تثقیف الامه : بسیر اولاد الائمه علیهم السلام

اشارة

سرشناسه:موید، علی حیدر

عنوان و نام پديدآور:تثقیف الامه: بسیر اولاد الائمه علیهم السلام/ تالیف علی حیدر الموید.

مشخصات نشر:[قم]: مکتبه الحیدریه، 1425ق.= 1383.

مشخصات ظاهری:575 ص.

شابک:50000 ریال 964-816-380-4:

وضعیت فهرست نویسی:فهرستنویسی توصیفی

يادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه: ص. [539] - 554؛ همچنین به صورت زیرنویس.

شماره کتابشناسی ملی:1073929

ص: 1

اشارة

تثقیف الامه: بسیر اولاد الائمه علیهم السلام

تالیف علی حیدر الموید

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

المقدّمة

أهميّة علم الأنساب

الحمد للّه الذي جعل الأنساب واسطة عقد المكارم مجدا وفخرا ، وجعل قبائل السادات سادات القبائل ، فهم أعلى العالمين وصفا وذكرا ، والصلاة والسلام على المجتبى من نسل معد والمختار من قبيلة عدنان الذي هو أصوب سهم استخرج من كنانة بفيض الملك المنّان ، وعلى أولاده الطيبين وعترته الطاهرين .

أمّا بعد ، فإنّ علم النسب من أجلّ العلوم قدرا وأرفعها ذكرا ، وقد ذكر النسّابون فيه ألغازا لا يهتدي إليها إلاّ من طالب دراسة الأنساب وأُوتي الحكمة وفصل الخطاب .

فقد قال ابن منظور في لسان العرب(1): النسب : القرابات وهو واحد الأنساب .

وقال ابن سيدة : النِّسبة والنَّسبة والنسب : القرابة ، وقيل : هو في الآباء خاصّة .

وقيل : النّسبة مصدر الانتساب ، والنَّسبة الاسم .

وفي التهذيب النسب يكون بالآباء ، ويكون إلى البلاد ، ويكون في الصناعة .

وجمع النسب : الأنساب .

ص: 7


1- انظر لسان العرب لابن منظور : ج1 ص755 مادّة نسب .

وقال الراغب الأصفهاني في معجمه : النسب والنِّسبة : اشتراك من جهة أحد الأبوين ، وذلك ضربان :

نسب بالطول كالاشتراك من الآباء والأبناء . ونسب بالعرض كالنِّسبة بين بني الأخوة وبني الأعمام . قال تعالى : «فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا»(1).

والنسب اصطلاحا كما في (أبجد العلوم)(2): هو علم يتعرّف منه أنساب الناس ، وقواعده الكلّية والجزئية . والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب شخص ، وهو علم عظيم النفع ، جليل القدر ، أشار إليه الكتاب العظيم في قوله تعالى : «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»(3) إلى تفهّمه .

كما حثّ الرسول الكريم صلى الله عليه و آله في حديثه على تعلّمه ، فقال : « تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإنّ صلة الرحم محبّة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر »(4).

وقال صلى الله عليه و آله : « اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم ، فإنّه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة »(5).

وكان العرب قبل الإسلام يهتمّون بالأنساب ممّا دفعهم إلى التعمّق في تنظيم الأُسرة والقبائل والشعوب تنظيما دقيقا حتّى غدا عندهم علما من العلوم وفنّا من

ص: 8


1- معجم مفردات ألفاظ القرآن : ص801 ، مادّة نسب ، والآية رقم 54 من سورة الفرقان .
2- وهو كتاب في فنون العلوم والتعريف بها . ومن صنّف في تلك الفنون ابن حسن القنوجي المتوفّى سنة 1307ه .
3- سورة الحجرات : الآية 13 .
4- كنز العمّال : ج3 ص358 ح6926 .
5- كنز العمّال : ج3 ص359 ح6935 .

الفنون .

وكانت العرب من أسبق الأُمم وأحرصها على حفظ النسب ومعرفة الأنساب ، فاختصّت بهذا العلم دون سائر الطوائف والأقوام . وقد أمضاه الإسلام إلاّ فيما يخالف الشرع ، فحثّ المسلمين على تعلّمه بغية التعاون والتضامن التامّ بين الأفراد ، فأعلى لهم هذا المبدأ الاجتماعي الرفيع فقال عليه السلام : « تعلّموا أنسابكم لتصلوا أرحامكم » . إذ أنّ معرفة الأنساب توجب صلة الأرحام ، التي من شأنها إيجاد التضامن والتماسك الأتم والأفضل بين الأفراد في المجتمع ، وقد لا يحصل مثل هذا التماسك فيما بينهم إلاّ عن طريق تعرّف الواحد بالآخر ومعرفة كلّ واحد منهم بما يربطه مع الآخرين من أواصر القرابة والرحمية والدم ، فيشعر كلّ فرد بأنّه جزء من المجموع ، وأنّ المجموع من أب واحد كما في الحديث الشريف حيث قال : « كلّنا من آدم وآدم من تراب » .

من مكارم الأخلاق

إنّ في معرفة النسب مندفعا إلى مكارم الأخلاق ، كما أنّ فيها مزدجرا عن الملكات الرذيلة ، فمتى عرف الإنسان في أصله شرفا ، وفي عوده صلابة ، وفي منبته طيبا - ولا أقلّ من أن يحسب هو في نفسه خطرا باتّصال نسبه إلى أصل معلوم - فإنّه عادة يأنف عن تعاطي دنايا الأُمور وارتكاب الرذائل حيطةً على سمعته من التشويه وحذرا على ذكره من ارتكاب العار ، وتنزيها لسلفه من سوء الأُحدوثة .

وقد جاء في فقه الشريعة أنّ ديّة قتل الخطأ مع شروطه العشرة على العاقلة وهم الأب والمتقرّب به من الرجال والأولاد ، فيكون الرجل رهن الانفعال منهم لمنّتهم عليه بدفع الديّة فلا يعود إلى مثله ، أو أنّهم إذا فعلوا ذلك يكونون رقباء عليه حتّى يردعوه عن مثله ولا يدعوه يتورّط فيما يحدوه إلى لدته .

وهذه إحدى فوائد الأنساب ، وفي باب المواريث فوائد جمّة تشبه هذه .

ص: 9

أثر الصفات الوراثية في الأنساب

لا يخفى أنّ قدرة اللّه تعالى تتجلّى في خلقة الإنسان وحكمته في تصويره إيّاه منذ الوهلة الأُولى لنشوئه ، حيث قال تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(1).

فقد قدّر اللّه سبحانه للإنسان أن يحمل صفات ذات علاقة بآبائه أو أجداده من أُمّه وأبيه ، وكثير من صفاته التي تميّزه عن غيره ترجع إلى تلك العوامل الوراثية لكلا الأبوين ، رغم أنّ بعض الصفات قد تكون سائدة على صفات أُخرى وهي الصفات المتنحّية أو الضعيفة ، فتعطي الصورة التي أرادها اللّه تعالى عن طريق تلك العوامل الوراثية لأن تبقى على مدى العصور ، فربما تظهر تلك الصفات الوراثية عن أقرب الآباء ، وربما لا تظهر لفترة طويلة ولكنّها تعاود الظهور مرّة أُخرى من جديد وفي جيل آخر لتظهر قدرة اللّه تعالى وحكمته في خلقه .

ولعلّ هذا هو الداعي لوضع قواعد النسب في الإسلام ، بحيث إنّ الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام صارت مستفيضة ، ومنها قوله صلى الله عليه و آله : « اختاروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس »(2). وقوله صلى الله عليه و آله : « اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين »(3).

وأصل ذلك كلّه الكتاب المجيد ، فإنّ القرآن أوّل من نبّه على ذلك حيث يقول : «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدا»(4).

ص: 10


1- سورة آل عمران : الآية 6 .
2- قريب منه في مكارم الأخلاق : ص197 .
3- الكافي : ج5 ص332 .
4- سورة الأعراف : الآية 58 .

بل إنّ العقلاء يقولون : الأصل يجرّ وما في الآباء ترثه الأبناء ، والابن سرّ أبيه ، ولولا توافق الطباع المتقاربة في البيئة والصفات المتجانسة في الأوضاع والحالات المتشاكلة في الآباء والأبناء لما كان لهذه الأقوال وقع .

ولأنّ الأعراق النسبية من الطرفين ذات التأثير في الفروع ، وربما تكون الغلبة للنساء في الأكثر على ارتسام شيمها وشيم آبائها في غرسها ما يثمر في الأولاد

ثمرا حلوا أو مرّا ، فإذا كان الرجل والمرأة في المرتبة السامية من الشرف والسؤدد ،

فأيّهما علق شبه المولود به فقد كمل ، ولا يدخل على المولود من ناحية الأبوين النقص إلاّ إذا كان أحدهما وضيعا . وقد اتّفق على تقرير هذا المعنى وتأييده الشرع والعرف والعقل والطب ، وجرت على التسليم له العرب جاهلية وإسلاما .

ولولا تشاكل الطباع المتقاربة وتشابهها في الآباء والأبناء لما كان لقول أمير المؤمنين عليه السلام لأخيه عقيل (رضوان اللّه عليه) وكان نسّابة عالما بأنساب العرب

وأخبارهم : « انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا »(1)، في هذا الاختيار محل ومناسبة .

وهذا ما أكّده قوله (عليه الصلاة والسلام) وهو الصادق المصدّق : « بعثت من خيرة قريش ، نقلت من الأصلاب الزاكية إلى الأرحام الطاهرة ، وما افترقت فرقتان إلاّ كنت في خيرهما »(2)، وقوله صلى الله عليه و آله : « ما مسّني عرق سفاح قطّ ، وما زلت أُنقل من الأصلاب السليمة من الوصوم والأرحام البريئة من العيوب »(3).

ص: 11


1- بطل العلقمي : ج1 ص97 .
2- شرح النهج : ج2 ص471 .
3- شرح النهج : ج2 ص24 .

فضل زيارة الأئمّة عليهم السلام وأولادهم

قال النبي الأعظم صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام : « ياأبا الحسن إنّ اللّه تعالى قد جعل قبرك وقبور ولدك بقعة من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها ، وإنّ اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم وتحتمل الأذى والمذلّة فيعمّرون قبوركم ويكثرون من زيارتها تقرّبا منهم إلى اللّه ومودّة منهم لرسوله ، أُولئك ياعلي المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي وهم زوّاري غدا في الجنّة ، ياعلي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام »(1).

وقال صلى الله عليه و آله : « إنّ اللّه تعالى قسّم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسما ، وذلك قوله تعالى : «أَصْحَابُ الَْيمِينِ»(2) و «أَصْحَابُ الشِّمَالِ»(3)، فأنا من أصحاب اليمين ، ثمّ جعل القسمين أثلاثا ، فجعلني من خيرها ثلاثا ، وذلك قوله عزّ من قائل : «فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»(4) فأنا من السابقين ، ثمّ جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، وذلك قوله عزّوجلّ : «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ»(5) فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على اللّه عزّوجلّ ، ثمّ جعل القبائل بيوتا ، فجعلني من خيرها بيتا ، وذلك قوله عزّوجلّ : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ

ص: 12


1- فرحة الغري لابن طاووس : ص77 .
2- سورة الواقعة : الآية 27 .
3- سورة الواقعة : الآية 41 .
4- سورة الواقعة : الآيات 8 - 10 .
5- سورة الحجرات : الآية 13 .

عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا»(1)» .

وقال صلى الله عليه و آله : « تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإنّ صلة الرحم محبّة في الأهل ، ومثراة في المال ، ومنساة في الأثر »(2).

فلمّا تقرّر أنّ اللّه اصطفى صفوته من آل هاشم بن عبد مناف ، وجعل السؤدد فيه وفي آله الأشراف ، لكونهم أفضل الأنام نسبا ، وأفخرهم حسبا . رأيت في أن أكتب كتابا يشتمل على ذكر أولاد الأئمّة المعصومين عليهم السلام على التجميل والتفصيل

حسب المتيسّر ، مستمدّا من اللّه الإعانة على التكميل وسمّيته : (تثقيف الأُمّة بسير أولاد الأئمّة عليهم السلام) .

وأتبعت ذلك بذكر أولاد الأئمّة عليهم السلام من خلال منهجية تقسيم الكتاب إلى أبواب عدّة ، مقسّمة على عدد الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، حيث تناولنا في كلّ باب وبصورة مختصرة سرد تاريخي عن حياة كلّ إمام معصوم عليه السلام من ولادته حتّى شهادته عليه السلام ، وقسّمنا كلّ باب إلى فصول متعدّدة ، ومن ثمّ ذكرنا بالتفصيل المتيسّر تراجم أولاد كلّ إمام معصوم عليه السلام من الذكور والإناث كلّ على حدة ، ليتمّ من خلال ذلك بيان تراجم أولاد الأئمّة المعصومين عليهم السلام من الذكور والإناث في كتاب جامع .

وممّا يؤسف له حقّا أنّ الكثير من أولاد الأئمّة الأطهار عليهم السلام ظلموا في التاريخ وضاعت الكثير من تفاصيل حياتهم ولم يبق منها القليل إلاّ القليل بحيث أنّ القارئ العزيز لا يكاد يجد اليوم من سيرتهم سوى المقتطفات الموجزة الموزّعة هنا وهناك .

ولا يخفى أنّ هذا التعتيم لسيرة أبناء المعصومين عليهم السلام يرجع إلى أُمور كثيرة منها تحريض الحكّام والسلاطين لكثير من المؤرخين بأن يمحو سيرة أهل البيت

ص: 13


1- سورة الأحزاب : الآية 33 .
2- كنز العمّال : ج3 ص358 ح6926 .

قاطبة بما فيهم أبناءهم وما ذلك إلاّ لشدّة بغضهم لهذا البيت الطاهر .

وبالفعل فقد استجاب الكثير من المؤرخين لرغبة السلاطين ورخّصوا ضمائرهم وتغافلوا عن كلّ المسؤوليات الملقاة على كاهلهم وأخذوا يتفنّون في طمس الحقائق وإخفاء فضائل أولاد الأئمّة ومناقبهم تلبيةً لرغبة الحكّام وإرضاءً لهم .

بل إنّ بعض المؤرخين تمادى في الأمر وأخذ ينسب الكثير من الأكاذيب والخرافات إلى أبناء الأئمّة الأطهار عليهم السلام علّه يحقّق رغبة الحكّام الذين تعاهدوا على محو كلّ ما يمتّ هذا البيت الطاهر بصلة .

من هنا فقد ضاع الكثير من تاريخ أبناء الأئمّة الأطهار عليهم السلام وجُهل قدر الكثير منهم حتّى أنّ الكثير من الشيعة الموالين انخدعوا ببعض الموضوعات الواضحة التي نسبها بعض الوضّاعين من المؤرخين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم .

وفي الختام أُقدّم شكري وامتناني لكلّ من ساهم بإنجاز هذا السفر المبارك وأخصّ بالذكر فضيلة الأُستاذ المحامي طارق العبادي فجزاه اللّه خيرا .

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين .

علي حيدر المؤيّد

1423ه - 2002م

ص: 14

الباب الأوّل: أولاد الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام

اشارة

ص: 15

ص: 16

نبذة عن حياة الإمام علي عليه السلام

إمام هدى لم ينظر الخلق مثله

سوى المصطفى المختار من ولد آدم

إنّ الكاتب مهما مكّنته البلاغة من أساليب البيان وفنون التبيان ، لَيقف موقف العاجز عن تحديد أقلّ صفاته وأدنى مناقبه ، فمهما سطّر من الكلم المرصّعة والألفاظ المتخيّرة لا يبلغ أدنى مرقاة في مدح من نزل فيه : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمُ الْغَالِبُونَ»(1).

فهذا ثناء من أعظم الثناء إذ قرن الباري الفلاح بموالاته ، وجعل ولايته كولايته وولاية رسوله صلى الله عليه و آله ، وهيهات أن يصف الواصف أو ينعت الناعت من تاهت الأفكار في توصيفه أو يبلغ حقيقته من تحيّر ذوو العقول في نعوته .

نسبه عليه السلام :

هو الإمام الأوّل علي بن أبي طالب (واسمه عبد مناف)(2) ابن عبدالمطّلب (واسمه شيبة الحمد)(3) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن

ص: 17


1- سورة المائدة : الآية 55 - 56 .
2- ويلقّب بأبي البطحاء أيضا لأنّهم استقوا به سقيا فكنّوه بذلك .
3- لشيبة كانت في رأسه ، وكنيته أبو الحارث ، وعنده يجتمع نسب الإمام علي عليه السلام بنسب النببي صلى الله عليه و آله .

مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان(1). وأنّ نسبه عليه السلام هو امتداد لنسب الرسول صلى الله عليه و آله(2).

نسب كأنّ عليه من شمس الضحى*نورا ومن فلق الصباح عمودا

إلى هنا يقف الباحث عن الإتيان بباقي الآباء الأكارم إلى آدم بعدما يقرأ قول النبي صلى الله عليه و آله : « إذا بلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا »(3).

هذا في النسب ، وأمّا المنبت فكما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن عائشة ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أتاني جبرئيل ، فقال : قلّبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر رجلاً أفضل من محمد ، ولم أر ابن أب أفضل من بني هاشم »(4).

وأُمّ الإمام علي عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم ، كانت مؤمنة باللّه تعالى على دين إبراهيم عليه السلام ، وهي من سابقات النساء إلى الإسلام ، ولكن البعض الذي زعم عدم إيمانها نقل عنها أنّها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعلي عليه السلام في بطنها لم يمكنها ذلك ، حيث يضع رجله على بطنها ويلصق ظهره بظهرها ويمنعها من ذلك(5).

وكانت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمنزلة الأُمّ ، وربّي في حجرها ، وكانت من السابقات إلى تصديقه والإيمان به ، وهاجرت معه إلى المدينة . وكفّنها النبي صلى الله عليه و آله عند موتها بقميصه ليدرأ به عنها هوام القبر ، وتوسّد في قبرها لتأمن بذلك من

ص: 18


1- تذكرة الخواص : ص2 ، الفصول المهمّة : ص29 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص19 باب6 .
2- انظر كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للشافعي : ص366 .
3- انظر مناقب ابن شهر آشوب : ج1 ص106 ، وكشف الغمّة : ج1 ص6 .
4- أورده الذهبي في تلخيصه ، وكذا أخرجه المحاملي .
5- نور الأبصار : ص85 ، معالم أنساب الطالبيين : ص68 ، المجدي : ص190 .

ضغطة القبر ، ولقّنها الإقرار بولاية ابنها كما اشتهرت به الرواية(1)، وهي أوّل هاشمية ولدت هاشميا .

وكان للإمام عليه السلام ثلاثة اخوة وأُختان هم :

طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وكلّ واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب ، وكان الإمام علي عليه السلام أصغرهم سنّا ، وأسلموا كلّهم وأعقبوا إلاّ طالب فإنّه أسلم ولم يعقّب . وأُخته الأُولى تدعى فاختة وتكنّى أُمّ هاني ، والثانية جمانة(2)..

ولادته عليه السلام :

ولد الإمام عليه السلام بمكّة في البيت الحرام في داخل الكعبة المشرّفة يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللّه الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، ولم يولد قطّ في بيت اللّه تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه اللّه تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لرتبته ، فكان أمير المؤمنين عليه السلام هاشميا من هاشميين(3).

ولنعم ما قال الحميري :

ولدته في حرم الإله وأمنه * والبيت حيث فنائه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد

ص: 19


1- إرشاد المفيد : ج1 ص5 ، الفصول المهمّة : ص30 و31 ، أُسد الغابة : ج5 ص517 .
2- انظر مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص304 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص191 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص132 .
3- إعلام الورى : ج1 ص305 ، إرشاد المفيد : ج1 ص5 ، نور الأبصار : ص85 ، حلية الأولياء : ج1 ص65 ، طبقات ابن سعد : ج1 ، الفصول المهمّة : ص29 .

في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لفّ في خرق القوابل مثله * إلاّ ابن آمنة النبي محمّد(1)

وعن جابر بن عبداللّه ، قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن ميلاد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال صلى الله عليه و آله :

« لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام ، إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق عليا من نوري وخلقني من نوره ، وكلانا من نور واحد ، ثمّ إنّ اللّه عزّوجلّ نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية ، فما نقلت من صلب إلاّ ونقل علي معي ، فلم نزل كذلك حتّى استودعني خير رحم وهي آمنة ، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد »(2).

ونظم عبدالباقي العمري في حقّه عليه السلام :

أنت العلي الذي فوق العلا رفعا * ببطن مكّة وسط البيت إذ وضعا

وأنت حيدرة الغاب الذي أَسَدُ ال- * -برج السماوي عنه خاسئا رجعا

ربيب طه حبيب اللّه أنت ومن * كان المربّي له طه فقد برعا

سمّتك أُمّك بنت الليث حيدرة * أكرم بلبوة ليث أنجبت سبعا

كناه عليه السلام :

من جملة كناه عليه السلام: أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين ، أبو الريحانتين ، ... .

وكان ابنه الحسن عليه السلام يدعوه في حياة الرسول صلى الله عليه و آله : أبا الحسين ، ويدعوه الحسين عليه السلام : أبا الحسن ، ويدعوه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أباهما ، فلمّا توفّي النبي صلى الله عليه و آله دعوه

ص: 20


1- منتهى الآمال : ج1 ص283 .
2- راجع كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للكنجي الشافعي : ص365 .

بأبيهما(1).

وكنّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأبي تراب لمّا رآه ساجدا معفّرا وجهه في التراب ، وكان يقول عليه السلام : « هي أحبّ كنيتي إليّ »(2).

ألقابه :

ألقابه عليه السلام كثيرة ، منها : أمير المؤمنين ، خصّه النبي صلى الله عليه و آله لمّا قال : « سلّموا على علي بإمرة المؤمنين »(3). ولم يجوّز أصحابنا (رضوان اللّه عليهم) أن يطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمّة عليهم السلام فكيف بغيرهم ، وقالوا : إنّه انفرد بهذا التلقيب فلا يجوز أن يشاركه في ذلك غيره(4).

ومن ألقابه عليه السلام أيضا : المرتضى ، يعسوب الدين ، يعسوب المؤمنين ، حيدرة ، الوصي .

وقد لقّبه رسول اللّه

صلى الله عليه و آله : إمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وسيّد العرب(5).

إسلامه عليه السلام :

اتّفق جميع المؤرخين والمحدّثين أنّ عليا عليه السلام هو أوّل من أسلم من الرجال ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذلك بعد أن أخذ بيد علي عليه السلام : « إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر »(6).

ص: 21


1- انظر مقاتل الطالبيين : ص39 ، ذخائر العقبى : ص56 ، نور الأبصار : ص90 .
2- أنساب الأشراف : ج2 ص345 ، الرياض النضرة : ج3 ص105 و106 .
3- إرشاد المفيد : ج1 ص48 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص53 .
4- انظر إعلام الورى : ج1 ص305 ، الهداية الكبرى : ص93 .
5- مناقب المغازلي : ص103 ح145 ، بشارة المصطفى : ص9 ، أمالي الصدوق : ص19 ح6 .
6- مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص91 ، طبقات ابن سعد : ج3 ص21 .

وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ياعلي أنت أوّل المسلمين إسلاما ، وأوّل المؤمنين إيمانا »(1). وقال عليه السلام : « أنا أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله »(2).

زهده عليه السلام :

كان علي عليه السلام زاهدا في الدنيا ناء عنها ، فلم يعرف التاريخ حاكما يطحن لنفسه الشعير ويأكل منه خبزا يابسا ، ويرقع خفّه بيديه ، ولا يكنز من الدنيا قليلاً

ولا كثيرا ما دام على وجه الأرض بطون غرثى وأكباد حرّى .

وكان يقول عليه السلام : « أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوةً لهم في جشوبة العيش »(3) الحديث .

وروي أنّ معاوية قال لضرار الصدى ؛ صف لي عليا ، فقال : اعفني ياأمير .. قال : لتصفنّه لي ، قال : أمّا إذا لابدّ من وصفه ، كان واللّه بعيد المدى شديد القوى ، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهوتها ويأنس إلى الليل ووحشته ، وكان غزير العبرة طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ويثيبنا إذا استثبناه ، ونحن واللّه مع تقريبه إيّانا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، يقول : يادنيا غرّي غيري ، إليّ تعرّضت أو إليّ تشوّقت هيهات هيهات قد

ص: 22


1- تاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام علي عليه السلام) : ج1 ص104 .
2- روضة الواعظين : ص96 .
3- نهج البلاغة : الكتاب رقم 45 ص418 ، والجشوبة : الخشونة .

باينتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير وخطرك قليل ، آه آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق .

فبكى معاوية وقال : رحم اللّه أبا الحسن كان واللّه كذلك ، فكيف حزنك عليه ياضرار ، قال : حزن من ذبح واحدها في حجرها(1).

صفاته عليه السلام :

وكانت شجاعته عليه السلام ظاهرة على أعطافه ، مشهورة معروفة من نعومته وأوصافه .

ذكر ابن أبي الحديد في كتاب شرح نهج البلاغة في حديثه عن شجاعة علي عليه السلام قال : لقد أنسى الناس ذكر من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحروب مشهورة ، تضرب به الأمثال إلى يوم القيامة ، فهو الشجاع الذي ما فرّ في موقف قطّ ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحدا إلاّ وقتله ، ولا ضرب ضربة واحتاج إلى الثانية ، فكانت ضرباته وترا(2).

لصفي الدين الحلّي :

جمعت في صفاتك الأضدادُ * فلهذا عزّت لك الأندادُ

زاهد ، حاكم ، حليم ، شجاعٌ * ناسكٌ ، فاتكٌ ، فقيرٌ ، جوادُ

خلقٌ يخجل النسيمَ من اللطف * وبأسٌ يذوب منه الجمادُ

شيم ما جمعن في بشر قطّ * ولا حاز مثلهنّ العبادُ

لو رأى مثله النبي لآخاه * وإلاّ فأخطأ الانتقادُ

وشارك أمير المؤمنين علي عليه السلام في جميع غزوات الرسول صلى الله عليه و آله ومعاركه ، منها:

ص: 23


1- ذخائر العقبى : ص100 .
2- انظر شرح نهج البلاغة : ج1 ص20 .

بدر الكبرى، أُحد، الأحزاب، الحديبية، خيبر، حنين، بني النضير ، ذات السلاسل .

وفي معركة تبوك خلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام في أهله ، وقال له صلى الله عليه و آله : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي »(1).

أمّا المعارك التي خاضها عليه السلام بعد أن استلم الخلافة فهي : الجمل ، صفّين ، النهروان ، في قتاله المارقين الناكثين والقاسطين(2).

خصائصه عليه السلام :

اعلم أنّ فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام ومناقبه وخصائصه كثيرة ، لا يتّسع لها كتاب ولا يحويها خطاب ، وليست الشيعة مختصّة بروايتها وإن اختصّت بكثير منها ، فقد روى العامّة والمخالفون من ذلك ما لا يحصى عدده ولا ينقطع عدّه .

عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حسّاب ، والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام »(3).

ومن هذا الباب نذكر هنا اليسير والبعض من خصائصه عليه السلام لأنّ الإكثار يخرجنا عمّا شرطناه من الاختصار وهي :

1 - ولادته في الكعبة المشرّفة التي لم يولد فيها أحد غيره .

2 - آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بينه وبين علي عليه السلام عندما آخى بين المسلمين .

3 - كان عليه السلام حامل لواء الرسول صلى الله عليه و آله .

4 - أمّره رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض سراياه ، ولم يجعل عليه أميرا .

ص: 24


1- تذكرة الخواص : ص18 ، أنساب الأشراف : ج2 ص347 ، الطبقات الكبرى : ج3 ص24 .
2- نور الأبصار : ص96 .
3- انظر كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : ص2 .

5 - بلّغ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله سورة البراءة .

6 - نزوله من المصطفى صلى الله عليه و آله منزلة هارون من موسى عليهماالسلام(1).

روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « معاشر الناس : إنّ فضائل علي بن أبي طالب عند اللّه عزّوجلّ ، وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد ، فمن أنبأكم بها فصدّقوه »(2).

بيعته عليه السلام :

بويع له عليه السلام بالخلافة في الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة العاشرة من الهجرة في غدير خم بأمر الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله لمّا قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه »(3)، نزل قوله تعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»(4).

واستلم الحكم في ذي الحجّة من السنة الخامسة والثلاثين من الهجرة .

قال الشيخ عبدالزهراء الكعبي رحمه الله :

أخا المصطفى لا شكّ أنت المقدّم * عليهم بِخُمٍّ والإمام المعظّم

فتعسا لقوم عنك صموا كما عموا * أبا حسن إن أخّروك وقدّموا

عليك ثلاثا فهو في نقصهم يكفي

ففي كنه معناك العقول تحيّرت * ومن فيض يمناك البحار تفجّرت

شمخت مقاما مذ عليك العدى افترت * كما ألف الآحاد إن هي أُخّرت

ص: 25


1- راجع الفصول المهمّة : ص119 ، إعلام الورى : ج1 ص361 .
2- روضة الواعظين : ص112 .
3- راجع البداية والنهاية لابن كثير : ج5 ص209 - 210 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي : ص30 ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ص40 ، ذخائر العقبى : ص88 .
4- سورة المائدة : الآية 3 .

عن الصفر بالتعداد زادت على الألفِ

آثاره عليه السلام :

ترك أمير المؤمنين عليه السلام خطبا رائعة في البلاغة ، عظيمة في المضمون ، وحِكما وأقوالاً قصارا ، جمعت في كتاب نهج البلاغة ، وبالتالي فهو عليه السلام سيّد البلغاء والخطباء مطلقا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو القائل : « سلوني عن كتاب اللّه ، فإنّه ليست آية إلاّ وقد عرفت أبليل أم بنهار ، في سهل أو جبل »(1).

فقد ورد في تفسير القمّي : «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(2) قال : أي كتاب مبين وهو محكم ، وذكر ابن عباس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « أنا واللّه

الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو محكم »(3).

وفي معاني الأخبار بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث ، أنّه صلى الله عليه و آله قال في علي عليه السلام : « إنّه الإمام المبين

الذي أحصى اللّه تبارك وتعالى فيه علم كلّ شيء »(4).

رايته عليه السلام : راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

كاتبه عليه السلام : عبداللّه بن أبي رافع(5).

عاصمته عليه السلام : الكوفة .

شاعراه عليه السلام : النجاشي ، والأعور الشين .

ص: 26


1- أنساب الأشراف : ج2 ص351 ، طبقات ابن سعد : ج3 ص24 و25 .
2- سورة يس : الآية 12 .
3- تفسير القمّي : ج2 ص212 .
4- معاني الأخبار : ص65 ، أمالي الصدوق : ص144 المجلس الثاني والثلاثون .
5- نور الأبصار : ص118 .

نقش خاتمه عليه السلام : (اللّه الملك) ، وفي رواية : (اللّه الملك وعلي عبده) .

بوّابه عليه السلام : سلمان الفارسي(1).

شهادته عليه السلام :

استشهد عليه السلام ليلة الجمعة ، لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً شهيدا ، قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي (لعنه اللّه) ، وقد خرج لصلاة الفجر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان وهو ينادي (الصلاة الصلاة) في مسجد الكوفة ، فضربه بالسيف على أُمّ رأسه ، وقد كان ارتصده من أوّل الليل لذلك ، وكان سيفه مسموما ، فمكث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها

وليلة الحادي والعشرين إلى نحو الثلث من الليل ثمّ قضى نحبه عليه السلام(2).

وقد كان عليه السلام يعلم ذلك قبل أوانه ويخبر به الناس قبل أيانه ، فعندما اجتمع الناس لبيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فجاء عبدالرحمن بن ملجم فردّه مرّتين أو ثلاثا ثمّ بايعه ، فقال له علي عليه السلام : ما يحبس أشقاها ؟ فوالذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه من هذه !!

وروي أنّ عليا عليه السلام أعطى الناس ، فلمّا بلغ إلى ابن ملجم قال :

أُريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد(3)

وكان عمره يوم استشهد ثلاث وستّين سنة ، ودفن عليه السلام في النجف الأشرف وكانت تدعى الغري(4)،

ص: 27


1- انظر أعيان الشيعة : المجلّد الأول ص326 .
2- إعلام الورى : ج1 ص389 ، منتقلة الطالبية : ص261 باب الكاف .
3- مقاتل الطالبيين : ص45 .
4- مجمع البلدان : ج5 ص271 .

وقام بالصلاة عليه ودفنه الإمام الحسن عليه السلام(1).

وقد رثى الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في ذلك الوقت وإلى هذه الغاية ، وذكروا مقتله ، وممّن رثاه في ذلك الوقت أبو الأسود الدؤلي في أبيات :

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ * فلا قرّت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرّا أجمعينا

ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت النور فوق الناظرينا

لقد علمت قريش حيث كانت * بأنّك خيرهم حسبا ودينا(2)

ص: 28


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص307 ، تاريخ الأئمّة : ص25 .
2- راجع مروج الذهب للمسعودي : ج2 ص428 .

فصل: في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

كان لأمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون ولدا(1) ذكرا وأُنثى .

خمسة منهم : الحسن والحسين عليهماالسلام والمحسن عليه السلام الذي أسقط(2)، وزينب الكبرى عليهاالسلام ، وزينب الصغرى عليهاالسلام المكنّاة بأُمّ كلثوم ، أُمّهم فاطمة البتول عليهاالسلام

سيّدة نساء العالمين بنت سيّد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه و آله ، وسيأتي شرح أحوال الحسن والحسين عليهماالسلام في فصل خاصّ .

وسادسهم : محمّد المكنّى بأبي القاسم ، أُمّه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية ، وسوف يأتي شرح أحواله وذكر أولاده إن شاء اللّه .

السابع والثامن منهم : عمر ورقية الكبرى ، وكانا توأمين ، وأُمّهما الصهباء أُمّ حبيب بنت ربيعة .

التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر : العبّاس ، وجعفر ، وعثمان ، وعبداللّه الأكبر ، وقد استشهدوا جميعا بكربلاء مع أخيهم الحسين عليه السلام ، وسيأتي كيفية استشهادهم إن شاء اللّه، وأُمّهم أُمّ البنين بنت حزام بن خالد بن دارم الكلابي.

ص: 29


1- انظر إعلام الورى للطبرسي : ج2 ص395 ، والإرشاد للمفيد : ج2 ص354 ، وتاج المواليد للطبرسي : ص76 ، وروح الإكسير للواسطي : ص80 .
2- سيأتي شرح أحواله في ترجمة خاصّة له .

الثالث والرابع عشر : محمد الأصغر المكنّى بأبي بكر ، وعبيداللّه ، الشهيدان مع أخيهما الحسين عليه السلام بطف كربلاء ، أُمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية .

الخامس عشر : يحيى ، وأُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وتوفّي صغيرا قبل أبيه .

السادس والسابع عشر : أُمّ الحسن ، ورملة ، أُمّهما أُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي .

أمّا بقيّة بنات أمير المؤمنين عليه السلام من الثامن عشر إلى الثامن والعشرين فهنّ : نفيسة ، وزينب الصغرى ، ورقية الصغرى ، وأُمّ هاني ، وأُمّ الكرام ، وجمانة المكنّاة

بأُمّ جعفر ، وإمامة ، وأُمّ سلمة ، وميمونة ، وخديجة ، وفاطمة (رضوان اللّه عليهنّ)

لأُمّهات أولاد شتّى .

وقال ابن شهر آشوب : إنّ نفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى ، أُمّهنّ أُمّ سعيد بنت عروة ، وأنّ والدة أُمّ الحسن ورملة هي أُمّ شعيب المخزومية(1).

وقد عدّ البعض أولاده عليه السلام ستّة وثلاثين(2). نصفهم ذكور والنصف الآخر إناث ، مع زيادة عبداللّه وعون ، وأُمّهما أسماء بنت عميس ، وزيادة محمد الأوسط برواية هشام بن محمد المعروف بابن الكلبي ، وأُمّه أُمامة بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبزيادة عثمان الأصغر ، وجعفر الأصغر ، وعباس الأصغر ، وعمر الأصغر ، ورملة الصغرى(3).

ولأمير المؤمنين عليه السلام من زوجته محيّاة بنت امرئ القيس بنت ماتت وهي

ص: 30


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص304 .
2- انظر عمدة الطالب : ص83 .
3- المناقب : ج3 ص305 ، وفي تاريخ الأئمّة للبغدادي ذكر الأصاغر من أولاد الإمام علي عليه السلام : ص27 .

صغيرة(1).

وتظهر أسماء زوجات أمير المؤمنين عليه السلام من ذكرنا أُمّهات أولاده ، نعم إنّه عليه السلام ما دامت كانت فاطمة عليهاالسلام على قيد الحياة لم يتزوّج أمير المؤمنين عليه السلام بامرأة غيرها قطّ ،كما أنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يتزوّج بامرأة أُخرى ما دامت خديجة عليهاالسلام على قيد الحياة(2).

ولمّا توفّيت الزهراء عليهاالسلام تزوّج بأُمامة بنت أُختها حسب وصيتها عليهاالسلام.

وقد خطب المغير بن نوفل أُمامة ثمّ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فامتنعت وروت حديثا عن علي عليه السلام : أنّ أزواج النبي والوصي لا يتزوّجنّ بعده ، فلم يتزوّجن الحرائر وأُمّهات الأولاد عملاً بالرواية(3).

ولمّا استشهد عليه السلام خلّف تسع عشر أُمّ ولد ، وأربع حرائر ، منهنّ أُمامة بنت زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وليلى التميمية ، وأسماء بنت عميس الخثعمية ، وأُمّ البنين الكلابية(4).

وأعقب لأمير المؤمنين عليه السلام خمسة من أولاده :

الإمام الحسن والحسين عليه السلام ، ومحمد بن الحنفية ، والعباس بن الكلابية ، وعمر الأكبر أو الأطرف بن الثعلبية(5).

وسيأتي شرح تراجمهم بالتفصيل إن شاء اللّه .

ص: 31


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص305 ، أنساب الأشراف للبلاذري : ج2 ص411 .
2- مناقب ابن شهر آشوب : ج2 ص93 ، الهداية الكبرى : ص95 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : ج2 ص76 .
4- كشف الغمّة : ص32 ، الفصول المهمّة : ص145 ، مطالب السؤول : ص63 .
5- تاريخ الأئمّة للبغدادي : ص18 ، تاريخ المواليد للطبرسي : ص76 ، وتاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشّاب : ص129 ، تهذيب الأنساب : ص32 .

فصل: تراجم أولاد الإمام من البنين

السقط محسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام

وهو الجنين الطاهر ، وهو الخامس من أولاد فاطمة عليهاالسلام ، الذي سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله محسنا قبل أن يولد ، ولم ير الدنيا ، وعاش في أحشاء أُمّه (صلوات اللّه عليهما) ، واستشهد بغير جرم ، مظلوما كأُمّه الزهراء وأبيه المرتضى وجدّه المصطفى (صلوات اللّه عليهم) .

ولقد قال الشيخ عبدالزهراء الكعبي :

يامحسنا لو أمهلته يد الشقاء * زمنا لعيّن ثالث الأسباط

ذكره الرواة والمؤرخون من الخاصّة والعامّة(1)، فذكر ابن شهر آشوب في

ص: 32


1- إنّ العديد من المصادر تؤكّد بوضوح وجود المحسن ضمن أولاد الإمام علي عليه السلام من فاطمة عليهاالسلام ، ولم يقتصر هذا الأمر في حدود كتب الشيعة ، بل إنّ الكثير من كتب العامّة ذكرت ذلك الأمر وسلّمت بوجوده من دون تعليق ، أسقطته فاطمة عليهاالسلام لستّة أشهر . راجع تاريخ الطبري : ج5 ص153 ، وتاريخ اليعقوبي : ج2 ص213 ، والكامل في التاريخ لابن الأثير : ج3 ص397 ، وأنساب الأشراف : ج3 ص361 ، والإصابة لابن حجر : ج3 ص471 ، وميزان الاعتدال : ج1 ص139 ، وجمهرة أنساب العرب للأندلسي : ص16 ، ومروج الذهب للمسعودي : ج3 ص73 ، وذخائر العقبى : ص55 ، وتذكرة الخواص ، ص211 ، وكفاية الطالب للشافعي : ص208 ، والبداية والنهاية لابن كثير : ج7 ص330 ، ونور الأبصار للشبلنجي : ص92 ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ص145 .

المناقب(1)، فيما نزل من القرآن [ أي من تأويله ] في أمير المؤمنين عليه السلام عن مقاتل ، عن عطاء : اخترت لمحمد إليا ، هو أخوه ووزيره ، ووصيّه والخليفة من بعده ، طوبى لكما من أخوين ، إليا أبو السبطين ، الحسن والحسين ومحسن الثالث من ولده ، كما جعلت لأخيك هارون شبّر وشبيرا ومشبّرا(2).

وقال الشيخ المفيد رحمه الله : وفي الشيعة من يذكر أنّ فاطمة عليهاالسلام أسقطت بعد النبي صلى الله عليه و آله ذكرا ، كان سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو حمل محسنا(3).

وذكر صاحب المجدي : وقد روت الشيعة خبر المحسن والرفسة (التي من أجلها سقط) ووجدت بعض أهل النسب يحتوي على ذكر المحسن ولم يذكر الرفسة من جهة أعولّ عليها(4).

وجاء في المعارف لابن قتيبة : بأنّ المحسن قد مات صغيرا ، وقد أسقط بيوم واحد بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قضيّة حرق دار فاطمة عليهاالسلام(5).

وفي إثبات الوصيّة للمسعودي قال : وضغطوا سيّدة النساء فاطمة بالباب

ص: 33


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج3 ص305 .
2- شبّر وشبير ومشبّر ، هم أولاد هارون على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ، ومعناه بالعربية : حسن وحسين ومحسن ، وبها سمّى علي عليه السلام أولاده ، انظر لسان العرب : ج4 ص393 ، وفي القاموس المحيط : ج2 ص55 ، وبأسمائهم سمّى النبي عليه السلام الحسن والحسين والمحسن .
3- الإرشاد : ج1 ص354 ، وانظر تاج المواليد للطبرسي : ص80 .
4- المجدي في أنساب الطالبيين : ص193 .
5- المعارف : ص95 ، وانظر معالم أنساب الطالبيين : ص47 .

حتّى أسقطت محسنا(1).

والروايات في هذا الباب كثيرة نقتصر على ما ذكرناه لأنّ الإكثار يخرجنا عمّا شرطناه من الاختصار .

ولقد قال الشيخ محمد حسن آل سميسم بمناسبة هذه الحادثة :

ياباب فاطم لا طرقت بخيفة * ويدُ الهدى سَدَلَت عليك حجابا(2)

أولست أنت بكلّ آنٍ مهبط*الأملاك فيك تقبّل الأعتابا

أوه عليك فما استطعت تصدّهم*لمّا أتوك بنو الضلال غضابا(3)

نفسي فداك أما علمت بفاطم*وقفت وراك توبّخ الأصحابا

أو ما رققت لضلعها لمّا انحنى*كسرا وعنه تزجر الخطابا

أو ما درى المسمار حين أصابها*من قبلها قلب النبي أصابا

عتبي على الأعتاب أُسقط محسنٌ*فيها وما انهالت لذاك ترابا(4)

ص: 34


1- إثبات الوصية : ص143 ، وراجع الوافي بالوفيات : ج5 ص347 ، ولسان الميزان : ج1 ص268 .
2- أشار إلى الحادثة المشهورة التي فيها اعتدي على سيّدة نساء العالمين عليهاالسلام والتي قال فيها حافظ إبراهيم شاعر النيل :وقولة لعلي قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيهاحرقت دارك لا أُبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيهاما كان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عدنان وحاميهاوروي في مروج الذهب : ج2 ص308 عن أبي بكر أنّه قال : ... فوددت أنّي لم أكن فتّشت بيت فاطم ... .
3- أوها : مصدر من آه : إذا شكا وتوجّع .
4- الأعتاب : جمع عتبة : وهي أسكفة الباب أو الدرجة الأُولى منه .

حتّى تواريه لئلاّ تَسْحَقَ ال- * -أقدام منه أضلعا وإهابا(1)

هو أوّل الشهداء بعد محمّد * ويُرى المصاب على المصاب صوابا

ما اسطاع يدفع عن أبيه وأُمّه * فمضى لأحمد يشتكي الأصحابا

لمّا عدوا للبيت عدوة آمن * من ليث غاب حين داسوا الغابا(2)

محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

اشارة

هو أبو القاسم محمد الأكبر المعروف بابن الحنفية ، من جمع له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين اسمه وكنيته ، حيث قال صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام : « أنّه سيولد لك ولد سمّه باسمي وكنّه بكنيتي »(3).

ولد محمد بن الحنفية بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو من الطبقة الأُولى من التابعين ، كان من أفاضل أهل البيت عليهم السلام ، وروى عن أبيه عليه السلام وحدّث عنه بنوه(4).

وكان سيد المحامدة ، ومن أفضل ولد أمير المؤمنين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام ، وقد اجتمعت فيه محاسن كثيرة لم تجتمع لأحد من العرب ، وهي الشجاعة ، وقوّة البطش ، والزهد ، والعلم بجميع فنونه حتّى العلم بالمغيبات ، وليست علوم المغيبات التي عنده لضرب من الكهانة والتنجيم ، بل هي إفاضات

ص: 35


1- الإهاب : الجلد .
2- ديوان : سحر البيان وسمر الجنان : ص164 .
3- المجدي : ص196 ، وتذكرة الخواص : ص292 ، صفوة الصفوة : ج2 ص77 .
4- انظر طبقات ابن سعد : ج5 ص91 ، وحلية الأولياء : ج3 ص174 ، تهذيب الأسماء واللغات : ج1 ص1 و88 ، وشذرات الذهب : ج1 ص88 ، سير أعلام النبلاء : ج4 ص110 ، تهذيب التهذيب : ج9 ص354 ، رجال الكشي : ص87 .

إلهية ، أفاضها على باب مدينة العلم الإمام علي عليه السلام ، وورثها منه الحسنان عليهماالسلام ، فعلّما محمدا قسطا منها .

روي أنّه مرّ زيد بن علي زين العابدين عليهماالسلام بمحمد بن الحنفية ، فنظر إليه وقال : أُعيذك باللّه أن تكون زيد بن علي المصلوب بالعراق ، فكان كما قال(1).

وكان لمحمد مع ذلك رئاسة وشرف ، وكان المنظور إليه بعد الإمام زين العابدين عليه السلام عند ملوك ذاك العصر ، ولذلك آذوه وجرّعوه المرّ الزعاق .

جاء عن علي بن الحسين عليه السلام قال : كتب ملك الروم إلى عبدالملك بن مروان يتهدّده ويتوعّده ويحلف ليبعثنّ إليه مائة الف في البرّ ومائة الف في البحر أو يؤدّي

إليه الجزية ، فكتب عبدالملك إلى الحجّاج وكان بالحجاز ، توعّد محمد بن الحنفية بالقتل وأخبرني بجوابه ، وكان عبدالملك قد خاف خوفا عظيما فلمّا وصل كتابه إلى الحجّاج كتب إلى محمد يتواعده ، فكتب محمد إلى الحجّاج ، أمّا بعد فإنّ للّه تعالى في كلّ يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى خلقه ، وأنا أرجو أن ينظر إليّ نظرة يمنعني منك .

فكتب الحجّاج بذلك إلى عبدالملك ، فكتب عبدالملك إلى ملك الروم بذلك ، فكتب إليه ملك الروم ما لك ولهذا الكلام ما خرج منك ولا من أهل بيتك وإنّما خرج من بيت النبوّة .

وأُمّ محمد هي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبداللّه بن ثعلبة بن الدؤول بن حنفية بن لحيم ، وأُمّها بنت عمرو بن أرقم الحنفي(2).

ص: 36


1- راجع الخطط المقريزية : ج2 ص320 ، ونور الأبصار : ص115 ، تقريب التهذيب : ص497 ح6157 .
2- المجد في الأنساب : ص195 ، عمدة الطالب : ص389 .

وروي أنّها سبيت أيّام أبي بكر وأنّ خالد بن الوليد قاتل أهلها(1)، وقيل إنّه جاء البعض فطرح عليها ثوبه طلبا للاختصاص بها ، فصاحت لا يملكني إلاّ من يخبرني بالرؤيا التي رأتها أُمّي وعن اللوح الذي كتبت فيه الرؤيا وما قالته لي ، فعجزوا عن معرفته إلاّ أمير المؤمنين أوضح لها في ملأ من المسلمين أمرا غيبيا عجب منه الحاضرون ، فعندها قالت : من أجلك سبينا ولحبّك أصابنا ما أصابنا .

أقول : لم تكن الحنفية مسبيّة على الحقيقة ، ولم يستبحها أمير المؤمنين عليه السلام بالسبي ، بل كانت مسلمة مالكة أمرها فتزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّ الردّة المزعومة لا توجب أحكام الكفر فليس فيها خروج على ربقة الإسلام .

وقد كان رآها النبي صلى الله عليه و آله في يوم وضحك وقال : « ياعلي أما أنّك تتزوّجها من بعدي فتلد لك غلاما فسمّه باسمي وكنّه بكنيتي »(2).

وكان محمد بن الحنفية من أورع الناس وأتقاهم بعد أئمّة الدين ، وكان عالما ، عابدا ، متكلّما ، فقيها ، زاهدا ، شجاعا ، كريما ، خدم والده الكرّار وأخويه السبطين عليهماالسلام خدمة صادقة ، شهد حروب والده ، وأبلى مع أخيه الحسن عليه السلام بلاءً حسنا .

قال الإمام الباقر

عليه السلام : « ما تكلّم الحسين عليه السلام بين يدي الحسن عليه السلام إعظاما له ، ولا تكلّم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين عليه السلام إعظاما له »(3).

وكفى في شأن محمد وجلالة قدره ما رواه الكشي عن الإمام الرضا عليه السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : تأبى المحامدة أن يعصى اللّه عزّوجلّ ، وهم : محمد بن جعفر ،

ص: 37


1- أعيان الشيعة : المجلّد السادس ص360 .
2- المصدر نفسه .
3- المناقب لابن شهر آشوب : ج3 ص169 .

ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن حذيفة ، ومحمد بن الحنفية »(1).

وهذه شهادة من سيّد الأوصياء في حقّ ولده الكريم محمد ، قد أخذت مأخذها من الفضيلة ، وأحلّت محمدا المحلّ الرفيع من الدين ، وأقلّته سنام العزّ في مستوى الإيمان .

وإنّ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه ممّن يأبى أن يعصى اللّه تعرّفنا عدم ادّعائه الإمامة لنفسه بعد الحسين عليه السلام ، فإنّ تسليمه الإمامة للسجّاد عليه السلام لا يختلف فيه إثنان ، واستدعاؤه الإمام للمحاكمة عند الحجر الأسود من أكبر الشواهد على تفنّنه في تنبيه الناس لمن يجب عليهم الانقياد له ، ولإزاحة شكوك الناس في ذلك لما كان يبلغه من ادّعاء الكيسانية الإمامة له ، ولكنّه تبرّأ منهم ومن دعواهم ، وكان يرى تقديم زين العابدين عليه السلام فرضا ودينا ، كان لا يتحرّك بحركة لا يرضى بها عليه السلام .

روي عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا ، حتّى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك إنّ لي حرمة ومودّة وانقطاعا ، فأسألك بحرمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ألا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض اللّه طاعته على خلقه ؟ قال : فقال : ياأبا خالد حلّفتني بالعظيم ، الإمام علي بن الحسين عليه السلام عليَّ وعليك وعلى كلّ مسلم(2).

فإنّه قد وقى بنفسه ابن أخيه الإمام زين العابدين عليه السلام فتصدّر للفتيا وانتصب لمراجعة الشيعة ، فكان واسطة بين الأُمّة والإمام ، وبابا لهم إليه يرجعون عبره ، لعلمه أنّ الملوك في ذلك الوقت منصرفة أنظارها عن ولد علي عليه السلام إلاّ ذرية الحسين عليه السلام ، لأنّهم استيقنوا أنّ الإمامة في ولده فمن تصدّر منهم للرئاسة أو تصدّى

ص: 38


1- رجال الكشي : ص47 .
2- راجع رجال الكشي : ص79 و80 ، ومناقب ابن شهر آشوب : ج2 ص249 .

للفتيا ومراجعة الأُمّة قتل أو زجّ في السجن المطبق ، فلم يبال محمد بن الحنفية أن يصيبه البلاء إذا أحرز سلامة الإمام زين العابدين عليه السلام ، وقد أصابه البلاء وصبّ عليه من الجور والظلم من ناحية ابن الزبير حتّى أُحرق داره وحبس في مكان يقال له : حبس عارم .

ومن هنا يعرف الوجه في عدم التحاقه بأخيه الإمام الحسين عليه السلام في المسير إلى كربلاء ، حيث أمره الإمام الحسين عليه السلام بالبقاء في المدينة المنوّرة ، مضافا إلى ما أودع عنده من الودائع والأسرار .

وعن الجاحظ أنّه قال : وأمّا محمد بن الحنفية فقد أقرّ الصادر والوارد ، والحاضر والبادي أنّه كان واحد دهره ورجل عصره ، وكان أتمّ الناس تماما وكمالاً(1).

وقال الزهري : كان محمد أعقل الناس وأشجعهم معتزلاً عن الفتن وما كان فيه الناس(2).

وصيّة الإمام الحسن

عليه السلام لمحمد بن الحنفية :

وإنّ كلمة الإمام الحسن السبط عليه السلام تدلّنا على فضله الشامخ ، وورعه الثابت ، ونزاهته عن كلّ دنس ، ومعرفته بالإمام الواجب اتّباعه ، عندما قال له عليه السلام : « يامحمد بن علي لا أخاف عليك الحسد وإنّما وصف اللّه به الكافرين ، فقال تعالى :

«كُفَّارا حَسَدا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ»(3)، ولم يجعل للشيطان عليك سلطانا .

ص: 39


1- انظر تذكرة الخواص : ص295 .
2- عيون الأخبار لابن قتيبة : ج1 ص111 ، تذكرة الخواص : ص293 .
3- سورة البقرة : الآية 109 .

يامحمد بن علي ألا أُخبرك بما سمعت من أبيك فيك ؟

قال : بلى .

فقال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمدا .

يامحمد بن علي لو شئت أن أُخبرك وأنت في ظهر أبيك لأخبرتك .

يامحمد بن علي أما علمت أنّ الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي عند اللّه في الكتاب الماضي ووراثة النبي صلى الله عليه و آله أصابها في وراثة أبيه وأُمّه علم اللّه أنّكم خير خلقه ، فاصطفى محمّد صلى الله عليه و آله عليا ، واختارني علي للإمامة ، واخترت أنا الحسين .

فقال له محمد بن علي : أنت إمامي ، وأنت وسيلتي إلى محمّد ، واللّه لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإنّ في نفسي كلاما لا تنزفه الدلاء ولا تغيّره الرياح كالكتاب المعجم في الرقّ المنمّم أهمّ بإبدائه ، فأجدني سبقت إليه

سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ، وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي اللّه المحسنين ولا قوّة إلاّ باللّه . إنّ الحسين

أعلمنا علما ، وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله رحما ، كان إماما فقيها قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم اللّه أنّ أحدا خير منّا ما اصطفى محمّدا ، فلمّا اختار اللّه محمّدا ، واختار محمّد عليا ، واختارك علي ، واخترت الحسين بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضا وبه نسلّم المشكلات(1).

وهذه الوصية تفيدنا عظمة ابن الحنفية من ناحية الإيمان وأنّه من عباب العلم ومناجم التقى ، فأي رجل يشهد له إمام وقته بأنّ اللّه لم يجعل للشيطان عليه

ص: 40


1- إعلام الورى : ج1 ص422 .

سلطانا ، وأنّه لا يخشى عليه من ناحية الحسد الذي لا يخلو منه أو من شيء من موجباته أي أحد لم يبلغ درجة الكمال ، ثمّ أي رجل أناط أمير المؤمنين البرّ به بالبرّ بنفسه التي يجب على كافّة المؤمنين أن يبرّوا به .

على أنّ الظاهر من قول الحسن المجتبى عليه السلام : « أما علمت أنّ الحسين ... » هو أنّ علم محمد بالإمامة لم يكن بمحض النصّ المتأخّر وإن أكّده ذلك ، وإنّما هو بعلم مخصوص برجالات بيت الوحي ، مكنون عندهم بالإحاطة بالكتاب الماضي والقدر الجاري ، والاعتراف بحقّ الإمامين تدلّنا على ثباته المستقى من عين صافية وما هي إلاّ ذلك اللوح المحفوظ .

فصاحة وشجاعة محمد بن الحنفية :

إنّا لا نجد برهانا أقوى ولا دليلاً أدلّ على بلوغه الدرجة العالية في الفصاحة من أنّه تربّى في بيت الفصاحة ونشأ في دار الإبانة والبيان . ولا خلاف في أنّ قريشا

أفصح العرب ، ونزول القرآن بلسانهم من أقوى الدلائل على بلوغهم الغاية القصوى في الفصاحة ، وأنّ بني هاشم أفصح قريش ولا شاهد أعظم من الوجدان ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله أفصح من نطق بالضاد ، وعلي عليه السلام أمير البلغاء ، ثمّ الحسن والحسين وحمزة وجعفر وغيرهم من بني هاشم ممّا لا يستريب أحد أنّهم أفصح العرب وأبلغ الخطباء ، ومحمد بن الحنفية أحد أغصان تلك الشجرة المثمرة وفرع من تلك الدوحة الباسقة .

ولو لم يكن له إلاّ هذه الخطبة الرنّانة التي ألقاها يوم صفّين في ذلك الجمع الرهيب واليوم العصيب ، والموقف الحرج الذي غصّ فيه البطل المشيح بريقه وأخذ الرعب فيه بمخنقه ، فألقاها محمد إلقاء مترسّل هادئ ، لا يحسّ رهبة ولا يهجس في نفسه خيفة ، فجاء بها محبرة مرشاة بأحسن طراز في أبدع أُسلوب قلّ أن تجتمع السلاسة والابتكار والعذوبة والارتجال ، لذلك أدهشت عقول السامعين ،

ص: 41

وأذهلت أفكار المستمعين .

فقد قال الأشتر النخعي لمحمد بن الحنفية يوما من أيّام صفّين : قم بين الصفّين وامدح أمير المؤمنين عليه السلام واذكر مناقبه ، فبرز محمد بن الحنفية وأومئ إلى عسكر معاوية وقال :

ياأهل الشام اخسؤوا ، ياذرّية النفاق وحشو النار وحصب جهنّم ، عن البدر الزاهر ، والقهر الباهر ، والنجم الثاقب ، والسنان النافذ ، والشهاب المنير ، والحسام

المبير ، والصراط المستقيم ، والبحر الخضم العليم .

«مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّه ِ مَفْعُولاً» أوما ترون أي عقبة تقتحمون وأي هضبة ومسنمة علو تتسنّمون «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» «وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ» ، أصنو رسول اللّه

تستهدفون ، ويعسوب دين اللّه تلمزون ، فأي سبيل رشاد بعد ذلك تسلكون ، وأي خرق بعد ذلك ترقعون ، هيهات هيهات برز واللّه وفاز بالسبق وفاز بالفصل ، واستولى على الغاية فأحرز قصبها ، وفصل الخطاب فانحسرت عنه الأبصار وانقطعت دونه الرقاب ، وقرع الذروة العليا التي لا تدرك ، وبلغ الغاية القصوى ، فعجز من رام رتبته في سعيه فأعياه وعناه الطلب ، وفاته المأمول والارب ، ووقف عند شجاعته الشجاع الهمام ، وبطل سعي البطل الضرغام ف- «أَنَّى لَهُمْ التَّنَاوُشُ مِنْ

مَكَانٍ بَعِيدٍ» فخفضا خفضا ومهلاً مهلاً ، أصديق رسول اللّه صلى الله عليه و آله تنكثون ، أم لأخيه تسبّون ، وذا قربى منه تشتمون ، وهو شقيق نسبه إذا نسبوا ونديد هارون إذا مثلوا ، وذو قوى كبرها إذا امتحنوا ، والمصلّي إلى القبلتين إذا انحرفوا ، والمشهور له بالإيمان إذا كفروا ، والمدعو بخيبر وحنين إذا نكلوا ، والمندوب لنبذ عهودهم إذا نكثوا ، والمخلف على الفراش ليلة الهجرة إذا جبنوا ، والثابت يوم أُحد إذا هربوا ، والمستودع للأسرار ساعة الوداع إذا حجبوا .

ص: 42

هذي المكارم لا قصبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وكيف يكون بعيدا من كلّ سنا وسهو وثناء وعلو ، وقد نجله ورسول اللّه أبوه وأنجبت بينهما جدود ورضعا بلبان ، ودرجا في سنن ، وتفيّئآ بشجرة ، وتفرّعا من أكرم أصل ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله للرسالة وأمير المؤمنين عليه السلام للخلافة ، رتق اللّه به فتق الإسلام حتّى انجابت طخيّة الريب وقمع نخوة النفاق حتّى ارفأنّ جيشانه وطمس رسم الجاهلية ، وخلع ربقة الصعار والذلّة ، وكفت الملّة الوجاء ورفق شربها وحلاها عن وردها واطئا كواهلها ، آخذا بأكظامها ، يقرع هاماتها ويرخصها عن مال اللّه حتّى كلمها الخشاش وعضّها الثقاف ، ونالها فرض الكتاب ، فجرجرت جرجرة العود الموقع فرادها وقرا ، فلفظته أفواهها وأزلقته بأبصارها ونبت عن ذكره أسماعها ، فكان لها كالسمّ المقرّ والزعاف المزعف ، لا يأخذه في اللّه لومة لائم ، ولا يزيله عن الحقّ تهيّب متهدّد ، ولا يحيله عن الصدق ترهب متوعّد ، فلم يزل كذلك حتّى أقشعت غيابة الشرك وخنع طيخ الإفك وزالت قحم الإشراك فيه حتّى تنسجم روح النصفة وقطعتم قسم السوء بعد أن كنتم لوكة الأكل ومذقة الشارب قبسة العجلان بسياسة مأمون الحرفة مكتمل الحنكة ، طب بأدوائكم قمنا بدوائكم ، مثقّفا لأولادكم ، تالثا بحوزتكم ، حاميا لقاصيكم ودانيكم ، يقتات بالجينة ويردّ الخميس ويلبس الهدم ، ثمّ إذا سبرت الرجال وطاح الوشيط واستلم المشيح وغمغمت الأصوات وقلصت الشفاه وقامت الحرب على ساق وخطر فينقها وهدرت شقاشقها وجمعت قطريها وسالت بإبراق الفي أمير المؤمنين هنالك مثبتا لقطبها ، مديرا لرحاها ، قادحا بزندها ، موريا لهبها ، مذكّيا جمرها ، دلافا إلى البهم ، ضرّابا للقلل ، غصّابا للمهج ، ترّاكا للسلب ، خوّاضا لغمرات الموت ، مثكل أُمّهات موتهم ، أطفال مشتّت آلاف قطاع ، أقران طافيا عن الجولة ، راكدا في الغمرة ، يهتف بأولاها فتنكف أُخراها ،

ص: 43

فتارةً يطويها كطي الصحيفة وآونة يفرّقها تفرّق الوفرة .

فأي آلاء أمير المؤمنين تمترون ، وعلى أي أمر مثل حديثه تأثرون ، وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون(1).

فلم يبق في الفريقين إلاّ من اعترف بفضل محمّد .

تأدّبه ومعرفته

وناهيك عن بلاغته المزيجة بالشجاعة وكلامه عندما قيل له : إنّ أباك يسمح بك في الحرب ويشحّ بالحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال محمد بن الحنفية : هما عيناه وأنا يده ، والإنسان يقي عينه بيده .

وقال مرّة أُخرى وقد قيل له ذلك : أنا ولده وهما ولدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).

ولبسالته المعلومة وموقفه من الحقّ أنزله أبوه يوم معركة (الجمل) منزلة يده ، فكان يخوض الغمرات أمامه ويمضي عند مشتبك الحرب قدما ، ويظهر من شجاعته لمن تأمّل فيما كتب أهل السير في حرب الجمل وصفّين ، فكان محمد بن الحنفية صاحب راية أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه .

روي أنّ أباه عليا عليه السلام اشترى درعا ، فلمّا استطالها أراد أن يقطع منها ، فقال محمد : ياأبة علّم موضع القطع ، فعلّم علي موضع منها ، فقبض محمد بيده اليمنى على ذيلها والأُخرى على موضع العلامة ثمّ جذبها فقطع من الموضع الذي حدّه أبوه . وكان عبداللّه بن الزبير مع تقدّمه في الشجاعة يحسده على قوّته ، وإذا حدّث بهذا الحديث غضب(3).

ص: 44


1- راجع مناقب الخوارزمي : ص134 ، تذكرة الخواص : ص296 ، مروج الذهب : ج2 ص366 .
2- كشف الغمّة : ج2 ص67 ، المستطرف في طبقات الشجعان للايشهي : ج1 ص204 .
3- راجع الكامل للمبرد : ج2 ص89 .
علمه وفقهه

بالإضافة لما تميّز به من الشجاعة والبلاغة كان محمد من فطاحل العلماء وجهابذة الفقهاء ، وأنّه المشار إليه بالفضيلة في سائر العلوم الدينية والأدبية كالفقه

والحديث والتفسير وسائر علوم الأدب ، وكان من عظماء المجتهدين له رأي منفرد وفتيا مشهورة ، وكان أحد حملة العلم المغيّب بما اقتبسه من أبيه وأخويه الحسن والحسين عليهم السلام ، وقد أكثر من رواية الحديث عنهم عليهم السلام ، وعن جابر وغيرهم من الصحابة . وروى عنه أئمّة الحديث من السنّة والشيعة(1).

من أقوال محمد بن الحنفية :

عن زر بن حبيش قال : سمعت محمد بن الحنفية يقول : (فينا ستّ خصال لم تكن في أحد ممّن كان قبلنا ولا تكون في أحد بعدنا : منّا محمّد سيّد المرسلين ، وعلي سيّد الوصيين ، وحمزة سيّد الشهداء ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وجعفر بن أبي طالب المزيّن بالجناحين يطير بهما في الجنّة حيث يشاء ، ومهدي هذه الأُمّة الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام)(2).

وقال رجل لابن الحنفية وهو بالشام : أعلي أفضل أم عثمان ؟ فقال : اعفني ، فلم يعفه ، فقال : أنت شبيه فرعون حين سأل موسى ، فقال : «مَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى

* قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ...»(3)، فصاح الناس بالشامي : ياشبيه فرعون ، حتّى هرب إلى مصر(4).

ص: 45


1- راجع الوفيّات لابن خلّكان : ج2 ص21 .
2- الخصال : ج1 ص320 ، باب الستّة .
3- سورة طه : الآية 51 - 52 .
4- أنساب الأشراف للبلاذري : ج2 ص464 .
ومن أقواله أيضا :

قال رحمه الله : (الكمال في ثلاث : العفّة في الدين ، والصبر على النوائب ، وحسن التقدير للمعيشة)(1).

قال رحمه الله : (ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدّا حتّى يجعل اللّه في أمره فرجا ومخرجا) .

قال رحمه الله : (إنّ اللّه جعل الجنّة ثمنا لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها) .

قال رحمه الله : (كل ما لا ينبغي به وجه اللّه فهو مضمحلّ) .

قال رحمه الله : (من كرمت نفسه عليه هانت الدنيا في عينيه)(2).

قدرة محمد بن الحنفية على إيراد الحجّة :

كان عبداللّه بن الزبير يبغض عليا عليه السلام وينقّصه وينال من عرضه ، روى عمر ابن شبه ، عن سعيد بن جبير قال : خطب - عبداللّه بن الزبير - فنال من علي عليه السلام فبلغ ذلك محمد بن الحنفية ، فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرسي ، فقطع عليه خطبته وقال :

(يامعشر العرب شاهت الوجوه ، أينتقص علي عليه السلام وأنتم حضور ، إنّ عليا عليه السلام كان يد اللّه على أعداء اللّه ، وصاعقة من أمره ، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقّه فقتلهم بكفرهم ، فشنّؤوه وأبغضوه وأضمروا له السيف والحسد وابن عمّه صلى الله عليه و آله بعد حي ، فلمّا نقله اللّه إلى جواره وأحبّ له ما عنده أظهرت رجال أحقادها وشفت أضغانها ، فمنهم من ابتزّه حقّه ، ومنهم من أأتمر به ليقتله ، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل ، فإن يكن لذرّيته وناصري عترته دولة تنشر عظامهم

ص: 46


1- أنساب الأشراف للبلاذري : ج2 ص463 .
2- حلية الأولياء : ج3 ص162 و175 ، نور الأبصار : ص115 ، تذكرة الخواص : ص295 .

وتحضر أجسادهم والأبدان يومئذ بالية بعد أن تقتل الأحياء منهم وتذلّ رقابهم ، فيكون اللّه عزّ اسمه قد عذّبهم بأيدينا وأخزاهم ونصرنا عليهم وشفى صدورنا منهم ، وإنّه واللّه ما يشتم عليا عليه السلام إلاّ كافر يسرّ شتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخاف أن يبوح به فيكنّي بشتم علي عليه السلام ، أما أنّه قد تخطّت المنيّة منكم من امتدّ عمره وسمع قول

رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيه : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ

ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ»(1).

فعاد - ابن الزبير - إلى خطبته وقال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون فما بال ابن أُمّ حنفيّة .

فقال محمد : يابن أُمّ رومان ومالي لا أتكلّم ، وهل فاتني من الفواطم إلاّ واحدة ولم يفتني فخرها ، لأنّها أُمّ أخوي ، أنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله والقائمة مقام أُمّه ، واللّه لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد ابن عبدالعزّى عظما إلاّ هشّمته ثمّ قام وخرج)(2).

وقد اقتبس ابن الزبير كلامه من خالته عائشة عند دفن الحسن عليه السلام عندما قام محمد بن الحنفية وقال : ياعائشة يوم على جمل ويوم على بغل فما تملكين نفسك عداوة لبني هاشم ؟

فأقبلت عليه وقالت : يابن الحنفية : هؤلاء أبناء الفواطم يتكلّمون فما كلامك أنت ؟

فقال لها الحسين عليه السلام : وأنت تبعدين - محمدا - من الفواطم ؟

فواللّه لقد ولدته ثلاث فواطم (فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمر بن

ص: 47


1- سورة الشعراء : الآية 227 .
2- نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج4 ص358 .

مخزوم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم) .

فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحّوا ابنكم واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون .

فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أُمّه ثمّ أخرج الإمام الحسن عليه السلام فدفنه بالبقيع(1).

وفاته وموضع قبره :

وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة إحدى وثمانين ، وله من العمر خمس وستون سنة(2)، فتكون ولادته سنة ستّة عشر للهجرة .

وقد روى عبداللّه بن عطاء عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال : أنا دفنت عمّي محمد بن الحنفية ، ونفضت يدي من تراب قبره(3).

واختلف في مدفنه لكن أشهر الأقوال أنّه دفن بالطائف(4).

وذكر في معجم البلدان : أنّ أهل جزيرة خارك التي هي في وسط البحر الفارسي يزعمون أنّ بها قبر محمد بن الحنفية .

يقول الحموي : وقد زرت هذا القبر فيها ، ولكن التواريخ لم تثبته(5).

أولاد محمد بن الحنفية

كان لمحمد بن الحنفية أربعة وعشرين ولدا ، أربعة عشر منهم ذكورا وعشر بنات ، وعقبه من ابنيه علي وجعفر ، وقد قتل جعفر في يوم الحرّة على يد جيش

ص: 48


1- كشف الغمّة : ج2 ص212 ، الكافي : ج1 ص240 ضمن ح3 ، إعلام الورى : ج1 ص415 .
2- راجع البداية لابن كثير : ج9 ص38 ، وتذكرة الخواص : ص299 ، ودول الإسلام للذهبي : ص48 .
3- زينب الكبرى للعلاّمة النقدي : ص25 ، رجال الكشي : ص270 .
4- راجع المعارف لابن قتيبة : ص95 .
5- معجم البلدان : ج3 ص387 .

مسرف بن عقبة الذي قتل أهل المدينة وفتك بهم بأمر يزيد بن معاوية(1).

وينتهي أكثر عقبه إلى رأس المذري عبداللّه بن جعفر الثاني بن عبداللّه بن جعفر بن محمد بن الحنفية ، ومنهم الشريف النقيب أبو الحسن أحمد بن القاسم بن محمد العويد بن علي بن رأس المذري .

وكان ابنه أبو محمد الحسن بن أحمد سيدا جليلاً ، وكان نائب السيد المرتضى في أمر نقابة بغداد ، وله عقب من أهل العلم والفضل والرواية ، ومعروفون ببني النقيب المحمّدي ، لكنّهم انقرضوا .

ومنهم جعفر الثالث بن رأس المذري وعقبه من أولاده زيد ، وعلي ، وموسى ، وعبداللّه ، وجاء من بني علي بن جعفر الثالث أبو علي المحمّدي بالبصرة ، وهو الحسن بن الحسين بن العباس بن علي بن جعفر الثالث وكان صديق العمري ، ونقل عن أبي نصر البخاري أنّه قال : ينتهي نسب المحمّدية الصحيح إلى زيد الطويل بن جعفر بن عبداللّه بن جعفر ، وإسحاق بن عبداللّه رأس المذري ، ومحمد ابن علي بن عبداللّه رأس المذري(2).

وجاء من بني محمد بن علي بن اسحاق بن رأس المذري السيد الثقة أبو عباس عقيل بن الحسين بن محمد المذكور الذي كان فقيها محدّثا راويا ، وله كتاب الصلاة ومناسك الحجّ والأمالي ، وقد قرأ عليه الشيخ عبدالرحمن المفيد النيسابوري ، وله أعقاب بناحية أصفهان وفارس .

ومن جملة أولاد رأس المذري القاسم بن عبداللّه رأس المذري الفاضل

ص: 49


1- عمدة الطالب لابن عتبة : ص390 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص87 .

المحدّث ، وابنه الشريف أبو محمد عبداللّه بن القاسم(1).

أمّا أولاد علي بن محمد بن الحنفية ، فمنهم أبو محمد الحسن بن علي المذكور ، وهو رجل عالم فاضل ، زعمت الكيسانية إمامته ، ثمّ وصّى إلى ابنه علي فجعلته الكيسانية إماما أيضا بعد أبيه(2).

وأمّا أبو هاشم عبداللّه بن محمد بن الحنفية فهو إمام الكيسانية وانتقلت البيعة منه إلى بني العباس ، وانقرض نسله(3).

قال أبو نصر البخاري : إنّ المحمدية بقزوين الرؤساء ، وبقم العلماء ، وبالري السادة(4).

العبّاس بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام

اشارة

العبّاس بن علي بن أبي طالب عليه السلام هو حامل لواء سيّد الشهداء الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، أمسى لهذا السرّ يوصف وعلى لسان الأئمّة المعصومين عليهم السلام بالعبد الصالح ... بالذي انتهكت في قتله حرمة الإسلام . بل ورد عنهم عليهم السلام : « إنّ للعبّاس منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة ... » بل صار الأوّل في قائمة ظلامات فلذه كبد الرسول وسيّدة نساءالعالمين فاطمه الزهراء (عليهم أفضل الصلاه والسلام).

أبا الفضل قبل الفضل أنت وبعده * إليك تسامى الفضل عزّا مفخرا

ص: 50


1- عمدة الطالب : ص392 .
2- عمدة الطالب : ص393 .
3- عمدة الطالب : ص390 ، أنساب الأشراف للبلاذري : ج2 ص465 .
4- سرّ السلسلة العلوية : ص86 .

فقد ورد عن بيت العصمة والطهارة أنّ سيّدة النساء فاطمة عليهاالسلام لا تبدأ بالشكاية يوم القيامة بأي ظلامة من ظلامات آل محمد إلاّ بكفّي العبّاس ... .

أجل هذا السرّ في بلوغ ما بلغه العبّاس من المنزلة والمقام ، فإنّه عليه السلام هو بطل يوم الطف .

ولادته عليه السلام :

ولد العبّاس عليه السلام في اليوم الرابع من شعبان سنة ست وعشرين من الهجرة(1).

ولقد أشرق الكون بمولد قمر بني هاشم يوم بزوغ نوره من أُفق المجد العلوي ، مرتضعا ثدي البسالة ، متربّيا في حجر الخلافة ، وقد ضربت فيه الإمامة بعرق نابض ، فكان أبو الفضل جامع الفضل والمثل الأعلى للعبقرية ، فهو تلميذ لأربعة من الأئمّة المعصومين أبيه وأخويه الحسن والحسين وابن أخيه علي بن الحسين (عليهم الصلاة والسلام) ، فما أعظم الأساتذة وما أفضل التلميذ .

أُمّه : أُمّ البنين فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عارم بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وأُمّها ليلى بنت السهيل بن مالك ، وهو ابن أبي برّة عامر (ملاعب الأسنّة) بن مالك بن جعفر بن كلاب ، وأُمّهما عمرة بنت الطفيل بن عامر ، وأُمّها كبشة عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب ، وأُمّها فاطمة بنت عبد شمس بن عبد مناف(2).

وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السلام قال لأخيه عقيل - وكان نسّابة عالما بأنساب العرب وأخبارهم - : انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا ، فقال له : تزوّج أُمّ البنين الكلابية فإنّه ليس في

ص: 51


1- المجدي : ص197 ، الأنوار النعمانية : ج1 ص370 ، كتاب الفتوح لابن أعثم : ج5 ص 168 .
2- انظر عمدة الطالب : ص394 ، سرّ السلسلة العلوية : ص88 ، معالم أنساب الطالبيين : ص255 ، السرائر لابن إدريس : ج1 ص656 .

العرب أشجع من آبائها ، فتزوّجها(1). وولدت العبّاس عليه السلام واخوته عثمان وجعفر وعبداللّه ، فكانت تكنّى بهم فاطمة أُمّ البنين .

وقد ظهرت في أبي الفضل الشجاعتان الهاشمية التي هي الأربى والأرقى فمن ناحية أبيه سيّد الوصيين ، والعامرية فمن ناحية أُمّه أُمّ البنين .

وذلك مراد أمير المؤمنين عليه السلام من البناء على امرأة ولدتها الفحولة من العرب ، فإنّ الآباء لابدّ وأن تعرق في البنين ذاتياتها وأوصافها ، فإذا كان المولود

ذكرا بانت فيه هذه الخصال الكريمة ، وإن كانت أُنثى بانت في أولادها ، وإلى هذا أشار صاحب الشريعة الحقّة بقوله : « اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين »(2).

وكانت أُمّ البنين تخرج إلى البقيع فتندب بنيها الأربعة الذين استشهدوا مع الحسين عليه السلام في كربلاء أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي(3)، وهذه الأشعار نقلت عنها عليهاالسلام :

لا تدعونّي ويك أُمّ البنين * تذكّريني بليوث العرين

كانت بنون لي أُدعى بهم * واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى * قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم * فكلّهم أمسى صريعا طعين

ياليت شعري أكما أخبروا * بأنّ عبّاسا قطيع اليمين

ص: 52


1- عمدة الطالب : ص394 ، سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر : ص88 .
2- الكافي : ج5 ص332 باب اختيار الزوجة ح2 .
3- مقاتل الطالبيين : ص90 .

ولم يعقب أمير المؤمنين عليه السلام من فهرية بعد فاطمة عليهاالسلام إلاّ منها ، ولم تخرج أُمّ البنين إلى أحد قبله ولا بعده(1).

وكانت أُمّ البنين من النساء العالمات الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت المخلصة في ولائهم . ووصفها صاحب العمدة بالعالمة ، وقد بلغ من معرفتها وتبصّرها أنّها لمّا دخلت على علي عليه السلام كان الحسنان عليهماالسلام مريضين فأخذت تسهر معهما وتقابلهما بالبشاشة ولطيف الكلام كالأُمّ الحنون(2).

كناه وألقابه عليه السلام :

اشتهر أبو الفضل العبّاس عليه السلام بكنى وألقاب وصف ببعضها في يوم الطف والبعض الآخر كان ثابتا له من قبل ، فمن كناه أبو قربة(3) لحمله الماء في مشهد الطفّ غير مرّة ، وقد سدت الشرائع ومنع الورود على ابن المصطفى وعياله ، وتناصرت على ذلك أجلاف الكوفة وأخذوا الاحتياط اللازم ، ولكن أبا الفضل عليه السلام لم يرعه جمعهم المتكاثف ولا أوقفه عن الإقدام تلك الرماح المشرعة ولا السيوف المجرّدة ، فجاء بالماء وسقى عيال أخيه وصحبه وذلك قبل يوم عاشوراء .

وقد اشتهر بكنيته الثانية (أبي الفضل) من جهة أنّ له ولدا اسمه الفضل(4)،

وكان حريّا بها ، فإنّ فضله لا يخفى ونوره لا يطفى ، ومن فضائله الجسام نعرف أنّه

ص: 53


1- سرّ السلسلة العلوية : ص88 ، معالم أنساب الطالبيين : ص255 .
2- أعيان الشيعة : المجلّد الثامن ، ص389 .
3- ذكره أبو الفرج في المقاتل : ص89 ، والسيد الجزائري في الأنوار النعمانية : ج1 ص370 ، وأبو الحسن الدياربكري في تاريخ الخميس : ج2 ص317 .
4- سرّ السلسلة العلوية : ص89 ، عمدة الطالب : ص394 ، مقاتل الطالبيين : ص89 .

ممّن حبس الفضل عليه ووقف لديه ، فهو رضيع لبانه وركن من أركانه .

ولم ينصّ المؤرخون وأهل النسب على كنيته بأبي القاسم إذ لم يذكر أحد أنّ له ولدا اسمه القاسم ، نعم خاطبه جابر الأنصاري في زيارة الأربعين بها ، قال : « السلام عليك ياأبا القاسم ، السلام عليك ياعبّاس بن علي »(1)، وبما أنّ هذا الصحابي الكبير المتربّي في بيت النبوّة والإمامة خبير بالسبب الموجب لهذا الخطاب فهو أدرى بما يقول .

واشتهر بين العامّة والخاصّة بأنّه سلام اللّه عليه (باب الحوائج) لكثرة ما صدر منه من الكرامات وقضاء الحاجات .

وقيل له : قمر بني هاشم(2) لوضائته وجمال هيئته ، وإنّ أسرّة وجهه تبرق كالبدر المنير ، فكان لا يحتاج في الليلة الظلماء إلى ضياء .

وجاء في مقاتل الطالبيين : كان العبّاس وسيما جميلاً يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض ، ويقال له : قمر بني هاشم(3).

ومن أجل مجيئه بالماء إلى عيال أخيه وصحبه في الأيّام العشرة سمّي (السقّا)(4).

وفي عمدة الطالب : ويلقّب (السقّا) لأنّه استقى الماء لأخيه الحسين عليه السلام يوم

ص: 54


1- كامل الزيارات : الباب85 ص440 .
2- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص108 .
3- مقاتل الطالبيين : ص90 .
4- نصّ عليه أبو الحسن في المجدي : ص196 ، وأبو الحسن الدياربكري في تاريخ الخميس : ج2 ص317 ، والشبلنجي في نور الأبصار : ص93 ، والمفيد في الإرشاد : ج2 ص355 ، والطبرسي في إعلام الورى : ج2 ص395 .

الطفّ وقتل دون أن يبلغه إيّاه ، وقبره قريب من الشريعة حيث استشهد(1).

ولقد أجاد الشيخ محسن أبو الحَبْ الكبير رحمه الله :

أبا الفضل بابك لن يغلقا * وعزّ معاليك لا يرتقى

إذا كان جدّك ساقي الحجيج * فأنت جدير بحمل السقا

وأمّا (الشهيد) فلم ينصّ عليه أحد إلاّ أنّه الظاهر من عبارات أهل النسب ، ففي المجدي لأبي الحسن العمري قال بعد ذكر أولاده : هذا آخر نسب بني العبّاس الشهيد السقّا ابن علي بن أبي طالب .

وفي سرّ السلسلة لأبي نصر البخاري : والشهيد أبو الفضل العبّاس بن علي أُمّه أُمّ البنين . ثمّ روى عن معاوية بن عمّار اليزيدي قال : قلت للصادق عليه السلام : كيف قسّمت نحلة فدك بعدما رجعت إليكم ؟ قال : أعطينا ولد العبّاس الشهيد الربع والباقي لنا(2).

وكان الحريّ بأرباب المقاتل والنسب أن يدوّنوا له هذا اللقب المعرب عن أسمى منزلة له وهو (العبد الصالح) كما خاطبه الإمام الصادق عليه السلام في الزيارة المخصوصة به التي رواها أبو حمزة الثمالي حيث يقول : (السلام عليك أيها العبد الصالح)(3).

فإنّ هذه الصفة أرقى مراتب الإنسان الكامل ، لأنّها حلقة الوصل بين المولى والعبد ، وأفضل حالات أي فاضل حيث يجد نفسه الطرف الرابط لموجد كيانه جلّ وعلا ، فكانت هذه المرتبة عند الأنبياء عليهم السلام أرقى مراتبهم وأرفع منصّاتهم ، لأنّ

ص: 55


1- انظر عمدة الطالب : ص394 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص89 .
3- كامل الزيارات : الباب85 ص440 .

طرف عبوديتهم أمنع وأشرف من طرف رسالتهم ، ولولا أنّ هذه الصفة أسمى الصفات التي يتّصف بها العبد لما خصّ اللّه تعالى أنبياءه بها ، ومن هنا ترى الرسول

المسيح عليه السلام قدّم عبوديته على رسالته فقال : «إِنِّي عَبْدُ اللّه ِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا»(1).

شجاعة العبّاس عليه السلام

اعلم أنّ الشجاعة من المعاني القائمة بالنفس ، فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر ، ولا يمكن معرفتها بالحسّ مشاهدة لذاتها ، بل طريق معرفتها والعلم بها مشاهدة آثارها ، وإذا كانوا أصحاب الحسين عليه السلام وأهل بيته في أعلى درجة الشجاعة وأرفع مرتبة من الشهامة ، إلاّ أنّ العبّاس بن علي عليهماالسلام كان له من قدامها المعلّى ورتبته أرفع وأعلى منه ، يقتبس أنوارها ويقتطف ثمرها ، فإنّه كان صلب الإيمان ، نافذ البصيرة ، وناهيك بمن أبوه أمير المؤمنين سيّد البرية (عليه آلاف السلام والتحية) :

يلقى الرماح بنحره فكأنّما * في قلبه عود من الريحان

ويرى السيوف وصوت وقع حديدها * عرسا تجليها عليه غوان

وقد أثبت الإمام السجّاد عليه السلام له منزلة كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ، ساوى بها عمّه الطيّار ، فقال عليه السلام : « رحم اللّه عمّي العبّاس بن علي ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه فأبدله اللّه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإنّ للعبّاس عند اللّه تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة »(2).

ص: 56


1- سورة مريم : الآية 30 .
2- الخصال : ج1 ص68 باب الاثنين ، ح101 .

وعن المفضّل بن عمر ، قال الصادق عليه السلام : « كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبداللّه الحسين عليه السلام وأبلى بلاءً حسنا ومضى شهيدا »(1).

فالشجاعة العبّاسية فرع الشجاعة العلويّة قدّت منها قدّا وهذا الشبل من ذاك الأسد ، وقد قال الشيخ عبدالحسين الحويزي فيه:

أبوه حيدرة من قبلُ علّمه * ضرب الشجاعة مذ شبّت معاطفه

إن لم يزد هو معنىً في شجاعته * على أبيه فلم تنقص مواقفه

فموقف الطفّ لا بدرٌ ولا أُحدٌ * ولا حنين إذا عدّت تناصفه

وقد شهد العبّاس عليه السلام معركة صفّين مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وكان كالجبل العظيم وقلبه كالطود الجسيم(2).

من هنا نعرف مكانة أبي الفضل عليه السلام من البسالة ، وموقفه من الشهامة ، ومحلّه من الشرف يوم عبّأ الحسين عليه السلام أصحابه فأعطى رايته أخاه العبّاس ، مع أنّ للعبّاس اخوة من أُمّه وأبيه وهناك من أولاد أبيه ، كما أنّ في الأصحاب من هو أكبر سنّا منه ، ولكن سيّد الشهداء وجد أخاه أبا الفضل أكفى من معه لحملها ، فكان (صاحب الراية) عند معتقد أخيه الإمام ثابت الجأش في ذلك الموقف الرهيب ثبات الأسد الخادر .

وفي عمدة الطالب والمجدي : وكان العبّاس صاحب راية أخيه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم(3).

ص: 57


1- سرّ السلسلة العلوية : ص89 ، عمدة الطالب : ص394 .
2- راجع مناقب الخوارزمي : ص147 .
3- راجع عمدة الطالب : ص394 ، والمجدي : ص196 .

وقد سمّي بالعبّاس لأنّه صيغة مبالغة لشجاعته وصولته ، والعبّاس بالفتح وتشديد الباء بمعنى الأسد الغاضب(1)، فلذلك كان العبّاس في حروبه مثال الأسد الهصور فكان اسما على مسمّى .

وكثيرا ما حضر مجلس أبيه وحروبه ، فهو قد نشأ في بيت الفضل والعلم ، فتجلّت فيه هذه الصفات السامية التي اكتسبها منذ نعومة أظفاره ، وتجلّت هذه المظاهر فيه يوم العاشر من محرّم في موقفه مع شمر عندما صاح أين بنو اختنا ؟ فلم يجبه أحد ، فقال الحسين عليه السلام له : أجبه ياأخي وإن كان فاسقا .

وكان شمر قد جلب معه أمانا من عبيداللّه بن زياد للعبّاس واخوته ، فنهر شمرا قائلاً : « أمان اللّه خير من أمان ابن سميّة »(2).

وفي رواية أُخرى قال الشمر لهم - أي للعبّاس واخوته - : اخرجوا إليّ فإنّكم آمنون ولا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم ، فسبّوه وقالوا له : قبحت وقبح ما جئت به ، أنترك سيّدنا وأخانا ونخرج إلى أمانك(3)؟

تقدّم العبّاس عليه السلام إلى اخوته من أُمّه وقال لهم : تقدّموا أنتم فحاموا عن سيّدكم حتّى تموتوا دونه ، فتقدّموا جميعا فصاروا أمام الحسين عليه السلام يقونه بوجوههم ونحورهم حتّى قتلوا جميعا(4) وبقي العبّاس قائما أمام الحسين عليه السلام يقاتل دونه ويميل حيث مال ، ورأى وحدة أخيه بعد أن قتل جملة من أهل بيته .

وفي الإرشاد : لمّا رأى العبّاس كثرة القتلى في أهله ، قال لاخوته من أُمّه :

ص: 58


1- لسان العرب : ج6 ص129 ، مادّة عبس وفيه : العبّاس الأسد الذي تهرب منه الأُسُد .
2- تاريخ الطبري : ج6 ص239 ، وابن الأثير : ج4 ص23 .
3- عمدة الطالب : ص395 .
4- مقاتل الطالبيين : ص89 .

تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله فإنّه لا ولد لكم ، فتقدّموا فقاتلوا واحدا بعد واحد حتّى قتلوا(1).

وأنّ العبّاس لمّا رأى وحدة الحسين أتى أخاه وقال ياأخي هل من رخصة فبكى الحسين عليه السلام بكاءً شديدا ثمّ قال ياأخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرّق عسكري فقال العبّاس عليه السلام قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأُريد أن أطلب ثاري من هؤلاء المنافقين فقال الحسين عليه السلام فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء فذهب العبّاس ووعظهم وحذّرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره فسمع الأطفال ينادون العطش العطش فركب فرسه وأخذ رمحه وأخذ القربة وقصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلاً وجعل يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا * حتّى أُوارى في المصاليت لقا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا * إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

ففرّقهم وقتل منهم كثيرا وكشفهم عن المشرعة ونزل ومعه قربة فملأها ومدّ يده ليشرب غرفة من الماء فذكر عطش الحسين عليه السلام وأهل بيته فرمى الماء وقال واللّه لا أشربه وأخي الحسين عليه السلام وعياله وأطفاله عطاشى لا كان ذلك أبدا وصار

يقول :

يانفس من بعد الحسين هوني * وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسين وارد المنون * وتشربين بارد المعين

هيهات ما هذا فعال ديني * ولا فعال صادق اليقين

ص: 59


1- الإرشاد : ج2 ص108 ، وإعلام الورى : ج1 ص466 .

وحمل القربة على كتفه الأيمن وتوجّه نحو الخيمة فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب فحاربهم فأخذوه بالنبال من كلّ جانب حتّى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم ابن طفيل السنبسي فضربه على يمينه فقطعها فأخذ السيف بشماله وحمل القربة على كتفه الأيسر وهو يرتجز ويقول :

واللّه إن قطعتموا يميني * إنّي أُحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين

فقاتل حتّى ضعف فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي أو نوفل الأزرق فضربه بالسيف على شماله فقطع يده من الزند فحمل القربة بأسنانه وهو يقول :

يانفس لا تخشي من الكفّار * وابشري برحمة الجبّارِ

مع النبي السيّد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري

فاصلهم ياربّ حرّ النار

وجاءه سهم وأصاب القربة وأُريق ماؤها ثمّ جاءه سهم آخر فأصاب صدره فانقلب عن فرسه وفي خبر فضربه ملعون بعمود من حديد ففلق هامته فقتله فخرّ صريعا إلى الأرض فنادى بأعلى صوته أدركني ياأخي فانقضّ إليه أبو عبداللّه كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ الجبين مشكوك العين بسهم مرتثّا بالجراحة فوقف عليه منحنيا وجلس عند رأسه يبكي حتّى فاضت نفسه ثمّ حمل على القوم يضرب فيهم يمينا وشمالاً فَيَفِرُّ من بين يديه كما تفرّ المعزى إذا شدّ

فيها الذئب وهو يقول أين تفرّون وقد قتلتم أخي أين تفرّون وقد فتتم عضدي ثمّ عاد إلى موقفه منفردا ولنعم ما قيل :

عبّاس كبش كتيبتي وكنانتي * وسري قومي بل أعزّ حصوني

ياساعدي في كلّ معترك به * أسطو وسيف حمايتي بيميني

ص: 60

لمن اللوا أعطي ومن هو جامع * شملي وفي ضنك الزحام يقيني

وقتل العبّاس عليه السلام مع أخيه الحسين عليه السلام في أوّل سنة 61 من الهجرة وعمره أربع وثلاثون سنة ، عاش منها مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام أربع عشرة سنة وحضر بعض حروبه ، ومع أخيه الحسن عليه السلام أربعا وعشرين سنة ومع أخيه الحسين عليه السلام

أربعا وثلاثين سنة وهي مدّة عمره(1).

ودفن العبّاس عليه السلام في موضع مقتله على المسناة بطريق الغاضرية وقبره ظاهر(2) معروف يزار ، يتبرّك الناس فيه ، ويزدلف إليه كلّ طالب حاجة ، وينضوي إلى أمنه كلّ مضطهد وخائف .

أولاد العبّاس عليه السلام

كان للعبّاس من الولد عبيداللّه والفضل ، أُمّهما لبابة بنت عبداللّه بن العبّاس

ابن عبدالمطّلب ، وأُمّها أُمّ حكيم جويرية بنت خالد بن قرظ الكنانية(3).

وعدّ ابن شهر آشوب محمد من الشهداء في الطف من ولد العبّاس(4)، واتّفق أرباب النسب على انحصار عقب العبّاس بن أمير المؤمنين في ولده عبيداللّه ، وكان عبيداللّه من كبار العلماء موصوفا بالجمال والكمال والمروءة ، ومات وله خمس وخمسون سنة ، وكان من أولاده أبو جعفر عبداللّه ، وحسنٌ(5).

وتزوّج عبيداللّه بن العبّاس بن علي بن أبي طالب عليه السلام أربع عقائل كرام ،

ص: 61


1- أعيان الشيعة : المجلّد السابع ص430 .
2- انظر الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص126 .
3- المجدي : ص437 .
4- انظر مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص108 .
5- المجدي : ص436 .

رقية بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأُمّ علي بنت علي بن الحسين بن علي عليهم السلام لم تلد له ، وأُمّ أبيها بنت عبداللّه بن معبد بن العبّاس بن عبدالمطّلب ، وابنة المسور بن مخرمة الزبيري(1)، ولعبيداللّه هذا منزلة كبيرة عند الإمام السجّاد عليه السلام

كرامة لموقف أبيه (قمر بني هاشم) ، وكان إذا رأى عبيداللّه رقّ واستعبر باكيا ، فإذا

سئل عنه قال عليه السلام : إنّي أذكر موقف أبيه يوم الطفّ فما أملك نفسي .

ولد لعبيداللّه بن العبّاس بن علي عليه السلام : عبداللّه والحسن وأُمّهما بنت عبداللّه ابن معبد بن العبّاس بن عبدالمطّلب ، وانحصر عقب عبيداللّه في ولده الحسن ، وعاش الحسن سبعا وستين سنة ، ومن أولاده : الفضل ، وحمزة ، وإبراهيم ، والعبّاس ، وعبيداللّه ، وكلّهم أجلاّء فضلاء أُدباء .

فأمّا الفضل فكان لسانا متكلّما فصيحا ، شديد الدين ، عظيم الشجاعة ، محتشما عند الخلفاء ، ويقال له : ابن الهاشمية(2).

وأمّا حمزة فكان يشبه جدّه أمير المؤمنين ، خرج توقيع المأمون بخطّه وفيه يعطي حمزة بن الحسن بن عبيداللّه بن العبّاس بن أمير المؤمنين الف درهم لشبهه بجدّه أمير المؤمنين(3).

فأحفاد العبّاس كلّهم أجلاّء ، لهم المكانة العالية بين الناس ، لأنّهم بين فقهاء

ومحدّثين ونسّابين وأُمراء وأُدباء ، ولا بدع بعد أن عرف فيهم (أبو الفضل) فحووا عنه المزايا الحميدة والصفات الجميلة ، فكانت ملامح الشرف والسؤدد تلوح على أسارير جبهاتهم من علم وعمل ، وهيبة ومنعة .

ص: 62


1- سرّ السلسلة العلوية : ص90 .
2- المجدي : ص437 .
3- عمدة الطالب : ص396 .

ومنهم السيد الجليل صاحب الحرم المنيع والقبّة السامية (الحمزة) المدفون بالمدحتية قرب الحلّة(1).

عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب عليه السلام

اشارة

عمر الأطرف يكنّى بأبي القاسم ، وقيل : أبو حفص ، ويلقّب بالأطرف ، لأنّ شرفه من طرف واحد وهو نسبه من أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، ولد توأما لأُخته رقيّة ، وكان آخر من ولد من بني علي عليه السلام الذكور ، أُمّه الصهباء التغلبية ، وهي أُمّ حبيب بنت عباد بن ربيعة بن يحيى بن العبد ، من سبي اليمامة ، أو سبي عين التمر ، اشتراها أمير المؤمنين عليه السلام(2).

كان عمر ذا لسان وفصاحة وجود وعفّة ، حكى العمري قائلاً : اختار عمر ابن علي بن أبي طالب عليه السلام في سفر كان له في بيوت بني عدي فنزل عليهم وكانت سنة قحط ، فجاءه شيوخ الحي وحادثوه ، وأعرض عن رجل ما رأى له شارة فقال : من هذا ؟ قالوا : سالم بن رقية ، وكان له انحراف عن بني هاشم ، فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن رقية وكان من الشيعة ، فخبّره أنّه غائب فلم يزل عمر يلطف له بالقول ويشرح له في الأدلّة حتّى رجع عن انحرافه عن بني هاشم ، وفرّق عمر أكثر زاده ونفقته وكسوته عليهم ، فلم يرحل عنهم بعد يوم وليلة حتّى غيثوا وأخصبوا ، فقال : هذا أبرك الناس حلاًّ ومرتحلاً ، وكانت هداياه تصل أبي سالم بن رقية ، فلمّا مات عمر قال سالم يرثيه بقوله :

صلّى الإله على قبر تضمّن من * نسل الوصي علي خير من سئلا

ص: 63


1- تحفة العالم : ج2 ص34 ، تنقيح المقال : ج2 ص287 .
2- انظر مروج الذهب للمسعودي : ج2 ص92 ، ومعالم أنساب الطالبيين : ص265 .

قد كنت أكرمهم كفّا وأكثرهم * علما وأبركهم حلاًّ ومرتحلا(1)

تخلّف عن أخيه الحسين عليه السلام ولم يسر معه إلى الكوفة ، قيل : كان قد دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج ، والظاهر أنّه كان من الذين قد أمرهم الإمام الحسين عليه السلام بالبقاء لمصلحة رآها ، كما مرّ ذلك في ترجمة أخيه محمد بن الحنفية .

ولا يصحّ رواية من روى أنّ عمر حضر كربلاء ، وهرب ليلة عاشوراء بأن قعد في جواليق فلقّبوا أولاده بأولاد الجواليق ، فإنّ ذلك من دسائس أعداء أهل البيت عليهم السلام ، بل كان هو بمكّة ولم يخرج إلى كربلاء ، وإنّ السبب في تلقيبهم بأولاد الجواليق هو غير ذلك .

قيل : وكان عمر أوّل من بايع عبداللّه بن الزبير ثمّ بايع بعده الحجّاج ، وأراد الحجّاج إدخاله مع الحسن بن الحسن عليه السلام في توليته صدقات أمير المؤمنين عليه السلام فلم يتيسّر له ذلك(2).

والظاهر عدم صحّة هذه الأقوال ، فإنّها من مفتريات أعداء أهل البيت عليهم السلام ضدّهم وذويهم .

عاش عمر الأطرف خمسا وثمانين سنة ، وروى الحديث ، وكان فاضلاً ، وتزوّج أسماء بنت عقيل بن أبي طالب(3).

وعدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام ونقله عن الاسترابادي والتفريشي ، وحكى الوحيد البهبهاني في التعليقة اعتماد العلاّمة عليه .

ص: 64


1- المجدي في أسباب الطالبيين : ص197 ، عمدة الطالب : ص400 .
2- انظر عمدة الطالب : ص401 ، وسرّ السلسلة العلوية : ص96 - 97 .
3- تذكرة الخواص : ص55 .

وذكر الشيخ المفيد(1)، عن عبدالملك بن عبدالعزيز قال : لمّا ولّي - عبدالملك بن مروان - الخلافة ردّ إلى الإمام علي بن الحسين عليه السلام صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكانتا مضمومتين ، فخرج عمر

الأطرف بن علي إلى عبدالملك يتظلّم إليه من نفسه ، فقال عبدالملك أقول كما قال ابن أبي الحقيق :

إنّا إذا مالت دواعي الهوى * وأنصت السامع للقائل

واصطرع الناس بألبابهم * نقضي بحكم عادل فاصل

لا نجعل الباطل حقّا ولا * نلظّ دون الحقّ بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا * فنحمل الدهر مع الخامل

ولعلّ ذلك كان لإثبات أحقّية الإمام زين العابدين عليه السلام .

ثمّ إنّ اعتماد العلاّمة رحمه الله في الرجال عليه يدلّ على صدق حديثه ووثاقته كما هو واضح .

والظاهر أنّ ما نسب إليه بعض المؤرخين من مخالفات دوّنوها ، قصدوا بها وراء ذلك أمرا جسيما وإرضاء لملوك بني أُميّة ، لأنّه ابن علي بن أبي طالب عليه السلام ، ويكفيهم النيل من بطل الإسلام ومشيّد دعائمه ولو من طريق بعض بنيه ، حيث لم يجدوا موضعا للنقد من جميع نواحي حياته عليه السلام .

وكان عمر بن علي عليه السلام محدّثا فقيها ، شجاعا كريما ، وبمرتبة من علو النسب وشرف النفس والعلم والفصاحة أيضا .

توفّي عمر الأطرف ب- (ينبع)(2) حتف أنفه ، وكان عمره يومئذ خمسا وثمانين

ص: 65


1- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص150 .
2- ينبع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى ومن المدينة على سبع مراحل ، وهي لبني الحسن بن علي ، وينبع حصن به نخيل وماء وزرع ، وبها وقوف لعلي بن أبي طالب عليه السلام يتولاّه ولده ، وهي من أرض تهامة ، غزاها النبي صلى الله عليه و آله . وعن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلامقال : أقطع النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام أربع أرضين : الفقيران وبئر قيس والشجرة ، وأقطع عمر ينبع وأضاف إليها غيرها . انظر معجم البلدان : ج8 ص526 .

سنة(1).

ومرقده في (ينبع) من أرض تهامة ، واليوم لم يعرف له قبر بارز معنون حسب التتبّع والوقوف على أقوال بعض المؤرخين وأهل السيرة(2).

أولاد عمر الأطرف

تزوّج عمر بن علي عليه السلام أسماء بنت عقيل بن أبي طالب فأولدها محمدا ، وأُمّ موسى ، وأُمّ حبيب(3).

وله أولاد كثيرون متفرّقون في البلاد وينتهون كلّهم إلى ابنه محمد بن عمر ، ولمحمد بن عمر أربعة أولاد :

1 - عبداللّه .

2 - عبيداللّه .

3 - عمر ، وأُمّهم خديجة بنت الإمام زين العابدين عليه السلام .

4 - جعفر ، وأُمّه أُمّ ولد .

وأكثر العلماء أجمعوا على أنّ عقبه - أعني جعفر بن محمد - انقرض(4).

وقال ابن قتيبة : أنّ أُمّ جعفر هي أُمّ هاشم بنت جعفر بن جعدة بن هبيرة

ص: 66


1- تاريخ الطبري : ج5 ص154 ، وسرّ السلسلة العلوية : ص96 .
2- انظر مراقد المعارف لمحمد حرز الدين : ج2 ص109 .
3- راجع المعارف لابن قتيبة : ص95 ، وتذكرة الخواص لابن الجوزي : ص55 .
4- سرّ السلسلة العلوية : ص99 .

المخزومي(1).

وروي أنّ محمد بن عمر بن علي عليه السلام دخل على علي بن الحسين عليه السلام فسلّم عليه وأكبّ عليه يقبّله ، فقال علي عليه السلام : يابن عمّ لا يمنعني قطيعة أبيك أن أصل رحمك ، فقد زوّجتك ابنتي خديجة ابنة علي عليه السلام(2).

وفي (المجدي في النسب) أنّ أبا عمر محمد بن عمر بن أمير المؤمنين عليه السلام خطب من ابن عمّه علي زين العابدين عليه السلام ابنته خديجة فزوّجه إيّاها ، فأولدها عدّة أولاد منهم عبداللّه بن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين عليه السلام ، وخطب عبداللّه بن محمد ابن عمر من الإمام الباقر عليه السلام بنت ابنه الباهر المدعوّة بأُمّ الحسين ، فزوّجه إيّاها وأولدها بعض ولده منهم أُمّ عبداللّه بنت عبداللّه بن محمد بن عمر ، ويحيى بن عبداللّه بن محمد بن عمر(3).

وأمّا عبيداللّه بن محمد بن الأطرف ، فقد قال صاحب العمدة فيه : هو صاحب مقابر النذور ببغداد وقبره مشهور بقبر عبيداللّه ، وكان قد دفن حيّا(4).

وقال الخطيب في تاريخ بغداد(5) والحموي في معجم البلدان(6): بأنّ صاحب قبر النذور هو عبيداللّه بن محمد بن عمر الأشرف (واللفظ للخطيب) بسنده عن

ص: 67


1- انظر المعارف لابن قتيبة : ص95 .
2- مناقب آل أبي طالب : ج2 ص267 .
3- المجدي : ص450 .
4- عمدة الطالب : ص403 .
5- انظر تاريخ بغداد : ج1 ص125 .
6- معجم البلدان : ج5 ص25 ، وفيه : قبر النذور مشهد بظاهر بغداد على نصف ميل من السور يزار وينذر له .

محمد بن موسى بن حمّاد البربري قال : نبّأنا سليمان بن أبي شيخ وقلت له : هذا الذي بقبر النذور يقال إنّه عبيداللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ليس كذلك بل هو عبيداللّه بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعبيداللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام مدفون في ضيعة له بناحية الكوفة يقال لها : لبيّا .

وروى الخطيب أيضا ، عن أبي بكر الدوري ، عن أبي محمد الحسن بن محمد ابن أخي طاهر العلوي أنّ عبيداللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام مدفون في ضيعة له بناحية الكوفة يقال لها : لبّى .

وسيأتي ذكره في جملة أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام .

وتوفّي محمد بن عمر بن علي عليه السلام وهو ابن 63 سنة عن أربعة أولاد وهم : عبداللّه وعمره 57 سنة ، وعبيداللّه وعمره 67 سنة ، وعمر وأُمّهم خديجة بنت علي ابن الحسين عليه السلام ، ومن ولده جعفر أُمّه أُمّ ولد(1).

جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأُمّه أُمّ البنين أيضا ، ويكنّى أبو عبداللّه ، ولد سنة 33ه .

يحدّثنا المؤرخون : أنّ العبّاس عليه السلام تقدّم إلى اخوته لأُمّه وطلب منهم أن يتقدّموا بين يدي الإمام الحسين عليه السلام .

فبرز جعفر بعد مقتل أخيه عبداللّه ، واستشهد وهو ابن تسع وعشرين سنة قتله خولي بن يزيد الأصبحي(2).

ص: 68


1- راجع مراقد المعارف : ج2 ص111 .
2- مقاتل الطالبيين : ص88 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص197 .

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سمّاه جعفر باسم أخيه جعفر لحبّه إيّاه(1).

وفي المناقب(2): ثمّ برز أخوه جعفر قائلاً :

إنّي أنا جعفر ذو المعالي * ابن علي الخير ذي النوال

ذاك الوصي ذو السنا والوالي * حسبي عمّي شرفا وخالي

وقال الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه) في زيارة الناحية المشهورة : « السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسبا ، والنائي عن الأوطان مغتربا ، المستسلم للقتال ، المستقدم للنزال ، المكثور بالرجال ، لعن اللّه قاتله هاني ابن ثبيت

الحضرمي »(3).

عبداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عبداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، هو عبداللّه الأكبر(4)، ويكنّى أبو محمد الأكبر .

أُمّه أُمّ البنين فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابي .

ولد سنة 36ه ، وجاء مع أخيه الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء .

قال العبّاس عليه السلام لأخيه من أبيه وأُمّه عبداللّه بن علي : تقدّم بين يديّ حتّى أراك وأحتسبك ، فإنّه لا ولد لك ، فتقدّم بين يديه ، وشدّ عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقتله .

ص: 69


1- أعيان الشيعة : المجلّد الرابع ص129 ، وأبصار العين : ص35 .
2- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص97 .
3- انظر إقبال الأعمال لابن طاووس : ص48 زيارة الشهداء .
4- سمّي الأكبر لأنّ العبادلة ثلاثة في أولاد أمير المؤمنين عليه السلام : عبداللّه بن الكلابية ، وعبداللّه الأصغر وعبيداللّه ، أُمّهما النهشلية . وهو من الشهداء السعداء مع أخيه الحسين عليه السلام بكربلاء .

استشهد عبداللّه بن علي في العاشر من محرّم بكربلاء وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ولا عقب له(1).

جاء في الزيارة المروية عن الإمام صاحب الزمان (عجّل اللّه فرجه) التي رواها السيد ابن طاووس(2): « السلام على عبداللّه بن أمير المؤمنين مبلي البلاء ، والمنادي بالولاء ، في عرصة كربلاء ، والمضروب مقبلاً ومدبرا ، لعن اللّه قاتله هاني

ابن ثبيت الحضرمي » .

وفي هذه الفقرة ثلاثة فضائل لعبداللّه الأكبر :

أحدها : أنّه جاهر بولاء الحسين عليه السلام وأعلنها بين صفوف الأعداء .

ثانيها : أنّه كان له بلاء محمود يمتاز عن غيره بالنسبة للمحاماة عن أخيه الحسين عليه السلام .

ثالثها : ثباته في ذلك الموقف الرهيب ، حيث وقف هدفا للسلاح في وسط الحومة حتّى أُصيب مقبلاً ومدبرا .

يريد أنّه أُحيط به من كلّ جانب ، فقتل على هذه الصفة ، وهذه غاية الشجاعة ونهاية البطولة .

ولا غرو إن كان آية من آيات الفروسية والإقدام ، فأبوه أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي هتف به رضوان خازن الجنّة ، وجبرئيل سفير الوحي في بدر وأُحد : (لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي)(3).

ص: 70


1- مقاتل الطالبيين : ص87 ، الأخبار الطوال : ص257 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص197 .
2- انظر إقبال الأعمال : ص48 زيارة الشهداء ، والمزار الكبير لابن المشهدي : ص488 زيارة الشهداء في يوم عاشوراء .
3- ذكره في مروج الذهب : ج2 ص92 ، نور الأبصار : ص114 ، الفصول المهمّة : ص144 ، تذكرةالخواص : ص54 ، ذخائر العقبى : ص117 ، الرياض النضرة : ج2 ص249 ، تاريخ الطبري : ج5 ص154 ، المناقب : ج4 ص97 .

عثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأُمّه أُمّ البنين أيضا ، ويكنّى أبا عمرو ، ولد سنة 40 هجرية .

تقدّم بين يدي إمامه الحسين عليه السلام وبرز للقتال وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، رماه خولي بن يزيد بسهم فأضعفه ، وشدّ عليه رجل من بني دارم فقتله ، وأخذ رأسه .

وعثمان بن علي روى عن أبيه عليه السلام قال : « إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون »(1).

محمد الأوسط بن علي بن أبي طالب عليه السلام

محمد الأوسط بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أُمّه أُمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأُمّها زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، تزوّج بها أمير المؤمنين عليه السلام لوصية فاطمة عليهاالسلام .

قتل مع أخيه الحسين عليه السلام يوم الطف(2).

محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام أُمّه ليلى بنت مسعود الدارمية ،

ص: 71


1- مقاتل الطالبيين : ص89 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص197 ، تقريب المعارف : ص294 .
2- وهو من الذين أهمل ذكرهم الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد ، فلم يذكره في أولاد أمير المؤمنين عليه السلام . ونصّ عليه في ذخائر العقبى : ص117 ، والرياض النضرة : ج2 ص249 ، وتذكرة الخواص : ص55 ، وفي مطالب السؤول : ص62 ، والفصول المهمّة : ص144 ، وصفوة الصفوة : ج1 ص309 ، وكفاية الطالب : ص230 ، ونور الأبصار للشبلنجي : ص114 .

يكنّى أبا بكر(1).

جاء مع أخيه الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء ، وبرز إلى القتال وإنّ رجلاً من تميم من بني أبان بن دارم قتله ، رضوان اللّه عليه ولعن اللّه قاتله(2).

عبيداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عبيداللّه (3) بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أُمّه أيضا ليلى بنت مسعود الدارمية ، وهو أخو محمد الأصغر لأُمّه .

جاء مع أخيه الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء ، وقتل مع أخيه الحسين عليه السلام في العاشر من محرّم بطفّ كربلاء .

إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام

إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام أُمّه أُمّ ولد ، قتل في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام ، ذكره ابن عبد ربّه المالكي في (العقد الفريد) ضمن شهداء كربلاء(4).

وكذلك ذكره ابن شهر آشوب ضمن شهداء كربلاء ومن أولاد أمير المؤمنين عليه السلام(5).

وقال أبو الفرج الأصفهاني : قد ذكر محمد بن علي بن حمزة أنّه قتل يومئذ

ص: 72


1- انظر الإرشاد للشيخ المفيد : ج1 ص354 .
2- مقاتل الطالبيين : ص90 .
3- في الإرشاد : ج1 ص355 ، هو عبداللّه الشهيد في كربلاء .
4- العقد الفريد : ج4 ص385 .
5- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص99 ، ومثله ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ج1 ص159 ، وج2 ص6 ، والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام : ج2 ص46 ، والفاضل الدربندي في أسرار الشهادة : ص478 .

إبراهيم بن علي بن أبي طالب وأُمّه أُمّ ولد(1).

عمر الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عمر الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو من الشهداء في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام .

قال في المناقب : ثمّ برز عمر بن علي وهو يرتجز :

خلو عداة اللّه خلو عن عمر * خلوا عن الليث الهصور المكفهر

يضربكم بسيفه ولا مفر * يازحر يازحر تداني من عمر

ثمّ حمل على زحر قاتل أخيه فقتله ، فلم يزل يقاتل حتّى قتل(2).

وأُمّ عمر الأصغر أُمّ ولد ، وهو غير عمر الأطرف وأُمّه أُمّ حبيب التغلبية(3).

عتيق بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عتيق بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو من الشهداء بكربلاء ، وأُمّه أُمّ ولد ، نصّ على شهادته مع الإمام الحسين عليه السلام ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب(4). والدياربكري الشافعي في تاريخ الخميس(5).

محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أحد الشهداء في كربلاء اتّفاقا ، واختلفوا في اسمه .

ص: 73


1- مقاتل الطالبيين : ص92 .
2- انظر مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص96 ، ومقتل الخوارزمي : ج2 ص47 .
3- الحدائق الوردية مخطوط : ج2 ص121 .
4- راجع شذرات الذهب : ج1 ص66 .
5- راجع تاريخ الخميس : ج2 ص284 .

وأُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن جندل بن نهشل بن دارم(1).

وفي المناقب : ثمّ برز أبو بكر بن علي عليه السلام قائلاً :

شيخي علي ذو الفخار الأطول * من هاشم الخير الكريم المفضل

هذا حسين بن النبي المرسل * تفديه نفسي من أخ مبجّل

فلم يزل يقاتل حتّى قتله زحر بن بدر ، ويقال عقبة الفنوي(2).

وذكر المدائني : أنّه وجد في ساقية مقتولاً لا يدرى من قتله(3).

وذكره النسّابة العمري في المجدي(4) والحافظ المقريزي وسمّاه عبدالرحمن وكنّاه بأبي بكر ، وأنّه من الشهداء مع أخيه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقاله صاحب رياض الأحزان ونصّ عليه : بأنّه لم يبق من اخوة الحسين عليه السلام غير محمد بن الحنفية وعمر الأطرف وعبيداللّه بن النهشلية والباقون كلّهم استشهدوا معه(5).

وهذا القول موافق للأُصول محفوف بالصحّة ؛ لأنّه لم يتخلّف عنه من اخوته الأحياء الذين أدركوا كربلاء غير هؤلاء الثلاثة(6)، فكلّ من ثبت أنّه من أولاد أمير المؤمنين عليه السلام فهو من الشهداء بلا ارتياب واللّه العالم .

ص: 74


1- انظر مقاتل الطالبيين : ص91 ، وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : ج5 ص205 .
2- راجع مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص92 .
3- مقاتل الطالبيين : ص91 .
4- المجدي : ص193 .
5- راجع رياض الأحزان : ص163 .
6- والظاهر أنّ بقاءهم كان بأمر الإمام الحسين عليه السلام لحكمة رآها .

عون الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عون الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام أُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وله أخ اسمه يحيى وحصل الاتّفاق على موته - أي موت يحيى - صغيرا في حياة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام .

ذكره صاحب لوامع الأنوار(1) الشيخ المرندي وقال : تفرّد به صاحب روضة الأحباب من علماء العامّة ، وتعريبه عن معالي السبطين(2) ونصّه : إنّ عون الأصغر من أولاد أمير المؤمنين عليه السلام الذين قتلوا بيوم الطف .

وقال صاحب الناسخ(3): عون بن علي أُمّه أسماء بنت عميس ، وما رأيت في كتب المقاتل ذِكرا لشهادة عون بيوم الطفّ إلاّ في كتاب (روضة الأحباب) و (بحر اللئالي) تأليف العامّة ، وأنا أقتفي أثرهما في الجملة .

كان عون صبيحا مليحا شجاعا ، فاستأذن أخاه الإمام الحسين عليه السلام ، فقال له : كيف تقاتل هذا الجمع الكثير والجمّ الغفير ، فقال : من كان باذلاً فيك مهجته لم يبال بالكثرة ، فبكى الحسين عليه السلام ، فحمل عون على القوم فقتل منهم مقتلة عظيمة ، فاحتوشه ألفان منهم ففرّقهم يمينا وشمالاً وفلّ الصفوف مقبلاً إلى الحسين عليه السلام وفي رأسه ووجهه جراحات ، فقبّله الحسين عليه السلام فقال له : أحسنت فقد أصبت بجراحات كثيرة ، فاصبر هنيئة .

قال عون : سيّدي أردت أن أحظى منك ، وأتزوّد من رؤيتك مرّة أُخرى ، ولا ينبغي أن أعرض دونك ، وقد أجهدني العطش ، فإذن لي حتّى أرجع وأفديك

ص: 75


1- لوامع الأنوار : ص286 .
2- انظر معالي السبطين : ج2 ص263 .
3- الناسخ : ص263 .

بروحي ، فأذن له ورجع وأمره الحسين عليه السلام أن يركب جوادا غير الذي كان تحته ، فركب وحمل على القوم فاعترضه صالح بن سيّار ، فرآه ظمآنا جريحا ، وحمل عليه وشتمه ، فأجابه عون وحمل عليه وطعنه برمحه فأورده جهنّم ، فأقبل إليه أخوه بدر ابن سيّار ، فألحقه عون بأخيه ، فحمل هاني بن طلحة بالسيف على عون ، وقد كمن اللعين منه فضربه بالسيف ، فخرّ عون صريعا قائلاً : بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقضى نحبه .

فالشهداء بالطفّ ممّن يسمّى عونا من آل أبي طالب أربعة :

1 - عون الأكبر بن جعفر الطيّار .

2 - عون الأكبر بن عبداللّه الجواد بن جعفر الطيّار .

3 - عون الأصغر بن أمير المؤمنين عليه السلام .

4 - عون بن عقيل بن أبي طالب(1).

وجاء في المناقب لابن شهر آشوب ، والنفحة العنبرية للسيد محمد كاظم الموسوي ، قالوا : قتل مع الحسين يوم الطفّ عون بن علي بن أبي طالب وأُمّه أسماء بنت عميس والثاني عباس الأصغر بن علي بن أبي طالب وأُمّه صهباء التغلبية(2).

عبيداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام

اشارة

عبيداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قتيل المذار المعروف بابن النهشلية ، أُمّه

ص: 76


1- إنّ العديد من المصادر ذكرت عون ضمن أولاد أمير المؤمنين عليه السلام من أسماء بنت عميس منها : مطالب السؤول : ص63 ، والفصول المهمّة : ص144 ، ونور الأبصار : ص114 ، وذخائر العقبى : ص117 ، وتذكرة الخواص : ص54 ، والرياض النضرة : ج2 ص249 ، وأنساب الأشراف : ج2 ص412 ، وتاريخ الخميس : ج2 ص284 ، وتاريخ الطبري : ج5 ص154 .
2- المناقب : ج4 ص106 ، النفحة العنبرية : ص39 .

ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ابن حنظلة(1).

قالوا : قدم عبيداللّه بن علي من الحجاز على المختار بالكوفة ، وسأله أن يدعو إليه ويجعل الأمر له ، فقال المختار : لست أقبل من لا يحمل توصية من محمد بن الحنفية فضلاً عن أن أدعو إليه ، فغضب ولحق بمصعب بن الزبير وسار معه إلى حرب المختار .

وأمر مصعب صاحب مقدّمته عبّاد الحبطي أن يسير إلى جمع المختار ، فسار وتقدّم معه عبيداللّه بن علي بن أبي طالب ونزلوا بالمذار ، فتقدّم جيش المختار ونزلوا

بإزائهم ، فبيّتهم أصحاب مصعب فقتلوا ذلك الجيش فلم يفلت منهم إلاّ الشريد ، وقتل عبيداللّه بن علي تلك الليلة(2).

أقول : هذه القضايا التاريخية بحاجة إلى تحقيق أكثر للتأكّد من صحّتها .

مرقده :

مرقده بالمذار في ميسان بين واسط والبصرة ، يقع على أحد فرعي نهر دجلة بين العزيزية وقلعة صالح ، ضمن لواء العمارة أحد ألوية العراق الجنوبية ، عامر مشيّد عليه قبّة عالية وحرم قديم البناء ، ويعرف هناك في محيطه عبداللّه بن علي عليه السلام(3).

وفي معجم البلدان : المذار في ميسان بين واسط والبصرة ، وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيّام ، وبها مشهد عامر كبير ، جليل عظيم ، قد أنفق

ص: 77


1- مقاتل الطالبيين : ص123 .
2- راجع طبقات ابن سعد : ج5 ص87 - 88 ، وشذرات الذهب للحنبلي : ج1 ص74 .
3- انظر مراقد المعارف للبحّاثة محمد حرز الدين : ج2 ص49 .

على عمارته الأموال الجليلة ، وعليه الوقوف ، وتساق إليه النذور ، وهو قبر عبيداللّه بن علي بن أبي طالب(1).

وروي أنّه وجد مقتولاً في فراشه بالفسطاط ولم يكن في المعركة ولقاء الأسنّة .

أمّا ما ورد من عدم قبوله لوصية أمير المؤمنين عليه السلام في الإمامين الحسن والحسين عليهماالسلام فالظاهر عدم صحّة ذلك وأنّه من مفتريات بني أُميّة وبني العباس ، حيث قالوا :

إنّه ردّ على أبيه في وصيته بالأمر من بعده إلى الحسن والحسين عليهماالسلام ، وإن كان رواه قطب الدين الراوندي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : جمع أمير المؤمنين عليه السلام بنيه وهم اثني عشر ذكرا فقال لهم : إنّ النبي يعقوب عليه السلام كان له من البنين اثني عشر ذكرا ، فلمّا حضره الموت جمعهم وقال لهم : إنّي أُوصي إلى يوسف فاسمعوا له وأطيعوا ، وأنا أُوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا . فقال له عبيداللّه ابنه : آدون محمد بن علي ؟ يعني ابن الحنفية ، فقال له عليه السلام : أجرأةً عليّ في حياتي ؟ كأنّي بك وقد وجدت مذبوحا في فسطاطك لا يدرى من قتلك(2).

ومن هنا ذهب شيخنا المفيد في الإرشاد إلى أنّ عبيداللّه بن النهشلية قتل

ص: 78


1- انظر معجم البلدان : ج5 ص88 ، ونقل في عمدة الطالب : ص38 كلام يصف هذا المشهد والمصحف الذي فيه بخطّ أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه احترق بحريق المشهد ، وفي منتقلة الطالبية : ص407 ، المذار بالفتح وآخره راء مهملة : بلدة في ميسان بين واسط والبصرة ، بين المذار والبصرة أربعة أيّام ، وبها مشهد عامر عظيم على قبر عبيداللّه بن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .
2- الخرائج للراوندي : ص109 ، الباب الثاني ، في معجزات أمير المؤمنين عليه السلام .

بكربلاء مع أخيه الحسين عليه السلام(1).

نعم قال بعض المؤرخين(2): إنّه لمّا كان في زمان المختار أتاه عبيداللّه وقال له : لست هنأك ، فغضب وذهب إلى مصعب بن الزبير فالتقوا بحروراء(3)، فلمّا حجز بينهم الليل أصبحوا فوجدوه مذبوحا في فسطاطه لا يدرى من قتله(4).

ولا يبعد - بناءً على هذا القول - أن يكون مصعب نفسه هو الذي دسّ إليه من يقتله ليلاً من حيث يخفى ، حيث أنّ وجود عبيداللّه بن علي أصبح شبحا مخيفا لسلطان بن الزبير ، بعدما علم من أخواله بني سعد في البصرة قد بايعوه بالخلافة وهو يقول لهم : لا تعجلوا في الأمر .

وقال ابن إدريس في السرائر : قد ذهب شيخنا المفيد في الإرشاد أنّ عبيداللّه ابن النهشلية قتل بكربلاء مع أخيه الحسين عليه السلام . وهذا خطأ محض بلا مراء ؛ لأنّ عبيداللّه بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ومن جملة أصحابه ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيداللّه بالمذار ، وقبره هناك ظاهر ، والخبر بذلك متواتر(5). واللّه العالم .

ص: 79


1- الإرشاد : ج1 ص354 .
2- هذا القول بحاجة إلى التأكّد والتحقيق الأكثر .
3- حروراء : قرية بظاهر الكوفة ، وقيل موضع على ميلين منها ، نزل به الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب عليه السلام فنسبوا إليها ، والحرورية منسوبون إلى موضع بظاهر الكوفة ، نسبت إليهم الحرورية من الخوارج ، وبها كان أوّل تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوا عليه . انظر معجم البلدان : ج3 ص256 .
4- مقاتل الطالبيين : ص123 ، وتاريخ الطبري : ج7 ص153 .
5- راجع السرائر : ج1 ص656 .

عون الأكبر وأخوه معين ولدا علي بن أبي طالب عليه السلام

عون الأكبر وأخوه معين ولدا علي بن أبي طالب عليه السلام من الشهداء بالنهروان مع أبيهما أمير المؤمنين عليه السلام ، جرحا بالنهروان وماتا ببغداد ، ولهما مشهد معروف ومزار إلى اليوم(1).

قال ابن جبير المالكي القرطبي الرحّالة الشهير(2): في مدينة بغداد في العراق وفي الطريق إلى باب البصرة ، مشهد حفيل البنيان ، داخله قبر متّسع عليه مكتوب هذا قبر عون ومعين من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام... الخ.

ويذكر ياقوت الحموي في (معجم الأُدباء)(3): إنّ مشهدهما في الجانب

الغربي من الجهة السلجوقية المعروفة بالإخلاطية ... الخ .

عمران بن علي بن أبي طالب عليه السلام

عمران بن علي بن أبي طالب عليه السلام أُصيب جريحا في النهروان وقبره في بابل(4)، وله مشهد معروف في نواحي الحلّة ، مشهور بمشهد عمران بن علي عليه السلام(5).

يحيى بن علي بن أبي طالب عليه السلام

يحيى بن علي بن أبي طالب عليه السلام أُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وهو أخو عمر الأصغر .

ص: 80


1- تحفة العالم : ج1 ص235 .
2- رحلة ابن جبير : ص180 .
3- معجم الأُدباء : ج17 ص57 .
4- راجع تحفة العالم للعلاّمة بحر العلوم : ج1 ص235 .
5- مراقد المعارف : ج2 ص151 .

وقد حصل الاتّفاق على موت يحيى صغيرا في حياة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام .

عبّاس الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

جاء في المناقب لابن شهر آشوب ، والنفحة العنبرية للسيد محمد كاظم الموسوي ، قالوا : قتل مع الحسين يوم الطفّ عون بن علي بن أبي طالب وأُمّه أسماء بنت عميس والثاني عبّاس الأصغر بن علي بن أبي طالب وأُمّه صهباء التغلبية(1).

ص: 81


1- المناقب : ج4 ص106 ، النفحة العنبرية : ص39 .

فصل: تراجم أولاد الإمام من البنات

من بنات أمير المؤمنين علي عليه السلام من توفّيت أيّام أبيها عليه السلام كزينب الصغرى ، وجمانة وكنيتها أُمّ جعفر ، وأُمامة ، وأُمّ سلمة ، ورملة الصغرى(1).

ومنهنّ من لم يذكر خروجهنّ إلى أزواج .

والذين خرجن إلى أزواج فالعقيلة زينب الكبرى كانت عند عبداللّه بن جعفر الطيّار ، فأولدت له محمدا وعليا وعباسا وعونا الأكبر وأُمّ كلثوم ، وهي التي زوّجها الحسين عليه السلام من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر الطيّار وأنحلها البغيبغات(2).

وأمّا أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فكانت عند ابن عمّها عون بن جعفر ، وسيأتي شرح أحوال السيّدة زينب عليهاالسلام وأُمّ كلثوم عليهاالسلام إن شاء اللّه .

ورقيّة عند ابن عمّها الشهيد مسلم بن عقيل ، فولدت له عبداللّه وعليا ، وقد قتل ولدها عبداللّه بن مسلم يوم كربلاء .

وفي العمدة(3): تزوّج مسلم أُمّ كلثوم بنت علي عليه السلام ، فولدت له حميدة

ص: 82


1- مناقب السروي : ج2 ص76 ، ومناقب ابن شهر آشوب : ج2 ص304 .
2- مناقب السروي : ج2 ص171 ، وتاريخ المدينة للسمهودي : ج2 ص263 .
3- راجع عمدة الطالب لابن عتبة : ص49 .

تزوّجها الفقيه الجليل عبداللّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أولدها محمدا منه العقب .

ولا يتمّ هذا إلاّ بعد وفاة إحداهنّ ، إذ لا يجوز الجمع بين الأُختين .

وكانت فاطمة عند أبي سعيد بن عقيل(1) فولدت له حميدة . وخديجة كانت عند عبدالرحمن بن عقيل فولدت له سعيدا وعقيلاً . وأُمّ هاني تزوّجها عبداللّه الأكبر بن عقيل ، فولدت له عبدالرحمن ومحمدا .

وأُمّ الحسن تزوّجها جعدة بن هبيرة المخزومي(2).

زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام

كانت زينب الكبرى عليهاالسلام بنت الإمام علي عليه السلام من فضليات الناس ، وفضلها

أشهر من أن يذكر ، وأبين من أن يسطر ، وتعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانتها ، وقوّة حجّتها ، ورجاحة عقلها ، وثبات جنانها ، وفصاحة لسانها ، وبلاغة مقالها ، كأنّها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام من خطبها بالكوفة والشام . وليس عجبا من زينب عليهاالسلام أن تكون كذلك ، وهي فرع من فروع الشجرة الطيّبة النبوية ، والأُرومة الهاشمية ، جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبوها الوصي عليه السلام وأُمّها البتول عليهاالسلام ، وأخواها لأُمّها وأبيها الحسنان عليهماالسلام ، ولا بدع أن جاء الفرع على منهاج أصله(3).

بجلالة أحمد في مهابة حيدر * قد أنجبت أُمّ الأئمّة زينبا

فكانت شريكة الإمامين سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين عليهماالسلام في

ص: 83


1- في إعلام الورى : ج2 ص397 محمد بن عقيل .
2- إعلام الورى : ج2 ص397 .
3- أعيان الشيعة : ج32 ص191 .

ذلك المرتكض الطاهر ، والحجر الزاكي ، والصلب القادس ، واللبان السائغ ، والتربية الإلهية .

ولادتها عليهاالسلام

كانت ولادة هذه الميمونة الطاهرة زينب عليهاالسلام في الخامس من شهر جمادى الأُولى في السنة الخامسة للهجرة ، وهي المولود الثالث للبيت النبوي العلوي الشريف الأرفع ، بعد الحسن والحسين عليهماالسلام(1).

ولمّا ولدت زينب عليهاالسلام جاءت بها أُمّها الزهراء عليهاالسلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وقالت : سمّ هذه المولودة ، فقال : ما كنت لأسبق رسول اللّه صلى الله عليه و آله - وكان في سفر له -

ولمّا جاء النبي صلى الله عليه و آله وسأله علي عليه السلام عن اسمها ، فقال : ما كنت لأسبق ربّي تعالى ، فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من اللّه الجليل وقال له : سمّ هذه المولودة زينب ، فقد اختار اللّه لها هذا الاسم .

ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي صلى الله عليه و آله وقال : من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين عليهماالسلام(2).

وكانت تصغر الإمام الحسين عليه السلام بسنتين ، وحين وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان عمرها خمس سنوات(3).

فكلمة زينب مكوّن من كلمة (زين) و (أب) أي زينة أبيها ، وهذه التسمية لزينب عليهاالسلام إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على أنّ سيرتها سوف تكون فخرا لوالدها الإمام علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام .

ص: 84


1- انظر الرسالة الزينبية للسيوطي : ص114 ، ومستدرك سفينة البحار : ج2 ص302 .
2- زينب الكبرى للنقدي : ص32 .
3- مستدرك سفينة البحار : ج4 ص202 .

ويرى بعض العلماء أنّ كلّ حرف من حروف اسم زينب عليهاالسلام له رمز ومعنى :

(ز) إشارة إلى أُمّها الزهراء عليهاالسلام .

(ي) إشارة إلى والدها الإمام علي عليه السلام .

(ن) إشارة إلى أخويها الحسن والحسين عليهماالسلام .

(ب) إشارة إلى كلمة النبي العربي جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).

واللغوي المعروف الفيروزآبادي يقول : إنّ كلمة زينب تعني شجرة عظيمة جميلة ذات رائحة طيّبة(2).

وذكر بعض أهل السير أنّ العقيلة زينب (سلام اللّه عليها) كان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء ، وليس هذا بمستنكر عليها فقد نزل القرآن في بيتها ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ، وخليق بامرأة عاشت في ظلال أصحاب الكساء ، وتأدّبت بآدابهم ، وتعلّمت من علومهم أن تكون لها هذه المنزلة السامية ، وإن لم تكن (سلام اللّه عليها) في عداد المعصومين ، فإنّ المعصومين عليهم السلام هم أربعة عشر ، لكنّها في درجة قريبة من العصمة ممّا يسمّى بالعصمة الصغرى ، لأنّ من كان جدّها النبي صلى الله عليه و آله وأبوها علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأُمّها فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وأخواها الحسن والحسين عليهماالسلام فلا شكّ أن تغرّ العلم غرّا ، وما صدر منها في مأساة الطفّ أكبر شاهد على علوّ منزلتها وسموّها وقربها من العصمة مضافا إلى علمها وفضلها .

وهي أوّل بنت ولدت لفاطمة (صلوات اللّه عليهما) ، ويقال لها زينب الكبرى للفرق بينها وبين من سمّيت باسمها من أخواتها وكنّيت بكنيتها .

ص: 85


1- راجع الخصائص الزينبية للعلاّمة الجزائري : ص160 .
2- راجع القاموس المحيط : ص122 مادّة زينب .

ألقابها

كما أنّها عليهاالسلام تلقّب بالصدّيقة الصغرى ، للفرق بينها وبين أُمّها الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

وتلقّب بالعقيلة ، وعقيلة بني هاشم ، وعقيلة الطالبيين - والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها ، العزيزة في بيتها ، وزينب فوق ذلك .

ولقّبت أيضا بالموثّقة ، والعارفة ، والعالمة غير المعلّمة ، والفاضلة ، والكاملة ، وعابدة آل علي ، وغير ذلك من الصفات الحميدة والنعوت الحسنة(1).

ولمّا دنت الوفاة من النبي صلى الله عليه و آله رأى كلّ من أمير المؤمنين والزهراء عليهاالسلام رؤيا تدلّ على وفاته صلى الله عليه و آله ، فأخذا بالبكاء والنحيب ، فجاءت زينب إلى جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالت : ياجدّاه رأيت البارحة رؤيا أنّها انبعثت ريح عاصفة سوّدت الدنيا وما فيها وأظلمتها ، وحرّكتني من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمة ، فتعلّقت بها من شدّة الريح ، فإذا بالريح قلعتها وألقتها على الأرض ، ثمّ تعلّقت على

غصن قوي من أغصان تلك الشجرة ، فقطعتها أيضا ، فتعلّقت بفرع آخر ، فكسرته أيضا ، فتعلّقت على أحد الفرعين من فروعها ، فكسرته أيضا ، فاستيقظت من نومي ، فبكى صلى الله عليه و آله وقال : الشجرة جدّك ، والفرع الأوّل أُمّك

فاطمة ، والثاني أبوك علي ، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان ، تسودّ الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس الحداد في رزيّتهم(2).

كانت السيّدة زينب عليهاالسلام عند وفاة أُمّها في السادسة أو السابعة من عمرها ، وهي أكبر بنات فاطمة عليهاالسلام كما مرّ .

ص: 86


1- انظر زينب الكبرى للنقدي : ص32 .
2- انظر الطراز المذهّب للشيخ البحّاثة عباس قلي عن بحر المصائب .

نشأتها وتربيتها عليهاالسلام

لقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة ، وتربية تلك الدرّة اليتيمة ، في حضن النبوّة ، ودرجت في بيت الرسالة ، ورضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول عليهاالسلام ، وغذّيت بغذاء الكرامة من كفّ ابن عمّ الرسول صلى الله عليه و آله ، فنشأت نشأة قدسية ، وربّيت تربية روحانية ، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة ، مرتدية رداء العفاف والحشمة ، فالخمسة أصحاب العباء عليهم السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها

وتهذيبها ، وكفاك بهم مؤدّبين ومعلّمين .

وكانت زينب عليهاالسلام تأخذ التربية الصالحة والتأديب القويم من والدها الكرّار وأخويها الكريمين الحسن والحسين عليهم السلام ، إلى أن بلغت من العلم والكمال والفضل مبلغا عظيما .

وكفى في علمها وفضلها عليهاالسلام من أنّها كانت جالسة في حجر أمير المؤمنين عليه السلام وهي صبية وعلي عليه السلام يضع الكلام ويلقيه على لسانها ، فقال لها : بنية قولي واحد ، قالت : واحد ، فقال لها : قولي اثنين ، قالت : أبتاه ما أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد ، فقبّلها أمير المؤمنين عليه السلام .

ويوما آخر أجلسها علي عليه السلام على فخذه وطفل آخر على فخذه الآخر وهو يقبّلهما ، فقالت زينب عليهاالسلام : أبتاه أتحبّنا ؟ قال : نعم ، قالت : ياأبتاه إنّ المحبّة خاصّة للّه تبارك وتعالى ، وأمّا إلينا فهي الشفقة ، فقبّلها أمير المؤمنين عليه السلام(1).

وحدّث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة مدّة مديدة ، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا واللّه ما رأيت لها شخصا ، ولا سمعت لها صوتا ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله تخرج

ص: 87


1- راجع مستدرك الوسائل : ج15 ص215 ب79 ح18040 ، وشجرة طوبى : ج2 ص392 .

ليلاً ، والحسن عن يمينها ، والحسين عن شمالها ، وأمير المؤمنين أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين عليه السلام ، فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الحسن

مرّة عن ذلك ، فقال : أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أُختك زينب(1).

ولمّا بلغت (صلوات اللّه عليها) مبلغ النساء ، ودخلت من دور الطفولة إلى دور الشباب ، خطبها الأشراف من العرب ورؤساء القبائل ، فكان أمير المؤمنين عليه السلام يردّهم ولم يجب أحدا منهم في أمر زواجها .

إنّ الذي كان يدور في خلد أمير المؤمنين عليه السلام أن يزوّج بناته من أبناء اخوته ، ليس إلاّ امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه و آله حين نظر إلى أولاد علي وجعفر صلوات اللّه عليهما ، وقال : بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا(2).

ولذلك دعا بابن أخيه عبداللّه بن جعفر وشرّفه بتزويج تلك الحوراء الإنسية إيّاه على صداق أُمّها فاطمة الزهراء عليهاالسلام أربعمائة وثمانين درهما ، ووهبها

إيّاه من خالص ماله عليه السلام(3).

وكان عبداللّه بن جعفر ممّن صحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحفظ حديثه ، ثمّ لازم أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام ، وأخذ منهم العلم الكثير ، وكان كريما جوادا ، ظريفا خليقا ، عفيفا سخيّا ، يسمّى بحر الجواد ، وأنّه لم يكن في الإسلام أسخى منه(4)، ويقال له : قطب السخاء ، وفيه يقول عبداللّه بن قيس الرقيات :

وما كنت إلاّ كالأغر ابن جعفر

رأى المال لا يبقي له ذكرا

ص: 88


1- زينب الكبرى عليهاالسلام : ص39 .
2- من لا يحضره الفقيه : ج3 ص248 ح4 ، باب114 ، باب الأكفاء .
3- زينب الكبرى للنقدي : ص97 ، والمجدي في أنساب الطالبيين : ص199 .
4- الاستيعاب : ص232 .

وكان من أحسن الناس وجها وأفصحهم منطقا وأسمحهم كفّا ، وكانت ولادة عبداللّه بن جعفر الطيّار بأرض الحبشة ، وأُمّه أسماء بنت عميس .

حضر مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه الثلاث ، ثمّ لازم الحسن والحسين عليهماالسلام . وتوفّي سنة أربعة أو خمس وثمانين من الهجرة(1).

وذكر السيد العمري في المجدي(2): إنّ العقيلة زينب عليهاالسلام خرجت إلى عبداللّه ابن جعفر بن أبي طالب ، فأولدها عليا وعونا وعبّاسا وغيرهم .

وذكر ابن الجوزي في تذكرة الخواص(3): إنّ من أولاد السيّدة زينب عليهاالسلام

محمدا وعليا وعبّاسا وعونا الأكبر وأُمّ كلثوم .

ومن المعقّبين من أولادها علي المعروف بالزينبي ، ففيه الكثرة والعدد ، وفي ذرّيته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في عمدة الطالب(4): أحد أرحاء آل أبي طالب الثلاثة .

وأمّا محمد وعون الأكبر فقد قتلا مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء .

قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد(5): محمد وعون أبناء عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب (رضي اللّه عنهم كلّهم) مدفونون في الحفيرة ممّا يلي رجلي الحسين عليه السلام . وأمّا أُمّ كلثوم بنت السيّدة زينب عليهاالسلام ، فهي الذي زوّجها الحسين بن علي عليه السلام من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر الطيّار وأنحلها البغيبغات ، وهي ثلاثة عيون في

ص: 89


1- طبقات ابن سعد : ج8 ص465 ، تذكرة الخواص : ص191 .
2- راجع المجدي في أنساب الطالبيين : ص200 .
3- تذكرة الخواص : ص192 ، وكذلك راجع تاريخ الخميس : ج2 ص317 .
4- عمدة الطالب : ص61 ، وكذلك راجع تاج العروس : ج1 ص290 ، مادّة زينب .
5- الإرشاد : ج2 ص125 ، وراجع إعلام الورى : ج1 ص461 .

ينبع ، عين يقال لها خيف ليلى ، وثانية خيف الأراك ، وثالثة خيف بسطاس(1).

علمها عليهاالسلام ومعرفتها باللّه تعالى

كفاك في فضلها ومعرفتها عليهاالسلام احتجاج الصادق عليه السلام بفعلها وعملها في حادثة الطفّ ، كما في (الجواهر) في جواز شقّ الثوب على الأب والأخ وعدمه .

عن الصادق عليه السلام : « ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليه السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب »(2).

وهكذا تمسّك الفقهاء على جواز التطبير بل رجحانه ، بما صدر منها لمّا رأت رأس أخيها الحسين عليه السلام على الرمح ، حيث ضربت رأسها بعمود المحمل فجرى الدم من تحت قناعها(3).

إنّ زينب عليهاالسلام المتربّية في مدينة العلم النبوي ، المعتكفة بعده ببابها العلوي ، المتغذّية بلبانه من أُمّها الصدّيقة الطاهرة (سلام اللّه عليها) ، وقد طوت عمرا من

الدهر مع الإمامين السبطين يزقّانها العلم زقّا ، فهي من عياب علم آل محمّد عليهم السلام

وعلب فضائلهم التي اعترف بها عدوّهم الألدّ يزيد الطاغية بقوله في الإمام السجّاد عليه السلام : « إنّه من أهل بيت زقّوا العلم زقّا »(4).

وقد نصّ لها بهذه الكلمة ابن أخيها الإمام علي بن الحسين عليه السلام حيث قال :

ص: 90


1- راجع الكامل للمبرّد : ج3 ص114 ، وتاريخ المدينة للسمهودي : ج2 ص263 ، ومعجم البلدان لياقوت الحموي : ج2 ص248 .
2- جواهر الكلام : ج4 ص307 .
3- بحار الأنوار : ج45 ص114 ب39 .
4- بحار الأنوار : ج45 ص164 ح7 ، زينب الكبرى للنقدي : ص34 .

« أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة ، فهمة غير مفهّمة »(1)، فإنّ مادّة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع ، أُفيض عليها إلهاما ، فهو ذلك العلم المفاض عليها من ساحة القدس الإلهي لا بإرشاد معلّم أو تلقين مرشد ، مع البلاغة في المنطق ، والبراعة في الإفاضة ، كأنّها تفرغ عن لسان أبيها الوصي عليه السلام .

وفي الحديث : « من أخلص للّه تعالى أربعين صباحا انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » . ولا شكّ أنّ زينب الطاهرة عليهاالسلام قد أخلصت للّه كلّ عمرها ، فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة .

وعن أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي قال : كانت زينب بنت علي عليهماالسلام

تقول : « من أراد أن لا يكون الخلق شفعاءه إلى اللّه فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم : سمع اللّه لمن حمده ، فخف اللّه لقدرته عليك واستح منه لقربه منك »(2).

وهي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة عليهاالسلام في فدك ، فقال : حدّثتني عقيلتنا زينب بن علي عليهماالسلام(3).

وقال الطبرسي رحمه الله : إنّ زينب عليهاالسلام روت أخبارا كثيرة عن أُمّها الزهراء عليهاالسلام(4).

فكانت زينب عليهاالسلام تروي عن أُمّها وأبيها وأخويها عليهم السلام ، وعن أُمّ سلمة ، وأُمّ هاني وغيرهما من النساء ، وممّن روى عنها ابن عباس ، وعلي بن الحسين عليهماالسلام ،

ص: 91


1- الاحتجاج للطبرسي : ج2 ص31 .
2- بلاغات النساء لابن طيفور : ص39 ، أعلام النساء : ج2 ص99 .
3- مقاتل الطالبيين : ص95 .
4- إعلام الورى : ج1 ص453 .

وعبداللّه بن جعفر ، وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم(1).

كانت عليهاالسلام تعلم علم المنايا والبلايا ، كجملة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام

منهم ميثم التمّار ورشيد الهجري وغيرهما .

وإنّ كلام الإمام السجّاد عليه السلام لها : « ياعمّة أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة » حجّة على أنّ زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام كانت محدّثة ، أي ملهمة ، وأنّ علمها كان من العلوم اللدنّية والآثار الباطنية(2).

وقال العلاّمة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه باللغة الفارسية المسمّى بالخصائص الزينبية ما ترجمته : إنّ زينب عليهاالسلام كان لها مجلس في بيتها أيّام إقامة أبيها في الكوفة ، وكانت تفسّر القرآن للنساء ، ففي بعض الأيّام كانت تفسّر «كهيعص»(3) إذ دخل أمير المؤمنين عليه السلام عليها ، فقال لها : يانور عيني سمعتك تفسّرين «كهيعص» للنساء .

فقالت : نعم .

فقال عليه السلام : هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ شرح عليه السلام لها المصائب ، فبكت بكاءً عاليا صلوات اللّه عليها(4).

وعن الصدوق : كانت زينب عليهاالسلام لها نيابة خاصّة عن الحسين عليه السلام ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتّى برئ الإمام زين العابدين عليه السلام من

ص: 92


1- تراجم النساء لابن عساكر : ص119 .
2- راجع أسرار الشهادة للفاضل الدربندي : ج2 ص228 .
3- سورة مريم : الآية 1 .
4- زينب الكبرى عليهاالسلام : ص54 .

مرضه(1).

ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن ينكر ، إن كان عارفا بأحوالها في الطفّ وما بعده ، كيف ولولا ذلك لما حمّلها الإمام الحسين عليه السلام مقدارا من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد عليه السلام ، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه ، ولمّا أنابها السجّاد عليه السلام

نيابة خاصّة في بيان الأحكام وجملة أُخرى من آثار الولاية(2).

ففي الحديث عن أحمد بن إبراهيم قال : دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي أبي الحسن العسكري عليهم السلام في سنة اثنتين وثمانين بعد المائتين ، فكلّمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّت لي من تأتمّ به ، ثمّ قالت : فلان ابن الحسن .

فقلت لها : جعلني اللّه فداك معاينة أو خبرا ؟

فقالت : خبرا عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلى أُمّه .

فقلت لها : فأين المولود ؟

فقالت : مستور .

فقلت : إلى من تفزع الشيعة ؟

فقالت : إلى الجدّة أُمّ أبي محمّد .

فقلت لها : أقتدي بمن وصيته إلى المرأة ؟

فقالت : اقتد بالحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، إنّ الحسين بن علي عليه السلام

أوصى إلى أُخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام في الظاهر ، وكان ما يخرج عن

ص: 93


1- راجع شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري : ج2 ص392 .
2- تنقيح المقال للعلاّمة المامقاني : ج3 ص79 .

علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب بنت علي عليه السلام تستّرا على علي بن الحسين عليه السلام(1).

عبادتها عليهاالسلام وانقطاعها إلى اللّه تعالى

عرفت زينب (سلام اللّه عليها) بكثرة التعبّد والتهجّد ، شأنها في ذلك شأن أبيها وأُمّها وجدّها (صلوات اللّه عليهم) ، وشأن أهل البيت جميعا عليهم السلام .

عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : ما رأيت عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر من المحرّم ، أي أنّها (سلام اللّه عليها) ما تركت تهجّدها ،

وعبادتها المستحبّة حتّى في تلك الليلة الحزينة التي فقدت فيها كلّ عزيز ، ولاقت ما لاقت في ذلك اليوم من مصاعب(2).

وعن بعض المقاتل المعتبرة ، عن مولانا السجّاد عليه السلام أنّه قال : إنّ عمّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية ، فلقد كانت في عبادتها ثانية أُمّها الزهراء عليهاالسلام ، وكانت تقضي عامّة لياليها بالتهجّد وتلاوة القرآن(3).

وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال : رأيتها تلك الليلة - أي ليلة الحادي عشر - تصلّي من جلوس فكانت تؤدّي نوافل الليل كاملة في كلّ أوقاتها حتّى أنّ الحسين عليه السلام عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها : ياأُختاه لا تنسيني في نافلة الليل . كما هو مدوّن في كتب السير(4).

ص: 94


1- كمال الدين للصدوق : ص275 ، الغيبة للشيخ الطوسي : ص148 ، إثبات الوصية للمسعودي : ص206 ، تراجم النساء لابن عساكر : ص119 .
2- روضة الواعظين : ص89 .
3- مثير الأحزان لابن نما : ص67 .
4- أسرار الشهادة للدربندي : ج3 ص320 ، وزينب الكبرى عليهاالسلام للنقدي : ص59 .

وقالت فاطمة بنت الحسين عليهاالسلام : وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة (أي العاشر من المحرّم) في محرابها تستغيث إلى ربّها ، فما هدأت لنا عين ، ولا

سكنت لنا رنّة .

وروى بعض المتتبّعين عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال : إنّ عمّتي زينب صلواتها من قيام ، الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام ، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس ، فسألتها عن سبب ذلك ؟

فقالت : أُصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال ؛ لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الأطفال ، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة(1).

أقول : فإذا تأمّل المتأمّل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة للّه تعالى

والانقطاع إليه لم يشكّ في عظمتها ومقامها وعصمتها الصغرى صلوات اللّه عليها ، وأنّها كانت من القانتات اللواتي وقّفن حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى ، وبذلك حصلن على المنازل الرفيعة والدرجات العالية ، التي حكت برفعتها منازل المرسلين ودرجات الأوصياء (عليهم الصلاة والسلام) .

الحوراء زينب عليهاالسلام مع الإمام الحسين عليه السلام في نهضته

يسجّل التاريخ بكلّ فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيّدة زينب عليهاالسلام في يوم عاشوراء ، حتّى أنّها أصبحت شريكة الحسين عليه السلام في نهضته المباركة ، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطفّ وتجاهل مواقف عقيلة الهاشميين .

وكانت لزينب (سلام اللّه عليها) في واقعة الطفّ المكان البارز في جميع الحالات ، وفي المواطن كلّها ، فهي التي كانت تمرض العليل ، وتراقب أحوال أخيها

ص: 95


1- زينب الكبرى للنقدي : ص62 .

الحسين عليه السلام وتخاطبه وتسأله عن كلّ حادث ، وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال وتقوم في ذلك مقام الرجال ، وهي التي دافعت عن الإمام زين العابدين عليه السلام لمّا أراد ابن زياد قتله ، وخاطبت ابن زياد بما ألقمته حجرا حتّى لجأ إلى ما لا يلجأ إليه ذو نفس كريمة ، وبها لاذت فاطمة بنت الحسين عليه السلام وأخذت بثيابها لمّا قال الشامي ليزيد : هب لي هذه الجارية . فخاطبت يزيد بما فضحه وألقمته حجرا حتّى لجأ إلى ما لجأ إليه ابن زياد لعنه اللّه .

والذي يلفت النظر أنّها كانت في ذلك الوقت متزوّجة بعبداللّه بن جعفر ، فاختارت صحبة أخيها على البقاء عند زوجها ، وكان زوجها راضٍ بذلك مبتهجا به ، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ، ففعلا حتّى قتلا ، وحقّ لها ذلك ، فمن كان لها أخ مثل الحسين عليه السلام وهي بهذا الكمال الفائق لا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها(1).

وصحبت زينب عليهاالسلام أخاها الحسين عليه السلام لمّا التقى بجيش عبيداللّه بن زياد ، فأظهرت من الجزع وشدّة الألم ما يفتّت الأكباد ، ونحن نذكر هنا بعضا من مواقفها في ذلك اليوم الحزين ، وفاءً لها ولصمودها عليهاالسلام في وجوه أعداء آل البيت عليهم السلام .

روى ابن طاووس رحمه الله : أنّ الحسين عليه السلام لمّا نزل (الخزيمية) أقام بها يوما وليلة ، فلمّا أصبح أقبلت إليه أُخته زينب عليهاالسلام ، فقالت : ياأخي ، ألا أُخبرك بشيء سمعته البارحة ؟ فقال الحسين عليه السلام : وماذا ؟ فقالت : خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة ، فسمعت هاتفا يهتف ويقول :

ألا ياعين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا * بمقدار إلى انجاز وعد

ص: 96


1- انظر أعيان الشيعة : ج7 ص137 .

فقال لها الحسين عليه السلام : ياأُختاه كلّ الذي قضي فهو كائن(1).

وقال الشيخ المفيد رحمه الله : لمّا كان اليوم التاسع من المحرّم زحف عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام بعد العصر والحسين عليه السلام جالس أمام بيته ، محتبٍ بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ، فسمعت أُخته الضجّة ، فدنت من أخيها فقالت : ياأخي ، أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟ فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال : إنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الساعة في المنام ، فقال لي : إنّك تروح إلينا . فلطمت أُخته وجهها ، ونادت بالويل ، فقال لها الحسين عليه السلام : ليس لك الويل ياأُختاه ، اسكتي رحمك اللّه (2).

وقال علي بن الحسين عليه السلام : إنّي لجالس في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذرّ الغفاري وهو - أي جون - يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول :

يادهر أُفّ لك من خليل * كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل * وكلّ حي سالك سبيلي(3)

فأعادها مرّتين أو ثلاثة حتّى فهمتها وعرفت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت ، وعلمت أنّ البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فإنّها لمّا سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه فقالت : وا ثكلاه !! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم

ص: 97


1- اللهوف : ص34 .
2- الإرشاد : ج2 ص93 ، اللهوف : ص65 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج4 ص58 .
3- وذكر هذه الأبيات ابن الأثير في الكامل في التاريخ : ج4 ص56 ، وزاد ابن طاووس في الأبيات : ما أقرب الوعد من الرحيل .

ماتت أُمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، ياخليفة الماضين وثمال الباقين ، فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها : ياأُخيّة لا يذهبنّ بحلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه

بالدموع ، وقال : لو ترك القطا يوما لنام ، فقالت : ياويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي ، ثمّ لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشيّا عليها ، فقام إليها الحسين عليه السلام وصبّ على وجهها الماء وقال لها :

إيها ياأُختاه ، اتّق اللّه وتعزّي بعزاء اللّه ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه - إلى أن قال : - فعزاها بهذا ونحوه . وقال لها : ياأُخيّة ، إنّي أقسمت (عليك) فأبرّي قسمي ، لا تشقّي عليّ جيبا ، ولا تخمشي عليّ وجها ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت ، ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي(1).

ولمّا قتل علي بن الحسين الأكبر عليه السلام خرجت زينب أُخت الحسين عليهماالسلام تنادي : ياحبيباه ، ويا ابن أُخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه ؛ فأخذ الحسين عليه السلام برأسها فردّها إلى الفسطاط(2).

وعندما حمل الناس على الحسين عليه السلام عن يمينه وشماله ، فحمل على الذين عن يمينه فتفرّقوا ثمّ حمل على الذين عن يساره فتفرّقوا ، فما رؤي مكثور قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ، وأمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه ، إذ كانت الرجال لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذ شدّ فيها الذئب ، فبينما هو كذلك ، إذ خرجت زينب عليهاالسلام وهي تقول : ليت السماء أطبقت على الأرض ، وقد

ص: 98


1- انظر الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص94 .
2- المصدر نفسه .

دنا عمر بن سعد ، فقالت : ياعمر ، أيقتل أبو عبداللّه وأنت تنظر ؟ فدمعت عيناه حتّى سالت دموعه على خدّيه ولحيته ، وصرف وجهه عنها(1).

وللحوراء زينب عليهاالسلام مع الإمام زين العابدين عليه السلام أكثر من موقف ، تراها تعزّيه تارةً وتصبّره ، وتارةً تحافظ عليه من القتل حينما أراد ابن زياد قتله ، فحينما

شاهدت جزع الإمام السجّاد عليه السلام قالت له : مالي أراك(2)، تجود بنفسك يابقيّة

جدّي وأبي واخوتي ؟

فقال عليه السلام : وكيف لا أجزع وأخلع وقد أرى سيّدي واخوتي وعمومتي وولد عمّي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء مسلّبين ، لا يكفّنون ، ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر .

فقالت عليهاالسلام : لا يجزعنّك ما ترى ، فواللّه إنّ ذلك لعهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق أُناس من هذه الأُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأُمّة ، وهم معروفون في أهل السماوات ، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة ، وينصبون بهذا الطفّ علما لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يعفر رسمه ، على كرور الليالي والأيّام ، وليجتهدنّ أئمّة

الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد إلاّ ظهورا ، وأمره إلاّ علوا(3).

وعندما استعرض ابن زياد آل محمد عليهم السلام وسأل عن كلّ فرد منهم ، واستغرب في وجود الإمام زين العابدين عليه السلام من بين آل الحسين عليهم السلام حيّا ، وقد سبقه النبأ من ابن سعد أنّه اجتاحهم ، فسأله : من أنت ؟

ص: 99


1- الكامل في التاريخ : ج4 ص77 .
2- هذه بلاغة عقيلة بني هاشم زينب الحوراء عليهاالسلام حيث قالت : مالي أراك ولم تقل (مالك) .
3- راجع كامل الزيارات : ص263 .

فقال : أنا علي بن الحسين .

فقال : أليس قد قتل اللّه علي بن الحسين ؟

فقال : كان لي أخ يسمّى عليا قتله الناس .

فقال ابن زياد : بل اللّه فقتله ؟

فقال عليه السلام : «اللّه ُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»(1).

فغضب ابن زياد وقال : وبك جرأة لجوابي ؟ وفيك بقيّة للردّ عليّ ؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه .

فتعلّقت به عمّته زينب عليهاالسلام ، وقالت : ياابن زياد ، حسبك من دمائنا واعتنقته ، وقالت : لا واللّه ، لا أُفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه .

فنظر ابن زياد إليها ثمّ قال : عجبا للرحم ، إنّي وددت أنّي قتلتها معه ، دعوه فإنّي أراه لما به(2).

وحينما سأل ابن زياد عن زينب (سلام اللّه عليها) ، ولم يكن يعرفها ، قيل له : هذه زينب بنت أمير المؤمنين ، فقال : الحمد للّه الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أُحدوثتكم .

فقالت عليهاالسلام : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله وطهّرنا من الرجس تطهيرا ، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا .

قال : كيف رأيت فعل اللّه بأهل بيتك ؟

فقالت عليهاالسلام : ما رأيت إلاّ جميلاً ؛ هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع اللّه بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ،

ص: 100


1- سورة الزمر : الآية 42 .
2- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص115 .

ثكلتك أُمّك يابن مرجانة .

فغضب ابن زياد واستشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد ، فقال له عمرو ابن حريث : إنّها امرأة وهل تؤاخذ بشيء من منطقها ، ولا تلام على خطل ، فالتفت إليها ابن زياد وقال : لقد شفى اللّه قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك .

فقالت عليهاالسلام : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرزت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يشفك فقد اشتفيت(1).

هذه بعض مواقف العقيلة الحوراء زينب عليهاالسلام في كربلاء والكوفة والشام والذي عبّر عن الدور التبليغي وتعريف الأُمّة بحقيقة الثورة الحسينية ، وهي أوّل مرّة اقتفت آثار أُمّها فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وسلكت طريقها في الدعوة والتبليغ ، ووقفت بوجه الظلم والطغيان وقفة لا تتحمّلها الجبال الراسيات ، وصبرت صبرا يتفتّت دونه الصخر الأصم .

فكانت تسمّى العقيلة زينب (سلام اللّه عليها) أُمّ المصائب ، وحقّ لها أن تسمّى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومحنة أُمّها فاطمة

الزهراء عليهاالسلام ثمّ وفاتها مظلومة شهيدة ، وشاهدت مقتل أبيها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ شاهدت محنة أخيها الحسن عليه السلام ثمّ قتله بالسمّ ، وكذلك شاهدت المصيبة العظمى ، وهي قتل أخيها الحسين عليه السلام وأهل بيته ، وقتل ولديها مع خالهما أمام عينها .

ومن ثمّ حملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ، وأُدخلت على ابن زياد (لعنه اللّه) في مجلس الرجال ، وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسّة أصله من الكلام الخشن الموجع .

ص: 101


1- الأمالي للصدوق : ص140 المجلس الثلاثون ، إعلام الورى : ج1 ص471 .

وحملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها عليهم السلام أمامها على رؤوس الرماح طوال الطريق ، حتّى أُدخلوا دمشق على هذه الحالة وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرّنون بالحبال .

فهي عليهاالسلام وأمام كلّ هذه الأحداث لم تقف موقف المرأة التي استولى عليها الحزن العميق والتأثّر فملك مشاعرها ، فتكون أسيرة حزن ورهينة فجيعة ولم تقم بدورها المطلوب ، بل مثّلت دور البطولة في جهادها ، وثبتت أمام المكاره ثبوت الجبل أمام العواصف . إنّها (صلوات اللّه عليها) تحمّلت المصائب والنكبات طلبا لمرضاة اللّه ، وجهادا في سبيله ، وإعلاءً لكلمته ، بقولها : « اللهمّ تقبّل منّا هذا

القربان » .

فلقد بلغت السيّدة زينب في المجد غاية حدّها :

فلو كان النساء بمثل هذي * لفضّلت النساء على الرجال

ولا التأنيث لاسم الشمس عارٌ * ولا التذكير فخر للهلال

وفاتها وقبرها عليهاالسلام

وحان الأجل الموعود للقاء ربّ الملك والملكوت ، فأسلمت روحها الطاهرة لبارئها راضية بقضائه ، مرضية بجزيل عطائه ، منعّمة بجنّة لقائه ، والحشر مع أحبّائه وأوليائه ، عرجت روحها الزكيّة من دناءة الدنيا الفانية إلى سعادة الآخرة الأبدية بعد أن تجرّعت غصص الآلام والأحزان صابرة محتسبة .

القول المعروف بين أغلب المؤرخين أنّها لم تعش بعد استشهاد أخيها الحسين عليه السلام أكثر من سنة ونصف السنة ، وتاريخ وفاتها هو النصف من شهر رجب

ص: 102

عام 62 من الهجرة(1).

ومن الأقوال المشهورة عند الطائفة وأعلامها ، أنّ قبرها عليهاالسلام هو ما ارتفعت منائره في أرض دمشق الشام ، وهو اليوم قبلة للملايين من الزوّار على مدار السنة .

روي أنّه لمّا أصابت المجاعة أهل المدينة جاءت مع زوجها عبداللّه بن جعفر إلى الشام وأقاموا في قرية راوية بغوطة دمشق ليقوم عبداللّه بن جعفر فيما كان له من

القرى والمزارع خارج الشام حتّى تنقضي المجاعة ، وبعد فترة من الزمان مرضت العقيلة زينب عليهاالسلام وتوفّيت على إثر مرضها ودفنت في تلك المزرعة التي كان يملكها زوجها ، وهي الآن مكان مرقدها المطهّر المعروف في الشام(2).

ولكن الظاهر أنّ بني أُميّة قد نفوا السيّدة زينب عليهاالسلام من المدينة إلى هذه القرية من قرى الشام ، ثمّ دسّوا إليها السم فماتت مسمومة شهيدة كما سبق .

قال السيد الأمين رحمه الله تحت عنوان قبر السِّت الذي في راوية : يوجد في قرية تسمّى راوية على نحو فرسخ من دمشق إلى جهة الشرق قبر ومشهد يسمّى قبر السِّت ، ووجد على هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها : هذا قبر السيّدة زينب المكنّاة بأُمّ كلثوم بنت سيّدنا علي رضى الله عنه ، وليس فيها تاريخ ، وصورة خطّها تدلّ على أنّها كتبت بعد الستمائة من الهجرة ولا يثبت بمثلها شيء ، ومع مزيد التتبّع والفحص لم أجد من أشار إلى هذا القبر من المؤرخين سوى ابن جبير في رحلته وياقوت في معجمه وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وذلك يدلّ على وجود هذا القبر من زمان قديم واستشهاره(3).

ص: 103


1- أخبار الزينبيات للعبيدلي : ص30 .
2- الذريعة : ج24 ص114 ، ومراقد المعارف : ج1 ص327 .
3- انظر أعيان الشيعة : المجلّد السابع ، ج33 ص137 .

قال ابن جبير في رحلته التي كانت في أوائل المائة السابعة ، عند الكلام على دمشق ما لفظه :

ومن مشاهد أهل البيت (رضي اللّه عنهم) مشهد أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنهما) ، ويقال لها زينب الصغرى ، وأُمّ كلثوم كنية أوقعها عليها النبي صلى الله عليه و آله لشبهها بابنته أُمّ كلثوم (رضي اللّه عنها) واللّه أعلم بذلك . ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تعرف براوية على مقدار فرسخ ، وعليه مسجد كبير وخارجه مساكن وله أوقاف ، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر السِّت أُمّ كلثوم ، مشينا إليه وبتنا به وتبرّكنا برؤيته نفعنا اللّه بذلك(1).

وقال ياقوت الحموي المتوفّى سنة 622ه في معجم البلدان(2): راوية بلفظ راوية الماء ، قرية من غوطة دمشق بها قبر أُمّ كلثوم .

وقال ابن عساكر من أهل أوائل المائة الخامسة عند ذكر مساجد دمشق : مسجد راوية ، مسجد على قبر أُمّ كلثوم ، شيّده رجل قرقوبي من أهل حلب سنة 500ه ، وهو من أشهر جوامع دمشق(3).

وهناك تصريح لولي العصر (عجّل اللّه تعالى فرجه) بأنّ المدفونة بالشام هي عمّته زينب الكبرى عليهاالسلام على ما نقل العلماء عن آية اللّه العظمى السيد محمد حسن الشيرازي رحمه الله ، المتوفّى سنة 1312ه صاحب الكرامات ، وتصريح العلماء الأجلاّء ، بل قول الإمام عليه السلام حجّة قاطعة ولا يبعد لأجل دعوى الإجماع .

وزارت قبر زينب الكبرى ومرقدها في الشام السيدة نفيسة زوجة إسحاق

ص: 104


1- رحلة ابن جبير : ص253 .
2- معجم البلدان : ج3 ص20 .
3- تاريخ دمشق لابن عساكر : ج13 ص156 .

المؤتمن بن الإمام الصادق عليه السلام سنة 193ه ، كما ذكره مترجموا السيدة نفيسة المتوفّاة في القاهرة مصر سنة 208ه . وسيأتي بيان شرح أحوالها في ترجمة مفصّلة عند ذكر أولاد الإمام الصادق عليه السلام .

وأوّل من بنى على قبرها هو عبيداللّه بن السري بن الحكم أمير مصر ، وفي سنة 482ه المطابق 1089م أمر الخليفة الفاطمي المستنصر باللّه بتجديد الضريح .

قال أبو جعفر الحسين ، عن محمد بن يحيى العثماني قال : كنت بمصر حين قدمت زينب بنت يحيى بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام مع عمّتها السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

قال : وسألتها كم لك في خدمة عمّتك نفيسة ؟ قالت : أربعين سنة ، وماتت زينب بنت يحيى في القاهرة بمصر سنة 240ه .

وعندما زارت السيدة نفيسة مرقد إبراهيم الخليل النبي عليه السلام في الخليل سنة 193ه ، وكانت لزينب الكبرى عليهاالسلام مرقدها المعروف بمقام السيّدة زينب الملقّبة بأُمّ كلثوم بنت علي أبي طالب عليه السلام وزارت قبر فضّة خادمة فاطمة الزهراء عليهاالسلام(1).

وزار مرقد السيّدة زينب عليهاالسلام الرحّالة أبو بكر الهروي المتوفّى سنة 611ه وذكره في كتابه المعروف ب- (الإشارات إلى معرفة الزيارات) .

وزار أيضا مرقد زينب الكبرى عليهاالسلام ابن جبير المتوفّى سنة 614ه ، وذكر له أوقافا ومساكن خارج المشهد الزينبي عليهاالسلام في رحلته .

وزاره ابن بطوطة في سنة 770ه .

قال آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى اللّه درجاته) حول قبرها في كتابه (السيّدة زينب عالمة غير معلّمة) .

ص: 105


1- راجع كتاب كريمة الدارين لتوفيق أبو علم المصري : ص25 .

أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام

أُمّ كلثوم عليهاالسلام كانت من فواضل نساء عصرها ، ذات زهد وعبادة وبلاغة وشجاعة ، وكانت فهيمة جدّا ، وذات فصاحة ، جليلة القدر ، عظيمة المنزلة عند أهل البيت عليهم السلام . وقد كانت مع أخيها الحسين عليه السلام بكربلاء ، وكانت مع السجّاد عليه السلام في الشام ثمّ إلى المدينة .

وأُمّ كلثوم هذه كنية لزينب الصغرى ، وهي الرابعة من أولاد فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه و آله ، ولقد ولدت بعد زينب الكبرى في السابع من الهجرة ، فهي سلام اللّه عليها حفيدة الرسول صلى الله عليه و آله وبضعة البتول عليهاالسلام وهي شاركت أُختها زينب

الكبرى في جميع الأحداث والمصائب ، وهي التالية لشقيقتها فضلاً وسنا وفصاحةً وبلاغةً ، فهي سليلة النبوّة وكريمة الوحي .

نشأت أُمّ كلثوم في حجر الزهراء عليهاالسلام ، وتأدّبت بآداب أمير المؤمنين عليه السلام ونمت وترعرعت برعاية الحسن والحسين عليهماالسلام .

وتزوّجت السيّدة أُمّ كلثوم عليهاالسلام بابن عمّها عون بن جعفر ، وإنّها لم تتزوّج بغير ابن عمّها عملاً بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه و آله وهو : نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى أولاد علي وجعفر عليهماالسلام ، فقال بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا(1).

أمّا ما يقال من أنّ أُمّ كلثوم قد تزوّجها عمر بن الخطّاب فهو عار عن الصحّة . وبيان ذلك أنّ المؤرخين قد اتّفقوا على أنّ أُمّ كلثوم قد تزوّجها عون بن

جعفر ، أو أخوه محمد بن جعفر أوّلاً ، ثمّ عون ثانيا ، والاتّفاق في ذلك عن أئمّة الحديث المعتمدين حتّى عند العامّة ، كابن حجر في الإصابة ، وابن عبدالبرّ في الاستيعاب وغيرهما ممّن كتب في الصحابة ، أنّ عون بن جعفر قتل يوم (تستر)

ص: 106


1- راجع من لا يحضره الفقيه للصدوق : ج3 ص248 ح4 ، باب114 ، باب الأكفاء .

ويوم تستر لا كلام أنّه في خلافة عمر بن الخطّاب ، وفيه أُسر الهرمزان ومات عمر بعد يوم (تستر) بسبع سنين فكيف تزوّج بها عون بعد عمر !

والحقيقة أنّ أُمّ كلثوم لم يتزوّجها غير ابن عمّها عون بن جعفر حتّى قتل عنها بكربلاء على ما صرّح به السيد الداودي في عمدة الطالب ، والمسعودي في مروج الذهب ، والدرّ المنثور في طبقات ربّات الخدور ، وكان له من العمر يوم قتل على ما قيل ستة وخمسون سنة ، وكانت أُمّ كلثوم معه بالطف ، وتوفّيت بالمدينة بعد رجوعها مع السبايا من الشام ، وكانت مدّة مكثها في المدينة أربعة أشهر وعشرة أيّام . وهذه الرواية هي المعوّل عليها عند المؤرخين .

ثمّ إنّ الشيخ المفيد والسيد الشريف المرتضى (قدّست أسرارهما) وهما من أجلاّء علمائنا القدامى قد نفيا أنّ عمر تزوّجها .

قال الشيخ المفيد في جواب المسألة العاشرة من المسائل السروية لمّا سأله السائل عن حكم ذلك الزواج - وكلامه الفصل - وهذا نصّه :

إنّ الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين علي عليه السلام ابنته من عمر غير ثابت ، وهو من طريق الزبير ابن بكّار ، وطريقه معروف لم يكن موثوقا به في النقل ، وكان متّهما فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام وغير مأمون فيما يدّعيه عنه على بني هاشم .

كما روى الحديث نفسه مختلفا ، فتارةً يروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تولّى ذلك ، وتارة يروي أنّ العبّاس تولّى العقد عنه ، وتارةً يروي أنّه لم يقع العقد إلاّ بعد وعيد

من عمر وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروي أنّه من اختيار وإيثار . وكثرة الاختلاف يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على حال . انتهى كلامه قدس سره .

دفاعها عن أبيها أمير المؤمنين عليه السلام

لمّا سارت عائشة إلى البصرة معلنة الحرب على الإمام علي عليه السلام وسار علي

ص: 107

(سلام اللّه عليه) لقطع الفتنة التي حلّت بالأُمّة من جرّاء نقض عائشة للبيعة ومعها طلحة والزبير ، ونزل في ذي قار ، كتبت عائشة لحفصة كتابا تخبرها بذلك وتسرّها بالنصر المزعوم :

أمّا بعد ، فإنّي أُخبرك أنّ عليا قد نزل ذي قار ، وأقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدّتنا وجماعتنا ، فهو بمنزلة الأشقر إن تقدّم عقر ، وإن تأخّر نُحر .

فدعت حفصة جواري لها يتغنّين ويضربن بالدفوف ، فأمرتهنّ أن يقلن في غنائهنّ : ما الخبر ما الخبر ، علي في السفر ، كالفرس الأشقر ، إن تقدّم عقر ، وإن تأخّر نحر ، وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء .

فبلغ أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فلبست جلابيبها ، ودخلت عليهنّ في نسوة متنكّرات ، ثمّ أسفرت عن وجه ها ، فلمّا عرفتها حفصة خجلت واسترجعت .

فقالت أُمّ كلثوم : لئن ظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل ، فأنزل اللّه فيكما ما أنزل(1). فقالت حفصة : كفى رحمك اللّه ، وأمرت بالكتاب فمزّق واستغفرت اللّه (2).

حضورها عليهاالسلام في واقعة الطفّ

لقد حضرت أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليها) أرض كربلاء ، وشاهدت واقعة الطفّ ، وكلّ ما جرى على اخوتها وأبنائهم وأنصارهم ، إذا هي شريكة الحسين عليه السلام في أداء الرسالة المحمّدية ، وشريكة أُختها العقيلة زينب بنت علي عليهماالسلام ، وإن كانت أُمّ كلثوم أصغر من زينب ، إلاّ أنّ التاريخ يحدّثنا

ص: 108


1- إشارة إلى قوله تعالى : «وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه َ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» .
2- راجع الجمل للمفيد : ص149 ، وسفينة البحار : ج1 ص285 ، وجمهرة الوسائل : ج1 ص377 .

عن مواقف بطولية وقفتها أُمّ كلثوم عليهاالسلام ، شأنها شأن أُختها العقيلة . فبالإضافة إلى خطبتها المشهورة سجّل لنا التاريخ اسمها في وقائع متعدّدة :

1 - في وداع الحسين عليه السلام للعائلة ، حيث جعلت أُمّ كلثوم تنادي :

وا أحمداه ، وا عليّاه ، وا أُمّاه ، وا أخاه ، وا حسيناه ، وا ضيعتنا بعدك ياأبا عبداللّه ، فعزّاها الحسين عليه السلام وقال لها : ياأُختاه ، تعزّي بعزاء اللّه ، فإنّ سكّان السماوات يفنون ، وأهل الأرض كلّهم يموتون وجميع البرية يهلكون .

ثمّ قال عليه السلام : ياأُختاه ياأُمّ كلثوم ، وأنت يازينب ، وأنت يافاطمة ، وأنت يارباب ، انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا ، ولا تخمشن عليّ وجها ، ولا تقلن هجرا(1).

2 - وفي استغاثات الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، وعزم الإمام زين العابدين عليه السلام على الجهاد ، فأخذ بيده عصا يتوكّأ عليها ، وسيفا يجرّه في الأرض ، فخرج من الخيام ، وخرجت أُمّ كلثوم خلفه تنادي : يابني ارجع وهو يقول : ياعمّتاه ، ذريني أُقاتل بين يدي ابن رسول اللّه ، فقال الحسين عليه السلام : ياأُمّ كلثوم خذيه ، لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد عليهم السلام ، فأرجعته أُمّ كلثوم(2).

3 - إنّ الحسين عليه السلام لمّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى ، التفت إلى الخيمة ونادى : ياسكينة ، يافاطمة ، يازينب ، ياأُمّ كلثوم ، عليكنّ منّي

السلام(3).

4 - وبعد مصرع الحسين عليه السلام أقبل فرسه إلى الخيام ، ووضعت أُمّ كلثوم يدها

ص: 109


1- انظر اللهوف لابن طاووس : ص32 .
2- الخصائص الحسينية : ص187 .
3- نفس المهموم : ص346 .

على رأسها ، ونادت : وا محمّداه ، وا جدّاه ، وا أبتاه ، وا أبا القاسماه ، وا عليّاه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، ثمّ غشي عليها(1).

5 - وعند دخول السبايا مدينة الكوفة وبتلك الحالة المزرية التي يحدّثنا بها التاريخ ، كانت أُمّ كلثوم عليهاالسلام تنظر إلى ذلك وقد اشتدّ بها الوجد ، وأمضّ بها المصاب ، وزاد في وجدها أن ترى أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم : ياأهل الكوفة ، إنّ الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض ، والناس يبكون على ما أصابهم .

ثمّ إنّ أُمّ كلثوم عليهاالسلام أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم : صه ياأهل الكوفة ، تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم ! والحاكم بيننا وبينكم اللّه يوم فصل القضاء(2).

6 - عندما سار القوم برأس الحسين عليه السلام والأُسراء من رجاله ، فلمّا قربوا من دمشق دنت أُمّ كلثوم عليهاالسلام من شمر وكان من جملتهم ، فقالت له : لي إليك حاجة . فقال : ما حاجتك ؟ قالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظّارة ، ونقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذا الحال . فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتّى أتى بهم باب دمشق ، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام

ص: 110


1- مقتل الحسين للخوارزمي : ج2 ص37 ، ذريعة النجاة : ص150 .
2- نفس المهموم : ص213 .

السبي(1).

خطبتها عليهاالسلام في الكوفة

لا شكّ ولا ريب أنّ الدور التبليغي الذي قامت به بنات الرسالة بعد مصرع الحسين عليه السلام كان له أكبر الأثر في توعية الناس وتعريفهم بحقيقة الأمر ، وبأنّهم آل الرسول عليهم السلام لا خوارج كما ادّعى يزيد ، ومن اللواتي قمن بهذا الدور البطولي هي أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهماالسلام . خطبت أُمّ كلثوم من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت : ياأهل الكوفة ، سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبّا لكم وسحقا . ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم ؟ وأي وزر على ظهوركم حملتم ؟ وأي دماء سفكتموها ؟ وأي كريمة أصبتموها ؟ وأيّ صبية سلبتموها ؟ وأي أموال انتهبتموها ؟

قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه و آله ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب اللّه هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ، ثمّ قالت :

قتلتم أخي ظلما فويل لأُمّكم * ستجزون نارا حرّها يتوقّد

سفكتم دماء حرّم اللّه سفكها * وحرّمها القرآن ثمّ محمّد

ألا فابشروا بالنار أنّكم غدا * لفي سقر حقّا يقينا تخلدُوا

وإنّي لأبكي في حياتي على أخي * على خير من بعده ليس يوجدُ(2)

بدمع غزير مستهلّ مكفكفعلى الخدّ منّي دائما ليس يجمد

ص: 111


1- انظر اللهوف لابن طاووس : ص174 .
2- الشطر الثاني كما في نور العين في مشهد الحسين للاسفرائيني : ص56 ولكن في الكثير من المصادر هكذا على خير من بعد النبي سيولد والأصحّ كما نقلناه في المتن .

فضجّ الناس بالبكاء والنوح ، ونشرت النساء شعورهنّ ، ووضعت التراب على رؤوسهنّ ، وخمشن وجوههنّ ، وضربن خدودهنّ ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ، ونتفوا لحاهم ، فلم ير باك ولا باكية أكثر من ذلك اليوم(1).

وتوفّيت السيّدة أُمّ كلثوم عليهاالسلام بعد رجوع أهل البيت عليهم السلام من الشام إلى المدينة بأربعة أشهر(2).

سكينة بنت الإمام علي عليهماالسلام

سكينة بنت الإمام علي عليهماالسلام ، هي الثالثة من بنات الزهراء عليهاالسلام .

تدلّ الأحاديث التالية على وجود ابنة ثالثة للإمام علي عليه السلام من السيّدة الزهراء عليهاالسلام اسمها سكينة :

1 - الحسن بن محمد الطوسي في (الأمالي) عن أبيه ، عن الحفّار ، عن إسماعيل بن علي أخي دعبل ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن الحسين عليه السلام ، قال : أدخل على أُختي (سكينة بنت علي) خادم فغطّت رأسها منه ، فقيل لها ، إنّه خادم ، فقالت : هو رجل منع من شهوته(3).

2 - ... فقال علي عليه السلام : واللّه لقد أخذت في أمرها - يعني فاطمة (سلام اللّه عليها) - وغسلتها في قميصها ، ولم أكشفه عنها ، فواللّه لقد كانت طاهرة مطهّرة ميمونة . ثمّ حنّطتُها من فضلة حنوط رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها ، فلمّا هممت أن أعقد الرداء ناديت : ياأُمّ كلثوم ، يازينب ، (ياسكينة) ، يافضّة ،

ص: 112


1- انظر اللهوف لابن طاووس : ص65 .
2- رياحين الشريعة : ج3 ص33 .
3- وسائل الشيعة : ج14 ص167 .

ياحسن ، ياحسين ، هلمّوا تزوّدوا من أُمّكم(1).

3 - وعن كتاب (دلائل الإمامة) للطبري ، عن الحسين بن إبراهيم القمّي ، عن علي بن محمد العسكري ، عن صعصعة بن ناجية ، عن زيد بن موسى ، عن أبيه ، عن عمّه زيد بن علي ، عن أبيه ، عن (سكينة) وزينب بنتي علي ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنّ فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية ، وإنّ بنات الأنبياء لا تحيض »(2).

يدلّ الحديثان الأوّل والثالث ضمنا على جلالة السيّدة سكينة وعلوّ مكانتها في بيتها وعند أعرف الناس بها .

وعلى أنّها كانت عندهم ممّن تؤخذ عنها الأحكام ، وممّن يصحّ الاستشهاد بقولها .

بدليل أنّ الإمام الحسين عليه السلام وهو الإمام المعصوم ، يروي عنها الحكم بوجوب الستر على المرأة المكلّفة بحضور خادمها حتّى لو كان خصيّا .

ومن المعلوم أنّ المعصوم لا يحتاج في قوله إلى سند ، فكأنّ من قصد الإمام في نقل الخبر عن أُخته ، التنويه بما لها من مقام خاصّ .

وقبرها هو في قرية (داريا) من ضواحي دمشق ، فعلى بعد الشقّة وطول الزمان ما يزال أهل بلدة داريا يحفظون لقبر متواضع فيها أنّه المثوى الأخير للسيدة سكينة بنت علي عليه السلام .

رقيّة بنت الإمام علي عليه السلام

وهي أُخت عمر الأطرف ، وهما توأمان ، وأُمّهما الصهباء التغلبية ، تكنّى أُمّ

ص: 113


1- بحار الأنوار : ج43 ص179 .
2- مستدرك الوسائل : ج1 ص76 .

حبيب بنت عبّاد بن ربيعة بن يحيى ، من سبي اليمامة أو سبي عين التمر ، اشتراها أمير المؤمنين عليه السلام بأربعين دينارا ، فأولدها عمرا ورقية .

كما ذكر ذلك المؤرخ المسعودي في مروج الذهب عند ذكر أولاد الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام(1).

وقد تزوّجت رقية بمسلم بن عقيل بن أبي طالب فولدت له عبداللّه وعليا(2).

وقتل ولدها عبداللّه بن مسلم يوم كربلاء(3)، وكانت هي مع نساء الحسين عليه السلام في كربلاء ، حيث قتل زوجها مسلم بن عقيل بالكوفة حينما بعثه الحسين عليه السلام رسولاً إلى الكوفة يوم الثامن من ذي الحجّة سنة 60ه ، وهو أوّل من قتل من أصحاب الحسين عليه السلام .

وفي معجم البلدان عند ذكر المشاهد والمزارات بالقاهرة ، قال : وبين مصر والقاهرة مشهد فيه قبر رقيّة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام(4).

فاطمة بنت الإمام علي عليه السلام

راوية من راويات الحديث ، روت عن أبيها ، وقيل : لم تسمع منه(5)، وروت عن أخيها محمد بن الحنفية وأسماء بنت عميس .

وروى عنها الحارث بن كعب الكوفي ، والحكم بن عبدالرحمن بن أبي نعيم ،

ص: 114


1- مروج الذهب : ج2 ص92 .
2- انظر المعارف لابن قتيبة : ص88 .
3- مقاتل الطالبيين : ص98 .
4- معجم البلدان : ج5 ص142 .
5- طبقات ابن سعد : ج8 ص465 ، وتقريب التهذيب : ص751 ح8654 .

ورزين بيّاع الأنماط ، وعروة بن عبداللّه بن قشير ، وعيسى بن عثمان ، وموسى الجهني ، ونافع بن أبي نعيم القاري ، وروى لها النسائي قال :

أخبرنا أحمد بن سليمان ، حدّثنا جعفر بن عون ، عن موسى الجهني قال : أدركت فاطمة بنت علي عليه السلام وهي بنت ثمانين سنة ، فقلت لها : تحفظين عن أبيك شيئا ؟ قالت : لا ، ولكنّي سمعت أسماء بنت عميس ، أنّها سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « ياعلي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي »(1).

وكانت هي مع النساء في كربلاء ، وقدم بها دمشق في عيال الحسين عليه السلام بعد قتله ، وتوفّيت سنة 117ه .

رقيّة الصغرى بنت أمير المؤمنين علي عليه السلام

رقيّة الصغرى بنت أمير المؤمنين علي عليه السلام ، أُمّها أُمّ ولد ، تكنّى أُمّ خديجة ، كانت للصلت بن عبداللّه بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب .

لا عقب له ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في الإرشاد(2)، والطبرسي في إعلام

الورى(3).

أُمّ هاني بنت الإمام علي عليه السلام

أُمّ هاني بنت سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وزوجها عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، الشهيد بأرض الطفّ يوم عاشوراء مع سيّده ومولاه أبي عبداللّه الحسين عليه السلام .

حضرت مع زوجها في كربلاء ورأت ما جرى على أخيها وزوجها وبقيّة

ص: 115


1- أعيان الشيعة : المجلّد الثامن ، ج42 ص390 .
2- الإرشاد : ج1 ص355 .
3- إعلام الورى : ج1 ص397 .

الشهداء من آل البيت عليهم السلام وأنصارهم ، وصبرت محتسبة ذلك في سبيل اللّه ، فجزاها اللّه خير الجزاء ، وأسكنها مع أبيها وبعلها وأخيها جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار(1)

أُمّ الحسن ورملة بنتا الإمام علي عليه السلام

أُمّ الحسن ورملة من بنات أمير المؤمنين عليه السلام ، وأُمّهما أُمّ سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية(2).

وزوج أُمّ الحسن جعدة بن أبي هبيرة بن أبي وهب المخزومي ابن أُمّ هاني أُخت أمير المؤمنين عليه السلام . وكان جعدة من خواص شيعة الإمام علي عليه السلام ، وبعد وفاته تزوّجها جعفر بن عقيل الشهيد بأرض الطف في كربلاء ، ولا يعلم هل كانت أُمّ الحسن حاضرة مع زوجها في كربلاء أم لا(3)؟

ص: 116


1- الذريعة في تصانيف الشيعة : مجلد 9 ج1 ص96 ، رقم 587 .
2- أعيان الشيعة : ج7 ص36 ، مروج الذهب : ج3 ص26 .
3- رياحين الشريعة : ج3 ص375 .

الباب الثاني: أولاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

اشارة

ص: 117

ص: 118

نبذة عن حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

نسبه عليه السلام :

هو الإمام الحسن بن الإمام علي عليهماالسلام بن أبي طالب ، وهو السبط الأوّل ، والإمام الثاني بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام(1).

أُمّه : فاطمة الزهراء عليهاالسلام بنت محمّد سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله(2)، ولدت عليهاالسلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه و آله ، وكان بعد مبعثه بخمس سنين كما روي عن الصادقين عليهماالسلام(3). تزوّجها علي بن أبي

طالب عليه السلام سنة اثنين للهجرة بعد وقعة بدر ، فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وزينب وأُمّ كلثوم ، ولم يتزوّج عليها الإمام علي عليه السلام إلاّ بعد وفاتها ، وتوفّيت في الثالث من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة ، على المشهور بين أصحابنا ، وهو المروي عن الإمام الصادق عليه السلام(4).

وروي عن الصادق عليه السلام : « أنّ لفاطمة تسعة أسماء : فاطمة ، والصدّيقة ،

ص: 119


1- الإرشاد : ج1 ص5 ، إعلام الورى : ج1 ص403 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص28 ، طبقات ابن سعد : ج1 ص11 ، مقاتل الطالبيين : ص57 ، مروج الذهب : ج3 ص181 ، حلية الأولياء : ج2 ص35 .
2- طبقات ابن سعد : ج8 ص19 ، حلية الأولياء : ج2 ص39 ، مجمع الزوائد : ج9 ص201 .
3- الأنوار البهيّة : ص43 ، إعلام الورى : ج1 ص305 .
4- دلائل الإمام للطبري : ص45 ، وعنه بحار الأنوار : ج43 ص170 صدر ح11 .

والمباركة ، والطاهرة ، والزكيّة ، والرضيّة ، والمرضية ، والمحدّثة ، والزهراء »(1).

وكانت تكنّى أُمّ أبيها ، وكانت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أشبه الناس وجها برسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).

وقال النبي صلى الله عليه و آله : « إنّما سمّيت ابنتي فاطمة ، لأنّ اللّه سبحانه فطمها وفطم من أحبّها من النار »(3).

وعن عائشة أنّها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول اللّه صلى الله عليه و آله من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها ورحّب بها ، وأخذ

بيدها فأجلسها في مجلسه(4).

وكان الحسن عليه السلام أوّل أولادها .

ففي رواية جابر عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « إنّ كلّ بني أُمّ ينتمون إلى أبيهم إلاّ أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم »(5).

ولادته وتسميته عليه السلام :

ولد الإمام الحسن عليه السلام ليلة الثلاثاء في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، السنة الثالثة للهجرة في المدينة المنوّرة، وقد سمّاه اللّه سبحانه وتعالى الحسن.

فقد ورد في الروايات أنّ جبرائيل عليه السلام هبط على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وطلب من

ص: 120


1- أمالي الصدوق : ص474 ، الخصال : ج2 ص414 ، تاج المواليد : ص79 .
2- كشف الغمّة : ج1 ص325 .
3- ألقاب الرسول وعترته : ص180 .
4- الاستيعاب : ج4 ص1893 ، أُسد الغابة : ج7 ص220 ، سير النبلاء : ج8 ص171 .
5- أخرجها المتّقي الهندي في كنز العمّال : ج12 ص98 ، والسيوطي في إحياء الميّت : ص29 ، والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام : ج1 ص18 .

الرسول صلى الله عليه و آله تسميته ب- (شبّر) فقال صلى الله عليه و آله : لساني عربي ، فقال جبرائيل : سمّه الحسن(1).

ويوم ولادته عليه السلام أذّن الرسول صلى الله عليه و آله في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وفي اليوم السابع عقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنه بكبشين أملحين ، وحلق شعر رأسه وتصدّق

بوزنه ورقا(2).

والحسن والحسين إسمان من أسامي أهل الجنّة ولم يكونا في الدنيا .

وقال النبي صلى الله عليه و آله : « سمّي الحسن حسنا لأنّ بإحسان اللّه قامت السماوات والأرضون ، واشتقّ الحسين من الحسن ، وعلي والحسن من أسماء اللّه ، والحسين تصغير الحسن »(3).

وعن النبي صلى الله عليه و آله قال : « أُمرت أن أُسمّي ابني هذين حسنا وحسينا »(4).

وإنّ اللّه حجب اسم الحسن والحسين حتّى سمّي بها النبي صلى الله عليه و آله ابنيه .

وقال النبي صلى الله عليه و آله : « هما ريحانتاي من الدنيا ، يعني الحسن والحسين »(5).

صفاته عليه السلام :

كان الإمام الحسن عليه السلام أبيض مشربا بالحمرة ، أدعج العينين ، سهل الخدّين ، رقيق المشربة ، كثّ اللحية ، ذا وفرة ، كأنّ عنقه إبريق فضّة ، عظيم

ص: 121


1- انظر المستجار للحلّي : ص281 ، تاريخ المواليد للطبرسي : ص81 . علل الشرائع : ج1 ص137 ح5 ، أمالي الصدوق : ص116 ح3 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص25 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص24 ح5 ، معاني الأخبار : ص57 ح6 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص28 .
4- كشف الغمّة : ج1 ص525 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص30 .
5- تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص149 .

الكراديس(1)، بعيد ما بين المنكبين ، ربعة ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، من أحسن الناس وجها ، وكان جعد الشعر ، حسن البدن(2).

كنيته وألقابه عليه السلام :

كنية الإمام الحسن

عليه السلام : أبو محمّد(3).

وأمّا ألقابه فكثيرة ، منها : التقي ، الطيّب ، الزكي ، السيّد ، الوزير ، القائم ، الحجّة ، السبط ، الوليّ ... كلّ ذلك كان يقال له ويطلق عليه ، وأكثر هذه الألقاب شهرة : التقي ، لكن أعلاها رتبة وأولاها به ما لقّبه به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخصّه به وهو السيّد(4).

فضائله عليه السلام :

كان من كبار الأجواد ، وله الخاطر الوقّاد ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحبّه حبّا شديدا ، وكان عاقلاً حليما ، محبّا للخير ، وكان أكثر الأسباط شبها بجدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله واضعا الحسن على عاتقه وهو يقول : « اللهمّ إنّي أُحبّه فأحبّه » ، وفي رواية : « فأحبّ من يحبّه »(5).

وكان الحسن عليه السلام أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله خلقا وسؤددا وهديا .

ص: 122


1- الكراديس : مفردها الكردوس ، وهو عظم تامّ ضخم .
2- ذخائر العقبى : ص98 ، أعيان الشيعة : ج2 ص125 .
3- انظر الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص5 ، كشف الغمّة : ج1 ص518 ، تاريخ الأئمّة للبغدادي : ص24 .
4- تاريخ مواليد الأئمّة لابن الخشّاب : ص130 ، كشف الغمّة : ج1 ص519 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص30 .
5- تذكرة الخواص : ص194 ، نور الأبصار : ص193 ، إسعاف الراغبين : ص193 .

وعن أنس بن مالك قال : لم يكن أحد أشبه برسول اللّه صلى الله عليه و آله من الحسن بن علي عليهماالسلام(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ الحسن ابني أشبه برسول اللّه صلى الله عليه و آله ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أسفل من ذلك »(2).

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « أمّا الحسن فإنّ له هديي وسؤددي ، وأمّا الحسين فإنّ له جودي وشجاعتي »(3).

وكان الإمام الحسن عليه السلام يقول : « إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته » فمشى عشرين حجّة(4).

وذكر ابن سعد في (الطبقات) : أنّه حجّ خمسة عشر حجّة ماشيا ، وأنّه قاسم اللّه ماله ثلاث مرّات حتّى كان يعطي نعلاً ويمسك نعلاً ، ويعطي خفّا ويمسك خفّا ، ولم يقل لسائل قطّ لا ، وكان لا يأنس به أحد فيدعه حتّى يحتاج إلى غيره . واشترى حائطا من قوم من الأنصار بأربعمائة الف فبلغه أنّهم احتاجوا ما في أيدي الناس فردّه إليهم ، ومرّ الإمام عليه السلام بصبيان يأكلون كسرا من الخبز فاستضافوه فنزل وأكل معهم ثمّ حملهم إلى منزله وأطعمهم أنواعا وكساهم ، وقال عليه السلام : اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد كثيرا ممّا أعطيناهم ، وسمع رجلاً يسأل

ص: 123


1- الإرشاد : ج2 ص6 ، إعلام الورى : ج1 ص413 ، صحيح البخاري : ج3 ص1370 ح3542 .
2- تذكرة الخواص : ص195 ، إعلام الورى : ج1 ص413 .
3- راجع الخصال : ص77 ، وتاريخ دمشق : ص123 ترجمة الإمام الحسن ، والإصابة : ج4 ص316 ، وكفاية الطالب : ص424 ، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج1 ص105 .
4- حلية الأولياء : ج2 ص35 ، إسعاف الراغبين : ص195 ، تذكرة الخواص : ص196 .

ربّه عزّوجلّ عشرة آلاف درهم فبعث بها إليه(1).

وقيل للإمام الحسن عليه السلام : لأي شيء تراك لا تردّ سائلاً وإن كنت على فاقة ؟ فقال عليه السلام : إنّي للّه سائل وفيه راغب ، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً ، وإنّ اللّه عوّدني عادة ، عوّدني أن يفيض نعمه عليّ ، وعوّدته أن أُفيض نعمه على الناس ، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة(2).

معالم من حياته عليه السلام :

خاض الإمام الحسن عليه السلام مع أبيه الإمام علي عليه السلام حروبه الثلاثة : الجمل ، صفّين ، النهروان . وبعد وفاة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام تسلّم الإمامة من بعده ، وقد بويع له بالخلافة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40ه(3).

وكان من أبرز معالم حياته صلحه مع معاوية بن أبي سفيان في النصف من جمادى الأُولى سنة 41ه(4) بعد أن لمس وهن أصحابه وتفكّك جيشه ، وانحياز معظم قادته لجانب معاوية ، وقد ذكرت كتب التاريخ بنود الصلح ، لكن معاوية بن أبي سفيان أخلّ بوعده الالتزام بها ، ولم يعمل بأي من هذه البنود .

وكانت مدّة إمامته عليه السلام عشر سنين(5).

ص: 124


1- راجع الطبقات لابن سعد : ج1 ص11 ، وحلية الأولياء لأبي نعيم : ج2 ص36 ، وصفوة الصفوة : ج1 ص319 ، وإسعاف الراغبين : ص196 .
2- انظر نور الأبصار للشبلنجي : ص135 .
3- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص9 .
4- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص30 ، إعلام الورى : ج1 ص402 .
5- تاريخ مواليد الأئمّة ووفيّاتهم : ص130 .

وقام بالأمر بعد أبيه عليه السلام وله سبع وثلاثون سنة(1).

وكان بوّابه عليه السلام سفينة (مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله) .

وكاتبه عليه السلام : عبداللّه بن أبي رافع .

ونقش خاتمه عليه السلام : العزّة للّه (2).

إمامته عليه السلام :

وكان الحسن بن علي عليه السلام وصيّ أبيه أمير المؤمنين عليه السلام على أهله وولده وأصحابه ، ووصّاه بالنظر في وقوفه وصدقاته ، وكتب إليه عهدا مشهورا ، ووصيّته ظاهرة في معالم الدين وعيون الحكمة والآداب ، وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء .

وخطب الحسن بن علي عليه السلام في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله ثمّ قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ولا يلحقه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقيه بنفسه ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوجّهه برايته ، فيكتنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه ، ولقد توفّي عليه السلام في الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم عليه السلام ، وفيها قبض يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ، ثمّ خنقته العبرة فبكى عليه السلام وبكى الناس معه - ثمّ قال : - أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا من أهل بيت أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، أنا من أهل بيت

ص: 125


1- إعلام الورى : ج1 ص402 .
2- الكافي : ج6 ص674 ح8 ، وأعيان الشيعة : ج2 ص127 ، ومصباح الكفعمي : ص522 .

افترض اللّه حبّهم في كتابه ، فقال اللّه تعالى : «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا»(1)، فالحسنة مودّتنا أهل البيت(2). ثمّ قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته ، فاستجابوا له الناس وقالوا : ما أحبّه إلينا وأوجب حقّه علينا ، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة(3).

وفاته عليه السلام :

توفّي الإمام الحسن عليه السلام مسموما شهيدا بسمّ بعثه معاوية بن أبي سفيان .

فمن الأخبار التي جاءت بسبب وفاة الحسن بن علي عليه السلام ما رواه عيسى بن مهران ، عن مغيرة قال : لمّا تمّت لمعاوية عشر سنين من إمارته ، وعزم على البيعة لابنه يزيد ، أرسل إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس إنّي مزوّجك ابني يزيد ، على أن تسمّي الحسن ، وبعث إليها مائة الف درهم ، ففعلت وسمّت الحسن عليه السلام فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد ، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها ، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا : يابني مسمّة الأزواج .

وكان وفاة الإمام الحسن عليه السلام في السابع من شهر صفر وقيل في 28 صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة ، وكانت خلافته عشر سنين .

وقد جهّزه سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وغسّله وكفّنه ، وصلّى عليه ودفنه في البقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بوصيّة منه عليه السلام(4) وجلس

ص: 126


1- سورة الشورى : الآية 23 .
2- انظر المستجار من كتاب الإرشاد : ص282 .
3- مقاتل الطالبيين : ص62 .
4- الإرشاد : ج2 ص19 ، إعلام الورى : ج1 ص403 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص42 .

عند قبره وصار يقرأ هذه الأبيات :

أأدهن رأسي أم أُطيّب محاسني * ورأسك معفور وأنت تريب

بكائي طويل والدموع غزيرة * وأنت بعيد والمزار قريب

وليس حريبا من أُصيب بماله * ولكن من وارى أخاه حريب

غريب وأطراف البيوت تحوطه * ألا كلّ من تحت التراب غريب(1)

ص: 127


1- المقتل للخوارزمي : ج1 ص142 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص51 ، عوالم العلوم والمعارف ، الإمام الحسين عليه السلام : ص229 ، ديوان أهل البيت عليهم السلام للمؤلّف : ص362 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

أولاد الحسن بن علي عليه السلام خمسة عشر(1) ولدا ذكرا وأُنثى :

زيد بن الحسن وأُختاه أُمّ الحسن وأُمّ الحسين ، أُمّهم أُمّ بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية .

والحسن بن الحسن أُمّه ، خولة بنت منظور الفزارية .

وعمرو بن الحسن ، وأخواه القاسم وعبداللّه ابنا الحسن ، أُمّهم أُمّ ولد ، قتلوا مع الحسين عليه السلام بكربلاء .

وقيل : قتلا وأُسر عمرو إلى مجلس يزيد .

وعبدالرحمن بن الحسن ، أُمّه أُمّ ولد .

والحسين بن الحسن الملقّب بالأثرم ، وأخوه طلحة بن الحسن ، وأُختهما فاطمة بنت الحسن ، أُمّهم أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه التيمي .

وأُمّ عبداللّه وفاطمة وأُمّ سلمة ورقيّة ، بنات الحسن عليه السلام لأُمّهات أولاد

ص: 128


1- اختلف البعض في ذكر عدد أولاده عليه السلام ، حيث عدّهم الشيخ المفيد بخمسة عشر دون ذكر لأبي بكر ، وفي إعلام الورى حيث عدّهم الشيخ الطبرسي بستّة عشر وزاد فيهم أبو بكر بأنّه قتل مع الحسين عليه السلاموهو غير عبداللّه المتقدّم عليه .

شتّى(1).

وأعقب من ولد الحسن عليه السلام أربعة : زيد ، والحسن المثنّى ، والحسين الأثرم ، وعمرو ، إلاّ أنّ الحسين الأثرم وعمرو انقرضا سريعا ، وبقي عقب الحسن من رجلين لا غير : زيد والحسن المثنى(2).

وأمّا عمرو والقاسم وعبداللّه ، فإنّهم استشهدوا بين يدي عمّهم الحسين عليه السلام(3)، لكن الظاهر من كتب المقاتل والتواريخ هو شهادة القاسم وعبداللّه ، أمّا عمرو بن الحسن فإنّه لم يقتل ، بل أُسر مع أهل البيت عليهم السلام وحضر في مجلس يزيد بالشام .

وفي المناقب لابن شهر آشوب : وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاد الإمام الحسن عليه السلام عبداللّه والقاسم وأبو بكر(4).

واعلم أنّه قد استشهد في كربلاء من أولاد الحسن عليه السلام غير هؤلاء الثلاثة المذكورين وغير الحسن المثنّى وهم : عبداللّه الأصغر ، وأحمد بن الحسن الذي ذكر مقتله في بعض كتب المقاتل بإطناب(5).

أمّا زوجاته عليه السلام فقد تزوّج عدّة نساء هنّ :

ص: 129


1- الإرشاد : ج2 ص20 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص201 ، عمدة الطالب : ص87 ، إعلام الورى : ج1 ص416 .
2- عمدة الطالب : ص89 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص202 ، تهذيب الأنساب : ص32 .
3- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص32 .
4- المناقب : ج4 ص30 .
5- مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : ص264 .

هند بنت سهيل بن عمرو ، حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر ، خولة بنت منظور بن زياد الفزارية ، أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبداللّه ، أُمّ بشر بنت أبي مسعود الأنصاري ، جعدة بنت الأشعث ، وامرأة من بنات علقمة بن زرارة ، وامرأة من بني شيبان من آل همام بن مرّة(1).

ص: 130


1- أعيان الشيعة : ج4 ص8 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

زيد بن الحسن

وهو أوّل أولاد الإمام الحسن عليه السلام ، وكان زيد يكنّى أبا الحسن ، فكان يلي صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأسنّ بني الحسن ، وكان جليل القدر ، كريم الطبع ، ظريف النفس ، كثير البرّ ، ومدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله .

وذكر أصحاب السيرة أنّ زيد بن الحسن كان يلي صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا ولي سليمان بن عبدالملك كتب إلى عاملة بالمدينة : (أمّا بعد فإذا جاءك كتابي هذا فاعزل زيدا عن صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وادفعها إلى فلان بن فلان - رجل من قومه - وأعنه على ما استعانك عليه والسلام) .

فلمّا استخلف عمر بن عبدالعزيز إذا كتاب قد جاء منه : (أمّا بعد فإنّ زيد بن الحسن شريف بني هاشم وذو سنّهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فاردد عليه صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأعنه على ما استعانك عليه والسلام)(1).

فتولّى زيد الصدقات مرّة أُخرى .

ومات زيد بن الحسن وله تسعون سنة ، فرثاه جماعة من الشعراء وذكروا مآثره وفضله ، فممّن رثاه قدامة بن موسى ، فقال :

ص: 131


1- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص21 ، وإعلام الورى للطبرسي : ج1 ص417 .

فإن يك زيد غالت الأرض شخصه

فقد بان معروف هناك وجود

وخرج زيد بن الحسن من الدنيا ، ولم يدّع الإمامة ، ولا ادّعاها له مدّع من الشيعة ولا غيرهم ، وذلك لأنّ الشيعة رجلان إمامي وزيدي ، فالإمامي يعتمد في الإمامة على النصوص ، وهي معدومة في ولد الحسن عليه السلام باتّفاق منهم ولم يدّع ذلك أحد منهم لنفسه فيقع فيه ارتياب .

والزيدي يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسين عليهم السلام الدعوة والجهاد ، وزيد بن الحسن كان مسالما لبني أُميّة ومتقلّدا من قبلهم الأعمال ، وكان

رأيه التقيّة لأعدائه والتآلف لهم والمداراة ، وهذا يضادّ عند الزيدية علامات الإمامة كما حكيناه .

وأمّا الحشوية فإنّها تدين بإمامة بني أُميّة ولا ترى لولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إمامة على حال .

والمعتزلة لا ترى الإمامة إلاّ فيمن كان على رأيها في الاعتزال ، ومن تولّوهم ، العقد له بالشورى والاختيار ، وزيد على ما قدّمنا ذكره خارج عن هذه الأحوال .

والخوارج لا ترى إمامة من تولّى أمير المؤمنين عليه السلام وزيد كان متواليا أباه وجدّه بلا خلاف(1).

فالخلاصة لا يكون زيد إماما على مذهب هذه الطوائف المذكورة .

واعلم أنّ المشهور هو عدم مشاركة زيد لعمّه الحسين عليه السلام في سفره إلى العراق ، ولعلّه كان بأمر من الإمام الحسين عليه السلام لمصلحة رآها .

وقيل : إنّه بايع عبداللّه بن الزبير بن العوّام بعد استشهاد الحسين عليه السلام ، لمّا

ص: 132


1- انظر الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص22 .

ادّعى عبداللّه الخلافة فبايعه زيد وذهب معه ؛ لأنّ أُخته أُمّ الحسن كانت زوجة عبداللّه بن الزبير ، فلمّا قتل عبداللّه أخذ أُخته وجاء بها من مكّة إلى المدينة .

ولكن لم تثبت هذه البيعة .

قال أبو الفرج الأصفهاني : إنّ زيد لازم عمّه في السفر إلى كربلاء وأُسر مع سائر أهل البيت وجيء به إلى يزيد ، ثمّ ذهب إلى المدينة مع بقيّة أهل البيت عليهم السلام(1).

ومات زيد بن الحسن بين مكّة والمدينة بموضع يقال له : حاجز(2).

واعلم أنّ لبابة زوجة زيد هي بنت عبداللّه بن عباس ، وكانت قبل ذلك زوجة لأبي الفضل العبّاس بن علي بن أبي طالب ، فلمّا استشهد العبّاس في كربلاء تزوّجها زيد ، فولدت له طفلين الحسن ونفيسة .

ويكنّى الحسن بن زيد بأبي محمد ، وكان أحد الأجواد ، وولاّه أبو جعفر المنصور المدينة خمس سنين ، ثمّ غضب عليه فعزله واستصفى كلّ شيء وحبسه ببغداد ، فلم يزل محبوسا حتّى مات المنصور وولّي المهدي ، فأخرجه من الحبس وردّ عليه كلّ شيء ذهب له ، ولم يزل معه ، ومات بالحاجز وهو يريد الحجّ ، وكان في صحبة المهدي ودفن هناك(3).

وهو أوّل علوي لبس السواد كما يلبسه بنو العبّاس ، وعاش ثمانين سنة .

وفي عمدة الطالب : توفّي بالحجاز سنة ثمان وستين ومائة ، وأدرك زمن

ص: 133


1- مقاتل الطالبيين : ص119 .
2- عمدة الطالب : ص89 ، معجم البلدان ج3 ص197 ، والحاجز : ما يمسك الماء من شفة الوادي .
3- تاريخ بغداد : ج7 ص309 ، تحت رقم 3825 .

هارون العبّاسي(1).

وروى الخطيب البغدادي أيضا عن ابنه إسماعيل بن الحسن بن زيد قال : كان أبي يغلس بصلاة الفجر ، فأتاه مصعب بن ثابت بن عبداللّه بن الزبير وابنه عبداللّه بن مصعب يوما حين انصرف من صلاة الغداة وهو يريد الركوب إلى ماله بالغابة ، فقال : اسمع منّي شعرا ، قال : ليست هذه ساعة ذلك ، أهذه ساعة شعر ؟

قال : أسألك بقرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ سمعته .

قال : فأنشده لنفسه :

يابن بنت النبي وابن علي

أنت أنت المجير من ذي الزمان

قال : فأرسل إلى أبي ثوبان فسأله ، فقال : على الشيخ سبعمائة وعلى ابنه مائة ، فقضى عنهما وأعطاهما مائتي دينار سوى ذلك(2).

وكان لزيد بن الحسن ابنة اسمها نفيسة ، خرجت إلى الوليد بن عبدالملك بن مروان فولدت منه وماتت بمصر ، ولها هناك قبر يزار ، وكان زيد يفد على الوليد بن عبدالملك ويقعده على سريره ويكرمه لمكانة ابنته ، ووهب له ثلاثين الف دينار دفعة واحدة(3).

وذكر البلاذري : إنّها كانت زوجة عبدالملك بن مروان ، وأنّها ماتت حامل منه(4).

ص: 134


1- عمدة الطالب : ص90 .
2- راجع تاريخ بغداد : ج7 ص310 .
3- عمدة الطالب : ص90 .
4- أنساب الأشراف للبلاذري : ج3 ص304 ، المجدي : ص202 .

وكان للحسن بن زيد سبعة ذكور(1):

الأوّل : أبو محمد القاسم ، وهو أكبر أولاد الحسن ، وأُمّه أُمّ سلمة بنت الحسين الأثرم ، وكان رجلاً تقيّا ورعا ، وله أربعة أولاد واثنتان إناث(2).

الأوّل : عبدالرحمن بن الشجري ، المنسوب إلى الشجرة ، وهي قرية من قرى المدينة ، وهو أبو القبائل وذو أولاد وعشيرة .

ومن أحفاده الداعي الصغير ، وهو القاسم بن الحسن بن علي بن عبدالرحمن الشجري ، وكان ابنه محمد نقيب بغداد في أيّام معزّ الدولة الديلمي ، وله مواقف كثيرة ذكرت في كتاب عمدة الطالب(3)، فراجع .

وأمّا الداعي الكبير فهو من بني أعمامه وينتهي نسبه إلى إسماعيل بن الحسن ابن زيد(4).

الثاني : محمد البطحائي أو البطحاني بالنون على وزن سبحاني ، وهو اسم محلّة في المدينة ، ونسبه البعض إلى البطحاء (بفتح الباء) فأُضيفت النون للنسبة كما

يقال لأهل صنعاء صنعاني ، فسمّي محمد بن القاسم بالبطحاني بسبب طول قامته ومكثه في البطحاء أو لأجل أنّ مسكنه في البطحان(5).

وكان فقيها وأبا لقبائل متعدّدة ، وذا أولاد وعشيرة ، ومن أحفاده أبو

ص: 135


1- كان للحسن بن زيد بنت اسمها نفيسة ، زوجة إسحاق بن جعفر الصادق عليه السلام ، وكانت معروفة بالجلالة ، وسنذكر خبرها في ذكر أولاد الإمام الصادق عليه السلام إن شاء اللّه .
2- انظر عمدة الطالب : ص90 ، معالم أنساب الطالبيين : ص106 .
3- عمدة الطالب : ص93 .
4- النفحة العنبرية : ص100 ، تحفة لبّ الألباب : ص110 .
5- تحفة الأزهار : ج1 ص168 .

الحسن علي بن الحسين أخي المسمعي ، صهر الصاحب بن عبّاد ، وهو أهل العلم والفضل والأدب ، وكان رئيسا في همدان ، ولمّا ولدت بنت الصاحب بن عبّاد ابنها عبّاد ، فرح الصاحب بن عبّاد كثيرا وأنشد أشعارا منها :

الحمد للّه حمدا دائما أبدا

قد صار سبط رسول اللّه لي ولدا

وينتهي نسب سادة أصفهان المعروفين بسادات الگلستانة إلى محمد البطحاني ، لأنّ جدّ سادات الگلستانة الذي هو من أبناء الصاحب بن عبّاد مذكور بهذا النسب وإليك نصّه :

هو شرفشاه ، بن عبّاد ، بن أبي الفتوح محمد ، بن أبي الفضل الحسين ، بن علي ، بن الحسين ، بن الحسن ، بن القاسم ، بن البطحاني .

ومن أولاده السيد العلم الفاضل المصنّف الجليل مجد الدين عبّاد بن أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحسن بن شرفشاه المذكور ، وكان منصب قضاء أصبهان إليه في عهد السلطان أولجايتو محمد بن أرغون(1).

قال ابن عتبة : وقد وجدت ممّن انتسب إليه (أي البطحاني) ناصر الدين عليا ابن المهدي بن محمد بن الحسين بن زيد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن عبدالرحمن بن محمد البطحاني المدفون بسوق قم في المدرسة الواقعة بمحلّة سورانيك(2).

الثالث : حمزة .

الرابع : الحسن ، ويذكر البعض ابنا للقاسم باسم الحسن ، بل ذهب إلى أنّ أولاده ثلاثة ، وأمّا ابنتاه ، فالأولى خديجة زوجة ابن عمّها عبدالعظيم الحسني

ص: 136


1- تحفة الأزهار : ج1 ص176 .
2- عمدة الطالب : ص92 ، في ذكر عقب زيد بن الحسن عليه السلام .

المدفون بري ، وسيأتي ذكره ، والثانية عبيدة زوجة ابن عمّها طاهر بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن(1).

الثاني : من أولاد الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام : أبو الحسن علي ، وأُمّه أُمّ ولد ولقبه الشديد ، توفّي في حبس المنصور ، وله بنت تسمّى فاطمة ، وله أيضا جارية تسمّى هيفاء ، فحملت منه لكنّه توفّي قبل أن تلد ، ولمّا انقضت مدّة الحمل ولدت هيفاء ابنا ، فسمّاه جدّه الحسن : عبداللّه ، وكان يحبّه كثيرا ويقول له : أنت

خليفتي ، فلمّا بلغ أشدّه وتزوّج ، ولد له تسعة أولاد ذكور ، هم : أحمد ، القاسم ، الحسن ، عبدالعظيم ، محمد ، إبراهيم ، علي الأكبر ، علي الأصغر ، وزيد .

الثالث : من أبناء الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام ، إسحاق المعروف بالكوكبي ، وله ثلاثة أولاد : الحسن ، والحسين ، وهارون ، ولهارون ابن يسمّى جعفر ، ولجعفر ابن يسمّى محمد ، وقتل محمد رافع بن ليث في مدينة آمل من مازندران ، وقيل : إنّ قبره يزار(2).

الرابع : من أبناء الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام ، أبو طاهر زيد ، وله ثلاثة أولاد :

1 - طاهر وأُمّه أسماء بنت إبراهيم المخزومية ، وله ابنان محمد وعلي ، ولمحمّد ثلاث بنات : خديجة ونفيسة وحسناء . ولم يكن له ولد . وكانت أُمّهنّ من أهل صنعاء ولهذا سكن فيها .

2 - علي بن زيد .

3 - أُمّ عبداللّه .

ص: 137


1- التذكرة في الأنساب : ص109 .
2- تحفة الأزهار : ج1 ص150 .

الخامس : من أولاد الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام إبراهيم ، تزوّج بامرأة من السادة الحسينية ، فولدت له ابنا يسمّى باسم أبيه إبراهيم ، وابنا آخر يسمّى عليّا ،

وقيل : ولدت له أمة الحميد التي كانت أُمّ ولد وينتهي نسبها إلى عمر ، ابنا سمّاه زيد .

وكان لإبراهيم بن إبراهيم ابنان : محمد والحسن ، وكان لمحمد ثلاثة أولاد ذكور من سلمة بنت عبدالعظيم نزيل ري وهم : الحسن وعبداللّه وأحمد(1).

السادس : من أولاد الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام عبداللّه ، وله خمسة أولاد ذكور : علي ومحمد والحسن وزيد وإسحاق .

قال أبو نصر البخاري : لم يكن لغير زيد من هؤلاء الخمسة عقب ، وأُمّ زيد أُمّ ولد .

كان زيد من أشجع أهل زمانه ، وكان مع أبي السرايا الخارج بالكوفة ، فهرب إلى الأهواز ، فأخذه داود بن عيسى وضرب عنقه صبرا .

فولد زيد بن عبداللّه محمدا وعليا وحسنا وعبداللّه وأُمّه علوية ، وولد محمد ابن زيد حسنا وعليا وعبداللّه ، وهم بالحجاز(2).

السابع : من أولاد الحسن بن زيد بن الحسن عليه السلام أبو محمد إسماعيل ، وهو آخر أبناء الحسن بن زيد ، ويقال فيه (جالب الحجارة) وله ثلاثة أولاد ذكور :

1 - الحسن .

2 - علي ، وهو أصغر أولاد إسماعيل ، وله ستّة أولاد : الحسين وإسماعيل والحسن ومحمد والقاسم وأحمد .

3 - محمد ، وأُمّه من السادة الحسينية .

ص: 138


1- تهذيب الأنساب : ص105 و144 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص25 .

ولمحمد أربعة أولاد :

1 - أحمد ، وقد سافر إلى بخارى ، وولد هناك ولد وقتل فيها(1).

2 - علي ، ولم يكن له عقب .

3 - إسماعيل ، وأُمّه خديجة بنت عبداللّه بن إسحاق بن القاسم بن إسحاق بن عبداللّه بن جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكان ملقّبا بأبيض البطن ، ولم يعقب أيضا .

4 - زيد بن محمد ، وأُمّه - على رواية العمري - من بنات عبدالرحمن الشجري ، وله ابنان أحدهما الأمير الملقّب بالداعي الكبير والآخر محمد ، ولقّب بالداعي بعد أخيه(2).

الحسن بن الحسن عليه السلام

الحسن بن الحسن عليه السلام المعروف بالحسن المثنّى ، فكان جليلاً رئيسا فاضلاً ورعا ، وكان يلي صدقات جدّه أمير المؤمنين عليه السلام في وقته ، ولمّا ولي الحجّاج المدينة من قبل عبدالملك بن مروان أراد أن يشرك عمر بن علي عليه السلام مع الحسن بن الحسن في الصدقات ، فامتنع الحسن وقال : هذا خلاف شرط الوقف ولا أدخل فيها من ليس بداخل .

فقال الحجّاج : إذا أدخله أنا معك شئت أم أبيت ، فسكت الحسن ثمّ خرج من المدينة وذهب إلى الشام حين غفل عنه الحجّاج ، فدخل على عبدالملك بن مروان ، فرحّب به عبدالملك وأحسن مجالسته ثمّ سأله عن سبب قدومه ، فقصّ

ص: 139


1- تحفة الأزهار : ج1 ص160 .
2- تحفة الأزهار : ج1 ص162 .

عليه الحسن حكاية الحجّاج ، فقال عبدالملك : لم تكن هذه الحكومة للحجّاج وليس ذلك له ، فكتب كتابا إليه يأمره أن لا يتجاوز شرط الوقف ، فخرج الحسن من عنده بعطاء كثير ، معزّزا مكرّما(1).

واعلم أنّ الحسن لازم ركاب عمّه الإمام الحسين عليه السلام يوم كربلاء ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام وأُسر أهل بيته كان الحسن فيهم ، فانتزعه أسماء بن خارجة الفزاري من بين الأسرى - وكانت بينهما قرابة من الأُمّ - وقال : واللّه لا يصل إلى ابن خولة مكروه أبدا .

فقال عمر بن سعد : دَعُوا لأبي حسّان ابن أُخته ، وذلك أنّ أُمّ الحسن المثنّى خولة كانت من قبيلة فزارة ، كما كان أبو حسّان أسماء بن خارجة من فزارة ومن قبيلة خولة .

ويقال : إنّه كانت بالحسن جراحات كثيرة فجاء به أسماء إلى الكوفة ، فداواه حتّى برأ منها فذهب إلى المدينة بعد شفائه(2).

وكان الحسن صهر الإمام الحسين عليه السلام وقد تزوّج فاطمة بنت عمّه ، وروي أنّ الحسن المثنّى لمّا خطب إلى عمّه الحسين عليه السلام إحدى بنتيه (فاطمة وسكينة) قال له الحسين : اختر يابني أحبّهما إليك ، فاستحى الحسن ولم يحر جوابا ، فقال الحسين عليه السلام : فإنّي قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبها بأُمّي فاطمة

بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله(3).

فتزوّجها وولدت له : عبداللّه (المحض) ، وإبراهيم (الغمر) ، والحسن

ص: 140


1- عمدة الطالب : ص118 و119 .
2- المصدر نفسه : ص120 ، سرّ السلسلة العلوية : ص5 .
3- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص23 ، مقاتل الطالبيين : ص167 .

(المثلّث) ، وزينب ، وأُمّ كلثوم(1).

ومن أولاده كذلك : داود وجعفر ، وأُمّهما أُمّ ولد من أهل الروم ، واسمها حبيبة(2)، ومحمد وأُمّه رملة ، ورقية وفاطمة .

وتزوّج الحسن المثنّى من فاطمة بنت عمّه الحسين عليه السلام(3)، وكان يحبّها كثيرا

وكانت تحبّه كثيرا وتعامله بالإحسان ، وتوفّي بالمدينة وهو ابن خمس وثلاثين سنة ، ودسّ إليه الوليد بن عبدالملك من سقاه سمّا فمات ، وجعل وصيّه إبراهيم بن محمد بن طلحة أخاه من أُمّه ، ودفن بالبقيع(4).

وضربت زوجته فاطمة على قبره فسطاطا ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار لمدّة سنة كاملة ، فلمّا كان رأس السنة قالت لمواليها : إذا أظلم الليل فقوّضوا

هذا الفسطاط ، فلمّا أظلم الليل سمعت قائلاً يقول :

هل وجدوا ما فقدوا .

فأجابه الآخر : بل يئسوا فانقلبوا .

وقيل : إنّ لبيد تمثّل بهذا الشعر :

إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما

ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر(5)

ص: 141


1- سرّ السلسلة العلوية : ص6 .
2- حبيبة هذه هي التي علّمها الإمام الصادق عليه السلام الدعاء المعروف بدعاء أُمّ داود ، وكان به خلاص ابنها داود من السجن .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص7 .
4- مقاتل الطالبيين : ص202 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص222 .
5- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص24 ، وكشف الغمّة : ج2 ص157 - 158 ، والفصول المهمّة : ص175 .

وسيأتي شرح حال فاطمة في ذكر أولاد الإمام الحسين عليه السلام إن شاء اللّه .

ولم يدّع الحسن المثنّى الإمامة في حياته قطّ ولا ادّعاها له مدّعٍ .

ولم يعلم خبر بعض بناته كأُمّ كلثوم ورقية .

وتزوّج عبدالملك بن مروان بزينب ، وتزوّجت فاطمة بمعاوية بن عبداللّه بن جعفر الطيّار ، فولدت له أربعة أولاد وبنتا واحدة وهم : يزيد وصالح وحمّاد والحسين وزينب(1).

قال أبو الحسن العمري : إنّ للحسن المثنّى بنتا أُخرى تسمّى قسيمة(2).

وأمّا أبناء الحسن المثنّى فكلّهم أعقبوا إلاّ محمّدا ، منهم : عبداللّه ، سمّي (المحض) لكون أبيه الحسن بن الحسن عليه السلام وأُمّه فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وكان شبيها برسول اللّه صلى الله عليه و آله وشيخ بني هاشم ، وأجمل وأكرم وأسخى الناس مع شجاعة وقوّة قلب ، وقتله المنصور الدوانيقي في حبس بالهاشمية سنة 145هجرية(3).

أعقب من أولاده ستّة : محمد (النفس الزكية) وسيأتي خبر مقتله ، وإبراهيم ، وموسى الهادي ، ويحيى ، وإدريس ، وسليمان .

ومنهم : إبراهيم بن الحسن المثنى وهو أخو عبداللّه المحض من أُمّ واحدة ، ولقّب (بالغمر) لكثرة جوده ومناعته وشرفه ، وكان يشبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله كثيرا ، وقيل : إنّ إبراهيم وأخاه عبداللّه من رواة الحديث . وقبره الشريف في الكوفة مزار القاصي والداني ، وقد أخذه المنصور وأخاه مع سائر إخوانه وحبسهم بالكوفة ، وبقوا هناك خمس سنين في غاية العناء والمشقّة والعذاب ، فتوفّي إبراهيم في السجن

ص: 142


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص221 .
2- المجدي أنساب الطالبيين : ص221 .
3- مقاتل الطالبيين : ص166 ، سرّ السلسلة العلوية : ص7 ، عمدة الطالب : ص121 .

سنة 145 للهجرة في شهر ربيع الأول ، وهو أوّل شهيد من المحبوسين . وقيل : إنّ عمره كان حوالي 69 سنة ، وهو ذو فضائل كثيرة ومحاسن شهيرة ، وكان السفّاح يكنّ له احتراما أيّام خلافته .

ولإبراهيم أحد عشر ولدا وهم : يعقوب ، ومحمد الأكبر ، ومحمد الأصغر ، وإسحاق ، وعلي ، وإسماعيل ، ورقيّة ، وخديجة ، وفاطمة ، وحسنة ، وأُمّ إسحاق(1).

ومنهم : الحسن بن الحسن المثنّى ، الملقّب (بالمثلّث) لأنّه ثالث الأولاد الذين اسمهم الحسن ، وهو أخو عبداللّه المحض من أُمّ واحدة ، وتوفّي في سجن المنصور بالكوفة سنة 145 شهر ذي القعدة وهو ابن 68 سنة ، وله ستّة أولاد ، وهم : طلحة ، والعبّاس ، وحمزة ، وإبراهيم ، وعبداللّه ، وعلي(2).

وكلّ من هؤلاء له عقب ، وكلّهم ماتوا في حبس المنصور الدوانيقي كما ذكر فيما سبق .

فإنّه لمّا حجّ المنصور أيّام ولايته سنة 145 من الهجرة ودخل المدينة ، فجمع بني الحسن فكانوا أكثر من عشرين رجلاً وقيّدهم بالحديد ، وقال لعبداللّه المحض : أين الفاسقان الكاذبان - يعني ولديه محمد وإبراهيم - قال : لا علم لي بهما ، فأسمعه

كلاما بذيئا ثمّ أوقفه وإخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم وركب هو في محمل مغطّى ، فناداه عبداللّه المحض : ياأمير أهكذا فعلنا بكم يوم بدر ،

يشير إلى صنع النبي صلى الله عليه و آله بالعبّاس حين بات يئنّ ، قيل له : مالك يارسول اللّه لا تنام ؟ قال : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمّي العباس في الوثاق !

ص: 143


1- مقاتل الطالبيين : ص172 ، سرّ السلسلة العلوية : ص10 ، عمدة الطالب : ص187 .
2- مقاتل الطالبيين : ص171 ، سرّ السلسلة العلوية : ص15 ، عمدة الطالب : ص210 .

قالوا : وكانت طفلة لعبداللّه المحض ، اسمها فاطمة وقد وقفت على الطريق لما مرّ محمل المنصور ، وقالت : ياأمير ... فالتفت إليها المنصور ، فأنشأت تقول :

ارحم كبيرا سنّه منهدما * في السجن بين سلاسل وقيود

إن جدت بالرحم القريبة بيننا * ما جدّنا من جدّكم ببعيد

فلم يلتفت إليها ، وجاء ببني الحسن إلى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الأرض ، كانوا لا يعرفون ليلاً ولا نهارا ، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فإنّهم جزّءوا القرآن وعند انتهاء كلّ جزء يصلّون وقتا من الأوقات .

ولمّا حملوا من المدينة نظر إليهم ابن أبي زناد السعدي فقال :

من لنفس كثيرة الإشفاق * ولعين كثيرة الإطراق

لفراق الذين راحوا إلى الموت * عيانا والموت مرّ المذاق

ثمّ ظلّوا يسلّمون علينا * بأكفّ مشدودة في الوثاق

قال : وحتّى ماتوا في الحبس . ويقال : إنّ المنصور ردم عليهم الحبس فماتوا .

الحسين شهيد فخ عليه السلام

أبو عبداللّه الحسين بن علي العابد بن الحسن المثلّث بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط المجتبى بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ، وأُمّه زينب بنت عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأُمّها هند بنت أبي عبيدة ابن عبداللّه بن زمعة بن الأسود .

وهي أُخت محمد وإبراهيم وموسى لأبيهم وأُمّهم(1).

ص: 144


1- تاريخ الطبري : ج10 ص24 ، مروج الذهب : ج2 ص183 ، الكامل لابن الأثير : ج6 ص32 ، البداية والنهاية لابن كثير : ج10 ص40 .

وكان يقال لزينب وزوجها علي بن الحسين : الزوج الصالح ، لعبادتهما ، ولمّا قتل أبو جعفر أباها وأخاها وعمومتها وبنيهم وزوجها كانت تلبس المسوح ، ولا تجعل بين جسدها وبينها شعارا حتّى لحقت باللّه عزّوجلّ .

وكانت تندبهم وتبكي حتّى يغشى عليها وتقول : يافاطر السماوات والأرض ، ياعالم الغيب والشهادة ، الحاكم بين عباده ، احكم بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الحاكمين(1).

قتل الحسين بن علي وأصحابه ب- (فخ) في خلافة موسى الهادي بن المهدي ابن المنصور العبّاسي ، وكانت شهادتهم يوم التروية 8 ذي الحجّة سنة 169ه .

قتله وأصحابه موسى بن عيسى بن علي ، ومحمد بن سليمان بن المنصور ، وحملا رأسه ورؤوس أصحابه إلى الهادي ، فأنكر الهادي فعلهما وإمضائهما حكم السيف فيهم دون رأيه(2)، ولكن الظاهر كان يريد أن يبرّأ نفسه من قتلهم أمام الناس .

قبره في مكّة في موضع منها يسمّى (فخ)(3).

كان الحسين قد خرج بالسيف داعيا إلى نفسه ، لما رأى من الجور والحرمان

ص: 145


1- مقاتل الطالبيين : ص364 .
2- عمدة الطالب : ص210 ، مقاتل الطالبيين : ص365 .
3- في معجم البلدان : ج6 ص341 فخ : بفتح أوّله وتشديد ثانية واد بمكّة ، ويوم فخ كان أبو عبداللّه الحسين بن علي بن الحسن عنه خرج يدعو إلى نفسه في ذي القعدة سنة 169ه وبايعه جماعة من العلويين بالخلافة بالمدينة وخرج إلى مكّة ، فلمّا كان بفخ لقيته جيوش بني العباس ، وقتل الحسين بن علي مع جماعة من عسكره وأهل بيته ، فبقيت أجسادهم ثلاثة أيّام حتّى أكلتهم السباع ، ولهذا يقال : لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشدّ وأفجع من فخ .

والهوان عليه وعلى آل الحسن ، وعلى الأئمّة المعصومين من ولد الحسين شهيد الطفّ ، بل وعلى المؤمنين والصلحاء ، وتفشّي الفسق والجور وإضاعة الفضيلة ، ورواج كلّ رذيلة في عصره ، خصوصا في عهد موسى الهادي العبّاسي(1).

أقول : ما ورد في بعض التواريخ من أنّ الحسين شهيد فخ كان يدعو إلى نفسه غير دقيق ، فإنّه خرج يدعو إلى الإمام من آل محمّد عليهم السلام . لكن بني العبّاس قالوا إنّه يدعو لنفسه .

وروي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : مرّ النبي صلى الله عليه و آله بفخ فنزل فصلّى ركعة ، فلمّا صلّى الثاني بكى وهو في الصلاة ، فلمّا رأى الناس النبي صلى الله عليه و آله يبكي بكوا ، فلمّا انصرف قال : ما يبكيكم ؟ قالوا : لما رأيناك تبكي بكينا يارسول اللّه ، قال : نزل عليّ جبرئيل لمّا صلّيت الركعة الأُولى فقال : يامحمّد إنّ رجلاً من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين(2).

وعن عبداللّه بن المفضّل قال : لمّا خرج الحسين بن علي واحتوى على المدينة ، دعا موسى بن جعفر عليه السلام إلى البيعة(3)، فأتاه فقال له : يابن عمّ لا تكلّفني ما كلّف به ابن عمّك عمّك أبا عبداللّه عليه السلام ، فيخرج منّي ما لا أُريد ، كما خرج من أبي عبداللّه ما لم يكن يريد .

فقال له الحسين : إنّما عرضت عليك أمرا فإن أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه واللّه المستعان . ثمّ ودّعه ، فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام

ص: 146


1- مراقد المعارف : ج1 ص248 .
2- مقاتل الطالبيين : ص366 .
3- إلى البيعة أي إلى تأييد نهضته لا البيعة بكونه إماما ، أو أنّ الحسين دعا الإمام إلى البيعة أي يبايع الحسين الإمام ، فدقّق .

حينما ودّعه : يابن عمّ إنّك مقتول فأجدّ الضراب ، فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيمانا ويسرّون شركا ، وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، أحتسبكم عند اللّه من عصبة ، ثمّ خرج

وكان من أمره ما كان قتلوا كلّهم(1).

وقال الإمام الرضا عليه السلام : لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ(2).

ولا عقب للحسين بن علي بن الحسن (شهيد فخ) رضوان اللّه عليه .

أبو بكر بن الحسن عليه السلام

أبو بكر بن الحسن عليه السلام أُمّه أُمّ ولد ، وهو أخو القاسم لأبيه وأُمّه .

كان مع عمّه الحسين عليه السلام يوم خروجه من المدينة ، فبرز إلى القتال يوم العاشر من محرّم ، قتله عبداللّه بن عقبة الفنوي ، وعمره يومئذ ستّة عشر سنة(3).

وذكر أبو الفرج الأصفهاني : إنّ أبا بكر قتل قبل أخيه القاسم ، ولكن الطبري والشيخ المفيد وغير هؤلاء ذكروه بعد القاسم(4).

القاسم بن الحسن عليه السلام

القاسم بن الحسن عليه السلام أُمّه أُمّ ولد واسمها رملة .

قيل : لمّا نظر الحسين عليه السلام إليه قد برز ، اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غشي عليهما ، ثمّ استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة ، فأبى عليه السلام أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبّل يديه ورجليه حتّى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن * سبط النبي المصطفى المؤتمن

ص: 147


1- الكافي للشيخ الكليني : ج1 ص366 ح18 ، باب81 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص14 ، عمدة الطالب : ص211 .
3- مقاتل الطالبيين : ص92 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص122 .
4- تاريخ الطبري : ج5 ص360 ، الكامل : ج4 ص75 ، الإرشاد : ج2 ص105 .

هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أُناس لا سقوا صوب المزن(1)

وروى أبو الفرج والشيخ المفيد والطبري ، عن أبي مخنف قال : خرج إلى القتال غلام كأنّ وجهه كشقّة قمر ، وفي يده السيف ، وعليه قميص وإزار ، ونعلان في رجليه ، فانقطع شسع نعله اليسرى ، فشدّ عليه عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي وضربه على رأسه ، فخرّ صريعا واستغاث بالحسين عليه السلام فجاءه كالصقر الغاضب وأخذ رأسه في حجره وقال له : بعدا لقوم قتلوك وخصمهم فيك يوم القيامة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يعزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك(2).

وأُمّه رملة كانت حاضرة في أرض كربلاء يوم عاشوراء ، شاهدت كلّ ما جرى على أهل البيت (سلام اللّه عليهم) ، وشاهدت ولدها القاسم وهو مخضّب بدمه دفاعا عن دينه ، وقد كانت تأمل أن تراه وقد خضّب بحناء الزفاف ، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل اللّه (3).

ودفن القاسم بن الحسن عليهماالسلام في الحائر الحسيني ضمن شهداء الطفّ ، وإنّهم مدفونون جميعا في حفرة حفرت لهم وسوّي عليهم التراب إلاّ العبّاس بن علي عليهماالسلام(4).

عبداللّه بن الحسن عليه السلام

عبداللّه بن الحسن عليه السلام أُمّه بنت السليل بن عبداللّه أخي جرير بن عبداللّه

ص: 148


1- المناقب : ج4 ص106 ، أمالي الصدوق : ص98 المجلس الثلاثون ، روضة الواعظين : ص188 .
2- الإرشاد : ج2 ص106 ، مقاتل الطالبيين : ص92 ، تاريخ الطبري : ج5 ص361 .
3- تاريخ الطبري : ج5 ص468 ، رياحين الشريعة : ج3 ص299 .
4- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص108 .

البجلي(1).

خرج إلى الحسين عليه السلام عندما كان الحسين عليه السلام في حفيرته مثخنا بالجراح ، وهو غلام لم يراهق ، خرج من عند النساء من المخيّم ، قتله أبحر بن كعب في حجر الحسين عليه السلام(2).

وفي مقاتل الطالبيين : يذكر أنّ حرملة بن كاهل الأسدي قتله(3).

وذكر في المجدي : وعبداللّه بن الحسن هو أبو بكر قتل بالطف ، وكان الحسين عليه السلام زوّجه ابنته سكينة ، دمه في بني غني(4).

وروي أنّ الإمام الحسين عليه السلام زوّجه ابنته سكينة ، فقتل قبل أن يُبنى بها(5).

عبدالرحمن بن الحسن عليه السلام

عبدالرحمن بن الحسن : أُمّه أُمّ ولد ، خرج مع عمّه الإمام الحسين عليه السلام إلى مكّة للحجّ ، ومات في منطقة الأبواء حال كونه محرما(6).

وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال :

توفّي عبدالرحمن بن الحسن بن علي عليهماالسلام بالأبواء وهو مُحرم ، ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام ، وعبداللّه بن جعفر ، وعبداللّه وعبيداللّه ابنا العباس ، فكفّنوه وخمّروا

ص: 149


1- مقاتل الطالبيين : ص93 .
2- نفس المهموم : ص327 ، كتاب الفتوح لابن أعثم : ج5 ص204 .
3- مقاتل الطالبيين : ص93 .
4- راجع المجدي في أنساب الطالبيين : ص201 .
5- إعلام الورى : ج1 ص405 ، إسعاف الراغبين : ص202 ، أنساب الأشراف : ج2 ص417 .
6- الإرشاد : ج2 ص23 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص201 .

وجهه ورأسه ولم يحنّطوه(1).

الحسين بن الحسن عليه السلام

الحسين بن الحسن عليه السلام : أُمّه أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه التيمي ، فإنّه مع فضله وشرفه لم يذكر في التواريخ الواصلة بأيدينا ، ولم يصلنا منه حديثا ، وهو الذي لقّب بالأثرم .

والأثرم هو الذي سقطت ثناياه من مقدم أسنانه أو الذي كسرت أحد أسنانه الأربع التي في مقدّم الفم(2)، وقبره في فخ(3).

طلحة بن الحسن عليه السلام

طلحة بن الحسن ، وهو أخو الحسين بن الحسن لأبيه وأُمّه(4)، وهو بطل معروف بالجود والبذل والسخاء .

وكان يقال له طلحة الجود ، وهو أحد الطلحات الستّ المعروفين بالجود والسخاء ولكلّ واحد منهم لقب(5).

ص: 150


1- الكافي : ج4 ص368 ح3 .
2- انظر الإرشاد : ج2 ص24 .
3- تحفة العالم : ج1 ص296 . و فخ بفتح أوّله وتشديد ثانيه : واد بمكّة وبه وقعت الوقعة الدامية التي تلي واقعة الطف في المأساة والفظاعة ، فقتل فيها الحسين بن علي بن الحسن المثلّث الحسني في يوم التروية سنة 169ه مع جماعة من أهل بيته ، راجع منتقلة الطالبية : ص398 (باب الفاء) .
4- الإرشاد : ج2 ص25 .
5- اعلم أنّ الطلحات المعروفين ستّة : 1 - طلحة بن عبداللّه التيمي ولقبه طلحة الفيّاض . 2 - طلحة بن عمر بن عبداللّه بن معمر التيمي ولقبه طلحة الندى . 3 - طلحة بن عبداللّه بن خلف ولقبه طلحة الطلحات . 4 - طلحة بن عوف ولقبه طلحة الخير . 5 - طلحة بن عبدالرحمن بن أبي بكر ولقبه طلحة الدراهم . 6 - طلحة بن الحسن ولقبه طلحة الجود .

محمد النفس الزكية

هو محمد بن عبداللّه المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام(1).

ويكنّى أبا عبداللّه .

أُمّه : هند بنت أبي عبيدة بن عبداللّه بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطّلب ابن أسد(2).

وكان يقال له : صريح قريش ؛ لأنّه لم يقم عنه أُمّ ولد في جميع آبائه وأُمّهاته وجدّاته .

ولد محمد النفس الزكية بالمدينة المنوّرة سنة مائة ، وكان جمّ الفضائل حسن الشمائل ، شديد البأس ، قوي الذات ، أعظم الناس عبادة بين كتفيه خال أسود كالبيضة العظيمة ، قدّموه بنو هاشم وعظّموه كبارهم في حياة أبيه(3).

كان محمد من سادات بني هاشم ورجالهم فضلاً وشرفا وعلما وشجاعة وكرما وفصاحة ، إلى جانب ذلك كان عابدا ناسكا نبيلاً جليلاً محترما مرتديا ثوبي الفضيلة والفخار ، ويلقّب بالنفس الزكية حتّى أنّ جملة من الناس في عصره كانوا يزعمون أنّه هو (المهدي) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً ، لما روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : « لو بقي من الدنيا يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث فيه مهدينا

ص: 151


1- مروج الذهب : ج2 ص169 ، وابن الأثير : ج5 ص212 ، والبداية والنهاية : ج1 ص82 ، وتاريخ الطبري : ج6 ص201 ، وتاريخ الخلفاء : ص173 ، وتاريخ الإسلام للذهبي : ج7 ص93 ، والمعارف : ص93 .
2- الأغاني : ج18 ص208 .
3- تحفة لبّ الألباب : ص268 ، عمدة الطالب : ص124 .

اسمه كاسمي » . وروي مرسلاً عنه صلى الله عليه و آله : « تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية »(1).

وكان مالك بن أنس صاحب المذهب بالمدينة ، أتته الناس يستفتينه الخروج مع محمد والمبايعة له ، فأفتاهم ، فقالوا : إنّا بايعنا المنصور ، فقال : إنّما بايعتموه بإكراه وإجبار ، ولا على مكره بيعة ولا إقرار في جميع المعاملات ، فأسرعوا إلى محمد بالمبايعة والمتابعة ، فعند ذلك بايعوه لثلاث مضين من شهر جمادى الآخرة سنة (145ه) فلم يتخلّف عنه قرشي ولا أنصاري ولا عربي(2).

كان بنو هاشم الطالبيون والعبّاسيون قد اجتمعوا في ذيل دولة بني أُميّة ، وتذاكروا حالهم وما هم عليه من الاضطهاد ، ولميل الناس إلى بني هاشم وخاصّة أولاد علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة عليهاالسلام واتّفقوا على أن يدعو الناس سرّا

ب- (الأبواء) فاجتمعوا ثمّ قالوا : لابدّ لنا من رئيس نبايعه ، فاتّفقوا على مبايعة

النفس الزكية محمد بن عبداللّه بن الحسن بن الحسن السبط عليه السلام(3).

وكان هذا المجلس قد حضره أعيان بني هاشم ، علويّهم وعبّاسيهم ، فحضره من أعيان الطالبيين الإمام جعفر الصادق عليه السلام وعبداللّه بن الحسن بن الحسن المجتبى عليه السلام وابناه محمد النفس الزكية وإبراهيم قتيل باخمرى(4)، ومن أعيان

ص: 152


1- انظر مراقد المعارف : ج2 ص241 ، وفي مروج الذهب : ج2 ص169 ، كان يدعى النفس الزكية لزهده ونسكه .
2- تحفة لبّ الألباب : ص268 ، وتاريخ ابن خلدون : ج3 ص190 .
3- مقاتل الطالبيين : ص209 .
4- باخمرا بالراء : موضع بين الكوفة وواسط وهو إلى الكوفة أقرب ، قالوا : بين باخمرا والكوفة سبعة عشر فرسخا ، بها كانت الواقعة بين أصحاب أبي جعفر المنصور وإبراهيم بن عبداللّه بن الحسن بن الحسن المجتبى عليه السلام ، فقتل إبراهيم هناك فقبره به إلى الآن يزار وإيّاها عنا دعبل بن علي بقوله : وقبر بباخمرا لدى الغربات ... انظر منتقلة الطالبية : ص49 .

العبّاسيين السفّاح والمنصور وغيرهما من آل العبّاس ، فاتّفق الجميع على مبايعة النفس الزكيّة إلاّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام فإنّه قال لأبيه عبداللّه المحض : إنّ ابنك لا ينالها - يعني الخلافة - ولن ينالها إلاّ صاحب القباء الأصفر - يعني المنصور - وكان

على المنصور حينئذ قباء أصفر .

ثمّ ضرب الدهر ضربة ، وانتقل الملك إلى بني العباس ، ثمّ انتقل الملك من السفّاح إلى المنصور ، فلم يكن همّ المنصور سوى طلب النفس الزكية ليقتله أو ليخلعه(1).

وكان المنصور قد بايع لمحمد ولأخيه إبراهيم مع جماعة من بني هاشم ، فلمّا بويع لبني العباس اختفى محمد وإبراهيم مدّة خلافة السفاح ، ولمّا ملك المنصور وعلم أنّهما عزما على الخروج جدّ في طلبهما وقبض على أبيهما وجماعة من أهلهما(2).

وروي أنّهما أتيا أباهما وهو في السجن سرّا فقالا له : يقتل رجلان من آل محمد خير من يقتل ثمانية ، فقال لهما : إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين(3).

ولمّا عزم محمد على الخروج واعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد ،

ص: 153


1- مراقد المعارف : ج2 ص243 .
2- عمدة الطالب : ص124 .
3- انظر تاريخ الطبري : ج6 ص196 .

وذهب محمد إلى المدينة وإبراهيم إلى البصرة ، فاتّفق أنّ إبراهيم مرض فخرج أخوه بالمدينة وهو مريض بالبصرة ، ولمّا خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنّه قتل وهو على المنبر يخطب ، ويقال : بل أتاه وهو قد توجّه إلى الكوفة لحرب .

سأبكيك بالبيض الصفاح وبالقنا

فإنّ بها ما يدرك الطالب الوترا

إلى آخره ... .

ولمّا بلغ أبا جعفر المنصور خروج محمد بن عبداللّه ، خلا ببعض أصحابه فقال له : ويحك قد ظهر محمد فماذا ترى ؟

فقال : وأين ظهر ؟

قال : بالمدينة .

فقال : غلبت عليه وربّ الكعبة .

قال : وكيف ؟

قال : لأنّه خرج بحيث لا مال ولا رجال فعاجله بالحرب ، فأرسل إليه عيسى بن موسى بن علي بن عبداللّه بن العباس في جيش كثيف ، فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرّق أصحابه عنه حتّى بقي وحده ، فلمّا أحسّ بالخذلان دخل داره وجمر بالتنّور فسجر ، ثمّ عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه ، فألقاه في التنّور فاحترق ، ثمّ خرج فقاتل حتّى قتل بأحجار الزيت ، وكان ذلك مصداق تلقيبه النفس الزكية ؛ لأنّه روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : « تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية »(1).

ولمّا قتل في المعركة تقدّم إليه حميد بن قحطبة فاحتزّ رأسه وأرسله إلى

ص: 154


1- عمدة الطالب : ص125 ، مقاتل الطالبيين : ص243 .

المنصور(1).

واستشهد محمد النفس الزكية لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة ، وهو ابن خمس وأربعين سنة وأشهر(2).

مرقده(3) بضواحي مدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله في الموضع الذي استشهد فيه ويعرف ب- (أحجار الزيت)(4)، وقيل : نقل جسده إلى البقيع وقبر به(5).

وأعقب محمد النفس الزكية من ابنه أبي محمد : عبداللّه الأشتر الكابلي وحده ، وكان قد هرب بعد قتل أبيه إلى السند فقتل بكابل في جبل يقال له (علج) وحمل رأسه إلى المنصور(6).

السيد عبدالعظيم الحسني

أبو القاسم عبدالعظيم (المعروف بشاه عبدالعظيم) بن عبداللّه بن علي السديد

ص: 155


1- تاريخ ابن الأثير : ج5 ص375 ، تاريخ ابن خلدون : ج3 ص193 .
2- عمدة الطالب : ص124 ، سرّ السلسلة العلوية : ص7 ، تحفة لبّ الألباب : ص281 ، مقاتل الطالبيين : ص244 .
3- قال السمهودي في وفاء الوفا : ج2 ص106 : كان مشهده شرقي جبل سلع ، عليه بناء كبير بالحجارة السود وقصدوا أن يبنوا عليه قبّة فلم يتّفق ، وهو داخل مسجد كبير مهجور ، وفي قبلة المسجد منهل من عين الأزرق مدرج من شرقية وغربية والعين تجري في وسطه .
4- وفي معجم البلدان : ج1 ص133 : أحجار الزيت موضع بالمدينة قريب من الزوراء وهو موضع صلاة الاستسقاء ، وقال العمراني : (أحجار الزيت) موضع بالمدينة داخلها ، وراجع منتقلة الطالبية : ص6 : (أحجار الزيت) من ناحية المدينة ، قتل بها محمد النفس الزكية .
5- مراقد المعارف : ج2 ص240 .
6- عمدة الطالب : ص127 .

ابن أبي محمد الحسن بن أبي الحسين زيد بن أبي محمد الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، المتوفّى في الري بين سنة (252 و 255ه)(1).

عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال : كان عبدالعظيم صالحا عابدا ورعا زاهدا صائما نهاره ومتهجّدا ليله ، ورد الري هاربا من السلطان ، فنزل في سكّة الموالي ، وكان كل يوم يبرز متخفّيا لزيارة القبر المقابل الآن لقبره ، وهو قبر أحد

أولاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام ثمّ يأوي إلى موضعه .

فذات ليلة رأى رجل من الشيعة في منامه رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول له : إنّ رجلاً

من ولدي سيحمل من سكّة الموالي ، فيدفن عند شجرة التفّاح التي في بستان عبدالجبّار بن عبدالوهاب ، ثمّ إنّه صلى الله عليه و آله أشار إلى الرجل بموضع القبر المعروف الآن ، فبينه وبين القبر المذكور الطريق .

فلمّا انتبه الرجل من منامه توجّه إلى عبدالجبّار قاصدا أن يشتري منه جميع البستان ليوضعه مقبرة على عبدالعظيم وغيره من الشيعة ، فسأله عن ذلك فقصّ عليه الرؤيا ، فقال : لقد صدقت فإنّي رأيت مثلما رأيت ، فأوقفت جميع البستان وما حوله من الأرض ليجعل مقبرة لهذا السيد الشريف وجميع الشيعة(2).

قال النجاشي : فمرض عبدالعظيم ومات رحمه الله ، فلمّا جرّد ليغسل وجد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه ، فإذا فيها : أنا أبو القاسم عبدالعظيم بن عبداللّه بن علي بن

الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، كلّ ذلك خوفا من أن يغتال بالقتل أو يموت فجأة في اختفائه فلا يعرفه الناس ، فيعرّف نفسه بهذه الرقعة من

ص: 156


1- تحفة لبّ اللباب : ص183 ، مراقد المعارف : ج2 ص52 ، سرّ السلسلة العلوية : ص24 .
2- رجال النجاشي : ص248 .

نسبه الوضّاح(1).

ومرقده بالري(2) في ايران ، واليوم مرقده غني عن التعريف بشيء ، وله مشهد مجلّل مشيّد بأنواع العمارات والزخرف ، وصحن عامر فيه الغرف والإيوانات ، تدفن الوجوه العلمية والأدبية والسياسية فيها ، يهوى مرقده الزائرون والوفود من مختلف الأقطار الإسلامية ، ويعدّ مشهده بالدرجة الثالثة من المشاهد المشرّفة في ايران .

والسيّد عبدالعظيم الحسني هو الفقيه الورع الزاهد العابد ، المرتضى عند أئمّة الحقّ المعصومين عليهم السلام ، وكان من رواة الحديث والمحدّثين ، وقد اشتهر بصدق اللهجة وحسن الأمانة والتثبّت في الرواية والقول ، وكان يقول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام ، ويروي الحديث عنه وعن ابنه الإمام أبي الحسن

ص: 157


1- رجال النجاشي : ص248 .
2- في منتقلة الطالبيين : ص156 ، قال : بالري أبو القاسم عبدالعظيم بن عبداللّه بن علي بن الحسن بن زيد ابن الحسن ، من ناقلة طبرستان ، وهو المحدّث الزاهد صاحب المشهد في الشجرة بالري وقبر يزار ، وأُمّه أُمّ ولد . وعن أبي عبداللّه بن طباطبا : عبدالعظيم بن عبداللّه لا عقب له . وعن أبي القاسم الحسني : أعقب عبدالعظيم بن عبداللّه محمدا ، أُمّه فاطمة بنت عقبة بن قيس الحميري ، ورقيّة ، وخديجة . وعن أبي الحسين محمد بن القاسم التميمي النسّابة : وأمّا عبدالعظيم بن عبداللّه بن علي بن الحسن بن زيد ابن الحسن ، أعقب محمدا درج ، وخديجة ، ورقيّة . وقال شيخي الكيا السيد الإمام النسّابة زين الشرف أبو الحسين يحيى بن الحسين : العقب منه من محمد وحده الدرج .

الهادي عليهماالسلام ، وعن عدّة من أصحاب الإمام موسى بن جعفر وعلي بن موسى عليهماالسلام ، وروى عنه من رواة الشيعة الإمامية جماعة ، منهم : أحمد بن عبداللّه البرقي ، وأبو تراب الروياني وغيرهم ، وله كتب منها كتاب (يوم وليلة)(1).

فمن رواياته عن أبي جعفر الجواد عليه السلام ، ما أورده الشيخ الصدوق في (الأمالي) قائلاً : قال عبدالعظيم الحسني : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام : يابن رسول اللّه حدّثني بحديث عن آبائك ، فقال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا ، فإذا استووا هلكوا » .

قلت له : زدني يابن رسول اللّه .

فقال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لو تكاشفتم ما تدافنتم » .

فقلت له : زدني يابن رسول اللّه .

فقال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم».

فلا يزال يستزيده ويحدّثه إلى أن حدّثه بستّة عشر حديثا عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له عبدالعظيم عند ذلك : حسبي(2).

وقد عرض دينه على الإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام ، فقال الإمام الهادي عليه السلام

له : (أنت وليّنا حقّا) ، كما عن كتاب (جنّة النعيم) أنّه روى الشيخ الصدوق محمد بن

بابويه القمّي ، عن الدقّاق والورّاق معا ، عن الصوفي ، عن الروياني ، عن عبدالعظيم

ص: 158


1- انظر مراقد المعارف : ج2 ص54 .
2- أمالي الصدوق : ص260 ح9 ، روضة الواعظين : ص425 .

ابن عبداللّه الحسني قال : دخلت على علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلمّا بصر بي قال : مرحبا بك ياأبا القاسم أنت وليّنا حقّا . قال : فقلت له : يابن رسول اللّه إنّي أُريد أن أعرض

عليك ديني ، فإن كان مرضيّا أثبت عليه حتّى ألقى اللّه تعالى عزّوجلّ ، فقال عليه السلام : هات ياأبا القاسم ، الحديث(1).

هاجر من المدينة إلى العراق ، وذهب إلى سرّ من رأى قاصدا المثول عند الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام ، وكان دخوله عليه حدود سنة (250ه ) .

علمه وتفقّهه في الدين

وقد شهد الإمام الهادي عليه السلام بعلمه وتفقّهه في الدين .

روى أبو تراب عبيداللّه بن موسى الروياني قال : سمعت أبا حمّاد الرازي يقول : دخلت على علي بن محمّد عليه السلام بسرّ من رأى ، فسألته عن أشياء ، عن الحلال والحرام ، فأجابني عنها ، فلمّا ودّعته قال لي : ياحمّاد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فاسأل عنه عبدالعظيم بن عبداللّه الحسني واقرأه منّي السلام(2).

فضل زيارة مرقده

روى الشيخ الصدوق في (ثواب الأعمال) مسندا قال : حدّثنا محمد بن يحيى العطّار ، قال : دخلت برجل من أهل الري على أبي الحسن علي الهادي عليه السلام ، فقال له : أين كنت ؟ قال : غدوت لزيارة جدّك الحسين عليه السلام ، فقال عليه السلام : « لو زرت قبر عبدالعظيم عندكم بالري لكنت كمن زار قبر الحسين عليه السلام »(3).

ص: 159


1- أمالي الصدوق : ص278 ح24 ، المجلس 54 .
2- مراقد المعارف : ج2 ص55 ، أمالي الصدوق : ص278 ح26 .
3- ثواب الأعمال للصدوق : ص124 ، وراجع تحفة لبّ اللباب : ص184 ، وعمدة الطالب : ص114 ، وكامل الزيارات : ص537 الباب 107 .

وهذا الحديث يدلّ صراحة على علوّ درجته ومنزلته وجلالته وعلمه وتبحّره في الدين ، حيث إنّ الإمام عليه السلام نزّل زيارة قبره بمنزلة زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام في الفضل ، مضافا إلى نسبه الوضّاح المشرق من سيّد شباب أهل الجنّة

الحسن بن علي عليهماالسلام .

وجاء في (الاختصاص) عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال له الإمام : « ياعبدالعظيم أبلغ عنّي أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً ، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة ، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم ، وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة فإنّ ذلك قربة إليّ ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا ، فإنّي آليت على نفسي أنّه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت اللّه ليعذّبه في الدنيا أشدّ العذاب ، وكان في الآخرين من الخاسرين »(1).

وذكر في المجدي : إنّ السيّد عبدالعظيم تزوّج ببنت عمّ أبيه خديجة بنت القاسم الزاهد بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين عليه السلام(2).

وكان السيّد عبدالعظيم خائفا مطاردا من خلفاء بني العبّاس ، وخصوصا المعتزّ باللّه ، وأصبح متخفّيا عن السلطات الجائرة ينتقل من بلد إلى بلد فارّا بدينه

وعمره حتّى وصل إلى الري ، وأقام عند بعض الشيعة هناك في سكّة الموالي بخفاء من الناس والسلطان ، وقد عرفه بعض رجال الشيعة تدريجيا ، وكان يشغل نفسه بعبادة اللّه تعالى في الخفاء ، إلى أن مرض وتوفّي هناك وأقبر .

وأولد عبدالعظيم ، محمد بن عبدالعظيم ، وكان زاهدا كبيرا ، وانقرض محمد

ص: 160


1- الاختصاص : ص247 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص219 .

ابن عبدالعظيم ولا عقب له(1).

عون بن عبداللّه الحسني

هو عون بن عبداللّه بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن إدريس بن داود بن أحمد المسود بن عبداللّه بن موسى الجون بن عبداللّه المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

جاء في مخطوطات بني أسد : حلّ بكربلاء في أوائل القرن الرابع الهجري رجل يقال له عون بن عبداللّه بن جعفر بن مرعي بن علي ، يعزى إلى الحسن المجتبى عليه السلام ، وعند حلوله الأرض المقدّسة لقي حفاوة وتكريما من الأسديين القاطنين في كربلاء ، فطلبوا منه البقاء بجوار عمّه سيّد الشهداء فلبّى الدعوة وحلّ

الأرض ، فمنح ضيعة تسقى من نهر العلقمي تبعد ثلاثة فراسخ عن المرقد الحسيني المطهّر ، وكان كثير التردّد عليها ، فصادفه الأجل المحتوم ودفن بها وذلك بوصية منه ، فشيّدوا له قبّة من الجصّ والآجر ، ومنذ ذلك اليوم أخذ كثير من الناس يتردّد لزيارته(2).

وذكر النسّابة السيّد جعفر بن السيّد محمد الأعرجي الكاظمي في كتابه (مناهل الضرب في أنساب العرب) ما نصّه : إنّ عون بن عبداللّه الحسني كانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ عن بلدة كربلاء ، فخرج إليها وأدركه الموت فدفن في ضيعته ، فكان له مزار مشهور وقبّة عالية ، والناس يقصدونه بالنذور وقضاء الحاجات .

ص: 161


1- عمدة الطالب : ص112 .
2- مشهد الحسين عليه السلام وبيوتات كربلاء : ج1 ص18 .

ويظنّ الناس أنّه عون بن علي ابن أبي طالب عليه السلام والبعض الآخر يزعم أنّه قبر عون بن عبداللّه بن جعفر الطيّار ، وكلاهما وَهَم ؛ لأنّهما دفنا في حضيرة العلويين في الحائر الحسيني(1).

قال السيد ابن طاووس في (مصباح الزائر) عند ذكر زيارة الشهداء في يوم عاشوراء : (إذا أردت زيارة الشهداء فقف عند رجلي علي بن الحسين ، فاستقبل القبلة بوجهك ، فإنّ هناك حومة الشهداء) وساق الزيارة ... ثمّ قال في زيارتهم أوّل يوم من رجب : امض وقف على ضريح علي بن الحسين مستقبلاً القبلة ، وقل : السلام من اللّه - إلى أن قال - السلام على عون بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب عليهم السلام(2).

وقال الشيخ جعفر النقدي في كتابه (زينب الكبرى) : لا يرتاب القارئ في أنّ عون بن عبداللّه بن جعفر الطيّار مقبور مع الشهداء في الحائر المقدّس ، فما ذهبت إليه المزاعم من أنّ مشهده القبّة الماثلة اليوم على يسار السابلة من كربلاء إلى المسيّب غير صحيح(3).

أقول : فعلى هذا قد ثبت أنّ المترجم صاحب القبّة هو ليس بعون بن عبداللّه ابن جعفر الطيّار عليه السلام ، وليس بعون بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، بل هو عون بن عبداللّه بن جعفر السيّد الحسني كما مرّ آنفا .

توفّي هذا السيّد رحمه الله في اليوم الثالث عشر من صفر عن عمر ناهز السبعين تقريبا ، واتّخذت الأعراب منذ ذلك اليوم من كلّ عام تجتمع عند قبره ، فيخرج جمع

ص: 162


1- راجع مناهل الضرب في أنساب العرب : ص560 مخطوط .
2- راجع مصباح الزائر لابن طاووس : ص154 - 155 .
3- زينب الكبرى للشيخ النقدي : ص150 .

من مدينة كربلاء ومعهم الخيام فيطعمون الطعام ويهزجون الأهازيج الشعبية وبعد ثلاثة أيّام يتفرّقون(1).

وقال حرز الدين في (مراقد المعارف) بعد أن ذكر اسمه السالف الذكر عن مناهل الضرب : مرقده بضواحي مدينة كربلاء المقدّسة في الجهة الشمالية الغربية يبعد حدود ثلاثة فراسخ . ومرقده اليوم عليه قبّة زرقاء في حرم صغير ، يقصده الزائرون والوفود ، وتجتمع عنده من الأعراب وأهل القرى في الجمعات من أيّام الأسبوع والأعياد الإسلامية خلق كثير ، وينذرون إليه النذور وللناس فيه كمال العقيدة وحسن الظنّ في قضاء الحوائج(2).

وعلى أي حال فإنّ مرقد عون الحسني هو مزار العامّة والخاصّة وتنحر عنده الذبائح ، وتقدّم إليه الهدايا لما رأى الناس منه ظهور الكرامات والمعاجز .

الحسن بن جعفر عليه السلام

هو الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . يكنّى بأبي محمد المديني(3). روى عن جعفر بن محمد عليه السلام ، وحدّث عن الأعمش ، وكان ثقة(4).

ص: 163


1- مشهد الحسين وبيوتات كربلاء : ج1 ص20 .
2- مراقد المعارف : ج2 ص142 .
3- في بعض النسخ أبو محمد المدني .
4- راجع مقاتل الطالبيين : ص189 ، وعمدة الطالب : ص184 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

فاطمة أُمّ عبداللّه بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

سيّدة جليلة وعظيمة في عقلها وزهدها ، وهي من ربّات العبادة ، من فواضل النساء في عصرها ، فهي صاحبة الكرامات الباهرة ولا غرو في ذلك بعدما كان جدّها الأعلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجدّها أمير المؤمنين عليه السلام فهي أُمّ عبداللّه بنت الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، والدة الإمام الهمام محمد بن علي ، باقر علوم الأوّلين والآخرين(1).

وأُمّ عبداللّه هذه تمتاز عن سائر بنات الإمام الحسن عليه السلام بالجلالة وعظمة الشأن والشرف والنجابة ، وكانت زوجة للإمام زين العابدين عليه السلام فولدت له الإمام الباقر عليه السلام ، وسنذكر في باب أحوال الإمام الباقر عليه السلام نبذة من جلالة السيّدةأُمّ عبداللّه (رضوان اللّه عنها) .

وروي عن أبي جعفر عليه السلام : كانت أُمّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن اللّه لك في السقوط ، فبقي معلّقا حتّى جازته ، فتصدّق عنها أبي بمائة دينار .

ص: 164


1- راجع أعيان الشيعة : ج1 ص650 ، الأُصول من الكافي : ج1 ص390 ، الأنوار البهيّة : ص115 ، منتهى الآمال : ج2 ص113 .

وذكرها الإمام الصادق عليه السلام يوما فقال : « كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن مثلها »(1).

وقد حضرت هذه العلوية مع زوجها وابنها واقعة الطف في يوم عاشوراء ، وبذلك تكون قد شاهدت ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه و آله في ذلك اليوم من مصائب ومحن ، فقد شاهدت مصرع عمّها الحسين عليه السلام ، وقتل أخيها القاسم وبقيّة الأبطال من آل البيت عليهم السلام والأصحاب الكرام ، وشاهدت أيضا زوجها العليل مكبّلاً بالأغلال ، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات يشكو العطش فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل اللّه (2).

ويكفيها شرفا ونسبا أنّها تربّى في حجرها الإمام الباقر عليه السلام ، وأنّها بضعة من ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله السبط الأكبر عليه السلام ، وأنّها نشأت في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه .

وتربّى الإمام الباقر عليه السلام في حجرها الطاهر ، فأفرغت عليه أشعّة من روحها الزكيّة ، وغذّته بمثلها الكريمة .

أُمّ الحسن بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

أُمّها : أُمّ بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية(3).

وأُمّ الحسن أُخت زيد من أُمّ واحدة ، وتزوّجها عبداللّه بن الزبير بن العوّام(4)، فلمّا قتل عبداللّه أخذ زيد أُخته أُمّ الحسن وجاء بها من مكّة إلى المدينة .

ص: 165


1- أُصول الكافي : ج1 ص469 .
2- انظر أعيان الشيعة : ج1 ص65 ، وج8 ص390 .
3- الإرشاد : ج2 ص20 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : ج1 ص416 .
4- المجدي في أنساب الطالبيين : ص202 ، أعيان الشيعة : ج1 ص563 .

ولم أحصل على ما يتعلّق بأحوالها وترجمة حياتها .

رقيّة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

أُمّها أُمّ ولد .

تزوّجها عبيداللّه بن العبّاس بن علي بن أبي طالب عليه السلام(1).

وقيل : تزوّجها عمرو بن المنذر بن الزبير بن العوّام(2).

وفي النجف الأشرف في محلّة البراق ضريح من خشب ينسب إليها(3).

أُمّ سلمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

أُمّها أُمّ ولد .

قال أبو إسحاق العمري : تزوّجت أُمّ سلمة بعمر بن زين العابدين عليه السلام الذي يقال له : عمر الأشرف(4)، وسيأتي شرح أحواله عند ذكر أولاد الإمام علي بن الحسين عليه السلام .

وكان عمر وزيد الشهيد أخوين من أُمّ واحدة ، حيث أنّ عمر أكبر من زيد وكنيته أبو علي ، وكان جليل القدر ، فاضلاً ، تولّى صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليه) ، وكان في غاية السخاء والورع(5).

ص: 166


1- سرّ السلسلة العلوية : ص6 ، الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص22 ، تحفة العالم : ج1 ص296 .
2- المجدي : ص202 .
3- تحفة العالم : ج1 ص296 .
4- المجدي في أنساب الطالبيين : ص202 .
5- عمدة الطالب : ص338 ، والمجدي : ص344 .

الباب الثالث: أولاد الإمام الحسين الشهيد عليه السلام

اشارة

ص: 167

ص: 168

نبذة عن حياة الإمام الحسين عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام الحسين عليه السلام بن الإمام علي بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم ، وأُمّه سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ابنة خير الأوّلين والآخرين ، وهو أحد ابني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسبطيه ، وريحانتيه وقرّتي عينيه ، وهو وأخوه سيّدا شباب أهل الجنّة(1).

ولادته وتسميته عليه السلام

ولد الإمام الحسين عليه السلام يوم الخميس في الثالث من شهر شعبان المعظّم ، في السنة الرابعة للهجرة ، في المدينة المنوّرة(2)، وقد سمّاه اللّه سبحانه وتعالى ب- (الحسين) عندما هبط جبرائيل عليه السلام من عند العلي الأعلى ليقرأ الرسول صلى الله عليه و آله السلام ويطلب منه أن يسمّيه (شبيرا) ، فقال صلى الله عليه و آله : لساني عربي ، فقال

ص: 169


1- الإرشاد : ج2 ص27 ، إعلام الورى : ج1 ص420 ، مقاتل الطالبيين : ص84 ، مرآة الجنان : ج1 ص131 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص345 و357 ، تاريخ الطبري : ج5 ص410 ، الكامل لابن الأثير : ج4 ص40 ، مروج الذهب : ج2 ص62 ، البداية والنهاية : ج8 ص88 ، أُسد الغابة : ج2 ص22 ، العقد الفريد : ج4 ص376 ، تاريخ بغداد : ج1 ص241 ، الإصابة : ج2 ص14 ، تاريخ ابن عساكر : ج11 ص25 .
2- الإرشاد : ج2 ص28 ، إعلام الورى : ج1 ص422 .

جبرائيل عليه السلام : سمّه الحسين(1).

ولمّا ولد عليه السلام أذّن الرسول صلى الله عليه و آله في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وفي اليوم السابع عقّ عنه بكبشين أملحين ، وحلق شعر رأسه وتصدّق بوزنه ورقا(2).

وإنّ اللّه تعالى هنّأ النبي صلى الله عليه و آله بحمل الحسين عليه السلام وولادته ، وعزّاه بقتله ، فعرفت فاطمة عليهاالسلام ، فكرهت ذلك فنزلت : «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْها وَوَضَعَتْهُ كُرْها وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرا»(3).

ولم يولد مولود لستّة أشهر عاش غير يحيى والحسين عليهماالسلام(4).

وروى الصدوق رحمه الله بسنده عن صفية بنت عبدالمطّلب (رضوان اللّه عليهما) قالت : لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أُمّه وكنت وليتها ، قال النبي صلى الله عليه و آله : ياعمّة هلمّي إلى ابني ، فقلت : يارسول اللّه إنّا لم ننظّفه ، فقال صلى الله عليه و آله : ياعمّة أنت تنظّفينه ! إنّ اللّه تعالى قد نظّفه وطهّره(5).

كناه وألقابه عليه السلام

كنّي عليه السلام بأبي عبداللّه لا غير ، وفي بعض الروايات أنّه كنّي بأبي علي ، وكنّاه الناس بعد استشهاده بأبي الشهداء ، وأبي الأحرار .

ص: 170


1- المستجاد : ص281 ، تاج المواليد للطبرسي : ص82 ، أمالي الصدوق : ص116 ، المجلس الثامن والعشرون .
2- عيون أخبار الرضا : ج2 ص26 ، وصحيفة الرضا : ص16 .
3- سورة الأحقاف : الآية 15 .
4- انظر مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص50 وفيه عيسى عليه السلام بدل يحيى .
5- أمالي الصدوق : ص117 ح5 .

ومن ألقابه عليه السلام : الشهيد السعيد ، السبط الثاني ، الإمام الثالث ، المبارك ، التابع لمرضاة اللّه ، المتحقّق بصفات اللّه ، الدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقات اللّه ، المشغول ليلاً ونهارا بطاعة اللّه ، الثاري بنفسه للّه ، الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه ، الإمام الشهيد ، الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، سيّد شباب أهل الجنّة ، عبرة كلّ مؤمن ومؤمنة ، المقتول بكربلاء ، منبع الأئمّة ، شافع الأُمّة ، صاحب المحنة

الكبرى والواقعة العظمى ، المقتول بأيدي شرّ البرية ، سبط الأسباط(1).

في إمامة الحسين عليه السلام

ودليل إمامته عليه السلام النصّ من أبيه وجدّه ووصيّة أخيه الإمام الحسن عليهم السلام إليه . فهي بعد وفاة أخيه ثابتة ، وطاعته للخلائق لازمة(2). وهو عليه السلام الإمام الثالث بعد الحسن المجتبى عليه السلام .

وكانت إمامة الحسين بن علي عليه السلام بعد وفاة أخيه ثابتة ، وإن لم يدع لنفسه للتقية التي كان عليها ، والهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، والتزم الوفاء بها ، وجرى في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين عليه السلام في ثبوت حجّته بعد النبي صلى الله عليه و آله مع الصموت ، وإمامة أخيه الحسن عليه السلام بعد الهدنة مع الكفّ والسكوت ، وكانوا في ذلك على سنن نبي اللّه صلى الله عليه و آله وهو في الشعب محصور ، وعند خروجه من مكّة مهاجرا مستخفيا في الغار ، وهو من أعدائه مستور(3).

لازم الإمام الحسين عليه السلام أباه أمير المؤمنين عليه السلام واشترك معه في حروبه

ص: 171


1- تاج المواليد : ص85 ، المستجاد من كتاب الإرشاد : ص287 ، تذكرة الخواص : ص230 ، نور الأبصار : ص150 ، كشف الغمّة : ج2 ص4 ، الإرشاد : ج1 ص225 ، ألقاب الرسول وعترته : ص181 .
2- تاج المواليد للطبرسي : ص85 ، المستجاد للحلّي : ص287 .
3- المستجاد من كتاب الإرشاد : ص289 .

الثلاثة : الجمل ، صفّين ، والنهروان ، وكانت مدّة خلافته وإمامته بعد أخيه إحدى عشرة سنة(1).

فضائله عليه السلام

اعلم أنّ فضائل ومناقب الإمام الحسين عليه السلام واضحة الظهور ، وسناء شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كلّ الأُمور ، فما اختلف

في نبله وفضله واعتلاء محلّه أحد من الشيعة ولا الجمهور .

وكيف لا يكون كذلك وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه : الجدّ محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله ، والأب علي المرتضى عليه السلام ، والجدّة خديجة الكبرى عليهاالسلام ، والأُمّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، والأخ ذو الشرف والفخار عليه السلام ، والعمّ جعفر الطيّار عليه السلام ، والأولاد الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، والنسب من هاشم صفوة المختار .

فقد روي أنّه أتت فاطمة عليهاالسلام بابنيها الحسن والحسين عليهماالسلام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في شكواه التي توفّي فيها ، فقالت : يارسول اللّه هذان ابناك فورّثهما شيئا .

فقال : أمّا الحسن فإنّه له هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فإنّه له جودي وشجاعتي(2).

وقد اشتهر النقل عنه عليه السلام أنّه كان يكرم الضيف ، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، وينيل الفقير ، ويسعف السائل ، ويكسو العاري ، ويشبع الجائع ، ويعطي الغارم ، ويشفق على اليتيم ويعين ذا الحاجة ، وقلّ أن وصله مال إلاّ وفرّقه . وقد شاع بين الرواة والمؤرخين أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يخرج من نصف ما يملك في

ص: 172


1- الإرشاد : ج2 ص126 ، إعلام الورى : ج1 ص470 .
2- الخصال : ص77 وفيه جرأتي مكان (شجاعتي) ، الإرشاد : ج1 ص26 ، إعلام الورى : ج1 ص428 .

كلّ عام للفقراء والمحتاجين ، وفي بعض الروايات أنّه كان يخرج من جميع ما يملك(1).

ولهذا قالوا : إنّ السماحة والحماسة رضيعتا لبان ، وقد تلازمتا معا ، فهما توأمان ، فالجواد شجاع والشجاع جواد ، وهذه قاعدة كلّية .

وقال الشاعر :

يجود بالنفس إن ضمن الجواد بها

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

وفي رواية خرج النبي صلى الله عليه و آله من بيت عائشة فمرّ على بيت فاطمة عليهاالسلام فسمع الحسين عليه السلام يبكي وقال : ألم تعلمي أنّ بكاؤه يؤذيني(2).

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط »(3).

وروى محمد بن أبي عمير ، عن رجاله ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال الحسن ابن علي عليه السلام لأصحابه : « إنّ للّه مدينتين إحداهما في المشرق والأُخرى في المغرب ، فيهما خلق اللّه تعالى ، لم يهمّوا بمعصية له قطّ ، واللّه ما فيهما وبينهما حجّة للّه على خلقه غيري وغير أخي الحسين عليه السلام »(4).

كان هذا مختصرا من مناقبه وفضائله عليه السلام ، وفضائله أكثر من أن تحصى وتعدّ .

نقش خاتمه عليه السلام

كان عليه السلام لديه خاتمان ؛ أحدهما من عقيق وقد نقش عليه (إنّ اللّه بالغ أمره)

ص: 173


1- تذكرة الخواص : ص233 ، نور الأبصار : ص151 .
2- المناقب : ج4 ص71 .
3- سنن ابن ماجة : ج1 ص51 باب11 ح144 .
4- راجع المستجاد للحلّي : ص288 .

والثاني وهو الذي سلب منه يوم استشهاده ونقش عليه (لا إله إلاّ اللّه عدد لقاء

اللّه) . وقد ورد أنّ من تختّم بمثله كان له حرز من الشيطان ، وفي رواية أنّ نقش خاتمه (حسبي اللّه)(1).

وكان بوّابه عليه السلام : أسعد الهجري .

وشاعره عليه السلام : يحيى بن الحكم ، وآخرون(2).

صفاته عليه السلام

كان الإمام الحسين عليه السلام أبيض اللون ، له جمال عظيم ، ونور يتلألأ في جبينه وخدّه ، وكان أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليه سيماء الأنبياء ، فكان يحكي في هيبته هيبة جدّه صلى الله عليه و آله التي تعنو لها الجباه .

وكان عليه السلام ربعة ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، واسع الجبين ، كثّ اللحية ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظم ، رحب الكفّين والقدمين ، متماسك البدن(3).

في شهادة الحسين عليه السلام

لمّا مات معاوية وانقضت مدّة الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام عن الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، وأبان عن حقّه للجاهلين به حالاً بعد حال ، وأخذ للاستعداد بمحاربة الظلم والاستبداد ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار ، فدعا عليه السلام إلى الجهاد ، وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم اللّه وحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء .

ص: 174


1- الكافي : ج6 ص474 ح8 ، أمالي الصدوق : ص134 ح13 .
2- أعيان الشيعة : ج6 ص450 ، كشف الغمّة : ج2 ص219 ، نور الأبصار : ص139 .
3- ذخائر العقبى : ص99 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص117 .

خرج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنوّرة ومعه أهله وأنصاره قاصدا مكّة المكرّمة ، تاركا فيها أخاه محمد بن الحنفية ، بعد أن رفض مبايعة يزيد بن معاوية ، ووصل إلى مكّة المكرّمة في اليوم الثالث من شعبان سنة 60ه ، فأقام فيها بقيّة شعبان ، ورمضان وشوال وذي القعدة ، وخرج من مكّة في اليوم الثامن من ذي الحجّة ، بعد أن اجتمعت لديه آلاف الرسائل من أهل الكوفة تبايعه وتدعوه إلى القدوم .

وفي بعض الروايات أنّه تلقّى اثني عشر ألف كتابا بهذا الخصوص ، وتتحدّث بعض الروايات أنّ الحسين عليه السلام تلقّى رسائل أيضا من أهل البصرة والمدائن وغيرها ، بالإضافة إلى وفود أتته من العراق واليمن وغيرها من المناطق الإسلامية .

فأرسل الإمام الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة لاستطلاع أوضاع أهلها ، فإن رآهم على مثل ما جاءت به كتبهم أخبره بذلك ليكون على أثره ، فبايعه أهل الكوفة على ذلك ، وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة ، ووثقوا له في ذلك وعاقدوه ، ثمّ لم تطل المدّة بهم حتّى سيطر عليهم ابن زياد فنكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه ، فقتل بينهم ولم يمنعوه ، وقتل كذلك هاني بن عروة مع مسلم بن عقيل ، الذي آواه وحسن ضيافته .

وفي اليوم الثاني من محرّم الحرام وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء التي استشهد فيها مع أولاده وأنصاره في الواقعة المشهورة ، بعد أن حصروه ومنعوه المسير إلى بلاد اللّه ، واضطرّوه إلى حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا منهم ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه ، فقتلوه ، فمضى عليه السلام ظمآن مجاهدا ، صابرا ، محتسبا ، مظلوما ، قد نكثت بيعته ، وانتهكت حرمته ، ولم يوف له بعهد ، ولا رعيت فيه ذمّة ، عقد شهيدا على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهماالسلام وذلك في يوم السبت

ص: 175

العاشر من المحرّم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر ، قتيلاً مظلوما ، صابرا محتسبا .

للشيخ عبدالزهراء الكعبي :

عجّت لندبك يابن بنت محمّد

هذه الأنام على اختلاف لغاتها

هل كيف لا تبكي عليك وأنت قد

ضحّيت نفسك في سبيل نجاتها

وسنّه يومئذ ثمان وخمسون سنة ، أقام مع جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام سبعا وثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعا وأربعين سنة(1).

فسيّد الشهداء أبو عبداللّه الحسين عليه السلام جاد بنفسه وبكلّ غال ونفيس ولنعم ما قيل في حقّه عليه السلام فقد أجاد الشيخ عبدالزهراء الكعبي حيث خمّس بيتا من قصيدة الشيخ محسن أبو الحبّ الكبير :

سبط النبي وملجئٌ للمعتصم

لمّا رأى الدين الحنيف وقد هُدم

نادى وبيض الهند نارا تضطرم

إن كان دين محمّد لم يستقم

إلاّ بقتلي ياسيوف خذيني

وحمل رأسه الشريف إلى يزيد بن معاوية ، وسبيت عياله إلى الشام ، ثمّ تولّى الإمام زين العابدين عليه السلام دفنه في يوم الثالث عشر من المحرّم كما تشير الروايات ، وقبره فيكربلاء المقدّسة، ويؤمّه اليوم الملايين من محبّيه ومواليه لزيارته والتبرّك به.

فضل زيارته عليه السلام

وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته عليه السلام ، فروي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « زيارة الحسين بن علي عليه السلام واجبة على كلّ من يقرّ للحسين عليه السلام بالإمامة من

ص: 176


1- راجع تاج المواليد : ص86 ، المستجاد من كتاب الإرشاد : ص289 .

اللّه عزّوجلّ »(1).

والمراد بالوجوب الثبوت ، أي ثابتة على كلّ موال ، وهذا يدلّ على تأكيد الاستحباب .

وقال عليه السلام : « زيارة الحسين بن علي عليه السلام تعدل مائة حجّة مبرورة ، ومائة عمرة مقبولة »(2).

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « من زار الحسين عليه السلام بعد موته ، فله الجنّة »(3).

وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمّد عليهماالسلام يقولان : « إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله ، أن جعل الإمامة في ذرّيته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيّام زائره جائيا وراجعا من عمره »(4).

وقد ذكر القاضي التستري في (المجالس) والسيّد الزنوري في (رياض الجنّة)

في الروضة الأُولى : أنّ أُمّ الخليعي الشاعر نذرت أنّها إن رزقت ولدا تبعثه لقطع طريق السابلة من زوّار الإمام السبط الحسين عليه السلام وقتلهم فلمّا ولدت الشاعر وبلغ أشدّه ابتعثته إلى جهة نذرها فلمّا بلغ إلى نواحي المسيّب بمقربة من كربلاء المشرّفة

طفق ينتظر قدوم الزائرين فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل فأصابه القتام الثائر فرأى فيما يراه النائم أنّ القيامة قد قامت وقد أُمر به إلى النار ولكنّها لم تمسّه لما عليه من ذلك العثير الطاهر فانتبه مرتدعا عن نيّته السيّئة واعتنق ولاء

ص: 177


1- رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ص236 باب43 ، والصدوق في الفقيه : ج2 ص348 ذيل ح1594 ، والشيخ في التهذيب : ج6 ص42 ذيل ح1 ، أمالي الصدوق : ص123 ح10 .
2- أمالي الصدوق : ص123 ح11 ، تهذيب الأحكام : ج6 ص51 ح119 .
3- تهذيب الأحكام : ج6 ص40 .
4- أمالي الطوسي : ص200 .

العترة وهبط الحائر الشريف ردحا ويقال أنّه نظم عندئذ بيتين وهما :

إذا شئت النجاة فزر حسينا

لكي تلقى الإله قرير عين

فإنّ النار ليس تمسّ جسما

عليه غبار زوّار الحسين(1)

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى .

ص: 178


1- راجع الغدير : ج6 ص12 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

كان للحسين عليه السلام ستّة أولاد(1) وهم :

علي بن الحسين (زين العابدين) وهو الأكبر من اخوته ، وأُمّه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد . ويقال إنّ اسمها كان شهربانو ، وسيأتي شرح أحوال الإمام زين العابدين عليه السلام إن شاء اللّه .

علي بن الحسين المشهور بالأكبر ، قتل مع أبيه بالطفّ ، وسيأتي ذكر خبره إن شاء اللّه ، وأُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفية ، ويرى البعض أنّ عليا

هذا كان أكبر من الإمام زين العابدين عليه السلام .

جعفر بن الحسين عليه السلام لا بقيّة له ، وأُمّه قضاعية ، وكانت وفاته في حياة الإمام الحسين عليه السلام .

عبداللّه بن الحسين عليه السلام الرضيع ، قتل مع أبيه صغيرا ، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه ، وسيأتي ذكر خبره إن شاء اللّه .

سكينة بنت الحسين عليه السلام ، وأُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي كلبية معدية ، وهي أُمّ عبداللّه بن الحسين .

فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وأُمّها أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه تيمية ،

ص: 179


1- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص122 ، نور الأبصار للشيخ الشبلنجي : ص152 .

وسيأتي شرح أحوال سكينة وفاطمة إن شاء اللّه .

وذكر بعض أصحاب السير والأنساب والتواريخ بأنّ السجّاد عليه السلام أصغر من علي بن الحسين الذي قتل مع أبيه بالطف ، وهو الأكبر(1)، ولكن الظاهر أنّ السجّاد عليه السلام كان الأكبر .

وقد عدّ ابن الخشّاب وابن شهر آشوب أبناء الحسين عليه السلام ستّة بإضافة محمد وعلي الأصغر وأضاف على بناته زينب فيكون المجموع تسعة(2).

وفي كشف الغمّة : الصحيح أنّ العليين من أولاده عليه السلام ثلاثة : علي الأكبر الشهيد مع أبيه بالطف ، وعلي الإمام زين العابدين عليه السلام هو الأوسط ، وعلي الأصغر(3).

والظاهر أنّ المذبوح في حجر أبيه أيضا يسمّى بعلي ، وهذا من كثرة حبّه لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام سمّى أولاده عليا ، كما قال زين العابدين عليه السلام ليزيد حين قال : وا عجبا لأبيك سمّى عليا وعليا ، فقال عليه السلام : « إنّ أبي أحبّ أباه أمير المؤمنين عليه السلام فسمّى باسمه مرارا »(4).

وقد عدّ ابن الأثير عمر من أولاد الإمام الحسين عليه السلام كما سيأتي ذكره .

وذكر البخاري : من أولاد الإمام الحسين أبو بكر وقد مات صغيرا قبل أبيه(5).

ص: 180


1- السرائر لابن إدريس : ص153 ، سرّ السلسلة العلوية : ص30 .
2- تاريخ مواليد الأئمّة عليهم السلام ووفياتهم : ص133 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص135 .
3- كشف الغمّة : ج2 ص214 .
4- الكافي للكليني : ج1 ص366 .
5- سرّ السلسلة العلوية : ص30 .

أمّا زوجاته عليه السلام :

إحداهنّ شهربانو أو شاه زنان أُمّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، وسنذكر في باب أحوال الإمام زين العابدين عليه السلام نبذة من حياة (شهر بانو) .

والثانية : الرباب بنت امرئ القيس أُمّ سكينة ، وكان يحبّها الحسين عليه السلام كثيرا ، وإنّ امرئ القيس كان له ثلاث بنات ، فتزوّج بالأُولى أمير المؤمنين عليه السلام ، وتزوّج بالثانية الإمام الحسن عليه السلام ، وتزوّج بالثالثة الإمام الحسين عليه السلام(1)، وقد خطبها بعد استشهاد الحسين عليه السلام أشراف قريش ، فقالت : ما كنت لأتّخذ حما بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولا زوجا بعد الحسين عليه السلام(2).

ولمّا رأت رأس الحسين عليه السلام في مجلس ابن زياد (لعنه اللّه) صاحت وأخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبّلته وقالت :

وا حسينا فلا نسيت حسينا

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

لا سقى اللّه جانبي كربلاء

وروي في التواريخ أنّها لم تعش بعد الحسين عليه السلام أكثر من سنة ، وما برحت عن البكاء والنحيب ، ولم تستظلّ تحت ظلّ ، وحينما رأت جسم الحسين عليه السلام

مطروحا على الأرض ولا يمنعه شيء من أشعّة الشمس ، عاهدت نفسها أن لا تستظلّ بعده ، وقامت على قبره سنة وعادت إلى المدينة ، فماتت أسفا عليه(3).

ومن زوجاته أيضا : ليلى بنت أبي مرّة بن مسعود الثقفية ، وأُمّها ميمونة بنت

ص: 181


1- مجمع البحرين : ج2 ص64 ربب ، تاج العروس : ج1 ص263 (ربب) .
2- الأغاني : ج14 ص164 ، تاريخ ابن الأثير : ج4 ص88 .
3- تذكرة الخواص : ص232 ، أعيان الشيعة : ج6 ص449 ، البداية والنهاية : ج8 ص209 ، الفصول المهمّة : ص183 .

أبي سفيان ، وهي أُمّ علي الأكبر ، فهو هاشمي من طرف الأب ، ويقرب إلى ثقيف وأُميّة من طرف الأُمّ(1).

ومن زوجاته أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه التيمي وسيأتي تفصيله فيما بعد .

وللحسين عليه السلام زوجة أُخرى : اسمها عاتكة ، ولم يعرف عنها أكثر من أنّ إحدى زوجات الحسين عليه السلام كانت تعرف عاتكة على قول(2).

ويذكر في كتب التاريخ أنّ للحسين عليه السلام زوجة أُخرى لم يعلم اسمها ، وقد شهدت واقعة الطفّ ، وكانت حاملاً آنذاك ، فأسقطت حملها في طريقها إلى الشام مع سبايا آل محمّد عليهم السلام قرب جبل بحلب(3)، كما سيأتي ذكره إن شاء اللّه .

أقول : لم يذكر لنا التاريخ اسم والدة هذا الطفل ولم يترجم لها ، ولعلّ عاتكة

زوجة الحسين عليه السلام هي المعنيّة بهذا الأمر ، واللّه أعلم بحقيقة الأُمور .

ص: 182


1- مقاتل الطالبيين : ص86 .
2- دوائر المعارف : ص25 ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام للشيخ محمد هادي الأميني : ص20 .
3- معجم البلدان : ج2 ص186 ، مراقد المعارف : ج2 ص298 ، فريدة العجائب : ص128 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

علي الأكبر بن الإمام الحسين عليهماالسلام

علي الأكبر ، يكنّى أبو الحسن ، ويلقّب بالأكبر ، وأُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي(1). وأُمّها ميمونة بنت أبي سفيان .

وعروة بن مسعود هو أحد السادة الأربعة في الإسلام ، وأحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفّار قريش : «وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»(2).

ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شهر شعبان سنة 36 من الهجرة قبل مقتل عثمان بسنتين في المدينة وكان يروي الحديث عن جدّه الإمام علي عليه السلام ، وكان - على رأي البعض - أكبر من أخيه الإمام زين العابدين عليه السلام(3) بدليل قول الإمام زين العابدين عليه السلام عندما التفت ابن زياد وقال له : أو لم يقتل علي بن الحسين ؟ قال عليه السلام : ذاك أخي وكان أكبر منّي فقتلتموه وإنّ لكم مطلاً يوم القيامة .. الخ(4).

ص: 183


1- مقاتل الطالبيين : ص86 ، سرّ السلسلة العلوية : ص30 .
2- سورة الزخرف : الآية 31 .
3- راجع السرائر للحلّي : ج1 ص597 ، الحدائق الوردية .
4- كتاب الفتوح لابن أعثم: ج5 ص228، تاريخ الطبري: ج5 ص420، تاريخ ابن الأثير : ج4 ص272 .

وكان علي الأكبر بن الحسين عليه السلام من أصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا ، فاستأذن أباه في القتال ، فأذن له ، ثمّ نظر إليه نظر آيس منه وأرخى عليه السلام عينه وبكى .

وروي أنّه عليه السلام رفع شيبته نحو السماء وقال :

اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقا وخُلقا ومنطقا برسولك ، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه(1).. إلى آخر كلامه عليه السلام .

ثمّ صاح بعمر بن سعد :

مالك قطع اللّه رحمك ولا بارك اللّه لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ رفع صوته عليه السلام وتلا : «إِنَّ اللّه َ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2).

وروى الطبري(3) أنّ علي بن الحسين الأكبر كان أوّل قتيل من آل أبي طالب يوم العاشر من محرّم عام 61ه ، فقد جاء إلى أبيه واستأذنه على القتال بعد أن شاهد قلّة الأنصار ، فأذن له الحسين عليه السلام ، فتوجّه إلى القتال وشدّ على أهل الكوفة وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت اللّه أولى بالنبي

أضربكم بالسيف حتّى ينثني

ضرب غلام هاشمي علوي

وشدّ على الناس مرارا وقتل منهم جمعا كثيرا حتّى ضجّ الناس من كثرة من

ص: 184


1- اللهوف : ص99 .
2- سورة آل عمران : الآية 33 - 34 .
3- تاريخ الطبري : ج5 ص356 .

قتل منهم وروي أنّه قتل على عطشه مائة وعشرين فارسا .

ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : ياأبة العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوّى بها على الأعداء فبكى الحسين عليه السلام وقال :

وا غوثاه يابني ، قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمّدا صلى الله عليه و آله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا .

فرجع إلى القتال وهو يقول :

الحرب قد بانت لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

واللّه ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تمام المائتين وكان أهل الكوفة يتّقون قتله فبصر به مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي الليثي فقال : عليَّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه . فمرّ يشدّ على الناس بسيفه فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه

فانصرع واحتواه الناس فقطّعوه بأسيافهم :

فإنّ أكلت هندية البيض شلوه

فلحم كريم القوم طعم المهنّدِ

ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى معسكر الأعداء فقطّعوه بسيوفهم اربا اربا فلمّا بلغت روحه التراقي قال رافعا صوته ياأبتاه هذا جدّي رسول اللّه قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول العجل العجل فإنّ لك كأسا مذخورة حتّى تشربها الساعة فجاء الحسين عليه السلام حتّى وقف عليه ووضع خدّه على خدّه (وفي روضة الصفا) رفع الحسين عليه السلام صوته بالبكاء ولم يسمع أحد إلى ذلك الزمان صوته بالبكاء وقال قتل اللّه قوما قتلوك ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول وانهملت عيناه بالدموع ثمّ قال على الدنيا بعدك

ص: 185

العفا(1).

ذهب العلماء والمؤرخون بأنّ أوّل شهيد من أهل بيت سيّد الشهداء عليه السلام هو علي الأكبر بن الحسين عليه السلام منهم : الطبري والجزري والأصفهاني والدينوري والشيخ المفيد والسيد ابن طاووس وغير هؤلاء .

ويؤيّد ذلك الزيارة المشتملة على أسماء الشهداء : « السلام عليك ياأوّل قتيل من نسل خير سليل »(2).

وقتل يوم الطفّ وهو ابن سبع وعشرين سنة ، وقيل : إنّه ابن خمس وعشرين سنة ، وهو أكبر أولاد الإمام الحسين عليه السلام على قول(3).

ودفن علي الأكبر عند رجلي أبيه الحسين عليه السلام وكان أقرب دفنا إلى الحسين وقبره معروف يزار(4).

وناهيك به فارسا وشجاعا في هذا الميدان ، نقابا يخبر عن مكنون هذا الأمر بواضح البيان .

للشيخ عبدالحسين الصادق العاملي :

جمع الصفات الغرّ وهي تراثه * من كلّ غطريف وشهم أصيدِ

في بأس حمزة في شجاعة حيدر * بأبي الحسين وفي مهابة أحمدِ

وتراه في خلق وطيب خلائق * وبليغ نطق كالنبي محمّد

ص: 186


1- نفس المهموم : ص280 .
2- راجع تاريخ الطبري : ج5 ص356 ، الكامل : ج4 ص74 ، الأخبار الطوال : ص229 ، الإرشاد : ج2 ص127 ، اللهوف : ص99 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص109 .
4- مدينة الحسين : ج2 ص37 .

عبداللّه الرضيع بن الإمام الحسين عليهماالسلام

أُمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، وأُمّها هند الهنود(1).

ولد في المدينة وقتل في الطفّ وعمره ستّة أشهر .

قال السيد ابن طاووس رحمه الله : ولمّا رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبّته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى : هل من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه ، هل من موحّد يخاف اللّه فينا ، هل من مغيث يرجو اللّه بإغاثتنا ، هل من معين يرجو ما عند

اللّه في إعانتنا ، فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب : ناوليني ولدي الصغير حتّى أُودّعه ، فأخذه وأومأ إليه ليقبّله ، فرماه حرملة

ابن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه .

ولقد أجاد الشاعر في قوله :

ومنعطف أهوى لتقبيل طفله

فقبّل منه قبله السهم منحرا

فقال عليه السلام لزينب : خذيه ، ثمّ تلقّى الدم بكفّيه فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثمّ قال : هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه (2).

وعن عقبة بن بشر الأسدي قال : قال لي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام : إنّ لنا فيكم يابني أسد دما . قال : قلت : فما ذنبي أنا في ذلك رحمك اللّه ياأبا جعفر وما ذلك ؟ قال : أتى الحسين عليه السلام بصبي له فهو في حجره إذ رماه أحدكم يابني أسد فذبحه ، فتلقّى الحسين (صلوات اللّه عليه) دمه ، فلمّا ملأ كفّيه صبّه في

الأرض ثمّ قال : ربّ إن تك حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير

ص: 187


1- مقاتل الطالبيين : ص94 .
2- اللهوف : ص102 و103 ، سرّ السلسلة العلوية : ص30 .

وانتقم من هؤلاء الظالمين(1).

ودفن الرضيع عند رجلي أبيه(2)، وفي بعض المقاتل دفنه الحسين عليه السلام في فسطاطه إذ حفر له حفرة بسيفه ودفنه بقماطه(3).

عمر بن الإمام الحسين عليه السلام

عدّ ابن الأثير(4) عمر من أولاد الإمام الحسين عليه السلام ، وذكر له في مجلس يزيد بدمشق مكالمة مع خالد بن يزيد .

روي أنّه دعا يزيد بن معاوية ذات يوم الإمام علي بن الحسين عليه السلام وحضر معه عمر بن الحسين ، وهو صبي صغير ، فقال يزيد لعمر : أتقاتل خالدا ؟ يعني خالد بن يزيد وكان في سنّه ، فقال : أعطني سكّينا وأعطه سكّينا حتّى أُقاتله ، فضمّه يزيد إليه وقال : شنشة أعرفها من أخزم(5).

قال الحموي في معجم البلدان : في بلد وهي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ، وبها مشهد عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه(6).

السقط محسن بن الإمام الحسين عليه السلام

السقط هو محسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(7).

ص: 188


1- تاريخ الطبري : ج5 ص448 ، الكامل لابن الأثير : ج4 ص75 .
2- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص130 .
3- مقتل الخوارزمي : ج2 ص67 ، ومطالب السؤول : ص73 .
4- الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج4 ص85 ، تاريخ الخميس : ج2 ص299 .
5- نور الأبصار : ص146 ، تذكرة الخواص : ص262 ، سرّ السلسلة العلوية : ص31 ، اللهوف : ص77 .
6- معجم البلدان : ج1 ص265 .
7- مراقد المعارف : ج2 ص298 .

روي أنّ محسن السقط هو الذي أسقطته إحدى نساء الحسين عليه السلام المسبيات بعد حادثة كربلاء الدامية سنة 61ه ، في طريق السبي من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام ، وقد أسقطت حملها لمّا رأين النسوة من الجفاء والسير الحثيث والضرب المبرح من أعداء أهل البيت عليهم السلام وأولاد البغايا .

ومرقده في (جبل جوشن)(1) جنب مدينة حلب غربا في سوريا ، ويعرف ب- (مشهد السقط) .

وأهل حلب يعبّرون عنه بالشيخ محسن بفتح الحاء وشدّ السين المكسورة ، وجبل جوشن هو المحلّ الذي أسقطت فيه زوجة الحسين عليه السلام مع السبي الذي أمر بحمله ابن زياد إلى الشام ، فمرّوا بطريقهم بما يسامت حلب ، فأسقطت ولدا سمّاه علي بن الحسين عليه السلام بالمحسن ؛ لأنّه يشبه المحسن سقط الزهراء (سلام اللّه عليها) بين الحائط والباب ، والمشهد الآن عامر مشيّد يزار .

وذكر المؤرخون أنّ هذا المشهد شيّده الأمير أبو الحسن علي سيف الدولة الحمداني في سنة 351ه أيّام حكومة آل حمدان في الشام . وكان سيف الدولة شيعيا ، وكذا آل حمدان اشتهروا بالولاء لأهل البيت عليهم السلام .

وذكر ابن طي في تاريخ حلب أنّ سيف الدولة هو الذي عمّر مشهد الدكّة بظاهر حلب ، بسبب أنّه رأى نورا على مكانه وهو بأحد مناظره في حلب ، فلمّا

ص: 189


1- قال الحموي في معجم البلدان : ج2 ص186 ، جوشن : جبل في غربي حلب ، ومنه يحمل النحاس الأحمر ، وهو معدنه ، ويقال : إنّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي عليه السلام ، وكانت زوجة الحسين عليه السلام حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصنّاع في ذلك الجبل خبزا أو ماءً فشتموها ومنعوها فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ومشهد الدكّة والسقط سمّي محسن بن الحسين عليه السلام .

أصبح ركب إلى هناك وأمر بالحفر ، فوجد حجرا مكتوبا عليه (هذا المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام) ، فجمع العلويين وسألهم فقال بعضهم : إنّها لمّا مرّوا بالسبي أيّام يزيد من حلب ، فطرحت إحدى نساء الحسين عليه السلام بهذا الولد ، فعمّره سيف الدولة وقال : إنّ اللّه أذن لي في عمارته على اسم بنت نبيّه ، ويعرف الموضع بالجوشن(1).

وقد أصبح مشهد السقط مدفنا لوجوه الشيعة ومشاهير علمائها هناك منهم : العالم السيّد أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني صاحب كتاب (الغنية) مقتدى الشيعة في حلب ومفتيها الأوحد المتوفّى سنة 585ه ، والشيخ أبو جعفر محمد ابن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني صاحب كتاب (المناقب) ويعدّ من مشاهير علماء الشيعة الإمامية هناك المتوفّى في حلب سنة 588ه على الأصحّ ، وغيرهم من العلويين(2).

وبالقرب من مشهد السقط (مشهد النقطة) في سفح جبل جوشن أيضا ، وسمّي بمشهد النقطة المعروف والمشهور في تلك البقاع ، أنّه لمّا وصل سبي عيال الحسين عليه السلام إلى هذا الجبل بات فيه الكوفيون وحملة الرؤوس مع السبايا ، وقد وضعوا رأس الحسين عليه السلام على حجر مرتفع فقطرت منه قطرة دم زكي على ذلك الحجر ، فكانت القطرة موضع إعجاب واهتمام ، فحفظها أهل ذلك القطر حتّى فتح سيف الدولة الحمداني الشام ، وعلموه بموضع قطرة الدم الزكي فبنى عليها بناية أثرية مهمّة(3).

ص: 190


1- راجع الذريعة : ج24 ص154 - 155 .
2- مراقد المعارف : ج2 ص303 .
3- دائرة المعارف الشيعية لحسن الأمين : ج5 ص407 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

فاطمة الكبرى بنت الإمام الحسين عليه السلام

وهي فاطمة بنت الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليهم أجمعين)(1).

ص: 191


1- انظر ترجمتها في الاختصاص للمفيد : ص233 ، إسعاف الراغبين : ص210 ، أسنى المطالب : ص45 و95 ، أُصول الكافي : ج1 ص329 ، وج2 ص187 ، الأعلام للزركلي : ج5 ص130 ، إعلام الورى : ج1 ص475 ، أعلام النساء : ج4 ص44 ، أعيان الشيعة : ج8 ص387 ، الإرشاد : ج2 ص121 ، الأغاني : ج18 ص203 - 209 ، أمالي الشيخ الطوسي : ج2 ص189 و197 ، تاريخ بغداد : ج11 ص285 ، تاريخ الخميس : ج1 ص300 ، تاريخ الطبري : ج6 ص265 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص312 و370 ، تذكرة الخواص : ص249 ، تنقيح المقال : ج3 ص82 ، تهذيب التهذيب : ج12 ص469 ح2862 ، الجرح والتعديل : ج1 ص585 ، ذخائر العقبى : ص121 ، رياحين الشريعة : ج3 ص281 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص204 ، سنن ابن ماجة : ج1 ص484 ، شذرات الذهب : ج1 ص139 ، صحيح البخاري : ج1 ص230 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : ج8 ص273 ، عمدة الطالب : ص84 و101 ، الفصول المهمّة : ص100 و155 ، الكامل في التاريخ : ج4 ص86 ، كشف الغمّة : ج1 ص135 و147 ، كنز العمّال : ج6 ص220 ، الكنى والألقاب : ج2 ص241 ، اللهوف : ص180 ، المستدرك على الصحيحين : ج3 ص164 ، معاني الأخبار : ص354 ، مقاتل الطالبيين : ص202 ، مقتل الحسين عليه السلامللخوارزمي : ج2 ص62 ، مجمع الزوائد : ج9 ص272 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص172 ، من لا يحضره الفقيه : ج2 ص28 ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام لمحمد هادي الأميني : ص100 و155 .

أُمّها : أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه التيمي ، وأُمّها - أي أُمّ إسحاق - جرباء بنت قسامة بن طي ، وإنّما سمّيت جرباء لحسنها ، وكانت لا تقف إلى جنبها امرأة وإن كانت جميلة إلاّ استصبح منظرها لجمالها ، وقد كانت أُمّ إسحاق عند الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قبل أخيه الحسين عليه السلام ، فلمّا حضرته الوفاة دعا بالحسين عليه السلام ، فقال : ياأخي إنّي أرضى هذه المرأة لك فلا تخرجنّ من بيوتكم ، فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها ، فلمّا توفّي عليه السلام تزوّجها الإمام الحسين عليه السلام ، فولدت له فاطمة(1) العذراء ، الثائرة ، العالمة ، العاملة ، الطاهرة الذيل ، النقيّة القلب ، البليغة الخطيبة ، الشجاعة ، الفصيحة .

كانت السيّدة ابنة الحسين عليه السلام فاطمة على ما يحدّثنا التاريخ ، عالمة ذات فضيلة ، ومن الفضيلات اللواتي سجّل لهنّ التاريخ الذكر الحسن .

ولدت ونشأت بالمدينة في دار باب مدينة علم النبي صلى الله عليه و آله وطلبت الحديث ، وكسبت الأدب ، وكانت على استعداد تامّ في حفظ ما يلقي عليها ، وممّا تسمعها من أبيها عليه السلام في أبواب مختلفة من العلم ، ونواح شتّى من الحديث ، كما أنّها سمعت بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و آله ، وممّن أخذ وسمع عن جدّها أمير المؤمنين عليه السلام من الأحاديث الشريفة .

وجلالة هذه العلوية المخدّرة ، وعظم شأنها أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، وإقامة دليل وبرهان فهي عالمة محدّثة مجاهدة ، تركت أثرا لا يمحى في التاريخ

ص: 192


1- جمهرة الأنساب : ص41 .

الإسلامي ، وإليها وإلى غيرها من بنات أمير المؤمنين عليه السلام يرجع الفضل في نجاح ثورة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته الدامية .

وما عسى الباحث أن يكتب عن حياة هذه العلوية المخدّرة التي قضت عمرها الشريف المبارك في العلم والجهاد ، ونحن إذ نترجم حياتها إنّما نمرّ على بعض الجوانب التي مرّت عليها .

عبادتها

لقد عرف أهل البيت (سلام اللّه عليهم أجمعين) بكثرة العبادة ، وإنّما أخذوا ذلك من جدّهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث كان يصلّي الليل ويصوم النهار حتّى أنزل اللّه سبحانه وتعالى فيه : «طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى»(1)، وكذلك كان الإمام علي ، وفاطمة ، والحسن والحسين عليهم السلام ، يصلّون في اليوم والليلة الف ركعة . وفاطمة الكبرى عليهاالسلام شأنها شأن آبائها الصالحين كانت عابدة زاهدة ، تصلّي الليل

وتصوم النهار ، وكانت تسبّح بخيط معقود فيها ، حيث ورد في التاريخ :

1 - قال الإمام الحسين عليه السلام فيها : « أمّا في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار »(2).

2 - وقال الشيخ المفيد في الإرشاد : كانت فاطمة بنت الحسين عليه السلام تقوم الليل وتصوم النهار(3).

ص: 193


1- سورة طه : الآية 1 - 2 .
2- الأغاني : ج18 ص204 ، مقاتل الطالبيين : ص180 ، عمدة الطالب : ص84 ، الفصول المهمّة : ص154 ، كشف الغمّة : ج1 ص172 ، إسعاف الراغبين : ص210 .
3- الإرشاد : ج1 ص122 .

3 - وفي بعض المصادر : أنّها كانت تسبّح بخيوط معقود فيها(1).

4 - وقد ضربت على قبر زوجها فسطاطا ، كانت تصوم النهار وتقوم الليل إلى سنة(2)، كما ذكرنا في ترجمة الحسن المثنّى في فصل أولاد الإمام الحسن عليه السلام .

استيداعها الوصية

وممّا يدلّ على مكانة فاطمة عند الحسين عليه السلام ، ورجاحة عقلها ، ومعرفتها التامّة بنصوص الإمامة ، هو إيداع الحسين عليه السلام وصيته عندها يوم عاشوراء .

روى ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

(إنّ الحسين بن علي عليه السلام لمّا حضره الذي حضره ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة ، وكان علي بن الحسين عليه السلام مبطونا معهم لا يرون إلاّ أنّه لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليه السلام ، ثمّ صار واللّه ذلك الكتاب إلينا يازياد) .

قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني اللّه فداك ؟

قال : (فيه واللّه ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق اللّه آدم إلى أن تفنى الدنيا ، واللّه إنّ فيه الحدود ، حتّى أنّ فيه أرش الخدش)(3).

مع واقعة الطفّ

خرجت فاطمة الكبرى عليهاالسلام مع أبيها الحسين عليه السلام ، وزوجها الحسن المثنّى

ص: 194


1- الطبقات الكبرى : ج8 ص474 ، السمط الثمين : ص168 .
2- نفثة المصدور : ص39 .
3- أُصول الكافي : ج1 ص303 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : ج4 ص172 .

نحو الكوفة ، بعد أن قدمت رسل أهلها : أن أقدم يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقد أينعت الثمار و... وشاهدت (سلام اللّه عليها) كلّ ما جرى على أهل بيت العصمة عليهم السلام من قتل وسبي ، وكانت ضمن السبايا اللواتي ساقهنّ ابن سعد إلى الكوفة .

وفي الكوفة عاصمة أهل البيت عليهم السلام أُدخلت السبايا ، بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونساء الحسين عليه السلام وجواريه وعيالات الأصحاب ، وإذا بأهل الكوفة يتفرّجون على الحرائر ، على ودائع خير الأنبياء ، وكأن لم يحصل شيء ، لم يقتل ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعندها صاحت أُمّ كلثوم : ياأهل الكوفة أما تستحون من اللّه ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي صلى الله عليه و آله .

وبينما الناس تنظر إليهم وتسأل عنهم أومأت ابنة أمير المؤمنين عليه السلام وبطلة كربلاء زينب العقيلة إلى ذلك الجمع المتراكم فهدؤوا وكأنّ على رؤوسهم الطير ، وخطبت خطبتها المشهورة المعروفة . ثمّ كان لفاطمة بنت الحسين عليهماالسلام دور هامّ ، فبعد أن انتهت عمّتها زينب عليهاالسلام من خطبتها ، وقفت فاطمة بقلب كلّه عزم وإيمان

وثبات ويقين ، وضمير صالح صادق ، تخطب بأهل الكوفة ، وتكشف فضائح الأمويين . وسنذكر خطبتها كاملة .

وبعد أن مكثت العائلة في الكوفة عدّة أيّام جاء الأمر من يزيد إلى ابن زياد بأن يسرّح عائلة الحسين عليه السلام إلى الشام ، وفعلاً فقد دخلت العائلة إلى الشام ، وإذ بأهل الشام يعيّد بعضهم الآخر بالانتصار ! ورأى الإمام زين العابدين عليه السلام أنّ الجو مناسب لأن يتحدّث ، وفعلاً صعد المنبر وألقى خطبته المعروفة التي قاطعها يزيد عدّة مرّات . ثمّ تكلّمت العقيلة زينب (سلام اللّه عليها) ففضحت بني أُميّة وعرّفت

الناس حقيقتهم المزيّفة .

وفي هذا المجلس جرت لفاطمة بنت الحسين (سلام اللّه عليها) قصّة يرويها لنا الشيخ المفيد ، قال : قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام : ولمّا جلسنا بين يدي يزيد

ص: 195

رقّ لنا ، فقام إليه رجل من أهل الشام فقال : ياأمير المؤمنين هب لي هذه الجارية . وكنت جارية وضيئة ، فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم(1)، فأخذت بثياب عمّتي زينب ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت عمّتي للشامي : كذبت واللّه ولؤمت ، واللّه ما ذاك لك ولا له .

فغضب يزيد وقال : كذبتِ واللّه ، إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعل لفعلت .

قالت زينب : كلاّ واللّه ما جعل اللّه ذلك لك ، إلاّ أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغيرها .

فاستطار يزيد غضبا وقال : إيّاي تستقبلين بهذا ، إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك .

قالت زينب : بدين اللّه ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلما .

قال يزيد : كذبت ياعدوّة اللّه .

قالت زينب : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك .

فكأنّه استحى وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب وهب اللّه لك حتفا قاضيا(2).

وفي رواية أُخرى : أنّ رجلاً من أهل الشام نظر إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، فقال : ياأمير المؤمنين هب لي هذه الجارية .

فقالت فاطمة لعمّتها : أُوتمتُ وأُستخدم ؟

ص: 196


1- أي سيفعلونه .
2- الإرشاد : ج2 ص125 ، وانظر : الكامل في التاريخ : ج4 ص86 ، تاريخ الطبري : ج5 ص265 ، سير أعلام النبلاء : ج3 ص204 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج2 ص62 .

فقالت زينب (سلام اللّه عليها) : لا وكرامة لهذا الفاسق .

فقال الشامي : من هذه الجارية ؟

فقال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب .

فقال الشامي : الحسين بن فاطمة ، وعلي بن أبي طالب ؟!

فقال يزيد : نعم .

فقال الشامي : لعنك اللّه يايزيد ، أتقتل عترة نبيّك ، وتسبي ذرّيته ؟! واللّه ما توهّمت إلاّ أنّهم سبي الروم .

فقال يزيد : واللّه لألحقنّك بهم ، ثمّ أمر به فضرب عنقه(1).

نعم هكذا كانت مواقف بنات أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل الحسين عليه السلام ، يصدعن بالحقّ والعدالة جهارا في غير جمجمة ولا إدهان ، لا يثنيهنّ عن قول الحقّ رهبة يزيد وأذنابه المارقين . ولا تصدّهنّ عن البيان مخافة السيوف والسجون والرماح والنبال . فقد اندفعنّ وراء الحقّ والقرآن يجاهدنّ دونهما بسماحة نفس وطيب خاطر ، وقد تجلّت شجاعة بنت الحسين عليه السلام في تلك الفترة الحرجة من بعد مقتل والدها حيث وقفت ذلك الموقف البطولي دون أن تعبأ بما سيصيبها من شرّ ، ما دامت تعتقد أنّها تدافع الحقّ وتذود عنه(2).

خطبتها في الكوفة

إنّ فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام وقفت في الكوفة في مجلس ابن زياد وألقت خطبتها المشهورة المعروفة ، نعم افتتحت خطبتها بحمد اللّه تعالى ، ثمّ الإقرار بالشهادتين ، ثمّ تعرّضت إلى بعض المسائل العقائدية ، ثمّ تطرّقت إلى استشهاد أبيها

ص: 197


1- اللهوف : ص180 .
2- فاطمة بنت الحسين عليه السلام : ص53 .

الحسين عليه السلام واخوتها بأُسلوب حكيم وبعبارة رزينة صوّرت فيها ألوان القتل المرير ، وترجمت بها أشجان القلوب الكسيرة ، وترفّعت في الوقت نفسه عن ذكر قتلته عليه السلام ، فلم تذكرهم ولم تتطرّق إلى أسمائهم ؛ لأنّهم ليسوا من الذين يستحقّون الذكر والبيان ، ولم تشتمهم ولم تسبّهم ؛ لأنّها علمت أن ليست لصاحبة الرسالة أن تشتم ، إنّما وظيفتها وواجبها أن تنبّه الأذهان وتمتلك القلوب ببيانها وأُسلوبها ، لينفذ في أعماق القلوب ويأخذ مأخذه الراسخ .

نعم وقفت فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام بقلب كلّه إيمان وثبات ، ونفس كلّها اطمئنان وسكون وقالت :

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأُؤمن به ، وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ أولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات .

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب المسلوب حقّه ، المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت اللّه تعالى وبها معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته ، ولا عند مماته حتّى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيّب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته اللهمّ للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلى الله عليه و آله ، حتّى قبضته إليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته ، وهديته إلى صراط مستقيم .

أمّا بعد ياأهل الكوفة ، ياأهل المكر والغدر والخيلاء ، إنّا أهل بيت ابتلانا اللّه

ص: 198

بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا اللّه

بكرامته ، وفضّلنا بنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله على كثير ممّن خلقه تفضيلاً .

فكذّبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهبا ، كأنّنا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم ، قرّت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم افتراء على اللّه ، ومكرا مكرتم واللّه

خير الماكرين . فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على اللّه يسير ، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما

آتاكم ، واللّه لا يحبّ كلّ مختال فخور .

تبّا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حلّ بكم وتواترت من السماء نقمات فتسحتكم بعذاب ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثمّ تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة اللّه على الظالمين .

ويلكم أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم ؟

وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ؟

أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟

قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون .

تبّا لكم ياأهل الكوفة ، أي ترات لرسول اللّه قبلكم ، وذحول له لديكم ، ثمّ غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدّي ، وبنيه عترة النبي الأخيار عليهم السلام ، وافتخر بذلك مفتخر فقال :

ص: 199

نحن قتلنا عليا وبني علي

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبي ترك

ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيّها القائل الكثكث والأُثلب ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللّه وطهّرهم وأذهب عنهم الرجس ، فاكضم وأقع كما أقعى أبوك ، فإنّما لكلّ امرئ ما اكتسب وما قدّمت يداه ، حسدتمونا ويلاً لكم على ما فضّلنا اللّه :

فما ذنبا إن جاش دهر بحورنا

وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور .

عندئذ ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ، وقالوا : حسبك ياابنة الطيبين فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدّها السلام(1).

روايتها للحديث

تعدّ فاطمة الكبرى بنت الإمام الحسين عليه السلام راوية من راويات الحديث ، ومحدّثة من محدّثات عصرها ، روت عن جماعة من الثقات ، وروى عنها أيضا أعيان المسلمين .

قال ابن حجر العسقلاني : فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمية المدنية ، روت عن أبيها ، وأخيها زين العابدين ، وعمّتها زينب بنت علي ، وجدّتها فاطمة الزهراء ، وبلال المؤذّن ، وابن عبّاس ، وأسماء بنت عميس .

وروى عنه أولادها : عبداللّه ، وإبراهيم ، وحسين ، وأُمّ جعفر ، بنو الحسن بن

ص: 200


1- الاحتجاج : ج2 ص27 ، مقتل الحسين عليه السلام : ص376 ، اللهوف : ص149 .

الحسن بن علي ، ومحمد بن عبداللّه بن عمرو بن عثمان . وروى أبو المقدام بن زياد عن أبيه وقيل عن أُمّه عنها ، وروى زهير بن معاوية عن شيخ يقال هو مصعب بن محمد عنها ، وغيرهم . ذكرها ابن حبّان في الثقات ، وماتت وقد قاربت التسعين ، ووقع ذكرها في صحيح البخاري في الجنائز ، قال : لمّا مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته القبّة(1).

نذكر بعض أحاديثها تتميما للفائدة :

1 - عن عبداللّه بن الحسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة عليهاالسلام قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا دخل المسجد قال : « بسم اللّه ، والحمد للّه ، وصلّى اللّه على رسول اللّه ، اللهمّ اغفر لي ذنوبي ، وسهّل لي أبواب رحمتك » . وإذا خرج قال مثل ذلك ، إلاّ أنّه يقول : « اللهمّ اغفر لي ذنوبي ، وسهّل لي أبواب رحمتك وفضلك »(2).

2 - عبداللّه بن الحسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة الكبرى بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « لا يلومنّ إلاّ نفسه من بات وفي يده غمر »(3).

3 - عبداللّه بن الحسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ، عن أُمّه فاطمة الكبرى عليهم السلام ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ما التقى جندان ظالمان إلاّ تخلّى اللّه عنهما ، ولم يبال أيّهما غلب . وما التقى جندان ظالمان إلاّ كانت الدبرة على

ص: 201


1- تهذيب التهذيب : ج12 ص442 ، تقريب التهذيب : ج2 ص609 .
2- كشف الغمّة : ج1 ص165 .
3- كشف الغمّة : ج1 ص165 ، والغمر : السهك .

أعتاهما »(1).

4 - عن أبي عبداللّه الصادق عليه السلام ، قال : حدّثني أبي ، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، قالت : سمعت أبي يقول : « يقتل منك أو يصاب منك نفر بشطّ الفرات ، ما سبقهم الأوّلون ، ولا يدركهم الآخرون »(2).

5 - قال عبداللّه بن الحسن : قالت أُمّي فاطمة بنت الحسين عليه السلام : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في النوم فقال لي : « يابنيّة لا تخسري ميزانك ، وأقيمي وزنه وثقّليه

بقراءة آية الكرسي ، فما قرأها من أهلي أحد إلاّ ارتجّت السماوات والأرض بملائكتها ، وقدّسوا بزجل التسبيح والتهليل والتقديس والتمجيد ، ثمّ دعوا بأجمعهم لقاريها يغفر له كلّ ذنب ويجاوز عنه كلّ خطيئة »(3).

6 - فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ، عن أُمّه فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه و آله قالت : خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشية عرفة فقال : « إنّ اللّه عزّوجلّ باهى بكم وغفر لكم عامّة ولعلي خاصّة ، وإنّي رسول اللّه إليكم غير محاب لقرابتي ، إنّ السعيد كلّ

السعيد من أحبّ عليا في حياته وبعد موته »(4).

7 - فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ، عن أخيه الحسن ، قال : رأيت فاطمة أُمّي عليهاالسلام قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة وساجدة حتّى انفجر عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ، وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ، ولا

ص: 202


1- كشف الغمّة : ج1 ص173 .
2- الإقبال : ص427 ، تنقيح المقال : ج2 ص177 .
3- أسنى المطالب : ص95 ، وبحار الأنوار ج86 ص356 .
4- كشف الغمّة : ج1 ص135 ، الرياض النضرة : ج2 ص177 ، مجمع الزوائد : ج9 ص132 وفيه رواه الطبراني .

تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : ياأُمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت يابني : « الجار ثمّ الدار »(1).

8 - عبداللّه بن الحسن ، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، قالت : لمّا اشتدّت بفاطمة عليهاالسلام الوجع واشتدّت علّتها اجتمعت عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها : يابنت رسول اللّه كيف أصبحت من علّتك ؟ قالت : « أصبحت واللّه عائفة دنياكنّ ، قالية لرجالكنّ ، لفظتهم بعد إذ عجمتم ، وشنأتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحا لفلول الحدّ وخور القناة وخطل الرأي ، وبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون ، لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها ، وشننت عليهم عارها ، فجدعا وعقرا وسحقا للقوم الظالمين .

ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوّة ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين . وما الذي نقموا

من أبي الحسن ، نقموا واللّه منه نكير سيفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره

في ذات اللّه عزّوجلّ ، وتاللّه لو تكافّوا عن زمام نبذه إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لاعتلقه ولسار بهم سيرا سجحا ، لا يكلِم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميرا فضفاضا تطفح ضفّتاه ولأصدرهم بطانا قد تخيّر لهم الري غير متحل منه بطائل إلاّ بغمر الماء وردعه سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات السماء والأرض ، وسيأخذهم اللّه بما كانوا يكسبون .

ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب ، وإن تعجب فقد أعجبك

الحادث ، إلى أي سناد استندوا وبأيّة عروة تمسّكوا ، لبئس المولى ولبئس العشير

ص: 203


1- كشف الغمّة : ج1 ص141 .

وبئس للظالمين بدلاً .

استبدلوا واللّه الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا ، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ، أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثمّ احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا وذعافا ممقرا هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسّس الأوّلون ، ثمّ طيبوا عن أنفسكم أنفسا فاطمأنّوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فياحسرة لكم وأنّى لكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم كارهون ، والحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد خاتم النبيين وسيّد المرسلين »(1).

9 - عن محمد بن علي ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها وعمّها الحسن بن علي عليهم السلام : « أخبرنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا أُدخلت الجنّة رأيت الشجرة تحمل الحلي والحلل ، أسفلها خيل بلق ، وأوسطها الحور العين ، وفي أعلاها الرضوان ، قلت : ياجبرئيل لمن هذه الشجرة ؟ قال : هذه لابن عمّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، إذا أمر اللّه الخليقة بالدخول إلى

الجنّة يؤتى بشيعة علي حتّى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة ، فيلبسون الحلي والحلل ويركبون الخيل البلق وينادي منادٍ : هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا فحبّوا هذا اليوم »(2).

ص: 204


1- كشف الغمّة : ج1 ص147 ، معاني الأخبار : ص354 .
2- بحار الأنوار ج8 ص139 .

10 - عن فاطمة بنت الحسين ، عن أُمّ كلثوم بنت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله ، عن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قالت : أنسيتم قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وقوله صلى الله عليه و آله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى عليهماالسلام »(1).

زواجها

من المعروف والمتسالم عليه أنّ الحسن المثنّى بن الحسن السبط خطب من عمّه إحدى ابنتيه فاطمة أو سكينة ، فاختار له عمّه فاطمة قائلاً له : (إنّها أشبه الناس بأُمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أمّا في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين)(2).

وفعلاً فقد تزوّجت فاطمة من ابن عمّها الحسن المثنّى ابن الحسن السبط عليهم السلام ، وكان سيّدا جليلاً ، رئيسا مطاعا ، ورعا فاضلاً ، وهو وصي أبيه في بعض الأُمور ، ووالي صدقات جدّه أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد كوّنا الأُسرة المثالية التي تبني تعاملها على الأُسس الإسلامية الرفيعة ، كيف لا وهما أبناء الحسن والحسين ، ونجلا علي وفاطمة (عليهم الصلاة والسلام) .

نعم عاشت فاطمة بنت الحسين عليه السلام في بيت زوجها الحسن المثنّى سنين طويلة ، وقامت بشؤون البيت وإدارته بصورة تضمن لهما السعادة الزوجية والحياة المنزلية ، وقد كانت مثالاً حيّا فيما ينبغي أن تتّخذه الزوجة أساسا لحياتها المنزلية

ص: 205


1- أسنى المطالب : ص45 .
2- الأغاني : ج18 ص204 ، مقاتل الطالبيين : ص180 ، عمدة الطالب : ص84 ، الفصول المهمّة : ص154 ، كشف الغمّة : ج1 ص172 ، إسعاف الراغبين : ص210 .

الفاضلة .

أولادها

وولدت فاطمة بنت الحسين عليه السلام ثلاثة أولاد ، هم : عبداللّه المحض ، الحسن المثلّث ، إبراهيم الغمر .

وقد ربّت فاطمة أولادها تربية علوية صالحة ، حتّى عرفوا في التاريخ بالعلم الغزير ، والأدب الجمّ ، والخبرة الصائبة ، والمعرفة السديدة ، والعقيدة الراسخة ، والشجاعة والثبات والإقدام ، وقطعوا في حياتهم أشواطا في سبيل الجهاد والكفاح ، وكان سيف العبّاسيين مسلّطا فوق رؤوسهم ، وسياطهم تلهب ظهورهم ، وأبواب السجن مفتّحة في وجوه كلّ بني الحسن وعوائلهم ، وهم في كلّ هذه المحن كانوا أصلب عودا وأقوى شكيمة وأشدّ مراسا وأقوى إيمانا وأكثر صبرا .

وفاة فاطمة بنت الحسين عليه السلام

توفّيت فاطمة بنت الحسين في السنة التي توفّيت بها أُختها سكينة بنت الحسين ، وهي سنة سبع عشرة بعد المائة من الهجرة بالمدينة ، وقيل سنة عشرة ومائة للهجرة(1).

وكانت فاطمة أكبر سنّا من أُختها سكينة ، وقد عاشت ما يقارب التسعين ، كانت كلّها همّ وغمّ وشقاء وحزن ، شهدت خلالها مصرع أبيها واخوتها وزوجها وغيرهم من الأهل والأعزّاء .

وتوفّيت فاطمة في مصر بإجماع من المؤرخين ، غير أنّ التاريخ لم يذكر لنا

ص: 206


1- نفس المهموم : ص481 ، أنساب الأشراف : ج2 ص419 .

العوامل التي دفعت بها أن تسافر إلى مصر وتموت فيها وتدفن بالدرب الأحمر .

وربما نفوها بنو أُميّة إلى تلك البلاد .

وفي رواية أنّ السيّدة فاطمة مدفونة خلف الدرب الأحمر في زقاق يعرف بزقاق فاطمة النبوية في مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه المهابة والجلال(1).

وفي رحلة ابن بطوطة بعد الكلام على غزّة ما نصّه : وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي ، وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخطّ بديع :

(للّه العزّة والبقاء ، وله ما ذرأ وبرأ ، وعلى خلقه كتب الفناء ، وفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أُسوة .. هذا قبر أُمّ سلمة فاطمة بنت الحسين عليه السلام) .

وفي اللوح الآخر منقوش : صنعة محمد بن أبي سهل النقّاش بمصر .

وتحت ذلك هذه الأبيات :

أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه

بالرغم منّي بين الترب والحجر

ياقبر فاطمة بنت ابن فاطمة

بنت الأئمّة بنت الأنجم الزهر

ياقبر ما فيك من دين ومن ورع

ومن عفاف ومن صون ومن خفر(2)

سكينة بنت الحسين عليه السلام

كانت السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، سيّدة نساء عصرها

ص: 207


1- الإتحاف بحبّ الأشراف : الباب الرابع ص95 ، الخطط المقريزية : ج2 ص436 ، معجم البلدان : ج5 ص142 .
2- رحلة ابن بطوطة : ص21 .

وأوقرهنّ ذكاءً وعقلاً وأدبا ، وكانت تزين مجالس نساء أهل المدينة بعلمها وأدبها وتقواها ، وكان منزلها بمثابة ندوة لتعلّم العلم والفقه والحديث .

أُمّها : الرباب بنت امرئ القيس بن عدي كلبية معدية ، وكانت الرباب من خيرة النساء وأفضلهنّ ، جاء بها الإمام الحسين عليه السلام مع حرمه إلى الطف ، وحملت معهنّ إلى الكوفة ، ورجعت مع الحرم إلى المدينة ، فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهارا من البكاء على الحسين عليه السلام ، ولم تستظل تحت سقف حتّى ماتت بعد قتله بسنة كمدا ، وإنّها في تلك السنة التي عاشت بها خطبها الأشراف ، فأبت وقالت : ما كنت لأتّخذ حما بعد رسول اللّه (1)، وحقّ لها إذا امتنعت فإنّها لا ترى مثل سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام .

ولدت الرباب سكينة وعبداللّه ، فأمّا عبداللّه فقد قتل رضيعا في حجر أبيه الحسين يوم عاشوراء ، وقد مرّ ذكره ، وأمّا سكينة فقد روي أنّ اسمها آمنة ، وقيل أمينة ، وإنّما أُمّها الرباب لقّبتها بسكينة لسكونها وهدوئها(2).

نشأت سكينة في حضن الرسالة ، ودرجت في حجر الإمامة ، فهي بنت الإمام الحسين سيّد أهل الإباء ، وعاشت بجنب عمّتها وسيّدتها العظيمة الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وبجوار أخيها السجّاد زين العابدين عليه السلام ، تحوطها حالة من أنوار الميامين الأبرار ومن سادات بني هاشم الكرام .

وروي أنّ الحسن المثنّى بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام أتى عمّه الحسين عليه السلام يخطب إحدى ابنتيه ، فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : أختار

ص: 208


1- الأغاني : ج14 ص164 ، تاريخ ابن الأثير : ج4 ص36 ، تذكرة الخواص : ص235 .
2- شذرات الذهب : ج1 ص154 ، نور الأبصار : ص157 .

لك فاطمة فهي أكثر شبها بأُمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أمّا في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين ، وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع اللّه (1).

هذه شهادة من الإمام أبي عبداللّه عليه السلام في تقوى هذه السيّدة المصونة ، وإنّها منقطعة إلى الطاعة والعبادة فكأنّها لا تأنس بغيرها ، وهذا ممّا زاد في محلّها من قلب أبيها الحسين عليه السلام إمام عصره ، حتّى استحقّت أن يصفها المعصوم بخيرة النساء(2)، وذلك لمّا ودّع الإمام عيالاته يوم عاشوراء أجلس سكينة وهو يمسح على رأسها ويقول :

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام منّي الروح في جثماني

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي * تأتينه ياخيرة النسوان

وقالت سكينة : لمّا قتل الحسين عليه السلام اعتنقته فأُغمي عليّ ، فسمعته يقول :

شيعتي ما أن شربتم * ماء عذب فاذكروني

أو سمعتم بغريب * أو شهيد فاندبوني

فقامت مرعوبة قد قرحت مآقيها وهي تلطم خدّيها(3).

ولم يتّضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها ، كما صحّ لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها(4).

ص: 209


1- إسعاف الراغبين : ص176 .
2- أعلام النساء : ج5 ص202 .
3- مصباح الكفعمي : ص741 .
4- راجع تهذيب الأسماء للنووي : ج1 ص263 .

وقال السيد الأمين : توفّيت السيّدة سكينة عليهاالسلام بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة 117ه ، وأضاف السيّد رحمه الله : كانت من أجلّ النساء ، وسيّدة نساء عصرها .

وعمرها على ما قيل : خمس وسبعون سنة ، فعلى هذا كان لها بالطف تسعة عشر سنة(1).

وقال سبط ابن الجوزي : ماتت فاطمة بنت الحسين وأُختها سكينة في سنة واحدة وهي سنة مائة وسبع عشرة بعد الهجرة(2).

وإنّ علماء النسب والتاريخ يذكرون أنّ سكينة تزوّجت بعبداللّه الأكبر بن الإمام الحسن السبط عليه السلام وهو أخو القاسم ، أُمّهما رملة ، استشهد يوم الطف قبل القاسم(3).

وكان عبداللّه بن الحسن قد زوّجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبنى بها(4)، كما ذكر فيما سبق في باب الإمام الحسن عليه السلام .

بعض ما جاء في فضائلها

1 - روى أبو الفرج : أنّ سكينة بنت الحسين عليهماالسلام كانت في مأتم فيه بنت لعثمان ، فقالت بنت عثمان :

أنا بنت الشهيد !

ص: 210


1- أنساب الأشراف : ج2 ص417 .
2- تذكرة الخواص : ص235 .
3- المجدي : ص201 ، إعلام الورى : ج1 ص450 .
4- إعلام الورى : ج1 ص405 ، إسعاف الراغبين : ص202 ، أنساب الأشراف : ج2 ص417 .

فسكتت سكينة ، فقال المؤذّن : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه .

قالت سكينة : هذا أبي أو أبوك .

فقالت العثمانية : لا أفخر عليكم أبدا(1).

2 - وروى سبط بن الجوزي عن سفيان الثوري قال : أراد علي بن الحسين عليه السلام الخروج إلى الحجّ أو العمرة ، فاتّخذت له أُخته سكينة بنت الحسين عليه السلام

سفرة أنفقت عليها ألف درهم وأرسلت بها إليه ، فلمّا كان بظهر الحرّة أمر بها ففرّقت في الفقراء والمساكين(2).

3 - وقال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون : قدمت دمشق مع أهلها ثمّ خرجت إلى المدينة ، وكانت من سادات النساء وأهل الجود والفضل رضي اللّه عنها وعن أبيها(3).

4 - وروي أيضا عن سكينة أنّها قالت : قال أبي لعمّي الحسن عليه السلام فيّ وفي أُمّي :

لعمرك إنّني لأُحبّ دارا

تكون بها سكينة والرباب

أُحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب(4)

5 - وقالت سكينة : فلمّا كان في اليوم الرابع من مقامنا في دمشق ، رأيت في المنام رؤيا - وذكرت مناما طويلاً ، تقول في آخره - :

ص: 211


1- الأغاني : ج14 ص165 ، مقاتل الطالبيين : ص323 .
2- تذكرة الخواص : ص235 .
3- انظر الأئمّة الاثنا عشر لابن طولون : ص72 .
4- مقاتل الطالبيين : ص325 .

رأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها ، فسألت عنها فقيل لي : هذه فاطمة بنت محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أُمّ أبيك ، فقلت : واللّه لأنطلقنّ إليها ولأخبرنّ ما صنع بنا .

فسعيت مبادرة نحوها حتّى لحقت بها ، فوقفت بين يديها أبكي وأقول : ياأُمّاه جحدوا واللّه حقّنا ، ياأُمّاه بدّدوا واللّه شملنا ، ياأُمّاه استباحوا واللّه حريمنا ، ياأُمّاه قتلوا واللّه الحسين أبانا .

فقالت لي : كفّي صوتك ياسكينة فقد قطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتّى ألقى اللّه به(1).

فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين عليه السلام

في بعض المصادر أنّ الحسين عليه السلام لمّا سافر إلى العراق ترك ابنته فاطمة الصغرى على فراش المرض ، ولم يأت بها إلى كربلاء لشدّة وجعها ، وعدم تمكّنها وقدرتها على السير والمشي والحركة .

فبقيت هذه العلوية المخدّرة في المدينة المنوّرة ، وقد أذهلتها صدمة هائلة عن كلّ شيء ، ووجدت نفسها في حياة تحيطها الآلام والمأساة ، وراحت تسأل عن أبيها كلّ قادم من العراق ، وتستقصي أخبار الركب المقدّس بتلهّف ووجد علّها تقف على خبر يروّض به نفسها ، وتجد في حقيبة الوافدين من العراق شيئا من الأمل المشرق ، فيه الراحة لنفسها المعذّبة ، كما يجد الملاّح الراحة بعد عاصفة هوجاء هدّدته بالفناء .

ص: 212


1- اللهوف لابن طاووس : ص168 .

فمن المعروف الشائع أنّ هذه الفتاة الكريمة بينما كانت في فراش المرض ذات يوم سابحة في بحار الخيال ، تترقّب بقلب نزوع وصبر فارغ أنباء والدها إذ استقرّ على الحائط غراب مضرّج بالدم .

قيل : إنّه عندما استشهد الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء لطّخ هذا الغراب جسده بدم الشهيد السبط عليه السلام وتوجّه إلى صوب المدينة ليخبر فاطمة الصغرى بالواقعة الكبرى التي حلّت في أرض كربلاء .

فرفعت رأسها للنظر إلى الغراب ، فرأته مخضّبا بالدم ، فثارت في نفسها أمواج من الكآبة وأجهشت بالبكاء والعويل ، كأنّها استيقنت باستشهاد أبيها عليه السلام وأنشدت تقول :

نعب الغراب فقلت من

تنعاه ويلك ياغراب

قال الإمام ، فقلت من

قال الموفّق للصواب

إنّ الحسين بكربلاء

بين الأسنّة والضراب

فأبكي الحسين بعبرة

ترجي الإله مع الثواب

قلت الحسين ، فقال لي

حقّا لقد سكن التراب

ثمّ استقلّ به الجناح

فلم يطق ردّ الجواب

فبكيت ممّا حلّ بي

بعد الرضاء المستجاب

وبقيت هذه العلوية تبكي أباها أيّاما وليال إلى أن دخل الركب ، ركب السبايا إلى المدينة وضجّت الناس بالبكاء والعويل ، حينما التحقت فاطمة الصغرى مع العائلة وسكنت معهم ، يقيمون العزاء تلو العزاء على مصائب سيّد الشهداء أبي

ص: 213

عبداللّه الحسين عليه السلام(1).

رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام

رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام المدفونة بأرض الشام بدمشق ، وقبرها مزار معروف .

فإنّه كانت للإمام الحسين عليه السلام بنت تسمّى رقية(2)، وقد اشتهر ذلك ولعلّ الشهرة هذه جاءت من وجود قبرها في دمشق مع كونها طفلة صغيرة ، ولكن المؤرخين لم يذكروا عنها شيئا كثيرا ، لا عن ولادتها ولا عن أُمّها مثلاً ولا عن شذرات من حياتها ، ولعلّ سبب ذلك هو صغر سنّها ، فهي طفلة صغيرة بنت ثلاث سنين أو أربع ، أو دون سنّ البلوغ .

وهناك احتمال أن تكون أُمّها هي إمّا أُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيداللّه التيمية أُمّ فاطمة بنت الحسين ، أو أُمّ جعفر القضاعية ، وليس عندنا دليل على ذلك .

وقد نقل صاحب معالي السبطين عن الحمزاوي في كتاب النفحات قائلاً : وكانت للحسين بنت تسمّى رقيّة وأُمّها شاه زنان بنت كسرى خرجت مع أبيها الحسين عليه السلام من المدينة حين خرج ، وكان لها من العمر خمس سنين ، وقيل : سبع

ص: 214


1- فرائد السمطين : ج2 ص161 ح451 ، الباب37 ، رياحين الشريعة : ج3 ص316 ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام : ص31 نقلاً عن ناسخ التواريخ : ج3 ص85 ، بحار الأنوار : ج45 ص171 .
2- أعيان الشيعة : ج7 ص34 ، رياحين الشريعة : ج3 ص309 .

سنين ، حتّى جاءت معه إلى كربلاء وقد توفّيت في الشام(1).

ولكن هذا لا يتمّ ؛ لأنّ شاه زنان بنت كسرى هي أُمّ زين العابدين عليه السلام ، وقد ماتت في النفاس به ، فكيف تكون رقية هذه بنتها ؟

حادثة موتها

لعلّ قصّة حادثة موت رقية بنت الحسين عليه السلام في الخربة بدمشق الشام هي لبّ الموضوع وأصله في الحديث عنها سلام اللّه عليها ، والكتب(2) التي ذكرت تلك القصّة تكاد تكون متقاربة جدّا فيما ذكرت وصوّرت القصّة ، فهي متواترة حتّى في بعض الجزئيات ، ولهذه القصّة أساس تاريخي قديم .

روي أنّه كان للحسين عليه السلام بنت صغيرة لها أربع سنوات ، قامت ليلة من منامها وقالت : أين أبي الحسين ؟ فإنّي رأيته الساعة في المنام مضطربا شديدا ، فلمّا سمعن النسوة بكين وبكى معهنّ سائر الأطفال وارتفع العويل ، فانتبه يزيد من نومه وقال ما الخبر ؟ ففحصوا عن الواقعة وقصّوها عليه ، فأمر أن يذهبوا برأس أبيها إليها . فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها فقالت : ما هذا ؟ قالوا : رأس

ص: 215


1- معالي السبطين : ج2 ص214 .
2- ومن هذه الكتب نذكر : الكامل المعروف بكامل السقيفة أو كامل البهائي وهو كتاب فارسي : ج2 ص179 ، والمنتخب للطريحي ، ونفس المهموم للقمّي : ص416 ، وأسرار الشهادة للحائري ، ومقتل العوالم ، ومعالي السبطين ، وثمرات الأعواد للهاشمي ، وتظلّم الزهراء عليهاالسلام للمولى القزويني ، وسرور المؤمنين للشيخ الكاظمي الأسدي ، ومقتل الحسين عليه السلام لبحر العلوم ، ورياض القدس بالفارسية للشيخ القزويني ، وموجز تواريخ أهل البيت عليهم السلام للشيخ محمد السماوي ، والإيقاد في وفيّات المعصومين عليهم السلام للسيد عبدالعظيمي الحسيني .

أبيك ، ففزعت الصبيّة وصاحت فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشام .

وفي بعض الأخبار فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطّى بمنديل ديبقي فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنه فقالت : ما هذا الرأس ؟

قالوا : إنّه رأس أبيك .

فرفعته عن الطست حاضنة له وهي تقول : ياأبتاه من ذا الذي خضبّك بدمائك ، ياأبتاه من ذا الذي قطع وريدك ، ياأبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سنّي ، ياأبتاه من بقي بعدك نرجوه ، ياأبتاه من لليتيمة حتّى تكبر .

ثمّ إنّها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاءً شديدا حتّى غشي عليها ، فلمّا حرّكوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا ، فلمّا رأى أهل البيت ما جرى عليها أعلوا البكاء واستجدّوا العزاء وكلّ من حضر من أهل دمشق ، فلم ير ذلك اليوم إلاّ باك وباكية(1).

وأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها(2). وبعد غسلها وتكفينها بثوبها دفنت في الخربة التي كانت فيها مع سبايا آل محمّد عليهم السلام ، وللّه درّها من خربة ، كاد الطاغية من خلال وضع السبايا من أهل البيت فيها أن يخمد لهب الثورة الحسينية وينسي الأجيال ملحمة البطولة في كربلاء ، ولكنّها تحوّلت إلى روضة قدسية طاهرة تستهوي الناس وتشدّ الزائرين من مختلف أنحاء العالم إلى المبادئ السامية التي ضحّى الإمام الحسين عليه السلام من أجلها .

وفاتها وموقع قبرها

توفّيت السيّدة رقيّة بنت الحسين عليه السلام في الخربة بدمشق الشام في شهر صفر

ص: 216


1- نفس المهموم : ص416 وقد نقله عن الكامل في السقيفة .
2- معالي السبطين : ج2 ص170 .

سنة 61ه ، ودفنت في المكان الذي ماتت فيه ، وعمرها ثلاث سنوات أو أربع أو أكثر من ذلك بقليل .

وهي أوّل هاشمية ماتت بعد قتل الحسين عليه السلام(1) في الشام .

يقع قبرها الشريف بمحلّة العمارة من دمشق ، وجدّده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في ايران عام 1323ه(2)، ويبعد مقامها مائة متر أو أكثر من المسجد الأموي بدمشق وفي باب الفراديس بالضبط ، وهو الباب المشهور من أبواب دمشق الشهيرة والكثيرة والذي هو باب قديم جدّا .

ويسمّى الشارع الذي فيه قبرها الآن شارع مقام السيّدة رقيّة بنت الحسين عليهماالسلام .

وقد دأب أتباع أهل البيت عليهم السلام على زيارة هذا المقام الشريف لرقية بنت الحسين عليهماالسلام ، وهو من المشاهد المحقّق ثبوتها ، ويكثر هناك النذور المهداة إليها ، والعمارة متجدّدة دائما على قبرها . وقد نظم الكثير من الأُدباء في حقّها وننقل مقطوعة من الأديب السيّد مصطفى جمال الدين رحمه الله :

في الشام في مثوى أُميّة مرقد

ينبيك كيف دم الشهادة يخلدُ

رقدت به بنت الحسين فأوشكت

حتّى حجارة ركنه تتوقّدُ

كانت سبيّة دولة تبني على

جثث الضحايا مجدها وتشيّدُ

هيّا استفيقي يادمشق وأيقظي

ترفا على وضر القمامة يرقدُ

وأريه كيف تربّعت في عرشه

تلك الدماء يضوع فيها المشهدُ

ص: 217


1- معالي السبطين : ج2 ص214 .
2- أعيان الشيعة : ج7 ص34 ، رياحين الشريعة : ج4 ص256 .

من راح يعدل ميل بدر أمسه * فلّت صوارمه ومال به الغدُ

ويظلّ مجدك يارقيّة عبرة * للظالمين على الزمان يجدّدُ

يذكو به عطر الأذان ويزدهي * بجلال مفرقه النبي محمّدُ

ويكاد من وهج التلاوة صخره * يندى ومن وضح الهدى يتورّدُ

وعليه أسراب الملائكة حوّم * وهموم أفئدة الموالي حشّدُ

زينب بنت الإمام الحسين عليه السلام

ذكرها السيّد الأمين في الأعيان ، والسيّد اللواساني في الدروس البهيّة وغيرهما .

خولة بنت الحسين عليه السلام

ينسب لها مزار في بعلبك ، ذكره صاحب كتاب تاريخ بعلبك ميخائيل ألوف والذي صدر عام 1889م(1).

والمزار اليوم معروف هناك يقصده الناس للزيارة والتبرّك ، وممّا يذكر أنّ السبايا من أهل البيت كانوا قد مرّوا في بعلبك حينما جاؤوا بهم إلى دمشق من العراق(2).

ص: 218


1- أعيان الشيعة : ج5 ص320 ، كشف الغمّة : ج2 ص214 .
2- وسيلة الدارين : ص375 .

الباب الرابع: أولاد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

اشارة

ص: 219

ص: 220

نبذة عن حياة الإمام زين العابدين عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأُمّه شاه زنان (ملكة النساء) بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك الفرس ، ويقال لها : شهربانويه .

ولكمال فضلها وتبصّرها في الأُمور ومعرفتها بمقام أهل البيت عليهم السلام سمّاها أمير المؤمنين عليه السلام (مريم) تشبيها لها بمريم الكبرى عليهاالسلام ، ويقال : سمّاها فاطمة ، وكانت تدعى سيّدة النساء(1).

وكان أمير المؤمنين عليه السلام ولّى حُريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان منهما ، فأولدها زين العابدين عليه السلام(2).

وإلى ذلك يشير النبي صلى الله عليه و آله بقوله : « إنّ للّه من عباده خيرتين ، فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس » .

ويقول زين العابدين عليه السلام : « أنا ابن الخيرتين »(3)؛ لأنّ جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأُمّه ابنة يزدجرد بن شهريار بن كسرى . وفيه يقول أبو الأسود الدؤلي :

ص: 221


1- الإرشاد : ج2 ص137 ، إعلام الورى : ج1 ص481 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص176 .
2- الإرشاد : ج2 ص137 ، سرّ السلسلة العلوية : ص31 ، عمدة الطالب : ص222 ، الفصول المهمّة : ص198 .
3- ربيع الأبرار للزمخشري : ج1 ص95 ، أعلام النساء : ج2 ص225 ، تاريخ الأئمّة : ص21 .

وإنّ وليدا بين كسرى وهاشم * لأكرم من نيطت عليه التمائم

وتوفّيت أُمّ الإمام زين العابدين عليه السلام بالمدينة في نفاسها به(1)، وكانت من خيرة النساء وسيّدة جليلة ذات عقل راجح ، ومن فواضل نساء عصرها(2).

لقد منح اللّه هذه السيّدة الكريمة بألطافه وعنايته ، فقد حباها بالفضل العظيم بأن جعلها أُمّا كريمة للإمام زين العابدين عليه السلام ، وجدّة طيّبة زكيّة للأئمّة الطاهرين عليهم السلام الذين رفعوا كلمة اللّه عالية في الأرض .

ولادته عليه السلام

ولد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بالمدينة المنوّرة في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ، فبقي مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام سنتين ، ومع عمّه الحسن عشر سنين ، ومع أبيه الحسين عليه السلام إحدى عشر سنة ، وكانت إمامته أربعا وثلاثين سنة(3).

كناه وألقابه عليه السلام

ومن كناه عليه السلام : أبو الحسن ، والخاصّ أبو محمّد ، وفي رواية أبو الحسين(4).

ومن ألقابه عليه السلام : زين العابدين ، سيّد العابدين ، زين الصالحين ، وارث علم النبيّين ، وصي الوصيين ، خازن وصايا المرسلين ، إمام المؤمنين ، منار القانتين ،

ص: 222


1- إثبات الوصية للمسعودي : ص143 ، أعيان الشيعة : ج1 ص629 .
2- الكامل للمبرد : ج2 ص462 ، كفاية الطالب : ص454 .
3- الإرشاد : ج2 ص137 ، إعلام الورى : ج1 ص482 ، المستجاد للحلّي : ص293 ، تاج المواليد : ص90 .
4- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص24 .

الخاشع ، المتهجّد ، الزاهد ، العابد ، العدل ، البكّاء ، السجّاد ، ذو الثفنات(1)، إمام الأُمّة ، أبو الأئمّة ، والأمين(2).

صفاته عليه السلام

كان عليه السلام وسيما ، جميلاً ، من أحسن الناس وجها ، وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجّادة ، أي أثر السجود باديا بين عينيه عليه السلام .

قال في وصفه الشاعر الفرزدق في قصيدته المشهورة :

ينشقّ ثوب الدجى عن نور غرّته

كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم(3)

وكان عليه السلام إذ مشى كأنّ الطير على رأسه ، لا يسبق يمينه شماله ، ولا يخطر بيده ، وعليه السكينة والوقار ، وكان أفضل أهل زمانه في أخلاقه وأفعاله ، وصدقاته وعطفه على الفقراء ، معظّما ، مهابا عند القريب والبعيد .

فضائله عليه السلام

كان عليه السلام شديد الورع ، كثير العبادة ، يحفي البرّ على الفقير والغني(4)، وكان على ظهره كهيئة الجبال السود للحمل على ظهره إلى الفقراء بالليل ، وكان يقوّت بيوتا من أهل المدينة وهم لا يعلمون ، فلمّا مات فقدوا أثره ، وكان يعجبه أن يحضر طعامه جماعة من اليتامى والأضرّاء ، ويلبسهم الثياب ، وينفق على عيالهم(5).

ص: 223


1- لقّب به لأنّ مساجده قد صارت كثفنة البعير من كثرة صلاته عليه السلام .
2- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص22 ، ألقاب الرسول وعترته : ص185 .
3- ديوان الفرزدق : ج2 ص180 ط بيروت .
4- المجدي في أنساب الطالبيين : ص282 .
5- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص186 .

وكان عليه السلام إذا قصده سائل يقول له : مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة(1).

عن أبي جعفر عليه السلام قال : (أنّه عليه السلام كان يخرج في الليلة الظلماء ، فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي بابا فيقرعه ، ثمّ يناول من كان يخرج إليه ، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه)(2).

وروى أبو معمّر ، عن عبدالعزيز بن أبي حازم قال : سمعت أبي يقول : ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين عليهماالسلام(3).

وكان علي بن الحسين عليهماالسلام إذا توضّأ اصفرّ لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يغشاك ؟! فيقول : أتدرون لمن أتأهّب للقيام بين يديه(4).

وكان عليه السلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة(5).

ومن أخلاقه العظيمة : شتمه رجل فقصده غلمانه ، فقال عليه السلام : دعوه ثمّ قال للرجل : ألك حاجة ؟ فخجل الرجل ، ثمّ أعطاه ثوبا وأمر له بألف درهم ، فانصرف الرجل وهو يقول : أشهد أنّك ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله(6).

وحجّ عليه السلام ماشيا ، فسار من المدينة إلى مكّة في عشرين يوما ، ولقد حجّ على راحلته عشر حجج ، وعلى ناقته عشرين حجّة ما فزعهما بسوط . وكان يقرأ

ص: 224


1- تذكرة الخواص : ص325 .
2- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص151 .
3- حلية الأولياء : ج3 ص141 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص159 ، تذكرة الخواص : ص326 .
4- طبقات ابن سعد : ج5 ص216 ، سير أعلام النبلاء : ج4 ص392 ، نور الأبصار : ص154 .
5- الخصال : ص517 ح4 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص150 .
6- تذكرة الخواص : ص328 .

القرآن ، فربما مرّ به المارّ يصعق من حسن صوته(1).

وقال الجاحظ في رسالة صنّفها في فضائل بني هاشم : وأمّا علي بن الحسين ابن علي فلم أر الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي ، ولم أر الشيعي إلاّ كالمعتزلي ، ولم أر المعتزلي إلاّ كالعامي ، ولم أر العامي إلاّ كالخاصي ، ولم أجد أحدا يتمادى في تفضيله

ويشكّ في تقديمه(2).

وعن الزهري قال : كنّا عند جابر ، فدخل عليه الحسين عليه السلام ، فقال : كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ دخل عليه الحسين عليه السلام فضمّه إلى صدره وقبّله وأقعده إلى جنبه ، ثمّ قال : « يولد لابني هذا ابن يقال له : علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد

من بطنان العرش : ليقم سيّد العابدين ، فيقوم فيه علي بن الحسين عليه السلام »(3).

فهذا طرف ممّا ورد من الحديث في فضائل زين العابدين عليه السلام . وقد تقصر العبارة وتضيق الأوراق عن مناقبه حسب قول ابن داود الحلّي في رجاله(4).

آثاره عليه السلام

من آثاره المباركة : الصحيفة السجّادية في الأدعية المشتملة على أنوار حقائق المعرفة وثمار حدائق الحكمة ، وفيها عبق من كلام النبوّة ، وقبس من نور الإمامة .

ومن آثاره أيضا : رسالة الحقوق ، التي تعرّف الأُمّة بما يلزمهم من الحقوق المشروعة ، ومن يتمعّن في هذه الرسالة تبدو له أُصول الشريعة الحافظة للعباد ،

ص: 225


1- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص148 ، إعلام الورى : ج1 ص452 .
2- رسائل الجاحظ : ص506 ، عمدة الطالب : ص223 ، سرّ السلسلة العلوية : ص31 .
3- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص90 ، إعلام الورى : ج1 ص485 .
4- راجع رجال ابن داود الحلّي : ص136 برقم 1033 .

الكافلة لمن يفقهها بسلامة الدين والدنيا ، وتتضمّن ما يجب على المسلمين ، وما

يجب لهم ، وتشتمل على خمسين مادّة .

وقد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرةً ، وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهور بين العلماء ، ولو قصدنا إلى شرح ذلك لطال الخطاب وتقضّى به الزمان(1).

حضوره عليه السلام في كربلاء

رافق الإمام زين العابدين عليه السلام أباه الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء ، وشهد المأساة لكنّه لم يمكنه المشاركة في القتال ؛ لأنّه كان عليلاً طريح الفراش ، وواكب عليه السلام

بعد ذلك مسيرة السبايا وحرم الحسين عليه السلام إلى الكوفة ، ثمّ الشام ، ثمّ المدينة المنوّرة ، وعاش بعد أبيه الحسين عليه السلام أربعا وثلاثين سنة ، وهي مدّة إمامته عليه السلام ، وكانت إقامته في المدينة المنوّرة .

قيل له عليه السلام : ما آن لحزنك أن ينقضي ، فقال : شكى يعقوب إلى ربّه من أقلّ ممّا رأيت حتّى قال : وا أسفى إنّه فقد ابنا واحدا ، وأنا رأيت أبي وأخي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي(2).

بعض خصوصياته عليه السلام

وكان نقش خاتمه عليه السلام : الحمد للّه العلي ، وقيل : وما توفيقي إلاّ باللّه ، وقيل : خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليهماالسلام(3).

ص: 226


1- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص153 ، الخصال للصدوق : ص105 .
2- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص186 .
3- أعيان الشيعة : ج1 ص630 ، الفصول المهمّة : ص198 .

وكان عليه السلام يتختّم أيضا بخاتم أبيه الحسين ونقشه (إنّ اللّه بالغ أمره)(1).

وشاعراه عليه السلام : الفرزدق ، وكثيرة عزّة(2).

وبوّابه عليه السلام : أبو جبلة ، وأبو خالد الكابلي ، ويحيى المطعمي .

وعاصر من الخلفاء الأمويين : يزيد بن معاوية ، معاوية بن يزيد ، مروان بن الحكم ، عبدالملك بن مروان ، والوليد بن عبدالملك .

وفاته عليه السلام

توفّي عليه السلام يوم السبت في الخامس والعشرين من محرّم الحرام بالمدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين للهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة(3). وقد مات مسموما سمّه الوليد بن عبدالملك(4).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة ضمّني إلى صدره وقال : يابني ؛ أُوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به ، قال : « يابني إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلاّ اللّه »(5).

ودفن عليه السلام بالبقيع مع عمّه الحسن بن علي عليهم السلام(6).

ص: 227


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص56 .
2- أعيان الشيعة : ج1 ص631 ، نور الأبصار : ص153 .
3- الإرشاد : ج2 ص138 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص294 ، عمدة الطالب : ص223 .
4- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص153 ، ودلائل الإمامة لابن جرير الطبري : ص80 ، جدول مصباح الكفعمي : ص276 ، الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي : ص52 ، الصواعق المحرقة : ص120 ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ص206 ، نور الأبصار : ص157 .
5- الأنوار البهيّة : ص112 .
6- الفصول المهمّة : ص206 ، الإرشاد : ج2 ص138 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

ولد لعلي بن الحسين عليهماالسلام خمسة عشر ولدا(1) وهم :

محمد المكنّى أبا جعفر الباقر عليه السلام ، أُمّه أُمّ عبداللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وسيأتي شرح أحواله إن شاء اللّه .

وعبداللّه والحسن والحسين ، أُمّهم أُمّ ولد .

وزيد وعمر ، أُمّهما أُمّ ولد .

والحسين الأصغر ، وعبدالرحمن ، وسليمان ، أُمّهم أُمّ ولد .

وعلي - وكان أصغر ولد علي بن الحسين - وخديجة ، أُمّهما أُمّ ولد .

ومحمّد الأصغر ، أُمّه أُمّ ولد .

وفاطمة وعلية وأُمّ كلثوم ، أُمّهنّ أُمّ ولد .

ومن زوجاته عليه السلام ، أُمّ عبداللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكانت له نساء أُخريات كنين بأُمّ ولد .

والعقب منه عليه السلام في ستّة رجال : محمّد الباقر عليه السلام ، وعبداللّه الباهر ، وزيد الشهيد ، وعمر الأشرف ، والحسين الأصغر ، وعلي الأصغر(2).

ص: 228


1- انظر الإرشاد : ج2 ص155 ، الفصول المهمّة : ص206 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص296 .
2- عمدة الطالب : ص223 ، المجدي : ص284 ، سرّ السلسلة العلوية : ص32 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

عبداللّه بن علي بن الحسين عليه السلام

كان عبداللّه بن علي بن الحسين عليهماالسلام - أخو أبي جعفر عليه السلام - يلي صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام .

وكان فاضلاً فقيها ، وروى عن آبائه ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبارا كثيرة ، وحدّث الناس وحملوا عنه الآثار ، كما روى مرسلاً عن جدّه الإمام علي عليه السلام وعن الإمام الحسن عليه السلام(1).

فمن ذلك ما رواه عن أبيه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنّ البخيل كلّ البخيل الذي إذا ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ ، صلوات اللّه عليه وآله »(2).

وإنّ عبداللّه هذا هو عبداللّه الباهر ، المعروف بالحسن والجمال والبهاء ، وما جلس مجلسا إلاّ بهر جماله وحسنه من حضر(3).

وذكر جماعة أنّ أُمّه (أُمّ عبداللّه) هي أُمّ الإمام الباقر عليه السلام(4).

ص: 229


1- الإرشاد : ج2 ص169 ، تهذيب التهذيب : ج5 ص324 .
2- الإرشاد : ج2 ص169 ، معاني الأخبار : ص246 ح9 ، باختلاف يسير .
3- عمدة الطالب : ص282 .
4- انظر المجدي : ص202 ، سرّ السلسلة العلوية : ص32 ، عمدة الطالب : ص282 .

وتوفّي عبداللّه بن علي بن الحسين وهو ابن سبع وخمسين سنة ، وعقبه قليل ، وأعقب من ابنه محمد الأرقط وحده(1).

وولد عبداللّه بن علي بن الحسين عليهماالسلام عشرة أولاد ، منهم البنات ثلاثة وهنّ : كلثوم وفاطمة وعلية .

والرجال : محمد وجعفر والعبّاس وإسحاق والقاسم وحمزة وعلي(2).

ومن أحفاده : العباس بن محمد بن عبداللّه بن علي بن الحسين عليه السلام الذي قتله هارون العبّاسي ، وذلك أنّه لمّا دخل على هارون جرت بينهما مشاجرة لفظية ، قال هارون له : يابن الفاعلة ، فقال العباس له : الفاعلة أُمّك - فقد كانت جارية يتردّد

عليها النخّاسون - فغضب هارون غضبا شديدا وأمره أن يدنو منه ، فلمّا دنا منه ضربه هارون بدبوس من حديد فقتله(3).

ومن أحفاده أيضا : عبداللّه بن أحمد بن الدخ بن محمد بن إسماعيل بن محمد ابن عبداللّه الباهر .

قال فيه صاحب عمدة الطالب : أنّه خرج في أيّام المستعين ، فأخذ وحمل إلى سرّ من رأى بعد خطب وفي جملة عياله بنته زينب ، فأقاموا مدّة مات فيها عبداللّه وصار عياله إلى الحسن بن علي العسكري عليه السلام فبارك عليهم ومسح يده على رأس زينب ووهب لها خاتمه وكان فضّة فصاغت منه حلقة وماتت زينب والحلقة في أُذنها ، بلغت زينب بنت عبداللّه مائة سنة(4).

ص: 230


1- عمدة الطالب : ص282 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص339 .
3- مقاتل الطالبيين : ص413 ، وفيه : ضربه بالجرز حتّى قتله ، والجرز : عمود من حديد .
4- عمدة الطالب : ص284 ، المجدي : ص342 .

وكان أخوه حمزة بن أحمد الدخ معروفا بالقمّي ، وذلك لمجيئه إلى قم من ناحية طبرستان بعد ما قتل الحسن بن زيد أخاه والحسين بن أحمد الكوكبي ، وكان مع حمزة ابناه أبو جعفر محمّد وأبو الحسن علي وكانا يتكلّمان بالطبرية . فمات حمزة بقم بعد استقراره فيها وصلاح أُموره المعاشية ، فدفن في مقبرة بابلان التي دفنت فيها فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام والذي سيأتي ذكرها إن شاء اللّه .

وأصبح ابنه أبو جعفر سيد القوم ورئيسهم بعد أبيه ، وصنع أعمالاً في قم ، منها أنّه بنى جسرا على وادي واشجان ، فلمّا مات دفن في مقبرة بابلان .

إنّ أولاد وأعقاب حمزة القمّي كلّهم نقباء ومن الأشراف والسادة(1).

محمد بن عبداللّه الأرقط

حمد بن عبداللّه الأرقط(2)

هو محمد بن عبداللّه بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وكان أبوه عبداللّه يلقّب بالباهر لجماله ، قيل : ما جلس مجلسا إلاّ بهر جماله وحسّنه من حضر ، وأُمّه أُمّ أخيه محمّد الباقر عليه السلام ، وكان يلي صدقات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام .

وكانت زوجة الأرقط أُمّ سلمة بنت عمّه الإمام الباقر عليه السلام وهي أُمّ إسماعيل ابن الأرقط ، وهي التي علّمها الصادق عليه السلام لشفاء إسماعيل ولدها أن تصعد إلى فوق البيت بارزة إلى السماء وتصلّي ركعتين وتقول : « اللهمّ إنّك وهبته لي ولم يك شيئا ،

ص: 231


1- المجدي : ص342 ، عمدة الطالب : ص285 .
2- قال الفيروزآبادي : الرقطة بالضمّ : سواد يشوبه نقط بياض أو عكسه ، وقد أرقط وأرقاط فهو أرقط وهي رقطاء ، والأرقط النمر ، ومن الغنم الأبغث ، والبغثاء الرقطاء من الغنم . ولقب حميد بن مالك الشاعر لآثار كانت بوجهه . انظر القاموس المحيط : ص862 ، باب الطاء .

اللهمّ وإنّي أستوهبكه مبتدئا فأعرنيه » .

عمر الأشرف بن علي بن الحسين عليه السلام

كان عمر بن علي بن الحسين عليهماالسلام فاضلاً جليلاً ، وولي صدقات النبي صلى الله عليه و آله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان ورعا سخيّا(1).

وقد روى (داود بن القاسم) قال : حدّثنا الحسين بن زيد قال : رأيت عمّي عمر بن علي الحسين عليه السلام يشترط على من ابتاع صدقات علي عليه السلام أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة ، ولا يمنع من دخله يأكل منه(2).

وعن عبيداللّه بن جرير القطّان قال : سمعت عمر بن علي بن الحسين عليه السلام يقول : المفرط في حبّنا كالمفرط في بغضنا ، لنا حقّ بقرابتنا من نبيّنا (عليه وآله السلام) وحقّ جعله اللّه لنا ، فمن تركه ترك عظيما ، أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا اللّه به ، ولا تقولوا فينا ما ليس فينا ، إن يعذّبنا اللّه فبذنوبنا ، وإن يرحمنا فبرحمته

وفضله(3).

وهو أخو زيد الشهيد بن علي عليه السلام لأُمّه ، واسمها جيداء ، وقيل : حوراء ، جارية اشتراها المختار بن أبي عبيدة الثقفي بمائة الف درهم وأهداها إلى الإمام زين العابدين عليه السلام وهو بالمدينة .

ويكنّى أبا علي ، وقيل : أبا حفص ، وهو أسنّ من أخيه زيد الشهيد(4).

ص: 232


1- الإرشاد : ج2 ص170 ، المجدي : ص344 .
2- الإرشاد : ج2 ص171 .
3- الإرشاد : ج2 ص177 .
4- المجدي في أنساب الطالبيين : ص344 ، وعمدة الطالب : ص338 ، الحدائق الوردية مخطوط .

وإنّما قيل له : (الأشرف) بالنسبة إلى عمر الأطرف عمّ أبيه ، فإنّ هذا لمّا نال فضيلة ولادة الزهراء البتول عليهاالسلام كان أشرف من ذلك الذي سمّي بالأطرف لأنّ فضيلته من طرف واحد وهو طرف أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد سمّي بالأطرف بعد ولادة عمر الأشرف بن زين العابدين عليه السلام(1).

عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام . روى عن أبي أُمامة ، عن سهل بن حنيف(2).

وفي (تهذيب التهذيب) : عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني الأصغر ، روى عن أبيه وابن أخيه جعفر بن محمد بن علي ، وسعيد ابن مرجانة ، وأرسل عن النبي صلى الله عليه و آله وعن أبناء علي ومحمد ، وعن ابن أخيه حسين ابن زيد بن علي ، وابن إسحاق ، ويزيد بن الهاد ، وفضيل بن مرزوق ، ومحمد بن عبيداللّه بن أبي رافع ، وحكيم بن صهيب ، وكان عمر بن علي بن الحسين يفضل ، وكان كثير العبادة والاجتهاد ، وكان أخوه أبو جعفر عليه السلام يكرّمه ويرفع من منزلته(3).

وفي (تقريب التهذيب) : إنّه صدوق فاضل من السابعة ، أي من كبار أتباع التابعين(4).

وولد عمر الأشرف بن علي بن الحسين عليه السلام خمسة عشر ولدا ، خمس بنات ، هنّ : محسّنة بضمّ الميم ، وسيّدة ، وأُمّ حبيب ، وعبدة ، وخديجة .

ص: 233


1- عمدة الطالب : ص338 .
2- رجال الشيخ الطوسي : ص251 .
3- تهذيب التهذيب لابن حجر : ج7 ص485 رقم 805 .
4- تقريب التهذيب : ص416 رقم 4950 .

والرجال : جعفر الأكبر المعروف بالبنين ، أُمّه نوفليّة وله إخوة منها انقرض ، وجعفر الأصغر لأُمّ ولد ، وإسماعيل بن العمرية منقرض ، وكذلك موسى الأكبر ، وموسى الأصغر ، والحسن أولد عليا وانقرض ، وأبو عمر إبراهيم ، قالوا : هو المعروف بالحسن ، وعلي الأكبر ، روى عن الصادق عليه السلام الحديث ولم يعقّب ، ومحمد الأكبر ، وكان ولده عمر بن محمد بن عمر أحد الفضلاء ، وهو لأُمّ ولد ، وعلي الأصغر صاحب حديث لأُمّ ولد منه العقب اليوم(1).

أعقب عمر الأشرف من رجل واحد وهو علي الأصغر المحدّث ، روى الحديث عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، وهو لأُمّ ولد ، فأعقب علي بن عمر الأشرف من ثلاثة رجال : القاسم ، وعمر الشجري ، وأبي محمد الحسن .

أمّا القاسم يكنّى أبا علي ، وكان شاعرا ، واختفى ببغداد ، وهو لأُمّ ولد ، أشخصه هارون العبّاسي من الحجاز وحبسه وأفلت من الحبس ، والعقب في أبي جعفر محمد الصوفي الصالح الخارج بطالقان وحده .

وأمّا عمر الشجري بن علي بن عمر الأشرف ، فأعقب من رجل واحد ، وهو أبو عبداللّه محمد .

وأمّا أبو محمد الحسن بن علي الأصغر بن عمر الأشرف ، فأعقب من ثلاثة رجال : هم أبو الحسن علي العسكري ، وجعفر ديباجة ، وأبو جعفر محمد(2).

وفاته

توفّي عمر الأشرف ابن الإمام زين العابدين عليه السلام وهو ابن (65) سنة(3).

ص: 234


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص345 .
2- عمدة الطالب : ص340 ، المجدي : ص347 ، سرّ السلسلة العلوية : ص54 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص53 ، وراجع رجال الشيخ الطوسي : ص251 .

ومرقده بالعراق ضمن لواء الناصرية اليوم عند قبيلة (البدور) في نهاية أراضي قبائل الحسكة ، قريب من ضفة نهر الفرات ، عند انحداره إلى القرنة ثمّ إلى البصرة ، واشتهر في تلك القبائل في أواخر العهد العثماني بالعراق بأنّه قبر عمر الأشرف الملقّب عندهم بالشريف بكسر الشين المعجمة ، وهو صاحب القبّة البيضاء الصغيرة والحرم المتواضع(1).

واعلم أنّ عمر الأشرف المذكور جدّ علم الهدى السيّد المرتضى وأخيه السيّد الرضي من أُمّهما ، وقد ذكر السيّد المرتضى في (شرح المسائل الناصرية) نسبه الشريف وبيّن فضائلهم إلى أن قال : وأمّا عمر بن علي الملقّب بالأشرف ، فهو فخم السيادة جليل القدر والمنزلة ، وكان عالما في دولة بني أُميّة وبني العبّاس ، وروي عنه .

وروي عن أبي الجارود بن المنذر أنّه قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أي اخوانك أحبّ إليك ؟

فقال : أمّا عبداللّه فهو يدي التي بها أحمل ، وأمّا عمر فهو عيني التي بها أرى ، وأمّا زيد فهو لساني الذي أنطق به ، وأمّا الحسين فهو الحليم . «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ

هَوْنا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما»(2).

إنّ نسب السيّدين من أُمّهما إلى عمر الأشرف كما يلي : فاطمة بنت الحسين ابن أحمد بن أبي محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي ابن الحسين عليهم السلام .

ص: 235


1- مراقد المعارف : ج2 ص111 .
2- سورة الفرقان : الآية 63 .

وأبو محمّد الحسن هو الملقّب بالأطروش والناصر الكبير ومالك بلاد الديلم ، وطود العلم والعالم ، صاحب المؤلّفات الكثيرة منها : المائة مسألة التي صحّحها السيّد المرتضى وسمّاها (الناصريات) ، ومنها كتاب أنساب الأئمّة عليهم السلام ومواليدهم ، ومنها كتابان في الإمامة ، وغيرها من الكتب الكثيرة ، وجاء إلى طبرستان سنة (301ه) فكان حاكما عليها مدّة ثلاث سنين وثلاثة أشهر فلقّب بالناصر للحقّ ، وأسلم كثير من الناس على يده وعظم أمره حتّى توفّي سنة (304ه) بآمل وهو ابن (95) أو (99) سنة(1).

قال المسعودي في مروج الذهب : وظهر ببلاد طبرستان والديلم الأطروش وهو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن (الحسن)(2) بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وأخرج عنها المسوّدة(3)، وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة ، وقد كان أقام في الديلم والجبل سنين ، وهم جاهلية ومنهم مجوس ، فدعاهم إلى اللّه تعالى فاستجابوا وأسلموا إلاّ قليلاً منهم ، وبنى في بلادهم مساجد(4).

علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف

قال علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يرثي شهداء الطفّ :

ص: 236


1- سرّ السلسلة العلوية : ص53 .
2- الأصحّ الحسين .
3- المسوّدة : وهو اصطلاح يطلق على أنصار العبّاسيين وأعيانهم لأنّهم كانوا يلبسون السواد .
4- مروج الذهب : ج4 ص278 ، منتقلة الطالبيين : ص207 .

إنّ الكرام بني النبي محمّد

خير البرية رائح أوغاد

قوم هدى اللّه العباد بجدّهم

والمؤثرون الضيف بالأزواد

كانوا إذا نهل القنا بأكفّهم

سكبوا السيوف أعالي الأغماد

ولهم بجنب الطفّ أكرم موقف

صبروا على الريب الفظيع العادي

حول الحسين مصرعين كأنّما

كانت مناياهم على ميعاد

قال المرزباني في معجم الشعراء(1): علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ، هو القائل لعلي بن عبداللّه الجعفري ، وكان عمر ابن فرج الرخجي حمله من المدينة .

صبرا أبا حسن فالصبر عادتكم

إنّ الكرام على ما نابهم صبر

أنتم كرام وأرضى الناس كلّهم

عن الإله بما يجري به القدر

وأعلم بأنّك محفوظ إلى أجل

فلن يضرّك ما سدى به عمر

وذكره الداودي في عمدة الطالب(2) في سلسلة النسب ، فقال : أمّا أبو الحسن علي العسكري بن الحسن بن علي الأصغر ، وفي ولده البيت والعدد ، فأعقب من ثلاثة رجال : هم أبو علي أحمد الصوفي - لأنّه كان يلبس الصوف - الفاضل المصنّف ، وأبو عبداللّه الحسين الشاعر المحدّث ، وأبو محمد الحسن الناصر الكبير الأطروشي وهو إمام الزيدية ملك الديلم ، صاحب المقالة ، إليه ينتسب الناصرية من الزيدية ، وكان مع محمد بن زيد الداعي الحسني بطبرستان . توفّي بآمل سنة أربع وثلاثمائة .

ص: 237


1- راجع معجم الشعراء : ص139 .
2- عمدة الطالب : ص338 .

الناصر الكبير

هو السيد الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، الشهير بالناصر الكبير ، ويعرف

بالأطروش(1) تارة ، وبالأصم أُخرى ، جدّ سيّدنا المرتضى والرضي من قبل أُمّهما .

ولد الناصر الكبير سنة 225ه ، وتوفّي بطبرستان سنة 304ه .

ضمّ إلى شرفه الوضّاح علما جمّا ، وإلى نسبه العلوي الشريف فضائل كثيرة في نصرة الدين ونشر العلم ، فجاء منبثقا أنوار المناقب ومزدهرا غرر المفاخر حتّى اعترف بفضله القريب والبعيد وأذعن بكماله العدو والصديق .

أتاه الفخر من هُن-ا وهَنَّا

فكان له بمجتمع السيول

وقد جمع بين السيف والقلم ، فرفّ عليه العلم والعَلَم ، فهو في الجبهة والسنام

من فقهائنا ، كما أنّه معدود من ملوك الشيعة وزعمائها ، أضف إلى ذلك أدبه الرائق وشعره العسجدي .

قال ابن أبي الحديد(2) في بيان نسب الرضي رحمه الله : إنّ المترجم شيخ الطالبيين وعالمهم وزاهدهم وأديبهم وشاعرهم ، ملك بلاد الديلم والجبل ، ويلقّب بالناصر للحقّ ، وجرت له حروب عظيمة مع السامانية .

ص: 238


1- في مجالس المؤمنين للقاضي الشهيد نور اللّه المرعشي أنّ المترجم صحّ لجرح وقع على رأسه في جهاداته ولذلك اشتهر بالأطروش . وعن صاحب المجدي أنّ رافع بن هرثمة ضرب الناصر بالسياط حتّى ذهب سمعه . يقال : إنّ في أوّل مرتبة ثقل السمع وقر ، فإذا زاد فهو طرش وبعده الصمّ . وقيل : إنّه أقلّ من الطرش فإذا زاد بحيث لا يسمع البتة فهو صلح كسب .
2- شرح نهج البلاغة : ج1 ص32 .

ذكره صاحب رياض العلماء(1)، قال : إنّه من أعاظم علماء الإمامية وفقهائهم ، وأنّه نقي الذيل عن المذهب الزيدي بالرغم من عقائد زيدية طبرستان الأكيدة فيه . وقد نصّ بذلك الشيخ البهائي رحمه الله وعزاه إلى المحقّقين من علمائنا في رسالته المعمولة لإثبات وجود الحجّة (عجّل اللّه فرجه) . ويؤكّده كتابه في أنساب الأئمّة ومواليدهم إلى صاحب الأمر عليه السلام .

وصرّح النجاشي بأنّه كان يعتقد الإمامة وصنّف فيها كتبا ، فإنّ هذه اللفظة نصّ عند علماء الرجال في القول بإمامة الاثني عشر ، مضافا إلى الكتب التي ألّفها في ذلك . وقد ترحّم عليه النجاشي ، وهذا يدلّ على أنّ للمترجم صفحة بيضاء يقف عليها المتتبّع في غضون كتب السير والتراجم .

وأمّا خروجه في البلاد فلم يك إلاّ لنشر الدعاية الحقّة وتبليغ الدين الخالص إلى معتنقيه ، فذكر ابن الأثير في الكامل ، قال : كان الحسن بن علي الأطروش قد دخل الديلم بعد قتل محمد بن زيد وأقام بينهم نحو ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر منهم على العشر ويدافع عنهم ابن حسّان ملكهم فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم مساجد . واستولى الأطروش على طبرستان وذلك سنة إحدى وثلاثمائة ثمّ سار منها إلى بغداد ، وكان الأطروش قد أسلم على يده من الديلم الذين هم وراء (أسفيد روز) إلى ناحية آمل فهم يذهبون مذهب الشيعة ، وأضاف ابن الأثير ، بأنّ الأطروش كان زيدي المذهب(2)،

شاعرا ، مغلقا ، ظريفا ، علاّمة ، إماما في الفقه والدين ، كثير المجون ، حسن

ص: 239


1- راجع رياض العلماء للميرزا عبداللّه التبريزي : ج1 ص276 .
2- عرفت حقيقة الحال في مذهبه ونصّ علماء الإمامية بها ، وأهل البيت أدرى بما فيه .

النادرة .. الخ .

له مؤلّفات كثيرة على مذهب الشيعة وأُصولها ، فكتاب في أُصول الدين ، وكتابان في الإمامة صغير وكبير ، وكتاب الخمس ، وكتاب الطلاق ، وكتاب فدك ، وكتاب الشهداء وفضل أهل الفضل منهم ، وكتاب فصاحة أبي طالب عليه السلام ، وكتاب معاذير بني هاشم فيما نقم عليهم ، وكتاب أنساب الأئمّة ومواليدهم إلى صاحب الأمر عليه السلام(1).

وله كتاب الألفاظ ، ذكره النسّابة العمري ، وله شعر ومنه :

لهفان جمّ بلابل الصدر

بين الرياض فساحل البحر

يدعو العباد لرشدهم وهم

ضربوا الآذان بالوقر

فخشيت أن ألقى الإله وما

أبليت في أعدائه عذري

في فتية باعوا نفوسهم

باللّه بالمعلّى من الأجر

ناطوا أُمورهم برأي فتى

مقدامة ذي حرّة شيزر

وقال الطبري في تاريخه(2): لم ير الناس مثل عدل الأطروش ، وحسن سيرته ، وإقامة الحقّ . له تفسير في مجلّدين ، احتجّ فيه بألف بيت من ألف قصيدة ، وله البساط في علم الكلام وتنسب إليه كتب أُخرى .

وجاء في (كتاب الدرّ الفاخر)(3) لعبدالرحمن بن محمد بن علي السايح المتوفّى

ص: 240


1- هذه الكتب ذكرها النجاشي في فهرسته ، فراجع .
2- راجع تاريخ الطبري : ج11 ص408 . وانظر أخباره في تاريخ ابن الأثير : ج8 ص106 ، وعمدة الأنساب لابن عنبة : ص310 .
3- الدرّ الفاخر : ص246 .

بعد سنة 830ه : أسلم على يده نحو مائتي ألف من الديلم والجبل وغيرهما ، وقيل :

مؤلّفاته تزيد على ثلاثمائة كتاب .

وعلى كلّ حال فالناصر الكبير فضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة ، وهو الذي نشر الإسلام في (الديلم) حتّى اهتدوا به بعد الضلالة وعدلوا بدعائه عن الجهالة ، وسيرته الجميلة أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى ، ومن أرادها أخذها من مظانها .

استشهاده

وأمّا شهادته قدس سره فقد وقعت سنة 304ه ، بآمل من أعمال طبرستان وهو ابن 79 سنة ، وقبره بها وعليه قبّة معروفة .

وإنّه رحمه الله خرج أيّام المقتدر في بلاد الديلم وقتل .

وأمّا عقبه : فخلّف عشرة أولاد منهم خمس بنات ، وهنّ :

ميمونة ، مباركة ، زينب ، أُمّ محمد ، أُمّ الحسن .

وخمسة ذكور ، وهم : زيد ، ومحمد ، وجعفر ، وعلي ، وأحمد . فأمّا زيد فلم يعقّب ، وأمّا محمد ويكنّى أبا علي فأعقب وولده أبو الحسن علي المحدّث بالأهواز ، وأمّا جعفر فيكنّى أبا القاسم ، فأولد بشيراز وفارس وبغداد ، وأمّا علي فهو أبو الحسن الأعور بطبرستان الشاعر كان لأُمّ ولد ، أولد علي الشاعر هذا أبا الحسن محمدا .

وقال أبو عبداللّه بن طباطبا النسّابة : هو أبو الحسين ، وله أولاد منهم ببلخ ، وأمّا أحمد فيكنّى أبا الحسين صاحب جيش أبيه وكان وجيها .

خلّف عدّة أولاد هم : فاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى وعلي ، وله عقب .

وأبو علي محمد يلقّب بالرضا ، طرب به فرسه ، فمات بطبرستان وله عقب ،

ص: 241

وأبو جعفر محمد المعروف بصاحب القلنسوة وهو الناصر الصغير ملك بالديلم وطبرستان ، وهو الذي قصد ساحل طبرستان سنة 305ه ، والحسن بن زيد بها ، فأخرج له حتّى لحق بالري وله منتشر بالأهواز وما يليها .

ومنهم أبو جعفر محمد الخوزستاني ابن خالة المرتضى زوج أُخت عصمت الدين ، ومحمد بن أحمد بن الناصر المترجم له عقب ، ومنهم الشريف السيد أبو أحمد محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الناصر مات عن بنات ، وأبو محمد الحسن الناصر الصغير نقيب بغداد المعروف بناصرك ، توفّي ببغداد سنة 368ه ، وله عقب ، ومن ولده الحسين بن أحمد الملقّب كيا بن الناصر الصغير بن محمد ، ومن ولده فاطمة بنت الحسين بن أحمد خرجت إلى أبي أحمد الموسوي نقيب النقباء فأولدها المرتضى والرضي (رضوان اللّه تعالى عليهما)(1).

الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين عليه السلام

الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين ، أُمّه أُمّ ولد ، تدعى سعادة (ساعدة) وإنّما قيل له : الحسين الأصغر ، لأنّ له أخا أكبر منه يسمّى الحسين بن علي لم يعقّب(2).

وكان الحسين الأصغر عفيفا محدّثا فاضلاً ، يكنّى أبا عبداللّه ، وكان من مفاخر الأُسرة النبوية في فضله وتقواه(3).

ص: 242


1- انظر المجدي في أنساب الطالبيين : ص406 .
2- عمدة الطالب : ص345 ، سرّ السلسلة العلوية : ص69 .
3- عمدة الطالب : ص345 .

وكان من العلماء البارزين في عصره ، وقد روى حديثا كثيرا عن أبيه ، وعمّته السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، وأخيه الإمام أبي جعفر(1)، وروى عنه محمد ابنه الحديث الوارد عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الإخبار عن قتل ولده الإمام الحسين عليه السلام(2).

وروى أحمد بن عيسى قال : حدّثنا أبي قال : كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو ، فكنت أقول : لا يضع يده حتّى يستجاب له في الخلق جميعا(3).

وكان الحسين حليما وقورا ، تمثّلت فيه هيبة المتّقين والصالحين ، وعلت وجهه أسارير النور ، ووصفه الإمام أبو جعفر فقال : وأمّا الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما(4).

وكان ورعا تقيّا شديد الخوف من اللّه ، يقول سعيد صاحب الحسن بن صالح : لم أر أحدا أخوف من اللّه من الحسن بن صالح حتّى قدمت المدينة ، فرأيت الحسين بن علي ، فلم أر أشدّ خوفا منه ، كأنّما أُدخل النار ثمّ أُخرج منها لشدّة خوفه(5).

لقد نشأ الحسين في مركز الورع والتقوى ، ومعدن الحكمة والفضيلة في الإسلام ، وقد غذّاه أبوه الإمام زين العابدين عليه السلام بمثله وكمالاته النفسية ، فكان كأبيه في إقباله على اللّه ، وزهده في الدنيا ، وتخرّجه في الدين .

ص: 243


1- الإرشاد : ج2 ص174 .
2- معجم رجال الحديث : ج6 ص44 .
3- الإرشاد : ج2 ص174 ، عمدة الطالب : ص350 .
4- سفينة البحار : ج2 ص273 ، مراقد المعارف : ج2 ص113 .
5- الإرشاد : ج2 ص174 .

روى يحيى بن سليمان بن الحسين ، عن عمّه إبراهيم بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن الحسين قال : كان إبراهيم بن هشام المخزومي واليا على المدينة ، فكان يجمعنا يوم الجمعة قريبا من المنبر ، ثمّ يقع في علي ويشتمه ، قال : فحضرت يوما وقد امتلأ ذلك المكان ، فلصقت بالمنبر فأغفيت ، فرأيت القبر قد انفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بياض ، فقال لي : ياأبا عبداللّه ، ألا يحزنك ما يقول هذا ؟ قلت : بلى واللّه ، قال : افتح عينيك ، انظر ما يصنع اللّه به ، فإذا هو ذكر عليا فرمي به من فوق المنبر فمات لعنه اللّه (1).

توفّي الحسين الأصغر في يثرب سنة سبع وخمسين ومائة ، وله سبع وخمسون سنة ، ودفن بالبقيع مجاورا لأبيه زين العابدين عليه السلام(2).

وولد الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، ستّة عشر ولدا ، البنات منهم سبع وهنّ : أُميمة ، وأمينة ، وآمنة ، وآمنة الكبرى ، وزينب ، وزينب الوسطى ، وزينب الصغرى .

والرجال : عبيداللّه الأعرج ، وعبداللّه ، وزيد ، ومحمد ، وإبراهيم ، وعيسى ، وسلمان ، والحسن ، وعلي(3).

وعقبه عالم كثير بالحجاز والعراق والشام وبلاد العجم والمغرب ، فأعقب من خمسة رجال : عبيداللّه الأعرج ، وعبداللّه ، وعلي ، وأبو محمد الحسن ،

ص: 244


1- إعلام الورى : ج2 ص486 ، الإرشاد : ج2 ص175 .
2- عمدة الطالب : ص345 ، سرّ السلسلة العلوية : ص69 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : ص396 .

وسليمان(1).

علي بن عبيداللّه بن الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام

يكنّى بأبي الحسن ، كان أزهد آل أبي طالب ، وأعبدهم في زمانه ، واختصّ بموسى والرضا عليهماالسلام ، واختلط بأصحابنا الإمامية ، وكان لما أراده محمد بن إبراهيم طباطبا لن يبايع له أبو السرايا بعده ، أبى عليه وردّ الأمر إلى محمد بن محمد بن زيد ابن علي عليه السلام .

له كتاب في الحجّ ، يرويه كلّه عن موسى بن جعفر عليه السلام .

زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين عليه السلام

هو زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(2).

يكنّى أبا الحسين ، وأُمّه أُمّ ولد يقال لها : جيداء(3).

وكان زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام عين اخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابدا ، ورعا ، فقيها ، سخيّا ، شجاعا ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطالب بثارات الحسين عليه السلام(4).

ص: 245


1- عمدة الطالب : ص345 ، المجدي : ص396 .
2- انظر طبقات ابن سعد : ج5 ص229 ، وتاريخ الطبري : ج8 ص260 ، وابن الأثير : ج5 ص91 ، وتاريخ ابن عساكر : ج14 ص572 ، والبداية والنهاية : ج9 ص329 ، مروج الذهب : ج2 ص129 ، ووفاة الوفيّات : ج1 ص210 ، وشرح شافية أبي فراس : ص153 - 154 ، المعارف لابن قتيبة : ص95 .
3- الحدائق الوردية : ج1 ص143 مخطوط ، سرّ السلسلة العلوية : ص56 .
4- الإرشاد : ج2 ص171 ، سرّ السلسلة العلوية : ص57 .

ولادته

كانت ولادة زيد الشهيد سنة (78ه)(1) وقيل سنة (75ه)(2).

ولمّا بشّر به أبوه الإمام زين العابدين عليه السلام أخذ القرآن الكريم وفتحه متفائلاً به فخرجت الآية الكريمة : «إِنَّ اللّه َ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ»(3)، فطبقه وفتحه ثانيا فخرجت الآية : «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(4) وطبق المصحف ثمّ فتحه فخرجت الآية : «وَفَضَّلَ اللّه ُ الُْمجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ»(5)، وبهر الإمام عليه السلام وراح يقول : عزيت عن هذا المولود وأنّه لمن الشهداء ...(6).

لقد تنبّأ الإمام عليه السلام بشهادة ولده وأحاط أصحابه علما بها ، فلم يخامرهم شكّ في ذلك ، وكذلك تنبّأ الرسول صلى الله عليه و آله بشهادة زيد ، عندما قال صلى الله عليه و آله للحسين عليه السلام : يخرج رجل من صلبك يقال له زيد ، يتخطّف هو وأصحابه رقاب الناس غرّا محجّلين ، يدخلون الجنّة بغير حساب(7).

نشأته

نشأ زيد في بيوت النبوّة والإمامة ، وتغذّى بلباب الحكمة ، فكان أبوه الإمام

ص: 246


1- تهذيب ابن عساكر : ج6 ص18 .
2- الحدائق الوردية : ج1 ص143 مخطوط .
3- سورة التوبة : الآية 111 .
4- سورة آل عمران : الآية 169 .
5- سورة النساء : الآية 95 .
6- الروض النضير : ج1 ص52 .
7- مقاتل الطالبيين : ص127 .

زين العابدين عليه السلام الذي هو أفضل إنسان في عصره يتعاهده بالآداب ، ويرسم له طرق الهداية والخير ، فتأثّر بسلوكه ، وانطبعت في دخائل نفسه نزعاته المشرقة ، فكان البارز من صفاته الزهد والورع ، فلم يتبع قيادة نفسه وإنّما آثر رضا اللّه وطاعته على كلّ شيء .

عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال : قدمت المدينة فجعلت كلّما سألت عن زيد بن علي ، قيل لي : ذاك حليف القرآن(1).

وقد لازم منذ نعومة أظفاره أخاه الباقر عليه السلام الذي هو خليفة أبيه ووصيّه ، ووارث علومه ، ومن الطبيعي أنّ لهذه الصحبة أثرا فعّالاً في سلوكه وتكوين شخصيته ، حتّى وصفه الإمام الباقر عليه السلام فقال : « وأمّا زيد فلساني الذي أنطق به »(2).

فقد كان زيد في هديه يضارع هدي آبائه الطاهرين الذين طهّرهم اللّه من الرجس والزيغ وأبعدهم من مآثم هذه الحياة .

وأخلص زيد في العبادة والإنابة للّه ، فكان من أبرز المتّقين في عصره ، يقول عاصم بن عبيد العمري : رأيته وهو شاب بالمدينة يذكر اللّه فيغشى عليه ، حتّى يقول القائل ما يرجع إلى الدنيا(3).

وروى هشيم قال : سألت خالد بن صفوان عن زيد بن علي - وكان يحدّثنا

عنه - فقلت : أين لقيته ؟ قال : بالرصافة ، فقلت : أيّ رجل كان ؟ فقال : كان - ما

ص: 247


1- الإرشاد : ج2 ص172 ، سرّ السلسلة العلوية : ص57 .
2- سفينة البحار : ج2 ص273 ، مراقد المعارف : ج2 ص113 .
3- مقاتل الطالبيين : ص128 .

علمت - يبكي من خشية اللّه حتّى تختلط دموعه بمخاطه(1).

وقد أثّر السجود بوجهه لكثرة صلاته طوال الليل ، ولقد اتّجه بعواطفه ومشاعره نحو اللّه ، وسلك كلّ ما يقرّبه إليه زلفى .

واعتقد فيه كثير من الشيعة الإمامة ، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام فظنّوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة عليه السلام من قبله ، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبداللّه عليه السلام(2).

وكان الإمام الباقر عليه السلام يجلّ أخاه زيدا ويكبّره ، ويحمل له في دخائل نفسه أعمق الودّ ، وخالص الحبّ لأنّه من أفذاذ الرجال ، وصورة حيّة للبطولات النادرة .

قال عليه السلام له : لقد أنجبت أُمّ ولدتك يازيد ، اللهم اشدد أزري بزيد(3).

وهذا يدلّ على مدى إكبار الإمام عليه السلام وتعظيمه لزيد .

روى سدير الصيرفي قال : كنت عند أبي جعفر الباقر عليه السلام ، فدخل زيد بن علي ، فضرب أبو جعفر على كتفه وقال : هذا سيّد بني هاشم ، فإذا دعاكم فأجيبوه ، وإذا استنصركم فانصروه(4). ويدلّ ذلك على دعوة الإمام إلى نصرته والذبّ عنه ، والحكم بشرعيّة ثورته .

ص: 248


1- الإرشاد : ج2 ص172 .
2- المصدر نفسه : ج2 ص172 .
3- عمدة الطالب : ص28 .
4- سرّ السلسلة العلوية : ص57 ، عمدة الطالب : ص288 .

وعن خصيب الوايشي قال : كنت إذا رأيت زيد بن علي ، رأيت أسارير النور في وجهه(1).

علمه وأدبه

وكان زيد من علماء عصره البارزين ، وكان موسوعة في الحديث والفقه والتفسير واللغة والأدب وعلم الكلام ، وقد سأل جابر الإمام الباقر عليه السلام عن زيد فأجابه عليه السلام : سألتني عن رجل ملئ إيمانا وعلما من أطراف شعره إلى قدمه(2).

وقال عليه السلام فيه : إنّ زيدا أُعطي من العلم بسطة(3)، وقد تحدّث زيد عن سعة

علومه ومعارفه حينما أعدّ نفسه لقيادة الأُمّة ، والثورة على الحكم الأموي ، يقول :

(واللّه ما خرجت ، ولا قمت مقامي هذا ، حتّى قرأت القرآن ، وأتقنت الفرائض ، وأحكمت السنّة والآداب ، وعرفت التأويل كما عرفت التنزيل ، وفهمت الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والخاصّ والعام ، وما تحتاج الأُمّة في دينها ممّا لابدّ

لها منه ، ولا غنى عنه ، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي)(4).

لقد كان زيد من أعلام الفقهاء ومن كبار رواة الحديث ، وقد أخذ علومه من أبيه الإمام زين العابدين عليه السلام ومن أخيه الإمام الباقر عليه السلام الذي بقر العلم حسبما

أخبر عنه جدّه الرسول صلى الله عليه و آله . وقد غذّياه بأنواع العلوم وأخذ عنهما أُصول الاعتقاد والفروع والتفسير ، فكان من الطراز الأوّل في فضله وعلمه ... .

ص: 249


1- مقاتل الطالبيين : ص125 .
2- مقدّمة مسند الإمام زيد : ص8 .
3- مقدّمة مسند الإمام زيد : ص7 .
4- الخطط والآثار للمقريزي : ج2 ص440 .

عن أبي قرّة قال : خرجت مع زيد بن علي ليلاً إلى الجبّانة ، وهو مرخي اليدين لا شيء معه ، فقال لي : ياأبا قرّة أجائع أنت ؟

قلت : نعم .

فناولني كمثراة مل ء الكفّ ما أدري أريحها أطيب أم طعمها ، ثمّ قال لي : ياأبا قرّة أتدري أين نحن ؟ نحن في روضة من رياض الجنّة ، نحن عند قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ثمّ قال لي : ياأبا قرّة والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي ، أنّ زيد بن علي لم يهتك للّه محرّما ، منذ عرف يمينه عن شماله ، ياأبا قرّة من أطاع اللّه أطاعه ما

خلق(1).

أمّا مكانة زيد الأدبية فقد كان من الطراز الأوّل في الأدب والبلاغة ، وكان يشبه جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في فصاحته وبلاغته(2).

ويقول المؤرخون : إنّه جرت بين زيد وبين جعفر بن الحسن منازعة في وصية ، فكانا إذا تنازعا انثال الناس عليهما ليسمعوا محاورتهما ، فكان الرجل يحفظ على صاحبه اللفظة من كلام جعفر ، ويحفظ الآخر اللفظة من كلام زيد ، فإذا انفصلا وتفرّق الناس فيكتبون ما قالاه ، ثمّ يتعلّمونه كما يتعلّم الواجب من الفرض ، والنادر من الشعر ، والسائر من المثل ، وكانا أُعجوبة دهرهما وأُحدوثة عصرهما(3).

وكان سيبويه يحتجّ بما آثر عن زيد من الشعر ، ويستشهد به فيما يذهب إليه .

ص: 250


1- مقاتل الطالبيين : ص125 .
2- الحدائق الوردية : ج1 ص144 .
3- زهر الآداب : ج1 ص87 .

واعترف خصمه الطاغية هشام بن عبدالملك بقدراته الأدبية وبراعته في الكلام ، فقال : إنّه حلو اللسان ، شديد البيان ، خليق بتمويه الكلام .

وقد حفلت مصادر الأدب والتاريخ بالشيء الكثير من روائع حكمه ، وهي من غرر الكلام العربي .

إعلان الثورة واستشهاد زيد

عرف هشام بن عبدالملك بالحقد على الأُسرة النبوية ، والبغض لها ، وقد عهد رجال الأمن بمراقبة العلويين والتعرّف على تحرّكاتهم ، والوقوف على نشاطاتهم السياسية . وقد أحاطته استخباراته علما بسمو مكانة زيد ، وأهميّة مركزه الاجتماعي ، وما يتمتّع به من القابليات الفذّة التي أوجبت التفاف الجماهير حوله ، إلى أن خرج زيد وقد امتلئت نفسه حماسا وعزما على إعلان الثورة على الحكم الأموي الجائر ، الذي كفر بجميع القيم الإنسانية واستهان بكرامة الإنسان .

وكان سبب خروج أبي الحسين زيد رضوان اللّه تعالى عليه - مضافا إلى غرضه في الطلب بدم الحسين عليه السلام - أنّه دخل على هشام بن عبدالملك ، وقد جمع له هشام أهل الشام ، وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتّى لا يتمكّن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد : إنّه ليس من عباد اللّه أحد فوق أن يوصى بتقوى اللّه ، ولا من

عباده أحد دون أن يوصي بتقوى اللّه ، وأنا أُوصيك بتقوى اللّه ياأمير ، فاتّقه .

فقال له هشام : أنت المؤهّل نفسك للخلافة الراجي لها ؟! وما أنت وذاك - لا أُمّ لك - وإنّما أنت ابن أمة .

فقال له زيد : إنّي لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند اللّه من نبي بعثه وهو ابن أمة ، فلو كان ذلك يقصّر عن منتهى غاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام ، فالنبوّة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة ، ياهشام ؟! وبعد ، فما يقصر برجل أبوه

ص: 251

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو ابن علي بن أبي طالب .

فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري الليلة(1).

فخرج أبو الحسين زيد وهو يقول : لم يكره قوم حرّ السيوف إلاّ ذلّوا(2).

فحملت كلمته إلى هشام فعرف أنّه يخرج عليه ، ثمّ قال هشام : ألستم تزعمون أنّ أهل البيت قد بادوا ؟! ولعمري ما انقرض من مثل هذا خلفهم(3).

وإنّ زيد بن علي لمّا رجع إلى الكوفة أقبلت الشيعة تختلف إليه وغيرهم من المحكمة يبايعونه ، حتّى أحصى ديوانه خمسة عشر الف رجل من أهل الكوفة خاصّة ، سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة ، وأقام بالعراق بضعة عشر شهرا ، كان منها شهرين بالبصرة ، والباقي بالكوفة(4)، حتّى بايعوه أهلها على الحرب ، ثمّ نقضوا بيعته وأسلموه(5).

وخرج زيد بن علي سنة عشرين ومائة ، فلمّا خفقت الراية على رأسه قال : الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه إنّي كنت أستحي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أرد عليه الحوض غدا ولم آمر في أُمّته بمعروف ولا أنهى عن منكر(6).

قال سعيد بن خيثم : تفرّق أصحاب زيد عنه حتّى بقي في ثلاثمائة رجل ،

ص: 252


1- الإرشاد : ج2 ص173 ، عمدة الطالب : ص286 ، سرّ السلسلة العلوية : ص57 .
2- الإرشاد : ج2 ص173 ، عمدة الطالب : ص287 ، سرّ السلسلة العلوية : ص57 .
3- عمدة الطالب : ص287 .
4- مقاتل الطالبيين : ص132 ، عمدة الطالب : ص287 ، سرّ السلسلة العلوية : ص58 .
5- الإرشاد : ج2 ص173 .
6- عمدة الطالب : ص288 ، سرّ السلسلة العلوية : ص58 .

وقيل : جاء يوسف بن عمر الثقفي في عشرة آلاف .

قال : فصفّ أصحابه صفّا بعد صفّ حتّى لا يستطيع أحدهم أن يلوي عنقه ، فجعلنا نضرب فلا نرى إلاّ النار تخرج من الحديد ، فجاء سهم فأصاب جبين زيد ابن علي ، يقال : رماه مملوك ليوسف بن عمر الثقفي يقال له (راشد) فأصاب بين عينيه ، فنزل السهم في الدماغ(1).

وكتب هشام بن عبدالملك إلى السفّاك يوسف بن عمر حاكم الكوفة بأن يبقى زيدا مصلوبا ، ونصب الرأس الشريف على باب دمشق ، ثمّ أُرسل إلى المدينة ، فنصب عند قبر النبي صلى الله عليه و آله يوما وليلة ، ثمّ أرسله إلى مصر ، كلّ ذلك لإذاعة الخوف والإرهاب بين الناس(2).

وأمعنت السلطة الأموية بعدما قضت على ثورة زيد في إشاعة الذعر والخوف في الكوفة ، وأنّ يوسف بن عمر أمر بإلقاء القبض على امرأة كانت قد أعانت زيدا ، ولمّا مثلت عنده أمر بقطع يدها ورجلها ، فطلبت قطع رجلها أوّلاً حتّى تجمع عليها ثيابها فما استجابوا لها فقطعوا يدها ورجلها ، وأخذ ينزف دمها حتّى ماتت(3)، ثمّ إنّه أمر بإحضار زوجها وضرب عنقه ، كما أوعز بإلقاء القبض على امرأة كانت قد زوّجت بنتها إلى زيد ، فأمر بشقّ ثيابها وجلدها بالسياط ، فجلدت وتوفّيت تحت السياط(4).

ص: 253


1- عمدة الطالب : ص288 ، مقاتل الطالبيين : ص137 ، تاريخ الطبري : ج8 ص275 ، تاريخ ابن الأثير : ج5 ص97 .
2- أنساب الأشراف : ج3 ص292 ، تاريخ الطبري : ج8 ص77 .
3- أنساب الأشراف : ج3 ص255 .
4- أنساب الأشراف : ج3 ص255 .

وبقي جثمان زيد مرفوعا على أعواد المشانق ، وهو يضيء للناس طريق الحرّية والكرامة ، وقد وضعت السلطة الحرس عليه ، وجعلت الرقابة في كلّ ليلة لمائة رجل ، وبنيت للحرس حول الجذع بناية خوفا من أن يختلس الجثمان العظيم ، ويوارى في التراب(1).

ولمّا هلك هشام بن عبدالملك ، وولي الحكم من بعده الوليد بن يزيد ، كتب إلى حاكم الكوفة يوسف بن عمر كتابا يأمره بأن ينزل الجثمان المقدّس من الخشبة ويحرقه بالنار(2).

فأحرق الجسد الطاهر الذي ثار ليطهّر الأرض من الظالمين ، ويعيد للإنسان كرامته . وبعدما أحرق الجثمان العظيم عمد يوسف بن عمر فذره في الفرات وهو يقول : واللّه ياأهل الكوفة لأدعنّكم تأكلونه في طعامكم ، وتشربونه في مائكم(3).

ولمّا قتل زيد ، بلغ ذلك من أبي عبداللّه عليه السلام كلّ مبلغ ، وحزن له حزنا عظيما حتّى بان عليه ، وفرّق من ماله على عيال من أُصيب معه من أصحابه الف دينار . روى ذلك أبو خالد الواسطي قال : سلّم إليّ أبو عبداللّه عليه السلام الف دينار ، وأمرني أن أُقسّمها في عيال من أُصيب مع زيد ، فأصاب كلّ رجل أربعة دنانير(4).

وقال عليه السلام : « رحم اللّه زيدا عمّي لو تمّ له الأمر لوفى »(5). أي لسلّم الأمر إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام .

ص: 254


1- أنساب الأشراف : ج3 ص256 .
2- مقاتل الطالبيين : ص147 .
3- تاريخ اليعقوبي : ج2 ص391 .
4- انظر الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص173 ، عمدة الطالب : ص289 ، سرّ السلسلة العلوية : ص59 .
5- المجدي في أنساب الطالبيين : ص354 ، عيون أخبار الرضا : ج1 ص249 باب25 .

روى الشيخ الصدوق عن حمزة بن حمران قال : دخلت على الصادق جعفر ابن محمّد عليهماالسلام فقال لي : ياحمزة من أين أقبلت ؟

قلت له : من الكوفة .

قال : فبكى عليه السلام حتّى بلّت دموعه لحيته .

فقلت له : يابن رسول اللّه ما لك أكثرت البكاء ؟

فقال : ذكرت عمّي زيدا وما صنع به فبكيت .

فقلت له : ما الذي ذكرت منه ؟

فقال : ذكرت مقتله وما أصاب جبينه سهم فجاءه ابنه يحيى فانكبّ عليه ، وقال له : أبشر ياأبتاه فإنّك ترد على رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات اللّه عليهم) ، قال : أجل يابني ، ثمّ دعا بحدّاد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودفن وأجرى عليه الماء وكان معهم غلام سندي لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إيّاه .

فأخرجه يوسف بن عمر فصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثمّ أمر به فأُحرق بالنار وذري في الرياح ، فلعن اللّه قاتله وخاذله وإلى اللّه جلّ اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيّه بعد موته وبه نستعين على عدوّنا وهو خير مستعان(1).

وكان مقتل زيد بن علي يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر ، سنة عشرين ومائة ، وكان سنّه يومئذ اثنتين وأربعين سنة(2).

ص: 255


1- أمالي الصدوق : ص321 مجلس62 ح3 .
2- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص174 .

وولد أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام أربعة بنين ولم يكن له أُنثى ، يحيى - وسيأتي شرح أحواله - والحسين ، ومحمدا ، وعيسى(1).

أمّا الحسين فهو ذو العبرة ، ولقّب كذلك بذي الدمعة لكثرة بكائه(2)، ويكنّى أبا عبداللّه وأُمّه أُمّ ولد ، وعمي في آخر عمره ، ومات سنة أربعين ومائة ، وكان من

أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، قتل أبوه وهو صغير فربّاه الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، فأعقب ، وفي ولده البيت والعدد من ثلاثة رجال : يحيى وفيه البيت ، والحسين وكان قعودا ، وعلي(3).

وأمّا محمد بن زيد ، ويكنّى أبا جعفر ، وأُمّه أُمّ ولد سندية ، وكان له عدّة بنين منهم : محمد بن محمد بن زيد ، وتوفّي بمرو ، سقاه المأمون السمّ سنة اثنتين ومائتين

وهو ابن عشرين سنة ، فيقال إنّه كان ينظر كبده يخرج من حلقه قطعا فيلقيه في طشت ويقلبه بخلال في يده . وجعفر بن محمد بن زيد أعقب ولدا محمد بن جعفر الحماني الشاعر(4).

وأمّا عيسى (مؤتم الأشبال) بن زيد الشهيد ، يكنّى أبا يحيى ، وإنّما سمّي مؤتم الأشبال لأنّه قتل أسدا له أشبال فسمّي مؤتم الأشبال . وكان وصي إبراهيم قتيل باخمرى ، ابن عبداللّه المحض وحامل رايته ، فلمّا قتل إبراهيم اختفى عيسى إلى أن

ص: 256


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص356 ، عمدة الطالب : ص289 ، سرّ السلسلة العلوية : ص61 .
2- في مقاتل الطالبيين بسنده عن يحيى بن الحسين بن زيد قال : قالت أُمّي لأبي ما أكثر بكاؤك ؟ فقال : وهل ترك السهمان والنار سرورا يمنعني من البكاء يعني السهمين الذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى .
3- عمدة الطالب : ص291 ، سرّ السلسلة العلوية : ص62 ، المجدي : ص397 .
4- عمدة الطالب : ص332 ، المجدي : ص384 .

مات ، وكان أبو جعفر المنصور قد بذل له الأمان وأكّده ، وكان شديد الخوف منه لم يأمن وثوبه عليه ، فقيل لعيسى في ذلك فقال : واللّه لئن يبيتنّ ليلة واحدة خائفا منّي

أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس .

فأعقب عيسى بن زيد من أربعة رجال : أحمد المختفي ، وزيد ، ومحمد ، والحسين (غضارة)(1).

ومات عيسى بن زيد وسنّه ست وأربعون سنة .

يحيى بن زيد الشهيد

ويحيى بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وأُمّه ريطة بنت أبي هاشم عبداللّه بن محمد بن الحنفية ، وأُمّ ريطة بنت أبي هاشم بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبداالمطّلب .

كان يحيى بن زيد سيّدا فاضلاً وقورا شجاعا مقداما ، روى الحديث عن آبائه المعصومين عليهم السلام ، مضى شهيدا محتسبا بعيدا عن أوطانه ، غريبا عن أسلافه وأهله الأطائب ، خافه بنو أُميّة على ملكهم وسلطانهم ، وتتبّعوه في العراق ، فلم يظفروا به ، فهرب بدمه إلى خراسان ولم ينج منهم .

روى الشيخ أبو القاسم علي بن محمد الخزار القمّي في (كفاية الأثر) عن المتوكّل بن هارون قال : لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه وهو متوجّه إلى خراسان ، فما رأيت رجلاً مثله في عقله وفضله ، فسألته عن أبيه زيد ؟

فقال : إنّه قتل وصلب بالكناسة ، ثمّ بكى وبكيت حتّى غشي عليه .

ص: 257


1- عمدة الطالب : ص316 ، المجدي : ص387 ، سرّ السلسلة العلوية : ص67 .

فلمّا سكن قلت له : يابن رسول اللّه وما الذي أخرجه إلى قتال الطاغي وقد علم من أهل الكوفة ما علم ؟

فقال : نعم ، لقد سألته عن ذلك ، فقال : سمعت أبي يحدّث عن أبيه الحسين بن علي عليهماالسلام قال : وضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يده على صلبي فقال : ياحسين يخرج من صلبك رجل يقال له : زيد يقتل شهيدا فإذا كان يوم القيامة يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخل الجنّة ، فأحببت أن أكون كما وصفني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال : رحم اللّه أبي زيدا ، كان واللّه أحد المتعبّدين ، قائم ليله ، صائم نهاره ، مجاهدا .

قلت : يابن رسول اللّه هكذا يكون الإمام بهذه الصفة ؟

فقال : ياعبداللّه إنّ أبي لم يكن بإمام ولكن من السادات الكرام وزهّادهم وكان من المجاهدين .

قلت : يابن رسول اللّه أما أنّ أباك قد ادّعى الإمامة وخرج مجاهدا في سبيل اللّه ، وقد جاء عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيمن ادّعى الإمامة كاذبا .

فقال : مه ياعبداللّه إنّ أبي كان أعقل أن يدّعي ما ليس له بحقّ وإنّما قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام عنى بذلك عمّي جعفرا عليه السلام .

قلت : فهو اليوم صاحب الأمر ؟

قال : نعم هو أفقه بني هاشم(1).

وروي أنّ يحيى - لمّا قتل أبوه زيد بن علي سنة 120ه - خرج مختفيا إلى نينوى ثمّ منها إلى المدائن ، فعلم به يوسف بن عمر الثقفي ، فأنفذ إليه جماعة ليقبضوا

عليه ، فلم يتهيّأ لهم الأمر وخفي عليهم ، وفرّ منهم إلى بلاد العجم ، فخرج إلى الري

ص: 258


1- انظر مراقد المعارف : ج2 ص368 .

ثمّ إلى نيسابور فسألوه المقام فقال : بلدة لا ترتفع فيها لعلي راية(1).

ثمّ خرج وأقام في مدينة سرخس(2). من أعمال خراسان ، واجتمع إليه جمع كثير من الأنصار المحاربين ، ولمّا علم به والي الأمويين على خراسان (نصر بن سيّار) وجّه إليهم جيشا ليقتلهم ، فقاتلهم ولم يتمكّن منهم لكثرة من انضمّ إلى يحيى

من الشيعة .

ثمّ إنّ يحيى انتقل إلى الجوزجان وازداد أنصاره فيها ، فعندئذ اهتمّ (نصر بن سيّار) لمقاتلتهم وأرسل إليهم السرايا والجيش الكثير فاقتتلوا ، وإنّ الجيش الأموي تمكّن من قتل معظم أصحاب يحيى ، وهنا أصابت جبهة يحيى نشّابة ومات منها وانهزم بقيّة أصحابه واحتزّوا رأسه وعلّقوا جسده الطاهر مصلوبا على باب مدينة الجوزجان مدّة ، ودفن جسده بالجوزجان . ولمّا سمع الإمام جعفر الصادق عليه السلام بمقتله بكى واشتدّ حزنه ثمّ ترحّم عليه(3).

وفي عمدة الطالب : قتل يحيى وله ثماني عشرة سنة وبعث برأسه إلى الوليد ابن يزيد ، فبعث به الوليد بن يزيد إلى المدينة ، فجعل في حجر أُمّه ريطة فنظرت إليه فقالت : (شرّدتموه عنّي طويلاً وأهديتموه إليّ قتيلاً ؛ صلوات اللّه عليه وعلى

ص: 259


1- عمدة الطالب : ص290 .
2- سرخس : بفتح أوّله وسكون ثانيه ، وفتح الخاء المعجمة وآخره سين مهملة ، مدينة قديمة من نواحي خراسان ، كبيرة واسعة ، تقع بين نيسابور ومرو في وسط الطريق ، بينهما وبين كلّ واحد منهما ستّ مراحل ، قيل : سمّيت باسم رجل من الذعار في زمن كيكاوس . قال الفرس : إنّ كيكاوس أقطع سرخس بن خوذرز أرضا فبنى بها مدينة فسمّاها باسمه وهي سرخس . انظر معجم البلدان : ج5 ص65 .
3- انظر مقاتل الطالبيين : ص150 .

آبائه بكرةً وأصيلاً) ولا عقب ليحيى بن زيد(1).

قال الشيخ البخاري : كانت له بنت ترضع(2).

واستشهد يحيى بن زيد في الجوزجان(3) سنة (125ه) ودفن فيه .

ومرقده في الجوزجان من أعمال خراسان ، عامر مشيّد عليه قبّة تزوره المسلمون ، وإلى قبره في الجوزجان يشير شاعر أهل البيت دعبل بن علي الخزاعي في مرثيته التائية التي أنشأها بحضرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، والتي يذكر فيها قبور العلويين ، ومنها قوله :

وأُخرى بأرض الجوزجان محلّها * وأُخرى بفخّ نالها صلوات(4)

علي الأصغر بن الإمام زين العابدين عليه السلام

هو علي بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، أُمّه أُمّ ولد ، ويكنّى أبا الحسين(5)، ولقّب بالأصغر ؛ لأنّه كان أصغر ولد الإمام زين العابدين عليه السلام(6).

ص: 260


1- عمدة الطالب : ص291 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص61 .
3- الجوزجان : اسم كورة واسعة من كور بلخ بخراسان ، وهي بين مرو الروذ وبلخ ، بها قتل يحيى بن زيد ابن علي بن أبي طالب ، وبها كانت الوقعة بين المسلمين والعدو وبقيادة الأحنف بن قيس موجّها لهم الأقرع بن حابس التميمي ، وهناك فتح المسلمون الجوزجان عنوة سنة 23ه ، انظر معجم البلدان : ج3 ص167 .
4- مراقد المعارف : ج2 ص366 .
5- عمدة الطالب : ص374 ، المجدي : ص416 .
6- الإرشاد : ج2 ص155 ، الفصول المهمّة : ص206 ، عمدة الطالب : ص223 .

وتوفّي بينبع(1) ودفن بها ، وعمره ثلاثون سنة(2).

وأعقب علي الأصغر من ابنه الحسن الأفطس ، أُمّه أُمّ ولد سندية ، مات أبوه وهو حمل ، وكان حامل راية محمد بن عبداللّه بن الحسن الصفراء(3).

الحسن الأفطس

هو الحسن بن علي الأصغر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام ، لقّب بالأفطس(4).

تكلّم فيه بعض النسّابين ، ولكنّه لم يثبت كلّ ذلك ، فإنّ السياسة كانت تقتضي الكلام ضدّ أهل البيت عليهم السلام ومن يرتبط بهم . وممّن تكلّم فيه أبو جعفر محمد ابن معيّة النسّابة صاحب (المبسوط) وله في ذلك قطعة شعر وهي :

أفطسيون أنتم

اسكتوا لا تكلّموا(5)

قال الشيخ أبو نصر البخاري : كان بين الأفطس وبين الإمام الصادق عليه السلام

ص: 261


1- ينبع : يقع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر ، وهي لبني الإمام الحسن ، فيها عيون عذاب غزيرة ، وقال بعضهم : إنّه حصن به نخيل وماء وزرع ، وبها وقوف للإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتولاّها ولده ، انظر معجم البلدان : ج5 ص450 ، ومنتقلة الطالبيين : ص417 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص416 ، سرّ السلسلة العلوية : ص76 .
3- عمدة الطالب : ص374 ، المجدي : ص416 .
4- قال الطريحي في مجمع البحرين : الأفطس بالتحريك تطامن قصبة الأنف وانتشارها ، والرجل أفطس والمرأة فطساء ، والحسن الأفطس هو الحسن بن علي بن علي بن الحسين عليه السلام كأنّه ولد أفطس الأنف .
5- عمدة الطالب : ص374 .

كلام فتوجّه الطعن عليه لذلك(1).

وقال أبو الحسن العمري : عمل الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد - يعني شيخ الشرف العبيدلي - كتابا سمّاه (الانتصار لبني فاطمة الأبرار) ذكر الأفطس وولده بصحّة النسب وذمّ المطاعن عليهم(2).

وقد سبق عدم حجّية مثل هذه الأقوال .

وخرج الأفطس مع محمد بن عبداللّه بن الحسن (النفس الزكية) وبيده راية بيضاء ، وأبلى ولم يخرج معه أشجع منه ولا أصبر ، وكان يقال له : رمح آل أبي طالب لطوله وطوله(3).

ولمّا قتل النفس الزكية اختفى الأفطس بن علي ، فلمّا دخل جعفر الصادق عليه السلام

العراق ولقي أبا جعفر المنصور قال له : ياأمير تريد أن تسدي إلى رسول اللّه يدا

؟

قال : نعم ياأبا عبداللّه .

قال : تعفو عن ابنه الحسن بن علي بن علي ، فعفا عنه(4).

وعن سالمة مولاة أبي عبداللّه الصادق عليه السلام قالت : اشتكى أبو عبداللّه عليه السلام

فخاف على نفسه ، فاستدعى ابنه موسى وقال : ياموسى أعط الأفطس سبعين دينارا وفلانا وفلانا ، فدنوا منه ، فقلت : تعطي الأفطس وقد قعد لك بشفرة يريد قتلك ؟ فقال : ياسالمة تريدين أن أكون ممّن قال اللّه تعالى : «وَالَّذِينَ

يَصِلُونَ مَا أَمَرَ

ص: 262


1- سرّ السلسلة العلوية : ص77 .
2- المجدي : ص416 .
3- الأول بضمّ الطاء المهملة والثاني بفتحها .
4- عمدة الطالب : ص375 ، سرّ السلسلة العلوية : ص77 .

اللّه ُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»(1).

نعم ياسالمة إنّ اللّه تعالى خلق الجنّة فطيّبها وطيّب ريحها ، وإنّ ريحها يوجد

من مسيرة ألفي عام ، ولا يجد ريحها عاقّ ، ولا قاطع رحم . قال البخاري : هذه واللّه

شهادات قاطعة من الإمام الصادق عليه السلام أنّه ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).

أولاد الأفطس

ولد الحسن بن علي بن علي بن الحسين عليهم السلام زيدا ومحمدا وعليا وحسينا وعمر وعبداللّه وحسنا من أُمّهات أولاد شتّى ، أعقبوا جميعا(3).

وعبداللّه بن الحسن بن علي ، وهو الذي يقال له ابن الأفطس(4)، قاتل يوم فخّ متقلّدا سيفين يقاتل بهما ، قتله هارون العبّاسي(5).

ص: 263


1- عمدة الطالب : ص375 ، والآية في سورة الرعد : 21 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص77 ، عمدة الطالب : ص375 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص78 ، المجدي : ص417 .
4- مروج الذهب : ج2 ص334 .
5- مقاتل الطالبيين : ص410 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

خديجة بنت الإمام زين العابدين عليه السلام

خديجة بنت الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام زوجها محمد بن عمر (الأطرف) بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام وكان أحد رجال بني هاشم عقلاً ونبلاً ودينا .

وحضر يوما في مجلس ابن عمّه زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام ، فتكلّم محمد ، فأعجب عليا عليه السلام فضله فمدحه ، فقال :

فخري وشرفي طاعتي إيّاك يابن عمّ ومحبّتي لك .

فقال له : يابن عمّ قد أنكحتك بنتي خديجة ، وهي عندي بالمنزلة التي تعرف .

فقام إليه وقبّل رأسه وقال :

وصلتك رحم يابن عمّ وأخذها فأولدها أولادا ، وكانت عنده في المنزلة الرفيعة(1).

وولدت لزوجها محمد بن عمر أولاد منهم :

ص: 264


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص283 و450 .

أبو عيسى عبداللّه بن محمد ، وعبيداللّه ، وعمر(1).

عُلية بنت الإمام زين العابدين عليه السلام

علية ، بضمّ العين المهملة وسكون اللام ، وفتح الياء المثنّاة من تحت ، بعدها هاء.

هي بنت الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام .

وهي التي ذكر اسمها في كتب الرجال ، وقالوا : إنّها جمعت كتابا ينقل زرارة عنه .

قال النجاشي : لها كتاب رواه أبو جعفر محمد بن عبداللّه بن القاسم بن محمد ابن عبيداللّه بن محمد بن عقيل ، قال : حدّثنا رجاء بن جميل بن صالح ، قال : حدّثنا أبي جميل بن صالح ، عن زرارة بن أعين ، عن علية بنت علي بن الحسين بالكتاب(2).

أُمّ كلثوم بنت الإمام زين العابدين عليه السلام

أُمّ كلثوم بنت الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام ، وزوجة داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليهم) .

ولدت لزوجها ولدين وابنتين : عبداللّه وسليمان ، ومليكة وحمادة(3).

ويكنّى داود : أبا سليمان ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين

عليه السلام نيابة عن أخيه عبداللّه ، وكان رضيع جعفر الصادق عليه السلام . وكان داود بن الحسن قد حبسه المنصور الدوانيقي ضمن من حبسهم من الحسنيين . وقد نجى بدعاء أُمّه أُمّ داود

ص: 265


1- سرّ السلسلة العلوية : ص97 ، عمدة الطالب : ص401 .
2- رجال النجاشي : ج2 ص162 برقم 830 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : ص279 ، رياحين الشريعة : ج3 ص433 .

(فاطمة بنت عبداللّه بن إبراهيم) والذي علّمها الإمام الصادق عليه السلام . وهي صاحبة دعاء يوم النصف من رجب(1)، ويعرف بدعاء (أُمّ داود) وبدعاء (الاستفتاح) . وتوفّي داود في المدينة وهو ابن ستّين سنة . وعقبه من ابنه سليمان بن داود(2).

أُمّ علي بنت الإمام زين العابدين عليه السلام

أُمّ علي(3) بنت الإمام زين العابدين عليه السلام

أُمّ علي بنت الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليهم) . زوجها عبيداللّه بن أبي الفضل العبّاس قمر بني هاشم بن علي بن

أبي طالب عليه السلام . وكان يوصف بالكمال والمروءة والجمال ، ومات وله خمس وخمسون سنة(4). وكان عبيداللّه قد تزوّج أربع عقائل هنّ : رقية بنت الحسن المجتبى ، وأُمّ علي بنت زين العابدين عليه السلام ، وهي لم تلد له ، وأُمّ أبيها بنت عبداللّه بن معبد بن العباس ابن عبدالمطّلب ، وابن المسور بن مخرمة الزبيري(5).

علما بأنّ نسل قمر بني هاشم كان من ولده عبيداللّه .

ولم أحصل على ترجمة حياة هذه المرأة ، ولا على شيء يتعلّق بأحوالها .

ص: 266


1- إقبال الأعمال : ص658 ، أعيان الشيعة : ج3 ص476 و477 ، وج8 ص388 .
2- عمدة الطالب : ص120 و218 .
3- هذه كنيتها ولم نعثر على اسمها .
4- المجدي في أنساب الطالبيين : ص436 ، رياحين الشريعة : ج3 ص415 .
5- سرّ السلسلة العلوية : ص90 .

الباب الخامس: أولاد الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام

اشارة

ص: 267

ص: 268

نبذة عن حياة الإمام الباقر عليه السلام

نسبه عليه السلام

الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو الإمام الخامس وخليفة أبيه علي بن الحسين عليه السلام ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده(1).

وأُمّه : أُمّ عبداللّه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام ، وفيه يقول الشاعر :

ياباقر العلم لأهل التقى

وخير من لبّى على الأجبل

وهو هاشمي من هاشميين ، علوي من علويين ، فاطمي من فاطميين(2).

وكانت أُمّه : أُمّ عبداللّه من سيّدات نساء بني هاشم ، وكان الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يسمّيها (الصدّيقة)(3).

ويقول فيها الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن مثلها(4).

وحسبها سموا أنّها بضعة من ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّها نشأت في بيوت

ص: 269


1- الإرشاد : ج2 ص158 ، الفصول المهمّة : ص208 ، عمدة الطالب : ص132 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة عليهم السلام : ص91 .
2- تهذيب اللغات والأسماء : ج1 ص87 ، وفيّات الأعيان ، ج3 ص384 ، تاريخ اليعقوبي : ج2 ص60 .
3- الأُصول من الكافي : ج1 ص390 ، أعيان الشيعة : ج1 ص651 ، المناقب : ج4 ص195 .
4- أُصول الكافي : ج1 ص469 ، أعيان الشيعة : ج1 ص650 .

أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وتربّى الإمام الباقر عليه السلام في حجرها الطاهر ، فأفرغت عليه أشعّة من روحها الزكيّة ، وغذّته بمثلها الكريمة ، حتّى صارت من خصائصه وذاتيّاته .

ولادته عليه السلام

أشرقت الدنيا بمولد الإمام الزكي محمّد الباقر عليه السلام الذي بشّر النبي صلى الله عليه و آله به قبل ولادته ، وكانت ولادته عليه السلام يوم الاثنين ، الأوّل من رجب المرجّب سنة سبع وخمسين من الهجرة في المدينة المنوّرة ، وقد ولد قبل قتل الإمام الحسين عليه السلام بثلاث سنين(1).

وسمّاه جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمحمّد ، وكنّاه بالباقر قبل أن يخلق بعشرات السنين ، وكان ذلك من أعلام نبوّته كما يقول بعض المحقّقين ، وقد استكشف صلى الله عليه و آله من وراء ما يقوم به سبطه من نشر العلم وإذاعته بين الناس ، فبشّر به أُمّته كما حمل

له تحيّاته على يد الصحابي الجليل جابر بن عبداللّه الأنصاري (رضوان اللّه تعالى عليه) .

روى ميمون القداح عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : (دخلت على جابر بن عبداللّه (رحمة اللّه عليه) فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ثمّ قال لي : من أنت ؟ - وذلك بعدما كفّ بصره - فقلت : محمّد بن علي بن الحسين ، فقال : يابني ادن منّي ، فدنوت منه فقبّل يدي ، ثمّ أهوى إلى رجليّ يقبّلهما فتنحّيت عنه ، ثمّ قال لي : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرئك السلام ، فقلت : وعلى رسول اللّه السلام ورحمة اللّه وبركاته ، وكيف ذلك ياجابر ؟ فقال : كنت معه ذات يوم فقال لي : ياجابر لعلّك أن

ص: 270


1- الإرشاد : ج2 ص158 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص136 ، الفصول المهمّة : ص208 ، نور الأبصار : ص157 ، دلائل الإمامة : ص94 ، أخبار الدول : ص111 ، وفيّات الأعيان : ج3 ص314 .

تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمّد بن علي بن الحسين ، يهب له النور والحكمة فاقرأه منّي السلام)(1).

كنيته عليه السلام

أمّا كنيته فهي (أبو جعفر)(2) ولم يذكر له كنية غيرها ، لقد كنّي بولده الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي بعث الروح والحياة في هذه الأُمّة ، وفجّر ينابيع الحكمة في الأرض .

ألقابه عليه السلام

أمّا ألقابه الشريفة فقد دلّت على ملامح شخصيته العظيمة ، ونزعاته الرفيعة ، وهي : الأمين ، الشبيه ، لأنّه كان يشبه جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله(3)، الشاكر ، الهادي ، الصابر ، الشاهد ، الباقر .

والباقر من أكثر ألقابه ذيوعا وانتشارا ، وسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك وعرّفه بباقر العلم ، حيث روي عن جابر بن عبداللّه الأنصاري أنّه قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولدا لي من الحسين يقال له : محمّد ، يبقر علم

ص: 271


1- انظر الكافي : ج1 ص470 ، أمالي الصدوق : ص289 / 94 ، كمال الدين : ج1 ص254 ، علل الشرائع : ج1 ص233 ، مختصر تاريخ دمشق : ج23 ص78 ، الفصول المهمّة : ص211 ، تذكرة الخواص : ص337 ، الإرشاد : ج2 ص158 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص196 ، رجال الكشي : ص27 ، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان : ج5 ص78 ، عمدة الطالب : ص224 ، وقد ورد فيها مضمون الخبر بطرق مختلفة .
2- دلائل الإمامة : ص94 ، الفصول المهمّة : ص208 ، عمدة الطالب : ص224 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص24 ، نور الأبصار للشبلنجي : ص157 .
3- أعيان الشيعة : ج1 ص665 .

الدين بقرا ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام »(1).

صفاته عليه السلام

أمّا صفاته وملامحه الشريفة فهي حسب ما يقول جابر بن عبداللّه الأنصاري كانت كملامح رسول اللّه صلى الله عليه و آله وشمائله ، وكان يشبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولذا لقّب بالشبيه .

كان عليه السلام ربع القامة ، دقيق البشرة ، جعد الشعر ، أسمر اللون ، له خال على خدّه ، وخال أحمر في جسده ، ضامر الكشح ، حسن الصوت ، مطرق الرأس(2).

من فضائله عليه السلام

كان عليه السلام ومنذ نعومة أظفاره آية من آيات النبوغ والذكاء ، وقد عرف الصحابة والتابعون ما يتمتّع به الإمام من سعة الفضل والعلم الغزير ، فكانوا يرجعون إليه في المسائل التي لا يهتدون إليها .

يقول المؤرخون : إنّ رجلاً سأل عبداللّه بن عمر عن مسألة فلم يقف على جوابها ، فقال للرجل : اذهب إلى ذلك الغلام - وأشار إلى الإمام الباقر عليه السلام - فاسأله وأعلمني بما يجيبك ، فبادر نحوه وسأله فأجابه عليه السلام عن مسألته ، وراح ابن عمر يبدي إعجابه بالإمام قائلاً : إنّهم أهل بيت مفهّمون(3).

وقد بهر جابر بن عبداللّه الأنصاري من سعة علوم الإمام معارفه وطفق

ص: 272


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص197 ، الإرشاد : ج2 ص159 ، عمدة الطالب : ص224 ، الفصول المهمّة : ص208 ، سرّ السلسلة العلوية : ص32 ، سير أعلام النبلاء : ج4 ص405 .
2- أعيان الشيعة : ج1 ص666 .
3- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص147 .

يقول : ياباقر لقد أُوتيت الحكم صبيّا(1). وروى المؤرخون أنّ الإمام عليه السلام لم ير ضاحكا ، وإذا ضحك يقول : اللهمّ لا تمقتني(2).

وقد ابتعد عن كلّ ما ينافي الوقار وسمو الشخصية ، وكان البارز من صفاته ذكراللّه، ففيجميع أوقاته كان لسانه مشغولاًبذكراللّه،فكان كثيرالصلاة،يصلّي فياليوم

والليله مائه وخمسين ركعة،وإذاأقبل على الصلاه أصفرّلونه خوفامن اللّه وخشيه منه(3).

وكان الإمام عليه السلام يناجي اللّه تعالى في غلس الليل البهيم ، وكان ممّا قاله في مناجاته: «أمرتني فلم أئتمر ، وزجرتني فلم أنزجر ، ها أنا ذا عبدك بين يديك»(4).

وكان عليه السلام يقول : « ما ينقم الناس منّا ؟! نحن أهل بيت الرحمة ، وشجرة النبوّة ، ومعدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي »(5).

وكان عليه السلام - مع ما وصفناه به من الفضل في العلم والسؤدد والرئاسة والإمامة - ظاهر الجود في الخاصّة والعامّة ، مشهور الكرم في الكافّة ، معروفا بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسّط حاله(6).

فهذا طرف ممّا ورد من الحديث في فضائل الإمام محمّد الباقر عليه السلام .

آثاره عليه السلام

أسّس الإمام الباقر عليه السلام جامعة أهل البيت العلمية في مسجد المدينة المنوّرة

ص: 273


1- علل الشرائع : ج1 ص234 .
2- صفة الصفوة : ج2 ص62 ، تذكرة الخواص : ص339 .
3- حلية الأولياء : ج3 ص182 ، الفصول المهمّة : ص209 ، أعيان الشيعة : ج1 ص506 .
4- صفوة الصفوة : ج2 ص63 ، نور الأبصار للشبلنجي : ص158 ، حلية الأولياء : ج3 ص183 .
5- انظر بصائر الدرجات : ص77 ح5 ، الإرشاد : ج2 ص168 .
6- الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص166 .

التي كانت تعقد فيها الحلقات من مختلف الأقطار لدراسة الفقه والحديث والفلسفة والتفسير واللغة وغير ذلك من مختلف العلوم .

وتخرّج منها آلاف العلماء ، وقد أُحصيت مؤلّفات المتخرّجين من تلك الجامعة ، فبلغت ستّة آلاف كتاب(1).

ومن آثاره كذلك : كتاب التفسير ذكره ابن النديم(2)، رسالة إلى سعد الخير

من بني أُميّة ، كتاب الهداية ، و... .

وأشار عليه السلامعلى عبدالملك بن مروان أن يضرب الدراهم وعلّمه كيفية ذلك(3).

شعراؤه عليه السلام

كثير عزّة ، الكميت ، الورد الأسدي (أخو الكميت) ، السيّد الحميري(4).

بوّابه عليه السلام

جابر الجعفي(5).

نقش خاتمه عليه السلام

العزّة للّه ، وفي بعض الروايات : العزّة للّه جميعا(6). وكان الإمام محمّد الباقر عليه السلام

يتختّم أيضا بخاتم جدّه الحسين بن علي عليهماالسلام ، وكان نقشه : (إنّ اللّه بالغ أمره)(7).

ص: 274


1- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : ص327 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص211 .
2- ابن النديم : هو محمد بن إسحاق النديم ونصّ على تفسير الإمام الباقر في كتابه الفهرست عند عرضه للكتب المؤلّفه في تفسير القرآن .
3- راجع تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيد حسن الصدر : ص328 .
4- الفصول المهمّة : ص208 ، أعيان الشيعة : ج1 ص660 .
5- الفصول المهمّة : ص208 ، نور الأبصار : ص158 .
6- حلية الأولياء : ج3 ص189 .
7- عيون أخبار الرضا : ج2 ص56 .

وفاته عليه السلام

توفّي الإمام محمّد الباقر عليه السلام مسموما شهيدا يوم الاثنين في السابع من ذى الحجّة الحرام سنة أربع عشرة ومائة في المدينة المنوّرة ، وسنّه يومئذ سبع وخمسون سنة ، وقبره بالبقيع في مدينة الرسول صلى الله عليه و آله إلى جانب تربة أبيه زين العابدين عليه السلام

وعمّه الحسن بن علي عليهماالسلام(1).

وكان سبب وفاته عليه السلام السمّ من قبل الحاكم الأموي إبراهيم بن الوليد بن يزيد.

وأوصى عليه السلام أن يكفّن في قميصه الذي كان يصلّي فيه(2).

وعن ابنه الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه ، فأوصاني بأشياء في غسله وتكفينه وفي دخوله قبره ، قال : فقلت له : ياأبت واللّه ما رأيتك منذ اشتكيت أحسن هيئة منك اليوم ، ولا أرى عليك أثر الموت .

فقال: يابنيماسمعت عليبن الحسين يناديني من وراء الجداريامحمّد عجّل(3).

عاش (صلوات اللّه عليه) سبعا وخمسين سنة ، مع جدّه الحسين عليه السلام ثلاث سنين ، ومع أبيه السجّاد عليه السلام أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، وبعد أبيه تسع عشرة سنة ، وهي مدّة إمامته(4).

وعاصر من الحكّام : الوليد وأولاده يزيد وإبراهيم(5).

ص: 275


1- الإرشاد : ج2 ص158 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص92 .
2- الفصول المهمّة : ص218 ، نور الأبصار : ص159 .
3- نور الأبصار : ص159 ، الفصول المهمّة : ص218 .
4- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص92 .
5- الفصول المهمّة : ص218 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

إنّ للإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام سبعة أولاد :

أبو عبداللّه جعفر بن محمد - وكان يكنّى به - وعبداللّه بن محمد ، أُمّهما أُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر .

وإبراهيم وعبيداللّه ، درجا(1)، أُمّهما أُمّ حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية .

وقد توفّيا في حياة أبيهما .

علي وزينب ، لأُمّ ولد .

وأُمّ سلمة لأُمّ ولد(2).

وعُدّ أيضا من بناته عليه السلام خديجة(3).

ولم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفر عليه السلام الإمامة إلاّ في أبي عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام خاصّة(4).

ص: 276


1- درجا : أي لم يعقّبا .
2- انظر الطبقات لابن سعد : ج5 ص320 ، الفصول المهمّة : ص218 ، نور الأبصار : ص159 ، تذكرة الخواص : ص341 .
3- رجال الشيخ الطوسي : ص142 ، جامع الرواة : ج2 ص457 .
4- الإرشاد : ج2 ص176 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص300 ، الفصول المهمّة : ص218 .

زوجاته عليه السلام

أُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وسنذكر في باب أحوال الإمام جعفر الصادق عليه السلام نبذة مختصرة من جلالة أُمّ فروة ، وأُمّ حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية .

والعقب من الإمام الباقر عليه السلام منحصر في ابنه جعفر عليه السلام(1).

ص: 277


1- نفحة الأزهار : ص39 ، عمدة الطالب : ص225 ، المجدي : ص285 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

عبداللّه بن الإمام محمّد الباقر عليه السلام

عبداللّه بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام . وهو أخو الإمام جعفر بن محمّد عليه السلام لأُمّه وأبيه(1).

وكان عبداللّه يشار إليه بالفضل والصلاح والتقوى ، قام بتربيته أبوه عليه السلام وعني بتهذيبه ، فكان من أفاضل العلويين وأنبههم .

وقد توفّي شهيدا مسموما سقاه السمّ رجس من أرجاس بني أُميّة .

روي أنّه دخل على بعض بني أُميّة فأراد قتله ، فقال له عبداللّه رضوان اللّه عليه : لا تقتلني فأكون للّه عليك عونا ، واستبقني أكن لك على اللّه عونا(2)؛ يريد بذلك أنّه ممّن يشفع إلى اللّه فيشفعه .

ص: 278


1- الإرشاد : ج2 ص176 ، تحفة الأزهار : ص39 ، وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف : ص94 : فأمّا جعفر بن محمد فيكنّى أبا عبداللّه وإليه تنسب الجعفرية ، وأمّا عبداللّه بن محمّد فهو الملقّب بدقدق ومات بالمدينة .
2- وفي مقاتل الطالبيين : ص151 : فقال عبداللّه بن محمد : لا تقتلني أكن للّه عليك عينا ، ولك على اللّه عونا ، فقال : لست هناك ، وتركه ساعة ، ثمّ سقاه سمّا في شراب فسقاه إيّاه فقتله . انظر شرح شافية أبي فراس : ص155 .

فقال له الأموي : لست هناك ؛ وسقاه السمّ فقتله(1).

فلم يعن به الأموي وأجبره على تناول السمّ ، فلمّا سقي تقطّعت أمعاؤه ، ولم يلبث إلاّ قليلاً حتّى فارق الحياة(2).

لقد مضى عبداللّه إلى اللّه شهيدا شأنه شأن آبائه الذين أجهزت عليهم القوى الشرّيرة ، والنفوس الآثمة الحاقدة على ذوي الأحساب الأصيلة التي رفعت منار الكرامة الإنسانية .

ولعبداللّه بنت اسمها أُمّ الحسن ، عدّها الشيخ الطوسي قدس سره من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام(3).

علي بن الإمام محمّد الباقر عليه السلام

أبو الحسن الطاهر علي بن الإمام محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام(4). وأُمّه أُمّ ولد .

عاش في كنف أبيه ، وتربّى على هديه وسلوكه ، فنشأ مثالاً للفضل والكمال ، لقّب بالطاهر لطهارة نفسه وعظيم شأنه .

ص: 279


1- الإرشاد : ج2 ص177 .
2- غاية الاختصار : ص104 ، سفينة البحار : ج1 ص309 .
3- رجال الشيخ : ص341 ، أعيان الشيعة : ج3 ص476 ، رياحين الشريعة : ج3 ص376 ، تنقيح المقال : ج3 ص71 ، جامع الرواة : ج7 ص180 .
4- الإرشاد : ج2 ص176 ، إعلام الورى : ج1 ص350 ، المجدي في الأنساب : ص284 ، الكنى والألقاب : ج2 ص5 ، روضات الجنّات للخونساري : ج2 ص127 رقم 146 ، تحفة العالم : ج2 ص10 .

مرقده في ايران(1) يبعد عن مدينة (كاشان)(2) بحدود السبعة فراسخ ، ويعرف ب- (شاه زاده سلطان علي) ، ويعرف مشهده في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ب- (مشهد آردهال) . ويعرف قديما ب- (مشهد باركرس) و (باركرز) وقد يقال : (باركرسب) .

وكل اسم من هذه الأسماء الثلاثة هو للقرية التي أُضيف إليها المشهد ، ومشهده عامر مشيّد عليه قبّة عالية الذرى ، سميكة الدعائم ، في مقدّم حرمه مأذنتان ، في منتهى الارتفاع وحسن الزخرف ، قديم البناء ، أثري التصميم والفن .

له حرم وأروقة وصحن ، فيه من الأدوات الموقوفة التي يحتاجها الزائرون الشيء الكثير ، كما أنّ له أوقافا وضياعا ، وينذر له النذور بكثرة ، يتولّونها سدنته ، تقصده الزوّار من كاشان وقم وما والاهما ، وحدّثنا بعض الأصحاب الكاشانيين : إنّ في كلّ سنة تجتمع عند مرقده الزوّار في يوم مخصوص ، وهو اليوم (17 من مهر جلالي) . وهناك تذبح الذبائح وتكثر المطابخ من إطعام الطعام وما شاكله ، وقد يتجاوز عدد زوّاره حدّ الإحصاء ، وتعقد هناك الندوات لذكريات أهل

ص: 280


1- جاء في غاية الاختصار ص102 : إنّ قبره ببغداد بالجعفرية بظاهر سور بغداد ، قال محبّ الدين بن النجّار المؤرخ في تاريخه : ومشهد الطاهر بالجعفرية ، وهي قرية من أعمال الخالص ، قريبة من بغداد ، ظهر فيها قبر قديم وعليه صخرة مكتوب فيها : (بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ضريح الطاهر علي بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وقد انقطع باقي الصخرة ، فبنى عليه قبّة من لبن ، ثمّ عمّره بعد ذلك شيخ من الكتّاب يقال له : علي بن نعيم كان يتولّى كتابة ديوان الخالص ، وزوّقه وزخرفه وعلّق فيه قناديل من الصفر ، وبنى حوله رحبة واسعة) . قلت : وهو الآن مجهول مضطهد خراب ، به جماعة من الفقراء كاد أن يعفى أثره .
2- تبعد كاشان عن مدينة قم المقدّسة 110 كيلومترات . علما بأنّ ما يقارب خمسمائة من أولاد الأئمّة عليهم السلام وذراريهم مدفونون في كاشان وضواحيها ، كما أنّه قد دفن في قم أيضا بنفس العدد .

البيت عليهم السلام(1).

ذكره الميرزا عبداللّه في كتابيه (رياض العلماء) و (الروض)(2) قائلاً : السيّد الأجل علي بن مولانا الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام ، وكان من أعاظم أولاد

مولانا الباقر عليه السلام وأكابرهم ، وإنّه من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، ولغاية عظيم شأنه لا يحتاج إلى التطويل في البيان ، وقبره حوالي بلدة كاشان(3)، ومقبرته معروفة إلى الآن ب- (مشهد باركرس) وله قبّة رفيعة عظيمة ، وقد ذكر جماعة من علمائنا في شأنه فضائل جمّة ، وأوردوا في كراماته وكرامات مشهده حكايات غزيرة ، منهم الشيخ النبيل عبدالجيل القزويني الفاضل المشهور في كتاب (مناقضات العامّة وفضائحهم) بالفارسية ، واعلم أنّ السيد الجليل السيد أحمد المعروف ب- (إمام زاده أحمد)(4) المقبور في (محلّة باغات) بأصفهان ، قد كان ولد هذا السيد الجليل فلا تغفل(5).

وفي كاشان وضواحيها(6) قبور كثيرة للعلويين من الحسينيين والحسنيين ،

ص: 281


1- مراقد المعارف : ج2 ص80 .
2- سفينة البحار : ج1 ص309 .
3- جاء في معجم البلدان : ج7 ص208 : كاشان بالشين المعجمة وآخره نون ، مدينة بما وراء النهر ، على بابها وادي اخسيكث . أقول : وكاشان بلدة بين قم وأصفهان إلى قم أقرب ، وتبعد عن أصفهان ثلاثون فرسخا . والظاهر أنّ كاشان إثنان أحدهما كاشان هذه القريبة إلى قم .
4- انظر ترجمته وموضع قبره في كتاب إمامزادگان معتبر للسيد عزيز اللّه الكاشاني .
5- مناقضات العامّة وفضائحهم : ص170 .
6- في منتقلة الطالبية : ص260 : إنّ من ورد كاشان من أرض العراق ، من أولاد الحسين بن علي عليه السلام ، ومن أولاد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ومن أولاد موسى الكاظم عليه السلام ، ومن أولاد الحسن ابن علي عليه السلام ومن أولاد زيد بن الحسن عليه السلام ومن أولاد محمد البطحاني ، ومن أولاد جعفر الطيّار ، ومن أولاد علي الزينبي .

وكان لعلي بن محمّد الباقر عليه السلام بنت اسمها فاطمة ، وهي لأُمّ ولد ، تزوّجها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام(1).

عبيداللّه بن الإمام محمّد الباقر عليه السلام

عبيداللّه بن الإمام محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام .

أُمّه : أُمّ حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية .

وقد توفّي في حياة أبيه(2).

ولم نعثر له على ترجمة وافية في المصادر التي بأيدينا .

ص: 282


1- غاية الاختصار : ص103 ، المجدي : ص284 ، مراقد المعارف : ج2 ص82 ، وفي أنساب قريش لمصعب الزبير : ص35 .
2- الإرشاد : ج2 ص176 ، النفحة العنبرية : ص51 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

أُمّ سلمة بنت الإمام محمّد الباقر عليه السلام

أُمّ سلمة بنت الإمام الباقر محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام وأُمّها أُمّ ولد(1).

زوجها محمد الأرقط بن عبداللّه الباهر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام ، ولدها إسماعيل بن محمد الأرقط(2).

وهي التي علّمها الإمام الصادق عليه السلام دعاء حين مرض ولدها إسماعيل ، ففعلت ذلك فعافاه اللّه .

روى الكليني في الكافي بسنده عن إسماعيل بن الأرقط وأُمّه أُمّ سلمة أُخت أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : مرضت مرضا شديدا حتّى يأسوا منّي ، فدخل عليّ أبو

عبداللّه عليه السلام فرأى جزع أُمّي عليّ ، فقال لها : توضّأي وصلّ ركعتين وقولي في سجودك : اللهمّ أنت وهبته لي ولم يك شيئا فهبه لي هبة جديدة .

ففعلت ، فأصبحت وقد صنعت هريسة ، فأكلت منها مع القوم(3).

ص: 283


1- مرآة الزمان في تواريخ الأعيان : ج5 ص78 ، طبقات ابن سعد : ج5 ص320 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص284 ، عمدة الطالب : ص282 .
3- الكافي : ج3 ص478 ح6 ، باب صلاة الحوائج .

ورواه الشيخ الطوسي رحمه الله بسنده عن إسماعيل بن الأرقط(1).

وإنّما سمّي عبداللّه الباهر لجماله وللنور الذي كان يشعّ من وجهه ، وهو من الرواة الثقات والفقهاء الفضلاء ، روى عدّة روايات عن آبائه عليهم السلام ، وتولّى صدقات أمير المؤمنين عليه السلام ، وتوفّي عن عمر قارب (75 سنة) .

وسمّي محمد بالأرقط للجدري الذي كان في جسمه ، وهو أيضا من الفقهاء ومحدّثي المدينة(2).

خديجة بنت الإمام محمّد الباقر عليه السلام

خديجة بنت الإمام الباقر محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام .

من فضليات النساء ، ذات تقوى وإيمان ، عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب الإمام الباقر محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(3).

ص: 284


1- التهذيب : ج3 ص313 ح970 .
2- أعيان الشيعة : ج3 ص404 و479 .
3- رجال الشيخ : ص142 ، رياحين الشريعة : ج6 ص313 ، تنقيح المقال : ج3 ص77 ، جامع الرواة : ج2 ص457 .

الباب السادس: أولاد الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

اشارة

ص: 285

ص: 286

نبذة عن حياة الإمام الصادق عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو الإمام السادس بعد أبيه الباقر عليه السلام .

كان جعفر الصادق عليه السلام من بين اخوته خليفة أبيه ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده ، وبرز على جماعتهم بالفضل ، وكان أنبههم ذكرا ، وأعظمهم قدرا ، وأجلّهم في العامّة والخاصّة ، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث(1).

أُمّه : أُمّ فروة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر ، ولهذا كان الصادق عليه السلام يقول : ولدني أبو بكر مرّتين(2).

وكانت أُمّ فروة من الصالحات القانتات ، ومن أتقى نساء أهل زمانها ، وكان أبوها القاسم من ثقات أصحاب الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام(3).

ص: 287


1- انظر الإرشاد : ج2 ص180 ، الفصول المهمّة : ص219 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص247 ، إعلام الورى : ج1 ص515 ، نور الأبصار : ص160 ، تذكرة الخواص : ص342 ، حلية الأولياء : ج3 ص138 ، طبقات ابن سعد : ج3 ص35 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص193 .
2- عمدة الطالب : ص225 ، تحفة الأزهار : ج2 ص44 .
3- إثبات الوصية للمسعودي : ص95 .

قال أبو عبداللّه عليه السلام : « كانت أُمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت ، واللّه يحبّ المحسنين » .

ثمّ قال عليه السلام : « قالت أُمّي ، قال أبي : ياأُمّ فروة أدعو اللّه عزّوجلّ لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرّة ، لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم ما ينالنا من الثواب وهم يصبرون على ما لا يعلمون »(1).

ولادته عليه السلام

كان مولده عليه السلام يوم الاثنين في السابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة في المدينة المنوّرة(2). وهو اليوم الذي ولد فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

إمامته عليه السلام

وصّى إليه أبوه أبو جعفر عليه السلام وصية ظاهرة ، ونصّ عليه بالإمامة نصّا جليا ، وكان عليه السلام من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت القلوب وأخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات .

روى محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : « لمّا حضرت أبي الوفاة قال : ياجعفر ، أُوصيك بأصحابي خيرا ، قلت : جعلت فداك ، واللّه لأدعنّهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا »(3).

قال الصادق عليه السلام لضريس الكناسي : « لِمَ سمّاك أبوك ضريسا ؟ قال : كما سمّاك أبوك جعفرا . قال : إنّما سمّاك أبوك - ضريسا - بجهل ، لأنّ لإبليس ابنا يقال له

ص: 288


1- الكافي : ج1 ص393 ، تحفة الأزهار : ج2 ص44 .
2- الإرشاد : ج2 ص180 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص138 .
3- الإرشاد : ج2 ص180 ، الكافي : ج1 ص396 .

ضريس ، وإنّ أبي سمّاني - جعفرا - بعلم ، على أنّه اسم لنهر في الجنّة ، أما سمعت قول ذي الرمّة ؟

أبكي الوليد أبا الوليد

أخا الوليد فتى العشيرة

قد كان غيثا في السنين

وجعفرا غدقا وميره(1)

وعن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه : الصادق »(2).

وفي معاني الأخبار للشيخ الصدوق رحمه الله : سمّي الصادق صادقا ليتميّز من المدّعي للإمامة بغير حقّها(3).

كان الناس يسمّون الإمام الصادق عليه السلام ويلقّبونه ب- (زين المجتهدين)(4).

كناه وألقابه عليه السلام

يكنّى عليه السلام بأبي عبداللّه وبأبي موسى .

ومن ألقابه عليه السلام : الصادق ، الفاضل ، الطاهر ، القائم ، الكافل ، المنجي ، وعمود الشرف الكامل(5).

وإليه تنسب الشيعة الجعفرية ، وأشهر ألقابه الصادق ، لقّبه به جدّه رسول

ص: 289


1- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص277 .
2- انظر علل الشرائع : ج2 ص234 .
3- معاني الأخبار : ص65 .
4- إعلام الورى : ج1 ص520 .
5- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص281 ، الفصول المهمّة : ص220 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص23 ، تذكرة الخواص : ص340 .

اللّه صلى الله عليه و آله .

عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا الحسن عليا زين العابدين عليه السلام فقلت : جعلت فداك يابن رسول اللّه لِمَ لقّب جعفر الصادق بالصادق الأمين وكلّكم صادقون أُمناء اللّه .

فقال عليه السلام : حدّثني أبي عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إذا ولد ابني جعفر فلقّبوه بالصادق الأمين ، فإنّ اسمه عند أهل السماء الصادق

الأمين(1).

صفاته عليه السلام

كان عليه السلام ربع القامة ، أزهر الوجه ، حالك الشعر جعد ، أشم الأنف ، أنزع رقيق البشرة ، دقيق المسربة(2)، على خدّه خال أسود ، وعلى جسده خيلان(3) حمرة(4).

جامعة أهل البيت العلمية

تولّى الإمام الصادق عليه السلام بعد أبيه الإمام الباقر عليه السلام إدارة جامعة أهل البيت

العلمية ، التي تتابعت الوفود إليها من جميع المدن والقرى ، ونشطت الحركة العلمية في عهده إلى أبعد الحدود ، وبلغ عدد المنتمين إليها أربعة آلاف كما في بعض

ص: 290


1- الاحتجاج : ج2 ص48 ، مجموعة نفيسة من تاريخ الأئمّة : ص194 ، تحفة الأزهار : ج2 ص44 .
2- المسربة : الشعر المستدقّ الذي يأخذ من الصدر إلى السرة .
3- جمع خال : وهي الشامة في البدن .
4- راجع مناقب آل أبي طالب : ج4 ص282 .

الروايات ، وصنّف المئات من تلاميذه في مختلف العلوم والمعارف والفنون(1).

وقيل : بلغ عدد تلامذته عشرين ألفا .

وما روي عنه بلا واسطة ثمانون كتابا ، وبواسطة سبعون كتابا . وقد نقل بعض أهل العلم أنّ (كتاب الجفر) الذي بالمغرب الذي يتوارثونه بنو عبدالمؤمن بن علي هو من كلامه ، وله فيه المنقبة السنيّة والدرجة التي هي في مقام الفضل عليه(2).

قال الجاحظ : جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه(3).

للشيخ عبدالزهراء الكعبي رحمه الله :

لأبي الكاظم الإمام أيادٍ * سابغات تعمّ كلّ البرية

أظهر اللّه فيه شرعة طه * بعد اخفائها فعادت بهيّة

رويت عنه للأنام علوم * هي كانت من قبل ذاك خفية

فحفظنا تلك العلوم من ذا * قد عرفنا بالفرقة الجعفرية

مناظراته وموقفه عليه السلام من الزنادقة

كانت للإمام الصادق عليه السلام مناظرات عديدة مع العلماء والمتكلّمين من مختلف الأديان والمذاهب ، وقد ناظر الزنادقة والملحدين والمعتزلة والمجسّمة والقدرية والخوارج وغيرهم ، بأُسلوب رصين مدعم بالحجج والبراهين . لقد كان المنصور العبّاسي على صلة بالإمام الصادق عليه السلام في عهد الأمويين ، وكان يجالسه ويستمع إلى أحاديثه ، ولكن لمّا استقرّت الحكومة للمنصور سعى مرّات عدّة لقتله ، فواجه

ص: 291


1- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص247 .
2- الفصول المهمّة : ص220 ، نور الأبصار : ص161 .
3- رسائل الجاحظ : ص106 .

الإمام الكثير من المحن والشدائد في عهده ، وكانت مواقفه عليه السلام تتّسم بالشدّة اتّجاه ولاية المنصور(1).

فضائله عليه السلام

روى أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر عليه السلام إلى أبي عبداللّه عليه السلام فقال : ترى هذا ، هذا من الذين قال اللّه عزّوجلّ : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(2).

وعن جابر بن يزيد الجعفي قال : سئل أبو جعفر عليه السلام عن القائم بعده ، فضرب بيده على أبي عبداللّه عليه السلام وقال : هذا واللّه قائم آل محمّد عليهم السلام(3).

وروى علي بن الحكم ، عن طاهر - صاحب أبي جعفر عليه السلام - قال : كنت عنده فأقبل جعفر عليه السلام ، فقال أبو جعفر عليه السلام : هذا خير البرية(4).

وعن عمرو بن المقدام قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد عليه السلام علمت أنّه من سلالة النبيين(5).

وكانت الأخلاق الحميدة غرائزه النفسية ، وطبيعته الفطرية ، فهو صورة طبق الأصل لأخلاق جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وآبائه الطاهرين عليهم السلام من لين الجانب ، ورحابة الصدر ، وطيب القلب ، وبشر الوجه ، وطلاقة المحيّا ، وحبّ الخير للناس ، والتواضع ، وغيرها من مكارم الأخلاق ، وكانت من مميّزاته المشهودة .

ص: 292


1- راجع المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص250 ، حلية الأولياء : ج3 ص196 .
2- الإرشاد : ج2 ص180 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص214 ، والآية في سورة القصص : 5 .
3- الإرشاد : ج2 ص181 ، إثبات الوصية للمسعودي : ص155 .
4- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص302 ، إثبات الوصية : ص155 .
5- تذكرة الخواص : ص342 ، حلية الأولياء : ج3 ص135 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص104 ، كشف الغمّة : ج2 ص18 .

عن أبي يعفور قال : رأيت عند أبي عبداللّه عليه السلام ضيفا ، فقام يوما في بعض الحوائج ، فنهاه عن ذلك وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال عليه السلام : نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أن يستخدم الضيف(1).

وعن الفضل بن أبي قرّة قال : كان أبو عبداللّه عليه السلام يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير ، فيقول للرسول : اذهب بها إلى فلان وفلان ، من أهل بيته ، وقل لهم : هذه بعث إليكم بها من العراق ، قال : فيذهب بها الرسول إليهم فيقول ما قال ، فيقولون : أمّا أنت فجزاك اللّه خيرا بصلتك قرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا جعفر فحكم اللّه بيننا وبينه .

قال : فيخرّ أبو عبداللّه عليه السلام ساجدا ويقول : اللهمّ أذلّ رقبتي لولد أبي(2).

وبإسناده إلى الهياج بن بسطام قال : كان جعفر عليه السلام يطعم الفقراء حتّى لا يبقى لعياله شيء(3).

فكان الإمام الصادق عليه السلام مركزا للإشعاع الأخلاقي في جميع جوانب حياته بصورة مستمرّة .

وقال عليه السلام للمفضّل بن عمر : « أُوصيك بستّ خصال تبلغهنّ شيعتي : أداء الأمانة إلى من ائتمنك ، وأن ترضى لأخيك ما ترضى لنفسك ، واعلم أنّ للأُمور أواخر فاحذر العواقب ، وإنّ للأُمور بغتات فكن على حذر ، وإيّاك ومرتقى جبل إذا كان المنحدر وعرا ، ولا تعدنّ أخاك ما ليس في يدك وفاؤه »(4).

ص: 293


1- الكافي : ج6 ص283 ح1 .
2- تنبيه الخواطر : ص585 ، أمالي الطوسي : ج2 ص290 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص273 .
3- حلية الأولياء : ج3 ص135 ، تذكرة الخواص : ص342 .
4- تحف العقول : ص367 .

وروى أبو بصير قال : دخلت المدينة وكان معي جويرية لي فأصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول إليه ، فمشيت معهم حتّى دخلت الدار ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبداللّه عليه السلام نظر إليّ ثمّ قال : ياأبا بصير أما علمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب ، فاستحييت وقلت له : يابن رسول اللّه إنّي لقيت أصحابنا فخشيت أن يفوتني الدخول معهم ، ولا أعود إلى مثلها وخرجت(1).

وقد روى الناس من آيات اللّه الظاهرة على يديه عليه السلام ما يدلّ على إمامته وحقّه ، والأخبار كثيرة ممّا يطول تعداده .

شعراؤه

السيّد الحميري ، أشجع السلمي ، أبو هريرة ، الآبار العبدي ، جعفر بن عفّان(2).

بوّابه عليه السلام

المفضّل بن عمر(3).

نقش خاتمه عليه السلام

كان نقش خاتمه : ما شاء اللّه ، وقيل : لا قوّة إلاّ باللّه ، وقيل : أستغفر اللّه ، وقيل أيضا : اللّه خالق كلّ شيء(4).

ص: 294


1- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص303 .
2- الفصول المهمّة : ص220 .
3- الفصول المهمّة : ص220 ، نور الأبصار : ص160 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص26 .
4- الكافي : ج6 ص473 ح2 ، الفصول المهمّة : ص220 .

وفاته عليه السلام

توفّي عليه السلام مسموما شهيدا في يوم الاثنين (25) شوال المكرّم سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه وعمّه الحسن عليهم السلام . مات مسموما أيّام الحاكم العبّاسي أبي جعفر المنصور .

وكان مقامه مع جدّه علي بن الحسين عليه السلام اثنتي عشر سنة وأيّام ، وكان مقامه مع أبيه بعد مضيّ جدّه أربع عشر سنة ، وبقي بعد موت أبيه أربعا وثلاثين سنة وهي مدّة إمامته عليه السلام(1).

وعاصر الإمام الصادق عليه السلام من الحكّام الأمويين : هشام بن عبدالملك ، الوليد بن يزيد بن عبدالملك ، ويزيد بن الوليد بن عبدالملك الملقّب بالناقص ، وإبراهيم بن الوليد ، ومروان بن محمد الملقّب بالحمار ، ومن الحكّام العبّاسيين ، أبا

العبّاس السفّاح ، وأبا جعفر المنصور(2).

الوصية الأخيرة

قال أبو بصير : دخلت على أُمّ حميدة أُعزّيها بأبي عبداللّه عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها ، ثمّ قالت : ياأبا محمّد لو رأيت أبا عبداللّه عند الموت لرأيت عجبا ، فتح عينيه ثمّ قال : اجمعوا لي كلّ من بيني وبينه قرابة ، قالت : فلم نترك أحدا إلاّ جمعناه ، قالت : فنظر إليهم ، ثمّ قال إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة(3).

ص: 295


1- الإرشاد : ج2 ص180 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص138 ، الفصول المهمّة : ص227 .
2- أعيان الشيعة : ج4 القسم الثاني ص42 الطبعة الثالثة .
3- ثواب الأعمال : ص272 ، والمناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص280 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

وكان لأبي عبداللّه عليه السلام عشرة أولاد هم :

إسماعيل ، وعبداللّه ، وأُمّ فروة ، أُمّهم : فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وموسى ، وإسحاق ، ومحمّد ، لأُمّ ولد .

والعبّاس ، وعلي ، وأسماء ، وفاطمة ، لأُمّهات أولاد شتّى(1).

وفي كشف الغمّة : ويحيى(2).

تزوّج الإمام الصادق عليه السلام بعدد من الحرائر ، واشترى بعض الجواري كالتالي :

1 - فاطمة بنت الحسين بن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، فهي بنت عم الإمام . وقيل : فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

2 - أُمّ حميدة ، أو حميدة المصفّاة البربرية ، أُمّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

وسنذكر في باب أحوال الإمام موسى الكاظم عليه السلام نبذة مختصرة من جلالتها.

ص: 296


1- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص209 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص304 .
2- كشف الغمّة : ج2 ص361 .

3 - أُمّ مالك بن أنس .

وفي المناقب : وسأل سيف الدولة عبدالحميد المالكي قاضي الكوفة عن مالك ؟ فوضعه وقال : وكان جربند جعفر الصادق أي الربيب(1) (ابن الزوجة) .

4 - أُمّ أبي حنيفة .

قال أبو عبداللّه المحدّث في (رامش أفزاي) : إنّ أبا حنيفة من تلامذته ، وإنّ أُمّه كانت في حبالة الإمام الصادق عليه السلام(2).

5 - أُمّ وهب بن وهب أبي البختري .

6 - أُمّ سالمة .

وأعقب الإمام جعفر الصادق عليه السلام من خمسة رجال : موسى الكاظم عليه السلام ، وإسماعيل ، وعلي العريضي ، ومحمد الديباج ، وإسحاق ، وليس له ولد اسمه ناصر معقّب ولا غير معقّب بإجماع علماء النسب(3).

ص: 297


1- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص248 .
2- المصدر نفسه : ج4 ص248 .
3- عمدة الطالب : ص225 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص286 ، سرّ السلسلة العلوية : ص34 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام

هو إسماعيل بن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، ويكنّى أبا محمد ، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب(1)، وقيل : فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(2).

وكان إسماعيل أكبر اخوته ، وكان أبو عبداللّه عليه السلام شديد المحبّة له والبرّ به والإشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنّون أنّه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده ، إذ كان أكبر اخوته سنّا ، ولميل أبيه وإكرامه له ، فمات في حياة أبيه بالعريض(3)، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه عليه السلام بالمدينة حتّى دفن بالبقيع ،

ص: 298


1- الإرشاد : ج2 ص209 ، إعلام الورى : ج1 ص520 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص304 ، الفهرست للطوسي : ص38 .
2- عمدة الطالب : ص263 ، سرّ السلسلة العلوية : ص34 ، تذكرة الخواص : ص347 .
3- العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل ، انظر معجم البلدان : ج4 ص114 ، ومنتقلة الطالبية : ص396 .

وكان معروفا ب- (الأعرج الأمين)(1).

وروي أنّ أبا عبداللّه عليه السلام جزع عليه جزعا شديدا ، وحزن عليه حزنا عظيما ، وتقدّم سريره بغير حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مرارا كثيرة ، وكان يكشف عن وجهه ، وينظر إليه ، يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانّين خلافته له من بعده وإزالة الشبهة عنهم في حياته(2).

والأخبار بهذا المضمون كثيرة ، فقد روى الشيخ الصدوق ، عن سعيد بن عبداللّه الأعرج أنّه قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : لمّا مات إسماعيل أمرت به وهو

مسجّى بأن يكشف عن وجهه ، فقبّلت جبهته وذقنه ونحره ، ثمّ أمرت به فغطّي ، ثمّ قلت : اكشفوا عنه ، فقبّلت أيضا جبهته وذقنه ونحره ، ثمّ أمرتهم فغطّوه ، ثمّ أمرت به فغسل ثمّ دخلت عليه وقد كفّن ، فقلت : اكشفوا عن وجهه ، فقبّلت جبهته وذقنه ونحره وعوّذته ، ثمّ قلت : أدرجوه ، فقلت : بأي شيء عوّذته ؟ قال : بالقرآن(3).

وروي أنّه عليه السلام كتب بحاشية كفنه : (إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه) ودعا أحد شيعته وأعطاه دراهم وأمر أن يحجّ عن ابنه إسماعيل ، وذكر له أنّه لو فعل سيكون تسعة أجزاء الثواب له وجزء واحد لإسماعيل(4).

وعن إسماعيل بن جابر قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر ، فجعل يقبّله وهو ميّت ، فقلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت بعدما يموت ، ومن مسّه فعليه الغسل ؟ فقال : أمّا بحرارته فلا بأس إنّما

ص: 299


1- كشف الغمّة : ج4 ص361 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص280 .
2- الإرشاد : ج2 ص210 ، إعلام الورى : ج1 ص525 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص304 .
3- كمال الدين للشيخ الصدوق : ص71 .
4- المصدر نفسه : ص72 .

ذاك إذا برد(1).

وعن الحسين بن عثمان قال : لمّا مات إسماعيل بن أبي عبداللّه عليه السلام ، خرج أبو عبداللّه عليه السلام فتقدّم السرير بلا حذا ولا رداء(2).

توفّي إسماعيل بن جعفر سنة ثمان وثلاثين ومائة قبل أبيه بعشر سنين(3)، في الحصن الذي يعرف بالعريض(4) المعروفة بيربام الموقوفة على السادة الأشراف الوحاحدة ، ثمّ نقل على أعناق الرجال إلى المدينة وقبر غربي الغرقد .

وفي سنة 546ه بنى على مشهده قبّة ، الحسين بن أبي الهيجاء وزير العبيدلي ، وأوقف عليه الحديقة ، ونقش صورة الوقفية في حجر موجود على يمين الداخل إلى المشهد عند الباب الأوسط(5).

وقال ابن شيبة : إنّه كان ذلك المكان دار زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين عليه السلام(6).

ومرقده في مدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله جنب سورها(7)، عامر مشيّد ، بنى

ص: 300


1- التهذيب : ج1 ص429 ح1366 .
2- الكافي : ج3 ص204 ح5 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : ص291 .
4- وفي منتقلة الطالبية : ص224 : ذكر من ورد العريض من ولد الحسين بن علي عليه السلام ، ومن ولد محمد ابن علي عليه السلام .
5- تحفة الأزهار : ج2 ص72 وفيه توفّي سنة ثلاث وثلاثين ومائة .
6- انظر تحفة الأزهار لابن شدقم الحسيني : ج2 ص72 .
7- في وفاء الوفاء للسمهودي : ج2 ص104 ، مشهد إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام كبير يقابل مشهد العباس في المغرب ، وهو ركن سور المدينة من القبلة والمشرق ، بني قبل السور فاتّصل السور به فصار بابه من داخل المدينة ، قال المطري : بناه بعض العبيديين من ملوك مصر .

عليه قبّة أحد ملوك مصر من العبيديين(1).

ولمّا مات إسماعيل (رضوان اللّه عليه) انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك فيعتقده ، من أصحاب أبيه عليه السلام ، وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه ولا من الرواة عنه ، وكانوا من الأباعد والأطراف فلمّا مات الصادق عليه السلام انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر عليه السلام بعد أبيه ، وافترق الباقون فريقين :

فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، لظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه وأنّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ . وفريق ثبتوا

على حياة إسماعيل ، وهذا الفريقان يسمّيان بالإسماعيلية ، والمعروف منهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان(2).

ومن ولد إسماعيل : محمد بن إسماعيل بن جعفر عليه السلام من أُمّ ولد ، وعلي بن إسماعيل من امرأة مخزومية ويقال له علي ابن المخزومية ، وفاطمة بنت المخزومية(3).

وولد محمد بن إسماعيل بن جعفر : إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر من أُمّ ولد ، وجعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر من أُمّ ولد ، وهو المعروف

ص: 301


1- وفي مراقد المعارف : ج1 ص156 ، وله قبر أيضا في قزوين مشهور معروف عندهم بقبر إمام زاده إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام ، كما كتب في لوح معلّق على شبّاك مرقده (هذا قبر إمام زاده إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام) . له صحن عامر أمام مرقده ، وله حرم مجلّل كانت عمارته أثرية ، وقبره الأصلي في سرداب ، ولرسم قبره في وسط حرمه شبّاك من الصفر الأصفر والخشب ، سعته 3 × 2 أمتار ، إلى جوانبه أروقة ومسجد كبير متّصل بحرمه ، وعليه قبّة عالية البناء .
2- الإرشاد : ج2 ص210 ، إعلام الورى : ج1 ص530 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص304 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : ص291 ، وسرّ السلسلة العلوية : ص35 .

بالسلامي ، لأنّه ولد بمدينة السلام(1).

وكان محمد بن إسماعيل إمام الميمونية ، وهو لأُمّ ولد ، قبره ببغداد(2).

وقد جاء في كتب التاريخ والأنساب : أنّ سلاطين الفاطميين ، الذين كانوا حكّاما على المغرب من أولاد إسماعيل ، أوّلهم عبيداللّه بن محمد بن عبداللّه بن أحمد

ابن محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام الملقّب بالمهدي باللّه ، فهو أوّل خليفة من آل إسماعيل على المغرب ومصر في زمن بني العباس ، فحكموا (274) سنة

، وكان أوّل سلطنتهم في أيّام المعتمد والمعتضد وأوائل الغيبة الصغرى ، وعددهم أربعة عشر نفرا ، وقيل : فيهم الإسماعيلية والعبيدية ، وقال القاضي نور اللّه : أنّ القرامطة غير الإسماعيلية ، لكنّ العباسيين ومن يهواهم أدخلوهم في الإسماعيلية لشدّة بغضهم وعداوتهم لهم(3).

وإنّ أمير المؤمنين عليه السلام أشار إلى عبيداللّه المذكور في إخباره بالمغيبات حيث قال : ثمّ يظهر صاحب القيروان الفض البض ذو النسب المحض المنتخب من سلالة ذي البداء المسجّى بالرداء(4).

وقيروان مدينة المغرب ، وهي التي بنى في حدودها عبيداللّه المهدي حصنا وسمّاه المهدية . والمراد من ذي البداء المسجّى بالرداء إسماعيل بن جعفر عليه السلام .

قال ابن أبي الحديد : وكان عبيداللّه المهدي أبيض مترفا مشربا بحمرة ،

ص: 302


1- سرّ السلسلة العلوية : ص35 .
2- راجع المجدي في أنساب الطالبيين : ص291 .
3- راجع عمدة الطالب : ص265 ، وتحفة الأزهار : ج2 ص82 .
4- البحار : ج41 ص352 ب114 ح61 .

رخص(1) البدن ، تار(2) الأطراف ، وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد عليه السلام وهو المسجّى بالرداء ، لأنّ أباه أبا عبداللّه جعفرا عليه السلام سجّاه بردائه لمّا مات وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره(3).

وفي بغداد قبران أحدهما لعلي بن إسماعيل بن الصادق عليه السلام ويعرف عند البغداديين بالسيد سلطان علي ، والآخر أخوه محمد بن إسماعيل جدّ الفاطميين ويعرف عندهم بالفضل والمحلّة التي فيها محلّة الفضل(4).

وكان محمد بن إسماعيل بن الصادق عليه السلام مع عمّه موسى الكاظم عليه السلام يكتب له السرّ إلى شيعته في الآفاق .

أمّا ما ورد من أنّه سعى بالإمام عند هارون فالظاهر عدم صحّته .

قيل : لمّا ورد هارون الحجاز سعى محمد بن إسماعيل بعمّه .

فقال : أعلمت أنّ في الأرض خليفتين يجبى إليهما الخراج ، فقال هارون : ويلك أنا ومن ؟ قال : موسى ابن جعفر وأظهر أسراره ، فقبض هارون على موسى الكاظم عليه السلام وحبسه وكان سبب هلاكه ، وحظي محمد بن إسماعيل عند هارون وخرج معه إلى العراق ومات ببغداد ، ودعا موسى بن جعفر عليه السلام بدعاء استجابه اللّه

تعالى فيه وفي أولاده(5).

فإنّ مثل هذه الأقوال لا تبعد أن تكون من مفتريات العبّاسيين .

ص: 303


1- الرخص : الشيء الناعم الليّن .
2- التار : الممتلئ جسمه وعظمه ربا .
3- شرح نهج البلاغة : ج7 ص48 ، شرح خطبة 92 .
4- تحفة العالم : ج2 ص14 .
5- عمدة الطالب : ص264 ، سرّ السلسلة العلوية : ص35 .

عبداللّه بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام

هو عبداللّه بن الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو أخو إسماعيل لأُمّه وأبيه .

وأُمّه : فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1)، وقيل : فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام كما سبق .

ولقّب عبداللّه : بالأفطح ، لأنّه كان أفطح الرأس أو الرجلين ، أي عريض الرأس أو عريض الرجلين .

كان الإمام الصادق

عليه السلام يعلم - بعلم الإمامة - أنّ المنصور الدوانيقي سيحاول قتل الإمام الذي يقوم بعد الإمام الصادق عليه السلام ، ولهذا لم تسمح له الظروف أن يعلن

لعموم الناس أنّ الإمام بعده هو ابنه موسى بن جعفر عليه السلام تحفّظا على حياة ولده من كيد الظالمين ، وإنّما ذكر ذلك للخواص من الشيعة وثقاتهم .

وكان قد اشتهر بين الشيعة عن الإمام الصادق عليه السلام - كلامه - كما في حديث هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : أنّ الأمر في الكبير ، ما لم تكن فيه عاهة(2).

وكان عبداللّه (الأفطح) أكبر أولاد الإمام الصادق عليه السلام بعد إسماعيل ، قيل إنّه لم تكن للأفطح عند أبيه تلك المنزلة التي كانت لإسماعيل .

وفي بعض التواريخ اتّهموه بمخالفة أبيه في اعتقاده ، وقيل : كان يخالط

ص: 304


1- الإرشاد : ج2 ص209 ، إعلام الورى : ج1 ص520 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص304 .
2- الكافي : ج1 ص285 ح6 .

ويصاحب الحشوية(1) ويميل إلى المرجئة(2)، وأنّه ادّعى الإمامة بعد أبيه ، حجّته على ذلك كبر سنّه ، أي أنّه أكبر الأولاد ، ولا يستبعد أن تكون مثل هذه الأقوال من مفتريات العبّاسيين على ذوي أهل البيت عليهم السلام ، كما يحتمل أن يكون إدّعاء الإمامة مسألة صورية لإثبات الإمامة لموسى بن جعفر عليه السلام مثل ما مرّ في قصّة

محمّد بن الحنفية والإمام زين العابدين عليه السلام .

نعم زعم جمع من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام بإمامة عبداللّه الأفطح لكنّهم تركوه بعدما اختبروه ورجعوا إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام بعدما رأوا منه البراهين والدلالات الباهرات .

وبقي قليل من الناس على الاعتقاد بإمامة عبداللّه وهم الطائفة الملقّبة بالفطحية ، إنّما لزمهم هذا اللقب لقولهم بإمامة عبداللّه وكان أفطح الرجلين ، ويقال : إنّهم لقّبوا بذلك لأنّ داعيتهم إلى إمامة عبداللّه كان يقال له عبداللّه بن أفطح(3).

روى القطب الراوندي ، عن المفضّل بن عمر أنّه قال : لمّا مضى الصادق عليه السلام كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى الكاظم عليه السلام ، فادّعى أخوه عبداللّه الإمامة ، وكان أكبر ولد جعفر عليه السلام في وقته ذلك ، وهو المعروف بالأفطح .

ص: 305


1- الحشوية : هم القائلون أنّ عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم وأنّ المصيبين هم الذين قعدوا عنهم ، وأنّهم يتلونهم جميعا ويتبرّؤون من حربهم ويردّون أمرهم إلى اللّه عزّوجلّ . انظر فرق الشيعة للنوبختي : ص15 .
2- المرجئة : هم القائلون بأنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان ، ويؤخّرون العمل عن النيّة ، ويرجون المغفرة للمؤمن العاصي ، انظر فرق الشيعة للنوبختي : ص6 .
3- الإرشاد : ج2 ص211 .

فأمر موسى عليه السلام بجمع حطب كثير في وسط داره ، فأرسل إلى أخيه عبداللّه يسأله أن يصير إليه ، فلمّا صار عنده ومع موسى عليه السلام جماعة من وجوه الإمامية ، فلمّا جلس إليه أخوه عبداللّه أمر موسى عليه السلام أن تضرم النار في ذلك الحطب ، فأضرمت ولا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب كلّه جمرا ، ثمّ قام موسى عليه السلام وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث القوم ساعة ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس ، فقال لأخيه عبداللّه : إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس .

قالوا : فرأينا عبداللّه تغيّر لونه فقام يجرّ رداءه حتّى خرج من دار موسى عليه السلام(1).

وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال لابنه موسى الكاظم عليه السلام : يابني إنّ أخاك سيجلس مجلسي ويدّعي الإمامة بعدي فلا تنازعه بكلمة ، فإنّه أوّل أهلي لحوقا بي(2).

وعاش عبداللّه بن جعفر بعد أبيه سبعين يوما ثمّ مات ، وتوفّي في بلدة بسطام وقبره معروف هناك ، وهو يقابل قبر علي بن عيسى بن آدم البسطامي(3).

وقيل : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام أخذ يلوم عبداللّه ابنه ويعظه ويقول له : ما يمنعك أن تكون مثل أخيك ؟ - يعني موسى الكاظم عليه السلام - فواللّه إنّي لأعرف النور في وجهه .

فقال عبداللّه ، وكيف ؟ أليس أبي وأبوه واحدا ، وأصلي وأصله واحدا ؟

ص: 306


1- الخرائج والجرائح : ج1 ص308 ح2 .
2- اختيار معرفة الرجال : ج2 ص524 ح472 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص224 .
3- تحفة الأزهار : ج2 ص55 . وفيه بسطام بفتح الباء الموحّدة ، والسين المهملة الساكنة ، والطاء المهملة بعدها الف ثمّ ميم ، اسم بلدة كبيرة من أعمال فارس ، وهي اقليم عظيم ممّا يلي عراق العجم وخراسان ، كالحجاز .

فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : إنّه من نفسي وأنت ابني(1).

ومثل هذه الرواية تدلّ على تأكيد الإمام الصادق عليه السلام على إمامة موسى بن جعفر عليه السلام وضرورة الاقتداء به .

إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام

هو إسحاق بن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

يكنّى أبا محمّد ، ويلقّب (المؤتمن) .

وأُمّه أُمّ أخيه موسى الكاظم عليه السلام يقال لها : حميدة البربرية(2).

ولد بالعريض ، ومرض وزمن(3).

وكان يشبه جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان سيّدا جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، تقيّا نقيّا ، ميمونا عالما عاملاً ، فاضلاً كاملاً ، فقيها محدّثا صالحا ، ورعا عابدا(4).

روى الناس عنه الحديث . روى عنه سفيان بن عيينة ، وابن كاسب ، وغيرهما الحديث ، وكانا يقولان حدّثنا الثقة الرضي أبو محمد إسحاق المؤتمن ، وكان وطي الجناب ، ليّن العريكة ، حسن السلوك ، فائقا بالطباع الحسنة ، ملازما

ص: 307


1- الكافي : ج1 ص247 ح10 ، الإمامة والتبصرة : ص210 ح63 ، الإرشاد : ج2 ص218 .
2- الإرشاد : ج2 ص209 ، وانظر كتاب أبناء الإمام في مصر والشام : ص76 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : ص289 .
4- تحفة الأزهار : ج2 ص55 ، عمدة الطالب : ص279 .

منهاج أبيه ، فمالت إليه الواقفية إحدى فرق الزيدية وقالوا بإمامته ولم يدّعها(1).

وكان إسحاق المؤتمن قائلاً بإمامة أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، روى عن أبيه النصّ على إمامة أخيه موسى الكاظم عليه السلام(2).

وكان إسحاق أقلّ المعقّبين من ولد جعفر الصادق عليه السلام عددا ، وأعقب من ثلاثة رجال : محمد والحسين والحسن . وله عقب باقٍ(3).

وينتهي إلى إسحاق بن جعفر عليه السلام نسب بني زهرة العائلة الجليلة بحلب ، ومنهم أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحلبي قدس سره العالم الفاضل الجليل صاحب التصانيف الكثيرة في الكلام والإمامة والفقه والنحو ، منها (غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع) ، وكان هو وأبوه وجدّه وأخوه عبداللّه بن علي وابن أخيه محمد ابن عبداللّه من أكابر الفقهاء الإمامية .

ومن بني زهرة - الذين كتب لهم العلاّمة الحلّي قدس سره الإجازة الكبيرة المعروفة - السيّد الجليل الحسيب صاحب النفس القدسيّة والديانة الأُنسية وأفضل أهل عصره علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي علي الحسن بن أبي المحاسن زهرة ، وابنه المعظّم شرف الدين أبو عبداللّه الحسين بن علي ، وأخوه السيّد

المعظّم الماجد بدر الدين أبو عبداللّه محمد بن إبراهيم ، وابناه أبو طالب أحمد بن

محمد وعزّ الدين الحسن بن محمد ، فقد أجازهم العلاّمة كلّهم .

وقال السيد الشرف تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة في كتاب (غاية

ص: 308


1- تحفة الأزهار : ج2 ص55 .
2- الإرشاد : ج2 ص211 ، إعلام الورى : ج1 ص522 .
3- عمدة الطالب : ص279 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص289 .

الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) عند ذكره لبيت الإسحاقيين : أعيانهم - والحمد للّه أهلنا بيت زهرة - نقباء حلب ، جدّهم زهرة بن علي أبي المواهب نقيب حلب ابن محمد نقيب حلب ابن محمد أبي سالم المرتضى المدني المنتقل إلى حلب الشهباء ابن أحمد المدني المقيم بحرّان ابن محمد الأمير شمس الدين المدني ابن الحسين الأمير الموقّر(1) ابن إسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام .

وبالجملة فآل زهرة بحلب وديارها أشهر من كلّ مشهور ، ومنهم الشريف حمزة بن علي بن زهرة أبو المكارم السيّد الجليل ، الكبير القدر ، العظيم الشأن ، العالم ، الكامل ، الفاضل ، المدرّس ، المصنّف ، المجتهد ، عين أعيان السادات والنقباء

بحلب ، صاحب التصانيف الحسنة ، والأقوال المشهورة ، له عدّة كتب قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه ، قبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد الحسين عليه السلام ، له تربة معروفة مكتوب عليها اسمه ونسبه إلى الإمام الصادق عليه السلام وتاريخ موته أيضا(2).

وقد مضى في الباب الثالث قصّة مشهد السقط في جبل جوشن عند سير أهل بيت الحسين عليه السلام من الكوفة إلى الشام .

ثمّ إنّ زوجة إسحاق بن جعفر هي نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام المعروفة بجلالة الشأن ، توفّيت بمصر سنة (208) ودفنت هناك ، ولأهل مصر اعتقاد تامّ بها ، والمعروف بها أنّ الدعاء عند قبرها مستجاب ، وقد أخذ الشافعي منها الحديث ، فعند وفاته أوصى أن تصلّي عليه .

وكانت من أجلاّء كبار النساء الصالحات ، العابدات ، التقيّات ، الزاهدات ،

ص: 309


1- في النصّ الفارسي : ابن الأمير شمس الدين محمد المدني ابن الأمير الموقّر الحسين .
2- راجع غاية الاختصار : ص105 .

ذات علم وعمل ، وفضل وكمال وورع(1).

قال السيّد مؤمن الشبلنجي في (نور الأبصار) ، والشيخ محمد الصبّان في (إسعاف الراغبين) : كان مولد السيّدة نفيسة بمكّة المشرّفة سنة خمس وأربعين ومائة ، ونشأت بالمدينة في العبادة والزهادة ، تصوم النهار وتقوم الليل ، وكانت لا

تفارق حرم النبي صلى الله عليه و آله وحجّت ثلاثين حجّة أكثرها ماشية ، قالت زينب بنت يحيى المتوّج وهو أخو السيّدة نفيسة : خدمت عمّتي نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت بليل ولا فطرت بنهار ، فقلت : أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسي وقدّامي عقبات لا يقطعهنّ إلاّ الفائزون(2).

وتزوّجت إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق عليه السلام فولدت منه القاسم وأُمّ كلثوم ولم يعقبا ، ثمّ زارت قبر خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، ثمّ رجعت إلى مصر وسكنت بالمنصوصة ، وكان بجوارهم يهودي له ابنة مقعدة فبرأت ببركة ماء وضوئها فأسلم الكثير من اليهود ، وكان المصريون يعتقدون بها وطلبوا منها المكث في مصر فبقيت حتّى توفّيت هناك(3).

واحتضرت وهي صائمة فألزموها الفطر ، فقالت : وا عجباه لي منذ ثلاثين سنة أسأل اللّه أن ألقاه وأنا صائمة وأفطر الآن ، هذا لا يكون ، ثمّ قرأت سورة

ص: 310


1- انظر تحفة لبّ اللباب : ص366 ، وراجع حول ترجمتهما ، أعلام النساء : ج5 ص187 ، أعيان الشيعة : ج1 ص227 ، شذرات الذهب : ج2 ص21 ، تاريخ الطبري : ج5 ص423 ، وج7 ص146 ، وفيّات الأعيان : ج5 ص423 ، مرآة الجنان : ج2 ص23 ، فوات الوفيّات : ج2 ص607 ، تهذيب التهذيب : ج2 ص187 ، عمدة الطالب : ص70 .
2- نور الأبصار : ص207 .
3- المصدر نفسه : ص208 .

الأنعام فلمّا وصلت إلى قوله تعالى : «لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ» ماتت وكانت قد حفرت قبرها بيدها وصارت تنزل فيه وتصلّي وقرأت فيه ستّة آلاف ختمة ، فلمّا ماتت اجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كلّ دار بمصر وعظم الأسف والحزن عليها ، وصلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث امتلأت الفلوات والقيعان ، ثمّ دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة(1).

وأراد زوجها نقلها بعد موتها إلى المدينة ودفنها في البقيع ، فسأله أهل مصر في تركها عندهم للتبرّك وبذلوا له مالاً كثيرا فلم يرض فرأى النبي صلى الله عليه و آله فقال له : ياإسحاق لا تعارض أهل مصر فإنّ الرحمة تنزل عليهم ببركتها(2).

ونقل عنها كرامات كثيرة ، وكتب كتاب في مآثرها اسمه : (مآثر نفيسة) .

وقال ابن بطوطة : أنّه زار تربة السيّدة نفيسة ، وهذه التربة أنيقة البناء مشرفة عليها رباط مقصود(3).

علي العريضي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام

هو علي بن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، يكنّى أبا الحسن ، وأُمّه أُمّ ولد ، وهو أصغر ولد أبيه ، مات أبوه وهو

ص: 311


1- إسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار : ص231 ، وانظر الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي : ص94 .
2- إسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار : ص233 .
3- انظر رحلة ابن بطوطة : ص151 .

طفل صغير ، وإنّما لقّب بالعريضي لأنّ مولده بالعريض(1) على أربعة أميال من

المدينة ممّا يلي المشرق ، ويقال لولده : العريضيون ، وهم كثير(2).

وكان علي بن جعفر - رضوان اللّه عليه - راوية للحديث ، سديد الطريق ، شديد الورع ، كثير الفضل ، ولزم أخاه موسى عليه السلام وروى عنه شيئا كثيرا(3).

وكان عالما كبيرا ، فعمّر طويلاً ، وتربّى في حجر أخيه أبي إبراهيم موسى الكاظم عليه السلام ، ونقل عنه ، وعن ابنه علي الرضا عليه السلام ، وعن ابنه محمد التقي عليه السلام ، وعن الحسين ذي العبرة بن زيد الشهيد ، فكان علي العريضي من كبار فضلاء الشيعة الإمامية وأجلاّئهم ، جليل القدر ، رفيع المنزلة ، عظيم الشأن ، تقيّا ، نقيّا ، صالحا ، عابدا ، ورعا ، زاهدا ، سديد الطريقة ، ثقة ، وقد روي عن الكشي ما يشهد بصحّته ووثاقته ، وقد مدحه جميع علماء الرجال مدحا كثيرا(4).

ولعلي العريضي مصنّفات عديدة : فمنها كتاب المناسك ومسائل قد سألها من أخيه موسى عليه السلام وكتاب في الحلال والحرام ، وكتاب الفقه ، وكتاب مشتمل على الروايات(5).

ص: 312


1- انظر معجم البلدان : ج6 ص150 ، ومنتقلة الطالبية : ص396 ، وفيهما عريض كزبير تصغير عرض ، وهو واد بالمدينة فيه بساتين ونخل .
2- عمدة الطالب : ص270 ، تحفة الأزهار : ج2 ص91 .
3- الإرشاد : ج2 ص214 .
4- عدّه الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من أصحاب أبيه الصادق وأخيه الكاظم وابن أخيه الرضا عليهم السلام ، ووصفه في الفهرست : ص113 : بأنّه جليل القدر ، ثقة ، وله كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم عليه السلام سأله عنها ، رواها الحميري في (قرب الإسناد) . توفّي سنة 210ه
5- تحفة الأزهار : ج2 ص91 .

وروي أنّ أبا جعفر محمد التقي عليه السلام دخل ذات يوم على علي العريضي فتلقّاه قائما على قدميه ، وأجلسه موضعه ، ولم يتكلّم حتّى مضى ، فقال أصحابه : ماذا فعلت وأنت عمّ أبيه ، وأكبر منه سنّا ، فضرب بيده على لحيته وقال : سبحان اللّه ماذا أقول في إرادة اللّه عزّوجلّ إذا لم ير لهذه الشيبة أهلاً للإمامة ، فكيف أنا أراها أهلاً وهي للنار أهل(1).

ويظهر من هذه الأحاديث مدى معرفة هذا الرجل العظيم بإمام زمانه ، وكفى ذلك شرفا وفضلاً .

قال ابن عنبة : عاش علي العريضي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى أن أدرك الهادي علي بن محمد بن علي بن الكاظم عليهم السلام ، ومات في زمانه(2).

واشتبه موضع قبره هل هو في قم(3)، أو في العريض التي تبعد عن المدينة المنوّرة بفرسخ والذي كان فيه مسكنه ومسكن ذرّيته ؟

الظاهر أنّ قبره بالعريض(4) وله قبّة ويزار ، وهو الذي اختاره المحدّث النوري رحمه الله في خاتمة المستدركات ، ولعلّ الموجود في قم هو لأحد أحفاده(5).

واعلم أنّ في بعض كتب الأنساب : أنّ فاطمة الكبرى بنت محمد بن عبداللّه الباهر ابن الإمام زين العابدين عليه السلام كانت زوجة علي العريضي .

ص: 313


1- تحفة الأزهار : ج2 ص91 .
2- عمدة الطالب : ص271 .
3- في تحفة الزائر : يوجد مزار في قم وفيه قبر كبير وعلى القبر مكتوب : قبر علي بن جعفر الصادق عليه السلاموانظر تحفة العالم لبحر العلوم : ج2 ص19 .
4- قال الزبيدي في تاج العروس بمادّة (عرض) : عريض كزبير واد بالمدينة ، به أموال لأهلها وإليه نسب الإمام أبو الحسن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين العريضي ، لأنّه نزل به وسكنه ، فأولاده العريضيون وبه يعرفون ، وفيهم كثرة ومدد .
5- تحفة العالم : ج2 ص20 .

قال العمري : وولد علي بن جعفر الصادق عليه السلام ويعرف بالعريضي إحدى عشر ولدا ، أسماؤهم : كلثوم ، والحسين ، وعلية ، وجعفر ، وعيسى ، والقاسم ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، وأحمد ، ومحمد(1).

والعقب من أربعة رجال : محمد ، وأحمد الشعراني ، والحسن ، وجعفر الأصغر(2).

واعلم أنّ بقم قبر أحد أحفاد علي بن جعفر رحمه الله المعروف بالشرف والجلالة وهو أحمد بن القاسم بن علي بن جعفر الصادق عليه السلام وقبره مزار كافّة الناس في المقبرة القريبة من القلعة في بقعة قديمة مضى على بنائها أكثر من سبعمائة سنة ، والظاهر أنّ أُخته فاطمة مدفونة عنده(3).

وفي تاريخ قم : كان أحمد بن القاسم مفلوجا وعنّينا .

وقد عمي بسبب الجدري ، فلمّا مات دفن بمقبرة مالون وقبره يزار ، وكان عليه سقيفة ، فلمّا جاء أصحاب خاقان المفلحي في سنة (295) إلى قم رفعوا السقيفة فتركت زيارته مدّة إلى أن رأى بعض صلحاء قم في المنام في سنة (371) أنّ ساكن هذه البقعة رجل فاضل وفي زيارته ثواب عظيم فبنى قبره بالخشب وجدّده وأصبح يزار .

ص: 314


1- انظر المجدي في أنساب الطالبيين : ص332 ، سرّ السلسلة العلوية : ص49 .
2- عمدة الطالب : ص271 .
3- وفي تاريخ قم : أنّ فاطمة بنت القاسم بن أحمد بن علي بن جعفر أُمّ محمد العزيزي الذي جاء من قم إلى بغداد فقتلوه في النهروان ونقلوا جنازته إلى قم فدفن قريب مسجد الرضائية ، وفاطمة مدفونة في مقبرة مالون وتزار هناك ، ومحمد عزيز هو ابن عبداللّه بن الحسن بن علي بن محمد بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام والظاهر أنّه هو الذي يعرف ب- إمام زاده سربخش .

وقال بعض الثقات : كان يأتي إليه أصحاب الأمراض المزمنة والمعلولون فيحصلون على الشفاء ببركته .

روى الشيخ الكشي أنّه : دنا الطبيب ليقطع له - أي للإمام محمد الجواد عليه السلام - العرق ، فقام علي بن جعفر فقال : ياسيّدي يبدأني ليكون حدّة الحديد بي قبلك ، قال : قلت : يهنئك هذا عمّ أبيه ، قال : فقطع له العرق ثمّ أراد أبو جعفر عليه السلام النهوض ، فقام علي بن جعفر فسوّى له نعليه حتّى لبسهما(1) مع أنّ علي بن جعفر

كان في ذلك الوقت شيخا محترما ، بينما الإمام الجواد عليه السلام شاب حديث العهد .

وروى الشيخ الكليني عن محمد بن الحسن بن عماد أنّه قال :

كنت عند علي بن جعفر بن محمد عليه السلام جالسا ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب ما سمع من أخيه - يعني أبا الحسن - إذا دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام المسجد ، مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه .

فقال له أبو جعفر عليه السلام : ياعمّ اجلس رحمك اللّه .

فقال : ياسيّدي كيف أجلس وأنت قائم ؟

فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟

فقال : اسكتوا إذا كان اللّه عزّوجلّ - وقبض على لحيته - لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أنكر فضله ؟ نعوذ باللّه ممّا تقولون بل أنا له عبد(2).

ص: 315


1- اختيار معرفة الرجال : ج2 ص729 ح804 .
2- الكافي : ج1 ص322 ح12 ، عمدة الطالب : ص271 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص332 .

وهذا الحديث يدلّ على أخلاقه وتأدّبه مع الإمام محمد بن علي عليه السلام(1).

محمد الديباج بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام

هو محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام ، أُمّه وأُمّ أخيه - الإمام موسى الكاظم عليه السلام - وأُمّ إسحاق : هي أُمّ ولد تدعى (حميدة)(2).

ويكنّى : أبا جعفر وأبا القاسم .

ويلقّب ب- : الديباج ، وذلك لحسن وجهه وجماله وعلوّ كماله وشرف ذاته .

كان عظيم الشأن ، جليل القدر ، رفيع المنزلة ، وكان صالحا ، عابدا ، ورعا ، زاهدا ، قائما ليله ، صائما نهاره ، وكان كريما سخيّا شجاعا ، ما لبس ملبوسا يوما وأمسى على بدنه إلى الليل إلاّ وأخرجه إلى غيره ، يذبح في كلّ يوم كبشا لأضيافه(3).

ص: 316


1- ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج7 ص293 ، وقال روى عن أبيه - أن كان سمع منه - وأخيه موسى الكاظم وابن عمّ أبيه حسين بن زيد بن علي بن الحسين ، والثوري ، ومعتب مولاهم ، وأبي سعيد المكّي ، وعنه ابناه أحمد ومحمد ، وابن ابنه عبداللّه بن الحسن بن علي ، وعلي بن الحسن بن علي بن عمر ابن علي بن أبي طالب ، وزيد بن علي بن حسين بن زيد بن علي بن حسين بن علي ، وابنه حسين بن زيد - وغيرهم . قال ابن ابن أخيه إسماعيل مات سنة 210ه . له في الترمذي حديث واحد في الفضائل واستغربه .
2- الإرشاد : ج2 ص209 ، مقاتل الطالبيين : ص438 ، عمدة الطالب : ص275 ، تاريخ بغداد : ج2 ص113 ، تاريخ الطبري : ج10 ص233 .
3- انظر تحفة الأزهار : ج2 ص64 وفيه : وكان أبو القاسم محمد يذهب إلى رأي الزيدية في الخروجبالسيف ، وكان داعيا إلى محمد بن إبراهيم بن طباطبا الحسني ، فلمّا مات ابن طباطبا دعا إلى نفسه وبايعه العلويون والزيدية وهم الجارودية وغيرهم بمكّة المشرّفة ليوم الجمعة من شهر ربيع الأول سنة 200ه وقيل : سنة 203ه ، فعرى الكعبة وفرّق كسوتها على البادية ، فبعث إليه المأمون أخاه المعتصم باللّه فقبض عليه ومضى به بعد الحجّ إليه بخراسان فعفا عنه وأوصله خمسة وعشرين ألف دينارا ، فلم يزل بخراسان إلى أن توفّي سنة 203ه وقيل : إنّه مات بجرجان . أقول الظاهر أنّه كان يدعو إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام لا إلى نفسه ، وكان على رأي الشهيد زيد رضوان اللّه تعالى عليه لا أنّه زيدي المذهب .

وكان محمد الديباج يوافق عمّه الشهيد زيد (رضوان اللّه عليه) في الخروج بالسيف على ظلم العبّاسيين والدعوة للرضا من آل محمّد عليهم السلام .

وقد خرج في أيّام المأمون سنة (199) بالمدينة ، ودعا الناس إلى البيعة فبايعه أهل المدينة ، فذهب إلى مكّة في جمع من الطالبيين ، منهم الحسين بن الحسن الأفطس ، ومحمد بن سليمان ابن داود بن الحسن المثنّى ، ومحمد بن الحسن المعروف بالسليق ، وعلي بن الحسين ابن عيسى بن زيد ، وعلي بن الحسين بن زيد ، وعلي ابن جعفر بن محمد .

فوقعت معركة عظيمة بينهم وبين هارون بن المسيّب ، فقتل الكثير من جيش هارون ، فترك هارون الحرب وأرسل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى محمد بن جعفر كي يدعوه إلى الصلح .

لكن محمد كان قد استعدّ للقتال مرّة ثانية ، فأرسل هارون جيشا لمحاصرة محمد والطالبيين في الجبل الذي كانوا فيه ، فحاصروهم ثلاثة أيّام حتّى انتهى ماؤهم وطعامهم ، فتفرّق أصحاب محمد عنه ، فلبس محمد رداءه ونعليه وجاء إلى فسطاط هارون بن المسيّب فطلب الأمان منه لنفسه ولأصحابه ، فأعطاه هارون

ص: 317

الأمان ، وفي رواية جاء بدل هارون عيسى الجلودي .

فأخذوا الطالبيين وقيّدوهم ثمّ أرسلوهم إلى خراسان على الأقتاب ، فلمّا قدموا خراسان تظاهر المأمون بإكرام محمد بن جعفر وتلطّف معه ، فكان معه حتّى مات محمد بن جعفر ولا يبعد أن يكون موته بسمّ دسّه المأمون إليه .

فخرج المأمون لتشييعه وحمل جنازته إلى القبر وصلّى عليه ووضعه في اللحد ثمّ خرج من القبر وانتظر حتّى تمّ الدفن .

فقيل له : أيّها الأمير قد أتعبت نفسك اليوم فاركب المحمل واذهب إلى القصر .

فقال : هذا رحمي وقد قطع حوالي (200) سنة ، ثمّ أدّى ديون محمد وكانت ثلاثين ألف دينار(1).

وهكذا أراد المأمون أن يتظاهر بودّه وحبّه للطالبيين .

وفاته

توفّي محمد الديباج بجرجان سنة (203ه) وكان له من العمر (59) سنة(2).

مرقده ب- (جرجان)(3) عامر مشيّد عليه قبّة قديمة سميكة الدعائم ، عالية البناء والذرى ، أشادها السلطان محمد أولجايتوخان . قاله القاضي نور اللّه

ص: 318


1- مقاتل الطالبيين : ص440 ، تاريخ الطبري : ج10 ص234 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص45 و47 .
3- جرجان بالضمّ وآخره نون ، مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان ، وقيل : إنّ أوّل من أحدث بناءها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة . انظر معجم البلدان : ج3 ص75 . وجرجان معرّب گرگان بالضمّ وآخره نون ، وگرگان اليوم مدينة عامرة .

المرعشي في مجالس المؤمنين(1).

كان محمد بن جعفر (رضوان اللّه عليه) عالما زاهدا كريما سخيّا فارسا ، تخشى السلطة العبّاسية من وثبته على سلطانها .

مال إليه الناس لصفاته العالية ، وقد روى الحديث وأكثر في الرواية عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .

ونقل عنه المحدّثون مثل محمد بن أبي عمر ، وموسى بن سلمة ، وإسحاق بن موسى الأنصاري ، صلّى محمّد بن جعفر بالناس في مجلس المأمون يوم احتجاج الإمام الرضا عليه السلام على أصحاب المقالات المتكلّمين وغلبته عليهم .

فقال محمد بن جعفر : أخاف على الرضا عليه السلام أن يحسده هذا الرجل (يعني المأمون) فيسمّه أو يفعل به بليّة .

فبلغ قوله الإمام الرضا عليه السلام ، فقال الرضا عليه السلام : حفظ اللّه عمّي ما أعرفني به(2).

وروي أنّ سبب خروج محمد بن جعفر على سلطان المأمون ، كان رجل قد كتب كتابا في سباب بني فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجميع أهل البيت عليهم السلام ، وكان محمد بن جعفر معتزلاً تلك الأُمور لم يدخل في شيء منها ، فجاءه الطالبيون فقرؤوا الكتاب عليه ، فلم يرد عليهم جوابا حتّى دخل بيته فخرج عليهم وقد لبس الدرع وتقلّد السيف ، ودعا إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام ، وهو يتمثّل :

لم أكن من جنانها عَلِمَ اللّه

وإنّي لحرّها اليوم صالي(3)

ص: 319


1- غاية الاختصار : ص100 ، مراقد المعارف : ج2 ص256 .
2- مراقد المعارف : ج2 ص257 .
3- مقاتل الطالبيين : ص440 ، والبيت للحارث بن عبّاد كما في الكامل لابن الأثير : ج1 ص322 .

وفي بعض التواريخ : أنّه لمّا أراد محمد بن جعفر الخروج ، قال الرضا عليه السلام للمسافر : اذهب إليه وقل له لا تخرج غدا ، ولكنّه كان قد خرج ، فغلب عليه هارون ابن المسيب بمكّة .

وكان خروجه على المأمون في أوائل أيّامه عندما ظهر الخلاف على المأمون العبّاسي في سنة (199ه) ، وأقبل عليه بعض الطالبيين وبايعوه بالخلافة - أي للرضا من آل محمّد عليهم السلام - .

وقيل : إنّه عندما بويع سلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وما بايع الناس أحدا بإمرة المؤمنين من ولد علي عليه السلام بعد الحسين عليه السلام(1).

وقد خرج معه أخوه علي بن جعفر المعروف (بالعريضي) ، ثمّ رجع عن ذلك وصار يرى رأي الإمامية(2).

أي أخذ برأي الأئمّة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام في موقفهم تجاه بني العبّاس ، ولا يبعد أن يكون الإمام المعصوم عليه السلام قد أمر كلّ واحد بأمر خاص ، فأمر

محمد الديباج بالخروج ثمّ أمر أخاه علي بن جعفر بالرجوع عن القتال ، واللّه العالم .

قال الشيخ المفيد في إرشاده : فلمّا وصل محمد الديباج إلى المأمون عفى عنه وأعزّه وأكرمه وأعلى مجلسه على غيره .

وكان إذا ركب إليه ، ركب في موكب عظيم من قومه وعشيرته الطالبيين

الذين خرجوا معه ، فأنكر عليه المأمون ذلك ، فأمر أن لا يركبوا معه وأن يركبوا مع عبيداللّه بن الحسين ، فلزموا منازلهم ولم يركبوا معه ، فأمرهم ثانيا بالركوب مع من

ص: 320


1- انظر مقاتل الطالبيين : ص440 ، الكامل لابن الأثير : ج5 ص177 ، فرق الشيعة : ص76 .
2- عمدة الطالب : ص271 ، مروج الذهب : ج4 ص27 .

أحبّوا ، فركبوا مع محمد بن جعفر وينصرفون بانصرافه(1).

ولا يخفى أنّ المأمون كان يتظاهر بإكرام العلويين وذلك حفاظا على كرسيّه .

وذكر عن موسى بن سلمة أنّه قال : إنّ غلمان ذي الرياستين ضربوا غلمان محمد بن جعفر على حطب اشتروه ، فبلغه ذلك ، فخرج متّزرا ببردين معه هراوة ، وهو يرتجز ويقول :

الموت خير لك من عيش بذلّ فظفر بالغلمان وأخذ الحطب منهم ، فرفع الخبر إلى المأمون ، فأمر ذا الرياستين أن يذهب إلى محمد بن جعفر ليحكّمه في غلمانه ويعتذر منه ، فمضى إليه وفعل به ذلك .

قال موسى بن سلمة : فأتى ذو الرياستين ، فلم يكن بالبيت بساط سوى وسادة جالس عليها محمد ، فلمّا دخل ذو الرياستين وسع له محمد عن الوسادة ليجلس معه عليها ، فامتنع عن الجلوس عليها إلاّ على الأرض معتذرا منه فحكّمه على غلمانه(2).

قال الشيخ المفيد : ولمّا توفّي محمد بن جعفر بجرجان ، ركب المأمون ليشهده فلقيهم وقد خرجوا به ، فلمّا نظر إلى السرير نزل فترجّل ومشى حتّى دخل بين العمودين ، فلم يزل بينهما حتّى وضع فتقدّم وصلّى عليه ثمّ حمله حتّى بلغ به القبر ،

ثمّ دخل إلى قبره ، فلم يزل فيه حتّى بني عليه ، ثمّ خرج ، فقام على القبر حتّى دفن ، فقال له عبيداللّه بن الحسين : ياأمير إنّك قد تعبت اليوم فلو ركبت ، فقال له

ص: 321


1- الإرشاد : ج2 ص213 ، تحفة الأزهار : ج2 ص65 ، مقاتل الطالبيين : ص438 .
2- تحفة الأزهار : ج2 ص65 .

المأمون : إنّ هذه رحم قطعت من مائتي سنة(1).

وروي عن إسماعيل بن محمد بن جعفر أنّه قال : قلت لأخي وهو إلى جنبي والمأمون قائم على القبر : لو كلّمناه في دَين الشيخ فلا نجده أقرب منه في وقته هذا .

فابتدأنا المأمون فقال : كم ترك أبو جعفر من الدَين ؟

فقلت له : خمسة وعشرين ألف دينار .

فقال : قد قضى اللّه دَينه ، إلى من أوصى ؟ قلنا : إلى ابن له يقال له يحيى بالمدينة .

فقال : ليس هو بالمدينة ، وهو بمصر ، وقد علمنا بكونه فيها ، ولكن كرهنا أن نعلمه بخروجه من المدينة لئلاّ يسوؤه ذلك لعلمه بكراهتنا لخروجه عنها(2).

وأعقب محمد الديباج من ثلاثة رجال : علي الخارصي والقاسم والحسين(3).

وجميع بني محمد بن جعفر عليه السلام لصلبه سبعة وهم :

علي وإسماعيل من أُمّ ولد .

والقاسم أُمّه أُمّ الحسن هي بنت حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام .

ويحيى وجعفر أُمّهما خديجة بنت عبيداللّه بن الحسين الأصغر .

وموسى وعبداللّه من أُمّ ولد .

ص: 322


1- الإرشاد : ج2 ص213 .
2- الإرشاد : ج2 ص213 ، الإعلام للزركلي : ج6 ص295 .
3- عمدة الطالب : ص275 .

بناته تسع بنات ، وأجمع أهل النسب على أنّ علي بن محمد بن جعفر عليه السلام قد أعقب ، واختلفوا في جعفر بن محمد بن جعفر عليه السلام(1).

قال الشيخ المفيد : وكان العباس بن جعفر رضى الله عنه فاضلاً نبيلاً(2).

ص: 323


1- انظر سرّ السلسلة العلوية : ص45 - 46 ، وقال تاج الدين بن زهرة الحلبي : وآل محمّد المأمون بن جعفر الصادق عليه السلام هم متفرّقون ببلاد العجم والعرب منهم : بيت جعفر ، ومنهم إسماعيل بن الحسين ويلقّب عزّ الدين النيسابوري النسّابة . ومنهم : آل ركن الدين الشيرازي جدّهم المأمون بن جعفر ، غاية الاختصار : ص99 .
2- الإرشاد : ج2 ص214 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

فاطمة بنت الإمام جعفر الصادق عليه السلام

هي فاطمة بنت الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

راوية من راويات الحديث .

عدّ البرقي في كتابه هي وأُختها أُمّ فروة من الراويات عن الإمام أبي عبداللّه الصادق عليه السلام(1).

ذكرها الشيخ المفيد في (الإرشاد) .

والطبرسي في (إعلام الورى) ضمن بنات الإمام جعفر الصادق عليه السلام(2).

وفي المجدي : فاطمة لأُمّ ولد ، كانت عند عبدالعزيز بن سفيان الأموي .

وذكر من بنات الإمام الصادق عليه السلام : رقية ، بريهة ، أُمّ كلثوم .

قالوا : قبرها بمصر مشهورة وقريبة(3).

ص: 324


1- رجال البرقي : ص62 .
2- الإرشاد : ج2 ص209 ، إعلام الورى : ج1 ص525 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : ص286 .

الباب السابع: أولاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

اشارة

ص: 325

ص: 326

نبذة عن حياة الإمام الكاظم عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(1).

وأُمّه : حميدة بنت صاعد المغربي ، وكانت بربرية ، وقيل : أندلسية أُمّ ولد ، تكنّى لؤلؤة(2). وكانت على درجة عالية من الصلاح والتقوى ، وكانت من المتّقيات الثقات ، ويظهر من بعض الروايات أنّ الصادق عليه السلام كان يأمر النساء في أخذ الأحكام منها .

قال الصادق عليه السلام : « حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك تحرسها حتّى أُدّيت إليّ كرامة من اللّه والحجّة من بعدي »(3).

فكان الإمام موسى عليه السلام سابع الأئمّة ، من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل

ص: 327


1- انظر الإرشاد : ج2 ص215 ، إعلام الورى : ج2 ص9 ، تاريخ بغداد : ج13 ص27 ، مروج الذهب : ج2 ص195 ، صفوة الصفوة : ج1 ص103 ، وفيّات الأعيان : ج2 ص172 ، شرح شافية أبي فراس : ص161 ، نور الأبصار : ص164 ، عمدة الطالب : ص225 ، تذكرة الخواص : ص348 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص140 و350 .
2- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص322 ، أعيان الشيعة : ج2 ص5 ، إعلام الورى : ج2 ص13 ، الإرشاد : ج2 ص215 .
3- الكافي : ج1 ص398 .

زمانه .

ولادته عليه السلام

ولد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في ذي الحجّة سنة سبع وعشرين ومائة من الهجرة(1) وقيل يوم الأحد في السابع من صفر الأحزان سنة ثماني وعشرين ومائة في منطقة الأبواء(2)، منزل بين مكّة والمدينة(3).

روي عن أبي بصير قال : حججنا مع الصادق عليه السلام في السنة التي ولد فيها أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا نزلنا المنزل المعروف بالأبواء ، وضع لنا الطعام ، فبينا نحن نأكل إذا أتاه رسول حميدة فقال : تقول لك : يامولاي قد أحسست بشيء ، وقد أمرتني أن لا أُسبقك بحادثة تكون في أمر هذا المولود .

فقام أبو عبداللّه عليه السلام فاحتبس هنيئة وعاد إلينا .

فقمنا إليه وقلنا : بشّرك اللّه وجعلنا فداك ياسيّدي ، ما فعلت حميدة ؟

فقال عليه السلام : سلّمها اللّه ووهب لي منها غلاما خير من برأ اللّه في زمانه .

ولقد أخبرتني حميدة بشيء ظنّت أنّي لا أعرفه وكنت أعلم به منها .

قلنا له : ما أخبرتك به ؟

قال : ذكرت أنّه لمّا سقط رأته واضعا يديه على الأرض ، رافعا رأسه ، يسبّح اللّه ويهلّله ويصلّي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأخبرتها أنّ تلك إمارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله

ص: 328


1- الدرّ النظيم : ص649 .
2- الأبواء : قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً . انظر معجم البلدان : ج1 ص79 .
3- الإرشاد : ج2 ص215 ، إعلام الورى : ج2 ص214 ، عمدة الطالب : ص226 ، مطالب السؤول : ج2 ص61 .

وأمير المؤمنين عليه السلام وإمارة الإمام ، إذا صار إلى الأرض أن يضع يديه على الأرض ويرفع رأسه إلى السماء ويسبّح ويهلّل ويصلّي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقرأ : «شَهِدَ اللّه ُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ لاَ إِل-هَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(1) وإذا قال ذلك ، أعطاه اللّه عزّوجلّ العلم الأوّل والعلم الآخر ، واستحقّ زيارة الروح ليلة القدر ، وهو خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل عليهماالسلام(2).

كناه عليه السلام

كناه : أبو الحسن الأوّل ، أبو الحسن الماضي ، أبو إبراهيم ، أبو علي ، أبو إسماعيل(3).

ألقابه عليه السلام

ألقابه : العبد الصالح ، النفس الزكيّة ، زين المجتهدين ، الوفي ، الصابر ، الأمين ، الزاهر - وسمّي بذلك لأنّه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء التامّ - والكاظم ، وسمّي بذلك لما كظمه من الغيظ وغضّ بصره عمّا فعله الظالمون به ، فإنّ الكاظم هو الممتلئ خوفا وحزنا(4).

صفاته عليه السلام

كان عليه السلام أزهرا إلاّ في الغيظ لحرارة مزاجه ، حسن الوجه ، ربعا ، كثّ اللحية ، كان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب اللّه ، وأحسنهم صوتا بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن ويبكي ، ويبكي السامعون لتلاوته ، وكان أجلّ الناس شأنا ،

ص: 329


1- سورة آل عمران : الآية 18 .
2- عيون المعجزات : ص95 - 96 .
3- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص323 ، الإرشاد : ج2 ص215 .
4- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص323 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص24 و141 .

وأعلاهم في الدين مكانا ، وأسخاهم بنانا ، وأفصحهم لسانا ، وأشجعهم جنانا(1).

فضائله عليه السلام

كان موسى بن جعفر عليه السلام أجلّ ولد أبي عبداللّه عليه السلام قدرا ، وأعظمهم محلاًّ ، وأبعدهم في الناس صيتا ، ولم ير في زمانه أسخى منه ولا أكرم نفسا وعشرة ، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأجلّهم وأفقههم ، واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته والتعظيم لحقّه والتسليم لأمره .

ورووا عن أبيه عليه السلام نصوصا عليه بالإمامة ، وإشارات إليه بالخلافة ، وأخذوا عنه معالم دينهم ، ورووا عنه من الآيات والمعجزات ما يقطع به على حجّته وصواب القول بإمامته(2).

روى محمد بن الوليد قال : سمعت علي بن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام يقول : سمعت أبي - جعفر بن محمّد - يقول لجماعة من خاصّته وأصحابه : « استوصوا بابني موسى خيرا ، فإنّه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي ، وهو القائم مقامي ، والحجّة للّه تعالى على كافّة خلقه من بعدي »(3).

وعن صفوان الجمّال قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صاحب هذا الأمر فقال : صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، فأقبل أبو الحسن عليه السلام ومعه بهمة(4) له ، وهو يقول لهاك اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبداللّه عليه السلام وضمّه إليه وقال : بأبي وأُمّي ، من

ص: 330


1- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص323 .
2- الإرشاد : ج2 ص214 .
3- الإرشاد : ج2 ص220 .
4- يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها من الضأن والمعز جميعا ، ذكرا كان أو أُنثى : سخلة ثمّ هي (البهمة) ، انظر لسان العرب : ج2 ص56 (بهم) .

لا يلهو ولا يلعب(1).

من أخلاقه عليه السلام

كان موسى بن جعفر عليهماالسلام إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير ، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين ، فكانت صرار موسى مثلاً(2).

وكان عليه السلام يخرج في الليل وفي كمّه صرر من الدراهم فيعطي من لقيه ومن أراد برّه ، وكان أهله يقولون : عجبا لمن جاءته صرّة موسى فشكا القلّة(3).

قال المأمون : قال لي أبي ، هارون : يابني ، هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر بن محمّد عليهم السلام ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا .

قال المأمون : فحينئذ انغرس في قلبي محبّتهم(4).

أقول : إنّ ذلك كان تظاهرا من المأمون بحبّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام .

قال بعض أهل العلم : الكاظم هو الإمام الكبير القدر ، والأوحد الحجّة الحبر ، الساهر ليله قائما ، القاطع نهاره صائما ، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما ، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى اللّه ، وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين(5).

روي عن شقيق البلخي قال : خرجت حاجّا سنة تسع وأربعين ومائة

فنزلت القادسية ، فبينما أنا أنظر الناس وزينتهم ، فنظرت فتى حسن الوجه ،

ص: 331


1- الكافي : ج1 ص249 ح15 .
2- مقاتل الطالبيين : ص413 ، تاريخ بغداد : ج13 ص27 ، تذكرة الخواص : ص348 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، تهذيب التهذيب : ج10 ص340 .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1 ص93 ح12 .
5- الفصول المهمّة : ص231 ، نور الأبصار : ص164 ، إسعاف الراغبين : ص246 .

ضعيفا ، فوق ثيابه صوف ، مشتملاً بشملة في رجليه نعال ، فجلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية ، يريد أن يكون كلاًّ على الناس في طريقهم ، واللّه لأمضينّ إليه ولأوبخنّه .

فدنوت إليه ، فلّما رآني ، فقال : ياشقيق «اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(1).

فقلت : إنّ هذا أمر عظيم ، إنّه عبد صالح ، فأسرعت في أثره لألحقه ، فغاب عنّي ، فلمّا نزلنا واقصة فإذا هو يصلّي وأعضاؤه مضطربة ودموعه تجري على خدّيه ، فصبرت حتّى جلس ، فأقبلت نحوه ، فقال : ياشقيق اتل «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثُمَّ اهْتَدَى»(2) فتركني ومضى ، فقلت : إنّ هذا الفتى من الأبدال قد تكلّم على سرّي مرّتين .

فلمّا نزلنا زبالة فإذا هو واقف على البئر وبيده ركوة ليستقي بها ماء ، فسقطت منه في البئر ، فرأيته قد رمق إلى السماء وقال : أنت ريّي إذا ظمأت من الماء ، وقوتي

إذا أردت الطعام ، اللهمّ أنت سيّدي مالي سواها ، فلا تعدمنيها .

فواللّه لقد رأيت الماء ارتفع من البئر فمدّ يده وأخذها وتوضّأ وصلّى أربع ركعات وقام إلى كثيب رمل فجعل يقبضه بيده ويطرحه بالركوة ويحرّكه ويشرب منها .

فأقبلت عليه وسلّمت عليه فأجابني .

فقلت : أطعمني ممّا أنعم اللّه به عليك .

فقال : ياشقيق لم تزل نعمه علينا ظاهرة وباطنة ، فأحسن ظنّك باللّه ، ثمّ

ص: 332


1- سورة الحجرات : الآية 12 .
2- سورة طه : الآية 82 .

ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر ، ما شربت قطّ ألذّ منه ولا أطيب منه ريحا ، فأقمت أيّاما لا أشتهي طعاما ولا شرابا .

فلمّا دخلت مكّة رأيته بها ليلة بإزاء قبّة السراب في نصف الليل ، فلمّا بزغ الفجر قام وصلّى وسبّح للّه عزّوجلّ وأثنى عليه وطاف سبعا وخرج ، فتبعته فإذا له حاشية ، ودارت الناس حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعضهم : من هذا الفتى ؟

فقال : هذا الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

فقلت : وكيف لا تكون هذه العجائب التي رأيتها إلاّ لمثله ، فقلت شعرا :

سل شقيق البلخي عنه وما * شاهد منه وما الذي كان أبصر

قال لمّا حججت عاينت شخصا * شاحب اللون ناحل الجسم أسمر

سائرا وحده وليس له زاد * فما زلت دائما أتفكّر

وتوهّمت أنّه يسأل الناس * ولم أدر أنّه الحجّ الأكبر

ثمّ عاينته ونحن نزول * دون فيد على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء ويشربه * فناديته وعقلي محيّر

اسقني شربة فناولني * منه فعاينته سويقا وسكّر

فسألت الحجيج من يك هذا * قيل هذا الإمام موسى بن جعفر(1)

فهذه بعض مناقبه العالية ، وكراماته الفاخرة ، وأسراره المتواترة ، وأنواره الساطعة ، ولا ينالها إلاّ من فاضت عليه العناية الربّانية ، وما يلقاها إلاّ الذين

صبروا ، وما يلقاها إلاّ ذو حظّ عظيم .

للسيد صدر الدين العاملي :

حضيرة قدس لا يضام نزيلها * وكيف يضام المستجير بكاظم

ص: 333


1- تحفة الأزهار : ج2 ص107 - 108 ، تذكرة الخواص : ص348 ، مطالب السؤول : ج2 ص62 و63 .

سميّ كليم اللّه موسى وصفوة * الأنام التي اختيرت وخيرة هاشم

إذا أمّه ذو حاجة وهو بابها * يعود بها مقضيّة غير نادم

به تجلب النعماء ويستدفع القضا * وتكشف غمّاء الخطوب الأعاظم

إمام به الكون استقام ومن به * ولولاه أمسى وواهي الدعائم

شاعره عليه السلام : السيّد الحميري(1).

بوّابه عليه السلام : محمّد بن المفضّل(2).

نقش خاتمه عليه السلام : الملك للّه وحده(3)، وقيل : حسبي اللّه (4).

وفاته عليه السلام

توفّي الإمام عليه السلام يوم الجمعة في يوم الخامس والعشرين من رجب المرجّب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة في سجن السندي بن شاهك .

أقام عليه السلام مع أبيه عشرون سنة ، وكانت مدّة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه عليهماالسلام خمسا وثلاثين سنة ، وقام بالأمر وله من العمر عشرون سنة(5).

الحكّام الذين عاصرهم

كان في سني إمامته بقيّة ملك المنصور ، ثمّ ملك المهدي عشر سنين وشهر وأيّاما ، ثمّ ملك الهادي سنة وخمسة عشر يوما ، ثمّ ملك هارون ثلاثا وعشرين

ص: 334


1- نور الأبصار للشبلنجي : ص164 ، الفصول المهمّة : ص239 .
2- نور الأبصار للشبلنجي : ص164 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص26 .
3- نور الأبصار للشبلنجي : ص164 .
4- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص323 .
5- الإرشاد : ج2 ص215 ، الفصول المهمّة : ص241 .

سنة وشهرين وسبعة عشر يوما ، وبعد مضي خمس عشرة سنة من ملك هارون استشهد مسموما في حبس السندي بن شاهك(1).

قضى الإمام عليه السلام فترة طويلة من حياته في السجن بحيث كان ينقل من سجن إلى آخر فسجنه المهدي العبّاسي فجيء به إلى العراق ولم يجرء المهدي على إيذائه وقبض عليه موسى الهادي وحبسه فرأى علي بن أبي طالب عليه السلام في نومه يقول له : ياموسى : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» فانتبه من نومه وقد عرف أنّه المراد فأمر بإطلاقه ثمّ تنكّر له من ذلك فهلك قبل أن يوصل إلى الإمام عليه السلام أذى(2)، ولمّا ولي هارون العبّاسي الخلافة قبض عليه وحبسه .

وقد حجّ هارون العبّاسي سنة (179ه) وجاء عند قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصار يخاطبه صلى الله عليه و آله (بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه إنّي أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه فإنّي أُريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأنّي قد خشيت أن يلقى بين أُمّتك حربا يسفك فيها دماءهم)(3) ثمّ أمر به فأُخذ من المسجد فدفع الإمام عليه السلام إلى حسّان السروي وأمره أن يصير به في قبّة إلى البصرة فيسلّمه إلى عيسى بن جعفر فقدم حسّان البصرة في السابع من شهر ذي الحجّة قبل التروية بيوم فدفعه إلى عيسى بن جعفر نهارا علانية حتّى عرف ذلك وشاع أمره فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس وأقفل عليه وشغله عنه العيد فكان لا يفتح عنه الباب إلاّ في حالتين حال يخرج فيها إلى الطهور وحال يدخل إليه فيها الطعام .

وبالجملة فكان عليه السلام في حبس عيسى حوالي سنة فكتب إليه هارون مرارا

ص: 335


1- نور الأبصار للشبلنجي : ص164 .
2- عمدة الطالب : ص226 .
3- البحار : ج48 ص213 ح13 .

أن يقتله فلم يجرأ على ذلك ومنعه أيضا جمع من أصدقائه فلمّا طال حبسه كتب إلى هارون : (أن خذه منّي وسلّمه إلى من شئت وإلاّ خلّيت سبيله فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجّة فما أقدر على ذلك حتّى أنّي لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليّ أو

عليك فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه يسأل اللّه الرحمة والمغفرة) فوجّه هارون من تسلّمه

منه وصيّره إلى بغداد فسلّم إلى الفضل بن الربيع فبقي محبوسا عنده مدّة طويلة وعن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد قال بعث موسى بن جعفر عليه السلام من الحبس رسالة إلى هارون يقول له لن ينقضي عنّي يوم من البلاء حتّى ينقضي عنك منه يوم من الرخاء حتّى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون وطلب هارون من الفضل بن الربيع قتله فأبى فكتب إليه أن يسلّمه إلى الفضل بن يحيى البرمكي فتسلّمه منه وجعله في بعض حجر دوره ووضع عليه بعض الرصد وكان عليه السلام مشغولاً بالعبادة يحيي الليل كلّه صلاة وقراءة للقرآن ودعاء واجتهادا ويصوم النهار في أكثر الأيّام ولا يصرف وجهه عن المحراب فوسّع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه فبلغ ذلك هارون وهو بالرقّة فكتب إليه ينكر عليه توسعته على موسى عليه السلام ويأمره بقتله فتوقّف عن ذلك ولم يقدم عليه فاغتاظ هارون من ذلك وبعث مسرورا الخادم على البريد إلى بغداد وقال له أُدخل من فورك على موسى ابن جعفر فإن وجدته في سعة ورفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد ومره بامتثال ما فيه وسلّم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهاك يأمره فيه بطاعة العباس بن محمد فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثمّ دخل على موسى بن جعفر عليه السلام فوجده على ما بلغ هارون فمضى إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك فأوصل الكتابين إليهما فخرج الرسول من عند العباس يركض ركضا إلى الفضل بن يحيى فركب معه مدهوشا حتّى دخل على العباس بن محمد فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر بالفضل فجرّد من ثيابه وضربه السندي

ص: 336

بين يديه مائة سوط وخرج متغيّر اللون خلاف ما دخل فجعل يسلّم على الناس يمينا وشمالاً وكتب مسرور بالخبر إلى هارون فأمر بتسليم موسى عليه السلام إلى السندي ابن شاهك وجلس هارون مجلسا حافلاً وقال أيّها الناس إنّ الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف أمري وطاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كلّ ناحية حتّى ارتجّ البيت والدار بلعنه فبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى هارون ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتّى جاءه من خلفه وهو لا يشعر به ثمّ قال : التفت إليّ ياأمير المؤمنين فأصغى إليه فزعا فقال إنّ الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد فانطلق وجهه وسرّ فقال له يحيى ياأمير المؤمنين قد غضضت من الفضل بلعنك إيّاه فشرّفه بإزالة ذلك فأقبل على الناس أنّ الفضل كان قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولّوه فقالوا : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد تولّيناه ، ثمّ خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتّى أتى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكلّ شيء فأظهر أنّه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمّال وتشغال ببعض ذلك ودعا السندي فأمره فيه بأمره وامتثله(1)، فقتل الإمام عليه السلام وقيل : جعل له سمّا في طعام وقدّم إليه وقيل جعله في رطب فأكل منه فأحسّ بالسمّ ودفن في جانب الكرخ في مقابر قريش في باب التين وممّا ينقل أنّه شخصان وصّيا بأن يدفنا مع القيود الأوّل هو حجر بن عدي الكندي وهو من خاصّة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لمن حضر من أهله : لا تطلقوا منّي حديدا ولا تغسلوا منّي دما فإنّي لاق معاوية غدا على الجادّة(2).

ص: 337


1- العوالم : ج21 ص431 ، والبحار : ج48 ص231 ضمن ح38 .
2- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي خان الشيرازي : ص427 .

والثاني هو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه دفن بقيوده وأنّه أوصى بذلك(1).

للسيّد بحر العلوم :

ياسميّ الكليم جئتك أسعى * والهوى مركبي وحبّك زادي

مسّني الضرّ وانتحى بي فقري * نحو مغناك قاصدا من بلادي

ليس تقضى لنا الحوائج إلاّ * عند باب الحوائج المعتاد

عند بحر الندى بن جعفر موسى * عند باب الرجاء جدّ الجوادِ

ص: 338


1- مستدرك الوسائل : ج2 ص485 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

كان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأُنثى هم :

علي بن موسى الرضا عليه السلام . إبراهيم . العبّاس . القاسم . لأُمّهات أولاد . إسماعيل . جعفر . هارون . الحسين . لأُمّ ولد . أحمد . محمّد . حمزة ، لأُمّ ولد . عبداللّه . إسحاق . عبيداللّه . زيد . الحسين . الفضل . سليمان ، لأُمّهات أولاد . الحسن . فاطمة

الكبرى . فاطمة الصغرى . رقيّة . حكيمة . أُمّ أبيها . رقيّة الصغرى (كلثوم) . أُمّ

جعفر . لبابة . زينب(1). خديجة . علية . آمنة . حسنة . بريهة . عبّاسة(2). أُمّ سلمة . ميمونة . أُمّ كلثوم . لأُمّهات أولاد(3).

وقد وقع الاختلاف في عدد أولاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، فقد عدّهم ابن شهر آشوب ثلاثين(4).

ص: 339


1- وفي بعض نسخ أنساب المجدي ولعلّه ملحق به قال : سمعت عن الأمير محمّد هادي بن الأمير لوحي المؤرخ ، أنّ زينب المدفونة في قرية ارزنان من قرى أصبهان هي بنت موسى بن جعفر عليه السلام من دون أي فاصل .
2- وفي بعض النسخ : عائشة .
3- راجع الإرشاد للشيخ المفيد : ج2 ص244 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
4- المناقب : ج4 ص324 .

وقال صاحب عمدة الطالب : وولد موسى الكاظم عليه السلام ستين ولدا : سبعا وثلاثين بنتا وثلاثة وعشرين ابنا(1).

ونقل صاحب عمدة الطالب ، عن أبي نصر البخاري أنّه قال : قال الشيخ تاج الدين : أعقب الكاظم عليه السلام من ثلاثة عشر ولدا رجلاً منهم ، أربعة مكثرون وهم : علي الرضا عليه السلام ، وإبراهيم المرتضى ، ومحمد العابد ، وجعفر . وأربعة متوسّطون وهم : زيد النار ، وعبداللّه ، وعبيداللّه ، وحمزة ، وخمسة مقلّون وهم :

العبّاس ، وهارون ، وإسحاق ، والحسن والحسين(2).

وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى عليه السلام وأنبههم وأعظمهم قدرا وأعلمهم وأجمعهم فضلاً أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام(3) وسيأتي شرح أحواله إن شاء اللّه .

ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام فضل ومنقبة مشهورة ، وكان الرضا عليه السلام المقدّم عليهم في الفضل(4).

ص: 340


1- عمدة الطالب : ص226 .
2- عمدة الطالب : ص227 .
3- الإرشاد : ج2 ص244 .
4- الإرشاد : ج2 ص246 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

كان إبراهيم بن موسى عليه السلام شجاعا كريما ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيّام المأمون العبّاسي من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان - من قتله وتفرّق الطالبيين - فأخذ له الأمان من المأمون(1).

وكان ظهوره داعيا لأخيه علي الرضا عليه السلام فبلغ المأمون ذلك فأرسل إليه عسكرا ، فتخاذل عسكره عنه وانكسر فانهزم وتوجّه إلى بغداد ، فتشفّع فيه أخوه الإمام علي الرضا عليه السلام عند المأمون فخلّى سبيله(2).

قال تاج الدين بن زهرة الحسيني في كتابه (غاية الاختصار) عند ذكر أجداد السيد المرتضى والسيّد الرضي في أحوال إبراهيم بن الكاظم عليه السلام : الأمير إبراهيم المرتضى ، كان سيّدا ، أميرا ، جليلاً ، نبيلاً ، عالما ، فاضلاً ، يروي الحديث عن آبائه عليهم السلام ، مضى إلى اليمن وتغلّب عليها في أيّام أبي السرايا ويقال : إنّه ظهر داعيا

ص: 341


1- الإرشاد : ج2 ص245 .
2- تحفة الأزهار : ج2 ص124 .

إلى أخيه الرضا عليه السلام ، فبلغ المأمون ذلك ، فشفعه فيه وتركه(1).

وتوفّي إبراهيم المرتضى في بغداد سنة (213ه) ، وقبره بمقابر قريش عند أبيه عليه السلام في تربة مفردة معروفة(2).

وقال في ابنه أبي سبحة(3) موسى بن إبراهيم : كان صالحا متعبّدا ، ورعا فاضلاً ، يروي الحديث ، قال : رأيت له كتابا في سلسلة الذهب يروي عنه المؤالف والمخالف ، كان يقول : أخبرني أبي ، إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، موسى الكاظم ، قال : حدّثني الإمام الصادق جعفر بن محمد ، قال : حدّثني أبي ، محمد الباقر ، قال :

حدّثني أبي ، زين العابدين ، قال : حدّثني أبي ، الإمام شهيد كربلاء ، قال : حدّثني

أبي ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : حدّثني جبرائيل عن اللّه تعالى أنّه قال :

« لا إله إلاّ اللّه حصني ، فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي » .

توفّي أبو سبحة ببغداد ، وقبره بمقابر قريش مجاورا لأبيه وجدّه عليهم السلام فحصت عن قبره فدللت عليه ، وإذا موضعه في دهليز حجيرة صغيرة ملك منازل

ص: 342


1- غاية الاختصار : ص87 - 88 .
2- تحفة الأزهار : ج2 ص125 ، وغاية الاختصار : ص88 ، وانظر مراقد المعارف : ج2 ص41 ، وفيه : ذكر المؤرخ الكبير حرز الدين بأنّ للإمام موسى الكاظم عليه السلام ابنين ، الأكبر هو الذي دفن في بغداد بالقرب من مرقد والده الإمام موسى الكاظم عليه السلام وإبراهيم الأصغر مرقده بالحائر الحسيني في كربلاء المقدّسة ، خلف قبر جدّه الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام يلقّب بالمرتضى ، ويعرف بالمجاب .
3- وفي المصدر : أبي شجة .

الجوهري الهندي(1).

وذكر صاحب عمدة الطالب : أنّ للإمام موسى الكاظم عليه السلام ابنين باسم إبراهيم ، الأوّل : إبراهيم الأكبر ووقع الخلاف في وجود عقب له ، وقال أبو نصر البخاري : هو الذي ظهر باليمن أيّام أبي السرايا ولم يعقب ، وهو أحد أئمّة الزيدية(2).

وهو الذي مرقده في مقابر قريش بالقرب من مرقد والده الإمام موسى الكاظم عليه السلام(3)، والآخر : إبراهيم الأصغر ، الملقّب بالمرتضى ، ويعرف بالمجاب ، وأُمّه أُمّ ولد نوبية اسمها نجيّة ، وأعقب من ولدين موسى أبي سبحة وجعفر(4).

ومرقده بالحائر الحسيني في كربلاء المقدّسة خلف قبر جدّه الإمام الحسين ابن علي عليه السلام ، في زاوية الرواق بالجهة الشمالية الغربية ، عليه شبّاك بارز يزار ، معروف مشهور بالسيّد إبراهيم المجاب .

وإليه ينتهي نسب كثير من السادة الموسوية ، وعدّه النسّابون من المكثرين في العقب(5).

وقال أبو عبداللّه بن طباطبا : أعقب إبراهيم المرتضى من ثلاثة : موسى وجعفر وإسماعيل ، وعقب إسماعيل من ابنه محمد ، ولمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم

ص: 343


1- غاية الاختصار : ص87 - 88 .
2- عمدة الطالب : ص231 ، سرّ السلسلة العلوية : ص37 .
3- مراقد المعارف : ج2 ص41 .
4- عمدة الطالب : ص231 .
5- مراقد المعارف : ج2 ص42 .

أعقاب وأولاد منهم بالدينور وغيرها ، رأيت منهم أبا القاسم حمزة بن علي بن الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الكاظم عليه السلام ، وكان نعم الرجل ومات بقرمسين وله اخوة وبنو عمّ(1).

ونصّ الشيخ تاج الدين على أنّ إبراهيم لم يعقب إلاّ من موسى وجعفر ، وهو رأي الشيخ أبي نصر البخاري(2).

أمّا موسى أبو سبحة بن المرتضى فله أعقاب وانتشار ، وأعقب من ثمانية رجال ، أربعة منهم مقلّون وأربعة مكثرون . أمّا المقلّون : فعبيداللّه ، وعيسى ، وعلي ، وجعفر ، فأمّا داود فمنقرض . وأمّا المكثرون : فمحمّد الأعرج ، وأحمد الأكبر ، وإبراهيم العسكري ، والحسين القطعي(3).

وأمّا محمّد الأعرج .. فأعقب من موسى الأصغر وحده ويعرف بالأبرش ، وأعقب موسى الأبرش من ثلاثة : أبي طالب المحسن ، وأبي أحمد الحسين ، وأبي عبيداللّه أحمد .

أمّا أبو طالب المحسن فقال ابن طباطبا : له عقب منهم أحمد ولد بالبصرة ، وأمّا أبو أحمد الحسين بن موسى الأبرش فهو النقيب الطاهر ذو المناقب ، ووالد السيّدين المرتضى والرضي .

ثمّ مدحه صاحب عمدة الطالب كثيرا وحاصله :

إنّه كان نقيب نقباء الطالبيين ببغداد ، وولاّه بهاء الدولة منصب قاضي القضاة مضافا إلى النقابة ، وحجّ بالناس مرّات أميرا على الموسم ، وكان فيه مواساة

ص: 344


1- عمدة الطالب : ص232 .
2- غاية الاختصار : ص89 ، سرّ السلسلة العلوية : ص37 .
3- عمدة الطالب : ص332 .

لأهله ، ونقل أنّ أبا القاسم علي بن محمد(1) كانت معيشته لا تفي لعياله ، فخرج في متجر ببضاعة نزرة فلقي أبا أحمد المذكور ، فسأله أبو أحمد عن سبب خروجه ؟ فقال : خرجت في متجر ، فقال له : يكفيك من المتجر لقائي .

وعمي أبو أحمد في آخر عمره وتوفّي سنة أربعمائة ببغداد ، وقد أناف على التسعين ، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام بكربلاء ، فدفن هناك قريبا من قبر الحسين عليه السلام وقبره معروف ظاهر ، ورثته الشعراء بمراث كثيرة ، وممّن رثاه

ولداه الرضي والمرتضى ومهيار الكاتب وأبو العلاء المعرّي(2).

ذكر السيّد المرتضى والسيّد الرضي (رضوان اللّه عليهما)

أمّا السيّد المرتضى

فهو السيّد الأجل النحرير الثمانيني ذو المجدين ، أبو القاسم المرتضى علم الهدى ، علي بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(3).

ص: 345


1- هو أبو الشريف أبو الوفاء محمّد بن محمّد الملقطة البصري المعروف بابن الصوفي ، وهو ابن عمّ لجدّ صاحب المجدي .
2- انظر عمدة الطالب : ص333 - 335 .
3- انظر ترجمته في تتمّة اليتيمة للثعالبي : ج1 ص53 ، وسير أعلام النبلاء : ج13 ص383 ، والنجوم الزاهرة : ج4 ص240 ، وتاريخ ابن الأثير : ج7 ص280 ، والأعلام للزركلي : ج8 ص3 ، وجمهرة أنساب العرب : ص63 ، وتجارب الأُمم لابن مسكويه : ج6 ص146 ، وفيّات الأعيان : ج3 ص313 ، ومرآة الجنان لليافعي : ج3 ص55 ، فيمن توفّي سنة 436ه ، وتأسيس الشيعة : ص391 ، ولسان الميزان : ج4 ص294 برقم 589 ، روضات الجنّات : ج4 ص294 برقم 400 ، وآثار الشيعة الإمامية للجواهري : ج3 ص11 .

حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلّما شاعرا أديبا ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا ، صنّف كتبا(1).

وقد أخذ المجد من طرفيه ، واكتسى من ثوبيه ، وتردّى ببرديه .

أمّا النسب فهو أقصر الشرفاء نسبا ، وأعلاهم حسبا ، وأكرمهم أُمّا وأبا ، وبينه وبين أمير المؤمنين عليه السلام عشر وسائط من جهة الأُمّ والأب معا ، وبينه وبين الإمام موسى الكاظم عليه السلام خمسة آباء كرام .

وفي الفهرست : كنيته أبو القاسم ، لقبه المرتضى علم الهدى ، الأجلّ ، السيّد المرتضى ، متوحّد في علوم كثيرة ، مجمع على فضله ، مقدّم في العلوم مثل : علم الكلام ، والفقه ، وأُصول الفقه ، والأدب ، والنحو ، والشعر ، ومعاني الشعر ، واللغة ، وغير ذلك . له ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت ، وله من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير يشتمل على ذلك فهرسته المعروف(2).

وذكره الشيخ الطوسي في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام :

ابن الحسين الموسوي أكثر أهل زمانه أدبا وفضلاً ، متكلّم ، فقيه ، جامع للعلوم كلّها ، مدّ اللّه في عمره ، يروي عن التلعكبري والحسين بن بابويه وغيرهم من شيوخنا ، له تصانيف كثيرة ، ذكرنا بعضها في الفهرست ، وسمعنا منه أكثر كتبه وقرأناها عليه(3).

فلقد رقى معارج الهواية ومدارج الولاية ، وظهرت منه علامات انشراح

الصدر بحيث لقّبه جدّه الشريف سلطان الولاية عليه السلام بعلم الهدى العظيم الذي يقتات

ص: 346


1- انظر رجال النجاشي : ج2 ص102 برقم 2706 ، رجال ابن داود الحلّي : ص136 برقم 1036 .
2- الفهرست : ص129 برقم 433 .
3- رجال الشيخ الطوسي : ص484 الرقم 52 .

من مائدة فضله وتقواه أصحاب المدارس والصوامع ، ويلتقط المسافرون إلى العلم مسائل التحقيق وزاد التدقيق من ثمار فضله وينابيع علمه .

اشتغل مدّة من الزمن بإمارة الحجّ - أعظم أُمور الإسلام وصنو مرتبة الخليفة والإمام - ورفع بذلك لواء زعامة الدين والدنيا ، وأظهر مراسم الإسلام وحجر الإيمان عند الحجر اليماني ، ووضع قدم صدق في عرفان جبل عرفات ونال من صفا الصفاء ومروة المروة(1).

وفي القسم الأوّل من الخلاصة : توفّي رحمه الله في شهر ربيع الأوّل ، سنة ست وثلاثين وأربعمائة ، وكان مولده في رجب ، سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، ويوم توفّي كان عمره ثمانين سنة وثمانية أشهر وأيّام نضّر اللّه وجهه ، وصلّى عليه ابنه في داره ودفن فيها ، وتولّى غسله أبو الحسين أحمد بن العباس النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري وسلاّر بن عبدالعزيز الديلمي . وله مصنّفات كثيرة ، وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه الله إلى زماننا هذا ، وهو سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وهو ركنهم ومعلّمهم ، قدّس اللّه روحه وجزاه اللّه عن أجداده خيرا(2).

وفي الحواشي المذكورة : ثمّ نقل بعد دفنه في داره إلى جوار جدّه الحسين عليه السلام .

أمّا وجه تلقيبه بعلم الهدى ، فكما قاله الشيخ الأجلّ الشهيد في رسالة (الأربعون حديثا) وغيرها : مرض الوزير أبو سعد محمّد بن الحسين بن عبدالرحيم سنة عشرين وأربعمائة ، فرأى في منامه أمير المؤمنين عليه السلام وكأنّه يقول

ص: 347


1- راجع مجالس المؤمنين : ج1 ص512 .
2- الخلاصة للعلاّمة : ص94 الرقم 22 ، باب علي .

له : قال لعلم الهدى يقرأ عليك حتّى تبرأ ، فقال : ياأمير المؤمنين ومن علم الهدى ؟ فقال عليه السلام : علي بن الحسين الموسوي .

فكتب إليه ، فقال المرتضى : اللّه اللّه في أمري ، فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ ، فقال الوزير : واللّه ما أكتب إليك إلاّ ما أمرني به أمير المؤمنين عليه السلام .

فعلم القادر باللّه بالقضية ، فكتب إلى المرتضى : تقبّل ياعلي بن الحسين ما لقّبك به جدّك عليه السلام ، فقبل وسمع الناس(1).

أمّا وجه تسميته بالثمانين ، فلأنّه خلف بعد وفاته ثمانين ألف مجلّد من الكتب والتقريرات والمحفوظات ، وصنّف كتابا اسمه (ثمانين) .

وقال صاحب عمدة الطالب : ورأيت في بعض التواريخ أنّ خزانته اشتملت على ثمانين ألف مجلّد ولم أسمع بمثل هذا إلاّ ما يحكى عن الصاحب إسماعيل بن عبّاد ، كتب إلى فخر الدولة بن بويه وكان قد استدعاه للوزارة ، فتعذّر بأعذار منها

أن قال : إنّي رجل طويل الذيل وإنّ كتبي تحتاج إلى سبعمائة بعير ، حكى الشيخ الرافعي : إنّها كانت مائة ألف وأربعة عشر ألفا .

وقد أناف القاضي الفاضل عبدالرحمن الشيباني على جميع من جمع كتبا فاشتملت خزائنه على مائة الف وأربعين الفا مجلّدا ، وكان المستنصر وقد أودع خزائنه في المستنصرية ثمانين ألف مجلّد على ما قيل ، والظاهر أنّه لم يبق منها شيء واللّه الباقي(2).

وبالجملة فقد فوّضت إلى السيّد المرتضى بعد وفاة أخيه السيّد الرضي نقابة

ص: 348


1- الأربعون حديثا للشهيد الأول : ص51 ح23 ، ومجالس المؤمنين : ج1 ص501 ، وانظر تحفة الأزهار : ج2 ص131 .
2- عمدة الطالب : ص235 .

الشرفاء وإمارة الحجّ ومنصب قاضي القضاة ، وبقي في هذه المناصب ثلاثين عاما حتّى توفّي سنة (436ه) وكانت له بنت تقيّة فاضلة جليلة تروي عن عمّها السيّد الرضي ، ويروي عنها الشيخ عبدالرحيم البغدادي المعروف بابن اخوة ، أحد مشايخ إجازة القطب الراوندي .

وأمّا السيّد الرضي

فهو محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1)، فهو الشريف الأجل .

كنيته الشريفة : أبو الحسن ، ولقبه : الرضي ذو الحسبين ، أخو السيّد المرتضى علم الهدى ، نقيب العلويين والأشراف في بغداد ، بل هو قطب فلك الإرشاد ومركز دائرة الرشاد ، قد ملأ صيت جلالته الخافقين وعمّت شهرته وبلاغته الكونين ، وخرقت قصائده العصماء أستار الفصاحة فصعدت بالبلاغة من مستواها الداني إلى أرقى مراتبها السامية ، هذا والقلم عاجز عن وصف فضائله واللسان كليل عن بيان كماله بعباراته القاصرة ، وإذا بلغ الجمال غايته استغنى عن

ص: 349


1- انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي : ج13 ص178 ، وعمدة الطالب لابن عتبة : ص236 ، وروضات الجنّات للخونساري : ج6 ص198 ، ويتيمة الدهر للثعالبي : ج3 ص116 ، ودمية القصر لأبي حسن الباخرزي : ص73 ، والمنتظم لابن الجوزي : ج7 ص279 ، ومجالس المؤمنين للقاضي نور اللّه التستري : ج1 ص506 ، ولسان الميزان لابن حجر : ج5 ص141 برقم 468 ، ورجال النجاشي : ج2 ص325 برقم 1066 ، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي : ج2 ص246 ، والوافي بالوفيّات للصفدي : ج2 ص846 ، ولؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني : ص322 ، وفي كشكوله : ج1 ص313 .

المشّاطة ، وعندما تصل العظمة إلى حدّ الكمال يحلّ بسوق المدّاحين الكساد .

وفي القسم الأوّل من الخلاصة : ابن الحسين الرضي الموسوي ، نقيب العلويين ببغداد ، أخو المرتضى ، كان شاعرا مبرزا ، فاضلاً ، عالما ، ورعا ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، كان ميلاده سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ، وتوفّي في السادس من المحرّم سنة ست وأربعمائة(1).

قال ابن كثير الشامي : الشريف الرضي ، ولي نقابة الطالبيين ببغداد بعد أبيه ، وكان شاعرا مطبقا ، سخيّا ، جوادا ... كان الشريف في كثر أشعاره أشعر قريش ، توفّي في خامس المحرّم منها أي (سنة 406ه) عن سبع وأربعين سنة ، وحضر جنازته الوزير (فخر الملك وزير بهاء الدولة الديلمي) والقضاة وصلّى عليه الوزير ودفن بداره .. وولي أخوه المرتضى ما كان يليه وزيد على ذلك أشياء مناصب أُخرى(2).

وقد رثاه أخوه السيّد المرتضى وأبو العلاء المعرّي وكثير من الأفاضل والشعراء ، ومن مراثيه هذا البيت الذي قاله المعرّي :

تكبيرتان حيال قبرك للفتى

محسوبتان بعمرة وطواف

ومصنّفاته في غاية الجودة منها : حقائق التنزيل ، ومجازات القرآن ، والمجازات النبوية ، وخصائص الأئمّة وكتاب (نهج البلاغة) الذي ورد التعبير عنه في الإجازات ب- (أخي القرآن) كما يعبّر عن الصحيفة السجّادية ب- (أُخت القرآن) . وقد كتبوا له شروحا كثيرة .

وقد ترجم للشريف الرضي معاصره الثعالبي المتوفّى سنة 429ه ، ممّا قال :

ص: 350


1- الخلاصة : ص164 الرقم 176 .
2- البداية والنهاية : ج12 ص4 حوادث سنة 406 .

ابتدأ بقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل ، وهو اليوم أبدع أبناء الزمان ، وأنجب سادة العراق ، يتحلّى مع محتده الشريف ومفخره المنيف ، بأدب ظاهر ، وفضل باهر ، وحظّ من جميع المحاسن وافر ، ثمّ هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر ، على كثرة شعرائهم المفلقين ، كالحماني ، وابن طباطبا ، وابن الناصر ، وغيرهم ، ولو قلت : إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق ، وكان الرضي عارفا بالفقه والفرائض معرفة قويّة ، وإمام في اللغة العربية ، وحفظ القرآن بعد الثلاثين في

مدّة قليلة(1).

قال أبو الحسن العمري : شاهدت له جزءا مجلّدا من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكثر(2).

وكانت له هيبة وجلالة ، وفيه ورع وعفّة وتقشّف ومراعاة للأهل والعشيرة ، وهو أوّل طالبي جعل عليه السواد ، وكان عالي الهمّة ، شريف النفس ، لم يقبل صلة أحد حتّى أنّه ردّ صلة أبيه وجائزته ، ويكفي هذا في شرف نفسه وعلو همّته ، ولم يقبل صلات وجوائز سلاطين بويه مع إصرارهم عليه ، وكان يفرح بإكرام وإعزاز أتباعه وأصحابه .

واعلم أنّ عمر الأشرف بن الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام هو جدّ علم الهدى السيّد المرتضى وأخيه السيّد الرضي ، وقد أشرنا إلى جلالة أُمّهما في باب ذكر أولاد

الإمام زين العابدين عليه السلام في ذيل أحوال عمر الأشرف بن علي بن الحسين عليه السلام على أيّة حال فالظاهر أنّ فاطمة أُمّ السيّدين هي التي كتب لها الشيخ المفيد رحمه الله كتاب أحكام النساء وعبّر عنها بالسيّدة الفاضلة أدام اللّه عزّها .

ص: 351


1- راجع يتيمة الدهر للثعالبي : ج3 ص116 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص321 .

وحكي في بعض الكتب المعتبرة أنّ الشيخ المفيد رأى في المنام فاطمة الزهراء عليهاالسلام دخلت عليه وهو في مسجده ومعها ابناها الحسن والحسين عليهماالسلام حال كونهما صبيين ، فسلّمتهما إليه وقالت له : (علّمهما الفقه) ، فانتبه الشيخ متعجّبا

، وذهب إلى مسجده ، فبينا هو في المسجد إذا دخلت عليه فاطمة أُمّ السيّدين مع جواريها وابنيها المرتضى والرضي ، فلمّا رآها الشيخ قام لها احتراما وسلّم عليها ، فقالت له : ياشيخ إنّ هذين الغلامين ابناي ، ولقد أحضرتهما كي تعلّمهما الفقه .

فبكى الشيخ وذكر لها رؤياه ، وتبنّى الشيخ الغلامين وبدأ بتعليمهما حتّى وصلا إلى تلك المدارج العالية من الكمال والفضل(1).

ورثى السيّد الرضي أُمّه لمّا ماتت بقصيدة منها :

أُبكيك لو نفع الغليل بكائي

وأردّ لو ذهب المقال بدائي

وألوذ بالصبر الجميل تعزّيا

لو كان في الصبر الجميل عزائي

لو كان مثلك كلّ أُمّ برّة

غني البنون عن الآباء(2)

وللسيّد الرضي رحمه الله ابن كثير الجلالة ، عظيم الشأن يسمّى عدنان ، قال القاضي نور اللّه فيه :

السيّد الشريف المرضي أبو أحمد عدنان بن الشريف الرضي الموسوي ، شريف بطحاء الفضل والكرم ، ونقيب محضر العلم والأدب ، وهو أحد مصاديق قوله تعالى : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا»(3).

وولي أمر نقابة العلويين بعد وفاة عمّه السيّد المرتضى رضى الله عنه ، وكان ملوك آل

ص: 352


1- انظر مقدّمة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص32 .
2- راجع ديوان الشريف الرضي : ج1 ص18 .
3- سورة الأحزاب : الآية 33 .

بويه يعظّمونه كثيرا ، ومدحه ابن الحجّاج الشاعر في قصائد كثيرة(1).

القاسم بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

القاسم بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام .

أُمّه : أُمّ ولد تكنّى أُمّ البنين واسمها نجمة أو تكتم ، هي أُمّ أخيه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وأُمّ فاطمة المعصومة دفينة قم المشرّفة .

ولادته

ولد القاسم في المدينة المنوّرة في أوّل شهر محرّم الحرام سنة (155ه) تقريبا ، كما سيتّضح بالتحرّي والمقاربة من الأخبار التي منها خبر أبي سليط ، الذي يؤخذ على ضوئه مقدار سنّه وعام ولادته(2).

قال أبو إبراهيم عليه السلام : ياأبا عمارة إنّي خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان - يعني عليا الرضا عليه السلام - وأشركت معه ابني القاسم في الظاهر وأُوصيه في الباطن ، فأردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي إيّاه ورأفتي

عليه ، ولكن ذلك إلى اللّه عزّوجلّ يجعله حيث شاء ، ولقد جاءني بخبره رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : وقال لي : ولو كانت الإمامة بالمحبّة لكان (إسماعيل) أحبّ إلى أبيك منك ، ولكن ذلك إلى اللّه عزّوجلّ(3).

ولا يخفى أنّ هذه الروايات جاءت لتدلّ على أنّ الإمامة هي بنصّ من اللّه

ص: 353


1- مجالس المؤمنين : ج1 ص508 ، تحفة الأزهار : ج2 ص149 .
2- انظر حياة القاسم للشيخ البحراني : ص16 .
3- الكافي : ج1 ص251 ضمن ح14 ، باب النصّ على الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام .

ورسوله وليس بالاختيار .

ويظهر من هذا الخبر ، أنّ القاسم قريب سنّه من سنّ أخيه الإمام الرضا عليه السلام ، وحتّى تصحّ المقارنة بينه وبينه في الوصية ، ويصحّ التمويه على العامّة بالظاهر محافظة على الإمام الرضا عليه السلام . ولئلاّ يظفر به هارون العبّاسي فيقتله كما قتل غيره من العلويين في طوس .

ويدلّ هذا الخبر على جلالة القاسم وعلوّ شأنه ، فهو سيّد جليل القدر .

ألقابه

ومن ألقاب القاسم التي يلهج بها الناس ، وتدور على ألسنتهم :

1 - ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

2 - ابن باب الحوائج .

3 - أخو الإمام الرضا عليه السلام .

صفاته

ومن صفات القاسم :

1 - العلوي والفاطمي ، لأنّه من ذرّية علي وفاطمة عليهماالسلام .

2 - النائي عن وطنه ، وهي المدينة المنوّرة ، أي البعيد عنها .

3 - المختفي من حكّام زمانه ، من بني العبّاس .

4 - الجليل والغنيّ عن التوثيق ، كما ذكرهما الشيخ المامقاني في نتائج التنقيح في تمييز السقيم من الصحيح(1).

نشأته

كانت مدّة حياته (34) عاما تقريبا ، منها مع أبيه موسى بن جعفر عليه السلام (24)

ص: 354


1- تنقيح المقال : ج3 ص330 .

سنة ، من سنة 155ه وهي سنة ولادته إلى سنة 179ه وهي السنة التي أُخذ فيها أبوه مقيّدا إلى البصرة .

ومع أخيه الإمام الرضا عليه السلام (4) سنين ، وهي المدّة التي كان الإمام الكاظم عليه السلام مسجونا فيها في البصرة وبغداد ، إلى أن انتقل إلى روح اللّه وريحانه ، و (6) سنين تقريبا بعد وفاته .

إنّه وليد بيت النبوّة والإمامة ، ورضيع العلم والحكمة ، وتلميذ مدرسة جدّه الإمام الصادق عليه السلام ، المدرسة التي أُسندت أُمورها إلى الإمام الكاظم عليه السلام بعد وفاة أبيه .

والقاسم نشأ في هذه المدرسة منذ نعومة أظفاره ، وتَلْمَذَ على يد أبيه الكاظم عليه السلام ، وانتهل من نميره الصافي ، وغرف من بحر علمه الذي لا ينزف .

وكان الإمام موسى الكاظم عليه السلام يكنّ في نفسه أعظم الحبّ والودّ لولده القاسم لما يراه منه من الهدى والصلاح ، وما يتمتّع به من الفضل والقابليات الفذّة ،

فكان عليه السلام يثني عليه ويشيد به ويقدّمه على سائر أبنائه ما عدا ولده الإمام الرضا عليه السلام ، فقد روى يزيد بن سليط(1) قال : طلبت من الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أن يعيّن لي الإمام من بعده ، فقال عليه السلام : (أُخبرك ياأبا عمارة أنّي خرجت فأوصيت إلى ابني علي ، ولو كان الأمر لي لجعلته في القاسم ابني لحبّي ورأفتي عليه ..) .

ص: 355


1- يزيد بن سليط الزيدي : من ولد زيد بن علي بن الحسين عليه السلام ، عدّه الشيخ في رجاله والكشي وغيرهما من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام . وذكر بعضهم أنّه من خاصّة الإمام ، وأحد رواة النصّ على إمامة الإمام ومن ثقاته ، ومن أهل الورع والعلم والفقه ، وأحد رواة النصّ على إمامة الإمام الرضا عليه السلام ، وله حديث طويل معه . انظر تنقيح المقال : ج3 ص326 .

ولم يمنح الإمام موسى عليه السلام هذا الحبّ للقاسم إلاّ لأنّه رآه من خيرة أبنائه ورعا وتقوى وتحرّجا في الدين ، ومن مظاهر تكريمه له أنّه كان ينتدبه للقيام ببعض مهامه .

فقد روى سليمان الجعفري ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام عندما احتضر أحد أولاده يقول لابنه القاسم : قم يابني فاقرأ عند رأس أخيك (سورة الصافات) حتّى تستتمّها ، فأخذ القاسم في قرائتها ، فلمّا بلغ قوله تعالى : «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا»(1) لفظ الفتى نفسه الأخير ، وأخذ القوم في تجيهزه ، فانبرى يعقوب بن جعفر إلى الإمام فقال له : كنّا نعهد الشخص إذا نزل به الموت يقرأ عنده سورة (يس) فصرت تأمر بقراءة سورة (الصافات) فقال عليه السلام : لم تقرأ عند مكروب من موت قطّ إلاّ عجّل اللّه راحته(2).

ويدلّ هذا الحديث على كثرة عناية وتوجّه الإمام عليه السلام إلى القاسم ، وعلى مزيد ثقة الإمام عليه السلام به ، ومن الطبيعي أنّ ذلك ناشئ عن فضائله ومآثره ، وهذا أكبر برهان على علوّ شخصيته العلمية السامية ، وشرف منزلته الأخلاقية الراقية .

ولا غرو إن كان كذلك ، وهو المتأصّل من الدوحة المحمّدية ، والمتفرّع من الشجرة العلوية :

جدّه جعفر الصادق ، وأبوه موسى الكاظم ، وأخوه علي بن موسى الرضا عليهم السلام ، قال الشاعر :

أصنو الإمام وعمّ الإمام * ويابن الأئمّة من هاشم

وياعالما بضمير الفؤاد * ويابن الملقّب بالعالم

ص: 356


1- سورة الصافات : الآية 11 .
2- الكافي : ج3 ص126 ح5 .

هروبه من السلطة

ولمّا أمعن هارون العبّاسي في تتبّع العلويين وقتلهم وإرهاقهم ، نزح القاسم من يثرب مختفيا ، كاتما لاسمه حتّى لا يعرف ، فانتهى إلى (سورى)(1) فأقام فيها غريبا مشرّدا عن أهله ووطنه ، خائفا على نفسه ، وقد كتم أمره لئلاّ يعرفه أحد .

وفي بعض الكتب لمّا اشتدّ غضب هارون العبّاسي جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة عليهاالسلام ويسمل الأعين ، ويبني عليهم الاسطوانات حتّى شرّدهم في البلدان .

ومن جملتهم (القاسم) ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أخذ جانب الشرق لعلمه أنّ هناك قبر جدّه أمير المؤمنين عليه السلام ، جعل يتسمّى على شاطئ الفرات ..(2).

وفاته

وأقام القاسم في (سورى) طيلة حياته القصيرة الأمد ، وهو يعاني ألم الغربة والخوف من السلطة ، وقد أحاطت به الهواجس ، وراودته الآلام القاسية التي جرت على أهله وأُسرته ، وكأنّ أعظم ما يحزّ في نفسه ما حلّ بأبيه موسى عليه السلام من الرزء القاصم ، واعتقاله في ظلمات السجون ، وتشريد إخوانه وغير ذلك من النكبات والأرزاء ، وقد نخر الحزن قلبه وأضناه السقام ، حتّى دنا إليه الموت وهو في فجر الصبا وريعة العمر ، ولمّا شعر بدنوّ الأجل المحتوم والقدوم على اللّه ، عرّف نفسه ، فقد فات ما كان يحذر منه ، ثمّ لفظ أنفاسه الأخيرة .

أمّا سنة وفاته ، فلم نعثر عليها ، والمظنون قويّا أنّه توفّي في عهد هارون ،

ص: 357


1- سورى : كبشرى ، موضع بالعراق من أرض بابل ، وهي مدينة السريانيين ، وهي قريبة من الوقف والحلّة المزيدية . انظر معجم البلدان : ج5 ص168 .
2- انظر شجرة طوبى للمازندراني : ج1 ص125 .

وليس من المقطوع به أنّه توفّي في عهد المأمون ، وذلك لعدم اختفاء العلويين في عهده .

وقيل : إنّ وفاته في عام (189ه) ، بعد أن استشهد الإمام الكاظم عليه السلام في عام (183ه) ، حيث اشتدّ غضب هارون على العلويين كما ذكرنا ، ومدّت إليهم يد التشريد وفي هذه الفترة من الزمن ، فرّ من فرّ ، واختفى من اختفى ، ومنهم القاسم .

وإذا صحّ أنّ ولادته في عام (155ه) ووفاته عليه السلام في (189ه) فيكون عمره (34) عاما ، أي أنّه بعد لم يتجاوز سنّ الشباب ، وبهذا يكون الإمام الرضا عليه السلام موجودا في المدينة حيث أشخص منها إلى خراسان في عام (200ه)(1).

نعم لمّا استشهد والده الإمام موسى عليه السلام بسمّ هارون ، توارى القاسم عن السلطة العبّاسية في (سورى) وتوفّي فيها .

وقام المسلمون في تلك المنطقة ، وهم يذرفون الدموع على تقصيرهم تجاه حفيد ابن نبيّهم الذي لم يوفوه حقّه لجهلهم به ، وواروا جثمانه الطاهر في مقرّه الأخير .

مرقده

أمّا مرقده الشريف بالعراق فيقع في (سورى)(2) وتعرف البقعة الطيّبة في هذا

ص: 358


1- انظر حياة القاسم للشيخ البحراني : ص100 .
2- قال الحجّة السيّد القزويني في رسالته فلك النجاة ص336 : إنّ قبر القاسم بن الكاظم عليه السلام في سورى المعروفة الآن بأرض نهر الجربوعية من أعمال الحلّة السيفية ، وقال المحدّث الكبير الشيخ عباس القمّي في (سفينة البحار) : ج2 ص230 ، إنّ قبر القاسم بن موسى بقرب الحلّة ، وقد رغّب السيّد ابن طاووس في زيارته . وفي مراصد الإطّلاع : (سورى) بوزن بشرى ، موضع من أرض بابل ، وهي مدينة تحت الحلّة لها نهر ينسب إليها . وورد نهر سورى في الحديث ، أورده الشيخ الطريحي في (مجمع البحرين) في (سورة) . وقد سئل عليه السلام عن الفجر فقال : (إذا رأيته معترضا كأنّه بياض نهر سورى) يريد الفرات . ونهر سورى من أعمال الحلّة المزيدية البلد .

الوقت بناحية القاسم ، فقد نسبت إلى اسمه الشريف ، وهي إحدى نواحي قضاء الهاشمية التابع إلى محافظة بابل (الحلّة سابقا) .

وذكر الحموي : أنّ المرقد الشريف يقع في (شوشة) ، وأنّها تقع بأرض بابل ، أسفل من حلّة بني مزيد ، وبها يقع قبر القاسم بن موسى بن جعفر ، وبالقرب منها قبر ذي الكفل(1). وتبعه على ذلك صفي الدين(2)، والزبيدي(3).

أقول : الظاهر أنّ هذا الكلام اشتباه وخلط ، لأنّ القبر الذي في شوشة هو قبر القاسم بن العباس بن موسى بن جعفر عليه السلام ، وقد صرّح بذلك السيّد ابن عنبة في (عمدة الطالب)(4)، والحجّة السيّد القزويني في (فلك النجاة) .

و (شوشة) قرية من قرى الكوفة تقرب من الكفل بفرسخ شرقا ، وأمّا قبر القاسم ابن الإمام موسى عليه السلام الذي نتحدّث عنه الآن ، فهو يقع في مدينة (سورى) أسفل من حلّة بني مزيد ، وكم فرق وبعد واسع بين شوشة وسورى .

استحباب زيارته

ونصّ السيّد الجليل علي بن طاووس في كتابه (مصباح الزائرين) على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بزيارة قبر العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام وبزيارة

ص: 359


1- انظر معجم البلدان : ج5 ص307 .
2- مراصد الاطلاع : ص166 .
3- تاج العروس : ج4 ص318 .
4- عمدة الطالب : ص259 .

علي الأكبر نجل الإمام الحسين عليه السلام وذكر له زيارة خاصّة(1).

ونسب إلى الإمام الرضا عليه السلام أن قال في فضل زيارة القاسم : « من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم » .

ونظم هذا الحديث السيّد علي بن يحيى بن حديد الحسين بقوله :

أيّها السيّد الذي جاء فيه

قول صدق ثقاتنا ترويه

بصحيح الأسناد وقد جاء حقّا

عن أخيه لأُمّه وأبيه

أنّني قد ضمنت جنّات عدن

للذي زارني بلا تمويه

وإذا لم يطق زيارة قبري

حيث لم يستطع وصولاً إليه

فليزر إن أطاق قبر أخي

القاسم وليحسن الثناء عليه(2)

ويروى عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام مرسلاً أنّه زار القاسم ، فقال : السلام عليك ياصاحب المعجزات ، ومبيّن البراهين والكرامات ، السلام على الوفي القاسم ، السلام عليك ياأخا الرضا وسليل الإمام الكاظم عليهماالسلام ، السلام عليك أيّها العبد الصالح ، والمؤمن المخلص الناصح ، السلام عليك أيّها الطاهر العابد ، السلام عليك أيّها الخاشع الزاهد ورحمة اللّه وبركاته(3). وقبر القاسم ، مزار كافّة الناس والعلماء والأخيار ، ولهم في زيارته عناية خاصّة .

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه لا عقب للقاسم ، كما نصّ على ذلك غير واحد من علماء النسب(4).

ص: 360


1- مصباح الزائرين ، ومفتاح الجنّات : ج2 ص151 للسيّد محسن العاملي .
2- أعيان الشيعة : ج42 ص206 ، وشجرة طوبى : ج1 ص126 .
3- انظر حياة القاسم : ص106 ، وكتاب الحمزة والقاسم للشيخ الخاقاني : ص106 .
4- عمدة الطالب : ص259 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص299 .

أحمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

أحمد ابن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام . المعروف ب- (شاه چراغ)(1) في ايران .

وأُمّه أُمّ ولد ، وهي أُمّ أخويه محمّد وحمزة ، وكانت من السيّدات المحترمات تدعى أُمّ أحمد ، وكان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام شديد التلطّف بها ، ولمّا توجّه من المدينة إلى بغداد أودع عندها مواريث الإمامة وقال لها : كلّ من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أي وقت من الأوقات فاعلمي بأنّي قد استشهدت وأنّه هو الخليفة من بعدي والإمام المفترض الطاعة عليك وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الإمام الرضا عليه السلام بحفظ الدار ، ولمّا سمّه هارون في بغداد جاء إليها الإمام الرضا عليه السلام فطالبها بالأمانة ، فقالت له أُمّ أحمد : لقد استشهد أبوك ؟ فقال عليه السلام : بلى ، فشقّت أُمّ أحمد جيبها وردّت عليه الأمانة ، وبايعته بالإمامة(2).

مكانته عند أبيه

قال الشيخ المفيد رحمه الله : وكان أحمد بن موسى كريما جليلاً ورعا ، وكان أبو الحسن عليه السلام يحبّه ويقدّمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة . ويقال : إنّ أحمد بن موسى عليه السلام أعتق ألف مملوك .

أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى قال : حدّثنا جدّي قال : سمعت إسماعيل بن موسى يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة وأسمى ذلك المال إلاّ أنّ أبا الحسين يحيى نسي الاسم ، قال : فكنّا في ذلك المكان ،

وكان مع أحمد بن موسى عشرون من خدم أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا معه ،

ص: 361


1- شاه چراغ : كلمة فارسية معناها ملك السراج .
2- مراقد المعارف : ج1 ص117 ، وتحفة العالم : ج2 ص87 .

وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ببصره ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حتّى أنشج(1) أحمد بن موسى بيننا(2).

إنّ رعاية الإمام عليه السلام له وعدم الغفلة عنه تدلّ على ما يكنّ له من الحبّ والإخلاص .

كان أحمد من عيون المتّقين الصالحين ، وكان جوادا باسلاً ، رؤوفا بالفقراء والمماليك ، وقد أعتق ألف مملوك متقرّبا بها إلى اللّه تعالى ، وقد نظم ذلك بعض الشعراء بقوله :

شاه چراغ أحمد بن كاظم * أعتق ألفا سيّد الأعاظم(3)

وممّا يدلّ على صلاحه وورعه أنّه لمّا شاع خبر وفاة الإمام موسى عليه السلام في المدينة ، اجتمع أهلها على باب أُمّ أحمد ، وخرج الناس ومعهم أحمد ، وقد ظنّوا أنّه الإمام من بعد أبيه وذلك لما عليه من الجلالة ، ووقور العبادة ، وإظهار تعاليم الإسلام ، فظنّوا أنّه هو الخليفة والإمام بعد أبيه ، فبايعوه ، فأخذ منهم البيعة ، وصعد المنبر ، وخطب الناس خطبة بليغة كانت في منتهى البلاغة وكمال الفصاحة ثمّ قال :

أيّها الناس كما أنّكم جميعا في بيعتي فإنّي في بيعة أخي علي بن موسى الرضا عليه السلام اعلموا أنّه الإمام والخليفة من بعد أبي وهو ولي اللّه ، والفرض عليّ وعليكم من اللّه والرسول صلى الله عليه و آله طاعته بكلّ ما يأمرنا .

فكلّ من كان حاضرا خضع لكلامه وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد

ص: 362


1- أي أصابته الشجّة مع تلك المراعاة العظيمة .
2- راجع الإرشاد : ج2 ص245 ، وانظر تحفة الأزهار : ج2 ص395 .
3- منظومة نخبة المقال : ص14 لآية اللّه السيّد حسين بن رضا الحسيني البروجردي .

وحضروا عند الإمام (الرضا) عليه السلام فأقرّوا بإمامته .

وفي هذا الخبر دلالة على إيمانه وتقواه ، وبعض فرق الشيعة المنقرضة قالت بإمامته وادّعت أنّه الإمام بعد أبيه .

كان أحمد من فضلاء عصره ، وقد روى عن أبيه وآبائه أحاديث كثيرة ، وقد كتب المصحف الكريم بيده المباركة .

وفاته

إنّ السيّد الأمير أحمد بن موسى عليه السلام توفّي في شيراز في عهد المأمون العبّاسي ، بعد وفاة أخيه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام .

وذكرت بعض المصادر أنّه قتل شهيدا ، وقيل غير ذلك(1).

ولا يبعد أن يكون قد سمّه المأمون كما سمّ أخاه الإمام الرضا عليه السلام .

ومهما يكن من أمر فإنّ المعروف أنّه توفّي في شيراز ودفن هناك ، ويعرف قبره بسيّد السادات ، ويعرف الآن ب- (شاه چراغ)(2).

مرقده بشيراز مشيّد عامر بأنواع العمارة والزخرف ، مشهور ، معروف ، يزار ويتبرّك به(3).

وحدّث الرحّالة الشهير أبو عبداللّه الطنجي المعروف بابن بطوطة عن زيارته للمرقد الكريم وعن تكريم الشعب الإيراني لذلك الضريح المقدّس قال تحت

ص: 363


1- تجد المزيد في تاريخ كربلاء (مدينة الحسين عليه السلام الحلقة الثانية) : ص91 .
2- قال صاحب روضات الجنّات : ج1 ص43 رقم 8 ، وفي بعض كتب الرجال أنّ المدفون بشيراز المسمّى بسيّد السادات ، يعني بالذي اشتهر في هذه الأزمان ب- شاه چراغ وقد تواتر عن مرقده الطاهر هناك كرامات باهرة .
3- انظر مراقد المعارف : ج1 ص116 .

عنوان (ذكر المشاهد بشيراز) :

فمنها مشهد أحمد بن موسى أخي الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وهو مشهد معظّم عند أهل شيراز(1)، يتبرّكون به ، ويتوسّلون إلى اللّه بفضله(2).

الحسين بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

الحسين بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام .

يلقّب بالسيّد علاء الدين(3)، وكان سيّدا جليل القدر ، رفيع الشأن ، من سادات بني هاشم الممدوحين ، ورهبانهم المتعبّدين ، والأجلاّء المحترمين ، وكان صلب الإيمان ، ثقة عدلاً .

مدحه الإمام أبو جعفر الجواد عليه السلام حينما سئل أي عمومتك أبرّ بك ؟

فأجاب : الحسين .

فقال الإمام الرضا عليه السلام : صدق واللّه ، هو واللّه أبرّهم به وأخيرهم ، فكان موضع رضا أخيه الإمام علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، هذا ممّا يدلّ على سموّ مكانته(4).

ص: 364


1- شيراز بالكسر وآخره زاي ، بلد عظيم مشهور معروف مذكور ، وهي قصبة بلاد فارس في وسط بلاده . انظر معجم البلدان : ج5 ص220 .
2- رحلة ابن بطوطة : ص152 .
3- تحفة العالم : ج2 ص31 .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص360 .

وحدّث الحسين قال : كنّا حول أخي أبي الحسن الرضا عليه السلام . ونحن شبّان من بني هاشم ، إذ مرّ علينا جعفر بن عمر العلوي ، وهو رثّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته ، فقال لنا الإمام الرضا عليه السلام : لترونه عن قريب كثير المال ،

كثير التبع .

قال : فما مضى إلاّ شهر حتّى ولي المدينة وحسنت حالته ، وكان يمرّ بنا ومعه الحشم(1).

وفاته

استشهد السيّد علاء الدين الحسين بن الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام بشيراز ، ومرقده في شيراز(2)، في حي (باغ قتلغ)(3) معروف مشهور ، بارز عامر ، مشيّد

ص: 365


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج2 ص362 .
2- قال السيّد حسين البراقي : إنّ الحسين بن موسى الكاظم عليه السلام مات بالكوفة ودفن بالعبّاسة ، ويقع قبره بالقرب من أُمّ البعرور ويعرف عند المجاورين له بقبر الحسين . انظر تاريخ الكوفة : ص56 .
3- قال المرحوم السيّد جعفر آل بحر العلوم : إنّ قبره بشيراز ، ذكره شيخ الإسلام شهاب الدين في تاريخه المعروف ب- شيراز نامه وملخّص ما ذكره : أنّ (قتلغ خان) كان واليا على شيراز ، وكانت له حديقة في مكان حيث هي مرقد السيّد المذكور ، وكان بوّاب تلك الحديقة رجلاً من أهل الدين والمروءة ، وكان يرى في ليالي الجمعة نورا يسطع من مرتفع في تلك الحديقة ، فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير (قتلغ) ، وبعد مشاهدته لما كان شاهده البوّاب وزيارة تجسّسه وكشفه عن ذلك المكان ، ظهر له قبره وفيه جسد عظيم في كمال العظمة والجلال والطراوة والجمال ، بإحدى يديه مصحف وبالأُخرى سيف مصلت ، فبالعلامات والقرائن علموا أنّه قبر الحسين بن موسى ، فبنى له قبّة ورواقا . انظر تحفة العالم : ج2 ص31 . قلت : والظاهر أنّ (قتلغ خان) هذا غير الذي حارب أخاه السيّد أحمد ، ويمكن أن تكون الحديقة باسمه والوالي الذي أمر ببناء مشهده غيره ، فإنّ (قتلغ) لقب جماعة ، كأبي بكر بن سعد الزنكي .

بأنواع العمارة والزخرف ، تزوره جماهير المسلمين ، وتهدى له النذور ، وتقدّم إلى مرقده الهدايا ، ولأهل شيراز كمال الاعتقاد بقبره في قضاء الحوائج ، وكان قبره مخفيّا ، وقد ظهر وشيّد وبني عليه قبّة وحرم ومزار في أوائل تشكيل الدولة الصفوية في ايران ، بهذا صرّحت بعض النصوص التاريخية الفارسية(1).

قال بعض أرباب السير : إنّه كان هاربا من سلطان العبّاسيين وجورهم على أهل البيت ، مختفيا في شيراز ، ففي ذات يوم مرّ ببستان فعرفته رجال السلطان فتبعوه وقتلوه بالبستان ، وهو موضع قبره اليوم(2).

فقد قتل بنو العباس من أولاد علي وفاطمة عليهماالسلام عددا لا يحصيه إلاّ اللّه تعالى ، أضعافا مضاعفة على ما قتله بنو أُميّة منهم ، فقد اعترف المأمون الحاكم العبّاسي بذلك في كتابه في الجواب عن بني هاشم ، فقد ذكره الشيخ المجلسي عن صاحب الطرائف عن ابن مسكويه ، وفي بعض فصوله يقول :

حتّى قضى اللّه تعالى بالأمر إلينا فأخفناهم وضيّقنا عليهم ، وقتلناهم أكثر من قتل بني أُميّة إيّاهم ، ويحكم إنّ بني أُميّة إنّما قتلوا منهم من سلّ سيفا وإنّا معشر بني العبّاس قتلناهم جملاً ، فلتسألنّ أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ، ولتسألنّ نفوس أُلقيت في دجلة والفرات ، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياءً ، هيهات

ص: 366


1- مراقد المعارف : ج2 ص74 .
2- في تحفة العالم : ج2 ص32 : وجاء رجل من المدينة يقال له : ميرزا علي ، فسكن شيراز وكان ذلك في دور الدولة الصفوية ، وكان هذا الرجل مثريا ، فبنى عليه قبّة عالية وأوقف عليه أملاكا وبساتين . ولمّا توفّي دفن بجنب البقعة . وتولية الأوقاف كانت بيد ولده نظام الملك أحد وزراء تلك الدولة ومن بعده إلى أحفاده ، والسلطان خليل حاكم شيراز من قبل الشاه إسماعيل الصفوي ، رسم البقعة المذكورة وزاد على عمارتها السابقة في سنة 810ه .

من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره(1).

قال ابن عنبة : وقد كان للحسين بن الكاظم عليه السلام عقب في قول الشيخ أبي الحسن العمري ثمّ انقرض ، ونصّ الشيخ تاج الدين على أنّ الحسين بن موسى منقرض لإدراج ، قال ابن طباطبا : أعقب الحسين بن موسى الكاظم عبداللّه وعبيداللّه ومحمد . وبالطبسين قوم يقولون إنّهم موسويون وإنّهم من ولد الحسين بن موسى ، وكتبوا إليّ كتبا وما أجبت عن شيء منها(2).

زيد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو زيد بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

أُمّه أُمّ ولد ، ويعرف ب- (زيد النار) .

كان يرى ضرورة الخروج ضدّ الظلم والطغيان فزعم البعض بأنّه زيدي في رأيه وأنّه يعتقد بإمامة الخارج كما هو مذهبهم .

قيل : وقد عقد له البيعة محمد بن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين عليه السلام سنة (200ه) ، فخرج في أيّام أبي السرايا على الأهواز والبصرة ، وغلب عليها ، وأضرم النار وأحرق دور بني العبّاس ، فلذلك لقّب بزيد النار ، فأرسل المأمون عليه الحسن بن سهل فظفر عليه وأرسله مقيّدا إلى مرو(3)، ثمّ إنّ المأمون قال لأخيه الإمام علي الرضا عليه السلام : قد خرج أخوك وفعل ما فعل ، وقد

ص: 367


1- انظر مراقد المعارف : ج2 ص76 .
2- عمدة الطالب : ص198 .
3- راجع عمدة الطالب : ص220 ، وسرّ السلسلة العلوية : ص37 ، عيون أخبار الرضا : ج2 ص232 .

خرج قبله زيد بن علي زين العابدين عليه السلام ، والآن قد عفونا عنه إكراما لك ووهبناك إيّاه ، ولولا عظم منزلتك لأمرت بصلبه ، وليس ما أتاه بحقير .

فقال عليه السلام : لا تقس زيدا إلى زيد بن علي عليه السلام ، فإنّه كان من علماء آل محمّد ، فغضب لدين اللّه ، وخرج مجاهدا الأعداء في سبيل اللّه حتّى قتل شهيدا ، ثمّ إنّ الإمام عليه السلام أمر بإطلاق زيد(1).

هذا وما جاء في بعض التواريخ من أنّه قد أحرق حتّى دور بني هاشم و... فالظاهر أنّه من مفتريات بني العبّاس للقضاء على من يعارضهم .

فإنّ أولاد الأئمّة عليهم السلام الذين ثاروا ضدّ الظلم والطغيان كانوا يدعون إلى الرضا من آل محمّد ، وكان يمتثلون أوامر الإمام المعصوم عليه السلام من أهل البيت عليهم السلام ولا يخالفونه .

وممّا ذكرنا يعرف حال الرواية التالية ، كما يحتمل أن تكون من باب التقية وللحفاظ على حياته أو ما أشبه .

قيل : عظم فعل زيد على الإمام علي الرضا عليه السلام ، فحلف أن لا يكلّمه أبدا ، ومن جملة ما قاله عليه السلام لزيد :

يازيد ، أغرّك قول أهل الكوفة : إنّ فاطمة عليهاالسلامأحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيتها على النار ؟ ذلك للحسن والحسين عليهماالسلام خاصّة .

إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه عزّوجلّ وتدخل الجنّة ، وموسى بن جعفر عليهماالسلام أطاع اللّه ودخل الجنّة ، فأنت إذن أكرم على اللّه تعالى من موسى بن جعفر عليهماالسلام ، واللّه ما ينال أحد ما عند اللّه تعالى إلاّ بطاعته وزعمت أنّك تناله بمعصية ، فبئس ما زعمت .

ص: 368


1- تحفة الأزهار : ج2 ص372 ، عيون أخبار الرضا : ج1 ص195 باب25 .

فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : أنت أخي ما أطعت اللّه عزّوجلّ ، إنّ نوحا عليه السلام قال : «... رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ»(1).

فقال اللّه تعالى : «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(2).

فأخرجه اللّه تعالى عزّوجلّ من أن يكون من أهله بمعصيته(3).

قد وردت أخبار عنه عليه السلام زعم البعض بأنّها تدلّ على تذمّره منه وعدم رضائه عنه ، ولا دلالة فيها على ذلك ، منها :

روى الحسن بن جهم ، قال : كنت عند الرضا عليه السلام وعنده زيد بن موسى عليه السلام أخوه ، وقد أقبل الإمام يؤنّبه قائلاً له :

يازيد اتّق اللّه فإنّه بلغنا ما بلغنا بالتقوى ، فمن لم يتّق اللّه ولم يراقبه ، فليس منّا ولسنا منه ، يازيد إيّاك أن تهين من به تصول من شيعتنا فيذهب نور وجهك ، يازيد إنّ شيعتنا إنّما أبغضهم الناس وعادوهم واستحلّوا دماءهم وأموالهم لمحبّتهم لنا ، واعتقادهم لولايتنا ، فإن أنت أسأت إليهم ظلمت نفسك وأبطلت حقّك(4).

وفي رواية أُخرى أنّه قال عليه السلام : « من كان منّا لم يطع اللّه تعالى عزّوجلّ فليس منّا » ثمّ قال للحسن بن الوشاء راوي الحديث : « وأنت إذا أطعت اللّه عزّوجلّ فأنت من أهل البيت »(5).

ص: 369


1- سورة هود : الآية 45 .
2- سورة هود : الآية 46 .
3- عيون أخبار الرضا : ج2 ص234 ح4 ، معاني الأخبار : ص105 .
4- عيون أخبار الرضا : ج2 ص235 باب58 .
5- عيون أخبار الرضا : ج2 ص232 ح1 .

وفاته

واختلف المترجمون له في زمن وفاته .

فقيل : إنّه توفّي في أيّام المأمون ، وأنّه هو الذي سقاه السمّ فمات(1)، وقبره يقع في (صلهد) إحدى قرى أصفهان ، وقد بنيت عليه قبّة زجاج وله مزار(2). وقيل : قبره بمرو(3).

وقيل : إنّه عاش إلى آخر خلافة المتوكّل ، بل أدرك زمن المنتصر أيضا ، وتوفّي في سرّ من رأى(4)، وقيل : إنّه توفّي في أيّام المستعين(5).

قال الشيخ أبو نصر البخاري : إنّه لم يعقّب ، وبارجان جماعة يزعمون أنّهم من ولد زيد بن علي بن جعفر بن زيد النار هذا ، ودعواهم غير صحيحة(6).

وقال غير البخاري وعليه الشيخ العمري وشيخ الشرف العبيدلي وأبو عبداللّه بن طباطبا وغيرهم :

أعقب زيد النار بن موسى الكاظم عليه السلام من أربعة رجال :

الحسن ولده بالمغرب ، والقيروان ، والحسين (المحدّث) ، وجعفر ، وموسى (الأصم)(7).

ص: 370


1- عمدة الطالب : ص251 .
2- انظر تحفة الأزهار : ج2 ص373 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص37 ، معالم أنساب الطالبيين : ص143 .
4- عيون الأخبار لابن قتيبة : ج2 ص379 .
5- جمهرة أنساب العرب : ص55 .
6- سرّ السلسلة العلوية : ص37 .
7- عمدة الطالب : ص251 ، المجدي في أنساب الطالبيين ص313 ، وانظر التذكرة في الأنساب ص150 ، وتهذيب الأنساب : ص163 .

عبيداللّه بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو عبيداللّه بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

أُمّه أُمّ ولد ، يكنّى أبا محمد .

وولد عبيداللّه بن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام ثلاث بنات ، هنّ : أسماء ، وزينب ، وفاطمة . ومن الرجال ثمانية ، هم : محمد اليمامي(1)، وجعفر ، والقاسم ، وعلي ، وموسى ، والحسن ، والحسين ، وأحمد . فأمّا الحسن والحسين وأحمد ، فلم يعقّبوا .

وقال الشيخ العمري : وأمّا موسى ، فانتشر له عقب ، ثمّ وجدت عليه أنّه منقرض(2).

فعقب عبيداللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام في ثلاثة : محمد ، والقاسم ، وجعفر(3).

وإليه تنتمي كثير من البيوتات العلوية الرفيعة الشأن ، الجليلة القدر ، قد توفّي بالكوفة ودفن بها .

قال السيد حسين البراقي : وفي الكوفة قبر عبيداللّه بن موسى الكاظم عليه السلام(4).

ولم أجد من عيّن قبره وشخّصه غير البراقي .

ص: 371


1- في تحفة الأزهار : اليماني بدلاً من اليمامي .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص303 .
3- عمدة الطالب : ص253 ، تحفة الأزهار : ج2 ص272 ، وتهذيب الأنساب : ص157 .
4- راجع تاريخ الكوفة : ص56 .

ومن أعقاب عبيداللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام الشريف الصالح أبو القاسم جعفر ابن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيداللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام العلوي الموسوي المصري ، روى الشيخ التلعكبري عنه وسمع الحديث منه ، وأخذ منه الإجازة في سنة (340ه)(1).

قال الشيخ أبو نصر البخاري : ومن ولده بالري : محمد وموسى ابنا علي بن القاسم بن موسى بن القاسم بن موسى بن عبيداللّه بن موسى عليه السلام أعقبا(2).

عبداللّه بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو عبداللّه بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

أُمّه أُمّ ولد ، ويعرف ب- (العوكلاني) ويقال لولده : العوكلانية(3).

وحدث عنه علي بن إبراهيم قال :

لمّا توفّي الإمام الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام ، وقد حضر خلف من الشيعة من كلّ بلد لينظروا إلى أبي جعفر ، فدخل عمّه عبداللّه بن موسى ، وكان شيخا كبيرا نبيلاً عليه ثياب خشنة وبين عينيه أثر السجود ، فجلس وخرج أبو جعفر وعليه قميص قصب(4) ورداء قصب ، وفي رجليه نعل أبيض ، فقام إليه عبداللّه فاستقبله وقبّل ما بين عينيه ، وقامت إليه الشيعة تكريما وإجلالاً له ،

ص: 372


1- انظر تهذيب الأنساب : ص158 .
2- سرّ السلسلة العلوية : ص44 .
3- في المجدي : ص310 يقال لولده : بنو العوكلاني .
4- القصب : الثياب الرقيقة الناعمة من الكتّان .

فجلس أبو جعفر على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض نظرا لحداثة سنّ الإمام عليه السلام ، فقد كان عمره آنذاك تسع سنين ، وانبرى رجل من القوم فتقدّم إلى

عبداللّه فقال له :

ما تقول : أصلحك اللّه في رجل أتى بهيمة ؟

فأجاب عبداللّه تقطع يمينه ويضرب الحدّ .

ولمّا سمع الإمام الجواد عليه السلام بهذه الفتوى التي لم تكن صحيحة قال له : (ياعمّ) اتّق اللّه ، إنّه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي اللّه عزّوجلّ فيقول لك : لِمَ أفتيت

الناس بما لا تعلم ؟

فقال له عبداللّه : أليس قال هذا أبوك ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : إنّما سئل أبي عن رجل ، نبش قبر امرأة فنكحها ، فقال أبي : تقطع يمينه للنبش ، ويضرب حدّ الزنا ، فإنّ حرمة الميتة كالحيّة .

فقال عبداللّه : صدقت ياسيدي ، استغفر اللّه ، وتعجّب الناس ، وأقبلوا على الإمام يسألونه وهو يجيبهم(1).

وهذه الرواية وإن دلّت بظاهرها على تسرّع عبداللّه وخطأه في المسألة الفقهية ، ولكن إظهاره الندم وتصاغره أمام الإمام عليه السلام يرفع عنه ذلك القدح

ويرفعه إلى مدارج المتّقين والأولياء .

ولا يبعد أن يكون عبداللّه قد تظاهر بهذا الجواب لكي يعرف الناس عظمة الإمام الجواد عليه السلام .

وقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام(2).

ص: 373


1- راجع الاختصاص : ص123 .
2- الفهرست : ص100 رقم 353 .

وولد عبداللّه بن الكاظم عليه السلام ، ثلاث بنات ، هنّ : زينب ، وفاطمة ، ورقية . وخمسة ذكور ، وهم : أحمد ، ومحمد ، والحسين ، والحسن ، وموسى ، أولد كلّ منهم(1).

توفّي عبداللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام في مدينة ساوه(2) ودفن بها .

قال السيد حسين بن مساعد الحسيني في تعليقه على عمدة الطالب : قبره بقرية من قرى ساوه مشهور ، وقد زرته في شهر رمضان سنة 918(3).

والعقب من عبداللّه بن موسى الكاظم عليه السلام من ولده موسى(4).

قال الشيخ أبو نصر البخاري : ما أعقب إلاّ منه ، فجميع أولاد عبداللّه بن موسى من موسى بن عبداللّه (5).

وحكي عن بعض كتب الأنساب أنّ جمعا من أولاده قد سكن الري ، ومنهم

مجد الدولة والدين ذو الطرفين أبو الفتح محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن القاسم بن عبداللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وأُخته السيّدة سكينة بنت الحسين ابن محمد ، أُمّ السيّد الأجل المرتضى ذي الفخرين أبي الحسن المطهّر بن أبي القاسم علي بن أبي الفضل محمد . الذي قال الشيخ منتجب الدين في حقّه : من كبار سادات العراق وصدور أشرافها ، وانتهى منصب النقابة والرئاسة في عصره إليه ، وكان علما في فنون العلم ، وله خطب ورسائل لطيفة ، وقرأ على الشيخ الموفّق أبي

ص: 374


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص310 .
2- ساوة : مدينة حسنة بين الري وهمدان ، انظر معجم البلدان : ج8 ص12 .
3- انظر عمدة الطالب : ص252 .
4- تحفة الأزهار : ج2 ص223 .
5- سرّ السلسلة العلوية : ص44 .

جعفر الطوسي في سفرة الحجّ ، روى لنا عنه السيد نجيب السادة أبو أحمد الحسن الموسوي(1)-(2).

حمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو أبو القاسم حمزة بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وأُمّه أُمّ ولد .

كان عالما فاضلاً ، كاملاً مهيبا جليلاً ، رفيع المنزلة ، عالي الرتبة ، مقدّرا عند الخاصّة والعامّة .

استشهد في الري في عهد المأمون العبّاسي(3).

مرقده في (الري) بارز معنون متّصل برواق مرقد السيد عبدالعظيم الحسني (شاه عبدالعظيم سلام اللّه عليه) جنوبا ، عليه قبّة شاهقة البناء ، سميكة الدعائم ،

وله حرم وشبّاك ثمين ، يزور مرقده كلّ من يزور مرقد السيّد عبدالعظيم(4).

وفي رواية النجاشي : كان عبدالعظيم ورد الري(5) هاربا من السلطان

ص: 375


1- هذا السيّد الجليل نجيب الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن القاسم بن محمد بن موسى بن عبداللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، الذي يروي عنه الشيخ منتجب الدين ، وقال : ابن مطهّر قرأ على السيد الأجل ذي الفخرين السيّد مطهّر رفع اللّه تعالى درجاته .
2- الفهرست : ص100 رقم 353 .
3- تحفة الأزهار : ج2 ص321 .
4- مراقد المعارف : ج1 ص262 .
5- جاء في (تاريخچه وقف در اسلام) : ص68 - 79 ، أنّ قبر إمام زاده حمزة في الري في بقعة شاه عبدالعظيم ، في الضلع الجنوبي الشرقي لحرم شاه عبدالعظيم ، وإنّ السيّد عبدالعظيم الحسني قصد من العراق زيارة قبر حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام في الري ، وهذا المعنى موجود زيارة السيد عبدالعظيم : (يازائرا قبر خير من ولد موسى بن جعفر عليه السلام) فهذه الزيارة إن دلّت فإنّما تدلّ على جلالة قدره وعظيم شأنه ، وكان الشاه طهماسب الصفوي يزور قبر الحمزة لأنّ السادة الصوفية من سلالة حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام .

وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكّة الموالي ، وكان يعبد اللّه في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله ، وكان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق ويقول : هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر(1).

وفي تحفة الزائر : إنّ قبر حمزة بن موسى عليه السلام يقرب عن قبر عبدالعظيم ، والظاهر أنّه هو الذي كان يزوره عبدالعظيم ، فلا بأس بزيارته(2).

ويكنّى حمزة بن موسى عليه السلام بأبي القاسم ، وله عقب كثير في بلاد العجم من ابنيه القاسم وحمزة ، وأمّا علي بن حمزة ، فقال صاحب عمدة الطالب عنه : وكان له (أي لحمزة) علي بن حمزة ، مضى دارجا(3) وهو المدفون بشيراز خارج باب اصطخر ، له مشهد يزار ، وأمّا حمزة بن حمزة بن الكاظم عليه السلام وأُمّه أُمّ ولد وكان متقدّما بخراسان وله عقب قليل(4).

وعقب القاسم بن حمزة بن محمد وعلي وأحمد ، ومن أعقاب محمد : سلاطين الصفوية(5).

ص: 376


1- رجال النجاشي : ص248 رقم 653 .
2- تحفة الزائر : ص508 .
3- أي مضى بدون ولد .
4- عمدة الطالب : ص258 .
5- ونقل عن تاريخ عالم آرا أنّ نسب السلسلة الجليلة الصفوية ينتهي إلى حمزة بن موسى عليه السلام ، ودفنفي قرية من قرى شيراز وبنى له سلاطين الصفوية قبّة عالية وجعلوا له موقوفات كثيرة ، وفي ترشيز قبر ينسب إلى حمزة بن موسى المذكور .

وفي مدينة قم الطيّبة مزار يعرف ب- (شاهزاده حمزه) ولأهل هذه البلدة اعتقاد تامّ فيه ويحترمونه ويعظّمونه ، وله قبّة وصحن ، ويظهر من كلام صاحب تاريخ قم أنّ هذا الشخص هو حمزة بن موسى عليه السلام كما ورد في تاريخ السادات الرضائية الذين أقاموا بقم ودفنوا فيها أنّه قال : جاء يحيى الصوفي إلى قم وأقام بها

وسكن في دار قرب دورة زكريا بن آدم ومشهد حمزة بن موسى بن جعفر .

وكان الحمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام من العلماء الأجلاّء والفقهاء الورعين ، وكان يقول بإمامة أخيه علي بن موسى الرضا عليه السلام وكان في خدمته ، ملبّيا لامتثال أوامره ومن أصحابه عليه السلام ، وكان يتولى خدمة أخيه في السفر(1) والحضر .

ولا يخفى أنّه يؤثر لحمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عدّة مراقد في مدن متعدّدة منها في الري وهو أشهرها ورودا(2)، ومنها في مدينة قم المشرّفة عامر مشيّد قديم البناء عليه قبّة بديعة الصنع ، ومنها في ميدان شيراز أيضا عامر مجلّل ،

ومنها في كرمان(3) وهو أضعف الأقوال .

ص: 377


1- وفي تحفة الأزهار : ج2 ص322 ، بعدما وصفه بالعلم والفضل قال : سافر مع أخيه الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان وكان واقفا في خدمته ، ساعيا في مآربه ، طالبا لرضاه ، ممتثلاً لأوامره ، فلمّا وصل إلى سوسعر إحدى قرى (ترتسبر) خرج عليه قوم من أتباع المأمون فقتلوه ، وقبره في بستان .
2- وفي تحفة الفاطميين في ذكر أحوال قم والقمّيين الفارسي : ج1 ص262 ، أنّ صاحب كتاب (جنّة النعيم) قال : إنّ حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام مدفون في الري وبقعته متّصلة ببقعة سيّد عبدالعظيم الحسني . وكذلك راجع كتاب (تاريخ أولاد الأطهار) فارسي : ص117 ، قال : إنّ حمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مدفون بقرب قبر شاه عبدالعظيم .
3- وفيكتاب لبّ الأنساب:إنّ حمزه بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلامأُمّه أُمّ ولد، وهوفي (سيرجان كرمان).

العبّاس بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو العباس بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

العباس بن الإمام موسى بن جعفر العلوي ، استعمله على الكوفة حميد بن عبدالحميد - الذي كان عاملاً للحسن بن سهل وزير المأمون في قصر ابن هبيرة أيّام المأمون العبّاسي - وأمره أن يدعو لأخيه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام بعد المأمون ، وذلك سنة (202ه)(1).

ولا يظهر من وصيّة أبيه موسى بن جعفر عليه السلام المذكورة في عيون أخبار الرضا عليه السلام القدح فيه ، أو قلّة معرفته بإمام زمانه علي بن موسى عليه السلام ، بل هي من باب التأكيد على إمامة علي الرضا عليه السلام أو ما أشبه(2).

وقال سيّد العلماء والفقهاء السيّد مهدي القزويني في مزار فلك النجاة : هناك قبران مشهوران في مشهد الإمام موسى عليه السلام من أولاده لكن لم يعرفا ، وقال البعض أنّ أحد هذين القبرين قبر العباس بن موسى بن جعفر عليه السلام انتهى .

وعقب العباس من ابنه القاسم بن العبّاس فقط .

وقال صاحب عمدة الطالب : القاسم بن العباس بن موسى الكاظم عليه السلام قبره بشوشي في سواد الكوفة والقبر مشهور وبالفضل مذكور(3).

وشوشي : قرية قريبة من قرى الكوفة ، قريبة من مرقد ذي الكفل(4).

ص: 378


1- انظر تاريخ الكوفة : ص234 .
2- راجع عيون أخبار الرضا : ج2 ص223 .
3- عمدة الطالب : ص260 .
4- مراقد المعارف : ج2 ص190 .

وأُمّ القاسم أُمّ ولد اسمها (علم) قاله البخاري ، وقال غيره اسمها (ندام)(1).

والقاسم خلّف ابنين : أحمد له ولد بالكوفة ، والحسين صاحب الكشف(2).

إسحاق بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو أبو الحسين إسحاق بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام .

أُمّه : أُمّ ولد .

يلقّب بالأمين والأمير(3).

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام .

وروى له الكليني في (الكافي) حديثا رواه عن عمّه ، وعن جدّه الإمام الصادق عليه السلام(4).

توفّي بالمدينة سنة (240ه) ودفن بها ، وذكر حمد اللّه المستوفي أنّه توفّي في ساوة ودفن بها(5).

وله بنت تسمّى رقية وقد عمّرت عمرا طويلاً ، وتوفّيت سنة (316ه)

ودفنت ببغداد ، وأدركها أبو نصر البخاري ، وعلى قبرها قبّة معمّرة(6). روت عن

ص: 379


1- انظر مراقد المعارف : ج2 ص189 ، سرّ السلسلة العلوية : ص43 .
2- تحفة الأزهار : ج2 ص322 ، وفي عمدة الطالب : ص259 الحسين صاحب السلطة .
3- تحفة الأزهار : ج2 ص352 ، عمدة الطالب : ص261 ، المجدي : ص312 .
4- تنقيح المقال : ج1 ص132 .
5- جامع الأنساب : ص47 ، وأعيان الشيعة : ج7 ص34 .
6- تحفة الأزهار : ج2 ص352 .

زوجها ، وأخرج الصدوق في الخصال رواية في طريقها هذه المرأة(1).

وعقبه من أبنائه العباس ومحمد والحسين وعلي(2).

ومن أعقابه الشيخ الزاهد الورع أبو طالب محمد المهلوس(3) بن علي بن إسحاق بن العباس بن إسحاق بن موسى الكاظم عليه السلام ، وكان ذا جلالة وقدر وحشمة في بغداد .

ومن أحفاد الحسين بن إسحاق : أبو جعفر محمد الصوراني المقتول بشيراز ، وقبره فيها بباب اصطخر يزار(4).

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : وجعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر عليه السلام قتله سعيد الحاجب بالبصرة في أيّام المهتدي(5).

وجاء في أنساب المجدي : إسحاق بن موسى الكاظم عليه السلام ، وهو لأُمّ ولد(6)، لكن يظهر من الرواية الواردة في طبّ الأئمّة أنّ أُمّ إسحاق هي أُمّ أحمد أيضا والرواية هكذا :

روى إسحاق بن أبي الحسن عن أُمّه أُمّ أحمد قالت : قال سيّدي عليه السلام : من

ص: 380


1- الخصال : ج1 ص253 ، باب الأربعة . وفيه قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن علي الأسدي ، قال : حدّثتنا رقيّة بنت إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : « لا تزول قدما عبد مؤمن يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت » .
2- عمدة الطالب : ص261 .
3- في المجدي : أنّه كان يعمل الحديد زهدا .
4- تحفة الأزهار : ج2 ص352 ، عمدة الطالب : ص261 .
5- مقاتل الطالبيين : ص530 .
6- المجدي في أنساب الطالبيين : ص312 .

نظر إلى أوّل محجمة من دمه أمن الواهية إلى الحجامة الأُخرى ، فسألت سيّدي وما الواهية ؟ فقال : وجع العنق(1).

محمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو محمد بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام .

ويكنّى أبا إبراهيم ، وكان كريما جليلاً ، كبيرا موقّرا ، يعرف بالعابد لكثرة وضوئه وصلاته ، فكان في كلّ ليلة يتوضّأ ويصلّي ويرقد قليلاً ثمّ يقوم لعبادته حتّى ينبلج نور الصبح(2).

قال الشيخ المفيد رحمه الله : وكان محمد بن موسى من أهل الفضل والصلاح . أخبرني محمد الحسن بن محمد بن يحيى قال : حدّثني جدّي قال : حدّثتني هاشمية مولاة رقيّة بنت موسى قالت :

كان محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي ، فنسمع سكب الماء والوضوء ثمّ يصلّي ليلاً ثمّ يهدأ ساعة فيرقد ويقوم ، فنسمع سكب الماء والوضوء ثمّ يصلّي ثمّ يرقد سويعة ثمّ يقوم ، فنسمع سكب الماء والوضوء ثمّ يصلّي فلا يزال ليله كذلك حتّى يصبح ، وما رأيته قطّ إلاّ ذكرت قول اللّه تعالى : «كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ»(3)-(4).

ص: 381


1- طبّ الأئمّة : ص58 ، باب النظر في خروج الدم والحجّام يحجم .
2- الفصول المهمّة : ص241 ، تحفة العالم : ج2 ص31 .
3- سورة الذاريات : الآية 17 .
4- الإرشاد : ج2 ص245 ، الفصول المهمّة : ص242 .

توفّي محمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في شيراز ودفن فيها ، وإلى جانبه قبر أخيه أحمد المعروف ب- (شاه چراغ) .

قال صاحب روضات الجنّات :

أقول : وعبارة صاحب الأنوار هكذا : وكان أحمد بن موسى كريما وكان موسى عليه السلام يحبّه ، وكان محمد بن موسى صالحا ورعا ، وهما مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرّك بقبورهما وتكثر زيارتهما وقد زرناهما كثيرا(1).

وكان قبره مخفيّا إلى زمان (بك) بن سعد بن (زنكي) فبنى له قبّة في محلّة (باغ قتلغ) وقد جدّد بناؤه عدّة مرّات في زمان السلطان (نادر خان) .

وفي سنة (1296ه) رمّمه النوّاب (أويس) بن النوّاب الأعظم الشاه زاده فرهاد القاجاري .

وفي الوقت الحاضر له مزار يتبرّك به وتسكنه السادة الأخيار والصلحاء الأبرار وتهدى له النذور(2).

وولد محمد بن الكاظم عليه السلام وهو لأُمّ ولد ، سبعة أولاد ، منهم أربع بنات هنّ : حكيمة ، وكلثوم ، وبريهة ، وفاطمة ، والرجال : جعفر أولد وانقرض ، ومحمد الزاهد النسّابة رحمه الله مقل ، وإبراهيم الضرير الكوفي منه عقبه(3).

وأعقب محمد من ابنه السيّد إبراهيم الملقّب بإبراهيم المجاب ، وسبب تسميته بالمجاب ما قاله السيّد تاج الدين بن زهرة : أنّه دخل مشهد الحسين عليه السلام فقال :

ص: 382


1- روضات الجنّات : ج1 ص44 رقم 8 .
2- وفي مدينة الحسين تاريخ كربلاء الحلقة 2 : ص91 : أنّه قتل مع أخيه السيّد أحمد في شيراز ، جامع الأنساب : ص57 .
3- انظر المجدي في أنساب الطالبيين : ص313 .

السلام عليك ياأبة ، فسمع : وعليك السلام ياولدي ، وقبره في الحائر المقدّس(1).

وعقب إبراهيم من ثلاثة : محمد الحائري ، أحمد ، المدفون في قصر ابن هبيرة ، علي ، المدفون في سيرجان(2)، ومن أعقاب محمد الحائري السيد السند العلاّمة إمام الأُدباء شمس الدين وشيخ الشرف ، أبو علي فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمد بن أبي الغنائم محمد بن الحسين بن محمد الحائري ابن إبراهيم المجاب ابن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، من أكابر المشايخ العظام ، وأعاظم

الفقهاء الكرام صاحب كتاب (الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب)(3).

إسماعيل بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

هو إسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

كان من عيون علماء عصره وفي طليعة المتّقين والصالحين ، وكان أميرا على فارس من قبل أبي السرايا ، وبعد فشل الحركة سكن مصر وسكنها من بعده أولاده وأحفاده(4).

وهو سيّد جليل القدر ، وممّا يدلّ على سمو مكانته وتقواه ما رواه الشيخ

ص: 383


1- أعيان الشيعة : ج5 ص463 .
2- سيرجان من أرض كرمان ، بالكسر ثمّ السكون ثمّ راء وجيم وآخره نون : مدينة بين كرمان وفارس ، وكانت أجلّ مدينة في أيّام بني ساسان ولم تزل قصبة الإقليم الإسلامي ، انظر منتقلة الطالبية : ص388 .
3- عمدة الطالب : ص245 .
4- جامع الأنساب : ص47 .

الكشي في ترجمة الثقة الجليل القدر صفوان بن يحيى أنّه : مات (صفوان بن يحيى) في سنة عشر ومائتين بالمدينة وبعث إليه أبو جعفر عليه السلام بحنوطه وكفنه وأمر إسماعيل ابن موسى بالصلاة عليه(1).

وقد ألّف عدّة كتب رواها عن آبائه عليهم السلام منها :

1 - كتاب الطهارة .

2 - كتاب الصلاة .

3 - كتاب الزكاة .

4 - كتاب الصوم .

5 - كتاب الحجّ .

6 - كتاب الجنائز .

7 - كتاب الطلاق .

8 - كتاب النكاح .

9 - كتاب الحدود .

10 - كتاب الدعاء .

11 - كتاب السنن والآداب .

12 - كتاب الرؤيا .

كان إسماعيل عالما فاضلاً كاملاً ، روى عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، قال الحسين ابن عبيداللّه : أخبرنا أبو محمد سهل بن أحمد بن سهل ، قال : حدّثنا أبو علي بن محمد بن محمّد بن الأشعث الكوفي بمصر قراءة عليه قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل

ص: 384


1- اختيار معرفة الرجال : ج2 ص792 ح961 .

هذا قال : حدّثنا أبي بكتبه ...(1).

ومن أجلّ كتبه التي يعوّل عليها : (الجعفريات)(2) وهو من الكتب القديمة .

وقال الأُستاذ الأكبر البهبهاني في التعليقة : إنّ كثرة تصانيفه تشير إلى مدحه ، ولعلّ مراده من كثرة التصانيف كتابه المسمّى بالجعفريات المشتمل على جملة من الكتب الفقهية وجميع أحاديثه بسند واحد إلاّ القليل منها ، ويرويها عن آبائه الكرام عليهم السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد أشار إلى كتابه شيخنا المحدّث النوري (طاب ثراه) في خاتمة المستدرك بقوله : إنّه من الكتب القديمة المعروفة المعوّل عليها .

وهو في غاية الاعتبار ، وجميعه مذكور في مستدرك الوسائل(3).

وقد استدلّ علماؤنا الأعلام على مدحه وغزارة علمه وفضله بكثرة تأليفه .

وكان إسماعيل وأولاده قد سكنوا مصر ، وابنه أبو الحسن موسى من العلماء والمؤلّفين ، وقد روى محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي (كتاب الجعفريات) عنه عن أبيه إسماعيل ، وابن موسى وهو علي بن موسى بن إسماعيل ، هو الذي حمله عامل الطاهر ، عبداللّه بن عزيز في أيّام المهتدي إلى سرّ من رأى(4)، وكان معه محمد ابن الحسين بن محمد بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وحبسهما هناك حتّى ماتا(5).

ص: 385


1- انظر تحفة الأزهار : ج2 ص394 .
2- وتسمّى أيضا بالأشعثيات ، والعلويات .
3- اختيار معرفة الرجال للكشي : ج2 ص793 ح961 .
4- سرّ من رأى بضمّ أوّله ويفتح : اسم المدينة المشهورة التي أنشأها المعتصم العبّاسي بين بغداد وتكريت وبها قبور جماعة من الطالبيين . انظر منتقلة الطالبية : ص386 . وهي المعروفة اليوم بسامراء .
5- راجع مقاتل الطالبيين : ص532 .

ولإسماعيل بن موسى عليه السلام ابن آخر اسمه محمد وقد عمّر طويلاً حتّى قال عنه الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة : وكان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقال أيضا : أنّه لقي الإمام الحجّة عليه السلام بين المسجدين(1).

توفّي إسماعيل في مصر ودفن بها .

ولكن (حمد اللّه المستوفي) ذكر أنّه دفن في بعض نواحي شيراز . وفي القرية المعروفة ب- (فيروزكوه) مزار ينسب إلى إسماعيل بن الإمام موسى عليه السلام(2).

الحسن بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو الحسن بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

أُمّه أُمّ ولد . عقبه قليل جدّا .

قال أبو نصر البخاري : والحسن بن موسى بن جعفر عليهماالسلام له ولد يسمّى جعفرا من أُمّ ولد ، يقال له : أنّه أعقب ، ويقال غير ذلك(3).

وقال ابن طباطبا وأبو الحسن العمري : أعقب الحسن بن موسى عليه السلام من جعفر وحده ، وأعقب من ثلاثة : محمد ، والحسن ، وموسى(4).

هارون بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو هارون بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 386


1- الغيبة : ص162 .
2- تحفة العالم : ج2 ص34 ، جامع الأنساب : ص49 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص42 .
4- انظر عمدة الطالب : ص262 .

أُمّه أُمّ ولد .

ولد هارون بن موسى بن الصادق عليهماالسلام ثمانية لم يعقب منهم غير أحمد وحده وقيل : إنّه لم يعقب(1).

وفي بعض التواريخ : إنّ الحكومة العبّاسية ضغطت عليه ، ووقعت بينه وبين الشرطة مصادمة أدّت إلى إصابته ببعض الجراحات ، ففرّ هاربا إلى (شهرستان) فلجأ إلى قرية هناك فيها مزارع وقد أصابه الضعف ، فقام صاحب المزرعة بمعالجته حتّى برئ ، وأقام هناك مدّة من الزمن حتّى شاع أمره ، فبينما هو يتناول الطعام إذ هجمت عليه شرطة المأمون فقتلوه ، ودفن هناك ، والمشهور أنّه توفّى في إحدى قرى طالقان ودفن هناك ، وله مرقد يزار ، وقد أسّس سنة (853ه) وكتب على ضريحه : (هذا قبر امام زاده هارون بن سلطان الأتقياء وإمام الأولياء موسى الكاظم)(2).

وفي عمدة الطالب : وأعقب أحمد بن هارون وهو لأُمّ ولد من رجلين : محمد ، وموسى . أمّا موسى فقد كان أعقب عقبا يقال لهم بنو الأفسطية .

وأمّا محمد بن أحمد بن هارون بن الكاظم عليه السلام فأعقب من ثلاثة رجال : الحسن ، وجعفر ، وموسى . وبنو هارون بن الكاظم قليلون(3).

جعفر بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هو جعفر بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 387


1- راجع المجدي في أنساب الطالبيين : ص299 .
2- زندگانى حضرت موسى بن جعفر : ص260 فارسي .
3- عمدة الطالب : ص260 ،تحفة الأزهار : ج2 ص393 .

يكنّى أبا الحسن ، وأُمّه أُمّ ولد .

وولد جعفر بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهماالسلام ، ثماني نسوة ، وهنّ : حسنة ، وعائشة ، وعبّاسة ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة ، وأسماء ، وزينب ، وأُمّ جعفر . والرجال ستّة لم تذكر لهم ولدا ، وهم :

الحسين ، ومحمّد ، وجعفر ، ومحمّد الأصغر ، والعبّاس ، وهارون(1).

والعقب في رجلين : موسى ، والحسن(2).

ويقال له : الخواري ، نسبة إلى خوار ، وهي إحدى قرى مكّة المعظّمة ، كان ينزلها في أكثر أوقاته ، فنسب إليه هو وبنوه .

فقيل لهم : الخواريون ، وقيل لهم : الشجريون أيضا ، لأنّهم ينزلون في المواضع الكثيرة الشجر(3).

أولاد أُخر للإمام عليه السلام

نصّ بعض المصادر على ذكر أسماء أُخر من أولاد الإمام الكاظم عليه السلام غير الذين ذكرناهم ، وقد أهملت أسماؤهم وتراجمهم كثير من كتب الأنساب ، وفيما يلي أسماؤهم مع عرض موجز لبعض أحوالهم :

عون بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

هو عون بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 388


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص301 .
2- تحفة الأزهار : ج2 ص200 ، عمدة الطالب : ص247 .
3- انظر عمدة الطالب : ص247 ، سرّ السلسلة العلوية : ص41 .

ذكره الشبلنجي وقال : إليه يرجع نسب سيّدنا ومولانا الشيخ الكبير المقرّب ، جامع الشرفين ، شرف النسب ، وشرف المعرفة باللّه والأدب ، ذي الكرامات الظاهرة أبي الحسن ، وأبي الأشبال علي الأهدل بن عمر بن محمد بن سليمان بن عبيد بن عيسى بن علوي بن محمد بن حمحام بن عون بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . وقد نظم ذلك بعض الفضلاء :

علي بن فاروق أبو محمّد

ثمّ سليمان الرضا المسدّد

عبيد عيسى علوي محمّد

حمحام عون الكاظم المؤيّد

جعفر الصادق قل محمّد

زين حسين وعلي السيّد(1)

شمس بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

هو شمس بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ذكره النسّابة أحمد بن محمّد الجيلاني(2)، وذكر السيد الروضاتي

شجرة لعقبه(3).

شرف الدين بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام

هو شرف الدين بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . وإليه تنتمي السادة الخلخالية ، وقد أثبتت شجرة لهم(4).

ص: 389


1- نور الأبصار : ص168 نقلاً عن بغية الطالب للسيّد محمد بن طاهر اليماني ، وجاء ذلك في إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون : ج1 ص188 .
2- سراج الأنساب : ص44 .
3- جامع الأنساب : ص9 .
4- سراج الأنساب : ص44 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

فاطمة الكبرى (المعصومة) بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هي فاطمة الكبرى (المعصومة) بنت الإمام موسى الكاظم(1) ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام علي بن الحسين زين العابدين ابن الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب (سلام اللّه عليهم أجمعين) .

أُمّها :

ُمّ ولد يقال لها سكن النوبية ، وقيل : خيزران المرسية ، وقيل : نجمة ، وقيل : صقر ، وقيل : أروى ، وكنيتها : أُمّ البنين . ولمّا ولدت الإمام الرضا عليه السلام سمّيت بالطاهرة ، إذا هي أُخت الإمام الرضا عليه السلام من أُمّ وأب .

ولادتها :

ولدت فاطمة المعصومة في المدينة المنوّرة عام (183ه) حسبما صرّح به المؤرخون ، ورضعت من ثدي الإمامة والولاية ، ونشأت وترعرعت في أحضان

ص: 390


1- انظر ترجمتها في إعلام الورى : ج2 ص312 ، أعيان الشيعة : ج8 ص391 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، البداية والنهاية : ج10 ص307 ، الفصول المهمّة : ص242 ، الكامل في التاريخ : ج7 ص26 ، تذكرة الخواص : ص351 ، عمدة الطالب : ص226 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، نور الأبصار : ص167 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص326 ، تاريخ قم : ص199 ، رياحين الشريعة : ج5 ص31 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .

الإيمان والطهارة ، وورثت من أبيها القيم الإنسانية ، والمثل العليا في العقيدة والعبادة ، والعلم والحكمة ، والنفسية الزاكية ، والعفّة والأدب ، والحسب النقي ، والنسب النبوي ، والشرف العلوي ، والطهر الفاطمي ، وتعرف على ألسنة الفقهاء والعلماء ب- (كريمة أهل البيت) ولم تكن بين العقيلات من تعرف بهذا الاسم غيرها .

نشأت فاطمة الكبرى تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام ، لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام قد سجن بأمر من هارون العبّاسي ، لذلك تكفّل أخوها رعايتها ورعاية أخواتها ، ورعاية كلّ العوائل من العلويين التي كان الإمام الكاظم (سلام اللّه عليه) قائم برعايتهم وسدّ حاجياتهم ، حتّى وصل عدد العوائل التي كانت تحت تكفّل الإمام عليه السلام إلى خمسمائة عائلة .

إنّ هذه العقيلة هي من الدوحة العلوية النقية الطاهرة المطهّرة ، ومن حفيدات الصدّيقة الزهراء (سلام اللّه عليها) ، وبناتها الطيّبات العالمات المحدّثات

المهاجرات اللاتي اختصّهنّ اللّه تعالى بملكة العقل والرشاد ، والإيمان والثبات ، والعزيمة والفداء والتضحية ، وأودع فيهنّ العفّة والطهارة ، وبواعث القوّة والحقّ ،

والغلبة والكمال ، مع تجنّبهنّ عوامل الذلّ والخذلان والخوف والاستسلام والانحراف .

تعرف هذه العقيلة بالمحدّثة ، والعابدة ، والمقدامة ، وكريمة أهل البيت عليهم السلام .

لقد كانت فاطمة الكبرى على دين قويم صادق ، وانقطاع متواصل إلى اللّه ، وفي غاية الورع والتقوى والزهد ، كيف وأبوها الإمام الكبير القدر ، العظيم الشأن ، المجتهد الجادّ في الاجتهاد ، المشهور بالعبادة ، والمواظب على الطاعات ، المشهور بالكرامات ، يبيت الليل ساجدا وقائما ، ويقضي النهار متصدّقا وصائما ، لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما ، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ، ويقابل الجاني بعفوه عنه ، ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح ، ويعرف بباب

ص: 391

الحوائج إلى اللّه .

روايتها :

كانت السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام عالمة محدّثة راوية ، حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام ، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث ، وأثبت لها أصحاب السنن والآثار روايات صحيحة من الفريقين الخاصّة والعامّة ، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد .

روى الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري الشافعي المتوفّى سنة (813ه) بسنده عن بكر بن أحمد القصري ، عن فاطمة بنت علي بن موسى الرضا ، عن فاطمة وزينب وأُمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر ، قلن : حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق ، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي ، حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين ، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي ، عن أُمّ كلثوم بنت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله ورضي عنها قالت :

أنسيتم قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وقوله صلى الله عليه و آله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى عليهماالسلام »(1).

وبسنده عن بكر بن أحنف قال : حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة وزينب وأُمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر

عليه السلام ، قلن : حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليه السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي عليه السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين عليه السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي عليه السلام ، عن أُمّ كلثوم بنت علي عليه السلام ، عن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قالت :

ص: 392


1- راجع أسنى المطالب : ص49 ، الغدير : ج1 ص196 .

سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « لمّا أُسري بي إلى السماء ، دخلت الجنّة فإذا أنا بقصر من درّة بيضاء مجوّفة ، وعليها باب مكلّل بالدرّ والياقوت ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي ، فإذا مكتوب على الباب : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علي ولي اللّه ، وإذا مكتوب على الستر بخ بخ من مثل شيعة علي .

فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوّف وعليه باب من فضّة مكلّل بالزبرجد الأخضر ، وإذا على الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : محمّد رسول اللّه ، علي وصي المصطفى ، وإذا على الستر مكتوب : بشّر شيعة علي بطيب المولد .

فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه ، وعليه باب من ياقوت حمراء مكلّلة باللؤلؤ ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا هو مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون .

فقلت : حبيبي جبرائيل : لمن هذا ؟

فقال : يامحمّد لابن عمّك ووصيّك علي بن أبي طالب عليه السلام ، يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلاّ شيعة علي ، ويدعى الناس بأسماء أُمّهاتهم ما خلا شيعة علي فإنّهم يدعون بأسماء آبائهم .

فقلت حبيبي جبرائيل ، وكيف ذاك ؟

قال : لأنّهم أحبّوا عليا فطاب مولدهم »(1).

وروى الصدوق في الأمالي عن أحمد بن الحسين المعروف بأبي علي بن عبد ربّه ، قال : حدّثنا الحسن بن علي السكري ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري : قال : حدّثنا العبّاس بن بكار ، قال : حدّثني الحسن بن يزيد ، عن فاطمة بنت

ص: 393


1- الفوائد الرضوية : ص60 ، سفينة البحار : ج1 ص729 .

موسى ، عن عمر بن علي بن الحسين ، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، عن أسماء بنت أبي بكر ، عن صفيّة بنت عبدالمطّلب ، قالت : لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أُمّه وكنت وليتها ، قال النبي صلى الله عليه و آله : ياعمّة هلمّي إليّ ابني ، فقلت : يارسول اللّه إنّا لم ننظّفه بعد ، فقال صلى الله عليه و آله : « ياعمّة أنت تنظّفيه ؟! إنّ اللّه تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره »(1).

وفاتها :

قال الحسن بن محمّد القمّي في كتابه تاريخ قم : أخبرني مشايخ قم ، عن آبائهم ، أنّه لمّا أخرج المأمون الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة (200ه) ، خرجت فاطمة أُخته تقصده في سنة (201ه) ، ولمّا وصلت إلى ساوة مرضت ، فسألت : كم بينها وبين قم ؟ قالوا : عشرة فراسخ ، فقالت : احملوني إليها ، فحملوها إلى قم وأنزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري .

قال : وفي أصحّ الروايات أنّه لمّا وصل خبرها إلى قم(2) استقبلها أشراف قم وتقدّمهم موسى بن الخزرج ، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله ، وكانت في داره سبعة عشر يوما ثمّ توفّيت رضي اللّه عنها .

وقد صرّح بعض العلماء المحقّقين بأنّ السيّدة فاطمة المعصومة عليهاالسلام توفّيت مسمومة شهيدة ، حيث سمّها المأمون العبّاسي وقضى عليها ، كما سمّ الكثير من ذراري أهل البيت عليهم السلام وهذا ما سمعته من المرجع الديني الراحل آية اللّه العظمى

السيّد محمّد الحسيني الشيرازي (أعلى اللّه درجاته) .

ص: 394


1- الأمالي : ص82 .
2- انظر معجم البلدان : ج7 ص159 : قمّ بالضمّ وتشديد الميم ، هي كلمة فارسية ، اسم مدينة مستحدثة إسلامية لا أثر للأعاجم فيها ، وأوّل من مصرها طلحة بن الأحوص الأشعري ، قال الأصخري : قم مدينة ليس عليها سورة ، وهي خصيبة ، ماؤها من الآبار ملحة .

ولمّا توفّيت عليهاالسلام أمر موسى بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البواري ، إلى أن بنت زينب بنت الإمام محمّد بن علي الجواد عليهم السلام عليها قبّة(1).

والمحراب الذي كانت فاطمة تصلّي فيه موجود إلى الآن في دار موسى ويزوره الناس ، ويقع في حي (ميدان مير) ومعروف ب- (ستيّة) وألّتى بمعنى السيّدة .

قال : وأخبرني الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن محمّد ابن الحسن بن أحمد بن الوليد : أنّه لما توفّيت فاطمة رضي اللّه عنها ، وغسّلت وكفّنت حملوها إلى مقبرة بابلان ووضعوها على سرداب حفر لها ، فاختلف آل سعد في من ينزل إلى السرداب ، ثمّ اتّفقوا على خادم لهم صالح كبير السنّ يقال له قادر ، فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام ، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها ، ثمّ نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه ، ثمّ خرجا ولم يكلّما أحدا وذهبا ولم يدر أحد من هما(2).

مرقدها الشريف في مدينة قم المشرّفة(3) في موضع يعرف قديما ب- (بابلان) وقبرها اليوم مشيّد بأسمى مراتب العظمة والجلالة ، وشيّد على غرار مراقد آبائها الطاهرين المعصومين عليهم السلام(4).

ص: 395


1- راجع تاريخ قم : ص213 .
2- تاريخ قم : ص214 .
3- انظر منتقلة الطالبية : ص403 ، قم بالضم وتشديد الميم : مدينة إسلامية مشهورة في العراق العجمي إلى شمال قاشان باثني عشر فرسخا ، وبينها وبين ساوة مثل ذلك ، واليوم هي أشهر الحواضر العلمية في ايران ، وبها قبر السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام .
4- مراقد المعارف : ج2 ص164 .

يزور ضريحها المسلمون من جميع الأقطار الإسلامية أفواجا أفواجا ، حتّى أصبح البلد الذي يضمّ جسدها الطاهر مهبطا ومعقلاً للعلماء ورواة الحديث ، وطلاّب العلوم الدينية والمؤمنين والصلحاء وأهل الدين .

واعلم أنّه دفن جمع من البنات الفاطميات والسادات الرضوية ، في بقعة فاطمة عليهاالسلام كزينب وأُمّ محمّد وميمونة بنات الإمام الجواد عليه السلام ، ورأيت في نسخة من أنساب المجدي(1) إنّ ميمونة بنت موسى بن جعفر عليهماالسلام دفنت مع فاطمة المعصومة عليهاالسلام ومن المدفونين أيضا بريهة بنت موسى المبرقع ، وأُمّ إسحاق جارية

محمّد بن موسى ، وأُمّ حبيب جارية محمّد بن أحمد بن موسى رضوان اللّه تعالى عليهنّ ، وكانت هذه الجارية والدة أُمّ كلثوم بنت محمّد(2).

كراماتها :

وللسيّدة فاطمة المعصومة (الكبرى) سلام اللّه عليها كرامات كثيرة مدوّنة في الكتب ، ويتناقلها العلماء والأُدباء في محافلهم ومجالسهم .

زيارتها :

أفرد الشيخ المفيد رحمه الله لها زيارة خاصّة في كتابه المزار ، حيث حدّث علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « ياسعد عندكم لنا قبر » .

قلت : جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى عليهاالسلام ؟

قال : « نعم من زارها عارفا بحقّها فله الجنّة ، فإذا أتيت القبر فقم عند رأسها

ص: 396


1- انظر المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
2- منتهى الآمال : ج2 ص379 .

مستقبل القبلة وكبّر أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبّح ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، واحمد اللّه ثلاثا وثلاثين تحميدة ، ثمّ قل :

السلام عليك يابنت رسول اللّه ، السلام عليك يابنت فاطمة وخديجة ، السلام عليك يابنت أمير المؤمنين ، السلام عليك يابنت الحسن والحسين ، السلام عليك يابنت ولي اللّه ، السلام عليك ياأُخت ولي اللّه ، السلام عليك ياعمّة ولي اللّه ، السلام عليك يابنت موسى بن جعفر ورحمة اللّه وبركاته ... يافاطمة اشفعي لي في الجنّة فإنّ لك عند اللّه شأنا من الشأن ... الخ الزيارة » .

ولها زيارة أُخرى مذكورة في كتب الزيارات وهي :

« السلام عليك يافاطمة يابنت موسى بن جعفر وحجّته وأمينه ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليك يافاطمة ياأُخت الرضا المرتضى المجتبى ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليك أيّتها الطاهرة الحميدة ، البرّة الرشيدة ، التقيّة النقيّة ، الرضيّة المرضية ، ورحمة اللّه وبركاته » .

وفي مقطع آخر من الزيارة تقول :

« أتيتك ياسيّدتي يافاطمة زائرا لك عارفا بحقّك وبحقّ أخيك وآبائك الأطهار ، طالبا فكاك رقبتي من النار ، وملتمسا منك الشفاعة إذا امتاز الأخيار من الأشرار ، فاشفعي لي عند ربّك وعند آبائك الأبرار ، فإنّك من أهل بيت لا يخسر من تولاّهم ولا يخيب من أتاهم .. » .

اللهمّ إنّه قد جاءني الخبر عن الصادق من أهل بيت نبيّك عليهم أفضل الصلاة والسلام :

« أنّ من زار فاطمة بقم فله الجنّة ، فها أنا ذا ياإلهي قد جئتها زائرا عارفا بحقّها ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وانفعني بزيارتها ولا تحرمني شفاعتها ، وارزقني

ص: 397

الجنّة كما وعدتها ، إنّك على كلّ شيء قدير برحمتك ياأرحم الراحمين »(1).

فاطمة المعصومة عند الأئمّة عليهم السلام :

وردت عدّة أحاديث عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام في فضل زيارة السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام والحثّ عليها نذكر بعضها :

1 - قال ابن قولويه : حدّثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن سعد بن سعد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن زيارة فاطمة بنت موسى عليه السلام ، قال : « من زارها فله الجنّة »(2).

2 - وقال أيضا : حدّثني أبي وأخي والجماعة ، عن أحمد بن إدريس وغيره ، عن العمركي ابن علي البوفكي ، عمّن ذكره ، عن ابن الرضا عليه السلام قال : « من زار عمّتي بقم له الجنّة »(3).

3 - وقال أيضا : حدّثنا أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، قالا : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه ، عن سعد بن سعد ، سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام، عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : « من زارها فله الجنّة »(4).

4 - وقال الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي في تاريخ قم : روى عدّة من أهل الري أنّهم دخلوا على أبي عبداللّه عليه السلام ، وقالوا : نحن من أهل الري ، فقال عليه السلام :

مرحبا بإخواننا من أهل قم ، فقالوا : نحن من أهل الري ، فأعاد عليه السلام الكلام ، وقالوا

ص: 398


1- انظر تاريخ قم : ص215 ، أنوار المشعشعين : ج1 ص211 .
2- كامل الزيارات : ص324 ، مستدرك الوسائل : ج3 ص227 ، أنوار المشعشعين : ج1 ص211 ، تاريخ قم : ص215 .
3- كامل الزيارات : ص324 .
4- كامل الزيارات : ص324 .

ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به ، فقال عليه السلام : « إنّ للّه حرما وهو مكّة ، وإنّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حرما وهو المدينة ، وإنّ لأمير المؤمنين عليه السلام حرما وهو الكوفة ، وإنّ لنا حرما وهو بلدة قم ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنّة » .

قال الراوي : وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام(1).

5 - وفي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال : « إنّ زيارتها تعادل الجنّة »(2).

أُمّ أحمد بنت موسى بن جعفر عليه السلام

هي أُمّ أحمد بنت الإمام موسى الكاظم بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

راوية من راويات الحديث ، ورد اسمها في طريق عدّة روايات عن أهل البيت عليهم السلام ، مع بعض الاختلاف :

ففي الكافي روى الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن موسى ، عن أُمّه وأُمّ أحمد بنت موسى قالتا :

كنّا مع أبي الحسن عليه السلام بالبادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة ، فإنّ الماء بها غدا قليل ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم

ص: 399


1- مستدرك الوسائل : ج3 ص227 ، سفينة البحار : ج2 ص446 .
2- تاريخ قم : ص215 .

الجمعة(1).

ورواها الشيخ بسنده ، عن الحسين بن موسى بن جعفر ، عن أُمّه وأُمّ أحمد ابن موسى بن جعفر عليه السلام(2).

ورواها الصدوق في الفقيه ، إلاّ أنّ فيه : الحسن بن موسى بن جعفر عليه السلام(3).

وفي الوافي والوسائل نقلاً عن الفقيه مثله . وعن الكافي والتهذيب : الحسين في كليهما . وبنت موسى في الوافي فقط ، وفي الوسائل نسختان(4).

ثمّ إنّ أُمّ أحمد هذه من أوصياء موسى بن جعفر عليه السلام ، وأنّها كانت امرأة عظيمة ومن السيّدات المحترمات ، وكان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام شديد التلطّف بها ، ولمّا توجّه الإمام عليه السلام من المدينة إلى بغداد أودع عندها ودائع الإمامة ومواريث الأنبياء ، وقال لها عليه السلام : « سيأتي من يطلب منك هذه الأمانة في وقت من الأوقات فاعلمي عندئذ بأنّي قد استشهدت وأنّه هو الخليفة من بعدي والإمام المفترض الطاعة عليك وعلى سائر الناس ، ولمّا سمّه هارون العبّاسي في بغداد جاء إليها الإمام الرضا عليه السلام فطالبها بالأمانة ، فقالت له أُمّ أحمد : لقد استشهد أبوك ؟ فقال : بلى ، فشقّت أُمّ أحمد جيبها وردّت عليه الأمانة ، وبايعته بالإمامة(5).

ص: 400


1- الكافي : ج3 ص42 ح6 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة .
2- التهذيب : ج1 ص365 ح1110 ، باب الاغتسال وكيفية الغسل من الجنابة .
3- من لا يحضره الفقيه : ج1 ص61 ح227 ، باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمّام .
4- الوافي : ج2 ص161 ، وسائل الشيعة : ج2 ص949 ح2 ، باب استحباب تقديم الغسل يوم الخميس عند خوف قلّة الماء يوم الجمعة .
5- انظر مراقد المعارف : ج1 ص117 ، عيون أخبار الرضا : ج1 ص33 ، باب نسخة وصية موسى بن جعفر عليهماالسلام .

وروي عندما طلب الإمام الرضا عليه السلام هذه الودائع منها ، اشتدّ بكاؤها وعويلها ، فقالوا لها : ما بك ؟

قالت : أُقسم باللّه أنّه قد قضى نحبه سيّدي ومولاي ومؤنس قلبي موسى بن جعفر حيث إنّه أعلمني بما يحدث(1).

زينب بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هي زينب بنت الإمام موسى الكاظم بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

قال العلاّمة الجليل أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر الحجّة بن عبيداللّه الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام السجّاد عليه السلام في كتابه (أخبار الزينبيات) : حدّثني جدّي قال :

أحسب أنّ زينب بنت موسى الكاظم هاجرت إلى مصر مع زوج أُختها القاسم بن محمّد بن جعفر الصادق عليه السلام ، ورأيت بخطّ عمّي الحسين :

كان فيمن هاجر إلى مصر ومعه جماعة من الأشراف ، القاسم الطيّب ، وزينب بنت موسى ، وسمّى آخرين(2).

وفي مدينة أصفهان مرقد يعرف بالزينبية ، والمشهور أنّه قبر العقيلة زينب بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

ص: 401


1- رياحين الشريعة : ج3 ص358 ، تنقيح المقال : ج3 ص71 .
2- أخبار الزينبيات : ص132 .

ويقع هذا المرقد خارج البلد في قرية تسمّى ارزنان ، وعليه بناء حديث ، تزوره الخاصّة وتتبرّك به .

وفي بلدة كاهن التابعة لمدينة (بيرجند) مزار ينسب إلى العقيلة زينب الصغرى ، لم يزل محلّ تكريم وتقديس عند الناس(1).

فاطمة الصغرى بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هي فاطمة الصغرى بنت الإمام موسى الكاظم بن جعفر بن محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام .

قبرها في (بادكوبه) خارج البلد ، يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد ، واقع في وسط مسجد بناؤه قديم ، هذا ما ذكره الوزير محمّد حسن صنيع الدولة بن علي اعتماد السلطنة المراغي المتوفّى سنة 1313ه في كتابه (مرآة البلدان) .

وفي مدينة رشت الواقعة في محافظة گيلان مزار ينسب إلى فاطمة الطاهرة أُخت الإمام الرضا عليه السلام ، يقع في محلّة (سوخته تكيه) ويتولّى إدارة الروضة العلاّمة الحجّة آية اللّه الحاج الشيخ محمّد بن العالم الجليل آية اللّه الشيخ مهدي اللاكاني

الرشتي . وفي الآونة الأخيرة تصدّى سماحته إلى تجديد وبناء وتعمير المزار ،

ص: 402


1- انظر عمدة الطالب : ص226 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، إعلام الورى : ج2 ص313 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 ، خيرات حسان : ج2 ص7 ، تذكرة القبور : ص32 ، تاريخ قم : ص199 ، گنجينه آثار أصفهان : ص604 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .

وأضاف إليه دورا كبيرة . بجهود ومساعي أهل الخير والبرّ والإحسان ، كما أقام على المرقد قبّة ممتازة ، كلّ ذلك على ضوء الهندسة الفنّية مع إشرافه التامّ على البناء ، وتخصيص مرافق وغرف صحّية للزائرين .

إنّ المرقد هذا يعرف عند أهل رشت بقبر أُخت الإمام وهو موضع التقديس والاحترام لديهم ، تفد إليه الزوّار والوفود من كلّ صوب وجهة متضرّعة في الروضة إلى الباري سبحانه في قضاء حوائجهم وإجابة أدعيتهم ، إذ لا نجاة لنا من مكاره الدنيا إلاّ بعصمته ، ولا حول لنا ولا قوّة إلاّ بقدرته .

وفي بلدة أصفهان في محلّة (جهاسوي شيرازيها) قبر يعرف بمرقد الست فاطمة بنت موسى الكاظم عليه السلام وعليه قبّة يعود تاريخها إلى عام 1242ه بناه السلطان (فتحعلي شاه القاجار) المتوفّى سنة (1250ه) كما جاء في أبيات فارسية منقوشة داخل الروضة ، وهذا المرقد يقع داخل زقاق بعيد عن الأنظار وزوّاره أقل بسبب ذلك(1).

حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هي حكيمة بنت الإمام موسى الكاظم بن جعفر بن محمّد بن علي بن

ص: 403


1- انظر الإرشاد : ج2 ص244 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، المناقب : ج4 ص324 ، عمدة الطالب : ص229 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 ، نور الأبصار : ص167 ، أعيان الشيعة : ج2 ص81 ، سفينة البحار : ج2 ص376 ، تحفة العالم : ج2 ص37 ، گنجينه آثار أصفهان : ص604 ، آثار ملي أصفهان : ص272 ، تذكرة القبور : ص32 ، فهرست بناهاي تاريخي وأماكن باستاني : ص52 .

الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .

عالمة جليلة من ربّات العبادة والصلاح ، شهدت ولادة الإمام التاسع الجواد عليه السلام ، وعاشت طويلاً ، غير أنّ التاريخ لم يذكر لنا عن حياتها وأعقابها شيئا يذكر ، وكانت صاحبة النفوذ والعقل ، ومطاعة عند العترة الطاهرة ، ومن سيّدات أهل البيت عليهم السلام .

أمرها أخوها الإمام الرضا عليه السلام بأن تحضر عند الخيزران أُمّ الإمام الجواد عليه السلام عند ولادتها به ، وقد روت كيفية ولادته وما جرى له من المعاجز آنذاك(1).

قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران أُمّ أبي جعفر الجواد عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام فقال : ياحكيمة احضري ولادتها وادخلي إيّاها والقابلة بيتا .

ووضع لنا مصباحا وأغلق الباب علينا ، فلمّا أخذها الطلق طفّى المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر في الطست ، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد وقال : ياحكيمة الزمي مهده .

قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ قال :

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه .

فقمت ذعرة فأتيت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت له : قد سمعت من هذا الصبي

ص: 404


1- انظر المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص394 .

عجبا .

فقال : ما ذاك .

فأخبرته الخبر .

فقال : ياحكيمة ما ترون من عجائبه أكثر .

وفي جبال بطريق بهبهان مزار ينسب إليها يزوره المتردّدون من الشيعة(1).

وعدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام الرضا عليه السلام(2)، روى عنها محمّد بن جحرش .

وأخرج لها الكليني رواية في الكافي ، فقال :

علي بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عمّن ذكره ، عن محمّد ابن جحرش .

قال : حدّثتني بنت موسى ، قالت :

رأيت الرضا عليه السلام واقفا على باب بيت الحطب وهو يناجي ولست أرى أحدا ، فقلت : ياسيّدي لمن تناجي ؟

فقال عليه السلام : هذا عامر الزهرائي أتاني يسألني ويشكو إليّ .

فقلت : ياسيّدي أُحبّ أن أسمع كلامه .

فقال لي : إنّك إن سمعت به حممت سنة .

ص: 405


1- الإرشاد : ج2 ص244 ، عمدة الطالب : ص226 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، المناقب : ج4 ص324 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، أعيان الشيعة : ج2 ص8 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
2- رجال البرقي : ص62 ، جامع الرواة : ج2 ص457 .

فقلت : ياسيّدي أُحبّ أن أسمعه .

فقال لي : اسمعي .

فاستمعت ، فسمعت شبه الصفير وركبتني الحمّى فحممت سنة(1).

آمنة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام

هي آمنة بنت الإمام موسى الكاظم بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

توفّيت في مصر ، وقبرها هناك يزار ، وحكى سادن روضتها عن كرامة لها ، وهي أنّ شخصا جاء له بمقدار من الزيت وطلب منه أن يوقده للضياء في ليلة واحدة ، فجعله السادن في القنادل فلم يوقد منه شيء ، فتعجّب من ذلك ، ورأى في منامه السيّدة آمنة تقول له : ردّ عليه زيته واسأله من أين اكتسبه ؟ فإنّا لا نقبل إلاّ الطيّب ، فلمّا أصبح الصبح جاء صاحب الزيت ، فقال له السادن : خذ زيتك .

قال : لِمَ ؟

قال : إنّه لم يوقد منه شيء ، ورأيتها في المنام فقالت :

لا نقبل إلاّ الطيّب .

قال : صدقت السيّدة ، إنّي رجل مكاس(2).

ص: 406


1- الكافي : ج1 ص395 ح5 ، باب إنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم .
2- المكاس : هو ما يأخذه أعوان الدولة عن أشياء معيّنة عند بيعها ، وهي التي تؤخذ بغير وجه مشروع ما يسمّى اليوم بالجمركجي .

ثمّ أخذ الزيت وانصرف(1).

أسماء الكبرى

هي أسماء الكبرى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

قد انفرد ابن عنبة بذكرها ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(2).

أسماء

هي أسماء بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

وقيل : إسمها أُمّ أسماء .

ورد اسمها ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام(3).

أُمّ أبيها

هي أُمّ أبيها بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

عرفت هذه السيّدة الجليلة في التاريخ بهذا الاسم ، وكانت صالحة ، عابدة ، ومن ربّات العقل والحجى والرأي والإرشاد .

قال ابن الأثير عند ذكر حوادث عام (231ه) : وفيها ماتت أُمّ أبيها بنت

ص: 407


1- راجع نور الأبصار للشبلنجي : ص189 .
2- عمدة الطالب : ص226 ، تذكرة الخواص : ص351 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 .

موسى بن جعفر عليه السلام أُخت علي بن موسى الرضا عليهماالسلام(1).

أُمّ جعفر

هي أُمّ جعفر بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

كثير من المصادر تذكرها ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(2).

أُمّ الحسين

هي أُمّ الحسين بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

راوية من راويات الحديث(3).

روى الكليني في الكافي ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى ، عن أُمّه وأُمّ أحمد بنت موسى قالتا :

كنا مع أبي الحسن عليه السلام بالبادية ونحن نريد بغداد ، فقال لنا يوم الخميس : (اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة ، فإنّ الماء بها غدا قليل) فاغتسلنا يوم الخميس ليوم

الجمعة(4).

ص: 408


1- الكامل في التاريخ : ج7 ص26 ، وانظر مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، البداية والنهاية : ج1 ص307 ، أعيان الشيعة : ج3 ص475 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
2- انظر مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، عمدة الطالب : ص226 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، إعلام الورى : ج2 ص313 ، أعيان الشيعة : ج3 ص475 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 ، الفصول المهمّة : ص242 .
3- جامع الرواة : ج2 ص455 ، تنقيح المقال : ج3 ص71 ، رياحين الشريعة : ج3 ص358 .
4- الكافي : ج3 ص42 ح6 ، باب وجوب الغسل يوم الجمعة .

ورواها أيضا الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في التهذيب(1).

أُمّ سلمة

هي أُمّ سلمة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

كثير من المصادر ذكرتها ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(2).

أُمّ عبداللّه

هي أُمّ عبداللّه بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر من بناته عليه السلام(3).

أُمّ فروة

هي أُمّ فروة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بناته عليه السلام(4).

ص: 409


1- من لا يحضره الفقيه : ج1 ص61 ح227 ، باب غسل يوم الجمعة ودخول الحمّام ، التهذيب : ج1 ص365 ح1110 ، باب الاغتسال وكيفية الغسل من الجنابة .
2- عمدة الطالب : ص226 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، المجدي : ص298 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، الفصول المهمّة : ص242 ، أعيان الشيعة : ج3 ص375 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
4- عمدة الطالب : ص226 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، تذكرة الخواص : ص352 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، تاريخ قم : ص199 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .

أُمّ قاسم

هي أُمّ قاسم بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بناته عليه السلام(1).

أُمّ كلثوم الكبرى

هي أُمّ كلثوم الكبرى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بناته عليه السلام(2).

أُمّ كلثوم الوسطى

هي أُمّ كلثوم الوسطى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في بعض التواريخ ضمن بنات الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام(3).

أُمّ كلثوم الصغرى

هي أُمّ كلثوم الصغرى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 410


1- عمدة الطالب : ص226 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، تذكرة الخواص : ص352 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، تاريخ قم : ص199 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
2- الإرشاد : ج2 ص244 ، عمدة آل أبي طالب : ص226 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص352 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، تاريخ قم : ص199 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص299 .

ذكرها ابن عنبة ضمن بنات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام(1).

أُمامة

هي أُمامة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام(2).

أمينة

هي أمينة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ذكرها ابن عنبة في عمدة الطالب ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(3).

أمينة الكبرى

هي أمينة الكبرى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ذكرها ابن عنبة ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(4).

بريهة

هي بريهة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 411


1- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
2- عمدة الطالب : ص226 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، نور الأبصار : ص167 ، تاريخ قم : ص199 ، رياحين الشريعة : ج3 ص353 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
4- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي : ص298 .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(1).

حسنة

هي حسنة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(2).

حليمة

هي حليمة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(3).

رقية

هي رقية بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 412


1- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي : ص298 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، أعيان الشيعة : ج3 ص375 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
2- عمدة الطالب : ص226 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، الفصول المهمّة : ص242 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، المناقب : ص324 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(1).

رقيّة الصغرى

هي رقيّة الصغرى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام .

وفي الإرشاد روى الشيخ المفيد عن هاشمية مولاة رقيّة بنت موسى ، قالت : كان محمّد بن موسى صاحب وضوء وصلاة .

وكان ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي فيسمع سكب الماء ثمّ يصلّي ليلاً ، ثمّ يهدأ ساعة فيرقد ، ويقوم فيسمع سكب الماء والوضوء ثمّ يصلّي ليلاً ، فلا يزال كذلك حتّى يصبح ، وما رأيته قطّ إلاّ ذكرت قول اللّه تعالى : «كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ»(2)-(3).

رملة

هي رملة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ذكرها ابن عنبة في عمدة الطالب ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(4).

ص: 413


1- عمدة الطالب : ص226 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
2- سورة الذاريات : الآية 17 .
3- الإرشاد : ج2 ص244 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، المناقب : ج4 ص324 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
4- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .

عبّاسة

هي عبّاسة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام(1).

عطفة

هي عطفة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام(2).

علية

هي علية بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام(3).

قسيمة

هي قسيمة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

ص: 414


1- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص299 .
2- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص299 .
3- عمدة الطالب : ص226 ، الإرشاد : ج2 ص244 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص324 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، أعيان الشيعة : ج3 ص355 ، تاريخ قم : ص199 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .

ورد اسمها ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(1).

كلثم

هي كلثم بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

وفي بعض المصادر أُمّ كلثوم ، ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(2).

خديجة الكبرى

هي خديجة الكبرى بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وقد ذكرها ابن عنبة في عمدة الطالب ضمن بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام(3).

لبابة

هي لبابة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام.

وفي إعلام الورى : لبانة . وفي الفصول المهمّة : أُمّ لبانة .

ص: 415


1- عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
2- الإرشاد : ج2 ص244 ، عمدة الطالب : ص226 ، المناقب : ج4 ص324 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، الفصول المهمّة : ص242 ، أعيان الشيعة : ج3 ص375 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 .
3- راجع عمدة الطالب : ص226 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص299 .

وقد ورد اسمها ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(1).

محمودة

هي محمودة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام . ورد اسمها في بعض المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام(2).

ميمونة

هي ميمونة بنت الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام . ورد اسمها في كثير من المصادر ضمن بنات الإمام الكاظم عليه السلام . وقد دفنت إلى جنب أُختها فاطمة الكبرى المعصومة في مدينة قم المقدّسة(3). وفي تاريخ قم ما حاصله : إنّ الرضائية لم يزوّجوا بناتهم لعدم الكفؤ لهم ، وكان للإمام موسى الكاظم إحدى وعشرون بنتا لم تتزوّج إحداهنّ ، وكان هذا سائرا في بناتهم . وقد أوقف محمّد بن علي الرضا عليه السلام قرى في المدينة على أخواته وبناته

اللاتي لم يتزوّجن ، وكان يرسل نصيب الرضائية من منافع هذه القرى من المدينة إلى قم(4).

ص: 416


1- الإرشاد : ج2 ص244 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، الفصول المهمّة : ص242 ، أعيان الشيعة : ج3 ص375 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 ، المجدي : ص298 .
2- عمدة الطالب : ص226 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، تاريخ قم : ص199 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
3- الإرشاد : ج2 ص244 ، إعلام الورى : ج2 ص312 ، عمدة الطالب : ص226 ، المناقب : ج4 ص324 ، كشف الغمّة : ج2 ص236 ، الفصول المهمّة : ص242 ، تذكرة الخواص : ص351 ، مطالب السؤول : ج2 ص65 ، أعيان الشيعة : ج3 ص375 ، تاريخ قم : ص199 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص313 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص298 .
4- راجع تاريخ قم : ص204 .

الباب الثامن: أولاد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

اشارة

ص: 417

ص: 418

نبذة عن حياة الإمام الرضا عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1).

ليس في دنيا الأنساب أرفع ولا أزكى من هذا النسب الشريف الرفيع المتّصل برسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي هو مصدر الفيض والعطاء ، ومصدر الخير والرحمة إلى الناس ، فأي نسب أسمى وأجلّ من نسب الإمام الرضا عليه السلام ، فهو ثمرة من ثمرات

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفرع مشرق من فروعه .

والدة الإمام

أمّا أُمّ الإمام الرضا عليه السلام فقد تحلّت بجميع مزايا الشرف والفضيلة التي تسمو بها المرأة المسلمة من العفّة والطهارة والسمو ، وهي من السيّدات الماجدات في الإسلام .

وإنّها كانت من أشراف العجم ، وكانت ملكا للسيّدة حميدة أُمّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وهي من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها السيّدة

ص: 419


1- انظر تاريخ الطبري : ج10 ص243 ، وابن الأثير : ج5 ص120 ، ومروج الذهب : ج2 ص235 ، وتاريخ الخلفاء : ص205 ، وابن خلّكان : ج1 ص321 ، والإرشاد : ج2 ص247 ، وإعلام الورى : ج2 ص55 ، وعمدة الطالب : ص228 ، والمجدي في أنساب الطالبيين : ص322 ، ومقاتل الطالبيين : ص453 ، وتحفة الأزهار : ج2 ص401 ، وتذكرة الخواص : ص351 ، ونور الأبصار : ص168 .

حميدة ، حتّى إنّها ما جلست بين يديها من حين ملكتها إجلالاً وإعظاما لها ، وقد قالت حميدة لابنها الإمام موسى عليه السلام : يابني إنّ (تكتم) جارية ، ما رأيت جارية قطّ أفضل منها ، ولست أشكّ أنّ اللّه تعالى سيطهّر نسلها ، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا(1).

وروي : أنّ الإمام الكاظم عليه السلام قال لأصحابه : واللّه ما اشتريت هذه الجارية إلاّ بأمر من اللّه ووحيه ، وسئل عن ذلك ، فقال : بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ، ومعهما قطعة حرير ، فنشراها ، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية ، فقالا : ياموسى ليكوننّ لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك ، ثمّ أمرني أبي إذا ولد لي ولد أن أُسمّيه عليا ، وقالا : إنّ اللّه عزّوجلّ سيظهر به العدل والرحمة ، طوبى لمن صدّقه ، وويل لمن عاداه وجحده(2).

وأمّا اسم هذه السيّدة الزكيّة فقد اختلف فيه الرواة ، وهذه بعضها :

1 - تكتم : حيث ذهب كثير من المؤرخين إلى أنّ اسمها (تكتم) ، وفي ذلك يقول الشاعر في مدحه للإمام عليه السلام :

ألا أنّ خير الناس نفسا ووالدا

ورهطا وأجدادا عليّ المعظّم

أتتنا به للعلم والحلم ثامنا

إماما يؤدّي حجّة اللّه تكتم(3)

وهذا الاسم عربي ، تسمّى به السيّدات من نساء العرب وفيه يقول الشاعر :

طاف الخيالان فزاد سقما

خيال تكنّى وخيال تكتما(4)

ص: 420


1- انظر عيون أخبار الرضا : ج1 ص14 - 15 .
2- الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة : ص677 .
3- عيون أخبار الرضا : ج1 ص15 .
4- أعيان الشيعة : ج4 ص80 .

2 - الخيزران(1).

3 - أروى(2).

4 - نجمة(3).

5 - أُمّ البنين(4). والظاهر أنّه كنية لها .

6 - طاهرة ، حيث سمّاها الإمام الكاظم عليه السلام عندما أنجبت له الإمام الرضا عليه السلام .

ولا يبعد أن تكون ذات أسماء عديدة ، كما كانت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

ولادته عليه السلام

أشرقت الأرض بمولد الإمام الرضا عليه السلام ، فقد ولد خير أهل الأرض ، وأكثرهم عائدة على الإسلام ، وسرت موجات من السرور والفرح عند آل النبي صلى الله عليه و آله ، وقد استقبل الإمام الكاظم عليه السلام النبأ بهذا المولود المبارك بمزيد من الابتهاج ، وسارع إلى السيّدة زوجته يهنّيها بوليدها قائلاً : « هنيئا لك يانجمة كرامة لك من ربّك » .

وأخذ وليده المبارك ، وقد لفّ في خرقة بيضاء ، وأجرى عليه المراسم

الشرعية فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفرات فحنّكه به ، ثمّ

ص: 421


1- تذكرة الخواص : ص351 .
2- نور الأبصار للشبلنجي : ص168 .
3- كشف الغمّة : ج3 ص102 .
4- الإرشاد : ج2 ص247 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص21 ، إعلام الورى : ج2 ص60 ، الفصول المهمة : ص226 .

ردّه إلى أُمّه ، وقال لها : « خذيه فإنّه بقيّة اللّه في أرضه .. »(1).

كانت ولادة الإمام الرضا عليه السلام بالمدينة المنوّرة ، يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة ، سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة(2).

روى الشيخ الصدوق عن السيّدة نجمة أُمّ الرضا عليه السلام تقول : لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل ، وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلاً وتمجيدا من بطني فيفزعني ذلك ويهولني ، فإذا انتبهت لم أسمع شيئا . فلمّا وضعته ، وقع على الأرض واضعا يديه على الأرض ، رافعا رأسه إلى السماء ، يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم(3).

وسمّى الإمام الكاظم عليه السلام وليده المبارك باسم جدّه الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، تبرّكا وتيمّنا بهذا الاسم ، الذي يرمز لأعظم شخصية خلقت في دنيا الإسلام ، والتي تحلّت بجميع فضائل الدنيا .

كناه عليه السلام

1 - أبو الحسن ، كنّاه بذلك أبوه الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، فقد قال عليه السلام لعلي ابن يقطين : ياعلي - وأشار إلى الإمام الرضا - سيّد ولدي وقد نحلته كنيتي(4).

2 - أبو علي ، وهو الخاص .

ألقابه عليه السلام

من ألقابه : سراج اللّه ، نور الهدى ، قرّة عين المؤمنين ، كفو الملك ، كافي

ص: 422


1- عيون أخبار الرضا : ج1 ص17 ، أعيان الشيعة : ج4 ص80 .
2- الإرشاد للمفيد : ج2 ص247 ، روضة الواعظين : ج2 ص281 ، الكافي : ج1 ص486 ، غاية الاختصار : ص148 ، أخبار الدول : ص114 ، مرآة الجنان : ج2 ص11 .
3- عيون أخبار الرضا : ج1 ص17 .
4- انظر الإرشاد : ج2 ص249 ، ومجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص24 .

الخلق ، رئّاب(1) التدبير ، الفاضل ، الصابر ، الصدّيق ، الوفي ، الزكي ، الرضي ، الرضا .

وإنّما لقّب بالرضا ، لأنّه كان رضي اللّه تعالى في سمائه ورضي لرسوله والأئمّة عليهم السلام بعده في أرضه .

وقال الإمام الجواد عليه السلام : لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه ، كما رضي به المخالفون من أعدائه ، كما رضي به الموافقون من أوليائه(2).

صفاته عليه السلام

وذهب كثير من المؤرخين إلى أنّ الإمام عليه السلام كان أسمر(3)، وقيل : إنّه كان أبيض معتدل القامة(4)، وإنّه كان شديد الشبه بجدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وكما شابه جدّه في الملامح ، فقد شابهه في مكارم أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين .

هيبته عليه السلام

أمّا هيبة الإمام أبي الحسن عليه السلام فكانت تحنو لها الجباه ، فقد بدت عليه هيبة الأنبياء والأوصياء الذين كساهم اللّه بنوره ، وما رآه أحد إلاّ هابه . وكان من هيبته

أنّه إذا جلس للناس أو ركب لم يقدر أحد أن يرفع صوته من عظيم هيبته .

يقول الرواة : إنّه إذا جاء إلى المأمون بادره الحجاب والخدم بين يديه ، ورفعوا له الستر ، ولمّا بلغهم أنّ المأمون يريد أن يبايع له بولاية العهد تواصوا على

أنّه إذا جاء لا يصنعون له الحفاوة والتكريم الذي كانوا يصنعونه ، وجاء الإمام عليه السلام

ص: 423


1- الرئّاب : المصلح .
2- علل الشرائع : ج2 ص175 ، إعلام الورى : ج2 ص61 .
3- أخبار الدول : ص114 ، نور الأبصار : ص168 ، النفحة العنبرية : ص64 ، المجدي : ص322 .
4- انظر الصراط السوي في مناقب آل النبي : ص199 .

على عادته فأخذتهم هيبته وبادروا إلى تكريمه كما كانوا يصنعون ، وتلاوموا فيما بينهم وأقسموا أنّه إذا عاد لا يقابلوه بذلك التكريم ، ولمّا جاء عليه السلام في اليوم الثاني قاموا إليه وسلّموا عليه إلاّ أنّهم لم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح فرفعته كعادته ،

ولمّا أراد الخروج أيضا رفع الريح الستر ، فقال بعضهم لبعض : إنّ لهذا الرجل شأنا وللّه به عناية ارجعوا إلى خدمتكم(1).

الإمام الرضا عليه السلام والتشريع

قلّما يجد الباحث بابا من أبواب الفقه أو فصلاً من فصوله ليس للإمام الرضا عليه السلام حديث فيه ، وقد يجد المرء عشرات الأحاديث ، ونسب إليه كتاب في الفقه يعرف ب- (الفقه الرضوي) ، وادّعى بعض العلماء أنّه من تأليف الإمام الرضا عليه السلاموبخطّ يده .

وقد نسب إليه المحدّثون رسالة في الطب ، ونسب إليه أيضا صحيفة الرضا ، وكتاب محض الإسلام ، وشرائع الدين ، وقد أسندهما إليه جماعة من المحدّثين فيما تردّد آخرون في صحّة هذه النسبة .

وعدّ آخرون من مؤلّفاته أجوبة مسائل ابن شاذان ، وعلل ابن شاذان وغير ذلك(2).

فضائله عليه السلام

الإمام الرضا عليه السلام مظهر خفيّات الأسرار ، ومبرز خبيّات الأُمور الكوامن ، منبع المكارم والميامن ، ومتّبع الأعالي الحضارم والأيامن ، منيع الجناب ، رفيع

ص: 424


1- أخبار الدول : ص114 ، جوهرة الكلام : ص145 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص58 .
2- انظر معجم المؤلّفين : ج7 ص250 ، الذريعة : ج15 ص17 - 18 ، مستدرك الوسائل : ج3 ص344 ، كشف الظنون : ج1 ص1076 ، هداية العارفين : ج1 ص668 .

القباب ، وسيع الرحاب ، هموم السحاب ، عزيز الألطاف ، غزير الأكناف ، أمير الأشراف ، قرّة عين آل ياسين وآل عبد مناف ، السيّد الطاهر المعصوم ، والعارف بحقائق العلوم ، والواقف على غوامض السرّ المكتوم ، والمخبر بما هو آتٍ وعمّا غبر ومضى ، المرضيّ عند اللّه سبحانه برضاه عنه في جميع الأحوال ، ولذا لقّب بالرضا علي بن موسى صلوات اللّه على محمّد وآله خصوصا عليه ما سحّ سحاب وهما ، وطلع نبات ونما(1).

ولقد أجاد أبو نؤاس في مدح الإمام عليه السلام :

قيل لي أنت أوحد الناس طرّا

في فنون من الكلام البديه

لك من جوهر الكلام بديع

يثمر الدرّ في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمّعن فيه

قلت لا أستطيع مدح إمام

كان جبريل خادما لأبيه(2)

قال إبراهيم بن العبّاس : ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن شيء إلاّ علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال من كلّ شيء فيجيبه الجواب الشافي ، وكان قليل النوم كثير الصوم لا يفوته صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، ويقول ذلك صيام الدهر ، وكان كثير المعروف والصدقة وأكثر ما يكون ذلك منه في الليالي المظلمة ، وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح(3).

ص: 425


1- راجع فرائد السمطين للحافظ الجويني : ج2 ص187 .
2- المناقب : ج4 ص342 فصل في أنبائه بالمغيبات .
3- نور الأبصار : ص170 ، والمسح بالكسر والسكون ، ويعبّر عنه بالبلاس : الكساء من الشعر . انظر لسان العرب : ج2 ص596 ، ومجمع البحرين : ج2 ص414 .

ولبسه الغليظ من الثياب حتّى إذا برز للناس تزيّن لهم(1).

ولقيه سفيان الثوري في ثوب خزّ فقال : يابن رسول اللّه لو لبست ثوبا أدنى من هذا ؟! فقال : هات يدك ، فأخذ بيده وأدخل كمّه فإذا تحت ذلك مسح ، فقال عليه السلام : ياسفيان ، الخزّ للخلق والمسح للحقّ(2).

في إعلام الورى عن محمّد بن يحيى الفارسي قال نظر أبو نؤاس إلى الرضا عليه السلام ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنى منه وسلّم عليه وقال يابن رسول اللّه قد قلت فيك أبياتا وأُحبّ أن تسمعها منّي فقال هات فأنشأ يقول :

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

فاللّه لمّا برا خلقا فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيّها البشر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به الصور

فقال الإمام الرضا عليه السلام قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد ، ياغلام ، هل معك من نفقتنا شيء ؟ فقال له ثلاثمائة دينار فقال اعطها إيّاه ثمّ قال لعلّه استقلّها ياغلام سق إليه البغلة(3).

وكان الرضا عليه السلام إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتّى السيّاس والبوّاب .

ولم يكن في الطالبيين في عصره مثله ، بايع له المأمون بولاية العهد ، وضرب

ص: 426


1- عيون أخبار الرضا : ج2 ص178 .
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص360 .
3- إعلام الورى : ص369 .

اسمه على الدنانير والدراهم ، وخطب له على المنابر(1).

ومن معالي أخلاقه أنّه كما تقلّد ولاية العهد التي هي من أرقى المناصب الحكومية آنذاك ، لم يأمر أحدا من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنّما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه .

شعراؤه عليه السلام

دعبل الخزاعي ، أبو نؤاس ، إبراهيم بن العبّاس الصولي(2).

بوّابه عليه السلام

محمّد بن الفرات(3).

نقش خاتمه عليه السلام

ما شاء اللّه .

وقيل : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه .

وقيل : كان يتختّم بخاتم أبيه عليه السلام ونقشه : حسبي اللّه (4).

إلى بيت اللّه الحرام

وقبل أن يتوجّه الإمام الرضا عليه السلام إلى (خراسان) يمّم وجهه نحو بيت اللّه الحرام ليودّعه الوداع الأخير ، قد صحب معه معظم عائلته ، وكان من بينهم ولده الإمام الجواد عليه السلام ، ولمّا انتهى إلى بيت اللّه الحرام أدّى التحية فطاف بالبيت وصلّى

ص: 427


1- عمدة الطالب : ص228 ، وفيّات الأعيان : ج2 ص432 .
2- الفصول المهمّة : ص228 ، أعيان الشيعة : ج4 ص81 ، عيون أخبار الرضا : ج1 ص6 ، كشف الغمّة : ج2 ص107 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص60 .
3- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص26 .
4- نور الأبصار : ص168 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص362 .

بمقام إبراهيم ، وسعى ، وطاف معه ولده الإمام الجواد عليه السلام ، فلمّا انتهى إلى حجر إسماعيل جلس فيه وأطال الجلوس ، فانبرى إليه موفّق الخادم ، وطلب منه القيام فأبى ، وقد بدا عليه الحزن والأسى ، فأسرع موفّق نحو الإمام الرضا ، وأخبره بشأن ولده ، وبادر الإمام الرضا عليه السلام نحو ولده فطلب منه القيام ، فأجابه بنبرات مشفوعة بالبكاء والحسرات قائلاً :

كيف أقوم وقد ودّعت ياأبت البيت وداعا لا رجوع بعده(1)؟!

لقد رأى الإمام الجواد عليه السلام ما بدا على أبيه من الوجل والأسى ، فاستشفّ من ذلك أنّه النهاية الأخيرة من حياة أبيه ، وفعلاً قد تحقّق ذلك ، فإنّ الإمام الرضا عليه السلام لم يعد في سفرته إلى الديار المقدّسة ، وقضى شهيدا مسموما على يد المأمون العبّاسي .

وفاته عليه السلام

توفّي عليه السلام بطوس(2) من أرض خراسان ، في صفر من سنة ثلاث ومائتين ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة ، وكانت مدّة إمامته وقيامه بعد أبيه في خلافته

ص: 428


1- عيون أخبار الرضا : ج2 ص180 .
2- راجع معجم البلدان : ج6 ص70 ، ومنتقلة الطالبية : ص395 . طوس : بالضمّ ، مدينة بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ ، تشتمل على بلدتين يقال لأحدهما الطابران ، وللأُخرى نوقان ، وبها أكثر من ألف قرية ، وبها قبر علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، دفنه المأمون العبّاسي إلى جنب أبيه هارون ، وإلى قبريهما يشير دعبل الخزاعي بقوله : أربع بطوس على قبر الزكي به إن كنت تربع من دين على وطريقبران في طوس خير الناس كلّهم وقبر شرّهم هذا من العبرما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا على الزكي بقرب الرجس من ضررهيهات كلّ امرئ رهن بما كسبت له يداه فخذ إن شئت أو فذر

عشرين سنة(1).

قضى نحبه عليه السلام مسموما شهيدا بسمّ دسّه له المأمون العبّاسي في شراب الرمّان ، فكان ذلك سبب وفاته ، فلم يلبث إلاّ يومين حتّى استشهد عليه السلام .

وذكر عن أبي الصلت الهروي أنّه قال : دخلت على الرضا عليه السلام وقد خرج المأمون من عنده ، فقال لي : ياأبا الصلت قد فعلوها ، وجعل يوحّد اللّه ويمجّده(2).

ودفن الإمام عليه السلام بعد أن شيّع في مدينة خراسان تشييعا مهيبا لم يرى له مثيلاً .

وقبره عليه السلام الآن في خراسان يؤمّه الزوّار من كلّ النواحي حتّى أنّ الشعراء ينظمون الشعر في مدحه وقال الشيخ عبدالزهراء الكعبي رحمه الله :

مزاياك اللطاف بكلّ وادي

أضاءت كالنجوم بلا عدادِ

فياذخري وحصني في المعادي

حثثت لك الركاب أبا الجوادِ

رجائي أن تشفع في مرادي

لزائركم ضمنتم دار خلدٍ

وحزتم في البرايا كلّ مجدٍ

فها أنا جئتكم من بَعْدِ بُعْدٍ

ولو كنت الأبوق وشرّ عبدٍ

فأنتم باب إصلاح الفسادِ

ومن الحكّام الذين عاصرهم : كان في سنيّ إمامته بقيّة ملك هارون العبّاسي ، ثمّ ملك الأمين ثلاث سنين وثمانية عشر يوما ، وملك المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما .

ص: 429


1- الإرشاد : ج2 ص247 ، تحفة الأزهار : ج2 ص421 .
2- مقاتل الطالبيين : ص457 ، إعلام الورى : ج2 ص341 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص374 ، تحفة الأزهار : ج2 ص420 .

وأخذ المأمون البيعة في ملكه للرضا عليه السلام بولاية عهد المسلمين ، من غير رضاه ، في الخامس من شهر رمضان سنة (201ه) ، وزوّجه ابنته أُمّ حبيب في أوّل سنة (202ه)(1).

ص: 430


1- تحفة الأزهار : ج2 ص411 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

اختلف في عدد أولاد الإمام الرضا عليه السلام وتحديد أسمائهم ، فعن جماعة أنّهم خمسة ذكور وبنت واحدة وهم : محمّد القانع ، والحسن ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة(1).

والظاهر أنّ بنته كانت تسمّى فاطمة لا عائشة ، كما في عيون الأخبار(2) وغيره(3).

وفي بعض التواريخ أنّ من بناته : رقيّة وحكيمة أيضا .

وعن سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص : أنّ الذكور أربعة بإسقاط الحسين(4).

وقال الشيخ المفيد : ومضى الرضا عليه السلام ولم يترك ولدا نعلمه إلاّ ابنه الإمام

ص: 431


1- انظر كشف الغمّة : ج2 ص267 ، نور الأبصار : ص177 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص143 .
2- عيون أخبار الرضا : ج2 ص70 ، النفحة العنبرية : ص65 ، عمدة الطالب : ص228 .
3- راجع المجدي في أنساب الطالبيين : ص323 .
4- تذكرة الخواص : ص358 .

بعده أبا جعفر محمّد بن علي عليهماالسلام ، وكانت سنّه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا(1).

وجزم بهذا القول ابن شهر آشوب ، والطبرسي في إعلام الورى ، والشيخ البخاري(2).

أمّا في كتاب (العدد القوية) : إنّ له ولدين هما : محمّد وموسى ، ولم يترك غيرهما .

وربما يؤيّده ما عن قرب الإسناد : إنّ البزنطي قال للرضا عليه السلام : إنّي أسألك منذ سنين عن الخليفة بعدك وأنت تقول ابني ، ولم يكن لك يومئذ ولد ، واليوم قد وهب اللّه لك ولدين فأيّهما هو ؟

وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام : إنّ له ابنة اسمها فاطمة(3).

وذكر في المجدي : إنّ له ولدين هما محمّد وموسى ، وابنة واحدة تسمّى فاطمة(4).

وأقام الإمام الرضا عليه السلام ولده الجواد مقامه وهو ابن سبع سنين أو يزيد على ذلك .

وأدخله مسجد النبي صلى الله عليه و آله ووضع يده على حافة القبر الشريف وألصق ولده بالقبر ، واستحفظه عند جدّه الرسول صلى الله عليه و آله وقال له :

ص: 432


1- الإرشاد : ج2 ص271 .
2- إعلام الورى : ج2 ص66 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص395 ، سرّ السلسلة العلوية : ص38 .
3- عيون أخبار الرضا : ج2 ص70 .
4- راجع المجدي في أنساب الطالبيين : ص323 ، النفحة العنبرية : ص65 ، عمدة الطالب : ص228 .

أمرت جميع وكلائي وحشمي بالسمع والطاعة لك ، وعرّف أصحابه أنّه القيّم من بعده(1).

وأمّا زوجاته عليه السلام : أُمّ حبيب أو أُمّ حبيبة بنت المأمون العبّاسي . وسبيكة من أهل بيت مارية زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أُمّ ولده إبراهيم عليه السلام .

ص: 433


1- راجع الدرّ النظيم : ص680 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

فاطمة بنت الإمام الرضا عليه السلام

هي فاطمة بنت الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : ذكرها الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، وذكر ما يدلّ على أنّها روت الحديث .

وفي كتب الأنساب أنّ للرضا عليه السلام بنتا تسمّى فاطمة ، وكانت زوجة محمّد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب .

وذكر الشيخ الشبلنجي في نور الأبصار كرامة من كرامات هذه العلوية المخدّرة(1).

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام قال الصدوق : حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسين ابن يوسف البغدادي ، قال : حدّثنا علي بن محمّد بن عنبسة ، قال : حدّثني أبو الحسن بكر بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن زياد بن موسى بن مالك الأشبح العصري ، قال : حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى عليهماالسلام ، قالت : سمعت أبي عليا يحدّث عن أبيه عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه وعمّه زيد ، عن أبيهما علي بن

ص: 434


1- راجع نور الأبصار : ص175 .

الحسين ، عن أبيه وعمّه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : « لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما »(1).

وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « من كفّ غضبه كفّ اللّه عنه عذابه ، ومن حسن خُلقه بلّغه اللّه درجة الصائم القائم »(2).

رقيّة بنت الإمام الرضا عليه السلام

هي رقيّة بنت الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

قبرها في القاهرة بمصر ، ويسمّى مشهدها ببقيع مصر لكثرة المدفونين حولها من كبار السلف الصالح .

وقد جدّد قبرها عام 527ه أيّام المستعلي باللّه الفاطمي ، وقد ذكر ذلك الأُستاذ الشيخ محمّد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمّدية بالقاهرة في كتابه (مراقد

أهل البيت عليهم السلام في القاهرة)(3).

وكذلك ذكر الشيخ الشبلنجي في نور الأبصار كرامة من كرامات هذه العلوية(4).

ص: 435


1- عيون أخبار الرضا : ج2 ص70 ح327 .
2- عيون أخبار الرضا : ج2 ص71 ح328 .
3- انظر كتاب مراقد أهل البيت في القاهرة : ص91 .
4- نور الأبصار : ص222 .

حكيمة بنت الإمام الرضا عليه السلام

هي حكيمة بنت الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

إنّها راوية من راويات الحديث .

روى محمّد بن إبراهيم الجعفري ، عن حكيمة بنت الرضا عليهماالسلام قالت : لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضا عليهماالسلام ، صرت يوما إلى امرأته أُمّ الفضل ، بسبب احتجت إليها فيه .

قالت : فبينما نحن نتذاكر فضل محمّد عليه السلام وكرمه ، وما أعطاه اللّه تعالى من العلم والحكمة ، إذ قالت امرأته أُمّ الفضل : ياحكيمة أُخبرك عن أبي جعفر ابن الرضا بأُعجوبة لم يسمع أحد بمثلها .. الخ الحديث(1).

ص: 436


1- راجع الخرائج والجرائح : ج1 ص237 .

الباب التاسع: أولاد الإمام محمّد بن علي الجواد عليه السلام

اشارة

ص: 437

ص: 438

نبذة عن حياة الإمام الجواد عليه السلام

نسبه عليه السلام

الإمام محمّد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب(1).

وهذه السلسلة الذهبية التي لو قرأت على الصمّ البكم لبرؤوا بإذن اللّه عزّوجلّ - كما يقول المأمون العبّاسي -(2).

ويقول أحمد بن حنبل : (لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جُنّته)(3).

لُذ إن دهتك الرزايا * والدهر عيشك نكَدْ

بكاظم الغيظ موسى * وبالجواد محمّد

والدته عليه السلام

وأُمّه أُمّ ولد ، يقال لها : سبيكة النوبية .

ص: 439


1- انظر الإرشاد : ج2 ص273 ، إعلام الورى : ج2 ص88 ، مناقب آل أبي طالب : ج4 ص378 ، روضة الواعظين : ج1 ص288 ، كشف الغمّة : ج2 ص343 ، مطالب السؤول : ج2 ص214 ، الفصول المهمّة : ص265 ، تذكرة الخواص : ص358 ، نور الأبصار : ص177 ، وفيّات الأعيان : ج3 ص315 .
2- عيون أخبار الرضا : ج2 ص147 .
3- الصواعق المحرقة : ص207 .

وقيل أيضا : إنّ اسمها كان خيزران .

وروي أنّها كانت من أهل بيت مارية أُمّ إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).

وتدعى درّة ، وكانت مريسية(2)، ويقال : ريحانة .

وقيل : سكينة المرسيّة(3).

وتكنّى أُمّ الحسن(4).

وكانت من أفضل نساء زمانها ، وأشار إليها النبي صلى الله عليه و آله بقوله : بأبي ابن خيرة الإماء النوبية(5) الطيّبة(6).

وحينما يبشّر الإمام الرضا عليه السلام أصحابه بولادة الإمام الجواد عليه السلام ، تراه يقول : قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم قدّست أُمّ ولدته ، قد خلقت طاهرة مطهّرة .. إلى آخر كلامه عليه السلام .

فقوله عليه السلام : (قدّست أُمّ ولدته) الجملة التي بعدها تفسّرها وهي : (خلقت طاهرة مطهّرة) فالمقدّس هو المطهّر والمبارك ، والتقديس : التطهير والتنزيه ، فالجملة تشير إلى ما كانت تمتاز به والدة الإمام الجواد عليه السلام من العفاف والنزاهة

والتقوى والورع ، والبركات المعنوية التي جعلها اللّه فيها .

ص: 440


1- الكافي : ج1 ص411 ، الفصول المهمّة : ص252 .
2- مريسية : بتشديد الراء : قرية بمصر .
3- كشف الغمّة : ج2 ص343 ، أعيان الشيعة : ج2 ص32 .
4- مناقب آل أبي طالب : ج4 ص379 .
5- النوب والنوبة ، والواحد نوبي : بلاد واسعة للسودان ، وأيضا جبل من السودان لسان العرب : ج1 ص776 - نوب .
6- عيون المعجزات : ص118 .

لموسى والجواد أتيت أسعى * لأشكو ما بقلبي من لواعج

فذا باب المراد لمن أتاه * وهذا للورى باب الحوائج

ولادته عليه السلام

ولد عليه السلام بالمدينة المنوّرة في يوم الجمعة في 10 رجب المرجّب(1).

وقيل : في شهر رمضان ، سنة خمس وتسعين ومائة للهجرة(2).

في الدرّ النظيم بالإسناد عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى عليهم السلام ، قالت : كتبت لمّا علقت أُمّ أبي جعفر عليه السلام به إلى أبي الحسن الرضا عليهم السلام ، خادمتك قد علقت ،

فكتب إليّ : علقت يوم كذا من شهر كذا ، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيّام ، قالت : فلمّا ولدته ، قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، فلمّا كان اليوم الثالث عطس ، فقال : الحمد للّه وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وعلى الأئمّة الراشدين(3).

وروى ابن شهر آشوب عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى عليهم السلام رواية

طويلة في ولادة الإمام الجواد عليه السلام ، قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع رأسه إلى السماء ، ثمّ نظر يمينه ويساره ، ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، فقمت ذعرة فزعة ، فأتيت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت : سمعت من هذا الصبي عجبا ، فقال : وما ذلك ؟ فأخبرته الخبر ، فقال : ياحكيمة ، ما ترونه من عجائب

ص: 441


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص380 ، وكشف الغمّة : ج2 ص344 ، مقتضب الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر للعياشي : ص120 ، النجوم الزاهرة : ج2 ص231 .
2- الإرشاد : ج2 ص273 ، إعلام الورى : ج2 ص344 ، مطالب السؤول : ج2 ص216 ، روضة الواعظين : ج1 ص289 ، الكافي : ج1 ص114 ، تحفة الأزهار : ج2 ص425 .
3- راجع الدرّ النظيم : ص710 .

أكثر(1).

تسميته وكنيته عليه السلام

قال ابن شهر آشوب : اسمه محمّد وكنيته أبو جعفر ، والخاص أبو علي(2).

وهذا أبو جعفر محمّد الثاني ، فإنّه تقدّم من آبائه عليهم السلام أبو جعفر محمّد الباقر ابن علي ، فجاء هذا باسمه وكنيته واسم أبيه ، فعرف بأبي جعفر الثاني(3)، وابن الرضا(4).

وقال الصدوق : سمّي محمّد بن علي الثاني عليهماالسلام التقي ؛ لأنّه اتّقى اللّه عزّوجلّ فوقاه اللّه شرّ المأمون لمّا دخل عليه بالليل سكران ، فضربه بسيفه حتّى ظنّ أنّه كان قد قتله فوقاه اللّه شرّه(5).

ألقابه عليه السلام

من ألقابه : الجواد ، التقي ، المختار ، المرضي ، المتوكّل ، المتّقي ، الزكي ، المنتخب ، المرتضى ، القانع ، العالم ، الربّاني ، ظاهر المعاني ، قليل التواني ، المعروف بأبي جعفر الثاني(6).

ص: 442


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص382 .
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص379 ، وانظر تحفة الأزهار : ج2 ص426 .
3- مطالب السؤول : ج2 ص214 .
4- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص379 .
5- معاني الأخبار : ص65 .
6- راجع المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص380 ، كشف الغمّة : ج2 ص343 ، مطالب السؤول : ج2 ص215 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص23 ، النجوم الزاهرة : ج2 ص231 .

فضائله عليه السلام

روي عن أبي يحيى الصنعاني قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام ، فجيء بابنه أبي جعفر عليه السلام وهو صغير ، فقال : هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركةً منه(1).

وعن الخيراني ، عن أبيه ، قال : كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فقال قائل : ياسيّدي إن كان كون فإلى من ؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّا صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر عليه السلام(2).

وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام لمّا رأى من فضله مع صغر سنّه ، وبلوغه في العلم والحكمة والأدب ، وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان ، فزوّجه ابنته أُمّ الفضل وحملها معه إلى المدينة ، وكان متوفّرا على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره(3).

بلغ (سلام اللّه عليه) في العلم والعقل والكمال والفضل والآداب والحكم ورفعة المنزلة ما لم يساوه أحد من أهل زمانه ، وكان في غاية الفضل ، ونهاية النبل

.

وكراماته ومكاشفاته عليه السلام كثيرة لا يحمله الدفاتر ، ومن كمال علمه أنّه غلب

ص: 443


1- الإرشاد : ج2 ص279 ، إثبات الوصيّة للمسعودي : ص184 ، الكافي : ج1 ص258 ح9 .
2- الإرشاد : ج2 ص279 ، دلائل الإمامة للطبري : ص204 ، الكافي : ج1 ص258 ح13 ، الدرّ النظيم : ص705 ، الفصول المهمّة : ص251 .
3- الإرشاد : ج2 ص284 ، إثبات الوصية : ص219 .

في طفوليته قاضي المأمون وهو يحيى بن أكثم(1).

ولقد أجاد العلاّمة الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله :

هيّا بنا لرُبى الزوراء نسألها

عن ثلّتين هما موتى وأحياء

فقد مشت وبنوا العبّاس سامرةٌ

في ألف ليلة حيث العيش سراءُ

دار الرقيق وقصر الخلد طافحةٌ

بما يلذّ فأنغامٌ وصهباءُ

تجبك أنّ ديار الظلم خاوية

وأنّ للمتّقين الخلد ما شاؤوا

ومل إلى الكرخ وانظر قبّة سمقت

تجاذبتها الثريّا وهي شماء

وحيي فيها جوادا من أنامله

سحابة الفضل والإنعام وكفاء

يابن البتول وحسبي من مفاخرها

بأنّها في مجال المجد زهراء

كم رام منك بنو العبّاس ما عجزوا

عنه وفي فشل من خزيهم باؤوا

جاؤوا بيحيى(2) وحشد من مسائله

فرحت توسعهم شرحا لما جاؤوا

وعند قطع يمين السارق اختلفوافكان منك برغم القوم افتاءُ

روى الصفّار بإسناده عن ابن قياما قال : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام

وقد ولد أبو جعفر ، فقال : إنّ اللّه قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود عليه السلام(3).

وكان عليه السلام على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود ، وإن كان صغير السنّ ، فهو كبير القدر ، رفيع الذكر ، عظيم المنزلة .

وأمّا مناقبه : فما اتّسعت حلبات مجالها ، ولا امتدّت أوقات آجالها ، بل

ص: 444


1- انظر الصراط السوي : ص200 .
2- المراد هو قضية يحيى بن أكثم الشهيرة في التاريخ .
3- بصائر الدرجات : ج3 ص138 .

قضت الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأسجالها ، فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل القدوم عليه لزيارته حمامه ، فلم تطل بها مدّته ، ولا امتدّت فيها أيّامه ، غير أنّ اللّه تعالى خصّه بمنقبة متألّقة في مطالع التعظيم ، بارقة أنوارها ، مرتفعة في معارج التفصيل قيّمة أقدارها ، بادية لأبصار ذوي البصائر ، بيّنة منارها ، هادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها ، وهي وإن كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة ، وصيغتها وإن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة ، وهي أنّ هذا أبو جعفر محمّد بن علي عليه وعلى آبائه السلام(1).

صفاته عليه السلام

أمّا صفاته وملامحه فكانت كملامح آبائه الطاهرين التي تحكي ملامح الأنبياء عليهم السلام ، فكانت أسارير التقوى بادية على وجهه الكريم ، وقد وصفته بعض المصادر بأنّه كان أبيض معتدل القامة(2).

شعراؤه عليه السلام

حمّاد ، وداود بن القاسم الجعفري(3).

بوّابه عليه السلام

عمر بن الفرات ، وعثمان بن سعيد السمّان(4).

نقش خاتمه عليه السلام

نعم القادر اللّه (5)، ومن كثرت شهواته دامت حسراته .

ص: 445


1- مطالب السؤول : ج2 ص240 .
2- نور الأبصار : ص177 ، الفصول المهمّة : ص252 .
3- نور الأبصار : ص177 .
4- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص26 ، نور الأبصار : ص177 .
5- نور الأبصار : ص177 .

وقيل : المهيمن عضدي(1).

عودته إلى المدينة

تذكر الروايات أنّ الإمام الجواد عليه السلام بعد أن تزوّج من ابنة المأمون العبّاسي ، رجع إلى المدينة المنوّرة ومعه زوجته أُمّ الفضل ، وأقام الإمام الجواد عليه السلام في المدينة حتّى توفّي المأمون(2).

وروده إلى بغداد

ثمّ ورد عليه السلام بغداد وكان سبب ذلك إشخاص المعتصم له من المدينة المنوّرة ، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرّم سنة (220ه) وأقام بها حتّى توفّي عليه السلام(3).

وفاته عليه السلام

توفّي عليه السلام ببغداد مسموما شهيدا في آخر ذي القعدة الحرام سنة عشرين ومائتين ، وله يومئذ خمس وعشرون سنة ، وكانت مدّة خلافته لأبيه وإمامته من بعده سبع عشرة سنة(4). ويقال : أقام مع أبيه سبع سنين وأربعة أشهر .

ولمّا رجع الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد بطلب من المعتصم لم يزل - أي المعتصم - وجعفر بن المأمون وأعوانهما يدبّرون لقتل الإمام عليه السلام .

وفي بعض الروايات أنّهم استطاعوا إغواء زوجته أُمّ الفضل بنت المأمون

ص: 446


1- تحفة الأزهار : ج2 ص426 .
2- الإرشاد : ج2 ص288 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص382 ، تاريخ بغداد : ج6 ص363 .
3- المستجاد من كتاب الإرشاد : ص324 ، تحفة الأزهار : ج2 ص428 ، الفصول المهمّة : ص262 ، شرح ميمية أبي فراس : ص36 .
4- الإرشاد : ج2 ص273 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص321 ، تاريخ الخميس : ج2 ص375 ، شذرات الذهب : ج2 ص48 .

ودفعها على ذلك ، فوضعت له السمّ في العنب(1).

ودفن عليه السلام في مقابر قريش ببغداد(2) إلى جانب جدّه أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليهماالسلام(3).

وعاصر الإمام الجواد عليه السلام من الحكّام : المأمون والمعتصم .

ولقد قال الشيخ البهائي رحمه الله في مدح الإمامين موسى بن جعفر ومحمّد الجواد عليهماالسلام من أحسن ما قيل في مدحهما :

ألا ياقاصد الزوراء عرّج

على الغربي من تلك المغاني

ونعليك اخلعن واسجد خضوعا

إذا لاحت لديك القبّتان

فتحتهما لعمرك نار موسى

ونور محمّد متقارنان

ص: 447


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص384 ، نور الأبصار : ص180 ، إثبات الوصية للمسعودي : ص219 ، دلائل الإمامة للطبري : ص209 .
2- يقال لها مشهد باب التين ومشهد الكاظمين أيضا ، انظر معجم البلدان : ج3 ص14 ، ومنتقلة الطالبية : ص410 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص38 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص25 ، تذكرة الخواص : ص359 .

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

كان له عليه السلام من الذكور اثنان :

1 - الإمام علي الهادي عليه السلام .

2 - موسى المعروف بالمبرقع .

ومن البنات : فاطمة وأُمامة(1)، وقيل : حكيمة وخديجة وأُمّ كلثوم(2). وأُمّهم أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية ، ولم يكن للإمام الجواد عليه السلام من أُمّ الفضل ولد ،

وعقبه ينحصر في الإمام علي النقي عليه السلام وأبي أحمد موسى(3).

ويظهر من تاريخ قم : إنّ زينب وأُمّ محمّد وميمونة أيضا من بنات الإمام الجواد عليه السلام .

وجاء في تحفة الأزهار ما حاصله : إنّ للإمام الجواد عليه السلام أربعة أولاد : أبو الحسن الإمام علي النقي عليه السلام ، وأبو أحمد موسى المبرقع ، وأبو أحمد الحسين ، وأبو موسى عمران ، وبناته عليه السلام : فاطمة ، وخديجة ، وأُمّ كلثوم ، وحكيمة(4).

ص: 448


1- الإرشاد : ج2 ص295 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص324 ، نور الأبصار : ص180 .
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص380 .
3- عمدة الطالب : ص228 ، تحفة الأزهار : ج2 ص429 ، سرّ السلسلة العلوية : ص39 .
4- راجع تحفة الأزهار لابن شدقم : ج2 ص429 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

موسى (المبرقع) بن الإمام الجواد عليه السلام

هو موسى المبرقع بن الإمام الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وهو لأُمّ ولد .

ويكنّى أبا أحمد ، وهو الابن الثاني للإمام الجواد عليه السلام(1).

وهو جدّ السادة الرضوية ولم ينقطع نسله إلى الآن ، وينتهي نسب أكثر السادة إليه . ويقال لولده الرضويون وهم بقم إلاّ من شذّ منهم إلى غيرها(2).

وموسى كان أوّل سيّد رضوي دخل مدينة قم في سنة (256ه) وكان يضع برقعا على وجهه دائما ، لهيبته وسناء وجهه الذي كان يغشي الأبصار ، فلذا لقّب بالمبرقع(3).

ويقال : إنّه كان حسن الوجه جميل الصورة ، وكان الناس - رجالاً ونساءً -

ص: 449


1- عمدة الطالب : ص230 ، تحفة الأزهار : ج2 ص429 .
2- عمدة الطالب : ص230 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص39 .

يطيلون النظر إليه ، فكان يبرقع وجهه(1) حتّى يستريح من كثرة نظر الناس إليه(2).

فلمّا دخل قم أخرجه كبار العرب من أهل قم منها ، فذهب إلى كاشان ، فلمّا دخلها أكرمه أحمد بن عبدالعزيز بن دلف العجلي ، ووهب له الخلع والأموال ، وأجرى له ألف مثقال من الذهب مع فرس مسرّج كلّ سنة .

وندم رؤساء العرب من أهل قم على فعلهم ذلك ، فجاؤوا إليه واعتذروا منه وأدخلوه قم مكرّما معزّزا وزادوا في إكرامه فحسن حاله حتّى أنّه اشترى قرع ومزارع من ماله ، ثمّ جاءت إليه أخواته زينب وأُمّ محمّد وميمونة بنات الإمام الجواد عليه السلام ، ثمّ جاءت بعدهنّ بريهة بنت موسى ، وتوفّين بقم ودفنّ عند فاطمة

المعصومة عليهاالسلام(3).

توفّي موسى في يوم الأربعاء الموافق لليوم الأخير من شهر ربيع الآخر سنة (296ه) ، وصلّى عليه أمير قم العبّاس بن عمرو الغنوي ، ودفن في الموضع المعروف الآن كما ذكر في تاريخ قم .

قال السيّد ضامن بن شدقم : دفن موسى المبرقع بقم في الدار المعروف بدار محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب ب- (شنبولة)(4).

ص: 450


1- البرقع : ما يستر به الوجه وفيه ثقبان أمام العينين للرؤية .
2- وقد ألّف الشيخ النوري عليه الرحمة رسالة سمّاها (البدر المشعشع في أحوال ذرّية موسى المبرقع) زيّف فيها ذلك الخبر المروي الذي يمسّ بكرامة موسى المبرقع ويشوّه سمعته ، وذكر بعض الأدلّة على استقامة موسى المبرقع واعتداله .
3- راجع الكشكول للشيخ البهائي : ج1 ص207 .
4- تحفة الأزهار : ج2 ص430 ، سرّ السلسلة العلوية : ص39 .

إنّ محمّد بن الحسن هو أحد رواة قم ، ومن أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ووصي سعد بن سعد الأحوص الأشعري القمّي ، ويطلق على داره وما حولها - في زماننا هذا - محلّة الموسويان ، وفيها مزاران أحدهما صغير ، وفيه قبران أحدهما لموسى المبرقع ، والثاني قبر أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسى ، والمزار الثاني كبير ويعرف ب- (چهل اختران) وكتب على جدرانه اسم الشاه طهماسب بتاريخ (953ه) ، وأوّل من دفن فيه محمّد بن موسى المبرقع ثمّ زوجته بريهة بنت جعفر ابن الإمام علي النقي عليه السلام ، وجاء إخوتها يحيى الصوفي وإبراهيم ابنا جعفر إلى قم فأخذا إرث بريهة ، وذهب إبراهيم وبقي يحيى الصوفي في قم وسكن دورة زكريا بن آدم عند مرقد حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام ، ودفن إلى جوار قبر محمّد بن موسى

جمع من العلويين والسادة منهم :

زينب بنت الإمام موسى عليه السلام ، وأُمّ محمّد بنت موسى ، وأبو علي محمّد بن أحمد بن موسى مع بناته : فاطمة وبريهة وأُمّ سلمة وأُمّ كلثوم وغيرهنّ من العلويات والفاطميات وكلّهنّ من أعقاب وذراري موسى المبرقع(1).

وكان محمّد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي علي وأبي جعفر أيضا رجلاً فاضلاً تقيّا ورعا للغاية ، حسن المنظر والمناظرة ، فصيحا عاقلاً ، وجاء في تحفة الأزهار :

إنّه لقّب بالأعرج ، وكان رئيسا ونقيبا في قم وأميرا للحاج ، وقد شبّهه أمير قم بالأئمّة في الفضل والكمال واعتقد بأنّه يصلح للإمامة ، وتوفّي سنة (315ه) في اليوم الثالث من شهر ربيع الأوّل ، ودفن في مقبرة محمّد بن موسى(2).

إنّ لموسى المبرقع خمسة أولاد : أبو القاسم حسين ، وعلي ، وأحمد ، ومحمّد ،

ص: 451


1- منتهى الآمال : ج2 ص320 .
2- تحفة الأزهار : ج2 ص334 .

وجعفر ، ولأحمد بن موسى المبرقع ثلاثة أولاد : عبيداللّه وأبو جعفر محمّد الأعرج ، وأبو حمزة جعفر(1).

وقال صاحب عمدة الطالب : وأمّا موسى المبرقع بن محمّد الجواد عليه السلام ، فأعقب من أحمد بن موسى المبرقع وحده ، فأعقب أحمد بن موسى المبرقع من محمّد الأعرج وحده ، والبقية في ولده لابنه أبي عبداللّه أحمد نقيب قم(2).

إنّ أبا عبداللّه أحمد بن محمّد الأعرج المذكور سيّد جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، رئيس ، نقيب في قم ، وكان رجلاً متنسّكا ، متعبّدا ، محبّبا إلى قلوب الناس ، سخيّا ، جوادا ، واسع الجاه ، ولد بقم سنة (311ه) ، وتوفّي في شهر صفر سنة (358ه) وكانت وفاته لأهل قم مصيبة عظمى ، وهو الذي دفن مع موسى لا أحمد بن موسى المبرقع لجهالة زمان مجيئه إلى قم(3).

ص: 452


1- تحفة الأزهار : ج2 ص429 ، التذكرة في الأنساب المطهّرة : ص115 .
2- عمدة الطالب : ص230 .
3- منتهى الآمال : ج2 ص322 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنات

اختلفت الأقوال في عدد بنات الإمام الجواد عليه السلام وأسمائهنّ ، فقد ذكر الشيخ المفيد رحمه الله في (الإرشاد) عدد بناته اثنتين : فاطمة وأُمامة(1).

وذكر ابن شهر آشوب في (المناقب) عن ابن بابويه أنّهنّ : حكيمة ، وخديجة ، وأُمّ كلثوم(2).

وذكر ضامن بن شدقم في (تحفة الأزهار) : إنّ بنات الإمام الجواد عليه السلام كنّ أربعا : فاطمة ، وخديجة ، وأُمّ كلثوم ، وحكيمة(3).

وذكر العمري في (المجدي في الأنساب) : حكيمة ، وبريهة ، وأُمامة ، وفاطمة(4).

ويظهر من تاريخ قم : أنّ زينب ، وأُمّ أحمد ، وميمونة أيضا من بنات الإمام الجواد عليه السلام ، وهناك قول بأنّهنّ توفّين في مدينة قم ودفنّ عند فاطمة المعصومة عليهاالسلام .

ص: 453


1- الإرشاد : ج2 ص295 .
2- المناقب : ج4 ص380 .
3- تحفة الأزهار : ج2 ص429 .
4- المجدي : ص323 ، وانظر النفحة العنبرية : ص66 .

وزينب هذه هي التي بنت على قبر فاطمة المعصومة عليهاالسلام قبّة بعد أن كان فوقه سقف من الحصير(1).

خديجة بنت الإمام محمّد الجواد عليه السلام

هي خديجة بنت الإمام محمّد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

كانت عارفة جليلة القدر ، قائلة بإمامة الاثني عشر ، عالمة بالأخبار ، روى الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغيبة ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن

جعفر الأسدي ، قال : حدّثني أحمد بن إبراهيم ، قال : دخلت على خديجة بنت محمّد ابن علي الرضا عليه السلام سنة (262ه) فكلّمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّت لي من تأتمّ بهم ، ثمّ قالت : فلان بن الحسن ، فسمّته .

فقلت لها : جعلني اللّه فداك معاينة أو خبرا ؟

فقالت : خبرا عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلى أُمّهم .

قلت : فأين الولد ؟

قالت : مستور .

فقلت : إلى من تفزع الشيعة ؟

قالت : إلى الجدّة أُمّ أبي محمّد عليه السلام .

قلت : أقتدي بمن وصيّته إلى امرأة ؟

فقالت : اقتد بالحسين بن علي عليهماالسلام أوصى إلى أُخته زينب بنت علي عليهماالسلام في الظاهر ، وكان ما يخرج من علي بن الحسين عليهماالسلام من علم ينسب إلى زينب سترا

ص: 454


1- راجع تاريخ قم : ص69 ، والكشكول للشيخ البهائي : ج1 ص207 .

على علي بن الحسين

عليهماالسلام ، ثمّ قالت : إنّكم قوم أصحاب أخبار ، أما رويتم أنّ التاسع من ولد الحسين عليه السلام يقسّم ميراثه وهو في الحياة .

وروى هذا الخبر التلعكبري ، عن الحسن بن محمّد النهاوندي ، عن الحسن ابن جعفر بن مسلم الحنفي ، عن أبي حامد المراغي ، قال : سألت خديجة بنت محمّد أُخت أبي الحسن العسكري عليه السلام ، وذكر مثله(1).

حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد عليه السلام

هي حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

السيّدة الكريمة النجيبة ، العالمة الفاضلة ، التقيّة الرضيّة ، هي بنت الإمام الجواد عليه السلام ، وهي أُخت الإمام الهادي وعمّة الإمام العسكري عليهماالسلام ، وهي التي حضرت ولادة مولانا صاحب الزمان عليه السلام(2).

كانت من الصالحات العابدات القانتات ، وكانت تمتاز عن سائر بنات الإمام الجواد عليه السلام بالفضائل والمناقب الكثيرة ، ولقد أودع الإمام الهادي عليه السلام نرجس أُمّ صاحب الزمان (عجّل اللّه فرجه الشريف) إليها كي تعلّمها معالم الدين وأحكام الشرع وتربّيها بالآداب الإلهية .

وإنّها أدركت أربعة من الأئمّة الأطهار : محمّد بن علي ، وعلي بن محمّد ، والحسن بن علي ، وإمامنا الحجّة (صلوات اللّه وسلامه عليهم) .

ص: 455


1- الغيبة : ص138 .
2- إعلام الورى : ج2 ص91 ، عيون أخبار الرضا : ج2 ص426 ح2 ، الكافي : ج1 ص266 ح3 ، أعيان الشيعة : ج6 ص217 .

لها أخبار كثيرة في تزويج الإمام الحسن العسكري عليه السلام بنرجس أُمّ المهدي ، وفي ولادة الإمام المهدي عليه السلام .

وهي التي تروي حرز الإمام الجواد عليه السلام - وهو الحرز المعروف - روى السيّد ابن طاووس بسنده عن أبي نصر الهمداني قال : حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي ابن موسى بن جعفر ، عمّة أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السلام قالت : ...(1).

وكان الإمام الحسن العسكري عليه السلام يخاطبها ويثني عليها ويناديها : يابنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وكان الإمام عليه السلام يدعو لها اللّه سبحانه وتعالى أن يجزيها خيرا .

وكان لها منصب السفارة بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام من قبل صاحب العصر والزمان عليه السلام حيث كانت تدفع عرائض وكتب الناس إلى الإمام وتقبض توقيعاته الشريفة وتوصلها إليهم .

وكانت قابلة صاحب الزمان عليه السلام القائمة بشؤون ولادته عليه السلام ، كما كانت عمّتها حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام قابلة ابن أخيها الإمام محمّد التقي عليه السلام(2).

وحكيمة هذه هي التي قبّلت إمام العصر عليه السلام وجاءت به إلى أبيه ثمّ إلى أُمّه .

وإنّها كانت تحمل أسرار الإمامة ، ولا نستطيع بيان علوّ قدرها وسموّ مقامها وجلالة منزلتها وشرف مكانتها عند الأئمّة الذين عاصرتهم ، وكفاها شرفا وفخرا أنّها هي التي حضرت ولادة الإمام المهدي عليه السلام بطلب من الإمام العسكري عليه السلام .

روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام في باب ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان الحجّة بن الحسن عليهماالسلام قال :

ص: 456


1- راجع كتاب مهج الدعوات : ص75 .
2- راجع رجال السيّد بحر العلوم : ج2 ص317 .

حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا أبو عبداللّه الحسين بن رزق اللّه قال : حدّثني (موسى بن محمّد) القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت : بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن علي عليهم السلام فقال : ياعمّة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا ، فإنّها ليلة النصف من شعبان ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجّته في أرضه .

قالت : فقلت له : ومن أُمّه ؟

قال لي : (نرجس) . قلت : جعلني اللّه فداك ما بها أثر .

فقال : هو ما أقول لك . قالت : فجئت فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي : ياسيّدتي كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي .

قالت : فأنكرت قولي وقالت : ما هذا ياعمّة ؟ قالت : قلت لها : يابنية إنّ اللّه تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدنيا والآخرة . قالت : فخجلت واستحيت . فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة ، أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت ، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثمّ جلست معقّبة ، ثمّ اضطجعت ، ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثمّ قامت فصلّت ونامت .

قالت حكيمة : وخرجت أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك ، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام من المجلس فقال : (لا تعجلي ياعمّة فهاك الأمر قد قرب) .

قالت : فجلست وقرأت « الم السجدة » و « يس » ، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت : اسم اللّه عليك ، ثمّ قلت لها : أتحسّين شيئا ؟

ص: 457

قالت : نعم ياعمّة .

فقلت لها : اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك .

قالت : فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحسّ سيّدي فكشف الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجدا يتلقّى الأرض بمساجده ، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف

متنظّف ، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام : (هلمّي إليّ ياعمّة) ، فجئت به إليه فوضع يديه تحت إليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه ومفاصله ، ثمّ قال : تكلّم يابني .

فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمّة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم .

قال أبو محمّد عليه السلام : ياعمّة اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها وأتيني به .

فذهبت به فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس ثمّ قال : ياعمّة إذا كان يوم السابع فأتينا .

قالت حكيمة : فلمّا أصبحت جئت لأُسلّم على أبي محمّد عليه السلام وكشفت الستر لأتفقّد سيّدي عليه السلام فلم أره ، فقلت : جعلت فداك ما فعل سيّدي ؟

فقال : ياعمّة استودعناه الذي استودعته أُمّ موسى عليه السلام .

قالت حكيمة : فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال : هلمّي إليّ ابني ، فجئت بسيّدي عليه السلام وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأُولى ، ثمّ أدلّى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبنا أو عسلاً ، ثمّ قال : تكلّم يابني .

فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) حتّى وقف على أبيه عليه السلام ثمّ تلا هذه الآية : بسم اللّه الرحمن الرحيم «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ

ص: 458

وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(1).

قال موسى : فسألت عقبة الخادم عن هذه ، فقال : صدقت حكيمة(2).

وقال أيضا : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم الكوفي ، قال : حدّثنا (محمّد بن عبداللّه الطهوي) قال : قصدت حكيمة بنت محمّد عليه السلام بعد مضي أبي محمّد عليه السلام أسألها عن الحجّة ، وقد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها ، فقالت لي : اجلس ، فجلست ، ثمّ قالت : يامحمّد إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة ، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام تفضيلاً للحسن والحسين ، وتنزيها لهما أن يكون في الأرض عديلهما ، إلاّ أنّ اللّه تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن عليهماالسلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسى عليه السلام ، وإن كان موسى حجّة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة ، ولابدّ للأُمّة من حيرة يرتاب فيه المبطلون ويخلص فيها المحقّون ، كي لا يكون للخلق على اللّه حجّة ، وإنّ الحيرة لابدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمّد الحسن عليه السلام . فقلت : يامولاتي هل كان للحسن عليه السلام ولد ؟ فتبسّمت ثمّ قالت : إذا لم يكن للحسن عليه السلام عقب فمن الحجّة بعده ، وقد أخبرتك أنّه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام . فقلت : ياسيّدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام . قالت : نعم كانت لي جارية يقال لها نرجس .. إلى آخر الحديث(3).

ص: 459


1- سورة القصص : الآية 5 - 6 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ص424 ح1 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ص426 ح2 .

وروى الشيخ الطوسي رحمه الله عدّة روايات تدلّ على حضور حكيمة ولادة الإمام الحجّة عليه السلام في كتاب الغيبة(1).

وروى الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن رزق اللّه أبو عبداللّه قال : حدّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر قال : حدّثتني حكيمة ابنة محمّد بن علي عليهماالسلام - وهي عمّة أبيه - أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك(2).

وتوفّيت هذه السيّدة الجليلة (حكيمة) في سامراء ، وإنّ في القبّة الشريفة - يعني قبّة العسكريين عليهماالسلام - قبرا منسوبا إلى الكريمة النجيبة ، العالمة الفاضلة ، التقيّة الرضيّة حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام ، فإنّها كانت مخصوصة بالأئمّة عليهم السلام ، ومودعة أسرارهم ، وكانت أُمّ القائم عندها ، وكانت حاضرة عند ولادته ، وكانت تراه حينا بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري عليه السلام ، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته ، فينبغي زيارتها بما أجرى اللّه اللسان ممّا يناسب فضلها وشأنها واللّه الموفّق .

قال المحدّث القمّي (رضوان اللّه عليه) : وقد ذكرنا في كتاب هديّة الزائرين فضائل حكيمة بن الإمام محمّد التقي عليه السلام وقبرها الشريف ممّا يلي رجلي العسكريين عليهماالسلام متّصل بضريحهما ، وقلنا هناك إنّ كتب الزيارة لم تخصّها بزيارة خاصّة مع ما لها من رفيع المنزلة فينبغي أن تزار بالزيارة العامّة لأولاد الأئمّة عليهم السلام أو تزار بما ورد لزيارة عمّتها الكريمة فاطمة بنت موسى عليه السلام ثمّ ذكر الزيارة(3).

ص: 460


1- الغيبة : ص141 .
2- الكافي : ج1 ص266 ح3 باب تسمية من رآه عليه السلام .
3- مفاتيح الجنان : زيارة السيّدة حكيمة .

الباب العاشر: أولاد الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام

اشارة

ص: 461

ص: 462

نبذة عن حياة الإمام الهادي عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام علي الهادي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب(1).

وأُمّه أُمّ ولد ، يقال لها سمانة المغربية ، وتعرف بالسيّدة أُمّ الفضل(2). وقد تولّى الإمام الجواد عليه السلام تربيتها وتهذيبها ، وقد استقرّت في بيت الإمامة ، فكانت من

القانتات المتهجّدات ، والتاليات لكتاب اللّه ، ومن العابدات الزاهدات .

وقال الإمام أبو الحسن الهادي عليه السلام : « أُمّي عارفة بحقّي ، وهي من أهل الجنّة ، لا يقربها شيطان مارد ، ولا ينالها كيد جبّار عنيد ، وهي مكلوؤة (أي محفوظة ومحروسة) بعين اللّه التي لا تنام ، ولا تختلف عن أُمّهات الصدّيقين والصالحين »(3).

ص: 463


1- انظر الإرشاد : ج2 ص298 ، إعلام الورى : ج2 ص110 ، أعيان الشيعة : ج2 ص37 ، تذكرة الخواص : ص359 ، نور الأبصار : ص181 ، تحفة الأزهار : ج2 ص450 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص325 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص401 ، كشف الغمّة : ج2 ص166 ، مرآة الجنان : ج2 ص157 ، الفصول المهمّة : ص277 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص176 ، جوهر الكرام في مدح السادة الأعلام : ص151 .
2- أعيان الشيعة : ج2 ص37 ، المناقب : ج4 ص402 ، تذكرة الخواص : ص359 ، الدرّ النظيم : ص722 .
3- دلائل الإمامة للطبري : ص216 ، الدرّ النظيم : ص721 .

والمستفاد من هذه الرواية أنّ السيّدة سمانة كانت تمتاز بمزايا خاصّة ، وفضائل كثيرة ، وصفات حميدة ، وأخلاق جميلة ، ومعرفة تامّة بحقّ الإمام ، وغيرها من المؤهّلات التي جعلتها لائقة لتكون أُمّا للإمام الهادي عليه السلام .

ولادته عليه السلام

ولد عليه السلام في (صريا)(1) من المدينة للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين(2). وقيل في اليوم الثاني من شهر رجب وهذا ما يظهر من الدعاء المروي : « اللهمّ إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمّد بن علي الثاني وابنه علي بن محمّد المنتجب »(3)

وقد بشّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بولادة الإمام الهادي عليه السلام بقوله : « إنّ اللّه تعالى ركّب

في صلبه - أي الإمام الجواد عليه السلام - نطفة لا باغية ولا طاغية ، بارّة مباركة ، طيّبة طاهرة ، سمّاها عنده علي بن محمّد ، فألبسها السكينة والوقار ، وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكتوم ، من لقيه في صدره شيء أنبأه به وحذّره من عدوّه ...(4).

صفاته عليه السلام

كان أطيب الناس بهجة ، وأصدقهم لهجة ، وأملحهم (أمنحهم) من قريب ، وأكملهم من بعيد ، إذا صمت علته الهيبة والوقار ، وإذا تكلّم سماه البهاء ، وهو من بيت الرسالة والإمامة ، ومقرّ الوصية والخلافة ، وشعبة من دوحة النبوّة ، منتضاة

ص: 464


1- صريّا : قرية أسّسها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام تبعد عن المدينة ثلاثة أميال . انظر المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص402 .
2- الإرشاد : ج2 ص298 ، المناقب : ج4 ص402 ، الكافي : ج1 ص497 ، أعيان الشيعة : ج2 ص39 .
3- المصباح للكفعمي : ص703 ط مؤسّسة الأعلمي ، بيروت .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1 ص48 ح29 .

مرتضاة ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة(1).

كنيته عليه السلام

أبو الحسن(2).

وقد يعبّر عنه في الأحاديث المروية : بأبي الحسن الثالث أو أبي الحسن الأخير . للفرق بينه وبين الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر والإمام أبي الحسن الرضا عليهم السلام .

ألقابه عليه السلام

الهادي ، النقي - وهما أشهر ألقابه - والنجيب ، المرتضى ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، الناصح ، المفتاح ، المؤتمن ، الطيّب ، العسكري ، المتوكّل(3).

وكان الإمام عليه السلام يأمر أصحابه أن يعرضوا عن تلقيبه بالمتوكّل لكونه يومئذ لقبا للحاكم العبّاسي جعفر المتوكّل ابن المعتصم(4).

وقد يعبّر عن الإمام الهادي عليه السلام ب- (الفقيه العسكري) أو (العسكري) أو (صاحب العسكر) وسمّي بالعسكري لأنّه أشخص من المدينة النبوية إلى سرّ من رأى ، وأُسكن بها ، وكانت تسمّى العسكر ، فعرف بالعسكري(5).

ص: 465


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص403 ، نور الأبصار : ص181 .
2- نور الأبصار : ص181 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص25 .
3- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص403 .
4- الفصول المهمّة : ص277 .
5- الصواعق المحرقة : ص123 ، تذكرة الخواص : ص360 ، وقال الفيروزآبادي في قاموسه المحيط : والعسكر : اسم سرّ من رأى ، وإليه ينسب العسكريان أبو الحسن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر وولده الحسن وماتا بها .

فضائله عليه السلام

كان الإمام بعد أبي جعفر ابنه أبا الحسن علي بن محمّد عليهم السلام لاجتماع خصال الإمامة فيه ، ولتكامل فضله وعلمه ، وأنّه لا وارث لمقام أبيه سواه ، ولثبوت النصّ عليه من أبيه(1).

وكان عابدا فقيها ، صاحب وقار وسكون ، وهيبة وطمأنينة ، وعفّة ونزاهة ، وكان عليه السلام وارث أبيه علما وسخاءً(2).

قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمّد الهادي قد ضرب على المجرّة قبابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه ، فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحيلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفصيلها وجملتها ، ولا تستعظم حالة

سنيّة إلاّ وتظهر عليه أدلّتها ، استحقّ ذلك بما هو في جوهر نفسه من كرم تفرّد بخصائصه ومجد حكم فيه على طبعه الكريم بحفظه من الشرب حفظ الراعي لقلايصته ، فكانت نفسه مهذّبة ، وأخلاقه مستعذبة ، وسيرته عادلة ، وخلاله فاضلة ، وميازه إلى العفاة واصلة ، وزموع المعروف بوجود وجوده عامرة آهلة ، جرى من الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة والخمول في النباهة ، على وتيرة نبوية ، وشنشنة علوية ، ونفس زكيّة ، وهمّة عليّة ، لا يقاربها أحد من الأنام ، ولا يدانيها ، وطريقة حسنة لا يشاركه فيها خلق ولا يطمع فيها(3).

دور الإمام الهادي عليه السلام في التشريع

انصرف الإمام الهادي عليه السلام كآبائه عليه السلام إلى الدفاع عن أُصول الإسلام

ص: 466


1- الإرشاد : ج2 ص298 ، الفصول المهمّة : ص277 .
2- الصواعق المحرقة : ص123 ، الصراط السوي : ص409 .
3- انظر الفصول المهمّة : ص282 .

وفروعه ، فناظر عليه السلام المشكّكين والملحدين ، وردّ على أسئلتهم بأُسلوبه الرصين والهادئ المدعم بالبراهين والحجج ، فكان المشكّكون والملحدون يخرجون من عنده مؤمنين قائلين : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته .

وفيما يعود إلى التشريع ، كان العلماء والرواة يعودون إليه فيما يشتبه عليهم عن طريق المراسلة .

شعراؤه عليه السلام

العوفي ، الديلمي ، محمّد بن إسماعيل الصيمري ، أبو تمام الطائي ، أبو الغوث أسلم بن مهوز المنجبي ، أبو هاشم الجعفري الحماني(1).

بوّابه عليه السلام

عثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمّد بن عثمان(2).

نقش خاتمه عليه السلام

اللّه ربّي وهو عصمتي من خلقه(3).

وقيل : حفظ العهود مورد الخلود .

وقيل : من لانت كلمته وجبت محبّته(4).

حياته مع أبيه ومدّة إمامته عليه السلام

أقام مع أبيه عليه السلام ست سنين وخمسة أشهر ، وبعده ثلاثة وثلاثين سنة ، وقيل : ثلاثة وثلاثين سنة وتسعة أشهر وهي مدّة إمامته عليه السلام .

ص: 467


1- نور الأبصار : ص181 ، الفصول المهمّة : ص279 .
2- نور الأبصار : ص181 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص26 .
3- نور الأبصار : ص181 ، أعيان الشيعة : ج2 ص40 .
4- تحفة الأزهار : ج2 ص450 .

وتوفّي والده وله من العمر ست سنوات أو ثمان وقيل أكثر من ذلك ، وتولّى الإمامة وهو صبي في التاسعة من عمره أو في مطلع شبابه على أبعد تقدير(1)، في وقت استأنف حكّام العبّاسيين عداءهم لأهل البيت عليهم السلام والتنكيل بالعلويين بعد فترات من الراحة والأمن ، بقي في المدينة يمارس مهمّات الإمامة تحت الرقابة إلى أن تجاوز العشرين من عمره حتّى أصبح منهلاً عذبا لروّاد العلم من مختلف البلاد والمناطق حتّى اتّسعت شهرته ورجع إليه القريب والبعيد في الدين وجميع المشاكل .

الحكّام الذين عاصرهم عليه السلام

عاصر عليه السلام من حكّام بني العبّاس بقيّة ملك المعتصم وهارون بن محمّد بن هارون الملقّب بالواثق ، وكانت حكومته خمس سنين وتسعة أشهر ، وجعفر بن محمّد بن هارون الملقّب بالمتوكّل وحكم أربعة عشر عاما ، والمنتصر محمّد بن جعفر وحكم ستّة أشهر ، وأحمد بن محمّد بن المعتصم وحكم ثلاث سنين وثمانية أشهر ، واعتزل الخلافة وسلّمه إلى الزبير بن جعفر الملقّب بالمعتزّ وحكم نحوا من أربع سنين وأشهر ، خلع نفسه من الخلافة . وكانت وفاة الإمام الهادي عليه السلام في عهده(2).

رحلته إلى سامراء

وفي السنة الثالثة من استيلاء جعفر بن محمّد بن هارون المعروف بالمتوكّل في سنة (233ه) سعى به زبانية المتوكّل بأنّه يجمع السلاح والرجال ، فأرسل إليه المتوكّل يستدعيه إلى سامراء ، فرحل إلى سامراء وبقي فيها طيلة حكم المتوكّل والمنتصر والمعتصم والمعتزّ حتّى وفاته عليه السلام . وقد أقام الإمام الهادي عليه السلام في سامراء

ص: 468


1- دلائل الإمامة للطبري : ص216 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص146 .
2- انظر مروج الذهب : ج4 ص169 ، الصراط السوي : ص407 ، إعلام الورى : ج2 ص109 .

إلى أن توفّي(1).

وفاته عليه السلام

توفّي عليه السلام بسرّ من رأى مسموما شهيدا في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة وأشهر(2)، وذكر اليعقوبي في تاريخه أنّه توفّي الإمام علي بن محمّد عليهماالسلام بسرّ من رأى يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 254(3). ومادّة تاريخ شهادته موافق لاسمه الشريف ع ل ي بن محمّد .

وفي كتب التاريخ والسيرة أنّه عليه السلام مات مسموما على يد المعتزل العبّاسي واستشهد أيّام حكمه(4).

قال ياقوت : بسامراء قبر الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريين(5).

للسيّد علي الهاشمي :

أبا الحسن الهادي قصدتك راجيا

نداك وحاشا أن يخيب رجائيا

ص: 469


1- الإرشاد : ج2 ص309 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص328 ، المناقب : ج4 ص413 ، تذكرة الخواص : ص360 ، وفيّات الأعيان : ج2 ص234 ، إعلام الورى : ج2 ص125 ، تاريخ الطبري : ج8 ص348 .
2- الإرشاد : ج2 ص297 ، تحفة الأزهار : ج2 ص461 .
3- تاريخ اليعقوبي : ج3 ص25 ط النجف .
4- مروج الذهب : ج4 ص169 ، الصراط السوي : ص407 ، نور الأبصار : ص182 ، تذكرة الخواص : ص362 ، تاريخ اليعقوبي : ج3 ص140 .
5- معجم البلدان : ج3 ص178 ، وفيه سامراء لغة في سرّ من رأى ، مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة ، وقد ينسبون إليها بالسرمدي ، وتسمّى أيضا بالعسكر ، وهذا العسكر ينسب إلى المعتصم .

فمن لي إذا لم تقض منك حوائجي * وإنّك للحاجات لا زلت قاضيا

بجودك أرجو أن أرى الدهر ضاحكا * فجودك لا ينفكّ للشرّ ماحيا

فلا الغيث يحكي بذل كفّيك هاميا * ولا البحر يحكي فيض جودك طاميا

ص: 470

فصل في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام

كان للإمام الهادي عليه السلام من الذكور أربعة ، وبنت واحدة ، وهم :

أبو محمّد الحسن العسكري عليه السلام ، فسيأتي ذكره في الباب المقبل إن شاء اللّه .

والحسين ، ومحمّد ، وجعفر .

وابنته عليّة(1)، وقيل : اسمها عائشة .

وذكر بعض النسّابين في أولاد الإمام الهادي عليه السلام : زيدا وموسى وعبداللّه . ولكنّهم غير معروفين .

ومن زوجاته عليه السلام : سليل ، وقيل : أُمّ ولد نوبية ، ويقال لها : حديثة ، وقيل : سوسن ، وقيل : أُمّ ولد يقال لها : حربية .

ص: 471


1- الإرشاد : ج2 ص312 ، إعلام الورى : ج2 ص126 ، نور الأبصار : ص183 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص19 .

فصل تراجم أولاد الإمام من البنين

محمّد بن الإمام الهادي عليه السلام

نسبه :

هو السيّد محمد بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمّد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام زين العابدين السجّاد بن الإمام الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب عليهم السلام .

فهو ابن فاطمة الزهراء عليهاالسلام وابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هذا نسبه الشريف ، والذي سمّي بالسلسلة الذهبية ، قال أبو نعيم في حلية الأولياء : كان بعض سلفنا من المحدّثين إذا روى هذا الإسناد ، يقول : لو قرأ هذا الإسناد على مجنون لأفاق(1).

أُولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا ياجرير المجامع

وأُمّه أُمّ ولد ، يقال لها سليل ، وقد أثنى عليها زوجها الإمام الهادي عليه السلام ثناءً عطرا وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها ، فقال : سليل (وهو اسمها) مسلولة من الآفات

ص: 472


1- حلية الأولياء : ج5 ص71 .

والأنجاس(1).

وكانت من أفضل نساء عصرها ، ومن السيّدات الزاكيات في عفّتها وورعها وطهارتها ، وكانت من العارفات الصالحات .

ولادته

فتحت المدينة المنوّرة أبوابها لتستقبل الوليد الجديد ، عرف بمحمّد ، وهو الكبير من أولاد أبيه الإمام الطاهر ، العظيم في علمه وحلمه وصفاته الحسنة . ولد السيّد محمّد بن الإمام الهادي عليه السلام في المدينة المنوّرة في قرية يقال لها (صريّا) سنة (228ه) وتقابلها سنة (843م) ، في بيت تمتّع بقدسيّة كاملة ، بالغة الإيمان والتقوى ، بيت هو مصدر الفكر والمعرفة ، كواكبه شموس ساطعة من الطاهرين والصالحين ، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، هذا البيت هو بيت العقيدة ، الذي دعا اللّه عزّوجلّ الناس أن يحبّوه ويوادّوه حيث قال تعالى : «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2)-(3).

كانت ملامحه هي كملامح أبيه الإمام الهادي عليه السلام ، فهذا الشبل من ذاك الأسد ، ونشأ السيّد محمّد عليه السلام وهو يرتضع ويشرب نميرا عذبا من صدر الأُمّهات المؤمنات العابدات ، وترعرع في هذا البيت الكريم ، فهو من شجرة النبوّة المباركة التي أتت أُكلها كلّ حين ، والتي أصلها ثابت وفرعها في السماء .

ص: 473


1- أعيان الشيعة : ج3 ص289 .
2- سورة الشورى : الآية 23 .
3- راجع دائرة المعارف الشيعية للسيّد حسن الأمين : باب السيّد محمّد بن الإمام الهادي عليه السلام .

سئل عمّه عبداللّه بن الحسن المحض : بما صرتم أفضل الناس ، قال : لأنّ الناس كلّهم يتمنّون أن يكونوا منّا ، ولا نتمنّى أن نكون من أحد(1).

هكذا نشأ ونما حتّى بلغ مستوىً تربويا عاليا رفيعا في تربيته ، وصار رمزا واضحا للعظمة والعبقرية والجلال والوقار ، والحكمة والصبر ، وفذّا من الأفذاذ ، وشجرة من شجرة النبوّة ، وسعة الأخلاق ، ووفرة العلم ، ونور العبادة والزهد ، فأهّلته هذه الصفات لأن يشار له بمن يحتمل أن يكون الإمام بعد أبيه من قبل الشيعة ، ولكنّه توفّي في حياة أبيه وكان الإمام هو الحسن العسكري بالنصّ .

كنيته

خوطب (سلام اللّه عليه) بعدّة كنى منها :

1 - أبو جعفر(2)، وهو المشهور وبه نطقت الروايات(3).

2 - أبو علي(4).

3 - أبو أحمد(5).

ألقابه

أمّا ألقابه فكثيرة ، وكثرة الألقاب تدلّ على عظمة الملقّب ، نذكر منها ما يلي :

ص: 474


1- عمدة الطالب : ص280 ، سرّ السلسلة العلوية : ص41 .
2- انظر مراقد المعارف : ج2 ص262 .
3- وربما لقّب بأبي جعفر الثاني : عن علي بن عبدالغفّار ، قال : لمّا مات أبو جعفر الثاني كتب الشيعة إلى أبي الحسن الهادي عليه السلام صاحب العسكر ، يسألونه عن الأمر ، فكتب عليه السلام الأمر لي ما دمت حيّا ، فإذا نزلت بي مقادير اللّه عزّوجلّ أتاكم الخلف ، فيظهر من هذه الرواية بأنّ السيّد محمّد كان يكنّى بأبي جعفر الثاني .
4- تحفة الأزهار : ج2 ص461 .
5- مراقد المعارف : ج2 ص264 .

1 - سبع الدجيل(1): وهو أشهر ألقابه وبه عرف ، وكان المكان الذي دفن فيه بعيدا عن مناطق السكن ، وخاليا من سواد الناس وقراهم . وكان الزائرون عند زيارته في خوف ووجل وخصوصا من قطّاع الطرق واللصوص وعند ضعف الحكومات المركزية قديما ، إلاّ أنّ الزائرين لمرقده المقدّس وعند وصولهم إلى القبر

المبارك كانوا يشاهدون سبعا (أسدا) ضاريا يجوب الأرض التي حول القبر الشريف ، وربما شاهدوه وهو رابض على القبر ليلاً أو نهارا ، وكان لا يدع أحدا من المعتدين بشرا كان أو حيوانا من الدنو إلى زوّاره أو الحرم المبارك إلاّ ونكل به

أو أبعده عن المنطقة ، ولذا كان زائريه ينهون بالراحة والاطمئنان ما داموا في حرمه .

قال شاعره(2):

ينام قريرا عندك الوفد أنّه

يهاب فلا يدنو إلى ضيفك اللصّ

لعمرك قد خافوك حيّا وميّتا

وهل قيل هذا خيف في رمسه شخص

2 - سبع الجزيرة ، وربما سمّيت بالجزيرة (بكسر الجيم) وتعني في لهجة أهالي المنطقة الأرض المقفرة والخالية .

3 - أسد الدجيل ، قال شاعره(3):

ياأسد الدجيل كم من حسرة

تبعث بالأحشاء والترائب

ص: 475


1- الدجيل : مدينة قديمة سمّيت باسم نهرها ، ونهرها باسمها ، ثمّ سمّيت بالإبراهيمية نسبة إلى قبر إبراهيم ابن مالك الأشتر الذي قتل بالقرب منها ، وتسمّى مسكن ، وربما سمّيت بمسيكة . والآن بدّل اسمها وسمّيت ب- الفارس وتقع جنوب مدينة بلد .
2- الشيخ محمّد حسين المظفّر المولود عام 1312ه .
3- الشاعر عبدالغني الخضري من أهالي الخضر .

4 - البعّاج(1)، أي القتّال لمن تجاوز الحدّ على زائريه وعليه ، كرامة من اللّه له ، وهي من أفعال الأسد (السبع) .

5 - أبو البرهان ، لوضوح شارته ، وسطوع كرامته ، ودلالة قربه من اللّه سبحانه وتعالى .

6 - أبو الشارة ، الشارة تعني العلامة الواضحة الدالّة على سرعة استجابة الدعاء عنده .

صفاته

لقد اتّصفت حياته بصفات عالية المضامين ، كبيرة الأبعاد ، نذكر منها :

أ - أُنسه بأخيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام :

كان السيّد محمّد أبو جعفر عليه السلام نموذجا رائعا في مدرسة الأئمّة الطاهرين عليهم السلام،

وصورة صادقة لأفكارهم واتّجاهاتهم ، وقد تميّز بذكائه ، وخُلُقه الرفيع ، وسعة علمه ، حيث كان يأنس بأخيه الحسن العسكري عليه السلام أُنسا تامّا وكانا لا يفترقان .

وتحدّث الگيلاني عن وقار وأخلاق السيّد محمّد أبي جعفر ، فقال : صحبت أبا جعفر محمّد بن علي الرضا وهو حدث السنّ ، فما رأيت أوقر ولا أزكى ولا أجلّ منه ، وكان قد خلّفه أبو الحسن العسكري بالحجاز طفلاً فقدم عليه مشيدا ، وكان ملازما لأخيه أبي محمّد عليه السلام لا يفارقه(2)، وكان أبو محمّد يأنس به .

ولمّا توفّي السيّد محمّد أبو جعفر حزن عليه أخوه الحسن العسكري عليه السلام حزنا عظيما وحلّت به الفاجعة ، وبكى لفراقه بكاءً مرّا ، وشقّ عليه جيبه .

ص: 476


1- مراقد المعارف : ج2 ص262 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص326 .

قال علي بن مهزيار ، عن جماعة من بني هاشم : أنّه حين توفّي ولده - أي ولد الإمام الهادي عليه السلام - وقد بسط له في صحن الدار وجيء له بكرسي وجلس عليه عليه السلام والناس حوله ، والحسن العسكري عليه السلام مشقوق الجيب ، قائم في ناحية يبكي ، وقال في جواب من عابه عليه(1): قد شقّ موسى على هارون .

ب - تلاوة القرآن : فقد كان السيّد محمّد عليه السلام يأنس بالقرآن الكريم ويطيل قراءته ، وبقي مداوما لقراءته حتّى في أيّام مرضه وهو يعاني السقم ، أخذ يتلو آيات من الذكر الحكيم ، ويمجّد اللّه تعالى حتّى صعدت روحه إلى بارئها .

وقد أعطاه اللّه سبحانه وتعالى ، كرامة له ومحبّة منه ، فقد حدّث السيّد الحاجه أبو القاسم الأصفهاني النجفي ، قال :

ما ألمّت بي ملمّة وتوسّلت بأبي جعفر (السيّد محمّد) إلاّ وفرّج عنّي ، وجرّبت

من النذور له ، كقراءة سبع سور أو تكرار واحدة سبعا ، أو الإنفاق بسبعة دراهم وإهداء ثوابها إليه .

ولمّا توفّي السيّد محمّد عليه السلام قال والده الإمام الهادي عليه السلام : إنّ في أبي جعفر خلفا من أبي جعفر .

والمقصود أنّ الإمام الحجّة (عجّل اللّه فرجه) خلف من أبي جعفر السيّد محمّد ابن الإمام الهادي عليه السلام . فقد ورد في إكمال الدين للشيخ الصدوق : إنّ أحد ألقاب الحجّة المنتظر (عجّل اللّه فرجه الشريف) أبو جعفر(2).

ص: 477


1- راجع الكافي للكليني : ج1 ص326 ، وانظر كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ص122 .
2- راجع إكمال الدين : ج2 ص381 .

في ذكر أولاده

قال السيّد ضامن بن شدقم في التحفة ما معناه :

إنّ من أولاد السيّد محمّد ، شمس الدين محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين بن محمّد بن علي بن محمّد بن الإمام الهادي عليه السلام ، المشهور بالأمير سلطان البخارى ، وذلك لكونه ولد ونشأ في بخارى ، ويقال لأولاده : البخاريون .

وكان شمس الدين سيّدا ، ورعا ، عابدا ، صالحا ، زاهدا ، صاحب العلماء الكبار واقتبس من فضائلهم ، وذهب من بخارى إلى الروم وسكن في مدينة (بروساء) في أرض الروم . وحكيت عنه كرامات كثيرة ، وتوفّي في تلك المدينة سنة (832ه أو 833ه) وقبره معروف هناك ومزار للناس ومحلّ نذورهم ، وقال السيّد حسن البرقي : إنّ عقب السيّد محمّد من شمس الدين ، وله سلالة وذرّية منتشرة في الأطراف والأكناف ، ومن أولاده علاء الدين إبراهيم وابنه علي وابنه يوسف وابنه حمزة وابنه السيّد محمّد البعّاج(1).

والسادة آل البعّاج المقيمون في العراق وخوزستان ينتمون في النسب إلى علي وأحمد ولدي السيّد محمّد البعّاج(2).

مراحل حياته

لقد ولد السيّد محمّد في حياة أبيه عليه السلام وعاش في كنفه أربعا وعشرين عاما من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة الواضحة عن شخصية أبيه الإمام وأخيه عليهماالسلام وكذا أجداده الأئمّة الميامين الأطهار .

ص: 478


1- تحفة الأزهار : ج2 ص461 .
2- مراقد المعارف : ج2 ص263 ، تحفة الأزهار : ج2 ص462 ، تاريخ سامراء للمحلاتي : ج2 ص289 .

وكان الإمام الهادي عليه السلام حريصا على تنشئة ولديه محمّد والحسن عليهماالسلام وربط قضاياهما عقيدةً وتشريعا وحتّى عاطفيا ووجدانيا بنفسه عليه السلام شخصيا ليحملا أبعاد رسالة الأئمّة عليهم السلام .

أقام السيّد محمّد عليه السلام مع أبيه علي الهادي عليه السلام في المدينة المنوّرة ، وحتّى السنة الثانية من حكم المتوكّل وهي سنة (234ه) حيث سعى بأبيه الإمام الهادي عليه السلام زبانية المتوكّل ، فأرسل المتوكّل إليه يستدعيه إلى سامراء ، فهاجر الإمام الهادي عليه السلام مكرها إلى سامراء وخلّفه بالمدينة طفلاً ، حيث رأى بأُمّ عينيه مأساة أبيه وأهل بيته ، كيف حمل يحيى بن هرثمة أباه وأهل بيته من المدينة المنوّرة إلى سامراء(1). وكان عمره عند مغادرة أبيه المدينة المنوّرة آنذاك ست سنين وشهور(2).

وقد عاصر السيّد محمّد بن الإمام الهادي عليه السلام عددا من الحكّام العبّاسيين وهم : الواثق ، والمتوكّل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتزّ .

وكان السيّد محمّد عليه السلام يرى ويشاهد كلّ تلك الأحداث والمآسي من قتل وحبس وتشريد التي كانت تجري على أهل بيته وشيعتهم ، فتجرّع غصصها .

وكان السيّد محمّد بن الإمام علي الهادي عليهماالسلام من العلماء الأجلاّء والفضلاء ، والأئمّة النصحاء ، وكان بعض الشيعة يتصوّرون بإمامته بعد أبيه الإمام الهادي عليه السلام إلاّ أنّه توفّي في زمن أبيه ، بينما كان النصّ بالإمامة على أخيه الحسن العسكري عليه السلام .

ص: 479


1- تذكرة الخواص : ص360 ، نور الأبصار : ص182 ، المناقب : ج4 ص413 .
2- أعيان الشيعة : ج2 ص40 .

وكان السيّد محمّد عليه السلام عظيم الشأن ، ويكفيه فضلاً وشرفا أنّه كان أهلاً للإمامة ، وكان أكبر أولاد الإمام الهادي عليه السلام . ولولا مقامه العالي ومكانته الكبيرة وقدره الجليل ، لما شقّ عليه أخوه أبو محمّد الحسن العسكري عليه السلام ثوبه عند مماته .

فقد ذكر الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد : بسنده عن جماعة من بني هاشم منهم (الحسن بن الحسين الأفطس) : أنّهم حضروا يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد دار أبي الحسن عليه السلام وقد بُسط له في صحن داره ، والناس جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العبّاس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ، إذ نظر إلى الحسن بن علي عليهماالسلام وقد جاء مشقوق الجيب حتّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة من قيامه ، ثمّ قال له : « يابني أحدث للّه شكرا ، فقد أحدث فيك أمرا » فبكى الحسن عليه السلام واسترجع فقال : « الحمد للّه ربّ العالمين ، وإيّاه أسأل تمام نعمه علينا ، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون » .

فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن ابنه ، فقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها ، فيومئذٍ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة وإقامة مقامه(1).

وذكر أيضا ؛ بسنده عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعدما مضى ابنه أبو جعفر ، وإنّي لأُفكّر في نفسي وأقول : كأنّهما محمّد والحسن كموسى وإسماعيل ابني الإمام الصادق عليه السلام فإنّ قصّتهما كقصّتهما ، فأقبل إليّ أبو الحسن قبل أن أنطق ، فقال : نعم ياأبا هاشم بدا للّه في أبي محمّد بعد أبي جعفر وهو

ص: 480


1- الإرشاد : ج2 ص317 ، الكافي : ج1 ص262 ح8 ، إعلام الورى : ص351 .

كما حدّثتك نفسك ولو كره المبطلون(1).

وصرّحت بعض الروايات بأنّ الإمام الهادي عليه السلام عزّى ولده الزكي أبا محمّد بأخيه أبي جعفر ، وفي الروايات شبهة البداء ، ذكرها الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة(2)، فراجع .

وهي كناية عن عظيم مقام السيّد محمّد عليه السلام وإلاّ فإنّ النصّ كان على إمامة الحسن العسكري عليه السلام دون غيره ، حيث أخبر به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونزل به جبرئيل عليه السلام وصرّح به الأئمّة الطاهرون عليهم السلام .

وكانت أسماء الأئمّة الاثني عشر مكتوبة على العرش وغيره قبل خلق آدم عليه السلام وبعده .

وفاته

توفّي السيّد محمّد بن الإمام علي الهادي عليهماالسلام بضواحي قرية بلد من توابع دجيل ، في أواخر جمادى الآخرة أو أوائل شهر رجب المرجّب من عام (252ه)(3).

ذكر النوبختي : أنّ السيّد محمّد عليه السلام قد توفّي قبل أبيه الهادي عليه السلام بسنتين تقريبا(4). وقبل أخيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام بثمان سنوات .

ص: 481


1- الإرشاد : ج2 ص318 .
2- راجع الكافي : ج1 ص325 و326 ، والغيبة : ص130 .
3- أعيان الشيعة : ج10 ص5 ، مراقد المعارف : ج2 ص262 .
4- فرق الشيعة للنوبختي : ص94 .

وكان أبوه الإمام الهادي عليه السلام قد خلّفه صغيرا في المدينة عند مغادرته إيّاها إلى العراق وإقامته بسرّ من رأى .

وقدم أبو جعفر إلى سرّ من رأى لزيارة والده وأهله ، وبعد زيارته قفل راجعا إلى الحجاز ، ولمّا وصل سواد قرية بلد من دجيل وحربي ، على مرحلة من سرّ من رأى مرض وثقل مرضه وتوفّي هناك ، وجاءه والده وأهل بيته وغسّلوه وأقبروه في نفس الموضع(1).

وكان عمره عند مغادرة أبيه المدينة المنوّرة آنذاك ست سنين وشهور ، على اعتبار أنّ ولادته سنة (228ه) وشخوص والده إلى سامراء عام (234ه)(2).

مرقده

مرقده في سواد (بلد)(3) في الدجيل وحربي من توابع سرّ من رأى ، على بعد حدود ستّة فراسخ عنها ، قريب من نهر دجلة على بعد حدود الفرسخ من دجلة في ضفّتها الغربية ، وهو اليوم عامر بالزائرين ، شامخ الصرح ، مشيّد عليه قبّة عالية البناء سميكة الدعائم ، فقد أشادها في عصرنا زعيم الطائفة السيّد ميرزا محمّد حسن الشيرازي في سنة 1331ه(4).

ص: 482


1- مراقد المعارف : ج2 ص268 و269 ، مفاتيح الجنان : ص522 ، المجدي في أنساب الطالبيين : ص325 .
2- أعيان الشيعة : ج2 ص40 .
3- قال ياقوت الحموي : بلد بالتحريك وربما قيل : بلط ، بالطاء . هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل بينهما سبعة فراسخ ، وبينها وبين نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخا ، قالوا : سمّيت بلط لأنّ الحوت ابتلع يونس النبي عليه السلام في نينوى مقابل الموصل وبلطته هناك . وقال أيضا : (بلد) بليدة معروفة من نواحي دجيل قرب الحظيرة وحربي من أعمال بغداد . انظر معجم البلدان : ج2 ص265 .
4- مراقد المعارف : ج2 ص264 .

قال شيخنا في كتاب النجم الثاقب :

ومزار السيّد محمّد عليه السلام في ثمانية فراسخ من سرّ من رأى ، قريب قرية بلد ، وهو من أجلاّء السادة وصاحب كرامات متواترة حتّى عند أهل السنّة والأعراب ، فهم يخشونه كثيرا ولا يحلفون به يمينا كاذبة ، ويجلبون النذور إلى قبره ، بل يقسم الناس بحقّه في سامراء لفصل الدعاوي والشكايات ، ولقد رأينا مرارا أنّ المنكر لأموال شخص مثلاً إذا طلبوا منه القسم بأبي جعفر كان يردّ المال ولا يقسم ، وذلك لتجربتهم أنّ الكاذب لو حلف به يصيبه الضرّ ، ورأينا منه في أيّامنا هذه كرامات باهرة ، ولقد عزم بعض العلماء أن يجمع تلك الكرامات ويدوّنها حتّى تصير كتابا يحتوي على فضائله وفّقه اللّه تعالى(1). انتهى .

وكان الشيخ ثقة الإسلام النوري (نوّر اللّه ضريحه) يعتقد في زيارته اعتقادا راسخا ، وقد سعى في تعمير قبّته الشريفة وضريحه ، وقد كتب على ضريحه الشريف : هذا قبر السيّد الجليل أبا جعفر محمّد بن علي الهادي عليه السلام(2).

وقد كتب هذه الأبيات في حرمه الشريف :

قصدناك ملئ النفس منّا أمانيا

أبا جعفر باب الحوائج قانيا

رجوناك باب الحمد بابك والثنا

وسيّان فيها مخلصا ومداحيا

تؤمّك وفّاد الجهات بأسرها

فترجع موفورا عليها الأعاطيا

منّى النفس أن أحظى بلقياك ساعة

فابسط أشواقي واكتم ما بيا

ص: 483


1- النجم الثاقب : ص235 .
2- مفاتيح الجنان : ص521 .

جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام

هو جعفر بن الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وهو الثالث من اخوته . وقد اتّهم بكونه كاذبا وعرف بجعفر الكذّاب لإدّعائه الإمامة بعد وفاة أخيه الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام .

والظاهر عدم صحّة ذلك ، فإنّ هذه التهمة من مفتريات بني العبّاس أو كانت لظروف التقيّة وحفاظا عليه أو ما أشبه ، وبعض الأحاديث المروية في هذا الباب غير تامّة سندا أو دلالة .

وادّعاؤه للإمامة - إن صحّ ذلك - فالظاهر أنّه كإدّعاء محمّد بن الحنفية عليه السلام بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، حيث تظاهر محمّد بذلك وجعل شهادة الحجر الأسود هو الفصل ، وذلك ليعرف الناس أنّ الإمام هو زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام دونه على ما سبق تفصيله ، وهكذا كان جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام لأنّ المصلحة كانت في إخفاء ولادة الإمام المهدي عليه السلام وإمامته ، فزعم البعض بإمامة جعفر ولم يظهر لهم ولادة الإمام حفاظا عليه ، حتّى توفّي الإمام الحسن العسكري عليه السلام ووقف جعفر ليصلّي على جنازة أخيه ، وإذا بالستار قد نحّي وجاء الإمام المهدي عليه السلام وهو صبي في الخامسة من عمره وأخذ برداء عمّه وقال : تنحّ

ياعمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي منك ، فتأخّر جعفر فورا . ولم يحاججه في ذلك ، وهذا ممّا يؤيّد اعترافه وعلمه بوجود الإمام المهدي وإمامته (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) .

ومن هنا يعرف السبب في التباس الأمر على البعض حيث اتّهم جعفر بالكذب وقال بعضهم بأنّه تاب إلى اللّه ، ولكن الصحيح على ما عرفت أنّه كان

ص: 484

صالحا ولم يثبت في حقّه ما قيل .

قال العلاّمة الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي في أرجوزته :

وهاك تاريخ الإمام العاشر

خير الورى وأشرف المعاشر

أولاده الحسين بعد الحسن

محمّد وجعفر ذو الفتن

وقد روى ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله في أُصول الكافي ، عن محمّد بن عثمان العمري ، توقيعا بخطّ صاحب الأمر عليه السلام صريحا في توبته وأنّ سبيله سبيل اخوة يوسف بن يعقوب عليه السلام(1). ورواه أيضا الشيخ الطبرسي في الاحتجاج ، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة .

قال صاحب المجدي : قبره في دار أبيه بسامراء ، ومات وله خمس وأربعون سنة ، سنة إحدى وسبعين ومائتين(2).

وكان يكنّى ب- (أبي كرين) وذلك لما حكي أنّ له مائة وعشرين ولدا(3).

ويقال لولده الرضويون(4) نسبة إلى جدّه الإمام الرضا عليه السلام ، وله عدّة أولاد بالمدينة وبغداد وجنديسابور(5)، وأعقب من جماعة انتشر منهم عقب ستّة ما بين مقلّ ومكثر ، وهم : إسماعيل ، وطاهر ، ويحيى الصوفي ، وهارون ، وعلي ،

ص: 485


1- الكافي : ج1 ص420 ، وانظر سرّ السلسلة العلوية : ص40 .
2- المجدي في أنساب الطالبيين : ص330 ، النفحة العنبرية : ص71 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص40 ، المجدي : ص330 ، وفي النفحة العنبرية : ص70 يدعى أبو البنين .
4- في المجدي ، يقال لهم : بنو الرضا .
5- جنديسابور : بضمّ أوّله وتسكين ثانيه وفتح الدال وياء ساكنة وسين مهملة وألف وباء موحّدة وواو ساكنة وراء . مدينة بخوزستان بناها سابور بن أردشير ، فنسبت إليه وأسكنها سبي الروم وطائفة من جنده . انظر معجم البلدان ، ومنتقلة الطالبية : ص374 .

وإدريس(1).

ومن أولاد جعفر بن الإمام الهادي : أبو الرضا محسن بن جعفر الذي خرج في أيّام المقتدر باللّه سنة (300ه) في أعمال دمشق ، فأخذ وقتل وأرسل رأسه إلى بغداد وصلب على الجسر(2).

ومن أولاده أيضا : عيسى بن جعفر المعروف بابن الرضا ، وكان عالما فاضلاً كاملاً ، سمع منه الحديث الشيخ الأجل أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري سنة (325ه) وأخذ منه الإجازة(3).

ونقل عن تاريخ قم : إنّ بريهة بنت جعفر بن الإمام علي النقي عليه السلام كانت زوج محمّد بن موسى المبرقع ، فجاءت مع زوجها إلى قم وتوفّيت بعده ، ودفنت في مشهده وقبرهما في بقعة تعرف ب- (چهل اختران) وبعدما توفّيت بريهة جاء أخواها إبراهيم ويحيى الصوفي ابنا جعفر إلى قم ليأخذوا إرثها ، ثمّ خرج إبرهيم من قم وبقي يحيى الصوفي فيها ، وسكن في دورة زكريا بن آدم قرب مرقد حمزة بن موسى بن جعفر عليه السلام .

وتزوّج هناك ب- (شهربانويه) بنت أمين الدين أبي القاسم بن مرزبان بن مقاتل ، فولدت له أبا جعفر وفخر العراق والستية ، فولدوا أولادا كثيرين ، يعرفون بالصوفية .

قال صاحب المجدي : فولد جعفر بن منتشر ومنقرض .. ومنهم أبو الفتح

ص: 486


1- سرّ السلسلة العلوية : ص41 ، عمدة الطالب : ص229 .
2- مقاتل الطالبيين : ص550 .
3- تحفة الأزهار : ج2 ص465 .

أحمد بن محمّد بن المحسن بن يحيى بن جعفر .. فتغرّب حتّى وصل إلى آمد الثغر فمات به ، وكان أبوه - أبو عبداللّه محمّد - له جلالة وتولّى النقابة بمقابر قريش وله أخ تغرّب إلى مصر ، وكان فاضلاً أديبا ، يحفظ القرآن يعرف بأبي القاسم علي(1).

الحسين بن الإمام الهادي عليه السلام

هو الحسين بن الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

وكان زاهدا معترفا بإمامة أخيه الحسن العسكري عليه السلام ، وكان صوت الإمام الحجّة (عجّل اللّه فرجه) يشبه صوت عمّه الحسين هذا ، وكان الناس يعبّرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالسبطين تشبيها لهما بالإمامين الحسن والحسين عليهماالسلام ، وكان شديد الاتّصال بأخيه الإمام العسكري عليه السلام ، فقد شاعت هذه التسمية (السبطين) في العصر الذي نشأ فيه .

فقد روى أبو هاشم الجعفري ، فقال : ركبت دابة فقلت : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ»(2) فسمع منّي أحد السبطين ، فقال : لا بهذا أُمرت ، أُمرت أن تذكر نعمة ربّك إذا استويت عليه(3).

وعلى كلّ حال فالمعروف أنّ قبره عند قبر أبيه وأخيه في سرّ من رأى .

وقال الشيخ عبّاس القمّي : إنّ عند قبر العسكريين عليهماالسلام في سامراء على

ص: 487


1- المجدي في أنساب الطالبيين : ص331 ، عمدة الطالب : ص229 .
2- سورة الزخرف : الآية 13 .
3- سفينة البحار : ج1 ص259 .

المشهور عصبة من السادة العظام ، ومنهم : حسين بن الإمام علي الهادي عليه السلام ، وإنّي لم أقف على حال الحسين هذا وقوفا تامّا ، ويبدو لي أنّه من أعظام السادة وأجلاّئهم .

وجاء في كتاب شجرة الأولياء : عند ذكر أولاد الإمام الهادي علي النقي عليه السلام أنّ ابنه الحسين كان من الزهّاد والعبّاد(1).

ص: 488


1- انظر مفاتيح الجنان : ص521 .

الباب الحادي عشر: أولاد الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام

اشارة

ص: 489

ص: 490

نبذة عن حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام الحسن العسكري بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(1).

وأُمّه : سليل ، وكانت من العارفات الصالحات(2).

وفي بعض الروايات أنّ أُمّه أُمّ ولد نوبية(3)، ويقال لها حديث(4)، وقيل : أُمّ ولد ، ويقال لها : حربية ، ويقال : إنّها سوسن(5)، وقيل : حديثة(6).

وقد أثنى عليها زوجها - الإمام علي الهادي عليه السلام - ثناءً عطرا وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها ، فقال : سليل (وهو اسمها) مسلولة من الآفات والأنجاس(7).

ص: 491


1- الإرشاد : ج2 ص313 ، إعلام الورى : ج2 ص132 ، أعيان الشيعة : ج3 ص289 ، تذكرة الخواص : ص362 ، نور الأبصار : ص183 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص178 ، الفصول المهمّة : ص284 .
2- عيون المعجزات : ص134 .
3- سرّ السلسلة العلوية : ص39 ، وفي الحديث : بأبي ابن النوبية - يعني الإمام الحسن - الطيّبة ، جاء ذلك في مجمع البحرين ، وفي معجم البلدان : ج5 ص309 ، النوبة : بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر .. وقد مدح النبي صلى الله عليه و آله أهلها ، فقال : من لم يكن له أخ فليتّخذ أخا من النوبة .
4- الإرشاد : ج2 ص314 ، ومناقب آل أبي طالب : ج4 ص421 .
5- كشف الغمّة : ج2 ص292 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص148 .
6- المستجاد من كتاب الإرشاد للحلّي : ص113 ، تحفة الأزهار : ج2 ص480 .
7- أعيان الشيعة : ج3 ص289 ، إثبات الوصية للمسعودي : ص89 .

وكانت في غاية الجلالة والإيمان ، حتّى أنّ أحمد بن إبراهيم سأل السيّدة الجليلة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام : إلى من تفزع الشيعة اليوم ، فقالت له : إلى الجدّة أُمّ أبي محمّد(1).

كان يقال لها الجدّة ، وكفى في فضلها أنّها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة أبي محمّد عليه السلام . وكانت حيّة حتّى بعد وفاة ولدها الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، فقد أرسلها الإمام العسكري عليه السلام إلى مكّة المكرّمة للحجّ ، أي قبل وفاته وكتب وصيّته باسم والدته ، إجلالاً لها ولمكانتها العالية ، بوقوفه وصدقاته وأسند النظر إليها في

ذلك(2).

ولادته عليه السلام

ولد عليه السلام في المدينة المنوّرة يوم الجمعة الثامن ربيع الثاني سنة (232ه)(3).

وقيل : مولده في سنة (231ه)(4).

وفي بعض الروايات : أنّه ولد في سرّ من رأى سنة (232ه)(5).

وسمّى الإمام علي الهادي عليه السلام وليده المبارك ب- (الحسن) وحقّا أنّه من أجمل الأسماء ، وهو كاسم عمّه الأعلى سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الإمام الحسن عليه السلام ابن أمير المؤمنين ، وقد سمّاه اللّه بهذا الاسم .

ص: 492


1- كمال الدين للصدوق : ج1 ص45 .
2- الغيبة للشيخ الطوسي : ص75 .
3- الإرشاد : ج2 ص313 ، أخبار الدول : ص117 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص179 ، نور الأبصار : ص183 ، الفصول المهمّة : ص284 ، المناقب : ج4 ص422 .
4- النجوم الزاهرة : ج3 ص32 ، سرّ السلسلة العلوية : ص39 ، تذكرة الخواص : ص362 .
5- راجع جواهر الأحكام كتاب الحجّ .

كنيته عليه السلام

وكنّي الإمام الزكي ب- (أبي محمّد)(1) وهو اسم ولده الإمام المنتظر محمّد المهدي (عجّل اللّه فرجه) المصلح الأعظم للبشرية ، والذي هو أمل المحرومين والمستضعفين في الأرض وسيظهر بإذن اللّه تعالى ليملأ العالم عدلاً وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا .

ألقابه عليه السلام

أمّا ألقابه عليه السلام فهي تحكي ما اتّصف به من النزعات العظيمة ، والصفات الشريفة ، وهي :

الصامت ، الهادي ، الرفيق ، الزكي ، التقي ، المضيء ، الشافي ، السراج ، الخالص ، والعسكري ، ومن الجدير بالذكر أنّ هذا اللقب - العسكري - إذا أُطلق فإنّه ينصرف إلى الإمام الحسن عليه السلام لا إلى أبيه حسب ما نصّ عليه بعض المؤرخين(2).

صفاته عليه السلام

أمّا ملامح شخصيته فقد وصفها أحمد بن عبيداللّه بن خاقان ، فقال : إنّه أسمر ، أعين (واسع العين) ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيّد البدن ، له جلالة وهيبة(3).

ص: 493


1- الإرشاد : ج2 ص313 ، النجوم الزاهرة : ج3 ص32 ، تحفة الأنام : ص86 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص25 ، كشف الغمّة : ج2 ص403 .
2- أخبار الدول : ص117 ، تحفة الأنام : ص87 ، جوهرة الكلام : ص154 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص423 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص425 .

وقيل : إنّه كان بين السمرة والبياض(1).

حياته مع أبيه ومدّة إمامته

انتقل مع أبيه عليه السلام إلى سامراء بعد أن استدعاه المتوكّل إليها وكان له من العمر يومئذ سنتان على أشهر الروايات(2)، وبقي مع أبيه عليه السلام ثلاثا وعشرين سنة ، وبعد أبيه عليه السلامست سنين، وفي بعض الروايات خمس سنين وشهورا وهي فترة إمامته عليه السلام.

ومن الحكّام الذين عاصرهم : كان في سني إمامته بقيّة أيّام المعتزّ العبّاسي أشهرا ، ثمّ ملك المهتدي ، والمعتمد ، وبعد مضي خمس سنين من ملك المعتمد قبض عليه عليه السلام .

فضائله عليه السلام

كان الإمام الهادي عليه السلام يرى في ولده الزكي امتدادا ذاتيا للإمامة الكبرى والنيابة العظمى عن النبي صلى الله عليه و آله فاهتمّ بأمره ، وأشاد بفضله قائلاً فيه :

أبو محمّد ابني ، أصحّ آل محمّد صلى الله عليه و آله غريزة ، وأوثقهم حجّة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامنا(3).

وبذلك فقد جمع الإمام الحسن العسكري عليه السلام أُصول الفضائل والمكارم .

وقد وصفه أحمد بن عبيداللّه بن خاقان بالرغم من أنّه كان يحقد عليه ويسعى للوقيعة به قائلاً : ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمّد بن الرضا ، ولا سمعت بمثله في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم ، وتقديمهم إيّاه على ذوي السن

ص: 494


1- أخبار الدول : ص117 ، نور الأبصار : ص183 .
2- إثبات الوصية للمسعودي : ص236 .
3- أعيان الشيعة : ج3 ص295 .

منهم والخطر ، وكذلك القوّاد والكتاب وعوام الناس(1). وقال أيضا : ما رأيت أنقع ظرفا ، ولا أغضّ طرفا ، ولا أعفّ لسانا وكفّا من الحسن العسكري(2). فكان الإمام الحسن العسكري عليه السلام مناقبه وفضائله وكراماته لا تحصى .. وإنّ المنقبة العليا

التي خصّه اللّه بها أنّ المهدي عليه السلام هو ولده(3). وأي منقبة أعظم من هذه المنقبة التي منحها اللّه الإمام الزكي أبا محمّد ، فهو أبو الإمام المهدي عليه السلام ، صانع التاريخ ، ومغيّر

مجريات الأحداث ، والقائم بانقلاب عامّ ضدّ جبابرة الأرض ، وطواغيت الكون .

شاعره عليه السلام

ابن الرومي(4).

بوّابه عليه السلام

عثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمّد بن عثمان(5).

نقش خاتمه عليه السلام

سبحان من له مقاليد السماوات والأرض(6). وفي بعض الروايات : أنا اللّه الشهيد .

ص: 495


1- كمال الدين : ج1 ص40 .
2- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص423 .
3- تذكرة الخواص : ص363 ، مرآة الجنان : ج2 ص172 ، مطالب السؤول : ج2 ص244 ، وفيّات الأعيان : ج1 ص372 .
4- نور الأبصار : ص183 .
5- مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص26 ، نور الأبصار : ص183 .
6- نور الأبصار : ص183 .

من آثاره عليه السلام

كتاب التفسير(1).

من زوجاته عليه السلام

السيّدة نرجس أو مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأُمّها من ولد الحواريين ، تنسب إلى وصي المسيح عليه السلام شمعون(2).

وفاته عليه السلام

توفّي عليه السلام مسموما شهيدا يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين من الهجرة(3)، وله يومئذ ثمان وعشرون سنة ، فقد كان في شرخ الشباب وزهرته(4).

ودفن في داره بسرّ من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام(5).

وصرّحت الروايات بأنّه مات مسموما على يد المعتمد العبّاسي(6).

ص: 496


1- راجع معالم العلماء لابن شهر آشوب : ص34 .
2- إكمال الدين : ج2 ص417 ، روضة الواعظين : ج1 ص252 ، دلائل الإمامة : ص262 ، الغيبة : ص124 ، حلية الأبرار : ج2 ص515 ، إثبات الهواة : ج3 ص363 ، المناقب : ج4 ص440 ، تحفة الأزهار : ج2 ص497 .
3- الإرشاد : ج2 ص314 ، الصراط السوي : ص410 ، وفيّات الأعيان : ج2 ص94 .
4- مرآة الجنان : ج2 ص462 ، تاريخ الخميس : ج2 ص343 ، تاريخ بغداد : ج7 ص366 .
5- المجدي في أنساب الطالبيين : ص325 ، سرّ السلسلة العلوية : ص40 ، النفحة العنبرية : ص69 .
6- راجع المصباح للكفعمي : ص75 ، اعتقادات الصدوق : ص99 ، الفصول المهمّة : ص272 ، إثبات الهداة : ج3 ص757 .

فصل في عدد أولاده عليه السلام

المعروف بين الشيعة الإمامية بل المشهور أنّه ليس له ولد إلاّ المهدي المنتظر (صلوات اللّه عليه) ، كما صرّح بذلك المفيد في الإرشاد قائلاً : ولم يخلّف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره وخلّفه غائبا مستترا(1). ولكن من مراجعة الأقوال

بضميمة ما ورد يمكن استعراض ستّة أقوال ، وإن كان بعضها باطلاً بالضرورة .

الأوّل : لم يخلّف ولدا .

قيل : إنّه عليه السلام ليس له عقب ولم يخلّف ولدا ، وذلك لأنّ الإمام أخفى ولادة ابنه المهدي عليهماالسلام ولم يخبر به إلاّ الخواص من الشيعة .

والقول بأنّه لم يخلّف باطل بالضرورة ، وعلى بطلانه شواهد كثيرة ، قال الشيخ الطوسي في ردّ هذا القول :

وأمّا من قال لا ولد لأبي محمّد عليه السلام ، فقوله يبطل بما دللنا عليه من إمامة الاثني عشر وسياقة الأمر فيهم ، ويزيده بيانا ما رواه محمّد بن عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عقبة بن جعفر ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد .

ص: 497


1- الإرشاد : ج2 ص336 .

فقال : ياعقبة بن جعفر ، إنّ صاحب هذا الأمر لا يموت حتّى يرى ولده من بعده(1).

الثاني : ولد له الحجّة وموسى وفاطمة وعائشة .

هذا ما ادّعاه نصر بن علي الجهضمي على ما رواه عنه ابن أبي الثلج البغدادي في تاريخ الأئمّة ، قال : ولد للحسن العسكري عليه السلام محمّد عليه السلام وموسى وفاطمة وعائشة(2).

وهذا القول قد تفرّد به نصر هذا ، كما ترى إذ لم يقل به أحد من المؤرخين سواه .

الثالث : كان له ولد وتوفّي قبل ولادة الحجّة عليه السلام .

ويستفاد هذا القول ممّا رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة عن الشلمغاني في كتاب الأوصياء ، عن إبراهيم بن إدريس ، قال : وجّه إليّ مولاي أبو محمّد عليه السلام بكبش وقال : عقّه عن ابني فلان وكل وأطعم أهلك .

ففعلت ، ثمّ لقيته بعد ذلك ، فقال لي : المولود الذي ولد لي مات .

ثمّ وجهّ إليّ بكبشين وكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، عقّ هذين الكبشين عن مولاك وكل هنّأك اللّه وأطعم إخوانك ففعلت ، ولقيته بعد ذلك فما ذكر لي شيئا(3).

وعلى فرض صحّة الرواية وغضّ النظر عن الشلمغاني(4)، فإنّ هذا القول

ص: 498


1- الغيبة : ص133 .
2- ضمن مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص20 ، النجم الثاقب : ص136 .
3- الغيبة : ص148 .
4- انظر الغيبة : ص251 ، قال الشيخ : وأخبرنا جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمّد ابن همام : أنّ محمّد بن علي الشلمغاني لم يكن بابا قطّ إلى أبي القاسم ولا طريقا ولا نصبه أبو القاسم من ذلك على وجه ولا سبب ، ومن قال بذلك فقد أبطل ، وإنّما كان فقيها من فقهائنا وخلط عنه ما ظهر وانتشر الكفر والإلحاد عنه ، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممّن تابعه وشايعه وقال بقوله .

غير منافٍ لما قاله بعض المؤرخين من أنّه لم يخلّف سوى الحجّة ، وإن كان مخالفا للقول المعروف ، كما سنشير إليه ، لأنّه توفّي في حياة أبيه .

الرابع : كان له ذكر وأُنثى لا غير .

وهذا القول ذكره المامقاني رحمه الله في تنقيح المقال في الجدول الذي نقله عن بعض الكتب الرجالية .

ويكفي في ضعف هذا القول ما قاله العلاّمة المامقاني نفسه في عنوان الجدول ، قال :

(وجدت هذا الجدول في بعض الكتب الرجالية المعتمدة ، فأحببت إثباته تسهيلاً للأمر ، ولا ألتزم بصحّة جميع ما فيه ، فإنّ في جملة منه خلافا)(1).

الخامس : خلّف ولدين .

إن الإمام الحسن العسكري عليه السلام خلّف ولدين أحدهما الحجّة القائم (صلوات اللّه عليه) والآخر موسى .

ويستفاد هذا القول من قصّة تفتيش إبراهيم بن مهزيار أو علي بن مهزيار أو كليهما ، عن أخبار آل أبي محمّد عليه السلام ، ولتوضيح هذه المسألة ، نستعرض القصّتين ، ثمّ نعلّق عليهما :

قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين : حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رضى الله عنه ، قال :

ص: 499


1- تنقيح المقال : ج1 ص190 الفائدة الثانية من المقدّمة .

حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، قال : قدمت مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ، فبحثت عن أخبار آل أبي محمّد الحسن بن علي الأخير عليهماالسلام ، فلم أقع على شيء منها ، فرحلت منها إلى مكّة مستبحثا عن ذلك ، فبينما أنا بالطواف إذ تراءى لي فتى أسمر اللون ، رائع الحسّ ، جميل المخيلة ، يطيل التوسّم فيّ ، فعدت إليه

مؤمّلاً منه عرفان ما قصدت له ، فلمّا قربت منه سلّمت ، فأحسن الإجابة .

ثمّ قال : من أي البلاد أنت ؟

قلت : رجل من أهل العراق ، قال : من أي العراق ؟

قلت : من الأهواز .

فقال : مرحبا بلقائك ، هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحصيني ؟

قلت : دعي فأجاب .

قال : رحمة اللّه عليه ما كان أطول ليله وأجزل نيله ، فهل تعرف إبراهيم بن مهزيار ؟

قلت : أنا إبراهيم بن مهزيار .

فعانقني مليّا ثمّ قال : مرحبا بك ياأبا إسحاق ما فعلت بالعلامة التي وشجت بينك وبين أبي محمّد عليه السلام ؟

فقلت : لعلّك تريد الخاتم الذي آثرني اللّه به من الطيّب أبي محمّد الحسن عليهماالسلام ؟

فقال : ما أردت سواه .

فأخرجته إليه فلمّا نظره إليه استعبر وقبّله ، ثمّ قرأ كتابته فكانت (يااللّه يامحمّد ياعلي) .

ثمّ قال : بأبي يدا طالما جلت فيه .

وتراخى بنا فنون الأحاديث - إلى أن قال - : ياأبا إسحاق أخبرني عن عظيم

ص: 500

ما توخّيت بعد الحجّ ؟

قلت : وأبيك ما توخّيت إلاّ ما سأستعلمك مكنونه .

قال : سل عمّا شئت فإنّي شارح لك إن شاء اللّه ؟

قلت : هل تعرف من أخبار آل أبي محمّد الحسن عليهماالسلام شيئا ؟

قال لي : وأيم اللّه إنّي لأعرف الضوء بجبين محمّد وموسى ابني الحسن بن علي عليهم السلام ثمّ إنّي لرسولهما إليك قاصدا لإنبائك أمرهما ، فإن أحببت لقاءهما والاكتحال بالتبرّك بهما ، فارتحل معي إلى الطائف ، وليكن ذلك في خفية من رجالك واكتتام .

قال إبراهيم : فشخصت معه إلى الطائف أتخلّل رملة فرملة ، حتّى أخذ في بعض مخارج الفلاة ، فبدت لنا خيمة شعر قد أشرفت على أكمة رمل ، تتلألأ تلك البقاع منها تلألؤا ، فبدرني إلى الإذن ودخل مسلّما عليهما وأعلمهما بمكاني فخرج عليّ أحدهما وهو الأكبر سنّا (م ح م د) ابن الحسن عليهماالسلام وهو غلام أمرد ناصع

اللون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب ، مسنون الخدّين ، أقنى الأنف ، أشمّ أروع كأنّه غصن بان ، وكأنّ صفحة غرّته كوكب درّي ، بخدّه الأيمن خال ، كأنّه فتاة مسك على بياض الفضّة ، وإذا برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شحمة أُذنه ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حسنا وسكينة وحياء .

فلمّا مثل لي أسرعت إلى تلقّيه ، فأكببت عليه ألثم كلّ جارحة منه .

فقال لي : مرحبا بك ياأبا إسحاق لقد كانت الأيّام تعدني وشك لقائك ، والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار وتراخي المزار ، تتخيّل لي صورتك حتّى كأنّا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة وخيال المشاهدة ، وأنا أحمد اللّه ربّي وليّ

الحمد على ما قيّض من التلاقي ، ورفّه من كربة التنازع والاستشراف على أحوالها متقدّمها ومتأخّرها .

ص: 501

فقلت : بأبي أنت وأُمّي ما زلت أفحص عن أمرك بلدا فبلدا منذ استأثر اللّه بسيّدي أبي محمّد عليه السلام ، فاستغلق عليّ ذلك ، حتّى منّ اللّه عليّ بمن أرشدني إليك

ودلّني عليك ، والشكر للّه على ما أوزعني فيك من كريم اليد والطول .

ثمّ نسب نفسه وأخاه موسى واعتزل بي ناحية .

ثمّ قال : إنّ أبي

عليه السلام عهد إليّ أن لا أُوطّن من الأرض إلاّ أخفاها وأقصاها ، إسرارا لأمري ، وتحصينا لمحلّي ، لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأُمم الضوال ، فنبذني إلى عالية الرمال ، وجبت صرائم الأرض ينظرني الغاية التي عندها يحلّ الأمر وينجلي الهلع . وكان عليه السلام أنبط لي من خزائن الحكم وكوامن

العلوم ما إن شعّت إليك منه جزءا أغناك عن الجملة .

(واعلم) ياأبا إسحاق أنّه قال عليه السلام : يابني إنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يكن ليخلّي أطباق أرضه وأهل الجدّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلي بها ، وإمام يؤتمّ به ويقتدى بسبيل سنّته ومنهاج قصده ، وأرجو يابني أن تكون أحد من أعدّ اللّه لنشر الحقّ ووطي الباطل وإعلاء الدين وإطفاء الضلال ، فعليك يابني بلزوم خوافي الأرض وتتبّع أقاصيها ، فإنّ لكلّ ولي من أولياء اللّه عزّوجلّ عدوا مقارعا وضدّا منازعا ، افتراضا لمجاهدة أهل النفاق وخلاعة أُولي الإلحاد والعناد ، فلا يوحشنّك ذلك .

واعلم أنّ قلوب أهل الطاعة والإخلاص نزّع إليك مثل الطير إلى أوكارها ، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلّة والاستكانة ، وهم عند اللّه بررة أعزّاء يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة ، وهم أهل القناعة والاعتصام ، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد ، خصّهم اللّه باحتمال الضيم في الدنيا ليشملهم باتّساع العزّ في دار

القرار وجبلّهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى وكرامة حسن العقبى .

فاقتبس يابني نور الصبر على موارد أُمورك تفز بدرك الصنع في مصادرها ،

ص: 502

واستشعر العزّ فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبّه إن شاء اللّه ، وكأنّك يابني بتأييد نصر اللّه وقد آن ، وتيسير الفلج وعلوّ الكعب وقد حان ، وكأنّك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدرّ في مثاني العقود ، وتصافق الأكفّ على جنبات الحجر الأسود ، تلوذ بفنائك من ملأ برّأهم اللّه من طهارة الولادة ونفاسة التربة ، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق ، ليّنة عرائكهم للدين ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نضرة بالفضل عيدانهم ، يدينون بدين الحقّ وأهله ، فإذا اشتدّت أركانهم ، وتقوّمت أعمادهم فدّت بمكانفتهم طبقات الأُمم إلى إمام ، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعّبت أفنان غصونها على حافاة بحيرة الطبرية ، فعندها يتلألؤ صبح الحقّ وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم اللّه بك الطغيان ، ويعيد معالم الإيمان ، يظهر بك استقامة الآفاق وسلام الرفاق ، يودّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضا ، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازا ، تهتزّ بك أطراف الدنيا بهجة ، وتنشر عليك أغصان العزّ نضرة ، وتستقرّ بواني الحقّ في قرارها ، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها ، تتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كلّ عدو ، وتنصر كلّ ولي ، فلا يبقى على وجه الأرض جبّار قاسط ولا جاحد غامط ، ولا شانئ مبغض ، ولا معاند كاشح ، ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبه إنّ اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيء

قدرا .

ثمّ قال : ياأبا إسحاق ؛ ليكن مجلسي هذا عندك مكتوما إلاّ عن أهل التصديق والاخوة الصادقة في الدين ، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكّن فلا تبطئ بإخوانك عنّا وباهر المسارعة إلى منار اليقين وضياء مصابيح الدين ، تلق رشدا إن شاء اللّه .

ص: 503

قال إبراهيم بن مهزيار : فمكثت عنده حينا اقتبس ما أُؤدّي إليهم من موضحات الأعلام ونيّرات الأحكام وأُروّي نبات الصدور من نضارة ما ادّخره اللّه في طبائعه من لطائف الحكم وطرائف فواضل القسم ، حتّى خفت إضاعة مخلّفي بالأهواز لتراخي اللقاء عنهم ، فستأذنته بالقفول ، وأعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحّش لفرقته والتجرّع للظعن عن محالّه ، فأذن وأردفني من صالح دعائه ما يكون ذخرا عند اللّه ولعقبي وقرابتي إن شاء اللّه .

فلمّا أزف ارتحالي وتهيّأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودعا ومجدّدا للعهد وعرضت عليه مالاً كان معي على خمسين ألف درهم ، وسألته أن يتفضّل بالأمر بقبوله منّي .

فابتسم وقال : باأبا إسحاق استعن به على منصرفك ، فإنّ الشقّة قذفة وفلوات الأرض أمامك جمّة ولا تحزن لإعراضنا عنه ، فإنّا قد أحدثنا لك شكره ونشره وربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنّة ، فبارك اللّه فيما خوّلك وأدام لك ما نوّلك ، وكتب لك أحسن ثواب المحسنين وأكرم آثار الطائعين ، فإنّ الفضل له ومنه ، وأسأل اللّه أن يردّك إلى أصحابك بأوفر الحظّ من سلامة الأوبة وأكناف الغبطة بلين المنصرف ، ولا أوعث اللّه لك سبيلاً ، ولا حيّر لك دليلاً ، واستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنّه ولطفه إن شاء اللّه .

ياأبا إسحاق ، قنعنا بعوائد إحسانه وفوائد امتنانه ، وصان أنفسنا عن معاونة الأولياء لنا عن الإخلاص في النيّة ، وإمحاض النصيحة ، والمحافظة على ما هو أنقى وأتقى وأرفع ذكرا .

قال : فأقفلت عنه حامدا للّه عزّوجلّ على ما هداني وأرشدني ، عالما بأنّ اللّه لم يكن ليعطّل أرضه ولا يخليها من حجّة واضحة ، وإمام قائم ، وألقيت هذا الخبر المأثور والنسب المشهور توخّيا للزيادة في بصائر أهل اليقين ، وتعريفا لهم ما منّ

ص: 504

اللّه عزّوجلّ به من إنشاء الذرّية الطيّبة والتربة الزكيّة ، وقصدت أداء الأمانة والتسليم لما استبان ، ليضاعف اللّه عزّوجلّ الملّة الهادية والطريقة المستقيمة المرضية ؛ قوّة عزم ، وتأييد نيّة ، وشدّ أزر ، واعتقاد عصمة ، واللّه يهدي من يشاء

إلى صراط مستقيم(1).

وروى القصّة الأُخرى في ص465 من نفس الكتاب وقال :

حدّثنا أبو الحسن علي بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن محمّد بن عبداللّه بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : وجدت في كتاب أبي رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن أحمد الطوال ، عن أبيه ، عن الحسن

ابن علي الطبري ، عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن مهزيار قال : سمعت أبي يقول : سمعت جدّي علي بن إبراهيم بن مهزيار يقول :

كنت نائما في مرقدي إذ رأيت ما يرى النائم قائلاً يقول لي : حجّ فإنّك تلقى صاحب زمانك .

قال علي بن إبراهيم : فانتبهت وأنا فرح مسرور ، فما زلت في الصلاة حتّى انفجر عمود الصبح ، وفرغت من صلاتي وخرجت أسأل عن الحاج ، فوجدت فرقة تريد الخروج ، فبادرت مع أوّل من خرج فما زلت كذلك حتّى خرجوا ، وخرجت بخروجهم أُريد الكوفة ، فلمّا وافيتها نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي إلى ثقات إخواني ، وخرجت أسأل عن آل أبي محمّد عليه السلام ، فما زلت كذلك ، فلم أجد أثرا ولا سمعت خبرا ، وخرجت في أوّل من خرج أُريد المدينة ، فلمّا دخلتها لم أتمالك أن نزلت عن راحلتي وسلّمت رحلي إلى ثقات اخواني ، وخرجت أسأل عن الخبر وأقفو الأثر ، فلا خبرا سمعت ولا أثرا وجدت ، فلم أزل كذلك إلى أن نفر

ص: 505


1- إكمال الدين : ج2 ص445 ب43 ح19 .

الناس إلى مكّة ، وخرجت مع من خرج حتّى وفيت مكّة ونزلت فاستوثقت من رحلي ، وخرجت أسأل عن آل أبي محمّد عليه السلام فلم أسمع خبرا ولا وجدت أثرا ، فما زلت بين الإياس والرجاء متفكّرا في أمري وعائبا على نفسي وقد جنّ الليل ، فقلت أرقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لأطوف بها ، وأسأل اللّه عزّوجلّ أن يعرّفني أملي فيها ، فبينما أنا كذلك وقد خلا لي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطواف ، فإذا

أنا بفتى مليح الوجه طيّب الرائحة متزر ببردة ، متّشح بأُخرى ، وقد عطف بردائه على عاتقه فرعته .

فالتفت إليّ فقال : ممّن الرجل ؟

فقلت : من الأهواز .

فقال : أتعرف بها ابن الخصيب .

فقلت : رحمه اللّه دُعي فأجاب .

فقال : رحمه اللّه ، لقد كان بالنهار صائما وبالليل قائما وللقرآن تاليا ولنا مواليا .

فقال : أتعرف بها علي بن مهزيار ؟

فقلت : أنا علي .

فقال : أهلاً وسهلاً بك ياأبا الحسن ، أتعرف الصريحين ؟

قلت : نعم .

قال : ومن هما ؟

قلت : محمّد وموسى .

ثمّ قال : ما فعلت العلامة التي بينك وبين أبي محمّد عليه السلام ؟

فقلت : معي .

فقال : أخرجها إليّ .

ص: 506

فأخرجتها إليه خاتما حسنا على فصّه (محمّد وعلي) فلمّا رأى ذلك بكى مليّا ورنّ شجيّا ، فأقبل يبكي بكاءً طويلاً وهو يقول : رحمك اللّه ياأبا محمّد فلقد كنت

إماما عادلاً ابن أئمّة وأبا إمام ، أسكنك اللّه الفردوس الأعلى مع آبائك عليهم السلام .

ثمّ قال ياأبا الحسن صر إلى رحلك وكن على أهبّة من كفايتك حتّى إذا ذهب الثلث من الليل وبقي الثلثان فالحق بنا فإنّك ترى مناك إن شاء اللّه .

قال ابن مهزيار : فصرت إلى رحلي أُطيل التفكّر حتّى إذا هجم الوقت ، فقمت إلى رحلي وأصلحته وقدّمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتّى لحقت الشعب ، فإذا أنا بالفتى هناك يقول : أهلاً وسهلاً بك ياأبا الحسن طوبى لك فقد أذن لك .

فسار وسرت بسيره حتّى جاز بي عرفات ومنى ، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف . فقال لي : ياأبا الحسن انزل وخذ في أهبّة الصلاة ، فنزل ونزلت حتّى فرغ وفرغت ، ثمّ قال لي : خذ في صلاة الفجر وأوجز ، فأوجزت فيها ، وسلّم وعفّر وجهه في التراب ثمّ ركب وأمرني بالركوب فركبت ، ثمّ سار وسرت بسيره حتّى علا الذروة .

فقال : المح هل ترى شيئا ؟

فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء .

فقلت : ياسيّدي أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء .

فقال لي : هل ترى في أعلاها شيئا ؟

فلمحت فإذا أنا بكثيب من رمل فوقه بيت من شعر يتوقّد نورا .

فقال لي : هل رأيت شيئا ؟ فقلت : أرى كذا وكذا .

فقال لي : يابن مهزيار طب نفسا وقرّ عينا فإنّ هناك أمل كلّ مؤمّل .

ثمّ قال : انطلق بنا ، فسار وسرت حتّى صار في أسفل الذروة .

ص: 507

ثمّ قال : إنزل ، فها هنا يذلّ لك كلّ صعب .

فنزل ونزلت حتّى قال لي : يابن مهزيار خلّ عن زمام الراحلة .

فقلت : على من أُخلّفها وليس هاهنا أحد ؟

فقال : إنّ هذا حرم لا يدخله إلاّ ولي ، ولا يخرج منه إلاّ ولي .

فخلّيت عن الراحلة ، فسار وسرت ، فلمّا دنا من الخباء سبقني .

وقال لي : قف هناك إلى أن يؤذن لك .

فما كان إلاّ هنيئة فخرج إليّ وهو يقول : طوبى لك قد أعطيت سؤلك .

قال : فدخلت عليه (صلوات اللّه عليه) وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر متّكئ على مسورة أديم ، فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر ، لا بالخرق ، ولا بالبزق ، ولا بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللاصق ،

ممدود القامة ، صلت الجبين ، أزجّ الحاجبين ، أدعج العينين ، أقنى الأنف ، سهل الخدّين ، على خدّه الأيمن خال ، فلمّا أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته .

فقال لي : يابن مهزيار كيف خلفت إخوانك في العراق ؟

قلت : في ضنك عيش وهناة ، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان .

فقال : قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون ، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربّهم ليلاً ونهارا . فقلت : متى يكون ذلك يابن رسول اللّه ؟

قال : إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم ، واللّه ورسوله منهم براء ، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثا فيها أعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نورا ، ويخرج السروسي من أرمنية وآذربيجان يريد وراء الري الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الأحمر ، لزيق جبل طالقان ، فيكون بينه وبين المروزي وقعة صيلمانية ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم منها الكبير ، ويظهر القتل بينهما ، فعندها توقّعوا خروجه إلى الزوراء ، فلا يلبث حتّى يوافي باهات ، ثمّ يوافي واسط العراق ، فيقيم

ص: 508

بها سنة أو دونها ، ثمّ يخرج إلى كوفان ، فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغري ، وقعة شديدة ، تذهل منها العقول ، فعندها يكون بوار الفئتين ، وعلى اللّه حصاد الباقين . ثمّ تلا قوله تعالى : بسم اللّه الرحمن الرحيم «أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ»(1).

فقلت : سيّدي يابن رسول اللّه ما الأمر ؟ قال : نحن أمر اللّه وجنوده .

قلت : سيّدي يابن رسول اللّه حان الوقت ؟ قال : «اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»(2).

ملاحظات على القصّتين

ويستفاد من هاتين الروايتين أنّ للإمام الحسن العسكري عليه السلام ولدين هما محمّد عليه السلام وموسى ، وهذا خلاف المشهور .

وهناك بعض الأسئلة حول القصّتين نشير إليها :

1 - اشتراك القصّتين في المحور الأساسي - البحث عن أخبار آل أبي محمّد عليه السلام - وتشابههما في طريقة ظهور الدليل وأُسلوب المحاورة والسؤال عن

الخصيبي وطريقة المسير إلى اللقاء ، يجعل الظنّ قويّا بأنّهما قصّة واحدة .

2 - نفس محور القصّتين الأساسي وهو البحث عن أخبار آل محمّد عليهم السلام

يؤدّي إلى الشكّ في بعض المفردات ، إذ أنّ أمرا أساسيا كهذا ، أي مسألة الحجّة بعد الحسن عليهماالسلام ، وطريقة الرجوع إليه من خلال السفراء الأربعة - خاصّة السفير الأوّل عثمان بن سعيد - لا يحتمل أن يكون خافيا على رجل مثل إبراهيم بن مهزيار ، فكيف ترك الطريق إليه وأخذ يسأل في الكوفة والمدينة ومكّة عن أخبار

ص: 509


1- سورة يونس : الآية 24 .
2- كمال الدين : ج2 ص465 .

آل أبي محمّد الحسن عليه السلام ممّن لا إطّلاع له ولا معرفة بذلك .

وربما كان سؤاله لتنبيه الناس وإرشادهم بضرورة الاهتمام بمعرفة إمامهم عليه السلام أو لغير ذلك من الوجوه المحتملة .

3 - قول دليل اللقاء في قصّة علي بن إبراهيم بن مهزيار متسائلاً : أتعرف الصريحين ؟ وإجابة علي : نعم ؛ وسؤال دليله مرّة أُخرى : ومن هما ؟ وأجابه علي : محمّد وموسى . هذه المحاولة تكشف عن وجود أخ الحجّة (موسى) كان معروفا عند أمثال علي بن إبراهيم بن مهزيار . فكيف خفي الأمر على السفراء وهم خاصّة الخاصّة من الشيعة بحيث لا نملك نصّا عن أحدهم يحدّثنا به عن وجود موسى .

ولا يخفى أنّ عدم الذكر لا يدلّ على عدم علمهم كما هو واضح .

ثمّ إنّ الشيخ الطوسي رحمه الله أورد هذه القصّة في كتاب الغيبة(1)، بسند آخر عن علي بن إبراهيم بن مهزيار ، غير أنّه لم يرد فيها ذكر الصريحين محمّد وموسى .

السادس : أنّه لم يكن له ولد سوى الحجّة المنتظر (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) . إنّ الإمام العسكري عليه السلام لم يكن له ولد سوى المهدي المنتظر عليه السلام وهذا هو المعروف والمشهور بين الشيعة الإمامية ، ويدلّ عليه ما أُشير إليه في أوّل البحث

عن الشيخ المفيد في الإرشاد ، والطبرسي في تاج المواليد(2)، قال :

أمّا الحسن بن علي العسكري عليه السلام فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام ، ولم يخلف ولدا غيره ظاهرا وباطنا . وابن شهر آشوب قائلاً : وولده القائم لا غير(3).

ص: 510


1- راجع كتاب الغيبة : ص159 .
2- الإرشاد : ج2 ص340 ، تاج المواليد ضمن كتاب مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص106 .
3- مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص421 .

الباب الثاني عشر: أولاد الإمام الحجّة بن الحسن المهدي عليه السلام

اشارة

ص: 511

ص: 512

نبذة عن حياة الإمام المهدي عليه السلام

نسبه عليه السلام

هو الإمام ابن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(1).

وأُمّه : السيّدة نرجس أو مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وهي من ولد الحواريين ، ومن أسمائها سوسن ، صَقيل ، أو صُقيل ، حديثة ، حكيمة ، مليكة ، ريحانة ، وخمط(2).

أمّا أشهر أسمائها : نرجس .. .

وكنيتها : أُمّ محمّد .

ص: 513


1- انظر الإرشاد : ج2 ص340 ، إعلام الورى : ج1 ص215 ، نور الأبصار : ص185 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص179 ، تذكرة الخواص : ص363 ، التاج الجامع للأُصول في أحاديث الرسول : ج5 ص310 ، إمتاع الأسماع للمقريزي : ج13 ص186 ، مطالب السؤول : ج1 ص195 ، الفصول المهمّة : ص292 ، فرائد السمطين : ج2 ص320 ، سنن الترمذي : ج3 ص343 ، البيان في أخبار صاحب الزمان : ص94 ، عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر : الباب3 ح63 ، النفحة العنبرية : ص71 وغيرها من مصادر العامّة والخاصّة .
2- إكمال الدين : ص418 ، الغيبة : ص124 ، المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص441 ، تحفة الأزهار : ج2 ص498 ، مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة : ص20 .

وقد أثنى عليها الإمام علي عليه السلام بقوله : بأبي ابن خيرة الإماء(1).

وهي زوجة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، ولقد اختار اللّه لها شرف الدنيا والآخرة ، والسعادة العظمى التي لا يلقاها ولا ينالها إلاّ من كانت له حظّ عظيم .

روي في كتاب الغيبة : أنّ بعض أخوات الحسن عليه السلام كانت لها جارية ربّتها تسمّى نرجس ، فلمّا كبرت دخل أبو محمّد عليه السلام فنظر إليها ، فقالت له : أراك ياسيّدي

تنظر إليها ، فقال : إنّي ما نظرت إليها متعجّبا ، أما إنّ المولود الكريم على اللّه تعالى يكون منها،ثمّ أمرهاأن تستأذن أبا الحسن عليه السلامفي دفعها إليه، ففعلت،فأمرهابذلك(2).

وفي رواية قال أبو الحسن الهادي عليه السلام لأُخته حكيمة : يابنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمّد وأُمّ القائم عليه السلام(3).

ولادته عليه السلام

ولد عليه السلام بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان قبل طلوع الفجر سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة(4).

وهو الإمام الثاني عشر (صلوات اللّه عليه) اسمه اسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكنيته

ص: 514


1- الغيبة للطوسي : ص126 ، إعلام الورى : ج2 ص216 ، الإرشاد : ج2 ص382 .
2- كتاب الغيبة : ص147 ، وانظر عيون المعجزات : ص131 .
3- كمال الدين : ص417 ، دلائل الإمامة : ص262 ، غيبة الطوسي : ص124 ، روضة الواعظين : ج1 ص252 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص440 ، إثبات الهداة : ج3 ص363 ، حلية الأبرار : ج2 ص515 .
4- الإرشاد : ج2 ص340 ، تاج المواليد : ص109 ، الفصول المهمّة : ص293 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ص180 .

كنية رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قد آتاه اللّه سبحانه في حال الطفولية والصبا الحكمة وفصل الخطاب ، كما آتاهما يحيى صبيّا ، وجعله إماما وهو طفل قد أتى عليه خمس سنين ، كما جعل عيسى بن مريم عليه السلام في المهد نبيّا .

وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من النبي صلى الله عليه و آله ثمّ من أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ، ونصّ عليه الأئمّة عليهم السلام واحدا بعد واحد إلى أبيه الحسن العسكري عليه السلام ، ونصّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصّة شيعته .

ذكر فضل بن شاذان في كتاب غيبته ، قال : حدّثني محمّد بن علي بن حمزة بن الحسين بن عبيداللّه بن عبّاس بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعت الإمام

الحسن العسكري عليه السلام يقول : ولد لي ولي اللّه وحجّته على عباده وخليفتي من بعدي مختونا ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر ، وكان أوّل من غسله خازن الجنّة مع جمع من الملائكة المقرّبين بماء الكوثر والسلسبيل ثمّ غسلته عمّتي الحكيمة بنت الإمام علي الهادي عليه السلام .

وذكر ابن حجر المكّي الشافعي المتوفّى سنة 974ه في (الصواعق المحرقة) بعد ذكر بعض حالات الإمام الحسن عليه السلام : ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة ، عمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه اللّه فيها الحكمة ، كما أتى اللّه تعالى بعيسى بن مريم عليه السلام النبوّة ، قال اللّه تعالى : «قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّه ِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا»(1).

ص: 515


1- كمال الدين : ص417 ، دلائل الإمامة : ص262 ، غيبة الطوسي : ص124 ، روضة الواعظين : ج1 ص252 ، مناقب ابن شهر آشوب : ج4 ص440 ، إثبات الهداة : ج3 ص363 ، حلية الأبرار : ج2 ص515 .

ياغائبا لم تغب عنّا رعايته * ولا يزال بعين اللّه يرعانا

ألا ترانا وأعدانا تعاهدنا * بالظلم مصبحنا فيه وممسانا

متى ينادي المنادي في السماء ألا * بشراكم ظهر المهدي إعْلانا

كنيته عليه السلام :

كنيته : أبو القاسم(1).

ألقابه عليه السلام

من ألقابه : المهدي ، لأنّه يهدي إلى كلّ أمر خفي ، ولأنّ اللّه تعالى يهديه ويرشده إلى الأُمور الخفيّة التي لا يطّلع عليها أحد .

والقائم ، لأنّه يقوم بعد ما يموت ذكره ، أو لأنّه يقوم بأمر عظيم ، أو لأنّه يقوم بعد أن زعم الناس بموته ، أو لأنّه يقوم بأعظم قيام عرفه البشر ، أو يقوم بالحقّ .

والمنتظر ، وسمّي بذلك لأنّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون .

صاحب الزمان ، والحجّة ، والخاتم ، وصاحب الدار ، وصاحب الأمر(2).

وقد عبّر عنه وعن حسبته عليه السلام بالناحية المقدّسة(3).

صفاته عليه السلام

هو شاب مربوع القامة ، حسن الوجه ، والشعر يسيل على منكبيه ، أقنى الأنف ، أجل الجبهة ، ناصع اللون ، واضح الجبين ، مسنون الخدّ ، كأنّ وجهه كوكب

ص: 516


1- الفصول المهمّة : ص292 ، تاريخ الأئمّة : ص25 ، تاريخ مواليد الأئمّة ووفيّاتهم : ص149 .
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج4 ص442 ، الفصول المهمّة : ص292 .
3- تاج المواليد : ص109 .

درّي ، في خدّه الأيمن خال أسود كأنّه فاتة مسك على بياض الفضّة ، برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شحمة أُذنه ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حسنا ولا حياءً ، وجهه يتلألأ كالقمر الدرّي(1).

نقش خاتمه عليه السلام

نقش خاتمه عليه السلام : أنا حجّته وخاصّته .

وقيل : أنا حجّة اللّه .

ص: 517


1- تاج المواليد ضمن كتاب نفيسة : ص115 ، وراجع الإرشاد للمفيد : ج2 ص382 ، وإعلام الورى : ج2 ص465 .

فصل بعض من رأى الإمام المهدي عليه السلام في أيّام أبيه عليه السلام

1 - قال الصدوق رحمه الله في كتابه كمال الدين وتمام النعمة(1):

قال محمّد بن أيّوب ابن نوح ومعاوية بن حكيم ومحمّد بن عثمان العمري رحمه الله قالوا : عرض علينا أبو محمّد الإمام الحسن بن علي عليه السلام ولده ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً ، فقال :

هذا إمامكم من بعدي خليفتي عليكم أطيعوه ولا تفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا .

قالوا : فخرجنا من عنده فما مضت إلاّ أيّاما قلائل حتّى مضى أبو محمّد عليه السلام .

2 - وقال الصدوق رحمه الله أيضا في كمال الدين وتمام النعمة ، عن علي بن الحسن الفرج المؤذّن ، عن محمّد بن الحسن الكرخي ، قال : سمعت أبا هارون رجلاً من أصحابنا يقول : رأيت صاحب الزمان ووجهه يضيء كأنّه القمر ليلة البدر .

3 - وفيه أيضا : محمّد بن المتوكّل ، عن عبداللّه بن جعفر الحميري ، قال : سألت محمّد بن عثمان العمري ، فقلت له : رأيت صاحب هذا الأمر ؟ يعني الإمام المهدي عليه السلام ، فقال : نعم ، وآخر عهدي عند بيت اللّه الحرام ، وهو يقول : اللهمّ أنجز

ص: 518


1- كمال الدين للشيخ الصدوق : ج1 ص432 .

لي ما وعدتني .

4 - وفيه أيضا : عبداللّه بن جعفر الحميري ، قال : سمعت محمّد بن عثمان العمري يقول : رأيته صلوات اللّه عليه متعلّقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول : اللهمّ انتقم لي من أعدائي .

5 - وفي غيبة الشيخ الطوسي رحمه الله : جعفر بن محمّد بن مالك الغزاري ، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال والحسن بن أيّوب بن نوح في خبر طويل مشهور ، قالوا جميعا :

اجتمعنا إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام نسأله عن الحجّة من بعده - وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلاً - فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ، فقال له : يابن رسول اللّه أُريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي ، فقال الإمام عليه السلام له : اجلس ياعثمان ، فقام مغضبا ليخرج ، فقال عليه السلام : لا يخرجنّ أحد ، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاح الإمام الحسن العسكري عليه السلام بعثمان ، فقام على قدميه ، فقال : أُخبركم بما جئتم له ، قالوا : نعم يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال عليه السلام : جئتم تسألوني عن الحجّة ، قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنّه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمّد عليه السلام فقال : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر ، فأقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره وأقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم والأمر

إليه(1).

6 - محمّد بن يعقوب ، عن علي بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن

ص: 519


1- غيبة الشيخ الطوسي : ص230 .

جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالعراق - قال : رأيت ابن الحسن ابن علي بن محمّد بين المسجدين وهو غلام(1).

ولو ذكرنا جميع أسماء من رآه عليه السلام لطال الكتاب واتّسع الخطاب ، وفيما أوردناه هنا كفاية في الغرض الذي نحوناه .

غيبته الأُولى عليه السلام

الغيبة الأُولى للإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف) تسمّى الصغرى ، وكانت مدّتها تسع وستّون سنة ، نصب فيها أربعة سفراء ، سيأتي ذكرهم .

وكان الإمام عليه السلام يتّصل بشيعته ومواليه من خلالهم ، ويعالج المسائل الفقهية والمالية بل والقضايا الشخصية أيضا عن طريقهم .

ولقد اختلف المحدّثون حول بداية الغيبة الصغرى !! وهل بدأت أوائل عمره الشريف في عهد والده عليه السلام ؟ أم بدأت من وفاة والده الحسن العسكري عليه السلام ؟

ولعلّ الصحيح أنّ الاختفاء كان ملازما لحياة الإمام عليه السلام منذ أوائل عمره أمّا بدء الغيبة التي صاحبت إمامته فمن بعد أبيه (صلوات اللّه عليهما) .

وهناك أحاديث كثيرة رويت عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام تؤكّد على غيبة الإمام المهدي عليه السلام منها :

عن عمر بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار الصيرفي ، قال : سمعت أبا عبداللّه جعفر بن محمّد عليه السلام يقول للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة والأُخرى طويلة ، فالأُولى يعلم بمكانه خاصّة من شيعته ، والأُخرى لا يعلم بمكانه

ص: 520


1- الإرشاد : ج2 ص251 ، غيبة الطوسي : ص268 ، إعلام الورى : ج2 ص219 .

فيها إلاّ خاصّة مواليه في دينه(1). وكانت الشيعة في غيبته الأُولى تعبّر عنه وعن غيبته بالناحية المقدّسة ، وكان ذلك رمزا بين الشيعة يعرفونه به ، وكانوا يقولون أيضا على سبيل الرمز التقية : الغريم - يعنونه عليه السلام - وصاحب الأمر(2).

ص: 521


1- راجع كتاب الغيبة للنعماني : ص113 .
2- إعلام الورى للطبرسي : ج2 ص213 .

فصل سفراء الإمام المهدي عليه السلام

سفراء الإمام المهدي عليه السلام هم النواب الأربعة التالي ذكرهم :

1 - عثمان بن سعيد الأسدي ، وقد نصبه الإمام علي الهادي عليه السلام والإمام الحسن والد الإمام الحجّة عليهماالسلام ، وقال الإمام الحسن عليه السلام والد الحجّة عليه السلام : ياعثمان فإنّك الوكيل والثقة والمأمون ، وقال عليه السلام : وأشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمّدا وكيل ابني مهديّكم ، وأشار إلى جماعة من شيعته أهل اليمن جاؤوا لزيارة الإمام الحسن عليه السلام ولمّا مات الحسن بن علي عليهماالسلام حضر غسله عثمان ابن سعيد وأرضاه وتولّى جميع أمره من تكفينه وتحنيطه وتقبيره في ظاهر الحال ، وكانت توقيعات الإمام (عجّل اللّه فرجه) تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان إلى شيعته(1).

وكان عثمان بن سعيد يلقّب بالسمّان والزيّات ، ويكنّى بأبي عمرو .

2 - أبو جعفر محمّد بن عثمان الأسدي ، حيث كان سفيرا بعد وفاة أبيه عثمان ابن سعيد ، قام أبو جعفر بن عثمان الأسدي قريب أربعين عاما ، عاصر فيها حكم المعتمد العبّاسي ، وحكم المعتضد ، وحكم المكتفي ، وعشر سنوات من حكم المقتدر

ص: 522


1- راجع الكافي : ج1 ص329 ، ورجال الكشّي : ص285 ، والغيبة للشيخ الطوسي : ص217 .

العبّاسي ، وكان محمّد بن عثمان سفيرا للقائم عليه السلام بنصّ من أبيه الإمام العسكري عليه السلام، كما سبق شهادته ، وبنصّ من أبي جعفر وبتعيين من القائم عليه السلام ، حيث ورد :

رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسرّه اللّه في منقلبه ، كان من كمال سعادته أن رزقه اللّه ولدا مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه(1).

توفّى محمّد بن عثمان السفير الثاني بعد أبيه سنة 305ه في بغداد(2).

وكان محمّد بن عثمان يلقّب بالعمري ، والزيّات ، والعسكري .

3 - أبو القاسم حسين بن روح النوبختي ، صار سفير القائم عليه السلام قرابة واحد وعشرين عاما ، وتوفّي في شعبان سنة 326ه في بغداد وكان يلقّب بالنوبختي(3).

4 - أبو الحسن علي بن محمّد السمري ، وهو السفير الرابع للقائم الإمام العصر حجّة اللّه (عجّل اللّه فرجه) . توفّي السمري سنة 329ه في بغداد(4).

وبوفاته انقطعت السفارة الكبرى ، وانتهت الغيبة الصغرى التي دامت ما يقارب سبعين سنة .

وكلائه عليه السلام

كان لسفرائه عليه السلام وكلاء في كثير من البلاد الإسلامية ، يقومون بدور كبير في تسهيل مهمّة السفراء ، ومن هؤلاء الوكلاء(5):

1 - حاجز بن يزيد ، الملقّب بالوشّاء .

ص: 523


1- كمال الدين : ج2 ص510 .
2- الغيبة للشيخ الطوسي : ص220 ، وإكمال الدين : ص510 باب45 .
3- الغيبة للشيخ الطوسي : ص226 .
4- تتمّة المنتهى : ص42 .
5- تنقيح المقال : ج1 ص200 ، وإلزام الناصب : ج1 ص427 .

2 - أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم بن إسحاق بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام .

3 - إبراهيم بن مهزيار (أبو إسحاق الأهوازي) .

4 - محمّد بن إبراهيم بن مهزيار .

5 - أحمد بن إسحاق الأشعري القمّي .

6 - محمّد بن جعفر الأسدي .

7 - القاسم بن العلاء .

8 - الحسن بن القاسم بن العلاء ، كما يستفاد من التوقيع الوارد له بعد وفاة أبيه(1).

9 - محمّد بن شاذان النعيمي .

وهناك آخرون لم تشتهر وكالتهم بين المحدّثين .

الغيبة الثانية الكبرى

انتهت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى للإمام المهدي المنتظر (عجّل اللّه تعالى فرجه) بوفاة سفيره الرابع السمري والممتدّة حتّى يومنا هذا .

وقد صدر توقيع من الإمام (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) إلى السمري قبل وفاته بستّة أيّام جاء فيها :

« بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ياعلي بن محمّد السمري ، أعظم اللّه أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد طول الأمد ، وقسوة

ص: 524


1- الغيبة : ص188 .

القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ... »(1).

ياغائبا عنّا ولست بغائب * ما زلت مثل الشمس بين سحائب

ألطاف جودك لم تزل ما بيننا * ياخير ماش في الفلاة وراكب

وتستمر الغيبة الكبرى حتّى ظهور الإمام (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا ، وسيكون خروجه في مكّة المكرّمة ، وبيعته بين الركن والمقام ، وأنصاره عليه السلام 313 رجلاً من خواص أصحابه .

ص: 525


1- كمال الدين : ص512 باب45 .

فصل الروايات الواردة في الإمام المهدي عليه السلام

هناك الكثير الكثير من الروايات التي وردت حول الإمام المهدي المنتظر (عجّل اللّه فرجه الشريف) وإمامته وغيبته على لسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة الطاهرين عليهم السلام ، نشير إلى بعضها :

عن الحسين بن علي عليهماالسلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ أنت ياعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ بعدك الحسن ، ثمّ بعده الحسين ، ثمّ بعده علي ، ثمّ بعده محمّد ، ثمّ بعده

جعفر ، ثمّ بعده موسى ، ثمّ بعده علي ، ثمّ بعده محمّد ، ثمّ بعده علي ، ثمّ بعده الحسن ، ثمّ بعده الحجّة المهدي المنتظر عليهم السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم أئمّة أبرار ، هم مع الحقّ والحقّ معهم »(1).

وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث اللّه فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي »(2).

وروى الحمويني بسنده عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه

صلى الله عليه و آله : « إنّ

ص: 526


1- كفاية الأثر : ص70 .
2- كنز العمّال : ج14 ص264 ح38661 ، سنن الترمذي : ج3 ص343 ح2331 .

خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي لاثنا عشر ، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي ، قيل : يارسول اللّه ومن أخوك ؟ قال : علي بن أبي طالب ، قيل : فمن ولدك ؟ قال : المهدي الذي يملأها قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما ، والذي بعثني بالحقّ بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي

المهدي ، فينزل روح اللّه عيسى بن مريم فيصلّي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربّها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب »(1).

وروى ابن ماجه بسنده عن سعيد بن المسيّب ، قال : كنّا عند أُمّ سلمة ، فتذاكرنا المهدي فقالت : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « المهدي من ولد فاطمة »(2).

وعن الأصبغ بن نباتة ، قال : « أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكّرا ينكث الأرض ، فقلت : ما لي أراك متفكّرا ياأمير المؤمنين ، تنكث في الأرض ، أرغبت فيها ؟ فقال : لا واللّه ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قطّ ، ولكنّي فكّرت في مولود من نسلي يكون الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملؤها عدلاً كما ملئت جورا وظلما ، تكون له حيرة وغيبة تضلّ فيها أقوام ويهتدي بها آخرون ، فقلت : ياأمير المؤمنين ، وإنّ هذا لكائن ؟ فقال : نعم كما أنّه مخلوق ، وأنّى لكم بالعلم بهذا

ياأصبغ ، أُولئك خيار هذه الأُمّة مع أبرار هذه العترة ، قلت : ما يكون بعد ذلك ؟ فقال : يفعل اللّه ما يشاء » .

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال :

قال الحسين بن علي : « في التاسع من ولدي سنّة من يوسف ، وسنّة من

ص: 527


1- فرائد السمطين : ج2 ص312 .
2- سنن ابن ماجة : ج2 ص1328 ح4086 .

موسى بن عمران ، وهو قائمنا أهل البيت ، يصلح اللّه تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة »(1).

وقال الإمام الجواد عليه السلام : « أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج »(2).

وروى الخزار بسنده عن الصقر بن أبي دلف ، قال : سمعت علي بن محمّد بن علي الرضا عليهم السلام يقول : « الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ

الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جورا وظلما »(3).

وروى الخزار بسنده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري .

قال : سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول : « الخلف من بعدي ابني الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟

فقلت : ولِمَ جعلني اللّه فداك ؟

فقال : لأنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه ، قلت : وكيف نذكره ؟ قال : قولوا الحجّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله »(4).

والروايات التي تتحدّث عن الإمام المنتظر (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)

كثيرة عند محدّثي السنّة والشيعة ، فقد روى أحاديث المهدي إضافة إلى محدّثي الشيعة جماعة من محدّثي السنّة في صحاحهم المشهورة ، كالترمذي ، وأبي داود ، والحاكم ، وابن ماجة مسندة إلى خيار الصحابة عندهم كعلي عليه السلام وابن عباس ،

ص: 528


1- كمال الدين وتمام النعمة : ص317 .
2- كفاية الأثر : ص276 .
3- كفاية الأثر : ص288 .
4- كفاية الأثر : ص260 .

وابن عمر ، وابن مسعود ، وطلحة ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وأُمّ سلمة وغيرهم ، نشير إلى بعضها :

أخباره عليه السلام عن طريق أهل السنّة

هناك أحاديث وروايات كثيرة في الإمام المهدي عليه السلام عن طريق غير الإمامية منها :

1 - روى مسلم في صحيحه عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله بسند عال أنّه قال : كيف بكم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم(1).

2 - قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث : تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأُمّة ، وأنّ عيسى بن مريم سينزل ويصلّي خلفه(2).

3 - عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدرّي(3).

4 - عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : المهدي رجل من عترتي يقاتل على سنّتي كما قاتلت أنا على الوحي(4).

5 - عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يلتفت المهدي ، وقد نزل عيسى بن مريم ، كأنّما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدّم صلّ بالناس ،

ص: 529


1- صحيح مسلم : ج1 ص373 .
2- فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ج5 ص362 .
3- فيض القدير للمناوي : ج6 ص279 .
4- ينابيع المودّة للقندوزي : ج3 ص90 .

فيقول عيسى : إنّما أُقيمت الصلاة لك ، فيصلّي خلف رجل من ولدي(1).

6 - عن أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين ، قالت : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة(2).

وهذه الأحاديث تؤكّد على أنّ المهدي عليه السلام من ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صفته النسبية ، وأنّ وجهه كالكوكب الدرّي في صفته الخلقيّة ، وأنّ عيسى بن مريم عليه السلام سينزل ويصلّي خلفه ، وأنّه عليه السلام سيقاتل على السنّة كما قاتل الرسول الأعظم

صلى الله عليه و آله على الوحي ، فهو إذن امتداد للرسالة وفي صميمها .

وفي الحديث الخامس يؤكّد نزول عيسى عليه السلام من السماء بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وأنّ الإمام المهدي عليه السلام يدعوه للصلاة بالناس ، فيأبى عيسى ذلك ، لأنّ الصلاة أُقيمت للإمام المهدي عليه السلام ، فيصلّي خلفه ، وهو رجل من ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

والحديث السادس يخصّص بعد كونه من العترة الطاهرة ، أنّه من ولد سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

ص: 530


1- عقد الدرّ للمقدسي السلمي : ص73 .
2- فيض القدير للمناوي : ج6 ص277 ، والبيان للكنجي الشافعي : ص64 .

فصل في عدد ولده عليه السلام

السؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هل للإمام عليه السلام أولاد ؟

ونحن لهذا الموضوع بالذات ، أعني موضوع ثبوت الأولاد له عليه السلام نقول : إنّ ذلك غير معلوم لنا بالتفصيل وذلك لغيبة الإمام عليه السلام وانقطاعنا عنه (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) .

نعم إنّ بعض الأخبار وإن كان ظاهرها وجود الأولاد ، ولكن بعض العلماء من أمثال الشيخ المفيد ، والبياضي ، والطبرسي ، لم يرتضوا ذلك .

ونحن نذكر أوّلاً ما يمكن أن يستدلّ به على وجود أولاد له عليه السلام بإيجاز :

الروايات تدلّ على ثبوت الأولاد له عليه السلام

1 - ما رواه ابن طاووس عن الإمام الرضا عليه السلام في الصلاة على الإمام المهدي عليه السلام ، فقد وردت العبارات التالية :

« اللهمّ أعطه في نفسه ، وأهله وولده وذرّيته ، وجميع رعيته ما تقرّ له عينه ، وتسرّ به نفسه ، وتجمع له ملك المملكات كلّها ، قريبها وبعيدها ، وعزيزها وذليلها ،

ص: 531

حتّى يجري حكمه على كلّ حكم ، ويغلب بحقّه على كلّ باطل ... الخ »(1).

وغاية ما يدلّ عليه هذا الدعاء الذي صدر عن الإمام الرضا عليه السلام قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام بأكثر من نصف قرن : أنّه سيكون ثمّة مهدي للأُمّة ، وأنّه سوف يولد له أولاد .

وليس فيه ما يدلّ على زمان أُولئك الأولاد ، فقد يولدون له في أوّل عمره ، وقد يولدون بعد قرون من الزمن ، وربما بعد ظهوره عليه السلام(2).

كما ربما يفهم ذلك من سياق الكلام الناظر في الأكثر إلى عصر ظهوره ، وقيام دولته عليه السلام .

2 - ما ذكره ابن طاووس من أنّه روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « اللهمّ صلّ على ولاة عهده ، والأئمّة من ولده »(3).

ولكن وردت هذه الرواية في بعض النسخ هكذا :

« اللهمّ صلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده » بتصريح ابن طاووس نفسه(4).

فمع هذا الاختلاف فيما هو محلّ الشاهد لا يمكن القطع بدلالتها على المطلوب .

ومع فرض الدلالة فهي لا تدلّ على زمان ولادته لهم .

ص: 532


1- جمال الأسبوع : ص510 - 516 .
2- انظر تاج المواليد ضمن مجموعة نفيسة من تاريخ الأئمّة : ص116 .
3- جمال الأسبوع : ص512 .
4- جمال الأسبوع : ص512 .

3 - رواية الشيخ الطوسي ، بسنده عن المفضل بن عمر ، عن الإمام الصادق عليه السلام والتي يقول فيها :

« لا يطلع على موضع أحد من ولده ولا غيره ، إلاّ المولى الذي يلي أمره »(1).

ولكنّهم قالوا :

أوّلاً : إنّ النعماني قد روى نفس هذه الرواية ، وقال : « لا يطلع على موضعه أحد من ولي ، ولا غيره »(2).

فمع اتّحاد الروايتين عند الطوسي والنعماني ، ووجود هذا الاختلاف فيما هو محلّ الشاهد ، لا يمكن القطع بدلالتها على المطلوب(3).

وثانيا : لو سلّمنا ذلك لكنّه ليس في الرواية ما يدلّ على زمان وجود الأولاد له عليه السلام ، فقد يولدون له عليه السلام بعد قرون من الزمن .

4 - رواية المدائن الخمس التي رواها أحمد بن محمّد بن يحيى الأنباري(4).

وقد ضعّفها البعض من العلماء(5).

ص: 533


1- الغيبة للشيخ الطوسي : ص102 ، والأخبار الدخيلة : ج1 ص150 ، وتاريخ الغيبة الكبرى : ص69 ، النجم الثاقب : ص224 .
2- الغيبة للنعماني : ص172 ، والأخبار الدخيلة : ج1 ص150 ، وتاريخ الغيبة الكبرى : ص69 .
3- راجع الأخبار الدخيلة : ج1 ص150 ، وتاريخ الغيبة الكبرى : ص70 .
4- الرواية موجودة في الصراط المستقيم : ج2 ص264 - 266 ، والأنوار النعمانية : ج2 ص59 - 64 ، وراجع الأخبار الدخيلة : ج1 ص140 - 145 ، وتاريخ الغيبة الكبرى : ص80 - 83 ، وقد أشار إليها في جمال الأسبوع : ص512 .
5- راجع الذريعة : ج5 ص107 - 108 الهامش ، والأخبار الدخيلة : ج1 ص146 - 152 ، وهامش كتاب الأنوار النعمانية : ج2 ص94 - 69 .

5 - رواية الجزيرة الخضراء(1).

ولكن البعض لم يعتمد على هذه الرواية .

6 - قد ورد ذكر الأئمّة من ولده وذرّيته أيضا في توقيع كان مع إنسان يزعم أنّه قد أرسل إلى رجل يقال له القاسم بن العلاء ، وقد تعرّف ذلك الرجل على امرأة عجوز سمراء ، مجهولة الهوية ، تدّعي أنّها على اطّلاع على أُمور كهذه ، فعرض التوقيع عليها طالبا منها تأييده أو تفنيده ، فأيّدت له(2).

فترى : أنّ مثل هذه المجموعة لا يمكن تحصيل القطع منها بوجود أولاد للإمام المهدي المنتظر عليه السلام وإن كان لا يمكن القطع بنفي ذلك أيضا .

ومن هنا ذهب الشيخ المفيد ، والبياضي ، والطبرسي وغيرهم رحمهم اللّه تعالى ، إلى عدم وجود أولاد له عليه السلام .

ولكن الأصح أن يقال بعدم ثبوت ذلك ، لا ثبوت العدم .

وقال البعض بأنّ ممّا يؤيّد عدم وجود الأولاد هو ما يلي :

1 - روى المسعودي : أنّ علي بن أبي حمزة وابن السرّاج وابن سعيد المكاري دخلوا على الإمام الرضا عليه السلام .

فقال له علي بن أبي حمزة ، روينا عن آبائك إلى أن قال : فإنّا روينا : أنّ الإمام لا يمضي حتّى يرى عقبه ؟ فقال له الرضا عليه السلام : أما رويتم في هذا الحديث بعينه إلاّ القائم !!

ص: 534


1- تاريخ الغيبة : ص69 ، ونصّ الرواية موجود في تبصرة الولي : ص243 - 251 ، ومجالس المؤمنين : ج1 ص78 - 79 .
2- راجع جمال الأسبوع : ص494 - 504 .

قالوا : لا .

قال الرضا عليه السلام : بلى قد رويتموه ، وأنتم لا تدرون لِمَ قبل ، ولا ما معناه .

قال ابن أبي حمزة : إنّ هذا لفي الحديث .

فقال له الرضا عليه السلام : ويحك ، تجرّأت على أن تحتجّ عليّ بشيء تدمج بعضه بعضا ؟

ثمّ قال : إنّ اللّه تعالى سيريني عقبي(1).

2 - عن محمّد ، عن عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن علي بن سليمان ابن رشيد ، عن الحسن بن علي الخزار ، قال :

دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له : أنت إمام ؟

قال : نعم .

فقال له : إنّي سمعت جدّك جعفر ابن محمّد عليهماالسلام ، يقول : لا يكون الإمام إلاّ وله عقب .

فقال : أنسيت ياشيخ ، أو تناسيت ، ليس هكذا قال جعفر ، إنّما قال جعفر :

لا يكون الإمام إلاّ وله عقب ، إلاّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليه السلام ، فإنّه لا عقب له .

فقال له : صدقت ، جعلت فداك ، هكذا سمعت جدّك يقول(2).

وواضح أنّ المقصود هو الإشارة إلى رجوع الإمام الحسين عليه السلام في زمن

ص: 535


1- إثبات الوصيّة : ص201 ، بحار الأنوار : ج48 ص269 .
2- الغيبة للطوسي : ص134 - 135 ، ودلائل الإمامة للطبري : ص130 - 131 .

الرجعة وخروجه من قبره في عهد الإمام المهدي عليه السلام(1).

وقال البعض بأنّه سيكون لأولاد الإمام المهدي عليه السلام دولة من بعده ، وهذا لم يثبت أيضا .

قال المفيد رحمه الله : وليس بعد دولة القائم عليه السلام لأحد دولة إلاّ ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء اللّه ذلك .

ولم ترد به على القطع والثبات(2).

وأكثر الروايات :

أنّه لن يمضي مهدي هذه الأُمّة عليه السلام إلاّ قبل القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج ، وعلامات خروج الأموات ، وقيام الساعة للحساب(3).

وعبارة الطبرسي قريبة من عبارة المفيد ، إلاّ أنّه قال :

وجاءت الرواية الصحيحة بأنّه ليس بعد دولة القائم عليه السلام دولة لأحد ...(4).

وقال البياضي :

بعد أن وصف الرواية الواردة عن ابن عباس وأنس ، وظاهرهما بأنّه سيكون بعد المهدي عليه السلام دولة ، بأنّها شاذّة : وأكثر الروايات أنّه لن يمضي إلاّ قبل يوم القيامة بأربعين يوما ، يكون فيها الهرج ، وعلامة خروج الأموات للحساب(5).

ص: 536


1- الإيقاظ من الهجعة : ص404 ، وراجع بعض هذه الروايات في ص306 وص310 أيضا .
2- الإرشاد : ج2 ص387 .
3- الإرشاد : ج2 ص387 .
4- إعلام الورى : ج2 ص220 .
5- الصراط المستقيم : ج2 ص254 .

وبعد كلّ ما تقدّم ، فإنّنا لا نستطيع أن نجزم بأحد الطرفين ، هل للإمام المهدي (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) أولاد كما في قصّة الجزيرة الخضراء ، وغيرها . أو لم يكن له أولاد ، واللّه العالم .

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون

وسلام على المرسلين والحمد للّه ربّ العالمين

وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيبين الطاهرين

الكويت

الشيخ علي حيدر المؤيّد

ص: 537

ص: 538

مصادر الكتاب

1 - القرآن الكريم .

2 - آثار الشيعة الإمامية : للعلاّمة الشيخ عبدالعزيز الجواهري ، ط ايران ، سنة 1348ه .

3 - آثار ملي أصفهان : فارسي .

4 - إثبات الوصية : للمسعودي ، ط بصيرتي ، قم .

5 - إثبات الهداة : للحرّ العاملي ، ط المطبعة العلمية ، قم .

6 - اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي) : للشيخ الطوسي .

7 - إعلام الورى بأعلام الهدى : للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث .

8 - إقبال الأعمال : لابن طاووس .

9 - اكسير العبادات في أسرار الشهادات : للعلاّمة الفقيه الشيخ آغا بن عابد الشيرواني الحائري المعروف بالفاضل الدربندي .

10 - الأئمّة الاثني عشر : لشمس الدين محمّد بن طولون ، ط منشورات الرضي ، قم .

11 - الإتحاف بحبّ الأشراف : للشيخ عبداللّه بن محمّد بن عامر الشبراوي ، ط منشورات الرضي ، قم .

12 - الاحتجاج : لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي .

13 - الأخبار الدخيلة : للشيخ محمّد تقي التستري .

14 - الأخبار الطوال : لأبي حنيفة أحمد بن داود الدنيوري ، ط منشورات الشريف

ص: 539

الرضي .

15 - الإرشاد في معرفة الحجج على العباد : للشيخ المفيد الإمام أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام قم .

16 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب : لأبي عبداللّه البر النمري القرطبي .

17 - الإصابة في تمييز الصحابة : لابن حجر العسقلاني .

18 - الأعلام (قاموس تراجم) : لخير الدين الزركلي ، ط بيروت .

19 - الإمامة والتبصرة من الحيرة : لأبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي .

20 - الأنوار البهيّة : للشيخ عبّاس القمّي .

21 - الأنوار النعمانية : للسيّد نعمة اللّه الجزائري ، ط مؤسّسة الأعلمي بيروت .

22 - الإيقاظ من الهجعة : للحرّ العاملي ، ط المطبعة العلمية ، قم ايران .

23 - البداية والنهاية : لابن كثير ، ط دار الفكر العربي .

24 - البيان : للكنجي الشافعي .

25 - البيان في أخبار صاحب الزمان : لمحمّد بن يوسف بن محمّد النوفلي .

26 - التاج الجامع للأُصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله .

27 - التذكرة في الأنساب المطهّرة : للعلاّمة النسّابة جمال الدين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن المهنّا الحسيني العبيدلي ، ط مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي ، قم .

28 - الجرح والتعديل .

29 - الحدائق الوردية (مخطوط) : لأبي الحسن حسام الدين حميد بن أحمد المحلّي .

30 - الخرائج والجرائح : لسعيد بن هبة اللّه الراوندي ، ط مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام .

31 - الخصائص الزينبية (ياويژگيهاى حضرت زينب عليهاالسلام) : للعلاّمة السيّد نور

ص: 540

الدين الجزائري ، ط مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام قم ، 1404ه .

32 - الخصال : لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، ط منشورات جماعة المدرّسين .

33 - الخطط المقريزية : لتقي الدين أبي العبّاس أحمد بن علي المقريزي ، ط دار صادر ، بيروت .

34 - الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة عليهم السلام : للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي .

35 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : للسيّد علي خان الشيرازي ، ط مؤسّسة الوفاء ، بيروت لبنان .

36 - الذريعة : للشيخ آغا بزرك الطهراني ، ط دار الأضواء ، بيروت لبنان .

37 - الرسالة الزينبية : للسيوطي .

38 - الرياض النضرة : للحافظ أحمد بن عبداللّه محبّ الدين الطبري الشافعي .

39 - إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب عليه السلام : للشيخ الحاج علي اليزدي الحائري .

40 - السمط الثمين .

41 - السنن الكبرى : للحافظ بن أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي .

42 - الصراط السوي في مناقب آل النبي : للسيّد محمود الشيخاني القادري .

43 - الصراط المستقيم : للبياضي ، ط المكتبة المرتضوية ، النجف الأشرف العراق .

44 - الصواعق المحرقة : لابن حجر الهيتمي .

45 - الطبقات الكبرى : لابن سعد ، ط دار صادر ، بيروت .

46 - الطراز المذهب : للشيخ البحّاثة عبّاس قلي .

47 - العقد الفريد : لابن عبد ربّه الأندلسي ، ط دار الكتاب العربي .

48 - الغيبة : للشيخ الطوسي أبي جعفر محمّد بن الحسن ، ط مؤسّسة المعارف الإسلامية .

ص: 541

49 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم السلام : لعلي بن محمّد بن أحمد المالكي الشهير بابن الصبّاغ ، ط مؤسّسة الأعلمي ، بيروت .

50 - الفهرست : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، ط مؤسّسة الوفاء ، بيروت .

51 - القاموس المحيط : للفيروزآبادي .

52 - الكافي : لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي .

53 - الكامل : للمبرد .

54 - الكامل في التاريخ : لابن الأثير ، ط دار صادر ، بيروت .

55 - الكشكول : للشيخ يوسف البحراني ، ط منشورات الرضي .

56 - اللهوف في قتلى الطفوف : لعلي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس .

57 - المجدي في أنساب الطالبيين : للسيّد الشريف نجم الدين أبي الحسن علي بن محمّد ابن علي بن محمّد العلوي العمري ، ط مكتبة آية اللّه العظمى المشرعشي ، قم .

58 - المستدرك على الصحيحين : للحافظ أبي عبداللّه الحاكم النيسابوري .

59 - المستطرف في طبقات الشجعان : تأليف شهاب الدين محمّد بن أحمد الآبشيهي .

60 - المعارف : لابن قتيبة الدنيوري ، ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

61 - المناقب : للسروي رشيد الدين محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي البغدادي .

62 - المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم : لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي .

63 - النجم الثاقب : للعلاّمة الميرزا حسين النوري ، ط جاويدان .

64 - النجوم الزاهرة .

65 - النفحة العنبرية في أنساب خير البرية : للعلاّمة النسّابة محمّد كاظم بن أبي الفتوح بن سليمان اليماني الموسوي ، ط قم .

ص: 542

66 - الوافي بالوفيّات : لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي .

67 - الهداية الكبرى : لأبي عبداللّه الحسين بن حمدان الخصيبي ، مؤسّسة البلاغ .

68 - إمتاع لإسماع بما للنبي صلى الله عليه و آله من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع : لتقي الدين أحمد بن علي بن حمد المقريزي ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت .

69 - أبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : للشيخ محمّد طاهر السماوي ، ط منشورات مكتبة بصيرتي .

70 - أبناء الإمام في مصر والشام : ليحيى بن طباطبا الحسني .

71 - أخبار الدول : للقرماني أحمد بن يوسف ، ط مكتبة المتنبّي .

72 - أخبار الزينبيات : لشيخ الشرف يحيى العبيدلي النسّابة .

73 - أربع مخطوطات في أنساب أهل البيت عليهم السلام ، ط دار كنان للطباعة والنشر ، سوريا ، وهي :

74 - أُسد الغابة في معرفة الصحابة : لابن الأثير .

75 - أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : لشمس الدين محمّد بن محمّد الجزري الشافي .

76 - أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام : لعمر رضا كحالة ، ط مؤسّسة الرسالة .

77 - أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين ، ط دار التعارف ، بيروت لبنان .

78 - أمالي الصدوق : للشيخ الجليل أبي جعفر محمّد بن علي الحسين بن بابويه القمّي ، ط مؤسّسة الأعلمي .

79 - أنساب الأشراف : لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري .

80 - أنوار المشعشعين : لمحمّد بن علي بن بهاء الدين ، ط طبعة حجرية ، طهران .

81 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : لأبي جعفر محمّد بن أبي القاسم محمّد بن علي

ص: 543

الطبري ، ط2 النجف 1963م .

82 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد صلى الله عليه و آله : لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن الصفّار القمّي .

83 - بلاغات النساء : لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور ، ط مكتبة بصيرتي ، قم .

84 - بهجة الحضرتين في آل الإمام أبي العلمين : لمحمّد أبو الهدى الصيادي .

85 - تاج العروس من جواهر القاموس : لمحمّد مرتضى الزبيدي ، ط مكتبة الحياة بيروت .

86 - تاريخ ابن خلدون : للعلاّمة عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي .

87 - تاريخ الإسلام : للذهبي .

88 - تاريخ الخلفاء : للحافظ جلال الدين السيوطي ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت .

89 - تاريخ الخميس : للشيخ أبي الحسن الدياربكري .

90 - تاريخ الطبري : لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري .

91 - تاريخ المدينة : للسمهودي .

92 - تاريخ اليعقوبي : لليعقوبي ، ط دار صادر ، بيروت .

93 - تاريخ بغداد ، أو مدينة السلام : لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، ط دار الفكر .

94 - تاريخ دمشق : لابن عساكر .

95 - تاريخ سامراء : للشيخ ذبيح اللّه المحلاتي .

96 - تاريخ عالم آرا : فارسي .

97 - تاريخ قم : لحسن بن محمّد بن حسن القمّي .

ص: 544

98 - تأسيس الشيعة : للسيّد حسن الصدر .

99 - تبصرة الولي : للسيّد هاشم البحراني ، ط نشر مؤسّسة المعارف ، قم .

100 - تتمّة المنتهى : للمحدّث القمّي ، ط قم .

101 - تتمّة اليتيمة : للثعالبي ، ط طهران ، سنة 1353ه .

102 - تجارب الأُمم : لابن مسكويه .

103 - تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله : للشيخ أبي محمّد الحسن بن علي بن الحسين ابن شعبة الحرّاني .

104 - تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمّة الأطهار عليهم السلام : لضامن بن شدقم الحسيني المدني .

105 - تحفة الأنام : للكافوري .

106 - تحفة الزائر : للعلاّمة المجلسي .

107 - تحفة العالم في شرح خطبة المعالم : للسيّد جعفر آل بحر العلوم ، ط مكتبة الصادق ، طهران .

108 - تحفة الفاطميين في ذكر أحوال قم والقمّيين : فارسي .

109 - تحفة لبّ اللباب في ذكر السادة الأنجاب : للعلاّمة النسّابة ضامن بن شدقم بن علي الشدقمي الحسيني المدني ، ط مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي ، قم .

110 - تذكرة الخواص : للعلاّمة سبط ابن الجوزي ، ط طهران .

111 - تذكرة القبور : للسيّد مصلح الدين مهدوي (فارسي) .

112 - تراجم النساء : لابن عساكر .

113 - تفسير القمّي : لأبي الحسن بن إبراهيم القمّي .

114 - تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني ، ط دار الرشيد ، سوريا .

115 - تقريب المعارف : لأبي الصلاح الحلبي ط : ايران 1417ه ق .

ص: 545

116 - تنقيح المقال في علم الرجال : للعلاّمة الجليل المامقاني .

117 - تنوير المقياس في تفسير ابن عبّاس : لعبداللّه بن عبّاس .

118 - تهذيب الأحكام : لمحمّد بن الحسن الطوسي ، ط دار صعب .

119 - تهذيب الأسماء واللغات : للنووي .

120 - تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب : لأبي الحسن محمّد بن أبي جعفر شيخ الشرف العبيدلي النسّابة ، ط مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي ، قم .

121 - تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني ، ط دار صادر ، بيروت .

122 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي .

123 - جامع الأنساب : للسيّد إبراهيم .

124 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد : للعلاّمة محمّد بن علي الأردبيلي الحائري .

125 - جمال الأسبوع : للسيّد ابن طاووس ، ط منشورات الشريف الرضي ، قم .

126 - جمهرة الرسائل .

127 - جمهرة أنساب العرب : لأبي محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان .

128 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : للشيخ محمّد حسن النجفي .

129 - جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام : للقراغولي .

130 - حلية الأبرار : للسيّد هاشم البحراني ، ط دار الكتب العلمية .

131 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبداللّه الأصفهاني .

132 - حياة القاسم ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام : للسيّد محمّد صالح السيّد عدنان

ص: 546

البحراني .

133 - دائرة المعارف الشيعية : للسيّد حسن الأمين .

134 - دلائل الإمامة : لأبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري .

135 - دمية القصر : لأبي حسن الباخرزي ، ط حلب ، سنة 1348ه .

136 - دول الإسلام : للذهبي .

137 - ذخائر العقبى في مناقب آل القربى : للحافظ محبّ الدين أحمد بن عبداللّه الطبري ، ط مؤسّسة الوفاء بيروت .

138 - ذريعة النجاة .

139 - ربيع الأبرار : للزمخشري .

140 - رجال ابن داود الحلّي : للحسن بن علي بن داود الحلّي .

141 - رجال البرقي : تأليف أحمد بن أبي عبداللّه البرقي .

142 - رجال السيّد بحر العلوم (المعروف بالفوائد الرجالية) : للسيّد محمّد المهدي بحر العلوم .

143 - رجال الطوسي : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، ط دار الذخائر ، قم ايران .

144 - رجال العلاّمة الحلّي ، الخلاصة : للحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، ط منشورات الرضي ، قم ايران .

145 - رجال النجاشي : لأبي العبّاس أحمد بن علي النجاشي الكوفي الأسدي ، ط بيروت لبنان .

146 - رحلة ابن جبير ، ط دار صادر ، بيروت .

147 - رسائل الجاحظ : ط1 مصر .

148 - رسالة فلك النجاة : للسيّد محمّد مهدي القزويني .

ص: 547

149 - روح الأكسير في نسب الغوث سيّدنا الرفاعي الكبير : لعلي بن الحسن الواسطي .

150 - روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات : للعلاّمة الميرزا محمّد باقر الموسوي الخوانساري ، ط قم ايران .

151 - روضة الواعظين : لمحمّد بن أحمد بن الفتال النيسابوري ، ط مكتبة الرضي .

152 - رياحين الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة : للشيخ ذبيح اللّه المحلاتي ، ط دار الكتب الإسلامية .

153 - زندگاني حضرت موسى بن جعفر عليه السلام : فارسي .

154 - زهر الآداب وثمر الألباب : لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني .

155 - زينب الكبرى عليهاالسلام : للعلاّمة الشيخ جعفر الربعي المعروف بالنقدي .

156 - سراج الأنساب : للسيّد أحمد النسّابة .

157 - سرّ السلسلة العلوية : لأبي نصر البخاري ، ط النجف الأشرف .

158 - سفينة البحار : للشيخ عبّاس القمّي .

159 - سنن ابن ماجة : للحافظ أبي عبداللّه محمّد بن يزيد القزويني ، ط دار الفكر بيروت .

160 - سنن الترمذي : لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة ، ط المكتبة الإسلامية .

161 - سير أعلام النبلاء : لشمس الدين بن عثمان الذهبي ، ط دار الفكر .

162 - شجر الأنساب : لعميد الدين النجفي .

163 - شجرة طوبى : للشيخ المازندراني .

164 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب : للمؤرخ الفقيه أبي الفلاح عبدالحي بن العماد الحنبلي ، ط دار إحياء التراث .

165 - شرح شافية أبي فراس في مناقب آل الرسول ومثالب ابن العبّاس : لمحمّد بن

ص: 548

أمير الحاج الحسيني .

166 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، ط دار إحياء التراث ، بيروت لبنان .

167 - صحيح البخاري : للبخاري .

168 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام .

169 - صفوة الصفوة : لأبي الفرج ابن الجوزي ، ط دار المعرفة ، بيروت .

170 - عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر : ليوسف بن يحيى بن علي بن عبدالعزيز المقدسي .

171 - عقد الدرّ : للمقدسي السلمي .

172 - علل الشرائع : للشيخ الصدوق .

173 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : لعمدة النسّابين جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عتبة ، ط بيروت ، لبنان .

174 - عيون الأخبار : لابن قتيبة الدنيوري ، ط دار الكتاب العربي .

175 - عيون المعجزات : للحسين بن عبدالوهاب ، ط المطبعة العلمية .

176 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : للشيخ الأقدم محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي .

177 - غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار : للسيّد الشريف تاج الدين بن محمّد بن حمزة بن زهرة .

178 - فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام : للدكتور محمّد هادي الأميني ، ط1 عام 1405ه .

179 - فاطمة بنت الحسين عليه السلام : للدكتور محمّد هادي الأميني ، ط1 عام 1403ه .

180 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمّة من ذرّيتهم عليهم السلام :

لإبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني ، ط مؤسّسة المحمودي ، بيروت .

ص: 549

181 - فرحة الغري : للسيّد غياث الدين بن طاووس .

182 - فرق الشيعة : للنوبختي الحسن بن موسى .

183 - فريدة العجائب .

184 - فوات الوفيّات : لابن شاكر .

185 - فهرست بناهاى تاريخى واماكن باستانى : فارسي .

186 - فيض القدير : للباري .

187 - كامل الزيارات : للشيخ الأقدم أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي .

188 - كتاب الأربعين : للشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي .

189 - كتاب الأغاني : لعلي بن الحسين بن محمّد القرشي المعروف بأبي الفرج الأصفهاني ، ط دار الشعب .

190 - كتاب الجمل ، أو النصرة في حرب البصرة : لعبيداللّه محمّد العكبري الملقّب بالشيخ المفيد ، ط قم ايران .

191 - كتاب السرائر : للشيخ الفقيه أبي جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي ، ط مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم .

192 - كتاب الغيبة : للشيخ محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني ، ط مؤسّسة الأعلمي ، بيروت .

193 - كتاب الفتوح : للعلاّمة أبي محمّد أحمد بن أعثم الكوفي ، ط دار الندوة الجديدة .

194 - كتاب الكشكول : للشيخ البهائي .

195 - كتاب أنوار المشعشعين في شرافة قم والقمّيين (فارسي) : للشيخ محمّد علي بن حسن كاتوزيان .

196 - كريمة الدارين : لتوفيق أبي علي المصري .

197 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : للعلاّمة المحقّق أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي

ص: 550

الفتح الإربلي ، ط دار الكتاب الإسلامي ، بيروت .

198 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام .

199 - كفاية الأثر : لمحمّد بن علي الخزار القمّي ، ط منشورات بيدار .

200 - كفاية الطالب في مناقب آل أبي طالب : للحافظ أبي عبداللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي ، ط بيروت ، لبنان .

201 - كمال الدين : للشيخ الصدوق ، ط طهران .

202 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال : للعلاّمة علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي ، ط مؤسّسة الرسالة .

203 - گنجينه آثار أصفهان : فارسي .

204 - لسان العرب : لابن منظور .

205 - لسان الميزان : للحافظ شهاب الدين أبي الفضل بن حجر العسقلاني ، ط مؤسّسة الأعلمي ، بيروت .

206 - لوامع الأنوار : للشيخ المرندي .

207 - لؤلؤة البحرين : للشيخ يوسف البحراني .

208 - مجالس المؤمنين : للقاضي نور اللّه التستري ، ط ايران ، سنة 1375ه .

209 - مجمع البحرين : لفخر الدين الطريحي ، ط مؤسّسة الوفاء ، بيروت .

210 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ، ط مؤسّسة المعارف .

211 - مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمّة عليهم السلام : من آثار القدماء من علماء الإمامية الثقات : أمر بتجديد طبعها سماحة العلاّمة آية اللّه العظمى السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي ، ط دار القارئ .

212 - مختصر تاريخ دمشق : لمحمّد بن مكرم المعروف بابن منظور .

ص: 551

213 - مرآة الجنان : لعبداللّه اليافعي المالكي ، ط مؤسّسة الأعلمي .

214 - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان : لسبط ابن الجوزي .

215 - مراصد الإطّلاع في أسماء الأمكنة والبقاع : لابن عبدالحقّ البغدادي .

216 - مراقد المعارف : للبحّاثة الخبير محمّد جزر الدين ، ط انتشارات سعيد بن جبير ، الطبعة الأُولى .

217 - مروج الذهب : لعلي بن الحسين المسعودي ، ط بيروت .

218 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : للحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي .

219 - مسند الإمام زيد : لأبي خالد الواسطي ، ط قديمة كربلاء .

220 - مشهد الحسين عليه السلام وبيوتات كربلاء : للعلاّمة الشيخ مجيد الهر ، ط كربلاء .

221 - مصباح الزائر : للسيّد ابن طاووس .

222 - مصباح الكفعمي : لإبراهيم بن علي الكفعمي .

223 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : للعلاّمة الشيخ أبي سالم كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي الشافعي ، ط مؤسّسة البلاغ .

224 - معالم العلماء : لمحمّد بن علي بن شهر آشوب ، ط المطبعة الحيدرية .

225 - معالم أنساب الطالبيين في شرح كتاب سرّ الأنساب العلوية : للدكتور عبدالجواد الكليدار آل طعمة ، ط مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي ، قم .

226 - معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين عليهماالسلام : للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ط مؤسّسة النعمان ، بيروت .

227 - معاني الأخبار : للشيخ الصدوق ، ط منشورات جماعة المدرّسين ، قم .

228 - معجم الأُدباء : لياقوت الحموي .

229 - معجم البلدان : لياقوت بن عبداللّه الحموي الرومي البغدادي ، ط دار إحياء التراث .

ص: 552

230 - معجم الشعراء : للمرزباني .

231 - معجم المؤلّفين : لعمر رضا كحالة .

232 - معجم مفردات ألفاظ القرآن : للراغب الأصفهاني .

233 - مفاتيح الجنان : للشيخ عبّاس القمّي .

234 - مقاتل الطالبيين : لأبي الفرج الأصفهاني ، ط مؤسّسة الأعلمي ، بيروت لبنان .

235 - مقتضب الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر : للعياشي .

236 - مقتل الحسين عليه السلام : للخوارزمي أبي المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي أخطب خوارزم ، ط منشورات مكتبة المفيد ، ايران .

237 - مناقب آل أبي طالب : لأبي جعفر رشيد الدين بن شهر آشوب السروي المازندراني ، ط مصطفوي ، قم .

238 - مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : للفقيه أبي الحسن علي بن محمّد الشافعي الشهير بابن المغازلي .

239 - مناقب الخوارزمي : لموفّق بن أحمد الخوارزمي ، ط مكتبة نينوى .

240 - مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من (الرياض النضرة) : لمحبّ الدين الطبري .

241 - مناهل الضرب في أنساب العرب (مخطوط) : للسيّد جعفر الأعرجي الكاظمي .

242 - منتخب الأثر : للصافي ، ط مكتبة الصدر ، طهران ايران .

243 - منتقلة الطالبية : للشريف النسّابة أبي إسماعيل إبراهيم بن ناصر بن طباطبا ، ط1 قم عام 1377 .

244 - منتهى الآمال : للشيخ عبّاس القمّي .

245 - من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي .

ص: 553

246 - مهج الدعوات ومنهج العبادات : للسيّد ابن طاووس .

247 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال : لأبي عبداللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ط دار الفكر .

248 - ناسخ التواريخ : للسيّد محمّد تقي السپهر ، ط المكتبة الإسلامية .

249 - نخبة الزهرة الثمينة في نسب أشراف المدينة : للحسين بن شدقم الحسيني .

250 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : للحسين بن محمّد بن الحلواني ، ط مدرسة الإمام المهدي عليه السلام قم المقدّسة .

251 - نفس المهموم : للشيخ عبّاس القمّي .

252 - نفشة الصدور : للشيخ عبّاس القمّي .

253 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار : للشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي ، وبهامشه إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى في فضائل أهل بيته الطاهرين للشيخ محمّد بن علي الصبّان ، ط مصر .

254 - وفاء الوفاء : للسمهودي علي بن أحمد المصري .

255 - وفاء الوفى بأخبار دار المصطفى : لعلي بن أحمد المصري السمهودي .

256 - وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لأبي العبّاس شمس الدين بن محمّد بن بكر ابن خلّكان ، ط منشورات الشريف الرضي ، قم .

257 - هداية العارفين أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين : لإسماعيل باشا البغدادي .

258 - يتيمة الدهر : للثعالبي ، ط مصر ، سنة 1353ه .

259 - ينابيع المودّة : للقندوزي .

ص: 554

فهرس الكتاب

المقدّمة··· 7

أهميّة علم الأنساب··· 7

من مكارم الأخلاق··· 9

أثر الصفات الوراثية في الأنساب··· 10

فضل زيارة الأئمّة عليهم السلام وأولادهم··· 12

الباب الأوّل

أولاد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 15 - 116

نبذة عن حياة الإمام علي عليه السلام··· 17

نسبه عليه السلام··· 17

ولادته عليه السلام··· 19

كناه عليه السلام··· 20

ألقابه··· 21

إسلامه عليه السلام··· 21

زهده عليه السلام··· 22

صفاته عليه السلام··· 23

خصائصه عليه السلام··· 24

بيعته عليه السلام··· 25

آثاره عليه السلام··· 26

شهادته عليه السلام··· 27

ص: 555

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 29

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 32

السقط محسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام··· 32

محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 35

وصيّة الإمام الحسن عليه السلام لمحمد بن الحنفية :··· 39

فصاحة وشجاعة محمد بن الحنفية :··· 41

تأدّبه ومعرفته··· 44

علمه وفقهه··· 45

من أقوال محمد بن الحنفية :··· 45

ومن أقواله أيضا :··· 46

قدرة محمد بن الحنفية على إيراد الحجّة :··· 46

وفاته وموضع قبره :··· 48

أولاد محمد بن الحنفية··· 48

العبّاس بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام··· 50

ولادته عليه السلام :··· 51

كناه وألقابه عليه السلام :··· 53

شجاعة العبّاس عليه السلام··· 56

أولاد العبّاس عليه السلام··· 61

عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 63

أولاد عمر الأطرف··· 66

جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 68

عبداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 69

ص: 556

عثمان بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 71

محمد الأوسط بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 71

محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 71

عبيداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 72

إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 72

عمر الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 73

عتيق بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 73

محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 73

عون الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 75

عبيداللّه بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 76

مرقده :··· 77

عون الأكبر وأخوه معين ولدا علي بن أبي طالب عليه السلام··· 80

عمران بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 80

يحيى بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 80

عبّاس الأصغر بن علي بن أبي طالب عليه السلام··· 81

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 82

زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام··· 83

ولادتها عليهاالسلام··· 84

ألقابها··· 86

نشأتها وتربيتها عليهاالسلام··· 87

علمها عليهاالسلام ومعرفتها باللّه تعالى··· 90

عبادتها عليهاالسلام وانقطاعها إلى اللّه تعالى··· 94

ص: 557

الحوراء زينب عليهاالسلام مع الإمام الحسين عليه السلام في نهضته··· 95

وفاتها وقبرها عليهاالسلام··· 102

أُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام··· 106

دفاعها عن أبيها أمير المؤمنين عليه السلام··· 107

حضورها عليهاالسلام في واقعة الطفّ··· 108

خطبتها عليهاالسلام في الكوفة··· 111

سكينة بنت الإمام علي عليهماالسلام··· 112

رقيّة بنت الإمام علي عليه السلام··· 113

فاطمة بنت الإمام علي عليه السلام··· 114

رقيّة الصغرى بنت أمير المؤمنين علي عليه السلام··· 115

أُمّ هاني بنت الإمام علي عليه السلام··· 115

أُمّ الحسن ورملة بنتا الإمام علي عليه السلام··· 116

الباب الثاني

أولاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام 117 - 166

نبذة عن حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام··· 119

نسبه عليه السلام··· 119

ولادته وتسميته عليه السلام··· 120

صفاته عليه السلام··· 121

كنيته وألقابه عليه السلام··· 122

فضائله عليه السلام··· 122

معالم من حياته عليه السلام··· 124

ص: 558

إمامته عليه السلام··· 125

وفاته عليه السلام··· 126

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 128

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 131

زيد بن الحسن··· 131

الحسن بن الحسن عليه السلام··· 139

الحسين شهيد فخ عليه السلام··· 144

أبو بكر بن الحسن عليه السلام··· 147

القاسم بن الحسن عليه السلام··· 147

عبداللّه بن الحسن عليه السلام··· 148

عبدالرحمن بن الحسن عليه السلام··· 149

الحسين بن الحسن عليه السلام··· 150

طلحة بن الحسن عليه السلام··· 150

محمد النفس الزكية··· 151

السيد عبدالعظيم الحسني··· 155

علمه وتفقّهه في الدين··· 159

فضل زيارة مرقده··· 159

عون بن عبداللّه الحسني··· 161

الحسن بن جعفر عليه السلام··· 163

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 164

فاطمة أُمّ عبداللّه بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام··· 164

أُمّ الحسن بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام··· 165

ص: 559

رقيّة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام··· 166

أُمّ سلمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام··· 166

الباب الثالث

أولاد الإمام الحسين الشهيد عليه السلام

167 - 218

نبذة عن حياة الإمام الحسين عليه السلام··· 169

نسبه عليه السلام··· 169

ولادته وتسميته عليه السلام··· 169

كناه وألقابه عليه السلام··· 170

في إمامة الحسين عليه السلام··· 171

فضائله عليه السلام··· 172

نقش خاتمه عليه السلام··· 173

صفاته عليه السلام··· 174

في شهادة الحسين عليه السلام··· 174

فضل زيارته عليه السلام··· 176

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 179

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 183

علي الأكبر بن الإمام الحسين عليهماالسلام··· 183

عبداللّه الرضيع بن الإمام الحسين عليهماالسلام··· 187

عمر بن الإمام الحسين عليه السلام··· 188

السقط محسن بن الإمام الحسين عليه السلام··· 188

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 191

ص: 560

فاطمة الكبرى بنت الإمام الحسين عليه السلام··· 191

عبادتها··· 193

استيداعها الوصية··· 194

مع واقعة الطفّ··· 194

خطبتها في الكوفة··· 197

روايتها للحديث··· 200

زواجها··· 205

أولادها··· 206

وفاة فاطمة بنت الحسين عليه السلام··· 206

سكينة بنت الحسين عليه السلام··· 208

بعض ما جاء في فضائلها··· 210

فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين عليه السلام··· 212

رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام··· 214

حادثة موتها··· 215

وفاتها وموقع قبرها··· 216

زينب بنت الإمام الحسين عليه السلام··· 218

خولة بنت الحسين عليه السلام··· 218

الباب الرابع

أولاد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

219 - 266

نبذة عن حياة الإمام زين العابدين عليه السلام··· 221

نسبه عليه السلام··· 221

ص: 561

ولادته عليه السلام··· 222

كناه وألقابه عليه السلام··· 222

صفاته عليه السلام··· 223

فضائله عليه السلام··· 223

آثاره عليه السلام··· 225

حضوره عليه السلام في كربلاء··· 226

بعض خصوصياته عليه السلام··· 226

وفاته عليه السلام··· 227

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 228

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 229

عبداللّه بن علي بن الحسين عليه السلام··· 229

محمد بن عبداللّه الأرقط··· 231

عمر الأشرف بن علي بن الحسين عليه السلام··· 232

وفاته··· 234

علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف··· 236

الناصر الكبير··· 238

استشهاده··· 241

الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين

عليه السلام··· 242

علي بن عبيداللّه بن الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام··· 245

زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين عليه السلام··· 245

ولادته··· 246

نشأته··· 246

ص: 562

علمه وأدبه··· 249

إعلان الثورة واستشهاد زيد··· 251

يحيى بن زيد الشهيد··· 257

علي الأصغر بن الإمام زين العابدين عليه السلام··· 260

الحسن الأفطس··· 261

أولاد الأفطس··· 263

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 264

خديجة بنت الإمام زين العابدين عليه السلام··· 264

عُلية بنت الإمام زين العابدين عليه السلام··· 265

أُمّ كلثوم بنت الإمام زين العابدين عليه السلام··· 265

أُمّ علي بنت الإمام زين العابدين عليه السلام··· 266

الباب الخامس

أولاد الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام

267 - 284

نبذة عن حياة الإمام الباقر عليه السلام··· 269

نسبه عليه السلام··· 269

ولادته عليه السلام··· 270

كنيته عليه السلام··· 271

ألقابه عليه السلام··· 271

صفاته عليه السلام··· 272

من فضائله عليه السلام··· 272

آثاره عليه السلام··· 273

ص: 563

شعراؤه عليه السلام··· 274

بوّابه عليه السلام··· 274

نقش خاتمه عليه السلام··· 274

وفاته عليه السلام··· 275

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 276

زوجاته عليه السلام··· 277

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 278

عبداللّه بن الإمام محمّد الباقر عليه السلام··· 278

علي بن الإمام محمّد الباقر عليه السلام··· 279

عبيداللّه بن الإمام محمّد الباقر عليه السلام··· 282

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 283

أُمّ سلمة بنت الإمام محمّد الباقر عليه السلام··· 283

خديجة بنت الإمام محمّد الباقر عليه السلام··· 284

الباب السادس

أولاد الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

285 - 324

نبذة عن حياة الإمام الصادق عليه السلام··· 287

نسبه عليه السلام··· 287

ولادته عليه السلام··· 288

إمامته عليه السلام··· 288

كناه وألقابه عليه السلام··· 289

صفاته عليه السلام··· 290

ص: 564

جامعة أهل البيت العلمية··· 290

مناظراته وموقفه عليه السلام من الزنادقة··· 291

فضائله عليه السلام··· 292

شعراؤه··· 294

بوّابه عليه السلام··· 294

نقش خاتمه عليه السلام··· 294

وفاته عليه السلام··· 295

الوصية الأخيرة··· 295

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 296

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 298

إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام··· 298

عبداللّه بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام··· 304

إسحاق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام··· 307

علي العريضي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام··· 311

محمد الديباج بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام··· 316

وفاته··· 318

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 324

فاطمة بنت الإمام جعفر الصادق عليه السلام··· 324

الباب السابع

أولاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

325 - 416

نبذة عن حياة الإمام الكاظم عليه السلام··· 327

ص: 565

نسبه عليه السلام··· 327

ولادته عليه السلام··· 328

كناه عليه السلام··· 329

ألقابه عليه السلام··· 329

صفاته عليه السلام··· 329

فضائله عليه السلام··· 330

من أخلاقه عليه السلام··· 331

شاعره عليه السلام··· 334

بوّابه عليه السلام··· 334

وفاته عليه السلام··· 334

الحكّام الذين عاصرهم··· 334

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 339

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 341

إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 341

ذكر السيّد المرتضى والسيّد الرضي (رضوان اللّه عليهما)··· 345

أمّا السيّد المرتضى··· 345

وأمّا السيّد الرضي··· 349

القاسم بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 353

ولادته··· 353

ألقابه··· 354

صفاته··· 354

نشأته··· 354

ص: 566

هروبه من السلطة··· 357

وفاته··· 357

مرقده··· 358

استحباب زيارته··· 359

أحمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 361

مكانته عند أبيه··· 361

وفاته··· 363

الحسين بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 364

وفاته··· 365

زيد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 367

وفاته··· 370

عبيداللّه بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 371

عبداللّه بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 372

حمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 375

العبّاس بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 378

إسحاق بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 379

محمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 381

إسماعيل بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام··· 383

الحسن بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 386

هارون بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 386

جعفر بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 387

أولاد أُخر للإمام عليه السلام··· 388

ص: 567

عون بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام··· 388

شمس بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام··· 389

شرف الدين بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام··· 389

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 390

فاطمة الكبرى (المعصومة) بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 390

أُمّها··· 390

ولادتها··· 390

روايتها··· 392

وفاتها··· 394

كراماتها··· 396

زيارتها··· 396

فاطمة المعصومة عند الأئمّة

عليهم السلام··· 398

أُمّ أحمد بنت موسى بن جعفر عليه السلام··· 399

زينب بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 401

فاطمة الصغرى بنت الإمام موسى بن جعفر

عليه السلام··· 402

حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 403

آمنة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام··· 406

أسماء الكبرى··· 407

أسماء··· 407

أُمّ أبيها··· 407

أُمّ جعفر··· 408

أُمّ الحسين··· 408

ص: 568

أُمّ سلمة··· 409

أُمّ عبداللّه ··· 409

أُمّ فروة··· 409

أُمّ قاسم··· 410

أُمّ كلثوم الكبرى··· 410

أُمّ كلثوم الوسطى··· 410

أُمّ كلثوم الصغرى··· 410

أُمامة··· 411

أمينة··· 411

أمينة الكبرى··· 411

بريهة··· 411

حسنة··· 412

حليمة··· 412

رقية··· 412

رقيّة الصغرى··· 413

رملة··· 413

عبّاسة··· 414

عطفة··· 414

علية··· 414

قسيمة··· 414

كلثم··· 415

خديجة الكبرى··· 415

ص: 569

لبابة··· 415

محمودة··· 416

ميمونة··· 416

الباب الثامن

أولاد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

417 - 436

نبذة عن حياة الإمام الرضا عليه السلام··· 419

نسبه عليه السلام··· 419

والدة الإمام··· 419

ولادته عليه السلام··· 421

كناه عليه السلام··· 422

ألقابه عليه السلام··· 422

صفاته عليه السلام··· 423

هيبته عليه السلام··· 423

الإمام الرضا عليه السلام والتشريع··· 424

فضائله عليه السلام··· 424

شعراؤه عليه السلام··· 427

بوّابه عليه السلام··· 427

نقش خاتمه عليه السلام··· 427

إلى بيت اللّه الحرام··· 427

وفاته عليه السلام··· 428

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 431

ص: 570

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 434

فاطمة بنت الإمام الرضا عليه السلام··· 434

رقيّة بنت الإمام الرضا عليه السلام··· 435

حكيمة بنت الإمام الرضا عليه السلام··· 436

الباب التاسع

أولاد الإمام محمّد بن علي الجواد عليه السلام

437 - 460

نبذة عن حياة الإمام الجواد عليه السلام··· 439

نسبه عليه السلام··· 439

والدته عليه السلام··· 439

ولادته عليه السلام··· 441

تسميته وكنيته عليه السلام··· 442

ألقابه عليه السلام··· 442

فضائله عليه السلام··· 443

صفاته عليه السلام··· 445

شعراؤه عليه السلام··· 445

بوّابه عليه السلام··· 445

نقش خاتمه عليه السلام··· 445

عودته إلى المدينة··· 446

وروده إلى بغداد··· 446

وفاته عليه السلام··· 446

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 448

ص: 571

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 449

موسى (المبرقع) ابن الإمام الجواد عليه السلام··· 449

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنات··· 453

خديجة بنت الإمام محمّد الجواد عليه السلام··· 454

حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد عليه السلام··· 455

الباب العاشر

أولاد الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام

461 - 488

نبذة عن حياة الإمام الهادي عليه السلام··· 463

نسبه عليه السلام··· 463

ولادته عليه السلام··· 464

صفاته عليه السلام··· 464

كنيته عليه السلام··· 465

ألقابه عليه السلام··· 465

فضائله عليه السلام··· 466

دور الإمام الهادي عليه السلام في التشريع··· 466

شعراؤه عليه السلام··· 467

بوّابه عليه السلام··· 467

نقش خاتمه عليه السلام··· 467

حياته مع أبيه ومدّة إمامته عليه السلام··· 467

الحكّام الذين عاصرهم عليه السلام··· 468

رحلته إلى سامراء··· 468

ص: 572

وفاته عليه السلام··· 469

فصل : في عدد أولاده وأزواجه عليه السلام··· 471

فصل : تراجم أولاد الإمام من البنين··· 472

محمّد بن الإمام الهادي عليه السلام··· 472

نسبه :··· 472

ولادته··· 473

كنيته··· 474

ألقابه··· 474

صفاته··· 476

في ذكر أولاده··· 478

مراحل حياته··· 478

وفاته··· 481

مرقده··· 482

جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام··· 484

الحسين بن الإمام الهادي عليه السلام··· 487

الباب الحادي عشر

أولاد الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام

489 - 510

نبذة عن حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام··· 491

نسبه عليه السلام··· 491

ولادته عليه السلام··· 492

كنيته عليه السلام··· 493

ص: 573

ألقابه عليه السلام··· 493

صفاته عليه السلام··· 493

حياته مع أبيه ومدّة إمامته··· 494

فضائله عليه السلام··· 494

شاعره عليه السلام··· 495

بوّابه عليه السلام··· 495

نقش خاتمه عليه السلام··· 495

من آثاره عليه السلام··· 496

من زوجاته عليه السلام··· 496

وفاته عليه السلام··· 496

فصل : في عدد أولاده عليه السلام··· 497

ملاحظات على القصّتين··· 509

الباب الثاني عشر

أولاد الإمام الحجّة بن الحسن

عليه السلام

511 - 537

نبذة عن حياة الإمام المهدي عليه السلام··· 513

نسبه عليه السلام··· 513

ولادته عليه السلام··· 514

كنيته عليه السلام··· 516

ألقابه عليه السلام··· 516

صفاته عليه السلام··· 516

نقش خاتمه عليه السلام··· 517

ص: 574

فصل : بعض من رأى الإمام المهدي عليه السلام في أيّام أبيه عليه السلام··· 518

غيبته الأُولى عليه السلام··· 520

فصل : سفراء الإمام المهدي عليه السلام··· 522

وكلائه عليه السلام··· 523

الغيبة الثانية الكبرى··· 524

فصل : الروايات الواردة في الإمام المهدي عليه السلام··· 526

أخباره عليه السلام عن طريق أهل السنّة··· 529

فصل : في عدد ولده عليه السلام··· 531

الروايات تدلّ على ثبوت الأولاد له عليه السلام··· 531

مصادر الكتاب··· 539

فهرس الكتاب··· 555

ص: 575

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.