الامام الحسین علیه السلام في بحار الانوار

اشارة

الامام الحسین علیه السلام في بحار الانوار

سيد علي جمال أشرف

تعداد صفحات: 623ص

زبان: عربی

خیراندیش دیجیتالی : بیادبود مرحوم حاج سید مصطفی سید حنایی

ص: 1

اشارة

الامام الحسین علیه السلام في بحار الانوار

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الكائنات وأشرف الرسل أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم من الأولين والآخرين.

أما بعد :

قد تشكّل الأسانيد والفصول الطويلة غير المقطّعة ولا المبوبة عقبة لا يستهان بها أمام القارى ء المعاصر الذي لا يهتم كثير اهتمام بمثل هذا النمط من التأليف ، ولربّما

كان يجهل تماما من هم رجال السند، فيمرّ عليهم مرور الغريب على الغريب المزعج الذي يزاحمه في المسير، أمّا الذين يعيشون مع رجال السند كما يعيشون مع أحبائهم وأصدقائهم وأقربائهم، وكأنّهم يعاصرونهم ويعاشرونهم، فهم قليل جدا، ونوادر من المتخصصين .

وأمّا مطلق القراء، ولنسميهم القراء غير المتخصصين، فهم يريدون الاسترسال مع مادة الكتاب خصوصا في مواد مثل التاريخ والسيرة وما أشبه .

وكان لهذه المسافة الفاصلة بين القراء وبين كتب المصادر آثار جمّة على حياة الفرد والمجتمع، وصار كلام أهل البيت وسيرتهم لا تتيسر لعامة الناس من أتباعهم، ومن ثم ليس ثمة كثير من الناس من يجلس الى الامام ليستمع له مباشرة، فيما نعلم نحن من النصوص أنّ أهل الببيت كلامهم نور، وهم يكلمون الناس على قدر عقولهم، وهم سادة الفصحاء والبلغاء، ويمكن لكلّ من استمع اليهم أن يفهم كلامهم ويغترف منه بقدر إنائه .

ص: 3

وللمصدر الذي يروى الخبر في هذا الزمان قيمة غير قليلة، ومجرد نسبة الخبر إلى مصدر معروف تورث في نفس السامع أو القارى ء اطمئنانا يتناسب مع وثاقة ذلك المصدر ومستوى الاطمئنان الى مؤلفه .

ويمكن للقارى ء أن يقرأ ما يشاء ثم يراجع المتخصص للاستنارة بعلمه واستخلاص النقي من غيره، والمصادر بالرغم من توفرها إلاّ أنّها ربّما تعسرت على البعض، امّا لغلائها أو ضخامة حجمها أو ندرتها وما شاكل .

وقد رأينا الأعلام من كبار علمائنا الأبرار يؤلفون كتبا كثيرة مجردة عن الأسانيد ومبوبة تبويبا رائعا فيما يؤلفون كتبا مطولة مفصلة تحتوي الأسانيد وكلّ ما يحتاجه المحقق المتخصص ، وربما تضمنت ما لا تتضمنه المختصرات .

وفي محاولة - مهما كانت بسيطة - لتقديم ما يخص حياة الإمام سيد شباب أهل الجنة ، السبط الشهيد أبيّ الضيم الحسين بن علي عليه السلام من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي قدس سره قمنا بتجريد الجزء 44 والجزء 45 من الأسانيد، ونقل ما ذكره المؤلف تحت عنوان بيان أو توضيح الى الهامش، وأضفنا اليه عناوين كثيرة داخل الأبواب، وتركنا ترقيم الأبواب والأحاديث والأخبار كما هي عليه في أصل الكتاب لتيسير الرجوع اليه وقت الحاجة، ولم نحذف من المتن شيئا إلاّ ما قد لا يتجاوز النصف صفحة من كلّ الكتاب، وقد أشرنا الى ذلك في مواضعه .

وهذه المحاولة إنّما هي مفردة من مشروع مفصل قد يوفقنا الله لانجازه إن شاء الله تعالى قدمناها للأخ الفاضل الحاج محمد صادق الكتبي حفظه الله بمناسبة تشرفه بالحج سنة 1423 راجين من الله القبول .

ونتوسل الى المولى الرؤوف وسيد الشهداء الحسين الحبيب عليه السلام أن يتقبل منّا هذه البضاعة المزجاة، ويعطينا الكثير بهذا الأقل من القليل، ويشملنا ووالدينا وأولادنا وأهلينا وجميع اخواننا المؤمنين بشفاعته، ويتفضل علينا برؤيته، ويجعلنا من خدامه وزواره في الدنيا والآخرة .

قم المقدسة

سيد علي جمال أشرف

ص: 4

أبواب ما يختص

بتاريخ الحسين بن علي صلوات الله عليهما

باب 24 :النص عليه بخصوصه ووصية الحسن إليه صلوات الله عليهما

اشارة

1 - إعلام الورى

: عن هارون بن الجهم قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام

يقول : لما احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين : يا أخي إني أوصيك بوصية : إذا أنا متّ فهيئني ووجهني إلى رسول الله صلى الله عليه و آله لأحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليهاالسلام ، ثم ردني فادفني بالبقيع .. إلى آخر الخبر .

[ الإمام الحسن ينص على إمامة الحسين عند محمد بن الحنفية ]

2 - إعلام الورى : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى وراء بابك مونا من غير آل محمد ؟

ص: 5

فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي ، قال : فأتيته ، فلما دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير ؟ قلت : أجب أبا محمد ، فعجل عن شسع نعله فلم يسوه ، فخرج معي يعدو .

فلما قام بين يديه سلم ، فقال له الحسن : اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض ، أما علمت أن الله - عزّ وجلّ - جعل ولد إبراهيم أئمة ، وفضل بعضهم على بعض ، وآتى داود زبورا ، وقد علمت بما استأثر الله محمدا صلى الله عليه و آله .

يا محمد بن علي إني لا أخاف عليك الحسد ، وإنما وصف الله - تعالى - به الكافرين فقال : « كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » ، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطانا .

يا محمد بن علي ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟ قال : بلى ، قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا .

يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك .

يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي - بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي - إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب الماضي ، وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمه ، علم الله أنكم خير خلقه فاصطفى منكم محمدا ، واختار محمد عليا ، واختارني علي للإمامة ، واخترت أنا الحسين .

فقال له محمد بن علي : أنت إمامي وسيدي ، وأنت وسيلتي إلى محمد ، والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء ولا تغيره بعد الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم ، أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ،

ص: 6

وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ .

الحسين أعلمنا علما ، وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول الله رحما ، كان إماما قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أن أحدا خير منا ما اصطفى محمدا صلى الله عليه و آله ، فلما اختار محمدا ، واختار محمد عليا إماما ، واختارك علي بعده ، واخترت الحسين بعدك ، سلمنا ورضينا بمن هو الرضا وبمن نسلم به من المشكلات(1) .

ص: 7


1- بيان : قوله : فقال الله : أي لا تحتاج إلى أن أذهب وأرى فإنك بعلومك الربانيه أعلم بما أخبرك بعد النظر ويحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر بالقلب بما علموه من ذلك فإنه كان من أصحاب الأسرار فلذا قال : أنت أعلم به مني من هذه الجهة ولعل السؤال لأنه كان يريد أولا أن يبعث غير قنبر لطلب ابن الحنفية فلما لم يجد غيره بعثه . ويحتمل أن يكون أراد بقوله مونا ملك الموت عليه السلام فإنه كان يقف ويستأذن للدخول عليهم فلعله أتاه بصورة بشر فسأل قنبرا عن ذلك ليعلم أنه يراه أم لا فجوابه حينئذ إني لا أرى أحدا وأنت أعلم بما تقول وترى ما لا أرى فلما علم أنه الملك بعث إلى أخيه . فعجل عن شسع نعله أي صار تعجيله مانعا عن عقد شسع النعل قوله عن سماع كلام أي النص على الخليفة فإن السامع إذا أقر فهو حي بعد وفاته وإذا أنكر فهو ميت في حياته أو المعنى أنه سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان وسبب لموت الأحياء بالحياة الظاهرية أو بالحياة المعنوية إن لم يقبلوه وقيل يموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا وهو بعيد . كونوا أوعية العلم تحريص على استماع الوصية وقبولها ونشرها أو على متابعة الإمام والتعلم منه وتعليم الغير قوله عليه السلام فإن ضوء النهار أي لا تستنكفوا عن التعلم وإن كنتم علماء فإن فوق كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أو عن تفضيل بعض الإخوة على بعض . والحاصل أنه قد استقر في نفوس الجهلة بسبب الحسد أن المتشعبين من أصل واحد في الفضل سواء ولذا يستنكف بعض الإخوة والأقارب عن متابعة بعضهم وكان الكفار يقولون للأنبياء « ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا »فأزال عليه السلام تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة فإن كله من الشمس لكن بعضه أضوأ من بعض كأول الفجر وبعد طلوع الشمس وبعد الزوال وهكذا فباختلاف الاستعدادات والقابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد . وقوله أ ما علمت أن الله تمثيل لما ذكر سابقا وتأكيد له وقوله فجعل ولد إبراهيم أئمة إشارة إلى قوله - تعالى - « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » وقوله وفضل إلخ إشارة إلى قوله سبحانه « وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً » . وقد علمت بما استأثر أي علمت بأي جهة استأثر الله محمدا أي فضله إنما كان لوفور علمه ومكارم أخلاقه لا بنسبه وحسبه وأنت تعلم أن الحسين أفضل منك بجميع هذه الجهات ويحتمل أن تكون ما مصدرية والباء لتقوية التعدية أي علمت استيثار الله إياه قوله إني لا أخاف فيما عندنا من نسخ الكافي إني أخاف ولعل ما هنا أظهر . قوله عليه السلام ولم يجعل الله الظاهر أن المراد قطع عذره في ترك ذلك أي ليس للشيطان عليك سلطان يجبرك على الإنكار ولا ينافي ذلك قوله - تعالى - « إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ » لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله أو السلطان في الآية محمول على ما لا يتحقق معه الجبر أو المعنى أنك من عباد الله الصالحين . وقد قال - تعالى - : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » ويحتمل أن تكون جملة دعائية . قوله عليه السلام وعند الله في الكافي وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلى الله عليه و آلهأضافها الله - عزّ وجلّ - له في وراثة أبيه وأمه صلى الله عليهما فعلم الله أي كونه إماما مثبت عند الله في اللوح أو في القرآن وقد ذكر الله وراثته مع وراثة أبيه وأمه كما سبق في وصية النبي صلى الله عليه و آلهفيكون في بمعنى إلى أو مع ويحتمل أن تكون في سببية كما أن الظاهر مما في الكتاب أن يكون كذلك . قوله ره ألا وإن في رأسي كلاما أي في فضائلك ومناقبك لا تنزفه الدلاء أي لا تفنيه كثرة البيان من قولك نزفت ماء البئر إذا نزحت كله ولا تغيره بعد الرياح كناية عن عذوبته وعدم تكدره بقلة ذكره فإن ما لم تهب عليه الرياح تتغير وفي الكافي نغمة الرياح وإن ذلك أيضا قد يصير سببا للتغير أي لا يتكرر ولا يتكدر بكثرة الذكر ومرور الأزمان أو كنى بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحق كما قال - تعالى - : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِوا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ » . قوله كالكتاب المعجم من الإعجام بمعنى الإغلاق يقال أعجمت الكتاب خلاف أعربته وباب معجم كمكرم مقفل كناية عن أنه من الرموز والأسرار أو من التعجيم أو الإعجام بمعنى إزالة العجمة بالنقط والإعراب أشار به إلى إبانته عن المكنونات والرق ويكسر جلد رقيق يكتب فيه والصحيفة البيضاء ويقال نمنمه أي زخرفه ورقشه والنبت المنمنم الملتف المجتمع وفي بعض نسخ الكافي المنهم من النهمة بلوغ الهمة في الشيء كناية عن كونه ممتلئا أو من قولهم إنهم البرد والشحم أي ذابا كناية عن إغلاقه كأنه قد ذاب ومحي . قوله فأجدني أي كلما أهم أن أذكر من فضائلك شيئا أجده مذكورا في كتاب الله وكتب الأنبياء وقيل أي سبقتني إليه أنت وأخوك لذكره في القرآن . وكتب الأنبياء وعلمها عندكما والظاهر أن سبق مصدر ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا على الاستئناف وعلى التقديرين سبقت على صيغة المجهول وإنه أي ما في رأسي . وفي بعض نسخ الكافي بعد قوله ويد الكاتب حتى لا يجد قلما ويوى بالقرطاس حمما وضمير يجد للكاتب وكذا ضمير يوى أي يكتب حتى تفنى الأقلام وتسود جميع القراطيس والحمم بضم الحاء وفتح الميم جمع الحممة كذلك أي الفحمة يشبه بها الشيء الكثير السواد وضمير يبلغ للكاتب . أعلمنا علما علما تميز للنسبة على المبالغة والتأكيد كان إماما وفي الكافي كان فقيها قبل أن يخلق أي بدنه الشريف كما مر أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقها بأجسادهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية ومعلمة للملائكة قبل أن ينطق أي بين الناس كما ورد أنه عليه السلام أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الأرواح وفي الرحم . وفي الكافي في آخر الخبر من بغيره يرضى ومن كنا نسلم به من مشكلات أمرنا فقوله من بغيره يرضى الاستفهام للإنكار والظرف متعلق بما بعده وضمير يرضى راجع إلى من وفي بعض النسخ بالنون وهو لا يستقيم إلا بتقدير الباء في أول الكلام أي بمن بغيره نرضى وفي بعضها من بعزه نرضى أي هو من بعزه وغلبته نرضى أو الموصول مفعول رضينا ومن كنا نسلم به أيضا إما استفهام إنكار بتقدير غيره ونسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالما من الابتلاء بالمشكلات وعلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على المفعول ويود الأخير فيهما ما هنا .

ص: 8

ص: 9

باب 25 :معجزاته صلوات الله عليه

اشارة

[ الإمام يشفي حبابة الوالبية ]

1 - بصائر الدرجات : عن صالح بن ميثم الأسدي قال : دخلت أنا وعباية بن ربعي على امرأة في بني والبة قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها عباية : يا حبابة هذا ابن أخيك ، قالت : وأي أخ ؟ قال : صالح بن ميثم ، قالت : ابن أخي والله حقا ، يا ابن أخي ألا أحدثك سمعته من الحسين بن علي ؟ قال : قلت : بلى يا عمة .

قالت : كنت زوارة الحسين بن علي عليه السلام ، فحدث بين عيني وضح ، فشق ذلك علي واحتبست عليه أياما ، فسأل عني ما فعلت حبابة الوالبية ؟ فقالوا : إنهاحدث بها حدث بين عينيها ، فقال لأصحابه : قوموا إليها ، فجاء مع أصحابه حتى دخل علي وأنا في مسجدي هذا ، فقال : يا حبابة ما أبطأ بك علي ؟ قلت : يا ابن رسول الله حدث هذا بي .

قالت : فكشفت القناع فتفل عليه الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا حبابة أحدثي لله شكرا ، فإن الله قد درأه عنك ، قالت : فخررت ساجدة ، قالت : فقال :

ص: 10

يا حبابة ارفعي رأسك وانظري في مرآتك ، قالت : فرفعت رأسي فلم أحس منه شيئا ، قالت : فحمدت الله .

2 - دعوات الراوندي : ذكر مثله وزاد في آخره : فنظر إلي فقال : يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء .

[ إحياء المرأة الميتة باذن اللّه ]

3 - الخرائج والجرائح : عن يحيى ابن أم الطويل قال : كنا عند الحسين عليه السلام إذ دخل عليه شاب يبكي فقال له الحسين : ما يبكيك ؟ قال : إن والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص ، ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتى أعلمك خبرها .

فقال الحسين عليه السلام : قوموا حتى نصير إلى هذه الحرة ، فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي توفيت فيه المرأة [وهي] مسجاة ، فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتى توصي بما تحب من وصيتها ، فأحياها الله ، وإذا المرأة جلست وهي تتشهد ، ثم نظرت إلى الحسين عليه السلام فقالت : ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس على مخدة ، ثم قال لها : وصي يرحمك الله ، فقالت : يا ابن رسول الله ، لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لابني هذا ، إن علمت أنه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفافخذه إليك فلا حق للمخالفين في أموال المونين ، ثم سألته أن يصلي عليها ، وأن يتولى أمرها ، ثم صارت المرأة ميتة كما كانت .

[ أما تستحي يا أعرابي تدخل إلى إمامك وأنت جنب ]

4 - الخرائج والجرائح : عن زين العابدين عليه السلام قال : أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحسين عليه السلام لما ذكر له من دلائله ، فلما صار بقرب المدينة خضخض ودخل

ص: 11

المدينة ، فدخل على الحسين ، فقال له أبو عبد الله الحسين عليه السلام : أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب ؟! فقال : أنتم معاشر العرب إذا دخلتم خضخضتم!! فقال الأعرابي : قد بلغت حاجتي مما جئت فيه ، فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه ، فسأله عما كان في قلبه(1) .

[ إنّي أدلك على من قتل غلماني فاشدد يدك بهم ]

5 - الخرائج والجرائح : عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : إذا أراد الحسين عليه السلام أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا ، اخرجوا يوم كذا ، فإنكم إن خالفتموني قطع عليكم ، فخالفوه مرة وخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتصل الخبر إلى الحسين عليه السلام فقال : لقد حذرتهم فلم يقبلوا مني .

ثم قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم ، فقال الحسين عليه السلام : فإني أدلك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، قال : أو تعرفهم يا ابن رسول الله ؟ قال : نعم كما أعرفك ، وهذا منهم ، فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا ؟ ومن أين تعرف أنيمنهم ؟ فقال له الحسين عليه السلام : إن أنا صدقتك تصدقني ؟ قال : نعم والله لأصدقنك ، فقال : خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلهم ، فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقون من جيشان المدينة ، فقال الوالي : وربّ القبر والمنبر لتصدقني أو لأهرقن لحمك بالسياط ، فقال الرجل : والله ما كذب الحسين ، ولصدق ، وكأنه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعا ، فأقروا جميعا فضرب أعناقهم .

ص: 12


1- بيان : قال الجزري : الخضخضة الاستمناء وهو استنزال المني في غير الفرج وأصل الخضخضة التحريك .

[ إستشار الإمام في الزواج وخالفه فافتقر ]

6 - الخرائج والجرائح :روي أن رجلا صار إلى الحسين عليه السلام فقال : جئتك أستشيرك في تزويجي فلانة ، فقال : لا أحب ذلك ، وكانت كثيرة المال ، وكان الرجل أيضا مكثرا ، فخالف الحسين فتزوج بها ، فلم يلبث الرجل حتى افتقر .

فقال له الحسين عليه السلام : قد أشرت إليك فخل سبيلها فإن الله يعوضك خيرا منها ، ثم قال : وعليك بفلانة فتزوجها ، فما مضت سنة حتى كثر ماله وولدت له ذكرا وأنثى ، ورأى منها ما أحب .

[ فطرس الملك يتمسّح بمهد الحسين ]

7 - الخرائج والجرائح : روي أنه لما ولد الحسين عليه السلام أمر الله - تعالى - جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة فيهنئ محمدا ، فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له «فطرس»، بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه ، فألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد الله سبعمائة عام ، فقال فطرس لجبرئيل : إلى أين ؟ فقال : إلى محمد ، قال : احملني معك لعله يدعو لي .

فلما دخل جبرئيل وأخبر محمدا بحال فطرس قال له النبي : قل : يتمسح بهذا المولود ، فتمسح فطرس بمهد الحسين عليه السلام ، فأعاد الله عليه في الحال جناحه ، ثم ارتفع مع جبرئيل إلى السماء .

[ الحمى تهرب من الحسين ]

8 - المناقب لابن شهرآشوب : زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يحدث عن آبائه عليهم السلام : أن مريضا شديد الحمى عاده الحسين عليه السلام ، فلما دخل

ص: 13

من باب الدار طارت الحمى عن الرجل ، فقال له : رضيت بما أوتيتم به حقا حقا ، والحمى تهرب عنكم ، فقال له الحسين عليه السلام : والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا .

قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المونين أمرك أن لا تقربي إلا عدوا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه ، فما بال هذا ؟ فكان المريض عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي .

[ خلّص يده من يدها ]

10 - تهذيب الأحكام : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن امرأة كانت تطوف وخلفها رجل ، فأخرجت ذراعها ، فقال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فأثبت الله يد الرجل في ذراعها حتى قطع الطواف ، وأرسل إلى الأمير ، واجتمع الناس ، وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنى الجناية ، فقال : ها هنا أحد من ولد محمد رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ فقالوا : نعم ، الحسين بن علي عليه السلام

قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان ، فاستقبل الكعبة ورفع يديه ، فمكث طويلا يدعو ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا تعاقبه بما صنع ؟ قال : لا .

[ الإمام يستنطق الغلام الرضيع ]

11 - المناقب لابن شهرآشوب : روى عبد العزيز بن كثير : أن قوما أتواإلى

الحسين عليه السلام وقالوا : حدثنا بفضائلكم ، قال : لا تطيقون ، وانحازوا عني لأشير إلى بعضكم فإن أطاق سأحدثكم ، فتباعدوا عنه ، فكان يتكلم مع أحدهم حتى دهش ووله ، وجعل يهيم ولا يجيب أحدا ، وانصرفوا عنه .

ص: 14

صفوان بن مهران قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السلام في امرأة وولدها ، فقال هذا : لي وقال هذا : لي ، فمر بهما الحسين عليه السلام فقال لهما : فيما تمرجان ؟ قال أحدهما : ان الامرأة لي ، وقال الآخر : إن الولد لي ، فقال

للمدعي الأول : اقعد فقعد ، وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين عليه السلام : يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك، فقالت: هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا ، فقال عليه السلام : يا غلام ما تقول هذه ؟ انطق بإذن الله - تعالى - ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلا راعي لآل فلان ، فأمر عليه السلام برجمها ، قال جعفر عليه السلام : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها .

[ تريد أن ترى مخاطبة النبي لأبي دون يوم مسجد قبا ]

الأصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين عليه السلام فقلت : سيدي أسألك عن شيء أنا به موقن ، وأنه من سر الله ، وأنت المسرور إليه ذلك السر ، فقال : يا أصبغ أتريد أن ترى

مخاطبة رسول الله لأبي دون يوم مسجد قباء ؟ قال : هذا الذي أردت ، قال : قم فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتد إلى بصري ، فتبسم في وجهي ثم قال : يا أصبغ إن سليمان بن داود أعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، وأنا قد أعطيت أكثر مما أعطي سليمان ، فقلت : صدقت والله يا ابن رسول الله ، فقال : نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا؛ لأنا أهل سر الله ، فتبسم في وجهي ، ثم قال : نحن آل الله وورثة رسوله ، فقلت : الحمد لله على ذلك ، قال لي : ادخل ، فدخلت ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه و آلهمحتبئ في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المونين عليه السلام قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول الله يعض على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة الله ولعنتي(1) .. الخبر .

ص: 15


1- بيان : لأبي دون أي لأبي بكر عبر به عنه تقية والدون الخسيس والأعسر الشديد أو الشو والمراد به إما أبو بكر أو عمر .

[ أصحاب الحسين لم ينقصوا ولم يزيدوا رجلاً ]

12 - المناقب لابن شهرآشوب : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين بن علي عليه السلام : إنك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك! فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي مكة عرض به .

كتاب التخريج : عن ابن عباس قال : رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكف جبرئيل في كفه وجبرئيل ينادي : هلموا إلى بيعة الله - عزّ وجلّ - ، وعنف ابن عباس على تركه الحسين عليه السلام فقال : إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم .

وقال محمد بن الحنفية : وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم .

[ إنّه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره ]

13 - كتاب النجوم : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خرج الحسين بن علي إلى مكة سنة ماشيا فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم ، فقال : كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره منه ولا تماسكه ، فقال له مولاه : بأبي أنت وأمي ما قدامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء ، فقال : بلى أمامك دون المنزل ، فسار ميلا فإذا هو بالأسود ، فقال الحسين لمولاه : دونك الرجل فخذ منه الدهن ، فأخذ منه الدهن وأعطاه الثمن ، فقال له الغلام : لمن أردت هذا الدهن ؟ فقال : للحسين بن علي عليه السلام ، فقال : انطلق به إليه ، فصار الأسود نحوه ، فقال : يا ابن رسول الله إني مولاك لا آخذ له ثمنا ، ولكن ادع الله أن يرزقني ولدا ذكرا سويا يحبكم أهل البيت ، فإني خلفت امرأتي تمخض ، فقال : انطلق إلى منزلك ، فإن الله قد وهب لك

ص: 16

ولدا ذكرا سويا ، فولدت غلاما سويا ، ثم رجع الأسود إلى الحسين ودعا له بالخير بولادة الغلام له ، وإن الحسين عليه السلام قد مسح رجليه ، فما قام من موضعه حتى زال ذلك الورم(1) .

[ واللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ]

14 - كتاب النجوم : عن حذيفة قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول : والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ، ويقدمهم عمر بن سعد ، وذلك في حياة النبي صلى الله عليه و آله ، فقلت له : أنبأك بهذا رسول الله ؟ فقال : لا ، فقال : فأتيت النبي فأخبرته ، فقال : علمي علمه ، وعلمه علمي؛ لأنا نعلم بالكائن قبل كينونته .

[ شفاء حبابة من البرص ]

15 - رجال الكشي : عن صالح بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الأسدي على

حبابة الوالبية ، فقال لها : هذا ابن أخيك ميثم ، قالت : ابن أخي والله حقا ، ألا أحدثكم بحديث عن الحسين بن علي عليه السلام ، فقلت : بلى ، قالت : دخلت عليه وسلمت فرد السلام ورحب ، ثم قال : ما بطأ بك عن زيارتنا والتسليم علينايا حبابة ؟ قلت : ما بطأني عنك إلا علة عرضت ، قال : وما هي ؟ قالت : فكشفت خماري عن برص .

قالت : فوضع يده على البرص ودعا ، فلم يزل يدعو حتى رفع يده ، وقد كشف الله ذلك البرص ، ثم قال : يا حبابة إنه ليس أحد على ملة إبراهيم في هذه الأمة غيرنا وغير شيعتنا ومن سواهم منها براء .

ص: 17


1- بيان : قد مر هذا في معجزات الحسن عليه السلام وفي الكافي أيضا كذلك وصدوره عنهما واتفاق القصتين من جميع الوجوه لا يخلو من بعد والظاهر أن ما هنا من تصحيف النساخ .

[ استسقاء الحسين لأهل الكوفة ]

16 - عيون المعجزات للمرتضى رحمه الله : عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليه السلام قال : جاء أهل الكوفة إلى علي عليه السلام فشكوا إليه إمساك المطر ، وقالوا له : استسق لنا ، فقال للحسين عليه السلام : قم واستسق ، فقام وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وقال :

اللهم معطي الخيرات ، ومنزل البركات ، أرسل السماء علينا مدرارا ، واسقنا غيثا مغزارا ، واسعا غدقا مجللا سحا سفوحا فجاجا ، تنفس به الضعف من عبادك ، وتحيي به الميت من بلادك ، آمين ربّ العالمين . فما فرغ عليه السلام من دعائه حتى غاث الله - تعالى - غيثا بغتة .

وأقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال : تركت الأودية والآكام يموج بعضها في بعض .

[ اللهم جرّه إلى النار ]

عن عطاء بن السائب عن أخيه قال : شهدت يوم الحسين - صلوات الله عليه - فأقبل رجل من تيم يقال له «عبد الله بن جويرة» فقال : يا حسين! فقال صلوات الله عليه : ما تشاء ؟ فقال : أبشر بالنار!! فقال عليه السلام : كلا إني أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع ، وأنا من خير إلى خير ، من أنت ؟ قال : أنا ابن جويرة ، فرفع يده الحسين حتى رأينا بياض إبطيه ، وقال : اللهم جره إلى النار ، فغضب ابن جويرة ، فحمل عليه ، فاضطرب به فرسه في جدول ، وتعلق رجله بالركاب ، ووقع رأسه في الأرض ، ونفر الفرس ، فأخذ يعدو به ويضرب رأسه بكل حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب ، فصار لعنه الله إلى نار الجحيم .

ص: 18

[ جبرائيل يناغي الحسين في المهد ]

أقول : روي عن طاوس اليماني : أن الحسين بن علي عليه السلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله كان كثيرا ما يقبل جبينه ونحره ، وإن جبرئيل عليه السلام نزل يوما فوجد الزهراء عليهاالسلام نائمة

والحسين في مهده يبكي ، فجعل يناغيه ويسليه حتى استيقظت ، فسمعت صوت من

يناغيه ، فالتفتت فلم تر أحدا ، فأخبرها النبي صلى الله عليه و آلهأنه كان جبرئيل عليه السلام (1) .

ص: 19


1- وقد مضى بعض معجزاته في الأبواب السابقة وسيأتي كثير منها في الأبواب الآتية لا سيما باب شهادته وباب ما وقع بعد شهادته صلوات الله عليه .

باب 26 :مكارم أخلاقه وجمل أحواله

اشارة

وتاريخه وأحوال أصحابه صلوات الله عليه

[ قد أجبتكم فاجيبوني ]

1 - تفسير العياشي : عن مسعدة قال : مرّ الحسين بن علي عليه السلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسرا ، فقالوا : هلم يا ابن رسول الله ، فثنى وركه فأكل معهم ، ثم تلا إن الله لا يحب المستكبرين ، ثم قال : قد أجبتكم فأجيبوني ، قالوا : نعم يا ابن رسول الله ، فقاموا معه حتى أتوا منزله ، فقال للجارية : أخرجي ما كنت تدخرين .

[ لن تموت حتى أقضيها عنك ]

2 - المناقب لابن شهرآشوب : دخل الحسين عليه السلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول : وا غماه! فقال له الحسين عليه السلام : وما غمك يا أخي ؟ قال : ديني ، وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسين : هو عليّ ، قال : إني أخشى أن أموت ، فقال الحسين : لن تموت حتى أقضيها عنك ، قال : فقضاها قبل موته .

ص: 20

وكان عليه السلام يقول : شر خصال الملوك : الجبن من الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عند الإعطاء .

[ خير مالك ما وقيت به عرضك ]

وفي كتاب أنس المجالس : أن الفرزدق أتى الحسين عليه السلام لما أخرجه مروان من المدينة ، فأعطاه عليه السلام أربعمائة دينار ، فقيل له : إنه شاعر فاسق منتهر ، فقال عليه السلام : إن خير مالك ما وقيت به عرضك ، وقد أثاب رسول الله صلى الله عليه و آله كعب بن زهير ، وقال في عباس بن مرداس : اقطعوا لسانه عني .

[ كيف يأكل التراب جودك ]

وفد أعرابي المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدل على الحسين عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصليا ، فوقف بإزائه وأنشأ :

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقة

قال : فسلم الحسين وقال : يا قنبر ، هل بقي من مال الحجاز شيء ؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها ، قد جاء من هو أحق بها منا ، ثم نزع برديه ولف الدنانير فيها ، وأخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي وأنشأ :

خذها فإني إليك معتذر

واعلم بأني عليك ذوشفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غير

والكف مني قليلة النفقة

ص: 21

قال : فأخذها الأعرابي وبكى ، فقال له : لعلك استقللت ما أعطيناك ، قال :لا ولكن كيف يأكل التراب جودك(1) ؟

[ إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ]

3 - المناقب لابن شهرآشوب : شعيب الخزاعي قال : وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر ، فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين .

وقيل : إن عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين عليه السلام الحمد ، فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وأين يقع هذا من عطائه ؟ يعني تعليمه ، وأنشد الحسين عليه السلام :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرا قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا ما تولت

[ قوموا إلى منزلي ]

ومن تواضعه عليه السلام : أنه مرّ بمساكين وهم يأكلون كسرا لهم على كساء ، فسلم عليهم ، فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ، ثم قال : قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم .

ص: 22


1- بيان : قوله : عصا لعل العصا كناية عن الإمارة والحكم قال الجوهري : قولهم لا ترفع عصاك عن أهلك يراد به الأدب وإنه لضعيف العصا أي الترعية ويقال أيضا إنه للين العصا أي رفيق حسن السياسة لما ولي انتهى أي لو كان لنا في سيرنا في هذه الغداة ولاية وحكم أو قوة لامست يد عطائنا عليك صابة والسماء كناية عن يد الجود والعطاء والاندفاق الانصباب وريب الزمان حوادثه وغير الدهر كعنب أحداثه أي حوادث الزمان تغير الأمور قوله كيف يأكل التراب جودك أي كيف تموت وتبيت تحت التراب فتمحى وتذهب جودك .

[ فصر إليّ حتى تترضاني!! ]

وحدث الصولي عن الصادق عليه السلام في خبر : أنه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين عليه السلام : أما بعد؛ يا أخي فإن أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ولو كان مل ء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك ، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني فإنك أحق بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ففعل الحسين عليه السلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(1) .

[ الضيعة لك يا وليد ]

4 - المناقب لابن شهرآشوب : ومن شجاعته عليه السلام : أنه كان بين الحسين عليه السلام وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة ، فتناول الحسين عليه السلام عمامة الوليد عن رأسه وشدها في عنقه وهو يومئذ وال على المدينة ، فقال مروان : بالله ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره! فقال الوليد : والله ما قلت هذا غضبا لي ، ولكنك حسدتني على حلمي عنه ، وإنما كانت الضيعة له ، فقال الحسين : الضيعة لك يا وليد وقام .

[ موت في عزّ خير من حياة في ذلّ ]

وقيل له يوم الطف : أنزل على حكم بني عمك ، قال : لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد ، ثم نادى يا عباد الله « إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّيوَرَبِّكُمْ مِنْ

كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُومِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ » .

وقال عليه السلام : موت في عز خير من حياة في ذل ، وأنشأ عليه السلام يوم قتل :

ص: 23


1- بيان : بأمك أي بفضلها .

الموت خير من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

والله ما هذا وهذا جاري

ابن نباتة :

الحسين الذي رأى القتل في العز

حياة والعيش في الذل قتلا

الحلية : لما نزل القوم بالحسين وأيقن أنهم قاتلوه قال لأصحابه : قد نزل ما ترون من الأمر ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت ، حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء ، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المون في لقاء الله ، وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ، وأنشأ متمثلا لما قصد الطف :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مذموما وخالف مجرما

أقدم نفسي لا أريد بقاءها

لنلقى خميسا في الهياج عرمرما

فإن عشت لم أذمم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش فترغما(1)

[ لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف اللّه ]

5 - المناقب لابن شهرآشوب : ومن زهده عليه السلام : أنه قيل له : ما أعظم خوفك من ربك ؟! قال : لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا .

ص: 24


1- توضيح : الصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء والوبلة بالتحريك الثقل والوخامة وقد وبل المرتع بالضم وبلا وبالا فهو وبيل أي وخيم ذكره الجوهري والبرم بالتحريك السامة والملال والخميس الجيش لأنهم خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساق ويوم الهياج يوم القتال والعرمرم الجيش الكثير وعرام الجيش كثرته .

قال أبو عمير : لقد حج الحسين بن علي عليه السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه .

عيون المحاسن : أنه سائر أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثم قال : اذهب عني ، قال أنس : فاستخفيت عنه ، فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا :

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه

فارحم عبيدا إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي

طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما أرقا

يشكو إلى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم

أكثر من حبه لمولاه

إذا اشتكى بثه وغصته

أجابه الله ثم لباه

إذا ابتلا بالظلام مبتهلا

أكرمه الله ثم أدناه

فنودي :

لبيك عبدي وأنت في كنفي

وكلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب

فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح من جوانبه

خر صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب

ولا حساب إني أنا الله(1)

6 - المناقب لابن شهرآشوب :وله عليه السلام :

يا أهل لذة دنيا لا بقاء لها

إن اغترارا بظل زائل حمق

ص: 25


1- بيان: الأرق بكسر الراء من يسهر بالليل قوله قد سفرناه أي حسبك إنا كشفنا السترعنك قوله لو هبت الريح من جوانبه الضمير إما راجع إلى الدعاء كناية عن أنه يجول في مقام لو كان مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من أنوار الجلال ويحتمل إرجاعه إليه عليه السلام على سبيل الالتفات لبيان غاية خضوعه وولهه في العبادة بحيث لو تحركت ريح لأسقطته .

ويروى للحسين عليه السلام :

سبقت العالمين إلى المعالي

بحسن خليقة وعلو همه

ولاح بحكمتي نور الهدى في

ليال في الضلالة مدلهمه

يريد الجاحدون ليطفئوه

ويأبى الله إلا أن يتمه

[ أحار الحسين التكبير في السابعة ]

7 - المناقب لابن شهرآشوب : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين ، فكبر رسول الله صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين التكبير ، ثم كبر رسول الله فلم يحر الحسين التكبير ، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه و آله يكبر ويعالج الحسين التكبير فلم يحر ، حتى أكمل رسول الله صلى الله عليه و آله سبع تكبيرات فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة .

فقال أبو عبد الله عليه السلام فصارت سنة .

[ إدخال السرور في قلب المؤمن ]

وروي عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال : صح عندي قول النبي صلى الله عليه و آله : أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المون بما لا إثم فيه فإني رأيت غلاما يوكل كلبا فقلت له في ذلك فقال : يا ابن رسول الله إني مغموم أطلب سرورا بسروره لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه فأتى الحسين إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له فقال اليهودي : الغلام فداء لخطاك وهذا البستان له ورددت عليك المال فقال عليه السلام : وأنا قد وهبت لك المال، قال : قبلت المال ووهبته للغلام، فقال الحسين عليه السلام : أعتقت الغلام ووهبته له جميعا فقالت امرأته : قد أسلمت ووهبت زوجي مهري فقال اليهودي : وأنا أيضا أسلمت وأعطيتها هذه الدار .

ص: 26

[ نور وجه الحسين ]

الترمذي في الجامع : كان ابن زياد يدخل قضيبا في أنف الحسين عليه السلام ويقول : ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا ، فقال أنس : إنه أشبههم برسول الله صلى الله عليه و آله .

وروي : أن الحسين عليه السلام كان يقعد في المكان المظلم فيهتدي إليه ببياض جبينه ونحره .

[ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ]

8 - كشف الغمة : قال أنس : كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقلت : تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ؟! قال : كذا أدبنا الله قال الله : « وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها » ، وكان أحسن منها عتقها .

[ تحفة الصائم ]

9 - كشف الغمة : ودعاه عبد الله بن الزبير وأصحابه ، فأكلوا ولم يأكل

الحسين عليه السلام ، فقيل له : ألا تأكل ؟ قال

: إني صائم ، ولكن تحفة الصائم ، قيل : وما هي ؟ قال : الدهن والمجمر .

[ واللّه يحبّ المحسنين ]

وجنى غلام له جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب ، فقال : يا مولاي « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » ، قال : خلوا عنه ، فقال : يا مولاي « وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ » ، قال : قد عفوت عنك ، قال : يا مولاي « وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » ، قال : أنت حر لوجه الله ، ولك ضعف ما كنت أعطيك .

ص: 27

[ لقاء الفرزدق والحسين ]

وقال الفرزدق : لقيني الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة ، فقال : ما وراك يا ابا فراس ؟ قلت : أصدقك ؟ قال : الصدق أريد ، قلت : أما القلوب فمعك ، وأما السيوف فمع بني أمية ، والنصر من عند الله ، قال : ما أراك إلا صدقت الناس عبيد المال ، والدين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم ، فإذا محصوا للابتلاء قل الديانون .

وقال عليه السلام : من أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخا مستفادا ، ومجالسة العلماء .

وكان عليه السلام يرتجز يوم قتل عليه السلام ويقول :

الموت خير من ركوب العار

والعار خير من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري

[ كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ]

وقال عليه السلام : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سولك فأكرم وجهك عن رده .

10 - فلاح السائل : ذكر ابن عبد ربّه في كتاب العقد : أنه قيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما أقل ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة .

[ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته ]

11 - أخطب خوارزم في كتاب له في مقتل آل الرسول : أن أعرابيا جاء إلى

الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائه ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم الناس ، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 28

فقال الحسين : يا أخا العرب ، أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل .

فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله أ مثلك يسأل عن مثلي ، وأنت من أهل العلم والشرف ؟ فقال الحسين عليه السلام : بلى سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابي : سل عما بدا لك ، فإن أجبت وإلا تعلمت منك ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ .

فقال الحسين عليه السلام : أي الأعمال أفضل ؟ فقال الأعرابي : الإيمان بالله .

فقال الحسين عليه السلام : فما النجاة من المهلكة ؟ فقال الأعرابي : الثقة بالله .

فقال الحسين عليه السلام : فما يزين الرجل ؟ فقال الأعرابي : علم معه حلم .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال : مال معه مروءة .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال : فقر معه صبر .

فقال الحسين عليه السلام : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه ، فإنه أهل لذلك .

فضحك الحسين عليه السلام ورمى بصرة إليه فيه ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم ، وقال : يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ الأعرابي وقال : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » الآية .

[ يا عمر إنّ البيض يمرقن ]

12 - عن أبي سلمة قال : حججت مع عمر بن الخطاب ، فلما صرنا بالأبطح فإذا بأعرابي قد أقبل علينا ، فقال : يا أمير المونين إني خرجت وأنا حاج محرم ، فأصبت بيض النعام ، فاجتنيت وشويت وأكلت ، فما يجب علي ؟ قال : ما يحضرني في ذلك شيء ، فاجلس لعل الله يفرج عنك ببعض أصحاب محمد صلى الله عليه و آله .

ص: 29

فإذا أمير المونين عليه السلام قد أقبل والحسين عليه السلام يتلوه ، فقال عمر : يا أعرابي هذا

علي بن أبي طالب عليه السلام فدونك ومسألتك ، فقام الأعرابي وسأله ، فقال علي عليه السلام : يا أعرابي سل هذا الغلام عندك يعني الحسين .

فقال الأعرابي : إنما يحيلني كل واحد منكم على الآخر ، فأشار الناس إليه : ويحك هذا ابن رسول الله فاسأله ، فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله إني خرجت من بيتي حاجا وقص عليه القصة ، فقال له الحسين : ألك إبل ؟ قال : نعم ، قال : خذ بعدد

البيض الذي أصبت نوقا فاضربها بالفحولة ، فما فصلت فاهدها إلى بيت الله الحرام .

فقال عمر : يا حسين النوق يزلقن ، فقال الحسين : يا عمر إن البيض يمرقن ، فقال : صدقت وبررت ، فقام علي عليه السلام وضمه إلى صدره وقال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » .

[ كلّ الكبر للّه وحده ]

13 - كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة : قال رجل للحسين عليه السلام : إن فيك كبرا فقال : كل الكبر لله وحده ، ولا يكون في غيره ، قال الله - تعالى - : « وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُومِنِينَ » .

[ لم يرضع الحسين من أنثى ]

14 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لم يرضع الحسين من فاطمة عليهاالسلام ولا من أنثى ، كان يوى به النبي صلى الله عليه و آله فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث ، فنبت لحما للحسين عليه السلام من لحم رسول الله ودمه ، ولم يولد لستة أشهر إلا عيسى ابن مريم والحسين بن علي عليه السلام .

وفي رواية أخرى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : أن النبي كان يوى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه ، فيجتزئ به ولم يرضع من أنثى .

ص: 30

[ تاريخ ولادته عليه السلام ومدة خلافته وذكر بعض من استشهد معه ]

15 - المناقب لابن شهرآشوب : ولد الحسين عليه السلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس ، أو يوم الثلاثاء ، لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما .

وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر .

عاش مع جده ستة سنين وأشهرا ، وقد كمل عمره خمسين ، ويقال : كان عمره سبعا وخمسين سنة وخمسة أشهر ، ويقال : ست وخمسون سنة وخمسة أشهر ، ويقال : ثمان وخمسون .

ومدة خلافته خمس سنين وأشهر ، في آخر ملك معاوية وأول ملك يزيد .

قتله عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وخولي بن يزيد الأصبحي ، واجتز رأسه سنان بن أنس النخعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، وسلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وأمير الجيش عبيد الله بن زياد ، وجه به يزيد بن معاوية .

ومضى قتيلا يوم عاشوراء ، وهو يوم السبت ، العاشر من المحرم ، قبل الزوال ، ويقال : يوم الجمعة بعد صلاة الظهر ، وقيل : يوم الإثنين بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين بالعراق ، سنة ستين من الهجرة ، ويقال : سنة إحدى وستين .

ودفن بكربلاء من غربي الفرات .

قال الشيخ المفيد : فأما أصحاب الحسين عليه السلام ، فإنهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصل لهم أجداثا ، والحائر محيط بهم .

وذكر المرتضى في بعض مسائله : أن رأس الحسين عليه السلام رد إلى بدنه بكربلاء من الشام وضم إليه .

وقال الطوسي : ومنه زيارة الأربعين .

ص: 31

وروى الكليني في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : أنه مدفون بجنب أمير المونين ، والأخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق عليه السلام :أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المونين عليه السلام .

ومن أصحابه عبد الله بن يقطر رضيعه ، وكان رسوله ، رمي به من فوق القصر بالكوفة ، وأنس بن الحارث الكاهلي ، وأسعد الشامي عمرو بن ضبيعة رميث بن عمر ، وزيد بن معقل ، عبد الله بن عبد ربّه الخزرجي ، سيف بن مالك ، شبيب بن عبد الله النهشلي ، ضرغامة بن مالك ، عقبة بن سمعان ، عبد الله بن سليمان ، المنهال

بن عمرو الأسدي ، الحجاج بن مالك ، بشر بن غالب ، عمران بن عبد الله الخزاعي .

16 - أقول : قال أبو الفرج في المقاتل : كان مولده عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين ، وله ست وخمسون سنة وشهور ، وقيل : قتل يوم السبت ، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، والذي ذكرناه أولا أصح .

فأما ما تقوله العامة من أنه قتل يوم الإثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية ، وكان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء ، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات ، وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الإثنين .

قال أبو الفرج : وهذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية .

وروى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عليه السلام : أن الحسين بن علي عليه السلام قتل وله ثمان وخمسون سنة .

17 - الإختصاص : أصحاب الحسين عليه السلام جميع من استشهد معه ، ومن أصحاب أمير المونين عليه السلام : حبيب بن مظهر ، ميثم التمار ، رشيد الهجري ، سليم بن قيس الهلالي ، أبو صادق ، أبو سعيد عقيصا .

18 - إعلام الورى : ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، وقيل : لخمس خلون منه ، سنة أربع من الهجرة ، وقيل : ولد آخر

ص: 32

شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، وعاش سبعا وخمسين سنة وخمسة أشهر ، كان مع رسول الله صلى الله عليه و آله سبع سنين ، ومع أمير المونين عليه السلام سبعا وثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعا وأربعين سنة ، وكانت مدة خلافته عشر سنين وأشهرا .

19- كشف الغمة : قال كمال الدين بن طلحة : ولد عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، علقت البتول عليهاالسلام به بعد أن ولدت أخاه الحسن عليه السلام

بخمسين ليلة ، وكذلك قال الحافظ الجنابذي .

وقال كمال الدين : كان انتقاله إلى دار الآخرة في سنة إحدى وستين من الهجرة ، فتكون مدة عمره ستا وخمسين سنة وأشهرا ، كان منها مع جده رسول الله صلى الله عليه و آلهست سنين وشهورا ، وكان مع أبيه أمير المونين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، وكان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليه السلام عشر سنين ، وبقي بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام إلى وقت مقتله عشر سنين .

وقال ابن الخشاب : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : مضى أبو عبد الله الحسين بن علي ، أمه فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء ، كان مقامه مع جده رسول الله صلى الله عليه و آله سبع سنين إلا ما كان بينه وبين أبي محمد ، وهو سبعة أشهر وعشرة أيام ، وأقام مع أبيه عليه السلام ثلاثين سنة ، وأقام مع أبي محمد عشر سنين ، وأقام بعد مضي أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين ، فكان عمره سبعا وخمسين سنة إلا ما كان بينه وبين أخيه من الحمل ، وقبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين ، ويقال : في يوم عاشوراء يوم الإثنين ، وكان بقاو بعد أخيه الحسن عليه السلام إحدى عشرة سنة .

وقال الحافظ عبد العزيز : الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر .

ص: 33

أقول : الأشهر في ولادته صلوات الله عليه أنه ولد لثلاث خلون من شعبان؛ لما

رواه الشيخ في المصباح : أنه خرج إلى القاسم بن العلا الهمداني وكيل أبي محمد عليه السلام : أن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، فصم وادع فيه بهذا الدعاء ، وذكر الدعاء.

ثم قال رحمه الله بعد الدعاء الثاني المروي عن الحسين : قال ابن عياش : سمعت الحسين بن علي البزوفري يقول : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يدعو به في هذا اليوم ، وقال : هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان ، وهو مولد الحسين عليه السلام .

وقيل : إنه عليه السلام ولد لخمس ليال خلون من شعبان ، لما رواه الشيخ أيضا في المصباح ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : ولد الحسين بن علي عليه السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع خلون من الهجرة .

وقال رحمه الله في التهذيب : ولد عليه السلام آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.

وقال الكليني قدس الله روحه : ولد

عليه السلام سنة ثلاث.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس : ولد عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان.

وقال المفيد : لخمس خلون من شعبان سنة أربع.

وقال الشيخ ابن نما في مثير الأحزان : ولد عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقيل : الثالث منه ، وقيل : أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث ، وقيل : لخمس خلون من جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة ، وكانت مدة حمله ستة أشهر ، ولم يولد لستة سواه وعيسى ، وقيل : يحيى عليه السلام .

وأقول : إنما اختار الشيخ رحمه الله كون ولادته

عليه السلام في آخر شهر ربيع الأول مع مخالفته لما رواه من الروايتين السالفتين اللتين تدلان على الثالث ، والرواية الأخرى

التي تدل على الخامس من شعبان؛ ليوافق ما ثبت عنده واشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن عليه السلام في منتصف شهر رمضان ، وما مر في الرواية الصحيحة في

ص: 34

باب ولادتهما عليهماالسلام من أن بين ولادتيهما لم يكن إلا ستة أشهر وعشرا ، لكن مع ورود هذه الأخبار يمكن عدم القول بكون ولادة الحسن عليه السلام في شهر رمضان لعدم استناده إلى خبر على ما عثرنا عليه ، والله يعلم .

[ الحسين يصلّي على منافق ويلعنه ]

20 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات ، فخرج الحسين

بن علي عليه السلام يمشي معه ، فلقيه مولى له ، فقال له الحسين : أين تذهب يا فلان ؟ قال : فقال له مولاه : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها ، فقال له الحسين عليه السلام : انظر أن تقوم على يميني ، فما تسمعني أقول فقل مثله .

فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مولفة غير مختلفة ، اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك ، وأذقه أشد عذابك ، فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك .

[ الحسين يبيّن سنّة النبي ]

21 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسين بن علي عليه السلام جالسا ، فمرت عليه جنازة ، فقام الناس حين طلعت الجنازة ، فقال الحسين عليه السلام : مرت جنازة يهودي فكان رسول الله صلى الله عليه و آله على طريقها جالسا ، فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك .

[ خرج الحسين معتمرا فمرض ]

22 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين بن علي صلوات الله عليه

رج معتمرا فمرض في الطريق ، فبلغ عليا عليه السلام ذلك وهو في المدينة ، فخرج في

ص: 35

طلبه فأدركه بالسقيا ، وهو مريض بها ، فقال : يا بني ما تشتكي ؟ فقال : أشتكي رأسي ، فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما برأ من وجعه اعتمر .

[ قتل الحسين وهو مختضب ]

23 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خضب الحسين عليه السلام بالحناء والكتم .

24 - الكافي : قال أبو عبد الله عليه السلام : قتل الحسين عليه السلام وهو مختضب بالوسمة .

ص: 36

باب 27 :احتجاجه صلوات الله عليه على معاوية وأوليائه لعنهم الله

اشارة

وما جرى بينه وبينهم

[ خطبة الحسين أمام معاوية ]

1 - المناقب لابن شهرآشوب والإحتجاج : عن موسى بن عقبة أنه قال : لقد قيل لمعاوية : إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين عليه السلام ، فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخطب فإن فيه حصرا وفي لسانه كلالة ، فقال لهم معاوية : قد ظننا ذلك بالحسن ، فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا ، فلم يزالوا به حتى قال للحسين عليه السلام : يا با عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت .

فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم صلى على النبي صلى الله عليه و آله ، فسمع رجلا يقول : من هذا الذي يخطب ؟ فقال الحسين عليه السلام :

نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون ،وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله - تبارك وتعالى - الذي فيه تفصيل كل شيء « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » ، والمعول علينا في تفسيره ، ولا يبطئنا تأويله ، بل نتبع حقائقه .

ص: 37

فأطيعونا ، فإن طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة ، قال الله - عزّ وجلّ - : « أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ » ، وقال : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه ِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً » .

واحذركم الاصغاء إلى هتوف الشيطان بكم ، فإنه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : « لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ » ، فتلقون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، ولسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس إيمانها « لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » .

قال معاوية : حسبك يا أبا عبد الله فقد أبلغت(1) .

[ الإمام يواجه مروان ]

2 - المناقب لابن شهرآشوب والإحتجاج : قال مروان بن الحكم يوما للحسين

بن علي عليه السلام : لو لا فخركم بفاطمة بما كنتم تفتخرون علينا ؟ فوثب الحسين عليه السلام ، وكان عليه السلام شديد القبضة ، فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه ، وأقبل الحسين عليه السلام على جماعة من قريش فقال : أنشدكم بالله إلا صدقتموني إن صدقت ، أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى رسول الله مني ومن أخي ؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي ؟ قالوا : لا قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون بن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 38


1- بيان : الضرب بالتحريك المضروب والورد بالتحريك أي ما ترد عليه الرماح وقد مر مثله في خطبة الحسن عليه السلام .

والله ما بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداو عن منكبك .

قال: فو الله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب، فانتقض وسقط رداؤه عن عاتقه.

3 - تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخل مروان بن الحكم المدينة ، فاستلقى على السرير ، وثم مولى للحسين عليه السلام ، فقال « رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ » ، قال : فقال الحسين لمولاه : ما ذا قال هذا حين دخل ؟ قال : استلقى على السرير فقرأ « رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ » إلى قوله « الْحاسِبِينَ » .

قال : فقال الحسين عليه السلام : نعم والله رددت أنا وأصحابي إلى الجنة ، ورد هو وأصحابه إلى النار .

4 - المناقب لابن شهرآشوب : خطب الحسن عليه السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان : أزوجها عبد الله بن الزبير .

ثم إن معاوية كتب إلى مروان ، وهو عامله على الحجاز ، يأمره أن يخطب أُم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد ، فأتى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك ، فقال عبد الله : إن أمرها ليس إليّ إنّما هو إلى سيدنا الحسين عليه السلام ، وهو خالها ، فأخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله - تعالى - ، اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد .

فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين عليه السلام وعنده من الجلة وقال : إن أمير المونين أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها

حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ، مع قضاء دينه ، واعلم أن من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفو من لا كفو له ، وبوجهه يستسقى الغمام ، فرد خيرا يا أبا عبد الله .

فقال الحسين عليه السلام : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .. إلى آخر كلامه .

ص: 39

ثم قال : يا مروان ، قد قلت فسمعنا ، أما قولك مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه و آله في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو

ثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما ، وأما قولك مع قضاء دين أبيها ، فمتى كن نساوا يقضين عنا ديوننا ، وأما صلح ما بين هذين الحيين فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيا النسب فكيف السبب ، وأما قولك العجب ليزيد كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أبي يزيد ومن جد يزيد ، وأما قولك إن يزيد كفو من لا كفو له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا ، وأما قولك بوجهه يستسقى الغمام ، فإنما كان ذلك بوجه رسول الله صلى الله عليه و آله ، وأما قولك من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا ، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل .

ثم قال بعد كلام : فاشهدوا جميعا أني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما ، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة - أو قال : أرضي بالعقيق - وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ،

ففيها لهما غنى إن شاء الله .

قال : فتغير وجه مروان وقال : غدرا يا بني هاشم تأبون إلا العداوة ، فذكره الحسين عليه السلام خطبة الحسن عائشة وفعله ، ثم قال : فأين موضع الغدر يا مروان ، فقال مروان : أردنا صهركم لنجد ودا قد أخلقه به حدث الزمان ، فلما جئتكم فجبهتموني وبحتم بالضمير من الشنآن .

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم : أماط الله منهم كل رجس وطهرهم بذلك فيالمثاني فما لهم سواهم من نظير ولا كفو هناك ولا مداني أتجعل كل جبار عنيد إلى الأخيار من أهل الجنان .

ثم إنه كان الحسين عليه السلام تزوج بعائشة بنت عثمان(1) .

ص: 40


1- بيان : قال الجوهري : مشيخة جلة أي مسان وقال : باح بسره أظهره والشنآن بفتح النون وسكونها العداوة .

[ الإمام يرد على عمرو بن العاص ]

5 - المناقب لابن شهرآشوب : قال عمرو بن العاص للحسين عليه السلام : ما بال أولادنا أكثر من أولادكم ؟ فقال عليه السلام :

بغاث الطير أكثرها فراخا

وأم الصقر مقلات نزور

فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربكم ؟

فقال عليه السلام : إن نساءكم نساء بخرة ، فإذا دنا أحدكم من امرأته نهكنه في وجهه فشاب منه شاربه .

فقال : ما بال لحائكم أوفر من لحائنا ؟

فقال عليه السلام :« وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً » .

فقال معاوية : بحقي عليك إلا سكت فإنه ابن علي بن أبي طالب .

فقال عليه السلام :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب واستيقنت

أن لا لها دنيا ولا آخرة(1)

ص: 41


1- إيضاح : قال الجوهري ابن السكيت البغاث طائر أبغث إلى الغبرة دوين الرخمة بطيء الطيران وقال الفراء بغاث الطير شرارها وما لا يصيد منها وبغاث وبغاث وبغاث ثلاث لغات . قوله مقلات لعله من القلى بمعنى البغض أي لا تحب الولد ولا تحب زوجها لتكثر الولد أو من قولهم قلا العير أتنه يقلوها قلوا إذا طردها والصواب أنه من قلت قال الجوهري المقلات من النوق التي تضع واحدا ثم لا تحمل بعدها والمقلات من النساء التي لا يعيش لها ولد . وقال النزور المرأة القليلة الولد ثم استشهد بهذا الشعر . ويقال نهكته الحمى إذا جهدته وأضنته ونهكه أي بالغ في عقوبته والأصوب نكهته قال الجوهري استنكهت الرجل فنكه في وجهي ينكه وينكه نكها إذا أمرته بأن ينكه لتعلم أم شارب هو أم غير شارب .

[ يا معاوية أعطيتني من حق الحسين ]

6 - المناقب لابن شهر آشوب : يقال : دخل الحسين عليه السلام على معاوية وعنده أعرابي يسأله حاجة ، فأمسك وتشاغل بالحسين عليه السلام ، فقال الأعرابي لبعض من حضر : من هذا الذي دخل ؟ قالوا : الحسين بن علي ، فقال الأعرابي للحسين عليه السلام : أسألك يا ابن بنت رسول الله لما كلمته في حاجتي ، فكلمه الحسين عليه السلام في ذلك فقضى حاجته .

فقال الأعرابي :

أتيت العبشمي فلم يجد لي

إلى أن هزه ابن الرسول

هو ابن المصطفى كرما وجودا

ومن بطن المطهرة البتول

وإن لهاشم فضلا عليكم

كما فضل الربيع على المحول

فقال معاوية : يا أعرابي أعطيك وتمدحه ؟ فقال الأعرابي : يا معاوية أعطيتنيمن حقه وقضيت حاجتي بقوله .

[ معاوية يستشير مروان وسعيد في أمر الحسين ]

العقد عن الأندلسي : دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له : أشر علي في الحسين ، فقال : أرى أن تخرجه معك إلى الشام وتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، فقال : أردت والله أن تستريح منه وتبتليني به ، فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وإن أسأت إليه قطعت رحمه ، فأقامه وبعث إلى سعيد بن العاص ، فقال له : يا أبا عثمان أشر علي في الحسين ، فقال : إنك والله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك ، وإنك لتخلف له قرنا إن صارعه ليصرعنه ، وإن سابقه ليسبقنه ، فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء ويصعد في الهواء ولا يبلغ إلى السماء(1) .

ص: 42


1- بيان : قوله يشرب الماء الظاهر أنه صفة النخلة أي كما أن النخلة في تلك البلاد تشرب الماء وتصعد في الهواء وكلما صعدت لا تبلغ السماء فكذلك هو كلما تمنى وطلب الرفعة لا يصل إلى شيء ويحتمل أن يكون الضمائر راجعة إليه صلوات الله عليه .

[ الحسين يواجه مروان ]

7 - تفسير فرات : لما كان مروان على المدينة خطب الناس ، فوقع في أمير

المونين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما نزل عن المنبر أتى الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام ، فقيل له : إن مروان قد وقع في علي ...

قال : فقام الحسين مغضبا حتى دخل على مروان فقال له : يا ابن الزرقاء ويا ابن آكلة القمل ، أنت الواقع في علي ؟! قال له مروان : إنك صبي لا عقل لك ، قال : فقال

له الحسين : ألا أخبرك بما فيك وفي أصحابك ، وفي علي ، فإن الله - تعالى - يقول : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » فذلك لعلي وشيعته « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ » ، فبشر بذلك النبي العربي لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام . 0

8 - الكافي : عن عبد الرحمن العرزمي قال : استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش ، ففرض لهم ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : فأتيته ، فقال : ما اسمك ؟ فقلت : علي بن الحسين ، فقال : ما اسم أخيك ؟ فقلت : علي ، فقال : علي وعلي ، ما يريد أبوك أن يدع أحدا من ولده إلاّ سماه عليا ؟! .

ثم فرض لي ، فرجعت إلى أبي عليه السلام فأخبرته ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمي أحدا منهم إلا عليا(1) .

ص: 43


1- بيان : ويلي على ابن الزرقاء أي ويل وعذاب وشدة مني عليه قال الجوهري : ويل كلمة مثل ويح إلا أنها كلمة عذاب يقال : ويله ووليك وويلي وفي الندبة ويلاه قال الأعشى : ويلي عليك وويلي منك يا رجل .

[ الحسين يكتب إلى معاوية يردّ عليه ويفضحه ]

9 - رجال الكشي : روي أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية ، وهو عامله

على المدينة :

أما بعد؛ فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي ، وذكر أنه لا يأمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك ، فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده ، فاكتب إلي برأيك في هذا ، والسلام .

فكتب إليه معاوية : أما بعد؛ فقد بلغني وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإياك أن تعرض للحسين في شيء ، واترك حسينا ما تركك ، فإنا لا نريد أن نعرض له في شيء ما وفى بيعتنا ، ولم ينازعنا سلطاننا ، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته ، والسلام .

وكتب معاوية إلى الحسين بن علي عليه السلام : أما بعد؛ فقد انتهت إلي أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة ، فدعها ولعمر الله إن من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، فإن كان الذي بلغني باطلا فإنك أنت أعزل الناس لذلك ، وعظ نفسك فاذكر وبعهد الله أوف ، فإنك متى ما تنكرني أنكرك ، ومتى ما تكدني أكدك ، فاتق شق عصا هذه الأمة ، وأن يردهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ، ولا يستخفنك السفهاء والذين لا يعلمون .

فلما وصل الكتاب إلى الحسين صلوات الله عليه كتب إليه : أما بعد؛ فقد بلغني كتابك تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، فإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله .

وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنميم ، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وايم الله إني لخائف لله في ترك ذلك ،

وما أظن الله راضيا بترك ذلك ،ولا عاذرا بدون الإعذار فيه إليك ، وفي أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين .

ص: 44

ألست القاتل حجرا أخا كندة ، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع « وَلا يَخافُونَ في الله لَوْمَةَ لائِمٍ » ، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المودة ، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا بإحنة تجدها في نفسك .

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله العبد الصالح الذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه وصفرت لونه ، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد .

أو لست المدعي زياد ابن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله ، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك ؟

أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه ، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي ، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ، ودين علي عليه السلام والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين .

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ، واتق شق عصا هذه الأمة ، وأن تردهم إلى فتنة ، وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه و آلهعلينا أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقه لإرشاد أمري .

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرتك تنكرني ، وإن أكدك تكدني فكدني ، ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك في ، وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك؛

ص: 45

لأنك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتلك هواء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم

فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا .

فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أن لله - تعالى - كتابا « لا

يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها » ، وليس الله بناس لأخذك بالظنة ، وقتلك أولياءه على التهم ، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب ، لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك ، وبترت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخزيت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي لأجلهم ، والسلام .

فلما قرأ معاوية الكتاب قال : لقد كان في نفسه ضب ما أشعر به ، فقال يزيد :يا أمير المونين أجبه جوابا يصغر إليه نفسه ، وتذكر فيه أباه بشر فعله .

قال : ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين ؟ قال : وما هو ؟ قال : فأقرئه الكتاب ، فقال : وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر

إليه نفسه ، وإنما قال ذلك في هوى معاوية ، فقال يزيد : كيف رأيت يا أمير المونين رأيي ، فضحك معاوية فقال : أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك ، قال عبد الله : فقد أصاب يزيد ، فقال معاوية : أخطأتما أرأيتما لو إني ذهبت لعيب علي محقا ما عسيت أن أقول فيه ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف!! ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل بصاحبه ، ولا يراه الناس شيئا وكذبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا ، ووالله ما أرى للعيب فيه موضعا ، وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده ، ثم رأيت أن لا أفعل ولا أمحكه .

ص: 46

باب 28 :الآيات المولة لشهادته صلوات الله عليه

وأنه يطلب الله بثأره

1 - تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير هذه الآية « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوا أَيْدِيَكُمْ » مع الحسن « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ... فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ »

مع الحسين « قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » إلى خروج القائم عليه السلام فإن معه النصر والظفر قال الله : « قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ

خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى » الآية .

2 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : والله الذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس ، والله لفيه نزلت هذه الآية « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » إنما هي طاعة الإمام فطلبوا القتال « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ » مع الحسين « قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » وقوله « رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ

دَعْوَتَك وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ » أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه السلام .

3 - تفسير العياشي : الحلبي عنه عليه السلام « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » قال : يعني ألسنتكم .

ص: 47

وفي رواية العطار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ »قال : نزلت في الحسن بن علي عليه السلام أمره الله بالكف .

قال : قلت : « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » قال : نزلت في الحسين بن علي ، كتب الله

عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه .

4 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو قاتل معه أهل الأرض لقتلوا كلهم .

5 - تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : قتل النفس التي حرم الله ، فقد قتلوا الحسين في أهل بيته .

6 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في الحسين « وَمَنْ

قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » قاتل الحسين « إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً » قال : الحسين عليه السلام .

7 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً » قال : هو الحسين بن علي عليه السلام قتل مظلوما ونحن أولياو ، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين عليه السلام فيقتل حتى يقال : قد أسرف في القتل .

وقال : المقتول الحسين ووليه القائم والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله « إِنَّهُ

كانَ مَنْصُوراً » ، فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله عليهم

الصلاة والسلام يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .

8 - كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة : قال أبو عبد الله عليه السلام : اقرو سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي عليه السلام ، وارغبوا فيها رحمكم الله - تعالى - .

فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس : وكيف صارت هذه السورة للحسين عليه السلام

خاصة ؟ فقال : ألا تسمع إلى قوله - تعالى - « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ »الآية إنما يعني

الحسين بن علي عليه السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية وأصحابه من

ص: 48

آل محمد صلى الله عليه و آلههم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راض عنهم ، وهذه السورة في الحسين بن علي عليه السلام وشيعته وشيعة آل محمد خاصة ، من أدمن قراءة والفجر كان مع الحسين بن علي عليه السلام في درجته في الجنة « إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » .

9 - تفسير فرات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله « الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ » قال : نزل في علي وجعفر وحمزة وجرت في

الحسين بن علي عليه السلام والتحية والإكرام .

10 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله - عزّ وجلّ - « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » قال : نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا(1) .

11 - تفسير القمي : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي » يعني الحسين بن علي عليه السلام .

12 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله - عزّ وجلّ - « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » قال : حسب فرأى ما يحل بالحسين عليه السلام فقال : إني سقيم لما يحل بالحسين عليه السلام .

13 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله - عزّ وجلّ - « وَإِذَا الْمَوْودَهُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » قال : نزلت في الحسين بن علي عليه السلام .

14 - كتاب النوادر : عن الحسن بن زياد العطار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » قال : نزلت في الحسن بن علي عليه السلام أمره الله بالكف .

ص: 49


1- بيان : فيه إيماء إلى أنه كان في قراءتهم عليهم السلام « فَلا يُسْرِفْ » بالضم ويحتمل أن يكون المعنى أن السرف ليس من جهة الكثرة فلو شرك جميع أهل الأرض في دمه أو رضوا به لم يكن قتلهم سرفا وإنما السرف أن يقتل من لم يكن كذلك وإنما نهي عن ذلك .

قال : قلت : « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ »قال : نزلت في الحسين بن علي عليه السلام كتب الله عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه .

ورواه بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام وقال : لو قاتل معه أهل الأرض كلهم لقتلوا كلهم(1) .

ص: 50


1- أقول : سيأتي الأخبار المناسبة للباب في باب علة تأخير العذاب عن قتلته عليه السلام .

باب 29 :ما عوضه الله صلوات الله عليه بشهادته

1 - الأمالي للطوسي: عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد عليهماالسلام

يقولان: إن الله - تعالى - عوض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره .

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : هذه الخلال تنال بالحسين عليه السلام ، فما له في نفسه ؟ قال : إن الله - تعالى - ألحقه بالنبي فكان معه في درجته ومنزلته ، ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » الآية .

2 - إكمال الدين : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام

أخبرها أبوها صلى الله عليه و آله أن أمته ستقتله من بعده ، قالت : فلا حاجة لي فيه ، فقال :إن الله - عزّ وجلّ - قد أخبرني أنه يجعل الأئمة من ولده ، قالت : قد رضيت يا رسول الله .

3 - إكمال الدين : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما أن علقت فاطمة بالحسين عليه السلام قال لهارسول الله صلى الله عليه و آله : إن الله - عزّ وجلّ - وهب لك غلاما اسمه الحسين يقتله أمتي ، قالت : لا حاجة لي فيه ، فقال : إن الله - عزّ وجلّ - قد وعدني فيه عدة ، قالت : وما وعدك ؟ قال : وعدني أن يجعل الإمامة من بعده في ولده ، فقالت : رضيت(1) .

ص: 51


1- أقول : الأخبار في ذلك موردة في غير هذا الباب لا سيما باب ولادته عليه الصلاة والسلام .

باب 30 :إخبار الله - تعالى - أنبياءه ونبينا صلى الله عليه و آله بشهادته

اشارة

[ تأويل كهيعص وبكاء زكريا على الحسين ]

1 - الإحتجاج : سعد بن عبد الله قال : سألت القائم عليه السلام عن تأويل « كهيعص »

قال عليه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد عليه وآله السلام وذلك أن زكريا سأل الله ربّه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليه السلام

سري عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال عليه السلام ذات يوم إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله - تبارك وتعالى - عن قصته فقال « كهيعص » فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة الطاهرة والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره .

فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟

إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟ .

ص: 52

ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك الخبر(1) .

[ إخبار كعب الاحبار ]

2 - الأمالي للصدوق : عن سالم بن أبي جعدة قال : سمعت كعب الأحبار يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ولا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين ، فمر بنا الحسن عليه السلام ، فقلنا : هو هذا ؟ قال : لا ، فمر بنا الحسين ، فقلنا : هو هذا ؟ قال : نعم .

[ كتب هذا قبل أن يبعث النبي بثلاثمائة سنة ]

3 - الأمالي للصدوق : عن إمام لبني سليم عن أشياخ لهم قالوا : غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم ، فوجدنا فيها مكتوبا :

أيرجو معشر قتلوا حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

قالوا : فسألنا منذ كم هذا في كنيستكم ؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام .

4 - قال جعفر بن نما في مثير الأحزان : روى عن سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر! فسألته

عن السبب ، فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام ، فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلاء على دير للنصارى ، والرأس

ص: 53


1- بيان : سري عنه همه بضم السين وكسر الراء المشددة انكشف والبهرة بالضم تتابع النفس وزفر أخرج نفسه بعد مده إياه والزفرة ويضم التنفس كذلك .

مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل ، إذا بكف على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذه فغابت ، فعاد أصحابي .

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية وعليها شيء مكتوب ، فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت :

وذكر في كتاب الياقوت : قال عبد الله بن الصفار : غزونا غزاة وسبينا سبيا وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ، فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفرا قبل أن يبعث محمد العربي بثلاثمائة سنة ، فأصابوا حجرا عليه مكتوب بالمسند هذا البيت :

أترجو عصبة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

والمسند كلام أولاد شيث عليه السلام .

[ تربة الحسين أمانة عند أم سلمة ]

5 - الأمالي للصدوق : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان النبي صلى الله عليه و آلهفي بيت أم سلمة فقال لها : لا يدخل على أحد ، فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل ، فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي ، فدخلت أم سلمة على أثره ، فإذا الحسين على صدره ، وإذا النبي يبكي ، وإذا في يده شيء يقلبه .

فقال النبي يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك ، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله سل الله أن يدفع ذلك عنه ، قال : قد فعلت ، فأوحى الله - عزّ وجلّ -

ص: 54

إلي أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ، وأن له شيعة يشفعون فيشفعون ، وأن المهدي من ولده ، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين ، وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة .

[ بكاء إبراهيم على الحسين ]

6 - عيون أخبار الرضا عليه السلام والأمالي للصدوق : عن الفضل قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : لما أمر الله - عزّ وجلّ - إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده ، وأنه لم يور بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده ، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب .

فأوحى الله - عزّ وجلّ - إليه : يا إبراهيم ، من أحب خلقي إليك ؟ فقال : يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد ، فأوحى الله إليه : أفهو أحب إليك أم نفسك ؟ قال : بل هو أحب إلي من نفسي ، قال : فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده ، قال : فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي .

قال : يا إبراهيم ، فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم لذلك وتوجع قلبه ، وأقبل يبكي ، فأوحى الله - عزّ وجلّ - : يا إبراهيم ، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، وذلك قول الله - عزّ وجلّ -« وَفَدَيْناهُ

بِذِبْحٍ عَظِيمٍ »(1) .

ص: 55


1- بيان : أقول : قد أورد على هذا الخبر إعضال وهو أنه إذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين عليه السلام لا يكون المفدى عنه أجل رتبة من المفدى به فإن أئمتنا صلوات الله عليهم أشرف من أولي العزم عليه السلام فكيف من غيرهم مع أن الظاهر من استعمال لفظ الفداء التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف. وأجيب بأن الحسين عليه السلام لما كان من أولاد إسماعيل فلو كان ذبح إسماعيل لم يوجد نبينا وكذا سائر الأئمة وسائر الأنبياء عليهم السلام من ولد إسماعيل عليه السلام فإذا عوض من ذبح إسماعيل بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين عليه السلام فكأنه عوض عن ذبح الكل وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد من الأجزاء بخصوصه ولا شك في أن مرتبة كل السلسلة أعظم وأجل من مرتبة الجزء بخصوصه. وأقول : ليس في الخبر أنه فدى إسماعيل بالحسين بل فيه أنه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل بجزعه على الحسين عليه السلام وظاهر أن الفداء على هذا ليس على معناه بل المراد التعويض ولما كان أسفه على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه عوضه الله بما هو أجل وأشرف وأكثر ثوابا وهو الجزع على الحسين عليه السلام . والحاصل : أن شهادة الحسين عليه السلام كان أمرا مقررا ولم يكن لرفع قتل إسماعيل حتى يرد الإشكال وعلى ما ذكرنا فالآية تحتمل وجهين الأول أن يقدر مضاف أي فديناه بجزع مذبوح عظيم الشأن والثاني أن يكون الباء سببية أي فديناه بسبب مذبوح عظيم بأن جزع عليه وعلى التقديرين لا بد من تقدير مضاف أو تجوز في إسناد في قوله « فَدَيْناهُ »والله يعلم .

[ إسماعيل صادق الوعد يواسي الحسين ]

7 - علل الشرائع : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن إسماعيل الذي قال الله - عزّ وجلّ - في كتابه : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولا نَبِيًّا » لم يكن إسماعيل بن إبراهيم ، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه الله - عزّ وجلّ - إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه ، فأتاه ملك فقال : إن الله - جل جلاله - بعثني إليك فمرني بما شئت ، فقال لي : أسوة بما يصنع بالحسين عليه السلام .

8 - علل الشرائع : عن أبي عبد الله عليه السلام : إنّ إسماعيل كان رسولا نبيا سلط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه ، فأتاه رسول من ربّ العالمين فقال له : ربك يقرئك السلام ويقول : قد رأيت ما صنع بك ، وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت ، فقال : يكون لي بالحسين بن علي أسوة .

ص: 56

[ جبرائيل يخبر النبي بمقتل الحسين ويريه تربته ]

9 - الأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : بينا الحسين عند رسول الله صلى الله عليه و آله إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد ، أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، فحزن رسول الله لذلك حزنا شديدا ، فقال جبرئيل : أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : نعم ، قال : فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول الله إلى كربلاء حتى التقت القطعتان هكذا - وجمع بين السبابتين - فتناول بجناحيه من التربة ، فناولها رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم دحيت الأرض أسرع من طرف العين ، فقال رسول الله : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك(1) .

10 - الأمالي للطوسي : عن أنس بن مالك : أن عظيما من عظماء الملائكة استأذن ربّه - عزّ وجلّ - في زيارة النبي فأذن له ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين فقبله النبي وأجلسه في حجره ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : أجل أشد الحبّ إنّه ابني ، قال له : إنّ أمّتك ستقتله ، قال : أمّتي تقتل ولدي ؟ قال : نعم ، وإن شئت أريتك

من التربة التي يقتل عليها ، قال : نعم ، فأراه تربة حمراء طيبة الريح ، فقال : إذا

صارت هذه التربة دما عبيطا فهو علامة قتل ابنك هذا .

قال سالم بن أبي الجعد : أخبرت أن الملك كان ميكائيل عليه السلام .

11 - الأمالي للطوسي : عن زيد مولى زينب بنت جحش قالت : كان رسول الله ذات يوم عندي نائما ، فجاء الحسين ، فجعلت أعلله مخافة أن يوقظ النبي ، فغفلت عنه ، فدخل واتبعته ، فوجدته وقد قعد على بطن النبي صلى الله عليه و آله ...

فأردت أن آخذه عنه فقال رسول الله دعي ابني يا زينب ، فلما فرغ توضأ النبي صلى الله عليه و آله وقام يصلي ، فلما سجد ارتحله الحسين فلبث النبي صلى الله عليه و آله حتى نزل ، فلما قام عاد الحسين فحمله حتى فرغ من صلاته .

ص: 57


1- بيان : أقول : قد بينت معنى التقاء القطعتين في باب أحوال بلقيس في كتاب النبوة .

فبسط النبي يده وجعل يقول : أرني أرني يا جبرئيل! فقلت : يا رسول الله لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته قط ، قال : نعم جاءني جبرئيل فعزاني في ابني الحسين ، وأخبرني أن أمتي تقتله ، وأتاني بتربة حمراء .

12 - الخرائج والجرائح : عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال : لما أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج ، فلما شقها لم يدر ما يصنع بها .

فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ، ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار ، فأشرق بيده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء ، فتحير نوح ، فأنطق الله المسمار بلسان طلق ذلق : أنا على اسم خير الأنبياء

محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله .

فهبط جبرئيل فقال له : يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟فقال : هذا باسم سيد الأنبياء محمد بن عبد الله ، أسمره على أولها على جانب السفينة الأيمن .

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان ، فأشرق وأنار ، فقال نوح : وما هذا المسمار ؟فقال : هذا مسمار أخيه وابن عمه سيد الأوصياء علي بن أبي طالب ، فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث ، فزهر وأشرق وأنار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار فاطمة ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع ، فزهر وأنار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسن ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه .

ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس ، فزهر وأنار وأظهر النداوة ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسين ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ، فقال نوح : يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال : هذا الدم ، فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الأمة به ، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله .

ص: 58

13 - الأمالي للطوسي : عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و آله أجلس حسينا على فخذه وجعل يقبله ، فقال جبرئيل : أتحب ابنك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله بعدك

فدمعت عينا رسول الله ، فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها ، قال : نعم ، فأراه جبرئيل ترابا من تراب الأرض التي يقتل عليها وقال : تدعى الطف .

14 - الأمالي للطوسي عن أنس : أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه و آله لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فجاء الحسين ليدخل فمنعته ، فوثب حتى دخل ، فجعل يثب على منكبي رسول الله صلى الله عليه و آله ويقعد عليهما .

فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فمد يده ، فإذا طينة حمراء ، فأخذتها أم سلمة فصيرتهاإلى طرف خمارها .

قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلاء .

15 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : لما أن هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله بقتل الحسين أخذ بيد علي ، فخلا به مليا من النهار ، فغلبتهما عبرة ، فلم يتفرقا حتى هبط عليهما جبرئيل - أو قال : رسول ربّ العالمين - فقال لهما : ربّكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما ، قال : فصبرا .

16 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما حملت فاطمة بالحسين عليه السلام

جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال : إنّ فاطمة ستلد ولدا تقتله أمتك من بعدك ، فلما حملت فاطمة الحسين كرهت حمله ، وحين وضعته كرهت وضعه ، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : هل رأيتم في الدنيا أمّا تلد غلاما فتكرهه ؟! ولكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل ، قال : وفيه نزلت هذه الآية « وَوَصَّيْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً »(1) .

ص: 59


1- بيان : قوله عليه السلام لما حملت لعل المعنى قرب حملها أو المراد بقوله جاء جبرئيل مجيئه قبل ذلك أو بقوله حملت ثانيا شعرت به ولعله على هذا التأويل الباء في قوله بوالديه للسببية وحسنا مفعول وصينا وفي بعض القراءات حسنا بالتحريك فهو صفة لمصدر محذوف أي إيصاء حسنا فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بقوله « وَصَّيْنَا » جعلناه وصيا قال في مجمع البيان : قرأ أهل الكوفة إحسانا والباقون حسنا وروي عن علي عليه السلام وأبي عبد الرحمن السلمي حسنا بفتح الحاء والسين انتهى والوالدان رسول الله وأمير المونين كما في سائر الأخبار ويحتمل الظاهر أيضا .

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : أن جبرئيل نزل على محمد صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد إنّ الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليهاالسلام تقتله أمتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربّي السلام ، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل ثم هبط ، فقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له : يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ، ويبشرك أنّه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فقال : قد رضيت .

ثم أرسل إلى فاطمة : أنّ الله يبّشرني بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي ،فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك من بعدك ، فأرسل إليها أن الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فأرسلت إليه أني قد رضيت فحملته كرها « وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمتك الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي » ، فلو أنه قال : أصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة .

ولم يرضع الحسين عليه السلام من فاطمة ولا من أنثى ، ولكنه كان يوى به النبيفيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فينبت لحم الحسين من لحم رسول الله ودمه ، ولم يولد مولود لستة أشهر إلا عيسى ابن مريم والحسين بن علي عليهماالسلام .

ص: 60

18 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : أتى جبرئيل رسول الله فقال له : السلام عليك يا محمد ، ألا أبشرك بغلام تقتله أمتك من بعدك ؟ فقال : لا حاجة لي فيه ، قال : فانقض إلى السماء ثم عاد إليه الثانية ، فقال مثل ذلك ، فقال : لا حاجة لي فيه ، فانعرج إلى السماء ثم انقض عليه الثالثة ، فقال له مثل ذلك ، فقال : لا حاجة لي

فيه ، فقال : إن ربّك جاعل الوصية في عقبه ، فقال : نعم .

ثم قام رسول الله فدخل على فاطمة ، فقال لها : إنّ جبرئيل أتاني فبشرني بغلام تقتله أمتي من بعدي ، فقالت : لا حاجة لي فيه ، فقال لها : إن ربي جاعل الوصية في عقبه ، فقالت : نعم إذن .

قال : فأنزل الله - تبارك وتعالى - عند ذلك هذه الآية فيه « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ

كُرْهاً » لموضع إعلام جبرئيل إياها بقتله ، فحملته كرها بأنه مقتول ، ووضعته كرها لأنّه مقتول .

19 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه و آلهوعيناه تدمع ، فسألته ما لك ؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسينا ، فجزعت وشق عليها ، فأخبرها بمن يملك من ولدها ، فطابت نفسها وسكنت .

20 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المونين عليه السلام : زارنا رسول الله صلى الله عليه و آله وقد أهدت لنا أم أيمن لبنا وزبدا وتمرا ، فقدمنا منه ، فأكل ثم قام إلى زاوية البيت فصلى ركعات ، فلما كان في آخر سجوده بكى بكاء شديدا ، فلم يسأله أحد منا إجلالا وإعظاما له .

فقام الحسين في حجره وقال له : يا أبة لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاء غمنا ، فما أبكاك ؟ فقال : يا بني أتاني جبرئيل عليه السلام آنفا فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فقال : يا أبة فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟ فقال : يا بني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة ، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ، ويسكنهم الله الجنة .

ص: 61

21 - كامل الزيارات : عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : زارنا رسول الله ذات يوم فقدمنا إليه طعاما ، وأهدت إلينا أم أيمن صحفة من تمر وقعبا من لبن وزبد ، فقدمنا إليه ، فأكل منه ، فلما فرغ قمت فسكبت على يديه ماء ، فلما غسل يده مسح وجهه ولحيته ببلة يديه ، ثم قام إلى مسجد في جانب البيت فخر ساجدا فبكى ، فأطال البكاء ، ثم رفع رأسه ، فما اجترأ منا أهل البيت أحد يسأله عن شيء .

فقام الحسين يدرج حتى يصعد على فخذي رسول الله ، فأخذ برأسه إلى صدره ووضع ذقنه على رأس رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال : يا أبة ما يبكيك ؟ فقال : يا بني إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم مثله قط ، فهبط إلي جبرئيل فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فحمدت الله على ذلك وسألته لكم الخيرة .

فقال له : يا أبة فمن يزور قبورنا ويتعاهدها على تشتتها ؟ قال : طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي ، أتعاهدهم في الموقف ، وآخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله وشدائده .

22 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن جبرئيل أتى رسول الله والحسين يلعب بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله ، فأخبره أن أمته ستقتله قال : فجزع رسول الله صلى الله عليه و آله فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان فأخذ منها ، ودحيت في أسرع من طرفة العين ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل حولك .

قال : وكذلك صنع صاحب سليمان ، تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان ، فاجتر العرش ، قال سليمان : يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين .

23 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نعى جبرئيل عليه السلام الحسين عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه و آله في بيت أم سلمة ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده ، فقال : إن

ص: 62

هذا تقتله أمتك ، فقال رسول الله : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه ، فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة ، فإذا هي تربة حمراء .

24 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وزاد فيه : فلم تزل عند أم سلمة حتى ماتت رحمها الله .

25 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : إن رسول الله كان في بيت أم سلمة وعنده جبرئيل ، فدخل عليه الحسين ، فقال له جبرئيل : إن أمتك تقتل ابنك هذا ألا أريك من تربة الأرض التي يقتل فيها ؟ فقال رسول الله : نعم ، فأهوى جبرئيل بيده وقبض قبضة منها فأراها النبي صلى الله عليه و آله .

26 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما ولدت فاطمة الحسين جاءجبرئيل إلى رسول الله فقال له : إن أمتك تقتل الحسين من بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ، فضرب بجناحه ، فأخرج من تربة كربلاء فأراها إياه ، ثم قال : هذه التربة التي يقتل عليها .

27 - كامل الزيارات : عن سليمان قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله يعزيه في ولده الحسين ، ويخبره بثواب الله إياه ، ويحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا ، فقال رسول الله : اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، واذبح من ذبحه ، ولا تمتعه بما طلب .

قال عبد الرحمن : فو الله لقد عوجل الملعون يزيد ولم يتمتع بعد قتله ، ولقد أخذ مغافصة بات سكران وأصبح ميتا متغيرا كأنه مطلي بقار أخذ على أسف ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلا أصابه جنون أو جذام أو برص ، وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم الله .

28 - كامل الزيارات : عن ابن عباس قال : الملك الذي جاء إلى محمد صلى الله عليه و آله يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل الروح الأمين ، منشور الأجنحة باكيا صارخا ، قد حمل من تربته وهو يفوح كالمسك ، فقال رسول الله : وتفلح أمة تقتل فرخي - أو قال : فرخ ابنتي - قال : جبرئيل يضربها الله بالاختلاف فيختلف قلوبهم .

ص: 63

[ قصة إسماعيل صادق الوعد ]

29 - كامل الزيارات : عن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا » أكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم .

فقال عليه السلام : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإن إبراهيم كان حجة لله قائداصاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟ قلت : فمن كان جعلت فداك قال : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله إلى قومه ، فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم له ، فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب فقال له : يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجهني ربّ العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت ، فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل .

فأوحى الله إليه ، فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال إسماعيل : يا ربّ إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية ، وأخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليه السلام من بعد نبيها ، وإنك وعدت الحسين أن تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل كما تكر الحسين ، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك ، فهو يكر مع الحسين بن علي عليه السلام .

[ رؤيا أم الفضل بنت الحارث ]

30 - الإرشاد : عن أم الفضل بنت الحارث : أنّها دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حلما منكرا! قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت ووضعت في حجري! فقال رسول الله : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك .

ص: 64

فولدت فاطمة عليهاالسلام الحسين عليه السلام قالت : وكان في حجري كما قال رسول الله : فدخلت به يوما على النبي فوضعته في حجر رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك ؟ قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتل ابني هذا وأتاني بتربة حمراء من تربته .

[ جبرئيل يعزي رسول اللّه ]

31 - الإرشاد : عن أم سلمة قالت : بينا رسول الله ذات يوم جالسا والحسين

جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع ، فقلت له : يا رسول الله ما لي أراك تبكي جعلت فداك قال : جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أنّ طائفة من أمتي تقتله لا أنالها الله شفاعتي .

وروي بإسناد آخر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : خرج رسول الله من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله ما لي أراك شعثا مغبرا ؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له «كربلاء» فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم ، فها هو في يدي وبسطها إليّ فقال : خذيها فاحفظي بها ، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها .

فلما خرج الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة وأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابه ، فلما كان في اليوم العاشر من

المحرم ، وهو اليوم الذي قتل فيه عليه السلام أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عدت إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط ، فصحت في بيتي وبكيت ، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداوم بالمدينة فيتسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه ، فحقق ما رأيت .

ص: 65

32 - المناقب لابن شهرآشوب : قال سعد بن أبي وقاص : أن قس بن ساعده الأيادي قال قبل مبعث النبي :

تخلف المقدار منهم عصبة

ثاروا بصفين وفي يوم الجمل

والتزم الثار الحسين بعده

واحتشدوا على ابنه حتى قتل(1)

33 - تفسير فرات : عن النبي صلى الله عليه و آله قال : لما أسري بي أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور ، فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة .

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه ، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت علي منها حوراء كأن أجفانها مقاديم أجنحة النسور ، فقلت : لمن أنت ؟ فبكت وقال : لابنك المقتول ظلما الحسين بن علي بن أبي طالب .

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها ، فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة(2) .

34 - وروي عن أم سلمة قالت : جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : إن أمتك تقتله

- يعني الحسين - بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربته ؟ قالت : فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله في قارورة ، فلما كان ليلة قتل الحسين .

ص: 66


1- بيان : تخلف المقدار أي جازوا قدرهم وتعدوا طورهم أو كثروا حتى لا يحيط بهم مقدار وعدد قوله ثاروا من الثوران أو من الثأر من قولهم ثأرت القتيل أي قتلت قاتله فإنهم كانوا يدعون طلب دم عثمان ومن قتل منهم في غزوات الرسول صلى الله عليه و آله ويوده قوله والتزم الثأر أي طلبوا الثأر بعد ذلك من الحسين عليه السلام لأجل من قتل منهم في الجمل وصفين وغير ذلك أو المعنى أنهم قتلوه حتى لزم ثأره .
2- أقول : قد مضى كثير من الأخبار في ذلك في باب ولادته صلوات الله عليه .

قالت أم سلمة : سمعت قائلا يقول :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان داود

وموسى وصاحب الإنجيل

قالت : فبكيت ففتحت القارورة فإذا قد حدث فيها دم .

35 - وروي عن أم سلمة قالت : دخل رسول الله ذات يوم ودخل في أثره الحسن والحسين عليهماالسلام وجلسا إلى جانبيه ، فأخذ الحسن على ركبته اليمنى والحسين على ركبته اليسرى ، وجعل يقبل هذا تارة وهذا أخرى ، وإذا بجبرئيل قد نزل وقال : يا رسول الله إنك لتحب الحسن والحسين! فقال : وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرتا عيني .

فقال جبرئيل : يا نبي الله إن الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له ، فقال : وما هو يا أخي ؟ فقال : قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموما ، وعلى هذا الحسين أن يموت مذبوحا ، وإن لكل نبي دعوة مستجابة ، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين ، فادع الله أن يسلمهما من السم والقتل ، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل أنا راض بحكم ربي لا أريد إلا ما يريده ، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي ، ويقضي الله في ولدي ما يشاء .

36 - وروي : أن رسول الله كان يوما مع جماعة من أصحابه مارا في بعض الطريق وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق ، فجلس النبي صلى الله عليه و آله عند صبي منهم وجعل يقبل ما بين عينيه ويلاطفه ثم أقعده على حجره ، وكان يكثر تقبيله ، فسئل عن علة ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إني رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين ، ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه ، فأنا أحبه لحبه لولدي الحسين ، ولقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء .

ص: 67

[ آدم يواسي الحسين ]

37 - وروي : أن آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حواء ، فصار يطوف الأرض في طلبها ، فمر بكربلاء فاغتم وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به ؟ فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض .

فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه ، فقال آدم : يا ربّ أيكون الحسين نبيا ؟ قال : لا ولكنه سبط النبي محمد ، فقال : ومن القاتل له ؟ قال : قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض ، فقال آدم : فأي شيء أصنع يا جبرئيل ؟ فقال : العنه يا آدم ، فلعنه أربع مرات ، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك .

[ جبرئيل يخبر نوح ]

38 - وروي : أنّ نوحا لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا ، فلمامرت

بكربلاء أخذته الأرض ، وخاف نوح الغرق ، فدعا ربّه وقال : إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فنزل جبرئيل وقال : يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فقال : ومن القاتل له يا جبرئيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين ، فلعنه نوح أربع مرات ، فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه .

[ إبراهيم يواسي الحسين ويلعن قاتله ]

39 - وروي : أنّ إبراهيم عليه السلام مر في أرض كربلاء ، وهو راكب فرسا ، فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه ، فأخذ في الاستغفار وقال : إلهي أي شيء

ص: 68

حدث مني ؟ فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه .

قال : يا جبرئيل ومن يكون قاتله ؟ قال : لعين أهل السماوات والأرضين ، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربّه ، فأوحى الله - تعالى - إلى القلم أنك استحققت الثناء بهذا اللعن .

فرفع إبراهيم عليه السلام يديه ولعن يزيد لعنا كثيرا ، وأمن فرسه بلسان فصيح ، فقال إبراهيم لفرسه : أي شيء عرفت حتى تون على دعائي فقال : يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك علي ، فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي ، وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله - تعالى - .

[ إسماعيل يلعن قاتل الحسين ]

40 - وروي : أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات ، فأخبره الراعي أنها

لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما ، فسأل ربّه عن سبب ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : يا إسماعيل سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك ، فقال لها : لم لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أن ولدك الحسين عليه السلام سبط محمد يقتل هنا عطشانا ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه ، فسألها عن قاتله ، فقالت : يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين ، فقال إسماعيل : اللهم العن قاتل الحسين عليه السلام .

[ موسى يلعن قاتل الحسين ]

41 - وروي : أنّ موسى كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون ، فلما جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ، ودخل الخسك في رجليه وسال دمه ، فقال : إلهي أي شيء حدث مني ؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين ، وهنا يسفك

ص: 69

دمه ، فسال دمك موافقة لدمه ، فقال : ربّ ومن يكون الحسين ؟ فقيل له هو سبط محمد المصطفى وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله ؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار والوحوش في القفار والطير في الهواء ، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه .

[ سليمان يلعن قاتل الحسين ]

42 - وروي : أن سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء ، فمر ذات

يوم وهو سائر في أرض كربلاء ، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط ، فسكنت الريح ونزل البساط في أرض كربلاء .

فقال سليمان للريح : لم سكنتي ؟ فقالت : إنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام ، فقال : ومن يكون الحسين ؟ فقالت : هو سبط محمد المختار وابن علي الكرار ، فقال : ومن قاتله ؟ قالت : لعين أهل السماوات والأرض يزيد ، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه ، وأمن على دعائه الإنس والجن ، فهبت الريح وسار البساط .

[ عيسى يلعن قاتل الحسين ]

43 - وروي : أن عيسى كان سائحا في البراري ومعه الحواريون ، فمروا بكربلاء

فرأوا أسدا كاسرا قد أخذ الطريق ، فتقدم عيسى إلى الأسد فقال له : لم جلست في هذا الطريق ؟ وقال : لا تدعنا نمر فيه ، فقال الأسد بلسان فصيح : إني لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام ، فقال عيسى عليه السلام : ومن يكون الحسين ؟ قال : هو سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي ، قال : ومن قاتله ؟ قال : قاتله لعين الوحوش والذباب والسباع أجمع ، خصوصا أيام عاشوراء ، فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن الحواريون على دعائه ، فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم .

ص: 70

[ آدم يبكي على الحسين ]

44 - وروى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله - تعالى - « فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » : أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم السلام ، فلقنه جبرئيل قل :يا حميد بحق محمد ، يا عالي بحق علي ، يا فاطر بحق فاطمة ، يا محسن بحق الحسن والحسين ، ومنك الإحسان .

فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه وقال : يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي! قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب ، فقال : يا أخي وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر ولا معين ، ولو تراه يا آدم وهو يقول : وا عطشاه وا قلة ناصراه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان ، فلم يجبه أحد إلا بالسيوف وشرب الحتوف ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب رحله أعداو ، وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان ، كذلك سبق في علم الواحد المنان ، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى .

[ جبرئيل والنبي يبكيان لما اختار الحسنان ألوان ثوبيهما ]

45 - وروي : أن الحسن والحسين عليهماالسلام دخلا يوم عيد إلى حجرة جدهمارسول الله صلى الله عليه و آله فقالا : يا جداه اليوم يوم العيد ، وقد تزين أولاد العرب بألوان اللباس ولبسوا جديد الثياب وليس لنا ثوب جديد وقد توجهنا لذلك إليك ، فتأمل النبي حالهما وبكى ، ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما ، ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما ، فدعا ربّه وقال : إلهي اجبر قلبهما وقلب أمهما .

فنزل جبرئيل ومعه حلتان بيضاوان من حلل الجنة ، فسر النبي صلى الله عليه و آله وقال لهما : يا سيديّ شباب أهل الجنة خذا أثوابا خاطها خياط القدرة على قدر طولكما ، فلما رأيا الخلع بيضا قالا : يا جداه كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ؟ فأطرق النبي ساعة متفكرا في أمرهما .

ص: 71

فقال جبرئيل : يا محمد طب نفسا وقر عينا ، إن صابغ صبغة الله - عزّ وجلّ - يقضي لهما هذا الأمر ويفرح قلوبهما بأي لون شاءا ، فأمر يا محمد بإحضار الطست والإبريق ، فأحضرا ، فقال جبرئيل : يا رسول الله أنا أصبّ الماء على هذه الخلع وأنت تفركهما بيدك ، فتصبغ لهما بأي لون شاءا .

فوضع النبي حلة الحسن في الطست ، فأخذ جبرئيل يصب الماء ، ثم أقبل النبي على الحسن وقال له : يا قرة عيني بأي لون تريد حلتك ؟ فقال : أريدها خضراء ، ففركها النبي بيده في ذلك الماء ، فأخذت بقدرة الله لونا أخضر فائقا كالزبرجد الأخضر ، فأخرجها النبي وأعطاها الحسن فلبسها .

ثم وضع حلة الحسين في الطست وأخذ جبرئيل يصبّ الماء ، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ، وكان له من العمر خمس سنين ، وقال له : يا قرة عيني أي لون تريد حلتك ؟ فقال الحسين : يا جد أريدها حمراء ، ففركها النبي بيده في ذلك الماء ، فصارت حمراء كالياقوت الأحمر ، فلبسها الحسين ، فسر النبي بذلك وتوجه الحسن والحسين إلى أمهما فرحين مسرورين .

فبكى جبرئيل عليه السلام لما شاهد تلك الحال ، فقال النبي : يا أخي جبرئيل في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فبالله عليك إلا ما أخبرتني ، فقال جبرئيل : اعلم يا رسول الله أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون ، فلا بد للحسن أن يسقوه السم ويخضر لون جسده من عظم السم ، ولا بد للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه ، فبكى النبي وزاد حزنه لذلك .

[ الملائكة يعزون النبي ]

46 - وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان بإسناده عن زوجة العباس بن عبد المطلب ، وهي أم الفضل لبابة بنت الحارث ، قالت :

رأيت في النوم قبل مولد الحسين عليه السلام كأنّ قطعة من لحم رسول الله قطعت ووضعت في حجري ، فقصصت الروا على رسول الله .

ص: 72

فقال : إن صدقت رواك ، فإن فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه ، فجرى الأمر على ذلك ، فجئت به يوما فوضعته في حجري فبال فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه و آله فقرصته فبكى .

فقال كالمغضب : مهلا يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني .

قالت : فتركته ومضيت لآتيه بماء فجئت فوجدته صلى الله عليه و آله يبكي ، فقلت : مم بكاو يا رسول الله ؟

فقال : إن جبرئيل أتاني وأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا .

وقال أصحاب الحديث : فلما أتت على الحسين سنة كاملة هبط على النبي اثنا عشر ملكا على صور مختلفة ، أحدهم على صورة بني آدم يعزونه ويقولون : إنه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، ولم يبق ملك إلا نزل إلى النبي يعزونه ، والنبي يقول : اللهم اخذل خاذله واقتل قاتله ولا تمتعه بما طلبه .

وعن أنس بن أبي سحيم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آلهيقول : إنّ ابني هذا يقتل بأرض العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره ، فحضر أنس مع الحسين كربلاء وقتل معه .

وعن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي وهو غلام يدرج فقال : أي عائشه ألا أعجبك ؟ لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي قط فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة ، فأخرجته يوم قتل وهو دم .

[ بكاء أمير المؤمنين وخطبة النبي وهو يحمل الحسنين ويذكر مصائبهم ]

وعن عبد الله بن يحيى قال : دخلنا مع علي إلى صفين ، فلما حاذى نينوى نادى : صبرا ياعبد الله ، فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان .

ص: 73

فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد ؟

قال : لا ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم .

فمد يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلاء .

فلما أتت عليه سنتان خرج النبي إلى سفر ، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك ، فقال : هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها « كربلاء » يقتل فيها ولدي الحسين ، وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها ، وكأني أنظر على السبايا على أقتاب المطايا ، وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد - لعنه الله - ، فو الله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاّ خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه الله عذابا أليما .

ثم رجع النبي من سفره مغموما مهموما كئيبا حزينا ، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس .

فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين وقال : اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ، وهذان أطايب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول بالسم والآخر شهيد مضرج بالدم ، اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله وأصله حر نارك واحشره في أسفل درك الجحيم .

قال : فضج الناس بالبكاء والعويل ، فقال لهم النبي : أيها الناس أتبكونه ولا تنصرونه ؟ اللهم فكن أنت له وليا وناصرا .

ثم قال : يا قوم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فودي ومهجتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وإني لا أسألكم في

ص: 74

ذلك ، إلا ما أمرني ربي أن أسألكم عنه ، أسألكم عن المودة في القربى ، واحذروا أن تلقوني غدا على الحوض ، وقد آذيتم عترتي ، وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم ، ألا أنه سيرد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة ، فتقف علي فأقول لهم : من أنتم ؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول لهم : أنا أحمد نبي العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمتك ، فأقول : كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربي ؟ فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض ، فلما أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية أخرى أشدّ سوادا من الأولى فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب الله وعترتي ؟ فيقولون : أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فمزقناهم كلّ ممزق ، فأقول : إليكم عني ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا وحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد ونصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا ، وقاتلنا معهم من ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا ، فأنا نبيكم محمد ،

ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ، ثم أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مرويين مستبشرين ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين .

ص: 75

باب 31 :ما أخبر به الرسول وأمير المونين والحسين صلوات الله عليهم

اشارة

بشهادته صلوات الله عليه

[ يا أبا عبد اللّه عزيز عليّ ]

1 - الأمالي للطوسي عن علي بن الحسين عليه السلام قال : حدثني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت : قبلت جدتك فاطمة بنت رسول الله بالحسن والحسين .

فلما ولدت الحسن جاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا أسماء هاتي ابني .

قالت : فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال : ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ، ودعا بخرقة بيضاء فلفه بها ، ثم أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ، وقال لعلي عليه السلام : بما سميت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله . قال : وأنا ما كنت لأسبق ربي - عزّ وجلّ - .

قال : فهبط جبرئيل قال : إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمد علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك ، فسم ابنك باسم ابن هارون . قال النبي صلى الله عليه و آله : وما اسم ابن هارون ؟ قال جبرئيل : شبر . قال : وما شبر ؟ قال : الحسن . قالت أسماء : فسماه الحسن .

ص: 76

قالت أسماء : فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام نفستها به فجاءني النبي فقال : هلم ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن . قالت : وبكى

رسول الله ، ثم قال : إنه سيكون لك حديث ، اللهم إلعن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك .

قالت أسماء : فلما كان في يوم سابعه جاءني النبي فقال : هلمي ابني فأتيته به ففعل به كما فعل بالحسن وعق عنه كما عق عن الحسن كبشا أملح ، وأعطى القابلة الورك ورجلا ، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا ، وخلق رأسه بالخلوق ، وقال : إن الدم من فعل الجاهلية .

قالت : ثم وضعه في حجره ثم قال : يا أبا عبد الله عزيز علي ، ثم بكى .

فقلت : بأبي أنت وأمي ، فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو ؟

قال : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم .

ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته ، اللهم أحبهما وأحب من يحبهما والعن من يبغضهما مل ء السماء والأرض(1) .

[ رؤيا أمير المؤمنين يقصها على ابن عباس ]

2 - الأمالي للصدوق : عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المونين عليه السلام في خرجته إلى صفين ، فلما نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المونين . فقال عليه السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي .

ص: 77


1- بيان : نفستها به لعل المعنى كنت قابلتها وإن لم يرد بهذا المعنى فيما عندنا من اللغة ويحتمل أن يكون من نفس به بالكسر بمعنى ضن أي ضننت به وأخذته منها وخلقه تخليقا طيبة. قوله صلى الله عليه و آلهعزيز علي أي قتلك ، قال الجزري : عز علي يعز أن أراك بحال سيئة أي يشتد ويشق علي .

قال : فبكى طويلا حتى أخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبكينا معا وهو يقول : أوه أوه ما لي ولآل أبي سفيان ، ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر صبرا ، يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم ، ثم دعا بماء فتوضأ

وضوء الصلاة فصلى ما شاء الله أن يصلي ، ثم ذكر نحو كلامه الأول إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال : يا ابن عباس ؟ فقلت : ها أنا ذا . فقال : ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ . فقلت : نامت عيناك ورأيت خيرا يا أمير المونين . قال : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع وقد خطوا حول هذه الأرض خطة ، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث ، وكان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثم يعزونني ويقولون : يا

أبا الحسن أبشر فقد أقر الله به عينك « يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ » ،ثم انتبهت هكذا ، والذي نفس علي بيده لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم صلى الله عليه و آله أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا ، وهذه أرض كرب وبلاء يدفن فيها الحسين عليه السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة ، وإنها لفي السماوات معروفة تذكر أرض «كرب وبلاء» كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس .

ثم قال لي : يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران .

قال ابن عباس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة ، فناديته يا أمير المونين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي .

فقال علي عليه السلام : صدق الله ورسوله ، ثم قام عليه السلام يهرول إليها فحملها وشمها وقال : هي هي بعينها ، أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار ؟ هذه قد شمها عيسى ابن مريم ،

ص: 78

وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة ، وهي تبكي ، فجلس عيسى وجلس الحواريون معه ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلى الله عليه و آله وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها طينة أطيب من المسك؛ لأنّها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا يكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، فهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض ، ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها وقال : هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها ، اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة .

قال : فبقيت إلى يوم الناس هذا ، وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء .

ثم قال بأعلى صوته : يا ربّ عيسى ابن مريم لا تبارك في قتلته والمعين عليه والخاذل له ، ثم بكى بكاء طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا ، ثم أفاق ، فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك .

ثم قال : يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا ويسيل منها دم عبيط فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها ودفن .

قال ابن عباس : فو الله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله - عزّ وجلّ - علي وأنا لا أحلها من طرف كمي ، فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وكان كمي قد امتلأ دما عبيطا ، فجلست وأنا باك وقلت : قد قتل والله الحسين ، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني ، ولا أخبرني بشيء قط أنّه يكون إلا كان كذلك؛ لأن رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره ، ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا

ص: 79

يستبين منها أثر عين ، ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك ، فقلت : قد قتل والله الحسين ، وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول :

اصبروا آل الرسول

قتل الفرخ النحول

نزل الروح الأمين

ببكاء وعويل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت .

فأثبت عندي تلك الساعة ، وكان شهر المحرم يوم عاشوراء لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولا ندري ما هو فكنا نرى أنه الخضر عليه السلام (1) .

[ واهالك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .. ]

4 - الأمالي للصدوق : عن هرثمة بن أبي مسلم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين ، فلما انصرفنا نزل بكربلاء فصلى بها الغداة ، ثم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يَدْخُلُونَ

الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ

ص: 80


1- بيان : قال الجوهري : قولهم عند الشكاية أوه من كذا ساكنة الواو إنما هو توجع وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا أوه من كذا وقال : المضغة قطعة لحم وقلب الإنسان مضغة من جسده . قوله عليه السلام ولا كذبت على بناء المجهول من قولهم كذب الرجل أي أخبر بالكذب أي ما أخبرني رسول الله بكذب قط ويحتمل أن يكون على بناء التفعيل أي ما أظهر أحد كذبي والأول أظهر والضباب بالفتح ندى كالغيم أو صحاب رقيق كالدخان قوله أثر عين أي من الأعيان الموجودة في الخارج والنحول من النحل بالضم بمعنى الهزال .

حِسابٍ ، فرجع هرثمة إلى زوجته ، وكانت شيعة لعلي عليه السلام ، فقال : ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن نزل بكربلاء فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ حِسابٍ .

قالت : أيها الرجل فإن أمير المونين عليه السلام لم يقل إلا حقّا .

فلما قدم الحسين عليه السلام قال هرثمة : كنت في البعث الذين بعثهم عبيد الله بن زياد لعنهم الله ، فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث ، فجلست على بعيري ثم صرت إلى الحسين عليه السلام فسلمت عليه وأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين . فقال : معنا أنت أم علينا ؟ فقلت : لا معك ولا عليك ، خلفت صبية أخاف عليهم عبيد الله بن زياد . قال : فامض حيث لا ترى لنا مقتلا ولا تسمع لنا صوتا ، فو الذي نفس حسين بيده ، لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلا كبّه

الله لوجهه في نار جهنم(1) .

[ وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني ]

5 - الأمالي للصدوق : عن أصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المونين عليه السلام يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلا نبأتكم به . فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المونين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟

فقال له : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه و آلهأنك ستسألني عنها ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه .

ص: 81


1- بيان : قال الجوهري : إذا تعجبت من طيب الشيء قلت : واها له ما أطيبه . أقول : لعل المراد أن مع سماع الواعية وترك النصرة العذاب أشد وإلا فالظاهر وجوب نصرتهم على أي حال .

6 - الأمالي للصدوق : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن منزلي ويمسك قضيبا غرسه ربي - عزّ وجلّ - ثم قال له : كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب وليأتم بالأوصياء من ولده ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، إلى الله أشكو أعداءهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، وايم الله ليقتلن ابني بعدي الحسين لا أنالهم الله شفاعتي .

7 - الإرشاد والإحتجاج : جاء في الآثار أن أمير المونين عليه السلام كان يخطب فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة . فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم

في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟

فقال أمير المونين : والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله بما سألت عنه وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملك يلعنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزك ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، وآية ذلك مصداق ما خبرتك به ، ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون .

وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو . فلما كان من أمر الحسين ما كان تولى قتله كما قال أمير المونين(1) عليه السلام .

[ ليقتلن ابني الحسين بعدي ]

8 - قرب الإسناد :عن الباقر عليه السلام قال : مرّ علي بكربلاء في اثنين من أصحابه

قال : فلما مرّ بها ترقرقت عيناه للبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، وهاهنا تهراق دماوم ، طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبة .

ص: 82


1- بيان : استنفزه أي استخفه وأزعجه .

9 - بصائر الدرجات : قال رسول الله : من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة ربي التي وعدني جنة عدن منزلي قضيب من قضبانه غرسه ربي - تبارك وتعالى - بيده فقال له : كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب والأوصياء من ذريته إنهم الأئمة من بعدي هم عترتي من لحمي ودمي رزقهم الله فضلي وعلمي ، وويل للمنكرين فضلهم من أمتي القاطعين صلتي ، والله ليقتلن ابني لا أنالهم الله شفاعتي(1) .

10 - بصائر الدرجات : عن الباقر عليه السلام : أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة ربي جنة عدن غرسه ربي فليتول عليا وليعاد عدوه وليأتم بالأوصياء من بعده ، فإنهم أئمة الهدى من بعدي أعطاهم الله فهمي وعلمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي إلى الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، وايم الله ليقتلن ابني يعني الحسين لا أنالهم الله شفاعتي .

[ لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جماز ]

11 - بصائر الدرجات : عن سويد بن غفلة قال : أنا عند أمير المونين عليه السلام إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المونين جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة . فقال له أمير المونين : إنه لم يمت ، فأعادها عليه . فقال له علي عليه السلام : لم يمت ، والذي نفسي بيده لا يموت . فأعادها عليه الثالثة ، فقال : سبحان الله أخبرك أنه مات وتقول : لم يمت . فقال له علي عليه السلام : لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، يحمل رايته حبيب بن جماز .

قال : فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المونين ، فقال له : أناشدك في وإني لك شيعة وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي .

ص: 83


1- بيان : قوله : قضيب أي فيها قضيب .

فقال له علي عليه السلام : إن كنت حبيب بن جماز فتحملنها ، فولى حبيب بن جماز وقال : إن كنت حبيب ابن جماز لتحملنها .

قال أبو حمزة : فو الله ما مات حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليه السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب صاحب رايته .

12- الإرشاد : مثله وزاد في آخره : وسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل .

[ أما إن أمتي ستقتله ]

كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه و آله يلاعبه ويضاحكه فقالت : عائشة يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي ؟ فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ؟! وهو ثمرة فودي وقرة عيني ، أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي . قالت : يا رسول الله حجة من حججك ؟ قال : نعم ، وحجتين من حججي . قالت : يا رسول الله حجتين من حججك ؟ قال : نعم ، وأربعة . قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه و آله بأعمارها .

13 - كامل الزيارات : عن محمد بن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنتي جنة عدن غرسها ربي بيده فليتول عليا ويعرف فضله والأوصياء من بعده ويتبرأ من عدوي أعطاهم الله فهمي وعلمي هم عترتي من لحمي ودمي ، أشكو إليك ربي عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي والله ليقتلن ابني ثم لا تنالهم شفاعتي .

[ يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي ]

14 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا دخل الحسين عليه السلام اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المونين عليه السلام : امسكه ، ثم يقع عليه فيقبله

ص: 84

ويبكي

، فيقول : يا أبة لم تبكي ؟ فيقول : يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي . قال : يا أبة وأقتل ؟ قال : إي والله وأبوك وأخوك وأنت . قال : يا أبة فمصارعنا شتى ؟ قال : نعم يا بني . قال : فمن يزورنا من أمتك ؟ قال : لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصديقون من أمتي .

[ إني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها ]

15 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أمير المونين عليه السلام والحسين إلى جنبه ، فضرب بيده على كتف الحسين ثم قال : إن هذا يقتل ولا ينصره أحد . قال : قلت : يا أمير المونين والله إن تلك لحياة سوء! قال : إن ذلك لكائن .

16 - كامل الزيارات : عن علي عليه السلام قال : ليقتل الحسين قتلا ، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريبا من النهرين .

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال علي للحسين : يا أبا عبد الله أسوة أنت قدما . فقال : جعلت فداك ما حالي ؟

قال : علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم ، يا بني اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك ، فو الذي نفسي بيده ، ليسفكن بنو أمية دمك ثم لا يريدونك عن دينك ولا ينسونك ذكر ربك .

فقال الحسين عليه السلام : والذي نفسي بيده ، حسبي وأقررت بما أنزل الله وأصدق نبي الله ولا أكذب قول أبي(1) .

ص: 85


1- بيان : الأسوة ويضم القدوة وما يأتسي به الحزين أي ثبت قديما أنك أسوة الخلق يقتدون بك أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين. قوله عليه السلام لا يريدونك أي لا يريدون صرفك عن دينك والأصوب لا يردونك .

18 - الإرشاد : عن إسماعيل بن زياد قال : إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره .

فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء بن عازب يقول : صدق والله علي بن أبي طالب قتل الحسين ولم أنصره ، ثم يظهر على ذلك الحسرة والندم .

[ إذا دخل عمر بن سعد قالوا :هذا قاتل الحسين ]

19 - كشف الغمة والإرشاد : روى عبد الله بن شريك العامري قال : كنت أسمع

أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون : هذا قاتل الحسين ، وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل .

20 - كشف الغمة والإرشاد : قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك . فقال له الحسين : إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم حلماء ، أما إنه يقر عيني أن لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا .

[ رؤيا هند ]

21 - المناقب لابن شهرآشوب : ابن عباس سألت هند عائشة أن تسأل النبي

تعبير روا ، فقال قولي لها فلتقصص رواها .

فقالت : رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي وكان كوكبا خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسود الأفق لابتلاعها ، ثم رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودة في الأرض إلا إن المسودة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان .

فاكتحلت عين رسول الله صلى الله عليه و آلهبدموعه ثم قال : هي هند اخرجي يا عدوة الله - مرتين - فقد جددت علي أحزاني ونعيت إلي أحبابي . فلما خرجت قال : اللهم العنها والعن نسلها .

ص: 86

فسئل عن تفسيرها فقال عليه السلام : أما الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب عليه السلام ، والكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق جاحد لله ، وتلك الظلمة التي زعمت ورأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسودت ، فذلك ابني الحسين عليه السلام يقتله ابن معاوية فتسود الشمس ويظلم الأفق ، وأما الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كل مكان فتلك بنو أمية .

[ يا أبة فيقتل ؟ ]

22 - تفسير فرات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسين مع أمه تحمله فأخذه النبي صلى الله عليه و آله وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك وحكم الله بيني وبين من أعان عليك .

قالت فاطمة الزهراء : يا أبت أي شيء تقول ؟

قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم .

قالت : يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف ؟

قال : موضع يقال له « كربلاء » وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي لو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار .

قالت : يا أبة فيقتل ؟

قال : نعم يا بنتاه وما قتل قتلته أحد كان قبله ويبكيه السماوات والأرضون والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال ، ولو يون لها ما بقي على الأرض

متنفس ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ،

ص: 87

وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غدا أعرفهم إذا وردوا علي بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض وبهم ينزل الغيث .

فقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام : يا أبة إنا لله وبكت .

فقال لها : يا بنتاه إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا « أَنْفُسَهُمْ

وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا »فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قتلة أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل فسوف يموت .

يا فاطمة بنت محمد ، أما تحبين أن تأمرين غدا بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟ أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك ، إذا أفلجت حجته على الخلائق وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك وتأسف عليه كل شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيدا ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟

ص: 88

قالت : يا أبة سلمت ورضيت وتوكلت على الله .

فمسح على قلبها ومسح عينيها وقال : إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقر عيناك ويفرح قلبك(1) .

[ ما يبكيك يا علي وهذا أول فتح ببركة الحسين ]

23 - عن عبد الله بن قيس قال : كنت مع من غزا مع أمير المونين عليه السلام في صفين وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس ، فشكا المسلمون العطش ، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين فضاق صدره ، فقال له ولده الحسين عليه السلام : أمضي إليه يا أبتاه ؟ فقال : امض يا ولدي ، فمضى مع فوارس ، فهزم أبا أيوب عن الماء وبنى خيمته وحط فوارسه وأتى إلى أبيه وأخبره ، فبكى علي عليه السلام .

فقيل له : ما يبكيك يا أمير المونين وهذا أول فتح ببركة الحسين عليه السلام ؟

فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشانا بطف كربلاء حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول :

الظليمة الظليمة لأُمة قتلت ابن بنت نبيها

[ أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله ]

24 - وروى ابن نما

رحمه الله في مثير الأحزان : عن ابن عباس قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه و آله مرضه الذي مات فيه ضم الحسين عليه السلام إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول : ما لي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ،

ص: 89


1- بيان : قوله يتهادون إلى القتل إما من الهدية كأنه يهدي بعضهم بعضا إلى القتل أو من قولهم تهادت المرأة تمايلت في مشيتها أو من قولهم هداه أي تقدمه أي يتسابقون وعلى التقديرات كناية عن فرحهم وسرورهم بذلك والذود الطرد والدفع. أقول : قد مر بعض الأخبار في باب الولادة .

ثم غشي عليه طويلا وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول : أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله - عزّ وجلّ - .

[ من الشعر المنسوب للامام علي مخاطبا الحسين ]

25 - في الديوان المنسوب إلى أمير المونين عليه السلام :

حسين إذا كنت في بلدة

غريبا فعاشر بآدابها

فلا تفخرن فيهم بالنهى

فكل قبيل بألبابها

ولو عمل ابن أبي طالب

بهذا الأمور كأسبابها

ولكنه اعتام أمر الإله

فأحرق فيهم بأنيابها

عذيرك من ثقة بالذي

ينليك دنياك من طابها

فلا تمرحن لأوزارها

ولا تضجرن لأوصابها

قس الغد بالأمس كي تستريح

فلا تبتغي سعي رغابها

كأني بنفسي وأعقابها

وبالكربلاء ومحرابها

فتخضب منا اللحى بالدما

ء خضاب العروس بأثوابها

أراها ولم يك رأي العيان

وأوتيت مفتاح أبوابها

مصائب تأباك من أن ترد

فأعدد لها قبل منتابها

سقى الله قائمنا صاحب

القيامة والناس في دأبها

هو المدرك الثأر لي يا حسين

بل لك فاصبر لأتعابها

لكل دم ألف ألف وما

يقصر في قتل أحزابها

هنالك لا ينفع الظالمين

قول بعذر وإعتابها

حسين فلا تضجرن للفراق

فديناك أضحت لتخرابها

سل الدور تخبر وأفصح بها

بأن لا بقاء لأربابها

ص: 90

أنا الدين لا شك للمونين

بآيات وحي وإيجابها

لنا سمة الفخر في حكمها

فصلت علينا بإعرابها

فصل على جدك المصطفى

وسلم عليه لطلابها(1)

ص: 91


1- بيان : ولو عمل لو للتمني وقال الجوهري: العيمة بالكسر خيار المال واعتام الرجل إذا أخذ العيمة وقال: حرقت الشيء حرقا بردته وحككت بعضه ببعض ومنه قولهم حرق نابه يحرقه ويحرقه أي سحقه حتى سمع له صريف . وقال : عذيرك من فلان أي هلم من يعذرك منه بل يلومه ولا يلومك . وقال الرضي: معنى من فلان من أجل الإساءة إليه وإيذائه أي أنت ذوعذر فيما تعامله به من المكروه وإضافة الدنيا إلى المخاطب للإشعار بأن لا علاقة بينه عليه السلام وبين الدنيا . وقال الجوهري : الطاب الطيب ، وقال : المرح شدة الفرح ، وقال : الوصب المرض . وقوله : سعي إما مفعول به لقوله لا تبتغي أو مفعول مطلق من غير اللفظ ، والمحراب محل الحرب، والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ، والمنتاب مصدر ميمي من قولهم انتاب فلان القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى. ووصف القائم عليه السلام بصاحب القيامة لاتصال زمانه بها أو لرجعة بعض الأموات في زمانه والدأب مصدر دأب في عمله أي جد وتعب أو العادة والشأن ، والأتعاب بالفتح جمع التعب والإعتاب الإرضاء ، والتخراب بالفتح مبالغة في الخراب، وتخبر على بناء الفاعل أو المفعول وأفصح بها للتعجب ، والحمل في أنا الدين للمبالغة ، وإشارة إلى قوله - تعالى - «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»وإلى أن الإسلام لا يتم إلا بولايته لقوله - تعالى - «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الاْءِسْلامُ» . وقوله عليه السلام : للمونين متعلق بالنسبة بين أنا والدين أو خبر لا وبآيات متعلق بالنسبة أو بالمونين قوله وإيجابها أي إيجاب الآيات طاعتي وولايتي على الناس، والمصراع بعده إشارة إلى ما نزل في شأن أهل البيت عليهم السلام عموما وإسناد الصلاة إلى الآيات مجاز والإعراب الإظهار والبيان . وقال شارح الديوان: المصراع الذي بعده إشارة إلى قراءة نافع وابن عامر ويعقوب « آل ياسين » بالإضافة، وإلى ما روي أن « يس » اسم محمد صلى الله عليه و آله أو إلى_ قوله - تعالى - «وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى» ولطف إعرابها على التوجيه الأول غير خفي انتهى . أقول: لا وجه للتخصيص غير التعصب بل ربع القرآن نازل فيهم عليهم السلام كما عرفت وستعرفه .

باب 32 :أن مصيبته صلوات الله عليه كان أعظم المصائب

وذل الناس بقتله

وردّ قول من قال : إنه عليه السلام لم يقتل ولكن شبه لهم

1 - علل الشرائع : عن عبد الله بن الفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه و آله واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليهاالسلام واليوم الذي قتل فيه أمير المونين عليه السلام واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السلام بالسم ؟

فقال : إن يوم قتل الحسين عليه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام؛ وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبي بقي أمير المونين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة ، فلما مضت فاطمة عليهاالسلام كان في أمير المونين والحسن والحسين عليهم السلام

للناس عزاء وسلوة ، فلما مضى منهم أمير المونين كان للناس في الحسن والحسين عليهماالسلام عزاء وسلوة ، فلما مضى الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عزاء وسلوة ، فلما قتل الحسين صلى الله عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد للناس

ص: 92

فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقاو كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة .

قال عبد الله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله فلم لم يكن للناس في علي بن الحسين عليه السلام عزاء وسلوة مثل ما كان لهم في آبائه عليهم السلام ؟

فقال : بلى إن علي بن الحسين كان سيد العابدين وإماما وحجة على الخلق بعد آبائه الماضين ، ولكنه لم يلق رسول الله صلى الله عليه و آلهولم يسمع منه وكان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه و آله ، وكان أمير المونين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قد

شاهدهم الناس مع رسول الله صلى الله عليه و آله في أحوال تتوالى ، فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكروا حاله من رسول الله صلى الله عليه و آله وقول رسول الله صلى الله عليه و آلهله وفيه ، فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على الله - عزّ وجلّ - ولم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلا في فقد الحسين عليه السلام ؛ لأنه مضى في آخرهم فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة .

قال عبد الله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف سمت العامة يوم عاشوراء يوم بركة ؟

فبكى عليه السلام ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار وأخذوا عليها الجوائز من الأموال ، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم وأنه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرك والاستعداد فيه ، حكم الله بيننا وبينهم .

ثم قال عليه السلام : يا ابن عم وإن ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام وأهله مما وضعه قوم انتحلوا مودتنا وزعموا أنهم يدينون بموالاتنا ويقولون بإمامتنا ، زعموا أن الحسين عليه السلام لم يقتل وأنه شبه للناس أمره كعيسى ابن مريم ، فلا لائمة إذا على بني أمية ولا عتب على زعمهم ، يا ابن عم من زعم أن الحسين لم يقتل فقد كذب رسول الله وعليا وكذب من بعده من الأئمة عليهم السلام في إخبارهم بقتله ومن كذبهم فهو كافر بالله العظيم ودمه مباح لكل من سمع ذلك منه .

ص: 93

قال عبد الله بن الفضل : فقلت له : يا ابن رسول الله فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به ؟

فقال عليه السلام : ما هواء من شيعتي وأنا بريء منهم .

قال : فقلت : فقول الله - عزّ وجلّ - « وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ » ؟

قال : إن أولئك مسخوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتناسلوا ، وإن القردة اليوم مثل أولئك وكذلك الخنزير وسائر المسوخ ما وجد منها اليوم من شيء فهو مثله لا يحل أن يول لحمه .

ثم قال عليه السلام : لعن الله الغلاة والمفوضة فإنهم صغروا عصيان الله وكفروا به وأشركوا وضلوا وأضلوا فرارا من إقامة الفرائض وأداء الحقوق .

2 - الخصال : عن عمر بن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذل الناس ؟ قال : حين قتل الحسين بن علي عليه السلام وادعي زياد وقتل حجر بن عدي .

3 - الإحتجاج : عن إسحاق بن يعقوب قال : ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام عليّ على يد محمد بن عثمان العمري بخطه عليه السلام : أما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال .

4 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام :... يا ابن رسول الله وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي لم يقتل ، وأنه ألقي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي ، وأنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام ، ويحتجون بهذه الآية « وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُومِنِينَ سَبِيلاً » ؟

فقال : كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم لنبي الله في إخباره بأن الحسين بن علي عليه السلام سيقتل ، والله لقد قتل الحسين وقتل من كان خيرا

من الحسين أمير المونين والحسن بن علي وما منا إلا مقتول ، وأنا والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله أخبره به

ص: 94

جبرئيل عن ربّ العالمين ، وأما قول الله - عزّ وجلّ - « وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُومِنِينَ سَبِيلاً »فإنه يقول : ولن يجعل الله لكافر على مون حجة ، ولقد أخبر الله - عزّ وجلّ - من كفار قتلوا النبيين بغير الحق ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة(1) .

ص: 95


1- أقول : قد مضى كلام من الصدوق رحمه الله في باب علامات الإمام في ذلك لا نعيده .

باب 33 :العلة التي من أجلها لم يكف الله قتلة الأئمة

عليهم السلام

ومن ظلمهم عن قتلهم وظلمهم

وعلة ابتلائهم صلوات الله عليهم أجمعين

1 - إكمال الدين والإحتجاج وعلل الشرائع : محمد بن إبراهيم قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أن أسألك عن شيء . فقال له : سل عما بدا لك . فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو ولي الله ؟ قال : نعم . قال : أخبرني عن قاتله أهو عدو الله ؟ قال : نعم . قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه ؟

فقال له أبو القاسم قدس الله روحه : إفهم عني ما أقول لك : إعلم أن الله - عزّ وجلّ - لا يخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنه - عزّ وجلّ - بعث إليهم رسولا

من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون « الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ » قالوا لهم : أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله - عزّ وجلّ -

ص: 96

لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه بردا وسلاما ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبنا ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا ف- « تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله - عزّ وجلّ -وأنبأهم

بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلّمه البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك .

فلما أتوا بمثل هذه المعجزات وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله - عزّ وجلّ - ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين ، ولو جعلهم - عزّ وجلّ - في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله - عزّ وجلّ - ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنه - عزّ وجلّ - جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله - تعالى - ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل و « لِيهلك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ » .

قال محمد بن إبراهيم: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أحب إلي من أن أقول في دين الله - تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله عليه(1) .

ص: 97


1- بيان : فتخطفني أي تأخذني بسرعة والسحيق البعيد .

2 - قرب الإسناد : عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ؟ فقال هو : « ويعفو عن كثير » . قلت له : ما أصاب عليا وأشباهه من أهل بيته من ذلك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و آلهكان يتوب إلى الله - عزّ وجلّ - كل يوم سبعين مرة من غير ذنب .

3 - الخصال : عن الباقر عليه السلام قال : إن أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب ، وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا .

وقال عليه السلام : إن أيوب عليه السلام من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده ، وهكذا يصنع الله - عزّ وجلّ - بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه ، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره بجهلهم بما له عند ربّه - تعالى ذكره - من التأييد والفرج ، وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، وإنما ابتلاه الله - عزّ وجلّ - بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس؛ لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه - تعالى - متى شاهدوه؛ ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله - تعالى ذكره - على ضربين استحقاق واختصاص ، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء ، وهو - عزّ وجلّ - في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلاّ به .

4 - معاني الأخبار : عن ابن رئاب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون ؟

ص: 98

فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يتوب إلى الله - عزّ وجلّ - ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ، إنّ الله - عزّ وجلّ - يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب(1) .

5 - بصائر الدرجات : عن ضريس قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وأناس من أصحابه حوله : وأعجب من قوم يتولوننا ويجعلوننا أئمة ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقصون حقّنا ويعيبون بذلك علينا من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا أترون أن الله - تبارك وتعالى - افترض طاعة أوليائه على عباده ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم ؟

فقال له حمران : جعلت فداك يا أبا جعفر أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن والحسين وخروجهم وقيامهم بدين الله وما أصيبوا به من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا أو غلبوا ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله - تبارك وتعالى - قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه ، فبتقدم علم من رسول الله إليهم في ذلك قام علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، وبعلم صمت من صمت منا ، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله دفع ذلك عنهم ، وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد .

وما كان الذي أصابهم من ذلك - يا حمران - لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبن فيهم المذاهب .

ص: 99


1- بيان : أي كما أن الاستغفار يكون في غالب الناس لحط الذنوب وفي الأنبياء لرفع الدرجات فكذلك المصائب .

باب 34 :ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة عليهم السلام

اشارة

وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء

[ أيّما مون دمعت عيناه ]

1 - الأمالي للصدوق : قال الرضا عليه السلام : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان

معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .

3 - تفسير القمي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .

4 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمه لنا عبادة ، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله .

ثم قال أبو عبد الله : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب .

5 - كامل الزيارات : عن ابن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي عليه السلام وعلى قاتله لعنة الله ، فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا ، ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مون إلا بكى ... .

ص: 100

6 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين بن علي : أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط إلا رده الله أو أقلبه إلى أهله مسرورا(1) .

7 - الأمالي للطوسي : عن محمد الكوفي قال : سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا نقصناه أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوأه الله - تعالى - بها في الجنة حقبا .

8 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن أحمد الأودي عن مخول بن إبراهيم عن الربيع عن أبيه عن الحسين بن علي عليه السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا .

قال أحمد الأودي : فرأيت الحسين بن علي عليه السلام في المنام فقلت : حدثني مخول بن إبراهيم عن الربيع بن المنذر عن أبيه عنك أنك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا . قال : نعم . قلت : سقط الإسناد بيني وبينك(2) .

9 - الأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام .

10 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نظر أمير المونين

إلى_الحسين عليه السلام فقال : يا عبرة كل مون . فقال : أنا يا أبتاه ؟ فقال : نعم يا بني .

ص: 101


1- بيان : قوله أنا قتيل العبرة أي قتيل منسوب إلى العبرة والبكاء وسبب لها أو أقتل مع العبرة والحزن وشدة الحال والأول أظهر .
2- بيان : الحقب كناية عن الدوام قال الفيروزآبادي : الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا وقت لها والسنة والجمع كعنب وحبوب والحقب بالضم وبضمتين ثمانون سنة أو أكثر والدهر والسنة والسنون والجمع أحقاب وأحقب .

11 - كامل الزيارات : عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله في يوم قط فرئي أبو عبد الله عليه السلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان أبو عبد الله عليه السلام يقول : الحسين عبرة كل مون .

12 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة .

13 - الأمالي للطوسي : عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إن الحسين بن علي عند ربّه - عزّ وجلّ - ينظر إلى معسكره ومن حله من الشهداء معه وينظر إلى زواره ، وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله - عزّ وجلّ - من أحدكم بولده ، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعدّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه ، وإن زائره لينقلب وما عليه من ذنب .

13 - تفسير القمي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليه السلام يقول : أيّما مون دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، وأيّما مون دمعت عيناه دمعا حتى يسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق في الجنة ، وأيما مون مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار .

14 - قرب الإسناد : عن الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لفضيل : تجلسون وتحدثون ؟ قال : نعم جعلت فداك . قال : إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا - يا فضيل - فرحم الله من أحيا أمرنا . يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر .

ص: 102

[ من أنشد في الحسين شعرا ]

15 - الأمالي للصدوق : عن أبي عمارة المنشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي : يا أبا عمارة أنشدني في الحسين بن علي . قال : فأنشدته فبكى ، ثم أنشدته فبكى ، فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار .

قال : فقال : يا با عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعرا فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى واحدا فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة .

16 - رجال الكشي : عن زيد الشحام قال : كنا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيين ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله عليه السلام فقربه وأدناه ثم قال :يا جعفر ، قال : لبيك جعلني الله فداك . قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد . فقال له : نعم جعلني الله فداك . قال : قل ، فأنشده صلى الله عليه فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال : يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ، ولقد أوجب الله - تعالى - لك - يا جعفر - في ساعته الجنة بأسرها وغفر الله لك .

فقال : يا جعفر ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي . قال : ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له .

[ من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء ]

17 - الأمالي للصدوق : عن إبراهيم قال : قال الرضا عليه السلام : إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماوا وهتكت فيه حرمتنا وسبي

ص: 103

فيه ذرارينا ونساوا وأضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا ، أن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام .

ثم قال عليه السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه .

18 - الأمالي للصدوق : عن الرضا عليه السلام قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله - عزّ وجلّ - يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا في الجنان عينه ، ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله إلى أسفل درك من النار .

19 - الأمالي للصدوق : عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مون إلا استعبر .

20 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .

21 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : أيّما مون دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا .

22 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار .

[ يا ابن شبيب ]

23 - عيون أخبار الرضا عليه السلام والأمالي للصدوق : عن الريان بن شبيب قال :

ص: 104

دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم فقال لي : يا ابن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت : لا . فقال : إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربّه - عزّ وجلّ - فقال : « رَبِّ

هَبْ لِي مِنْ لَدُنك ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنك سَمِيعُ الدُّعاءِ » فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا « وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُك بِيَحْيى » ، فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله - عزّ وجلّ - استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام .

ثم قال : يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا .

يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره ، وشعارهم يا لثارات الحسين .

يا ابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده : أنه لما قتل جدي الحسين أمطرت السماء دما وترابا أحمر .

يا ابن شبيب إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته ، صغيرا كان أو كبيرا ، قليلا كان أو كثيرا .

يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى الله - عزّ وجلّ - ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام .

يا ابن شبيب إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلى الله عليه و آله فالعن قتلة الحسين .

يا ابن شبيب إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً .

ص: 105

يا ابن شبيب إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا ، فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة .

[ أنشدني كما تنشدون ]

24 - كامل الزيارات : عن عبد الله بن غالب قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي عليه السلام ، فلما انتهيت إلى هذا الموضع :

لبلية تسقوا حسينا

بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر يا أبتاه .

25 - كامل الزيارات : عن أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي : أنشدني ، فأنشدته ، فقال : لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره ، فأنشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكية

قال : فلما بكى أمسكت أنا ، فقال : مر فمررت ، قال : ثم قال : زدني زدني ، قال : فأنشدته :

يا مريم قومي واندبي مولاك

وعلى الحسين فأسعدي ببكاك

قال : فبكى وتهايج النساء ، فلما أن سكتن قال لي : يا با هارون من أنشدفي الحسين فأبكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد ، فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ، ثم قال : من ذكره فبكى فله الجنة .

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لكل سر ثواب إلا الدمعة فينا(1) .

ص: 106


1- بيان : لعل المعنى أن أسرار كل مصيبة والصبر عليها موجب للثواب إلا البكاء عليهم ، ويحتمل أن يكون تصحيف شيء أي لكل شيء من الطاعة ثواب مقدر إلا الدمعة فيهم فإنه لا تقدير لثوابها .

26 - الخصال : قال أمير المونين عليه السلام إن الله - تبارك وتعالى - اطلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منا وإلينا .

27 - الأمالي للصدوق : عن ابن عباس قال : قال علي لرسول الله صلى الله عليه و آله : يا رسول الله إنك لتحب عقيلا! قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حبا له وحبا لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المونين وتصلي عليه الملائكة المقربون . ثم بكى رسول الله حتى جرت دموعه على صدره ، ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي .

قال ابن طاوس : روي عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا : من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحدا فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة .

28 - ثواب الأعمال : عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام . قال : فأنشدته ، فقال لي : أنشدني كما تنشدون ، - يعني بالرقة - ، قال : فأنشدته شعر :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكية

قال : فبكى ، ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الأخرى ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر .

قال : فلما فرغت قال : يا با هارون من أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى واحدا كتبت لهما الجنة ، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب

ص: 107

كان ثوابه على الله - عزّ وجلّ - ولم يرض له بدون الجنة(1) .

29 - ثواب الأعمال : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من أنشد في الحسين بيتا من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى - وأظنه قال : أو تباكى - فله الجنة .

30 - المحاسن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ، ولو كان مثل زبد البحر .

[ يا مسمع رحم الله دمعتك ]

31 - كامل الزيارات : عن مسمع كردين قال : قال لي أبو عبد الله : يا مسمع أنت من أهل العراق ، أما تأتي قبر الحسين ؟ قلت : لا ، أنا رجل مشهور من أهل البصره وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وأعداوا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ولست آمنهم أن يرفعوا علي حالي عند ولد سليمان فيمثلون علي . قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : بلى . قال : فتجزع ؟ قلت : إي والله وأستعبر لذلك

حتى يرى أهلي أثر ذلك علي ، فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي .

قال : رحم الله دمعتك ، أما إنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا ، أما إنك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة ما تقر به عينك قبل الموت ، فملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها .

ص: 108


1- بيان : الرقة بالفتح بلدة على الفرات واسطة ديار ربيعة وآخر غربي بغداد وقرية أسفل منها بفرسخ ذكره الفيروزآبادي .

قال : ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالرحمة .

يا مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المونين رحمة لنا ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه ، فإذا سال دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر ، وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه .

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ولم يشق بعدها أبدا ، وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل أحلى من العسل وألين من الزبد وأصفى من الدمع وأذكى من العنبر يخرج من تسنيم ويمر بأنهار الجنان تجري على رضراض الدر والياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة ، يقول الشارب منه : ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا ولا عنه تحويلا .

أما إنك يا كردين ممن تروى منه .

وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه ، من أحبنا فإن الشارب منه ليعطى من اللذة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا ، وإن على الكوثر أمير المونين عليه السلام وفي يده عصا من عوسج يحطم بها أعداءنا ، فيقول الرجل منهم : إني أشهد الشهادتين! فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك . فيقول : يتبرأ مني إمامي الذي تذكره . فيقول : ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاه وتقدمه على الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإن خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع . فيقول : إني أهلك عطشا . فيقول : زادك الله

ظمأ وزادك الله عطشا .

ص: 109

قلت : جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ؟

قال : ورع عن أشياء قبيحة وكف عن شتمنا إذا ذكرنا وترك أشياء اجترأ عليها غيره ، وليس ذلك لحبنا ولا لهوى منه ، ولكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته وتدينه ، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس ، فأما قلبه فمنافق ودينه النصب باتباع أهل النصب وولاية الماضين وتقدمه لهما على كل أحد(1) .

32 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليه السلام فإنه فيه مأجور .

33 - كامل الزيارات : قال أبو عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - : ومن ذكرالحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله - عزّ وجلّ - ولم يرض له بدون الجنة .

34 - كامل الزيارات : عن المنذر قال : سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول : من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة بوأه الله بها في الجنة حقبا .

35 - كامل الزيارات : عن عبد الله بن بكير قال : حججت مع أبي عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - فقلت : يا ابن رسول الله لو نبش قبر الحسين بن علي عليه السلام هل كان يصاب في قبره شيء ؟ فقال : يا ابن بكير ما أعظم مسائلك ، إن الحسين بن علي عليه السلام مع أبيه وأمه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه و آلهومعه يرزقون ويحبرون ، وإنه لعن يمين العرش متعلق به يقول : يا ربّ أنجز لي ما وعدتني ، وإنه لينظر إلى زواره ، فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيها الباكي لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت ، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة .

ص: 110


1- بيان : الرضراض الحصا أو صغارها قوله عليه السلام وسقيت إسناد السقي إليها مجازي لسببيتها لذلك .

[ كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين ]

37 - أقول : روي أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه و آله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا وقالت : يا أبة متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي ، فاشتد بكاوا وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبي : يا فاطمة أن نساء أمتي يبكون على

نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة ، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال ، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة .

يافاطمة كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين فإنها « ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ » بنعيم الجنة(1) .

[ قصة فاطمة عليهاالسلام مع الرجل الذي اعترض على البكاء على الحسين ]

38 - حكي عن السيد علي الحسيني قال : كنت مجاورا في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام مع جماعة من المونين ، فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السلام ، فوردت رواية عن الباقر عليه السلام أنه قال : من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، وكان في المجلس معنا جاهل مركب يدعي العلم ولا يعرفه فقال : ليس هذا بصحيح والعقل لا يعتقده ، وكثر البحث بيننا وافترقنا عن ذلك المجلس وهو مصرّ على العناد في تكذيب الحديث .

ص: 111


1- أقول : سيأتي بعض الأخبار في ذلك في باب بكاء السماء والأرض عليه عليه السلام .

فنام ذلك الرجل تلك الليلة فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت وحشر الناس في صعيد صفصف « لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً » وقد نصبت الموازين وامتد الصراط ووضع الحساب ونشرت الكتب وأسعرت النيران وزخرفت الجنان واشتد الحر عليه ، وإذا هو قد عطش عطشا شديدا وبقي يطلب الماء فلا يجده ، فالتفت يمينا وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض ، قال : قلت في نفسي : هذا هو الكوثر ، فإذا فيه ماء أبرد من الثلج وأحلى من العذب ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة أنوارهم تشرق على الخلائق ، ومع ذلك لبسهم السواد ، وهم باكون محزونون ، فقلت : من هواء ؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى ، وهذا الإمام علي المرتضى ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء . فقلت : ما لي أراهم لابسين السواد وباكين ومحزونين ؟ ، فقيل لي : أليس هذا يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين ؟! فهم محزونون لأجل ذلك ، قال : فدنوت إلى سيدة النساء فاطمة وقلت لها : يا بنت رسول الله إني عطشان ، فنظرت إلي شزرا وقالت لي : أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين ومهجة قلبي وقرة عيني الشهيد المقتول ظلما وعدوانا لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء .

قال الرجل : فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا ، واستغفرت الله كثيرا ، وندمت على ما كان مني ، وأتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم وخبرت برواي وتبت إلى الله - عزّ وجلّ - .

ص: 112

باب 35 :فضل الشهداء معه وعلة عدم مبالاتهم بالقتل

وبيان أنه صلوات الله عليه كان فرحا لا يبالي بما يجري عليه

1 - علل الشرائع : عن ابن عمارة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين وإقدامهم على الموت ؟ فقال : إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة ، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة .

2 - معاني الأخبار : قال علي بن الحسين عليه السلام : لما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم؛ لأنهم كلما اشتد الأمر تغيرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم ، وكان الحسين عليه السلام وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت! فقال لهم الحسين عليه السلام : صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البو والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، إن أبي حدثني عن رسول الله صلى الله عليه و آله :

ص: 113

أن الدنيا سجن المون وجنة الكافر ،والموت جسر هواء إلى جنانهم وجسر هواء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كذبت .

3 - الخرائج والجرائح : قال علي بن الحسين عليه السلام : كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه : هذا الليل فاتخذوه جنة ، فإن القوم إنما يريدونني ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم وأنتم في حل وسعة ، فقالوا : والله لا يكون هذا أبدا .

فقال : إنكم تقتلون غدا كلكم ولا يفلت منكم رجل . قالوا : الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك .

ثم دعا فقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنة .

4 - الخصال والأمالي للصدوق : عن ثابت الثمالي قال : نظر علي بن الحسين سيد العابدين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام فاستعبر ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله صلى الله عليه و آلهمن يوم أحد قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم موة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .

ثم قال عليه السلام : ولا يوم كيوم الحسين ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله - عزّ وجلّ - بدمه ، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا .

ثم قال عليه السلام : رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدل الله - عزّ وجلّ - بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه السلام وإن للعباس عند الله - عزّ وجلّ - منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة .

5 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من شهيد إلا وهو يحب لو أن الحسين بن علي عليه السلام حي حتى يدخلون الجنة معه .

ص: 114

باب 36 :كفر قتلته عليه السلام وثواب اللعن عليهم وشدة عذابهم

اشارة

وما ينبغي أن يقال عند ذكره صلوات الله عليه

1 - عيون أخبار الرضا عليه السلام والأمالي للصدوق : عن الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام قال : يا ابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله فالعن قتلة الحسين عليه السلام ، يا ابن شبيب إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً .. الخبر .

2 - أقول : قد أوردنا في باب ما وقع في الشام عن الرضا عليه السلام قال : من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل زياد يمحو الله - عزّ وجلّ - بذلك ذنوبه ، ولو كانت كعدد النجوم .

3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : إنّ قاتل الحسين بن علي عليه السلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا وقد شدّ

يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم ، وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع

ص: 115

جميع من شايع على قتله ، كلما نضجت جلودهم بدل الله - عزّ وجلّ - عليهم الجلود غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم « لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ » ساعة ويسقون من حميم جهنم ، فالويل لهم من عذاب النار .

4 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : إن موسى بن عمران عليه السلام سأل ربّه - عزّ وجلّ - فقال : يا ربّ إن أخي هارون مات فاغفر له ، فأوحى الله - عزّ وجلّ - إليه : يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي فإني أنتقم له من قاتله .

5 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : يقتل الحسين شر الأمة ويتبرأ من ولده من يكفر بي .

6 - الخصال : عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجبروت ليذلّ من أعزه الله ويعز من أذله الله ، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له .

7 - الأمالي للطوسي : عن الحسن بن أبي فاختة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أذكر الحسين بن علي عليه السلام فأي شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلى الله عليك يا أبا عبد الله ، تكررها ثلاثا.. الخبر .

8 - ثواب الأعمال : عن عيص بن القاسم قال : ذكر عند أبي عبد الله قاتل الحسين بن علي عليه السلام فقال بعض أصحابه : كنت أشتهي أن ينتقم الله منه في الدنيا ، فقال : كأنك تستقل له عذاب الله ، وما عند الله أشد عذابا وأشد نكالا .

9 - ثواب الأعمال : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : إن في النار منزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلا بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليهماالسلام .

10 - كامل الزيارات : عن خالد الربعي قال : حدثني من سمع كعبا يقول : أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليه السلام إبراهيم خليل الرحمن وأمره ولده بذلك وأخذ عليهم

ص: 116

العهد والميثاق ، ثم لعنه موسى بن عمران وأمر أمته بذلك ، ثم لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك ، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل العنوا قاتله ، وإن

أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه ، فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر ،

وكأني أنظر إلى بقعته ، وما من نبي إلا وقد زار كربلاء ووقف عليها ، وقال : إنك لبقعة

كثيرة الخير فيك يدفن القمر الأزهر(1) .

11 - كامل الزيارات : عمر بن هبيرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله والحسن والحسين في حجره يقبل هذا مرة ويقبل هذا مرة ويقول للحسين : الويل لمن يقتلك .

12 - كامل الزيارات : قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن قضيب غرسه ربي بيده فليتول عليا والأوصياء من بعده ، وليسلم لفضلهم ، فإنهم الهداة المرضيون أعطاهم الله فهمي وعلمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي ، إلى الله أشكو عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، والله ليقتلن ابني لا نالتهم شفاعتي .

13 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وكان قاتل الحسين عليه السلام ولد زنا ، ولم تبك السماء إلا عليهما .

14 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قاتل الحسين بن علي عليه السلام

ولد زنا ، وقاتل يحيى بن زكريا ولد زنا .

15 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قاتل الحسين بن علي عليه السلام

ولد زنا .

16 - كامل الزيارات : عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذا

استسقى الماء ، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي : يا داود لعن الله قاتل الحسين عليه السلام ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله

ص: 117


1- بيان : قوله مقبل الأصوب مقبلا أي كشهيد استشهد معهم حال كونه مقبلا على القتال غير مدبر وعلى ما في النسخ صفة لقوله كالشهيد لأنه في قوة النكرة .

إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحط عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفود .

17 - تفسير الإمام عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله : لما نزلت « وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ » الآية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : قوم من أمتي ينتحلون أنهم من أهل ملتي يقتلون أفاضل ذريتي وأطايب أرومتي ، ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ، ألا وإن الله يلعنهم وكما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم ، ألا ولعن الله قتلة الحسين عليه السلام ومحبيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقية يسكتهم ، ألا وصلى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا ، ألا وإن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله ، إن الله ليأمر ملائكته المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين إلى الخزان في الجنان فيمزجوها بماء الحيوان فتزيد عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين يتلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فيزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمد عذابهم .

[ اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين ]

18 - الكافي : عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا في بيت أبي عبد

الله عليه السلام فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر ، فنظر إلي أبو عبد الله عليه السلام فقال : يا داود أتدري ما يقول هذا الطير ؟ قلت : لا والله جعلت فداك ، قال : يدعو على قتلة الحسين عليه السلام فاتخذوا في منازلكم .

ص: 118

19 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولعن الله قاتله .

[ كامل يحكي لعمر بن سعد قصة الراهب الذي ذكر قاتل الحسين ]

أقول : وجدت في بعض موفات المعاصرين : أنه لما جمع ابن زياد لعنه الله قومه لحرب الحسين عليه السلام كانوا سبعين ألف فارس ، فقال ابن زياد : أيها الناس من منكم يتولّى قتل الحسين وله ولاية أي بلد شاء ، فلم يجبه أحد منهم ، فاستدعى بعمر بن سعد لعنه الله وقال له : يا عمر أريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك ، فقال له : اعفني من ذلك ، فقال ابن زياد : قد أعفيتك يا عمر فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الري ، فقال عمر : أمهلنا الليلة ، فقال له : قد أمهلتك.

فانصرف عمر بن سعد إلى منزله وجعل يستشير قومه وإخوانه ومن يثق به من أصحابه ، فلم يشر عليه أحد بذلك ، وكان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له « كامل » وكان صديقا لأبيه من قبله ، فقال له : يا عمر ما لي أراك بهيئة وحركة فما الذي أنت عازم عليه ؟ وكان كامل - كاسمه - ذا رأي وعقل ودين كامل.

فقال له ابن سعد لعنه الله : إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل أو كشربة ماء ، وإذا قتلته خرجت إلى ملك الري .

فقال له كامل : أف لك - يا عمر بن سعد - تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله ، أف لك ولدينك ، يا عمر أ سفهت الحق وضللت الهدى أما تعلم إلى حرب من تخرج ولمن تقاتل ؟ « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » . والله لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمد لما فعلت ، فكيف تريد تقتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ وما الذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فوده وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين ،

وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين ، وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده

ص: 119

في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته ، وإنه باب الجنة والنار ؟ فاختر لنفسك ما أنت مختار وإني أشهد بالله إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلا .

فقال له عمر بن سعد : فبالموت تخوفني وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس وأتولى ملك الري .

فقال له كامل : إني أحدثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفقت لقبوله .

اعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام فانقطعت بي مطيتي عن أصحابي وتهت وعطشت فلاح لي دير راهب ، فملت إليه ونزلت عن فرسي وأتيت إلى باب الدير لأشرب ماء ، فأشرف علي راهب من ذلك الدير وقال : ما تريد ؟ فقلت له : إني عطشان ، فقال لي : أنت من أمة هذا النبي الذين يقتل بعضهم بعضا على حب الدنيا مكالبة ويتنافسون فيها على حطامها ؟ فقلت له : أنا من الأمة المرحومة أمة محمد صلى الله عليه و آله .

فقال : إنكم أشرّ أمة ، فالويل لكم يوم القيامة وقد غدوتم إلى عترة نبيكم وتسبون نساءه وتنهبون أمواله .

فقلت له : يا راهب نحن نفعل ذلك ؟

قال : نعم ، وإنكم إذا فعلتم ذلك عجت السماوات والأرضون والبحار والجبال والبراري والقفار والوحوش والأطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله في الدنيا

إلا قليلا ، ثم يظهر رجل يطلب بثأره فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله وعجل الله بروحه إلى النار .

ثم قال الراهب : إني لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيب ، والله إنيلو أدركت أيامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف ، فقلت : يا راهب إني أعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 120

فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك وإن قاتله عليه نصف عذاب أهل النار ، وإن عذابه أشد من عذاب فرعون وهامان ، ثم ردم الباب في وجهي ودخل يعبد الله - تعالى - ، وأبى أن يسقيني الماء .

قال كامل : فركبت فرسي ولحقت أصحابي فقال لي أبوك سعد : ما بطأك عنا يا كامل ؟ فحدثته بما سمعته من الراهب فقال لي صدقت.

ثم إن سعدا أخبرني أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي فأخبره أنه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول الله ، فخاف أبوك سعد من ذلك وخشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه وأقصاك ، فاحذر يا عمر أن تخرج عليه يكون عليك نصف عذاب أهل النار .

قال : فبلغ الخبر ابن زياد لعنه الله فاستدعى بكامل وقطع لسانه ، فعاش يوما أو بعض يوم ومات رحمه الله .

قال : وحكي أن موسى بن عمران رآه إسرائيلي مستعجلا وقد كسته الصفرة واعترى بدنه الضعف وحكم بفرائصه الرجف وقد اقشعر جسمه وغارت عيناه ونحف؛ لأنه كان إذا دعاه ربّه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة الله - تعالى - فعرفه الإسرائيلي وهو ممن آمن به فقال له : يا نبي الله أذنبت ذنبا عظيما فاسأل ربك أن يعفو عني ، فأنعم وسار.

فلما ناجى ربّه قال له : يا ربّ العالمين أسألك وأنت العالم قبل نطقي به ، فقال - تعالى - : يا موسى ما تسألني أعطيك وما تريد أبلغك ، قال : ربّ إن فلانا عبدك الإسرائيلي أذنب ذنبا ويسألك العفو ، قال : يا موسى أعفو عمن استغفرني إلا قاتل الحسين .

قال موسى : يا ربّ ومن الحسين ؟ قال له : الذي مر ذكره عليك بجانب الطور ، قال : يا ربّ ومن يقتله ؟ قال : يقتله أمة جده الباغية الطاغية في أرض كربلاء وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل وتقول في صهيلها : « الظليمة الظليمة من أمة قتلت

ص: 121

ابن بنت نبيها » فيبقى ملقى على الرمال من غير غسل ولا كفن وينهب رحله ويسبى نساو في البلدان ويقتل ناصره وتشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح ، يا موسى صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر .

قال : فبكى موسى عليه السلام وقال : يا ربّ وما لقاتليه من العذاب ؟ قال : يا موسى عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار ، لا تنالهم رحمتي ولا شفاعة جده ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض .

قال موسى : برئت إليك اللهم منهم وممن رضي بفعالهم ، فقال سبحانه : يا موسى كتبت رحمة لتابعيه من عبادي ، واعلم أنه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار .

تذنيب

[ يزيد وعبيد اللّه بن زياد وعمر بن سعد أبناء زنا ]

قال موف كتاب إلزام النواصب وغيره : أن ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها عن نفسها فحملت يزيد لعنه الله ، وإلى هذا أشار النسابة الكلبي بقوله :

فإن يكن الزمان أتى علينا

بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب

بأرض الطف أولاد النبي

أراد بالدعي عبيد الله بن زياد لعنه الله فإن أباه زياد ابن سمية كانت أمه سمية مشهورة بالزنا ، وولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، فادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بأم زياد فأولدها زيادا وإنه أخوه ، فصار

ص: 122

اسمه الدعي ، وكانت عائشة تسميه زياد ابن أبيه؛ لأنّه ليس له أب معروف ، ومراده بعبد كلب يزيد بن معاوية ؛ لأنّه من عبد بجدل الكلبي .

وأما عمر بن سعد لعنه الله فقد نسبوا أباه سعدا إلى غير أبيه ، وإنه من رجل من بني عذرة كان خدنا لأمه ، ويشهد بذلك قول معاوية لعنه الله حين قال سعد لمعاوية : أنا أحق بهذا الأمر منك ، فقال له معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة وضرط له ، روى ذلك النوفلي بن سليمان من علماء السنة ، ويدل على ذلك قول السيد الحميري :

قدما تداعوا زنيما ثم سادهم

لو لا خمول بني سعد لما سادوا

ص: 123

باب 37 :ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته

اشارة

صلوات الله عليه ولعنة الله على ظالميه وقاتليه والراضين بقتله والموزرين عليه

[ مصادر أخبار المقتل ]

أقول : بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بإيراد رواية أوردها الصدوق رحمه الله

ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه الله في « الإرشاد » ورواية السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب « الملهوف » ، ورواية الشيخ جعفر بن محمد بن نما في كتاب « مثير الأحزان » ورواية أبي الفرج الأصفهاني في كتاب « مقاتل الطالبيين » ورواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله عليه السلام ، ورواية صاحب كتاب « المناقب » الذي ألفه بعض القدماء من الكتب المعتبرة وذكر أسانيده إليها وموفه ، إما من الإمامية أو من الزيدية وعندي منه نسخه قديمة مصححة ، ورواية المسعودي في كتاب « مروج الذهب » وهو من علمائنا الإمامية ، ورواية ابن شهرآشوب في « المناقب » ، ورواية صاحب « كشف الغمة » وغير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه ، ثم نختم الباب بإيراد الأخبار المتفرقة .

ص: 124

[ رواية الصدوق ]

1 - الأمالي للصدوق : عن عبد الله بن منصور قال : سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال : حدثني أبي عن أبيه عليه السلام قال :

[ وصية معاوية ليزيد ]

لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه ، فقال له : يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ووطدت لك البلاد ، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم ، وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن الزبير ، والحسين بن علي ، فأما عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه ، وأما عبد الله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا فإنه يجثو

لك كما يجثو الأسد لفريسته ويوربك موربة الثعلب للكلب ، وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه ، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ولا توخذه بفعله ، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحما ، وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها .

[ يزيد يطالب واليه على المدينة بأخذ البيعة له من الحسين ]

قال : فلما هلك معاوية وتولى الأمر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله صلى الله عليه و آله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان ، فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان فلم يقدر عليه ، وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليه السلام فقال : إن

ص: 125

أمير المونين أمرك أن تبايع له ، فقال الحسين عليه السلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت

الكرامة ومعدن الرسالة وأعلام الحق الذين أودعه الله - عزّ وجلّ - قلوبنا وأنطق به ألسنتنا ، فنطقت بإذن الله - عزّ وجلّ - ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ؟

فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى عبد الله يزيد أمير المونين من عتبة بن أبي سفيان أما بعد : فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في أمره والسلام .

فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة : أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي .

[ خروج الحسين من المدينة ]

فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهمّ بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق ، فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي صلى الله عليه و آلهليودع القبر ، فلما وصل إلى القبر سطع له نور من القبر ، فعاد إلى موضعه ، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر ، فقام يصلي

فأطال فنعس وهو ساجد ، فجاءه النبي وهو في منامه ، فأخذ الحسين وضمه إلى صدره وجعل يقبل بين عينيه ويقول : بأبي أنت ، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي ، ما لهم عند الله من خلاق ، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك ، وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة ، فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا ، فأتى أهل بيته فأخبرهم بالروا وودعهم وحمل أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه السلام ، ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبو بكر بن علي ومحمد بن علي وعثمان بن علي والعباس بن علي وعبد الله بن مسلم بن عقيل وعلي بن الحسين الأكبر وعلي بن الحسين الأصغر .

ص: 126

[ عبدالله بن عمر يعارض الحسين عليه السلام ]

وسمع عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل فقال : أين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع إلى

حرم جدّك ، فأبى الحسين عليه .

فلما رأى ابن عمر إباءه قال : يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه و آلهيقبله منك ، فكشف الحسين عليه السلام عن سرته ، فقبلها ابن عمر ثلاثا

وبكى وقال : أستودعك الله يا با عبد الله ، فإنك مقتول في وجهك هذا .

[ في الثعلبية ]

فسار الحسين عليه السلام وأصحابه، فلما نزلوا ثعلبية ورد عليه رجل يقال له «بشر بن غالب» فقال : يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله - عزّ وجلّ - « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » ؟ قال : إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هواء في الجنة وهواء في النار ، وهو قوله - عزّ وجلّ - « فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ » .

[ رؤيا الحسين في العذيب ]

ثم سار حتى نزل العذيب ، فقال فيها قائلة الظهيرة ، ثم انتبه من نومه باكيا ، فقال له ابنه : ما يبكيك يا أبة ؟ فقال : يا بني إنها ساعة لا تكذب الروا فيها ، وإنه عرض لي في منام عارض فقال : تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة .

[ لقاء الحر في الرهيمة ]

ثم سار حتى نزل الرهيمة ، فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى « أبا هرم » فقال : يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة ؟ فقال : ويحك يا أبا هرم ،

ص: 127

شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وايم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم .

قال : وبلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر ، وإن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة ، فأسري إليه حر بن يزيد في ألف فارس .

قال الحر : فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة ، فالتفت فلم أر أحدا ، فقلت : ثكلت الحر أمه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه و آلهويبشر بالجنة ؟! فرهقه عند صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن وأقام وقام الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين ، فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال الحسين : وعليك السلام من أنت يا عبد الله ؟ فقال : أنا الحر بن يزيد ، فقال : يا حر أعلينا أم لنا ؟ فقال الحر : والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلى عنقي وأكب على حر وجهي في النار ، يا ابن رسول الله أين تذهب ؟ ارجع إلى حرم جدك فإنك مقتول ، فقال الحسين عليه السلام :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما

[ لقاء عبد اللّه بن الحر في القطقطانة ]

ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة ، فنظر إلى فسطاط مضروب فقال : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لعبد الله بن الحر الحنفي ، فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال : أيهاالرجل إنك مذنب خاطئ ، وإن الله - عزّ وجلّ - آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله - تبارك وتعالى - في ساعتك هذه ، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي

الله - تبارك وتعالى - ، فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين

ص: 128

يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته ولا أرادني أحد إلا نجوت عليه فدونك فخذه ، فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا كبّه الله على وجهه في نار جهنم .

[ في كربلاء ]

ثم سار حتى نزل بكربلاء ، فقال : أي موضع هذا ؟ فقيل : هذا كربلاء يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال عليه السلام : هذا والله يوم كرب وبلاء ، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماوا ويباح فيه حريمنا .

فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين رجلا يقال له « عمر بن سعد » قائده في أربعة آلاف فارس ، وأقبل عبد الله بن الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس ، ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس ، وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه .

فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين عليه السلام ويحدثه ويكره قتاله ، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى عمر بن سعد :إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه وحل بين الماء وبينه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار .

فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى : أنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم ، فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه .

[ الحسين يأذن لأصحابه وأهل بيته بالإنصراف ]

فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال : اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى

ص: 129

ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي ، وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حلّ من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده ، فإن القوم إنما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري .

فقام عليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام وابن نبينا سيد الأنبياء لم نضرب معه بسيف ولم نقاتل معه برمح ؟ لا والله أو نرد موردك ونجعل أنفسنا دون نفسك ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا .

وقام إليه رجل يقال له « زهير بن القين البجلي » فقال : يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة وإن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولأصحابه : جزيتم خيرا .

ثم إنّ الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق ، وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء ، وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين يقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك في الإشراق والأصيل

من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل

وكل حي سالك سبيلي

[ يوم العاشر ]

ثم قال لأصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضئوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبئة الحرب ، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد .

ص: 130

[ دعاء الحسين على ابن أبي جويرية ]

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له « ابن أبي جويرية المزني » فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ، فقال الحسين عليه السلام : من الرجل ؟ فقيل : ابن أبي جويرية المزني ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق .

[ دعاء الحسين على تميم الفزاري ]

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له «تميم بن حصين الفزاري» فنادى: يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا ، فقال الحسين عليه السلام : من الرجل؟ فقيل : تميم بن حصين ، فقال الحسين : هذا وأبوه من أهل النار ، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم ، قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات .

[ دعاء الحسين على محمد بن أشعث ]

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له « محمد بن أشعث بن قيس الكندي » فقال : يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك ؟ فتلا الحسين هذه الآية « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً » الآية ، ثم قال : والله إن محمدا لمن آل إبراهيم ، وإن العترة الهادية لمن آل محمد ، من الرجل ؟ فقيل : محمد بن أشعث بن قيس الكندي ، فرفع الحسين عليه السلام

ص: 131

رأسه إلى السماء فقال : اللهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا ، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة .

[ كلام يزيد بن الحصين الهمداني ]

فبلغ العطش من الحسين عليه السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له « يزيد بن الحصين الهمداني » فقال : يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم ، فأذن له فخرج إليهم فقال : يا معشر الناس إن الله - عزّ وجلّ - بعث

محمدا « بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً » وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه ، فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف ، فو الله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين عليه السلام : اقعد يا يزيد .

[ مناشدة الحسين ]

ثم وثب الحسين عليه السلام متوكئا على سيفه فنادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم الله هل تعرفوني ؟ قالوا : نعم ، أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسبطه .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي ؟ قالوا : اللهم نعم .

ص: 132

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله وأنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلم ،ا وأنه ولي كل مون ومونة ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فبم تستحلون دمي ، وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة ؟ قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .

فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ثم قال : اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا : عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ، واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا : الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ، واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله ، واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم .

[ توبة الحر ]

قال : فضرب الحر بن يزيد فرسه وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين عليه السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك ، يا ابن رسول الله هل لي من توبة ؟ قال : نعم تاب الله عليك ، قال : يا ابن رسول الله ائذن لي فأقاتل عنك ، فأذن له ، فبرز وهو يقول :

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بلاد الخيف

ص: 133

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل ، فأتاه الحسين عليه السلام ودمه يشخب فقال : بخ بخ يا حر ، أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة ، ثم أنشأ الحسين يقول :

لنعم الحر حر بني رياح

ونعم الحر مختلف الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح

[ أصحاب الحسين يبرزون للقتال ]

ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام :

اليوم نلقى جدك النبيا

وحسنا والمرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذبكم بالسيف عن حسين

ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الأسدي وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مطهر

لنحن أزكى منكم وأطهر

ننصر خير الناس حين يذكر

فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

ثم برز من بعده عبد الله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

أني أذب في طلاب الثار

بالمشرفي والقنا الخطار

فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله .

ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول :

أنا بدير وأبي حفير

لا خير فيمن ليس فيه خير

ص: 134

فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول :

قد علمت كاهلها ودودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأن قومي قصم الأقران

يا قوم كونوا كأسود الجان

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

وبرز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم وأنشأ يقول :

أنا زياد وأبي مهاصر

أشجع من ليث العرين الخادر

يا ربّ إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك مهاجر

فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي الله عنه وبرز من بعده وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم على يدي الحسين هو وأمه فاتبعوه إلى كربلاء ، فركب فرسا وتناول بيده عود الفسطاط فقاتل ، وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ، ثم استور ، فأتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه ، فضربت عنقه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، وأخذت أمه سيفه وبرزت ، فقال لها الحسين : يا أم وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء ، إنك وابنك مع جدي محمد صلى الله عليه و آله في الجنة .

ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

وبرز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأنشأ يقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا

وقد وجدت الموت شيئا مرا

أكره أن أدعى جبانا فرا

إن الجبان من عصى وفرا

ص: 135

فقتل منهم ثلاثة ثم قتل رضي الله عنه .

وبرز من بعده علي بن الحسين عليه السلام ، فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم ابن رسولك وأشبه الناس وجها وسمتا به ، فجعل يرتجز وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

أما ترون كيف أحمي عن أبي

فقتل منهم عشرة ثم رجع إلى أبيه فقال : يا أبة العطش ؟ فقال له الحسين عليه السلام : صبرا يا بني يسقيك جدك بالكأس الأوفى ، فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا ثم قتل صلى الله عليه .

وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول :

لا تجزعي نفسي فكل فان

اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثم رمي عن فرسه رضي الله عنه .

[ مقتل الحسين ]

ونظر الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ولا يرى أحدا ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك ، وحال بنو كلاب بينه وبين الماء ، ورمي بسهم فوقع في نحره وخر عن فرسه ، فأخذ السهم فرمى به ، فجعل يتلقى الدم بكفه ، فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ويقول : ألقى الله - عزّ وجلّ - وأنا مظلوم متلطخ بدمي ثم خر على خده الأيسر صريعا .

وأقبل عدو الله سنان الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام ، فقال بعضهم لبعض :

ص: 136

ما تنتظرون أريحوا الرجل ، فنزل سنان بن الأنس الإيادي وأخذ بلحية الحسين وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول : والله إني لأجتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا وأما .

وأقبل فرس الحسين حتى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين وجعل يركض ويصهل ، فسمعت بنات النبي صهيله ، فخرجن فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل ، وخرجت أم كلثوم بنت الحسين واضعا يدها على رأسها تندب وتقول : وا محمداه ، هذا الحسين بالعراء ، قد سلب العمامة والرداء .

وأقبل سنان حتى أدخل رأس حسين بن علي عليه السلام على عبيد الله بن زياد وهو يقول :

املأ ركابي فضة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له عبيد الله بن زياد : ويحك فإن علمت أنه خير الناس أبا وأما لم قتلته إذا ، فأمر به فضربت عنقه ، وعجل الله بروحه إلى النار .

وأرسل ابن زياد قاصدا إلى أم كلثوم بنت الحسين عليه السلام فقال لها : الحمد لله الذي قتل رجالكم ، فكيف ترون ما فعل بكم ؟ فقالت : يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطال ما قرت عين جده صلى الله عليه و آلهبه وكان يقبله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه ، يا ابن زياد أعدّ لجده جوابا فإنه خصمك غدا(1) .

ص: 137


1- بيان : وطدت الشيء أطده وطدا أي أثبته وثقلته والتوطيد مثله والإرب بالكسر العضو وجثا كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ورملة بالدم فترمل وارتمل أي تلطخ والخلاق النصيب والظهيرة شدة الحر نصف النهار والإسراء السير بالليل ويقال طلبت فلانا حتى رهقته أي حتى دنوت منه فربما أخذه وربما لم يأخذه وحر الوجه ما بدا من الوجنة والثبور الهلاك والخسران والواعية الصراخ والصوت والمسامرة الحديث بالليل ويقال أخذت بكظمه بالتحريك أي بمخرج نفسه. وقال الجزري يقال للرجل إذا أسرى ليله جمعاء أو أحياها بالصلاة أو غيرها من العبادات اتخذ الليل جملا كأنه ركبه ولم ينم فيه انتهى وشرقت الشمس أي طلعت وأشرقت أي أضاءت والأصيل بعد العصر إلى المغرب والبديل البدل وسنبك الدابة هو طرف حافرها والبراز بالفتح الفضاء الواسع وتبرز الرجل أي خرج إلى البراز للحاجة والذود الطرد والدفع. وقال الجوهري المشرفية سيوف قال أبو عبيد نسبت إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف يقال سيف مشرفي والقنا بالكسر جمع قناة وهي الرمح ورمح خطار ذواهتزاز ويقال خطران الرمح ارتفاعه وانخفاضه للطعن والكاهل أبو قبيلة من أسد وكذا دودان أبو قبيلة منهم وخندف في الأصل لقب ليلى بنت عمران سميت به القبيلة وقيس أبو قبيلة من مضر وهو قيس عيلان والعرين مأوى الأسد الذي يألفه وفي بعض النسخ العريز وكأنه من المعارزة بمعنى المعاندة والخدر الستر وأسد خادر أي داخل الخدر ورجل فر أي فرار ويقال ملك محجب أي محتجب عن الناس .

[ رواية الشيخ المفيد وغيره ]

2 - أقول : قال الشيخ المفيد في « الإرشاد » روى أصحاب السيرة : لما مات الحسن عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية والبيعه له ، فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة ، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

[ يزيد يطلب البيعة من الحسين ]

فلما مات معاوية ، وذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة ، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان على المدينة من قبل معاوية : أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ولا يرخص له في التأخير عن ذلك .

فأنفذ الوليد إلى الحسين في الليل فاستدعاه ، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم : إن الوليد قد استدعاني

ص: 138

في هذا الوقت ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني .

فصار الحسين عليه السلام إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد معاوية ، فاسترجع الحسين ، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له .

فقال الحسين عليه السلام : إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس . فقال له الوليد : أجل . فقال الحسين : فتصبح وترى رأيك في ذلك . فقال له الوليد : انصرف على اسم الله - تعالى - حتى تأتينا مع جماعة الناس .

فقال له مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك وقال : أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت ، وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.

قال السيد : كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها ، وخاصة على الحسين عليه السلام ويقول : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه ، فأحضر الوليد مروان واستشاره في أمر الحسين ، فقال : إنه لا يقبل ولو كنت مكانك ضربت عنقه ، فقال الوليد : ليتني لم أك شيئا مذكورا ، ثم بعث إلى الحسين عليه السلام فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه .. وساق الكلام إلى أن قال :

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : ويلي عليك يا ابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله وأثمت .

ثم أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة ، ثم خرج عليه السلام .

ص: 139

وقال ابن شهرآشوب : كتب إلى الوليد بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن يأبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه ، فشاور في ذلك مروان فقال : الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا .

فوجه في طلبهم وكانوا عند التربة ، فقال عبد الرحمن وعبد الله : ندخل دورنا ونغلق أبوابنا ، وقال ابن الزبير : والله ما أبايع يزيد أبدا ، وقال الحسين : أنا لا بد لي من الدخول على الوليد .. وذكر قريبا مما مر .

قال المفيد : فقال مروان للوليد عصيتني ، لا والله ، لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ،فقال الوليد : ويح غيرك يا مروان ، إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي ،

والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإني قتلت حسينا ، سبحان الله أقتل حسينا أن قال : لا أبايع ، والله إني لأظن أن امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة .

فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه .

[ مروان ينصح الحسين بالبيعة ليزيد!! ]

قال السيد : فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له : يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد ، فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ قل حتى أسمع ، فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المونين ، فإنه خير لك في دينك ودنياك ، فقال الحسين عليه السلام : « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » وعلى الإسلام السلام ؛ إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ، وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان .

ص: 140

فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين ، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة.

[ خروج ابن الزبير إلى مكة ]

قال المفيد رحمه الله : فقام الحسين في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة ، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم ، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة ، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال ، فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا ، فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا .

[ نصيحة محمد بن الحنفية ]

فلما كان آخر نهار السبت بعث الرجال إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية ، فقال لهم الحسين : أصبحوا ثم ترون ونرى ، فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه ، فخرج عليه السلام من تحت ليلة ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ، متوجها نحو مكة ، ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية رحمه الله فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه ، فقال له : يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك ، وأنت أحق بها ، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس ، ثم ادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك ، إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون إذا لأول الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا .

ص: 141

فقال له الحسين عليه السلام : فأين أنزل يا أخي ؟ قال : انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فستنل ذلك ، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال ، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس ، فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا .

فقال عليه السلام : يا أخي قد نصحت وأشفقت ، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا .

[ الحسين يودع جده وأمه ]

وقال محمد بن أبي طالب الموسوي : لما ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسين عليه السلام عظم ذلك عليه ، ثم قال : والله لا يراني الله أقتل ابن نبيه ، ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها .

قال : وخرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جده صلى الله عليه و آلهفقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك الذي خلفتني في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله إنهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك ، ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا .

وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله فقال : الحمد لله الذي خرج ولم يبتلني بدمه .

قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح .

فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات ، فلما فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى .

ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر

ص: 142

فأغفى ، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة .

فجعل الحسين عليه السلام - في منامه - ينظر إلى جده ويقول : يا جداه لا حاجة لي فيالرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك .

فقال له رسول الله : لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة .

فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا ، فقص رواه على أهل بيته وبني عبد المطلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّا من أهل بيت رسول الله ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم .

قال : وتهيأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك ، ثم رجع إلى منزله وقت الصبح .

[ محمد بن الحنفية يعاود النصيحة ]

فأقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية وقال : يا أخي أنت أحب الخلق إلي وأعزهم عليّ ، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحق بها منك ؛لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجب طاعته في عنقي ؛ لأن الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة .. وساق الحديث كما مر إلى أن قال :

ص: 143

تخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا وأوسع الناس بلادا ، فإن اطمأنت بك الدار وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم الله بينا وبين القوم الفاسقين .

فقال الحسين عليه السلام : يا أخي والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى الحسين عليه السلام معه ساعة ، ثم قال : يا أخي جزاك الله خيرا ، فقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم.

[ وصية الحسين لمحمد بن الحنفية ]

ثم دعا الحسين بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق « وَأَنَّ

السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه و آله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق « وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ »وهذه وصيتي يا أخي إليك « وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » .

ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل .

ص: 144

[ سئل الصادق عن تخلف ابن الحنفية ]

وقال محمد بن أبي طالب :روي عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية فقال أبو عبد الله عليه السلام : يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا : إن الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس وكتب فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم أما بعد : فإنه من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام .

[ الملائكة والجن يعلنون للحسين استعدادهم لنصرته ]

وقال شيخنا المفيد : بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : لما سار أبو عبد الله من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله سبحانه أمد جدك بنا فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ، وإن الله أمدك بنا ، فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني ، فقالوا : يا حجة الله

مرنا نسمع ونطع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟ فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي .

وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا : يا سيدنا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك ، فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أ وما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله « أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ » وقال سبحانه « لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ » وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس ؟ وبماذا يختبرون ؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء ؟ وقد اختارها الله يوم دحا

ص: 145

الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ويكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ، ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله .

فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لو لا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك .

فقال صلوات الله عليه لهم : نحن - والله - أقدر عليهم منكم ، ولكن « لِيهلك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »(1) .

[ أم سلمة تودّع الحسين ]

ووجدت في بعض الكتب أنه عليه السلام : لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة رضي الله عنها فقالت : يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها « كربلاء » ، فقال لها : يا أماه وأنا والله أعلم ذلك ، وإني مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بد ، وإني والله لأعرف

اليوم الذي أقتل فيه ، وأعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي أدفن فيها ، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي .

ثم أشار عليه السلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمره إلى الله ، فقال لها : يا أماه قد شاء الله - عزّ وجلّ - أن يراني مقتولا مذبوحا ظلماوعدوانا ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا .

ص: 146


1- انتهى ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب.

وفي رواية أخرى : قالت أم سلمة : وعندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة ، فقال : والله إني مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا .

ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إياها وقال : اجعلها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت .

[ دخول الحسين إلى مكة ]

ثم قال المفيد : فسار الحسين إلى مكة وهو يقرأ « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ » ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض .

ولما دخل الحسين

عليه السلام مكة كان دخوله إياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، دخلها وهو يقرأ « وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ » .

ثم نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها ويطوف ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كل يومين مرة ، وهو عليه السلام أثقل خلق الله على ابن الزبير ؛ لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين في البلد ، وإن الحسين أطوع في الناس منه وأجل .

[ كتب أهل الكوفة ]

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد ، وعرفوا خبر الحسين وامتناعه من بيعته وما كان من أمر ابن الزبير في ذلك وخروجهما إلى مكة ، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية ، فحمدوا الله وأثنوا عليه .

ص: 147

فقال سليمان : إن معاوية قد هلك ، وإن حسينا قد نقض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه ، فإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه . قالوا : لا بل

نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، فاكتبوا إليه .

فكتبوا إليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المونين والمسلمين من أهل الكوفة ، سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد :

فالحمد الله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله .

ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وائل وأمروهما بالنجا ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان .

ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله وعبد الرحمن ابني عبد الله بن زياد الأرحبي وعمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة .

وقال السيد : وهو مع ذلك يتأبى ولا يجيبهم ، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب .

ص: 148

وقال المفيد : ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكتبوا إليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الحسين بن علي من شيعته من المونين والمسلمين أما بعد :

فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل والسلام .

ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن حجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التيمي : أما بعد ، فقد أخضر الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار ، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك .

وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس ، ثم كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرسل :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى الملإ من المونين والمسلمين أما بعد : فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم؛ أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين

الحق الحابس نفسه على ذلك لله والسلام .

[ الحسين يبعث مسلم إلى الكوفة ]

ودعا الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك .

ص: 149

فأقبل مسلم رحمه الله حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله وودع من أحب من أهله واستأجر دليلين من قيس ، فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا عن الطريق وأصابهما عطش شديد ، فعجزا عن السير ، فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك ، فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا ، فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر : أما بعد؛ فإني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش ، فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء ، فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان

يدعى « المضيق » من بطن الخبت ، وقد تطيرت من توجهي هذا ، فإن رأيت أعفيتني عنه وبعثت غيري ، والسلام .

فكتب إليه الحسين عليه السلام : أما بعد؛ فقد حسبت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه ، والسلام .

فلما قرأ مسلم الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوفه على نفسي ، فأقبل حتى مربماء لطيئ فنزل به ، ثم ارتحل عنه فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه ، فقال مسلم بن عقيل : نقتل عدونا إن شاء الله.

[ مسلم في الكوفة ]

ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة ، وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رحمه الله حتى علم بمكانه .

ص: 150

فبلغ النعمان بشير ذلك ، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فاتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال ، إني لا أقاتل من لا يقاتلني ، ولا آتي على من لم يأت علي ، ولا أنبه نائمكم ، ولا أتحرش بكم ، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ، ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لم يكن لي منكم ناصر ، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم ، وهذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين .

فقال له النعمان : إن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل .

وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتابا : أما بعد؛ فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف .

ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك ، فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرحون مولى معاوية فقال : ما رأيك أن الحسين قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ ، فمن ترى أن أستعمل على الكوفة ؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد ، فقال له سرحون : أرأيت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه ؟ قال : بلى ، فأخرج سرحون عهد عبيد الله على الكوفة وقال : هذا رأي معاوية ،

ص: 151

مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضم المصرين إلى عبيد الله ، فقال له يزيد : أفعل ، ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه .

ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه : أما بعد ؛ فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة ويخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام .

وسلّم إليه عهده على الكوفة ، فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله البصرة وأوصل إليه العهد والكتاب ، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيو إلى الكوفة من الغد ، ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان .

وقال ابن نما رحمه الله : أن أهل الكوفة كتبوا إليه : أنا معك مائة ألف ، و عن الشعبي قال :بايع الحسين عليه السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم ، فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول ويعدهم بسرعة الوصول وبعث مسلم بن عقيل .

[ الحسين يراسل أهل البصرة ]

وقال السيد رحمه الله بعد ذلك : وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتابا مع مولى له اسمه « سليمان » ويكنى « أبا رزين » يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته منهم : يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي ، فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا . قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه ، فقالوا : إنما والله نمنحك النصيحة ونحمد لك الرأي فقل نسمع .

ص: 152

فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم ، مع قصر حلم وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطأ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ذوالشرف الأصيل ، والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمته

وقرابته ، يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة ،ولا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكعوا في وهدة الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته ، والله يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده ،

والقلة في عشيرته ، وها أنا قد لبست للحرب لأمتها ، وادرعت لها بدرعها ، من لم يقتل

يمت ، ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب .

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد نحن نبل كنانتك ، وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ، ونقيك بأبداننا إذا شئت .

وتكلمت بنو سعد بن زيد فقالوا : أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا .

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاو ، لا نرضى إن غضبت ، ولا نقطن إن ظعنت ، والأمر إليك ، فادعنا نجبك ، ومرنا نطعك ، والأمر لك إذا شئت .

فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ولا زال سيفكم فيكم .

ص: 153

ثم كتب إلى الحسين صلوات الله عليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد ؛ فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له ، من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ، أو دليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذللت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحل برقها فلمع .

فلما قرأ الحسين الكتاب قال : ما لك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش .

فلما تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه .

وأما المنذر بن جارود ، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد ؛ لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله ، وكانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ، ثم صعد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف ، ثم بات تلك الليلة ، فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد وأسرع هو إلى قصد الكوفة .

وقال ابن نما : كتب الحسين عليه السلام كتابا إلى وجوه أهل البصرة منهم : الأحنف بن قيس وقيس بن الهيثم والمنذر بن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي ، وبعث الكتاب مع زراع السدوسي ، وقيل : مع سليمان المكنى بأبي رزين ، فيه : إني أدعوكم إلى الله

وإلى نبيه ، فإن السنة قد أميتت ، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ .

فكتب الأحنف إليه : أما بعد؛ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ .

ثم ذكر أمر الرجلين مثل ما ذكره السيد رحمه الله إلى أن قال :

ص: 154

[ ابن زياد يصل إلى الكوفة ]

فلما أشرف على الكوفة نزل حتى أمسى ليلا ، فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام ، ودخلها مما يلي النجف ، فقالت امرأة : الله أكبر ابن رسول الله وربّ الكعبة ، فتصايح الناس ، قالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا ، وازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابته ، وظنهم أنه الحسين ، فحسر اللثام وقال : إنا عبيد الله ، فتساقط القوم ووطئ بعضهم بعضا ، ودخل دار الإمارة وعليه عمامة سوداء .

فلما أصبح قام خاطبا ، وعليهم عاتبا ، ولروائهم موبا ، ووعدهم بالإحسان على لزوم طاعته وبالإساءة على معصيته والخروج عن حوزته ، ثم قال :

يا أهل الكوفة إن أمير المونين يزيد ولاني بلدكم ، واستعملني على مصركم ، وأمرني بقسمة فيئكم بينكم ، وإنصاف مظلومكم من ظالمكم ، وأخذ الحق لضعيفكم من قويكم ، والإحسان للسامع المطيع ، والتشديد على المريب ، فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي ، ونزل ، يعني بالهاشمي مسلم بن عقيل رضي الله عنه .

وقال المفيد : وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام إليهم فهم ينتظرون قدومه ، فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين عليه السلام ، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا : مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا : تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد .

وسار حتى وافى القصر بالليل ، ومعه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين عليه السلام ، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته ، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب ، فاطلع عليه النعمان ، وهو يظنه الحسين ، فقال : أنشدك الله إلا تنحيت ، والله ما أنا بمسلم إليك أمانتي ، وما لي في قتالك من إرب ، فجعل لا يكلمه ،

ثم إنه دنا وتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه ، فقال : افتح ، لا فتحت ،

ص: 155

فقد طال ليلك ، وسمعها إنسان خلفه ، فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين عليه السلام فقال : يا قوم ابن مرجانة والذي لا إله غيره ففتح له النعمان ، فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا .

وأصبح فنادى في الناس : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد؛ فإن أمير المونين يزيد ولاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليتق امروعلى نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ، ثم نزل .

وأخذ العرفاء بالناس أخذا شديدا ، فقال : اكتبوا إلى العرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المونين ومن فيكم من أهل الحرورية وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ، فمن يجيء لنا بهم فبرئ ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ، أن لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله ، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المونين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء .

[ معقل اللعين يكتشف مكان مسلم ]

ولما سمع مسلم بن عقيل رحمه الله مجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها ، وما أخذ به العرفاء والناس ، خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة فدخلها ، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستر واستخفاء من عبيد الله ، وتواصوا بالكتمان ، فدعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » فقال : خذ

ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم وقل لهم : استعينوا بها على حرب

ص: 156

عدوكم ، وأعلمهم أنك منهم ، فإنك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنوا إليك ووثقوا بك ولم يكتموك شيئا من أمورهم وأخبارهم ، ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه .

ففعل ذلك وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلي ، فسمع قوما يقولون : هذا يبايع للحسين ، فجاء وجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ثم قال : يا عبد الله إني امرومن أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم وتباكى له وقال : معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آلهفكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه ولا أعرف مكانه ، فإني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المونين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال وتدخلني على صاحبك فإني أخ من إخوانك وثقة عليك وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه .

فقال له ابن عوسجة : أحمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب ولينصرن الله بك أهل بيت نبيه عليه وعليهم السلام ، ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية وسطوته ، فقال له معقل : لا يكون إلا خيرا خذ البيعة علي ، فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن ، فأعطاه من ذلك ما رضي به ، ثم قال له : اختلف إلي أياما في منزلي فإني طالب لك الإذن على صاحبك ، وأخذ يختلف مع الناس ، فطلب له الإذن فأذن له ، وأخذ مسلم بن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشتري لهم به السلاح ، وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا .

ص: 157

[ الإيمان قيد الفتك ]

وقال ابن شهرآشوب : لما دخل مسلم الكوفة سكن في دار سالم بن المسيب ، فبايعه اثنا عشر ألف رجل ، فلما دخل ابن زياد انتقل من دار سالم إلى دار هانئ في جوف الليل ودخل في أمانه ، وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون ألف رجل ، فعزم على الخروج فقال : هانئ لا تعجل ، وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد فمرض ، فنزل دار هانئ أياما ، ثم قال لمسلم : إن عبيد الله يعودني وإني مطاوله الحديث ، فاخرج إليه بسيفك فاقتله ، وعلامتك أن أقول : اسقوني ماء ، ونهاه هانئ عن ذلك .

فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سوله ورأى أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول :

ما الانتظار بسلمى أن تحييها

كأس المنية بالتعجيل اسقوها

فتوهم ابن زياد وخرج .

فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر ، فإذا فيه للحسين بن علي عليه السلام : أما بعد؛ فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس كلهم معك وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى ، فأمر ابن زياد بقتله .

وقال ابن نما : فلما خرج ابن زياد دخل مسلم والسيف في كفه قال له شريك : ما منعك من الأمر ؟ قال مسلم : هممت بالخروج ، فتعلقت بي امرأة وقالت : نشدتك الله إن قتلت ابن زياد في دارنا ، وبكت في وجهي ، فرميت السيف وجلست ، قال هانئ : يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها ، والذي فررت منه وقعت فيه .

وقال أبو الفرج في «المقاتل» : قال هانئ لمسلم : إني لا أحب أن يقتل في داري ، فلما خرج مسلم قال له شريك : ما منعك من قتله ؟ قال : خصلتان : أما إحداهما

ص: 158

فكراهية هانئ أن يقتل في داره ، وأما الأخرى فحديث حدثنيه الناس

عن النبي صلى الله عليه و آله : أن الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مون ، فقال له هانئ : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا .

[ إعتقال هانى ء ]

ثم قال المفيد : وخاف هانئ بن عروة عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئا ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة ، وهي أم يحيى بن هانئ ، فقال لهم : ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري ، وقد قيل : إنه يشتكي ، قال : قد بلغني أنه قد برئ وهو يجلس على باب داره ، فألقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب .

فأتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس على بابه وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ؟ فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاك لعدته ، فقال لهم : الشكوى تمنعني ، فقالوا : قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك ، وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمل السلطان ، أقسمنا عليك لما ركبت معنا ، فدعا بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا ابن الأخ إني والله لهذا الرجل لخائف ، فماترى ؟ فقال : يا عم والله ما أتخوف عليك شيئا ، ولم تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم في أي شيء بعث إليه عبيد الله .

فجاء هانئ حتى دخل على عبيد الله بن زياد وعنده القوم ، فلما طلع قال عبيد الله : أتتك بحائن رجلاه .

فلما دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي التفت نحوه فقال :

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خلليك من مراد

ص: 159

وقد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا ، فقال له هانئ : وما ذاك أيها الأمير ؟ قال : إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المونين وعامة المسلمين ؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى علي ؟! قال : ما فعلت ذلك وما مسلم عندي ، قال : بلى قد فعلت ، فلما كثر بينهما وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وفق بين يديه وقال : أتعرف هذا ؟ قال : نعم ، وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم ، وأنه قد أتاه بأخبارهم ،

فأسقط في يده ساعة .

ثم راجعته نفسه فقال : اسمع مني وصدق مقاتلي ، فو الله ما كذبت ، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول ، فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام ، فضيفته وآويته وقد كان من أمره ما بلغك ، فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوءا ولا غائلة ولآتينك حتى أضع يدي في يدك ، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، فأخرج من ذمامه وجواره .

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به ، قال : لا والله لا أجيئك به أبدا ، أجيئك بضيفي تقتله ؟! قال : والله لتأتيني به ، قال : والله لا آتيك به ، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال : أصلح الله الأمير خلني وإياه حتى أكلمه ، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان .

فقال له مسلم : يا هانئ أنشدك الله أن تقتل نفسك ، وأن تدخل البلاء في عشيرتك ؟ فو الله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليهم ، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنما تدفعه

ص: 160

إلى السلطان ، فقال هانئ : والله إن علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حي صحيح أسمع وأرى ، شديد الساعد كثير الأعوان ، والله لو لم يكن لي إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : والله لا أدفعه إليه أبدا .

فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك فقال : ادنوه مني ، فأدنوه منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك ، فقال هانئ : إذا والله تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد :وا لهفاه عليك أبالبارقة تخوفني ، وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه ، ثم قال : ادنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب ، وضرب هانئ يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الرجل ومنعه .

فقال عبيد الله : أحروري سائرا اليوم ، قد حل دمك جروه ، فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه ، فقال : اجعلوا عليه حرسا ، ففعل ذلك به ، فقام إليه حسان بن أسماء فقال : أرسل غدر سائر اليوم ؟ أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله ، فقال له عبيد الله : وإنك لهاهنا ، فأمر به فلهز وتعتع وأجلس ناحية ، فقال محمد بن الأشعث : قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا ، إنما الأمير موب .

وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل ، فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصرومعه جمع عظيم وقال : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع ولم نفارق جماعة ، وقد بلغهم أن صاحبهم قد قتل فأعظموا ذلك ، فقيل لعبيد الله بن زياد : وهذه فرسان مذحج بالباب ، فقال لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم أخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل ، فدخل شريح فنظر إليه ، فقال هانئ لما رأى شريحا : يا لله يا للمسلمين!! أهلكت عشيرتي ؟ أين أهل الدين ؟ أين أهل المصر ؟ والدماء تسيل على لحيته ، إذ سمع الضجة على باب القصر ، فقال : إني لأظنها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني .

ص: 161

فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم ، فقال لهم : إن الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه ، فأتيته فنظرت إليه ، فأمرني أن ألقاكم وأعرفكم أنه حي وأن الذي بلغكم من قتله باطل ، فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : أما إذ لم يقتل فالحمد لله ، ثم انصرفوا .

فخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه وحشمه فقال : أما بعد؛ أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلوا وتقتلوا وتجفوا وتحرموا ، إن أخاك من صدقك ، وقد أعذر من أنذر ، والسلام .

[ هجوم مسلم على القصر ]

ثم ذهب لينزل ، فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون : قد جاء ابن عقيل ، فدخل عبيد الله القصر مسرعا وأغلق أبوابه .

فقال عبد الله بن حازم : أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ ، فلما ضرب وحبس ركبت فرسي ، فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر ، وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين : يا عبرتاه ، يا ثكلاه ، فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر ، فأمرني أن أنادي في أصحابه ، وقد ملأ بهم الدور حوله كانوا فيها أربعة آلاف رجل ، فقال ناد : «يا منصور أمت» فناديت ، فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه .

فعقد مسلم رحمه اللهلرؤوس الأرباع كندة ومذحج وتميم وأسد ومضر وهمدان ، وتداعى الناس واجتمعوا ، فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق ، وما زالوا يتوثبون حتى المساء ، فضاق بعبيد الله أمره ، وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر ، وليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته وخاصته ، وأقبل من نأى عنه من أشراف

ص: 162

الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي الدار الروميين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم ، وهم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه .

فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان ، وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس ، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر السلمي وشمر بن ذي الجوشن العامري ، وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس .

فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم ، وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة ، فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني ، فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه ، وجعل محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع بن ثور الذهلي وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان ، حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين ودخل القوم معهم .

فقال كثير بن شهاب : أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك فأخرج بنا إليهم ، فأبى عبيد الله وعقد لشبث بن ربعي لواء وأخرجه ، وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد ، فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ، ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأعلموهم وصول الجند من الشام إليهم .

وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس أن تجب فقال : أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ، فإن هذه جنود أمير المونين

ص: 163

يزيد قد أقبلت وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ، ويفرق مقاتليكم في مفازي الشام ، وأن يأخذ البريء منكم بالسقيم والشاهد بالغائب ، حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها ، وتكلّم الأشراف بنحو من ذلك .

فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه ويقول : غداتأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ؟ انصرف ، فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد .

فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب كندة ، فلم يبلغ الأبواب إلا ومعه منهم عشرة ، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان يدله ، فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ، ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو ، فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة ، لا يدري أين يذهب ، حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة .

[ على باب طوعة ]

فمضى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها «طوعة» أم ولد كانت للأشعث بن قيس وأعتقها وتزوجها أسيد الحضرمي ، فولدت له «بلالا» ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره.

فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام ، فقال لها : يا أمة الله اسقيني ماء ، فسقته وجلس ، ودخلت ثم خرجت فقالت : يا عبد الله ألم تشرب ؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت ، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ، ثم قالت في الثالثة : سبحان الله ، يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك ، فقام وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة ،

ص: 164

فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت : يا عبد الله وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل كذبني هواء القوم وغروني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل .

فدخل إلى بيت دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها ، فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال لها : والله إنه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ، إن لك لشأنا ، قالت له : يا بني اله عن هذا ، قال : والله لتخبريني ، قالت

له : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء ، فألح عليها ، فقالت : يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به ، قال : نعم ، فأخذت عليه الأيمان ، فحلف لها ، فأخبرته فاضطجع وسكت .

[ ابن زياد يخرج إلى المسجد ]

ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل رحمه الله طال على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك ، فقال لأصحابه : أشرفوافانظروا هل ترون منهم أحدا ؟ فأشرفوا فلم يجدوا أحدا ، قال : فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ، فنزعوا تخاتج المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون ، وكانت أحيانا تضيء لهم وتارة لا تضيء لهم كما يريدون ، فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران ثم تدلى حتى ينتهي إلى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر ، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم .

ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه ، وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة ، وأمر عمر بن نافع فنادى : ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد ، فلم يكن إلا

ص: 165

ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة ، وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله وصلى بالناس .

ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد؛ فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله والزموا الطاعة وبيعتكم ، ولا تجعلوا

على أنفسكم سبيلا .

يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة ، فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غدا واستبرئ الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، وكان الحصين بن نمير على شرطه وهو من بني تميم ، ثم دخل ابن زياد القصر ، وقد عقد لعمروبن حريث راية وأمره على الناس .

[ مسلم يقاتل وحده في الكوفة ]

فلما أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه وأقبل محمد بن الأشعث فقال : مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ، ثم أقعده إلى جنبه ، وأصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه ، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فساره ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه : قم فأتني به الساعة ، فقام وبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل .

فبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه

قد أتى ، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار ، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك ، فاختلف هو وبكر بن حمران

ص: 166

الأحمري ضربتين ، فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه ، وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه .

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت ، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة ، فقال محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

ويخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا

كل امرئ يوما ملاق شرا

أخاف أن أكذب أو أغرا

فقال له محمد بن الأشعث : إنك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ، إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك ، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال ، فانتهز واستند ظهره إلى جنب تلك الدار ، فأعاد ابن الأشعث عليه القول : لك الأمان ، فقال : آمن أنا ؟ قال : نعم ، فقال للقوم الذين معه : إلي الأمان ؟ قال القوم له : نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، ثم تنحى.

فقال مسلم : أما لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، فأتي ببغلة فحمل عليها ، واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه ، وكأنه عند ذلك يئس من نفسه ، فدمعت عيناه ثم قال : هذا أول الغدر ، فقال له محمد بن الأشعث : أرجو أن لا يكون عليك بأس ، قال : وما هو إلا الرجاء ، أين أمانكم إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وبكى ، فقال له عبيد الله بن العباس : إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك! قال : والله إني ما لنفسي بكيت ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكني أبكي لأهلي المقبلين ، إني أبكي للحسين وآل الحسين عليه السلام .

ص: 167

ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال : يا عبد الله إني أراك والله ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا وقد خرج اليوم أو خارج غدا وأهل بيته ويقول له : إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك : ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي ، فقال ابن الأشعث : والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك.

وقال محمد بن شهرآشوب : أنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي ومحمد بن الأشعث في سبعين رجلا حتى أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت لكأس الموت لا شك جارع

فصبر لأمر الله جل جلاله

فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

فقتل منهم أحدا وأربعين رجلا .

وقال محمد بن أبي طالب : لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة وبلغ ذلك ابن زياد أرسل إلى محمد بن الأشعث يقول : بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة ، فكيف إذا أرسلناك إلى غيره ، فأرسل ابن الأشعث : أيها الأمير أتظن أنك بعثتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو إلى جرمقاني من جرامقة الحيرة! أو لم تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الأنام ؟ فأرسل إليه ابن زياد : أن أعطه الأمان ، فإنك لا تقدر عليه إلا به .

أقول : روي في بعض كتب المناقب : عن عمرو بن دينار قال : أرسل الحسين عليه السلام

مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد .

قال عمرو وغيره : لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت .

ص: 168

[ مسلم بن عقيل في القصر ]

رجعنا إلى كلام المفيد رحمه الله قال : وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر واستأذن ، فأذن له ، فدخل على عبيد الله بن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من أمانه له ، فقال له عبيد الله : وما أنت والأمان ؟ كأنا أرسلناك

لتونه ، إنما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت ابن الأشعث ، وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن ، فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب ، وإذا قلة باردة موضوعة على الباب.

فقال مسلم : اسقوني من هذا الماء ، فقال له مسلم بن عمرو : أتراها ما أبردها ؟ لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم ، فقال له ابن عقيل :

ويحك من أنت ؟ فقال : أنا الذي عرف الحق إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وأطاعه إذ خالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ما أجفاك وأقطعك وأقسى قلبك ، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني .

ثم جلس فتساند إلى حائط وبعث غلاما له فأتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له : اشرب ، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه ، ولا يقدر أن يشرب ، ففعل ذلك مرتين ، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح ، فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته ، وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه .

فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة ، فقال له الحرسي : ألا تسلم على الأمير ؟ فقال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه... ، فقال له ابن زياد : لعمري لتقتلن ، قال : كذلك ؟ قال : نعم ، قال : فدعني أوصي إلى بعض قومي ، قال : افعل ، فنظر مسلم إلى

ص: 169

جلساء عبيد الله بن زياد ، وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا عمر إن بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي ، وهي سر ، فامتنع عمر أن يسمع منه ، فقال له عبيد الله بن زياد : لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك ، فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد ، فقال له : إن علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم ، فبع سيفي ودرعي فاقضها عني ، وإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى الحسين عليه السلام من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلا .

فقال عمر لابن زياد : أ تدري أيها الأمير ما قال لي ؟ إنه ذكر كذا وكذا ، فقال ابن زياد : إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يومن الخائن ، أما ماله فهو له ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحب ، وأما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها ، وأما حسين فإنه إن

لم يردنا لم نرده .

ثم قال ابن زياد : إيه ابن عقيل أتيت الناس وهم جمع فشتت بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض ؟ قال : كلا لست لذلك أتيت ، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى الكتاب ، فقال له ابن زياد : وما أنت وذاك يا فاسق ؟ لم لم تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ؟!!! قال مسلم : أنا أشرب الخمر ؟! أما والله

إن الله ليعلم أنك غير صادق ، وأنك قد قلت بغير علم ، وإني لست كما ذكرت ، وإنك أحق بشرب الخمر مني ، وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا ، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ، ويسفك الدم الذي حرم الله على الغصب والعداوة وسوء الظن ، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا .

فقال له ابن زياد : يا فاسق إن نفسك منتك ما حال الله دونه ولم يرك الله له أهلا ، فقال مسلم : فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله ؟ فقال ابن زياد : أمير المونين يزيد ، فقال مسلم : الحمد لله على كل حال ، رضينا بالله حكما بيننا وبينكم ، فقال له

ص: 170

ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس ، فقال له مسلم : أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن ، وإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولو الغلبة لا أحد أولى بها منك ، فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا وأخذ مسلم لا يكلمه .

[ مقتل مسلم بن عقيل عقيل ]

ثم قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده ، فقال مسلم رحمه الله : والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ؟ فدعا بكر بن حمران الأحمري فقال له : اصعدفليكن أنت الذي تضرب عنقه ، فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه و آله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا.

وأشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم فضرب عنقه وأتبع رأسه جثته.

وقال السيد : ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه محمد بن الأشعث : يا مسلم لك الأمان ، فقال مسلم : وأي أمان للغدرة الفجرة ، ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن :

أقسمت لا أقتل إلا حرا

إلى آخر الأبيات.. فنادى إليه : أنك لا تكذب ولا تغر. فلم يلتفت إلى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض ، فأخذ أسيرا .

فلما دخل على عبيد الله لم يسلم عليه ، فقال له الحرسي : سلم على الأمير ، فقال له : اسكت يا ويحك والله ما هو لي بأمير ، فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول ، فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو

ص: 171

خير مني ، ثم قال ابن زياد : يا عاق ويا شاق خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة ، فقال مسلم : كذبت يا ابن زياد ، إنما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد ، عبد بني علاج

من ثقيف ، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته.

ثم قال السيد بعد ما ذكر بعض ما مر : فضرب عنقه ونزل مذعورا ، فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟ فقال : أيها الأمير رأيت ساعة قتلته رجلا أسود سيئ الوجه حذائي عاضا على إصبعه - أو قال : شفتيه - ففزعت فزعا لم أفزعه قط ، فقال ابن زياد : لعلك دهشت .

وقال المسعودي : دعا ابن زياد بكير بن حمران الذي قتل مسلما فقال : أقتلته ؟ قال : نعم ، قال : فما كان يقول وأنتم تصعدون به لتقتلوه ؟ قال : كان يكبر ويسبح ويهلل ويستغفر الله ، فلما أدنيناه لنضرب عنقه قال : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا ثم خذلونا وقتلونا ، فقلت له : الحمد لله الذي أقادني منك ، وضربته ضربة لم تعمل شيئا ، فقال لي : أو ما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك أيها العبد ؟ قال ابن زياد : وفخرا عند الموت ؟! قال : وضربته الثانية فقتلته.

[ مقتل هانى ء بن عروة ]

وقال المفيد : فقام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال : إنك قد عرفت موضع هانئ من المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه إني وصاحبي سقناه إليك ، وأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر وأهله ، فوعده أن يفعل ، ثم بدا له وأمر بهانئ في الحال فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه ، فأخرج هانئ حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه ، يا مذحجاه ، أين مذحج ؟

ص: 172

فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال : أ ما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ؟ ووثبوا إليه فشدوه وثاقا ، ثم قيل له : امدد عنقك ، فقال : ما أنا بها بسخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له «رشيد» بالسيف ، فلم يصنع شيئا ، فقال له هانئ : إلى الله المعاد ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه أخرى فقتله.

وفي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رحمهما الله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

أصابهما أمر اللعين فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسدا قد غيرت الموت لونه

ونضح دم قد سال كل مسيل

فتى كان أحيا من فتاة حيية

وأقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طالبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلهم

على رقبة من سائل ومسئول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل

[ ابن زياد يبعث برأس مسلم وهانى ء إلى يزيد ]

ولما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رحمة الله عليهما بعث ابن زياد برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية ، وأمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم وهانئ ، فكتب الكاتب وهو عمرو بن نافع ، فأطال فيه ، وكان أول من أطال في الكتب ، فلما نظر فيه عبيد الله كرهه وقال :

ما هذا التطويل وهذه الفضول ؟ اكتب : أما بعد؛ فالحمد الله الذي أخذ لأمير المونين

ص: 173

بحقه وكفاه مئونة عدوه ، أخبر أمير المونين أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإني جعلت عليهما المراصد والعيون ، ودسست إليهما الرجال ، وكدتهما حتى أخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدمتهما وضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المونين عما أحب من أمرهما فإن عندهما علما وورعا وصدقا والسلام .

فكتب إليه يزيد : أما بعد؛ فإنك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم ،وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، وقد أغنيت وكفيت ، وصدقت ظني بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك وسألتهما وناجيتهما ، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيرا ، وإنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح ، واحترس ، واحبس على الظنة ، واقتل على التهمة ، واكتب إلي في كل يوم ما يحدث من خبر إن شاء الله .

وقال ابن نما : كتب يزيد إلى ابن زياد : قد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به من بين العمال ، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبد العبيد(1) .

ص: 174


1- إيضاح : قوله ويح غيرك قال هذا تعظيما له أي لا أقول لك ويحك بل أقول لغيرك والسلام بالكسر الحجر ذكره الجوهري وقال نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه وقال الشعفة بالتحريك رأس الجبل والجمع شعف وشعوف وشعاف وشعفات وهي رءوس الجبال. قوله عليه السلام ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح أي لا يتيسر له فتح وفلاح في الدنيا أو في الآخرة أو الأعم وهذا إما تعليل بأن ابن الحنفية إنما لم يلحق لأنه علم أنه يقتل إن ذهب بإخباره عليه السلام أو بيان لحرمانه عن تلك السعادة أو لأنه لا عذر له في ذلك لأنه عليه السلام أعلمه وأمثاله بذلك. قوله نحمد إليك الله أي نحمد الله منهيا إليك والتنزي والانتزاء التوثب والتسرع وابتززت الشيء استلبته والنجاء الإسراع وقال الجوهري يقال حيهلا الثريد فتحت ياو لاجتماع الساكنين وبنيت حي مع هل اسما واحدا مثل خمسة عشر وسمي به الفعل وإذا وقفت عليه قلت حيهلا وقال الجناب بالفتح الفناء وما قرب من محلة القوم يقال أخصب جناب القوم والحشاشة بالضم بقية الروح في المريض قال الجزري فيه فانفلتت البقرة بحشاشة نفسها أي برمق بقية الحياة والروح والتحريش والإغراء بين القوم والقرف التهمة والغشم الظلم. طلب الخرزة كأنه كناية عن شدة الطلب فإن من يطلب الخرزة يفتشها في كل مكان وثقبة وثقفه صادفه قوله فرطا أي تقدما كثيرا من قولهم فرطت القوم أي سبقتهم أو هو حال فإن الفرط بالتحريك من يتقدم الواردة إلى الماء والكلاء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه. قوله فأهون به صيغة تعجب أي ما أهونه والأثيل الأصيل والتسكع التمادي في الباطل وقطن بالمكان كنصر أقام وظعن أي سار. قوله لئن فعلتموها أي المخالفة والخمس بالكسر من إظماء الإبل أن ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع والمزنة السحابة البيضاء والجمع المزن ذكره الجوهري وقال الفيروزآبادي المزن بالضم السحاب أو أبيضه أو ذوالماء. قوله لا فتحت دعاء عليه أي لا فتحت على نفسك بابا من الخير فقد طال لليك أي كثر وامتد همك أو انتظارك وفي مروج الذهب فقد طال نومك أي غفلتك وضربوا الباب أي أغلقوه. قوله فإن الصدق ينبي عنك قال الزمخشري في المستقصى الصدق ينبي عنك لا الوعيد غير مهموز من أنباه إذا جعله نابيا أي إنما يبعد عنك العدو ويرده أن تصدقه القتال لا التهدد يضرب للجبان يتوعد ثم لا يفعل وقال الجوهري في المثل الصدق ينبي عنك لا الوعيد أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد قال أبو عبيد هو ينبي غير مهموز ويقال أصله الهمز من الإنباء أي إن الفعل يخبر عن حقيقتك لا القول انتهى. وفي بعض النسخ عليك أي عند ما يتحقق ما أقول تطلع على فوائد ما أقول لك وتندم على ما فات لا مجرد وعيدي يقال نبأت على القوم طلعت عليهم والظاهر أنه تصحيف والعريف النقيب وهو دون الرئيس. قوله ولم تجعل على نفسك الجملة حالية وقال الجزري في حديث علي عليه السلام قال وهو ينظر إلى ابن ملجم عذيرك من خلليك من مراد يقال عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه فعيل بمعنى فاعل قوله إيه أي اسكت والشائع فيه أيها. وقال الفيروزآبادي ربص بفلان ربصا انتظر به خيرا أو شرا يحل به كتربص ويقال سقط في يديه أي ندم وجوز أسقط في يديه والذمام الحق والحرمة وأذم فلانا أجاره ويقال أخذتني منه مذمة أي رقة وعار من ترك حرمته والغائلة الداهية ونفس به بالكسر أي ضن به والبارقة السيوف والحروري الخارجي أي أنت كنت أو تكون خارجيا في جميع الأيام أو في بقية اليوم. وقال الجوهري ومن أمثالهم في اليأس عن الحاجة أ سائر اليوم وقد زال الظهر أي أتطمع فيما بعد وقد تبين لك اليأس لأن من كان حاجته اليوم بأسره وقد زال الظهر وجب أن ييأس منه بغروب الشمس انتهى والظاهر أن هذا المعنى لا يناسب المقام. واللهز الضرب بجمع اليد في الصدور ولهزه بالرمح طعنه في صدره وتعتعه حركه بعنف وأقلقه قوله استيحاشا إليهم يقال استوحش أي وجد الوحشة وفيه تضمين معنى الانضمام والمتلدد المتحير الذي يلتفت يمينا وشمالا والتخاتج لعله جمع تختج معرب تخته أي نزعوا الأخشاب من سقف المسجد لينظروا هل فيه أحد منهم وإن لم يرد بهذا المعنى في اللغة والمنكب هو رأس العرفاء والاستبراء الاختبار والاستعلام. قوله وجس خلالها من قولهم فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي تخللوها فطلبوا ما فيها قوله فانتهز أي اغتنم الأمان قوله لا ناقة لي في هذا قال الزمخشري في مستقصى الأمثال أي لا خير لي فيه ولا شر وأصله أن الصدوف بنت حليس كانت تحت زيد بن الأخنس وله بنت من غيرها تسمى الفارعة كانت تسكن بمعزل منها في خباء آخر فغاب زيد غيبة فلهج بالفارعة رجل عدوي يدعى شبثا وطاوعته فكانت تركب على عشية جملا لأبيها وتنطلق معه إلى متيهة يبيتان فيها ورجع زيد عن وجهه فعرج على كاهنة اسمها طريفة فأخبرته بريبة في أهله فأقبل سائرا لا يلوي على أحد وإنما تخوف على امرأته حتى دخل عليها فلما رأته عرفت الشر في وجهه فقالت لا تعجل واقف الأثر لا ناقة لي في ذا ولا جمل يضرب في التبري عن الشيء قال الراعي :وما هجرتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جمل وقال الفيروزآبادي الجرامقة قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام الواحد جرمقاني والضرغام بالكسر الأسد والهمام كغراب الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع قوله عليه السلام من يلغ من ولوغ الكلب وقال الجوهري طمار المكان المرتفع وقال الأصمعي انصب عليه من طمار مثل قطام قال الشاعر فإن كنت إلى آخر البيتين وكان ابن زياد أمر برمي مسلم بن عقيل من سطح انتهى. قوله أحاديث من يسري أي صارا بحيث يذكر قصتهما كل من يسير بالليل في السبل وشفرة السيف حده أي من سلاح مصقول يقطع من الجانبين والصقيل السيف أيضا والهماليج جمع الهملاج وهو نوع من البراذين وأسماء هو أحد الثلاثة الذين ذهبوا بهانئ إلى ابن زياد والرقبة بالفتح الارتقاب والانتظار وبالكسر التحفظ قوله فكونوا بغايا أي زواني وفي بعض النسخ أيامى.

ص: 175

ص: 176

[ خروج الحسين إلى العراق ]

قال المفيد رحمه الله فصل : وكان خروج مسلم بن عقيل رحمه اللهبالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين ، وقتله رحمه الله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة ، وكان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة ، وهو يوم التروية ، بعد مقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين ، وكان قد اجتمع إلى الحسين عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه.

ولما أراد الحسين التوجه إلى العراق بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة؛ لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية ، فخرج عليه السلام مبادرا بأهله وولده ومن انضم إليه من شيعته ، ولم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه .

وقال السيد رضى الله عنه : روى عن الواقدي وزرارة بن صالح قالا : لقينا الحسين بن علي عليه السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، فقال عليه السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهواء ، ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم إلا ولدي علي .

ورويت : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : جاء محمد بن الحنفية إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له : يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي قد خفت أن

ص: 177

يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت .

فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ

راجِعُونَ ، فما معنى حملك هواء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ قال : فقال لي صلى الله عليه و آله : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا ، فسلم عليه ومضى .

قال: وجاءه عبدالله بن العباس وعبدالله بن الزبير فأشارا عليه بالإمساك فقال لهما: إن رسول الله قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه ، فخرج ابن العباس وهو يقول : وا حسيناه .

ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال ، وحذره من القتل والقتال ، فقال : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله - تعالى - أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ؟ أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام ؟ اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي .

ثم قال المفيد رحمه الله وروي عن الفرزدق أنه قال : حججت بأمي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي عليه السلام ، فأتيته وسلمت عليه وقلت له : أعطاك الله سوك وأملك فيما تحب ، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج ؟ قال : لو لم أعجل لأخذت ، ثم قال لي : من أنت ؟ قلت : رجل من العرب ، ولا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك .

ص: 178

ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك ؟ فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء واللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ، قال : صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هُوَ فِي شَأْنٍ ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا .

وكان الحسين بن علي عليه السلام لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد ، فقالوا له : انصرف أين تذهب ؟ فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، فامتنع الحسين عليه السلام وأصحابه منهم امتناعا قويا ، وسار حتى أتى التنعيم ، فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه وقال لأصحابها : من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون .

وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد وكتب على أيديهما كتابا يقول فيه : أما بعد ؛ فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ورجاء المونين ، ولا تعجل بالسير ، فإني في أثر كتابي والسلام .

وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين عليه السلام أمانا

ويمنيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة ويونه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت

ص: 179

رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الروا ؟ فقال : ما حدثت أحدا بها ولا أنا محدث بها أحدا حتى ألقى ربي - عزّ وجلّ - ، فلما يئس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة .

وتوجه الحسين عليه السلام إلى العراق مغذا لا يلوي إلى شيء حتى نزل ذات عرق .

وقال السيد رحمه الله توجه الحسين عليه السلام من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين ، قبل أن يعلم بقتل مسلم؛ لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه .

[ خطبة الحسين لمّا عزم على الخروج إلى العراق ]

وروي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضي الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه وتنجز لهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله(1) .

ص: 180


1- أقول : روي هذه الخطبة في «كشف الغمة» عن كمال الدين بن طلحة .

[ في طريق الكوفة ]

قال السيد وابن نما رحمهما الله : ثم سار حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن ، وعليها الورس والحلل ، فأخذها عليه السلام ؛ لأن حكم أمور المسلمين إليه ، وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكرى بقدر ما قطع من الطريق ، فمضى قوم وامتنع آخرون .

ثم سار عليه السلام حتى بلغ ذات عرق فلقي بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها ، فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية ، فقال : صدق أخو بني أسد إِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ .

قال : ثم سار صلوات الله عليه حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه فرقد ، ثم استيقظ فقال : قد رأيت هاتفا يقول : أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة ، فقال له ابنه علي : يا أبة أفلسنا على الحق ؟ فقال : بلى يا بني والذي إليه مرجع العباد ، فقال : يا أبة إذن لا نبالي بالموت ، فقال له الحسين عليه السلام : جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا عن والد ، ثم بات عليه السلام في الموضع.

فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول الله ، ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلى الله عليه و آله ؟ فقال الحسين عليه السلام : ويحك أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبإ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم.

وقال محمد بن أبي طالب : واتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين عليه السلام توجه إلى العراق ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد؛ فإن الحسين قد توجه

ص: 181

إلى العراق وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله ، فاحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شيء ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا ، قال : فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد.

وروى الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال : حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسف الطريق وحدي ، فبينما أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية وفساطيط ، فانطلقت نحوها حتى أتيت أدناها ، فقلت : لمن هذه الأبنية ؟ فقالوا : للحسين عليه السلام ، قلت : ابن علي وابن فاطمة عليهاالسلام ؟ قالوا : نعم ، قلت : في أيها هو ؟ قالوا : في ذلك الفسطاط ، فانطلقت نحوه ، فإذا الحسين عليه السلام متك على باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه ، فسلمت فردّ عليّ ، فقلت : يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمي ، ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعه ؟ قال : إن هواء أخافوني وهذه كتب أهل الكوفة ، وهم قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك ، ولم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه بعث الله إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذل من قوم الأمة.

وقال ابن نما : حدث عقبة بن سمعان قال : خرج الحسين عليه السلام من مكة فاعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد ليردوه ، فأبى عليهم وتضاربوا بالسياط ، ومضى عليه السلام على وجهه فبادروه وقالوا : يا حسين ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة ؟ فقال : لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ .

ورويت : أن الطرماح بن حكم قال : لقيت حسينا وقد امترت لأهلي ميرة فقلت : أذكرك في نفسك ، لا يغرنك أهل الكوفة ، فو الله لئن دخلتها لتقتلن ، وإني لأخاف أن لا تصل إليها ، فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل أجأ ، فإنه جبل منيع ، والله ما نالنا

فيه ذل قط ، وعشيرتي يرون جميعا نصرك فهم يمنعونك ما أقمت فيهم ، فقال : إن بيني وبين القوم موعدا أكره أن أخلفهم ، فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة إن شاء الله.

ص: 182

ثم حملت الميرة إلى أهلي وأوصيتهم بأمورهم وخرجت أريد الحسين عليه السلام ، فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت.

[ مقتل قيس بن مسهر الصيداوي ]

وقال المفيد رحمه الله : ولما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة إلى_ الكوفة بعث الحصين بن نمير ، صاحب شرطه ، حتى نزل القادسية ، ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانة ، وقال للناس : هذا الحسين يريد العراق .

ولما بلغ الحسين الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي ويقال : إنه بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة ولم يكن عليه السلام علم بخبر مسلم بن عقيل رحمه الله وكتب معه إليهم.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى إخوانه المونين والمسلمين سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإن كتاب مسلم بن

عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، وكتب إليه أهل الكوفة أن لك هاهنا مائة ألف سيف ولا تتأخر .

فأقبل قيس بن مسهر بكتاب الحسين عليه السلام حتى إذا انتهى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، فقال له عبيد الله بن زياد : اصعد

فسب الكذاب الحسين بن علي .

ص: 183

وقال السيد : فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج قيس الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد ، فلما مثل بين يديه قال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المونين علي بن أبي طالب وابنه عليه السلام ، قال :فلماذا خرقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه ، قال : وممن الكتاب وإلى من ؟ قال : من الحسين بن علي إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد فقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هواء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك إربا إربا فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعنة الحسين وأبيه وأخيه فأفعل .

فصعد المنبر ، وحمد الله وصلى على النبي ، وأكثر من الترحم على عليوولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم ، ثم قال : أنا رسول الحسين إليكم وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه .

ثم قال المفيد رحمه الله فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمى من فوق القصر ، فرمي به فتقطع .

وروي : أنه وقع إلى الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له «عبد الملك بن عمير اللخمي» فذبحه ، فقيل له في ذلك وعيب عليه! فقال : أردت أن أريحه .

[ مع عبد اللّه بن مطيع العدوي ]

ثم أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق فانتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به ، فلما رآه الحسين قام إليه فقال : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أقدمك ؟ واحتمله وأنزله ، فقال له الحسين عليه السلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك وكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم .

ص: 184

فقال له عبد الله بن مطيع : أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنهتك ، أنشدك الله في حرمة قريش ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ، والله إنها

لحرمة الإسلام تنهتك وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية ، فأبى الحسين عليه السلام إلا أن يمضي .

وكان عبيد الله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام وإلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج ، فأقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب فسألهم ، فقالوا : لا والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج ، فسار تلقاء وجهه عليه السلام .

[ إلتحاق زهير بن القين بالركب الحسيني ]

وحدث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة ، وكنا نساير الحسين عليه السلام ، فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل ، وإذا سار الحسين عليه السلام فنزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله ، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم ثم دخل فقال : يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير ، فقالت له امرأته(1) : سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت .

فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين عليه السلام ، ثم قال لامرأته : أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير .

ص: 185


1- قال السيد : وهي ديلم بنت عمرو .

وزاد السيد : وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها ، فقامت إليه وبكت وودعته وقالت : خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام .

وقال المفيد : ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا : إنا غزونا البحر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان رحمه اللهأفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم ؟ فقلنا : نعم ، فقال : إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم ، فأما أنا فأستودعكم الله ، قالوا : ثم والله ما زال في القوم مع الحسين حتى قتل رحمه الله .

[ في الخزيمية ]

وفي المناقب : ولما نزل عليه السلام الخزيمية أقام بها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب فقالت : يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة ؟ فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ فقالت : خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين عليه السلام : يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن.

[ وصول خبر مقتل مسلم ]

وقال المفيد رحمه الله : وروى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان قالا : لما قضينا حجتنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلما دنونا منه إذا نحن

ص: 186

برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتى رأى الحسين عليه السلام ، فوقف الحسين عليه السلام كأنه يريده ، ثم تركه ومضى ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة ، فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فقال : وعليكما السلام ، قلنا ممن الرجل ؟ قال : أسدي ، قلنا له : ونحن أسديان ، فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان ، فانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس

وراءك ؟ قال : نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق .

فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين ، فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا ، فجئناه حين نزل فسلمنا عليه ، فرد علينا السلام ، فقلنا له : يرحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية وإن شئت سرا ، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثم قال : ما دون هواء سر ، فقلنا له : رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس ؟ فقال : نعم قد أردت مسألته ، فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرو منا ، ذو رأي وصدق وعقل ، وإنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران في السوق بأرجلهما ، فقال : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

رحمة الله عليهما ، يردد ذلك مرارا .

فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا ، وإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوف أن يكونوا عليك ، فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم ؟ فقالوا : والله ما نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليه السلام فقال : لا خير في العيش بعد هواء ، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا له : خار الله لك ، فقال : يرحمكم الله ،

فقال له أصحابه : إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك ، فسكت .

وقال السيد : أتاه خبر مسلم في زبالة ، ثم إنه سار فلقيه الفرزدق فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك

ص: 187

مسلم بن عقيل وشيعته ؟ قال : فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه ، أما إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول :

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في الرزق أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به الحر يبخل

[ وصول خبر مقتل عبد اللّه بن يقطر ]

وقال المفيد : ثم انتظر حتى إذا كان السحر فقال لفتيانه وغلمانه : أكثروامن الماء ، فاستقوا وأكثروا ، ثم ارتحلوا ، فسار حتى انتهى إلى زبالة ، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر.

وقال السيد : فاستعبر باكيا ثم قال : اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك إِنك عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

[ تفرق الناس عن الحسين في الطريق ]

وقال المفيد رحمه الله : فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد : فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام .

فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه ، وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها ، فكره

أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون.

ص: 188

[ مع شيخ من بني عكرمة في بطن العقبة ]

فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له «عمر بن لوذان» قال له : أين تريد ؟ قال له الحسين : الكوفة ، فقال له الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت ، فو الله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ، وإن هواء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل ، فقال له : يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله - تعالى - لا يغلب على أمره .

ثم قال عليه السلام : والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .

[ الحر يعترض الركب الحسيني ]

ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف ، فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ، ثم سار حتى انتصف النهار ، فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه ، فقال له الحسين عليه السلام : الله أكبر ، لم كبرت ؟ فقال : رأيت النخل ، قال جماعة ممن صحبه : والله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط! فقال الحسين عليه السلام : فما ترونه ؟ قالوا : والله نراه أسنة الرماح وآذان الخيل ، فقال : وأنا والله أرى ذلك.

ثم قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد ؟ فقلنا له : بلى ، هذا ذو جشم إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد ، فأخذ إليه ذات اليسار ، وملنا معه ، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا

هوادي الخيل ، فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم

ص: 189

إليه ، وأمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم .

فقال الحسين عليه السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا ، ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقى آخر حتى سقوها عن آخرها.

فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية - والراوية عندي السقاء - ثم قال : يا ابن الأخ أنخ الجمل فأنخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين : اخنث السقاء أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي.

وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره أن ينزل القادسية ، وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام ، فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يون .

فلما حضرت الإقامة خرج الحسين عليه السلام في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا وإياكم على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم .

فسكتوا عنه ولم يتكلموا كلمة ، فقال للمون : أقم ، فأقام الصلاة ، فقال للحر : أتريد أن تصلي بأصحابك ؟ فقال الحر : لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك ، فصلى بهم الحسين عليه السلام ، ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه ، وانصرف الحر إلى

ص: 190

مكانه الذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه ، وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها .

فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد : أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا

الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هواء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلا الكراهة لنا والجهل بحقنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم .

فقال له الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي ، فأخرج خرجين مملوءين صحفا ، فنثرت بين يديه ، فقال له الحر : لسنا من هواء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفه على عبيد الله بن زياد .

فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثم قال لأصحابه : فقوموا فاركبوا ، فركبوا ، وانتظر حتى ركبت نساو ، فقال لأصحابه : انصرفوا ، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليه السلام للحر : ثكلتك أمك ما تريد ؟ فقال له الحر : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ، ولكن والله ما لي من ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه .

فقال له الحسين عليه السلام : فما تريد ؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فقال : إذا والله لا أتبعك ، فقال : إذا والله لا أدعك ، فتردا القول ثلاث مرات ،

ص: 191

فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر : إني لم أومر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك ، فخذ ها هنا .

فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسين عليه السلام وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له : يا حسين إني أذكرك الله في نفسك ، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوفني ، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه و آله فخوفه ابن عمه وقال : أين تذهب فإنك مقتول ؟ فقال :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذ ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودع مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

أقول : وزاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت :

أقدم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما

ثم قال : ثم أقبل الحسين عليه السلام على أصحابه وقال : هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة ؟ فقال الطرماح : نعم يا ابن رسول الله ، أنا أخبر الطريق ، فقال الحسين عليه السلام : سر بين أيدينا ، فسار الطرماح واتبعه الحسين عليه السلام وأصحابه وجعل الطرماح يرتجز ويقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله آل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر

حتى تحلي بكريم الفخر

ص: 192

الماجد الجد رحيب الصدر

أثابه الله لخير أمر

عمره الله بقاء الدهر

يا مالك النفع معا والنصر

أيد حسينا سيدي بالنصر

على الطغاة من باقيا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

وابن زياد عهر بن العهر

وقال المفيد رحمه الله : فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه وكان يسير بأصحابه ناحية والحسين عليه السلام في ناحية حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، ثم مضى الحسين عليه السلام

حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل ، فنزل به وإذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، قال : ادعوه إلي ، فلما أتاه الرسول قال له :هذا الحسين بن علي عليه السلام يدعوك ، فقال عبيد الله : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها ، والله ما أريد أن أراه ولا يراني .

فأتاه الرسول فأخبره ، فقام إليه الحسين فجاء حتى دخل عليه وسلم وجلس ، ثم دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه إليه ، فقال له الحسين عليه السلام : فإن لم تكن تنصرنا فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك ، فقال له : أما هذا فلا يكون

أبدا إن شاء الله ، ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتى دخل رحله .

ولما كان في آخر الليلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ، ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل .

فقال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال : مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بني إني خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا

ص: 193

تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له : يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على

الحق ؟ قال : بلى والله الذي مرجع العباد إليه ، فقال : فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين ، فقال له الحسين عليه السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده .

فلما أصبح نزل وصلى بهم الغداة ، ثم عجل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم ، فيأتيه الحر بن يزيد فيرده وأصحابه ، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى ، بالمكان الذي نزل به الحسين عليه السلام ، فإذا راكب على نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة ، فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين وأصحابه ، ودفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد لعنه الله ، فإذا فيه : أما بعد؛ فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام .

فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذه أمره فيكم ، فنظر يزيد بن المهاجر الكندي وكان مع الحسين عليه السلام إلى رسول ابن زيادفعرفه فقال له : ثكلتك أمك ، ما ذا جئت فيه ؟ قال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي ، فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسيت العار والنار ، وبئس الإمام إمامك ، قال الله - عزّ وجلّ - : « وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ » ، فإمامك منهم .

[ النزول في كربلاء ]

وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقال له الحسين عليه السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه - يعني نينوى والغاضرية - أو هذه

ص: 194

- يعني شفية - ، قال : لا والله ما أستطيع ذلك ؟ هذا رجل قد بعث إلي عينا علي ، فقال له زهير بن القين : إني والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون ، يا ابن رسول الله إن قتال هواء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال الحسين عليه السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال ، ثم نزل ، وذلك اليوم يوم الخميس ، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين .

وقال السيد رحمه الله فقام الحسين خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؛ ليرغب المون في لقاء ربّه حقا حقا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .

فقام زهير بن القين فقال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

ووثب هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا وإنا على نياتناوبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

وقام برير بن خضير فقال : والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فيقطع فيك أعضاوا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .

ثم إن الحسين عليه السلام ركب وسار ، كلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء ، وكان ذلك في اليوم الثامن من المحرم .

وفي المناقب : فقال له زهير فسر بنا حتى ننزل بكربلاء فإنها على شاطئ الفرات فنكون هنالك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم ، قال : فدمعت عينا الحسين عليه السلام ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ونزل الحسين في موضعه ذلك ونزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس .

ص: 195

[ كتاب الحسين إلى أشراف الكوفة ]

ودعا الحسين بدواة وبيضاء وكتب إلى أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المونين أما بعد : فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و آله قد قال في حياته : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول

ولا فعل كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله ، وقد علمتم أن هواء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه و آلهوقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم فلكم بي أسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخلعتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي ، والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وسيغني الله عنكم والسلام .

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي.. وساق الحديث كما مر ثم قال :

ولما بلغ الحسين قتل قيس استعبر باكيا ثم قال : اللهم اجعل لنا ولشيعتنا عندك منزلا كريما ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك إِنك عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

قال : فوثب إلى الحسين عليه السلام رجل من شيعته يقال له «هلال بن نافع البجلي» فقال : يا ابن رسول الله ، أنت تعلم أن جدك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس

ص: 196

محبته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمر من الحنظل ، حتى قبضه الله إليه ، وأن أباك عليا رحمة الله عليه قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا

على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلا نفسه والله مغن عنه ، فسر بنا راشدا معافا مشرقا إن شئت ، وإن شئت مغربا ، فو الله ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال : والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيه أعضاوا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا ، لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ، أف لهم غدا ، ما ذا يلاقون ؟ ينادون

بالويل والثبور في نار جهنم.

قال : فجمع الحسين عليه السلام ولده وإخوته وأهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال : اللهم إنا عترة نبيك محمد وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا ، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين.

قال : فرحل من موضعه حتى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء ، وذلك في الثاني من المحرم سنة إحدى وستين.

ثم أقبل على أصحابه فقال : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

ثم قال : أهذه كربلاء ؟ فقالوا : نعم يا ابن رسول الله ، فقال : هذا موضع كرب وبلاء ، هاهنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا .

قال : فنزل القوم وأقبل الحر حتى نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس ، ثم كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء.

ص: 197

[ كتاب ابن زياد إلى الحسين ]

وكتب ابن زياد لعنه الله إلى الحسين صلوات الله عليه : أما بعد؛ يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء وقد كتب إلي أمير المونين يزيد أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام .

فلما ورد كتابه على الحسين عليه السلام وقرأه رماه من يده ثم قال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : جواب الكتاب أبا عبد الله ؟ فقال : ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب .

[ عمر بن سعد يتولّى حرب الحسين ]

فرجع الرسول إليه فخبره بذلك ، فغضب عدوالله من ذلك أشد الغضب والتفت إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين ، وقد كان ولاه الري قبل ذلك ، فاستعفى عمر من ذلك ، فقال ابن زياد : فاردد إلينا عهدنا ، فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل عن ولاية الري.

وقال المفيد رحمه الله : فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى ، فبعث إلى الحسين عليه السلام عروة بن قيس الأحمسي فقال له : ائته فسله ما الذي جاء بك ؟ وما تريد ؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرواء الذين كاتبوه ، وكلهم أبى ذلك وكرهه.

[ عمر بن سعد يبعث رسله إلى الحسين ]

فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال له : أنا أذهب إليه ووالله لئن شئت لأفتكن به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن تفتك

ص: 198

به ولكن ائته فسله ما الذي جاء به ؟ فأقبل كثير إليه ، فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرو

على دم وأفتكهم ، وقام إليه فقال له : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة ، إنما أنا

رسول ، إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم ، قال : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك ، قال : لا والله لا تمسه ، فقال له : أخبرني بما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر ، فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.

فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك الق حسينا فسله ما جاء به ؟ وما ذا يريد ؟ فأتاه قرة فلما رآه الحسين مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب بن مظاهر : هذا رجل من حنظلة تميم ، وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين عليه السلام : كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ، فقال حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة أين تذهب إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة ، فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر ، فقال عمر بن سعد : أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

[ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد ]

وكتب إلى عبيد الله بن زياد : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد؛ فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وما ذا يطلب فقال كتب : إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم يسألوني القدوم إليهم ففعلت ، فأما إذا كرهتموني وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

ص: 199

قال حسان بن قائد العبسي : وكنت عند عبيد الله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ

وكتب إلى عمر بن سعد : أما بعد؛ فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو جميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام .

فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال : قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية.

وقال محمد بن أبي طالب : فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنه علم أن الحسين لا يبايع يزيد أبدا .

[ ابن زياد يحرّض على قتال الحسين ويرسل الجيوش والمدد إلى كربلاء ]

قال : ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ثم خرج فصعد المنبر ثم قال : أيها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون ، وهذا أمير المونين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقه ، قد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا.

ثم نزل عن المنبر ووفر الناس العطاء وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ويكونوا عونا لابن سعد على حربه ، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف ، ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، وفلانا المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر بن فلان في ألفين ، فذلك عشرون ألفا .

ص: 200

ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا وإنا نريد أن نوجه بك إلى حرب الحسين ، فتمارض شبث وأراد أن يعفيه ابن زياد ، فأرسل إليه : أما بعد؛ فإن رسولي أخبرني بتمارضك وأخاف أن تكون من الذين إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا

وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِونَ ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا .

فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة ، فلما دخل رحب به وقرب مجلسه وقال : أحب أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه ، فقال : أفعل أيها الأمير .

فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس وراجل ، ثم كتب إليه ابن زياد : إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا أصبح ولا أمسي إلا وخبرك عندي غدوة وعشية ، وكان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم.

[ حبيب بن مظاهر يستنصر بني أسد ]

وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا ، أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك ، فعسى الله أن يدفع بهم عنك ؟ قال : قد أذنت لك ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه أنه من بني أسد ، فقالوا : ما حاجتك ؟ فقال : إني قد أتيتكم بخير ما

أتى به وافد إلى قوم ، أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم ، فإنه في عصابة من المونين ، الرجل منهم خير من ألف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه أبدا ، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به وأنتم قومي وعشيرتي وقد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة ، فإني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله

مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا إلا كان رفيقا لمحمد صلى الله عليه و آله في عليين .

ص: 201

قال : فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له «عبد الله بن بشر» فقال : أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوة ، ثم جعل يرتجز ويقول

قد علم القوم إذا تواكلوا

وأحجم الفرسان إذ تناقلوا

إني شجاع بطل مقاتل

كأنني ليث عرين باسل

ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال ،فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له «الأزرق» فضم إليه أربعمائة فارس ووجه نحو حي بني أسد ، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل إذا استقبلهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات وبينهم وبين عسكر الحسين اليسير ، فناوش القوم بعضهم بعضا واقتتلوا قتالا شديدا ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق وليك ما لك وما لنا ؟ انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك ، فأبى الأزرق أن يرجع ، وعلمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم ، ثم إنهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فخبره بذلك ، فقال عليه السلام : لا حول ولا قوة إلا بالله.

[ الحسين يحفر بئرا في كربلاء ]

قال : ورجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات ، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وأضر العطش بالحسين وأصحابه ، فأخذ الحسين عليه السلام فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء ، فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب ، فشرب الحسين عليه السلام وشرب الناس بأجمعهم وملئوا أسقيتهم ، ثم غارت العين فلم ير لها أثر .

ص: 202

وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيق عليهم ولا تدعهم يذوقوا الماء ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان ، فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.

[ العباس يستقي الماء ]

فلما اشتد العطش بالحسين دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا وعشرين راكبا وبعث معه عشرين قربة ، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات ، فقال عمروبن الحجاج : من أنتم ؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له «هلال بن نافع البجلي» : ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء ، فقال عمرو : اشرب هنيئا ، فقال هلال : ويحك تأمرني أن أشرب والحسين بن علي ومن معه يموتون عطشا ؟ فقال عمرو : صدقت ولكن أمرنا بأمر لا بد أن ننتهي إليه ، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بالناس ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملئون حتى ملئوها ، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ، ثم رجع القوم إلى معسكرهم ، فشرب الحسين ومن كان معه ، ولذلك سمي العباس عليه السلام السقاء.

[ لقاء الحسين وعمر بن سعد ]

ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله : إني أريد أن أكلمك فألقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، فخرج إليه ابن سعد في عشرين ، وخرج إليه الحسين في مثل ذلك ، فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ، وأمر عمر بن سعد وأصحابه فتنحوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له .

ص: 203

فقال له الحسين عليه السلام : وليك يا ابن سعد أ ما تتقي الله الذي إليه معادك ؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت ؟ ذر هواء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله - تعالى - ، فقال عمر بن سعد : أخاف أن يهدم داري! فقال الحسين عليه السلام : أنا أبنيها لك ، فقال :أخاف أن توذ ضيعتي! فقال الحسين عليه السلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز ، فقال : لي عيال وأخاف عليهم! ثم سكت ولم يجبه إلى شيء ، فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول : ما لك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك ، فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا ، فقال ابن سعد : في الشعير كفاية عن البر ، مستهزئا بذلك القول.

[ شمر يحرّض على الحسين ]

رجعنا إلى سياقة حديث المفيد قال : وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد : أن حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان ، فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ومنعوهم أن يسقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام.

ونادى عبد الله بن حصين الأزدي وكان عداده في بجيلة قال بأعلى صوته : يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء ، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا .

قال حميد بن مسلم : والله لعدته في مرضه بعد ذلك ، فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويصيح العطش العطش ، ثم يعود ويشرب حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه.

ولما رأى الحسين عليه السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد : أنني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر إلى

ص: 204

مكانه ، وكتب إلى عبيد الله بن زياد : أما بعد؛ فإن الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة ، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أوأن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أوأن يأتي أمير المونين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضى وللأمة صلاح .

فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام إليه شمربن ذي الجوشن فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وأتى جنبك ، والله لئن رحل بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة ، وإن عفوت كان ذلك لك .

فقال ابن زياد : نعم ما رأيت ، الرأي رأيك ، اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما ، وإن هم أبوا فليقاتلهم ، فإن فعل فاسمع له وأطع ، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش ، فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.

وكتب إلى عمر بن سعد : لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلام ة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شفيعا ، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عات ظلوم ، ولست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلته هذا به ، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام .

ص: 205

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد ، فلما قدم عليه وقرأه قال له عمر : ما لك وليك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي ، والله إني لأظنك نهيته عما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح ، لا يستسلم والله حسين ، إن نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع ؟ أ تمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر ؟ قال : لا ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولى ذلك ، فدونك فكن أنت على الرجالة.

[ ليلة العاشر من المحرم ]

ونهض عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عشية الخميس لتسع مضين من المحرم ، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين وقال : أين بنو أختنا ؟ فخرج إليه جعفر والعباس وعبد الله وعثمان بنو علي عليه السلام ، فقالوا : ما تريد ؟ فقال : أنتم يا بني أختي آمنون ، فقال له الفئة : لعنك الله ولعن أمانك أتوننا وابن رسول الله لا أمان له ؟.

ثم نادى عمر : يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري ، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر ، والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتبئ بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها وقالت : يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ، فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال : إني رأيت رسول الله الساعة في المنام وهو يقول لي : إنك تروح إلينا ، فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين : ليس لك الويل يا أخته اسكتي رحمك الله .

وفي رواية السيد : قال : يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب(1) .

ص: 206


1- وفي بعض الروايات : غدا .

قال : فلطمت زينب عليهاالسلام على وجهها وصاحت ، فقال لها الحسين عليه السلام : مهلا لا تشمتي القوم بنا.

قال المفيد : فقال له العباس بن علي عليه السلام : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثم قال : اركب أنت يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم ؟ وما بدا لكم ؟ وتسألهم عما جاء بهم ، فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم ؟ وما تريدون ؟ قالوا : قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أونناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا فقالوا : القه وأعلمه ثم القنا بمايقول لك . فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين.

فجاء العباس إلى الحسين عليه السلام وأخبره بما قال القوم ، فقال : ارجع إليهم فإن استطعت أن تورهم إلى غد وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار .

فمضى العباس إلى القوم ، ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول : إنا قد أجلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى عبيد الله بن زياد ، وإن

أبيتم فلسنا بتاركيكم ، فانصرف وجمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء .

قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه : أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلمتنا القرآن ، وفقهتنا

في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين .

أما بعد : فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا ، ألا وإني لأظن يوما لنا من هواء ، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم حرج مني ولا ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا .

ص: 207

فقال له إخوته وأبناو وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبدا ، بدأهم بهذا القول العباس بن علي ، وأتبعته الجماعة

عليه فتكلموا بمثله ونحوه .

فقال الحسين عليه السلام : يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم ، فقالوا : سبحان الله ، ما يقول الناس نقول إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ؟! لا والله ما نفعل ذلك ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلي عنك ؟ وبما نعتذر إلى الله فيأداء حقك ؟ لا والله حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك ، أما والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ؟ ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا .

وقام زهير بن القين فقال : والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هواء الفتيان من أهل بيتك .

وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد ، فجزاهم الحسين خيرا وانصرف إلى مضربه .

وقال السيد : وقيل لمحمد بن بشر الحضرمي في تلك الحال : قد أسر ابنك بثغر الري ، فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما أحب أن يور وأنا أبقى بعده ، فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ،

ص: 208

فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك ، قال : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال : وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلا .

2 - فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثم دخل ليطلي .

[ أصحاب الحسين يستبشرون بما يصريون إليه ]

فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير أ تضحك ؟! ما هذه ساعة باطل . فقال برير : لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فو الله ما هو إلا أن نلقى هواء القوم بأسيافنا نعاجلهم ساعة ثم نعانق الحور العين.

[ الحسين ينعى نفسه ]

رجعنا إلى رواية المفيد : قال علي بن الحسين عليه السلام إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خباء له وعنده فلان مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل

وكلّ حي سالك سبيلي

ص: 209

فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعلمت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فلمّا سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرق والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وهي حاسرة حتى انتهت إليه وقالت : وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي .

فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال لها : يا أخته لا يذهبن حلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع ، وقال : لو ترك القطا ليلا لنام .

فقالت : يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك إغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم لطمت وجهها ، وهوت إلى جيبها وشقّته وخرّت مغشيّة عليها .

فقام إليها الحسين عليه السلام فصبّ على وجهها الماء ، وقال لها : يا أختاه إتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، وإعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ

شيء هالك إلاّ وجه الله - تعالى - الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده ، وأبي خير منّي ، وأمي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة ، فعزاها بهذا ونحوه . وقال لها : يا أختاه إنّي أقسمت عليك فأبري قسمي ، لا تشقي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت .

ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ، ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرن بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت فيقبلوا القوم في وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم . ورجع عليه السلام إلى مكانه فقام ليلته كلّها يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرّع ، وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون .

ص: 210

[ رؤيا الحسين ليلة العاشر ]

وقال في المناقب : فلما كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ثم استيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة ؟ فقالوا : وما الذي رأيت يا ابن رسول الله ؟ فقال : رأيت كأن كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّهاعليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هواء القوم ، ثم إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله صلى الله عليه و آله ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بنيأنت شهيد آل محمد وقد إستبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجّل ولا تور ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شكّ في ذلك .

[ بين الضحاك وبرير ]

وقال المفيد : قال الضحاك بن عبد الله : ومرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وإن حسينا عليه السلام ليقرأ « وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُومِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له « عبد الله ابن سمير » وكان مضحاكا ، وكان شجاعا بطلا فارسا شريفا!!! فاتكا فقال : نحن ورب الطيبون ميزنا بكم . فقال له برير بن الخضير : يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين . قال له : من أنت ويلك . قال : أنا برير بن الخضير فتسابا .

ص: 211

[ يوم العاشر ]

[ إصطفاف الجيشين ]

وأصبح الحسين فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه إثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا .

وقال محمد بن أبي طالب : وفي رواية أخرى إثنان وثمانون راجلا .

وقال السيد : روي عن الباقر عليه السلام : أنّهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل ، وكذا قال ابن نما .

وقال المفيد : فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم ، وهو يوم الجمعة ، وقيل : يوم السبت ، فعبأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ، وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي وأعطى الراية دريدا مولاه .

وقال محمد بن أبي طالب : وكانوا نيفا على اثنين وعشرين ألفا .

وفي رواية عن الصادق عليه السلام : ثلاثين ألفا .

[ دعاء الحسين ]

قال المفيد : وروي عن علي بن الحسين أنه قال : لما أصبحت الخيل تقبل على الحسين عليه السلام رفع يديه وقال : اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدة

ص: 212

وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف عنه الفود وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولي كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة .

قال : فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه ، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين أتعجلت بالنار قبل يوم القيامة .

فقال الحسين عليه السلام :من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن ؟ فقالوا : نعم . فقال له : يا ابن راعية المعزى أنت « أَوْلى بِها صِلِيّا » .

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك ، فقال له : دعني حتى أرميه فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه ، فقال له الحسين عليه السلام : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال .

[ الحسين وأصحابه يعظون القوم ]

وقال محمد بن أبي طالب : وركب أصحاب عمر بن سعد فقرب إلى الحسين فرسه فاستوى عليه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام : كلم القوم .

[ برير يكلم القوم ]

فتقدم برير فقال : يا قوم اتقوا الله فإنّ ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم ، هواء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟

فقالوا : نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم .

ص: 213

فقال لهم برير : أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ، ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها ؟ يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات ؟ بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ، ما لكم لا ؟! سقاكم الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم .

فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ما تقول ؟

فقال برير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة ، اللهم إني أبرأ إليك من فعال هواء القوم ، اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان ، فجعل القوم يرمونه بالسهام ، فرجع برير إلى ورائه.

[ الحسين عليه السلام يكلم القوم ويعظهم ]

وتقدم الحسين عليه السلام حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته ، والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته ، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه و آله ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون « إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » هواء قوم « كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ ».

فقال عمر : ويلكم كلّموه فإنه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر ، فكلّموه .

فتقدم شمر لعنه الله فقال : يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم ؟

ص: 214

فقال : أقول اتقوا الله ربّكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتيفإني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ، ولعله قد بلغكم قول نبيكم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة...إلى آخر ما سيأتي برواية المفيد.

وقال المفيد : ودعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته : يا أهل العراق - وجلهم يسمعون - فقال : أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى أعذر عليكم ، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم « ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ ».

ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله وصلى على النبي وعلى ملائكته وعلى أنبيائه ، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ منه في منطق.

ثم قال : أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوهم ، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول مون مصدق لرسول الله صلى الله عليه و آله بما جاء به من عند ربّه ؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي ؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلى الله عليه و آله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني بما أقول - وهو الحق - والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، اسألوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه و آلهلي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟!

فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ؟!

فقال له حبيب بن مظاهر : والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

ص: 215

ثم قال لهم الحسين عليه السلام : فإن كنتم في شكّ من هذا أفتشكون أني ابن بنت نبيكم ؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ؟! أو مال لكم استهلكته ؟! أو بقصاص من جراحة ؟!

فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعي ، يا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إلي : أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجند ؟

فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمك ، فإنهم لن يروك إلا ما تحب .

فقال لهم الحسين عليه السلام : لا - والله - لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لكم إقرار العبيد .

ثم نادى : يا عباد الله « إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وأعوذ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُومِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ » .

ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان بعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه.

وفي المناقب : لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليه السلام ورتبهم مراتبهم وأقام الرايات في مواضعها وعبأ أصحاب الميمنة والميسرة فقال لأصحاب القلب : اثبتوا.

وأحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج عليه السلام حتى أتى الناس فاستنصتهم ، فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم : ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي فتسمعوا قولي وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ، ويلكم ألا تنصتون ؟ ألا تسمعون ؟

فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا : أنصتوا له.

فقام الحسين عليه السلام ثم قال : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا ، أفحين استصرختموناولهين متحيرين فأصرختكم موين مستعدين سللتم علينا سيفا في

ص: 216

رقابنا وحششتم علينا نار الفتن خبأها عدوكم وعدونا ، فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم إلا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث كان منا لا رأي تفيل لنا فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف لم يشهر والجأش طامن والرأي لم يستحصف ، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب وتداعيتم كتداعي الفراش ، فقبحا لكم ، فإنما أنتم من طواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئ السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيري عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب وموي المونين وصراخ أئمة المستهزءين « الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ».

وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون وإيانا تخاذلون ، أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه عروقكم وتوارثته أصولكم وفروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم أخبث شيء سنخا للناصب وأكلة للغاصب ، ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون « الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » فأنتم والله هم .

ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القلة والذلة ، وهيهات ما آخذ الدنية ، أبى الله ذلك ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تور مصارع اللئام على مصارع الكرام ، ألا قد أعذرت وأنذرت ، ألا إني زاحف بهذه الأسرة على قلة العتاد وخذلة الأصحاب ، ثم أنشأ يقول :

فإن نهزم فهزامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

ألا ثم لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم الرحى ، عهد عهده إلي أبي عن جدي « فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ جميعا فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي ورَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » ، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط

ص: 217

عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربنا « عَلَيْكَ

تَوَكَّلْنا وإِلَيْكَ أَنَبْنا وإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » .

ثم قال : أين عمر بن سعد ؟ ادعوا لي عمر ، فدعي له وكان كارها لا يحب أن يأتيه ، فقال : يا عمر أنت تقتلني تزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلاد الري وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك أبدا ، عهدا معهودا ، فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح

بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم.

فاغتاظ عمر من كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادى بأصحابه : ما تنتظرون به ، احملوا بأجمعكم إنّما هي أكلة واحدة ، ثم إن الحسين دعا بفرس رسول الله « المرتجز » فركبه وعبأ أصحابه.

[ توبة الحر وإلتحاقه بركب الحسين ]

ثم قال المفيد رحمه الله : فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد : أي عمر أمقاتل أنت هذا الرجل ؟!

قال : إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي .

قال : أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى ؟

قال عمر : أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى .

فأقبل الحرّ حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له « قرة بن قيس » فقال له : يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ؟ قال : لا . قال : فما تريد أن تسقيه ؟ قال قرة : فظننت والله أنه يريد أن يتنحى ولا يشهد القتال فكره أن أراه حين

يصنع ذلك ، فقلت له : لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه ، فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه ، فو الله لو أنه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.

ص: 218

فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له مهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فلم يجبه ، فأخذه مثل الأفكل - وهي الرعدة - فقال له المهاجر : إن أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة ؟ لما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ؟!

فقال له الحر : إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فو الله لا أختار على الجنة

شيئا ولو قطعت وأحرقت.

ثم ضرب فرسه فلحق الحسين عليه السلام فقال له : جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان ، وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما ركبت مثل الذي ركبت ، وأنا تائب إلى الله مما صنعت فترى لي من ذلك توبة ؟

فقال له الحسين عليه السلام : نعم يتوب الله عليك فانزل .

فقال : أنا لك فارسا خير مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري .

فقال له الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.

فاستقدم أمام الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ، أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكلكله وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجه إلى بلاد الله العريضة ، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم ، وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ.

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السلام .

ص: 219

[ بدء القتال ]

ونادى عمر بن سعد : يا دريد أدن رايتك فأدناها ، ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى وقال : اشهدوا أني أول من رمى الناس.

وقال محمد بن أبي طالب : فرمى أصحابه كلّهم ، فما بقي من أصحاب الحسين عليه السلام إلا أصابه من سهامهم .

قيل : فلما رموهم هذه الرمية قلّ أصحاب الحسين عليه السلام ، وقتل في هذه الحملة خمسون رجلا .

وقال السيد : فقال عليه السلام لأصحابه : قوموا - رحمكم الله - إلى الموت الذي لا بد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم ، فاقتتلوا ساعة من النهار حمله وحمله حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة .

قال : فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده على لحيته وجعل يقول : اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم ، أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله - تعالى - وأنا مخضب بدمي.

وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : سمعت أبي عليه السلام يقول : لما التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب أنزل النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ، ثم خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله - تعالى - فاختار لقاء الله - تعالى - .

قال الراوي : ثم صاح عليه السلام : أما من مغيث يغيثنا لوجه الله ؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟

[ بين يسار مولى زياد وعبد اللّه بن عمير ]

وقال المفيد رحمه الله : وتبارزوا فبرز يسار مولى زياد بن أبي سفيان وبرز إليه

ص: 220

عبد الله بن عمير ، فقال له يسار : من أنت ؟ فانتسب له ، فقال : لست أعرفك حتى يخرج إليّ زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر . فقال عبد الله بن عمير : يا ابن الفاعلة

وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ، ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد ، وإنه لمشغول بضربة إذ شدّ عليه سالم مولى عبيد الله بن زياد ، فصاحوا به قد رهقك العبد ، فلم يشعر حتى غشيه ، فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ، ثم شدّ عليه فضربه حتى قتله ، وأقبل وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

أنا امروذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النكب

[ حملة على ميمنة الحسين ]

وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة ، فلما دنا من الحسين عليه السلام جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم ، فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل ، فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين .

[ ابن خوزة إلى النار ]

وجاء رجل من بني تميم يقال له « عبد الله بن خوزة » فأقدم على عسكر الحسين عليه السلام فناداه القوم : إلى أين ثكلتك أمك . فقال : إني أقدم على ربّ رحيم وشفيع مطاع . فقال الحسين عليه السلام لأصحابه : من هذا ؟ فقيل له : هذا ابن خوزة التميمي . فقال : اللهم جره إلى النار ، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى ، وشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فأطارت ، وعدا به فرسه فضرب برأسه كلّ حجر وكلّ شجر حتى مات وعجل الله بروحه إلى النار ، ونشب القتال فقتل من الجميع جماعة.

ص: 221

[ مقتل الحر ]

وقال محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب وابن الأثير في الكامل ورواياتهم متقاربة : أنّ الحر أتى الحسين عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله كنت أول خارج عليك فائذن لي لأكون أول قتيل بين يديك وأول من يصافح جدك غدا وإنما قال الحر لأكون أول قتيل بين يديك . فكان أول من تقدم إلى براز القوم وجعل ينشد ويقول :

إني أنا الحر ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بأرض الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

وروي أن الحر لما لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم يقال له « يزيد بن سفيان » : أما والله لو لحقته لأتبعته السنان ، فبينما هو يقاتل وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وإن الدماء لتسيل إذ قال الحصين : يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه ، قال : نعم ، فخرج إليه ، فما لبث الحر أن قتله وقتل أربعين فارسا وراجلا ، فلم يزل يقاتل حتى عرقب فرسه وبقي راجلا وهو يقول :

إني أنا الحر ونجل الحر

أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالجبان عند الكر

لكنني الوقاف عند الفر

ثم لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله ، فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق ، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول : أنت الحر كما سمتك أمك ، وأنت الحر في الدنيا ، وأنت الحر في الآخرة .

ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام ، وقيل : بل رثاه علي بن الحسين عليه السلام .

لنعم الحر حر بني رياح

صبور عند مختلف الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصياح

فيا ربي أضفه في جنان

وزوجه مع الحور الملاح

ص: 222

وروي : أن الحر كان يقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

أضربهم بالسيف ضربا معضلا

لا ناقل عنهم ولا معللا

لا عاجز عنهم ولا مبدلا

أحمي الحسين الماجد المولا

قال المفيد رحمه اللهفاشترك في قتله أيوب بن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة (انتهى كلامه) .

وقال ابن شهرآشوب : قتل نيفا وأربعين رجلا منهم .

وقال ابن نما : ورويت بإسنادي أنه قال للحسين عليه السلام : لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي : أبشر يا حر بخير ، فالتفت فلم أر أحدا فقلت : والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين ، وما أحدث نفسي باتباعك . فقال عليه السلام : لقد أصبت أجرا وخيرا.

ثم قالوا : وكان كلّ من أراد الخروج ودع الحسين عليه السلام وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ عليه السلام « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » .

[ برير بن خضير ]

ثم برز برير بن خضير الهمداني بعد الحر ، وكان من عباد الله الصالحين فبرز وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

ليث يروع الأسد عند الزئر

يعرف فينا الخير أهل الخير

أضربكم ولا أرى من ضير

كذاك فعل الخير من برير

وجعل يحمل على القوم وهو يقول : اقتربوا مني يا قتلة المونين ، اقتربوا مني

ص: 223

يا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذريته الباقين ، وكان برير أقرأ أهل زمانه ، فلم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا ، فبرز إليه رجل يقال له « يزيد بن معقل » فقال لبرير : أشهد أنك من المضلين ، فقال له برير : هلم فلندع الله أن يلعن الكاذب منا وأن يقتل المحق منا المبطل ، فتصاولا ، فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت إلى دماغه ، فسقط قتيلا ، فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريرا رحمه الله ، وكان يقال لقاتله «بحير بن أوس الضبي» فجال في ميدان الحرب وجعل يقول :

سلي تخبري عني وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم آت أقصى ما كرهت ولم يحل

غداة الوغى والروع ما أنا صانع

معي مزني لم تخنه كعوبه

وأبيض مشحوذ الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

كديني وإني بعد ذاك لقانع

وقد صبروا للطعن والضرب حسرا

وقد جالدوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد الله إذ ما لقيته

بأني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم جلت لهمة

غداة الوغى لما دعا من يقارع

ثم ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد الله الصالحين وجاءه ابن عم له وقال : ويحك يا بحير قتلت برير بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غدا ؟! فندم الشقي وأنشأ يقول :

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عند ابن جائر

لقد كان ذا عارا علي وسبة

يعير بها الأبناء عند المعاشر

فيا ليت أني كنت في الرحم حيضة

ويوم حسين كنت ضمن المقابر

فيا سوأتا ما ذا أقول لخالقي

وما حجتي يوم الحساب القماطر

ص: 224

[ وهب بن عبد اللّه بن حباب الكلبي ]

ثم برز من بعده وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي وقد كانت معه أمه يومئذ فقالت : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله ، فقال : أفعل يا أماه ولا أقصر ، فبرز وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الكلب

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثأري بعد ثأر صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمه وامرأته فوقف عليهما فقال : يا أماه أرضيت ؟ فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام فقالت امرأته : بالله لا تفجعني في نفسك . فقالت : أمه يا بني لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين

يدي ابن رسول الله فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي الله ،فرجع قائلا :

إني زعيم لك أم وهب

بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام مون بالرب

حتى يذيق القوم مر الحرب

إني امروذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا واثني عشر راجلا ، ثم قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله ، فأقبل كي يردها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود أو أموت معك ، فقال الحسين : جزيتم من أهل بيتي خيرا ، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت ، وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه ، فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها ، وهي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين.

ص: 225

ورأيت حديثا : أن وهب هذا كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يدي الحسين فقتل في المبارزة أربعة وعشرين راجلا واثني عشر فارسا ، ثم أخذ أسيرا فأتي به عمر بن سعد ، فقال : ما أشد صولتك ، ثم أمر فضربت عنقه ورمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام فأخذت أمه الرأس فقبله ثم رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته ، ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين ، فقال لها الحسين : ارجعي يا أم وهب أنت وابنك مع رسول الله ، فإن الجهاد مرفوع عن النساء ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي . فقال لها الحسين عليه السلام : لا يقطع الله رجاك يا أُم وهب .

[ عمرو بن خالد الأزدي ]

ثم برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

إليك يا نفس إلى الرحمن

فأبشري بالروح والريحان

اليوم تجزين على الإحسان

قد كان منك غابر الزمان

ما خط في اللوح لدى الديان

لا تجرعي فكل حي فان

والصبر أحظى لك بالأماني

يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله .

وفي المناقب : ثم تقدم ابنه خالد بن عمرو وهو يرتجز ويقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كي ما تكونوا في رضي الرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان

وذي العلى والطول والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان

في قصر رب حسن البنيان

ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه .

ص: 226

[ سعد بن حنظلة التميمي ]

وقال محمد بن أبي طالب : ثم برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنة

صبرا عليها لدخول الجنة

وحور عين ناعمات هنه

لمن يريد الفوز لا بالظنة

يا نفس للراحة فاجهدنه

وفي طلاب الخير فارغبنه

ثم حمل وقاتل قتالا شديدا ثم قتل رضوان الله عليه .

[ عمير بن عبد اللّه المذحجي ]

وخرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي وهو يرتجز ويقول :

قد علمت سعد وحي مذحج

أني لدى الهيجاء ليث محرج

أعلو بسيفي هامة المدجج

وأترك القرن لدى التعرج

فريسة الضبع الأزل الأعرج

ولم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي .

[ مسلم بن عوسجة ]

ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة رحمة الله وهو يرتجز :

إن تسألوا عني فإني ذو لبد

من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد

ثم قاتل قتالا شديدا .

ص: 227

[ نافع بن هلال البجلي ]

وقال المفيد وصاحب المناقب بعد ذلك : وكان نافع بن هلال البجلي يقاتل قتالا شديدا ويرتجز ويقول :

أنا ابن هلال البجلي

أنا على دين علي

ودينه دين النبي

فبرز إليه رجل من بني قطيعة - وقال المفيد - هو مزاحم بن حريث فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، فحمل عليه نافع فقتله .

فصاح عمرو بن الحجاج بالناس : يا حمقى أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين ، لا يبرز منكم إليهم أحد إلا قتلوه على قتلتهم ، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم .

فقال له عمر بن سعد لعنه الله : الرأي ما رأيت ، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ، وقال : لو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم مبارزة.

ودنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام . فقال الحسين عليه السلام : يا ابن الحجاج أ علي تحرض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتم عليه ، والله لتعلمن أينا المارق من الدين ومن هو أولى بصلى النار.

[ مصرع مسلم بن عوسجة ]

ثم حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات فاضطربواساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع .

وقال محمد بن أبي طالب : فسقط إلى الأرض وبه رمق فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين عليه السلام : رحمك الله يا مسلم « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ

ص: 228

وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » ، ثم دنا منه حبيب فقال : يعز علي مصرعك

يا مسلم أبشر بالجنة ، فقال له قولا ضعيفا : بشرك الله بخير ، فقال له حبيب : لو لا

أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك ، فقال مسلم : فإني أوصيك بهذا ، وأشار إلى الحسين عليه السلام ، فقاتل دونه حتى تموت ، فقال حبيب : لأنعمتك عينا ، ثم مات رضوان الله عليه .

قال : وصاحت جارية له : يا سيداه يا ابن عوسجتاه ، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون عزكم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ، أما والذي أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين.

[ حملة في الميسرة ]

ثم حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة ، فثبتوا له وقاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالا شديدا ، وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا ، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلاّ كشفوهم ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة ، فاقتبلوا حتى دنوا من الحسين وأصحابه فرشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وقاتلوهم حتى انتصف النهار .

[ إحراق خيام الحسين ونهبها في حياته ]

واشتد القتال ولم يقدروا أن يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون ، فيشدون على الرجل يعرض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه .

ص: 229

فقال ابن سعد : أحرقوها بالنار فأضرموا فيها ، فقال الحسين عليه السلام : دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم ، فكان كما قال عليه السلام وقيل : أتاه شبث بن ربعي وقال : أفزعنا النساء ثكلتك أمك ، فاستحيا!! وأخذوا لا يقاتلونهم إلا من وجه واحد ، وشدّ أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا عذرة الضبابي من أصحاب شمر ، فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.

[ إقامة صلاة الخوف ظهر عاشوراء ]

فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام :يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء ، هواء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، نعم هذا أول وقتها ، ثم قال : سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ، فقال الحصين بن نمير : إنها لا تقبل ، فقال حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا ختار ، فحمل عليه حصين بن نمير وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين ، فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه ، فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله : تقدما أمامي حتى أصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف .

[ مقتل سعيد بن عبد اللّه الحنفي ]

وروي : أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا وشمالا قام بين يديه فما زال يرمي به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ

ص: 230

نبيك السلام عني وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك، ثم مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

وقال ابن نما : وقيل : صلى الحسين عليه السلام وأصحابه فرادى بالإيماء .

[ عبد الرحمن بن عبد الله اليزني ]

ثم قالوا : ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المومن

ثم حمل فقاتل حتى قتل .

[ عمرو بن قرظة الأنصاري ]

وقال السيد : فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين سهم إلا اتقاه بيده ، ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتى أثخن بالجراح ، فالتفت إلى الحسين وقال : يا ابن رسول الله أوفيت ؟ قال : نعم أنت أمامي في الجنة فأقرئ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر ، فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .

وفي المناقب : أنه كان يقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أن سوف أحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري

دون حسين مهجتي وداري

ص: 231

[ جون مولى أبي ذر الغفاري ]

وقال السيد : ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري وكان عبدا أسود ، فقال له الحسين : أنت في إذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا ، فقال : يا ابن رسول الله أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .

وقال محمد بن أبي طالب : ثم برز للقتال وهو ينشد ويقول :

كيف يرى الكفار ضرب الأسود

بالسيف ضربا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

أرجو به الجنة يوم المورد

ثم قاتل حتى قتل ، فوقف عليه الحسين عليه السلام وقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد.

وروي عن الباقر عليه السلام عن علي بن الحسين عليه السلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه .

وقال صاحب المناقب : كان رجزه هكذا :

كيف يرى الفجار ضرب الأسود

بالمشرفي القاطع المهند

بالسيف صلتا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

أرجو بذلك الفوز عند المورد

من الإله الأحد الموحد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

ص: 232

[ عمرو بن خالد الصيداوي ]

وقال السيد : ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله قد هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا فقال له الحسين : تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل.

[ حنظلة بن سعد الشبامي ]

وجاء حنظلة بن سعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي « يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ويا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ » يا قوم لا تقتلوا حسينا « فَيُسْحِتَكُمْ الله بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى » .

وفي المناقب : فقال له الحسين : يا ابن سعد إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين. قال: صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا؟ فقال له : رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في جنته ، قال : آمين آمين ، ثم استقدم فقاتل قتالا شديدا ، فحملوا عليه فقتلوه رضوان الله عليه .

[ سويد بن عمرو بن أبي المطاع ]

وقال السيد : فتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع وكان شريفا كثير الصلاة ،

ص: 233

فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل.

[ يحيى بن سليم المازني ]

وقال صاحب المناقب : فخرج يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول :

لأضربن القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا فيها ولا مولولا

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

لكنني كالليث أحمي أشبلا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ قرة بن أبي قرة الغفاري ]

ثم خرج من بعده قرة بن أبي قرة الغفاري وهو يرتجز ويقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأني الليث لدى الغيار

لأضربن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتار

ضربا وجيعا عن بني الأخيار

رهط النبي السادة الأبرار

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ مالك بن أنس المالكي ]

وخرج من بعده مالك بن أنس المالكي وهو يرتجز ويقول :

ص: 234

قد علمت مالكها والدودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأن قومي آفة الأقران

لدى الوغى وسادة الفرسان

مباشرو الموت بطعن آن

لسنا نرى العجز عن الطعان

آل علي شيعة الرحمن

آل زياد شيعة الشيطان

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ أنس بن حارث الكاهلي ]

وقال ابن نما : اسمه أنس بن حارث الكاهلي .

وفي المناقب : ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي هو يقول :

أنا ابن جعف وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطاع

وأسمر في رأسه لماع

يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين الضرب والسطاع

يرجى بذاك الفوز والدفاع

عن حر نار حين لا انتفاع

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ الحجاج بن مسروق ]

وقالوا : ثم خرج الحجاج بن مسروق وهو مون الحسين عليه السلام ويقول :

أقدم حسين هاديا مهديا

اليوم تلقى جدك النبيا

ثم أباك ذا الندا عليا

ذاك الذي نعرفه وصيا

والحسن الخير الرضي الوليا

وذا الجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.

ص: 235

[ زهير بن القين ]

ثم خرج من بعده زهير بن القين رضي الله عنه وهو يرتجز ويقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

إن حسينا أحد السبطين

من عترة البر التقي الزين

ذاك رسول الله غير المين

أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسمت قسمين

وقال محمد بن أبي طالب : فقاتل حتى قتل مائة وعشرين رجلا ، فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير : لا يبعدك الله يا زهير ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.

[ سعيد بن عبد الله الحنفي ]

ثم خرج سعيد بن عبد الله الحنفي وهو يرتجز :

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الحبر عليا ذا الندا

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمك القوم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا

وذا الجناحين تبوأ مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

وقال في المناقب : وقيل : بل القائل لهذه الأبيات هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، فلم يزل يقاتل حتى قتل.

[ حبيب بن مظاهر الأسدي ]

ثم برز حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول :

ص: 236

أنا حبيب وأبي مظهر

فارس هيجاء وحرب تسعر

وأنتم عند العديد أكثر

ونحن أعلى حجة وأظهر

وأنتم عند الوفاء أغدر

ونحن أوفى منكم وأصبر

حقا وأنمى منكم وأعذر

وقاتل قتالا شديدا ، وقال أيضا :

أقسم لو كنا لكم أعدادا

أو شطركم وليتم الأكتادا

يا شر قوم حسبا وآدا

وشرهم قد علموا أندادا

ثم حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله على رأسه بالسيف فوقع ونزل التميمي فاجتز رأسه ، فهد مقتله الحسين عليه السلام فقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي .

وقيل : بل قتله رجل يقال له « بديل بن صريم » وأخذ رأسه فعلقه في عنق فرسه ، فلما دخل مكة رآه ابن حبيب وهو غلام غير مراهق ، فوثب إليه فقتله وأخذ رأسه .

وقال محمد بن أبي طالب : فقتل اثنين وستين رجلا ، فقتله الحصين بن نمير وعلق رأسه في عنق فرسه .

[ هلال بن نافع البجلي ]

ثم برز هلال بن نافع البجلي وهو يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأن أرضها رشاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ، ثم ضرب يده إلى سيفه فاستله وجعل يقول :

ص: 237

أنا الغلام اليمني البجلي

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

فذاك رأيي وألاقي عملي

فقتل ثلاثة عشر رجلا فكسروا عضديه وأخذ أسيرا ، فقام إليه شمر فضرب عنقه.

[ شاب قتل أبوه ]

ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة وكانت أمه معه فقالت له أمه : اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فخرج ، فقال الحسين : هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فود البشير النذير

علي وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى

له غرة مثل بدر منير

[ شهادة إمرأة عجوز ]

وقاتل حتى قتل وجز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فحملت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني ، ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيدي ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها .

[ جنادة بن الحارث الأنصاري ]

وفي المناقب : ثم خرج جنادة بن الحارث الأنصاري وهو يقول :

ص: 238

أنا جناد وأنا ابن الحارث

لست بخوار ولا بناكث

عن بيعتي حتى يرثني وارث

اليوم شلوي في الصعيد ماكث

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ عمرو بن جنادة ]

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو يقول :

أضق الخناق من ابن هند وارمه

من عامه بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمد

فاليوم تخضب من دم الفجار

واليوم تخضب من دماء أراذل

رفضوا القرآن لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا

بالمرهفات وبالقنا الخطار

والله ربي لا أزال مضاربا

في الفاسقين بمرهف بتار

هذا على الأزدي حق واجب

في كلّ يوم تعانق وكرار

[ عبد الرحمن بن عروة ]

ثم خرج عبد الرحمن بن عروة فقال :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضر بن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتار

يا قوم ذودوا عن بني الأخيار

بالمشرفي والقنا الخطار

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله .

ص: 239

[ عابس بن أبي شبيب الشاكري وشوذب مولى شاكر ]

وقال محمد بن أبي طالب : وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري معه شوذب مولى شاكر وقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ؟ أقاتل حتى أقتل ، قال : ذاك الظن بك ، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب.

فتقدم فسلم على الحسين عليه السلام وقال : يا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك ، ثم مضى بالسيف نحوهم.

قال ربيع بن تميم : فلما رأيته مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي ، وكان أشجع الناس ، فقلت : أيها الناس هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم ، فأخذ ينادي ألا رجل ألا رجل.

فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كلّ جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثم شد على الناس ، فو الله لقد رأيت يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم إنهم تعطفوا عليه من كلّ جانب ، فقتل ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول : أنا قتلته ، والآخر يقول كذلك ، فقال عمر بن سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القوم.

[ عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان ]

ثم جاءه عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان فقالا : يا أبا عبد الله ، السلام عليك إنه جئنا لنقتل بين يديك وندفع عنك ، فقال : مرحبا بكما ، ادنوا مني ، فدنوا منه وهما

ص: 240

يبكيان ، فقال : يا ابني أخي ما يبكيكما ؟ فو الله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين ، فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك ، فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما ، أحسن جزاء المتقين ، ثم استقدما وقالا : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ،

فقاتلا حتى قتلا .

[ الغلام تركي ]

ثم خرج غلام تركي كان للحسين عليه السلام وكان قارئا للقرآن فجعل يقاتل ويرتجز ويقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجو من سهمي ونبلي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشق قلب الحاسد المبجل

فقتل جماعة ثم سقط صريعا ، فجاءه الحسين عليه السلام فبكى ووضع خده على خده ، ففتح عينه فرأى الحسين عليه السلام ، فتبسم ثم صار إلى ربّه رضي الله عنه.

[ يزيد بن زياد بن الشعثاء ]

ثم رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلّما رمى قال الحسين عليه السلام : اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة ، فحملوا عليه فقتلوه .

وقال ابن نما : حدث مهران مولى بني كاهل قال : شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام

فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا شديدا لا يحمل على قوم إلا كشفهم ثم يرجع إلى الحسين عليه السلام ويرتجز ويقول :

أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا

في جنة الفردوس تعلو صعدا

ص: 241

[ أبو عمرو النهشلي ]

فقلت : من هذا ؟ فقالوا : أبو عمرو النهشلي وقيل : الخثعمي ، فاعترضه عامر بن نهشل ، أحد بني اللات من ثعلبة فقتله واجتز رأسه ، وكان أبو عمرو هذا متهجدا كثير الصلاة .

[ يزيد بن مهاجر ]

وخرج يزيد بن مهاجر ، فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب وصار مع الحسين عليه السلام وهو يقول :

أنا يزيد وأبي المهاجر

كأنني ليث بغيل خادر

يا رب إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

وكان يكنى أبا الشعشاء من بني بهدلة من كندة .

[ محمد بن الأشعث إلى النار ]

وجاء رجل فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنا ذا ، قال : أبشر بالنار تردهاالساعة ، قال : بل أبشر برب رحيم وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا محمد بن الأشعث ، قال : اللهم إن كان عبدك كاذبا فخذه إلى النار واجعله اليوم آية لأصحابه ، فما هو إلا أن ثنى عنان فرسه فرمى به وثبتت رجله في الركاب فضربه حتى قطعه ووقعت مذاكيره في الأرض ، فو الله لقد عجبت من سرعة دعائه .

[ شمر الكلب الأبقع ]

ثم جاء آخر فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنا ذا ، قال : أبشر بالنار ، قال : أبشر برب رحيم وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا شمر بن ذي الجوشن ،

ص: 242

قال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، قال رسول الله

صلى الله عليه و آله : رأيت كأن كلبا أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ، وقال الحسين : رأيت كأن كلابا تنهشني وكأن فيها كلبا أبقع كان أشدهم علي ، وهو أنت ، وكان أبرص.

ونقلت من الترمذي قيل للصادق عليه السلام : كم تتأخر الروا ؟ فذكر منام رسول الله صلى الله عليه و آله ، فكان التأويل بعد ستين سنة .

[ سيف ومالك الجابريان ]

وتقدم سيف بن أبي الحارث بن سريع ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان بطن من همدان يقال لهم « بنو جابر » أمام الحسين عليه السلام ثم التقيا فقالا : عليك السلام يا ابن رسول الله ، فقال : عليكما السلام ، ثم قاتلا حتى قتلا.

ثم قال محمد بن أبي طالب وغيره : وكان يأتي الحسين عليه السلام الرجل بعد الرجل فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه الحسين ويقول : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ولم يبق مع الحسين إلا أهل بيته.

وهكذا يكون المون يور دينه على دنياه وموته على حياته في سبيل الله ، وينصر الحق وإن قتل ، قال سبحانه : « ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » .

[ أهل البيت يتقدّمون إلى الشهادة ]

ولما وقف رسول الله صلى الله عليه و آلهعلى شهداء أحد وفيهم حمزة رضوان الله عليه وقال : أنا شهيد على هواء القوم زملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، فاللون لون الدم والريح ريح المسك.

ص: 243

ولما قتل أصحاب الحسين ولم يبق إلا أهل بيته وهم ولد علي وولد جعفر وولد عقيل وولد الحسن وولده عليه السلام اجتمعوا يودع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب .

[ عبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب ]

فأول من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب

وقال محمد بن أبي طالب : فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك.

وقال أبو الفرج : عبد الله بن مسلم ، أمه رقية بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، قتله عمرو بن صبيح فيما ذكرناه عن المدائني وعن حميد بن مسلم ، وذكر أن السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته وجبهته .

ومحمد بن مسلم بن عقيل أمه أم ولد ، قتله أبو جرهم الأزدي ولقيط بن أياس الجهني .

[ جعفر بن عقيل ]

وقال محمد بن أبي طالب وغيره : ثم خرج من بعده جعفر بن عقيل وهو يرتجز ويقول :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم وغالب

ص: 244

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الأطايب

من عترة البر التقي العاقب

فقتل خمسة عشر فارسا ، وقيل : قتل رجلين ، ثم قتله بشر بن سوط الهمداني .

وقال أبو الفرج : أمه أم الثغر بنت عامر العامري ، قتله عروة بن عبد الله الخثعمي.

[ عبد الرحمن بن عقيل ]

وقالوا : ثم خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل وهو يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة الأقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيد الشيب مع الشبان

فقتل سبعة عشر فارسا ، ثم قتله عثمان بن خالد الجهني.

وقال أبو الفرج : وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب أمه أم ولد ، وقتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني وبشر بن حوط القابضي.

[ محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الأحول ]

ثم قال : ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الأحول ، وأمه أم ولد ، قتله لقيط بن ياسر الجهني ، رماه بسهم .

[ جعفر بن محمد بن عقيل ]

وذكر محمد بن علي بن حمزة : أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل ، ووصف أنه قد سمع أيضا من يذكر أنه قد قتل يوم الحر.

ص: 245

وقال أبو الفرج : ما رأيت في كتب الأنساب لمحمد بن عقيل ابنا يسمى جعفرا ، وذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب : أن علي بن عقيل وأمه أم ولد ، قتل يومئذ .

[ محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ]

ثم قالوا : وخرج من بعده محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو يقول :

نشكو إلى الله من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس ، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي.

[ عون بن عبد الله بن جعفر ]

ثم خرج من بعده عون بن عبد الله بن جعفر وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

ثم قاتل حتى قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا ، ثم قتله عبد الله بن بطة الطائي .

قال أبو الفرج بعد ذكر قتل محمد وعون : وإن عونا قتله عبد الله بن قطنه التيهاني ، وعبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ذكر يحيى بن الحسن فيما أخبرني به أحمد بن سعيد عنه أنه قتل مع الحسين عليه السلام بالطف.

ص: 246

[ القاسم وعبد الله ابنا الحسن بن علي بن أبي طالب ]

ثم قال أبو الفرج ومحمد بن أبي طالب وغيرهما : ثم خرج من بعده عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وفي أكثر الروايات أنه القاسم بن الحسن عليه السلام وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلما نظر الحسين إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، ثم استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة فأبى الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن

سبط النبي المصطفى والمومن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلا .

قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما - ما أنسى أنه كان اليسرى - فقال عمرو بن سعد الأزدي : والله لأشدن عليه ، فقلت : سبحان الله ، وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هواء الذين تراهم قد احتوشوه ، قال : والله لأفعلن ، فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه ونادى : يا عماه .

قال : فجاء الحسين كالصقر المنقض ، فتخلل الصفوف وشد شدة الليث الحرب ، فضرب عمرا قاتله بالسيف فاتقاه بيده فأطنها من المرفق ، فصاح ثم تنحى عنه ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين فاستقبلته بصدورها وجرحته بحوافرها ووطئته حتى مات الغلام ، فانجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجله ، فقال الحسين : يعز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك ، بعد القوم قتلوك .

ص: 247

ثم احتمله ، فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض ، وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع ؟ فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

ثم قال : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا ، صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي ، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا .

ثم خرج عبد الله بن الحسن(1) وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

فقتل أربعة عشر رجلا ، ثم قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي فاسود وجهه .

قال أبو الفرج : كان أبو جعفر الباقر عليه السلام يذكر أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله .

وروي عن هانئ بن ثبيت القابضي : أن رجلا منهم قتله.

ثم قال : وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه أم ولد ، ذكر المدائني : أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله ، وفي حديث عن أبي جعفر عليه السلام : أن عقبة الغنوي قتله .

[ أخوة الحسين ]

قالوا : ثم تقدمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه .

[ أبو بكر بن علي ]

فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي ، واسمه عبيد الله ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية ، فتقدم وهو يرتجز :

ص: 248


1- الذي ذكرناه أولا وهو الأصح أنه برز بعد القاسم .

شيخي علي ذوالفخار الأطول

من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا حسين بن النبي المرسل

عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل

فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي ، وقيل : عبيد الله بن عقبة الغنوي .

قال أبو الفرج : لا يعرف اسمه ، وذكر أبو جعفر الباقر عليه السلام : أن رجلا من همدان قتله ، وذكر المدائني : أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدرى من قتله.

[ عمر بن علي ]

قالوا : ثم برز من بعده أخوه عمر بن علي وهو يقول :

أضربكم ولا أرى فيكم زحر

ذاك الشقي بالنبي قد كفر

يا زحر يا زحر تدان من عمر

لعلك اليوم تبوأ من سقر

شر مكان في حريق وسعر

لأنك الجاحد يا شر البشر

ثم حمل على زحر قاتل أخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول :

خلوا عداه الله خلوا عن عمر

خلوا عن الليث العبوس المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفر

وليس فيها كالجبان المنجحر

فلم يزل يقاتل حتى قتل.

[ عثمان بن علي ]

ثم برز من بعده أخوه عثمان بن علي ، وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب وهو يقول :

ص: 249

إني أنا عثمان ذوالمفاخر

شيخي علي ذوالفعال الظاهر

وابن عم للنبي الطاهر

أخي حسين خيرة الأخاير

وسيد الكبار والأصاغر

بعد الرسول والوصي الناصر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وجز رأسه رجل من بني أبان بن حازم(1) .

[ جعفر بن علي ]

قالوا : ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي ، وأمه أم البنين أيضا ، وهو يقول :

إني أنا جعفر ذوالمعالي

ابن علي الخير ذو النوال

حسبي بعمي شرفا وخالي

أحمي حسينا ذي الندى المفضال

ثم قاتل فرماه خولي الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينه.

[ عبد الله بن علي ]

ثم برز أخوه عبد الله بن علي وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والإفضال

ذاك علي الخير ذوالفعال

سيف رسول الله ذوالنكال

في كلّ قوم ظاهر الأهوال

ص: 250


1- قال أبو الفرج : قال يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن وعبد الله بن العباس قالا قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة وقال الضحاك بإسناده إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأسقطه وشد عليه رجل من بني أبان دارم وأخذ رأسه . وروي عن علي عليه السلام أنه قال إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون . أقول ولم يذكر أبو الفرج عمر بن علي في المقتولين يومئذ .

فقتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

روى أبو الفرج باسناده : قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن خمس وعشرين سنة ولا عقب له ، وقتل جعفر بن علي وهو ابن تسع عشر سنة .

وروى أيضا عن ضحاك المشرقي قال : قال العباس بن علي لأخيه من أبيه وأمه عبد الله بن علي : تقدّم بين يدي حتى أراك وأحتسبك فإنه لا ولد لك ، فتقدم بين يديه وشد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله .

وبهذا الإسناد : أن العباس بن علي قدم أخاه جعفرا بين يديه فشد عليه هانئ بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله .

وروى نصر بن مزاحم عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام : أن خولي بن يزيد الأصبحي قتل جعفر بن علي عليه السلام .

ثم قال : ومحمد الأصغر بن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد ، روي عن أبي جعفر عليه السلام والمدائني : أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله رضوان الله عليه.

[ إبراهيم بن علي بن أبي طالب ]

قال : وقد ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم ولد ، وما سمعت بهذا عن غيره ، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكرا .

وذكر يحيى بن الحسن عن أبيه : أن عبيد الله بن علي قتل مع الحسين ، وهذا خطأ ، وإنما قتل عبيد الله يوم المذار ، قتله أصحاب المختار ، وقد رأيته بالمذار.

[ مقتل العباس ]

وقال : كان العباس بن علي يكنى أبا الفضل ، وأمه أم البنين أيضا ، وهو أكبر ولدها ، وهو آخر من قتل من إخوته لأبيه وأمه ، فحاز مواريثهم ، ثم تقدم

ص: 251

فقتل ، فورثهم وإياه عبيد الله ، ونازعه في ذلك عمه عمرو بن علي فصولح على شيء أرضي به .

وكان العباس رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض ، وكان يقال له «قمر بني هاشم» وكان لواء الحسين عليه السلام معه .

روي عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : عبأ الحسين بن علي أصحابه فأعطى رايته أخاه العباس .

وروي عن أبي جعفر عليه السلام : أن زيد بن رقاد وحكيم بن الطفيل الطائي قتلا العباس بن علي عليه السلام .

وكانت أم البنين أم هواء الأربعة الإخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .

قالوا : وكان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام وهو أكبر الإخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وجعل يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا

حتى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إني أنا العباس أغدوبالسقا

ولا أخاف الشر يوم الملتقى

ففرقهم ، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز :

والله إن قطعتم يميني

إني أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين

فقاتل حتى ضعف ، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال :

ص: 252

يا نفس لا تخشى من الكفار

وأبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حر النار

فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله .

فلما رآه الحسين عليه السلام صريعا على شاطئ الفرات بكى وأنشأ يقول :

تعديتم يا شر قوم ببغيكم

وخالفتم دين النبي محمد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا

أما نحن من نجل النبي المسدد

أما كانت الزهراء أمي دونكم

أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم

فسوف تلاقوا حر نار توقد

أقول : وفي بعض تأليفات أصحابنا :

أن العباس لما رأى وحدته عليه السلام أتى أخاه وقال : يا أخي هل من رخصة ، فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا ثم قال : يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري ، فقال العباس : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هواء المنافقين.

فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهواء الأطفال قليلا من الماء فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم ، فرجع إلى أخيه فأخبره ، فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات ، فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ورموه بالنبال ، فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء.

فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب ، فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر ، فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند ،

ص: 253

فحمل القربة بأسنانه ، فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماوا ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين أدركني ، فلما أتاه رآه صريعا فبكى وحمله إلى الخيمة.

ثم قالوا : ولما قتل العباس قال الحسين عليه السلام : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي.

قال ابن شهرآشوب : ثم برز القاسم بن الحسين وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

وذكر هذا بعد أن ذكر القاسم بن الحسن سابقا وفيه غرابة.

[ علي بن الحسين ]

قالوا : ثم تقدم علي بن الحسين عليه السلام .

وقال محمد بن أبي طالب وأبو الفرج : وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، وقال ابن شهرآشوب : ويقال : ابن خمس وعشرين سنة.

قالوا : ورفع الحسين سبابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هواء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ، اللهم أمنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.

ثم صاح الحسين بعمر بن سعد ما لك قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم رفع الحسين عليه السلام صوته وتلا « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ».

ص: 254

ثم حمل علي بن الحسين على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

من عصبة جد أبيهم النبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم .

وروي : أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : يا أبة العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين عليه السلام وقال : يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعلي أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بني هات لسانك فأخذ بلسانه فمصه ودفع إليه خاتمه وقال : امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ، فرجع إلى القتال وهو يقول :

الحرب قد بانت لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله رب العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

فلم يزل قتل تمام المائتين ، ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطعوه بسيوفهم إربا إربا.

فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته : يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول : العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين عليه السلام وقال : قتل الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا .

ص: 255

قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس

الطالعة تنادي بالويل والثبور وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فوداه ، يا نور عيناه ، فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت علي عليهاالسلام ، وجاءت وانكبت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط ، وأقبل عليه السلام بفتيانه وقال : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه .

[ عبد الله بن مسلم بن عقيل ]

وقال المفيد وابن نما بعد ذلك : ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له «عمرو بن صبيح» عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهة فسمرها به ، فلم يستطع تحريكها ، ثم انحنى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.

[ عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ]

وحمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله .

وحمل عامر بن نهشل التميمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله .

[ عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ]

وشد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

ص: 256

[ علي الأكبر أول شهيد من أهل البيت ]

وقال أبو الفرج في المقاتل : روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام : أن أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي .

وروي عن سعيد بن ثابت قال : لما برز علي بن الحسين إليهم أرخى الحسين عليه السلام عينيه فبكى ثم قال : اللهم فكن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه و آله ، فجعل يشد عليهم ، ثم يرجع إلى أبيه فيقول : يا أبة العطش فيقول له الحسين : اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله بكأسه ، وجعل يكر كرة بعد كرة حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه ، وأقبل يتقلب في دمه ، ثم نادى : يا أبتاه عليك السلام ، هذا جدي رسول الله يقرئك السلام ويقول : عجل القدوم علينا ، وشهق شهقة فارق الدنيا .

قال أبو الفرج : علي بن الحسين هذا هو الأكبر ولا عقب له ، ويكنى أبا الحسن ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو أول من قتل في الوقعة ، وإياه عنى معاوية في الخبر الذي روي عن مغيرة قال : قال معاوية : من أحق الناس بهذا الأمر ؟ قالوا : أنت ، قال : لا أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي ،

جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية وزهو ثقيف(1).

[ غلام من بني هاشم يذبّ عن الحسين ]

ثم قالوا : وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور ،

فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله ، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة.

ص: 257


1- وقال يحيى بن الحسن العلوي : وأصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لأم ولد وأن الذي أمه ليلى هو جدهم وولد في خلافة عثمان.

[ زين العابدين يعزم على الذبّ عن الحسين ]

ثم التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال ، والتفت عن يساره فلم ير أحدا ، فخرج علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وكان مريضا لا يقدر أن يقل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع ، فقال : يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فقال الحسين عليه السلام : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلى الله عليه و آله .

[ مقتل الرضيع ]

ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل .

فتقدم عليه السلام إلى باب الخيمة فقال : ناولوني عليا ابني الطفل حتى أودعه فناولوه الصبي .

وقال المفيد : دعا ابنه عبد الله قالوا : فجعل يقبله وهو يقول : ويل لهواء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم ، والصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين ، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به إلى السماء.

وقال السيد : ثم قال : هون علي ما نزل بي إنه بعين الله .

قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض .

قالوا : ثم قال : لا يكون أهون عليك من فصيل ، اللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا.

أقول : وفي بعض الكتب : أن الحسين لما نظر إلى اثنين وسبعين رجلا من أهل

ص: 258

بيته صرعى التفت إلى الخيمة ونادى : يا سكينة ، يا فاطمة ، يا زينب ، يا أم كلثوم ، عليكن مني السلام ، فنادته سكينة : يا أبة استسلمت للموت ؟ فقال : كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين ؟ فقالت : يا أبة ردنا إلى حرم جدنا ، فقال : هيهات لو ترك القطا لنام ، فتصارخن النساء ، فسكتهن الحسين وحمل على القوم.

وقال أبو الفرج : وعبد الله بن الحسين وأمه الرباب بنت إمرئ القيس ، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين :

لعمرك إنني لأحب دارا

تكون بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وسكينة التي ذكرها ابنته من الرباب ، واسم سكينة أمينة ، وإنما غلب عليها سكينة وليس باسمها .

وكان عبد الله يوم قتل صغيرا ، جاءه نشابة وهو في حجر أبيه فذبحته روي عن حميد بن مسلم قال : دعا الحسين بغلام فأقعده في حجره ، فرماه عقبة بن بشر فذبحه .

وروي عمن شهد الحسين قال : كان معه ابن له صغير ، فجاء سهم فوقع في نحره ، فجعل الحسين يمسح الدم من نحر لبته فيرمي به إلى السماء ، فما رجع منه شيء ويقول : اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.

ثم قالوا : ثم قام الحسين عليه السلام وركب فرسه وتقدم إلى القتال وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله رب الثقلين

قتلوا القوم عليا وابنه

حسن الخير كريم الأبوين

حنقا منهم وقالوا أجمعوا

احشروا الناس إلى حرب الحسين

يا لقوم من أناس رذل

جمع الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

ص: 259

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الكافرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني قبل ذا

غير فخري بضياء النيرين

بعلي الخير من بعد النبي

والنبي القرشي الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي

ثم أمي فأنا ابن الخيرين

فضة قد خلصت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

من له جد كجدي في الورى

أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء أمي وأبي

قاصم الكفر ببدر وحنين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزى معا

وعلي كان صلى القبلتين

فأبي شمس وأمي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

وله في يوم أحد وقعة

شفت الغل بفض العسكرين

ثم في الأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل الفيلقين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترين

عترة البر النبي المصطفى

وعلي الورد يوم الجحفلين

[ مبارزة الحسين ]

ثم وقف عليه السلام قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من الحياة عازما على الموت وهو يقول :

أنا ابن علي الطهر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الخلق نزهر

وفاطم أمي من سلالة أحمد

وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر

ص: 260

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله للناس كلّهم

نسر بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

أقول روي في الإحتجاج : أنه لما بقي فردا ليس معه إلا ابنه علي بن الحسين عليه السلام وابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله أخذ الطفل ليودعه ، فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله ، فنزل عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه ورمله بدمه ودفنه ، ثم وثب قائما وهو يقول : إلى آخر الأبيات.

وقال محمد بن أبي طالب ، وذكر أبو علي السلام ي في تاريخه : أن هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه ، وقال : ليس لأحد مثلها :

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فإن ثواب الله أعلى وأنبل

وإن يكن الأبدان للموت أنشأت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن يكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة سعي المرء في الكسب أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

ثم إنه دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثم حمل عليه السلام على الميمنة وقال: «الموت خير من ركوب العار».

ثم على الميسرة وهو يقول :

أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي

قال المفيد والسيد وابن نما رحمهم الله : واشتد العطش بالحسين عليه السلام ، فركب المسناة يريد الفرات والعباس أخوه بين يديه ، فاعترضه خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع عليه السلام السهم وبسط يده

ص: 261

تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ، ثم رمى به وقال : اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ، ثم اقتطعوا العباس عنه ، وأحاطوا به من كلّ جانب حتى قتلوه ، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي ، فبكى الحسين لقتله بكاء شديدا.

قال السيد : ثم إن الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول :

القتل أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

قال بعض الرواة : فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشا منه ، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقال ابن شهرآشوب ومحمد بن أبي طالب : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا سوى المجروحين .

فقال عمرو بن سعد لقومه : الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.

وقال ابن أبي طالب وصاحب المناقب والسيد : فصاح بهم ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم ،

وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة ، قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا ، فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفو كريم .

ص: 262

قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء ، فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلوه عنه.

وقال ابن شهرآشوب : وروى أبو مخنف عن الجلودي : أن الحسين عليه السلام حمل

على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة وأقحم الفرس على الفرات ، فلما أولغ الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان والله لا ذقت الماء حتى تشرب ، فلما سمع الفرس كلام الحسين عليه السلام شال رأسه ولم يشرب كأنه فهم الكلام ، فقال الحسين عليه السلام : فأنا أشرب ، فمد الحسين عليه السلام يده فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبد الله تتلذذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك ، فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة .

قال أبو الفرج : وجعل الحسين عليه السلام يطلب الماء وشمر يقول له : والله لا ترده أو ترد النار ، فقال له رجل : ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطون الحيتان ، والله لا

تذوقه أو تموت عطشا ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم أمته عطشا .

قال : والله لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء ، فيوى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه ، ثم يقول : اسقوني قتلني العطش ، فلم يزل كذلك حتى مات.

فقالوا : ثم رماه رجل من القوم يكنى أبا الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال عليه السلام : اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هواء العصاة ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا.

ثم حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحدا إلا بعجة بسيفه فقتله ، والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتقيها بنحره وصدره ويقول : يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته ، أما إنكم لن تقلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وايم الله إني لأرجو أن يكرمني ربي بالشهادة بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .

ص: 263

قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال : يا ابن فاطمة وبما ذا ينتقم لك منا ؟ قال : يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب الأليم ، ثم لم يزل يقاتل حتى أصابته جراحات عظيمة.

وقال صاحب المناقب والسيد : حتى أصابته اثنتان وسبعون جراحة .

وقال ابن شهرآشوب : عن جعفر بن محمد بن علي عليه السلام قال : وجدنا بالحسين ثلاثا وثلاثين طعنة وأربعا وثلاثين ضربة .

وقال الباقر عليه السلام : أصيب الحسين

عليه السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم .

وروي : ثلاثمائة وستون جراحة .

وقيل : ثلاث وثلاثون ضربة سوى السهام .

وقيل : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، وروي : أنها كانت كلّها في مقدمه.

قالوا : فوقف عليه السلام يستريح ساعة ، وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره ، وفي بعض الروايات : على قلبه ، فقال الحسين عليه السلام : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء ، ثم وضع يده ثانيا ، فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله قتلني فلان وفلان.

ثم ضعف عن القتال فوقف ، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه حتى جاءه رجل من كندة يقال له «مالك بن اليسر» فشتم الحسين عليه السلام وضربه بالسيف على

ص: 264

رأسه وعليه برنس فامتلأ دما ، فقال له الحسين عليه السلام : لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين ، ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتم عليها ، وقد أعيا وجاء الكندي ، وأخذ البرنس وكان من خز ، فلما قدم بعد الوقعة على امرأته ، فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته : أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله اخرج عني حشى الله قبرك نارا ، فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوء حال ، ويبست يداه وكانتا في الشتاء ينضحان دما ، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان.

وقال المفيد والسيد : فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به.

[ عبد الله بن الحسن بن علي ]

فخرج عبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب بنت علي عليهاالسلام لتحبسه ، فقال الحسين عليه السلام : احبسيه يا أختي ، فأبى وامتنع امتناعا شديدا وقال : لا والله لا أفارق عمي وأهوى أبجر بن كعب ، وقيل : حرملة بن كاهل إلى الحسين عليه السلام بالسيف فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمي فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها

إلى الجلد : فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام : يا أماه ، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه ، وقال : يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين .

قال السيد : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام .

[ مقتل الحسين ]

ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ، ثم قال : علي بالنار أحرقه على من فيه ، فقال له الحسين عليه السلام : يا ابن ذي الجوشن أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي أحرقك الله بالنار ، وجاء شبث فوبخه فاستحيا وانصرف .

ص: 265

قال : وقال الحسين عليه السلام : ابعثوا إلي ثوبا لا يرغب فيه اجعله تحت ثيابي لئلا أجرد ، فأتي بتبان ، فقال : لا ، ذاك لباس من ضربت عليه بالذلة ، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه ، ثم استدعى الحسين عليه السلام بسراويل من حبرة ففزرها ولبسها ، وإنما فزرها لئلا يسلبها ، فلما قتل سلبها أبجر بن كعب وتركه عليه السلام مجردا ، فكانت يد أبجر بعد ذلك ييبسان في الصيف كأنهما عودان ويترطبان في الشتاء فينضحان دما وقيحا إلى أن أهلكه الله - تعالى -.

قال : ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه .

قال : وخرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل .

وقال : وصاح الشمر ما تنتظرون بالرجل ؟ فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه ، وضرب الحسين زرعة فصرعه ، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه ، وكان قد أعيا ، وجعل عليه السلام ينوء

ويكبو ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثم انتزع الرمح ، فطعنه في بواني صدره ، ثم رماه سنان أيضا بسهم ، فوقع السهم في نحره ، فسقط عليه السلام وجلس قاعدا ،فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعا وكلما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول : هكذا حتى ألقى الله مخضبا بدمي مغصوبا على حقي.

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه : انزل ويحك إلى الحسين فأرحه ، فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي ليجتز رأسه فأرعد ، فنزل إليه سنان بن أنس النخعي ، فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأجتز رأسك وأعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا وأما ، ثم اجتز رأسه المقدس المعظم صلى الله عليه وسلم وكرم .

ص: 266

وروي : أن سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ، ثم قطع يديه ورجليه وأغلى له قدرا فيها زيت ورماه فيها وهو يضطرب.

وقال صاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : ولما ضعف عليه السلام نادى شمر ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ قد أثخنته الجراح والسهام ، احملوا عليه ثكلتكم أمهاتكم ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيوب الغنوي بسهم في حلقه ، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه ، وكان قد طعنه سنان بن أنس النخعي في صدره ، وطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته ، فوقع عليه السلام إلى الأرض على خده الأيمن ثم استوى جالسا ، ونزع السهم من حلقه ، ثم دنا عمر بن سعد من الحسين عليه السلام .

قال حميد : وخرجت زينب بنت علي عليهاالسلام وقرطاها يجولان بين أذنيها ، وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض ، يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ، ودموع عمر تسيل على خديه ولحيته وهو يصرف وجهه عنها ، والحسين عليه السلام جالس وعليه جبة خز وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ما تنتظرون به ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ، فضربه زرعة بن شريك فأبان كفه اليسرى ، ثم ضربه على عاتقه ، ثم انصرفوا عنه وهو يكبو مرة ويقوم أخرى .

فحمل عليه سنان في تلك الحال ، فطعنه بالرمح فصرعه وقال لخولي بن يزيد : اجتز رأسه ، فضعف وارتعدت يده ، فقال له سنان : فت الله عضدك وأبان يدك ، فنزل إليه شمر لعنه الله ، وكان اللعين أبرص ، فضربه برجله فألقاه على قفاه ثم أخذ بلحيته ، فقال الحسين عليه السلام : أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي ، فقال : أتشبهني بالكلاب ، ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام وهو يقول :

أقتلك اليوم ونفسي تعلم

علما يقينا ليس فيه مزعم

ولا مجال لا ولا تكتم

إن أباك خير من تكلم

ص: 267

وروى في المناقب : عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كنا مع الحسين بنهر كربلاء ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن ، وكان أبرص ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، صَدَقَ اللّهُ ورَسُولُهُ ، قال رسول الله : كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي.

ثم قال : فغضب عمر بن سعد لعنه الله ثم قال لرجل عن يمينه : انزل ويحك إلى الحسين فأرحه ، فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فاجتز رأسه .

وقيل : بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس والحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش ويطلب الماء ، فرفسه شمر لعنه الله برجله وقال : يا ابن أبي تراب ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبه فاصبر حتى تأخذ الماء من يده ، ثم قال لسنان : اجتز رأسه قفاء ، فقال سنان : والله لا أفعل فيكون جده محمد صلى الله عليه وآله خصمي.

فغضب شمر لعنه الله وجلس على صدر الحسين وقبض على لحيته وهم بقتله ، فضحك الحسين عليه السلام فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا ؟ فقال : أعرفك حق المعرفة أمك فاطمة الزهراء وأبوك علي المرتضى وجدك محمد المصطفى وخصمك العلي الأعلى ، أقتلك ولا أبالي ، فضربه بسيفه أثنتا عشرة ضربة ، ثم جز رأسه صلوات الله وسلامه عليه ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم.

[ فرس الحسين ]

وقال ابن شهرآشوب : روى أبو مخنف عن الجلودي أنه كان صرع الحسين عليه السلام فجعل فرسه يحامي عنه ، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل الفرس أربعين رجلا ، ثم تمرغ في دم الحسين عليه السلام وقصد نحو الخيمة وله صهيل عال ويضرب بيديه الأرض.

وقال السيد رضى الله عنه : فلما قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.

ص: 268

وروى هلال بن نافع قال : إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين .

قال : فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وإنه ليجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله ، فاستسقى في تلك الحالة ماء ، فسمعت رجلا يقول : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه و آلهوأسكن معه في داره فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ، وأشرب مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وأشكو إليه ما ركبتم مني وفعلتم بي .

قال : فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا ، فاجتزوا رأسه وإنه ليكلمهم فتعجبت من قلة رحمتهم وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبدا.

[ سلب الحسين ]

قال : ثم أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره .

وروي : أنه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة .

وقال الصادق عليه السلام : وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربعة وثلاثون ضربة .

وأخذ سراويله أبجر بن كعب التيمي ، وروي : أنه صار زمنا مقعدا من رجليه .

وأخذ عمامته أخنس بن مرسد بن علقمة الحضرمي ، وقيل : جابر بن يزيد الأودي فاعتم بها فصار معتوها ، وفي غير رواية السيد : فصار مجذوما .

وأخذ درعه مالك بن بشير الكندي فصار معتوها.

فقال السيد : وأخذ نعليه الأسود بن خالد .

وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي فقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك .

ص: 269

وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الأشعث .

وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد ، فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة قاتله .

وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي ، ويقال : رجل من بني تميم يقال له «الأسود بن حنظلة» ، وفي رواية ابن سعد : أنه أخذ سيفه القلافس النهشلي ، وزاد محمد بن زكريا : أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل ، وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار ، وإن ذلك كان مذخورا ومصونا مع أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة ، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه.

قال : وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام فقال لها رجل : يا أمة الله إن سيدك قتل . قالت الجارية : فأسرعت إلى سيدتي وأنا أصيح ، فقمن في وجهي وصحن .

قال : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها ، وخرجن بنات الرسول وحرمه يتساعدن على البكاء ، ويندبن لفراق الحماة والأحباء.

وروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط فقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله ، لا حكم إلا لله ، يا ثارات رسول الله ، فأخذها زوجها وردها إلى رحله .

[ إحراق الخيام ]

قال : ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة وقلن : بحق الله إلا ما مررت بنا على مصرع الحسين ، فلما نظرت النسوة إلى القتلى صحن ويضربن وجوههن.

ص: 270

قال : فو الله لا أنسى زينب بنت علي عليهاالسلام وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى حمزة سيد الشهداء ، وا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، يسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه ، يا كرباه ، اليوم مات جدي رسول الله ، يا أصحاب محمداه ، هواء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا.

وفي بعض الروايات : يا محمداه ، بناتك سبايا وذريتك مقتلة ، تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الإثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا هو غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من شيبته تقطر بالدماء ، بأبي من جده رسول إله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى.

قال : فأبكت والله كلّ عدو وصديق .

ثم إن سكينة اعتنقت جسد الحسين عليه السلام فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه .

[ رضّ صدر الحسين ]

قال : ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره ، فانتدب منهم عشرة ، وهم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن الطفيل السنبسي ، وعمرو بن صبيح الصيداوي ، ورجاء بن منقذ العبدي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وواحظ بن ناعم ، وصالح بن وهب الجعفي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي ، وأسيد بن مالك ، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره.

ص: 271

قال : وجاء هواء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحد العشرة شعر :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعبوب شديد الأسر

فقال ابن زياد : من أنتم ؟ فقالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة.

قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في هواء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا ، وهواء أخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا .

أقول : المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك.

وقال صاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : قتل الحسين عليه السلام باتفاق الروايات

يوم عاشوراء ، عاشر المحرم سنة إحدى وستين ، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف .

[ الهجوم على بنات الوحي ]

قالا : وأقبل فرس الحسين عليه السلام وقد عدا من بين أيديهم أن لا يوذ ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه السلام ، ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتى مات ، فلما نظر أخوات الحسين وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد ، رفعن أصواتهن بالبكاء والعويل ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جداه ، وا نبياه ، وا أبا القاسماه ، وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء ، مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، ثم غشي عليها.

فأقبل أعداء الله لعنهم الله حتى أحدقوا بالخيمة ومعهم شمر فقال : ادخلوا فاسلبوا بزتهن ، فدخل القوم لعنهم الله ، فأخذوا ما كان في الخيمة حتى أفضوا إلى قرط كان في

ص: 272

أذن أم كلثوم أخت الحسين عليه السلام فأخذوه ، وخرموا أذنها حتى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتى تغلب عليه ، وأخذ قيس بن الأشعث لعنه الله قطيفة الحسين عليه السلام فكان يسمى قيس القطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له «الأسود» ، ثم مال الناس على الورس والحلي والحلل والإبل فانتهبوها.

أقول : رأيت في بعض الكتب : أن فاطمة الصغرى قالت : كنت واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر إلى أبي وأصحابي مجزرين كالأضاحي على الرمال والخيول على أجسادهم تجول وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أويأسروننا ، فإذا برجل

على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة وهن يصحن : وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه ، أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا ، قالت : فطار فودي وارتعدت فرائصي ، فجعلت أجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني.

فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ، ففررت منهزمة وأنا أظن أني أسلم منه وإذا به قد تبعني ، فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي ، فسقطت على وجهي ، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي وترك الدماء تسيل على خدي ورأسي تصهره الشمس ، وولى راجعا إلى الخيم وأنا مغشي علي ، وإذا أنا بعمتي عندي تبكي وهي تقول : قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات وأخيك العليل فقمت وقلت : يا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار ؟ فقالت : يا بنتاه وعمتك مثلك ، فرأيت رأسها مكشوفة ومتنها قد أسود من الضرب ، فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نهبت وما فيها وأخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام ، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا.

وقال المفيد رحمه الله : قال حميد بن مسلم : فانتهينا إلى علي بن الحسين وهو منبسط على فراش ، وهو شديد المرض ، ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له : ألا نقتل هذا العليل ؟ فقلت : سبحان الله ، أتقتل الصبيان ، إنما هذا صبي وإنه لما به ، فلم أزل حتى دفعتهم عنه .

ص: 273

وجاء عمر بن سعد : فصاحت النساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هواء النساء ، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض ، فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به ، فقال : من أخذ من متاعهم شيئا فليرده ، فوالله ما رد أحد منهم شيئا ، فوكلّ بالفسطاط وبيوت النساء وعلي بن الحسين جماعة ممن كان معه وقال : احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد ولا يساء إليهم.

[ تسريح الرؤوس ]

وقال محمد بن أبي طالب : ثم إن عمر بن سعد سرح برأس الحسين عليه السلام يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم إلى ابن زياد ، ثم أمر برؤوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فقطعت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة ، وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال ، فجمع قتلاه فصلى عليهم ودفنهم وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء ، فلما ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد ، فصلوا عليهم ودفنوهم .

وقال ابن شهرآشوب : وكانوا يجدون لأكثرهم قبورا ويرون طيورا بيضا.

وقال محمد بن أبي طالب : وروي : أن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأسا ، واقتسمتها القبائل ليتقربوا بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهرآشوب : بعشرين ، وصاحبهم شمر لعنه الله ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهرآشوب : بتسعة عشر ، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهرآشوب : بتسعة رؤوس ، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس ، وجاءت سائر الناس بثلاثة عشر رأسا ، وقال ابن شهرآشوب : وجاء سائر الجيش بتسعة رؤوس ، ولم يذكر مذحج ، قال : فذلك سبعون رأسا .

ثم قال : وجاءوا بالحرم أسارى إلا شهربانويه فإنها أتلفت نفسها في الفرات.

ص: 274

[ عدد الشهداء من أهل البيت ]

وقال ابن شهرآشوب وصاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : اختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت عليهم السلام فالأكثرون على أنهم كانوا سبعة وعشرين :

سبعة من بني عقيل : مسلم المقتول بالكوفة ، وجعفر ، وعبد الرحمن ابنا عقيل ، ومحمد بن مسلم ، وعبد الله بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل ، وزاد ابن شهرآشوب : عونا ومحمدا ابني عقيل .

وثلاثة من ولد جعفر بن أبي طالب : محمد بن عبد الله بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد الله ، وعبيد الله بن عبد الله .

ومن ولد علي عليه السلام تسعة : الحسين عليه السلام ، والعباس ، ويقال : وابنه محمد بن العباس ، وعمر بن علي ، وعثمان بن علي ، وجعفر بن علي ، وإبراهيم بن علي ، وعبد الله بن علي الأصغر ، ومحمد بن علي الأصغر ، وأبو بكر ، شك في قتله .

وأربعة من بني الحسن : أبو بكر ، وعبد الله ، والقاسم ، وقيل : بشر ، وقيل : عمر وكان صغيرا .

وستة من بني الحسين مع اختلاف فيه : علي الأكبر ، وإبراهيم ، وعبد الله ، ومحمد ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، وعمر ، وزيد ، وذبح عبد الله في حجره ، ولم يذكر صاحب المناقب إلا عليا وعبد الله ، وأسقط ابن أبي طالب حمزة وإبراهيم وزيدا وعمر.

وقال ابن شهرآشوب : ويقال : لم يقتل محمد الأصغر بن علي عليه السلام لمرضه ، ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله .

وقال أبو الفرج : جميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلا .

وقال ابن نما رحمه الله : قالت الرواة : كنا إذا ذكرنا عند محمد بن علي الباقر عليه السلام قتل

الحسين عليه السلام قال : قتلوا سبعة عشر إنسانا كلّهم ارتكض في بطن فاطمة ، يعني بنت أسد أم علي عليه السلام .

ص: 275

3 - أقول : روى الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللووالمتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله مم بكاو ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : أوفي غفلة أنت ؟ أما علمت أن الحسين بن علي عليه السلام أصيب في مثل هذا اليوم ؟ قلت : يا سيدي فما قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه و آله وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعز على رسول الله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزى بهم .

قال : وبكى أبو عبد الله عليه السلام حتى أخضلت لحيته بدموعه ، ثم قال : إن الله عز وجل لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره في أول يوم من شهر رمضان ، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء في مثل ذلك اليوم ، يعني العاشر من شهر المحرم ، في تقديره ، وجعل لكل منهما شِرْعَةً ومِنْهاجاً.. إلى آخر الخبر .

وروى صاحب المناقب : عن الحسن البصري قال : قتل مع الحسين بن علي عليه السلام ستة عشر من أهل بيته ما كان لهم على وجه الأرض شبيه .

وروي عن الحسن بإسناد آخر سبعة عشر من أهل بيته .

[ الشهداء من أصحاب الحسين ]

وقال ابن شهرآشوب : المقتولون من أصحاب الحسين عليه السلام في الحملة الأولى :

نعيم بن عجلان ، وعمران بن كعب بن حارث الأشجعي ، وحنظلة بن عمرو الشيباني ، وقاسط بن زهير ، وكنانة بن عتيق ، وعمرو بن مشيعة ، وضرغامة بن مالك ، وعامر بن مسلم ، وسيف بن مالك النميري ، وعبد الرحمن الأرحبي ، ومجمع

ص: 276

العائذي ، وحباب بن الحارث ، وعمرو الجندي ، والجلاس بن عمرو الراسبي ، وسوار بن أبي حمير الفهمي ، وعمار بن أبي سلامة الدالاني ، والنعمان بن عمرو الراسبي ، وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق ، وجبلة بن علي ، ومسعود بن الحجاج ، وعبد الله بن عروة الغفاري ، وزهير بن بشير الخثعمي ، وعمار بن حسان ، وعبد الله بن عمير ، ومسلم بن كثير ، وزهير بن سليم ، وعبد الله وعبيد الله ابنا زيد البصري ،

وعشرة من موالي الحسين عليه السلام ، واثنان من موالي أمير المونين عليه السلام .

[ زيارة تشتمل على أسماء الشهداء

وبع-ض أحوالهم وأسم-اء قاتليهم ]

ولنذكر هنا زيارة أوردها السيد في كتاب الإقبال يشتمل على أسماء الشهداء وبعض أحوالهم رضوان الله عليهم ، وأسماء قاتليهم لعنهم الله :

قال روينا بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي عن محمد بن أحمد بن عياش عن الشيخ الصالح أبي منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي رحمهم الله قال :

خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني حين وفاة أبي رحمه الله وكنت حديث السن وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله عليه السلام وزيارة الشهداء رضوان الله عليهم .

فخرج إلي منه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم فقف عند رجلي الحسين عليه السلام وهو قبر علي بن الحسين عليه السلام فاستقبل القبلة بوجهك فإن هناك حومة الشهداء وأومئ وأشر إلى علي بن الحسين عليه السلام وقل :

السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل صلى الله عليك وعلى أبيك إذ قال فيك : قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم

ص: 277

على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا كأني بك بين يديك ماثلا وللكافرين قاتلا قائلا :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي عربي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيت نحبك ولقيت ربك أشهد أنك أولى بالله وبرسوله وأنك ابن رسوله وحجته وأمينه وابن حجته وأمينه حكم الله على قاتلك مرة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه الله وأخزاه ومن شركه في قتلك وكانوا عليك ظهيرا أصلاهم الله جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً وجعلنا الله من ملاقيك ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة وأبرأ إلى الله من أعدائك أولي الجحود والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

السلام على عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع المرمي الصريع المتشحط دما المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه .

السلام على عبد الله بن أمير المونين مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلا ومدبرا لعن الله قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المونين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الفادي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتله يزيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي .

السلام على جعفر بن أمير المونين الصابر بنفسه محتسبا والنائي عن الأوطان مغتربا المستسلم للقتال المستقدم للنزال المكثور بالرجال لعن الله قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

ص: 278

السلام على عثمان بن أمير المونين سمي عثمان بن مظعون لعن الله راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الإيادي والأباني الداري .

السلام على محمد بن أمير المونين قتيل الأباني الداري لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم وصلى الله عليك يا محمد وعلى أهل بيتك الصابرين .

السلام على أبي بكر بن الحسن بن علي الزكي الولي المرمي بالسهم الردي لعن الله قاتله عبد الله بن عقبة الغنوي .

السلام على عبد الله بن الحسن الزكي لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي .

السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته المسلوب لامته حين نادى الحسين عمه فجلى عليه عمه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك ثم قال : عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو أن يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك هذا والله يوم كثر واتره وقل ناصره جعلني الله معكما يوم جمعكما وبوأني مبوأكما ولعن الله قاتلك عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيما وأعد له عذابا أليما .

السلام على عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان حليف الإيمان ومنازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني والقرآن لعن الله قاتله عبد الله بن قطبة النبهاني .

السلام على محمد بن عبد الله بن جعفر الشاهد مكان أبيه والتالي لأخيه وواقيه ببدنه لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي .

السلام على جعفر بن عقيل لعن الله قاتله وراميه بشر بن حوط الهمداني .

السلام على عبد الرحمن بن عقيل لعن الله قاتله وراميه عثمان بن خالد بن أشيم الجهني .

ص: 279

السلام على القتيل بن القتيل عبد الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله عامر بن صعصعة وقيل : أسد بن مالك .

السلام على أبي عبيد الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله وراميه عمرو بن صبيح الصيداوي .

السلام على محمد بن أبي سعيد بن عقيل ولعن الله قاتله لقيط بن ناشر الجهني .

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المونين ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي .

السلام على قارب مولى الحسين بن علي .

السلام على منجح مولى الحسين بن علي .

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف : أنحن نخلي عنك ؟ وبم نعتذر عند الله من أداء حقك ؟ لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك حتى أموت معك وكنت أول من شرى نفسه وأول شهيد شهد لله وقضى نحبه ففزت ورب الكعبة شكر الله استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة وقرأ « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً »لعن الله المشتركين في قتلك عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي ومسلم بن عبد الله الضبابي .

السلام على سعد بن عبد الله الحنفي القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف لا والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه و آله فيك والله لوأعلم أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنما هي موتة أو قتلة واحدة ثم هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا ؟ فقد لقيت حمامك وواسيت إمامك ولقيت من الله الكرامة في دار المقامة حشرنا الله معكم في المستشهدين ورزقنا مرافقتكم في أعلى عليين .

ص: 280

السلام على بشر بن عمر الحضرمي شكر الله لك قولك للحسين وقد أذن لك في الانصراف أكلتني - إذن - السباع حيا إن فارقتك وأسأل عنك الركبان وأخذلك مع قلة الأعوان لا يكون هذا أبدا .

السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرقي القاري المجدل بالمشرفي .

السلام على عمر بن كعب الأنصاري .

السلام على نعيم بن عجلان الأنصاري .

السلام على زهير بن القين البجلي القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف : لا والله لا يكون ذلك أبدا أترك ابن رسول الله أسيرا في يد الأعداء وأنجو ؟ لا أراني

الله ذلك اليوم .

السلام على عمرو بن قرظة الأنصاري .

السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي .

السلام على الحر بن يزيد الرياحي .

السلام على عبد الله بن عمير الكلبي .

السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي المرادي .

السلام على أنس بن كاهل الأسدي .

السلام على قيس بن مسهر الصيداوي.

السلام على عبد الله وعبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاريين .

السلام على جون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري .

السلام على شبيب بن عبد الله النهشلي .

السلام على الحجاج بن زيد السعدي .

السلام على قاسط وكرش ابني ظهير التغلبيين .

السلام على كنانة بن عتيق .

ص: 281

السلام على ضرغامة بن مالك .

السلام على حوى بن مالك الضبعي .

السلام على عمرو بن ضبيعة الضبعي .

السلام على زيد بن ثبيت القيسي .

السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيت القيسي .

السلام على عامر بن مسلم .

السلام على قعنب بن عمرو التمري .

السلام على سالم مولى عامر بن مسلم .

السلام على سيف بن مالك .

السلام على زهير بن بشر الخثعمي .

السلام على زيد بن معقل الجعفي .

السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي .

السلام على مسعود بن الحجاج وابنه .

السلام على مجمع بن عبد الله العائذي .

السلام على عمار بن حسان بن شريح الطائي .

السلام على حباب بن الحارث السلماني الأزدي .

السلام على جندب بن حجر الخولاني .

السلام على عمر بن خالد الصيداوي .

السلام على سعيد مولاه .

السلام على يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي .

السلام على زاهد مولى عمرو بن الحمق الخزاعي .

السلام على جبلة بن علي الشيباني .

ص: 282

السلام على سالم مولى بني المدنية الكلبي .

السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج .

السلام على زهير بن سليم الأزدي .

السلام على قاسم بن حبيب الأزدي .

السلام على عمر بن جندب الحضرمي .

السلام على أبي ثمامة عمر بن عبد الله الصائدي .

السلام على حنظلة بن سعد الشبامي .

السلام على عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدر الأرحبي .

السلام على عمار بن أبي سلامة الهمداني .

السلام على عابس بن أبي شبيب الشاكري .

السلام على شوذب مولى شاكر .

السلام على شبيب بن الحارث بن سريع .

السلام على مالك بن عبد بن سريع .

السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير الفهمي الهمداني .

السلام على المرتب معه عمرو بن عبد الله الجندعي .

السلام عليكم يا خير أنصار السلام عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ

بوأكم الله مبوأ الأبرار .

أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ومهد لكم الوطاء وأجزل لكم العطاء وكنتم عن الحق غير بطاء وأنتم لنا فرطاء ونحن لكم خلطاء في دار البقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أقول : قوله : «وقيل» لعله من السيد أو من بعض الرواة .

ص: 283

[ رواية المسعودي ]

4 - وقال المسعودي في كتاب مروج الذهب : فعدل الحسين إلى كربلاء وهو

في مقدار ألف فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل ، فلم يزل يقاتل حتى قتل صلوات الله عليه ، وكان الذي تولى قتله رجلا من مذحج ، وقتل وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل : ابن تسع وخمسين سنة ، وقيل غير ذلك ، ووجد به عليه السلام يوم قتل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ، وضرب زرعة بن شريك التميمي لعنه الله كفه اليسرى ، وطعنه سنان بن أنس النخعي لعنه الله ، ثم نزل واجتز رأسه ، وتولى قتله من أهل الكوفة خاصة لم يحضرهم شامي ، وكان جميع من قتل معه سبعا وثمانين ، وكان عدة من قتل من أصحاب عمر بن سعد في حرب الحسين عليه السلام ثمانية وثمانين رجلا(1) .

ص: 284


1- أقول : ولنوضح بعض مشكلات ما تقدم في هذا الباب . قوله عليه السلام لو لا تقارب الأشياء أي قرب الآجال أو إناطة الأشياء بالأسباب بحسب المصالح أو أنه يصير سببا لتقارب الفرج وغلبة أهل الحق ولما يأت أوانه وفي بعض النسخ لو لا تفاوت الأشياء أي في الفضل والثواب. قوله عليه السلام فلم يبعد أي من الخير والنجاح والفلاح وقد شاع قولهم بعدا له وأبعده الله والإغذاذ في السير الإسراع وقال الجزري في حديث أبي قتادة فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد أي لا يلتفت ولا يعطف عليه وألوى برأسه ولواه إذا أماله من جانب إلى جانب انتهى. والوله الحيرة وذهاب العقل حزنا والمراد هنا شدة الشوق وقال الفيروزآبادي عسل الذئب أو الفرس يعسل عسلانا اضطرب في عدوه وهز رأسه والعسل الناقة السريعة وأبو عسلة بالكسر الذئب انتهى أي يتقطعها الذئاب الكثيرة العدو السريعة أو الأعم منه ومن سائر السباع والكرش من الحيوانات كالمعدة من الإنسان والأجربة جمع الجراب وهو الهميان أطلق على بطونها على الاستعارة ولعل المعنى أني أصير بحيث يزعم الناس أني أصير كذلك بقرينة . قوله عليه السلام وهو مجموعة له في حظيرة القدس فيكون استعارة تمثيلية أو يقال نسب إلى نفسه المقدسة ما يعرض لأصحابه أو يقال إنها تصير ابتداء إلى أجوافها لشدة الابتلاء ثم تنتزع منها وتجتمع في حظيرة القدس ويقال انكمش أي أسرع. قوله كأنما على رءوسنا الطير أي بقينا متحيرين لا نتحرك قال الجزري في صفة الصحابة كأنما على رءوسهم الطير وصفهم بالسكون والوقار وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن انتهى. والتقويض نقض من غير هدم أو هو نزع الأعواد والأطناب والإرقال ضرب من الخبب وهو ضرب من العدو . وهوادي الخيل أعناقها. قوله كأنّ أسنتهم اليعاسيب هو جمع يعسوب أمير النحل شبهها في كثرتها بأن كلا منها كأنه أمير النحل اجتمع عليه عسكره قال الجزري في حديث الدجال فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل جمع يعسوب أي تظهر له وتجتمع عنده كما تجتمع النحل على يعاسيبها انتهى وكذا تشبيه الرايات بأجنحة الطير إنما هو في الكثرة واتصال بعضها ببعض. وقال الجوهري وقولهم هم زهاء مائة أي قدر مائة . قوله عليه السلام ورشفوا الخيل أي اسقوهم قليلا قال الجوهري الرشف المص وفي المثل الرشف أنقع أي إذا ترشفت الماء قليلا قليلا كان أسكن للعطش والطساس بالكسر جمع الطس وهو لغة في الطست ولا تغفل عن كرمه عليه الصلاة والسلام حيث أمر بسقي رجال المخالفين ودوابهم. قوله والراوية عندي السقاية أي كنت أظن أن مراده عليه السلام بالراوية المزادة التي يسقى به ولم أعرف أنها تطلق على البعير فصرح عليه السلام بذكر الجمل قال الفيروزآبادي الراوية المزادة فيها الماء والبعير والبغل والحمار يستقي عليه وقال الجزري فيه نهي عن اختناث الأسقية خنثت السقاء إذا ثنيت فمه إلى خارج وشربت منه وقبعته إذا ثنيته إلى داخل والخميس الجيش والوغى الحرب والعرمرم الجيش الكثير والباتر السيف القاطع وقال الجوهري الجعجعة الحبس وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد أن جعجع بحسين عليه السلام قال الأصمعي يعني احبسه وقال ابن الأعرابي يعني ضيق عليه وقال العراء بالمد الفضاء لا ستر به قال الله - تعالى - لَنُبِذَ بِالْعَراءِ . ويقال ما لي به قبل بكسر القاف أي طاقة والصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء . وقال الجوهري الوبلة بالتحريك الثقل والوخامة وقد وبل المرتع وبلا ووبالا فهو وبيل أي وخيم والبرم بالتحريك ما يوجب السأمة والضجر والوثير الفراش الوطيء اللين والخمير الخبز البائت والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله . وقال البيضاوي في قوله وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ أي ليس الحين حين مناص ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص والمناص المنجى. قوله قد خشيت أي ظننت أو علمت وكبد السماء وسطها والبغر بالتحريك داء وعطش قال الأصمعي هو عطش يأخذ الإبل فتشرب فلا تروى وتمرض عنه فتموت تقول منه بغر بالكسر والزحف المشي والمناجزة المبارزة والمقاتلة والثمال بالكسر الغياث يقال فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم ويقال حلأت الإبل عن الماء تحلئة إذا طردتها عنه ومنعتها أن ترده قاله الجوهري وقال تقول تبا لفلان تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا والترح بالتحريك ضد الفرح والمستصرخ المستغيث وحششت النار أحشها حشا أوقدتها. قوله جناها أي أخذها وجمع حطبها وفي رواية السيد فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوكم وعدونا.وقال الجوهري ألبت الجيش إذا جمعته وتألبوا تجمعوا وهم ألب وإلب إذا كانوا مجتمعين وتفيل رأيه أخطأ وضعف والجأش رواغ القلب إذا اضطرب عند الفزع ونفس الإنسان وقد لا يهمز. قوله عليه السلام طامن أي ساكن مطمئن واستحصف الشيء استحكم وشذاذ الناس الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم. قوله عليه السلام ونفثة الشيطان أي ينفث فيهم الشيطان بالوساوس أو أنهم شرك شيطان قال الفيروزآبادي نفث ينفث وينفث وهو كالنفخ ونفث الشيطان الشعر والنفاثة ككناسة ما ينفثه المصدور من فيه والشطيبة من السواك تبقى في الفم فتنفث وفي تحف العقول بقية الشيطان. قوله عليه السلام جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ قال الجوهري هو من عضوته أي فرقته لأن المشركين فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا وقيل أصله عضهة لأن العضة والعضين في لغة قريش السحر. قوله عليه السلام قد ركز أي أقامنا بين الأمرين من قولهم ركز الرمح أي غرزه في الأرض وفي رواية السيد والتحف ركن بالنون أي مال وسكن إلينا بهذين والأظهر تركني كما في الإحتجاج والقلة قلة العدد بالقتل وفي رواية السيد والإحتجاج السلة وهي بالفتح والكسر اعتلال السيوف وهو أظهر. قوله فغير مهزمينا على صيغة المفعول أي إن أرادوا أن يهزمونا فلا نهزم أو إن هزمونا وأبعدونا فليس على وجه الهزيمة بل على جهة المصلحة والأول أظهر والطب بالكسر العادة والحاصل أنا لم نقتل بسبب الجبن فإنه ليس من عادتنا ولكن بسبب أن حضر وقت منايانا ودولة الآخرين. قوله عليه السلام إلا ريثما يركب أي إلا قدر ما يركب وطاح يطوح ويطيح هلك وسقط والهبل بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته والكلكل الصدر وفي بعض النسخ بكظمه وهو بالتحريك مخرج النفس وهو أظهر والزئير صوت الأسد في صدره. قوله لعنه الله مزني أي رمح مزني وكعوب الرمح النواشز في أطراف الأنابيب وعدم خيانتها كناية عن كثرة نفوذها وعدم كلالها والغراران شفرتا السيف والحاسر الذي لا مغفر عليه ولا درع ويوم قماطر بالضم شديد قوله هنه الهاء للسكت وكذا في قوله فاجهدنه وفارغبنه ورجل مدجج أي شاك في السلاح ويقال عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه وأقام وكذلك التعرج ذكره الجوهري وقال قال أبو عمرو الأزل الخفيف الوركين والسمع الأزل الذئب الأرسح يتولد بين الذئب والضبع وهذه الصفة لازمة له كما يقال الضبع العرجاء وفي المثل هو أسمع من الذئب الأزل واللبد بكسر اللام وفتح الباء جمع اللبدة وهي الشعر المتراكب بين كتفي الأسد ويقال للأسد ذو لبد. قوله لأنعمتك عينا أي نعم أفعل ذلك إكراما لك وإنعاما لعينك وشب الفرس يشب ويشب شبابا وشبيبا إذا قمص ولعب وأشببته أنا إذا هيجته واحتوش القوم على فلان أي جعلوه وسطهم. وقال الجوهري قولهم فلان حامي الذمار أي إذا ذمر وغضب حمي وفلان أمنع ذمارا من فلان ويقال الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه قوله شاري أي شرى نفسه وباعها بالجنة والمهند السيف المطبوع من حديد الهند وأصلت سيفه أي جرده من غمده فهو مصلت وضربه بالسيف صلتا وصلتا إذا ضربه به وهو مصلت والباسل البطل الشجاع والفيصل الحاكم والقضاء بين الحق والباطل والولولة الإعوال والأشبل جمع الشبل ولد الأسد والغيار بالكسر من الغيرة أو الغارة وقد يكون بمعنى الدخول في الشيء والعضب بالفتح السيف القاطع. وقال الجوهري سيف ذكر ومذكر أي ذوماء قال أبو عبيد هي سيوف شفراتها حديد ذكر ومتونها أنيث قال ويقول الناس إنها من عمل الجن ودودان بن أسد أبو قبيلة قوله بطعن آن أي حار شديد الحرارة ويقال أرهفت سيفي أي رققته فهو مرهف والأسمر الرمح والسطاع لعله من سطوع الغبار والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمي نفسه أي سترها بالدرع والبيضة. والقرم السيد والأكتاد جمع الكتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر والآد القوة والأخفاق لعله جمع الخفق بمعنى الاضطراب أو الخفق بمعنى ضربك الشيء بدرة أو عريض أو صوت النعل أو من أخفق الطائر ضرب بجناحيه والرشق الرمي بالنبل وغيره وبالكسر الاسم والخور الضعف والجبن والشلو بالكسر العضو من أعضاء اللحم وأشلاء الإنسان أعضاو بعد البلى والتفرق. قوله من عامه أي متحير ضال ولعله بيان لابن هند والعجاجة الغبار والذوائب جمع الذوبة وهي من العز والشرف وكلّ شيء أعلاه والصوب نزول المطر والمزن جمع المزنة وهي السحابة البيضاء والفلقة بالكسر القطعة وأسد حرب بكسر الراء أي شديد الغضب. قوله فأطنها أي قطعها والضرغام بالكسر الأسد وقال الجزري فيه واقتلهم بددا يروى بكسر الباء جمع بدة وهي الحصة والنصيب أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته ونصيبه ويروى بالفتح أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد انتهى والقسورة العزيز والأسد والرماة من الصيادين ويقال أجحرته أي ألجأته إلى أن دخل جحره فانجحر. قوله عليه السلام إذا الموت رقا أي صعد كناية عن الكثرة أو القرب والإشراف وفي بعض النسخ زقا بالزاء المعجمة أي صالح والمصاليت جمع المصلات وهو الرجل الماضي في الأمور واللقا بالفتح الشيء الملقى لهوانه وقال الجوهري القدة الطريقة والفرقة من الناس إذا كان هوى كلّ واحد على حدة يقال كُنّا طَرائِقَ قِدَداً . وقال الجوهري العفاء بالفتح والمد التراب وقال صفوان بن محرز إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه ماء فعلى الدنيا العفاء وقال أبو عبيدة العفاء الدروس والهلاك قال وهذا كقولهم عليه الدبار إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع والتذبذب التحرك والوكوف القطرات والهطل تتابع المطر والفيلق بفتح الفاء واللام الجيش والورد بالفتح الأسد والجحفل الجيش ونفحه بالسيف تناوله من بعيد وفي بعض النسخ بعجة من قولهم بعج بطنه بالسكين إذا شقه. وقال الجوهري البقع في الطير والكلاب بمنزلة البلق في الدواب والرفس الضرب بالرجل وسفت الريح التراب تسفيه سفيا أذرته واليعبوب الفرس الكثير الجري وشددنا أسره أي خلقه والجناجن عظام الصدر .

ص: 285

ص: 286

ص: 287

ص: 288

[ فضل أصحاب الحسين وشيعته ]

5 - الغيبة للنعماني : عن الباقر عليه السلام أنه قال : المونون يبتلون ، ثم يميزهم الله عنده ، إن الله لم يون المونين من بلاء الدنيا ومرائرها ، ولكن آمنهم من العمى والشقاء في الآخرة ، ثم قال : كان الحسين بن علي عليه السلام يضع قتلاه بعضهم على بعض ثم يقول : قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين .

6 - الخرائج والجرائح : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال لي : يا بني إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى عمورا ، وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد وتلا « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » ، يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم ، فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا .

قال : ثم أمكث ما شاء الله ، فأكون أول من ينشق الأرض عنه ، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المونين وقيام قائمنا ، وحياة رسول الله صلى الله عليه و آله ثم لينزلن على وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلن إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب ، جمال من نور لم يركبها مخلوق ، ثم ليهزن محمد صلى الله عليه و آله لواءه وليدفعه إلى قائمنا مع سيفه ، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله ، ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من ماء وعينا من لبن ، ثم إن أمير المونين يدفع إلي سيف رسول الله صلى الله عليه و آله ويبعثني إلى المشرق والمغرب فلا آتي على عدو لله إلا أهرقت دمه ، ولا أدع صنما إلا أحرقته حتى أقع إلى الهند فأفتحها ، وإن دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المونين عليه السلام يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم ، ويبعث بعثا إلى الروم فيفتح الله لهم ، ثم لأقتلن كلّ دابة حرم الله لحمها

ص: 289

حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ومن كره الإسلام أهرق الله دمه ، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل الله إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة ، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت ، ولينزلن البركة من السماء إلى

الأرض حتى أن الشجرة لتقصف بما يزيد الله فيها من الثمرة ، ولتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء ، وذلك قوله عز وجل« وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » ، ثم إن الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها حتى أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملون(1) .

[ جراح الحسين ]

7 - الأمالي للصدوق : عن الباقر عليه السلام قال : أصيب الحسين بن علي عليه السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم .

فروي : أنها كانت كلّها في مقدمه لأنه عليه السلام كان لا يولي .

8 - الأمالي للطوسي : عن معاذ بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : وجد بالحسين بن علي عليه السلام نيف وسبعون طعنة ونيف وسبعون ضربة بالسيف صلوات الله عليه.

9 - الأمالي للصدوق : عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قال : دخلت العامة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب ، فجعل رجل يفض

ص: 290


1- بيان : لتقصف أي تنكسر أغصانها لكثرة ما حملت من الثمرة .

الخلخالين من رجلي وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك يا عدو الله ؟ فقال : كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله ؟ فقلت : لا تسلبني ، قال : أخاف أن يجيء غيري فيأخذه .

قالت : وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا .

[ خطبة الحسين يوم العاشر ]

10 - الإحتجاج : عن مصعب بن عبد الله قال : لما استكف الناس بالحسين عليه السلام ركب فرسه واستنصت الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

تبا لكم أيتها الجماعة وترحا وبوا لكم وتعسا حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا ، وحششتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم ألبا على أوليائكم ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منا إليكم ، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم يستحصف ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبى ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها سفها

وضلة ، بعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب ومطفئ السنن ومواخي المستهزءين الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ وعصاة الأمم وملحق العهرة بالنسب لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ، أفهواء تعضدون وعنا تتخاذلون ؟ أجل والله الخذل فيكم معروف ، نبتت عليه أصولكم وتأزرت عليه عروقكم ، فكنتم أخبث شجر للناظر وأكلة للغاصب أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ الناكثين الذين ينقضون الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً .

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك ، هيهات مني الذلة ، أبى الله ذلك ورسوله والمونون وجدود طهرت وحجور طابت ، أن نور

طاعة اللئام على مصارع الكرام .

ص: 291

ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر ، ثم تمثل فقال(1) :

فإن نهزم فهزامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

[ بين المنهال والسجاد ]

11 - تفسير القمي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لقي المنهال بن عمرو علي بن الحسين بن علي عليه السلام فقال له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال : ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت ؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، وأصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر ، وأصبح عدونا يعطى المال والشرف ، وأصبح من يحبنا محقورا منقوصا حقه ، وكذلك لم يزل المونون ، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمدا كان منها ، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمدا كان منها ، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا كان منها ، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا كان منها ، وأصبحنا أهل بيت محمد لا يعرف لنا حق ، فهكذا أصبحنا .

[ من سمع واعيتنا ولم يغثنا كان حقّا على اللّه أن يكبه في النار ]

12 - ثواب الأعمال : عن عمرو بن قيس المشرقي قال : دخلت على الحسين صلوات الله عليه أنا وابن عم لي وهو في قصر بني مقاتل ، فسلمنا عليه فقال له

ابن عمي : يا أبا عبد الله هذا الذي أرى خضاب أو شعرك ؟ فقال : خضاب والشيب إلينا بني هاشم يعجل ، ثم أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتي ؟ فقلت : إني رجل كبير السن كثير الدين كثير العيال وفي يدي بضائع للناس ولا أدري ما يكون ، وأكره أن

ص: 292


1- بيان : يقال شمت السيف أغمدته وشمته سللته وهو من الأضداد .

أضيع أمانتي ، وقال له ابن عمي مثل ذلك ، قال لنا : فانطلقا فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا كان حقا

على الله عز وجل أن يكبه على منخريه في النار .

[ لِمَ تخلّف ابن الحنفية ؟ ]

13 - بصائر الدرجات : عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه ، قال : قال أبو عبد الله : يا حمزة إني سأحدثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا : إن الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس وكتب : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى بني هاشم أما بعد : فإنه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح ، والسلام .

[ خروج الحسين من مكة ]

14 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين بن علي عليه السلام خرج قبل التروية بيوم إلى العراق وقد كان دخل معتمرا .

15 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ، وقد اعتمر الحسين في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج .

16 - كامل الزيارات : عن أبي سعيد عقيصا قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام

وخلا به عبد الله بن الزبير فناجاه طويلا قال : ثم أقبل الحسين عليه السلام بوجهه إليهم وقال : إن هذا يقول لي : كن حماما من حمام الحرم ، ولأن أقتل وبيني وبين الحرم باع أحب إلي من أن أقتل وبيني وبينه شبر ، ولأن أقتل بالطف أحب إلي من أن أقتل بالحرم .

ص: 293

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن علي عليه السلام : لو جئت إلى مكة فكنت بالحرم ؟ فقال الحسين بن علي عليه السلام : لا نستحلها ولا تستحل بنا ، ولأن أقتل على تل أعفر أحب إلي من أن أقتل بها(1) .

18 - كامل الزيارات : عن الباقر عليه السلام قال : إن الحسين عليه السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيعه عبد الله بن الزبير فقال : يا أبا عبد الله قد حضر الحج وتدعه

وتأتي العراق ؟ فقال : يا ابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحب إلي من أن أدفن بفناء الكعبة .

[ بين الحسين وأصحابه ]

19 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين بن علي عليه السلام قال لأصحابه يوم أصيبوا : أشهد أنه قد أذن في قتلكم فاتقوا الله واصبروا .

20 - كامل الزيارات : عن الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الحسين عليه السلام صلى بأصحابه الغداة ثم التفت إليهم فقال : إن الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر(2) .

21 - كامل الزيارات : عن حسين بن أبي العلا قال : قال : والذي رفع إليه العرش لقد حدثني أبوك بأصحاب الحسين لا ينقصون رجلا ولا يزيدون رجلا تعتدي بهم هذه الأمة كما اعتدت بنو إسرائيل وقتل يوم السبت يوم عاشوراء(3) .

22 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين صلى بأصحابه يوم أصيبوا ثم قال : أشهد أنه قد أذن في قتلكم يا قوم فاتقوا الله واصبروا .

ص: 294


1- بيان : قال الجوهري الأعفر الرمل الأحمر والأعفر الأبيض وليس بالشديد البياض انتهى وقال المسعودي تل أعفر موضع من بلاد ديار ربيعة .
2- بيان : أي قدر قتلكم في علمه - تعالى - .
3- أقول : هكذا وجدنا الخبر ولعله سقط منه شيء .

23 - كامل الزيارات : عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب الحسين بن علي عليه السلام من مكة إلى محمد بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد : فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام .

قال محمد بن عمرو : عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب الحسين بن علي إلى محمد بن علي من كربلاء : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد : فكأن الدنيا لم تكن وكان الآخرة لم تزل والسلام .

24 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لما صعد الحسين بن علي عليه السلام عقبة البطن قال لأصحابه : ما أراني إلا مقتولا ، قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله قال : روا رأيتها في المنام ، قالوا : وما هي ؟ قال : رأيت كلابا تنهشني أشدها علي كلب أبقع .

25 - كامل الزيارات : عن الحسين بن علي عليه السلام قال : والذي نفس حسين بيده لا يهنئ بني أمية ملكهم حتى يقتلوني ، وهم قاتلي ، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعا أبدا ، ولم يأخذوا عطاء في سبيل الله جميعا أبدا ، إن أول قتيل هذه الأمة أنا وأهل بيتي ، والذي نفس حسين بيده لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشمي يطرف(1) .

[ نساء بني هاشم يندب الحسين قبل الخروج ]

26 - كامل الزيارات : عن محمد بن علي عليه السلام قال : لما هم الحسين بالشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين عليه السلام فقال : أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، قالت له

ص: 295


1- بيان : لعل المعنى : لم يوفق الناس للصلاة جماعة مع إمام الحق ولا أخذ الزكاة وحقوق اللّه إلى قيام القائم عليه السلام ، وآخر الخبر إشارة إلى ما يصيب بني هاشم من الفتن في آخر الزمان .

نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء ؟ فهو عندنا كيوم مات رسول الله صلى الله عليه و آلهوعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم ، فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت ، فيا حبيب الأبرار من أهل القبور ، وأقبلت بعض عماته تبكي وتقول : أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون :

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت

حبيب رسول الله لم يك فاحشا

أبانت مصيبتك الأنوف وجلت

وقلن أيضا :

بكوا حسينا سيدا

ولقتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم

ولقتله انكسف القمر

واحمرت آفاق السماء

من العشية والسحر

وتغيرت شمس البلاد بهم

وأظلمت الكور

ذاك ابن فاطمة المصاب

به الخلائق والبشر

أورثتنا ذلا به

جدع الأنوف مع الغرر

[ من معجزاته ]

[ الحسين يعطي من تربته لام سلمة ]

27 - الخرائج والجرائح : من معجزاته صلوات الله عليه : أنه لما أراد العراق قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق فقد سمعت رسول الله يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق ، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة ، فقال : إني والله مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ، وإن أحببت أن أراك مضجعي ومصرع أصحابي ، ثم مسح بيده على وجهها ففسح الله عن بصرها حتى رأيا ذلك كلّه ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقال عليه السلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت .

ص: 296

فقالت أم سلمة : فلما كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دما ، فصاحت ، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلا وجد تحته دم عبيط .

[ الحسين يخبر أصحابه أنهم يقتلون جميعا ]

ومنها ما روي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال : لما كانت الليلة التي قتل الحسين في صبيحتها قام في أصحابه فقال عليه السلام : إن هواء يريدوني دونكم ولو قتلوني لم يصلوا إليكم ، فالنجاء النجاء ، وأنتم في حلّ ، فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم ، فقالوا : لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك ، فقال عليه السلام : إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم أحد ، فكان كما قال عليه السلام .

[ ما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا ]

28 - الإرشاد : عن علي بن الحسين عليه السلام قال : خرجنا مع الحسين ، فما نزل منزلا وما ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .

[ تاريخ شهادته عليه السلام كما في الارشاد ]

ومضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه ، قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا ، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة ، أقام بها مع جده سبع سنين ومع أبيه أمير المونين ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين ، وكانت مدة خلافته بعد أخيه أحد عشر سنة ، وكان عليه السلام يخضب بالحناء والكتم ، وقتل عليه السلام وقد نصل الخضاب من عارضيه .

ص: 297

[ اعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الآخرة ]

29 - تفسير الإمام عليه السلام : قال الإمام عليه السلام : ولما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه قال لعسكره : أنتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم ، وقال لأهل بيته : قد جعلتكم في حل من مفارقتي ، فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم وما المقصود غيري فدعوني والقوم ، فإن الله عز وجل يعينني ولا يخليني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيبين .

فأما عسكره ففارقوه ، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا : لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك ويصيبنا ما يصيبك وأنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك ، فقال لهم : فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه ، فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره ، وأن الله وإن كان خصني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات ، فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله - تعالى - ، واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الآخرة ، والفائز من فاز فيها والشقي من شقي فيها(1) .

[ الباقر عليه السلام يروي ماشاهده يوم الطف ]

30 - كتاب النوادر لعلي بن أسباط : قال : إن أبا جعفر عليه السلام قال : كان أبي مبطونا يوم قتل أبوه صلوات الله عليهما ، وكان في الخيمة وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه يتبعونه بالماء ، يشد على الميمنة مرة وعلى الميسرة مرة ، وعلى القلب مرة ، ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله صلى الله عليه و آله أن يقتل بها الكلاب ، لقد قتل بالسيف والسنان وبالحجارة وبالخشب وبالعصا ، ولقد أوطئوه الخيل بعد ذلك .

ص: 298


1- أقول : تمامه في أبواب أحوال آدم عليه السلام .

[ سرّ رائحة التفاح عند قبر الحسين ]

31 - المناقب لابن شهرآشوب : الحسن البصري وأم سلمة : أن الحسن والحسين

دخلا على رسول الله صلى الله عليه و آله وبين يديه جبرئيل ، فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي ، فجعل جبرئيل يومئ بيده كالمتناول شيئا ، فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة ، فناولهما وتهللت وجوههما ، وسعيا إلى جدهما ، فأخذ منهما فشمها ثم قال : صيرا إلى أمكما بما معكما وبدوكما بأبيكما أعجب ، فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلون حتى صار النبي إليهم ، فأكلوا جميعا ، فلم يزل كلما أكلّ منه عاد إلى ما كان

حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و آله .

قال الحسين عليه السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله حتى توفيت ، فلما توفيت فقدنا الرمان وبقي التفاح والسفرجل أيام أبي ، فلما استشهد أمير المونين فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي ، فلما اشتد علي العطش عضضتها وأيقنت بالفناء .

قال علي بن الحسين عليه السلام : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة ، فلما قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه ، فالتمست فلم ير لها أثر ، فبقي ريحها بعد الحسين عليه السلام ولقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر فإنه يجده إذا كان مخلصا .

[ قصيدة للإمام يوم الطف ]

32 - المناقب لابن شهرآشوب : أنشأ صلوات الله عليه يوم الطف : «كفر القوم وقدما رغبوا» إلى آخر ما مر من الأبيات ، وزاد فيما بينها :

فاطم الزهراء أمي وأبي

وارث الرسل مولى الثقلين

ص: 299

طحن الأبطال لما برزوا

يوم بدر وبأحد وحنين

وأخو خيبر إذ بارزهم

بحسام صارم ذي شفرتين

والذي أردى جيوشا أقبلوا

يطلبون الوتر في يوم حنين

من له عم كعمي جعفر

وهب الله له أجنحتين

جدي المرسل مصباح الهدى

وأبي الموفي له بالبيعتين

بطل قرم هزبر ضيغم

ماجد سمح قوي الساعدين

عروة الدين علي ذاكم

صاحب الحوض مصلي القبلتين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصل غير ذين

ترك الأوثان لم يسجد لها

مع قريش مذ نشا طرفة عين

وأبي كان هزبرا ضيغما

يأخذ الرمح فيطعن طعنتين

كتمشي الأسد بغيا فسقوا

كأس حتف من نجيع الحنظلين

[ بين ميثم وحبيب ]

33 - رجال الكشي : عن فضيل بن الزبير قال : مر ميثم التمار على فرس له

فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حب أهل بيت نبيه عليهم السلام ويبقر بطنه على الخشبة ، فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا أحمر ، له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه ويقتل ويجال برأسه بالكوفة ، ثم افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أحدا أكذب من هذين .

قال : فلم يفترق أهل المجلس حتى أقبل رشيد الهجري فطلبهما ، فسأل أهل المجلس عنهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا! فقال رشيد : رحم الله ميثما نسي : ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ، ثم أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم .

ص: 300

فقال القوم : والله ما ذهبت الأيام والليالي حتى رأيناه مصلوبا على باب دار عمرو بن حريث ، وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين ، ورأينا كلّ ما قالوا .

وكان حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه السلام ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون فيقولون : لا عذر لنا عند رسول الله إن قتل الحسين ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله .

ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي فقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان يقال له سيد القراء : يا أخي ليس هذه بساعة ضحك ، قال : فأي موضع أحق من هذا بالسرور ، والله ما هو إلا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين(1) .

[ أثر جبرئيل في دار الحسين ]

34 - الكافي : عن الحكم بن عتيبة قال : لقي رجل الحسين بن علي عليه السلام بالثعلبية وهو يريد كربلاء ، فدخل عليه فسلم عليه ، فقال له الحسين عليه السلام : من أي البلاد أنت ؟ قال : من أهل الكوفة ، قال : أما والله يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل عليه السلام من دارنا ونزوله بالوحي على جدي ، يا أخا أهل الكوفة أفمستقي الناس العلم من عندنا فعلموا وجهلنا هذا ما لا يكون .

ص: 301


1- قال الكشي : هذه الكلمة مستخرجة من كتاب مفاخرة الكوفة والبصرة. توضيح : قوله اختلفت أعناق فرسيهما أي كانت تجيء وتذهب وتتقدم وتتأخر كما هو شأن الفرس الذي يريد صاحبه أن يقف وهو يمتنع أو المعنى حاذى عنقاهما على الخلاف والبقر الشق والضفيرة العقيصة يقال ضفرت المرأة شعرها .

[ أصيب الحسين وعليه جبّة خز وهو مختضب ]

35 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أصيب الحسين وعليه جبة خز .

36 - الكافي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قتل الحسين بن علي عليه السلام وعليه جبة خز دكناء ، فوجدوا فيها ثلاثة وستين من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم .

37 - الكافي : عن يعقوب بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : قتل الحسين عليه السلام

وهو مختضب بالوسمة .

38 - الكافي : عن أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخضاب بالوسمة فقال : لا بأس ، قد قتل الحسين عليه السلام وهو مختضب بالوسمة .

[ صوم يوم عاشورا ]

39 - الكافي : عن جعفر بن عيسى قال : سألت الرضا عليه السلام عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه ؟ فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني ، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام ، وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله عليه و آله ويتشاءم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الإثنين يوم

نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه ، وما أصيب آل محمد إلا في يوم الإثنين فتشاءمنا به ، وتتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل الحسين عليه السلام وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد ، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما .

40 - الكافي : عن عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعا وعاشوراء من شهر المحرم ؟ فقال : تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين وأصحابه بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب .

ص: 302

ثم قال : وأما يوم عاشوراء ، فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعا بين أصحابه وأصحابه حوله صرعى عراة ، أفصوم يكون في ذلك اليوم ؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم ، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المونين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم ، وذلك يوم بكت جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه ، ومن اذخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله - تعالى - نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك .

41 - الأمالي للطوسي : عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : ذاك يوم قتل الحسين عليه السلام ، فإن كنت شامتا فصم .

ثم قال : إن آل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلم من خرج إلى الحسين وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس واقتدى بهم الناس جميعا لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم.. الخبر .

[ خبث عائلة الأشعث ]

42 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المونين عليه السلام ، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام .

ص: 303

تذنيب

[ أسئلة وردود حول ثورة الحسين عليه السلام ]

قال السيد رحمه اللهفي كتاب «تنزيه الأنبياء» فإن قيل : ما العذر في خروجه صلوات الله عليه من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولي عليها أعداو والمتأمر فيها من قبل يزيد اللعين يتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه صلوات الله عليهما ، وأنهم غادرون خوانون ؟

وكيف خالف ظنه ظن جميع نصحائه في الخروج ، وابن عباس رحمه اللهيشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودعه عليه السلام يقول له : أستودعك الله من قتيل.. إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب ؟

ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل ، وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة ؟

ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة ؟

ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه ولم ألقى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية ؟ فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة ؟

الجواب :

قلنا : قد علمنا أن الإمام متى غلب على ظنه أنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها ، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا الكوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود وبعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين ، وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد

ص: 304

الصلح الواقع بينه وبين الحسن عليه السلام ، فدفعهم وقال في الجواب ما وجب ، ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام ومعاوية باق فوعدهم ومناهم ، وكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها.

فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة وبذلوا الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى عليه السلام من قوتهم على ما كان يليهم في الحال من قبل يزيد وتسلطهم عليه وضعفه عنهم ما قوي في ظنه أن المسير هو الواجب تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب ، ولم يكن في حسبانه عليه السلام أن القوم يغدر بعضهم ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق ما اتفق من الأمور الغريبة ، فإن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها. ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هانئ بن عروة المرادي على ما شرح في السيرة وحصل شريك بن الأعور بها جاء ابن زياد عائدا وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك وأمكنه ذلك وتيسر له فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك وأن النبي صلى الله عليه و آلهقال إن الإيمان قيد الفتك ولو كان

فعل مسلم من قتل ابن زياد ما تمكن منه ووافقه شريك عليه لبطل الأمر ودخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع عنها وحسر كلّ أحد قناعه في نصرته واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه. وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانئا سار إليه في جماعة من أهل الكوفة حتى حضره في قصره وأخذ بكظمه وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كلّ وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن نصرة ابن عقيل فتقاعدوا وتفرق أكثرهم حتى أمسى في شرذمة وانصرف وكان من أمره ما كان.

وإنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة وأن الاتفاق السيئ عكس الأمر إلى ما يروون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه عليه السلام شهداء ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة.

ص: 305

فأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسن عليه السلام فواضح صحيح لأن أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا عليه السلام لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ورأى من أسباب قوة نصار الحق وضعف نصار الباطل ما وجب معه عليه الطلب والخروج ، فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه عليه السلام فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه .

فالحالان متفقان إلا أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه عليه السلام ولم يجب إلى الموادعة وطلبت نفسه عليه السلام فمنع منها بجهده حتى مضى كريما

إلى جنة الله - تعالى - ورضوانه وهذا واضح لمتأمله انتهى.

أقول : قد مضى في كتاب الإمامة وكتاب الفتن أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهم عليهماالسلام كان مأمورا بأمور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسول صلى الله عليه و آلهفهم كانوا يعملون بها ، ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا ، وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياء عليهم السلام وإن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى على ألوف من الكفرة ويسبون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار وغير ذلك لا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كلّ ما يصدر عنهم.

على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنه عليه السلام فدى نفسه المقدسة دين جده ، ولم يتزلزل أركان دول بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته ، ولو كان عليه السلام يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه عليه السلام هرب من المدينة خوفا من القتل إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله حتى لم يتيسر له

ص: 306

- فداه نفسي وأبي وأمي وولدي - أن يتم حجة فتحلل وخرج مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ وقد كانوا لعنهم الله ضيقوا عليه جميع الأقطار ، ولم يتركوا له موضعا للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة : أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلّهم ، وكان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة ، ثم إنه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسين عليه السلام على أي حال اتفق ، فلما علم الحسين عليه السلام بذلك حل من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.

وقد روي بأسانيد : أنه لما منعه عليه السلام محمد بن الحنفية عن الخروج إلى الكوفة قال : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني.

بل الظاهر أنه صلوات الله عليه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة ، وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك ، ألا ترى إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه ، وكان عبيد الله بن زياد عليه لعائن الله إلى يوم التناد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ثم نرى فيه رأينا ، ألا ترى كيف أمنوا مسلما ثم قتلوه.

فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيت عليهم السلام كان ذا دهاء ونكراء حزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على أي حال ، ولذا صالحه الحسن عليه السلام ولم يتعرض له الحسين ، ولذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين عليه السلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته.

اللهم العن كلّ من ظلم أهل بيت نبيك وقتلهم وأعان عليهم ورضي بما جرى عليهم من الظلم والجور لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما ، واجعلنا من خيار شيعة آل محمد وأنصارهم والطالبين بثأرهم مع قائمهم صلوات الله عليهم أجمعين .

ص: 307

باب 38 :شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما

اشارة

1 - الأمالي للصدوق : عن أبي محمد شيخ لأهل الكوفة قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام أسر من معسكره غلامان صغيران ، فأتي بهما عبيد الله بن زياد ، فدعا سجانا له فقال : خذ هذين الغلامين إليك ، فمن طيب الطعام فلا تطعمهما ، ومن البارد فلا تسقهما ، وضيق عليهما سجنهما وكان الغلامان يصومان النهار فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح .

فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة قال أحدهما لصاحبه : يا أخي قد طال بنا مكثنا ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا ، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا ، وتقرب إليه بمحمد صلى الله عليه و آلهلعله يوسع علينا في طعامنا ويزيدنا في شرابنا .

فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح فقال له الغلام الصغير : يا شيخ أتعرف محمد ؟ا قال : فكيف لا أعرف محمدا وهو نبيي ، قال : أفتعرف جعفر بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف جعفرا وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء ، قال : أفتعرف علي بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف عليا وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي ، قال له : يا شيخ فنحن من عترة

ص: 308

نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب بيدك أسارى ، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا ومن بارد الشراب فلا تسقينا ، وقد ضيقت علينا سجننا ، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح فخذا أي طريق شئتما .

فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح ووقفهما على الطريق وقال لهما : سيرا يا حبيبي الليل واكمنا النهار حتى يجعل الله عز وجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا ، ففعل الغلامان ذلك .

فلما جنهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها : يا عجوز إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق ، فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبي ، فقد شممت

الروائح كلّها فما شممت رائحة هي أطيب من رائحتكما ، فقالا لها : يا عجوز نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آلههربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، قالت العجوز : يا حبيبي إن لي ختنا فاسقا قد شهد الوقعة مع عبيد الله بن زياد أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما ، قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق فقالت : سآتيكما

بطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا ، فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير : يا أخي إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه ، فتعال حتى أعانقك وتعانقني ، وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا ، ففعل الغلامان ذلك واعتنقا وناما .

فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا ، فقالت العجوز : من هذا ؟ قال : أنا فلان ، قالت : ما الذي أطرقك هذه الساعة وليس هذا لك بوقت ؟ قال : ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي جهد البلاء قد نزل بي ، قالت : ويحك ما الذي نزل بك ؟ قال : هرب غلامان صغيران من عسكر عبيد الله بن زياد ، فنادى الأمير في معسكره من جاء برأس

ص: 309

واحد منهما فله ألف درهم ، ومن جاء برأسهما فله ألفا درهم ، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شيء ، فقالت العجوز : يا ختني احذر أن يكون محمد خصمك في القيامة ، قال لها : ويحك إن الدنيا محرص عليها ، فقالت : وما تصنع بالدنيا وليس معها آخره ؟ قال : إني لأراك تحامين عنهما ، كان عندك من طلب الأمير شيء فقومي فإن الأمير يدعوك ، قالت : وما يصنع الأمير بي وإنما أنا عجوز في هذه البرية ؟ قال : إنما لي الطلب افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح ، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما ، ففتحت له الباب وأتته بطعام وشراب ، فأكلّ وشرب .

فلما كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف البيت ، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج ، ويخور كما يخور الثور ، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير ، فقال له : من هذا ؟ قال : أما أنا فصاحب المنزل فمن أنتما ؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول : قم يا حبيبي فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره ، قال لهما : من أنتما ؟ قالا له : يا شيخ إن نحن صدقناك فلنا الأمان ؟ قال : نعم ، قالا : أمان الله وأمان رسوله وذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، قالا : ومحمد بن عبد الله على ذلك من الشاهدين ؟ قال : نعم ، قالا : وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ وشهيد ؟ قال : نعم ، قالا له : يا شيخ ، فنحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آله ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، فقال لهما : من الموت هربتما وإلى الموت وقعتما ، الحمد لله الذي أظفرني بكما ، فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما ، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين .

فلما انفجر عمود الصبح دعا غلاما له أسود يقال له «فليح» فقال له : خذ هذين الغلامين فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات واضرب أعناقهما وائتني برؤوسهما لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، فحمل الغلام السيف ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا أسود ما أشبه سوادك

ص: 310

بسواد بلال مون رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قال : إن مولاي قد أمرني بقتلكما ، فمن أنتما ؟ قالا له : يا أسود نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آله ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، أضافتنا عجوزكم هذه ويريد مولاك قتلنا ، فانكب الأسود على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ووجهي لوجهكما الوقاء يا عترة نبي الله المصطفى ، والله لا يكون محمد خصمي في القيامة ، ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر إلى الجانب الآخر ، فصاح به مولاه : يا غلام عصيتني ؟ فقال : يا مولاي إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فإذا عصيت الله فأنا منك بريء في الدنيا والآخرة .

فدعا ابنه فقال : يا بني إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك ، والدنيا محرص عليها ، فخذ هذين الغلامين إليك فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات فاضرب أعناقهما وائتني برؤوسهما لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، فأخذ الغلام السيف ومشى أمام الغلامين ، فما مضيا إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا شاب ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم ؟ فقال : يا حبيبي فمن أنتما ؟ قالا : من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آله ، يريد والدك قتلتا ، فانكب الغلام على أقدامهما يقبلهما ويقول لهما مقالة الأسود ، ورمى بالسيف ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر ، فصاح به أبوه : يا بني عصيتني ؟ قال : لأن أطيع الله وأعصيك أحب إلي من أن أعصي الله وأطيعك ، قال الشيخ : لا يلي قتلكما أحد غيري ، أخذ السيف ومشى أمامهما .

فلما صار إلى شاطئ الفرات سل السيف عن جفنه ، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما وقالا له : يا شيخ انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ولا ترد أن يكون محمد خصمك في القيامة غدا ، فقال : لا ولكن أقتلكما وأذهب برؤوسكما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفين ، فقالا له : يا شيخ أما تحفظ قرابتنا من رسول الله ؟ فقال : ما لكما من رسول الله

ص: 311

قرابة ، قالا له : يا شيخ فأت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره ، قال : ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما ، قالا له : يا شيخ أما ترحم صغر سننا ؟ قال : ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا ، قالا : يا شيخ إن كان ولا بد فدعنا نصلي ركعات ، قال : فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة ، فصلى الغلامان أربع ركعات ، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا : يا حي يا حليم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا وبينه بالحق .

فقام إلى الأكبر فضرب عنقه وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة ، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه وهو يقول : حتى ألقى رسول الله وأنا مختضب بدم أخي ، فقال : لا عليك سوف ألحقك بأخيك ، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة ، ورمى ببدنهما في الماء ، وهما يقطران دما ، ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد ، وهو قاعد على كرسي له وبيده قضيب خيزران ، فوضع الرأسين بين يديه .

فلما نظر إليهما قام ثم قعد ، ثم قام ثم قعد ، ثلاثا ، ثم قال : الويل لك أين ظفرت بهما ؟ قال : أضافتهما عجوز لنا ، قال : فما عرفت لهما حق الضيافة ؟ قال : لا ، قال : فأي شيء قالا لك ؟ قال : قالا : يا شيخ اذهب بنا إلى السوق فبعنا فانتفع بأثماننا ولا

ترد أن يكون محمد خصمك في القيامة ، قال : فأي شيء قلت لهما ؟ قال : قلت : لا ولكن أقتلكما وأنطلق برؤوسكما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، قال : فأي شيء قالا لك ؟ قال : قالا : ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا

بأمره ، قال : فأي شيء قلت ؟ قال : قلت : ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما ، قال : أفلا جئتني بهما حيين فكنت أضعف لك الجائزة وأجعلها أربعة آلاف درهم ؟ قال : ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما ، قال : فأي شيء قالا لك أيضا ؟ قال : قالا لي : يا شيخ احفظ قرابتنا من رسول الله ، قال : فأي شيء قلت لهما ؟ قال : قلت لهما : ما لكما من رسول الله قرابة ، قال : ويلك فأي شيء

ص: 312

قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : يا شيخ ارحم صغر سننا ، قال : فما رحمتهما ؟ قال : قلت : ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا ، قال : ويلك فأي شيء قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : دعنا نصلي ركعات ، فقلت : فصليا ما شئتما أن نفعتكما الصلاة ، فصلى الغلامان أربع ركعات .

قال : فأي شيء قالا في آخر صلاتهما ؟ قال : رفعا طرفيهما إلى السماء وقالا : يا حي يا حليم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا وبينه بالحق .

قال عبيد الله بن زياد : فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم من للفاسق .

قال : فانتدب له رجل من أهل الشام فقال : أنا له ، قال : فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه ، ففعل الرجل ذلك وجاء برأسه فنصبه على قناة ، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة ، وهم يقولون : هذا قاتل ذرية رسول الله(1) صلى الله عليه و آله .

[ رواية أخرى في شهادة ولدي مسلم ]

أقول : روي في المناقب القديم هذه القصة مع تغيير قال : عن محمد بن يحيى الذهلي قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكربلاء هرب غلامان من عسكر عبيد الله بن زياد ، أحدهما يقال له «إبراهيم» والآخر يقال له «محمد» وكانا من ولد

جعفر الطيار ، فإذا هما بامرأة تستقي ، فنظرت إلى الغلامين وإلى حسنهما وجمالهما فقالت لهما : من أنتما ؟ فقالا : نحن من ولد جعفر الطيار في الجنة ، هربنا من عسكر عبيد الله بن زياد ، فقالت المرأة : إن زوجي في عسكر عبيد الله بن زياد ، ولو لا أني أخشى أن يجيء الليلة وإلا ضيفتكما وأحسنت ضيافتكما ، فقالا لها : أيتها المرأة انطلقي بنا فنرجو أن لا يأتينا زوجك الليلة .

ص: 313


1- بيان : غطيط النائم والمخنوق نخيرهما .

فانطلقت المرأة والغلامان حتى انتهيا إلى منزلها فأتتهما بطعام فقالا : ما لنا في الطعام من حاجة ، ائتنا بمصلى نقضي فوائتنا ، فصليا ، فانطلقا إلى مضجعهما ، فقال الأصغر للأكبر : يا أخي ويا ابن أمي التزمني واستنشق من رائحتي فإني أظن أنها آخر ليلتي لا نصبح بعدها... وساق الحديث نحوا مما مر إلى أن قال :

ثم هز السيف وضرب عنق الأكبر ورمى ببدنه الفرات ، فقال الأصغر : سألتك بالله أن تتركني حتى أتمرغ بدم أخي ساعة ، قال : وما ينفعك ذلك ؟ قال : هكذا أحب ، فتمرغ بدم أخيه إبراهيم ساعة ، ثم قال له : قم ، فلم يقم ، فوضع السيف على قفاه فضرب عنقه من قبل القفا ، ورمى ببدنه إلى الفرات ، فكان بدن الأول على وجه الفرات ساعة حتى قذف الثاني ، فأقبل بدن الأول راجعا يشق الماء شقا حتى التزم بدن أخيه ، ومضيا في الماء ، وسمع هذا الملعون صوتا من بينهما وهما في الماء : رب تعلم وترى ما فعل بنا هذا الملعون فاستوف لنا حقنا منه يوم القيامة .

ثم قال : فدعا عبيد الله بغلام له أسود يقال له «نادر» فقال له : يا نادر دونك هذا الشيخ شد كتفيه فانطلق به الموضع الذي قتل الغلامين فيه فاضرب عنقه وسلبه لك ولك عشرة آلاف درهم وأنت حر لوجه الله .

فانطلق الغلام به إلى الموضع الذي ضرب أعناقهما فيه فقال له : يا نادر لابد لك من قتلي ؟ قال : فضرب عنقه فرمى بجيفته إلى الماء ، فلم يقبله الماء ورمى به إلى الشط ، وأمر عبيد الله بن زياد أن يحرق بالنار ، ففعل به ذلك وصار إلى عذاب الله .

ص: 314

باب 39 :الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت عليهم السلام ......

اشارة

الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة وما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال

1 - قال السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب «الملهوف على أهل الطفوف» والشيخ ابن نما رحمه الله في «مثير الأحزان» واللفظ للسيد :

إن عمر بن سعد بعث برأس الحسين عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم ، وهو يوم عاشوراء ، مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد ، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنظفت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج ، فأقبلوا بها حتى قدموا الكوفة ، وأقام بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس ، ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين عليه السلام ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب بغير وطاء ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، وهن ودائع خير الأنبياء ، وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم في أسر المصائب والهموم ولله در القائل :

يصلى على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه إن ذا لعجيب

ص: 315

قال : ولما انفصل ابن سعد عن كربلاء خرج قوم من بني أسد ، فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ، ودفنوها على ما هي الآن عليه .

وقال المفيد رحمه الله : دفنوا الحسين صلوات الله عليه حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام ، وجمعوهم ودفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العباس بن علي رضى الله عنه في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن .

[ أهل البيت في الكوفة ]

وقال السيد رحمه الله : وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن ، فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت : من أي الأسارى أنتن ؟ فقلن : نحن أسارى آل محمد ، فنزلت من سطحها وجمعت ملاء وأزرا ومقانع فأعطتهن فتغطين .

قال : وكان مع النساء علي بن الحسين عليه السلام قد نهكته العلة ، والحسن بن الحسن المثنى ، وكان قد واسى عمه وإمامه في الصبر على الرماح ، وإنما ارتث ، وقد أثخن بالجراح ، وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولدا الحسن السبط عليه السلام ، فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : أتنوحون وتبكون من أجلنا ؟ فمن قتلنا ؟

[ خطبة زينب في الكوفة ]

قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي عليه السلام يومئذ ولم أر والله خفرة قط أنطق منها ، كأنما تفرع عن لسان أمير المونين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت :

الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد :

ص: 316

يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ،ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .

أتبكون وتنتحبون ؟ إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنآنها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، ومدرة سنتكم ؟ ألا ساء ما تزرون ، وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبوم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .

ويلكم يا أهل الكوفة ، أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ وأي حرمة له انتهكتم ؟ لقد جئتم بهم صلعاء عنقاء سواء فقماء ،- وفي بعضها : خرقاء شوهاء - كطلاع الأرض وملاء السماء ، أفعجبتم أن قطرت السماء دما ؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا تحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثأر ، وإن ربكم لبالمرصاد .

قال : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساوم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزى ولا يبزى .

[ خطبة فاطمة الصغرى ]

وروى زيد بن موسى قال : حدثني أبي عن جدي عليه السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردت من كربلاء فقالت :

ص: 317

الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأون به ، وأتوكلّ عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و آله ، وأن ولده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات .

اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب ، المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله - تعالى - ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعسا لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته حتى قبضته إليك ، محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم يأخذه - اللهم - فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته يا رب للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته ، وهديته إلى صراط مستقيم ، أما بعد :

يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ،

ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته في الأرض لبلاده ولعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه و آله على كثير ممن خلق تفضيلا بيّنا ، فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت بذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء منكم على الله ، ومكرا مكرتم وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ .

ص: 318

تبا لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، وكان قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فَيُسْحِتَكُمْ بما كسبتم وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ .

ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ؟ وأية نفس نزعت إلى قتالنا ؟ أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟ قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسول لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة ، فأنتم لا تهتدون .

تبا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول الله قبلكم ، وذحول له لديكم ؟ بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي ، وبنيه عترة النبي الطاهرين الأخيار وافتخر بذلك مفتخركم فقال :

نحن قتلنا عليا وبني علي

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث ، ولك الأثلب ، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم وأذهب عنهم الرجس ، فاكظم وأقع كما أقعى أبوك ، وإنما لكل امرئ ما قدمت يداه ، حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله عليكم

فما ذنبنا أن جاش دهرا بحورنا

وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

ذلِك فَضْلُ اللّهِ يُوتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ .

قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدتها السلام (1) .

ص: 319


1- أقول : ذكر في الإحتجاج هذه الخطبة بهذا الإسناد ولنرجع إلى كلام السيد رحمه الله .

[ خطبة أم كلثوم بنت الإمام علي ]

قال : وخطبت أم كلثوم بنت علي عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت :

يا أهل الكوفة سوءة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبا لكم وسحقا .

ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم ؟ وأي وزر على ظهوركم حملتم ؟ وأي دماء سفكتموها ؟ وأي كريمة أصبتموها ؟ وأي صبية سلبتموها ؟ وأي أموال انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ، ثم قالت :

قتلتم أخي صبرا فويل لأمكم

ستجزون نارا حرها يتوقد

سفكتم دماء حرم الله سفكها

وحرمها القرآن ثم محمد

ألا فأبشروا بالنار إنكم غدا

لفي سقر حقا يقينا تخلدوا

وإني لأبكي في حياتي على أخي

على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غزير مستهل مكفكف

على الخد مني ذائبا ليس يجمد

قال : فضج الناس بالبكاء والحنين والنوح ، ونشر النساء شعورهن ، ووضعن التراب على رءوسهن ، وخمشن وجوههن ، وضربن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم .

[ خطبة الإمام زين العابدين ]

ثم إن زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا ، فسكتوا ، فقام قائما ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي وصلى عليه ، ثم قال :

ص: 320

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم ،أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبرا ، وكفى بذلك فخرا .

أيها الناس ناشدتكم بالله ، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ، فتبا لما قدمتم لأنفسكم ، وسوءة لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه و آله إذ يقول : لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ؟

قال : فارتفعت أصوات الناس من كلّ ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون .

فقال عليه السلام : رحم الله امرأ قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته ، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا ، فقال عليه السلام : هيهات ، هيهات ، أيها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل ؟ كلا ورب الراقصات ، فإن الجرح لما يندمل ، قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينسني ثكل رسول الله وثكل أبي وبني أبي ، ووجده بين لهاتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه يجري في فراش صدري ، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا .

ثم قال :

لا غرو إن قتل الحسين وشيخه

قد كان خيرا من حسين وأكرما

فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي

أصيب حسين كان ذلك أعظما

قتيل بشط النهر وروحي فداو

جزاء الذي أرداه نار جهنما

قال السيد : ثم قال عليه السلام : رضينا منكم رأسا برأس ، فلا يوم لنا لا علينا .

ص: 321

[ دخول الرؤوس إلى الكوفة ]

أقول : روي عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الأبواب ، وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : ما لي أرى الكوفة تضج ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد ، فقلت : من هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي عليه السلام ، قال : فتركت الخادم حتى خرج ، ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهب ، وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر ، وأتيت إلى الكناس .

فبينما أنا واقف ، والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس ، إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة عليهاالسلام ، وإذا بعلي بن الحسين عليه السلام على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دما ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيرونا على الأقتاب عارية

كأننا لم نشيد فيكم دينا

بني أمية ما هذا الوقوف على

تلك المصائب لا تلبون داعينا

تصفقون علينا كفكم فرحا

وأنتم في فجاج الأرض تسبونا

أليس جدي رسول الله ويلكم

أهدى البرية من سبل المضلينا

يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا

والله يهتك أستار المسيئينا

قال : صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة ، إن الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض ، قال : كلّ ذلك والناس يبكون على ما أصابهم .

ص: 322

ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم : صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساوم ، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء .

فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت ، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام ، وهو رأس زهري قمري ، أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه و آله ، ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والرمح تلعب بها يمينا وشمالا ، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها ، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول :

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدا غروبا

ما توهمت يا شقيق فودي

كان هذا مقدرا مكتوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا

ما له قد قسى وصار صليبا

يا أخي لو ترى عليا لدى الأسر

مع اليتم لا يطيق وجوبا

كلما أوجعوه بالضرب نادا

ك بذل يغيض دمعا سكوبا

يا أخي ضمه إليك وقربه

وسكن فوده المرعوبا

ما أذل اليتيم حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا

[ في مجلس ابن زياد ]

ثم قال السيد : ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس وأذن إذنا عاما ، وجيء برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه ، وأدخل نساء الحسين وصبيانه إليه ، فجلست زينب بنت علي عليهاالسلام متنكرة ، فسأل عنها ، فقيل : هذه زينب بنت علي ، فأقبل عليها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم! فقالت : إنما يفتضح الفاسق

ص: 323

ويكذب الفاجر وهو غيرنا ، فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك! فقالت : ما رأيت إلا جميلا ، هواء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة .

فغضب وكأنه هم بها ، فقال له عمرو بن حريث : إنها امرأة والمرأة لا توخذ بشيء من منطقها ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك ، فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاو فقد اشتفيت ، فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوك سجاعا شاعرا ، فقالت : يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة .

وقال ابن نما : وإن لي عن السجاعة لشغلا ، وإني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته ويعلم أنهم منتقمون منه في آخرته .

وقال المفيد رحمه الله : فوضع الرأس بين يديه ينظر إليه ويتبسم ، وبيده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله ، وهو شيخ كبير ، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه و آلهعليهما ما لا أحصيه يقبلهما ، ثم انتحب باكيا ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله ؟ والله لو لا أنك شيخ كبير قد خرقت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله .

وقال محمد بن أبي طالب : ثم رفع زيد صوته يبكي وخرج وهو يقول : ملك عبد حرا ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، حتى يقتل خياركم ويستعبد أشراركم ، رضيتم بالذل فبعدا لمن رضي .

وقال المفيد : فأدخل عيال الحسين بن علي صلوات الله عليهما على ابن زياد ، فدخلت زينب أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها ، ومضت حتى جلست ناحية وحفت بها إماوا ، فقال ابن زياد : من هذه التي انحازت

ص: 324

فجلست ناحية ومعها نساوا ، فلم تجبه زينب ، فأعاد القول ثانية وثالثة يسأل عنها ، فقالت له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، فأقبل عليها ابن زياد وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم! فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه و آله وطهرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاسق.. إلى آخر ما مر .

وقال السيد وابن نما : ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين فقال : من هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال علي : قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس ، فقال : بل الله قتله ، فقال علي : اللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فقال ابن زياد : ولك جرأة على

جوابي ؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه ، فسمعت عمته زينب فقالت : يا ابن زياد إنك لم تبق منا أحدا ، فإن عزمت على قتله فاقتلني معه .

وقال المفيد وابن نما : فتعلقت به زينب عمته وقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا ، واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه ، فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ، ثم قال : عجبا للرحم والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه ، دعوه فإني أراه لما به .

وقال السيد : فقال علي لعمته اسكتي يا عمة حتى أكلمه ، ثم أقبل عليه السلام فقال : أبالقتل تهددني يا ابن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ؟

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين عليه السلام وأهله ، فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب بنت علي : لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة ، فإنهن سبين وقد سبينا .

وقال ابن نما : رويت أن أنس بن مالك قال : شهدت عبيد الله بن زياد وهو ينكت بقضيب على أسنان الحسين ويقول : إنه كان حسن الثغر ، فقلت : أم والله لأسوأنك ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يقبل موضع قضيبك من فيه .

ص: 325

وعن سعيد بن معاذ وعمرو بن سهل : أنهما حضرا عبيد الله يضرب بقضيبه أنف الحسين وعينيه ويطعن في فمه ، فقال زيد بن أرقم : ارفع قضيبك إني رأيت رسول الله واضعا شفتيه على موضع قضيبك ، ثم انتحب باكيا ، فقال له : أبكى الله عينيك عدوالله ، لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فقال زيد : لأحدثنك حديثا هو أغلظ عليك من هذا ، رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ، فوضع يده على يافوخ كلّ واحد منهما وقال : اللهم إني أستودعك إياهما وصالح المونين ، فكيف كان وديعتك لرسول الله صلى الله عليه و آله .

وقال : ولما اجتمع عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد بعد قتل الحسين عليه السلام قال عبيد الله لعمر : ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معنى قتل الحسين عليه السلام ومناجزته ، فقال : ضاع ، فقال : لتجيئنني به ، أتراك معتذرا في عجائز قريش ؟ قال عمر : والله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه ، فقال عثمان بن زياد - أخو عبيد الله - : صدق والله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسينا لم يقتل ، قال عمر بن سعد : والله ما رجع أحد بشر مما رجعت ، أطعت عبيد الله وعصيت الله وقطعت الرحم .

وقال السيد : ثم أمر ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة .

[ أبيات في رثاء الحسين ]

ويحق لي أن أتمثل هاهنا بأبيات لبعض ذوي العقول يرثي بها قتيلا من آل الرسول صلى الله عليه و آلهفقال :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا متفجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم رزو كلّ أذن تسمع

ص: 326

ما روضة إلا تمنت أنها

لك حفرة ولخط قبرك مضجع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم يكن بك تهجع

[ مقتل عبد اللّه بن عفيف الأزدي رضى الله عنه ]

قال : ثم إن ابن زياد صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في بعض كلامه :

الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المونين وأشياعه ، وقتل الكذاب بن الكذاب .

فما زاد على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل ، والأخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل ، فقال : يا ابن مرجانة إن الكذاب بن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه ، يا عدو الله أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المونين .

قال : فغضب ابن زياد ثم قال : من هذا المتكلم ؟ فقال : أنا المتكلم ، يا عدو الله ،

تقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنهم الرجس وتزعم أنك على دين الإسلام ، وا غوثاه ، أين أولاد المهاجرين والأنصار ، لا ينتقمون من طاغيتك اللعين بن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين .

قال : فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه وقال : علي به ، فبادر إليه الجلاوزة من كلّ ناحية ليأخذوه ، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه ، فخلصوه من أيدي الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به إلى منزله ، فقال ابن زياد : اذهبوا إلى هذا الأعمى ، أعمى الأزد ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينه ، فأتوني

به ، فانطلقوا ، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم .

قال : وبلغ ذلك إلى ابن زياد ، فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الأشعث وأمرهم بقتال القوم ، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم جماعة من العرب .

ص: 327

قال : ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد الله بن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه ، فصاحت ابنته أتاك القوم من حيث تحذر ، فقال : لا عليك ناوليني سيفي ، فناولته إياه ، فجعل يذب عن نفسه ويقول :

أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخي وابن أم عامر

كم دارع من جمعكم وحاسر

وبطل جدلته مغادر

قال : وجعلت ابنته تقول : يا أبت ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هواء

الفجرة قاتلي العترة البررة .

قال : وجعل القوم يدورون عليه من كلّ جهة ، وهو يذب عن نفسه ، فلم يقدر عليه أحد ، وكلما جاءوا من جهة قالت : يا أبة قد جاءوك من جهة كذا ، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به ، فقالت بنته : وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به ، فجعل يدير سيفه ويقول :

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

قال : فما زالوا به حتى أخذوه ، ثم حمل فأدخل على ابن زياد ، فلما رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك ، فقال له عبد الله بن عفيف : يا عدو الله ، وبماذا أخزاني الله ، والله لو فرج لي عن بصري ضاق عليك موردي ومصدري .

فقال ابن زياد : يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان ؟ فقال : يا عبد بني علاج ، يا ابن مرجانة - وشتمه - ما أنت وعثمان ؟ إن أساء أم أحسن ؟ وأصلح أم أفسد ؟ والله - تعالى - ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عن أبيك وعنك ، وعن يزيد وأبيه ، فقال ابن زياد : والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت ، فقال عبد الله بن عفيف : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك ، وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة ، والآن الحمد لله الذي

ص: 328

رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة منه في قديم دعائي ، فقال ابن زياد : اضربوا عنقه ، فضربت عنقه وصلب في السبخة .

وقال المفيد : فلما أخذته الجلاوزة نادى شعار الأزد ، فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة ، فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه في السبخة رحمه الله .

[ بين ابن زياد وجندب بن عبد الله الأزدي ]

وقال ابن نما : ثم دعا جندب بن عبد الله الأزدي ، وكان شيخا ، فقال : يا عدو الله ألست صاحب أبي تراب ؟ قال : بلى لا أعتذر منه ، قال : ما أراني إلا متقربا إلى الله بدمك! قال : إذن لا يقربك الله منه بل يباعدك ، قال : شيخ قد ذهب عقله وخلى سبيله .

[ رأس الحسين عليه السلام يقرأ القرآن في الكوفة ]

ثم قال المفيد : ولما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام ، فدير به في سكك الكوفة وقبائلها .

فروي عن زيد بن أرقم : أنه مر به علي ، وهو على رمح ، وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً » ،فقف والله شعري علي ، وناديت رأسك يا ابن رسول الله أعجب وأعجب

[ ابن زياد يبعث بخبر مقتل الحسين عليه السلام إلى يزيد وإلى المدينة ]

وقال السيد : وكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين وخبر أهل بيته ، وكتب أيضا إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك .

ص: 329

وقال المفيد : ولما أنفذ إلى ابن زياد برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد تقدم إلى عبد الملك بن أبي الحارث السلمي ، فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فبشره بقتل الحسين عليه السلام .

[ وصول الخبر إلى المدينة ]

قال عبد الملك : فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة ، فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر ؟ فقلت : الخبر عند الأمير تسمعه قال : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، قتل والله الحسين .

فلما دخلت على عمرو بن سعيد قال : ما وراك ؟ فقلت : ما سر الأمير ، قتل الحسين بن علي ، فقال : اخرج فناد بقتله ، فناديت ، فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله .

ثم دخلت على عمرو بن سعيد ، فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ، ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معديكرب :

عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان ، ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام ودعا ليزيد ونزل .

وقال صاحب المناقب : قال في خطبته : إنها لدمة بلدمة وصدمة بصدمة ، كم خطبة بعد خطبة ، وموعظة بعد موعظة ، حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ ، والله لوددت أن رأسه في بدنه وروحه في جسده ، أحيانا كان يسبنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولم يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا .

ص: 330

فقام عبد الله بن السائب فقال : لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد وقال : نحن أحق بفاطمة منك ، أبوها عمنا ، وزوجها أخونا ، وابنها ابننا ، لو كانت فاطمة حية لبكت عينها ، وحرت كبدها ، وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه .

ثم قال المفيد : فدخل موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فنعى إليه ابنيه فاسترجع ، فقال أبو السلاسل - مولى عبد الله - : هذا ما لقينا من الحسين بن علي ، فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا ؟ والله لو

شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه ، والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ، ويعزي عن المصاب بهما ، إنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه .

ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمد لله ، عز علي مصرع الحسين أن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي ، فخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها أم هانئ وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف وهي تقول :

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فلما كان الليل في ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين عليه السلام

بالمدينة سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي ، يسمعون صوته ولا يرون شخصه :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الانجيل

ص: 331

[ يزيد يبعث بخبر مقتل الحسين إلى المدينة ]

وقال ابن نما : وروي أن يزيد بن معاوية لعنهما الله بعث بمقتل الحسين عليه السلام إلى المدينة محرز بن حريث بن مسعود الكلبي من بني عدي بن حباب ورجلا من يهرا ، وكانا من أفاضل أهل الشام ، فلما قدما خرجت امرأة من بنات عبد المطلب قيل : هي زينب بنت عقيل ، ناشرة شعرها ، واضعة كمها على رأسها ، تتلقاهم وهي تبكي : «ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم» إلى آخر الأبيات .

وقال شهر بن حوشب : بينما أنا عند أم سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ وقالت : قتل الحسين ، قالت أم سلمة : فعلوها ملأ الله قبورهم نارا .

ونقلت من تاريخ البلاذري : أنه لما وافى رأس الحسين المدينة سمعت الواعية من كلّ جانب ، فقال مروان بن الحكم :

ضربت دوسر فيهم ضربة

أثبتت أوتاد ملك فاستقر

ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب ويقول :

يا حبذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنه بات بمجسدين

شفيت منك النفس يا حسين

وروى النطنزي في الخصائص : عن أبي قبيل قيل : سمع في الهواء بالمدينة قائل :

يا من يقول بفضل آل محمد

بلغ رسالتنا بغير تواني

قتلت شرار بني أمية سيدا

خير البرية ماجدا ذا شأن

ابن المفضل في السماء وأرضها

سبط النبي وهادم الأوثان

بكت المشارق والمغارب بعد ما

بكت الأنام له بكل لسان

ص: 332

[ وصول الخبر إلى يزيد لعنه اللّه ]

ثم قال السيد رحمه الله : وأما يزيد بن معاوية فإنه لما وصل كتاب عبيد الله ووقف عليه أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين عليه السلام ورؤوس من قتل معه ، وحمل أثقاله ونسائه وعياله .

[ تسريح الرأس الشريف إلى يزيد ]

فاستدعى ابن زياد بمخفر بن ثعلبة العائذي فسلم إليه الرؤوس والنساء ، فسار بهم إلى الشام كما يسار سبايا الكفار ، يتصفح وجوههن أهل الأقطار .

وقال المفيد رحمه الله : دفع ابن زياد لعنه الله رأس الحسين صلوات الله عليه إلى زحر بن قيس ، ودفع إليه رؤوس أصحابه ، وسرحه إلى يزيد بن معاوية ، وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة حتى وردوا بها على يزيد بدمشق .

وقال صاحب المناقب : روى عن ابن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بعث برأسه إلى يزيد ، فنزلوا في أول مرحلة ، فجعلوا يشربون ويتبجحون بالرأس فيما بينهم ، فخرجت عليهم كف من الحائط معها قلم من حديد ، فكتبت أسطرا بدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

[ الرأس الشريف في بيت خولي ]

وقال صاحب الكامل وصاحب المناقب وابن نما : ذكر أبو مخنف أن عمر بن سعد لما دفع الرأس إلى خولي الأصبحي لعنهما الله ليحمله إلى ابن زياد عليه اللعنة ، أقبل به خولي ليلا ، فوجد باب القصر مغلقا ، فأتى به منزله وله امرأتان ، امرأة من بني أسد

ص: 333

وأخرى حضرمية يقال لها «النوار» ، فأوى إلى فراشها ، فقالت له : ما الخبر ؟ فقال : جئتك بالذهب ، هذا رأس الحسين معك في الدار ، فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ، والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أبدا .

قالت : فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار ، ودعا الأسدية فأدخلها عليه ، فما زالت والله أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الإجانة التي فيها رأس الحسين عليه السلام إلى السماء ، ورأيت طيورا بيضا ترفرف حولها وحول الرأس .

[ قصة رجل ممن سار مع الرأس الشريف ]

وقال صاحب المناقب والسيد : روى ابن لهيعة وغيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال :

كنت أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول : اللهم اغفر لي وما أراك فاعلا ، فقلت له : يا عبد الله اتق الله ولا تقل مثل هذا ، فإن ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك ، فإنه غفور رحيم ، فقال لي : تعال حتى أخبرك بقصتي ، فأتيته ، فقال : اعلم أننا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين إلى الشام ، وكنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في التابوت وشربنا الخمر حول التابوت ،فشرب أصحابي ليلة حتى سكروا ولم أشرب معهم ، فلما جن الليل سمعت رعدا ورأيت برقا ، فإذا أبواب السماء قد فتحت ونزل آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ونبينا محمد صلى الله عليه و آله ومعهم جبرئيل وخلق من الملائكة ، فدنا جبرئيل من التابوت ، فأخرج الرأس وضمه إلى نفسه وقبله ، ثم كذلك فعل الأنبياء كلّهم ، وبكى النبي صلى الله عليه و آلهعلى رأس الحسين ، فعزاه الأنبياء فقال له جبرئيل : يا محمد إن الله - تعالى - أمرني أن أطيعك في أمتك ، فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لا يا جبرئيل فإن لهم معي موقفا بين يدي الله يوم القيامة ، قال : ثم صلوا عليه ، ثم أتى قوم من الملائكة وقالوا : إن الله تبارك وتعالى

ص: 334

أمرنا بقتل الخمسين ، فقال لهم النبي : شأنكم بهم ، فجعلوا يضربون بالحربات ، ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني ، فقلت : الأمان الأمان يا رسول الله ، فقال : اذهب فلا غفر الله لك ، فلما أصبحت رأيت أصحابي كلّهم جاثمين رمادا(1) .

[ السبايا في بعلبك ]

أقول : وفي بعض الكتب : أنهم لما قربوا من بعلبك كتبوا إلى صاحبها ، فأمر بالرايات فنشرت ، وخرج الصبيان يتلقونهم على نحو من ستة أميال ، فقالت أم كلثوم : أباد الله كثرتكم ، وسلط عليكم من يقتلكم ، ثم بكى علي بن الحسين عليه السلام وقال :

وهو الزمان فلا تفنى عجائبه

من الكرام وما تهدى مصائبه

فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا

فنونه وترانا لم نجاذبه

يسري بنا فوق أقتاب بلا وطأ

وسابق العيس يحمي عنه غاربه

كأننا من أسارى الروم بينهم

كأن ما قاله المختار كاذبه

كفرتم برسول الله ويحكم

فكنتم مثل من ضلت مذاهبه

[ السبايا والرؤوس في الشام ]

ثم قال السيد رحمه الله : وسار القوم برأس الحسين عليه السلام ونسائه والأسرى من رجاله ، فلما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر ، وكان في جملتهم ، فقالت : لي إليك

ص: 335


1- ثم قال صاحب المناقب : وبإسنادي إلى أبي عبد الله الحدادي عن أبي جعفر الهندواني بإسناده في هذا الحديث فيه زيادة عند قوله ليحمله إلى يزيد قال كلّ من قتله جفت يده وفيه إذ سمعت صوت برق لم أسمع مثله فقيل قد أقبل محمد صلى الله عليه و آله فسمعت صهيل الخيل وقعقعة السلاح مع جبرئيل وميكائيل وإسرافيل والكروبيين والروحانيين والمقربين عليهم السلام وفيه فشكا النبي صلى الله عليه و آله إلى الملائكة والنبيين وقال قتلوا ولدي وقرة عيني وكلّهم قبل الرأس وضمه إلى صدره والباقي يقرب بعضها من بعض .

حاجة ، فقال : ما حاجتك. فقالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة ، وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ، ونحن في هذه الحال ، فأمر في جواب سولها أن يجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق ، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي .

وروى صاحب المناقب : أن سهل بن سعد قال : خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام ، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار ، قد علقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : لا نرى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن ؟ فرأيت قوما يتحدثون ، فقلت : يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن ؟ قالوا : يا شيخ نراك أعرابيا ، فقلت : أنا سهل بن سعد ، قد رأيت محمدا صلى الله عليه و آله ، قالوا : يا سهل ، ما أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا تنخسف بأهلها ؟ قلت : ولم ذاك ؟ قالوا : هذا رأس الحسين عليه السلام عترة محمد صلى الله عليه و آله يهدى من أرض العراق ، فقلت : وا عجباه يهدى رأس الحسين والناس يفرحون ؟ قلت : من أي باب يدخل ؟ فأشاروا إلى باب يقال له «باب ساعات» .

قال : فبينا أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا ، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه و آله ، فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء ، فدنوت من أولاهم فقلت : يا جارية من أنت ؟ فقالت : أنا سكينة بنت الحسين ، فقلت لها : ألك حاجة إلي ؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه ، قالت :يا سعد قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظروا إلى حرم رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 336

قال سهل : فدنوت من صاحب الرأس فقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار ؟ قال : ما هي ؟ قلت : تقدم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك ،

فدفعت إليه ما وعدته .

ووضع الرأس في حقة ، ودخلوا على يزيد فدخلت معهم ، وكان يزيد جالسا على السرير ، وعلى رأسه تاج مكلل بالدر والياقوت ، وحوله كثير من مشايخ قريش ، فلما دخل صاحب الرأس وهو يقول :

أوقر ركابي فضة وذهبا

أنا قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا

قال : لو علمت أنه خير الناس لم قتلته ؟ قال : رجوت الجائزة منك ، فأمر بضرب عنقه ، فجز رأسه .

ووضع رأس الحسين عليه السلام على طبق من ذهب وهو يقول : كيف رأيت يا حسين .

ثم قال السيد : فروي أن بعض فضلاء التابعين لما شهد برأس الحسين بالشام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك ، فقال : ألا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول :

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولما يرقبوا

في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

[ الإمام السجاد يكلّم شيخا مضللاً ]

قال : وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين وعياله ، وهم أقيموا على درج باب المسجد فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المونين منكم ، فقال له علي بن الحسين : يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ قال : نعم ،

ص: 337

قال : فهل عرفت هذه الآية « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، فقال له علي : فنحن القربى يا شيخ ، فهل قرأت هذه الآية « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى » ؟ قال : نعم ، قال علي : فنحن القربى يا شيخ ، وهل قرأت هذه الآية « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ

الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك ، قال علي : فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ .

قال : فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال : بالله إنكم هم ؟ فقال علي بن الحسين : تالله إنا لنحن هم من غير شك ، وحق جدنا رسول الله ، إنا لنحن هم ، فبكى الشيخ ورمى عمامته ورفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن وإنس ، ثم قال : هل لي من توبة ؟ فقال له : نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا ، فقال : أنا تائب ، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل .

[ زحر يرفع تقريره إلى يزيد ]

وقال المفيد وابن نما : روى عبد الله بن ربيعة الحميري قال : إني لعند يزيد بن

معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه ، فقال له يزيد : ويلك ما وراك ؟ وما عندك ؟ قال : أبشر يا أمير المونين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فعدونا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم ، جعلوا يهربون إلى غير وزر ، ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذا كما لاذ الحمام من الصقر ، فو الله يا أمير المونين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة وخدودهم معفرة ، تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح ، زوارهم الرخم والعقبان .

ص: 338

فأطرق يزيد هنيئة ثم رفع رأسه وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، أما لو كنت صاحبه لعفوت عنه!!! .

[ في مجلس يزيد ]

ثم إن عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين عليه السلام أمر فتيانه وصبيانه ونساءه فجهزوا ، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل في عنقه ، ثم سرح بهم في أثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن ، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس ، ولم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا من القوم في الطريق كلمة واحدة حتى بلغوا .

فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع مخفر بن ثعلبة صوته فقال : هذا مخفر بن ثعلبة أتى أمير المونين بالفجرة اللئام ، فأجاب علي بن الحسين : ما ولدت أم مخفر أشر وألأم .

وزاد في المناقب : ولكن قبح الله ابن مرجانة .

قال في المناقب : وكان عبد الرحمن بن الحكم قاعدا في مجلس يزيد فقال :

لهام بجنب الطف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل

سمية أمسى نسلها عدد الحصا

وبنت رسول الله ليست بذي نسل

قال يزيد : نعم ، فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على مثل الحسين بن فاطمة ، لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى الله أمرا فلم يكن له مرد!!

وفي رواية : أن يزيد أسر إلى عبد الرحمن وقال : سبحان الله أفي هذا الموضع ؟ أما يسعك السكوت ؟

وقال المفيد: ولما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين عليه السلام قال يزيد:

نفلق هاما من أناس أعزة

علينا وهم كانوا أعق وأظلما

ص: 339

فقال يحيى بن الحكم ما مر ذكره ، فضرب يزيد على صدر يحيى يده وقال : اسكت ، ثم أقبل على أهل مجلسه فقال : إن هذا كان يفخر علي ويقول : أبي خير من أب يزيد ، وأمي خير من أمه ، وجدي خير من جده ، وأنا خير منه ، فهذا الذي قتله ، فأما قوله بأن أبي خير من أب يزيد ، فلقد حاج أبي أباه فقضى الله لأبي على أبيه ، وأما قوله بأن أمي خير من أم يزيد ، فلعمري لقد صدق إن فاطمة بنت رسول الله خير من أمي ، وأما قوله جدي خير من جده ، فليس لأحد يون بالله واليوم الآخر يقول بأنه خير من محمد ، وأما قوله بأنه خير مني ، فلعله لم يقرأ هذه الآية « قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ » .

وقال ابن نما : نقلت من تاريخ دمشق عن ربيعة بن عمرو الجرشي قال : أنا عند يزيد إذ سمعت صوت مخفر يقول : هذا مخفر بن ثعلبة أتى أمير المونين باللئام الفجرة ، فأجابه يزيد : ما ولدت أم مخفر أشر وألأم .

وقال السيد : ثم أدخل ثقل الحسين عليه السلام ونساو ومن تخلف من أهله على يزيد ، وهم مقرنون في الحبال ، فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال ، قال له علي بن الحسين : أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحالة ؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت ، ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه ، فرآه علي بن الحسين ، فلم يأكلّ الرؤوس بعد ذلك أبدا .

وقال ابن نما : قال علي بن الحسين عليه السلام : أدخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر رجلا مغللون ، فلما وقفنا بين يديه قلت : أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحال ؟ وقالت فاطمة بنت الحسين : يا يزيد بنات رسول الله سبايا ؟ فبكى الناس ، وبكى أهل داره حتى علت الأصوات .

فقال علي بن الحسين : فقلت : وأنا مغلول أتأذن لي في الكلام ؟ فقال : قل ولا تقل هجرا ، فقال : لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر ، ما ظنك برسول الله لو رآني في الغل ؟ فقال لمن حوله : حلوه .

ص: 340

حدث عبد الملك بن مروان : لما أتي يزيد برأس الحسين عليه السلام قال : لو كان بينك وبين ابن مرجانة قرابة لأعطاك ما سألت ، ثم أنشد يزيد :

نفلق هاما من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعق وأظلما

قال علي بن الحسين عليه السلام : ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ .

ثم قالوا : وأما زينب ، فإنها لما رأته أهوت إلى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين تفزع القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكة ومنى ، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، يا ابن بنت المصطفى ، فأبكت والله كلّ من كان في المجلس ، ويزيد ساكت .

ثم جعلت امرأة من بني هاشم في دار يزيد تندب على الحسين عليه السلام وتنادي : وا حبيباه ، يا سيد أهل بيتاه ، يا ابن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء ، فأبكت كلّ من سمعها .

ثم دعا يزيد بقضيب خيزران ، فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام ، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال : ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة ؟ أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وَساءَتْ

مَصِيراً ، فغضب يزيد وأمر بإخراجه ، فأخرج سحبا .

قال : فجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعري :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

أقول : وزاد محمد بن أبي طالب :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل(1)

ص: 341


1- وفي المناقب :«لست من عتبة إن لم أنتقم»

[ خطبة زينب في مجلس يزيد ]

قال السيد وغيره : فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهاالسلام فقالت :

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وصلى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله كذلك يقول :« ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساوا السوءاى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِونَ » ، أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ، أن بنا على الله هوانا ؟ وبك عليه كرامة ؟ وأن ذلك لعظم خطرك عنده ؟ فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسرورا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، مهلا مهلا ، أنسيت قول الله - تعالى - « وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لانْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » .

أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟ قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟ وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ؟ ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

وأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منتحيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشافة ، بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه و آله ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم ، فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت ولم يكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت .

ص: 342

اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا .

فو الله ما فريت إلا جلدك ، ولا جززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ، ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقهم وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، حسبك بالله حاكما ، وبمحمد خصيما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من سوى لك ومكنك من رقاب المسلمين بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلا ، وأيكم شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً .

ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكبر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرى ، ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي ، تنتابها العواسل ، وتعفوها أمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلا ما قدمت وَ ما رَبّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ، فإلى الله المشتكى ، وعليه المعول .

فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند ؟ وأيامك إلا عدد ؟ وجمعك إلا بدد ؟ يوم يناد المناد أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ .

فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود وحَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ .

فقال يزيد :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

قال : ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم ، فقالوا : لا تتخذ من كلب سوء جروا!!! .

فقال له النعمان بن بشير : انظر ما كان الرسول يصنعه بهم فاصنعه بهم .

ص: 343

[ الإمام السجاد يردّ على يزيد ]

وقال المفيد رحمه الله : ثم قال لعلي بن الحسين : يا ابن حسين أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت ، فقال علي بن الحسين : ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ، فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يرد عليه ، فقال له يزيد : قل : ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ .

وقال صاحب المناقب بعد ذلك : فقال علي بن الحسين : يا ابن معاوية وهند وصخر ، لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد ، ولقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه و آله ، وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار ، ثم جعل علي بن الحسين عليه السلام يقول :

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي عند مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ثم قال علي بن الحسين : ويلك يا يزيد إنك لو تدري ما ذا صنعت ؟ وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال ، وافترشت الرماد ، ودعوت بالويل والثبور ، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم ، وهو وديعة رسول الله فيكم ، فأبشر بالخزي والندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة .

[ شامي يستوهب بنت الحسين ]

وقال المفيد : ثم دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه ، فرأى هيئة قبيحة فقال : قبح الله ابن مرجانة ، لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا .

ص: 344

فقالت فاطمة بنت الحسين : ولما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا ، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال : يا أمير المونين ، هب لي هذه الجارية ، يعينني ، وكنت جارية وضيئة ، فأرعدت وظننت أن ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب ، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون .

وفي رواية السيد : قلت : أوتمت وأستخدم ؟ فقالت عمتي للشامي : كذبت والله ولؤمت ، والله ما ذلك لك ولا له ، فغضب يزيد وقال : كذبت والله ، إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت ، قالت : كلا والله ، ما جعل الله لك ذلك ، إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها ، فاستطار يزيد غضبا وقال : إياي تستقبلين بهذا ، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، قالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوة الله ، قالت له : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر لسلطانك ، فكأنه استحيا وسكت ، وعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا .

وفي بعض الكتب : قالت أم كلثوم للشامي : اسكت يا لكع الرجال ، قطع الله لسانك وأعمى عينيك وأيبس يديك وجعل النار مثواك ، إن أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء ، قال : فو الله ما استتم كلامها حتى أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل ، فقالت : الحمد لله الذي عجل لك العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، فهذا جزاء من يتعرض لحرم رسول الله صلى الله عليه و آله .

وفي رواية السيد رحمه الله : فقال الشامي : من هذه الجارية ؟ فقال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقال الشامي : الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب ؟ قال : نعم ، فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، تقتل عترة نبيك وتسبي ذريته ، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم ، فقال يزيد : والله لألحقنك

بهم ، ثم أمر به فضرب عنقه .

ص: 345

[ الإمام السجاد يردّ على خطيب يزيد ]

قال السيد : ودعا يزيد الخاطب وأمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد وبالغ في ذم أمير المونين والحسين الشهيد صلوات الله عليهما ، والمدح لمعاوية ويزيد ، فصاح به علي بن الحسين عليه السلام : ويلك أيها الخاطب ، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار .

ولقد أحسن ابن سنان الخفاجي في وصف أمير المونين عليه السلام بقوله :

أعلى المنابر تعلنون بسبه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها

وقال صاحب المناقب وغيره : روي أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوي الحسين وعلي عليهماالسلام وما فعلا ، فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد لعنهما الله ، فذكرهما بكل جميل ، فصاح به علي بن الحسين : ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار .

[ خطبة الإمام السجاد في مجلس يزيد ]

ثم قال علي بن الحسين عليه السلام : يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهواء الجلساء فيهن أجر وثواب ، فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال الناس : يا أمير المونين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا ، فقال : إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان ، فقيل له : يا أمير المونين وما قدر ما يحسن هذا ؟ فقال : إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا .

قال : فلم يزالوا به حتى أذن له ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، ثم قال :

ص: 346

أيها الناس أعطينا ستا ، وفضلنا بسبع ، أعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المونين ، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا ، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسوله ، ومنا سبطا هذه الأمة ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .

أيها الناس ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن

خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دَنا فَتَدَلّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ،

أنا ابن من صلى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى .

أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله ، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن

صالح المونين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين ، أنا ابن المود بجبرئيل ، المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المونين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علمه ، سمح سخي بهي ، بهلول زكي أبطحي ، رضي مقدام همام ، صابر صوام ، مهذب قوام ، قاطع الأصلاب ، ومفرق

ص: 347

الأحزاب ، أربطهم عنانا ، وأثبتهم جنانا ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدهم شكيمة ، أسد باسل ، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحى ، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مكي مدني ، خيفي عقبي ، بدري أحدي ، شجري مهاجري ، من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها ، وارث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، ذاك جدي علي بن أبي طالب .

ثم قال : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء ، فلم يزل يقول : أنا ، أنا ، حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة ، فأمر المون فقطع عليه الكلام .

فلما قال المون : الله أكبر ، الله أكبر ، قال علي : لا شيء أكبر من الله .

فلما قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال علي بن الحسين : شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي .

فلما قال المون : أشهد أن محمدا رسول الله ، التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال : محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد ؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته .

قال : وفرغ المون من الأذان والإقامة وتقدم يزيد فصلى صلاة الظهر .

[ حبر من أحبار اليهود يردّ على يزيد ]

قال : وروي أنه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود فقال : من هذا الغلام يا أمير المونين ؟ قال : هو علي بن الحسين ، قال : فمن الحسين ؟ قال : ابن علي بن أبي طالب ، قال : فمن أمه ؟ قال : أمه فاطمة بنت محمد ، فقال الحبر : يا سبحان الله ، فهذا بن بنت نبيكم قتلتموه في هذه السرعة ، بئسما خلفتموه في ذريته ، والله لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظننا أنا كنا نعبده من دون ربنا ، وأنتم إنما فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه ، سوءة لكم من أمة .

ص: 348

قال : فأمر به يزيد لعنه الله فوجئ في حلقه ثلاثا ، فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني ، وإن شئتم فاقتلوني أو فذروني ، فإني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال ملعونا أبدا ما بقي فإذا مات يصليه الله نار جهنم .

[ أهل البيت في خرابة الشام ]

وروى الصدوق في الأمالي : عن فاطمة بنت علي صلى الله عليه و آلهقالت : ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين فحبسن مع علي بن الحسين عليه السلام في محبس لا يكنّهم من حر ولا قر حتى تقشرت وجوههم ، ولم يرفع ببيت المقدس حجر على وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط ، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة ، إلى أن خرج علي بن الحسين بالنسوة ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء .

[ رؤيا سكينة في دمشق ]

وقال ابن نما : ورأت سكينة في منامها وهي بدمشق كان خمسة نجب من نور قد أقبلت ، وعلى كلّ نجيب شيخ ، والملائكة محدقة بهم ، ومعهم وصيف يمشي ، فمضى النجب وأقبل الوصيف إلي وقرب مني وقال : يا سكينة إن جدك يسلم عليك ، فقلت : وعلى رسول الله السلام ، يا رسول من أنت ؟ قال : وصيف من وصائف الجنة ، فقلت : من هواء المشيخة الذين جاءوا على النجب ؟ قال : الأول آدم صفوة الله ، والثاني إبراهيم خليل الله ، والثالث موسى كليم الله ، والرابع عيسى روح الله ، فقلت : من هذا القابض على لحيته يسقط مرة ويقوم أخرى ؟ فقال : جدك رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقلت : وأين هم قاصدون ؟ قال : إلى أبيك الحسين ، فأقبلت أسعى في طلبه لأعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده .

ص: 349

فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور ، في كلّ هودج امرأة ، فقلت : من هذه النسوة المقبلات ؟ قال : الأولى حواء أم البشر ، الثانية آسية بنت مزاحم ، والثالثة مريم ابنة عمران ، والرابعة خديجة بنت خويلد ، فقلت : من الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة وتقوم أخرى ؟ فقال : جدتك فاطمة بنت محمد أم أبيك ، فقلت : والله لأخبرنها ما صنع بنا ، فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول : يا أمتاه جحدوا والله حقنا ، يا أمتاه بددوا والله شملنا ، يا أمتاه استباحوا

والله حريمنا ، يا أمتاه قتلوا والله الحسين أبانا ، فقالت : كفي صوتك يا سكينة ، فقد أحرقت كبدي وقطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتى ألقى الله به .

ثم انتبهت وأردت كتمان ذلك المنام وحدثت به أهلي فشاع بين الناس(1) .

[ يهود ونصارى يردّون على يزيد ]

وقال السيد وابن نما : وروي عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال : لقيني رأس الجالوت فقال : والله إن بيني وبين داود لسبعين أبا ، وإن اليهود تلقاني فتعظمني ، وأنتم ليس بينكم وبين ابن نبيكم إلا أب واحد قتلتموه ؟!

ص: 350


1- وقال السيد : وقالت سكينة : فلما كان اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام وذكرت مناما طويلا تقول في آخر ورأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها فسألت عنها فقيل لي هذه فاطمة بنت محمد أم أبيك فقلت والله لأنطلقن إليها ولأخبرنها بما صنع بنا فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها فوقفت بين يديها أبكي وأقول يا أمتاه جحدوا والله حقنا يا أمتاه بددوا والله شملنا يا أمتاه استباحوا والله حريمنا يا أمتاه قتلوا والله الحسين أبانا فقالت لي كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام لا يفارقني حتى ألقى الله .

وروي عن زين العابدين عليه السلام : أنه لما أتي برأس الحسين إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشراب ، ويأتي برأس الحسين ويضعه بين يديه ويشرب عليه ، فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم ، وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال : يا ملك العرب هذا رأس من ؟ فقال له يزيد : ما لك ولهذا الرأس ؟ فقال : إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء رأيته ، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور ، فقال له يزيد : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، فقال الرومي : ومن أمه ؟ فقال : فاطمة بنت رسول الله ، فقال النصراني : أف لك ولدينك ، لي دين أحسن من دينك ، إن أبي من حوافد داود عليه السلام ، وبيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظموني ويأخذون من تراب قدمي تبركا بأبي من حوافد داود ، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله ، وما بينه وبين نبيكم إلا أم واحدة ، فأي دين دينكم ؟

ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث كنيسة الحافر ؟ فقال له : قل حتى أسمع ، فقال : بين عمان والصين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء ، طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ، ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، أعظمها كنيسة الحافر ، في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر ، يقولون : إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسى ، وقد زينوا حول الحقة بالذهب والديباج ، يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى ، ويطوفون حولها ويقبلونها ، ويرفعون حوائجهم إلى الله - تعالى - ، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم ؟ فلا بارك الله - تعالى - فيكم ولا في دينكم .

فقال يزيد : اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده ، فلما أحس النصراني بذلك قال له : تريد أن تقتلني ؟ قال : نعم ، قال : اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في

ص: 351

المنام يقول لي : يا نصراني أنت من أهل الجنة ، فتعجبت من كلامه ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم وثب إلى رأس الحسين فضمه إلى صدره وجعل يقبله ويبكي حتى قتل .

[ مأتم على الحسين في بيت الطاغية يزيد ]

وقال صاحب المناقب : وذكر أبو مخنف وغيره : أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس على باب داره ، وأمر بأهل بيت الحسين عليه السلام أن يدخلوا داره .

فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية ولا أبي سفيان أحد إلا استقبلهن بالبكاء والصراخ والنياحة على الحسين عليه السلام ، وألقين ما عليهن من الثياب والحلي ، وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيام ، وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد ، وكانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام حتى شقت الستر وهي حاسرة ، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام فقالت : يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي ؟ فوثب إليها يزيد فغطاها ، وقال : نعم ، فاعولي عليه يا هند ، وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله ، قتله الله .

ثم إن يزيد لعنه الله أنزلهم في داره الخاصة ، فما كان يتغدى ولا يتعشى حتى يحضر علي بن الحسين .

[ بين المنهال والإمام السجاد ]

وقال السيد وغيره : وخرج زين العابدين

عليه السلام يوما يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو ، فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟ قال : أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا عربي ، وأمست قريش تفتخر

ص: 352

على سائر العرب بأن محمدا منها ، وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشردون فإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مما أمسينا فيه ، يا منهال .

ولله در مهيار حيث قال :

يعظمون له أعواد منبره

وتحت أرجلهم أولاده وضعوا

بأي حكم بنوه يتبعونكم

وفخركم أنكم صحب له تبع

[ بين الإمام السجاد والطاغية يزيد ]

قال : ودعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليه السلام وعمرو بن الحسن عليه السلام ، وكان عمرو صغيرا - يقال : إن عمره إحدى عشرة سنة - فقال له : أ تصارع هذا ؟ يعني ابنه خالدا ،

فقال له عمرو : لا ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا ثم أقاتله ، قال يزيد :

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحية إلا الحية

وقال لعلي بن الحسين : اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن .

فقال : الأولى : أن تريني وجه سيدي وأبي ومولاي الحسين ، فأتزود منه وأنظر إليه وأودعه .

والثانية : أن ترد علينا ما أخذ منا .

والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هواء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن صلى الله عليه و آله .

فقال : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا ، وأما قتلك فقد عفوت عنك ، وأما النساء فما يويهن إلى المدينة غيرك ، وأما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته .

فقال عليه السلام : أما مالك فما نريده ، وهو موفر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آلهومقنعتها

وقلادتها وقميصها ، فأمر برد ذلك وزاد عليه مائتي دينار ، فأخذها زين العابدين عليه السلام وفرقها في الفقراء والمساكين ، ثم أمر برد الأسارى وسبايا البتول إلى أوطانهم بمدينة الرسول .

ص: 353

[ اختلاف الناس في مدفن رأس الحسين عليه السلام ]

قال ابن نما : وأما الرأس الشريف اختلف الناس فيه .

فقال قوم : إن عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة .

وعن منصور بن جمهور : أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جوة حمراء ، فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجوة فإنها كنز من كنوز بني أمية ،

فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين عليه السلام ، وهو مخضوب بالسواد ، فقال لغلامه : ائتني بثوب ، فأتاه به ، فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس ، عند البرج الثالث مما يلي المشرق .

وحدثني جماعة من أهل مصر : أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم ، عليه من الذهب شيء كثير ، يقصدونه في المواسم ويزورونه ، ويزعمون أنه مدفون هناك .

والذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه .

وقال السيد : فأما رأس الحسين ، فروي : أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه ، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه .

ورويت آثار مختلفة كثيرة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب .

وقال صاحب المناقب : وذكر الإمام أبو العلاء الحافظ : أن يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين عليه السلام بعث إلى المدينة ، فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ، ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهزهم بكل شيء ، ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها ، وبعث

ص: 354

برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص ، وهو إذ ذاك عامله على المدينة ، فقال عمرو : وددت أنه لم يبعث به إلي ، ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليهاالسلام .

وذكر غيره : أن سليمان بن عبد الملك بن مروان رأى النبي صلى الله عليه و آله في المنام كأنه يبره ويلطفه ، فدعا الحسن البصري فسأله عن ذلك ، فقال : لعلك اصطنعت إلى أهله معروفا ، فقال سليمان : إني وجدت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بن معاوية ، فكسوته خمسة من الديباج ، وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته ، فقال الحسن : إن النبي صلى الله عليه و آلهرضي منك بسبب ذلك ، وأحسن إلى الحسن وأمره بالجوائز .

وذكر غيرهما : أن رأسه عليه السلام صلب بدمشق ثلاثة أيام ، ومكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك ، فطلب فجيء به ، وهو عظيم أبيض ، فجعله في سفط وطيبه ، وجعل عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى المكان يطلب منه الرأس فأخبر بخبره ، فسأل عن الموضع الذي دفن فيه ، فنبشه وأخذه والله أعلم ما صنع به ، فالظاهر من دينه أنه بعث إلى كربلاء فدفن مع جسده عليه السلام .

أقول : هذه أقوال المخالفين في ذلك ، والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده ، رده علي بن الحسين عليه السلام ، وقد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المونين عليه السلام ، وسيأتي بعضها ، والله يعلم .

[ أهل البيت يخرجون من الشام ]

ثم قال المفيد وصاحب المناقب : وروي : أن يزيد عرض عليهم المقام بدمشق ، فأبوا ذلك وقالوا : بل ردنا إلى المدينة فإنه مهاجر جدنا صلى الله عليه و آله ، فقال للنعمان بن بشير ، صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله! : جهز هواء بما يصلحهم ، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا ، وابعث معهم خيلا وأعوانا ، ثم كساهم وحباهم ، وفرض لهم

ص: 355

الأرزاق والأنزال ، ثم دعا بعلي بن الحسين عليه السلام فقال له : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو كنت صاحبه ما سألني خلة إلا أعطيتها إياه ، ولدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى الله ما رأيت ، فكاتبني وانه إلى كلّ حاجة تكون لك ، ثم أوصى بهم الرسول .

فخرج بهم الرسول يسايرهم فيكون أمامهم ، فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه كهيئة الحرس ، ثم ينزل بهم حيث أراد أحدهم الوضوء ، ويعرض عليهم حوائجهم ، ويلطفهم حتى دخلوا المدينة .

[ بنات الوحي يجزين حادي الركب ]

قال الحارث بن كعب : قالت لي فاطمة بنت علي عليه السلام : قلت لأختي زينب : قد وجب علينا حق هذا لحسن صحبته لنا ، فهل لك أن تصله ؟ قالت : فقالت : والله ما لنا ما نصله به إلا أن نعطيه حلينا ، فأخذت سواري ودملجي أو سوار أختي ودملجها فبعثنا بها إليه ، واعتذرنا من قتلتها ، وقلنا : هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا ، فقال : لو كان الذي صنعته للدنيا كان في دون هذا رضاي ، ولكن والله ما فعلته إلا لله وقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه و آله .

[ إلى كربلاء ]

ثم قال السيد : ولما رجعت نساء الحسين عليه السلام وعياله من الشام ، وبلغوا إلى العراق قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلاء ، فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجلا من آل رسول الله قد وردوا لزيارة قبر الحسين ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا

على ذلك أياما .

ص: 356

فروي عن أبي حباب الكلبي قال حدثنا الجصاصون قالوا : كنا نخرج إلى الجبانة في الليل عند مقتل الحسين عليه السلام فنسمع الجن ينوحون عليه فيقولون :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

[ إلى المدينة ]

قال : ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة .

قال بشير بن حذلم : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليه السلام فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يا بشير ، رحم الله أباك لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شيء منه ؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله إني لشاعر ، قال : فادخل المدينة وانع أبا عبد الله .

[ بشير ينعى الحسين ]

قال بشير : فركبت فرسي وركزت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه و آلهرفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

قال : ثم قلت : هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم ، أعرفكم مكانه ، فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن ، مكشوفة شعورهن ، مخمشة وجوههن ، ضاربات خدودهن ، يدعون بالويل والثبور ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمر على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين فتقول :

ص: 357

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا

وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

فعيني جودا بالدموع واسكبا

وجودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد والدين أجدعا

على بن نبي الله وابن وصيه

وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت : أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله ، وخدشت منا قروحا لما تندمل ، فمن أنت رحمك الله ؟ فقلت : أنا بشير بن حذلم ، وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما الصلاة والسلام ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه .

قال : فتركوني مكاني وبادروا ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين عليه السلام داخلا ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي ، فوضعه له وجلس عليه ، وهو لا يتمالك من العبرة ، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء وحنين الجواري والنساء ، والناس من كلّ ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم ، فقال عليه السلام :

[ خطبة الإمام السجاد في أهل المدينة ]

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالكِ يَوْمِ الدِّينِ بارئ الخلائق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاضعة ، الكاظة الفادحة الجائحة .

أيها الناس ، إن الله - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله وعترته ، وسبي نساو وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية .

ص: 358

أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان ، ولجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون .

أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أي فود لا يحن إليه ؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ؟

أيها الناس ، أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار ، كأنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ إِنْ هذا إِلا اخْتِلاقٌ ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصائة بنا لما ازدادوا

على ما فعلوا بنا فإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ من مصيبة ما أعظمها ، وأوجعها وأفجعها ،

وأكظها وأفظها ، وأمرها وأفدحها ، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنه عَزِيزٌ ذُوانْتِقامٍ .

[ إعتذار صوحان بن صعصعة ]

قال : فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان ، وكان زمنا ، فاعتذر إليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجليه ، فأجابه بقبول معذرته وحسن الظن فيه ، وشكر له وترحم على أبيه .

[ الإمام السجاد يبكي أبيه ]

ثم قال السيد : روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : إن زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة ، صائما نهاره قائما ليله ، فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه

ص: 359

فيضعه بين يديه ، فيقول : كلّ يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله جائعا ، قتل ابن رسول الله عطشانا ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ، ثم يمزج شرابه بدموعه ، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل .

وحدث مولى له عليه السلام : أنه برز يوما إلى الصحراء قال : فتبعته ، فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه ، وأحصيت عليه ألف مرة : لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله تعبدا ورقا ، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا ، ثم رفع رأسه من السجود وإن لحيته ووجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه ، فقلت : يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن تقل ؟ فقال لي : ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام كان نبيا ابن نبي كان له اثنا عشر ابنا ، فغيب الله سبحانه واحدا منهم ، فشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حي في دار الدنيا ، وأنا فقدت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي(1) ؟

ص: 360


1- إيضاح : قال الجوهري ارتث فلان هو افتعل على ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق وقال الخفر بالتحريك شدة الحياء وجارية خفرة ومتخفرة وقال فرعت في الجبل صعدته وفرعت في الجبل صعدت ويقال بئسما أفرعت به أي ابتدأت. أقول وفي بعض النسخ تفرغ بالغين المعجمة من الإفراغ بمعنى السكب وهو أظهر والختل الخدعة وفي الإحتجاج الختر وهو أيضا بالتحريك الغدر. قولها عليهاالسلام كمثل التي إشارة إلى قوله - تعالى - وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ قال الطبرسي رحمه الله أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفتل للمغزل وهي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاب النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ولا تزال ذلك دأبها وقيل إنه مثل ضربه الله شبه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك أنكاثا جمع نكث وهو الغزل من الصوف والشعر يبرم ثم ينكث وينقض ليغزل ثانية تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أي دغلا وخيانة ومكرا. وقال الخليل الصلف مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا والنطف بالتحريك التلطخ بالعيب وفي الإحتجاج بعد الصلف والعجب والشنف والكذب والشنف بالتحريك البغض والتنكر والدمنة بالكسر ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها أي تلبده في مرابضها فربما نبت فيها النبات شبهتهم تارة بذلك النبات في دناءة أصلهم وعدم الانتفاع بهم مع حسن ظاهرهم وخبث باطنهم وأخرى بفضة تزين بها القبور في أنهم كالأموات زينوا أنفسهم بلباس الأحياء ولا ينتفع بهم الأحباء ولا يرجى منهم الكرم والوفاء. قولها بعارها الضمير راجع إلى الأمة أو الأزمنة وفي الإحتجاج أجل والله فابكوا فإنكم والله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فقد بليتم بعارها ومنيتم بشنارها والشنار العيب ورحضه كمنعه غسله كأرحضه والمدرة بالكسر زعيم القوم وخطيبهم والمتكلم عنهم والذي يرجعون إلى رأيه وتبت الأيدي أي خسرت أو هلكت والأيدي إما مجاز للأنفس أو بمعناها. والفري القطع وفي بعض النسخ والروايات فرثتم بالثاء المثلثة قال في النهاية في حديث أم كلثوم بنت علي عليه السلام لأهل الكوفة أ تدرون أي كبد فرثتم لرسول الله صلى الله عليه و آله الفرث تفتيت الكبد بالغم والأذى والصلعاء الداهية القبيحة قال الجزري في حديث عائشة أنها قالت لمعاوية حين ادعى زيادا ركبت الصليعاء أي الداهية والأمر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة انتهى. والعنقاء بالقاف الداهية وفي بعض النسخ بالفاء من العنف والفقماء من قولهم تفاقم الأمر أي عظم والخرق ضد الرفق والشوهاء القبيحة والضمير في قولها جئتم بها راجع إلى الفعلة القبيحة والقضية الشنيعة التي أتوا بها والكلام مبني على التجريد وطلاع الأرض بالكسر ملوا والحفز الحث والإعجال. قولها لا يبزى أي لا يغلب ولا يقهر والذحل الحقد والعداوة يقال طلب بذحله أي بثأره والموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا وترة. قولها عليهاالسلام في بيت متعلق بالمقتول لأن أمير المونين عليه السلام قتل في المسجد وسائر الأوصاف بعد ذلك نعوت له والتعس الهلاك والضيم الظلم والنقيبة النفس والعريكة الطبيعة والعذل الملامة والجدل بالتحريك الفرح وسحته وأسحته أي استأصله ونزع إليه اشتاق وفي بعض النسخ فزعت أي لجأت. وقال الجوهري الكثكث والكثكث فتات الحجارة والتراب مثل الأثلب والإثلب ويقال بفيه الكثكث وقال كظم غيظه كظما اجترعه والكظوم السكوت وكظم البعير يكظم كظوما إذا أمسك عن الجرة وقال أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه وقد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة وقال الشاعر : فأقع كما أقعى أبوك على استه رأى أن ريما فوقه لا يعادله وقال جاش الوادي زخر وامتد جدا وقال سجا يسجو سجوا سكن ودام وقوله- تعالى - وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى أي إذ دام وسكن ومنه البحر الساجي قال الأعشى : فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج لا يواري الدعامصا وقال الدعموص دويبة تغوص في الماء والجمع الدعاميص والدعامص أيضا ثم ذكر بيت الأعشى والكلة بالكسر الستر الرقيق والصبية جمع الصبي. وقال الجزري فيه أنه نهى عن قتل شيء من الدواب صبرا هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حيا ثم يرمى بشيء حتى يموت وكلّ من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطاء فإنه مقتول صبرا قوله ولم ينسني كأنه على سبيل القلب وفيه لطف أو المعنى لم يتركني واللهاة اللحمة في أقصى الفم والفراش بالفتح ما يبس بعد الماء من الطين على الأرض وبالكسر ما يفرش وموقع اللسان في قعر الفم . قولها لا يطيق وجوبا أي لزوما بالأرض وسكونا أو عملا بواجب على هيئة الاختيار ويقال طعنه فجدله أي رماه بالأرض ورجل مغاور بضم الميم أي مقاتل وهو صفة لقوله بطل أو حال عنه بالإضافة إلى ياء المتكلم وضرجه بدم أي لطخه ويقال قف شعري أي قام من الفزع وقال الجوهري اللدم صوت الحجر أو الشيء يقع بالأرض وليس بالصوت الشديد وفي الحديث والله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد ثم يسمى الضرب لدما ولدمت المرأة وجهها ضربته والتدام النساء ضربهن صدورهن في النياحة واللدم بالتحريك الحرم في القرابات والقبيل الكفيل والعريف والجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى أي كلّ قبيل من قبائل الملائكة والوزر بالتحريك الملجأ. قوله لعنه الله تصهرهم الشمس أي تذيبهم والمخصرة بكسر الميم كالسوط وكلما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها والأسل الرمح وشمخ الرجل بأنفه تكبر وعطفا الرجل بالكسر جانباه والنظر في العطف كناية عن الخيلاء والجذل بالتحريك الفرح وقد جذل بالكسر يجذل فهو جذلان. وقولها عليهاالسلام يحدو بهن أي يسوقهن سوقا شديدا واستشرف الشيء رفع بصره ينظر إليه والمنقل الطريق في الجبل والمنقلة المرحلة من مراحل السفر قولها وكيف يستبطئ في بغضنا أي لا يطلب منه الإبطاء والتأخير في البغض والشنف بالتحريك البغض والتنكر والإحن بكسر الهمزة وفتح الحاء جمع الإحنة بالكسر وهي الحقد والانتحاء الاعتماد والميل وانتحيت لفلان أي عرضت له وأنحيت على حلقه السكين أي عرضت ونكأت القرحة قشرتها. وقال الفيروزآبادي الشافة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب وإذا قطعت مات صاحبها والأصل واستأصل الله شافته أذهبه كما تذهب تلك القرحة أو معناه أزاله من أصله انتهى ويقال خرج وشيكا أي سريعا والفري القطع. قولها ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك يحتمل أن يكون مخاطبتك مرفوعا بالفاعلية أي إن أوقعت علي مخاطبتك البلايا فلا أبالي ولا أعظم قدرك أو يكون منصوبا بالمفعولية أي إن أوقعتني دواهي الزمان إلى حال احتجت إلى مخاطبتك فلست معظمه لقدرك. قولها تنطف بكسر الطاء وضمها أي تقطر وقال الفيروزآبادي تحلب عينه وفوه أي سالا والعواسل الذئاب السريعة العدو . قولها وتعفوها أمهات الفراعل من قولهم عفت الريح المنزل أي درسته أو من قولهم فلان تعفوه الأضياف أي تأتيه كثيرا وفي بعض النسخ تعفرها أي تلطخها بالتراب عند الأكلّ وفي بعضها بالقاف من العقر بمعنى الجرح ومنه كلب عقور والفرعل بالضم ولد الضبع وفي رواية السيد أمهات الفراعل وهو أظهر والفند بالتحريك الكذب وضعف الرأي والبهلول من الرجال الضحاك وربط العنان كناية عن ترك المحارم وملازمة الشريعة في جميع الأمور وفلان شديد الشكيمة إذا كان شديد النفس أنفا أبيا ووجأته بالسكين ضربته. والنياط بالكسر عرق علق به القلب من الوتين فإذا قطع مات صاحبه والشنشنة الخلق والطبيعة والشحط البعد والشاسع البعيد واللواذع المصائب المحرقة الموجعة ويقال كظني هذا الأمر أي جهدني من الكرب والجائحة الشدة التي تستأصل المال وغيره وقال الجوهري عامل الرمح ما يلي السنان .

ص: 361

ص: 362

[ أحداث الشام برواية الصدوق ]

2 - إقبال الأعمال :عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : قال لي أبي محمد بن علي : سألت أبي علي بن الحسين عن حمل يزيد له ، فقال : حملني على بعير يطلع بغير وطاء ، ورأس الحسين عليه السلام على علم ، ونسوتنا خلفي على بغال فأكف ، والفارطة

ص: 363

خلفنا وحولنا بالرماح ، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح ، حتى إذا دخلنا دمشق صاح صائح : يا أهل الشام هواء سبايا أهل البيت الملعون(1) .

3 - الأمالي للصدوق : عن أبي نعيم قال : حدثني حاجب عبيد الله بن زياد : أنه لما جيء برأس الحسين عليه السلام أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب ، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه ويقول : لقد أسرع الشيب إليك يا با عبد الله ، فقال رجل من القوم : مه ، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يلثم حيث تضع قضيبك ، فقال : يوم بيوم بدر .

ثم أمر بعلي بن الحسين عليه السلام فغل ، وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن ، وكنت معهم ، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه مل ء رجال ونساء ، يضربون وجوههم ويبكون ، فحبسوا في سجن وطبق عليهم .

ثم إن ابن زياد لعنه الله دعا بعلي بن الحسين والنسوة ، وأحضر رأس الحسين عليه السلام ، وكانت زينب ابنة علي عليه السلام فيهم ، فقال ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحاديثكم ، فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا ، إنما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر ، قال : كيف رأيت صنيع الله بكم أهل البيت ؟ قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده ، فغضب ابن زياد لعنه الله عليها ، وهم بها ، فسكن منه عمرو بن حريث ، فقالت زينب : يا ابن زياد حسبك ما ارتكبت منا ، فلقد قتلت رجالنا ، وقطعت أصلنا ، وأبحت حريمنا ، وسبيت نساءنا وذرارينا ، فإن كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت ،

فأمر ابن زياد بردهم إلى السجن ، وبعث البشائر إلى النواحي بقتل الحسين عليه السلام .

ص: 364


1- بيان : قوله فأكف أي أميل وأشرف على السقوط والأظهر واكفة أي كانت البغال بإكاف أي برذعة من غير سرج وفرط سبق وفي الأمر قصر به وضيعه وعليه في القول أسرف وفرط القوم تقدمهم إلى الورد لإصلاح الحوض والفرط بضمتين الظلم والاعتداء والأمر المجاوز فيه الحد ولعل فيه أيضا تصحيفا .

ثم أمر بالسبايا ورأس الحسين ، فحملوا إلى الشام ، فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة : أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن على الحسين إلى الصباح .

وقالوا : فلما دخلنا دمشق أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه ، فقال أهل الشام الجفاة : ما رأينا سبايا أحسن من هواء ، فمن أنتم ؟ فقالت سكينة ابنة الحسين : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه و آله .

فأقيموا على درج المسجد حيث يقام السبايا ، وفيهم علي بن الحسين عليه السلام ، وهو يومئذ فتى شاب ، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة ، فلم يأل عن شتمهم ، فلما انقضى كلامه قال له علي بن الحسين عليه السلام : أ ما قرأت كتاب الله عز وجل ؟ قال : نعم ، قال : أما قرأت هذه الآية « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن أولئك ، ثم قال : أما قرأت « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن هم ، فهل قرأت هذه الآية « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ؟ قال : بلى ، قال : فنحن هم ، فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال : اللهم إني أتوب إليك ، ثلاث مرات ، اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد ، ومن قتلة أهل بيت محمد ، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم .

ثم أدخل نساء الحسين على يزيد بن معاوية ، فصحن نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن ، وأقمن المأتم ، ووضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه فقالت سكينة : ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه ، ولا أجفى منه ، وأقبل يقول وينظر إلى الرأس :

ص: 365

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل(1)

ثم أمر برأس الحسين فنصب على باب مسجد دمشق .

[ رجل شامي يستوهب بنت الحسين من يزيد ]

فروي عن فاطمة بنت علي عليه السلام أنها قالت : لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شيء وألطفنا ، ثم إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إليه فقال : يا أمير المونين هب لي هذه الجارية ، يعنيني ، وكنت جارية وضيئة ، فأرعبت وفرقت وظننت أنه يفعل ذلك ، فأخذت بثياب أختي ، وهي أكبر مني وأعقل ، فقالت : كذبت والله ولعنت ، ما ذاك لك ولا له ، فغضب يزيد وقال : بل كذبت والله لو شئت لفعلته ، قالت : لا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا ، فغضب يزيد ثم قال : إياي تستقبلين بهذا ؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت : بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وجدك وأبوك ، قال : كذبت يا عدوة الله ، قالت : أمير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه .

ص: 366


1- أقول : قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعري أنه قالها لوصف يوم أحد :ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسلحين حطت بقباء بركها واستحر القتل في عبد الأشل ثم قال كثير من الناس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية وقال من أكره التصريح باسمه هذا البيت ليزيد فقلت له إنما قاله يزيد متمثلا لما حمل إليه رأس الحسين عليه السلام وهو لابن الزبعري فلم تسكن نفسه إلى ذلك حتى أوضحته له فقلت أ لا تراه قال : جزع الخزرج من وقع الأسل والحسين عليه السلام لم تحارب عنه الخزرج وكان يليق أن يقول : جزع بنيهاشم من وقع الأسل ، فقال بعض من كان حاضرا لعله قاله يوم الحرة فقلت المنقول أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين عليه السلام والمنقول أنه شعر ابن الزبعري ولا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول .

قالت : فكأنه لعنه الله استحيا ، فسكت ، فأعاد الشامي لعنه الله ، فقال : يا أمير المونين هب لي هذه الجارية ، فقال له : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا .

[ خطبة السيدة زينب في مجلس يزيد برواية الإحتجاج ]

5 - الإحتجاج : رويأنه لما دخل علي بن الحسين صلوات الله عليه وحرمه على يزيد لعنه الله جيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طست ، فجعل يضرب

ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

فجزيناهم ببدر مثلها

وأقمنا مثل بدر فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب ، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين وقالت :

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وصلى الله على جدي سيد المرسلين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول « ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساوا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِونَ » ، أ ظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار ، نساق إليك سوقا في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار ، أنّ بنا من اللّه هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا ، وإن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطك ، تضرب أصدريك فرحا ، وتنفض مدرويك مرحا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور لديك متسقة ، وحين صفي لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلا مهلا ، لا تطش جهلا ، أنسيت قول الله « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لانْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » .

ص: 367

أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟ قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، يحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناقل ، ويبرزن لأهل المناهل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والغائب والشهيد ، والشريف والوضيع ، والدني والرفيع ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حميم ، عتوّا منك على الله ، وجحودا لرسول الله ، ودفعا لما جاء به من عند الله .

ولا غرو منك ، ولا عجب من فعلك ، وأنى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء ، ونصب الحرب لسيد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه و آلهأشد العرب لله جحودا ، وأنكرهم له رسولا ، وأظهرهم له عدوانا ، وأعتاهم على الرب كفرا وطغيانا .

ألا إنها نتيجة خلال الكفر ، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر ، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا وشنآنا ، وأحنا وضغنا ، يظهر كفره برسوله ، ويفصح ذلك بلسانه ، وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم :

لأهلوا واستهلوا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

منتحيا على ثنايا أبي عبد الله ، وكان مقبّل رسول الله صلى الله عليه و آله ، ينكتها بمخصرته ، قد التمع السرور بوجهه .

لعمري لقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشافة ، بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة ، وابن يعسوب العرب ، وشمس آل عبد المطلب ، وهتفت بأشياخك ، وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ، ثم صرخت بندائك ، ولعمري قد ناديتهم لو شهدوك ، ووشيكا تشهدهم ويشهدوك ، ولتود يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها ، وأحببت أمك لم تحملك ، وأباك لم يلدك حين تصير إلى سخط الله ، ومخاصمك ومخاصم أبيك رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 368

اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، ونقص ذمامنا ، وقتل حماتنا ، وهتك عنا سدولنا .

وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ، وما فريت إلا جلدك ، وما جززت إلا لحمك ، وسترد على رسول الله بما تحملت من ذريته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم ، ولا يستفزنك الفرح بقتله وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وحسبك بالله وليا وحاكما ، وبرسول الله خصيما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين أن بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلا ، وإنكم شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلاً .

وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك ، توهما لانتجاع الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى ، وصدورهم عند ذكره حرى ، فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول ، قد عشش فيه الشيطان وفرخ ، ومن هناك مثلك ما درج ونهض ، فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة ، تنطف أكفهم من دمائنا ، وتتحلب أفواههم من لحومنا ، وللجثث الزاكية على الجبوب الضاحية ، تنتابها العواسل ، وتعفرها الفراعل ، فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما الله بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ، وإلى الله المشتكى والمعول ، وإليه الملجأ والمول .

ثم كد كيدك ، واجهد جهدك ، فو الذي شرفنا بالوحي والكتاب والنبوة والانتجاب ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا ترحض عنك عارنا ، وهل رأيك إلا فند ؟ وأيامك إلا عدد ؟ وجمعك إلا بدد ؟ يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي .

ص: 369

والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأوصيائه ببلوغ الإرادة ، نقلهم إلى الرحمة والرأفة والرضوان والمغفرة ، ولم يشق بهم غيرك ، ولا ابتلى بهم سواك ، ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنه رحيم ودود .

فقال يزيد مجيبا لها شعرا :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح

ثم أمر بردهم(1) .

ص: 370


1- بيان : قال الجزري في حديث الحسن يضرب أسدريه أي عطفيه ومنكبيه يضرب بيده عليهما وروي بالزاء والصاد بدل السين بمعنى واحد وهذه الأحرف الثلاثة تتعاقب مع الدال وقال في باب الصاد في حديث الحسن يضرب أصدريه أي منكبيه وقال في باب الميم والذال في حديث الحسن ما تشاء أن ترى أحدهم ينفض مذرويه المذروان جانبا الاليتين ولا واحد لهما وقيل هما طرفا كلّ شيء وأراد بهما الحسن فرعا المنكبين يقال جاء فلان ينفض مذرويه إذا جاء باغيا يتهدد وكذلك إذا جاء فارغا في غير شغل والميم زائدة. وقال الفيروزآبادي : الأصدران عرقان تحت الصدغين وجاء يضرب أصدريه أي فارغا وقال في المذروين بكسر الميم نحوا مما مر. ويقال : لا غرو أي ليس بعجب والضب الحقد الكامن في الصدر وفي بعض النسخ مكان شنفا وشنآنا سيفا وسنانا وفلان يتحوب من كذا أي يتأثم والتحوب أيضا التوجع والتحزن والسديل ما أسبل على الهودج والجمع السدول. قولها رضي الله عنها فتلك إشارة إلى أعوانه وأنصاره وفي بعض النسخ قبلك بكسر القاف وفتح الباء عندك أو بفتح القاف وسكون الباء إشارة إلى آبائه لعنهم الله. قولها ما درج كلمة ما زائدة كما في قوله - تعالى - فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ أي بإعانة هواء درجت ومشيت وقمت أوفي حجور هواء الأشقياء ربيت ومنهم تفرعت والجبوب بضم الجيم والباء الأرض الغليظة ويقال وجه الأرض وفي بعض النسخ بالنون فعلى الأول الضاحية من قولهم مكان ضاح أي بارز وعلى الثاني من قولهم ضحيت للشمس أي برزت وإنما أوردت بعض الروايات مكررا لكثرة اختلافها .

[ خطبة الإمام السجاد في مجلس يزيد برواية الإحتجاج ]

6 - الإحتجاج : روى ثقات الرواة وعدولهم : لما أدخل علي بن الحسين زين

العابدين عليه السلام في جملة من حمل إلى الشام سبايا من أولاد الحسين بن علي عليه السلام

وأهاليه على يزيد لعنه الله قال له : يا علي الحمد لله الذي قتل أباك ، قال عليه السلام : قتل أبي الناس ، قال يزيد : الحمد لله الذي قتله فكفانيه ، قال عليه السلام : على من قتل أبي لعنة الله ، أفتراني لعنت الله عز وجل ؟ قال يزيد : يا علي اصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة وما رزق الله أمير المونين من الظفر ، فقال علي بن الحسين : ما أعرفني بما تريد ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال :

أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن المروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن من لا يخفى ، أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى وكان من ربّه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى .

فضج أهل الشام بالبكاء حتى خشي يزيد أن يرحل من مقعده ، فقال للمون : أذن .

فلما قال المون : الله أكبر ، الله أكبر ، جلس علي بن الحسين على المنبر ، فلما قال : أشهد أن لا إله إلا الله ،أشهد أن محمدا رسول الله ، بكى علي بن الحسين عليه السلام ، ثم التفت إلى يزيد فقال : يا يزيد ، هذا أبوك أم أبي ؟ قال : بل أبوك ، فانزل ، فنزل فأخذ ناحية باب المسجد ، فلقيه مكحول صاحب رسول الله صلى الله عليه و آلهفقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟ قال : أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ .

فلما انصرف يزيد إلى منزله ، دعا بعلي بن الحسين عليه السلام وقال : يا علي أتصارع ابني خالدا ؟ قال عليه السلام : ما تصنع بمصارعتي إياه ، أعطني سكينا وأعطه سكينا ، فليقتل أقوانا أضعفنا ، فضمه يزيد إلى صدره ثم قال : لا تلد الحية إلا الحية ، أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب .

ص: 371

ثم قال له علي بن الحسين : يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي ، فإن كنت لا بد قاتلي فوجه مع هواء النسوة من يردهن إلى حرم رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال له يزيد لعنه الله : لا يردهن غيرك ، لعن الله ابن مرجانة ، فو الله ما أمرته بقتل أبيك ، ولو كنت متوليا لقتاله ما قتلته ، ثم أحسن جائزته وحمله والنساء إلى المدينة .

[ خطبة السيدة زينب في الكوفة برواية الإحتجاج ]

7 - الإحتجاج : عن حذيم بن شريك الأسدي قال : لما أتى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بالنسوة من كربلاء ، وكان مريضا ، وإذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب ، والرجال معهن يبكون ، فقال زين العابدين بصوت ضئيل ، وقد نهكته العلة : إن هواء يبكون ، فمن قتلنا غيرهم ؟

فأومأت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الناس بالسكوت ، قال حذيم الأسدي : فلم أر والله خفرة أنطق منها ، كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المونين عليه السلام ، وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا ، فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت بعد حمد الله - تعالى - ، والصلاة على رسوله :

أما بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل الختر والغدر والحدل ، ألا فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الزفرة ، إنما مثلكم مثل التي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ، هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الإماء وغمز الأعداء ، كمرعى على دمنة أو كقصة على ملحودة ، ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.

أتبكون على أخي ؟ أجل والله فابكوا ، فإنكم والله أحق بالبكاء ، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فقد بليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ، ولن ترحضوها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقر سلمكم ، وآسى كلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع

ص: 372

إليه عند مقالتكم ، ومدرة حججكم ، ومنار محجتكم ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ، ونكسا نكسا ، لقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبوم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

أتدرون - ويلكم - أي كبد لمحمد صلى الله عليه و آله فريتم ؟ وأي عهد نكثتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي حمة له هتكتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ، لقد جئتم بها شوهاء صلعاء عنقاء سواء فقماء خرقاء ، طلاع الأرض ومل ء السماء ، أفعجبتم أن لم تمطر السماء دما وَلَعَذابُ اْلآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ، فلا يستخفنكم المهل فإنه عز وجل من لا يحفزه البدار ، ولا يخشى عليه فوت الثأر ، كلا إن ربك لنا ولهم بالمرصاد ، ثم أنشأت تقول :

ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم

ما ذا صنعتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وأولادي ومكرمتي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

إني لأخشى عليكم أن يحل بكم

مثل العذاب الذي أودى على إرم

ثم ولت عنهم .

قال حذيم : فرأيت الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم ، فالتفت إلى شيخ إلى جانبي يبكي ، وقد اخضلت لحيته بالبكاء ويده مرفوعة إلى السماء ، وهو يقول : بأبي وأمي ، كهولهم خير الكهول ، وشبابهم خير شباب ، ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشد شعرا :

كهولهم خير الكهول ونسلهم

إذا عد نسل لا يبور ولا يخزى

فقال علي بن الحسين : يا عمة اسكتي ، ففي الباقي من الماضي اعتبار ، وأنت

ص: 373

بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمه غير مفهمة ، إن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر ، فسكتت . ثم نزل عليه السلام وضرب فسطاطه ، وأنزل نساءه ودخل الفسطاط(1) .

[ خطبة السيدة زينب برواية المفيد والطوسي ]

8 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن حذلم بن ستير قال : قدمت الكوفة

في المحرم ، سنة إحدى وستين ، عند منصرف علي بن الحسين بالنسوة من كربلاء ، ومعهم الأجناد يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر إليهم .

فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء ، جعل نساء الكوفة يبكين ويندبن ، فسمعت علي بن الحسين عليه السلام وهو يقول بصوت ضئيل ، وقد نهكته العلة ، وفي عنقه الجامعة ، ويده مغلولة إلى عنقه : إن هواء النسوة يبكين ، فمن قتلنا ؟

قال : ورأيت زينب بنت علي عليهاالسلام ، ولم أر خفرة قط أنطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان أمير المونين عليه السلام ، قال : وقد أو مأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأصوات ، فقالت :

الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله ، أما بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والخذل ، فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الرنة ، فإنما مثلكم كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ، ألا وهل فيكم إلا الصلف والسرف ، خوارون

ص: 374


1- بيان : قولها وآسى كلمكم الآسي الطبيب والكلم الجراحة وقال الجوهري النكس بالضم عود المرض بعد النقه وقد نكس الرجل نكسا يقال تعسا له ونكسا وقد يفتح هاهنا للازدواج أو لأنه لغة وفي أكثر النسخ هنا من لا يحفزه بالحاء المهملة والزاء المعجمة يقال حفزه أي دفعه من خلفه يحفزه بالكسر حفزا والليل يحفز النهار أي يسوقه قولها أودى في أكثر النسخ بالدال المهملة يقال أودى أي هلك وأودى به الموت أي ذهب فكأن على هنا بمعنى الباء وفي بعضها بالراء من أورى الزند إذا أخرج منه النار .

في اللقاء ، عاجزون عن الأعداء ، ناكثون للبيعة ، مضيعون للذمة ، فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .

أتبكون ؟ إي والله ، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد فزتم بعارها وشنارها ، ولن تغسلوا دنسها عنكم أبدا ، فسليل خاتم الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، وأمارة محجتكم ، ومدرجة حجتكم خذلتم ، وله قتلتم ، ألا ساء ما تزرون ، فتعسا ونكسا ، ولقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبوم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .

ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ وأي كريمة له أصبتم ؟ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ، ولقد أتيتم بها خرماء شوهاء ، طلاع الأرض والسماء ، أفعجبتم أن قطرت السماء دما وَلَعَذابُ اْلآخِرَةِ أَخْزى ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا يعجزه البدار ، ولا يخاف عليه فوت الثأر ، كلا إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ .

قال : ثم سكتت ، فرأيت الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا وقد بكى حتى اخضلت لحيته وهو يقول :

كهولهم خير الكهول ونسلهم

إذا عد نسل لا يخيب ولا يخزى

[ قصة الشيخ المضلل مع الإمام السجاد في الشام برواية الإحتجاج ]

9 - الإحتجاج : وعن ديلم بن عمر قال : كنت بالشام حتى أتي بسبايا آل محمد ، فأقيموا على باب المسجد حيث تقام السبايا ، وفيهم علي بن الحسين عليه السلام ، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة ، ولم يأل عن شتمهم ، فلما انقضى كلامه قال له علي بن الحسين : إني قد أنصت لك حتى فرغت من منطقك ، وأظهرت ما في نفسك من العداوة والبغضاء ، فأنصت لي

ص: 375

كما أنصت لك ، فقال له : هات ، قال علي عليه السلام : أما قرأت كتاب الله عز وجل ؟ فقال : نعم ، قال : أما قرأت هذه الآية « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ؟ قال : بلى ، فقال له علي عليه السلام : فنحن أولئك ، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين ؟ فقال : لا ، قال علي بن الحسين : أما قرأت هذه الآية « وَآتِ

ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ؟ قال : نعم ، قال علي عليه السلام : فنحن أولئك الذين أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه و آله أن يويهم حقهم ، فقال الشامي : إنكم لأنتم هم ؟ فقال علي عليه السلام : نعم ، فهل قرأت هذه الآية « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى » ؟ فقال له الشامي : بلى ، فقال علي : فنحن ذوو القربى ، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون المسلمين ؟ فقال : لا ، قال علي : أ ما قرأت هذه الآية « إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ، فرفع الشامي يده إلى السماء ثم قال : اللهم إني أتوب إليك ، ثلاث مرات ، اللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد ومن قتل أهل بيت محمد ، ولقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم .

[ زيد بن أرقم يردّ على ابن زياد ]

10 - الأمالي للطوسي : عن الحكم بن محمد بن القاسم قال : حدثني أبي عن

أبيه : أنه حضر عبيد الله بن زياد حين أتي برأس الحسين عليه السلام ، فجعل ينكت بقضيب ثناياه ويقول : إن كان لحسن الثغر! فقال له زيد بن أرقم : ارفع قضيبك ، فطالما رأيت

رسول الله يلثم موضعه ، قال : إنك شيخ قد خرفت ، فقام زيد يجر ثيابه ، ثم عرضوا عليه فأمر بضرب عنق علي بن الحسين ، فقال له علي : إن كان بينك وبين هواء النساء رحم فأرسل معهن من يويهن ، فقال : تويهن أنت ، وكأنه استحيا وصرف الله عز وجل عن علي بن الحسين القتل .

قال أبو القاسم بن محمد : ما رأيت منظرا قط أفظع من إلقاء رأس الحسين عليه السلام بين يديه وهو ينكته .

ص: 376

11 - الأمالي للطوسي : عن أبي إسحاق السبيعي : أن زيد بن أرقم خرج من عنده يومئذ وهو يقول : أما والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : اللهم إني أستودعكه وصالح المونين ، فكيف حفظكم لوديعة رسول الله ؟

[ بعض أحداث الشام برواية تفسير القمي ]

12 - تفسير القمي : ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ ، فهو رسول الله صلى الله عليه و آله لما أخرجته قريش من مكة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه ، فعاقبهم الله يوم بدر ، وقتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم ، فلما قبض رسول الله طلب بدمائهم ، فقتل الحسين وآل محمد بغيا وعدوانا ، وهو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتبعت الشيخ فيما قد سأل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

وقال الشاعر في مثل ذلك :

يقول والرأس مطروح يقلبه

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به

أيام بدر وكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك وتعالى :« وَمَنْ عاقَبَ» يعني رسول الله «بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ » يعني حين أرادوا أن يقتلوه « ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ » يعني بالقائم عليه السلام من ولده .

13 - تفسير القمي : قال الصادق عليه السلام : لما أدخل علي بن الحسين عليه السلام على

يزيد لعنه الله نظر إليه ثم قال له : يا علي بن الحسين « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ، فقال علي بن الحسين : كلا ما هذه فينا نزلت ، وإنما نزلت فينا

ص: 377

« ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » ، فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا .

14 - تفسير القمي : قال الصادق عليه السلام : لما أدخل رأس الحسين بن علي عليه السلام على

يزيد لعنه الله ، وأدخل عليه علي بن الحسين عليه السلام وبنات أمير المونين عليه وعليهن السلام ، كان علي بن الحسين عليه السلام مقيدا مغلولا ، فقال يزيد لعنه الله : يا علي بن الحسين ، الحمد لله الذي قتل أباك ، فقال علي بن الحسين : لعنة الله على من قتل أبي ، قال : فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه ، فقال علي بن الحسين : فإذا قتلتني فبنات رسول الله من يردهم إلى منازلهم ، وليس لهم محرم غيري ؟ فقال : أنت تردهم إلى منازلهم .

ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده ، ثم قال له : يا علي بن الحسين أتدري ما الذي أريد بذلك ؟ قال : بلى ، تريد أن لا يكون لأحد علي منة غيرك ، فقال يزيد : هذا والله ما أردت ، ثم قال يزيد : يا علي بن الحسين « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ، فقال علي بن الحسين : كلا ما هذه فينا نزلت ، إنما نزلت فينا « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » ، فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا منها .

[ جفاء أهل الشام ]

15 - قرب الإسناد : عن الباقر عليه السلام قال : لما قدم على يزيد بذراري الحسين

عليه السلام أدخل بهن نهارا مكشفات وجوههن ، فقال أهل الشام الجفاة : ما رأينا سبيا أحسن من هواء ، فمن أنتم ؟ فقالت سكينة بنت الحسين : نحن سبايا آل محمد .

[ الإمام السجاد يخرج من الحبس لدفن أبيه ]

16 - رجال الكشي : عن بعض أصحابنا قال : كنت عند الرضا عليه السلام فدخل عليه

ص: 378

علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري ، فقال علي بعد كلام جرى بينهم وبينه عليه السلام في إمامته : إنا روينا عن آبائك عليهم السلام أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام : فأخبرني عن الحسين بن علي كان إماما أو غير إمام ؟ قال : كان إماما ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين ، قال : وأين كان علي بن الحسين ، كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد! قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف ، فقال له أبو الحسن : إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد ويلي أمر أبيه(1) .

[ الأسد الذي منع الخيل أن تطأ الحسين ]

17 - الكافي : عن إدريس بن عبد الله الأودي قال : لما قتل الحسين عليه السلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل ، فقالت فضة لزينب : يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج به إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال : يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه و آله فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية ، فدعيني أمضي إليه فأعلمه ما هم صانعون غدا .

قال : فمضت إليه فقالت : يا أبا الحارث ، فرفع رأسه ، ثم قالت : أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله عليه السلام ؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره!

قال : فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين عليه السلام ، فأقبلت الخيل ، فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه الله : فتنة لا تثيروها انصرفوا ، فانصرفوا(2) .

ص: 379


1- أقول : تمامه في باب الرد على الواقفية .
2- بيان قولها : إن سفينة كسر به إشارة إلى قصة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و آله ، وإن الأسد رده إلى الطريق ، وقد مر بأسانيد في أبواب معجزات الرسول ، وأبو الحارث من كنى الأسد .

[ بكاء زوجة الحسين الكلبية ]

18 - الكافي : عن مصقلة الطحان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لما قتل الحسين عليه السلام أقامت امرأته الكلبية عليه مأتما ، وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفت دموعهن وذهبت ، فبينا هي كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل ، فدعتها فقالت لها : ما لك أنت من بيننا تسيل دموعك ؟ قالت : إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق .

قال : فأمرت بالطعام والأسوقة ، فأكلت وشربت وأطعمت وسقت ، وقالت : إنما نريد بذلك أن نتقوى على البكاء على الحسين عليه السلام .

وقال : وأهدي إلى الكلبية جونا لتستعين بها على مأتم الحسين عليه السلام ، فلما رأت الجون قالت : ما هذه ؟ قالوا : هدية أهداها فلان لتستعيني بها على مأتم الحسين عليه السلام ، فقالت : لسنا في عرس ، فما نصنع بها ، ثم أمرت بهن فأخرجن من الدار ، فلما أخرجن من الدار لم يحس لها حس كأنما طرن بين السماء والأرض ، ولم ير لهن بعد خروجهن من الدار أثر(1) .

[ أبيات لفاطمة الصغرى بنت الحسين ]

19 - أقول : روي في كتاب المناقب القديم : عن علي بن الحسين عليه السلام قال : لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه ثم تمرغ ثم طار ، فوقع بالمدينة على

ص: 380


1- بيان : الجوني ضرب من القطا سود البطون والأجنحة ، ذكره الجوهري ، وكأن الجون بالضم أو كصرد جمعه وإن لم يذكره اللغويون. قوله : وأهدى : أي رجل ، والظاهر أهدي على بناء المجهول ، ورفع جون ، ولعل فقدهن على سبيل الإعجاز ذهب بهن إلى الجنة ، ويحتمل أن يكون الآتي بهن من الملائكة أيضا .

جدار فاطمة بنت الحسين بن علي عليه السلام ، وهي الصغرى ، فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاء شديدا وأنشأت تقول :

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب ؟ قال الإمام فقلت من ؟ قال الموفق للصواب إن الحسين بكربلاء بين الأسنة والضراب فابكي الحسين بعبرة ترجي الإله مع الثواب قلت الحسين ؟فقال لي حقا لقد سكن التراب ثم استقل به الجناح فلم يطق رد الجواب فبكيت مما حل بي بعد الدعاء المستجاب

قال محمد بن علي : فنعتته لأهل المدينة ، فقالوا : قد جاءتنا بسحر عبد المطلب ، فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي عليه السلام (1) .

[ يهودي يحاور رأس الحسين ويسلم ]

20 - وقال في الكتاب المذكور : روي أنه لما حمل رأسه إلى الشام جن عليهم الليل ، فنزلوا عند رجل من اليهود ، فلما شربوا وسكروا قالوا : عندنا رأس الحسين عليه السلام ، فقال : أروه لي ، فأروه وهو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء ، فتعجب منه اليهودي ، فاستودعه منهم ، وقال للرأس : اشفع لي عند جدك ، فأنطق الله الرأس فقال : إنما شفاعتي للمحمديين ولست بمحمدي ، فجمع اليهودي أقرباءه ، ثم أخذ الرأس ووضعه في طست وصب عليه ماء الورد وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر ، ثم قال لأولاده وأقربائه : هذا رأس ابن بنت محمد عليه السلام ، ثم قال : يا لهفاه

ص: 381


1- بيان : نعب الغراب أي صاح .

حيث لم أجد جدك محمدا صلى الله عليه و آله فأسلم على يديه ، يا لهفاه حيث لم أجدك حيا فأسلم على يديك وأقاتل بين يديك ، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة ، فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح : إن أسلمت فأنا لك شفيع ، قاله ثلاث مرات وسكت ، فأسلم الرجل وأقرباو(1) .

[ نداء في المدينة وصرخة في كربلاء وفضل الزيارة ]

21 - كامل الزيارات : عن الحلبي قال أبو عبد الله عليه السلام : لما قتل الحسين عليه السلام سمع أهلنا قائلا بالمدينة يقول : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة ، فلا يرون فرحا حتى يقوم قائمكم ، فيشفي صدوركم ويقتل عدوكم وينال بالوتر أوتارا ، ففزعوا منه وقالوا : إن لهذا القول لحادثا قد حدث ما نعرفه ، فأتاهم بعد ذلك خبر الحسين وقتله ، فحسبوا ذلك فإذا هي تلك الليلة التي تكلم فيها المتكلم .

فقلت له : جعلت فداك إلى متى أنتم ونحن في هذا القتل والخوف والشدة ؟

فقال : حتى مات سبعون فرخا أخو أب ويدخل وقت السبعين ، فإذا دخل وقت السبعين أقبلت الآيات تترى كأنها نظام ، فمن أدرك ذلك قرت عينه .

إن الحسين لما قتل أتاهم آت ، وهم في المعسكر ، فصرخ فزبر ، فقال لهم : وكيف لا أصرخ ورسول الله قائم ينظر إلى الأرض مرة وينظر إلى حربكم مرة ، وأنا أخاف أن يدعو الله على أهل الأرض فأهلك فيهم ، فقال بعضهم لبعض : هذا إنسان مجنون ، فقال التوابون : تالله ما صنعنا بأنفسنا ، قتلنا لابن سمية سيد شباب أهل الجنة ، فخرجوا على عبيد الله بن زياد ، فكان من أمرهم الذي كان .

قال : قلت له : جعلت فداك من هذا الصارخ ؟

ص: 382


1- ولعل هذا اليهودي كان راهب قنسرين لأنه أسلم بسبب رأس الحسين عليه السلام وجاء ذكره في الأشعار وأورده الجوهري الجرجاني في مرثية الحسين عليه السلام .

قال : ما نراه إلا جبرئيل ، أما إنه لو أذن له فيهم لصاح بهم صيحة يخطف منها أرواحهم من أبدانهم إلى النار ، ولكن أمهل لهم لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .

قلت : جعلت فداك ، ما تقول فيمن ترك زيارته وهو يقدر على ذلك ؟

قال : إنه قد عق رسول الله وعقنا ، واستخف بأمر هو له ، ومن زاره كان الله له من وراء حوائجه ، وكفى ما أهمه من أمر دنياه ، وإنه ليجلب الرزق على العبد ، ويخلف عليه

ما أنفق ، ويغفر له ذنوب خمسين سنة ، ويرجع إلى أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلا وقد محيت من صحيفته ، فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته ، وفتح له باب إلى الجنة يدخل عليه روحها حتى ينشر ، وإن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم وذخر ذلك له ، فإذا حشر قيل له : لك بكل درهم عشرة آلاف درهم ، وإن الله - تبارك وتعالى - نظر لك وذخرها لك عنده .

[ خطبة السجاد في الشام برواية المناقب ]

22 - المناقب لابن شهرآشوب : قال الأوزاعي : لما أتي بعلي بن الحسين عليه السلام ورأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ : خذ بيد هذا الغلام فأت به المنبر وأخبر الناس بسوء رأي أبيه وجده وفراقهم الحق وبغيهم علينا ، فلم يدع شيئا من المساوي إلا ذكره فيهم .

فلما نزل قام علي بن الحسين ، فحمد الله بمحامد شريفة وصلى على النبي صلاة بليغة موجزة ، ثم قال :

معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا أعرفه نفسي ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن المروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن من لا يخفى ، أنا

ابن من علا فاستعلى ، فجاز سدرة المنتهى ، وكان من ربّه كقاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ،أنا ابن من صلى بملائكة السماء مثنى مثنى ، أنا ابن من أسري به مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .

ص: 383

أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى .

أنا ابن المقتول ظلما ، أنا ابن المجزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى ، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى .

أيها الناس إن الله تعالى ، وله الحمد ، ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا ، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا ، فضلنا أهل البيت بست خصال : فضلنا ، بالعلم ، والحلم ، والشجاعة ، والسماحة ، والمحبة ، والمحلة في قلوب المونين ، وآتانا ما لَمْ يُوتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ من قبلنا ، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب .

قال : فلم يفرغ حتى قال المون : الله أكبر ، فقال علي : الله أكبر كبيرا .

فقال المون : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال علي : أشهد بما تشهد به .

فلما قال المون : أشهد أن محمدا رسول الله ، قال علي : يا يزيد هذا جدي أو جدك ؟ فإن قلت جدك فقد كذبت ، وإن قلت جدي فلم قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني .

ثم قال: معاشر الناس هل فيكم من أبوه وجده رسول الله؟ فعلت الأصوات بالبكاء.

[ بين المنهال والسجاد ]

فقام إليه رجل من شيعته يقال له «المنهال بن عمرو الطائي» - وفي رواية مكحول صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله - فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟

فقال : ويحك، كيف أمسيت ؟! أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم (الآية) ، وأمست العرب تفتخر على العجم

ص: 384

بأن محمدا منها ، وأمست قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها ، وأمسى آل محمد مقهورين مخذولين ، فإلى الله نشكو كثرة عدونا ، وتفرق ذات بيننا ، وتظاهر الأعداء علينا .

[ بين الإمام السجاد والطاغية يزيد ]

كتاب النسب : قال يزيد لعلي بن الحسين : وا عجبا لأبيك سمى عليا وعليا ؟! فقال عليه السلام : إن أبي أحب أباه فسمى باسمه مرارا .

تاريخ الطبري والبلاذري : ان يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين : أتصارع هذا ؟ يعني خالدا ابنه ، قال : وما تصنع بمصارعتي إياه ، أعطني سكينا وأعطه سكينا ثم أقاتله ، فقال يزيد :

«شنشنة أعرفها من أخزم»

هذا العصا جاءت من العصية

هل تلد الحية إلا الحية

وفي كتاب الأحمر : قال : أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب .

وروي أنه قال لزينب : تكلمي ، فقالت : هو المتكلم ، فأنشد السجاد :

لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم

وأن نكف الأذى عنكم وتوونا

والله يعلم أنا لا نحبكم

ولا نلومكم أن لا تحبونا

فقال : صدقت يا غلام ، ولكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين ، والحمد لله الذي قتلهما وسفك دماءهما ، فقال عليه السلام : لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد .

قال المدائني : لما انتسب السجاد إلى النبي صلى الله عليه و آله قال يزيد لجلوازه : أدخله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه ، فدخل به إلى البستان وجعل يحفر ، والسجاد يصلي ، فلما

ص: 385

هم بقتله ضربته يد من الهواء فخر لوجهه وشهق ودهش ، فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقية ، فانقلب إلى أبيه وقص عليه ، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه ، وموضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد .

[ يزيد والشطرنج والفقاع ]

23 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الفضل قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : لما حمل رأس الحسين إلى الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع ونصب عليه مائدة ، فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقاع ، فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره وبسط عليه رقعة الشطرنج ، وجلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج ، ويذكر الحسين وأباه وجده صلوات الله عليهم ويستهزئ بذكرهم ، فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ، ثم صب فضلته مما يلي الطست من الأرض ، فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع واللعب بالشطرنج، ومن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام ، وليلعن يزيد وآل زياد ، يمحو الله عز وجل بذلك ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم .

24 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الهروي قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : أول من اتخذ له الفقاع في الإسلام بالشام يزيد بن معاوية لعنة الله عليه ، فأحضر وهو على المائدة وقد نصبها على رأس الحسين بن علي عليه السلام ، فجعل يشربه ويسقي أصحابه ويقول : اشربوا ، فهذا شراب مبارك ، من بركته أنا أول تناولناه ورأس عدونا بين أيدينا ومائدتنا منصوبة عليه ونحن نأكلّ ونفوسنا ساكنة وقلوبنا مطمئنة ، فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع ، فإنه شراب أعدائنا.. الخبر .

[ الإمام السجاد في السجن ]

25 - بصائر الدرجات : عن محمد الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لما

ص: 386

أتي بعلي بن الحسين عليه السلام يزيد بن معاوية عليهما لعائن الله ومن معه جعلوه في بيت فقال بعضهم : إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا ، فراطن الحرس فقالوا : انظروا

إلى هواء يخافون أن تقع عليهم البيت وإنما يخرجون غدا فيقتلون .

قال علي بن الحسين : لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري ، والرطانة عند أهل المدينة الرومية .

26 - بصائر الدرجات : عن داود بن فرقد قال : ذكر قتل الحسين وأمر علي بن الحسين لما أن حمل إلى الشام فدفعنا إلى السجن ، فقال أصحابي : ما أحسن بنيان هذا الجدار ، فتراطن أهل الروم بينهم ، فقالوا : ما في هواء صاحب دم ، إن كان إلا ذلك يعنوني ، فمكثنا يومين ثم دعانا وأطلق عنا(1) .

[ الإمام السجاد يردّ على إبراهيم بن طلحة ]

27 - الأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما قدم علي بن الحسين وقد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهم استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال : يا علي بن الحسين من غلب ؟ وهو يغطي رأسه وهو في المحمل ، فقال له علي بن الحسين : إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذن ثم أقم .

[ رأس الحسين دفن في النجف ]

28 - كامل الزيارات : عن يزيد بن عمرو بن طلحة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام وهو بالحيرة : أما تريد ما وعدتك ؟ قال : قلت : بلى ، يعني الذهاب إلى قبر أمير المونين عليه السلام .

ص: 387


1- بيان قوله : فدفعنا ، من كلام علي بن الحسين عليه السلام ، وقد حذف صدر الخبر. قوله : صاحب دم : أي طالب دم المقتول ، أو من يريد يزيد قتله .

قال : فركب وركب إسماعيل معه وركبت معهم حتى إذا جاز الثوية ، وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض ، نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم ، فصلى وصلى إسماعيل وصليت ، فقال لإسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين بن علي .

فقلت : جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء ؟ فقال : نعم ، ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المونين صلوات الله عليهما .

29 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الملعون عبيد الله بن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي عليه السلام إلى الشام رد إلى الكوفة فقال :

أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها ، فصيره الله عند أمير المونين ، فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس(1) .

[ رسول اللّه يخبر بمصائب أهل البيت ]

30 - كامل الزيارات : عن زائدة قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : بلغني يا زائدة إنك تزور قبر أبي عبد الله أحيانا ؟! فقلت : إن ذلك لكما بلغك ، فقال لي : فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا ؟ فقلت : والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط ، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه ، فقال : والله إن ذلك لكذلك ؟ فقلت : والله إن ذلك لكذلك ، يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا ، فقال : أبشر ، ثم أبشر ، ثم أبشر ، فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون :

ص: 388


1- بيان قوله : فقال : أي قال عبيد الله . قوله : فالرأس مع الجسد : أي بعد ما دفن هناك ظاهرا ألحق بالجسد بكربلاء ، أو صعد به مع الجسد إلى السماء ، كما في بعض الأخبار ، أو أن بدن أمير المونين صلوات الله عليه كالجسد لذلك الرأس وهما من نور واحد. أقول : قد روي غير ذلك من الأخبار في الكافي والتهذيب تدل على كون رأسه عليه السلام مدفونا عند قبر والده صلى الله عليهما ، والله يعلم .

إنّه لما أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي عليه السلام وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله وحملت حرمه ونساو على الأقتاب يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري ويشتد لما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى ، فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ؟ فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر .

فقالت : لا يجزعنك ماترى ، فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك وأبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذا الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا ، وأمره إلا علوا .

فقلت : وما هذا العهد ؟ وما هذا الخبر ؟

فقالت : حدثتني أم أيمن : أن رسول الله صلى الله عليه و آلهزار منزل فاطمة عليهاالسلام في يوم من الأيام فعملت له حريرة صلى الله عليها ، وأتاه علي عليه السلام بطبق فيه تمر ، ثم قالت أم أيمن : فأتيتهم بعس فيه لبن وزبد ، فأكلّ رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام من تلك الحريرة ، وشرب رسول الله صلى الله عليه و آلهوشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكلّ وأكلوا من ذلك التمر بالزبد ، ثم غسل رسول الله يده وعلي يصب عليه الماء ، فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا فيه السرور في وجهه ، ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ، ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه يدعو ، ثم خر ساجدا وهو ينشج ، فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ،

ص: 389

ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر ، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين ، وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله ، وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطمة : ما يبكيك يا رسول الله ؟ لا أبكى الله عينيك ، وقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك ، فقال : يا أخي سررت بكم - وقال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه هاهنا فقال : -

يا حبيبي إني سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط ، وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته علي فيكم إذ هبط علي جبرئيل فقال : يا محمد ، إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة وهنأك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة ، لا يفرق بينك وبينهم ، يحيون كما تحيا ، ويعطون كما تعطى حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك خبطا خبطا وقتلا قتلا ، شتى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خيرة من الله لهم ولك فيهم ، فاحمد الله جل وعز على خيرته وارض بقضائه ، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم .

ثم قال جبرئيل : يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك ، مغلوب على أمتك ، متعوب من أعدائك ، ثم مقتول بعدك ، يقتله أشر الخلق والخليقة ، وأشقى البرية ، نظير عاقر الناقة ، ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كلّ حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم .

وإن سبطك هذا - وأومأ بيده إلى الحسين عليه السلام - مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك ، بضفة الفرات ، بأرض تدعى «كربلاء» من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة ، وإنها لمن بطحاء الجنة ، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله ، وأحاطت بهم كتائب أهل الكفر واللعنة ،

ص: 390

تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها ، غضبا لك - يا محمد - ولذريتك ، واستعظاما لما ينتهك من حرمتك ، ولشر ما يتكافى به في ذريتك وعترتك ، ولا يبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين ، الذين هم حجة الله على خلقه بعدك ، فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن : أني أنا الله الله الملك القادر ، والذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر على الانتصار والانتقام ، وعزتي وجلالي ، لأعذبن من وتر رسولي وصفيي وانتهك حرمته ، وقتل عترته ، ونبذ عهده ، وظلم أهله ، عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فعند ذلك يضج كلّ شيء في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك .

فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله جل وعز قبض أرواحها بيده ، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة معهم آنية من الياقوت والزمرد مملوءة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة ، فغسلوا جثثهم بذلك الماء ، وألبسوها الحلل وحنطوها بذلك الطيب ، وصلى الملائكة صفا صفا عليهم .

ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار ، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون علما لأهل الحق ، وسببا للمونين إلى الفوز ، وتحفه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم وليلة ، ويصلون عليه ، ويسبحون الله عنده ، ويستغفرون الله لزواره ، ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى الله وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ، ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله «هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء» فإذا كان يوم القيامة سطح في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار ، يدل عليهم ويعرفون به .

ص: 391

وكأني بك - يا محمد - بيني وبين ميكائيل ، وعلي أمامنا ، ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عدده ، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم الله وعطاو لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يريد به غير الله جل وعز ، وسيجد أناس ممن حقت عليهم من الله اللعنة والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره ، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله : فهذا أبكاني وأحزنني .

قالت زينب : فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي عليه السلام ورأيت أثر الموت منه قلت له : يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا وكذا وقد أحببت أن أسمعه منك .

فقال : يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأني بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد ، أذلاء خاشعين تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ ، فصبرا صبرا ، فو الذي فلق الحبة

وبرأ النسمة ، ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم ، ولقد قال لنا رسول الله حين أخبرنا بهذا الخبر : إن إبليس في ذلك اليوم يطير فرحا ،

فيجول الأرض كلّها في شياطينه وعفاريته فيقول : يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورثناهم النار ، إلا من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم ، وحملهم على عداوتهم ، وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناج ، ولقد صدق عليهم إبليس ، وهو كذوب ، أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ، ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر .

قال زائدة : ثم قال علي بن الحسين بعد أن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك أما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا(1) .

ص: 392


1- بيان العس : القدح العظيم. قولها : رمق بطرفه : أي نظر. ونشج الباكي ينشج بالكسر نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. وخبطه يخبطه : ضربه شديدا ، والبعير بيده الأرض وطئه شديدا ، والقوم بسيفه جلدهم. وضفة النهر بالكسر : جانبه. والتزعزع : التحرك ، وكذلك الميد والاصطفاق : الاضطراب ، يقال : الريح تصفق الأشجار فتصطفق. والموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، تقول منه : وتره يتره وترا وترة. وضرب آباط الإبل كناية عن الركض والاستعجال ، فإن المستعجل يضرب رجليه بإبطي الإبل ليعدو : أي لو سافرت سفرا سريعا في طلبه حولا .

[ ما جرى من معاجز للرأس الشريف في طريق الشام ]

31 - الخرائج والجرائح : عن الأعمش قال : بينما أنا في الطواف بالموسم إذا رأيت رجلا يدعو وهو يقول : اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر ، قال : فارتعدت لذلك ودنوت منه وقلت : يا هذا أنت في حرم الله وحرم رسوله ، وهذا أيام حرم في شهر عظيم ، فلم تيأس من المغفرة ؟ قال : يا هذا ذنبي عظيم ، قلت : أعظم من جبل تهامة ؟ قال : نعم ، قلت : يوازن الجبال الرواسي ؟ قال : نعم ، فإن شئت أخبرتك ؟ قلت : أخبرني ، قال : اخرج بنا عن الحرم .

فخرجنا منه فقال لي : أنا أحد من كان في العسكر الميشوم ، عسكر عمر بن سعد ، حين قتل الحسين ، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة ، فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى ، وكان الرأس معنا مركوزا على رمح ، ومعه الأحراس ، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكلّ ، فإذا بكف في حائط الدير تكتب :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

قال : فجزعنا من ذلك جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذها فغابت ، ثم عاد أصحابي إلى الطعام ، فإذا الكف قد عادت تكتب :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فقام أصحابنا إليها فغابت ، ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب :

وقد قتلوا الحسين بحكم جور

وخالف حكمهم حكم الكتاب

ص: 393

فامتنعت وما هنأني أكله ، ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس ، فأشرف فرأى عسكرا ، فقال الراهب للحراس : من أين جئتم ؟ قالوا : من العراق ، حاربنا الحسين ، فقال الراهب : ابن فاطمة بنت نبيكم وابن ابن عم نبيكم ؟ قالوا : نعم ، قال : تبا لكم ، والله لو كان لعيسى ابن مريم ابن لحملناه

على أحداقنا ، ولكن لي إليكم حاجة! قالوا : وما هي ؟ قال : قولوا لرئيسكم : عندي عشرة آلاف دراهم ورثتها من آبائي يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه ، فأخبروا عمر بن سعد بذلك فقال : خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل ، فجاءوا إلى الراهب فقالوا : هات المال حتى نعطيك الرأس ، فأدلى إليهم جرابين في كلّ جراب خمسة آلاف درهم ، فدعا عمر بالناقد والوزان فانتقدها ووزنها ودفعها إلى خازن له وأمر أن يعطى الرأس .

فأخذ الراهب الرأس ، فغسله ونظفه وحشاه بمسك وكافور كان عنده ، ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس ، فقال : يا رأس والله لا أملك إلا نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، أسلمت على يديك ، وأنا مولاك ، وقال لهم : إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة وأعطيه الرأس ، فدنا عمر بن سعد فقال : سألتك بالله وبحق محمد أن لا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس ولا تخرج بهذا الرأس من هذا الصندوق ، فقال له : أفعل ، فأعطاه الرأس ونزل من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله ، ومضى عمر بن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول .

فلما دنا من دمشق قال لأصحابه : انزلوا ، وطلب من الجارية الجرابين ، فأحضرت بين يديه ، فنظر إلى خاتمه ثم أمر أن يفتح ، فإذا الدنانير قد تحولت خزفية ، فنظروا في سكتها فإذا على جانبها مكتوب لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ

ص: 394

الظّالِمُونَ ، وعلى الجانب الآخر مكتوب سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، فقال : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ خسرت الدنيا والآخرة ، ثم قال لغلمانه : اطرحوها في النهر ، فطرحت ورحل إلى دمشق من الغد .

وأدخل الرأس إلى يزيد وابتدر قاتل الحسين إلى يزيد فقال :

املأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

فأمر يزيد بقتله وقال : إن علمت أن حسينا خير الناس أما وأبا فلم قتلته .

فجعل الرأس في طست وهو ينظر إلى أسنانه ويقول :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

وجزيناهم ببدر مثلها

وبأحد يوم أحد فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

فدخل عليه زيد بن أرقم ورأى الرأس في الطست وهو يضرب بالقضيب على أسنانه فقال : كف عن ثناياه ، فطالما رأيت النبي يقبلها ، فقال يزيد : لو لا أنك شيخ كبير خرفت لقتلتك .

ودخل عليه رأس اليهود فقال : ما هذا الرأس ؟ فقال : رأس خارجي ، قال : ومن هو ؟ قال : الحسين ، قال : ابن من ؟ قال : ابن علي ، قال : ومن أمه ؟ قال : فاطمة ، قال : ومن فاطمة ؟ قال : بنت محمد ، قال : نبيكم ؟ قال : نعم ، قال : لا جزاكم الله خيرا ، بالأمس كان نبيكم واليوم قتلتم ابن بنته ، ويحك ، إن بيني وبين داود النبي نيفا وثلاثين أبا ، فإذا رأتني اليهود كفرت إلي ، ثم مال إلى الطست وقبّل الرأس وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمد رسول الله ، وخرج ، فأمر يزيد بقتله .

ص: 395

وأمر فأدخل الرأس القبة التي بإزاء القبة التي يشرب فيها ، ووكلنا بالرأس ، وكلّ ذلك كان في قلبي ، فلم يحملني النوم في تلك القبة ، فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس ، فلما مضى وهن من الليل سمعت دويا من السماء ، فإذا مناد ينادي : يا آدم اهبط ، فهبط أبو البشر ومعه كثير من الملائكة ، ثم سمعت مناديا ينادي : يا إبراهيم اهبط ، فهبط ومعه كثير من الملائكة ، ثم سمعت مناديا ينادي : يا موسى اهبط ، فهبط ومعه كثير من الملائكة ، ثم سمعت مناديا ينادي : يا عيسى اهبط ، فهبط ومعه كثير من الملائكة ، ثم سمعت دويا عظيما ومناد ينادي : يا محمد اهبط ، فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة ، فاحدق الملائكة بالقبة .

ثم إن النبي دخل القبة وأخذ الرأس منها - وفي رواية : أن محمدا قعد تحت الرأس ، فانحنى الرمح ووقع الرأس في حجر رسول الله - فأخذه وجاء به إلى آدم فقال : يا أبي آدم ماترى ؟ ما فعلت أمتي بولدي من بعدي ؟ فاقشعر لذلك جلدي ، ثم قام جبرئيل فقال : يا محمد أنا صاحب الزلازل ، فأمرني لأزلزل بهم الأرض وأصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها ، فقال : لا ، قال : يا محمد دعني وهواء الأربعين الموكلين بالرأس ، قال : فدونك ، فجعل ينفخ بواحد واحد ، فدنا مني فقال : تسمع وترى ؟ فقال النبي : دعوه ، دعوه ، لا يغفر الله له ، فتركني ، وأخذوا الرأس وولوا ،

فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر .

ولحق عمر بن سعد الري فما لحق بسلطانه ، ومحق الله عمره ، فأهلك في الطريق .

فقال سليمان الأعمش : قلت للرجل : تنح عني لا تحرقني بنارك ، ووليت ولا أدري بعد ذلك ما خبره(1) .

ص: 396


1- بيان التكفير أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين يضع يده على صدره ويتطأمن له والوهن نحو من نصف الليل قوله تسمع وترى كأنه كلام على سبيل التهديد أي وقفت هاهنا وتنظر وتسمع أو المعنى أنك كنت في العسكر وإن لم تفعل شيئا فكنت تسمع واعيتهم وترى ما يفعل بهم .

[ نساء بني هاشم يقمن العزاء على سيد الشهداء ]

32 - الخرائج والجرائح : عن المنهال بن عمرو قال : أنا والله رأيت رأس

الحسين حين حمل وأنا بدمشق ، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله « أَمْ

حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً » فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي .

33 - المحاسن : عن عمر بن علي بن الحسين قال : لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حر ولا برد ، وكان علي بن الحسين يعمل لهن الطعام للمأتم .

34 - المجالس للمفيد : عن عبد الله بن عامر قال : لما أتى نعي الحسين عليه السلام إلى المدينة خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه في جماعة من نسائها حتى انتهت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله ، فلاذت به وشهقت عنده ، ثم التفت إلى المهاجرين والأنصار وهي تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبي لكم

يوم الحساب وصدق القول مسموع

خذلتم عترتي أو كنتم غيبا

والحق عند ولي الأمر مجموع

أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما

منكم له اليوم عند الله مشفوع

ما كان عند غداة الطف إذ مضروا

تلك المنايا ولا عنهن مدفوع

قال : فما رأينا باكيا ولا باكية أكثر مما رأينا ذلك اليوم .

[ مساجد جددت فرحا بقتل الحسين ]

35 - تهذيب الأحكام : عن أبي جعفر عليه السلام قال : جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام : مسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد شبث بن ربعي .

ص: 397

[ نصراني يروي فضائل الحسين ليزيد ]

36 - أقول : روي أن نصرانيا أتى رسولا من ملك الروم إلى يزيد لعنه الله - تعالى - وقد حضر في مجلسه الذي أتي إليه فيه برأس الحسين ، فلما رأى النصراني رأس الحسين عليه السلام بكى وصاح وناح حتى ابتلت لحيته بالدموع ، ثم قال : اعلم يا يزيد إني دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي ، وقد أردت أن آتيه بهدية ، فسألت من أصحابه أي شيء أحب إليه من الهدايا ؟ فقالوا : الطيب أحب إليه من كلّ شيء ، وإن له رغبة فيه ، فحملت من المسك فأرتين ، وقدرا من العنبر الأشهب ، وجئت بها إليه ، وهو يومئذ في بيت زوجته أم سلمة رضي الله عنها ، فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من لقائه نورا ساطعا ، وزادني منه سرور ، وقد تعلق قلبي بمحبته ، فسلمت عليه ووضعت العطر بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية محقرة أتيت بها إلى حضرتك ، فقال لي : ما اسمك ؟ فقلت : اسمي عبد الشمس ، فقال لي : بدل اسمك ، فإني أسميك عبد الوهاب إن قبلت مني الإسلام قبلت منك الهدية .

قال : فنظرته وتأملته فعلمت أنه نبي ، وهو النبي الذي أخبرنا عنه عيسى عليه السلام حيث قال : إني مبشر لكم بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ، فاعتقدت ذلك وأسلمت على يده في تلك الساعة ورجعت إلى الروم ، وأنا أخفي الإسلام ، ولي مدة من السنين وأنا مسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات ، وأنا اليوم وزير ملك الروم وليس لأحد من النصارى اطلاع على حالنا .

واعلم يا يزيد إني يوم كنت في حضرة النبي صلى الله عليه و آله ، وهو في بيت أم سلمة رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مهينا حقيرا قد دخل على جده من باب الحجرة ، والنبي فاتح باعه ليتناوله ، وهو يقول : مرحبا بك يا حبيبي ، حتى أنه تناوله

وأجلسه في حجره وجعل يقبل شفتيه ويرشف ثناياه ، وهو يقول : بعد عن رحمة الله من قتلك ، لعن الله من قتلك يا حسين وأعان على قتلك ، والنبي صلى الله عليه و آله مع ذلك يبكي .

ص: 398

فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبي في مسجده ، إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن عليه السلام وقال : يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن ولم يغلب أحدنا الآخر ، وإنما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر ؟ فقال لهما النبي : حبيبي يا مهجتي إن التصارع لا يليق بكما ، ولكن اذهبا فتكاتبا ، فمن كان خطه أحسن كذلك تكون قوته أكثر .

قال : فمضيا وكتب كلّ واحد منهما سطرا وأتيا إلى جدهما النبي فأعطياه اللوح ليقضي بينهما ، فنظر النبي إليهما ساعة ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، فقال لهما : يا حبيبي إني نبي أمي لا أعرف الخط ، اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما وينظر أيكما أحسن خطا .

فمضيا إليه ، وقام النبي أيضا معهما ، ودخلوا جميعا إلى منزل فاطمة عليهاالسلام فما كان إلا ساعة وإذا النبي مقبل وسلمان الفارسي معه ، وكان بيني وبين سلمان صداقة ومودة ، فسألته كيف حكم أبوهما وخط أيهما أحسن ؟ قال سلمان رضوان الله عليه : إن النبي لم يجبهما بشيء لأنه تأمل أمرهما وقال : لو قلت خط الحسن أحسن كان يغتم الحسين ، ولو قلت خط الحسين أحسن كان يغتم الحسن ، فوجههما إلى أبيهما ، فقلت : يا سلمان بحق الصداقة والأخوة التي بيني وبينك وبحق دين الإسلام إلا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما ؟ فقال : لما أتيا إلى أبيهما وتأمل حالهما رق لهما ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، قال لهما : امضيا إلى أمكما فهي تحكم بينكما ، فأتيا إلى أمهما وعرضا عليها ما كتبا في اللوح وقالا : يا أماه إن جدنا أمرنا أن نتكاتب فكل من كان خطه أحسن تكون قوته أكثر ، فتكاتبنا وجئنا إليه فوجهنا إلى أبينا فلم يحكم بيننا ووجهنا إليك ، فتفكرت فاطمة بأن جدهما وأباهما ما أرادا كسر خاطرهما أنا ما ذا أصنع ؟ وكيف أحكم بينهما ؟ فقالت لهما : يا قرتي عيني إني أقطع قلادتي على رأسكما فأيكما يلتقط من لووا أكثر كان خطه أحسن وتكون قوته أكثر .

ص: 399

قال : وكان في قلادتها سبع لووت ، ثم إنها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما ، فالتقط الحسن ثلاث لووت ، والتقط الحسين ثلاث لووت ، وبقيت الأخرى ، فأراد كلّ منهما تناولها فأمر الله - تعالى - جبرئيل بنزوله إلى الأرض وأن يضرب بجناحه تلك اللووة ويقدها نصفين ، فأخذ كلّ منهما نصفا .

فانظر - يا يزيد - كيف رسول الله صلى الله عليه و آلهلم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة ولم يرد كسر قلبهما ، وكذلك أمير المونين وفاطمة عليهاالسلام ، وكذلك رب العزة لم يرد كسر قلب أحدهما ، بل أمر من قسم اللووة بينهما لجبر قلبهما ، وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله ، أف لك ولدينك يا يزيد .

ثم إن النصراني نهض إلى رأس الحسين عليه السلام واحتضنه وجعل يقبله وهو يبكي ويقول : يا حسين ، اشهد لي عند جدك محمد المصطفى وعند أبيك علي المرتضى وعند أمك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين .

[ معاجز دم الحسين ]

وروي من طريق أهل البيت عليهم السلام : أنه لما استشهد الحسين عليه السلام بقي في كربلاء صريعا ودمه على الأرض مسفوحا ، وإذا بطائر أبيض قد أتى وتمسح بدمه وجاء والدم يقطر منه ، فرأى طيورا تحت الظلال على الغصون والأشجار ، وكلّ منهم يذكر الحب والعلف والماء ، فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم : يا ويلكم أتشتغلون بالملاهي وذكر الدنيا والمناهي والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظامئ مذبوح ودمه مسفوح ، فعادت الطيور كلّ منهم قاصدا كربلاء ، فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقى في الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن ، قد سفت عليه السوافي ، وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها ، زواره وحوش القفار ، وندبته جن السهول والأوعار ، قد أضاء التراب من أنواره ، وأزهر الجو من أزهاره .

ص: 400

فلما رأته الطيور تصايحن ، وأعلن بالبكاء والثبور ، وتواقعن على دمه يتمرغن فيه ، وطار كلّ واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فمن القضاء والقدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول ، وجاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته ، ودار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء : ألا قتل الحسين بكربلاء ، ألا ذبح الحسين بكربلاء ، فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون .

فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح ، وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر ، حتى انقضت مدة من الزمان ، وجاء خبر مقتل الحسين ، علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول وقرة عين الرسول .

وقد نقل : أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة كان في المدينة رجل يهودي ، وله بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة والجذام قد أحاط ببدنها ، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه ، ووقع على شجرة يبكي طول ليلته ، وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة ، إلى بستان ، وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه ، فمن القضاء والقدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته ، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة .

والبنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها؛ لأن أباها كان يحدثها ويسليها حتى تنام ، فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه ، فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير ، فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون .

فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت على عينها ففتحت ، ثم قطرة أخرى على عينها الأخرى فبرأت ، ثم قطرة على يديها فعوفيت ، ثم على رجليها فبرأت ، وعادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام .

ص: 401

فلما أصبحت أقبل أبوها إلى البستان فرأى بنتا تدور ولم يعلم أنها ابنته ، فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك ؟ فقالت ابنته : والله أنا ابنتك ، فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه ، فلما أفاق قام على قدميه ، فأتت به إلى ذلك الطير فرآها واكرا على الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأى مما فعل بالحسين عليه السلام .

فقال له اليهودي : أقسمت عليك بالذي خلقك أيها الطير أن تكلمني بقدرة الله - تعالى - ، فنطق الطير مستعبرا ثم قال : إني كنت واكرا على بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة ، وإذا بطير ساقط علينا وهو يقول : أيها الطيور تأكلون وتتنعمون والحسين في أرض كربلاء في هذا الحر على الرمضاء طريحا ظامئا ، والنحر دام ورأسه مقطوع على الرمح مرفوع ، ونساو سبايا حفاة عرايا ، فلما سمعن بذلك تطايرن إلى كربلاء ، فرأيناه في ذلك الوادي طريحا الغسل من دمه والكفن الرمل السافي عليه ، فوقعنا كلنا عليه ننوح ونتمرغ بدمه الشريف ، وكان كلّ منا طار إلى ناحية ، فوقعت أنا في هذا المكان .

فلما سمع اليهودي ذلك تعجب وقال : لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كلّ داء ، ثم أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمائة من قومه .

[ كرامات للأجساد الشريفة في أرض المعركة ]

وحكي عن رجل أسدي قال : كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر ، عسكر بني أمية ، فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها :

منها : أنه إذا هبت الرياح تمر علي نفحات كنفحات المسك والعنبر ، إذا سكنت أرى نجوما تنزل من السماء إلى الأرض ويرقى من الأرض إلى السماء مثلها ، وأنا منفرد مع عيالي ولا أرى أحدا أسأله عن ذلك ، وعند غروب الشمس يقبل أسد من

ص: 402

القبلة فأولي عنه إلى منزلي ، فإذا أصبح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهبا ، فقلت في نفسي : إن هواء خوارج قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم ، وأرى منهم ما لم أره من سائر القتلى ، فو الله هذه الليلة لابد

من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكلّ من هذه الجثث أم لا ؟

فلما صار عند غروب الشمس وإذا به أقبل ، فحققته وإذا هو هائل المنظر ، فارتعدت منه ، وخطر ببالي إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني ، وأنا أحاكي نفسي بهذا ، فمثلته وهو يتخطى القتلى حتى وقف على جسد كأنه الشمس إذا طلعت ، فبرك عليه ، فقلت : يأكلّ منه وإذا به يمرغ وجهه عليه وهو يهمهم ويدمدم ، فقلت : الله أكبر ، ما هذه إلا أعجوبة ؟

فجعلت أحرسه حتى اعتكر الظلام ، وإذا بشموع معلقة ملأت الأرض ، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع ، فقصدت تلك الأصوات ، فإذا هي تحت الأرض ففهمت من ناع فيهم يقول : وا حسيناه وا إماماه ، فاقشعر جلدي ، فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله وبرسوله من تكون ؟ فقال : إنا نساء من الجن ، فقلت : وما شأنكن ؟ فقلن : في كلّ يوم وليلة هذا عزاوا على الحسين الذبيح العطشان ، فقلت : هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد ؟ قلن : نعم ، أتعرف هذا الأسد ؟ قلت : لا ، قلن : هذا أبوه علي بن أبي طالب ، فرجعت ودموعي تجري على خدي .

[ رؤيا السيدة سكينة بنت الحسين ]

ونقل : أن سكينة بنت الحسين عليه السلام قالت : يا يزيد رأيت البارحة روا إن سمعتها مني قصصتها عليك ، فقال يزيد : هاتي ما رأيتي ؟ قالت :

بينما أنا ساهرة وقد كللت من البكاء بعد أن صليت ودعوت الله بدعوات ، فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت ، وإذا أنا بنور ساطع من السماء إلى الأرض ، وإذا أنا بوصائف من وصائف الجنة ، وإذا أنا بروضة خضراء وفي تلك

ص: 403

الروضة قصر ، وإذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر وعندهم وصيف ، فقلت : يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر ؟ فقال : هذا لأبيك الحسين ، أعطاه الله - تعالى - ثوابا لصبره ، فقلت : ومن هذه المشايخ ؟ فقال : أما الأول فآدم أبو البشر ، وأما الثاني فنوح نبي الله ، وأما الثالث فإبراهيم خليل الرحمن ، وأما الرابع فموسى

الكليم ، فقلت له : ومن الخامس الذي أراه قابضا على لحيته باكيا حزينا من بينهم ؟ فقال لي : يا سكينة أما تعرفه ؟ فقلت : لا ، فقال : هذا جدك رسول الله ، فقلت له : إلى

أين يريدون ، فقال : إلى أبيك الحسين ، فقلت : والله لألحقن جدي وأخبرنه بما جرى علينا ، فسبقني ولم ألحقه .

فبينما أنا متفكرة ، وإذا بجدي علي بن أبي طالب وبيده سيفه وهو واقف ، فناديته : يا جداه قتل والله ابنك من بعدك ، فبكى وضمني إلى صدره وقال : يا بنية صبرا ، والله المستعان ، ثم إنه مضى ولم أعلم إلى أين ، فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به ، فبينما أنا كذلك إذا بباب قد فتح من السماء ، وإذا بالملائكة يصعدون وينزلون على رأس أبي .

فلما سمع يزيد ذلك لطم على وجهه وبكى وقال : ما لي ولقتل الحسين .

وفي رواية أخرى : أن سكينة قالت : ثم أقبل على رجل دري اللون قمري الوجه حزين القلب ، فقلت للوصيف : من هذا ؟ فقال : جدك رسول الله صلى الله عليه و آله ، فدنوت منه وقلت له : يا جداه ، قتلت والله رجالنا ، وسفكت والله دماوا ، وهتكت والله حريمنا ، وحملنا على الأقتاب من غير وطاء ، نساق إلى يزيد ، فأخذني إليه وضمني إلى صدره ، ثم أقبل على آدم ونوح وإبراهيم وموسى ثم قال لهم : ما ترون إلى ما صنعت أمتي بولدي من بعدي ؟

ثم قال الوصيف : يا سكينة اخفضي صوتك فقد أبكيتي رسول الله صلى الله عليه و آله .

ثم أخذ الوصيف بيدي فأدخلني القصر ، وإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن وزاد في نورهن ، وبينهن امرأة عظيمة الخلقة ، ناشرة شعرها ، وعليها ثياب سود

ص: 404

وبيدها قميص مضمخ بالدم ، وإذا قامت يقمن معها ، وإذا جلست يجلسن معها ، فقلت للوصيف : ما هواء النسوة اللاتي قد عظم الله خلقتهن ؟ فقال : يا سكينة ، هذه حواء أم البشر ، وهذه مريم ابنة عمران ، وهذه خديجة بنت خويلد ، وهذه هاجر ، وهذه سارة ، وهذه التي بيدها القميص المضمخ ، وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمة الزهراء ، فدنوت منها وقلت لها : يا جدتاه ، قتل والله أبي وأوتمت على صغر سني ، فضمتني إلى صدرها وبكت شديدا وبكين النساء كلهن وقلن لها : يا فاطمة يحكم الله بينك وبين يزيد يوم فصل القضاء .

ثم إن يزيد تركها ولم يعبأ بقولها .

[ رؤيا هند زوجة يزيد ]

ونقل عن هند زوجة يزيد قالت : كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء وقد فتحت والملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس الحسين ، وهم يقولون : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا ابن رسول الله ، فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى

سحابة قد نزلت من السماء ، وفيها رجال كثيرون ، وفيهم رجل دري اللون قمري الوجه ، فأقبل يسعى حتى انكب على ثنايا الحسين يقبلهما وهو يقول : يا ولدي قتلوك! أتراهم ما عرفوك ؟ ومن شرب الماء منعوك ؟ يا ولدي أنا جدك رسول الله ، وهذا أبوك علي المرتضى ، وهذا أخوك الحسن ، وهذا عمك جعفر ، وهذا عقيل ، وهذان حمزة والعباس ، ثم جعل يعدد أهل بيته واحدا بعد واحد .

قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة ، وإذا بنور قد انتشر على رأس الحسين ، فجعلت أطلب يزيد ، وهو قد دخل إلى بيت مظلم ، وقد دار وجهه إلى الحائط وهو يقول : ما لي وللحسين ، وقد وقعت عليه الهمومات ، فقصصت عليه المنام وهو منكس الرأس .

ص: 405

فلما أصبح استدعى بحرم رسول الله صلى الله عليه و آله فقال لهن : أيما أحب إليكن المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة ولكم الجائزة السنية ؟ قالوا : نحب أولا أن ننوح على الحسين ، قال : افعلوا ما بدا لكم ، ثم أخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق ، ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد على الحسين ، وندبوه - على ما نقل - سبعة أيام .

فلما كان اليوم الثامن دعاهن يزيد وعرض عليهن المقام فأبين ، وأرادوا الرجوع إلى المدينة ، فأحضر لهم المحامل وزينها ، وأمر بالأنطاع الإبريسم وصب عليها الأموال ، وقال : يا أم كلثوم ، خذوا هذا المال عوض ما أصابكم ، فقالت أم كلثوم : يا

يزيد ، ما أقل حياءك وأصلب وجهك ، تقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم .

[ أبيات أم كلثوم حين توجهت إلى المدينة ]

ثم قال : وأما أم كلثوم ، فحين توجهت إلى المدينة جعلت تبكي وتقول :

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جئنا

ألا فأخبر رسول الله عنا

بأنا قد فجعنا في أبينا

وأن رجالنا بالطف صرعى

بلا رؤس وقد ذبحوا البنينا

وأخبر جدنا أنا أسرنا

وبعد الأسر يا جدا سبينا

ورهطك يا رسول الله أضحوا

عرايا بالطفوف مسلبينا

وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا

جنابك يا رسول الله فينا

فلو نظرت عيونك للأسارى

على أقتاب الجمال محملينا

رسول الله بعد الصون صارت

عيون الناس ناظرة إلينا

وكنت تحوطنا حتى تولت

عيونك ثارت الأعدا علينا

أفاطم لو نظرت إلى السبايا

بناتك في البلاد مشتتينا

ص: 406

أفاطم لو نظرت إلى الحيارى

ولو أبصرت زين العابدينا

أفاطم لو رأيتينا سهارى

ومن سهر الليالي قد عمينا

أفاطم ما لقيتي من عداكي

ولا قيراط مما قد لقينا

فلو دامت حياتك لم تزالي

إلى يوم القيامة تندبينا

وعرج بالبقيع وقف وناد

أيا ابن حبيب رب العالمينا

وقل يا عم يا حسن المزكى

عيال أخيك أضحوا ضائعينا

أيا عماه إن أخاك أضحى

بعيدا عنك بالرمضا رهينا

بلا رأس تنوح عليه جهرا

طيور والوحوش الموحشينا

ولو عاينت يا مولاي ساقوا

حريما لا يجدن لهم معينا

على متن النياق بلا وطاء

وشاهدت العيال مكشفينا

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جئنا

خرجنا منك بالأهلين جمعا

رجعنا لا رجال ولا بنينا

وكنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا

وكنا في أمان الله جهرا

رجعنا بالقطيعة خائفينا

ومولانا الحسين لنا أنيس

رجعنا والحسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل

ونحن النائحات على أخينا

ونحن السائرات على المطايا

نشال على جمال المبغضينا

ونحن بنات يس وطه

ونحن الباكيات على أبينا

ونحن الطاهرات بلا خفاء

ونحن المخلصون المصطفونا

ونحن الصابرات على البلايا

ونحن الصادقون الناصحونا

ألا يا جدنا قتلوا حسينا

ولم يرعوا جناب الله فينا

ألا يا جدنا بلغت عدانا

مناها واشتفى الأعداء فينا

ص: 407

لقد هتكوا النساء وحملوها

على الأقتاب قهرا أجمعينا

وزينب أخرجوها من خباها

وفاطم واله تبدي الأنينا

سكينة تشتكي من حر وجد

تنادي الغوث رب العالمينا

وزين العابدين بقيد ذل

وراموا قتله أهل الخونا

فبعدهم على الدنيا تراب

فكأس الموت فيها قد سقينا

وهذي قصتي مع شرح حالي

ألا يا سامعون ابكوا علينا

قال الراوي : وأما زينب ، فأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت : يا جداه ، إني ناعية إليك أخي الحسين ، وهي مع ذلك لا تجف لها عبرة ، ولا تفتر من البكاء والنحيب ، وكلما نظرت إلى علي بن الحسين تجدد حزنها وزاد وجدها .

[ أم سلمة تسمع بنعي الحسين ]

38 - الطرائف : مسند أحمد بإسناده إلى سهل قال : قالت أم سلمة : زوجة

النبي صلى الله عليه و آلهحين جاءها نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق وقالت : قتلوه قتلهم الله ، غروه وأذلوه لعنهم الله ، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و آلهوقد جاءته فاطمة عليهاالسلام عشية ببرمة قد صنعت فيها عصيدة تحملها في طبق حتى وضعتها بين يديه فقال لها : أين ابن عمك ؟ قالت : هو في البيت ، قال : اذهبي فادعيه ، وائتيني بابنيه .

قالت : وجاءت تقود ابنيها كلّ واحد منهما بيد ، وعلي عليه السلام يمشي بأثرها حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه و آله ، فأجلسهما في حجره ، وجلس علي عليه السلام عن يمينه ، وجلست فاطمة عليهاالسلام عن يساره .

قالت أم سلمة : فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا ، فلفه رسول الله صلى الله عليه و آله ، وأخذ طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربّه عز وجل وقال : اللهم هواء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ...

ص: 408

[ هاتف من السماء ينعى الحسين ]

39 - أقول : روى شارح ديوان أمير المونين عليه السلام عن عمرو بن أبي المقدام : أنه لما قتل الحسين عليه السلام سمعوا صوت هاتف من السماء يقول :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان بن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

[ يزيد يشمت بالنبي ]

40 - ووجدت بخط بعض الأفاضل نقلا من خط الشهيد قدس سره قال : لما جيء برؤوس الشهيد والسبايا من آل محمد عليهم السلام أنشد يزيد لعنه الله :

لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

صاح الغراب فقلت صح أولا تصح

فلقد قضيت من النبي ديوني

[ الإمام السجاد يردّ على يزيد ]

41 - دعوات الراوندي : وروي أنه لما حمل علي بن الحسين عليه السلام إلى يزيد لعنه الله هم بضرب عنقه ، فوقفه بين يديه وهو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله ، وعلي عليه السلام يجيبه حسب ما يكلمه ، وفي يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه ، وهو يتكلم ، فقال له يزيد : أكلمك وأنت تجيبني وتدير أصابعك بسبحة في يدك ، فكيف يجوز ذلك ؟ فقال : حدثني أبي عن جدي أنه كان إذا صلى الغداة وانفتل لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه فيقول : اللهم إني أصبحت أسبحك وأمجدك وأحمدك وأهللك بعدد ما أدير به سبحتي ، ويأخذ السبحة ويديرها وهو يتكلم بما يريد

ص: 409

من غير أن يتكلم بالتسبيح ، وذكر أن ذلك محتسب له ، وهو حرز إلى أن يأوي إلى فراشه ، فإذا أوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول ووضع سبحته تحت رأسه ، فهي محسوبة له من الوقت إلى الوقت ، ففعلت هذا اقتداء بجدي .

فقال له يزيد : لست أكلم أحدا منكم إلا ويجيبني بما يعوذ به ، وعفا عنه ووصله وأمر بإطلاقه .

[ مصعب بن الزبير يؤبن الإمام الحسين ]

42 - نوادر علي بن أسباط : إن مصعب بن الزبير لما توجه إلى عبد الملك بن مروان يقاتله وبلغ الحير ، دخل فوقف على قبر أبي عبد الله عليه السلام ثم قال : يا أبا عبد الله أما والله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك ، ثم انصرف وهو يقول :

وإن الأولى بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

[ مائة ألف امرأة عاقر ولدت بعد زيارة الحسين ]

ومنه قال : لما بلغ أهل البلدان ما كان من أبي عبد الله عليه السلام قدمت لزيارته مائة ألف امرأة ممن كانت لا تلد فولدن كلهن .

ص: 410

باب 40 :ما ظهر بعد شهادته من بكاء السماء والأرض عليه وانكساف الشمس والقمر وغيرها

1 - تفسير القمي : عن أمير المونين صلوات الله عليه قال : مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال : فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ ، ثم مر عليه الحسين بن علي عليه السلام فقال : لكن هذا لتبكين عليه السماء و الأرض ، و قال : وما بكت السماء و الأرض إلا على يحيى بن زكريا و الحسين علي صلوات الله عليهما .

2 - قرب الإسناد : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : زوروا الحسين عليه السلام و لا تجفوه فإنه سيد شباب الشهداء أو سيد شباب أهل الجنة و شبيه يحيى بن زكريا ، و عليهما بكت السماء و الأرض .

أقول : في خبر ابن شبيب عن الرضا عليه السلام : أنه بكت السماوات السبع والأرضون

لقتله .

3 - الأمالي للطوسي : عن الحسين بن أبي فاختة قال : كنت أنا وأبو سلمة السراج ويونس بن يعقوب والفضيل بن يسار عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له : جعلت فداك إني أحضر مجالس هواء القوم فأذكركم في نفسي فأي شيء

ص: 411

أقول ؟ فقال : يا حسين إذا حضرت مجالس هواء فقل : اللهم أرنا الرخاء و السرور ، فإنك تأتي على ما تريد .

قال : فقلت : جعلت فداك إني أذكر الحسين بن علي عليه السلام فأي شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلى الله عليك يا با عبد الله تكررها ثلاثا .

ثم أقبل علينا وقال : إن أبا عبد الله لما قتل بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن و ما بينهن و من يتقلب في الجنة و النار و ما يرى و ما لا يرى إلا ثلاثة أشياء فإنها لم تبك عليه ، فقلت : جعلت فداك و ما هذه الثلاثة الأشياء

التي لم تبك عليه ؟ فقال : البصرة و دمشق وآل الحكم بن أبي العاص .

4 - الأمالي للصدوق وعلل الشرائع : عن جبلة المكية قال : سمعت ميثم التمار قدس الله روحه يقول : و الله لتقتل هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله - تعالى ذكره -، أعلم ذلك لعهد عهده إلي مولاي أمير المونين صلوات الله عليه ، ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء ويبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومونو الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات والأرضين ورضوان ومالك وحملة العرش وتمطر السماء دما ورمادا .

ثم قال : وجبت لعنة الله على قتلة الحسين كما وجبت على المشركين الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ ، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس .

قال جبلة : فقلت له : يا ميثم فيكف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي قتل فيه الحسين يوم بركة ؟ فبكى ميثم رضى الله عنه ثم قال : يزعمون لحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود وإنما قبل الله عز وجل توبته في ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم

الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وإنما أخرج الله عز وجل يونس من بطن

ص: 412

الحوت في ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي وإنما اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ في يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله عز وجل فيه البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في ربيع الأول .

ثم قال ميثم : يا جبلة اعلمي أن الحسين بن علي سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة ، يا جبلة إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أن سيد الشهداء الحسين قد قتل .

قالت جبلة : فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة ، فصحت حينئذ وبكيت وقلت : قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي عليه السلام (1) .

5 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام ، فلما دخل عليه قال له : يا أبا جعفر أشخصناك لنسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا أعلم في الأرض خلقا ينبغي أن يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلا واحد ، فقال أبي ليسألني أمير المونين عما أحب فإن علمت أجبت ذلك وإن لم أعلم قلت : لا أدري ، وكان الصدق أولى بي ، فقال هشام : أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل به الغائب عن المصر الذي قتل فيه على قتله ؟ وما العلامة فيه للناس ؟ فإن علمت ذلك وأحببت فأخبرني هل كان تلك العلامة لغير علي عليه السلام في قتله ؟ فقال له أبي : يا أمير المونين

إنه لما كان تلك الليلة التي قتل فيها أمير المونين علي بن أبي طالب عليه السلام لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى عليه السلام ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم ، وكذلك كانت الليلة التي

ص: 413


1- بيان العبيط الطري .

قتل فيها شمعون بن حمون الصفا ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي عليه السلام .

قال : فتربد وجه هشام حتى انتقع لونه وهمّ أن يبطش بأبي فقال له أبي : يا أمير المونين ، الواجب على العباد الطاعة لإمامهم والصدق له بالنصيحة ، وإن الذي دعاني إلى أن أجبت أمير المونين فيما سألني عنه معرفتي له بما يجب له علي من الطاعة فليحسن أمير المونين الظن ، فقال له هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت .

قال : فخرج فقال له هشام عند خروجه : أعطني عهد الله وميثاقه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتى أموت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه... وذكر الحديث بطوله(1) .

6 - كامل الزيارات : عن أبي نضرة عن رجل من أهل بيت المقدس أنه قال : والله لقد عرفنا أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : ما رفعنا حجرا ولا مدرا وصخرا إلا ورأينا تحتها دما يغلي ، واحمرت الحيطان كالعلق ، ومطرنا ثلاثة أيام دما عبيطا ، وسمعنا مناديا ينادي في جوف الليل يقول :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

معاذ الله لا نلتم يقينا

شفاعة أحمد وأبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا

وخير الشيب طرا والشباب

وانكسفت الشمس ثلاثا ثم تجلت عنها ، وانشبكت النجوم ، فلما كان من الغد أرجفنا بقتله ، فلم يأت علينا كثير شيء حتى نعي إلينا الحسين عليه السلام .

7 - كامل الزيارات : قال عمر بن سعد : حدثني أبو معشر عن الزهري قال : لما قتل الحسين بن علي لم يبق ببيت المقدس حصاة إلا وجد تحتها دم عبيط .

ص: 414


1- بيان : قال الجوهري تربد وجه فلان أي تغير من الغضب وانتقع لونه على بناء المجهول أي تغير من حزن أو سرور .

8 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي عليه السلام حتى ذرفت دموعها(1) .

9 - كامل الزيارات : عن الحارث الأعور قال : قال علي عليه السلام : بأبي وأمي الحسين المقتول بظهر الكوفة ، والله كأني أنظر إلى الوحش مادة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه ويرثونه ليلا حتى الصباح ، فإذا كان كذلك فإياكم والجفاء .

10 - كامل الزيارات : المفضل وجماعة كلّهم قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب عليهن والجنة والنار ومن خلق ربنا وما يرى وما لا يرى .

11 - كامل الزيارات : المفضل وجماعة قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : لما مضى أبو عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليهما بكى عليه جميع ما خلق الله إلا ثلاثة أشياء : البصرة ودمشق وآل عثمان .

12 - كامل الزيارات : عن الحسين بن ثوير قال : كنت أنا وابن ظبيان والمفضل وأبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد الله عليه السلام فكان المتكلم يونس وكان أكبرنا سنا وذكر حديثا طويلا... يقول ثم قال أبو عبد الله : إن أبا عبد الله عليه السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع وما فيهن والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن وما ينقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى ، بكى على أبي عبد الله عليه السلام إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه ، قلت : جعلت فداك ما هذه الثلاثة الأشياء ؟ قال : لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان بن عفان عليهم لعنة الله..

وذكر الحديث .

13 - كامل الزيارات : عن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا زرارة إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم ، وأن الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد ،

ص: 415


1- بيان : ذرفت أي سالت .

وإن الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف والحمرة ، وإن الجبال تقطعت وانتثرت ، وإن البحار تفجرت ، وإن الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين ، وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله ، وما زلنا في عبرة بعده ، وكان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى

يبكي لبكائه رحمة له من رآه ، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء من الملائكة ، ولقد خرجت نفسه عليه السلام فزفرت جهنم زفرة

كادت الأرض تنشق لزفرتها ، ولقد خرجت نفس عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية لعنهم الله ، فشهقت جهنم شهقة لو لا أن الله حبسها بخزانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها ، ولو يون لها ما بقي شيء إلا ابتلعته ولكنها مأمورة مصفودة ، ولقد عتت على الخزان غير مرة حتى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكنت ، وإنها لتبكيه وتندبه ، وإنها لتتلظى على قاتله ، ولو لا من على الأرض من حجج الله لنقضت الأرض وأكفأت ما عليها ، وما تكثر الزلازل إلا عند اقتراب الساعة ، وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه ، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله صلى الله عليه و آله ، وأدى حقنا ، وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكين على جدي فإنه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور على وجهه ، والخلق في الفزع وهم آمنون ،والخلق يعرضون وهم حداث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم : ادخلوا الجنة ، فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه ، وإن الحور لترسل إليهم : أنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين ، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة ، وإن أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار ، ومن قائل فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ، وإنهم ليرون منزلهم وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم ، وإن الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم

ومن خزانهم على ما أعطوا من الكرامة ، فيقولون نأتيكم إن شاء الله ، فيرجعون إلى

ص: 416

أزواجهم بمقالاتهم ، فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبروهم بما هم فيه من الكرامة وقربهم من الحسين عليه السلام ، فيقولون : الحمد لله الذي كفانا الفزع الأكبر وأهوال القيامة ونجانا مما كنا نخاف ، ويوون بالمراكب والرحال على النجائب فيستوون عليها ، وهم في الثناء على الله والحمد لله والصلاة على محمد وعلى آله حتى ينتهوا إلى منازلهم .

14 - كامل الزيارات : عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وأحدثه فدخل عليه ابنه فقال له : مرحبا وضمه وقبله وقال : حقر الله من حقركم وانتقم ممن وتركم وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم وليا وحافظا وناصرا ، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ، ثم بكى وقال : يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم ، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لو لا أن الخزنة

يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض ، فيكبحونها ما دامت باكية ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض ، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة ، وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قطرة إلا بها ملك موكلّ ، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا ومن فيها ومن على الأرض ، فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها ويدعون الله ويتضرعون إليه ويتضرع أهل العرش ومن حوله وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض ، ولو أن صوتا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض وتقلعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها .

قلت : جعلت فداك ، إن هذا الأمر عظيم! قال : غيره أعظم منه ما لم تسمعه ، ثم قال : يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة ؟ فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق ، وما قدرت على كلامي من البكاء ، ثم قام إلى المصلى يدعو

ص: 417

وخرجت من عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم وأصبحت صائما وجلا حتى أتيته ، فلما رأيته قد سكن سكنت وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة(1) .

15 - كامل الزيارات : عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال : سمعت أمير المونين صلوات الله عليه وهو يقول في الرحبة وهو يتلو هذه الآية « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » وخرج عليه الحسين عليه السلام من بعض أبواب المسجد فقال : أما إن هذا سيقتل وتبكي عليه السماء والأرض .

16 - كامل الزيارات : عن إبراهيم النخعي قال : خرج أمير المونين صلوات الله عليه فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله وجاء الحسين عليه السلام حتى قام بين يديه فوضع يده على رأسه فقال : يا بني إن الله عيّر أقواما في القرآن فقال « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » وايم الله ليقتلنك ثم تبكيك السماء والأرض .

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين صلوات الله عليه بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا ولم تبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي صلوات الله عليهم .

18 - كامل الزيارات : عن عبد الله بن هلال قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن السماء بكت على الحسين بن علي عليه السلام ويحيى بن زكريا ولم تبك على أحد غيرهما ، قلت : وما بكاوا ؟ قال : مكثوا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة ، قلت : فذلك بكاوا ؟ قال : نعم .

19 - كامل الزيارات : عن علي بن مسهر القرشي قال : حدثتني جدتي أنها أدركت الحسين بن علي حين قتل صلوات الله عليه قالت : فمكثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة مثل الدم ما ترى الشمس .

ص: 418


1- بيان : تقول كبحت الدابة إذا جذبتها إليك باللجام لكي تقف ولا تجري .

20 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله - تعالى - « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » قال : لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه .

21 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة ثم قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي سنة وعلى يحيى بن زكريا وحمرتها بكاوا .

22 - كامل الزيارات : عن عبد الخالق بن عبد ربّه قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا »الحسين بن علي لم يكن له من قبل سميا ويحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميا ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا ، قال : قلت : ما بكاوا ؟ قال : كانت تطلع حمراء وتغرب حمراء .

23 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما بكت السماء على أحد بعد يحيى ابن زكريا إلا على الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، فإنها بكت عليه أربعين يوما .

24 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لم تبك السماء إلا على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليه السلام .

25 - كامل الزيارات : عن محمد بن سلمة عمن حدثه قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام أمطرت السماء ترابا أحمر .

26 - كامل الزيارات : عن علي بن الحسين عليه السلام قال : إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليه السلام ، قلت : أي شيء بكاوا ؟ قال : كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم .

27 - كامل الزيارات : عن حنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في زيارة قبر الحسين بن علي عليه السلام ، فإنه بلغنا عن بعضهم أنها تعدل حجة وعمرة ؟ قال : لا تعجب ما أصاب من يقول هذا كله ، ولكن زره ولا تجفه ، فإنه سيد

ص: 419

شباب الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ، وشبيه يحيى بن زكريا ، وعليهما بكت السماء والأرض(1) .

28 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحسين ولد زنا ، ولم تبك السماء على أحد إلا عليهما ، قال : قلت : وكيف تبكي ؟ قال : تطلع الشمس في حمرة وتغيب في حمرة .

29 - كامل الزيارات : عن كثير بن شهاب الحارثي قال : بينا نحن جلوس عند أمير المونين عليه السلام في الرحبة إذا طلع الحسين عليه فضحك علي حتى بدت نواجذه ثم قال : إن الله ذكر قوما فقال :« فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ »

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليقتلن هذا ولتبكين عليه السماء والأرض .

30 - كامل الزيارات : عن أبي سلمة قال : قال جعفر بن محمد عليه السلام : ما بكت السماء إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليه السلام .

31 - كامل الزيارات : عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان الذي قتل الحسين عليه السلام ولد زنا ، والذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقال : احمرت السماء حين قتل الحسين صلوات الله عليه سنة ، ثم قال : بكت السماوات والأرض على الحسين وعلى يحيى بن زكريا وحمرتها بكاوا .

32 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين عليه السلام .

33 - كامل الزيارات : عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا في بيت أبي عبد الله عليه السلام فنظرت إلى الحمام الراعبي يقرقر طويلا ، فنظر إلي أبو عبد الله عليه السلام طويلا فقال : يا داود تدري ما يقول هذا الطير ؟ قلت : لا والله ، جعلت فداك ، قال : تدعو على قتلة الحسين صلوات الله عليه فاتخذوه في منازلكم .

ص: 420


1- بيان : قوله عليه السلام ما أصاب محمول على التقية .

34 - كامل الزيارات : عن الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول في البومة فقال : هل أحد منكم رآها بالنهار ؟ قيل له : لا تكاد تظهر بالنهار ولا تظهر إلا ليلا ، قال : أما أنها لم تزل تأوي العمران أبدا ، فلما أن قتل الحسين عليه السلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران أبدا ، ولا تأوي إلا الخراب ، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتى يجنها الليل ، فإذا جنها الليل ، فلا تزال ترن على الحسين صلوات الله عليه حتى تصبح .

35 - كامل الزيارات : عن الحسين البربري قيما لقبر الرضا عليه السلام قال : حدثني أبي قال : دخلت على الرضا عليه السلام فقال لي : ما يقول الناس ؟ قال : قلت : جعلت فداك جئنا نسألك ، قال : فقال لي : ترى هذه البومة كانت على عهد جدي رسول الله صلى الله عليه و آله تأوي المنازل والقصور والدور ، وكانت إذا أكلّ الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام وتسقى ، ثم ترجع إلى مكانها ، ولما قتل الحسين بن علي خرجت من العمران إلى الخراب والجبال والبراري وقالت : بئس الأمة أنتم ، قتلتم ابن نبيكم ولا آمنكم على نفسي .

36 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن البومة لتصوم النهار فإذا أفطرت تدلهت على الحسين عليه السلام حتى تصبح(1) .

37 - كامل الزيارات : عن الحسن الميثمي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا يعقوب رأيت بومة قط تنفس بالنهار ؟ فقال : لا ، قال : وتدري لم ذلك ؟ قال : لا ، قال : لأنها تظل يومها صائمة فإذا جنها الليل أفطرت على ما رزقت ثم لم تزل ترنم على الحسين حتى تصبح(2) .

ص: 421


1- بيان : قال الفيروزآبادي الدلة محركة والدلوة ذهاب الفود من هم ونحوه ودلهه العشق تدليها فتدله .
2- بيان : لعل التنفس كناية عن التصويت أو عن الأكلّ والشرب قال الفيروزآبادي تنفس في الإناء شرب من غير أن يبينه عن فيه انتهى أو عن التفرج والتوسع يقال أنت في نفس من عمرك أي في سعة وفسحة وقال الجزري فيه فلو كنت تنفست أي أطلت الكلام .

38 - المناقب لابن شهرآشوب : قالت نصرة الأزدية : لما قتل الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما وحبابنا وجرارنا صارت مملوة دما .

وقال قرظة بن عبيد الله : مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء ، فنظرت فإذا هو دم ، وذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم ، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام .

وقال الصادق عليه السلام : بكت السماء على الحسين عليه السلام أربعين يوما بالدم .

زرارة بن أعين عن الصادق عليه السلام قال : بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي عليه السلام أربعين صباحا ، ولم تبك إلا عليهما ، قلت : فما بكاوا ؟ قال : كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء .

عن أم سليم قالت : لما قتل الحسين مطرت السماء مطرا كالدم احمرت منه البيوت والحيطان .

تفسير القشيري والفتال : قال السدي : لما قتل الحسين بكت عليه السماء وعلامتها حمرة أطرافها .

محمد بن سيرين قال: أخبرنا: أن حمرة أطراف السماء لم تكن قبل قتل الحسين عليه السلام .

تاريخ النسوي : روى حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق مم هي ؟ ثم قال : من يوم قتل الحسين عليه السلام .

39 - المناقب لابن شهرآشوب : الأسود بن قيس : لما قتل الحسين ارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب فكادتا يلتقيان في كبد السماء ستة أشهر .

تاريخ النسوي : قال أبو قبيل : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي(1) .

عن علي بن مسهر عن جدته قالت : كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما علقة .

ص: 422


1- بيان : أنها هي أي القيامة .

عن نضرة الأزدية قالت : لما أن قتل الحسين عليه السلام مطرت السماء دما فأصبحت وكلّ شيء لنا ملئان دما .

عن أم حيان قالت : يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثا ، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق ، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا أصبح تحته دما عبيطا .

عن معمر قال : أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك فقال الوليد : أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ؟ فقال الزهري : بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط .

40 - الطرائف :عن صحيح مسلم في تفسير قوله - تعالى - « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ » قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكت السماء وبكاوا حمرتها .

وروى الثعلبي في تفسير هذه الآية : أن الحمرة التي مع الشفق لم يكن قبل قتل الحسين عليه السلام .

وروى الثعلبي أيضا قال : مطرنا دما بأيام قتل الحسين عليه السلام .

41 - الأمالي للطوسي : عن عمار بن أبي عمار قال : أمطرت السماء يوم قتل الحسين عليه السلام دما عبيطا .

42 - الأمالي للصدوق : عن عبد الله بن لطيف التفليسي قال : قال الصادق عليه السلام : لما ضرب الحسين بن علي عليه السلام بالسيف ثم ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من قبل رب العزة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال : ألا أيتها الأمة المتحيرة الظالمة بعد نبيها لا وفقكم الله لأضحى ولا فطر .

قال أبو عبد الله عليه السلام : لا جرم والله ما وفقوا ولا يوفقون أبدا حتى يقوم ثائر الحسين عليه السلام (1) .

ص: 423


1- بيان : عدم توفيقهم للفطر والأضحى إما لاشتباه الهلال في كثير من الأزمان في هذين الشهرين كما فهمه الأكثر أو لأنهم لعدم ظهور أئمة الحق وعدم استيلائهم لا يوفقون للصلاتين إما كاملة أو مطلقا بناء على اشتراط الإمام أو يخص الحكم بالعامة كما هو الظاهر والأخير عندي أظهر والله يعلم .

43 - علل الشرائع : عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال : قلت : جعلت فداك ما تقول في العامة فإنه قد روي أنهم لا يوفقون لصوم ؟ فقال لي : أما إنهم قد أجيبت دعوه الملك فيهم ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : إن الناس لما قتلوا الحسين بن علي عليه السلام أمر الله عز وجل ملكا ينادي أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم ولا فطر ، وفي حديث آخر : لفطر ولا أضحى .

44 - الأمالي للصدوق :عن علي بن الحسين : إن الحسين بن علي عليه السلام دخل يوما إلى الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه بكى فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال له الحسن عليه السلام : إن الذي يوى إلي سم يدس إلي فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه و آله وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء رمادا ودما ، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار .

45 - قصص الأنبياء :عن أبي جعفر عليه السلام في قوله - تعالى - « لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا » قال : يحيى بن زكريا ، لم يكن له سمي قبله ، والحسين بن علي لم يكن له سمي قبله ، وبكت السماء عليهما أربعين صباحا ، وكذلك بكت الشمس عليهما ، وبكاوا أن تطلع حمراء وتغيب حمراء .

وقيل : أي بكى أهل السماء وهم الملائكة .

46 - قصص الأنبياء : عن أبي عبد الله عليه السلام : أن الحسين بن علي بكى لقتله السماء والأرض واحمرتا ولم يبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا .

ص: 424

47 - كامل الزيارات : عن عروة بن الزبير قال : سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في الله ، فقال : ما أيسر هذا ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي قتلا ؟ - أو قال : ذبح ذبحا - والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتيلا منه ، وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا ، ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس ، وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم ، وما من سماء يمر به روح الحسين عليه السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ، وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله ، وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول الله فيلتقيان .

48 - الإرشاد : روى يوسف بن عبدة قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : لم تر هذه الحمرة في السماء إلا بعد قتل الحسين(1)صلوات الله عليه .

ص: 425


1- بيان : يمكن أن يكون المراد كثرة الحمرة وزيادتها .

باب 41 :ضجيج الملائكة إلى الله - تعالى - في أمره وأن الله بعثهم .....

ضجيج الملائكة إلى الله - تعالى - في أمره وأن الله بعثهم لنصره وبكائهم وبكاء الأنبياء وفاطمة عليهاالسلام عليه صلوات الله عليه

2 - الأمالي للصدوق : قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام : إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السلام ، فلم يون لهم في القتال ، فرجعوا في الاستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه السلام ، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له «منصور» .

3 - الأمالي للطوسي : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما كان من أمر الحسين بن علي ما كان ضجت الملائكة إلى الله - تعالى - وقالت : يا رب يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك ؟ قال : فأقام الله لهم ظل القائم عليه السلام وقال : بهذا أنتقم له من ظالميه .

4 - علل الشرائع : عن الثمالي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : يا ابن رسول الله ألستم كلكم قائمين بالحق ؟ قال : بلى ، قلت : فلم سمي القائم قائما ؟ قال : لما قتل جدي الحسين ضجت الملائكة إلى الله عز وجل بالبكاء والنحيب وقالوا : إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك ؟

ص: 426

فأوحى الله عز وجل إليهم : قروا ملائكتي ، فو عزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ، ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليه السلام للملائكة ، فسرت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلي ، فقال الله عز وجل : بذلك القائم أنتقم منهم .

5 - كامل الزيارات : عن هشام بن سعد قال : أخبرني المشيخة أن الملك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وأخبره بقتل الحسين بن علي كان ملك البحار ، وذلك أن ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر ونشر أجنحته عليها ثم صاح صيحة وقال : يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن ، فإن فرخ الرسول مذبوح ، ثم حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات ، فلم يلق ملكا فيها إلا شمها وصار عنده لها أثر ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم .

6 - كامل الزيارات : عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما لكم لا تأتونه يعني قبر الحسين عليه السلام ؟ فإن أربعة آلاف ملك يبكون عند قبره إلى يوم القيامة .

7 - كامل الزيارات : عن فضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما لكم لا تأتونه ؟ - يعني قبر الحسين - فإن أربعة آلاف ملك يبكون عنده إلى يوم القيامة .

8 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة .

9 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : وكلّ الله بالحسين بن علي سبعين ألف ملك يصلون عليه كلّ يوم ، شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء الله ، يعني بذلك قيام القائم عليه السلام .

10 - كامل الزيارات : عن محمد بن قيس قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : عند قبر أبي عبد الله عليه السلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون إلى يوم القيامة .

11 - كامل الزيارات : عن هارون عن أبي عبد الله عليه السلام قال : وكلّ الله به أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة .

ص: 427

12 - كامل الزيارات : عن الفضيل عن أحدهما قال : إن على قبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة(1) .

13 - كامل الزيارات : عن ربعي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة : أين قبور الشهداء ؟ فقال : أليس أفضل الشهداء عندكم ، والذي نفسي بيده ، إن حوله أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة .

14 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسين إلى يوم القيامة ، فلا يأتيه أحد إلا استقبلوه ولا يمرض أحد إلا عادوه ولا يموت أحد إلا شهدوه .

15 - كامل الزيارات : عن الثمالي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله وكلّ بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك وصعد أربعة آلاف ملك ، فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر... وذكر الحديث .

16 - كامل الزيارات : عن هارون قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده ، فقال : ما لمن زار قبر الحسين ؟ فقال : إن الحسين لما أصيب بكته حتى البلاد ، فوكلّ

الله به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة.. وذكر الحديث .

17 - كامل الزيارات : عن عبد الملك بن مقرن عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا زرتم أبا عبد الله عليه السلام فالزموا الصمت إلا من خير ، وإن ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء فينتظرونهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الفجر ثم يكلمونهم ، ويسألونهم عن أشياء من أمر السماء ، فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء ، ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنهم شغلهم بكم إذا نطقتم .

ص: 428


1- قال محمد بن مسلم : يحرسونه .

قلت : جعلت فداك ، وما الذي يسألونهم عنه ؟ وأيهم يسأل صاحبه والحفظة أو أهل الحائر ؟ قال : أهل الحائر يسألون الحفظة ؟ لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون ، والحفظة تنزل وتصعد .

قلت : فما ترى يسألونهم عنه ؟ قال : إنهم يمرون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء ، فربما وافقوا النبي صلى الله عليه و آله عنده وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من مضى منهم ، فيسألونهم عن أشياء وعمن حضر منكم الحائر ويقولون : بشروهم بدعائكم ، فتقول الحفظة : كيف نبشرهم وهم لا يسمعون كلامنا ؟ فيقولون لهم : باركوا عليهم وادعوا لهم عنا ، فهي البشارة منا ، وإذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتى يحسوا مكانكم ، وإنا نستودعهم الذي لا تضيع ودائعه ، ولو يعلموا ما في زيارته من الخير ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف ، ولباعوا أموالهم في إتيانه ، وإن فاطمة عليهاالسلام إذا نظرت إليهم ومعها ألف نبي وألف صديق وألف شهيد ومن الكروبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء ، وإنها لتشهق شهقة فلا تبقى في السماوات ملك إلا بكى رحمة لصوتها ، وما تسكن حتى يأتيها النبي فيقول : يا بنية قد أبكيت أهل السماوات وشغلتهم عن التقديس والتسبيح فكفى حتى يقدسوا ف-« إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ » وإنها لتنظر إلى من حضر منكم فتسأل الله لهم من كلّ خير ، ولا تزهدوا في إتيانه ، فإن الخير في إتيانه أكثر من أن يحصى .

18 - كامل الزيارات : عن حريز قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم ؟ فقال : إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر ، وأتاه النبي صلى الله عليه و آله ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله ، وإن الحسين عليه السلام قرأ صحيفته التي أعطيها ، وفسر له ما يأتي وما يبقى ، وبقي منها أشياء لم تنقض فخرج إلى القتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لهم ، فمكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى

ص: 429

قتل ، فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل صلوات الله عليه ، فقالت الملائكة : يا رب أذنت لنا في الانحدار ، وأذنت لنا في نصرته ، فانحدرنا وقد قبضته ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم : أن الزموا قبته حتى ترونه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته ، وإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه ، فبكت الملائكة تقربا وجزعا على ما فاتهم من نصرته ، فإذا خرج عليه السلام يكونون أنصاره .

19 - كامل الزيارات : عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته في طريق المدينة ونحن نريد مكة فقلت : يا ابن رسول الله ما لي أراك كئيبا حزينا منكسرا ؟ فقال : لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي ، فقلت : وما الذي تسمع ؟ قال : ابتهال الملائكة إلى الله جل وعز على قتلة أمير المونين وقتلة الحسين عليه السلام ، ونوح الجن وبكاء الملائكة الذين حوله وشدة جزعهم ، فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم.. وذكر الحديث .

20 - كامل الزيارات : عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني كنت بالحيرة ليلة عرفة وكنت أصلي وثم نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيبة أرواحهم وأقبلوا يصلون بالليل أجمع ، فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا ؟ فقال لي أبو عبد الله عليه السلام : إنه مر بالحسين بن علي خمسون ألف ملك وهو يقتل فعرجوا إلى السماء ، فأوحى الله إليهم مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى أن تقوم الساعة .

21 - كامل الزيارات : عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : هبط أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين فلم يون لهم في القتال فرجعوا في الاستئمار ، فهبطوا وقد قتل الحسين - رحمة الله عليه ولعن قاتله ومن أعان عليه ومن شرك في دمه - فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، رئيسهم ملك يقال له «منصور» ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا يمرض إلا عادوه ، ولا يموت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته ، فكل هواء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السلام .

ص: 430

22 - المناقب لابن شهرآشوب : أن أم سلمة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام وعلى رأسه التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟ فقال : شهدت قتل الحسين آنفا .

عن عائشة : أنه دخل الحسين بن علي على النبي وهو يوحى إليه ، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه و آله وهو منكب على ظهره ، فقال جبرئيل : تحبه ؟ فقال : ألا أحب ابني ؟ فقال : إن أمتك ستقتله من بعدك ، فمد جبرئيل يده فإذا بتربة بيضاء ، فقال : في هذه التربة يقتل ابنك هذه يا محمد اسمها الطف... الخبر .

وفي أخبار سالم بن الجعد : أنه كان ذلك ميكائيل .

وفي مسند أبي يعلى : أن ذلك ملك القطر .

أحمد في المسند قال ابن عباس : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أم سلمة وهي تقول : يا بنات عبد المطلب اسعديني وابكين معي فقد قتل سيدكن ، فقيل : ومن أين علمت ذلك ؟ قالت : رأيت رسول الله الساعة في المنام شعثا مذعورا فسألته عن ذلك ، فقال : قتل ابني الحسين وأهل بيته فدفنتهم .

قالت : فنظرت فإذا بتربة الحسين الذي أتى بها جبرئيل من كربلاء وقال : إذا صارت دما فقد قتل ابنك ، فأعطانيها النبي فقال : اجعليها في زجاجة فلتكن عندك فإذا صارت دما فقد قتل الحسين عليه السلام ، فرأيت القارورة الآن قد صارت دما عبيطا يفور .

أمالي المفيد النيسابوري : أن زرة النائحة رأت فاطمة عليهاالسلام فيما يرى النائم أنها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد :

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيظا

وابكيا بالطف ميتا

ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا

لا ولا كان مريضا(1)

ص: 431


1- بيان : تهللت دموعه أي سالت واستهل المطر اشتد انصبابه وغاض الماء قل .

23 - الكافي : عن كرام قال : حلفت فيما بيني وبين نفسي أن لا آكلّ طعاما بنهار أبدا حتى يقوم قائم آل محمد ، فدخلت على أبي عبد الله ، فقلت له : رجل من شيعتكم جعل الله عليه أن لا يأكلّ طعاما بنهار أبدا حتى يقوم قائم آل محمد ؟ قال : فصم إذا يا كرام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ولا إذا كنت مسافرا ولا مريضا ،

فإن الحسين عليه السلام لما قتل عجت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة فقالوا : يا ربنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتى نجدهم من جديد الأرض بما استحلوا حرمتك وقتلوا صفوتك ، فأوحى الله إليهم : يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا ، ثم كشف حجابا من الحجب فإذا خلفه محمد واثنا عشر وصيا له عليه السلام ، ثم أخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال : يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي بهذا أنتصر لهذا ، قالها ثلاث مرات(1) .

24 - روى في كتاب المحتضر :عن الباقر عليه السلام عن جده عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : ليلة أسري بي إلى السماء ، فبلغت السماء الخامسة ، نظرت إلى صورة علي بن أبي طالب فقلت : حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة ؟ فقال جبرئيل : يا محمد اشتهت الملائكة أن ينظروا إلى صورة علي فقالوا : ربنا إن بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة وعشية بالنظر إلى علي بن أبي طالب حبيب حبيبك محمد صلى الله عليه و آله وخليفته ووصيه وأمينه ، فمتعنا بصورته قدر ما تمتع أهل الدنيا به ، فصور لهم صورته من نور قدسه عز وجل ، فعلي عليه السلام بين أيديهم ليلا ونهارا يزورونه وينظرون إليه غدوة وعشية .

قال فأخبرني الأعمش عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال : فلما ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء ، فالملائكة ينظرون إليه غدوة وعشية يلعنون قاتله ابن ملجم ، فلما قتل الحسين بن

ص: 432


1- بيان : جددت الشيء أجده جدا قطعته وجد النخل يجده أي صرمه والجديد وجه الأرض.

علي صلوات الله عليه هبطت الملائكة وحملته حتى أوقفته مع صورة علي في السماء الخامسة ، فكلما هبطت الملائكة من السماوات من علا وصعدت ملائكة السماء الدنيا فمن فوقها إلى السماء الخامسة لزيارة صورة علي عليه السلام والنظر إليه

وإلى الحسين بن علي متشحطا بدمه لعنوا يزيد وابن زياد وقاتل الحسين بن علي صلوات الله عليه إلى يوم القيامة .

قال الأعمش : قال لي الصادق عليه السلام : هذا من مكنون العلم ومخزونة لا تخرجه إلا إلى أهله .

ص: 433

باب 42 :روة أم سلمة وغيرها رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام وإخباره بشهادة الكرام

1 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : أصبحت يوما أم سلمة رضي الله عنها تبكي فقيل لها : مم بكاو ؟ فقالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة وذلك أنني ما رأيت رسول الله منذ مضى إلا الليلة ، فرأيته شاحبا كئيبا ، فقالت : قلت : ما لي أراك يا رسول الله شاحبا كئيبا ؟ قال : ما زالت الليلة

أحفر القبور للحسين وأصحابه عليه وعليهم السلام (1) .

2 - الأمالي للطوسي : عن ابن عباس قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله ، فخرجت يتوجه بي قائدي إلى منزلها ، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء ، فلما انتهيت إليها قلت : يا أم المونين ما لك تصرخين وتغوثين ؟ فلم تجبني وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت : يا بنات عبد المطلب اسعديني وابكين معي ، فقد قتل والله سيدكن وسيد

ص: 434


1- بيان : شحب جسمه أي تغير .

شباب أهل الجنة ، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين ، فقلت : يا أم المونين ومن أين علمت ذلك ؟

قالت : رأيت رسول الله في المنام الساعة شعثا مذعورا ، فسألته عن شأنه ذلك ، فقال : قتل ابني الحسين عليه السلام وأهل بيته اليوم فدفنتهم والساعة فرغت من دفنهم .

قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل ، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال : إذا صارت هذه التربة دما فقد قتل ابنك ، وأعطانيها النبي فقال : اجعل هذه التربة في زجاجة - أو قال : في قارورة - ولتكن عندك فإذا صارت دما عبيطا فقد قتل الحسين ، فرأيت القارورة الآن وقد صارت دما عبيطا تفور .

قال : فأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها ، وجعلت ذلك اليوم مأتما ومناحة على الحسين عليه السلام ، فجاءت الركبان بخبره وأنه قتل في ذلك اليوم .

قال عمرو بن ثابت : إني دخلت على أبي جعفر محمد بن علي منزله فسألته عن هذا الحديث وذكرت له رواية ابن عباس فقال أبو جعفر عليه السلام : حدثنيه عمر بن أبي سلمة عن أمه أم سلمة .

قال ابن عباس : فلما كانت الليلة القابلة رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في منامي أغبر أشعث فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه ، فقال لي : ألم تعلم أني فرغت من مدفن الحسين وأصحابه .

عن أبي جعفر عليه السلام : أن جبرئيل جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله بالتربة التي يقتل عليها الحسين عليه السلام . قال أبو جعفر عليه السلام : فهي عندنا .

3 - عن عمار : أن ابن عباس رأى النبي صلى الله عليه و آلهفي منامه يوما بنصف النهار وهو أشعث أغبر في يده قارورة فيها دم فقال : يا رسول الله ، ما هذا الدم ؟ قال دم الحسين : لم أزل ألتقطه منذ اليوم فأحصي ذلك اليوم فوجد أنه قتل في ذلك اليوم .

ص: 435

وروي عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت لها : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام وعلى رأسه ولحيته أثر التراب فقلت : ما لك يا رسول الله مغبرا ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا .

وروي : أن سلمى المدنية قالت : دفع رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أم سلمة قارورة فيها رمل من الطف وقال لها : إذا تحول هذا دما عبيطا فعند ذلك يقتل الحسين .

قالت سلمى : فارتفعت واعية من حجرة أم سلمة ، فكنت أول من أتاها ، فقلت : ما دهاك يا أم المونين ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام والتراب على رأسه ، فقلت : ما لك ؟ فقال : وثب الناس على ابني فقتلوه وقد شهدته قتيلا الساعة فاقشعر جلدي ، فوثبت إلى القارورة فوجدتها تفور دما ، قالت سلمى : فرأيتها موضوعة بين يديها .

4 - الطرائف : قال : إن النبي رئي في المنام وهو يبكي فقيل له : ما لك يا رسول الله ؟ قال : قتل الحسين عليه السلام آنفا .

ص: 436

باب 43 :نوح الجن عليه صلوات الله عليه

1 - عن هند بنت الجون قالت : نزل رسول الله صلى الله عليه و آله بخيمة خالتها أم معبد ومعه أصحاب له ، فكان من أمره في الشاة ما قد عرفه الناس ، فقال في الخيمة هو وأصحابه حتى أبرد ، وكان يوم قائظ شديد حره ، فلما قام من رقدته دعا بماء فغسل يديه فأنقاهما ثم مضمض فاه ومجه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرات واستنشق ثلاثا وغسل وجهه وذراعيه ثم مسح برأسه ورجليه وقال : لهذه العوسجة شأن ، ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك ، ثم قام فصلى ركعتين فعجبت وفتيات الحي من ذلك ، وما كان عهدنا ولا رأينا مصليا قبله ، فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عادية وأبهى ، وخضد الله شوكها وساخت عروقها وكثرت أفنانها واخضر ساقها وورقها ، ثم أثمرت بعد ذلك وأينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد ، والله ما أكلّ منها جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روي ولا سقيم إلا برأ ولا ذو حاجة وفاقة إلا استغنى ولا أكلّ من ورقها بعير ولا ناقة ولا شاة إلا سمنت ودر لبنها ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل وأخصبت بلادنا

ص: 437

وأمرعت ، فكنا نسمي تلك الشجرة المباركة ، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلون بها ويتزودون من ورقها في الأسفار ويحملون معهم في الأرض القفار فيقوم لهم مقام الطعام والشراب ، فلم تزل كذلك وعلى ذلك أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمارها واصفر ورقها ، فأحزننا ذلك وفرقنا له فما كان إلا قليل حتى جاء نعي رسول الله ، فإذا هو قد قبض ذلك اليوم ، فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك في العظم والطعم والرائحة ، فأقامت على ذلك ثلاثين سنة ، فلما كانت ذات يوم أصبحنا وإذا بها قد تشوكت من أولها إلى آخرها فذهبت نضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها ، فما كان إلا يسيرا حتى وافى مقتل أمير المونين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلا ولا كثيرا ، وانقطع ثمرها ، ولم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي مرضانا بها ونستشفي به من أسقامنا ، فأقامت على ذلك برهة طويلة ، ثم أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد انبعثت من ساقها دما عبيطا جاريا وورقها ذابلة تقطر دما كماء اللحم ، فقلنا : أن قد حدث عظيمة ، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية ، فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاء وعويلا من تحتها وجلبة شديدة ورجة وسمعنا صوت باكية تقول :

أيا ابن النبي ويا ابن الوصي

ويا من بقية ساداتنا الأكرمينا

ثم كثرت الرنات والأصوات ، فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون ، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السلام ، ويبست الشجرة وجفت ، فكسرتها الرياح والأمطار بعد ذلك ، فذهبت واندرس أثرها .

قال عبد الله بن محمد الأنصاري : فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول فحدثته بهذا الحديث فلم ينكره .

وقال : عن سعيدة بنت مالك الخزاعية : أنها أدركت تلك الشجرة فأكلت من ثمرها على عهد علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأنها سمعت تلك الليلة نوح الجن فحفظت من جنية منهن :

ص: 438

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار

عجبا لمصقول أصابك حده

في الوجه منك وقد علاه غبار

قال دعبل : فقلت في قصيدتي :

زر خير قبر بالعراق يزار

واعص الحمار فمن نهاك حمار

لم لا أزورك يا حسين لك الفدا

قومي ومن عطفت عليه نزار

ولك المودة في قلوب ذوي النهى

وعلى عدوك مقتة ودمار

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار(1)

2 - وقال ابن نما رحمه الله في مثير الأحزان : ناحت عليه الجن وكان نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله ، منهم المسور بن مخرمة يستمعون النوح ويبكون .

وذكر صاحب الذخيرة : عن عكرمة : أنه سمع ليلة قتله بالمدينة مناد يسمعونه ولا يرون شخصه .

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي وملائك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

وروي أن هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا :

إن الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تقاتل التنزيلا

ويهللون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

فكأنما قتلوا أباك محمدا

صلى عليه الله أو جبريلا

وذكر ابن الجوزي في كتاب النور في فضائل الأيام والشهور : نوح الجن عليه فقالت :

ص: 439


1- بيان : خضدت الشجر قطعت شوكها .

لقد جئن نساء الجن يبكين شجيات ويلطمن خدودا كالدنانير نقيات ويلبسن الثياب السود بعد القصبيات

3 - المناقب لابن شهرآشوب : قال دعبل حدثني أبي عن جدي عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية : أنها سمعت نوح الجن على الحسين عليه السلام :

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار

عجبا لمصقول أصابك حده

في الوجه منك وقد علاك غبار

إبانة بن بطة أنه سمع من نوحهم :

أيا عين جودي ولا تجمدي

وجودي على الهالك السيد

فبالطف أمسى صريعا فقد

رزئنا الغداة بأمر بدي

ومن نوحهم :

نساء الجن يبكين من الحزن شجيات وأسعدن بنوح للنساء الهاشميات ويندبن حسينا عظمت تلك الرزيات ويلطمن خدودا كالدنانير نقيات ويلبسن ثياب السود بعد القصبيات

ومن نوحهم :

احمرت الأرض من قتل الحسين كما

اخضر عند سقوط الجونة العلق

يا ويل قاتله يا ويل قاتله

فإنه في سعير النار يحترق

ومن نوحهم :

أبكى ابن فاطمة الذي من قتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم ولقتله خسف القمر

ص: 440

وسمع نوح جن قصدوه لموازرته :

والله ما جئتكم حتى بصرت به

بالطف منعفر الخدين منحورا

قال الطبري : وسمع نوح الملائكة في أول منزل نزلوا قاصدين إلى الشام :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل(1)

4 - كامل الزيارات : عن عبد الله بن حسان الكناني قال : بكت الجن على الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وإخواني ومكرمتي

من بين أسرى وقتلى ضرجوا بدم

5 - كامل الزيارات : عن الرضا عليه السلام قال : بينا الحسين عليه السلام يسير في جوف الليل وهو متوجه إلى العراق وإذا رجل يرتجز ويقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتى تحلى بكريم البحر

بماجد الجد رحيب الصدر

أثابه الله لخير أمر

ثمت أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسين بن علي عليه السلام :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

ص: 441


1- بيان بأمر بدي : أي بأمر بديع غريب ، وقال الجوهري : الجونة عين الشمس ، وإنما سميت جونة عند مغيبها لأنها تسود حين تغيب. والعلق القطعة من الدم : أي كما يخضر الأفق عند سقوط الشفق ، ولعل الأظهر كما احمر .

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفى بك موتا أن تذل وتغرما

6 - كامل الزيارات : عن عمرو بن عكرمة قال : أصبحنا ليلة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى لنا يقول : سمعنا البارحة مناديا ينادي ويقول :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان بن داود

وذي الروح حامل الإنجيل

7 - كامل الزيارات : عن داود الرقي قال : حدثتني جدتي : إن الجن لما قتل الحسين عليه السلام بكت عليه بهذه الأبيات :

يا عين جودي بالعبر

وابكي فقد حق الخبر

ابكي ابن فاطمة الذي

ورد الفرات فما صدر

الجن تبكي شجوها

لما أتى منه الخبر

قتل الحسين ورهطه

تعسا لذلك من خبر

فلأبكينك حرقة

عند العشاء وبالسحر

ولأبكينك ما جرى

عرق وما حمل الشجر

8 - الأمالي للصدوق : عن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه و آلهقالت : ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي إلا الليلة ، ولا أراني إلا وقد أصبت بابني ، وجاءت الجنية منهم تقول :

ألا يا عين فانهملي بجهدي

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبر في ملك عبد

9 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي :عن شيخ من بني تميم كان يسكن الرابية قال : سمعت أبي يقول : ما شعرنا بقتل الحسين حتى كان مساء ليلة عاشوراء ، فإني لجالس بالرابية ومعي رجل من الحي ، فسمعنا هاتفا يقول :

ص: 442

والله ما جئتكم حتى بصرت به

بالطف منعفر الخدين منحورا

وحوله فتية تدمى نحورهم

مثل المصابيح يطفون الدجى نورا

وقد حثثت قلوصي كي أصادفهم

من قبل أن تتلاقى الحرد الحورا

فعاقني قدر والله بالغه

وكان أمرا قضاه الله مقدورا

كان الحسين سراجا يستضاء به

الله يعلم أني لم أقل زورا

صلى الإله على جسم تضمنه

قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاورا لرسول الله في غرف

وللوصي وللطيار مسرورا

فقلنا له : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا وآلي من جن نصيبين ، أردنا موزرة

الحسين عليه السلام ومواساته بأنفسنا ، فانصرفنا من الحج فأصبناه قتيلا(1) .

10 - كامل الزيارات : عن الميثمي قال : خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن علي عليه السلام فعرسوا بقرية يقال لها «شاهي» إذ أقبل عليهم رجلان شيخ وشاب وسلما عليهم .

قال : فقال الشيخ : أنا رجل من الجن ، وهذا ابن أخي أراد نصر هذا الرجل المظلوم .

قال : فقال لهم الشيخ الجني : قد رأيت رأيا ، فقال الفتية الإنسيون : وما هذا الرأي الذي رأيت ؟ قال : رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة ، فقالوا له :

نعم ما رأيت .

قال : فغاب يوم وليلته ، فلما كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه ولا يرون الشخص وهو يقول : «والله ما جئتكم حتى بصرت به» إلى آخر ما مر من الأبيات سوى بيتين مصدرين بقوله : فعاقني ، وبقوله : فصلى ، فأجابه بعض الفتية من الإنسيين يقول :

ص: 443


1- بيان : حرد جمع حارد من قولهم أسد حارد أي غضبان ، أو من حرد الرجل حرودا إذا تحول عن قومه ، وفيما سيأتي من رواية ابن قولويه : «من قبل ما أن يلاقوا الخرد الحورا» وهو أظهر ، قال الفيروزآبادي : الخريد وبهاء والخرود البكر لم تمسس ، أو الخفرة الطويلة السكوت الخافضة الصوت المتسترة ، والجمع خرائد وخرد خرد .

اذهب فلا زال قبر أنت ساكنه

إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا

وقد سلكت سبيلا كنت سالكه

وقد شربت بكأس كان مغزورا

وفتية فرغوا لله أنفسهم

وفارقوا المال والأحباب والدورا

11 - كامل الزيارات : عن أبي زياد القندي قال : كان الجصاصون يسمعون نوح الجن حين قتل الحسين بن علي عليه السلام في السحر بالجبانة وهم يقولون :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه في عليا قريش

وجده خير الجدود

12 - كامل الزيارات : قال : كانت الجن تنوح على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فتقول :

لمن الأبيات بالطف

على كره بنينه

تلك أبيات حسين

يتجاوبن الرنينه

13 - كامل الزيارات : عن علي بن الحزور قال : سمعت ليلى وهي تقول : سمعت نوح الجن على الحسين بن علي عليه السلام وهي تقول :

يا عين جودي بالدموع فإنما

يبكي الحزين بحرقة وتوجع

يا عين ألهاك الرقاد بطيبة

من ذكر آل محمد وتوجع

باتت ثلاثا بالصعيد جسومهم

بين الوحوش وكلّهم في مصرع(1)

ص: 444


1- أقول : قد أوردنا بعض الأخبار في باب شهادته صلوات الله عليه .

باب 44 :ما قيل من المراثي فيه صلوات الله عليه

1 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن إبراهيم بن داحة قال : أول شعر رثي به الحسين بن علي عليه السلام قول عقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب :

إذا العين قرت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحسين بكربلاء

ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه

يسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكيت من بعد الحسين عصائب

أطافت به من جانبيها قبورها

سلام على أهل القبور بكربلاء

وقل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشي وبالضحى

تويه نكباء الرياح ومورها

ولا برح الوفاد زوار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها(1)

ص: 445


1- بيان : النكباء الريح الناكبة التي تنكب عن مهاب الرياح القوم ذكره الجوهري وقال الفيروزآبادي ريح انحرفت ووقعت بين ريحين أو بين الصبا والشمال والمور بالضم الغبار بالريح .

2 - المناقب لابن شهرآشوب : الكميت :

أضحكني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوان

لتسعة بالطف قد غودروا

صاروا جميعا رهن أكفان

وستة لا يتجازى بهم

بنو عقيل خير فرسان

ثم علي الخير مولاهم

ذكرهم هيج أحزاني(1)

3 - المناقب لابن شهرآشوب : السري الرفاء :

أقام روح وريحان على جدث

ثوى الحسين به ظمآن آمينا

كأن أحشاءنا من ذكره أبدا

تطوى على_ الجمرأوتحشى السكاكينا

مهلا فما نقضوا أوتار والده

وإنما نقضوا في قتله الدينا(2)

4 - المناقب لابن شهرآشوب : دعبل :

هلا بكيت على الحسين وأهله

هلا بكيت لمن بكاه محمد

فلقد بكته في السماء ملائك

زهر كرام راكعون وسجد

لم يحفظوا حب النبي محمد

إذ جرعوه حرارة ما تبرد

قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه

فالثكل من بعد الحسين مبدد

هذا حسين بالسيوف مبضع

متخضب بدمائه مستشهد

عار بلا ثوب صريع في الثرى

بين الحوافر والسنابك يقصد

كيف القرار وفي السبايا زينب

تدعو بفرط حرارة يا أحمد

يا جد إن الكلب يشرب آمنا

ريا ونحن عن الفرات نطرد

يا جد من ثكلى وطول مصيبتي

ولما أعانيه أقوم وأقعد(3)

ص: 446


1- بيان : التجازي التقاضي .
2- بيان : لعل الأوتار جمع وتر القوس كناية عن العهود والمواثيق .
3- بيان : قوله فالثكل من بعد الحسين مبدد أي تفرق وكثر القتل والثكل بعد قتله عليه السلام في أولاد الرسول صلى الله عليه و آله أو سائر الخلق أيضا ولا يبعد أن يكون فالكل فصحف .

5 - المناقب لابن شهرآشوب : كشاجم :

إذا تفكرت في مصابهم

أثقب زند الهموم قادحة

فبعضهم قربت مصارعه

وبعضهم بعدت مطارحه

أظلم في كربلاء يومهم

ثم تجلى وهم ذبائحه

ذل حماه وقل ناصره

نال أقوى مناه كاشحة

خالد بن معدان :

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

مترملا بدمائه ترميلا

قتلوك عطشانا ولم يترقبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

وكأنما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

سليمان بن قته الهاشمي :

مررت على أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلت

ألم تر أن الأرض أضحت مريضة

لفقد حسين والبلاد اقشعرت

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت

وكانوا رجاء ثم عادوا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

السوسي :

لهفي على السبط وما ناله

قد مات عطشانا بكرب الظما

لهفي لمن نكس عن سرجه

ليس من الناس له من حما

لهفي على بدر الهدى إذ علا

في رمحه يحكيه بدر الدجى

لهفي على النسوة إذ برزت

تساق سوقا بالعنا والجفا

ص: 447

لهفي على تلك الوجوه التي

أبرزن بعد الصون بين الملا

لهفي على ذاك العذار الذي

علاه بالطف تراب العرا

لهفي على ذاك القوام الذي

حناه بالطف سيوف العدا

وله :

كم دموع ممزوجة بدماء

سكبتها العيون في كربلاء

لست أنساه بالطفوف غريبا

مفردا بين صحبه بالعراء

وكأني به وقد خر في الترب

صريعا مخضبا بالدماء

وكأني به وقد لحظ النسوان

يهتكن مثل هتك الإماء

وله :

جودي على حسين

يا عين بانغزار

جودي على الغريب

إذا الجار لا يجار

جودي على النساء

مع الصبية الصغار

جودي على القتيل

مطروح في القفار

وله :

ألا يا بني الرسول

لقد قل الاصطبار

ألا يا بني الرسول

خلت منكم الديار

ألا يا بني الرسول

فلا قر لي قرار

وله :

لا عذر للشيعي يرقأ دمعه

ودم الحسين بكربلاء أريقا

يا يوم عاشوراء لقد خلفتني

ما عشت في بحر الهموم غريقا

فيك استبيح حريم آل محمد

وتمزقت أسبابهم تمزيقا

أأذوق ري الماء وابن محمد

لم يرو حتى للمنون أذيقا

ص: 448

وله :

وكلّ جفني بالسهاد

مذ عرس الحزن في فوديناع

نعى بالطفوف بدرا

أكرم به رائحا وغادي

نعى حسينا فدته روحي

لما أحاطت به الأعادي

في فتية ساعدوا واسوا

وجاهدوا أعظم الجهاد

حتى تفانوا وظل فردا

ونكسوه عن الجواد

وجاء شمر إليه حتى

جرعه الموت وهو صاد

وركب الرأس في سنان

كالبدر يجلو دجى السواد

واحتملوا أهله سبايا

على مطايا بلا مهاد

وله أيضا :

أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا

ومن حوله الأطهار كالأنجم الزهر

أأنسى حسينا يوم سير برأسه

على الرمح مثل البدر في ليلة البدر

أأنسى السبايا من بنات محمد

يهتكن من بعد الصيانة والخدر(1)

6 - المناقب لابن شهرآشوب : العوني :

فيا بضعة من فود النبي

بالطف أضحت كثيبا مهيلا

ويا كبدا من فود البتول

بالطف شلت فأضحت أكيلا

قتلت فأبكيت عين الرسول

وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وله :

يا قمرا غاب حين لاحا

أورثني فقدك المنايا

يا نوب الدهر لم يدع لي

صرفك من حادث صلاحا

ص: 449


1- بيان : وهو صاد أي عطشان .

أبعد يوم الحسين ويحي

استعذب اللهو والمزاحا

يا بأبي أنفس ظلماء

ماتوا ولم يشربوا المباحا

يا بأبي غرة هداة

باكرها حتفها صباحا

يا سادتي يا بني علي

بكى الهدى فقدكم وناحا

يا سادتي يا بني إمامي

أقولها عنوة صراحا

أوحشتم الحجر والمساعي

آنستم القفر والبطاحا

أوحشتم الذكر والمثاني

والسور النول الفصاحا(1)

7 - المناقب لابن شهرآشوب : وله :

لم أنس يوما للحسين وقد

ثوى بالطف مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطشا

ريان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو إلى ماء الفرات بطرفه

فيراه عنه محرما ممنوعا(2)

8 - المناقب لابن شهرآشوب : الزاهي :

أعاتب عيني إذا أقصرت

وأفني دموعي إذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى

دموعي على الخد قد سطرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرت

أمثل أجسادكم بالعراق

وفيها الأسنة قد كسرت

أمثلكم في عراق الطفوف

بدورا تكسف إذ أقمرت

غدت أرض يثرب من جمعكم

كخط الصحيفة إذ أقفرت

وأضحى بكم كربلاء مغربا

لزهر النجوم إذا غورت

ص: 450


1- بيان : النول كركع جمع النائل أي العطاء .
2- بيان : نقيعا أي كأنه نقع له سم الحتوف أو من قولهم سم ناقع أي بالغ وسم منقع أي مربى ورنا إليه يرنو رنوا أدام النظر .

كأني بزينب حول الحسين

ومنها الذوائب قد نشرت

تمرغ في نحره شعرها

وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر

إذا السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة

بفيض دم النحر قد عفرت

ورأس الحسين أمام الرفاق

كغرة صبح إذا أسفرت

وله أيضا :

لست أنسى النساء في كربلاء

وحسين ظام فريد وحيد

ساجد يلثم الثرى وعليه

قضب الهند ركع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب

ويرى الماء وهو عنه بعيد(1)

9 - المناقب لابن شهرآشوب : الناشي :

مصائب نسل فاطمة البتول

نكت حسراتها كبد الرسول

ألا بأبي البدور لقين كسفا

أسلمها الطلوع إلى الأفول

ألا يا يوم عاشوراء رماني

مصابي منك بالداء الدخيل

كأني بابن فاطمة جديلا

يلاقي الترب بالوجه الجميل

يجرن في الثرى قدانحرا

على الحصباء بالخد التليل

صريعا ظل فوق الأرض أرضا

فوا أسفا على الجسم النحيل

أعاديه توطأه ولكن

تخطاه العتاق من الخيول

ص: 451


1- بيان : جفت أي أبعدت وقوله جفوني فاعله وقوله عن النوم متعلق به بتضمين معنى الفرار ونحوه أي أبعدت وتركت جفوني غمضها وضمها فرارا عن النوم واستشعرت أي أضمرت حزنا يقال استشعر فلان خوفا أي أضمره قوله إذ أقمرت أي قبل أن تصل إلى البدرية والكمال تكسفت قوله إذ أقفرت أي خلت أرض يثرب منكم فبقي منكم فيها آثار خربة كخط الصحيفة يقال سيف قاضب وقضيب أي قطاع والجمع قواضب وقضب .

وقد قطع العداة الرأس منه

وعلوه على رمح طويل

وقد برز النساء مهتكات

يجززن الشعور من الأصول

يسرن مع اليتامى من قتيل

يخضب بالدماء إلى قتيل

فطورا يلتثمن بني علي

طورا يلتثمن بني عقيل

وفاطمة الصغيرة بعد عز

كساها الحزن أثواب الذليل

تنادي جدها يا جد إنا

طلبنا بعد فقدك بالذحول(1)

10 - المناقب لابن شهرآشوب : المرتضى :

إن يوم الطف يوما

كان للدين عصيبا

لم يدع للقلب مني

في المسرات نصيبا

لعن الله رجالا

أترعوا الدنيا غصوبا

سالموا عجزا فلما

قدروا شنوا الحروبا

طلبوا أوتار بدر

عندنا ظلما وحوبا

وله :

لقد كسرت للدين في يوم كربلاء

كسائر لا توى ولا هي تجبر

فإما سبي بالرماح مسوق

وإما قتيل بالتراب معفر

وجرحى كما اختارت رماح وأنصل

وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر(2)

ص: 452


1- بيان : قال الفيروزآبادي داء وحب دخيل أي داخل والجديل الصريع وجرن الحب طحنه وجرن الثوب جرونا انسحق والقد القامة وتله للجبين أي صرعه والذحول جمع الذحل يقال طلب بذحله أي بثأره .
2- بيان : يوم عصيب أي شديد وأترعه أي ملأه والترع محركة الإسراع إلى الشر وترع فلان كفرح اقتحم الأمور مرحا ونشاطا والحوب بالضم الإثم والهلاك والبلاء قوله لا توى من أسوت الجرح أي داويته .

الرضي :

كربلاء لا زلت كربا وبلا

ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صرعوا

من دم سال ومن دمع جرى

وضيوف لفلاة قفرة

نزلوا فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا

بحدى السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شموس منهم

لا تدانيها علوا وضيا

وتنوش الوحش من أجسادهم

أرجل السبق وأيمان الندا

ووجوها كالمصابيح فمن

قمر غاب ومن نجم هوى

غيرتهن الليالي وغدا

جائر الحكم عليهن البلى

يا رسول الله لو عاينتهم

وهم ما بين قتل وسبا

من رميض يمنع الظل ومن

عاطش يسقي أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به

خلف محمول على غير وطى

جزروا جزر الأضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الإما

قتلوه بعد علم منهم

إنه خامس أصحاب الكسا

ميت تبكي له فاطمة

وأبوها وعلي ذو العلا

وله أيضا :

شغل الدموع عن الديار بكاوا

لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيدقد رأى

دفع الفرات يذاد عن ورادها

أترى درت أن الحسين طريده

لقنا بني الطرداء عند ولادها

كانت مآتم بالعراق تعدها

أموية بالشام من أعيادها

ما راقبت غضب النبي وقد غدا

زرع النبي مظنة لحصادها

جعلت رسول الله من خصمائها

فلبئس ما ادخرت ليوم معادها

ص: 453

نسل النبي على صعاب مطيها

ودم الحسين على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبة علوية

تبعت أمية بعد ذل قيادها

جعلت عران الذل في آنافها

وغلاظ وسم الضيم في أجيادها

واستأثرت بالأمر عن غيابها

وقضت بما شاءت على أشهادها

طلبت تراث الجاهلية عندها

وشفت قديم الغل من أحقادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الأشياء من إيقادها

أقول : وفي بعض الكتب فيه زيادة :

إن قوضت تلك القباب فإنها

خرت عماد الدين قبل عمادها

هي صفوة الله التي أوحي بها

وقضى أوامره إلى أمجادها

يروي مناقب فضلها أعداوا

أبدا فيسندها إلى أضدادها

يا فرقة ضاعت دماء محمد

وبنيه بين يزيدها وزيادها

صغرا بمال الله مل ء أكفها

وأكف آل الله في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه

ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الأحشاء من إيقادها

ما عدت إلا عاد قلبي علة

حزني ولو بالغت في إيرادها(1)

ص: 454


1- بيان : قوله بحدى السيف أي حداهم السيف حتى اجتمعوا على نوبة هلاكهم أو على ما يورد عليه من الهلاك ويمكن أن يكون بحد السيف على التخفيف لضرورة الشعر وفي بعض النسخ بحذا السيف أي قبال السيف قوله تكسف الشمس أي هم شموس كلّ منهم يغلب نوره نور الشمس ويكسفها والنوش التناول قوله جائر الحكم حال عن البلى أي بلى كثير كأنه جار في الحكم ولعل مراده غير المعصوم فإنه لا يتطرق إليه البلى مع أنه في الشعر قد لا يراعى تلك الأمور. قوله شغل الدموع أي شغل البكاء على تلك المصيبة الدموع عن انصبابها لذكر ديار المحبوبين ومنازلهم فالضمير في بكاوا راجع إلى العيون بقرينة المقام والأصوب شغل العيون أي عن النظر إلى الديار قوله لم يخلفوها أي لم يرعوا حرمة فاطمة في الشهيد والدفع بضم الدال وفتح الفاء جمع الدفعة أي دفعات الفرات وانصباباتها والدفاع طحمة الموج السيل. قوله درت أي علمت فاطمة ع قوله بني الطرداء أي أبناء الذين كانوا مطرودين ملعونين حين تلد فاطمة تلك الأولاد والزرع الولد وهنا معناه الآخر مرعى والسعدة القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف والصعاد جمعهاالعران العود الذي يجعل في وتره أنف البختي .

11 - المناقب لابن شهرآشوب : آخر :

تبيت النشاوى من أمية نوما

وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وما قتل الإسلام إلا عصابة

تأمر نوكاها ونام زعيمها

فأضحت قناة الدين في كف ظالم

إذا اعوج منها جانب لا يقيمها

غيره :

وا خجلة الإسلام من أضداده

ظفروا له بمعايب ومعاير

آل العزير يعظمون حماره

يرون فوزا لثمهم للحافر

وسيوفكم بدم ابن بنت نبيكم

مخضوبة لرضى يزيد الفاجر

وفي رواية :

وا خجلة الإسلام من أضداده

ظفروا له بمعايب ومعاير

رأس ابن بنت محمد ووصيه

تهدى جهارا للشقي الفاجر

الصنوبري :

يا خير من لبس النبوة

من جميع الأنبياء

وجدي على سبطيك وجد

ليس يون بانقضاء

هذا قتيل الأشقياء

وذا قتيل الأدعياء

يوم الحسين هرقت دمع

الأرض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت باب

العز مهجور الفناء

ص: 455

يا كربلاء خلفت من

كرب عليمن بلاء

كم فيك من وجه تشرب

ماو ماء البهاء

نفسي فداء المصطلي

نار الوغى أي اصطلاء

حيث الأسنة في الجواشن

كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر حيث

الصبر من لبس السناء

وأبا إباء الأسد

إن الأسد صادقة الإباء

وقضى كريما إذ قضى

ظمآن في نفر ظماء

منعوه طعم الماء لا

وجدوا لماء طعم ماء

من ذا لمعفور الجواد

ممال أعواد الخباء

من للطريح الشلو

عريانا مخلى بالعراء

من للمحنط بالتراب

وللمغسل بالدماء

من لابن فاطمة المغيب

عن عيون الأولياء(1)

12 - المناقب لابن شهرآشوب : للشافعي :

تأوه قلبي والفود كئيب

وأرق نومي فالسهاد عجيب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

ذبيح بلا جرم كأن قميصه

صبيغ بماء الأرجوان خضيب

فللسيف إعوال وللرمح رنة

وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد

وكادت لهم صم الجبال تذوب

وغارت نجوم واقشعرت كواكب

وهتك أستار وشق جيوب

يصلى على المبعوث من آل هاشم

ويغزي بنوه إن ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

ص: 456


1- بيان : الشلو بالكسر العضو من أعضاء اللحم وأشلاء الإنسان أعضاو بعد التفرق .

الجوهري :

عاشورنا ذا ألا لهفي على الدين

خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقق جيب الدين وانتهبت

بنات أحمد نهب الروم والصين

اليوم قام بأعلا الطف نادبهم

يقول من ليتيم أو لمسكين

اليوم خضب جيب المصطفى بدم

أمسى عبير نحور الحور والعين

اليوم خر نجوم الفخر من مضر

على مناخر تذليل وتوهين

اليوم أطفئ نور الله متقدا

وجزرت لهم التقوى على الظين

اليوم هتك أسباب الهدى مزقا

برقعت عزة الإسلام بالهون

اليوم زعزع قدس من جوانبه

وطاح بالخيل ساحات الميادين

اليوم نال بنو حرب طوائلها

مما صلوه ببدر ثم صفين

اليوم جدك سبط المصطفى شرقا

من نفسه بنجيع غير مسنون(1)

13 - المناقب لابن شهرآشوب : شاعر :

يا كربلاء يا كربتي وزفرتي كم فيك من ساق ومن جمجمة ومن يمين بالحسام بينت للفاطميات العظام الحرمة قد خر أركان العلى وانهدت وغلقت أبوابه وسدت تلك الرزايا عظمت وجلت

ص: 457


1- إيضاح : الحداد بالكسر ثياب المأتم السود وطاح أي هلك وسقط والطوائل جمع طائلة وهي العداوة والترة والنجيع من الدم ما كان إلى السواد وقيل هو دم الجوف خاصة والمسنون المتغير المنتن وقوله شرقا فعل والألف للإشباع أي شرق بسبب مصيبة من هو بمنزلة نفسه بدم طري من الحزن .

آخر :

كم سيد لي بكربلاء

فديته السيد الغريب

كم سيد لي بكربلاء

للموت في صدره وجيب

كم سيد لي بكربلاء

عسكره بالعرا نهيب

كم سيد لي بكربلاء

ليس لما يشتهي طبيب

كم سيد لي بكربلاء

خاتمه والرداء سليب

كم سيد لي بكربلاء

خضب من نحره المشيب

كم سيد لي بكربلاء

ملثمه والردا خضيب

كم سيد لي بكربلاء

يسمع صوتي ولا يجيب

كم سيد لي بكربلاء

ينقر في ثغرة القضيب

آخر :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا متفجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم رزءك كلّ أذن يسمع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

ما روضة إلا تمنت أنها

لك منزل ولخط قبرك مضجع

آخر :

إذا جاء عاشوراء تضاعف حسرتي

لآل رسول الله وانهل عبرتي

هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلّها

وجوما عليها والسماء اقشعرت

أريقت دماء الفاطميين بالملإ

فلو عقلت شمس النهار لخرت

بنفسي خدود في التراب تعفرت

بنفسي جسوم بالعراء تعرت

ص: 458

بنفسي رؤوس معليات على القنا

إلى الشام تهدى بازفات الأسنة

بنفسي شفاه ذابلات من الظمإ

ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيون غائرات سواهر

إلى الماء منها قطرة بعد قطرة

بنفسي من آل النبي خرائد

حواسر لم تعرف عليهم بسترة(1)

14 - المناقب لابن شهرآشوب : لأبي الفرج بن الجوزي :

أحسين والمبعوث جدك بالهدى

قسما يكون الحق فيه مسائلي

لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في

تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حد السيف من أعدائكم

جللا وحد السمهري الذابل

لكنني أخرت عنك لشقوتي

فبلابلي بين الغري وبابل

إذ لم أفز بالنصر من أعدائكم

فأقل من حزن ودمع سائل

آخر :

يا حر صدري يا لهيب الحشا

انهد ركني يا أخي والقوا

كنت أخي ركني ولم يبق لي

ذخر ولا ركن ولا ملتجا

وكنت أرجوك فقد خانني

ما كنت أرجوه فخاب الرجا

أيا ابن أمي لو تأملتني

رأيت مني ما يسر العدا

حل بأعدائك ما حل بي

من ألم السير وذل السبا

ويا شقيقي أنا أفديك من

يومك هذا وأكون الفدا

ولا هنأني العيش يا سيدي

ما عشت من بعدك أو أدفنا

ص: 459


1- إيضاح : قال الجوهري وجم من الأمر وجوما والواجم الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام ويوم وجيم أي شديد الحر وقال الفيروزآبادي الزفت المل ء والغيظ الطرد والسوق والدفع والمنع وبالكسر القار والمزفت المطلي به والظاهر بارقات كما ستجيء والخريدة من النساء الحيية والجمع خرائد قوله لم تعرف من العرف المعروف بمعنى الإحسان .

آخر :

يا من رأى حسينا شلوا لدى الفلاة

والرأس منه عال في ذروة القناة

وزينب تنادي قد قتلوا حماتي

يا جد لو ترانا أسرى مهتكات(1)

15 - أقول رأيت في بعض موفات المتأخرين أنه قال : حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيام ، فرأيته جالسا جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله ، فلما رآني مقبلا قال لي : مرحبا بك يا دعبل ، مرحبا بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي في مجلسه أجلسني إلى جانبه .

ثم قال لي : يا دعبل أحب أن تنشدني شعرا ، فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت وأيام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصا بني أمية . يا دعبل من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحدا كان أجره على الله . يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا . يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة .

ثم إنه عليه السلام نهض وضرب سترا بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر؛ ليبكوا على مصاب جدهم الحسين عليه السلام ، ثم التفت إلي وقال لي : يا دعبل ارث الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيا ، فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت .

قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت أقول :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

ص: 460


1- توضيح : الجلل بالتحريك العظيم والسمهري الرمح الصلب والبلابل شدة الهموم الوساوس .

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة

وأخرى بفخ نالها صلواتي

قبور ببطن النهر من جنب كربلاء

معرسهم فيها بشط فرات

توافوا عطاشا بالعراء فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاتي

إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الثكلالفضعات

إذا فخروا يوما أتوا بمحمد

وجبرئيل والقرآن والسورات

وعدوا عليا ذا المناقب والعلا

وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعباس ذا الدين والتقى

جعفرها الطيار في الحجبات

أولئك مشئومون هندا وحربها

سمية من نوكى ومن قذرات

هم منعوا الآباء من أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات

سأبكيهم ما حج لله راكب

وما ناح قمري على الشجرات

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات

بنات زياد في القصور مصونة

وآل رسول الله منهتكات

وآل زياد في الحصون منيعة

وآل رسول الله في الفلوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعا

وآل زياد تسكن الحجرات

وآل رسول الله نحف جسومهم

وآل زياد غلظ القصرات

وآل رسول الله تدمى نحورهم

وآل زياد ربة الحجلات

وآل رسول الله تسبى حريمهم

وآل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا من الأوتار منقبضات

سأبكيهم ما ذر في الأرض شارق

ونادى منادي الخير للصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم والغدوات(1)

ص: 461


1- أقول : سيأتي تمام القصيدة وشرحها في أبواب تاريخ الرضا عليه السلام .

16 - ورأيت في بعض موفات بعض ثقات المعاصرين بعض المراثي فأحببت إيرادها للشيخ الخليعي :

لم أبك ربعا للأحبة قد خلا

وعفا وغيره الجديد وأمحلا

كلا ولا كلفت صحبي وقفة

في الدار إن لم اشف ضبا عللا

ومطارح النادي وغزلان النقا

والجزع لم أحفل بها متغزلا

وبواكر الأظعان لم أسكب لها

دمعا ولا خل نأى وترحلا

لكن بكيت لفاطم ولمنعها فدكا

وقد أتت الخئون الأولا

إذ طالبته بإرثها فروى لها

خبرا ينافي المحكم المتنزلا

لهفي لها وجفونها قرحى وقد

حملت من الأحزان عبئا مثقلا

وقد اغتدت منفية وحميها

متطيرا ببكائها متثقلا

تخفي تفجعها وتخفض صوتها

وتظل نادبة أباها المرسلا

تبكي على تكدير دهر ما صفا

من بعده وقرير عيش ما حلا

لم أنسها إذ أقبلت في نسوة

من قومها تروي مدامعها الملا

وتنفست صعدا ونادت أيها الأنصار

يا أهل الحماية والكلا

أترون يا نجب الرجال وأنتم

أنصارنا وحماتنا أن نخذلا

ما لي وما لدعي تيم ادعى

إرثي وضل مكذبا ومبدلا

أعليه قد نزل الكتاب مبينا

حكم الفرائض أم علينا نزلا

أم خصه المبعوث منه بعلم ما

أخفاه عنا كي نضل ونجهلا

أم أنزلت آي بمنعي إرثه

قد كان يخفيها النبي إذا تلا

أم كان في حكم النبي وشرعه

نقص فتممه الغوي وكملا

أم كان ديني غير دين أبي فلا

ميراث لي منه وليس له ولا

قوموا بنصري إنها لغنيمة

لمن اغتدى لي ناصرا متكفلا

واستعطفوه وخوفوه واشهدوا

ذلي له وجفاه لي بين الملا

ص: 462

إن لج في سخطي فقد عدم الرضى

من ذي الجلال وللعقاب تعجلا

أو دام في طغيانه فقد اقتنى

لعنا على مر الزمان مطولا

أين المودة والقرابة يا ذوي الأ

يمان ما هذا القطيعة والقلا

أفهل عسيتم إن توليتم بأن

تمضوا على سنن الجبابرة الأولى

وتنكبوا نهج السبيل بقطع ما

أمر الإله عباده أن يوصلا

ولقد أزالكم الهوى وأحلكم

دار البوار من الجحيم وأدخلا

ولسوف يعقب ظلمكم أن تتركوا

ولدي برمضاء الطفوف مجدلا

في فتية مثل البدور كواملا

عرض المحاق بها فاضحت آفلا

وأقوم من خلل اللحود حزينة

والقوم قد نزلت بهم غير البلاء

ويروعني نقط القنا بجسومهم

ويسووي شكل السيوف على الطلى

فأقبل النحر الخضيب وأمسح

الوجه التريب مضمخا ومرملا

ويقوم سيدنا النبي ورهطه

متلهفا متأسفا متقلقلا

فيرى الغريب المستضام النازح

الأوطان ملقى في الثرى ما غسلا

وتقوم آسية وتأتي مريم

يبكين من كربي بعرصة كربلاء

ويطفن حولي نادبات الجن إشفا

قا علي يفضن دمعا مسبلا

وتضج أملاك السماء لعبرتي

وتعج بالشكوى إلى رب العلى

وأرى بناتي يشتكين حواسرا

نهب المعاجر والهات ثكلا

وأرى إمام العصر بعد أبيه في

صفد الحديد مغللا ومعللا

وأرى كريم مولي في ذابل

كالبدر في ظلم الدياجي يجتلى

يهدى إلى الرجس اللعين فيشتفي

منه فود بالحقود قد امتلأ

ويظل يقرع منه ثغرا طال ما

قدما ترشفه النبي وقبلا

ومضلل أضحى يوطئ عذره

ويقول وهو من البصيرة قد خلا

لو لم يحرم أحمد ميراثه

لم يمنعوه أهله وتأولا

ص: 463

فأجبته إصر بقلبك أم قذا

في العين منك عدتك تبصرة الجلا

أليس أعطاها ابن خطاب لحيد

رة الرضا مستعتبا متنصلا

أتراه حلل ما رآه محرما

أم ذاك حرم ما رآه محللا

يا راكبا تطوي المهامة عيسه

طي الردا وتجوب أجواز الفلا

عرج بأكناف الغري مبلغا

شوقي وناد بها الإمام الأفضلا

ومن العجيب تشوقي لمزار من

لم يتخذ إلا فودي منزلا

فاحبس وقل يا خير من وطئ الثرى

وأعزهم جارا وأعذب منهلا

لو شئت قمت بنصر بضعة أحمد

الهادي بعقد عزيمة لن تحللا

ورميت أعداء الرسول بجمرة

من حد سيفك حرها لا يصطلى

لكن صبرت لأن تقام عليهم

حجج الإله ولن ترى أن تعجلا

كيلا يقولوا إن عجلت عليهم

كنا نراجع أمرنا لو أمهلا

مولاي يا جنب الإله وعينه

يا ذا المناقب والمراتب والعلا

إحياو العظم الرميم وردك

الشمس المنيرة والدجى قد أسبلا

وخضوعها لك في الخطاب وقولها

يا قادرا يا قاهرا يا أولا

وكلام أصحاب الرقيم وردهم

منك السلام وما استنار وما انجلى

وحديث سلمان ونصرته على

أسد الفرات وعلم ما قد أشكلا

لايستفز ذوي النهى ويقل من

أن يرتضى ويجل من أن يذهلا

أخذ الإله لك العهود على الورى

في الذر لما أن برا وبك ابتلى

في يوم قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ

وعلي مولاكم معا قالُوا بَلى

قسما بوردي من حياض معارفي

وبشربي العذب الرحيق السلسلا

ومن استجارك من نبي مرسل

ودعا بحقك ضارعا متوسلا

لو قلت إنك رب كلّ فضيلة

ما كنت فيما قلته متنحلا

أو بحت بالخطر الذي أعطاك رب

العرش كادوني وقالوا قد غلا

ص: 464

فإليك من تقصير عبدك عذره

فكثير ما أنهي يراه مقللا

بل كيف يبلغ كنه وصفك قائل

والله في علياك أبلغ مقولا

ونفائس القرآن فيك تنزلت

وبك اغتدى متحليا متجملا

فاستجلها بكرا فأنت مليكها

وعلى سواك تجل من أن تجتلى

ولئن بقيت لأنظمن قلائد

ينسى ترصعها النظام الأولا

شهد الإله بأنني متبرئ

من حبتر ومن الدلام ونعثلا

وبراءة الخلعي من عصب الخنا

تبنى على أن البرا أصل الولا

قصيدة لابن حماد رحمه الله :

مصاب شهيد الطف جسمي أنحلا

وكدر من دهري وعيشي ما حلا

فما هل شهر العشر إلا تجددت

بقلبي أحزان توسدني البلى

وأذكر مولاي الحسين وما جرى

عليه من الأرجاس في طف كربلا

فو الله لا أنساه بالطف قائلا

لعترته الغر الكرام ومن تلا

ألا فانزلوا في هذه الأرض واعلموا

بأني بها أمسي صريعا مجدلا

وأسقى بها كأس المنون على ظما

ويصبح جسمي بالدماء مغسلا

ولهفي له يدعو اللئام تأملوا

مقالي يا شر الأنام وأرذلا

ألم تعلموا أني ابن بنت محمد

ووالدي الكرار للدين كملا

فهل سنة غيرتها أو شريعة

وهل كنت في دين الإله مبدلا

أحللت ما قد حرم الطهر أحمد

أحرمت ما قد كان قبل محللا

فقالوا له دع ما تقول فإننا

سنسقيك كأس الموت غصبا معجلا

كفعل أبيك المرتضى بشيوخنا

ونشفي صدورا من ضغائنكم ملافا

فأثنى إلى نحو النساء جواده

وأحزانه منها الفود قد امتلا

ونادى ألا يا أهل بيتي تصبروا

على الضر بعدي والشدائد والبلا

ص: 465

فإني بهذا اليوم أرحل عنكم

على الرغم مني لا ملال ولا قلا

فقوموا جميعا أهل بيتي وأسرعوا

أودعكم والدمع في الخد مسبلا

فصبرا جميلا واتقوا الله إنه

سيجزيكم خير الجزاء وأفضلا

فأثنى على أهل العناد مبادرا

يحامي عن دين المهيمن ذي العلا

وصال عليهم كالهزبر مجاهدا

كفعل أبيه لن يزل ويخذلا

فمال عليه القوم من كلّ جانب

فألقوه عن ظهر الجواد معجلا

وخر كريم السبط يا لك نكبة

بها أصبح الدين القويم معطلا

فارتجت السبع الشداد وزلزلت

وناحت عليه الجن والوحش في الفلا

وراح جواد السبط نحو نسائه

ينوح وينعى الظامئ المترملا

خرجن بنيات البتول حواسرا

فعاين مهر السبط والسرج قد خلا

فأدمين باللطم الخدود لفقده

وأسكبن دمعا حره ليس يصطلى

ولم أنس زينب تستغيث سكينة

أخي كنت لي حصنا حصيناموئلا

أخي يا قتيل الأدعياء كسرتني

وأورثتني حزنا مقيما مطولا

أخي كنت أرجو أن أكون لك الفدا

فقد خبت فيما كنت فيه أولا

أخي ليتني أصبحت عميا ولا أرى

جبينك والوجه الجميل مرملا

وتدعو إلى الزهراء بنت محمد

أيا أم ركني قد وهى وتزلزلا

أيا أم قد أمسى حبيبك بالعرا

طريحا ذبيحا بالدماء مغسلا

أيا أم نوحي فالكريم على القنا

يلوح كالبدر المنير إذا انجلى

ونوحي على_ النحرالخضيب واسكبي

دموعا على الخد التريب المرملا

ونوحي على الجسم التريب تدوسه

خيول بني سفيان في أرض كربلا

ونوحي على السجاد في الأسر بعده

يقاد إلى الرجس اللعين مغللا

فيا حسرة ما تنقضي ومصيبة

إلى أن نرى المهدي بالنصر أقبلا

إمام يقيم الدين بعد خفائه

إمام له رب السماوات فضلا

ص: 466

أيا آل طه يا رجائي وعدتي

وعوني أيا أهل المفاخر والعلا

يمينا بأني ما ذكرت مصابكم

أيا سادتي إلا أبيت مقلقلا

فحزني عليكم كلّ آن مجدد

مقيم إلى أن أسكن الترب والبلاء

عبيدكم العبد الحقير محمد

كئيب وقد أمسى عليكم معولا

يولكم يا سادتي تشفعوا له

إذا ما أتى يوم الحساب ليسألا

فو الله ما أرجو النجاة بغيركم

غدا يوم آتي خائفا متوجلا

إذا فر مني والدي ومصاحبي

وعاينت ما قدمت في زمن الخلا

ومنوا على الحضار بالعفو في غد

لأن بكم قدري وقدرهم علا

عليكم سلام الله يا آل أحمد

سلام على مر الزمان مطولا

أيضا لابن حماد :

أهجرت يا ذات الجمال دلالا

وجعلت جسمي للصدود خبالا

وسقيتني كأس الفراق مرارة

ومنعت عذب رضابك السلسالا

أسفا كما منع الحسين بكربلاء

ماء الفرات وأوسعوه خبالا

وسقوه أطراف الأسنة والقنا

ويزيد يشرب في القصور زلالا

لم أنس مولاي الحسين بكربلا

ملقى طريحا بالدماء رمالا

وا حسرتى كم يستغيث بجده

والشمر منه يقطع الأوصالا

ويقول يا جداه ليتك حاضر

فعساك تمنع دوننا الأنذالا

ويقول للشمر اللعين وقد علا

صدرا تربى في تقى ودلالا

يا شمر تقتلني بغير جناية

حقا ستجزى في الجحيم نكالا

واجتز بالعضب المهند رأسه

ظلما وهز برأسه العسالا

وعلا به فوق السنان وكبروا

لله جل جلاله وتعالى

فارتجت السبع الطباق وأظلمت

وتزلزلت لمصابه زلزالا

ص: 467

وبكين أطباق السماء وأمطرت

أسفا لمصرعه دما قد سالا

يا ويلكم أ تكبرون لفقد من

قتلوا به التكبير والتهليلا

تركوه شلوا في الفلاة وصيروا

للخيل في جسد الحسين مجالا

ولقد عجبت من الإله وحلمه

في الحال جل جلاله وتعالى

كفروا فلم يخسف بهم أرضا بما

فعلوا وأمهلهم به إمهالا

وغدا الحصان من الوقيعة عاريا

ينعى الحسين وقد مضى إجفالا

متوجها نحو الخيام مخضبا

بدم الحسين وسرجه قد مالا

وتقول زينب يا سكينة قد أتى

فرس الحسين فانظري ذا الحالا

قامت سكينة عاينته محمحما

ملقى العنان فأعولت إعوالا

فبكت وقالت وا شماتة حاسدي

قتلوا الحسين وأيتموا الأطفالا

يا عمتا جاء الحصان مخضبا

بدم الشهيد ودمعه قد سالا

لما سمعن الطاهرات سكينة

تنعى الحسين وتظهر الأعوالا

أبرزن من وسط الخدور صوارخا

يندبن سبط محمد المفضالا

فلطمن منهن الخدود وكشفت

منها الوجوه وأعلنت إعوالا

وخمشن منهن الوجوه لفقد من

نادى مناد في السماء وقالا

قتل الإمام ابن الإمام بكربلا

ظلما وقاسى منهم الأهوالا

وتقول يا جداه نسل أمية

قتلوا الحسين وذبحوا الأطفالا

يا جدنا فعلوا علوج أمية

فعلا شنيعا يدهش الأفعالا

يا جدنا هذا الحسين بكربلا

قد بضعوه أسنة ونصالا

ملقى على شاطئ الفرات مجدلا

في الغاضرية للورى أمثالا

ثم استباحوا في الطفوف حريمه

نهبوا السراة وقوضوا الأحمالا

وغدوا بزين العابدين مكتفا

فوق المطية يشتكي الأهوالا

يبكي أباه بعبرة مسفوحة

أسروه مضني لا يطيق نزالا

ص: 468

وأتوا به نحو الخيام وأمه

تبكي وتسحب خلفه الأذيالا

وتقول ليت الموت جاء ولم أر

هذي الفعال وأنظر الأنذالا

لو كان والده علي المرتضى

حيا لجدل دونه الأبطالا

ولفر جيش المارقين هزيمة

من سيفه لا يستطيع قتالا

يا ويلكم فستسحبون أذلة

وستحملون بفعلكم أثقالا

فعلى ابن سعد واللعين عبيده

لعن تجدد لا يزول زوالا

وعلى محمد ثم آل محمد

روح وريحان يدوم مقالا

وعليهم صلى المهيمن ما حدا

في البيد ركبان تسير عجالا

فمتى تعود لآل أحمد دولة

ونرى لملك الظالمين زوالا

يا آل أحمد أنتم سفن النجا

وأنا وحقكم لكم أتوالى

أرجوكم لي في المعاد ذريعة

وبكم أفوز وأبلغ الآمالا

فلأنتم حجج الإله على الورى

من لم يقل ما قلت قال محالا

والله أنزل هل أتى في مدحكم

والنمل والحجرات والأنفالا

والمرتقى من فوق منكب أحمد

منكم ولو رام السماء لنالا

وعليكم نزل الكتاب مفصلا

والله أنزله لكم إنزالا

نص بإذن الله لا من نفسه

ذو العرش نص به لكم إفضالا

فتكلم المختار لما جاءه

من ربّه جبريلهم إرسالا

إذ قال هذا وارثي وخليفتي

في أمتي فتسمعوا ما قالا

أفديكم آل النبي بمهجتي

وأبي وأبذل فيكم الأموالا

وأنا ابن حماد وليكم الذي

لم يرض غير كم ولم يتوالا

أصبحت معتصما بحبل ولائكم

جدا وإن قصر الزمان وطالا

وأنا الذي أهواكم يا سادتي

أرجو بذاك عناية ونوالا

بعد الصلاة على النبي محمد

ما غرد القمري وأرخى البالا

ص: 469

أقول : لبعض تلامذة والدي الماجد نور الله ضريحه ، وهو محمد رفيع بن مون الجيلي تجاوز الله عن سيئاتهما وحشرهما مع ساداتهما مراثي مبكية ، حسنة السبك ، جزيلة الألفاظ ، سألني إيرادها لتكون لسان صدق له في الآخرين ، وهي هذه :

المرثية الأولى :

كم لريب المنون من وثبات

زعزعتني في رقدتي وثباتي

كيف لي والحمام أغرق في النز

ع ولا يخطئ الذي في الحياة

نفسي المقتضي مسرة نفسي

في بلوغي منيتي خطواتي

كيف يلتذ عاقل لحياة

هي أمطى الرحال نحو الممات

هل سليم المذاق يشهى ويستصفي

أجاجا في وهدة الكدرات

هذه دار رحلة غب حل

كالتي في الطريق وسط الفلاة

لا مكان الثواء والطمن والأ

من من الأخذ بغتة والبيات

بئست الدار إذ قد اجتمعت فيها

صنوف الأكالب الضاريات

ذل فيها أولو الشرافة والمجد

وعزت أراذل العبلات

دور أهل الضلال فيها استجدت

ورسوم الهدى عفت داثرات

أف للدار هذه ثم تبا

لا أرى عندها مكان الثبات

كالبغاة الزناة آل زياد

نطف العاهرين والعاهرات

أترى من يقول ذاك افتراه

أو رمى المحصنين والمحصنات

لارب المقام والبيت والحجر

وجمع والخيف والعرفات

هل سمعت الذي تواتر معنى

من نبي الورى بنقل الثقات

إن من كان مبغضا لعلي

فهو لا شك خائن الأمهات

ما وجدنا أشد بغضا وحقدا

من عبيد الغريق في اللعنات

كافر فاسق دعي خبيث

فاجر ظالم شقيعات

نال آل الرسول من ذلك الرجس

رزايا قد هدت الراسيات

ص: 470

يا لها من مصيبة رق فيها

قلب كلّ الأنام حتى العداة

يا لها من مصيبة صاح فيها

فرق الجن صيحة الثاكلات

يا لها من مصيبة أسبلت دمع

الأولى ما بكوا لدى النازلات

لهف قلبي لسادة الخلق إذ هم

ذللوا في إسار قوم طغاة

لهف قلبي ولجة البغي هاجت

فأمالت باللطم سفن النجاة

لهف قلبي لفتية كبدور

خسفت من تراكم الظلمات

لهف قلبي لنسوة شبه حور

أخرجت من حظائر القادسات

وكأني بزينب وهي تدعو

أمها بالنحيب والزفرات

آه وا سوأتاه يا أم قومي

فاثكلينا مجامع النائحات

هل ترينا الحسين منعفر الخد

وأوداجه غدت شاخبات

هل ترينا الحسين مات عليلا

يابس الحلق وهو عند الفرات

يا أبي يا أبا الضعاف اليتامى

يا مغيث اللهيف في الطائحات

لو رأيت الحسين بين الأعادي

كغريب في الأكلب العاويات

طارد ما يصول قدامه إذ

عضه في الوراء آخر عات

مستغيث يقول هل من مغيث

أو خليل مونس وموات

ليت في القوم من يدين بديني

ليت في القوم من يصلي صلاتي

علكم أيها العصابة صم

صمما نالكم من الأمهات

أنتم جاحدوا نبوة جدي

أنتم عابدوا منات ولات

هل بكم من مروة المرء شيء

أو حياء النساء لا وحياتي

أهل بيت الرسول في شرف الموت

ليبس الشفاه اللهوات

أنتم مظهرو دهاء وزهو

ونشاط بحبس ماء الفرات

أهل بيت الرسول في الطف صرعى

ذو بطون خميصة ضامرات

أنتم في تنعم ورفاه

من لذيذ اللحوم المرقات

ص: 471

أنتم في الرحيب مجتمع الشمل

وآل الرسول رهن شتات

أين ترحيبكم أبيدت قراكم

بنزيل دعوتم دعوات

أين إيفاء ما كتبتم إلينا

ووعدتم لنا به وعدات

ويلكم ما جوابكم إذ دعاكم

يوم فصل الخصام قاضي القضاة

فعليكم لعن الإله وبيلا

ما تلظى السعير باللهبات

ثم لعن الرسول فالخلق طرا

كلّ لعن مستتبع اللعنات

وعلى من بكى لنا أو تباكى

صلوات من ربنا دائمات

رب هذا القصيد قد نظم الجيلي

فانظمه في عداد الرثات

وتجاوز عن سيئات جناها

يوم يدعى يا غافر السيئات

المرثية الثانية له عفي عنه :

أما الهموم فقد حلت بوادينا

واستوطنت إذ رأت حسن القرى فينا

وهل ترى أحدا أحرى بصحبتها

ممن حوى الفضل والآداب والدينا

أنى يكون لأهل الفضل من فرح

وما صفي عيشهم من لوعة حينا

أ لا ترى السادة النجب الكرام بني

سليلة المصطفى الغر الميامينا

أصابهم من بني حرب الخباث أذى

له السماوات والأرضون يبكينا

لهفي على قول مولانا الحسين ل

صحبه وأعداو جاءوا يناوونا

ألا دعوني ألا فامضوا لشأنكم

إن البغاة إذن إياي يبغونا

لا يشتفي غلهم إلا بسفك دمي

إن كان ذا فبغيري لا يبالونا

فقال من هواء الرهط طائفة

كانوا نفوسهم للخلد شارينا

فداك آباوا يا ابن الرسول لقد

كنا على ما له صرنا مصرينا

تالله لو قطعت أعضاوا قطعا

لما عدلنا بها دنيا المضلينا

هديتمونا إلى الإسلام ليس على

وجه البسيط فريق مثلنا دينا

ص: 472

لولاكم ما عرفنا الله خالقنا

ولا صلاة وتطهيرا وتأذينا

أنتم دلائلنا أنتم وسائلنا

أنتم إلى الفوز بالرضوان هادونا

أليس جدك خير المرسلين ألا

أبوك منه كما موسى وهارونا

فكيف نسلمك العلج الزنيم وقد

نراه أخبث فرعون مضى طينا

نعوذ بالله من ذا بل نقاتلهم

بالسهم والسيف والعسال مسنونا

حتى يفيئوا إلى أمر الإله وير

فعوا يد البغي عن خير المصلينا

قال الحسين أتيتم بالوفاء إذن

جزاكم الله عنا آل ياسينا

فأنزلوا يا جنود الله رحلكم

ثم استعدوا لبلوى سوف يأتينا

شدوا حيازيمكم للموت واصطبروا

ولا تخافوا بأن الموت لاقينا

وهل نخاف بأن الخصم يقتلنا

والحق والله فينا ليس يعدونا

لا عار للمرء لو تفقأ كريمته

إن كان مستبصرا قد أحكم الدينا

القوم من نيل روح الله قد يئسوا

وموقف العرض من ذا لا يبالونا

القوم قد آثروا الدنيا وزينتها

ويعبدون هواهم والشياطينا

بغوا رضى بن زياد خاب آملهم

يردون أولادنا يسبون أهلينا

يسقون أفراسهم ماء الفرات و

يقتلون آل رسول الله ظامينا

يا ليت فاطمة الطهر البتول ترى

ما نالنا من بني حرب وتبكينا

هل من خبير ببلوانا يمر على

زقاق طيبة يبكينا ويرثينا

يقول يا مصطفى إني خرجت وقد

تركت ابنك منحورا ومطعونا

يقول آخر يا طهر البتول لقد

تركت ابنك محزونا ومشجونا

وا حسرتى لطريح بالعراء ولم

يدفن وما كان مغسولا ومكفونا

وا لهف قلبي لفتيان أولي شرف

قد قتلوا وهم القرآن تالونا

وا لهف قلبي لنسوان مخدرة

ابرزن بالطف في قوم ملاعينا

يا رب عذب عذاب الهون رائسهم

يزيد ثم عبيدا فالاعنينا

واغفر لمسكيننا الجيلي زلته

آمين آمين يا غفار آمينا

ص: 473

المرثية الثالثة له عفي عنه :

ألا ليس من فقد الخليل هزالي

ولا من مزاج السوء سوأة حالي

ولا نابني ضيق المعاش فعابني

خليطي وأقراني بقلة مالي

ولكن خيول الغم والكرب والنوى

توالت على بالي وأي توالي

لما حل من أصناف بلوى ومحنة

بآل رسول الله أكرم آل

فكم مشرب كأس الحتوف فبعضهم

بدس وبعض مونا بقتال

ألم تسمع الملعونة الرجس إذ مضت

توسوس للأخرى بوعد وصال

إلى أن قتلن المجتبى الحسن الذي

له مع حسن الوجه حسن خصال

فيا ليت كبد قطعت حين شربه

نقيع سموم خال كأس زلال

ويا ليت شمس اليوم كالليل سودت

بما اخضر وجه مشرق كلئالي

بنفسي إذ جاءته زينب أخته

وقد شاهدت حالا وأية حال

فقال تعالي يا ابنة الخير فاعجبي

فكم فلذة مني سقطن حيالي

تعالي تعالي يا ابنة الأم فانظري

أخاك بكبد قاء أم بطحال

بنفسي إذ وصى أخاه معانقا

بتقوى الإله الخالق المتعال

وبالصبر والتسليم لله والرضى

وبالشكر والتحميد أية حال

وقال تذكر نقل معراج جدنا

ومالك من قصر الجنان ومالي

فهذا اخضراري قد تحقق حسبما

هناك وفي علم الإله جرى لي

سيدمون نحرا كان في غير مرة

يقبله الجد الجليل حيالي

فتحمر وجها حيث لا يتيسر

اللواذ بأنصار ولا بموالي

فوا حسرتى وا سوأتا وا مصيبتا

لمذبوح أرض الطف يوم نزال

يزيد بما استحللت هتك حريمه

وحرمت شرب الماء رد سولي

تدور بدور الفخر والعز والعلى

زقاق بلاد الشام فوق جمال

أطايب بيض كالشموس وجوهها

بظهر شموس في مسير قلال

ص: 474

ذراري رسول الله شد وثاقهم

كنحو أسارى أوثقت بحبال

تذل مياتيم الحسين معاندا

وقد كان للأيتام خير ثمال

فكيف إذا استعدى عليك محمد

لدى حاكم ذي نقمة ونكال

وبطش شديد وانتقام وسطوة

وسلطنة في عزة وجلال

عليك إلى يوم الجزاء وبعده

من الله لعن دائم متتال

إلهي أنا الجيلي عبدك مذعنا

بما كان مني من قبيح فعال

ولكنني راثي الحسين وناشر

مدائح ساداتي بلحن مقال

محبة أولاد الرسول تعرقت

ببالي فلا بالموت بعد أبالي

ولم أتخذ دون الوصي وليجة

وهذا عطاء منك قبل سولي

وأنت عليم من ضميري بأنني

بغيض لأعداء الوصي وقال

فلا تبعدني عنه حيا وميتا

وعمم بهذا الفضل كلّ موال

المرثية الرابعة أيضا له عفي عنه :

اطلبوا للضحك دوني وعلى الحزن دعوني

حرم الضحك أخلائي عن أهل الشجون

حزني ليس لخل أو أنيس أو قرين

أو لولد كنت أرجو منهم أن يخلفوني

إنما حزني وبثي ورنيني وأنيني

لشهيد الطف سبط المصطفى الهادي الأمين

لهف قلبي إذ ينادي قومه هل من معين

ما لقومي لا يجيبونن إذ قد سمعوني

ألما في قلبهم مني من داء دفين

أم لهم بغض على الإسلام أم لم يعرفوني

ص: 475

ها أنا ابن المصطفى الآتي بقرآن مبين

ها أنا ابن المرتضى الهادي إلى دين مبين

أمي الزهراء مخدومة جبرئيل الأمين

مذهبي التوحيد والتقديس والإسلام ديني

هل على الأرض نظيرياليوم قوميأنصفوني

فبما استحللتم هتك حريمي أخبروني

ويلكم يوم ينادي المرء يا رب ارجعوني

وأنا أشكو إلى جدي بالصوت الحزين

جد يا جد ترى قومي كيف استضعفوني

ثم لم يرضوا بالاستضعاف حتى قتلوني

آه من جور عبيد الفاسق العلج الهجين

آه من شمر وشبث يظهران الحقد دوني

آه من إدماء نحري آه من عفر جبيني

آه من أجل صبايا هن من لحمي وطيني

آه من ذي ثفنات هو نفسي ووتيني

آه إذ أبرزت النسوان من حصن حصين

حاسرات ظامئات خافضات للأنين

آه من جور يزيد بن اللعين بن اللعين

رب عذبهم بتعذيب أليم ومهين

واحشر الجيلي في زمرة أصحاب اليمين

أقول : روي في بعض كتب المناقب القديمة : أن رأس الحسين بن علي عليه السلام لما صلب بالشام أخفى خالد بن عفران ، وهو من أفضل التابعين شخصه من أصحابه ، فطلبوه شهرا حتى وجدوه ، فسألوه عن عزلته ، فقال : أما ترون ما نزل بنا ، ثم إنشأ

ص: 476

يقول :

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

مترملا بدمائه ترميلا

وكأنما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولم يترقبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

للشافعي محمد بن إدريس :

تأوب همي والفود كئيب

وأرق نومي فالرقاد غريب

ومما نفى جسمي وشيب لمتي

تصاريف أيام لهن خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس قلوب

قتيلا بلا جرم كأن قميصه

صبيغ بماء الأرجوان خضيب

وللسيف إعوال وللرمح رنة

وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد

وكادت لها صم الجبال تذوب

يصلي على المهدي من آل هاشم

ويغزي بنوه إن ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حب آل محمد

فذلك ذنب لست منه أتوب

أحمد بن منصور بن علي القطيعي المعروف بالقطان :

يا أيها المنزل المحيل

غاثك مستخفر هطول

أودى عليك الزمان لما

شجاك من أهله الرحيل

لا تغترر بالزمان واعلم

أن يد الدهر تستطيل

فإن آجالنا قصار

فيه وآمالنا تطول

تفنى الليالي وليس يفنى

شوقي ولا حسرتي تزول

لا صاحب منصف فأسلو

به ولا حافظ وصول

وكيف أبقى بلا صديق

باطنه باطن جميل

ص: 477

يكون في البعد والتداني

يقول مثل الذي أقول

هيهات قل الوفاء فيهم

فلا حميم ولا وصول

يا قوم ما بالنا جفينا

فلا كتاب ولا رسول

لو وجدوا بعض ما وجدنا

لكاتبونا ولم يحولوا

لكن خانوا ولم يجودوا

لنا بوصل ولم ينيلوا

قلبي قريح به كلوم

أفتنه طرفك البخيل

أنحل جسمي هواك حتى

كأنه حصرك النحيل

يا قاتلي بالصدود رفقا

بمهجة شفها غليل

غصن من البان حيث مالت

ريح الخزامي به تميل

يسطو علينا بغنج لحظ

كأنه مرهف صقيل

كما سطت بالحسين قوم

أراذل ما لهم أصول

يا أهل كوفان لم غدرتم

بنا وكم أنتم نكول

أنتم كتبتم إلي كتبا

وفي طرياتها ذحول

فراقبوا الله في خباي

فيه لنا فتية غفول

وأم كلثوم قد تنادي

ليس الذي حل بي قليل

تقول لما رأته خلوا

قد خسفت صدره الخيول

جاشت بشط الفرات تدعو

ما فعل السيد القتيل

أين الذي حين أرضعوه

ناغاه في المهد جبرئيل

أين الذي حين غمدوه

قبله أحمد الرسول

أين الذي جده النبي

وأمه فاطم البتول

أنا ابن منصور لي لسان

على ذوي النصب يستطيل

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

ولست عن مذهبي أحول

ص: 478

قال : ولدعبل الخزاعي رحمه الله :

أأسبلت دمع العين بالعبرات

وبت تقاسي شدة الزفرات

وتبكي لآثار لآل محمد

فقد ضاق منك الصدر بالحسرات

ألا فابكهم حقا وبل عليهم

عيونا لريب الدهر منسكبات

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم

وداهية من أعظم النكبات

سقى الله أجداثا على أرض كربلاء

مرابيع أمطار من المزنات

وصلى على روح الحسين حبيبه

قتيلا لدى النهرين بالفلوات

قتيلا بلا جرم فجيعا بفقده

فريدا ينادي أين أين حماتي

أنا الظامئ العطشان في أرض غربة

قتيلا ومطلوبا بغير ترات

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا

وساقوا نساء ولها خفرات

فقل لابن سعد عذب الله روحه

ستلقى عذاب النار باللعنات

سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا

وأقنت بالآصال والغدوات

على معشر ضلوا جميعا وضيعوا

مقال رسول الله بالشبهات

قال : ولدعبل رحمه الله أيضا :

يا أمة قتلت حسينا عنوة

لم ترع حق الله فيه فتهتدي

قتلوه يوم الطف طعنا بالقنا

بكل أبيض صارم ومهند

ولطال ما ناداهم بكلامه

جدي النبي خصيمكم في المشهد

جدي النبي أبي علي فاعلموا

والفخر فاطمة الزكية محتدي

يا قوم إن الماء يشربه الورى

ولقد ظمئت وقل منه تجلدي

قد شقني عطشي وأقلقني الذي

ألفاه من ثقل الحديد المود

قالوا له هذا عليك محرم

هذا حلال من يبايع للغبي

فأتاه سهم من يد مشئومة

من قوس ملعون خبيث المولد

يا عين جودي بالدموع وجودي

وابكي الحسين السيد بن السيد

ص: 479

قال : ولبعضهم :

إن كنت محزونا فما لك ترقد

هلا بكيت لمن بكاه محمد

هلا بكيت على الحسين ونسله

إن البكاء لمثلهم قد يحمد

لتضعضع الإسلام يوم مصابه

فالجود يبكي فقده والسود

أنسيت إذ سارت إليه كتائب

فيها ابن سعد والطغاة الجحد

فسقوه من جرع الحتوف بمشهد

كثر العداة به وقل المسعد

ثم استباحوا الصائنات حواسرا

والشمل من بعد الحسين مبدد

كيف القرار وفي السبايا زينب

تدعو المسا يا جدنا يا أحمد

هذا حسين بالحديد مقطع

متخضب بدمائه مستشهد

عار بلا كفن صريع في الثرى

تحت الحوافر والسنابك مقصد

والطيبون بنوك قتلى حوله

فوق التراب ذبائح لا تلحد

يا جد قد منعوا الفرات وقتلوا

عطشا فليس لهم هنالك مورد

يا جد من ثكلى وطول مصيبتي

ولما أعاينه أقوم وأقعد

وله :

حسب الذي قتل الحسين

من الخسارة والندامة

أن الشفيع لدى الإله

خصيمه يوم القيامة

قال : ولدعبل رحمه الله أيضا :

منازل بين أكناف الغري

إلى وادي المياه إلى الطوي

لقد شغل الدموع عن الغواني

مصاب الأكرمين بني علي

أتى أسفي على هفوات دهر

تضاءل فيه أولاد الزكي

ألم تقف البكاء على حسين

وذكرك مصرع الحبر التقي

ألم يحزنك أن بني زياد

أصابوا بالتراب بني النبي

وأن بني الحصان يمر فيهم

علانية سيوف بني البغي

ص: 480

قال : وللرضي الموسوي نقيب النقباء البغدادي :

سقى الله المدينة من محل

لباب الودق بالنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه

رخي البال ملئان الوطاب

وأعلام الغري وما أساخت

معالمها من الحسب اللباب

وقبرا بالطفوف يضم شلوا

قضى ظمأ إلى برد الشراب

وبغدادا وسامرا وطوسا

هطول الودق منخرق العباب

بكم في الشعر فخري لا بشعري

وعنكم طال باعي في الخطاب

ومن أولى بكم مني وليا

وفي أيديكم طرف انتسابي

قال : ولأبي الحسن علي بن أحمد الجرجاني من قصيدة طويلة يمدح أهل البيت عليهم السلام :

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفان

تهمي عليه ضلوعي قبل أجفان

أرض إذا نفحت ريح العراق بها

أتت بشاشتها أقصى خراسان

ومن قتيل بأعلى كربلاء على

جهد الصدى فتراه غير صديان

وذي صفائح يستسقى البقيع به

ري الجوانح من روح ورضوان

هذا قسيم رسول الله من آدم

قدا معا مثل ما قد الشراكان

وذاك سبطا رسول الله جدهما

وجه الهدى وهما في الوجه عينان

وا خجلتا من أبيهم يوم يشهدهم

مضرجين نشاوى من دم قان

يقول يا أمة حف الضلال بها

فاستبدلت للعمى كفرا بإيمان

ما ذا جنيت عليكم إذ أتيتكم

بخير ما جاء من آي وفرقان

ألم أجركم وأنتم في ضلالتكم

على شفا حفرة من حر نيران

ألم أوف قلوبا منكم مزقا

مثارة بين أحقاد وأضغان

أما تركت كتاب الله بينكم

وآية الغر في جمع وقرآن

ألم أكن فيكم غوثا لمضطهد

ألم أكن فيكم ماء لظمآن

ص: 481

قتلتم ولدي صبرا على ظمإ

هذا وترجون عند الحوض إحساني

سبيتم ثكلتكم أمهاتكم

بني البتول وهم لحمي وجثماني

مزقتم ونكثتم عهد والدهم

وقد قطعتم بذاك النكث أقراني

يا رب خذ لي منهم إذ هم ظلموا

كرام رهطي وراموا هدم بنياني

ما ذا تجيبون والزهراء خصمكم

والحاكم الله للمظلوم والجاني

أهل الكساء صلاة الله ما نزلت

عليكم الدهر من مثنى ووحدان

أنتم نجوم بني حواء ما طلعت

شمس النهار وما لاح السماكان

ما زلت منكم على شوق يهيجني

والدهر يأمرني فيه وينهاني

حتى أتيتك والتوحيد راحلتي

والعدل زادي وتقوى الله إمكاني

هذي حقائق لفظ كلما برقت

ردت بلالائها أبصار عميان

هي الحلي لبني طه وعترتهم

هي الردي لبني حرب ومروان

هي الجواهر جاء الجوهري بها

محبة لكم من أرض جرجان

قال : وله أيضا في يوم عاشوراء من قصيدته الطويلة :

يا أهل عاشوراء

يا لهفي على الدين

خذوا حدادكم

يا آل ياسين

إلى آخر ما مضى في رواية ابن شهرآشوب ، وزاد فيه :

زادوا عليه بحبس الماء غلته

تبا لرأي فريق فيه مغبون

نالوا أزمة دنياهم ببغيهم

فليتهم سمحوا منها بماعون

حتى يصيح بقنسرين راهبها

يا فرقة الغي يا حزب الشياطين

أتهزءون برأس بات منتصبا

على القناة بدين الله يوصيني

آمنت ويحكم بالله مهتديا

وبالنبي وحب المرتضى ديني

فجدلوه صريعا فوق جبهته

وقسموه بأطراف السكاكين

ص: 482

وأوقروا صهوات الخيل من أحن

على أساراهم فعل الفراعين

مصفدين على أقتاب أرحلهم

محمولة بين مضروب ومطعون

أطفال فاطمة الزهراء قد فطموا

من الثدي بأنياب الثعابين

يا أمة ولي الشيطان رأيتها

ومكن الغي منها كلّ تمكين

ما المرتضى وبنوه من معاوية

ولا الفواطم من هند وميسون

آل الرسول عباديد السيوف فمن

هام على وجهه خوفا ومسجون

يا عين لا تدعي شيئا لغادية

تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون

قومي على جدث بالطف فانتقضي

بكل لوودمع فيك مكنون

يا آل أحمد إن الجوهري لكم

سيف يقطع عنكم كلّ موصون

قال : ولغيره عاشورية طويلة انتخبت منها هذه الأبيات :

إذا جاء عاشوراء تضاعف حسرتي

لآل رسول الله وانهل عبرتي

هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلّها

وجوما عليهم والسماء اقشعرت

مصائب ساءت كلّ من كان مسلما

ولكن عيون الفاجرين أقرت

إذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا

وأشلاء سادات بها قد تفرت

أضاقت فودي واستباحت تجارتي

وعظم كربي ثم عيشي أمرت

أريقت دماء الفاطميين بالملا

فلو عقلت شمس النهار لخرت

إلا بأبي تلك الدماء التي جرت

بأيدي كلاب في الجحيم استقرت

توابيت من نار عليهم قد أطبقت

لهم زفرة في جوفها بعد زفرة

فشتان من في النار قد كان هكذا

ومن هو في الفردوس فوق الأسرة

بنفسي خدود في التراب تعفرت

بنفسي جسوم بالعراء تعرت

بنفسي رؤوس معليات على القنا

إلى الشام تهدى بارقات الأسنة

بنفسي شفاه ذابلات من الظما

ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيون غائرات سواهر

إلى الماء منها نظرة بعد نظرة

ص: 483

بنفسي من آل النبي خرائد

حواسر لم تقذف عليهم بستره

تفيض دموعا بالدماء مشوبة

كقطر الغوادي من مدافع سرة

على خير قتلى من كهول وفتية

مصاليت أنجاد إذا الخيل كرت

ربيع اليتامى والأرامل فابكها

مدارس للقرآن في كلّ سحرة

وأعلام دين المصطفى وولاته

وأصحاب قربان وحج وعمرة

ينادون يا جداه أية محنة

تراه علينا من أمية مرت

ضغائن بدر بعد ستين أظهرت

وكانت أجنت في الحشا وأسرت

شهدت بأن لم ترض نفس بهذه

وفيها من الإسلام مثقال ذرة

كأني ببنت المصطفى قد تعلقت

يداها بساق العرش والدمع أذرت

وفي حجرها ثوب الحسين مضرجا

وعنها جميع العالمين بحسرة

تقول أيا عدل اقض بيني وبين من

تعدى على ابني بعد قهر وقسرة

أجالوا عليه بالصوارم والقنا

وكم جال فيهم من سنان وشفرة

على غير جرم غير إنكار بيعة

لمنسلخ من دين أحمد عرة

فيقضي على قوم عليه تألبوا

بسوء عذاب النار من غير فترة

ويسقون من ماء صديد إذا دنا

شوي الوجه والأمعاء منه تهددت

مودة ذي القربى رعوها كما ترى

وقول رسول الله أوصى بعترتي

فكم عجرة قد اتبعوها بعجرة

وكم غدرة قد ألحقوها بغدرة

هم أول العادين ظلما على الورى

ومن سار فيهم بالأذى والمضرة

مضوا وانقضت أيامهم وعهودهم

سوى لعنة باءوا بها مستمرة

لآل رسول الله ودي خالصا

كما لمواليهم ولائي ونصرتي

وها أنا مذ أدركت حد بلاغتي

أصلي عليهم في عشيي وبكرتي

وقول النبي المرء مع من أحبه

يقوي رجائي في إقالة عثرتي

على حبهم يا ذا الجلال توفني

وحرم على النيران شيبي وكبرتي

ص: 484

قال : ولعلي بن الحسين الدوادي من قصيدة طويلة انتخبت منها :

بنو المصطفى المختار أحمد طهروا

وأثنى عليهم محكم السورات

بنو حيدر المخصوص بالدرجات

من الله والخواض في الغمرات

فروع النبي المصطفى ووصيه

وفاطم طابت تلك من شجرات

وسائلة لم تسكب الدمع دائبا

وتقذف نارا منك في الزفرات

فقلت على وجه الحسين وقد ذرت

عليه السوافي ثائر الهبوات

فقد غرقت منه المحاسن في دم

وأهدي للفجار فوق قناة

وحلئ عن ماء الفرات وقد صفت

موارده للشاء والحمرات

على أم كلثوم تساق سبية

وزينب والسجاد ذي الثفنات

أصيبوا بأطراف الرماح فأهلكوا

وهم للورى أمن من الهلكات

بهم عن شفير النار قد نجى الورى

فجازوهم بالسيف ذي الشفرات

فيا أقبرا حطت على أنجم هوت

وفرقن في الأطراف مغتربات

وليس قبورا هن بل هي روضة

منورة مخضرة الجنبات

وما غفل الرحمن عن عصبة طغت

وما هتكت ظلما من الحرمات

أمقروعة في كلّ يوم صفاتكم

بأيدي رزايا فتن كلّ صفات

فحتام ألقى جدكم وهو مطرق

غضيض وألقى الدهر غير موات

فيا رب غير ما تراه معجلا

تعاليت يا ربي عن الغفلات

قال : وللصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد من قصيدة طويلة انتخبت منها هذه الأبيات :

بلغت نفسي مناها بالموالي آل طاها برسول الله من حاز المعالي وحواها وببنت المصطفى من أشبهت فضلا أباها

ص: 485

وبحب الحسن البالغ في العليا مداها والحسين المرتضى يوم المساعي إذ حواها ليس فيهم غير نجم قد تعالى وتناهى عترة أصبحت الدنيا جميعا في حماها ما يحدث عصب البغي بأنواع عماها أردت الأكبر بالسم وما كان كفاها وانبرت تبغي حسينا وعرته وعراها منعته شربه والطير قد أروت صداها فأفاتت نفسه يا ليت روحي قد فداها بنته تدعو أباها أخته تبكي أخاها لو رأى أحمد ما كان دهاه ودهاها ورأى زينب إذ شمر أتاها وسباها لشكا الحال إلى الله وقد كان شكاها وإلى الله سيأتي وهو أولى من جزاها

وللصاحب أيضا منتخبة من قصيدته :

ما لعلي العلا أشباه

لا والذي لا إله إلا هو

مبناه مبني النبي تعرفه

وابناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه

أعلاه والفرقدان نعلاه

يا بأبي السيد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا

من حوله والعيون ترعاه

يا قبح الله أمة خذلت

سيدها لا تريد مرضاه

يا لعن الله جيفة نجسا

يقرع من بغضه ثناياه

ص: 486

وللصاحب أيضا منتخبة من قصيدته :

برئت من الأرجاس رهط أمية

لما صح عندي من قبيح غذائهم

ولعنهم خير الوصيين جهرة

لكفرهم المعدود في شردائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم

وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة

حسين العلا بالكرب في كربلائهم

وتشتيتهم شمل النبي محمد

لما ورثوا من بغضه في قنائهم

وما غضبت إلا لأصنامها التي

أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا رب جنبني المكاره واعف عن

ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا رب أعدائي كثير فزدهم

بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا رب من كان النبي وأهله

وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توصل لي إلى الله إنني

بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم

فلم ينثني عنكم طويل عوائهم

وللصاحب أيضا من قصيدته منتخبة :

يا أصل عترة أحمد لولاك لم

يك أحمد المبعوث ذا أعقاب

ردت عليك الشمس وهي فضيلة

بهرت فلم تستر بكف نقاب

لم أحك إلا ما روته نواصب

عادتك فهي مباحة الأسلاب

عوملت يا تلو النبي وصنوه

بأوابد جاءت بكل عجاب

قد لقبوك أبا تراب بعد ما

باعوا شريعتهم بكف تراب

أتشك في لعني أمية بعد ما

كفرت على الأحرار والأطياب

قتلوا الحسين فيا لعولي بعده

ولطول حزني أو أصير لما بي

فسبوا بنات محمد فكأنما

طلبوا ذحول الفتح والأحزاب

رفقا ففي يوم القيامة غنية

والنار باطشة بصوت عقاب

ص: 487

وللصاحب أيضامن قصيدته الطويل :

أجروا دماء أخي النبي محمد

فلتجر غزر دموعنا ولتهمل

ولتصدر اللعنات غير مزالة

لعداه من ماض ومن مستقبل

وتجردوا لبنيه ثم بناته

بعظائم فاسمع حديث المقتل

منعوا الحسين الماء وهو مجاهد

في كربلاء فنح كنوح المعول

منعوه أعذب منهل وكذا غدا

يردون في النيران أوخم منهل

أيجز رأس ابن النبي وفي الورى

حي أمام ركابه لم يقتل

وبنو السفاح تحكموا في أهل حي

على الفلاح بفرصة وتعجل

نكت الدعي بن البغي ضواحكا

هي للنبي الخير خير مقبل

تمضي بنو هند سيوف الهند

في أوداج أولاد النبي وتعتلي

ناحت ملائكة السماء لقتلهم

وبكوا فقد سقوا كئوس الذبل

فأرى البكاء على الزمان محللا

والضحك بعد الطف غير محلل

كم قلت للأحزان دومي هكذا

وتنزلي في القلب لا تترحل

ولزينب بنت فاطمة البتول من قصيدة انتخبت منها هذه :

تمسك بالكتاب ومن تلاه

فأهل البيت هم أهل الكتاب

بهم نزل الكتاب وهم تلوه

وهم كانوا الهداة إلى الصواب

إمامي وحد الرحمن طفلا

وآمن قبل تشديد الخطاب

علي كان صديق البرايا

علي كان فاروق العذاب

شفيعي في القيامة عند ربي

نبيي والوصي أبو تراب

وفاطمة البتول وسيدا من

يخلد في الجنان مع الشباب

على الطف السلام وساكنيه

وروح الله في تلك القباب

نفوسا قدست في الأرض قدما

وقد خلصت من النطف العذاب

فضاجع فتية عبدوا فناموا

هجودا في الفدافد والشعاب

ص: 488

علتهم في مضاجعهم كعاب

بأوراق منعمة رطاب

وصيرت القبور لهم قصورا

مناخا ذات أفنية رحاب

لئن وارتهم أطباق أرض

كما أغمدت سيفا في قراب

كأقمار إذا جاسوا رواض

وآساد إذا ركبوا غضاب

لقد كانوا البحار لمن أتاهم

من العافين والهلكى السغاب

فقد نقلوا إلى جنات عدن

وقد عيضوا النعيم من العقاب

بنات محمد أضحت سبايا

يسقن مع الأسارى والنهاب

مغبرة الذيول مكشفات

كسبي الروم دامية الكعاب

لئن أبرزن كرها من حجاب

فهن من التعفف في حجاب

أيبخل في الفرات على حسين

وقد أضحى مباحا للكلاب

فلي قلب عليه ذو التهاب

ولي جفن عليه ذو انسكاب

ولدعبل الخزاعي من قصيدته الطويلة :

جاءوا من الشام المشومة أهلها

للشوم يقدم جندهم إبليس

لعنوا وقد لعنوا بقتل إمامهم

تركوه وهو مبضع مخموس

وسبوا فوا حزني بنات محمد

عبرى حواسر ما لهن لبوس

تبا لكم يا ويلكم أرضيتم

بالنار ذل هنالك المحبوس

بعتم بدنيا غيركم جهلا بكم

عز الحياة وإنه لنفيس

أخسر بها من بيعة أموية

لعنت وحظ البائعين خسيس

بوا لمن بايعتم وكأنني

بأمامكم وسط الجحيم حبيس

يا آل أحمد ما لقيتم بعده

من عصبة هم في القياس مجوس

كم عبرة فاضت لكم وتقطعت

يوم الطفوف على الحسين نفوس

صبرا موالينا فسوف نديلكم

يوما على آل اللعين عبوس

ما زلت متبعا لكم ولأمركم

وعليه نفسي ما حييت أسوس

ص: 489

ومن قصيدة لجعفر بن عفان الطائي رحمه الله :

ليبك على الإسلام من كان باكيا

فقد ضيعت أحكامه واستحلت

غداة حسين للرماح ذرية

وقد نهلت منه السيوف وعلت

وغودر في الصحراء لحما مبددا

عليه عناق الطير باتت وظلت

فما نصرته أمة السوء إذ دعا

لقد طاشت الأحلام منها وضلت

ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم

فلا سلمت تلك الأكف وشلت

وناداهم جهدا بحق محمد

فإن ابنه من نفسه حيث حلت

فما حفظوا قرب الرسول ولا رعوا

وزلت بهم أقدامهم واستزلت

أذاقته حر القتل أمة جده

هفت نعلها في كربلاء وزلت

فلا قدس الرحمن أمة جده

وإن هي صامت للإله وصلت

كما فجعت بنت الرسول بنسلها

وكانوا حماة الحرب حين استقلت

ومن قصيدة طويلة انتخبت منها أبياتا :

بكى الحسين لركن الدين حين وها

وللأمور العظيمات الجليلات

هل لامرئ عاذر في حزن دمعته

بعد الحسين ومسبى الفاطميات

أم هل لمكتئب حرّان فقّده

لذاذة العيش تكرار الفجيعات

مثل النجوم الدراري في مراتبها

إن غاب نجم بدا نجم لميقات

يا أمة السوء هاتوا ما حجاجكم

إذا برزتم لجبار السماوات

وأحمد خصمكم والله منصفه

بالحق والعدل منه لا المحابات

ألم أبين لكم ما فيه رشدكم

من الحلال ومن ترك الخبيثات

فما صنعتم أضل الله سعيكم

فيما عهدت إليكم في وصايات

أما بني فمقتول ومكبول

وهارب في رؤوس المشمخرات

وقد أخفتم بناتي بين أظهركم

ما ذا أردتم شفيتم من بنياتي

ينقلن من عند جبار يعاهده

إلى جبابر أمثال السبيات

ص: 490

أكان هذا جزائي لا أبا لكم

في أقربائي وفي أهل الحرمات

ردوا الجحيم فحلوها بسعيكم

ثم أخلدوا في عقوبات أليمات

قال : ومن مرثية زينب بنت فاطمة أخت الحسين عليه السلام حين أدخلوا دمشق :

أما شجاك يا سكن

قتل الحسين والحسن

ظمآن من طول الحزن

وكلّ وغد ناهل

يقول يا قوم أبي

علي البر الوصي

وفاطم أمي التي

لها التقى والنائل

منوا على ابن المصطفى

بشربة يحيا بها

أطفالنا من الظماء

حيث الفرات سائل

قالوا له لا ماء لا

إلا السيوف والقنا

فانزل بحكم الأدعيا

فقال بل أناضل

حتى أتاه مشقص

رماه وغد أبرص

من سقر لا يخلص

رجس دعي واغل

فهللوا بختله

واعصوصبوا لقتله

وموته في نضله

قد أقحم المناضل

وعفروا جبينه

وخضبوا عثنونه

بالدم يا معينه

ما أنت عنه غافل

وهتكوا حريمه

وذبحوا فطيمه

وآثروا كلثومه

وسقيت الحلائل

يسقن بالتنايف

بضجة الهواتف

وأدمع ذوارف

عقولها زوائل

يقلن يا محمد

يا جدنا يا أحمد

ص: 491

قد أسرتنا الأعبد

وكلنا ثواكل

تهدى سبايا كربلاء

إلى الشئام والبلاء

قد انتعلن بالدماء

ليس لهن ناعل

إلى يزيد الطاغيه

معدن كلّ داهيه

من نحو باب الجابيه

بجاحد وخالل

حتى دنا بدر الدجى

رأس الإمام المرتجى

بين يدي شر الورى

ذاك اللعين القاتل

يظل في بنانه

قضيب خيزرانه

ينكت في أسنانه

قطعت الأنامل

أنامل بجاحد

وحافد مراصد

مكابد معاند

في صدره غوائل

طوائل بدرية

غوائل كفرية

شوهاء جاهلية

ذلت لها الأفاضل

فيا عيوني اسكبي

على بني بنت النبي

بفيض دمع ناضب

كذاك يبكي العاقل

روي : أن أبا يوسف عبد السلام بن محمد القزويني ثم البغدادي قال لأبي العلاء المعري : هل لك شعر في أهل بيت رسول الله ؟ فإن بعض شعراء قزوين يقول فيهم ما لا يقول شعراء تنوخ ، فقال له المعري : وما ذا تقول شعراوم ؟ فقال : يقولون :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

للمسلمين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا جازع منهم ولا متوجع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم نعيك كلّ أذن تسمع

ما روضة إلا تمنت أنها

لك مضجع ولخط قبر موضع

ص: 492

فقال المعري : وأنا أقول :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجده خير الجدود

ولبعض التابعين :

يا حسين بن علي يا قتيل بن زياد يا حسين بن علي يا صريعا فيالبوادي لو رأت فاطم بكت بدموع كالعهاد ورأت فاطم ناحت نوح ورقاء بوادي ولقامت وهي ولهاء وتبكي وتنادي ولدي سبط نبي قد بالسمر الشداد آه من شمر بغي كافر وابن زياد لعن الله يزيدا وابن حرب لعن عاد هم أعادي لرسول الله أبناء أعادي ولهم عاجل خزي وعذاب في التناد ومهاد في الجحيم إنها شر مهاد

ولبعض الشيعة :

متى يشفيك دمعك من همول

ويبرد ما بقلبك من غليل

قتيل ما قتيل بني زياد

إلا بأبي ونفسي من قتيل

أريق دم الحسين فلم يراعوا

وفي الأحياء أموات العقول

فدت نفسي جبينك من جبين

جرى دمه على خد أسيل

أيخلو قلب ذي ورع تقي

من الأحزان والألم الطويل

وقد شرقت رماح بني زياد

بري من دماء بني الرسول

فودك والسلو فإن قلبي

سيأبى أن يعود إلى ذهول

ص: 493

فيا طول الأسى من بعد قوم

أدير عليهم كأس الأفول

تعاورهم أسنة آل حرب

وأسياف قليلات الفلول

بتربة كربلاء لهم ديار

ينام الأهل دارسة السلول

تحيات ومغفرة وروح

على تلك المحلة والحلول

وأوصال الحسين ببطن قاع

ملاعب للدبور وللقبول

برئنا يا رسول الله ممن

أصابك بالأذاء وبالذحول

ولمنصور بن النمري :

يقتل ذرية النبي ويرجون

جنان الخلود للقاتل

ما الشك عندي في كفر قاتله

لكنني قد أشك في الخاذل

وللصاحب رحمه الله :

لا يشتفي إلا بسبي بناته

وجدانها التخويف والإبعاد

إن لم أكن حربا لحرب كلّها

فنفاني الآباء والأجداد

إن لم أفضل أحمدا ووصيه

لهدمت مجدا شأوه عباد

ياكربلاء تحدثي ببلايا

وبكربنا أن الحديث يعاد

أسد نماه أحمد ووصيه

أرداه كلب قد نماه زياد

فالدين يبكي والملائك تشتكي

والجو أكلف والسنون جماد

ولسليمان بن قتة :

مررت على أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها حين حلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها

وإن أصبحت منهم بزعمي تخلت

ألا إن قتلى الطف من آل هاشم

أذلت رقاب المسلمين فذلت

وكانوا غياثا ثم أضحوا رزية

ألا عظمت تلك الرزايا وجلت

ص: 494

لواحد من الشعراء :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي إن بكيت آل الرسول

واندبي تسعة لصلب علي

قد أصيبوا وخمسة لعقيل

واندبي كلّهم فليس إذا ما

ضن بالخير كلّهم بالبخيل

واندبي إن ندبت عونا أخاهم

ليس فيما ينوبهم بخذول

وسمي النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مسلول

لمحمد بن عبد الجبار السمعاني :

بمحمد سلوا سيوف محمد

رضخوا بها هامات آل محمد

ولغيره :

محن الزمان سحائب مترادفة

هي بالفوادح والفواجع ساجمة

وإذا الهموم تعاورتك فسلها

بمصاب أولاد البتولة فاطمة

وللصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد رحمه الله :

عين جودي على الشهيد القتيل

واترك الخد كالمحيل المحيل

كيف يشفي البكاء في قتل مولاي

إمام التنزيل والتأويل

ولو أن البحار صارت دموعي

ما كفتني لمسلم بن عقيل

قاتلوا الله والنبي ومولاهم

عليا إذ قاتلوا ابن الرسول

صرعوا حوله كواكب دجن

قتلوا حوله ضراغم خيل

إخوة كلّ واحد منهم ليث

عرين وحد سيف صقيل

أوسعوهم ضربا وطعنا ونحرا

وانتهابا يا ضلة من سبيل

والحسين الممنوع شربة ماء

بين حر الظبي وحر الغليل

مثكلا بابنه وقد ضمه وهو

غريق من الدماء الهمول

ص: 495

فجعوه من بعده برضيع

هل سمعتم بمرضع مقتول

ثم لم يشفهم سوى قتل نفس

هي نفس التكبير والتهليل

هي نفس الحسين نفس رسول الله

نفس الوصي نفس البتول

ذبحوه ذبح الأضاحي فيا قلب

تصدع على العزيز الذليل

وطئوا جسمه وقد قطعوه

ويلهم من عقاب يوم وبيل

أخذوا رأسه وقد بضعوه

إن سعي الكفار في تضليل

نصبوه على القنا فدمائي

لا دموعي تسيل كلّ مسيل

واستباحوا بنات فاطمة الزهراء

لما صرخن حول القتيل

حملوهن قد كشفن على الأقتاب

سبيا بالعنف التهويل

يا لكرب بكربلاء عظيم

ولرزء على النبي ثقيل

كم بكى جبرئيل مما دهاه

في بنيه صلوا على جبرئيل

سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكم

إذ حان محشر التعديل

وأبوها وبعلها وبنوها

حولها والخصام غير قليل

وتنادي يا رب ذبح أولادي

لما ذا وأنت خير مديل

فينادي بمالك ألهب النار

وأجج وخذ بأهل الغلول

يا بني المصطفى بكيت وأبكيت

ونفسي لم تأت بعد بسو

ليت روحي ذابت دموعا فأبكي

للذي نالكم من التذليل

فولائي لكم عتادي وزادي

يوم ألقاكم على سلسبيل

لي فيكم مدائح ومراثي

حفظت حفظ محكم التنزيل

قد كفاها في الشرق والغرب فخرا

أن يقولوا هي من قيل إسماعيل

ومتى كادني النواصب فيكم

حسبي الله وهو خير وكيل

وللصاحب أيضا رحمه الله من قصيدة طويلة :

ص: 496

هم وكدوا أمر الدعي يزيد ملفوظ السفاح فسطا على روح الحسين وأهله جم الجماح صرعوهم قتلوهم نحروهم نحر الأضاحي يا دمع حي على انسجام ثم حي على انسفاح في أهل حي على الصلاة وأهل حي على الفلاح يحمي يزيد نساءه بين النضائد والوشاح وبنات أحمد قد كشفن على حريم مستباح ليت النوائح ما سكتن عن النياحة والصياح يا سادتي لكم ودادي وهو داعية امتداحي وبذكر فضلكم اغتباقي كلّ يوم واصطباحي لزم ابن عباد ولاءكم الصريح بلا براح

أقول : وقال ابن نما رحمه الله : ابن عائشة قال : مر سليمان بن قتة العدوي مولى بني تيم بكربلاء بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث ، فنظر إلى مصارعهم ، فاتكأ على فرس له عربية وأنشأ :

مررت على أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلت

ألم تر أن الشمس أضحت مريضة

لفقد حسين والبلاد اقشعرت

وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا وجلت

وتسألنا قيس فنعطي فقيرها

وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

وعند غني قطرة من دمائنا

سنطلبهم يوما بها حيث حلت

فلا يبعد الله الديار وأهلها

وإن أصبحت منهم بزعمي تخلت

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقاب المسلمين فذلت

وقد أعولت تبكي السماء لفقده

وأنجمها ناحت عليه وصلت

ص: 497

وقيل : الأبيات لأبي الرمح الخزاعي ، حدث المرزباني قال : دخل أبو الرمح إلى فاطمة بنت الحسين بن علي عليه السلام فأنشدها مرثية في الحسين عليه السلام :

أجالت على عيني سحائب عبرة

فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلت

تبكي على آل النبي محمد

وما أكثرت في الدمع لا بل أقلت

أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم

وقد نكأت أعداوم حين سلت

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت

فقالت فاطمة : يا أبا رمح هكذا تقول ؟ قال : فكيف أقول جعلني الله فداك ؟ قالت : قل :« أذل رقاب المسلمين فذلت » فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا .

أقول : ما قيل من المراثي في مصيبته صلوات الله عليه جمة لا تحصى ، ولا يناسب إيرادها ما نحن بصدده في هذا الكتاب ، وإنما أوردنا قليلا منها رجاء أن يشركني الله - تعالى - مع من يبكي وينوح بها في ثوابه ، ولذلك عدونا ما التزمناه في صدر الكتاب بذكر بعض القصص عن التواريخ والكتب التي لم تكن في درجة ما أوردته في الفهرست في الوثوق والاعتماد ، وتأسينا بذلك بسنة علمائنا الماضين رضوان الله عليهم ، فإنهم في إيراد تلك القصص الهائلة اعتمدوا على التواريخ لقلة ورود خصوصياتها في الأخبار على أن أكثرها مودة بالأخبار المعتبرة التي أوردتها ، والله الموفق وعليه التكلان .

ص: 498

باب 45 :العلة التي من أجلها أخر الله العذاب عن قتلته صلوات الله عليه ....

العلة التي من أجلها أخر الله العذاب عن قتلته صلوات الله عليه والعلة التي من أجلها يقتل أولاد قتلته عليه السلام وإن الله ينتقم له في زمن القائم عليه السلام

1 - علل الشرائع وعيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الهروي قال : قلت لأبي الحسن

الرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها ؟ فقال عليه السلام : هو كذلك ، فقلت : وقول الله عز وجل « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » ما معناه ؟ قال : صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ، ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريك القاتل ، وإنما يقتلهم القائم عليه السلام

إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم .

قال : قلت له : بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة ، فيقطع

أيديهم لأنهم سراق بيت الله عز وجل .

ص: 499

2 - تفسير الإمام عليه السلام والإحتجاج : بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام : أن علي بن الحسين عليه السلام كان يذكر حال من مسخهم الله قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم ، فلما بلغ آخرها قال : إن الله - تعالى - مسخ أولئك القوم لاصطياد السمك ، فكيف ترى عند الله يكون حال من قتل أولاد رسول الله صلى الله عليه و آله ، وهتك حريمه ؟ إن الله - تعالى - وإن لم يمسخهم في الدنيا ، فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ .

فقيل له : يا ابن رسول الله ، فإنا قد سمعنا منك هذا الحديث ، فقال لنا بعض النصاب : فإن كان قتل الحسين باطلا ، فهو أعظم من صيد السمك في السبت ، أفما كان يغضب على قاتليه كما غضب على صيادي السمك ؟

قال علي بن الحسين : قل لهواء النصاب : فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه ، فأهلك الله من شاء منهم كقوم نوح وفرعون ، ولم يهلك إبليس ، وهو أولى بالهلاك ، فما باله أهلك هواء الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات ؟ ألا كان ربنا عز وجل حكيما بتدبيره وحكمه فيمن أهلك وفيمن استبقى ، فكذلك هواء الصائدون في السبت وهواء القاتلون للحسين عليه السلام يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب الحكمة لا

يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وعباده يسألون .

وقال الباقر عليه السلام : لما حدث علي بن الحسين بهذا الحديث قال له بعض من في مجلسه : يا ابن رسول الله كيف يعاتب الله ويوبخ هواء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم وهو يقول :« وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » ؟ فقال زين العابدين عليه السلام : إن القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم ، يقول الرجل التميمي : قد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه أغرتم على بلد كذا ، ويقول العربي أيضا : ونحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا بلد كذا ، لا يريد أنهم

ص: 500

باشروا ذلك ، ولكن يريد هواء بالعذل وأولئك بالافتخار ، أن قومهم فعلوا كذا وقول الله عز وجل في هذه الآية إنما هو توبيخ لأسلافهم وتوبيخ العذل على هواء

الموجودين؛ لأن ذلك هو اللغة التي أنزل بها القرآن؛ ولأن هواء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك لهم ، فجاز أن يقال لهم : أنتم فعلتم ، أي إذ رضيتم قبيح فعلهم .

3 - ثواب الأعمال : عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : القائم - والله - يقتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائها .

4 - كامل الزيارات : عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله - تبارك تعالى - « فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ » قال : أولاد قتلة الحسين عليه السلام (1) .

4 - كامل الزيارات : عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول في قول الله عز وجل : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ »

قال : علي والحسن والحسين عليهم السلام .

5 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : « وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » قال : قتل أمير المونين ، وطعن الحسن بن علي عليه السلام ، « وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً » قتل الحسين بن علي عليه السلام « فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما » قال : إذا جاء نصر الحسين بن علي « بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ » قوما يبعثهم الله قبل قيام القائم لا يدعون وترا لآل محمد إلا أحرقوه ، وكان وعد الله مفعولا .

6 - كامل الزيارات : عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : تلا هذه الآية « إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » قال : الحسين بن علي منهم ولم ينصر بعد ، ثم قال : والله لقد قتل قتلة الحسين ولم يطلب بدمه بعد .

ص: 501


1- بيان : لعل المراد بالعدوان ما يسمى ظاهرا عدوانا وإن كان في الواقع موافقا للعدل .

7 - كامل الزيارات : قال : سألت عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله - تعالى - « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » قال : ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين بن علي ، فلو قتل أهل الأرض لم يكن سرفا ، وقوله - تعالى - « فَلا

يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » لم يكن ليصنع شيئا يكون سرفا .

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام

: يقتل والله ذراري قتلة الحسين بفعال آبائها .

8 - تفسير العياشي : عن أحدهما عليهماالسلام في قوله « فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ »

قال : إلا على ذرية قتلة الحسين .

9 - تفسير العياشي : عن أحدهما قال : قلت : « فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ » قال : لا يعتدي الله على أحد إلا على نسل ولد قتلة الحسين عليه السلام .

10 - المناقب لابن شهرآشوب : قال ابن عباس : أوحى الله - تعالى - إلى

محمد صلى الله عليه و آله : أنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا .

الصادق عليه السلام : قتل بالحسين مائة ألف ، وما طلب بثأره ، وسيطلب بثأره .

علي بن الحسين قال : خرجنا مع الحسين ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا ، وقال يوما : من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .

وفي حديث مقاتل عن زين العابدين عن أبيه : أن امرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا ، فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك ما حاجتك ؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا ، فقال الملك : يا بنية حاجة غير هذا ، قالت : ما أريد غيره ، وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه ، فخير بين ملكه وبين قتل يحيى ، فقتله ثم بعث برأسه إليها في طست من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها وسلط الله عليهم بخت نصر ، فجعل يرمي عليهم بالمناجيق

ص: 502

ولا تعمل شيئا ، فخرجت إليه عجوز من المدينة ، فقالت : أيها الملك ، إن هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلا بما أدلك عليه ، قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل ، فتقطعت فدخلها ، فقال : علي بالعجوز ، فقال لها : ما حاجتك ؟ قالت : في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن .

يا ولدي يا علي ، والله لا يسكن دمي حتى يبعث الله المهدي فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا .

ص: 503

باب 46 :ما عجل الله به قتلة الحسين صلوات الله عليه من العذاب في الدنيا وما ظهر من إعجازه واستجابة دعائه في ذلك عند الحرب وبعده

اشارة

[ ابن سعد لم يصل إلى الري ]

1 - المناقب لابن شهرآشوب : روي أن الحسين صلوات الله عليه قال لعمر بن سعد : إن مما يقر لعيني أنك لا تأكلّ من بر العراق بعدي إلا قليلا ، فقال مستهزئا : يا أبا عبد الله في الشعير خلف ، فكان كما قال ، لم يصل إلى الري وقتله المختار .

[ ما استعملت امرأة من الورس إلاّ برصت ]

قال سفيان بن عيينة : حدثتني جدتي أن رجلا ممن شهد قتل الحسين عليه السلام كان يحمل ورسا فصار ورسه دما ، ورأيت النجم كان فيه النيران يوم قتل الحسين - يعني بالنجم النبات - .

محمد بن الحكم عن أمه قال : انتهب الناس ورسا من عسكر الحسين عليه السلام فما استعملته امرأة إلا برصت .

ص: 504

[ عقاب رجلين ممن قتل الحسين ]

أمالي أبي سهل القطان : عن ابن عيينة قال : أدركت من قتلة الحسين رجلين : أما أحدهما ، فإنه طال ذكره حتى كان يلفه ، وفي رواية كان يحمله على عاتقه ، وأما الآخر فإنه كان يستقبل الراوية فيشربها إلى آخر ولا يروى ، وذلك أنه نظر إلى الحسين ، وقد أهوى إلى فيه بماء وهو يشرب ، فرماه بسهم ، فقال الحسين عليه السلام : لا أرواك الله من الماء في دنياك ولا في آخرتك .

وفي رواية : أن رجلا من كلب رماه بسهم فشك شدقه ، فقال الحسين عليه السلام : لا أرواك الله ، فعطش الرجل حتى ألقى نفسه في الفرات وشرب حتى مات(1) .

[ اللهم اقتله عطشا ]

2 - المناقب لابن شهرآشوب : قال أبو القاسم الواعظ : نادى رجل : يا حسين

إنك لن تذوق من الفرات قطرة حتى تموت أو تنزل على حكم الأمير ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا ، فغلب عليه العطش ، فكان يعب المياه ويقول : وا عطشاه حتى تقطع .

تاريخ الطبري : أنه كان هذا المنادي عبد الله بن الحصين الأزدي . وفي رواية : كان رجلا من دارم .

[ عقاب الدارمي الذي رمى حنك الحسين بسهم ]

فضائل العشرة : أنه لما رماه الدارمي بسهم فأصاب حنكه جعل يتلقى الدم ثم يقول : هكذا إلى السماء ، فكان هذا الدارمي يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره

ص: 505


1- بيان : الشك اللزوم واللصوق .

بين يديه المراوح والثلج وخلفه الكانون والنار ، وهو يقول : اسقوني ، فيشرب العس ، ثم يقول : اسقوني أهلكني العطش ، قال : فانقد بطنه .

[ ابن جوزة إلى النار ]

ابن بطة في الإبانة وابن جرير في التاريخ : أنه نادى الحسين عليه السلام ابن جوزة فقال : يا حسين أبشر ، فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة ، قال : ويحك أنا ؟ قال : نعم ، قال : ولي رب رحيم وشفاعة نبي مطاع ، اللهم إن كان عندك كاذبا فجره إلى النار ، قال : فما هو إلا أن ثنى عنان فرسه فوثب به ، فرمى به وبقيت رجله في الركاب ، ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كلّ حجر وشجر حتى مات .

وفي رواية غيرهما : اللهم جره إلى النار وأذقه حرها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة ، فسقط عن فرسه في الخندق وكان فيه نار ، فسجد الحسين عليه السلام .

[ عقاب أبجر بن كعب ]

تاريخ الطبري : إن يدي أبجر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء ، وفي الصيف تيبسان كأنهما عودان .

وفي رواية غيره : كانت يداه تقطران في الشتاء دما ، وكان هذا الملعون سلب الحسين عليه السلام .

[ عقاب بعض من سلب الحسين ]

ويروى : أنه أخذ عمامته جابر بن زيد الأزدي وتعمم بها ، فصار في الحال معتوها ، وأخذ ثوبه جعوبة بن حوية الحضرمي ولبسه ، فتغير وجهه وحص شعره وبرص بدنه ، وأخذ سراويله الفوقاني بحير بن عمرو الجرمي وتسرول به ، فصار مقعدا(1) .

ص: 506


1- بيان : رجل أحص بين الحصص أي قليل شعر الرأس وقد حصت البيضة رأسه .

3 - المناقب لابن شهرآشوب : تاريخ الطبري : إن رجلا من كندة يقال له «مالك بن اليسر» أتى الحسين عليه السلام بعد ما ضعف من كثرة الجراحات فضربه على رأسه بالسيف وعليه برنس من خز ، فقال عليه السلام : لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين ، فألقى ذلك البرنس من رأسه ، فأخذه الكندي ، فأتى به أهله ، فقالت امرأته : أسلب الحسين تدخله في بيتي ، لا تجتمع رأسي ورأسك أبدا ، فلم يزل فقيرا حتى هلك .

[ صار البعير والزعفران نارا ]

أحاديث ابن الحاشر قال : كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السلام ثم جاء بجمل وزعفران ، فكلما دقوا الزعفران صار نارا ، فلطخت امرأته على يديها ، فصارت برصاء .

وقال : ونحر البعير ، فكلما جزوا بالسكين صار مكانها نارا ، فقطعوه فخرج منه النار ، فطبخوه ففارت القدر نارا .

ويروى عن سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون الواسطي أنهما قالا : نحر إبل الحسين عليه السلام فإذا لحمه يتوقد نارا .

تاريخ النسوي : قال جميل بن مرة : لما طبخوها صارت مثل العلقم .

[ عقاب ابن الأشعث ]

وروي : أن الحسين عليه السلام دعا وقال : اللهم إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنك سميع قريب ، فقال محمد بن الأشعث : وأي قرابة بينك وبين محمد ؟ فقرأ الحسين عليه السلام إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ .

ثم قال : اللهم أرني فيه في هذا اليوم ذلا عاجلا ، فبرز ابن الأشعث للحاجة فلسعته عقرب على ذكره ، فسقط وهو يستغيث ويتقلب على حدثه .

ص: 507

[ أهوى عليه بنجمان فعميت عيناه ]

ابن بطة وجامع الدار قطني وفضائل أحمد : روى قرة بن أعين عن خاله قال :

كنت عند أبي رجاء العطاردي فقال : لا تذكروا أهل البيت إلا بخير ، فدخل عليه رجل من حاضري كربلاء ، وكان يسب الحسين عليه السلام ، فأهوى الله عليه نجمين فعميت عيناه .

[ عقاب من كثر السواد على الحسين ]

وسأل عبد الله بن رباح القاضي أعمى عن عمائه فقال : كنت حضرت كربلاء وما قاتلت ، فنمت فرأيت شخصا هائلا قال لي : أجب رسول الله ، فقلت : لا أطيق ، فجرني إلى رسول الله ، فوجدته حزينا ، وفي يده حربة وبسط قدامه نطع ، وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم ، وتقع النار فيهم فتحرقهم ، ثم يحيون ويقتلهم أيضا هكذا ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت سهما ، فقال النبي : ألست كثرت السواد ؟ فسلمني وأخذ من طست فيه دم فكحلني من ذلك الدم فاحترقت عيناي ، فلما انتبهت كنت أعمى .

[ عقاب بعض الوكلاء على الرأس الشريف]

كنز المذكرين : قال الشعبي : رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم اغفر لي ولا أراك تغفر لي! فسألته عن ذنبه ، فقال : كنت من الوكلاء على رأس الحسين ، وكان معي خمسون رجلا ، فرأيت غمامة بيضاء من نور وقد نزلت من السماء إلى الخيمة وجمعا كثيرا أحاطوا بها ، فإذا فيهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، ثم نزلت أخرى وفيها النبي صلى الله عليه و آلهوجبرائيل وميكائيل وملك الموت ، فبكى النبي وبكوا معه جميعا ، فدنا ملك الموت وقبض تسعا وأربعين ، فوثب علي فوثبت

ص: 508

على رجلي وقلت : يا رسول الله الأمان الأمان ، فو الله ما شايعت في قتله ولا رضيت ، فقال : ويحك وأنت تنظر إلى ما يكون ، فقلت : نعم ، فقال : يا ملك الموت خل عن قبض روحه فإنه لا بد أن يموت يوما ، فتركني وخرجت إلى هذا الموضع تائبا على ما كان مني .

[ دراهم الراهب صارت حجارة ]

النطنزي في الخصائص : لما جاءوا برأس الحسين ونزلوا منزلا يقال له «قنسرين» اطلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ويصعد إلى السماء ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم وأخذ الرأس وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا قال : طوبى لك وطوبى لمن عرف حرمته ، فرفع الراهب رأسه وقال : يا رب بحق عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلم معي ، فتكلم الرأس وقال : يا راهب أي شيء تريد ؟ قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى ، وأنا ابن علي المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان ، وسكت ، فوضع الراهب وجهه على وجهه فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة ، فتكلم الرأس وقال : ارجع إلى دين جدي محمد ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقبل له الشفاعة .

فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم ، فلما بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة .

[ فلما كان الغد أخرج دراهم أم كلثوم وقد جعلها الله حجارة سوداء ]

وعن ابن عباس : أن أم كلثوم قالت لحاجب بن زياد : ويلك هذه الألف درهم خذها إليك واجعل رأس الحسين أمامنا ، واجعلنا على الجمال وراء الناس؛ ليشتغل الناس بنظرهم إلى رأس الحسين عنا ، فأخذ الألف وقدم الرأس .

ص: 509

فلما كان الغد أخرج الدراهم وقد جعلها الله حجارة سوداء مكتوبا على أحد جانبيها وَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ ، وعلى جانب الآخرة وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

[ رأس الحسين يقرأ القرآن ]

وعن الشعبي : أنه صلب رأس الحسين عليه السلام بالصيارف في الكوفة ، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ، فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا .

وروي : أنهم لما صلبوا رأسه على الشجر سمع منه وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ

يَنْقَلِبُونَ، وسمع أيضا صوته بدمشق يقول : لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ، وسمع أيضا يقرأ أَنَّ أَصْحابَ

الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً، فقال زيد بن أرقم : أمرك أعجب يا ابن رسول الله.

[ حية تتخلل رأس ابن زياد ]

كتابي ابن بطة والترمذي وخصائص النطنزي واللفظ للأول : عن عمارة بن عمير : أنه لما جيء برأس ابن زياد ورؤوس أصحابه إلى المسجد انتهيت إليهم والناس يقولون : قد جاءت ، قد جاءت ، قال : فجاءت حية تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخره ثم خرجت من المنخر الآخر ، ثم قالوا : قد جاءت ، قد جاءت ، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا .

[ لحم الجمل الذي حمل عليه رأس الحسسين ]

أبو مخنف : لما دخل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب ، ولما نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين كان لحمه أمر من الصبر ، ولما

ص: 510

قتل عليه السلام صار الورس دما ، وانكسفت الشمس إلى ثلاثة أسبات ، وما في الأرض حجر إلا وتحته دم ، وناحت عليه الجن كلّ يوم فوق قبر النبي إلى سنة كاملة(1) .

[ سطر مكتوب بالدم ]

4 - المناقب لابن شهرآشوب : دلائل النبوة وأمالي النيسابوري : أنه لما قتل الحسين عليه السلام واجتز رأسه قعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ ويتحيون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب سطرا بالدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

قال : فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا .

وفي كتاب ابن بطة : أنهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة .

وقال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفيرة فوجد فيها لوح من ذهب فيه مكتوب هذا البيت وبعده :

فقد قدموا عليه بحكم جور

فخالف حكمهم حكم الكتاب

ستلقى يا يزيد غدا عذابا

من الرحمن يا لك من عذاب

فسألناهم منذ كم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام .

[ عقاب من كثر السواد على الحسين ]

5 - أقول : روى السيد في كتاب الملهوف وابن شهرآشوب وغيرهما عن عبد الله بن رباح القاضي قال : لقيت رجلا مكفوفا قد شهد قتل الحسين عليه السلام ، فسئل

ص: 511


1- بيان : قوله إلى ثلاثة أسبات أي أسابيع وإنما ذكر هكذا لأنهم ذكروا أن قتله عليه السلام كان يوم السبت فابتداء ذلك من هذا اليوم .

عن بصره ، فقال : كنت شهدت قتله عاشر عشرة ، غير أني لم أطعن برمح ولم أضرب بسيف ولم أرم بسهم ، فلما قتل رجعت إلى منزلي وصليت العشاء الآخرة ونمت ، فأتاني آت في منامي فقال : أجب رسول الله ، فقلت : ما لي وله ، فأخذ بتلبيبي وجرني إليه ، فإذا النبي جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه ، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فكلما ضرب ضربة التهب أنفسهم نارا ، فدنوت منه وجثوت بين يديه ، وقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي ومكث طويلا ، ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله انتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقي ، وفعلت وفعلت ، فقلت : يا رسول الله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ، فقال : صدقت ، ولكنك كثرت السواد ادن مني ، فدنوت منه ، فإذا طست مملوء دما ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين ، فكحلني من ذلك الدم ، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئا .

[ عقاب من قتل العباس ]

وقال أبو الفرج في المقاتل : عن القاسم بن أصبغ بن نباتة قال : رأيت رجلا من بني أبان بن دارم أسود الوجه ، وكنت أعرفه جميلا شديد البياض ، فقلت له : ما كدت أعرفك! قال : إني قتلت شابا أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود ، فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم ، فيدفعني فيها فأصيح فما يبقى أحد في الحي إلا سمع صياحي ، قال : والمقتول العباس بن علي عليه السلام .

[ قصة الرجل الذي ادعى أنّه ممن شارك في قتل الحسين ولم يصب ببلاء ]

6 - الأمالي للطوسي : عن محمد بن سليمان عن عمه قال : لما خفنا أيام الحجاج خرج نفر منا من الكوفة مستترين ، وخرجت معهم ، فصرنا إلى كربلاء وليس بها

ص: 512

موضع نسكنه ، فبنينا كوخا على شاطئ الفرات ، وقلنا : نأوي إليه ، فبينا نحن فيه إذ جاءنا رجل غريب ، فقال : أصير معكم في هذا الكوخ الليلة ، فأنا عابر سبيل فأجبناه ، وقلنا : غريب منقطع به ، فلما غربت الشمس وأظلم الليل أشعلنا وكنا نشعل بالنفط ، ثم جلسنا نتذاكر أمر الحسين ومصيبته وقتله ومن تولاه ، فقلنا : ما بقي أحد من قتلة الحسين إلا رماه الله ببلية في بدنه ، فقال ذلك الرجل : فأنا كنت فيمن قتله ، والله ما أصابني سوء ، وإنكم يا قوم تكذبون ، فأمسكنا عنه ، وقل ضوء النفط ، فقام ذلك الرجل ليصلح الفتيلة بإصبعه فأخذت النار كفه ، فخرج نادا حتى ألقى نفسه في الفرات يتغوث به ، فو الله لقد رأينا يدخل رأسه في الماء والنار على وجه الماء ، فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه ، فيغوصه إلى الماء ثم يخرجه ، فتعود إليه ، فلم يزل ذلك دأبه حتى هلك .

7 - ثواب الأعمال : عن يعقوب بن سليمان قال : سمرت أنا ونفر ذات ليلة فتذاكرنا مقتل الحسين صلوات الله عليه ، فقال رجل من القوم : ما تلبس أحد بقتله إلا أصابه بلاء في أهله ونفسه وماله ، فقال شيخ من القوم : فهو والله ممن شهد قتله وأعان عليه فما أصابه إلى الآن أمر يكرهه ، فمقته القوم وتغير السراج ، وكان دهنه نفطا ، فقام إليه ليصلحه ، فأخذت النار بإصبعه ، فنفخها فأخذت بلحيته ، فخرج يبادر إلى الماء فألقى نفسه في النهر ، وجعلت النار ترفرف على رأسه ، فإذا أخرجه أحرقته حتى مات لعنه الله .

[ يقذف في جهنم كلّ ليلة ]

8 - ثواب الأعمال : عن القاسم بن الأصبغ قال : قدم علينا رجل من بني دارم ممن شهد قتل الحسين صلوات الله عليه مسود الوجه ، وكان رجلا جميلا شديد البياض ، فقلت له : ما كدت أن أعرفك لتغير لونك ؟ فقال : قتلت رجلا من أصحاب الحسين صلوات الله عليه أبيض بين عينيه أثر السجود وجئت برأسه .

ص: 513

فقال القاسم : لقد رأيته على فرس له مرحا ، وقد علق الرأس بلبانها ، وهو يصيب ركبتها ، قال : فقلت لأبي : لو أنه رفع الرأس قليلا ، أما ترى ما تصنع به الفرس بيديها ؟ فقال لي : يا بني ما يصنع به أشد ، لقد حدثني فقال : ما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني في منامي حتى يأخذ بتلبيبي فيقودني فيقول : انطلق ، فينطلق بي إلى جهنم فيقذف بي فيها حتى أصبح .

قال : فسمعت بذلك جارية له فقالت : ما يدعنا ننام شيئا من الليل من صياحه .

قال : فقمت في شباب من الحي فأتينا امرأته فسألناها ، فقالت : قد أبدى على نفسه قد صدقكم(1) .

[ حية تتخلل منخر ابن زياد ]

9 - ثواب الأعمال : عن عمار بن عمير التيمي قال : لما جيء برأس عبيد الله بن زياد لعنه الله ورؤوس أصحابه عليهم غضب الله ، قال : انتهيت إليهم والناس يقولون : قد جاءت حية تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه ثم خرجت فدخلت في المنخر الآخر .

[ تعجيل عقوبة يزيد ]

10 - ثواب الأعمال

: عن الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن آل أبي سفيان

ص: 514


1- بيان : قوله مرحا حال عن الراكب أي فرحا وفي نسخة قديمة موجأ فهو صفة للمركوب أي خصي والأصل فيه موجوء لكن قد يستعمل هكذا قال الجزري ومنه الحديث أنه ضحى بكبشين موجوءين أي خصيين ومنهم من يرويه موجئين بوزن مكرمين وهو خطأ ومنهم موجيين بغير همز على التخفيف ويكون من وجئه وجئا فهو موجي وقال الفيروزآبادي اللبان بالفتح الصدر أو وسطه أو ما بين الثديين أو صدر ذي الحافر وقوله أبدى أي أظهر وفيه تضمين معنى الطعن أي طاعنا على نفسه .

قتلوا الحسين بن علي صلوات الله عليه فنزع الله ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي فنزع الله ملكه ، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع الله ملكه .

11 - كامل الزيارات : عن عبد الرحمن الغنوي عن سليمان قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله يعزيه في ولده الحسين ويخبره بثواب الله إياه ويحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : اللهم اخذل من خذله واقتل من قتله واذبح من ذبحه ولا تمتعه بما طلب .

قال عبد الرحمن : فو الله لقد عوجل الملعون يزيد ولم يتمتع بعد قتله ، ولقد أخذ مغافصة ، بات سكران وأصبح ميتا متغيرا كأنه مطلي بقار ، أخذ على أسف ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله ، أو كان في محاربته ، إلا أصابه جنون أو جذام أو برص ، وصار ذلك وراثة في نسلهم .

[ نار تهجم على ابن زياد ]

12 - أقول : روي في بعض كتب المناقب المعتبرة : عن حاجب عبيد الله بن زياد لعنه الله قال : دخلت القصر خلف عبيد الله بن زياد لعنه الله ، فاضطرم في وجهه

نارا ، فقال هكذا بكمه على وجهه ، فقال : هل رأيت ؟ قلت : نعم ، فأمرني أن أكتم ذلك .

[ رجل يفتخر بقتل الحسين عند الحجاج ]

وعن شريك بن عمير قال : قال الحجاج يوما : من كان له بلاء فليقم فلنعطه على بلائه ، فقام رجل فقال : أعطني على بلائي ، قال : وما بلاو ؟ قال : قتلت الحسين ، قال : وكيف قتلته ؟ قال : دسرته والله بالرمح دسرا ، وهبرته بالسيف هبرا ، وما أشركت معي في قتله أحدا!! قال : أما إنك وإياه لن تجتمعا في مكان أبدا ، قال له : اخرج قال : وأحسبه لم يعطه شيئا .

ص: 515

[ الإبل والورس المسلوب من الحسين ]

وعن جميل بن مرة قال : أصابوا إبلا في عسكر الحسين عليه السلام يوم قتل فنحروها وطبخوها ، قال : فصارت مثل العلقم ، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا(1) .

13 - عن سفيان قال : حدثتني جدتي قالت : لقد رأيت الورس عاد رمادا ، ولقد رأيت اللحم كان فيه النار حين قتل الحسين عليه السلام .

وعن أبي حفصة قال : إن كان الورس من ورس الحسين عليه السلام ليقال به هكذا فيصير رمادا .

وعن زيد بن أبي الزناد قال : قتل الحسين ولي أربعة عشر سنة ، وصار الورس رمادا الذي كان في عسكرهم ، واحمرت آفاق السماء ، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران .

[ امتناع العصافير عن الأكل يوم العاشر ]

وعن المشطاح الوراق قال : سمعت الفتح بن شخرف العابد يقول : أفت الخبز للعصافير كلّ يوم ، فكانت تأكلّ ، فلما كان يوم عاشوراء فتت لها فلم تأكلّ ، فعلمت أنّها امتنعت لقتل حسين بن علي عليه السلام .

[ عقاب الرجل الذي رمى حنك الحسين بسهم ]

وعن محمد الكوفي قال : كان رجل من أبان بن دارم يقال له «زرعة» شهد قتل الحسين عليه السلام ، فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه ، فجعل يتلقى الدم ثم يقول : هكذا إلى السماء ، فيرمي به ، وذلك أن الحسين عليه السلام دعا بماء ليشرب ، فلما رماه حال بينه وبين الماء ، فقال : اللهم ظمئه ، اللهم ظمئه .

ص: 516


1- بيان : العلقم شجر مر ويقال للحنظل ولكل شيء مر علقم .

قال : فحدثني من شهده ، وهو يموت وهو يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره وبين يديه المراوح والثلج وخلفه الكانون ، وهو يقول : اسقوني أهلكني العطش ، فيوى بعس عظيم فيه السويق والماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم ، فيشربه ، ثم يعود فيقول : اسقوني أهلكني العطش ، قال : فانقد بطنه كانقداد البعير .

وذكر أعثم الكوفي هذا الحديث مختصرا قال : اسم الرامي لعنه الله عبد الرحمن الأزدي ، فقال له الحسين عليه السلام : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا .

قال القاسم بن أصبغ : لقد رأيتني عند ذلك الرجل وهو يصيح والماء يبرد له فيه السكر والأعساس فيها اللبن ، وهو يقول : ويلكم اسقوني فقد قتلني العطش ، فيعطى القلة أو العس ، فإذا نزعه من فيه يصيح ، حتى انقد بطنه ومات شر ميتة لعنه الله .

[ عقاب رجلين ممن شهد قتل الحسين ]

وعن سفيان قال : حدثتني جدتي أم أبي قالت : أدركت رجلين ممن شهد قتل الحسين ، فأما أحدهما فطال ذكره حتى كان يلفه ، وأما الآخر فكان يستقبل الراوية فيشربها حتى يأتي على آخرها .

قال سفيان : أدركت ابن أحدهما به خبل أو نحو هذا .

[ عقاب الرجل الذي أراد سلب تكة الحسين ]

وروي : أن رجلا بلا أيد ولا أرجل وهو أعمى يقول : رب نجني من النار ، فقيل له : لم تبق لك عقوبة ومع ذلك تسأل النجاة من النار ؟ قال : كنت فيمن قتل الحسين عليه السلام بكربلاء ، فلما قتل رأيت عليه سراويلا وتكة حسنة بعد ما سلبه الناس ، فأردت أن أنزع منه التكة ، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكة ، فلم أقدر على دفعها ، فقطعت يمينه ، ثم هممت أن آخذ التكة فرفع شماله ، فوضعها على تكته ، فقطعت يساره ، ثم هممت بنزع التكة من السراويل ، فسمعت زلزلة فخفت وتركته ،

ص: 517

فألقى الله علي النوم فنمت بين القتلى ، فرأيت كان محمدا صلى الله عليه و آله أقبل ومعه علي وفاطمة ، فأخذوا رأس الحسين ، فقبلته فاطمة ثم قالت : يا ولدي قتلوك قتلهم الله ، من فعل هذا بك ؟ فكان يقول : قتلني شمر ، وقطع يداي هذا النائم ، وأشار إليّ ، فقالت فاطمة لي : قطع الله يديك ورجليك وأعمى بصرك وأدخلك النار ، فانتبهت وأنا لا أبصر شيئا وسقطت مني يداي ورجلاي ، ولم يبق من دعائها إلا النار .

[ عمر بن سعد مسخ قردا ]

أقول : روى السائل عن السيد المرتضى رضى الله عنه عن خبر روى النعماني في كتاب التسلي عن الصادق عليه السلام أنه قال : إذا احتضر الكافر حضره رسول الله صلى الله عليه و آله وعلي صلوات الله عليه وجبرئيل وملك الموت ، فيدنو إليه علي عليه السلام فيقول : يا رسول الله إن هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ، فيقول رسول الله صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه ، فيقول جبرئيل لملك الموت : إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيته فأبغضه وأعنف به ، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك ، أخذت أمان براءتك ، تمسكت بالعصمة الكبرى في دار الحياة الدنيا ؟ فيقول : وما هي ؟ فيقول : ولاية علي بن أبي طالب ، فيقول : ما أعرفها ولا أعتقد بها ، فيقول له جبرئيل : يا عدو الله وما كنت تعتقد ؟ فيقول له جبرئيل : أبشر يا عدو الله بسخط الله وعذابه في النار ، أما ما كنت ترجو فقد فاتك ، وأما الذي كنت تخاف فقد نزل بك .

ثم يسل نفسه سلا عنيفا ، ثم يوكلّ بروحه مائة شيطان كلّهم يبصق في وجهه ، ويتأذى بريحه ، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار يدخل إليه من فوح ريحها ولهبها ، ثم إنه يوى بروحه إلى جبال برهوت ، ثم إنه يصير في المركبات بعد أن يجري في كلّ سنخ مسخوط عليه حتى يقوم قائمنا أهل البيت ، فيبعثه الله فيضرب عنقه ، وذلك قوله « رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ » .

ص: 518

والله لقد أتي بعمر بن سعد بعد ما قتل ، وإنه لفي صورة قرد في عنقه سلسلة ، فجعل يعرف أهل الدار وهم لا يعرفونه ، والله لا يذهب الأيام حتى يمسخ عدونا مسخا ظاهرا ، حتى أن الرجل منهم ليمسخ في حياته قردا ، أو خنزيرا ، ومن ورائهم عَذابٌ غَلِيظٌ ومِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً(1) .

[ قصة الشيخ الذي ينتظر القائم ]

14 - الأمالي للطوسي : عن معاوية بن وهب قال : كنت جالسا عند جعفر بن

محمد عليه السلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر ، فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال له أبو عبد الله : وعليك السلام ورحمة الله ، يا شيخ ادن مني ، فدنا منه وقبل يده وبكى ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : وما يبكيك يا شيخ ؟ قال له : يا ابن رسول الله أنا مقيم على رجاء منكم منذ نحو من مائة سنة ، أقول : هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم ، ولا أراه فيكم ، فتلومني أن أبكي ؟!

قال : فبكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال : يا شيخ إن أخرت منيتك كنت معنا ، وإن عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال الشيخ : ما أبالي ما فاتني بعد هذا يا ابن رسول الله ، فقال له أبو عبد الله : يا شيخ إن رسول الله قال : إني تارك

فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله المنزل ، وعترتي أهل بيتي ، تجيء وأنت معنا يوم القيامة .

ثم قال : يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة ، قال : لا ، قال : فمن أين ؟ قال : من سوادها جعلت فداك ، قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين ؟ قال : إني لقريب منه ، قال : كيف إتيانك له ؟ قال : إني لآتيه وأكثر ، قال : يا شيخ ذاك دم يطلب

ص: 519


1- بيان : هذا خبر غريب ولم ينكره السيد في الجواب وأجاب بما حاصله أنا ننكر تعلق الروح بجسد آخر ولا ننكر تغير جسمه إلى صورة أخرى. وأقول يمكن حمله على التغيير في الجسد المثالي أو أجزاء جسده الأصلي إلى الصور القبيحة وقد مر بعض القول في ذلك .

الله - تعالى - به ما أصيب ولد فاطمة ، ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل عليه السلام

في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله ، فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين ، إنه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه الحسين ويده على رأسه يقطر دما ، فيقول : يا رب سل أمتي فيم قتلوا ابني .

وقال عليه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين .

[ عقاب قاتل الحسين ]

أقول : روي في بعض موفات أصحابنا عن بعض الصحابة : قال : رأيت النبي صلى الله عليه و آله يمص لعاب الحسين كما يمص الرجل السكرة وهو يقول : حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، وأبغض الله من أبغض حسينا ، حسين سبط من الأسباط ، لعن الله قاتله ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمد إن الله قتل بيحيى بن زكريا سبعين ألفا من المنافقين ، وسيقتل بابن ابنتك الحسين سبعين ألفا وسبعين ألفا من المعتدين ، وإن قاتل الحسين في تابوت من نار ، ويكون عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، وهو منكس على أم رأسه في قعر جهنم ، وله ريح يتعوذ أهل النار من شدة نتنها ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم ،

لا يفتر عنه ويسقى من حميم جهنم .

وروي أيضا : أن ملكا من ملائكة الصفيح الأعلى اشتاق لروة النبي صلى الله عليه و آلهواستأذن ربّه بالنزول إلى الأرض لزيارته ، وكان ذلك الملك لم ينزل إلى الأرض أبدا منذ خلقت ، فلما أراد النزول أوحى الله - تعالى - إليه يقول : أيها الملك أخبر محمدا أن رجلا من أمته اسمه يزيد يقتل فرخه الطاهر بن الطاهرة نظيرة البتول مريم بنت عمران ، فقال الملك : لقد نزلت إلى الأرض وأنا مسرور بروة نبيك محمد ، فكيف أخبره بهذا الخبر الفضيح ، وإنني لأستحيي منه أن أفجعه بقتل ولده ، فليتني لم أنزل إلى الأرض ، فنودي الملك من فوق رأسه أن افعل ما أمرت به .

ص: 520

فدخل الملك إلى رسول الله ونشر أجنحته بين يديه وقال : يا رسول الله اعلم أني استأذنت ربي في النزول إلى الأرض شوقا لروتك وزيارتك ، فليت ربي كان حطم أجنحتي ولم آتك بهذا الخبر ، ولكن لا بد من إنفاذ أمر ربي عز وجل ، اعلم يا محمد أن رجلا من أمتك اسمه يزيد زاده الله لعنا في الدنيا وعذابا في الآخرة يقتل فرخك الطاهر بن الطاهرة ، ولم يتمتع قاتله في الدنيا من بعده إلا قليلا ويأخذه الله مقاصا له على سوء عمله ، ويكون مخلدا في النار ، فبكى النبي بكاء شديدا وقال : أيها الملك هل تفلح أمة بقتل ولدي وفرخ ابنتي ؟ فقال : لا يا محمد ، بل يرميهم الله باختلاف قلوبهم وألسنتهم في دار الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب أليم .

[ كعب الأحب-ار يخب-ر بم-ا يج--ري ف-ي

كربلاء وما يترتب على ذلك من العقاب ]

وعن كعب الأحبار حين أسلم في أيام خلافة عمر بن الخطاب ، وجعل الناس يسألونه عن الملاحم التي تظهر في آخر الزمان ، فصار كعب يخبرهم بأنواع الأخبار والملاحم والفتن التي تظهر في العالم ثم قال :

وأعظمها فتنة وأشدها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين مصيبة الحسين عليه السلام ، وهي الفساد الذي ذكره الله - تعالى - في كتابه المجيد حيث قال « ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » ، وإنما فتح الفساد بقتل هابيل بن آدم وختم بقتل الحسين عليه السلام ، أو لا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السماوات ، ويون السماء بالبكاء ، فتبكي دما ، فإذا رأيتم الحمرة في السماء قد ارتفعت فاعلموا أن السماء تبكي حسينا .

فقيل : يا كعب ، لم لا تفعل السماء كذلك ولا تبكي دما لقتل الأنبياء ممن كان أفضل من الحسين ؟

ص: 521

فقال : ويحكم إن قتل الحسين أمر عظيم ، وإنه ابن سيد المرسلين ، وإنه يقتل علانية مبارزة ظلما وعدوانا ، ولا تحفظ فيه وصية جده رسول الله ، وهو مزاج مائه وبضعة من لحمه ، يذبح بعرصة كربلاء ، فو الذي نفس كعب بيده لتبكينه زمرة من الملائكة في السماوات السبع ، لا يقطعون بكاءهم عليه إلى آخر الدهر ، وإن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع ، وما من نبي إلا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه ، ولكربلاء في كلّ يوم زيارة من الملائكة والجن والإنس ، فإذا كانت ليلة الجمعة ينزل إليها تسعون ألف ملك يبكون على الحسين ويذكرون فضله ، وإنه يسمى في السماء حسينا المذبوح ، وفي الأرض أبا عبد الله المقتول ، وفي البحار الفرخ الأزهر المظلوم ، وإنه يوم قتله تنكسف الشمس بالنهار ومن الليل ينخسف القمر ، وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة أيام ، وتمطر السماء دما ، وتدكدك الجبال ، وتغطمط البحار ، ولولا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثأره لصب الله عليهم نارا من السماء أحرقت الأرض ومن عليها .

ثم قال كعب : يا قوم كأنكم تتعجبون بما أحدثكم فيه من أمر الحسين عليه السلام ، وإن الله - تعالى - لم يترك شيئا كان أو يكون من أول الدهر إلى آخره إلا وقد فسره لموسى عليه السلام ، وما من نسمة خلقت إلا وقد رفعت إلى آدم في عالم الذر وعرضت عليه ، ولقد عرضت عليه هذه الأمة ونظر إليها وإلى اختلافها وتكالبها على هذه الدنيا الدنية ، فقال آدم : يا رب ما لهذه الأمة الزكية وبلاء الدنيا وهم أفضل الأمم ؟ فقال له : يا آدم إنهم اختلفوا فاختلفت قلوبهم وسيظهرون الفساد في الأرض كفساد قابيل حين قتل هابيل ، وإنهم يقتلون فرخ حبيبي محمد المصطفى .

ثم مثل لآدم عليه السلام مقتل الحسين ومصرعه ووثوب أمة جده عليه ، فنظر إليهم فرآهم مسودة وجوههم ، فقال : يا رب ابسط عليهم الانتقام كما قتلوا فرخ نبيك الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام .

ص: 522

[ قصة الجمال الذي أراد سلب تكة الحسين ]

وروي في الكتاب المذكور : عن سعيد بن المسيب قال : لما استشهد سيدي ومولاي الحسين عليه السلام ، وحج الناس من قابل ، دخلت على علي بن الحسين فقلت له : يا مولاي قد قرب الحج فما ذا تأمرني ؟ فقال : امض على نيتك وحج ، فحججت فبينما أطوف بالكعبة وإذا أنا برجل مقطوع اليدين ووجهه كقطع الليل المظلم ، وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم ربّ هذا البيت الحرام اغفر لي وما أحسبك تفعل ولو تشفع في سكان سماواتك وأرضك وجميع ما خلقت لعظم جرمي .

قال سعيد بن المسيب : فشغلت وشغل الناس عن الطواف حتى حفّ به الناس ، واجتمعنا عليه ، فقلنا : يا ويلك لو كنت إبليس ما كان ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله ، فمن أنت ؟ وما ذنبك ؟ فبكى وقال : يا قوم أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت ، فقلنا له : تذكره لنا .

فقال : أنا كنت جمالا لأبي عبد الله عليه السلام لما خرج من المدينة إلى العراق ، وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي ، فأرى تكة تغشى الأبصار بحسن إشراقها ، وكنت أتمناها تكون لي ، إلى أن صرنا بكربلاء وقتل الحسين ، وهي معه ، فدفنت نفسي في مكان من الأرض ، فلما جن الليل خرجت من مكاني ، فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة ونهارا لا ليلا ، والقتلى مطرحين على وجه الأرض ، فذكرت لخبثي وشقائي التكة ، فقلت : والله لأطلبن الحسين وأرجو أن تكون التكة في سراويله فآخذها ، ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى أتيت إلى الحسين عليه السلام ، فوجدته مكبوبا على وجهه ، وهو جثة بلا رأس ، ونوره مشرق مرمل بدمائه ، والرياح سافية عليه ، فقلت : هذا والله الحسين ، فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها ، فدنوت منه وضربت بيدي إلى التكة لآخذها ، فإذا هو قد عقدها عقدا كثيرة ، فلم أزل أحلها حتى حللت عقدة منها ، فمد يده اليمنى وقبض على التكة ، فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصل إليها ، فدعتني النفس الملعونة إلى أن أطلب شيئا أقطع

ص: 523

به يديه ، فوجدت قطعة سيف مطروح ، فأخذتها واتكيت على يده ، ولم أزل أحزها حتى فصلتها عن زنده ، ثم نحيتها عن التكة ، ومددت يدي إلى التكة لأحلها فمد يده اليسرى فقبض عليها ، فلم أقدر على أخذها ، فأخذت قطعة السيف فلم أزل أحزها حتى فصلتها عن التكة ، ومددت يدي إلى التكة لآخذها ، فإذا الأرض ترجف والسماء تهتز ، وإذا بغلبة عظيمة وبكاء ونداء وقائل يقول : وا ابناه وا مقتولاه وا ذبيحاه وا حسيناه وا غريباه ، يا بني قتلوك وما عرفوك ، ومن شرب الماء منعوك .

فلما رأيت ذلك صعقت ورميت نفسي بين القتلى ، وإذا بثلاث نفر وامرأة وحولهم خلائق وقوف ، وقد امتلأت الأرض بصور الناس وأجنحة الملائكة ، وإذا بواحد منهم يقول : يا ابناه يا حسين ، فداك جدك وأبوك وأخوك وأمك ، وإذا بالحسين عليه السلام قد جلس ورأسه على بدنه وهو يقول : لبيك يا جداه يا رسول الله ، ويا أبتاه يا أمير المونين ، ويا أماه يا فاطمة الزهراء ، ويا أخاه المقتول بالسم عليكم مني السلام ، ثم إنه بكى وقال : يا جداه قتلوا والله رجالنا ، يا جداه سلبوا والله نساءنا ، يا جداه نهبوا والله رحالنا ، يا جداه ذبحوا والله أطفالنا ، يا جداه يعز والله عليك أن ترى حالنا

وما فعل الكفار بنا .

وإذا هم جلسوا يبكون حوله على ما أصابه ، وفاطمة تقول : يا أباه يا رسول الله أما ترى ما فعلت أمتك بولدي ؟ أ تأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي ، وألقى الله عز وجل وأنا مختضبة بدم ولدي الحسين ؟ فقال لها : خذي ونأخذ يا فاطمة .

فرأيتهم يأخذون من دم شيبه وتمسح به فاطمة ناصيتها والنبي وعلي والحسن عليهم السلام يمسحون به نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق ، وسمعت رسول الله يقول : فديتك يا حسين ، يعز والله علي أن أراك مقطوع الرأس مرمل الجبينين دامي النحر مكبوبا على قفاك ، قد كساك الذارئ من الرمول ، وأنت طريح مقتول مقطوع الكفين ، يا بني من قطع يدك اليمنى وثنى باليسرى ؟

ص: 524

فقال : يا جداه كان معي جمال من المدينة ، وكان يراني إذا وضعت سراويلي للوضوء فيتمنى أن يكون تكتي له ، فما منعني أن أدفعها إليه إلا لعلمي أنه صاحب هذا الفعل ، فلما قتلت خرج يطلبني بين القتلى ، فوجدني جثة بلا رأس ، فتفقد سراويلي فرأى التكة ، وقد كنت عقدتها عقدا كثيرة ، فضرب بيده إلى التكة فحل عقدة منها ، فمددت يدي اليمنى فقبضت على التكة ، فطلب في المعركة فوجد قطعة سيف مكسور فقطع به يميني ، ثم حل عقدة أخرى ، فقبضت على التكة بيدي اليسرى كي لا يحلها فتنكشف عورتي ، فحز يدي اليسرى ، فلما أراد حل التكة حس بك فرمى نفسه بين القتلى .

فلما سمع النبي كلام الحسين بكى بكاء شديدا وأتى إلي بين القتلى إلى أن وقف نحوي فقال : ما لي وما لك يا جمال ، تقطع يدين طال ما قبلهما جبرئيل وملائكة الله أجمعون وتباركت بها أهل السماوات والأرضين ؟ أما كفاك ما صنع به الملاعين من الذل والهوان ، هتكوا نساءه من بعد الخدور وانسدال الستور ، سود الله وجهك يا جمال في الدنيا والآخرة وقطع الله يديك ورجليك وجعلك في حزب من سفك دماءنا وتجرأ على الله .

فما استتم دعاءه حتى شلت يداي ، وحسست بوجهي كأنه ألبس قطعا من الليل مظلما ، وبقيت على هذه الحالة ، فجئت إلى هذا البيت أستشفع وأنا أعلم أنه لا يغفر لي أبدا ، فلم يبق في مكة أحد إلا وسمع حديثه وتقرب إلى الله بلعنته ، وكلّ يقول : حسبك ما جنيت يا لعين وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

[ قصة الحداد الذي خرج مع عسكر بن زياد ]

وقال حكي عن رجل كوفي حداد قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي جمعت حديدا عندي وأخذت آلتي وسرت معهم ، فلما وصلوا وطنبوا خيمهم بنيت خيمة ، وصرت أعمل أوتادا للخيم ، وسككا ، ومرابط للخيل ،

ص: 525

وأسنة للرماح ، وما اعوج من سنان أو خنجر أو سيف كنت بكل ذلك بصيرا ، فصار رزقي كثيرا وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين مع عسكره ، فارتحلنا إلى كربلاء وخيمنا على شاطئ العلقمي ، وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه وقتلوه وأنصاره وبنيه ، وكان مدة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشر يوما ، فرجعت غنيا إلى منزلي والسبايا

معنا ، فعرضت على عبيد الله ، فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشام .

فلبثت في منزلي أياما قلائل ، وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي ، فرأيت طيفا كأن القيامة قامت والناس يموجون على الأرض كالجراد إذا فقدت دليلها ، وكلّهم دالع لسانه على صدره من شدة الظماء ، وأنا أعتقد بأن ما فيهم أعظم مني عطشا لأنه كلّ سمعي وبصري من شدته ، هذا غير حرارة الشمس يغلي منها دماغي ، والأرض تغلي كأنها القير إذا أشعل تحته نار ، فخلت أن رجلي قد تقلعت قدماها ، فو الله العظيم لو إني خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه لرأيت شربه خيرا من عطشي .

فبينا أنا في العذاب الأليم والبلاء العميم إذا أنا برجل قد عم الموقف نوره ، وابتهج

الكون بسروره راكب على فرس ، وهو ذو شيبة قد حفت به ألوف من كلّ نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح ، فمر كأنه ريح أو سيران فلك .

فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أغر ، له وجه كتمام القمر ، تحت ركابه ألوف ، إن أمر ائتمروا ، وإن زجر انزجروا ، فاقشعرت الأجسام من لفتاته ، وارتعدت الفرائص من خطراته ، فتأسفت على الأول ما سألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به قد قام في ركابه ، وأشار إلى أصحابه ، وسمعت قوله خذوه ، وإذا بأحدهم قاهر بعضدي كلبة حديد خارجة من النار ، فمضى بي إليه ، فخلت كتفي اليمنى قد انقلعت ، فسألته الخفة ، فزادني ثقلا ، فقلت له : سألتك بمن أمرك عليّ من تكون ؟ قال : ملك من ملائكة الجبار ، قلت : ومن هذا ؟ قال : علي الكرار ، قلت : والذي قبله ؟ قال : محمد

المختار ، قلت : والذي حوله ؟ قال : النبيون والصديقون والشهداء والصالحون

ص: 526

والمونون ، قلت : أنا ما فعلت حتى أمرك علي ؟ قال : إليه يرجع الأمر وحالك حال هواء ، فحققت النظر ، وإذا بعمر بن سعد أمير العسكر ، وقوم لم أعرفهم ، وإذا بعنقه سلسلة من حديد والنار خارجة من عينيه وأذنيه ، فأيقنت بالهلاك ، وباقي القوم منهم مغلل ، ومنهم مقيد ، ومنهم مقهور بعضده مثلي .

فبينا نحن نسير وإذا برسول الله صلى الله عليه و آلهالذي وصفه الملك جالس على كرسي عال يزهو ، أظنه من اللوو، ورجلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه ، فسألت الملك عنهما ، فقال : نوح وإبراهيم ، وإذا برسول الله صلى الله عليه و آله يقول : ما صنعت يا علي ؟ قال : ما تركت

أحدا من قاتلي الحسين إلا وأتيت به ، فحمدت الله - تعالى - على أني لم أكن منهم ، ورد إلي عقلي ، وإذا برسول الله صلى الله عليه و آلهيقول : قدموهم ، فقدموهم إليه ، وجعل يسألهم ويبكي ، ويبكي كلّ من في الموقف لبكائه؛ لأنه يقول للرجل : ما صنعت بطف كربلاء بولدي الحسين ، فيجيب : يا رسول الله أنا حميت الماء عنه ، وهذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا وطئت صدره بفرسي ، ومنهم من يقول : أنا ضربت ولده العليل .

فصاح رسول الله صلى الله عليه و آله : وا ولداه وا قلة ناصراه وا حسيناه وا علياه ، هكذا جرى عليكم بعدي أهل بيتي ، انظر يا أبي آدم ، انظر يا أخي نوح ، كيف خلفوني في ذريتي ؟ فبكوا حتى ارتج المحشر ، فأمر بهم زبانية جهنم يجرونهم أولا فأولا إلى النار .

وإذا بهم قد أتوا برجل ، فسأله ، فقال : ما صنعت شيئا ، فقال : أما كنت نجارا ، قال : صدقت يا سيدي ، لكني ما عملت شيئا إلا عمود الخيمة لحصين بن نمير؛ لأنه انكسر من ريح عاصف فوصلته ، فبكى وقال : كثرت السواد على ولدي ، خذوه إلى النار ، وصاحوا : لا حكم إلا لله ولرسوله ووصيه .

قال الحداد : فأيقنت بالهلاك ، فأمر بي فقدموني ، فاستخبرني فأخبرته ، فأمر بي إلى النار ، فما سحبوني إلا وانتهبت ، وحكيت لكل من لقيته ، وقد يبس لسانه ومات نصفه ، وتبرأ منه كلّ من يحبه ، ومات فقيرا لا رحمه الله « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .

ص: 527

[ عقاب الأخنس بن زيد ]

قال : وحكي عن السدي قال : أضافني رجل في ليلة كنت أحب الجليس ، فرحبت به وقربته وأكرمته ، وجلسنا نتسامر ، وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض ، فطرقت له ، فانتهى في سمره طف كربلاء ، وكان قريب العهد من قتل الحسين عليه السلام ، فتأوهت الصعداء وتزفرت كملا ، فقال : ما بالك ؟ قلت : ذكرت مصابا يهون عنده كلّ مصاب ، قال : أما كنت حاضرا يوم الطف ؟ قلت : لا والحمد لله ، قال : أراك تحمد ، على أي شيء ؟ قلت : على الخلاص من دم الحسين عليه السلام ؛ لأن جده صلى الله عليه و آلهقال : إن من طولب بدم ولدي الحسين

يوم القيامة لخفيف الميزان .

قال : قال هكذا جده ؟ قلت : نعم ، وقال صلى الله عليه و آله : ولدي الحسين يقتل ظلما وعدوانا ، ألا ومن قتله يدخله في تابوت من نار ، ويعذب بعذاب نصف أهل النار ، وقد غلت يداه ورجلاه ، وله رائحة يتعوذ أهل النار منها ، هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدلوا بجلود غيرها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ساعة ، ويسقون من حميم جهنم ، فالويل لهم من عذاب جهنم .

قال : لا تصدق هذا الكلام يا أخي ، قلت : كيف هذا وقد قال صلى الله عليه و آله : لا كذبت ولا كذبت ؟ قال : ترى قالوا : قال رسول الله : قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره ؟ وها أنا وحقك قد تجاوزت التسعين مع أنك ما تعرفني ، قلت : لا والله ، قال : أنا الأخنس بن زيد ، قلت : وما صنعت يوم الطف ؟ قال : أنا الذي أمرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطي جسم الحسين بسنابك الخيل ، وهشمت أضلاعه ، وجررت نطعا من تحت علي بن الحسين وهو عليل حتى كببته على وجهه ، وخرمت أذني صفية بنت الحسين لقرطين كانا في أذنيها .

ص: 528

قال السدي : فبكى قلبي هجوعا وعيناي دموعا وخرجت أعالج على إهلاكه ، وإذا بالسراج قد ضعفت ، فقمت أزهرها ، فقال : اجلس ، وهو يحكي متعجبا من نفسه وسلامته ، ومد إصبعه ليزهرها فاشتعلت به ، ففركها في التراب فلم تنطف ، فصاح بي أدركني يا أخي ، فكببت الشربة عليها وأنا غير محب لذلك ، فلما شمت النار رائحة الماء ازدادت قوة ، وصاح بي ما هذه النار وما يطفئها ؟ قلت : ألق نفسك في النهر .

فرمى بنفسه ، فكلما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح ، هذا ، وأنا أنظره ، فو الله الذي لا إله إلا هو لم تطفأ حتى

صار فحما ، وسار على وجه الماء أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

[ عقاب قاتل الحسين ]

أقول : وفي الفردوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله قال : قال لي جبرئيل : قال الله عز وجل قتلت بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإني أقتل بدم ابنك الحسين بن علي سبعين ألفا وسبعين ألفا .

وعن علي عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله قال : قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا .

[ الجمل والزعفران المسلوب من الحسين ]

16 - الأمالي للطوسي : عن ناصح عن قريبة - جارية لهم - قالت : كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السلام ثم جاء بجمل وزعفران ، فلما دقوا الزعفران صار نارا ، فجعلت المرأة تأخذ منه الشيء فتلطخه على يدها فيصير منه برص ،

ص: 529

ونحروا البعير ، فلما جزوا بالسكين صار مكانها نارا ، فجعلوا يسلخونه فيصير مكانه نارا ، فقطعوه فخرج منه النار ، فطبخوه ، فكلما أوقدوا النار فارت القدر نارا ، فجعلوه في الجفنة فصار نارا .

قالت : وكنت صبية يومئذ فأخذت عظما منه فطينت عليه فوجدته بعد زمان ، فلما حززناه بالسكين صار مكانه نارا ، فعرفنا أنه ذلك العظم فدفناه .

[ عقاب من خرج على الحسين ]

17 - الأمالي للطوسي : عن بزيع قال : كنا نمر ونحن غلمان زمن خالد على

رجل في الطريق جالس أبيض الجسد أسود الوجه ، وكان الناس يقولون : خرج على الحسين عليه السلام .

ص: 530

باب 47 :أحوال عشائره وأهل زمانه صلوات الله عليه وما جرى بينهم وبين يزيد من الاحتجاج

اشارة

أحوال عشائره وأهل زمانه صلوات الله عليه وما جرى بينهم وبين يزيد من الاحتجاج(1)

[ مكاتبة بين يزيد وابن عباس ]

1 - روي في بعض كتب المناقب القديمة: عن شقيق بن سلمة قال: لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام أتى عبد الله بن الزبير فدعا ابن عباس إلى بيعته ، فامتنع ابن عباس، وظن يزيد بن معاوية عليه اللعنة أن امتناع ابن عباس تمسكا منه ببيعته، فكتب إليه : أما بعد؛ فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته والدخول في طاعته لتكون له على

الباطل ظهيرا وفي المأثم شريكا ، وإنك اعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا وطاعة لله لما عرفك من حقنا ، فجزاك الله عن ذي رحم خير ما يجزي الواصلين بأرحامهم الموفين بعهودهم ، فما أنسى من الأشياء فلست بناس برك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل من القرابة من الرسول ، فانظر من طلع عليك من الآفاق ممن سحرهم ابن الزبير بلسانه وزخرف قوله فأعلمهم برأيك ، فإنهم منك أسمع ولك أطوع للمحل للحرم المارق .

ص: 531


1- وقد مضى أكثرها في الأبواب السابقة وسيأتي بعضها .

فكتب إليه ابن عباس : أما بعد؛ فقد جاءني كتابك تذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى بيعته والدخول في طاعته ، فإن يكن ذلك كذلك ، فإني والله ما أرجو بذلك برك ولا حمدك ، ولكن الله بالذي أنوي به عليم ، وزعمت أنك غير ناس بري وتعجيل صلتي ، فاحبس أيها الإنسان برك وتعجيل صلتك ، فإني حابس عنك ودي ، فلعمري ما توينا مما لنا قبلك من حقنا إلا اليسير ، وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل ، وسألت أن أحث الناس إليك ، وأن أخذلهم من ابن الزبير ، فلا ولاء ولا سرورا ولا حباء ، إنّك تسألني نصرتك ، وتحثني على ودك ، وقد قتلت حسينا وفتيان عبد المطلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام ، غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد ، مرملين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، لا مكفنين ولا موسدين ، تسفي عليهم الرياح ، وتنتابهم عرج الضباع ، حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم ، كفنوهم وأجنوهم ، وجلست مجلسك الذي جلست .

فما أنسى من الأشياء فلست بناس اطرادك حسينا من حرم رسول الله إلى حرم الله ، وتسييرك إليه الرجال لتقتله الحرم ، فما زلت في بذلك وعلى ذلك ، حتى أشخصته من مكة إلى العراق ، فخرج خائفا يترقب ، فزلزلت به خيلك عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أولئك لا كآبائك الجلاف الجفاة أكباد الإبل والحمير ، فطلب إليكم الموادعة ، وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلة أنصاره واستئصال أهل بيته ، تعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك ، فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثأري ، فإن شاء الله لا يبطل لديك دمي ، ولا تسبقني بثأري ، وإن سبقتني في الدنيا فقبل ذلك ما قتل النبيون وآل النبيين فيطلب الله بدمائهم ، فكفى بالله للمظلومين ناصرا ومن الظالمين منتقما ، فلا يعجبك إن ظفرت بنا اليوم فلنظفرن بك يوما .

ص: 532

وذكرت وفائي وما عرفتني من حقك ، فإن يكن ذلك كذلك ، فقد والله بايعتك ومن قبلك ، وإنك لتعلم أني وولد أبي أحق بهذا الأمر منك ، ولكنكم معشر قريش كابرتمونا حتى دفعتمونا عن حقنا ووليتم الأمر دوننا ، فبعدا لمن تحرى ظلمنا واستغوى السفهاء علينا كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ وقوم لوط وأصحاب مدين .

ألا وإن من أعجب الأعاجيب ، وما عسى أن أعجب ، حملك بنات عبد المطلب وأطفالا صغارا من ولده إليك بالشام كالسبي المجلوبين ، ترى الناس أنك قهرتنا ، وأنت تمن علينا ، وبنا من الله عليك ، ولعمر الله ، فلئن كنت تصبح آمنا من جراحة يدي إني لأرجو أن يعظم الله جرحك من لساني ونقضي وإبرامي ، والله ما أنا بآيس من بعد قتلك ولد رسول الله صلى الله عليه و آله أن يأخذك أخذا أليما ، ويخرجك من الدنيا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ، فعش لا أبا لك ما استطعت ، فقد والله ازددت عند الله أضعافا ، واقترفت مأثما وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى .

ذكر كتاب يزيد لعنه الله إلى محمد بن الحنفية

ومصيره إليه وأخذ جائزته

كتب يزيد لعنه الله إلى محمد بن علي بن الحنفية ، وهو يومئذ بالمدينة :

أما بعد؛ فإني أسأل الله لنا ولك عملا صالحا يرضى به عنا ، فإني ما أعرف اليوم في بني هاشم رجلا هو أرجح منك حلما وعلما ، ولا أحضر فهما وحكما ، ولا أبعد من كلّ سفه ودنس وطيش ، وليس من يتخلّق بالخير تخلقا ، وينتحل الفضل تنحلا كمن جبله الله على الخير جبلا ، وقد عرفنا ذلك منك قديما وحديثا ، شاهدا وغائبا ، غير أني قد أحببت زيارتك والأخذ بالحظ من روتك ، فإذا نظرت في كتابي هذا فأقبل إلي آمنا مطمئنا ، أرشدك الله أمرك وغفر لك ذنبك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

ص: 533

قال : فلما ورد الكتاب على محمد بن علي وقرأه أقبل على ابنيه جعفر وعبد الله أبي هاشم فاستشارهما في ذلك ، فقال له ابنه عبد الله : يا أبة اتق الله في نفسك ولا

تصر إليه ، فإني خائف أن يلحقك بأخيك الحسين ولا يبالي ، فقال محمد : يا بني ، ولكني لا أخاف ذلك منه ، فقال له ابنه جعفر : يا أبة إنه قد ألطفك في كتابه إليك ، ولا

أظنه يكتب إلى أحد من قريش بأن أرشدك الله أمرك وغفر لك ذنبك ، وأنا أرجو أن يكفّ الله شرّه عنك ، قال : فقال محمد بن علي : يا بني إني توكلت على الله الذي يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ وَكَفى بِاللّهِ وَكِيلاً .

قال : ثم تجهز محمد بن علي وخرج من المدينة ، وسار حتى قدم على يزيد بن معاوية بالشام ، فلما استأذن أذن له وقربه وأدناه وأجلسه معه على سريره ، ثم أقبل عليه بوجهه ، فقال : يا أبا القاسم آجرنا الله وإياك في أبي عبد الله الحسين بن علي ، فو الله لئن كان نقصك فقد نقصني ، ولئن كان أوجعك فقد أوجعني ، ولو كنت أنا المتولي لحربه لما قتلته ، ولدفعت عنه القتل ولو بحز أصابعي وذهاب بصري ، ولفديته بجميع ما ملكت يدي ، وإن كان قد ظلمني وقطع رحمي ونازعني حقي ، ولكن عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك فعجل عليه بالقتل فقتله ، ولم يستدرك ما فات ، وبعد؛ فإنه ليس يجب علينا أن نرضى بالدنية في حقنا ، ولم يكن يجب على أخيك أن ينازعنا في أمر خصنا الله به دون غيرنا ، وعزيز عليّ ما ناله والسلام . فهات الآن ما عندك يا أبا القاسم .

قال : فتكلم محمد بن علي ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

إني قد سمعت كلامك ، فوصل الله رحمك ورحم حسينا ، وبارك له فيما صار إليه من ثواب ربّه والخلد الدائم الطويل في جوار الملك الجليل ، وقد علمنا أن ما نقصنا فقد نقصك ، وما عراك فقد عرانا من فرح وترح ، وكذا أظن أن لو شهدت ذلك بنفسك لاخترت أفضل الرأي والعمل ، ولجانبت أسوأ الفعل والخطل .

ص: 534

والآن ، فإن حاجتي إليك أن لا تسمعني فيه ما أكره ، فإنه أخي وشقيقيابن أبي ، وإن زعمت أنه قد كان ظلمك ، وكان عدوا لك كما تقول .

قال : فقال له يزيد : إنك لن تسمع مني إلا خيرا ، ولكن هلم فبايعني واذكر ما عليك من الدين حتى أقضيه عنك ، فقال له محمد بن علي رضى الله عنه : أما البيعة فقد بايعتك ، وأما ما ذكرت من أمر الدين فما علي دين ، والحمد لله ، وإني من الله تبارك وتعالى في كلّ نعمة سابغة لا أقوم بشكرها .

قال : فالتفت يزيد لعنه الله إلى ابنه خالد فقال : يا بني إن ابن عمك هذا بعيد من الخب واللو والدنس والكذب ، ولو كان غيره كبعض من عرفت لقال علي من الدين كذا وكذا ليستغنم أخذ أموالنا .

ثم أقبل عليه يزيد فقال : بايعتني يا أبا القاسم ؟ فقال : نعم يا أمير المونين قال : فإني قد أمرت لك بثلاثمائة ألف درهم فابعث من يقبضها ، فإذا أردت الانصراف عنا وصلناك إن شاء الله ، فقال له محمد بن علي : لا حاجة لي في هذا المال ولا له جئت ، قال يزيد : فلا عليك أن تقبضه وتفرقه فيمن أحببت من أهل بيتك ، قال : فإني قد قبلت يا أمير المونين ، فأنزله في بعض منازله ، وكان محمد بن علي يدخل عليه في كلّ يوم صباحا ومساء .

قال : وإذا وفد أهل المدينة قد قدموا على يزيد ، وفيهم منذر بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو بن حفص بن مغيرة المخزومي ، وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري ، فأقاموا عند يزيد لعنه الله أياما ، فأجازهم يزيد لكل رجل منهم بخمسين ألف درهم ، وأجاز المنذر بن الزبير بمائة ألف درهم .

فلما أرادوا الانصراف إلى المدينة أقبل محمد بن علي حتى دخل على يزيد فاستأذنه في الانصراف معهم إلى المدينة ، فأذن له في ذلك ووصله بمائتي ألف درهم ، وأعطاه عروضا بمائة ألف درهم .

ص: 535

ثم قال : يا أبا القاسم إني لا أعلم في أهل بيتك اليوم رجلا هو أعلم منك بالحلال والحرام ، وقد كنت أحب أن لا تفارقني وتأمرني بما فيه حظي ورشدي ، فو الله ما أحب أن تنصرف عني وأنت ذام لشيء من أخلاقي ، فقال له محمد بن علي رضى الله عنه : أما ما كان منك إلى الحسين بن علي فذاك شيء لا يستدرك ، وأما الآن فإني ما رأيت منك مذ قدمت عليك إلا خيرا ، ولو رأيت منك خصلة أكرهها لما وسعني السكوت دون أن أنهاك عنها ، وأخبرك بما يحق لله عليك منها ، للذي أخذ الله تبارك وتعالى على العلماء في علمهم أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، ولست مويا عنك إلى من ورائي من الناس إلا خيرا ، غير أني أنهاك عن شرب هذا المسكر فإنه رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ، وليس من ولي أمور الأمة ودعي له بالخلافة على رؤوس الأشهاد على المنابر كغيره من الناس ، فاتق الله في نفسك ، وتدارك ما سلف من ذنبك ، والسلام .

قال : فسر يزيد بما سمع من محمد بن علي سرورا شديدا ، ثم قال : فإني قابل منك ما أمرتني به ، وأنا أحب أن تكاتبني في كلّ حاجة تعرض لك من صلة أو تعاهد ، ولا تقصرن في ذلك ، فقال محمد بن علي : أفعل ذلك إن شاء الله ، ولا أكون إلا عند ما تحب .

قال : ثم ودعه محمد بن علي ورجع إلى المدينة ، ففرق ذلك المال كله في أهل بيته وسائر بني هاشم وقريش ، حتى لم يبق من بني هاشم وقريش من الرجال والنساء والذرية والموالي إلا صار إليه شيء من ذلك المال .

ثم خرج محمد بن علي رضى الله عنه من المدينة إلى مكة ، فأقام بها مجاورا لا يعرف شيئا غير الصوم والصلاة .

وصلى الله على محمد وآله ورضي عنهم ورزقنا شفاعتهم بحوله ومنه وفضله وكرمه إن شاء الله - تعالى - .

ص: 536

[ مكاتبة بين ابن عمر ويزيد ]

أقول : قال العلامة رحمه الله : وروى البلاذري قال : لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أما بعد؛ فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم الحسين .

فكتب إليه يزيد : أما بعد؛ يا أحمق ، فإننا جئنا إلى بيوت منجدة وفرش ممهدة ووسائد منضدة فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا ، فأبوك أول من سن هذا وابتز واستأثر بالحق على أهله .

[ وصية عمر إلى معاوية ]

أقول : قد سبق في كتاب الفتن خبر طويل أخرجناه من كتاب دلائل الإمامة عن سعيد بن المسيب : أنه لما ورد نعي الحسين عليه السلام المدينة ، وقتل ثمانية عشر من أهل بيته ، وثلاث وخمسين رجلا من شيعته ، وقتل علي ابنه بين يديه بنشابة ، وسبي ذراريه ، خرج عبد الله بن عمر إلى الشام منكرا لفعل يزيد ، ومستنفرا للناس عليه ، حتى أتى يزيد وأغلظ له القول ، فخلا به يزيد وأخرج إليه طومارا طويلا كتبه عمر إلى معاوية ، وأظهر فيه أنه على دين آبائه من عبادة الأوثان ، وأن محمدا كان ساحرا غلب على الناس بسحره ، وأوصاه بأن يكرم أهل بيته ظاهرا ، ويسعى في أن يجتثهم عن جديد الأرض ، ولا يدع أحدا منهم عليها في أشياء كثيرة قد مر ذكرها .

فلما قرأه ابن عمر رضي بذلك ورجع وأظهر للناس أنه محق فيما أتى به ومعذور فيما فعله .

ولنعم ما قيل : ما قتل الحسين إلا في يوم السقيفة .

فلعنة الله على من أسس أساس الظلم والجور على أهل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين .

ص: 537

باب 48 :عدد أولاده صلوات الله عليه وجمل أحوالهم وأحوال أزواجه عليه السلام

عدد أولاده صلوات الله عليه وجمل أحوالهم وأحوال أزواجه عليه السلام (1)

1 - الإرشاد : كان للحسين عليه السلام ستة أولاد : علي بن الحسين الأكبر ، كنيته أبو محمد ، أمه شهربان بنت كسرى يزدجرد .

وعلي بن الحسين الأصغر ، قتل مع أبيه بالطف ، وقد تقدم ذكره فيما سلف ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية .

وجعفر بن الحسين ، لا بقية له ، وأمه قضاعية ، وكانت وفاته في حياة الحسين .

وعبد الله بن الحسين ، قتل مع أبيه صغيرا ، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه .

وسكينة بنت الحسين ، وأمها الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي كلبية معدية ، وهي أم عبد الله بن الحسين عليه السلام .

وفاطمة بنت الحسين ، وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله تيمية .

2 - المناقب لابن شهرآشوب : ذكر صاحب كتاب البدع وصاحب كتاب

ص: 538


1- وقد أوردنا بعض أحوالهن في أبواب تاريخ السجاد عليه السلام .

شرح الأخبار : أن عقب الحسين من ابنه علي الأكبر ، وأنه هو الباقي بعد أبيه ، وأن المقتول هو الأصغر منهما ، وعليه نعول ، فإن علي بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة ، وإن ابنه محمدا الباقر كان يومئذ من أبناء خمس عشر سنة ، وكان لعلي الأصغر المقتول نحو أثنتا عشر سنة .

وتقول الزيدية : إن العقب من الأصغر ، وإنه كان في يوم كربلاء ابن سبع سنين ، ومنهم من يقول : أربع سنين ، وعلى هذا النسابون .

كتاب النسب : عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعلي بن الحسين عليه السلام : وا عجبا لأبيك سمى عليا وعليا! فقال عليه السلام : إن أبي أحب أباه فسمى باسمه مرارا .

3 - المناقب لابن شهرآشوب : لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحمل العليل والضعيف والشيخ الكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم .

فقال أمير المونين عليه السلام : إن النبي صلى الله عليه و آلهقال : أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم ، وهواء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا إلينا السلام ورغبوا في الإسلام ، وقد أعتقت منهم لوجه الله حقي وحق بني هاشم ، فقالت المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله ، فقال : اللهم فاشهد أنهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت

، فقال عمر : سبق إليها علي بن أبي طالب عليه السلام ونقض عزمتي في الأعاجم .

ورغب جماعة في بنات الملوك أن يستنكحوهن ، فقال أمير المونين : تخيرهن ولا تكرههن ، فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجرد ، فحجبت وأبت ، فقيل لها : أيا كريمة قومها من تختارين من خطابك ؟ وهل أنت راضية بالبعل ؟ فسكتت ، فقال أمير المونين : قد رضيت ، وبقي الاختيار بعد سكوتها إقرارها ، فأعادوا القول في التخيير ، فقالت : لست ممن يعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع الحسين إن كنت مخيرة ، فقال أمير المونين : لمن تختارين أن يكون وليك ؟ فقالت : أنت ، فأمر أمير المونين حذيفة بن اليمان أن يخطب ، فخطب ، وزوجت من الحسين .

ص: 539

قال ابن الكلبي : ولى علي بن أبي طالب حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى فأعطاها على ابنه الحسين عليه السلام ،فولدت منه عليا .

وقال غيره : إن حريثا بعث إلى أمير المونين ببنتي يزدجرد ، فأعطى واحدة لابنه الحسين فأولدها علي بن الحسين ، وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمد ، فهما ابنا خاله .

4 - المناقب لابن شهرآشوب : أبناو : علي الأكبر الشهيد ، أمه برة بنت عروة بن مسعود الثقفي . وعلي الإمام ، وهو علي الأوسط . وعلي الأصغر ، وهما من شهربانويه . ومحمد وعبد الله الشهيد ، من أم الرباب بنت إمرئ القيس . وجعفر ، وأمه قضاعية .

وبناته : سكينة ، أمها رباب بنت إمرئ القيس الكندية . وفاطمة ، أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله . وزينب .

وأعقب الحسين من ابن واحد ، وهو زين العابدين عليه السلام ، وابنتين .

وبابه رشيد الهجري .

5 - كشف الغمة : قال كمال الدين بن طلحة : كان له من الأولاد ذكور وإناث عشرة ، ستة ذكور وأربع إناث .

فالذكر : علي الأكبر ، وعلي الأوسط ، وهو سيد العابدين ، وعلي الأصغر ، ومحمد ، وعبد الله ، وجعفر ، فأما علي الأكبر فإنه قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا ، وأما علي الأصغر فجاءه سهم وهو طفل فقتله ، وقيل : إن عبد الله قتل أيضا مع أبيه شهيدا .

وأما البنات : فزينب ، وسكينة ، وفاطمة ، هذا قول مشهور .

وقيل : كان له أربع بنين وبنتان ، والأول أشهر .

وكان الذكر المخلد ، والبناء المنضد ، مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد . آخر كلامه .

ص: 540

قلت : عدد أولاده عليه السلام ذكر بعضا وترك بعضا .

قال ابن الخشاب : ولد له ستة بنين وثلاث بنات : علي الأكبر الشهيد مع أبيه ، وعلي الإمام سيد العابدين ، وعلي الأصغر ، ومحمد ، وعبد الله الشهيد مع أبيه ، وجعفر ، وزينب ، وسكينة ، وفاطمة .

وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي : ولد الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ستة ، أربعة ذكور وابنتان : علي الأكبر وقتل مع أبيه ، وعلي الأصغر ، وجعفر ، وعبد الله ، وسكينة ، وفاطمة .

قال : ونسل الحسين عليه السلام من علي الأصغر ، وأمه أم ولد ، وكان أفضل أهل زمانه . وقال الزهري : ما رأيت هاشميا أفضل منه .

قلت : قد أخل الحافظ بذكر علي زين العابدين عليه السلام حيث قال : علي الأكبر ، وعلي الأصغر ، وأثبته حيث قال : ونسل الحسين من علي الأصغر ، فسقط في هذه الرواية علي الأصغر ، والصحيح أن العليين من أولاده ثلاثة ، كما ذكر كمال الدين ، وزين العابدين عليه السلام هو الأوسط ، والتفاوت بين ما ذكره كمال الدين والحافظ أربعة .

ص: 541

باب 49 :أحوال المختار بن أبي عبيد الثقفي وما جرى على يديه وأيدي أوليائه

اشارة

[ قتل حرملة ]

1 - الأمالي للطوسي : عن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين

منصرفي من مكة ، فقال لي : يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي ؟ فقلت : تركته حيا بالكوفة ، قال : فرفع يديه جميعا ثم قال عليه السلام : اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر النار .

قال المنهال : فقدمت الكوفة ، وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وكان لي صديقا ، فكنت في منزلي أياما حتى انقطع الناس عني ، وركبت إليه فلقيته خارجا من داره ، فقال : يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه ، ولم تهنئنا بها ، ولم تشركنا فيها ، فأعلمته أني كنت بمكة ، وأني قد جئتك الآن ، وسايرته ونحن نتحدث حتى أتى الكناس فوقف وقوفا كأنه ينظر شيئا ، وقد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل ، فوجه في طلبه ، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون وقوم يشتدون حتى قالوا : أيها الأمير البشارة قد أخذ حرملة بن كاهل ، فما لبثنا أن جيء به .

ص: 542

فلما نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الذي مكنني منك ، ثم قال : الجزار ، الجزار ، فأتي بجزار ، فقال له : اقطع يديه فقطعتا ، ثم قال له : اقطع رجليه ، فقطعتا ، ثم قال : النار ، النار ، فأتي بنار وقصب ، فألقي عليه فاشتعل فيه النار ،

فقلت : سبحان الله ، فقال لي : يا منهال إن التسبيح لحسن ، ففيم سبحت ؟ فقلت : أيها الأمير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين عليه السلام ، فقال لي : يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي ؟ فقلت : تركته حيا بالكوفة ، فرفع يديه جميعا فقال : اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر النار ، فقال لي المختار : أسمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول هذا ؟ فقلت : الله لقد سمعته يقول هذا .

قال : فنزل عن دابته وصلى ركعتين ، فأطال السجود ، ثم قام فركب ، وقد احترق حرملة ، وركبت معه وسرنا فحاذيت داري ، فقلت : أيها الأمير إن رأيت أن تشرفني وتكرمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي ، فقال : يا منهال تعلمني أن علي بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ، ثم تأمرني أن آكلّ ؟ هذا يوم صوم شكرا لله عز وجل على ما فعلته بتوفيقه ، وحرملة هو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام (1) .

[ قتل ابن زياد ]

2 - الأمالي للطوسي : إنّ المختار بن أبي عبيد الثقفي ظهر بالكوفة ليلة

الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ست وستين ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة رسول الله ، والطلب بدم الحسين بن علي عليه السلام ، ودماء أهل بيته رحمة الله عليهم ، والدفع عن الضعفاء ، فقال الشاعر في ذلك :

ص: 543


1- بيان : الحرمة ما لا يحل انتهاكه ومنه قولهم تحرم بطعامه وذلك لأن العرب إذا أكلّ رجل منهم من طعام غيره حصلت بينهما حرمة وذمة يكون كلّ منهما آمنا من أذى صاحبه .

ولما دعا المختار جئنا لنصره

على الخيل تردي من كميت وأشقرا

دعا يا لثأرات الحسين فأقبلت

تعادي بفرسان الصباح لتثأرا

ونهض المختار إلى عبد الله بن مطيع ، وكان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه وأصحابه منها منهزمين ، وأقام بالكوفة إلى المحرم سنة سبع وستين ، ثم عمد على إنفاذ الجيوش إلى ابن زياد ، وكان بأرض الجزيرة ، فصير على شرطه أبا عبد الله الجدلي ، وأبا عمارة كيسان مولى عربية ، وأمر إبراهيم بن الأشتر رحمه اللهبالتأهب للمسير إلى ابن زياد لعنه الله ، وأمره على الأجناد ، فخرج إبراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة سبع وستين في ألفين من مذحج وأسد ، وألفين من تميم وهمدان ، وألف وخمسمائة من قبائل المدينة ، وألف وخمسمائة من كندة وربيعة ، وألفين من الحمرا .

وقال بعضهم : كان ابن الأشتر في أربعة آلاف من القبائل ، وثمانية آلاف من الحمراء .

وشيع المختار إبراهيم بن الأشتر رحمه الله ماشيا ، فقال له إبراهيم : اركب رحمك الله ، فقال : إني لأحتسب الأجر في خطاي معك ، وأحب أن تغبر قدماي في نصر آل محمد عليهم السلام ، ثم ودعه وانصرف .

فسار ابن الأشتر حتى أتى المدائن ، ثم سار يريد ابن زياد ، فشخص المختار عن الكوفة لما أتاه أن ابن الأشتر قد ارتحل من المدائن ، وأقبل حتى نزل المدائن .

فلما نزل ابن الأشتر نهر الخازر بالموصل أقبل ابن زياد في الجموع ، فنزل على أربعة فراسخ من عسكر ابن الأشتر ، ثم التقوا ، فحض ابن الأشتر أصحابه وقال : يا أهل الحق وأنصار الدين ، هذا ابن زياد قاتل حسين بن علي وأهل بيته قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان فقاتلوهم بنية وصبر ، لعل الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم ، وتزاحفوا ، ونادى أهل العراق : يا لثأرات الحسين ، فجال أصحاب ابن الأشتر جولة ، فناداهم : يا شرطة الله الصبر الصبر ، فتراجعوا ، فقال له عبد الله بن

ص: 544

بشار بن أبي عقب الدوي : حدثني خليلي : أنا نلقى أهل الشام على نهر يقال له «الخازر» فيكشفونا حتى نقول : هي هي ، ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم ، فأبشروا واصبروا ، فإنكم لهم قاهرون .

ثم حمل ابن الأشتر رحمه الله يمينا ، فخالط القلب وكسرهم أهل العراق ، فركبوهم يقتلونهم ، فانجلت الغمة وقد قتل عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع وابن حوشب وغالب الباهلي وعبد الله بن أياس السلمي وأبو الأشرس الذي كان على خراسان وأعيان أصحابه لعنهم الله .

فقال ابن الأشتر لأصحابه : إني رأيت بعد ما انكشف الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل فأقدمت عليهم ، وأقبل رجل آخر في كبكبة كأنه بغل أقمر يغري الناس لا يدنو منه أحد إلا صرعه ، فدنا مني فضربت يده فأبنتها ، وسقط على شاطئ نهر ، فسرقت يداه وعربت رجلاه فقتلته ، ووجدت منه ريح المسك ، وأظنه ابن زياد فاطلبوه ، فجاء رجل فنزع خفيه وتأمله فإذا هو ابن زياد لعنه الله على وصف ابن الأشتر ، فاجتز رأسه ، واستوقدوا عامة الليل بجسده ، فنظر إليه مهران مولى زياد ، وكان يحبه حبا شديدا ، فحلف أن لا يأكلّ شحما أبدا ، فأصبح الناس فحووا ما في العسكر ، وهرب غلام لعبيد الله إلى الشام ، فقال له عبد الملك بن مروان : متى عهدك بابن زياد ؟ فقال : جال الناس فتقدم فقاتل ، وقال : ايتني بجرة فيها ماء ، فأتيته فاحتملها فشرب منها وصب الماء بين درعه وجسده ، وصب على ناصية فرسه فصهل ، ثم اقتحمه ، فهذا آخر عهدي به .

[ رأس ابن زياد ]

قال : وبعث ابن الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار وأعيان من كان معه ، فقدم بالرؤوس والمختار يتغدى ، فألقيت بين يديه فقال : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يدي ابن زياد وهو يتغدى ، وأتيت برأس ابن زياد

ص: 545

وأنا أتغدى ، قال : وانسابت حية بيضاء تخلل الرؤوس حتى دخلت في أنف ابن زياد وخرجت من أذنه ، ودخلت من أذنه وخرجت من أنفه ، فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ، ثم رمى بها إلى مولى له وقال : اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر .

وخرج المختار إلى الكوفة ، وبعث برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ورأس شرحبيل بن ذي الكلاع مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي وعبد الله بن شداد الجشمي والسائب بن مالك الأشعري إلى محمد بن الحنفية بمكة ، وعلي بن الحسين عليه السلام يومئذ بمكة ، وكتب إليه معهم :

أما بعد؛ فإني بعثت أنصارك وشيعتك إلى عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد ، فخرجوا محتسبين محنقين أسفين ، فلقوهم دون نصيبين ، فقتلهم رب العباد وَالْحَمْدُ

لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الذي طلب لكم الثأر وأدرك لكم رواء أعدائكم ، فقتلهم في كلّ فج ، وغرقهم في كلّ بحر ، فشفى بذلك صُدُورَ قَوْمٍ مُومِنِينَ ، وأذهب غَيْظَ قُلُوبِهِمْ .

وقدموا بالكتاب والرؤوس إليه ، فبعث برأس ابن زياد إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فأدخل عليه وهو يتغدى ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : أدخلت على ابن زياد لعنه الله وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه ، فقلت : اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدى ، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي ، ثم أمر فرمي به .

فحمل إلى ابن الزبير ، فوضعه ابن الزبير على قصبة فحركتها الريح ، فسقط فخرجت حية من تحت الستار فأخذت بأنفه ، فأعادوا القصبة فحركتها الريح ، فسقط فخرجت الحية فأزمت بأنفه ، ففعل ذلك ثلاث مرات ، فأمر ابن الزبير فألقي في بعض شعاب مكة .

[ قتل عمر بن سعد ]

قال : وكان المختار رحمه الله قد سئل في أمان عمر بن سعد بن أبي وقاص فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة ، فإن خرج منها فدمه هدر .

ص: 546

قال : فأتى عمر بن سعد رجل فقال : إني سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلا والله ما أحسبه غيرك ، قال : فخرج عمر حتى أتى الحمام ، فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ؟ فرجع ليلا فدخل داره .

فلما كان الغد غدوت فدخلت على المختار ، وجاء الهشيم بن الأسود فقعد ، فجاء حفص بن عمر بن سعد فقال للمختار : يقول لك أبو حفص : أين لنا بالذي كان بيننا وبينك ؟ قال : اجلس ، فدعا المختار أبا عمرة ، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فساره ، ودعا برجلين فقال : اذهبا معه ، فذهب ، فو الله ما أحسبه بلغ دار عمر بن سعد حتى جاء برأسه ، فقال المختار لحفص : أتعرف هذا ؟ قال : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، قال : يا أبا عمرة ألحقه به فقتله ، فقال المختار رحمه الله : عمر بالحسين وحفص بعلي بن الحسين ، ولا سواء .

[ أعلموني من شرك في دم الحسين ]

قال : واشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد ، وأخاف الوجوه ، وقال : لا يسوغ لي

طعام ولا شراب حتى أقتل قتلة الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته ، وما من ديني أترك أحدا منهم حيا ، وقال : أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته ، فلم يكن يأتونه برجل فيقولون : إن هذا من قتلة الحسين أو ممن أعان عليه إلا قتله .

وبلغه أن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله أصاب مع الحسين إبلا فأخذها ، فلما قدم الكوفة نحرها وقسم لحومها ، فقال المختار : أحصوا لي كلّ دار دخل فيها شيء من ذلك اللحم ، فأحصوها ، فأرسل إلى من كان أخذ منها شيئا فقتلهم وهدم دورا بالكوفة .

[ قتل عبد اللّه بن اسيد ومالك بن الهيثم ]

وأتي المختار بعبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن الهيثم البداني من كندة ،

ص: 547

وحمل بن مالك المحاربي ، فقال : يا أعداء الله أين الحسين بن علي ؟ قالوا : أكرهنا على الخروج إليه ، قال : أفلا مننتم عليه وسقيتموه من الماء ، وقال للبداني : أنت صاحب برنسه لعنك الله ، قال : لا ، قال : بلى ، ثم قال : اقطعوا يديه ورجليه ودعوه يضطرب حتى يموت ، فقطعوه ، وأمر بالآخرين فضربت أعناقهما .

[ قتل قراد بن مالك وجماعة معه ]

وأتي بقراد بن مالك وعمر بن خالد وعبد الرحمن البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني فقال لهم : يا قتلة الصالحين ألا ترون الله برئ منكم ؟ لقد جاءكم الورس بيوم نحس ، فأخرجهم إلى السوق فقتلهم .

[ قتل خولى بن يزيد الأصبحي ]

وبعث المختار معاذ بن هانئ الكندي وأبا عمرة كيسان إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي ، وهو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد ، فأتوا داره ، فاستخفى في المخرج ، فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب على نفسه قوصرة ، فأخذوه وخرجوا يريدون المختار فتلقاهم في ركب ، فردوه إلى داره وقتله عندها وأحرقه .

[ قتل شمر بن ذي الجوشن ]

وطلب المختار شمر بن ذي الجوشن ، فهرب إلى البادية ، فسعى به إلى أبي عمرة ، فخرج إليه مع نفر من أصحابه ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فأثخنته الجراحة ، فأخذه أبو عمرة أسيرا وبعث به إلى المختار فضرب عنقه ، وأغلى له دهنا في قدر ، فقذفه فيها فتفسخ ، ووطئ مولى لآل حارثة بن مضرب وجهه ورأسه .

* * *

ص: 548

ولم يزل المختار يتبع قتلة الحسين وأهله حتى قتل منهم خلقا كثيرا ، وهرب الباقون فهدم دورهم ، وقتلت العبيد ومواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السلام ، وأتوا المختار فأعتقهم(1) .

[ إعداد المختار للإنتقام من الحسين ]

3 - بصائر الدرجات : أن علي بن دراج حدّث : أن المختار استعمله على بعض

عمله ، وأن المختار أخذه فحبسه وطلب منه مالا ، حتى إذا كان يوما من الأيام دعاه هو وبشر بن غالب ، فهددهما بالقتل ، فقال له بشر بن غالب ، وكان رجلا متنكرا : والله ما تقدر على قتلنا ، قال : لم ؟ ومم ذلك - ثكلتك أمك - وأنتما أسيران في يدي ؟

قال : لأنه جاءنا في الحديث أنك تقتلنا حين تظهر على دمشق ، فتقتلنا على درجها ، قال له المختار : صدقت قد جاء هذا ، قال : فلما قتل المختار خرجا من محبسهما(2) .

4 - قصص الأنبياء : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عز وجل إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه ، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ، ولقد انتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر .

ص: 549


1- إيضاح : ردي الفرس بالفتح يردي رديا إذا رجم الأرض رجما بين العدو والمشي الشديد قوله تعادي من العداوة أو من العدو والأخير أظهر قوله لتثأر أي لتطلب الثأر بدم الحسين عليه السلام وقال الفيروزآبادي سرقت مفاصله كفرح ضعف وفي بعض النسخ بالشين من الشرق بمعنى الشق أو من قولهم شرق الدم بجسده شرقا إذا ظهر ولم يسل وعرب كفرح ورم وتقيح وفي بعض النسخ بالغين المعجمة من قولهم غرب كفرح أسود وقال الجوهري يقال أزم الرجل بصاحبه إذا لزمه عن أبي زيد وأزمه أيضا أي عضه والحمام اسم موضع خارج الكوفة وقال الجوهري القوصرة بالتشديد هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري. أقول قد مضى ذم المختار في باب مصالحة الحسن عليه السلام .
2- أقول : تمامه في معجزات الباقر عليه السلام .

5 - السرائر : عن سماعة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا كان يوم القيامة مرّ رسول الله بشفير النار ، وأمير المونين والحسن والحسين ، فيصيح صائح من النار : يا رسول الله أغثني ، يا رسول الله ثلاثا ، قال : فلا يجيبه ، قال : فينادي : يا أمير المونين ، يا أمير المونين ثلاثا ، أغثني فلا يجيبه ، قال : فينادي : يا حسين يا حسين يا حسين أغثني ، أنا قاتل أعدائك ، قال : فيقول له رسول الله : قد احتج عليك ، قال : فينقض عليه كأنه عقاب كاسر ، فيخرجه من النار .

قال : فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : ومن هذا جعلت فداك ؟ قال : المختار ، قلت له : ولم عذب بالنار وقد فعل ما فعل ؟ قال : إنه قال : كان في قلبه منهما شيء ، والذي بعث محمدا بالحق ، لو أن جبرئيل وميكائيل كان في قلبيهما شيء لأكبهما الله في النار على وجوههما .

بيان : كان هذا الخبر وجه جمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب بأنه وإن لم يكن كاملا في الإيمان واليقين ، ولا مأذونا فيما فعله صريحا من أئمة الدين ،

لكن لما جرى على يديه الخيرات الكثيرة ، وشفي بها صدور قوم مونين ، كانت عاقبة أمره آئلة إلى النجاة ، فدخل بذلك تحت قوله سبحانه : « وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » ، وأنا في شأنه من المتوقفين ، وإن كان الأشهر بين أصحابنا أنه من المشكورين .

6 - تفسير الإمام عليه السلام : قال أمير المونين صلوات الله عليه : كما أن بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا ، وبعضهم عصوا فعذبوا ، فكذلك تكونون أنتم ، فقالوا : فمن العصاة ياأمير المونين ؟ قال : الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت وتعظيم حقوقنا فخانوا وخالفوا ذلك وجحدوا حقوقنا واستخفوا بها وقتلوا أولادنا ، أولاد رسول الله ، الذين أمروا بإكرامهم ومحبتهم . قالوا : يا أمير المونين إن ذلك لكائن ؟ قال : بلى خبرا حقا وأمرا كائنا ، سيقتلون ولدي هذين الحسن والحسين .

ص: 550

ثم قال أمير المونين عليه السلام : وسيصيب الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف بعض من يسلط الله - تعالى - عليهم للانتقام بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ، كما أصاب بني إسرائيل الرجز ، قيل : ومن هو ؟ قال : غلام من ثقيف يقال له «المختار بن أبي عبيد» .

وقال علي بن الحسين عليه السلام : فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان ، وإن هذا الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف لعنه الله من قول علي بن الحسين عليه السلام قال : أما رسول الله ما قال هذا ، وأما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل حكاه عن رسول الله ، وأما علي بن الحسين فصبي مغرور يقول الأباطيل ويغر بها متبعوه!! اطلبوا لي المختار ، فطلب فأخذ ، فقال : قدموه إلى النطع فاضربوا عنقه ، فأتي بالنطع ، فبسط وأبرك عليه المختار ، ثم جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لا يأتون بالسيف .

قال الحجاج : ما لكم ؟ قالوا : لسنا نجد مفتاح الخزانة وقد ضاع منا ، والسيف في الخزانة ،فقال المختار : لن تقتلني ، ولن يكذب رسول الله ، ولئن قتلتني ليحييني الله

حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفا ، فقال الحجاج لبعض حجابه : أعط السياف سيفك يقتله ، فأخذ السياف سيفه وجاء ليقتله به ، والحجاج يحثه ويستعجله ، فبينا هو في تدبيره إذ عثر والسيف بيده ، فأصاب السيف بطنه فشقه فمات .

فجاء بسياف آخر وأعطاه السيف ، فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فسقط فمات ، فنظروا وإذا العقرب فقتلوه .

فقال المختار : يا حجاج إنك لا تقدر على قتلي ، ويحك يا حجاج ، أ ما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان للسابورذي الأكتاف حين كان يقتل العرب ويصطلمهم ، فأمر نزار ولده فوضع في زبيل في طريقه ، فلما رآه قال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هواء العرب ولا ذنوب لهم إليك ، وقد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك والمفسدين ؟ قال : لأني وجدت في الكتاب : أنه يخرج منهم رجل يقال له «محمد» يدعي النبوة فيزيل دولة ملوك الأعاجم ويفنيها ، فاقتلهم حتى لا يكون منهم ذلك الرجل ، فقال نزار : لئن كان ما وجدته في كتب الكذابين ، فما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين ؟ وإن كان ذلك من قول الصادقين

ص: 551

فإن الله سيحفظ ذلك الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل ، ولن تقدر على إبطاله ، ويجري قضاءه وينفذ أمره ، ولو لم يبق من جميع العرب إلا واحد ، فقال سابور : صدقت هذا نزار يعني بالفارسية المهزول كفوا عن العرب فكفوا عنهم ، ولكن يا حجاج إن الله قد قضى أن أقتل منكم ثلاثمائة ألف وثلاثة وثمانين ألف رجل ، فإن شئت فتعاط قتلي ، وإن شئت فلا تتعاط ، فإن الله إما أن يمنعك عني ، وإما أن يحييني بعد قتلك ، فإن قول رسول الله حق لا مرية فيه .

فقال للسياف : اضرب عنقه ، فقال المختار : إن هذا لن يقدر على ذلك ، وكنت أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره ، فكان يسلط عليك أفعى كما سلط على هذا الأول عقربا .

فلما هم السياف أن يضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان قد دخل فصاح بالسياف كف عنه ، ومعه كتاب من عبد الملك بن مروان ، فإذا فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد؛ يا حجاج بن يوسف ، فإنه قد سقط إلينا طير عليه رقعة أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله تزعم أنه حكي عن رسول الله فيه أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل ، فإذا أتاك كتابي هذا فخل عنه ولا تعرض له إلا بسبيل خير ، فإنه زوج ظئر ابني الوليد بن عبد الملك بن مروان ، وقد كلمني فيه الوليد ، وإن الذي حكى إن كان باطلا فلا معنى لقتل رجل مسلم بخبر باطل ، وإن كان حقا فإنك لا تقدر على تكذيب قول رسول الله .

فخلى عنه الحجاج ، فجعل المختار يقول : سأفعل كذا ، وأخرج وقت كذا ، وأقتل من الناس كذا ، وهواء صاغرون - يعني بني أمية - ، فبلغ ذلك الحجاج ، فأخذ وأنزل وأمر بضرب العنق ، فقال المختار : إنك لا تقدر على ذلك فلا تتعاط ردا على الله ، وكان في ذلك إذ سقط عليه طائر آخر عليه كتاب من عبد الملك بن مروان :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا حجاج لا تعرض للمختار ، فإنه زوج مرضعة ابني الوليد ، ولئن كان حقا فستمنع من قتله كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي كان قضى الله أن يقتل بني إسرائيل .

ص: 552

فتركه الحجاج وتوعده إن عاد لمثل مقالته ، فعاد لمثل مقالته ، واتصل بالحجاج الخبر فطلبه ، فاختفى مدة ثم ظفر به ، فلما هم بضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب عبد الملك ، فاحتبسه الحجاج ، وكتب إلى عبد الملك كيف تأخذ إليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بني أمية كذا وكذا ألفا ، فبعث إليه أنك رجل جاهل لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا ، وإن كان الخبر فيه حقا فإنه سنربيه ليسلط علينا كما ربي فرعون موسى عليه السلام حتى سلط عليه ، فبعث به الحجاج وكان من المختار ما كان ، وقتل من قتل .

وقال علي بن الحسين عليه السلام لأصحابه وقد قالوا له : يا ابن رسول الله إن أمير المونين عليه السلام ذكر من أمر المختار ، ولم يقل متى يكون قتله لمن يقتل ؟ فقال علي بن الحسين : صدق أمير المونين أو لا أخبركم متى يكون ؟ قالوا : بلى ، قال : يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا ، وسيوى برأس عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في يوم كذا وكذا ، وسنأكلّ وهما بين أيدينا ننظر إليهما .

قال : فلما كان اليوم الذي أخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني أمية كان علي بن الحسين عليه السلام مع أصحابه على مائدة ، إذ قال لهم : معاشر إخواننا طيبوا أنفسكم ، فإنكم تأكلون وظلمة بني أمية يحصدون ، قالوا : أين ؟ قال : في موضع كذا يقتلهم المختار ، وسيوى برأسين يوم كذا وكذا .

فلما كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين لما أراد أن يقعد للأكلّ ، وقد فرغ من صلاته ، فلما رآهما سجد وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني ، فجعل يأكلّ وينظر إليهما ، فلما كان في وقت الحلواء لم يأت بالحلواء؛ لأنهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين ، فقال ندماو : ولم يعمل اليوم الحلواء ؟ فقال علي بن الحسين عليه السلام : لا نريد حلوا أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين . ثم عاد إلى قول أمير المونين عليه السلام قال : وما للكافرين والفاسقين عند الله أعظم وأوفى(1) .

ص: 553


1- توضيح : قوله عليه السلام فكان ذلك بعد قوله هذا أي ولد المختار بعد قول أمير المونين هذا بزمان .

[ لا تسبوا المختار ]

7 - رجال الكشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا تسبوا المختار ، فإنه قد قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة .

8 - رجال الكشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان المختار يكذب على علي بن الحسين عليه السلام .

9 - رجال الكشي : عن عبد الله بن شريك قال : دخلنا على أبي جعفر عليه السلام يوم النحر وهو متكئ وقال : أرسل إلى الحلاق ، فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة ، فتناول يده ليقبلها فمنعه ، ثم قال : من أنت ؟ قال : أنا أبو محمد الحكم

بن المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وكان متباعدا من أبي جعفر عليه السلام ، فمد يده إليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ، ثم قال : أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول والله قولك .

قال : وأي شيء يقولون ؟ قال : يقولون : كذاب ، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته ، فقال : سبحان الله أخبرني أبي ، والله إن مهر أمي كان مما بعث به المختار ، أولم يبن

دورنا ؟ وقتل قاتلينا ؟ وطلب بدمائنا ؟ فرحمه الله .

وأخبرني والله أبي أنه كان ليسمر عند فاطمة بنت علي ، يمهدها الفراش ويثني لها الوسائد ، ومنها أصاب الحديث ، رحم الله أباك ، رحم الله أباك ، ما ترك لنا حقا

عند أحد إلا طلبه ، قتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا(1) .

10 - رجال الكشي : عن يونس بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين ، وبعث إليه بهدايا من العراق ،

ص: 554


1- بيان : ليسمر من السمر وهو الحديث بالليل وفي بعض النسخ ليستمر فهو إما افتعال أيضا من السمر أو بتشديد الراء أي كان دائما عندها. وفي بعض النسخ لييتم وفي بعضها ليتم والأول كأنه أصوب .

فلما وقفوا على باب علي دخل الآذن يستأذن لهم ، فخرج إليهم رسوله فقال : أميطوا عن بابي ، فإني لا أقبل هدايا الكذابين ، ولا أقرأ كتبهم ، فمحوا العنوان ، وكتبوا للمهدي محمد بن علي ، فقال أبو جعفر عليه السلام : والله لقد كتب إليه بكتاب ما أعطاه فيه شيئا ، إنما كتب إليه يا ابن خير من طشى ومشى ، فقال أبو بصير : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : أما المشي فأنا أعرفه ، فأي شيء الطشي ؟ فقال أبو جعفر : الحياة .

11 - رجال الكشي : عن الأصبغ قال : رأيت المختار على فخذ أمير المونين وهو يمسح رأسه ويقول : يا كيس يا كيس .

12 - رجال الكشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه .

13 - رجال الكشي : عن عمر بن علي بن الحسين : أن علي بن الحسين عليه السلام لما أتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمرو بن سعد خر ساجدا وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي ، وجزى المختار خيرا .

13 - رجال الكشي : عن عمر بن علي : أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين بعشرين ألف دينار ، فقبلها وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ، ودارهم التي هدمت .

قال : ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعد ما أظهر الكلام الذي أظهره فردها ولم يقبلها .

والمختار هو الذي دعا الناس إلى محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام ابن الحنفية ، وسموا الكيسانية ، وهم المختارية ، وكان لقبه كيسان ، ولقب بكيسان لصاحب شرطه المكنى أبا عمرة ، وكان اسمه كيسان .

وقيل : إنه سمي كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب ، وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين عليه السلام ، ودله على قتلته ، وكان صاحب سره والغالب على أمره ، وكان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين أنه في دار أو في موضع إلا قصده

ص: 555

وهدم الدار بأسرها وقتل كلّ من فيها من ذي روح ، وكلّ دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها ، وأهل الكوفة يضربون بها المثل ، فإذا افتقر إنسان قالوا : دخل أبو عمرة بيته ، حتى قال فيه الشاعر :

إبليس بما فيه خير من أبي عمرة

يغويك ويطغيك ولا يعطيك كسرة

14 - الكافي : عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي : ما زال سرنا مكتوما حتى صار في يدي ولد كيسان ، فتحدثوا به في الطريق وقرى السواد(1) .

15 - تهذيب الأحكام : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يجوز النبي الصراط يتلوه علي ، ويتلو عليا الحسن ، ويتلو الحسن الحسين ، فإذا توسطوه نادى المختار الحسين : يا أبا عبد الله إني طلبت بثأرك ، فيقول النبي للحسين عليه السلام : أجبه فينقض الحسين في النار كأنه عقاب كاسر ، فيخرج المختار حممة ، ولو شق عن قلبه لوجد حبهما في قلبه(2) .

16 - وقال الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر : قيل بعث المختار بن أبي عبيد إلى علي بن الحسين عليه السلام بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها منه وخاف أن يردها ، فتركها في بيت ، فلما قتل المختار كتب إلى عبد الملك يخبره بها ، فكتب إليه : خذها طيبة هنيئة ، فكان علي يلعن المختار ويقول : كذب على الله وعلينا؛ لأن المختار كان يزعم أنه يوحى إليه .

* * *

ص: 556


1- بيان : قال الفيروزآبادي كيسان لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب إليه الكيسانية .
2- بيان : انقض الطائر هوى في طيرانه وكسر الطائر أي ضم جناحيه حين ينقض والحمم بضم الحاء وفتح الميم الرماد والفحم وكلّ ما احترق من النار قوله عليه السلام حبهما أي حب الشيخين الملعونين وقيل حب الحسنين صلوات الله عليهما فيكون تعليلا لإخراجه كما أنه على الأول تعليل لدخوله واحتراقه ويدفعه ما مر من خبر سماعة وقيل المراد حب الرئاسة والمال والأول هو الصواب .

أقول : ولنورد هنا رسالة شرح الثأر الذي ألفه الشيخ الفاضل البارع جعفر بن محمد بن نما فإنها مشتملة على جل أحوال المختار ، ومن قتله من الأشرار على وجه الاختصار؛ ليشفي به صدور المونين الأخيار ، وليظهر منها بعض أحوال المختار وهي هذه :

[ المقدمة في الدفاع عن المختار ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لثوابه ونجاة يوم الوعيد من عقابه ، والصلاة على محمد الذي شرفت الأماكن بذكره ، وعطرت المساكن برباء نشره ، وعلى آله وأصحابه الذين عظم قدرهم بقدره ، وتابعوه في نهيه وأمره :

فإني لما صنفت كتاب المقتل الذي سميته «مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان» وجمعت فيه من طرائف الأخبار ، ولطائف الآثار ما يربى على الجوهر النضار سألني جماعة من الأصحاب أن أضيف إليه عمل الثأر ، وأشرح قضية المختار ، فتارة أقدم ، وأخرى أحجم ، ومرة أجنح جنوح الشامس ، وآونة أنفر نفور العذراء من يد اللامس ، وأردهم عن عمله فرقا من التعرض لذكره وإظهار مخفي سره ، ثم كشفت قناع المراقبة في إجابة سولهم ، والانقياد لمرامهم ، وأظهرت ما كان في ضميري ، وجعلت نشر فضيلته أنيسي وسميري؛ لأنه به خبت نار وجد سيد المرسلين ، وقرة عين زين العابدين ، وما زال السلف يتباعدون عن زيارته ، ويتقاعدون عن إظهار فضيلته تباعد الضب عن الماء ، والفراقد من الحصباء ، ونسبوه إلى القول بإمامة محمد بن الحنفية ، ورفضوا قبره ، وجعلوا قربهم إلى الله هجرة مع قربه ، وإن قبته لكل من خرج من باب مسلم بن عقيل كالنجم اللامع ، وعدلوا من العلم إلى التقليد ، ونسوا ما فعل بأعداء المقتول الشهيد ، وإنه جاهد في الله حق الجهاد ، وبلغ من رضا زين العابدين غاية المراد ، ورفضوا منقبته التي رقت حواشيها ، وتفجرت ينابيع السعادة فيها.

ص: 557

وكان محمد بن الحنفية أكبر من زين العابدين سنا ، ويرى تقديمه عليه فرضا ودينا ، ولا يتحرك حركة إلا بما يهواه ، ولا ينطق إلا عن رضاه ، ويتأمر له تأمر الرعية للوالي ، ويفضله تفضيل السيد على الخادم والموالي ، وتقلد محمد رحمه اللهأخذ

الثأر إراحة لخاطره الشريف من تحمل الأثقال والشد والترحال .

ويدل على ذلك ما رويته عن أبي بجير عالم الأهواز ، وكان يقول بإمامة ابن الحنفية ، قال :

حججت فلقيت إمامي ، وكنت يوما عنده ، فمر به غلام شاب فسلم عليه ، فقام فتلقاه وقبل ما بين عينيه وخاطبه بالسيادة ، ومضى الغلام ، وعاد محمد إلى مكانه ، فقلت له : عند الله أحتسب عناي ، فقال : وكيف ذاك ؟ قلت : لأنا نعتقد أنك الإمام المفترض الطاعة تقوم تتلقى هذا الغلام وتقول له : يا سيدي! فقال : نعم هو والله إمامي ، فقلت : ومن هذا ؟ قال : علي بن أخي الحسين ، اعلم أني نازعته الإمامة ونازعني ، فقال لي : أترضى بالحجر الأسود حكما بيني وبينك ؟ فقلت : وكيف نحتكم إلى حجر جماد ؟ فقال : إن إماما لا يكلمه الجماد فليس بإمام ، فاستحييت من ذلك ، فقلت : بيني وبينك الحجر الأسود ، فقصدنا الحجر ، وصلى وصليت ، وتقدم إليه وقال : أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلا أخبرتنا من الإمام منا ، فنطق

والله الحجر وقال : يا محمد سلم الأمر إلى ابن أخيك ، فهو أحق به منك ، وهو إمامك ،

وتحلحل حتى ظننته يسقط ، فأذعنت بإمامته ، ودنت له بفرض طاعته .

قال أبو بجير : فانصرفت من عنده ، وقد دنت بإمامة علي بن الحسين عليه السلام وتركت

القول بالكيسانية.

وروي عن أبي بصير أنه قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا ، ولا يشك أنه الإمام حتى أتاه يوما فقال له : جعلت فداك إن لي حرمة ومودة ، فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المونين إلا أخبرتني ، أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال : يا أبا خالد لقد حلفتني بالعظيم ، الإمام علي ابن أخي ، عليّ وعليك وعلى كلّ مسلم .

ص: 558

فلما سمع أبو خالد قول محمد بن الحنفية جاء إلى علي بن الحسين فاستأذن ودخل ، فقال له : مرحبا يا كنكر ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟ فخر أبو خالد ساجدا شكرا لما سمع من زين العابدين عليه السلام وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي .

قال : وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟ قال : لأنك دعوتني باسمي الذي لا يعرفه سوى أمي ، وكنت في عمياء من أمري ، ولقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا لا أشك أنه إمام حتى أقسمت عليه ، فأرشدني إليك فقال : هو الإمام علي وعليك وعلى كلّ مسلم ، ثم انصرف وقد قال بإمامة زين العابدين عليه السلام .

وقال قوم من الخوارج لمحمد بن الحنفية : لم غرر بك في الحروب ولم يغرر بالحسن والحسين ؟ قال : لأنهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع بيمينه عن عينيه.

وروى العباس بن بكار عن ابن عباس قال : لما كان يوم من أيام صفين دعا علي عليه السلام ابنه محمدا فقال : شد على الميمنة ، فحمل مع أصحابه فكشف ميمنة عسكر معاوية ، ثم رجع وقد جرح ، فقال له : العطش ، فقام إليه عليه السلام فسقاه جرعة من ماء ، ثم صب الماء بين درعه وجلده ، فرأيت علق الدم يخرج من حلق الدرع .

ثم أمهله ساعة ، ثم قال : شد في الميسرة ، فحمل مع أصحابه على ميسرة معاوية فكشفهم ، ثم رجع وبه جراحة وهو يقول : الماء الماء ، فقام إليه ففعل مثل الأول .

ثم قال : شد في القلب فكشفهم ، ثم رجع وقد أثقلته الجراحات وهو يبكي ، فقام إليه فقبل ما بين عينيه وقال : فداك أبوك ، لقد سررتني والله يا بني ، فما يبكيك أفرح أم جزع ؟ فقال : كيف لا أبكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله - تعالى - ، وكلما رجعت إليك لتمهلني فما أمهلتني ، وهذان أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشيء ، فقبل عليه السلام رأسه وقال : يا بني أنت ابني وهذان ابنا رسول الله صلى الله عليه و آله ، أفلا أصونهما ؟ قال : بلى يا أباه جعلني الله فداك وفداهما .

ص: 559

وإذا كان ذلك رأيه فكيف يخرج عن طاعته ، ويعدل عن الإسلام بمخالفته ، مع علم محمد بن الحنفية أن زين العابدين ولي الدم وصاحب الثأر والمطالب بدماء الأبرار ؟

فنهض المختار نهوض الملك المطاع ، ومد إلى أعداء الله يدا طويلة الباع ، فهشم عظاما تغذت بالفجور ، وقطع أعضاء نشأت على الخمور ، وحاز إلى فضيلة لم يرق إلى شعاف شرفها عربي ولا أعجمي ، وأحرز منقبة لم يسبقه إليها هاشمي .

وكان إبراهيم بن مالك الأشتر مشاركا له في هذه البلوى ، ومصدقا على الدعوى ، ولم يك إبراهيم شاكا في دينه ، ولا ضالا في اعتقاده ويقينه ، والحكم فيهما واحد .

وأنا أشرح بوار الفجار على يد المختار ، معتمدا قانون الاختصار ، وسميته :

ذوب النضار في شرح الثأر

وقد وضعته على أربع مراتب ، والله الموفق للصواب ، المكافي يوم الحساب.

المرتبة الأولى

في ذكر نسبه وطرف من أخباره

هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمير الثقفي ، وقال المرزباني : كنيته «أبو إسحاق» .

وكان أبو عبيد والده يتنوق في طلب النساء ، فذكر له نساء قومه ، فأبى أن يتزوج منهن ، فأتاه آت في منامه فقال : تزوج دومة الحسناء الحومة ، فما تسمع فيها للائم لومة ، فأخبر أهله ، فقالوا : قد أمرت فتزوج دومة بنت وهب بن عمر بن معتب ، فلما حملت بالمختار قالت : رأيت في النوم قائلا يقول :

ص: 560

أبشري بالولد

أشبه شيء بالأسد

إذا الرجال في كبد

تقاتلوا على بلد

كان له الحظ الأشد

فلما وضعت أتاها ذلك الآتي فقال لها : إنه قبل أن يترعرع ، وقبل أن يتشعشع ، قليل الهلع ، كثير التبع ، يدان بما صنع .

وولدت لأبي عبيد ، المختار ، وجبرا ، وأبا جبر ، وأبا الحكم ، وأبا أمية ، وكان مولده في عام الهجرة ، وحضر مع أبيه وقعة قس الناطف وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان يتفلت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه ، فنشأ مقداما شجاعا لا يتقي شيئا ، وتعاطى معالي الأمور ، وكان ذا عقل وافر ، وجواب حاضر ، وخلال مأثورة ، ونفس بالسخاء موفورة ، وفطرة تدرك الأشياء بفراستها ، وهمة تعلو على الفراقد بنفاستها ، وحدس مصيب ، وكف في الحروب مجيب ، ومارس التجارب فحنكته ، ولابس الخطوب فهذبته.

وروي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال : رأيت المختار على فخذ أمير المونين عليه السلام

وهو يمسح رأسه ، ويقول : يا كيس يا كيس ، فسمي كيسان ، وإليه عزي الكيسانية كما عزي الواقفة إلى موسى بن جعفر عليه السلام ، والإسماعيلية إلى أخيه إسماعيل ، وغيرهم من الفرق .

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا ، وطلب ثأرنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة .

وروي : أنه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر عليه السلام وفيهم عبد الله بن شريك قال : فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة ، فتناول يده ليقبلها فمنعه ، ثم قال : من أنت ؟ قال : أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وكان متباعدا منه عليه السلام ، فمد يده فأدناه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ، فقال : أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي ، والقول والله قولك ،

ص: 561

قال : وأي شيء يقولون ؟ قال : يقولون : كذاب ، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته ، فقال : سبحان الله ، أخبرني أبي أن مهر أمي مما بعث به المختار إليه ، أو لم يبن دورنا ؟ وقتل قاتلنا ؟ وطلب بثأرنا ؟ فرحم الله أباك ، وكررها ثلاثا ، ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه .

وعن أبي حمزة الثمالي قال : كنت أزور علي بن الحسين عليه السلام في كلّ سنة مرة في وقت الحج ، فأتيته سنة وإذا على فخذه صبي ، فقام الصبي فوقع على عتبة الباب فانشج ، فوثب إليه مهرولا ، فجعل ينشف دمه ويقول : إني أعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة ، قلت : بأبي أنت وأمي ، وأي كناسة ؟ قال : كناسة الكوفة ، قلت : ويكون ذلك ؟ قال : إي والذي بعث محمدا بالحق ، لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة وهو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة ، ثم ينزل فيحرق ويذري في البر ، فقلت : جعلت فداك ، وما اسم هذا الغلام ؟ فقال : ابني زيد .

ثم دمعت عيناه وقال لأحدثنك بحديث ابني هذا : بينا أنا ليلة ساجد وراكع ذهب بي النوم ، فرأيت كأني في الجنة ، وكان رسول الله وعليا وفاطمة والحسن والحسين قد زوجوني حوراء من حور العين ، فواقعتها واغتسلت عند سدرة المنتهى ووليت ، هتف بي هاتف ليهنئك زيد .

فاستيقظت وتطهرت وصليت صلاة الفجر ، فدق الباب رجل ، فخرجت إليه ، فإذا معه جارية ملفوف كمها على يده ، مخمرة بخمار ، قلت : حاجتك ؟ قال : أريد علي بن الحسين ، قلت : أنا هو ، قال : أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي ، يقرئك السلام ويقول : وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار ، وهذه ستمائة دينار فاستعن بها على دهرك ، ودفع إلي كتابا كتبت جوابه وقلت : ما اسمك ؟ قالت : حوراء ، فهيئوها لي ، وبت بها عروسا ، فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيدا ، وسترى ما قلت لك .

ص: 562

قال أبو حمزة الثمالي : فو الله لقد رأيت كلّ ما ذكره عليه السلام في زيد .

وروي عن عمر بن علي عليه السلام : أن المختار أرسل إلى علي بن الحسين عشرين ألف دينار ، فقبلها وبنى منها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت ، وكان المختار ذا مقول مشحوذ الغرار مأمون العثار ، إن نثر سجع ، وإن نطق برع ، ثابت الجنان ، مقدم الشجعان ، ما حدس إلا أصاب ، ولا تفرس قط خاب ، ولو لم يكن كذلك لما قام بأدوات المفاخر ، ورأس على الأمراء والعساكر ، وولى علي عليه السلام عمه على المدائن عاملا والمختار معه .

فلما ولي المغيرة بن شعبة الكوفة من قبل معاوية رحل المختار إلى المدينة ، وكان يجالس محمد بن الحنفية ويأخذ عنه الأحاديث ، فلما عاد إلى الكوفة ركب مع المغيرة يوما فمر بالسوق ، فقال المغيرة : يا لها غارة ، ويا له جمعا ، إني لأعلم

كلمة لو نعق لها ناعق ، ولا ناعق لها ، لاتبعوه ، ولا سيما الأعاجم الذين إذا ألقي إليهم

الشيء قبلوه ، فقال له المختار : وما هي يا عم ؟ قال : يستأدون بآل محمد ، فأغضى عليها المختار ، ولم يزل ذلك في نفسه .

ثم جعل يتكلم بفضل آل محمد وينشر مناقب علي والحسن والحسين عليهم السلام ويسير ذلك ويقول : إنهم أحق بالأمر من كلّ أحد بعد رسول الله ، ويتوجع لهم مما نزل بهم .

ففي بعض الأيام لقيه معبد بن خالد الجدلي جديلة قيس فقال له : يا معبد إن أهل الكتب ذكروا أنهم يجدون رجلا من ثقيف يقتل الجبارين وينصر المظلومين ، ويأخذ بثأر المستضعفين ، ووصفوا صفته ، فلم يذكروا صفة في الرجل إلا وهي في غير خصلتين : أنه شاب وقد جاوزت الستين ، وأنه ردي البصر وأنا أبصر من عقاب ، فقال معبد : أما السن فإن ابن ستين وسبعين عند أهل ذلك الزمان شاب ، وأما بصرك فما تدري ما يحدث الله فيه لعله يكل ، قال : عسى .

فلم يزل على ذلك حتى مات معاوية وولي يزيد ووجه الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل

ص: 563

إلى الكوفة ، فأسكنه المختار داره وبايعه ، فلما قتل مسلم رحمه الله سعى بالمختار إلى عبيد الله بن زياد ، فأحضره وقال له : يا ابن عبيد أنت المبايع لأعدائنا ، فشهد له عمرو بن حريث أنه لم يفعل ، فقال عبيد الله : لو لا شهادة عمرو لقتلتك ، وشتمه وضربه بقضيب في يده ، فشتر عينه .

وحبسه وحبس أيضا عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان في الحبس ميثم التمار رحمه الله ، فطلب عبد الله حديدة يزيل بها شعر بدنه وقال : لا آمن ابن زياد يقتلني فأكون قد ألقيت ما علي من الشعر ، فقال المختار : والله لا يقتل ولا يقتلني ،

ولا يأتي عليك إلا قليل حتى تلي البصرة ، فقال ميثم للمختار : وأنت تخرج ثائرا بدم الحسين ، فتقتل هذا الذي يريد قتلنا وتطأ بقدميك على وجنتيه .

ولم يزل ذلك يتردد في صدره حتى قتل الحسين عليه السلام كتب المختار إلى أخته صفية بنت أبي عبيد ، وكانت زوجة عبد الله بن عمر تسأله مكاتبة يزيد بن معاوية ، فكتب إليه ، فقال يزيد : نشفع أبا عبد الرحمن ، وكلمته هند بنت أبي سفيان في عبد الله بن الحارث ، وهي خالته ، فكتب إلى عبيد الله ، فأطلقهما بعد أن أجل المختار ثلاثة أيام ليخرج من الكوفة ، وإن تأخر عنها ضرب عنقه .

فخرج هاربا نحو الحجاز حتى إذا صار بواقصة لقي الصقعب بن زهير الأزدي ، فقال : يا أبا إسحاق ما لي أرى عينك على هذه الحال ؟ قال : فعل بي ذلك عبيد الله بن زياد ، قتلني الله إن لم أقتله وأقطع أعضاءه ، ولأقتلن بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريا ، وهم سبعون ألفا .

ثم قال : والذي أنزل القرآن ، وبين الفرقان ، وشرع الأديان ، وكره العصيان؛ لأقتلن العصاة من أزد عمان ومذحج وهمدان ونهد وخولان وبكر وهزان وثعل ونبهان وعبس وذبيان وقبائل قيس عيلان غضبا لابن بنت نبي الرحمن ، نعم يا صقعب ، وحق السميع العليم العلي العظيم العدل الكريم العزيز الحكيم الرحمن الرحيم لأعركن عرك الأديم بني كندة وسليم والأشراف من تميم ، ثم سار إلى مكة .

ص: 564

قال ابن العرق : رأيت المختار اشتر العين ، فسألته فقال : شترها ابن زياد ، يا ابن العرق إن الفتنة أرعدت وأبرقت ، وكان قد أينعت وألقت خطامها ، وخبطت وشمست ، وهي رافعة ذيلها وقائلة ويلها بدجلة وحولها.

فلم يزل على ذلك حتى مات يزيد يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين ، وقيل : سنة أربع ، وعمره على الخلاف فيه ثمان وثلاثون سنة ، وكان مدة خلافته سنتين وثمانية أشهر .

وخلف أحد عشر ولدا منهم أبو ليلى معاوية ، وبويع له بالشام وخلع نفسه ، وقد ذكرت حديثه في المقتل ، وأخوه خالد أمه بنت هاشم بن عتبة بن عبد الشمس ، تزوجها مروان بن الحكم بعد يزيد ، وفيها قال الشاعر :

أسلمي أم خالد

رب ساع لقاعد

وفي تلك السنة بويع لعبد الله بن الزبير بالحجاز ، ولمروان بن الحكم بالشام ، ولعبيد الله بن زياد بالبصرة.

[ ندم أهل العراق على تركهم نصرة الحسين عليه السلام ]

وأما أهل العراق فإنهم وقعوا في الحيرة والأسف والندم على تركهم نصرة الحسين عليه السلام ، وكان عبيد الله بن الحر بن المجمع بن حريم الجعفي من أشراف أهل الكوفة ، وكان قد مشى إلى الحسين وندبه إلى الخروج معه ، فلم يفعل ، ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض فقال :

فيا لك حسرة ما دمت حيا

تردد بين حلقي والتراقي

حسين حين يطلب بذل نصري

على أهل الضلالة والنفاق

غداة يقول لي بالقصر قولا

أتتركنا وتزمع بالفراق

ولو إني أواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاق

ص: 565

مع ابن المصطفى نفسي فداه

تولى ثم ودع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلب حي

لهم اليوم قلبي بانقلاق

فقد فاز الأولى نصروا حسينا

وخاب الآخرون أولو النفاق

ولم يكن في العراق من يصلح للقتال والنجدة والبأس إلا قبائل العرب بالكوفة ، فأول من نهض سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه و آله ومع علي عليه السلام ، والمسيب بن نجبة الفزاري ، وهو من كبار الشيعة ، وله صحبة مع علي عليه السلام ، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وعبد الله بن وال التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة .

واجتمعوا في دار سليمان ، ومعهم أناس من الشيعة ، فبدأ سليمان بالكلام فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أما بعد : فقد ابتلينا بطول العمر والتعرض للفتن ، ونرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له : « أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ » ، وقال علي عليه السلام : العمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة ، وليس فينا إلا من قد بلغها ، وكنا مغرمين بتزكية أنفسنا ومدح شيعتنا حتى بلى الله خيارنا ، فوجدنا كذابين في نصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، ولا عذر دون أن تقتلوا قاتليه ، فعسى ربنا أن يعفو عنا.

قال رفاعة بن شداد : قد هداك الله لأصوب القول ، ودعوت إلى أرشد الأمور جهاد الفاسقين ، وإلى التوبة من الذنب ، فمسموع منك ، مستجاب لك ، مقبول قولك ، فإن رأيتم ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله سليمان بن صرد.

فقال المسيب بن نجبة : أصبتم ووفقتم ، وأنا أرى الذي رأيتم ، فاستعدوا للحرب.

وكتب سليمان كتابا إلى من كان بالمدائن من الشيعة من أهل الكوفة ، وحمله مع عبد الله بن مالك الطائي إلى سعد بن حذيفة بن اليمان يدعوهم إلى أخذ الثأر ، فلما وقفوا على الكتاب قالوا : رأينا مثل رأيهم ، وكتب سعد بن حذيفة الجواب بذلك.

ص: 566

وكتب سليمان إلى المثنى بن مخرمة العبدي كتابا وبعثه مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد ، فكتب المثنى الجواب :

أما بعد : فقد قرأت كتابك وأقرأته إخوانك ، فحمدوا رأيك واستجابوا لك ، فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت ، والسلام عليك ، وكتب في أسفل كتابه :

تبصر كأني قد أتيتك

معلما على أبلغ الهادي أجش هزيم

طويل القرا نهد أشق مقلص

ملح على قارئ اللجام رءوم

بكل فتى لا يملأ الدرع نحره

محش لنار الحرب غير سو

أخي ثقة يبغي الإله بسعيه

ضروب بنصل السيف غير أثيم

وذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه : أن أول ما ابتدأ به الشيعة من أمرهم سنة إحدى وستين ، وهي السنة التي قتل فيها الحسين ، فما زالوا في جمع آلة الحرب ، والاستعداد للقتال ، ودعاء الشيعة بعضهم لبعض في السر للطلب بدم الحسين عليه السلام حتى مات يزيد بن معاوية ، وكان بين مقتل الحسين عليه السلام وهلاك يزيد ثلاث سنين وشهران وأربعة أيام ، وكان أمير العراق عبيد الله ، وخليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي ، وكان عبد الله بن الزبير قبل موت يزيد يدعو الناس إلى طلب ثأر الحسين وأصحابه ، ويغريهم بيزيد ويوثبهم عليه ، فلما مات يزيد أعرض عن ذلك القول وبان أنه يطلب الملك لنفسه لا للثأر.

[ خروج المختار ]

وذكر المدائني : أن المختار لما قدم على عبد الله بن الزبير لم ير عنده ما يريد فقال :

ذو مخاريق وذو مندوحة

وركابي حيث وجهت ذلل

لا تبيتن منزلا تكرهه

وإذا زلت بك النعل فزل

ص: 567

فخرج المختار من مكة متوجها إلى الكوفة ، فلقيه هانئ بن أبي حية الوداعي فسأله عن أهلها ، فقال : لو كان لهم رجل يجمعهم على شيء واحد لأكلّ الأرض بهم ، فقال المختار : أنا والله أجمعهم على الحق ، وألقي بهم ركبان الباطل ، وأقتل بهم

كلّ جبار عنيد إن شاء الله ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ . ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال المحلين ؟ قال : لا ، ولكنهم عازمون على ذلك .

ثم سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة ، وهو يوم الجمعة ، فنزل واغتسل ولبس ثيابه وتقلد سيفه وركب فرسه ودخل الكوفة نهارا ، لا يمر على مسجد القبائل ومجالس القوم ومجتمع المحال إلا وقف وسلم وقال : أبشروا بالفرج ، فقد جئتكم بما تحبون ، وأنا المسلط على الفاسقين ، والطالب بدم أهل بيت نبي رب العالمين.

ثم دخل الجامع وصلى فيه ، فرأى الناس ينظرون إليه ويقول بعضهم لبعض : هذا المختار ما قدم إلا لأمر ونرجو به الفرج ، وخرج من الجامع ونزل داره ، ويعرف قديما بسالم بن المسيب .

ثم بعث إلى وجوه الشيعة وعرفهم أنه جاء من محمد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت ، وهذا أمر لكم فيه الشفاء وقتل الأعداء ، فقالوا : أنت موضع ذلك وأهله غير أن الناس قد بايعوا سليمان بن صرد الخزاعي ، فهو شيخ الشيعة اليوم ، فلا تعجل في أمرك ، فسكت المختار وأقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان ، والشيعة حينئذ يريدون أمرهم سرا خوفا من عبد الملك بن مروان ، ومن عبد الله بن الزبير ، وكان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر لأن أكثرهم قتلة الحسين عليه السلام .

وصار المختار يفخذ الناس عن سليمان بن صرد ويدعوهم إلى نفسه ، فأول من بايعه وضرب على يده عبيد بن عمر وإسماعيل بن كثير ، فقال عمر بن سعد وشبث بن ربعي لأهل الكوفة : إن المختار أشد عليكم لأن سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم والمختار إنما يريد أن يثب عليكم ، فسيروا إليه وأوثقوه بالحديد وخلدوه السجن ،

ص: 568

فما شعر حتى أحاطوا بداره واستخرجوه ، فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة لعبد الله بن يزيد : أوثقه كتافا ومشه حافيا ، فقال له : لم أفعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة ولا حربا ، إنما أخذناه على الظن ، فأتي ببغلة له دهماء فركبها وأدخلوه السجن .

قال يحيى بن أبي عيسى : دخلت مع حميد بن مسلم الأزدي إلى المختار فسمعته يقول : أما ورب البحار ، والنخل والأشجار ، والمهامة القفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ، لأقتلن كلّ جبار بكل لدن خطار ومهند بتار ، في جموع من الأنصار ، ليسوا بميل ولا أغمار ، ولا بعزل أشرار ، حتى إذا أقمت عمود الدين ، ورأيت صدع المسلمين ، وأدركت ثأر النبيين ، لم يكبر على زوال الدنيا ، ولم أحفل بالموت إذ أتى.

المرتبة الثانية

في ذكر رجال سليمان بن صرد وخروجه ومقتله

لما أراد النهوض بعسكره من النخيلة ، وهي العباسية ، مستهل شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين ، وهي السنة التي أمر مروان بن الحكم أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك وعبد العزيز ، وجعلهما وليي عهده ، وفيها مات مروان بدمشق مستهل شهر رمضان ، وكان عمره إحدى وثمانين سنة ، وكانت خلافته تسعة أشهر ، وكان عبيد الله بالعراق .

فسار حتى نزل الجزيرة ، فأتاه الخبر بموت مروان ، وخرج سليمان بن صرد ليرحل ، فرأى عسكره فاستقله ، فبعث حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن حصين الكناني في جماعة ، وأمرهما بالنداء في الكوفة : يالثارات الحسين عليه السلام .

فسمع النداء رجل من كثير من الأزد ، وهو عبد الله بن حازم وعنده ابنته ، وامرأته سهلة بن سبرة ، وكانت من أجمل النساء وأحبهم إليه ، ولم يكن دخل في القوم ، فوثب إلى ثيابه فلبسها ، وإلى سلاحه وفرسه ، قالت له زوجته : ويحك

ص: 569

أجننت ؟ قال : لا ، ولكني سمعت داعي الله عز وجل ، فأنا مجيبه ، وطالب بدم هذا الرجل حتى أموت ، فقالت : إلى من تودع بيتك هذا ؟ قال : إلى الله ، اللهم إني أستودعك ولدي وأهلي ، اللهم احفظني فيهم ، وتب علي مما فرطت في نصرة ابن بنت نبيك.

ثم نادوا : يالثارات الحسين في الجامع والناس يصلون العشاء الآخرة ، فخرج جمع كثير إلى سليمان ، وكان معه ستة عشر ألفا مثبتة في ديوانه ، فلم يصف منهم سوى أربعة آلاف ، وعزم على المسير إلى الشام لمحاربة عبيد الله بن زياد ، فقال له عبد الله بن سعد : إن قتلة الحسين كلّهم بالكوفة ، منهم عمر بن سعد ورؤوس الأرباع وأشراف القبائل ، وليس بالشام سوى عبيد الله بن زياد ، فلم يوافق إلا على المسير .

فخرج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر - كما ذكرنا - فباتوا بدير الأعور ، ثم سار فنزل على أقساس بني مالك على شاطئ الفرات ، ثم أصبحوا عند قبر الحسين عليه السلام ، فأقاموا يوما وليلة يصلون ويستغفرون ، ثم ضجوا ضجة واحدة بالبكاء والعويل ، فلم ير يوم أكثر بكاء فيه ، وازدحموا عند الوداع على قبره كالزحام

على الحجر الأسود ، وقام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكيا على القبر وأنشد أبيات عبيد الله بن الحر الجعفي :

تبيت النشاوى من أمية نوما

وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وما ضيع الإسلام إلا قبيلة

تأمر نوكاها ودام نعيمها

وأضحت قناة الدين في كف ظالم

إذا اعوج منها جانب لا يقيمها

فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة

وعيني تبكي لا يجف سجومها

حياتي أو تلقى أمية خزيه

يذل لها حتى الممات قرومها

وكان مع الناس عبد الله بن عوف الأحمر على فرس كميت يتأكلّ تأكلا وهو يقول :

ص: 570

خرجن يلمعن بنا أرسالا

عوابسا قد تحمل الأبطالا

نريد أن نلقى بها الأقيالا

الفاسقين الغدر الضلالا

وقد رفضنا الأهل والأموالا

والخفرات البيض والحجالا

نرجو به التحفة والنوالا

لنرضي المهيمن المفضالا

فساروا حتى أتوا هيت ، ثم خرجوا حتى انتهوا إلى قرقيسا ، وبلغهم أن أهل الشام في عدد كثير ، فساروا سيرا مغذا حتى وردوا عين الوردة عن يوم وليلة ، ثم قام سليمان بن صرد فوعظهم وذكرهم الدار الآخرة وقال :

إن قتلت فأميركم المسيب بن نجبة ، فإن أصيب المسيب فالأمير عبد الله بن سعيد بن نفيل ، فإن أصيب فأخوه خالد بن سعد ، فإن قتل خالد فالأمير عبد الله بن وال ، فإن قتل ابن وال فأميركم رفاعة بن شداد.

ثم بعث سليمان المسيب بن نجبة في أربعة آلاف فارس رائدا ، وأن يشن عليهم الغارة .

قال حميد بن مسلم : كنت معهم ، فسرنا يومنا كله وليلتنا حتى إذا كان السحر نزلنا وهومنا ، ثم ركبنا ، وقد صلينا الصبح ، ففرق العسكر وبقي معه مائة فارس ، فلقي أعرابيا فقال : كم بيننا وبين أدنى القوم ؟ فقال : ميل(1) ، وهذا عسكر شراحيل بن ذي الكلاع من قبل عبيد الله معه أربعة آلاف ، ومن ورائهم الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، ومن ورائهم الصلت بن ناجية الغلابي في أربعة آلاف ، وجمهور العسكر مع عبيد الله بن زياد بالرقة.

فساروا حتى أشرفوا على عسكر الشام ، فقال المسيب لأصحابه : كروا عليهم ، فحمل عسكر العراق فانهزموا ، فقتل منهم خلق كثير ، وغنموا منهم غنيمة عظيمة ، وأمرهم المسيب بالعود ، فرجعوا إلى سليمان بن صرد .

ص: 571


1- أقول : والميل أربعة آلاف ذراع وكلّ ثلاثة أميال فرسخ .

ووصل الخبر إلى عبيد الله ، فسرح إليهم الحصين بن نمير ، وأتبعه بالعساكر حتى نزل في عشرين ألفا ، وعسكر العراق يومئذ ثلاثة آلاف ومائة لا غير.

ثم تهيأ العساكر للحرب ،فكان على ميمنة أهل الشام عبد الله بن الضحاك بن قيس الفهري ، وعلى ميسرتهم مخارق بن ربيعة الغنوي ، وعلى الجناح شراحيل بن ذي الكلاع الحميري ، وفي القلب الحصين بن نمير السكوني .

ثم جعل أهل العراق على ميمنتهم المسيب بن نجبة الفزاري ، وعلى ميسرتهم عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعلى الجناح رفاعة بن شداد البجلي ، وعلى القلب الأمير سليمان بن صرد الخزاعي .

ووقف العسكر ، فنادى أهل الشام : ادخلوا في طاعة عبد الملك بن مروان ، ونادى أهل العراق : سلموا إلينا عبيد الله بن زياد ، وأن يخرج الناس من طاعة عبد الملك وآل الزبير ، ويسلم الأمر إلى أهل بيت نبينا ، فأبى الفريقان ، وحمل بعضهم على بعض ، وجعل سليمان بن صرد يحرضهم على القتال ، ويبشرهم بكرامة الله ، ثم كسر جفن سيفه وتقدم نحو أهل الشام وهو يقول :

إليك ربي تبت من ذنوبي

وقد علاني في الورى مشيبي

فارحم عبيدا عرما تكذيب

واغفر ذنوبي سيدي وحوبي

قال حميد بن مسلم : حملت ميمنتنا على ميسرتهم ، وحملت ميسرتنا على ميمنتهم ، وحمل سليمان في القلب ، فهزمناهم وظفرنا بهم ، وحجز الليل بيننا وبينهم ، ثم قاتلناهم في الغد وبعده حتى مضت ثلاثة أيام ، ثم أمرهم الحصين بن نمير لأهل الشام برمي النبل ، فأتت السهام كالشرار المتطائر ، فقتل سليمان بن صرد رحمه اللّه ، فلقد بذل في أهل الثأر مهجته ، وأخلص لله توبته ، وقد قلت هذين البيتين حيث مات مبرأ من العتب والشين :

قضى سليمان نحبه فغدا

إلى جنان ورحمة البارى

مضى حميدا في بذل مهجته

وأخذه للحسين بالثأر

ص: 572

ثم أخذ الراية المسيب بن نجبة ، فقاتل قتالا خرت له الأذقان ، وأثر في ذلك الجيش الجم الطعان ثلاث مرات ، وكان من أعظم الشجعان قتالا ، وأكرهم على الأعداء نكالا وهو يقول :

قد علمت ميالة الذوائب

واضحة الخدين والترائب

إني غداة الروع والتغالب

أشجع من ذي لبدة مواثب

قصاع أقران مخوف الجانب

فلم يزل يكر عليهم فيفرون بين يديه حتى تكاثروا فقتلوه.

ثم أخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ، ثم حمل على القوم وطعن وهو يقول :

ارحم إلهي عبدك التوابا

ولا توخذه فقد أنابا

وفارق الأهلين والأحبابا

يرجو بذاك الفوز والثوابا

فلم يزل يقاتل حتى قتل .

ثم تقدم أخوه خالد بن سعد بالراية ، وحرضهم على القتال ، ورغبهم في حميد المآل ، فقاتل أشد قتال ، ونكل بهم أي نكال حتى قتل.

وتقدم عبد الله بن وال ، فأخذ الراية وقاتل حتى قطعت يده اليسرى ، ثم استند إلى الصحابة ويده تشخب دما ، ثم كر عليهم وهو يقول :

نفسي فداكم اذكروا الميثاقا

وصابروهم واحذروا النفاقا

لا كوفة نبغي ولا عراقا

لا بل نريد الموت والعتاقا

وقاتل حتى قتل ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم النجدة مع المثنى بن مخرمة العبدي من البصرة ، ومن المدائن مع كثير بن عمرو الحنفي ، فاشتدت قلوب أهل العراق بهم اجتمعوا وكبروا ، واشتد القتال ، فتقدم رفاعة بن شداد نحو صفوف الشام وهو يرتجز ويقول :

ص: 573

يا رب إني تائب إليكا

قد اتكلت سيدي عليكا

قدما أرجي الخير من يديكا

فاجعل ثوابي أملي إليكا

قال عبد الله بن عوف الأزدي : واشتد القتال حتى بان في أهل العراق الضعف والقلة ، وتحدثوا في ترك القتال ، فبعضهم يوافق ، وبعضهم يقول : إن ولينا ركبنا السيف ، فلا نمشي فرسخا حتى لا يبقى منا واحد ، وإنما نقاتل حتى يأتي الليل ونمضي .

ثم تقدم عبد الله بن عوف إلى الراية فرفعها ، واقتتلوا أشد قتال ، فقتل جماعة من أهل العراق ، وانفلت الجموع ، وافترق الناس ، وعاد العسكر حتى وصلوا قرقيسا من جانب البر .

[ المختار يعدّ العدّة ]

وجاء سعد بن حذيفة إلى هيت فلقيه الأعراب فأخبروه بما لقي الناس ، ثم عاد أهل المدائن وأهل البصرة وأهل الكوفة إلى بلادهم ، والمختار محبوس ، وكان يقول لأصحابه : عدوا لغارتكم هذا أكثر من عشر ودون الشهر ثم يجيئكم نبأ هتر ، من طعن بتر ، وضرب هبر ، وقتل جم وأمر هم ، فمن لها ؟ أنا لها ، لا تكذبن أنا لها ،كان

المختار يأخذ أفعاله بالرجز والفراسة ، والخدع وحسن السياسة.

قال المرزباني في كتاب الشعراء : كان له غلام اسمه جبرئيل ، وكان يقول : قال لي جبرئيل ، وقلت لجبرئيل ، فيتوهم الأعراب وأهل البوادي أنه جبرئيل عليه السلام ، فاستحوذ عليهم بذلك حتى انتظمت له الأمور ، وقام بإعزاز الدين ونصره ، وكسر الباطل وقصره .

ولما قدم أصحاب سليمان بن صرد من الشام كتب إليهم المختار من الحبس : أما بعد : فإن الله أعظم لكم الأجر ، وحط عنكم الوزر بمفارقة القاسطين ، وجهاد المحلين ، إنكم لن تنفقوا نفقة ، ولم تقطعوا عقبة ، ولم تخطوا خطوة ، إلا رفع الله لكم

ص: 574

بها درجة ، وكتب لكم حسنة ، فأبشروا ، فإني لو خرجت إليكم جردت فيما بين المشرق والمغرب من عدوكم بالسيف بإذن الله ، فجعلتهم ركاما ، وقتلتهم فذا وتوأما ، فرحب الله لمن قارب واهتدى ، ولا يبعد الله إلا من عصى وأبى ، والسلام يا أهل الهدى.

فلما جاء كتابه وقف عليه جماعة من رواء القبائل وأعادوا الجواب : قرأنا كتابك ونحن حيث يسرك ، فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك من الحبس فعلنا ، فأخبره الرسول ، فسر باجتماع الشيعة له وقال : لا تفعلوا هذا ، فإني أخرج في أيامي هذه .

وكان المختار قد بعث إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب : أما بعد؛ فإني حبست مظلوما ، وظن بي الولاة ظنونا كاذبة ، فاكتب في رحمك الله إلى هذين الظالمين ، وهما عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد كتابا عسى الله أن يخلصني من أيديهما بلطفك ومنّك والسلام عليك.

فكتب إليهما ابن عمر : أما بعد؛ فقد علمتما الذي بيني وبين المختار من الصهر ، والذي بيني وبينكما من الود ، فأقسمت عليكما لما خليتما سبيله حين تنظران في كتابي هذا والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته .

فلما قرأ الكتاب طلبا من المختار كفلاء ، فأتاه جماعة من أشراف الكوفة فاختارا منهم عشرة ضمنوه وحلفاه أن لا يخرج عليهما ، فإن هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة ، ومماليكه كلّهم أحرار ، فخرج وجاء داره.

قال حميد بن مسلم : سمعت المختار يقول : قاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم حيث يرون أني أفي لهم بأيمانهم هذه ؟ أما حلفي بالله فإنه ينبغي إذا حلفت يمينا ورأيت ما هو أولى منها أن أتركها وأعمل الأولى وأكفر عن يميني ، وخروجي خير من كفي عنهم ، وأما هدي ألف بدنة فهو أهون علي من بصقة ، وما يهولني ثمن ألف بدنة ، وأما عتق مماليكي ، فو الله لوددت أنه استتب لي أمري من أخذ الثأر ثم لم أملك مملوكا أبدا .

ص: 575

ولما استقر في داره اختلفت الشيعة إليه واجتمعت عليه ، واتفقوا على الرضا به ، وكان قد بويع له وهو في السجن ، ولم يزل يكثرون وأمرهم يقوى ويشتد حتى عزل عبد الله بن الزبير الواليين من قبله ، وهما عبد الله بن زيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة المذكورين ، وبعث عبد الله بن مطيع واليا على الكوفة ، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على البصرة ، فدخل ابن مطيع إليها ، وبعث المختار إلى أصحابه فجمعهم في الدور حوله ، وأراد أن يثب على أهل الكوفة.

فجاء رجل من أصحابه من شبام عظيم الشرف ، وهو عبد الرحمن بن شريح ، فلقي جماعة منهم سعد بن منقذ وسعر بن أبي سعر الحنفي والأسود الكندي وقدامة بن مالك الجشمي ، وقد اجتمعوا فقالوا له : إن المختار يريد الخروج بنا للأخذ بالثأر ، وقد بايعناه ولا نعلم أرسله إلينا محمد بن الحنفية أم لا ؟ فانهضوا بنا إليه نخبره بما

قدم به علينا ، فإن رخص لنا ابتعناه ، وإن نهانا تركناه .

فخرجوا وجاءوا إلى ابن الحنفية ، فسألهم عن الناس فخبروه وقالوا : لنا إليك حاجة ، قال : سر أم علانية ؟ قلنا : بل سر ، قال : رويدا إذن ، ثم مكث قليلا وتنحى ودعانا ، فبدأ عبد الرحمن بن شريح بحمد الله والثناء وقال : أما بعد؛ فإنكم أهل بيت

خصكم الله بالفضيلة ، وشرفكم بالنبوة ، وعظم حقكم على هذه الأمة ، وقد أصبتم بحسين مصيبة عمت المسلمين ، وقد قدم المختار يزعم أنه جاء من قبلكم ، وقد دعانا إلى كتاب الله وسنة نبيه ، والطلب بدماء أهل البيت فبايعناه على ذلك ، فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه ، وإن نهيتنا اجتنبناه.

فلما سمع كلامه وكلام غيره حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وقال : أما ما ذكرتم مما خصنا الله فإن الفضل لله يُوتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وأما مصيبتنا بالحسين فذلك في الذكر الحكيم ، وأما الطلب بدمائنا.

قال جعفر بن نما مصنف هذا الكتاب : فقد رويت عن والدي رحمة الله عليه أنه قال لهم : قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين ، فلما دخل ودخلوا عليه أخبر

ص: 576

خبرهم الذي جاءوا لأجله ، قال : يا عم لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت لوجب على الناس موازرته ، وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت ، فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون : أذن لنا زين العابدين عليه السلام ومحمد بن الحنفية.

وكان المختار علم بخروجهم إلى محمد بن الحنفية ، وكان يريد النهوض بجماعة الشيعة قبل قدومهم ، فلما تهيأ ذلك له وكان يقول : إن نفيرا منكم تحيروا وارتابوا ، فإن هم أصابوا أقبلوا وأنابوا ، وإن هم كبوا وهابوا ، واعترضوا وانجابوا ، فقد خسروا وخابوا .

فدخل القادمون من عند محمد بن الحنفية فقال : ما وراءكم ؟ فقد فتنتم وارتبتم ، فقالوا : قد أمرنا بنصرتك ، فقال : أنا أبو إسحاق ، اجمعوا إلي الشيعة ، فجمع من كان

قريبا ، فقال : يا معشر الشيعة ، إن نفرا أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به فخرجوا إلى إمام الهدى والنجيب المرتضى وابن المصطفى المجتبى - يعني زين العابدين عليه السلام - فعرفهم أني ظهيره ورسوله ، وأمركم باتباعي وطاعتي ، وقال كلاما يرغبهم إلى الطاعة والاستنفار معه ، وأن يعلم الحاضر الغائب.

وعرفه قوم أن جماعة من أشراف الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع ، ومتى جاء معنا إبراهيم بن الأشتر رجونا بإذن الله - تعالى - القوة على عدونا فله عشيرة ، فقال : القوة ، وعرفوا الإذن لنا في الطلب بدم الحسين وأهل بيته ، فعرفوه فقال : قد أجبتكم على أن تولوني الأمر ، فقالوا له : أنت أهل ولكن ليس إليه سبيل ، هذا المختار قد جاءنا من قبل إمام الهدى ، ومن نائبه محمد بن الحنفية ، وهو المأذون له في القتال ، فلم يجب فانصرفوا وعرفوه المختار.

فبقي ثلاثا ثم إنه دعاء جماعة من وجوه أصحابه ، قال عامر الشعبي : وأنا وأبي فيهم ، فسار المختار وهو أمامنا يقد بنا بيوت الكوفة لا يدري أين يريد ، حتى وقف على باب إبراهيم ، فأذن له ، وألقيت الوسائد فجلسنا عليها ، وجلس المختار معه على فراشه وقال : هذا كتاب محمد بن أمير المونين عليه السلام يأمرك أن تنصرنا ، فإن

ص: 577

فعلت اغتبطت ، وإن امتنعت فهذا الكتاب حجة عليك ، وسيغني الله محمدا وأهل بيته عنك ، وكان المختار قد سلم الكتاب إلى الشعبي ، فلما تم كلامه قال : ارفع

الكتاب إليه ، ففض ختمه وهو كتاب طويل فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد المهدي إلى إبراهيم بن الأشتر سلام عليك ، قد بعثت إليك المختار ومن ارتضيته لنفسي ، وقد أمرته بقتال عدوي والطلب بدماء أهل بيتي ، فامض معه بنفسك وعشيرتك . وتمام الكتاب بما يرغب إبراهيم في ذلك.

فلما قرأ الكتاب قال : ما زال يكتب إلي اسمه واسم أبيه ، فما باله ويقول في هذا الكتاب المهدي ؟ قال المختار : ذاك زمان ، قال إبراهيم : من يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفية إلي ؟ قال يزيد بن أنس وأحمر بن سقيط وعبد الله بن كامل وغيرهم : نحن نعلم ونشهد أنه كتاب محمد إليك ، قال الشعبي : إلا أنا وأبي لا نعلم .

فعند ذلك تأخر إبراهيم عن صدر الفراش ، وأجلس المختار عليه وقال : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعه ودعا بفاكهة وشراب من عسل فأصبنا منه ، فأخرجنا معنا إبراهيم إلى أن دخل المختار داره.

فلما رجع أخذ بيدي وقال : يا شعبي علمت أنك لا تشهد ولا أبوك أفترى هواء شهدوا على حق ؟ قلت : شهدوا على ما رأيت ، وفيهم سادة القراء ومشيخة المصر وفرسان العرب ، وما يقول مثل هواء إلا حقا.

وكان إبراهيم رحمه الله ظاهر الشجاعة ، واري زناد الشهامة ، نافذ حد الصرامة ، مشمرا في محبة أهل البيت عن ساقيه ، متلقيا راية النصح لهم بكلتا يديه ، فجمع عشيرته وإخوانه وأهل مودته وأعوانه ، وكان يتردد بهم إلى المختار عامة الليل ، ومعه حميد بن مسلم الأزدي حتى تصوب النجوم وتنقض الرجوم .

وأجمع رأيهم أن يخرجوا يوم الخميس لأربع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست وستين ، وكان أياس بن مضارب صاحب شرطة عبد الله بن مطيع أمير الكوفة ، فقال له : إن المختار خارج عليك لا محالة ، فخذ حذرك ، ثم خرج

ص: 578

أياس مع الحرس ، وبعث ولده راشدا إلى الكناسة ، وجاء هو إلى السوق ، وأنفذ ابن مطيع إلى الجبانات من شحنها بالرجال يحرسها من أهل الريبة ، وخرج إبراهيم بعد المغرب إلى المختار ومعه جماعة عليهم الدروع وفوقها الأقبية ، وقد أحاط الشرط بالسوق والقصر ، لقي أياس بن مضارب أصحاب إبراهيم وهم متسلحون فقال : ما هذا الجمع ؟ إن أمرك لمريب ، ولا أتركك حتى آتي بك إلى الأمير ، فامتنع إبراهيم ، ووقع التشاجر بينهم ، ومع أياس رجل من همدان اسمه «أبا قطن» قال له إبراهيم : ادن مني ، لأنه صديقه ، فظن أنه يريد أن يجعله شفيعه في تخلية القوم ، وبيد

أبي قطن رمح طويل ، فأخذه إبراهيم منه وطعن أياس بن مضارب في نحره فصرعه ، وأمرهم فاجتزوا رأسه ، وانهزم أصحابه وأقبل إبراهيم إلى المختار وعرفه ذلك ، فاستبشر وتفاءل بالنصر والظفر ، ثم أمر بإشعال النار في هرادي القصب ، وبالنداء : يالثارات الحسين ، ولبس درعه وسلاحه وهو يقول :

قد علمت بيضاء حسناء الطلل

واضحة الخدين عجزاء الكفل

إني غداة الروع مقدام بطل

لا عاجز فيها ولا وغد فشل

فأقبل الناس من كلّ ناحية ، وجاء عبيد الله بن الحر الجعفي في قومه ، وتقاتلوا قتالا عظيما ، وشرد الناس ومن كان في الطرق والجبانات من أصحاب السلاح ، واستشعروا الحذر ، وتفرقوا في الأزقة خوفا من إبراهيم ، وأشار شبث بن ربعي على الأمير ابن مطيع بالقتال ، فعلم المختار فخرج في أصحابه حتى نزل دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة ، ثم جاء أبو عثمان النهدي في جماعة أصحابه إلى الكوفة ونادوا : يالثارات الحسين ، يا منصور أمت - وهذه علامة بينهم - يا أيها الحي المهتدون ، ألا إن أمين آل محمد قد خرج ، فنزل دير هند وبعثني إليكم داعيا ومبشرا ، فأخرجوا إليه رحمكم الله ، فخرجوا من الدور يتداعون .

وفي هذا المعنى قلت هذه الأبيات متأسفا على ما فات ، كيف لم أكن من أصحاب الحسين عليه السلام في نصرته ، ولا من أصحاب المختار وجماعته :

ص: 579

ولما دعا المختار للثأر أقبلت

كتائب من أشياع آل محمد

وقد لبسوا فوق الدروع قلوبهم

وخاضوا بحار الموت في كلّ مشهد

هم نصروا سبط النبي ورهطه

ودانوا بأخذ الثأر من كلّ ملحد

ففازوا بجنات النعيم وطيبها

وذلك خير من لجين وعسجد

ولو أنني يوم الهياج لدى الوغى

لأعملت حد المشرفي المهند

فوا أسفا إذ لم أكن من حماته

فأقتل فيهم كلّ باغ ومعتد

المرتبة الثالثة

في وصف الوقعة مع ابن مطيع

قال الوالبي وحميد بن مسلم والنعمان بن أبي الجعد : خرجنا مع المختار ، فو الله ما انفجر الفجر حتى فرغ من تعبئة عسكره ، فلما أصبح تقدم وصلى بنا الغداة فقرأ والنازعات وعبس ، فو الله ما سمعنا إماما أفصح لهجة منه ، ونادى ابن مطيع في أصحابه ، فلما جاءوا بعث شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف ، وراشد بن أياس في أربعة آلاف ، وحجار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف ، وعكرمة بن ربعي وشداد بن أبجر وعبد الرحمن بن سويد في ثلاثة آلاف ، وتتابعت العساكر نحوا من عشرين ألفا ، فسمع المختار أصواتا مرتفعة وضجة ما بين بني سليم وسكة البريد ، فأمر باستعلام ذلك ، فإذا

هو شبث بن ربعي ومعه خيل عظيمة ، وأتاه في الحال سعر بن أبي سعر الحنفي ، وهو ممن بايع المختار يركض من قبل مراد ، فلقي راشد بن أياس فأخبر المختار ، فأرسل إبراهيم بن الأشتر في تسعمائة فارس وستمائة راجل ونعيم بن هبيرة في ثلاثمائة فارس وستمائة راجل ، وقدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث في تسعمائة ، فقاتلوهم حتى أدخلوهم البيوت ، وقتل من الفريقين جمع ، وقتل نعيم بن هبيرة ، وجاء إبراهيم فلقي راشد بن أياس ومعه أربعة آلاف فارس ، فقال إبراهيم لأصحابه : لا يهولنكم كثرتهم ، فلرب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة والله مع الصابرين.

ص: 580

فاشتد قتالهم وبصر خزيمة بن نصر العبسي براشد وحمل عليه فطعنه فقتله ، ثم نادى خزيمة : قتلت راشدا ورب الكعبة ، فانهزم القوم وانكسروا وأجفلوا إجفال النعام ، وأطلوا عليهم كقطع الغمام ، واستبشر أصحاب المختار وحملوا على خيل الكوفة ، فجعلوا صفو حياتهم كدرا ، وساقوهم حتى أوصلوهم إلى الموت زمرا حتى أوصلوهم السكك وأدخلوهم الجامع ، وحصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر ، ونزل المختار بعد هذه الوقعة جانب السوق ، وولى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر.

فلما ضاق عليه وعلى أصحابه الحصار ، وعلموا أنه لا تعويل لهم على مكر ، ولا سبيل إلى مفر ، أشاروا عليه أن يخرج ليلا في زي امرأة ويستتر في بعض دور الكوفة ، ففعل وخرج حتى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فآووه ، وأما هم فإنهم طلبوا الأمان فآمنهم ، وخرجوا وبايعوه ، وصار يمنيهم ويستجر مودتهم ويحسن السيرة فيهم.

ولما خرج أصحاب ابن مطيع من القصر سكنه المختار ، ثم خرج إلى الجامع وأمر بالنداء الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ورقى المنبر ثم قال :

الحمد لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر وعدا مأتيا وأمرا مفعولا وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ، أيها الناس مدت لنا غاية ، ورفعت لنا راية ، فقيل في الراية : ارفعوها ولا تضيعوها ، وفي الغاية : خذوها ولا تدعوها ، فسمعنا دعوة الداعي ، وقبلنا قول الراعي ، فكم من باغ وباغية ، وقتلى في الراعية ، ألا فبعدا لمن طغى وبغى ، وجحد ولغى ، وكذب وتولى ، ألا فهلموا عباد الله إلى بيعة الهدى ، ومجاهدة الأعداء ، والذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفى ، وأنا المسلط على المحلين ، المطالب بدم ابن نبي رب العالمين ، أما ومنشئ السحاب ، الشديد العقاب ، لأنبشن قبر ابن شهاب ، المفتري الكذاب ، المجرم المرتاب ، ولأنفين الأحزاب إلى بلاد الأعراب ، ثم ورب العالمين لأقتلن أعوان الظالمين وبقايا القاسطين .

ص: 581

ثم قعد على المنبر ووثب قائما وقال : أما والذي جعلني بصيرا ، ونور قلبي تنويرا ، لأحرقن بالمصر دورا ، ولأنبشن بها قبورا ، ولأشفين بها صدورا ، ولأقتلن بها جبارا كفورا ، ملعونا غدورا ، وعن قليل ورب الحرم والبيت المحرم ، وحق النون والقلم ، ليرفعن لي علم من الكوفة إلى إضم ، إلى أكناف ذي سلم ، من العرب والعجم ، ثم لأتخذن من بني تميم أكثر الخدم.

ثم نزل ودخل قصر الإمارة ، وانعكف عليه الناس للبيعة ، فلم يزل باسطا يده حتى بايعه خلق من العرب والسادات والموالي ، ووجد في بيت المال بالكوفة تسعة آلاف ألف ، فأعطى كلّ واحد من أصحابه الذين قاتل بهم في حصر ابن مطيع ، وهم ثلاث آلاف وثمانمائة رجل كلّ واحد منهم خمسمائة درهم ، وستة آلاف رجل من الذين أتوه من بعد حصار القصر مائتين مائتين.

ولما علم أن ابن مطيع في دار أبي موسى الأشعري دعا عبد الله بن كامل الشاكري ودفع إليه عشرة آلاف درهم وأمره بحملها إليه وأن يقول له : استعن بها على سفرك فإني أعلم أنه ما منعك إلا ضيق يدك.

فأخذها ومضى إلى البصرة ، ولم يمش إلى عبد الله بن الزبير حياء مما جرى عليه من المختار ، واستعمل على شرطته عبد الله بن كامل ، وعلى حرسه كيسان أبا عمر مولى عرينة ، وعقد لعبد الله بن الحارث أخي الأشتر لأمه على أرمينية ، ولمحمد بن عطارد على آذربيجان ، ولعبد الرحمن بن سعد بن قيس على الموصل ، ولسعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان ، ولعمر بن السائب على الري وهمدان ، وفرق العمال بالجبال والبلاد ،وكان يحكم بين الخصوم حتى إذا شغلته أموره فولى شريحا قاضيا ، فلما سمع المختار أن عليا عليه السلام عزله أراد عزله فتمارض هو ، فعزله وولاه عبد الله بن عتبة بن مسعود فمرض ، فجعل مكانه عبد الله بن مالك الطائي قاضيا.

وكان مروان بن الحكم لما استقامت له الشام بالطاعة بعث جيشين : أحدهما إلى الحجاز ، والآخر إلى العراق ، مع عبيد الله بن زياد لينهب الكوفة إذا ظفر بها ثلاثة

ص: 582

أيام ، فاجتاز بالجزيرة عرض له أمر منعه من السير ، وعاملها من قبل ابن الزبير قيس عيلان ، فلم يزل عبيد الله مشغولا بذلك عن العراق ، ثم قدم الموصل ، وعامل المختار عليها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس ، فوجه عبيد الله إليه خيله ورجله ، فانحاز عبد الرحمن إلى تكريت ، وكتب إلى المختار يعرفه ذلك ، فكتب الجواب يصوب رأيه ويحمد مشورته ، وأن لا يفارق مكانه حتى يأتيه أمره إن شاء الله.

ثم دعا المختار يزيد بن أنس وعرفه جلية الحال ، ورغّبه في النهوض بالخيل والرجال ، وحكمه في تخيير من شاء من الأبطال ، فتخير ثلاثة آلاف فارس ، ثم خرج من الكوفة وشيعه المختار إلى دير أبي موسى ، وأوصاه بشيء من أدوات الحرب ، وإن احتاج إلى مدد عرفه ، فقال : أريد لا تمدني إلا بدعائككفى به مددا .

ثم كتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس : أما بعد؛ فخل بين يزيد وبين البلاد إن شاء الله والسلام عليك.

فسار حتى بلغ أرض الموصل ، فنزل بموضع يقال له «بافكى» وبلغ خبره إلى عبيد الله بن زياد وعرف عدتهم ، فقال : أرسل إلى كلّ ألف ألفين ، وبعث ستة آلاف فارس ، فجاءوا ويزيد بن أنس مريض مدنف فأركبوه حمارا مصريا ، والرجالة يمسكونه يمينا وشمالا ، فيقف على الأرباع ويحثهم على القتال ، ويرغبهم في حميد المال ، وقال : إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي ، فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري ، فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي ، ووقع القتال بينهم في ذي الحجة يوم عرفة سنة ست وستين قبل شروق الشمس ، فلا يرتفع الضحى حتى هزمهم عسكر العراق وأزالهم عن مآزق الحرب زوال السراب ، وقشعوهم انقشاع الضباب ، وأتوا يزيد بثلاثمائة أسير وقد أشفى على الموت ، فأشار بيده أن اضربوا رقابهم ، فقتلوا جميعا ، ثم مات يزيد بن أنس فصلى عليه ورقاء بن عازب الأسدي ودفنه ، واغتم عسكر العراق لموته ، فعزاهم ورقاء فيه وعرفهم أن عبيد الله بن زياد في

جمع كثير ، ولا طاقة لكم به ، فقالوا : الرأي أن ننصرف في جوف الليل.

ص: 583

قال محمد بن جرير الطبري في تاريخه : كان مع عبيد الله ثمانون ألفا من أهل الشام ، ثم اتصل بالمختار وأهل الكوفة إرجاف الناس بيزيد بن أنس ، فظنوا أنه قتل ولم يعلموا كيف هلك ، واستطلع المختار ذلك من عامله على المدائن ، فأخبره بموته ، وأن العسكر انصرف من غير هزيمة ولا كسرة ، فطاب قلب المختار ، ثم ندب الناس .

قال المرزباني : وأمر إبراهيم بن الأشتر بالمسير إلى عبيد الله ، فخرج في ألفين من مذحج وأسد ، وألفين من تميم وهمدان ، وألف وخمسمائة من قبائل المدينة ، وألف وأربعمائة من الكندة وربيعة ، وألفين من الحمراء ، وقيل : خرج في اثني عشر ألفا أربعة آلاف من القبائل ، وثمانية آلاف من الحمراء ، وشيع إبراهيم ماشيا فقال :

اركب رحمك الله ، فقال المختار : إني لأحتسب الأجر في خطاي معك ، وأحب أن تتغبر قدماي في نصر آل محمد والطلب بدم الحسين عليه السلام ، ثم ودعه وانصرف .

وبات إبراهيم بموضع يقال له «حمام أعين» ثم رحل حتى وافى ساباط المدائن ، فحينئذ توسم أهل الكوفة في المختار القلة والضعف ، فخرج أهل الكوفة عليه وجاهروه بالعداوة ، ولم يبق أحد ممن شرك في قتل الحسين وكان مختفيا إلا وظهر ، ونقضوا بيعته ، وسلوا عليه سيفا واحدا ، واجتمعت القبائل عليه من بجيلة والأزد وكندة وشمر بن ذي الجوشن ، فبعث المختار من ساعته رسولا إلى إبراهيم ، وهو بساباط : لا تضع كتابي حتى تعود بجميع من معك إلي ، فلما جاءهم كتابه نادى بالرجوع ، فوصلوا السير بالسرى ، وأرخوا الأعنة ، وجذبوا البريء .

والمختار يشغل أهل الكوفة بالتسويف والملاطفة حتى يرجع إبراهيم بعسكره فيكف عاديتهم ويقمع شرتهم ويحصد شوكتهم ، وكان مع المختار أربعة آلاف ، فبغى عليه أهل الكوفة وبدءوه بالحرب ، فحاربه يومهم أجمع وباتوا على ذلك ، فوافاهم إبراهيم في اليوم الثاني بخيله ورجله ، ومعه أهل النجدة والقوة .

ص: 584

فلما علموا قدومه افترقوا فرقتين ، ربيعة ومضر علا حده ، واليمن علا حده ، فخير المختار إبراهيم إلى أي الفرقتين تسير ، فقال : إلى أيهما أحببت ، وكان المختار

ذا عقل وافر ورأي حاضر ، فأمره بالسير إلى مضر بالكناسة ، وسار هو إلى اليمن إلى الجبانة السبيع ، فبدأ بالقتال رفاعة بن شداد ، فقاتل قتال الشديد البأس القوي المراس حتى قتل .

وقاتل حميد بن مسلم وهو يقول :

لأضربن عن أبي حكيم

مفارق الأعبد والحميم

ثم انكسروا كسرة هائلة ، وجاء البشير إلى المختار أنهم ولوا مدبرين ، فمنهم من اختفى في بيته ، ومنهم من لحق بمصعب بن الزبير ، ومنهم من خرج إلى البادية ، ثم وضعت الحرب أوزارها وحلت أزرارها ، ومحص القتل شرارها ، فأحصوا القتلى منهم فكانوا ستمائة وأربعين رجلا ، ثم استخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير كما ذكر الطبري وغيره ، فجاءوا بهم إلى المختار فعرضوهم عليه فقال : كلّ من حضر منهم قتل الحسين فأعلموني به ، فلا يوى بمن حضر قتله إلا قيل هذا فيضرب عنقه ، حتى قتل منهم مائتين وثمانية وأربعين رجلا ، وقتل أصحاب المختار جمعا كثيرا بغير علمه وأطلق الباقين .

ثم علم المختار أن شمر بن ذي الجوشن خرج هاربا ومعه نفر ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام ، فأمر عبدا له أسود يقال له «رزين» وقيل : «زربي» ومعه عشرة ، وكان شجاعا يتبعه فيأتيه برأسه .

قال مسلم بن عبد الله الضبابي : كنت مع شمر حين هزمنا المختار ، فدنا منا العبد قال شمر : اركضوا وتباعدوا لعل العبد يطمع في ، فأمعنا في التباعد عنه حتى لحقه العبد ، فحمل عليه فقتله ، ومشى فنزل في جانب قرية اسمها «الكلتانية» على شاطئ نهر إلى جانب تل ، ثم أخذ من القرية علجا فضربه ودفع إليه كتابا وقال : عجل به إلى مصعب بن الزبير ، وكان عنوانه للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن .

ص: 585

فمشى العلج حتى دخل قرية فيها أبو عمرة بعثه المختار إليها في أمر ومعه خمسمائة فارس ، قرأ الكتاب رجل من أصحابه وقرأ عنوانه ، فسأل عن شمر وأين هو ؟ فأخبره أن بينهم وبينه ثلاثة فراسخ.

قال مسلم بن عبد الله : قلت لشمر : لو ارتحلت من هذا المكان ، فإنا نتخوف عليك ، فقال : ويلكم أكلّ هذا الجزع من الكذاب ، والله لا برحت فيه ثلاثة أيام ، فبينما نحن في أول النوم أشرفت علينا الخيل من التل ، وأحاطوا بنا وهو عريان موزرا بمنديل ، فانهزمنا وتركناه ، فأخذ سيفه ودنا منهم وهو يقول :

نبهتموا ليثا هزبرا باسلا

جهما محياه يدق الكاهلا

لم يك يوما من عدو ناكلا

إلا كذا مقاتلا أو قاتلا

فلم يك بأسرع أن سمعنا قتل الخبيث ، قتله أبو عمرة ، وقتل أصحابه ، ثم جيء بالرؤوس إلى المختار ، خر ساجدا ، ونصبت الرؤوس في رحبة الحذاءين حذاء الجامع .

وأنا الآن أذكر من قتله المختار من قتلة الحسين عليه السلام

ذكر الطبري في تاريخه : أن المختار تجرد لقتلة الحسين وأهل بيته وقال : اطلبوهم فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم .

قال موسى بن عامر : فأول من بدأ به الذين وطئوا الحسين بخيلهم ، وأنامهم على ظهورهم وضرب سكك الحديد في أيديهم وأرجلهم ، وأجرى الخيل عليهم حتى قطعتهم ، وحرقهم بالنار .

ثم أخذ رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وفي سلبه كانا في الجبانة ، فضرب أعناقهما ، ثم أحرقهما بالنار .

ثم أحضر مالك بن بشير فقتله في السوق .

ص: 586

وبعث أبا عمرة ، فأحاط بدار خولي بن يزيد الأصبحي ، وهو حامل رأس الحسين عليه السلام إلى عبيد الله ، فخرجت امرأته إليهم ، وهي النوار ابنة مالك كما ذكر الطبري في تاريخه ، وقيل : اسمها «العيوف» وكانت محبة لأهل البيت ، قالت : لا أدري أين هو ، وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء ، فوجدوه وعلى رأسه قوصرة ، فأخذوه وقتلوه ، ثم أمر بحرقه.

وبعث عبد الله بن كامل إلى حكيم بن الطفيل السنبسي ، وكان قد أخذ سلب العباس ورماه بسهم ، فأخذوه قبل وصوله إلى المختار ، ونصبوه هدفا ورموه بالسهام .

وبعث إلى قاتل علي بن الحسين ، وهو مرة بن منقذ العبدي ، وكان شيخا ، فأحاطوا بداره ، فخرج وبيده الرمح وهو على فرس جواد ، فطعن عبيد الله بن ناجية الشبامي فصرعه ، ولم تضره الطعنة ، وضربه ابن كامل بالسيف فاتقاها بيده اليسرى ، فأشرع فيها

السيف ، وتمطرت به الفرس فأفلت ولحق بمصعب ، وشلت يده بعد ذلك .

وأحضر زيد بن رقاد ، فرماه بالنبل والحجارة وأحرقه .

وهرب سنان بن أنس إلى البصرة ، فهدم داره ، ثم خرج من البصرة نحو القادسية ، وكان عليه عيون فأخبروا المختار ، فأخذه بين العذيب والقادسية ، فقطع أنامله ، ثم يديه ورجليه ، وأغلى زيتا في قدر ورماه فيها.

وهرب عبد الله بن عقبة الغنوي إلى الجزيرة ، فهدم داره ، وفيه وفي حرملة بن الكاهل قتل واحدا من أصحاب الحسين عليه السلام قال الشاعر :

وعند غني قطرة من دمائنا

وفي أسد أخرى تعد وتذكر

حدث المنهال بن عمر وقال : دخلت على زين العابدين عليه السلام أودعه وأنا أريد الانصراف من مكة فقال : يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل ؟ وكان معي بشر بن غالب الأسدي ، فقال : ذلك من بني الحريش ، أحد بني موقد النار ، وهو حي بالكوفة ، فرفع يديه وقال : اللهم أذقه حر النار ، اللهم أذقه حر الحديد .

ص: 587

قال المنهال : وقدمت الكوفة والمختار بها ، فركبت إليه فلقيته خارجا من داره ، فقال : يا منهال لم تشركنا في ولايتنا هذه ، فعرفته أني كنت بمكة ، فمشى حتى أتى الكناس ووقف كأنه ينتظر شيئا ، فلم يلبث أن جاء قوم قالوا : أبشر أيها الأمير فقد أخذ

حرملة ، فجيء به ، فقال : لعنك الله ، الحمد لله الذي أمكنني منك ، الجزار الجزار ، فأتي بجزار ، فأمره بقطع يديه ورجليه ، ثم قال : النار النار ، فأتي بنار وقصب فأحرق .

فقلت : سبحان الله ، سبحان الله ، فقال : إن التسبيح لحسن ، لم سبحت ؟ فأخبرته دعاء زين العابدين عليه السلام ، فنزل عن دابته وصلى ركعتين وأطال السجود ، وركب وسار فحاذى داري فعزمت عليه بالنزول والتحرم بطعامي ، فقال : إن علي بن الحسين دعا بدعوات فأجابها الله على يدي ثم تدعوني إلى الطعام ؟ هذا يوم صوم شكرا لله - تعالى - ، فقلت : أحسن الله توفيقك .

وانهزم عبد الله بن عروة الخثعمي إلى مصعب ، فهدم داره .

وطلب عمرو بن صبيح الصيداوي ، فأتوه وهو على سطحه بعد ما هدأت العيون ، وسيفه تحت رأسه ، فأخذوه وسيفه فقال : قبحك الله من سيف ، ما أبعدك على قربك ، فجيء به إلى المختار ، فلما كان من الغداة طعنوه بالرماح حتى مات .

وأنفذ إلى محمد بن الأشعث بن قيس ، وقد انهزم إلى قصر له في قرية إلى جنب القادسية ، فقال : انطلق فإنك تجده لاهيا متصديا ، أو قائما متبلدا ، أو خائفا متلددا ، أو كامنا متعمدا ، فأتني برأسه ، فأحاطوا بالقصر ، وله بابان ، فخرج ومشى إلى مصعب ، فهدم القصر وداره ، وأخذ ما كان فيها .

قال المرزباني : وأتوه بعبد الله بن أسيد الجهني ، ومالك بن الهشيم البدائي ، وحمل بن مالك المحاربي من القادسية ، فقال : يا أعداء الله أين الحسين بن علي ؟ قالوا : أكرهنا على الخروج ، قال : فألا مننتم عليه وسقيتموه من الماء ؟ وقال للبدائي : أنت آخذ برنسه ؟ قال : لا قال : بلى ، وأمر بقطع يديه ورجليه ، والآخران ضرب أعناقهما.

ص: 588

وأتوه ببجدل بن سليم الكلبي ، وعرفوا أنه أخذ خاتمه وقطع إصبعه ، فأمر بقطع يديه ورجليه ، فلم يزل ينزف حتى مات .

وأتوه برقاد بن مالك ، وعمر بن خالد ، وعبد الرحمن البجلي ، وعبد الله بن قيس الخولاني ، فقال : يا قتلة الحسين ، لقد أخذتم الورس في يوم نحس ، وكان في رحل الحسين ورس ، فاقتسموه وقت نهب رحله ، فأخرجهم إلى السوق.

وكان أسماء بن خارجة الفزاري ممن سعى في قتل مسلم بن عقيل رحمه الله فقال المختار : أما ورب السماء ، ورب الضياء والظلماء ، لتنزلن نار من السماء دهماء حمراء سحماء تحرق دار أسماء ، فبلغ كلامه إليه فقال : سجع أبو إسحاق ، وليس هاهنا مقام بعد هذا ، وخرج من داره هاربا إلى البادية ، فهدم داره ودور بني عمه.

وكان الشمر بن ذي الجوشن قد أخذ من الإبل التي كانت تحت رحل الحسين عليه السلام فنحرها وقسم لحمها على قوم من أهل الكوفة ، فأمر المختار فأحصوا كلّ دار دخلها ذلك اللحم فقتل أهلها وهدمها .

ولم يزل المختار يتبع قتلة الحسين عليه السلام حتى قتل خلقا كثيرا وهزم الباقين ، فهدم دورهم وأنزلهم من المعاقل والحصون إلى المفاوز والصحون .

قال : وقتلت العبيد مواليها وجاءوا إلى المختار فعتقهم ، وكان العبد يسعى بمولاه فيقتله المختار حتى أن العبد يقول لسيده : احملني على عنقك فيحمله ، ويدلي رجليه على صدره إهانة له ، ولخوفه من سعايته به إلى المختار.

فيا لها منقبة حازها ومثوبة أحرزها ، فقد سر النبي بفعله ، وإدخاله الفرح على عترته وأهله ، وقد قلت هذه الأبيات مع كلال الخاطر وقذى الناظر :

سر النبي بأخذ الثأر من عصب

باءوا بقتل الحسين الطاهر الشيم

قوم غذوا بلبان البغض ويحهم

للمرتضى وبنيه سادة الأمم

حاز الفخار الفتى المختار إذ قعدت

عن نصره سائر الأعراب والعجم

جادته من رحمة الجبار سارية

تهمي على قبره منهلة الديم

ص: 589

المرتبة الرابعة

في ذكر مقتل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد

ومن تابعه وكيفية قتالهم والنصر عليهم

[ مقتل عمر بن سعد وابنه عليهم لعنة الله ]

فلما خلا خاطره وانجلى ناظره اهتم بعمر بن سعد وابنه حفص .

حدث عمر بن الهيثم قال : كنت جالسا عن يمين المختار ، والهيثم بن الأسود عن يساره ، فقال : والله لأقتلن رجلا عظيم القدمين ، غائر العينين ، مشرف الحاجبين ، يهمر برجله الأرض ، يرضي قتله أهل السماء والأرض ، فسمع الهيثم قوله ووقع في نفسه أنه أراد عمر بن سعد ، فبعث ولده العريان فعرفه قول المختار .

وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أعز الناس على المختار قد أخذ لعمر أمانا حيث اختفى فيه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا أمان المختار بن أبي عبيد الثقفي لعمر

بن سعد بن أبي وقاص ، إنك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وولدك ، لا توخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت وأطعت ولزمت منزلك ، إلا أن تحدث حدثا ، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد عليهم السلام فلا يعرض له إلا بسبيل خير والسلام ، ثم شهد فيه جماعة.

قال الباقر عليه السلام : إنما قصد المختار أن يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء ويحدث ، فظهر عمر إلى المختار ، فكان يدنيه ويكرمه ويجلسه معه على سريره .

وعلم أن قول المختار عنه فعزم على الخروج من الكوفة ، فأحضر رجلا من بني تيم اللات ، اسمه «مالك» ، وكان شجاعا ، وأعطاه أربعمائة دينار وقال : هذه معك لحوائجنا وخرجا ، فلما كان عند حمام عمر أو نهر عبد الرحمن وقف وقال : أتدري لم خرجت ؟ قال : لا ، قال : خفت المختار ، فقال : ابن دومة - يعني المختار - أضيق استا من أن يقتلك ، وإن هربت هدم دارك وانتهب عيالك

ص: 590

ومالك وخرب ضياعك ، وأنت أعز العرب ، فاغتر بكلامه ، فرجعا على الروحاء ، فدخلا الكوفة مع الغداة. هذا قول المرزباني .

وقال غيره : إن المختار علم خروجه من الكوفة فقال : وفينا له وغدر ، وفي عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق ما استطاع ، فنام عمر على الناقة ، فرجعت وهو لا يدري حتى ردته إلى الكوفة ، فأرسل عمر ابنه إلى المختار قال له : أين أبوك ؟ قال : في المنزل ، ولم يكونا يجتمعان عند المختار ، وإذا حضر أحدهما غاب الآخر خوفا أن يجتمعا فيقتلهما ، فقال حفص : أبي يقول : ا تفي لنا بالأمان ؟ قال : اجلس وطلب المختار أبا عمرة ، وهو كيسان التمار ، فأسر إليه أن أقتل عمر بن سعد ، وإذا دخلت ورأيته يقول : يا غلام علي بطيلساني ، فإنه يريد السيف ، فبادره واقتله ، فلم يلبث أن

جاء ومعه رأسه ، فقال حفص : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، فقال له : أتعرف هذا الرأس ؟

قال : نعم ، ولا خير في العيش بعده ، فقال : إنك لا تعيش بعده ، فقال : وأمر بقتله .

وقال المختار : عمر بالحسين ، وحفص بعلي بن الحسين ، ولا سواء ، والله لأقتلن سبعين ألفا كما قتل بيحيى بن زكريا عليه السلام ، وقيل : إنه قال : لو قتلت ثلاثة أرباع

قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السلام .

وكان محمد بن الحنفية يعتب على المختار لمجالسة عمر بن سعد وتأخير قتله ، فحمل الرأسين إلى مكة مع مسافر بن سعد الهمداني وظبيان بن عمارة التميمي ، فبينا محمد بن الحنفية جالسا في نفر من الشيعة ، وهو يعتب على المختار ، فما تم كلامه إلا

والراسان عنده ، فخر ساجدا وبسط كفيه وقال : اللهم لا تنس هذا اليوم للمختار وأجزه عن أهل بيت نبيك محمد خير الجزاء ، فو الله ما على المختار بعد هذا من عتب.

[ مقتل عبيد الله بن زياد عليه لعنة الله ]

فلما قضى المختار من أعداء الله وطره وحاجته ، وبلغ فيهم أمنيته قال : لم يبق علي أعظم من عبيد الله بن زياد ، فأحضر إبراهيم بن الأشتر وأمره بالمسير إلى

ص: 591

عبيد

الله ، فقال : إني خارج ولكني أكره خروج عبيد الله بن الحر معي ، وأخاف أن يغدر بي وقت الحاجة ، فقال له : أحسن إليه واملأ عينه بالمال ، وأخاف إن أمرته بالقعود عنك فلا يطيب له ، فخرج إبراهيم من الكوفة ومعه عشرة آلاف فارس ، وخرج المختار في تشييعه وقال : اللهم انصر من صبر ، واخذل من كفر ، ومن عصى وفجر ، وبايع وغدر ، وعلا وتجبر ، فصار إلى سقر ، لا تبقى ولا تذر ، ليذوق العذاب الأكبر ، ثم رجع ومضى إبراهيم وهو يرتجز ويقول :

أنا وحق المرسلات عرفا

حقا وحق العاصفات عصفا

لنعسفن من بغانا عسفا

حتى يسوم القوم منا خسفا

زحفا إليهم لا نمل الرجفا

حتى نلاقي بعد صف صفا

وبعد ألف قاسطين ألفا

نكشفهم لدى الهياج كشفا

فسار إلى المدائن ، فأقام بها ثلاثا ، وسار إلى تكريت فنزلها ، وأمر بجباية خراجها ففرقه ، وبعث إلى عبيد الله بن الحر بخمسة آلاف درهم ، فغضب فقال : أنت أخذت لنفسك عشرة آلاف درهم وما كان الحر دون مالك ، فحلف إبراهيم إني ما أخذت زيادة عليك ، ثم حمل إليه ما أخذه لنفسه ، فلم يرض وخرج على المختار ونقض عهده ، وأغار على سواد الكوفة ، فنهب القرى وقتل العمال وأخذ الأموال ، ومضى إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير.

فلما علم المختار أرسل عبد الله بن كامل إلى داره فهدمها ، وإلى زوجته سلمى بنت خالد الجعفية حبسها ، ثم ورد كتاب المختار إلى إبراهيم يحثه على تعجيل القتال ، فطوى المراحل حتى نزل على نهر الخازر ، على أربعة فراسخ من الموصل ، وعبيد الله بن زياد بها .

قال عبد الله بن أبي عقب الديلمي : حدثني خليلي أنا نلقى أهل الشام على نهر يقال له «الخازر» فيكشفونا حتى نقول : هي هي ، ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم ،

ص: 592

فأبشروا واصبروا فإنكم لهم قاهرون ، فعلم عبيد الله بقدوم إبراهيم ، فرحل في ثلاثة وثمانين ألفا حتى نزل قريبا من عسكر العراق وطلبهم أشد طلب ، وجاءهم في جحفل لجب ، وكان مع ابن الأشتر أقل من عشرين ألفا ، وكان في عسكر الشام من أشراف بني سليم عمير بن الحباب ، فراسله إبراهيم ووعده بالحباء والإكرام ، فجاء ومعه ألف فارس من بني عمه وأقاربه ، فصار مع عسكر العراق فأشار عليهم بتعجيل القتال وترك المطاولة .

فلما كان في السحر صلوا بغلس ، وعبأ إبراهيم أصحابه ، فجعل على ميمنته سفيان بن يزيد الأزدي ، وعلى ميسرته علي بن مالك الجشمي ، وعلى الخيل الطفيل بن لقيط النخعي ، وعلى الرجالة مزاحم بن مالك السكوني ، ثم زحفوا حتى أشرفوا على أهل الشام ولم يظنوا أنهم يقدمون عليهم لكثرتهم ، فبادروا إلى تعبئة عسكرهم ، فجعل عبيد الله على ميمنته شراحيل بن ذي الكلاع ، وعلى ميسرته ربيعة بن مخارق الغنوي ، وعلى جناح ميسرته جميل بن عبد الله بن الغنمي ، وفي القلب الحصين بن نمير ، ووقف العسكران والتقى الجمعان ، فخرج ابن ضبعان الكلبي ، ونادى : يا شيعة المختار الكذاب ، يا شيعة ابن الأشتر المرتاب :

أنا ابن ضبعان الكريم المفضل

من عصبة يبرون من دين علي

كذاك كانوا في الزمان الأول

فخرج إليه الأحوص بن شداد الهمداني وهو يقول :

أنا ابن شداد على دين علي

لست لعثمان بن أروى بولي

لأصلين القوم فيمن يصطلي

بحر نار الحرب حتى تنجلي

فقال للشامي : ما اسمك ؟ قال : منازل الأبطال ، قال له الأحوص : وأنا مقرب الآجال ، ثم حمل عليه وضربه فسقط قتيلا ، ثم نادى : هل من مبارز ؟ فخرج إليه داود الدمشقيهو يقول :

ص: 593

أنا ابن من قاتل في صفينا

قتال قرن لم يكن غبينا

بل كان فيها بطلا جرونا

مجربا لدى الوغى كمينا

فأجابه الأحوص يقول :

يا ابن الذي قاتل في صفينا

ولم يكن في دينه غبينا

كذبت قد كان بها مغبونا

مذبذبا في أمره مفتونا

لا يعرف الحق ولا اليقينا

بوا له لقد مضى ملعونا

ثم التقيا فضربه الأحوص فقتله ، ثم عاد إلى صفه .

وخرج الحصين بن نمير السكوني وهو يقول :

يا قادة الكوفة أهل المنكر

وشيعة المختار وابن الأشتر

هل فيكم قوم كريم العنصر

مهذب في قومه بمفخر

يبرز نحوي قاصدا لا يمتري

فخرج إليه شريك بن خزيم التغلبي وهو يقول :

يا قاتل الشيخ الكريم الأزهر

بكربلاء يوم التقاء العسكر

أعني حسينا ذا الثنا والمخفر

وابن النبي الطاهر المطهر

وابن علي البطل المظفر

هذا فخذها من هزبر قسور

ضربة قوم ربعي مضري

فالتقيا بضربتين فجدله التغلبي صريعا ، فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم .

ثم تقدم إبراهيم ونادى : ألا يا شرط الله ، ألا يا شيعة الحق ، ألا يا أنصار الدين ،

قاتلوا المحلين وأولاد القاسطين ، لا تطلبوا أثرا بعد عين ، هذا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، ثم حمل على أهل الشام وضرب فيهم بسيفه وهو يقول :

ص: 594

قد علمت مذحج علما لا خطل

أني إذا القرن لقيني لا وكلّ

ولا جزوع عندها ولا نكل

أروع مقداما إذا النكس فشل

أضرب في القوم إذا جاء الأجل

واعتلى رأس الطرماح البطل

بالذكر البتار حتى ينجدل

وحمل أهل العراق معه واختلطوا ، وتقدمت رايتهم وشبت فيهم نار الحرب ، ودهمهم العسكر بجناحيه والقلب إلى أن صلوا بالإيماء والتكبير صلاة الظهر ، واشتغلوا بالقتال إلى أن تحلى صدر الدجى بالأنجم الأزهر ، وزحف عليهم عسكر العراق فرحا بالمصاع ، وحرصا على القراع ، ووثوقا بما وعدهم الله به من النصر وحسن الدفاع ، وانقضوا عليهم انقضاض العقبان على الرخم ، وجالوا فيهم جولان السرحان على الغنم ، وعركوهم عرك الأديم ، ودحوا بهم إلى عذاب الجحيم ، وأذاقوهم أسنة الرماح النازعة للمهج والأرواح ، فلم تزل الحرب قائمة والسيوف لأجسادهم منتهبة ، فولى عسكر الشام مكسورا عليه ذلة الخائب الخجل ، وارتياع الخائف الوجل ، وعسكر العراق منصورا ، وعلى وجههم مسحة المسرور الثمل ، وتبعوهم إلى متون النجاد ، وبطون الوهاد ، والنبل ينزل عليهم كصيب العهاد.

ثم انجلت الحرب وقد قتل أعيان أهل الشام ، مثل الحصين بن نمير ، وشراحبيل بن ذي الكلاع ، وابن حوشب ، وغالب الباهلي ، وأبي أشرس بن عبد الله الذي كان على خراسان ، وحاز إبراهيم رحمه الله فضيلة هذا الفتح ، وعاقبة هذا المنح الذي انتشر في الأقطار ، ودام دوام الأعصار ، ولقد أحسن عبد الله بن الزبير الأسدي يمدح إبراهيم الأشتر فقال :

الله أعطاك المهابة والتقى

وأحل بيتك في العديد الأكثر

وأقر عينك يوم وقعة خازر

والخيل تعثر في القنا المتكسر

من ظالمين كفتهم أيامهم

تركوا لحاجلة وطير أعثر

ما كان أجرأهم جزاهم ربهم

يوم الحساب على ارتكاب المنكر

ص: 595

قال الرواة : رأينا إبراهيم بعد ما انكسر العسكر وانكسف العثير قوما منهم ثبتوا وصبروا وقاتلوا ، فلقطهم من صهوات الخيل ، وقذفهم في لهوات الليل حتى صبغت الأرض من دمائهم ثيابا حمرا ، وملأ الفجاج ببأسه ذعرا ، وتساقطت النسور على النسور ، وأهوت العقبان على أجسادهم وهي كالعقيق المنثور ، واصطلح على أكلّ لحمهم الذئب والسبع والسيد والضبع .

قال إبراهيم : وأقبل رجل أحمر في كبكبة يغري الناس كأنه بغل أقمر لا يدنو منه فارس إلا صرعه ، ولا كمي إلا قطعه ، فدنا مني فضربت يده فأبنتها ، وسقط على شاطئ الخازر، فشرقت يداه وغربت رجلاه فقتلته، ووجدت رائحة المسك تفوح منه ، وجاء رجل نزع خفيه ، وظنوا أنه ابن زياد من غير تحقيق ، فطلبوه فإذا هو على ما وصف إبراهيم ، فاجتزوا رأسه واحتفظوا طول الليل بجسده ، فلما أصبحوا عرفه مهران مولى زياد .

فلما رآه إبراهيم قال : الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي ، وقتل في صفر ، وقال قوم من أصحاب الحدث : يوم عاشوراء ، وعمره دون الأربعين ، وقيل : تسعة وثلاثون سنة .

وأصبح الناس فحووا ما كان ، وغنموا غنيمة عظيمة ، ولقد أجاد أبو السفاح الزبيدي بمدحته إبراهيم وهجائه ابن زياد فقال :

أتاكم غلام من عرانين مذحج

جريء على الأعداء غير نكول

أتاه عبيد الله في شر عصبة

من الشام لما أرضيوا بقليل

فلما التقى الجمعان في حومة الوغى

وللموت فيهم ثم جر ذيول

فأصبحت قد ودعت هندا وأصبحت

مولهة ما وجدها بقليل

وأخلق بهند أن تساق سبية

لها من أبي إسحاق سر حليل

تولى عبيد الله خوفا من الردى

وخشية ماضي الشفرتين صقيل

ص: 596

جزى الله خيرا شرطة الله إنهم

شفوا بعبيد الله كلّ غليل(1)

وهرب غلام لعبيد الله إلى الشام ، فسأله عبد الملك بن مروان عنه قال : لما جال الناس تقدم فقاتل ، ثم قال : ايتني بجرة فيها ماء ، فأتيته فشرب وصب الماء بين درعه وجسده ، وصب على ناصية فرسه ، ثم حمل ، فهذا آخر عهدي به.

قال يزيد بن مفرغ يهجو ابن زياد :

إن المنايا إذا حاولن طاغية

هتكن عنه ستورا بعد أبواب

إن الذي عاش غدارا بذمته

ومات هزلا قتيل الله بالراب

ما شق جيب ولا ناحتك ناحية

ولا بكتك جياد عند أسلاب

هلا جموع نزار إذ لقيتهم

كنت امرأ من نزار غير مرتاب

أو حمير كنت قيلا من ذوي يمن

أن المقاويل في ملك وأحباب

وكان المختار قد سار من الكوفة يتطلع أحوال إبراهيم ، واستخلف في الكوفة السائب بن مالك ، فنزل ساباط ، ثم دخل المدائن ، ورقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس بالجد في النهوض إلى إبراهيم .

قال الشعبي : كنت معه فأتته البشرى بقتل عبيد الله وأصحابه فكاد يطير فرحا ، ورجع إلى الكوفة في الحال مسرورا بالظفر.

وذكر أبو السائب عن عامر أنه قال : الشيعة يتهموني ببغض علي عليه السلام ، ولقد رأيت في النوم بعد مقتل الحسين عليه السلام كأن رجالا نزلوا من السماء ، عليهم ثياب خضر ، معهم حراب ، يتبعون قتلة الحسين عليه السلام ، فلما لبثت أن خرج المختار فقتلهم.

وذكر عمر بن شبة قال : قال أبو عمر البزاز : كنت مع إبراهيم بن الأشتر لما لقي عبيد الله بن زياد بالخازر ، فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم ، قيل : كانوا سبعين ألفا .

ص: 597


1- يعني بقوله هند بنت أسماء بن خارجة زوجة عبيد الله لما قتل حملها عتبة أخوها إلى الكوفة وبقوله أبي إسحاق هو المختار .

قال : وصلبه إبراهيم منكسا ، فكأني أنظر إلى خصييه كأنهما جعلان .

وعن الشعبي : أنه لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الوقعة بالخازر .

وقال الشعبي : كانت يوم عاشوراء سنة سبع وستين .

[ رأس ابن زياد ومن معه ]

وبعث إبراهيم برأس عبيد الله بن زياد ورؤوس الرواء من أهل الشام ، وفي آذانهم رقاع أسمائهم ، فقدموا عليه وهو يتغدى ، فحمد الله - تعالى - على الظفر ، فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ، ثم رمي بها إلى غلامه قال : اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر.

وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال : وضعت الرؤوس عند السدة بالكوفة عليها ثوب أبيض ، فكشفنا عنها الثوب وحية تتغلغل في رأس عبيد الله ، ونصبت الرؤوس في الرحبة .

قال عامر : ورأيت الحية تدخل في منافذ رأسه ، وهو مصلوب مرارا.

ثم حمل المختار رأسه ورؤوس القواد إلى مكة مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي وعبد الرحمن بن شداد الجشمي وأنس بن مالك الأشعري ، وقيل : السائب بن مالك ، ومعها ثلاثون ألف دينار إلى محمد بن الحنفية ، وكتب معهم :

أني بعثت أنصاركم وشيعتكم إلى عدوكم ، فخرجوا محتسبين أسفين فقتلوهم ، فالحمد لله الذي أدرك لكم الثأر ، وأهلكهم في كلّ فج عميق ، وغرقهم في كلّ بحر ، وشفى الله صُدُورَ قَوْمٍ مُومِنِينَ .

فقدموا بالكتاب والرؤوس عليه ، فلما رآها خر ساجدا ودعا للمختار ، وقال : جزاه الله خيرا الجزاء ، فقد أدرك لنا ثأرنا ، ووجب حقه على كلّ من ولده عبد المطلب بن هاشم ، اللهم واحفظ لإبراهيم الأشتر وانصره على الأعداء ، ووفقه لما تحب وترضى ، واغفر له في الآخرة والأولى.

ص: 598

فبعث رأس عبيد الله إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فأدخل عليه وهو يتغدى ، فسجد شكرا لله - تعالى - وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوي ، وجزى الله المختار خيرا ، أدخلت على عبيد الله بن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه فقلت : اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد .

وقسم محمد المال في أهله وشيعته بمكة ومدينة على أولاد المهاجرين والأنصار .

[ خاتمة ]

وروى المرزباني : عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الله بن زياد .

وقالت فاطمة بنت علي : ما تحنأت امرأة منا ، ولا أجالت في عينها مرودا ، ولا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد الله بن زياد .

وروي : أنه قتل ثمانية عشر ألفا ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام أيام ولايته ، وكانت ثمانية عشر شهرا ، أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست وستين ، وآخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع ستين ، وعمره سبع وستون سنة .

قال جعفر بن نما مصنف هذا الثأر : اعلم أن كثيرا من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الألفاظ ، ولا روية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ ، ولو تدبروا أقوال الأئمة في مدح المختار ، لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم الله - تعالى جل جلاله - في كتابه المبين ، ودعاء

زين العابدين عليه السلام للمختار دليل واضح وبرهان لائح على أنه عنده من المصطفين الأخيار ، ولو كان على غير طريقه المشكورة ، ويعلم أنه مخالف له في اعتقاده لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب ، ويقول فيه قولا لا يستطاب ، وكان دعاو عليه السلام

ص: 599

له عبثا ، والإمام منزه عن ذلك ، وقد أسلفنا من أقوال الأئمة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له ، ونهيهم عن ذمه ، ما فيه غنية لذوي الأبصار ، وبغية لذوي الاعتبار .

وإنما أعداو عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة كما عمل أعداء أمير المونين عليه السلام له مساوي ، وهلك بها كثير ممن حاد عن محبته ، وحال عن طاعته ، فالولي له عليه السلام لم تغيره الأوهام ، ولا باحته تلك الأحلام ، بل كشفت له عن فضله المكنون ، وعلمه المصون ، فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمة الأطهار .

وقد وفيت بما وعدت من الاختصار ، وأتيت بالمعاني التي تضمنت حديث الثأر ، من غير حشو ولا إطالة ، ولا سأم ولا ملالة ، وأقسمت على قارئيه ومستمعيه ، وعلى كلّ ناظر فيه ، أن لا يخليني من إهداء الدعوات إلي ، والإكثار من الترحم علي .

وأسأل الله أن يجعلني وإياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الأوهام ، وصفت طويته من كدر الآثام ، وأن يباعدنا من الحسد المحبط للأعمال ، الموي إلى أقبح المآل ، وأن يحسن لي الخلافة على الأهل والآل ، ويذهب الغل من القلوب ، ويوفق لمراضي علام الغيوب ، فإنه أسمع سميع وأكرم مجيب وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، وصلاته على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين(1) .

ص: 600


1- بيان : الشعاف رؤوس الجبال وتنوق في الأمر بالغ وتجود قوله قبل أن يتزعزع كذا فيما عندنا من الكتاب بالزاءين المعجمتين يقال تزعزع أي تحرك والزعازع الشدائد من الدهر ولعل الأظهر أنه بالمهملتين من قولهم ترعرع الصبي إذا تحرك ونشأ ويقال تشعشع الشهر إذا بقي منه قليل وهو أيضا يحتمل أن يكون بالمهملتين يقال تسعسع الشهر أي ذهب أكثره وتسعسع حاله انحطت وتقول حنكت الفرس إذا جعلت في فيه الرسن وحنكت الصبي وحنكته إذا مضغت تمرا أو غيره ثم دلكته بحنكه ويقال حنكته السن وأحنكته إذا أحكمته التجارب والأمور ذكره الجوهري وقال رجل مقول أي لسن كثير القول والمقول اللسان انتهى . والغرار بالكسر حد السيف وغيره وتقول استأديت الأمير على فلان فأداني عليه بمعنى استعديته فأعداني عليه وآديته أعنته ويقال عركه أي دلكه وحكه حتى عفاه وأرعد تهدد وتوعد كأبرق وشمس الفرس منع ظهره المغرم بضم الميم وفتح الراء المولع بالشيء والهوادي أول رعيل من الخيل يقال جششت الشيء أي دققته وكسرته وفرس أجش الصوت غليظة والهزيم بمعنى الهازم وهزيم الرعد صوته والقرا الظهر وفرس نهد أي جسيم مشرف وفرس أشق طويل وفرس مقلص بكسر اللام أي مشرف مشمر طويل القوائم وقوله قارئ اللجام لعل معناه جاذبه ومانعه عن الجري إلى العدو والرو المحب والمعنى محب الحرب الحريص عليه قوله بكل فتى أي أتيتك مع كلّ فتى وقوله لا يملأ الدرع نحره لعله كناية عن عدم احتياجه إلى لبس الدرع لشجاعته ويقال حششت النار أي أوقدتهاالمحش بكسر الميم ما تحرك به النار من حديد ومنه قيل للرجل الشجاع نعم محش الكتيبة والمخراق الرجل الحسن الجسم والمتصرف في الأمور والمنديل يلف ليضرب به وهو مخراق حرب أي صاحب حروب. قوله يفخذ الناس أي يدعوهم إلى نفسه فخذا فخذا وقبيلة قبيلة مخذلا عن سليمان واللدن اللين من كلّ شيء وخطر الرجل بسيفه ورمحه رفعه مرة ووضعه أخرى والرمح اهتز فهو خطارهند السيف شحذه والبتر القطع والميل جمع أميل وهو الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية والأغمار جمع غمر بالضم وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور والعزل بالضم جمع الأعزل وهو الذي لا سلاح معه ويقال رأب الصدع إذا شعبه ورأب الشيء إذا جمعه وشده برفق وسجم الدمع سجوما سال وعين سجوم والقرم السيد ولمع بالشيء ذهب والرسل محركة القطيع من كلّ شيء والجمع أرسال والأقيال جمع قيل وهو أحد ملوك حمير دون الملك الأعظم والخفرة بكسر الفاء الكثيرة الحياء وأغذ في السير أسرع والتهويم والتهوم هز الرأس من النعاس وقصعت الرجل قصعا صغرته وحقرته وقصعت هامته إذا ضربتها ببسط كفك والهتر بالكسر العجب والداهية وضرب هبر أي قاطع ويقال حيا الله طللك أي شخصك والوغد الدني الذي يخدم بطعام بطنه . وقال الجزري فيه كان شعارنا يا منصور أمت أمر بالموت والمراد به التفاو بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل .انتهى . واللجين مصغرا الفضة والعسجد الذهب وأجفل القوم هربوا مسرعين وأطل عليه أشرف وإضم كعنب جبل والوادي الذي فيه مدينة الرسول صلى الله عليه و آلهعند المدينة يسمى القناة ومن أعلى منها عند السد الشظاة ثم ما كان أسفل من ذلك يسمى إضما والمأزق المضيق ومنه سمي موضع الحرب مأزقا والبري بالضم جمع برة وهي حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير والمراس بالكسر الشده الممارسة والمعالجة والقوصرة بالتشديد وقد يخفف وعاء للتمر وتمطرت الطير أسرعت في هويها والخيل جاءت يسبق بعضها بعضا . والجحفل الجيش ويقال جيش لجب أي ذو جلبة وكثرة والمطاولة المماطلة والغبين الضعيف الرأي وجرن جرونا تعود الأمر ومرن والكمين كأمير القوم يكمنونه في الحرب والهزبر الأسد وكذا القسور والخطل الفاسد المضطرب والوكلّ بالتحريك العاجز والنكل الجبان والأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه والنكس بالكسر الرجل الضعيف والطرماح كسنمار العالي النسب المشهور والذكر أيبس الحديد وأجوده والمصاع المجالدة والمضاربة والثمل السكران والصيب السحاب والانصباب والعهاد بالكسر جمع العهد وهو المطر بعد المطر والخازر نهر بين الموصل وإربل والحاجلة الإبل التي ضربت سوقها فمشت على بعض قوائمها وحجل الطائر إذا نزا في مشيته كذلك والأعثر الأغبر وطائر طويل العنق والعثير بكسر العين وسكون الثاء الغبار والصهوة موضع اللبد من ظهر الفرس . قوله على النسور أي الذين كانوا في الحرب كالنسور ويحتمل أن يكون بالثاء المثلثة من النثر بمعنى التفرق والسيد بالكسر الأسد والذئب ويقال قرى البعير العلف في شدقه أي جمعه وقرى البلاد تتبعها يخرج من أرض إلى أرض والقمرة لون إلى الخضرة والكمي كغني الشجاع أو لابس السلاح، يقال باحته الود أي خالصة .

ص: 601

ص: 602

باب 50 :جور الخلفاء على قبره الشريف وما ظهر من المعجزات عند ضريحه ومن تربته وزيارته صلوات الله عليه

اشارة

[ قصة أبو بكر بن عياش وموسى بن عيسى الذي كرب قبر الحسين ]

1 - الأمالي للطوسي : عن يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : خرجت أيام

ولاية موسى بن عيسى الهاشمي الكوفة من منزلي ، فلقيني أبو بكر بن عياش فقال لي : امض بنا يا يحيى إلى هذا ، فلم أدر من يعني ، وكنت أجل أبا بكر عن مراجعته ، وكان راكبا حمارا له ، فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه ، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم التفت إلي وقال : يا ابن الحماني ، إنما جررتك معي وجشمتك أن تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذه الطاغية ، فقلت : من هو يا أبا بكر ؟ قال : هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى ، فسكت عنه .

ومضى وأنا أتبعه ، حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى وبصر به الحاجب وتبينه ، وكان الناس ينزلون عند الرحبة ، فلم ينزل أبو بكر هناك ، وكان عليه

ص: 603

يومئذ قميص وإزار ، وهو محلول الأزرار ، فدخل على حماره وناداني : تعال يا ابن الحماني ، فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر وقال له : أتمنعه يا فاعل وهو معي ، فتركني ، فما زال يسير على حماره حتى دخل الإيوان ، فبصر بنا موسى ، وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره وبجنبتي السرير رجال متسلحون ، وكذلك كانوا يصنعون ، فلما أن رآه موسى رحب به وقربه وأقعده على سريره ، ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه .

فلما استقر أبو بكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف ، فناداني فقال : ويحك ، فصرت إليه ونعلي في رجلي وعلي قميص وإزار ، فأجلسني بين يديه ، فالتفت إليه موسى فقال : هذا رجل تكلمنا فيه ؟ قال : لا ، ولكني جئت به شاهدا عليك ، قال : فيما ذا ؟ قال : إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر ، قال : أي قبر ؟ قال : قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جمع أرض الحائر ، وحرثها وزرع الزرع فيها ، فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد ، ثم قال : وما أنت وذا ؟ قال : اسمع حتى أخبرك :

اعلم أني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة ، فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني ، فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني ، فمضيت لوجهي ، فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق ، فرأيت هناك عجوزا فقالت لي : أين تريد أيها الشيخ ؟ قلت : أريد الغاضرية ، قالت لي : تنظر هذا الوادي ، فإنك إذا أتيت إلى آخره اتضح لك الطريق ، فمضيت وفعلت ذلك ، فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك ، فقلت : من أين أنت أيها الشيخ ؟ فقال لي : أنا من أهل هذه القرية ، فقلت : كم تعد من السنين ؟ فقال : ما أحفظ ما مر من سني وعمري ، ولكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين بن علي عليه السلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون الماء الذي تراه ، ولا تمنع الكلاب ولا الوحوش شربه .

ص: 604

فاستفظعت ذلك وقلت له : ويحك أنت رأيت هذا ؟ قال : إي والذي سمك السماء ، لقد رأيت هذا أيها الشيخ وعاينته ، وإنك وأصحابك الذين تعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين ، إن كان في الدنيا مسلم ، فقلت : ويحك وما هو ؟ قال : حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه ، قلت : وما جرى ؟ قال : أيكرب قبر ابن النبي ويحرث أرضه ؟ قلت : وأين القبر ؟ قال : ها هو ذا ، أنت واقف في أرضه ، فأما القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه .

قال أبو بكر بن عياش : وما كنت رأيت القبر ذلك الوقت قط ، ولا أتيته في طول عمري ، فقلت : من لي بمعرفته ، فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير له باب وآذن ، وإذا جماعة كثيرة على الباب ، فقلت للآذن : أريد الدخول على ابن رسول الله ، فقال : لا تقدر على الوصول في هذا الوقت ، قلت : ولم. قال : هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمد رسول الله ومعهما جبرئيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير .

قال أبو بكر بن عياش : فانتبهت وقد دخلني روع شديد وحزن وكآبة ، ومضت بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ، ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي على رجل منهم ، فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتى صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص ، فحين رأيتهم ذكرت الحديث ، ورعبت من خشيتي لهم ، فقالوا لي : ألق ما معك وانج بنفسك ، وكانت معي نفيقة ، فقلت : ويحكم أنا أبو بكر بن عياش ، وإنما خرجت في طلب دين لي ، والله والله لا تقطعوني عن طلب ديني وتصرفاتي في نفقتي ، فإني شديد الإضافة ، فنادى رجل منهم : مولاي ورب الكعبة لا يعرض له ، ثم قال لبعض فتيانهم : كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن .

قال أبو بكر : فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام ، وأتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى ، فرأيت والله الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في

ص: 605

منامي بصورته وهيئته ، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء ، فحين رأيته ذكرت الأمر والروا فقلت : لا إله إلا الله ما كان هذا إلا وحيا ، ثم سألته كمسألتي إياه في المنام ، فأجابني بما كان أجابني ، ثم قال لي : امض بنا ، فمضيت فوقفت معه على الموضع وهو مكروب ، فلم يفتني شيء من منامي إلا الآذن والحير ، فإني لم أر حيرا ولم أر آذنا ، فاتق الله أيها الرجل ، فإني قد آليت على نفسي أن لا أدع إذاعة هذا الحديث ، ولا زيارة ذلك الموضع وقصده وعظامه ، فإن موضعا يوه إبراهيم ومحمد وجبرئيل وميكائيل لحقيق بأن يرغب في إتيانه وزيارته ، فإن أبا حصين حدثني أن رسول الله قال : من رآني في المنام فإياي رأى فإن الشيطان لا يتشبه بي .

فقال له موسى : إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك ، وتالله إن بلغني بعد هذا الوقت أنك تحدث بهذا لأضربن عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا علي .

فقال له أبو بكر : إذا يمنعني الله وإياه منك ، فإني إنما أردت الله بما كلمتك به ،

فقال له : أتراجعني يا ماص... ، وشتمه ، فقال له : اسكت أخزاك الله وقطع لسانك .

فأزعل موسى على سريره ، ثم قال : خذوه ، فأخذوا الشيخ عن السرير ، وأخذت أنا ، فو الله لقد مر بنا من السحب والجر والضرب ما ظننت أننا لا نكثر الأحياء أبدا ، وكان أشد ما مر بي من ذلك أن رأسي كان يجر على الصخر ، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي ، وموسى يقول : اقتلوهما ابني كذا وكذا - بالزاني لا يكني - وأبو

بكر يقول له : أمسك قطع الله لسانك وانتقم منك ، اللهم إياك أردنا ولولد نبيك غضبنا ، وعليك توكلنا .

فصير بنا جميعا إلى الحبس ، فما لبثنا في الحبس إلا قليلا ، فالتفت إلي أبو بكر ، ورأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي فقال : يا حماني قد قضينا لله حقا ، واكتسبنا في يومنا هذا أجرا ، ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله ، فما لبثنا إلا قدر غدائه

ص: 606

ونومه حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه ، وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه ، وإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبرا ، فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا ، وكان أبو بكر إذا تعب في مشيه جلس يسيرا ثم يقول : اللهم إن هذا فيك ، فلا تنسه .

فلما دخلنا على موسى ، وإذا هو على سرير له ، فحين بصر بنا قال : لا حيا الله ولا قرب من جاهل أحمق متعرض لما يكره ، ويلك يا دعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم ؟ فقال له أبو بكر : قد سمعت كلامك ، والله حسيبك ، فقال له : اخرج قبحك الله ، والله إن بلغني أن هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربن عنقك ، ثم التفت إلي وقال : يا كلب ، وشتمني ، وقال : إياك ثم إياك أن تظهر هذا ، فإنه إنما

خيل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه ، اخرجا عليكما لعنة الله وغضبه ، فخرجنا وقد أيسنا من الحياة .

فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر ، وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلما أراد أن يدخل منزله التفت إلي وقال : احفظ هذا الحديث وأثبته عندك ، ولا تحدثن هواء الرعاع ، ولكن حدث به أهل العقول والدين(1) .

[ المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين ونبشه ]

2 - الأمالي للطوسي : عن إبراهيم الديزج قال : بعثني المتوكلّ إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين عليه السلام ، وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي أعلمك

ص: 607


1- بيان : تقول كربت الأرض أي قلبتها للحرث والرعيل القطعة من الخيل والإضافة الضيافة وقال الجوهري قولهم يا مصان وللأنثى يا مصانة شتم أي يا ماص فرج أمه ويقال أيضا رجل مصان إذا كان يرضع الغنم من لوه وزاعله أزعجه قوله إننا لا نكثر الأحياء أبدا هو كناية عن الموت أي لا نكون بينهم حتى يكثر عددهم بنا قوله بالزاني لا يكني أي كان يقول في الشتم ألفاظا صريحة في الزنا ولا يكتفي بالكناية .

أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فعل أو لم يفعل .

قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار ، ثم أتيته فقال لي : ما صنعت ؟ فقلت : قد فعلت ما أمرت به ، فلم أر شيئا ، ولم أجد شيئا ، فقال لي : أفلا عمقته ؟ قلت : قد فعلت ، فما رأيت .

فكتب إلى السلطان : أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا ، وأمرته فمخره بالماء وكربه بالبقر .

قال أبو علي العماري : فحدثني إبراهيم الديزج ، وسألته عن صورة الأمر ، فقال لي : أتيت في خاصة غلماني فقط ، وإني نبشت ، فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين بن علي ، ووجدت منه رائحة المسك ، فتركت البارية على حالها وبدن الحسين على البارية ، وأمرت بطرح التراب عليه ، وأطلقت عليه الماء ، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر ، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه(1) .

3 - الأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله الباقطاني قال : ضمني عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري ، وكان قائدا من قواد السلطان أكتب له ، وكان بدنه كله أبيض شديد البياض ، حتى يديه ورجليه كانا كذلك ، وكان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير ، وكان يتفقأ مع ذلك مدة منتنة ، قال : فلما أنس بي سألته عن سواد وجهه ،

فأبى أن يخبرني .

ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه فقعدت فسألته ، فرأيته كأنه يحب أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان ، فحدثني قال :

وجهني المتوكلّ أنا والديزج لنبش قبر الحسين وإجراء الماء عليه ، فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام فقال : لا تخرج

ص: 608


1- بيان : يقال مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء والسفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت .

مع الديزج ، ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين ، فلما أصبحنا جاءوا يستحثوني في المسير ، فسرت معهم حتى وفينا كربلاء ، وفعلنا ما أمرنا به المتوكلّ ، فرأيت النبي في المنام ، فقال : ألم آمرك أن لا تخرج معهم ، ولا تفعل فعلهم ، فلم تقبل حتى

فعلت ما فعلوا ؟ ثم لطمني وتفل في وجهي ، فصار وجهي مسودا كماترى ، وجسمي على حالته الأولى(1) .

4 - الأمالي للطوسي : عن الفضل بن محمد بن الحميد قال : دخلت على إبراهيم الديزج ، وكنت جاره ، أعوده في مرضه الذي مات فيه ، فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش ، وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله ، وكانت بيني وبينه خلطة وأنس توجب الثقة بي والانبساط إلي ، فكاتمني حاله وأشار إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ، ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله ، فقام فخرج وخلا الموضع ، فسألته عن حاله ، فقال : أخبرك والله ، وأستغفر الله ، إن المتوكلّ أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه السلام ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء ومعنا الفعلة والدركاريون معهم المساحي والمرود ، فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه ، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت ، فذهب بي النوم ، فإذا ضوضاء شديد وأصوات عالية ، وجعل الغلمان ينبهوني ، فقمت وأنا ذعر ، فقلت للغلمان : ما شأنكم ؟ قالوا : أعجب شأن ، قلت : وما ذاك ؟ قالوا : إن بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا وبين القبر ، وهم

يرموننا مع ذلك بالنشاب ، فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته كما وصفوا ، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض ، فقلت : ارموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا ، فما سقط

سهم منا إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله . فاستوحشت لذلك وجزعت ، وأخذتني الحمى والقشعريرة ، ورحلت عن القبر لوقتي ، ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكلّ لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به .

ص: 609


1- بيان : تفقأ الدمل والقرح تشقق .

قال أبو برزة : فقلت له : قد كفيت ما تحذر من المتوكلّ ، قد قتل بارحة الأولى ، وأعان عليه في قتله المنتصر ، فقال لي : قد سمعت بذلك ، وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء .

قال أبو برزة : كان هذا في أول النهار ، فما أمسى الديزج حتى مات .

قال ابن حشيش : قال أبو المفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة ، فسأل رجلا من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر ، قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر .

5 - الأمالي للطوسي : القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي ، وكان له علم بالسيرة وأيام الناس ، قال : بلغ المتوكلّ جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فيصير إلى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائدا من قواده ، وضم إليه كنفا من الجند كثيرا ليشعث قبر الحسين عليه السلام ، ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره ، فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد به ، واجتمعوا عليه وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة ، فورد كتاب المتوكلّ إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهرا أن مسيره إليها في مصالح أهلها ، والانكفاء إلى المصر .

فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ المتوكلّ أيضا مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام ، وأنه قد كثر جمعهم لذلك ، وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند ، وأمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره ، ونبش القبر وحرث أرضه ، وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة ، فقتل ولم يتم له ما قدره(1) .

ص: 610


1- بيان : قوله كنفا من الجند أي جانبا كناية عن الجماعة منهم وفي بعض النسخ بالثاء هو بالفتح الجماعة قوله ليشعب أي يشق وينش وفي بعض النسخ المصححة ليشعث من قبره يقال شعث منه تشعيثا نضح عنه وذب ودفع وانكفأ رجع .

6 - الأمالي للطوسي : عبد الله بن رابية الطوري قال : حججت سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير المونين علي بن أبي طالب عليه السلام على حال خيفة من السلطان ، وزرته ثم توجهت إلى زيارة الحسين عليه السلام ، فإذا هو قد حرث أرضه ومخر فيها الماء ، وأرسلت الثيران العوامل في الأرض ، فبعيني وبصري كنت رأيت الثيران تساق في الأرض ، فتنساق لهم حتى إذا حازت مكان القبر حادت عنه يمينا وشمالا ، فتضرب بالعصا الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها ، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب ، فما أمكنتني الزيارة ، فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول :

تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما

فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة فقلت : ما الخبر ؟ قالوا : سقط الطائر بقتل جعفر المتوكلّ ، فعجبت لذلك وقلت : إلهي ليلة بليلة(1) .

7 - الأمالي للطوسي : عن يحيى بن المغيرة الرازي قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر الناس ، فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه السلام ، وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت .

قال : فرفع جرير يديه وقال : الله أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه و آلهأنه قال : لعن الله قاطع السدرة - ثلاثا - ، فلم نقف على معناه حتى الآن؛ لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره .

ص: 611


1- بيان : قال الفيروزآبادي الهيعة والهائعة الصوت تفزع منه وتخافه من عدو .

8 - الأمالي للطوسي : قال محمد بن جعفر بن محمد بن فرج : حدثني أبي عن عمه عمر بن فرج قال : أنفذني المتوكلّ في تخريب قبر الحسين عليه السلام ، فصرت إلى الناحية ، فأمرت بالبقر فمر بها على القبور كلّها ، فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه ، فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي ، فو الله ما جازت على قبره ولا تخطته .

قال لنا محمد بن جعفر : كان عمي عمر بن فرج كثير الانحراف عن آل محمد صلى الله عليه و آلهفأنا أبرأ إلى الله منه ، وكان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمه الله ورضي عنه فأنا أتولاه لذلك وأفرح بولادته .

[ التداوي بتربة الحسين ]

9 - الأمالي للطوسي : عن الحسين بن محمد الأزدي عن أبيه قال : صليت في

جامع المدينة وإلى جانبي رجلان ، على أحدهما ثياب السفر ، فقال أحدهما لصاحبه : يا فلان أما علمت أن طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كلّ داء ، وذلك أنه كان بي وجع الجوف فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية ، وخفت على نفسي وآيست منها ، وكانت عندنا امرأة من أهل الكوفة عجوز كبيرة ، فدخلت علي وأنا في أشد ما بي من العلة ، فقالت لي : يا سالم ما أرى علتك إلا كلّ يوم زائدة ، فقلت لها : نعم ،

فقالت : فهل لك أن أعالجك فتبرأ بإذن الله عز وجل ، فقلت لها : ما أنا إلى شيء أحوج مني إلى هذا ، فسقتني ماء في قدح ، فسكنت عني العلة وبرأت حتى كأن لم يكن بي علة قط .

فلما كان بعد أشهر دخلت على العجوز فقلت لها : بالله عليك يا سلمة ، وكان اسمها سلمة ، بما ذا داويتني ؟ فقالت : بواحدة مما في هذه السبحة ، من سبحة كانت في يدها ، فقلت : وما هذه السبحة ؟ فقالت : إنها من طين قبر الحسين عليه السلام ، فقلت لها : يا رافضية داويتني بطين قبر الحسين!! فخرجت من عندي مغضبة ،

ص: 612

ورجعت والله علتي كأشد ما كانت ، وأنا أقاسي منها الجهد والبلاء ، وقد والله خشيت على نفسي ، ثم أذن المون فقاما يصليان وغابا عني .

10 - الأمالي للطوسي : عن موسى بن عبد العزيز قال : لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد ، فاستوقفني وقال لي : بحق نبيك ودينك من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة ؟ من هو من أصحاب نبيكم ؟ قلت : ليس هو من أصحابه ، هو ابن بنته ، فما دعاك إلى المسألة لي عنه ؟ فقال : له عندي حديث طريف ، فقلت : حدثني به ، فقال : وجه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت إليه ، فقال : تعال معي ، فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي ، فوجدناه زائل العقل متكئا على وسادة ، وإذا بين يديه طست فيها حشو جوفه ، وكان الرشيد استحضره من الكوفة ، فأقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى ، فقال له : ويحك ما خبره ؟ فقال له : أخبرك أنه كان من ساعته جالسا وحوله ندماو ، وهو من أصح الناس جسما وأطيبهم نفسا ، إذ جرى ذكر الحسين بن علي عليه السلام .

قال يوحنا : هذا الذي سألتك عنه ، فقال موسى : إن الرافضة ليغلون فيه حتى أنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به ، فقال له رجل من بني هاشم كان حاضرا : قد كانت بي علة غليلة ، فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني ، حتى وصف لي كاتبي أن خذ من هذه التربة ، فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده .

قال : فبقي عندك منها شيء ؟ قال : نعم ، فوجه فجاءه منها بقطعة ، فناولها موسى بن عيسى ، فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوى بها واحتقارا وتصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته - يعني الحسين عليه السلام - فما هو إلا أن استدخلها دبره حتى صاح النار النار ، الطست الطست ، فجئناه بالطست ، فأخرج فيها ماترى .

فانصرف الندماء وصار المجلس مأتما ، فأقبل على سابور فقال : انظر هل لك فيه حيلة ، فدعوت بشمعة فنظرت ، فإذا كبده وطحاله وريته وفوده خرج منه

ص: 613

في الطست ، فنظرت إلى أمر عظيم ، فقلت : ما لأحد في هذا صنع ، إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى ، فقال لي سابور : صدقت ، ولكن كن هاهنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره ، فبت عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه ، فمات في وقت السحر .

قال محمد بن موسى : قال لي موسى بن سريع : كان يوحنا يزور قبر الحسين وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا وحسن إسلامه .

[ المسترشد يأخذ مال الحائر ]

11 - المناقب لابن شهرآشوب : أخذ المسترشد من مال الحائر وكربلاء وقال : إن القبر لا يحتاج إلى الخزانة ، أنفق على العسكر ، فلما خرج قتل هو وابنه الراشد .

[ يتوارثون الجذام ]

كتابي ابن بطة والنطنزي : عن الأعمش قال : أحدث رجل على قبر الحسين عليه السلام فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص ، وهم يتوارثون الجذام إلى الساعة .

[ معجزة شاهدها زيد المجنون وبهلول المجنون ]

وروى جماعة من الثقات : أنه لما أمر المتوكلّ بحرث قبر الحسين عليه السلام ، وأن يجري الماء عليه من العلقمي ، أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلاء ، فنظرا إلى القبر ، وإذا هو معلق بالقدرة في الهواء ، فقال زيد : يُرِيدُونَ لِيُطْفِوا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ؛ وذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة والقبر يرجع إلى حاله ، فلما نظر الحراث إلى ذلك آمن بالله وحل البقر ، فأخبر المتوكلّ فأمر بقتله .

ص: 614

[ رؤيا الرجل الذي خالف الأعمش في زيارة الحسين ]

12 - أقول : روي عن سليمان الأعمش أنه قال : كنت نازلا بالكوفة ، وكان لي جار ، وكنت آتي إليه وأجلس عنده ، فأتيت ليلة الجمعة إليه فقلت له : يا هذا ما تقول في زيارة الحسين عليه السلام ؟ فقال لي : هي بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ذي ضلالة في النار .

قال سليمان : فقمت من عنده وأنا ممتلئ عليه غيظا ، فقلت في نفسي : إذا كان وقت السحر آتيه وأحدثه شيئا من فضائل الحسين عليه السلام ، فإن أصر على العناد قتلته .

قال سليمان : فلما كان وقت السحر أتيته ، وقرعت عليه الباب ودعوته باسمه ، فإذا بزوجته تقول لي : إنه قصد إلى زيارة الحسين من أول الليل!

قال سليمان : فسرت في أثره إلى زيارة الحسين عليه السلام ، فلما دخلت إلى القبر ، فإذا أنا بالشيخ ساجد لله عز وجل ، وهو يدعو ويبكي في سجوده ويسأله التوبة والمغفرة ، ثم رفع رأسه بعد زمان طويل فرآني قريبا منه ، فقلت له : يا شيخ بالأمس كنت تقول : زيارة الحسين عليه السلام بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ذي ضلالة في النار ، واليوم أتيت تزوره ؟ فقال : يا سليمان لا تلمني ، فإني ما كنت أثبت لأهل البيت إمامة حتى كانت ليلتي تلك ، فرأيت روا هالتني وروعتني ، فقلت له : ما رأيت أيها الشيخ ؟

قال : رأيت رجلا جليل القدر ، لا بالطويل الشاهق ولا بالقصير اللاصق ، لا أقدر أصفه من عظم جلاله وجماله وبهائه وكماله ، وهو مع أقوام يحفون به حفيفا ، ويزفونه زفيفا ، وبين يديه فارس ، وعلى رأسه تاج ، وللتاج أربعة أركان ، وفي كلّ ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة أيام ، فقلت لبعض خدامه : من هذا ؟ فقال : هذا محمد المصطفى ، قلت : ومن هذا الآخر ؟ فقال : علي المرتضى وصي رسول الله ، ثم مددت نظري ، فإذا أنا بناقة من نور وعليها هودج من نور ، وفيه امرأتان ، والناقة

ص: 615

تطير بين السماء والأرض ، فقلت : لمن هذه الناقة ؟ فقال : لخديجة الكبرى وفاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فقلت : ومن هذا الغلام ؟ فقال : هذا الحسن بن علي ، فقلت : وإلى أين يريدون بأجمعهم ؟ فقالوا : لزيارة المقتول ظلما ، شهيد كربلاء الحسين بن علي المرتضى .

ثم إني قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزهراء ، وإذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السماء ، فسألت ما هذه الرقاع ؟ فقال : هذه رقاع فيها أمان من النار لزوار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة ، فطلبت منه رقعة ، فقال لي : إنك تقول زيارته بدعة ، فإنك لا تنالها حتى تزور الحسين عليه السلام وتعتقد فضله وشرفه .

فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا ، وقصدت من وقتي وساعتي إلى زيارة سيدي الحسين عليه السلام ، وأنا تائب إلى الله - تعالى - ، فو الله يا سليمان لا أفارق قبر الحسين

حتى يفارق روحي جسدي .

[ جني يروي لدعبل قصة توبته من التعرض لزوار الحسين ]

وروي عن دعبل بن علي الخزاعي قال : لما انصرفت عن أبي الحسن الرضا عليه السلام بقصيدتي التائية نزلت بالري ، وإني في ليلة من الليالي ، وأنا أصوغ قصيدة ، وقد ذهب من الليل شطره ، فإذا طارق يطرق الباب ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أخ لك ، فبدرت إلى الباب ففتحته ، فدخل شخص اقشعر منه بدني وذهلت منه نفسي ، فجلس ناحية وقال لي : لا ترع أنا أخوك من الجن ، ولدت في الليلة التي ولدت فيها ، ونشأت معك ، وإني جئت أحدثك بما يسرك ويقوى نفسك وبصيرتك .

قال : فرجعت نفسي وسكن قلبي ، فقال : يا دعبل إني كنت من أشد خلق الله بغضا وعداوة لعلي بن أبي طالب ، فخرجت في نفر من الجن المردة العتاة ، فمررنا بنفر يريدون زيارة الحسين عليه السلام ، قد جنهم الليل ، فهممنا بهم ، وإذا ملائكة تزجرنا من السماء ، وملائكة في الأرض تزجر عنهم هوامها ، فكأني

ص: 616

كنت نائما فانتبهت ، أو غافلا فتيقظت ، وعلمت أن ذلك لعناية بهم من الله - تعالى - لمكان من قصدوا له ، وتشرفوا بزيارته .

فأحدثت توبة ، وجددت نية ، وزرت مع القوم ، ووقفت بوقوفهم ، ودعوت بدعائهم ، وحججت بحجهم تلك السنة ، وزرت قبر النبي صلى الله عليه و آله ، ومررت برجل حوله جماعة ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا ابن رسول الله الصادق عليه السلام ، قال : فدنوت منه ، وسلمت عليه ، فقال لي : مرحبا بك يا أهل العراق ، أتذكر ليلتك ببطن كربلاء ، وما رأيت من كرامة الله - تعالى - لأوليائنا ، إن الله قد قبل توبتك وغفر خطيئتك ، فقلت : الحمد لله الذي من عليّ بكم ، ونور قلبي بنور هدايتكم ، وجعلني من المعتصمين بحبل ولايتكم ، فحدثني يا ابن رسول الله بحديث أنصرف به إلى أهليقومي .

فقال : نعم ، حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله : يا علي الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها أنا ، وعلى الأوصياء حتى تدخلها أنت ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتي ، وعلى أمتي حتى يقروا بولايتك ويدينوا بإمامتك . يا علي ، والذي بعثني بالحق ، لا يدخل الجنة أحد إلا من أخذ منك بنسب أو سبب .

ثم قال : خذها يا دعبل ، فلن تسمع بمثلها من مثلي أبدا ، ثم ابتلعته الأرض فلم أره .

[ قصة زيارة زيد وبهلول وما أمر به المتوكل من حرث قبر الحسين ]

قال : وروي : أن المتوكلّ من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة شديد البغض لأهل بيت الرسول ، وهو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسين عليه السلام ، وأن يخربوا بنيانه ويحفوا آثاره ، وأن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي بحيث لا تبقى له أثر ،

ولا أحد يقف له على خبر ، وتوعد الناس بالقتل لمن زار قبره ، وجعل رصدا من أجناده ، وأوصاهم كلّ من وجدتموه يريد زيارة الحسين عليه السلام فاقتلوه ، يريد بذلك إطفاء نور الله ، وإخفاء آثار ذرية رسول الله .

ص: 617

فبلغ الخبر إلى رجل من أهل الخير يقال له «زيد المجنون» ، ولكنه ذو عقل سديد ورأي رشيد ، وإنما لقب بالمجنون؛ لأنه أفحم كلّ لبيب ، وقطع حجة كلّ أديب ، وكان لا يعي من الجواب ، ولا يمل من الخطاب ، فسمع بخراب بنيان قبر الحسين عليه السلام وحرث مكانه ، فعظم ذلك عليه ، واشتد حزنه ، وتجدد مصابه بسيده الحسين عليه السلام ، وكان مسكنه يومئذ بمصر ، فلما غلب عليه الوجد والغرام لحرث قبر الإمام عليه السلام ، خرج من مصر ماشيا هائما على وجهه ، شاكيا وجده إلى ربّه ، وبقي حزينا كئيبا حتى بلغ الكوفة .

وكان البهلول يومئذ بالكوفة ، فلقيه زيد المجنون وسلم عليه ، فرد عليه السلام ، فقال له البهلول : من أين لك معرفتي ؟ فلم ترني قط ، فقال زيد : يا هذا اعلم أن قلوب المونين جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منا اختلف ، فقال له البهلول : يا زيد ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة ولا مركوب ؟ فقال : والله ما خرجت إلا من شدة وجدي وحزني ، وقد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السلام ، وخراب بنيانه ، وقتل زواره ، فهذا الذي أخرجني من موطني ، ونقص عيشي ، وأجرى دموعي ، وأقل هجوعي ، فقال البهلول : وأنا والله كذلك ، فقال له : قم بنا نمضي إلى كربلاء لنشاهد قبور أولاد علي المرتضى .

قال : فأخذ كلّ بيد صاحبه حتى وصلا إلى قبر الحسين عليه السلام ، وإذا هو على حاله لم يتغير ، وقد هدموا بنيانه ، وكلما أجروا عليه الماء غار وحار واستدار بقدرة العزيز الجبار ، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين عليه السلام ، وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن الله - تعالى - . فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال : انظر يا بهلول يُرِيدُونَ لِيُطْفِوا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

قال : ولم يزل المتوكلّ يأمر بحرث قبر الحسين عليه السلام مدة عشرين سنة ، والقبر على حاله لم يتغير ، ولا يعلوه قطرة من الماء ، فلما نظر الحارث إلى ذلك قال : آمنت

ص: 618

بالله وبمحمد رسول الله ، والله لأهربن على وجهي ، وأهيم في البراري ، ولا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول الله ، وإن لي مدة عشرين سنة أنظر آيات الله ، وأشاهد براهين آل بيت رسول الله ، ولا أتعظ ولا أعتبر .

ثم إنه حل الثيران ، وطرح الفدان ، وأقبل يمشي نحو زيد المجنون وقال له : من أين أقبلت يا شيخ ؟ قال : من مصر ، فقال له : ولأي شيء جئت إلى هنا ، وإنه لأخشى عليك من القتل ، فبكى زيد وقال : والله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام ، فأحزنني ذلك وهيج حزني ووجدي ، فانكب الحارث على أقدام زيد يقبلهما وهو يقول : فداك أبي وأمي ، فو الله يا شيخ من حين ما أقبلت إلي أقبلت إلي الرحمة ، واستنار قلبي بنور الله ، وإني آمنت بالله ورسوله ، وأن لي مدة عشرين سنة وأنا أحرث هذه الأرض ، وكلما أجريت الماء إلى قبر الحسين عليه السلام غار وحار واستدار ، ولم يصل إلى قبر الحسين منه قطرة ، وكأني كنت في سكر وأفقت الآن ببركة قدومك إلي ، فبكى زيد وتمثل بهذه الأبيات :

تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما

فبكى الحارث وقال : يا زيد قد أيقظتني من رقدتي ، وأرشدتني من غفلتي ، وها أنا الآن ماض إلى المتوكلّ بسر من رأى أعرفه بصورة الحال ، إن شاء أن يقتلني ، وإن شاء أن يتركني ، فقال له زيد : وأنا أيضا أسير معك إليه وأساعدك على ذلك .

قال : فلما دخل الحارث إلى المتوكلّ وخبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السلام استشاط غيظا ، وازداد بغضا لأهل بيت رسول الله ، وأمر بقتل الحارث ، وأمر أن يشد في رجله حبل ويسحب على وجهه في الأسواق ، ثم يصلب في مجتمع الناس؛ ليكون عبرة لمن اعتبر ، ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا .

ص: 619

وأما زيد المجنون ، فإنه ازداد حزنه ، واشتد عزاو ، وطال بكاو ، وصبر حتى أنزلوه من الصلب ، والقوه على مزبلة هناك ، فجاء إليه زيد فاحتمله إلى الدجلة وغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه ، وبقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره ، وهو يتلو كتاب الله عنده .

فبينما هو ذات يوم جالس ، إذ سمع صراخا عاليا ونوحا شجيا وبكاء عظيما ، ونساء بكثرة منشرات الشعور ، مشققات الجيوب ، مسودات الوجوه ، ورجالا بكثرة يندبون بالويل والثبور ، والناس كافة في اضطراب شديد ، وإذا بجنازة محمولة على أعناق الرجال ، وقد نشرت لها الأعلام والرايات ، والناس من حولها أفواجا قد انسدت الطرق من الرجال والنساء .

قال زيد : فظننت أن المتوكلّ قد مات ، فتقدمت إلى رجل منهم وقلت له : من يكون هذا الميت ؟ فقال : هذه جنازة جارية المتوكلّ ، وهي جارية سوداء حبشية ، وكان اسمها «ريحانة» ، وكان يحبها حبا شديدا ، ثم إنهم عملوا لها شأنا عظيما ، ودفنوها في قبر جديد ، وفرشوا فيه الورد والرياحين والمسك والعنبر ، وبنوا عليها قبة عالية .

فلما نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه ، وتصاعدت نيرانه ، وجعل يلطم وجهه ، ويمزق أطماره ، ويحثي التراب على رأسه ، وهو يقول : وا ويلاه ، وا أسفاه عليك يا حسين ، أتقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآن شهيدا ، وتسبى نساو وبناتك وعيالك ، وتذبح أطفالك ، ولم يبك عليك أحد من الناس ، وتدفن بغير غسل ولا كفن ، ويحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك ، وأنت ابن علي المرتضى وابن فاطمة الزهراء ، ويكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء ، ولم يكن الحزن والبكاء لابن محمد المصطفى .

قال : ولم يزل يبكي وينوح حتى غشي عليه ، والناس كافة ينظرون إليه ، فمنهم من رق له ، ومنهم من جنى عليه ، فلما أفاق من غشوته أنشد يقول :

ص: 620

أيحرث بالطف قبر الحسين

ويعمر قبر بني الزانية

لعل الزمان بهم قد يعود

ويأتي بدولتهم ثانية

ألا لعن الله أهل الفساد

ومن يأمن الدنية الفانية

قال : إن زيدا كتب هذه الأبيات في ورقة وسلمها لبعض حجاب المتوكلّ ، فلما قرأها اشتد غيظه ، وأمر بإحضاره ، فأحضر وجرى بينه وبينه من الوعظ والتوبيخ ما أغاظه حتى أمر بقتله ، فلما مثل بين يديه ، سأله عن أبي تراب من هو ؟ استحقارا له ،

فقال : والله إنك عارف به وبفضله وشرفه وحسبه ونسبه ، فو الله ما يجحد فضله إلا كلّ كافر مرتاب ، ولا يبغضه إلا كلّ منافق كذاب ، وشرع يعدد فضله ومناقبه ، حتى ذكر منها ما أغاظ المتوكلّ ، فأمر بحبسه فحبس .

فلما أسدل الظلام وهجع ، جاء إلى المتوكلّ هاتف ، ورفسه برجله وقال له : قم وأخرج زيدا من حبسه وإلا أهلكك الله عاجلا ، فقام هو بنفسه وأخرج زيدا من حبسه ، وخلع عليه خلعة سنية ، وقال له : اطلب ما تريد ؟ قال : أريد عمارة قبر الحسين عليه السلام ، وأن لا يتعرض أحد لزواره ، فأمر له بذلك ، فخرج من عنده فرحا مسرورا ، وجعل يدور في البلدان وهو يقول : من أراد زيارة الحسين عليه السلام فله الأمان

طول الأزمان(1) .

13 - كامل الزيارات : عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني كنت بالحير ليلة عرفة ، وكنت أصلي ، وثم نحو من خمسين ألفا من الناس ، جميلة وجوههم ، طيبة أرواحهم ، وأقبلوا يصلون بالليل أجمع ، فلما طلع الفجر سجدت ، ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا ؟!

ص: 621


1- بيان : نير الفدان بالكسر الخشبة المعترضة في عنق الثورين والجمع النيران والأنيار الفدان بالتشديد البقرة التي تحرث والإسدال إرخاء الستر وإرساله وفيه استعارة والرفس الضرب بالرجل .

فقال لي أبو عبد الله عليه السلام : إنه مر بالحسين بن علي عليه السلام خمسون ألف ملك وهو يقتل ، فعرجوا إلى السماء ، فأوحى الله إليهم : مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه ؟ فاهبطوا إلى الأرض ، فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا إلى أن تقوم الساعة .

[ ملائكة مأمورون بحراسة قبر الحسين والاستغفار لزواره ]

14 - كامل الزيارات : عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال : خرجت

في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين بن علي عليه السلام ، مستخفيا من أهل الشام ، حتى انتهيت إلى كربلاء ، فاختفيت في ناحية القرية ، حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر ، فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي : انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه ، فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه ، حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل فقال لي : يا هذا إنك لن تصل إليه ، فقلت له : عافاك الله ولم لا أصل إليه ، وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته ، فلا تحل بيني وبينه عافاك الله ، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني هاهنا ، قال : فقال لي : اصبر قليلا ، فإن موسى بن عمران عليه السلام سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له ، فهبط من السماء في سبعين ألف ملك ، فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ، ثم يرجعون إلى السماء ، قال : فقلت : فمن أنت عافاك الله ؟ قال : أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين عليه السلام ، والاستغفار لزواره ، فانصرفت وقد كاد يطير عقلي لما سمعت منه .

قال : فأقبلت ، حتى إذا طلع الفجر أقبلت نحوه ، فلم يحل بيني وبينه أحد ، فدنوت منه ، فسلمت عليه ودعوت الله على قتلته ، وصليت الصبح ، وأقبلت مسرعا مخافة أهل الشام .

ص: 622

[ شفاء زائر الحسين من الفالج ]

15 - دعوات الراوندي : حدثني الشيخ أبو جعفر النيشابوري رضى الله عنه قال : خرجت ذات سنة إلى زيارة الحسين عليه السلام في جماعة ، فلما كنا على فرسخين من المشهد ، أو أكثر ، أصاب رجلا من الجماعة الفالج ، وصار كأنه قطعة لحم ، وجعل يناشدنا بالله أن لا نخليه ، وأن نحمله إلى المشهد ، فقام عليه من يراعيه ويحافظه على البهيمة .

فلما دخلنا الحضرة وضعناه على ثوب ، وأخذ رجلان منا طرفي الثوب ورفعناه على القبر ، وكان يدعو ويتضرع ويبكي ويبتهل ويقسم على الله بحق الحسين أن يهب له العافية .

قال : فلما وضع الثوب على الأرض جلس الرجل ومشى وكأنما نشط من عقال .

ص: 623

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.