص الواردة من الفريقين وإنما

نكتفي بما ذكرناه ، لأن خلاصة هذه ونتيجتها واحدة حيث أجمعت على أن الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري وأمه أم ولد يقال لها : نرجس أو صقيل، ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 للهجرة في بيت أبيه بسر من رأى، ويكنى بأبي القاسم ويلقّب بالحجة والقائم والمنتظر وصاحب الزمان، وأشهر هذه الألقاب لقب المهدي .

أوصاف الإمام المهدي وشمائله

لخص كتاب إلزام الناصب أوصاف الإمام المهدي وشمائله من كتب الفريقين فقال في الثمرة الأولى: أبيض مشرب حمرة، عن الصادق (علیه السّلام): أسمر يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل، عن أهل السنة : لونه عربي، وجسمه إسرائيلي في طول القامة وعظم الجثة، وفي العلوي : شاب مربوع، وفي النبوي : أجلى الجبين، وعن الصادق : مقرون الحاجبين، أقنى الأنف، وعن العلوي: حسن الوجه ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، وعن النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : وجهه کالدنيا، على خده الأيمن خال، كأنه كوكب دري، وعن علي (علیه السّلام) : أفلج الثنايا حسن الشعر يسيل شعره على منكبيه، وفي خبر سعد بن عبد الله : وعلى رأسه فرق بين فرقين كأنه ألف بين وارين، وعن الباقر (علیه السّلام) : مشرف الحاجبين غائر العينين بوجهه أثر، وعن الصادق (علیه السّلام) : شامة في رأسه، منتدح البطن، وعن علي (علیه السّلام) : مبدع البطن وأيضاً عنه (علیه السّلام) : ضخيم البطن وكلها متقاربة، وعن الباقر (علیه السّلام) : واسع الصدر مترسل المنكبين عريض ما بينهما، ...(1)

ص: 185


1- إلزام الناصب 1: 474 - 476، الصواعق المحرقة ، الحاوی للفتاوی 2: 124.123 ،= کنز العمال 14: رقم الحديث: 38665، و38666، وأخبار الدول وآثار الأول: 117، كمال الدين 2: 436، منتخب الأثر : 185- 187، الغيبة الصغرى: 283 - 285 ، أصول الكافي 1: 515، الغيبة للطوسی: 159، نور الأبصار : 168، سبائك الذهب: 78، الفصول المهمة : 274، نور الأبصار : 229، كمال الدين 2: 444، الجامع الصغير رقم الحديث: 9244، ينابيع المودة : 430، الإمام المهدي حقيقة لا خيال : 133 - 134.

بناءً على ما تقدم تكون أوصاف الإمام المهدي (علیه السّلام) كالآتي :

أبيض مشرب حمرة حسن الوجه، كث اللحية، أكحل العينين، براق الثنايا، على خده الأيمن خال، مقرون الحاجبين، أقنى الأنف ، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، حسن الشعر يسيل شعره على منكبيه، لونه عربي وجسمه إسرائيلي في طول القامة وعظم الجثة ، واسع الصدر مترسل المنكبين، عريض ما بينهما، في كتفه علائم نبوة النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، كأن وجهه کوکب دري وهو طاووس أهل الجنة.

ووصفه علي بن ابراهيم بن مهزیار: كأقحوانة وأرجوان، قد تكاتف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى، كغصن بان أو كقضيب ريحان ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير الأزق، مربوع القامة، مدور الهامة صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خده الأيمن خال، كأنه فتات مسك، على رضاضة عنبر ...

وشمائله شمائل رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فهو أشبه الناس برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) خًلقاً وخُلقاً وحسناً... (1) .

ص: 186


1- كفاية الأثر: 66، ينابيع المودة : 688 و 493، كمال الدين 1: 287، ينابيع المودة : 493، منتخب الأثر: 182، فرائد السمطين : 335.

خصائص الإمام المهدي ومختصاته

من خصائص الإمام العصمة المطلقة وليست هذه عقيدتنا نحن فحسب، بل هذا ما أقره علماء المسلمين أيضاً. فهذا ابن العربي يذكر خصائص الإمام في الفتوحات المكية بقوله: يقفوا أثر رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه ...(1).

وقال في مكان آخر من كتابه: ... لأنه خليفة مسدد يفهم

منطق الحيوان... (2).

وفي كتاب الفتن روی عن عبد الله بن بشير بن کعب قال :

المهدي خاشع لله كخشوع النسر جناحيه(3).

ومن خصائصه ومختصاته : أن جميع الدنيا تكون عنده (علیه السّلام) بمنزلة كفه فيسطح له جميع أعالي الأرض وأدانيها وبحارها وجزرها، فيكون باستطاعته (علیه السّلام) أن يرى جميعها دون ستر وحجاب. وهذا ما أكدته جملة من الروايات :

منها: عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (علیه السّلام) يقول : القائم منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض...(4).

ومنها: عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (علیه السّلام) : إنه إذا

ص: 187


1- الفتوحات المكية 3: ب 366 في معرفة منزل وزراء المهدي، وعنه في الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 106.
2- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 107.
3- أورده الهيثمي في المختصر: 71، والسيوطي في الحاوي 2: 73، الفتن: 257.
4- البحار 52 : 121.

تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟(1).

ومنها: أنه يركب السحاب ويرقي في الأسباب : ففي كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : قال : أما إن ذا القرنين قد خيّر السحابتين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب، قال: قلت: وما الصعب؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد أو صاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أما أنهسيركب السحاب ويرقي في الأسباب أسباب السموات السبع والأرضين السبع ...(2) .

وفي إلزام الناصب ذكر عن الإمام الرضا بعض خصائصه: ...

وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل...(3)

هذه بعض خصائص المهدي (علیه السّلام) ومختصاته کالعصمة المطلقة والولاية التكوينية وتسخير جميع مفردات الكون له، وتسهيل الصعاب له، وطي الأرض والمشي على الماء وغيرها مما لا يسع المجال الذكرها هنا، والذي يطلب المزيد فعليه مراجعة «كتاب الإمام المهدي حقيقة لا خيال».

ص: 188


1- البحار 52 : 328 ح 46 عن كمال الدين .
2- الاختصاص: 199، البحار 52: 321.
3- إلزام الناصب 1: 168.

مبايعة الإمام المهدي بمكة بين الركن والمقام

زعم ابن کثیر وغيره أن الشيعة يزعمون أن الإمام المهدي موجود وأنه محمد بن الحسن العسكري ويرتجي ظهوره من سرداب سامراء إلى غير ذلك من التهم والمزاعم الباطلة التي حاول ابن كثير وغيره استثمارها للتطاول على الطائفة الشيعية والتهجم الشنيع عليها ووصفها بالكفر والنفاق، وإباحة دمها وهتك حرمتها. ولتنقل هنا نماذج من أقوال هؤلاء لتكن وثائق ثبوتية ندين بها كذبتهم وشدة حقدهم على شيعة أهل البيت (علیهم السّلام) الذي أبعدهم كل البعد عن الإسلام وتعاليمه الإنسانية السامية .

قال ابن كثير في وصفه للمهدي : وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وليس هو بالمنتظر الذي تزعمه الرافضة، وترتجي ظهوره من سرداب سامراء، فإن ذلك ما لا حقيقة له، ولا عين، ولا أثر، ويزعمون أنه محمد بن الحسن العسكري، وأنه دخل السرداب وعمره خمس سنين (1).

وفي كتاب الفتاوي الحديثية لابن حجر الهيثمي المكي أفتى بتكفير الطائفة الشيعية لأنها تعتقد بوجود الإمام المهدي (عج) ثم نقل قولاً للإمام الغزالي يثبت به مزاعمه الباطلة وصحة فتواه حيث قال : وقد قال الغزالي (رحمه الله تعالی) نحو هؤلاء الفرقة : إن قتل الواحد منهم أفضل من قتل مائة كافر : أي لأن ضررهم بالدين أعظم وأشد إذ

ص: 189


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 296.

الكافر تجتنبه العامة لعلمهم بقبح حاله فلا يقدر على غواية أحد منهم، وأما هؤلاء فيظهرون للناس بزي الفقراء والصالحين مع انطوائهم على العقائد الفاسدة والبدع القبيحة فليس للعامة إلا ظاهرهم الذي بالغوا في تحسينه....(1).

وقبل أن نذكر الروايات الدالة على أن ظهور الإمام المهدي سيكون من مكة المكرمة وليس من سرداب سامراء كما يزعم هؤلاء المتلبسون بلباس علماء الدين المسلمين، وإن عقيدة الشيعة وعلماء المسلمين قاطبة أن ظهوره من مكة وليس من مكان آخر. قبل تدوین الروايات المذكورة نقول:

هل هناك حقد أشد وأكثر قساوة من هذا الحقد الأسود الذي يتفجر من أعماق هؤلاء المتلبسين بزي العلم وكأنه البراكين المحرقة المدمرة؟

لقد أثبتنا في كتابنا (الإمام المهدي حقيقة لا خيال) وجود الإمام (علیه السّلام) بأدلة قرآنية محكمة، وبروایات نبوية متواترة أقر الكثير من علماء المسلمين بتواترها وآمن البعض منهم بفكرة وجوده وذكروا نسبه وأوصافه كما مرّ ذلك.

وعلى فرض أن عقيدة الشيعة بوجود الإمام (علیه السّلام) عقيدة فاسدة فهل يصح اتهامهم بالكفر وهدر دمائهم مع أنهم ينطقون بالشهادتين ويقيمون الصلاة ويؤدون الفرائض كما أمر الله بها، ويعتبرون قتل الواحد منهم أفضل من قتل مائة كافر؟

ص: 190


1- الفتاوي الحديثية : 37، المهدي عند أهل السنة 1: 432.

فلو تصفحنا تاريخ البشرية منذ وجودها إلى يومنا هذا لم نجد في سجل الطواغيت الكفرة ومستعبدي الشعوب أحكاماً أشد قساوة وإجراما من أحكام هؤلاء المتلبسين بلباس علماء الدين المسلمين . أهكذا أمرنا الله أن ندعو لسبیله، أتنسجم هذه الأحكام الجائرة مع تعاليم الإسلام الإنسانية القيمة؟

الإيمان بوجود الإمام المهدي (علیه السّلام) عقيدة فاسدة تستوجب القتل، ولكن وضع مئات الآلاف من الأحاديث الكاذبة على لسان النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، وقتل ذريته وصحبه الأخيار، وتبرير جرائم القتلة تعد عقيدة صحيحة تستحق المدح والثناء !!

فنحن لا نستبعد أن القتلة الذين يفجرون أنفسهم في مواكب العزاء الحسيني في العتبات المقدسة ويقتلون المئات من الشيوخ والشباب والنساء والأطفال، أنهم يستمدون شرعية جرائمهم البشعة من فتاوى هؤلاء الحاقدين الموتورین..

هذه نماذج من الأخبار التي حددت مكان ظهور الإمام

المهدي (علیه السّلام) المروية في كتب الفريقين :

۔ عن ابن محبوب رفعه إلى جعفر (علیه السّلام) قال: إذا خسف بجيش السفياني ... إلى أن قال : والقائم يومئذٍ بمكة عند الكعبة مستجيراً بها يقول : أنا ولي الله أنا أولى بالله وبمحمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبرهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني فيالنبيين فأنا أولى

ص: 191

الناس بالنبيين، «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) *ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)»(1).

فأنا بقية آدم وخيرة نوح ومصطفى إبراهيم، وصفوة محمد، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ومن حاجّني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول اله وسيرته وأنشد الله من سمع كلامي لما يبلغ الشاهد الغائب(2).

وفي إسعاف الراغبين في حاشية نور الأبصار، قال : وصخ أنه(صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : يكون اختلاف عند موت الخليفة، فيخرج رجل من المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو کاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليهم بعث من الشام فيخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة ... الحديث(3).

وعن أبي داود في سننه، والترمذي في جامعه، وأحمد في مسنده وابن ماجة في سننه، والحافظ أبي عبد الرحمن النسائي في سننه، والبيهقي في البعث والنشور وغيرهم عن أم سلمة زوجة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه الناس من أهل مكة فيخرجونه وهو کاره فيبايعونه بين الركن والمقام الحديث (4).

ص: 192


1- آل عمران: 33.
2- البحار 52 : 305.
3- إسعاف الراغبين: 135 ، ينابيع المودة : 431 عن جواهر العقدين عن أبي داود والإمام أحمد والحافظ البيهقي.
4- عقد الدرر: 69 الفصل الثاني ب 4.

- وفي النجم الثاقب، عن العالم الجليل أفضل عصره الشيخ أبي الحسن شريف العاملي في كتاب ضياء العالمين نقلاً عن جماعة ، عن محمد بن أحمد أن شيخاً تاجراً حكى لنا وصوله إلى هذه القرية وتشرفه بزيارة الحجة (عج) وقال : لا منافاة بين هذا الخبر والأحاديث الواردة في أنه يظهر بمكة لأنه (علیه السّلام) يخرج من المحل الذي هو فيه فيأتي مكة ويظهر أمره فيها(1).

وصف قادة جيش الإمام المهدي (ع) وعدتهم مع وصف وزرائه

عدة أصحاب الحجة مثل عدة بدر وهم يتوافدون إلى مكة حال سماعهم بظهور القائم مرة واحدة وفي وقت واحد من أماكن متعددة من أنحاء بقدرة الله تعالى وإشاعته وهذا ما أشارت له الآية الكريمة : « فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » عن أبي عبد الله (علیه السّلام) يعني أصحاب القائم (عجل الله فرجه) الثلاث مائة والبضعة عشر، قال (علیه السّلام) : هم والله الأمة المعدودة يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع؟(2) كقزع الخريف فبايعوه بين الركن والمقام ومعه عهد من رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) وقد توارثوا الأبناء من الآباء ...

وفي غيبة النعماني قال الصادق (علیه السّلام) : نزلت الآية في القائموأصحابه يجتمعون على غير ميعاد.

وفي المجمع عنهم (علیه السّلام) أن المراد به أصحاب المهدي في آخر

ص: 193


1- البيان في أخبار صاحب الزمان : 131 ب 14، والنجم الثاقب: 389 حكاية رقم 62.
2- القزع : محركة قطع السحاب ونسبته إلى الخريف إما لسرعة اجتماعه أو لتجمعه قطعاً صغيرة من أماكن شتی كما يومي إليه قوله: يتبع بعضهم بعضاً.

الزمان وعن الرضا (علیه السّلام)وذلك والله أن لو قام قائمنا يجمع الله شیعتنا من جميع البلدان(1).

وفي البحار : فيجمع الله له أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً فيجمعهم الله على غير ميعاد قزع كقزع الخريف.... ثم تلا هذه الآية « أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (2) .

فيبايعونه بين الركن والمقام ومعه عهد رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ...(3).

وفي خطبة البيان التي خطبها الإمام أمير المؤمنين في البصرة ذكر فيها عدة أصحاب القائم (علیه السّلام) وأسماءهم مع صفاتهم وحالاتهم بعد ذكره لعلائم ظهوره فقال : ثم إذا قام تجتمع إليه أصحابه على عدة أهل بدر وأهل طالوت وهم ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً كلهم اليوث قد خرجوا من غاباتهم مثل زبد الحديد لو أنهم هموا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها فهم الذين وحدوا الله تعالی حق توحيده لهم بالليل أصوات كأصوات الثواكل حزناً من خشية الله تعالی، قوام الله صوام النهار كأنما رباهم أب واحد وأم واحدة ، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة ألا وإني لأعرف أسماءهم وأمصارهم... (4)

وفي الفتوحات المكية ج 3 قال في وصف وزراء

ص: 194


1- إلزام الناصب 1: 51.
2- البقرة الآية : 148.
3- البحار 52 : 305.
4- إلزام الناصب 2: 200.

المهدي (علیه السّلام) : يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود، وكشف بتعريف إلهي له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده الله ...(1) .

وفي ص 107 ج 1 من كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة نقل من الفتوحات قوله : وإن الله يستوزر له طائفة خبأهم له في مکنون غيبه الذين عرفوا ما تم وأما هو في نفسه فصاحب سیف حق، وسياسة مدنية يعرف من الله قدر ما تحتاج إليه مرتبته ومنزله لأنه خليفة مسدد يفهم منطق الحيوان يسري عدله في الإنسان والجان. من أسرار علم وزرائه الذين استوزرهم الله له قوله تعالى : « وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» وهم على أقدام رجال من الصحابة صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وهم من الأعاجم ما فيهم عربي، لكن لا يتكلمون إلا بالعربية . لهم حافظ ليس من جنسهم ما عصى الله قط هو أخص الوزراء وأفضل الأمناء، فأعطاهم الله في هذه الآية التي اتخذوها هجيراً وفي ليلهم سميراً فضل علم الصدق حالاً وذوقاً فعلموا أن الصدق سیف الله في الأرض ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصرة الله ، لأن الصدق لغته والصادق اسمه ...(2).

وفيه أيضاً نقلاً عن الفتوحات المكية قال : وهم جماعة أعني

ص: 195


1- الفتوحات المكية باب 366 معرفة منزل وزراء المهدي، الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 106.
2- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 107.

وزراء المهدي (علیه السّلام) دون العشرة وإذا علم الإمام المهدي هذا عمل به فيكون أصدق أهل زمانه، فوزراؤه الهداة وهو المهدي ...(1).

وفي الفتن : عن الوليد عمن حدثه وقرأه، عن کعب قال : قادة

المهدي خير الناس، أهل نصرته وبيعته من أهل كوفان واليمن وأبدال الشام ... (2).

في الجزء التاسع من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد شرح جزءا من خطبة للإمام علي ذكر فيها أوصاف أصحاب القائم فقال : ثم وصف هؤلاء القوم المشحوذي العزائم : فقال : تجلی بصائرهم بالتنزيل، أي يكشف الرّين والغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن وإلهامهم تأويله ومعرفة أسراره.

ثم صرّح بذلك فقال: (ويرمي بالتفسير في مسامعهم) أي يكشف لهم الغطاء، تخلق المعارف في قلوبهم، ويلهمون فهم الغوامض والأسرار الباطنة، ويغبقون كأس الحكم بعد الصبوح، أي لا تزال المعارف الربّانية والأسرار الإلهية تفيض عليهم صباحاً ومساءً ؛ فالغبوق كناية عن الفيض الحاصل لهم في الآصال، والصبوح كناية عما يحصل لهم منه في الغدوات، وهؤلاء هم العارفون الذين جمعوا بين الزهد والحكمة والشجاعة ؛ وحقيق بمثلهم أن يكونوا أنصاراً لولي الله الذي يجتبيه، ويخلقه في آخر أوقات الدنيا، فيكون خاتمة أوليائه ، والذي يلقى عصا التكليف عنده(3).

ص: 196


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 108.
2- الفتن: 250، أورده السيوطي في الحاوي 2: 60 ونسبه للمصنف .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 129، المهدي عند أهل السنة 1: 164.

وفي إلزام الناصب نقلاً عن صحف إدريس : فإنه يوم قضيت وحلمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي وانتخبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان وحشوتها بالورع والأخلاق واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر، وأستخلفهم في الأرض، وأمكن لهم دينهم الذي ارتضيت لهم، ثم يعبدونني لا يشركون بي شيئاً يقيمون الصلاة لوقتها ويؤتون الزكاة لحينها، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ....(1).

ذكر مقاطع من خطب الإمام المهدي (ع) في مكة المكرمة

ففي كتاب الفتن عن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : ثم يظهر المهدي يمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وقميصه وسيفه ، وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول : أذكركم الله أيها الناس، ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة ، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن، وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وأذنت بالوداع، فإني أدعوكم إلى الله، وإلى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته،فيظهر في ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، عدة أهل بدر على غير معاد ...(2).

ص: 197


1- إلزام الناصب 2: 297 - 298.
2- الفتن: 241، وأورده السيوطي في الحاوي 2: 71 ونسبه للمصنف.

وفي خبر عن أبي بصير، عن أبي جعفر (علیه السّلام) في حديث طويل - إلى أن قال: القائم (علیه السّلام) يقول لأصحابه : یا قوم إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم.

فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: إمض إلى أهل مكة فقل : يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: أنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا فنحن نستنصرکم فانصرونا.

فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام وهي النفس الزكية فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه : ألا أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا. فلا يدعونه حتى يخرج...(1). وقد مر الحديث عن هذا في باب علائم ظهوره وقلنا: إن هذه العلامة من العلامات التي تسبق الظهور بوقت قليل جداً لا يزيد على خمس عشرة ليلة(2).

كيفية خروج الإمام المهدي (ع) من مكة وعدة جيشه

عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: إذا انقطعت التجارات والطرق، وكثرت الفتن، خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد، يبايع لكل رجل منهم ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء

ص: 198


1- البحار 52: 306ح 79، الغيبة للشيخ الطوسي: 271.
2- البحار 52: 306ح 79، الغيبة للشيخ الطوسي: 271.

بكم؟ فيقولون : جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن، وتفتح له القسطنطينية قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته فيتفق السبعة على ذلك فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون له: أنت فلان ابن فلان؟

فيقول: لا بل أنا رجل من الأنصار، حتى يفلت منهم فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به، فيقال : هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون : أنت فلان ابن فلان، وأمك فلانة بنت فلان، وفيك آية كذا وكذا، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك، فيقول: لست بصاحبكم، أنا فلان ابن فلان الأنصاري، مروا بنا أدلكم على صاحبكم، حتى يفلت منهم، فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عند الركن فيقولون: إثمنا عليك، ودماؤنا في عنقك، إن لم تمد يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبناء عليهم رجل من الجرم، فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له، ويلقي الله محبته في صدور الناس فيسير مع قوم أشد بالنهار، رهبان بالليل(1).

- وفي رواية أخرى : فيطلبونه فيخرج من مكة ومعه راية النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فيصلي ركعتين، بعد أن يئس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلاء، فإذا فرغ من صلاته انصرف فقال : أيها الناس ألحّ البلاء بأمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وبأهل بيته خاصة قهرنا وبغي علينا(2).

ص: 199


1- الفتن: 241، أورده السيوطي في الحاوي 2: 72 ونسبه للمصنف وإسناده ضعيف جداً ويحتمل قوياً فيه تصحيف.
2- الفتن: 240، أورده السيوطي في الحاوي 2: 76.

- عن علي (رضي الله عنه) قال : يرسل الله على أهل الشام من يفرق جماعتهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، وعند ذلك يخرج رجل من أهل بيتي في ثلاث رايات، المكثر يقول : خمسة عشر ألفاً، والمقلل يقول: اثنا عشر ألفاً، إمارتهم «أمت أمت» على راية منها رجل يطلب الملك، أو تبيعاً له الملك، فيقتلهم الله جميعاً ويرد الله على المسلمين إلفتهم وفاضتهم وبزازتهم(1).

. وفي إلزام الناصب نقلا عن غيبة النعماني عن معالم الزلفي، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : لا يخرج القائم (عج) من مكة حتى يكون مثل الحلقة، قلت: وكم الحلقة؟ قال: عشرة آلاف، جبرائیل عن يمينه، وميكائيل عن يساره ثم يهز الراية المغلبة ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا بلغها وهي راية رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) نزل بها جبرائيل يوم بدر ثم لفها ودفعها إلى علي (علیه السّلام) فهي عندنا لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم فإذا هو قام فنشرها لم يبقَ بين المشرق والمغرب إلا بلغها ويسير الرعب قدامها شهر، وعن يمينها شهر، وعن يسارها شهر ثم قال : يا محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) إنه يخرج موتوراً غضبان آسفاً لغضب الله على هذا الخلق، ودرع رسول الله السابغة، وسيف رسول الله ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً فيبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة وينادي منادیه : هؤلاء سراق الله ثم يتناول المفقودين عن فراشهم وهو قول الله عزّ وجلّ :

« أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » الخيرات الولاية(2).

ص: 200


1- الفتن: 244.
2- إلزام الناصب 2: 164، البحار 52 : 307.

. وفي حديث آخر: عن أبي جعفر: لو قد خرج قائم آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لنصرة الله بالملائكة المسوّمین والمردفين والمنزلين والكرّوبيين يكون جبرائيل أمامه ومیکائیل عن يمينه وإسرافيل عن يساره الحديث (1). - وفي عقد الدرر في حديث طويل، عن أمير المؤمنین (علیه السّلام) : أنه (علیه السّلام) يأخذ البيعة عن أصحابه على ثلاثين خصلة يلتزمون بها ولا يغيّرون منها شيئاً، فيخرجون معه إلى الصفا فيقول: أنا معكم على أن لا تولوا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا محرماً، ولا تأتوا فاحشة ولا تضربوا أحداً إلا بحقه ... إلى أن قال (علیه السّلام) : فإذا فعلتم ذلك فعلي أن لا أتخذ حاجباً، ولا ألبس إلا كما تلبسون، ولا أركب إلا كما تركبون الحديث (2).

- وفي إسعاف الراغبين قال : وجاء في روايات أن الله تعالى يمد

المهدي بثلاثة آلاف من الملائكة وأن أهل الكهف من أعوانه(3).

وذكر الإمام أبو إسحق الثعلبي في تفسير القرآن العزيز في قصة أصحاب الكهف، قال : وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان إلى خروج المهدي (علیه السّلام) ...(4).

يخرج الإمام المهدي (عج) بعد المبايعة باثني عشر ألفاً أو

ص: 201


1- البحار 52 : 368348 ح 99.
2- عقد الدرر الفصل الثاني ب 4، الإمام المهدي وظهوره: 335.
3- في حاشية نور الأبصار : 147، الإمام المهدي وظهوره: 235.
4- عقد الدرر : 141 ب 7.

خمسة عشر ألفا من أصحابه الذين بايعوه على ما شرط عليهم من الشروط، وهو يلبس قميص رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وعمامته السحاب وعليه درعه ويتقلد سيفه الذا الفقار، وينشر رايته، وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ويحف به أكثر من ثلاثة آلاف ملك من المسومین والمردفين والمنزلين والكرّوبيين هكذا يخرج الإمام بهذه القوة العظيمة المدعومة بقوة الله وتسديده، يسير الرعب أمامه شهر وعن يمينه شهر، وعن يساره شهر، وليس باستطاعة أي قوة أن تقف أمام جيشه وتصده عن أهدافه ومقاصده ..

عمر الإمام يوم خروجه وما معه من مواريث الأنبياء

ورد في عدد غير قليل من الأخبار عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وعن الأئمة الأطهار (علیهم السّلام) : أن المهدي (علیه السّلام) يوم يخرج يتراوح عمره بین الثلاثين والأربعين عاماً وهو بهيئة شاب في غاية القوة والنشاط والحيوية كأنه لم يغب 1200 عام مشرداً بالآفاق لا ملجأ له، فلم تؤثر عليه تلك المصاعب والمحن التي واجهها في سني غيبته وتشريده، ولم تصبه بشيء من الضعف والوهن فيمزاجه الشریف وجوارحه وأعضائه المباركة.

. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أنه قال: لو خرج القائم (علیه السّلام) لأنكره الناس يرجع إليهم شاباً موفقاً فلا يلبث عليه إلا كل مؤمن أخذ الله میثاقه في الذر الأول(1).

ص: 202


1- البحار 52: 287، غيبة الطوسي: 259.

- وعن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : إن ولي الله عمره عمر إبراهيم الخليل عشرين ومائة سنة ويظهر في صورة فتي موفق(1) ابن ثلاثين سنة(2).

- عن الريان بن الصلت قال : قلت للرضا (علیه السّلام) : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملاها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذاك على ما نرى من ضعف بدني، وإن القائم (علیه السّلام) هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان، ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(3).

- وعن الهروي قال: قلت للرضا (علیه السّلام) : ما علامة القائم (علیه السّلام) منكم إذا خرج؟ قال: علامته أن يكون شيخ السن شاب المنظر حتی أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها وإن من علامته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يأتي أجله(4).

- وفي حديث يعقوب السراح، عن أبي عبد الله (علیه السّلام)

: وخرج

ص: 203


1- الموفق : أي الرشید (في تاج العروس شرح القاموس).
2- غيبة الطوسي: 259.
3- البحار 52: 322، کمال الدين 2: 376.
4- البحار 52 : 285، كمال الدين 2: 652.

صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، فقلت : ما تراث رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : سيف رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ودرعه وعمامته وبرده وقضيبه ورايته ولأمته وسرجه حتى ينزل مكة فيخرج السيف من غمده ويلبس الدرع وينشرالراية والبردة والعمامة ويتناول القضيب بيده ويستأذن الله في ظهوره... الحديث (1).

- وعن محمد بن الفيض، عن محمد بن علي (علیه السّلام) قال : كان عصا موسى لآدم (علیه السّلام) فصارت إلى شعیب، ثم صارت إلى موسی بن عمران (علیه السّلام) وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفاً وهي خضراء کهیئتها حين انتزعت من شجرها، وإنها لتنطق إذا استنطقت أعدّت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع كما تؤمر وإنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون، تفتح لها شفتان إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعاً وتلقف ما يأفكون(2).

ما هي أهداف نهضة القائم (ع) وما هي شعاراتها؟

اشارة

يعلم الجميع أن ما من نهضة أو ثورة حدثت في العالم سواء كانت مادية سياسية أو روحية دينية إلا ولها مقاصد وأهداف معينة تسعى إلى الوصول إليها وتحقيقها مهما بلغت الخسائر والتضحيات، الأن نجاحها أو فشلها يتوقف على مقدار ما تنجزه من الأهداف، فإذا أنجزت منها أكثر من نسبة خمسين بالمائة تعد من النهضات الناجحة ،

ص: 204


1- البحار 52 : 301 ح 66.
2- البحار 52 : 318.

وإن كانت إنجازاتها دون ذلك المقدار تكون نهضة فاشلة بائسة لا جدوى من استمراريتها إن لم يكن هناك أمل في تحقيق ما تصبو له من الأهداف المرسومة لها.

ففي هذه الحالة يلزم التوقف عن مواصلة الثورة إلى حين

حصول ظرف آخر يناسب استئنافها من جديد..

ونهضة الإمام المهدي (علیه السّلام) كباقي النهضات لها أهداف رسالية عظيمة لم يسبق لها نظير في تاريخ العالم، وشعارات مبدئية تحمل في طياتها أسمى المبادئ الإنسانية .

فأهداف نهضة الإمام (علیه السّلام) تكمن في إزالة الظلم والجور وما أفرزا من البؤس والشقاء والحرمان، ونشر العدل والقسط، وإصلاح ما فسد من شؤون شعوب العالم على ضوء المبادئ والأحكام الإسلامية القيمة، والقضاء على كل أنواع الشرك والنفاق، وإظهار الدين الإسلامي على الأديان كلها، وتوحيد الله حق توحيده، وتنزيه الشريعة من الريب والشوائب والبدع، ورفع المذاهب الباطلة، وتوحيد المسلمين من خلال الاعتصام بالكتاب والسنة الصحيحة المدوية عن طريق أهل البيت (علیهم السّلام) الذين هم عدل الكتاب ومفسروه، بل هم الكتاب الناطق المترجم بصورة واقعية على صعيد الواقع العملي المحسوس ...

وتعتبر شعارات النهضة المدوية انعكاساً لمبادئها وأهدافها الإنسانية الرسالية السامية. فهي شعارات مبدئية بعيدة كل البعد عن المهاترات والمزايدات والمساومات حيث لا يراد منها تحقيق مآرب

ص: 205

وأغراض مصلحية شخصية، وإنما تدعو صراحة إلى إزالة الظلم، وإقامة العدل، ومحو الفساد، والانتقام من أعداء الله، وأعداء رسوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وأوليائه، لا سيما الثأر لدم سید الشهداء الإمام الحسين وأبنائه وإخوانه وصحبه الذين قتلوا بين يديه ظلماً وعدواناً...

ولذا تعد نهضة القائم (علیه السّلام) هي امتداد حقيقي لنهضة سبط الرسول الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وريحانته الإمام الحسين (علیه السّلام) مع اختلاف الظرف والسعة، وتوافق الشعارات والأهداف.

فثورة الإمام الحسين (علیه السّلام) كانت دعوة إصلاحية تختص بأمة جده فحسب، بينما دعوة الإمام المهدي (علیه السّلام) تجاوزت حدود أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) إلى أمم العالم أجمع فهي نهضة إسلامية عالمية ليس لها حدود معينة، بل ستشمل العالم بأسره دون استثناء ..

فحكم الأنبياء والرسل جميعاً في إقامة حكومة العدل الإلهية

سيتحقق على يد خاتم الأولياء والأوصياء الإمام المهدي (عج) .

وفيما يلي ندرج أهداف نهضة الإمام حسب الترتيب وكما ذكرتها

النصوص المروية عن الرسول الأعظم والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) :

أولاً: إزالة آثار الظلم ونشر العدل

۔ عن جابر الجعفي - في حديث طويل - عن أبي جعفر (علیه السّلام) يقول في آخره: فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلا قضى دينه، ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها ولا يقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه (دية مسلمة إلى أهلها) ولا يقتل قتيل إلا قضي عنه

ص: 206

دينه وألحق عياله في العطاء حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً ويسكنه هو وأهل بيته الرحبة(1).

- وعن عبد العظيم الحسني قال : قلت لمحمد بن علي بن موسی (علیه السّلام) : إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فقال : يا أبا القاسم ما منا إلا قائم بأمر الله عزّ وجلّ وهادٍ إلى دينه، ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفي على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته وهو سميّ رسول الله

(صلّی الله علیه وآله وسلّم) وكنيته ... الحديث(2) .

ثانياً: القضاء على الشرك والنفاق وعلى البدع والضلال

- وفي حديث عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى لو كان كافراً ومشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني کافر فاکسرنی واقتله !(3).

. عن حذيفة بن اليمان قال : سمعت رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) يقول: يميز الله أولياءه وأصفياءه حتى يطهر الأرض من المنافقين والضالين وأبناء الضالين، وحتى تلتقي بالرجل يومئذ خمسون امرأة هذه تقول : يا عبد الله اشترني وهذه تقول : يا عبد الله آوني(4).

ص: 207


1- الحاوي للفتاوي 2: 154.
2- البحار 52 : 283 ح 10، وكمال الدين .
3- البحار 52 : 324، كمال الدين .
4- البحار 52 : 225، مجالس المفيد.
ثالثاً: القضاء على جميع مظاهر الفساد والإفساد

وذكر صاحب كتاب الإمام المهدي وظهوره إصلاحات الإمام وقال : ومنها أنه (علیه السّلام) يقلع ويقمع جميع بدع الأرض من مبدعات الفراعنة والمتكبرين وشعار الفاجرين وعلامات المشركين من الأعمال والأفعال والصفات والحالات، وجميع الآلات المحرمة من اللهو واللعب والقمار وأسباب الطرب بجميع أقسامها، ويزيل ألبسة الكفار والمشركين وزيهم من بين المسلمين. وإن المتأثرين بالكفار والمشركين والمقتدين بهم في أعمالهم حركاتهم ولباسهم وزينتهم وعماراتهم وكلامهم بحيث يفتخرون على المسلمين بما تشبهوا به ، فالظاهر أنه في زمان ظهور صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف يكون حال هؤلاء المتابعين حال من تشبهوا بهم من الكفار حيث لا يبقيهم (علیه السّلام) ولا يبقي من أوضاعهم وتجملاتهم شيئاً. وإذا جاءهم الأجل قبل ظهوره (علیه السّلام) فإنهم يدخلون في القوم الذين قال الله تعالی في حقهم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ » (1).

وفي السنة : (من تشبه بقوم فهو منهم)(2) .

ثم ذكر جملة من الروايات:

منها: وفي الحديث عن أبي بصير، عن أبي جعفر (علیه السّلام) : ولا يترك بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها الحديث(3).

ص: 208


1- سورة المائدة الآية: 51.
2- الإمام المهدي وظهوره: 292.
3- عقد الدرر: 239 ب 11.

ومنها: وروى أبو الجارود، عن أبي جعفر (علیه السّلام) - في حديث طویل - أنه قال : إذا قام القائم (علیه السّلام) يسار إلى الكوفة فيخرج بضعة عشر ألف أنفس يدعون البشرية(1) عليهم السلاح فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة! فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عزّ وعلا.

رابعاً: القضاء على أعداء الله وأعداء رسوله والثأر لدم سيد الشهداء الإمام الحسين

ومن أهداف نهضة الإمام المهدي (علیه السّلام) قتله لأعداء الله وأعداء رسوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) الذين قتلوا ذريته وشردوهم وسجنوهم واغتصبوا حقوقهم وتتبعوا آثارهم تحت كل حجر ومدر، ولولا رعاية الله لهم لما بقي منهم أحد على قيد الحياة .

وبما أن الإمام مکلف بإحقاق الحق وإجراء القوانين الإسلامية وإزالة كل مظاهر الظلم والعدوان فلا بد له من تصفية رموز الشر والإجرام الذين ارتكبوا أبشع المجازر الدموية بحق المؤمنين الأبرار ، والذين يقرون جرائمهم ويتعاطفون معهم. وربما يشاركونهم في ارتكاب الجرائم مع السفياني الأموي في قتل ذرية الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وشيعتهم. فهذا الإقرار والتعاطف والمشاركة تستوجب قتلهم والاقتصاص منهم وإنقاذ الناس من شرورهم وعدوانهم.

ص: 209


1- البشرية : - بالضم - من طوائف الزيدية تنسب إلى المغيرة .

وأول من يقتص الإمام (علیه السّلام) منهم هم قتلة أبي عبد الله الإمام الحسين (علیه السّلام) ،لأن الثأر لدمه ودم أبنائه وإخوانه وصحبه من أهم أهداف نهضة الإمام المهدي (عج) حيث إنها ستنطلق في يوم عاشوراء يوم مذبحة الطف وتحت شعار یا لثارات الحسین. هذا ما ذكرته النصوص التالية :

- في إلزام الناصب عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : له کنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة - إلى أن قال : رجال لا ينامون الليل لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياماً على أطرافهم ويستحيون [ويصبحون](1) على خيولهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها کالمصابیح، كأن قلوبهم القناديل وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعائرهم یا الثارات الحسين إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالا بهم ينصر الله إمام الحق(2) .

- وفي كمال الدين عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر (علیه السّلام) : يخرج القائم (علیه السّلام) يوم السبت يوم عاشوراء اليوم الذي قتل فيه الحسین (علیه السّلام) (3).

- عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير (قال): قال أبو عبد الله (علیه السّلام) : إن القائم (صلوات الله عليه) ينادي اسمه ليلة ثلاث

ص: 210


1- ما بين المعقوفتين يحتمل أن يكون مطابقاً للأصل .
2- إلزام الناصب 2: 296.
3- كمال الدين 2: 654 .

وعشرين ويقوم يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين بن علي (علیه السّلام)(1).

- عن فرات بن أحنف عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه (علیهم السّلام) قال : زاد الفرات (ماء الفرات) على عهد أمير المؤمنین فركب هو وابناه الحسن والحسين (علیه السّلام) فمرّ بثقيف فقالوا: قد جاء علي يرد الماء، فقال علي (علیه السّلام) : أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا...(2).

- وعن الهروي قال : قلت لعلي الرضا بن موسى الكاظم (رضي الله عنهما): یا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن جدك جعفر الصادق (رضي الله عنه) أنه قال : إذا قام قائمنا المهدي قتل ذراري قتلة الحسين (علیه السّلام) بفعال آبائهم؟ هو ذلك، قلت: فقول الله عزّ وجلّ : « وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» ما معناه؟ فقال: صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (رضي الله عنه) يرضون ويفتخرون بفعال آبائهم، ومن رضي شيئاً كمن فعله، ولو أن رجلاً قتل في المشرق فرضي لقتله رجل في المغرب لكان شريك القاتل فقوله تعالى: « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا » تنزل في الحسين والمهدي (علیه السّلام) (3).

- وعن کعب الأحبار قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى

ص: 211


1- غيبة الطوسي: 274.
2- غيبة النعماني: 141 ب 10.
3- ينابيع المودة : 425 ب 71، وفي عيون أخبار الرضا الباب 28 ح 5 ما يقرب منه .

أسفار من أسفار التوراة فيستخرجها من جبال الشام يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كبيرة ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً(1).

- وعن محمد بن أبي بصير عمن ذكره، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) في حديث قال : القائم (علیه السّلام) لم يظهر أبداً حتى تخرج ودائع الله عزّ وجلّ (أي أصحابه (علیه السّلام) الذين يجاهدون بين يديه) فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزّ وجلّ فقتلهم(2).

- وعن أبي بصير في حديث له عن أبي عبد الله (علیه السّلام) يذكر فيه نزول القائم (علیه السّلام) في مسجد السهلة - إلى أن قال - أبو بصير : قلت : فما يكون من أهل الذمة عنده؟ قال (علیه السّلام) : يسألهم كما سألهم رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون، قلت: فمن نصب لكم عداوة؟ فقال : لا يا أبا محمد ما لمن خالفنا في دولتنا من نصیب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك فلا يغرنكم أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين (3).

خامساً: تحقيق الوحدة الإسلامية على أوسع نطاق

۔ عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله أمنا آل محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) المهدي أم من غيرنا؟ فقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لا بل منّا يختم الله به الدين كما افتتح بنا، وبنا ينقذون من الفتنة كما

ص: 212


1- عقد الدرر : 40 ب 3، الفتن: 251، أخرجه أبو عمرو الداني 5: 586 .
2- کمال الدين : 441 ب 54.
3- البحار 52 : 381، الإمام المهدي وظهوره: 255.

أنقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً في دينهم الحديث (1).

إن تحقيق الوحدة أمر طبيعي بعد إزالة الكفر والنفاق والشرك ورفع المذاهب الباطلة، لأن الإمام المهدي (علیه السّلام) لن يبقي على قيد الحياة إلا الذين أسلموا ووحدوا الله حق توحيده. فالوحدة بين الموحدين تحصل بشكل تلقائي وبدون جهد وعناء، بل هي أمر حتمي يترتب على ما سبقه من الأمور التمهيدية . إذ ليس هناك ما يحول دون تحقيقها لأن الوحدة الفكرية والمبدئية يتبعها وحدة روحية وثيقة غير قابلة للانفصام بأي حال من الأحوال، وقد تكون الأخوة الإيمانية أشد قوة من الأخوة النسبية الطبيعيةلأن الأخيرة ربما تتعرض للاهتزاز والانفكاك بسبب نشوء خلافات فكرية أو مادية دنيوية، وهذا ما نرى حصوله غالباً عند وفاة الآباء حيث تبدأ الخصومات حول اقتسام أموالهم ومواريثهم، بينما هذا الأمر يندر حصوله بين الأخوة المؤمنین الذين لا يعتري إيمانهم شك أو ريب.

خروج المهدي من مكة إلى بيت المقدس والشام

ذكرت الأخبار الواردة في السفياني أنه يسير نحو العراق بسبعين ألفاً من جيشه فيمر بالكوفة والبصرة والزوراء، ثم يدور الأمصار والأقطار ويحل عرى الإسلام عروة بعد عروة، ويقتل أهل العلم،

ص: 213


1- نور الأبصار : 171.

ويحرق المصاحف، ويخرب المساجد، ويستبيح الحرام، ويأمر بضرب الملاهي والمزامر في الأسواق، والشرب على قوارع الطرق، ويحلل لهم الفواحش ويحرم عليهم كل ما افترضه الله عزّ وجلّ عليهم من الفرائض، ولا يرتدع عن الظلم والفجور، بل يزداد تمرداً وعتواً وطغياناً، ويقتل من كان اسمه محمداً، وأحمد، وعلياً، وحمزة، وحسنة، وحسينة، وفاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وخديجة ، وعاتكة، حنقاً وبغضاً لآل بيت رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

ثم يبعث فيجمع الأطفال، ويغلي الزيت لهم، فيقولون: إن كان أباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا؟

فيأخذ منهم اثنين حسنا وحسيناً فيصلبهما.

ثم يسير إلى الكوفة، فيفعل بهم كما فعله بالأطفال، ويصلب على باب مسجدها طفلين أسماؤهما حسن وحسین، «فتغلى دماؤهما كما غلى دم يحيى بن زكريا (علیه السّلام) ، فإذا رأى ذلك، أيقن بالهلاك والبلاء فيخرج هاربة منها، متوجهاً إلى الشام، فلا يرى في طريقه أحداً يخالفه .

فإذا دخل دمشق اعتكف على شرب الخمر والمعاصي، ويأمر أصحابه بذلك. ويخرج السفياني، وبيده حربة، فيأخذ امرأة حاملاً، فيدفعها إلى بعض أصحابه ويقول: افجر بها في وسط الطريق .

فيفعل ذلك، ويبقر بطنها، فيسقط الجنين من بطن أمه، فلا

يقدر أحد أن يغير ذلك (1).

ص: 214


1- الإمام المهدي (ع) وظهوره: 261 - 262.

مما تقدم نعلم أن سبب انسحاب السفياني من الكوفة هو فوران دم الصبيين المصلوبين على باب مسجد الكوفة، ولكن الأخبار السابقة في باب حروب السفياني مع الرايات السود أكدت أن السفياني يرغم على الهروب من الكوفة بعد أن تسترجع منه الغنائم والنساء المسببات ويعود إلى دمشق هارباً من بطش أصحاب الرايات السود وبأسهم الشديد. وفيما يلي نذكر خبراً مفاده أن السفياني ينسحب من الكوفة إثر سماعه بظهور المهدي في مكة وخسف البيداء بجيشه بين المدينة ومكة.

- ففي كتاب الحاوي للفتاوي عن أرطأة قال : يدخل الصخري الكوفة، ثم يبلغه ظهور المهدي بمكة، فيبعث إليه من الكوفة بعثاً، فيخسف به فلا ينجو منهم إلا بشير إلى المهدي ونذير إلى الإصطخري، فيقبل المهدي من مكة، والصخري من الكوفة نحو الشام كأنهما فرسا رهان، فيسبقه الصخري، فيقطع بعثاً آخر من الشام إلى المهدي، فيأتون المهدي بأرض الحجاز فيبايعونه بيعة الهدى، ويقبلون معه حتى ينتهوا إلى حد الشام الذي بين الشام والحجاز فيقيم بها، ويقال له: أنفذ، فيكره المجاز، ويقول: اكتب إلى ابن عمي فلان بخلع طاعتي فأنا صاحبكم، فإذا وصل الكتاب إلى الصخري بایع وسار إلى المهدي حتى ينزل بیت المقدس، ولا يترك المهدي بید رجل من الشام فتراً من الأرض إلا ردّها إلى أهل الذمة، وردّ المسلمين إلى الجهاد جميعاً فيمكث في ذلك ثلاث سنين، ثم يخرج رجل من كلب يقال له : كنانة يعينه کوکب في رهط من قومه حتى

ص: 215

يأتي الصخري فيقول: بايعناك ونصرناك ، حتى إذا ملكت بايعت هذا ليخرجن فليقاتلن.

فيقول: فيمن أخرج؟ فيقول: لا تبقى عامرية أمها أكبر منك إلا لحقتك، لا يتخلف عنك ذات خفّ ولا ظلف، فيرحل وترحل معه عامر بأسرها حتى تنزل بيسان ويوجه إليهم المهدي راية، وأعظم راية في زمن المهدي مائة رجل، فينزلون على ماء فتصف كلب خيلها ورجلها وإبلها وغنمها، فإذا تشاءمت الخيلات ولّت كلب أدبارها، وأخذ الصخري فيذبح على الصفا...(1).

- وعن ابن عباس (رضي الله عنه) يقول: إذا خسف بجيش السفياني قال صاحب مكة: هذه العلامات التي كنتم تخبرون بها، فيسيرون إلى الشام فيبلغ صاحب دمشق فيرسل إليه ببيعته ويبايعه، ثم تأتيه كلب بعد ذلك فيقولون: ما صنعت انطلقت إلى بيعتنا فخلعتها وجعلتها له؟ فيقول: ما أصنع أسلمني الناس؟ فيقولون: فإنا معك فاستقل ببيعتك فيرسل إلى الهاشمي فيستقيله البيعة، ثم يقاتلونه فيهزمهم الهاشمي، فيكون يومئذٍ من ركز رمحه على حي من كلب كانوا له، فالخائب من خاب يوم نهب كلب(2).

ما يدور من حوار بين المهدي (ع) والحسني في وادي القرى

وتسير جيوش الإمام المهدي (علیه السّلام) حتى تصل إلى وادي القرى

ص: 216


1- الحاوي للفتاوي 2: 150، المهدي عند أهل السنة 1: 380.
2- الفتن : 245 إسناده حسن.

في هدوء ورفق، يلحقه هناك ابن عمه الحسني، في اثني عشر ألف فارس، فيقول : يا ابن عم، أنا أحق بهذا الجيش منك، أنا ابن الحسن، وأنا المهدي.

فيقول المهدي (علیه السّلام) : بل أنا المهدي.

فيقول الحسني: هل لك من آية فنبايعك؟

فيومي المهدي (علیه السّلام) إلى الطير فتسقط على يده، ويغرس قضيباً في بقعة من الأرض فيخضر ويورق.

فيقول له الحسني: يا ابن عم هي لك، ويسلم إليه جيشه،

ويكون على مقدمته ، واسمه على اسمه.

وتقع الضجة بالشام: ألا إن أعراب الحجاز قد خرجوا إليكم، فيجتمعون إلى السفياني بدمشق فيقولون: أعراب الحجاز قد جمعوا علينا.

فيقول السفياني لأصحابه : ما تقولون في هؤلاء القوم؟

فيقولون: هم أصحاب نبل وإبل، ونحن أصحاب العدة والسلاح اخرج بنا إليهم(1). فيرونه قد جبن، وهو عالم بما يراد منه، فلا يزالون به حتى يخرجوه. وقبل أن نذكر المواجهة الحاسمة بين المهدي والسفياني نخاول إيجاد التوافق بينالأخبار التي تبدو متعارضة ظاهراً.

ص: 217


1- الإمام المهدي وظهوره: 264.

محاولة للتوفيق بين الأخبار المتعارضة

كما مرّ عليك عزيزي القارئ في هذا الفصل أخبار تبدو متعارضة ظاهراً. منها تعارض الأخبار في موضوع عدم قبول التوبة عند ظهور المهدي (علیه السّلام) من المذنبين والمشركين والمنافقين، والأخبار القائلة بأن الإمام سيقاتلهم حتى يثوبوا إلى رشدهم ويعلنوا إيمانهم.

فإذا كان باب التوبة مغلوقاً حين ظهور الإمام فلم يقاتلهم حتى يسلموا؟ أليس هذا التعارض جلية بين عدم قبول التوبة وبين إرغام الناس بالسيف ليسلموا قهراً ؟؟!!

. ففي خبر عن أبي جعفر (علیه السّلام) أنه قال لرجل : قد بلغني تبلغ عني؟ فقلت: نعم، فقال : قل لهم: قال لكم أبو جعفر : كيف بكم لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة ثم يقال لكم: نادوا نحن سراق الكعبة، فلما ذهبت لأقوم قال: إنني لست أنا أفعل ذلك وإنما يفعله رجل مني(1).

فعند ذلك ترفع التوبة، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع « لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا » .

فإن قلت: قد روى الصدوق طاب ثراه هذا المضمون بأسانید متعددة من أنه زمن المهدي (علیه السّلام) لا تقبل توبة من لم يتب قبل ظهوره. وهذا بظاهره ينافي ما روي في الأخبار المستفيضة من

ص: 218


1- غيبة النعماني الباب الثالث عشر ح 25.

أنه(علیه السّلام) إذا ظهر ضرب الناس بسيفه وسوطه حتى يدخلوا في دينه طائعين أو کارهين فيجيء تأويل قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » فإن ظهور دينه على جميع الأديان إنما يكون في زمن المهدي (علیه السّلام) على ما نطقت به الأخبار .

قلت : يمكن أن يكون وجه الجمع بينهما أن هناك أخباراً تدل على أن المهدي (علیه السّلام) إذا خرج أحيا الله سبحانه له جماعة ممن محض الكفر، فهؤلاء الأحياء الذين تقدم موتهم ورأوا العذاب عيناً وعذبوا به واضطروا إلى الإيمان لا يقبل المهدي (علیه السّلام) منهم توبة لأن توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون لما أدركه الغرق فقال عزّ وجلّ في جوابه : «آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ » يقبل له توبة، ومثل توبة من بلغت روحه إلى حلقه وتغرغرت في صدره ورأي مكانه من النار وعاينه فإنه إذا تاب لا يقبل له توبة فالمراد بالنفس التي لا ينفعها إيمانها هذه النفس، وأما الأحياء الذين يكونون في زمن ظهوره (علیه السّلام) ولم يسبق لهم الموت فلا يقبل (علیه السّلام) منهم إلا القتل أو الإيمان(1).

أضف إلى ذلك لعل المراد بقوله تعالى : « لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ ...» أن إيمان المرء لا ينفعه يوم يفتح الله للمهدي الدنيا بكاملها فعندئذٍ لا ينفع الإنسان إيمانه ما لم يكن آمن من قبل، ولا تقبل توبته لأنه لم يؤمن يوم دعاه الإمام للإيمان ففر منه وأخفى نفسه حتى فتح العالم كله ورأى أن لا مفر منه جاء ليعلن إيمانه وتوبته،

ص: 219


1- الإمام المهدي (ع) وظهوره: 254 - 255.

ومثل هذا لا تقبل توبته ويكون مثله مثل فرعون لما أدركه الغرق قال تبت الآن فلم يقبل الله توبته. وهذا ما أشارت له الآية الكريمة « يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ » وجاء في تفسيرها عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال: يوم الفتح يوم تفتح الدنيا على القائم (علیه السّلام) لا ينفع أحداً تقرب بالإيمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمناً وبعد هذا الفتح موقناً فذلك الذي ينفعه إيمانه ويعظم الله عنده قدره وشأنه ...(1) .

ومنها: تعارض الأخبار حول انسحاب السفياني من الكوفة بعض الأخبار أشارت إلى أن انسحابه كان إثر فوران دم الصبيين المصلوبين على باب مسجد الكوفة، وبعضها أشار إلى أنه انسحب مرغماً واستعيدت منه جميع الغنائم والسبايا، وبعضها أشار إلى أنه انسحب إثر سماعه بظهور الإمام المهدي وبخسف البيداء بجيشه بين مكة والمدينة .

ولأجل إيجاد التوافق بين الأخبار المذكورة ورفع التعارض نقول: يحتمل قوية أن العوامل الثلاثة ساعدت مجتمعة على إيجاد الضغوط النفسية والعسكرية الكافية لإجبار السفياني على الانسحاب وتسليم الغنائم والسبايا وهذا ما أكّدته جملة من الأخبار المارة الذكر التي أفادت أن الرايات السود دخلت الكوفة وحررتها من جيوش السفياني وأجبرته على الانسحاب وتسليم الغنائم بالتعاون مع أهلها المجاهدين الغيارى. ثم بعثوا بالبيعة إلى الإمام المهدي حال سماعهم بظهوره بمكة المكرمة واستعدوا لاستقباله .

ص: 220


1- إلزام الناصب 1: 83.

وبناءً على هذا يكون العامل الأساسي الموجب لانسحاب السفياني هو قوة جيوش أصحاب الرايات السود، لأن سماعه بالخسف ورؤيته فوران دم الصبيين كانا قبل ظهور المهدي (علیه السّلام) ودخول الرايات السود إلى الكوفة. فلو كانا هما السبب الموجب الانسحابه لما ذكرت الأخبار حصول تلك المعارك الضارية بين أصحاب الرايات السود وجيش السفياني حيث تمكنت أن ترغمه على الانسحاب واستعادت الغنائم منه. فلو كان انسحابه تلقائياً لما أرغم على تسليم الغنائم مع آلاف النساء السبايا ..

إن الوقائع التاريخية تؤيد خبر انسحاب السفياني مرغماً، وتؤكد عدم وجود التعارض بين الأخبار السالفة الذكر، وإنما الخياران المذكوران وهما: فوران دم الصبيّين والخسف بجيشه كانا العاملين الممهدين لهزيمته ليس إلا.

المواجهة الحاسمة بين الإمام المهدي (ع) والسفياني

فيخرج السفياني بخيله ورجاله وجيشه، في مائتي ألف وستین ألفة، حتى ينزلوا بحيرة طبرية، فيسير المهدي (علیه السّلام) ، بمن معه ولا يحدث في بلد حادثة إلا الأمن والأمان والبشري، وعن يمينه جبرائیل، وعن شماله میکائیل (علیه السّلام) ، والناس يلحقونه من الآفاق، حتى يلحقوا السفياني على بحيرة طبرية.

ويغضب الله عزّ وجلّ على السفياني وجيشه، ويغضب سائر خلقه عليهم حتى الطير في السماء فترميهم بأجنحتها، وإن الجبال الترميهم بصخورها فتكون وقعة يهلك الله فيها جیش السفياني،

ص: 221

ويمضي هارباً، فيأخذه رجل من الموالي اسمه صباح، فيأتي به إلى المهدي (علیه السّلام) ، وهو يصلي العشاء الآخرة فيبشره، فيخفف في الصلاة ويخرج.

ويكون السفياني قد جعلت عمامته في عنقه وسحب، فيوقفه بین يديه فيقول السفياني للمهدي : يا ابن عمي، من علي بالحياة أكون سيفة بين يديك، وأجاهد أعداءك .

والمهدي جالس بين أصحابه ، وهو أحيي من عذراء، فيقول أصحاب المهدي : يا ابن بنت رسول اله، تمن عليه بالحياة وقد قتل أولاد رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ! ما نصبر على ذلك.

فيقول: شأنكم وإياه، اصنعوا به ما شئتم، وقد كان خلاه

وأفلته .

فيلحقه صباح في جماعة، إلى عند السدرة، فيضجعه ويذبحه ، ويأخذ رأسه ويأتي به المهدي، فينظر شيعته إلى الرأس، فيكبرون ويهللون، ويحمدون الله تعالى على ذلك.

ثم يأمر المهدي (علیه السّلام) بدفنه، ثم يسير في عساکره، فينزل دمشق، وقد كان أصحاب الأندلس أحرقوا مسجدها وأخربوه، فيقيم في دمشق مدة، ويأمر بعمارة جامعها(1).

- وفي كتاب الفتن عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال : يسير بهم في اثني عشر ألفة إن قلوا أو خمسة عشر ألفاً إن كثروا،

ص: 222


1- الإمام المهدي(عليه السلام) وظهوره: 265.

شعارهم أمت أمت حتى يلقاه السفياني فيقول: اخرجوا إلى ابن عمي حتى أكلمه، فيخرج إليه فيکلمه، فيسلم له الأمر، ويبايعه، فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندّمه كلب فيرجع ليستقيله فيقبله، فيقتتل هو وجيش السفياني على سبع رایات، كل صاحب راية منهم يرجو لنفسه، فيهزمهم المهدي(1).

- وعن علي بن أبي طالب (علیه السّلام) أيضاً يقول: إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم البيداء وبلغ ذلك أهل الشام قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك ، فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل ببيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته . . (2).

- وعن الوليد بن مسلم قال : حدثني محدث أن المهدي والسفياني وكلب يقتتلون في بيت المقدس حيث يستقيله البيعة فيؤتي بالسفياني أسيراً فيأمر به فيذبح على باب الرحمة، ثم تباع نساؤهم وغنائمهم على درج دمشق (3).

نزول عیسی (ع) وصلاته خلف المهدي (ع) ومساعدته على قتل الدجال وقضاؤه على اليهود

نزول عیسی (علیه السّلام) : المسلمون لا يختلفون في نزول

ص: 223


1- الفتن : 245 إسناده حسن.
2- الفتن : 244، أورده الحاوي للفتاوي 2: 73.
3- الفتن : 244، الحاوي للفتاوي 2: 72.

عیسی (علیه السّلام) آخر الزمان حيث جاء عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: إن عیسی نازل فيكم وهو خليفتي عليكم فمن أدركه فليقرئ به سلامي فإنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحج في سبعين ألفا فيهم أصحاب الكهف إلى أن قال : ويمكث عيسى أربعين سنة، ويقال : ثلاثاً وثلاثين، ويصلي خلف المهدي..(1).

- وفي كتاب الفتن عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : يدرك عیسی بن مریم الدجال بعدما يهرب منه ، فإذا بلغه نزوله فيدركه عند باب لد الشرقي، فيقتله(2).

- وفيه أيضاً عن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال : إذا نزل عیسی ببیت المقدس، وقد حاصر الرجال الناس في بيت المقدس مشی إليه بعدما يصلي الغداة ، يمشي إليه وهو في آخر رمق، فيضربه فيقتله(3) .

۔ عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال : ذكر رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) الدجال، فقالت أم شريك : فأين المسلمون يومئذٍ یا رسول الله؟ قال: بیت المقدس، يخرج حتى يحاصرهم، وإمام الناس يومئذٍ رجل صالح، فيقال : صلى الصبح،فإذا كبر ودخل فيها نزل عيسى ابن مريم (علیه السّلام) ، فإذا رآه ذلك الرجل عرفه، فيرجع يمشي القهقرى، فيتقدم عيسى فيضع يده بين كتفيه ثم يقول : صلٌ فإنما أقيمت لك، فيصلي عيسى وراءه، ثم يقول : افتح الباب، فيفتحون الباب، ومع الدجال يومئذٍ سبعون ألف يهودي، كلهم ذو ساج وسيف

ص: 224


1- البدء والتاريخ 1: 190 - 192.
2- الفتن : 381 إسناده حسن.
3- الفتن : 381 إسناده حسن.

محلى، فإذا نظر إلى عيسى ذاب كما يذوب الرصاص، وكما يذوب الملح في الماء، ثم يخرج هاربة، فيقول عيسى : إن لي فيك ضربة لن تفوتني بها، فيدركه فيقتله، فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالی يتواری به یهودي إلا أنطقه الله ، ولا حجر، ولا شجر، ولا دابة إلا قال : يا عبد الله المسلم، هذا يهودي فاقتله ...(1) .

. قال الزهري : عن ابن المسيب سمع أبا هريرة (رضي الله عنه)

يقول : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مریم، حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد(2).

والأخبار في ذلك مستفيضة وهو القول الصحيح الذي ذهب إليه المشهور وقال به الجمهور، وما في بعض الأخبار أو في بعض الكتب من أن المهدي يأتم بعيسى فهو شاذ متروك(3).

قال أبو الحسن الإبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفی (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بخروجه، وإنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج مع عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عیسی خلفه(4).

ص: 225


1- الفتن: 386 إسناده حسن.
2- الفتن: 391، أخرجه البخاري 6: 490،ومسلم في كتاب الفتن : 292242، وأبو عمرو الداني 6: 685.
3- الإمام المهدي (ع) وظهوره: 243.
4- الحاوي للفتاوي 2: 135.

الإمام المهدي (ع) يدخل الكوفة ويتخذها مقراً له ويقتل كل منافق ومرتاب

بعد أن يفتح الإمام المهدي (علیه السّلام) الحجاز والشام والقدس يتجه إلى مدينة الكوفة ويتخذها مقراً له وعاصمة دولته العادلة بعد أن يقضي على كل الجيوب المناوئة له من المنافقين والمرتابين والبترية وغيرهم.

ثم يقوم بتخريب بعض المساجد، وبناء مسجد كبير له ألف باب ثم تتسع الكوفة حتى تتصل بكربلاء. وهذا ما أخبرت عنه الكثير من الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع.

- ففي الإرشاد عن أبي جعفر (علیه السّلام) : كأني بالقائم علی نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرائیل عن يمينه ومیکائیل عن شماله، والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد(1).

- وفيه عنه (علیه السّلام) بعد ذكر المهدي قال : يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلايدري الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة فيأمر أن يخط فه مسجد على الغري ويصلي لهم هناك، ثم يأمر من نجف من ظهر مشهد الحسين (علیه السّلام) نهراً يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء ..(2).

ص: 226


1- إلزام الناصب 2: 280، غيبة الطوسي: 281.
2- إلزام الناصب 2: 280، غيبة الطوسي: 281.

- وفيه أيضاً عن أبي عبد الله (علیه السّلام) ذکر عنده مسجد السهلة فقال : أما أنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله(1).

- وفيه أيضا عنه (علیه السّلام) : إذا قام قائم آل محمد(عجل الله تعالی فرجه الشریف) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري کربلاء (2) .

- وفيه أيضاً : عن أبي جعفر (علیه السّلام) إذا قام القائم (عج) سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية (عليهم السلاح) فيقولون: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيضع السيف حتى يأتيعلى آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتلها حتى يرضى الله عزّ وعلا(3).

- وعن غيبة الطوسي، عن أبي بصير في حديث له - إلى أن قال : - إذا قام القائم (عج) دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة - إلى أن قال : . ثم لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة إلا سكرة عشرة آلاف شعارهم يا عثمان ويدعو رجلاً من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتى لا يبقى منهم أحد ثم يتوجه إلى کابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها ثم يتوجه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره...(4) .

ص: 227


1- إلزام الناصب 2: 280، غيبة الطوسي: 281.
2- إلزام الناصب 2: 280، غيبة الطوسي: 281.
3- إلزام الناصب 2: 281.
4- إلزام الناصب 2: 284 - 285، غيبة الطوسي: 283.

ازدياد سكان الكوفة وارتفاع أسعار أراضيها واتساع رقعتها في عهد الإمام (ع)

وفي عهد الإمام المهدي (علیه السّلام) ودولته العادلة تكثر جمعية الناس في مدينة الكوفة التي اتخذها المهدي (علیه السّلام) عاصمة له، وترتفع أسعار أرضها حتى تصل إلى أسعار غالية جداً، ويضيق المكان بالمؤمنين في مسجد الكوفة بحيث يضطر الإمام إلى بناء مسجد له ألف باب كما مرّ الحديث عنه. وهذه بعض الأخبار التي أشارت لذلك :

- عن مفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول: إن قائمنا (علیه السّلام) إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى الناس من ضوء الشمس، ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، وتتصل بيوت الكوفة بنهر کربلاء، وبالحيرة حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفراء يريد الجمعة فلا يدركها..(1).

- وفي العوالم عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : إذا قام القائم من آل محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) بني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصل بيوت الكوفة بنهر کربلاء(2).

- ومن كتاب الفضل بن شاذان رفعه، عن سعد، عن أبي محمد الحسن بن علي (علیه السّلام) قال : لموضوع الرجل في الكوفة أحب إليّ من دار في المدينة (3).

ص: 228


1- غيبة الطوسی: 280.
2- عن العوالم في إلزام الناصب 2: 306.
3- البحار 52: 386.

. وعنه عن سعد بن الأصبغ قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول : من كانت له دار بالكوفة فليتمسك بها(1).

لماذا اتخذ الإمام المهدي (ع) الكوفة عاصمة له؟

يعلم الجميع أن مدينة الكوفة مدينة معروفة بولائها لأهل البيت وكانت فيما مضى عاصمة الإمام علي (علیه السّلام) ، وهي مدينة مقدسة ولمسجدها حرمة كحرمة بيت الله الحرام ومسجد رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، وهي أول أرض عبد الله عليها وكانت مأوى لمعظم أنبياء الله فقلما نری نبية لم يعبد الله ولم يسجد له على تربتها المباركة التي خلق منها شيعة أهل البيت (علیهم السّلام) ومواليهم. ولذا أصبح السكن فيها مستحباً لأنها ضمت بين طياتها جسد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) وأجساد الكثير من أنبياء الله كنوح و آدم وهود وصالح وغيرهم. فلهذه الأسباب وغيرها اتخذها الإمام المهدي (علیه السّلام) عاصمة له، وسنترك المجال للأخبار والأحاديث لتحدثنا عن قدسية مدينة الكوفة وحرمتها ورفعة شأنها عند الله تعالی ..

- عن حسان بن مهران قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول: قال أمير المؤمنین (علیه السّلام) : مكة حرم الله . والمدينة حرم رسول الله والكوفة حرمي لا يريدها جبّار بحادثة إلا قصمه الله . ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله).(2).

ص: 229


1- البحار 52: 386.
2- الفورع 1: 319 طبع قدیم، التهذيب 2: 5 وفيه: لا يردها جبار بجور فيها إلا قصمه الله ، الوسائل 10: 282.

- عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر (علیه السّلام) قال : قلت له : أي البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم)؟

فقال : الكوفة يا أبا بكر هي الزكية الطاهرة فيها قبور النبيين والمرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهیل الذي لم يبعث الله نبياً إلا وقد صلي فيه وفيها يظهر عدل الله ، وفيها یکون قائمه والقوام من بعده . وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين(1).

- عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسی بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : إن الله اختار من البلدان أربعة، فقال عزّ وجلّ: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)» التين المدينة، والزيتون بیت المقدس، وطور سینین الكوفة، وهذا البلد الأمين مكة(2).

. وعن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : قال أمير المؤمنین (علیه السّلام) : وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال : الربوة الكوفة، والقرار المسجد، والمعين الفرات(3).

- عن إسحاق بن داود قال : أتى رجل أبا عبد الله (علیه السّلام) فقال له: إني قد ضربت على كل شيء لي من فضّة وذهب وبعت ضیاعي، فقلت : أنزل مكة، فقال : لا تفعل إن أهل مكة يكفرون بالله جهرة،

ص: 230


1- التهذيب 11:2 و44، والوسائل 10: 282.
2- معاني الأخبار: 104، الوسائل 10: 282 - 283.
3- معاني الأخبار: 106، الوسائل 10: 283.

فقلت: ففي حرم رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : هم شر منهم، قلت: فأين أنزل؟ قال: عليك بالعراق الكوفة فإن البركة منها على اثني عشر ميلاً هكذا وهكذا، وإلى جانبها قبر ما أتاه مكروب قط ولا ملهوف إلا فرج الله عنه(1).

وفي الخصائص نقل السيد الرضي عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) ، أنه قال في مدح الكوفة: يا كوفة ما أطيبك وأطيب ريحك !(2).

- عن محمد بن عمر بن سالم، عن الحسن بن عبد الله بن محمد الرازي التميمي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه (علیهم السّلام) قال : ذکر علي (علیه السّلام) الكوفة فقال : يدفع البلاء عنها كما يدفع عن أخبية النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم)(3).

- عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال : كنت ذات يوم جالسة عند النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) إذ دخل عليه بن أبي طالب (علیه السّلام) ، فقال : إلي يا أبا الحسن ثم اعتنقه، وقبل ما بين عينيه ، وقال : يا علي إن الله عزّ اسمه عرض ولايتك على السموات فسبقت إليها السماء السابعة فزيّنها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزيّنها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزيّنها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزيّنها بك، الخبر).(4).

ص: 231


1- التهذیب 152، الوسائل 10: 345.
2- الخصائص: 89، مستدرك الوسائل 10: 203.
3- عیون أخبار الرضا (ع) 2: 65 ح 291، وعنه في البحار 100: 392 ح 22، مستدرك الوسائل 10: 203.
4- تاریخ قم: 94.

- العياشي في تفسيره: عن بدر بن خليل الأسدي، عن رجل من أهل الشام قال : قال أمير المؤمنين (علیه السّلام) : أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة، لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة (1).

- عن المفضل الطويل، عن الصادق (علیه السّلام) قال : حدثني أبي الباقر عن جدي علي بن الحسين يرفعه إلى جدي رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم)، أنه قال : طينتنا من المدينة وطينة شيعتنا من الكوفة ...(2).

فتوحات الإمام المهدي وسعة دولته

ذكرت الأخبار أن الإمام المهدي (علیه السّلام) سيحارب الشرك والكفر والنفاق والظلم والضلال في كل أنحاء العالم حرباً لا هوادة فيها حتى يسلم كافةالمشركين في شرق الأرض وغربها من الأعاجم والأعراب ولا يبقى غير المؤمنين الموحدين.

وبذا يظهر الدين الإسلامي على الأديان كلها، ويخضع العالم

أجمع لسلطانه ولحكومته العالمية العادلة ..

وسيلقى الإمام في حربه ما لم يلق رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من الصعوبات، لأن الرسول أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة بينما يقاتلهم الإمام على تأويل القرآن حيث أصبح - أكثر مسلمي العالم يتأولون القرآن حسب أهوائهم ومصالحهم

ص: 232


1- تفسير العياشي 1: 34 ح 18، مستدرك الوسائل 10: 206.
2- الهداية : 111، مستدرك الوسائل 10: 208.

الدنيوية، وابتعدوا عن أحكام القرآن ومضامينه الواقعية بقدر ابتعادهم عن عدله ومفسريه وهم أهل البيت (علیهم السّلام) المعصومون من الزلل والإثم والخطأ والسهو والنسيان.

ويصل هذا الابتعاد إلى درجة من البعد عن الإسلام وتعاليمه السامية بحيث لو جاء الإمام المهدي (علیه السّلام) وأراد تطبيق أحكام القرآن كما هي ترى أكثر المسلمين يقولون له : قد جئتنا بقرآن جديد لم نعهده من قبل، ويتهمونه بالإسراف بالقتل لكثرة من يقتلهم من أصحاب المذاهب والعقائد الفاسدة الذين يدعون الإسلام ظلماً وعدواناً.

فأكثر الصعوبات التي سيواجهها الإمام في حربه ضد المسلمين الذين أحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأفسدوا عقائد المسلمين بالجبر والإرجاء والبترية والكفر والإلحاد، وأشاعوا المفاسد من خلال تحليلهم للقمار و شرب الفقاع والرقص والغناء واللواط وأجازوا زواج الذكر وغيرها من المنكرات والفسق والفجور .. .

فرسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قاتل عباد الأصنام والأوثان الحجرية والبشرية ، والإمام المهدي (علیه السّلام) سيقاتل المسلمين المنحرفين عن الإسلام الأصيل والناطقين بالشهادتين والفرق شاسع بين من يقاتل المشرکین المعلنين عن شركهم وبين من يقاتل مشرکین متلبسين بالإسلام ومتظاهرين به.

وقد أشارت بعض الروايات لما سيواجهه الإمام المهدي (عج) في حربه من جهال الناس المسلمين الذين يتأولون القرآن حسب آرائهم ويحكمون بالقياس الباطل البعيد عن روح الفقه الإسلامي وأحكامه الشرعية .

ص: 233

. ففي غيبة النعماني، عنه (علیه السّلام) يقول: ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم(عج) أهلها ويحاربه أهل مكة، وأهل المدينة ، وأهل الشام وبنو أمية وأهل البصرة، وأهل دمیسان والأكراد والأعراب، وضبة وغنی وباهلة وأزاد وأهل الري.

. فيه، عنه (علیه السّلام) قال : إن القائم يلقى في حربه ما لم يلقَ رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، لأن رسول الله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه ...(1).

- وروى الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول : إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوت، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به، ثم قال : أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر(2).

- وعن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر (علیه السّلام) يقول: إن صاحب هذا الأمر لوقد ظهر لقي من الناس ما لقي رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم)وأكثر (3).

ص: 234


1- إلزام الناصب 2: 284، غيبة النعماني: 198 ب 11 ح 3.
2- غيبة النعماني: 198 ب 17 ح 1، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 268.
3- غيبة النعماني: 198 ب 11ح 2، الإمام المهدي (ع) وظهوره: 269.

- وفيه، عنه (علیه السّلام) : إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في بدء الإسلام إلى أمر جديد(1).

فتح القسطنطينية

وقبل أن نذكر كيفية احتلال القسطنطينية نود أن نذكر خبراً يصف

لنا أسوارها وسبب تسميتها بالاسم المذكور.

ففي رواية يفتح الإمام قسطنطينية لأنها نسبت إلى منشئها وهو قسطنطين الملك وهو أول من أظهر دين النصرانية، ولها سبعة أسوار : السور السابع منها المحيط بالستة أحد وعشرون ذراعاً(2) ، وفيه مائة باب، وعرض السور الأخير الذي يلي البلد عشرة أذرع، وهي - أي المدينة - على خليج يصب في البحر الرومي، وهي متصلة ببلاد رومية والأندلس. وأما رومية فهي أم بلاد الروم وكل من ملكها يقال اله: الباب، وهو الحاكم على دين النصرانية بمنزلة الخليفة في المسلمين وليس في بلاد الروم مثلها كثيرة العجائب محكمة البناء ...

وعن عقد الدرر: أن عليها سورين من حجارة عرض الأول اثنان وسبعون ذراعا، وعرض الثاني اثنان وأربعون ذراعاً ومسافة ما بين السورين منالفضاء ستون ذراعاً، ولها ألف باب من النحاس الأصفر سوى العود والصنوبر والخشب والأبنوس المنقوش الذي لا تدري قيمته، ومسافة ما بين الغربي منها إلى الشرقي مائة وعشرون ميلاً، وبين

ص: 235


1- إلزام الناصب 2: 281.
2- عرض السور.

السورين نهر مغطى ببلاط من نحاس طول كل بلاطة سبعون أو أربعون ذراعاً، وهذا النهر الذي بين السورين يتصل بالنهر الكبير الذي تدخل فيه المراكب وتعلوه إلى داخل البلد فتقف على جانب البحر فتبيع وتشتري . وفيها ألف ومائتا کنیسة وأربعون ألف حمام وفيها طلسمات للحيّات والعقارب تمنعهم من الدخول إليها وطلسم يمنع الغريب من الدخول إليها وفي وسطها سوق يباع فيه الطير، ...(1).

الكيفية التي تفتح بها القسطنطينية

ففي كتاب غيبة النعماني عن الصادق (علیه السّلام) قال : إذا قام القائم (عج) في أقاليم الأرض في كل إقليم رجل يقول عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها. قال : ويبعث جنداً إلى القسطنطينية فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشواعلى الماء . فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلون فيحكمون فيما ما يريدون(2).

-وعن عقد الدرر، عن علي بن أبي طالب (علیه السّلام) في قصة المهدي (عج) وفتوحاته ورجوعه إلى دمشق، قال : ثم يأمر المهدي بإنشاء مراكب فيبنى أربع مائة سفينة في ساحل عكا ويخرج الروم في مائة صليب تحت كل صلیب عشرة آلاف فيقيمون على طرسوس

ص: 236


1- إلزام الناصب 2: 285 - 286.
2- إلزام الناصب 2: 287.

فيفتحونها بأسنة الرماح ويوافيهم المهدي (عج) فيقتل من الروم حتى . يتغير ماء الفرات بالدم وينهزم من في الروم فيلحقوا أنطاكية وينزل المهدي (عج) على قبة العباس فيبعث ملك الروم يطلب الهدنة من المهدي ويطلب المهدي (عج) منه الجزية فيجيبه إلى ذلك غير أنه لا يخرج من بلد الروم فلا يبقى في بلد الروم أسير إلا خرج، ويقيم المهدي (عج) بأنطاكية سنته تلك، ثم يسير بعد ذلك ومن معه من المسلمين لا يمرون على حصن من بلاد الروم إلا قالوا عليه : لا إله إلا الله فتتساقط حيطانها ويقتل مقاتلته حتى ينزل على القسطنطينية فيكبرون عليها تكبيرات فينشف خليجها ويسقط سورهافيقتلون فيها ثلاث مائة ألف مقاتل، ويستخرج منها ثلاثة كنوز ذهب وكنز فضة، وكنز أبكار فيفتضون ما بدا لهم بدار البلاط سبعين ألف بكر، ويقتسمون الأموال بالغرابيل، وبينما هم كذلك إذ سمعوا الصايح ألا إن الدجال قد خلفكم في أهليكم فيكشف الخبر فإذا هو باطل.

ويسير المهدي (عج) إلى رومية ويكون قد أمر أربع مائة مركب من عكا فيقيض الله تعالى لهم الريح فما يكون إلا يومان وليلتان ويحيطون على بابها ويعلقون رجالهم على شجرة على بابها مما يلي غربيها فإذا رآهم أهل رومية أحضروا إليهم راهباً كبيراً عنده علم من كتبهم فيقولون: انظر ما يريد فإذا أشرف على المهدي (عج) فيقول : إن صفتك التي هي عندي وأنت صاحب رومية فسأله الراهب عن أشياء فيجيبه عنها فيقول له المهدي (عج) : ارجع فيقول: لا أرجع أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيكبر المسلمون ثلاث تكبيرات فتكون كالرمانة على نشر فيدخلونها فيقتلون بها خمس مائة ألف مقاتل ويقتسمون الأموال حتى يكون الناس في الفيء شيئاً واحداً

ص: 237

لكل الأبناء منهم مائة ألف دينار ومائتا رأس ما بين جارية وغلام وعن الكتاب المزبور عن ابن مسعود، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : يكون بين الروم وبين المسلمين هدنة وصلح يقاتلون معهم عدواً لهم فيقاسمونهم غنائمهم ثم الروم يغزون مع المسلمين فارسين فيقتلون مقاتليهم ويسبون ذراريهم فيقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناکم فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك...(1).

- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : تغزون القسطنطينية ثلاث غزوات : فأما غزوة واحدة فتلقون بلاء وشدة، والغزوة الثانية يكون بينكم وبينهم صلح حتى يبتني فيها المسلمون المساجد، ويغزون معهم وراء القسطنطينية، ثم يرجعون إليها، والغزوة الثالثة يفتحها الله لكم بالتكبير فتكون على ثلاثة أثلاث، يخرب ثلثها ويحرق ثلثها، ويقسمون الثلث الباقي كيلاً(2).

وخلاصة الأخبار الواردة من طريق الفريقين تؤكد أن الإمام المهدي يفتح القسطنطينية، ولا ضير في اختلافها في كيفية افتتاحها إذ إن النتيجة واحدة وهي خضوع الغرب لسيطرة الدولة المهدوية وإذعانهم لحكومته العادلة .

الإمام المهدي (ع) يفتح جميع أرجاء العالم ويخضعة لسيطرته

ففي كتاب الدمعة عن عقد الدرر، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) في قصة المهدي (علیه السّلام) قال : ويتوجه إلى الآفاق فلا

ص: 238


1- إلزام الناصب 2: 288 - 289.
2- الفتن : 326.

تبقى مدينة وطأها ذو القرنين إلا دخلها وأصلحها ولا يبقى کافر إلا هلك على يديه ويشفي الله قلوب أهل الإسلام ويحمل حلي بيت المقدس ويأتي مدينة فيها ألف سوق وفي كل سوق مائة دكان فيفتحها ثم يأتي مدينة يقال لها: القاطع وهي على البحر الأخضر المحيط بالدنيا ليس خلفه إلا أمر الله عزّ وجلّ طول المدينة ألف ميل وعرضها خمسمائة ميل فيكبرون الله عزّ وجلّ ثلاث تكبيرات فيسقط حيطانها فيقتلون بها ألف ألف مقاتل ويقيمون فيها سبع سنين ..(1).

- وفيه عن كعب الأحبار يخرج المهدي إلى بلد الروم ويفتح القسطنطينية ثم يقضي على الدجال بعد نزول عیسی بن مريم ويحرر المدن الإسلامية من سيطرته ..(2).

- وفي غيبة النعماني عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي (علیه السّلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لنصره الله بالملائكة المسومین والمردفين والمنزلين والكروبيين يكون جبرائيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره والرعب مسيره أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه أول من يتبعه محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) علي (علیه السّلام) الثاني ومعه سیف مخترط يفتح الله له الروم، والصين، والترك، والديلم، والسند، والهند، وکابل شاه، والخزر یا أبا حمزة لا يقوم القائم إلا على خوف شديد...(3).

ص: 239


1- إلزام الناصب 2: 300.
2- إلزام الناصب 2: 302- 303.
3- عنه في إلزام الناصب 2: 303.

- وفي كتاب المهدي عند أهل السنة عن ابن ماجة في سننه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله عزّ وجلّ حتى يملك رجل من أهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينية إسناده صحيح(1).

- وفيه أيضاً عن حذيفة، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وفيه بعد قوله ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ثم إن المهدي ومن معه من المسلمين يأتون إلى مدينة أنطاكية وهي مدينة عظيمة على البحر فيكبرون عليها ثلاث تكبيرات فيقع سورها من البحر بقدرة الله عزّ وجلّ فيقتلون الرجال ويسيرون ويعمر عمارة أهل الإسلام ثم يسيرون إلى رومية والقسطنطينية وكنيسة الذهب فيقتحمون القسطنطينية ورومية ويقتلون بها أربع مائة ألف مقاتل ويفتضون بها سبعين ألف بكر ويستفتحون المداين والحصون.. (2).

- وفي كتاب البحار عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (علیه السّلام) يقول : القائم منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عزّ وجلّ به دينه ولو كره المشركون(3) .

ص: 240


1- التذكرة للقرطبي عنه : 619، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 204.
2- التذكرة للقرطبي عنه : 619، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 204.
3- البحار 52 : 191 ح 24 عن كمال الدين .

الإمام المهدي (ع) يبعث بأمرائه لسائر الأمصار ويوصيهم بالعدل والإحسان

وبعد أن يفرض الإمام المهدي (عج) سيطرته على العالم أجمع يبعث بالولاة والحكام إلى سائر أنحاء العالم ويطلب منهم أن يحكموا بالكتاب والسنة وأن يكافحوا كل أنواع الظلم والجور ويقيموا القسط والعدل وأن يساووا بين الناس في الحقوق والواجبات.

وهؤلاء الولاة هم من خيرة المجتمع كما مرّ وصفهم وهم العلماء والفقهاء الزهاد الأتقياء الذين يتمتعون بسلامة العقول وكمالها كما أنهم يحظون بالتسديد والرعاية الكاملة من قبل الله تعالى حيث قال في حديث قدسي نقل من صحف إدريس: فإنه يوم قضيت وحتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر والشرك والمعاصي وانتخبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للإيمان وحشوتها بالورع والأخلاق واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا والرغبة فيما عندي، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر، وأستخلفهم في الأرض وأمكن لهم دينهم الذي أرتضيه لهم، ثم يعبدوني ولا يشركون بي شيئاً يقيمون الصلاة بوقتها ويؤتون الزكاة لحينها، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ... (1).

وبالإضافة إلى ما ذكرنا من مواصفات هؤلاء ومؤهلاتهم التي تمكنهم من إقامة القسط والعدل بين الناس، أنهم مسددون من قبل الله

ص: 241


1- إلزام الناصب 2: 297 - 298.

تعالى وإمامهم الذي سبق أن أشرنا إلى أنه يتمتع بالولاية التكوينية بالإضافة إلى الولاية التشريعية .

ففي حديث عن محمد بن جعفر، عن أبيه (علیهم السّلام) إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها. فليس هناك أعظم من هذا التسديد والرماية الإلهية التي تحصل على نحو الإعجاز والكرامة العظيمة بإذن الله . فكلما يتعذر على ولاة الإمام المهدي (علیه السّلام) حكم بالقضاء في أي قضية ينظرون إلى راحة كفهم فيجدون الحكم مكتوباً فيه، فهل هناك رعاية وتسديد أعظم من هذا؟!

فإن حكاماً كهؤلاء لا يمكن أن يصدر منهم ظلمٌ أو جورٌ طالما

كانوا يحظون برعاية الله وتسديده .

سيرة الإمام المهدي (ع) كسيرة جده رسول الله (ص)

قال أهل العلم: يعمل بسنة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لا يوقظ نائماً ويقاتل على السنة، لا يترك سنة إلا أقامها ولا بدعة إلا رفعها يقوم بالدين آخر الزمان كما قام به النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أوله، يملك الدنيا كلها كما ملك ذو القرنين وسليمان بن داود الي(علیه السّلام) .

یکسر الصليب ويقتل الخنزير ويرد إلى المسلمين إلفتهم ونعمتهم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يحثو المال حثواً ولا يعده عداً، يقسم المال صحاحاً بالتسوية ، يرضى عنه

ص: 242

ساكن السماء وساكن الأرض والطير في الجو والوحش في القفر والحيتان في البحر.

يملأ قلوب أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) حتى أنه أمر منادياً ينادي ألا من له حاجة في المال؟

فلا يأتيه إلا رجل واحد فيقول: أنا، فيقول له، ائت السادن - أي الخازن - فقل له: المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيقول له : احث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع - أي أحرص - أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أعجز عني ما وسعهم، قال : فيرده فلا يقبل منه، فقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه، الأمة ..

تنعم أمة محمد برها وفاجرها في زمانه بنعمة لم يسمعوا بمثلها

قط.. يأوي إليه الناس كما يأوي النحل إلى يعسوبه حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول.. ترعى الشاة والذئب في زمانه في مكان واحد، وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا تضرهم شيئاً ويزرع الإنسان مداً فيخرج له سبع مائة مد، ويرفع الربا والزنا وشرب الخمر وتطول الأعمار وتؤدى الأمانة، وتهلك الأشرار ولا يبقى من يبغض آل محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

محبوب - يعني المهدي - في الخلائق يطفئ الله به الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى أن المرأة تحج في خمس نسوة ما معهن رجل، ولا يخفن شيئاً إلا الله مكتوب في شعائر الأنبياء ما في حكمه ظلم ولا عيب(1).

ص: 243


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 13.

- ففي كتاب الفتن عن جعفر بن سيار الشافعي قال : يبلغ من رد المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده (1).

۔ عن أبي رؤبة قال : المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد(2).

- عن ليث، عن طاووس قال : علامة المهدي أن يكون شديداً

على العمال، جواداً بالمال، رحيماً بالمساكين (3).

- عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ولا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته، ولا الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء الأموات(4).

۔ عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثلأمرهم الأول، لا يوقظ نائم ولا يهرق دمٌ(5).

- حدثنا حميد الرواسي عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن مسيرة، عن طاووس قال : إذا كان المهدي زيد المحسن في إحسانه، وتيب على المسيء من إساءته، وهو يبذل المال، ويشد على العمال ، ويرحم المساكين (6).

ص: 244


1- الفتن: 249، أورده السيوطي في الحاوي 2: 83 ونسبه للمصنف.
2- الفتن: 250.
3- الفتن: 250، أورده السيوطي في الحاوي 2: 75 ونسبه للمصنف .
4- الفتن: 251، أخرجه عبد الرزاق 11: 371، وأبو عمرو : 564.
5- الفتن : 252، أورده السيوطي في الحاوي 2: 77 ونسبه إلى المصنف .
6- الفتن : 253، اخرجه ابن أبي شيبة 7: 514.

- حدثنا عبد القدوس، عن أبي بكر، عن يزيد بن سلمان الرحبي، عن دیناربن دینار قال : المهدي وقد تفرق الفيء فيواسي بين الناس فيما وصل إليه، لا يؤثر فيه أحد على أحد، ويعمل بالحق حتى يموت، ثم تصير الدنيا بعد هرجاً(1).

- عن جابر الجعفي - في حديث طويل - عن أبي جعفر (علیه السّلام) يقول في آخره: فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلا قضى دينه ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها ولا يقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه - يعني دية مسلمة إلى أهلها - ولا يقتل قتيل إلا قضي عنه دينه وألحق عياله في العطاء، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً، ويسكنه هو وأهل بيته الرحبة(2).

يبدو من النصوص السالفة الذكر أن سيرة الإمام المهدي (علیه السّلام) کسيرة جده رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، وأخلاقه كأخلاقه من حيث التواضع والتعاطف والمواساة، وأنه لا يؤاخذ من ارتكب المحرمات والقبائح قبل مجيئه كما فعل جده مع مشركي مكة، وإن جميع من آمن بالله ورسوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وصدق بإمامته وولايته يعيش آمناً تحت ظل دولته منعماً مرفّهاً طالما التزم بقوانین دولته العادلة، وأطاع أوامره.

ص: 245


1- الفتن : 254.
2- الحاوی للفتاوی 2: 154.

الإمام المهدي (ع) يحكم بحكم الله ورسوله (ص) ويلفظ القياس

ففي الفتوحات الملكية ج 3، ذکر حكم الإمام المهدي (علیه السّلام) وقال : فالإمام يتعين عليه علم ما يكون بطريق التنزيل الإلهي وبين ما يكون بطريق القياس وما يعلمه المهدي - أعني علم القياس - ليحكم به، وإنما يعلمه ليتجنبه فما يحكم المهدي إلا بما يلقي إليه الملك من عند الله الذي بعثه الله إليه لتسديده، وذلك هو الشرع الحقيقي المحمدي الذي لو كان محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) حياً ورفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بما يحكم هذا الإمام.

فيعلمه الله أن ذلك هو الشرع المحمدي ليحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها ولذلك قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في صفة المهدي : يقفو أثري لا يخطئ. فعرفنا أنه متبع لا متبوع، وأنه معصوم، ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ، فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)» كما أنه لا يسوغ القياس في موضع يكون فيه الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) موجوداً فلا يأخذون الحكم إلا عنه.

ولهذا الفقير الصادق لا ينتمي إلى مذهب إنما هو مع الرسول الذي هو مشهود له كما أن الرسول مع الوحي الذي ينزل عليه فينزل على قلوب العارفين الصادقين من الله التعريف بحكم النوازل أنه حكم الشرع الذي بعث به رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم).(1).

ص: 246


1- عنه في الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 114، إسعاف الراغبين : 145.

- وفي كتاب الفتن، عن كعب في خبر له: المهدي يبعث بقتال الروم يعطى فقه عشرة، يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى (علیه السّلام) والإنجيل الذي أنزله الله عز وجل على عيسى (علیه السّلام) ، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم(1).

- وفيه أيضاً عن كعب قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة، ثم ذكر نحوا من ثلاثين ألفاً(2).

- وفي إرشاد المفيد عن عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال: إذا قام قائم آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) حكم بين الناس بحکم داود (علیه السّلام) لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم قال تعالى : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)»(3).

- وفي البحار عن حريز قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول : لن تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا أهل البيت يحكم بحكم داود وآل داود لا يسأل الناس بينة(4).

ص: 247


1- الفتن: 249، أورده السيوطي في الحاوي 2: 75 ونسبه للمصنف.
2- الفتن: 251، أخرجه أبو عمرو الداني : 586.
3- إرشاد المفيد: 365.
4- البحار 52 : 286.

- وعن الحسن بن طريف قال: كتبت إلى أبي محمد العسكري (علیه السّلام) أسأله عن القائم (علیه السّلام) إذا قام بما يقضي بين الناس، وأردت أن أسأله عن شيء لحمّى الربع فأغفلت ذكر الحمّى، فجاء الجواب: سألت عن الإمام فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود (علیه السّلام) يسأل البينة الخبر(1).

هذه النصوص وغيرها مما لا يسع المجال لذكرها أعطتنا صورة جلية ناصعة عن حكم الإمام وقضائه العادل حيث أكدت على أن حكمه مصداق تام لحكم الله ورسوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وتجسيد واقعيٌ عمليٌ لها.

وأكّدت النصوص على أنه (علیه السّلام) عالم بحرام الله وحلاله، وأن الناس جميعاً يحتاجون إلى علومه وهو لا يحتاج لأحد منهم، وأنه يحكم كحكم داود أي يحكم بعلمه ولا يطلب البينة .

وهذا إن دل على شيء فهو يدل بما لا ريب فيه على غزارة علمه وإحاطته التامة بأحكام الكتاب والسنة وأنه ملهم ومسدد من قبل الله تعالی.

مدة حكم الإمام المهدي (ع)

اختلفت الروايات في تحديد مدة حكم الإمام المهدي (علیه السّلام) حيث ذهب بعضها إلى أنه يحكم خمساً أو ستاً أو سبعاً أو تسعاً. وبعضها ذكر أن مدة حكمه 14 سنة أو 30 سنة أو 40 سنة، وذكرت

ص: 248


1- البحار 319:52 ح 25.

بعض الروايات إلى أنه يحكم سبعاً إلا أن سني حكمه (علیه السّلام) تكون طويلة تعد السنة الواحدة بعشر سنین.

وقبل أن نذكر محاولة الجمع بين هذه الأخبار المختلفة نورد

بعض تلك الأخبار .

ففي كتاب المصنف للحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني ذکر خبرة مفاده أن مدة حكم الإمام المهدي (علیه السّلام) سبع سنين أو تسع سنین (1).

وفيه أيضاً: سبع أو ثمان أو تسع(2)، وفي ص 35 في خبر تردد بين سبع وإلا فتسع(3).

وفي سنن أبي داود ج 4 ذكر خبرة عن هشام: أنه يلبث سبع

سنين أو تسعاً(4).

وفي الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي خبر هذا نصه: إن في

أمتي المهدي يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً..(5).

وفي معالم السنن ذكر خبرة مفاده أنه (علیه السّلام) يحكم سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون(6).

ص: 249


1- المهدي عند أهل السنة 1: 26.
2- المهدي عند أهل السنة 1: 27.
3- المهدي عند أهل السنة 1: 35.
4- سنن أبي داود4 : 108، المهدي عند أهل السنة 1: 108.
5- الجامع الصحيح 4 : باب 53 ح 2233، المهدي عند أهل السنة 1: 49.
6- معالم السنن: 344 الطبعة الحجرية، المهدي عند أهل السنة 1: 88.

وفي الفتوحات المكية ذكر أن مدة حكمه (علیه السّلام)

خمس وسبع وتسع..(1).

وفي الفصول المهمة عن عبد الكريم الجشعمي قال : قلت لأبي عبد الله(علیه السّلام) : كم يملك القائم؟ قال : سبع سنين تطول له الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه بمقدار عشر سنين من سنیکم فتكون سنيه بمقدار سبعين سنة من سنيكم هذه (2).

وفي كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي جملة أخبار بعضها يقول: إن مدة حكمه (علیه السّلام) سبع سنين وشهران وآخر يقول: أربع عشرة سنة، وآخر يقول : إنه يحكم ثلاثين سنة وآخر يقول: أربعين سنة(3) .

محاولة للجمع بين الأخبار المختلفة في تحديد مدة حكم المهدي (ع)

وقد اختلفت الروايات في مدة ملك المهدي (علیه السّلام) ، ففي بعضها يملك خمساً أو سبعاً أو ستاً بالترديد وفي بعضها تسع عشرة سنة وأشهراً، وفي بعضها عشرين وفي بعضها ثلاثين وفي بعضها أربعين، منها تسع سنين يهادن الروم فيها.

ويمكن الجمع على تقرير صحة الكل بأن ملکه متفاوت الظهوروالقوة، فيحمل الأكثر باعتبار جميع مدة الملك منذ البيعة، والأقل على غاية الظهور، والأوسط على الأوسط.

ص: 250


1- عنه في المهدي عند أهل السنة 1: 106.
2- عنه في المهدي عند أهل السنة 1: 347.
3- الحاوي للفتاوي 2: 155، المهدي عند أهل السنة 1: 386.

قال في الإشاعة : وهذا الذي تقتضيه بشارة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بالمهدي وأن الله تعالى يعوضهم عن الظلم والجور قسطاً وعدلاً واللائق بكرم الله تعالى أن تكون مدة ذلك بقدر ما ينسون فيها الظلم والجور والفتن، والسبع والتسع أقل من ذلك مع أنه في مدته تفتح الدنيا كلها كما فتحها ذو القرنين وسليمان ويدخل جميع الآفاق كما في بعض الروايات ويبني المساجد والبلدان ويحلي بيت المقدس وهذا يقتضي مدة طويلة، مع ما ورد أن الأعمار تطول في زمانه فطولها مستلزم الطول مدته، والتسع ونحوها ليست من الطول في شيء، ولا سيما مهادنته للروم تسع سنين، ثم فتح القسطنطينية ورومية والمدائن وغيرهما وهذا يقتضي طول مدته وبالله التوفيق).(1).

ص: 251


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 20.

خلاصة الجمع

إذا قلنا: إن مدة خرج الإمام المهدي ابتداءً من البيعة تحرير مكة المدينة انتهاءً بفتح القسطنطينية تحرير القارات السبع إخضاعها لسيطرته تستغرق على أقل تقدير عشرين عاماً مع مدة الهدنة السالفة الذكر، إذا قلنا بذلك تكون جميع الر ايات التي دن تلك المدة لا موضوعية لها، أ أنها ذكرت فترة الازدهار الاقتصادي

السياسي الاجتماعي العسكري حيث بلغت الدلة الإسلامية العالمية أج قوتها ظهر الإسلام بها على كل الديانات السما يةالنظم الوضعية.

ثم بعد تفرغ الإمام (علیه السّلام) من حر به انشغاله بالإصلاح البناء حتى تمكن من بناء المساجد الواسعة الجديدة إصلاح الأراضي الصحرا ية تنمية المحاصيل الزراعية، تحويل الصحاري القاحلة إلى أراض خضراء بحيث يمشي الحاج ابتداء من باب داره إلى مكة المكرمة على أرض خضراء يستظل بظل الأشجار الوارفة، إن تحقیق ذلك يحتاج إلى قت طويل قد يستغرق عشرات السنين هذا مع توفّر الوسائل الزراعية المياه الكافية الأيادي العاملة جود الرعاية

ص: 252

الغيبية، إذ بدون توفر الأمور المذكورة يصبح بلوغ مستوى الإصلاح المذكور أمراً مستحيلاً لا يمكن بلوغه حتى بمئات السنين.

وإذا فرضنا أن أقل مدة تستغرقه إصلاحات الإمام عشرون سنة فتكون مدة حكم المهدي (علیه السّلام) أربعين سنة على أقل تقدير . وبناءً على هذا تكون الأخبار التي حددت مدة حكمه بعشرين سنة تعني فترة الازدهار والاستقرار التي أعقبت حروبه (علیه السّلام) . والأخبار التي ذكرت الأربعين سنة فإنها جمعت بين فترة الحرب والإصلاح معاً، وهذا ما أشارت له رواية الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (علیه السّلام) حيث جاء فيها: (يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه)(1).

وخرجت عن هذا الإطار رواية ذكرها الفضل بن شاذان عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أن مدة حكمه (علیه السّلام) تمتد إلى يوم القيامة دون انقطاع(2).

ص: 253


1- البحار 52: 280 عن الاحتجاج .
2- منتخب الأثر: 296.

ص: 254

الفصل الثاني : إنجازات الدولة المهدوية المباركة ومعطياتها المسلمة

اشارة

ص: 255

ص: 256

بركات وجود الإمام المهدي (ع) وفيوضاته على المؤمنين والأمة

إن لوجود الإمام المهدي (علیه السّلام) برکات عظيمة يمن الله بها على عباده المؤمنين بفضل وجوده المبارك وعلى أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) التي ستسع العالم كله في زمان ظهوره. ففي عصر ظهوره تنعم الأمة بخير لم تنعم به من قبل، وإن الأرض تنار بنوره الوضاء، ويستغني الناس عن نور الشمس والقمر، ويكتفي جميع من على وجه الأرض بنور جماله وإشراقه (علیه السّلام) وهذا ما أشارت له الآية الكريمة: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ».

ومن بركاته أيضاً أن الله يمد في أعمار شيعته وأسماعهم وأبصارهم حتى أنهم ينظرون إليه ويسمعون كلامه عن بعد وهو في مكانه . ثم تزداد قوة الرجل الواحد منهم إلى أربعين ضعفاً، ويكون بمقدورهم المشي على الماء، واجتيازالمسافات البعيدة بأقصر وقت..

ثم إن الإمام (علیه السّلام) يمسح على رؤوس شيعته فتكمل عقولهم وأحلامهم وتتفتح أذهانهم وتتسع مداركهم وتكون أكثر اقتداراً على استيعاب العلوم وأكثر خلاقية وابتكاراً. وهذا ما أشارت له مجموعة من الروايات ننقل بعضاً منها.

ص: 257

- عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : يكون في أمتي المهدي (علیه السّلام) - إلى أن قال -: تنعم أمتي في زمانه نعيماً لم يتنعموا مثله قط البر والفاجر، يرسل السماء عليهم مدراراً ولا تدخر الأرض شيئاً من نباتها(1).

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : ثم ذكر نحو الحديث المذكور وأضاف: تؤتي أكلها ولا تدخر منهم شيئاً والمال يومئذ كدُوس... (2).

- وفي رواية يحبه . يعني المهدي - ساكن الأرض وساکن السماء، وترسل السماء قطرها، وتخرج الأرض نباتها لا تمسك منه شيئاً - إلى أن قال -: يتمنى الأحياء الأموات بما صنع الله بأهل الأرض من خيره(3).

- وعن الفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة الحديث(4). وفي البحار نقلاً عن غيبة الطوسي ما يدل على ذلك، ويأتي الحديث تحت عنوان (تكثر جميعة الناس في الكوفة)(5).

ص: 258


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 229.
2- سنن ابن ماجه 2: 23.22 ، المهدي عند أهل السنة 1: 34. 35.
3- الصواعق المحرقة: 161 طبع القاهرة، المهدي عند أهل السنة 1: 421.
4- الإرشاد للمفيد: 363.
5- الإرشاد للمفيد: 363.

- وعن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (علیه السّلام) : ما كان يقول لوط (علیه السّلام) : «لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد» إلا تمنياً لقوة القائم (علیه السّلام) ، ولا ذكر إلا شدة أصحابه فإن الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلاً، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقطعوها...(1).

- وفي حديث أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) : فينشر راية رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوى بها إلى شيء أبداً إلا هتکه الله ، فإذا هزّها لم يبقَ مؤمن إلا صار قلبه كزبد الحديد، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً ...(2).

- عن ابن أبي يعفور، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر الباقر (علیه السّلام) قال : إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم(3).

- وعن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال: إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع به عقولهم وأكمل به أخلاقهم(4).

- عن أبي الربيع الشامي قال : سمعت أبا عبد الله الله(علیه السّلام) يقول : إن قائمنا إذا قام مد الله عزّ وجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى

ص: 259


1- البحار 52 : 327 عن كمال الدين .
2- کامل الزيارة : 120 باب 41.
3- البحار 52 : 328 عن كمال الدين .
4- البحار 52 : 336 عن الخرائج.

لا يكون بينهم وبين القائم برید يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه(1).

نكتفي بهذا القدر من ذكر النصوص التي أشارت إلى بركات

وجوده المبارك وكراماته، ربما يستبعد البعض صدور مثلها عنه (علیه السّلام) لأنه يعتبره إنساناً لا يمتاز بشيء عليه وعلى سائر الناس، فيما أن الناس لا تصدر منهم مثل تلك الكرامات المذهلة وهو لا يمتاز عنهم بشيء فإذن لا يمكن صدورها منه أيضاً، ولكن هذا قياس باطل لم يستوف خصائص الطرفين وساوي بين أعلى مستوى للعلم وبين أدنی مستوى منه. وهذا ما لا يرتضيه أي إنسان عاقل، لأن الأئمة (علیهم السّلام) أعلم الناس بعد رسول الله فكيف نساويهم بسائر أفراد الناس « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»مالكم كيف تحكمون؟

إن منشأ هذا القياس هو الجهل لا محالة، إذ لو كان هؤلاء

مطلعين على كتاب السيرة والتاريخ لما ابتدعوا قياساً كهذا، لأن كتب التاريخ والسيرة تنبئنا بكرامات كثيرة صدرت من صحابة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة الأطهار وهم دون مستوى الإمام المعصوم علماً وإيماناً. فكيف يصح صدور تلك الكرامات منهم، ولا يصح صدورها ممن أطلعهم الله على بعض أسرار غيبه بواسطة جدهم رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، وهم خزنة علم الله، وورثة علوم أنبيائه ورسله؟

إن ما ذكرناه من کرامات سیدنا ومولانا الإمام المهدي (علیه السّلام)

ص: 260


1- روضة الكافي : 201 ح 329.

أقل من القليل إذ لو أردنا أن نستقصي جميع كراماته وبرکات وجوده المشرق لاحتجنا إلى مزيد من الكتب والموسوعات الضخمة ..

إزالة الظلم والجور ونشر العدل

من أهم إنجازات الإمام المهدي (علیه السّلام) هو مكافحة الظلم والجور ونشر القسط والعدل وهذا ما نصت عليه النصوص الواردة عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) ومفادها أن الهدف الأساسي الذي تسعى الحركة المهدوية إلى تحقيقه هو العدل والقسط، وهذا مستخلص من قوله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : (لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي ... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ..)(1)، أو قوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : (لو لم يبقً من الدهر إلا يوم لبعث الله تعالی رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)(2). وعشرات النصوص الأخرى التي أشارت لذلك والواردة من كتب الفريقين والتي أشرنا إلى بعضها في باب حتمية ظهور الإمام المهدي (علیه السّلام) .

ولذا نرى أن القائم حال قيامه ينتصف للمظلومين من الظالمين وينتقم من ذراري قتلة الإمام الحسين الراضين بفعل آبائهم والسائرین على نهجهم كالذين ناصروا السفياني ودافعوا عنه وارتكبوا في سبيل نصرته أفظع الجرائم وأشنع المنكرات.

ص: 261


1- کنز العمال الجزء الرابع عشر، ح 38676، أخرجه أبو داود کتاب المهدي ج 4282 وح 4238، الإمام المهدي عند أهل البيت 1: 448.
2- نفس المصدر السابق .

فقضاء الإمام على هذه الحركة السفيانية الأموية يعد أبرز معلم من معالم عدله حيث تمكن من الانتصاف الأعظم مظلومية عرفها التاريخ وهي مظلومية الإمام الحسين وأهله وأبنائه وإخوته وأصحابه الميامين.

ومن أبرز معالم عدله قضاؤه على جميع محاور الشر والعدوان في العالم وإزالة آثارها السلبية، وإجراء

قوانين العدل والقسط الإلهية ، وإعادة الحقوق إلى أهلها، ورد المظالم، وتوزيع الثروات والأموال بالتساوي على كل أرجاء العالم بدون تمیز ...

ومن معالم عدله أيضا القضاء على جميع الأديان والمذاهب

الباطلة المشركة التي تقود الناس إلى جهنم وبئس المصير .

ومعلوم لدى الجميع أن من أعظم الظلم هو الشرك بالله وجحد ولاية أوليائه وتحريف دينه وتسويف أحكامه واتخاذ الدین ستاراً للدفاع عن الطواغيت المتلبسين بلباس الدين ولتحقيق المصالح والأغراض الشخصية على حساب المظلومين الذين انتهبت أموالهم واغتصبت حقوقهم. والقضاء على هذاالنمط من الناس المصلحيين المتسترين بلباس الدين يعد أعظم مکسب حققه الإمام المهدي (علیه السّلام) على صعيد القسط والعدل، لأن هؤلاء هم الذين مهدوا لجرائم الطواغيت والمستبدين وأضفوا عليها الصفة الشرعية من خلال فتاواهم وأحكامهم المستمدة من أهوائهم ومصالحهم الشخصية .

وكنتيجة منطقية لحكم العدل الذي يمارسه الإمام المهدي (علیه السّلام) تدفق الخيرات من الأرض والسماء وائتلاف الحيوانات الوحشية مع بعضها

ص: 262

ومع الإنسان، ونشر الأمن والاستقرار، وانتفاء الفقر والبؤس، وارتفاعالمستوى المعاشي وازدهار الاقتصاد واستغناء الناس وتكدس الأموال..

وهذه بعض النصوص التي تعرضت لذكر أهم معالم عدله وما

ترتب عليها من ثمار .

. في كتاب إلزام الناصب عن الإرشاد، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أنه قال: إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في بدء الإسلام إلى أمر جديد. وعنه (علیه السّلام) : إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها ورد كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان أما سمعت الله سبحانه وتعالى يقول: «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ...»(1)؟

وحكم بين الناس بحکم داود (علیه السّلام) وحكم محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره لشمول الغني جميع المؤمنين ..(2) .

- وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا بمثلها قط، ترسل السماء عليهم مدراراً، ولا تزرع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته ، والمال كدوس ..(3).

ص: 263


1- إلزام الناصب 2: 282.
2- نفس المصدر السابق .
3- الفتن:253، أخرجه ابن ماجه في مسنده رقم (4083)، والحاكم : 558، وأبو عمرو 5: 550.

- وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول...(1).

- وفي ينابيع المودة، عن كتاب المحجة في قوله: ا«اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » عن سلام بن المستنير، عن الباقر (رضي الله عنه) قال : يحييها الله بالقائم (علیه السّلام) فتحيا الأرض بالعدل بعد موتها بالظلم(2).

- عن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه (صلوات الله عليهما) قال : يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلب من الدهر، وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره، وينصره بآياته ويظهره على الأرض حتى يدينوا طوعاً أو كرهاً، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً، یدین له عرض البلاد وطولها، لا يبقى کافر إلا آمن ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملکه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركاتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه(3).

قال فضل بن شاذان : حدثنا فضالة بن أيوب قال : حدثنا عبد الله بن سنان، قال : سألت أبي عن أبي عبد الله (علیه السّلام) عن السلطان العادل؟

ص: 264


1- الفتن : 252، أورده السيوطي في الحاوي 2: 77، منتخب الأثر: 478 عن الملاحم والفتن.
2- ينابيع المودة : 429.
3- البحار 52 : 280 عن الاحتجاج .

قال (علیه السّلام) : هو من افترض الله طاعته بعد الأنبياء والمرسلين على الجن والإنس أجمعين، وهو سلطان بعد سلطان إلى أن ينتهي إلى السلطان الثاني عشر . فقال رجل من أصحابه : صف لنا من هم یا ابن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : هم الذين قال الله تعالى فيهم: « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » والذين خاتمهم الذي ينزل في زمن دولته عیسی (علیه السّلام) من السماء ويصلي خلفه، وهو الذي يقتل الدجال ، ويفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها ويمتد سلطانه إلى يوم القيامة(1)..

-ونختم هذا الموضوع بقول صاحب کتاب (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) وهو عالم من علماء أهل السنة : ظهور الخليفة الأكبر، والإمام العادل الأشهر الذي يحيي (به الله)(2) ما درس من آثار السنة النبوية، واندثر، ويميت به ما شاع من ضلالات أهل البدع وذاع وانتشر، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت بظلم من جار وفجر، ويحثو الماء حثياً ولا يعده عداً لكل من صلح وبر أمام العثرة الظاهرة... إلخ(3).

الازدهار الاقتصادي في عهد الإمام المهدي (ع)

عندما نتعرض لذكر موضوع ازدهار الاقتصاد في عهد سيدنا ومولانا الإمام المهدي (علیه السّلام) ، لا يتصور الإنسان القارئ أننا نبحث

ص: 265


1- منتخب الأثر : 296.
2- ما بين القوسين فيه تقديم وتأخير .
3- إبراز الوهم المكنون: 433، الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 229.

موضوعاً اقتصادياً مشفوعاً بالأرقام والإحصاءات العلمية الدقيقة الدالة على نمو الإنتاج الصناعي والزراعي، ووصوله إلى حد الاكتفاء الذاتي، أو الدالة على نشاط الحركة التجارية وتفوق میزان الصادرات على الواردات ورفع حالة العجز من ميزانية الدولة، والقضاء على جميع الآفات الاقتصادية كالتضخم والركود وکساد الأسواق التجارية وغيرها.

لا ليس الأمر كذلك وإنما نحن نبحث الازدهار الاقتصادي من خلال القرائن اللفظية والحالية المذكورة في النصوص بعيداً عن لغة الأرقام والإحصاءات المدرجة عادة في البحوث الاقتصادية .

وفيما يلي نذكر بعض النصوص التي أشارت إلى ازدهار

الاقتصاد وانعدام الفقر في عهد الإمام المهدي (علیه السّلام) .

- عن علي بن عقبة، عن أبيه قال : وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره لشمول الغني جميع المؤمنين ... الحديث(1).

- وفي رواية جابر، عن الباقر (علیه السّلام) وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام وركبتم فيه ما حرم الله عزّ وجلّ، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله ...(2).

ص: 266


1- الإرشاد: 365.
2- غيبة النعماني ب 3 ح 26.

- وفي عقد الدرر : يزرع الإنسان مداً يخرج له سبع مائة مد كما قال الله تعالى: « كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ...»(1).

- وروى الفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول : - إلى أن قال - وتظهر الأرض من كنوزها حتى تراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله(2).

- وعن الحسين بن علي (علیه السّلام) أنه قال : تواصلوا وتباروا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليأتين عليکم وقت لا يجد أحدكم لدیناره ولا الدرهمه موضعاً (يعني لا يجد عند ظهور المهدي موضعاً يصرفه فيه الاستغناء الناس جميعاً بفضل الله تعالى وفضل وليه المهدي (علیه السّلام))(3).

- وعن السيد ابن طاووس (قدس سره) عن کتاب سعد السعود نقلاً عن صحف إدريس النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: ... وأنزل بركات من السماء والأرض، وتزهر الأرض بحسن نباتها وتخرج كل ثمارها وأنواع طيبها ..(4).

- وفي كتاب المهدي عند أهل السنة نقلاً عن كتاب الفصول المهمة خبر رواه جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري قالا: قال

ص: 267


1- عقد الدرر: 159 ب 7، سورة البقرة الآية 261.
2- الإرشاد وفصل مدة حكم القائم.
3- عقد الدرر: 171 باب 8.
4- البحار 52: 384 ح 194.

رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : أبشركم بالمهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً، قال رجل : ما معنی صحاحاً؟ قال : بالسوية بين الناس ويملا الله قلوب أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) غنى ويسمعهم عدله حتى يأمر منادياً ينادي بقوله: من له في المال حاجة فليقم، فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول: أنا.

فيقول له الإمام (علیه السّلام) : ائت السادن - يعني الخازن - فقل له : إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيحثو له في ثوبه حثواً حتى إذا صار في ثوبه يندم ويقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً وأعجز عما وسعهم فيرده إلى الخازن فلا يقبل منه ..(1) .

- وفي كتاب الحاوي للفتاوي عن أبي هريرة، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : تنعم أمتي فيها - يعني في مدة حكمه - نعمة لم ينعموا مثلها، البر منهم والفاجر، يرسل الله عليهم السماء مدراراً، ولا تدخر الأرض شيئاً من النبات، ويكون المال كدوساً...(2).

- وفي الفتن عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، عن النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلا صبته، ولا الأرض من نباتها شيئاً إلا أخرجته، حتى يتمنى الأحياء الأموات (3).

ص: 268


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 342، وأخرجه أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري، وذكره السيوطي في الحاوي 2: 124.
2- الحاوي للفتاوي 2: 131، المهدي عند أهل السنة 1: 362.
3- الفتن : 251، أخرجه أبو داود (4286) - بتحقيقي ..

ونستخلص من القرائن الموجودة في النصوص المذكورة أن الخير والغنى سيعم المجتمع الإسلامي، وتنعدم فيه ظاهرة الفقر والحرمان، وتتكدس الأموال في بيت مال المسلمين لعدم وجود من يحتاج إليها من المسلمين.

ولذا سيكون عطاء الإمام المهدي (علیه السّلام) في عهد حكمه لموظفي دوائره الحكومية وعمال مؤسساته الخدمية عطاءً جزيلاً غير محدود، لأنه سيكون حثواً لا عداً كما أشارت لذلك النصوص السابقة الذكر .

إن منشأ هذا الازدهار الاقتصادي الذي سيحصل في عهد الإمام

المهدي (علیه السّلام) يعود إلى أسباب وعوامل كثيرة:

منها : انخفاض سكان العالم إلى الثلث بعد ذهاب ثلثيه ، وازدياد ثرواته حيث ستظهر الأرض ما في بطنها من الكنوز غير المستثمرة بالإضافة إلى الكنوز والأموال الكثيرة التي سيغنمها الإمام ويضع اليد عليها من خلال فتوحاته التي ستشمل العالم أجمع.

وإذا ما استثمرت هذه الأموال في مشاريع اقتصادية ستنمو وتتكاثر بمرورالأيام أكثر فأكثر، وهذا ما يؤدي حتماً إلى ازدهار الاقتصاد وتعميم الخير والرفاه .

ومنها: هطول الأمطار بغزارة، وازدهار الأرض بالنباتات والأشجار المثمرة، وتنامي كمية المحاصيل الزراعية إلى درجة بحيث تسد حاجة المجتمع وزيادة .

ومنها: اتباع النظام الاقتصادي العادل في توزيع الثروات على

ص: 269

سائر أقطار الدولة المهدوية العالمية بالتساوي وبدون تمييز بحيث تنعدم الفروق الطبقية، ويزول التفاوت الملحوظ في عصرنا الحاضر بين الغنى المفرط والفقر المدقع، وتنعم الأمة الإسلامية في عهده بنعمة لم تنعم بها من قبل

وبزوال التفاوت والفروق الطبقية يزول الحقد والبغضاء والحسد من صدور الناس ويحل محله الحب والوفاء والألفة والتآخي مما يؤدي إلى تقوية أواصر المجتمع وتوثيق علائقه وروابطه الاجتماعية ..

وربما يثير البعض إشكالاً مفاده أن الناس إذا ما انتفت حاجتهم إلى المال سيميلون إلى الراحة والدعة، ويمتنعون عن مواصلة العمل الانتفاء الحاجة له. وهذا ما يوجب شل الطاقات وتجميدها، وتعویق عجلة التطور والتقدم الاقتصادي.

ولأجل رفع هذا الإشكال الذي أثاره البعض، نقول: إن الأموال الوحدها لا تسد حاجات الناس ما لم تكن هناك مواد غذائية يسدون بها جوعتهم وملابس صوفية أو قطنية لستر عوراتهم وتقيهم الحر والبرد، ومساكن يسكنون بها مع أفراد أسرهم ويأوون إليها ليلاً لغرض النوم والراحة، ووسائل نقل، وأسواق تجارية، ومؤسسات خدمية، ومعامل صناعية تنتج السلع الضرورية لإدامة حياتهم على أحسن ما يرام.

ولا يمكن أن تتوفر هذه الحاجات والسلع الضرورية لإدامة

الحياة ما لم يعمل الناس كل حسب اختصاصه في توفير جزء منها.

فإذا أراد الإنسان أن يديم حياته فلا بد له من الاشتغال في حقل

ص: 270

من حقول العمل، والتعاون مع أفراد جنسه لإيجاد ما يلزمه من الحاجات والسلع الضرورية .

هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع لم تشر من قريب أو بعيد إلى حصول توقف في حركة العمل والعمران، بل أشارت بشكل صريح إلى اتساع نطاق دائرة العمل والعمران حيث باشر الإمام المهدي (علیه السّلام) بإنجاز مشاريعه الإصلاحية الضخمة كبناء المساجد الواسعة وإصلاح الطرق، وشق الأنهر الكبيرة، وإصلاح الأراضي الزراعية المتروكة، وتعمير كل ما خربته الحروب التي سبقت ظهوره وأعقبته وإزالة كل مخلفاتها وآثارها السلبية التي تعيق حركة التطور والازدهار الاقتصادي.

علمنا مما تقدم أن العمل والاشتغال واحد من مقومات حياة الناس وازدهار اقتصادهم، وبدونه لا يمكن أن نتصور وجوداً إنسانية حضارياً متطوراً، لأن العمل هو الذي يشيد المعالم الحضارية ويثبت أركانها ..

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل إن العمل الذي يعمله

الناس في زمن المهدي (علیه السّلام) لقاء أجور أم مجاناً؟

وفي الإجابة على هذا السؤال نقول : إن الأمر لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما إما أنهم يعملون مجاناً أو يتقاضون الأجور لقاء أعمالهم.

أما الاحتمال الأول فيمكن نقضه بالنقاط التالية :

ص: 271

أولاً: لو كان الناس في زمن الإمام المهدي يعملون مجاناً لما تقدم الاقتصاد وبلغ أعلى درجات عزه وازدهاره، لأن الأجور من العوامل التي تحفز الإنسان وتدفعه نحو العمل والبناء، وتحدد وقتاً معيناً لابتداء العمل وانتهائه يلتزم العامل بالتقيد به، فإذا كان العمل مجاناً فقد أهم محفزاته، وأصبح العامل مخيراً لا يتقيد بأوقات العمل وليس من حق رب العمل أو مسؤول المؤسسة والدائرة أن يلزمه بوقت معين لأنه لا يتقاضى أجوراً لقاء عمله فهو غير ملزم بالعمل شرعاً وعرفاً.

ولذا تقل ساعات العمل وينخفض مستوى الإنتاج، وتتوقف حركة التطور في كل مجالات الحياة، بل سترجع عجلة الاقتصاد إلى الوراء لتوقف معظم المعامل والمؤسسات عن العمل الدائم المستمر وهذا سيؤدي حتماً إلى تأخر البلد وتدهور اقتصاده .

ثانياً: إذا كان نظام العمل المجاني هو السائد في دولة الإمام المهدي (علیه السّلام) لما تنامت أموال وما وجه فيها شيء من الزكوات والأخماس حتى يبحث الناس عمن يتقبل منهم زکواتهم وصدقاتهم، بل لعل أموالهم تتناقص بمرور الزمن تدريجياً ويصبحون في يوم ما هم مستحق الزكاة والصدقات، وهذا ينافي صراحة مفاد النصوص القائلة بانعدام الفقر وعدم وجود محتاج في عهده (علیه السّلام) .

ثالثاً: يستحيل أن يعمل الإمام المهدي (علیه السّلام) بنظام كهذا، لأنه منافٍ لموازين الشرع والعرف والعقل، فحاشا الإمام المعصوم الذي جاء لإعلاء كلمة اللهوإظهار دينه على الأديان كلها أن يعمل بنظام يخالف أحكام شرعه .

ص: 272

وبهذه الأدلة الثلاثة تم إبطال الاحتمال الأول بل ثبت استحالة تنفيذه من قبل الإمام. وإذا بطل الاحتمال الأول ثبت الاحتمال الثاني القاضي بدفع الأجور لقاء أي عمل ينجزه العامل. وهذا ما ينسجم مع منطق الشرع والعقل، ويجسد مفاد النصوص المذكورة ويدفع بعجلة التطور الاقتصادي إلى الأمام.

اتساع حركة البناء والعمران في عهد الإمام المهدي (ع)

أشارت النصوص المعتبرة أنه (علیه السّلام) في زمان دولته الحقة تكثر جمعية الناس في الكوفة حتى أن كل ذراع من أرضها تصل قيمته إلى أضعاف ما كانت عليه قبل ظهوره، ويضيق مكان المؤمنين في مسجد الكوفة، فتبنى أربعة مساجد أخرى بأمره (علیه السّلام) فيكون أصغر هذه المساجد مساحة هو مسجد الكوفة الذي هو معمور الآن، مع أنه هو من المساجد الإسلامية الواسعة.

ومن هذه النصوص عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول : إن قائمنا (علیه السّلام) إذا قام ... ويبني في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، وتتصل بيوت الكوفة بنهر کربلاء وبالحيرة حتى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة (سفراء)(1) برید الجمعة فلا يدركها(2).

وفي حديث آخر طويل عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي

ص: 273


1- البغلة السفراء : يعني الخفيفة السريعة .
2- غيبة الطوسي: 280.

جعفر (علیه السّلام) أنه قال : ... فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب يسع الناس. عليه (أصيص)(1) ويبعث فيحفر من خلف قبر الحسین (علیه السّلام) لهم نهراً يجري إلى الغريين حتى ينبذ في النجف، ويعمل على فوهته قناطر وأرحاء(2) في السبيل، وكأني بالعجوز وعلى رأسها مكتل فيه بر حتى تطحنه بكربلاء(3).

ومن هذه النصوص التي أشارت إلى إصلاحات الإمام تغیر معالم المساجد وإزالة الزخارف منها وجعلها كما كانت عليه في عهد رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، وإصلاح الطرق وتوسيعها وهدم المساجد التي تعترض سبيلها.

- عن أبي هاشم الجعفري قال : كمن عند أبي محمد (علیه السّلام) فقال: إذا قام القائم (علیه السّلام) أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد، فقلت في نفسي : لأي معنى هذا؟

فأقبل علي فقال : معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة(4) ..

-وعن أبي بصير، عنه (علیه السّلام) أنه قال : إذا قام القائم (علیه السّلام) دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصورها عريشاً کعریش موسی (علیه السّلام) وتكون المساجد كلها جماء لا شرف لها كما كانت على عهد رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، ويوسع الطريق الأعظم فيصير ستين

ص: 274


1- الأصيص : كأمير البناء الحكم، والأصيص البيوت المتقاربة. (قاله في القاموس).
2- الأرحاء : يعني الطاحونة رحي وجمعها أرحاء .
3- غيبة الطوسي: 280 - 281.
4- البحار 52: 323 ح 32.

ذراعاً، ويهدم كل مسجد على الطريق، ويسد كل كوة إلى الطريق وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق ...(1) .

- وعن أبي جعفر (علیه السّلام) - في حديث طويل - قال : إذا قام القائم سار إلى الكوفة فوسع مساجدها، وكسر كل جناح خارج إلى الطريق، وأبطل الكنيف والميازيب الخارجة إلى الطرقات (2).

- وفيه أيضاً عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : المهدي منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى فيالأرض خراب إلا عمره ...(3).

إن حركة الإعمار والبناء والإصلاح المهدوي ستشمل العالم أجمع بحيث لم يبق خراب أحدثته الحروب التي سبقت ظهوره إلا وأصلحه الإمام المهدي كما أشارت لذلك الرواية الأخيرة. وما هذه النصوص التي ذكرناها إلا إشارات مقتضبة لما سيشمل العالم من إصلاح مهدوي شامل لا حدود له ..

التقدم والتطور العلمي في عهد الإمام المهدي (ع)

نذكر هنا بعض المؤشرات التي تعلمنا بما ينجزه الإمام من التقدم والتطور العلمي بفضل برکات وجوده المقدس حيث سيرفع من

ص: 275


1- غيبة الطوسي: 283.
2- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 247 عن الفصول المهمة.
3- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 247 عن الفصول المهمة .

مستواهم العلمي إلى درجة تؤهلهم للمراكز القيادية التي سيستلمون مسؤوليتها في دولة الإمام المهدي (علیه السّلام) .

فجاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد توضيحاً لذلك في شرح إحدى خطب الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام) فقال : ثم صرّح بذلك فقال - يعني الإمام علياً (علیه السّلام) -: ويرمي بالتفسير في مسامعهم - أي في مسامع أصحاب الإمام المهدي (علیه السّلام) - أي يكشف لهم الغطاء، وتخلق المعارف في قلوبهم، ويلهمون فهم الغوامض والأسرار الباطنية، ويغبقون كأس الحكم بعد الصبوح، أي لا تزال المعارف الربانية والأسرار الإلهية، تفيض عليهم صباحاً ومساءً ، فالغبوق كناية عمّا يحصل لهم منه في الندوات، وهؤلاء هم العارفون الذين جمعوا بين الزهد والحكمة والشجاعة وحقيق بمثلهم أن يكونوا أنصارة لولي الله الذي يجتبيه ..(1) .

ومن مؤشرات ارتفاع المستوى العلمي في عهده هذه النصوص .

- روی جابر عن أبي جعفر (علیه السّلام) أنه قال : إذا قام قائم آل محمد (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ضرب فساطيط ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عزّ وجلّ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف (2).

- وعن أبان، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم

ص: 276


1- شرح نهج البلاغة 9: 129، الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 164.
2- الإمام المهدي وظهوره: 286 عن الإرشاد فصل سيرته (ع).

غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها فيالناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً(1).

- وفي حديث حمران، عن أبي جعفر (علیه السّلام) أنه قال : وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) (2).

وأشارت بعض النصوص إلى ارتفاع مستوى العلم بفضل وجوده الشريف بحيث يمتطي هو السحاب وتطوى له الأرض وتسهل له الصعاب، ويمشي أصحابه على الماء، وتتحول أكفهم إلى أجهزة كمبيوتر تعكس لهم ما يحتاجون من الأحكام فيما إذا تعسر عليهم الحكم في قضية ما.

۔ عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : أما إن ذا القرنين قد خير السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم - يعني القائم - الصعب، قال : قلت : وما الصعب؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب ويرقي في الأسباب أسباب السموات السبع والأرضين السبع ..(3) .

- ففي غيبة النعماني عن الصادق (علیه السّلام) قال ... ويبعث جنداً إلى القسطنطينية فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء ... الحديث (4) .

ص: 277


1- البحار 52: 336 عن الخرائج .
2- البحار 52 : 352 ح 106.
3- البحار 52: 321 .
4- إلزام الناصب 2: 285، البحار 52: 365 عن النعماني .

- وعن محمد بن جعفر، عن أبيه (علیه السّلام) قال: إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في يدك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها(1).

ومن النصوص التي أشارت إلى تقدم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بحيث لو ظهر الإمام المهدي على شاشة التلفزيون في مدينة الكوفة يراه المسلمون أينما كانوا في أقاصي الأرض ويسمعون كلامه في أماكنهم. وتكون الدنيا بالنسبة للإمام ككفه يرى كل مفرداتها من جبل وواد وبحر ومرتفع ومنخفض وسائر جزئياتها وهو جالس في مكانه .

۔ عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال: كأني بالقائم (علیه السّلام) علی نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فينتفض هو بها فتستدير عليه فيغشيها بحداجة من إستبرق ويركب فرسة أدهم بين عينيه شمراخ فينتفض به انتفاضة لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون أنه معهم في بلادهم، فتنتشر راية رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله، الحديث(2).

- عن أبي الربيع الشامي قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول: إن قائمنا إذا قام من الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم برید يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه(3).

ص: 278


1- البحار 52 : 365.
2- کامل الزيارات: 120 ب 41، المهدي وظهوره: 288.
3- روضة الكافي: 201 ح 329.

. وعن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله(علیه السّلام) : إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته ، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟(1).

- وفي البحار عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (علیه السّلام) يقول : القائم منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز ..(2).

- وفي خبر عبد العظيم الحسني، عن محمد بن علي بن موسی (علیه السّلام) وهو الذي تطوى له الأرض ويذلّ له كل صعب، الحديث(3).

- وبهذا الإسناد، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (علیه السّلام) : كأني أنظر إلى القائم (علیه السّلام) على ظهر النجف، فإذا استوی على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ (4) ثمّ ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلد إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم...(5).

يبدو ظاهراً من النصوص التي أشارت إلى التقدم والتطور العلمي إلى أن ذلك يحصل على نحو الإعجاز . وهذا أمر غير معقول، لأنه

ص: 279


1- البحار 52 : 328 ح 46 عن كمال الدين .
2- البحار 52 : 191 ح عن كمال الدين .
3- البحار 52 : 283 ح 10.
4- الشمراخ: غرة الفرس.
5- كمال الدين 2: 672.

يخالف القوانين والسنن الطبيعية التي جعلها الله أساساً وسبباً لكل ما يطرأ على الكون من أحداث وتغييرات .

يمكن تغير طبيعة الأشياء وإبطال أو تعطيل بعض السنن الطبيعية الفترة وجيزة بإذن الله إذا اقتضت المصلحة ذلك ، أما إدامة ذلك الحال بصورة مستمرة أمر غير معقول لأنه يؤدي إلى اختلال نظم الكون واضطراب أوضاعه وهذا ما ينافي حكمة الله وتقديره .

لذا فإن الإمام المهدي (علیه السّلام) باستطاعته وبحكم ولايته التكوينية أن يظهر مرة واحدة أو مرات ولفترة قصيرة ويراه الناس ويسمعون كلامه من خلال رفع الحجب والموانع بإذن الله. أما إدامة ذلك الحال ولفترة طويلة بحيث يكون بمقدور الناس أن يروه طالما هو موجود على قيد الحياة أمر مستبعد جداً لايمكن حصوله ما لم تكن هناك وسائل علمية متطورة كالتلفزة والأقمار

الصناعية ووسائل الإعلام الحديثة .

الإصلاح الديني والوحدة الإسلامية

إن من إنجازات الإمام المهدي (علیه السّلام) وإصلاحاته هو الإصلاح الديني الذي سيتم من خلال إحياء السنن وإماتة البدع، ورفع المذاهب الباطلة والأديان المشركة والقضاء على الكفر وإظهار الدين الإسلامي على الأديان كلها بحيث لن يبقي الإمام على سطح الأرض غير الموحدين المؤمنين بالله تعالى ورسوله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وبإمامته وولايته وقيادته الدينية والدنيوية إيمانا قطعية لا ريب فيه .

ص: 280

وإذا ما أتم الإمام إصلاحاته الدينية على أحسن وجه تم تحقيق الوحدة الإسلامية تبعاً لذلك لعدم وجود موانع تحول دون تحقيقها . وتكون الوحدة حينذاك وحدة قوية متينة لا انفصام لها، لأنها قائمة على أسس فكرية عقائدية سليمة خالية من الشوائب والشبهات.

وللتدليل على ذلك وإثباته لا بد لنا من ذكر بعض النصوص

التي تؤكد حصول ما ذهبنا إليه على وجه القطع واليقين.

- ففي كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي قال : وأخرج ابن المنادي في الملاحم قال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : ليخرجن رجل من ولدي عند اقتراب الساعة حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان لما لحقهم من الضرر والشدة والجوع والقتل وتواتر الفتن والملاحم العظام وإماتة السنن وإحياء البدع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيحيي الله بالمهدي محمد بن عبد الله السنن التي أميتت، وتسر بعدله وبرکته قلوب المؤمنین..(1).

وعنه أيضاٌ: فيصلح الله به كل ما أفسد قبله، ويستنقذ الله به

أهل الإيمان، ويحيي به السنة، ويطفئ به نيران البدعة(2).

- وفي الفتوحات المكية قال : يخرج على فترة من الدين - إلى أن قال : يقيم الدين ينفخ الروح في الإسلام، يعز الإسلام به بعد ذله، ويحيا بعد موته، يضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف، فمن أبي قتل، ومن نازعه خذل يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه لو كان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) لحكم به، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقي

ص: 281


1- الحاوي للفتاوي 2: 163، الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 395.
2- المصدر السابق .

إلا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد ولما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أثمنهم، فيدخلون کرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ...(1).

- وفي حديث عن أبي بصير، عن أبي جعفر (علیه السّلام) : ولا يترك بدعة إلا أزالها، ولا سنة إلا أقامها، الحدیث(2) ومثله في عقد الدرر.

- وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) فإذا خرج القائم لم يبقَ كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه، حتى لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني کافر فاكسرني واقتله(3) .

- وعن عبد العظيم الحسني قال : قلت لمحمد بن علي بن موسی (علیه السّلام) : إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فقال : يا أبا القاسم ما منا إلا قائم بأمر الله عزّ وجلّ وهادٍ إلى دینه، ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً هو الذي يخفي على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه...(4) .

ص: 282


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 106 عن الفتوحات المكية المجلد الثالث طبع دار الصادر بیروت .
2- البحار 52 : 339 ح 84 عن الإرشاد، عقد الدرر: 239 ب 11.
3- البحار 52 : 324 عن كمال الدين .
4- البحار 52 : 283 ح 10 عن كمال الدين .

- وعن حذيفة بن اليمان قال : سمعت رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) يقول : يميز الله أولياءه وأصفياءه حتى يطهر الأرض من المنافقين والضالين وأبناء الضالين، وحتى تلتقي بالرجل يومئذٍ خمسون امرأة هذه تقول: يا عبد الله اشترني وهذه تقول : يا عبد الله آوني(1).

- وفي كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة : قال أهل العلم: يعمل بسنة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ولا يوقظ نائماً ويقاتل على السنة لا يترك سنة إلا أقامها ولا بدعة إلا رفعها، يقوم الدين آخر الزمان كما قام به النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أوله يملك الدنيا كلها كما ملك ذو القرنين وسليمان بن داود (علیه السّلام) .

يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويرد إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم - إلى أن قال : ويرفع الربا والزنا وشرب الخمر وتطول الأعمار وتؤدى الأمانة وتهلك الأشرار، ولا يبقى من يبغض آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) محبوب - يعني المهدي في الخلائق - يطفئ الله به الفتنة العمياء...(2)

- وفي إلزام الناصب عن أبي جعفر (علیه السّلام) : إذا قام القائم جاء بأمر جديد كمادعا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في بدء الإسلام إلى أمر جدید وعنه (علیه السّلام) : إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كلّ حق إلى أهله ولم يبقَ أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ» ...؟(3)

ص: 283


1- البحار 52 : 225 عن مجالس المفيد.
2- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 13 .
3- إلزام الناصب 2: 281 - 282.

. وفي صحف النبي إدريس : وألقي الرأفة والرحمة بينهم، فيتواسون ويقتسمون بالسوية فيستغني الفقير ولا يعلو بعضهم بعضاً ويرحم الكبير الصغير، ويوقر الصغير الكبير، ويدينون بالحق وبه يعدلون ويحكمون(1).

الصحة والأمان

ومن إنجازات دولة الإمام المهدي (علیه السّلام) وعطاءاتها إطالة أعمار الناس وشفاؤهم من الأمراض والعاهات السائدة في عصرنا الحاضر ، وازدیاد قوة الرجل إلى أربعين ضعفاً بسبب انتشار الأمن والاستقرار في جميع أرجاء دولته المباركة وانتفاء حالة الصراع الدائم بين محاور قوى الشر والعدوانوما كانت تفرزه من الحروب المدمرة التي لا تخلف سوى البؤس والشقاء والحرمان.

ومن أروع المشاهد التي يراها الإنسان في عهد الإمام (علیه السّلام) هي حالة التآلف والانسجام التام بين الناس والحيوانات المفترسة، ولعب الصبيان بالحيات والعقارب من دون أن تضرهم بشيء، وذهاب المرأة مع أقرانها إلى بيت الله الحرام ليس معهن من محارمهن رجل.

فالصحة والأمان اللذان يشملان الناس في عهده المبارك لم يسبق لهما نظير في تاريخ البشرية حيث لم ترَ طيلة حياتها أمناً واستقراراً سياسياً ومعاناة من الأمراض المزمنة كما تراه في عصر دولته المباركة.

ص: 284


1- البحار 52: 384 ح 194.

ولا غرابة في حصول ذلك، لأن الأمن والاستقرار، وضمان حاضر الإنسان ومستقبله وانعدام الفقر والحرمان، وخلو العالم من موجبات القلق والاضطراب توجب الراحة النفسية وسلامة الأجسام من الأمراض، وازدياد قوتها، هذا إذا لم نقل: إن تلك النعم التي يمنها الله على عباده ببركة وجود الإمام الشريف ومعطيات ذاته المقدسة واستجابة دعواته .

ومن النصوص التي أشارت لذلك:

- في كتاب الإمام المهدي عند أهل السنة قال : قال أهل العلم - إلى أن قال -: ترعى الشاة والذئب في زمانه في مكان واحد وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا تضرهم شيئاً... وتطول الأعمار وتؤدي الأمانة وتهلك الأشرار ولا يبقى من يبغض آل محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) محبوب ۔ يعني المهدي - في الخلائق يطفي الله به تلك الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى أن المرأة تحج في خمس نسوة ما معهن رجل لا يخفن شيئاً إلا الله ...(1).

- وفي كتاب الإمام المهدي (علیه السّلام) وظهوره قال : إن من بركات وجوده الشريف أنه ينتشر في الأرض الأمن والأمان حتى أنه يقع الصلح الكلي بين جميع ذوات الأرواح المتضادة من الإنسان والحيوان والوحوش حتى أنه يزول النفاق والعداوة من بين الجميع، وتعيش الوحوش والأفاعي والحيات والحيوانات مختلطين وممتزجين مع بني الإنسان ولا يتضرر واحد منها من الآخر ولا يضره(2).

ص: 285


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 13.
2- الإمام المهدي (ع) وظهوره: 278.

- وفي الخصال في حديث الأربع مائة عن أمير المؤمنین (علیه السّلام) في وصف زمان القائم: (ولذهبت الشحناء من قلوب العباد و اصطلحت السباع والبهائمحتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات، وعلى رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه)(1).

- وعن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : كأني بأصحاب القائم وقد أحاطوا ما بين الخافقين، ليس من شيء إلا هو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم (في) كل شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم(2). ويستشف من هذا الحديث أن أصحاب الإمام لهم أيضاً ولاية يمنحها الله لهم بفضل وجود الإمام (علیه السّلام) .

- وعن زوال الأمراض والآفات الظاهرية عن أبدان الناس کالعمى والبرص ونحوهما من العاهات جاء في غيبة النعماني بإسناده عن حريز، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) عن أبيه (علیه السّلام) ، عن علي بن الحسين (علیه السّلام) أنه قال: إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة ورد إليه قوته(3) .

. وعن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ ومن ذي ضعف قوي(4).

ص: 286


1- البحار 52: 316ح 11 عن الخصال .
2- البحار 52: 327 ح 43 عن الكمال.
3- غيبة النعماني باب ح 2.
4- البحار 52: 287، عن غيبة الطوسي.

- وعن أبي عبد الله (علیه السّلام) - في حديث له - أنه قال : فينشر راية رسول الله من عمود العرش وسايرها من نصر الله لا يهوي بها على شيء أبداً إلا أهلکه الله ، فإذا هزها لم يبقَ مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً...(1).

رعاية الإمام لشيعته ودورهم في دولته

يبدو من النصوص أن رعاية الإمام المهدي (علیه السّلام) تشمل الناس بصورة عامة وشيعته بصورة خاصة حيث يقضي ديونهم إن كانوا غارمين ويعتق رقابهم إن كانوا مستعبدين، ويبرئ ذمة الأحياء منهم والأموات من حقوق الناس، ثم يمر بيده الكريمة على رؤوسهم فتتکامل عقولهم وأحلامهم، وتتحسن أخلاقهم، وتنضج مداركهم، وتزداد علومهم، وتقوى أبصارهم وأسماعهم بحيث يرونه ويسمعون كلامه مهما بعد عنهم، ثم يكونون حكام وأمراء دولته المباركة .

ولعل البعض يتساءل عن سبب تراكم تلك الحقوق مع توفر

المال وانتفاء الحاجة؟

وأفضل جواب لهذا السؤال هو: أن الديون التي تراكمت على شیعته كانت قبل زمن حضوره حيث كانوا مستضعفین ومسترقين، لأن في زمن حضوره تكدّست الأموال وانتفت الحاجة إليها، فلا يعقل أن يستغني الناس بفضل عطائه وتبقى الشيعة مقروضة مسترقة فيقوم الإمام بقضاء قروضهم وما في ذممهم من حقوق. نعم يصح ذلك بحق الأموات منهم حيث يقضي ديونهم ويسترضي الناس عنهم .

ص: 287


1- إلزام الناصب 2: 297.

وهذه بعض النصوص التي أشارت لذلك :

. عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (علیه السّلام) يقول : فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلا قضى دينه ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها ولا يقتل منهم عبدٌ إلا أدى ثمنه (یعني دية مسلمة إلى أهلها) ولا يقتل قتيل إلا قضي عنه دينه وألحق عياله في العطاء ، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...(1).

- عن كعب قال : لواؤه يعقد المهدي يبعثه إلى الترك فيهزمهم ويأخذ ما معهم من السبي والأموال، ثم يصير إلى الشام فيفتحها، ثم يعتق كل مملوك معه، ويعطي أصحابه قیمتهم(2). - وفي روضة الكافي، عن أبي الربيع الشامي قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) يقول: إن قائمنا مد الله عزّ وجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى (لا) يكون بينهم وبين القائم برید يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه(3).

ففي الخبر قال : قال أبو عبد الله (علیه السّلام) : يكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلاًک(4).

- وعن عبد الملك بن أعين قال : قمت من عند أبي

ص: 288


1- البحار 52: 224ح 87عن تفسير العياشي.
2- الحاوي للفتاوي 2: 154، الإمام المهدي عند أهل السنة 1: 385.
3- روضة الكافي: 201.
4- الاختصاص: 8.

جعفر (علیه السّلام) فاعتمدت على يدي فبكيت، فقال : ما لك؟ فقلت: کنت أرجو أن أدرك هذا الأمر وبي قوة، فقال : أما ترضون أن عدوكم يقتل بعضهم بعضاً وأنتم آمنون في بيوتكم؟ إنه لو قد كان ذلك أعطى الرجل منكم قوة أربعين رجلاً وجعلت قلوبكم كزبر الحديد، لو قذف بها الجبال لقلعها، وكنتم قوام الأرض وخزانها.(1).

ص: 289


1- روضة الكافي : 245.

ص: 290

الفصل الثالث: موضوعات متفرقة ذات علاقة بدولة الإمام(ع)

اشارة

ص: 291

ص: 292

المهدي (ع) خاتم الأئمة وليس بنبي

أشكل الشيخ الطبرسي في كتابه أعلام الورى على بعض إصلاحات الإمام المهدي وأحكامه فقال : فإن قيل: إذا حصل الإجماع على أن لا نبي بعد رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وأنتم قد زعمتم أن القائم إذا قام لم يقبل الجزية(1) من أهل الكتاب ، وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين، وأمر بهدم المساجد والمشاهد، وأنه يحكم بحكم داود لا يسأل بينة وأشباه ذلك مما ورد في آثاركم، وهذا يكون نسخة للشريعة وإبطالاً لأحكامها فقد أثبتم معنى النبوة وإن لم تتلفظوا باسمها فما جوابكم عنها؟ وأجاب الشيخ الطبرسي على هذا التساؤل بقوله : إنا لم نعرف ما تضمنه السؤال من أنه لا يقبل الجزية من أهل الكتاب وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين، فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به .

ص: 293


1- عن النبي (ص) أنه قال : والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مریم حكماً عدلاً یکسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ... البحار 52 : 382، ورواه البخاري 4: 143 باب نزول عيسى وأضاف في آخره: (تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها) ورواه أبو داود في سننه 4: 118 باختلاف في ألفاظه، ورواه مسلم ج 1: 94 باب نزول عیسی بن مریم.

فأما هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز أن يختص بهدم ما بني من ذلك على غير تقوى الله تبارك وتعالى وعلى خلاف ما أمر الله سبحانه به وهذا مشروع قد فعله النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

وأما ما ورد من أنه(علیه السّلام) يحكم بحكم آل داود ولا يسأل عن بينة فهذا أيضاً غير مقطوع به، وإن صح فتأويله أنه بحکم علمه فيما يعلمه وإذا علم الإمام (علیه السّلام) أو الحاكم أمرة من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل عنه وليس في هذا نسخ للشريعة على أن هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية واستماع البينة إن صح لم يكن نسخة للشريعة لأن النسخ هو ما تأخر دليله عنالحكم المنسوخ ولم يكن مصطحباً، فأما إذا اصطحب الدليلان فلا يكون ذلك نسخاً لصاحبه وإن كان مخالفه في المعني.

ولهذا اتفقنا على أن الله سبحانه لو قال : الزموا السبت إلى وقت كذا ثم لا تلزموه لا يكون نسخاً لأن الدليل الرافع مصاحب الدليل الموجب وإذا صحت هذه الجملة وكان النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قد أعلمنا بأن القائم (علیه السّلام) من ولده يجب اتباعه وقبول أحكامه فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا وإن خالف بعض الأحكام المتقدمة غير عاملين بالنسخ لأن النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل، انتهى(1).

وتعقيباً على كلام شيخنا الطبرسي نقول: لقد ثبت أن الإمام المهدي (علیه السّلام) أنه سيظهر الإسلام على سائر الأديان كلها ولن يبقى على سطح الأرض غير الموحدین .

ص: 294


1- البحار 52 : 383.

فإذا انتفى وجود المشركين من اليهود والنصارى وأسلموا على يدي القائم كرها أو طوعاً ينتفي الحكم بوجود الجزية تبعاً لذلك . وهذا ليس نسخاً كما يتصور البعض، وإنما هو انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.

وأما مسألة حكم الإمام بحكم داود لا ضير فيه، لأن حكم داود لا يختلف عن حكم الرسول محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وسائر الأنبياء من حيث الأصل. ولذا جاء في بعض الروايات أنه يحكم بحكم داود ومحمد (علیه السّلام) وهذا يعني أن حكمهما حكم واحد لا اختلاف فيه ، وإن حصل اختلاف في إجراء بعض الأحكام يعود ذلك إلى اختلاف الظروف الموضوعية المحيطة بها، فإذا جاز لداود (علیه السّلام) الحكم بعلمه جاز لسائر الأنبياء ذلك، بما فيهم خاتم الرسل محمد(صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

وبما أن الأئمة (علیهم السّلام) هم ورثة علوم الأنبياء، وأنهم (علیهم السّلام) معصومون عصمة مطلقة لا يجوز عليهم الخطأ والسهو، وأننا مأمورون بطاعتهم، وأن مقامهم يعد امتدادا لمقام النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في قيادة الأمة دينياً وسياسياً. فإن ما جاز له (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من ممارسات وصلاحيات في إدارة حكمه جاز لهم ذلك بالتأكيد.

فإذا علم الإمام بشكل ما أن جزءا من أرض مسجد أو مشهد مغصوبٌ جاز له هدم ذلك المسجد أو المشهد وإخراج ذلك الجزء منه وأعاد بناءه ثانية. أنا لا أجزم أن المساجد التي سيهدمها فيها أرض مغصوبة، فلعل هناك أسباب أخرى موجبة لهدمها علمها الإمام وخفيت علينا والله أعلم.

ص: 295

وخلاصة الموضوع أن الإمام المهدي (علیه السّلام) هو خاتم الأئمة الأطهار (علیهم السّلام) وليس بنبي ولم ينسخ شيئاً من أحكام الإسلام وتشريعاته ولم يأتِ بشيء جديد، وإنما يأتي بالإسلام الأصيل الذي لم يطرأ عليه أي تغيير و تحریف.

وأشارت بعض الروايات إلى أنه (علیه السّلام) (إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في بدء الإسلام إلى أمر جديد(1).

تعني أن الإمام حال ظهوره (علیه السّلام) تكون الأمة بعيدة عن الإسلام وتشريعاته بعد السماء عن الأرض وموغلة بالجهل والتخلف بحيث لو جاء الإمام (علیه السّلام) ودعا إلى الإسلام والقرآن وأراد تطبيقهما تراه الأمة دينة جديداً وكتاباً جديداً، تماماً كما كان الإسلام ديناً جديداً بالنسبة للمشركين حين دعاهم له رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

استغلال قضية المهدي (ع) لا يوجب إنكارها

زعم البعض من منكري ظهور الإمام المهدي في آخر الزمان أن هذه القضية استغلّت لأغراض سياسية وأن الداعين لها مختلفون في تعيين من هو المهدي الذي سينقذ البشرية من الظلم والجور، وهذا ما يدعو للشك في صحة الأحاديث المروية فيها. فقال قائلهم :

وقد اتخذ مسألة المهدي كثير من القائمين لإنشاء دول، وسيلة إلى الوصول إلى غاياتهم، فادعوا المهدوية ليتهافت الناس على الالتفاف حولهم، فالدولة الفاطمية قامت على هذه الدعوة، إذ زعم

ص: 296


1- إلزام الناصب 2: 281.

مؤسسها عبيد الله أنه المهدي. ودولة الموحدين جرت على هذه الدعوة، فإن مؤسسها محمد بن تومرت أقام أمره على هذه الدعوة .

وظهر في أيام الدولة المرينية بفاس رجل يدعى التوزري،

واحتمی حوله رؤساء صنهاجة وقتله المصامدة.

وقام رجل اسمه العباس سنة 690 ه في نواحي الريف من الغرب وزعم أنه المهدي، واتبعه جماعة، وآل أمره إلى أن قتل وانقطعت دعوته .

وبعد ثورة أحمد عرابي بمصر ظهر في السودان رجل يسمى محمد أحمد ادعى أنه المهدي، واتبعته قبيلة البقارة عن جهبنة على أنه المهدي سنة 1300 ه، وهو الذي خلفه بعد موته التعايشي أحد زعماء قبيلة البقارة.

والفرقة الكيسانية يجعلون المهدي محمد بن الحنفية، ويزعمون

أنه مختف في رضوی بين المدينة وينبع.

والشيعة الإمامية يقولون: إن محمد بن الحسن العسكري هو المهدي المنتظر،ويزعمون أنه اختفى في سرداب بالحلة من بلاد العراق في أواخر القرن الخامس الهجري.

وأجاب الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين هذا النفر من المنکرین في مجلة التمدن الإسلامي بقوله: وإذا أساء الناس فهم حديث نبوي، أو لم يحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح، حتى وقعت وراء ذلك مفاسد، فلا ينبغي أن يكون ذلك داعياً إلى الشك في صحة

ص: 297

الحديث، أو المبادرة إلى إنكاره. فإن النبوة حقيقة واقعة بلا شبهة ، وقد ادعاها أناس كذباً وافتراءً، وأدخلوا بدعواهم كثيراً من الناس، مثل ما يفعل طائفة القاديانية اليوم. والإلهية ثابتة بأوضح من الشمس في كبد السماء، وقد ادعاها قوم لزعمائهم على معنى أن الله - جل شأنه - يحل فيهم، مثلما يفعل طائفة البهائية في هذا العهد فليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل(1) .

هل إن القول بصحة خروجه يترتب عليه مضار ومفاسد كبيرة؟

زعم الشيخ عبد الله بن زید المحمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر في رسالته التي أسماها (لا مهدي منتظر بعد رسول خیر البشر) أن (القول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار والمفاسد الكبار ومن إثارة الفتن وسفك دماء الأبرياء ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس والواقع المحسوسمن كل ما يبرى النبي(صلّی الله علیه وآله وسلّم) عن الإتيان به إذ الدين كامل بدونه).

وقال أيضاً: أما اعتقاد بطلانه وعدم التصديق به فإنه يعطي القلوب الراحة والفرح والأمان والاطمئنان والسلامة من الزعازع والافتتان (2).

فأجابه فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد في مجلة

الجامعة الإسلامية بقوله : والجواب على ذلك من وجوه :

ص: 298


1- مجلة التمدن الإسلامي العدد 35 و 36 محرم الحرام سنة 1370 ه، الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 213.
2- رسالة لا مهدي ...: 5 و 37، المهدي عند أهل السنة 2: 443.

الأول: أن خروج المهدي في آخر الزمان من الأمور الغيبية التي يتوقف التصديق بها على ثبوت النص فيها عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وقد ثبتت النصوص في خروج المهدي عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) في آخر الزمان وأن عیسی بن مریم (علیه السّلام) يصلي خلفه، والذين قالوا بثبوتها هم العلماء المحققون وجهابذة النقاد من أهل الحديث ، والواجب

تصديق الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فيما يخبر به من أخبار سواء كانت أموراً ماضية أو مستقبلية أو موجودة غائبة عنا.

الثاني : إن إنكار خروج المهدي في آخر الزمان ليس هو الذي يمنع من وقوع الفتن، ويحصل به الأمن والاطمئنان بدليل أن الله تعالى قال في كتابه العزيز : «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » وقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ومع ذلك وجد كثيرون ممن ادعى النبوة. وحصل بذلك للمسلمين أضرار كثيرة، وإنما الذي يعصم حقيقة من الفتن والمصائب ويكفل السلامة والأمن والنجاة الاستمساك بشرع الله والاعتصام بحبله كما قال الله عزّ وجلّ : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ » وقال تعالى: « وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)«وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ » وقال سبحانه : « إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ » وقال : «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ».وقال سبحانه وتعالى : « وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ

ص: 299

وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)»

، وقال(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : احفظ الله يحفظك إلى غير ذلك من أدلة الكتاب والسنة .

ثالثاً: إن وجود متمهدين من المجانين وأشباه المجانين يخرجون في بعض الأزمان ويحصل بسببهم على المسلمين أضرار كبيرة لا يؤثر في التصديق بمن عناه الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) في الأحاديث الصحيحة وهو المهدي الذي يصلي عیسی بن مریم (علیه السّلام) خلفه. فما ثبت عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وجب التصديق به. ويجب القضاء على كل متمهد أو غير متمهد يريد أن يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم. والواجب قبول الحق ورد الباطل لا أن يرد الحق ويكذب بالنصوص من أجل أنه ادعى مقتضاها مدعون مبطلون دجالون(1).

زعم المنكرين أن فكرة المهدي وسيرته لا تتفق وسيرة الرسول (ص)

وقال الشيخ ابن محمود في ص 25 من رسالته المذكورة : ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وسنته بحال فقد أثبت التاريخ الصحيح حياة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من بداية مولده إلى حين وفاته كما أثبتها القرآن، وليس فيها شيء من ذكر المهدي كما لا يوجد في القرآن شيء من ذلك فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به؟

والجواب : أن هذا الكلام من النوع الذي لا ينتهي عجب

ص: 300


1- مجلة الجامعة الإسلامية العدد 45، الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 444.443 .

الواقف عليه لا سيما قوله فيه فقد أثبت التاريخ الصحيح حياة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من بداية مولده إلى حين وفاته كما أثبتها القرآن، وليس فيها شيء من ذكر المهدي، كما لا يوجد في القرآن شيء من ذلك، فإن كان الكاتب يقصد الحياة العملية فلا وجه للبحث عن خروج المهدي في آخر الزمان ضمن السيرة النبوية العملية .

وإن كان يقصد بحياته (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما صدر عنه (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من أقوال وأفعال وتقریرات فلا وجه لقوله: «ليس فيها شيء عن ذكر المهدي» ومعلوم أن حد الحديث النبوي الشريف عند أهل الحديث ما أضيف إلى النبي (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو أخلاقي. وكتب الحديث الشريف مليئة بالنصوص الواردة في المهدي وفيها كما قال أهل العلم بالحديث الصحيح والحسن والضعيف والموضوع...

وعلى هذا فقوله: «فكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وسنته بحال» من قبيل الكلام البارد الذي لم يفكر في معناه عند تسطيره وإلا فإن خروج المهدي في آخر الزمان لم يعرفه أهل السنة والجماعة المتبعون للنصوص الشرعية إلا بثبوته في السنة النبوية، ولا يقل عن قوله ذلك قوله: «فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به، فإن المسلم الناصح لنفسه لا يصدق ويكذب تبعا للهوى، وإنمايكون تصديقه أو تكذيبه متمشياً مع النصوص الشرعية فيجعل النقل حكماً على العقل لا أن يجعل العقول محكمة في النقول فيقع في فضول القول ورديء الكلام(1).

ص: 301


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 479 - 480.

زعم المنكرين أن عدم الاعتقاد بخروجه لا يوجب نقصاً بالمعتقد

وقال الشيخ ابن محمود في ص 17 من رسالته: ولقد عاش الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون ثم عاش من بعدهم العلماء والسلف الصالحون ممن كانوا في القرون الثلاثة المفضلة، ثم عاش من بعدهم جميع العلماء والحكام ومنهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي وجميع الناس بعدهم وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم فلم ينقص إيمانهم وتقواهم عدم وجود المهدي من بينهم لعلمهم واعتقادهم أن الدین کامل و بدونه فلا حاجة لهم به خرج أو لم يخرج.

والجواب أن يقال :

أولاً: هذا الكلام من النوع الذي يصلح أن يوصف بأنه ليس لهمعنی مستقیم.

وثانياً: إن الزمن الذي يخرج فيه المهدي، أوضحته النصوص الصحيحة وهو آخر الزمان حيث يخرج الدجال في زمنه، وينزل عیسی بن مریم (علیه السّلام) ويصلي خلفه .

وثالثاً: إن عدم وجوده بين الناس في أزمنة قتل زمانه لا ينقص الإيمان والتقوى، وإنما الذي ينقص الإيمان والتقوى عدم تصديق الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فيما يخبر به والقدح بالنصوص الشرعية استناداً إلى الشبهة العقلية كما هو مسلك بعض الكتاب في القرن الرابع عشر(1).

ص: 302


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 480.

وقال الشيخ ابن محمود في مواضع متعددة من رسالته أن القول

بخروجه على فرض صحته ليس من عقائد المسلمين، فقال في ص 56 من رسالته: وإنه على فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها أو تواترها بالمعنی حسب ما يدعون فإنها لا تعلق بها بالعقيدة الدينية ولم يدخلها علماء السنة في عقائدهم ثم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والطحاوي وشارح عقيدته، وابن قدامة والأشعري في الإبانة ثم قال : فعدم إدخالها في عقائدهم مما يدل على أنهم لم يعتبروها من عقائد الإسلام والمسلمین .وأجابه فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية العدد 46 بقوله:

والجواب على ذلك بوجوه :

الأول: أن مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكل ما صخ عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) من أخبار سواء كانت عن أمور ماضية أو مستقبلية أو موجودة غائبة عنا ومن ذلك التصديق بخروج المهدي كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والتصديق بما صحت به الأخبار عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) مما تقتضيه شهادة المسلم بأن محمدا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) في بيان معنی شهادة أن محمداً رسول طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرح، وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في كتابه لمعة الاعتقاد، ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وصح به النقل عنه فيما

ص: 303

شاهدناه أو غاب عنا نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلنا وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الإسراء والمعراج ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عیسی بن مريم (علیه السّلام) فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة ، وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل.

فكلام ابن قدامة هذا يدخل فيه التصديق بخروج المهدي في أوله وآخره. فأوله قوله : ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وصح به النقل عنه. وآخره قوله بعد أن ذكر أمثلة من أشراط الساعة وأشباه ذلك مما صح به النقل.

الثاني : أن من العلماء الذين كتبوا في عقائد أهل السنة والجماعة من نص على خروج المهدي في آخر الزمان ومنهم الحسن بن علي البرباري والسفاريني وسبقت الإشارة إلى ذلك في رقم 14 ثم إن عدم ذكر بعض الأئمة لخروج المهدي في آخر الزمان في كتبهم لا يدل على عدم اعتبارهم ذلك من عقائد المسلمين لأنهم لم يلتزموا التنصيص على كل شيء يعتقد ولأن منهم من يأتي بعموم يدخل فيه وجوب التصديق بكل ما أخبره به الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) وصح به النقل عنه كما فعل ابن قدامة المقدسي.

الثالث : قول ابن محمود وأنه على فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها تواترها بالمعنی حسبما يدعون فإنها لا علاقة لها بالعقيدة ويجاب عنه بأنه كلام غير مستقيم وإلا فكيف يقال بصحة النقل ثم لا يصدق به لا يعتقد بمقتضاه ، وسبق في رقم 16 ما نقله السيوطي عن

ص: 304

الشافعي (رحمه الله) أنه روی یوماً حديثاً وقال : إنه صحيح فقال له قائل : أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب وقال : يا هذا أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجاً من كنيساً؟ أرأيت في وسطي زناراً؟ أروي حديثاً عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ولا أقول به؟ وسبق أيضاً في رقم 6 ما رواه البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحة لأعلموني إن شاء يكون كوفية أو بصرياً أو شامياً حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً.

والحاصل أن صحة الحديث في خبر يقتضي التصديق به، وأن

کلام ابن محمود هذا متناقض وغير مستقيم المعني(1) .

زعم البعض أن انتظار المهدي (ع) تحجر فكري للأوهام والخرافات

زعم الشيخ ابن محمود في رسالته ص 85: فلا حاجة للمسلمين في أن يهربوا من واقعهم ويتركوا واجبهم لانتظار مهدي يجدد لهم دينهم ويبسط العدل بينهم فيركنوا إلى الخيال والمحالات ويستسلموا للأوهام والخرافات، ثم يفرض عليهم علماؤهم التحجر الفكري والجحود الاجتماعي على اعتقاد ما تربوا عليه في صغرهم وما تلقوه عن آبائهم ومشايخهم، أو على رأي عالم أو فقيه يوجب الوقوف على رأي مذهبه وعدم الخروج عنه، وعلى أثره يوجب عليهم الإيمان بشخص غائب هو من سائر البشر يأتي في آخر الزمان فينقذ الناس من الظلم والطغيان.

ص: 305


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 481.

وأجابه الشيخ العباد قائلاً : أن الله قد تكفل ببقاء هذا الدين وإن الموفقين لسعادة الدنيا والآخرة في مختلف العصور من جعلهم الله من أنصار دينه وفي صحيح البخاري من حديث معاوية (رض) سمعت رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، فلا يخلو عصر من العصور من إقامة شرع الله، والمهدي الذي أخبر به الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما هو إلا حلقة في أواخر سلسلة طويلة ينصر الله به في زمنه دینه ذلك الزمن الذي يستشري فيه الشر ويخرج الدجال الأعظم. وليس للمسلمين في أي زمن أن يتركوا ما أوجبه الله عليهم من نصرة الدين واتكالاً على ما جاء في أحاديث المهدي، أما وصف الشيخ ابن محمود: (التصديق بخروج المهدي بأنه مركون إلى الخيال والمحالات واستسلام للأوهام والخرافات) فسبق أن ذكرت أن هذه المسألة من الأمور الغيبية وقد أخبر الصادق المصدوق(صلّی الله علیه وآله وسلّم) في أحاديث صحيحة عن خروجه في آخر الزمان والواجب التصديق بكل خبر يثبت عن الرسول (صلی الله عليه [وآله] وسلم).

وأما ما تضمنه بقية كلامه من العتب على العلماء في بيانه ما تضمنته النصوص عن التصديق بشخص يأتي في آخر الزمان فإن واجب العلماء أن يكون كلامهم وبيانهم مبنياً على الأدلة الشرعية الثابتة لا على شبهة عقلية واهية، وهذا هو ما قام به علماء هذه الأمة سواء في الأخبار أو الأحكام(1).

ص: 306


1- الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 2: 489.

علماء السنّة لم ينكروا وجوب خروج المهدي (ع)

اعترف الشيخ ابن محمود بأن علماء السنة لم ينكروا وجوب خروج المهدي فقال : والذي جعل أمر المهدي يستفحل بين أهل السنة من المسلمين وكان بعيداً عن عقيدتهم هو عجز العلماء المتقدمين وكذا العلماء الموجودين على قيد الحياة فلم نسمع بأحد منهم رفع قلمه ولا نطق ببنت شفة في التحذير من هذا الاعتقاد السيء وكونه لا صحة له اللهم قد بلّغت بل ينكرون على من يقولون بإنكاره فيزيدون الحديث علّة والطين بلّة.

والجواب على هذا أن نقول: هكذا ينحى ابن محمود بالأئمة على علماء الأمة متقدميهم، والموجودين

على قيد الحياة منهم لعدم قيام أحد منهم بإنكار خروج المهدي وذلك دليل واضح من كلام ابن محمود على شذوذه في هذا الأمر وانه وحده في واد وعلماء الأمة الإسلامية سابقهم ولاحقهم في وادٍ آخر.

هذا وليس له رفيق في الطريق الموحش الذي سلكه إلا أمثال محمد فريد وجدي وأحمد أمين ممن حكموا العقل في النقل وردوا النصوص الصحيحة لشبه عقلية واهية. وقد صان الله العلماء المحققين المعتد بهم من الإصابة بأمراض الشبهات العقلية ووفقهم لتعظيم السنّة النبوية والتصديق بأخبارها الثابتة عن الذي لا ينطق عن الهوى(صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

ولذلك لم يحصل ابن محمود على واحد منهم يرفع قلمه أو

ص: 307

ينطق ببنت شفة في إنكار خروج المهدي سواء في ذلك سابقهم ولاحقهم. وكيف يطمع ابن محمود أن يجد عالماً ناصحاً لنفسه يتجرأ على رد النصوص الصحيحة ودعوة الناس إلى التكذيب بالسنّة الثابتة عن رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ثم بماذا بلغ ابن محمود في قوله اللهم قد بلّغت؟

إن من الواضح للمتعلم فضلاً عن العالم أنه بلغ عن عدم معرفته بالحديث النبوي الشريف وعدم تمیّز صحيحه من سقيمه وبلّغ عن تمكّن شبه بعض کتاب القرن الرابع عشر العقلية من فكرة بحيث قدمها على النقل وبلغ من شذوذه وسلوكه مسلكاً مخالفاً لمسلك أهل السنّة والجماعة وسواء كان صدور ذلك منه عن جهل أو علم هو بليّة ومصيبة.

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن کنت تدري فالمصيبة أعظم

وجوب الإيمان بالمهدي وغيبته وموالاته

دلت النصوص المتواترة والأحكام المستنبطة منها على وجوب الإيمان بالمهدي وغيبته وموالاته، وحثت الناس على الالتحاق به وبأنصاره والممهدين لدولته المباركة ولو حبوا على الثلج.

وقبل أن نشرع بالبحث نذكر النصوص التي أشارت لذلك :

1. وفي صحيح البخاري من حديث معاوية (رضي الله عنه) قال : سمعت رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين

ص: 308

وإنما أنا قاسم والله يعطي ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله. فلا يخلو عصر من العصور من إقامة شرع الله، والمهدي الذي أخبر به الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما هو إلا حلقة في أواخر سلسلة طويلة ينصر الله به في زمنه دینه ...(1) .

2. وقال الشيخ عبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية

العدد 45: وقد صحت الأحاديث بخروج المهدي (علیه السّلام)

في آخر الزمان والعقل السليم لا يختلف مع النقل الصحيح بل يتفق معه إذ إن العقل تابع للنقل وهو معه كالعامي المقلد مع العالم المجتهد كما قال ذلك بعض العلماء، وخروج المهدي في آخر الزمان متفق مع سنة الله في خلقه فإن سنة الله تعالى : أن الحق في صراع دائما مع الباطل والله تعالی يهيئ لهذا الدين في كل زمان من يقوم بنصرته، ولا تخلو الأرض في أي وقت من قائم الله بحجته، والمهدي فرد من أمة محمد (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ينصر الله به دينه في الزمن الذي يخرج فيه الدجال وينزل فيه عیسی (علیه السّلام) ... (2) .

3- فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة وكذا عند أهل الشيعة ... (3) .

4.... وصحت عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) في ذلك الآثار، وشاع

ص: 309


1- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 486.
2- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 460.
3- الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 21.

ذكره وانتشر خبره بين الكافة من أهل الإسلام على مر الدهور والأعصار فالإيمان بخروجه واجب واعتقاد ظهوره تصديقاً لخبر الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) محتم لا ريب كما هو مدون في عقائد أهل السنة والجماعة من سائر المذاهب، ومقرر في دفاتر الأمة على اختلاف طبقاتها .. (1)

5. وفي کنز العمال في حديث عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : ... حتى يدفعها إلى رجل من أهل بيتي، مواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملك الأرض فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملؤوها جوراً وظلماً، فمن أدرك ذلك منكم أو من أعقابكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى - يعني رايات أنصار المهدي - (2).

6. وفي كتاب الفتن للمروزي، عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) أنه قال : إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فائتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي(3).

وبعد تدوين هذه النصوص نبدأ باستخلاص الواجبات التي توجبها علينا والمهام التي تلزمنا بها إزاء إمامنا ومنقذنا من الظلم والضلال.

أولاً: أوجب النصين الأول والثاني علينا الإيمان بالإمام المهدي (علیه السّلام) باعتبار هذا الإيمان ملازماً لحتمية ظهوره إذ بدونه لا

ص: 310


1- إبراز الوهم المكنون...: 433 طبعة قديمة، انظر الهدي عند أهل السنة 2: 229.
2- کنز العمال 14: باب خروج المهدي (ع)، انظر المهدي عند أهل السنة 1: 449.
3- الفتن : 213، أخرجه أحمد والحاكم وأبو نعيم وأبو عمرو الداني 5: 548 .

يمكن أن نتصور لظهوره من وجود حيث لا يعقل وجود اللازم بدون ملزومه . فالإيمان بحتمية الظهور توجب علينا الإيمان بالمهدي (علیه السّلام) نفسه.

ثم أشار النصان إلى أنه لا بد أن يكون الله في كل زمان وعصر حجة أو قائم يقوم بدينه ويصونه من الانحراف والاضمحلال، ولا بد أن يكون القائم بدین الله معصوماً عصمة مطلقة حتى يتمكن من إنجاز أهدافه الرسالية على أحسن وجه.

وبما أنه ليس في الوقت الحاضر إمام معصوم ظاهر غيره، فلا بد أن يكون المراد بالقائم هو الحجة ابن الحسن العسكري (علیه السّلام) وإن كانت الظروف لا تسمح بظهوره وقيادته للأمة بصورة مباشرة.

ثانياً: لا ريب أن الشيعة يؤمنون إيمانا قطعية بوجود الإمام المهدي (علیه السّلام) وبغيبته منذ ألف ومائتي سنة تقريباً وأنه الإمام الثاني عشر، وإن طول عمرهالشريف وغيبته كانتا على نحو الإعجاز وبعناية من قبل الله تعالى وأنه سيظهر عندما يتفشى الظلم والضلال ويطهّر الأرض من الكفر والشرك والنفاق، ويظهر الإسلام على الأديان كلها وليس في عقيدتهم هذه من ابتداع وخرافة كما يزعم أعداؤهم(1) وإنما

ص: 311


1- إن عقيدة الشيعة في وجود الإمام المهدي (ع) حياً مستمدة من آيات قرآنية كآية « إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ »وآیة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » فهاتان الآيتان أثبت وجوده(ع) إذ لم لم يكن موجودة لما أمر الله تعالى المؤمنين ليكونوا معه ولأصبح كلامه جل اسمه (في كل زمان هاد) لا مصداق له. ومن الأحاديث التي نصت على وجوده الشريف حديث الأئمة الاثني عشر الذي ذكر فيه الرسول (ص) اسم الإمام المهدي باعتباره الإمام الثاني عشر، وحديث الثقلين الذي ينص على عدم افتراق العترة عن القران حتى الورود على الحوض. فهذان الحديثان يدلان بشكل صريح على وجوده حياً إلى يوم ظهوره فتأمل.

هي مستنبطة من آيات قرآنية وأحادیث متواترة وافقهم علماء المسلمين في بعضها وخالفوهم في البعض الآخر.

وعلى فرض عدم وجوده في الوقت الحاضر وأنه سيوجد على صعيد المستقبل كما يدعي إخواننا أهل السنة استنادا إلى روايةيصلحه الله تعالى في يوم وليلة) فلا بد أن تكون له غيبة بموجب هذا الاحتمال أيضاً سواء كانت طويلة أو قصيرة، لأن الإمام لا يعقل أن يولد رجلا حتى إذا أوجده الله في يوم وليلة وإنما سيولد طفلاً(1) ثم يمكث فترة من السنين حتى ينمو ويتدرج بالعمر ليصبح رجلاً كاملاً مؤهلاً للقيام بأعباء نهضته .

فخلال هذه الفترة لا بد له أن يغيب عن أنظار الناس لئلا يشعر بوجوده أعداؤه فيفتكوا به وبأصحابه ويقضوا عليه قبل أن يستفحل أمره فيعصف بهم وبعروشهم الخاوية ويقذفهم في مزابل التاريخ..

وبناءً على ما تقدم تكون الغيبة واجباً احترازياً لا بد منه لأن

حياة الإمام وبقاءه حياً إلى يوم نهضته متوقف عليها .

ثالثاً: إذا ثبت بما تقدم وجوب الإيمان بالإمام المهدي (علیه السّلام) وغيبته وحتمية ظهوره فلا بد أن نؤمن بوجوب نصرته وموالاته. إذ كيف نؤمن بعدالة قضيته وأنه سيمحق الكفر والشرك والظلم والضلال ويميت البدع ويحيي السنن ولا نبادر إلى نصرته والدفاع عن مبادئه الحقة وإسلامه الأصيل الذي لا تشوبه شائبة؟

ص: 312


1- إن القول بولادته رجلاً أمر غير معقول وهو أكثر إعجاباً من قول الشيعة بوجوده حياً، لأن الأول لا نظير له في القرآن والتاريخ ولا يقره العلم والثاني ذكرنا أدلته من القرآن والسنة وله في التاريخ كثير من الشواهد .

ولهذه الأسباب السالفة الذكر حثنا رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) بإصرار على المبادرة فوراً إلى نصرته حال سماعنا بظهوره (علیه السّلام) ولو حبواً على الثلج كما أشارت النصوص المارة الذكر لذلك بوضوح..

فلو لم يكن الأمر واجبة لما أمرنا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بالالتحاق به رغم ما يعترض سبيل وصولنا إليه من المصاعب والشدائد...

فضل انتظار الفرج

لما أثبت الرسول (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السّلام) وجوده الشريف وطول غيبته وحتمية ظهوره دعوا المؤمنين لانتظار فرجه وصرحوا في جملة من الأحاديث على أهمية انتظاره وأنه أفضل من سائر العبادات والطاعات المندوبة.

. عن أبي الحسن، عن آبائه (علیهم السّلام) أن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال : افضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ(1).

۔ عن العلاء بن سبابة، عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال : من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن في فسطاط القائم (علیه السّلام)(2) .

- عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) قال : المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله (3).

ص: 313


1- كمال الدين 2: 644.
2- کمال الدين 2: 644.
3- كمال الدين 2: 645.

- وعن الفيض بن المختار قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السّلام) قال : من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه .

قال : ثم مكث هنيئة ثم قال : لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم

قال : لا والله إلا كمن استشهد مع رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلّم) (1).

انتظار الفرج لا يعني الاستسلام للواقع الفاسد

ربما يتصور البعض أن انتظار فرجه (علیه السّلام) يستوجب التراخي والانزواء والسكوت عن المنكرات، والإقرار بالظلم والضلال، وعدم مقارعة الطاغوت والتخلي عن جميع المسؤوليات الرسالية والإنسانية الملقاة على كاهل الفرد المكلّف، وبناءً على هذا التصور يبدأ هؤلاء بشن هجوم عنيف على المنتظرين للإمام المهدي (علیه السّلام) واصفين إياهم بالمتقاعدين والمتخاذلين.

لا ليس انتظار الفرج يقود الإنسان إلى التخاذل والتنصل من المسؤوليات والتغاضي عن المنكرات ، وإنما الذي يسوق الإنسان بهذا الاتجاه هو حب الدنيا ومغرياتها. وإن المنتظر الحقيقي هو الذي يصلح نفسه ويعدها إعداداً رسالياً، ويمهد الأرضية الصالحة لظهور سیده ومولاه ويتحمل من المصاعب ما لا تطيقها الجبال الراسية من جراء جهاده لأعداء الدين ومقارعته للطاغوت وما يفرزه من المنكرات والآثار السلبية التي تشيعالفساد والانحطاط الأخلاقي. وهذا هو المجاهد الحقيقي الصابر المحتسب..

ص: 314


1- البحار 52: 126، عن المحاسن .

إن الانتظار الذي يكون أفضل من سائر العبادات المندوبة كما قال الرسول(صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، ويترتب عليه الأجر والثواب الجزيل هو الانتظار المقترن بالطاعة والعمل الصالح وأداء الوظائف الشرعية والإنسانية ، وتحمل المشاق والصعوبات بسببه، والاستعداد الكامل للبذل والتضحية في سبيل إعلاء كلمة الله ودحض كلمة الباطل ..

فالانتظار المثمر الذي يفرز عطاءً وعملاً صالحاً هو الانتظار الإيجابي الموجب لهطول رحمة الله وجزيل ثوابه ، لأن إنجاز العبادة والطاعة والاهتمام بشؤون المسلمين، ورعاية فقيرهم، ومساعدة ضعيفهم والسعي إلى توحيد صفوفهم في ظروف صعبة مدلهمة بالمكاره، وتحت ظل دولة الباطل تعرض العاملين لأخطار جسيمة، وتضحيات عظيمة توجب مضاعفة الأجر والثواب لهم ولشمولهم بعطف الله ورحمته لأن الأجر على قدر المشقة .

المنتظرون لفرجه أفضل من أصحابه المقاتلين معه

ذكرت النصوص أن المنتظرين لفرج الإمام المهدي (علیه السّلام) أفضل بكثير من أصحابه و قواد جيشه المقربين له، لأن المنتظرين يمسون ويصبحونخائفين على إمامهم وأنفسهم من أئمة الجور، وإنهم يمارسون الفرائض بتقية تامة وسريّة، ويخفون الكثير من عقائدهم خشية أن يطلع عليها النواصب الحاقدون فيكيدوا لهم کيداً.

فالمؤمنون الذين يعيشون تحت ظل أئمة الجور والنفاق وفي أجواء الحقد والاضطهاد أفضل من أولئك المجاهدين بين يدي الإمام المهدي (علیه السّلام) لأنهم مضطهدون معذبون محتقرون خائفون على

ص: 315

إمامهم وأنفسهم، بينما يعيش أصحاب الإمام باحترام وتقدير فائق ، ويحظون بلطفه ورعايته، وتنظر الناس إليهم نظرة إكبار وإجلال، ولا تقرع أسماعهم فتاوى فقهاء السوء القائلة بأن قتل واحد ممن يعتقد بوجود الإمام حياً أفضل من قتل مائة كافر(1).

وفيما يلي نذكر روايتين تشيران إلى أن المنتظرين أفضل من

أصحابه (علیه السّلام) :

. ففي الاختصاص للشيخ المفيد، عن أمية بن علي، عن رجل قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السّلام) : أيّنا أفضل نحن أو أصحاب القائم (علیه السّلام) ؟

قال : فقال لي: أنتم أفضل من أصحاب القائم وذلك أنكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور، إن صليتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجكم في تقية وإنشهدتم لم تقبل شهادتكم وعد أشياء من نحو هذا مثل هذه، فقلت: فما نتمنّى القائم (علیه السّلام) إذا كان على هذا، قال : فقال لي: سبحان الله أما تحبّ أن يظهر العدل ويأمن السبل وينصف المظلوم(2).

- وعن الاحتجاج في البحار، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين (علیه السّلام) قال : تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) والأئمة بعده .

ص: 316


1- الفتاوي الحديثية للهيثمي: 37 الطبعة الثانية 1390 ه، انظر الإمام المهدي (ع) عند أهل السنة 1: 432.
2- الاختصاص: 20، البحار 13 : 140 باب فضل انتظار الفرج طبع قدیم.

يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، المنتظرین الظهوره أفضل أهل كل زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بالسيف. أولئك المخلصون حقاً وشیعتنا صدقاً والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً، وقال(علیه السّلام) : انتظار الفرج من أعظم الفرج(1).

عبادة المنتظر مع الإمام المستتر أفضل من العبادة مع الظاهر

- عن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السّلام) : العبادة مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟

فقال : يا عمار الصدقة والله في السر في دولة الباطل أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممن يعبد الله عزّ وجلّ في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن وفي دولة الحق، اعلموا أن من صلى منك صلاة فريضة وحداناً مستراً بها من عدوه في وقتها فأتمها كتب الله عزّ وجلّ له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمها كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منکم

ص: 317


1- البحار 52 : 140 عن غيبة النعماني .

حسنة كتب الله له بها عشرین حسنة، ويضاعف الله حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان الله عزّ وجلّ بالتقية على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة، إن الله عزّ وجلّ كريم.

قال عمّار: فقلت: جعلت فداك قد رغبتني في العمل وحشتني عليه ولكني أحب أن أعلم كيف صرنا اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحق ونحن وهم على دين واحد وهو دین الله عزّ وجلّ؟

فقال : إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عزّ وجلّ وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل فقه وخير وإلى عبادة الله سراً مع عدوكم مع الإمام المستتر مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حق إمامكم وحقكم في أيدي الظلمة قد منعوكم ذلك واضطّروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف اللله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً.

قال: فقلت له: جعلت فداك فما نتمنى إذاً أن نكون من أصحاب الإمام القائم في ظهور الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحق؟

فقال : سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله عزّ وجلّ الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة العباد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف بين

ص: 318

قلوب مختلفة ولا يعصي الله عزّ وجلّ في أرضه، وتقام حدود الله في خلقه، ويرد الله الحق إلى أهله فيطهّرون حتى لا يستخف بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار لا يموت منکم میت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله عزّ وجلّ من كثير ممن شهد بدراً وأحداً فأبشروا(1).

نختم كتابنا هذا بالدعاء التالي : اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين ..

تم الكتاب بعون الله وتوفيقاته

في أربع ربيع الأول عام 1435 للهجرة

ص: 319


1- كمال الدين 2: 646.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.