الأصول في النحو

اشارة

سرشناسه : ابن سراج، محمد بن سری، - 316ق.

عنوان و نام پديدآور : الأصول في النحو / تألیف العلامة أبی بکر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف ب «ابن السراج»؛ تحقیق محمد عثمان

مشخصات نشر : قاهره : مکتبة الثقافة الدينية ، 1430ق = 2009م = 1387

مشخصات ظاهری : 2 ج

یادداشت : عربی

موضوع : ادبیات عرب -- نحو

توضیح : «الأصول فی النحو» اثر عربی ابن سراج ابوبکر محمد بن سری بن سهل( 316 ق / 929 م) در علم نحو و قواعد مربوط به آن می باشد.هدف نویسنده از نوشتن این کتاب، ذکر اصول و مواردی است که در کلام عرب شیوع داشته و اشاره به علتی که بعضی از قواعد تکرار می شوند.

یاقوت درباره این کتاب گفته است: «اصول و قواعد نحوی پراکنده و غیر قابل فهم بود تا اینکه ابن سراج آن ها را در کتاب اصول خود گردآورد و قابل فهم گردانید».

شرح هایی که علمای بعد از او بر این کتاب نوشته اند، مؤید ارزش و اهمیت کتاب است.

پاورقی ها مربوط به ذکر اسانید و شرح و تعلیقاتی است که محقق برای متن نوشته است.

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة التحقيق

اشارة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

أما بعد :

فإن علم النحو ، أو علم ضبط النطق اللساني ، وإعراب الكلمات بحركاتها الصحيحة الخالية من اللحن ، علم من أجلّ العلوم التي وضعت لحفظ اللغة العربية ، وضبط قواعدها ، إذ بهذا العلم يتوصل إلى أعظم مطلوبين ، ألا وهما :

1 - المحافظة على كتاب الله تعالى من اللحن.

2 - والمحافظة على كلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم من اللحن أيضا ، إذ أن ذلك قد يدخل في الكذب عليه صلّى الله عليه وسلّم.

وقد رأيت أن أقدم بمقدمة مفيدة تكون دليلا لمحبي النحو ، أتحدث فيها عن اللغة ووضعها وأصلها ، وكيفية ثبوتها ، ومباحث مختصرة في علم النحو ، ليتبينوا أهمية هذا العلم وفائدته.

وقبل الشروع في الكتاب نصدّر بمقالة ذكرها أبو الحسين أحمد بن فارس في أول كتابه فقه اللغة : قال : اعلم أن لعلم العرب أصلا وفرعا ، أمّا الفرع فمعرفة الأسماء والصفات كقولنا : رجل وفرس وطويل وقصير ، وهذا هو الذي يبدأ به عند المتّعلم.

وأمّا الأصل فالقول على وضع اللغة وأوّليتها ومنشئها ثمّ على رسوم العرب في مخاطباتها وما لها من الافتنان تحقيقا ومجازا.

ص: 5

والناس في ذلك رجلان : رجل شغل بالفرع فلا يعرف غيره ، وآخر جمع الأمرين معا ، وهذه هي الرّتبة العليا لأن بها يعلم خطاب القرآن والسّنة وعليها يعوّل أهل النظر والفتيا ، وذلك أن طالب العلم اللغوي يكتفي من أسماء الطويل باسم الطويل ، ولا يضيره ألّا يعرف الأشقّ والأمقّ وإن كان في علم ذلك زيادة فضل.

وإنما لم يضره خفاء ذلك عليه ؛ لأنه لا يكاد يجد منه في كتاب الله تعالى شيئا فيحوج إلى علمه ويقلّ مثله أيضا في ألفاظ رسول الله إذ كانت ألفاظه السّهلة العذبة.

ولو أنه لم يعلم توسّع العرب في مخاطباتها لعيّ بكثير من علم محكم الكتاب والسنة ، ألا ترى قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ ...) إلى آخر الآية [الأنعام : 52].

فسرّ هذه الآية في نظمها لا يكون بمعرفة غريب اللغة والوحشيّ من الكلام.

والفرق بين معرفة الفروع ومعرفة الأصول : أن متوسّما بالأدب لو سئل عن الجزم والتّسويد في علاج النّوق فتوقّف أو عيّ به ، أو لم يعرفه ، لم ينقصه ذلك عند أهل المعرفة نقصا شائنا ؛ لأن كلام العرب أكثر من أن يحصى ، ولو قيل له : هل تتكلم العرب في النفي بما لا تتكلم به في الإثبات؟ ثم لم يعلمه لنقصه ذلك في شريعة الأدب عند أهل الأدب ، لا أن ذلك يردّه عن دينه أو يجره لمأثم ، كما أن متوسّما بالنحو لو سئل عن قول القائل : [الطويل]

لهنّك من عبسية لوسيمة

على هنوات كاذب من يقولها

فتوقّف أو فكّر أو استمهل لكان أمره في ذلك عند أهل الفضل هيّنا ، لكن لو قيل له مكان (لهنك) : ما أصل القسم؟ وكم حروفه؟ وما الحروف المشبهة بالأفعال التي يكون الاسم بعدها منصوبا وخبره مرفوعا؟ فلم يجب لحكم عليه بأنه لم يشامّ صناعة النحو قط ، فهذا الفصل بين الأمرين.

وسوف نعرج الآن على ذكر المباحث التي نريد عرضها :

ص: 6

المبحث الأول : في حد اللغة وتعريفها

قال أبو الفتح ابن جني في" الخصائص" : حدّ اللغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم.

ثم قال : وأما تصريفها فهي (فعلة) من لغوت ، أي : تكلّمت ، وأصلها لغوة ككرة وقلة وثبة كلّها لاماتها واوات ، لقولهم : كروت بالكرة ، وقلوت بالقلة ، ولأن ثبة كأنها من مقلوب ثاب يثوب.

وقالوا : فيها لغات ولغون كثبات وثبون.

وقيل منها لغي يلغى إذا هذى ، قال : [الرجز]

وربّ أسراب حجيج كظّم

عن اللّغا ورفث التّكلّم

وكذلك اللّغو قال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : 72] أي : بالباطل.

وفي الحديث : " من قال في الجمعة صه فقد لغا" (1) أي : تكلّم. انتهى كلام ابن جني.

وقال إمام الحرمين في" البرهان" : اللغة من لغي يلغى من باب رضي إذا لهج بالكلام ، وقيل : من لغى يلغى.

وقال ابن الحاجب في" مختصره" : حدّ اللغة كلّ لفظ وضع لمعنى.

وقال الأسنوي في" شرح منهاج الأصول" : اللغات : عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني

المبحث الثاني : في بيان واضع اللغة

اشارة

أتوقيف هي ووحي أم اصطلاح وتواطؤ؟

قال الإمام السيوطي في" المزهر" : قال أبو الحسين أحمد بن فارس في" فقه اللغة" : اعلم أنّ لغة العرب توقيف ، ودليل ذلك قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : 32].

فكان ابن عباس يقول : علّمه الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابّة وأرض وسهل وجبل وجمل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

ص: 7


1- أخرجه أبو داود من حديث الإمام على بن أبي طالب (1051) ، وأخرجه أحمد في مسنده (721) ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج 3 / 220.

وروى خصيف عن مجاهد قال : علّمه اسم كلّ شيء.

وقال غيرهما : إنما علّمه أسماء الملائكة.

وقال آخرون : علّمه أسماء ذرّيّته أجمعين.

قال ابن فارس : والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابن عبّاس.

فإن قال قائل : لو كان ذلك كما تذهب إليه لقال : ثم عرضهنّ أو عرضها ، فلما قال :عرضهم ، علم أن ذلك لأعيان بني آدم أو الملائكة ؛ لأن موضوع الكناية في كلام العرب أن يقال لما يعقل : عرضهم ، ولما لا يعقل : عرضها أو عرضهنّ.

قيل له : إنما قال ذلك - والله أعلم - لأنه جمع ما يعقل وما لا يعقل فغلب ما يعقل ، وهي سنّة من سنن العرب - أعني : باب التغليب - وذلك كقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : 45].

فقال : (منهم) تغليبا لمن يمشي على رجلين وهم بنو آدم.

فإن قال : أفتقولون في قولنا : سيف وحسام وعضب إلى غير ذلك من أوصافه إنه توقيف حتى لا يكون شيء منه مصطلحا عليه قيل له : كذلك نقول.

والدليل على صحته إجماع العلماء على الاحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه ثم احتجاجهم بأشعارهم ، ولو كانت اللغة مواضعة واصطلاحا لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأولى منّا في الاحتجاج (بنا) لو اصطلحنا على لغة اليوم ولا فرق.

ولعل ظانا يظنّ أن اللغة التي دللنا على أنها توقيف إنما جاءت جملة واحدة وفي زمان واحد ، وليس الأمر كذلك ، بل وقّف الله عزّ وجلّ آدم عليه السّلام على ما شاء أن يعلّمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه ، وانتشر من ذلك ما شاء الله ، ثم علّم بعد آدم من الأنبياء صلوات الله عليهم نبيّا نبيّا ما شاء الله أن يعلّمه ، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد فآتاه الله من ذلك ما لم

ص: 8

يؤته أحدا قبله تماما على ما أحسنه من اللغة المتقدمة ، ثم قرّ الأمر قراره فلا نعلم لغة من بعده حدثت ، فإن تعمّل اليوم لذلك متعمّل وجد من نقّاد العلم من ينفيه ويردّه.

ولقد بلغنا عن أبي الأسود الدؤلي أن امرءا كلّمه ببعض ما أنكره أبو الأسود. فسأله أبو الأسود عنه فقال : هذه لغة لم تبلغك ، فقال له : يابن أخي إنه لا خير لك فيما لم يبلغني.

فعرّفه بلطف أن الذي تكلّم به مختلق.

وخلّة أخرى : إنه لم يبلغنا أن قوما من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مصطلحين عليه ، فكنا نستدلّ بذلك على اصطلاح قد كان قبلهم.

وقد كان في الصحابة رضي الله عنهم - وهم البلغاء والفصحاء - من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاء به وما علمناهم اصطلحوا على اختراع لغة أو إحداث لفظة لم تتقدمهم.

ومعلوم أن حوادث العالم لا تنقضي إلّا بانقضائه ولا تزول إلّا بزواله ، وفي كل ذلك دليل على صحّة ما ذهبنا إليه من هذا الباب. هذا كله كلام ابن فارس وكان من أهل السنة.

رأي ابن جني

وقال ابن جني في" الخصائص" وكان هو وشيخه أبو عليّ الفارسي معتزليّين : باب القول على أصل اللغة إلهام هي أم اصطلاح؟

هذا موضع محوج إلى فضل تأمّل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح ، لا وحي ولا توقيف ، إلّا أن أبا علي - رحمه الله - قال لي يوما : هي من عند الله واحتج بقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وهذا لا يتناول موضع الخلاف ، وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله : أقدر آدم على أن واضع عليها.

وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة فإذا كان ذلك محتملا غير مستنكر سقط الاستدلال به.

وقد كان أبو علي رحمه الله أيضا قال به في بعض كلامه ، وهذا أيضا رأي أبي الحسن على أنه لم يمنع قول من قال إنها تواضع منه ، وعلى أنه قد فسّر هذا بأن قيل : إنه تعالى علّم آدم

ص: 9

أسماء جميع المخلوقات بجميع اللّغات : العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرّومية وغير ذلك من سائر اللغات ، فكان آدم وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرّقوا في الدنيا وعلق كلّ واحد منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحلّ عنه ما سواها لبعد عهدهم بها.

وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه باعتقاده والانطواء على القول به.

فإن قيل : فاللغة فيها أسماء وأفعال وحروف وليس يجوز أن يكون المعلّم من ذلك الأسماء وحدها دون غيرها مما ليس بأسماء ، فكيف خصّ الأسماء وحدّها؟

قيل : اعتمد ذلك من حيث كانت الأسماء أقوى القبل الثلاثة ، ولا بد لكل كلام مفيد منفرد من الاسم ، وقد تستغني الجملة المستقلة عن كل واحد من الفعل والحرف ، فلما كانت الأسماء من القوّة والأوليّة في النفس والرتبة على ما لا خفاء به جاز أن يكتفى بها عمّا هو تال لها ومحمول في الحاجة إليه عليها.

قال : ثم لنعد فلنقل في الاعتلال لمن قال بأنّ اللغة لا تكون وحيا ، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بدّ فيه من المواضعة.

قالوا : وذلك بأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظا إذا ذكر عرف به ما مسمّاه ؛ ليمتاز عن غيره وليغني بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين ، فيكون ذلك أقرب وأخفّ وأسهل من تكلّف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله ، بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني ، وحال اجتماع الضدّين على المحلّ الواحد ، وكيف يكون ذلك لو جاز وغير هذا مما هو جار في الاستحالة والتّعذّر مجراه ، فكأنهم جاؤوا إلى واحد من بني آدم فأومؤوا إليه وقالوا : إنسان ، فأيّ وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق ، وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا : يد عين رأس قدم ، أو نحو ذلك ، فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيّها ، وهلمّ جرّا فيما سوى ذلك من الأسماء والأفعال والحروف.

ص: 10

ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول : الذي اسمه إنسان فليجعل مكانه (مرد) ، والذي اسمه رأس فليجعل مكانه (سر) وعلى هذا بقية الكلام.

وكذلك لو بدئت اللغة الفارسيّة فوقعت المواضعة عليها لجاز أن تنقل ويولّد منها لغات كثيرة من الرومية والزّنجية وغيرهما ، وعلى هذا ما نشاهده الآن من اختراع الصّنّاع لآلات صنائعهم من الأسماء كالنّجار والصائغ والحائك والبنّاء ، وكذلك الملّاح قالوا : ولكن لا بد لأولها من أن يكون متواضعا عليه بالمشاهدة والإيماء.

قالوا : والقديم - سبحانه - لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحدا على شيء ؛ إذ قد ثبت أن المواضعه لا بدّ معها من إيماء وإشارة بالجارحة نحو المومأ إليه والمشار نحوه.

قالوا : والقديم - سبحانه - لا جارحة له فيصحّ الإيماء والإشارة منه بها ، فبطل عندهم أن تصحّ المواضعة على اللغة منه تقدست أسماؤه.

قالوا : ولكن يجوز أن ينقل الله تعالى اللغة التي قد وقع التواضع بين عباده عليها بان يقول : الذي كنتم تعبّرون عنه بكذا عبّروا عنه بكذا والذي كنتم تسمّونه كذا ينبغي أن تسمّوه كذا ، وجواز هذا منه - سبحانه - كجوازه من عباده ، ومن هذا الذي في الأصوات ما يتعاطاه الناس الآن من مخالفة الأشكال في حروف المعجم كالصورة التي توضع للمعميات والتراجم ، وعلى ذلك أيضا اختلفت أقلام ذوي اللغات كما اختلفت ألسن الأصوات المرتّبة على مذاهبهم في المواضعات فهذا قول من الظهور على ما تراه.

إلّا أنني سألت يوما بعض أهله فقلت : ما تنكر أن تصحّ المواضعة من الله سبحانه وإن لم يكن ذا جارحة بأن يحدث في جسم من الأجسام - خشبة أو غيرها - إقبالا على شخص من الأشخاص وتحريكا لها نحوه ويسمع - في حال تحرك الخشبة نحو ذلك الشخص - صوتا يضعه اسما له ويعيد حركة تلك الخشبة نحو ذلك الشخص دفعات مع أنه - عزّ اسمه - قادر على أن يقنع في تعريفه ذلك بالمرّة الواحدة فتقوم الخشبة في هذا الإيماء وهذه الإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها في المواضعة ، وكما أن الإنسان أيضا قد يجوز إذا أراد المواضعة أن يشير بخشبة نحو المراد المتواضع عليه فيقيمها في ذلك مقام يده لو أراد الإيماء بها نحوه.

ص: 11

فلم يجب عن هذا بأكثر من الاعتراف بوجوبه ، ولم يخرج من جهته شيء أصلا فأحكيه عنه وهو عندي وعلى ما تراه الآن لازم لمن قال بامتناع كون مواضعة القديم تعالى لغة مرتجلة غير ناقلة لسانا إلى لسان ، فاعرف ذلك.

وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدويّ الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك. ثم ولّدت اللغات عن ذلك فيما بعد ، وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبّل.

واعلم فيما بعد أنني على تقادم الوقت دائم التّنقير والبحث عن هذا الموضع ، فأجد الدّواعي والخوالج قوية التّجاذب لي مختلفة جهات التّغول على فكري ، وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدّقّة الإرهاف والرّقّة ما يملك عليّ جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السّحر ، فمن ذلك ما نبّه عليه أصحابنا رحمهم الله ، ومنه ما حذوته على أمثلتهم فعرفت بتتابعه وانقياده وبعد مراميه وآماده صحة ما وفّقوا لتقديمه منه ولطف ما أسعدوا به ، وفرق لهم ، عنه وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله تعالى فقوي في نفسي اعتقاد كونها توقيفا من الله سبحانه وأنها وحي.

ثم أقول في ضد هذا : إنه كما وقع لأصحابنا ولنا وتنبّهوا.

وتنبهنا على تأمّل هذه الحكمة الرائعة الباهرة كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا وإن بعد مداه عنّا من كان ألطف منا أذهانا وأسرع خواطر وأجرا جنانا ، فأقف بين الخلّتين حسيرا وأكاثرهما فأنكفىء مكثورا ، وإن خطر خاطر فيما بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن صاحبتها قلنا به ، هذا كله كلام ابن جني.

وقال الإمام فخر الدين الرازي في" المحصول" وتبعه تاج الدين الأرموي في" الحاصل" وسراج الدين الأرموي في" التحصيل" ما ملخّصه : النظر الثاني في الواضع : الألفاظ إما أن تدل على المعاني بذواتها أو بوضع الله إياها أو بوضع الناس ، أو بكون البعض بوضع الله والباقي بوضع الناس ، والأول مذهب عباد بن

ص: 12

سليمان ، والثاني مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك ، والثالث مذهب أبي هاشم ، وأما الرابع فإما أن يكون الابتداء من الناس والتّتمّة من الله وهو مذهب قوم.

أو الابتداء من الله والتتمة من الناس وهو مذهب الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني.

والمحققون متوقفون في الكل إلّا في مذهب عباد.

ودليل فساده : أن اللفظ لو دلّ بالذات لفهم كلّ واحد منهم كلّ اللغات لعدم اختلاف الدلالات الذاتية واللازم باطل فالملزوم كذلك.

واحتجّ عبّاد بأنه لو لا الدّلالة الذاتيّة لكان وضع لفظ من بين الألفاظ بإزاء معنى من بين المعاني ترجيحا بلا مرجّح وهو محال.

وجوابه : أن الواضع إن كان هو الله فتخصيصه الألفاظ بالمعاني كتخصيص العالم بالإيجاد في وقت من بين سائر الأوقات ، وإن كان هو الناس فلعلّه لتعيّن الخطران بالبال ودليل إمكان التوقّف احتمال خلق الله تعالى الألفاظ ووضعها بإزاء المعاني ، وخلق علوم ضرورية في ناس بأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني.

ودليل إمكان الاصطلاح إمكان أن يتولّى واحد أو جمع وضع الألفاظ لمعان ثم يفهموها لغيرهم بالإشارة كحال الوالدات مع أطفالهن.

وهذان الدليلان هما دليلا إمكان التوزيع.

واحتجّ القائلون بالتوقيف بوجوه :

أولها - قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) فالأسماء كلها معلّمة من عند الله بالنّص وكذا الأفعال والحروف لعدم القائل بالفصل ، ولأن الأفعال والحروف أيضا أسماء لأن الاسم ما كان علامة والتمييز من تصرّف النحاة لا من اللغة ولأنّ التكلم بالأسماء وحدها متعذّر.

وثانيها - أنه سبحانه وتعالى ذمّ قوما في إطلاقهم أسماء غير توقيفيّة في قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) [النجم : 23] وذلك يقتضي كون البواقي توقيفية.

ص: 13

وثالثها - قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) [الروم : 22] والألسنة اللّحمانية غير مرادة لعدم اختلافها ، ولأن بدائع الصّنغ في غيرها أكثر فالمراد هي اللغات.

ورابعها - وهو عقليّ - لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة ويعود إليه الكلام ويلزم إما الدّور أو التسلسل في الأوضاع وهو محال فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.

واحتجّ القائلون بالاصطلاح بوجهين :

أحدهما - لو كانت اللغات توقيفية لتقدّمت واسطة البعثة على التوقيف والتقدّم باطل ، وبيان الملازمة أنها إذا كانت توقيفية فلا بدّ من واسطة بين الله والبشر وهو النبيّ ؛ لاستحالة خطاب الله تعالى مع كلّ أحد وبيان بطلان التّقدّم قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) [إبراهيم : 4] وهذا يقتضي تقدّم اللغة على البعثة.

والثاني - لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلق الله تعالى علما ضروريّا في العاقل أنّه وضع الألفاظ لكذا أو في غير العاقل أو بألّا يخلق علما ضروريا أصلا.

والأول باطل ، وإلّا لكان العاقل عالما بالله بالضرورة ؛ لأنه إذا كان عالما بالضرورة بكون الله وضع كذا لكذا كان علمه بالله ضروريّا ، ولو كان كذلك لبطل التكليف.

والثاني باطل ؛ لأن غير العاقل لا يمكنه إنهاء تمام هذه الألفاظ.

والثالث باطل ؛ لأن العلم بها إذا لم يكن ضروريا احتيج إلى توقيف آخر ولزم التسلسل.

والجواب عن الأولى من حجج أصحاب التوقيف : لم لا يجوز أن يكون المراد من تعليم الأسماء الإلهام إلى وضعها؟

ولا يقال : التعليم إيجاد العلم فإنا لا نسلّم ذلك بل التعليم فعل يترتب عليه العلم ولأجله يقال : علّمته فلم يتعلّم.

ص: 14

سلمنا أن التعليم إيجاد العلم لكن قد تقرّر في الكلام أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى فعلى هذا : العلم الحاصل بها موجد لله.

سلّمناه لكنّ الأسماء هي سمات الأشياء وعلاماتها مثل أن يعلّم آدم صلاح الخيل للعدو والجمال للحمل والثيران للحرث ، فلم قلتم : إن المراد ليس ذلك وتخصيص الأسماء بالألفاظ عرف جديد.

سلمنا أن المراد هو الألفاظ ولكن لم لا يجوز أن تكون هذه الألفاظ وضعها قوم آخرون قبل آدم وعلّمها الله آدم؟

وعن الثانية أنه تعالى ذمّهم لأنهم سمّوا الأصنام آلهة واعتقدوها كذلك.

وعن الثالثة : أن اللسان هو الجارحة المخصوصة ، وهي غير مرادة بالاتفاق والمجاز الذي ذكرتموه يعارضه مجازات أخر نحو : مخارج الحروف أو القدرة عليها فلم يثبت التّرجيح.

وعن الرابعة : أن الاصطلاح لا يستدعي تقدّم اصطلاح آخر بدليل تعليم الوالدين الطفل دون سابقة اصطلاح ثمة.

والجواب عن الأولى من حجّتي أصحاب الاصطلاح : لا نسلّم توقّف التوقيف على البعثة لجواز أن يخلق الله فيهم العلم الضروري بأن الألفاظ وضعت لكذا وكذا.

وعن الثانية : لم لا يجوز أن يخلق الله العلم الضروريّ في العقلاء أن واضعا وضع تلك الألفاظ لتلك المعاني وعلى هذا لا يكون العلم بالله ضروريا.

سلّمناه لكن لم لا يجوز أن يكون الإله معلوم الوجود بالضرورة لبعض العقلاء قوله :

(لبطل التكليف) قلنا : بالمعرفة أمّا بسائر التكاليف فلا. انتهى.

وقال أبو الفتح ابن برهان في كتاب" الوصول إلى الأصول" :اختلف العلماء في اللغة : هل تثبت توقيفا أو اصطلاحا؟ فذهبت المعتزلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت اصطلاحا وذهبت طائفة إلى أنها تثبت توقيفا.

ص: 15

وزعم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني : أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التّواضع يثبت توقيفا وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل واحد من الطريقين.

وقال القاضي أبو بكر : يجوز أن يثبت توقيفا ويجوز أن يثبت اصطلاحا ويجوز أن يثبت بعضه توفيقا وبعضه اصطلاحا والكلّ ممكن.

وعمدة القاضي : أن الممكن هو الذي لو قدّر موجودا لم يعرض لوجوده محال ، ويعلم أن هذه الوجوه لو قدّرت لم يعرض من وجودها محال فوجب قطع القول بإمكانها.

وعمدة المعتزلة : أن اللغات لا تدلّ على مدلولاتها كالدلالة العقلية ، ولهذا المعنى يجوز اختلافها ولو ثبتت توقيفا من جهة الله تعالى لكان ينبغي أن يخلق الله العلم بالصّيغة ، ثم يخلق العلم بالمدلول ، ثم يخلق لنا العلم بجعل الصيغة دليلا على ذلك المدلول ، ولو خلق لنا العلم بصفاته لجاز أن يخلق لنا العلم بذاته ، ولو خلق لنا العلم بذاته بطل التكليف وبطلت المحنة.

قلنا : هذا بناء على أصل فاسد فإنا نقول : يجوز أن يخلق الله لنا العلم بذاته ضرورة ، وهذه المسألة فرع ذلك الأصل.

وعمدة الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني : أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التواضع لو ثبت اصطلاحا لافتقر إلى اصطلاح آخر يتقدّمه وهكذا فيتسلسل إلى ما لا نهاية له.

قلنا : هذا باطل فإن الإنسان يمكنه أن يفهم غيره معاني الأسامي كالطفل ينشأ غير عالم بمعاني الألفاظ ، ثم يتعلّمها من الأبوين من غير تقدّم اصطلاح.

وعمدة من قال : إنها تثبت توقيفا قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.) وهذا لا حجّة فيه من جهة القطع فإنه عموم والعموم ظاهر في الاستغراق وليس بنصّ.

قال القاضي : أما الجواز فثابت من جهة القطع بالدليل الذي قدّمته ، وأما كيفية الوقوع فأنا متوقف فإن دلّ دليل من السّمع على ذلك ثبت به.

ص: 16

وقال إمام الحرمين في" البرهان" : اختلف أرباب الأصول في مأخذ اللغات ، فذهب ذاهبون إلى أنها توقيف من الله تعالى ، وصار صائرون إلى أنها تثبت اصطلاحا وتواطؤا ، وذهب الأستاذ أبو إسحاق في طائفة من الأصحاب إلى أن القدر الذي يفهم منه قصد التواطؤ لا بدّ أن يفرض فيه التوقيف.

والمختار عندنا أن العقل يجوّز ذلك كلّه ، فأما تجويز التوقيف فلا حاجة إلى تكلّف دليل فيه ، ومعناه أن يثبت الله تعالى في الصدور علوما بديهيّة بصيغ مخصوصة بمعاني فتتبيّن العقلاء الصّيغ ومعانيها ، ومعنى التوقيف فيها أن يلقوا وضع الصيغ على حكم الإرادة والاختيار ، وأما الدليل على تجويز وقوعها اصطلاحا فهو أنه لا يبعد أن يحرك الله تعالى نفوس العقلاء لذلك ، ويعلم بعضهم مراد بعض ثم ينشئون على اختيارهم صيغا وتقترن بما يريدون أحوال لهم وإشارات إلى مسمّيات ، وهذا غير مستنكر ، وبهذا المسلك ينطلق الطفل على طوال ترديد المسمع عليه ما يريد تلقينه وإفهامه ، فإذا ثبت الجواز في الوجهين لم يبق لما تخيّله الأستاذ وجه والتعويل في التوقيف وفرض الاصطلاح على علوم تثبت في النفوس ، فإذا لم يمنع ثبوتها لم يبق لمنع التوقيف والاصطلاح بعدها معنى ، ولا أحد يمنع جواز ثبوت العلوم الضرورية على النحو المبيّن.

فإن قيل : قد أثبتّم الجواز في الوجهين عموما ، فما الذي اتفق عندكم وقوعه؟

قلنا : ليس هذا مما يتطرّق إليه بمسالك العقول ، فإن وقوع الجائز لا يستدرك إلّا بالسّمع المحض ، ولم يثبت عندنا سمع قاطع فيما كان من ذلك ، وليس في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) دليل على أحد الجائزين ؛ فإنه لا يمتنع أن تكون اللغات لم يكن يعلمها فعلّمه الله تعالى إياها ، ولا يمتنع أن الله تعالى أثبتها ابتداء وعلّمه إياها.

وقال الغزالي في" المنخول" : قال قائلون : اللغات كلّها اصطلاحية إذ التّوقيف يثبت بقول الرسول عليه السّلام ، ولا يفهم قوله دون ثبوت اللغة.

وقال آخرون : هي توقيفية ؛ إذ الاصطلاح يعرض بعد دعاء البعض بالاصطلاح ، ولا بدّ من عبارة يفهم منها قصد الاصطلاح.

ص: 17

وقال آخرون ما يفهم منه : قصد التّواضع توقيفيّ دون ما عداه ، ونحن نجوّز كونها اصطلاحية بأن يحرّك الله رأس واحد فيفهم آخر أنه قصد الاصطلاح.

ويجوز كونها توقيفية بأن يثبت الربّ تعالى مراسم وخطوطا يفهم الناظر فيها العبارات ثم يتعلم البعض عن البعض.

وكيف لا يجوز في العقل كلّ واحد منهما ونحن نرى الصبيّ يتكلم بكلمة أبويه؟! ويفهم ذلك من قرائن أحوالهما في حالة صغره فإذن الكل جائز.

وأما وقوع أحد الجائزين فلا يستدرك بالعقل ولا دليل في السمع وقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ظاهر في كونه توقيفيا وليس بقاطع ، ويحتمل كونها مصطلحا عليها من خلق الله تعالى قبل آدم. انتهى.

وقال ابن الحاجب في مختصره : الظاهر من هذه الأقوال قول أبي الحسن الأشعري.

قال القاضي تاج الدين السبكي في" شرح منهاج البيضاوي" : معنى قول ابن الحاجب :

القول بالوقف عن القطع بواحد من هذه الاحتمالات ، وترجيح مذهب الأشعري بغلبة الظن.

قال : وقد كان بعض الضّعفاء يقول : إن هذا الذي قاله ابن الحاجب مذهب لم يقل به أحد ؛ لأن العلماء في المسألة بين متوقّف وقاطع بمقالته ، فالقول بالظهور لا قائل به.

قال : وهذا ضعيف ؛ فإن المتوقّف لعدم قاطع قد يرجّح بالظنّ ، ثم إن كانت المسألة ظنّية اكتفى في العمل بها بذلك التّرجيح ، وإلّا توقف عن العمل بها.

ثم قال : والإنصاف أن الأدلة ظاهرة فيما قاله الأشعري ، فالمتوقّف إن توقّف لعدم القطع فهو مصيب وإن ادّعى عدم الظهور فغير مصيب.

هذا هو الحقّ الذي فاه به جماعة من المتأخرين منهم الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في" شرح العنوان".

وقال في رفع الحاجب : اعلم ان للمسألة مقامين :

ص: 18

أحدهما : الجواز فمن قائل : لا يجوز أن تكون اللغة إلّا توقيفا ، ومن قائل : لا يجوز أن تكون إلّا اصطلاحا.

والثاني : أنه ما الذي وقع على تقدير جواز كلّ من الأمرين ، والقول بتجويز كل من الأمرين هو رأي المحققين ولم أر من صرّح عن الأشعري بخلافه.

والذي أراه أنه إنما تكلم في الوقوع وأنه يجوّز صدور اللّغة اصطلاحا ، ولو منع الجواز لنقله عنه القاضي وغيره من محقّقي كلامه ، ولم أرهم نقلوه عنه ، بل لم يذكره القاضي وإمام الحرمين وابن القشيري والأشعري في مسألة مبدأ اللغات البتّة ، وذكر إمام الحرمين الاختلاف في الجواز ، ثم قال : إن الوقوع لم يثبت وتبعه القشيري وغيره.

المبحث الثالث : في حدّ الوضع

قال التاج السبكي في" شرح منهاج البيضاوي" : الوضع عبارة عن تخصيص الشيء بالشيء بحيث إذا أطلق الأوّل فهم منه الثاني.

قال : وهذا تعريف سديد ؛ فإنك إذا أطلقت قولك : (قام زيد) فهم منه صدور القيام منه.

قال : فإن قلت : مدلول قولنا : (قام زيد) صدور قيامه سواء أطلقنا هذا اللّفظ أم لم نطلقه ، فما وجه قولكم : بحيث إذا أطلق؟

قلت : الكلام قد يخرج عن كونه كلاما ، وقد يتغيّر معناه بالتّقييد فإنك إذا قلت : (قام الناس) اقتضى إطلاق هذا اللفظ إخبارك بقيام جميعهم.

فإذا قلت : (إن قام الناس) خرج عن كونه كلاما بالكليّة ، فإذا قلت : (قام الناس إلّا زيدا) لم يخرج عن كونه كلاما ، ولكن خرج عن اقتضاء قيام جميعهم إلى قيام ما عدا زيدا.

فعلم بهذا أن لإفادة (قام الناس) الإخبار بقيام جميعهم شرطين :

أحدهما : ألّا تبتدئه بما يخالفه.

والثاني : ألا تختمه بما يخالفه.

ص: 19

وله شرط ثالث أيضا وهو أن يكون صادرا عن قصد فلا اعتبار بكلام النائم والساهي ، فهذه ثلاثة شروط لا بدّ منها وعلى السامع التنبّه لها.

فوضح بهذا أنك لا تستفيد قيام الناس من قوله : (قام الناس) إلّا بإطلاق هذا القول فلذلك اشترطنا ما ذكرناه.

فإن قلت : من أين لنا اشتراط ذلك واللفظ وحده كاف في ذلك ؛ لأن الواضع وضعه لذلك؟

قلت : وضع الواضع له معناه أنه جعله مهيّأ لأن يفيد ذلك المعنى عند استعمال المتكلّم على الوجه المخصوص ، والمفيد في الحقيقة إنما هو المتكلم واللفظ كالآلة الموضوعة لذلك.

فإن قلت : لو سمعنا (قام الناس) ولم نعلم من قائله هل قصده أم لا؟ وهل ابتدأه أو ختمه بما يغيّره أو لا؟ هل لنا أن نخبر عنه بأنه قال : قام الناس؟

قلت : فيه نظر ؛ يحتمل أن يقال بجوازه لأن الأصل عدم الابتداء والختم بما يغيّره ويحتمل أن يقال : لا يجوز لأن العمدة ليس هو اللفظ ، ولكنّ الكلام النفساني القائم بذات المتكلم وهو حكمه واللفظ دليل عليه مشروط بشروط ولم تتحقّق.

ويحتمل أن يقال : إن العلم بالقصد لا بدّ منه لأنه شرط والشكّ في الشرط يقتضي الشّكّ في المشروط والعلم بعدم الابتداء والختم بما يخالفه لا يشترط لأنهما مانعان ، والشكّ في المانع لا يقتضي الشك في الحكم لأن الأصل عدمه.

قال : واختار والدي - رحمه الله - أنه لا بدّ من أن يعلم الثلاثة. انتهى.

المبحث الرابع : شروط ثبوت اللغة

قال الزّركشيّ في" البحر المحيط" : قال أبو الفضل بن عبدان في" شرائط الأحكام" وتبعه الجيلي في" الإعجاز" : لا تلزم اللغة إلّا بخمس شرائط :

أحدها - ثبوت ذلك عن العرب بسند صحيح يوجب العمل.

والثاني - عدالة الناقلين كما تعتبر عدالتهم في الشّرعيات.

ص: 20

والثالث - أن يكون النقل عمّن قوله حجة في أصل اللغة كالعرب العاربة مثل قحطان ومعدّ وعدنان فأما إذا نقلوا عمّن بعدهم بعد فساد لسانهم واختلاف المولّدين فلا.

قال الزركشي : ووقع في كلام الزمخشري وغيره الاستشهاد بشعر أبي تمام بل في الإيضاح للفارسي ، ووجّه بأنّ الاستشهاد بتقرير النّقلة كلامهم وأنه لم يخرج عن قوانين العرب.

وقال ابن جنّي : يستشهد بشعر المولّدين في المعاني كما يستشهد بشعر العرب في الألفاظ.

والرابع - أن يكون الناقل قد سمع منهم حسّا وأمّا بغيره فلا.

والخامس - أن يسمع من الناقل حسّا. انتهى.

وقال ابن جنّي في" الخصائص" : من قال : إن اللغة لا تعرف إلّا نقلا فقد أخطأ ؛ فإنها قد تعلم بالقرائن أيضا فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر : [البسيط]

قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم

طاروا إليه زرافات ووحدانا

يعلم أن الزرافات بمعنى الجماعات.

وقال عبد اللطيف البغدادي في شرح الخطب النباتية : اعلم أن اللّغوي شأنه أن ينقل ما نطقت به العرب ولا يتعدّاه ، وأما النّحوي فشأنه أن يتصرّف فيما ينقله اللّغوي ، ويقيس عليه ومثالهما المحدّث والفقيه ، فشأن المحدّث نقل الحديث برمّته ، ثم إن الفقيه يتلقّاه ويتصرّف فيه ويبسط فيه علله ويقيس عليه الأمثال والأشباه.

قال أبو علي فيما حكاه ابن جنّي : يجوز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم وشعرنا على شعرهم.

المبحث الخامس : في سعة اللغة

قال ابن فارس في" فقه اللغة" : باب القول على لغة العرب ، وهل يجوز أن يحاط بها؟

قال بعض الفقهاء : كلام العرب لا يحيط به إلّا نبيّ.

ص: 21

قال ابن فارس : وهذا كلام حريّ أن يكون صحيحا ، وما بلغنا أن أحدا ممن مضى ادّعى حفظ اللغة كلّها ، فأما الكتاب المنسوب إلى الخليل ، وما في خاتمته من قوله : هذا آخر كلام العرب ، فقد كان الخليل أورع وأتقى لله تعالى من أن يقول ذلك.

وقد سمعت عليّ بن محمد بن مهرويه يقول : سمعت هارون بن هزاري يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : من أحبّ أن ينظر إلى رجل خلق من الذّهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد.

وأخبرني أبو داود سليمان بن يزيد عن ذلل المصاحفي عن النّضر بن شميل قال : كنا نميّل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهما نقدّم في الزهد والعبادة فلا ندري أيهما نقدّم؟

قال : وسمعت النضر بن شميل يقول : ما رأيت أحدا أعلم بالسّنّة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد.

قال : وسمعت النضر يقول : أكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه وهو في خصّ لا يشعر به.

قال ابن فارس : فهذا مكان الخليل من الدّين ، أفتراه يقدم على أن يقول : هذا آخر كلام العرب؟!

ثم إن في الكتاب الموسوم به من الإخلال ما لا خفاء به على علماء اللغة ، ومن نظر في سائر الأصناف الصحيحة علم صحّة ما قلناه. انتهى كلام ابن فارس.

وهذا الذى نقله عن بعض الفقهاء نصّ عليه الإمام الشافعى رضي الله عنه فقال في أوائل الرسالة : لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ، ولا نعلم أن يحيط بجميع علمه إنسان غير نبيّ ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامّتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه ، والعلم به عند العرب كالعلم بالسّنة عند أهل الفقه ، لا يعلم رجل جميع السنن فلم يذهب منها عليه شيء ، وإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السّنن ، وإذا فرّق علم كلّ واحد منهم ذهب عليه الشيء منها ، ثم ما ذهب منها عليه موجود عند غيره ، وهم في العلم طبقات منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه ، ومنهم الجامع لأقلّ مما جمع غيره ، وليس قليل ما ذهب من السّنن على من جمع أكثرها ، دليلا على أن يطلب علمه عند غير أهل طبقته من أهل

ص: 22

العلم بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله - بأبي هو وأمي - ، فتفرّد جملة العلماء بجملتها وهم درجات فيما وعوا منها.

وهذا لسان العرب عند خاصّتها وعامتها لا يذهب منه شيء عليها ولا يطلب عند غيرها ولا يعلمه إلّا من قبله منها ، ولا يشركها فيه إلّا من اتّبعها وقبله منها فهو من أهل لسانها وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعمّ من علم أكثر السّنن في العلماء. هذا نص الشّافعي بحروفه.

وقال ابن فارس في موضع آخر : باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكلّيتها وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير ، وأن كثيرا من الكلام ذهب بذهاب أهله.

ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أنّ الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقلّ ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاءنا شعر كثير وكلام كثير ، وأحر بهذا القول أن يكون صحيحا ؛ لأنّا نرى علماء اللّغة يختلفون في كثير مما قالته العرب ، فلا يكاد واحد منهم يخبر عن حقيقة ما خولف فيه ، بل يسلك طريق الاحتمال والإمكان ، ألا ترى أنّا نسألهم عن حقيقة قول العرب في الإغراء : كذبك كذا. وعما جاء في الحديث من قوله صلّى الله عليه وسلّم : " كذب عليكم الحجّ". وكذبك العسل.

وعن قول القائل : [الطويل]

كذبت عليكم أوعدوني وعلّلوا

بي الأرض والأقوام قردان موظبا

وعن قول الآخر : [الكامل]

كذب العتيق وماء شنّ بارد

إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي

ونحن نعلم أن قول : (كذب) يبعد ظاهره عن باب الإغراء.

وكذلك قولهم : عنك في الأرض ، وعنك شيئا.

وقول الأفوه : [الرمل]

عنكم في الأرض إنّا مذحج

ورويدا يفضح الليل النهار

ص: 23

ومن ذلك قولهم : أعمد من سيّد قتله قومه. أي : هل زاد على هذا ، فهذا من مشكل الكلام الذي لم يفسّر بعد ، وقال ابن ميّادة : [الطويل]

وأعمد من قوم كفاهم أخوهم

صدام الأعادي حين فلّت نيوبها

قال الخليل وغيره : معناه : هل زدنا على أن كفينا إخواننا.

وقال أبو ذؤيب : [الكامل]

صخب الشّوارب لا يزال كأنّه

عبد لآل أبي ربيعة مسبع

فقوله : (مسبع) ما فسّر حتى الآن تفسيرا شافيا.

ومن هذا الباب قولهم : يا عيد مالك ويا هيء مالك ويا شيء مالك.

ولم يفسّروا قولهم : صه ، وويهك ، وإنيه.

ثم قال : قال : وعلماء هذه الشريعة وإن كانوا اقتصروا من علم هذا على معرفة رسمه دون علم حقائقه ، فقد اعتاضوا عنه دقيق الكلام في أصول الدّين وفروعه من الفقه والفرائض ، ومن دقيق النحو وجليله ، ومن علم العروض الذي يربأ بحسنه ودقّته واستقامته على كل ما تبجّح به الناسبون أنفسهم إلى الفلسفة ، ولكلّ زمان علم وأشرف العلوم علوم زماننا ، هذا ولله الحمد. هذا كلّه كلام ابن فارس.

المبحث السادس : في حد الكلمة والكلام والكلم والفرق بينهم

الكلمة : حروف الهجاء تسعة وعشرون حرفا ، (وهى : أ - ب - ت - ث - ج ...) وكل واحد منها رمز مجرد لا يدل إلا على نفسه ، ما دام مستقلا لا يتصل بحرف آخر. فإذا اتصل بحرف أو أكثر ، نشأ من هذا الاتصال ما يسمى : " الكلمة". فاتصال الفاء بالميم - مثلا - يوجد كلمة : " فم" ، واتصال العين بالياء فالنون ، يوجد كلمة : " عين" ، واتصال الميم بالنون فالزاى فاللام ، يحدث كلمة : " منزل" ... وهكذا تنشأ الكلمات الثنائية ، والثلاثية ، والرباعية - وغيرها - من انضمام بعض حروف الهجاء إلى بعض.

ص: 24

وكل كلمة من هذه الكلمات التى نشأت بالطريقة السالفة تدل على معنى ؛ لكنه معنى جزئى ؛ أى : مفرد ؛ فكلمة : " فم" حين نسمعها ، لا نفهم منها أكثر من أنها اسم شىء معين. أما حصول أمر من هذا الشىء ، أو عدم حصوله ... ، أما تكوينه ، أو وصفه ، أو دلالته على زمان أو مكان ، أو معنى آخر - فلا نفهمه من كلمة : " فم" وحدها. وكذلك الشأن فى كلمة : " عين" ، و" منزل" وغيرهما من باقى الكلمات المفردة.

ولكن الأمر يتغير حين نقول : (الفم مفيد) - (العين نافعة) - (المنزل واسع النواحى) ، فإن المعنى هنا يصير غير جزئى ؛ أى : غير مفرد ؛ لأن السامع يفهم منه فائدة وافية إلى حدّ كبير ، بسبب تعدد الكلمات ، وما يتبعه من تعدد المعانى الجزئية ، وتماسكها ، واتصال بعضها ببعض اتصالا ينشأ عنه معنى مركب. فلا سبيل للوصول إلى المعنى المركب إلا من طريق واحد ؛ هو :اجتماع المعانى الجزئية بعضها إلى بعض ، بسبب اجتماع الألفاظ المفردة.

ومن المعنى المركب تحدث تلك الفائدة التى يستطيع المتكلم أن يسكت بعدها ، ويستطيع السامع أن يكتفى بها.

وهذه الفائدة - وأشباهها - وإن شئت فقل : هذا المعنى المركب ، هو الذى يهتم به النحاة ، ويسمونه بأسماء مختلفة ، المراد منها واحد ؛ فهو : (المعنى المركب) ، أو (المعنى التام) ، أو (المعنى المفيد) ، أو (المعنى الذى يحسن السكوت عليه).

يريدون : أن المتكلم يرى المعنى قد أدى الغرض المقصود فيستحسن الصمت ، أو : أن السامع يكتفى به ؛ فلا يستزيد من الكلام. بخلاف المعنى الجزئى ، فإن المتكلم لا يقتصر عليه فى كلامه ؛ لعلمه أنه لا يعطى السامع الفائدة التى ينتظرها من الكلام. أو : لا يكتفى السامع بما فهمه من المعنى الجزئى ، وإنما يطلب المزيد. فكلاهما إذا سمع كلمة منفردة مثل : باب ، أو :ريحان ، أو : سماء ، أو : سواها ... لا يقنع بها.

لذلك لا يقال عن الكلمة الواحدة إنها تامة الفائدة ، برغم أن لها معنى جزئيّا لا تسمى (كلمة) بدونه ؛ لأن الفائدة التامة لا تكون بمعنى جزئى واحد.

ص: 25

مما تقدم نعلم أن الكلمة هى : (اللفظة الواحدة التى تتركب من بعض الحروف الهجائية ، وتدل على معنى جزئى ؛ أى : مفرد). فإن لم تدل على معنى عربى وضعت لأدائه فليست كلمة ، وإنما هى مجرد صوت.

الكلام أو الجملة هو : (ما تركب من كلمتين أو أكثر ، وله معنى مفيد مستقل). مثل : أقبل ضيف. فاز طالب نبيه. لن يهمل عاقل واجبا ...

فلا بد فى الكلام من أمرين معا ؛ هما : التركيب ، والإفادة المستقلة ، فلو قلنا : (أقبل) فقط ، أو : (فاز) فقط ، لم يكن هذا كلاما ؛ لأنه غير مركب.

ولو قلنا : أقبل صباحا ... أو : فاز فى يوم الخميس ... أو : لن يهمل واجبه ... ، لم يكن هذا كلاما أيضا ؛ لأنه - على رغم تركيبه - غير مفيدة فائدة يكتفى بها المتكلم أو السامع ...

وليس من اللازم فى التركيب المفيد أن تكون الكلمتان ظاهرتين فى النطق ؛ بل يكفى أن تكون إحداهما ظاهرة ، والأخرى مستترة ؛ كأن تقول للضيف : تفضل. فهذا كلام مركب من كلمتين ؛ إحداهما ظاهرة ، وهى : تفضل ، والأخرى مستترة ، وهى : أنت. ومثل : تفضل ، أسافر ... أو : نشكر أو : تخرج ... وكثير غيرها مما يعد فى الواقع كلاما ، وإن كان ظاهره أنه مفرد.

الكلم هو : ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ؛ سواء أكان لها معنى مفيد ، أم لم يكن لها معنى مفيد. فالكلم المفيد مثل : النيل ثروة مصر ، القطن محصول أساسى فى بلادنا. وغير المفيد مثل : إن تكثر الصناعات.

القول : هو كل لفظ نطق به الإنسان ؛ سواء أكان لفظا مفردا أم مركبا ، وسواء أكان تركيبه مفيدا أم غير مفيد. فهو ينطبق على : (الكلمة) كما ينطبق على : (الكلام) وعلى : (الكلم).

فكل نوع من هذه الثلاثة يدخل فى نطاق : (القول) ويصح أن يسمى : (قولا) على الصحيح ، وقد سبقت الأمثلة. كما ينطبق أيضا على كل تركيب آخر يشتمل على كلمتين لا تتم بهما الفائدة ؛ مثل : إن مصر ... أو : قد حضر ... أو : هل أنت. أو : كتاب علىّ ... فكل تركيب من هذه التراكيب لا يصح أن يسمى : (كلمة) ؛ لأنه ليس لفظا مفردا ، ولا يصح أن يسمى :

ص: 26

(كلاما) ؛ لأنه ليس مفيدا. ولا : (كلما) ؛ لأنه ليس مؤلفا من ثلاث كلمات ؛ وإنما يسمى :(قولا).

ويقول أهل اللغة : إن (الكلمة) واحد : (الكلم). ولكنها قد تستعمل أحيانا بمعنى :(الكلام) ؛ فتقول : حضرت حفل تكريم الأوائل ؛ فسمعت (كلمة) رائعة لرئيس الحفل ، و (كلمة) أخرى لأحد الحاضرين ، و (كلمة) ثالثة من أحد الأوائل يشكر المحتفلين. ومثل :اسمع منى" كلمة" غالية ؛ وهى :

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

فالمراد بالكلمة فى كل ما سبق هو : (الكلام) ، وهو استعمال فصيح ، يشيع على ألسنة الأدباء وغيرهم.

وللكلمة ثلاثة أقسام ، اسم. وفعل ، وحرف.

المبحث السابع : أقسام الكلمة (الاسم - الفعل - الحرف)

الاسم : كلمة تدل بذاتها على شىء محسوس ، - مثل : نحاس ، بيت ، جمل ، نخلة ، عصفورة ، محمد ... ، أو شىء غير محسوس ، يعرف بالعقل ؛ مثل : شجاعة ، مروءة ، شرف ، نبل ، نبوغ ... وهو فى الحالتين لا يقترن بزمن.

علاماته : أهمها خمسة ، إذا وجدت واحدة منها كانت دليلا على أن الكلمة (اسم).

العلامة الأولى : الجر ؛ فإذا رأينا كلمة مجرورة لداع من الدواعى النحوية ، عرفنا أنها اسم ؛ مثل : كنت فى زيادة صديق كريم. فكلمة : (زيارة) اسم ؛ لأنها مجرورة بحر الجر (فى) ، وكلمة : (صديق) اسم ؛ لأنها مجرورة ؛ إذ هى (مضاف إليه) ، وكلمة : (كريم) اسم ؛ لأنها مجرورة بالتبعية لما قبلها ؛ فهى نعت لها.

العلامة الثانية : التنوين ؛ فمن الكلمات ما يقتضى أن يكون فى آخره ضمتان ، أو فتحتان ، أو كسرتان ؛ مثل : جاء حامد ، رأيت حامدا ، ذهبت إلى حامد ، طار عصفور جميل ، شاهدت عصفورا جميلا ، استمعت إلى عصفور جميل ... وهذه الكلمات لا تكون إلا أسماء.

ص: 27

وكان الأصل أن تكتب هى وأشباهها كما يكتبها علماء العروض هكذا : حامدن ، حامدن ، حامدن. عصفورن جميلن ... عصفورن جميلن ... عصفورن جميلن ... أى : بزيادة نون ساكنة فى آخر الكلمة ؛ تحدث رنينا خاصّا ؛ وتنغيما عند النطق بها. ولهذا يسمونها : (والتنوين) أى :التصويت والترنيم ؛ لأنها سببه. ولكنهم عدلوا عن هذا الأصل ، ووضعوا مكان (النون) رمزا مختصرا يغنى عنها ، ويدل - عند النطق به - على ما كانت تدل عليه ؛ وهذا الرّمز هو : الضمة الثانية ، والفتحة الثانية ، والكسرة الثانية ... على حسب الجمل ... ويسمونه : (التنوين) ، كما كانوا يسمون النون السالفة ، واستغنوا بها الرمز المختصر عن (النون) ؛ فحذفوها فى الكتابة ، ولكنها لا تزال ملحوظة ينطق بها عند وصل بعض الكلام ببعض ، دون الوقف.

ومما تقدم نعلم : أن التنوين نون ساكنة ، زائدة. تلحق آخر الأسماء لفظا ، لا خطا ولا وقفا.

العلامة الثالثة : أن تكون الكلمة مناداة ، مثل : يا محمد ، ساعد الضعيف. يا فاطمة ، أكرمى أهلك. فنحن ننادى محمدا ، وفاطمة. وكل كلمة نناديها اسم ، ونداؤها علامة اسميتها.

العلامة الرابعة : أن تكون الكلمة مبدوءة ب (أل) مثل : العدل أساس الملك.

العلامة الخامسة : أن تكون الكلمة منسوبا إليها - أى : إلى مدلولها - حصول شىء ، أو عدم حصوله ، أو مطلوبا منها إحداثه ، مثل : علىّ سافر. محمود لم يسافر. سافر يا سعيد. فقد تحدثنا عن (علىّ) بشىء نسبناه إليه. هو : السفر ، وتحدثنا عن (محمود) بشىء نسبناه إليه ؛ هو عدم السفر ، وطلبنا من (سعيد) السفر. فالحكم بالسفر ، أو بعدمه ، أو بغيرهما ، من كل ما تتم به الفائدة الأساسية يسمى : إسنادا ، وكذلك الحكم بطلب شىء من إنسان أو غيره ...

فالإسناد هو : (إثبات شىء لشىء ، أو نفيه عنه ، أو طلبه منه).

هذا ، واللفظ الذى نسب إلى صاحبه فعل شىء أو عدمه أو طلب منه ذلك ، يسمى : (مسندا إليه) ، أى : منسوبا إليه الفعل ، أو الترك ، أو طلب منه الأداء. أما الشىء الذى حصل ووقع ، أو لم يحصل ولم يقع ، أو طلب حصوله - فيسمى : (مسندا) ، ولا يكون المسند إليه اسما.

والإسناد هو العلامة التى دلت على أن المسند إليه اسم.

ص: 28

الفعل وأقسامه

(أ) فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب.

كل كلمة من الكلمات : (فهم ، سافر ، رجع) تدل بنفسها مباشرة من غير حاجة إلى كلمة أخرى على أمرين :

أولهما : معنى ندركه بالعقل ؛ وهو : الفهم ، أو : السفر ، أو الرجوع ، ويسمى : الحدث.

وثانيهما : زمن حصل فيه ذلك المعنى ، أى : ذلك الحدث. وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة ؛ فهو زمن قد فات ، وانقضى قبل الكلام.

(ب) وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا : (يفهم. يسافر. يرجع) دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضا ؛ المعنى الحدث والزمن. ولكن الزمن هنا لم يكن قد فات وانقضى ؛ وإنما هو زمن صالح للحال ، والاستقبال.

(ح) وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا : (افهم ، سافر ، ارجع) دلت كل واحدة على الأمرين ؛ المعنى (الحدث) وهو : طلب الفهم ، أو : طلب السفر ، أو : طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده ؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام ؛ أى : لا يقع إلا فى المستقبل ...

فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى : فعلا.

فالفعل : كلمة تدل على أمرين معا ؛ هما : معنى ، أى : حدث ، وزمن يقترن به.

وأقسامه ثلاثة : ماض ، وهو : كلمة تدل على مجموع أمرين ؛ معنى ، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) [الفرقان : 61].

ومضارع : وهو : كلمة تدل على أمرين معا : معنى ، وزمن صالح للحال والاستقبال.

كقوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) [البقرة : 263] ، ولا بد أن يكون مبدوءا بالهمزة ، أو النون ، أو التاء ، أو الياء ... وتسمّى هذه الأحرف : (أحرف

ص: 29

المضارعة). وفتحها واجب ، إلا فى المضارع الرباعىّ فتضمّ ، وكذا فى : المضارع المبنى للمجهول. أما المضارع : (إخال) فالأفصح كسر همزته لا فتحها.

وأمر ، وهو : كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين : معنى ، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل كقوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : 35] ، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته ؛ فمثل (لتخرج) ، ليس فعل أمر ؛ بل هو فعل مضارع ، مع أنه يدل على طلب شىء ليحصل فى المستقبل ؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله ، لا من صيغة الفعل نفسها.

وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [الأحزاب : 48] ، وقول الشاعر :

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمو

فطالما استعبد الإنسان إحسان

الحرف ، معناه :من ، فى ، على ، لم ، إن ، إنّ ، حتى.

لا تدل كلمة من الكلمات السابقة على معنى ، أىّ معنى ، ما دامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت فى كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل ، مثال ذلك : (سافرت" من" القاهرة) ... فهذه جملة ؛ المراد منها : الإخبار بوقوع سفرى ، وأنه يبتدئ من القاهرة. فكأنى أقول : سافرت ، وكانت نقطة البدء فى السفر هى : (القاهرة) ، فكلمة : (من) أفادت الآن معنى جديدا ظهر على ما بعدها وهذا المعنى هو : الابتداء ، لم يفهم ولم يحدد إلا بوضعها فى جملة ؛ فلهذه الجملة الفضل فى إظهار معنى : (من).

ولو قلت : سافرت من القاهرة" إلى" العراق - لصار معنى هذه الجملة : الإخبار بسفرى الذى ابتداؤه

القاهرة ، ونهايته العراق. فكلمة : (إلى) أفادت معنى ظهر هنا على ما بعدها ؛ وهذا المعنى هو الانتهاء. ولم يظهر وهى منفردة ، وإنما ظهر بعد وضعها فى جملة ؛ كانت السبب فى إظهاره.

ص: 30

وكذلك : حضرت من البيت إلى النهر ؛ فقد أفادت الجملة كلها الإخبار بحضورى ، وأن أول هذا الحضور وابتداءه : (البيت) ، وأن نهايته وآخره : (النهر). فأفادت : (إلى) الانتهاء ، وصبّته على ما بعدها. وهذا الانتهاء لم يفهم منها إلا بسبب التركيب الذى وضعت فيه.

ص: 31

ترجمة المصنف

اسمه وشهرته وموطنه

(000 - 316 ه) (000 - 929 م)

هو : محمد بن السري بن سهل البغدادي ، أبو بكر : المشهور ب (ابن السراج). أديب نحوي لغوي ، من أهل بغداد.

شيوخه وتلاميذه

أخذ عن المبرد وهو من أكابر أصحابه ، وقرأ عليه كتاب سيبويه في النحو.

وأخذ عنه العلم :

1 - عبد الرحمن الزجاجي.

2 - وأبو سعيد السيرافي.

3 - وأبو علي الفارسي.

4 - وعلي بن عيسى الرمان.

أقوال أهل العلم فيه

- قال الذهبي : إمام النحو ، وقال : له شعر رائق ، وكان مكبا على الغناء ، واللذة ، هوي ابن يانس المطرب ، وله أخبار سامحه الله.

- قال الفيروزآبادي : أحد العلماء المشهورين باللغة والنحو والأدب.

- وقال الزركلي : أحد أئمة الأدب والعربية. وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا. ويقال : ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. وكان عارفا بالموسيقى.

- عول على مسائل الأخفش والكوفيين ، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة.

ومن أشعاره الرائقة

منه ما قاله في أم ولده وكان يحبها ، وأنفق عليها ماله وجفته :

قايست بين جمالها وفعالها

فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي

حلفت لنا ألا تخون عهودنا

فكأنما حلفت لنا ألا تفي

ص: 32

والله لا كلمتها ولو أنها

كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي

وفاته

مات شابا في ذي الحجة ، سنة 316 ه.

مصنفاته

1 - الأصول في النحو (كتابنا هذا).

2 - و (شرح كتاب سيبويه في النحو).

3 - و (الشعر والشعراء).

4 - و (الخط والهجاء).

5 - و (المواصلات والمذكرات). في الأخبار.

6 - و (الموجز في النحو - ط).

7 - و (العروض - خ).

8 - و (احتجاج القراء في القراءة).

9 - و (جمل الأصول).

10 - و (الاشتقاق).

11 - وكتاب (الرياح والهواء).

مصادر ترجمته

1 - طبقات النحويين واللغويين : 112 - 114.

2 - فهرست ابن النديم : 93.

3 - تاريخ بغداد : 5 - 320.

4 - الأنساب : 295 / أ.

5 - نزهة الألباء : 249 - 250.

6 - المنتظم : 6.

ص: 33

7 - معجم الأدباء : 18 - 201.

8 - الكامل في التاريخ : 8 ، 199 315 - 316.

9 - إنباه الرواة : 3 145.

10 - سير أعلام النبلاء 14.

11 - وفيات الأعيان : 4 - 340.

12 - العبر 2.

13 - الوافي بالوفيات : 3.

14 - مرآة الجنان : 2.

ص: 34

عملنا في الكتاب

قمنا بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى بالقيام بالتالي في تحقيقنا للكتاب :

1 - الرجوع إلى نسخة خطية للكتاب وهي من الخزانة العامة بالرباط وتقع في 362 ورقة ، ومتوسط عدد الأسطر في كل ورقة (13) سطرا ، وهي نسخة جيدة ، كتبت بقلم نسخي نفيس ، قد تعود إلى القرن السابع ، وعلى حواشيها بعض التصحيحات والتعليقات التي أفادتنا كثيرا في تحقيقنا لهذا الكتاب.

2 - مطابقة نص الكتاب مرتين مطابقة دقيقة.

3 - الاهتمام بضبط النص وتقويمه ، ووضع علامات الترقيم المناسبة.

4 - تخريج الآيات القرآنية والدلالة على مواضعها من المصحف الشريف.

5 - ضبط الشعر ضبطا كاملا.

6 - التعليق على ما يشكل أو يلبس فهمه.

7 - التعليق على بعض المواضع التي تحتاج إلى شرح أو إيضاح أو بسط.

8 - التعليق على بعض أبيات الشواهد وشرحها ، وبيان موضع الشاهد منها ونظرائها.

9 - صنع فهارس بأبواب الكتاب.

هذا هو جهد المقل ، وإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في إخراج هذا الكتاب ، ونسأل الله تعالى النفع به ، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم تسليما كثيرا.

ص: 35

الصورة

ص: 36

الصورة

ص: 37

الصورة

ص: 38

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[مقدمة المؤلف]

قال أبو بكر محمد بن السري النحوي :

النحو (1) إنما أريد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب ، وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من استقراء كلام العرب حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة ، فباستقراء [كلامهم ما علم](2) أن الفاعل رفع ، والمفعول به نصب ، وأنّ فعل مما عينه ياء أو واو تقلب عينه من قولهم : [قام وباع](3).

واعتلالات النحويين على ضربين :

1 - ضرب منها هو المؤدي إلى كلام العرب [كقولنا : كل فاعل مرفوع](4).

ص: 39


1- النحو في الاصطلاح هو العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها. قاله صاحب المقرب ، فعلم أن المراد هنا بالنحو ما يرادف قولنا : علم العربية لا قسيم الصرف ، وهو مصدر أريد به اسم المفعول ، أي : المنحو كالخلق بمعنى المخلوق ، وخصته غلبة الاستعمال بهذا العلم ، وإن كان كل علم منحوا ، أي : مقصودا ، كما خصت الفقه بعلم الأحكام الشرعية الفرعية ، وإن كان كل علم فقها ، أي : مفقوها ، أي : مفهوما. وجاء في اللغة لمعان خمسة : القصد يقال : نحوت نحوك ، أي : قصدت قصدك. والمثل نحو : مررت برجل نحوك ، أي مثلك. والجهة نحو : توجهت نحو البيت ، أي : جهة البيت ، والمقدار نحو : له عندي نحو ألف ، أي : مقدار ألف ، والقسم نحو : هذا على أربعة أنحاء ، أي أقسام. شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 1 / 4.
2- هكذا بالأصل ، وفي (ط) : كلام العرب فاعلم.
3- في الأصل : قومه وبيعه.
4- في الأصل : كما مثلنا.

2 - وضرب آخر يسمى : علّة العلة ، مثل أن يقولوا : لم صار الفاعل مرفوعا والمفعول به منصوبا [والمضاف إليه مجرورا](1) ، ولم إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحا قلبتا ألفا ، وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب ، وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها ، ويبيّن بها فضل هذه اللغة على غيرها من اللغات ، وقد وفّر الله تعالى من الحكمة [بحفظها](2) ، وجعل فضلها غير مدفوع.

وغرضي في هذا الكتاب [ذكر](3) العلة التي إذا طردت (4) وصل بها إلى كلامهم فقط ، وذكر الأصول والشائع لأنه كتاب إيجاز.

ص: 40


1- ما بين المعكوفتين ساقط في (ط).
2- في الأصل : حظها
3- ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
4- أي تكررت وكثر دورانها في كلام العرب.

الكلام

اشارة

(1)

يأتلف من ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل ، وحرف.

شرح الاسم

الاسم (2) : ما دل على معنى مفرد ، وذلك المعنى يكون شخصا وغير شخص.

فالشخص نحو : رجل ، وفرس ، وحجر ، وبلد ، [وعمر](3) ، وبكر.

وأما ما كان غير شخص فنحو : الضرب ، والأكل ، والظن ، والعلم ، واليوم ، والليلة ، والساعة.

وإنما قلت : (ما دل على معنى مفرد) [لأن الفرق](4) بينه وبين الفعل إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان ، وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل.

فإن قلت : إن في [الأسماء](5) مثل اليوم والليلة والساعة وهذه أزمنة ، فما الفرق بينها وبين الفعل؟

ص: 41


1- الكلام المصطلح عليه عند النحاه : عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها ، فاللفظ جنس يشمل الكلام والكلمة والكلم ، ويشمل المهمل كديز ، والمستعمل كعمزو ، ومفيد أخرج المهمل وفائدة يحسن السكوت عليها ، أخرج الكلمة وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو : إن قام زيد ، ولا يتركب الكلام إلا من اسمين نحو : زيد قائم ، أو من فعل واسم كقام. انظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 1 / 14.
2- اختلفت عبارات النحويين في حد الاسم ، وسيبويه لم يصرح له بحد ، فقال بعضهم : الاسم ما استحق الإعراب في أول وضعه ، وقال آخرون : ما استحق التنوين في أول وضعه ، وقال آخرون : حد الاسم ما سما بمسماه فأوضحه وكشف معناه. وقال آخرون : الاسم كل لفظ دل على معنى مفرد في نفسه. ولم يدل على زمان ذلك المعنى ، وقال ابن السراج : هو كل لفظ دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان محصل وزاد بعضهم في هذا دلالة الوضع. انظر المسائل الخلافية للعكبري 1 / 45.
3- في الأصل : وعمرو.
4- في (ط) : لا فرق.
5- في الأصل : الاسم.

قلنا : الفرق أن الفعل ليس هو زمانا فقط كما أن اليوم زمان فقط ، فاليوم معنى مفرد للزمان ، ولم يوضع مع ذلك لمعنى آخر ، ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ؛ فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم ، وإذا دلت على معنى وزمان محصّل فهي فعل ، وأعني بالمحصّل : الماضي والحاضر والمستقبل.

ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم.

فالاسم تخصه أشياء يعتبر بها ؛ منها أن يقال : أن الاسم ما جاز أن يخبر عنه نحو قولك : عمرو منطلق ، وقام بكر.

والفعل (1) : ما كان خبرا ، ولا يجوز أن يخبر عنه نحو قولك : أخوك يقوم ، وقام أخوك ، فيكون حديثا عن الأخ ، ولا يجوز أن تقول : ذهب يقوم ، ولا يقوم يجلس.

والحروف (2) : ما لا يجوز أن يخبر عنها ، ولا يجوز أن تكون خبرا نحو : من وإلى.

والاسم قد يعرف أيضا بأشياء كثيرة منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو : الرجل ، والحمار ، والضرب ، والحمد ، فهذا لا يكون في الفعل ، ولا تقول : اليقوم ولا اليذهب.

ص: 42


1- اختلفت عبارات النحويين في حد الفعل فقال ابن السراج وغيره : (حده : كل لفظ دل على معنى في نفسه مقترن بزمان محصل). وهذا هو حد الاسم إلا أنهم أضافوا إليه : لفظ (غير) ليدخل فيه المصدر ، وإذا حذفت (غير) لم يدخل فيه المصدر ؛ لأن الفعل يدل على زمان محصل ولأن المصدر لا يدل على تعيين الزمان. وإن شئت أضفت إلى ذلك دلالة الوضع كما قيدت حد الاسم بذلك وإنما زادوا هذه الزيادة لئلا ينتقض ب (ليس وكان) الناقصة ، وقال أبو علي : (الفعل ما اسند إلى غيره ولم يسند غيره إليه) وهذا يقرب من قولهم في حد الاسم : ما جاز الاخبار عنه ؛ لأن الاسناد والاخبار متقاربان في هذا المعنى ، وهذا الحد رسمي إذ هو علامة وليس بحقيقي ؛ لأنه غير كاشف عن مدلول الفعل لفظا وانما هو تمييز له بحكم من أحكامه. وانظر المسائل الخلافية للعكبري 1 / 67.
2- الحرف : هو ما دل على معنى في غيره ، ولم يكن مقيدا بزمن.

ويعرف أيضا بدخول حرف الخفض عليه ، نحو : مررت بزيد ، وبأخيك ، وبالرجل. ولا يجوز أن تقول : مررت بيقوم ، ولا ذهبت إلى قام.

ويعرف أيضا بامتناع قد وسوف من الدخول عليه ، ألا ترى أنك لا تقول : قد الرجل ، ولا سوف الغلام ، إلا أن هذا ليس خاصا بالاسم فقط.

ولكن قد [تمتنع](1) سوف وقد من الدخول على الحروف ، ومن الدخول على فعل الأمر [والنهي](2) إذا كان بغير لام نحو : اضرب واقتل ، لا يجوز أن تقول : قد اضرب الرجل ، ولا سوف اقتل الأسد.

والاسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت ، وكذلك الحرف لا ينعت ، تقول : مررت برجل عاقل. ولا تقول : يضرب عاقل ، فيكون (العاقل) صفة ل- (يضرب).

والاسم يضمر ويكنى عنه تقول : زيد ضربته ، والرجل لقيته.

والفعل لا يكنى عنه فتضمره ، لا تقول : (يقوم ضربته) ، ولا (أقوم تركته) إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم ، وإنما يعرف بها الأكثر ، ألا ترى أن المضمرات والمكنيّات أسماء ، ومن الأسماء ما لا يكنى عنه ، وهذا يبيّن في موضعه إن شاء الله.

ومما يقرّب [به](3) على المتعلم أن يقال له : كل ما صلح أن يكون معه (يضرّ وينفع) فهو اسم ، وكل ما لا يصلح معه (يضرّ وينفع) فليس باسم ، تقول : (الرجل ينفعني والضرب يضرني) ، ولا تقول : (يضرب ينفعني) ولا (يقوم يضرني).

ص: 43


1- في (ط) : يمتنع.
2- ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل.
3- ما بين المعكوفتين ساقط من (ط).

شرح الفعل

الفعل : ما دل على معنى وزمان ، وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل.

وقلنا : (وزمان) لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط.

فالماضي (1) كقولك : (صلى زيد) يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان والحاضر نحو قولك : (يصلي) يدل على الصلاة وعلى الوقت الحاضر.

والمستقبل نحو (سيصلي) يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل.

والاسم إنما هو لمعنى مجرد من هذا الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر نحو : الأكل والضرب والظن والعلم والشكر (2).

ص: 44


1- علامة الماضي تاء التأنيث الساكنة كقامت وقعدت ومنه قول الشاعر : ألّمت فحيّت ثمّ قامت فودّعت فلمّا تولّت كادت النّفس تزهق وبذلك استدلّ على أن عسى وليس ليسا حرفين كما قال ابن السّرّاج وثعلب في عسى وكما قال الفارسي في ليس وعلى أن نعم ليست اسما كما يقول الفرّاء ومن وافقه بل هي أفعال ماضية لاتصال التاء المذكورة بها وذلك كقولك ليست هند ظالمة فعست أن تفلح وقوله عليه الصلاة والسّلام من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت. انظر شرح شذور الذهب 1 / 25.
2- قال العكبري : والذي قال سيبويه في الباب الأول : (وأما الأفعال فأمثلة أخذت من لفظ احداث الاسماء وبنيت لما مضى ولما يكون (ولم يقع) ولما هو كائن لم ينقطع). وقد أتى في هذا بالغاية لانه جمع فيه قوله (أمثلة) والامثلة بالأفعال احق منها بالاسماء والحروف وبين انها مشتقة من المصادر وقوله : (من لفظ احداث الاسماء). ربما أخذ عليه انه اضاف الاحداث إلى الاسماء والأحداث للمسميات لا للأسماء. وهذا الأخذ غير وارد عليه لوجهين : أحدهما ان المراد بأحداث الاسماء ما كان فيها عبارة عن الحدث وهو المصدر لانه من بين الاسماء عبارة عن الحدث وهو من باب اضافة النوع إلى الجنس. والثاني : انه أراد بالاسماء المسميات كما قال تعالى (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) والاسماء ليست معبودة وانما المعبود مسمياتها. انظر المسائل الخلافية 1 / 69.

والأفعال التي يسميها النحويون (المضارعة) : هي التي في أوائلها الزوائد الأربع : الألف والتاء والياء والنون تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل ويأكل ونأكل فجميع هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل في قولك : رجل فعل كذا وكذا أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر فإذا قلت :سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه ؛ لأنه أولى به إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء ومعنى ضارع : شابه ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع يعم شيئين : المستقبل والحاضر كما يعم قولك : (رجل) زيدا وعمرا فإذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه فخصصت به واحدا ممن له هذا الاسم فحينئذ يعلم المخاطب من تريد لأنك لا تقول : (الرجل) إلا وقد علم من تريد منهم أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض فلا يكون في غيرها كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها.

وجميع الأفعال مشتقة من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد ألا ترى أن حمدت مأخوذ من الحمد و (ضربت) مأخوذ من الضرب وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر ؛ لأن الأفعال كأنها صدرت عنها.

وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الاسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف.

وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله.

ص: 45

شرح الحرف

الحرف (1) : ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الاسم ألا ترى أنك لا نقول : إلى منطلق كما تقول : (الرجل منطلق) ولا عن ذاهب كما تقول : (زيد ذاهب) ولا يجوز أن يكون خبرا لا تقول : (عمرو إلى) و (لا بكر عن) فقد بان أن الحرف من الكلم الثلاثة هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبرا.

والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام لو قلت : (أمن) تريد ألف الاستفهام (ومن) التي يجر بها لم يكن كلاما وكذلك لو قلت : ثم قد تريد (ثم) التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلاما ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت : أيقوم ولم تجد ذكر أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان لم يكن كلاما ولا يأتلف أيضا منه مع الاسم كلام لو قلت : (أزيد) كان كلاما غير تام فأما (يا زيد) وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء وما يقوله النحويون : من أن ثم فعلا يراد تراه في باب النداء إن شاء الله.

والذي يأتلف منه الكلام (2) الثلاثة الاسم والفعل والحرف فالاسم قد يأتلف مع الاسم نحو قولك : (الله إلهنا) ويأتلف الاسم والفعل نحو : قام عمرو ولا يأتلف الفعل مع الفعل والحرف لا يأتلف مع الحرف فقد بان فروق ما بينهما.

ص: 46


1- الحرف في الاصطلاح ما دلّ على معنى في غيره وفي اللغة طرف الشيء كحرف الجبل وفي التنزيل (ومن النّاس من يعبد الله على حرف) الآية أي على طرف وجانب من الدين أي لا يدخل فيه على ثبات وتمكن فهو إن أصابه خير من صحّة وكثرة مال ونحوهما اطمأنّ به ، وإن أصابته فتنة أي شرّ من مرض أو فقر أو نحوهما انقلب على وجهه عنه. انظر شرح شذور الذهب 1 / 18.
2- أقلّ ما يتألّف الكلام من اسمين نحو" العلم نور" أو من فعل واسم نحو : " ظهر الحقّ" ومنه" استقم" فإنّه مركّب من فعل الأمر المنطوق به ، ومن الفاعل الضّمير المخاطب المقدّر بأنت ، ويقول سيبويه في استقامة الكلام وإحالته : ف منه مستقيم حسن ، ومحال ، ومستقيم ك ذب ، ومستقيم قبيح ، وما هو محال كذب. فأمّا المستقيم الحسن فقولك : " أتيتك أمس ، وسآتيك غدا". وأمّا المحال ، فأن تنقض أوّل كلامك بآخره فتقول : " أتيتك غدا وسآتيك أمس". - - وأمّا المستقيم الكذب فقولك : " حملت الجبل" و" شربت ماء البحر" ونحوه. وأمّا المستقيم القبيح فأن تضع اللّفظ في غير موضعه نحو قولك : " قد زيدا رأيت" و" كي زيدا يأتيك" وأشباه هذا. وأمّا المحال الكذب فأن تقول : " سوف أشرب ماء البحر أمس". انظر معجم القواعد العربية 3 / 25.

باب مواقع الحروف

اشارة

واعلم أن الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع إما أن يدخل على الاسم وحده مثل الرجل أو الفعل وحده مثل سوف أو ليربط اسما بإسم : جاءني زيد وعمرو أو فعلا بفعل أو مفعل باسم أو على كلام تام أو ليربط جملة بجملة أو يكون زائدا.

أما دخوله على الاسم وحده فنحو لام التعريف إذا قلت : الرجل والغلام فاللام أحدث معنى التعريف وقد كان رجل وغلام نكرتين.

أما دخوله على الفعل فنحو سوف والسين إذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل فالسين وسوف بهما صار الفعل لما يستقبل دون الحاضر وقد بينا هذا.

وأما ربطه الاسم بالاسم فنحو قولك : جاء زيد وعمرو فالواو ربطت عمرا بزيد.

وأما ربطه الفعل بالفعل نحو قولك : قام وقعد وأكل وشرب.

وأما ربطه الاسم بالفعل فنحو : مررت بزيد ومضيت إلى عمرو.

وأما دخوله على الكلام التام والجمل فنحو قولك : أعمرو أخوك وما قام زيد ألا ترى أن الألف دخلت على قولك (عمرو أخوك) وكان خبرا فصيرته استخبارا وما دخلت على : قام زيد وهو كلام تام موجب فصار بدخولها نفيا.

وأما ربطه جملة بجملة فنحو قولك : إن يقم زيد يقعد عمرو وكان أصل الكلام يقوم زيد يقعد عمرو فيقوم زيد ليس متصلا بيقعد عمرو ولا منه في شيء فلما دخلت (إن) جعلت إحدى الجملتين شرطا والأخرى جوابا.

وأما دخوله زائدا فنحو قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : 159] والزيادة تكون لضروب سنبينها في موضعها إن شاء الله.

ص: 47

ذكر ما يدخله التغيير من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها

اعلم أنه إنما وقع التغيير من هذه الثلاثة في الاسم والفعل دون الحرف ؛ لأن الحروف أدوات تغير ولا تتغير فالتغيير الواقع فيهما على ضربين :

أحدهما : تغيير الاسم والفعل في ذاتهما وبنائهما فيلحقهما من التصاريف ما يزيل الاسم والفعل ونضد حروف الهجاء التي فيهما عن حاله.

وأما ما يلحق الاسم من ذلك فنحو التصغير (1) وجمع التكسير تقول في تصغير حجر : حجير فتضم الحاء وكانت مفتوحة وتحدث ياء ثالثة فقد غيرته وأزالته من وزن فعل إلى وزن (فعيل) وتجمعه فتقول : أحجار فتزيد في أوله همزة ولم تكن في الواحد وتسكن الحاء وكانت متحركة وتزيد ألفا ثالثة فتنقله من وزن فعل إلى وزن أفعال ، وأما ما يلحق الفعل فنحو : قام ويقوم وتقوم واستقام وجميع أنواع التصريف لاختلاف المعاني.

ص: 48


1- للمصغر شروط : أن يكون اسما : فلا يصغر الفعل ولا الحرف ؛ لأن التصغير وصف في المعنى. وشذ تصغير فعل التعجب. وأن يكون متمكنا : فلا تصغر المضمرات ولا من وكيف ونحوهما ، وشذ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات كما سيأتي. وأن يكون قابلا للتصغير فلا يصغر نحو كبير وجسيم ولا الأسماء المعظمة. وأن يكون خاليا من صيغ التصغير وشبهها : فلا يصغر نحو الكميت من الخيل والكعيت وهو البلبل ، ولا نحو مبيطر ومهيمن. الثاني وزن المصغر بهذه الأمثلة الثلاثة اصطلاح خاص بهذا الباب اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريبا بتقليل الأبنية ، وليس جاريا على اصطلاح التصريف ، ألا ترى أن وزن أحيمر ومكيرم وسفيرج في التصغير فعيعل ، ووزنها التصريفي أفيعل ومفعيل وفعيلل. الثالث فوائد التصغير عند البصريين أربع : تصغير ما يتوهم أنه كبير نحو جبيل ، وتحقير ما يتوهم أنه عظيم نحو صبيع ، وتقليل ما يتوهم أنه كثير نحو دريهمات ، وتقريب ما يتوهم أنه بعيد زمنا أو محلا أو قدرا نحو قبيل العصر ، ويعيد المغرب ، وفويق هذا ، ودوين ذاك ، وأصيغر منك. وزاد الكوفيون معنى خامسا وهو التعظيم كقول عمر رضي اعنه في ابن مسعود : كنيف ملىء علما. وقول بعض العرب : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 475.

والضرب الثاني من التغيير : هو الذي يسمى الإعراب (1) وهو ما يلحق الاسم والفعل بعد تسليم بنائهما ونضد حروفهما. نحو قولك : هذا حكم وأحمر ورأيت حكما وأحمر ومررت بحكم وأحمر وهذان حكمان ورأيت حكمين وهؤلاء حكمون ورأيت حكمين ومررت بحكمين وهو يضرب ولن يضرب ولم يضرب وهما يضربان ولن يضربا ولم يضربا وهم يضربون ولن يضربوا ولم يضربوا ألا ترى أن (حكما ويضرب) لم يزل من حركاتهما وحروفهما شيء فسموا هذا الصنف الثاني من التغيير الذي يقع لفروق ومعان تحدث (إعرابا) وبدأوا بذكره في كتبهم ؛ لأن حاجة الناس إليه أكثر وسموا ما عدا هذا مما لا يتعاقب آخره بهذه الحركات والحروف (مبنيا).

ص: 49


1- الإعراب أثر ظاهر أو مقدّر يجلبه العامل في آخر الاسم المتمكّن والفعل المضارع ، وللإعراب معنيان لغوي وصناعي. فمعناه اللغوي الإبانة يقال أعرب الرجل عمّا في نفسه إذا أبان عنه وفي الحديث البكر تستأمر وإذنها صماتها والأيّم تعرب عن نفسها أي تبيّن رضاها بصريح النطق. ومعناه الاصطلاحي ما ذكرت مثال الآثار الظاهرة الضمة والفتحة والكسرة في قولك جاء زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد ألا ترى أنها آثار ظاهرة في آخر زيد جلبتها العوامل الداخلة عليه وهي جاء ورأى والباء ومثال الآثار المقدرة ما تعتقده منويّا في آخر نحو الفتى من قولك جاء الفتى ورأيت الفتى ومررت بالفتى فإنك تقدر في آخره في المثال الأول ضمة وفي الثاني فتحة وفي الثالث كسرة وتلك الحركات المقدرة إعراب كما أن الحركات الظاهرة في آخر زيد إعراب. انظر شرح شذور الذهب 1 / 41.

باب الإعراب والمعرب والبناء والمبني

اشارة

الإعراب الذي يلحق الاسم المفرد السالم المتمكن وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون بحركات ثلاث : ضم وفتح وكسر فإذا كانت الضمة إعرابا تدخل في أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها سميت رفعان فإذا كان الفتحة كذلك سميت نصبا ، وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضا وجرا هذا إذا كنّ بهذه الصفة نحو قولك : هذا زيد يا رجل ورأيت زيدا يا هذا ومررت بزيد فاعلم ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها.

فإن كانت الحركات ملازمة سمي الاسم مبنيا ، فإن كان مفهوما نحو : (منذ) قيل : مضموم ولم يقل : مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب ، وإن كان مفتوحا نحو : (أين) قيل : مفتوح ولم يقل : منصوب ، وإن كان مكسورا نحو : (أمس) و (حذام) قيل : مكسور ولم يقل : مجرور.

وإذا كان الاسم متصرفا سالما غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك : هذا مسلم ورأيت مسلما ومررت بمسلم وإنما قلت (سالم) ؛ لأن في الأسماء معتلا لا تدخله الحركة نحو : قفا ورحى تقول في الرفع : هذا قفا وفي النصب : رأيت قفا يا هذا ونظرت إلى قفا وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفا.

وقلت : منصرف (1) ؛ لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه نحو : هذا أحمر ورأيت أحمر ومررت بأحمر والتنوين نون صحيحة ساكنة وإنما

ص: 50


1- الصرف هو التنوين وحده وقال آخرون : هو التنوين والجر حجة الأولين من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه معنى ينبئ عنه الاشتقاق فلم يدخل فيه ما لا يدل عليه الاشتقاق كسائر أمثاله. وبيانه أن الصرف في اللغة هو الصوت الضعيف كقولهم : صرب ناب البعير وصرفت البكرة ومنه صريف القلم. والنون الساكنة في آخر الكلمة صوت ضعيف فيه غنة كغنة الاشياء التي ذكرنا ، وأما الجر فليس صوته مشبها لما ذكرنا لانه حركة فلم يكون صرفا كسائر الحركات ألا ترى أن الضمة والفتحة في آخر الكلمة حركة ولا تسمى صرفا والوجه الثاني : وهو أن الشاعر إذا اضطر إلى صرف ما لا ينصرف جر في موضع الجر ولو كان الجر من الصرف لما أتي به من غير ضرورة إليه وذلك أن التنوين دعت الضرورة إليه لإقامة الوزن والوزن يقوم به سواء كسر ما قبله أو فتح فلما كسر حين نون علم أنه ليس من الصرف ؛ لأن المانع من الصرف قائم وموضع المخالفة لهذا المانع الحاجة إلى إقامة الوزن فيجب أن يختص به الوجه الثالث : أن ما فيه الألف واللام لو أضيف لكسر في موضع الجر مع وجود المانع من الصرف وذلك يدل على أن الجر سقط تبعا لسقوط التنوين بسبب مشابهة الاسم الفعل والتنوين سقط لعلة أخرى فينبغي أن يظهر الكسر الذي هو تبع لزوال ما كان سقوطه تابعا له. المسائل الخلافية للعكبري 1 / 105.

خصها النحويون بهذا اللقب وسموها تنوينا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع.

فإذا ثنيت الاسم المرفوع لحقه ألف ونون فقلت : المسلمان والصالحان وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر ونون الإثنين مكسورة أبدا تقول : رأيت المسلمين والصالحين ومررت بالمسلمين والصالحين فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية.

وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية ؛ لأن الجمع جمعان جمع يقال له جمع السلامة وجمع يقال له : جمع التكسير فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واوا ونونا أو ياء ونونا نحو مسلمين ومسلمون ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم فلم تغير شيئا من نضده وألحقته واوا ونونا أو ياء ونونا كما فعلت في التثنية.

وجمع التكسير (1) هو الذي يغير فيه بناء الواحد مثل جمل وأجمال ودرهم ودراهم.

ص: 51


1- جمع التكسير هو الاسم الدال على أكثر من اثنين بصورة تغيير لصيغة واحدة لفظا أو تقديرا. وقسم المصنف التغيير الظاهر إلى ستة أقسام : ؛ لأنه إما بزيادة كصنو وصنوان ، أو بنقص كتخمة وتخم ، أو تبديل شكل كأسد وأسد ، أو بزيادة وتبديل شكل كرجل ورجال ، أو بنقص وتبديل شكل كقضيب وقضب ، أو بهن كغلام وغلمان. وإنما قلت بصورة تغيير ؛ لأن صيغة الواحد لا تتغير حقيقة ؛ لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد ، والتغيير المقدر في نحو فلك ودلاص وهجان وشمال للخلقة. قيل ولم يرد غير هذه الأربعة. وذكر في شرح الكافية من ذلك عفتان وهو القوي الجافي ، فهذه الألفاظ الخمسة على صيغة واحدة في المفرد والمجموع. ومذهب سيبويه أنها جموع تكسير فيقدر زوال حركات المفرد وتبدلها بحركات مشعرة بالجمع ، ففلك إذا كان مفردا كقفل ، وإذا كان جمعا كبدن ، وعفتان إذا كان مفردا كسرحان ، وإذا كان جمعا كغلمان وكذا باقيها. ودعاه إلى ذلك أنهم ثنوها فقالوا فلكان ودلاصان ، فعلم أنهم لم يقصدوا بها ما قصدوا بنحو جنب مما اشترك فيه الواحد وغيره حين قالوا هذا جنب ، وهذان جنب ، وهؤلاء جنب ، فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وما لا يقدر تغييره وجود التثنية وعدمها. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 439.

فإذا جمعت الاسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع نحو قولك : هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض نحو : رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين ونون هذا الجمع مفتوحة أبدا والواو مضموم ما قبلها والياء مكسورة ما قبلها.

وهذا الجمع مخصوص به من يعقل ولا يجوز أن تقول في جمل جملون ولا في جبل جبلون ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل.

والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وفي الجمع مختلف فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفا وتاء وحذفت الهاء إن كانت في الاسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نونا ساكنة فقلت في جمع مسلمة (هؤلاء مسلمات).

والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر والتنوين نظير النون وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعا تقول : رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون.

وأما الإعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعا والفتحة نصبا والإسكان جزما وقد كنت بينت لك أن المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد التاء والنون والياء والألف فالألف للمتكلم مذكرا كان أو مؤنثا نحو : أنا أفعل ؛ لأن الخطاب يبينه والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو : أنت تفعل وأنت تفعلين وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت : هي تفعل ، وإن كان الفعل للمتكلم ولأخر معه أو جماعة قلت : نحن نفعل.

ص: 52

والمذكر والمؤنث في ذا أيضا سواء ؛ لأنه يبين أيضا بالخطاب والياء للمذكر الغائب فجميع ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد فإنما كان ذلك ؛ لأنه غير ملبس فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك : زيد يقوم وأنا أقوم وأنت تقوم وهي تقوم.

والمنصوب : لن يقوم ولن يقعدوا والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة.

فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف ، فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف ؛ لأن الألف لا يمكن تحركها تقول فيما كان معتلا من ذوات الواو في الرفع : هو يغزو ويغدو يا هذا فتسكن الواو وتقول في النصب : لن يغزو فتحرك الواو وتسقط في الجزم فتقول : لم يغز ولم يغد (1).

وكذلك ما لامه ياء نحو : يقضي ويرمي تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول : هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب فتقول : لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم ، وأما ما لامه ألف فنحو : يخشى ويخفى تقول في الرفع : هو يخشى ويخفى وفي النصب : لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخش ولم يخف فإذا صار الفعل المضارع لإثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفا ونونا وكسرت النون فقلت : يقومان فالألف ضمير الإثنين الفاعلين والنون علامة الرفع.

ص: 53


1- الفعل المعتلّ الآخر كيغزو ويخشى ويرمى فإنه يجزم بحذفه ونحو (إنّه من يتّقي ويصبر) مؤوّل وأقول هذا خاتمة الأبواب السبعة التي خرجت عن القياس وهو الفعل المضارع الذي آخره حرف علّة وهو الواو والألف والياء فإنه يجزم بحذف الحرف الأخير نيابة عن حذف الحركة تقول لم يغز ولم يخش ولم يرم قال الله تعالى (فليدع ناديه) اللام لام الأمر ويدع فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف الواو و (ناديه) مفعول ومضاف إليه وظهرت الفتحة على المنقوص لخفتها والتقدير فليدع أهل ناديه أي أهل مجلسه وقال الله تعالى (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) فهذان مثالان لحذف الألف وقال الله تعالى (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ). شرح شذور الذهب 1 / 80.

واعلم أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل فإذا قلت : يقومان فالألف ضمير الفاعلين اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو جزمت حذفتها فقلت : لن يقوما ولن يعقدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم وتبع النصب الجزم ؛ لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم إذ كان الخفض يخص الأسماء ، فإن كان الفعل المضارع لجمع مذكرين زدت في الرفع واوا مضموما ما قبلها ونونا مفتوحة كقولك : أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك فالواو ضمير لجمع الفاعلين والنون علامة الرفع.

فإذا دخل عليها جازم أو ناصب (1) حذفت فقيل : لم يفعلوا كما فعلت في التثنية ، فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياء مكسورا ما قبلها ونونا مفتوحة نحو قولك : أنت تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع ، وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك : لم تضربي ولن تضربي.

فإن صار الفعل لجمع مؤنث زدته نونا وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو : هن يضربن ويقعدن فالنون عندهم ضمير الجماعة وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم هاهنا خاصة فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته قلت : فعلا وفعلوا ولم تأت بنون ؛ لأنه غير معرب والنون في (فعلن) إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام فيها كما أسكنتها في (فعلت) حتى لا تجتمع أربع حركات وليس ذا في أصول كلامهم.

ص: 54


1- والكلام هنا دائر على ما يعرف بالأفعال الخمسة ، وهي : هي كلّ فعل مضارع اتصل به ألف اثنين مثل" يفعلان تفعلان" أو واو جمع مثل" يفعلون تفعلون" أو ياء المخاطبة مثل : " تفعلين". وتعرب ترفع الأفعال الخمسة بثبوت النّون نحو" العلماء يترفّعون عن الدّنايا". وتنصب وتجزم بحذفها نحو قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (الآية : 24 سورة البقرة) فالأول جازم ومجزوم ، والثاني ناصب ومنصوب. انظر معجم القواعد العربية 2 / 78.

والفعل عندهم مبني مع التاء (1) في (فعلت) ومع النون في (فعلن) كأنه منه ؛ لأن الفعل لا يخلو من الفاعل ، وأما لام (يفعلن) فإنما أسكنت تشبيها بلام (فعلن) ، وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر ، وإن لم تكن فيه تلك العلة وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله.

واعلم أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة وأن الإعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبينة إن شاء الله.

وأما الإعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا ذلك فهو مبني.

فالأسماء تنقسم قسمين : أحدهما معرب والآخر مبني ، فالمعرب يقال له : متمكن وهو ينقسم أيضا على ضربين : فقسم : لا يشبه الفعل وقسم : يشبه الفعل فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون

ص: 55


1- وأحوال بناء الماضى ثلاثة : 1- يبنى على الفتح فى آخره إذا لم يتصل به شىء ، مثل : صافح ، محمد ضيفه ، ورحّب به. وكذلك يبنى على الفتح إذا اتصلت به تاء التأنيث الساكنة ، أو ألف الاثنين ، مثل : قالت فاطمة الحق. والشاهدان قالا ما علافا. والفتح فى الأمثلة السابقة ظاهر. وقد يكون مقدرا إذا كان الماضى معتل الآخر بالألف ، مثل : دعا العابد ربه. 2- يبنى على السكون فى آخره إذا اتصلت به" التاء" المتحركة التى هى ضمير" فاعل" ، أو : " نا" التى هى ضمير فاعل ، أو" نون النسوة" التى هى كذلك. مثل أكرمت الصديق ، وفرحت به. ومثل : خرجنا فى رحلة طيبة ركبنا فيها السيارة ، أما الطالبات فقد ركبن القطار. 3- يبنى على الضم فى آخره إذا اتصلت به واو الجماعة ، مثل الرجال خرجوا لأعمالهم. انظر النحو الوافي 1 / 57.

وقسم يضارع الفعل غير متصرف لا يدخله الجر ولا التنوين وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله.

والمبني (1) من الأسماء ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون نحو : كم ومن وإذ ، وذلك حق البناء وأصله وضرب مبني على الحركة فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين :ضرب حركته لالتقاء الساكنين نحو أين وكيف وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو (يا حكم) في النداء وجئتك من عل وجميع هذا يبين في أبوابه إن شاء الله.

فأما الإعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون والسكون أصل كل مبني ، وذلك نحو : اضرب واقتل ودحرج وانطلق وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو : الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه.

وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو : ليقم زيد وليفتح بكر ولتفرح يا رجل ، وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب.

ص: 56


1- البناء : هو لزوم آخر الكلمة حالة واحدة. والأسماء المبنية هي : الضّمائر ، أسماء الإشارة ، أسماء الموصول ، أسماء الأصوات ، أسماء الأفعال ، أسماء الشّرط ، أسماء الاستفهام ، وبعض الظّروف مثل" إذ ، إذا ، الآن ، حيث ، أمس" ، وكلّ ذلك يبنى على ما سمع عليه. ويطرّد البناء على الفتح فيما ركّب من الأعداد والظّروف والأحوال نحو" أرى خمسة عشر رجلا يتردّدون صباح مساء على جواري بيت بيت". ويطّرد البناء على الضّمّ فيما قطع عن الإضافة لفظا من المبهمات كقبل وبعد وحسب ، وأول ، وأسماء الجهات ، نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الآية : 4 سورة الروم). والكسر فيما ختم" بويه" كسيبويه ووزن فعال علما لأنثى ك" حذام ورقاش" أو سبّا لها ك" يا خباث ويا كذاب". أو اسم فعل ك" نزال وقتال" (يستثنى من الأعداد المركبة" اثنا عشر ، واثنتا عشر" فإنها تعرب إعراب المثنى ، ومن أسماء الشرط والاستفهام والموصولات" أي" فإنها تعرب بالحركات ، ويجوز في" أي" الموصولة البناء على الضم إذا أضيفت ، وحذف صدر صلتها نحو" فسلّم على أيّهم أفضل". انظر معجم القواعد العربية 3 / 16.

فحكمه حكمه نحو قولك : أكرم بزيد و (أسمع بهم وأبصر) وزيد ما أكرمه وما أسمعهم وما أبصرهم.

والضرب الثاني مبني على الفتح (1) وهو كل فعل ماض كثرت حروفه أو قلت نحو : ضرب واستخرج وانطلق وما أشبه ذلك.

ص: 57


1- قال ابن هشام : لزم البناء على الفتح وهو سبعة أنواع : النوع الأول الماضي المجرد مما تقدم ذكره وهو الضمير المرفوع المتحرك نحو ضرب ودحرج واستخرج وضربا ضربك وضربه ، وأما نحو رمى وعفا فأصله رمى وعفو فلما تحركت الياء والواو وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين فسكون آخرهما عارض والفتحة مقدرة في الألف ولهذا إذا قدر سكون الآخر رجعت الياء والواو فقيل رميت وعفوت. انظر شرح شذور الذهب 1 / 88.

ذكر العوامل من الكلم الثلاثة

اشارة

الاسم والفعل والحرف وما لا يعمل منها.

تفسير الأول : وهو الاسم
اشارة

الاسم : يعمل في الاسم على ثلاثة أضرب :

الضرب الأول

أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف فإجتماعهما الكلام ويتم ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك : (عبد الله أخوك (1)) فعبد الله مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثا عنه : (وأخوك) مرتفع بأنه الحديث المبني على الاسم الأول المبتدأ.

الضرب الثاني

أن يعمل الاسم بمعنى الفعل والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء الفاعلين وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها وإنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل وصار الفعل سببا له وشاركه في المعنى ، وإن افترقا في الزمان كما أعربوا الفعل لما ضارع الاسم فكما أعربوا هذا أعلموا ذلك والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل أعمل كما أعمل إذا كان الفعل مشتقا منه إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول ؛ لأنه غيرهما تقول : عجبت من ضرب زيد عمرا فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من

ص: 58


1- ذكر ابن عقيل في شرح الألفية أن هذه الجملة وأمثالها من الأنواع التي يجب فيها تأخير الخبر فقال : فذكر منه خمسة مواضع : الأول أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ ولا مبين للمبتدأ من الخبر نحو زيد أخوك وأفضل من زيد أفضل من عمرو ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه لأنك لو قدمته فقلت أخوك زيد وأفضل من عمرو أفضل من زيد لكان المقدم مبتدأ وأنت تريد أن يكون خبرا من غير دليل يدل عليه ، فإن وجد دليل يدل على أن المتقدم خبر جاز كقولك أبو يوسف أبو حنيفة فيجوز تقدم الخبر وهو أبو حنيفة ؛ لأنه معلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة ولا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف. شرح ابن عقيل 1 / 232.

ضرب زيد عمرو فيكون زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في إسم الفاعل لا يجوز أن تقول : عجبت من ضارب زيد وزيد فاعل لأنك تضيف الشيء إلى نفسه ، وذلك غير جائز.

فأما ما شبه باسم الفاعل نحو : حسن وشديد فتجوز إضافته إلى الفاعل ، وإن كان إياه لأنها إضافة غير حقيقية نحو قولك : الحسن الوجه والشديد اليد والحسن للوجه والشدة لليد وإنما دخلت الألف واللام وهي لا تجتمع مع الإضافة على الحسن الوجه وما أشبهه ؛ لأن إضافته غير حقيقية ومعنى : حسن الوجه حسن وجهه وقد أفردت بابا للأسماء التي تعمل عمل الفعل اذكره بعد ذكر الأسماء المرتفعة إن شاء الله.

الضرب الثالث

أن يعمل الاسم لمعنى الحرف ، وذلك في الإضافة (1) والإضافة تكون على ضربين : تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى (من).

فأما الإضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك : غلام زيد ودار عمرو ألا ترى أن المعنى : غلام لزيد ودار لعمرو إلا أن الفرق بين ما أضيف بلام وما أضيف بغير لام أن الذي يضاف بغير لام يكتسي مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة ألا ترى أنك إذا قلت غلام زيد فقد عرف الغلام بإضافة إلى زيد وكذلك إذ قلت : دار الخليفة عرفت الدار بإضافتها إلى الخليفة.

ولو قلت : دار للخليفة لم يعلم أي دار هي ، وكذلك لو قلت : غلام لزيد لم يدر أي غلام هو وأنت لا تقول : غلام زيد فتضيف إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته.

ص: 59


1- قال ابن هشام : المضاف لمعرفة ك غلامي وغلام زيد. وأقول هذا خاتمة المعارف وهو المضاف لمعرفة وهو في درجة ما أضيف إليه ف غلام زيد في رتبة العلم وغلام هذا في رتبة الإشارة وغلام الّذي جاءك في رتبة الموصول وغلام القاضي في رتبة ذي الأداة ولا يستثنى من ذلك الا المضاف الى المضمر ك غلامي فإنه ليس في رتبة المضمر بل هو في رتبة العلم وهذا هو المذهب الصحيح. انظر شرح شذور الذهب 1 / 202.

أما الإضافة التي بمعنى (من) فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك : ثوب خز وباب حديد تريد ثوبا من خز وبابا من حديد فأضفت كل واحد منهما إلى جنسه الذي هو منه وهذا لا فرق فيه بين إضافته بغير (من) وبين إضافته (بمن) وإنما حذفوا (من) هنا استخفافا فلما حذفوها التقى الاسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبرا عن الأول ولا صفة له ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذا نون الأول نحو قولك : ثوب خزا.

واعلم أن الاسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف بل هو المعرض للعوامل من الأفعال والحروف.

ص: 60

تفسير الثاني : وهو الفعل

اعلم أن كل فعل لا يخلو من أن يكون عاملا وأول عمله أن يرفع الفاعل أو المفعول الذي هو حديث عنه نحو : قام زيد وضرب عمرو وكل اسم تذكره ليزيد في الفائدة بعد أن يستغني الفعل بالاسم المرفوع الذي يكون ذلك الفعل حديثا عنه فهو منصوب ونصبه ؛ لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه دليل عليه وهذه العلل التي ذكرناها هاهنا هي العلل الأول وها هنا علل ثوان أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل إن شاء الله.

تفسير الثالث : وهو العامل من الحروف
اشارة

الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

[القسم الأول من الحروف]

الأول منها : يدخل على الأسماء فقط دون الأفعال فما كان كذلك فهو عامل في الاسم.

والحروف العوامل في الأسماء نوعان :

نوع منها يخفض الأسماء (1) ويدخل ليصل اسما باسم أو فعلا باسم.

أما وصله أسما بإسم فنحو قولك : خاتم من فضة ، وأما وصله فعلا بإسم فنحو قولك : مررت بزيد.

والنوع الثاني : يدخل على المبتدأ والخبر فيعمل فيهما مررت الاسم ويرفع الخبر نحو (إن وأخواتها (2)) كقولك : زيد قائم وجميع هذه الحروف لا تعمل في الفعل ولا تدخل عليه لا تقول : مررت بيضرب وإلى ذهبت إلا قام ولا أن يقعد قائم.

ص: 61


1- جمعها ابن مالك في الألفية فقال : هاك حروف الجر وهي من إلى حتى خلا حاشا عدا في عن على مذ منذ رب اللام كي واو وتا والكاف والباء ولعل ومتى قال ابن عقيل : هذه الحروف العشرون كلها مختصة بالأسماء وهي تعمل فيها الجر وتقدم الكلام على خلا وحاشا وعدا في الاستثناء وقل من ذكر كي ولعل ومتى في حروف الجر. انظر شرح ابن عقيل 3 / 3.
2- هذه هي الأحرف المشبّهة بالأفعال وشبّهت بها لأنّها تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده وهنّ سبعة أحرف : " إنّ ، أنّ ، كأنّ ، ليت ، لعلّ ، لكنّ ، ولا النافية للجنس. وحكم هذه الأحرف : أن كلّ هذه الأحرف تنصب المبتدأ - غير الملازم للتّصدير - (كأسماء الاستفهام) ويسمّى اسمها وترفع خبره - غير الطلبي الإنشائي - (الطلبي : كالأمر والنهي والاستفهام والانشائي :كالعقود مثل بعت واشتريت. ويسمّى خبرها. انظر معجم القواعد العربية 2 / 119.
والقسم الثاني من الحروف

ما يدخل على الأفعال فقط ولا يدخل على الأسماء وهي التي تعمل في الأفعال فتنصبها وتجزمها نحو : (أن) في قولك : أريد أن تذهب فتنصب و (لم) في قولك : لم يذهب فتجزم ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : لم زيد ولا : أريد أن عمرو.

والقسم الثالث من الحروف

ما يدخل على الأسماء وعلى الأفعال فلم تختص به الأسماء دون الأفعال ولا الأفعال دون الأسماء وما كان من الحروف بهذه الصفة فلا يعمل في اسم ولا فعل نحو ألف الاستفهام تقول : أيقوم زيد فيدخل حرف الاستفهام على الفعل ثم تقول : أزيد أخوك فيدخل الحرف على الاسم وكذلك (ما) إذا نفيت بها في لغة من لم

يشبهها بليس فإنه يدخلها على الاسم والفعل ولا يعملها كقولك : وما زيد قائم ما قام زيد ومن شبهها (بليس) فاعملها لم يجز أن يدخلها على الفعل إلا أن يردها إلى أصلها في ترك العمل ونحن نذكر جميع الحروف منفصلة في أبوابها إن شاء الله.

فإن قال قائل : ما بال لام المعرفة لم تعمل في الاسم وهي لا تدخل إلا على الاسم ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على الفعل قيل : هذه اللام قد صارت من نفس الاسم ألا ترى قولك : رجل يدلك على غير ما كان يدل عليه الرجل وهي بمنزلة المضاف إليه الذي يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد نحو قولك : عبد الملك ولو أفردت عبدا من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد الملك وكذلك الجواب في السين وسوف إن سأل سائل فقال : لم لم يعملوها في الأفعال إذ كانتا لا تدخلان إلا عليها فقصتهما قصة الألف واللام في الاسم ، وذلك أنها إنما هي بعض أجزاء الفعل فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار

ص: 62

النحو وجمعته جمعا يحضره وفصلته تفصيلا يظهره ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما أمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه ويسهل على متعلميه حفظه.

واعلم أنه ربما شذ الشيء عن بابه فينبغي أن تعلم : أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يعن بالحرف الذي يشذ منه فلا يطرد في نظائره وهذا يستعمل في كثير من العلوم ولو اعترض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم فمتى وجدت حرفا مخالفا لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم أنه شاذ ، فإن كان سمع ممن ترضى عربيته فلا بد من أن يكون قد حاول به مذهبا ونحا نحوا من الوجوه أو استهواه أمر غلطه.

والشاذ على ثلاثة أضرب : منه ما شذ عن بابه وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له نحو : استحوذ (1) ، فإن بابه وقياسه أن يعل فيقال : استحاذ مثل استقام واستعاذ وجميع ما كان على هذا المثال ولكنه جاء على الأصل واستعملته العرب كذلك ومنه ما شذ عن الاستعمال ولم يشذ عن القياس نحو ماضي يدع ، فإن قياسه وبابه أن يقال : ودع يدع إذ لا يكون فعل مستقبل إلا له ماض ولكنهم لم يستعملوا ودع استغنى عنه (بترك) فصار قول القائل الذي قال : ودعه شاذا وهذه أشياء تحفظ ومنه ما شذ عن القياس والإستعمال فهذا الذي يطرح ولا يعرج عليه نحو ما حكى من إدخال الألف واللام على اليّجدع وأنا أتبع هذا الذي ذكرت من عوامل الأسماء والأفعال والحروف بالأسماء المفعول فيها فنبدأ بالمرفوعات ثم نردفها المنصوبات ثم المخفوضات فإذا فرغنا من الأسماء وتوابعها وما يعرض فيها ذكرنا الأفعال وإعرابها وعلى الله تعالى نتوكل وبه نستعين.

ص: 63


1- المصدر الموازن : ل" إفعال" نحو" إقوام" و" استفعال" نحو" استقوام" فإنّه" يحمل على فعله في الإعلال فتنقل حركة عينه إلى فائه ثمّ تقلب ألفا لتجانس الفتحة فيلتقي ألفان ، ويجب بعد القلب حذف إحدى الألفين لالتقاء السّاكنين. والصحيح أنّ المحذوف الألف الثّانية ، لزيادتها وقربها من الطّرف ، ثمّ يؤتى بالتاء عوضا من الألف المحذوفة فيقال" إقامة" واستقامة" وقد تحذف التاء فيقتصر فيه على ما سمع كقول بعضهم" أجابه إجابا" و" أراه إراء" ويكثر ذلك مع الإضافة نحو : (وَأَقامَ الصَّلاةَ.) وجاء تصحيح" إفعال" و" استفعال" وفروعها في الألف نحو : " أعول إعوالا" و" أغيمت السماء إغياما" و" استحوذ استحواذا" و" استغيل الصبيّ استيغالا" وهذا كلّه شاذ. انظر معجم القواعد العربية 6 / 56.

ذكر الأسماء المرتفعة

اشارة

الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف :

الأول : مبتدأ له خبر.

والثاني : خبر لمبتدأ بنيته عليه.

والثالث : فاعل بني على فعل ذلك الفعل حديثا عنه.

والرابع : مفعول به بني على فعل فهو حديث عنه ولم تذكر من فعل به فقام مقام الفاعل.

والخامس : مشبه بالفاعل في اللفظ.

شرح الأول : وهو المبتدأ

المبتدأ (1) : ما جردته من عوامل الأسماء ومن الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولا لثان مبتدأ به دون الفعل يكون ثانيه خبره ولا يستغني واحد منهما عن صاحبه وهما مرفوعان أبدا فالمبتدأ رفع بالابتداء والخبر رفع بهما نحو قولك : الله ربنا ومحمد نبينا والمبتدأ لا يكون كلاما تاما إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو : كان وأخواتها وما أشبه ذلك من العوامل تقول : عمرو أخونا ، وإن زيدا أخونا وسنذكر العوامل التي تدخل على المبتدأ وخبره فتغيره عما كان عليه في موضعها إن شاء الله.

ص: 64


1- المبتدأ هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا المستغنى به ، فالاسم يشمل الصريح والمؤول نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة : 184) ، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه والعاري عن العوامل اللفظية مخرج لنحو الفاعل واسم كان ، وغير الزائدة لإدخال بحسبك درهم وهل من خالق غير الله ، ومخبرا عنه أو وصفا إلى آخره مخرج لأسماء الأفعال والأسماء قبل التركيب ، ورافعا لمستغنى به يشمل الفاعل نحو أقائم الزيدان ونائبه نحو أمضروب العبدان ، وخرج به نحو أقائم من قولك أقائم أبوه زيد ، فإن مرفوعه غير مستغنى به. وأو في التعريف للتنويع لا للترديد أي المبتدأ نوعان : مبتدأ له خبر ومبتدأ له مرفوع أغنى عن الخبر ، وقد أشار إلى الأول بقوله : (مبتدأ زيد وعاذر خبر) أي له (إن قلت زيد عاذر من اعتذر) وإلى الثاني بقوله : (وأوّل) أي من الجزأين (مبتدأ والثّاني) منهما (فاعل اغنى) عن الخبر (في) نحو (أسار ذان) الرجلان. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 91.

والمبتدأ يبتدأ فيه بالاسم المحدث عنه قبل الحديث وكذلك حكم كل مخبر والفرق بينه وبين الفاعل : أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله ألا ترى أنك إذا قلت : زيد منطلق فإنما بدأت (بزيد) وهو الذي حدثت عنه بالإنطلاق والحديث عنه بعده ، وإذا قلت : ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه ثم ذكرت زيدا المحدث عنه بالإنطلاق بعد أن ذكرت الحديث.

فالفاعل مضارع للمبتدا من أجل أنهما جميعا محدث عنهما وإنهما جملتان لا يستغني بعضهما عن بعض وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة فأما المعرفة فنحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم ، وأما ما قارب المعرفة من النكرات (1) فنحو قولك : رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني. وصاحب لزيد جاءني.

وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة ؛ لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به ألا ترى أنك لو قلت : رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة ؛ لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائما أو عالما فإذا قلت : رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة ، فإن الابتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها كقولك : ما أحد في الدار وما في البيت رجل ونحو ذلك في لغة بني تميم خاصة : وما أحد حاضر وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم.

ص: 65


1- الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة وقد يكون نكرة لكن بشرط أن تفيد وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة أحدها أن يتقدم الخبر عليها وهو ظرف أو جار ومجرور نحو في الدار رجل وعند زيد نمرة ، فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز نحو قائم رجل الثاني أن يتقدم على النكرة استفهام نحو هل فتى فيكم الثالث أن يتقدم عليها نفي نحو ما خل لنا الرابع أن توصف نحو رجل من الكرام عندنا الخامس أن تكون عاملة نحو رغبة في الخير خير السادس أن تكون مضافة نحو عمل بر يزين. انظر شرح ابن عقيل 1 / 218.

وقد يجوز أن تقول : رجل قائم إذا سألك سائل فقال : أرجل قائم أم امرأة.

فتجيبه فتقول : رجل قائم وجملة هذا أنه إنما ينظر إلى ما فيه فائدة فمتى كانت فائدة بوجه من الوجوه فهو جائز وإلا فلا فإذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ وأن تكون النكرة الخبر لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدك تنبيه السامع بذكر الاسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده فالخبر هو الذي ينكره ولا يعرفه ويستفيده والاسم لا فائدة له لمعرفته به وإنما ذكرته لتسند إليه الخبر وقد يجوز أن تقدم الخبر على المبتدأ ما لم يكن فعلا خاصة فتقول : منطلق زيد وأنت تريد : زيد منطلق (1) ، فإن أردت أن تجعل منطلقا في موضع (ينطلق) فترفع زيدا بمنطلق على أنه فاعل كأنك قلت : ينطلق زيد قبح إلا أن يعتمد اسم الفاعل وهو (منطلق) وما أشبهه على شيء قبله وإنما يجري فجرى الفعل إذا كان صفة جرت على موصوف نحو قولك : مررت برجل قائم أبوه ارتفع (أبوه) (بقائم) أو يكون مبنيا على مبتدأ نحو قولك : زيد قائم أبوه وحسن عندهم : أقائم أبوك وأخارج أخوك تشبيها بهذا إذا اعتمد (قائم) على شيئ قبله فأما إذا قلت قائم زيد فأردت أن ترفع زيدا بقائم وليس قبله ما يعتمد عليه البتة فهو قبيح وهو جائز عندي على قبحه وكذلك المفعول لا يعمل فيه اسم الفاعل مبتدأ غير معتمد على شيء قبله نحو : ضارب وقاتل لا تقول : ضارب بكرا عمرو فتنصب بكرا (بضارب) وترفع عمرا به لا يجوز أن تعمله عمل الفعل حتى يكون محمولا على غيره فتقول : هذا ضارب بكرا جعلوا بين الاسم والفعل فرقا فإذا قلت : قائم أبوك (فقائم) مرتفع بالابتداء وأبوك رفع بفعلهما وهما قد سدا مسد الخبر ولهذا نظائر تذكر في مواضعها إن شاء الله.

فأما قولك : كيف أنت وأين زيد وما أشبهما مما يستفهم به من الأسماء (فأنت وزيد) مرتفعان بالابتداء (وكيف وأين) خبران فالمعنى في : كيف أنت على أي حال أنت وفي : (أين زيد) في أي مكان ولكن الاستفهام الذي صار فيهما جعل لهما صدر الكلام وهو في الحقيقة

ص: 66


1- الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين ولا يتحمل ضميرا عند البصريين إلا إن أول بمشتق وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل نحو زيد منطلق أي هو ، فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا نحو هذا مفتاح وهذا مرمى زيد. انظر شرح ابن عقيل 1 / 206.

الشيء المستفهم عنه ألا ترى أنك إذا سئلت : كيف أنت فقلت : صالح إنما أخبرت بالشيء الذي سأل عنه المستخبر وكذلك إذا قال : أين زيد فقلت : في داري فإنما أخبرت بما اقتضته أين ولكن جميع هذا ، وإن كان خبرا فلا يكون إلا مبدوءا به وقد تدخل على المبتدأ حروف ليست من عوامل الأسماء فلا تزيل المبتدأ عن حاله كلام الابتداء وحروف الاستفهام (وأما وما (1)) إذا كانت نافية في لغة بني تميم وأشباه ذلك فتقول : أعمرو (قائم) ولبكر أخوك وما زيد قائم ، وأما بكر منطلق فهذه الحروف إنما تدخل على المبتدأ وخبره لمعان فيها ألا ترى أن قولك : عمرو منطلق كان خبرا موجبا فلما أدخلت عليه (ما) صار نفيا وإنما نفيت (بما) ما أوجبه غيرك حقه أن تأتي بالكلام على لفظه وكذلك إذا استفهمت إنما تستخبر خبرا قد قيل أو ظن كأن قائلا قال : عمرو قائم فأردت أن تحقق ذلك فقلت أعمرو قائم وقع في نفسك أن ذلك يجوز وأن يكون وأن لا يكون فاستخبرت مما وقع في نفسك بمنزلة ما سمعته أذنك فحينئذ تقول : أعمرو قائم أم لا لأنك لا تستفهم عن شيء إلا وهو يجوز أن يكون عندك موجبة أو منفية واقعا ولام الابتداء تدخل لتأكيد الخبر وتحقيقه فإذا قلت : لعمرو منطلق أغنت اللام بتأكيدها عن إعادتك الكلام فلذلك احتيج إلى جميع حروف المعاني لما في ذلك من الإختصار ألا ترى أن الواو العاطفة في قولك : قام زيد وعمرو لولاها لاحتجت إلى أن تقول : قام زيد قام عمرو وكذلك جميع الحروف ويوصل بلام القسم فيقال : والله لزيد خير منك لأنك لا

ص: 67


1- قال الأشموني : وأما أم فذكر النحاس فيها خلافا وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة فإذا قلت أقائم زيد أم عمرو فالمعنى أعمرو قائم فتصير على مذهبه استفهامية ، وأما لكن فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال : أحدها أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو وهو مذهب الفارسي وأكثر النحويين. والثاني أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو والواو مع ذلك زائدة وصححه ابن عصفور ، قال وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش لأنهما قالا إنها عاطفة ولما مثلا للعطف بها مثلاه بالواو. والثالث أن العطف بها وأنت مخير في الإتيان بالواو وهو مذهب ابن كيسان. وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك وليست بعاطفة والواو قبلها عاطفة لما بعدها على ما قبلها عطف مفرد على مفرد. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 210.

تقسم إلا مع تحقيق الخبر (وأما) فإنما تذكرها بعد كلام قد تقدم أخبرت فيه عن اثنين أو جماعة بخبر فاختصصت بعض من ذكر وحققت الخبر عنه ألا ترى أن القائل يقول : زيد وعمرو في الدار فتقول : أما زيد ففي الدار ، وأما عمرو ففي السوق وإنما دخلت الفاء من أجل ما تقدم لأنها إنما تدخل في الكلام لتتبع شيئا بشيء وتعق ما دخلت عليه من الكلام بما قبله (ولأما) موضع تذكر فيه وما لم أذكر من سائر الحروف التي لا تعمل في الأسماء فالمبتدأ والخبر بعدها على صورتهما.

ص: 68

شرح الثاني : وهو خبر المبتدأ

الاسم الذي هو خبر المبتدأ هو الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلاما وبالخبر يقع التصديق والتكذيب (1) ألا ترى أنك إذا قلت : عبد الله جالس فإنما الصدق والكذب وقع في جلوس عبد الله لا في عبد الله ؛ لأن الفائدة هي في جلوس عبد الله وإنما ذكرت عبد الله لتسند إليه (جالسا) فإذا كان خبر المبتدأ اسما مفردا فهو رفع نحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وخبر المبتدأ ينقسم على قسمين : إما أن يكون هو الأول في المعنى غير ظاهر فيه ضميره نحو : زيد أخوك وعبد الله منطلق فالخبر هو الأول في المعنى إلا أنه لو قيل لك من أخوك هذا الذي ذكرته لقلت : زيد أو قيل لك : من المنطلق لقلت : عبد الله أو يكن غير الأول ويظهر فيه ضميره نحو قولك : عمرو ضربته وزيد رأيت أباه ، فإن لم يكن على أحد هذين فالكلام محال.

وخبر المبتدأ الذي هو الأول في المعنى على ضربين فضرب يظهر فيه الاسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك : زيد أخوك ، وزيد قائم وضرب يحذف منه الخبر ويقوم مقامه ظرف له ، وذلك الظرف على ضربين : إما أن يكون من ظروف المكان وإما أن يكون من ظروف الزمان.

أما الظروف في المكان فنحو قولك : زيد خلفك وعمرو في الدار.

والمحذوف معنى الاستقرار والحلول وما أشبههما كأنك قلت : زيد مستقر خلفك وعمرو مستقر في الدار ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الاستعمال.

وأما الظرف من الزمان فنحو قولك : القتال يوم الجمعة والشخوص يوم الخميس كأنك قلت : القتال مستقر يوم الجمعة أو وقع في يوم الجمعة والشخوص واقع في يوم الخميس فتحذف الخبر وتقيم الظرف مقام المحذوف ، فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال ؛ لأن زيدا

ص: 69


1- والمعنى أن الخبر يتضمن الحكم بأمر من الأمور لا يمكن أن تستغنى الجملة عنه فى إتمام معناها الأساسى. انظر النحو الوافي 1 / 291.

الذي هو المبتدأ ليس من قولك : (خلفك) ولا في الدار شيء ؛ لأن في الدار ليس بحديث وكذلك خلفك وإنما هو موضع الخبر.

واعلم أنه لا يجوز أن تقول : زيد يوم الخميس ولا عمرو في شهر كذا ؛ لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث وإنما يجوز ذلك في الأحداث نحو الضرب والحمد وما أشبه ذلك وعلة ذلك أنك لو قلت : زيد اليوم لم تكن فيه فائدة ؛ لأنه لا يخلو أحد من أهل عصرك من اليوم إذ كان الزمان لا يتضمن واحدا دون الآخر والأماكن ينتقل عنها فيجوز أن تكون خبرا عن الجثث وغيرها كذلك والظرف من الأماكن تكون إخبارا عن المعاني التي ليست بجثث يعني المصادر نحو قولك : البيع في النهار والضرب عندك ، فإن قال قائل فأنت قد تقول : الليلة الهلال (1) والهلال جثة فمن أين جاز هذا فالجواب في ذلك : أنك إنما أردت : الليلة حدوث الهلال لأنك إنما تقول ذلك عند توقع طلوعه ألا ترى أنك لا تقول : الشمس اليوم ولا القمر الليلة ؛ لأنه غير متوقع وكذلك إن قلت : اليوم زيد وأنت تريد هذا المعنى جاز وتقول : أكل يوم لك عهد ؛ لأن فيه معنى الملك ويوم الجمعة عليك ثوب إنما جاز ذلك لإستقرار الثوب عليك فيه ، وأما القسم الثاني من خبر المبتدأ : وهو الذي يكون غير الأول ويظهر يفه ضميره فلا يخلو من أن يكون الخبر فعلا فيه ضمير المبتدأ نحو : زيد يقوم والزيدان يقومان فهذا الضمير ، وإن كان لا يظهر في فعل الواحد لدلالة المبتدأ عليه يظهر في التثنية والجمع ، وذلك ضرورة خوف اللبس

ص: 70


1- لا يقع الزّمان خبرا عن أسماء الذّوات فلا يقال : " زيد اللّيلة" إلّا إن حصلت فائدة جاز عند الأكثرين ، وذلك في ثلاث حالات : (أ) أنيكون المبتدأ عامّا والزّمان خاصّا إمّا بالإضافة نحو" نحن في شهر ربيع" فنحن ذات وهو عامّ لصلاحيّته لكلّ متكلّم وفي شهر كذا خاصّ - وإمّا بالوصف نحو" نحن في زمان طيّب" مع جرّه ب" في" كما مثّل. (ب) أن تكون الذّات مشبهة للمعنى في تجدّدها وقتا فوقتا نحو : " الهلال اللّيلة". (ج) أن يقدّر مضاف نحو قول امرئ القيس" اليوم خمر" أي شرب الخمر و" الليلة الهلال" أي رؤية الهلال. انظر معجم القواعد العربية 8 / 4.

ومضمره كظاهره وأنت إذا قلت : زيد قائم فالضمير لا يظهر في واحده ولا في تثنيته ولا في جمعه ، فإن قال قائل : فإنك قد تقول : الزيدان قائمان والزيدون قائمون قيل له : ليست الألف ولا الواو فيهما ضميرين إنما الألف تثنية الاسم والواو جمع الاسم وأنت إذا قلت : الزيدون قائمون فأنت بعد محتاج إلى أن يكون في نيتك ما يرجع إلى الزيدين ولو كانت الواو ضميرا والألف ضميرا والألف ضميرا لما جاز أن تقول القائمان الزيدان ولا القائمون الزيدون أو يكون جملة فيها ضميره والجمل المفيدة على ضربين : إما فعل وفاعل وإما مبتدأ وخبر أما الجملة التي هي مركبة من فعل وفاعل فنحو قولك : زيد ضربته وعمرو لقيت أخاه وبكر قام أبوه ، وأما الجملة التي هي مركبة من ابتداء وخبر فقولك : زيد أبوه منطلق وكل جملة تاتي بعد المبتدأ فحكمها في إعرابها كحكمها إذا لم يكن قبلها مبتدأ ألا ترى أن إعراب (أبوه منطلق) (1) بعد قولك : بكر كإعرابه لو لم يكن بكر قبله فأبوه مرتفع بالابتداء (ومنطلق) خبره فبكر مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثان ومنطلق خبر الأب والأب (منطلق) خبر بكر وموضع قولك : (أبوه منطلق) رفع ومعنى قولنا : الموضح أي لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعا وقد يجوز أن يأتي مبتدأ بعد مبتدأ بعد مبتدأ وأخبار كثيرة بعد مبتدأ وهذه المبتدآت إذا كثروها فإنما هي شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون ولا أعرف له في كلام العرب نظيرا فمن ذلك قولهم : زيد هند العمران منطلقان إليهما من أجله فزيد مبتدأ أول وهند مبتدأ ثان والعمران مبتدأ ثالث وهند وما بعدها خبر لها والعمران وما بعدهما خبر لهما وجميع ذلك خبر عن زيد والراجع الهاء في قولك من أجله والراجع إلى هند (الهاء) في قولك : إليها والمنطلقان هما العمران وهما الخبر عنها.

ص: 71


1- شرط حذف صدر الصلة أن لا يكون ما بعده صالحا ؛ لأن يكون صلة كما إذا وقع بعده جملة نحو جاء الذي هو أبوه منطلق أو هو ينطلق أو ظرف أو جار ومجرور تامان نحو جاء الذي هو عندك أو هو في الدار فإنه لا يجوز في هذه المواضع حذف صدر الصلة فلا تقول جاء الذي أبوه منطلق تعني الذي هو أبوه منطلق ؛ لأن الكلام يتم دونه فلا يدرى أحذف منه شيء أم لا. انظر شرح ابن عقيل 1 / 168.

وفيهما ضميرهما فكلما سئلت عنه من هذا فهذا أصله فإذا طال الحديث عن المبتدأ كل الطول وكان فيه ما يرجع ذكره إليه جاز نحو قولك : (عبد الله قام رجل كان يتحدث مع زيد في داره) صار جميع هذا خبرا عن (عبد الله) من أجل هذه الهاء التي رجعت إليه بقولك : (في داره) وموضع هذا الجملة كلها رفع من أجل أنك لو وضعت موضعها (منطلقا) وما أشبهه ما كان إلا رفعا فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء الاسم أو الفعل أو الظرف أو الجملة.

واعلم أن المبتدأ أو الخبر من جهة معرفتهما أو نكرتهما أربعة :

الأول : أي يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة نحو : عمرو منطلق وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام.

الثاني : أن يكون المبتدأ معرفة والخبر معرفة نحو : زيد أخوك (1) وأنت تريد أنه أخوه من النسب وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطب يعرف زيدا على إنفراده ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ويعلم أن له أخا ولا يدري أنه زيد هذا فتقول له : أنت زيد أخوك أي زيد هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته فتكون الفائدة في اجتماعهما ، وذلك هو الذي استفاده المخاطب فمتى كان الخبر عن المعرفة معرفة فإنما الفائدة في مجموعهما فأما أن يكون يعرفهما مجتمعين ، وإن هذا هذا فذا كلام لا فائدة فيه ، فإن قال قائل : فأنت تقول : الله ربنا ومحمد نبينا وهذا معلوم معروف قيل له : هذا إنما هو معروف عندنا وعند المؤمنين

ص: 72


1- يشترط لجواز الإخبار عن أل ثلاثة شروط زيادة على ما سبق في الذي وفروعه : الأول أن يكون المخبر عنه من جملة تقدم فيها الفعل - وهي الفعلية - وإلى هذا الإشارة بقوله : فيه الفعل قد تقدما. الثاني أن يكون ذلك الفعل متصرفا. الثالث أن يكون مثبتا فلا يخبر عن زيد من قولك زيد أخوك ولا من قولك عسى زيد أن يقوم ولا من قولك ما قام زيد ، وإلى هذين الشرطين الإشارة بقوله : (إن صحّ صوغ صلة منه لأل) إذ لا يصح صوغ صلة لأل من الجامد ولا من المنفي. ثم مثل لما يصح ذلك منه بقوله : (كصوغ واق من وقى الله البطل) ، فإن أخبرت عن الفاعل قلت : الواقي البطل أو عن المفعول قلت : الواقية البطل ، ولا يجوز لك أن تحذف الهاء ؛ لأن عائد الألف واللام لا يحذف إلا في الضرورة. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 391.

وإنما نقوله ردا على الكفار وعلى من لا يقول به ولو لم يكن لنا مخالف على هذا القول لما قيل إلا في التعظيم والتحميد لطلب الثواب به ، فإن المسبح يسبح وليس يريد أن يفيد أحدا شيئا وإنما يريد أن يتبرر ويتقرب إلى الله بقول الحق وبذلك أمرنا وتعبدنا وأصل ذلك الإعتراف بمن الله عليه بأن عرفه نفسه وفضله على من لا يعرف ذلك وأصل الكلام موضوع للفائدة ، وإن اتسعت المذاهب فيه ولكن لو قال قائل : النار حارة والثلج بارد لكان هذا كلاما لا فائدة فيه ، وإن كان الخبر فيهما نكرة.

الثالث : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر نكرة وقد بينا أن الجائز من ذلك ما كانت فيه فائدة.

فأما الكلام إذا كان منفيا ، فإن النكرة فيه حسنة ؛ لأن الفائدة فيه واقعة نحو قولك : ما أحد في الدار وما فيها رجل.

الرابع : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة وهذا قلب ما وضع عليه الكلام وإنما جاء مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل لضرورة الشاعر نحو قوله :

كأنّ سلافة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

فجعل اسم (كأن) عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنما حسن هذا عند قائله أن عسلا وماء نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو : تمرة وجوزة والضمير الذي في (مزاجها) راجع إلى نكرة وهو قوله : سلافة فهو مثل قولك : خمرة ممزوجة بماء.

وقد يعرض الحذف في المبتدأ وفي الخبر أيضا لعلم المخاطب بما حذف والمحذوف على ثلاث جهات (1) :

ص: 73


1- مثال حذف المبتدأ أن يقال كيف زيد فتقول صحيح أي هو صحيح ، وإن شئت صرحت بكل واحد منهما فقلت زيد عندنا وهو صحيح ومثله قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي من عمل صالحا فعمله لنفسه ومن أساء فإساءته عليها. انظر شرح ابن عقيل 1 / 246.

الأولى : حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل : الهلال والله أي : هذا الهلال فيحذف هذا وكذلك لو كنت منتظرا رجلا فقيل : عمرو جاز على ما وصفت لك ومن ذلك : مررت برجل زيد لأنك لما قلت : مررت برجل أردت أن تبين من هو فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى : (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : 72].

الجهة الثانية : أن تحذف الخبر لعلم السامع فمن ذلك أن يقول القائل : ما بقي لكم أحد فتقول : زيد أو عمرو أي : زيد لنا ومنه لو لا عبد الله لكان كذا وكذا فعبد الله مرتفع بالابتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا فكأنه قال : لو لا عبد الله بذلك المكان ولو لا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى فأما قوله : لكان (كذا وكذا) فحديث متعلق بحديث (لو لا) وليس من المبتدا في شيء ومن ذلك : هل من طعام فموضع (من طعام) رفع كأنك قلت : هل طعام والمعنى : هل طعام في زمان أو مكان و (من) تزاد توكيدا مع حرف النفي وحرف الاستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله.

وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضا كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا : ما أتاني من رجل في موضع : ما أتاني رجل. (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) و (هل تحس منهم من أحد).

وكذلك قولك : هل من طعام وإنما هو : هل طعام فموضع (من طعام) رفع بالابتداء.

الجهة الثالثة : أنهم ربما حذفوا شيئا من الخبر في الجمل ، وذلك المحذوف على ضربين : إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم : السمن منوان بدرهم (1) يريد : منه وإلا كان كلاما غير جائز ؛ لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع

ص: 74


1- من أمثلة الخصوص أن تكون موصوفة اما بصفة مذكورة نحو (ولأمة مؤمنة خير من مشركة) (ولعبد مؤمن خير من مشرك) أو بصفة مقدرة كقولهم السّمن منوان بدرهم فالسمن مبتدأ أوّل ومنوان مبتدأ ثان وبدرهم خبره والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول والمسوّغ للابتداء بمنوان أنه موصوف بصفة مقدرة أي منوان منه. انظر شرح شذور الذهب 1 / 235.

ولكنه متصل بالكلام نحو قولك : الكر بستين درهما فأمسكت عن ذكر الدرهم بعد ذكر الستين لعلم المخاطب.

وتعتبر خبرا لمبتدأ بأنك متى سألت عن الخبر جاز أن يجاب بالمبتدأ ؛ لأنه يرجع إلى أنه هو هو في المعنى.

ألا ترى أن القائل إذا قال : عمرو منطلق فقلت : من المنطلق قال : عمرو وكذلك إذا قال :عبد الله أخوك فقلت : من أخوك قال : عبد الله وكذلك لو قال : عبد الله قامت جاريته في دار أخيه فقلت : من الذي قامت جاريته في دار أخيه لقال : عبد الله وخبر المبتدأ يكون جواب (ما) واي وكيف وكم وأين ومتى يقول القائل : الدينار ما هو فتقول : حجر فتجيبه بالجنس ويقول الدينار أي الحجارة هو فتقول : ذهب فتجيبه بنوع من ذلك الجنس وهذا إنما يسأل عنه من سمع بالدينار ولم يعرفه.

ويقول : الدينار كيف هو فتقول : مدور أصفر حسن منقوش ويقول : الدينار كم قيراطا هو فتقول : الدينار عشرون قيراطا فيقول : أين هو فتقول : في بيت المال والكيس ونحو ذلك ولا يجوز أن تقول : الدينار متى هو وقد بينا أن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث إلا على شرط الفائدة والتأول ولكن تقول : القتال متى هو فتقول : يوم كذا وكذا فأما إذا كان الخبر معرفة أو معهودا فإنما يقع في جواب (من وأي) نحو قوله : زيد من هو والمعنى : أي الناس هو وأي القوم هو فتقول : أخوك المعروف أو أبو عمرو أي الذي من أمره كذا وتقول : هذا الحمار أي الحمير هو فتقول : الأسود المعروف بكذا وما أشبهه.

واعلم أن خبر المبتدأ إذا كان اسما من أسماء الفاعلين وكان المبتدأ هو الفاعل في المعنى وكان جاريا عليه إلى جنبه أضمر فيه ما يرجع إليه وانستر الضمير نحو قولك : عمرو قائم وأنت منطلق فأنت وعمرو الفاعلان في المعنى ؛ لأن عمرا هو الذي قام وقائم جار على (عمرو) وموضوع إلى جانبه لم يحل بينه وبينه حائل فمتى كان الخبر بهذه الصفة لم يحتج إلى أن يظهر الضمير إلا مؤكدا ، فإن أردت التأكيد قلت : زيد قائم هو ، وإن لم ترد التأكيد فأنت مستغن عن ذلك وإنما احتمل (ضارب وقائم) وما أشبههما من أسماء الفاعلين ضمير الفاعل

ص: 75

ورفع الأسماء التي تبنى عليه لمضارعته الفعل فأضمروا فيه كما أضمروا في الفعل إلا أن المشبه بالشيء ليس هو ذلك الشيء بعينه فضمنوه الضمير متى كان جاريا على الاسم الذي قبله وإنما يكون كذلك في ثلاثة مواضع : إما أن يكون خبرا لمبتدأ نحو قولك : عمرو منطلق كما ذكرنا أو يكون صفة نحو : مررت برجل قائم أو حالا نحو : رأيت زيدا قائما ففي اسم الفاعل ضمير في جميع هذه المواضع ، فإن وقع بعدها اسم ظاهر ارتفع ارتفاع الفاعل بفعله ومتى جرى اسم الفاعل على غير من هو له فليس يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل كما يكون في الفعل ؛ لأن انستار ضمير الفاعل إنما هو للفعل ولذلك بنيت لام (فعل) مع ضمير الفاعل المخاطب في (فعلت) والمخاطب والمخاطبة أيضا في (فعلت) وفعلت كما بينا فيما مضى.

فإن قلت : هند زيد ضاربته (1) لم يكن بد من أن تقول : هي من أجل أن قولك : (ضاربته) ليس لزيد في الفعل نصيب وإنما الضرب كان من هند ولم يعد عليها شيء من ذكرها والفعل لها فإنما (ضاربته) خبر عن زيد وفاعله هند في المعنى ولم يجز إلا إظهار الضمير فقلت حينئذ هي مرتفعة (بضاربته) كما ترتفع هند إذا قلت : زيد ضاربته هند فالمكنى هاهنا بمنزلة الظاهر ولا يجوز أن تتضمن (ضاربته) ضمير الفاعل ، فإن أردت أن تثني قلت : الهندان الزيدان ضاربتهما هما ؛ لأن (ضاربه) ليس فيه ضمير الهندين إنما هو فعل فاعله المضمر هذا على قول من قال : أقائم أخواك فأما من قال : أكلوني البراغيث فيجعل في الفعل علامة التثنية والجمع ولم يرد الضمير ليدل على أن فاعله مثنى أو مجموع كما كانت التاء في (فعلت هند) فرقا بين فعل المذكر والمؤنث فإنه يقول : الهندان الزيدان ضاربتاهما هما فإذا قلت : هند زيد ضاربته هي (فهند)

ص: 76


1- هذا مثال ما أمن فيه اللبس زيد هند ضاربها هو وهند زيد ضاربته هي فيجب الإبراز أيضا لجريان الخبر على غير من هو له. وقال الكوفيون لا يجب الإبراز حينئذ ووافقهم الناظم في غير هذا الكتاب واستدلوا لذلك بقوله : قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 96.

مرتفعة بالابتداء (وزيد) مبتدأ ثان وضاربته خبر زيد (وهي) هذه اللفظة مرتفعة بأنها فاعلة والفعل (ضاربته) والهاء ترجع إلى زيد وهي ترجع إلى هند والجملة خبر عنها ، فإن جعلت موضع فاعل يفعل فقلت : زيد هند تضربه أضمرت الفاعل ولم تظهره فهذا مما خالفت فيه الأسماء الأفعال ألا ترى أنك تقول : زيد أضربه وزيد تضربه ، فإن كان في موضع الفعل اسم الفاعل لم تقل إلا زيد ضاربه أنا أو أنت ؛ لأن في تصاريف الفعل ما يدل على المضمر ما هو كما قد ذكرنا فيما قد تقدم وليس ذلك في الأسماء وحكم اسم المفعول حكم اسم الفاعل تقول : زيد مضروب فتكون خبرا لزيد كما تكون (ضارب) ويكون فيه ضميره كما يكون في الفاعل فتقول : عمرو الجبة مكسوته ، إذ كان في (مكسوته) ضمير الجبة مستترا ، فإن كان فيه ضمير (عمرو) لم يجز حتى تقول : عمرو الجبة مكسوها هو فحكم المفعول حكم الفاعل كما أن فعل (كفعل) في عمله وحق خبر المبتدأ إذا كان جملة أن يكون خبرا كاسمه يجوز فيه التصديق والتكذيب ولا يكون استفهاما ولا أمرا ولا نهيا وما أشبه ذلك مما لا يقال فيه صدقت ولا كذبت ولكن العرب قد اتسعت في كلامها فقالت : زيد كم مرة رأيته فاستجازوا هذا لما كان زيد في المعنى والحقيقة داخلا في جملة ما استفهم عنه ؛ لأن الهاء هي زيد وكذلك كل ما اتسعوا فيه من هذا الضرب.

ص: 77

شرح الثالث من الأسماء المرتفعة : وهو الفاعل

(1)

الاسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل ، ويجعل الفعل حديثا عنه مقدما قبله كان فاعلا في الحقيقة أو لم يكن كقولك : جاء زيد ومات عمرو وما أشبه ذلك ومعنى قولي : بنيته على الفعل الذي بني للفاعل أي : ذكرت الفعل قبل الاسم لأنك لو أتيت بالفعل بعد الاسم لأرتفع الاسم بالابتداء وإنما قلت على الفعل الذي بني للفاعل لأفرق بينه وبين الفعل الذي بني للمفعول إذ كانوا قد فرقوا بينهما فجعلوا (ضرب) للفاعل مفتوح الفاء و (ضرب) للمفعول مضموم الفاء مكسور العين وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية وهذا يبين لك في موضعه إن شاء الله.

وإنما قلت : كان فاعلا في الحقيقة أو لم يكن ؛ لأن الفعل ينقسم قسمين : فمنه حقيقي ومنه غير حقيقي والحقيقي ينقسم قسمين :

أحدهما : أن يكون الفعل لا يتعدى الفاعل إلى من سواه ولا يكون فيه دليل على مفعول نحو : قمت وقعدت.

والآخر : أن يكون فعلا وأصلا إلى اسم بعد اسم الفاعل.

والفعل الواصل على ضربين : فضرب واصل مؤثر نحو : ضربت زيدا وقتلت بكرا.

والضرب الآخر واصل إلى الاسم فقط غير مؤثر فيه نحو : ذكرت زيدا ومدحت عمرا وهجوت بكرا ، فإن هذه تتعدى إلى الحي والميت والشاهد والغائب ، وإن كنت إنما تمدح الذات وتذمها إلا أنها غير مؤثرة.

ومنها الأفعال الداخلة على الابتداء والخبر وإنما تنبىء عن الفاعل بما هجس في نفسه أو تيقنه غير مؤثرة بمفعول ولكن أخبار الفاعل بما وقع عنده نحو : ظننت زيدا أخاك. وعلمت زيدا خير الناس.

ص: 78


1- الفاعل : هو ما قدّم الفعل او شبهه عليه وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه ك علم زيد ومات بكر وضرب عمرو و (مختلف الوانه). انظر شرح شذور الذهب 1 / 204.

القسم الثاني : من القسمة الأولى : وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي فهو على ثلاثة أضرب فالضرب الأول : أفعال مستعارة للإختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو : مات زيد وسقط الحائط ومرض بكر.

والضرب الثاني : أفعال في اللفظ وليست بأفعال حقيقية وإنما تدل على الزمان فقط ، وذلك قولك : كان عبد الله أخاك وأصبح عبد الله عاقلا ليست تخبر بفعل فعله إنما تخبر أن عبد الله أخوك فيما مضى وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل.

والضرب الثالث : أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل (1) الذي جعلت له نحو قولك : لا أرينك هاهنا فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى وتأويله : لا تكونن هاهنا ، فإن (من) حضرني رأيته ومثله قوله تعالى : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : 102] لم ينههم عن الموت في وقت ؛ لأن ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه : كونوا على الإسلام ، فإن الموت لا بد منه فمتى صادفكم صادفكم عليه وهذا تفسير أبي العباس رحمه الله.

فالاسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو والفعل جملة يستغني عليها السكوت وتمت بها الفائدة للمخاطب ويتم الكلام به دون مفعول والمفعول فضلة في الكلام كالذي تقدم فأما الفعل فلا بد له من فاعل وما يقوم مقام الفاعل بمنزلة الابتداء والخبر ألا ترى أنك إذا قلت : قام زيد فهو بمنزلة قولك : القائم زيد.

فالفاعل رفع إذا أخبرت عنه أنه (فعل) وسيفعل أو هو في حاذل الفعل أو استفهمت عنه هل يكون فاعلا أو نفيت أن يكون فاعلا نحو : قام عبد الله ويقوم عبد الله. وسيقوم عبد الله.

وفي الاستفهام : أيقوم عبد الله؟ وفي الجزاء : إن يذهب زيد أذهب ، وفي النفي : ما ذهب زيد ولم يقم عمرو فالعامل هو الفعل على عمله أين نقلته لا يغيره عن عمله شيء أدخلت عليه ما يعمل فيه أو لم يعمل فسواء كان الفعل مجزوما أو منصوبا أو مرفوعا أو موجبا أو منفيا أو

ص: 79


1- فكأن الخطاب فيها قد وجه للمفعول.

خبرا أو استخبارا هو في جميع هذه الأحوال لا بدّ من أن يرفع به الاسم الذي بني له فالأفعال كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها يرفع بها الفاعل بالصفة التي ذكرناها ومن الأفعال ما لا يتصرف في الأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ويقتصر به على زمان واحد فلا يتصرف في جميع تصاريف الأفعال وقد أفردناها وقد أعملوا اسم الفعل وتأملت جميع ذلك فوجدت الأشياء التي ترتفع بها الأسماء ارتفاع الفاعل ستة أشياء : فعل متصرف وفعل غير متصرف وأسم الفاعل والصفة المشبهة باسم الفاعل والمصدر والأسماء التي سموا فيها الفعل في الأمر والنهي.

فأما الأول : وهو الفعل المتصرف فنحو : قام وضرب وتصرفه أنك تقول : يقوم وأقوم وتقوم ، وضرب ويضرب وأضرب ، وجميع تصاريف الأفعال جارية عليه ويشتق منه اسم الفاعل فتقول : ضارب.

والثاني : وهو الفعل الذي هو غير متصرف نحو : ليس وعسى وفعل التعجب ونعم وبئس لا تقول منه يفعل ولا فاعل ، ولا يزول عن بناء واحد وسنذكر هذه الأفعال بعد في مواضعها إن شاء الله.

الثالث : وهو اسم الفاعل (1) الجاري على فعله نحو قولك : قام يقوم فهو قائم : وضرب يضرب فهو ضارب وشرب يشرب فهو شارب فضارب وشارب وقائم أسماء الفاعلين.

وقد بينا أن اسم الفاعل لا يحسن أن يعمل إلا أن يكون معتمدا على شيء قبله ، وذكرنا ما يحسن من ذلك وما يقبح في باب خبر الابتداء.

والرابع : الصفة المشبهة باسم الفاعل نحو قولك : حسن وشديد تقول : الحسن وجه زيد والشديد ساعدك وما أشبهه.

ص: 80


1- اسم الفاعل وهو ما اشتقّ من فعل لمن قام به على معنى الحدوث كضارب ومكرم ، فإن صغّر أو وصف لم يعمل وإلّا ، فإن كان صلة لأل عمل مطلقا وإلّا عمل إن كان حالا أو استقبالا واعتمد ولو تقديرا على نفي أو استفهام أو مخبر عنه أو موصوف. انظر شرح شذور الذهب 1 / 496.

والخامس : المصدر نحو قولك عجبت من ضرب زيد عمرو وتأويله : من أن ضرب زيدا عمرو.

السادس : الأسماء التي يسمى الفعل بها في الأمر والنهي نحو قولهم : تراكها ومناعها يريدون : أترك وأمنع ورويد زيدا وهلم الثريد وصه ومه يريدون : اسكت وعليك زيدا فهذه الأسماء إنما جاءت في الأمر وتحفظ حفظا ولا يقاس عليها وسنذكر جميع هذه الأسماء التي أوقعت موقع الفعل في بابها مشروحة إن شاء الله.

شرح الرابع من الأسماء المرتفعة : وهو المفعول الذي لم يسم من فعل به

(1)

إذا كان الاسم مبنيا على فعل بني للمفعول ولم يذكر من فعل به فهو رفع ، وذلك قولك : ضرب بكر وأخرج خالد واستخرجت الدراهم فبني الفعل للمفعول على (فعل) نحو : (ضرب). وأفعل نحو : (أكرم). وتفعل نحو : تضرب.

ونفعل نحو : نضرب ، فخولف بينه وبين بناء الفعل الذي بني للفاعل لئلا يلتبس المفعول بالفاعل وارتفاع المفعول بالفعل الذي تحدثت به عنه كإرتفاع الفاعل إذا كان الكلام لا يتم إلا به ولا يستغني دونه ولذلك قلت : إذا كان مبنيا على فعل بني للمفعول أردت به ما أردت في الفاعل من أن الكلام لا يتم إلا به وقلت ولم تذكر من فعل به لأنك لو ذكرت الفاعل ما كان المفعول إلا نصبا وإنما ارتفع لما زال الفاعل وقام مقامه.

واعلم أن الأفعال التي لا تتعدى لا يبنى منها فعل للمفعول ؛ لأن ذلك محال نحو : قام وجلس.

لا يجوز أن تقول : قيم زيد ولا جلس عمرو إذ كنت إنما تبني الفعل للمفعول فإذا كان الفعل لا يتعدى إلى مفعول فمن أين لك مفعول تبنيه له ، فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول

ص: 81


1- وهو نائب الفاعل وهو الذي يعبرون عنه بمفعول ما لم يسمّ فاعله والعبارة الأولى أولى لوجهين احدهما أن النائب عن الفاعل يكون مفعولا وغيره كما سيأتي والثاني أن المنصوب في قولك أعطي زيد دينارا يصدق عليه أنه مفعول للفعل الذي لم يسمّ فاعله وليس مقصودا لهم. انظر شرح شذور الذهب 1 / 207.

واحد نحو : ضربت زيدا أزلت الفاعل وقلت : ضرب زيد فصار المفعول يقوم مقام الفاعل وبقي الكلام بغير اسم منصوب ؛ لأن الذي كان منصوبا قد ارتفع ، وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت زيدا درهما فرددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : أعطي زيد درهما فقام أحد المفعولين مقام الفاعل وبقي منصوب واحد في الكلام وكذلك إن كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو : أعلم الله زيدا بكرا خير الناس إذا رددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : أعلم زيد بكرا خير الناس فقام أحد المفعولين مقام الفاعل وبقي في الكلام اسمان منصوبان فعلى هذا يجري هذا الباب.

وإن كان الفعل لا يتعدى لم يجز ذلك فيه ، وإن كان يتعدى إلى مفعول واحد بقي الفعل غير متعمد ، وإن كان يتعدى إلى اثنين بقي الفعل متعديا إلى واحد ، وإن كان يتعدى إلى ثلاثة بقي الفعل يتعدى إلى إثنين فعلى هذا فقس متى نقلت (فعل) الذي هو للفاعل مبني إلى (فعل) الذي هو مبني للمفعول فانقص من المفعولات واحدا ، وإذا نقلت (فعلت) إلى أفعلت ، فإن كان الفعل لا يتعدى في (فعلت) فعده إلى واحد إذا نقلته إلى أفعلت تقول قمت فلا يتعدى إلى مفعول ، فإن قلت أفعلت منه قلت أقمت زيدا ، وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد فنقلته من (فعلت) إلى (أفعلت) عديته إلى إثنين نحو قولك : رأيت الهلال هو متعد إلى مفعول واحد ، فإن قلت : أريت (1) زيدا الهلال فيتعدى إلى إثنين ، وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين فعلت إلى أفعلت تعدي إلى ثلاثة مفعولين تقول علمت بكرا خير الناس ، فإن قلت : أعلمت قلت : أعلمت بكرا زيدا خير الناس فتعدى إلى ثلاثة فهذان النقلان مختلفان إذا نقلت (فعلت) إلى (فعلت) نقصت من المفعولات واحدا أبدا ، وإذا نقلت (فعلت) إلى (أفعلت) زدت في

ص: 82


1- أرى المنقولة بالهمزة من رأى المتعدية لاثنين نحو أريت زيدا عمرا فاضلا بمعنى أعلمته قال الله تعالى (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) فالهاء والميم مفعول أول و (أعمالهم) مفعول ثان و (حسرات) مفعول ثالث. والبواقي ما ضمّن معنى أعلم وأرى المذكورتين من أنبأ ونبّأ وأخبر وخبّر وحدّث تقول أنبأت زيدا عمرا فاضلا بمعنى أعلمته وكذلك تفعل في البواقي. انظر شرح شذور الذهب 1 / 484.

المفعولات واحدا أبدا فتبين ذلك فإني إنما ذكرت (فعّلت) ، وإن لم يكن من هذا الباب ؛ لأن الأشياء تتضح بضمها إلى أضدادها واسم المفعول الجاري على فعله يعمل عمل الفعل نحو قولك : مضروب ومعط يعمل على أعطى ونعطي تقول : زيد مضروب أبوه فترفع (وأبوه) بمضروب كما كنت ترفعه بضارب إذا قلت : زيد ضارب أبوه عمرا وتقول : زيد معط أبوه درهما (فترفع الأب) (بمعط) وتقول : دفع إلى زيد درهم فترفع الدرهم لأنك جررت زيدا فقام الدرهم مقام الفاعل ويجوز أن تقول : سير بزيد فتقيم (بزيد) مقام الفاعل فيكون موضعه رفعا ولا يمنعه حرف الجر من ذلك كما قال : ما جاءني من أحد فأحد فاعل ، وإن كان مجرورا (بمن) وكذلك قوله تعالى : (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : 105].

فإن أظهرت زيدا غير مجرور قلت : أعطى زيد درهما وكسى زيد ثوبا فهذا وجه الكلام ويجوز أن تقول : أعطى زيدا درهم وكسى زيدا ثوب كما كان الدرهم والثوب مفعولين وكان لا يلبس على السامع الآخذ من المأخوذ جاز ولكن لو قلت : أعطى زيد عمرا وكان زيد هو الآخذ لم يجز أن تقول : أعطى عمرو زيدا ؛ لأن هذا يلبس إذ كان يجوز أن يكون كل واحد منهما آخذا لصاحبه وهو لا يلبس في الدرهم وما أشبه ؛ لأن الدرهم لا يكون إلا مأخوذا وإنما هذا مجاز والأول الوجه.

ومن هذا : أدخل القبر زيدا وألبست الجبة زيدا ولا يجوز على هذا ضرب زيدا سوط ؛ لأن سوطا في موضع قولك : ضربة بسوط فهو مصدر.

واعلم أنه يجوز أن تقيم المصادر (1) والظروف من الأزمنة والأمكنة مقام الفاعل في هذا الباب إذا جعلتها مفعولات على السعة ، وذلك نحو قولك : سير بزيد سير شديد وضرب من

ص: 83


1- يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين : أحدها : أن يكون نائبا مناب الفعل نحو ضربا زيدا ف زيدا منصوب ب ضربا لنيابته مناب اضرب وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما في أضرب وقد تقدم ذلك في باب المصدر. والموضع الثاني : أن يكون المصدر مقدرا ب أن والفعل أو ب ما والفعل وهو المراد بهذا الفصل فيقدر ب أن إذا أريد المضي أو الاستقبال. انظر شرح ابن عقيل 3 / 93.

أجل زيد عشرون سوطا واختلف به شهران ومضى به فرسخان وقد يجوز نصبهما على الموضع ، وإن كنت لم تقم المجرور مقام الفاعل أعني قولك : بزيد على أن تحذف ما يقوم مقام الفاعل وتضمره ، وذلك المحذوف على ضربين : إما أن يكون الذي قام مقام الفعل مصدرا استغنى عن ذكره بدلالة الفعل عليه وإما أن يكون مكانا دلّ الفعل عليه أيضا إذ كان الفعل لا يخلو من أن يكون في مكان كما أنه لا بد من أن يكون مشتقا من مصدره نحو قولك : سير بزيد فرسخا أضمرت السير ؛ لأن (سير) يدل على السير فكأنك قلت : سير السير بزيد فرسخا ثم حذفت السير فلم تحتج إلى ذكره معه كما تقول : من كذب كان شرا له تريد : كان الكذب شرا له ولم تذكر الكذب ؛ لأن (كذب) قد دل عليه.

ونظيره قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : 180]. يعني : البخل الذي دل عليه (يبخلون) ، وأما الذي يدل عليه الفعل من المكان فأن تضمر في هذه المسألة ما يدل عليه (سير) نحو الطريق وما أشبهه من الأمكنة.

ألا ترى أن السير لا بد أن يكون في طريق فكأنك قلت : سير عليه الطريق فرسخا ثم حذفت لعلم المخاطب بما تعني فقد صار في (سير بزيد) ثلاثة أوجه : أجودها أن تقيم (بزيد) مقام الفاعل فيكون موضعه رفعا ، وإن كان مجرورا في اللفظ وقد أريناك مثل ذلك.

والوجه الثاني : الذي يليه في الجودة أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.

والوجه الثالث : وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.

واعلم أنك إذا قلت : سير يزيد سيرا فالوجه النصب في (سير) لأنك لم تفد بقولك (سيرا) شيئا لم يكن في (سير) أكثر من التوكيد ، فإن وصفته فقلت : شديدا أو هينا فالوجه الرفع لأنك لما نعته قربته من الأسماء وحدثت فيه فائدة لم تكن في (سير) والظروف بهذه المنزلة لو قلت : سير بزيد مكانا أو يوما لكان الوجه النصب ، فإن قلت : يوم كذا أو مكانا بعيدا أو قريبا أختير الرفع والتقديم والتأخير والإضمار والإظهار في الاسم الذي قام مقام الفاعل ولم يسم من فعل به مثله في الفاعل يجوز فيه ما جاز في ذلك لا فرق بينهما في جميع ذلك وتقول :كيف أنت إذا نحى نحوك ونحوك على ما فسرنا ، فإن قلت : نحى قصدك فالإختيار عند قوم

ص: 84

من النحويين النصب لمخالفة لفظ الفعل لفظ المصدر والمصادر والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعا في هذا الباب حتى يقدر فيه أنه إذا كان الفاعل معه أنه مفعول صحيح فحينئذ يجوز أن يقام مقام الفاعل إذا لم تذكر الفاعل.

فأما الحال والتمييز فلا يجوز أن يجعل واحد منهما في محل الفاعل إذا قلت : سير بزيد قائما أو تصبب بدن عمرو عرقا لا يجوز أن تقيم (قائما وعرقا) مقام الفاعل لأنهما لا يكونان إلا نكرة فالفاعل وما قام مقامه يضمر كما يظهر والمضمر لا يكون إلا معرفة وكذلك المصدر الذي يكون علة لوقوع الشيء نحو : جئتك ابتغاء الخير لا يقوم مقام الفاعل ابتغاء الخير ؛ لأن المعنى لإبتغاء الخير ومن أجل ابتغاء الخير ، فإن أقمته مقام الفاعل زال ذلك المعنى وقد أجاز قوم في (كان زيد قائما) أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون : كين قائم.

قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز من قبل أن (كان) (1) فعل غير حقيقي وإنما يدخل على المبتدأ والخبر فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول يقوم مقام الفاعل لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد ؛ لأن الثاني هو الأول في المعنى.

وقد نطق بما لم يسم فاعله في أحرف ولم ينطق فيها بتسمية الفاعل فقالوا : أنيخت الناقة وقد وضع زيد في تجارته ووكس وأغرى به وأولع به وما كان من نحو هذا مما أخذ عنهم سماعا وليس بباب يقاس عليه.

ص: 85


1- قال الأشموني : إذا قلت كان زيد قائما جاز أن تكون كان ناقصة فقائما خبرها ، وأن تكون تامة فيكون حالا من فاعلها ، وإذا قلت كان زيد أخاك وجب أن تكون ناقصة لامتناع وقوع الحال معرفة (ولا يلي العامل) أي كان وأخواتها (معمول الخبر) مطلقا عند جمهور البصريين سواء تقدم الخبر على الاسم نحو كان طعامك آكلا زيد خلافا لابن السراج والفارسي وابن عصفور ، أم لم يتقدم نحو كان طعامك زيد آكلا ، وأجازه الكوفيون. انظر شرح الأشموني 1 / 121.
شرح الخامس : وهو المشبه بالفاعل في اللفظ
اشارة

المشبه بالفاعل على ضربين : ضرب منه ارتفع (بكان وأخواتها) وضرب آخر ارتفع بحروف شبهت (بكان) والفعل وأخوات (كان) : صار وأصبح وأمسى وظل وأضحى وما دام وما زال وليس وما أشبه ذلك مما يجيىء عبارة عن الزمان فقط وما كان في معناهن مما لفظه لفظ الفعل وتصاريفه تصاريف الفعل تقول : كان ويكون وسيكون وكائن فشبهوها بالفعل لذلك فأما مفارقتها للفعل الحقيقي ، فإن الفعل الحقيقي يدل على معنى وزمان نحو قولك : ضرب يدل على ما مضى من الزمان وعلى الضرب الواقع فيه وكان إنما يدل على ما مضى من الزمان فقط (ويكون) تدل على ما أنت فيه من الزمان وعلى ما يأتي فهي تدل على زمان فقط فأدخلوها على المبتدأ وخبره فرفعوا بها ما كان مبتدأ تشبيها بالفاعل ونصبوا بها الخبر تشبيها بالمفعول فقالوا : كان عبد الله أخاك كما قالوا : ضرب عبد الله أخاك إلا أن المفعول في (كان) لا بد من أن يكون هو الفاعل ؛ لأن أصله المبتدأ وخبره كما كان خبر المبتدأ لا بد من أن يكون هو المبتدأ فإذا قالوا (كان زيد قائما) فإنما معناه : زيد قام فيما مضى من الزمان فإذا قالوا : أصبح عبد الله منطلقا فإنما المعنى : أتى الصباح وعبد الله منطلق فهذا تشبيه لفظي وكثيرا ما يعملون الشيء عمل الشيء إذا أشبهه في اللفظ ، وإن لم يكن مثله في المعنى وسترى ذلك إن شاء الله فقد بان شبه (كان وأخواتها) بالفعل إذ كنت تقول : كان يكون وأصبح يصبح وأضحى ويضحى ودام يدوم وزال يزال فأما ليس فالدليل على أنها فعل ، وإن كانت لا تتصرف تصرف الفعل قولك : لست كما تقول : ضربت ولستما كضربتما ولسنا كضربنا ولسن كضربن ولستن كضربتن وليسوا كضربوا ولسيت أمة الله ذاهبة كقولك : ضربت أمة الله زيدا.

وإنما امتنعت من التصرف لأنك إذا قلت (كان) دللت على ما مضى ، وإذا قلت (يكون) دللت على ما هو فيه وعلى ما لم يقع ، وإذا قلت : ليس زيد قائما الآن أو غدا أدت ذلك المعنى

ص: 86

الذي في يكون فلما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها ولذلك لم تبن بناء الأفعال التي هي من بنات الياء مثل باع وبات.

وإذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة فاسم (كان) المعرفة كما كان ذلك في الابتداء هو المبتدأ (1) لا فرق بينهما في ذلك تقول : كان عمرو منطلقا وكان بكر رجلا عاقلا وقد يكون الاسم معرفة والخبر معرفة كما كان ذلك في الابتداء أيضا تقول : كان عبد الله أخاك وكان أخوك عبد الله أيهما شئت جعلته اسم (كان) وجعلت الآخر خبرا لها والشعراء قد يضطرون فيجعلون الاسم نكرة والخبر معرفة لعلمهم أن المعنى يؤول إلى شيء واحد فمن ذلك قول حسان :

كأنّ سلافة من بيت رأس

يكون مزاجها عسل وماء

وقال القطامي :

قفي قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا

وقد مضى تفسير هذا وقد تخبر في هذا الباب بالنكرة عن النكرة إذا كان فيه فائدة ، وذلك قولك : ما كان أحد مثلك وليس أحد خيرا منك وما كان رجل قائما مقامك وإنما صلح هذا هنا ؛ لأن قولك : (رجل) في موضع الجماعة إذا جعلوا رجلا رجلا يدلك على ذلك قولك : ما كان رجلان أفضل منهما.

والمعول في هذا الباب وغيره على الفائدة كما كان في المبتدأ والخبر.

فما كانت فيه فائدة فهو جائز فأنت إذا قلت : ليس فيها أحد فقد نفيت الواحد والإثنين وأكثر من ذلك ومثل هذا لا يقع في الإيجاب ونظير أحد عريب وكتيع وطوريء وديار قال الراجز :

ص: 87


1- لا يصحّ في اسم كان وأخواتها إلّا أن يكون معرفة ، إلّا في حالة النّفي فتخبر عن النكرة بنكرة ، حيث تريد أن تنفي أن يكون في مثل حاله شيء أو فوقه ؛ لأن المخاطب قد يحتاج إلى أن تعلمه ، مثل هذا كما يقول سيبويه ، وذلك قولك : " ما كان أحد مثلك" و" ما كان أحد خيرا منك". انظر معجم القواعد العربية 5 / 23.

وبلدة ليس بها ديار

ومن هذه الأسماء ما يقع بعد (كل) لعمومها تقول : يعلم هذا كل أحد ، وأما قول الشاعر :

حتى ظهرت فما تخفى على أحد

إلا على أحد لا يعرف القمرا

فقد فسر هذا البيت على ضربين : أحدهما : أن يكون (أحد) في معنى واحد كأنه قال : إلا على واحد لا يعرف القمرا فأحد هذه هي التي تقع في قولك : أحد وعشرون وتكون على قولك (أحد) التي تقع في النفي فتجريه في هذا الموضع على الحكاية لتقديم ذكره إياه ونظير ذلك أن يقول القائل : أما في الدار أحد فتقول مجيبا بلى وأحد إنما هو حكاية للفظ ورد عليه وتقول : ما كان (1) رجل صالح فمشبه زيدا في الدار إذا جعلت في الدار خبرا ومعنى هذا الكلام أن زيدا صالح فمشبهه مثله ، فإن نصبت (مشبها) فقد ذممت زيدا أو أخبرت أن ما كان صالحا غير تشبيه.

فإذا قلت : ما كان أحد مثلك وما كان مثلك أحد فكلها نكرات ؛ لأن (مثل وشبه) يكن نكرات ، وإن أضفن إلى المعارف لأنهن لا يخصصن شيئا بعينه ؛ لأن الأشياء تتشابه من وجوه وتتنافى من وجوه ، فإن أردت (بمثلك) المعروف (بشبهك) خاصة كان معرفة كأخيك.

وتقول : ما كان في الدار أحد مثل زيد إذا جعلت (في الدار) الخبر ، وإن جعلت (في الدار) لغوا نصبت المثل قال الله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : 4].

والظروف يجوز أن يفصل بها بين (كان) وما عملت فيه لإشتمالها على الأشياء فتقديمها وهي ملغاة بمنزلة تأخيرها واعلم أن جميع ما جاز في المبتدأ وخبره من التقديم والتأخير فهو

ص: 88


1- قال ابن عقيل : لا يجوز أن يتقدم الخبر على ما النافية ويدخل تحت هذا قسمان أحدهما ما كان النفي شرطا في عمله نحو ما زال وأخواتها فلا تقول قائما ما زال زيد وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس والثاني ما لم يكن النفي شرطا في عمله نحو ما كان زيد قائما فلا تقول قائما ما كان زيد وأجازه بعضهم. ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفي بغير ما يجوز التقديم فتقول قائما لم يزل زيد ومنطلقا لم يكن عمرو ومنعهما بعضهم. انظر شرح ابن عقيل 1 / 276.

جائز في (كان) إلا أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه ، فإن فصلت بظرف ملغى جاز فأما ما يجوز فقولك : كان منطلقا عبد الله وكان منطلقا اليوم عبد الله وكان أخاك صاحبنا وزيد كان قائما غلامه والزيدان كان قائما غلامهما تريد كان غلامهما قائما وكذلك : أخوات (كان) قال الله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم : 47].

وتقول : من كان أخاك إذا كانت (من) مرفوعة كأنك قلت : أزيد كان أخاك وتقول : من كان أخوك إذا كانت (من) منصوبة كأنك قلت : أزيدا كان أخوك وهذا كقولك : من ضرب أخاك ومن ضرب أخوك فما أجزته في المبتدأ والخبر من التقديم والتأخير فأجزه فيها ولكن لا تفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه ولا تقل : كانت زيدا الحمى تأخذ ولا : كان غلامه زيد يضرب لا تجز هذا إذا كان (زيد والحمى) أسمين لكان.

فإن أضمرت في (كان) الأمر أو الحديث أو القصة وما أشبه ذلك وهو الذي يقال له المجهول.

كان ذلك المضمر اسم (كان) وكانت هذه الجملة خبرها فعلى ذلك يجوز كان زيدا الحمى تأخذ وعلى هذا أنشدوا :

فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم

وليس كلّ الّنوى يلقى المساكين (1)

ص: 89


1- يجوز في ليس أن يكون اسمها ضمير الشّأن ، (- ضمير الشأن). يقول سيبويه : فمن ذلك قول بعض العرب : " ليس خلق الله مثله" فلولا أنّ فيه إضمارا - وهو ضمير الشّأن - لم يحز أن تذكر الفعل ولم تعمله في الاسم ، ولكن فيه من الإضمار مثل ما في إنه نحو" إنه من يأتنا نأته". قال الشاعر وهو حميد الأرقط : فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم وليس كلّ النّوى تلقي المساكين (المعرّس : المنزل ينزله المسافر آخر الليل ، يريد : أكلوا تمرا كثيرا وألقوا نواه ، ولشدة جوعهم لم يلقوا كل النوى). أراد : وليس تلقي المساكين كلّ النّوى ، فاسم ليس ضمير الشّأن ؛ لأن كلّ مفعول لتلقي. ومثله قول هشام أجي ذي الرّمّة : هي الشّفاء لدائي لو ظفرت بها وليس منها شفاء الدّاء مبذول انظر معجم القواعد العربية 4 / 42.

كأنه قال : وليس الخبر يلقى المساكين كل النوى ولكن هذا المضمر لا يظهر وأصحابنا يجيزون : غلامه كان زيد يضرب فينصبون الغلام (بيضرب) ويقدمونه ؛ لأن كلّ ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله فلو قلت : غلامه ضرب زيد كان جيدا فكان هذا بمنزلة : ضرب زيد غلامه.

ولو رفعت الغلام كان غير جائز ؛ لأنه إضمار قبل الذكر فلا يجوز أن ينوى به غيره ، فإن قال قائل : فأنت إذا نصبت فقد ذكرته قبل الاسم قيل له : إذا قدم ومعناه التأخير فإنما تقديره والنية فيه أن يكون مؤخرا ، وإذا كان في موضعه لم يجز أن تعني به غير موضعه ألا ترى أنك تقول : ضرب غلامه زيد ؛ لأن الغلام في المعنى مؤخرا والفاعل على الحقيقة قبل المفعول ولكن لو قلت : ضرب غلامه زيدا لم يجز ؛ لأن الغلام فاعل وهو في موضعه فلا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع.

وتقول : كان زيد قائما أبوه وكان زيد منطلقة جارية يحبها والتقديم والتأخير في الأخبار المجملة بمنزلتها في الأخبار المفردة ما لم تفرقها تقول : أبوه منطلق كان زيد تريد كان زيد أبوه منطلق وقائمة جارية يحبها كان زيد تريد : كان زيد قائمة جارية يحبها وفي داره ضرب عمرو خالدا كان زيد ، فإن قلت : كان في داره زيد أبوه وأنت تريد : كان زيد في داره أبوه لم يجز ؛ لأن الظرف للأب فليس من كان في شيء وقد فصلت به بينها وبين خبرها ولو قلت : كان في داره أبوه زيد صلح لأنك قدمت الخبر بهيئته وعلى جملته فصار مثل قولك : كان منطلقا زيد ومثل ذلك : كان زيدا أخواك يضربان هذا لا يجوز ، فإن قدمت : (يضربان زيدا) جاز وتجوز هذه المسألة إذا أضمرت في (كان) مجهولا وتقول : زيد كان منطلقا أبوه فزيد مبتدأ وما بعده خبر له وفي (كان) ضمير زيد وهو اسمها ومنطلقا أبوه (خبره) ، وإن شئت رفعت (أبا) ب (كان) وجعلت (منطلقا) خبره وتقول : زيد منطلقا أبوه كان تريد : زيد كان منطلقا أبوه مثل المسألة التي قبلها.

وقال قوم : أبوه قائم كان (زيد) خطأ ؛ لأن ما لا تعمل فيه (كان) لا يتقدم قبل (كان) والقياس ما خبرتك به إذ كان قولك : أبوه قائم في موضع قولك : (منطلقا) فهو بمنزلته فإذا لم

ص: 90

يصح سماع الشيء عن العرب لجىء فيه إلى القياس ولا يجيزون أيضا : كان أبوه قائم زيد.

وكان أبوه زيد أخوك ، وكان أبوه يقوم أخوك ، هذا خطأ عندهم لتقديم المكنى على الظاهر.

وهذا جائز عندنا لأنك تقدم المكنى على الظاهر في الحقيقة وقد مضى تفسير المكنى : أنه إذا كان في غير موضعه وتقدم جاز تقدمه ؛ لأن النية فيه أن يكون متأخرا والذي لا يجوز عندنا أن يكون قد وقع في موقعه وفي مرتبته فحينئذ لا يجوز أن ينوى به غير موضعه ولأصول التقديم والتأخير موضع يذكر فيه إن شاء الله ولا يحسن عندي أن تقول : (آكلا كان زيد طعامك (1)) من أجل أنك فرقت بين آكل وبين ما عمل فيه بعامل آخر ومع ذلك فيدخل لبس في بعض الكلام وإنما يحسن مثل هذا في الظروف نحو قولك : راغبا كان زيد فيك لإتساعهم في الظروف وأنهم جعلوا لها فضلا على غيرها في هذا المعنى ولا أجيز أيضا : آكلا كان زيد أبوه طعامك أريد به : كان زيد آكلا أبوه طعامك للعلّة التي ذكرت لك بل هو هاهنا أقبح لأنك فرقت بين (آكل) وبين ما أرتفع به وفي تلك المسألة إنما فرقت بينه وبين ما انتصب به والفاعل ملازم لا بد منه والمفعول فضلة وقوم لا يجيزون : كان خلفك أبوه زيد وهو جائز عندنا وقد مضى تفسيره ويقولون : لا يتقدم (كان) فعل ماض ولا مستقبل.

ص: 91


1- لا يجوز أن يلي الأفعال النّاقصة معمول خبرها إلّا إذا كان ظرفا أو جارّا ومجرورا سواء أتقدّم الخبر على الاسم أم لا (جمهور البصريين يمنعون مطلقا إلا في الظرف والمجرور لما في ذلك من الفصل بينها وبين اسمها بأجنبي منها ، والكوفيون يجيزون مطلقا ؛ لأن معمول معمولها في معنى معمولها ، وفصّل ابن السّرّاج والفارسيّ البصريان فأجازاه إن تقدّم وحده نحو" كان طعامك آكلا زيد" ؛ لأن المعمول من كمال الخبر ، ومنعوه إن تقدّم وحده نحو" كان طعامك زيد آكلا" إذ لا يفصل بين الفعل ومرفوعه بأجنبي ، واحتج الكوفيون بنحو قول الفرزدق : قنافذ هدّاجون حول بيوتهم بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا ووجه الحجّة أن" إياهم" معمول عوّد ، وعوّد خبر كان ، فقد ولي" كان" معمول خبرها وليس ظرفا ولا جارّا ولا مجرورا و" هدّاجون" من الهدجان وهي مشية الشّيخ و" عطيّة" أبو جرير ، وخرّج هذا البيت عن زيادة" كان" أو أنّ اسمها ضمير الشّأن ، و" عطيّة" مبتدأ و" عوّد" الجملة خبر) ، فلا تقول : " كان إيّاك علي مكرما" ولا" كان إيّاك مكرما عليّ" وتقول باتفاق النحاة" كان عندك عليّ جالسا" وكان في البيت أخوك نائما". انظر معجم القواعد العربية 8 / 23.

وما جاز أن يكون خبرا فالقياس لا يمنع من تقديمه إذا كانت الأخبار تقدم إلا أني لا أعلمه مسموعا من العرب ولا يتقدم خبر (ليس) قبلها لأنها لم تصرف تصرف (كان) لأنك لا تقول : منها يفعل ولا فاعل وقد شبهها بعض العرب ب (ما) فقال : ليس الطيب إلا المسك فرفع وهذا قليل فإذا أدخلت على (ليس) ألف الاستفهام كانت تقريرا ودخلها معنى الإيجاب فلم يجىء معها أحد ؛ لأن أحدا إنما يجوز مع حقيقة النفي لا تقول : أليس أحد في الدار ؛ لأن المعنى يؤول إلى قولك : أحد في الدار وأحد لا يستعمل في الواجب ولذلك لا يجوز أن تجيء إلا مع التقرير لا يجوز أن تقول فيها ؛ لأن المعنى يؤول إلى قولك : زيد إلا فيها وذا لا يكون كلاما وقد أدخلوا الباء في خبر (ليس) توكيدا للنفي تقول : ألست بزيد ولست بقائم (1) : وقالوا : أليس إنما قمت ولا يجيء (إنما) إلا مع إدخال الألف كذا حكى وتقول : ليس عبد الله بحسن ولا كريما فتعطف (كريما) على (بحسن) ؛ لأن موضعه نصب وإنما تدخل الباء هنا تأكيدا للنفي.

وتقول : ليس عبد الله بذاهب ولا خارج عمرو على أن تجعل عمرا (مبتدأ) وخارجا خبره ولك أن تنصب فتقول : ليس عبد الله بذاهب ولا خارجا عمرو على أنه معطوف على خبر (ليس) قبل الباء ولا يحسن ليس عبد الله بذاهب ولا خارج زيد فتجر بالباء ويرتفع زيد ب (ليس) لا يجوز هذا لأنك قد عطفت بالواو على عاملين وإنما تعطف حروف العطف على عامل واحد ولكن تقول : ليس زيد بخارج ولا ذاهب أخوه فتجري (ذاهبا) على (خارج) ، وترفع الأخ ب (ذاهب) ؛ لأنه ملبس ب (زيد) وهو من سببه فكأنك قلت : ليس زيد ذاهب ولا خارج ولو حملت (الأخ) على (ليس) لم يجز من أجل أنك تعطف على عاملين على (ليس) وهي

ص: 92


1- تزاد الباء بكثرة في خبر" ليس" نحو : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) (الآية : 36 سورة الزمر). وقد تزاد بقلّة بخبر كلّ ناسخ منفيّ كقول الشّنفرى : وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل انظر معجم القواعد العربية 9 / 23.

عاملة وعلى (الباء) وهي عاملة وقالوا : ما كان عبد الله ليقوم ولم يكن ليقوم فأدخلوا اللام مع النفي ولا يجوز هذا في أخوات (كان) ولا تقول : ما كان ليقوم وهذا يتبع فيه السماع.

واعلم أن خبر (كان) إذا كنيت عنه جاز أن يكون منفصلا ومتصلا والأصل أن يكون منفصلا إذ كان أصله أنه خبر مبتدأ تقول : كنت إياه وكان إياي هذا الوجه ؛ لأن خبرها خبر ابتداء وحقه الإنفصال ويجوز كأنني وكنته كقولك : (ضربني وضربته) لأنها متصرفة تصرف الفعل فالأول استحسن للمعنى والثاني لتقديم اللفظ قال أبو الأسود :

فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمه بلبانها (1)

و (لكان) ثلاثة مواضع :

الأول : التي يكون لها اسم وخبر.

الثاني : أن يكون بمعنى وقع وخلق فتكتفي بالاسم وحده ولا تحتاج إلى خبر ، وذلك قولك : أنا أعرفه مذ كان زيد أي : مذ خلق وقد كان الأمر أي : وقع وكذلك أمسى وأصبح تكون مرة بمنزلة (كان) التي لها خبر ومرة بمنزلة استيقظ ونام فتكون أفعالا تامة تدل على معان وأزمنة.

ولا ينكر أن يكون لفظ واحد لها معنيان وأكثر ، فإن ذلك في لغتهم كثير من ذلك قولهم وجدت عليه من الموجدة ووجدت ، يريدون وجدان الضالة وهذا أكثر من أن يذكر هنا.

الثالث : أن تكون توكيدا زائدة نحو قولك : زيد كان منطلق إنما معناه : زيد منطلق وجاز الغاؤها لاعتراضها بين المبتدأ والخبر.

ص: 93


1- قال الأشموني : و (في) هاء (كنته) وبابه (الخلف) الآتي ذكره (انتمى) أي انتسب و (كذاك) في هاء (خلتنيه) وما أشبهه من كل ثاني ضميرين أولهما أخص وغير مرفوع ، والعامل فيهما ناسخ للابتداء (واتّصالا أختار) في البابين ؛ لأنه الأصل ومن الاتصال في باب كان قوله صلّى الله عليه وسلّم في ابن صياد «إن يكنه فلن تسلط عليه ، وألا يكنه فلا خير لك في قتله» وقول الشاعر : فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه أخوها غذته أمه بلبانه انظر شرح الأشموني 1 / 57.
ذكر الضرب الثاني : وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال

فمن ذلك (ما) وهي تجري مجرى (ليس) في لغة أهل الحجاز شبهت بها في النفي خاصة لأنها نفي كما أنها نفي يقولون : ما عمرو منطلقا ، فإن خرج معنى الكلام إلى الإيجاب لم ينصبوا كقولك : ما زيد إلا منطلق ، وإن قدموا الخبر على الاسم رفعوا أيضا فقالوا : (ما منطلق زيد) فتجتمع اللغة الحجازية (1) والتميمية فيهما معا ؛ لأن بني تميم لا يعملونها في شيء ويدعون الكلام على ما كان عليه قبل النفي يعني الابتداء فإذا قلت : ما يقوم زيد فنفيت ما في الحال حسن.

فإن قلت : ما يقوم زيد غدا كان أقبح ؛ لأن هذا الموضع خصت به (لا) يعني نفي المستقبل.

ولو قلت : (ما قام زيد) كان حسنا كأنه قال : (قام) فقلت أنت : ما قام ، فإن أخرت فقلت : ما زيد قام أو يقوم كان حسنا أيضا وتقول : ما زيد بقائم فتدخل الباء كما أدخلتها في خبر (ليس) فيكون موضع (بقائم) نصبا ، فإن قدمت الخبر لم يجز لا تقول : ما بقائم زيد من أجل أن خبرها إذا كان منصوبا لم يتقدم والمجرور كالمنصوب ولو قلت : ما زيد بذاهب ولا بخارج أخوه : وأنت تريد أن تحمل (الأخ) على ما لم يكن كلاما ؛ لأن (ما) لا تعمل في الاسم إذا قدم خبره وتقول : ما كل يوم مقيم فيه زيد ذاهب فيه عمرة منطلقا فيه خالد تجعل (مقيما) صفة (ليوم) وذاهب فيه صفة (لكل) و (منطلقا) موضع الخبر هذا على لغة أهل الحجاز وتقول : ما كل ليلة مقيما فيها زيد ، وإذا قلت : ما طعامك زيد آكل وما فيك زيد راغب ترفع الخبر لا غير من أجل تقديم مفعوله فقد قدمته في التقدير ؛ لأن مرتبة العامل قبل المعمول فيه

ص: 94


1- " ما" الحجازية هي من المشبّهات ب" ليس" في النّفي وتعمل عملها وهو رأي البصريين (أما الكوفيون فلم يعملوها ، وما بعد ما عندهم مبتدأ والاسم بعده خبر ، كما أهملوا ليس حملا عليها ، فقالوا : ليس الطيب إلا المسك ، وأصلهم أن التميميين أهملوهما) وإنما سمّيت حجازيّة ؛ لأن الحجازيّين أعملوها ، في النّكرة ، والمعرفة ، وبلغتهم جاء التّنزيل قال تعالى : (ما هذا بَشَراً) (الآية : 31 سورة يوسف) ، (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) (الآية : 3 سورة المجادلة). انظر معجم القواعد العربية 8 / 25.

ملفوظا به أو مقدرا وقوم يجيزون إدخال الباء في هذه المسألة فيقولون : ما طعامك زيد بآكل وما فيك زيد براغب ، إلا أنهم يرفعون الخبر إذا لم تدخل الباء ولا يجيزون نصب الخبر في هذه المسألة.

وتقول : ما زيد قائما بل قاعد لا غير ؛ لأن النفي نصبه ومن أجل النفي شبهت (ما) بليس فلا يكون بعد التحقيق إلا رفعا وتقول زيد ما قام وزيد ما يقوم ولا يجوز : زيد ما قائما ولا زيد ما قائم ولا زيد ما خلفك حتى تقول : ما هو قائما وهو خلفك ؛ لأن (ما) حقها أن يستأنف بها ولا يجوز أن تضمر فيها إذ كانت حرفا ليس بفعل وإنما يضمر في الأفعال ولا يجوز : طعامك ما زيد آكل أبوه على ما فسرت لك وقد حكي عن بعض من تقدم من الكوفيين إجازته ويجوز إدخال من على الاسم الذي بعدها إذا كان نكرة تقول : ما من أحد في الدار وما من رجل فيها.

ويجوز أن تقول : ما من رجل غيرك وغيرك بالرفع والجر ويكون موضع رجل رفعا قال الله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : 59] وغيره على المعنى وعلى اللفظ وإنما تدخل (من) في هذا الموضع لتدل على أنه قد نفى كل رجل وكل أحد (1).

ص: 95


1- شروط إعمال ما الحجازية أربعة شروط : (أحدها) ألا يقترن اسمها ب" إن" الزّائدة وإلّا بطل عملها كقوله : بني غدانة ما إن أنتم ذهب ولا صريف ولكن أنتم خزف (برفع" ذهب" على الإهمال ، ورواية ابن السكيت" ذهبا" بالنصب ، وتخرّج على أن" إن" النّافية مؤكدة ل" ما" لا زائدة ، و" غدانة" هي من يربوع ، " الصّريف" الفضة الخالصة" الخزف" كلّ ما عمل من طين وشوي بالنّار حتى يكون فخارا). (الثاني) ألّا ينقض نفي خبرها ب" إلّا" ولذلك وجب الرفع في قوله تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (الآية : 50 سورة القمر) ، (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) (الآية : 144 سورة آل عمران) ، (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) (الآية : 15 سورة يس) فأمّا قوله : وما الدّهر إلا منجنونا بأهله وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا ("المنجنون" الدّولاب التي يستقى بها الماء والمعنى : وما الزّمان بأهله إلا كالدولاب تارة يرفع وتارة يضع). فمن باب المفعول المطلق المحذوف عامله ، على حدّ قولك" ما محمّد إلّا سيرا" أي يسير سيرا والتقدير في البيت : ما الدّهر إلّا يدور دوران منجنون بأهله وما صاحب الحاجات إلا يعذّب تعذيبا وأجاز يونس النصب بعد الإيجاب مطلقا وهذا البيت يشهد له (وعند الفراء يجوز النصب بعد الإيجاب إذا كان الخبر وصفا). ولأجل هذا الشّرط وجب الرّفع بعد" بل ولكن" في نحو" ما هشام مسافرا بل مقيم" أو" لكن مقيم" على أنه خبر لمبتدأ محذوف ولم يجز نصبه بالعطف ؛ لأنه موجب. (الثالث) ألّا يتقدّم الخبر على الاسم ، وإن كان جارّا ومجرورا ، فإن تقدّم بطل كقولهم" ما مسيء من أعتب" (ف" مسيء" خبر مقدم و" من" مبتدأ مؤخر ، وحكى الجرمي" ما مسيئا من أعتب" على الإعمال وقال : إنه لغة ، والمعتب : الذي عاد إلى مسرّتك بعد ما ساءك). وقول الشاعر : وما خذّل قومي فأخضع للعدى ولكن إذا أدعوهم فهم هم (خذل : جمع خاذل ، خبر مقدم و" قومي" مبتدأ مؤخر). قال سيبويه : وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق : فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر بنصب" مثلهم" مع تقجمه ، فقال سيبويه : وهذا لا يكاد يعرف ، على أن الفرزدق تميمي يرفعه مؤخّرا فكيف إذا تقدّم ،. (الرابع) ألّا يتقدّم معمول خبرها على اسمها ، فإن تقدّم بطل عملها كقول مزاحم العقيلي : وقالوا تعرّفها المنازل من منى وما كلّ من وافى منى أنا عارف ("تعرّفها" يقال : تعرّفت ما عند فلان : أي تطلبت حتى عرفت ، "المنازل" مفعول فيه ، أو منصوب بنزع الخافص ، و "كل" مفعول"عارف". فبطل عمل "ما" لبقدم معمول الخبر على الاسم ف- "أنا عارف" مبتدأ وخبره). إلّا إن كان المعمول ظرفا أو مجرورا فيجوز عملها كقول الشاعر : بأهبة حزم لذ ، وإن كنت آمنا فما كلّ حين من توالي مواليا (ف- "ما" نافية حجازية "من توالي" اسم موصول اسمها "مواليا" خبرها منصوب " كل حين" ظرف زمان منصوب ب "مواليا"). والأصل : فما من توالي مواليا كلّ حين.

ص: 96

ولو قلت : ما رجل في الدار لجاز أن يكون فيها رجلان وأكثر ، وإذا قلت : ما من في الدار لم يجز أن يكون فيها أحد البتة.

وقال الأخفش : إن شئت قلت وهو رديء : ما ذاهبا إلا أخوك وما ذاهبا إلا جاريتك تريد : ما أحد ذاهبا وهذا رديء لا يحذف (أحد) وما أشبهه حتى يكون معه كلام نحو : ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا وكذا و (مات) في موضع نصب على مفعول (ما) في لغة أهل الحجاز.

وفي كتاب الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : 159] والمعنى : ما من أهل الكتاب أحد (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : 71] أي : وإن أحد منكم ومعنى :

(إن) معنى : (ما) فقد بان أن في (ما) ثلاث لغات : ما زيد قائما وما زيد بقائم وما زيد قائم والقرآن جاء بالنصب وبالباء ومما شبه من الحروف ب (ليس) (لات) شبهها بها أهل الحجاز ، وذلك مع الحين خاصة قال الله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : 3].

قال سيبويه : تضمر فيها مرفوعا قال : نظير (لات) في أنه لا يكون إلا مضمرا فيها (ليس) و (لا يكون) في الاستثناء إذا قلت : أتوني ليس زيدا ولا يكون بشرا قال : وليست لات ك- (ليس) في المخاطبة والإخبار عن غائب تقول : لست وليسوا وعبد الله ليس منطلقا ولا تقول : عبد الله لات منطلقا ولا قومك لاتوا منطلقين.

قال : وزعموا : أن بعضهم قرأ : (ولات حين مناص) وهو عيسى بن عمر وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعيد بن مالك :

من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح

فجعلها بمنزلة (ليس) قال : و (لات) بمنزلة (لا) في هذا الموضع في الرفع ولا يجاوز بها الحين يعني : إذا رفعت ما بعدها تشبيها (بليس) فلم يجاوز بها الحين أيضا وأنها لا تعمل إلا في (الحين) رفعت أو نصبت وقال الأخفش الصغير أبو الحسن سعيد بن مسعدة : إنها لا تعمل في القياس شيئا.

ص: 97

قال أبو بكر : والذي قال سيبويه : أنه يضمر في (لات (1)) إن كان يريد أن يضمر فيها كما يضمر في الأفعال فلا يجوز لأنها حرف من الحروف والحروف لا يضمر فيها ، وإن كان يريد أنه حذف الاسم بعدها وأضمره المتكلم كما فعل في قوله في (ما) ما منهما مات أراد (أحدا) فحذف وهو يريده فجائز.

وقوم يدخلون في باب (كان) عودة الفعل كقولك : لأن ضربته لتضربنه السيد الشريف وقولك : عهدي بزيد قائما وهذا يذكر مع المحذوف والمحذوفات ومما شبه ايضا بالفاعل في اللفظ أخبار الحروف التي تدخل على المبتدأ وخبره فتنصب الاسم وترفع الخبر وهي إن وأخواتها وسنذكرها مع ما ينصب وهذه الحروف أعني (إن واخواتها) خولف بين عملها وبين عمل الفعل بأن قدم فيها المنصوب على المرفوع.

وإنما أعملوا (ما) على (ليس) ؛ لأن معناها معنى ليس لأنها نفي كما أنها نفى ومع ذلك فليس كل العرب يعملها عمل (ليس) إنما روي ذلك عن أهل الحجاز وكان حق (ما) أن لا تعمل شيئا إذ كانت تدخل على الأسماء والأفعال ورأيناهم إنما أعملوا من الحروف في الأسماء ما لا يدخل على الأفعال وأعملوا منها في الأفعال ما لا يدخل على الأسماء.

فأما ما يدخل على الأسماء والأفعال منها فألغوه من العمل وقد بين هذا فيما مضى وإذ قد ذكرنا ما يرتفع من الأسماء فكان ما يرتفع منها بأنه مبتدأ وخبر ومبتدأ معنيان فقط لا يتشعب منهما فنون كما عرض في الفعل أن منه متصرفا أو غير متصرف ومنه أسماء شبهت بالفعل وقد ذكرنا الفعل المتصرف فلنذكر الفعل الذي هو غير متصرف ثم نتبعه بالأسماء إن شاء الله.

ص: 98


1- هذه هي أحد أقسام اسم ما حمل على ليس وهي أربعة لات في لغة الجمع ولا تعمل إلا في الحين بكثرة أو السّاعة أو الأوان بقلة ولا يجمع بين جزءيها والأكثر كون المحذوف اسمها نحو (ولات حين مناص) وما ولا النّافيتان في لغة الحجاز ، وإن النّافية في لغة أهل العالية وشرط إعمالهنّ نفي الخبر وتأخيره وأن لا يليهنّ معموله وليس ظرفا ولا مجرورا وتنكير معمولي لا وأن لا يقترن اسم ما بإن الزّائدة نحو (ما هذا بشرا) و (ولا وزر ممّا قضى الله واقيا ...) ، وإن ذلك نافعك ولا ضارّك. انظر شرح شذور الذهب 1 / 251.

ذكر الفعل الذي لا يتصرف

اشارة

اعلم أن كل فعل لزم بناء واحدا فهو غير متصرف.

وقد ذكرت أن التصرف : أن يقال فيه فعل يفعل ويدخله تصاريف الفعل.

وغير المتصرف : ما لم يكن كذلك فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناء واحدا فعل التعجب نحو : ما أحسن زيدا وأكرم بعمرو. والفعلان المبنيان للحمد والذم وهما نعم وبئس.

فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل.

ص: 99

شرح التعجب
اشارة

فعل التعجب (1) على ضربين وهو منقول من بنات الثلاثة إما إلى أفعل ويبنى على الفتح ؛ لأنه ماض وإما إلى أفعل به ويبنى على الوقف ؛ لأنه على لفظ الأمر.

فأما الضرب الأول : وهو أفعل يا هذا فلا بد من أن تلزمه (ما) تقول : ما أحسن زيدا وما أجمل خالدا وإنما لزم فعل التعجب لفظا واحدا.

ولم يصرف ليدل على التعجب ولو لا ذلك لكان كسائر الأخبار ؛ لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب فإذا قلت : ما أحسن زيدا ف- (ما) اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل وزيد مفعول به و (ما) هنا اسم تام غير موصول فكأنك قلت : شيء حسن زيدا ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا : شيء جاءك أي : ما جاءك إلا شيء وكذلك : شر أهر ذا ناب أي : ما أهره إلا شر ونظير ذلك إني مما أن أفعل يريد : أني من الأمر أن أفعل فلما كان الأمر مجهولا جعلت (ما) بغير صلة ولو وصلت لصار الاسم معلوما وإنما لزمه الفعل الماضي وحده ؛ لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون وإنما جاء هذا الفعل على (أفعل) نحو : أحسن وأجمل ؛ لأن فعل التعجب إنما يكون مفعولا من بنات الثلاثة فقط نحو : ضرب وعلم ومكث : لا يجوز غير ذلك نحو : ضرب زيد ثم تقول : ما أضربه وعلم ثم تقول :

ص: 100


1- 1 - تعريفه : هو انفعال في النّفس عند شعورها بما يخفى سبيه فإذا ظهر السّبب بطل العجب. 2 - صيغ التّعجب : للتّعجب صيغ كثيرة ، منها قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (الآية : 28 سورة البقرة) وفي الحديث : (سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس). ومن كلام العرب" لله درّه فارسا" والمبوّب له في كتب العربيّة صيغتان لا غير ولا تتصرّفان : " ما أفعله ، وأفعل به". لاطّرادهما فيه نحو" ما أجمل الصّدق" و" أكرم بصاحبه". وبناؤه أبدا - كما يقول سيبويه - من" فعل" و" فعل" و" فعل" و" أفعل". انظر معجم القواعد العربية 4 / 34.

ما أعلمه ومكث ثم تقول : ما أمكثه فتنقله من فعل أو فعل أو فعل إلى (أفعل يا هذا) كما كنت تفعل هذا في غير التعجب ألا ترى أنك تقول : حسن زيد فإذا أخبرت أن فاعلا فعل ذلك به قلت : حسن الله زيدا فصار الفاعل مفعولا وقد بينت لك كيف ينقل (فعل) إلى (فعل) فيما مضى ، وإذا قلت : ما أحسن زيدا (1) كان الأصل حسن زيد ثم نقلناه إلى (فعل) فقلنا : شيء أحسن زيدا وجعلنا (ما) موضع شيء ولزم لفظا واحدا ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال ، فإن قال قائل فقد قالوا : ما أعطاه وهو من (أعطى يعطي) وما أولاه بالخير ، قيل : هذا على حذف الزوائد ؛ لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش : إذا قلت : ما أحسن زيدا ف- (ما) : في موضع الذي وأحسن : زيدا صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك : حسبك ؛ لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر وقد طعن على هذا القول : بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها وهذا الباب عندي يضارع باب (كان وأخواتها) من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئا غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه بجانب باب (كان وأخواتها) إذ كان (باب كان) الفاعل فيه هو المفعول.

فإن قال قائل : فما بال هذه الأفعال تصغر نحو : ما أميلحه وأحيسنه والفعل لا يصغر فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما لزمت موضعا واحدا ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى (يفعل) وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر ونظير ذلك : دخول ألفات الوصل

ص: 101


1- قال ابن عقيل : للتعجب صيغتان إحداهما ما أفعله والثانية أفعل به وإليهما أشار المصنف بالبيت الأول أي أنطق بأفعل بعد ما للتعجب نحو ما أحسن زيدا وما أوفى خليلينا أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا نحو أحسن بالزيدين وأصدق بهما فما مبتدأ وهي نكرة تامة عند سيبويه وأحسن فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على ما وزيدا مفعول أحسن والجملة خبر عن ما والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وكذلك ما أوفى خليلينا وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء والباء زائدة واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله وعلى فعلية أفعل بدخول نون التوكيد عليه. انظر شرح ابن عقيل 3 / 148.

في الأسماء نحو : ابن واسم وامريء وما أشبهه لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال والأفعال مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله.

وقولك : ما أحسنني يعلمك أنه فعل ولو كان اسما لكان ما أحسنني مثل ضاربي ألا ترى أنك لا تقول : ضاربني.

والضرب الثاني من التعجب : يا زيد أكرم بعمرو (1) ويا هند أكرم بعمرو ويا رجلان أكرم بعمرو ويا هندان أكرم بعمرو وكذلك جماعة الرجال والنساء قال الله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : 38]. وإنما المعنى : ما أسمعهم وأبصرهم وما أكرمه ولست تأمرهم أن يصنعوا به شيئا فتثنيّ وتجمع وتؤنث وأفعل هو (فعل) لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره ومعناه إذا قلت : أكرم بزيد وأحسن بزيد كرم زيد جدا وحسن زيد جدا.

فقوله : بعمرو في موضع رفع كما قالوا : كفى بالله والمعنى : كفى الله ؛ لأنه لا فعل إلا بفاعل وزيد فاعله إذا قلت : أكرم بزيد ؛ لأن زيدا هو الذي كرم وإنما لزمت الباء هنا الفاعل لمعنى التعجب وليخالف لفظه لفظ سائر الأخبار ، فإن قال قائل : كيف صار هنا فاعلا وهو في قولك : ما أكرم زيدا مفعول قلنا : قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئا غير المفعول ألا ترى أنك لو قلت : ما أحسن زيدا فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره : قلت على ما قلناه :شيء حسن زيدا ، وذلك الشيء الذي حسن زيدا ليس هو شيئا غير زيد ؛ لأن الحسن لو حل في

ص: 102


1- المصنف بالبيت الأول أي أنطق بأفعل بعد ما للتعجب نحو ما أحسن زيدا وما أوفى خليلينا أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا نحو أحسن بالزيدين وأصدق بهما فما مبتدأ وهي نكرة تامة عند سيبويه وأحسن فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على ما وزيدا مفعول أحسن والجملة خبر عن ما والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وكذلك ما أوفى خليلينا وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء والباء زائدة واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله وعلى فعلية أفعل بدخول نون التوكيد عليه. انظر معجم القواعد العربية 4 / 34.

غيره لم يحسن هو به فكأن ذلك الشيء مثلا وجهه أو عينه وإنما مثلت لك بوجهه وعينه تمثيلا ولا يجوز التخصيص في هذا الباب لأنك لو خصصت شيئا لزال التعجب ؛ لأنه إنما يراد به أن شيئا قد فعل فيه هذا وخالطه لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه.

والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم وفي النفوس أعظم.

واعلم أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين (1) :

الضرب الأول : الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب.

الضرب الآخر : ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلا أو غير أصل.

ص: 103


1- لا يصاغ فعلا التّعجّب إلّا ممّا استكمل ثمانية شروط : (الأوّل) أن يكون فعلا فلا يقال : ما أحمره : من الحمار ؛ لأنه ليس بفعل. (الثاني) أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج إلّا" أفعل" فيجوز مطلقا (عند سيبويه). وقيل يمتنع مطلقا ، وقال يجوز إن كانت الهمزة لغير نقل (المراد بالنقل : نقل الفعل من اللزوم إلى التعدي ، أو من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين ، أو من التعدي لاثنين إلى التعدي لثلاثة وذلك بأن وضع الفعل على همزة). نحو" ما أظلم هذا الليل" و" ما أقفر هذا المكان". (الثّالث) أن يكون متصرّفا ، فلا يبنيان من" نعم" و" بئس" وغيرهما ممّا لا يتصرّف. (الرابع) أن يكون معناه قابلا للتّفاضل ، فلا يبنيان من فني ومات. (الخامس) أن يكون تامّا ، فلا يبنيان من ناقص من نحو" كان وظلّ وبات وصار". (السادس) أن يكونض مثبتا ، فلا يبنيان من منفيّ ، سواء أكان ملازما للنّفي ، نحو" ما عاج بالدّواء" أي ما انتفع به ، أم غير ملازم ك" ما قام". (السابع) أن لا يكون اسم فاعله على" أفعل فعلاء" فلا يبنيان من : " عرج وشهل وخضر الزّرع" ؛ لأن اسم الفاعل من عرج" أعرج" ومؤنثه" عرجاء" وهكذا باقي الأمثلة. (الثامن) أن لا يكون مبنيّا للمفعول فلا ينيان من نحو" ضرب" وبعضهم ويستثني ما كان ملازما لصيغة" فعل" نحو" عنيت بحاجتك" و" زهي علينا" فيجيز" ما اعناه بحاجتك" و" ما أزهاه علينا". انظر معجم القواعد العربية 4 / 34.

فأما الألوان والعيوب فنحو : الأحمر والأصفر والأعور والأحول وما أشبه ذلك لا تقول فيه : ما أحمره ولا ما أعوره.

قال الخليل رحمه الله : وذلك أنه ما كان من هذا لونا أو عيبا فقد ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس ونحو ذلك فلا تقل فيه : ما أفعله كما لم تقل ما أيداه وما أرجله إنما تقول : ما أشد يده وما أشد رجله وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا : إن الفعل منه على أفعل وإفعال نحو : أحمر وإحمار وأعور وإعوار وأحول وإحوال ، فإن قال قائل : فأنت تقول : قد عورت عينه وحولت : فقل على هذا : ما أعوره وما أحوله ، فإن ذلك غير جائز ؛ لأن هذا منقول من (أفعل) والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت : عورت عينه وحولت ولو كان غير منقول لكان : حالت وعارت وهذا يبين في بابه إن شاء الله.

وأما الضرب الثاني : وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو : دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن اغدودن الشعر : إذا تم وطال وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة فهذا حكمه وإنما جاز : ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة.

فإن قلت في (افتقر) : ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى (فقر) جاز وكذلك كل ما كان مثله مما جاء اسم الفاعل منه على (فعيل) ألا ترى أنك تقول : رجل فقير وإنما جئت به على (فقر) كما تقول : كرم فهو كريم وظرف فهو ظريف ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك واعلم أن كل ما قلت فيه : ما أفعله قلت فيه : أفعل به وهذا أفعل من هذا وما لم تقل فيه : ما أفعله لم تقل فيه : هذا أفعل من هذا ولا : أفعل به تقول : زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد كما تقول : ما أفضله وتقول : ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا :أشدد ببياض زيد وزيد أشد بياضا من فلان وهذا كله مجراه واحد ؛ لأن معناه المبالغة والتفضيل (1) وقد أنشد بعض الناس :

ص: 104


1- قال ابن عقيل : (ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب) يعني أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه وبأشد ونحوه وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد أفعل مفعولا ويجر بعد أفعل بالباء فتقول ما أشد دحرجته واستخراجه وأشدد بدحرجته واستخراجه وما أقبح عوره وأقبح بعوره وما أشد حمرته وأشدد بحمرته : وبالندور أحكم لغير ما ذكر ولا تقس على الذي منه أثر يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره ولا يقاس على ما سمع منه كقولهم ما أخصره من اختصر فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول وكقولهم ما أحمقه فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل نحو حمق فهو أحمق وقولهم ما أعساه وأعس به فبنوا أفعل وأفعل به من عسى وهو فعل غير متصرف. انظر شرح ابن عقيل 3 / 155.

يا ليتني مثلك في البياض

أبيض من أخت بني إباض

قال أبو العباس : هذا معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو ومن لا حجة معه وتأويل هذا وما أشبهه في الإعراب كتأويل ضعفه أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه.

فإن قال قائل فقد جاء في القرآن : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء : 72]؟قيل له : في هذا جوابان :

أحدهما : أن يكون من عمى القلب وإليه ينسب أكثر الضلال ، فعلى هذا تقول : ما أعماه ، كما تقول : ما أحمقه.

الوجه الآخر : أن يكون من عمى العين ، فيكون قوله : (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) لا يراد به : أنه أعمى من كذا وكذا ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا.

وكل فعل مزيد لا يتعب منه نحو قولك : ما أموته لمن مات إلا أن تريد : ما أموت قلبه فذلك جائز.

ص: 105

مسائل من هذا الباب

تقول : ما أحسن وأجمل زيدا إن نصبت (زيدا) ب (أجمل) ، فإن نصبته ب (أحسن) قلت : ما أحسن وأجمله زيدا تريد : ما أحسن زيدا وأجمله.

وعلى هذا مذهب إعمال الفعل الأول (1) وكذلك : ما أحسن وأجملهما أخويك وما أحسن وأجملهم أخوتك فهذا يبين لك أن أحسن وأجمل وما أشبه ذلك أفعال.

وتقول : ما أحسن ما كان زيد فالرفع الوجه و (ما) الثانية في موضع نصب بالتعجب وتقدير ذلك : ما أحسن كون زيد.

تكون (ما) مع الفعل مصدرا إذا وصلت به كما تقول : ما أحسن ما صنع زيد أي : ما أحسن صنيع زيد و (صنع زيد) من صلة (ما) وتقول : ما كان أحسن زيداص وما كان أظرف أباك فتدخل (كان) ليعلم : أن ذلك وقع فيما مضى كما تقول : من كان ضرب زيدا تريد : من ضرب زيدا (ومن كان يكلمك) تريد : من يكلمك.

(فكان) تدخل في هذه المواضع ، وإن ألغيت في الإعراب لمعناها في المستقبل والماضي من عبارة الأفعال.

وقد أجاز قوم من النحويين : ما أصبح أبردها (2) وما أمسى أدفاها واحتجوا بأن : (أصبح وأمسى) من باب (كان) فهذا عندي : غير جائز ويفسد تشبيههم ما ظنوه : أن أمسى وأصبح

ص: 106


1- أي أن الفعل الذي عمل في النصب في هذه الحالة هو الفعل الأول لتقدمه.
2- قال الأشموني : أفهم أيضا تخصيص الحكم بها أن غيرها من أخواتها لا يزاد ، وهو كذلك إلا ما شذ من قولهم : ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها. روى ذلك الكوفيون. وأجاز أبو علي زيادة أصبح وأمسى في قوله : عدوّ عينيك وشانيهما أصبح مشغول بمشغول وقوله : أعاذل قولي ما هويت فأوّبي كثيرا أرى أمسى لديك ذنوبي وأجاز بعضهم زيادة سائر أفعال الباب إذا لم ينقص المعنى. انظر شرح الأشموني 1 / 123.

أزمنة مؤقتة و (كان) ليست مؤقتة ولو جاز هذا في أصبح وأمسى لأنهما من باب (كان) لجاز ذلك في (أضحى) و (صار) و (ما زال) ولو قلت : ما أحسن عندك زيدا وما أجمل اليوم عبد الله لقبح ؛ لأن هذا الفعل لما لم يتصرف ولزم طريقة واحدة صار حكمه حكم الأسماء فيصغر تصغير الأسماء ويصحح المعتل منه تصحيح الأسماء تقول : ما أقوم زيدا وما أبيعه شبهوه بالأسماء ألا ترى أنك تقول في الفعل : أقام عبد الله زيدا ، فإن كان اسما قلت : هذا أقوم من هذا.

وتقول : ما أحسن ما كان زيد وأجمله وما أحسن ما كانت هند وأجمله ؛ لأن المعنى ما أحسن كون هند وأجمله فالهاء للكون ولو قلت : وأجملها لجاز على أن تجعل ذلك لها.

وإذا قلت : ما أحسن زيدا فرددت الفعل إلى (نفسك) قلت : ما أحسنني ؛ لأن (أحسن) فعل.

وظهر المفعول بعده بالنون والياء ولا يجوز : ما أحسن رجلا ؛ لأنه لا فائدة فيه ولو قلت : ما أحسن زيدا ورجلا معه جاز ولو لا قولك : (معه) لم يكن في الكلام فائدة وتقول : ما أقبح بالرجل أن يفعل كذا وكذا فالرجل شائع وليس التعجب منه ، إنما التعجب من قولك : أن يفعل كذا وكذا (1).

ولو قلت : ما أحسن رجلا إذا طلب ما عنده أعطاه كان هذا الكلام جائزا ولكن التعجب وقع على رجل وإنما تريد التعجب من فعله.

وإنما جاز ذلك ؛ لأن فعله به كان وهو المحمود عليه في الحقيقة والمذموم ، وإذا قلت : ما أكثر هبتك الدنانير وإطعامك للمساكين لكان حق هذا التعجب أن يكون قد وقع من الفعل والمفعول به ؛ لأن فعل التعجب للكثرة والتعظيم ، فإن أردت : أنّ هبته وإطعامه كثيران إلا أن الدنانير التي يهبها قليلة والمساكين الذين يطعمهم قليل جاز ووجه الكلام الأول. ولا يجوز أن تقول : ما أحسن في الدار زيدا وما أقبح عندك زيدا ؛ لأن فعل للتعجب لا يتصرف وقد مضى

ص: 107


1- أي أن التعجب واقع من فعل الرجل ، أو المفعول.

هذا ولا يجوز : ما أحسن ما ليس زيدا. ولا ما أحسن ما زال زيد ، كما جاز لك ذلك في (كان) ولكن يجوز : ما أحسن ما ليس يذكرك زيد وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد وهذا مذهب البغداديين.

ولا يجوز أن يتعدى فعل التعجب إلا إلى الذي هو فاعله في الحقيقة تقول : ما أضرب زيدا فزيد في الحقيقة هو الضارب ولا يجوز أن تقول : ما أضرب زيدا عمرا ولكن لك أن تدخل اللام فتقول : ما أضرب زيدا لعمرو.

وفعل التعجب نظير قولك : هو أفعل من كذا. فما جاز فيه جاز فيه. وقد ذكرت هذا قبل وإنما أعدته ؛ لأنه به يسير هذا الباب ويعتبر.

ولا يجوز عندي أن يشتق فعل التعجب من (كان) التي هي عبارة عن الزمان فإذا اشتققت من (كان) التي هي بمعنى (خلق ووقع) جاز وقوم يجيزون : ما أكون زيدا قائما ؛ لأنه يقع في موضعه المستقبل والصفات ويعنون بالصفات (في الدار) وما أشبه ذلك من الظروف ويجيزون ما أظنني لزيد قائما ويقوم ولا يجيزون (قام) ؛ لأنه قد مضى فهذا يدلك على أنهم إنما أرادوا (بقائم) ويقوم الحال.

وتقول : أشدد به (1) ولا يجوز الإدغام وكذلك : أجود به وأطيب به ؛ لأنه مضارع للأسماء.

وقد أجاز بعضهم : ما أعلمني بأنك قائم وأنك قائم أجاز إدخال الباء وإخراجها مع (أن) وقال قوم : لا يتعجب مما فيه الألف واللام إلا أن يكون بتأويل جنس.

لا تقول : ما أحسن الرجل ، فإن قلت : ما أهيب الأسد جاز والذي أقول أنا في هذا : إنه إذا عرف الذي يشار إليه فالتعجب جائز.

ص: 108


1- إن فقد فعل أحد شروط التعجب ، استعنّا على التّعجّب وجوبا ب" أشدّ أو أشدد" وشبههما ، فتقول في التّعجّب من الزائد على ثلاثة" أشدد أو أعظم بهما" وكذا المنفيّ والمبنيّ للمفعول ، إلّا أنّ مصدرها يكون مؤوّلا لا صريحا نحو" ما أكثر أن لا يقوم" و" ما أعظم ما ضرب" وأشدد بهما. انظر معجم القواعد العربية 4 / 37.

ولا يعمل فعل التعجب في مصدره وكذلك : أفعل منك لا تقول : عبد الله أفضل منك فضلا وتقول : ما أحسنك وجها وأنظفك ثوبا لأنك تقول : هو أحسن منك وجها وأنظف منك ثوبا.

وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة مستعملة في حال التعجب فمن ذلك : ما أنت من رجل! تعجب ، وسبحان الله! ولا إله إلا الله! وكاليوم رجلا! وسبحان الله رجلا! ومن رجل! والعظمة لله من رب! وكفاك بزيد رجلا!.

وحسبك بزيد رجلا! ومن رجل! تعجب ، والباء دخلت دليل التعجب ولك أن تسقطها وترفع وقال قوم : إن أكثر الكلام : أعجب لزيد رجلا و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : 1].

وإذا قلت : لله درك من رجل! ورجلا! كان إدخالها وإخراجها واحدا.

قالوا : إذا قلت : إنك من رجل لعالم! لم تسقط (من) لأنها دليل التعجب.

وإذا قلت : ويل أمه رجلا! ومن رجل! فهو تعجب.

وربما تعجبوا بالنداء تقول : يا طيبك من ليلة! ويا حسنه رجلا! ومن رجل!.

ومن ذلك قولهم : يا لك فارسا! ويا لكما! ويا للمرء!.

ولهذا موضع يذكر فيه.

ومن ذلك قولهم : كرما وصلفا!

قال سيبويه : كأنه يقول ألزمك الله كرما وأدام الله لك كرما وألزمت صلفا.

ولكنهم حذفوا الفعل هاهنا ؛ لأنه صار بدلا من قولك : أكرم به وأصلف به.

ص: 109

باب : (نعم وبئس)
اشارة

نعم وبئس (1) فعلان ماضيان كان أصلهما نعم وبئس فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق وهما : العين في (نعم) والهمزة في (بئس) فصار : نعم وبئس كما تقول : شهد فتكسر الشين من أجل إنكسار الهاء ثم أسكنوا لها العين من (نعم) والهمزة من (بئس) كما يسكنون الهاء من شهد فيقولون شهد فقالوا : نعم وبئس ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات وكسر الفاء لها والتسكين لعين الفعل موضع آخر ففي نعم أربع لغات : نعم ونعم ونعم ونعم فنعم وبئس وما كان في معناهما إنما يقع للجنس ويجيئان لحمد وذم وهما يشبهان التعجب في المعنى وترك التصرف وهما يجيئان على ضربين : فضرب : يرفع الأسماء الظاهرة المعرفة بالألف واللام على معنى الجنس ثم يذكر بعد ذلك الاسم المحمود أو المذموم.

الضرب الثاني : أن تضمر فيها المرفوع وهو اسم الفاعل وتفسره بنكرة منصوبة.

ص: 110


1- (فعلان غير متصرّفين نعم وبئس) عند البصريين والكسائي بدليل فبها ونعمت ، واسمان عند الكوفيين بدليل ما هي بنعم الولد ، ونعم السير على بئس العير. وقوله : صبّحك الله بخير باكر بنعم طير وشباب فاخر وقال الأولون هو مثل قوله : عمرك ما ليلي بنام صاحبه وسبب عدم تصرفهما لزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة وأصلهما فعل. وقد يردان كذلك أو بسكون العين وفتح الفاء وكسرها أو بكسرهما. وكذلك كل ذي عين حلقية من فعل فعلا كان كشهد أو اسما كفخذ. وقد يقال في بئس بيس (رافعان اسمين) على الفاعلية (مقارني أل) نحو نعم العبد وبئس الشراب (أو مضافين لما قارنها كنعم عقبى الكرما) (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل : 30) ، وبئس (مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (غافر :76) ، أو مضافين لمضاف لما قارنها كقوله : فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 169

أما الظاهر فنحو قولك : نعم الرجل زيدا وبئس الرجل عبد الله ونعم الدار دارك فارتفع الرجل والدار بنعم وبئس لأنهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما.

أما زيد : فإن رفعه على ضربين :

أحدهما : أنك لما قلت : نعم الرجل فكأن معناه محمود في الرجال وقلت : زيد ليعلم من الذي أثنى عليه فكأنه قيل لك : من هذا المحمود قلت : هو زيد.

والوجه الآخر : أن تكون أردت التقديم فأخرته فيكون حينئذ مرفوعا بالابتداء ويكون (نعم) وما عملت فيه خبره وليس الرجل في هذا الباب واحدا بعينه إنما هو كما تقول : أنا أفرق الأسد والذئب لست تريد واحدا منهما بعينه إنما تريد : هذين الجنسين.

قال الله تعالى : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) فهذا واقع على الجنسين يبين ذلك قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سورة العصر].

وما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام ، وذلك قولك : نعم أخو العشيرة أنت وبئس صاحب الدار عبد الله ويجوز : نعم القائم أنت ونعم الضارب زيدا أنت ولا يجوز : نعم الذي (1) قام أنت ولا نعم الذي ضرب زيدا أنت من أجل أن الذي بصلته مقصود إليه بعينه.

قال أبو العباس رحمه الله : فإن جاءت بمعنى الجنس كقوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [الزمر : 33] ، فإن نعم وبئس تدخلان على (الذي) في هذا المعنى والمذهب.

فهذا الذي قاله قياس إلا أني وجدت جميع ما تدخل عليه نعم وبئس فترفعه وفيه الألف واللام فله نكرة تنصبه نعم وبئس إذا فقد المرفوع و (الذي) ليست لها نكرة البتة تنصبها.

ص: 111


1- أجاز المبرد والفارسي إسناد نعم وبئس إلى الذي نحو نعم الذي آمن زيد كما يسندان إلى ما فيه أل الجنسية ، ومنع ذلك الكوفيون وجماعة من البصريين وهو القياس ؛ لأن كل ما كان فاعلا لنعم وبئس وكان فيه أل كان مفسرا للضمير المستتر فيهما إذا نزعت منه ، والذي ليس كذلك قال في شرح التسهيل ولا ينبغي أن يمنع ؛ لأن الذي جعل بمنزلة الفاعل ولذلك اطرد الوصف به. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 171.

ولا يجوز أن تقول : زيد نعم الرجل والرجل غير زيد ؛ لأنه خبر عنه وليس هذا بمنزلة قولك : زيد قام الرجل ؛ لأن معنى (نعم الرجل) : محمود في الرجال كما أنك إذا قلت : زيد فاره العبد لم تعن من العبيد إلا ما كان له ولو لا ذلك لم يكن فاره خبرا له.

فإن زعم زاعم : أن قولك : نعم الرجل زيد إنما زيد بدل من الرجل يرتفع بما ارتفع به كقولك : مررت بأخيك زيد وجاءني الرجل عبد الله قيل له : إن قولك : جاءني الرجل عبد الله إنما تقديره : إذا طرحت (الرجل) جاءني عبد الله فقل : نعم زيد لأنك تزعم أنه مرتفع بنعم وهذا محال ؛ لأن الرجل لست تقصد به إلى واحد بعينه.

فإن كان الاسم الذي دخلت عليه (نعم) مؤنثا أدخلت التاء في نعم وبئس فقلت : نعمت المرأة هند ونعمت المرأتان الهندان وبئست المرأة هند وبئست المرأتان الهندان ، وإن شئت ألقيت التاء فقلت : نعم المرأة وبئس المرأة وتقول : هذه الدار نعمت البلد لأنك عنيت بالبلد : دارا وكذلك : هذا البلد نعم الدار ؛ لأن قصدت إلى البلد.

وقال قوم : كل ما لم تقع عليه (أي) لم توله نعم لا تقول : نعم أفضل الرجلين أخوك ولا نعم أفضل رجل أخوك لأنك لا تقول : أي أفضل الرجلين أخوك ؛ لأنه مدح والمدح لا يقع على مدح.

فأما الضرب الثاني : فأن تضمر فيها مرفوعا يفسره ما بعده ، وذلك قولهم : نعم رجلا أنت ونعم دابة دابتك وبئس في الدار رجلا أنت ففي (نعم وبئس) مضمر يفسره ما بعده والمضمر (الرجل) استغنى عنه بالنكرة المنصوبة التي فسرته ؛ لأن كل مبهم من الأعداد وغيرها إنما تفسره النكرة المنصوبة.

واعلم أنهم لا يضمرون شيئا قبل ذكره إلا على شريطة التفسير وإنما خصوا به أبوابا بعينها.

وحق المضمر أن يكون بعد المذكور ، ويوضح لك أن نعم وبئس فعلان أنك تقول : نعم الرجل كما تقول : قام الرجل ونعمت المرأة كما تقول : قامت المرأة والنحويون يدخلون (حبذا زيد) في هذا الباب من أجل أن تأويلها حب الشيء زيد ؛ لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيء

ص: 112

ثم جعلت (حب وذا اسما فصار مبتدأ أو لزم طريقة واحدة تقول : حبذا (1) عبد الله وحبذا أمة الله).

ولا يجوز حبذه لأنهما جعلا بمنزلة اسم واحد في معنى المدح فانتقلا عما كانا عليه كما يكون ذلك في الأمثال نحو : (أطري فإنك ناعلة).

فأنت تقول ذلك للرجل والمرأة لأنك تريد إذا خاطبت رجلا : أنت عندي بمنزلة التي قيل لها ذلك وكذلك جميع الأمثال إنما تحكي ألفاظها كما جرت وقت جرت وما كان مثل : كرم رجلا زيد! وشرف رجلا زيد! إذا تعجبت فهو مثل : نعم رجلا زيد لأنك إنما تمدح وتذم وأنت متعجب.

ومن ذلك قول الله سبحانه : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا) [الأعراف : 177] وقوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) [الكهف : 5].

وقال قوم : لك أن تذهب بسائر الأفعال إلى مذهب (نعم وبئس) فتحولها إلى (فعل) فتقول : علم الرجل زيد وضربت اليد يده وجاد الثوب ثوبه وطاب الطعام طعامه وقضى الرجل زيد ودعا الرجل زيد وقد حكي عن الكسائي : أنه كان يقول في هذا : قضو الرجل ودعو الرجل.

وهو عندي قياس وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة أحرف سمعت وهي : سمع وعلم وجهل.

وقالوا : المضاعف تتركه مفتوحا وتنوي به فعل يفعل نحو : خف يخف.

ص: 113


1- حبّذا : فعل لإنشاء المدح ، ولا حبّذا فعل لإنشاء الذّمّ ، وهما مثل" نعم وبئس" (انظرهما في : نعم وبئس وما في معناهما) فيقال في المدح" حبّذا" وفي الذّمّ" لا حبّذا" قال الشاعر : ألا حبّذا عاذري في الهوى ولا حبّذا الجاهل العاذل ف" حبّ" فعل ماض ، والفاعل" ذا" وهي اسم إشارة ولا يغيّر عن صورته مطلقا لجريانه مجرى الأمثال ، وجملة" حبّذا" من الفعل والفاعل خبر مقدّم ، ومخصوصه وهو" عاذري" مبتدأ مؤخرا أو خبر لمبتدأ محذوف. انظر معجم القواعد العربية 7 / 17.

وتقول : صم الرجل زيد وقالوا : كل ما كان بمعنى : نعم وبئس يجوز نقل وسطه إلى أوله.

وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول ظرف الرجل زيد وظرف الرجل نقلت ضم العين إلى الفاء.

وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول : ظرف الرجل زيد كما قال :

وحبّ بها مقتولة حين تقتل

وحبّ أيضا فإذا لم يكن بمعنى نعم وبئس لم ينقل وسطه إلى أوله.

ص: 114

مسائل من هذا الباب

اعلم أنه لا يجوز أن تقول : قومك نعموا أصحابا ولا قومك بئسوا أصحابا ولا أخواك نعما رجلين ولا بئسا رجلين.

وإذا قلت : نعم الرجل رجلا (1) زيد فقولك : (رجلا) توكيد ؛ لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولا وهو بمنزلة قولك : عندي من الدراهم عشرون درهما وتقول : نعم الرجلان أخواك ونعم رجلين أخواك وبئس الرجلان أخواك وبئس رجلين أخواك وتقول : ما عبد الله نعم الرجل ولا قريبا من ذلك عطفت (قريبا) على (نعم) ؛ لأن موضعها نصب لأنها خبر (ما).

وتقول : ما نعم الرجل عبد الله ولا قريب من ذلك فترفع بالرجل ب (نعم) وعبد الله بالابتداء ونعم الرجل : خبر الابتداء وهو خبر مقدم فلم تعمل (ما) لأنك إذا فرقت بين (ما) وبين الاسم لم تعمل في شيء ورفعت (قريبا) لأنك عطفته على (نعم) ونعم في موضع رفع ؛ لأنه خبر مقدم ولا يجيز أحد من النحويين : نعم زيد الرجل وقوم يجيزون : نعم زيد رجلا ويحتجون بقوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : 69] وحسن ليس كنعم.

وللمتأول أن يتأول غير ما قالوا : لأنه فعل يتصرف.

وتقول : نعم القوم الزيدون ونعم رجالا الزيدون والزيدون نعم القوم والزيدون نعم قوما وقوم يجيزون : الزيدون نعموا قوما.

وهو غير جائز عندنا لما أخبرتك به من حكم نعم وصفة ما تعمل فيه.

ص: 115


1- اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في نعم وأخواتها فقال قوم لا يجوز ذلك وهو المنقول عن سيبويه فلا تقول نعم الرجل رجلا زيد وذهب قوم إلى الجواز واستدلوا بقوله : والتغلبيون بئس الفحل فحلهم فحلا وأمهم زلاء منطيق وقوله تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا وفصل بعضهم فقال إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما نحو نعم الرجل فارسا زيد وإلا فلا نحو نعم الرجل رجلا زيد ، فإن كان الفاعل مضمرا جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقا نحو نعم رجلا زيد. انظر شرح ابن عقيل 3 / 163.

ويدخلون ال (ظن) و (كان) فيقولون : نعم الرجل كان زيد ترفع زيدا ب (كان) ونعم الرجل خبر (كان) وهذا كلام صحيح وكذلك : نعم الرجل ظننت زيدا تريد : كان زيد نعم الرجل وظننت زيدا نعم الرجل.

وكان الكسائي يجيز : نعم الرجل يقوم وقام عندك فيضمر يريد : نعم الرجل رجل عندك ونعم الرجل رجل قام ويقوم ولا يجيزه مع المنصوب لا يقول : نعم رجلا قام ويقوم.

قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز من قبل أن الفعل لا يجوز أن يقوم مقام الاسم وإنما تقيم من الصفات مقام الأسماء الصفات التي هي أسماء صفات يدخل عليها ما يدخل على الأسماء والفعل إذا وصفنا به فإنما هو شيء وضع في غير موضعه يقوم مقام الصفة للنكرة وإقامتهم الصفة مقام الاسم اتساع في اللغة.

وقد يستقبح ذلك في مواضع فكيف تقيم الفعل مقام الاسم وإنما يقوم مقام الصفة ، وإن جاء من هذه شيء شذ عن القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه.

بل نقوله فيما قالوه فقط وتقول : نعم بك كفيلا زيد كما قال تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : 50] ويجيز الكسائي : نعم فيك الراغب زيد ولا أعرفه مسموعا من كلام العرب.

فمن قدر أن (فيك) من صلة الراغب فهذا لا يجوز البتة ولا تأويل له ؛ لأنه ليس له أن يقدم الصلة على الموصول.

فإن قال : أجعل (فيك) تبينا وأقدمه كما قال : (بئس للظالمين بدلا) قيل له : هذا أقرب إلى الصواب إلا أن الفرق بين المسألتين أنك إذا قلت : نعم فيك الراغب زيد فقد فصلت بين الفعل والفاعل ونعم وبئس ليستا كسائر الأفعال لأنهما لا تتصرفان.

وإذا قلت : بئس في الدار رجلا زيد. الفاعل مضمر في (بئس) وإنما جئت برجل مفسرا فبين المسألتين فرق.

وهذا الأشياء التي جعلت كالأمثال لا ينبغي أن تستجيز فيها إلا ما أجازوه ولا يجوز عندي : نعم طعامك آكلا زيد من أجل أن الصفة إذا قامت مقام الموصوف لم يجز أن تكون

ص: 116

بمنزلة الفعل الذي تتقدم عليه ما عمل فيه وكما لا يجوز أن تقول : نعم طعامك رجلا آكلا زيد.

فتعمل الصفة فيما قبل الموصوف فكذلك إذا أقمت (آكلا) مقام رجل كان حكمه حكمه.

وتقول : نعم غلام الرجل زيد ونعم غلام رجل زيد فما أضفته إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام وما أضفته إلى النكرة بمنزلة النكرة.

وتقول : نعم العمر عمر بن الخطاب وبئس الحجاج حجاج بن يوسف تجعل العمر جنسا لكل من له هذا الاسم وكذلك الحجاج.

ولا تقول : نعم الرجل وصاحبا أخوك ولا نعم صاحبا والرجل أخوك من أجل أن نعم إذا نصبت تضمنت مرفوعا مضمرا فيها وفي المسألة مرفوع ظاهر فيستحيل هذا ولا يجوز توكيد المرفوع ب (نعم).

قالوا : وقد جاء في الشعر منعوتا لزهير :

نعم الفتى المرّيّ أنت إذا هم

حضروا لدى الحجرات نار الموقد (1)

وهذا يجوز أن يكون بدلا غير نعت فكأنه قال : نعم المري أنت وقد حكى قوم على جهة الشذوذ : نعم هم قوما هم.

وليس هذا مما يعرج عليه وقال الأخفش : حبذا ترفع الأسماء وتنصب الخبر إذا كان نكرة خاصة تقول : حبذا عبد الله رجلا وحبذا أخوك قائما.

ص: 117


1- قال في شرح التسهيل : وأما النعت فلا ينبغي أن يمنع على الإطلاق بل يمتنع إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس ؛ لأن تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد ، وأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الفضائل فلا مانع من نعته حينئذ لإمكان أن يراد بالنعت ما أريد بالمنعوت. وعلى هذا يحمل قول الشاعر : نعم الفتى المرّيّ أنت إذا هم وحمل أبو علي وابن السراج مثل هذا على البدل وأبيا النعت ولا حجة لهما اه. ، وأما البدل والعطف فظاهر سكوته في شرح التسهيل عنهما جوازهما وينبغي أن لا يجوز منهما إلا ما تباشره نعم (ويرفعان) أيضا على الفاعلية (مضمرا) مبهما (يفسّره مميّز كنعم قوما معشره) انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 172.

قال : وإنما تنصب الخبر إذا كان نكرة ؛ لأنه حال قال : وتقول : حبذا عبد الله أخونا.

فأخونا رفع لأنك وصفت معرفة بمعرفة ، وإذا وصلت ب (ما) قلت : نعما زيد ونعما أخوك ونعما أخوتك وصار بمنزلة حبذاء أخوتك.

وتقول : نعم ما صنعت ونعم ما أعجبك.

قال ناس إذا قلت : مررت برجل كفاك رجلا.

وجدت (كفاك) في كل وجه وكانت بمنزلة (نعم) تقول : مررت بقوم كفاك قوما وكفاك من قوم وكفوك قوما وكفوك من قوم ، فإن جئت بالباء والهاء وجدت به لا غير تقول مررت بقوم كفاك بهم قوما.

وكذلك : مررت بقوم نعم بهم قوما ، وإن أسقطت الباء والهاء قلت : نعموا قوما ونعم قوما ولا ينبغي أن ترد (كفاك) إلى الإستقبال ولا إلى اسم الفاعل.

قال أبو بكر : قد ذكرت الفعل المتصرف والفعل غير المتصرف وبقي الأسماء التي تعمل عمل الفعل ونحن نتبعها بها إن شاء الله.

ص: 118

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل

اشارة

وهي تنقسم أربعة أقسام :

فالأول : منها اسم الفاعل والمفعول به.

والثاني : الصفة المشبهة باسم الفاعل.

والثالث : المصدر الذي صدرت عنه الأفعال واشتقت منه.

والرابع : أسماء سمّوا الأفعال بها.

شرح الأول : وهو اسم الفاعل والمفعول به
اشارة

اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل (1) هو الذي يجري على فعله ويطرد القياس فيه ويجوز أن تنعت به اسما قبله نكرة كما تنعت بالفعل الذي اشتق منه ذلك الاسم.

ص: 119


1- يعمل اسم الفاعل عمل الفعل المضارع في التّعدّي واللّزوم. وهو قسمان : 1 - ما فيه "أل" ("أل" في اسم الفاعل والمفعول العاملين : اسم موصول) الموصولة. 2 - والمجرّد من" أل". وهاك التفصيل : ما فيه أل من اسم الفاعل : أمّا ما كان فيه "أل" الموصولة من أسماء الفاعل فيعمل مطلقا ، ماضيا كان أو غيره ، معتمدا (أي معتندا على نفي أو استفهام إلخ. كما سيأتي قريبا) أو غير معتمد ؛ لأنه حالّ محلّ الفعل ، والفعل يعمل في جميع الأحوال نحو" حضر المكرم أخاك أمس أو الآن أو غدا" فصار معناه : حضر الذي أكرم أخاك ، ومثله قوله تعالى :(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (الآية : 162 سورة النساء) وقال تميم بن أبي مقبل : يا عين ب كّي حنيفا رأس حيّهم الكاسرين القنا في عورة الدّبر وقد يضاف اسم الفاعل مع وجود أل الموصولة ، وقد قال قوم ترضى عربيّتهم : " هذا الضارب الرجل". شبّهوه بالحسن الوجه ، وإن كان ليس مثله في المعنى. قال المرّار الأسدي : أنا ابن التّارك البكريّ بشر عليه الطّير ترقبه وقوعا فالبكريّ : مفعول للتارك ، فأضيف إليه تخفيفا ، ومن ذلك إنشاد بعض العرب قول الأعشى : الواهب المائة الهجان وعبدها عوذا تزجّي بينها أطفالها سم الفاعل المجرّد من أل. وأمّا المجرّد من" أل" فيعمل بثلاثة شروط : (أحدها) كونه للحال أو الاستقبال لا للماضي (خلاف للكسائي ، ولا حجة له في قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ؛) لأنه على إرادة حكاية الحال الماضية ، والمعنى : يبسط ذراعيه بدليل ؛ ونقلبهم ولم يقل وقلبناهم). (الثاني) اعتماده على استفهام ، أو نفي أو مخبر عنه ، أو موصوف ، ومنه الحال. فمثال الاستفهام" أعارف أنت قدر الإنصاف" ومنه قول الشاعر : " أمنجر أنتم وعدا وثقت به" ومثال النفي : " ما طالب أخواك ضرّ غيرهما". ومثال المخبر عنه ما قاله امرؤ القيس : إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي وقال الأخوص الرياحي : مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعبا إلا ببين غرابها ومثال النعت : " اركن إلى علم زائن أثره من تعلّمه". ومثال الحال : " أقبل أخوك مستبشرا وجهه". والاعتماد على المقدّر منها كالاعتماد على الملفوظ به نحو" معط خالد ضيفه أم مانعه" أي أمعط (بدليل وجود" أم" المتصلة فإنها لا تأتي إلا بسياق النفي). ونحو قول الأعشى : كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل أي كوعل ناطح. ويجب أن يذكر هنا أنّ شرط الاعتماد ؛ وعدم المضي ، إنما هو لعمل النّصب ، ولرفع الفاعل في الظاهر ، أمّا رفع الضّمير المستتر فجائز بلا شرط. (الثالث) من شروط إعمال اسم الفاعل المجرّد من" أل" ألّا يكون مصغّرا ولا موصوفا لأنّهما يختصان بالاسم فيبعدان الوصف عن الشبه بالفعليّة. وقيل : المصغّر إن لم يحفظ له مكبّر جاز كما في قوله : " ترقرق في الأيدي كميت عصيرها". فقد رفع" عصيرها" بكميت فاعلا له ، وقيل يجوز في الموصوف إعماله قبل الصفة ، نحو" هذا ضارب زيدا متسلط" فمتسلّط صفة لضارب تأخر عن معمول اسم الفاعل وهو زيد. انظر معجم القواعد العربية 2 / 42.

ويذكر ويؤنث وتدخله الألف واللام ويجمع بالواو والنون كالفعل إذا قلت : يفعلون نحو : ضارب وآكل وقاتل يجري على. يضرب فهو ضارب ويقتل فهو قاتل ويأكل فهو آكل.

ص: 120

وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثيا كان أو رباعيا مزيدا كان فيه أو غير مزيد فمكرم جار على أكرم ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج.

وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الاسم إذ كان أصل الإعراب للأسماء وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإعراب للأسماء.

وتقول : مررت برجل ضارب أبوه زيدا كما تقول : مررت برجل يضرب أبوه زيدا ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول : يدحرج أبوه وتقول : زيد مكرم الناس أخوه كما تقول :زيد يكرم الناس أخوه وزيد مستخرج أبوه عمرا كما تقول : يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان (يفعل) يجري مجرى (يفعل) فتقول : زيد مضروب أبوه سوطا وملبس ثوبا.

وقد بينت لك هذا فيما مضى.

ومما يجري مجرى (فاعل) مفعل نحو : قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر. يراد به المبالغة والتكثير.

فمعناه معنى : (فاعل) إلا أنه مرة بعد مرة.

وفعال يجري مجراه ، وإن لم يكن موازيا له ؛ لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول (اسم) الفاعل ميما فالأصل في هذا (مقطع) والحق به قطّاع ؛ لأنه في معناه.

ألا ترى أنك إذا قلت : زيد قتال أو : جراح لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل : قتلت إلا وأنت تريد جماعة فمن ذلك قوله تعالى : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) [يوسف : 23] ولو كان بابا واحدا لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرة.

ومن كلام العرب : أما العسل فأنت شرّاب. ومثل ذلك (فعول) لأنك تريد به ما تريد (بفعّال) من المبالغة قال الشاعر (1) :

ضروب بنصل السيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنك عاقر

(وفعال) نحو : (مطعان ومطعام) ؛ لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا.

ص: 121


1- هذا مثال لإعمال فعول وهو قول أبي طالب.

ومن كلام العرب : أنه لمنحاز بوائكها.

وقد أجرى سيبويه : (فعيلا) (كرحيم) و (عليم) هذا المجرى وقال : معنى ذلك المبالغة وأباه النحويون من أجل أن (فعيلا) بابه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على (فعل) نحو : ظرف فهو ظريف وكرم فهو كريم وشرف فهو شريف والقول عندي كما قالوا.

وأجاز أيضا مثل ذلك في (فعل).

وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي فإنه يجيزه على بعد فيقول : أنا فرق زيدا وحذر عمرا والمعنى : أنا فرق من زيد وحذر من عمرو.

قال أبو العباس رحمه الله : لأن (فعل) الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو : بطر زيد فهو بطر وخرق فهو خرق.

ص: 122

مسائل من هذا الباب

تقول : هذا ضارب زيدا إذا أردت (بضارب) ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له.

فإذا قلت هذا ضارب زيد تريد به معنى المضي فهن بمعنى : غلام زيد وتقول : هذا ضارب زيد أمس وهما ضاربا زيد وهن ضاربو زيد وهو ضاربات أخيك.

كل ذلك إذا أردت به معنى المضي لم يجز فيه إلا هذا يعني الإضافة (و) الخفض ؛ لأنه بمنزلة قولك : غلام عبد الله وأخو زيد.

ألا ترى أنك لو قلت : (غلام زيدا) كان محالا فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضيا ؛ لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل لتحقيق الإضافة ، وإن الأول يتعرّف بالثاني.

ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في (الغلام) وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع (يفعل) كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضر والمستقبل.

فأما اسم الفاعل الذي يكون لما مضى فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف وتقول : هؤلاء حواج بيت الله أمس ومررت برجل ضارباه الزيدان ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم.

فيثنى ويجمع ؛ لأنه اسم كما لو تقول : مررت برجل أخواه الزيدان وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره فقلت : مررت برجل ضاربه الزيدان كما تقول : مررت برجل يضربه الزيدان ومررت بقوم : ملازمهم أخوتهم كما تقول : مررت بقوم يلازمهم أخوتهم وتقول : أخوآك آكلان طعامك وقومك ضاربون زيدا وجواريك ضاربات عمرا إذا أردت معنى المضارع.

وتقول مررت برجل ضارب زيدا الآن أو غدا إذا أردت الحال أو الإستقبال فتصفه به ؛ لأنه نكرة مثله أضفت أو لم تضف كما تقول : مررت برجل يضرب زيدا ولا تقول مررت برجل ضارب زيد أمس ؛ لأنه معرفة بالإضافة دالا على البدل.

ص: 123

وتقول : مررت بزيد ضاربا عمرا إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل.

فإن أردت الأخرى أضفت فقلت : مررت بزيد ضارب عمرو. على النعت والبدل ؛ لأنه معرفة كما تقول : مررت بزيد غلام عمرو.

واعلم أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل.

وتضيف استخفافا ولكن لا يكون الاسم الذي تضيفه إلا نكرة ، وإن كان مضافا إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافا فلما ذهبت النون عاقبها الإضافة والمعنى معنى ثبات النون.

فمن ذلك قول الله سبحانه : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : 95] فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة (لهدي) وهو نكرة ، ومثله : (عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : 24] و (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) [القمر : 27] وأنشدوا :

هلّ أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد رب أخا عون بن مخراق (1)

أراد : بباعث التنوين.

ونصب الثاني ؛ لأنه أعمل فيه الأول مقدرا تنوينه كأنه قال : أو باعث عبد رب ولو جره على ما قبله كان عربيا جيدا إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير.

ص: 124


1- يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة : الجرّ مراعاة للّفظ ، والنصب مراعاة للمحل ، أو بإضمار وصف منوّن ، أو فعل نحو" العاقل مبتغي دين ودنيا" أي ومبتغ دنيا ، أو يبتغي دنيا ، ومنه قوله : هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق (دينار وعون بن مخراق كلها أعلام والمعنى : هل أنت باعث لحاجتنا دينارا أو عبد رب الذي هو أخو عون بن مخراق). نصب عبد عطفا على محل دينار ، ولو جر" عبد رب" لجاز ، بل هو الأرجح ، فإن كان الوصف غير عامل تعيّن إضمار فعل للمنصوب نحو قوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) (الآية : 1 سورة فاطر) (إنما لم يعمل" جاعل" في الآية وهو اسم فاعل ؛ لأنه بمعنى الماضي و" رسلا" مفعول لجمل مقدرة). انظر معجم القواعد العربية 2 / 43.

تقول : هذا معطي زيد الدراهم وعمرا الدنانير ولو قلت : هذا معطي زيد اليوم الدراهم وغدا عمرا الدنانير لم يصلح فيه إلا النصب لأنك لم تعطف الاسم على ما قبله وإنما أوقعت الواو على (غد) ففصل الظرف بين الواو وعمرو.

فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز ؛ لأن الناصب ينصب ما تباعد منه والجار ليس كذلك وتقول : هذا ضاربك وزيدا غدا لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر المجرور حملته على الفعل كقوله تعالى : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) [العنكبوت : 33] كأنه قال : منجون أهلك ولم تعطف على الكاف والمجرورة.

واعلم أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى فقلت : هذا ضارب زيد وعمرو ومعطى زيد الدراهم أمس وعمرو.

جاز لك أن تنصب (عمرا) على المعنى لبعده من الجار فكأنك قلت : وأعطى عمرا فمن ذلك قوله سبحانه : (وجاعل (اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) وتقول : مررت برجل قائم أبوه فترفع الأب وتجري (قائما) على رجل ؛ لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك مررت برجل يقوم أبوه.

فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصت لرجل.

وتقول : زيدا عمرو ضارب كما تقول : زيدا عمرو يضرب.

فإذا قلت : عبد الله جاريتك أبوها ضارب فبين النحويين فيه خلاف فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام وبعض يجيزه.

وأبو العباس يجيز ذلك ويقول : إنّ (ضاربا) يجري مجرى الفعل في جميع أحواله في العلم في التقديم والتأخير.

وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه نحو قولك : كانت زيدا الحمى تأخذ.

ص: 125

وتقول : هذا زيد ضارب أخيك إذا أردت المضي لأنك وصفت معرفة بمعرفة وتقول هذا زيد ضاربا أخاك غدا فتنصب (ضاربا) ؛ لأنه نكرة وصفت بها معرفة.

وإذا كان الاسم الذي توقع عليه (ضاربا) وما أشبهه مضمرا أسقطت النون والتنوين منه فعل أو لم يفعل ؛ لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد فكرهوا زيادة التنوين مع هذا الزيادة نحو قولك : هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غدا ولو كان اسما ظاهرا لقلت : ضاربان زيدا غدا ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته وتقول : هذا الضارب زيدا أمس ، وهذا الشاتم عمرا أمس لا يكون فيه غير ذلك ؛ لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإضافة وأنت إذا نونت شيئا من هذا نصبت ما بعده.

وتقول : هؤلاء الضاربون زيدا وهذان الضاربان زيدا ، وإن شئت : ألقيت هذه النون وأضفت ؛ لأن النون لا تعاقب الألف واللام كما تعاقب الإضافة ألا ترى أنك تقول : هذان الضاربان وهؤلاء الضاربون فلا تسقط النون والتنوين ليس كذلك لا تقول : هذا الضارب بالتنوين فاعلم ولذلك جازت الإضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام نحو قولك : هما الضاربا زيد ؛ لأن النون تعاقب الإضافة فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإضافة مع الألف واللام ولا يجوز : هذا الضارب زيد أمس ، فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك : هو الضارب الرجل أمس تشبيها بالحسن الوجه فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فعل بعد فهو نكرة نونت أو لم تنون ، وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة ، وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة.

ص: 126

شرح الثاني وهو : الصفة المشبهة باسم الفاعل
اشارة

الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين (1) : هي أسماء ينعب بها كما ينعت بأسماء الفاعلين وتذكر وتؤنث ويدخلها الالف واللام وتجمع بالواو والنون كاسم الفاعل وأفعل التفضيل كما يجمع الضمير في الفعل فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين ، وذلك نحو : حسن وشديد وما أشبه تقول : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه لأنك تقول : حسن وجهه وشديد وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول : الحسن والشديد فتدخل الألف واللام وتقول حسنون كما تقول : ضارب مضاربة وضاربون والضارب والضاربة فحسن يشبه بضارب وضارب يشبه بيضرب وضاربان مثل : يضربان وضاربون مثل يضربون ولا يجوز : مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الابتداء والخبر ، وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن (خير منه) لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل (أفعل منك) بمنزلة : (خير منك) (وشر منك) وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به إسما ظاهرا البتة ، وأما الصفات كلها فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل أفضل منك ففي (أفضل) ضمير الرجل ولو لا ذلك لم يكن صفة له.

ولكن لا يجوز أن تقول : مررت برجل أفضل منك أبوه لبعده من شبه اسم الفاعل والفعل ولكن لو قلت : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه وبرجل قاعد عمرو إليه لكان جائزا وكذلك : مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه.

ص: 127


1- علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها نحو حسن الوجه ومنطلق اللسان وطاهر القلب والأصل حسن وجهه ومنطلق لسانه وطاهر قلبه فوجهه مرفوع بحسن على الفاعلية ولسانه مرفوع بمنطلق وقلبه مرفوع بطاهر وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات فلا تقول زيد ضارب الأب عمرا تريد ضارب أبوه عمرا ولا زيد قائم الأب غدا تريد زيد قائم أبوه غدا وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه فتقول زيد مضروب الأب وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة. انظر شرح ابن عقيل 3 / 140.

واعلم أن سائر الصفات مما ليس بإسم فاعل ولا يشبهه فهي ترفع الفاعل إذا كان مضمرا فيها وكان ضمير الأول الموصوف وترفع الظاهر أيضا إذا كان في المعنى هو الأول.

أما المضمر فقد بينته لك وهو نحو : مررت برجل خير منك وشر منك ففي (خير منك) ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل.

وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ؛ لأن المعنى في الحسن لزيد فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له ومثل ذلك : ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة.

واعلم أن قولك : زيد حسن وكريم من حسن يحسن وكرم يكرم كما أنك إذا قلت : زيد ضارب وقاتل وقائم فهو من : ضرب وقتل وقام إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة.

أما إذا قلت : زيد حسن الوجه وكريم الحسب فأنت ليس تخبر أن زيدا فعل بالوجه ولا بالحسب شيئا والحسب والوجه فاعلان كما ينصب الفعل وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه ألا ترى أنك إذا قلت : زيد ضارب عمرا فالمعنى : أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو ، وإذا قلت : زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيدا لم يفعل بالوجه شيئا ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة وأصل الكلام زيد حسن وجهه وكريم أبوه حسبه ؛ لأن الوجه هو الذي حسن والأب هو الذي كرم.

ص: 128

مسائل من هذا الباب

تقول : زيد كريم الحسب لأنك أضمرت اسم الفاعل في (كريم) فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك : هند كريمة الحسب ولو كان على الآخر لقلت : كريم حسبها كما تقول : قائم أبوها وإنما جاز هذا التشبيه ، وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة بل هو في المعنى فاعل ؛ لأن المعنى مفهوم غير ملبس ومن قال : زيد ضارب الرجل وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال : زيد حسن الوجه إلا أن الإضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار ؛ لأن الأسماء على حدها من الإضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة ، وإذا قلت : زيد حسن وجهه وكريم أبوه وفاره عبده فهذا هو الأصل وبعده في الحسن : زيد حسن الوجه وكريم الحسب ويجوز : زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز : زيد حسن وجها وكريم حسبا ويجوز : زيد كريم حسب وحسن وجه والأصل ما بدأنا به.

واعلم أنك إذا قلت : حسن الوجه فأضفت (حسنا) إلى الألف واللام فهو غير معرفة ، وإن كان مضافا إلى ما فيه الألف واللام من أجل أن المعنى حسن وجهه فهو نكرة فكما أن الذي هو في معناه نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه فقلت : الحسن الوجه ولا يجوز الغلام الرجل وجاز الحسن الوجه وقولك : مررت برجل حسن الوجه يدلك على أن حسن الوجه نكرة لأنك وصفت به نكرة واعلم أن (حسنا) وما (أشبهه) إذا أعلمته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي فلا تريد به إلا الحال ؛ لأنه صفة وحق الصفة صحبة الموصوف ومن قال : هذا حسن وجه وكريم حسب حجته أن الأول لا يكون معرفة بالثاني أبدا فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين للأول كان طرحهما أخف.

ومن كلام العرب : هو حديث عهد بالوجه. قال الراجز :

لا حق بطن بقرا سمين

ص: 129

ومن قال هذا القول قال : الحسن وجها ؛ لأن الألف واللام يمنعان الإضافة (1) فلا يجوز أن تقول : هذا الحسن وجه من أجل أن هذه إضافة حقيقة على بابها لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام ؛ لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة فيصير معرفة نكرة في حال ، وذلك محال.

وإنما جاز : الحسن الوجه (وما أشبهه) وإدخال الألف واللام على حسن الوجه ؛ لأن (حسنا) في المعنى منفصل فإضافته غير حقيقية والتأويل فيه التنوين فكأنك قلت : حسن وجهه فلذلك جاز فإذا قلت : حسن وجه ثم أدخلت الألف واللام قلت : الحسن وجها فتنصب الوجه الى التمييز أو الشبه بالمفعول به لّما امتنعت الإضافة كما تقول : ضارب رجل ثم تقول : الضارب رجلا وتقول هو الكريم حسبا والفاره عبدا ويجوز : الحسن الوجه ؛ لأنه مشبه بالضارب الرجل ؛ لأن الضارب بمعنى الذي ضرب والفعل واصل منه إلى الرجل على الحقيقة وقد قالوا : الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه كما شبهوا الحسن الوجه به في النصب وعلى هذا أنشد :

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّي خلفها أطفالها

والوجه : النصب في هذا وتقول هو الحسن وجه العبد كما تقول هو الحسن العبد ؛ لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام وتقول : على التشبيه بهذا (الضارب أخي الرجل) كما تقول : الضارب الرجل وتقول : مررت بالحسن الوجه الجميلة ومررت بالحسن العبد النبيلة فأما قولهم : الواهب المائة الهجان وعبدها فإنما أردوا : عبد المائة كما تقول : كل شاة وسخلها بدرهم ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه.

وقال أبو العباس رحمه الله في إنشادهم :

ص: 130


1- يجب أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة نحو الحسن وجها وحسن وجها. انظر شرح ابن عقيل 3 / 145.

أنا ابن التّارك البكريّ بشر

عليه الطّير ترقبه عكوفا (1)

أنه لا يجوز عنده في (بشر) إلا النصب لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول وأنت إذا وضعت (بشرا) في موضع الأول لم يكن إلا نصبا فأما نظير هذا قولك : يا زيد أخانا على البدل.

وقال النحويون : (بشر).

واعلم أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو : حسن وحسان ، فإن الأجود فيه أن تقول : مررت برجل حسان قومه من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد لا كإعراب التثنية والجمع السالم الذي على حد التثنية.

فأما ما كان يجمع مسلما بالواو والنون نحو : (منطلقين) ، فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول : مررت برجل منطلق قومه وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستترا تقول : الزيدان قائمان فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية وتقول : الزيدون قائمون فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في (يفعلان ويفعلون) ؛ لأن الألف في (يفعلان) والواو في (يفعلون) ضمير الفاعلين.

فإن قلت : الزيدان قائم أبواهما لم يجز أن تثني (قائما) ؛ لأنه في موضع (يقوم أبواهما) إلا في قول من قال : أكلوني البراغيث فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه. فاعلم.

ص: 131


1- قد يضاف اسم الفاعل مع وجود أل الموصولة ، وقد قال قوم ترضى عربيّتهم : " هذا الضارب الرجل". شبّهوه بالحسن الوجه ، وإن كان ليس مثله في المعنى. قال المرّار الأسدي : أنا ابن التّارك البكريّ بشر عليه الطّير ترقبه وقوعا فالبكريّ : مفعول للتّارك ، فأضيف إليه تخفيفا ، ومن ذلك إنشاد بعض العرب قول الأعشى : الواهب المائة الهجان وعبدها عوذا تزجّي بينها أطفالها انظر معجم القواعد العربية 2 / 41.
شرح الثالث : وهو المصدر
اشارة

اعلم أن المصدر يعمل عمل الفعل ؛ لأن الفعل اشتق منه وبني مثله للأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل نقول من ذلك : عجبت من ضرب زيد عمرا إذا كان زيد فاعلا ، وعجبت من ضرب زيد عمرو إذا كان زيد مفعولا ، وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإضافة فاعلا كان أو مفعولا فقلت : عجبت من ضرب زيد بكرا ومن ضرب زيدا بكر وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيدا بكرا ولا يجوز أن تخفض (زيدا) من أجل الألف واللام لأنهما لا يجتمعان والإضافة كالنون والتنوين.

وقال قوم : إذا قلت : أردت الضرب زيدا إنما نصبته بإضمار فعل ؛ لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن.

واعلم أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر ؛ لأنه في صلته وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف لو قلت : دارك أعجب زيدا دخول عمرو فتنصب الدار بالدخول كان خطأ.

وقال قوم إذا قلت : أعجبني ضرب زيدا فليس من كلام العرب أن ينونوا ، وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين قالوا : فإن أشرت إلى الفاعل نصبت فقلت : أعجبني ضرب زيدا ، وإن شئت رفعت وأردت : أعجبني أن ضرب زيد.

ص: 132

مسائل من هذا الباب

تقول : أعجب ركوبك الدابة زيدا فالكاف في قولك : (ركوبك) مخفوضة بالإضافة وموضعها رفع والتقدير : أعجب زيدا أن ركبت الدابة فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلا كان أو مفعولا ويجري ما بعده على الأصل وإضافته إلى الفاعل أحسن ؛ لأنه له : كقول الله تعالى :(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)(1) [البقرة : 251] وإضافته إلى المفعول حسنة ؛ لأنه به اتصل وفيه حل وتقول : أعجبني بناء هذه الدار وترى المجلود فتقول : ما أشد جلده وما أحسن خياطة هذا الثوب فعلى هذا تقول أعجب ركوب الدابة عمرو زيدا إن أردت : أعجب أن ركب الدابة عمرو زيدا فالدابة وعمرو وركب في صلة (أن) وزيد منتصب (بأعجب) وبين خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب ، وإن شئت جعلته بين (أعجب) ، بين الركوب وكذلك : عجبت من دق الثوب القصار ومن أكل الخبز زيد ومن أشباع الخبز زيدا ، فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفا ولاما امتنعت الإضافة فجرى كل شيء على أصله فقلت : أعجب ركوب زيد الدابة عمرا ، فإن شئت قلت : أعجب ركوب الدابة زيد عمرا ولا يجوز أن تقدم الدابة ولا زيدا قبل الركوب لأنهما من صلته فقد صارا منه كالياء والدال من (زيد) وتقول : ما أعجب شيء شيئا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو ونصبت (إعجابا) ؛ لأنه مصدر وتقديره : ما أعجب شيء شيئا إعجابا مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك : (أعجب) ؛ لأن معناه : كما أعجب زيدا أن ركب الفرس عمرو وتقول : أعجب الأكل الخبز زيد عمرا كما وصفت لك وعلى هذا قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [البلد : 14 - 15]

ص: 133


1- الأصل في الفاعل الرفع ، وقد يجرّ لفظا بإضافة المصدر نحو :(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) (الآية : 251 سورة البقرة) أو بإضافة اسم المصدر نحو قول عائشة (رض) " من قبلة الرّجل - امرأته الوضوء" (القبلة : مصدر قبل و" الرجل" فاعله وهو مجرور لفظا بالإضافة و "امرأته" مفعول به "الوضوء" مبتدأ مؤخر وخبره "من قبلة الرجل"). ويجب حذف فعله إذا فسّر بعد الحروف المختصّة بالفعل نحو "إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ" (الآية : 1 سورة الانشقاق). انظر معجم القواعد العربية 5 / 21.

فالتقدير : أو أن يطعم لقوله : وما أدراك فعلى هذا يجري ما ذكرت لك ولو قلت : عمرا أعجبني أن ضرب خالدا كان خطأ ؛ لأن عمرا من الصلة.

ومن قال : هذا الضارب الرجل لم يقل : عجبت من الضرب الرجل ؛ لأن الضرب ليس بنعت والضارب نعت كالحسن وهو اسم الفاعل من (ضرب) كما أن حسنا اسم الفاعل من (حسن) ويحسن وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل وتقول : أعجبني اليوم ضرب زيد عمرا (إن جعلت اليوم) نصبا بأعجبني فهو جيد ، وإن نصبته بالضرب كان خطأ ، وذلك ؛ لأن الضرب في معنى (أن ضرب) وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى (إن فعل) أو (أن يفعل) فلا يجوز أن ينصب ما قبله ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الاسم ولا يقدم بعض الاسم على أوله ، فإن لم يكن في معنى (إن فعل) وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله فقدمت فيه وأخرت ، وذلك قولك ضربا زيدا ، وإن شئت : زيدا ضربا ؛ لأنه ليس فيه معنى (أن) إنما هو أمر وقولك ضربا زيدا ينتصب بالأمر كأنك قلت : اضرب زيدا إلا أنه صار بدلا من الفعل لما حذفته وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا : عجبت من طعامك طعاما يريدون : من إطعامك وعجبت من دهنك لحيتك يريدون : من دهنك قال الشاعر :

أظليم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم (1)

أراد : إن إصابتكم.

ومنه قوله :

وبعد عطائك المئة الرّتاعا ... (2)

ص: 134


1- الهمزة للنداء وظلوم اسم امرأة منادى ومصابكم اسم ان وهو مصدر بمعنى اصابتكم ويسمى اسم مصدر مجازا ورجلا مفعول بالمصدر وأهدى السّلام جملة في موضع نصب على أنها صفة لرجلا وتحية مصدر لأهدى السّلام من باب قعدت جلوسا وظلم خير انّ ولهذا البيت حكاية شهيرة عند أهل الأدب. انظر شرح شذور الذهب 1 / 527.
2- من إعمال اسم المصدر قوله : أكفرا بعد رد الموت عنى وبعد عطائك المائة الرتاعا ف (المائة) منصوب ب (عطائك) ومنه حديث الموطأ من قبلة الرجل امرأته الوضوء ف- (امرأته) منصوب ب (قبلة) وقوله : إذا صح عون الخالق المرء لم يجد عسيرا من الآمال إلا ميسرا انظر شرح ابن عقيل 3 / 99.

أراد : بعد إعطائك وقال هؤلاء القوم : إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت : عجبت من جنون بالعلم فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول.

هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم.

ص: 135

شرح الرابع وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها
اشارة

موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعد وما كان منها في معنى فعل متعد تعدى وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب : فمنها اسم مفرد واسم مضاف واسم استعمل مع حرف الجر.

فالضرب الأول : قولك : هلم زيدا وعندك زيدا. ورويد زيدا وحيّ هل الثريد وزعم أبو الخطاب : أن بعض العرب يقول : حي هل الصلاة.

ومن ذلك : تراكها ومناعها وهذه متعدية والمعنى : اتركها وامنعها ، وأما ما لا يتعدى فنحو : مه وصه وإيه.

والضرب الثاني : وهي الأسماء المضافة ومنها أيضا ما يتعدى وما لا يتعدى فأما المتعدي فنحو : دونك زيدا وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه بذلك وحذرك زيدا وحذارك زيدا ، وأما ما لا يتعدى فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر وحذرته شيئا خلفه وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئا وأمرته أن يتقدم وأمامك ووراءك.

والضرب الثالث : ما جاء مع أحرف الجر نحو : عليك زيدا (1) وإليك إذا قلت : تنح.

وذكر سيبويه : أن أبا الخطاب حدثه : أنه سمع من يقال له إليك فيقول : (إليّ) في هذا الحرف وحده كأنه قال له : تنح فقال : أتنحى ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليّ ؛ لأن هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب وما أضيف فيه فإنما يضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم ولا يجوز أن تقول : رويده زيدا ودونه عمرا تريد غير المخاطب.

ص: 136


1- من أسماء الأفعال ما هو في أصله ظرف وما هو مجرور بحرف نحو عليك زيدا أي الزمه وإليك أي تنح ودونك زيدا أي خذه ، ومنها ما يستعمل مصدرا واسم فعل كرويد وبله ، فإن ابحر ما بعدهما فهما مصدران نحو رويد زيد أي إرواد زيد أي إمهاله وهو منصوب بفعل مضمر وبله زيد أي تركه ، وإن انتصب ما بعدهما فهما اسما فعل نحو رويدا زيدا أي أمهل زيدا وبله عمرا أي أتركه. انظر شرح ابن عقيل 3 / 303.

وحكي أن بعضهم قال : عليه رجلا ليسي أي : غيري وهذا قليل شاذ.

وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل.

وحكي أن ناسا من العرب يقولون : هلمي وهلما وهلموا فهؤلاء جعلوه فعلا والهاء للتنبيه ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : 24] فليس هو على قوله : عليكم كتاب الله ولكنه مصدر محمول على ما قبله ؛ لأنه لما قال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : 23] فأعلمهم : أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلا من قول : كتاب الله ذلك فنصب (كتاب الله) وجعل عليكم تبينيا.

ص: 137

مسائل من هذا الباب

تقول : رويدكم أنتم وعبد الله ؛ لأن المضمر في النية مرفوع ورويدكم وعبد الله وهو قبيح إذا لم تؤكده ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن وكذلك رويد إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى وكذلك الأسماء التي للفعل جمعا إلا أن هلم إذا لحقتها (لك) ، فإن شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فقلت هلم لكم أجمعين وأنفسكم ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم ألا ترى أنه يجوز : هذا لك نفسك ولكم أجمعين ولا يجوز : لك وأخيك ، وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت : هلم لكم أجمعون كأنك قلت : تعالوا أجمعون وهلم لك أنت وأخوك كأنك قلت : تعالى أنت وأخوك ، فإن لم تلحق (لك) جرى مجرى رويد ورويد يتصرف على أربع جهات يكون أمرا بمعنى : أرود أي أمهل ويكون صفة نحو : ساروا سيرا رويدا أي سهلا وتكون حالا تقول : ساروا رويدا أي متمهلين وتكون مصدرا نحو : رويد نفسه وذكر سيبويه : أنه حدثه به من لا يتهم : أنه سمع العرب تقول : ضعه رويدا أي وضعا رويدا.

وتلحق (رويد) الكاف وهي في موضع (أفعل) تبينيا لا ضميرا فتقول : رويدك وريدكم وإنما تلحقها لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير ، وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد.

ولك أن لا تذكرها ومثلها في ذا : حيهل وحيهلك فالكاف للخطاب وليست بإسم ومثل هذا في كلامهم كثير.

قال سيبويه : وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين وقال : إذا قلت : عليكم زيدا فقد أضمرت فاعلا في النية فإذا قلت : عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعا.

ولو قلت في : عليّ زيدا أنا نفسي لم يكن إلا جرا وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة وكذلك : حذرك بمنزلة عليك والمصدر وغيره في هذا الباب سواء

ص: 138

ومن جعل : رويد مصدرا قال : رويدك نفسك إن حمله على الكاف ، وإن حمله على المضمر في النية رفع.

قال : وأما قول العرب رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته به ، وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب ولا موضع لها من الإعراب لأنهن لم يجعلن مصادر.

أما قولك : دونك زيدا ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال جئت يا فتى يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير وجائز أن تعديها فتقول : جئت زيدا وكذلك تقول : عليّ زيدا وعليّ به فإذا قلت : عليّ زيدا فمعناه أعطني زيدا ، وإذا قلت : عليك زيدا فمعناه : خذ زيدا ومعنى (حيهل) أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب فأما قولك : أقرب فكقولك : حيهل الثريد أي : أقرب منه وآته وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان جملا شيئا واحدا.

فأما قول الشاعر :

يوم كثير تناديه وحيّ هله ... (1)

فإنه جعله إسما فصار كحضر موت ولم يأمر أحدا بشيء.

وقد توصل ب (علي) كما وصلت ب (هل) هذه فمن ذلك : حيّ على الصلاة. إنما معناه : أقربوا من الصلاة وإيتوا الصلاة.

ص: 139


1- حيّ - حيّهلا - حيّهل : كلّها أسماء أفعال للأمر بمعنى : هلمّ أو أقبل وعجّل كقول المؤذّن : " حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح" والمعنى : هلمّوا إليها وتعالوا مسرعين وفي حديث ابن مسعود : " إذا ذكر الصّالحون فحيّ هلا (تكتب الكلمتان مفصولتين ومجموعتين بكلمة واحدة) بعمر" أي ابدأ به وعجّل بذكره ، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة. ومثلها : " حيّهل" وأصلهما : حيّ بمعنى اعجل ، وهلا : حثّ واستعجال ، فصارا كلمة واحدة وعليه قول الشاعر : وهيّج الحيّ من دار فظلّ لهم يوم كثير تناديه وحيّهله انظر معجم القواعد العربية 7 / 39.

وفي (حيهل) ثلاث لغات : فأجودهن أن تقول : جيّهل بعمر فإذا وقفت قلت : حيهلا الألف هاهنا لبيان الحركة كالهاء في قوله : كتابيه وحسابيه ؛ لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك : أنا قلت ذاك فإذا وقفت قلت : أناه.

ويجوز : حيهلا بالتنوين تجعل نكرة ويجوز : حيهلا بعمر وهي أردأ اللغات.

قال أبو العباس : وأما (حي هلا) فليست بشيء.

(وهلم) إنما هي لمّ أي أقرب وها للتنبيه إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الاستعمال وأنهما جعلا شيئا واحدا فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والإثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء : هلم على لفظ واحد كما يفعلون ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل قال الله عز وجل : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا)(1) [الأحزاب : 18] واستجازوا ذلك لإخراجهم إياها عن مجرى الأفعال حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإعراب.

فأما بنو تميم فيصرفونها فيقولون للاثنين : هلما وللأنثى هلمي كما تقول : رد وردا وردوا وارددن وردي.

ص: 140


1- قال في التسهيل : ولا علامة للمضمر المرتفع بها يعني بأسماء الأفعال ، ثم قال وبروزه مع شبهها في عدم التصرف دليل على فعليته يعني كما في هات وتعال ، فإن بعض النحويين غلط فعدهما من أسماء الأفعال وليسا منها بل هما فعلان غير متصرفين لوجوب اتصال ضمير الرفع البارز بهما كقولك للأنثى هاتي وتعالي ، وللاثنين والاثنتين هاتيا وتعاليا ، وللجماعتين هاتوا وتعالوا وهاتين وتعالين ، وهكذا حكم هلمّ عند بني تميم فإنهم يقولون : هلم هلمي هلما هلموا هلممن ، فهي عندهم فعل لا اسم فعل ، ويدل على ذلك أنهم يؤكدونها بالنون نحو هلمن. قال سيبويه : وقد تدخل الخفيفة والثقيلة يعني على هلم ، قال لأنها عندهم بمنزلة رد وردا وردى وردوا وارددن ، وقد استعمل لها مضارعا من قيل له هلم فقال لا أهلم. ، وأما أهل الحجاز فيقولون هلم في الأحوال كلها كغيرها من أسماء الأفعال. وقال الله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (الأنعام : 150) (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) (الأحزاب : 18) ، وهي عند الحجازيين بمعنى احضر وتأتي عندهم بمعنى أقبل (وأخّر ما لذي) الأسماء (فيه العمل) وجوبا فلا يجوز زيدا دراك خلافا للكسائي. انظر شرح الأشموني 1 / 278.

قال أبو بكر : وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعا لإسم من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنيا مشبها بالمعرب.

فأما التوابع فنحو : النعت والتأكيد والبدل والعطف ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات ، وأما ما كان من الأسماء مبنيا مشبها للمعرب فنداء المفرد نحو قولك : يا زيد ويا حكم العاقل والعاقل ويا حكمان ويا حكمون فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضا أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن شاء الله.

وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للإنتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضا إن شاء الله.

ص: 141

باب المعرفة والنكرة

اشارة

كل اسم عم اثنين فما زاد فهو نكرة وإنما سمي نكرة من أجل أنك لا تعرف به واحدا بعينه إذا ذكر.

والنكرة (1) تنقسم قسمين : فأحد القسمين : أن يكون الاسم في أول أحواله نكرة مثل : رجل وفرس وحجر وجمل وما أشبه ذلك.

والقسم الثاني : أن يكون الاسم صار نكرة بعد أن كان معرفة وعرض ذلك في الأصل الذي وضع له غير ذلك نحو أن يسمى إنسان بعمرو فيكون معروفا بذلك في حيه ، فإن سمي باسم آخر لم نعلم إذا قال القائل : رأيت عمرا أي العمرين هو ومن أجل تنكره دخلت عليه الألف واللام إذا ثنى وجمع.

وتعتبر النكرة بأن يدخل عليها (ربّ) فيصلح ذلك فيها أو ألف ولام فيصير بعد دخول الألف واللام معرفة أو تثنيها وتجمعها بلفظها من غير إدخال ألف ولام عليها فجميع هذا وما أشبهه نكرة والنكرة قبل المعرفة ألا ترى أن الإنسان اسمه إنسان يجب له هذا الاسم بصورته قبل أن يعرف باسم وأكثر الأسماء نكرات وهذه النكرات بعضها أنكر من بعض فكلما كان أكثر عموما فهو أنكر مما هو أخص منه فشيء أنك من قولك : حي وحي أنكر من قولك : إنسان فكلما قل ما يقع عليه الاسم فهو أقرب إلى التعريف وكلما كثر كان أنكر فاعلم.

ص: 142


1- النكرة ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف أو يقع موقع ما يقبل أل فمثال ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف رجل فتقول الرجل واحترز بقوله وتؤثر فيه التعريف مما يقبل أل ولا تؤثر فيه التعريف كعباس علما فإنك تقول فيه العباس فتدخل عليه أل لكنها لم تؤثر فيه التعريف ؛ لأنه معرفة قبل دخلوها عليه ومثال ما وقع موقع ما يقبل أل ذو التي بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب مال فذو نكرة وهي لا تقبل أل لكنها واقعة موقع صاحب وصاحب يقبل أل نحو الصاحب. انظر شرح ابن عقيل 1 / 86.
ذكر المعرفة

والمعرفة (1) خمسة أشياء : الاسم المكنى والمبهم والعلم وما فيه الألف واللام وما أضيف إليهن.

فأما المكني : فنحو قولك : هو وأنت وإياك والهاء في (غلامه وضربته) والكاف في غلامك وضربك والتاء في (قمت) وقمت وقمت يا هذا.

فأما المبهم : فنحو : هذا وتلك وأولئك المكنيات والمبهمات موضع يستقصي ذكرها فيه إن شاء الله.

وأما العلم : فنحو : زيد وعمر وعثمان.

واعلم أن اسم العلم على ثلاثة أضرب إما أن يكون منقولا من نكرة أو مشتقا منها أو أعجميا أعرب.

فأما المنقول (2) : فعلى ضربين : أحدهما من الاسم والآخر من صفة.

ص: 143


1- عدها ابن مالك ستة فقال : وغيره معرفة كهم وذي وهند وابني والغلام والذي أي غير النكرة المعرفة وهي ستة أقسام المضمر كهم واسم الإشارة كذي والعلم كهند والمحلى بالألف واللام كالغلام والموصول كالذي وما أضيف إلى واحد منها كابني وسنتكلم على هذه الأقسام فما لذي غيبة أو حضور كأنت وهسنم بالضمير يشير إلى أن الضمير ما دل على غيبة كهو أو حضور وهو قسمان أحدهما ضمير المخاطب نحو أنت والثاني ضمير المتكلم نحو أنا وذو اتصال منه ما لا يبتدا ولا يلي إلا اختيارا أبدا كالياء والكاف من ابني أكرمك والياء والها من سليه ما ملك الضمير البارز بنقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل هو الذي لا يبتدأ به كالكاف من أكرمك ونحوه ولا يقع بعد إلا في الاختيار فلا يقال ما أكرمت إلاك وقد جاء شذوذا في الشعر كقوله : أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر انظر شرح ابن عقيل 1 / 86 90.
2- عدها ابن مالك ستة فقال : وغيره معرفة كهم وذي وهند وابني والغلام والذي أي غير النكرة المعرفة وهي ستة أقسام المضمر كهم واسم الإشارة كذي والعلم كهند والمحلى بالألف واللام كالغلام والموصول كالذي وما أضيف إلى واحد منها كابني وسنتكلم على هذه الأقسام فما لذي غيبة أو حضور كأنت وهسنم بالضمير يشير إلى أن الضمير ما دل على غيبة كهو أو حضور وهو قسمان أحدهما ضمير المخاطب نحو أنت والثاني ضمير المتكلم نحو أنا وذو اتصال منه ما لا يبتدا ولا يلي إلا اختيارا أبدا كالياء والكاف من ابني أكرمك والياء والها من سليه ما ملك الضمير البارز بنقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل هو الذي لا يبتدأ به كالكاف من أكرمك ونحوه ولا يقع بعد إلا في الاختيار فلا يقال ما أكرمت إلاك وقد جاء شذوذا في الشعر كقوله : أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر انظر شرح ابن عقيل 1 / 86 90.

أما المنقول من الاسم النكرة فنحو : حجر وأسد فكل واحد من هذين نكرة في أصله فإذا سميت به صار معرفة ، وأما المنقول من صفة فنحو : هاشم وقاسم وعباس وأحمر ؛ لأن هذه أصولها صفات تقول : مررت برجل هاشم ورجل قاسم وبرجل عباس.

ص: 144

وأما الأسماء المشتقة : فنحو : عمر وعثمان فهذان مشتقان من عامر وعاثم وليسا بمنقولين ؛ لأنه ليس في أصول النكرات عثمان ولا عمر إلا أن تريد جمع عمرة.

فأسماء الأعلام لا تكاد تخلو من ذلك ، فإن جاء اسم عربي لا تدري ممّ نقل أو اشتق فاعلم إن أصله ذلك ، وإن لم يصل إلينا علمه قياسا على كثرة ما وجدناه من ذلك.

ولا أدفع أن يخترع بعض العرب في حال تسميته اسما غير منقول من نكرة ولا مشتق منها ، ولكن العام والجمهور ما ذكرت لك.

وأما الأعجمية فنحو : إسماعيل وإبراهيم ويعقوب فهذه أعربت من كلام العجم.

وأما ما فيه الألف واللام ، فإن الألف واللام يدخلان على الأسماء النكرات على ضربين : إمّا إشارة إلى واحد معهود بعينه أو إشارة إلى الجنس فأما الواحد المعهود : فأن يذكر شيء فتعود لذكره فتقول : الرجل وكذلك الدار والحمار وما أشبهه كأن قائلا قال : كان عندي رجل من أمره ومن قصته.

فإن أردت أن يعود إلى ذكره قلت : ما فعل الرجل للعهد الذي كان بينك وبين المخاطب من ذكره ، وأما دخولها للجنس فأن تقول : أهلك الناس الدينار والدرهم لا تريد دينارا بعينه ولا درهما بعينه ولكن كقوله عز وجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر]. يدلك الاستثناء على أن الإنسان في معنى الناس ، وأما ما أضيف إليهن فنحو قولك : غلامك وصاحبك وغلام ذاك وصاحب هذه وغلام زيد وصاحب عمرو وغلام الرجل وصاحب الإمام ونحو ذلك.

ص: 145

مسائل في المعرفة والنكرة

تقول : (هذا عبد الله).

ف- (هذا) اسم معرفة. و (عبد الله) اسم معرفة. و (هذا) مبتدأ. و (عبد الله) خبره.

فإن جئت بعد عبد الله بنكرة نصبتها على الحال فقلت : هذا عبد الله واقفا وكذلك كل اسم علم يجري مجرى عبد الله وتقول : هذا أخوك فهذا معرفة وأخوك فهذا معرفة بالإضافة إلى الكاف.

فإن جئت بنكرة قلت : هذا أخوك قائما قال الله تعالى : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : 72].

وأجاز أصحابنا الرفع في مثل هذه المسألة على أربعة أوجه : أحدهما : أن تجعل (أخاك) بدلا من (هذا) وتجعل قائما خبر (هذا) والآخر : أن تجعل (أخاك) خبرا ل- (هذا) وتضمر (هذا) من الأخ كأنك قلت : هذا أخوك هذا قائم ، وإن شئت أضمرت (هو) كأنك قلت : هذا أخوك هو قائم ، وإن شئت كان (أخوك) وقائم خبرا واحدا كما تقول : هذا حلو حامض أي : قد جمع الطعمين ومثل هذا لا يجوز أن يكون (حلو) الخبر وحده ولا حامض الخبر وحده حتى تجمعهما ، وإذا قلت : هذا الرجل ولم تذكر بعد ذلك شيئا وأردت بالألف واللام العهد فالرجل خبر عن (هذا) ، فإن جئت بعد (الرجل) بشيء يكون خبرا جعلت (الرجل) تابعا ل- (هذا) كالنعت ؛ لأن المبهمة توصف بالأجناس وكان ما بعده خبرا عن (هذا) فقلت : هذا الرجل عالم وهذه المرأة عاقلة هذا الباب جديد فترفع (هذا) بالابتداء وترفع ما فيه الألف واللام بأنه صفة وتجعلهما كاسم واحد.

ومنه قول النابغة الذبياني :

توهّمت آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع

فإن أردت بالألف واللام المعهود (1) جاز نصب ما بعده فقلت : هذه المرأة عاقلة وهذا الرجل عالما فإذا كانت الألف واللام في اسم لا يراد به واحد من الجنس وهو كالصفة الغالبة

ص: 146


1- أي المعهود في ذهن السامع.

نصبت ما بعد الاسم على الحال ، وذلك قولك : هذا العباس مقبلا ، وإن كان الاسم ليس بعلم ولكنه واحد ليس له ثان كان أيضا الخبر منصوبا كقولك : هذا القمر منيرا وهذه الشمس طالعة وكذلك إن أردت بالاسم أن تجعله يعم الجنس كله ويكون إخبارك عن واحده كإخبارك عن جميعه كان الخبر منصوبا كقولك : هذا الأسد مهيبا وهذه العقرب مخوفة إذا لم ترد عقربا تراها ولا أسدا تشير إليه من سائر الأسد ولا يجوز : هذا أنا وهذا أنت لأنك لا تشير للإنسان إلى نفسه ولا تشير إلى نفسك ، فإن أردت التمثيل أي : هذا يقوم مقامك ويغني غناءك جاز أن تقول : هذا أنت وهذا أنا والمعنى : هذا مثلك وهذا مثلي ، وأما قولك : هذا هو فبمنزلة قولك : هذا عبد الله إذا كان هو إنما يكون كناية عن عبد الله وما أشبهه ألا ترى أنك تكون في حديث إنسان فيسألك المخاطب عن صاحب القصة من هو فتقول : هذا هو وقال قوم : إن كلام العرب أن يجعلوا هذه الأسماء المكنية بين (ها وذا) وينصبون أخبارها على الحال فيقولون : ها هو ذا قائما وها أنذا جالسا وها أنت ذا ظالما وهذا الوجه يسميه الكوفيون التقريب وهو إذا كان الاسم ظاهرا جاء بعد (هذا) مرفوعا ونصبوا الخبر معرفة كان أو نكرة فأما البصريون فلا ينصبون إلا الحال وتقول : هذا هذا على التشبيه وهذا ذاك وهذا هذه.

واعلم أن من الأسماء مضافات إلى معارف ولكنها لا تتعرف بها لأنها لا تخص شيئا بعينه فمن ذلك : مثلك وشبهك وغيرك تقول : مررت برجل مثلك وبرجل شبهك وبرجل غيرك فلو لم يكن نكرات ما وصف بهن نكرة وإنما نكرهن معانيهن ألا ترى أنك إذا قلت : مثلك.

جاز أن يكون (مثلك) في طولك أو لونك أو في علمك ولن يحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء لكثرتها وكذلك شبهك ، وأما غيرك فصار نكرة ؛ لأن كل شيء مثل الشيء عداك فهو غيرك ، فإن أردت بمثلك وشبهك المعروف بشبهك فهو معرفة ، وأما شبيهك فمعرفة ولم يستعمل كما استعمل (شبهك) المعروف بأنه يشبهك وتقول هذا واقفا زيد وهذا واقفا رجل فتنصب (واقفا) على الحال ، وإن شئت رفعت فقلت هذا واقف رجل فتجعل (واقف) خبر (هذا) ورجل بدل منه وكذلك زيد وما أشبهه وينشد هذا البيت على وجهين :

أترضى بأنّا لم تجفّ دماؤنا

وهذا عروس باليمامة خالد

فينصب (عروس) ويرفع.

ص: 147

وتقول : هذا مثلك واقف وهذا غيرك منطلق لما خبرتك به من نكرة مثلك وغيرك وقد يجوز أن تنصب فيكون النصب أحسن فيها منه في سائر النكرات لأنها في لفظ المعارف.

وإن كانت نكرات فيقول : هذا مثلك منطلقا وهذا حسن الوجه قائما وقد عرفتك أن (حسن الوجه) نكرة ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه وأفضل منك وخير منك نكرة أيضا إلا أنه أقرب إلى المعرفة من حسن وفاضل فتقول : هذا أفضل منك قائما ، فإن قلت : (زيد هذا) فزيد مبتدأ وهذه خبره والأحسن أن تبدأ (بهذا) ؛ لأن الأعرف أولى بأن يكون مبتدأ ، فإن قلت زيد هذا عالم جاز الرفع والنصب فالرفع على أن تجعل (هذا) معطوفا على (زيد) عطف البيان وترفع (عالما) بأنه خبر الابتداء ، وإن جعلت (هذا) خبرا لزيد نصبت (عالم) على الحال.

واعلم أن (ذلك) مثل (هذا) تقول : إن ذلك الرجل عالم كما تقول : إن هذا الرجل عالم.

وإن ذلك الرجل أخوك كما تقول : إن هذا الرجل أخوك.

والكوفيون يقولون : هذا عبد الله أفضل رجل وأي رجل فيستحسنون رفع ما كان فيه مدح أو ذم ورفعه عندهم على الإستئناف وعلى ذلك يتأولون قول الشاعر :

من يك ذا بثّ فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي (1)

وهذه عند البصريين : من باب حلو حامض أي : قد جمع أنه مقيظ وأنه مصيف مشتي ففيه هذا الخلال.

ص: 148


1- مواضع وجوب حذف المبتدأ أربعة : الأول ما أخبر عنه بنعت مقطوع للرفع في معرض مدح أو ذم أو ترحم ، الثاني ما أخبر عنه بمخصوص نعم وبئس المؤخر ، نحو نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو إذا قدر المخصوص خبرا ، فإن كان مقدما نحو زيد نعم الرجل فهو مبتدأ لا غير ، وقد ذكر الناظم هذين في موضعهما من هذا الكتاب. الثالث ما حكاه الفارسي من قولهم في ذمتي لأفعلن التقدير في ذمتي عهد أو ميثاق ، الرابع ما أخبر عنه بمصدر مرفوع جيء به بدلا من اللفظ بفعله نحو سمع وطاعة ، أي أمري سمع وطاعة. ومنها قوله : من يك ذا بت فهذا بتّي مقيّظ مصيّف مشتّي وقوله : ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 110.

واعلم أن من كلام العرب أسماء قد وضعتها موضع المعارف وليست كالمعارف التي ذكرناها وأعربوها وما بعدها إعراب المعارف ، وذلك نحو قولهم للأسد : أبو الحارث وأسامة وللثعلب : ثعالة وأبو الحصين وسمسم وللذئب : دألان وأبو جعدة وللضبع : أم عامر وحضاجر وجعار وجيأل وأم عنتل وقئام ويقال للضبعان قثم وهو الذكر منها وللغراب : ابن بريح.

قال سيبويه : فإذا قلت : هذا أبو الحارث فأنت تريد : هذا الأسد أي هذا الذي سمعت باسمه أو هو الذي عرفت أشباهه ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفه بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا وعمرا ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم وإنما منع الأسد وما أشبهه أن يكون له اسم معناه معنى زيد أن الأسد وما أشبهها ليست بأشياء ثابتة مقيمة مع الناس ألا تراهم قد اختصوا الخيل والإبل والغنم والكلاب وما يثبت معهم بأسماء : كزيد وعمرو ومن ذلك : أبو جخادب وهو شيء يشبه الجندب غير أنه أعظم منه وهو ضرب من الجنادب كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة وابن قترة ضرب من الحيات وابن آوى معرفة.

ويدلك على أنه معرفة أن آوى غير مصروف وابن عرس وسامّ أبرص.

وبعض العرب يقول : أبو بريص وحمار قبان : دويبة كأنه قال في كل واحد من هذا الضرب هذا الذي يعرف من أحناش الأرض بصورة كذا فاختصت العرب لكل ضرب من هذه الضروب اسما على معنى يعرفها بها فعلى هذا تقول : هذا ابن آوى مقبلا ولا تصرف آوى ؛ لأنه معرفة ولأنه على وزن (افعل) وتنصب مقبلا كما نصبته في قولك : هذا زيد مقبلا وحكم جمعها حكم زيد إلا أن منها ما ينصرف وما لا ينصرف كما تكون الأسماء المعارف وغيرها.

وقد زعموا : أن بعض العرب يقول : هذا ابن عرس مقبل فيرفعه على وجهين فوجه مثل : هذا زيد مقبل ووجه على أنه جعل عرسا نكرة فصار المضاف إليه نكرة وما ابن مخلص وابن لبون وابن ماء فنكرة لأنها تدخلها الألف واللام.

واعلم أن في كلامهم أسماء معارف بالألف واللام وبالإضافة غلبت على أشياء فصارت لها كالأسماء والأعلام مثل : زيد وعمرو نحو : النجم تعني الثريا وابن الصّعق ابن رألان وابن كراع ، فإن أخرجت الألف واللام من النجم وابن الصعق تنكر.

ص: 149

وزعم الخليل : أن الذين قالوا : الحارث والحسن والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشيء بعينه كأنه وصف غلب عليه ومن قال : حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيدا.

وأما السّماك والدّبران والعيّوق وهذا النحو فإنما يلزمه الألف واللام من قبل أنه عندهم الشيء بعينه كالصفات الغالبة وإنما أزيل عن لفظ السامك والدابر والعايك فقيل : سماك ودبران وعيوق للفرق كما فصل بين العدل والعديل وبناء حصين وامرأة حصان.

قال سيبويه : فكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فإن كان عربيا تعرفه ولا تعرف الذي اشتق منه فإنما ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا أو يكون الآخر لم يصل إليه علم ما وصل إلى الأول المسمى.

قال : وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء يعني : أنه أريد به الثالث والرابع فأزيل لفظه كما فعل بالسماك.

وتقول : هذان زيدان منطلقان فمنطلقان صفة للزيدين وهو نكرة وصفت به نكرة قال وتقول : هؤلاء عرفات حسنة وهذان أبانان بينين والفرق بين هذا وبين زيدين أن زيدين لم يجعلا اسما لرجلين بأعينهما وليس هذا في الأناس ولا في الدواب إنما يكون هذا في الأماكن والجبال وما أشبه ذلك من قبل أن الأماكن لا تزول فصار أبانان وعرفات كالشيء الواحد.

والذي والتي : معرفة ولا يتمان إلا بصلة ومن وما يكونان معرفة ونكرة ؛ لأن الجواب فيهما يكون بالمعرفة والنكرة وأيهم وكلهم وبعضهم معارف بالإضافة وقد تترك الإضافة وفيهن معناها قائم وأجمعون وما أشبهها معارف لأنك لا تنعت بها إلا معرفة ولا يدخل عليها الألف واللام.

وقال الكسائي : سمعت : (هو أحسن الناس هاتين) يريد : عينين فجعله نكرة. وهذا شاذ غير معروف.

ويكون (ذا) في موضع الذي فتقول : ضربت هذا يقوم وليس بحاضر تريد : الذي يقوم قالوا : وقد جاء هذا في الشعر.

ص: 150

ذكر الأسماء المنصوبات

اشارة

الأسماء المنصوبات تنقسم قسمة أولى على ضربين : فالضرب الأول هو العام الكثير : كل اسم تذكره بعد أن يستغني الرافع بالمرفوع وما يتبعه في رفعه إن كان له تابع وفي الكلام دليل عليه فهو نصب.

والضرب الآخر : كل اسم تذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة وقد تما بالإضافة والنون وحالت النون والإضافة بينهما ولولاهما لصلح أن يضاف إليه فهو نصب.

والضرب الأول : ينقسم على قسمين : مفعول ومشبه بمفعول.

والمفعول ينقسم على خمسة أقسام : مفعول مطلق ومفعول به ومفعول فيه ومفعول له ومفعول معه.

شرح الأول : وهو المفعول المطلق
اشارة

(1)

ويعني به المصدر.

المصدر اسم كسائر الأسماء إلا أنه معنى غير شخص.

والأفعال مشتقة منه وإنما انفصلت من المصادر بما تضمنت معاني الأزمنة الثلاثة بتصرفها.

ص: 151


1- هو اسم يؤكّد عامله ، أو يبيّن نوعه أو عدده ، وليس خبرا ولا حالا (بخلاف نحو قولك" فضلك فضلان" و" علمك علم نافع" فإنه ، وإن بين العدد في الأول والنوع في الثاني ، فهو خبر عن" فضلك" في الأول ، وخبر عن" علمك" في الثاني ، وبخلاف نحو" ولّى مدبرا" فإنه كان توكيدا لعامله فهو حال من الضمير المستتر في" ولّى") ، نحو" اسع للمعروف سعيا" و" سر سير الفضلاء" و" افعل الخير كلّ يوم مرّة أو مرّتين". كونه مصدرا ، وغير مصدر : أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا ، وليس قولك : " اغتسل غسلا" و" أعطى عطاء" مصدرين فإنهما من أسماء المصادر ، لأنها لم تجر على أفعالها لنقص حروفها عنها ، وقد يكون غير مصدر. انظر معجم القواعد العربية 25 / 68.

والمصدر : هو المفعول في الحقيقة لسائر المخلوقين فمعنى قولك : قام زيد وفعل زيد قياما سواء ، وإذا قلت : ضربت فإنما معناه أحدثت ضربا وفعلت ضربا فهو المفعول الصحيح.

ألا ترى أن القائل يقول : من فعل هذا القيام فتقول : أنا فعلته ومن ضرب هذا الضرب الشديد فتقول : أنا فعلته. تريد : أنا ضربت هذا الضرب.

وقولك : ضربت هذا الضرب ، وقولك : ضربت زيدا لا يصلح أن تغيره بأن تقول : فعلت زيدا ؛ لأنه ليس بمفعول لك فإنما هو مفعول لله تعالى فإذا قلت : ضربت زيدا فالفعل لك دون زيد وإنما أحللت الضرب به وهو المصدر فعلى هذا تقول : قمت قياما وجلست جلوسا وضربت ضربا وأعطيت إعطاء وظننت ظنا واستخرجت استخراجا وانقطعت انقطاعا واحمررت احمرارا فلا يمتنع من هذا فعل منصرف البتة.

ومصدر الفعل الذي يعمل فعله فيه يجيء على ضروب : فربما ذكر توكيدا نحو قولك :قمت قياما وجلست جلوسا فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره وضرب ثان تذكره للفائدة نحو قولك : ضربت زيدا ضربا شديدا والضرب الذي تعرف.

وقمت قياما طويلا فقد أفدت في الضرب أنه شديد وفي القيام أنه طويل وكذلك إذا قلت : ضربت ضربتين وضربات فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت.

وقال سيبويه : تقول : قعد قعدة سوء وقعد قعدتين لما عمل في الحدث يعني المصدر عمل في المرة منه والمرتين وما يكون ضربا منه ، وإن خالف اللفظ.

فمن ذلك : قعد القرفصاء (1) واشتمل الصمّاء ورجع القهقري ؛ لأنه ضرب من فعله الذي أخذ منه.

ص: 152


1- قد ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق (وهو منصوب بالفعل المذكور ، وهو مذهب المازني والسّيرافي والمبرّد واختاره ابن مالك لاطّراده ، أما مذهب سيبويه والجمهور فينصب بفعل مقدّر من لفظه ولا يطّرد هذا في نحو" حلفت يمينا" إذ لا فعل له) ، ما دلّ على المصدر ، وذلك أربعة عشر شيئا : أحد عشر للنّوع ، وثلاثة للمؤكّد. أمّا الأحد عشر للنّوع فهي : 1- كلّيّته ، نحو : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) (الآية : 128 سورة النساء). 2- بعضيّته ، نحو" أكرمته بعض الإكرام". 3- نوعه ، نحو" رجع القهقرى" و" قعد القرفصاء". 4- صفته نحو" سرت أحسن السّير". 5- هيئته ، نحو" يموت الجاحد ميتة سوء". 6- المشار إليه ، نحو" علّمني هذا العلم أستاذي". 7- وقته ، كقول الأعشى : ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادكما عاد السّليم مسهّدا (البيت للأعشى ميمون بن قيس من قصيدة في مدح النبي (ص) و" السّليم" : الملدوغ ، والشّاهد فيه" ليلة أرمدا" حيث نصب" ليلة" بالنيابة عن المصدر والتّقدير : اغتماضا مثل اغتماض ليلة أرمد ، وليس انتصابها على الظرف) 8- " ما" الاستفهاميّة ، نحو" ما تضرب الفاجر؟ " (أي : أيّ ضرب تضربه). 9- " ما" الشّرطية ، نحو" ما شئت فاجلس" (أي : أيّ جلوس شئته فاجلس). 10- آلته ، نحو" ضربته سوطا" وهو يطّرد في آلة الفعل دون غيرها ، فلا يجوز ضربته خشبة. 11- العدد ، نحو : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (الآية : 4 سورة النور). أمّا الثّلاثة للمؤكّد فهي : 1- مزادفه ، نحو" فرحت جذلا" و" ومقته حبّا". 2- ملاقيه في الاشتقاق ، نحو : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (الآية : 17 سورة نوح) (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (الآية : 8 سورة المزمل). والأصل : " إنباتا" و" تبتّلا". 3- اسم المصدر ، نحو : " توضّأ وضوءا" و" أعطى عطاءا". انظر معجم القواعد العربية 25 / 69.

قال أبو العباس قولهم : القرفصاء واشتمل الصمّاء ورجع القهقري هذه حلى وتلقيبات لها وتقديرها : اشتمل الشمل التي تعرف بهذا الاسم وكذلك أخواتها.

قال : وجملة القول : إن الفعل لا ينصب شيئا إلا وفي الفعل دليل عليه فمن ذلك المصادر لأنك إذا قلت : قام ففي (قام) دليل على أنه : فعل قياما فلذلك قلت : قام زيد قياما فعديته إلى المصدر وكذلك تعديه إلى أسماء الزمان ؛ لأن الفعل لا يكون إلا في زمان وتعديه إلى المكان ؛

ص: 153

لأنه فيه يقع وتعديه إلى الحال ؛ لأنه لأفعل إلا في حال واحق ذلك به المصدر ؛ لأنه مشتق من لفظه ودال عليه.

واعلم أنّ (أن) تكون مع صلتها في معنى المصدر وكذلك (ما) تكون مع صلتها في معناه ، وذلك إذا وصلت بالفعل خاصة إلا أن صلة (ما) لا بد من أن تكون فيها ما يرجع إلى (ما) لأنها اسم وما في صلة (أن) لا يحتاج أن يكون معه فيه راجع ؛ لأن (أن) حرف والحروف لا يكنى عنها ولا تضمر فيكون في الكلام ما يرجع إليها والذي يوجب أن (ما) اسم وأنها ليست حرفا (كأن) : أنها لو كانت (كأن) لعملت في الفعل كما عملت (أن) لأنا وجدنا جميع الحروف التي تدخل على الأفعال ولا تدخل على الأسماء تعمل في الأفعال فلما لم نجدها عاملة حكمنا بأنها اسم وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وغيره من النحويين فتقول يعجبني أن يقوم زيد تريد : قيام زيد ويعجبني ما صنعت تريد : صنيعك إلا أن هذين ، وإن كانا قد يكونان في معنى المصادر فليس يجوز أن يقعا موقع المصدر في قولك : ضربت زيدا ضربا لا يجوز أن تقول : ضربت زيدا أن ضربت تريد : ضربا ولا ضربت زيدا ما ضربت تريد : معنى (ضربا) وأنت مؤكد لفعلك ويجوز : ضربت ما ضربت أي : الضرب الذي ضربت كما تقول : فعلت ما فعلت أي : مثل الفعل الذي فعلت وتقول : فعلت ما فعل زيد أي : كالفعل الذي فعل زيد ، فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال ؛ لأن فعلك لا يكون فعل غيرك.

قال الله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : 69] والتأويل عندهم والله أعلم : كالخوض الذي خاضوا (1).

ص: 154


1- " الذي" أكثر ما تكون موصولا اسميّا ، وقد تكون موصولا حرفيا نحو قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (الآية : 70 سورة التوبة) ، التقدير : وخضتم كخوضهم. (- الّذي). وقد يسمّى الموصول الحرفي : التّأويل بالمصدر ، وحروفه : الحروف المصدريّة. انظر معجم القواعد العربية 25 / 113.
مسائل من هذا الباب

تقول : ضربته عبد الله تضمر الضرب تعني : ضربت الضرب عبد الله ولو قلت ضربت عبد الله ضربا وضربته زيدا ما كان به بأس على أن تضمر المصدر.

واعلم أنه لا يجوز أن تعمل ضمير المصدر لا تقول : سرني ضربك عمرا وهو زيدا وأنت تريد : وضربك زيدا ؛ لأنه إنما يعمل إذا كان على لفطه الذي تشتق الأفعال منه ألا ترى أن (ضرب) مشتق من الضرب فإنما يعمل الضرب وما أشبهه من المصادر إذا كان ظاهرا غير مضمر وإنما يعمل لشبهه بالفعل فكما أن الفعل لا يضمر فكذلك المصدر لا يجوز أن يقع موقع الفعل وهو مضمر وإنما جاز إضمار المصدر ؛ لأنه معنى واحد ولم يجز إضمار الفعل ؛ لأنه معنى وزمان ولو أضمر لصار اسما.

وتقول : مررت بهم جميعا إذا عنيت أنك لم تترك منهم أحدا أو : مررت بهم كلا قال الأخفش كل وجميع هاهنا بمنزلة المصادر كأنك قلت مررت بهم عما ومررت بهم كلا أي : مرورا عما وكلا فكل وجميع هاهنا بمنزلة المصادر كأنك قلت : مررت بهم عما ومررت بهم عما لهم وكأنك قلت : طررتهم طرا وليس الجميع والكل بالقوم كما أن الطر والقاطبة ليس بالقوم يعني إذا قلت : مررت بهم قاطبة وطرا فكأنك قلت : جمعتهم جمعا وكذلك في طر كأنك قلت : طررتم أي أتيت عليهم طرا.

وذكر سيبويه : هذا في باب ما ينتصب ؛ لأنه حال وقع فيه الخبر وهو اسم.

وقال : من ذلك : مررت بهم جميعا وعامة وجماعة وقال : هذه أسماء متصرفة ولا يجوز أن يدخل فيها ألألف واللام.

وزعم الخليل : أن قاطبة (1) وطرا لا يتصرفان في موضع المصدر.

ص: 155


1- أن تكون نكرة لا معرفة ، وذلك لازم ، فإن وردت معرفة أوّلت بنكرة نحو" جاء وحده". أي منفردا ، و" رجع عوده على بدئه". أي عائدا ، ومثله" مررت بالقوم خمستهم" و" مررت بهم ثلاثتهم" (ويجوز بخمستهم وثلاثتهم على البدل ولكن يختلف المعنى) أي تخميسا وتثليثا ، و" جاءوا قضّهم بقضيضهم" (في - القاموس : بفتح ضاد" قضهم" أي على الحال - وبضمها - أي جميعهم على التوكيد ، والقضّ : الحصى الصّغار ، والقضيض : الحصى الكبار). أي جميعا ، ومنه أيضا قولهم" فعلته جهدي" و" أسرعت طاقتي" ولا تستعمل إلّا مضافا وهو معرفة ، وفي موضع الحال ، وتأويله : مجتهدا ومطيقا. ومنه قول لبيد : فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدّخال (الإرسال : التخلية والإطلاق ، وفاعل أرسلها : حمار الوحش ، وضمير المؤنث لأتنه ، والذّود : الطّرد ، أشفق عليه : إذا رحمه ، والنّغص ، مصدر يقال : نغص ينغص : إذا لم يتم مراده ، وكذا البعير إذا لم يتم شربه ، والدّخال : أن يداخل يعير قد شرب مرّة في الإبل التي لم تشرب حتى يشرب معها ، يقول : أورد العير - وهو حمار الوحش - أتنه الماء دفعة واحدة مزدحمة ولم يشفق على بعضها أن يتنغّص عند الشّرب ، ولم يذدها ؛ لأنه يخاف الصّياد بخلاف الرّعاء الذين يديرون أمر الإبل ، فإنهم إذا أوردوا الإبل جعلوها قطعا حتى تروى) ومثل فأرسلها العراك ، قولك : " مررت بهم الجمّاء الغفير" أي على الحال على نية طرح الألف واللام وهذا كقولك : " مررت بهم قاطبة" و" مررت بهم طرّا". انظر معجم القواعد العربية 7 / 4.

واعلم أن في الكلام مصادر تقع موقع الحال فتغني عنها وانتصابها انتصاب المصادر نحو قولك : أتاني زيد مشيا فقولك : مشيا قد أغنى عن ماش ويمشي إلا أن التقدير : أتاني يمشي مشيا فمن ذلك : قتلته صبرا ، ولقيته فجأة ومفاجأة وكفاحا ومكافحة ولقيته عيانا وكلمته مشافهة وأتيته ركضا وعدوا وأخذت عنه سماعا وسمعا.

قال سيبويه : وليس كل مصدر يوضع هذا الموضع ألا ترى أنه لا يحسن : أتانا سرعة ولا رجلة.

قال أبو العباس : ليس يمتنع من هذا الباب شيء من المصادر أن يقع موقع الحال إذا كانت قصته هذه القصة وخالف سيبويه وقد جاء بعض هذه المصادر يغني عن ذكر الحال بالألف واللام نحو : أرسلها العراك والعراك لا يجوز أن يكون حالا ولا ينتصب انتصاب الحال وإنما انتصب عندي على تأويل : أرسلها تعترك العراك ف- (تعترك) حال والمصدر الذي عملت فيه الحال هو العراك ودل على (تعترك) فأغنى عنه وكذلك : طلبته جهدك وطاقتك كأنك قلت : طلبته تجتهد جهدك وتطيق طاقتك أي : تستفرغهما في ذلك.

ص: 156

ومذهب سيبويه أن قولهم : مررت به وحده وبهم وحدهم ومررت برجل وحده أي مفرد أقيم مقام مصدر (يقوم) مقام الحال وقال : ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز : مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة.

وزعم الخليل : أنه إذا نصب فكأنه قال : مررت بهؤلاء فقط مثل وحده في معناه أي :أفرقهم.

وأما بنو تميم فيجرونه على الاسم الأول ويعربونه كإعرابه توكيدا له.

قال سيبويه ومثل خمستهم قول الشماخ :

آتتني سليم قضّها بقضيضها ...

كأنه قال : انقض آخرهم على أولهم وبعض العرب يجعل (قضهم) بمنزلة كلهم يجريه على الوجوه فهذا مأخوذ من الإنقضاض فقسه على ما ذكرت لك من قبل.

وزعم يونس : أن وحده بمنزلة عنده وأن خمستهم وقضهم كقولك جميعا وكذلك طرا وقاطبة.

وجعل يونس نصب وحده كأنك قلت : مررت برجل على حياله فطرحت على فأما :(كلهم وجميعهم وعامتهم وأنفسهم وأجمعون) فلا يكون أبدا إلا صفة إذا أضفتهن إلى المضمرات وتقول : هو نسيج وحده ؛ لأنه اسم مضاف إليه.

قال الأخفش : كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل ، وذلك إذا قلت : سقيا لزيد وإنما تريد : سقى الله زيدا ولو قلت : سقيا الله زيدا كان جيدا لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل ولو قلت : أكلا زيد الخبز وأنت تأمره كان جائزا كقوله :

فندلا زريق المال

ندل الثّعالب (1) ...

ص: 157


1- قال الأشموني : (والأمر) أي اللفظ الدال على الطلب (إن لم يك للنّون محل فيه) فليس بفعل أمر بل (هو اسم) إما مصدر نحو «فند لا زريق المال» أي اندل ، وأما اسم فعل أمر (نحو صه) ، فإن معناه اسكت (وحيّهل) معناه. أقبل. أو قدم. أو عجل ولا محل للنون فيهما. انظر شرح الأشموني 1 / 18.

وتقول : ضربتك ضربا عمرو خالدا ومعناه : ضربتك ضرب عمرو خالدا فإذا قلت : ضربتك زيد خالدا فلا تقدم خالدا قبل الضرب ؛ لأنه في صلته.

قال أبو بكر : وليس هذا مثل قولك : ضربا زيدا وأنت تأمره ؛ لأن ذاك قد قام مقام الفعل فيجوز أن يقدم المفعول فتقول : زيدا ضربا وقد مضى تفسير هذا.

وتقول : ضربتك ضرب زيد عمرا وكذلك : ضربتك ضربك زيدا وضربا أنت زيدا إذا جعلته فاعلا وضربتك ضربا إياك زيدا إذا جعلته مفعولا تريد : ضربا زيد إياك.

وقال الأخفش : من رد عليك ضربا زيد عمرا إذا كنت تأمره أدخلت عليه سقيا له فقلت له : ألست إنما تريد سقى الله زيدا فإنه قائل : نعم فتقول.

فكما جاز سقاه له حين أقمت السقي مقام (سقا) فكذلك تقيم الضرب مقام (ليضرب) وتقول : ضرب زيد ضربا وقتل عمرو قتلا فتعدى الفعل الذي بني للمفعول إلى المصدر ن كما تعدى الفعل الذي بني للفاعل لا فرق بينهما في ذلك فأما المفعول الذي دخل عليه حرف الجر نحو : سيرا بعبد الله فأنت في المصادر والظروف بالخيار إن شئت نصبت المصادر نصبها قبل وأقمت المفعول الذي دخل عليه حرف الجر مقام الفاعل فقلت : سير بعبد الله سيرا شديدا أقمت (بعبد الله) مقام الفاعل ونصبت (سيرا) كما تنصبه إذا قلت : سار عبد الله سيرا شديدا وكذلك يجوز في أسماء الزمان والمكان أن تنصبها نصب الظروف في هذه المسألة ويجوز من أجل شغل حرف الجر بعبد الله أن تقيم المصادر والظروف معه مقام الفاعل فترفعها إلا أن الأحسن ألا ترفع إذا نعتت أو أفادت معنى سوى التوكيد وقصد الإخبار عنها فإذا لم يكن فيها إلا التوكيد نصبت والرفع بعيد جدا تقول : سير بعبد الله سير شديد ومر بعبد الله المرور الذي علمته ، وإن شئت نصبت وإنما حسن الرفع لأنك قد وصفت المصدر فصار كالأسماء المفيدة فأما النصب : فعلى أنك أقمت (بزيد) مقام الفاعل فصار كقولك : ضرب عبد الله الضرب الذي يعلم وشتم عبد الله الشتم الشديد وكذلك لو قلت : مر بعبد الله مروان وسير بعبد الله سير شديد لكان مفيدا. وقال الله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : 13] ، فإن قلت : سير بعبد الله سير وسيرا وذهب إلى عبد الله ذهابا فالنصب الوجه ؛

ص: 158

لأن المصادر موكدة أما جواز الرفع على بعد إذا قلت : سير بعبد الله ؛ لأنه ليس في قولك : سير من الفائدة إلا ما في (سير) وجوازه على أنك إذا قلت : سير بعبد الله سير فمعناه : سير بعبد الله ضرب من السير ؛ لأنه لو اختلف لكان الوجه أن تقول : سير بعبد الله سيران أي : سير سريع وبطيء أو : قديم وحديث وهذا قول أبي العباس رحمه الله.

واعلم أن قولهم ضرب زيد سوطا أن معناه : ضرب زيد ضربة بسوط فالسوط هنا قد قام مقام المصدر ولذلك لم يجز أن تقيم السوط مقام الفاعل لا يجوز أن تقول : ضرب سوط زيدا كما تقول : أعطى درهم عمرا.

ص: 159

شرح الثاني : وهو المفعول به
اشارة

(1)

قد تقدّم قولنا في المفعول على الحقيقة أنه المصدر ولما كانت هذه تكون على ضربين :ضرب فيها يلاقي شيئا ويؤثر فيه.

وضرب منه لا يلاقي شيئا ولا يؤثر فيه فسمي الفعل الملاقي متعديا وما لا يلاقي غير متعد.

فأما الفعل الذي هو غير متعد فهو الذي لم يلاق مصدره مفعولا نحو : قام وأحمر وطال.

إذا أردت به ضد قصر خاصة ، وإن أردت به معنى علا كان متعديا والأفعال التي لا تتعدى هي ما كان منها خلقة أو حركة للجسم في ذاته وهيئة له أو فعلا من أفعال النفس غير متشبث بشيء خارج عنها.

أما الذي هو خلقة فنحو : أسود وأحمر وأعور وأشهاب وطال وما أشبه ذلك.

وأما حركة الجسم بغير ملاقاة لشيء آخر فنحو : قام وقعد وسار وغار ألا ترى أن هذه الأفعال مصوغة لحركة الجسم وهيئته في ذاته ، فإن قال قائل : فلا بد لهذه الأفعال من أن تلاقي المكان وأن تكون فيه قيل : هذا لا بدّ منه لكل فعل والمتعدي وغير المتعدي في هذا سواء وإنما علمنا محيط بأن ذلك كذلك ؛ لأن الفعل يصنع ليدل على المكان كما صيغ ليدل على المصدر والزمان.

وأما أفعال النفس التي لا تتعداها فنحو : كرم وظرف وفكر وغضب وخبر وبطر وملح وحسن وسمح وما أشبه ذلك.

وأما الفعل الذي يتعدى فكل حركة للجسم كانت ملاقية لغيرها وما أشبه ذلك من أفعال النفس وأفعال الحواس من الخمس كلها متعدية ملاقية نحو : نظرت وشممت وسمعت

ص: 160


1- هو اسم دلّ على ما وقع عليه فعل الفاعل ، ولم يتغيّر لأجله صورة الفعل ، نحو" يحبّ الله المتقن عمله" ويكون ظاهرا كما مثّل ، وضميرا متّصلا نحو : " أرشدني الأستاذ" ومنفصلا نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الآية : 4 سورة الفاتحة). انظر معجم القواعد العربية 25 / 59.

وذقت ولمست وجميع ما كان في معاينهن فهو متعد وكذلك حركة الجسم إذا لاقت شيئا كان الفعل من ذلك متعديا نحو : أتيت زيدا ووطئت بلدك ودارك ، وأما قولك : فارقته وقاطعته وباريته وتاركته فإنما معناه : فعلت كما يفعل وساويت بين الفعلين والمساواة إنما تعلم بالتلاقي وتركتك في معنى تاركتك ؛ لأن كل شيء تركته فقد تركك فافهم هذا ، فإن فيه غموضا قليلا (1).

ص: 161


1- الأصل في عامل المفعول به أن يذكر ، وقد يحذف إمّا جوازا ، وذلك إذا دلّت عليه قرينة نحو" صديقك" في جواب" من أكرمت؟ ". وهذا كثير ، نحو قولك" هلّا خيرا من ذلك" أي هلّا تفعل خيرا من ذلك. ومن ذلك" ادفع الشّرّ ولو إصبعا" أي ولو دفعته إصبعا ومثله تقول لمن قدم : " خير مقدم" ويجوز فيه الرّفع ، ومثله تقول" مبرورا مأجورا". قد يحذف الفعل ويبفى مفعوله لكثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل من ذلك قول ذي الرّمة : ديار مية إذ ميّ مساعفة ولا يرى مثلها عجم ولا عرب كأنه قال : اذكر ديار ميّة ، ومن ذلك قول العرب" كليهما وتمرا" (وفي أمثال الميداني : كلاهما وتمرا ، كلاهما : ةأي زبد وسنام) يريد أعطني كليهما وتمرا. ومن ذلك قولهم : " كلّ شيء ولا شتيمة حرّ" أي ائت كلّ شيء ، ولا ترتكب شتيمة حرّ ، ومن العرب من يقول : " كلاهما وتمرا" كأنّه قال : كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا ، وكلّ شيء قد يقبل ولا ترتكب شتيمة حرّ. ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل المتروك إظهاره ، قوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) (الآية : 171 سورة النساء) " وراءك أوسع لك" والتقدير : انتهوا وأتوا خيرا لكم ، لأنّك حين قلت : انته فأنت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر ، ويجوز في مثل هذا إظهار الفعل ، ومعنى" وراءك أوسع لك" تأخّر تجد مكانا أوسع لك ، ومثله قول ابن الرّقيّات : لن تراها ولو تأمّلت إلّا ولها في مفارق الرّأس طيبا والمعنى : إلّا ورأيت لها طيبا. ومثله قول ابن قميئة : تذكّرت أرضا بها أهلها أخوالها فيها وأعمامها والمعنى : وتذكّرت أخوالها وأعمامها. انظر معجم القواعد العربية 25 / 59.

وقد اختلف النحويون في : (دخلت البيت) هل هو متعد أو غير متعد وإنما التبس عليهم ذلك لإستعمال العرب له بغير حرف الجر في كثير من المواضع وهو عندي غير متعد كما قدمناه وإنك لما قلت : دخلت إنما عنيت بذلك انتقالك من بسيط الأرض ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط منكشف فالإنتقال ضرب واحد ، وإن اختلفت المواضع و (دخلت) مثل غرت إذا أتيت الغور ، فإن وجب أن يكون (دخلت) متعديا وجب أن يتعدى (غرت) ودليل آخر : أنك لا ترى فعلا من الأفعال يكون متعديا إلا كان مضاده متعديا ، وإن كان غير متعد كان مضاده غير متعد فمن ذلك : تحرك وسكن ، فتحرك غير متعد وسكن غير متعد وأبيض وأسود كلاهما غير متعد وخرج ضد دخل وخرج غير متعد فواجب أن يكون دخل غير متعد وهذا مذهب سيبويه.

قال سيبويه : ومثل : ذهبت الشام دخلت البيت يعني : أنه قد حذف حرف الجر من الكلام وكان الأصل عنده : ذهبت إلى الشام ودخلت في البيت.

هما مستعملان بحروف الجر فحذف حرف الجر من حذفه اتساعا واستخفافا فإذا قلت :ضربت وقتلت وأكلت وشربت وذكرت ونسيت وأحيا وأمات فهذه الأفعال ونحوها هي المتعدية إلى المفعولين نحو : ضربت زيدا وأكلت الطعام وشربت الشراب وذكرت الله واشتهيت لقاءك وهويت زيدا وما أشبه هذا من أفعال النفس المتعدية فهذا حكمه ولا تتم هذه الأفعال المتعدية ولا توجد إلا بوجود المفعول لأنك إن قلت : ذكرت ولم يكن مذكور فهو محال وكذلك. اشتهيت وما أشبهه.

واعلم أن هذا إنما قيل له مفعول به ؛ لأنه لما قال القائل : ضرب وقتل قيل له : هذا الفعل بمن وقع فقال : بزيد أو بعمرو فهذا إنما يكون في المتعدي نحو ما ذكرنا ولا يقال فيما لا يتعدى نحو : قام وقعد لا يقال هذا القيام بمن وقع ولا هذا القعود بمن حل إنما يقال : متى كان هذا القيام وفي أي وقت وأين كان وفي أي موضع والمكان والزمان لا يخلو فعل منهما متعديا كان أو غير متعد فمتى وجدت فعلا حقه أن يكون غير متعد بالصفة التي ذكرت لك ووجدت العرب قد عدته فاعلم أن ذلك اتساع في اللغة واستخفاف وأن الأصل فيه أن يكون متعديا

ص: 162

بحرف جر وإنما حذفوه استخفافا نحو ما ذكرت لك من : ذهبت الشام ودخلت البيت وسترى هذا في مواضع من هذا الكتاب.

وهذه الأفعال المتعدية تنقسم ثلاثة أقسام : منها ما يتعدى إلى مفعول واحد ومنها ما يتعدى إلى مفعولين ومنها ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل فأما ما يتعدى إلى مفعول واحد فقد ذكرنا منه ما فيه كفاية ونحن نتبعه بما يتعدى إلى مفعولين وإلى ثلاثة بعد ذكرنا مسائل هذا الباب إن شاء الله.

ص: 163

مسائل من هذا الباب

اعلم أن الأفعال لا تثنى ولا تجمع ، وذلك لأنها أجناس كمصادرها ألا ترى أنك تقول :بلغني ضربكم زيدا كثيرا وجلوسكم إلى زيد قليلا كان الضرب والجلوس قليلا أو كثيرا وإنما يثنى الفاعل في الفعل ، فإن قلت فإنك تقول : ضربتك ضربتين وعلمت علمتين فإنما ذلك لإختلاف النوعين من ضرب يخالف ضربا في شدته وقلته أو علم يخالف علما كعلم الفقه وعلم النحو كما تقول : عندي تمور إذا اختلفت الأجناس ومع ذلك ، فإن الفعل يدل على زمان فلا يجوز أن تثنيه كما ثنيت المصدر ، وإن اختلفت أنواعه فالفعل لا بد له من الفاعل يليه بعده إما ظاهرا وإما مضمرا ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع لما بينت لك فإذا قلت : الزيدان يقومان فهذه الألف ضمير الفاعلين والنون علامة الرفع ، وإذا قلت : الزيدون يقومون فهذه الواو ضمير الجمع والنون علامة الرفع ويجوز : قاموا الزيدون ويقومون الزيدون على لغة من قال : أكلوني البراغيث فهؤلاء إنما يجيئون بالألف والنون وبالواو والنون في : يضربان ويضربون وبالألف والواو في : ضربا وضربوا فيقولون : ضربا الزيدان وضربوا الزيدون ليعلموا أن هذا الفعل لإثنين لا لواحد ولا لجميع ولا لإثنين ولا لواحد كما أدخلت التاء في فعل المؤنث لتفصل بين فعل المذكر والمؤنث فكذلك هؤلاء زادوا بيانا ليفرقوا بين فعل الإثنين وبين الواحد والجميع وهذا لعمري هو القياس على ما أجمعوا عليه في التاء من قولهم : قامت هند وقعدت سلمى ولكن هذا أدى إلى إلباس إذ كان من كلامهم التقديم والتأخير فكأن السامع إذا سمع قاموا الزيدون لا يدري هل هو خبر مقدم والواو فيه ضمير أم الواو عمل الجمع فقط غير ضمير وكذلك الألف في (قاما الزيدان) فلهذا وغيره من العلل ما جمع على التاء ولم يجمع على الألف والواو فجاز في كل فعل لمؤنث تقول : فعلت ولا يحسن سقوطها إلا أن تفرق بين الاسم والفعل فإذا بعد منه حسن نحو قولهم : حضر اليوم القاضي امرأة.

ص: 164

وقال أبو العباس رحمه الله : إن التأنيث (1) معنى لازم غير مفارق إذا لزم المعنى لزمت علامته وليس كذا التثنية والجمع ؛ لأنه يجوز أن يفترق الإثنان والجمع فتخبر عن كل واحد منهما على حياله والتأنيث الحقيقي الذي لا يجوز فعله إلا بعلامة التأنيث هو كل مؤنث له ذكر كالحيوان نحو قولك : قامت أمة الله ونتجت فرسك والناقة إلا أن يضطر شاعر فيجوز له حذف العلامة على قبح ، فإن كان التأنيث في الاسم ولا معنى تحته فأنت مخير إن شئت جئت بالتاء لتأنيث اللفظ ، وإن شئت حذفتها.

قال الله عز وجل : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : 275] (قالوا) ؛ لأن الموعظة والوعظ سواء.

وقال تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [هود : 67] ؛ لأن الصيحة والصوت واحد أما قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف : 30] فإنما جاء على تقدير جماعة فهو تأنيث الجمع ولا واحد لزمه التأنيث فجمع عليه فلو كان تأنيث الواحد للزمه التاء كما تقول : قامت المسلمات ؛ لأنه على (مسلمة) وتقول : قامت الرجال ؛ لأنه تأنيث الجمع.

واعلم أن الفاعل لا يجوز أن يقدم على الفعل إلا على شرط الابتداء خاصة وكذلك ما قام مقامه من المفعولين الذين لم يسم من فعل بهم فأما المفعول إذا كان الفعل متصرفا فيجوز تقديمه وتأخيره تقول : ضربت زيدا وزيدا ضربت وأكلت خبزا وخبزا أكلت وضربت هند عمرا وعمرا ضربت هند وغلامك أخرج بكرا وبكرا أخرج غلامك وتقول : أشبع الرجلين

ص: 165


1- أصل الاسم أن يكون مذكرا والتأنيث فرع عن التذكير ولكون التذكير هو الأصل استغنى الاسم المذكر عن علامة تدل على التذكير ولكون التأنيث فرعا عن التذكير افتقر إلى علامة تدل عليه وهي التاء والألف المقصورة أو الممدودة والتاء أكثر في الاستعمال من الألف ولذلك قدرت في بعض الأسماء كعين وكتف. ويستدل على تأنيث ما لا علامة فيه ظاهرة من الأسماء المؤنثة بعود الضمير إليه مؤنثا نحو الكتف نهشتها والعين كحلتها وبما أشبه ذلك كوصفه بالمؤنث نحو أكلت كتفا مشوية وكرد التاء إليه في التصغير ككتيفة ويدية. انظر شرح ابن عقيل 4 / 91.

الرغيفان ويكفي الرجلين الدرهمان وتقول : حرق فاه الخل ؛ لأن الخل هو الفاعل وتقول :أعجب ركوبك الدابة زيدا فالكاف في قولك : (ركوبك) مخفوضة بالإضافة وموضعها رفع والتقدير : أعجب زيدا أن ركبت الدابة فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلا كان أو مفعولا ويجري ما بعده على الأصل فإضافته إلى الفاعل أحسن ؛ لأنه له كقول الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)(1) [البقرة : 251].

وإضافته إلى المفعول حسنة ؛ لأنه به اتصل وفيه حل تقول : أعجبني بناء هذه الدار وما أحسن خياطة هذا الثوب فعلى هذا يقول : أعجب ركوب الفرس عمرو زيدا أردت : أعجب أن ركب الفرس عمرو زيدا.

فالفرس وعمرو وركب في صلة أن وزيد منتصب ب (أعجب) خارج عن لا لصلة تقدمه إن شئت قبل (أعجب) ، وإن شئت جعلته بين أعجب والركوب وكذلك : عجبت من دق الثوب القصار ، فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفا ولاما امتنعت إضافته فجرى كل شيء على أصله فقلت : أعجب ركوب زيد الفرس عمرا ، وإن شئت قلت : أعجب ركوب الفرس زيد عمرا ولا يجوز أن تقدم الفرس ولا زيدا قبل الركوب لأنهما من صلته فقد صارا منه كالياء والدال من زيد.

ص: 166


1- اعلم أن حذف المبتدأ والخبر منه ما سبيله الجواز كما سلف ، ومنه ما سبيله الوجوب وهذا شروع في بيانه (وبعد لو لا) الامتناعية (غالبا) أي في غالب أحوالها وهو كون الامتناع معلقا بها على وجود المبتدأ الوجود المطلق (حذف الخبر حتم) نحو : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (البقرة : 251) ، أي ولو لا دفع الله الناس موجود ، حذف موجود وجوبا للعلم به ، وسد جوابها مسده ، أما إذا كان الامتناع معلقا على الوجود المقيد وهو غير الغالب عليها ، فإن لم يدل على المقيد دليل وجوب ذكره نحو لو لا زيد سالما ما سلم وجعل منه قوله عليه الصّلاة والسّلام : «لو لا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم» ، وإن دل عليه دليل جاز إثباته وحذفه نحو لو لا أنصار زيد حموه ما سلم. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 106.

وتقول : ما أعجب شيء شيئا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو نصبت (إعجاب) ؛ لأنه مصدر وتقديره : ما أعجب شيء شيئا إعجابا مثل إعجاب زيد ورفعت الركوب بقولك :أعجب ؛ لأن معناه : كما أعجب زيدا أن ركب الفرس عمرو.

وتقول : أعجب الأكل الخبز زيد عمرا على ما وصفت لك وعلى ذلك قال الله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [البلد : 14 - 15] التقدير : أو أن أطعم. لقوله وما أدراك.

وتقول : أعجب بيع طعامك رخصه المشتريه فالتقدير : أعجب أن باع طعامك رخصه الرجل المشتريه.

فالرخص هو الذي باع الطعام وتقول : أعجبني ضرب الضارب زيدا عبد الله رفعت الضرب ؛ لأنه فاعل ب (أعجبني) وأضفته إلى الضارب ونصبت زيدا ؛ لأنه مفعول في صلة الضارب ونصبت عبد الله بالضرب الأول وفاعله (الضارب) المجرور وتقديره : أعجبني أن ضرب الضارب زيدا عبد الله.

وتقول : أعجب إعطاء الدراهم أخاك غلامك أباك نصبت أباك ب (أعجب) وجعلت غلامك هو الذي أعطى الدراهم أخاك.

وتقول : ضرب الضارب عمرا المكرم زيدا أحبّ أخواك نصبت ضرب الأول ب (أحب) وجررت (الضارب) بالإضافة وعديته إلى (عمرو) ونصبت المكرم زيدا بضرب الأول ، فإن أردت أن لا تعديه إلى عمرو قلت : ضرب الضارب المكرم زيدا أحبّ أخواك وهذا كله في صلة الضرب لأنك أضفته إلى الضارب وسائر الكلام إلى قولك (أحب) متصل به.

وتقول : سر دفعك إلى المعطي زيدا دينارا درهما القائم في داره عمرو نصبت القائم (بسر) ورفعت عمرا بقيامه ولو قلت : سرّ دفعك إلى زيد درهما ضربك عمرا كان محالا ؛ لأن الضرب ليس مما يسرّ ولو قلت : وافق قيامك قعود زيد صلح ومعناه أنهما اتفقا في وقت واحد ولو أردت (بوافق) معنى الموافقة التي هي الإعجاب لم يصلح إلا في الآدميين.

ص: 167

باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين
اشارة

الفعل الذي يتعدى على مفعولين ينقسم إلى قسمين (1) : فأحدهما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر.

والآخر يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر فأما الذي يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر فقولك : أعطى عبد الله زيدا درهما وكسا عبد الله بكرا ثوبا فهذا الباب الذي يجوز فيه الاقتصار على المفعول الأول ولا بد أن يكون المفعول الأول فاعلا فيه في المعنى بالمفعول الثاني ألا ترى أنك إذا قلت : أعطيت زيدا درهما فزيد المفعول الأول.

والمعنى : أنك أعطيته فأخذ الدرهم والدرهم مفعول في المعنى لزيد وكذلك : كسوت زيدا ثوبا المعنى : أنّ زيدا اكتسى الثوب ولبسه.

والأفعال التي تتعدى إلى مفعول واحد كلها إذا نقلتها من (فعل) إلى (أفعل) كتاب كان من هذا الباب تقول : ضرب زيدا عمرا ثم تقول : أضربت زيدا عمرا أي : جعلت زيدا يضرب

ص: 168


1- المتعدي إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، ولا يقتصر في هذا الباب على أحد المفعولين ، يقول سيبويه : وإنّما منعك أن تقتصر على أحد المفعولين ههنا أنّك أردت أن تبيّن ما استقرّ عندك من حال المفعول الأول ، وفائدة هذه الأفعال ظنّ ، أو يقن ، أو كلاهما ، أو تحويل ، فهذه أربعة أنواع : نوع مختصّ بالظن ، ونوع مختصّ باليقين ، ونوع صالح للظن واليقين ، ونوع للتّحويل. فللأوّل وهو الظن : " حجا يحجو" و" عدّ" لا للحسبان و" زعم" و" جعل" و" هب" بصيغة الأمر للمخاطب غير متصرّف. وللثاني وهو اليقين : " علم" لا لعلمة ، وهي شقّ الشّفة العليا ، و" وجد" و" ألفى" و" درى" و" تعلّم" بمعنى أعلم. وللثالث وهو الظّن واليقين : " ظنّ" و" حسب" و" خال" و" وهب" و" ردّ" و" ترك" و" تخذ" و" اتّخذ". وتنصب هذه الأفعال هي وما يتصرّف منها (إلا : هب وتعلّم فإنّهما لا يتصرّفان) تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر. انظر معجم القواعد العربية 25 / 22.

عمرا فعمرو في المعنى مفعول لزيد فهذه هي الأفعال التي يجوز لك فيها الإقتصار على المفعول الأول ؛ لأن الفائدة واقعة به وحده تقول : أعطيت زيدا ولا تذكر ما أعطيته فيكون كلاما تاما مفيدا.

وتقول : أضربت زيدا ولا تقول لمن أضربته.

واعلم أن من الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين في اللفظ وحقه أن يتعدى إلى الثاني بحرف جر إلا أنهم استعملوا حذف خرف الجر فيه فيجوز فيه الوجهان في الكلام.

فمن ذلك قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)(1) [الأعراف : 155] وسميته زيدا وكنيت زيدا أبا عبد الله ألا ترى أنك تقول : اخترت من الرجال وسميته بزيد وكنيته بأبي عبد الله ومن ذلك قول الشاعر :

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

وقال عمرو بن معد يكرب :

ص: 169


1- ما ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهي : " أعطى" نحو" أعطى عبد الله زيدا درهما" و" كسا" نحو" كسوت بشرا الثياب الجياد". و" منح" نحو" منحت خالدا كتابا" و" ألبست أحمد قميصا" و" اخترت الرّجال محمّدا" و" سمّيته عمرا" وكنّيت" عمر أبا حفص" و" دعوته زيدا" التي بمعنى سمّيته ، و" أمرتك الخير" و" أستغفر الله ذنبا" وهذا وأمثاله يجوز فيه الاقتصار على المفعول الأول. ويقول سيبويه في هذا الباب : الذي يتعدّاه فعله إلى مفعولين ، ، فإن شئت اقتصرت على المفعول الأوّل ، ، وإن شئت تعدّى إلى الثاني ، كما تعدّى إلى الأوّل. وذلك قولك : " أعطى عبد الله زيدا درهما" و" كسوت بشرا الثّياب الجياد" ومن ذلك" اخترت الرّجال عبد الله" ومثل ذلك قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) (الآية : 155 سورة الأعراف) ، وسمّيته زيدا ، وكنّيت زيدا أبا عبد الله ، ودعوته زيدا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سمّيته ، وإن عنيت الدّعاء إلى أمر يجاوز مفعولا واحدا. ومنه قول الشاعر : أستغفر الله ذنبا لست محصيه ربّ العباد إليه الوجه والعمل انظر معجم القواعد العربية 25 / 26.

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

أراد : استغفر الله من ذنب وأمرتك بالخير ومن ذلك : دعوته زيدا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته ، وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولا واحدا فأصل هذا دخول الباء فإذا حذف حرف الجر عمل الفعل ومنه : نبئت زيدا تريد : عن زيد وأنشد سيبويه في حذف حرف الجر قول المتلمس :

آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والحبّ يأكله في القرية السّوس

وقال : تريد على حب العراق. وقد خولف في ذلك.

قال أبو العباس : إنما هو : آليت أطعم حب العراق ، أي : لا أطعم.

كما تقول : والله أبرح هاهنا أي : لا أبرح.

وخالفه أيضا في نبّأت زيدا فقال : زيدا معناه : أعلمت زيدا ونبّأت زيدا معناه : أعملت زيدا.

واعلم أنه ليس كل فعل يتعدى بحرف جر لك أن تحذف حرف الجر منه وتعدي الفعل إنما هذا يجوز فيما استعملوه وأخذ سماعا عنهم ومن ذلك قول الفرزدق :

منا الّذي أختير الرّجال سماحة

وجودا إذا هبّ الرّياح الزّعازع

والقسم الثاني : وهو الذي يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما دون الآخر هذا الصنف من الأفعال التي تنفذ منك إلى غيرك ولا يكون من الأفعال المؤثرة وإنما هي أفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتجعل الخبر يقينا أو شكا ، وذلك قولك : حسب عبد الله زيدا بكرا وظن عمرو خالدا أخاك وخال عبد الله زيدا أباك وعلمت زيدا أخاك ومثل ذلك : رأى عبد الله زيدا صاحبنا إذا لم ترد رؤية العين.

ووجد عبد الله زيدا ذا الحفاظ إذا لم ترد التي في معنى وجدان الضالة.

ألا ترى أنك إذا قلت : ظننت عمرا منطلقا فإنما شكك في إنطلاق عمرو لا في عمرو وكذلك إذا قلت : علمت زيدا قائما فالمخاطب إنما استفاد قيام زيد لا زيدا ؛ لأنه يعرف زيدا كما

ص: 170

تعرفه أنت والمخاطب والمخاطب في المفعول الأول سواء وإنما الفائدة في المفعول الثاني كما كان في المبتدأ والخبر الفائدة في الخبر لا في المبتدأ فلما كانت هذه الأفعال إنما تدخل على المبتدأ والخبر والفائدة في الخبر والمفعول الأول هو الذي كان مبتدأ والمفعول الثاني هو الذي كان الخبر بقي موضع الفائدة على حاله.

واعلم أن كل فعل متعد لك ألّا تعديه وسواء عليك أكان يتعدى إلى مفعول واحد أو إلى مفعولين أو إلا ثلاثة لك أن تقول : ضربت ولا تذكر المضروب لتفيد السامع أنه قد كان منك ضرب.

وكذلك ظننت يجوز أن تقول : ظننت وعلمت إلى أن تفيد غيرك ذلك.

واعلم أن ظننت وحسبت وعلمت وما كان نحوهن لا يجوز أن يتعدى واحد منها إلى أحد المفعولين دون الآخر لا يجوز : ظننت زيدا وتسكت حتى تقول : (قائما) وما أشبه.

من أجل أنه إنما يدخل على المبتدأ والخبر فكما لا يكون المبتدأ بغير خبر كذلك : (ظننت) لا تعمل في

المفعول الأول بغير مفعول ثان.

فأما قولهم : ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه ؛ لأنه كناية عن الظن يعني المصدر فكانه قال : ظننت ذاك الظن ف- (ذاك) : إشارة إلى المصدر تعمل الظن فيه كما تعمل الأفعال التي لا تتعدى في المصدر إذا قلت : قمت قياما ويجوز إذا لم تعد : ظننت أن تقول : ظننت به تجعله موضع ظنك كما تقول : نزلت به ويجوز لك أن تلغي الظن إذا توسط الكلام أو تأخر ، وإن شئت أعملته تقول : زيد ظننت منطلق وزيد منطلق ظننت فتلغي الظن إذا تأخر ولا يحسن الإلغاء إلا مؤخرا فإذا ألغيت فكأنك قلت : زيد منطلق في ظني ولا يحسن أن تلغيه إذا تقدم.

ص: 171

مسائل من هذا الباب

تقول : ظننته أخاك قائما تريد : ظننت الظن فتكون الهاء كناية عن الظن كأنك قلت :ظننت أخاك قائما الظن ثم كنيت عن الظن وأجاز بعضهم : ظننتها أخاك قائما يريد : الظنة وكذلك إن جعلت الهاء وقتا أو مكانا على السعة تقول : ظننت زيدا منطلقا اليوم ثم تكني عن اليوم فتقول : ظننت زيدا منطلقا فيه ثم تحذف حرف الجر على السعة فتقول : ظننته زيدا منطلقا تريد : ظننت فيه والمكان كذلك وإذا ولي الظن حروف الاستفهام وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول : علمت أزيد في الدار أم عمرو وعلمت إن زيدا لقائم وأخال لعمرو أخوك وأحسب ليقومن زيد ومن النحويين من يجعل ما ولا ك- (أن) واللام في هذا المعنى فيقول : أظن ما زيد منطلقا وأحسب لا يقوم زيد ؛ لأنه يقول : والله ما زيد محسنا وو الله لا يقوم وزيد.

وتقول : ظننته زيد قائم تريد ظننت الأمر والخبر وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول.

وتقول ظننته هند قائمة فتذكر لأنك تريد الأمر والخبر وظننته تقوم هند ويجوز في القياس : ظننتها زيد قائم تريد : القصة ولا أعلمه مسموعا من العرب.

فأما الكوفيون فيجيزون تأنيث المجهول وتذكيره إذا وقع بعده المؤنث يقولون : ظننته هند قائمة وظننتها هند قائمة وتقول : ظننته قائم زيد والهاء كناية عن المجهول.

والكوفيون يجيزون إذا ولي هذه الهاء فعل دائم النصب فيقولون : ظننته قائما زيد ولا أعرف لذلك وجها في القياس ولا السماع من العرب وتقول : زيد أظنّ منطلق فتلغي (أظنّ) كما عرفتك.

وتقول : خلفك أحسب عمرو قام وقائم أظن زيد فتلغي ، وإن شئت أعملت والكوفيون لا يجيزون إذا تقدمه ماض أو مستقبل أن يعملوا.

ويجيزون أن يعمل إذا تقدمه اسم أو صفة والإلغاء عندهم أحسن.

قال أبو بكر ، وذلك عندنا سواء.

ص: 172

قال الشاعر :

أبا الأراجيز يا ابن اللّؤم توعدني

وفي الأراجيز خلت اللوم والخور (1)

فألغى : (خلت) ويلغي المصدر كما يلغي الفعل وتقول : عبد الله ظني قائم وفي ظني وفيما أظن وظنا مني فهذا يلغي وهو نصب تريد : أظن ظنا ، وإذا قلت : في ظني (ففي) من صلة كلامك جعلت ذلك فيما تظن.

وحكي عن بعضهم : أنه جعله من صلة خبر عبد الله ؛ لأن قيامه فيما يظن وتقول : ظننت زيدا طعامك آكلا وطعامك ظننت زيدا آكلا.

ولا يجوز : ظننت طعامك زيدا آكلا من حيث قبح : كانت زيدا الحمّى تاخذ وهذه المسألة توافق : كانت زيدا الحمى تأخذ من جهة وتخالفها من جهة أما الجهة التي تخالفها ، فإن (كانت) خالية من الفاعل وظننت معها الفاعل والفعل لا يخلو من الفاعل.

ص: 173


1- يعتري هذه الأفعال التي تتعدّى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر أمران : أوّلهما : الإلغاء ، والثاني : التّعليق. فالإلغاء إبطال تعدّيهما إلى مفعولين لفظا ومحلّا ، إمّا بتدّم العامل ، أو بتوسّطه ، أو بتأخّره. فالأوّل نحو : " ظننت زيدا قائما" ويمتنع الرفع عند البصريين ، ويقبح ، ويجب عندهم نصب الجزأين : " زيد وقائم وهو الصحيح ، ويجوز عند الكوفيين والأخفش ولكنّ الإعمال عندهم أحسن أمّا قول بعض بني فزارة : كذاك أدّبت حتى صار من خلقي إني وجدت ملاك الشيمة الأدب فالرّواية الصّحيحة نصب ملاك والأدب كما في الحماسة. والثاني : ويجوز بلا قبح ولا ضعف في توسّط العامل نحو" زيدا ظننت قائما" والإعمال أقوى ، ومن توسّط العامل قول اللّعين المنقري أبو الأكيدر يهجو العجّاج : أبا الأراجيز يابن اللّؤم توعدني وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور والاصل : اللؤم الخورا ، والمفعول الثاني متعلّق وفي الأراجيز ومثله في تأخير العامل تقول : " عمرو آت ظننت" يجوز الإلغاء ، والإعمال ، ولكنّ الإلغاء هنا أقوى من إعماله ؛ لأنه كما يقول سيبويه إنما يجيئ بالشّك ، بعد ما يمضي كلامه على اليقين ومن التأخير قول أبي أسيدة الدّبيري : هما سيّدانا يزعمان وإنّما يسوداننا إن أيسرت غنماهما انظر معجم القواعد العربية 25 / 23.

والتفريق بينه وبين الفاعل أقبح منه بينه وبين المفعول.

والذي يتفقان فيه أن (كان) تدخل على مبتدأ وخبر وظننت ما عملا فيه بما لم يعملا فيه.

فإن أعملت : (ظننت) في مجهول جاز كما جاز في (كان) ورفعت زيدا وخبره فقلت : ظننته طعامك زيدا آكل ويجوز : ظننته آكل زيد طعام ويجوز في قول الكوفيين نصب آكل.

وقد أجاز قوم من النحويين : ظننت عبد الله يقوم وقاعدا وظننت عبد الله قاعدا ويقوم.

ترفع (يقوم) وأحدهما نسق على الآخر.

ولكن إعرابهما مختلف وهو عندي قبيح من أجل عطف الاسم على الفعل والفعل على الاسم ؛ لأن العطف أخو التثنية فكما لا يجوز أن ينضم فعل إلى اسم في تثنية كذلك لا يجوز في العطف ألا ترى أنك إذا قلت : زيدان فإنما معناه : زيد وزيد فلو كانت الأسماء على لفظ واحد لاستغني عن العطف.

وإنما احتيج إلى العطف لإختلاف الأسماء تقول : جاءني زيد وعمرو لما اختلف الاسمان ولو كان اسم كل واحد منهما عمرو لقلت : جاءني العمران فالتثنية نظير العطف ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول : جاءني زيد وزيد فحق الكلم التي يعطف بعضها على بعض أن يكون متى اتفقت ألفاظها جاز تثنيتها وما ذكروا جائز في التأويل لمضارعة (يفعل) لفاعل وهو عندي قبيح لما ذكرت لك.

وتقول : ظن ظانا زيدا أخاك عمرو تريد : ظن عمرو ظانا زيدا أخاك رفعت عمرا وهو المفعول الأول إذ قام مقام الفاعل ونصبت (ظانا) ؛ لأنه المفعول الثاني فبقي على نصبه.

ويجوز أن ترفع ظانا وتنصب عمرا فتقول : ظن ظان زيدا أخاك عمرا كأنك قلت : ظن رجل ظان زيدا أخاك عمرا فترفع (ظانا) بأنه قد قام مقام الفاعل وتنصب زيدا أخاك به وتنصب عمرا ؛ لأنه مفعول (ظن).

وهو خبر ما لم يسم فاعله وتقول : ظن مظنون عمرا زيدا.

ص: 174

كأنك قلت : ظن رجل مظنون عمرا زيدا فترفع (مظنون) بأنه قام مقام الفاعل وفيه ضمير رجل والضمير مرتفع ب (مظنون) وهو الذي قام مقام الفاعل في مظنون وعمرا منصوب ب (مظنون) وزيدا منصوب ب (ظن).

وتقول : ظن مظنون عمرو أخاه زيدا كأنك قلت : ظن رجل مظنون عمرو أخاه زيدا و (مظنون) في هذا وما أشبهه من النعوت يسميه الكوفيون خلفا يعنون أنه خلف من اسم.

ولا بد من أن يكون فيه راجع إلى الاسم المحذوف.

والبصريون يقولون : صفة قامت مقام الموصوف والمعنى واحد فيرفع (مظنون) بأنه قام مقام الفاعل وهو ما لم يسم فاعله وترفع عمرا ب (مظنون) ؛ لأنه قام مقام الفاعل في مظنون.

ونصبت أخاه ب (مظنون) ورجعت الهاء إلى الاسم الموصوف الذي (مظنون) خلف منه ونصبت زيدا ب (ظن) فكأنك قلت : ظن رجل زيدا ولو قتل : ظن مظنون عمرو أخاك زيدا لم يجز ؛ لأن التأويل : ظن رجل مظنون عمرو أخاك زيدا ف- (مظنون) صفة لرجل ولا بد من أن يكون في الصفة أو فيما تشبثت به الصفة ما يرجع إلى رجل.

وليس في هذه المسألة ما يرجع إلى رجل فمن أجل ذلك لم يجز ويجوز في قول الكوفيين : ظن زيد قائما أبوه على معنى أن يقوم أبوه.

ولا يجيز هذا البصريون ؛ لأنه نقض لباب (ظن) وما عليه أصول الكلام وإنما يجيز هذا الكوفيون فيما عاد عليه ذكره.

وينشدون :

أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا

بعاديتي تكذابه وجعائله

ص: 175

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين
اشارة

(1)

اعلم أن المفعول الأول في هذا الباب هو الذي كان فاعلا في الباب الذي قبله فنقلته من فعل إلى (أفعل) فصار الفاعل مفعولا وقد بينت هذا فيما تقدم تقول رأى زيد بشرا أخاك فإذا نقلتها إلى (أفعل) قلت : أرى الله زيدا بشرا أخاك وأعلم الله زيدا بكرا خير الناس.

وقد جاء (فعلت) في هذا النحو تقول : نبأت زيدا عمرا أبا فلان ولا يجوز الإلغاء في هذا الباب كما جاز في الباب الذي قبله لأنك إذا قلت : علمت وظننت وما أشبه ذلك فهي أفعال غير واصلة فإذا قلت : (أعلمت) كانت واصلة فمن هنا حسن الإلغاء في (ظننت وعلمت) ولم يجز إلغاء : (علمت) لأنك إذا (ظننت) فإنما هو شيء وقع في نفسك لا شيء فعلته.

وإذا قلت : (أعلمت) فقد أثرت أثرا أوقعته في نفس غيرك.

ومع ذلك فإن : (ظننت وعلمت) تدخلان على المبتدأ والخبر فإذا ألغينا بقي الكلام تاما مستغنيا بنفسه تقول : زيدا ظننت منطلقا فإذا ألغيت : (ظننت) بقي زيد ومنطلق فقلت : زيد منطلق ثم تقول (ظننت) والكلام مستغن والملغى نظير المحذوف فلا يجوز أن يلغى من الكلام ما إذا حذفته بقي الكلام غير تام ولو ألغيت : (أعلمت ورأيت) من قولك : أريت زيدا بكرا خير الناس وأعلمت بشرا خالدا شر الناس والملغى كالمحذوف لبقي زيد بكر خير الناس فزيد بغير خبر والكلام غير مؤتلف ولا تام.

ص: 176


1- ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل وهو سبعة أحدها أعلم المنقولة بالهمزة من علم المتعدية لاثنين تقول أعلمت زيدا عمرا فاضلا. الثاني أرى المنقولة بالهمزة من رأى المتعدية لاثنين نحو أريت زيدا عمرا فاضلا بمعنى أعلمته قال الله تعالى (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) فالهاء والميم مفعول أول و (أعمالهم) مفعول ثان و (حسرات) مفعول ثالث. والبواقي ما ضمّن معنى أعلم وأرى المذكورتين من أنبأ ونبّأ وأخبر وخبّر وحدّث تقول أنبأت زيدا عمرا فاضلا بمعنى أعلمته وكذلك تفعل في البواقي وإنما أصل هذه الخمسة أن تتعدى لاثنين إلى الأول بنفسها وإلى الثاني بالياء أو عن نحو (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) وقد يحذف الحرف نحو (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) انظر شرح شذور الذهب 1 / 484.

واعلم أن هذه الأفعال المتعدية كلها ما تعدى منها إلى مفعول وما تعدى منها إلى اثنين وما تعدى منها إلى ثلاثة إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى مفعول من المصدر والظرفين والحال ، وذلك قولك : أعطى عبد الله زيدا المال إعطاء جميلا وأعلمت هذا زيدا قائما العلم اليقين إعلاما لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى.

ص: 177

مسائل من هذا الباب

تقول : سرقت عبد الله الثوب الليلة فتعدى (سرقت) إلى ثلاثة مفعولين على أن لا تجعل (الليلة) ظرفا ولكنك تجعلها مفعولا على السعة في اللغة كما تقول : يا سارق الليلة زيدا الثوب.

فتضيف (سارقا) إلى الليلة وإنما تكون الإضافة إلى الأسماء لا إلى الظروف وكذلك حروف الجر إنما تدخل على الأسماء لا على الظروف فكل منجر بجار عامل فيه فهو اسم وتقول : أعلمت زيدا عمرا هند معجبها هو.

كان أصل الكلام : علم زيدا عمرا هند معجبها هو.

فزيد مرفوع ب (علم) وعمرو منصوب بأنه المفعول الأول وهند مرتفعة بالابتداء (ومعجبها) هو الخبر و (هو) هذه كناية عن عمرو وراجعة إليه فلم يجز أن تقول : معجبها ولا تذكر (هو) ؛ لأن أسماء الفاعلين إذا جرت على غير من هي له لم يكن بد من إظهار الفاعل.

وقد بينا هذا فيما تقدم (وهند) وخبرها الجملة بأسرها قامت مقام المفعول الثاني وموضعها نصب فإذا نقلت (علم) إلى (أعلمت) صار زيد مفعولا فقلت : أعلمت زيدا عمرا هند معجبها هو ، فإن قيل لك أكن عن (هند معجبها هو).

قلت : أعلمت زيدا عمرا إياه ؛ لأن موضع الخبر نصب.

وهذا إذا كنيت عن معنى الجملة لا عن الجملة وتقول : أعلمته زيدا أخاك قائما تريد :أعلمت العلم فتكون الهاء كناية عن المصدر كما كانت في (ظننته زيدا أخاك) ، فإن جعلت الهاء وقتا أو مكانا على السعة جاز كما كان في (ظننته) وقد فسرته في باب مسائل (ظننت).

ومن قال : (ظننته زيد قائم) فجعل الهاء كناية عن الخبر والأمر وهو الذي يسميه الكوفيون المجهول لم يجز له أن يقول في (أعلمت زيدا عمرا خير الناس) أعلمته زيدا عمرو خير الناس لما خبرتك به من أنه يبقى زيد بلا خبر وإنما يجوز ذلك في الفعل الداخل على المبتدأ والخبر فلا يجوز هذا في (أعلمت) كما لا يجوز الإلغاء لأنك تحتاج إلى أن تذكر بعد الهاء خبرا

ص: 178

تاما يكون هو بجملته تلك الهاء والأفعال المؤثرة لا يجوز أن يضمر فيها المجهول إنما تذكر المجهول مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر ونحو : كان وظننت وأن وما أشبه ذلك ألا ترى أن تأويل ظننته زيد قائم ظننت الأمر والخبر زيد قائم وكذلك إذا قلت : إنّه زيد قائم فالتأويل : أن الأمر زيد قائم وكذلك : كان زيد قائم إذا كان فيها مجهول التأويل كان الأمر زيد قائم ولا يجوز أن تقول : أعلمت الأمر ولا أريت الأمر هو ممتنع من جهتين : من جهة أن زيدا يكون بغير خبر يعود إليه ولو زدت في المسألة أيضا ما يرجع إليه ما جاز من الجهة الثانية.

وهي أنه لا يجوز : أعلمت الخبر خبرا إنما يعلم المستخبر وتقول : أعلمت عمرا زيدا ظانا بكرا أخاك كأنك قلت : أعلمت عمرا زيدا رجلا ظانا بكرا أخاك.

فإن رددت إلى ما لم يسم فاعله قلت : أعلم عمرو زيدا ظانا بكرا أخاك ولك أن تقيم (زيدا) مقام الفاعل وتنصب عمرا فتقول : أعلم زيد عمرا ظانا بكرا أخاك ولا يجوز : أعلم ظان بكرا أخاك عمرا زيدا.

من أجل أن حق المفعول الثالث أن يكون هو الثاني في المعنى إذ كان أصله المبتدأ والخبر وقد تقدم تفسير ذلك ، فإن كان عمرو هو زيد له إسمان جاز وجعلته هو على أن يغني غناه ويقوم مقامه كما تقول : زيد عمرو أي : أن أمره وهو يقوم مقامه جاز وإلا فالكلام محال ؛ لأن عمرا لا يكون زيدا.

ص: 179

شرح الثالث : وهو المفعول فيه
اشارة

المفعول فيه (1) ينقسم على قسمين : زمان ومكان أما الزمان ، فإن جميع الأفعال تتعدى إلى كل ضرب منه معرفة كان أو نكرة ، وذلك أن الأفعال صيغت من المصادر بأقسام الأزمنة كما بينا فيما تقدم فما نصب من أسماء الزمان فانتصابه على أنه ظرف وتعتبره بحرف الظرف أعني (في) فيحسن معه فتقول : قمت اليوم وقمت في اليوم فأنت تريد معنى (في) ، وإن لم تذكرها ولذلك سميت إذا نصبت ظروفا لأنها قامت مقام (في) ألا ترى أنك إذا قلت : قمت اليوم ثم قيل لك : أكن عن اليوم قلت : قمت فيه وكذلك : يوم الجمعة ويوم الأحد والليلة وليلة السبت وما أشبه ذلك وكذلك : نكراتها نحو قولك : قمت يوما وساعة وليلة وعشيا وعشية وصباحا ومساء.

فأما سحر إذا أردت به سحر يومك وغدوة وبكرة هذه الثلاثة الأحرف فإنها لا تتصرف تقول : جئتك اليوم سحر وغدوة وبكرة يا هذا وسنذكرها في موضعها فيما يتصرف وما لا يتصرف إن شاء الله.

ص: 180


1- قال ابن هشام : المفعول فيه وهو ما ذكر فضلة لأجل أمر وقع فيه من زمان مطلقا أو مكان مبهم أو مفيد مقدارا أو مادّته مادّة عامله ك صمت يوما أو يوم الخميس وجلست أمامك وسرت فرسخا وجلست مجلسك والمكانيّ غيرهنّ يجرّ بفي ك صلّيت في المسجد ونحو قالا خيمتي أمّ معبد وقولهم دخلت الدّار على التّوسّع وأقول الرابع من المنصوبات الخمسة عشر المفعول فيه ويسمى الظرف وهو عبارة عما ذكرت والحاصل أن الاسم قد لا يكون ذكر لأجل أمر وقع فيه ولا هو زمان ولا مكان وذلك كزيدا في ضربت زيدا وقد يكون إنما ذكر لأجل أمر وقع فيه ولكنه ليس بزمان ولا مكان نحو رغب المتقون أن يفعلوا خيرا ، فإن المعنى في أن يفعلوا وعليه في أحد التفسيرين قوله تعالى (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) وقد يكون العكس نحو (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً) ونحو (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) ونحو (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) فهذه الأنواع لا تسمى ظرفا في الاصطلاح بل كلّ منها مفعول به وقع الفعل عليه لا فيه يظهر ذلك بأدنى تأمّل للمعنى وقد يكون مذكورا لأجل أمر وقع فيه وهو زمان أو مكان فهو حينئذ منصوب على معنى في وهذا النوع خاصة هو المسمى في الاصطلاح ظرفا وذلك كقولك صمت يوما أو يوم الخميس وجلست أمامك. انظر شرح شذور الذهب 1 / 299.

وكل ما جاز أن يكون جواب (متى) فهو زمان ويصلح أن يكون ظرفا للفعل يقول القائل : متى قمت فتقول : يوم الجمعة ومتى صمت فتقول : يوم الخميس ومتى قدم فلان فتقول : عام كذا وكذا وكل ما كان جواب متى فالعمل يجوز أن يكون في بعضه وفي كله يقول القائل : متى سرت فتقول : يوم الجمعة فيجوز أن يكون سرت بعض ذلك اليوم.

ويجوز أن يكون قد سرت اليوم كله (وكم) من أجل أنها سؤال عن عدد تقع على كل معدود والأزمنة مما يعد فهي يسأل بها عن عدد الأزمنة فيقول القائل : كم سرت فتقول : ساعة أو يوما أو يومين ولا يسأل (بكم) إلا عن نكرة (ومتى) لا يسأل بها إلا عن معرفة أو ما قارب المعرفة يقول القائل : كم سرت فتقول : شهرين أو شهرا أو يوما ولا يجوز أن تقول : الشهر الذي تعلم ولا اليوم الذي تعلم ؛ لأن هذا من جواب (متى).

وأما قولهم : سار الليل والنهار والدهر والأبد فهو ، وإن كان لفظه لفظ المعارف فهو في جواب (كم) ولا يجوز أن يكون جواب (متى) ؛ لأنه إنما يراد به التكثير وليست بأوقات معلومة محدودة فإذا قالوا : سير عليه الليل والنهار فكأنهم قالوا : سير عليه دهرا طويلا وكذلك الأبد فإنما يراد به التكثير والعدد وإلا فالكلام محال.

وذكر سيبويه : أن المحرم وسائر أسماء الشهور أجريت مجرى الدهر والليل والنهار وقال لو قلت : شهر رمضان أو شهر ذي الحجة كان بمنزلة يوم الجمعة أو البارحة ولصار جواب (متى) فالمحرم عنده بلا ذكر (شهر) يكون في جواب (كم) ، فإن أضفت شهرا إليه صار في جواب (متى) وحجته في ذلك استعمال العرب له لذلك قال : وجميع ما ذكرت لك مما يكون مجرى على (متى) يكون مجرى على (كم) ظرفا وغير ظرف.

وبعض ما يكون في (كم) لا يكون في (متى) نحو : الدهر والليل والنهار.

واعلم أن أسماء الأزمنة تكون على ضربين : فمنها ما يكون اسما ويكون ظرفا ومنها ما لا يكون إلا ظرفا.

فكل اسم من أسماء الزمان فلك أن تجعله اسما وظرفا إلا ما خصته العرب بأن جعلته ظرفا ، وذلك ما لم تستعمله العرب مجرورا ولا مرفوعا.

ص: 181

وهذا إنما يؤخذ سماعا عنهم فمن ذلك : (سحر) إذا كان معرفة غير مصروف تعني به :سحر يومك لا يكون إلا ظرفا وإنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر وبالألف واللام أو نكرة وكذلك تحقير سحر إذا عنيت : سحر يومك لم يكن إلا ظرفا.

تقول : سير عليه سحيرا وتصرفه ؛ لأن (فعيلا) منصرف حيث كان.

ومثله ضحى إذا عنيت : ضحى يومك وصباحا وعشية وعشاء إذا أردت : عشاء يومك فإنه لم يستعمل إلا ظرفا وكذلك : ذات مرة وبعيدات بين وبكرا وضحوة إذا عنيت ضحوة يومك وعتمة إذا أردت : عتمة ليلتك وذات يوم وذات مرة وليل ونهار إذا أردت : ليل ليلتك ونهار نهارك وذو صباح ظرف.

قال سيبويه : أخبرنا بذلك يونس إلا أنه قد جاء في لغة لخثعم : ذات ليلة وذات مرة أي جاءتا مرفوعتين فيجوز على هذا أن تنصب نصب المفعول على السعة.

واعلم أن العرب قد أقامت أسماء ليست بأزمنة مقام الأزمنة إتساعا واختصارا وهذه الأسماء تجيء على ضربين :

أحدهما : أن يكون أصل الكلام إضافة أسماء الزمان إلى مصدر مضاف فحذف اسم الزمان اتساعا نحو : جئتك مقدم الحاج وخفوق النجم وخلافة فلان وصلاة العصر فالمراد في جميع هذا : جئتك وقت مقدم الحاج ووقت خفوق النجم ووقت خلافة فلان ووقت صلاة العصر.

والآخر : أن يكون اسم الزمان موصوفا فحذفا اتساعا وأقيم الوصف مقام الموصوف نحو : طويل وحديث وكثير وقليل وقديم وجميع هذه الصفات إذا أقمتها مقام الأحيان لم يجز فيها الرفع ولم تكن إلا ظروفا وجرت مجرى ما لا يكون إلا ظرفا من الأزمنة فأما قريب ، فإن سيبويه أجاز فيه الرفع وقال : لأنهم يقولون : لقيته مذ قريب وكذلك ملى قال : والنصب عندي عربي كثير.

فإن قلت : سير عليه طويل من الدهر وشديد من السير فأطلقت الكلام ووصفته كان أحسن وأقوى وجاز.

ص: 182

قال أبو بكر : وإنما صار أحسن إذا وصف لأنمه يصير كالأسماء ؛ لأن الأسماء هي التي توصف وكل ما كان من أسماء الزمان يجوز أن يكون إسما وأن يكون ظرفا فلك أن تنصبه نصب المفعول على السعة تقول : قمت اليوم وقعدت الليلة فتنصبه نصب (زيد) إذا قلت :ضربت زيدا ويتبين لك هذا في الكناية أنك إذا قلت : قمت اليوم فتنصبه نصب المفعول على السعة فكنيت عنه قلت : قمته ، وإذا نصبته نصب الظروف قلت : قمت فيه.

وإذا وقع موقع المفعول جاز أن يقوم مقام الفاعل فيما لم يسم فاعله ، ألا تراهم قالوا :صيد عليه يومان وولد له ستون عاما.

ص: 183

مسائل من هذا الباب

تقول : يوم الجمعة القتال فيه فيوم الجمعة مرفوع بالابتداء والقتال فيه الخبر والهاء راجعة إلى يوم الجمعة ، وإذا أضمرته وشغلت الفعل عنه خرج من أن يكون ظرفا والظروف متى كني وتحدث عنها زال معنى الظرف ويجوز : يوم الجمعة القتال فيه على أن تضمر فعلا قبل يوم الجمعة يفسره القتال فيه كأنك قلت : القتال يوم الجمعة القتال فيه هذا مذهب سيبويه والبصريين فلك أن تنصبه نصب الظروف ونصب المفعول.

وتقول : اليوم الصيام واليوم القتال فترفع الصيام والقتال بالابتداء واليوم خبر الصيام والقتال واليوم منصوب بفعل محذوف كأنك قلت : الصيام يستقر اليوم أو يكون اليوم وما أشبه ذلك ولا يجوز أن تقول : زيد اليوم ويجوز أن تقول : الليلة الهلال (1).

وقد بينا هذا فيما تقدم عند ذكرنا خبر المبتدأ.

وتقول : اليوم الجمعة واليوم السبت ؛ لأنه عمل في اليوم ، فإن جعلته اسم اليوم رفعت.

فأما : اليوم الأحد واليوم الاثنان إلى الخميس فحق هذا الرفع ؛ لأن هذه كلها أسماء لليوم ولا يكون عملا فيها وإنما كان ذلك في الجمعة والسبت ؛ لأن الجمعة بمعنى الاجتماع والسبت بمعنى الانقطاع.

ص: 184


1- قال ابن عقيل : ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة نحو زيد عندك وعن المعنى نحو القتال عندك ، وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي نحو القتال يوم الجمعة أو في يوم الجمعة ولا يقع خبرا عن الجثة قال المصنف إلا إذا أفاد نحو الليلة الهلال والرطب شهري ربيع ، فإن لم يفد لم يقع خيرا عن الجثة نحو زيد اليوم وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا ، فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم الليلة الهلال والرطب شهري ربيع التقدير طلوع الهلال الليلة ووجود الرطب شهري ربيع هذا مذهب جمهور البصريين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد كقولك نحن في يوم طيب وفي شهر كذا وإلى هذا أشار بقوله ، وإن يفد فأخبرا ، فإن لم يفد امتنع نحو زيد يوم الجمعة. انظر شرح ابن عقيل 1 / 214.

وتقول : اليوم رأس الشهر واليوم رأس الشهر أما النصب فكأنك قلت : اليوم ابتداء الشهر ، وأما الرفع فكأنك قلت : اليوم أول الشهر فتجعل اليوم هو الأول ، وإذا نصبت فالثاني غير الأول.

واعلم أن أسماء الزمان تضاف إلى الجمل وإلى الفعل والفاعل وإلى الابتداء والخبر تقول :هذا يوم يقوم زيد وأجيئك يوم يخرج الأمير وأخرج يوم عبد الله أمير وتقول : إن يوم عبد الله أمير زيدا جالس تريد : إن زيدا جالس يوم عبد الله أمير ، فإن جعلت في أول كلامك (فيه) قلت : إن يوما فيه عبد الله خارج زيدا مقيم فتنصب (زيدا) ب (أن) و (مقيم) خبره و (يوما) منتصب بأنه ظرف ل- (مقيم) و (فيه عبد الله خارج) صفة ليوم ، فإن قلت : إن يوما فيه عبد الله خارج. زيد فيه مقيم خرج اليوم من أن يكون ظرفا وصار اسما ل- (أنّ) وإنما أخرجه من أن يكون ظرفا : أنك جئت (بفيه) فأخبرت عنه : بأن إقامة زيد فيه.

ف (فيه) الثانية أخرجته عن أن يكون ظرفا لأنها شغلت مقيما عنه ولم تخرجه (فيه) الأولى من أن يكون ظرفا لأنها من صلة الكلام الذي هو صفة (لليوم) فالصفة لا تعمل في الموصوف فيكون متى شغلتها خرج الظرف عما هو عليه وإنما دخلت لتفصل بين يوم خرج فيه عبد الله وبين يوم لم يخرج فيه فقولك : يوم الجمعة قمت فيه بمنزلة قولك : زيد مررت به لا فرق فيه الإخبار عنهما وتقول : ما اليوم خارجا فيه عبد الله وما يوم خارج فيه عبد الله منطلقا فيه زيد.

وتقول : ما يوما خارجا فيه زيد منطلق عمرو فتنصب يوما بأنك جعلته ظرفا للإنطلاق ونصبت (خارجا) ؛ لأنه صفة لليوم ، وأما (منطلق) فإنما رفعته لأنك قدمت خبر (ما).

ومن قال :

يا سارق اللّيلة أهل الدّار

فجر (الليلة) وجعلها مفعولا بها على السعة فإنه يقول : أما الليلة فأنت سارقها زيدا ، وأما اليوم فأنت آكله خبزا وهذان اليومان أنا ظانهما زيدا عاقلا ؛ لأنه قد جعله مفعولا به على

ص: 185

السعة ولا تقول : اليوم أنا معلمه زيدا بشرا منطلقا ؛ لأنه لا يكون فعل يتعدى إلى أربعة مفاعيل فيشبه هذا به وقد أجازه بعض الناس.

وتقول على هذا القياس : أما الليلة فكأنها زيد منطلقا ، وأما اليوم فليسه زيد منطلقا ، وأما الليلة فليس زيد إياها منطلقا ، وأما اليوم فكأنه زيد منطلقا ، وأما اليوم فكان زيد إياه منطلقا تريد في جميع هذا : (في) فتحذف على السعة ولا تقول : أما اليوم فليته زيدا منطلق تريد : ليت فيه ؛ لأن (ليت) ليست بفعل ولا هذا موضع مفعول فيتسع فيه وجميع هذا مذهب الأخفش.

وذكر الأخفش أنه يجوز : أما الليلة فما زيد إياها منطلقا ؛ لأن (ما) مشبه بالفعل قال : لم يجوزه في (ما) فهو أقيس ؛ لأن (ما) ، وإن كانت شبهت بالفعل فليست كالفعل.

قال أبو بكر : وهو عندي لا يجوز البتة.

وتقول : الليلة أنا أنطلقها. تريد : أنا أن أنطلق فيها.

وتقول : الليلة أنا منطلقها. تريد : أنا منطلق فيها.

ولا يجوز : الليلة أنا إياها منطلق ولا : اليوم نحن إياه منطلقون. تريد : نحن منطلقون فيه.

ولا يجوز : أما اليوم فالقتال إياه. تريد : فيه ، وأما الليلة فالرحيل إياها. تريد : فيها ؛ لأن السعة والحذف لا يكونان فيه كما لا سعة فيه ولا حذف في جميع أحواله. قال الأخفش : ولو تكلمت به العرب لأجزيناه.

ص: 186

ذكر المكان
اشارة

اعلم أن الأماكن ليست كالأزمنة التي يعمل فيها كل فعل فينصبها نصب الظروف ؛ لأن الأمكنة : أشخاص (1) له خلق وصور تعرف بها كالجبل والوادي وما أشبه ذلك وهن بالناس أشبه من الأزمنة لذلك وإنما الظروف منها التي يتعدى إليها الفعل الذي لا يتعدى ما كان منها مبهما خاصة ومعنى المبهم أنه هو الذي ليست له حدود معلومة تحصره.

وهو يلي الاسم من أقطاره نحو : خلف وقدام وأمام ووراء وما أشبه ذلك ألا ترى أنك إذا قلت : قمت خلف المسجد لم يكن لذلك الخلف نهاية تقف عندها وكذلك إذا قلت : قدام زيد. لم يكن لذلك حد ينتهي إليه فهذا وما أشبهه هو المبهم الذي لا اختلاف فيه أنه ظرف.

وأما مكة والمدينة والمسجد والدار والبيت فلا يجوز أن يكن ظروفا ؛ لأن لها أقطارا محدودة معلومة تقول : قمت أمامك وصليت وراءك ولا يجوز أن تقول : قمت المسجد ولا قعدت المدينة ولا ما أشبه ذلك والأمكنة تنقسم قسمين منها ما استعمل اسما يتصرف في جميع الإعراب وظرفا ومنها ما لا يرفع ولا يكون إلا ظرفا.

فأما الظروف التي تكون اسما فذكر سيبويه : أنها خلفك وقدامك وأمامك وتحتك وقبالتك. ثم قال : وما أشبه ذلك. وقال : ومن ذلك : هو ناحية من الدار ومكانا صالحا وداره ذات اليمين وشرقي كذا وكذا.

ص: 187


1- ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة نحو زيد عندك وعن المعنى نحو القتال عندك ، وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي نحو القتال يوم الجمعة أو في يوم الجمعة ولا يقع خبرا عن الجثة قال المصنف إلا إذا أفاد نحو الليلة الهلال والرطب شهري ربيع ، فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة نحو زيد اليوم وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا ، فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم الليلة الهلال والرطب شهري ربيع التقدير طلوع الهلال الليلة ووجود الرطب شهري ربيع هذا مذهب جمهور البصريين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد كقولك نحن في يوم طيب وفي شهر كذا. انظر شرح ابن عقيل 1 / 214.

قال : وقالوا : منازلهم يمينا وشمالا وهو قصدك وهو حلة الغور أي قصده وهما خطان جنابتي أنفهما يعني الخطين اللذين اكتنفا أنف الظبية وهو موضعه ومكانه صددك ومعناه القصد وسقبك وهو قربك وقرابتك ثم قال : واعلم أن هذه الأشياء كلها قد تكون اسما غير ظرف بمنزلة زيد وعمرو.

وحكى : هم قريب منك وقريبا منك وهو وزن الجبل أي : ناحية منه وهو زنة الجبل أي :حذاءه وقرابتك وقربك وحواليه بنو فلان وقومك أقطار البلاد قال ومن ذلك قول أبي حية :

إذا ما نعشناه على الرّحل ينثني

مساليه عنه من وراء ومقدم

مسالاة : عطفاه.

ومما يجري مجرى ما ذكره سيبويه من الأسماء التي تكون ظروفا فرسخ وميل تقول : سرت فرسخا وفرسخين وميلا وميلين ، فإن قال قائل : ففرسخ وميل موقت معلوم فلم جعلته مبهما قيل له : إنما يراد بالمبهم ما لا يعرف له من البلاد موضع ثابت ولا حدود من الأمكنة فهذا إنا يعرف مقداره.

فالإبهام في الفرسخ والميل بعد موجود ؛ لأن كل موضع يصلح أن يكون من الفرسخ والميل فافهم الفرق بين المعروف الموضع والمعروف القدر وكذلك ما كان من الأمكنة مشتقا من الفعل نحو : ذهبت المذهب البعيد وجلست المجلس الكريم.

وأما الظروف التي لا ترفع : فعند وسوى وسواء إذا أردت بهما معنى (غير) لم تستعمل إلا ظروفا.

قال سيبويه : إن سواءك بمنزلة مكانك ولا يكون اسما إلا في الشعر.

ودل على أن سواءك ظرف أنك تقول : مررت بمن سواءك والفرق بين قولك : عندك وخلفك أن خلفك تعرف بها الجهة وعندك لما حضرك من جميع أقطارك وكذلك سواءك لا تخص مكانا من مكان فبعدا من الأسماء لإستيلاء الإبهام عليهما.

واعلم أن الظروف أصلها الأزمنة والأمكنة ثم تتسع العرب فيها للتقريب والتشبيه فمن ذلك قولك : زيد دون الدار وفوق الدار إنما تريد : مكانا دون الدار ومكانا فوق الدار ثم يتسع

ص: 188

ذلك فتقول : زيد دون عمرو وأنت تريد في الشرف أو العلم أو المال أو نحو ذلك وإنما الأصل المكان.

ومما اتسعوا فيه قولهم : (هو مني بمنزلة الولد) إنما أخبرت أنه في أقرب المواضع ، وإن لم ترد البقعة من الأرض وهو مني منزلة الشغاف ومزجر الكلب ومقعد القابلة ومناط الثريا ومعقد الإزار (1).

قال سيبويه : أجرى مجرى : هو مني مكان كذا ولكنه حذف. ودرج السيول ورجع أدراجه وقال : إنما يستعمل من هذا الباب ما استعلمت العرب ، وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك : هو مني فرسخان وأنت مني يومان وميلان وأنت مني عدوة الفرس وغلوة السهم هذا كله مرفوع لا يجوز فيه إلا ذاك وإنما فصله من الباب الذي قبله أنك تريد : هاهنا بيني وبينك فرسخان ولم ترد أنت من هذا المكان ؛ لأن ذلك لا معنى له فما كان في هذا المعنى فهذا مجراه نحو : أنت مني فوت اليد ودعوة الرجل.

قال سيبويه : وأما أنت مرأى ومسمع فرفع لأنهم جعلوه الأول وبعض الناس ينصب مرأى ومسمعا فأما قولهم : داري من خلف دارك فرسخا فانتصب فرسخ ؛ لأن ما خلف دارك الخبر وفرسخا على جهة التمييز ، فإن شئت قلت : داري خلف دارك فرسخان تلغي (خلف).

ص: 189


1- اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان أحدهما المبهم والثاني ما صيغ من المصدر بشرطه الذي سنذكره والمبهم كالجهات الست نحو فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف ونحو هذا كالمقادير نحو غلوة وميل وفرسخ وبريد تقول جلست فوق الدار وسرت غلوة فتنصبهما على الظرفية. وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس زيد ومقعده فشرط نصبه قياسا أن يكون عامله من لفظه نحو قعدت مقعد زيد وجلست مجلس عمرو فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بفي نحو جلست في مرمى زيد فلا تقول جلست مرمى زيد إلا شذوذا. ومما ورد من ذلك قولهم هو مني مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا أي كائن مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا والقياس هو مني في مقعد القابلة وفي مزجر الكلب وفي مناط الثريا ولكن نصب شذوذا ولا يقاس عليه خلافا للكسائي. انظر شرح ابن عقيل 2 / 195.

قال سيبويه : وزعم يونس : أن أبا عمرو كان يقول : داري من خلف دارك فرسخان شبهه : بدازك مني فرسخان.

قال : وتقول في البعد زيد مني مناط الثريا كما قال :

وإنّ بني حرب كما قد علمتم

مناط الثّريّا قد تعلّت نجومها (1)

واعلم أنه لا يجوز : أنت مني مربط الفرس وموضع الحمار ؛ لأن ذلك شيء غير معروف في تقريب ولا تبعيد وجميع الظروف من الأمكنة خاصة تتضمن الجثث دون ظرف الأزمنة تقول : زيد خلفك والركب أمامك والناس عندك وقد مضى تفسير هذا ذلك أن تجعل الظروف من المكان مفعولات على السعة كما فعلت ذلك في الأزمنة.

ص: 190


1- يكثر حذف" في" من كل اسم مكان يدلّ على معنى القرب أو البعد حتّى يكاد يلحق بالقياس نحو : " هو منّي منزلة الولد" و" هو مني مناط الثّرّيا فالأوّل : في قرب المنزلة ، والثاني : في ارتفاع المنزلة ، ومن الثاني قول الشاعر : وإنّ بني حرب كما قد علمتم مناط الثّريّا قد تعلّت نجومها (يقول : هم في ارتفاع المنزلة كالثّريا إذا استعلت ، ومناطها السّماء ونطت الشيء بالشيء إذا علّقته به) انظر معجم القواعد العربية 25 / 64.
مسائل من هذا الباب

تقول : وسط رأسه دهن لأنك تخبر عن شيء فيه وليس به هذا إذا أسكنت السين كان ظرفا ، فإن حركت السين فقلت : وسط لم يكن ظرفا تقول : وسط رأسه صلب فترفع لأنك إنما تخبر عن بعض الرأس فوسط إذا أردت به الشيء الذي هو اسمه وجعلته بمنزلة البعض فهو اسم وحركت السين وكان كسائر الأسماء ، وإذا أردت به الظرف وأسكنت السين : تقول :ضربت وسطه ووسط الدار واسع وهذا في وسط الكتاب ؛ لأن ما كان معه حرف الجر فهو اسم بمنزلة زيد وعمرو.

وأما قول الشاعر :

هبّت شمالا فذكرى ما ذكرتكم

عند الصّفاة التي شرقيّ حورانا

فإنه جعل الصفاة في ذلك الموضع ولو رفع الشرقي لكان جيدا بجعل الصفاة هي الشرق بعينه ونقول : زيد خلفك وهو الأجود.

فإن جعلت زيدا هو الخلف قلت : زيد خلفك فرفعت.

وتقول : سير بزيد فرسخان يومين ، وإن شئت : فرسخين يومان أي : ذلك أقمته مقام الفاعل على سعة الكلام وصلح.

وتقول : ضربت زيدا يوم الجمعة عندك ضربا شديدا فالضرب مصدر ويوم الجمعة ظرف من الزمان وعندك ظرف من المكان وقولك : شديدا نعت للمصدر ليقع فيه فائدة.

فإذا بنيت الفعل لما لم يسم فاعله رفعت زيدا وأقررت الكلام على ما هو عليه ؛ لأنه لا سبيل إلى أن تجعل شيئا من هذه التي ذكرنا من ظرف أو مصدر في مكان الفاعل والاسم الصحيح معها ، فإن أدخلت (شاغلا) من حروف الإضافة كنت مخيرا بين هذه الأشياء وبينه.

فإن شئت نصبت الظرف والمصدر وأقمت الاسم الذي معه حرف الإضافة مقام الفاعل ، وإن شئت أقمت أحدها ذلك المقام إذا كان متصرفا في بابه ، فإن كان بمنزلة عند وذات مرة وما أشبه ذلك لم يقم شيء منها مقام الفاعل ولم يقع له ضمير كضمير المصادر

ص: 191

والظروف المتمكنة وأجود ذلك أن يقوم المتصرف من الظروف والمصادر مقام الفاعل إذا كان معرفة أو نكرة موصوفة لأنك بقرب ذلك من الأسماء وتقول : سير على بعيرك فرسخان يوم الجمعة ، فإن شئت نصبت (يوم الجمعة) على الظرف وهو الوجه ، وإن شئت نصبته على أنه مفعول على السعة كما رفعت الفرسخين على ذلك وتقول : الفرسخان سير بزيد يوم الجمعة ، فإن قدمت يوم الجمعة وهو ظرف قلت : يوم الجمعة سير بزيد فيه فرسخان ، وإن قدمت : يوم الجمعة على أنه مفعول قلت : يوم الجمعة سيره بزيد فرسخان ، وإن قدمت يوم الجمعة والفرسخين ويوم الجمعة ظرف قلت : الفرسخان يوم الجمعة سيرا فيه بزيد ، وإن جعلت يوم الجمعة مفعولا قلت : سيراه ، فإن أقمت يوم الجمعة مقام الفاعل قلت : الفرسخان يوم الجمعة سير بزيد فيهما ، فإن جعلت الفرسخين مفعولين على السعة قلت : الفرسخان يوم الجمعة سيرهما بزيد ، فإن زدت في المسألة خلفك قلت : سير بزيد فرسخان يوم الجمعة خلفك فإذا قدمت الخلف مع تقديمك الفرسخين واليوم وأقمت الفرسخين مقام الفاعل وجعلت الخلف واليوم ظرفين قلت : الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيرا بزيد فيه فيه ، وإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : الفرسخان يوم الجمعة خلفك سيراه بزيد إياه ترد أحد الضميرين المنصوبين إلى اليوم والآخر إلى خلف وأن لا تجعل مفعولا ولا مرفوعا أحسن ، وذلك ؛ لأنه من الظروف المقاربة للإبهام وكذلك أمام ويمين وشمال فإذا قلت : عندك قام زيد فقيل لك أكن عن (عندك) لم يجز لأنك لا تقول : قمت في عندك فلذلك لم توقعه على ضمير وإنما دخلت (من) على (عند) من بين سائر حروف الجر كما دخلت على (لدن).

وقال أبو العباس وإنما خصت (من) بذلك لأنها لابتداء الغاية فهي أصل حروف الإضافة.

واعلم أنّ الأشياء التي يسميها البصريون ظروفا يسميها الكسائي صفة والفراء يسميها محال ويخلطون الأسماء بالحروف فيقولون : حروف الخفض : أمام وقدام وخلف وقبل وبعد وتلقاء وتجاه وحذاء وإزاء ووراء ممدودات ومع وعن وفي وعلى ومن وإلى وبين ودون وعند وتحت وفوق وقباله وحيال وقبل وشطر وقرب ووسط ووسط ومثل ومثل وسوى وسواء

ص: 192

ممدودة ومتى في معنى وسط والباء الزائدة والكاف الزائدة وحول وحوالي وأجل وإجل وإجلى مقصور وجلل وجلال في معناها وحذاء ممدود ومقصور وبدل وبدل ورئد وهو القرن ومكان وقراب ولدة وشبه وخدن وقرن وقرن وميتاء وميداء والمعنى واحد ممدود ومنا مقصور بمنزلة حذاء ولدى فيخلطون الحروف بالأسماء والشاذ بالشائع وقد تقدم تبيين الفرق بين الاسم والحرف وبين الشاذ والمستعمل فإذا كان الظرف غير محل للأسماء سماه الكوفيون الصفة الناقصة وجعله البصريون لغوا ولم يجز في الخبر إلا الرفع ، وذلك قولك : فيك عبد الله راغب ومنك أخواك هاربان وإليك قومك قاصدون ؛ لأن (منك وفيك وإليك) في هذه المسائل لا تكون محلا ولا يتم بها الكلام وقد أجاز الكوفيون : فيك راغبا عبد الله شبهها الفراء بالصفة التامة لتقدم (راغب) على عبد الله وذهب الكسائي إلى أن المعنى : فيك رغبة عبد الله.

واستضعفوا أن يقولوا : فيك عبد الله راغبا وقد أنشدوا بيتا جاء فيه مثل هذا منصوبا في التأخير :

فلا تلحني فيها ، فإن بحبّها

أخاك مصاب القلب جما بلابله (1)

فنصب (مصاب القلب) على التشبيه بقولك : إن بالباب أخاك واقفا وتقول : في الدار عبد الله قائما فتعيد (فيها) توكيدا ويجوز أن ترفع (قائما) فتقول : في الدار عبد الله قائم فيها ولا يجيز الكوفيون الرفع قالوا : لأن الفعل لا يوصف بصفتين متفقتين لأنك لو قلت : عبد الله قائم في الدار فيها لم يكن يحسن أن تكرر (في) مرتين بمعنى.

ص: 193


1- لا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور نحو إن زيدا آكل طعامك فلا يجوز إن طعامك زيدا آكل وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا نحو إن زيدا واثق بك أو جالس عندك فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم فلا تقول إن بك زيدا واثق أو إن عندك زيدا جالس وأجازه بعضهم وجعل منه قوله : فلا تلحنى فيها ، فإن بحبها أخاك مصاب القلب جم بلابله انظر شرح ابن عقيل 1 / 349.

وهذا الذي اعتلوا به لازم في النصب ؛ لأنه قد أعاد (في) والتأكيد إنما هو إعادة للكلمة أو ما كان في معناها ، فإن استقبح التكرير سقط التأكيد ويجيزون في قولك : عبد الله في الدار قائم في البيت الرفع والنصب لإختلاف الصفتين وتقول : له عليّ عشرون درهما فلك أن تجعل (له) الخبر ولك أن تجعل (عليّ) الخبر وتلغي أيما شئت.

ص: 194

شرح الرابع من المنصوبات : وهو المفعول له

اعلم أن المفعول له (1) لا يكون إلا مصدرا ولكن العامل فيه فعل غير مشتق منه وإنما يذكر ؛ لأنه عذر لوقوع الأمر نحو قولك : فعلت ذاك حذار الشر وجئتك مخافة فلان (فجئتك) غير مشتق من (مخافة) فليس انتصابه هنا انتصاب المصدر بفعله الذي هو مشتق منه نحو (خفتك) مأخوذة من مخافة وجئتك ليست مأخوذة من مخافة فلما كان ليس منه أشبه المفعول به الذي ليس بينه وبين الفعل نسب.

قال سيبويه : إن هذا كله ينتصب ؛ لأنه مفعول له كأنه قيل له : لم فعلت كذا وكذا فقال :لكذا وكذا ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله ومن ذلك : فعلت ذاك أجل كذا وكذا وصنعت ذلك ادخار فلان ، قال حاتم :

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره

وأصفح عن شتم اللّئيم تكرّما (2)

ص: 195


1- قال ابن هشام : هو المصدر الفضلة المعلّل لحدث شاركه في الزّمان والفاعل ك قمت اجلالا لك ويجوز فيه أن يجرّ بحرف التّعليل ويجب في معلّل فقد شرطا أن يجرّ باللام أو نائبها وأقول الثالث من المنصوبات المفعول له ويسمى المفعول لأجله والمفعول من أجله وهو ما اجتمع فيه أربعة أمور أحدها أن يكون مصدرا والثاني أن يكون مذكورا للتعليل والثالث أن يكون المعلّل به حدثا مشاركا له في الزمان والرابع أن يكون مشاركا له في الفاعل مثال ذلك قوله تعالى (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) فالحذر مصدر مستوف لما ذكرنا فلذلك انتصب على المفعول له والمعنى لأجل حذر الموت ومتى دلّت الكلمة على التعليل وفقد منها شرط من الشروط الباقية. انظر شرح شذور الذهب 1 / 295.
2- أنواع المفعول لأجله المستوفي الشّروط ، فهو : 1- إمّا أن يكون مجرّدا من" أل والإضافة". 2- أو مقرونا ب" أل". 3- أو" مضافا". فإن كان الأوّل : فالمطّرد نصبه ، نحو" زيّنت المدينة إكراما للقادم" ، ومثله قول الشاعر وهو حاتم الطائي: وأغفر عوراء الكريم ادّخاره وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (ادّخاره : ابقاء عليه) وقال النّابغة الذّبياني : وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع يخال به راعي الحمولة طائرا (اليفاع : المرتفع من الأرض ، الحمولة : الإبل قد أطاقت الحمل ، والمعنى لارتفاعه وعلوه يرى الإبل كالطيور) حذارا على أن لا تنال مقادتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا وقال الحارث بن هشام : فصفحت عنهم والأحبّة فيهم طعما لهم بعقاب يوم مفسد ويجرّ على قلّة كقول الراجز : من أمّكم لرغبة فيكم جبر ومن تكونوا ناصريه ينتصر (المعنى : من قصدكم في إحسانكم فقد ظفر الشّاهد في" لرغبة" إذ برزت فيه اللّام والأرجح نصبه) وإن كان الثاني - وهو المقترن بأل فالأكثر جرّه بالحرف ، نحو" أصفح عنه للشفقة عليه" ، ينصب على قلّة ، كقول الرّاجز : لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء (الهيجاء : الحرب ، والشّاهد في" الجبن" حيث نصبه ، والأرجح جرّه باللام) ومثله قول الشاعر : فليت لي بهم قوما إذا ريكبوا شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا نصب الإغثارة مفعولا لأجله ، والأولى أن تجرّ باللام. وإن كان الثالث - أي أن يكون مضافا - جاز فيه الأمران على السّواء نحو قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (الآية : 207 سورة البقرة) (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (الآية : 74 سورة البقرة) جاء ابتغاء مفعولا لأجله مع الإضافة وفي الآية الثانية جرّ بمن : من خشية الله. انظر معجم القواعد العربية 25 / 67.

وقال الحارث بن هشام :

فصفحت عنهم والأحبّة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مفسد

وقال النابغة :

ص: 196

وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع

يخال به راعي الحمولة طائرا

حذارا على أن لا تصاب مقادتي

ولا نسوتي حتّى يمتن حرائرا

وقال العجاج :

يركب كلّ عاقر جمهور

مخافة وزعل المحبور

يصف ثور الوحش والعاقر هنا : الرملة التي لا تنبت أي : يركب هذا الثور كل عاقر مخافة الرماة والزعل : النشاط أي يركب خوفا ونشاطا والمحبور : المسرور.

واعلم أن هذا المصدر الذي ينتصب ؛ لأنه مفعول له يكون معرفة ويكون نكرة كشعر حاتم ولا يصلح أن يكون حالا كما تقول : جئتك مشيا لا يجوز أن تقول : جئتك خوفا تريد : خائفا وأنت تريد معنى للخوف ومن أجل الخوف وإنما يجوز : جئتك خوفا إذا أردت الحال فقط أي : جئتك في حال خوفي أي : خائفا ولا يجوز أيضا في هذا المصدر الذي تنصبه نصب المفعول له أن تقيمه مقام ما لم يسم فاعله.

قال أبو العباس رحمه الله : أبو عمر يذهب إلى أنه ما جاء في معنى ل- (كذا) لا يقوم مقام الفاعل ولو قام مقام الفاعل لجاز : سير عليه مخافة الشر فلو جاز : سير فيه المخافة لم يكن إلا رفعا فكان مخافة وما أشبهه لم يجيء إلا نكرة ، فأشبه مع خرج مخرج مع لا يقوم مقام الفاعل نحو : الحال والتمييز ولو جاز لما أشبه (مخافة الشر) أن يقوم مقام الفاعل لجاز سير (بزيد راكب) فأقمت (راكبا) مقام الفاعل ومخافة الشر ، وإن أضفته إلى معرفة فهو بمنزلة (مثلك) وغيرك وضارب زيد غدا نكرة.

قال أبو بكر : وقرأت بخط أبي العباس في كتابه : أخطأ الرياشي في قوله : مخافة الشر ونحوه (حال) أقبح الخطأ ؛ لأن باب ل- (كذا) يكون معرفة ونكرة وهذا خلاف قول سيبويه ؛ لأن سيبويه بجعله معرفة ونكرة إذا لم تضفه أو تدخله الألف واللام كمجراه في سائر الكلام ؛ لأنه لا يكون حالا.

ص: 197

قال سيبويه : حسن فيه الألف واللام ؛ لأنه ليس بحال فيكون في موضع فاعل حالا وأنه لا يبتدأ به ولا يبنى على مبتدأ ؛ لأنه عنده تفسير لما قبله وليس منه وأنه انتصب كما انتصب الدرهم في قولك عشرون درهما.

ص: 198

شرح الخامس : وهو المفعول معه

اعلم أن الفعل إنما يعمل في هذا الباب في المفعول (1) بتوسط الواو والواو هي التي دلت على معنى (مع) لأنها لا تكون في العطف بمعنى (مع) وهي هاهنا لا تكون إذا عمل الفعل فيما بعدها إلا بمعنى (مع) ألزمت ذلك ولو كانت عاملة كان حقها أن تخفض.

فلما لم تكن من الحروف التي تعمل في الأسماء ولا في الأفعال وكانت تدخل على الأسماء والأفعال وصل الفعل إلى ما بعدها فعمل فيه.

ص: 199


1- قال ابن هشام : المفعول معه وهو الاسم الفضلة التّالي واو المصاحبة مسبوقة بفعل أو ما فيه معناه وحروفه ك- (سرت والنّيل ، وأنا سائر والنّيل). وأقول الخامس من المنصوبات المفعول معه وانما جعل آخرها في الذكر لأمرين أحدهما أنهم اختلفوا فيه هل هو قياسي أو سماعي وغيره من المفاعيل لا يختلفون في أنه قياسي والثاني أنّ العامل انما يصل إليه بواسطة حرف ملفوظ به وهو الواو بخلاف سائر المفعولات. وهو عبارة عما اجتمع فيه ثلاثة أمور أحدها أن يكون اسما والثاني أن يكون واقعا بعد الواو الدالة على المصاحبة والثالث أن تكون تلك الواو مسبوقة بفعل أو ما فيه معنى الفعل وحروفه. وذلك كقولك سرت والنّيل واستوى الماء والخشبة وجاء البرد والطّيالسة وكقول الله تعالى (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) أي فأجمعوا أمركم مع شركائكم ف- (شركاءكم) مفعول معه لاستيفائه الشروط الثلاثة ولا يجوز على ظاهر اللفظ أن يكون معطوفا على (أمركم) ؛ لأنه حينئذ شريك له في معناه فيكون التقدير أجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم. وذلك لا يجوز ؛ لأن أجمع انما يتعلق بالمعاني دون الذوات تقول أجمعت رأيي ولا تقول أجمعت شركائي وانما قلت على ظاهر اللفظ ؛ لأنه يجوز أن يكون معطوفا على حذف مضاف أي وأمر شركائكم ويجوز أن يكون مفعولا لفعل ثلاثي محذوف أي واجمعوا شركاءكم بوصل الألف. ومن قرأ (فاجمعوا) وصل الألف صحّ العطف على قراءته من غير اضمار ؛ لأنه من جمع وهو مشترك بين المعاني والذوات تقول جمعت أمري وجمعت شركائي قال الله تعالى (فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) ويجوز هذه القراءة أن يكون مفعولا معه ولكن اذا أمكن العطف فهو أولى ؛ لأنه الأصل وليس من المفعول معه. انظر شرح شذور الذهب 1 / 308.

وكان مع ذلك أنها في العطف لا تمنع الفعل الذي قبلها أن يعمل فيما بعدها فاستجازوا في هذا الباب إعمال الفعل ما بعدها في الأسماء ، وإن لم يكن قبلها ما يعطف عليه ، وذلك قوهم : ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها.

قال سيبويه : إنما أردت : ما صنعت مع أبيك ولو تركت الناقة مع فصيلها والفصيل مفعول معه والأب كذلك والواو لم تغير المعنى ولكنها تعمل في الاسم ما قبلها.

ومثل ذلك ك- (ما زلت وزيدا) أي : ما زلت بزيد حتى فعل فهو مفعول به فقد عمل ما قبل الواو فيما بعدها والمعنى معنى الباء ومعنى (مع) أيضا يصلح في هذه المسألة ؛ لأن الباء يقرب معناها من معنى مع إذ كانت الباء معناها الملاصقة للشيء ومعنى (مع) المصاحبة ومن ذلك : ما زلت أسير والنيل واستوى الماء والخشبة أي مع الخشبة وبالخشبة وجاء البرد والطيالسة أي مع الطيالسة وأنشد سيبويه :

وكونوا أنتم وبنى أبيكم

مكان الكليتين من الطّحال

وقال كعيب بن جعيل :

فكان وإيّاها كحرّان لم يفق

عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا (1)

ص: 200


1- واو المعيّة - عند سيبويه - تعمل في الاسم ولا تعطف على الضمير قبلها ومثل ذلك : " ما زلت وزيدا حتى فعل" وقال كعب بن جعيل : وكان وإيّاها كحرّان لم يفق عن الماء إذ لاقاه حتى تقدّدا ولا يجوز تقدّمه على عامله ، فلا تقول" وضفّة النّهر سرت". الرفع بعد أنت وكيف وما الاستفهامية : تقول : " أنت وشأنك" و" كيف أنت وزيد" و" ما أنت وخالد" يعملن فيما كان معناه مع - بالرفع ، ويحمل على المبتدأ ، ألا ترى أنّك تقول : " ما أنت وما زيد" فيحسن ، ولو قلت : " ما صنعت وما زيدا" لم يحسن ولم يستقم ، وزعموا أنّ ناسا يقولون : " كيف أنت وزيدا" و" ما أنت وزيدا" وهو قليل في كلام العرب ، ولم يحملوا على ما ولا كيف ، ولكنّهم حملوه على الفعل. وعلى النّصب أنشد بعضهم - وهو أسامة بن الحارث الهذلي : فما أنا والسّير في متلف يبرّح بالذّكر الضّابط على تأويل : ما كنت ، لم يحملوا الكلام على ما ولا كيف ، ولكنهم حملوه على الفعل ، ومثله قولك : " كيف أنت وقصعة من ثريد" التقدير عند من نصب : كيف تكون وقصعة من ثريد." وكيف أنت وزيدا" قدّروه : ما كنت وزيدا. انظر معجم القواعد العربية 25 / 79.

قال : وإن قلت : ما صنعت أنت وأبوك جاز لكل الرفع والنصب لأنك أكدت التاء التي هي اسمك بأنت.

وقبيح أن تقول : ما صنعت وأبوك فتعطف على التاء وإنما قبح لأنك قد بنيتها مع الفعل وأسكنت لها ما كان في الفعل متحركا وهو لام الفعل فإذا عطفت عليها فكأنك عطفت على الفعل وهو على قبحه يجوز وكذلك لو قلت : اذهب وأخوك كان قبيحا حتى تقول : أنت ؛ لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر.

فقد دلك استقباحهم العطف على المضمرات الاسم ليس بمعطوف على ما قبله في قولهم : ما صنعت وأباك.

ومما يدلك على أن هذاه الباب كان حقه خفض المفعول بحرف جر أنك تجد الأفعال التي لا تتعدى والأفعال التي قد تعدت إلى مفعولاتها جميعا فاستوفت ما لها تتعدى إليه فتقول :استوى الماء والخشبة وجاء البرد والطيالسة فلولا توسط الواو وإنها في معنى حرف الجر لم يجز ولكن الحرف لما كان غير عامل عمل الفعل فيما بعدها ولا يجوز التقديم للمفعول في هذا الباب لا تقول : والخشبة استوى الماء ؛ لأن الواو أصلها أن تكون للعطف وحق المعطوف أن يكون بعد العطف عليه كما أن حق الصفة أن تكون بعد الموصوف وقد أخرجت الواو في هذا الباب عن حدها ومن شأنهم إذا أخرجوا الشيء عن حده الذي كان له الزموه حالا واحدة وسنفرد فصلا في هذا الكتاب لذكر التقديم والتأخير وما يحسن منه ويجوز وما يقبح ولا يجوز إن شاء الله.

وهذا الباب والباب الذي قبله أعني : بابي المفعول له والمفعول معه كان حقهما أن لا يفارقهما حرف الجر ولكنه حذف فيهما ولم يجريا مجرى الظروف في التصرف في الإعراب وفي

ص: 201

إقامتها مقام الفاعل فيدلك ترك العرب لذلك أنهما بابان وضعا في غير موضعهما وأن ذلك اتساع منهم ؛ لأن فيهما ؛ لأن المفعولات التي تقدم ذكرها وجدناها كلها تقدم وتؤخر وتقام مقام الفاعل وتبتدأ ويخبر عنها إلا أشياء منها مخصوصة وقد تقدم تبييننا إياها في مواضعها.

ويفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله أن باب المفعول له إذا قلت : جئتك طلب الخير إن في (جئتك) دليلا على أن ذلك لشيء.

وإذا قلت : ما صنعت وأباك فليس في (صنعت) دليل على أن ذلك مع شيء ؛ لأن لكل فاعل غرضا له فعل ذلك الفعل وليس لكل فاعل مصاحب لا بد منه ولا يجوز حذف الواو في ما صنعت وأباك كما جاز حذف اللام في قولك : فعلت ذاك حذار الشر تريد : لحذار الشر ؛ لأن حذف اللام لا يلبس وحذف الواو يلبس.

ألا ترى أنك لو قلت : ما صنعت أباك صار الأب مفعولا به.

ص: 202

القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات
اشارة

وهو المشبه بالمفعول : المشبه بالمفعول ينقسم على قسمين :

فالقسم الأول قد يكون فيه المنصوب في اللفظ هو المرفوع في المعنى.

والقسم الثاني : ما يكون المنصوب في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع.

ذكر ما كان المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى
اشارة

هذا النوع ينقسم على ثلاثة أضرب : فمنه ما العامل فيه فعل حقيقي ومنه ما العامل فيه شيء على وزن الفعل ويتصرف تصرفه وليس بفعل في الحقيقة ومنه ما العامل فيه حرف جامد غير متصرف.

ذكر ما شبه بالمفعول والعامل فيه فعل حقيقي
اشارة

وهو صنفان يسميها النحويون الحال (1) والتمييز :

[باب الحال]
اشارة

فأما الذي يسمونه الحال فنحو قولك :جاء عبد الله راكبا وقام أخوك منتصبا وجلس بكر متكئا.

فعبد الله مرتفع (بجاء) والمعنى : جاء عبد الله في هذه الحال وراكب منتصب لشبهه بالمفعول ؛ لأنه جيء به بعد تمام الكلام واستغناء الفاعل بفعله ، وإن في الفعل دليلا عليه كما كان فيه دليل على المفعول ألا ترى أنك إذا قلت : قمت فلا بد من أن يكون قد قمت على حال من أحوال الفعل فأشبه : جاء عبد الله راكبا ، ضرب عبد الله رجلا.

وراكب هو عبد الله ليس هو غيره وجاء وقام فعل حقيقي تقول : جاء يجيء وهو جاء وقام يقوم وهو قائم والحال تعرفها وتعتبرها بإدخال (كيف) على الفعل والفاعل تقول : كيف

ص: 203


1- هي ما تبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به لفظا أو معنى ، أو كليهما. وعاملها : الفعل ، أو شبهه ، أو معناه وشرطها : أن تكون نكرة وصاحبها معرفة نحو" أقبل محمّد ضاحكا" و" اشرب الماء باردا" و" كلّمت خالدا ماشيين" و" هذا زيد قائما". وقولهم : " أرسلها العراك" و" مررت به وحده" ممّا يخالف ظاهرا شرط التّنكير - فمؤول ، فأرسلها العراك ، تؤوّل معتركة ، ووحده تؤوّل منفردا وقال سيبويه : " إنّها معارف موضوعة موضع النّكرات أي معتركة. انظر معجم القواعد العربية 1 / 7.

جاء عبد الله فيكون الجواب : راكبا وإنما سميت الحال ؛ لأنه لا يجوز أن يكون اسم الفاعل فيها إلا لما أنت فيه تطاول الوقت أو قصر.

ولا يجوز أن يكون لما مضى وانقطع ولا لما لم يأت من الأفعال ويبتدأ بها.

والحال إنما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه ولا يجوز أن تكون تلك الصفة إلا صفة متصفة غير ملازمة.

ولا يجوز أن تكون خلقة لا يجوز أن تقول : جاءني زيد أحمر ولا أخوك ولا جاءني عمرو طويلا ، فإن قلت : متطاولا أو متحاولا جاز ؛ لأن ذلك شيء يفعله وليس بخلقة.

ولا تكون الحال إلا نكرة لأنها زيادة في الخبر والفائدة وإنما تفيد السائل والمحدث غير ما يعرف ، فإن أدخلت الألف واللام صارت صفة للإسم المعرفة وفرقا بينه وبين غيره والفرق بين الحال وبين الصفة تفرق بين اسمين مشتركين في اللفظ والحال زيادة في الفائدة والخبر ، وإن لم يكن للإسم مشارك في لفظه.

ألا ترى أنك إذا قلت : مررت بزيد القائم فأنت لا تقول ذلك إلا وفي الناس رجل آخر اسمه زيد وهو غير قائم ففصلت بالقائم بينه وبين من له هذا الاسم وليس بقائم.

وتقول : مررت بالفرزدق قائما ، وإن لم يكن أحد اسمه الفرزدق غيره فقولك : قائما إنما ضممت به إلى الأخبار بالمرور خبرا آخر متصلا به مفيدا.

فهذا فرق ما بين الصفة والحال وهو أن الصفة لا تكون إلا لاسم مشترك فيه لمعنيين أو لمعان والحال قد تكون للاسم المشترك والاسم المفرد وكذلك الأمر في النكرة إذا قلت : جاءني رجل من أصحابك راكبا إذا أردت الزيادة في الفائدة والخبر ، وإن أردت الصفة خفضت فقلت : مررت برجل من أصحابك راكب وقبيح أن تكون الحال من نكرة ؛ لأنه كالخبر عن النكرة والإخبار عن النكرات لا فائدة فيها إلا بما قدمنا ذكره في هذا الكتاب فمتى كان في الكلام فائدة فهو جائز في الحال كما جاز في الخبر ، وإذا وصفت النكرة بشيء قربتها من المعرفة وحسن الكلام.

تقول : جاءني رجل من بني تميم راكبا. وما أشبه ذلك.

ص: 204

واعلم أن الحال يجوز أن تكون من المفعول كما تكون من الفاعل تقول : ضربت زيدا قائما فتجعل قائما لزيد.

ويجوز أن تكون الحال من التاء في (ضربت) إلا أنك إذا أزلت الحال عن صاحبها فلم تلاصقه لم يجز ذلك إلا أن يكون السامع يعلمه كما تعلمه أنت ، فإن كان غير معلوم لم يجز وتكون الحال من المجرور كما تكون من المنصوب إن كان العامل في الموضع فعلا فتقول : مررت بزيد راكبا ، فإن كان الفعل لا يصل إلا بحرف جر لم يجز أن تقدم الحال على المجرور إذا كانت له فتقول : مررت راكبا بزيد إذا كان (راكبا) حالا لك ، وإن كان لزيد لم يجز ؛ لأن العامل في (زيد) الباء فلمّا كان الفعل لا يصل إلى زيد إلا بحرف جر لم يجز أن يعمل في حاله قبل ذكر الحرف.

والبصريون يجيزون تقديم الحال (1) على الفاعل والمفعول والمكنى والظاهر إذا كان العامل فعلا يقولون : جاءني راكبا أخوك وراكبا جاءني أخوك وضربت زيدا راكبا وراكبا ضربت زيدا ، فإن كان العامل معنى لم يجز تقديم الحال تقول : زيد فيها قائما فالعالم في (قائم) معنى الفعل ؛ لأن الفعل غير موجود.

ص: 205


1- الحال مع صاحبها - في التّقدّم والتأخر لها ثلاث أحوال : (أ) جواز التأخّر عنه والتّقدّم عليه نحو" لا تأكل الطّعام حارّا" ويجوز" لا تأكل حارا الطّعام". (ب) أن تتأخّر عنه وجوبا وذلك في موضعين : 1- أن تكون محصورة ، نحو : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (الآية : 48 سورة الأنعام). 2- أن يكون صاحبها مجرورا إمّا بحرف جرّ غير زائد نحو" نظرت إلى السّماء لامعة نجومها" ، وأما قول الشّاعر : تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم بذكراكم حتى كأنّكم عندي بتقديم" طرّا" وهي حال على صاحبها المجرور بعن ، فضرورة. وإمّا بإضافة ، نحو" سرّني عملك مخلصا". حال من الكاف في عملك وهي مضاف إليه. (ج) أن تتقدّم عليه وجوبا كما إذا كان صاحبها محصورا فيه نحو" ما حضر مسرعا إلّا أخوك". انظر شرح ابن عقيل 2 / 242.

ولا يجوز أن تقول : قائما زيد فيها ولا زيد قائما فيهما.

والكوفيون لا يقدمون الحال في أول الكلام ؛ لأن فيها ذكرا من الأسماء ، فإن كانت لمكنى جاز تقديمها فيشبهها البصريون بنصب التمييز ويشبّهها الكسائي بالوقت.

وقال الفراء : هي بتأويل جزاء وكان الكسائي يقول : رأيت زيدا ظريفا. فينصب (ظريفا) على القطع ومعنى القطع أن يكون أراد النعت فلما كان ما قبله معرفة وهو نكرة انقطع منه وخالفه.

واعلم أنه يجوز لك أن تقيم الفعل مقام اسم الفاعل في هذا الباب إذا كان في معناه وكنت إنما تريد به الحال المصاحبة للفعل تقول : جاءني زيد يضحك. أي : ضاحكا. وضربت زيدا يقوم ، وإنما يقع من الأفعال في هذا الموضع ما كان للحاضر من الزمان.

فأما المستقبل والماضي فلا يجوز إلا أن تدخل (قد) على الماضي فيصلح حينئذ أن يكون حالا تقول : رأيت زيدا قد ركب أي : راكبا إلا أنك إنما تأتي (بقد) في هذا الموضع إذا كان ركوبه متوقعا فتأتي (بقد) ليعلم أنه قد ابتدأ بالفعل ومر منه جزء والحال معلوم منها أنها تتطاول فإنما صلح الماضي هنا لاتصاله بالحاضر فأغنى عنه ولو لا ذلك لم يجز فمتى رأيت فعلا ماضيا قد وقع موقع الحال فهذا تأويله ولا بد من أن يكون معه (قد) إما ظاهرة وإما مضمرة لتؤذن بابتداء الفعل الذي كان متوقعا.

ص: 206

مسائل من هذا الباب

تقول : زيد في الدار قائما فتنصب (قائما) بمعنى الفعل الذي وقع في الدار ؛ لأن المعنى :استقر زيد في الدار ، فإن جعلت في الدار للقيام ولم تجعله لزيد قلت : زيد في الدار قائم لأنك إنما أردت : زيد قائم في الدار فجعلت : (قائما) خبرا عن زيد وجعلت : (في الدار) ظرفا لقائم فمن قال هذا قال : إن زيدا في الدار قائم ، ومن قال الأول قال : إن زيدا في الدار قائما فيكون : (في الدار) الخبر ثم خبّر على أي حال وقع استقراره في الدار ونظير ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ) [الذاريات : 15 - 16] فالخبر قوله : (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ). و (آخِذِينَ :) حال ، وقال عز وجل : (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) [التوبة : 17] ؛ لأن المعنى : وهم خالدون في النار فخالدون : الخبر. و (في النّار) : ظرف للخلود وتقول : جاء راكبا زيد كما تقول : ضرب عمرا زيد وراكبا جاء زيد كما تقول : عمرا ضرب زيد وقائما زيدا رأيت كما تقول : الدرهم زيدا أعطيت وضربت قائما زيدا.

قال أبو العباس : وقول الله تعالى عندنا : على تقدير الحال والله أعلم ، وذلك قوله : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) وكذلك هذا البيت :

مزبدا يخطر ما لم يرني

وإذا يخلو له لحمي رتح

قال : ومن كلام العرب : رأيت زيدا مصعدا منحدرا ورأيت زيدا ماشيا راكبا إذا كان أحدهما ماشيا والآخر راكبا وأحدكما مصعدا والآخر منحدرا.

تعني : أنك إذا قلت : رأيت زيدا مصعدا منحدرا أن تكون أنت المصعد وزيد المنحدر فيكون (مصعدا) حالا للتاء و (منحدرا) حالا لزيد وكيف قدرت بعد أن يعلم السامع من المصعد ومن المنحدر جاز وتقول : هذا زيد قائما وذاك عبد الله راكبا فالعامل معنى الفعل وهو التنبيه كأنك قلت : أنتبه له راكبا ، وإذا قلت : ذاك زيد قائما فإنما ذاك للإشارة كأنك قلت : أشير لك إليه راكبا ولا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل لأنها كالمفعول فيها وفي كتاب الله : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : 72].

ص: 207

ولو قلت : زيد أخوك قائما وعبد الله أبوك ضاحكا كان غير جائز. وذلك أنه ليس هاهنا فعل ولا معنى فعل ولا يستقيم أن يكون أباه أو أخاه من النسب في حال ولا يكون أباه أو أخاه في أخرى ولكنك إن قلت : زيد أخوك قائما فأردت : أخاه من الصداقة جاز ؛ لأن فيه معنى فعل كأنك قلت : زيد يؤاخيك قائما فإذا كان العامل غير فعل ولكن شيء في معناه لم تقدم الحال على العامل ؛ لأن هذا لا يعمل مثله في المفعول.

وذلك قولك : زيد في الدار قائما لا تقول : زيد قائما في الدار وتقول : هذا قائما حسن ولا تقول : قائما هذا حسن وتقول : رأيت زيدا ضاربا عمرا وأنت تريد رؤية العين ثم تقدم الحال فتقول : ضاربا عمرا رأيت زيدا وتقول : أقبل عبد الله شاتما أخاه ثم تقدم الحال فتقول : شاتما أخاه أقبل عبد الله وقوم يجيزون : ضربت يقوم زيدا ولا يجيزون : ضربت قائما زيدا إلا وقائم حال من التاء ؛ لأن (قائما) يلبس ولا يعلم أهو حال من التاء أم من زيد والفعل يبين فيه لمن الحال.

والإلباس متى وقع لم يجز ؛ لأن الكلام وضع للإبانة إلا أن هذه المسألة إن علم السامع من القائم جاز التقديم كما ذكرنا فيما تقدم تقول : جاءني زيد فرسك راكبا وجاءني زيد فيك راغبا وتقول : فيها قائمين أخواك تنصب (قائمين) على الحال ولا يجوز التقديم لما أخبرتك ولا يجوز : جالسا مررت بزيد ؛ لأن العامل الباء وقد بنيته فيما مضى ومحال أن يكون : (جالس) حالا من التاء ؛ لأن المرور يناقض الجلوس إلا أن يكون محمولا في قبة أو سفينة وما أشبه ذلك تقول : لقي عبد الله زيدا راكبين ولا يجوز أن تقول : الراكبان ولا الراكبين وأنت تريد النعت ، وذلك لاختلاف إعراب المنعوتين فاعلمه.

والأخفش يذكر في باب الحال : هذا بسرا أطيب منه تمرا (1) وهذا عبد الله مقبلا أفضل منه جالسا.

ص: 208


1- قال ابن هشام : العاشر اسم التّفضيل كأفضل وأعلم ويعمل في تمييز وظرف وحال وفاعل مستتر مطلقا ولا يعمل في مصدر ومفعول به أو له أو معه ولا في مرفوع ملفوظ به في الأصحّ إلّا في مسألة الكحل وأقول إنما أخّرت هذا عن الظرف والمجرور ، وإن كان مأخوذا من لفظ الفعل ؛ لأن عمله في المرفوع الظاهر ليس مطردا كما تراه الآن. وأشرت بالتمثيل بأفضل وأعلم الى أنه يبنى من القاصر والمتعدي. ومثال إعماله في التمييز (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً). ومثال إعماله في الحال زيد أحسن النّاس متبسّما وهذا بسرا أطيب منه رطبا. ومثال إعماله في الظرف قول الشاعر : فإنّا وجدنا العرض أحوج ساعة إلى الصّون من ريط يمان مسهّم انظر شرح شذور الذهب 1 / 531.

قال : وتقول : هذا بسرا أطيب منه عنب.

فهذا : اسم مبتدأ. والبسر : خبره. وأطيب : مبتدا ثان. وعنب : خبر له.

قال : وكذلك ما كان من هذا النحو لا يتحول فهو رفع ، وما كان يتحول فهو نصب.

وإنما قلنا : لا يتحول ؛ لأن البسر لا يصير عنبا ، والذي يتحول قولك : هذا بسرا أطيب منه تمرا ، وهذا عنبا أطيب منه زبيبا.

وأما الذي لا يتحول فنحو قولك : هذا بسر أطيب منه عنب ، وهذا زبيب أطيب منه تمر (فأطيب منه) : مبتدأ. وتمر : خبره.

وإن شئت قلت : (تمر) هو المبتدأ و (أطيب منه) : خبر مقدم.

وتقول : مررت بزيد واقفا. فتنصب (واقفا) على الحال. والكوفيون يجيزون نصبه على الخبر ، يجعلونه كنصب خبر (كان) وخبر الظن ، ويجيزون فيه إدخال الألف واللام.

ويكون : (مررت) عندهم على ضربين : مررت بزيد ، فتكون تامة ، ومررت بزيد أخاك ، فتكون ناقصة إن أسقطت الأخ كنقصان (كان) إذا قلت : كان زيد أخاك ثم أسقطت الأخ كان ناقصا حتى تجيء به.

وهذا الذي أجازوه غير معروف عندي من كلام العرب ولا موجود في ما يوجبه القياس.

ص: 209

وأجاز الأخفش : إن في الدار قائمين أخويك وقال : هذه الحال ليست متقدمة لأنها حال لقولك (في الدار) ألا ترى أنك لو قلت : قائمين في الدار أخواك لم يجز لأن : (في الدار) ليس بفعل.

وتقول : جلس عبد الله آكلا طعامك فالكسائي يجيز تقديم (طعامك) على (آكل) فيقول : جلس عبد الله طعامك آكلا ولم يجزه الفراء وحكي عن أبي العباس محمد بن يزيد : أنه أجاز هذه المسألة.

ص: 210

باب التمييز
اشارة

الأسماء التي تنتصب بالتمييز (1) والعامل فيها فعل أو معنى فعل والمفعول هو فاعل في المعنى ، وذلك قولك : قد تفقا زيد شحما وتصبب عرقا وطبت بذلك نفسا وامتلأ الإناء ماء وضقت به ذرعا فالماء هو الذي ملأ الإناء والنفس هي التي طابت والعرق هو الذي تصبب فلفظه لفظ المفعول وهو في المعنى فاعل.

وكذلك : ما جاء في معنى الفعل وقام مقامه نحو قولك : زيد أفرهم عبدا وهو أحسنهم وجها فالفاره في الحقيقة هو العبد والحسن هو الوجه إلا أن قولك : أفره وأحسن في اللفظ لزيد وفيه ضميره والعبد غير زيد والوجه إنما هو بعضه إلا أن الحسن في الحقيقة للوجه والفراهة للعبد فإذا قلت : أنت أفره العبيد فأضفت فقد قدمته على العبيد ولا بدّ من أن يكون إذا أضفته واحدا منهم.

فإذا قلت : أنت أفره عبد في الناس فمعناه : أنت أفره من كل عبد إذا أفردوا عبدا عبدا كما تقول : هذا خير إثنين في الناس أي : إذا كان الناس اثنين اثنين.

واعلم أن الأسماء التي تنصب على التمييز لا تكون إلا نكرات تدل على الأجناس (2) وأن العوامل فيها إذا كن أفعالا أو في معاني الأفعال كنت بالخيار في الاسم المميز إن شئت جمعته ،

ص: 211


1- هو : ما يرفع الإبهام المستقرّ عن ذات مذكورة ، نكرة بمعنى من وهو مفرد ، أو نسبة وهو الجملة. انظر شرح ابن عقيل 2 / 286.
2- الاسم المفرد المبهم : هو أربعة أنواع : 1- العدد : نحو "أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً" (الآية : 4 سورة يوسف). وفي بحث "العدد" الكلام عليه مفصّلا. (العدد). 2- المقدار : وهو ما يعرف به كمّيّة الأشياء ، وذلك : إمّا "مساحة" ك "ذراع أرضا" أو "كيل" ك "مد قمحا" و "صاع تمرا" أو "وزن "ك" رطل سمنا" ونحو قولك : " ما في السّماء موضع كفّ سحابا" و" لي مثله كتابا" و" على الأرض مثلها ماء". و" ما في النّاس مثله فارسا". ونحو : " ملء الإناء عسلا" ومنه قوله تعالى : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً) (الآية : 7 سورة الزلزلة) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (الآية : 109 سورة الكهف). 3- ما كان فرعا للتّمييز. وضابطه : كلّ فرع حصل له بالتّفريع اسم خاصّ ، يليه أصله ، بحيث يصحّ إطلاق الأصل عليه نحو" هذا باب حديدا" و" هو خاتم فضّة". وهذا النّوع يصحّ إطلاق الأصل عليه نحو" هذا باب حديدا" و" هو خاتم فضّة". وهذا النّوع يصحّ أن يعرب حالا. أمّا النّاصب للتمييز في هذه الأنواع فهو ذلك الاسم المبهم ، ، وإن كان جامدا ؛ لأنه شبيه باسم الفاعل لطلبه له في المعنى. انظر معجم القواعد العربية 4 / 9.

وإن شئت وحّدته تقول : طبتم بذلك نفسا ، وإن شئت أنفسا قال الله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) [النساء : 4] وقال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : 103] فتقول على هذا : هو أفره الناس عبيدا وأجود الناس دورا.

قال أبو العباس : ولا يجوز عندي : عشرون دراهم يا فتى والفصل بينهما أنك إذا قلت :عشرون فقد أتيت على العدد فلم يحتج إلا إلى ذكر ما يدل على الجنس.

فإذا قلت : هو أفره الناس عبدا جاز أن تعني عبدا واحدا فمن ثم اختير وحسن إذا أردت الجماعة أن تقول : عبيدا ، وإذا كان العامل في الاسم المميز فعلا جاز تقديمه عند المازني وأبي العباس وكان سيبويه لا يجيزه والكوفيون في ذلك على مذهب سيبويه فيه ؛ لأنه يراه.

كقولك : عشرون درهما وهذا أفرههم عبدا فكما لا يجوز : درهما عشرون ولا : عبدا هذا أفرههم لا يجوز هذا ومن أجاز التقديم قال : ليس هذا بمنزلة ذلك ؛ لأن قولك : عشرون درهما إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من فعل.

وقال الشاعر فقدم التمييز لما كان العامل فعلا :

أتهجر سلمى للفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

فعلى هذا تقول : شحما تفقأت وعرقا تصببت وما أشبه ذلك ، وأما قولك : الحسن وجها والكريم أبا ، فإن أصحابنا يشبهونه : بالضارب رجلا وقد قدمت تفسيره في هذا الكتاب وغير ممتنع عندي أن ينتصب على التمييز أيضا بل الأصل ينبغي أن يكون هذا ، وذلك الفرع لأنك

ص: 212

قد بينت بالوجه الحسن منه كما بينت في قولك : هو أحسنهم وجها وكذلك يجري عندي قولهم : هو العقور كلبا وما أشبه فإذا نصبت هذا على تقدير التمييز لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام فإذا نصبته على تقدير المفعول والتشبيه بقولك : الضارب رجلا جاز أن تدخل عليه الألف واللام وكان الفراء لا يجيز إدخال الالف واللام في وجه وهو منصوب إلا وفيما قبله الألف واللام نحو قولك : مررت بالرجل الحسن الوجه وهو كله جائز لك أن تنصبه تشبيها بالمفعول.

ص: 213

مسائل من هذا الباب

تقول : زيد أفضل منك أبا فالفضل في الأصل للأب كأنك قلت : زيد يفضل أبوه أباك ثم نقلت الفضل إلى زيد وجئت بالأب مفسرا ولك أن تؤخر (منك) فتقول : زيد أفضل أبا منك ، وإن حذفت (منك) وجئت بعد أفضل بشيء يصلح أن يكون مفسرا ، فإن كان هو الأول فأضف أفضل إليه واخفضه ، وإن كان غيره فانصبه واضمره نحو قولك : علمك أحسن علم تخفض (علما) لأنك تريد : أحسن العلوم وهو بعضها وتقول : زيد أحسن علما تريد : أحسن منك علما فالعلم غير زيد فلم تجز إضافته ، وإذا قلت : أنت أفره عبد في الناس فإنما معناه : أنت أحد هؤلاء العبيد الذين فضلتهم.

ولا يضاف (أفعل) إلى شيء إلا وهو بعضه كقولك : عمرو أقوى الناس ولو قلت : عمرو أقوى الأسد لم يجز وكان محالا ؛ لأنه ليس منها.

ولذلك لا يجوز أن تقول : زيد أفضل إخوته ؛ لأن هذا كلام محال يلزم منه أن يكون هو أخا نفسه ، فإن أدخلت (من) فيه جاز فقلت : عمرو أقوى من الأسد أفضل من إخوته ولكن يجوز أن تقول : زيد أفضل الإخوة إذا كان واحدا من الإخوة وتقول : هذا الثوب خير ثوب في اللباس إذا كان هذا هو الثوب ، فإن كان هذا رجلا قلت : هذا الرجل خير منك ثوبا ؛ لأن الرجل غير الثوب وتقول : ما أنت بأحسن وجها مني ولا أفره عبدا ، فإن قصدت قصد الوجه بعينه قلت : ما هذا أحسن وجه رأيته إنما تعني الوجوه إذا ميزت وجها.

وقال أبو العباس رحمه الله : فأما قلوهم : حسبك بزيد رجلا وأكرم به فارسا وما أشبه ذلك ثم تقول : حسبك به من رجل وأكرم به من فارس ولله دره من شاعر وأنت لا تقول : عشرون من درهم ولا هو أفره منك من عبد فالفصل بينهما أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت (من) لتخلصه للتمييز ألا ترى أنك لو قلت : أكرم به فارسا وحسبك به خطيبا لجاز أن تعني في هذه الحال وكذلك إذا قلت : كم ضربت رجلا وكم ضربت من رجل جاز ذلك ؛ لأن (كم) قد يتراخى عنها مميزها ، فإن قلت : كم ضربت رجلا لم يدر السامع أردت : كم مرة ضربت رجلا واحدا أم : كم ضربت من رجل فدخول (من) قد أزال الشك

ص: 214

وقال في قول الله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : 67] وقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً)(1) [النساء : 4] : أن التمييز إذا لم يسم عددا معلوما : كالعشرين والثلاثين جاز تبيينه بالواحد للدلالة على الجنس وبالجميع إذا وقع الإلباس ولا إلباس في هذا الموضع لقوله : (فإن طبن لكم) ولقوله : (ثمّ يخرجكم) وقال : وقد قال قوم (طفلا) حال وهذا أحسن إلا أن الحال إذا وقعت موقع التمييز لزمها ما لزمه كما أن المصدر إذا وقع موقع الحال لم يكن إلا نكرة تقول : جاء زيد مشيا فهو مصدر ومعناه ماشيا وهذا كقوله تعالى : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) [البقرة : 260] ؛ لأنه في هذه الحال.

ص: 215


1- أقسام التمييز المبين لجهة النسبة فأربعة : أحدها : أن يكون محوّلا عن الفاعل كقول الله عز وجل (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أصله واشتعل شيب الرأس وقوله تعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) أصله ، فإن طابت أنفسهنّ لكم عن شيء منه فحوّل الإسناد فيهما عن المضاف وهو الشيب في الآية الأولى والأنفس في الآية الثانية الى المضاف اليه وهو الرأس وضمير النسوة فارتفعت الرأس وجيء بدل الهاء والنون بنون النسوة ثم جيء بذلك المضاف الذي حوّل عنه الإسناد فضلة وتمييزا وأفردت النفس بعد أن كانت مجموعة ؛ لأن التمييز انما يطلب فيه بيان الجنس وذلك يتأدى بالمفرد. الثاني : أن يكون محوّلا عن المفعول كقوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) قيل التقدير (وَفَجَّرْنَا) عيون الأرض وكذا قيل في غرست الأرض شجرا ونحو ذلك. الثالث : أن يكون محوّلا عن غيرهما كقوله تعالى (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) أصله مالي أكثر فحذف المضاف وهو المال وأقيم المضاف اليه وهو ضمير المتكلم مقامه فارتفع وانفصل وصار أنا أكثر منك ثم جيء بالمحذوف تمييزا ومثله زيد أحسن وجها وعمرو أنقى عرضا وشبه ذلك التقدير وجه زيد أحسن وعرض عمرو أنقى. الرابع : أن يكون غير محوّل كقول العرب لله درّه فارسا وحسبك به ناصرا وقول الشاعر : (يا جارتا ما أنت جاره ...) يا حرف نداء جارتا منادى مضاف للياء وأصله يا جارتي فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ما مبتدأ وهو اسم استفهام أنت خبره والمعني عظمت كما يقال زيد وما زيد أي شيء عظيم وجارة تمييز وقيل حال وقيل ما نافية وأنت اسمها وجارة خبر ما الحجازية أي لست جارة بل أنت أشرف من الجارة والصواب الأول. انظر شرح شذور الذهب 1 / 333.

واعلم أن (أفعل منك) لا يثنى ولا يجمع وقد مضى ذكر هذا تقول : مررت برجل أفضل منك وبرجلين أفضل منك وبقوم أفضل منك وكذلك المؤنث.

وأفضل موضعه خفض على النعت إلا أنه لا ينصرف ، فإن أضفته جرى على وجهين إذا أردت : أنه يزيد على غيره في الفضل فهو مثل الذي معه (من) فتوحده تقول : مررت برجل أفضل الناس وأفضل رجل في معنى أفضل الرجال وكذلك التثنية والجمع تقول : مررت برجلين أفضل رجلين وبنساء أفضل نساء.

والوجه الآخر أن تجعل أفضل اسما ويثنى ويجمع في الإضافة ولا يكون فيه معنى (من كذا) فإذا كان بهذه الصفة جاز أن تدخله الألف واللام إذا لم تضفه ويثنى ويجمع ويؤنث ويعرف بالإضافة فتقول : جاءني الأفضل والأفضلان والأفضلون وهذان أفضلا أصحابك وهؤلاء أفاضل أصحابك فإذا كان على هذا لم تقع معه (من) وكانت أنثاه على (فعلى) وتثنيتها الفضليان والفضلين وتجمع الفضل والفضليات.

قال سيبويه : لا تقول : نسوة صغر ولا قوم أصاغر إلا بالألف واللام وأفعل التي معها (منك) لا تنصرف ، وإن أضفتها إلى معرفة ألا ترى أنك تقول : مررت برجل أفضل الناس فلو كانت معرفة ما جاز أن تصف بها النكرة ولا يجوز أن تسقط من أفعل (من) إذا جعلته إسما أو نعتا تقول : جاءني رجل أفضل منك ومررت برجل أفضل منك فلا تسقطها ، فإن كان خبرا جاز حذفها وأنت تريد : أفضل منك وزيد أفضل وهند أفضل.

قال أبو بكر : جاز حذف (من) ؛ لأن حذف الخبر كله جائز والصفة تبيين ولا يجوز فيه حذف (من) كما لا يجوز حذف الصفة ؛ لأن الصفة تبيين وليس لك أن تبهم إذا أردت أن تبين.

الضرب الثاني : المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى

هذا الضرب العامل فيه ما كان على لفظ الفعل وتصرف تصرفه وجرى مجراه وليس به فهو خبر (كان وأخواتها) ألا ترى أنك إذا قلت : كان عبد الله منطلقا فالمنطلق هو عبد الله وقد مضى شرح ذلك في الأسماء المرفوعات إذ لم يمكن أن تخلى الأسماء من الأخبار فيها فقد غنينا عن إعادة لك في هذا الموضوع.

ص: 216

الضرب الثالث : الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف

الحروف التي تعمل مثل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف وهي : إنّ ولكن وليت ولعلّ وكأنّ.

فإنّ : توكيد الحديث وهي موصلة للقسم لأنك لا تقول : والله زيد منطلق ، فإن أدخلت (إنّ) اتصلت بالقسم فقلت : والله إنّ زيدا منطلق ، وإذا خففت فهي كذلك إلا أنّ لام التوكيد تلزمها عوضا لما ذهب منها فتقول : إنّ زيدا لقائم ولا بدّ من اللام إذا خففت كأنهم جعلوها عوضا ولئلا تلتبس بالنفي.

ولكنّ : ثقيلة وخفيفة توجب بها عبد نفي ويستدرك بها فهي تحقيق وعطف حال على حال تخالفها.

وليت : تمن.

ولعل : معناها التوقيع لمرجو أو مخوف.

وقال سيبويه : لعل وعسى : طمع وإشفاق.

وكأنّ : معناها التشبيه إنما هي الكاف التي تكون للتشبيه دخلت على (أن).

وجميع هذه الحروف مبنية على الفتح مشبهة للفعل الواجب ألا ترى أن الفعل الماضي كله مبني على الفتح فهذه الأحرف الخمسة تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب ما كان مبتدأ وترفع الخبر فتقول : إن زيدا أخوك ولعل بكرا منطلق ولأنّ زيدا الأسد فإنّ : تشبه من الأفعال ما قدم مفعوله نحو : ضرب زيدا رجل وأعلمت هذه الأحرف في المبتدأ والخبر كما أعلمت (كان) وفرق بين عمليهما : بأن قدم المنصوب بالحروف على المرفوع كأنهم جعلوا ذلك فرقا بين الحرف والفعل ، فإن قال قائل : إن (أنّ) إنما عملت في الاسم فقط فنصبته وتركت الخبر على حاله كما كان مع الابتداء وهو قول الكوفيين.

قيل له : الدليل على أنها هي الرافعة للخبر أن الابتداء قد زال وبه وبالمبتدأ كان يرتفع الخبر فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولا فيه ومع ذلك أنا وجدنا كلما عمل في المبتدأ رفعا أو نصبا علم في خبره ألا ترى إلى ظننت وأخواتها لما عملت في المبتدأ عملت في خبره

ص: 217

وكذلك : كان وأخواتها فكما جاز لك في المبتدأ والخبر جاز مع (أن) لا فرق بينهما في ذلك إلا أن الذي كان مبتدأ ينتصب بأن وأخواتها.

ولا يجوز أن يقدم خبرها ولا أسمها عليها ولا يجوز أيضا أن تفصل بينهما وبين اسمها بخبرها إلا أن يكون ظرفا لا يجوز أن تقول : إن منطلق زيدا تريد : إن زيدا منطلق ويجوز أن تقول : إن في الدار زيدا ، وإن خلفك عمرا لأنهم اتسعوا في الظروف وخصوها بذلك وإنما حسن تقديم الظرف إذا كان خبرا ؛ لأن الظرف ليس مما تعمل فيه (إنّ) ولكثرته في الاستعمال.

وإذا اجتمع في هذه الحروف المعروفة والنكرة فالاختيار أن يكون الاسم المعرفة والخبر النكرة كما كان ذلك في المبتدأ لا فرق بينها في ذلك واللام تدخل على خبر (إن) خاصة مؤكدة له ولا تدخل في خبر أخواتها ، وإذا دخلت لم تغير الكلام عما كان عليه تقول : إنّ زيدا لقائم ، وإن زيدا لفيك راغب ، وإن عمرا لطعامك آكل ، وإن شئت قلت : إنّ زيدا فيك لراغب ، وإن عمرا طعامك لآكل ولكنه لا بدّ من أن يكون خبر (إنّ) بعد اللام ؛ لأنه كان موضعها أن تقع موقع (إن) لأنها للتأكيد ووصلة للقسم مثل إن فلما أزالتهما (إن) عن موضعها وهو المبتدأ أدخلت على الخبر فما كان بعدها فهي داخلة عليه ، فإن قدمت الخبر لم يجز أن تدخل اللام فيما بعده لا يصلح أن تقول : إنّ زيدا لفيك راغب ولا : إنّ زيدا أكل لطعامك وتدخل هذه اللام على الاسم إذا وقع موقع الخبر.

تقول : إنّ في الدار لزيدا ، وإن خلفك لعمرا قال الله تعالى : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) [الليل : 13].

واعلم أنهم يقولون : إنه زيد منطلق يريدون أن الأمر زيد منطلق وإنما أظهروا المضمر المجهول في (إن ظننت) خاصة ولم يظهروا في (كان) ؛ لأن المرفوع ينستر في الفعل والمنصوب يظهر ضميره فمن قال : كان زيد منطلق قال : إنه زيد منطلق وإنه أمة الله ذاهبة وإنه قام عمرو والكوفيون يقولون : إنه قام عمرو هذه الهاء عماد ويسمونها المجهول.

ويجوز أن تحذف الهاء وأنت تريدها فتقول : إنّ زيدا منطلق تريد : إنه ، وإن حذفت الهاء فقبيح أن يلي إن فعل يقبح أن تقول : إن قام زيد ، وإن يقوم عمرو تريد : إنه ، فإن فصلت بينها

ص: 218

وبين الفعل بظرف جاز ذلك فقلت : إن خلفك قام زيد ويقوم عمرو ، وإن اليوم خرج أخوك ويخرج عمرو وقال الفراء : اسم إن في المعنى وقال الكسائي : هي معلقة وأصحابنا يجيزون : إن قائما زيد ، وإن قائما الزيدان ، وإن قائما الزيدون ينصبون (قائما) بإنّ ويرفعون (زيدا) بقائم على أنه فاعل.

ويقولون : الفاعل سد مسد الخبر كما أن (قائما) قام مقام الاسم.

وتدخل (ما) زائدة على (إن) على ضربين : فمرة تكون ملغاة دخولها كخروجها لا تغير إعرابا تقول : إنما زيدا منطلق وتدخل على (إن) كافة للعمل فتبنى معها بناء فيبطل شبهها بالفعل فتقول : إنما زيد منطلق (فإنما) : هاهنا بمنزلة (فعل) ملغى مثل : أشهد لزيد خير منك.

قال سيبويه : وأما ليتما زيدا منطلق ، فإن الإلغاء فيه حسن وقد كان رؤبة ينشد هذا البيت رفعا :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتينا ونصفه فقد (1)

قال ، وأما لعلّما فهو بمنزلة كأنما قال ابن كراع :

ص: 219


1- إذا دخلت اللام على الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر ، فلا يجوز أن زيدا لهو لقائم ، ولا إن لفي الدار لزيدا ، ولا إن في الدار لزيدا لجالس (ووصل ما) الزائدة (بذي الحروف مبطل إعمالها) لأنها تزيل اختصاصها بالأسماء وتهيئها للدخول على الفعل فوجب إهمالها لذلك ، نحو إنما زيد قائم ، وكأنما خالد أسد ، ولكنما عمرو جبان ، ولعلما بكر عالم (وقد يبقّى العمل) وتجعل ما ملغاة وذلك مسموع في ليت لبقاء اختصاصها كقوله : قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد يروى بنصب الحمام على الإعمال ورفعه على الإهمال. ، وأما البواقي فذهب الزجاج وابن السراج إلى جوازه فيها قياسا ، ووافقهم الناظم ولذلك أطلق في قوله : وقد يبقى العمل ، ومذهب سيبويه المنع لما سبق من أن ما أزالت اختصاصها بالأسماء وهيأتها للدخول على الفعل نحو : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (الأنبياء : 108) ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) (الأنفال : 6) ، وقوله : فو الله ما فارقتكم قاليا لكم ولكنّ ما يقضى فسوف يكون انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 149.

تحلّل وعالج ذات نفسك وانظرن

أبا جعل لعلّما أنت حالم

قال الخليل : إنما لا تعمل في ما بعدها كما أن (أرى) إذا كانت لغوا لم تعمل ونظير (إنما) قول المرار :

أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس

جعل (بعد) مع (ما) بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده والفرق بين إن وإنما في المعنى أن إنما تجيء لتحقير الخبر.

قال سيبويه تقول : إنما سرت حتى أدخلها إذا كنت محتقرا لسيرك إلى الدخول.

و (أن) المفتوحة الألف عملها كعمل (إن) المكسورة الألف إلا أن الموضع الذي تقع فيه المكسورة خلاف الموضع الذي تقع فيه المفتوحة ونحن نفرد بابا لذكر الفتح والكسر يلي هذا الباب إن شاء الله (وأن) المفتوحة مع ما بعدها بمنزلة المصدر تقول : قد علمت أن زيدا منطلق فهو بمنزلة قولك : علمت انطلاق زيد وعرفت أن زيدا قائم كقولك : عرفت قيام زيد.

واعلم أنّ (إن وأن) تخففان فإذا خففتا فلك أن تعملهما ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما فالحجة له : أنه إنما أعمل لما اشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة.

فلما خففت زال الوزن والشبه.

والحجة لمن أعمل أن يقول : هما بمنزلة الفعل.

فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف.

فالفعل يعمل محذوفا عمله تاما ، وذلك قولك : لم يك زيد منطلقا فعمل عمله والنون فيه والأقيس في (أن) : أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ : (إن هذا لساحران) فيؤدي خط المصحف ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول : إن الزيدان لمنطلقان ، وإن هذا لمنطلقان كيلا يلتبس (بإن) التي تكون نفيا في قولك : إن زيد قائم تريد : ما زيد بقائم ، وإذا نصب الاسم بعدها لم يحتج إلى اللام ؛ لأن النصب دليل فكان سيبويه لا يرى في (إن) إذا كانت بمعنى (ما) إلا رفع الخبر لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبر كما تدخل ألف الاستفهام ولا تغير الكلام ، وذلك مذهب بني تميم.

ص: 220

قال أبو العباس وغيره : نجيز نصب الخبر على التشبيه ب (ليس) كما فعل ذلك في ما.

قال أبو بكر : وهذا هو القول ؛ لأنه لا فصل بينهما وبين (ما) في المعنى.

قال أبو علي الفارسي : القول غير هذا ول (إن) المخففة أربعة مواضع : (إن) التي تكون في الجزاء نحو : إن تأتني آتك.

والثاني : أن تكون في معنى (ما) نفيا تقول : إن زيد منطلق تريد : ما زيد منطلق.

والثالث : أن تدخل زائدة مع (ما) فتردها إلى الابتداء كما تدخل (ما) على إن الثقيلة فتمنعها عملها ، وذلك قولك : ما إن يقوم زيد وما إن زيد منطلق ولا يكون الخبر إلا مرفوعا قال الشاعر فروة بن مسيك :

وما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودوله آخرينا (1)

الرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر ولم يجز غير ذلك لما خبرتك به وعلى هذا قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : 4] وقوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) [الصافات : 167] ، وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام إلا أن تدخلها توكيدا كما تدخلها في (إن) الثقيلة ؛ لأن اللبس قد زال.

وأما (أن المخففة) من المفتوحة الألف إذا خففتها من أن المشددة فالإختيار أن ترفع ما بعدها على أن تضمر فيها الهاء ؛ لأن المفتوحة وما بعدها مصدر فلا معنى لها في الابتداء والمكسورة إنما دخلت على الابتداء وخبره.

وأن الخفيفة تكون في الكلام على أربعة أوجه : فوجه : أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدرا نحو قولك : أريد أن تقوم : أي : أريد قيامك.

ص: 221


1- أكثر ما تزاد" إن" بعد" ما" النّافية إذا دخلت على جملة فعليّة ، نحو قول النّابغة الذّبياني : ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي فإن هنا زائدة لتوكيد النفي. أو جملة اسمية كقول فروة بن مسيك : فما إن طبّنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا (طبّنا : شأننا وعادتنا ، والعلة والسبب) انظر معجم القواعد العربية 2 / 115.

والثاني : أن تكون في معنى (أي) التي تقع للعبارة والتفسير ، وذلك قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : 6]. ومثله : (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : 72].

والثالث : أن تكون فيه زائدة مؤكدة ، وذلك قولك : لما أن جاز زيد قمت ، والله أن لو فعلت لأكرمتك ، قال الله تعالى : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) [العنكبوت : 33].

والرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة ، وذلك قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : 10]. ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز.

قال سيبويه : لا تخففها أبدا في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة تضمر فيها الاسم يعني الهاء قال : ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر يريدون معنى (كأن) ولم يريدوا الإضمار ، وذلك قوله :

كأنّ وريديه رشاء خلب ... (1)

قال : وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى (إن) فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل فلا يتغير عن عمله نحو : لم يكن صالحا ولم يك صالحا ومثل ذلك يعني الأول قول الأعشى :

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

كأنه قال : إنه هالك ، وإن شئت رفعت في قول الشاعر : كأن وريداه رشاء خلب.

ص: 222


1- كأن : مخفّفة من" كأنّ" ولا يختلف عملها عن المشدّدة ويجوز إثبات اسمها ، وإفراد خبرها كقول رؤبة : كأن وريديه رشاء خلّب (الوريدان : عرقان في الرّقبة وهو اسم" كأن" والرّشاء : الحبل وهو خبرها ، الخلّب : اللّيف ، ورواية هذا الشطر باللسان هكذا" كأن وريداه رشاءا خلّب" قال : ويروى : وريديه على إعمال" كأن" وكقول باغث بن صريم اليشكري : ويوما توافينا بوجه مقسّم كأن ظبية تعطوا إلى وراق السّلم (يروى برفع ظبية على حذف الاسم أي كأنّها وبالنصب على حذف الخبر ، أيّ كأنّ مكانها ظبية ، وبالجر على الأصل" كظبية" وزيدت" إن" بينهما"). انظر معجم القواعد العربية 23 / 16.

واعلم أنه قبيح أن يلي (إن) المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل قبيح أن تقول : قد عرفت أن يقوم زيد : حتى تفصل بين أن والفعل بشيء يكون عوضا من الاسم نحو : لا وقد والسين.

تقول : قد عرفت أن لا يقوم زيد وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال : عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : 20] ، وقوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(1) [طه : 89].

وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيرا فإنهم إنما أجازوه ؛ لأنه دعاء ولا يصلون إلى (قد) هنا ولا إلى (السين) لو قلت : أما أن يغفر الله لك لجاز ؛ لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه : أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع.

وسمعناهم يقولون : أما أن جزاك الله خيرا شبهوه (بأنه) أضمروا فيها كما أضمروا في (أن) فلما جازت (أن) كانت هذه أجوز.

واعلم أنك إذا عطفت اسما على أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع تحمله على الابتداء يعنى موضع أن فتقول : إن زيدا منطلق وعمرا وعمرو ؛ لأن معنى : إن زيدا منطلق زيد منطلق قال الله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : 3].

ص: 223


1- قال الأشموني : الخامس إذا قيل جئت لتكرمني فالنصب بأن مضمرة ، وجوّز أبو سعيد كون المضمر كي ، والأول أولى ؛ لأن أن أمكن في عمل النصب من غيرها فهي أقوى على التجوّز فيها بأن تعمل مضمرة و (كذا بأن) أي من نواصب المضارع أن المصدرية نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا) (البقرة : 184) ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (الشعراء : 82) ، (لا بعد علم) أي ونحوه من أفعال اليقين فإنها لا تنصبه لأنها حينئذ المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) (المزمل : 20) ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) (طه : 89) ، أي أنه سيكون وأنه لا يرجع. ، وأما قراءة بعضهم أن لا يرجع بالنصب وقوله : نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا أن لا يدانينا من خلقه بشر فمما شذ. نعم إذا أول العلم بغيره جاز وقوع الناصبة بعده ، ولذلك أجاز سيبويه ما علمت إلا أن تقوم بالنصب ، قال ؛ لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك أشير عليك أن تقوم : وقيل يجوز بلا تأويل. ذهب إليه الفراء وابن الأنباري. والجمهور على المنع. انظر شرح الأشموني 1 / 335.

ولك أن تحمله على الاسم المضمر في (منطلق) ، وذلك ضعيف إلا أن تأتي (بهو) توكيدا للمضمر فتقول : إن زيدا منطلق هو وعمرو ، وإن شئت حملت الكلام على الأول فقلت : إن زيدا منطلق وعمرا ظريف.

ولعل وكأن وليت : ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إن إلا أنه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء.

وقال سيبويه : ومن ثم اختار الناس : ليت زيدا منطلق وعمرا وضعف عندهم أن يحملوا عمرا على المضمر حتى يقولوا (هو) ولم تكن ليت واجبة ولا لعل ولا كأن فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس في معناه يعني أنك لو قلت : ليت زيدا منطلق وعمرو فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت إن زيدا منطلق وعمرو فعطف عمرا على الموضع لم يصلح من أجل أن ليت وكأن ولعل لها معان غير معنى ا لابتداء وإن : إنما تؤكد الخبر والمعنى معنى الابتداء والخبر ولم تزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه.

وإذا كان خبر إن فعلا ماضيا لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها إذا كان اسما تقول : إنّ عمرا لقائم ، وإن بكرا لأخوك ولا يجوز أن تقيم (قام) مقام (قائم) فتقول : إن زيدا لقام وأنت تريد هذه اللام ؛ لأن هذه اللام لام الابتداء.

تقول : والله لزيد في الدار ولعمرو أخوك فإذا دخلت إن أزيلت إلى الخبر والدليل على ذلك قولهم : قد علمت إنّ زيدا لمنطلق فلولا اللام لانفتحت أن وإنما انكسرت ؛ لأن اللام مقدرة بين علمت ، وإن ألا ترى أنك تقول : قد علمت لزيد منطلق أقحمت اللام بين الفعل والابتداء لأنها لام الابتداء فلما أدخلت (أن) وهي تدخل على المبتدأ وخبره تأكيدا كدخول اللام للتأكيد لم يجمعوا بين تأكدين وأزالوها إلى الخبر ، فإن كان الخبر اسما كالمبتدأ أو مضارعا للاسم دخلت عليه ، وإن لم يكن كذلك لم تدخل عليه قال الله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [النحل : 124] أي : لحاكم.

ص: 224

فإن قال قائل : أراني أقول : لأقومن ولتنطلقن فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل قيل له : ليست هذه اللام تلك اللام هذه تلحقها النون وتلزمها وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب فإذا سمعت : والله لقام زيد فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل كان معها النون كما قال امرؤ القيس :

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا فما إن من حديث ولا صالي (1)

قال : ويقال : إنه أراد : لقد ناموا فلما جاء (بقد) قربت الفعل من الحاضر فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الابتداء.

تقول : قد علمت أن زيدا ليقومن وأن زيدا لقائم فلا تكسر أن كما تكسرها في قولك :أشهد إن محمدا لرسول الله.

واعلم أن بكرا ليعلم ذلك ، قال سيبويه : إن هذه اللام دخلت على جهة الشذوذ.

قال سيبويه : وقد يستقيم في الكلام : إن زيدا ليضرب وليذهب ولم يقع (ضرب) والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين ولا يجوز أن تدخل (إنّ) على (أنّ) كما لا يدخل تأنيث على تأنيث ولا استفهام على استفهام فحرف التأكيد كذلك ولا يجوز أن يدخل حرف تأكيد على حرف مثله لا يجوز أن تقول : إن إنك منطلق يسرني تريد : إن انطلاقك يسرني.

فإن فصلت بينها فقلت : إن عندي أنك منطلق جاز (2).

ص: 225


1- أكثر ما تزاد" إن" بعد" ما" النّافية إذا دخلت على جملة فعليّة ، نحو قول النّابغة الذّبياني : ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي فإن هنا زائدة لتوكيد النفي. أو جملة اسمية كقول فروة بن مسيك : فما إن طبّنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا (طبّنا : شأننا وعادتنا ، والعلة والسبب) انظر معجم القواعد العربية 2 / 115.
2- هناك مواضع يجوز فيها الوجهان : الأول أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إِنَّ لَكَ) أن لا (تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (طه : 119) ، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة أن الأولى والباقون بالفتح عطفا على أن لا تجوع. الثاني أن تقع بعد حتى فتكسر بعد الابتدائية نحو مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه ، وتفتح بعد الجارة والعاطفة نحو عرفت أمورك حتى أنك فاضل. الثالث أن تقع بعد أما نحو أما أنك فاضل فتكسر إن كانت أما استفتاحية بمنزلة ألا ، وتفتح إن كانت بمعنى حقا كما تقول حقا أنك ذاهب ومنه قوله : أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا أي أفي حق هذا الأمر؟ الرابع أن تقع بعد لا جرم نحو : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) (النحل : 23) ، فالفتح عند سيبويه على أن جرم فعل وأن وصلتها فاعل ، أي وجب أن الله يعلم ولا صلة ، وعند الفراء على أن لا جرم بمنزلة لا رجل ومعناه لا بد ، ومن بعدها مقدرة والكسر على ما حكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول لا جرم لآتينك (وبعد ذات الكسر تصحب الخبر) جوازا (لام ابتداء نحو إنّي لوزر) أي ملجأ ، وكان حق هذه اللام أن تدخل على أول الكلام ؛ لأن لها الصدر ، لكن لما كانت للتأكيد ، وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد فزحلقوا اللام إلى الخبر. انظر شرح الأشموني 1 / 146.

قال الله عز وجل : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : 118 - 119] ، فإن هي التي فتحت أن وموضع أن في قوله : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها) وما علمت فيه نصب بأن الأولى كما تقول : إن في الدار لزيدا فحسن إذا فرقت بين التأكيدين.

ومن قرأ : (وإنّك لا تظمأ) وجعله مستأنفا كقولك : إن في الدار زيدا وعمرو منطلق ؛ لأن الكلام إذا تم فلك أن تستأنف ما بعده ، فإن قال قائل : من أين؟ قلت في قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ) أن الفعل المضارع وقع موقع (حاكم) ولم تقل إن الموضع للفعل وإنما وقع الاسم موقعه بمضارعته له قيل له : لو كان حق اللام أن تدخل على الفعل وما ضارع الفعل لكان دخولها على الماضي أولى ؛ لأنه فعل كما أن المضارع فعل ومع ذلك إنها قد تدخل على الاسم الذي لا يضارع الفعل نحو قولك : إن الله لربنا ، وإن زيدا لأخوك فليس هنا فعل ولا مضارع لفعل ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على حرف الجزاء لا تقول : إن زيدا ؛ لأن أتاني أكرمته ولا ما أشبه ذلك.

ولا تدخل على النفي ولا على الحال ولا على الصفة ولا على التوكيد ولا على الفعل الماضي كما قلنا إلا أن يكون معه (قد).

ص: 226

ولكنّ الثقيلة التي تعمل عمل (إن) يستدرك بها بعد النفي وبعد الإيجاب يعني إذا كان بعدها جملة تامة كالذي قبلها نحو قولك : ما جاءني زيد لكن عمرا قد جاء وتكلم عمر لكن بكرا لم يتكلم.

ولكن الخفيفة إذا ابتدأت ما بعدها وقعت أيضا بعد الإيجاب والنفي للاستدراك.

فأما إذا كانت (لكن) عاطفة اسما مفردا على اسم لم يجز أن تقع إلا بعد نفي لا يجوز أن تقول : جاءني زيد لكن عمرو وأنت تريد عطف عمرو على زيد.

ص: 227

مسائل من هذا الباب

تقول : إن عبد الله الظريف منطلق ، فإن لم تذكر (منطلق) وجعلت الظريف خبرا رفعته فقلت : إن عبد الله الظريف كما كنت تقول : كان زيد الظريف ذاهبا ، وإذا لم تجي بالذاهب قلت : كان زيد الظريف وتقول : إن فيها زيدا قائما إذا جعلت (فيها) الخبر ونصبت (قائما) على الحال.

فإن جعلت (قائما) الخبر والظرف (فيها) رفعت فقلت : إن فيها زيدا قائم وكذلك إن زيدا فيها قائم وقائما تقول : إن بك زيدا مأخوذ ، وإن لك زيدا واقف لا يجوز إلا الرفع ؛ لأن (بك ولكل) لا يكونان خبرا لزيد فلو قلت : إن زيدا بك ، وإن زيدا لك لم يكن كلاما تاما وأنت تريد هذه المعاني ، فإن أردت بأن زيدا لك أي ملك لك وما اشبه ذلك جاز ومثل ذلك :إن فيك زيدا لراغب ولو قلت : إن فيك زيدا راغبا لم يصلح وإنما تنصب الحال بعد تمام الكلام وتقول : إن اليوم زيدا منطلق لا يجوز إلا الرفع ؛ لأن (اليوم) لا يكون خبرا لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب (اليوم) لا يكون خبرا لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب (اليوم) بإن ؛ لأنه ليس هنا بظرف إذ صار في الكلام ما يعود إليه.

وتقول : إن زيدا لفيها قائما. وإن شئت ألغيت (لفيها) فقلت : إن زيدا لفيها قائم واللام تدخل على الظرف خبرا كان أو ملغى مقدما على الخبر خاصة ويدلك على ذلك قول الشاعر وهو أبو زبيد :

إن أمرا خصني عمدا مودته

على التنائي لعندي غير مكفور

وإذا قلت : إن زيدا فيها لقائم فليس (فيها) إلا الرفع ؛ لأن اللام لا بدّ من أن يكون خبر إن بعدها على كل حال وكذلك : إن فيها زيدا لقائم وروى الخليل : أن ناسا يقولون : إن بك زيد مأخوذ فقال : هذا علي : إنه بك زيد مأخوذ وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قول ابن صريم اليشكري :

ص: 228

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن طبية تعطو إلى وارق السلم (1)

وقال آخر :

ووجه مشرق النّحر

كأن ثدياه حقّان

لأنه لا يحسن هاهنا إلا الإضمار.

وزعم الخليل : أن هذا يشبه قول الفرزدق :

فلو كنت ضبّيا عرفت قرابتي

ولكنّ زنجي عظيم المشافر

قال سيبويه : والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال : ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي ، ولكنه أضمر هذا.

قال : والنصب أجود ؛ لأنه لو أراد الإضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك : ما أنت صالحا ولكن طالح : وتقول : إن مالا ، وإن ولدا ، وإن عددا أي : إن لهم مالا والذي أضمرت (لهم) وقال الأعشى :

إنّ محلا ، وإن مرتحلا

وإنّ في السفر إذ مضوا مهلا (2)

ص: 229


1- ان كان الحرف كأن فيغلب لها ما وجب ؛ لأن لكن يجوز ثبوت اسمها وافراد خبرها وقد روى قوله ويوما توافينا بوجه مقسّم كأن ظبية تعطو الى وارق السّلم بنصب الظبية على انه اسم كأن والجملة بعدها صفة لها والخبر محذوف والتقدير كأن ظبية عاطية هذه المرأة على التشبيه المعكوس وهو أبلغ وبرفع الظبية على أنها الخبر والجملة بعدها صفة والاسم محذوف والتقدير كأنها ظبية وبجر الظبية على زيادة أن بين الكاف ومجرورها والتقدير كظبية. انظر شرح شذور الذهب 1 / 367.
2- المختار أنّ اسم إنّ معرفة وخبرها نكرة. إذا اجتمع في اسم إنّ وأخواتها وخبرها فالذي يختار أن يكون اسمها معرفة لأنّها دخلت على الابتداء والخبر ، ولا يكون الاسم نكرة إلّا في الشّعر نحو قول الفرزدق : وإنّ حراما أن أسبّ مقاعسا بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم الخضارم : جمع خضرم : وهو الجواد المعطاء. وقول الأعشى : إنّ محلّا وإن مرتحلا وإن في السّفر إذ مضى مهلا المعنى : إنّ لنا في الدنيا حلولا ، وإن لنا عنها ارتحالا. انظر معجم القواعد العربية 2 / 125.

وتقول : إن غيرها إبلا وشاء كأنه قال : إن لنا غيرها إبلا وشاء ، وإن عندنا غيرها إبلا وشاء فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه ونصبت إبلا وشاء على التمييز والتبيين كإنتصاب الفارس إذا قلت : ما مثله من الناس فارسا ومثل ذلك قول الشاعر :

يا ليت أياّم الصّبا رواجعا (1)

كأنه قال : يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا أو أقبلت رواجعا.

وقال الكسائي : أضمر (كانت) وتقول : إن قريبا منك زيدا إذا جعلت (قريبا) ظرفا ، وإن جعلته اسما قلت : إن قريبا منك زيد فيكون الأول هو الآخر ، وإذا كان ظرفا كان غيره.

وتقول : إن بعيدا منك زيد والوجه : أن تجعل المعرفة اسم إن فتقول : إن زيدا بعيد منك.

قال سيبويه : وإن شئت قلت : إن بعيدا منك زيدا وقلما يكون بعيد منك ظرفا.

وإنما قل هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيدا وتقول إن قربك زيدا فالدنوا أشد تمكنا من الظروف من البعد ؛ لأن حق الظرف أن يكون محيطا بالجسم من أقطاره.

وزعم يونس : أن العرب تقول : إن بدلك زيدا أي : إن مكانك زيدا ، وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت : إن بدلك زيد أي إن بديلك زيد وتقول : إن ألفا في دراهمك بيض إذا جعلت : (بيضا) خبرا ، فإن وصفت بها (ألفا) قلت : إن ألفا في دراهمك بيضا يجوز لك أن

ص: 230


1- (لإنّ) و (أنّ) و (ليت) و (لعل) و (كأنّ عكس ما لكان) الناقصة (من عمل) فتنصب المبتدأ اسما لها وترفع الخبر خبرا لها (كإنّ زيدا عالم بأنّي كفء ولكنّ ابنه ذو ضغن) أي حقد. وقس الباقي هذه اللغة المشهورة. وحكى قوم منهم ابن سيده أن قوما من العرب تنصب بها الجزأين معا من ذلك قوله : إذا اسودّ جنح الّليل فلتأت ولتكن خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا وقوله : يا ليت أيّام الصّبا رواجعا وقوله : كأنّ أذنيه إذا تشوّفا قادمة أو قلما محرّفا انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 139.

تفصل بين الصفة والموصوف وتقول : إن زيدا منطلق وعمرا ظريف فتعطف عمرا على (إن) ومثل ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)(1) [لقمان : 27].

وقد رفعه قوم ولم يجعلوا الواو عاطفة على تأويل (إذ) كقولك : لو ضربت عبد الله وزيد قائم ما ضرك ، أي : لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال فكأنه قال : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات الله وتقول : إن زيدا منطلق وعمرا فتعطف على زيد وتستغني بخبر الأول إذ كان الثاني في محل مثل حاله قال رؤبة :

إنّ الرّبيع الجود والخريفا

يدا أبي العباس والصيوفا

أراد : وإن الصيوف يدا أبي العباس فاكتفى بخبر الأول.

ولك أن ترفع على الموضع ؛ لأن موضع إن الابتداء فتقول : إن زيدا منطلق وعمرو ؛ لأن الموضع للابتداء وإنما دخلت إن مؤكدة للكلام.

ص: 231


1- لك في هذا العطف وجهان : النصب عطفا على اسم إنّ نحو قولك : " إنّ زيدا منطلق وعمرا مقيم" وعلى هذا قرأ من قرأ والبحر بالفتح من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) (الآية : 27 سورة لقمان) وقد رفع آخرون : والبحر : والواو للحال. وعلى هذا قول الرّاجز وهو رؤبة بن العجّاج : إنّ الرّبيع الجود والخريفا يدا أبي العبّاس والضّيوفا والوجه الآخر : عطفه على الابتداء الذي هو اسم إنّ قبل أن تدخل عليه إنّ تقول : " إنّ زيدا منطلق وسعيد. وفي القرآن الكريم مثله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (الآية : 3 سورة التوبة). وقال جرير : إنّ الخلافة والنّبوّة فيهم والمكرمات وسادة أطهار وإذا قلت : " إن زيدا منطلق لا عمرو" فتفسيره مع الواو في وجهي النّصب والرّفع ، واعلم أنّ لعلّ وكأنّ وليت يجوز فيهنّ جميع ما جاز في" إن" إلّا أنّه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء. ولكنّ بمنزلة" إن" وتقول : " إنّ زيدا فيها لا بل عمرو" ، وإن شئت نصبت : أي : لا بل عمرا. انظر معجم القواعد العربية 2 / 126.

وتقول : إن قومك فيها أجمعون. وإن قومك فيها كلهم ففي (فيها) اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت : إن قومك ينطلقون أجمعون فإذا قلت : إن زيدا فيها ، وإن زيدا يقول ذلك ثم قلت : نفسه. فالنصب أحسن.

فإذا أردت حمله على المضمر قلت : إن زيدا يقول ذاك هو نفسه فإذا قلت : إن زيداص منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره مع الواو في النصب والرفع ، وذلك قولك : إن زيدا منطلق لا عمرا ، وإن زيدا منطلق لا عمرو ولكن بمنزلة إن وتقول : إن زيدا فيها لا بل عمرو ، وإن شئت نصبت و (لا بل) تجري مجرى الواو ولا تقول : إن زيدا منطلق العاقل اللبيب إذا جعلته صفة لزيد ويجوز أن تقول : إن زيدا منطلق العاقل اللبيب فترفع.

قال سيبويه : والرفع على وجهين : على الاسم المضمر في (منطلق) كأنه بدل منه كقولك : مررت به زيد يعني أنه يجعله بدلا من المضمر في منطلق.

قال : وإن شاء رفعه على معنى : مررت به زيد إذا كان جواب من هو فتقول : زيد كأنه قيل له من هو فقال : العاقل اللبيب وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سبأ : 48] وعلام الغيوب (1).

وتقول : إن هذا أخاك منطلق فتنصب أخاك على ضربين من التقدير : على عطف البيان وهو كالصفة وعلى البدل فمن قال هذا قال : إن الذي رأيت أخاك ذاهب ولا يكون الأخ صفة (الذي) ؛ لأن أخاك أخص من الذي ، فلا يكون صفة وإنما حق الصفة أن تكون أعم من الموصوف.

قال الخليل : إن من أفضلهم كان زيدا على إلغاء (كان).

ص: 232


1- قرأ عيسى بن عمر : علام الغيوب على أنه بدل ؛ أي قل : إن ربي علام الغيوب يقذف بالحق ، قال أبو إسحاق : والرفع من جهتين على الموضع ؛ ؛ لأن الموضع رفع ، وعلى البدل مما في (يقذف) ، قال أبو جعفر : وفي الرفع وجهان آخران : يكون خبرا بعد خبر ، ويكون على إضمار مبتدأ. وزعم الفراء : أن الرفع في مثل هذا أكثر في كلام العرب إذا أتى بعد خبر (إن) ، ومثله : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ.)[إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : 3 / 242].

قال سيبويه : وسألت الخليل عن قوله : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) و (وَيْكَأَنَّ اللهَ) [القصص : 82] فزعم : أنها وي (1) مقصولة من (كأن) والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم : أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم.

قال : وأما المفسرون فقالوا : (ألم تر أن الله) وقال زيد بن عمرو بن نفيل : [الخفيف]

سألتاني الطّلاق إذ رأتاني

قلّ مالي قد جتتماني بنكر

ويكأن من يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (2)

قال : وناس من العرب يغلطون فيقولون : إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان وذلك : أن معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم كما قال زهير :

بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (3)

ص: 233


1- اسم الفعل المرتجل : هو ما وضع من أوّل الأمر كذلك ك" هيهات" بمعنى بعد ، و" أوّه" بمعنى أتوجّع و" أفّ" بمعنى أتضجّر. و" وي" بمعنى أعجب قال تعالى : (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (الآية : 82 سورة القصص). أي أعجب لعدم فلاح الكافرين ، ومثلها" واها" و" وا" قال أبو النجم : واها لسلمى ثمّ واها واها هي المنى لو أننّا نلناها انظر معجم القواعد العربية 2 / 45.
2- ذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أن الأصل ويلك فحذفت اللام لكثرة الاستعمال وفتح أن بفعل مضمر كأنه قال ويك اعلم أن. وقال قطرب : قبلها لام مضمر والتقدير ويك ؛ لأن والصحيح الأول. قال سيبويه سألت الخليل عن الآيتين فزعم أنها وي مفصولة من كأن ، ويدل على ما قاله قول الشاعر : وي كأن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 273.
3- قد يحذف حرف الجرّ - غير ربّ - ويبقى عمله ، وهو ضربان : سماعي غير مطّرد كقول رؤبة وقد قيل له : كيف أصبحت؟ قال : خير عافاك الله ، التقدير : على خير ، كقوله : وكريمة من آل قيس ألفته حتّى تبذّح فارتقى الأعلام (التاء في كريمة : للمبالغة ، ألفته : أعطيته ألفا ، " تبذّح" تكبر ، " الأعلام" الجبال ، والشاهد : كسر الأعلام بحرف جر محذوف وهذا شاذ إن صحّت القافية. قياسيّ مطّرد في مواضع أشهرها : 1- لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو : " الله لأفعلنّ كذا" أي والله. 2- بعدكم الاستفهاميّة إذا دخل عليها حرف جرّ نحو : " بكم درهم اشتريت" أي من درهم. 3- لام التعليل إذا جرّت" كي" وصلتها نحو : " جئت كي تكرمني" إذا قدّرت" كي" تعليلية أي لكي تكرمني. 4- مع" أنّ" و" أن" نحو" عجبت أنّك قادم" و" أن قدمت" أي من أنّك قادم ومن أن قدمت. 5- المعطوف على خبر" ليس وما الحجازية" الصالح لدخول الجارّ كقول زهير : بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا فخفض" سابق" (ورواية الديوان : سابقا بالنصب فلا تصلح شاهدا) على توهّم وجود الباء في مدرك. ومثاله في" ما الحجازيّة"" ما زيد عالما ولا متعلّم" (والغالب في هذا وأمثاله السماع فقط). أي التقدير : ما زيد بعالم ولا متعلّم. 6- متعلّق الجارّ والمجرور والظرف : لا بدّ لكلّ من الجارّ والمجرور والظّرف من متعلّق يتعلّق به ؛ لأن الجارّ يوصل معنى الفعل إلى الاسم ، والظّرف لا بدّ له من شيء يقع فيه ، فالموصل معناه إلى الاسم ، والواقع في الظرف هو المتعلّق العامل فيهما ، وهو : إمّا فعل أو ما يشبهه من مصدر ، أو اسم فعل ، أو وصف ولو تأويلا نحو : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (الآية : 3 سورة الأنعام). فالجارّ متعلّق بلفظ الجلالة ، لتأويله بالمعبود ، أو المسمّى بهذا الاسم ومثله قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (الآية : 84 سورة الزخرف) في السماء متعلق ب" إله" ؛ لأنه بمعنى معبود.

فأضمر الباء وأعلمها ، وأما قولهم : (والصابئون) فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ فقال : والصابئون بعد ما مضى الخبر قال الشاعر :

وإلّا فاعلموا أنا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق

كأنه قال : فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك.

وتقول : إن القائم أبوه منطلقة جاريته نصبت القائم بإن ورفعت الأب بفعله وهو القيام ورفعت (منطلقة) ؛ لأنه خبر إن ورفعت الجارية بالإنطلاق ؛ لأنه فعلها.

ص: 234

ويجوز أن تكون الجارية مرفوعة بالابتداء وخبرها : (منطلقة) والجملة خبر (إن) فيكون التقدير : إن القائم أبوه جاريته منطقة إلا أنك قدمت وأخرت ويقول : إن القائم وأخوه قاعد فترفع الأخ بعطفك إياه على المضمر في (قائم) والوجه إذا أردت أن تعطفه على المضمر المرفوع أن تؤكد ذلك المضمر فتقول : إن القائم هو وأخوه قاعد.

وإنما قلت : (قاعد) ؛ لأن الأخ لم يدخل في (إن) وإنما دخل في صلة القائم فصار بمنزلة قولك : إن الذي قام مع أخيه قاعد ونظير ذلك أن المتروك هو وأخوه مريضين صحيح ولو أردت أن تدخل الأخ في (إن) لقلت : إن المتروك مريضا وأخاه صحيحان وتقول : إن زيدا كان منطلقا نصبت زيدا (بإن) وجعلت ضميره في (كان).

وكان وما عملت فيه في موضع خبر (إن) ، وإن شئت رفعت (منطلقا) على وجهين :

أحدهما : أن تلغي (كان) وقد مضى ذكر ذلك.

والوجه الثاني : أن تضمر المفعول به في (كان) وهو قبيح وتجعل منطلقا اسم (كان) فكأنك قلت : إن زيدا كأنه منطلق.

وقبحه من وجهين :

أحدهما : حذف الهاء وهو كقولك : إن زيدا ضرب عمرو تريد : ضربه.

والوجه الآخر : أنك جعلت منطلقا هو الاسم (لكان) وهو نكرة وجعلت الخبر الضمير وهو معرفة فلو كان : إن زيدا كان أخوك تريد : كأنه أخوك كان أسهل وهو مع ذلك قبيح لحذف الهاء وتقول : إن أفضلهم الضارب أخا له كان صالحا فقولك : كان (صالحا) صفة لقولك : (أخا له) ؛ لأن النكرات توصف بالجمل ولا يجوز أن تقول : إن أفضلهم الضارب أخاه كان صالحا فتجعل : (كان صالحا) صفة لأخيه وهو معرةف ، فإن قال قائل : فإنها نكرة مثلها فأجز ذلك على أن تجعله حالا فذاك قبيح والأخفش يجيزه على قبحه وقد تأولوا على ذلك قول الله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : 90] وتأويل ذلك عند أبي العباس : على الدعاء وأنه من الله تعالى إيجاب عليهم.

ص: 235

وقال : القراءة الصحيحة التي جل أهل العلم عليها إنما هي : (أو جاؤكم حصرة صدروكم).

وقال الأخفش : أقول : إن في الدار جالسا أخواك فانصب (جالسا) (بإن) وارفع (الأخوين) بفعلهما واستغنى بهما عن خبر (إن) كما أقول : أذاهب لئأخواك فارفع (أذاهب) بالابتداء وأخواك بفعلهما واستغنى عن خبر الابتداء لأن. خبر الابتداء إنما جيء به ليتم به الكلام.

قال : وكذلك تقول : إن بك واثقا أخواك ، وإن شئت (واثقين أخواك) فجعلت (واثقين) اسم (إن) ولا يجوز : أن بك واثقين أخويك فتنصب (واثقين) على الحال ؛ لأن الحال لا يجوز في هذا لأنك لا تقول : إن بك أخويك ، وتسكت وتقول : إن فيها قائما أخواك ، وإن شئت قائمين أخويك فتنصب أخويك (بأن) وقائمين على الحال وفيها خبر (إن) وهو خبر مقدم ، وإذا ولي (قائم) إن ولم يكن بينهما ظرف لم يجز توحيده عند الكوفيين وصار اسما لا يفصل بينه وبين عمله بخبر إن ، وذلك قولك : إن قائمين الزيدان ، وإن قائمين الزيدون.

وأجاز الفراء : إن قائما الزيدان ، وإن قائما الزيدون على معنى إن من قام الزيدان ، وإن من قام الزيدون.

وأجاز البصريون إن قائما الزيدان والزيدون على ما تقدم ذكره.

ولا يجيز الكوفيون : إن آكلا زيد طعامك إذا كان المنصوب بعد زيد وهذا جائز عند البصريين ، فإن قلت : إن آكلا طعامك زيد كانت المسألة جائزة في كل قول وكذلك كل منصوب من مصدر أو وقت أو حال أو ظرف ، فإن قلت : خلفك آكلا زيد استوى القولان في تأخير الطعام بعد زيد فقلت : إن خلفك آكلا زيد طعامك ولك أن تؤخر (آكلا) والظروف من الزمان في ذا كالظروف في المكان.

والفراء يجيز : إن هذا وزيد قائمان ، وإن الذي عندك وزيد قائمان وإنك وزيد قائمان إذا كان اسم (إن) لا يتبين فيه الإعراب نحو هذا وما ذكرناه في هذه المسائل وعلى ذلك ينشدون هذا البيت :

ص: 236

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّي وقيّار بها لغريب (1)

ص: 237


1- إذا دخلت اللام على الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر ، فلا يجوز أن زيدا لهو لقائم ، ولا إن لفي الدار لزيدا ، ولا إن في الدار لزيدا لجالس (ووصل ما) الزائدة (بذي الحروف مبطل إعمالها) لأنها تزيل اختصاصها بالأسماء وتهيئها للدخول على الفعل فوجب إهمالها لذلك ، نحو إنما زيد قائم ، وكأنما خالد أسد ، ولكنما عمرو جبان ، ولعلما بكر عالم (وقد يبقّى العمل) وتجعل ما ملغاة وذلك مسموع في ليت لبقاء اختصاصها كقوله : قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد يروى بنصب الحمام على الإعمال ورفعه على الإهمال ، وأما البواقي فذهب الزجاج وابن السراج إلى جوازه فيها قياسا ، ووافقهم الناظم ولذلك أطلق في قوله : وقد يبقى العمل ، ومذهب سيبويه المنع لما سبق من أن ما أزالت اختصاصها بالأسماء وهيأتها للدخول على الفعل نحو : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (الأنبياء : 108) ، (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) (الأنفال : 6) ، وقوله : فو الله ما فارقتكم قاليا لكم ولكنّ ما يقضى فسوف يكون وقوله : أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا بخلاف ليت فإنها باقية على اختصاصها بالأسماء ، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الإعمال في ليتما ، وهو يشكل على قوله في شرح التسهيل : يجوز إعمالها وإهمالها بإجماع (وجائز) بالإجماع (رفعك معطوفا على منصوب إنّ) المكسورة (بعد أن تستكملا) خبرها نحو إن زيدا آكل طعامك وعمرو ، ومنه : فمن يك لم ينجب أبوه وأمّه فإنّ لنا الأمّ النّجيبة والأب (وأن) المفتوحة على الصحيح إذا كان موضعها موضع الجملة بأن تقدمها علم أو معناه نحو : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة : 3) ، (من دون ليت ولعلّ وكأن) حيث لا يجوز في المعطوف مع هذه الثلاث إلا النصب تقدم المعطوف أو تأخر لزوال معنى الابتداء معها وأجاز الفراء الرفع معها أيضا متقدما ومتأخرا بشرطه السابق وهو خفاء الإعراب (وخفّفت إنّ) المكسورة (فقلّ العمل) وكثر الإهمال لزوال اختصاصها حينئذ نحو : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (يس : 32) ، وجاز إعمالها استصحابا للأصل نحو : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا) ليوفيهم (هود : 111) (وتلزم الّلام إذا ما تهمل) لتفرق بينها وبين أن النافية ولهذا تسمى اللام الفارقة ، وقد عرفت أنها لا تلزم عند الإعمال لعدم اللبس. انظر شرح شذور الذهب 1 / 150.

فيرفع (قيارا) وينصب وكذلك لو قال : الغريبان فإفراد الفعل وتثتيته في هذا عندهم سواء.

والكسائي يجيز الرفع في الاسم الثاني مع الظاهر والمكنى ، فإن نعت اسم إن أو أكدته أو أبدلت منه فالنصب عندنا لا يجوز غيره وإنما الرفع جاء عندنا على الغلط.

وقد قال الفراء : يجوز أن تقول : إنهم أجمعون قومك على الغلط لما كان معناه : هم أجمعون قومك وإنه نفسه يقوم يجوز أن ترفع توكيد ما لا يتبين فيه الإعراب وهو وأصحابه كثيرا ما يقيسون على الأشياء الشاذة.

وقال قوم : إن الإختيار مع الواو التثنية في قولك : إن زيدا وعمرا قائمان ويجوز : قائم مع ثم والفاء التوحيد ويجوز التثنية يجوز : لإن زيدا ثم عمرا قائم وقائمان. وإن زيدا فعمرا قائم وقائمان.

ومع (أو) (ولا) التوحيد لا غير أن الخبر عن أحدهما خاصة دون الآخر.

واعلم أن الهاء التي تسمى المجهولة في قولك : إنه قام بكر وفي كل موضع تستعمل فيه فهي موحدة لا ينسق عليها ولا تكون منها حال منصوبة ولا توكيد ولا تؤنث ولا تثنى ولا تجمع ولا تذكر وما بعدها مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل.

وقوم يقولون : إنها إذا كانت مع مؤنث أنثت.

وذكرت نحو قولك : إنه قائمة جاريتك وإنها قائمة جاريتك.

وقالوا إذا قلت : إنه قائم جواريك ذكرت لا غير ، فإن جئت بما يصلح للمذكر والمؤنث أنثت وذكرت نحو قولك : إنه في الدار جاريتك وإنها في الدار جاريتك.

وحكي عن الفراء أنه قال : لا أجيز : إنه قام ؛ لأن هاء العماد إنما دخلت لشيئين لإسم وخبر وكان يجيز فيما لم يسم فاعله : إنه ضرب وقال : لأن الضمة تدل على آخر.

والكسائي يجيز : إنه قام قال : والبغداديون إذا وليت أن النكرات أضمروا والهاء ولم تضمر الهاء إلا صفة متقدمة ، وإن جاؤوا بعدها بأفعال يعنون بالأفعال أسم الفاعل أتبعوها إذا كانت نكرة ورفعوها إذا كانت معرفة كقولهم : إن رجلا قائما ، وإن رجلا أخوك ، وإذا

ص: 238

أضمروا الخبر لم ينسقوا عليها بالمعرفة فلا يقولون : إن رجلا وزيدا ؛ لأن خبر المعرفة لا يضمر عندهم ويقولون : كل أداة ناصبة أو جازمة لا تدخل عليها اللام مع (إن) ، فإن كانت الأداة لا تعمل شيئا دخلت اللام عليها.

وقد أجاز الفراء حذف الخبر في : (إن الرجل) ، وإن المرأة ، وإن الفأرة ، وإن الذبابة ولا يجيزه إلا بتكرير (إن).

ويقولون : (ليت) تنصب الأسماء والأفعال أي : الأخبار نحو : ليت زيدا قائما وقال الكسائي : أضمرت : (كان).

وقالوا : (لعل) تكون بمعنى : (كي) وبمعنى : خليق وبمعنى : ظننت وقالوا : والدليل على ظننت أن تجيء بالشيئين والدليل على (عسى) أن تجيء بأن وقالوا : (ليت) قد ذهب بها إلى (لو) وأولوها الفعل الماضي وليتني أكثر من ليتي ولعلي أكثر من لعلني وإنني وإني سواء.

وذكر سيبويه : لهنك لرجل صدق قال : وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها في (إن) ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقولك : هرقت.

ولحقت هذه اللام (إن) كما لحقت (ما) حين قلت : (إن زيدا لما لينطلقن فلحقت) اللام في اليمين والثانية لام (إن) وفي : لما لينطلقن اللام الأولى : لام (لئن) والثانية : لام اليمين.

والدليل على ذلك النون التي معها.

وقال : قول العرب في الجواب إنه فهو بمنزلة أجل ، وإذا وصلت قلت : إنّ يا فتى.

واعلم أن (إنّ واخواتها) قد يجوز أن تفصل بينها وبين أخبارها بما يدخل لتوكيد الشيء أو لرفعه ؛ لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده ، وذلك قولك : إن زيدا فافهم ما أقول رجل صالح ، وإن عمرا والله ظالم ، وإن زيدا هو المسكين مرجوم ؛ لأن هذا في الرفع يجري مجرى المدح والذم في النصب وعلى ذلك يتأول قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الكهف : 31] فأولئك هو الخبر.

ص: 239

ومذهب الكوفيين والبغداديين في (إن) التي تجاب باللام يقولون : هي بمنزلة (ما) وإلا وقد قال الفراء : إنها بمنزلة (قد) وتدخل أبدا على آخر الكلام نحو قولك : إن زيدا لقائم تريد :ما زيد إلا قائم وقد قيل : إنه يريد : قد قام زيد وكذلك : إن ضرب زيد لعمرا ، وإن أكل زيد لطعامك وكان الكسائي يقول : هي مع الأسماء والصفات يعني بالصفات والظروف إن المثقلة خففت ومع الأفعال بمعنى ما وإلا وقال الفراء : كلام العرب أن يولوها الماضي قالوا : وقد حكى : إن يزينك لنفسك ، وإن يشينك لهيه وقد حكي مع الأسماء وأنشدوا :

فقلت إن القوم الذي أنا منهم

لأهل مقامات وشاء وجامل

وكل ما كان من صلة الثاني لم تدخل اللام عليه وكل ما كان من صلة الأول أدخلت اللام عليه نحو قولك : إن ظننت زيدا لفي الدار قائما ، فإن كان في الدار من صلة الظن دخل عليها ، وإن كان من صلة (قائم) دخلت اللام على (قائم) يعنون أن اللام إنما تدخل على ما هو في الأصل خبر المبتدأ ألا ترى أنه لو خلا الكلام من (ظننت) : كان زيد في الدار قائما فزيد مبتدأ وفي الدار خبره وقائم حال والعامل فيه (في الدار) فهو من صلة (في الدار) فاستقبحوا أن يدخلوا اللام على (قائم) ؛ لأنه من صلة الثاني وهو الخبر وقالوا كل أخوات الظن وكان على هذا المذهب وكذلك صلة الثاني في قولك : إن ضربت رجلا لقائما لا يدخلون عليها اللام و (قائما) صلة رجل هذا خطأ عندهم وعند غيرهم ولا يجوز : إن زال زيد قائما ؛ لأنه لا يجوز زال زيد لقائما وتقول : إن كان زيد لقائما.

ص: 240

باب كسر ألف إن وفتحها

ألف إن تكسر (1) في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والابتداء جميعا ، وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلا داخلا على جملة وتلك الجملة

ص: 241


1- يجوز كسر همزة" إن" وفتحها في تسعة مواضع : 1- أن تقع بعد فاء الجزاء نحو : (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الآية : 54 سورة الأنعام) قرئ بكسر" إن" وفتحها ، فالكسر على معنى : فهو غفور رحيم ، والفتح على تقدير أنها ومعموليها مفرد خبره محذوف ، أي فالغفران والرّحمة حاصلان. 2- أن تقع بعد" إذا" الفجائية كقول الشاعر وأنشده سيبويه : وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا إذا أنّه عبد القفا واللهازم (" أرى" بضم الهمزة : بمعنى أظن يتعدى إلى اثنين و" الهّهازم" جمع لهزمة بكسر اللام : طرف الحلقوم فكسر" إن" على معنى" فإذا هو عبد القفا" والفتح على معنى" فإذا العبودية" أي حاصلة. 3- أن تقع في موضع التّعليل ، نحو : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) أءنه (قرأ نافع والكسائي بفتح" أن" على تقدير لام العلة ، وقرأ الباقون بالكسر ، على أنه تعليل مستأنف) (هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الآية : 28 سورة الطور) ومثله قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (الآية : 103 سورة التوبة) ومثله" لبّيك إأنّ الحمد والنّعمة لك" بفتح" إن" وكسرها. 4- أن تقع بعد فعل قسم ، ولا لام بعدها كقول رؤبة : أو تحلفي بربّك العليّ إأنّي أبو ذيّالك الصّبيّ يروى بكسر" إأنّ" وفتحها ، فالكسر على الجواب للقسم (والبصريون يوجبونه) والفتح بتقدير" على أني" و" أنّ" مؤوّلة بمصدر عند الكسائي والبغداديين. 5- أن تقع خبرا عن قول ، ومخبرا عنها بقول (المراد من القول الأول : لفظ القول والمراد بالثاني : أن اللفظ مما يقال قولا مثلا : ، " إني أحمد الله" فإنها تقال قولا عملا ، بخلاف" إني مؤمن" فالإيمان تصديق بالقلب لا قول باللفظ.) ، والقائل واحد ، نحو" قولي أإني أحمد الله" بفتح إنّ وكسرها فإذا فتحت فعلى مصدرية" قوليط؟؟ أي قولي حمداص؟؟ لله ، وإذا كسرت فعلى معنى المقول ، أي" مقولي إني أحمد الله" فالخبر على الأول : مفرد ، وعلى الثاني جملة مستغنية عن العائد لأنها نفس المبتدأ في المعنى. ولو انتفى القول الأوّل وجب فتحها نحو" عملي أنّي أحمد الله" ولو انتفى القول الثاني وجب كسرها نحو" قولي إني مؤمن". فالقول الثاني" إني مؤمن" والإيمان لا يقال ؛ لأنه عقيدة في القلب. ولو أختلف القائل وجب كسرها نحو : " قولي إنّ هشاما يسّبح ربّه". 6- أن تقع بعد" واو" مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ) (قرأ نافع وأبو بكر بكسر" إن" إمّا على الاستئناف ، وإما بالعطف على جملة" إن" الأولى ، وقرأ الباقون بالفتح عطفا على" ألّا - تجوع" والتقدير : إنّ لك عدم الجوع وعدم الظمإ. (لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (الآية : 119 - 120 سورة طه) 7- الأكثر أن تكسر" إن" بعد حتى ، وقد تفتح قليلا إذا كانت عاطفة ، تقول : " عرفت أمورك حتى أنّك حسن الطّويّة" كأنّك قلت : عرفت أمورك حتّى حسن طويّتك ، ثمّ وضعت أنّ في هذا الموضع. 8- أن تقع بعد" أما" (أنظر" أما" في حرفها) نحو" أما أإنّك مؤدّب" فالكسر على أنّها حرف استفتاح بمنزلة" ألا" والفتح على أنها بمعنى" أحقا" وهو قليل. 9- أن تقع بعد" لا جرم" (انظر" لا جرم" في حرفها) والغالب الفتح نحو (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) (الآية : 23 سورة النحل) فالفتح على أنّ جرم فعل ماض معناه وجب و" أنّ" وصلتها فاعل ، أي وجب أنّ الله يعلم ، و" لا" زائدة ، وإمّا على أنّ" لا جرم" ومعناها" لا بدّ" و" من" بعدهما مقدّرة ، والتّقدير : لا بدّ من أنّ الله يعلم. انظر معجم القواعد العربية 2 / 122.

مبتدأ وخبر والجملة التي بعد (إنّ) لا موضع لها من الإعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف ألا ترى أنك تقول : إن عمرا منطلق فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول : عمرو منطلق ويصلح أن يقع الفعل موقع المتبدأ فتقول : انطلق عمرو وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب لأنها غير مبنية على شيء.

و (إنّ) المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها ولا تدخل اللام في خبر (إن) إذا كانت (إن) محمولة على ما قبلها.

واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك : قد علمت إن زيدا لمنطلق وأظن إن زيدا لقائم فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه.

ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال لا تقول : وعدتك إنك لخارج إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل ألا ترى أنك تقول : قد علمت أيهم في الدار وكل موضع تقع فيه (إن) بمعنى اليمين وصلة القسم فهي مكسورة فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى

ص: 242

اليمين : أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم قال الله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : 76] (فإن) تدخل صلة (للذي) ؛ لأن صلة الذي لا موضع لها من الإعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر.

فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضا مكسورة لأنك تحكي الكلام مبتدأ والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول : قال عمرو : إن زيدا خير منك.

قال سيبويه : كان عيسى يقرأ هذا الحرف : (فدعا ربّه إنّي مغلوب) [القمر : 10]. أراد أن يحكي كما قال : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) [الزمر : 3] كأنه قال والله اعلم قالوا : ما نعبدهم فعلى هذا عندي قراءة : (فدعا ربّه إني مغلوب) أي : دعا ربه فقال : إني مغلوب.

وتكسر أيضا بعد إلا في قولك : ما قدم علينا أمير إلا إنّه مكرم لي ؛ لأنه ليس هنا شيء يعمل في (إن) ولا يجوز أن تكون عليه.

قال : قال سيبويه : ودخول اللام هاهنا يدلك على أنه موضع ابتداء.

قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(1) [الفرقان : 20] ، فإن زال ما بعد إلا عن الابتداء وبنيته على شيء فتحت تقول : ما غضبت عليك إلا أنك فاسق كأنك قلت : إلا لأنك فاسق ، وأما قوله تعالى : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ) [التوبة : 54].

ص: 243


1- في باب الحصر بالنّفي وإلّا ، بمعنى الأمثلة الآتية تقول : " ما قدم علينا أمير إلّا إنّه مكرم لنا". ؛ لأنه ليس ههنا شيء يعمل فيإنّ ولا يجوز أن تكون أنّ ، وإنّما تريد أن تقول : ما قدم علينا أمير إلّا هو مكرم لنا. وقال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) (الآية : 20 سورة الفرقان) ومثل ذلك كثّيرّ : ما أعطياني ولا سألتهما إلّا وإني لحاجزي كرمي وبغير معنى ما تقدّم من الحصر تقول : " ما غضبت عليك إلا أنّك فاسق" وهذا بفتح همزة أن. انظر معجم القواعد العربية 2 / 122.

فإنما حمله على (منعهم) أي : ما منعهم إلا أنهم كفروا فموضع : أنهم كفروا رفع أي : ما منعهم لا كفرهم فلما صار لها موضع فتحت.

و (حتى) : تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في (إن) ، وذلك قولك : قد قاله القوم حتى إن زيدا يقوله : وانطلق الناس حتى إن عمرا لمنطلق.

وأحال سيبويه أن تقع المفتوحة هاهنا وكذلك إذا قلت : مررت فإذا إنّه يقول ذاك قال :وسمعت رجلا من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرتك به :

وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا

إذا إنّه عبد القفا واللهازم (1)

وإذا ذكرت (إن) بعد واو الوقت كسرت ؛ لأنه موضع ابتداء نحو قولك : رأيته شابا وإنه يومئذ يفخر.

ص: 244


1- يجوز فتح إن وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية نحو خرجت فإذا إن زيدا قائم فمن كسرها جعلها جملة والتقدير خرجت فإذا زيد قائم ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية والتقدير فإذا قيام زيد أي ففي الحضرة قيام زيد ويجوز أن يكون الخبر محذوفا والتقدير خرجت فإذا قيام زيد موجود ومما جاء بالوجهين قوله : وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم انظر شرح ابن عقيل 1 / 356.
ذكر أن المفتوحة

أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام : شأنا وقصة وحديثا ألا ترى أنك إذا قلت : علمت أنك منطلق فإنما هو : علمت انطلاقك فكأنك قلت : علمت الحديث ويقول القائل : ما الخبر فيقول المجيب : الخبر أن الأمير قادم.

فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها لا تريد بها الابتداء تقول : بلغني أنك منطلق (فأن) في موضع اسم مرفوع كأنك قلت : بلغني انطلاقك وتقول : قد عرفت أنك قادم (فأن) في موضع اسم منصوب كأنك قلت : عرفت قدومك وتقول : جئتك ؛ لأن كريم (فأن) في موضع اسم مخفوض كأنك قلت : جئت لكرمك.

و (أن) إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل. وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الاسم والفعل لا يعمل في الفعل فلذلك لا يعمل الفعل في (إن) المكسورة ويعمل في (أن) المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر والمصدر اسم.

قال سيبويه : يقبح أن تقول : أنك منطلق بلغني أو عرفت.

وإنما استقبح ذلك ، وإن أردت تقديم الفعل لامتناعهم من الابتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة (أن) الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر.

وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه فلا يجوز أن يتصرف تصرف (أن) الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها.

فأما (أن) الخفيفة التي تنصب الفعل فإنها يبتدأ بها ؛ لأن الفعل صلة لها وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و (أنّ) الشديدة ليست كذلك ؛ لأنه لا يليها إلا الاسم وهي بعد للتأكيد كما إن (إن) المكسور للتأكيد تقول : إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز : أن زيد قائم خير لك قال الله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : 184] وتقول : ليت أن زيدا منطلق فأصل هذا الابتداء والخبر فينوب عن خبر (ليت) ولا يجوز : أن يقوم زيد حتى يأتي بخبر وأنت مع (أن) تلفظ بالفعل ومع (أن) المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل نحو قولك : قد علمت أن زيدا أخوك والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة

ص: 245

لا تقع فيها (إن) المكسورة فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد فاعلم أن المعنى والتأويل مختلف (1).

وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها نحو : جئتك أنك تريد الخير ، ويقول الرجل للرجل : لم فعلت ذلك فيقول : لم أنه ظريف ، تريد : لأنه.

قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : 52] فقال : إنما هو على حذف اللام ، وقال عز وجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [هود : 25] إنما أراد : بأني ، وإذا عطفت (إن) على أن وقد عمل في الأولى الفعل ففتحها فتحت المعطوف أيضا إلا أن تريد أن تستأنف ما بعد حرف العطف وتأتي بجملة نحو قولك : قد عرفت أنه ذاهب ثم إنه معجل فتحت الثانية ؛ لأن (عرفت) قد عمل فيها وتقول قد عرفت أنه منطلق ثم إنني أخبرتك أنه معجل لأنك ابتدأت (بأني).

وإن جئت بها بعد واو الوقت كسرت كما أخبرتك وتقع بعد (لو) مفتوحة فتقول : لو أنك في الدار لجئتك.

قال سيبويه : (فأن) مبنية على (لو) كما كانت مبنية على (لو لا) تقول : لو لا أني منطلق لفعلت (فأن) مبنية على (لو لا) كما تبنى عليها الأسماء وقال في لو كأنك قلت : لو ذاك وهذا تمثيل ، وإن كانوا لا يبنون على (لو) غير أن كما كان (تسلم) في قولك بذي تسلم في موضع اسم.

ص: 246


1- أن المفتوحة أشبه بالفعل من المكسورة ؛ لأن لفظها كلفظ عض مقصودا به الماضي أو الأمر. والمكسورة لا تشبه إلا الأمر كجد فلذلك أوثرت أن المفتوحة المخففة ببقاء عملها على وجه يبين فيه الضعف. وذلك بأن جعل اسمها محذوفا لتكون بذلك عاملة كلا عاملة. ومما يوجب مزيتها على المكسورة أن طلبها لما تعمل فيه من جهة الاختصاص ومن جهة وصليتها بمعمولها ولا تطلب المكسورة ما تعمل فيه إلا من جهة الاختصاص فضعفت بالتخفيف وبطل عملها بخلاف المفتوحة (وإن يكن) صدر الجملة الواقعة خبر أن المفتوحة المخففة (فعلا ولم يكن) ذلك الفعل (دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا فالأحسن) حينئذ (الفصل) بين أن وبينه (بقد) نحو : (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) (المائدة : 113). انظر شرح الأشموني 1 / 153.

قال أبو العباس رحمه الله : إن (لو) إنما تجيء على هيئة الجزاء فإذا قلت : لو أكرمتني لزرتك فلا بد من الجواب ؛ لأن معناها : إن الزيارة امتنعت لإمتناع الكرامة فلا بد من الجواب ؛ لأنه علة الإمتناع و (إن) المكسورة لا يجوز أن تقع هنا كما لا يجوز أن تقع بعد حروف الجزاء لأنها إنما أشبهت الفعل في اللفظ والعمل لا في المعنى و (أن) المفتوحة مع صلتها مصدر في الحقيقة فوقوعها على ضربين :

أحدهما : أن المصدر يدل على فعله فيجري منه ويعمل عمله فقد صح معناها في هذا الوجه.

فإن قال قائل إذا قلت : لو أنك جئتني لأكرمتك فلم لا تقول : لو مجيئك لأكرمتك قيل له : لأن الفعل الذي قد لفظت به من صلة (أن) والمصدر ليس كذلك ألا ترى أنك تقول :

ظننت أنك منطلق فتعديه إلى (أن) وهي وصلتها اسم واحد ؛ لأنه قد صار لها اسم وخبر فدلت بهما على المفعولين وغيرهما من الأسماء لا بد معه من مفعول ثان.

والوجه الآخر : أن الأسماء تقع بعد (لو) على تقديم الفعل الذي بعدها فقد وليتها على حال ، وإن كان ذلك من أجل ما بعدها فلذلك وليتها (أن) لأنها اسم وامتنعت المكسورة لأنها حرف جاء لمعنى التوكيد والحروف لا تلي (لو) فمما وليها من الأسماء قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء : 100].

وقال جرير :

لو غيركم علق الزّبير بحبله

أدى الجوار إلى بني العوّام

وفي المثل : لو ذات سوار لطمتني (1).

ص: 247


1- تختصّ" لو" مطلقا بالفعل ، ويجوز أن يليها قليلا : اسم معمول لفعل محذوف وجوبا يفسّره ما بعده ، إمّا مرفوع كقول الغطمّش الضّبيّ : أخلّاي لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الدّهر معتب وقولهم في المثل : " لو غير ذات سوار لطمتني" (قاله حاتم الطائي ، وكان قد أسر فلطمته جارية من جواري الحي الذي أسر فيه ، ويضرب للوضيع يهين الشريف). أو منصوب نحو" لو محمدا رايته أكرمته" ، أو خبر ل " كان" محذوفة مع اسمها نحو" التمس ولو حاتما من حديد" أي ولو كان الملتمس خاتما ويليها كثيرا" أنّ" وصلتها ، نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) (الآية : 5 سورة الحجرات). والمصدر المؤوّل فاعل ب" ثبت" مقدر ، أي ولو ثبت صبرهم ، ومثله قول تميم بن أبيّ بن مقبل : ما أنعم العيش لو أنّ الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم أي لو ثبتت حجريّته. انظر معجم القواعد العربية 4 / 38.

وكذلك : لو أنك جئت أي : لو وقع مجيئك ؛ لأن المعنى عليه.

قال سيبويه : سألته - يعني : الخليل - عن قول العرب : ما رأيته مذ أنّ الله خلقني؟

فقال : إن في موضع اسم كأنك قلت : مذ ذاك ، فإن كان الفعل أو غيره يصل باللام جاز تقديمه وتأخيره ؛ لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى ، وذلك نحو قول تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : 18] أي : ولأن المساجد وإنما جاز ذلك ؛ لأن اللام مقدرة قبل (أن) وهي العاملة في (أن) لا الفعل وكل موضع تقع فيه (أن) تقع فيه (إنما) وما ابتدئ بعدها صلة لها كما أن ما ابتدئ بعد الذي صلة له ول تكون هي عاملة فيما بعدها كما لا يكون الذي عاملا فيما بعده فمن ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الأنبياء : 108].

فلو قلت : يوحي إلي أن إلهكم إله واحد كان حسنا فأما إنما مكسورة فلا تكون اسما وإنما هي فيما زعم الخليل بمنزلة فعل ملغى مثل : أشهد لزيد خير منك.

والموضع الذي لا يجوز أن يكون فيه (أن) لا تكون (إنما) إلا مبتدأة مكسورة مثل قولك :وجدتك إنما أنت صاحب كل خنيّ لأنك لو قلت : وجدتك أنك صاحب كل خنيّ لم يجز.

(وإنما وأن) يصيّران الكلام : شأنا وقصة وحديثا ولا يكون الحديث الرجل ولا زيدا ولا ما أشبه ذلك من الأسماء.

ويجوز أن تبدل مما قبلها إذا كان ما قبلها حديثا وقصة تقول : بلغتني قصتك أنك فاعل وقد بلغني الحديث أنهم منطلقون فقولك : (أنهم منطلقون) هو الحديث.

ص: 248

وقد تبدل من شيء ليس هو الحديث ولا القصة لإشتمال المعنى عليه نحو قول عز وجل :(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)(1) [الأنفال : 7].

(فأن) مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعة في مكانها كأنك قلت : وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم وهذا يتّضح إذا ذكرنا البدل في موضعه إن شاء الله.

ص: 249


1- يجب الفتح في ثمان مسائل : إحداها : أن تقع فاعلة نحو (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا) أي إنزالنا. الثانية : أن تقع نائبة عن الفاعل نحو (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ). الثالثة : أن تقع مفعولا لغير القول نحو (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ). الرابعة : أن تقع في موضع رفع بالابتداء نحو (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً). الخامسة : أن تقع في موضع خبر عن اسم معنى نحو اعتقادي أنّك فاضل. السادسة : أن تقع مجرورة بالحرف نحو (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ). السابعة : أن تقع مجرورة بالإضافة نحو (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ). الثامنة : أن تقع تابعة لشيء مما ذكرنا نحو (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ونحو (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) فإنها في الأولى معطوفة على المفعول وهو نعمتي وفي الثانية بدل منه وهو إحدى. انظر شرح شذور الذهب 1 / 269.

ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن المفتوحة والمكسورة والتأويل والمعنى مختلف

تقول : إمّا أنه ذاهب وإمّا أنه منطلق. فتفتح وتكسر.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن ذاك فقال : إذا فتحت فإنك تجعله كقولك : حقا أنه منطلق ، وإذا كسرت فكأنه قال : إلا أنه ذاهب.

وتقول : أما والله إنه ذاهب كأنك قلت : قد علمت والله إنه ذاهب.

وأما والله أنه ذاهب كقولك : إلا أنه والله ذاهب.

قال : وسألته عن قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)(1) [الأنعام : 109] ما يمنعه أن يكون كقولك : ما يدريك أنه يفعل فقال : لا يحسن ذا في هذا

ص: 250


1- اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جل وعز : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها.) فقرأ ابن كثير : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) مكسورة الألف. قرأ أبو عمرو بالكسر أيضا ، غير أن أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من : (يُشْعِرُكُمْ.) وقرأ نافع ، وعاصم في رواية حفص ، وحمزة ، والكسائي - وأحسب ابن عامر - : (أنها) بالفتح. وأما أبو بكر بن عياش فقال يحيى عنه : لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ أفتحا أم كسرا؟ وقال حسين الجعفي ، عن أبي بكر ، عن عاصم : إنها مكسورة ، أخبرني به موسى بن إسحاق ، عن هارون بن حاتم ، عن حسين الجعفي بذلك ، وحدثني موسى بن إسحاق ، عن أبي هشام محمد بن يزيد ، قال : سمعت أبا يوسف الأعشى قرأها على أبي بكر : إنها كسرا ، (لا يُؤْمِنُونَ) بالياء ، وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها : إنها كسرا. قال سيبويه : سألته - يعني : الخليل - عن قوله عز وجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ما منعها أن تكون كقولك : ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال : لا يحسن ذلك في هذا الموضع ، إنما قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ ،) ثم ابتدأ فأوجب ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ،) ولو قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) كان ذلك عنه عذرا لهم ، وأهل المدينة يقولون : (أنها) ، فقال الخليل : هي بمنزلة قول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا ؛ أي : لعلك ، فكأنه قال :لعلها إذا جاءت لا يؤمنون [الحجة للقراء السبعة : 3 / 377].

الموضع إنما قال : وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب فقال : إنها إذا جاءت لا يؤمنون قال : ولو كان :(وما يشعركم أنها) كان ذلك عذرا لهم وأهل المدينة يقرأون : (أنّها).

فقال الخليل : هي بمنزلة قول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا أي : لعلك.

فكأنه قال : لعلها إذا جاءت لا يؤمنون.

وتقول : إن لك هذا على وأنك لا تؤذي فكأنه قال : وإن لك أنك لا تؤذي ، وإن شاء ابتدأ.

وقد قرئ هذا الحرف على وجهين : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(1) [طه : 119].

وتقول : إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم أي : إني نجد إذا ابتدأت كما تقول : أنا نجد ، وإذا شئت قلت أي : أني نجد. كأنك قلت : أي : لأني نجد.

وتقول : ذاك ، وإن لك عندي ما أحببت قال الله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) [الأنفال : 14]. كأنه قال : يعلى الأمر ذلك ، وإن لك.

قال سيبويه : ولو جاءت مبتدأة لجاز.

ص: 251


1- هناك مواضع يجوز فيها الوجهان : الأول أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو : (إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) (طه : 119) ، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة أن الأولى والباقون بالفتح عطفا على أن لا تجوع. الثاني أن تقع بعد حتى فتكسر بعد الابتدائية نحو مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه ، وتفتح بعد الجارة والعاطفة نحو عرفت أمورك حتى أنك فاضل. الثالث أن تقع بعد أما نحو أما أنك فاضل فتكسر إن كانت أما استفتاحية بمنزلة ألا ، وتفتح إن كانت بمعنى حقا كما تقول حقا أنك ذاهب ومنه قوله : أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا أي أفي حق هذا الأمر؟ الرابع أن تقع بعد لا جرم نحو : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) (النحل : 23) ، فالفتح عند سيبويه على أن جرم فعل وأن وصلتها فاعل ، أي وجب أن الله يعلم ولا صلة ، وعند الفراء على أن لا جرم بمنزلة لا رجل ومعناه لا بد ، ومن بعدها مقدرة والكسر على ما خكاه الفراء من أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول لا جرم لآتينك (وبعد ذات الكسر تصحب الخبر) جوازا (لام ابتداء نحو إنّي لوزر) أي ملجأ ، وكان حق هذه اللام أن تدخل على أول الكلام ؛ لأن لها الصدر ، لكن لما كانت للتأكيد ، وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد فزحلقوا اللام إلى الخبر. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 146.

قال : وسألت الخليل عن قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون : 52]. فقال : إنما هو على حذف اللام قال : ولو قرأها قارئ : (وأنّ) كان جيدا.

وتقول : لبيك إنّ الحمد والنعمة لك ، وإن شئت قلت : أنّ الحمد قال ابن الأطنابة :

أبلغ الحارث بن ظالم الموعد

والناذر النذور عليّا

إنما تقتل النّيام ولا تقتل

يقظان ذا سلاح كميا

وإن شئت قلت : إنما تقتل النيام على الابتداء زعم ذلك الخليل.

وقال الخليل : في قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [التوبة : 63] قال : ولو قال : فإن كانت عربية جيدة.

وتقول : أول ما أقول إني أحمد الله كأنك قلت : أول ما أقول الحمد لله.

و (إن) في موضعه ، فإن أردت أن تحكي قلت : أول ما أقول : إني أحمد الله وتقول : مررت فإذا إنه عبد ، وإذا أنه عبد تريد : مررت فإذا العبودية به واللؤم.

وقد عرفت أمورك حتى إنك أحمق كأنه قال : حتى حمقكم وهذا قول الخليل.

ص: 252

مسائل في فتح ألف (أن) وكسرها

تقول : قد علمت أنك إذا فعلت ذاك أنك سوف تغبط ويجوز أن تكسر تريد معنى الفاء وتقول : أحقا أنك ذاهب والحق نك ذاهب وأكبر ظنك أنك ذاهب وأجهد رأيك أنك ذاهب وكذلك هما إذا كانا خيرا غير استفهام حملوه على : أفي حق أنك ذاهب قال العبدي :

أحقّا أن جيرتنا أستقلّوا

فنيّتنا ونيّتهم فريق

قال : فريق ولم يقل فريقان كما يقال للجماعة : هم صديق.

وقال تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : 17] ولم يقل : قعيدان والرفع في جميع هذا قويّ إن شئت قلت : أحق أنك ذاهب وأكبر ظني أنك ذاهب تجعل الآخر هو الأول.

قال أبو العباس : سألت أبا عثمان لم لا تقول : يوم الجمعة أنك منطلق قال : هذا يجيزه قوم وهم قليل على التقديم والتأخير يجيزون : أنك منطلق يوم الجمعة وإنما كان الوجه : يوم الجمعة أنك منطلق لأنهم يريدون : في يوم الجمعة انطلاقك قلت : فلم أجازوا : أما يوم الجمعة فإنك منطلق قال : لأن ما بعد الفاء مبتدأ ونصب (يوم الجمعة) بالمعنى الذي أحدثته أما كأنه قال : مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك منطلق وهو نحو قولك : زيد في الدار (اليوم) نصبت اليوم بمعنى الاستقرار في قولك : في الدار قلت : أتجيز كيف إنك صانع على قولك : كيف أنت صانع قال : من أجازه في يوم الجمعة أجازه هاهنا.

قال أبو العباس : لا يجوز هذا في (كيف) ؛ لأن كيف لا ناصب لها قال : قال أبو عثمان : قرأ سعيد بن جبير : (إلا أنهم ليأكلون الطعام) (1) ففتح إن وجعل اللام زائدة كما زيدت في قوله :

أم الحليس لعجوز شهربه (2)

ص: 253


1- أجاز المبرد دخولها في خبر أن المفتوحة وقد قرىء شاذا إلا أنهم ليأكلون الطعام بفتح أن ويتخرج أيضا على زيادة اللام. انظر شرح ابن عقيل 1 / 367.
2- قال الأشموني معقبا : تنبيه : اقتضى كلامه أنها لا تصحب خبر غير إن المكسورة وهو كذلك ، وما ورد من ذلك يحكم فيه بزيادتها ، فمن ذلك قراءة بعض السلف : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) (الفرقان : 20) ، بفتح الهمزة وأجازه المبرد ، وما حكاه الكوفيون من قوله :

وتقول : قد علمت أن زيدا لينطلقن فتفتح ؛ لأن هذه لام القسم وليست لام (إن) التي في قولك : قد علمت إن زيدا ليقوم ؛ لأن هذه لام الابتداء والأولى لام اليمين فليست من (إن) في شيء.

قال أبو عثمان : في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : 23] إن (مثل) و (ما) جعلا اسما واحدا مثل : خمسة عشر ، وإن كانت ما زائدة وأنشد :

وتداعى منخراه بدم

مثل ما أثمر حماض الجبل

قال سيبويه والنحويون يقولون : إنما بناه يعني مثل ؛ لأنه أضافه إلى غير متمكن وهو قوله : إنكم ، وإن شاء أعرب (مثلا) لأنها كانت معربة قبل الإضافة فترفع فتقول : مثل ما أنكم كما تقول في (يومئذ) من النباء والإعراب فتعربه كما كان قبل الإضافة ويبينه لما أضافه إليه من أجل أنه غير متمكن وأن الأول كان مبهما فإنما حصر بالثاني.

وكذلك :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا (1)

ص: 254


1- الأسماء المضافة إلى الجملة على قسمين أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما والثاني ما يضاف إليها جوازا. - وأشار في هذين البيتين إلى أن ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الإعراب والبناء سواء أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض أو جملة فعلية صدرت بمضارع أو جملة اسمية نحو هذا يوم جاء زيد ويوم يقوم عمرو أو يوم بكر قائم وهذا مذهب الكوفيين وتبعهم الفارسي والمصنف لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض البناء وقد روى بالبناء والإعراب قوله : على حين عاتبت المشيب على الصبا بفتح نون حين على البناء وكسرها على الأعراب. انظر شرح ابن عقيل 3 / 59.

وكذلك :

لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (1)

ص: 255


1- البناء ، وذلك في ثلاثة أبواب : (أ) أن يكون المضاف مبهما ك" غير ومثل ودون" فمثل" غير" قول أبي قيس بي الأسلت : لم يمنع الشّرب فيها غسر أن نطقت حمامة في غصون ذات أو قال و" غير" فاعل ب" لم يمنع" وقد بنيت على الفتح. ومثال" مثل" قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الآية : 33 سورة الذاريات). الأكثر على فتح" مثل" وهي صفة ل" لحقّ" مبنية على الفتح ، ومثال" بين" قوله سبحانه : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (الآية : 94 سورة الأنعام). فيمن فتح" بيتا" ويؤيده قراءة الرفع. (ب) أن يكون المضاف زمانا مبهما ، والمضاف إليه" إذ" يحو (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) (الآية : 66 سورة هود) يقرآن بجرّ يوم وفتحه. (ج) أن يكون زمانا مبهما والمضاف إليه فعل مبنيّ بناء أصليّا أو بناء عارضا ، أمّا الأصلي كقول النابغة : على حين عاتبت المشيب على الصّبا وقلت ألّما أصح والشّيب وازع وأمّا العارض فكقول الشاعر : لأجتذبن منهنّ قلبي تحلّما على حين يستصبيبن كلّ حليم فإن كان المضاف إليه فعلا معربا ، أو جملة اسمية وجب الإعراب عند البصريين ، ولكنّ قراءة نافع في قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) (الآية : 119 سورة المائدة) بفتح" يوم" وقراءة (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) (الآية : 19 سورة الانفطار) بفتح" يوم" تجعلان جواز البناء صحيحا. انظر معجم القواعد العربية 2 / 64.

وكل المبهمات كذلك ولا يدخل في هذا : ضربني غلام خمسة عشر رجلا ؛ لأن الغلام مخصوص معلوم غير مبهم بمنزلة وحين ونحو ذلك وأبو عمرو يختار أن يكون نصب : (مثل ما أنكم تنطقون) على أنه حال للنكرة (لحق) ولا اختلاف في جوازه على ما قال.

وتقول : إن زيدا إنه منطلق. كأنك قلت : إن زيدا هو منطلق.

والمكسورة والمفتوحة مجازهما واحد قال الله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل : 119] وقال عبد الله وهب الفزاري الأسدي جاهلي :

زعمت هنيدة أنها صرمت

حبلي ووصل الغانيات غرور

إني وحالك إنّني لمشيّع

صلب القناة بصرحكن جدير

قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن شد ما أنك ذاهب بمنزلة : حقا أنك ذاهب فقال :هذا بمنزلة حقا إنك ذاهب كما تقول : أما إنك ذاهب بمنزلة : حقا إنك وكما كانت (لو) بمنزلة (لو لا) ولا يبدأ بعدها من الأسماء سوى (إن) نحو : لو أنك ذاهب ولو لا يبتدأ بعدها الأسماء ولو بمنزلة (لو لا) ، وإن لم يجز فيها ما يجوز فيها ، وإن شئت جعلت : شد ما كنعم ما كأنك قلت : نعم العمل أنك تقول الحق قال : وسألته عن قوله.

كما أنّه لا يعلم ذلك فتجاوز الله عنه ، وذلك حق كما أنك هاهنا فزعم أنّ العاملة في (أنّ) الكاف وما لغو إلا أن (ما) لا تحذف من هاهنا كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ (كأن) التي للتشبيه كما ألزموا النون (لأفعلن) واللام في قولهم : إن كان ليفعل : كراهية أن يلتبس اللفظان ويدلك على أن الكاف هي العاملة قولهم : هذا حق مثل ما أنك هنا ففتحوا (أن) وبعض العرب يرفع (مثل) حدثنا به يونس فما أيضا لغو لأنك تقول : مثل ما أنك هاهنا ولو جاءت (ما) مسقطة من الكاف في الشعر جاز.

قال النابغة الجعدي :

قروم تسامى عند باب دفاعه

كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا

ص: 256

يريد : كما أنه يؤخذ المرء قال أبو عثمان : أنا لا أنشده إلا (كأن) يؤخذ المرء.

فأنصب يؤخذ لأنها (أن) التي تنصب الأفعال دخلت عليها كاف التشبيه ألا ترى أنه نسق عليه (يقتل) فنصبه لذلك.

قال سيبويه : سألته يعني الخليل هل يجوز : إنه لحق كما أنك هاهنا على حد قولك : كما أنت هاهنا فقال : لا ؛ لأن أن لا يبتدأ بها في كل موضع ألا ترى أنك لا تقول : يوم الجمعة أنك ذاهب ولا : كيف أنك صانع (فكما) بتلك المنزلة قال : وسألت الخليل عن قوله : أحقا أنه لذاهب فقال : لا يجوز كما لا يجوز يوم الجمعة أنه لذاهب.

وقال : يجوز في الشعر : أشهد أنه ذاهب يشبهه بقوله والله أنه ذاهب ؛ لأن معناه معنى اليمين كما أنه إذا قال : أشهد أنت ذاهب ولم يذكر اللام لم يكن إلا ابتداء وهو قبيح ضعيف إلا باللام ومثل ذلك في الضعف : علمت أن زيدا ذاهب كما أنه ضعيف : قد علمت عمرو خير منك ولكنه على إرادة اللام كما قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : 9] ... وهو على اليمين وكان في هذا حسن حين طال الكلام يعني أن التأويل : (والشمس وضحاها لقد أفلح).

قال أبو العباس رحمه الله والبغداديون يقولون : والله إن زيدا منطلق فيفتحون (إن) وهو عندي القياس ؛ لأنه قسم فكأنه قال : أحلف بالله على ذاك أشهد أنك منطلق.

قال : والقول عندي في قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ)(1) [النحل : 62] والله أعلم أن (لا) زائدة للتوكيد وجرم فعل ماض فكأنه قال والله اعلم جرم أن لهم النار وزيادة (لا) في هذا الموضع كزيادتها في قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : 34] وإنما

ص: 257


1- تفتح همزة بعد لا جرم نحو قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) (الآية : 62 سورة النحل) ومعناها : لقد حقّ أنّ لهم النار ، وهناك كثير من التّعابير بمعنى حقا تفتح أنّ بعدها ، فتقول مثلا" أمّا جهد رأيي فأنّك ذاهب" ونحو" شدّ ما أنّك ذاهب" وهذا بمنزلة : حقّا أنّك ذاهب ، وتقول : " أمّا أنّك ذاهب" بمنزلة حقّا أنّك ذاهب ، ومثل ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الآية : 23 سورة الذاريات) وتقبل همزة" إن" الفتح والكسر في مواضع. انظر معجم القواعد العربية 2 / 128.

تقول : لا يستوي عبد الله وزيد ، وكقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) [البلد : 1] ونحوه من الفواتح.

وتقول : أما جهد رأيي فإنك راحل ، وأما يوم الجمعة فإنك سائر ؛ لأن معنى (أما) مهما يكن من شيء فإنك سائر يوم الجمعة فما بعد الفاء يقع مبتدأ ألا ترى أنك تقول : أما زيدا فضربت على التقديم ؛ لأن المعنى : مهما يكن من شيء فزيدا ضربت وفضربت.

قال أبو العباس : فيلزم سيبويه أن يقول على هذا : أما زيدا فإنك ضارب.

قال سيبويه : وإذا قلت : أما حقا فإنك قائم ، وأما أكبر ظني فإنك منطلق فعلى الفعل لا على الظرف لأنك لم تضطر إلى أن تجعلها ظرفا إذا كانت (أما) إنما وضعت على التقديم لما بعد الفاء فصار التقدير : مهما يكن من شيء فإنك ذاهب حقا وفيما قال نظر وشغب : ولا يجوز عندي على هذا أن يقول : أما هندا ، فإن عمرا ضارب ؛ لأن تقدير الاسم الذي يلي (أما) أن يلي الفاء ملاصقا لهما.

فما جاز أن يلاصق الفاء جاز أن يلي (أما) وما لم يجز أن يلاصقها لم يجز أن يلي (أما) فلا يجوز أن تقول : مهما يكن من شيء ، فإن هندا عمرا ضارب فتنصب هندا بضارب ويجوز أن تقول : مهما يكن من شيء ، فإن أكبر ظني عمرا ذاهب فيكون : أكبر ظني ظرفا (لذاهب) وهذا إنما أجازه مع إما لأنهم وضعوها في أول أحوالها على التقديم والتأخير صار حكمها حكم ما لا تأخير فيه ولو كان موضع يجوز أن يقدم فيه ولا يقدم لم يجز أن يعمل ما بعد (أن) في ما قبلها وعلى ذلك ففيه نظر كثير والأقيس في قولك : أما حقا فإنك قائم : أن تعمل معنى (أما) في (حقا) كأنك قلت : مهما يكن من شيء حقا فإنك قائم وأحسبه قول المازني.

وتقول : أيقول : إنّ عمرا منطلق إذا أردت معنى : أتظن كأنك قلت : أتظن أن عمرا منطلق ، فإن أردت الحكاية قلت : أتقول : إنّ وتقول : ظننت زيدا أنه منطلق ؛ لأن المعنى : ظننت زيدا هو منطلق ولا يجوز فيه الفتح ؛ لأنه يصير معناه : ظننت زيدا الإنطلاق ولو قلت : ظننت أمرك أنك منطلق جاز كأنك قلت : ظننت أمرك الإنطلاق والأخفش يقول : إذا حسن في موضع (إن) وما عملت فيه (ذاك) فافتحها نحو قولك : بلغني أنه ظريف لأنك تقول : بلغني

ص: 258

ذاك قال : وما لم يحسن فيه (ذاك) فاكسرها قال : وتقول : أما أنه منطلق ؛ لأنه لا يحسن هاهنا أما ذاك ثم أجازه بعد على معنى : حقا أنه منطلق وقال : لأن أما في المعنى : (حقا) لأنها تأكيد فكأنه ذكر حقا فجعلها ظرفا قال : وقد قال ناس : حقا إنك ذاهب على قولهم : إنك منطلق حقا فتنصب (حقا) على المصدر كأنه قال : أحقّ ذاك حقا قال : وهذا قبيح وهو من كلام العرب.

ص: 259

ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى

المستثنى يشبه المفعول إذا أتى به بعد استغناء الفعل بالفاعل وبعد تمام الكلام.

تقول : جاءني القوم إلا زيدا فجاءني القوم : كلام تام وهو فعل وفاعل فلو جاز أن تذكر (زيدا) بعد هذا الكلام بغير حرف الاستثناء ما كان إلا نصبا.

لكن لا معنى لذلك إلا بتوسط شيء آخر فلما توسطت (إلا) حدث معنى الاستثناء ووصل الفعل إلى ما بعد إلا فالمستثنى بعض المستثنى منهم ألا ترى أن زيدا من القوم فهو بعضهم فتقول على ذلك : ضربت القوم إلا زيدا ومررت بالقوم إلا زيدا فكأنك قلت في جميع ذلك : أستثني زيدا فكل ما أستثنيه (بإلا) بعد كلام موجب فهو منصوب وألا تخرج الثاني مما دخل فيه الأول فهي تشبه حرف النفي فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا فالمعنى : قام القوم لا زيد إلا أن الفرق بين الاستثناء والعطف أن الاستثناء لا يكون إلا بعضا من كلّ والمعطوف يكون غير الأول ويجوز أيضا في المعطوف أن تعطف على واحد نحو قولك : قام زيد لا عمرو ولا يجوز أن تقول في الاستثناء : قام زيد إلا عمرو.

لا يكون المستثنى إلا بعضا من كل وشيئا من أشياء و (لا) إنما تأتي لتنفي عن الثاني ما وجب للأول و (إلا) تخرج الثاني مما دخل فيه الأول موجبا كان أو منفيا ومعناها الاستثناء والاسم المستثنى منه مع ما تستثنيه منه بمنزلة اسم مضاف ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني قومك إلا قليلا منهم فهو بمنزلة قولك : جاءني أكثر قومك فكأنه اسم مضاف لا يتم إلا بالإضافة ، فإن فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعدها لأنك إنما تنصب المستثنى إذا كان اسما من الأسماء وهو بعضها فأما إذا فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعد إلا وزال ما كنت تستثني منه ، وذلك نحو قولك : ما قام إلا زيد وما قعد إلا بكر فزيد مرتفع بقام وبكر مرتفع بقعد وكذلك : ما ضربت إلا زيدا وما مررت إلا بعمرو ولما فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيه.

فإذا قلت : ما قام أحد إلا زيد فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال زيد من (أحد).

ص: 260

فكأنك قلت : ما قام إلا زيد وكذلك البدل من المنصوب والمخفوض تقول : ما ضربت إلا أحدا إلا زيدا وما مررت بأحد إلا زيد فالمبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام وهذا يبين في باب البدل ، فإن لم تقدر البدل وجعلت قولك : ما قام أحد كلاما تاما لا ينوي فيه الإبدال من (أحد) نصبت فقلت : ما قام أحد إلا زيدا.

والقياس عندي إذا قال قائل : قام القوم إلا أباك فنفيت هذا الكلام أن تقول : ما قام القوم إلا أباك ؛ لأن حق حرف النفي أن ينفي الكلام الموجب بحاله وهيئته فأما إن كان لم يقصد إلى نفي هذا الكلام الموجب بتمامه وبني كلامه على البدل قال : ما قام القوم إلا أبوك ، فإن قدمت المستثنى لم يكن إلا النصب نحو قولك : ما لي إلا أباك صديق وما فيها إلا زيدا أحدا ؛ لأنه قد بطل البدل فلم يتقدم ما يبدل فيه ؛ لأن البدل كالنعت إنما يجري على ما قبله ، فإن أوقعت استثناء بعد استثناء قلت : ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا.

فتنصب عمرا ؛ لأنه لا يجوز أن يكون لفعل واحد فاعلان مختلفان يرتفعان به بغير حرف عطف فهذا مما يبصرك أن النصب واجب بعد استغناء الرافع بالمرفوع.

ولك أن تقول : ما أتاني أحد إلا زيد إلا عمرا وإلا زيدا إلا عمرو فتنصب أيهما شئت وترفع الآخر.

وتقول : ما أتاني إلا عمرا إلا بشرا أحد.

فإن استثنيت بعد الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت زيدا درهما قلت : أعطيت الناس الدراهم إلا زيدا ولا يجوز أن تقول : إلا عمرا الدنانير ؛ لأن حرف الاستثناء إنما تستثني به واحدا ، فإن قلت : ما أعطيت أحدا درهما إلا عمرا دانقا وأردت الاستثناء أيضا لم يجز ، فإن أردت البدل جاز فأبدلت عمرا من أحد ودانقا من قولك : درهما فكأنك قلت : ما أعطيت إلا عمرا دانقا.

واعلم أنهم قد يحذفون المستثنى استخفافا نحو قولهم : ليس إلا وليس غير كأنه قال : ليس إلا ذاك وليس غير ذلك.

ص: 261

واعلم أيضا : أنهم ربما يحملون في هذا الباب الاسم على الموضع ، وذلك قولهم : ما أتاني من أحد إلا زيد وما رأيت من أحد إلا زيدا ؛ لأنه يقبح أن تقول : ما أتاني إلا من زيد.

فإذا قلت : لا أحد فيها إلا عبد الله فلا بد من إجرائه على الموضع ورفعه ؛ لأن أحدا مبني مع (لا) وسنذكره في بابه إن شاء الله.

ولا يجوز أن يعمل ما بعد (إلا) فيما قبلها لا يجوز ما أنا زيدا إلا ضارب تريد ما أنا إلا ضارب زيدا وقد جاءت ألفاظ قامت مقام (إلا) وأصل الاستثناء (لا لا) ونحن نفرد لها بابا إن شاء الله.

ولا يجوز أن تستثني النكرة من النكرات في الموجب لا تقول : جاءني قوم إلا رجلا ؛ لأن هذا لا فائدة من استثنائه ، فإن نعتّه أو خصصته جاز وهذا امتناعه من جهة الفائدة فمتى وقعت الفائدة جاز.

ص: 262

هذا باب ما جاء من الكلم في معنى (إلا)

اعلم أنه قد جاء من الأسماء والأفعال والحروف ما فيه إلا : أما الأول من ذلك : فما جاء من الأسماء نحو : غير وسوى وقوم يحكون : سوى وسواء ويضمون إليها : بيد بمعنى : غير وحكم (غير) إذا أوقعتها موقع إلا أن تعربها بالإعراب الذي يجب للإسم الواقع بعد إلا تقول : أتاني القوم غير زيد لأنك كنت تقول : أتاني القوم إلا زيدا وتقول : ما جاءني أحد غير زيد لأنك كنت تقول أتاني القوم إلا زيدا وتقول ما جاءني أحد غير لأنك كنت تقول : ما جاءني أحد إلا زيد وما رأيت أحدا غير زيد كما تقول : ما رأيت أحدا إلا زيدا وما مررت بأحد غير زيد كما تقول : ما مررت بأحد إلا زيد فتعرب (غيرا) بإعراب زيد في هذه المسائل بعد إلا وكل موضع جاز فيه الاستثناء بإلا جاز بغير ولا يجوز أن تكون غير بمنزلة الاسم الذي تبتدأ بعد إلا في قولك : ما مررت بأحد إلا زيد خير منه لا يجوز أن تقول ما مررت بأحد غير زيد خير منه وأنت تريد ذلك المعنى وإنما أدخلوا فيها معنى الاستثناء في كل موضع يصلح أن يكون صفة وكذلك (إلا) أقاموها مقام غير إذا كانت صفة كما أقاموا غير مقام إلا إذا كانت استثناء وأصل غير في هذا الباب أن تكون صفة والاستثناء عارض فيها وأصل (إلا) الاستثناء والصفة عارضة فيها شبهت بغير لما شبهت غير بها فتقول على هذا إذا جعلت غير صفة : جاءني القوم غير زيد ومررت بالقوم غير أخويك ورأيت القوم غير أصحابك تجري غير مجرى (مثل) في الإعراب والصفة وكذلك إن جعلت إلا بمعنى غير قلت : جاءني القوم إلا زيد ومررت بالقوم إلا زيد ورأيت القوم إلا زيدا تنصبه نصب غير إلى الصفة لا على الاستثناء.

وزعم الخليل ويونس : أنه يجوز : ما أتاني غير زيد وعمرو فيجريه على موضع غير لا على ما بعد غير والوجه الجر ، وذلك أن : غير زيد في موضع إلا زيد وفي معناه حملوه على الموضع ألا ترى أنك تقول : ما أتاني غير زيد وإلا عمرو ولا يقبح : كأنك قلت : ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو.

ص: 263

واعلم أن إلا لا يجوز أن تكون صفة إلا في الموضع الذي يجوز أن تكون في استثناء ، وذلك أن تكون بعد جماعة أو واحد في معنى الجماعة إما نكرة وإما ما فيه الألف واللام على غير معهود ؛ لأن هذا هو الموضع الذي تجتمع فيه هي وغير فضارعتها لذلك ولم تكن بمنزلتها في غير هذا الموضع لأنهما لا يجتمعان فيه كما أن غير لا تدخل في الاستثناء إلا في الموضع الذي ضارعت فيه إلا ألا ترى أنك تقول : مررت برجل غيرك ولا تقع إلا في مكانها لا يجوز أن تقول : جاءني رجل إلا زيد تريد غير زيد على الوصف والاستثناء هاهنا محال ولكن تقول : ما يحسن بالرجل إلا زيد أن يفعل كذا ؛ لأن الرجل : جنس ومعناها بالرجل الذي هو غير زيد كما قال لبيد :

إنما يجزى الفتى غير الجمل

وكذلك : مررت بالقوم إلا زيد كما قال :

أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة

قليل بها الأصوات إلا بغامها (1)

وذكر سيبويه قولهم : أتاني القوم سواك وحكى عن الخليل أن هذا كقولك : أتاني القوم مكانك إلا أن في سواك معنى الاستثناء وسواء تنصب في هذا كله لأنها تجري مجرى الظروف وتخفض ما بعدها.

وأما الثاني : فما جاء في الأفعال في موضع الاستثناء وهي : لا يكون وليس وعدا وخلا فإذا جاءت وفيها معنى الاستثناء ففيها إضمار ، وذلك قولك : أتاني القوم لس زيدا وأتوني لا يكون عمرا وما أتاني أحد لا يكون زيدا كأنه قال : ليس بعضهم زيدا.

وترك (بعضا) استغناء بعلم المخاطب والخليل يجيز في ليس ولا يكون أن تجعلهما صفتني ، وذلك قولك : ما أتاني أحد ليس زيدا وما أتاني رجل لا يكون عمرا فيدلك على أنه صفة أن بعضهم يقول : ما أتاني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة.

وأما (عدا) و (خلا) فلا يكونان صفة ولكن فيهما إضمار كما كان في (ليس).

ص: 264


1- هذا مثال المعرّف الشّبيه بالمنكّر.

ولا (يكون) ، وذلك قولك : ما أتاني أحد خلا زيدا وأتاني القوم عدا عمرا ، فإن أدخلت (ما) على عدا وخلا وقلت : أتاني القوم ما عدا زيدا وأني ما خلا زيدا (فما) هنا اسم وخلا وعدا صلة له قال ولا توصل إلا بفعل.

قال سيبويه : وإذا قلت : [أتوني](1) إلا أن يكون زيد فالرفع جيد بالغ وهو كثير في كلامهم و (أن يكون) في موضع اسم مستثنى والدليل على أن (أن يكون) هنا ليس فيها معنى الاستثناء أن ليس وخلا وعدا لا يقعن هنا.

ومثل الرفع قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : 29] وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا يكون.

وأما الثالث : فما جاء من الحروف في معنى (إلا) قال سيبويه : من ذلك (حاشا) وذكر أنه حرف يجر ما بعده كما تجرّ (حتى) ما بعدها وفيه معنى الاستثناء قال : وبعض العرب يقول : ما أتاني القوم خلا عبد الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا فإذا قلت : ما خلا فليس فيه إلا النصب ؛ لأن (ما) اسم ولا يكون صلتها إلا الفعل وهي (ما) التي في قولك : أفعل ما فعلت.

وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد : قال : سمعت أعرابيا يقول : اللهم أغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وأبا الأصبع نصب ب (حاشا).

قال أبو العباس : إنما حاشا بمنزلة خلا ولأن خلا إذا أردت به الفعل إنما معناه جاوزه من قولك : خلا يخلو وكذلك حاشا يحاشي وكذلك قولك : أنت أحب الناس إليّ ولا أحاشي أحدا أي : ولا أستثني أحدا وتصييرها فعلا بمنزلة خلا في الاستثناء قول أبي عمر الجرمي وأنشد قول النابغة :

ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

والبغداديون أيضا يجيزون النصب والجر ب (حاشا).

واعلم أن من الاستثناء ما يكون منقطعا من الأول وليس ببعض له وهذا الذي يكون (إلا) فيه بمعنى لكن.

ونحن نفرد له بابا يلي هذا الباب إن شاء الله.

ص: 265


1- في (ط) : أتوين ، والصواب من الأصل.

باب الاستثناء المنقطع من الأول

اشارة

«إلا» في تأويل (لكن) إذا كان الاستثناء منقطعا عند البصريين.

ومعنى سوى عند الكوفيين والاختيار فيه النصب في كل وجه (1).

وربما ارتفع ما قبل إلا وهي لغة بني تميم وإنما ضارعت إلا (لكن) ؛ لأن (لكن) للإستدراك بعد النفي فأنت توجب بها للثاني ما نفيت عن الأول فمن هاهنا تشابها تقول : ما قام أحد إلا زيد فزيد قد قام ويفرق بينهما : أنّ لكن لا يجوز أن تدخل بعد واجب إلا لترك قصة إلى قصة تامة نحو قولك : جاءني عبد الله لكن زيد لم يجيء ولو قلت : مررت بعبد الله لكن عمرو لم يجز وليس منهاج الاستثناء المنقطع منهاج الاستثناء الصحيح ؛ لأن الاستثناء الصحيح إنما هو أن يقع جمع يوهم أن كل جنسه داخل فيه ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه ليعرف أنه لم يدخل فيهم نحو : جاءني القوم إلا زيدا ، فإن قال : ما جاءني زيد إلا عمرا فلا يجوز إلا على معنى لكن.

واعلم أن إلا في كل موضع على معناها في الاستثناء وأنها لا بد من أن تخرج بعضا من كل فإذا كان الاستثناء منقطعا فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يستثنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ فمن ذلك قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : 43] فالعاصم الفاعل من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة.

ص: 266


1- إن كان الاستثناء منقطعا تعين النصب عند جمهور العرب فتقول ما قام القوم إلا حمارا ولا يجوز الاتباع وأجازه بنو تميم فتقول ما قام القوم إلا حمار وما ضربت القوم إلا حمارا وما مررت بالقوم إلا حمار. وهذا هو المراد بقوله وانصب ما انقطع أي انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه. فمعنى البيتين أن الذي استثني بإلا ينتصب إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه وقد نبه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب سواء كان متصلا أو منقطعا. وإن كان غير موجب وهو الذي فيه نفي أو شبه نفي انتخب أي اختير إتباع ما اتصل ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع. انظر شرح ابن عقيل 2 / 215.

فكأنه قال والله اعلم لكن من رحم يعصم أو معصوم ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : 98] وهذا الضرب في القرآن كثير.

ومن ذلك من الكلام : لا تكونن من فلان في شيء إلا سلاما بسلام وما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ (فما نفع) مع الفعل بمنزلة اسم.

ولو لا (ما) لم يجز الفعل هنا بعد إلا وإنما حسن هذا الكلام ؛ لأنه لما قال : ما زاد دل على قوله هو على حاله فكأنه قال : هو على حاله إلا ما نقص وكذلك دل بقوله : ما نفع ما هو على أمره إلا ما ضرّ وقال الشاعر :

نجا سالم والنّفس منه بشدقه

ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا

فقوله : نجا ولم ينج كقولك : أفلت ولم يفلت أي : لم يفلت إفلاتا صحيحا كقولك :تكلمت ولم أتكلم ثم قال : إلا جفن سيف ومئزرا كأنه قال : لكن جفن سيف ومئزرا وقال الآخر :

وما بالرّبع من أحد ... (1)

ص: 267


1- الاستثناء المنقطع : وهو ما كان المستثنى ليس من نوع المستثنى منه - إمّا لأنه ليس بعضا نحو : جاء بنوك إلّا ابن خالد" أو لأنه فقد المخالفة في الحكم لما قبله نحو (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (الآية : 56 سورة الدخان) و (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) (الآية : 29 سورة النساء). والمقطوع في لغة الحجاز يختارون فيه النصب في النّفي نحو قولك : " ما فيها أحد إلّا حمارا" جاءوا به على معنى ولكنّ حمارا ، وكرهوا أن يبدلوا الآخر من الأوّل فيصير كأنّه من نوعه ، فحمل على معنى" لكنّ" وعمل فيه ما قبله. وأما بنو تميم فيقولون : " لا أحد فيها إلّا حمار" أرادوا ليس فيها إلّا حمار ، ولكنه ذكر أحدا توكيدا ؛ لأن يعلم أن ليس فيها آدميّ ، ثمّ أبدل ، فكأنّه قال : ليس فيها إلّا حمار ، ومثل ذلك قولهم : " ما لي عتاب إلّا السّيف" جعله عتابه ، وعلى هذا أنشدت بنو تميم قول النّابغة الذّبياني : يا دار ميّة بالعلياء فالسّند أقوت وطال عليها سالف الأبد (أقوت : خلت من أهلها) وقفت فيها أصيلانا أسائلها عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد (أصيلانا : مصغر أصيل شذوذا) إلّا الأواريّ لأيا ما أبيّنها والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد (الأواريّ : محابس الخيل واحدها آري ، لأيا : بطءا. والنّؤي : حاجز حول الخباء يدفع عنه الماء ، المظلومة :أرض حفر فيها الحوض لغير إقامة ، الجلد : الصلبة) ومثل ذلك قول جران العود : وبلدة ليس فيها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس انظر معجم القواعد العربية 5 / 39.

ثم قال : إلا أو آريّ.

فهذا كأنه كما قال : من أحد اجتزأ بالبعض من الكل فكأنه قال : ما بالربع من شيء واكتفى بأحد ؛ لأنه من الاستثناء فساغ ذلك له ؛ لأنه لم يلبس.

وأما قول الشاعر :

من كان أسرع في تفرّق فالج

فلبونه جربت معا وأغدّت

إلا كناشرة الّذي ضيّعتم

كالغصن في غلوائه المتنبّت

وقال الآخر :

كلّا وبيت الله حتى ينزلوا

من رأس شاهقة إلينا الأسودا

ثم قال :

إلا كخارجة المكلّف نفسه

وابنى قبيصة أن أغيب ويشهدا

فإن الكاف زائدة كزيادتها في قول الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : 11].

وكقول رؤبة :

ص: 268

لواحق الأقراب فيها كالمقق ... (1)

والمقق : الطول وإنما المعنى : فيها طول كما يقال : فلان كذا الهيئة أي : ذو الهيئة.

ص: 269


1- ما زيدت فيه قول رؤبة : (لواحق الأقراب فيها كالمقق ...) أي فيها المقق أي الطول وما حكاه الفراء أنه قيل لبعض العرب كيف تصنعون الأقط فقال كهين أي هينا. انظر شرح ابن عقيل 3 / 26.
مسائل من باب الاستثناء

تقول : ما مررت بأحد يقول ذاك إلا زيد. وما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدا هذا وجه الكلام ، وإن حملته على الإضمار الذي في الفعل أعني : المضمر في (يقول) فقلت : ما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيد فعربي.

قال عديّ بن زيد :

في ليلة لا نرى بها أحدا

يحكي علينا إلا كواكبها

وإنما تكلّموا بذلك ؛ لأن (تقول) في المعنى منفي إذ كان وصفا لمنفي أو خبرا كما قالوا : قد عرفت زيدا أبو من هو ؛ لأن معناه معنى المستفهم عنه.

ويجوز : ما أظنّ أحدا فيها إلا زيد لا أحد منهم اتخذت عنده يدا إلا زيد رفعت زيدا في المسألة الأولى على البدل من المضمر في فيها المرفوع وخفضته في الثانية على البدل من الهاء المخفوضة في (عنده) وتقول : ما ضربت أحدا يقول ذاك إلا زيدا لا يكون في ذلك إلا النصب ؛ لأن القول غير منفي هنا وإنما أخبرت : أنك ضربت ممن يقول ذاك زيدا والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيدا لا يكون في ذلك إلا النصب ؛ لأن القول غير منفي هنا وإنما أخبرت أنك ضربت ممن يقول ذاك زيدا والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيد.

ولكنك قلت : رأيت أو ظننت ونحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما ظننت ولو جعلت :رأيت من رؤية العين كان بمنزلة (ضربت).

قال الخليل : ألا ترى أنك تقول : ما رأيته يقول ذلك إلا زيد وما أظنّه يقوله إلا عمرو فهذا يدلك على أنك إنما أنتحيت على القول وتقول : قل رجل يقول ذاك إلا زيد وليس (زيد) بدلا من الرجل في (قل).

ص: 270

قال سيبويه : لكن (قل رجل) في موضع (أقل رجل) ومعناه كمعناه وأقل رجل مبتدأ مبني عليه ، والمستثنى بدل منه ؛ لأنه يدخله في شيء يخرج منه من سواه ، وكذلك أقل من وقل من إذا جعلت من بمنزلة رجل.

قال : حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة ، يعني : من.

قال أبو العباس : إذا قلت : قل رجل يقول ذاك إلا زيد فهذا نفي كثر رجل يقول ذاك إلا زيد وليست هذه قل التي تريد بها قل الشيء وإنما تريد ما يقول ذاك إلا زيد.

والدليل على أن رجل في معنى رجال أنك لو قلت : قل زيد إلا زيد لم يجز لأنك لا تستثني واحدا من واحد هو هو وقولك : إلا زيدا يدلّ على معنى أقل رجل فهو بدل من قولك : قل رجل.

وتقول : ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به من قبل (أن بشيء) في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبح أن يحمله على الباء صار كأنه بدل من اسم مرفوع وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع اسم منصوب ولكنك إذا قلت : ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به استوت اللغتان وصارت (ما) على أقيس الوجهين وهي لغة تميم.

وتقول : لا أحد فيها إلا عبد الله تحمل عبد الله على موضع (لا) دون لفظه وكذلك تقول : ما أتاني من أحد إلا عبد الله ألا ترى أنك تقول : ما أتاني من أحد لا عبد الله ولا زيد من قبل أنه خطأ أن تحمل المعرفة على (من) في هذا الموضع كما تقول : لا أحد فيها إلا زيد ، لا عمرو ؛ لأن المعرفة لا تحمل على (لا).

وتقول : ما فيها إلا زيد وما علمت أن فيها إلا زيدا ولا يجوز : ما إلا زيد فيها ولا ما علمت أن إلا زيدا فيها وإنما حسن لما قدمت وفصلت بين أن وإلا لطول الكلام كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتحسن.

ولا يجوز أن تقول : ما علمت أن إلا زيدا فيها من أجل أنك لم تفصل بين (أن) وإلا كما فصلت في قولك ما علمت أن فيها إلا زيدا.

ص: 271

قال سيبويه : وتقول إن أحدا لا يقول ذاك وهو خبيث ضعيف فمن أجاز هذا قال : إن أحدا لا يقول هذا إلا زيدا حمله على (إن) وتقول : لا أحد رأيته إلا زيد ، وإن بنيت جعلت (رأيته) خبرا لأحد أو صفة.

وتقول : ما فيهم أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا كأنه قال : قد قالوا ذاك إلا زيدا.

وتقول : ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا و (أن) في موضع اسم مرفوع قال الشاعر :

لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت

حمامة في غصون ذات أو قال

وناس يقولون : غير أن نطقت وقد مضى تفسيره.

وتقول : ما أتاني زيد إلا عمرو إذا أردت بذكرك زيدا : بعض من نفيت توكيدا للنفي فهي بمنزلة ما لم تذكره ولا يجوز أن تقول : ما زيد إلا قام ، فإن قلت : ما زيد إلا يقوم كان جيدا ، وذلك أن الموضع موضع خبر والخبر اسم فلو كان : ما زيدا إلا يقوم كان جيدا لمضارعة يفعل الأسماء. ولم يقولوا : أكثر من ذلك.

قال أبو العباس رحمه الله : والتقدير : ما زيد شيئا إلا ذا فلا يجوز أن يقع بعد إلا شيء إلا اسم في معنى شيء الذي هو حدّ زيد ؛ لأنه واحد من شيء ؛ لأنه شيء في معنى جماعة وتقدره : ما زيد شيئا من الأشياء إلا قائم فلا يجوز أن يقع قعد (إلا) إلا اسم أو مضارع له ومن هاهنا وجب أن تقول ما زيد إلا الجبن آكل وإلا الخبر آكله هو وفيمن قال زيدا ضربته : قال : ما زيد إلا الخبز آكله ولا يجوز : ما الخبز إلا زيد آكل.

لا يجوز أن تعمل الفعل الذي بعد إلا في الاسم الذي قبلها بوجه من الوجوه ؛ لأن الاستثناء إنما يجيء بعد مضي الابتداء ؛ لأن المعنى : ما الخبز شيئا إلا زيد آكله ، فإن حذفت الهاء من (آكله) أضمرتها ورفعت الخبز.

لا يجوز إلا ذلك ، فإن قلت : ما زيد إلا قد قام فهو أمثل ولو لم يجزه مجيز كان قاصدا فيه إلى مثل ترك إجازة ما قبله ؛ لأن (قد) إنما أكدت وصارت جوابا لتوقع خبر والفعل الماضي على حاله ومن أجازه فعلى وجه أن (قد) لما زادت ضارع الفعل بالزيادة التي قبله الأفعال المضارعة

ص: 272

والأسماء ؛ لأن الأفعال المضارعة يدخلها السين وسوف والأسماء يدخلها الألف واللام فتقول : ما زيد إلا قد قام ألا ترى أن (قد) إذا لحقت الفعل الماضي صلح أن يكون حالا نحو : جاء زيد قد ركب دابة ولو لا (قد) كان قبيحا ، فإن قيل : ألست تقول : ما جاءني زيد إلا تكلم بجميل فقد وقع الفعل الماضي بعد إلا قيل : إنما جاز وجاد ؛ لأنه ليس قبله إسم يكون خبرا له وإنما معناه : كلما جاءني زيد تكلم (بجميل) ، فإن قال : فأنت قد تقول : ما تأتيني إلا قلت حسنا وما تحدثني إلى صدقت فمن أين وقع الماضي بعد إلا والذي قبله مضارع قيل : فالمضارع الذي قبله في معنى الماضي ؛ لأنه حكاية الحال.

ألا ترى أن معناه : كلما حدثتني صدقتني وكلما جئتني قلت : حقا ولو قلت : ما زيد إلا أنا ضارب لأضمرت الهاء في (ضارب) ؛ لأن زيدا لا سبيل لضارب عليه ؛ لأن تقديره : ما زيد شيئا إلا أنا ضاربه ، فإن كانت ما الحجازية فهي الرافعة لزيد ، وإن كانت التميمية فإنما جاء الفعل بعد أن عمل الابتداء فصار بمنزلة قولك كان زيد ضربت في أنه لا بد من الهاء في (ضربت) وتقول : ما كان أخاكل إلا زيد وما ضرب أباك إلا زيد ؛ لأن الفعل فارغ لما بعده فتقديره ما كان أحد أخاك إلا عمرو وما كان أخوك أحدا إلا زيدا فما بعد (إلا) من فاعل أو مفعول مستثنيا من اسم في النية أو خبر ولا يجوز : ما منطلقا إلا كان زيد من حيث استحال ما زيدا إلا ضرب عمرو وتقول ما كان زيد قائما إلا أبوه وما زيد قائما إلا أبوه ؛ لأن (ما) في قائم منفي في المعنى والأب هو الفاعل كما تقول : ما قام إلا زيد.

فإن قلت : ما زيد قائما أحد إلا أبوه كان جيدا ؛ لأن الاستثناء معلق بما قبله غير منفصل منه ونظير ذلك : زيد ما قام أحد إلا أبوه وزيد ما كان أحد قائما إلا أبوه.

وتقول : ما أظنّ أحدا قائما إلا أبوك والنصب في الأب أجود على البدل من (أحد) ولو قلت : ما زيد قائما أحد إليه إلا أبوه كان أجود حتى يكون الاستثناء فضلة.

ويقول : إن أخويك ليسا منطلقا إلا أبوهما كما تقول : إن أخويك ليسا منطلقة جاريتهما وكذلك : إن أخويك ليسا منطلقا أحد إلا أبوهما كما تقول : مررت برجال ليسوا إلا منطلقا آباؤهم.

ص: 273

قال أبو العباس رحمه الله : يزعم البغداديون : أن قولهم : إلا في الاستثناء إنما هي إن ولا ولكنهم خففوا إن لكثرة الاستعمال ويقولون إذا قلنا : ما جاءني أحد إلا زيد.

فإنما رفعنا زيدا (بلا) ، وإن نصبنا ف- (بإن).

ونحن في ذلك مخيرون في هذا ؛ لأنه قد اجتمع عاملان (إن ولا) فنحن نعمل أيهما شئنا وكذلك يقولوا جاءني القوم إلا زيدا ولا يعرفون ما نقول نحن أن رفعه على الوصف في معنى غير فيلزمهم أن يقولون : ما جاءني إلا زيدا إذا أعملوا (إن) وهم لا يقولون به فسألناهم : لم ذلك فقالوا : لأن أحد مضمرة قلت ذاك أجدر أن يجوز النصب كما يجوز إذا أظهرت أحدا فلم يكن في ذاك وما يتولد فيه من المسائل حجة وهذا فاسد من كل وجه ذكرنا إياه يجعل له حظا فيما يلتفت إليه ويجب على قولهم أن تنصب النكرات في الاستثناء بلا تنوين لأن : لا تنصب النكرات بلا تنوين.

قال سيبويه : إذا قلت لو كان معنا زيد رجل إلا زيد لغلبنا الدليل على أنه وصف أنك لو قلت : لو كان معنا إلا زيد لهلكنا وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت ونظير ذلك قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : 22] ومثل ذلك قوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : 95] ، ومثله قول لبيد :

وإذا جوزيت قرضا فأجزه

إنّما يجزي الفتى غير الجمل

قال أبو العباس رحمه الله : لو كان معنا إلا زيدا لغلبنا أجود كلام وأحسنه والدليل على جودته أنه بمنزلة النفي نحو قولك : ما جاءني أحد إلا زيد وما جاءني إلا زيد أنك لو قلت : لو كان معنا أحد إلا زيد لهلكنا فزيد معك كما قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : 22] والله تعالى فيهما.

وتقول : لو كان لنا إلا زيدا أحد لهلكنا كما تقول : ما جاءني إلا زيدا أحد والدليل على جودة الاستثناء أيضا أنه لا يجوز أن يكون إلا وما بعدها وصفا إلا في موضع لو كان فيه استثناء لجاز.

ص: 274

ألا ترى أنك تقول : ما جاءني أحد إلا زيد على الوصف إن شئت وكذلك : جاءني القوم إلا زيد على ذلك ولو قلت : جاءني رجلا إلا زيد تريد : غير زيد على الوصف لم يجز ؛ لأن الاستثناء هنا محال وتقول : ما أكل أحد إلا الخبز إلا إلا زيدا ؛ لأن معنى : ما أكل أحد إلا الخبز أنه قد أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان إلا زيدا وكذلك ما مسلوب أحد إلا ثوبا إلا زيدا لأنك أردت : كل إنسان سلب ثوبا إلا زيدا وتقول : ما ضربت أحدا إلا قائما فتنصب (قائما) على الحال وكذلك : ما مررت بأحد إلا (قائما) وما جاءني أحد إلا راكبا ، فإن قلت : ما مررت بأحد إلا قائما إلا زيدا نصبت : زيدا ولم يجز أن تبدله من (أحد) ؛ لأن المعنى : مررت بكل أحد قائم ، وإن شئت : قائما إلا زيدا وتقول : ما مر بي البعير إلا إبلك وذهب الدنانير إلا دنانيرك وفي كتاب الله تعالى : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [العصر].

قال الأخفش : لو قلت : أين إلا زيدا قومك وكيف إلا زيدا قومك ، لجاز ؛ لأن هذا بمنزلة أهاهنا إلا زيدا قومك ويجيز ضرب إلا زيد قومك أصحابنا على أن يستثنى زيدا من الفاعلين.

وقال : لو استثنيته من المفعولين لم يحسن لأنك لم تجيء للمفعولين بذكر في أول الكلام و (ضرب) هو من ذكر الفاعلين ؛ لأن الفعل (لهم).

واعلم أنه لا يجوز أن تجمع بين حرفين من هذه الحروف إلا ويكون الثاني اسما مثل قولك : قام القوم إلا خلا زيدا هذا لا يجوز أن تجمع بين إلا وخلا ، فإن قلت : إلا ما خلا زيدا وإلا ما عدا جاز ولا يجوز إلا حاش زيدا والكسائي : يجيزه إذا خفض (بحاشا) والبغداديون يجيزون في : ما عندي إلا أباك أحدا الرفع والنصب في (أبيك) يجيزون : ما عندي إلا أبوك أحد.

وقد مضى ذكر هذا وما يجوز فيه وما لا يجوز.

وإذا قلت : ما قام القوم إلا زيد وهل قام القوم إلا زيد فالرفع عند البصريين على البدل وعند الكوفيين على العطف ويقولون : إذا اجتمعت (إلا وغيرا) فاجعل إحداهما تتبع ما قبلها وإحداهما استثناء فيقولون : ما جاءني أحد إلا زيد غير عمرو ترفع زيدا وتنصب (غير) وهذا

ص: 275

عندنا إنما انتصب الثاني ؛ لأنه لا يجوز أن يرفع بالفعل فاعلان وقد مضى تفسير ذلك ، وإذا نسقت جاز رفعهما جميعا فقلت : ما جاءني أحد إلا زيد وغير عمرو قال الشاعر :

ما بالمدينة دار غير واحدة

دار الخليفة إلا دار مروانا

ترفع (غير) وتنصب دار مروان ولك أن تنصبهما جميعا على قولك : ما جاءني أحد إلا زيدا ورفعهما جميعا لا يجوز إلا على أن تجعل (غير) نعتا فيصير الكلام كأنك قلت : ما بالمدينة دار كبيرة إلا دار مروان.

ولا يجوز أن يقع بعد إلا شيئان مختلفان على غير جهة البدل لا يجوز : ما أكل إلا عبد الله طعامك.

ولا ما أكل إلا طعامك عبد الله وقد مضى تفسير هذا ، فإن جعلت (إلا) بمعنى غير فقد أجازه قوم.

وإذا قال القائل : الذي له عندي مائة درهم إلا درهمين فقد أقر بثمانية وتسعين ، وإذا قال : الذي له عندي مائة إلا درهمان فقد أقر بمئة ؛ لأن المعنى : له عندي مائة غير درهمين.

وكذلك لو قال : له عليّ مائة غير ألف.

كان له مائة ألا ترى أنه لو قال : له عليّ مائة مثل درهمين جاز أن يكون المعنى : أن المائة درهمان.

وكذلك لو قال : له عليّ مئة مثل ألف كان عليه ألف (فغير) نقيض مثل ، وإذا قلت : ما له عندي إلا درهمين فأردت أن تقر بما بعد (إلا) رفعته لأنك إذا قلت : ما له عندي مئة إلا درهمان فإنما رفعت درهمان بأن جعلته بدلا من (مئة) فكأنك قلت : ما له عندي إلا درهمان ، وإذا نصبت فقلت : ما له عندي مئة إلا درهمين فما أقررت بشيء ؛ لأن (عندي) لم ترفع شيئا فيثبت له عندك فكأنك قلت : ما له عندي ثمانية وتسعون.

كذلك إذا قلت ما لك عليّ عشرون إلا درهما فإذا قلت : ما لك عشرون إلا خمسة فأنت تريد : ما لك إلا خمسة وتقول : لك عليّ عشرة إلا خمسة ما خلا درهما فالذي له ستة.

ص: 276

وكل استثناء فهو مما يليه والأول : حط والثاني : زيادة وكذلك جميع العدد فالدرهم مستثنى من الخمسة فصار المستثنى أربعة.

ولا ينسق على حروف الاستثناء (بلا) لا تقول : قام القوم ليس زيدا ولا عمرا. ولا : قام القوم غير زيد ولا عمرو ، والنفي في جميع العربية ينسق عليه (بلا) إلا في الاستثناء.

وقال بعضهم : (لا سيما) يجيء شبيها بالاستثناء ، وحكي : ولا سيما يوم ويوما ، من رفع جعله في صلة (ما) ومن خفض خفض ب (سي) [قياسا وليس من كلام العرب](1) هاهنا ، وجعل (ما) زائدة للتوكيد و (السي) المثل ، ومن نصب جعله ظرفا (2) وحكي عن الأحمر : أنه كان يجيز : ما قام صغير وما خلا أخاك كبير وإنما قاسه على قول الشاعر :

وبلدة ليس بها طوري

ولا خلا الجن بها إنسي

وليس كما ظن ؛ لأن إنسي مرتفع (بها) على مذهبهم ولو قلت : ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله زيدا كان جيدا.

قال أبو بكر : قد كنا قلنا عند إفتتاحنا ذكرنا الأسماء المنصوبات أنها تنقسم قسمة أولى على ضربين.

وأن الضرب الأول : هو العام الكثير. وقد ذكرناه بجميع أقسامه.

وبقي الضرب الآخر وهو (إلا) ونحن ذاكرون إن شاء الله الضرب الآخر من الأسماء المنصوبة من القسمة الأولى.

ص: 277


1- ما بين المعكوفتين ساقط في (ط).
2- ان كان منقطعا فالحجازيون يوجبون نصبه وهي اللغة العليا ولهذا أجمعت السبعة على النصب في قوله تعالى (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) وقوله تعالى (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) ولو أبدل مما قبله لقرئ برفع (إلا اتباع) و (إلا ابتغاء) ؛ لأن كلا منهما في موضع رفع اما على أنه فاعل بالجار والمجرور المعتمد على النفي واما على أنه مبتدأ تقدم خبره عليه والتميميون يجيزون الإبدال ويختارون النصب قال الشاعر : وبلدة ليس بها أنيس إلّا اليعافير وإلّا العيس انظر شرح شذور الذهب 1 / 344.

هذا الضرب كل اسم نذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة قد تما بالإضافة والنون وحالت النون بينهما أو الإضافة ولولاها لصلح أن يضاف إليه والفرق بين هذا الضرب من التمييز وبين التمييز الذي قبله أن المنصوب هنا ينتصب عند تمام الاسم ، وذلك ينتصب عند تمام الكلام وهذا الضرب أكثر ما يكون في نوعين يميزان المقادير والأعداد وقد نصبوا أشياء نصب الأسماء بعد المقادير.

ص: 278

باب تمييز المقادير

المقدرات بالمقادير على ثلاثة أضرب : ممسوح ومكيل وموزون.

أما ما كان منها على معنى المساحة فقولهم : ما في السماء قدر راحة سحابا جعل قدر الراحة شيئا معلوما نحو : ما يمسح به ما في الأرض وكل ما كان في هذا المعنى فهذا حكمه.

وأما ما كان على معنى الكيل فقولهم : عندي قفيزان برا وما أشبه ذلك.

وأما ما كان على معنى الوزن فقولهم : عندي منوان سمنا وعندي رطل زيتا.

فالتمييز (1) إنما هو فيما يحتمل أن يكون أنواعا ألا ترى أنك إذا قلت : عندي منا ورطل وأنت تريد : مقدار منا ومقدار رطل لا الرطل والمن اللذين يوزن بهما جاز أن يكون ذلك المقدار من كل شيء يوزن من الذهب والفضة والسمن والزيت وجميع الموزونات وكذلك الذراع يجوز أن يكون مقدار الذراع من الأرضين والثياب ومن كل ما يمسح وكذلك القفيز والمكيل يصلح أن يكال به الحنطة والشعير والتراب وكل ما يكال.

فأما قولهم : لي مثله رجلا فمشبه بذلك ؛ لأن المثل مقدار فذلك الأصل ولكنهم يتسعون في الكلام فيقولون : لي مثله رجلا وهم يريدون : في شجاعته وغنائه أو غير ذلك.

فإذا قلت : لي مثله زيدا فذلك على بابه إنما يريد : مثل شيء في وزنه وقدره والهاء في مثله حالت بين مثل وبين زيد أن تضيفه إليه وكذلك النون في (منوان) فنصبته كما نصبت المفعول لما حال الفاعل بينه وبين الفعل بينه وبين الفعل.

ولو لا المضاف والنون لأضفته إليه ؛ لأن كل إسم يلي إسما ليس بخبر له ولا صفة ولا بدل منه فحقه الإضافة وسيتضح لك ذلك في باب الخفض إن شاء الله.

ص: 279


1- التّمييز وهو اسم نكرة فضلة يرفع ابهام اسم أو اجمال نسبة. فالأوّل بعد العدد الأحد عشر فما فوقها إلى المائة وكم الاستفهاميّة نحو كم عبدا ملكت وبعد المقادير ك رطل. زيتا وك شبر أرضا وقفيز برّا وشبههنّ من نحو (مثقال ذرّة خيرا) ونحى سمنا ومثلها زبدا وموضع راحة سحابا وبعد فرعه نحو خاتم حديدا والثّاني اما محوّل عن الفاعل نحو (واشتعل الرّأس شيبا) أو عن المفعول نحو (وفجّرنا الأرض عيونا) أو عن غيرهما نحو (أنا أكثر منك مالا) أو غير محوّل نحو لله درّه فارسا. انظر شرح شذور الذهب 1 / 329.

ومثل ذلك : عليه شعر كلبين دينا فالشعر مقدار وكذلك : لي ملء الدار خيرا منك ولي ملء الدار أمثالك ؛ لأن خيرا منك وأمثالك نكرتان ، وإن شئت قلت لي ملء الدار رجلا وأنت تريد : رجالا وكل مميز مفسر في المقادير والأعداد وغيرها.

(فمن) تحسن فيه إذا رددته إلى الجنس تقول : لي مثله من الرجال وما في السماء قدر راحة من السحاب ولله دره من الرجال وعندي عشرون من الدراهم ومنه ما تدخل فيه (من) وتقره على إفراده كقولك : لله دره من رجل.

قال أبو العباس رحمه الله : أما قولهم : حسبك بزيد رجلا وأكرم به فارسا ، وحسبك يزيد من رجل وأكرم به من فارس ، ولله دره من شاعر ، وأنت لا تقول : عشرون من درهم ولا هو أفره من عبد.

فالفصل بينهما : أن الأول كان يلتبس فيه التمييز بالحال فأدخلت (من) لتخلصه للتمييز ألا ترى أنك لو قلت : أكرم به فارسا وحسبك به خطيبا لجاز أن تعني في هذه الحال وكذلك إذا قلت : كم ضربت رجلا وكم ضربت من رجل ، جاز ذلك ؛ لأن (كم) قد يتراخى عنها مميزها.

وإذا قلت : كم ضربت لم يدر السامع أردت : كم مرة ضربت رجلا واحدا أم : كم ضربت من رجل فدخول (من) قد أزال الشك.

ويجوز أن تقول : عندي رطل زيت وخمسة أثواب على البدل ؛ لأنه جائز أن تقول : عندي زيت رطل وأثواب خمسة فتوخوها على هذا المعنى وجائز الرفع في : لي مثله رجل.

تريد : رجل مثله فأما الذي ينتصب إنتصاب الاسم بعد المقادير فقولك : ويحه رجلا ولله دره رجلا وحسبك به رجلا.

قال العباس بن مرداس :

ص: 280

ومرة يحميهم إذا ما تبدّدوا

ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (1)

قال سيبويه : كأنه قال : فكفى بك فارسا وإنما يريد : كفيت فارسا ودخلت هذه الباء توكيدا ومن ذلك قول الأعشى :

فأبرحت ربّا وأبرحت جارا ... (2)

ومثله : أكرم به رجلا.

وإذا كان في الأول ذكر منه حسن أن تدخل (من) توكيدا لذلك الذكر تقول : ويحه من رجل ولله در زيد من فارس وحسبك به من شجاع ولا يجوز : عشرون من درهم ولا هو أفرههم من عبد ؛ لأنه لم يذكره في الأول ومعنى قولهم : ذكر منه أن رجلا هو الهاء في ويحه.

وفارس هو زيد والدرهم ليس هو العشرون والعبد ليس هو زيد ولا الأفره ؛ لأن الأفره خبر زيد.

ص: 281


1- وذلك قولك : " ويحه رجلا" وأنت تريد الثناء عليه. و" لله درّه رجلا" و" حسبك به من فارس ، ومثل ذلك قول العباس بن مرداس : ومرّة يحميهم إذا ما تبدّدوا ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (يمدح مرة بأنه إذا تبدّدت الخيل في الغارة ردّها وحماها ، ويطعنهم شزرا : الشّزر : ما كان في جانب وهو أشّد ، وأبرحت : تبيّن فضلك كما يتبيّن البراح من الأرض ، والشاهد : فارسا وهو منصوب على التمييز) فكأنّه قال : فكفى بك فارسا. ومن ذلك قول الأعشى : تقول ابنتي حين جدّ الرّحيل فأبرحت ربّا وأبرحت جارا (فأبرحت ربّا وأبرحت جارا تمييز والمعنى : ظهرت وتبيّنت ربّا وجارا) ومثله : " أكرم به رجلا". انظر معجم القواعد العربية 4 / 41.
2- انظر معجم القواعد العربية 4 / 41.

باب تمييز الأعداد

اعلم أن الأعداد كالمقادير تحتاج إلى ما يميزها كحاجتها.

وهي تجيء على ضربين : منها ما حقه الإضافة إلى المعدود ، وذلك ما كان منه يلحقه التنوين ومنها ما لا يضاف وهو ما كان فيه نون أو بني إسم منه مع اسم فجعلا بمنزلة اسم واحد (1).

أما المضاف فما كان منها من الثلاثة إلا العشرة فأنت تضيفه إلى الجمع الذي بني لأدنى العدد نحو : ثلاثة أثوب وأربعة أفلس وخمسة أكلب وعشرة أجمال.

فأفعل وأفعال مما بني لأقل العدد وأقل العدد هو العشرة فما دونها ذلك أن تدخل في المضاف إليه الألف واللام ؛ لأنه يكون الأول به معرفة فتقول : ثلاث الأثواب وعشرة الأفلس.

ومن ذلك مائة وألف ؛ لأن المائة نظير عشرة لأنها عشر عشرات والألف نظير المائة ؛ لأنه عشر مئات.

ص: 282


1- تمييز العدد المركب كتمييز عشرين وأخواته فيكون مفردا منصوبا نحو أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة : وإن أضيف عدد مركب يبق البنا وعجز قد يعرب يجوز في الأعداد المركبة إضافتها إلى غير مميزها ما عدا اثنى عشر فإنه لا يضاف فلا يقال اثنا عشرك ، وإذا أضيف العدد المركب فمذهب البصريين أنه يبقى الجزآن على بتائهما فتقول هذه خمسة عشرك ومررت بخمسة عشرك بفتح آخر الجزءين. وقد يعرب العجز مع بقاء الصدر على بنائه فتقول هذه خمسة عشرك ورأيت خمسة عشرك ومررت بخمسة عشرك : وصغ من اثنين فما فوق إلى عشرة كفاعل من فعلا واختمه في التأنيث بالتا ومتى ذكرت فاذكر فاعلا بغير تا يصاغ من اثنين إلى عشرة اسم موازن لفاعل كما يصاغ من فعل نحو ضارب من ضرب فيقال ثان وثالث ورابع إلى عاشر بلا تاء في التذكير وبتاء في التأنيث. انظر شرح ابن عقيل على الألفية 4 / 74.

قال أبو العباس رحمه الله : ولكنك أضفت إلى المميز : لأن التنوين غير لازم في المئة والألف والنون في عشرين لازمة لأنها تثبت في الوقف وتثبت مع الألف واللام فإذا زدت على العشرة شيئا جعل مع الأول اسما واحدا وبنيا على الفتح ويكون في موضع عدد فيه نون ، وذلك قولك : أحد عشر درهما وخمسة عشر دينارا ويدلك على أن عشر قد قامت مقام التنوين قولهم : إثنا عشر درهما ألا ترى أن عشر قد عاقبت النون فلم تجتمعا فهذا على ذلك إلى تسعة عشر فإذا ضاعفت أدنى العقود وهو عشرة كان له اسم من لفظه ولحقته الواو والنون والياء والنون نحو : عشرون وثلاثون إلى تسعين والذي يبين به هذه العقود لا يكون إلا واحدا نكرة تقول : عشرون ثوبا وتسعون غلاما.

فإذا بلغت المئة تركت التنوين وأضفت المئة إلى واحد مفسر ووجب ذلك في المئة لأنها تشبه عشرة وعشرين أما شبهها بعشرة فلأنها عشر عشرات فوجب لها من هذه الجهة الإضافة ، وأما شبهها بعشرين وتسعين فلأنها العقد الذي يلي تسعين فوجب أن يكون مميزها واحدا فأضيفت إلى واحد لذلك إلا أنك تدخل عليه الألف واللام إن شئت ؛ لأن الأول يكون به معرفة وكذلك ألف حكمه حكم مئة وتثنيتها فتقول : مئتا درهم وألفا درهم وقد جاء بعض هذا منونا منصوبا ما بعده في الشعر قال الربيع :

إذا عاش الفتى مئتين عاما

فقد ذهب البشاشة والفتاء (1)

ص: 283


1- شذ تمييز المائة بمفرد منصوب كقوله : إذا عاش الفتى مائتين عاما فلا يقاس عليه ، وأجاز ابن كيسان المائة درهم والألف دينارا (وأحد اذكر وصلته بعشر) مجردا من التاء (مركّبا) لهما (قاصد معدود ذكر) نحو : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) (يوسف : 4) ، وهمزة أحد مبدلة من واو وقد قيل : وحد عشر على الأصل وهو قليل. وقد يقال واحد عشر على أصل العدد. (وقل لدى التأنيث إحدى عشره) امرأة بإثبات التاء وقد يقال واحد عشرة (والشّين فيها عن تميم كسره) أي مع المؤنث فيقولون إحدى عشرة واثنتا عشرة بكسر الشين ، وبعضهم يفتحها وهو الأصل إلا أن الأفصح التسكين وهو لغة الحجاز. ، وأما في التذكير فالشين مفتوحة ، وقد تسكن عين عشر فيقال : أحد عشر وكذلك أخواته لتوالي الحركات ، وبها قرأ أبو جعفر ، وقرأ هبيرة - صاحب حفص - (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) (التوبة : 36) ، وفيها جمع بين ساكنين (و) أما (مع غير أحد وإحدى ما معهما فعلت) في العشرة من التجريد من التاء مع المذكر وإثباتها مع المؤنث (فافعل قصدا) والحاصل أن للعشرة في التركيب عكس ما لها قبله فتحذف التاء في التذكير وتثبت في التأنيث (ولثلاثة وتسعة وما بينهما إن ركبا ما قدّما) أي في الإفراد وهو ثبوت التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 396.

قال سيبويه وثلاث : وأما تسع مائة وثلاث مائة فكان حقه مئتين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر.

وقال : اختص هذا إلى تسع مئة ثم ذكر : أنهم قد يختصون الشيء بما لا يكون لنظائره فذكر : لدن وغدوة وما شعرت به شعرة وليت شعري والعمر والعمر ولا يقولون إلا لعمرك في اليمين وذكر مع ذلك أنه قد جاء في الشعر الواحد يراد به الجمع وأنشد :

في حلقكم عظم وقد شجينا

يريد : في حلوقكم. وقال آخر :

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص

واعلم أن (كم) اسم عدد مبهم فما يفسرها بمنزلة ما يفسر العدد وقد أفردت لها بابا يلي هذا الباب.

ص: 284

باب (كم)

اعلم أن ل- (كم) موضعين (1) : تكون في أحدهما استفهاما وفي الآخر خبرا فأما إذا كانت استفهاما فهي فيه بمنزلة : عشرين وما أشبهه من الأعداد التي فيها نون تنصب ما يفسرها تقول : كم درهما لك كما تقول : أعشرون درهما لك أثلاثون درهما لك فينتصب الدرهم بعد (كم) كما انتصب بعد عشرين وثلاثين ؛ لأن (كم) اسم ينتظم العدد كله وخص الاستفهام بالنصب ليكون فرقا بينه وبين الخبر ؛ لأن العدد على ضربين : منه ما يضاف إلى المعدود ومنه ما لا يضاف كما ذكرنا فجعلت (كم) في الاستفهام بمنزلة ما لا يضاف منه ، وذلك نحو : خمسة عشر وعشرين فخمسة عشر أيضا بمنزلة اسم منون ألا ترى أنه لا يضاف إلى ما يفسره فإذا قلت : كم درهما لك فإنما أردت : كم لك من الدراهم كما أنك لما قلت : عشرون درهما إنما أردت : عشرون من الدراهم ولكنهم حذفوا (من) استخفافا كما قالوا : هذا أول فارس في الناس وإنما يريدون : هذا أول الفرسان.

قال الخليل : إن : (كم درهما لك) أقوى من قولك : (كم لك درهما) ، وذلك أن قولك :(أعشرون لك درهما) أقبح إلا أنها في (كم) عربية جيدة ، وذلك قبيح في عشرين إلا أن الشاعر قد قال :

على أنني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا (2)

ص: 285


1- يلتحق بالعدد المخفوض تمييز كم الخبرية وهي اسم دال على عدد مجهول الجنس والمقدار يستعمل للتكثير ولهذا انما يستعمل غالبا في مقام الافتخار والتعظيم ويفتقر الى تمييز يبين جنس المراد به ولكنه لا يكون إلا مخفوضا كما ذكرنا ثم تارة يكون مجموعا كتميز الثلاثة والعشرة وأخواتهما وتارة يكون مفردا كتميز المائة والألف وما فوقها. والخامس ما يحتاج الى تمييز مفرد منصوب أو مخفوض وهو كم الاستفهامية المجرورة بكم درهم اشتريت فالنصب على الأصل والجر بمن مضمرة لا بالإضافة خلافا للزجاج. انظر شرح شذور الذهب 1 / 602.
2- لا يجوز فصل هذا التمييز. ، وأما قوله : على أنّني بعد ما قد مضى ثلاثون للهجر حولا كميلا فضرورة. انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 398.

واعلم أن (كم) لا تكون إلا مبتدأة في الاستفهام والخبر ولا يجوز أن تبنيها على فعل وأنها تكون فاعلة في المعنى ومفعولة ومبتدأة وظرفا كما يكون سائر الأعداد في التقدير لا يجوز أن تقول : رأيت كم رجلا فتقدم عليها ما يعمل فيها.

فأما كونها فاعلة فقولك : كم رجلا أتاني ، وأما كونها مفعولة فقولك : كم رجلا ضربت ، وأما كونها مبتدأة فقولك : كم دانقا دراهمك.

واعلم أنه لك ألا تذكر ما تفسر به (كم) كما جاز لك ذلك في العدد تقول : كم درهم لك فالتقدير : كم قيراطا درهم لك ولا تذكر القيراط.

وتقول : كم غلمانك والمعنى كم غلاما غلمانك ولا يجوز إلا الرفع في غلمانك ؛ لأنه معرفة.

ولا يكون التمييز بالمعرفة فكأنك قلت : أعشرون غلمانك ، وأما كونها ظرفا فقولك : كم ليلة سرت كأنك قلت : أعشرين ليلة سرت وكم يوما أقمت كأنك قلت : أثلاثين يوما أقمت فكم عدد.

والعدد : حكمه حكم المعدود الذي عددته به.

فإن كان المعدود زمانا فهو زمان ، وإن كان حيوانا فهو حيوان. وإن كان غير ذلك فحكمه حكمه.

ولا يجوز : كم غلمانا لك كما لا يجوز : أعشرون غلمانا لك.

قال : وحكى الأخفش : أن الكوفيين يجيزونه ، وإذا قلت : كم عبد الله ماكث (فكم) ظرف فكأنك قلت : كم يوما عبد الله ماكث فكم أيام وعبد الله يرتفع بالابتداء كما ارتفع بالفعل حين قلت : كم رجلا ضرب عبد الله وتقول : كم غلمان لك فتجعل (لك) صفة لهم والمعنى : كم غلاما غلمان لك.

قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن قولهم : على كم جذع بيتك مبني فقال : القياس والنصب وهو قول عامة الناس يعني نصب جذع.

ص: 286

قال : فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى : (من) ولكنهم حذفوا هاهنا تخفيفا على اللسان.

وصارت (على) عوضا منها أما (كم) التي تكون خبرا فهي في الكثير نظيره رب في التقليل إلا أن كم : التي اسم ورب : حرف وهي في الخبر بمنزلة اسم لعدد غير منون نحو : مئتي درهم فهي مضافة ، وذلك قولك : كم غلام لك قد ذهب جعلوها في الاستفهام بمنزلة : عشرين وفي الخبر بمنزلة : ثلاثة تجر ما بعدها ولا تعمل (كم) في الخبر إلّا فيما تعمل فيه (رب) في اسم نكرة لا يجوز أن تدخل فيه الألف واللام كما فعلت ذلك في مئة الدرهم وما أشبهها ولا تعمل إلا في نكرة نصبت أو خفضت فتقول : كم رجل قد لقيت وكم درهم قد أعطيت.

وإن شئت قلت : كم رجال قد لقيت وكم غلمان قد وهبت فيجوز الجمع إذا كانت خبرا ولا يجوز إذا كانت استفهاما أن تفسر بجميع.

وتقول العرب : كم رجل أفضل منك تجعله خبر (كم) وحكى ذلك : يونس عن أبي عمرو وكم تفسر ما وقعت عليه من العدد بالواحد المنكور كما قلت : عشرون درهما أو بجمع منكور نحو : ثلاثة أثواب.

وهذا جائز في التي تقع في الخبر ، فأما التي في الاستفهام فلا يجوز فيها إلا ما جاز في العشرين وناس من العرب يعملونها في الخبر كعملها في الاستفهام فينصبون كأنهم يقدرون التنوين ومعناها منونة وغير منونة سواء.

وبعض العرب ينشد :

كم عمة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (1)

ص: 287


1- هذا من أمثلة المنصوب على الذّم والشّتم وما أشبههما : تقول : " أتاني زيد الفاسق الخبيث" لم يرد إلّا شتمة بذلك ، وقرأ عاصم قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بنصب حمّالة على الذم ، والقراءات الأخرى برفع حمّالة على الخبر لامرأته ، وقال عروة الصّعاليك العبسي : سقوني الخمر ثمّ تكنّفوني عداة الله من كذب وزور وقال النابغة : لعمري وما عمري عليّ بهيّن لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع (الأقارع : هم بنو قريع من بني تميم) ود تبتغي من تجادع (تجادع من المجادعة : المشاتمة ، وأصلها من الجدع : وهو قطع الأنف والأذن) وقال الفرزدق : كم عمّة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (الفدعاء : معوجة الرسغ من اليد والرجل ، والعشراء : الناقة حملت عشرة أشهر ، يصف نساء جرير بأنهن راعيات له يحلبن عشارة). انظر معجم القواعد العربية 25 / 105.

وهم كثير منهم الفرزدق وهذا البيت ينشد على ثلاثة أوجه : رفع ونصب وخفض فإذا قلت : كم عمة فعلى معنى : ربّ ، فإن قلت : كم عمة فعلى وجهين : على ما قال سيبويه في لغة من ينصب في الخبر وعلى الاستفهام ، فإن قلت : كم عمة فرفعت أوقعت (كم) على الزمان فقلت : كم يوما عمة لك وخالة قد حلبت عليّ عشاري أو كم مرة ونحو ذلك.

واعلم أنك إذا قلت : (كم عمة) فلست تقصد إلى واحدة بعينها.

وكذلك إذا نصبت.

فإن رفعت لم يكن إلا واحدة ؛ لأن التمييز يقع واحدة في موضع الجميع.

فإذا رفعت فإنما المعنى : كم دانقا هذا الدرهم الذي أسألك عنه فالدرهم واحد ؛ لأنه خبر وليس بتمييز ، وإذا فصلت بين كم وبين الاسم وبشيء استغنى عليه السكون أو لم يستغن فاحمله على لغة الذين يجعلونها بمنزلة اسم منون وانصب ؛ لأنه قبيح أن تفصل بين الجار والمجرور قال زهير :

تؤمّ سنانا وكم دونه

من الأرض محدودبا غارها

وإن شئت رفعت فجعلت : كم مرارا وأنشد سيبويه :

كم بجود مقرف نال العلى

وكريم بخله قد وضعه

يفصل بين كم وبين مقرف بالظرف وأجاز في مقرف الرفع والنصب أيضا على ما فسرنا.

ص: 288

واعلم أنك إذا قلت : كم من درهم عندك فلا يجوز أن تقول : عندك عشرون من درهم.

وقد أجروا مجرى (كم) في الاستفهام فنصبوا قولهم : له كذا وكذا درهما كأنهم قالوا : له عدد ذا دراهم.

قال سيبويه : هو كناية للعدد بمنزلة فلان في الحيوان وهو مبهم وصار ذا من كذا بمنزلة التنوين ؛ لأن المجرور بمنزلة التنوين.

قال : وكذلك كأين رجلا قد رأيت ، قال : زعم ذلك يونس.

وكائن قد أتاني رجلا إلا أن أكثر العرب إنما تتكلم بها مع (من) قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) [محمد : 13] ، فإن حذفت (من) فالكلام عربي جيد.

ص: 289

مسائل من هذه الأبواب

تقول : عندي رطل زيتا ورطل زيت فمن نصب فعلى التمييز ومن خفض أضاف ومن رفع اتبع وكل هذا جائز في المقادير وكذلك : بيت تبن وجرة زيت ، فإن قلت : شاة لحم وجبة خز فالإضافة لأنك لم ترد : مقدار شاة لحما ومقدار جبة خزا ، فإن أردت هذا المعنى جاز النصب وتقول : عندي زق عسل سمنا تضيف الأول وتنصب الثاني تريد مقدار زق عسل سمنا ولا يجوز عندي ملء زق عسلا سمنا إلا في بدل الغلط خاصة ؛ لأنه لا يكون عندك ملء زق عسلا سمنا إلا في بدل الغلط خاصة ؛ لأنه لا يكون عند ملء زق سمنا وملؤه عسلا ؛ لأنه من أيهما امتلأ فقد شغله عن الآخر ومن ذلك قوله جل وعز : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) و (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) ويجوز : ملء الأرض ذهب في غير القرآن.

وتقول : عندي رطلان زيتا والرطلان زيتا ورطلا زيت ولا يجوز : الرطلا زيت ؛ لأنه لا يجمع بين الألف واللام والإضافة وكان الكسائي يضيفه ويدخل الألف واللام في كل ما كان مفسرا ويجيز أيضا : الرطل الزيت والرطل الزيت والخمسة الأثواب والخمسة الأثواب فإذا قال : رجل السوء وزن السبعة لم يجز أن تدخل عليه الألف واللام لإن إضافته صحيحة والبصريون يأبون إدخال الألف واللام في جميع هذا والفراء أيضا يأباه إلا مع الضارب الرجل والحسن الوجه وقد مضى تفسير هذا.

فإذا قلت : ماء فرات وتمر شهرير ورطب برنيّ قضيبا عوسج ونخلتا برني فكان ليس بمقدار معروف مشهور فكلام العرب الخفض والإختيار فيه الإضافة أو الإتباع ولا يجوز فيه التمييز إذ لم يكن مقدار وتقول : كم مثله لك وكم خيرا منه لك وكم غيره مثله لك انتصب (غير) بكم وانتصب المثل ؛ لأنه صفة له ومثله وغيره نكرة ، وإن كانا مضافين إلى معرفة وقد ذكر هذا.

ولم يجز يونس والخليل : كم غلمانا لك لأنك لا تقول : أعشرون غلمانا لك إلا على وجه : لك مئة بيضا وعليك راقود خلا ، فإن أردت هذا المعنى قلت : كم لك غلمانا ويقبح أن تقول :

ص: 290

كم غلمانا لك لأن : لك سبب نصب : غلمان ولا يجوز أن يتقدم عليها كما لم يجز : زيد قائما فيها وقد بينا : أن العامل إذا كان معنى لم يجز أن يتقدم مفعوله عليه.

وتقول : كم أتاني لا رجل ولا رجلان وكم عبد لك لا عبد ولا عبدان فهذا محمول على (كم) وموضعها من الإعراب لا على ما تعمل فيه كم كأنك قلت : عشرون أتوني لا رجل ولا رجلان ولو قلت : كم لا رجل ولا رجلين في الخبر والاستفهام كان غير جائز.

وتقول : كم منهم شاهد على فلان إذا جعلت شاهدا خبرا (لكم) وكذلك هو في الخبر أيضا تقول : كم مأخوذ بك إذا أردت أن تجعل : مأخوذا بك في موضع (لك) إذا قلت : كم لك ؛ لأن (لك) لا تعمل فيه (كم) ولكنه مبني عليها خبر لها وتقول : كم رجل قد رأيته أفضل من زيد لأنك جعلت (أفضل) خبرا عن (كم) ؛ لأن (كم) اسم مبتدأ.

فأما (ربّ) إذا قلت : رب رجل أفضل منك فلا يكون لها خبر لأنها حرف جر وكم لا تكون إلا اسما وتقول : كم امرأة قد قامت ولا يجوز أن تقول : كم امرأة قد قمن ؛ لأن المعنى : كم من مرة امرأة قد قامت.

فإن كانت (امرأة) مميزة فقلت : كم امرأة قد قامت جاز أن تقول : قامت وقمن لجعل الفعل مرة على لفظ المفسر ومرة على معنى (كم) وقال الله جل وعز : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) [النجم : 26] فردوه إلى معنى (كم) وقال جل ثناؤه : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) [الأعراف : 4] فجاء على لفظ المفسر فإدخالك (من) وإخراجها واحد لأنك تريد التفسير.

وتقول : كم ناقة لك وفصيلها وفصيلها نصبا ورفعا من رفع اتبع ما في لك ومن نصب اتبع الناقة وإنما جاز في فصيلها النصب وهو مضاف إلى الضمير ؛ لأن التأويل : وفصيلا لها كما قيل : كل شاة وسخلتها بدرهم فالتأويل وسخلة لها كما قالوا : رب رجل وأخيه والمعنى : وأخ له فإذا قلت : كم ناقة وفصيلها لك فلا يجوز في الفصيل إلا النصب كأنك قلت : كم ناقة وكم فصيل ناقة لك وتقول : كم رجلا قد رايت وامرأة على لفظ (رجل) ويجوز : ونساءه ؛ لأن

ص: 291

المعنى : رجل لكل رجل امرأة والفراء يقول : كم رجلا قد رأيت ونساءه وكم رجل قد رأيت ونسائه ويقول : تأويل (رجل) جمع فلا أرد عليه بالتوحيد.

قال أبو بكر : ويجوز عندي : كم رجلا رأيت ونساءهم ؛ لأن المعنى : كم رجالا رأيت ونساء لهم.

وتقول : كم زيد قائم وبكم ثوبك مصبوغ تريد : كم مرة أو ساعة زيد قائم وما أشبه ذلك. وبكم درهما أو دينارا ثوبك مصبوغ وما أشبه ذلك.

قال الفراء : إذا قلت : عنيد خمسة أثوابا فهو أشبه شيء بقولك : مررت برجل حسن وجها.

قال أبو بكر : وليس هو عند أصحابنا كذلك ؛ لأن وجها عندهم منصوب بأنه مشبه بالمفعول ؛ لأن حسن يشبه اسم الفاعل. وقد مضى ذكر هذا.

والنصب في قولهم : خمسة أثوابا شاذ إنما يجوز مثله في ضرورة شاعر.

وقال أحمد بن يحيى رحمه الله : كل منصوب على التفسير فقد جعل ما قبله في تأويل الفعل ولذلك قلت : عندي خمسة وزنا وعددا فجعلت لها مصدرا.

فتأويله عندي ما يعد به الدرهم خمسة وكذلك في كل التفسير ترده تقديره إلى أن تقدره الفعل : فإن قال قائل : فأنت تقول : ما أحسنك من الرجال وما أحسنك من رجل فيثبتهما إذا فيه فرق إذا قلت : ما أحسنك من الرجال فإنما تريد : أنت حسن من بينهم ومن جماعتهم ، وإذا قلت : من رجل ففيها مذاهب.

أما مذهب أبي العباس محمد بن يزيد رحمه الله فيقول : فصلوا بين الحال والتمييز وقد مضى ذكر ذلك.

وقال غيره : تكون (من) هنا لابتداء الغاية كأنك قلت : ما أحسنك من أول أحوالك يوصف بها الرجل إلى غاية النهاية ومذهب آخر أن تكون (من) تبعيضا للجنس المميز برجل رجل كأنك.

ص: 292

قلت : ما أحسنك من الرجال إذا ميزوا رجلا رجلا فجعلت رجلا موحدا ليدل على تمييز الرجال بهذا الإفراد وكذلك : ما أحسنك من رجلين.

كأنك قلت : من الرجال إذا ميزوا رجلين رجلين.

والقياس على مذهب الكسائي : عندي الخمسة الألف الدرهم فيجعل الخمسة مضافة إلى الالف والألف مضافة إلى الدرهم وذا عندنا لا يجوز وتقول على مذهبهم : عندي الخمسة العشر الألف الدرهم فتفتح الخمسة والعشر وتنصب الألف على التفسير وتضيفه إلى الدرهم.

وهذا لا يجوز لما قدمنا ذكره.

وتقول : عندي عشرون رجلا صالحا وعندي عشرون رجلا صالحون ولا يجوز : صالحين على أن تجعله صفة رجل ، فإن كان جمعا على لفظ الواحد جاز فيه وجهان : تقول : عندي عشرون درهما جيادا وجياد من رفع جعله صفة للعشرين ومن نصب أتبعه المفسر وهذا البيت ينشد على وجهين :

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم (1)

يروى : سود وتقول : عندي ثلاث نسوة وعجوزين وشابة ترده مرة على ثلاث ومرة على نسوة ، وإذا قلت : خمستك أو خمسة أثوابك لم تخرج منه مفسرا ؛ لأنه قد أضيف وعلم.

ص: 293


1- قال ابن هشام : الرابع أن لا يكون صاحبها نكرة محضة كما تقدم من الأمثلة وقد تأتي كذلك كما روى سيبويه من قولهم عليه مائة بيضا وقال الشاعر وهو عنترة العبسي : فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الأسحم فحلوبة لتميز العدد وسودا اما حال من العدد أو من حلوبة أو صفة وعلى هذين الوجهين ففيه حمل على المعنى ؛ لأن حلوبة بمعنى حلائب فلهذا صح أن يحمل عليها سودا والوجه الأول أحسن. وفي الحديث : صلّى رسول الله جالسا وصلّى وراءه رجال قياما فجالسا حال من المعرفة وقياما حال من النكرة المحضة. وانما الغالب اذا كان صاحب الحال نكرة أن تكون عامة أو خاصة أو مؤخرة عن الحال. شرح شذور الذهب 1 / 325.

ويجيز البغداديون : خمسة دراهمك ودرهمك ينوي في الأول الإضافة وهذا إنما يجوز عندي مثله في ضرورة الشاعر قالوا : وقد سمع : برئت إليك من خمسة وعشري.

النخاسين قالوا : ولا يجوز مع المكنى وتقول : عندي خمسة وزنا تنصب وترفع من نصب فعلى المصدر ومن رفع جعله نعتا.

كأنه قال : خمسة موزونة ، وإذا قالوا : عندي عشرون وزن سبعة نصبوا ورفعوا مثل ذلك وكذلك إن أدخلوا الألف واللام قالوا : عندي العشرون وزن السبعة ووزن السبعة النصب والرفع وكان الأخفش يجيز : كم رجلا عندك وعبيده يعطف (عبيده) على المضمر الذي في (عندك) ويرفعه قال : ولو قلت : كم رجلا وعبيده عندك على التقديم والتأخير جاز كأنك قلت : كم رجلا عندك وعبيده قال الشاعر :

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

وقال يزيد بن الحكم الثقفي :

جمعت وبخلا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (1)

ص: 294


1- اختصاص الواو العاطفة : تختصّ الواو من سائر حروف العطف بواحد وعشرين حكما : 1- أنّها تعطف اسما لا يستغنى عنه ك" اختصم عمرو وخالد" واصطفّ بكر وعليّ و" اشترك محمّد وأخوه" و" جلست بين أخي وصديقي" ؛ لأن الاختصام والاصطفاف والشّركة والبيّنيّة من المعاني التي لا تقوم إلا بإثنين فصاعدا. 2- عطف سببيّ على أجنبيّ في الاشتغال ونحوه ، نحو" زيدا أكرمت خالدا وأخاه" (الأجنبي هو" خالدا والسببي هو" أخاه". 3- عطف ما تضمّنه الأوّل إذا كان المعطوف ذا مزيّة نحو : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (الآية : 238 سورة البقرة). 4- عطف الشّيء على مرادفه نحو (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (الآية : 38 سورة المائدة). 5- عطف عامل قد حذف وبقي معموله نحو (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) (الآية : 9 سورة الحشر) وكلمة الإيمان في الآية ، وإن كانت في الظاهر معطوفة على الدار ولكن فعل" تبوؤوا" لا يصح للإيمان ؛ لأن تبوؤ في الأماكن فلا بدّ لها من تقدير فعل يناسبها مثل" اعتفدوا" وهذا هو العامل المحذوف على نحو قول الشاعر : علفتها تبنا وماء باردا ، المعنى : وسقيتها ماء باردا. 6- جواز فصلها من معطوفها بظرف أو عديله ، نحو فجعلنا (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (الآية : 9 سورة يس). 7- جواز تقديمها وتقديم معطوفها في الضّرورة نحو قوله : جمعت وفحشا غيبة ونميمة خصالا ثلاثا لست عنها بمرعوي 8- جواز العطف على الجوار في الجرّ خاصة نحو (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (الآية : 6 سورة المائدة) : والمراد بالجوار هنا : أن كلمة برؤوسكم مجرورة فجرّ ما بعدها وهي أرجلكم لمجاورةها ما قبلها ، وهذه قراءة من جرّ أرجلكم ، والقراءة الثانية : وأرجلكم بفتح الام عطفا على الوجوه ، على الأصل) ، في قراءة أبي عمرو وأبي بكر وابن كثير وحمزة. 9- جواز حذفها إن أمن اللّبس كقوله : " كيف أصبحت كيف أمسيت". انظر معجم القواعد 3 / 28.

قال : وقد فسروا الآية في كتاب الله جل وعز : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : 62] والصابئون كذلك وتقول : كم يسيرك أن لك درهما.

فتنصب الدرهم وتعني : درهما واحداص ولو قلت : كم يسرك أن لك من (درهم) لم يجز ؛ لأن (أن) لا اسم لها وكذلك لو قلت : كم درهما يسرك أن لك لم يجز وتصحيح المسألة :

كم يسرك أنه لك من درهم تريد : كم من درهم يسرك أنه لك وتقول : كم تزعم أن إلى زيد درهما قد دفع تنصب درهما (بأن) ودرهم هاهنا واحد وكم مرار ترد : كم مرة تزعم وتقول : كم عندك قائما رجلا تنصب (قائما) على الحال وتجعل خبر (كم) (عندك) وهو قبيح لأنك قد فصلت بين (كم) وبين ما عملت فيه وتقول : كم مالك إلا درهمان إذا كنت تستقله وكم عطاؤك إلا خمسون كأنك قلت : كم درهما مالك إلا درهمان وكم درهما عطاؤك إلا خمسون فهذا في الاستقلال كقول القائل : هل الأمير إلا عبد الله وهل الدنيا إلا شيء زائل وتقول : كم

ص: 295

ثلاثة ستة إلا ثلاثتان وكم خمسة عشرة إلا خمستان وكم رجلا أصحابك إلا خمسون إذا كنت تستقل عددهم ويكون ما بعد إلا تفسيرا (لكم) وترفعه إذا كانت (كم) رفعا وتنصب إذا كانت (كم) نصبا وتجره إذا كانت (كم) جرا يقول : كم ثلاثة وجدت ستة إلا ثلاثين وبكم درهما أرضك إلا ألف وكذلك : كم ثلاثة ستة إلا ثلاثتان وكم عشرون خمسة إلا أربع خمسات.

هذا على الاستثناء تجعل ما بعد إلا بدلا من (كم) كأنك قلت : هل بشيء أرضك إلا ألف وهل شيئا وجدت ستة إلا ثلاثين فاعتبر هذا بهذا.

قال أبو بكر : قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات وذكرنا في كل باب من المسائل مقدارا كافيا فيه دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح في هذا الكتاب ؛ لأنه كتاب أصول ونحن نفرد كتابا لتفريع الأصول ومزج بعضها ببعض ونسمية كتاب الفروع ليكون فروع هذه الأصول إن أخر الله في الأجل وأعان ، وإذا فرغنا من الرفع والنصب فلنذكر الضم والفتح اللذين يضارعانهما إن شاء الله.

ذكر الاسم المضموم والمفتوح اللذين يضارعان المعرب

اعلم أن الضم الذي يضارع الرفع هو الضم الذي يطرد في الأسماء ولا يخص اسما بعينه كما أن الفعل هو الذي يرفع الأسماء ولا يخص اسما بعينه وهذا الضرب إنما يكون في النداء ، وأما الفتح الذي يشبه النصب فما كان على هذا المنهاج مطردا في الأسماء ولا يخص اسما بعينه وهذا الضرب إنما يكون في النفي (بلا) وسنذكر كل واحد منهما في بابه إن شاء الله.

ص: 296

باب النداء

اشارة

الحروف التي ينادى بها خمسة : يا وأيا وهيا وأي وبالألف وهذه ينبه بها المدعو إلا أن أربعة غير الألف يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخي عنه أو للإنسان المعروض أو النائم المستثقل وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها ويجوز أن تستعمل هذه الخمسة إذا كان صاحبك قريبا مقبلا عليك توكيدا ، وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء إلا في المبهم والنكرة فلا يحسن أن تقول : هذا وأنت تريد : يا هذا ولا رجل وأنت تريد : يا رجل ويجوز حذف : يا من النكرة في الشعر.

والندبة يلزمها : يا ووا (ووا) يخص بها المندوب.

وأصل النداء تنبيه المدعو ليقبل عليك وتعرض فيه الاستغاثة والتعجب والمدح والندبة وسنذكر ذلك في مواضعه

[الأسماء المناداة]
اشارة

والأسماء المناداة تنقسم على ثلاثة أضرب : مفرد ومضاف ومضارع للمضاف بطوله.

شرح الأول : وهو الاسم المفرد في النداء الاسم المفرد

ينقسم على ضربين : معرفة ونكرة فالمعرفة : هو المضموم في النداء والمعرفة المضمومة في النداء على ضربين : إحداهما : ما كان اسما علما قبل النداء نحو : زيد وعمرو فهو على معرفته.

وضرب كان نكرة فتعرف بالنداء نحو : يا رجل أقبل صار معرفة بالخطاب وأنه في معنى : يا أيها الرجل.

فهذان الضربان هما اللذان يضمّان في النداء تقول : يا زيد ويا عمرو ويا بكر ويا جعفر ويا رجل أقبل ويا غلام تعال.

فأما : يا زيد فزيد وما أشبهه من المعارف معارف قبل النداء وهو في النداء معرفة كما كان ولو كان تعريفه بالنداء لقدر تنكيره قبل تعريفه ويحيل قول من قال : أنه معرفة النداء فقط إنك

ص: 297

قد تنادي بإسمه من لا تعلم له فيه شريكا كما تقول : يا فرزدق أقبل ولو كنت لا تعرف أحدا له مثل هذا الاسم ولو لم يكن عرف أن هذا اسمه فيما تقدم لما أجابك إذا دعوته به.

ومن قال إذا قلت : يا زيد أنه معرفة بالنداء فهذا الكلام من وجه حسن ومن وجه قبيح عندي أما حسنة : فأن يعني : أن أول ما يوضع الاسم ليعرف به الإنسان أنه ينادي به فيقول له أبوه أو من سماه مبتدأ : يا فلان ، وإذا كرر ذلك عليه علم أنه اسمه ولو لا التكرير أيضا ما علم فمن قال : أن الاسم معرفة بالنداء أي : أصله أنه به صار يعرف المسمى فحسن ، وإن كان أراد :

أن التعريف الذي كان فيه قد زال وحدث بالنداء تعريف آخر فقد بينا وجه الإحالة فيه ويلزم قائل هذا القول شناعات أخر عندي.

وأما قولك : يا رجل. فهذا كان نكرة لا شك فيه قبل النداء وإنا صار بإختصاصك له وإقبالك عليه في معنى : يا أيها الرجل فرفع وإنما ادعى من قال : أن : يا زيد معرفة بالنداء لا بالتعريف الذي كان له.

قيل : أنه وجد الألف واللام لا يثبتان مع (يا) في التعريف في التثنية ألا ترى أنك تقول يا زيدان أقبلا ولو لا يا لقلت : الزيدان إذا أردت التعريف وإنما حذفت الألف واللام استغناء بيا عنهما إذ كانتا آلة للتعريف كما حذفنا من النكرة في النداء أيضا.

ووجدنا ما ينوب عنهما فليس ينادي شيء مما فيه الألف واللام إلا الله عز وجل.

قال سيبويه : وذلك من أجل أن هذا الاسم لا تفارقه الألف واللام وكثر من كلام العرب.

وأما الاسم النكرة الذي بقي على نكرته فلم يتعرف بتسمية ولا نداء فإذا ناديته فهو منصوب تقول : يا رجلا أقبل ويا غلاما تعال وكذلك إن قلت : يا رجلا عاقلا تعالى فالنكرة منصوبة وصفتها أو لم تصفها ومعنى هذا أنك لم تدع رجلا بعينه فمن أجابك فقد أطاعك ألا ترى أنه يقول : من هو وراء حائط ولا يدري من وراؤه من الناس : يا رجلا أغثني ويا غلاما كلمني كما يقول : الضرير يا رجلا خذ بيدي فهو ليس يقصد واحدا بعينه بل من أخذ بيده فهو بغيته قال الشاعر :

ص: 298

فيا راكبا إما عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (1)

وإنما أعربت النكرة ولم تبن لأنها لم تخرج عن بابها إلى غير بابها كما خرجت المعرفة ، فإن قال قائل : ما علمنا أن قولهم : يا زيد مبني على الضم وليس بمعرب مرفوع قيل : يدل على أنه غير معرب أن موضعه نصب والدليل على ذلك أن المضاف إذا وقع موقع المفرد نصب تقول : يا عبد الله وأن الصفة قد تنصب على الموضع تقول : يا زيد الطويل فلو كانت الضمة إعرابا لما جاز أن تنصبه إذا أضفناه ولا أن تنصب وصفه لكنا نقول : أنه مضموم مضارع للمرفوع

ص: 299


1- ما يجب نصبه من المنادى ثلاثة أنواع : 1- النكرة غير المقصودة كقول الأعمى لغير معيّن" يا رجلا خذ بيدي". 2- المضاف سواء أكانت الإضافة محضة ، نحو : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) (الآية : 147 سورة آل عمران) ، أن غير محضة نحو" يا مالك يوم الدين". وتمتنع الإضافة في النداء إلى" كاف الخطاب" كقولك" يا غلامك" ؛ لأنه لا يجوز الجمع بين خطابين ، ويجوز في النّدبة ، أمّا الغائب والمتكلّم فيجوز نحو" يا غلامه" لمعهود ، أو" يا غلامي" أو" يا غلامنا" (كما في المقتضب وأمالي الشجري). فإذا أضيف المنادى إلى ضمير المتكلم فأجود الوجوه حذف الياء نحو قوله تعالى : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) (الآية : 51 سورة هود) وسيأتي تفصيل ذلك في رقم 8 من هذا البحث. 3- الشّبيه بالمضاف ، وهو ما اتّصل به شيء من تمام معناه ، معمولا له ، نحو" يا ضاحكا وجهه" و" يا سامعا دعاء المظلوم". (ج) ما يجوز ضمّه وفتحه : ما يجوز ضمّه على الأصل ، وفتحه على الإتباع ، نوعان : 1- أن يكون علما مفردا موصوفا بابن متّصل به ، مضاف إلى علم نحو" يا خالد بن الوليد" والمختار الفتح لخفّته ، ومنه قول رؤبة : يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود فإن انتفى شرط ممّا ذكر تعيّن الضّمّ كما إذا قلت" يا رجل ابن عليّ" و" يا أحمد انن عمّي" لانتفاء علمية المنادى في الأولى ، وعلمية المضاف إليه في الثانية ، وفي نحو" يا خالد الشجاع ابن الوليد" ، لوجود الفصل ، ونحو" يا عليّ الفاضل" ؛ لأن الصفة غير ابن. والوصف ب" ابنة" كالوصف بابن نحو" يا عائشة ابنة صالح" بخلاف" بنت" لقلّة استعمالها في نحو ذلك. انظر معجم القواعد 11 / 26.

ويشبهه من أجل أن كل اسم متمكن يقع في هذا الموضع يضم فأشبه من أجل ذلك المرفوع (بقام) يعني الفاعل ؛ لأن كل اسم متمكن يلي (قام) فهو مرفوع فلهذا حسن أن تتبعه النعت فتقول : يا زيد الطويل كما تقول : قام زد الطويل يا زيد وعمرو فتعطف كما تعطف على المرفوع.

وينبغي أن تعلم : أن حق كل منادى النصب من قبل أن قولك : يا فلان ينوب عن قولك : أنادي فلانا ؛ لأن قولك : (يا) هو العمل بعينه وأنه فارق سائر الكلام ؛ لأن الكلام لفظ يغني عن العمل وهذا العمل فيه هو اللفظ.

فإن قلت : ناديت زيدا بعد قولك : يا زيد وهو مثل قولك : ضربت زيدا بعد علمك ذلك به فتأمل هذا فإنه منفرد به هذا الباب.

وأما السبب الذي أوجب بناء الاسم المفرد فوقوعه موقع غير المتمكن ألا ترى أنه قد وقع موقع المضمرة والمكنيات والأسماء إنما جعلت للغيبة لا تقول : قام زيد وأنت تحذف زيدا عن نفسه إنما تقول : قمت يا هذا فلما وقع زيد وما أشبهه بعد (يا) في النداء موقع أنت والكاف وأنتم وهذه مبنيات لمضارعتها الحروف بني وسنبين أمر المبنيات في مواضعها.

وبني على الحركة في النداء ؛ لأن أصله التمكن ففرق بينه وبين ما لا أصل له في التمكن فأما تحريكه بالضم دون غيره فإنهم شبهوه بالغايات نحو قبل وبعد إذ كانت تعرب بما يجب لها من الإعراب إذا أضفتها وهو النصب والخفض دون الرفع وتقول : جئت قبلك ومن قبلك فلما حذف منها الاسم المضاف إليه بني الباقي على الضم وهي الحركة التي لم تكن له قبل البناء فعلم أنها غير إعراب.

فقالوا : جئتك من قبل ومن بعد ومن عل يا هذا فكذلك هذا المنادى لما كان مضافه منصوبا ضم مفرده ألا ترى أنك تقول : يا عبد الله فتنصب ، فإن لم تضف قلت : يا عبد ويا غلام فضممت فكذلك التقدير في كل مفرد ، وإن كنت لم تفرد عن إضافة فهذا تقديره.

واعلم أن لك أن تصف زيدا وما أشبهه في النداء وتؤكده وتبدل منه وتعطف عليه بحرف العطف وعطف البيان.

ص: 300

أما الوصف فقولك : يا زيد الطويل والطويل فترفع على اللفظ وتنصب على الموضع ، فإن وصفته بمضاف نصبت الوصف لا غير ؛ لأنه لو وقع موقع زيد لم يكن إلا منصوبا تقول : يا زيد ذا الجمة وكذلك إن أكدته تقول : يا زيد نفسه ويا تميم كلكم ويا قيس كلكم.

فأما يا تميم أجمعون فأنت فيه بالخيار إن شئت رفعت ، وإن شئت نصبت حكم التأكيد حكم النعت إلا أن الصفة يجوز فيها النصب على إضمار (أعني) ولا يجوز في أجمعين ذلك ، وأما البدل فقولك : يا زيد زيد الطويل ويا زيد أخانا ؛ لأن تقدير البدل أن يقوم الثاني مقام الأول فيعمل فيه ما عمل في الأول فقولك : يا زيد أخانا كقولك : يا أخانا.

واعلم أن عطف البيان كالنعت سواء لا يلزمك فيه طرح التنوين كما لا يلزمك في النعت طرح الألف واللام تقول : يا زيد زيدا فتعطف على الموضع ويا زيد زيد وأمر البدل وعطف البيان سنذكرهما مع ذكر توابع الأسماء وهذا البيت ينشد على ضروب :

إني وأسطار سطرن سطرا

لقائل : يا نصر نصرا نصرا (1)

فمن قال : يا نصر نصرا فإنه جعل المنصوبين تبيينا للمضموم وهو الذي يسميه النحويون عطف البيان وسأفرق لك عطف البيان من البدل في موضعه ومجرى العطف للبيان مجرى الصفة فأجريا على قولك : يا زيد الظريف وتقديره : يا رجل زيدا أقبل على قول من نصب الصفة. وينشد :

يا نصر نصرا ...

جعلهما تبيينا وأجرى أحدهما على اللفظ والآخر على الموضع كما تقول : يا زيد الظريف العاقل ولو نصبت (العاقل) على (أعني) كان جيدا ومنهم من ينشده :

يا نصر نصر نصرا ...

فجعل الثاني بدلا من الأول وتنصب الثالث على التبيين فكأنه قال :

يا نصر نصر نصرا ...

ص: 301


1- هذا قول الراجز وهو ذو الرمة.

وأما العطف فقولك : يا زيد وعمرو أقبلا ويا هند وزيد أقبلا ولا يجوز عطف الثاني على الموضع لما ذكرناه في باب العطف وهو أن حكم الثاني حكم الأول ؛ لأنه منادى مثله وكل مفرد منادى فهو مضموم.

وقد قالوا على ذلك : يا زيد والحرث لما دخلت الألف واللام (ويا) لا تدخل عليهما فاعلم وإنما يبني الأول ؛ لأنه منادى مخاطب باسمه وعلة الثاني وما بعده كعلة الأول لا فرق بينهما في ذلك ألا ترى أنهم : يقولون : يا عبد الله وزيد فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولو لا ذلك لم يجز قال جميع ذلك ابن السراج أيضا ، فإن عطفت اسما فيه ألف ولام على مفرد ، فإن فيه إختلافا.

أما الخليل وسيبويه والمازني : فيختارون الرفع يقولون : يا زيد والحارث أقبلا وقرأ الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز : (يا جبال اوبي معه والطّير) (1) [سبأ : 10].

وأما أبو عمرو وعيسى ويونس وأبو عمر الجرمي فيختارون النصب وهي قراءة العامة.

وكان أبو العباس يختار النصب في قولك : يا زيد والرجل ويختار الرفع في الحارث إذا قلت : يا زيد والحراث ؛ لأن الألف واللام في (الحارث) دخلت عنده للتفخيم والألف واللام في الرجل دخلتا بدلا من (يا) ؛ لأن قولك : النضر والحارث ونصر وحارث بمنزلة ومثل ذلك اختلافهم في الاسم المنادى إذا لحقه التنوين اضطرارا في الشعر ، فإن الأولين يؤثرون رفعه أيضا ويقولون : هو بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين فيبقى على لفظه وأبو عمرو بن

ص: 302


1- عن الحسن (يا جِبالُ أَوِّبِي) بوصل الهمزة ، وسكون الواو ، مخففة من (آب : رجع) والابتداء حينئذ بضم الهمزة. والجمهور بقطع الهمزة ، وتشديد الواو ، من (التأويب) وهو (الترجيع) ، أي : يسبح هو وترجع هي معه التسبيح. وأما ما روي عن روح من رفع الراء من (وَالطَّيْرَ) نسقا على لفظ (جِبالُ) أو على الضمير المستكن في (أوبي) للفصل بالظرف فهي انفراده لابن مهران ، عن هبة الله بن جعفر ، عن أصحابه عنه ، لا يقرأ بها ، ولذا أسقطها صاحب الطيبة على عادته رحمه الله تعالى ، والمشهور عن روح النصب كغيره ، عطفا على محل (جِبالُ)[إتحاف فضلاء البشر 2 / 383].

العلاء وأصحابه يلزمون النصب ويقولون هو بمنزلة قولك : مررت بعثمان يا فتى فإذا لحقه التنوين رجع إلى الخفض.

فإن كان المنادى مبهما فحكمه حكم غيره إلا أنه يوصف بالرجل وما أشبهه من الأجناس وتقول : يا أيها الرجل أقبل فيكون (أي) ورجل كاسم واحد (فأي) مدعو والرجل نعت له ولا يجوز أن يفارقه نعته ؛ لأن (أيا) اسم مبهم ولا يستعمل إلا بصلة إلا في الجزاء والاستفهام فلما لم يوصل ألزم الصفة لتبينه كما كانت تبينه الصلة.

و (ها) تبينه وكذلك إذا قلت : يا هذا الرجل فإذا قلت : يا أيها الرجل لم يصلح في (الرجل) إلا الرفع ؛ لأنه المنادى في الحقيقة و (أي) مبهم متوصل إليه به.

وكذلك : يا هذا الرجل إذا جعلت هذا سببا إلى نداء الرجل ولك أن تقيم الصفة مقام الموصوف فتقول : يا أيها الطويل ويا هذا القصير كقوله تعالى : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) [يوسف : 88] ، فإن قدرت الوقف على هذا ولم تجعله وصلة إلى الصفة وكان مستغنيا بإفراده كنت في صفته بالخيار : إن شئت رفعت ، وإن شئت نصبت كما كان ذلك في نعت زيد فقلت : يا هذا الطويل والطويل.

وأما (أي) فلا يجوز في وصفها النصب لأنها لا تستعمل مفردة ، فإن وصفت الصفة بمضاف فهو مرفوع لأنك إنما تنصب صفة المنادى فقط.

قال الشاعر :

يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي ... (1)

ص: 303


1- ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد أي خبر لمبتدأ محذوف وأي موصولة بالجملة ، ورد بأنه لو كان كذلك لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى ولجاز وصلها بالفعلية والظرف. الثالث : ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن ها دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة فإذا قلت يأيها الرجل تريد يأيها ذا الرجل ثم حذف ذا اكتفاء بها. الرابع : يجوز أن توصف صفة أي ولا تكون إلا مرفوعة مفردة كانت أو مضافة كقوله : يأيّها الجاهل ذو التّنزّي لا توعدنّي حيّة بالنّكز انظر شرح الأشموني 1 / 243.

فوصف (الجاهل) وهو صفة ب (ذو) ويجوز النصب على أن تجعله بدلا من (أي) فتقول : يا أيها الجاهل ذا التنزي ولا يجوز أن تقول : هذا أقبل وأنت تناديه تريد : يا هذا كما تقول : زيد أقبل وأنت تريد يا زيد ولا : رجل أقبل ؛ لأن هذين نعت لأي ، فإن جاء في الشعر فهو جائز ولك أن تسقط (يا) فتقول : زيد أقبل وإنما قبح إسقاط حرف النداء من هذا ورجل لأنهما يكونان نعتا لأي فلا يجمع عليها حذف المنعوت وحرف النداء فاعلم.

فأما قولهم : اللهّم اغفر لي ، فإن الخليل كان يقول : الميم المشددة في آخره بدل من (يا) التي للنداء لأنهما حرفان مكان حرفين.

قال أبو العباس : الدليل على صحة قول الخليل : أن قولك : اللهم لا يكون إلا في النداء لا تقول : غفر اللهم لزيد ولا : سخط اللهم على زيد كما تقول : سخط الله على زيد وغفر الله لزيد وإنما تقول : اللهم اغفر لنا اللهم اهدنا وقال : فإن قال الفراء : هو نداء معه (أم) قيل : له فكيف تقول : اللهم اغفر لنا واللهم أمنا بخير فقد ذكر (أم) مرتين قال : ويجب على قوله أن تقول : يا اللهم لأنه : يا الله أمنا ولا يلزم ذلك الخليل : لأنه يقول الميم بدل من يا.

وإذا وصفت مفردا بمضاف لم يكن المضاف إلا منصوبا تقول : يا زيد ذا الجمة ، فأما : يا زيد الحسن الوجه ، فإن سيبويه : يجيز الرفع والنصب في الصفة ؛ لأن معناه عنده الإنفصال فهو كالمفرد في التقدير ؛ لأن حسن الوجه بمنزلة حسن وجهه فكما أن يجيز : يا زيد الحسن والحسن فكذلك يفعل إذا أضاف ؛ لأنه غير الإضافة يعني به وأنشد :

يا صاح يا ذا الضّامر العنس

يريد : يا ذا الضامرة عنسه وتقول : يا زيد أو عبد الله ويا زيد أو خالد وقال سيبويه : أو ولا في العطف على المنادى بمنزلة الواو.

ص: 304

شرح الاسم المنادى الثاني : وهو المضاف

اعلم أن كل اسم مضاف منادى فهو منصوب على أصل النداء الذي يجب فيه كما بينا تقول : يا عبد الله أقبل ويا غلام زيد افعل ويا عبد مرة تعال ويا رجل سوء تب المعرفة والنكرة في هذا سواء وقال عز وجل : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [الأحقاف : 31].

وذكر سيبويه : أن ذلك منصوب على إضمار الفعل المتروك إظهاره.

وقال أبو العباس : أن (يا) بدل من قولك : أدعو أو أريد لا أنك تخبر أنك تفعل ولكن بها علم أنك قد أوقعت فعلا يا عبد الله وقع دعاؤك بعبد الله فانتصب على أنه مفعول تعدى إليه فعلك ، فإن أضفت المنادى إلى نفسك فحكم كل اسم تضيفه إلى نفسك أن تحذف إعرابه وتكسر حرف الإعراب وتأتي بالياء التي هي اسمك فتقول : يا غلامي وزيدي فإذا ناديت قلت : يا غلام أقبل لا تثبت (ياء) الإضافة كما تثبت التنوين في المفرد تشبيها به وثبات الياء فيما زعم يونس في المضاف لغة وكان أبو عمرو يقول : (يا عبادي اتقون).

وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخف عليهم نحو : يا ربا تجاوز عنا ويا غلاماه لا تفعل فإذا وقفت قلت : يا غلاما وعلى هذا يجوز : يا أباه ويا أماه.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم : يا أبه ويا أبة لا تفعل ويا أبتاه ويا أمتاه فزعم الخليل : أن هذه الهاء مثل الهاء في عمة وخالة وزعم : أنه سمع من العرب من يقول : يا أمة لا تفعلي ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة أنك تقول في الوقت : يا أمة ويا أبه كما تقول : يا خالة إنما يلزمون هذه في النداء إذا أضفت إلى نفسك خاصة كأنهم جعلوها عوضا من حذف الياء قال : وحدثنا يونس : أن بعض العرب يقول : يا أم لا تفعلي ولا يجوز ذلك في غيرها من المضاف.

وبعض العرب يقول : يا ربّ أغفر لي ويا قوم لا تفعلوا ، فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت : يا غلام غلامي ويا ابن أخي فتثبت الياء ؛ لأن الثاني غير منادى فإنما تسقط الياء في

ص: 305

الموضع الذي يسقط فيه التنوين وقالوا : يا ابن أم ويا ابن عم فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لكثرته في كلامهم.

قال أبو العباس رحمه الله : سألت أبا عثمان عن قول من قال : يا ابن أم لا تفعل فقال :عندي فيه وجهان : أحدهما أن يكون أراد : يا ابن أمي فقلب الياء ألفا فقال : يا ابن أما ثم حذف الألف استخفافا من (أما) كما حذف الياء من (أمي).

ومثل ذلك : يا أبة لا تفعل والوجه الآخر أن يكون : ابن عمل في أم عمل خمسة عشر فبني لذلك قلت : فلم جاز في الوجه الأول قلب الياء ألفا فقال : يجوز في النداء والخبر وهو في النداء أجود قلت : وأمّ قال : لأن النداء يقرب من الندبة وهو قياس واحد ، وذلك قولك : وا أماه قلت : فنجيزه في الخبر في الشعر فقال : في الشعر وفي الكلام جيد بالغ أقول : هذا غلاما قد جاء فأقلبها ؛ لأن الألف أخف من الياء.

وقد قال الشاعر :

وقد زعموا أنّي جزعت عليهما

وهل جزع إن قلت : وا بأباهما

يريد : وا بأبي هما. وأنشد سيبويه لأبي النجم :

يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي (1)

ص: 306


1- قال في شرح الكافية : إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبني قيل يا بني أو يا بني لا غير فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالي الياآت مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل ثبوت الثنتين وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه. والفتح على وجهين : أحدهما أن تكون ياء المتكلم أبدلت ألفا ثم التزم حذفها لأنها بدل مستثقل. الثاني : أن ثانية ياءي بني حذفت ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت ؛ لأن أصلها الفتح كما فتحت في يدي ونحوه اه. وقد تقدمت بقية الأحكام في باب المضاف إلى ياء المتكلم (وفتح أو كسر وحذف اليا) والألف تخفيفا لكثرة الاستعمال (استمر في) قولهم (يا ابن أمّ) ويا ابنة أم و (يا ابن عمّ) ويا ابنة عم (لا مفر) أما الفتح ففيه قولان : أحدهما أن الأصل أما وعما بقلب الياء ألفا فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها. الثاني أنهما جعلا اسما واحدا مركبا وبني على الفتح والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش والثاني قيل هو مذهب سيبويه والبصريين ، وأما الكسر فظاهر مذهب الزجاج وغيره أنه مما اجتزى فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من غير تركيب. قال في الارتشاف : وأصحابنا يعتقدون أن ابن أم وابنة أم وابن عم وابنة عم حكمت لها العرب بحكم اسم واحد وحذفوا الياء كحذفهم إياها من أحد عشر إذا أضافوه إليها. ، وأما إثبات الياء والألف في قوله : يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي وقوله : يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي فضرورة. أما ما لا يكثر استعماله من نظائر ذلك نحو يا ابن أخي ويا ابن خالي فالياء فيه ثابتة لا غير ، ولهذا قال في يا ابن أم يا ابن عم ولم يقل في نحو يا ابن أم يا ابن عم. انظر شرح الأشموني 1 / 246.

فإن أضفت اسما مثنى إليك : نحو عبدين وزيدين قلت : يا عبدي ويا زيد ففتحت الياء من قبل أن أصل الإضافة إلى نفسك الفتح تقول : هذا بني وغلامي يا فتي ثم تسكن إذا شئت استخفافا فلما التقى ساكنان في عبدي واحتجت إلى الحركة رددت ما كان للياء إليها فإذا صغرت ابنا فقلت بني ثم أضفته إلى نفسك قلت : يا بني أقبل ولم تكن هذه الياء كياء التثنية ؛ لأن هذه حرف إعراب كما يتحرك دال عبد تقول : هذا بني كما تقول : هذا عبد فإذا أضفتهما إلى نفسك كسرت حرف الإعراب إرادة للياء وكان الأصل في : يا بني أن تأتي بياء بعد الياء المشددة فحذفتها واستغنيت بالكسر عنها وتقول : يا زيد عمرو ويا زيد زيد أخينا ويا يزد زيدنا.

قال سيبويه وزعم الخليل ويونس : أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة ، وذلك لأنهم قد علموا : أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصبا ؛ لأنه مضاف فلما كرروه تركوه على حاله قال الشاعر :

يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم

لا يلقينّكم في سوأة عمر

وإن شئت قلت : يا تيم تيم عدي ويا زيد زيد أخينا فكل اسمين لفظهما واحد والآخر منهما مضاف فالجيد الضم في الأول والثاني منهما منصوب ؛ لأنه مضاف ، فإن شئت كان بدلا من الأول ، وإن شئت كان عطفا عليه عطف البيان والوجه الآخر نصب الأول بغير تنوين

ص: 307

لأنك أردت بالأول : يا زيد عمرو فأما أقحمت الثاني توكيدا للأول ، وأما حذفت من الأول المضاف استغناء بإضافة الثاني فكأنه في التقدير : يا زيد عمرو زيد عمرو ويا تيم عدي تيم عدي.

واعلم أن المضاف إذا وصفته بمفرد وبمضاف مثله مل يكن نعته إلا نصبا لأنك إن حملته على اللفظ فهو نصب والموضع موضع نصب فلا يزال ما كان على أصله إلى غيره ، وذلك نحو قولك : يا عبد الله العاقل ويا غلامنا الطويل والبدل يقوم مقام المبدل منه تقول : يا أخانا زيد أقبل ، فإن لم ترد البدل وأردت البيان قلت : يا أخانا زيدا أقبل ؛ لأن البيان يجري مجرى النعت.

شرح الثالث : وهو الاسم المنادى المضارع للمضاف لطوله

إذا ناديت أسما موصولا بشيء هو كالتمام له فحكمه حكم المضاف إذا كان يشبهه في أنه لفظ مضموم إلى لفظ هو تمام الاسم الأول ويكون معرفة ونكرة ، وذلك قولك : يا خيرا من زيد أقبل. ويا ضاربا رجلا ، ويا عشرون رجلا ، ويا قائما في الدار وما أشبهه جميع هذا منصوب أقبلت على واحد فخاطبته وقدرت التعريف ، وإن أردت التنكير فهو أيضا منصوب وقد كنت عرفتك أن المعارف على ضربين : معرفة بالتسمية ومعرفة بالنداء.

وقال الخليل : إذا أردت النكرة فوصفت أو لم تصف فهي منصوبة ؛ لأن التنوين لحقها فطالت فجعلت بمنزلة المضاف لما طال نصب ورد إلى الأصل كما تفعل ذلك بقبل وبعد وزعموا : أن بعض العرب يصرف قبلا فيقول : أبدأ بهذا قبلا فكأنه جعلها نكرة ، وأما قول الأحوص :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (1)

فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف.

ص: 308


1- إذا كان المنادى مفردا معرفة أو نكرة مقصودة يجب بناؤه على الضم وذكر هنا أنه إذا اضطر شاعر إلى تنوين هذا المنادى كان له تنوينه وهو معصوم وكان له نصبه وقد ورد السماع بهما فمن الأول قوله : سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السّلام انظر شرح ابن عقيل 3 / 262.

وكان عيسى بن عمر يقول : يا مطرا يشبهه بيا رجلا. قال سيبويه : ولم نسمع عربيا يقوله وله وجه من القياس إذا نون فطال كالنكرة فالتنوين في جميع هذا الباب كحرف في وسط الاسم وكذلك : لو سميت رجلا : بثلاثة وثلاثين لقلت : يا ثلاثة وثلاثين أقبل وليس بمنزلة قولك للجماعة : يا ثلاثة وثلاثون لأنك أردت في هذا : يا أيها الثلاثة والثلاثون ولو قلت أيضا وأنت تنادي الجماعة : يا ثلاثة والثلاثين لجاز الرفع والنصب في الثلاثين كما تقول : يا زيد والحارث والحارث ولكنك أردت في الأول : يا من يقال له ثلاثة وثلاثون.

وإن نعت الاسم المفرد بابن فلان أو ابن أبي فلان وذكرت اسمه الغالب عليه وأضفته إلى اسم أبيه أو كنيته ، فإن الاسمين قد جعلا بمنزلة اسم واحد ؛ لأنه لا ينفك منه ونصب لطوله تقول : يا زيد بن عمرو كأنك قلت : يا زيد عمرو فجعلت زيدا وابنا بمنزلة اسم واحد ولا تنون زيدا كما لم تكن تنونه قبل النداء إذا قلت : رأيت زيد بن عمرو ، فإن قلت : يا زيد ابن أخينا ضممت الدال من (زيد) ؛ لأن ابن أخينا نعت غير لازم وكذلك : يا زيد ابن ذي المال ويا رجل ابن عبد الله ؛ لأن رجلا اسم غير غالب فمتى لم يكن المنادى اسما غالبا والذي يضيف إليه ابنا سما غالبا لم يجز فيه ما ذكرنا من نصب الأول بغير تنوين ، وإذا قلت : يا رجل ابن عبد الله فكأنك قلت : يا رجل يا ابن عبد الله وعلى هذا ينشد هذا البيت :

يا حكم بن المنذر بن الجارود

ولو قلت : يا حكم بن المنذر كان جيدا وقياسا مطردا وكان أبو العباس رحمه الله يقول : إن نصب : يا حسن الوجه لطوله لا لأنه مضاف ؛ لأن معناه : حسن وجهه.

قال أبو بكر : والذي عندي أنه نصب من حيث أضيف فما جاز أن يضاف ويخفض ما أضيف إليه ، وإن كان المعنى على غير ذلك كذلك نصب كما ينصب المضاف ؛ لأنه على لفظه.

ص: 309

باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى

والزيادة في آخره والحذف فيه

أما التغيير فقولهم : يا فسق ويا لكع عدل عن فاعل إلى فعيل للتكثير والمبالغة كما عدل :عمر عن عامر ولم يستعمل فسق إلا في النداء وهو معرفة فيه ويقوى أنه كذلك ما حكى سيبويه عن يونس : أنه سمع من العرب من يقول : يا فاسق الخبيث فلو لم يكن فاسق عنده معرفة ما وصفه بما فيه الألف واللام وكذلك : يا لكاع ويا فساق ويا خباث معدول عن معرفة كما صارت جعار اسما للضبع وكما صارت : حذام ورقاش اسما للمرأة وجميع ذلك مبني على الكسر لأنك عدلته من اسم معرفة مؤنث غير منصرف وليس بعد ترك الصرف إلا البناء فبني على كسر ؛ لأن الكسرة والتاء من علامات التأنيث.

ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله ، فإن لم ترد العدل قلت : يا لكع ويا لكعاء ، وأما ما لحقه الزيادة من آخره فقولهم : يا نومان ويا هناه وقال بعض المتقدمين في النحو : يا هناه هو فعال في التقدير وأصله هن فزيد هذا في النداء وبنى هذا البناء.

ويلزم قائل هذا القول أن يقول في التثنية : يا هنانان أقبلا ولا أعلم أحدا يقول هذا.

قال الأخفش : تقول : يا هناه أقبل ويا هنانيه أقبلا ويا هنوناه أقبلوا.

وإن شئت قلت : يا هن ويا هنان أقبلا ويا هنون أقبلوا ، وإن أضفت إلى نفسك لم يكن فيه إلا شيء واحد يأتي فيما بعده.

قال أبو بكر : والمنكر من ذا تحريك الهاء من هناه وإلا فالقياس مطرد كهاء الندبة وألفها.

وقال أيضا الأخفش : تقول : يا هنتاه أقبلي ويا هنتانيه أقبلا ويا هناتوه أقبلن.

وتقول للمرأة بغير زيادة يا هنت أقبلي ويا هنتان أقبلا ويا هنات أقبلن وتقول في الإضافة : إليك : ياهن أقبل وياهني أقبلا وياهنى أقبلوا.

ص: 310

وللمرأة في الإضافة يا هنت أقبلي ويا هنتي أقبلا وللجمع : يا هنات أقبلن وتزاد في آخر الاسم في النداء

الألف التي تبين بالهاء في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدا أو تندب هالكا ؛ لأن المندوب في غاية البعد وللندبة باب مفرد نذكره بعون الله تعالى.

تقول : يا زيداه إذا ناديت بعيدا هذا إذا وقفت على الهاء وهي ساكنة وإنما تزاد في الوقف لخفاء الألف كاتزاد لبيان الحركة في قولك غلاميه وما أشبه ذلك.

إذا وصلت ألف النداء بشيء أغنى ما بعد الألف من الهاء فقلت : يا زيدا أقبل ويا قوما تعالوا.

فأما لام الاستغاثة والتعجب فتدخل على الاسم المنادى من أوله وهي لام الجر فتخفضه ولذلك أيضا باب يذكر فيه إلا أنها تزاد إذا أردت أن تسمع بعيدا ، وأما ما حذف من آخره في النداء فقولهم في فلان : يا فل أقبل.

وذكر سيبويه أن : هناه ونومان وفل أسماء اختص بها النداء.

وقال : قول العرب : يا فل أقبل لم يجعلوه اسما حذفوا منه شيئا يثبت في غير النداء ولكنهم بنوا الاسم على حرفين وجعلوه بمنزلة دم والدليل على ذلك أنه ليس أحد يقول : يا فلا.

فإن عنوا امرأة قالوا : يا فلة وإنما بني على حرفين ؛ لأن النداء موضع تخفيف ولم يجز في غير النداء ؛ لأنه جعل اسما لا يكون إلا كناية لمنادى نحو : يا هناه ومعناه. يا رجل. ، وأما فلان.

فإنما هو كناية عن اسم سمى به المحدث عنه خاص غالب قال : وقد اضطر الشاعر فبناه على هذا المعنى قال أبو النجم :

في لجّة أمسك فلانا عن فل (1)

ص: 311


1- وكثر استعمال فعل في النداء خاصة مقصودا به سب الذكور نحو يا فسق ويا غدر ويا لكع ولا ينقاس ذلك. وأشار بقوله وجر في الشعر فل إلى أن بعض الأسماء المخصوصة بالنداء قد تستعمل في الشعر في غير النداء كقوله : تضل منه إبلى بالهوجل في لجة أمسك فلانا عن فل انظر شرح ابن عقيل 3 / 278.

قوله : (في لجة) أي : في كثرة أصوات ومعناه : أمسك فلانا عن فلان.

فأما ما حذف آخره للترخيم فله باب وإنما أخرجنا (فل) عن الترخيم ؛ لأنه لا يجوز أن يرخم اسم ثلاثي فينقص في النداء ولم يكن منقوصا في غير النداء ولأنّه ليس باسم علم وللترخيم باب يفرد به إن شاء الله.

ص: 312

باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب

اعلم أن اللام التي تدخل للاستغاثة (1) هي لام الخفض وهي مفتوحة إذا أدخلتها على الاسم المنادى كأن المنادى كالمكنى.

وقد بينا هذا فيما مضى فانفتحت مع المنادى كما تنفتح مع المكنى إلا ترى أنك تقول : لزيد ولبكر فتكسر.

فإذا قلت : لك وله فتحت وقد تقدم قولنا في أن المبني كالمكنى فلذلك لم يتمكن في الإعراب وبني فتقول : يا لبكر ويا لزيد ويا للرجال ويا للرجلين إذا كنت تدعوهم.

ص: 313


1- 1 - تعريف المستغاث : هو ما طلب إقباله ليخلّص من شدّة أو يعين على مشقّة. 2 - ما يتعلق به من أحكام : يتعلّق بالمستغاث أحكام هي : 1 - اختصاصه ب" يا" من بين أدوات النّداء ، مذكورة وجوبا. 2 - غلبة جرّه ب" لام" مفتوحة في أوّله ، وإن اقترن ب" أل" ، وهي لام الجرّ ، فتحت للفرق بينها وبين لام" المستغاق من أجله" في نحو" يا لله لعليّ". 3 - ذكر مستغاث من أجله بعده جوازا إمّا مجرور باللام المكسورة ، سواء أكان منتصرا عليه ، نحو" يا لعليّ لظالم لا يخاف الله" أم منتصرا له يحو" يا لعمر للمسكين". وإما مجرور ب" من" نحو : يا للرّجال ذوي الألباب من نفر لا يبرح السفه المردي لهم دينا 4 - أنه إذا عطف على المستغاث ، ، فإن أعيدت" يا" معه فتحت لامه نحو : يا لقومي ويا لأمثال قومي لأناس عتوّهم في ازدياد وإن لم تعد" يا" معه كسرت لامه نحو : قول الشاعر : يبكيك ناء بعيد الدّار مغترب يا للكهول وللشبان للعجب 5 - ويجوز أن لا يبتدأ المستعاث باللام فالأكثر حينئذ أن يحتم بالألف عوضا عن اللام ، ولا يجتمعان كقوله : يا يزيدا لآمل نيل عزّ وغنى بعد فاقة وهوان (ف" يزيدا" مستغاث والألف فيه عوض من اللام و" لآمل" مستغاث له وهو اسم فاعل و" نيل" مفعول به) انظر معجم القواعد 2 / 23.

وقال أصحابنا : إنما فتحتها لتفصل بين المدعو والمدعو إليه.

ووجب أن تفتحها ؛ لأن أصل اللام الخافضة إنما كان الفتح فكسرت مع المظهر ليفصل بينها وبين لام التوكيد ألا ترى أنك تقول : إن هذا لزيد إذا أردت : إن هذا زيد فاللام هنا مؤكدة وتقول : إن هذا لزيد إذا أردت أنه في ملكه.

ولو فتحت لالتبسا ، فإن وقعت اللام على مضمر فتحتها على أصلها فقلت : أن هذا لك ، وإن هذا لأنت ؛ لأنه ليس هنا لبس وتقول : يا للرجال للماء ويا للرجال للعجب ويا لزيد للخطب الجليل قال الشاعر :

يا للّرجال ليوم الأربعاء أما

ينفكّ يحدث لي بعد النّهى طربا

وقال آخر :

تكنّفني الوشاة فأزعجوني

فيا للناس للواشي المطاع

فالذي دخلت عليه اللام المفتوحة هو المدعو والمستغاث به والذي دخلت عليه اللام المكسورة هو الذي دعي له ومن أجله.

واعلم أنه لا يجوز أن تقول : يا لزيد لمن هو قريب منك ومقبل عليك.

وذكر سيبويه : أن هذه اللام التي للإستغاثة بمنزلة الألف التي تبين بها في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدا ، فإن قلت : يا لزيد ولعمرو.

كسرت اللام في (عمرو) وهو مدعو ؛ لأنه يسوغ في المعطوف على المنادى ما لا يسوغ في المنادى.

ألا ترى أن الألف واللام تدخل على المعطوف على المنادى ويجوز فيه النصب وإنما يتمكن في باب النداء ما لصق (بيا) يعني بحرف النداء.

وأما أبو العباس رحمه الله فكان يقول في قولهم : يا لزيد ولعمرو إنما فتحت اللام في (زيد) ليفصل بين المدعو والمدعى إليه فلما عطفت على (زيد) استغنيت عن الفصل لأنك إذا عطفت عليه شيئا صار في مثل حاله وقال الشاعر :

ص: 314

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

يا للكهول وللشّبان للعجب

وأما التي في التعجب فقول الشاعر :

لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم

أدلّ وأمضى من سليك المقانب

وقالوا : يا للعجب ويا للماء لما رأوا عجبا أو رأوا ماء كثيرا كأنه يقول : تعال يا عجب وتعال يا ماء فإنه من أيامك وزمانك وأبانك ومثل ذلك قولهم : يا للدواهي أي : تعالين فإنه لا يستنكر لكن ؛ لأنه من أحيانكن وكل هذا في معنى التعجب والإستغاثة فلا يكون موضع (يا) سواها من حروف النداء نحو : أي وهيا وأيا.

وقد يجوز أن تدعو مستغيثا بغير لام فتقول : يا زيد وتتعجب كذلك كما أن لك أن تنادي المندوب ولا تلحق آخره ألفا ؛ لأن النداء أصل لهذه أجمع وقد تحذف العرب المنادى المستغاث به مع (يا) ؛ لأن الكلام يدل عليه فيقولون : يا للعجب ويا للماء كأنه قال : يا لقوم للماء ويا لقوم للعجب وقال أبو عمرو قولهم : يا ويل لك ويا ويح لك كأنه نبه إنسانا ثم جعل الويل له ومن ذلك قول الشاعر :

يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصالحين على سمعان من جار

فيا لغير اللعنة ولغير الويل كأنه قال : يا قوم لعنة الله على فلان.

ص: 315

باب الندبة

الندبة (1) تكون بياء أو بواو ولا بد من أحدهما وتلحق الألف آخر الاسم المندوب إن شئت ، وإن شئت ندبت بغير ألف والألف أكثر من هذا الباب.

ص: 316


1- النّدبة : تفجّع ونوح مشن حزن وغمّ يلحق النّادب على المندوب عند فقده. 1 - المندوب : هو المتفجّع عليه لفقده حقيقة كقول جرير يندب عمر بن عبد العزيز : " وقمت فيه بأمر الله يا عمرا" أو تنزيلا كقول عمر بن الخطّاب ، وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب :" واعمراه" (واعمراه : وا : حرف ندبة عمراه منادى مندوب مبني على الضم المقدّر منع من ظهوره الفتحة المناسبة للألف في محل نصب ، والألف للنّدبة ، والهاء للسكت). أو المتوجّع له كقول قيس العامري : فوا كبدا من حبّ من لا يحبّني ومن عبرات ما لهنّ فناء أو المتوجّع منه نحو" وا مصيبتاه". 2 - أدوتها : أدوات النّدبة حرفان : " يا" و" وا" ويكونان قبل الاسم. 3 - أحكام المندوب : للمندوب أحكام : (أحدها) أنّه كالمنادى غير المندوب فيبنى على الضّم في نحو : " وا خليفة رسول الله" ، وإذا اضطرّ إلى التنوينه في الشّعر جاز ضمّه ونصبه ، نحو : " وا فقعسا وأين منّي فقعس". (الثاني) أنّه يختصّ من بين الأدوات ب" وا" مطلقا وب" يا" إن أمن اللّبس كما في قول جرير المتقدّم" يا عمرا". (الثالث) أنّه لا يندب إلا العلم المشهور ونحوه ، كالضاف إضافة توضّح المندوب توضيح العلم ، والموصول الذي اشتهر بصلة تعيّنه نحو" وا حسيناه" و" وا دين محمّداه" و" وامن هاجر إلى مديناه" فلا يندب العلم غير المشور ، ولا النّكرة ك" رجل" ولا المبهم ك" أي" واسم الإشارة ، والموصول غير المشتهر بالصّلة". الغالب أن يختم بالألف الزّائدة وهاء السّكت ، ويحذف لها ما قبلها من ألف في آخر الاسم نحو" وا مواساه" أو من تنوين في صلة نحو" وا من فتح قلباه" أو تنوين في مضاف إليه ، نحو" وا غلام محمّداه" أو ضمّة نحو" وا محمّداه" أو كسرة نحو" وا حاجب الملكاه" ، فإن أوقع حذف ، الضّمّة ، أو الكسرة في لبس أبقيتا ، وجعلت الألف واوا بعد الضّمة ، نحو" وا غلامهمو" أو" وا غلامكمو" (فلو قيل : وا غلامها ، أو وا غلامكما ، التبس المذكر بالمؤنث في الأولى والجمع بالمثنى في الثانية) ، وياء بعد الكسرة نحو" وا غلامكي" (فلو قيل" وا غلامكا" التبس بالمذكر). 4 - المندوب المضاف للياء : إذا ندب المضاف للياء الجائز فيه اللغات الست (انظر هذه اللغات الست في مبحث" النداء" رقم (7 / 3)) ، فعلى لغة من قال" يا غلام" بالكسر ، أو" يا غلام" بالضم ، أو" يا غلاما" بالألف ، أو يا" غلامي" بالإسكان يقال"" وا غلاما" وعلى لغة من قال : " يا غلامي" بالفتح ، أو" يا غلامي" بالإسكان بإبقاء الفتح على الأوّل : وباجتلابه على الثاني (قد استبان أن لمن سكّن الياء أن يحذفها أو يفتحها). وإذا قيل" يا غلام غلامي" لم يجز في النّدبة حذف الياء ؛ لأن المضاف إلى الياء غير منادى ، ولّما لم يحذف في النّداء لم يحذف في النّدبة. 5 - ألف النّدبة تابعة لما قبلها : وإنّما جعلوها تابعة ليفرّقوا بين المذكّر والمؤنّث ، وبين الاثنين والجمع ، وذلك قولك : " واظهرهوه" إذا أضفت الظهر إلى مذكّر ، وإنّما جعلتها واوا لتفرّق بين المذكّر والمؤنّث إذا قلت : واظهرهاه للمؤنّث. وتقول : " واظهرهموه" وإنما جعلت الألف واوا لتفرّق بين الاثنين والجميع إذا قلت : " واظهرهماه" للاثنين. وتقول : " وا غلا مكيه" إذا أضفت الغلام إلى مؤنّث ، وإنّما فعلوا ذلك ليفرّقوا بينها وبين المذكر إذا قلت : " وا غلامكاه". وتقول : " وا انقطاع ظهرهوه" في قول من قال : " مررت بظهرهو قبل" ، وتقول : " وانقطاع ظهرهيه" في قول من قال : " مررت بظهر هي قبل". انظر معجم القواعد 9 / 26.

قال سيبويه : لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها ومن شأنهم أن يزيدوا حرفا إذا نادوا بعيدا ولا أبعد من المندوب فإذا وقفوا قالوا : يا زيداه وا عمراه فيقفون على هاء لخفاء الألف ، فإن وصلوا النداء بكلام أسقطوا الهاء ، وإذا لم تلحق الألف قلت : وا زيد بكر والألف تفتح ما قبلها مضموما كان أو مكسورا تقول وا زيد فتضم ، فإن أدخلت الألف قلت : وا زيداه ، فإن أضفت إلى أسم ظاهر غير مكنى قلت : وا غلام زيد ، فإن أدخلت الألف قلت وا غلام زيداه وحذفت التنوين ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان.

قال سيبويه : ولم يحركوها يعني التنوين في هذا الموضع ؛ لأن الألف زيادة فصارت تعاقب التنوين وكان أخف عليهم ، فإن أضفت إلى نفسك قتل وأزيد فكسرت الدال ، فإن أدخلت الأل قلت : وا زيداه يكون إذا أضفته إلى نفسك ، وإذا لم تضفه سواء ومن قال : يا غلامي قال :

وا زيدياه فيحرك الياء في لغة من أسكن الياء للألف التي بعدها ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا.

ص: 317

قال أبو العباس : ولك في وا غلامي في لغة من أسكن الياء وجهان : أن تحرك الياء لدخول الألف فقتول : وا غلامياه وأن تسقطها لالتقاء الساكنين فتقول : وا غلاماه كما تقول جاء غلام العاقل فتحذف الياء فأما من كان يحرك الياء قبل الندبة فليس في لغته إلا إثباتها مع الألف تقول : وا غلاماه وذكر سيبويه : أنه يجوز في الندبة : وا غلاميه فيبين الياء بالهاء كما هي في غير النداء ، فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت : وا غلام غلامي ، فإن أدخلت الألف قلت : وا غلام غلامياه لا يكون إلا ذلك ؛ لأن المضاف الثاني غير منادى وقد بيناه لك فيما تقدم.

وكذلك وانقطاع ظهرياه لا بد من إثبات الياء ، وإذا وافقت ياء الإضافة الياء الساكنة في النداء لم يجدوا بدا من فتح ياء الإضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة في الياء ولكنهم يفتحون ياء الإضافة ويجمعون على ذلك لئلا يلتقي ساكنان.

فإذا ناديت فأنت في إلحاق الألف بالخيار أيضا ، وذلك قولك : وا غلامياه ووا قاضياه ووا غلاميّ في تثنية غلام ووا قاضيّ.

وإن وافقت ياء الإضافة ألفا لم تحرك الألف وأثبتوا الياء وفتحوها لئلا يلتقي ساكنان وأنت أيضا بالخيار في إلحاق الألف ، وذلك قولك وامثناي ووا مثناه.

فإن لم تضف إلى نفسك قلت : وا مثناي وتحذف الألف الأولى لئلا يلتقي ساكنان ولم يخافوا التباسا ، فإن كان الاسم المندوب مضافا إلى مخاطب مذكر قلت : وا غلامك يا هذا ، فإن ألحقت ألف الندبة قلت : وا غلامكاه ، وإن ثنيت قلت : وا غلامكاه ، وإن جمعت قلت : وغلامكموه فقلبت الف الندبة واوا كيلا يلتبس بالتثنية وتقول للمؤنث : وا غلامكيه.

وكان القياس الألف لو لا اللبس وفي التثنية وا غلامهماه والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وتقول في الجمع : وا غلامكناه وتقول في الواحد المذكر الغائب وا غلامهوه وللاثنين وا غلامهماه وللجميع وا غلامهموه وللمؤنث : وا غلامهاه وفي التثنية : وا غلامهاه وللجميع وا غلامهمناه ، فإن كان المنادى مضافا إلى مضاف نحو : وانقطاع ظهره قلت في قول من قال :مررت بظهرهوه قيل : وانقطاع ظهرهوه وفي قول من قال : بظهر هي قال : وانقطاع ظهرهيه.

ص: 318

وقال قوم من النحويين : كل ما كان في أخره ضم أو فتح وكسر ليس يفرق بين شيء وبين شيء جاز فيه الإتباع والفتح وغير الإتباع مثل قطام تقول : وا قطاميه ويا قطاماه ويقولون : يا رجلانية ويا رجلاناه ويا مسلموناه ويقولون : يا غلام الرجلية والرجلاه فإذا كانت الحركة فرقا بين شيئين مثل : قمت وقمت فالإتباع لا غير نحو : وا قياما قمتوه وقمتاه وقمتيه وقد مر تثنية المفرد وجمعه في النداء في (هن) فقس عليه.

واعلم أن ألف الندبة لا تدخل على الصفة ولا الموصوف إذا اجتمعا ، نحو : وأزيد الظريف والظريف ؛ لأن الظريف غير منادى وليس هو بمنزلة المضاف والمضاف إليه ؛ لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد وأنت في الصفة بالخيار إن شئت وصفت ، وإن شئت لم تصف وهذا قول الخليل.

وأما يونس فيلحق الألف الصفة ويقول : وا زيد الظريفاه ولا يجوز أن تندب النكرة وذلك : وا رجلاه ويا رجلاه ولا المبهم لا تقول : وا هذاه.

قال سيبويه : إنما ينبغي أن تتفجع بأعرف الأسماء ولا تبهم وكذلك قولك : وامن في الداراه في الفتح وذكر يونس : أنه لا يستقبح : وا من حفر زمزماه ؛ لأن هذا معروف بعينه.

وقال الأخفش : الندبة لا يعرفها كل العرب وإنما هي من كلام النساء فإذا أرادوا السجع وقطع الكلام بعضه من بعض أدخلوا ألف الندبة على كلام يريدون أن يسكتوا عليه وألحقوا الهاء لا يبالون أي كلام كان.

ص: 319

باب الترخيم

الترخيم (1) حذف أواخر الأسماء المفردة الأعلام تحقيقا ولا يكون ذلك إلا في النداء إلا أن يضطر شاعر ولا يكون في مضاف إليه ولا مضاف ولا في وصف ولا اسم منون في النداء ولا يرخم مستغاث به إذا كان مجرورا ؛ لأنه بمنزلة المضاف ولا يرخم المندوب هذا قول سيبويه والمعروف من مذاهب العرب.

والترخيم يجري في الكلام على ضربين : فأجود ذلك أن ترخم الاسم فتدع ما قبل آخره على ما كان عليه وتقول في : حارث : يا حار أقبل فتترك الراء مكسورة كما كانت.

وفي مسلمة : يا مسلم أقبل وفي جعفر : يا جعف أقبل تدع الفتحة على حالها وفي يعفر : يا يعف أقبل وفي برثن : يا برث أقبل تترك الضمة على حالها وفي هرقل أقبل تدع القاف على سكونها والوجه الآخر أن تحذف من أواخر الأسماء وتدع ما بقي اسما على حياله نحو : زيد وعمرو فتقول : في حارث يا حار وفي جعفر يا جعف أقبل وفي هرقل : يا هرق أقبل.

وكذلك كل اسم جاز ترخيمه ، فإن كان آخر الاسم حرفان زيدا معا حذفتهما لأنهما بمنزلة زيادة واحدة.

ص: 320


1- الترخيم في اللغة ترقيق الصوت وتليينه. يقال صوت رخيم أي سهل لين. ومنه قوله : لها بشر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر أي رقيق الحواشي. ، وأما في الاصطلاح فهو حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص. وهو على نوعين : ترخيم التصغير كقولهم في أسود سويد وسيأتي في بابه ، وترخيم النداء وهو مقصود الباب وهو حذف آخر المنادى (كيا سعا فيمن دعا سعادا) وإنما توسع في ترخيم المنادى ؛ لأنه قد تغير بالنداء ، والترخيم تغيير والتغيير يأنس بالتغيير فهو ترقيق. تنبيه : أجاز الشارح في نصب ترخيما ثلاثة أوجه : أن يكون مفعولا له أو مصدرا في موضع الحال أو ظرفا على حذف مضاف. وأجاز المرادي وجها رابعا وهو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف ؛ لأنه يلاقيه في المعنى. وأجاز المكودي وجها خامسا وهو أن يكون مفعولا مطلقا لعامل محذوف أي رخم ترخيما (وجوّزنه) أي جوز الترخيم (مطلقا في كلّ ما أنّث بالها) أي سواء كان علما أو غير علم ثلاثيا أو زائدا على الثلاثي. انظر شرح الأشموني 1 / 256.

وذلك قولك : في عثمان : يا عثم. وفي مروان : يا مرو أقبل. وفي أسماء : يا أسم أقبلي.

وكذلك كل ألفين للتأنيث نحو : حمراء وصفراء وما أشبه ذلك.

إذا سميت به وكذلك ترخيم رجل يقال له : مسلمون تحذف منه الواو والنون وكذلك رجل اسمه مسلمان.

قال سيبويه : فأما رجل اسمه بنون فلا يطرح منه إلا النّون لأنك لا تصير اسما على أقل من ثلاثة احرف ومن قال يا حار قال يا بني ، فإن رخمت اسما آخره غير زائد إلا أن قبل آخره حرفا زائدا ، وذلك الزائد واو ساكنة قبلها ضمة أو ياء ساكنة قبلها كسرة أو ألف ساكنة حذفت الزائد مع الأصلي وشبه بحذف الزائد ولم يكن ليحذف الأصل ويبقى الزائد ، وذلك قولك في منصور : يا منص أقبل تحذف الراء وهي أصل وتحذف الواو وهي زائدة وفي عمار يا عمّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريس : يا عنتر أقبل ، فإن كان الزائد الذي قبل حرف الإعراب متحركا ملحقا كان أو زائدا جرى مجرى الأصل.

فأما الملحق فقولك في قنّور : يا قنو أقبل وفي رجل اسمه هبينح يا هبي أقبل ؛ لأن هذا ملحق بسفرجل وسنبين لك هذا في موضعه من التصريف إن شاء الله.

وأما الزائد غير الملحق فقولك في رجل سميته بحولايا وبردرايا يا حولاي أقبل ويا بردراي أقبل ؛ لأن الحرف الذي قبل آخره متحركا فأشبهت الألف التي للتأنيث الهاء التي للتأنيث فحذفت الألف وحدها كما تحذف الهاء وحدها ؛ لأن الهاء بمنزلة اسم ضم إلى إسم ولا يكون ما قبلها ألا مفتوحا والهاء لا تحذف إلا وحدها كان ما قبلها أصليا أو زائدا أو ملحقا أو منقوصا وحذف الهاء في ترخيم الاسم العلم أكثر في كلام العرب من الترخيم فيما لا هاء فيه وكذلك إن كان اسما عاما غير علم.

والعلم قولهم في سلمة : يا سلم أقبل تريد يا سلمة وقالت الجهنية في هوذة بن علي الحنفي وكان كسرى أقطعه وتوجّه بتاج :

يا هوذ ذا التّاج إنّا لا نقول سوى

يا هوذ يا هوذ إما فادح دهما

ص: 321

وأما العام فنحو قول العجاج :

جاري لا تستنكري عذيري (1)

أي : حالي ، وأما ما كان منقوصا وكان مع الهاء على ثلاثة أحرف فقولهم : يا شاء ادجني.

قال أبو علي : إذا وصلت سقطت همزة الوصل فالتقت الألف وهي ساكنة مع الراء مع ادجني وهي ساكنة أيضا فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ووليت الشين المفتوحة الراء ، وإذا وقفت قلت : يا أدجني مثل أقبلي فلم يحذف الألف رخم شاة ويا ثبت أقبلي تريد : ثبة وناس من العرب يثبتون الهاء فيقولون : يا سلمة أقبلي يقحمون الهاء ويدعون الاسم مفتوحا على لفظ الترخيم والذين يحذفون في الوصل الهاء إذا وقفوا قالوا : يا سلمه ويا طلحه لبيان الحركة ولم يجعلوا المتكلم بالخيار في حذف الهاء عند الوقف والشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف لأنهم إذا اضطروا يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلا منها قال ابن الخرع :

وكادت فزارة تشقى بنا

فأولى فزارة أولى فزارا

والضم جائز في البيت وكذلك إن رخمت اسما مركبا من اسمين قد ضم أحدهما إلى الآخر فحكم الثاني حكم الهاء في الحذف وذلك.

ص: 322


1- جاري ، لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري على أن العذير هنا بمعنى الحال التي يحاولها المرء يعذر عليها ، وقد بين بقوله : سيري وإشفاقي ، الحال التي ينبغي أن يعذر فيها ولا يلام عليها. ومثله لابن الشجري في أماليه فإنه قال : العذير : الأمر الذي يحاوله الإنسان فيعذر فيه. أي : لا تستنكري ما أحاوله معذورا فيه. وقد فسره بالبيت الثاني. وعليه فعذيري مفعول تستنكري ، وسيري : عطف بيان له أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو سيري ... ويجوز أن يكون عذيري مبتدأ خبره سيري - كما قال بن الحاجب في الإيضاح - وعلى هذا فمفعول تستنكري محذوف. قال الزجاج : العذير : الحال. وذلك أن العجاج كان يصلح حلسا لجمله ، فأنكرته وهزئت منه ؛ فقال لها هذا. قال علي بن سليمان الأخفش : العذير : الصوت. كأنه كان يرجز في عمله بحلسه فأنكرت عليه ذلك ، أي :لا تستنكري صوتي ورفعه بالحديث ، لأني قد كبرت. والحلس للبعير ، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة ، وهو بكسر المهملة وسكون اللام. انظر خزانة الأدب 1 / 203.

نحو : حضر موت ومعدي كرب ومار سرجس ومثل رجل سميته بخمسة عشر تحذف الثاني وتبقي الصدر على حاله فتقول : يا حضر أقبل ويا معدي أقبل ويا خمسة أقبل.

قال سيبويه : وإن وقفت قلت : يا خمسة بالهاء وإنما قال ذلك ؛ لأن تاء التأنيث لا ينطق بها إلا في الوصل.

فإذا وقفت عليها وقفت بالهاء ومما شبه بحضر موت : عمرويه زعم الخليل : أنه يحذف الكلمة التي ضمت إلى الصدر فيقول : يا عمر أقبل قال : أراه مثل الهاء لأنهما كانا بائنين فضم أحدهما إلى الآخر.

واعلم أن من قال : يا حار فإنه لا يعتد بما حذف ويجعل حكم الاسم حكم ما لم تحذف منه شيئا.

فإن كان قبل الطرف حرفا يعتل في أواخر الأسماء وينقلب أعل وقلب نحو : رجل سميته بعرقوة إن رخمت فيمن قال يا حار قلت : يا عرقي أقبل ولم يجز أن تقول : يا عرقوا ؛ لأن الاسم لا يكون آخره واوا قبلها حرف متحرك وهذا يبين في التصريف ومن قال : يا حار فإنما يجعل الراء حرف الإعراب تقدير ما لا فاء فيه فيجب عليه أن لا يفعل ذاك إلا بما مثله في الأسماء فمن رخم اسما فكان ما يبقى منه على مثال الأسماء فجائز ، وإن كان ما يبقى على غير مثال الأسماء فهو غير جائز وكذلك إن كان قبل المحذوف للترخيم شيء قد سقط لالتقاء الساكنين فإنك إذا رخمت وحذفت رجع الحرف الذي كان سقط لالتقاء الساكنين نحو : رجل سميته (بقاضون) كان الواحد (قاضي) قبل الجمع فلما جاءت واو الجمع سقطت الياء لالتقاء الساكنين ، فإن رخمت (قاضين) وهو في الأصل قلت : يا قاضي فرجع ما كان سقط لالتقاء الساكنين وشبيه بهذا وقفك على الهاء إذا رخمت رجلا اسمه : خمسة عشر ؛ لأن التاء إنما جلبها الوصل فلما زال الوصل رجعت الهاء وكذلك إن كنت أسكنت حرفا متحركا للإدغام في حرف مثله وقبله ساكن فحذفت الأخير للترخيم فإنك ترد الحركة لالتقاء الساكنين ، وذلك قولك لرجل اسمه (راد) يا راد أقبل إذا رخمت وفي محمارّ أقبل ؛ لأن الأصل : رادد ومحمارر ، وأما مفر فإذا سميت به ورخمته قلت : يا مفر أقبل ولم تحرك الراء ؛ لأن ما قبلها متحرك ، وأما

ص: 323

محمر إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخمته تركت الراء الأولى مجزومة ؛ لأن ما قبلها متحرك فقلت : يا محمر أقبل ولقائل أن يقول : هلّا رددت الحركة فقلت : يا محمر أقبل إذ كان الأصل محمررا كما رددت الياء في (قاضي) فالجواب في ذلك : أنك إنما رددت الياء في (قاضي) لأنك لم تبن الواحد على حذفها كما بنيت (دم) على الحذف ومحمر لم تلحق الراء الأخيرة بعد إن تم بالأولى ولم يتكلم بأصله.

فإن كان آخر الاسم حرفا مدغما بعد الألف وأصل الأول منهما السكون أعني الحرفين المدغم أحدهما في الآخر حركته إذا رخمته بحركة ما قبله ، وذلك نحو : اسحارّ يا هذا تقول : يا اسحار فتحركه بحركة أقرب المتحركات منه.

وكذلك تفعل بكل ساكن احتيج إلى حركته من هذا الضرب.

قال رجل من أزد السراة :

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (1)

ففتح الدال بحركة الياء لما احتاج إلى تحريكها ؛ لأن الفتحة قريبة منها وأسحار اسم وقع مدغما آخره وليس لرائه الأولى نصيب في الحركة.

واعلم أن الأسماء التي ليست في أواخرها هاء أن لا يحذف منها أكثر.

ص: 324


1- معنى" ربّ" التّكثير ، وتأتي للتّقليل فالأوّل كقوله عليه الصلاة والسّلام : (يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة). والثاني كقول رجل من أزد السّراة : ألا ربّ مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان (سكنت اللام من يلده تشبيها بكتف فالتقى ساكنان حركت الدال بالفتح اتباعا للياء) وقد تحذف" ربّ" ويبقى عملها بعد الفاء كثيرا كقول امرئ القيس : فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول (طرق : أتى ليلا ، " التمائم" التعاويذ ، " محول" أتى عليه حول) وبعد الواو أكثر كقول امرئ القيس : وليل كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي (السدول : الستائر واحدها : سدل ، ليبتلي : ليختبر). انظر معجم القواعد 11 / 20.

قال سيبويه : وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر قال :وكل اسم خاص رخمته في النداء فالترخيم فيه جائز ، وإن كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر وكل اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء إذا لم يكن آخره الهاء ؛ لأن أقل الأصول ثلاثة فإنما يرخم من الأربعة وما زاد ؛ لأن ما بقي في الأسماء على عدته والفراء يرخم من ذلك ما كان محرك الثاني نحو : قدم وعضد وكتف إذا سمى به رجلا وقال : إن من الأسماء ما يكون على حرفين كدم ويد ولم يجز أن تقول في بكر : يا بك أقبل ؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين ثانيه ساكن إلا مبهما نحو من وكم وليس من الأسماء اسم نكرة ليس في آخره هاء تحذف منه شيء إذا لم يكن اسما غالبا إلا أنهم قد قالوا : يا صاح أقبل وهم يريدون : يا صاحب ، وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف والفراء إذا رخم : قمطر حذف الطاء مع الراء لأنها حرف ساكن والنحويون على خلافه في حذف الطاء وما أشبهها من السواكن الواقعة ثالثة ويجيز الفراء في حمار : يا حما أقبل يصير مثل رضا : وفي سعيد يا سعى يصير مثل عمى ولا يجيز : يا ثمود في ثمود ؛ لأنه ليس له في الأسماء نظير.

واعلم أن الشعراء يرخمون في غير النداء اضطرارا فمن ذلك قول الأسود ابن يعفر :

أودى ابن جلهم عبّاد بصرمته

إنّ ابن جلهم أمسى حيّة الوادي

أراد : جلهمه والعرب يسمون الرجل جلهمة والمرأة جلهم.

ص: 325

باب مضارع للنداء
اشارة

اعلم أن كل منادى مختص ، وإن العرب أجرت أشياء لما اختصتها مجرى المنادى كما أجروا التسوية مجرى الاستفهام إذ كان التسوية موجودة في الاستفهام ، وذلك قولهم : أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل أو : نفعل نحن كذا وكذا أيها القوم واللهم أغفر لنا أيتها العصابة.

قال سيبويه : أراد أن يؤكذ ؛ لأنه اختص إذ قال : إنه لكنه أكد كما تقول لمن هو مقبل عليك كذا كان الأمر يا فلان ولا يدخل في هذا الباب لأنك لست تنبه غيرك.

ومن هذا الباب قول الشاعر :

إنّا بني نهشل لا ننتمي لأب

عنه ولا هو بالأبناء يشرينا (1)

نصب بني مختصا على فعل مضمر كما يفعل في النداء نحو (أعني) وما أشبه ذلك.

ص: 326


1- قال ابن هشام : المنادى نوع من أنواع المفعول به وله أحكام تخصه فلهذا أفردته بالذكر وبيان كونه مفعولا به أن قولك يا عبد الله أصله يا أدعو عبد الله ف يا حرف تنبيه وأدعو فعل مضارع قصد به الإنشاء لا الإخبار وفاعله مستتر وعبد الله مفعول به ومضاف اليه ولما علموا أن الضرورة داعية الى استعمال النداء كثيرا أوجبوا فيه حذف الفعل اكتفاء بأمرين أحدهما دلالة قرينة الحال والثاني الاستغناء بما جعلوه كالنائب عنه والقائم مقامه وهو يا وأخواتها وقد تبيّن بهذا أن حقّ المناديات كلها أن تكون منصوبة لأنها مفعولات ولكن النصب انما يظهر اذا لم يكن المنادى مبنيا وانما يكون مبنيا اذا أشبه الضمير بكونه مفردا معرفة فإنه حينئذ يبنى على الضمة أو نائبها نحو يا زيد ويا زيدان ويا زيدون ، وأما المضاف والشبيه بالمضاف والنكرة غير المقصودة فإنهن يستوجبن ظهور النصب وقد مضى ذلك كله مشروحا ممثلا في باب البناء فمن أحبّ الوقع عليه فليرجع اليه. انظر شرح شذور الذهب 1 / 284.
مسائل من هذا الباب

تقول : يا هذا الطويل أقبل في قول من قال : يا زيد الطويل ومن قال : يا زيد الطويل قال : يا هذا الطويل وليس الطويل بنعت لهذا ولكنه عطف عليه وهو الذي يسمى عطف البيان ؛ لأن هذا وسائر المبهمات إنما تبين بالأجناس ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني زيد فخفت أن يلتبس الزيدان على السامع أو الزيود قلت : الطويل وما أشبه لتفصل بينه وبين غيره ممن له مثل اسمه ، وإذا قلت : جاءني هذا فق أو مأت له إلى واحد بحضرتك وبحضرتك أشياء كثيرة وإنما ينبغي لك أن تبين له عن الجنس الذي أو مأت له إليه لتفصل ذلك عن جميع ما بحضرتك من الأشياء ألا ترى أنك لو قلت له : يا هذا الطويل وبحضرتك إنسان ورمح وغيرهما لم يدر إلى أي شيء تشير.

وإن لم يكن بحضرتك إلا شيء طويل واحد وشيء قصير واحد فقلت : يا هذا الطويل جاز عندي ؛ لأنه غير ملبس والأصل ذاك وأنت في المبهمة تخص له ما يعرفه بعينه وفي غير المبهمة تخص له ما يعلمه بقلبه.

وتقول في رجل سميته بقولك : زيد وعمرو يا زيدا وعمرا أقبل تنصب لطول الاسم ولو سميته : طلحة وزيدا لقلت : يا طلحة وزيدا أقبل ، فإن أردت بطلحة الواحدة من الطلح قلت :يا طلحة وزيدا أقبل لأنك سميته بها منكورة ولم تكن ولم تكن جميع الاسم فتصير معرفة إنما هي في حشو الاسم كما كانت فيما نقلتها عنه وتقول : يا زيد الظريف على أصل النداء عند البصريين وقال الكوفيون : يراد بها يا أيها الظريف فلما لم يأت (بيا أيها) نصبته وربما نصبوا المنعوت بغير تنوين فأتبعوه نعته وينشدون :

فما كعب بن مامة وابن سعدى

بأجود منك يا عمر الجوادا (1)

ص: 327


1- انتصاب المنادى لفظا أو محلا عند سيبويه على أنه مفعول به وناصبه الفعل المقدر ، فأصل يا زيد عنده أدعو زيدا ، فحذف الفعل حذفا لازما لكثرة الاستعمال ولدلالة حرف النداء عليه وإفادته فائدته ، وأجاز المبرد نصبه بحرف النداء لسده مسد الفعل ، فعلى المذهبين يا زيد جملة وليس المنادى أحد جزأيها فعند سيبويه جزآها جزآها أي الفعل والفاعل مقدران ، وعند المبرد حرف النداء سد مسد أحد جزأي الجملة أي الفعل والفاعل مقدر والمفعول ههنا على المذهبين واجب الذكر لفظا أو تقديرا إذ لا نداء بدون المنادى (ونحو زيد ضمّ وافتحنّ من نحو أزيد بن سعيد لاتهن) أي إذا كان المنادى علما مفردا موصوفا بابن متصل به مضاف إلى علم نحو يا زيد بن سعيد جاز فيه الضم والفتح ، والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح ، ومنه قوله : يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود تنبيه : شرط جواز الأمرين كون الابن صفة كما هو الظاهر ، فلو جعل بدلا أو عطف بيان أو منادى أو مفعولا بفعل مقدر تعين الضم ، وكلامه لا يوفى بذلك ، وإن كان مراده (والضّمّ إن لم يل الابن علما ويل الابن علم قد حتما) الضم مبتدأ خبره قد حتما ، وإن لم يل شرط جوابه محذوف ، والتقدير فالضم متحتم أي واجب. ويجوز أن يكون قد حتما جوابه والشرط وجوابه خبر المبتدأ. واستغنى بالضمير الذي في حتم رابطا ؛ لأن جملة الشرط والجواب يستغنى فيهما بضمير واحد لتنزلهما منزلة الجملة الواحدة ، وعلى هذا فلا حذف. ومعنى البيت أن الضم متحتم أي واجب إذا فقد شرط من الشروط المذكورة كما في نحو يا رجل ابن عمرو ، ويا زيد الفاضل ابن عمرو ، ويا زيد الفاضل لانتفاء علمية المنادى في الأولى ، واتصال الابن به في الثانية والوصف به في الثالثة ، ولم يشترط هذا الكوفيون كقوله : فما كعب بن مامة وابن أروى بأجود منك يا عمر الجوادا بفتح عمر ، وعلى هذه الثلاثة يصدق صدر البيت. ونحو يا زيد ابن أخينا لعدم إضافة ابن إلى علم وهو مراد عجز البيت. انظر شرح الأشموني 1 / 238.

والنصب عند الكوفيين في العطف على (أيها) كما كان في النعت فلما لم يأتي (يا أيها) نصب ويجيزون : يا عبد الله وزيدا ويقولون : يا أبا محمد زيد أقبل وهو عند البصريين بدل وهو عند الكوفيين من نداء ابن.

وإذا قلت : زيدا فهو عند الكوفيين نداء واحد ويسميه البصريون عطف البيان ويجيز الكوفيون : يا أيها الرجل العاقل على تجديد النداء كذا حكي لي عنهم ويجيز البصريون : يا رجلا ولا يجيز الكوفيون ذاك إلا فيما كان نعتا نحو قوله :

فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

ص: 328

ولا يكادون يحذفون (يا) من النكرة ويقولون : وا زيد في النداء ويقولون : وأ أي زيد.

قال أبو العباس : إنما قالوا : هذا ابنم ورأيت ابنما ومررت بابنم فكسروا ما قبل الميم إذا انكسرت وفعلوا ذلك في الضم والنصب ؛ لأن هذه الميم زيدت على اسم كان منفردا منها وكان الإعراب يقع على آخره فلما زيدت عليه ميم أعربت الميم إذ كانت طرفا وأعربت ما قبلها إذ كانت تسقط فرجع الإعراب إليه وقولك وقد يخفف الهمز فتقول : مر فيقع الإعراب على الراء فلذلك تبعت الهمزة وكذلك إذا قلت : يا زيد بن عمرو جعلتهما بمنزلة واحدة اسم واحد واتبعت الدال حركة ابن فهو مثل ابنم وقال في قولهم : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة.

لا يجوز : اللهم اغفر لهم أيتها العصابة.

وقال : قلت لأبي عثمان : ما أنكرت من الجال للمدعو قال : لم أنكر منه إلا أن العرب لم تدع على شريطة لا يقولون يا زيد راكبا أي ندعوك في هذه الحال ونمسك عن دعائك ماشيا ؛ لأنه إذا قال : يا زيد فقد وقع الدعاء على كل حال.

قال : قلت : فإنه إن احتاج إليه راكبا ولم يحتج إليه في غير هذه الحال فقال : يا زيد راكبا أي أريدك في هذه الحال قال : ألست قد تقول : يا زيد دعاء حقا قلت : بلى قال : علام تحمل المصدر قلت ؛ لأن قولي : يا زيد كقولي : أدعو زيدا فكأني قلت : أدعو دعاء حقا قال : فلا أرى بأسا بأن تقول على هذا : يا زيد قائما وألزم القياس.

قال أبو العباس : ووجدت أنا تصديقا لهذا قول النابغة :

قالت بنو عامر خالوا بني أسد

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (1)

ص: 329


1- على أن المبرد أجاز أن ينصب عامل المنادى الحال ، نحو : يا زيد قائما ، إذا ناديته في حال قيامه. قال : ومنه يا بؤس للجهل ... والظاهر أن عامله بؤس الذي هو بمعنى الشدة ، وهو مضاف إلى صاحب الحال ، أعني الجهل تقديرا لزيادة اللام. أقول : من جعل عامل الحال النداء جعل الحال من المضاف ؛ وفيه مناسبة جيدة ، فإن الجهل ضار وبؤسه ضرار ، ومن جعل ضرارا حالا من المضاف إليه جعل العامل المضاف. وممن جعله من المضاف إليه الأعلم ، قال : ونصب ضرارا على الحال من الجهل. وإنما كان يرد هذا الاستظهار على المبرد لو جعل ضرارا حالا من المضاف إليه. وقد أجاز ابن جني في قوله بقرى من قول الحماسي : ألهفى بقرى سحبل حين أجلبت الوجهين ، قال : يجوز أن تجعل بقرى حالا من لهفي ، وذلك أنها ياء ضمير المتكلم فأبدلت ألفا تخفيفا فيكون معنى هذا : تلهفت وأنا بقرى أي : كائنا هناك ، كما أن معنى الأول لو أنثته : يا لهفتي كائنة في ذلك الموضع. فيكون بقرى في هذا الأخير حالا من المنادى المضاف كقوله : يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام أي : يا بؤس الجهل ، أي : أدعوه ضرارا. وإذا جعلته حالا من الياء المنقلبة ألفا كان العامل نفس اللهف ، كقولك يا قيامي ضاحكا ؛ تدعو القيام ، أي : هذا من أوقاتك. انظر خزانة الأدب 1 / 205.

وقال الأخفش : لو قلت : يا عبد الله صالحا لم يكن كلاما.

وقال أبو إسحاق يعني الزيادي : كان الأصمعي : لا يجيز أن يوصف المنادى بصفة البتة مرفوعة ومنصوبة.

وقال أبو عثمان لا أقول : يا زيد وخيرا من عمرو أقبلا إذا أردت بخير من عمرو المعرفة لأني أدخل الألف واللام إذا تباعد المنادى من حرف النداء كما أقول : يا زيد والرجل أقبلا ولكن أقول : يا زيد والأخير أقبلا ، ويا زيد ويا خيرا من عمرو أقبلا إذا أردت حرف النداء كان ما بعده معرفة.

ولم يجىء معه الألف واللام كما تقول : يا خيرا من زيد العاقل أقبل فتنصب العاقل ؛ لأنه صفة له وكذلك : يا زيد ويا أخير أقبلا وقال أبو عثمان : أنا لا أرى أن أقول : يا زيد الطويل وذا الجمة إن عطفت على زيد والنحويون جميعا في هذا على قول.

قال : وأرى إن عطفت (ذا الجمة) على (الطويل) أن أرفعه كما فعلت في الصفة والنحويون كلهم يخالفونه ولا يجيزون إلا نصب ذي الجمة وهذا عنده كما تقول : يا زيد الطويل ذو الجمة إذا جعلته صفة للطويل.

وإن كان وصفا لزيد أو بدلا منه نصبته وكان أبو عثمان يجيز يا زيد أقبل على حذف ألف الإضافة ؛ لأنه يجوز في الإضافة : يا زيد أردت : يا زيدى فأبدلت من الياء ألفا.

ص: 330

وعلى هذا قرئ : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ) [مريم : 42] و (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ) [هود : 51](1) قال : ومن زعم أنه على حذ ألف الندبة فهذا خطأ ؛ لأن من كان من العرب لا يلحق الندبة ألفا فهي عنده نداء فلو حذفوها لصارت بدلا على غير جهة الندبة.

وقال أبو العباس : لا أرى ما قال أبو عثمان في حذف الألف إذا جعلتها مكان ياء الإضافة صوابا نحو : يا غلاما أقبل لا يجوز حذف الألف لخفتها كما تحذف الياء إذا قلت : يا غلام أقبل.

وقال : يا أبت. لا يجوز عندي إلا على الترخيم كما قال سيبويه مثل : يا طلحة أقبل وقال : زعم أبو عثمان أنه يجيز : يا زيد وعمرا أقبلا على الموضع كما أجاز : يا زيد زيدا أقبل فعطف زيد الثاني على الموضع عطف البيان وأهل بغداد يقولون : يا الرجل أقبل ويقولون لم نر موضعا يدخله التنوين يمتنع من الألف واللام وينشدون :

فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسبانا شرّا (2)

وقال أبو عثمان : سألت الأخفش كيف يرخم طيلسان فيمن كسر اللام على قولك : يا حار فقال : يا طيلس أقبل قلت : أرأيت فيعل اسما قط في الصحيح إنما يوجد هذا في المعتل نحو : سيد وميت.

ص: 331


1- قال أبو عثمان : ووضع الألف مكان الياء في الإضافة مطرد ، وأجاز : يا زيد أقبل ؛ إذا أردت الإضافة ، قال : وعلى هذا قراءة من قرأ : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ) و (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ) ، وأنشد أبو عثمان : وقد زعموا أني جزعت عليهما وهل جزع إن قلت وابأباهما فهذا الوجه أوجه من الإسكان ، وقد أجازه أبو عثمان ورآه مطردا ، فعلى رأي أبي عثمان يكون ما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ في كل القرآن : (يا بَنِي) إذا كان واحدا [الحجة للقراء السبعة : 4 / 341].
2- خرجه ابن الأنباري في" الإنصاف" على حذف المنادى وإقامة صفته مقامه قال : " التقدير فيه وفي الذي قبله ، فيا أيها الغلامان ، ويا حبيبتي التي ؛ وهذا قليل بابه الشعر". و" إياكما" : تحذير. و" أن تكسبانا" : أي : من أن تكسبانا ؛ وماضيه كسب يتعدى إلى مفعولين ، يقال :" كسبت زيدا مالا وعلما أي : أنلته". قال ثعلب : كلهم يقول : كسبك فلان خيرا ، إلا ابن الأعرابي فإنه يقول : " أكسبك بالألف" كذا في" المصباح". وهذا البيت شائع في كتب النحو ، ولم يعرف له قائل ولا ضميمة. انظر خزانة الأدب 1 / 257.

قال : فقال : قد علمت أني قد أخطأت لا يجوز ترخيمه إلا على قولك يا حار قال : وكان الأخفش لا يجوز عنده ترخيم حبلوى اسم رجل فيمن قال : يا حار ، وذلك ؛ لأنه يلزمه أن يحذف يائي النسب ويقلب الواو ألفا لإنفتاح ما قبلها فيقول : يا حبلى فتصير ألف فعلى منقلبة وهذا لا يكون أبدا إلا للتأنيث.

فلهذا لا يجوز ؛ لأن ألف التأنيث لا تكون منقلبة أبدا من شيء وهذا البناء لا يكون للمذكر أبدا وقال : كان الأخفش يقول : إذا رخمت سفيرج اسم رجل في قول من قال : يا حار ..

فحذفت الجيم لزمك أن ترد اللام التي حذفتها لطول الاسم وخروجه من باب التصغير فتقول : يا سفيرل أقبل ؛ لأنه لما صار إسما على حياله فحذفت الجيم على أن يعتد بها وتجعله بمنزلة (قاضون) اسم رجل إذا قلت : يا قاضي الياء التي كانت ذهبت لالتقاء الساكنين لما حذفت ما حذفت من أجله.

قال أبو العباس : وليس هذا القول بشيء.

ووجه الغلط فيه بيّن ، وذلك لأنك لم تقصد به إلى سفرجل فتسميه به ولا هو منه في شيء إنما قصدت إلى هذا الذي هو سفيرج ولا لام فيه فهو على مثال ما يرخم فرخمته بعد أن ثبت إسما ألا ترى أنك تقول : في تصغير سفرجل : سفيرج وسفيريج للعوض ولو سميته : سفيريج لم يجز أن تقول فيه : سفرجل واسمه سفيريج لأنك لست تقصد إلى ما كان يجوز في سفرجل وكذلك فرزدق.

لو سميته بتصغيره فيمن قال : فريزد لم يجز في اسمه أن تقول : فريزق ، وإن كان ذلك يجوز في تصغير فرزدق لأنك سميته بشيء بعينه فلزمه.

وتقول : يا زيد وعمرو الطويلين والطويلان ؛ لأنه بمنزلة قولك : يا زيد الطويل وتقول بلا هؤلاء وزيد الطوال ؛ لأن كله رفع والطوال عطف عليهم ولا يجوز أن يكون صفة لإفتراق الموصوفين وتقول : يا هذا ويا هذان الطّوال ، وإن شئت قلت : الطّوال ؛ لأن هذا كله مرفوع والطوال عطف عليهم هنا وليس الطوال بمنزلة : يا هؤلاء الطوال ؛ لأن هذا يقبح من جهتين :من جهة أن المبهم إذا وصفته بمنزلة اسم واحد فلا يجوز أن تفرق بينه وبينه والجهة الأخرى

ص: 332

أن حق المبهم أن يوصف بالأجناس لا بالنعوت وتقول : يا أيها الرجل وزيد الرجلين الصالحين تنصب ولا ترفع من قبل أن رفعهما مختلف ، وذلك أن زيدا على النداء والرجل نعت (لأي) وتقول في الندبة : يا زيد زيداه ويا زيدا زيداه وقوم يجيزون : يا زيدا زيداه وقوم يجيزون :يا زيدا يا زيداه ويا زيداه يا زيداه وقد مضى تفسير ما يجوز من ذا وما لا يجوز وقالوا : من قال يا هناه ويا هناه بالرفع والجر من رفع توهم أنه طرف للإسم ويكسر ؛ لأنه جاء بعد الألف.

والتثنية : يا هنانيه ويا هناناه ويا هنوتاه في الجمع وهنتاه في المؤنث وهنتانيه في التثنية وهنتاناه ويا هناتوه في الجمع لا غير والفراء لا ينعت المرخم إلا أن يريد نداءين ونعت المرخم عندي قبيح كما قال الفراء من أجل أنه لا يرخم الاسم إلا وقد علم ما حذف منه وما يعني به.

فإن احتيج إلى النعت للفرق فرد ما سقط منه أولى كقول الشاعر :

أضمر بن ضمرة ما ذا ذكرت

من صرمة أخذت بالمرار

أراد : يا ضمر يا ابن ضمرة.

والكوفيون يجيزون : يا جرجر في جرة وفي حولايان يا حول فيحذفون الزوائد كلها وهذا إخلال بالاسم يسقطون فيه ثلاثة أحرف فيها حرف متحرك ولا نظير لهذا في كلام العرب ويقولون للمرأة : يا ذات الجمة أقبلي ويا ذواتي الجمم للإثنين وللجماعة يا ذوات الجمم بكسر التاء وقد يقال : يا ذواتي الجمة ويا ذوات الجمة.

قال أبو بكر : وذلك أن ذات إنما هي ذاة فالتاء زائدة للجمع وإنما صارت الهاء في الواحدة تاء حين أضفتها ووصلتها بغيرها.

وتقول : يا هذا الرجل. والرجل أقبل ويا هذان الرجلان والرجلين مثل : يا زيد الظريف والظريف النصب على الموضع والرفع على اللفظ وتقول : يا أخوينا زيد وعمرو على قولك يا :زيد وعمرو يعني البدل.

وقال الأخفش : وإن شئت قلت : زيد وعمرو على التعويض كأنك قلت أحدهما زيد والآخر عمرو.

ص: 333

قال أبو بكر : هذا عندي إنما يجوز إذا أراد أن يخبر بذلك بعد تمام النداء.

وتقول : يا أيها الرجل زيد ؛ لأن زيدا معطوف على الرجل عطف البيان يجري عليه كما يجري النعت للبيان ولو جاز أن لا تنون زيدا لجاز أن تقول : يا أيها الجاهل ذا التنزي.

على النعت وإنما هو ذو التنزي وتقول : يا أيها الرجل عبد الله تعطف على الرجل عطف البيان.

قال الأخفش : ولو نصبت كان في القياس جائز إلا أن العرب لا تكلم به نصبا ولكن تحمله على أن تبدله من (أي) ؛ لأن (أي) في موضع نصب على أصل النداء وقال : إذا رخمت رجلا اسمه شاة قلت : يا شا أقبل ومن قال : يا حار فرفع قال : يا شاة أقبل فرد الهاء الأصلية ؛ لأنه لا يكون الاسم على حرفين أحدهما ساكن إلا مبهما وقال : تقول في شية على ذا القياس يا وشي أقبل وفي دية : يا ودي أقبل فترد الواو في أوله لأنها ذهبت من الأول ؛ لأن الأصل : وديت ووشيت وإنما ردت الواو ؛ لأن مثل : شيء لا يكون اسما.

وذلك أن الاسم لا يكون على حرفين أحدهما ساكن قال : وتكسر الواو إذا رددتها ؛ لأن الأصل وشبه كما كانت قالت العرب : وجهة لما أتموا : وقالوا : ولدة والكوفيون وقوم يجيزون : يا رجل قام ويقولون : إن كان تعجبا نصبت كقولك : يا سيدا ما أنت من سيد ويكون مدحا كقولك : يا رجلا لم أر مثله وكذلك جميع النكرات عندهم وتقول : يا أيها الرجل ويا أيها الرجلان ويا أيها الرجال ويا أيها النساء على لفظ واحد والإختيار في الواحدة في المؤنث يا أيتها المرأة ، وإذا قلت : يا ضاربي فأردت به المعرفة كان مثل : يا صاحبي وغلامي ويجوز عندي أن تقول : يا ضارب أقبل كما تقول : يا غلام أقبل ، فإن أردت غير المعرفة لم يجز إلا إثبات الياء وتقول : يا ضاربي غدا وشاتمي لأنك تنوي الإنفصال وتقول : يا قاضي المدينة لك أن تنصبهما ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني والكوفيون يجيزون نصب الأول بتنوين ؛ لأنه يكون خلفا وما لا يكون خلفا فلا يجوز في الأول عندهم التنوين مثل : يا رجل رجلنا لا يجيزون النصب في الأول وقالوا كل ما كان يكون خلفا فلك الرفع بلا تنوين والنصب بتنوين ويقولون : يا قائما أقبل ويا قائم أقبل ويجيزون أن يؤكد ما فيه وينسق عليه ويقطع منه كما يصنع بالخلف

ص: 334

ويجيزون : يا رجل قائما أقبل على نداءين ، وإن شئت كان في الصلة ويجيزون : يا رجل قائم أقبل. ينوون فيها الألف واللام.

ويحكون عن العرب : يا مجنون مجنون أقبل ويجيزون : يا أيها الذي قمت أقبل ويا أيها الذي قام أقبل وهو جائز ولا يجيزونه في من وكذا ينبغي ويقولون : يا رجلا قمت أقبل ويا رجل قمت أقبل والفراء إذا خاطب رفع لا غير ويقولون : يا قاتل نفسك ويا عبد بطنك وهذا جائز قال أحمد بن يحيى : لو أجزت الرفع لم يكن خطأ قال : وكذلك : يا ضاربنا ولا شاتمنا يختار النصب مع كل ما ظهرت إضافته قال : ويجوز في القياس الرفع وأنت تنوي الألف واللام.

فإذا كان لا يجوز فيه الألف واللام لم يجز إلا النصب مثل : يا أفضل منا ويا أفضلنا ويا غلام زيد ويا غلام رجل إنما يجوز الرفع في القياس مع ضارب زيد وحسن الوجه وقال : أما مثلنا وشبهنا فالنصب لا غير.

وقال الأخفش : تقول : إذا نسبت رجلا إلى حباري وحبنطي قلت : حباريّ وحبنطيّ فإذا رخمت لم ترد الألف وكذلك إذا نسبت إلى مرمى فقلت : مرميّ لم ترد الألف لو رخمته ؛ لأن هذا لم يحذف لالتقاء الساكنين ولو كان حذف لالتقاء الساكنين لبقي الحرف مفتوحا فكان يكون حباريّ وحبنطيّ قال : وإن شئت قلت : إني أرد الألف وأقول ذهب لإجتماع الساكنين ولكنهم كسروا لأنهم رأوا جميع النسب يكسر ما قبله قال : ومن قال : احذفه على أني أبنيه بناء قال : لا أحذفه لإجتماع الساكنين وجب عليه أن لا يرد في : ناحي وقاضي إذا نسب إلى ناحية وقاض وقال : إذا سميت رجلا حبلاوي أو حمراوي إذا رخمته فيمن قال : يا حار فرفع همزت لأنها واو صارت آخرا فتهمزها وتصرفها في المعرفة والنكرة لأنها الآن ليست للتأنيث.

قال أبو بكر : وجميع ما ذكرت من المسائل فينبغي أن تعرضه على الأصول التي قدمتها فما صح في القياس فأجزه وما لم يصح فلا تجزه وإنما أذكر لك قول القائلين كيلا تكون غريبا فيمن خالفك ، فإن الحيرة تقارن الغربة وقد ذكرنا الضم الذي يضارع الرفع ونحو نتبعه الفتح الذي يشبه النصب إن شاء الله.

ص: 335

باب النفي ب (لا)

اشارة

الفتح الذي يشبه النصب هو ما جاء مطردا في الأسماء النكرات المفردة ولا تخص اسما بعينه من النكرات إذا نفيتها (بلا) ، وذلك قولك : لا رجل في الدار ولا جارية فأي اسم نكرة ولي (لا) وكان جوابا لمن قال : هل من غلام فهو مفتوح ، فإن دخلت (لا) (1) على ما عمل بعضه في بعض من معرفة أو نكرة لم تعمل هي شيئا إنما تفتح الاسم الذي يليها إذا كانت قد نفت ما لم يوجبه موجب.

ص: 336


1- لا النافية للجنس (وتسمى" لا" التبرئة) : [1] شروط عملها : تعمل عمل" إنّ" بستّة شروط : (أ) أن تكون نافية. (ب) أن يكون المنفيّ بها الجنس (ولو كانت لنفي الوحدة عملت عمل " ليس" نحو" لا رجل قائما بل رجلان" أمّا قولهم في المثل" قضيّة ولا أبا حسن لها" أي لا فيصل لها ، إذ هو كرّم الله وجهه كان فيصلا في الحكومات على ما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم : أقضاكم عليّ ، فصار اسمه كالجنس المفيد لمعنى الفيصل ، وعلى هذا يمكن وصفه بالنكرة ، وهذا كما قالوا : " لكلّ فرعون موسى" أي لكل جبّار قهّار ، فيصرف فرعون وموسى لتنكيرهما بالمعنى المذكور كما في الرضي ج - 1 ص 260). (ج) أن يكون نفيه نصّا (وهو الذي يراد به النفي العام ، وقدّر فيه" من" الاسغراقية ، فإذا قلنا" لا رجل في الدار" وأنت تريد نفي الجنس لم يصح إلا بتقدير" من" فكان سائلا سأل : هل من رجل في الدار؟ فيقال : " لا رجل"). (د) ألّا يدخل عليها جار (وإن دخل عليها الخافض لم تعمل شيئا ، وخفضت النكرة بعدها نحو" غضبت من لا شيئ ، وشذ" جئت بلا شيء" بالفتح). (ه) أن يكون اسمها نكرة متّصلا بها (وإن كان اسمها معرفة ، أو نكرة منفصلا منها أهملت ، ووجب تكرارها ، نحو" لا محمود في الدّار ولا هاشم" ونحو : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) فإنّما لم تتكرّر مع المعرفة في قولهم" لا نولك أن تفعل" من النوال والتّنويل وهو العطية ، وهو مبتدأ ، وأن تفعل سدّ مسدّ خبره لتأول" لا نولك" بلا ينبغي لك أن تفعل). (و) أن يكون خبرها أيضا نكرة. انظر معجم القواعد 2 / 24.

فأما إذا دخلت على كلام قد أوجبه موجب فإنها لا تعمل شيئا وإنما خولف بها إذا كانت تنفي ما لم يوجب وكل منفي فإنما ينفي بعد أن كان موجبا وأنت إذا قلت : لا رجل فيها إنما نفيت جماعة الجنس وكذلك إذا قلت : هل من رجل لم تسأل عن رجل واحد بعينه إنما سألت عن كل من له هذا الاسم ولو أسقطت (من) فقلت : هل رجل لصلح لواحد والجمع فإذا دخلت (من) لم يكن إلا للجنس.

واعلم أن (لا) إذا فتحت ما بعدها فقد يجيء الخبر محذوفا كثيرا تقول : لا رجل ولا شيء تريد في مكان أو زمان وربما لم يحذف خالفت ما وليس ألا ترى أن (ما) تنفي بها ما أوجبه الموجب و (ليس) كذلك وهما يدخلان على المعارف و (لا) في هذا الموضع ليست كذلك وقد اختلف النحويون في تقديرها إختلافا شديدا فقال سيبويه : (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين ونصبها لما بعدها كنصب (إنّ) لما بعدها وترك التنوين لما تعمل فيه لازم لأنها جعلت وما تعمل فيه بمنزلة اسم واحد نحو : خمسة عشر ، وذلك ؛ لأنه لا يشبه ما ينصب وهو الفعل ولا ما أجرى مجراه لأنها لا تعمل إلا في نكرة (ولا) ما بعدها في موضع ابتدء فلما خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خولف بخمسة عشر ولا تعمل إلا في نكرة كما أن : ربّ لا تعمل إلا في نكرة فجعلت وما بعدها كخمسة عشر في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا : يا ابن أم فهي مثلها في اللفظ وفي أن الأول عامل في الثاني و (لا) : لا تعمل إلا في نكرة من قبل أنها جواب فيما زعم

الخليل كقولك : هل من عبد أو جارية فصار الجواب نكرة كما أنه لا يقع في هذه المسألة إلا نكرة.

(فلا) وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت : هل من رجل فالكلام بمنزلة اسم مبتدأ والذي يبني عليه في زمان أو مكان هو الخبر ولكنك تضمره ، وإن شئت أظهرته.

قال أبو العباس محمد بن يزيد : فإن قال قائل : فهل يعمل في الاسم بعضه فالجواب في ذلك : بلغني أنك منطلق إنما هو بلغني إنطلاقك (فإن) عاملة في الكاف وفي منطلق وكذلك موقعها مفتوحة أبدا ، وكذلك (أن) الخفيفة هي عاملة في الفعل وبه تمت اسما فكذلك (لا) عملت عنده فيما بعدها وهي وما بعدها بمنزلة اسم.

ص: 337

قال : والدليل على أن (لا) وما عملت فيه اسم أنك تقول : غضبت من لا شيء وجئت بلا مال كما قال :

حنّت قلوصي حين لا حين محن (1)

فجعلها اسما واحدا فالموضع موضع نصب نصبته (لا) وسقوط التنوين ؛ لأنه جعل معها اسما واحداص والدليل على ذلك : أنه إن اتصل بها اسم مفرد سقط منه التنوين وصار اسما واحدا وموضع الاسم بأسره موضع رفع كما كان موضع ما هو جوابه كذلك.

ص: 338


1- على أنّ الشاعر أضاف حين الأول إلى الجملة ، كما تقول : حين لا رجل في الدار ، أي : حين لا حين حنين حاصل. قال الأعلم : الشاهد فيه نصب حين بلا التبرئة" وإضافة حين إلى الجملة" وخبر لا محذوف والتقدير حين لا حين محنّ لها ، أي : حنّت في غير وقت الحنين. ولو جررت الحين على إلغاء لا جاز. و" القلوص" : النّاقة الشّابة بمنزلة الجارية من الأناسيّ. و" حنينها" : صوتها شوقا إلى أصحابها. والمعنى أنّها حنّت إليها على بعد منها ، ولا سبيل لها إليها. انتهى. وقدّر ابن الشجريّ الخبر لنا ، بالنون ، والصواب ما قبله. وجوّز أبو علي في" المسائل المنثورة" الحركات الثلاث في حين الثاني : النصب على إعمال لا عمل إنّ ، والرفع على إعمالها عمل ليس ، والجرّ على إلغائها وإضافة حين الأوّل إلى الثاني. وقال أبو عليّ في" التذكرة القصرية" لا يقدّر للا هذه في رواية النصب خبر ، فإنه قال عند الكلام على قولهم : ألا ماء بارد : قال المازنيّ : يرفع بارد على أنه خبر ويجوز على قياس قوله ، أن يرتفع لأنّه صفة ماء ويضمر الخبر. ويجوز نصبه على قوله أيضا على أنه صفة والخبر مضمر ، ويجوز على قياس سيبويه ومن عدا المازني ألا ماء بارد بلا تنوين ، إلّا أنّك لا تضمر لها خبرا لأنها مع معمولها الآن بمنزلة اللفظة الواحدة ، كقولهم : جئت بلا مال وغضبت من لا شيء ، أي : بفتحهما ، فلا يلزمك إضمار الخبر في هذه المسألة. ومثله قوله : حنّت قلوصي حين لا حين محن أضاف حين إليهما كما تضيفه إلى المفرد. وقد يحتمل هذا عندي أن يكون إضافة إلى جملة والخبر محذوف ، كما يضاف أسماء الزمان إلى الجمل ، وذلك لأنّ حنت ماض ، فحين بمعنى إذ ، وهي مما يضاف إلى المبتدأ والخبر. فأما قوله حين لا حين فالثاني غير الأوّل ، لأنّ الحين يقع على الكبير واليسير من الزمان. انظر خزانة الأدب 1 / 477.

وأما الكسائي : فإنه يقول : النكرات يبتدأ بأخبارها قبلها لئلا يوهمك أخبارها أنها لها صلات فلما لزمت التبرئة الاسم وتأخر الخبر أرادوا أن يفصلوا بين ما ابتدئ خبره وما لا يكون خبره إلا بعده فغيروه من الرفع إلى النصب لهذا ونصبوه بغير تنوين ؛ لأنه ليس بنصب صحيح إنما هو مغير كما فعلوا في النداء حين خالفوا به نصب المضاف فرفعوه بغير تنوين ولم يكسروه فيشبه ما أضيف إليه.

وقال الفراء : إنما أخرجت (لا) من معنى غير إلى (ليس) ولم تظهر ليس ولا إذا كانت في معنى (غير) عمل ما قبلها فيما بعدها كقولك : مررت برجل لا عالم ولا زاهد و (لا) إذا كانت تبرئة كان الخبر بعدها ففصلوا بهذا الإعراب بين معنيين.

وفي جميع هذه الأقوال نظر وإنما تضمنا في هذا الكتاب الأصول والوصول إلى الإعراب فأما عدا ذلك من النظر بين المخالفين ، فإن الكلام يطول فيه ولا يصلح في هذا الكتاب على أنا ربما ذكرنا من ذلك الشيء القليل.

ص: 339

ذكر الأسماء المنفية في هذا الباب
اشارة

واعلم أن المنفي في هذا الباب ينقسم أربعة أقسام : نكرة مفردة غير موصوفة ونكرة موصوفة ونكرة مضافة ومضارع للمضاف (1).

ص: 340


1- " لا" النّافية للجنس تعمل عمل" إن" ولكن تارة يكون اسمها مبنيا على الفتح (ويرى الرّضيّ : أن تقول : مبني على ما ينصب به بدل مبنيّ على الفتح ، وعنده أنّ ذاك أولى) في محلّ نصب ، وتارة يكون معربا منصوبا. فالمبني على الفتح من اسم لا يكون" مفردا" نكرة أي غير مضاف ، ولا شبيه بالمضاف (سيأتي قريبا تعريفه) أو" جمع تكسير" نحو" لا طالب مقصّر" و" لا طلّاب في المدرسة" فإذا كان" جمع مؤنث سالما" يبنى على الفتح ، أو على الكسر ، وقد روي بهما قول سلامة بن جندل : أودى الشّباب الذي مجد عواقبه فيه نلذّ ولا لذّات للشيب (" أودى" ذهب" مجد" خبر مقدم عن" عواقبه" وصح الإخبار به عن الجمع ؛ لأنه مصدر). وأمّا المثّنى فيبنى على ياء المثنّى ، وأما الجموع جمع سلامة لمذكّر فيبنى على ياء الجمع ، كقوله : تعزّ فلا إلفين بالعيش متّعا ولكن لورّاد المنون تتابع (" تعز" تصبر" إلفين" صاحبين ، " الورّاد" جمع وارد) وقوله : يحشر النّاس لا بنين ولا آباء إلا وقد عنتهم شؤون (" عنتهم" أهمتهم" شؤون" جمع شأن وهي : الشواغل) ومثل ذلك في التّثنية والجمع قولهم : " لا يدين بها لك" و" لا يدين اليوم لك" إذا جعلت لك خبرا لهما ، ويصحّ في نحو" لي ولك" أن يكونا خبرا ولو كان قاصدا للإضافة. وتوكيدها بالّلام الزّائدة نحو قول الشّاعر وهو نهار بن توسعة اليشكري فيما جعله خبرا : أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم وعلّة البناء تضمّن معنى" من" الاستغراقية ، بدليل ظهورها في قوله : فقام يذود النّاس عنها بسيفه وقال ألا لا من سبيل إلى هند وليس من المنصوب بلا النافية للجنس قولك : لا مرحبا ، ولا أهلا ولا كرامة ، ولا سقيا ، ولا رعيا ، ولا هنيئا ولا مريئا ،. فهذه كلها منصوبة ولكن ليس بلا ، ولكن بفعل محذوف. ومثلها : لا سلام عليك. وأمّا القسم الثّاني وهو المعرب المنصوب فهو أن يكون اسم" لا" مضافا أو شبيها بالمضاف (الشبيه بالمضاف : هو ما اتّصل به شيء من تمام معناه ، وهذا يصدق على المشتقات مع معمولاتها في الرفع والنصب والجر كقولك : " محمود فعله"" طالع جبلا"" خبير بما تعملون" ، وأما قولهم" لا أبالك" فاللام زائدة لتأكيد معنى الإضافة (- لا أبالك)). فالمضاف نحو : " لا ناصر حق محذول" والشّبيه بالمضاف نحو" لا كريما أصله سفيه"" لا حافظا عهده منسيّ"" لا واثق بالله محذول" ف" لا" في الجميع نافيه للجنس ، وما بعدها اسمها وهو منصوب بها ، والمتأخّر خبرها. ويقول سيبويه : واعلم أنّ" لا" وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنّك إذا قلت : هل من رجل ، فالكلام بمنزلة اسم مرفوع مبتدأ. انظر معجم القواعد 4 / 24.
أما الأول : وهو النكرة المفردة

فنحو ما خبرتك من قولك : لا رجل عندي ولا رجل في الدار ولا صاحب لك و (لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) [التوبة : 118] ولا صنع لزيد ولا رجل ولا شيء تريد : لا رجل في مكان ولا شيء في زمان وتقول : لا غلام ظريف في الدار.

فقولك : ظريف خبر وقولك : في الدار خبر آخر ، وإن شئت جعلته لظريف خاصة ومن ذلك قول الله عز وجل : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : 43].

وقال : (الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : 1 - 2] ، وأما قول الشاعر :

لا هيثم الليلة للمطّي (1)

فإنه جعله نكرة أراد لا مثل هيثم ومثل ذلك : لا بصر لكم.

وقال ابن الزبير الأسدي :

أرى الحاجات عند أبي خبيب

نكدن ولا أميّة في البلاد

ص: 341


1- على أن" لا" النافية للجنس لا تدخل على العلم ، وهذا مؤوّل إمّا بتقدير مضاف وهو مثل ، وإمّا بتأويل العلم باسم الجنس. وقد بيّنهما الشارح المحقّق. وقد أورده صاحب الكشّاف عند قوله تعالى : "فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً" على أنّه على تقدير مثل ملء الأرض ، فحذف مثل كما حذفت من لا هيثم اللّيلة. قال الفاضل اليمنيّ : وقد اعترض هذا بوجهين : أحدهما : التزم العرب تجرّد الاسم المستعمل عن الألف واللام ، ولم يجوّزوا قضية ولا أبا الحسن ، كما جوّزوا ولا أبا حسن ، ولو كانت إضافة مثل منويّة لم يحتج إلى ذلك. والثاني : إخبار العرب عن المستعمل ذلك الاستعمال بمثل. انظر خزانة الأدب 1 / 480.

أراد : ولا مثل أمية ، فإن ثنيت المنفي (بلا) قلت : لا غلامين لك ولا جاريتين لا بدّ من إثبات النون في التثنية والجمع الذي هو بالواو والنون قد تثبت في المواضع التي لا تثبت فيها التنوين بل قد يثنى بعض المبنيات بالألف والنون والياء والنون. نحو : هذا والذي. تقول :هذان واللذان.

قال أبو العباس : وكان سيبويه والخليل يزعمان : أنك إذا قلت : لا غلامين لك أن غلامين مع (لا) اسم واحد النون كما تثبت مع الألف واللام في تثنية ما لا ينصرف وجمعه نحو : هذان أحمران وهذان المسلمان وقال : وليس القول عندي كذلك ؛ لأن الأسماء المثناة والمجموعة بالواو والنون لا تكون مع ما قبلها اسما واحدا لم يوجد ذلك كما لو يوجد المضاف ولا الموصول مع ما قبلهما بمنزلة اسم واحد.

الثاني : النكرة الموصوفة

اعلم أنك إذا وصفت النكرة في هذا الباب فلك فيها ثلاثة أوجه :

الأول منها : وهو الأحسن أي تجري الصفة على الموصوف وتنون الصفة ، وذلك قولك : لا رجل ظريفا في الدار فتنون ؛ لأنه صفة ويكون قولك : في الدار وهو الخبر وحجة من فعل هذا أن النعت منفصل من المنعوت مستغني عنه وإنما جيء به بعد أن مضى الاسم على حاله ، فإن لم تأت به لم تحتج إليه.

والوجه الثاني : أن تجعل المنفي ونعته اسما واحدا وتبنيه معه فتقول : لا رجل ظريف في الدار بنيت رجل مع ظريف وحجة من رأى أن يجعله مع المنعوت اسما واحدا أن يقول : لما كان موضع يصلح فيه بناء الاسمين اسما واحدا كان بناء اسم مع (اسم) أكثر وأفشى من بناء اسم مع حرف ، فإن قلت : لا رجل ظريفا عاقلا فأنت في النعت الأول بالخيار فأما الثاني : فليس فيه إلا التنوين ؛ لأنه لا يكون ثلاثة أشياء اسما واحدا وكذلك المعطوف لو قلت : لا رجل وغلاما عندك لم يصلح في (غلام) إلا التنوين من أجل واو العطف ؛ لأنه لا يكون في الأسماء مثل حضرموت اسما واحدا إذا كانت بينهما واو العطف.

ص: 342

والتكرير والنعت : بمنزلة واحدة تقول في النعت : لا رجل ظريف لك والتكرير على ذلك يجري تقول : لا ماء ماء باردا ، وإن فصلت بين الموصوف والصفة بشيء لم يجز في الصفة إلا التنوين ، وذلك قولك : لا رجل اليوم ظريفا ولا رجل فيها عاقلا من قبل أنه لا يجوز لك أن تجعل الاسم والصفة بمنزلة اسم واحد وقد فصلت بينهما كما أنه لا يجوز لك أن تفصل بين : عشر وخمسة في خمسة عشر.

والوجه الثالث : أن تجعل النعت على الموضع فترفع ؛ لأن (لا) وما علمت فيه في موضع اسم مبتدأ فتقول : لا رجل ظريف فتجري (ظريف) على الموضع فيكون موضع اسم مبتدأ والخبر محذوف ، وإن شئت جئت بخبر فقلت : (لك) أو عندك كما بينت لك فيما تقدم قال الشاعر :

وردّ جازرهم حرفا مصرّمة

ولا كريم من الولدان مصبوح

والنعت على اللفظ أحسن وكذلك إذا قلت : لا ماء ماء باردا ، وإن شئت قلت : لا ماء ماء بارد ، فإن جعلت الاسمين اسماص واحدا قلت : لا ماء ماء بارد جعلت ماء الأول والثاني اسما واحدا وجعلت (بارد) نعتا على الموضع.

ومن ذا قول العرب : لا مال له قليل ولا كثير.

قال سيبويه : والدليل على أن (لا رجل) في موضع اسم (مبتدأ) في لغة تميم قول العرب من أهل الحجاز : لا رجل أفضل منك والعطف في هذا الباب على الموضع كالنعت فمن ذلك قول الشاعر وهو رجل من مذحج (1) :

ص: 343


1- هذا الشعر لضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم شاعر جاهلي. ويقال : إن ضمرة كان اسمه شقة فسماه النعمان ضمرة بن ضمرة. وكان يبر أمه ويخدمها ، وكانت مع ذلك تؤثر أخا له يقال له جندب ، فقال هذا الشعر. هكذا رواه ابن هشام اللخمي في شرح أبيات الجمل. ورواه بعضهم : يا ضمر أخبرني وقال : إن قائله ضمرة. وهو خطأ. ونسبه أبو رياش لهمام بن مرة أخي جساس بن مرة قاتل كليب. وزعم ابن الأعرابي : أنه قيل قبل الإسلام بخمسمائة سنة. وفي شرح أبيات سيبويه : أنه لبعض مذحج ؛ وقال السيرافي : هو لزراقة الباهلي. - وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف : هو لهني بن أحمر ، من بني الحارث ابن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة ، جاهلي. وأنشدوا له : يا ضمر أخبرني. وهني : مصغر هن ، وأصله هنيو فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء لسبقها بالسكون. ورواه أبو محمد الأعرابي عن أبي الندي : أنه لعمرو بن الغوث بن طيئ ، وأنشدوا له : يا طي أخبرني ولست بكاذب انظر خزانة الأدب 1 / 175.

هذا لعمركم الصّغار بعينه

لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب

والأجود أن تعطف على اللفظ فتقول : لا حول ولا قوة هذا إذا جعلت لا الثانية مؤكدة للنفي ولم يقدر أنك ابتدأت النفي بها ، فإن قدرت ذلك كان حكمها حكم الأول فقلت : لا حول ولا قوة ، وإن شئت عطفت على الموضع كما خبرتك.

ص: 344

باب ما يثبت فيه التنوين
اشارة

والنون من الأسماء المنفية فإن ثنيت فلا بد من النون تقول : لا غلامين ولا جاريتين تثبت النون هنا كما تثبت في النداء والأسماء المبنية فيها ما يبنى وتثبت فيه النون ، وإن كان المفرد مبنيا ألا ترى أنك تثني هذا فتقول : هذان وهذين وكذلك : اللذان واللذين.

وتقول : لا غلامين ظريفين لك ولا مسلمين صالحين لك ولا عشرين درهما لك ونظير هذه النون التنوين إذا لم يكن منتهى الاسم وصار كأنه حرف قبل آخر الاسم وهو قولك : لا خيرا منه ولا حسنا وجهه لك ولا ضاربا زيدا لك ؛ لأن ما بعد حسن وضارب وخير صار من تمام الاسم فقبح أن يحذفوا قبل أن ينتهوا منتهى الاسم.

وقال الخليل : كذلك : لا آمرا بالمعروف لك إذا جعلت (بالمعروف) من تمام الاسم وجعلته متصلا به كأنك قلت : لا آمرا معروفا لك.

وإن قلت : لا آمر بمعروف لك فكأنك جئت بمعروف بعد ما بنيت على الأول كلاما.

الثالث : نكرة مضافة

التنوين يسقط من كل مضاف في هذا الباب وغيره فإذا نصبت مضافا وأعملت (لا) نصبته ولا بد من أن يكون ذلك المضاف نكرة ؛ لأن (لا) لا تعمل في المعارف والمضاف ينقسم في هذا الباب على قسمين : مضاف لم يذكر معه لام الإضافة ومضاف ذكرت معه لام الإضافة.

فأما المضاف المطلق فقولك : لا غلام رجل لك ولا ماء سماء في دارك ولا مثل زيد لك وإنما امتنع هذا أن يكون اسما واحدا مع (لا) ؛ لأنه مضاف والمضاف لا يكون مع ما قبله اسما واحدا ألا ترى أنّك لا تجد اسمين جعلا اسما واحدا وأحدهما مضاف إنما يكونان مفردين : كحضر موت وبعلبك ألا ترى أن قوله : يا ابن أم لما جعل (أم) مع ابن اسما واحدا حذف ياء الإضافة وقال ذو الرمة :

هي الدّار إذ ميّ لأهلك جيرة

ليالي لا أمثالهن لياليا

فأمثالهن نصب ب (لا).

ص: 345

وأما القسم الآخر المنفي بلام الإضافة

فالتنوين والنون تقع في هذا الموضع كما وقع مما قبله لما أضفته ، وذلك قولهم : لا أبا لك ولا غلام لك.

وقال الخليل : إن النون إنما ذهبت للإضافة ولذلك لحقت الألف الأب التي لا تكون إلا في الإضافة وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول : لا أباك في موضع : لا أبالك ولو أردت الإفراد : لا أب لزيد فاللام مقحمة ليؤكد بها الإضافة كما وقع في النداء : يا بؤس للحرب هذا مقدار ما ذكره أصحابنا.

ولقائل أن يقول : إذا قلت : أنّ قولهم : لا أباك تريد به : لا أبالك فمن أين جاز هذا التقدير والمضاف إلى كاف المخاطب معرفة والمعارف لا تعمل فيها لا قيل له : إن المعنى إذا قلت : لا أبالك الانفصال كأنك قلت : لا أبا لك فتنون لطول الاسم وجعلت (لك) من تمامه وأضمرت الخبر ثم حذفت التنوين استخفافا وأضافوا وألزموا اللام لتدل على هذا المعنى فهو منفصل بدخول اللام وهو متصل بالإضافة.

وإنما فعل في هذا الباب وخصوه كما خصوا النداء بأشياء ليست في غيره.

وإنما يجوز في اللام وحدها أن تقحم بين المضاف والمضاف إليه ؛ لأن معنى الإضافة معنى اللام ألا ترى أنك إذا قلت : غلام زيد فمعناه : غلام لزيد فدخول اللام في هذا يشبه قولهم : يا تيم تيم عدي أكد هذه الإضافة بإعادة الاسم كما أكد ذلك بحرف الإضافة فكأنه قد أضافه مرتين.

والشاعر قد يضطر فيحذف اللام ويضيف قال :

أبا الموت الذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني (1)

ص: 346


1- قال شارح أبي عليّ الفارسيّ : هو لأبي حيّة النّميريّ قاله أبو عمرو ، قال : جلبه أبو عليّ شاهدا على حذف هذه اللام ضرورة ، فثبوت الألف في أبا دليل الإضافة والتعريف ، ووجود اللام دليل الفصل والتنكير. حذف لام الجرّ وهو يريدها ؛ ولو لا أنّها في حكم الثّابت في اللفظ لما عملت لا ، لأنّها لا تعمل إلّا في نكرة. فأمّا دلالة الألف فيه وحذف النون من نحو لا يدي بها لك على إرادة الإضافة ، فلأنّ وجود العمل مانع فيها من اللفظ ، فضعف اقتضاء المعنى مع وجود المانع اللفظيّ. فإنّ هذا مثل لم يقصد به نفي الأب وإنّما قصد به الذمّ. وكذلك لا يدي لك ، إنّما المراد لا طاقة لك بها. وهو قياس من النّحويين على قولهم لا أبا لك. وفي الكتاب : لا أبا فاعلم لك ؛ وفيه دليل على أنّه ليس بمضاف. ويجوز أن تكون الألف لام الكلمة كما قال : " الرجز" إنّ أباها وأبا أباها فأمّا قوله تخوّفيني ، فإنّه أراد تخوفينني فحذف إحدى النونين : فقيل حذف الأولى كما حذف الإعراب ، في قول امرئ القيس : " السريع" فاليوم أشرب غير مستحقب وقال المبرّد حذف الثانية ، وهو أولى لأنّها إنما زيدت مع الياء لتقي الفعل من الكسرة ، والأولى علامة الرفع انتهى كلامه. وإذا كان الأمر كذلك علم أنّ قولهم لا أبا لك إنّما فيه تعادي ظاهره ، واجتماع صورتي الفصل والوصل والتعريف والتنكير لفظا لا معنى. ونحن إنّما عقدنا فساد الأمر وصلاحه على المعنى كأن يكون الشيء الواحد في الوقت الواحد قليلا كثيرا. هذا ما لا يدّعيه مدّع. انظر خزانة الأدب 1 / 496.

وقال الآخر :

فقد مات شمّاخ ومات مزوّد

وأيّ كريم لا أباك مخلّد (1)

ص: 347


1- وقوله : " وفد مات شمّاخ ومات مزرّد" هما أخوان لأب وأمّ ، وصحابيان ، وشاعران. وقد تقدّمت ترجمة الشمّاخ في الشاهد الحادي والتسعين بعد المائة. واسمه معقل بن ضرار ، والمزرّد اسمه يزيد بن ضرار ، وإنّما سمّي مزرّدا بقوله : " الطويل". فقلت تزرّدها عبيد فإنّني لدرد الموالي في السّنين مزرّد ولهما أخ آخر شقيقهما وهو جزء بن ضرار ، بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة. ومات الشمّاخ وجزء متهاجرين. وسبب ذلك على ما روى الكلبيّ أنّ الشمّاخ كان يهوى امرأة من قومه يقال لها كلبة بنت جوّال ، وكان يتحدّث إليها ويقول فيها الشعر ، فخطبها فأجابته وهمّت أن تتزوجه ، ثم خرج إلى سفر له فتزوّجها أخوه جزء ، فآلى الشمّاخ أن لا يكلمه أبدا ، وهجاه بقصيدته التي يقول فيها : " الطويل" لنا صاحب قد خان من أجل نظرة سقيم فؤاد حبّ كلبة شاغلة فماتا متهاجرين. وقوله : " لا أبا لك" ، جملة اعتراضيّة بين أيّ عزيز وهو موصوف ، وبين يمنع وهو صفة لأيّ. وكذلك يخلّد ومخلّد على تلك الرواية. انظر خزانة الأدب 1 / 495.

فإن قال : لا مسلمين صالحين : لك فوصف المنفي قبل مجيئك (بلك) لم يكن بد من إثبات النون من قبل أن الصالحين نعت للمنفي وليس بمنفي وإنما جاء التخفيف في النفي.

الرابع : المضارع للمضاف

المضارع للمضاف في هذا الباب ما كان عاملا فيما بعده كما أن المضاف عامل فيما بعده فهو منصوب كما أن المضاف منصوب وما بعده من تمامه كما أن المضاف من تمام الأول إلا أن التنوين يثبت فيه ولا يسقط منه ؛ لأنه ليس منتهى الاسم فصار كأنه حرف قبل آخر الاسم.

فالتنوين هنا والنون يثبتان إذا كان المنفي عاملا فيما بعده فهو وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد فمن ذلك قولهم : لا خيرا منه ولا حسنا وجهه لك ولا ضاربا زيدا لك ؛ لأن ما بعد حسن وضارب وخير صار من تمام الاسم.

فجميع هذا قد عمل فيما بعده ومثل ذلك قولك : لا عشرين درهما لك لو لا درهم لجاز أن تقول : لا عشرين لك وعشرون عملت في درهم فنصبته.

وقال الخليل : كذلك : لا آمرا بالمعروف لك إذا جعلت بالمعروف من تمام الاسم وجعلته متصلا به كأنك قلت : لا آمرا معروفا لك ، وإذا قلت : لا آمر بمعروف فكأنك جئت بمعروف تبيينا بعد أن تم الكلام وتقول : لا آمر يوم الجمعة لك إذا نفيت جميع الآمريين وزعمت : أنه ليسوا له يوم الجمعة ، فإن أردت أن تنفي الأمرين يوم الجمعة خاصة قلت : لا آمر يوم الجمعة لك جعلت يوم الجمعة من تمام الاسم فصار بمنزلة قولك : لا آمرا معروفا لك.

ولو قلت : لا خير عند زيد ولا آمر عنده لم يجز إلا بحذف التنوين لأنك لم تصله بما يكمله اسما ولكنه اسم تام فجعلته مع (لا) اسما واحدا.

ص: 348

باب ما إذا دخلت عليه (لا) لم تغيره عن حاله
اشارة

هذا الباب ينقسم على ثلاثة أقسام : اسم معرفة واسم منفي بلا بعده اسم منفي بلا وهما جواب مستفهم قد ثبت عنده أحد الشيئين واسم قد عمل فيه فعل أو هو في معنى ذلك.

أما الأول : فالاسم المعرفة

وقد عرفتك أن (لا) لا تنصب المعارف ، فإن عطفت معرفة منفية على نكرة وقد عملت فيها لم تعملها في المعرفة وأعملتها في النكرة ، وذلك قولك : لا غلام لك ولا العباس لك ولا غلاملك ولا أخوة لك.

قال سيبويه : فأما من قال : كل نعجة وسخلتها بدرهم فينبغي أن يقول : لا رجل لك وأخا له ولا يحسن أن تدخل (لا) على معرفة مبتدأة غير معطوفة على كلام فقد تقدم فيه (لا) ، فإن كررت لا جاز.

فأما الذي لا يجوز فقولك : لا زيد في الدار ؛ لأن هذا موضع (ما) إلا أن يضطر شاعر فيرفع المعرفة ولا يثني (لا) قال الشاعر :

بكت حزنا واسترجعت ثمّ آذنت

ركائبها أن لا إلينا رجوعها

فأما الذي يحسن ويجوز فقولك : لا زيد في الدار ولا عمرو ولما ثنيت حسن.

الثاني : الاسم المنفي بلا وبعده اسم منفي أيضا بلا

وهذا الصنف إنما يجيء على لفظ السائل إذا قال : أغلام عندك أم جارية إذا ادعى أن عنده أحدهما إلا أنه لا يدري : أغلام هو أم جارية فلا يحسن في هذا إلا أن تعيد (لا) فتقول : لا غلام عندي ولا جارية ، وإذا قال : لا غلام فإنما هو جواب لقوله : هل من غلام ولم يثبت أن عنده شيئا فعملت لا فيما بعدها ، وإن كان في موضع ابتداء ومن ذلك قول الله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف : 13].

وقال الشاعر :

وما ضرمتك حتّى قلت معلنة

لا ناقة لي في هذا ولا جمل

ص: 349

وكذلك إذا فصلت بين (لا) والاسم بحشو لم يحسن إلا أن تعيد الثانية ؛ لأن جعل جواب إذا عندك. أم ذا فمن ذلك قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) [الصافات : 47].

ولا يجوز : لا فيها أحد إلا على ضعف ، فإن تكلمت به لم يكن إلا رفعا ؛ لأن (لا) لا تعمل إذا فصل بينها وبين الاسم رافعة ولا ناصبة ومعنى قولي : رافعة إذا أعملت عمل ليس تقول :لا أحد أفضل منك في قول من جعلها ك- (ليس).

الثالث : وهو ما عمل فيه فعل أو كان في معنى ذلك

اعلم أن هذا يلزمك فيه تثينة (لا) كما لا تثنى لا في الأفعال ، وذلك قولك : لا مرحبا ولا أهلا ولا كرامة ولا مسرة ولا سقيا ولا رعيا ولا هنيئا ولا مريا ؛ لأن هذه الأسماء كلها عملت فيها أفعال مضمرة فالفعل مقدر بعد (لا) كأنك قلت : لا أكرمك كرامة ولا أسرك مسرة فعلى هذا جميع هذه الأسماء وما لم يجز أن يلي (لا) من الأفعال لم يجز أن يليها ما عمل فيه ذلك الفعل لا يجوز أن تقول : لا ضربا وأنت تريد الأمر ؛ لأنه لا يجوز : لا أضرب إنما تدخل على الدعاء إذا كان لفظه لفظ الخبر وأضربه على ذلك نحو : لا سقيا ولا رعيا كأنك قلت : لا سقاه الله ولا رعاه.

وكذلك إذا ولي (لا) مبتدأ في معنى الدعاء لم تعمل فيه كما لم تعمل فيما بني على الفعل ن ومعناه الدعاء ، وذلك قولهم : لا سلام عليكم.

قال سيبويه : قولهم : لا سواء إنما دخلت هاهنا لأنها عاقبت ما ارتفعت عليه ألا ترى أنك لا تقول : هذان لا سواء فجاز هذا كما جاز : لاها الله ذا حين عاقبت فلم يجز ذكر الواو يعني أن قولهم : لا سواء أصله : هذان لا سواء وهذان مبتدأ ولا سواء خبرهما كما تقول : هذان سواء ثم أدخلت (لا) للنفي وحذفت (هذان) وجعلت (لا) تعاقب (هذان).

وقال أبو العباس : وقول سيبويه : ألا ترى أنك لا تقول : هذان لا سواء أي : لا تكاد تقول ولو قلته جاز.

وقالوا : لا نولك أن تفعل جعلوه معاقبا لقولك لا ينبغي وصار بدلا منه.

ص: 350

واعلم أنه قبيح أن تقول : مررت برجل لا فارس حتى تقول : ولا شجاع وكذلك : هذا زيد فارسا لا يحسن حتى تقول : لا فارسا ولا شجاعا ، وذلك أنه جواب لمن قال : أبرجل شجاع مررت أم بفارس ولقوله : أفارس زيد أم شجاع وقد يجوز على ضعفه في الشعر.

ص: 351

باب (لا) النافية إذا دخلت عليها ألف الاستفهام

الألف إذا دخلت على (لا) جاز أن يكون الكلام استفهاما وجاز أن يكون تمنيا والأصل الاستفهام فإذا كان استفهاما محضا فحالها كحالها قبل أن يلحقها ألف الاستفهام ، وذلك قولك : ألا رجل في الدار الأعلام أفضل منك ومن قال : لا رجل قائم في الدار قال : هاهنا ألا رجل قائم في الدار وكذلك من نون ومن رفع ثم رفع هاهنا وقال الشاعر :

حار بن كعب ألا أحلام تزجركم

عنّا وأنتم من الجوف الجماخير (1)

فإذا دخلها مع الاستفهام معنى التمني ، فإن النحويين مختلفون في رفع الخبر ويجرون ما سراه على ما كان عليه قبل.

فأما الخليل وسيبويه والجرمي أكثر النحويين فيقولون : ألا رجل أفضل منك ولا يجيزون رفع : أفضل وحجتهم في ذلك أنهم قالوا : كنا نقول : لا رجل أفضل منك فيرفع ؛ لأن (لا) ورجل في موضع ابتداء وأفضل : خبره فهو خبر اسم مبتدأ ، وإذا قلت متمنيا : ألا رجل أفضل منك فموضعه نصب وإنما هو كقولك : اللهم غلاما أي : هب لي غلاما فكأنك قلت : ألا أعطي ألا أصيب فهذا مفعول.

وكان المازني وحده يجيز فيه جميع ما جاز في النافية بغير الاستفهام فتقول : ألا رجل أفضل منك وتقول فيمن جعلها كليس : ألا أفضل منك ويجريها مجراها قبل ألف الاستفهام.

واعلم أن (لا) إذا جعلت ك- (ليس) لم تعمل إلا في نكرة ولا يفصل بينها وبين ما عملت فيه لأنها تجري رافعة مجراها ناصبة.

وأما قول الشاعر :

ص: 352


1- يجوز حذف أدوات النّداء ، وتحذف" يا" بكثرة ، نحو : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) (الآية : 29 سورة يوسف) ، (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (الآية : 31 سورة الرحمن) ، يقول سيبويه : وإن شئت حذفتهنّ كلّهنّ كقولك : حار بن كعب أي يا حارث بن كعب. انظر معجم القواعد 9 / 26.

ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصلة تبيت (1)

فزعم الخليل : أنه أراد : الفعل وأنه ليس ل- (لا) هاهنا عمل إنما أراد ألا ترونني ، وأما يونس فكان يقول : إنما تمنى ولكنه نوّن مضطرا وكان يقول في قول جرير :

فلا حسبا فخرت به لتيم

ولا جدا إذا ذكر الجدود

إنما نوّن مضطرا وكذا يقول أبو الحسن الأخفش.

ومن قال : لا رجل ولا أمراة لم يقل في التمني إلا بالنصب وعلى مذهب أبي عثمان يجوز الرفع كما كان قبل دخول الألف.

كان أبو عثمان يقول : اللفظ على ما كان عليه ، وإن كان دخله خلاف معناه ألا ترى أن قولك : غفر الله لزيد معناه الدعاء ولفظه لفظ ضرب فلم يغير لما دخله في المعنى.

وكذلك : حسبك رفع بالابتداء إن كان معناه النهي.

ص: 353


1- قال سيبويه : وسألت الخليل عن هذا البيت ، فزعم أنه ليس على التمني ، ولكن بمنزلة قول الرجل : فهلا خيرا من ذاك؟ كأنه قال : ألا تروني رجلا جزاه الله خيرا! قال ابن هشام في المغني : " ومن معاني ألا العرض والتحضيض ، ومعناهما طلب الشيء ؛ ولكن العرض طلب بلين ، والتحضيض طلب بحث ؛ وتختص ألا هذه بالفعلية ، ومنه عند الخليل هذا البيت ، والتقدير عنده : ألا تروني رجلا هذه صفته! فحذف الفعل مدلولا عليه بالمعنى. وزعم بعضهم : أنه محذوف على شريطة التفسير ، أي : ألا جزى الله رجلا جزاه خيرا. وألا على هذا للتنبيه. وقال يونس : ألا للتمني ، ونوّن الاسم للضرورة .. وقول الخليل أولى ، لأنه لا ضرورة في إضمار الفعل بخلاف التنوين. وإضمار الخليل أولى من إضمار غيره ، لأنه لم يرد أن يدعو لرجل على هذه الصفة ، وإنما قصد طلبه. وأما قول ابن الحاجب في تضعيف هذا القول : إنّ" يدلّ" صفة لرجل فيلزم الفصل بينهما بالجملة المفسرة وهي أجنبية ، فمردود بقوله تعالى : "إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ" ثم الفصل بالجملة لازم وإن لم تقدّر مفسرة إذ لا تكون صفة لأنها إنشائية. كلام المغني. وقدّر العامل غير الخليل ألا أجد رجلا. وقدّره بعضهم ألا هات رجلا. وروي أيضا" ألا رجل" بالرفع والجر ، فالرفع اختاره الجوهري على أنه فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور ، أي : ألا يدل رجل. وقيل : " رجل" : مبتدأ تخصص بالاستفهام والنفي ، وجملة" يدل" خبره. والجر على تقدير ألا دلالة رجل ، فحذف المضاف وبقي لا مضاف إليه على حاله. انظر خزانة الأدب 1 / 328.
باب تصرف (لا)

ل- (لا) في الكلام مواضع وجملتها النفي ومواضعها تختلف فتقع على الأسماء نحو قولك :ضربت زيدا لا عمرا وجاءني زيد لا أخوه وتقع على الأفعال في القسم وغيره تقول : لا يخرج زيد وأنت مخبر ولا ينطلق عبد الله ويكون للنهي في قولك : لا ينطلق عبد الله ولا يخرج زيد وتجزم بها الفعل فيكون بحذاء قولك في الأمر : ليخرج عبد الله ولتقم طائفة منهم معك.

وقد تكون من النفي في موضع آخر وهو نفي قولك : إيت وعمراظ فإذا أردت نفي هذا قلت : لا تأت زيدا وعمرا لم يكن هذا نفيه على الحقيقة ؛ لأنه إن أتى أحدهما لم يعصه ؛ لأنه نهاه عنهما جميعا ، فإن أراد أن تمتنع منهما معا فنفي ذلك : لا تأت زيدا ولا عمرا فمجيئها هاهنا لمعنى انتظام النهي بأمره ؛ لأن خروجها إخلال به.

ويقع بعدها في القسم الفعل الماضي في معنى المستقبل ، وذلك قولك : والله لا فعلت إنما المعنى : لا أفعل ؛ لأن قولك في القسم : لا أفعل إنما هو لما يقع فأما قولهم : لا أفعل نفي لقولك : لأفعلنّ ولذلك يجوز أن تحذف (لا) وأنت تريد النفي وجائز أن تقول : لا قام زيد ولا قعد عمرو تريد الدعاء عليه. وهذا مجاز.

وحق هذا الكلام أن يكون نفيا لقيامه وقعوده فيما مضى.

وقال الله عز وجل : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد : 11].

ومن هذا قول [الأعرابي] للنبي صلّى الله عليه وسلّم : (أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا صاح فاستهلّ؟) (1) أي : من لم يأكل ولم يشرب ، يعني : الجنين.

فإذا قلت : والله أفعل ذاك فمعناه : لا أفعل فلو قلت : والله أقوم تريد : لأقومنّ كان خطأن لأنها حذفت استخفافا لاستبداد الإيجاب باللام والنون.

ص: 354


1- أخرجه مسلم (1684) ، وأخرجه الترمذي (1401) ، وأخرجه النسائي (4821). ونص النسائي : أنّ رجلا من هذيل كان له امرأتان ، فرمت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فأسقطت ، فقيل : أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا صاح فاستهلّ؟ فقال : " أسجع كسجع الأعراب؟ " ، فقضى فيه رسول الله : " بغرّة عبد أو أمة ، وجعلت على عاقلة المرأة".

ولهذا موضع آخر يذكر فيه ويكون في موضع (ليس اقتحم العقبة) وقد مضى ذكرها وقد تكون (لا) مؤكدة كما كانت (ما) في قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : 159] و (مما خطاياهم).

فمن ذلك قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : 40] إنما هو : فأقسم يدلك على ذلك قوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : 76] وكذلك قال المفسرون في قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [القيامة : 1] إنما هو : أقسم فوقع القسم على قوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : 17].

قال أبو العباس : فقيل لهم في عروض ذلك : أن الزوائد من هذا الضرب إنما تقع بين كلامين أو بعد كلام كقولك : جئتك لأمر ما فكان من جوابهم : أن مجاز القرآن كله مجاز سورة واحدة بعد ابتدائه وأن بعضه متصل ببعض فمن ذلك قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ) [الحديد : 29].

وقوله : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : 34] وإنما هو : لا تستوي الحسنة والسيئة ومعناه ينبئك عن ذلك إنما هو : لا تساوي الحسنة السيئة.

ص: 355

مسائل من باب (لا)

تقول : لا غلامين ، ولا جاريتي لك.

إذا جعلت الآخر مضافا ولم تجعله خبرا له وصار الأول مضمرا له كأنك قلت : لا غلامين في ملكك ، ولا جاريتي لك. كأنك قلت : ولا جاريتك في التمثيل.

قال سيبويه : ولكنهم لا يتكلمون به يعني بالمضمر واختص (لا) بهذا النفي ، وإن شئت قلت : لا غلامين ولا جاريتين لك إذا جعلت (لك) خبرا لهما وهو قول أبي عمرو.

وكذلك لو قلت : لا غلامين لك وجعلت (لك) خبرا.

فإذا قلت : لا أبالك فها هنا إضمار مكان ولكنه يترك استخفافا واستغناء.

وتقول : لا غلامين ولا جاريتين لك ، وغلامين وجاريتين لك ، كأنك قلت : لا غلامين ولا جاريتين في مكان كذا وكذا.

فجاء (بلك) بعد ما بني على الكلام الأول في مكان كذا وكذا كما قال : لا يدين بها لك حين صيره كأنه جاء (بلك) بعد ما قال : لا يدين بها في الدنيا لك وقبيح أن تفصل بين الجار والمجرور فتقول لا أخا هذين اليومين لك.

قال سيبويه : وهذا يجوز في ضرورة الشعر ؛ لأن الشاعر إذا اضطر فصل بين المضاف والمضاف إليه.

قال الشاعر :

كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا

أواخر الميس أصوات الفراريج (1)

ص: 356


1- فصل لضرورة الشعر ، بالظرف بين المتضايفين. والأصل : كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهنّ بنا إنقاض الفراريج. في الأصول لابن السرّاج : وقبيح أن تفصل بين الجارّ والمجرور فتقول لا أخا هذين اليومين لك. قال سيبويه : هذا يجوز في ضرورة الشعر لأنّ الشاعر إذا اضطرّ فصل بين المضاف إليه. وأنشد هذا البيت. و" من" للتعليل و" الإيغال" : الإبعاد ، يقال أوغل في الأرض ، إذا أبعد فيها ، حكاه ابن دريد قال : وكل داخل في شيء دخول مستعجل فقد أوغل فيه. وقال الأصمعيّ في شرح هذا البيت : " الإيغال" : سرعة الدخول في الشيء ، يقال أوغل في الأمر : إذا دخل فيه بسرعة. والضمير للإبل في بيت قبله. و" الأواخر" : جمع آخره ، بوزن فاعله ، وهي آخره الرحل ، وهو العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب ، ويقال فيه مؤخر الرحل. قال ابن حجر في" فتح الباري" : هو بضمّ أوله ثم همزة ساكنة ، وأما الخاء فجزم أبو عبيد بكسرها وجوّز الفتح ، وأنكر ابن قتيبة الفتح ، وعكس ذلك ابن مكّيّ فقال : لا يقال مقدم ومؤخر بالكسر إلّا في العين خاصة ، وأمّا في غيرها فيقال بالفتح فقط. ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء. انتهى. وقال صاحب" الصحاح" : ومؤخر العين ، مثل مؤمن : الذي يلي الصّدغ ، ومقدمها : الذي يلي الأنف ، ومؤخرة الرحل أيضا لغة قليلة في آخره الرحل ، وهي التي يستند الراكب إليها. قال يعقوب : ولا تقل مؤخرّة انتهى. و" الميس" : بفتح الميم : شجر يتخذ منه الرحال والأقتاب ، وإضافة الأواخر إليه كإضافة خاتم فضّة. و" الإنقاض" : مصدر أنقضت الدّجاجة : إذا صوّتت - وهو بالنون والقاف والضاد المعجمة - وروي بدله : " أصوات الفراريج" جمع فرّوجة ، وهي صغار الدّجاج. يريد أنّ رحالهم جدد وقد طال سيرهم فبعض الرحل يحكّ بعضا فتصوّت مثل أصوات الفراريج ، من شدّة السير واضطراب الرحل. وهذا البيت من قصيدة لذي الرّمّة. انظر خزانة الأدب 1 / 497.

ومن قال : كم بها رجل فأضاف فلم يبال الفتح قال : لا يدري بها لك ولا أخا يوم الجمعة لك ولا أخا فاعلم لك والجر في : (كم) بها وترك النون في : لا يدي بها لك قول يونس.

واحتج بأن الكلام لا يستغني ورد ذلك عليه سيبويه بأن قال : الذي يستغني به الكلام والذي لا يستغني قبحهما واحد إذا فصلت بين الجار والمجرور وتقول : لا غلام وجارية فيها ؛ لأن (لا) إنما تجعل وما تعمل فيه اسما إذا كانت إلى جنب الاسم لكنك يجوز أن تفصل بين خمسة وعشر في قولك : خمسة عشر كذلك لا يجوز أن تفصل بين (لا) وبين ما بني معها وتقول : لا رجل ولا امرأة يا فتى.

إذا كانت (لا) بمنزلتها في (ليس) مؤكدة للنفي حين تقول : ليس لك رجل ولا امرأة قال رجل من بني سليم وهو أنس بن العباس :

ص: 357

لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الفتق على الرّاتق (1)

وتقول : لا رجل ولا امرأة فيها فتعيد (لا) الأولى كما تقول : ليس عبد الله وليس أخوه فيها فيكون حال الآخرة كحال الأولى وتقول : لا رجل اليوم ظريفا ولا رجل فيها عاقتحم العقبة). اقلا إذا جعلت (فيها) خبرا ولا رجل فيك راغبا من قبل أنه لا يجوز لك أن تجعل الاسم والصفة بمنزلة اسم واحد. وقد فصلت بينهما.

وتقول : لا ماء سماء باردا ولا مثله عاقلا من قبل أن المضاف لا يجعل مع غيره بمنزلة خمسة عشر فإذا قلت : لا ماء ولا لبن ثم وصفت اللبن فأنت بالخيار في التنوين وتركه ، فإن جعلت الصفة للماء لم يكن إلا منونا ؛ لأنه لا يفصل بين الشيئين اللذين يجعلان بمنزلة اسم واحد.

وحكى سيبويه عن العرب : لا كزيد أحدا تنون لأنك فصلت بين (لا) و (أحد).

ص: 358


1- قول المصنف وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه معناه أنه يذكر الخبر بعد اسم لا مرفوعا والرافع له لا عند المصنف وجماعة وعند سيبويه الرافع له إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف ، وإن كان الاسم مفردا فاختلف في رافع الخبر فذهب سيبويه إلى أنه ليس مرفوعا بلا وإنما هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ ؛ لأن مذهبه أن لا واسمها المفرد في موضع رفع بالابتداء والاسم المرفوع بعدهما خبر عن ذلك المبتدأ ولم تعمل لا عنده في هذه الصورة إلا في الاسم وذهب الأخفش إلى أن الخبر مرفوع بلا فتكون لا عاملة في الجزءين كما علمت فيهما مع المضاف والمشبه به. وأشار بقوله والثاني اجعلا إلى أنه إذا أتى بعد لا والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت لا نحو لا حول ولا قوة إلا بالله يجوز فيهما خمسة أوجه وذلك ؛ لأن المعطوف عليه إما أن يبنى مع لا على الفتح أو ينصب أو يرفع ، فإن بني معها على الفتح جاز في الثاني ثلاثة أوجه الأول البناء على الفتح لتركبه مع لا الثانية وتكون لا الثانية عاملة عمل إن نحو لا حول ولا قوة إلا بالله. الثاني النصب عطفا على محل اسم لا وتكون لا الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف نحو لا حول ولا قوة إلا بالله ومنه قوله : لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع انظر شرح ابن عقيل 2 / 12.

وحكى سيبويه عن العرب : لا كزيد أحد ولا مثله أحد فحمله على الموضع والموضع رفع ، وإن شئت حملته على (لا) فتونته ونصبته ، وإن شئت قلت : لا مثله رجلا على التمييز كما تقول : لي مثله غلاما قال ذو الرمة :

هي الدّار إذ ميّ لأهلك جيرة

ليالي لا أمثالهنّ لياليا (1)

ص: 359


1- على أنّ" زائرا" قيل منصوب على تقدير فعل ، أي : لا أرى كعشية اليوم زائرا. وإنما لم يجعل الكاف اسما ل" لا" مضافا إلى العشيّة ويكون زائرا عطف بيان للكاف تبعه على اللفظ أو صفة على طرز البيت الذي قبله ، لأنّ الزّائر غير العشية ، فلما كان الثاني غير الأوّل لعدم صحّة الحمل جعلت" لا" نافية للفعل المقدّر دون كونها نافية للجنس. وصاحب هذا القيل هو سيبويه ، وهذا نصّه : وأما قول جرير : لا كالعشيّة زائرا ومزورا فلا يكون إلّا نصبا ، من قبل أنّ العشيّة ليست بالزائر ، وإنما أراد لا أرى كالعشيّة زائرا ، كما تقول ما رأيت كاليوم رجلا ، فكاليوم مثل قولك في اليوم لأنّ الكاف ليست باسم. وفيه معنى التعجّب كما قال تالله رجلا ، وسبحان الله رجلا ، إنّما أراد تالله ما رأيت رجلا وسبحان الله ما رأيت رجلا ؛ لكنه يترك إظهار الفعل استغناء ، لأنّ المخاطب يعلم أنّ هذا الموضع إنّما يضمر فيه هذا الفعل لكثرة استعمالهم إيّاه انتهى. قال الأعلم : اصله لا أرى زائرا ومزورا كزائر العشيّة ومزورها ، فحذف اختصارا للعلم ، كما قالوا : ما رأيت كاليوم رجلا ، أي : كرجل أراه اليوم. ولا تجيزن في هذا رفع الزائر ، لأنّه غير العشيّة ، وليس بمنزلة لا كزيد رجل ، لأنّ زيدا من الرجال انتهى. وقد نقل أبو العباس ثعلب في" أماليه" قاعدة لحذف الفعل مع الظرف الزمانيّ ، قال : حكى الكسائيّ نزلنا المنزل الذي البارحة ، والمنزل الذي آنفا ، والمنزل الذي أمس. فيقولون في كلّ وقت شاهدوه من قرب ، ويحذفون الفعل وحده كأنّهم يقولون : نزلنا المنزل الذي نزلنا أمس ، والذي نزلناه اليوم ؛ اكتفوا بالوقت من الفعل ، 7 ذ كان الوقت يدّل على الفعل وهو قريب. ولا يقولون الذي يوم الخميس ، ولا الذي يوم الجمعة. وكذا يقولون : لا كاليوم رجلا. ولا كالعشيّة رجلا ، ولا كالسّاعة رجلا ، فيحذفون مع الأوقات التي هم فيها. وأباه الفرّاء مع العلم. وهو جائز وأنشد : لا كالعشية زائرا ومزورا وكلّ ما كان فيه الوقت فجائز أن يكون بحذف الفعل معه ، لأنّ الوقت القريب يدل على فعل لقربه. انتهى. وقد قدّر أبو عليّ الفارسيّ في" المسائل المنثورة" فعلين ، قال : نصب زائرا لأنّ الفعل مقدّر ، فكأن تقديره :لا أرى زائرا ومزورا له كرجل أراه العشيّة. فنصبه على الفعل وحذف ذلك لما في الكلام من الدّلالة عليه. ويجوز الرفع هاهنا ، وهو قبيح لأنّ الزّائر ليس هو العشية ، ويجوز رفعه كأنّك أردت كصاحب العشيّة ، فحذفت صاحبا وجعلت العشيّة إذا رفعتهما دلالة على ما حذفت. انظر خزانة الأدب 1 / 493.

قال سيبويه : وأما قول جرير :

لا كالعشيّة زائرا ومزورا

فلا يكون إلا نصبا من قبل أن العشية ليست بالزائر وإنما أراد : لا أرى كالعشية عشية زائرا كما تقول : ما رأيت كاليوم رجلا فكاليوم كقولك : في اليوم.

لأن الكاف ليست باسم وفيه معنى التعجب كما قال : تالله رجلا ، وسبحان الله رجلا ، إنما أراد : تالله ما رأيت رجلا ، ولكنه يترك إظهار الفعل استغناء.

وتقول : لا كالعشية ولا كزيد رجل.

لأن الآخر هو الأول ولأن زيدا رجل وصار : لا كزيد كأنك قلت : لا أحد كزيد ثم قلت : رجل كما تقول : لا مال له قليل ولا كثير على الموضع قال امرؤ القيس :

ويلمها في هواء الجوّ طالبة

ولا كهذا الذي الأرض مطلوب (1)

ص: 360


1- على أنّ قوله : " مطلوب" ، عطفت بيان لاسم" لا" المضاف : فإن الكاف اسم مضاف لاسم الإشارة في محل نصب بلا على أنه اسمها ؛ وقد تبعه البيان بالرفع باعتبار أنّ" لا" مع اسمها في محلّ رفع على الابتداء والخبر محذوف ، أي : موجود ونحوه. ويجوز أن يكون مطلوب صفة اسم لا ، ولا يضرّ إضافة الكاف إلى اسم الإشارة ، فإنها بمعنى مثل ، وهي لا تتعرّف بالإضافة إلى المعرفة. هذا محصّل ما قاله الشارح المحقق. وفيه أنّهم قالوا : إنّ البيان يكون في الجوامد ، والصفة تكون في المشتقّات ، فكيف لا يكون فرق بين البيان والوصف. وقد أورد سيبويه هذا البيت من باب الوصف لا غير. قال الأعلم : الشاهد فيه رفع" مطلوب" حملا على موضع الكاف ، لأنّها في تأويل مثل وموضعها موضع رفع ، وهو بمنزلة لا كزيد رجل. ولو نصب حملا على اللفظ أو على التمييز لجاز. انتهى. ونقل ابن السراج في الأصول عن سيبويه أنّ اسم" لا" في مثل هذا محذوف والكاف حرف ، وهذا كلامه :وتقول لا كزيد رجل ، لأنّ الآخر هو الأوّل ولأنّ زيدا رجل ، وصار لا كزيد كأنّك قلت : لا أحد كزيد ثم قلت رجل ، كما تقول لا مال له قليل ولا كثير على الموضع. انظر خزانة الأدب 1 / 491.

لأنه قال : ولا شيء لهذا ورفع على الموضع.

وإن شئت نصبت على التفسير كأنه قال : لا أحد كزيد رجلا.

قال سيبويه : ونظير : لا كزيد في حذفهم الاسم قولهم : لا عليك وإنما يريدون : لا بأس عليك ولا شيء عليك ولكنه حذف لكثرة استعمالهم إياه.

ومن قال : لا غلام ولا جارية قال : أغلام وألا جارية إنما دخلت في النفي لا في المعطوف عليه.

ألا تراك تقول في النداء : يا بؤس للحرب ولا تقول : يا بؤس زيد وبؤس الحرب فالنفي كالنداء وكذلك إذا قلت : لا غلامي لك ولا مسلمي لك إن كانت لا الثانية نافية غير عاطفة جاز إسقاط النون ، وإن كانت عاطفة لم يجز إلا إثبات النون فتقول : لا غلامين لك ولا مسلمين لك.

وناس يجيزون أن تقول : لا رجل ولا امرأة وهو عندي جائز على قبح لأنك إذا رفعت فحقه التكرير وتقول : لا رجل كان قائما ولا رجل ظننته قائما إن جعلت كان وظننت : صلة لرجل أضمرت الخبر ، وإن جعلتهما خبرين لم تحتج إلى مضمر.

وقوم يجيزون : لا زيد لك ولا يجيزون لا غلام الرجل لك إلا بالرفع ويجيزون : لا أبا محمد لك ولا أبا زيد لك.

يجعلونه بمنزلة اسم واحد ولا يجيزون : لا صاحب درهم لك ؛ لأن الكنية بمزلة الاسم.

ويقولون : عبد الله يجري مجرى النكرة إذ كانت الألف واللام لا يسقطان منه.

وقال الفراء : جعل الكسائي : عبد العزيز وعبد الرحمن بمنزلة عبد الله وإسقاط الألف واللام يجوز نحو قولك : عبد العزيز لك.

وقالوا : الغائب من المكنى يكون مذهب نكرة نحو قولك : لا هو ولا هي ؛ لأنه يوهمك عددا ، وإن شئت قضيت عليه بالرفع والنصب ، فإن جعلته معرفة جئت معه بما يرفعه وحكوا :

ص: 361

إن كان أحد في هذا الفخ ولا هو يا هذا وكذلك : هذا وهذان عندهم ويقولون : لا هذين لك ولا هاتين لك وكذلك ذاك ؛ لأنه غائب.

وجميع هذه الأشياء التي تخالف الأصول التي قدمتها لك لا تجوز في القياس ولا هي مسموعة من الفصحاء.

وتقول : لا رجل أخوك ولا رجل عمك لا يجوز في أخيك وعمك إلا الرفع.

وقد حكي : أنّ كلام العرب أن يدخلوا : هو مع المفرد فيقولون : لا رجل هو أخوك ولا رجل هو عمرو ويقولون : لا بنات لك كما تقول : لا مسلمي لك.

وتقول : ألا رجلا زيدا أو عمرا تريد : ألا أحد رجلا يكون زيدا أو عمرا ويجوز أن يكون بدلا من رجل فإذا جاءت أو مع (ألا) فهو طلب.

وتقول : لا رجل في الدار لا زيد ويدخل عليها ألف الاستفهام فتقول : ألا رجل في الدار ألا زيد.

وتقول : ألا رجل ألا امرأة يا هذا.

وتقول : ألا ماء ولو باردا وهو عند سيبويه : قبيح لأنه وضع النعت موضع المنعوت فلو قلت : ألا ماء ولو باردا لكان جيدا.

وذلك يجوز إلا أنك تضمر بعد (لو) فعلا ينصب ماء.

وكأنك قلت : ولو كان ماء باردا.

فإذا جئت ب (لو) كان ما بعدها أحسن ، قال أحمد بن يحيى ثعلب : كان يقال : متى كان ما بعد (لو) نعتا للأول نصب ورفع ومتى كان غير نعت رفع هذا قول المشايخ.

وقال الفراء : سمعت في غير النعت الرفع والنصب.

وإذا قال : ألا مستعدي الخليفة أو غيره وألا معدي الخليفة أو غيره فالرفع كأنك بينت فقلت : ذاك الخليفة أو غيره أو هو الخليفة أو الخليفة هو أو غيره.

ص: 362

والنصب على إضمار (يكون) كأنك قلت : يكون الخليفة. أي : يكون المعدي الخليفة أو غيره.

وقوم يجيزون : ألا قائل قولا ألا ضارب ضربا وهذا عندي لا يجوز إلا بتنوين ؛ لأنه قد أعمل في المصدر فطال وقد مضى تفسير هذا.

ويجوز أن تقول : لا قائل قول ولا ضارب ضرب فتضيف إلى المصدر.

وتقول : لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة ، لأنك قلت : لا خير في خير بعده النار ولا شر في شرّ بعده الجنة ويجوز أن تكون هذه الباء دخلت لتأكيد النفي كما تدخل في خبر (ما) وليس فتكون زائدة كأنك قلت : لا خير خير بعده النار ولا شر شرّ بعده الجنة ، فإن جعلت الهاء راجعة إلى خبر الأول الذي مع (لا) قلت : لا خير بعده النار خير.

فصار قولك : بعد النار جملة نعت بها : لا خير والنار مبتدأ وبعده : خبره والجملة صفة لخير كما تقول : لا رجل أبوه منطلق في الدار فرجل : منفي وأبوه : منطلق مبتدأ وخبر.

والجملة بأسرها صفة لرجل ، قال أبو بكر : وقد ذكرنا الأسماء المرفوعات والمنصوبات وما ضارعها بجميع أقسامها وبقيّ الأسماء المجرورة ونحن نذكرها إن شاء الله.

ص: 363

ذكر الجر والأسماء المجرورة

اشارة

الأسماء المجرورة تنقسم قسمين : اسم مجرور بحرف جر أو مجرور بإضافة اسم مثله إليه وقولي : جر وخفض بمعنى واحد.

ذكر حروف الجر
اشارة

حروف الجر تصل ما قبلها بما بعدها فتوصل الاسم بالاسم والفعل بالاسم ولا يدخل حرف الجر إلا على الأسماء كما بينا فيما تقدم فأما إيصالها الاسم بالاسم فقولك : الدار لعمرو ، وأما وصلها الفعل بالاسم فقولك : مررت بزيد فالباء هي التي أوصلت المرور بزيد.

وحروف الجر تنقسم قسمين : فأحد القسمين : ما استعملته العرب حرفا فقط ولم يشترك في لفظه الاسم ولا الفعل مع الحرف ولم تجره في موضع من المواضع مجرى الأسماء ولا الأفعال.

والقسم الآخر : ما استعملته العرب حرفا وغير حرف.

فالقسم الأول : وهو الحرف التي استعملته حرفا فقط على ضربين : فالضرب الأول منها :ألزم عمل الجر ، والضرب الثاني : غير ملازم لعمل الجر.

[الضرب الأول من حروف الجر]
اشارة

فأما الحروف الملازمة لعمل الجرّ : فمن وإلى وفي والباء واللام.

ولربّ : باب يفرد به لخروجها عن منهاج أخواتها وأنا مبيّن معنى حرف حرف منها.

(مِن)

أما (من) : فمعناها : ابتداء الغاية.

تقول : سرت من موضع كذا إلى موضع كذا.

وفي الكتاب : من فلان إلى فلان : إنما يريد : إبتداؤه فلان.

وسيبويه يذهب إلى أنها تكون لابتداء الغاية في الأماكن وتكون للتبعيض نحو قولك : هذا من الثوب.

وهذا منهم تقول : أخذت ماله ثم تقول : أخذت من ماله فقد دلت على البعض.

ص: 364

قال أبو العباس : وليس هو كما قال عندي ؛ لأن قوله : أخذت من ماله إنما ابتداء غاية ما أخذ فدل على التبعيض من حيث صار ما بقي إنتهاء له والأصل واحد.

وكذلك : أخذت منه درهما وسمعت منه حديثا أي : أول الحديث وأول مخرج هذه الدراهم وقولك : زيد أفضل من عمرو وإنما ابتدأت في إعطائه الفضل من حيث عرفت فضل عمرو فابتداء تقديمه هذا الموضع فلم يحرج من ابتداء الغاية.

وقال في وقت آخر : من تكون على ثلاثة أضرب لابتداء الغاية كقولك : خرجت من الكوفة إلى البصرة وللتبعيض كقولك : أخذت من ماله.

والأصل يرجع إلى ابتداء الغاية لإنك إذا قلت : أخذت من المال فأخذك إنما وقع ابتداؤه من المال.

ويكون لإضافة الأنواع إلى الأسماء كقول الله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : 90].

وكقول الله عز وجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) [الفتح : 29]. أي : من هؤلاء الذين آمنوا واجتنبوا الرجس من الأوثان.

فقولك : رجس جامع للأوثان وغيرها.

فإذا قلت : من الأوثان فإنما معناه الذي ابتداؤه من هذا الصنف قال : وكذلك قول سيبويه : هذا باب علم ما الكلم من العربية ؛ لأن الكلم يكون عربيا وعجميا فأضاف النوع وهو الكلم إلى اسمه الذي يبين به ما هو وهو العربية وتكون زائدة قد دخلت على ما هو مستغن من الكلام إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة نحو قولهم : ما جاءني من أحد وما كلمت من أحد وكقوله عز وجل : (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : 105] إنما هو : خير ولكنها توكيد وكذلك : ما ضربت من رجل إنما هو : ما ضربت رجلا فهذا موضع زيادتها إلا أنه موضع دلت فيه على أنه للنكرات دون المعارف ألا ترى أنك تقول : ما جاءني من أحد وما جاءني من رجل ولا تقول : ما جاءني من عبد الله.

ص: 365

لأن رجلا في موضع الجمع ولا يقع المعروف هذا الموضع ؛ لأنه شيء قد عرف بعينه ألا ترى أنك تقول : عشرون درهما ولا تقول : عشرون الدرهم.

وقال سيبويه : إذا قلت : ما أتاني من رجل أكدت بمن ؛ لأنه موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس وكذلك : ويحه من رجل إنما أراد أن يجعل التعجب من بعض الرجال وكذلك : لي ملؤه من عسل وقال كذلك : أفضل من زيد.

إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم وجعل زيدا الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه في قولك : شر من زيد وكذلك إذا قال : أخزى الله الكاذبين مني ومنك إلا أن هذا وأفضل لا يستغني عن (من) فيهما لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها وقال : وتقول : رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء

(إلى)

وأما (إلى) فهي للمنتهى تقول : سرت إلى موضع كذا فهي منتهى سيرك ، وإذا كتبت من فلان إلى فلان فهو النهاية فمن الابتداء وإلى الإنتهاء وجائز أن تقول : سرت إلى الكوفة وقد دخلت الكوفة وجائز أن تكون بلغتها ولم تدخلها ؛ لأن (إلى) نهاية فهي تقع على أول الحد وجائز أن تتوغل في المكان ولكن تمتنع من مجاوزته ؛ لأن النهاية غاية.

قال أبو بكر : وهذا كلام يخلط معنى (من) بمعنى (إلى) فإنما (إلى) للغاية و (من) لابتداء الغاية وحقيقة هذه المسألة : أنك إذا قلت : رأيت الهلال من موضعي (فمن) لك ، وإذا قلت : رأيت الهلال من خلال السحاب (فمن) للهلال والهلال غاية لرؤيتك فكذلك جعل سيبويه (من) غاية في قولك : رأيته من ذلك الموضع وهي عنده ابتداء غاية إذا كانت (إلى) معها مذكورة أو منوية فإذا استغنى الكلام عن (إلى) ولم يكن يقتضيها جعلها غاية ويدل على ذلك قوله : ما رأيته مذ يومين فجعلتها غاية كما قلت : أخذته من ذلك المكان فجعلته غاية ولم ترد منتهى أي : لم ترد ابتداء له منتهى.

أي : استغنى الكلام دون ذكر المنتهى وهذا المعنى أراد والله أعلم وهذه المسألة ونحوها إنما تكون في الأفعال المتعدية نحو : رأيت وسمعت وشممت وأخذت.

ص: 366

تقول : سمعت من بلادي الرعد من السماء ، ورأيت من موضعي البرق من السحاب ، وشممت من داري الريحان من الطريق.

(فمن) الأولى للفاعل و (من) الثانية للمفعول وعلى هذا جميع هذا الباب لا يجوز عندي غيره إنما جاز هذا ؛ لأن للمفعول حصة من الفعل كما للفاعل.

وبعض العرب يحذف الأسماء مع (من) وقد ذكرنا بعض ذلك فيما قد مضى قال الله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : 164] والتأويل عند أصحابنا : وما منا أحد إلا له.

والكوفيون يقولون إن (من) تضمر مع (من) وفي التأويل عندهم : إلا من له مقام وما كان بعده شيء لم يسم غاية ، قال سيبويه : (إلى) منتهى لابتداء الغاية يقول : من كذا إلى كذا.

ويقول : الرجل : إنما أنا إليك ، أي : أنت غايتي ، وتقول : قمت إليه فتجعله منتهاك من مكانك.

(في)

(في) : وفي معناها الوعاء.

فإذا قلت : فلان في البيت فإنما تريد : أن البيت قد حواه وكذلك : المال في الكيس ، فإن قلت : في فلان عيب فمجاز واتساع لأنك جعلت الرجل مكانا للعيب يحتويه وإنما هذا تمثيل بذاك وكذلك تقول : أتيت فلانا وهو في عنفوان شبابه أي : وهو في أمره ونهيه فهذا تشبيه وتمثيل أي : أحاطت به هذه الأمور قال : وإن اتسعت في الكلام فإنما تكون كالمثل يجاء به يقارب الشيء وليس مثله.

(الباء)

(الباء) : معناه الإلصاق فجائز أن يكون معه استعانة وجائز لا يكون فأما الذي معه استعانة فقولك : كتبت بالقلم وعمل الصانع بالقيدوم.

والذي لا استعانة معه فقولك : مررت بزيد ونزلت بعبد الله.

وتزاد في خبر المنفي توكيدا نحو قولك : ليس زيد بقائم وجاءت زائدة في قولك : حسبك بزيد وكفى بالله شهيدا وإنما هو كفى الله.

ص: 367

قال سيبويه : باء الجر إنما هي للإلزاق والإختلاط ، وذلك قولك : خرجت بزيد ودخلت به وضربته بالسوط ألزقت ضربك إياه بالسوط فما اتسع من هذا الكلام فهذا أصله.

(اللام)

(اللام) : اللام : لام الإضافة ، قال سيبويه : معناها الملك والإستحقاق ألا ترى أنك تقول : الغلام لك والعبد لك فيكون في معنى : هو عبد لك وهو أخ لك فيصير نحو : هو أخوك فيكون هو مستحقا لهذا كما يكون مستحقا لما يملك فمعنى هذا اللام معنى إضافة الاسم.

وقال أبو العباس : لام الإضافة تجعل الأول لاصقا بالثاني ويكون المعنى : ما يوجد في الأول تقول : هذا غلام لزيد وهذه دار لعبد الله.

فأما تسميتهم إياها لام الملك فليس بشيء إذا قلت : هذا غلام لعبد الله فإنما دللت على الملك من الثاني للأول فإذا قلت : هذا سيد لعبد الله دللت بقولك على أن الثاني للأول.

وإذا قلت : هذا أخ لعبد الله فإنما هي مقاربة وليس أحدهما في ملك الآخر.

ولام الاستغاثة : هي هذه اللام إلا أن هذه تكسر مع الاسم الظاهر وتلك تفتح وقد مضى ذكر ذلك في حد النداء.

فلام الإضافة حقها الكسر إلا أن تدخلها على مكنى نحو قولك : له مال ولك ولهم ولها فهي في جميع ذلك مفتوحة وهي في الاستغاثة كما عرفتك مفتوحة.

قال سيبويه : إنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى مضافا إلى بكر باللام يعني بذلك الفعل المضمر الذي أغنت عن إظهاره (يا) وقد مضى تفسير هذا.

فهذه الحروف التي للجر كلها تضيف ما قبلها إلى ما بعدها.

فإذا قلت : سرت من موضع كذا فقد أضفت السبير إلى ما بعدها فإذا قلت : مررت بزيد فقد أضفت المرور إلى زيد بالباء.

ص: 368

وكذلك إذا قلت : هذا لعبد الله فإذا قلت : أنت في الدار فقد أضفت كينونتك في الدار إلى الدار (بفي) فإذا قلت : فيك خصلة سوء فقد أضفت إليه الرداءة (بفي) فهذه الحروف التي ذكرت لك تدخل على المعرفة والنكرة والظاهر والمضمر فلا تجاوز الجرّ.

واعلم أن العرب تتسع فيها فتقيم بعضها مقام بعض إذا تقاربت المعاني فمن ذلك : الباء تقول : فلان بمكة وفي مكة وإنما جازا معا لأنك إذا قلت : فلان بموضع كذا وكذا.

فقد خبرت عن اتصاله والتصاقه بذلك الموضع ، وإذا قلت : في موضع كذا فقد خبرت (بفي) عن احتوائه إياه وإحاطته به فإذا تقارب الحرفان ، فإن هذا التقارب يصلح لمعاقبة ، وإذا تباين معناهما لم يجز ألا ترى أن رجلا لو قال : مررت في زيد أو : كتبت إلى القلم لم يكن هذا يلتبس به فهذا حقيقة تعاقب حروف الخفض فمتى لم يتقارب المعنى لم يجز وقد حكي : كنت بالمال حربا وفي المال حربا وهو يستعلي الناس بكفه وفي كفه.

وقال في قول طرفة :

وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني

إلى ذروة البيت الكريم المصمد

إنّ (إلى) بمعنى (في) ولا يجوز أن يدخل حرف من هذه التي ذكرت على حرف منها فلا يجوز أن تدخل الباء على (إلى) ولا اللام على (من) ولا (في) على (إلى) ولا شيئا منها على آخر.

ص: 369

باب (ربّ)
اشارة

(ربّ) : حرف جر وكان حقه أن يكون بعد الفعل موصلا له إلى المجرور كأخواته إذا قلت : مررت برجل وذهبت إلى غلام لك ولكنه لما كان معناه التقليل وكان لا يعمل إلا في نكرة فصار مقابلا (لكم) إذا كانت خبرا فجعل له صدر الكلام كما جعل (لكم) وآخر الفعل والفاعل فموضع ربّ وما عملت فيه نصب كما أن موضع الباء ومن وما عملنا فيه نصب إذا قلت : مررت بزيد وأخذت من ماله.

ويدل على ذلك أن (كم) يبنى عليها وربّ : لا يجوز ذلك فيها ، وذلك قولهم : كم رجل أفضل منك فجعلوه خبرا (لكم) كذلك رواه سيبويه عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن العرب تقوله ولا يجوز أن تقول : ربّ رجل أفضل منك ولا يجوز أن تجعله خبرا لرب كما جعلته خبرا (لكم) ومما يتبين أن ربّ حرف وليست باسم (ككم).

أن (كم) يدخل عليها حرف الجر ولا يدخل على ربّ تقول : بكم رحل مررت وإنك تولي (كم) الأفعال ولا توليها ربّ.

قال أبو العباس : ربّ تنبىء عما وقعت عليه أنه قد كان وليس بكثير.

فلذلك لا تقع إلا على نكرة ولأن ما بعدها يخرج مخرج التمييز تقول : رب رجل قد جاءني فأكرمته ورب دار قد أبتنيتها وأنفقت عليها وقال في موضع آخر : رب معناها الشيء يقع قليلا ولا يكون ذلك الشيء إلا منكورا ؛ لأنه واحد يدل على أكثر منه ولا تكون رب إلا في أول الكلام لدخول هذا المعنى فيها.

وقال أبو بكر : والنحويون كالمجتمعين على أن ربّ جواب إنما تقول : ربّ رجل عالم لمن قال : رأيت رجلا عالما أو قدرت ذلك فيه فتقول : ربّ رجل عالم تريد : ربّ رجل عالم قد رأيت فضارعت أيضا حرف النفي إذا كان حرف النفي يليه الواحد المنكور وهو يراد به الجماعة.

فهذا أيضا مما جعلت له صدرا.

ص: 370

واعلم أن الفعل العامل فيها أكثر ما يستعمله العرب محذوفا ؛ لأنه جواب وقد علم فحذف وربما جيء به توكيدا وزيادة في البيان فتقول : ربّ رجل عالم قد أتيت فتجعل هذا هو الفعل الذي تعلقت به (ربّ) حتى يكون في تقديره : برجل عالم مررت وكذلك إذا قال : ربّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته فها هنا فعل أيضا محذوف فكأنه قال له قائل : ما جاءك رجل فأكرمته وأكرمته فقلت : ربّ رجل جاءني فأكرمته وأكرمته أي : قد كنت فعلت ذاك فيكون جاءني وما بعده صفة رجل والصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد والكلام بعد ما تم ، فإن لم تضمر : قد فعلت وما أشبه ذلك وإلا لم يجز فإذا قال : ما أحسنت إليّ.

قلت : ربّ إحسان قد تقدم إليك مني فكأنك قلت : قد فعلت من إحسان إليك قد تقدم.

فإن قال قائل : لم لزم الصفة قيل : لأنه أبلغ في باب التقليل ؛ لأن رجلا قائما أقل من رجل وحده فخصت بذلك والله أعلم.

وكذلك لو قلت : رب رجل جاهل ضربت إن جعلت : ضربت هو العامل في رب ؛ ، فإن جعلته صفة أضمرت فعلا نحو ما ذكرنا ، فصار معنى الكلام : ربّ رجل جاهل ضربت قد فعلت ذاك.

واعلم أنّه لا بد للنكرة التي تعمل فيها (ربّ) من صفة إما اسم وإما فعل لا يجوز أن تقول : ربّ رجل وتسكت حتى تقول : ربّ رجل صالح أو تقول : رجل يفهم ذاك ورب حرف قد خولف به أخواته واضطرب النحويون في الكلام فيه.

وهذا الذي خبرتك به ما خلص لي بعد مباحثة أبي العباس رحمه الله وأصحابنا المنقبين الفهماء ، وسأخبرك ما قال سيبويه والكوفيون فيه قال سيبويه : إذا قلت : رب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل برب وكذلك يقول من تابعه على هذا القول إذا قال : رب رجل ظريف قد أضافت رب الظريف إلى رجل وهذا لا معنى له ؛ لأن إتصال الصفة بالموصوف يغني عن الإضافة.

وأما الكوفيون ومن ذهب مذهبهم فيقولون : رب وضعت على التقليل نحو : ما أقل من يقول ذاك وكم وضعت على التكثير نحو قولك : ما أكثر من يقول ذاك وإنما خفضوا (لكم) ؛

ص: 371

لأن من تصحبها تقول : كم من رجل ثم تسقط من وتعمل فكذلك : ربّ ، وإن لم تر (من) معها كما قال : ألا رجل ومن رجل وهم يريدون : أمّا من رجل وحكي عن الكسائي أو غيره من القدماء : أن بعض العرب يقول : ربّ رجل ظريف فترفع ظريفا تجعله خبرا (لرب) ومن فعل هذا فقد جعلها اسما وهذا إنما يجيء على الغلط والتشبيه وفي رب لغات : ربّ وربّ يا هذا ومن النحويين من يقول : لو سكنت جاز : وربت.

واعلم أن (ربّ) تستعمل على ثلاثة وجوه :

فالوجه الأول : هو الذي قد ذكرت من دخولها على الاسم الظاهر النكرة وعملها فيه وفي صفته الجر.

والوجه الثاني : دخلوها على المضمر على شريطة التفسير فإذا أدخلوها على المضمر نصبوا الاسم الذي يذكرونه للتفسير بعد المضمر فيقولون : ربّه رجلا والمضمر هاهنا كالمضمر في (نعم) إذا قلت : نعم رجلا زيد إلا أن المضمر في (نعم) مرفوع ؛ لأنه ضمير الفاعل وهو مع ربّ مجرور وإنما جاز في ربّ وهي لا تدخل إلا على نكرة من أجل أن المعنى تؤول إلى نكرة وليس هو ضمير مذكور وحق الإضمار أن يكون بعد مذكور ولكنهم ربما خصوا أشياء بأن يضمروا فيهاه على شريطة التفسير وليس ذلك بمطرد في كل الكلام وإنما يخصون به بعضه فإذا فعلت ذلك نصبت ما بعد الهاء على التفسير فقلت : ربه رجلا وهذه الهاء على لفظ واحد ، وإن وليها المذكر أن المؤنث أو الاثنان أو الجماعة موحدة على كل حال.

الوجه الثالث : أن تصلها فتستأنف ما بعدها وتكفها عن العمل فتقول : ربما قام زيد وربما قعد وربما زيد قام وربما فعلت كذا ولما كانت رب إنما تأتي لما مضى فكذلك ربما لما وقع بعدها الفعل كان حقه أن يكون ماضيا فإذا رأيت الفعل المضارع بعدها فثم إضمار كان قالوا : في قوله : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : 2] أنه لصدق الوعد كأنه قد كان كما قال : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) [سبأ : 51]. ولم يكن فكأنه قد كان لصدق الوعد.

ص: 372

ولا يجوز : ربّ رجل سيقوم وليقومن غدا إلا أن تريد : ربّ رجل يوصف بهذا تقول : رب رجل مسيء اليوم ومحسن غدا أي : يوصف بهذا ويجوز : ربما رجل عندك فتجعل : (ما) صلة ملغاة.

واعلم أنّ العرب تستعمل الواو مبتدأة بمعنى : (ربّ) فيقولون : وبلد قطعت يريدون وربّ بلد وهذا كثير.

وقال بعض النحويين : أن الواو التي تكون مع المنكرات ليست بخلف من (ربّ) ولا كم وإنما تكون مع حروف الاستفهام فتقول : وكم قد رأيت (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : 101] يدل على التعجب ثم تسقط كم وتترك الواو ولا تدخل مع ربّ ولو كانت خلفا من (كم) لجاز أن يدخل عليها النسق كما فعل بواو اليمين وهي عندي : واو العطف وهذا أيضا مما يدل على أن رب جواب وعطف على كلام.

ص: 373

مسائل من هذا الباب

تقول : ربّ رجل قائم وضارب وربّ رجل يقوم ويضرب.

وتقول : رب رجل قائم نفسه وعمرو ورب رجل قائم ظريفا فتنصب على الحال من (قائم) وتقول : رب رجل ضربته وزيدا ورب رجل مررت به فتعيد الباء ؛ لأن المضمر المجرور لا ينسق عليه بالاسم الظاهر وتقول : رب رجل قائم هو وزيد فتؤكد ما في (قائم) إذا عطفت عليه ويجوز أن تقول : رب رجل قام وزيد فتعطف على المضمر من غير تأكيد وتقول : رب رجل كان قائما وظننته قائما ففي (كان) ضمير رجل وهو اسمها وقائما خبرها.

وكذلك : الهاء في (ظننته) ضمير رجل وهو مفعولها الأول. وقائما مفعولها الثاني ، وإذا قلت : رب رجل قد رأيت ورب امرأة فالإختيار أن تعيد الصفة فتقول : ورب امرأة قد رأيت لأنك قد أعدت رب وقد جاء عن العرب إدخال (ربّ) على (من) إذا كانت نكرة غير موصولة إلا أنها إذا لم توصل لم يكن بد من أن توصف لأنها مبهمة حكي عنهم : مررت بمن صالح ورب من يقوم ظريف وقال الشعر :

يا ربّ من تغتشّه لك ناصح

ومؤتمن بالغيب غير أمين

وتدخل رب على مثلك وشبهك إذ كانتا لم تتصرفا بالإضافة وهما نكرتان في المعنى.

وتقول : رب رجل تختصم وامرأة وزيد ولا يجوز الخفض ؛ لأنه لا يتم إلا بإثنين ، فإن قلت : رب رجلين مختصين وامرأتين جاز لك الخفض والرفع فتقول : وامرأتان وامرأتين أما الخفض : فبالعطف على (رجلين) والرفع : بالعطف على ما في مختصمين ولو قلت : ربّ رجلين مختصمين هما وامرأتان فأكدت ثم عطفت لكان أجود حكي عن بعضهم : أنه يقول : إذا جاء فعل يعني بالفعل اسم الفاعل بعد النعت رفع نحو قولك : رب رجل ظريف قائم والكلام الخفض وزعم الفراء : أنهم توهموا (كم) إذ كانوا يقولون : كم رجلا قائم.

وتقول : رب ضاربك قد رأيت ورب شاتمك لقد لقيت ؛ لأن التنوين في تينك يريد ضارب لك ، وإن قلت : ضاربك أمس لم يجز ؛ لأنه معرفة.

ص: 374

والأخفش يعترض بالأيمان فيقول : ربّ والله رجل قد رأيت وربّ رجل قد رأيت وهذا لا يجوز عندنا ؛ لأن حروف الجر لا يفصل بينها وبين ما عملت فيه وسائر النحويين يخالفونه.

وحكى الكوفيون : ربه رجلا قد رأيت وربهما رجلين وربهم رجالا وربهن رجالا وبهن نساء وربه نساء من وحد.

فلأنه رد كناية عن مجهول ومن لم يوحد فلأنه كلام كأنه قال : له ما لك جوار فقال : ربهن جوار قد ملكت.

وكان الكسائي يجيز : رب من قائم على أنّه استفهام ويخفض (قائما) والفراء يأباه ؛ لأن كل موضع لم تقعه المعرفة لم يستفهم بمن فيه.

والضرب الثاني من حروف الجر
اشارة

وهو ما كان غير ملازم للجر ، وذلك حتى والواو.

فواو القسم وهي بدل من الباء وأبدلت لأنها من الشفة مثلها.

والتاء : تستعمل في القسم في الله عز وجل وهي بدل من الواو والتاء قد تبدل من الواو في مواضع ستراها وقد خصوا القسم بأشياء ونحن نفرد بابا للأسماء المخفوضة في القسم ، وأما الواو التي تقع موقع رب فقد مضى ذكرها.

ص: 375

باب (حتى)
اشارة

(حتى) : منتهى لابتداء الغاية بمنزلة (إلى) إلا أنها تقع على ضربين :

إحداهما : أن يكون ما بعدها جزءا مما قبلها وينتهي الأمر به.

والضرب الآخر : أن ينتهي الأمر عنده ولكنها قد تكون عاطفة وتليها الأفعال.

ويستأنف الكلام بعدها ولها تصرف ليس (لإلى) و (لإلى) أيضا مواقع لا تقع (حتى) فيها.

فأما الضرب الأول : وهو ما ينتهي به الأمر فإنه لا يجوز : أن يكون الاسم بعد حتى إلا من جماعة كالاستثناء لا يجوز : أن يكون بعد واحد ولا إثنين ؛ لأنه جزء من جماعة وإنما يذكر لتحقير أو تعظيم أو قوة أو ضعف ، وذلك قولك : ضربت القوم حتى زيد فزيد من القوم وانتهى الضرب به فهو مضروب مفعول ولا يخلو أن يكون أحقر من ضربت أو أعظمهم شأنا وإلا فلا معنى لذكره وكذلك المعنى إذا كانت عاطفة كما تعطف الواو تقول : ضربت القوم حتى عمرا ، فعمرو من القوم به انتهى الضرب ، وقدم الحاج حتى المشاة والنساء.

فهذا في التحقير والضعف وتقول : مات الناس حتى الأنبياء والملوك فهذا في التعظيم والقوة ولك أن تقول : قام القوم حتى زيد جر ، وإن كان في المعنى : جاء لأنك أنتهيت بالمجيء إليه بحتى فتقدير المفعول وقد بينا فيما تقدم أن كل فعل معه فاعله تعدى بحرف جر إلى اسم فموضعه نصب.

قال أبو بكر : والأحسن عندي في هذا إذا أردت أن تخبر عن زيد بفعله أن تقول : القوم حتى زيد فإذا رفعت فحكمه حكم الفاعل في أنه لا بد منه فإذا خفضت فهو كالمنصوب الذي يستغني الفاعل دونه ، وأما قول الشاعر :

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (1)

ص: 376


1- على أن حتى وإن كانت يستأنف بعدها الكلام ، إلا أنها ليست متمحضة للاستئناف ، فلم يكن الرفع بعدها أولى ، فهي كسائر حروف العطف. يعني أنه يجوز في نعله النصب ، والرفع. أما النصب فمن وجهين : أحدهما نصبه بإضمار فعل يفسر ألقاها كأنه قال : حتى ألقى نعله ألقاها ، كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف. ثانيهما : أن يكون نصبه بالعطف على الصحيفة ، وحتى بمعنى الواو ، كأنه قال : ألقى الصحيفة حتى نعله ، يريد ونعله ، كما تقول : أكلت السمكة حتى رأسها بنصب رأسها ، أي : ورأسها ، فعلى هذا الهاء عائدة على النعل أو الصحيفة ، وألقاها تكرير وتوكيد. فإن قلت : شرط المعطوف بحتى أن يكون إما بعضا من جمع ، كقدم الحجاج حتى المشاة. أو جزءا من كل ، نحو : أكلت السمكة حتى رأسها ، أو كجزء ، نحو : أعجبتني الجارية حتى حديثها ؛ فكيف جاز عطف نعله ، مع أنه ليس واحدا مما ذكر؟ قلت : جاز ، لأن ألقى الصحيفة والزاد ، في معنى ألقى ما يثقله ؛ فالنعل بعض ما يثقل. وأما الرفع فعلى الابتداء ، وجملة ألقاها هو الخبر. فحتى ، على هذا. وعلى الوجه الأول. من وجهي النصب ، حرف ابتداء ، والجملة بعدها مستأنفة. وزعم ابن خلف : أن حتى هنا عاطفة والجملة بعدها معطوفة على الجملة المتقدمة ، وهذا شيء قاله ابن السيد ، نقله عنه ابن هشام في المغني ، ورده بقوله : لأن حتى لا تعطف الجمل ، وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءا مما قبلها أو كجزء ؛ وهذا لا يتأتى إلا في المفردات. وقد نازعه الدماميني في هذا التعليل. وأنشد سيبويه هذا البيت على أن حتى فيه حرف جر ، وأن مجرورها غاية لما قبله ، كأنه قال : ألقى الصحيفة والزاد وما معه من المتاع حتى انتهى الإلقاء إلى النعل. وعليه فجملة ألقاها للتأكيد ، والضمير يجوز فيه أيضا أن يعود على النعل وعلى الصحيفة. فقوله : حتى نعله ألقاها روي على ثلاثة أوجه. وهذا البيت لأبي مروان النحوي. انظر خزانة الأدب 1 / 318.

فلك فيه الخفض والرفع والنصب فالخفض : على ما خبرتك به والنصب فيه وجهان :

فوجه أن يكون منصوبا (بألقى) ومعطوفا على ما عمل فيه (ألقى) ويكون ألقاها توكيدا.

والوجه الثاني : أن تنصبه بفعل مضمر يفسره (ألقاها) والرفع على أن يستأنف بعدها والمعنى ألقى ما في رحله حتى نعله هذه حالها ، وإذا قلت : العجب حتى زيد يشتمني فالمعنى :العجب لسبّ الناس إياي حتى زيد يشتمني.

قال الفرزدق :

ص: 377

فيا عجبا حتّى كليب تسّبني

كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (1)

ص: 378


1- على أن حتى فيه ابتدائية ، وفائدتها هنا التحقير. أنشده سيبويه ، وقال : فحتى هنا بمنزلة إذا ، وإنما هي هاهنا كحرف من حروف الابتداء. وقال الأندلسي في شرح المفصل : يقع بعدها الجملة الفعلية والاسمية. وتسمى حرف ابتداء ، وتفيد معناها الذي هو الغاية ، إما في التحقير ، أو في التعظيم ، كما في بيت الفرزدق : فوا عجبا حتى كليب تسبني أي : تعجبوا لسب الناس إياي ، حتى كليب ، كأنه يقول : كل الناس تسبني حتى كليب على حقارتها. ولو خفض هنا كليب لجاز ، ويكون تسبني إما حال من كليب ، أو مستأنف ، وحتى كليب متعلق به. قال ابن المستوفي بعد أن نقله : قوله أي تعجبوا في تفسير وا عجبا ، غير صحيح لأنه ينادي العجب على ما ذكره العلماء تأدبا لا يأمر أحدا به. وقوله : ولو خفض كليب هنا لجاز محال ، لان الخفض بعد حتى إما أن يكون بالعطف على المجرور قبلها ، أو يكون بمعنى إلى ، ولا مجرور قبلها فتعطف عليه. وليست بمعنى الغاية إذ ليس ما قبلها مفردا من جنس ما بعدها. فبقي الرفع لا غير. وذكر قسميها في التعظيم والتحقير. ولم يأت إلا بالتحقير. وقوله : ويكن تسبني ، إما حال من كليب أو مستأنف بالرفع فيهما ، وصوابه : النصب فيهما. ولا أعلم ما أراد بقوله : وحتى كليب متعلق به. اه؟. أقول : أما فوا عجبا فقد روي أيضا : فيا عجبا بتنوين وبدنه. أما الأول فيحتمل أن يكون عجبا منادى منكرا ، ويحتمل أن يكون يا حرف تنبيه ، وعجبا مصدر منصوب بفعل محذوف ، ي : تعجبوا عجبا. ويحتمل أن تكون يا حرف نداء ، والمنادى محذوف ، أي : يا قوم ، وعجبا كذلك. فكلام الأندلسي جار على كل من هذين الوجهين. وأما الثاني فإنه أراد : فيا عجبي ، فقلب ياء المتكلم ألفا ، وهي لغة. وأما قوله : خفض كليب محال ... إلخ ، فنقول : هي جارة ، والمغيا غير مذكور ، والتقدير : فوا عجبا الناس تسبني حتى كليب. وهذا المذكور لا بد منه في الابتدائية أيضا. وقوله : ولم يأت إلا بالتحقير نقول : لا يضر ذلك. ومثال التعظيم :؟ حتى ماء دجلة أشكل البيت الآتي وقوله : صوابه النصب فيهما يعني أنه يجب أن يقول : ويكون يسبني إما حالا من كليب ، أو مستأنفا بنصبهما ، لأنه خبر كان ، وكأنه رفع على تقدير يكون ، إما تامة أو زائدة. وقوله : لا أعلم ما أراد بقوله : وحتى كليب متعلق به أقول : إنه يريد أن حتى الجارة تكون متعلقة بيسبني ، إذ كل جار لا بد له من متعلق. وهذا ظاهر. قال ابن هشام في المغني : ولا بد من تقدير محذوف قبل حتى من هذا البيت ، بكون ما بعد حتى غاية له ، أي : فوا عجبا يسبني الناس حتى كليب يسبني. والبيت من قصيدة للفرزدق هجا بها جريرا ، تقدم بعض منها في الشاهد السادس بعد السبعمائة. وقوله : فوا عجبا هو من قبيل الندية للتوجع ، كأنه يقول : أنا أتوجع لعدم حضورك يا عجبي ، فاحضر لهذا الأمر الذي يتعجب منه. وكليب : جد رهط جرير ، وهو جرير بن عطية بن الخطفى بن بدر بن سلمة بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. ويجتمع مع الفرزدق في حنظلة بن مالك. ونهشل ومجاشع أخوان ، ابنا دارم بن مالك بن حنظلة. ومجاشع قبيلة الفرزدق ، وهي أشرف من كليب. وأما نهشل فهم أعمام الفرزدق لا آباؤه ، وإن كانت العرب تسمي العم أبا. جعلهم في الصفة بحيث لا يسبون مثله لشرفه. يقول : يا عجبا لسب الناس إياي حتى كليب على ضعفها في القبائل ، وبعدها من الفضائل ، كأنه لها أبا كريما ، وحسبا صميما ، كما لنهشل ومجاشع. والسّبّ : الشتم. والسّبّ ، بالكسر : الذي يسابك وتسابه. انظر خزانة الأدب 3 / 413.

فإذا قلت : مررت بالقوم حتى زيد ، فإن أردت العطف فينبغي أن تعيد الياء لتفرق بين ما أنجر بالباء وبين ما أنجر (بحتى).

الضرب الثاني : المجرور بحتى : وهو ما انتهى الأمر عنده وهذا الضرب لا يجوز فيه إلا الجر ؛ لأن معنى العطف قد زال ، وذلك قولك : إن فلانا ليصوم الأيام حتى يوم الفطر فأنتهت (حتى) بصوم الأيام إلى يوم الفطر ولا يجوز أن تنصب (يوم الفطر) ؛ لأنه لم يصمه فلا يعمل الفعل فيما لم يفعله وكذلك إذا خالف الاسم الذي بعدها ما قبلها نحو قولك : قام القوم اليوم حتى الليل فالتأويل : قام القوم اليوم حتى الليل.

واعلم أنك إذا قلت : سرت حتى أدخلها فحتى على حالها في عمل الجر ، وإن كان لم يظهر هنا (وإن وصلتها) اسم ، وقال سيبويه : إذا قلت : سرت حتى أدخلها فالناصب للفعل هاهنا هو الجار للإسم إذا كان غاية.

ص: 379

فالفعل إذا كان غاية منصوب والاسم كان غاية جر وهذا قول الخليل.

وقال سيبويه : إنها تجيء مثل كي التي فيها إضمار (أن) وفي معناها ، وذلك قولك : كلمتك حتى تأمر لي بشيء : قال سيبويه : لحتى في الكلام نحو ليس لإلى تقول إنما أنا إليك أي : أنت غايتي ولا تكون حتى هاهنا.

وهي أعم من (حتى) تقول : قمت إليه فجعلته منتهاك من مكانك ولا تقول : حتاه وغير سيبويه يجيز : حتاه وحتاك في الخفض ولا يجيزون في النسق ؛ لأن المضمر المتصل لا يلي حرف النسق لا تقول : ضربت زيدا وك يا هذا ولا قتلت عمرا وه إنما يقولون في مثل هذا : إياك وإياه والقول عندي ما قال سيبويه : لأنه غير معروف إتصال حتى بالكاف وهو في القياس غير ممتنع.

ص: 380

مسائل من هذا الباب

تقول : ضربت القوم حتى زيدا وأوجعت تنصب لأنك جئت بحرف نسق على الأول وكذلك : ضربت القوم حتى زيدا ثم أوجعت وقال قوم : النصب في هذا لا غير لأنك جئت بحرف نسق على الأول تريد حتى ضربت زيدا وأوجعت وثم أوجت.

قال أبو بكر : وهذا عندي على ما يقدر المتكلم أن قدر الإيجاع لزيد فالنصب هو الحسن ، وإذا كان الإيجاع للقوم جاز عندي النصب والخفض وتقول : ضربت القوم حتى زيدا أيضا وحتى زيدا زيادة وحتى زيدا فيما أظن ؛ لأن هذه دلت على المضمر : كأنك قلت : حتى ضربت زيدا فيما أظن ، وحتى ضربت زيدا أيضا ، فإن جعلت : (فيما أظن) من صلة الأول خفضت كأنك قلت : ضربت القوم فيما أظن حتى زيد وتقول : أتيتك الأيام حتى يوم الخميس ولا يجوز : حتى يوم ؛ لأنه لا فائدة فيه وكذلك لو قلت : صمت الأيام إلا يوما ، فإن وقت ما بعد إلا وما بعد (حتى) حسن وكانت فيه فائدة فقلت : صمت الأيام إلا يوم الجمعة وحتى يوم الجمعة.

وقال قوم : إن أردت مقدار يوم جاز فقلت على هذا : أتيتك الأيام حتى يوم.

وقالوا : فإن قلت : أتيتك كل وقت حتى ليلا ، وحتى نهارا وكان الأول غير موقت والثاني غير موقت نصبت الثاني كما نصبت الأول وكان الخفض قبيحا.

وقال أبو بكر : وجميع هذا إنما يراعي به الفائدة واستقامة الكلام صلحا فيه فهو جائز.

ونقول : ضربت القوم حتى إن زيدا لمضروب.

فإذا أسقطت اللام ، فإن كانت (إن) مع ما بعدها بتأويل المصدر فتحتها.

قال سيبويه : قد عرفت أمورك حتى أنك أحمق كأنه قال : حتى حمقك وقال : هذا قول الخليل فهذا ؛ لأن الحمق جاء بتأويل المصدر وقد مضى تفسير ذا.

ص: 381

وتقول : ضربت القوم حتى كان زيد مضروبا وضربت القوم حتى لا مضروب صالحا فيهم جاز في هذا كما جاز الإستئناف والابتداء بعدها فلما جاز الابتداء جاز ما كان بمنزلة الابتداء وتقول : لا آتيك إلى عشر من الشهر.

وحتى عشر من الشهر لأنك تترك الإتيان من أول العشر إلى آخر هذه فتقع هنا (حتى) وإلى ولا تقول : آتيك حتى عشر إلا أن تريد : آتيك وأواظب على إتيانك إلى عشر.

وتقول : كتبت إلى زيد ولا يجوز حتى زيد ؛ لأنه ليس هنا ما يستثني منه زيد على ما بينت لك فيما تقدم.

وقوم يجيزون : ضربت القوم حتى زيدا فضربت إن أردت كلامين وقالوا : يجوز فيه الخفض والنصب والإختيار عندهم الخفض قالوا : وإن اختلف الفعل أدخل في الثاني الفاء ولم تسقط وخفض الأول نحو قولك : ضربت القوم زيد فتركت ولا يكون ضربت القوم حتى تركت زيدا.

وتقول : جلس حتى إذا تهيأ أمرنا قام وأقام حتى ساعة تهيأ أمرنا قطع علينا وانتظر حتى يوم شخصنا مضى معنا فيوم وساعة مجروران ، وإذا في موضع جر وهذا قول الأخفش ؛ لأن قولك : جلس حتى ساعة تهيأ أمرنا ذهب إنما قولك : ذهب جواب لتهيأ وحتى واقع على الساعة وهي غاية له.

وتقول : انتظر حتى إن قسم شيء أخذته منه فقولك : اخذت منه راجع إلى : قسم وهو جوابه وقع الشرط والجواب بعدها كما استؤنف ما بعدها وكما وقع الفعل والفاعل والابتداء والخبر.

وتقول : اقم حتى متى تأكل تأكل معنا.

وأقم حتى أينا يخرج نخرج معه فأي مبتدأه لأنها للمجازاة وكذلك : أجلس حتى أي يخرج تخرج معه.

ص: 382

وقال الأخفش : يقول لك الرجل : ائتني فتقول : إما حتى الليل فلا وإما حتى الظهر فلا وإما إلى الليل فلا ولا يحسن فيه إلا الجر وقال تقول : كل القوم حتى أخيك وهو الآن غاية ، وذلك أنه لا بد لكل القوم من جر وتقول : كل القوم حتى أخيك فيها لأنك أردت : كل القوم فيها حتى أخيك.

وتقول : كل القوم حتى أخيك ضربت.

وقال الأخفش في كتابه الأوسط : إن قوما يقولون : جاءني القوم حتى أخوك يعطفون الأخ على.

(القوم) وكذلك : ضربت القوم حتى أخاك قال : وليس بالمعروف.

وتقول : ضربت القوم حتى زيد ضربته على الغاية ولو قلت : حتى زيد مضروف فجررت زيدا لم يكن كلاما ؛ لأن مضروبا وحده لا يستغني ؛ لأنه اسم واحد كما استغنى ضربته فعل وفاعل وهو كلام تام.

ص: 383

باب الأسماء المخفوضة في القسم
اشارة

أدوات القسم والمقسم به خمس : الواو والباء والتاء واللام ومن فأكثرها الواو ثم الباء وهما يدخلان على محلوف تقول : والله لأفعلن وبالله لأفعلن فالأصل الباء كما ذكرت لك ألا ترى أنك إذا كنيت عن المقسم به رجعت إلى الأصل فقلت : به آتيك ولا يجوزوه لا آتيك ثم التاء ، وذلك قولك : تالله لأفعلن ولا تقال مع غير الله قال الله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) وقد تقول : تالله وفيها معنى التعجب وبعض العرب يقول في هذا المعنى فتجيء باللام ولا يجيء إلا أن يكون فيه معنى التعجب وقال أمية بن عائذ :

لله يبقى على الأيّام ذو حيد

بمشمخر به الظيّان والآس

يريد : والله لا يبقى إلا أن هذا مستعمل في حال تعجب.

وقد يقول بعض العرب : لله لأفعلن.

ومن العرب من يقول : من ربي لأفعلن ذاك ومن ربي إنك لا شر كذا حكاه سيبويه وقال : ولا يدخلونها في غير (ربي) ولا تدخل الضمة في (من) إلا هاهنا.

وقال الخليل : جئت بهذه الحروف لأنك تضيف حلفك إلى المحلوف به كما تضيف به بالباء إلا أن الفعل بيجيء مضمرا يعني أنك إذا قلت : والله لأفعلن وبالله لأفعلن فقد أضمرت : أحلف وأقسم وما أشبهه مما لا يتعدى إلا بحرف والقسم في الكلام إنما تجيء به للتوكيد وهو وحده لا معنى له لو قلت : والله وسكت أو بالله ووقفت لم يكن لذلك معنى حتى تقسم على أمر من الأمور وكذا إن أظهرت الفعل وأنت تريد القسم فقلت : أشهد بالله وأقسم بالله فلفظه لفظ الخبر إلا أنه مضمر بما يؤكده.

ويعرض في القسم شيئان : أحدهما : حذف حرف الجر والتعويض أو الحذف فيه بغير تعويض.

فأما ما حذف منه حرف الجر وعوض منه فقولهم : أي ها الله ثبتت ألف ها ؛ لأن الذي بعدها مدغم ومن العرب من يقول : أي هلله فيحذف الألف التي بعد الهاء.

ص: 384

قال سيبويه : فلا يكون في المقسم به هاهنا إلا الجر ؛ لأن قولهم (ها) صار عوضا من اللفظ بالواو فحذفت تخفيفا على اللسان ألا ترى أن الواو لا تظهر هاهنا.

ويقولون : أي ها الله للأمر هذا فحذف الأمر لكثرة استعمالهم وقدم (ها) كما قدم قوم : ها هو ذا وها أنذا قال زهير :

تعلمن ها لعمر الله ذا قسما

فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (1)

ومن ذلك ألف الاستفهام قالوا : الله ليفعلن فالألف عوض من الواو ألا ترى أنك لا تقول : او الله.

وقال سيبويه : ومن ذلك ألف اللام ، وذلك قولهم : أفالله لتفعلن : وقال : ألا ترى أنك إن قلت : أفو الله لم تثبت هذا قول سيبويه وللمحتج لسيبويه أن يقول : إن الألف كما جعلت عوضا قطعت وهي لا تقطع مع الواو.

الثاني : ما يعرض في القسم وهو حذف حرف الجر بغير تعويض : اعلم أن هذا يجيء على ضربين : فربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الفعل في المقسم فنصبوه.

وربما حذفوا حرف الجر وأعملوا الحرف في الاسم مضمرا.

فالضرب الأول قولك : الله لأفعلنّ وقال ذو الرمة :

ألا ربّ من قلبي له الله ناصح

ومن قلبه لي في الظّباء السّوانح

ص: 385


1- قال الأعلم : الشاهد فيه تقديم ها التي للتنبيه على ذا ، وقد حال بينهما بقوله : لعمر الله ، والمعنى : تعلمن لعمر الله هذا ما أقسم به. ونصب قسما على المصدر المؤكد ما قبله ، لأن معناه أقسم ، فكأنه قال : أقسم لعمر الله قسما. ومعنى تعلمن اعلم ، ولا يستعمل إلا في الأمر. وقوله : فاقصد بذرعك ، أي : اقصد في أمرك ، ولا تتعد طورك. ومعنى تنسلك : تندخل. يقول : هذا للحارث بن ورقاء الصيداوي ، وكان قد أغار على قومه ، وأخذ إبلا وعبدا ، فتوعده بالهجاء إن لم يرد عليه ما أخذ منه. انظر خزانة الأدب 3 / 461.

وقال الآخر :

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثريد

أراد : وأمانة الله.

ووالله فلما حذف أعمل الفعل المضمر ولكنه لا يضمر ما يتعدى بحرف جر.

وتقول : أي الله لأفعلنّ ومنهم من يقول : أي الله لأفعلن فيحرك أي بالفتح لالتقاء الساكنين ومنهم من يدعها على سكونها ولا يحذفونها ؛ لأن الساكن الذي بعدها مدغم.

والضرب الثاني : وهو إضمار حرف الجر وهو قول بعض العرب : الله لأفعلن.

قال سيبويه : جاز حيث كثر في كلامهم فحذفوه تخفيفا كما حذف ربّ قال : وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم : لاه أبوك حذفوا لام الإضافة واللام الأخرى ليخفوا الحرف على اللسان ، وذلك ينوون قال : وقال بعضهم : لهي أبوك فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذا صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر (أين) مفتوحا وإنما فعلوا ذلك به لكثرته في كلامهم فغيروا إعرابه كما غيروه.

واعلم أنه يجيء كلام عامل بعضه في بعض : إما مبتدأ وخبر وإما فعل وفاعل ومعنى ذلك القسم فالمبتدأ والخبر قولك : لعمر الله لأفعلن وبعض العرب يقول : وأيمن الكعبة وأيم الله فقولك : لعمر الله اللام : لام الابتداء وعمر الله : مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف كأنه قال :لعمر الله المقسم به وكذلك : أيم الله. وأيمن.

وتقول العرب : (عليّ عهد الله لأفعلن) ف- (عهد) مرتفعة ، و (عليّ) مستقر لها وفيها معنى اليمين وزعم يونس : أن ألف أيم موصولة وحكوا : أيم وإيم وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرجل وكذلك أيمن قال الشاعر :

فقال فريق القوم لمّا نشدتهم

نعم وفريق ليمن الله ما ندري

وأما الفعل والفاعل فقولهم : يعلم الله لأفعلن وعلم الله لأفعلن فإعرابه كإعراب : يذهب زيد والمعنى : والله لأفعلن.

ص: 386

قال سيبويه : وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرئ القيس :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي (1)

قال : جعلوه بمنزلة أيمن الكعبة وأيم الله وقالوا : تتلقى اليمين بأربعة أحرف من جوابات الأيمان في القرآن وفي الكلام ما ولا ، وإن واللام فأما : ما فتقول : والله ما قام. وما يقوم وما زيد قائما.

ولا تدخل اللام على (ما) ؛ لأن اللام تحقيق وما نفي فلا يجتمعان.

قال : وقول الشاعر :

لما أغفلت شكرك فاصطنعني

فكيف ومن عطائك جلّ مالي (2)

ص: 387


1- نسب هذا الشعر إلى شهاب بن العيف محمد بن حبيب ، والآمدي أيضا في كتاب أشعار بني شيبان ، ووقع في كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم أن هذا الشعر لعامر بن العيف ، أخي شهاب بن العيف. والله أعلم. وأنشد بعده : فقلت يمين الله أبرح قاعدا على أنه يجوز حذف حرف النفي من المضارع الواقع جواب القسم كما هنا ، وأصله : لا أبرح ، فحذف لا. وأما حذف النافي من الماضي ، ومن الجملة الاسمية فغير جائز اطرادا ، وقل الحذف منهما. أما الأول فنحو قول أمية بن أبي عائذ الهذلي : فإن شئت آليت بين المقا م والركن والحجر الأسود نسيتك ما دام عقلي معي أمد به أمد السرمد أي : لا نسيتك. قال ابن مالك : ويكثر ذلك إن تقدم نفي على القسم ، كقوله : فلا والله نادى الحي ضيفي أي : لا نادى. وأما الثاني ، فكقول عبد الله بن رواحة : فو الله ما نلتم ولا نيل منكم بمعتدل وفق ولا متقارب انظر خزانة الأدب 3 / 476.
2- لم يكن سبيل اللام الموجبة أن تدخل على ما النافية ، لو لا ما ذكرت من الشبه اللفظي. انتهى. وظاهر كلام الشارح أن إن في البيت مكسورة لوجود اللام ، ولو كانت مفتوحة لقال أشذ ، لدخولها في خبر أن المفتوحة ، وعلى حرف النفي ، فلما لم يقل أشذ عرف أنها مكسورة. وبه صرح ابن هشام في شرح أبيات ابن الناظم ، قال : إن بالكسر ، لدخول اللام في الخبر ومثله : " والله يعلم إنك لرسوله". والرواية فيه فتح أن ، نقله ابن عصفور في كتاب الضرائر عن الفراء. فيكون شذوذ اللام فيه من جهتين ، كما بيناه. قال ابن هشام : تكرار لا هنا واجب ، لكون الخبر الأول مفردا. وإفراد سواء واجب ، وإن كان خبرا عن متعدد ، لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء ، فحذف زائده ، ونقل إلى معنى الوصف. ومثله قول السموءل : سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم فليس سواء عالم وجهول وربما ثني ، كقول قيس بن معاذ : فيا رب إن لم تقسم الحب بيننا سواءين فاجعلني على حبها جلدا ومعنى البيت أن التسليم على الناس ، وعدمه ليسا مستويين ، ولا قريبين من السواء. وكان حقه لو لا الضرورة أن يقول : للاسواء ولا متشابهان. انتهى. قال العيني : وقد قيل إن المعنى : أعلم أن تسليم الأمر لكم ، وتركه ليسا متساويين ولا متشابهين. انتهى. قال ابن جني في المحتسب : مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته ، من حيث كان في كل جزء منه معنى ما في جملته. ألا ترى إلى قوله : واعلم أن تسليما وتركا البيت فهذا في المعنى كقوله : إن التسليم والترك لا متشابهان ولا سواء. انتهى. ونسب ابن جني في سر الصناعة هذا البيت إلى أبي حزام العكلي ، واسمه غالب بن الحارث. وعكل بضم العين وسكون الكاف : قبيلة. انظر خزانة الأدب 4 / 47.

فإنه توهم الذي والصلة.

وأما : لا فتقول : والله لا يقوم.

وتلغي (لا) من بين أخواتها جوابات الأيمان فتقول : والله أقوم إليك أبدا تريد : لا أقوم إليكم أبدا.

ص: 388

فإذا قلت : والله لا قمت إليك أبدا تريد : أقوم جاز ، وإن أردت : المضي كان خطأ فأما (إن) فقولك : والله إن زيدا في الدار وإنك لقائم وقوله عز وجل : (حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [الدخان].

قال الكسائي : إنا أنزلنا استئناف وحم والكتاب كأنه قال : حق والله.

وقال الفراء : قد يكون جوابا.

وأما اللام فتدخل على المبتدأ والخبر ، فتقول : والله لزيد في الدار هذه التي تدخل على المبتدأ والخبر.

وأما التي تدخل على الأفعال : فإن كان الفعل ماضيا قلت والله : لقد فعل وكذلك : والله لفيك رغبت.

وأما اللام التي تدخل على المستقبل ، فإن النونين : الخفيفة والثقيلة يجيئان معها نحو : والله ليقومنّ ولتقومن يا هذا ولهما باب يذكران فيه.

ص: 389

مسائل من هذا الباب

تقول : وحياتي ثم حياتك لأفعلنّ. ف- (ثم) : بمنزلة الواو.

وتقول : والله ثم الله لأفعلن ، وبالله ثم الله لأفعلن.

وإن شئت قلت : والله لآتينك ثم الله لأضربنك ، وإن شئت قلت : والله لآتينك لأضربنك.

قال سيبويه : وهذه الواو بمنزلة الواو التي في قولك : مررت بزيد وعمرو خارج يعني أن الواو في قولك : وعمرو خارج عطفت جملة على جملة كأنك قلت : بالله لآتينك الله لأضربنك ، مبتدأ ثم عطفت هذا الكلام على هذا الكلام فإذا لم تقطع جررت قلت : وإلا لآتينك ثم والله لأضربنك صارت بمنزلة قولك : مررت بزيد ثم بعمرو ، وإن قلت : والله لآتينك ثم لأضربنك الله لم يكن إلا النصب ؛ لأنه ضم الفعل إلى الفعل ثم جاء بالقسم على حدته.

وإذا قلت : والله لآتينك ثم الله فإنما أحد الاسمين مضموم إلى الآخر ، وإن كان قد أخر أحدهما ولا يجوز في هذا إلا الجر ؛ لأن الآخر معلق بالأول ؛ لأنه ليس بعده محلوف عليه.

قال سيبويه : ولو قال : وحقّك وحقّ زيد على وجه الغلط والنسيان جاز يريد بذلك أنه لا يجوز لغير كساه من عري وسقاه من العيمة فهذا بين أنها في هذا الموضع حرف لأنهم أجمعوا على أن (من) حرف وعن أيضا لفظة مشتركة للإسم والحرف.

قال أبو العباس : إذا قال قائل : على زيد نزلت وعن زيد أخذت فهما حرفان يعرف ذلك ضرورة لأنهما أوصلا الفعل إلى زيد كما تقول : بزيد مررت ، وفي الدار نزلت ، وإليك جئت ، فهذا مذهب الحروف ، وإذا قلت : جئت من عن يمينه فعن اسم ومعناها ناحية وبنيت لمضارعتها الحروف.

وأما الموضع الذي هي فيه اسم فوقلهم : من عن يمينك ؛ لأن (من) لا تعمل إلا في الأسماء.

ص: 390

قال الشاعر :

فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها

يمينا ومهوى النّجم من عن شمالك

وأما كاف التشبيه فقولك : أنت كزيد ومعناها معنى : مثل وسيبويه يذهب إلى أنها حرف.

وكذلك البصريون ويستدلون على أنه حرف بقولك : جاءني الذي كزيد كما تقول : جاءني الذي في الدار ولو قلت : جاءني الذي مثل زيد لم يصلح إلا أن تقول : الذي هو مثل زيد حتى يكون لهذا الخبر ابتداء ويكون راجعا في الصلة إلى الذي ، فإن أضمرته : جاز على قبح ، وإذا قلت : جاءني الذي كزيد لم تحتج إلى هو ومما يدلك على أنها حرف مجئها زائدة.

والأسماء لا تقع موقع الزوائد إنما تزاد الحروف قال الله عز وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : 11] فالكاف زائدة ؛ لأنه لم يثبت له مثلا تبارك وتعالى عن ذلك والمعنى : ليس مثله شيء.

وقد جاءت في الشعر واقعة موقع مثل موضوعة موضعها قال الشاعر :

وصاليات ككما يؤثفين ...

أراد كمثل ما.

وقال الآخر :

فصيروا مثل كعصف مأكول (1)

ص: 391


1- قال ابن جني في سر الصناعة : وأما قوله : فصيروا مثل كعصف مأكول فلا بد من زيادة الكاف ، فكأنه قال : فصيروا مثل عصف مأكول ، فأكد الشبه بزيادة الكاف كما أكد الشبه بزيادة الكاف في قوله تعالى : "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" إلا أنه في الآية أدخل الحرف على الاسم ، وهذا سائغ ، وفي البيت أدخل الاسم على الحرف ، فشبه شيئا بشيء. انتهى. وأنشده سيبويه على أنها فيه اسم لضرورة الشعر ، قال : إن ناسا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة مثل. قال الراجز : فصيروا مثل كعصف مأكول وقال الآخر : وصاليات ككما يؤثفين قال الأعلم : أدخل مثلا على الكاف إلحاقا لها بنوعها من الأسماء ضرورة. وجاز الجمع بينهما جوازا حسنا لاختلاف لفظيهما مع ما قصده من المبالغة في التشبيه. ولو كرر المثل لم يحسن. وقال صاحب الكشاف عند قوله : " ليس كمثله شيء" : ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد ، كما كررها من قال. وأنشد البيت وما بعده. وأورد عليه أن الكاف تفيد كونها التشبيه لا تأكيد النفي ، ونفي المماثلة المهملة أبلغ من نفي المماثلة المؤكدة ، فليست الآية نظيرا للبيت. وأجيب بأنها تفيد تأكيد التشبيه ، إن سلبا فسلب ، وإن إثباتا فإثبات. انظر خزانة الأدب 4 / 3.

فإضافته مثل إلى الكاف يدل على أنه قدرها اسما ، وهذا إنما جاء على ضرورة الشاعر.

وذكر سيبويه : أنه لا يجوز الإضمار معها إذا قلت : أنت كزيد لم يجز أن تكني عن زيد.

استغنوا بمثل وشبه فتقول : أنت مثل زيد وقال : مثل ذلك في حتى ومذ.

وقال أبو العباس : فأما الكاف وحتى فقد خولف فيهما قال : وهذا حسن والكاف أشد تمكنا فأما امتناعهم من الكاف ومذ وحتى فلعلة واحدة.

يقولون : كل شيء من هذه الحروف غير متمكن في بابه ؛ لأن الكاف تكون اسما وتكون حرفا فلا تضيفها إلى المضمر مع قلة تمكنها وضعف المضمر إلا أن يضطر شاعر.

و (منذ) تكون اسما وتكون حرفا.

و (حتى) تكون عاطفة وتكون جارة فلم تعط نصيبها كاملا في أحد البابين وقال : الكاف معناها معنى مثل فبذلك حكم أنها اسم ؛ لأن الأسماء إنما عرفت بمعانيها وأنت إذا قلت : زيد كعمرو أو زيد مثل عمرو فالمعنى واحد فهذا باب المعنى.

قال : وأما اللفظ فقد قيل في الكلام والأشعار ما يوجب لها أنها اسم.

قال الأعشى :

ص: 392

أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل (1)

ص: 393


1- الأبيات محل الشاهد هي : إني لعمر الذي حطت مناسمها تخدي وسيق إليه الباقر الغيل لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا لنقتلن مثله منكم فنمتثل وإن منيت بنا عن غب معركة لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل لا تنتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل حتى يظل عميد القوم مرتفقا يدفع بالراح عنه نسوة عجل أصابه هندواني فأقصده أو ذابل من رماح الخط معتدل قوله : إني لعمر الذي ... إلخ ، اللام للتوكيد ، وعمر بالفتح مبتدأ خبره محذوف يقدر بعد تمام البيت ، تقديره قسمي. وعمر مضاف إلى الذي بتقدير موصوف ، أي : لعمر الله الذي. ومعنى لعمر الله : أحلف ببقاء الله ودوامه. والبيت الذي بعده جواب القسم ، والقسم وجوابه خبر إني. وحطت ، بالحاء المهملة ، بمعنى اعتمدت. ومناسمها فاعله ، والمناسم : جمع منسم كمجلس ، وهو طرف خف الإبل. والضمير المؤنث ضمير الإبل وإن لم يجر لها ذكر ، لأن المناسم تدل عليها. والعائد إلى الذي محذوف تقديره إليه ، أي : إلى بيته ؛ ويدل عليه ما بعده. وتخدي بالخاء المعجمة والدال المهملة ، أي : تسير سيرا شديدا ، وفاعله ضمير المناسم فيه ، والجملة حال من المناسم. وإسناد الخدي إلى المناسم مجاز عقلي ، وفي الحقيقة إنما هو للإبل. وروى أبو عبيدة : له بدل تخدي ، فالعائد حينئذ مذكور. وقوله : وسيق عطف على حطت ، أي : وعمر الذي سيق إليه. والباقر نائب فاعل سيق ، وهو اسم جمع معناه جماعة البقر. والغيل بضمتين : جمع غيل ، بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية ، بمعنى الكثير. يريد : إني أقسم بالله الذي تسرع الإبل إلى بيته ، ويساق إليه الهدي. والخطيب التبريزي لم يأت في شرح هذا البيت بشيء ، مع أنه اختلفت الرواة فيه ، وخطأ العلماء بعضهم بعضا فيه. وقد روى أبو القاسم علي بن حمزة البصري في أول كتابه : التنبيهات على أغلاط الرواة. ما وقع للأئمة الأعلام من الردود ، وتخطئة بعضهم بعضا ، فلا بأس بإيراده ، قال : ونقل إلينا من غير وجه أن أبا عمرو الشيباني ، قال : روى أبو عبيدة بيت الأعشى : وسيق إليه الباقر العثل ، أي : بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحتين ، فأرسلت إليه : صحفت ، إنما هو الغيل ، أي : الكثير ، يقال : ماء غيل ، إذا كان كثيرا. وروى عنه أيضا أنه قال : الغيل : السمان ، من قولهم : ساعد غيل. وكان أبو عبيدة يروي هذا البيت. إني لعمر الذي حطت مناسمها تخدي وسيق إليه الباقر العثل وحكى ابن قتيبة أن أبا حاتم ، قال : سألت الأصمعي عنه ، فقال : لم أسمع بالعثل إلا في هذا البيت. ولم يفسره. قال : وسألت أبا عبيدة عنه ، فقال : العثل : الكثير. قال ابن قتيبة : وخبرنا غيره أن الأصمعي كان يروي : وجد عليها النافر العجل يريد : النفار من منى. والنافر لفظه لفظ واحد ، وهو معنى جمع. وقد اختلف عنه في العجل فقال بعض : العجل بضم العين ، وقال بعض العجل ، أي : فتح فكسر ، وجعله وصفا لواحد. قال : ورواه أبو عبيدة : حطت مناسمها بالحاء غير معجمة ، وقال : يعني حطاطها في السير ، وهو الاعتماد. ورواه الأصمعي : خطت مناسمها بالخاء المعجمة ، أي : شقت التراب. انظر خزانة الأدب 3 / 408.

فالكاف هي الفاعلة فإنق قال قائل : إنما هي نعت قيل له : إنما يخلف الاسم ويقوم مقامه ما كان اسما مثله نحو : جاءني عاقل ومررت بظريف وليس بالحسن.

ص: 394

المجرور بالإضافة
اشارة

القسم الثاني من الأسماء المجرورة من القسمة الأولى وهو المجرورة بالإضافة :الإضافة على ضربين : إضافة محضة ، وإضافة غير محضة.

والإضافة المحضة تنقسم إلى قسمين : إضافة اسم إلى اسم غيره بمعنى اللام ، وإضافة اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى (من).

أما التي بمعنى اللام فتكون في الأسماء والظروف.

فالاسم نحو قولك : غلام زيد ومال عمرو وعبد بكر وضرب خالد وكل الدراهم والنكرة إذا أضيفت إلى المعرفة صارت معرفة نحو : غلام زيد ودار الخليفة والنكرة تضاف إلى النكرة وتكون نكرة نحو : راكب حمار فأما مثل وغير وسوى فإنهن إذا أضفن إلى المعارف لم يتعرفن لأنهن لم يخصّصن شيئا بعينه.

وأما الظروف فنحو : خلف وقدام ووراء وفوق وما أشبهه تقول : هو وراءك وفوق البيت وتحت السماء وعلى الأرض.

والإضافة المحضة لا تجتمع مع الألف واللام ولا تجتمع أيضا الإضافة والتنوين ولا يجتمع الألف واللام والتنوين.

الثاني : المضاف بمعنى (من) ، وذلك قولك : هذا باب ساج وثوب خزّ وكساء صوب وماء بحر بمعنى : هذا باب من ساج وكساء من صوف.

الضرب الثاني : الإضافة التي ليست بمحضة.

الأسماء التي أضيفت إليها إضافة غير محضة أربعة أضرب

الأول : اسم الفاعل إذا أضفته وأنت تريد التنوين نحو : هذا ضارب زيد غدا وهو بمعنى يضرب.

والثاني : الصفة الجاري إعرابها على ما قبلها وهي في المعنى لما أضيفت إليه نحو : مررت برجل حسن الوجه المعنى : حسن وجهه.

ص: 395

شرح الثالث : وهو إضافة أفعل إلى ما هو بعض له

إذا قلت : (زيد أفضل القوم) فقد أضفته إلى جماعة هو أحدهم تزيد صفته على صفتهم وجميعهم مشتركون في الصفة تقول : عبد الله أفضل العشيرة فهو أحد العشيرة وهم شركاء في الفضل والمفضل من بينهم يزيد فضله على فضلهم ويدلّك على أنه لا بد من أن يكون أحد ما أضيف إليه أنك لو قلت : زيد أفضل الحجارة لم يجز ، فإن قلت : الباقون أفضل الحجارة صلح وأفضل هذه لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث وهي (أفضل) التي إذا لم تضفها صحبتها (منك) تقول : فلان خير منك وأحسن منك.

وقد اختلف الناس في الإحتجاج لتركيب افعل في هذا الباب وجمعه وتأنيثه فقال بعضهم : لأن تأويل هذا يرجع إلى المصدر كأنه إذا قال : قومك أفضل أصحابنا قد قال : فضل قومك يزيد على فضل سائر أصحابنا ، وإذا قلت : هو أفضل العشيرة فالمعنى أنّ فضله يزيد على فضل كل واحد من العشيرة وكذلك إذا قلت : زيد أفضل منك فمعناه : فضله يزيد على فضلك فجعلنا موضع : يزيد فضله أفضل تضمن معنى المصدر والفعل جميعا وأضفناه إلى القوم وما أشبههم وفيهم أعداد المفضولين لأنك كنت تذكر الفضل مرتين إذا أظهرت (يزيد) فتجعل فضلا زائدا على فضل زائد فصار الذي جمع هذا المعنى مضافا وقال آخرون : (أفعل) إنما لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث ؛ لأنه مضارع للبعض الذي يقع للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع بلفظ واحد وقال الكوفيون وهو رأي الفراء أنه إنما وحّد أفعل هذا ؛ لأنه أضيف إلى نفسه فجرى مجرى الفعل وجرى المخفوض مجرى ما يضمّن في الفعل فكما لا يثنى ولا يجمع الفعل فكذا لا يثنى هذا ولا يجمع.

قال أبو بكر : وأشبه هذه الإحتجاجات عندي بالصواب الاحتجاج الأول والذي أقوله في ذا أن (أفعل) في المعنى لم يثن ولم يجمع ؛ لأن التثنية والجمع إنما تلحق الأسماء التي تنفرد بالمعاني (وأفعل) اسم مركب يدل على فعل وغيره فلم يجز تثنيته وجمعه كما لم يجز تثنية الفعل ولا جمعه لما كان مركبا يدل على معنى وزمان وإنما فعلت العرب هذا اختصارا للكلام وإيجازا واستغناء بقليل اللفظ الدال على كثير من المعاني ولا يجوز تأنيثه لأنك إذا قلت : هند أفضل

ص: 396

منك فكان المعنى هند يزيد فضلها على فضلك فكان أفعل ينتظم معنى الفعل والمصدر والمصدر مذكر فلا طريق إلى تأنيثه وإنما وقع (أفعل) صفة من حيث وقع (فاعل) ؛ لأن فاعل في معنى (يفعل) وقد فسر أبو العباس معنى (منك) إذا قلت : زيد أفضل من عمرو أنه ابتداء فضله في الزيادة من عمرو وقد تقدم هذا في ذكرنا معنى (من) ومواضعها من الكلام فقولك :زيد أفضل (منك) وزيد أفضلكما في المعنى سواء إلا أنك إذا أتيت (بمنك) فزيد منفصل ممن فضلته عليه ، وإذا أضفت فزيد بعض ممن فضلته عليه ، فإن أردت (بأفعل) معنى فاعل ثنيت وجمعت وأنّثت فقلت : زيد أفضلكم والزيدان أفضلاكم والزيدون أفضلوكم وأفاضلكم وهند فضلاكم والهندان فضلياكم والهندات فضلياتكم وفضلكم ، وإذا قلت : زيد الأفضل استغنى عن (من) والإضافة وعلم أنه قد بان بالفضل فهو عند بعضهم إذا أضيف على معنى (من) نكرة وهو مذهب الكوفيين ، وإذا أضيف على معنى اللام معرفة وفي قول البصريين هو معرفة بالإضافة على كل حال إلا أن يضاف إلى نكرة.

الرابع : ما كان حقه أن يكون صفة للأول

فإن يك من الصفة وأضيف إلى الاسم ، وذلك نحو : صلاة الأولى ومسجد الجامع فمن قال هذا فقد أزال الكلام عن جهته ؛ لأن معناه النعت وحده الصلاة الأولى والمسجد الجامع ومن أضاف فجواز إضافته على إرادة : هذه صلاة الساعة الأولى وهذا مسجد الوقت الجامع أو اليوم الجامع وهو قبيح بإقامته النعت مقام المنعوت ولو أراد به نعت الصلاة والمسجد كانت الإضافة إليهما مستحيلة لأنك لا تضيف الشيء إلى نفسه لا تقول : هذا زيد العاقل والعاقل هو زيد وهذا قول أبي العباس رحمه الله.

وسئل عن قولهم : جاءني زيد نفسه ورأيت القوم كلّهم وعن قول الناس : باب الحديد ودار الآخرة وحقّ اليقين وأشباه ذلك فقال : ليس من هذا شيء أضيف إلا قد جعل الأول من الثاني بمنزلة الأجنبي فإضافته راجعة إلى معنى اللام ومن فأنت قد تقول : له نفس وله حقيقة والكل عقيب البعض فهو منسوب إلى ما يتضمنه الشيء فقد صار الاجتماع فيه كالتبعيض ؛ لأنه محيط بذلك البعض الذي كان منسوبا إليه ألا ترى أنك لو قلت : اخترت من العشرة ثلاثة لكانت إضافة ثلاثة إلى العشرة بعضا صحيحا فقلت : أضفت بعضها فإذا أخذتها كلّها فالكل

ص: 397

إنما هو محيط بالأجزاء المتبعضة وكل جزء منه ما كانت إضافته إلى العشرة جائزة فصار الكل الذي يجمعها إضافته إلى العشرة ؛ لأنه اسم لجميع أجزائها كما جاز أن يضاف كل جزء منها إليها فقيل له : أفلسنا نرجع إلى أنه إذا اجتمعت الأجزاء صار الشيء المجزيء هو كل الأجزاء وصار الشيء هو الكل والكل هو الشيء فقال : لا ؛ لأن الكل منفردا لا يؤدي عن الشيء كما أن البعض منفردا لا يؤدي عن المبعض دون إضافته إليه فكذلك الكلّ الذي جمع التبعيض وليس الكل هو الشيء المجزىء إنما الكل اسم لأجزائه جميعا المضافة إليه فصار هو بأنه اسم لكل جزء منها في الحكم بمنزلتها في إضافتها إلى المجزىء.

قال أبو بكر : وهذا القول الذي قاله حسن ألا ترى أنك لا تقول : رأيت زيدا كله ولا توقع الكلّ إلا على ما كان يجوز فيه التبعيض وسئل عن قولهم : دار الآخرة لم لم نقل الآخر فقال : لأن أول الأوقات الساعة فأكثر ما يجوز في هذا التأنيث كقولهم ذات مرة ولو جرى بالتذكير كان وجها فما جرى منه بالتأنيث حمل على الساعة ألا ترى أنه يسمى يوم القيامة الساعة ؛ لأن الساعة أول الأوقات كلّها ، وأما النفس فهي بمنزلة حقيقة الشيء وكذلك عينه أما أسماؤه الموضوعة عليه الفاصلة بينه وبين خبره فلا يجوز إضافة شيء منها إلى شيء ألا ترى أن رجلا اسمه وهو شاب أو شيخ لا يجوز أن تقول : زيد الشاب فتضيف ولا زيد الشيخ ولا شيخ زيد ولا شاب زيد فقيل له : وقد رأينا العلماء إذا لقب الرجل بلقب ثم ذكر لقبه مع اسمه جاز أن تضيف اسمه إلى لقبه كقولك : زيد رأس وثابت قطنة ولا تجد بين ثابت وقطنة إذا كان قد عرفا فرقا فقال : اللقب مما يشتهر به الاسم حتى يكون هو الأعرف ويكون اسمه لو ذكر على أفراده مجهولا فصار اللقب علما والاسم مجرورا إليه كالمقطوع عن المسمى ؛ لأن الملقب إنما يراد بلقبه طرح اسمه وقد كانت تسميتهم أن يسمى الشيء بالاسم المضاف إلى شيء كقولك :عبد الدار وعبد الله فجعلوا الاسم مع لقبه بمنزلة ما أضيف ثم سمي به وكان اللقب أولى بأن يضاف الاسم إليه ؛ لأنه صار أعرف من الاسم وأصل الإضافة تعريف كقولك : جاءني غلام زيد فالغلام يتعرب بزيد فلذلك جعل الاسم مضافا إلى اللقب.

ومن الإضافة التي ليست بمحضة إضافة أسماء الزمان إلى الأفعال والجمل ونحن نفرد بابا لذلك إن شاء الله.

ص: 398

باب إضافة الأسماء إلى الأفعال والجمل
اشارة

اعلم أن حق الأسماء أن تضاف إلى الأسماء وأن الأصل والقياس أن لا يضاف إسم إلى فعل ولا فعل إلى اسم ولكن العرب اتسعت في بعض ذلك فخصت أسماء الزمان بالإضافة إلى الأفعال ؛ لأن الزمان مضارع للفعل ؛ لأن الفعل له بنى فصارت إضافة الزمان إليه كإضافته إلى مصدره لما فيه من الدليل عليهما ، وذلك قولهم : أتيتك يوم قام زيد وأتيتك هو يقعد عمرو فإذا أضفت إلى فعل معرب فإعراب الاسم عندي هو الحسن تقول : هذا يوم يقوم زيد وقوم يفتحون (اليوم) ، وإذا أضفته إلى فعل مبني جاز إعرابه وبناؤه على الفتح وأن يبنى مع المبني أحسن عندي من أن يبنى مع المعرب وهذا سنعيد ذكره في موضع ذكر الأسماء المبنية إن شاء الله.

وقال الكوفيون : تضاف الأوقات إلى الأفعال وإلى كل كلام تم وتفتح في موضع الرفع والخفض والنصب فتقول : أعجبني يوم يقوم ويوم قمت ويوم زيد قائم وساعة قمت ويجوز عندهم أن يعرب إذا جعلته بمنزلة إذ ، وإذا كأنك إذا قلت : يوم قام زيد إذا قام زيد ، وإذا قلت : يوم يقوم زيد قلت : إذا يقوم ولك أن تضيف أسماء الزمان إلى المبتدأ وخبره كقولك : أتيتك زمن زيد أمير كما تقول : إذا زيد أمير والأوقات التي يجوز أن يفعل فيها هذا ما كان حينا وزمانا يكون في الدهر كله لا يختص منه به شيء دون شيء كقولك : أتيتك حين قام زيد وزمن قام ويوم قام وساعة قام وعام وليلة وأزمان وليالي قام وأيام قام ويفتح في الموقتات كقولك :شهر قام وسنة قام وقالوا : لا يضاف في هذا الباب شيء له عدد مثل يومين وجمعه ولا صباح ولا مساء ، وأما ذو تسلم وآية يفعل فقال أبو العباس : هذا من الشواذ قالوا : أفعله بذي تسلم وآية يقوم زيد فأما آية فهي علامة والعلامة تقع بالفعل وبالاسم وإنما هي إشارة إلى الشيء فجعله لك علما لتوقع فعلك بوقوعه ، وأما بذي تسلم فإنه اسم لم يكن إلا مضافا فاحتمل أن يدخل على الأفعال والتأويل : بذي سلامتك وفيه معنى الذي فصرفه إلى الفعل وليس بقياس عليه.

ص: 399

قال أبو بكر : وللسائل في هذا الباب أن يقول : إذا قلت : آتيك يوم تقوم فإنها بمعنى يوم قيامك فلم لا تنصب الفعل بأضمار (أن) كما فعل باللام ، فإن الإضافة إنما هي في الأسماء فالجواب في ذلك أنّ أن لا تصلح في هذا الموضع لو قلت : أجيئك يوم أن يقوم زيد لم يجز ؛ لأن هذا موضع يتعاقب المبتدأ والخبر والفاعل فيه ويحسن أن يقع موقع اسم إذ ، وإذا وجميع ذلك لا يصلح مع (أن) وليس كل موضع يقع فيه المصدر تصلح فيه (أن) ألا ترى أنك إذا قلت :ضربا زيدا لم يقع هذا الموضع (أن تضرب).

وحكى الكوفيون : أن العرب تضيف إلى (أنّ وأن) فتقول : أعجبني يوم أنّك محسن ويوم أن تقوم ومن أجاز هذا فينبغي أن يجيز : (يوم يقوم) فينصب ولا يجوز أن يبنى اليوم ؛ لأنه قد أضافه إضافة صحيحة وأظن أن الفراء كان ربما أجازه وربما لم يجزه أعني أن يعرب (يوم) أو يبنيه وكان يقيسه على قوله :

هل غير أن كثر الأشد وأهلكت

حرب الملوك أكاثر الأقوام

ص: 400

مسائل من هذه الأبواب

تقول : (هذا معطي زيد أمس الدراهم) بعد الإضافة أضفت (الدراهم).

قال أبو العباس : وليس كذلك لأنك أعملت فيها (معطي) هذه التي ذكرنا ولكن جاءت الدراهم بعد الإضافة فحملت في النصب على المعنى ؛ لأنك ذكرت اسما يدل على فعل ولا موضع لما بعده إذا كان قد استغنى بالتعريف فحملته على المعنى الذي دل عليه ما قبله وكذلك لو قلت : هذا ضارب زيد أمس وعمرا لجاز والوجه الجر لأنهما شريكان في الإضافة ولكن الحمل على المعنى يحسن إذا تراخى ما بين الجار والمجرور ومن ذلك حمل على جعل الليل سكنا قول الله عز وجل : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) [الأنعام : 96] ؛ لأن الاسم دل على ذلك ولو قال قائل : (مررت بزيد وعمرو) لجاز ؛ لأن (بزيد) مفعول والواصل إليه الفعل بحرف في المعنى كالذي يصل إليه الفعل بذاته ؛ لأن قولك : (مررت بزيد) معناه أتيت زيدا إلا أن الجر الوجه للشركة.

وقولك : خشنت بصدره وصدر زيد وهو إذا نصبت في هذا الموضع أحسن من قولك :مررت بزيد وعمرو ؛ لأن قولك : (خشنت) يجوز فيه حذف الباء ولا يجوز في : (مررت بزيد) حذفها.

وتقول : (عبد الله الضارب زيدا) جميع النحويين على أن هذا في تقدير : الذي ضرب زيدا ولم يجيزوا الإضافة وزعم الفراء : أنه جائز في القياس على أن يكون بتأويل : (الذي هو ضارب زيد) وكذا حكم : (زيد الحسن الوجه) عنده أن يكون تأويله الذي هو حسن الوجه وقد ذكرنا أصول هذا وحقائقه فيما تقدم وتقول عبد الله الحسن وجها ولا يجوز : الحسن وجه ؛ لأنه يخالف سائر الإضافات ، وأما أهل الكوفة فيجوز في القياس عندهم إلا أنهم يقولون : (الوجه) مفسر ، وإذا دخل في الأول ألف ولام دخل في مفسره عندهم ومن قولهم : خاصة العشرون الدرهم والخمسة الدراهم والمائة الدرهم ولا يجوزّ هذا البصريون ؛ لأنه نقض لأصول الإضافة والبصريون يقولون : خمسة الدراهم ومائة الدرهم فيدخلون الألف واللام في الثاني

ص: 401

ويكون الأول معرفا به على سبيل الإضافة ويقولون : العشرون درهما والخمسة عشر درهما فيدخلون الألف واللام في الأول فيكون معرفا يقرون الثاني على حده في النكرة.

وقيل لأبي العباس رحمه الله : ألستم تقولون : عبد الله الضاربه والضاربك والضاربي فتجمعون على أن موضع الكاف والهاء خفض قال : بلى قيل له : فهذا يوجب الضارب زيد ؛ لأن المكنى على حد الظاهر ومن قولك أنت خاصة : أن كل من عمل في المظهر جائز أن يعمل في المضمر وكذلك ما عمل في المضمر جائز أن يعمل في المظهر فقال : نحو قول سيبويه : أن هذه الحروف يعني حروف الإضمار قلّت وصارت بمنزلة التنوين لأنها على حرف كما أن التنوين حرف فاستخفوا أن يضيفوا إليها الفاعل لأنها تصير في الاسم كبعض حروفه وحكى لي عنه بعد أنه قال : (الضاربه) (الهاء) في موضع نصب ؛ لأن لا تنوين هاهنا تعاقبه الهاء والضارباه (الهاء) في موضع خفض فإذا أردت النصب أثبت النون بناء على الظاهر وبه اختلف الناس في المضمر فأما الظاهر فلا أعلم أحدا يجيزه الخفض إلا الفراء وحكى لنا عنه أنه قال : وليس من كلام العرب إنما هو قياس ويقول : أعجبني يوم قام زيد ويوم قيامك نسقت بإضافة محضة على إضافة غير محضة ، فإن قلت أعجبني يوم قمته فرددت إلى (يوم) ضميرا في (قام) لم تجز الإضافة قال الله عز وجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : 281] والمضاف إلى غير محض لا يؤكد ولا ينعت.

ومن الكوفيين من يجيز تأكيده.

وقال الأخفش : في قول العرب : اذهب بذي تسلم وإنما هو اذهب لسلامتك أي : اذهب وأنت سالم كما تقول : قام بحمقة وقام بغصة وخرج بطلعته أي خرج وهو هكذا وهذا في موضع حال قال : وإن شئت قلت : معناه معنى سلمك الله وجاء في لفظ ما لا يستغنى وحده ألا ترى أنك تقول زيد بسلامته كما تقول : زيد سلمه الله ولا تقول : إنك بذي تسلم وتقول :إنك مسلمك الله إلا أن تدعو له ، فإن دعوت لم يحسن حتى تجيء له بخبر ؛ لأن لا بد لها من خبر وقد خرج مسلمك الله من أن يكون خبرا وقال : تقول : هذه تمرة قريثاء يا هذا ، وإن شئت قلت : كريثاء وهما لغتان وتمرتا كريثاء إذا أردت الإضافة وهاتان تمرتان قريثاء إذا أردت

ص: 402

النعت وهذه تمرة دقلة وتمرتان دقلتان إذا نعت وتمرتا دقل إذا أضفت وتقول هذه تمرة إذاذة وتمرتان إذاذتان وتمرتا إذاذ قال : وليس شيء من الأجناس يثنى ويجمع إذا وصف به إلا التمر.

قال أبو بكر : والذي عندي أن كل جنس اختلف ضروبه جاز أن يثنى ويجمع إذا أردت ضربين منه أو أكثر وتقول : هذا رجل حسن وجه الأخ جميله فتضمن الوجه لأنك قد ذكرته وتقول هذان رجلان حسنا الوجوه جميلاها تضيف (الجميلين) إلى الوجوه وإنما قلت : جميلاها فأنثت ؛ لأن الوجوه مؤنثة وتقول : هذا رجل أحمر الجارية لا أسودها فقلت أحمر وإنما الحمرة للجارية لأنك تجري التأنيث والتذكير على الأول وعطفت الأسود على الأحمر وأضفت الأسود إلى الجارية كما أضفت الأحمر إليها وتقول : هذان رجلان أحمرا الجارية لا أسوداها وهولاء رجال حمر الجواري لا سودها تجعل التثنية والجمع والتأنيث والتذكير على الأول وتقول : هذا رجل أبيض بطن الراحة لا أسوده وإنما قلت : لا أسوده ؛ لأن البطن مذكر وتقول : هذان رجلان أبيضا بطون الراح لا أسوداها وإنما قلت : الراح ؛ لأنه جمع جماعة الراحة وقلت : بطون ؛ لأن كل شيئين من شيئين فهو جماعة وتقول هؤلاء رجال حمر بطون الراح لا سودها ، وأجاز الأخفش : هذان أخواك أبيض بطوح الراح لا أسوديها وقال : لأن أخويك معرفة وأبيض بطون الراح نكرة وقال : تقول : هذه جاريتك بيضاء بطن الراحة لا سوداءه لأنك أضفت إلى البطن وهو مذكر ونصبت بيضاء وسوداء ؛ لأنه نكرة وهؤلاء رجال بيض بطون الراح لا سودها ؛ لأن هذا نكرة وصف بنكرة وتقول : هذا رجل أحمر شرك النعلين إذ جعلت الشراكين من النعلين ، وإن شئت لم تجعلهما من النعلين فقلت : هذا رجل أحمر شراكي النعلين وتقول هاتان حمراوا الشراك لا صفراواها ، وإن شئت حمراوا الشراكين لا صفراوهما وتقول : مررت بنعلك المقوطعتي إحدى الأذنين ومررت برجل مقطوع إحدى الأذنين ولا.

تقول : مررت برجلين مقطوعي إحدى الآذان ؛ لأن (إحدى) لا تثنى ولا تجمع وتقول : مررت برجل مكسور إحدى الجانبين ولا تقول : مررت برجلين مكسوري أحد الجنوب ؛ لأنه يلزمك أن تثني (أحدا) ؛ لأن جنب كل واحد منهما مكسور ولا يجوز تثنية أحد ولا إحدى ؛ لأن موضع أحد وإحدى من الكلام في الإيجاب أن يدلا على أن معهما غيرهما ألا ترى أنك إذا

ص: 403

قلت : إحداهما أو أحدهم فليس يكون إلا مضافا لا بد من أن يكون معه غيره فلو ثنيت زال هذا المعنى وكذلك (كلا وكلتا) لا يجوز أن يثنى ولا يجمع لأنهما يدلان على اثنين فلو ثنيا لزال ما وضعا له ولو قلت : مررت برجلين مكسوري أحد الجنوب وأنت تريد أن أحدهما مكسور الجنب جاز على قبح ؛ لأن تأويله : مررت برجلين مكسور أحد جنوبهما.

قال الأخفش : ولو قلت : أي النعال المقطوعة إحدى الآذان نعلك وواحدة منهن المقطوعة إحدى الأذنين لجاز على قبحه وقال : ألا ترى أنك لو قلت : ضربت أحد رؤوس القوم وإنما ضربت رأسا واحدا لكان كلاما ولو قلت : قطعت إحدى آذان هؤلاء القوم وإنما قطعت أذنا واحدة لجاز وتقول : هذا رجل لا أحمر الرأس فأقول : أحمره ولا أسوده فأقول : أسود ومررت برجلين لا أحمري الرؤوس فأقول : أحمراهما ولا أسوديهما فأقول : أسوداها ومررت برجال لا حمر الرؤوس فأقول : حمرها ولا سودها فأقول سودها ومررت بامرأة لا حمراء الرأس فأقول : حمراوة ولا سوداية فأقول : سوداية ونصبت (أقول) في كل هذا لأنها بالفاء وهو جواب النفي ورفعت ما بعد القول : لأن ما بعد القول لا يقع إلا مرفوعا وعطفت قولا وما بعده على الذي قبله وكذلك : مررت بامرأتين لا حمراوي الرؤوس فأقول حمراواهما ولا سوداويهما فأقول سوداواها وتقول : هذه امرأة أحمر ما بين عينيها لا أسود.

ترفع (بين) إذا جعلت (ما) لغوا لأنك جعلت الصفة (للبين) فرفعته بها كما ترفع بالفعل.

وقلت : أسود ولم تصف لأنك لم تضف الأول وكذلك تقول : هاتان امرأتان أحمر ما بين عينيهما لا أسود ، فإن جعلت (ما) بمنزلة (الذي) ولم تجعلها زائدة وجعلتها في موضع رفع فرفعتهما بأحمر نصبت البين لأنه ظرف ، فإن أضفت أحمر ونقلت إلى العينين قلت إذا جعلت (ما) لغوا قلت : هذه امرأة حمراء ما بين العينين لا سودائه وهذا رجل أحمر ما بين العينين لا أصفره لما أضفت أحمر إلى ما بين وأضفت أصفر إلى ضميره وتقول : هذان رجلان أحمرا ما بين الأعين لا أصفراه وهؤلاء رجال حمر ما بين الأعين لا صفره إذا ألغيت (ما) ، فإن جعلت (ما) بمنزلة (الذي) جعلتها في موضع جر وأضفت إليها الصفة وجعلت (بين) ظرفا (لما) فقلت :

ص: 404

هاتان امرأتان حمراوا ما بين الأعين لا صفراواه فهذه الهاء التي في قولك : لا صفراواه (لما) فكأنك قلت : هاتان امرأتان حمراوا الذي بين الأعين.

واعلم أنه من قال : مررت برجل حسن الوجه قال : مررت برجل أحمر الوجه ؛ لأن أحمر لا ينصرف ومن قال : مررت برجل حسن الوجه جميله لم يجد بدا من أن يضيف جميلا إلى مررت برجل حسن الوجه جميله لم يجد بدا من أن يضيف جميلا إلى ضمير الوجه فكذلك : مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره لم يجد بدا من أن يضيف أصفر إلى ضمير الوجه ، وإذا أضافه أنجز ويشبه هذا مررت برجل ضارب أخاك لا شاتمه لا تجد بدا من أن تقول : لا شاتمه لأنك تجيء بالاسم المفعول فإذا جئت بالاسم المفعول به في هذا الباب مضمرا لم تكن الصفة إلا مضافة إليه نحو : هذان ضاربان غدا فلذلك قلت : أصفره فصرفت (أصفر) لأنك أضفته ولم تجعله يعمل كعمل الأول ؛ لأن المضمر والمظهر يختلفان في هذا الباب ألا ترى أنك تقول :مررت بنسوة ضوارب زيدا لا قواتله تجر الآخر وتفتح ضوارب لأنك أردت معنى التنوين ويدلك على ذلك أنك تقول : مررت برجلين أحمرين الوجوه ولا أصفريها ولا يجوز بوجه من الوجوه أصفرنيها ، فإن قلت : لم لا أقول : لا أصفرين ؛ لأن لم أضف الأول فلا أضيف الآخر فلأن الأول قد وقع على شيء حين صار كالمفعول به فلا بد من أن يكون الثاني أيضا له مفعول نجزت الأسماء المرفوعات والمنصوبات والمجرورات وسنذكر توابعها في إعرابها إن شاء الله.

ص: 405

هذه توابع الأسماء في إعرابها

اشارة

التوابع خمسة : التوكيد والنعت وعطف البيان والبدل والعطف بالحروف ، وهذه الخمسة : أربعة تتبع بغير متوسط والخامس وهو العطف لا يتبع إلا بتوسط حرف فجميع هذه تجري على الثاني ما جرى على الأول من الرفع والنصب والخفض.

شرح الأول : وهو التوكيد
اشارة

التوكيد يجيء على ضربين إما توكيد بتكرير الاسم وإما أن يؤكد بما يحيط به.

الأول : وهو تكرير الاسم

اعلم أنه يجيء على ضربين ضرب يعاد فيه الاسم بلفظه وضرب يعاد معناه فأما ما يعاد بلفظه فنحو قولك : رأيت زيدا زيدا ولقيت عمرا عمرا وهذا زيد زيد ومررت بزيد زيد وهذا الضرب يصلح في الأفعال والحروف والجمل وفي كل كلام تريد تأكيده فأما الفعل فتقول : قام عمرو قام وقم قم واجلس اجلس قال الشاعر :

ألا فاسلمي ثمّ اسلمي ثمّت اسلمي

ثلاث تحيّات ، وإن لم تكلّمي

وأما الحروف فنحو قولك : في الدار زيد قائم فيها.

فتعيد فيها (توكيدا) وفيك زيد راغب فيك وقال الله عز وجل : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : 108] إلا أن الحرف إنما يكرر مع ما يتصل به لا سيما إذا كان عاملا ، وأما الجمل فنحو قولك : قام عمرو قام عمرو وزيد منطلق وزيد منطلق والله أكبر الله أكبر وكل كلام تريد تأكيده فلك أن تكرره بلفظه.

الثاني : الذي هو إعادة المعنى بلفظ آخر نحو قولك : مررت بزيد نفسه وبكم أنفسكم وجاءني زيد نفسه ورأيت زيدا نفسه ومررت بهم أنفسهم فحق هذا أن يتكلم به المتكلم في عقب شك منه ومن مخاطبه فتقول : مررت بزيد نفسه كما تقول : مررت بزيد لا أشك ومررت بزيد حقا لتزيل الشك فإذا قلت : قمت نفسك فهو ضعيف ؛ لأن النفس لم تتمكن في التأكيد لأنها تكون اسما تقول : نزلت بنفس الجبل وخرجت نفسه وأخرج الله نفسه فلما وصلتها

ص: 406

الاسم المضمر في الفعل الذي قد صار كأحد حروفه فأسكنت له ما كان في الفعل متحركا ضعف ذلك من حيث ضعف العطف عليه.

فإن أكدته ظهر ما يجوز أن تحمل النفس عليه فقلت : قمت أنت نفسك وقاموا هم أنفسهم ، فإن أتبعته منصوبا أو مجرورا حسن ؛ لأن المنصوب والمجرور لا يغيران الفعل تقول : رأيتكم أنفسكم ومررت بكم أنفسكم ومررت بكم أنفسكم وتقول : إن زيدا قام هو نفسه فتؤكد المضمر الفاعل المتصل بالمكنى المنفصل وتؤكد المكنى المنفصل بالنفس كالظاهر.

إن زيدا قام نفسه فحملته على المنصوب جاز وكذلك : مررت به نفسه ورأيتك نفسك ؛ لأن المنصوب والمجرور المضمرين لا يغير لهما الفعل.

الضرب الثاني في التأكيد : وهو ما يجيء للإحاطة والعموم

تقول : جاءني القوم أجمعون وجاءني القوم كلهم وجاءوني أجمعون وكلهم ، وإن المال لك أجمع أكتع ترفع إذا أردت أن تؤكد ما في (لك) ، وإذا أردت أن تؤكد المال بعينه نصبت وكذلك : مررت بدارك جمعاء كتعاء أو مررت بنسائك جمع كتع.

ولا يجوز بزيد أجمع ولا بزيد كله وإنما يجوز ذلك فيما جازت عليه التفرقة.

وأجمعون وما تصرف منها وكل إذا كانت مضافة إلى الضمير وجميعهن يجرين على كل مضمر إلا أجمعين لا تكون إلا تابعة لا تقول : رأيت أجمعين ولا مررت بأجمعين لا يجوز أن يلي رافعا ولا ناصبا ولا جارا فلما قويت في الإتباع تمكنت فيه وصلح ذلك في (كلّ) لأنها في معنى (أجمعين) في العموم ، وذلك قولك : إن قومك جاءوني أجمعون ومررت بكم أجمعين فمعناها العموم ، وذلك مخالف لمعنى نفسه وأنفسهم ؛ لأن أنفسهم وأخواتها تثبت بعد الشك فإذا قلت : مررت بهم كلّهم فهو بمنزلة (أجمعين) ومررت بهم جميعهم وتقول : مررت بدارك كلها ولا تقول : مررت بزيد كله ولو قلت : أخذت درهما أجمع لم يجز ؛ لأن درهما نكرة وأجمع معرفة كما لا يجوز : مررت برجل الظريف إلا على البدل ولا يجوز البدل في (أجمع) ؛ لأنه لا يلي العوامل ولكن يجوز أخذت الدرهم أجمع وأكلت الرغيف كله.

ص: 407

فأما قولهم : مررت بالرجل كلّ الرجل ، فقال أبو العباس معناه : مررت بالرجل المستحقّ ؛ لأن يكون الرجل الكامل لأنك لا تقول : ذاك إلا وأنت تريد حزمه ونفاذه أو جبنه وشجاعته وما أشبه ذلك فإذا قلت : مررت بالرجل كل الرجل فهو كقولك : مررت بالعالم حقّ العالم ومررت بالظريف حقّ الظريف ولو قلت على هذا : مررت بزيد كل الرجل لم يجز إلا ضعيفا ؛ لأن زيدا اسم علم وليس فيه معنى تقريظ ولا تخسيس وكذلك : مررت برجل كلّ رجل وبعالم حق عالم وبتاجر خير تاجر فجميع هذا ثناء مؤكد وليس بنعت يخلص واحدا من آخر ولو قلت : زيد كلّ الرجل فجعلته خبرا صلح ؛ لأنه ليس بتأكيد لشيء ولكنه ثناء خالص كما تقول : زيد حقّ العالم وزيد عين العالم لأنك لو قلت : مررت بزيد حقّ العالم لم يكن هذا موضعه وتقول : مررت بالرجلين كليهما ومررت بالمرأتين كلتيهما ولك أن تجري ثلاثتهم وأربعتهم مجرى كلهم فتقول : مررت بهم ثلاثتهم ولك أن تنصب كما تنصب (وحده) في قولك : مررت برجل وحده وكذلك المؤنث : مررت بهن ثلاثتهن وأربعتهن ولك أن تقول : أتينني ثلاثتهن وأربعتهن نصبا ورفعا قال الأخفش : فإذا جاوزت العشرة لم يكن إلا مفتوحا إلى العشرين تقول للنساء أتينني ثماني عشرهن وللرجال أتوني ثمانية عشرهم ، وأما نصبك (وحده) فعلى المصدر كأنك قلت : أوحدته إيحادا فصار وحده كقولك : إيحادا كأنك قلت :أفردته إفرادا وتقول : إنّ المال لك أجمع أكتع إذا أردت أن تؤكد ما في (لك).

وأما (كلهم) فالأحسن أن تكون جامعين وقد يجوز أن تلي العوامل وتقول إن القوم جاءوني كلهم وكلهم : النصب إذا أكدت (القوم) والرفع إذا أكدت الفاعلين المضمرين في (جاءوني) ويجوز أن تقول : إن قومك كلهم ذاهب يحسن عند الخايل أن يكون مبتدأ بعد أن تذكر (قومك) فيشبه التوكيد ؛ لأن التوكيد لا يكون إلا جاريا على ما قبله ويجوز أيضا قومك ضربت كلهم لهذه الإضافة الواقعة في (كلّ) فصار معاقبا (لبعضهم) كقولك : ضربت بعضهم وهو على ذلك ضعيف والصواب الجيد : قومك ضربتهم كلهم ؛ لأن المعنى معنى (أجمعين) في العموم والتأكيد فأما قوله عز وجل : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : 154] فالنصب على التوكيد للأمر والرفع على قولك : إن الأمر جميعه لله.

ص: 408

واعلم أنه لا يجوز أن تقول : مررت بقومك إما بعضهم وإما أجمعين وإما كلهم وإما بعضهم ؛ لأن أجمعين لا تنفرد ولكن تقول : إما بهم كلهم وإما بهم أجمعين ، فإن قلت : مررت بقومك إما كلهم وإما بعضهم جاز على قبح فأما ما يؤكد به (أجمعون) من قولك : جاءني قومك أجمعون أكتعون ونحوه فإنما هو مبالغة ولا يجوز أن يكون أكتعون قبل (أجمعين) وكذلك سائر هذه التوكيدات نحو قولك : ويلة وعولة وهو جائع نائع وعطشان نطشان وحسن بسن وقبيح شقيح وما أشبه هذا إلا يكون المؤكّد قبل المؤكّد وكلاهما وكلتاهما وكلهن يجرين مجرى (كلهم) فأما النكرة فلا يجوز أن تؤكد بنفسه ولا أجمعين ولا كلهم ؛ لأن هذه معارف ، فإن أكدت بتكرير اللفظ بعينه لم يمتنع أن تقول : رأيت رجلا رجلا وأصبت درة درة فأما قولهم : (مررت برجل كلّ رجل) فإنما هذا على المبالغة في المدح كأنك قلت : مررت برجل كامل.

الثاني من التوابع : وهو النعت
اشارة

النعت ينقسم بأقسام المنعوت في معرفته ونكرته فنعت المعرفة معرفة ونعت النكرة نكرة والنعت يتبع المنعوت في رفعه ونصبه وخفضه وأصل الصفة أن يقع للنكرة دون المعرفة ؛ لأن المعرفة كان حقها أن تستغني بنفسها وإنما عرض لها ضرب من التنكير فاحتيج إلى الصفة فأما النكرات فهي المستحقة للصفات لتقرب من المعارف وتقع بها حينئذ الفائدة والصفة : كل ما فرق بين موصوفين مشتركين في اللفظ وهي تنقسم على خمسة أقسام :

القسم الأول : حلية للموصوف تكون فيه أو في شيء من سببه.

الثاني : فعل للموصوف يكون به فاعلا هو أو شيء من سببه.

الثالث : وصف ليس بعمل ولا بحلية.

الرابع : وصف ينسب إلى أب أو بلدة أو صناعة أو ضرب من الضروب.

الخامس : الوصف (بذي) التي في معنى صاحب لا بذو التي في معنى (الذي).

شرح الأول : وهو ما كان حلية للموصوف تكون فيه أو في شيء من سببه نحو الحلية :

ص: 409

نحو الزرقة والحمرة والبياض والحول والعور والطول والقصر والحسن والقبح وما أشبه هذه الأشياء تقول : مررت برجل أزرق وأحمر وطويل وقصير وأحول وأعور وبامرأة عوراء وطويلة زرقاء وبرجل حسن وبامرأة حسنة فجميع هذه الصفات قد فرقت لك بين الرجل الأزرق وغيره والأحمر وغيره والرفع والنصب مثل الخفض والرجل والجمل والحجر في الوصف سواء إذا وصفتهنّ بما هو حلية لهن فأما الموصوف بصفة ليست له في الحقيقة وإنما هي لشيء من سببه وإنما جرت على الاسم الأول لأنها تفرق بينه وبين من له اسم مثل اسمه ، وذلك قولك : مررت برجل حسن أبوه ومضيت إلى رجل طويل أخوه وقد تقدم ذكر الصفة التي تجري على الموصوف في الإعراب إذا كان لشيء من سببه عورض بها وقلنا : أنه إنما يجري على الاسم منها ما كان مشبها باسم الفاعل مما تدخله الألف واللام أو يثنى ويجمع بالواو والنون ويذكّر ويؤنث.

شرح الثاني من النعوت

وهو ما كان فعلا للموصوف يكون به فاعلا أو متصلا بشيء من سببه ، وذلك نحو :(قائم) وقاعد وضارب ونائم تقول : مررت برجل قائم ، وبرجل نائم وبرجل ضارب وهذا رجل قائم ورأيت رجلا قائما فهذه صفة استحقها الموصوف بفعله ؛ لأنه لما قام وجب أن يقال له : قائم ولما ضرب وجب أن يقال له : ضارب وكذلك جميع أسماء الفاعلين على هذا نحو :مكرم ومستخرج ومدحرج كثرت حروفه أو قلت ولهذا حسن أن توصف النكرة بالفعل فتقول : مررت برجل ضرب زيدا وبرجل قام وبرجل يضرب ؛ لأنه ما قيل له ضارب إلا بعد أن ضرب أو يضرب في ذلك الوقت أو يكون مقدرا للضرب ؛ لأن اسم الفاعل إنما يجري مجرى الفعل فجميع هذا الذي ذكرت لك من أسماء الفاعلين يجري على الموصوفات التي قبلها فيفصل بين بعض المسميات وبعض إذا أخلصتها نحو : مررت برجل ضارب وقاتل ومكرم ونائم وكذلك إن كانت لما هو من سبب الأول نحو قولك : مررت برجل ضارب أبوه وبرجل قائم أخوه ورأيت رجلا ضاربا أخوه عمرا وهذا رجل شاكر أخوه زيدا ولك أن تحذف التنوين وأنت تريده من اسم وتضيف فتقول : مررت برجل ضارب زيد غدا وبرجل قاتل بكر

ص: 410

الساعة وقد بينت ذا فيما تقدم وكذا إن كان الفعل متصلا بشيء من سبب الأول تقول : مررت برجل ضارب رجلا أبوه وبرجل مخالط بدنه داء ولك أن تحذف التنوين كما حذفت فيما قبله فتقول مررت برجل ضارب رجل أبوه وبرجل مخالط بدنه داء.

وحكى سيبويه عن بعض المتقدمين من النحويين أنه كان لا يجيز إلا النصب في : مررت برجل مخالط بدنه داء فينصبون (مخالط) وردّ هذا القول وقال : العمل الذي لم يقع والعمل والواقع الثابت في هذا الباب سواء قال : وناس من النحويين يفرقون بين التنوين وغير التنوين ويفرقون إذا لم ينونوا بين العمل الثابت الذي ليس فيه علاج يرونه نحو : الآخذ واللازم والمخالط وبين ما كان علاجا نحو : الضارب والكاسر فيجعلون هذا رفعا على كل حال ويجعلون اللازم ما أشبهه نصبا إذا كان واقعا ، فإن جعلت ملازمه وضاربه وما أشبه هذا لما مضى صار اسما ولم يكن إلا رفعا تقول : مررت برجل ضاربه زيد أمس وبرجل ضارب أبيه عمرو أمس ورأيت رجلا مخالطه داء أمس.

شرح الثالث من النعوت : وهو ما كان صفة غير عمل وتحلية

وذلك نحو العقل والفهم والعلم والحزن والفرح وما جرى هذا المجرى تقول : مررت برجل عالم وبرجل عاقل ورجل عالم أبوه وبرجل ظريفة جاريته فجميع هذه الصفات وما أشبهها وقاربها فحكمها حكم واحد وقياسها قياس ضارب وقائم في إعرابها إذا كانت متصرفة كتصرفها.

شرح الرابع : وهو النسب

إذا نسبت إلى أب أو بلدة أو صناعة أو ضرب من الضروب جرى مجرى النعوت التي تقدم ذكرها ، وذلك قولك : مررت برجل هاشمي وبرجل عربي منسوب إلى الجنس وكذلك عجمي وبرجل بزاز وعطار وسراج وجمّال ونجار فهذا منسوب إلى الأمور التي تعالج وبرجل بصري ومصري وكوفي وشامي فهذا منسوب إلى البلد وتقول : مررت برجل دارع ونابل أي : صاحب درع وصاحب نبل وكذلك برجل فارس فجميع هذه الأشياء إنما صارت صفات بما لها من معنى الصفة وسنبين النسب في بابه فإنه حدّ من النحو كبير إن شاء الله فأما

ص: 411

أب وأخ وابن وما جرى مجراهن فصفات ليست منسوبة إلى شيء وهي أسماء أوائل في أبوابها ولا يجوز أن تنسب إليها كنسب هاشمي المنسوب إلى هاشم ولا كعطار المنسوب إلى العطر ولا دارع المنسوب للدرع.

شرح الخامس : وهو الوصف ب (ذي)

وذلك نحو : مررت برجل ذي إبل وذي أدب وذي عقل وذي مروءة وما أشبه ذلك ويفسر بأن معناه (صاحب) ولا يكون إلا مضافا ولا يجوز أن تضيفه إلى مضمر ، وإذا وصفت به نكرة أضفته إلى نكرة ، وإذا وصفت به معرفة أضفت إلى الألف واللام ولا يجوز أن تضيفه إلى زيد وما أشبهه وتقول للمؤنث (ذات) تقول : مررت بامرأة ذات جمال ، وإذا ثنيت قلت :مررت برجلين ذوي مال وهذان رجلان ذوا مال وهاتان امرأتان ذواتا مال وهؤلاء رجال ذوو مال ونساء ذوات مال فأما (ذو) التي بمعنى (الذي) فهي لغة طيء فحقها أن يوصف بها المعارف.

ص: 412

ذكر الصفات التي ليست بصفات محضة
اشارة

هذه الصفات التي ليست بصفات محضة في الوصف يجوز أن تبتدأ كما تبتدأ الأسماء ويحسن ذلك فيها وهي التي لا تجري على الأول إذا كانت لشيء من سببه وهي تنقسم ثلاثة أقسام مفرد ومضاف وموصول.

فالأول : المفرد

نحو قولك : مررت بثوب سبع وقول العرب : أخذ بنو فلان من بني فلان إبلا مائة.

وقال الأعشى :

لئن كنت في جبّ ثمانين قامة

ورقيت أسباب السماء بسلم (1)

ص: 413


1- الأبيات محل الشاهد هي : وما ضرب بيضاء يأوي مليكها إلى طنف أعيا براق ونازل تهال العقاب أن تمرّ بريده وترمي دروء دونه بالأجادل تنمّى بها اليعسوب حتّى أقرّها إلى مألف رحب المباءة عاسل فلو كان خبلا من ثمانين قامة وتسعين باعا نالها بالأنامل تدلّى عليها بالحبال موثّقا شديد الوصاة نابل وابن نابل إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها وحالفها في بيت نوب عوامل فحطّ عليها والضّلوع كأنها من الخوف أمثال السّهام النّواصل فشرّجها من نطفة رجبيّة سلاسلة من ماء لصب سلاسل بماء شنان زعزعت متنه الصّبا وجادت عليه ديمة بعد وابل بأطيب من فيها إذا جئت طارقا وأشهى إذا نامت كلاب الأسافل ويأشبني فيها الألاء يلونها ولو علموا لم يأشبوني بطائل ولم أنّ ما عند ابن بجرة عندها من الخمر لم تبلل لهاتي بناطل فتلك التي لا يبرح القلب حبّها ولا ذكرها ما أرزمت أمّ حائل وحتّى يؤوب القارظان كلاهما وينشر في الهلكي كليب لوائل قوله : أساءلت رسم الدار الخ ، المساءلة : مفاعلة تكون من اثنين ، وهذا اتساع على عادتهم. والسكن : جمع ساكن ، مثل تاجر وتجر. وتقديره أساءلت رسم الدار عن السكن ، أم عن عهده بالوائل ، أم لم تسائل ، إذا جعلت عن السكن متعلقة بالفعل الأول. خاطب نفسه على طريق التحزن والتوجع ، فقال : أباحثت رسم الدار فما وقفت عليها عن أخبار سكانها ، كيف انتقلوا ، وإلى اين صاروا ، أو عن مدة عهده بهم ، ومذ كم ارتحلوا ، ومتى ساروا ، أو لا. والسؤال عن السكن أنفسهم غير السؤال عن مدة العهد بهم ، فلهذا فرق. والأوائل هم السكن ، ولكن فخم شأنهم بأن أعاد اسمهم الظاهر ، ولم يقل عن عهده بهم ، ودعته القافية إليه أيضا. وحسن ذلك ، لما لم يهجنه التكرير ، اختلافهما. ويجوز أن يريد بالسكن الوحش التي استبدلتها من قطانها قبل ، وتلك الحالة من الدار ، مما يزيد في جزع الواقف عليها ، ويستمد السؤال على جهة التلهف لها ، كما قال : الطويل يعزّ عليّ أن يرى عوض الدّمى بحافاته هام وبوم وهجرس وقوله : لمن طلل الخ ، هذا وجه آخر من التحزّن ، كأنه استنكر أن تكون دارهم بالحالة التي رآها ، فجعل سؤاله سؤال من لا يثبتها ، تعظيما للأمر. والمنتصي : ملتقى الواديين حيث يناصي أحدهما صاحبه. وقال الباهلي : المنتصي : موضع. وروى أبو عمرو : المنتضي بالضاد معجمة ، وقال : هو موضع. وقوله : غير حائل ، قال الباهلي : أراد عفا بعد عهد من قطار ووابل ، ولم يمر حول. والمشهور أن يقال : أحال الشيء. إذا أى عليه حول ، إلا أن بعضهم حكى أن حال لغة فيه. ويجوز أن يكون حائل بمعنى متغير ، يقال : حال الشيء ، واحتال إذا تغير ، كأنه كان دارس البعض باقي البعض ، فلم يعد ذلك تغيرا كاملا ، ومتى كانت الرسوم بهذه الصفة ذكرت العهود أشد ، وجددت الغموم أجد. ولذلك تمنى بعض الشعراء شمول الدروس عليها ليستريح منها ، فقال : الوافر ألا ليت المنازل قد بلينا فلا يرمين عن شزن حزينا وقوله : بعد عهد يجوز أن يريج بعد إلمام ، ويجوز أن يكون مصدر عهدت الروضة ، إذا أتى عليها العهد ، وهو كل مطر بعد مطر ؛ وجمعه عهاد. وإنما قال من قطار ووابل ، لأن الوابل المطر المروي ، والقطار : جمع قطر ، وهو لما دونه. وقوله : عفا بعد عهد الحي الخ ، ابتدأ يبين كيف عفا ، والمعنى : عفا الطلل والمكان بعد أن كان للحي فيه عهد. والعهد : المنزل الذي لا يزالون إذا بعدوا عنه يرجعون إليه ، كأنهم تركوا النزول به ، وفارقوه فعفا ، يريد عفا منهم بعد عهدهم ، أي : بعد أن كانوا يعهدونه ، وقد بقي من آثارهم ومبارك إبلهم ما يستدل به على أنه ربعهم. والدعس : شدة الوطء. وقال أبو نصر : هو تتابع الآثار. والجامل : اسم للجمع يقع على الذكور والإناث ، كالإبل ، وإن كان من لفظ الجمل. وقوله : عفا غير نؤي الخ ، عفت آثار الدار ، وانمحت إلا نؤيا لا يستبان منها وأقطاعا من خوص المقل تمزقت لقدمها ، فتفرقت في الساحات وكثرت بترديد الرياح لها. والنؤي : حاجز يمنع به السيل عن البيت والطفي واحدتها طفية. ومعنى عفا : درس. وعفت في المعاقل :كثرت. وهذا من الأضداد ، يقال : عفا المكان ، إذا درس ، عفاء وعفوا ، وعفته الرياح عفاء وعفوا. وعفا الشيء عفوا : كثر ، وعفوته أنا. والمعاقل : جمع المعقل ، وهو هاهنا المنزل الذي نزلوه وحفظوا ما لهم فيه. والعقل :الحفظ. وقوله : وإن حديثا منك الخ ، ترك وصف الدار ودروسها وعطف إلى خطابها يغازلها. يقول : إن حلاوة حديثك لو تفضلت به حلاوة العسل مشوبا باللبن. والجنى أصله الثمر المجتنى ، فاستعاره. والعوذ : الحديثات النتاج ، واحدها عائذ. ومطافل : جمع مطفل ، وهي التي معها طفلها. وإنما نكر قوله حديثا منك ، ليبين أن موقع كلامها منه على كل وجه ذلك الموقع. ودل بقوله : لو تبذلينه على تمنعها ، وتعذر ذلك من جهتها. وقوله : مطافيل أبكار الخ ، مطافيل بدل من قوله عوذ مطافل ، وأشبع في الفاء للزومها فحدثت الياء. والأبكار : التي وضعت بطنا واحدا ، لأن ذلك أول نتاجها ، فهي أبكار وأولادها أبكار ، ولبنها أطيب وأشهى ، فلذلك خصه وجعله مزاجا. ويشاب صفة لألبان ، أي : مشوبة بماء متناه في الصفاء. وقيل في المفاصل إنها المواضع التي ينفصل فيها السهل من الجبل حيث يكون الرضراض ، فينقطع الماء به ويصفو إذا جرى فيه. وهذا قول الأصمعي وأبي عمرو. واعترض عليه فقيل : هلا قال بماء من مياه المفاصل ، وماله يشبهه به ولا يجعله منه؟ فقيل : هذا كما يقال مثل فلان لا يفعل كذا ، والمراد أنه في نفسه لا يفعل ، لأنه أثبت له مثل ينتفي ذلك عنه. انظر خزانة الأدب 3 / 263.

ص: 414

ومررت بحية ذراع فإذا قلت : مررت بحية ذراع طولها رفعت (الذراع) وجعلت ما بعد (حية) مبتدأ وخبرا وكذلك مررت بثوب سبع طوله ومررت برجل مائة إبله.

ص: 415

قال سيبويه وبعض العرب يجره كما يجر الخزّ حين تقول : مررت برجل خزّ صفته وهو قليل : كما تقول : مررت برجل أسد أبوه إذا كنت تريد أن تجعله شديدا ومررت برجل مثل الأسد أبوه إذا كنت تشبهه ، فإن قلت : مررت بدابة أسد أبوها فهو رفع لأنك إنما تخبر أن أباها هذا السبع قال : فإن قلت : مررت برجل أسد أبوه على هذا المعنى رفعت لأنك لا تجعل أباه خلقته كخلقة الأسد ولا صورته هذا لا يكون ولكنه يجيء كالمثل ومن قال : مررت برجل أسد أبوه قال : مررت برجل مائة إبله وزعم يونس : أنه لم يسمعه من ثقة ولكنهم يقولون : هو نار جمرة لأنهم قد يبنون الأسماء على المبتدأ ولا يصفون بها فالرفع فيما كان بهذه الحال الوجه قال : ومن قال : مررت برجل سواء والعدم كان قبيحا حتى تقول : هو والعدم ؛ لأن في (سواء) اسما مضمرا مرفوعا كما تقول : مررت بقوم عرب أجمعون فارتفع (أجمعون) على مضمر في (عرب) في النية فالعدم هنا معطوف على المضمر الثاني المضاف ، وذلك قولهم : مررت برجل أي رجل وبرجل أيما رجل وبرجل أبي عشرة وبرجل كلّ رجل وبرجل مثلك وغيرك وبرجل أفضل رجل وما أشبهه فجميع هذا يجري على الموصوف في إعرابه في رفعه ونصبه وجره إذا أخلصتها له ، فإن جعلت شيئا من هذه الصفات رافعا لشيء من سببه لم يجز أن تصف به الأول ولا تجريه عليه ورفعته فقلت : مررت برجل أبو عشرة أبوه وبرجل أفضل رجل أبوه وبرجل مثلك أخوه وبرجل غيرك صاحبه : وكلّ ما ورد عليك من هذا النحو فقسه عليه.

الثالث : النعت الموصول المشبه بالمضاف

وإنما أشبه المضاف ؛ لأنه غير مستعمل إلا مع صلته ، وذلك نحو : أفضل منك وأب لك وأخ لك وصاحب لك فجميع هذه لا يحسن أن تفردها من صلاتها لو قلت : مررت برجل أب وبرجل أخ لك وبرجل خير وبرجل شرّ لم يجز حتى تقول : مررت برجل أب لك وبرجل أخ لك وبرجل خير منك فجميع هذه إذا أخلصتها للموصوف ولم تعلقها بشيء من سببه أجريتها على الأول فقلت : هذا رجل خير منك وصاحب لك وأب لك ورأيت رجلا خيرا منك وأبا لك ومررت برجل خير منك وأب لك ، فإن علقتها بشيء من سببه رفعت وغلبت عليها الاسمية فقلت : مررت برجل أب لك أبوه وبرجل صاحب لك أخوه وبرجل خير منه

ص: 416

أبوه ترفع جميع هذا على الابتداء والخبر والجر لغة وليست بالجيدة وتقول : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه إليه وما رأيت آخر أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فإنما جرى : (أبغض وأحسن) على (رجل) في إعرابه.

وإن كان قد وقع بهما الشر والكحل ؛ لأن الصفة في المعنى له وليس هنا موصوف غيره ؛ لأنه هو المبغض للشر وهو الحسن بالكحل فلهذا لم يشبه : مررت برجل خير منه أبوه ؛ لأن أباه غيره وليس له في الخبر الذي في (أبيه) نصيب وقد تخفض العرب هذا الكلام فتقول : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد وما رأيت أبغض إليه الشرّ منه فإذا فعلوا هذا جعلوا الهاء التي كانت في (منه) للمذكر المضمر وكانت للكحل والشرّ وما أشبههما قال الشاعر :

مررت على وادي السّباع ولا أرى

كوادي السّباع حين يظلم واديا

أقلّ به ركب أتوه تئية

وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا (1)

ص: 417


1- على أن أفعل فيه من قبيل : ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل. قال سيبويه : إنما أراد أقل به الركب تئية منهم. ولكنه حذف استخفافا ، كما تقول : أنت أفضل ، ولا تقول من أحد. وتقول : الله أكبر ، ومعناه الله أكبر من كل شيء. انتهى. قال ابن خلف : حذف منهم وبه اختصارا ، لعلم السامع. والهاء في به الأولى ضمير واديا ، والهاء في به التي بعد منهم ضمير وادي السباع. وقال الجاربردي في رسالة ألفها لمسألة الكحل على عبارة الكافية : ولوقوع التغيير الكثير في العبارة الثالثة من الحذف والتقديم والتأخير ، ربما يتوهم أنها غير جائزة ، فلذلك احتاج إلى إيراد نظير لها جاء في كلام العرب ، وقد أنشده سيبويه ، وهو قوله : مررت على وادي السباع ... البيت والاستشهاد إنما يحصل من البيتين بقوله : ولا أرى كوادي السباع أقل به ركب أتوه تئية في وادي السباع. فأفعل هاهنا وهو أقل ، جرى لشيء وهو في المعنى لمسبب هو الركب مفضل باعتبار من هو له ، وهو قوله به ، على نفسه ، باعتبار وادي السباع. انتهى. وقد شرح الشارح المحقق البيتين بما لم يسبق به. وقوله : الواو في ولا أرى اعتراضية ، هذا بالنظر إلى ما يأتي بعد البيت الثاني. وجعل العيني جملة : ولا أرى حالية. وقوله : وهو بمعنى المفعول يعني أن أخوف في البيت مأخوذ من الفعل المبني للمجهول ، أي : أشد مخوفية ، كما أخذ أشهر وأحمد من المبني للمجهول ، أي : أشد مشهورية ومحمودية. وقوله : وهو منصوب على التمييز من أقل ، هذا هو الظاهر وعليه اقتصر شارح اللباب ، قال : التئية : التوقف والتثبت. وتئية تمييز ، من قوله : أقل ، أي : أقل توقفا. فأقل : أفعل من القلة منصوب لأنه صفة لمفعول أرى. وقال الجاربردي : تئية إما مصدر على أصله ، لأن الإتيان قد يكون تئية ، أي : بتوقف ، وقد يكون بغيره. وإما مصدر في تأويل المشتق ، أي : متوقفين ، فيكون حالا. وأخوف عطف على أقل أو على تئية إن جعلت حالا. وإلا ما وقى الله : استثناء مفرغ ، أي : في كل وقت إلا وقت وقاية الله الساري. انتهى. ومحصل المعنى أن ثبوت الركب في وادي السباع أقل من ثبوته في غيره. والشعر لسحيم بن وثيل ، وهو شاعر عصري الفرزدق ، وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والثلاثين. وادي السباع : اسم موضع بطريق البصرة. قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم : وادي السباع جمع سبع ، بالبصرة معروف ، وهو الذي قتل فيه الزبير بن العوام ، سمي بذلك لأن أسماء بنت عمران بن الحاف بن قضاعة. وقال الكلبي : هي أسماء بنت دريم ، بن القين بن أهود بن بهراء كانت تنزله. ويقال ، لها أم الأسبع ، لأن ولدها أسد ، وكلب ، والذئب ، والدب ، والفهد ، والسرحان. وأقبل وائل بن قاسط ، فلما نظر إليها رآها امرأة ذات جمال ، فطمع فيها ، ففطنت له ، فقالت : لو هممت بي لأتاك أسبعي! فقال : ما أرى حولك أسبعا. فدعت بنيها فأتوا بالسيوف من كل ناحية. فقال : والله ما هذا إلا وادي السباع : فسمي به. انتهى. انظر خزانة الأدب 3 / 207.

قال سيبويه : إنما أراد : أقلّ به الركب تئية منهم ولكنه حذف ذلك استخافا كما تقول : أنت أفضل ولا تقول من أحد وتقول : الله أكبر ومعناه : أكبر من كلّ كبير وكلّ شيء.

وكما تقول : لا مال ولا تقول لك.

واعلم أن ما جرى نعتا على النكرة فإنه منصوب في المعرفة على الحال ، وذلك قولك :مررت بزيد حسنا أبوه ومررت بعبد الله ملازمك وما كان في النكرة رفعا غير صفة فهو في المعرفة رفع فمن ذلك قوله عز وجل : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : 21] لأنك تقول : مررت

ص: 418

برجل سواء محياه ومماته وتقول : مررت بعبد الله خير منه أبوه ومن أجرى هذا على الأول في النكرة نصبه هنا على الحال فقال : مررت بعبد الله خيرا منه أبوه وهي لغة رديئة وقد يكون حالا ما لا يكون صفة ؛ لأن الحال زيادة في الخبر فأشبهت خبر المبتدأ الذي يجوز أن يكون صفة ويجوز أن يكون اسما والصفة ما كانت تفرق بين اسمين والحال ليست تفرق بين اسمين وقد يجوز أن يكون من اسم لا شريك له في لفظه ولكنها تفرق بين صاحب الفعل فاعلا كان أو مفعولا وبين نفسه في وقتهن فمما استعملوه حالا ولم يجز أن يكون صفة.

قولهم : مررت بزيد أسدا شدة ، قال سيبويه : إنما قال النحويون : مررت برجل أسدا شدة وجرأة إنما يريدون : مثل الأسد وهذا ضعيف قبيح ؛ لأنه لم يجعل صفة إنما قاله النحويون تشبيها بقولهم : مررت بزيد أسدا شدة وقد يكون خبرا ما لا يكون صفة واعلم أنهم ربما وصفوا بالمصدر نحو قولك : رجل عدل وعلم فإذا فعلوا هذا فحقه أن لا يثنى ولا يجمع ولا يذكّر ولا يؤنث والمعنى إنما هو ذو عدل ، فإن ثنى من هذا شيء فإنما يشبه بالصفة إذا كثر الوصف به والنكرة توصف بالجمل وبالمبتدأ والخبر والفعل والفاعل ؛ لأن كلّ جملة فهي نكرة لأنها حديث وإنما يحدث بما لا يعرف ليعيده السامع فيقول : مررت برجل أبوه منطلق فرجل صفته مبتدأ وخبره وتقول : مررت برجل قائم أبوه فهذا موصوف بفعل وفاعل ولا يجوز أن تصف المعرفة بالجمل ؛ لأن الجمل نكرات والمعرفة لا توصف إلا بمعرفة فإذا أردت ذلك أتيت (بالذي) فقلت : مررت بزيد الذي أبوه قائم وبعمرو الذي قائم أبوه.

ص: 419

ذكر وصف المعرفة

وهو ينقسم بأقسام المعارف إلا المضمر فإنه لا يوصف به وأقسام الأسماء المعارف خمسة العلم الخاص والمضاف إلى المعرفة والألف واللام والأسماء المبهمة والإضمار.

فالموصوف منها أربع :

الأول : وهو العلم الخاص : يوصف بثلاثة أشياء بالمضاف إلى مثله وبالألف واللام نحو :مررت بزيد أخيك والألف واللام نحو : مررت بزيد الطويل وما أشبه هذا من الإضافة والألف واللام.

وأما المبهمة فنحو : مررت بزيد هذا وبعمرو ذاك والمرفوع والمنصوب في أتباع الأول كالمجرور.

الثاني : المضاف إلى المعرفة : يوصف بثلاثة أشياء بما أضيف كإضافته وبالألف واللام والأسماء المبهمة ، وذلك مررت بصاحبك أخي زيد ومررت بصاحبك الطويل ومررت بصاحبك هذا.

الثالث : الألف واللام : يوصف بالألف واللام وربما أضيف إلى الألف واللام ؛ لأنه بمنزلة الألف واللام ، وذلك قولك مررت بالجميل النبيل ومررت بالرجل ذي المال.

الرابع : المبهمة : توصف بالأسماء التي فيها الألف واللام والصفات التي فيها الألف واللام جميعا.

قال سيبويه : وإنما وصفت بالأسماء لأنها والمبهمة كشيء واحد.

والصفات التي فيها الألف واللام هي بمنزلة الأسماء في هذا الموضع وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو يعني أنك إذا قلت : هذا الطويل فإنما تريد : الرجل الطويل أو الرمح الطويل أو ما أشبه ذلك ؛ لأن هذا مبهم يصلح أن تشير به إلى كل ما بحضرتك فإذا ألبس على السامع فلم يدر إلى الرجل تشير أم إلى الرمح وجب أن تقول : بهذا الرجل أو بهذا الرمح فالمبهم يحتاج إلى أن يميز بالأجناس عند الإلباس فلهذا صار هو وصفته بمنزلة شيء واحد

ص: 420

وخالف سائر الموصوفات لأنها لم توصف بالأجناس وإنما يجوز أن تقول بهذا الطويل إذا لم يكن بحضرتك طويلان فيقع لبس فأما إذا كان شيئان طويلان لم يجز إلا أن تذكر الاسم قبل الصفة وهذا المعنى ذكره النحويون مجملا وقد ذكرته مفصلا واعلم أن صفة المعرفة لا تكون إلا معرفة كما أن صفة النكرة لا تكون إلا نكرة ولا يجوز أن تكون الصفة أخص من الموصوف ألا ترى أنك إذا قلت : مررت بزيد الطويل فالطويل أعم من زيد وحده والأشياء الطوال كثيرة وزيد وحده أخص من الطويل وحده ، فإن قال

قائل : فكان ينبغي إذا وصفت الخاص بالعام أن تخرجه إلى العموم قيل له : هذا كان يكون واجبا لو ذكر الوصف وحده فقلت : مررت بالطويل لكان لعمري أعم من زيد ولكنك إذا قلت : بزيد الطويل كان مجموع ذلك أحسن من زيد وحده ومن الطويل وحده ولهذا صارت الصفة والموصوف كالشيء الواحد.

واعلم أنه لك أن تجمع الصفة وتفرق الموصوف إذا كانت الصفة محضة ولم تكن اسما وصفت به مبهما.

ولك أن تفرق الصفة وتجمع الموصوف في المعرفة والنكرة فتقول : مررت بزيد وعمرو وبكر الطوال تجمع النعت وتفرق المنعوت وتقول : مررت بالزيدين الراكب والجالس والضاحك فتجمع الاسم وتفرق الصفة ولكن المفرق يجب أن يكون بعدد المجموع وليس لك مثل هذا في المبهم لا يجوز أن تقول : مررت بهذين : الراكع والساجد وأنت تريد الوصف ؛ لأن المبهم اسم وصفته اسم فهما اسمان يبين أحدهما الآخر فقاما مقام اسم واحد ولا يجوز أن يفرقا لا يثني أحدهما ويفرد الآخر بل يجب أن يكون مناسبا له في توحيده وتثنيته وجمعه ليكون مطابقا له لا يفصل أحدهما عن الآخر.

ص: 421

مسائل من هذا الباب

تقول : إن خيرهم كلهم زيد ، وإن لي قبلكم كلكم خمسين درهما ، وإن خيرهما كليهما أخوك لا يكون (كليهما) من نعت (خير) ؛ لأن خيرا واحد.

وتقول : جاءني خيرهما كليهما راكبا ، وإن خيرهما كليهما نفسه زيد فيكون (نفسه) من نعت (خير) وتقول : جاءني اليوم خيرهما كليهما نفسه وقال الأخفش : أن عبد الله ساج بابه منطلق فجعل (ساج بابه) في موضع نصب على الحال ؛ لأنه كان صفة للنكرة.

وتقول : مررت بحسن أبوه تريد : رجل حسن أبوه وبأحمر أبوه ولا يجوز : رأيت ساجا بابه تريد : رأيت رجلا ساجا بابه.

وتقول : مررت بأصحاب لك أجمعون اكتعون ؛ لأن في (لك) اسما مضمرا مرفوعا.

ومررت بقوم ذاهبين أجمعون أكتعون ؛ لأن في (ذاهبين) اسما مرفوعا مضمرا وكذلك :مررت بدرهم أجمع أكتع ومررت بدار لك جمعاء كتعاء ومررت بنساء لك جمع كتع ولا يجوز أن تكون هذه الصفة للأول ؛ لأن الأول نكرة وتقول : مررت بالقوم ذاهبين أجمعين أكتعين إذا أكدت القوم ، فإن أجريته على الاسم المضمر في (ذاهبين) رفعت فقلت : أجمعون أكتعون.

وتقول : مررت برجل أيما رجل وهذا رجل أيما رجل وهذان رجلان أيما رجلين وهاتان امرأتان أيتما امرأتين ومررت بامرأتين أيتما امرأتين و (ما) في كل هذا زائدة وأضفت أيا وأية إلى ما بعدها.

وتقول : مررت برجل حسبك من رجل وبامرأة حسبك من امرأة وهذه امرأة حسبك من امرأة وهاتان امرأتان حسبك من امرأتين وتقول : هذا رجل ناهيك من رجل وهذه امرأة ناهيتك من امرأة فتذكر (ناهيا) وتؤنثه ؛ لأنه اسم فاعل ولا تفعل ذلك في (حسبك) ؛ لأنه مصدر وتقول في المعرفة : هذا عبد الله حسبك من رجل وهذا زيد أيما رجل فتنصب (حسبك) وأيما على الحال.

وهذا زيد ناهيك من رجل وهذه أمة الله أيتما جارية.

ص: 422

وتقول : مررت برجلين لا عطشاني المرأتين فأقول عطشاناهما ولا ريانيهما فأقول : رياناهما وتقول : مررت برجال لا عطاش النساء فأقول : عطاشهن ولا روائهن فأقول : رواؤهن وإنما قلت : رواء ؛ لأنه فعال من رويت.

وتقول : هاتان امرأتان عطشيا الزوجين لا ريياهما وتقول هؤلاء نساء لا عطاش الأزواج فأقول : عطاشهم ولا رواؤهم فإذا جمعت : ريّا وريان فهو على فعال.

وتقول : مررت برجل حائض جاريته ومررت بامرأة خصي غلامها ولو قلت : مررت برجل حائض الجارية لقبح لأنك إن أدخلت الألف واللام جعلت التأنيث والتذكير على الأول فأنت تريد أن تذكر حائضا ؛ لأن قبله رجلا والحائض لا يكون مذكرا أبدا وقال بعضهم : هذا كلام جائز ؛ لأن (حائضا) مذكر في الأصل وقد أجيز مررت بامرأة خصي الزوج ؛ لأن خصيا فعيل مما يكون فيه مفعوله فهذا يكون للمذكر والمؤنث سواء ولا يجوز : مررت برجل عذر الجارية إذا كان الجارية عذرا وكذلك : مررت بامرأة محتلمة الزوج ؛ لأن محتلما مما لا يكون مؤنثا وكذلك : مررت بامرأة آدر الزوج ولا يجوز : مررت برجل أعفل المرأة ؛ لأن أعفل مما لا يكون في الكلام.

ومن قال : مررت برجل كفاك به رجلا قال للجميع : كفاك بهم وللإثنين : كفاك بهما ؛ لأن اسم الفاعل هو الذي بعد الباء والباء زائدة وفي هذا لغتان : منهم من يجريه مجرى المصدر فلا يؤنثه ولا يثنيه ولا يجمعه ومنهم من يجمعه فعلا فيقول : مررت برجل هدك من رجل وبامرأة هدتك من امرأة ، وإن أردت الفعل في (حسبك) قلت : مررت برجل حسبك من رجل ، وبرجلين أحسباك من رجلين ، وبرجال أحسبوك وتقول : مررت برجلين ملازماهما رجلان أمس كما تقول : برجلين عبداهما رجلان ومررت برجل ملازموه رجال أمس ؛ لأن ملازمه هذا اسم مبتدأ ؛ لأنه بمنزلة غلام إذا كان لما مضى وقد بينا ذا فيما تقدم فإذا كان اسما صار مبتدأ ولا بدّ من أن يكون مساويا للخبر في عدته كما تقول : الزيدان قائمان وغلاماك منطلقان وتقول : مررت برجل حسبك ومررت بعبد الله حسبك فيكون حالا فإذا قلت : حسبك يلزمك فحسبك مرتفع بالابتداء والخبر محذوف وهذا قول الأخفش وغيره من النحويين.

ص: 423

وقال أبو العباس رحمه الله الخبر محذوف لعلتين : إحداهما : أنك لا تقول (حسبك) إلا بعد شيء قد قاله أو فعله ومعناه يكفيك أي ما فعلت وتقديره : كافيك ؛ لأن حسبك اسم فقد استغنيت عن الخبر بما شاهدت مما فعل قال : وكذلك أخوات حسبك نحو (هدك) والوجه الآخر : في الإقتصار على حسب بغير خبر إن معنى الأمر لما دخلها استغنت عن ذلك كما تستغني أفعال الأمر تقول : حسبك ينم الناس كما تقول : اكفف ينم الناس وكذلك (قدك) و (قطك) ؛ لأن معناهما حسبك إلا أن حسبك معربة وهاتان مبنيتان على السكون يعني قد وقط وتقول : حسبك درهمان فأنت تجريه مجرى يكفيك درهمان وتقول : إن حسبك درهمان.

قال الأخفش : إذا تكلمت (بحسب) وحدها يعني إذا لم تضفها جعلتها أمرا وحركت آخرها لسكون السين تقول : رأيت زيدا حسب يا فتى غير منون كأنك قلت : حسبي أو حسبك فأضمر هذا فلذلك لم ينون ؛ لأنه أراد الإضافة.

وقال تقول : حسبك وعبد الله درهمان على معنى يكفيك وعبد الله درهمان ، فإن جررت فهو جائز وهو قبيح وقبحه أنك لا تعطف ظاهرا على مضمر مجرور وأنشدوا :

إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا

فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد

فمنهم من ينصب (الضحاك) ومنهم من يجر ومنهم من يرفع ، فإن أظهرت قلت : حسب زيد وأخيه درهمان وقبح النصب والرفع لأنك لم تضطر إلى ذلك وتقول مررت برجل في ماء خائضه هو لا يكون إلا هو إذا أدخلت الواو لأنك قد فصلت بينه وبين ماء وتقول : مررت برجل معه صقر صائد وصائد به كما تقول : أتيت على رجل ومررت به قائما إن حملته على الرجل جررت ، وإن حملته على (مررت به) نصبت وتقول : نحن قوم ننطلق عامدون وعامدين إلى بلد كذا وتقول : مررت برجل معه باز قابض على آخر وبرجل معه جبة لابس غيرها ولابسا إن حملته على الإضمار الذي في (معه) وتقول : مررت برجل عنده صقر صائد بباز وصائدا إن حملته على ما في (عنده) من الإضمار وكأنك قلت : عنده صقر صائدا بباز وتقول : هذا رجل عاقل لبيب لم تجعل الآخر حالا وقع فيه الأول ولكنك سويت بينهما في الإجراء على الاسم والنصب فيه جائز ضعيف.

ص: 424

قال سيبويه : وإنما ضعف ؛ لأنه لم يرد أن الأول وقع وهو في هذه الحال ولكنه أراد أنهما فيه ثابتان لم يكن واحد منهما قبل صاحبه وقد يجوز في سعة الكلام وتقول مررت برجل معه كيس مختوم عليه الرفع الوجه ؛ لأنه صفة الكيس والنصب جائز على قوله : فيها رجل قائما وهذا رجل ذاهبا وتقول : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا تريد مقدرا الصيد به غدا ولو لا هذا التقدير ما جاز هذا الكلام وتقول : مررت برجل معه امرأة ضاربته فهذا بمنزلة معه كيس مختوم عليه ، فإن قلت : مررت برجل معه امرأة ضاربها جررت ونصبت على ما فسر.

وإن شئت وصفت المضمر في (ضاربها) في النصب والجر فقلت : مررت برجل معه امرأة ضاربها هو أو ضاربها هو ، فإن شئت جعلت (هو) منفصلا فيصير بمنزلة اسم ليس من علامات الإضمار فتقول : مررت برجل معه امرأة ضاربها (هو) كأنك قلت : معه ضاربها زيد وتقول : يا ذا الجارية الواطئها أبوه كما تقول يا ذا الجارية الواطئها زيد والمعنى : التي وطئها زيد.

وتقول : يا ذا الجارية الواطئها أبوه فجعل بها (الواطئها) صفة (ذا) المنادى.

ولا يجوز أن تقول : يا ذا الجارية الواطئها زيد من قبل أن (الواطئها) من صفة المنادى فإذا لم يكن هو الواطىء ولا أحد من سببه لم يكن صفة له كما لا يجوز : يا عبد الله الواطىء الجارية زيد فلم يجز هذا كما لم يجز : مررت بالرجل الحسن زيد وقد يجوز أن تقول : مررت بالرجل الحسن أبوه وتقول : يا ذا الجارية الواطئها هو جعلت (هو) منفصلا كالأجنبي لا يجوز حذفه ، وإن شئت نصبته كما تقول : يا ذا الجارية الواطئها تجريه على المنادى ، فإن قلت : يا ذا الجارية الواطئها وأنت تريد : الواطئها هو لم يجز أن تطرح (هو) كما لا يجوز بالجارية الواطئها هو أو أنت حتى تذكرهما ، فإن ذكرتهما جاز وليس هذا كقولك : مررت بالجارية التي وطئها أو التي وطئتها ؛ لأن الفعل يضمر فيه وتقع فيه علامة الإضمار وقد فسرت هذا فيما تقدم وإنما يقع في هذا إضمار الاسم رفعا إذا لم يوصف به شيء غير الأول ، وذلك قولك : يا ذا الجارية الواطئها ففي هذا إضمار (هو) وهو اسم المنادى والصفة إنما هي للأول المنادى.

ص: 425

قال سيبويه : ولو جاز هذا لجاز مررت بالرجل الآخذيه تريد : أنت ولجاز : مررت بجاريتك راضيا عنها تريد أنت ويقبح أن تقول : ربّ رجل وأخيه منطلقين حتى تقول : وأخ له ، وإذا قيل : والمنطلقين مجروران من قبل أنّ قوله : وأخيه في موضع نكرة والمعنى : وأخ له والدليل على أنه نكرة دخول (ربّ) عليه ومثل ذلك قول بعض العرب : كلّ شاة وسخلتها.

أي : وسخلة لها ولا يجوز ذلك حتى تذكر قبله نكرة فيعلم أنك لا تريد شيئا بعينه وأنشد سيبويه في نحو ذلك :

وأيّ فتى هيجاء أنت وجارها

إذا ما رجال بالرّجال استقّلت

فلو رفع لم يكن فيه معنى : أي جارها الذي هو في معنى التعجب والمعنى : أي فتى هيجاء وأي جار لها أنت قال الأعشى :

وكم دون بيتك من صفصف

ودكداك رمل وأعقادها

ووضع سقاء وأحقابه

وحلّ حلوس وأغمادها (1)

فجميع هذا حجة لرب رجل وأخيه وهذا المضاف إلى الضمير لا يكون وحده منفردا نكرة ولا يقع في موضع لا يكون فيه إلا نكرة حتى يكون أول ما يشغل به (ربّ) نكرة ثم يعطف عليه ما أضيف إلى النكرة وتقول : هذا رجل معه رجل قائمين فهذا ينتصب ؛ لأن الهاء التي في معه معرفة وانتصابه عندي بفعل مضمر ولا يجوز نصبه على الحال لإختلاف العاملين ؛ لأنه لا يجوز أن يعمل في شيء عاملان وتقول : (فوق الدار رجل وقد جئتك برجل آخر عاقلين مسلمين) فتنصب بفعل آخر مضمر وتقول : (اصنع ما سرّ أخاك وما أحب أبوك الرجلان الصالحان) فترفع على الابتداء وتنصب على المدح كقول الخزنق :

لا يبعدن قومي الّذين هم

سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلين بكلّ معترك

والطّيّبون معاقد الأزر (2)

ص: 426


1- انظر ديوان الأعشى 9 / 2.
2- انظر ديوان الأعشى 9 / 2.

ص: 427

وسيبويه يجيز نصب : هذا رجل مع امرأة قائمين على الحال ويجيز : مررت برجل مع امرأة منطلقين على الحال أيضا ويحتج بأن الآخر قد دخل مع الأول في التنبيه والإشارة وأنك قد جعلت الآخر في مرورك فكأنك قلت : هذا رجل وامرأة ومررت برجل وامرأة وتجعل ما كان معناهما واحدا على الحال.

وإذا كان معنى ما بينهما يختلف فهو على (أعنى) والقياس المحض يوجب إذا اختلف عاملان في اسمين أو أكثر من ذلك لم يجز أن تثنى صفتهما ولا حالهما لإختلاف العاملين اللذين عملا في الاسمين وكيف يجوز أن يفترقا في الموصوفين ويجتمعا في الصفة ولكن يجوز النصب بإضمار شيء ينتظم المعنيين يجتمعان فيه.

واعلم أنه لا يجوز أن تجيز وصف المعرفة والنكرة كما لا يجوز وصف المختلفين.

وزعم الخليل : أن الرفعين أو الجرين إذا اختلفا فهما بمنزلة الجر والرفع ، وذلك قولك : (هذا رجل وفي الدار آخر كريمين) لأنهما لم يرتفعا من جهة واحدة.

ص: 428

وشبه بقوله : هذا لإبن إنسانين عندنا كراما فقال : الجر هاهنا مختلف ولم يشرك الآخر فيما جر الأول ومثل ذلك : هذا جارية أخوي ابنين لفلان كراما ؛ لأن أخوي ابنين اسم واحد والمضاف إليه الآخر منتهاه ولم يأت بشيء من حروف الإشراك ومثل ذلك : هذا فرس أخوي ابنيك العقلاء الحلماء ؛ لأن هذا في المعرفة مثل ذلك في النكرة ولا يجوز إلا النصب على (أعنى) ولا يكون الكرام العقلاء صفة للأخوين والإبنين ولا يجوز أن يجري وصفا لما انجز من وجهين كما لم يجز فيما اختلف إعرابه.

وقال سيبويه : سألت الخليل عن : مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما فقال : الرفع على هما صاحباي أنفسهما والنصب على (أعنيهما) ولا مدح فيه ؛ لأنه ليس مما يمدح به وقال : تقول : هذا رجل وامرأة منطلقان وهذا عبد الله وذاك أخوك الصالحان لأنهما ارتفعا من وجه وهما اسمان بنيا على مبتدأين وانطلق عبد الله ومضى أخوك الصالحان لأنهما ارتفعا بفعلين معناهما واحد.

والقياس عندي أن يرتفعا على (هما) ؛ لأن الذي ارتفع به الأول غير الذي ارتفع به الثاني ؛ ولكن إن قدرت في معنى التأكيد ورفعت عبد الله بالعطف من الفعل جازت عندي الصفة ولا يجوز : من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين رفعت أن نصبت لأنك لا تثني إلا على من أثبته وعرفته فلذلك لم يجز المدح في ذا ولا يجوز صفتهما لأنك من يعلم ومن لا يعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة.

قال أبو العباس في قولهم : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد وما رأيت رجلا أبغض إليه الشر منه إلى زيد قد علمنا أن الإختيار : مررت برجل أحسن منه أبوه ومررت برجل خير منه زيد فما باله لم يجز الرفع في قوله : أحسن في عينه الكحل وأبغض إليه الشر فقال : الجواب في ذلك : أنه إن أراد أن يجعل الكحل الابتداء كان الاختيار.

ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل تقديره : ما رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد وما رأيت رجلا الكحل في عينه أحسن منه في عين زيد كل جيد كما تقول : زيد أحسن في الدار منه في الطريق ، وزيد في الدار أحسن منه في الطريق فتقدم في

ص: 429

الدار ؛ لأنه ظرف والتفضيل إنما يقع بأفعل ، فإن أردت أن يكون (أحسن) هو الابتداء فمحال لأنك تضمر قبل الذكر.

لأن الهاء في قولك : (منه) هي الكحل ومنه متصلة (بأفعل) ؛ لأن (أفعل) للتفضيل فيصير التقدير ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل فتضمر الكحل قبل أن تذكره ؛ لأن الكحل الآن خبر الابتداء ، وإن قدمت الكحل فقلت على أن ترفع (أحسن) بالابتداء ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين (زيد) فهو أردأ ، وذلك ؛ لأنه خبر الابتداء وقد فصلت بين (أحسن) وما يتصل به وليس منهما في شيء فلذلك لم يجز على هذه الشريطة إلا أن الجملة على مثل قولك : مررت برجل خير منه أبوه فتقول : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فترفع الكحل (بأحسن) ويقع (منه) بعده فيكون الإضمار بعد الذكر وتقديره : ما رأيت رجلا يحسن الكحل في عينه كحسنه في عين زيد فالمعرفة والنكرة في هذا واحد إذا كان الفعل للثاني ارتفع به معرفة كان أو نكرة ، وإن كان للأول والثاني معرفة بطل ، وإن كان الثاني نكرة انتصب على التمييز ، وذلك قولك : ما رأيت رجلا أحسن وجها من زيد ولا رأيت رجلا أكرم حسبا منه ؛ لأن أكرم وأحسن للأول ؛ لأن فيه ضميره ، فإن جعلته للثاني رفعته به ورددت إلى الأول شيئا يصله بالثاني كما تقول : رأيت رجلا حسن الوجه ؛ لأن حسن الوجه (لرجل) ، فإن جعلته لغيره قلت : رأيت رجلا حسن الوجه أخوه وحسن الوجه رجل عنده ، فإن قلت : ما رأيت قوما أشبه بعض ببعض من قومك رفعت البعض ؛ لأن (أشبه) له وليس لقوم ؛ لأن المعنى : ما رأيت قوما أشبه بعضهم ببعض كما ذكر ذلك سيبويه في قوله مررت بكلّ صالحا وببعض قائما أنه محذوف من قولك : بعضهم وكلهم والمعنى يدل على ذلك ألا ترى أن تقديره : ما رأيت قوما أشبه بعضهم بعضا كما وقع ذلك في (قومك) وتقول : ما رأيت رجلا أبر أب له بأمّ من أخيك ؛ لأن الفعل للأب ووضعت الهاء في (له) إلى الرجل فلم يكن في (أمّ) ضمير ؛ لأن الأب قد ارتفع به ، فإن لم يرد هذا التقدير قلت : ما رأيت رجلا أبر أبا بأمّ من زيد كما تقول : ما رأيت رجلا أحسن وجها من زيد وكذلك : ما

ص: 430

رأيت رجلا أشبه وجه له بقفا من زيد ، فإن حذفت له قلت : ما رأيت رجلا أشبه بقفا من زيد ؛ لأن في (أشبه) ضمير رجل.

وأما قولهم : ما من أيام أحبّ إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة ولكنه لما قال : في الأول (إلى الله) لم يحتج إلى أن يذكر (إليه) ؛ لأن الرد إلى واحد وليس كقولك : زيد أحب إلى عمرو منه إلى خالد لأنك رددت إلى اثنين فلا تحتاج إلى أن تقول : زيد عندي أحسن من عمرو عندي ؛ لأن الخبر يرجع إلى واحد فأما قولهم : ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة فإنما هو بمنزلة : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فقوله : فيها بمنزلة قوله : في عينه وإنما أضمرت الهاء في (فيها) وفي عينه لأنك ذكرت الأيام وذكرت رجلا.

وكذلك قلت : (الله عز وجلّ ؛ ما رأيت أياما أحب إليه فيها الصوم) لأضمرته في (إليه) ومنه للصوم كما كان للكحل ، وأما قوله : إلى الله فتبيين لأحب وأحسن لا يحتاج إلى ذلك ألا ترى أنك تقول : زيد أحسن من عمرو فلا تحتاج إلى شيء وتقول : زيد أحب إلى عمرو منك فقولك : إلى عمرو كقولك إلى الله في المسألة الأولى ولو قلت : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل عند عمرو منه في عين أخيك كان بمنزلة ذلك ؛ لأن قولك عند عمرو قد صار مختصرا كقولك إلى الله في تلك المسألة ، وأما قولهم : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ من زيد وما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد فإنما هو مختصر من الأول والمعنى : إنما هو الأول لا أنك فضلت الكحل على زيد ولكنك أخبرت أن الكحل في عين زيد أحسن منه في غيرها كما أردت في الأول ولكنك حذفت لقلة التباسه وليست (من) هاهنا بمنزلتها في قولك : ما رأيت رجلا أحسن من زيد لأنك هنا تخبر أنك لم تر من يتقدم زيدا وأنت في الأول تخبر أنك لم تر من يعمل الكحل في عينه عمله في عين زيد فتقديره : ما رأيت رجلا أحسن كحلا في عين من زيد لما أضمرت رجلا في (أحسن) نصبت كحلا على التمييز ليصح معنى الاختصار.

ص: 431

الثالث من التوابع : وهو عطف البيان

اعلم أن عطف البيان كالنعت والتأكيد في إعرابهما وتقديرهما وهو مبين لما تجريه عليه كما يبينان وإنما سمي عطف البيان ولم يقل أنه نعت ؛ لأنه اسم غير مشتق من فعل ولا هو تحلية ولا ضرب من ضروب الصفات فعدل النحويون عن تسميته نعتا ، وسموه عطف البيان ؛ لأنه للبيان جيء به وهو مفرق بين الاسم الذي يجري عليه وبين ما له مثل اسمه نحو : رأيت زيدا أبا عمرو ولقيت أخاك بكرا.

والفرق بين عطف البيان والبدل أن عطف البيان تقديره النعت التابع للإسم الأول والبدل تقديره أن يوضع موضع الأول وتقول في النداء إذا أردت عطف البيان يا أخانا زيدا فتنصب وتنون ؛ لأنه غير منادى ، فإن أردت البدل قلت : يا أخانا زيد وقد بينت هذا الباب في النداء ومسائله وستزداد بيانا في باب البدل إن شاء الله.

الرابع من التوابع وهو عطف البدل
اشارة

البدل على أربعة أقسام إما أن يكون الثاني هو الأول أو بعضه أو يكون المعنى مشتملا عليه أو غلطا وحق البدل وتقديره أن يعمل العامل في الثاني كأنه خال من الأول وكان الأصل أن يكونا خبرين أو تدخل عليه واو العطف ولكنهم اجتنبوا ذلك للبس.

الأول ما ابتدلته من الأول وهو هو : وذلك نحو قولك : مررت بعبد الله زيد ومررت برجل عبد الله وكان أصل الكلام : مررت بعبد الله ومررت بزيد أو تقول : مررت بعبد الله وزيد ولو قلت ذلك لظن أن الثاني غير الأول فلذلك استعمل البدل فرارا من اللبس وطلبا للإختصار والإيجاز ويجوز إبدال المعرفة من النكرة والنكرة من المعرفة والمضمر من المظهر والمظهر من المضمر البدل في جميع ذلك سواء.

ص: 432

فأما إبدال المعرفة من النكرة فنحو : قول الله : (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللهِ) [الشورى] فهذا إبدال معرفة من نكرة فتقول على هذا : مررت برجل عبد الله ، وأما إبدال النكرة من المعرفة.

فنحو قولك : مررت بزيد رجل صالح كما قال الله عز وجل : (بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق] فهذا إبدال نكرة من معرفة ، وأما إبدال الظاهر من المضمر فنحو قولك : مررت به زيد وبهما أخويك ورأيت الذي قام زيد تبدل زيدا من الضمير الذي في (قام) ولا يجوز أن تقول : رأيت زيدا أباه والأب غير زيد لأنك لا تبينه لغيره.

الثاني ما أبدل من الأول وهو بعضه : وذلك نحو قولك : ضربت زيدا رأسه وأتيت قومك بعضهم ورأيت قومك أكثرهم ولقيت قومك ثلاثتهم ورأيت بني عمّك ناسا منهم وضربت وجوهها أولها.

قال سيبويه : فهذا يجيء على وجهين : على أنه أراد أكثر قومك وثلثي قومك وضربت وجوه أولها ولكنه ثني الاسم تأكيدا.

والوجه الآخر : أن يتكلم فيقول : رأيت قومك ثم يبدو أن يبين ما الذي رأى منهم.

فيقول : ثلاثتهم أو ناسا منهم ومن هذا قوله عز وجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : 97] والمستطيعون بعض الناس.

الثالث ما كان من سبب الأول : وهو مشتمل عليه نحو : سلب زيد ثوبه وسرق زيد ماله ؛ لأن المعنى : سلب ثوب زيد وسرق مال زيد ومن ذلك قول الله عزّ وجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : 217] ؛ لأن المسألة في المعنى عن القتال في الشهر الحرام ومثله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج] وقال الأعشى :

لقد كان في حول ثواء ثويته

تفضى لبانات ويسأم سائم

وقال آخر :

وذكرت تقتد برد مائها

وعتك البول على أنسائها

ص: 433

الرابع وهو بدل الغلط والنسيان : وهو البدل الذي لا يقع في قرآن ولا شعر ، وذلك نحو قولهم : مررت برجل حمار كأنه أراد أن يقول : مررت بحمار فغلط فقال : برجل أو بشيء.

واعلم أن الفعل قد يبدل من الفعل وليس شيء من الفعل يتبع الثاني الأول في الإعراب إلا البدل والعطف والبدل نحو قول الشاعر :

إنّ على الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا (1)

وإنما يبدل الفعل من الفعل إذا كان ضربا منه نحو هذا البيت.

ص: 434


1- على أن الفعل قد يبدل من الفعل ، إذا كان الثاني راجح البيان على الأول كما في البيت. فتؤخذ بدل من تبايع ، وتجيء : معطوف على تؤخذ. وهذا البدل أبين من المبدل منه ، والبدل في الحقيقة ، إنما هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه ، إذ لا تكون المبايعة إلا على أحد الوجهين من إكراه أو طاعة. وهو كقولهم : الرمان حلو حامض ، وإن كان يقال باعتبار اللفظ إن تجيء معطوف على تؤخذ ، كما يقال في مثل ذلك من الخبر والحال. والآية قبل البيت من بدل الكل ، قال الخليل : لأن مضاعفة العذاب هي لقي الأثام. والظاهر أن بدل الفعل من الفعل عند الشارح المحقق إنما يكون في بدل الكل ، وهو مذهب السيرافي ، قال : لا يبدل الفعل إلا من شيء هو في معناه لأنه لا يتبعض ولا يكون فيه اشتمال ، فتؤخذ كرها أو تجيء طائعا هو معنى المبايعة ، لأنها تقع على أحدهما. وقد يظهر من كلام سيبويه في باب ما يرتفع بين الجزمين. وقد جوز المتأخرون الأبدال الأربعة في الفعل ، منهم الشاطبي في شرح الألفية قال : يتصور في بدل الفعل من الفعل ، ما تصور في بدل الاسم من الاسم فقد يكون فيه بدل الكل من الكل ، ومنه قوله : الطويل متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا وقد يكون فيه بدل البعض كقولك : إن تصل تسجد لله يرحمك. وبدل الاشتمال أيضا ، ومنه قوله : إنّ على الله أن تبايعا ... البيت لأن الأخذ كرها ، والمجيء طوعا من صفات المبايعة. وظاهر كلام سيبويه يقتضي أنه أنشده شاهدا على بدل الاشتمال. انظر خزانة الأدب 2 / 179.

ونحو قولك : إن تأتني تمشي أمشي معك ؛ لأن المشي ضرب من الإتيان ولا يجوز أن تقول : أن تأتي تأكل آكل معك ؛ لأن الأكل ليس من الإتيان في شيء.

ص: 435

مسائل من هذا الباب

تقول : بعت متاعك أسفله قبل أعلاه واشتريت متاعك بعضه أعجل من بعض وسقيت إبلك صغارها أحسن من سقي كبارها ودفعت الناس بعضهم ببعض وضربت الناس بعضهم قائما وبعضهم قاعدا وتقول : مررت بمتاعك بعضه مرفوعا وبعضه مطروحا كأنك قلت مررت ببعض متاعك مرفوعا وببعض مطروحا لأنك مررت به في هذه الحال ، وإذا كان صفة للفعل لم يجز الرفع وتقول : بعت طعامك بعضه مكيلا وبعضه موزونا إذا أردت أن الكيل والوزن وقعا في حال البيع ، فإن رفعت فإلى هذا المعنى ولم يكن متعلقا بالبيع فقلت : بعت طعامك بعضه مكيل وبعضه موزون أي بعته وهو موجود كذا فيكون الوزن والكيل قد لحقاه قبل البيع وليسا بصفة للبيع وتفهم هذا بأن الرجل إذا قال : بعتك هذا الطعام مكيلا وهذا الثوب مقصورا فعليه أن يسلمه إليه مكيلا ومقصورا ، وإذا قال : بعتك وهو مكيل فإنما باعه شيئا موصوفا بالكيل ولم يتضمنه البيع تقول : خوفت الناس ضعيفهم وقويهم كأنك قلت :خوفت ضعيف الناس قويهم وكان تقدير الكلام قبل أن ينقل فعل إلى (فعلت) خافه الناس ضعيفهم قويهم فلما قلت : خوّفت صار الفاعل مفعولا وقد بينت هذا فيما تقدم ومثل ذلك ألزمت الناس بعضهم بعضا كان الأصل : لزم الناس بعضهم بعضا فلما قلت ألزمت صار الفاعل مفعولا وصار الفعل يتعدى إلى مفعولين وتقول : دفعت الناس بعضهم ببعض على قولك : دفع الناس بعضهم بعضا فإذا قلت : دفع صار ما كان يتعدى لا يتعدى إلا بحرف جر فتقول : دفع الناس بعضهم ببعض وتقول : فضلت متاعك أسفله على أعلاه كأنه في التمثيل :فضل متاعك أسفله على أعلاه فلما قلت : فضّلت صار الفاعل مفعولا ومثله : صككت الحجرين أحدهما بالآخر كان التقدير : اصطك الحجران أحدهما بالآخر فلما قلت : صككت صار الفاعل مفعولا ومثل ذلك : ولو لا دفاع الله الناس بعضهم ببعض والمعنى : لو لا أن دفع الناس بعضهم ببعض ولو قلت : دفع الناس بعضهم بعضا لم يحتج إلى الباء ؛ لأنه فعل يتعدى إلى مفعول قلت دفع الله الناس واستتر في الفعل عمله في الفاعل ولم يجز أن يتعدى إلى مفعول ثان إلا بحرف جرّ فعلى هذا جاءت الآية ولذلك دخلت الباء وتقول : عجبت من دفع الناس

ص: 436

بعضهم بعضا إذا جعلت الناس فاعلين كأنك قلت عجبت من أن دفع الناس بعضهم بعضا ، فإن جعلت الناس مفعولين قلت : عجبت من دفع الناس بعضهم ببعض ؛ لأن المعنى : عجبت من أن دفع الناس بعضهم ببعض وتقول : سمعت وقع أنيابه بعضها فوق بعض جرى على قولك : وقعت أنيابه بعضها فوق بعض فأنيابه هنا فاعلة وتقول : عجبت من إيقاع أنيابه بعضها فوق بعض جرا فأنيابه هنا مفعولة قامت مقام الفاعل ولو قلت : أوقعت أنيابه بعضها فوق بعض لقلت : عجبت من إيقاعي أنيابه بعضها فوق بعض فنصبت أنيابه وتقول : رأيت متاعك بعضه فوق بعض إذا جعلت (فوق) في موضع الاسم المبني على المبتدأ وجعلت المبتدأ بعضه كأنك قلت : رأيت متاعك بعضه أجود من بعض ، فإن جعلت (فوق) وأجودها حالا نصبت (بعضه) ، وإن شئت قلت : رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض فتنصب (أحسن) على أنه مفعول ثان وبعضه منصوب بأنه بدل من متاعك.

قال سيبويه : والرفع في هذا أعرف والنصب عربي جيد فما جاء في الرفع : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : 60].

ومما جاء في النصب : (خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها) قال : حدثنا يونس أن العرب تنشد هذا البيت لعبدة بن الطبيب :

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكّنه بنيان قوم تهدّما (1)

ص: 437


1- قال السيرافي : النصب في هذه الأبيات على البدل جيد ، ولو رفع على الابتداء لكان أكثر وأعرف ، فيقول : هلكه هلك واحد ، وما ألفيتني حلمي مضاع ، وتكون الجملة في موضع الحال ، وتؤخذ كرها ، أو تجيء طائعا على معنى أنت تؤخذ كرها ؛ فيكون أنت تؤخذ في موضع الحال. انتهى. وهذا كقوله : الطويل متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد رفع تعشو بين المجزومين ، أعني الشرط والجزاء لأنه قصد به الحال ، أي : متى تأته عاشيا ، أي : ناظرا إلى ضوء ناره. وكذلك كل ما وقع بين مجزومين. وعليه قراءة : يرثني ويرث من آل يعقوب بالرفع ، لم يجعله جوابا ، وإنما جعله وصفا ، أي : وارثا من يعقوب. فتدبره فإنه كثير. كذا في أبيات المعاني لابن السيد. وقوله : كرها مفعول مطلق ، أي : تؤخذ أخذا كرها. ويجوز أن يكون حالا بتأويله باسم الفاعل. وهو المناسب لقوله : طائعا ، فإنه حال. وهذا البيت قلما خلا عنه كتاب نحوي ، ومع شهرته لا يعلم قائله ، وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها. والله أعلم. وأنشد بعده ، الشاهد الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة وهو من أبيات س : الطويل وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت على أنه يروى رجل بالجر على أنه بدل مع أخرى مفصل من رجلين. ويروى بالرفع على أنه بدل مقطوع. أنشده سيبويه في باب مجرى النعت على المنعوت والبدل على المبدل منه ، قال : ومثل ما يجيء في هذا الباب على الابتداء وعلى الصفة والبدل ، قوله جل وعز : "قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ". ومن الناس من يجر ، والجر على وجهين : على الصفة وعلى البدل. انظر خزانة الأدب 2 / 181.

وقال رجل من خثعم أو بجيلة :

ذريني إنّ أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا (1)

وتقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض كما قلت : رأيت متاعك بعضه فوق بعض وأنت تريد رؤية العين وتنصب (فوق) بأنه وقع موقع الحال فالتأويل : جعلت ورأيت متاعك

ص: 438


1- على أن قوله حلمي بدل اشتمال من الياء في : ألفيتني. قال ابن جني في إعراب الحماسة : إنما يجوز البدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب إذا كان بدل البعض أو بدل الاشتمال ، نحو قولك : عجبت منك عقلك ، وضربتك رأسك. ومن أبيات الكتاب : ذريني إنّ أمرك لن يطاعا ... البيت فحلمي : بدل من ني. ولو قلت : قمت زيد ، أو مررت بي جعفر ، أو كلمتك أبو عبد الله على البدل لم يجز ، من حيث كان ضمير المتكلم والمخاطب غاية في الاختصاص ، فبطل البدل ، لأن فيه ضربا من البيان ، وقد استغنى المضمر بتعرفه. انتهى. وكذلك الفراء في تفسيره عند قوله تعالى : "مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ". الحلم : منصوب بالإلفاء على التكرير ، يعني البدل ، ولو رفعه كان صوابا. وأورده أيضا عند قوله تعالى : "وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ". انظر خزانة الأدب 2 / 175.

بعضه مستقرا فوق بعض أو راكبا فوق بعض أو مطروحا فوق بعض أو ما أشبه هذا المعنى (ففوق) ظرف نصبه الحال وقام مقام الحال كما يقوم مقام الخبر في قولك : زيد فوق الحائط إذا قلت : رأيت زيدا في الدار فقولك (في الدار) يجوز أن يكون ظرفا لرأيت ويجوز أن يكون ظرفا لزيد كما تقول : رميت من الأرض زيدا على الحائط فقولك : على الحائط ظرف يعمل فيه استقرار زيد كأنك قلت : رميت من الأرض زيدا مستقرا على الحائط ونحو هذا ما جاء في الخبر كتب عمر إلى أبي عبيدة بالشام : الغوث الغوث وأبو عبيدة وعمر رحمه الله كتب إليه من الحجاز فالكتاب لم يكن بالشام ولك أن تعدى (جعلت) إلى مفعولين فتقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض فتجعل (فوق بعض) مفعولا ثانيا كما يكون في (ظننت) متاعك بعضه فوق بعض (فجعلت) هذه إذا كانت بمعنى (علمت) تعدت إلى واحد مثل رأيت إذا كانت من رؤية العين ، وإذا كانت جعلت ليست بمعنى علمت وإنما تكلم بها عن توهم أو رأي أو قول كقول القائل : جعلت حسني قبيحا وجعلت البصرة بغداد وجعلت الحلال حراما فإذا لم ترد فجعلت العلاج والعمل في التعدي بمنزلة (رأيت) إذا أردت بها رؤية القلب ولم ترد رؤية العين ولك أن تعدي (جعلت) إلى مفعولين على ضرب آخر على أن تجعل المفعول الأول فاعلا في الثاني كما تقول : أضربت زيدا عمرا تريد أنك جعلت زيدا يضرب عمرا فيكون حينئذ قولك : فوق بعض مفعول مفعول وموضعه نصب تعدى إليه الفعل بحرف جرّ لأنك إذا قلت : مررت بزيد فموضع هذا نصب وهذا نحو : صكّ الحجران أحدهما بالآخر فإذا جعلت أنت أحدهما يفعل بالآخر قلت : صككت الحجرين أحدهما بالآخر ولم يكن بد من الباء ؛ لأن الفعل متعدّ إلى مفعول واحد فلما جعلت المفعول في المعنى فاعلا احتجت إلى مفعول فلم يتصل الكلام إلا بحرف جرّ وقد بينت ذا فيما تقدم وأوضحته فهذه ثلاثة أوجه في نصب (جعلت) متاعك بعضه على بعض وهي النصب على الحال والنصب على أنه مفعول ثان والنصب على أنه مفعول مفعول فافهمه فإنه مشكل في كتبهم ويجوز الرفع فتقول : جعلت متاعك بعضه على بعض وتقول : أبكيت قومك بعضهم على بعض فهذا كان أصله بكى قومك بعضهم على بعض فلما نقلته إلى (أبكيت) جعلت الفاعل مفعولا وهو في المعنى فاعل

ص: 439

إلا أنك أنت جعلته فاعلا وقولك : على بعض لا يجوز أن يقع موقع الحال لأنك لا تريد أنّ بعضهم مستقر على بعض ولا مطروح على بعض كما كان ذلك في المتاع.

قال سيبويه : لم ترد أن تقول : بعضهم على بعض في عون ولا أن أجسادهم بعضا على بعض وقولك : بعضهم في جميع هذه المسائل منصوب على البدل ، فإن قلت : حزنت قومك بعضهم أفضل من بعض كان الرفع حسنا ؛ لأن الآخر هو الأول ، وإن شئت نصبت على الحال يعني (أفضل) فقلت : حزنت قومك بعضهم أفضل من بعض كأنك قلت : حزنت بعض قومك فاضلين بعضهم.

قال سيبويه : إلا أن الأعرف والأكثر إذا كان الآخر هو الأول أن يبتدأ والنصب عربي جيد وتقول : ضرب عبد الله ظهره وبطنه ومطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل وجميع هذا لك فيه البدل ولك أن يكون تأكيدا كأجمعين لأنك إذا قلت : ضرب زيد الظهر والبطن فالظهر والبطن هما جماعة زيد ، وإذا قلت : (مطرنا) فإنما تعني : مطرت بلادنا والبلاد يجمعها السهل والجبل.

قال سيبويه : وإن شئت نصبت فقلت ضرب زيد الظهر والبطن ومطرنا السهل والجبل وضرب زيد ظهره وبطنه والمعنى : حرف الجر.

وهو (في) ولكنهم حذفوه قال : وأجازوا هذا كما أجازوا دخلت البيت وإنما معناه :دخلت في البيت والعامل فيه الفعل وليس انتصابه هنا انتصاب الظروف قال : ولم يجيزوا حذف حرف الجر في غير السهل والجبل والمظهر والبطن نظير هذا في حذف حرف الجر نبئت زيدا تريد : عن زيد وزعم الخليل : أنهم يقولون مطرنا الزرع والضرع ، وإن شئت رفعت على البدل على أن تصيره بمنزلة أجمعين توكيدا.

قال سيبويه : إن قلت : ضرب زيد اليد والرجل جاز أن يكون بدلا وأن يكون توكيدا ، وإن نصبته لم يحسن والبدل كما قال جائز حسن والتوكيد عندي يقبح إذا لم يكن الاسم المؤكد هو المؤكد واليد والرجل ليستا جماعة زيد وهو في السهل والجبل عندي يحسن ؛ لأن السهل

ص: 440

والجبل هما جماعة البلاد وكذلك البطن والظهر إنما يراد بهما جماعة الشخص ، فإن أراد باليد والرجل أنه قد : ضربت جماعة واجتزأ بذكر الطرفين في ذلك جاز.

قال : وقد سمعناهم يقولون : ضربتهم ظهرا وبطنا وتقول : ضربت قومك صغيرهم وكبيرهم على البدل والتأكيد جميعا ، فإن قلت : أو كبيرهم لم يجز إلا البدل وتقول : زيد ضربته أخاك فتبدل (أخاك) من الهاء ؛ لأن الكلام الأول قد تم وقد خبرتك : أن البدل إنما هو اختصار خبرين ، فإن قلت : زيد ضربت أخاك إيّاه لم يجز ؛ لأن الكلام الأول ما تم ، فإن قلت :مررت برجل قائم رجل أبوه فجعلت أباه بدلا من رجل لم يجز ؛ لأنه لا يصلح أن تقول :مررت برجل قائم أبوه وتسكت ولا يتم بذلك الكلام ، فإن قلت : مررت برجل قائم زيد أبوه فقد أجازه الأخفش على الصفة وقال : لأن قولك أبوه من صفة زيد فصار كأنه بعض اسمه ولو كان بدلا من زيد لم يكن كلاما ونظير هذا : مررت برجل قائم رجل يحبه وبرجل قائم زيد الضاربه.

ص: 441

الخامس من التوابع : وهو العطف بحرف
اشارة

حروف العطف عشرة أحرف يتبعن ما بعدهن ما قبلهن من الأسماء والأفعال في إعرابها : الأول الواو : ومعناها إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول وليس فيها دليل على أيهما كان أولا نحو قولك : جاء زيد وعمرو ولقيت بكرا وخالدا ومررت بالكوفة والبصرة فجائز أن تكون البصرة أولا وجائز أن تكون الكوفة أولا قال الله عز وجل : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : 43] والركوع قبل السجود.

الثاني (الفاء) : وهي توجب أن الثاني بعد الأول ، وإن الأمر بينهما قريب نحو قولك :رأيت زيدا فعمرا ودخلت مكة فالمدينة وجاءني زيد فعمرو ومررت بزيد فعمرو فهي تجيء لتقدم الأول واتصال الثاني فيه.

الثالث (ثمّ) : وثم مثل الفاء إلا أنها أشد تراخيا وتجيء لتعلم أن بين الثاني والأول مهلة تقول ضربت زيدا ثم عمرا وجاءني زيد ثم عمرو ومررت بزيد ثم عمرو.

الرابع (أو) : ولها ثلاثة مواضع تكون لأحد الشيئين بغير تعيينه عند شك المتكلم أو قصده أحدهما أو إباحة ، وذلك قولك : أتيت زيدا أو عمرا وجاءني رجل أو امرأة هذا إذا شك فأما إذا قصد بقوله أحدهما فنحو : كل السمك أو اشرب اللبن أي لا تجمعهما ولكن اختر أيهما شئت وكقولك : أعطني دينارا أو اكسني ثوبا والموضع الثالث الإباحة ، وذلك قولك : جالس الحسن أو ابن سيرين وأئت المسجد أو السوق أي قد أذنت لك في مجالسة هذا الضرب من الناس وعلى هذا قول الله عز وجل : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : 24].

الخامس (إما) : وإما في الشك والخبر بمنزلة (أو) وبينهما فصل ، وذلك أنك إذا قلت :جاءني زيد أو عمرو وقع الخبر في (زيد) يقينا حتى ذكرت (أو) فصار فيه وفي عمرو شك و (إما) تبتدىء به شاكا ، وذلك قولك : جاءني إما زيد وإما عمرو أي أحدهما وكذلك وقوعها للتخيير تقول : اضرب إما عبد الله وإما خالدا فالآمر لم يشك ولكنه خير المأمور كما كان ذلك

ص: 442

في (أو) ونظيره قول الله عز وجل : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : 3] وكقوله عز وجل : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : 4].

السادس (لا) : وهي تقع لإخراج الثاني مما دخل فيه الأول ، وذلك قولك : ضربت زيدا لا عمرا ومررت برجل لا امرأة وجاءني زيد لا عمرو.

السابع (بل) : ومعناها الإضراب عن الأول والإثبات للثاني نحو قولك : ضربت زيدا بل عمرا وجاءني عبد الله بل أخوه وما جاءني رجل بل امرأة.

الثامن (لكن) : وهي للإستدراك بعد النفي ولا يجوز أن تدخل بعد واجب إلا لترك قصة إلى قصة (تامة) فأما مجيئها للإستدراك بعد النفي فنحو قولك : ما جاءني زيد لكن عمرو وما رأيت رجلا لكن امرأة ومررت بزيد لكن عمرو لم يجز.

التاسع (أم) : وهي تقع في الاستفهام في موضعين : فأحدهما أن تقع عديلة الألف على معنى (أي) ، وذلك نحو قولك : أزيد في الدار أم عمرو وكقولك : أأعطيت زيدا أم أحرمته فليس جواب هذا لا ولا (نعم) كما أنه إذا قال : أيهما لقيت أو أي الأمرين فعلت لم يكن جواب هذا لا ولا (نعم) ؛ لأن المتكلم مدع أن أحد الأمرين قد وقع لا يدري أيهما هو فالجواب أن يقول : زيد أو عمرو ، فإن كان الأمر على غير دعواه فالجواب : أن تقول : لم ألق واحدا منهما أو كليهما فمن ذلك قول الله عز وجل : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات : 27] ومثل ذلك : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) [الدخان : 37] فخرج هذا من الله مخرج التوقيف والتوبيخ ومخرجه من الناس يكون استفهاما ويكون توبيخا ويدخل في هذا الباب التسوية ؛ لأن كل استفهام فهو تسوية ، وذلك نحو قولك : ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو وسواء عليّ أذهبت أم جئت فقولك : سواء عليّ تخبر أن الأمرين عندك واحد وإنما استوت التسوية والاستفهام لأنك إذا قلت مستفهما : أزيد عندك أم عمرو؟ فهما في جهلك لهما مستويان لا تدري أن زيدا في الدار كما لا تدري أن عمرا فيها ، وإذا قلت : قد علمت أزيد في الدار أم عمرو فقد استويا عند السامع كما استوى الأولان عند المستفهم وأي داخلة في كل موضع تدخل فيه أم مع الألف تقول : قد عملت أيّهما في الدار تريد أذا أم ذا قال الله عز وجل : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها

ص: 443

أَزْكى طَعاماً) [الكهف : 19] وقال : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) [الكهف : 12] فأي تنتظم معنى الألف مع أم جميعا ، وأما الموضع الثاني من موضعي (أم) ، فإن تكون منقطعة مما قبلها خبرا كان أو استفهاما ، وذلك نحو قولك فيما كان خبرا : إنّ هذا لزيد أم عمرو يا فتى ، وذلك أنك نظرت إلى شخص فتوهمته زيدا فقلت على ما سبق إليك ثم أدركك الظن أنه عمرو فانصرفت عن الأول فقلت : أم عمرو مستفهما فإنما هو إضراب على معنى (بل) إلا أن ما يقع بعد (بل) يقين وما يقع بعد (أم) مظنون مشكوك فيه ، وذلك أنك تقول : ضربت زيدا ناسيا أو غالطا ثم تذكر فتقول : بل عمرا مستدركا مثبتا للثاني تاركا للأول فهي تخرج من الغلط إلى استثبات ومن نسيان إلى ذكر و (أم) معها ظن أو استفهام وإضراب عما كان قبله ومن ذلك : هل زيد منطلق أم عمرو يا فتى قائما أضرب عن سؤاله عن انطلاق زيد وجعل السؤال عن عمرو فهذا مجرى هذا وليس على منهاج.

قولك : أزيد في الدار أم عمرو وأنت تريد : أيهما في الدار ؛ لأن (أم) عديلة الألف ولا تقع (هل) موقع الألف مع (أم) وقد تدخل (أم) على (هل).

قال الشاعر :

أم هل كبير بكى ... (1)

(1) على أنه يجوز أن تأتي هل بعد أم. وليس فيه جمع استفهامين ، فإن أم عند الشارح ، كما تقدم في حروف العطف مجردة عن الإستفهام إذا وقع بعدها أداة استفهام ، حرفا كانت أم اسما.

وأم المنقطعة عن الشارح حرف استئناف بمعنى بل فقط ، أو مع الهمزة بحسب المعنى ، وذلك فيما إذا لم يوجد بعدها أداة استئناف. وليست عاطفة عنده ، وفاقا للمغاربة.

قال المرادي في الجنى الداني : إن قلت : أم المنقطعة هل هي عاطفة أو ليست بعاطفة؟ قلت : المغاربة يقولون : إنها ليست بعاطفة ، لا في مفرد ، ولا في جملة.

وذكر ابن مالك أنها قد تعطف المفرد ، كقول العرب : إنها لإبل أم شاء. قال : فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها ، كما يكون ما بعد بل فإنها بمعناها. انتهى.

قال ابن هشام في المغني : لا تدخل أم المنقطعة على مفرد ، ولهذا قدروا المبتدأ في : إنها لإبل أم شاء. وخرق ابن مالك في بعض كتبه إجماع النحويين ، فقال : لا حاجة لتقدير مبتدأ.

وزعم أنها تعطف المفردات كبل ، وقدرها ببل دون همزة. واستدل بقول بعضهم : إن هناك لإبلا أم شاء بالنصب. فإن صحت روايته فالأولى أن يقدر لشاء ناصب ، أي : أم أرى شاء. انتهى.

وممن ذهب إلى أن أم عاطفة ابن يعيش ، ثم اضطرب كلامه في نحو : أم هل ، وفي : أم كيف. فتارة ادعى تجريد أم عن الإستفهام ، وتارة ادعى التجريد عن هل.

قال في فصل حرفي الإستفهام : من المحال اجتماع حرفين بمعنى واحد. فإن قيل : فقد تدخل على هل أم ، وهي استفهام ، نحو : أم هل كبير بكى ... البيت؟ فالجواب أن أم فيها معنيان : أحدهما : الاستفهام.

والآخر : العطف ، فلما احتيج إلى معنى العطف فيها مع هل خلع منها دلالة الاستفهام ، وبقي العطف بمعنى بل للترك ، ولذلك قال سيبويه : إن أم تجيء بمعنى لا بل ، للتحويل من شيء إلى شيء. وليس كذلك الهمزة ، لأنها ليس فيها إلا دلالة واحدة. انتهى كلامه.

وقوله : من المحال اجتماع حرفين بمعنى واحد هو في هذا تابع لابن جني ، وقد ذكرنا في الشاهد السادس بعد التسعمائة : أنه لا مانع من اجتماعهما للتأكيد ، كقوله :

ولا للما بهم أبدا دواء

والعطف هنا على قوله من عطف الجمل ، وليس لها تشريك في غير الوجود.

وقال ابن يعيش أيضا في فصل الحكاية : وأما ما حكاه أبو علي من قولهم : ضرب من منا ، فهي حكاية نادرة.

ووجهها أنها جردت من الدلالة على استفهام حتى صارت اسما كسائر الأسماء ، يجوز إعرابها وتثنيتها وجمعها ، كما جردوا أيا من الاستفهام حيث وصفوا بها ، فقالوا : مررت برجل أي رجل. وقد فعلوا ذلك في مواضع. انظر خزانة الأدب 4 / 180.

ص: 444

العاشر (حتى) : تقول ضربت القوم حتّى زيدا وقد ذكرتها كيف تكون عاطفة فيما تقدم حين ذكرناها مع حروف الخفض وأفردنا لها بابا واعلم أن قوما يدخلون ليس في حروف العطف ويجعلونها كلا وهذا شاذ في كلامهم وقد حكى سيبويه أن قوما يجعلونها (كما) فيقولون : ليس الطيب إلا المسك.

واعلم أن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض ، فإن وجدت ذلك في كلام فقد أخرج أحدهما من حروف النسق.

ص: 445

وذلك مثل قولهم : لم يقم عمرو ولا زيد الواو نسق (ولا) توكيد للنفي وكذلك قولك :والله لا فعلت ثم والله لا فعلت ثم نسق والواو قسم وحروف العطف لا يفرق بينها وبين المعطوف بشيء مما يعترض بين العامل والمعمول فيه والأشياء التي يعترض بها : الأيمان والشكوك والشروط.

وقد يجوز ذلك في (ثم وأو ولا) لأنها تنفصل وتقوم بأنفسها وقد يجوز الوقوف عليها فتقول : قام زيد ثم والله عمرو وثم أظن عمرو و (لا) التي للعطف يصح أن تلي الماضي ؛ لأنه قد غلب عليه الدعاء وقد يجوز أن يكون مع الماضي بمنزلة (لم) ، وذلك قولك : زيد قام لا قعد فيلتبس بالدعاء ، فإن لم يلتبس جاز عندي وقد جاءت (لا) نافية مع الماضي في غير خبر كما جاءت (لم) ، وذلك قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) [القيامة : 31] وتقول : لم يقم زيد ولم يقعد ولا يجوز : ولا يقعد إلا أن ترفعه وكذلك : لن يقوم زيد ولا يقعد بواو وغير واو.

ص: 446

باب العطف على الموضع
اشارة

الأشياء التي يقال أن لها موضعا غير لفظها على ضربين : أحدهما اسم مفرد مبني والضرب الآخر اسم قد عمل فيه عامل أو جعل مع غيره بمنزلة اسم فيقال : إن الموضع للجميع ، فإن كان الاسم معربا مفردا فلا يجوز أن يكون له موضع لأنا إنما نعترف بالموضع إذا لم يظهر في اللفظ الإعراب فإذا ظهر الإعراب فلا مطلوب.

الضرب الأول : وهو الاسم المضمر والمبني

، وذلك نحو : هذا تقول : إن هذا أخوك فموضع (هذا) نصب لأنك لو جعلت موضع هذا اسما معربا قلت : إن زيدا أخوك فمن أجل هذا جاز أن تقول : إن هذا وزيدا قائمان ولهذا جاز أن تقول : يا زيد العاقل فتنصب على الموضع وإنما جاز الرفع على اللفظ ؛ لأنه مبني يشبه المعرب لاطراده في الرفع وقد بينت هذا في باب النداء وليس في قولك (هذا) حركة تشبه الإعراب فإذا قلت : يا زيد وعمرو فحكم الثاني حكم الأول ؛ لأنه منادى فهو مضموم وقد قالوا على ذلك : يا زيد والحارث كما دخلت الألف واللام و (يا) لا تدخل عليهما ومن قال : إن موضع الاسم الذي عملت فيه (إنّ) رفع فقد غلط من قبل أن المعرب لا موضع له ومن أجل أنه يلزمه أن يكون لهذا موضعان في قولك : إن هذا وزيدا أخواك ؛ لأن موضع زيد عنده إذا قال : إن زيدا رفع فيلزمه أن يكون موضع (هذا) نصبا ورفعا.

الضرب الثاني : ينقسم أربعة أقسام
اشارة

جملة قد عمل بعضها في بعض أو اسم عمل فيه حرف أو اسم بني مع غيره بناء أو اسم موصول لا يتمّ إلا بصلته.

[القسم] الأول : جملة قد عمل بعضها في بعض

اعلم أن الجمل على ضربين ضرب لا موضع له وضرب له موضع.

فأما الجملة التي لا موضع لها فكل جملة ابتدأتها فلا موضع لها نحو قولك : مبتدئا : زيد في الدار وعمرو عندك فهذه لا موضع لها.

ص: 447

الضرب الثاني : الجملة موقع اسم مفرد نحو قولك : زيد أبوه قائم فأبوه قائم جملة موضعها رفع لأنك لو جعلت موضعها اسما مفردا نحو : منطلق لصلح وكنت تقول : زيد منطلق فتقول على هذا هند منطلقة وأبوها قائم فيكون موضع أبوها (قائم) رفعا لأنك لو وضعت موضع هذه الجملة (قائمة) لكان رفعا ، فإن قلت : هند أبوها قائم ومنطلقة جاز والأحسن عندي أن تقدم (منطلقة) ؛ لأن الأصل للمفرد والجملة فرع ولا ينبغي أن تقدم الفرع على الأصل إلا في ضرورة شعرهم وكذلك : مررت بامرأة أبوها شريف وكريمة حقه أن يقول : بامرأة كريمة وأبوها شريف ؛ لأن الأصل للمفرد ، وإن وصفه مثله مفردا وتقديم الجملة في الصفة عندي على المفرد أقبح منه في الخبر إذا قلت : هند أبوها كريم وشريفة ؛ لأن أصل الصفة أن تكون مساوية للموصوف تابعة له في لفظها ومعرفتها ونكرتها وليس الخبر من المبتدأ بهذه المنزلة فإذا قلت : زيد أبوه قائم وكريم لزيد لم يحسن ؛ لأنه ملبس يصلح أن يكون لزيد وللأب والأولى أن يكون معطوفا على (قائم) لما خبرتك ، فإن لم يلبس صلح وكذلك حق حروف العطف أن تعطف على ما قرب منها أولى.

القسم الثاني : اسم عمل فيه حرف

هذا القسم على ضربين :

ضرب يكون العامل فيه حرفا زائدا للتوكيد سقوطه لا يخل بالكلام بل يكون الإعراب على حقه والكلام

مستعمل.

والضرب الآخر أن يكون الحرف العامل غير زائد ومتى أسقط لم يتصل الكلام بعضه ببعض.

فالضرب الأول : نحو قولك : لست بقائم ولا قاعد الباء زائدة لتأكيد النفي ، ولو أسقطتها لم يخل بالكلام واتصل بعضه ببعض فموضع (بقائم) نصب ؛ لأن الكلام المستعمل قبل دخولها (لست قائما) فهذا لك أن تعطف على موضعه فتقول لست بقائم ولا قاعدا ومن ذلك : هل من رجل عندك وما من أحد في الدار فهذا لك أن تعطف على الموضع ؛ لأن موضع (من رجل) رفع وكذلك : خشّنت بصدره وصدر زيد ولو اسقطت الباء كان جيدا فقلت

ص: 448

خشنت صدره وصدر زيد وكذلك : كفى بالله إنما هو : كفى الله فعلى ذا تقول : كفى بزيد وعمرو ومن ذلك : إن زيدا في الدار وعمرا ولو أسقطت (إنّ) لكان : زيد في الدار وعمرو ، فإن مع ما عملت فيه في موضع رفع وينبغي أن تعلم أنه ليس لك أن تعطف على الموضع الذي فيه حرف عامل إلا بعد تمام الكلام من قبل أن العطف نظير التثنية والجمع ألا ترى أن معنى قولك : قام الزيدان إنما هو : قام زيد وزيد فلما كان العاملان مشتركين في الاسم ثنيا ولو اختلفا لم يصلح فيهما إلا الواو فكنت تقول : قام زيد وعمرو فالواو نظير التثنية وإنما تدخل إذا لم تكن التثنية فلما لم يكن يجوز أن يجتمع في التثنية الرفع والنصب ولا الرفع والخفض ولا أن يعمل في المثنى عاملان كذلك لم يجز في المعطوف والمعطوف عليه.

فإذا تم الكلام عطفت على العامل الأول وكنت مقدرا إعادته ، وإن كنت لا تقيده في اللفظ لأنك مستغن عنه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : إن زيدا وعمرو منطلقان لما خبرتك به ولأن قولك (منطلقان) يضير خبرا لمرفوع ومنصوب وهذا مستحيل فإذا قلت : (إن زيدا منطلق وعمرو) صلح ؛ لأن الكلام قد تم ورفعت ؛ لأن الموضع للابتداء ، وإن زائدة فعطفت على موضع (إنّ) وأعملت الابتداء وأضمرت الخبر وحذفته اجتراء بأن الأول يدل عليه ، فإن أختلف الخبران لم يكن بد من ذكره ولم يجز حذفه نحو قولك : إن زيدا ذاهب وعمرو جالس ؛ لأن (ذاهبا) لا يدل على (جالس) فإذا تم الكلام فلك العطف على اللفظ والموضع جميعا ، وإذا لم يتم لم يجز إلا اللفظ فقط وكذلك لو قلت : (هل من رجل وحمار موجودان) ، فإن قلت : وحمار جاز كما تقول : إن عمرا وزيدا منطلقان وكذلك إذا قلت : خشنت بصدره وصدر زيد عطفت على (خشنت) ولم يعرج على الباء وجاز ؛ لأن الكلام قد تم فكأنك قد أعدت : خشنت ثانية فالفرق بين العطف على الموضع والعطف على اللفظ أن المعطوف على اللفظ كالشيء يعمل فيهما عامل واحد لأنهما كاسم واحد والمعطوف على المعنى يعمل فيها عاملان والتقدير تكرير العامل في الثاني إذا لم يظهر عمله في الأول وتصير كأنها جملة معطوفة على جملة وكل جملتين يحذف من أحدهما شيء ويقتصر بدلالة الجملة الأخرى على ما حذف فهي كالجملة الواحدة ونظير هذا قولهم : ضربت وضربني زيد اكتفوا بذكر زيد عن أن يذكروا أولا إلا أن

ص: 449

هذا حذف منه المعمول فيه وكان الثاني دليلا على الأول وذاك حذف العامل منه إلا أن حذف العامل إذا دل عليه الأول أحسن مع العطف ؛ لأن الواو تقوم مقام العامل في كل الكلام.

الضرب الآخر : أن يكون الحرف العامل غير زائد ، وذلك نحو قولك : مررت بزيد وذهبت إلى عمرو ومرّ بزيد وذهب إلى عمرو فتقول : إن موضع (بزيد) في : (مررت بزيد) منصوب وموضع إلى عمرو في ذهبت إلى عمرو نصب وموضع بزيد في مر بزيد رفع وإنما كان ذلك لأنك لو جعلت موضع : (مررت) ما يقارب معناه من الأفعال المتعدية لكان زيد منصوبا نحو : أتيت زيدا ولو أسقطت الباء في قولك : مررت بزيد لم يجز ؛ لأن الأفعال التي هي غير متعدية في الأصل لا تتعدى إلا بحرف جر وقد بينت فيما تقدم صفة الأفعال المتعدية والأفعال التي لا تتعدى فتقول على هذا إذا عطفت على الموضع : مررت بزيد وعمرا وذهبت إلى بكر وخالدا ومرّ بزيد وعمرو كأنك قلت : وأتى عمرو وأتيت عمرا ودل (مررت) على (أتيت) فاستغنيت بها وحذفت قال الشاعر :

جئني بمثل بني بدر لقومهم

أو مثل أسرة منظور بن سيار (1)

كأنه قال : أو هات مثل أسرة منظور ؛ لأن جئني بمثل بني بدر يدل على : هات أو أعطني وما أشبه هذا.

القسم الثالث : اسم بني مع غيره

وذلك نحو : خمسة عشر وتسعة عشر فحكم هذا حكم المبني المفرد تقول : إن خمسة عشر درهما ويكفيك خمسة دنانير وخمسة دنانير النصب على (إنّ) والرفع على موضع (إنّ) وقولك :لا رجل في الدار بمنزلة : خمسة عشر في البناء إلا أن (رجل) مبني يضارع المعرفة فجاز لك أن تقول : لا رجل وغلاما لك فتعطف عليه ؛ لأن (لا) تعمل في النكرة عمل (إنّ) فبنيت مع (لا) على الفتح الذي عملته (لا) ومنعت التنوين ليدل منع التنوين على البناء ؛ لأنه اسم نكرة منصوب متمكن ودل على ذلك قولهم : لا ماء ماء باردا لك ألا تراهم بنوا ماء مع ماء فعلمت

ص: 450


1- انظر الأغاني 3 / 361.

بذلك أن هذا الفتح قد ضارعوا به المبني وأشبه خمسة عشر وكان هو الدليل على أن (لا) مبنية مع النكرة المفردة إذا قلت : لا ماء لك وقد بينت هذا في باب النفي فلهذا جاز أن تقول لا رجل وغلاما لك على اللفظ ولا رجل وغلام لك على موضع (لا) ويدل على بناء رجل في قولك : لا رجل أنه لا يجوز أن تقول : لا رجل وغلام لك فلو لم يعدلوا فتحة النصب إلى فتحة البناء لما جاز ؛ لأن الواو تدخل الثاني فيما دخل فيه الأول ولو وجدنا في كلامهم اسما نكرة متمكنا ينصب بغير تنوين لقلنا أنه منصوب غير مبني فكما تقول أن المنادى المفرد بني على الضم كالمعرب المرفوع تقول في هذا أنه معرب كالمبني المفتوح ولهذا لا يجوز أن ينعت الرجل على الموضع فيرفع ؛ لأن موضع (رجل) نصب ؛ لأن لو كان موضعه مضافا ما كان إلا نصبا فلهذا قلنا أنه بني على التقدير الذي كان له وموضع (لا) مع رجل رفع موضع ابتداء كما كانت إن مع ما عملت فيه إلا أن النحويين أجازوا : لا رجل ظريف وقالوا : رفعناه على موضع : لا رجل وإنما جاز هذا مع (لا) ولم يجز مع (أن) ؛ لأن (لا) مع رجل بمنزلة اسم واحد وليست (إنّ) مع ما عملت فيه بمنزلة شيء واحد لو قلت : إن زيدا العاقل منطلق لم يجز وقد ذكرت هذا في باب إنّ ويدلك أيضا على أن (لا) مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد أنه لا يجوز لك أن تفصل بين (لا) والاسم ومتى فعلت ذلك لم يكن إلا الرفع ، وذلك قولك : لا لك مال ولا تقول : لا لك مال ؛ لأن (لك) قد منع البناء وقد حكي عن بعضهم : لا رجل وغلام لك فحذف التنوين من الثاني وشبهه بالعطف على النداء وهذا شاذ لا يعرج عليه وإنما حكمنا على (لا) أنها نصبت في قولك : لا رجل لقولهم : لا رجل وغلاما لك وأنه يجوز أن تقول لا رجل وغلاما منطلقان فلو لم تكن (لا) نصبت لم يجز أن تعطف على رجل منصوبا فهذا الفرق بين (لا) رجل وخمسة عشر.

وقد عرفتك من أين تشابها ومن أين افترقا ، وأما عطف المفرد على المفرد في النداء فلا يجوز أن تعطفه على الموضع لو قلت : يا زيد وعمرا لم يجز من قبل أن زيدا إنما بني ؛ لأنه منادى مخاطب باسمه.

ص: 451

والصلة التي أوجبت البناء في زيد هي التي أوجبت البناء في عمرو وهما في ذلك سواء ألا ترى أنهم يقولون : يا عبد الله وزيد فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولو لا ذلك لما جاز وليس مثل هذا في سائر ما يعطف عليه.

القسم الرابع : وهو ما عطف على شيء موصول لا يتم إلا بصلته

وذلك قولك : ضربت الذي في الدار وزيدا عطفت على الذي مع صلتها ولو عطفت على الذي مفردا لم يجز ولم يكن اسما معلوما وكذلك (من) إذا كانت بمعنى الذي تقول ضربت من في الدار وزيدا ومثل ذلك (ما) إذا كانت بمعنى (الذي) تقول : أخرجت ما في الدار وزيدا فالذي ومن وما مبهمات لا تتم في الإخبار إلا بصلات وما يوصل فيكون كالشيء الواحد (أن) مع صلتها تكون كالمصدر نحو قولك : يعجبني أن تقوم فموضع أن تقوم رفع ؛ لأن المعنى : يعجبني قيامك وكذلك إن قلت : كرهت أن تقوم فموضع أن تقوم نصب وعجبت من أن تقوم خفض فتقول على هذا : عجبت من أن يقوم زيد وقعودك تريد : من قيام زيد وقعودك.

ص: 452

باب العطف على عاملين

اعلم أن العطف على عاملين لا يجوز من قبل أن حرف العطف إنما وضع لينوب عن العامل ويغني عن إعادته ، فإن قلت : قام زيد وعمرو فالواو أغنت عن إعادة (قام) فقد صارت ترفع كما يرفع قام وكذلك إذا عطفت بها على منصوب نحو قولك : إن زيدا منطلق وعمرا فالواو نصبت كما نصبت (إنّ) وكذلك في الخفض إذا قلت : مررت بزيد وعمرو فالواو جرت كما جرت الباء فلو عطفت على عاملين أحدهما يرفع والآخر ينصب لكنت قد أحلت لأنها كان تكون رافعة ناصبة في حال قد أجمعوا على أنه لا يجوز أن تقول : مرّ زيد بعمرو وبكر خالد فتعطف على الفعل والباء ولو جاز العطف على عاملين لجاز هذا واختلفوا إذا جعلوا المخفوض يلي الواو فأجاز الأخفش ومن ذهب مذهبه : مرّ زيد بعمرو وخالد بكر واحتجوا بأشياء منها قول الشاعر :

هوّن عليك ، فإن الأمور

بكفّ الإله مقاديرها (1)

فليس بآتيك منهيّها

ولا قاصر عنك مأمورها

ص: 453


1- قال البغدادي : وثانيهما : لجماعة من البصريين ، وهو ابن الطراوة ، وابن طاهر ، وابن خروف ، وأبو علي الرندي ، وأبو الحجاج بن معزوز ، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه. زعموا أن على اسم دائما ، ولا تكون حرفا. وزاد الأخفش على سيبويه موضعا آخر من اسميتها ، وذلك : إذا كان مجرورها ، وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد ، ومنه قوله تعالى : "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ" ، وقول الشاعر : هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها لأنه لا يتعدى فعل الضمير المتصل إلى ضميره المتصل في غير باب ظن ، وفقد ، وعدم. قال أبو حيان : ولا بدل على اسميتها ما ذكره الأخفش ؛ فقد جاء : " وهزي إليك" ، و" اضمم إليك جناحك" ولا نعلم أحدا ذهب إلى أن إلى اسم. وقال ابن هشام : وفيما قاله الأخفش نظر ، لأنها لو كانت اسما في هذه المواضع ، لصح حلول فوق محلها ، ولأنها لو لزمت اسميتها لما ذكر ، لزم الحكم باسمية إلى في نحو : " فصرهن إليك" وهذا كله يتخرج ، إما على التعليق بمحذوف كما قيل : في سقيا لك ، وإما على حذف مضاف ، أي : هون على نفسك ، واضمم إلى نفسك. انظر خزانة الأدب 3 / 492.

وقال النابغة :

فليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا (1)

وما يحتجون به : (ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة) فعطف على كل وما ومن ذلك :

أكلّ امريء تحسبين امرأ

ونار توقّد بالليل نارا

ومذهب سيبويه في جميع هذه أن لا يعطف على عاملين ويذكر أن في جميعها تأويلا يرده إلى عمل واحد ونحن نذكر ما قاله سيبويه في باب (ما) تقول : ما أبو زينب ذاهبا ولا مقيمة أمها ترفع لأنك لو قلت : ما أبو زينب مقيمة أمها لم يجز لأنها ليست من سببه ومثل ذلك قول :الأعور الشني هوّن عليك فأنشد البيتين ورفع ولا قاصر عنك مأمورها وقال : لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي ومعنى كلامه أنه لو كان موضع ليس (ما) لكان الخبر إذا تقدم في (ما) على الاسم لم يجز إلا الرفع لا يجوز أن تقول : ما زيد منطلقا ولا خارجا معن ، فإن جعلت في (خارج معن) شيئا من سبب زيد جاز النصب وكان عطفا على الخبر ؛ لأنه يصير خبرا لزيد ؛ لأنه معلق بسبب له فكذلك لو قلت : فما يأتيك منهيها

ص: 454


1- وفد الجعديّ على النبي صلّى الله عليه وسلّم مسلما ، وأنشده ، ودعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وكان من اول ما أنده قوله في قصيدته الرائية : أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتابا كالمجرة نيرا وجاهدت حتى ما أحس ومن معي سهيلا إذا ما لاح ثمّت غوّرا أقيم على التقوى وأرضى بفعلها وكنت من النار المخوفة أحذرا إلى أن قال : وإنا لقوم ما نعوّد خيلنا إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الطعن حتى تحسب الجون أشقرا وليس بمعروف لنا ان نردها صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا انظر خزانة الأدب 1 / 365.

ولا قاصر عنك مأمورها غير قولك منهيها ثم قال : وجره قوم فجعلوا المأمور للمنهي والمنهي هو الأمور ؛ لأنه من الأمور وهو بعضها فأجراه وأنثه كما قال جرير :

إذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبى اليتيم (1)

ص: 455


1- الشاهد : هو أنّ" بعضا" اكتسب التأنيث ممّا بعده بالإضافة ؛ ولهذا قال" تقرّقتنا" بالتأنيث. قال ابن جنّي في" سرّ الصناعة" عند ما أنشد قول الشاعر : " البسيط" سائل بني أسد ما هذه الصّوت إنّما أنّثه لأنّه أراد الاستغاثة. وهذا من قبيح الضرورة ، أعني تانيث المذكّر ؛ لأنّ التذكير هو الأصل ، بدلالة أنّ الشيء مذكّر وهو يقع على المذكّر والمؤنث ، فعلمت بهذا عموم التذكير وأنّه هو الأصل الذي لا ينكسر. ونظير هذا في الشذوذ قوله - وهو من أبيات الكتاب - : إذا بعض السنين تعرّقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم وهذا أسهل من تأنيث الصّوت قليلا ، لأنّ بعض السنين سنة ، وهي مؤنثة ، وهي من لفظ السنين ؛ وليس الصّوت بعض الاستغاثة ولا من لفظها. انتهى. وزاد المبرّد في" الكامل" على هذا الوجه وجها آخر فقال : قوله : إذا بعض السنين تعرّقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم يفسّر على وجهين : أن يكون ذهب إلى أنّ بعض السّنين يؤنّث لأنّه سنة وسنون. والأجود أن يكون الخبر في المعنى عن المضاف إليه فأقحم المضاف إليه توكيدا ، لأنّه" غير" خارج من المعنى. وفي كتاب الله عز وجلّ : " فظلت أعناقهم لها خاضعين" والخضوع بيّن في الأعناق ، فأخبر عنهم فأقحم الأعناق توكيدا - وكان أبو زيد الأنصاريّ يقول : أعناقهم : جماعتهم - والأوّل قول عامّة النّحويّين. انتهى المراد منه. و" بغض" : فاعل فعل محذوف يفسّره" تعرّقتنا" المذكور ؛ يقال تعرقت العظم : إذا أكلت ما عليه من اللّحم. يريد أنها أذهبت أموالنا ومواشينا. و" السّنة" هنا : القحط والجدب : ضدّ الخصب والرّخاء. و" كفى" بمعنى أغنى يتعدّى إلى مفعولين ، أوّلهما" الأيتام" وثانيهما" فقد" ، ومصدره الكفاية ، قال تعالى : "وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ" أي : كفى الأيتام فقد آبائهم ، لأنّه أنفق عليهم واعطاهم ما يحتاجون إلأيه ، وكان في الكفاية لهم الحراسة والتّفقدّ لأحوالهم بمنزلة آبائهم. وأراد أن يقول : كفى الأيتام فقد أبائهم فلم يمكنه فقال : فقد أبي اليتيم ؛ لأنّه ذكر الأيتام أوّلا ، ولكنّه أفرد حملا على المعنى ؛ لأنّ الأيتام هنا اسم جنس ، فواحدها ينوب مناب جمعها ، وبالعكس. وكان المقام مقام الإضمار فأتى بالاسم الظاهر. وهذا البيت من قصيدة لجرير مدح بها هشام بن عبد الملك بن مروان. انظر خزانة الأدب 2 / 31.

فصار تأويل الخبر ليس : بآتيك الأمور ولا قاصر بعضها فجعل : بعض الأمور أمورا وكذلك احتج لقول النابغة في الجر فقال : يجوز أن تجر وتحمله على الرد ؛ لأنه من الخيل يعني في قوله : أن تردها ؛ لأن (أن تردها) في موضع ردها كما قال ذو الرمة :

مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم

كأنه قال : تسفهتها الرياح فهذا بناء الكلام على الخيل ، وذلك ردّ إلى الأمور وقال : كأنه قال : ليس بآتيك منهيها وليست بمعروفة ردها حين كان من الخيل والخيل مؤنثة فأنث وهذا مثل قوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : 112] أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى هذا مثله في أنه تكلم به مذكرا ثم أنث كما جمع وهو في قوله : ليس بآتيتك منهيها كأنه قال : ليس بآتيتك الأمور وفي ليس بمعروف ردها وكأنه قال : ليست بمعروفة خيلنا صحاصا قال : وإن شئت نصبت فقلت : ولا مستنكرا ولا قاصرا.

قال أبو العباس : قال الأخفش : وليس هذان البيتان على ما زعم سيبويه يعني في الجر ؛ لأنه يجوز عند العطف وأن يكون الثاني من سبب الأول وأنكر ذلك سيبويه ؛ لأنه عطف على عاملين على السين والباء فزعم أبو الحسن : أنها غلط منه وأن العطف على عاملين جائز نحو قول الله عز وجل في قراءة بعض الناس : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ)(1) فجر الآيات

ص: 456


1- سورة الجاثية : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.) قرأ حمزة ، والكسائي : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ ،) (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) بالخفض فيهما. وقرأ الباقون بالرفع فيهما ، قوله : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ) جاز الرفع فيها من وجهين : أحدهما : العطف على موضع (إن) وما عملت فيه ، فيحمل الرفع على الموضع ، فتقول : إن زيدا قائم وعمرا وعمرو ، فتعطف ب (عمرو) على (زيد) إذا نصبت ، وإذا رفعت فعلى موضع (إن) مع (زيد). والوجه الآخر : أن يكون مستأنفا على معنى : وفي خلقكم آيات ، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة ، قال سيبويه : (آيات) رفع بالابتداء. - ووجه قراءة حمزة ، والكسائي في قوله : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ ،) (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) فعلى أنه لم يحمل على موضع (إن) كما حمل الرفع في الموضعين ، ولكن حمل على لفظ (إن) دون موضعها ، فحمل (آيات) في الموضعين على نصب (إن) في قوله : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) وإنما كسرت التاء ؛ لأنها غير أصلية [حجة القراءات 1 / 659].

وهي في موضع نصب ومثل قوله : (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : 24] عطف على خبر (إنّ) وعلى (الكل).

قال أبو العباس : وغلط أبو الحسن في الآيتين جميعا ولكن قوله : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية : 5] وابتدأ الكلام : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ.)

بعد هذه الآية ، وإن جرّ آيات فقد عطف على عاملين وهي قراءة عطف على (إن) و (في) قال وهذا عندنا غير جائز ؛ لأن الذي تأوله سيبويه بعيد وقال : لأن الرد غير الخيل والعقر راجع إلى الخيل فليس بمتصل بشيء من الخيل ولا داخل في المعنى.

وقال : أما قوله : فليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها فهو أقرب قليلا وليس منه ؛ لأن المأمور بعضها والمنهي بعضها وقربه أنهما قد أحاطا بالأمور وقال : وليس يجوز الخفض عندنا إلا على العطف على عاملين فيمن أجازه.

وأما قولهم : ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة فقال سيبويه : كأنك أظهرت كلّ مضمر فقلت : ولا كلّ بيضاء فمذهب سيبويه أنّ (كلّ) مضمرة هنا محذوفة وكذلك :

أكلّ امرىء تحسبين أمرأ

ونار توقّد بالليل نارا (1)

ص: 457


1- نقل الخلاف ابن الأنباريّ في هذه المسألة في" كتابه الإنصاف ، في مسائل الخلاف" فقال : ذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف وحرف الخفض ، لضرورة الشعر ، وذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ذلك بغيرهما. أما الكوفيّون فاحتجوا بأن قالوا : إنّما قلنا ذلك لأنّ العرب قد استعملته كثيرا في أشعارها ، قال الشاعر : فزججتها بمزجة ... البيت وقال الآخر : تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت ... البيت وقال الآخر : " الطويل" يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع بواديه من قرع القسيّ الكنائن والتقدير من قرع الكنائن القسيّ. وقال : " المنسرح" وأصبحت بعد خطّ بهجتها كأنّ قفرا رسومها قلما والتقدير بعد بهجتها ، ففصل بين المضاف الذي هو بعد والمضاف إليه الذي هو بهجتها ، بالفعل الذي هو خطّ. وتقدير البيت : فأصبحت قفرا بعد بهجتها كأن قلما خطّ رسومها. وقد حكى الكسائيّ عن العرب : هذا غلام والله زيد. وحكى أبو عبيدة سماعا عن العرب : إنّ الشاة لتجترّ فتسمع صوت والله ربّها. وإذا جاء هذا في الكلام ، ففي الشعر أولى. وأمّا البصريون فاحتجوا بأن قالوا إنّما قلنا لا يجوز ذلك لأنّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد ، فلا يجوز أن يفصل بينهما. وإنّما جاز الفصل بالظرف وحرف الجرّ كما قال ابن قميئة : لله درّ اليوم من لامها وقال أبو حيّة النميريّ : " الوافر" كما خطّ الكتاب بكفّ يوما يهوديّ يقارب أو يزيل وقال ذو الرمّة : كأن أصوات من إيغالهنّ بنا لآنّ الظرف وحرف الجر يتّسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما. انظر خزانة الأدب 2 / 93.

يذهب إلى أنه حذف (كلّ) بعد أن لفظ بها ثانية وقال : استغنيت عن تثنية (كلّ) لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب قال : وجاز كما جاز في قوله : ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه ، وإن شئت قلت : ولا مثل أخيه فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه وتفريقه أن تقول : ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك قال : ومثل ذلك : ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذلك فلما جاز في هذا جاز في ذاك.

ص: 458

وأبو العباس رحمه الله لا يجيز : ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك والذي بدأ به سيبويه الرفع في قولك : ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة والنصب في (ونارا) هو الوجه وهذه الحروف شواذ فأما من ظنّ أن من جر آيات في الآية فقد عطف على عاملين فغلط منه وإنما نظير ذلك قولك : إنّ في الدار علامة للمسلمين والبيت علّامة للمؤمنين فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإعادة للتأكيد لما طال الكلام كما تعاد (إن) إذا طال الكلام وقد ذكرنا هذا في باب إنّ وأنّ ولو لا أنا ذكرنا التأكيد وأحكامه فيما تقدم لذكرنا هاهنا منه طرفا كما أنك لو قلت : إنّ في الدار الخير والسوق والمسجد والبلد الخير كان إعادته تأكيدا وحسن لما طال الكلام فآيات الأخيرة هي الأولى وإنما كانت تكون فيه حجة لو كان الثاني غير الأول حتى يصيرا خبرين ، وأما من رفع وليست (آيات) عنده مكررة للتأكيد فقد عطف أيضا على عاملين نصب أو رفع ؛ لأنه إذا قال : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فإذا رفع فقد عطف (آيات) على الابتداء وإختلافا على (في) ، وذلك عاملان ولكنه إذا قصد التكرير رفع أو نصب فقد زال العطف على عاملين فالعطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموع من العرب ولو جاز العطف على عاملين لجاز على ثلاثة وأكثر من ذلك ولو كان الذي أجاز العطف على عاملين أي شاهد عليه بلفظ غير مكرر نحو : (إنّ في الدار زيدا والمسجد عمرا) وعمرو غير زيد لكان ذلك له شاهدا على أنه إن حكى مثله حاك ولم يوجد في كلام العرب شائعا فلا ينبغي أن تقبله وتحمل كتاب الله عز وجل عليه.

ص: 459

باب مسائل العطف

نقول : مررت بزيد أنيسك وصاحبك ، فإن قلت : مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز وتقول : اختصم زيد وعمرو ولا يجوز أن تقتصر في هذا الفعل وما أشبهه على اسم واحد ؛ لأنه لا يكون إلا من اثنين ولا يجوز أن يقع هنا من حروف العطف إلا الواو لا يجوز أن تقول : اختصم زيد فعمرو لأنك إذا أدخلت الفاء وثم اقتصرت على الاسم الأول ؛ لأن الفاء توجب المهلة بين الأول والثاني وهذا الفعل إنما يقع من اثنين معا وكذلك قولك جمعت زيدا وعمرا ولا يجوز أن تقول جمعت زيدا فعمرا وكذلك المال بين زيد وعمرو ولا يجوز : بين زيد فعمرو وتقول : زيد راغب فيك وعمرو تعطف (عمرا) على الابتداء ، فإن عطفت على (زيد) لم يكن بد من أن تقول : زيد وعمرو راغبان فيك ، فإن عطفت عمرا على الضمير الذي في (راغب) قلت : (زيد راغب هو وعمرو فيك) ، فإن عطفت على ابتداء والمبتدأ لم يجز أن تقول : زيد راغب وعمرو فيك ؛ لأن (فيك) معلقة براغب فلا يجوز أن تفصل بينهما وقد أجازوا تقديم حرف النسق في الشعر فتقول على ذاك : قام وزيد عمرو وقام ثمّ زيد وعمرو وتقول : زيد وعمرو قاما ويجوز : زيد وعمرو قام فحذف (قام) من الأول اجتزاء بالثاني وتقول : زيد ثم عمرو قام وزيد فعمرو قام.

وقد أجازوا التثنية فتقول : زيد فعمرو قاما وزيد ثم عمرو قاما ولا يجيزون مع (أو ولا) إلا التوحيد لا غير نحو : زيد لا عمرو قام وزيد أو عمرو قام لا يجوز أن تقول : زيد لا عمرو قاما لأنك تخلط من قام بمن لم يقم وكذلك لو قلت قاما لجعلت القيام لهما إنما هو لأحدهما ومن أجاز : لقيت وزيدا عمرا لم يجز ذلك في المخفوض لا تقول : مررت وزيد بعمرو تريد :مررت بعمرو وزيد ؛ لأنه قد قدم المعطوف على العامل وإنما أجازوا للضرورة أن يقدم معمول فيه على معمول فيه والعامل قبلهما وذا ليس كذلك وقد حلت بينه وبين ما نسقته عليه بغيره وهو الباء.

وأجاز قوم : قام ثم زيد عمرو ولا يجيزون : إن وزيدا عمرا قائمان ؛ لأن (إنّ) أداة.

ص: 460

ويجيزون : (كيف وزيد عمرو) ويقولون : كلّ شيء لم يكن يرفع لم يجز أن يليه الواو نحو :(هل وزيد عمرو قائمان) محال وإنما صار العطف إذا لم يكن قبله ما يرفع أقبح ؛ لأنه يصير مبتدأ وفي موضع مبتدأ وليس أحد يجيز مبتدأ : وزيد عمرو قائمان يريد : عمرو وزيد قائمان ، وإن بمنزلة الابتداء فلذلك قبح أيضا فيها وتقول : زيد رغب فيك وعمرو وزيد فيك رغب وعمرو ، فإن أخرجت (رغب) على هذا لم يجز : أن تقول : زيد فيك وعمرو رغب لأنك قد فصلت بين المبتدأ وخبره بالمعطوف وقدمت ما هو متصل بالفعل وفرقت بينهما بالمعطوف أيضا وتقول : أنت غير قائم ولا قاعد تريد : وغير قاعد لما في (غير) من معنى النفي وتقول : أنت غير القائم ولا القاعد تريد : غير القاعد كما قال الله عز وجل : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : 7] ولم يجىء هذا في المعرفة لا يستعملون (لا) مع المعرفة العلم في مذهب (غير) لا يجوز : أنت غير زيد ولا عمرو تقول : زيد قام أمس ولم يقعد ولا يجوز : زيد قام ويقعد وإنما جاز مع (لم) لأنها مع عملت فيه في معنى الماضي ولا يجوز أن تنسق على (لن ولم) بلا مع الأفعال لا تقول : لم يقم عبد الله لا يقعد وكذلك : لن يقوم عبد الله لا يقعد يا هذا ؛ لأن (لا) إنما تجيء في العطف لتنفي عن الثاني ما وجب للأول وتقول : ضربت عمرا وأخاه وزيد ضربت عمرا ثم أخاه وزيد ضربت عمرا أو أخاه وقوم لا يجيزون من هذه الحروف إلا الواو فقط ويقولون : لأن الواو بمعنى الاجتماع فلا يجيزون ذلك مع ثم وأو ؛ لأن مع (ثم وأو) عندهم فعلا مضمرا ، فإن قلت : (زيد ضربت عمرا وضربت أخاه) لم يجز ؛ لأن الفعل الأول والجملة الأولى قد تمت ولا وصلة لها بزيد وعطفت بفعل آخر هو المتصل لسببه وليس لأخيه في (ضربت) الأولى وصلة ، فإن أردت بقولك : وضربت إعادة للفعل الأول على التأكيد جاز ومن أجاز العطف على عاملين قال : زيد في الدار والبيت أخوه وأمرت لعبد الله بدرهم وأخيه بدينار ؛ لأن دينارا ليس إلى جانب ما عملت فيه الباء وحرف النسق مع الأخ ولا يجوز أيضا أمرت لعبد الله بدرهم ودينار أخيه ؛ لأن أخاه ليس إلى جانب ما عملت فيه اللام وحرف النسق مع دينار وتقول : ضربت زيد وعمرا ويجوز أن ترفع عمرا وهو مضروب فتقول ضربت زيدا وعمر تريد : وعمرو كذلك وإنما يجوز هذا إذا علم المحذوف ولم يلبس وتقول.

ص: 461

هذان ضارب زيدا وتاركه ؛ لأن الفعل لا يصلح هنا لو قلت : هذان يضرب زيدا ويتركه لم يجز وإنما جاز هذا في (فاعل) ؛ لأنه اسم فإذا قلت : هذان زيد وعمرو لم يجز إلا بالواو ؛ لأن الواو تقوم مقام التثنية والجمع.

واعلم أنه لا يجوز عطف الظاهر على المكني المتصل المرفوع حتى تؤكده نحو : قمت أنا وزيد وقام هو وعمرو قال الله عز وجل : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) [المائدة : 24] ، فإن فصلت بين الضمير وبين المعطوف بشيء حسن نحو : ما قمت ولا عمرو ويجوز أن تعطف بغير تأكيد ولا يجوز عطف الظاهر على المكنى المخفوض نحو : مررت به وعمرو إلا أن يضطر الشاعر وتقول : أقبل إن قيل لك الحقّ والباطل إذا أمرت بالحقّ : أردت : أقبل الحقّ إن قيل لك هو والباطل.

قد ذكرنا جميع هذه الأسماء المرفوعة والمنصوبة والمجرورة وما يتبعها في إعرابها وكنت قلت في أول الكتاب أن الأسماء تنقسم قسمين : معرب ومبني ، فإن المعرب ينقسم قسمين :منصرف وغير منصرف وقد وجب أن يذكر من الأسماء ما ينصرف وما لا ينصرف ثم نتبعه المبنيات.

ص: 462

ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف

اشارة

اعلم أن معنى قولهم اسم منصرف أنه يراد بذلك إعرابه بالحركات الثلاث والتنوين والذي لا ينصرف لا يدخله جر ولا تنوين ؛ لأنه مضارع عندهم للفعل والفعل لا جرّ فيه ولا تنوين وجر ما لا ينصرف كنصبه كما أن نصب الفعل كجزمه والجر في الأسماء نظير الجزم في الفعل ؛ لأن الجر يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال وإنما منع ما لا ينصرف الصرف لشبهه بالفعل كما أعرب من الأفعال ما أشبه الاسم فجميع ما لا ينصرف إذا أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف جرّ في موضع الجرّ وإنما فعل به ذلك ؛ لأنه دخل عليه ما لا يدخل على الأفعال وما يؤمن معه التنوين ألا ترى أن الألف واللام لا يدخلان على الفعل وكذلك الأفعال لا تضاف إلى شيء وأن التنوين لا يجتمع مع الألف واللام والإضافة وأصول الأسماء كلها الصرف وإنما في بعضها ترك الصرف وللشاعر إذا اضطر أن يصرف جميع ما لا ينصرف ونحن نذكر ما لا ينصرف منها ليعلم ما عداها منصرف.

ص: 463

الأسباب التي تمنع الصرف تسعة
اشارة

متى كان في الاسم اثنان منها أو تكرر واحد في شيء منها منع الصرف ، وذلك وزن الفعل الذي يغلب على الفعل والصفة والتأنيث الذي يكون لغير فرق والألف والنون المضارعة لألفي التأنيث والتعريف والعدل والجمع والعجمة وبناء الاسم مع الاسم كالشيء الواحد.

الأول : وزن الفعل

فما جاء من الأسماء على أفعل أو يفعل أو تفعل أو نفعل أو فعل ويفعل وانضم معه سبب من الأسباب التي ذكرنا لم ينصرف فأفعل نحو أحمر وأصفر وأخضر لا ينصرف ؛ لأنه على وزن أذهب وأعلم وهي صفات فقد اجتمع فيها علتان وأحمد اسم رجل لا ينصرف ؛ لأنه على وزن أذهب فهو معرفة ففيه علتان ، فإن نكرته صرفته تقول : مررت بأحمد يا هذا وبأحمد آخر وأعصر اسم رجل لا ينصرف ؛ لأنه مثل أقتل وكذلك إن سميته بتنضب وترتب وتألب فأما تولب إذا سميت به فمصروف ؛ لأنه مثل جعفر ، فإن سميت على هذا رجلا بيضرب قلت : هذا يضرب قد جاء ومررت بيضرب ورأيت يضرب وكذلك : تضرب ونضرب واضرب ، وإن سميته بفعل قلت : هذا ضرب قد جاء ورأيت ضرب ، وإن سميته بضرب صرفته ؛ لأنه مثل حجر وجمل وليس بناؤه بناء يخص الأفعال ولا هي أولى به من الأسماء بل الأسماء والأفعال فيه مشتركة وهو كثير فيهما جميعا ، وإن سميت رجلا بنرجس لم تصرفه ؛ لأنه على مثال نصرب وليس في الأسماء شيء على مثال فعلل ولو كان فيها فعلل لصرفنا نرجس إذا سمينا به.

أما (نهشل) اسم رجل فمصروف ؛ لأنه على مثال (جعفر) وليس هو تفعل إنما هو فعلل ولكن لو سميت رجلا بتذهب لتركت صرفه فقلت : هذا تذهب ورأيت تذهب ومررت بتذهب وجميع هذه إذا نكرتها صرفتها تقول : مرت بتغلب وتغلب آخر ؛ لأنه قد زالت إحدى العلتين ، وهي التعريف ، فإن سميت بقام عمرو حكيت فقلت : هذا قام عمرو ورأيت قام

ص: 464

عمرو وكذلك كل جملة يسمى بها نحو : تأبّط شرا تقول هذا تأبّط شرا وكذلك إذا سميته (بقاما) قلت : هذا قاما ورأيت قاما ومررت بقاما وهذا قاموا ورأيت قاموا ومررت بقاموا ، وإن سميت (بقام) وفي قام ضمير الفاعل حكيته فقلت : هذا قام قد جاء ومررت بقام يا هذا تدعه على لفظه لأنك لم تنقله من فعل إلى اسم إنما سميت بالفعل مع الفاعل جميعا رجلا فوجب أن تحكيه فأما إن سميت (بقام) ولا ضمير فيه فهو مصروف ؛ لأنه مثل باب ودار وقد نقلته من الفعل إلى الاسم ولو كان فعلا لكان معه فاعل ظاهر أو مضمر وكذلك لو سميت بقولك : زيد أخوك لقلت هذا زيد أخوك قد جاء ورأيت أخوك ومررت بزيد أخوك تحكي الكلام كما كان ، فإن سميت رجلا (بضربت) ولا ضمير فيه قلت : هذا ضربه فتقف عليه بهاء ؛ لأن الأسماء المؤنثة من هذا الضرب إذا وقفت عليها أبدلت التاء هاء تقول : هذا سلمة قد جاء فإذا وقفت قلت : سلمه وكذلك (ضربت) إذا سميت بها خرجت عن لفظ الأفعال ولزمها ما يلزم الأسماء وليست التاء في (ضربت) اسما ولو كانت اسما لحكى وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذه التاء إنما تدخل في فعل المؤنث لتفرق بينه وبين فعل المذكر ، وإذا سميت (بضربت) وفيها ضمير الفاعلة حكيت فقلت : هذا ضربت قد جاء ورأيت ضربت ومررت بضربت ؛ لأن فيه ضميرا ولو أظهرت لقلت ضربت هي وكل اسم صار علما لشيء وهو على مثال الأفعال في أوله زياداتها لا تصرفه ، فإن سميت بأضرب أو أقبل قطعت الألف ولم تصرفه فقلت : هذا أضرب قد جاء وأذهب وأقبل قد جاء ؛ لأن ألف الوصل إنما حقها الدخول على الأفعال وعلى الأسماء الجارية على تلك الأفعال نحو : استضرب استضرابا وانطلق انطلاقا فأما الأسماء التي ليست بمصادر جارية على أفعالها فألف الوصل غير داخلة عليها وإنما دخلت في أسماء قليلة نحو : ابن وامرىء واست وليس هذا بابها ، وإن سميت رجلا (بتضارب) صرفته ؛ لأنه ليس على مثال الفعل فتقول : هذا تضارب قد جاء ومررت بتضارب ، فإن صغرته وهو معرفة قلت :تضيرب فلم تصرفه ؛ لأنه قد ساوى تصغير (تضرب) وأنت لو سميت رجلا (بتضرب) ثم صغرته وأنت تريد المعرفة لم تصرفه.

ص: 465

وأفعل منك لا يصرف نحو : أفضل منك وأظرف منك ؛ لأنه على وزن الفعل وهو صفة ، فإن زال وزن الفعل انصرف ألا ترى أن العرب تقول : هو خير منك وشر منك وشر منك لما زال بناء (أفعل) صرفوه ، فإن سميت بأفعل مفردا أو معها (منك) لم تصرفها على حال ، وأما أجمع وأكتع فلا ينصرفان لأنهما على وزن الفعل وهما معرفتان لأنهما لا يوصف بهما إلا معرفة ، فإن ذكرتهما صرفتهما ، وإن سميت رجلا ضربوا فيمن قال : أكلوني البراغيث قلت : هذا ضربون قد جاء من قبل أن هذه الواو ليست بضمير فلما صار اسما صار مثل (مسلمون) والاسم لا يجمع بواو ولا نون معها ومن قال مسلمين قالت : ضربين وكذلك لو سميت (بضربا) قلت : ضربان قد جاء فيمن قال : أكلوني البراغيث ومن قال : مسلمين وعشرين لم يقل في مسلمات ملسمين ؛ لأن ذاك لما صار اسما لواحد شبه بعشرين ويبرين.

الثاني : الصفة التي تتصرف

وذلك نحو : أفعل الذي له فعلاء نحو أحمر وحمراء وأصفر وصفراء وأعمى وعمياء وأحمر لا ينصرف ؛ لأنه على وزن الفعل وهو صفة وحمراء لا تتصرف ؛ لأن فيها ألف التأنيث وهي مع ذلك صفة ولو كان ألف التأنيث وحدها في غير صفة لم تنصرف ونحن نذكر ذلك في باب التأنيث والصفة لا تكون معرفة إلا بالألف واللام وكل بناء دخلته الألف واللام فهو منصرف ومتى صارت الصفة اسما فقد زال عنها الصفة فأما قائمة وقاعدة وما أشبه ذلك إذا وصفت بها فهو منصرف ؛ لأن هذه الهاء إنما دخلت فرقا بين المذكر والمؤنث وهي غير لازمة فهي مثل التاء في الفعل إذا قلت : ضربت وضربت وإنما يعتد بالتأنيث الذي لم يذكر للفرق وأجازوا مثنى وثلاث ورباع غير مصروف وذكر سيبويه أنه نكرة وهو معدول فقد اجتمع فيه علتان ، وإذا حقرت ثناء وأحاد صرفته لأنك تقول أحيد وثني فيصير مثل حمير فيخرج إلى مثال ما ينصرف.

الثالث التأنيث

والمؤنث على ضربين : ضرب بعلامة وضرب بغير علامة فأما المؤنث الذي بالعلامة فالعلامة للتأنيث علامتان : الهاء والألف فالأسماء التي لا تنصرف مما فيها علامة فنحو : حمدة

ص: 466

اسم امرأة وطلحة اسم رجل لا ينصرفان لأنهما معرفتان وفيهما علامة التأنيث ، فإن نكرتهما صرفتهما تقول : مررت بحمدة وحمدة أخرى وبطلحة وطلحة آخر وكل اسم معرفة فيه هاء التأنيث فهو غير مصروف فأما ألف التأنيث فتجيء على ضربين : ألف مفردة نحو بشرى وخبلى وسكرى وألف قبلها ألف زائدة نحو : صحراء وحمراء وخنفساء وكل اسم فيه ألف التأنيث ممدودة أو مقصورة فهو غير مصروف معرفة كان أو نكرة ، فإن قال قائل فما العلتان اللتان أوجبتا ترك صرف بشرى وإنما فيه ألف للتأنيث فقط قيل : هذه التي تدخلها الألف يبنى الاسم لها وهي لازمة وليست كالهاء التي تدخل بعد التذكير فصارت للملازمة والبناء كأنه تأنيث آخر وتضارع هذه الألف الألف التي تجيء زائدة للإلحاق إذا سميت بما يكون فيه ، وذلك نحو : ألف ذفرى وعلقى فيمن قال : علقاة وحبنطى ، فإن سميت بشيء منها لم تصرفه لأنها ألف زائدة كما إن ألف التأنيث زائدة وقد امتنع دخول الهاء عليها في المعرفة وأشبهت ألف التأنيث لذلك.

وحق كل ألف تجيء زائدة رابعة فما زاد أن يحكم عليها بالتأنيث حتى تقوم الحجة بأنها ملحقة ؛ لأن بابها إذا جاءت زائدة رابعة فما زاد فللتأنيث لكثرة ذلك واتساعه والإلحاق يحتاج إلى دليل لقلته والدليل الذي تعلم به الألف الملحقة أن تنون وتدخل عليها هاء نحو من جعل علقى ملحقة فنون وألحق الهاء فقال : علقاة ولهذا موضع يبين فيه وإنما شبهت ألف حبنطى بألف التأنيث كما يثبت الألف والنون في عثمان بالألف والنون في غضبان لما تعرف عثمان وصار لا يدخله التأنيث ، فإن صغرت علقى اسم رجل صرفته ، وإن سميت رجلا بمعزى لم تصرفه ، وإن صغرته لم تصرفه أيضا ؛ لأنه اسم لمؤنث فأما من ذكر معزى فهو يصرفه وتترى فيها لغتان كعلقى فأما أرطى ومعزى فليس فيه إلا لغة واحدة الإلحاق والتنوين ، فإن سميت بهما لم تصرفهما كما ذكرت لك ، وإن سميت بعلباء صرفته ؛ لأنه ملحق بسرداح تقول عليبى كما تقول : سريديح ولو كانت للتأنيث لقلت علبياء.

وأما التأنيث بغير علامة فنحو : زينب وسعاد لا ينصرفان لأنهما اسمان لمؤنث ، وإن سميت امرأة باسم على أربعة أحرف أصلية أو فيها زائدة فما زاد لم يصرف ؛ لأن الحرف الرابع

ص: 467

بمنزلة الهاء ؛ لأن الهاء لا تكون إلا رابعة فصاعدا إلا في اسم منقوص نحو : ثبة وكذلك إن سميت مذكرا باسم مؤنث لا علامة فيه ولم تصرفه نحو رجل سميته بعناق وسعاد وقالوا : إنّ أسماء اسم رجل إنما لم يصرف وهو جمع اسم على أفعال وحق هذا الجمع الصرف ؛ لأنه من أسماء النساء فلما سمي به الرجل لم يصرف ولو قال قائل : إنما هو فعلاء أرادوا أسماء وأبدلوا الواو همزة كما قال في وسادة إسادة لكان مذهبا ، فإن سميت مؤنثا باسم ثلاثي متحرك الأوسط فهو غير مصروف نحو : امرأة سميتها بقدم ، فإن كان الثلاثي ساكن الأوسط نحو : هند ودعد وجمل فمن العرب من يصرف لخفة الاسم وأنه أقل ما تكون عليه الأسماء من العدد والحركة ومنهم من يلزم القياس فلا يصرف ، فإن سميت امرأة باسم مذكر ، وإن كان ساكن الأوسط لم تصرفه نحو زيد وعمرو ؛ لأن هذه من الأخف وهو المذكر إلى الأثقل وهو المؤنث فهذا مذهب أصحابنا وهو في هذا الموضع نظير رجل سميته بسعاد وزينب وجيأل فلم تصرفه لأنها أسماء اختص بها المؤنث وهو على أربعة أحرف والرابع كحرف التأنيث ، وإن سموا رجلا بقدم وخشل صرفوه وحقروه فقالوا : قديم.

الرابع : الألف والنون اللتان يضارعان ألفي التأنيث

اعلم أنهما لا يضارعان ألفي التأنيث إلا إذا كانتا زائدتين زيدا معا كما زيدت ألفا التأنيث معا ، وإذا كانتا لا يدخل عليهما حرف تأنيث كما لا يدخل على ألفي التأنيث تأنيث ، وذلك نحو : سكران وغضبان لأنك لا تقول : سكرانة ولا غضبانة إنما تقول : غضبى وسكرى فلما امتنع دخول حرف التأنيث عليهما ضارعا التأنيث وكذلك كل اسم معرفة في آخره ألف ونون زائدتان زيدا معا فهو غير مصروف ، وذلك نحو : عثمان اسم رجل لا تصرفه ؛ لأنه معرفة وفي آخره ألف ونون وهما في موضع لا يدخل عليهما التأنيث ؛ لأن التسمية قد حظرت ذلك فهذا مثل حبنطى وذفرى إذا سميت بهما لما حظرت التسمية دخول الهاء اشبهت الألف ألف التأنيث فلم تصرف في المعرفة وصرف في النكرة وكذلك عثمان غير مصروف في المعرفة ، فإن نكرته صرفته ؛ لأنه في نكرته كعطشان الذي له عطشى وكذلك إذا سميته بعريان وسرحان وضبعان لم تصرفه ، فإن نكرته صرفته ، وإن حقرت سرحان اسم رجل صرفته فقلت :

ص: 468

سريحين ؛ لأنه ملحق بسرداح في نكرته ولكنك إن حقرت عثمان فقلت : عثيمان لم تصرفه وتركت الألف والنون على حالهما كما فعلت بألفي التأنيث إذا قلت : حميراء فعثمان مخالف كسرحان كأنه إنما بني هذا البناء في حال معرفته وهذا يبين في التصغير ، وإن سميت بطحان من الطحن وسمان من السمن وتبان من التبن صرفت جميع ذلك ، وإن سميت بدهقان من الدهق لم تصرفه ، وإن سميته من التدهقن صرفته.

وكذلك شيطان إن كان من التشيطن صرفته ، وإن كان من شيّط لم تصرفه.

وقال سيبويه : سألت الخليل عن رمّان فقال : لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف يعني أنه إذا سمي لم يصرفه في المعرفة ؛ لأنه لا يدري من أي شيء اشتقاقه فحمله على الأكثر والأكثر زيادة الألف والنون قال : وسألته عن سعدان ومرجان.

فقال : لا أشكّ في أن هذه النون زائدة ؛ لأنه ليس في الكلام مثل : سرداح ولا فعلال إلا مضعفا ولو جاء شيء على مثال جنجان لكانت النون عندنا بمنزلة نون مرّان إلا أن يجيء أمر يبين أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه.

قال أبو العباس : صرف جنجان ؛ لأن المضاعف من نفس الحرف بمنزلة خضخاض ونحوه فأما عوغاء فيختلف فيها فمنهم من يجعلها كخضخاض فيصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة عوراء فلا يصرف.

الخامس : التعريف

متى ما اجتمع مع التعريف التأنيث أو وزن الفعل أو العجمة أو العدل أو الألف والنون لم يصرف فالتأنيث نحو : طلحة وحمزة وزينب اجتمع في هذه الأسماء أنها مؤنثات وأنها معارف والألف والنون مثل عثمان والعدل مثل عمر وسحر ووزن الفعل مثل أحمد ويشكر والعجمة نحو : إبراهيم وإسماعيل ويعقوب فجميع هذه لا تصرف لإجتماع العلتين فيها ، فإن سميت بيعقوب وأنت تريد ذكر القبح صرفته ؛ لأنه مثل يربوع فأما الصفة والجمع فإنهما لا يجتمعان مع التعريف بالتسمية ؛ لأن الصفة إذا سمي بها زال عنها معنى الصفة والجمع لا يكون معرفة أبدا إلا بالألف واللام ، فإن سميت بالجمع الذي لا ينصرف رجلا نحو : مساجد

ص: 469

لم تصرفه وقلت : هذا مساجد قد جاء إنما لم يصرف ؛ لأنه معرفة وإنه مثال لا يكون في الواحد فأشبه الأعجمي المعرفة ، فإن صغرته صرفته فقلت : مسيجد ؛ لأنه قد عاد البناء إلى ما يكون في الواحد مثله وصار مثل مييسر.

وقال سيبويه : سراويل واحد أعرب وهو أعجمي وأشبه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فهو مصروف في النكرة.

وإن سميت به لم تصرفه ، وإن حقرته اسم رجل لم تصرفه ؛ لأنه مؤنث مثل عناق وعناق إذا سميت به مذكرا لم تصرفه ، وأما شراحيل فمصروف في التحقير ؛ لأنه لا يكون إلا جمعا وهو عربيّ وقال الأخفش : الجمع الذي لا ينصرف إذا سميت به إن نكّرته بعد ذل لك لم تصرفه أيضا.

السادس : العدل

ومعنى العدل أن يشتق من الاسم النكرة الشائع اسم ويغير بناؤه إما لإزالة معنى إلى معنى وإما ؛ لأن يسمى به فأما الذي عدل لإزالة معنى إلى معنى فمثنى وثلاث ورباع وآحاد فهذا عدل لفظه ومعناه عدل عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين وعن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى وكذلك أحاد عدل عن لفظ واحد إلى لفظ أحاد وعن معنى واحد إلى معنى واحد واحد وسيبويه يذكر أنه لم ينصرف ؛ لأنه معدول وأنه صفة ولو قال قائل : إنه لم ينصرف ؛ لأنه عدل في اللفظ والمعنى جميعا وجعل ذلك لكان قولا : فأما ما عدل في حال لتعريف فنحو : عمر وزفر وقثم عدلن عن عامر وزافر وقائم أما قولهم : يا فسق فإنما أرادوا : يا فاسق وقد ذكر في باب النداء وسحر إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام فهو لا يصرف تقول :لقيته سحر يا هذا فاجتمع فيه التعريف.

والعدل عن الألف واللام ، فإن أردت سحرا من الأسحار صرفته ، وإن ذكرته بالألف واللام أيضا صرفته فأما ما عدل للمؤنث فحقه عند أهل الحجاز البناء ؛ لأنه عدل مما لا ينصرف فلم يكن بعد ترك الصرف إلا البناء.

ص: 470

ويجيء على (فعال) مكسور اللام نحو : حذام وقطام وكذلك في النداء نحو : يا فساق ويا غدار ويا لكاع ويا خباث فهذا اسم الخبيث واللكعاء والفاسقة وفعال في المؤنث نظير فعل في المذكر وقد جاء هذا البناء اسما للمصدر فقالوا : فجار يريدون : فجرة وبداد يريدون : بددا ولا مساس يريدون : المسّ ويجيء اسما للفعل نحو : مناعها أي امنعها وحذار اسم احذر ومما عدل عن الأربعة : قرقار يريدون : قرقر وعرعار وهي لعبة ونظيرها من الثلاثة : خراج أي أخرجوا وهي لعبة أيضا وجميع ما ذكر إذا سمي به امرأة فبنو تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسم لا ينصرف فأما ما كان آخره راء ، فإن بني تميم وأهل الحجاز يتفقون على الحجازية وذلك : سفار وهو اسم ماء وحضار اسم كوكب ، قال سيبويه : يجوز الرفع والنصب ، قال الأعشى :

ومرّ دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار (1)

ص: 471


1- هذا البيت من شواهد النحويين ، وأول من استشهد به سيبويه : على أن وبار رفع ، والمطرد فيما كان آخره راء من وزن فعال أن يبنى على الكسر في لغة الحجاز. وأورده شراح الألفية شاهدا على ورود وبار على اللغتين : إحداهما البناء على الكسر ، والثانية إعرابها إعراب ما لا ينصرف. وزعم أبو حيان : أنه يحتمل أن يكون وبار الثاني فعلا ماضيا مسندا إلى الواو. قال الأعلم : " وبار : اسم أمة قديمة من العرب العاربة هلكت وانقطعت كهلاك عاد وثمود". وقال البكري في" معجم ما استعجم" : " قال أبو عمرو : وبار بالدهناء ، بلاد بها إبل حوشية ، وبها نخل كثير لا يأبره أحد ولا يجده ؛ وزعم أن رجلا وقع إلى تلك الأرض ، فإذا تلك الإبل ترد عينا وتأكل من ذلك التمر ، فركب فحلا منها ووجهه قبل أهله ، فاتبعته تلك الإبل الحوشية فذهب إلى أهله. وقال الخليل : وبار كانت محلة عاد ، وهي بين اليمن ورمال يبرين ؛ فلما أهلك الله عادا ورث محلتهم الجن ، فلا يتقاربها أحد من الناس ؛ وهي الأرض التي ذكرها الله تعالى في قوله : "وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ". وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : كان من شأن دعيميص الرمل العبدي ، الذي يضرب به المثل فيقال :أهدى من دعيميص الرمل ، إنه لم يكن أحد دخل أرض وبار غيره ، فوقف بالموسم بعد انصرافه من وبار ، وجعل ينشد : من يعطني تسعا وتسعين نعجة هجانا وأدما أهده لوبار فلم يجبه أحد من أهل الموسم إلا رجل من مهرة ، فإنه أعطاه ما سأل ؛ وتحمل معه في جماعة من قومه بأهلهم وأموالهم ؛ فلما توسطوا الرمل طمست الجن بصر دعيميص ، واعترته الصرفة فهلك هو ومن معه جميعا. انظر خزانة الأدب 1 / 250.

وجمع هذا إذا سمي به المذكر لم ينصرف ؛ لأن هذا بناء بني للتأنيث وحرك بالكسر لذلك ؛ لأن الكسرة من الياء والياء يؤنث بها وهو متصرف في النكرة ومنهم من يصرف رقاش وعلاب إذا سمي به كأنه سمي بصباح ، وإذا كان اسما على فعال لا يدري ما أصله بالقياس صرفه ؛ لأنه لم يعلم له علة توجب إخراجه عن أصله وأصل الأسماء الصرف وكل (فعال) جائز متى كانت من (فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت) ؛ لأنه لم يسمع من بنات الأربعة إلا قرقار وعرعار وفعال إذا كان أمرا نصب بعده وليس يطرد (فعال) إلا في النداء وفي الأمر.

السابع : الجمع الذي لا ينصرف

وهو الذي ينتهي إليه الجموع ولا يجوز أن يجمع وإنما منع الصرف ؛ لأنه جمع جمع لا جمع بعده ألا ترى أن أكلبا جمع كلب ، فإن جمع أكلبا قلت : أكالب فهذا قد جمع مرتين فكل ما كان من هذا النوع من الجموع التي تشبه التصغير وثالثه ألف زائدة كما أن ثالث التصغير ياء زائدة وما بعده مكسور كما أن ما بعد ثالث التصغير مكسور فهو غير منصرف ، وذلك نحو : دراهم ودنانير فدراهم في الجمع نظير دريهم في التصغير ودنانير نظير دنينير فليس بين هذا الجمع وبين التصغير إلا ضمة الأول في التصغير وفتحة في الجمع ، وإن ثالث التصغير ياء وثالث هذا ألف فهذا الجمع الذي لا ينصرف.

فإن أدخلت الهاء على هذا الجمع انصرف ، وذلك نحو : صياقلة ؛ لأن الهاء قد شبهته بالواحد فصار كمدائني لما نسبت إلى مدائن انصرف وكان قبل التسمية لا ينصرف الإعراب على الباء كما وقع على ياء النسب ، فإن كان هذا الجمع فيما لامه ياء مثل جوار نونت في الجر

ص: 472

والرفع ؛ لأن هذه الياء تحذف في الوقت في الجر والرفع فعوضت النون من ذلك ، وإذا وقعت موضع النصب بنيت الياء ولم تصرف وقلت : رأيت جواري يا هذا.

وقال أبو العباس رحمه الله : قال أبو عثمان : كان يونس وعيسى وأبو زيد والكسائي ينظرون إلى جوار وبابه أجمع فكل ما كان نظيره من غير المعتل مصروفا صرفوه وإلا لم يصرفوه وفتحوه في موضع الجر كما يفعلون بغير المعتل يسكنونه في الرفع خاصة وهو قول أهل بغداد والصرف الذي نحن عليه في الجر والرفع هو قول الخليل وأبي عمرو بن العلاء وابن أبي إسحاق وجميع البصريين.

قال أبو بكر : فأما الياء في (ثمان) فهي (ياء نسب) وكان الأصل ثمني مثل يمني فحذفت إحدى اليائين وأبدلت منها الألف كما فعل ذلك بيمني حين قالوا : يمان يا هذا وقد جعل بعض الشعراء ثماني لا ينصرف.

قال الشاعر :

يحدو ثماني مولعا بلقاحها (1) ...

ص: 473


1- على أن" ثماني" لم يصرف في الشعر شذوذا ، لما توهم الشاعر أن فيه معنى الجمع ولفظه يشبه لفظ الجمع ، وكان القياس أن يقول : ثمانيا. قال ابن السيد : في" ثماني" لغتان : الصرف لأنه اسم عدد وليس بجمع ، ومنع الصرف لأنه جمع من جهة معناه ، لأنه عدد يقع للجمع ، بخلاف يمان وشآم ، لأنه غير جمع وفيه جمع ، فإن س وغيره قالوا : إنه شاذ ، توهم الشاعر فيه معنى الجمع فلم يصرفه. ولم يقل أحد إنه لغة. وفي" شرح شواهد الكتاب" للنحاس : قال سيبويه : " وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذاري : حدثني أبو الخطاب ، أنه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منون. وسمعت أبا الحسن يقول : إن هذا الأعرابي غلط وتوهم أن ثماني جمع على الواحد وتوهم أنه من الثمن". أي : توهم أن الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها. وقال الأعلم الشنتمري : كأنه توهم أن واحد ثمنية كحذرية ثم جمع فقال ثماني كما يقال حذاري في جمع حذرية ، والمعروف صرفها على أنها اسم واحد أي : بلفظ المنسوب ، نحو يمان. والحذرية ، - بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وتخفيف المثناة التحتية : قطعة غليظة من الأرض. انظر خزانة الأدب 1 / 55.

وأما بخاتي فلا ينصرف ؛ لأن الياء لغير النسب وهي التي كانت في بختية وكذلك كرسي وكراسي وقمري وقماري.

الثامن : العجمة

الأسماء الأعجمية الأعلام غير مصروفة إذا كانت العرب إنما أعربتها في حال تعريفها نحو : إسحاق وإبراهيم ويعقوب ؛ لأن العرب لم تنطق بهذه إلا معارف ولم تنقلها من تنكير إلى تعريف فأما ما أعربته العرب من النكرات من كلام العجم وأدخلت عليه الألف واللام فقد أجروه مجرى ما أصل بنائه له ، وذلك نحو : ديباج وإبريسم ونيروز وفرند وزنجبيل وشهريز وآجر فهذا كله قد أعربته العرب في نكرته وأدخلت عليه الألف واللام فقالوا : الديباج والشهريز والنيروز والفرند فجميع هذا إذا سميت به مذكرا صرفته ؛ لأن حكمه حكم العربي ، فإن كان الاسم العلم ثلاثيا صرفوه لخفته نحو : نوح ولوط ينصرفان على كل حال.

التاسع : الاسمان اللذان يجعلان اسما واحدا

والأول منهما مفتوح والثاني بمنزلة ما لا ينصرف في المعرفة ويتصرف في النكرة وهو مشبه بما فيه الهاء ؛ لأن ما قبله مفتوح كما أن ما قبل الياء مفتوح وهو مضموم إلى ما قبله كما ضمت الهاء إلى ما قبلها ، وذلك نحو : حضر موت وبعلبك ورام هرمز ومارسرجس ومنهم من يضيف ويصرف ومنهم من يضيف ولا يصرف ويجعل كرب في (معدي كرب) مؤنثا ومنهم من يقول : معد يكرب يجعله اسما واحدا إلا أنهم لا يفتحون الياء ويتركونها ساكنة يجعلونها بمنزلة الياء في دردبيس وكذلك إذا أضافوا يقولون : رأيت معدي كرب يلزمون الياء الإسكان استثقالا للحركة فيها.

ص: 474

مسائل من هذا الباب

قال أبو العباس : قال سيبويه : تصرف رجلا سميته قيل أورد اللتين تقديرهما فعل فقيل له : لم صرفتهما وفعل لا ينصرف في المعرفة ؛ لأنه مثال لا تكون عليه الأسماء فقال : لما سكنت عيناهما ذهب ذلك البناء وصارا بمنزلة فعل وفعل قيل له : فكيف تزعم أنك إذا قلت لقضو الرجل ثم أسكنت على قول من قال في عضد عضد قلت : لقضو الرجل ولم ترد الياء ، وإن كانت الضمة قد ذهبت لأنك زعمت تنويها وأنك لم تبنها على (فعل) ولكنك أسكنتها من (فعل) فذلك البناء في نيتك وكذلك تقول في (ضوء) كما ترى إذا خففت الهمزة (ضو) فأثبت واوا طرفا وقبلها حركة ومثل هذا لا يكون في الكلام فقلت : إنما جاز هذا ؛ لأن حركتها إنما هي حركة الهمز لأنها الأصل فهي في النية واشباه هذا كثير فلم لم تترك الصرف في قيل وردّ اللتين هما فعل ؛ لأن الإسكان عارض والحركات في النية قال : فالجواب في ذلك أنه حين قال لقضو الرجل فأسكن الضاد إنما سكنها من شيء مستعمل يتكلم به فالإسكان فيه عارض ؛ لأن قولهم المستعمل إنما هو لقضو ثم يسكنون وكذلك الهمزة المخففة إنما المستعمل إثباتها ثم تخفف استثقالا فيقولون : ضو وقضو استخفافا ، وأما قيل وردّ فلا يستعمل الأصل منهما البتة لا يقال : قول ثم يخفف ولا ردد فهذا يجري مجرى ما لا أصل له إلا ما يستعمل.

ولذلك قالوا في تصغير سماء سمية ؛ لأن هذه الياء لا يستعمل إلا حذفها فلذلك دخلت الهاء وصارت بمنزلة ما أصله الثلاثة وقياس هذا القول أنك إذا سميت رجلا : (ضرب) ثم أسكنت فقلت ضرب لم تصرفه ؛ لأن الأصل يستعمل ، وإن أسكنت فقلت (ضرب) التي هي فعل ثم سميت بها مسكنة وجب أن تصرف ؛ لأن الأصل لم يقع في الاسم قط وأنه لم يسم به إلا مسكنا والدليل على ذلك أنهم إذا سموا رجلا جيأل ثم خففوا الهمزة قالوا : جمل ولم يصرفوه وقال : سئل التوزي وروي عن أبي عبيدة أنه يقال للفرس الذكر لكع والأنثى لكعة فهل ينصرف لكع على هذا القول فالجواب في ذلك : أن لكعا هذه تنصرف في المعرفة ؛ لأنه ليس ذلك المعدول الذي يقال للمؤنث منه (لكاع) ولكنه بمنزلة : حطم ، وإن كان حطم صفة ؛

ص: 475

لأنه اسم ذكره من باب صرد ونغر فلم يؤخذ من مثال عامر فيعدل في حالة التعريف إلى عمر ونحوه وقال : الأسماء الأعجمية التي أعربتها العرب لا يجيء شيء منها على هيئته وأنت إذا تفقدت ذلك وجدته في إبراهيم وإسحاق ويعقوب وكذلك فرعون وهامان وما أشبهها لأنها في كلام العجم بغير هذه الألفاظ فمن ذلك أن إبراهيم بلغة اليهود منقوص الياء ذاهب الميم وأن سارة لما أعربها نقصت نقصا كبيرا وكذلك إسحاق والأسماء العربية ليس فيها تغيير ويبين ذلك أن الإشتقاق فيها غير موجود ولا يكون في العربية نعت إلا باشتقاق من لفظه أو من معناه ولو قال قائل : هل يجوز أن يصرف إسحاق كنت مشتركا إن كان مصدر إسحاق السفر إسحاقا تريد : أبعده إبعادا فهو مصروف ؛ لأنه لم يغير والسحيق : البعيد قال الله عز وجل : (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : 31] ، وإن سميته إسحاق اسم النبي تصرفه ؛ لأنه قد غير عن جهته فوقع في كلام العرب غير معروف المذهب وكذلك يعقوب الذي لم يغير وإنما هو اسم طائر معروف قال الشاعر :

عال يقصّر دونه اليعقوب (1) ...

فإذا سمينا بهذا صرفناه ، وإن سميناه يعقوب اسم النبي لم تصرفه ؛ لأنه قد غير عن جهته فوقع غير معروف المذهب وإنما جاء في القرآن في مواضع من صرف عاد وثمود وسبأ فالقول فيها : أنها أسماء عربية وأن القوم عرب في أنفسهم فقوله عز وجل : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ) [الفرقان : 38] وإنما هم آباء القبائل كقولك : جاءتني تميم وعامر إنما هو قبيلة تميم وقبيلة عامر فحذف قبيلة كقولك : واسأل القرية فأما عاد فمنصرف اسم رجل على كل حال ؛ لأن كل عجمي لا علامة للتأنيث فيه على ثلاثة أحرف فهو مصروف ، وأما ثمود فهو فعول من الثّمد وهو الماء القليل فمن صرفه جعله أبا للحي والحي نفسه ، وأما سبأ فهو جد بني قحطان والقول فيه كالقول في ثمود وعاد والأغلب فيه أنه الأب والأكثر في القراءة : (لَقَدْ

ص: 476


1- انظر الحيوان للجاحظ 1 / 428.

كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ)(1) [سبأ : 15] و (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : 22] وتقول :

هو اسم امرأة وهي أمهم وليس هذا بالبعيد قال النابغة الجعدي :

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما (2)

ص: 477


1- قرأ أبو عمرو ، والبزي : لسبأ بالفتح. وقرأ الباقون : لسبأ مجرور. فمن فتح وترك الصرف ، فلأنه جعل (سبأ) اسما للقبيلة ، ومن صرف وكسر جعل (سبأ) اسما لرجل ، أو لحي. قرأ الكسائي : لسبأ في مسكنهم بكسر الكاف. وقرأ حفص ، وحمزة : في مسكنهم بفتح الكاف. وقرأ الباقون : مساكنهم على الجمع. فمن قرأ : مساكنهم أتى باللفظ وفقا للمعنى ؛ لأن لكل ساكن مسكنا فجمع ، و (المساكن) جمع (مسكن) الذي هو اسم للموضع ، من : (سكن ، يسكن). وحجتهم : أنها مضافة إلى جماعة (فمساكنهم) بعددهم ، ويقوي الجمع : إجماع الجميع على قوله : (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ.) ومن قرأ : مسكنهم بالفتح يشبه أن يكون جعل (المسكن) مصدرا ، وحذف المضاف ، والتقدير : في مواضع سكناهم ، فلما جعل المسكن كالسكن أفرد كما تفرد المصادر ، وعلى هذا قوله : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي : في موضع قعود ، ألا ترى أن لكل واحد من المتقين موضع قعود. ومن قرأ : مسكنهم جعله اسم الموضع الذي يسكنون فيه ، وإنما وحد ؛ لأنه أراد بلدهم ، وقد يجوز أن يراد بذلك جمع (المساكن) ، ثم يؤدي الواحد عن الجمع. قال الكسائي : (مسكن ومسكن) لغتان ، قال نحويو البصرة : والأشبه فيه الفتح ؛ لأن اسم المكان من : (فعل يفعل) على (المفعل) بالفتح ، وإن لم يرد المكان ، ولكن أراد المصدر ، فالمصدر - أيضا أطرح بالكافرين في الدرك ا لأسفل يا رب أصطلي الضرما يا أيها الناس هل ترون إلى فارس بادت وخر من دعما أمسوا عبيدا يرعون شاءكم كأنما كان ملكهم حلما أو سبا الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما وأنشد بعده : الكامل ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم على أن ظن يقل فيها نصب المفعول الواحد ، فإن معناه هنا لا تظني شيئا غير نزولك. وصحة هذا المعنى لا تقتضي تقدير مفعول آخر. وفيه رد للنحويين ، فإنهم قالوا : المفعول الثاني لظن محذوف اختصارا لا اقتصارا. وبه استشهد شراح الألفية ، وقالوا : تقديره : فلا تظني غيره واقعا ، أو حقا. وجملة : فلا تظني غيره ، معترضة بين نزلت ، وبين متعلقة ، وهو مني. انظر خزانة الأدب 3 / 317.

مأرب : موضع ، والعرم : هذا الذي يسمى السكر والسكر فهو من قولك : سميته سكرا.

والسّكر : اسم الموضع وتقول : كل أفعل يكون وصفا وكل أفعل يكون اسما وكل أفعل أردت به الفعل نصب أبدا ؛ لأن (كل) لا يليها اسم علم إلا أن تريد كل أجزائه فأما إذا وليها اسم مفرد يقوم مقام الجمع فلا يكون إلا نكرة وقد بنيت ذا فيما تقدم وتقول : أفعل إذا كان وصفا فقصته كذا فتترك صرفه كما تترك صرف أفعل إذا كان معرفة وإنما صار معرفة لأنك إذا أردت هذا البناء فقط وهذا الوزن فصار مثل زيد الذي يدل على شيء بعينه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول الأفعل ، وإذا كان كذا فقضيته كذا ؛ لأنه لا ثاني له.

فإن قلت : هذا رجل أفعل فلا تصرفه ؛ لأنه موضع حكاية حكيت بها رجلا أحمر كقولك : كلّ أفعل زيد نصب أبدا إذا مثلت به الفعل خاصة وتقول : هذا رجل فعلان فتصرف ؛ لأنه قد يكون هذا البناء منصرفا إذا لم يكن له فعلى ، فإن قلت فعلان إذا كان من قصته كذا فجئت به اسما لا يشركه غيره لم تصرف وتقول : كل فعلى أو فعلى كانت ألفها لغير التأنيث انصرفت ، وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم تنصرف ؛ لأن ما فيه ألف التأنيث لا

ص: 478

ينصرف في معرفة ولا نكرة وقال الأخفش : لو سميت رجلا بخمسة عشر لقلت : هذا خمسة عشر قد جاء وهذا خمسة عشر آخر ومررت بخمسة عشر مقبلا وتقول : بلال اباذ : ومثل ذلك مائة دينار يعني إذا جعلت مائة مع دينار اسما واحدا.

قال أبو بكر : وما استعملته العرب مضافا وعرف ذلك في كلامها فلا يجوز عندي أن يجعل المضاف والمضاف إليه بمنزلة خمسة عشر من قبل أنهم قد فرقوا بين مائة دينار وخمسة عشر ؛ لأن خمسة عشر عددان فجعلا اسما واحدا للمعنى وهما بمنزلة عشرة لإختلاط العدد بعضه ببعض ومائة دينار ليس كذلك ؛ لأن دينارا هو مفسر المعدود والذي ذهب إليه الأخفش : أن مائة دينار إضافته غير إضافة حقيقية ؛ لأنه مميز وليس كإضافة صاحب دينار ولا إضافة عبد الله واعلم أن من أضاف معدي كرب وحضر موت يقول : هذا رامهرمز يا فتى فترفع (رام) ولا تصرف هرمز ؛ لأنه أعجمي معرفة.

واعلم أنه لا يصلح أن يجعل مثل : مدائن محاريب ولا مثل : مساجد محاريب ولا مثل :جلاجل سلاسل اسما واحدا مثل حضر موت ؛ لأنه لم يجيء شيء من هذه الأمثلة اسمان يكون منهما اسما واحدا ، فإن جاء فالقياس فيه أن يجعل كحضر موت وأن ينصرف في النكرة وقال الأخفش : إنما صرفته لأني قد حولته إلى باب ما ينصرف في النكرة وخرج من حد البناء الذي لا ينصرف لأني إنما كنت لا أصرفه ؛ لأنه على مثال لا يجيء في الواحد مثله وأنت الآن لا يمنعك البناء.

ألا ترى أنك حين أدخلت في الجمع الهاء صرفته في النكرة نحو : صياقلة وجحاجحة لما دخل في غير بابه قال : فإن قلت : ما بالي إذا سميت رجلا بمساجد لم أصرفه في النكرة قلت على بناء منعه من الصرف ولم يزل لذلك البناء حيث سميت به ، وإذا سميته بمساجد محاريب وجعلته اسما واحدا فقد صغته غير الذي كان وبنيته بناء آخر وكذلك لو سميت رجلا بواحد حمراء وواحدة بشرى أو رجل بيضاء وأنت تريد أن تجعله اسما واحدا مثل حضر موت انصرف في النكرة ؛ لأن الألف ليست للتأنيث في هذه الحال ألا ترى أنك لو رخّمته حذفت الاسم الآخر ولم تكن تحذف الهاء وينبغي في القياس إن بنيته أن تهمز فتقول واحدة حمران ورجل

ص: 479

بيضان ؛ لأن الألف ليست للتأنيث عنده في هذه الحال ولو أسميت امرأة ببنت وأخت لوجب أن يجريهما مجرى من أجرى جملا وهندا ؛ لأن هذه التاء بدل من واو وأخت في التقدير كقفل وبنت كعدل ولو كانت التاء تاء التأنيث لكان ما قبلها مفتوحا وكانت في الوقف هاء وقوم لا يجرونها في المعرفة ، فإن سميت رجلا بهنة وقد كانت في هنت ياء هذا قلت : هنه يا فتى فلم تصرف وصارت هاء في الوقف وتقول : ما في يدك إلا ثلاثة إذا أردت المعرفة والعدد فقط ؛ لأنه اسم لا ثاني له وهذا كما عرفتك في (أفعل) البناء الذي تريد به المعرفة فإذا أردت ثلاثة من الدراهم وغير ذلك تنكر وصرفته فأما إذا قلت : ثلاثة أكثر من اثنين وأقل من أربعة تريد هذا العدد فهو معرفة غير مصروف ولا يجوز : رب ثلاثة أكثر من اثنين ولو سميت امرأة بغلام زيد لصرفت زيدا ؛ لأن الاسم إنما هو غلام زيد جميعا والمقصود هو الأول كما كان قبل التسمية وكذلك : ذات عرق ؛ لأن الاسم (ذات) دون عرق وكذلك أم بكر وعمرو تجر بكرا وعمرا وكذلك أم أناس وقوم لا يصرفون أم أناس ؛ لأنه ليس بابن لها معروف فصار اسما وينشدون :

وإلى ابن أمّ أناس تعمد ناقتي

واعلم أن أسماء البلدان والمواضع ما جاء منها لا ينصرف فإنما يراد به أنه اسم للبلدة والبقعة وما أشبه ذلك وما جاء منها مصروفا فإنما يراد به البلد والمكان ووقع هذا في المواضع ؛ لأن تأنيثه ليس بحقيقي وإنما المؤنث في الحقيقة هو الذي له فرج من الحيوان فمن ذلك : واسط وهو اسم قصر ودابق وهو نهر وهجر ذكر ومنى ذكر والشام ذكر والعراق ذكر ، وأما ما يذكر ويؤنث فنحو : مصر واضاخ وقباء وحراء وحجر وحنين وبدر ماء وحمص وجور وماه : لا ينصرف ؛ لأن المؤنث من الثلاثة الأحرف الخفيفة إن كان أعجميا لم ينصرف ؛ لأن العجمة قد زادته ثقلا وإنما صرفته ومن صرفه فلأنه معرفة مؤنث فقط لخفته في الوزن : فعادل في خفة أحد الثقلين فلما حدث ثقل ثالث قاوم الخفة وتقول : قرأت هودا إذا أردت سورة هود فحذفت سورة ، وإن جعلته اسما للسورة لم تصرف لأنك سميت مؤنثا بمذكر ، وإن سميت امرأة بأم صبيان لم تصرف (صبيان) لأنك لو سميت به وحده لم تصرفه ؛ لأن الألف والنون فيه زائدتان وقد صار معرفة وهو ، وإن كان لم تتقدم التسمية به فتحكمه حكم ذلك ، وإن

ص: 480

سميت رجلا بملح وربح صرفتهما كما تصرف رجلا سميته بهند كأنك قد نقلته من الأثقل إلى الأخف وهو على ثلاثة أحرف وقد بيّنا هذا فيما تقدم وكذلك إذا سميت رجلا بخمس وست فاصرفه ، وإن سميت رجلا بطالق وطامث فالقياس صرفه لأنك قد نقلته عن الصفة وهو في الأصل مذكر وصفت به مؤنثا وحمّار جمع حمّارة القيظ مصروف إذا أردت الجمع الذي بينه وبين واحدة الهاء.

قال أبو العباس : سألت أبا عثمان عنه فصرفه فقلت : لم صرفته هلا كان بمنزلة دواب قال : لأن الأصل الباء الأولى في دواب الحركة والراء في (حمار) ساكنة على أصلها تجري مجرى الواحد ؛ لأنه ليس بين الجمع والواحد إلا الهاء بمنزلة تمرة وتمر ، وأما إذا أردت جمع التكسير فهو غير مصروف ؛ لأن التقدير حمار وكذلك في جبنة جبّان يا هذا ، وإن سميت رجلا بأفضل وأعلم بغير منك لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة ، فإن سميته بأفعل منك كله لم تصرفه على حال لأنك تحتاج إلى أن تحكي ما كان عليه ، وإذا سميت بأجمع وأكتع لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وهما قبل التسمية إذا كانا تأكيدا لا ينصرفان لأنهما يوصف بهما المعرفة.

فأما أسماء الأحياء فمعد وقريش وثقيف وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه من بني فلان ، وإذا قالوا : هذه ثقيف فإنما أرادوا جماعة ثقيف.

وقد يكون (تميم) اسما للحي ، فإن جعلت قريش وأخواتها أسماء للقبائل جاز وتقول : هؤلاء ثقيف بن قسي فتجعله اسم الحي وابن صفة فما جعلته اسما للقبيلة لم تصرفه ، وأما مجوس ويهود فلم تقع إلا اسما للقبيلة ولو سميت رجلا بمجوس لم تصرفه ، وأما قولهم : اليهود والمجوس فإنما أرادوا المجوسيين واليهوديين ولكنهم حذفوا يائي الإضافة كما قالوا :زنجي وزنج ونصارى نكرة وهو جمع نصران ونصرانة كندمان وندامى ولكن لم يستعمل نصران إلا بياء النسب.

وقال أبو العباس : إذا سميت رجلا بنساء صرفته في المعرفة والنكرة ؛ لأن نساء اسم للجماعة وليس لها تأنيث لفظ وإنما تأنيثها من جهة الجماعة فهي بمنزلة قولك كلاب إذا قلت : بني كلاب ؛ لأن تأنيث كلاب إنما هو تأنيث جماعة وإنما أنثت كل جماعة كانت لغير الآدميين

ص: 481

لأنهم قد نقصوا عن الآدميين فالحيوان الذي لا يعقل والموات متفقان في جمع التكسير وإنما خص من يعقل بجمع السلامة ؛ لأن له أسماء أعلاما يعرف بها وكان جمع السلامة يؤدي الاسم المعروف وبعده علامة الجمع فكان به أولى ولو أنك لا تخص الموات وما لا يعقل بالواو والنون وخصصت ما يعقل بالتكسير لكان السؤال واحدا وإنما قصدنا أن نفضله بمنزلة ليست لغيره وإنما قلت : هي الرجال ؛ لأن الرجال جماعة فكان هذا التأنيث تأنيث الجماعة وهو مشارك للموات في هذا الموضع إذا وافقه في جمع التكسير.

والتأنيث تأنيثان : تأنيث حقيقي فهو لازم وتأنيث غير حقيقي فهو غير لازم فللتأنيث اللازم مثل امرأة وما أشبه ذلك والتأنيث الذي هو غير لازم مثل دار وذراع فإنما هذا تأنيث لفظ فلهذا كان تذكير أفعال المؤنث في غير الآداميين أحسن منه في الآداميين قال محمد بن يزيد : ناظرت ثعلبا في هذا بحضرة محمد بن عبد الله فلم يفهمه فقلت له : أخبرني عن قولنا :دار أليس هو مؤنث اللفظ قال : نعم قلت : فإذا قلنا : منزل هل زال معنى الدار أفلا ترى التأنيث إنما هو اللفظ فلما زال اللفظ زال ذلك المعنى وكذلك قولنا : ساعد وذراع ورمح وقناة أفتراه في نفسه مؤنثا مذكرا في حال فقال له محمد بن عبد الله هذا بين جدا وليس كذلك ما كان تأنيثه لازما ألا ترى أنا لو سمينا امرأة بجعفر أو بزيد لصغرنا زبيدة فلما كان مؤنث الحقيقة لم يغير عن تأنيثه تعليقنا عليه أسماء مذكرة في اللفظ وإنما قلت : قالت النساء بمنزلة جاءت الإبل والكلاب وما أشبه ذلك وليس تأنيث النساء تأنيثا حقيقيا وإنما هو اسم للجماعة تقول : قال النساء إذا أردت الجمع وقالت النساء إذا أردت معنى الجماعة ؛ لأن قولك النساء وما أشبهه إنما هو اسم حملته للجمع وكذلك قوله عز وجل : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) [الحجرات : 14] إنما أنث ؛ لأنه أراد الجماعة وتقول : في أسماء السور هذه هود إذا أردت سورة هود ، وإن جعلت هودا اسم السورة لم تصرفه لأنها بمنزلة امرأة سميتها بعمر وكذا حكم نوح ونون ، وإذا جعلت اقتربت اسما قطعت الألف نحو : اصبع ، وإن سميت بحاميم لم ينصرف ؛ لأنه أعجمي نحو : هابيل وإنما جعلته أعجميا ؛ لأنه ليس من أسماء العرب وكذلك : طس وحسن ، وإن أردت الحكاية تركته وقفا وقد قرأ بعضهم : (يس والقرآن) و (ق والقرآن) جعله أعجميا

ص: 482

ونصب (باذكر) ، وأما صاد فلا تجعله أعجميا ؛ لأن هذا البناء والوزن في كلامهم ، فإن جعلت اسما للسورة لم تصرفه ويجوز أن يكون (يس) و (ص) مبنيين على الفتح لالتقاء الساكنين ، فإن جعلت (طسم) اسما واحدا حركت الميم بالفتح فصار مثل دراب جرد وبعل بك ، وإن حكيت تركت السواكن على حالها.

قال سيبويه : فأما : (كهيعص) و (ألم) فلا تكونان إلا حكاية وإنما أفرد بابا للحكاية إن شاء الله.

وقال سيبويه : أبو جاد وهوّار وحطّي كعمرو وهي أسماء عربية ، وأما كلمن وسعفص وقريشيات فأنهن أعجمية لا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا إلّا أن قريشيات بمنزلة عرفات وأذرعات.

ص: 483

باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى

اشارة

اعلم أن ما يحكى من الكلم إذا سمي به على ثلاث جهات :

إحداها : أن تكون جملة.

والثاني : أن يشبه الجملة وهو بعض لها ، وذلك البعض ليس باسم مفرد ولا مضاف ولا فيه ألف ولا مبني مع اسم ولا حرف معنى مفرد.

والثالث : أن يكون اسما مثنى أو مجموعا على حد التثنية.

الأول نحو : تأبّط شرا وبرق نحره وذرّى حيا

تقول : هذا تأبّط شرا ورأيت تأبّط شرا ومررت بتأبّط شرا وهذه الأسماء المحكية لا تثنى ولا تجمع إلا أن تقول : كلهم تأبّط شرا أو كلاهما تأبّط شرا ولا تحقره ولا ترخمه فجميع هذه الجمل التي قد عمل بعضها في بعض وتمت كلاما لا يجوز إلا حكايتها وكذلك كل ما أشبه ما ذكرت من مبتدأ وخبره وفعل وفاعل ، وإن أدخلت عليها إنّ وأخواتها وكان وأخواتها فجميعه يحكى بلفظه قبل التسمية ، وإن سميت رجلا بو زيد أو وزيدا أو وزيد حكيت ؛ لأن الواو عاملة تقوم مقام ما عطفت عليه.

الضرب الثاني : الذي يشبه الجملة

وهو على خمسة أضرب : اسم موصول واسم موصوف وحرف مع اسم وحرف مع حرف وفعل مع حرف فجميع هذا تدعه على حاله قبل التسمية من الصرف وغير الصرف لأنك لم تسم بالموصول دون الصلة ولا بشيء من هذه دون صاحبه.

الأول الاسم الموصول : نحو رجل سميته : خبرا منك ومأخوذا بك أو ضارب رجلا فتقول رأيت خيرا منك وهذا خير منك ومررت بخير منك ، فإن سميت به امرأة لم تدع التنوين وحكيته كما كان قبل التسمية من قبل أنه ليس منتهى الاسم كما أن بعض الجملة ليس بمنتهى الاسم.

الثاني الموصوف : إن سميت رجلا : زيد العاقل قلت : هذا زيدا العاقل وكذلك لو سميت امرأة لكان على هذا اللفظ ، وإن سميت رجلا (بعاقلة) لبيبة قلت : هذا

ص: 484

عاقلة لبيبة ورأيت عاقلة لبيبة فصرفته لأنك تحكيه ولو كان الاسم عاقلة وحدها لم تصرف فحكاية الشيء أن تدعه على حكمه ما لم يكن معه عاقل ، فإن كان معه عاقل أعملت العامل ونقلته بحاله.

الثالث الحرف مع الاسم : وذلك إذا سميت إنسانا كزيد وبزيد ، وإن زيدا حكيته وحيثما وأنت تحكيهما ؛ لأن (حيثما) اسم وحرف وأنت التاء للخطاب والألف والنون هما الاسم وكذلك أما التي في الاستفهام حكاية لأنها مع (ما) دخلت عليهما الف الاستفهام ومما يحكى : كذا وكأي و (ذلك) يحكى ؛ لأن الكاف للخطاب وهذا وهؤلاء يحكيان ؛ لأن ها دخلت على ذا وأولاء.

وإن سميت (زيد وعمرو) رجلا قلت في النداء : يا زيدا وعمرا فنصبت ونونت لطول الاسم.

الرابع الحرف مع الحرف : وذلك نحو : إنما وكأنما ، وأما ، وإن لا في الجزاء ولعل ؛ لأن اللام عندهم زائدة وكأن لأنها كاف التشبيه دخلت على (أن) فجميع هذا وما أشبهه يحكى لخامس الفعل مع الحرف : وذلك هلم : إذا سميت به حكيته ، وإن أخليته من الفاعل ، وإن مسيت بالذي رأيت لم تغيره عما كان عليه قبل أن يكون اسما ولو جاز أن تناديه بعد التسمية لجاز أن تناديه قبلها ولكن لو سميته : الرجل منطلق بهذه الجملة لناديتها ؛ لأن كل واحد منهما اسم تام ، وذلك غير تام وإنما يتم بصلته وهو يقوم مقام اسم مفرد ولو سميته الرجل والرجلان لم يجز فيه النداء.

الضرب الثالث : وهو التسمية بالتثنية والجمع الذي على حد التثنية

من القسمة الأولى وهو التسمية بالتثنية والجمع الذي على حد التثنية ، وذلك إذا سميت رجلا بسلمان وزيدان حكيت التثنية فقلت : هو زيدان ومررت بزيدين ورأيت زيدين فتحكي التثنية ولفظها ، وإن أردت الواحد وقد أجازوا أن تقول : هذا زيدان وتجعله كفعلان ، وإن سميت بجميع على هذا الحد حكيت فقلت : هذا زيدون ورأيت زيدين ومررت بزيدين ومنهم من يجعله كقنسرين فيقول : هذا زيدون ومسلمون وقد ذكرت ذا فيما تقدم ، وإن بجمع

ص: 485

مؤنث قلت : هذا مسلمات ورأيت مسلمات ومررت بمسلمات تحكي : تقول العرب : هذه عرفات مباركا فيها فعرفات بمنزلة آبانين ومثل ذلك أذرعات قال امرؤ القيس :

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي (1)

ومن العرب من لا ينون أذرعات ويقول : هذه قريشيات كما ترى شبهوها بهاء التأنيث في المعرفة لأنها لا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة.

قال أبو العباس أنشدني أبو عثمان للأعشى :

تخيّرها أخو عانات شهرا (2) ...

ص: 486


1- قال الشارح : يروى بكسر التاء بلا تنوين ، وبعضهم يفتح التاء في مثله مع حذف التنوين ، ويروى" من أذرعات" كسائر ما لا ينصرف. فعلى هذين الوجهين التنوين للصرف بلا خلاف. والأشهر بقاء التنوين في مثله مع العلمية. أقول : أراد بها الكلام تقرير ما ذهب إليه تبعا للربعي والزمخشري - وإن خالفها في الدليل - من أن تنوين جمع المؤنث السالم تنوين صرف لا تنوين مقابلة ، فإن حذف التنوين في بعض اللغات مما سمي بهذا الجمع ، دليل على أن تنوينه قبل التسمية تنوين صرف. فاستند أولا إلى تجويز المبرد والزجاج حذف التنوين منه مع العلمية ، وثانيا إلى رواية منع الصرف فيه مع العلمية بوجهين : سماعي وقياسي ، فالأول نقله ابن جني في" سر الصناعة" عن بعض العرب فقال : واعلم أن من العرب من يشبه التاء في مسلمات - معرفة - بتاء التأنيث في طلحة وحمزة ، ويشبه الألف التي قبلها بالفتحة التي قيل هاء التأنيث ، فيمنعها حينئذ الصرف فيقول : هذه مسلمات مقبلة. وعلى هذا بيت امرئ القيس : " تنورتها من أذرعات" ، وقد أنشدوه من أذرعات بالتنوين. انظر خزانة الأدب 1 / 19.
2- وعلى هذا ما حكاه س من قولهم : هذه قرشيات غير منصرفة. انتهى. والثاني أن بعضهم - أي بعض النحاة - يفتح التاء في مثله ، أي في مثل" أذرعات" مما سمي بجمع مؤنث سالم ، مع حذف التنوين ، أي : يفتح التاء ويحذف التنوين منه ، ويروي ذلك البعض من" أذرعات" بفتح التاء قياسا على سائر ما لا ينصرف. فعلى هذين الوجهين أي حذف التنوين مع كسر التاء وحذف التنوين مع فتح التاء التنوين للصرف أي : التنوين الذي كان قبل التسمية. فإن النحاة اتفقوا على أن التنوين الذي يحذف فيما لا ينصرف إنما هو تنوين الصرف. و" أذرعات" قال ياقوت في" معجم البلدان" : وهي بلد في أطراف الشام يجاور البلقاء وعمان ، وينسب إليه الخمر. وقد ذكرتها العرب في أشعارها لأنها لم تزل من بلادها. والنسبة إليه أذرعي. و" يثرب" زاد الصاغاني : وأثرب. اسم مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ياقوت - نقلا عن الزجاجي - : " سميت مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن عوص بن إرم بن سام بن نوح صلّى الله عليه وسلّم ، فلم نزلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سماها طيبة طابة ، كراهية للتثريب. وسميت مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لنزوله بها. ثم اختلفوا فقيل : إن يثرب اسم للناحية التي منها مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وقال آخرون : بل يثرب ناحية من مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وقيل هي مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن عباس : من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله ثلاثا إنما هي طيبة". وقال في المصباح : ثرب عليه من باب ضرب : عتب ولام ، وبالمضارع بياء الغائب سمي رجل من العمالقة ، وهو الذي بنى المدينة سميت باسمه ، قال السهيلي. وأما" يترب" بالمثناة الفوقية بدل المثلثة ، فقال ياقوت : هي بفتح الراء قيل : قرية باليمامة عند جبل وشم. وقيل اسم موضع في بلاد بني سعد. وقال الحسن بن أحمد الهمداني اليمني : هي مدينة بحضرموت نزلها كندة. انظر خزانة الأدب 1 / 20.

فلم يصرف ذلك ، قال أبو بكر : قد ذكرت ما ينصرف وبقي ذكر المبني المضارع للمعرف ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات إن شاء الله تعالى.

ص: 487

باب ما لا يجوز أن يحكى

هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام : وهو كل اسم مبني أو مضاف ملازم للإضافة وأفردته أو فعل فارغ أو حرف قصدت التسمية به فقط فجميع هذه إذا سميت بشيء منها أعربته إعراب الأسماء الأول ، وإن نقص عما كانت عليه الأسماء.

الأول : إن سميت بكم أو بمن قلت : هذا كم قد جاء ؛ لأن في الأسماء مثل دم ويد ، وإن سميت بهو قلت : هذا هو فاعلم ، وإن سميت به مؤنثا لم تصرفه ؛ لأنه ضمير مذكر وإنما ثقلت (هو) ؛ لأنه ليس في كلامهم اسم على حرفين أحدهما ياء أو واو أو ألف وسمع منهم إذا أعربوا شيئا من هذا الضرب التثقيل ، فإن سميت بذو قلت ذوّا لأنك تقول : هاتان ذواتا مال فلما علمت الأصل رددته إلى أصله كما تكلموا به ولو لم يقولوا : ذوا ثم سمينا بذو لما قلت إلا ذو وكان الخليل يقول : ذو أصل الذال على كل قول الفتح ، وإن سميت (بفو) قلت : فم ولو لم يكن قبل فم لقلت فوه مؤنثان وأين ومتى وثم وهنا وحيث ، وإذا وعند وعن فيمن قال من عن يمينه ومنذ في لغة من رفع تصرف الجميع تحمله على التذكير حتى يتبين غيره ، وإن سميت كلمة بتحت أو خلف أو فوق لم تصرفها لأنها مذكرات يدل على تذكيرها تحت وخليف ذاك ودوين ولو كان مؤنثا دخلت الهاء كما دخلت في قديديمة ووريئة.

الثاني : التسمية بالفعل الفارغ من الفاعل والمفعول : إن سميت رجلا بضرب أو ضرب أو يضرب أعربته وقد عرفتك ما ينصرف من ذلك وما لا ينصرف وحكم نعم وبئس حكم الفعل إذا سميت به تقول هذا نعم وبئس ، وإن سميته أزمة قلت أزم ورأيت أزمى وبيغزو قلت : يغز ورأيت يغزى ، وإن سميته بعه قلت : وع ، وإن سميت بره : قلت إرأ.

ص: 488

باب التسمية بالحروف

وذلك نحو إن إذا سميت بها قلت : هذا إن وكذلك أن وكذلك ليت ، وإن سميت بأن المفتوحة لم تكسر ، وإن سميت بلو واو زدت واوا فقلت لو واو وكان بعض العرب يهمز فيقول : لؤ ، وإن سميت (بلا) زدت ألفا ثم همزت فقلت : لاء ؛ لأن الألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان ، وإذا سميت بحرف التهجي نحو : باء وتاء وثاء وحاء مددت فقلت : هذه باء وتاء ، وإذا تهجيت قصرت ووقفت ولم تعرب وفي (زاي) لغتان : منهم من يجعلها (ككي) ومنهم من يقول : زاي ، فإن سميته بزي على لغة من يجعلها ككي قلت : زي فاعلم ، وإن سميت بها على لغة من يقول : زاي قلت : زاء وكذا واو وآء وسنبين هذا في التصريف وجميع هذه الحروف إذا أردت بالواحد منها معنى حرف فهو مذكر أردت به معنى كلمة فهو مؤنث ، وإن سميت بحرف متحرك أشبعت الحركة إن كانت فتحة جعلتها ألفا وضممت إليها ألفا أخرى ، وإن كانت كسرة أشبعتها حتى تصبر باء وتضم إليها أخرى وكذلك المضموم إذا وجدته كذلك ، وذلك أن تسمي رجلا بالكاف من قولك كزيد تقول : هذا (كا) ، وإن سميته بالباء من بزيد :قلت : بي ، فإن سميته بحرف ساكن ، فإن الحرف الساكن لا يجوز من غير كلمة فترده إلى ما أخذ منه.

واعلم أن كل اسم مفرد لا تجوز حكايته وكذلك كل مضاف ، وإن سميت رجلا عم فأردت أن تحكي به في الاستفهام تركته على حاله ، وإن جعلته اسما قلت : عن ما تمد (ما) لأنك جعلته اسما كما تركت تنوين سبعة إذا سميت فقلت : سبعة.

والمضاف بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية.

قال أبو بكر : قد ذكرنا ما لا ينصرف وقد مضى ذكر المبني المضارع للمعرب ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات إن شاء الله.

ص: 489

ذكر الأسماء المبنية التي تضارع المعرب

اشارة

هذه الأسماء على ضربين : مفرد ومركب فنبدأ بذكر المفرد إذ كان هو الأصل ؛ لأن التركيب إنما هو ضم مفرد إلى مفرد ولنبين أولا المعرب ما هو لنبين به المبني فنقول : إن الاسم المفرد المتمكن في الإعراب على أربعة أضرب : اسم الجنس الذي تعليله من جنس آخر والواحد من الجنس وما اشتق من الجنس ولقب الواحد من الجنس.

شرح الأول من المعرب : الجنس

: الاسم الدال على كل ما له ذلك الاسم ويتساوى الجميع في المعنى نحو : الرجل والإنسان والمرأة والجمل والحمار والدينار والدرهم والضرب والأكل والنوم والحمرة والصفرة والحسن والقبح وجميع ما أردت به العموم لما يتفق في المعنى بأي لفظ كان فهو جنس ، وإذا قلت : ما هذا فقيل لك : إنسان فإنما يراد به الجنس فإذا قال : الإنسان فالألف واللام لعهد الجنس وليست لتعريف الإنسان بعينه وإنما هي فرق بين إنسان موضوع للجنس وبين إنسان هو من الجنس ، إذا قلت : (إنسان) قال الله عز وجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر] فدل بهذا أن الإنسان يراد به الجنس ومعنى قول النحويين :الألف واللام لعهد الجنس أنك تشير بالألف واللام إلى ما في النفس من معرفة الجنس ؛ لأنه شيء لا يدرك بالعيان والحس وكذلك إذا قلت : فضة والفضة وأرض والأرض وأسماء الأجناس إنما قيلت ليفرق بين بعضها وبعض مثل الجماد والإنسان وهذه الأسماء تكون أسماء لما له شخص ولغير شخص فالذي له شخص نحو : ما ذكرنا من الإنسان والحمار والفضة وما لا شخص له مثل الحمرة والضرب والعلم والظن.

شرح الثاني من المعرب : وهو الواحد من الجنس

نحو : رجل وفرس ودينار ودرهم وضربة وأكلة فتقول : إذا كان واحد من هذه معهودا بينك وبين المخاطب الرجل والفرس والدينار والضرب أي الفرس الذي تعرف والضرب الذي تعلم والفرق بين قولك : رجل وبين فضة أن رجلا يتضمن معنى

ص: 490

جنس له صورة فمتى زالت تلك الصورة زال الاسم وفضة ليس يتضمن هذا الاسم صورة فأما درهم فهو مثل رجل في أنه يتضمن معنى الفضة بصورة من الصور.

الثالث : ما اشتق للوصف من جنس من الأجناس التي لا أشخاص لها

نحو : ضارب مشتق من الضرب وحسن مشتق من الحسن وقبيح مشتق من القبح وآكل مشتق من الأكل وأسود من السواد وهذه كلها صفات تجري على الموصوفين ، فإن كان الموصوف جنسا فهي أجناس وإن كان واحد منكورا من الجنس فهو واحد منكور نحو : القائم وقائم والحسن وحسن ، وإن كان معهودا فهو معهود وحكم الصفة حكم الموصوف في إعرابه.

الرابع : ما يلقب به شيء بعينه ليعرف من سائر أمته

نحو : زيد وعمرو وبكر وخالد وما أشبه ذلك من الأسماء الأعلام التي تكون للآدميين وغيرهم.

فجميع هذه الأسماء المتمكنة إلا الجنس يجوز أن تعرف النكرة منها بدخول الألف واللام عليها ويجوز أن تنكر المعرفة منها ألا ترى أنك تقول : الرجل إذا كان معهودا ثم تقول : رجل إذا لم يكن معهودا والمعنى واحد وكذلك ضرب والضرب وحسن والحسن وضارب والضارب وقبيح والقبيح وتقول : زيد عمرو فإذا تنكرا بأن يتشاركا في الاسم قلت : الزيدان والعمران تدخل الألف واللام مع التثنية ؛ لأنه لا يكون نكرة إلا ما يثنى ويجمع والأسماء المبنية بخلاف هذه الصفة لا يجوز أن تنكر المعرفة منها ولا تعرف النكرة ألا ترى أنه لا يجوز أن يتنكر (هذا) فتقول : الهذان ولا يتنكر أنا ولا أنت ولا هو فهذا من المعارف المبنيات التي لا يجوز أن يتنكر ما كان منها فيه الألف واللام فلا يجوز أن يخرج منها الألف واللام نحو : الذي والآن ، وأما النكرة التي لا يجوز أن تعرف نحو قولك : كيف وكم فجميع ما امتنع أن يعرف بالألف واللام وامتنع من نزع الألف واللام منه لتنكير فهو مبني ولا يلزم من هذا القول البناء في اسم الله عز وجل إذ كانت الألف واللام لا تفارقانه ، فإن الألف واللام ، وإن كانا غير مفارقتين فالأصل فيهما أنهما دخلتا على إله.

ص: 491

قال سيبويه : أصل هذا الاسم أن يكون إلها وتقديره (فعال) والألف واللام عوض من الهمزة التي في (إله) وهو على هذا علم.

قال أبو العباس : لأنك تذكر الآلهة الباطلة فتكون نكرات تعرف بالألف واللام وتجمع كما قال الله عز وجل : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [يس : 23] وتعالى الله أن يعتور اسمه تعريف بعد تنكير أو إضافة بعد أن كان علما.

وقال سيبويه في موضع آخر : ويقولون : لاه أبوك يريدون لله أبوك فيقدمون اللام ويؤخرون العين والاسم كامل وهو علم وحق الألف واللام إذا كانت في الاسم ألا ينادي إلا الله عز وجل فإنك تقول : يا لله وتقطع الألف فتفارق سائر ألفات الوصل والشاعر إذا اضطر فقال : (يا التي) لم تقطع الألف فهذا الاسم مفارق لجميع الأسماء عز الله وجل.

ص: 492

أقسام الأسماء المبنيات المفردات ستة

اشارة

اسم كنى به عن اسم واسم أشير به إلى مسمى وفيه معنى فعل واسم سمي به فعل واسم قام مقام الحرف وظرف لم يتمكن وأصوات تحكي.

باب الكنايات وهي علامات المضمرين
اشارة

الكنايات على ضربين : متصل بالفعل ومنفصل منه ، فالمتصل غير مفارق للفعل والفعل غير خال منه وعلامة المرفوع فيه خلاف علامة المنصوب والمخفوض فالتاء للفاعل المتكلم مذكرا كان أو مؤنثا فعلت : وصنعت وعلامة المخاطب المذكر فعلت والمؤنث فعلت وعلامة المضمر النائب في النية تقول : فعل وصنع فاستغنى عن إظهاره والعلامة فيه بأن كل واحد من المتكلمين والمخاطبين له علامة فصار علامة الغائب أن لا علامة له هذا في الفعل الماضي فأما الفعل المضارع فليس يظهر في فعل الواحد ضمير البتة متكلما كان أو مخاطبا إلا في فعل المؤنث المخاطب ، وذلك أنه استغنى بحروف المضارعة عن إظهار الضمير يقول المتكلم : أنا أفعل ذكرا كان أو أنثى فالمتكلم لا يحتاج إلى علامة ؛ لأنه لا يختلط بغيره وإنما أظهرت العلامة في (فعلت) للمتكلم ؛ لأنه لو أسقطها لالتبس بالغائب فصار فعل فلا يعلم لمن هو ، فإن خاطبت ذكرا قلت : أنت تفعل والغائب هو يفعل ، فإن خاطبت مؤنثا قلت : تفعلين فظهرت العلامة وهي الياء ، وإن كانت غائبة قلت : هي تفعل فيصير لفظ الغائبة كلفظ المخاطب ويفصل بينهما الخطاب وما جرى في الكلام من ذكر ومؤنث وتقول للمؤنث في الغيبة فعلت وصنعت فالتاء علامة فقط وليست باسم يدلك على ذلك قولهم : فعلت هند فأما التاء التي هي اسم فيسكن لام الفعل لها نحو فعلت وصنعت وإنما أسكن لها لام الفعل ؛ لأن ضمير الفاعل والفعل كالشيء الواحد فلو لم يسكنوا لقالوا : ضربت فجمعوا بين أربعة متحركات وهم يستثقلون ذلك ، فإن ثنيت وجمعت الضمير الذي في الفعل قال الفاعل : فعلنا في التثنية والجمع والمذكر والمؤنث في هذا اللفظ سواء وتقول في الخطاب : فعلتما للمذكر والمؤنث ولجمع المذكرين فعلتم وللمؤنث فعلتن ، فإن ثنيت الغائب قلت : قاما فظهرت العلامة وهي الألف وفي الجمع قاموا

ص: 493

وفي المضارع يقومان ويقومون تثبت النون في الفعل المعرب وتسقط من الفعل المبني وقد ذكرناه فيما تقدم وتقول في المؤنث : قامتا وقمن ويقومان ويقمن هذه علامات المضمر المتصل المرفوع فأما علامة المخفوض والمنصوب المتصل فهي واحدة فعلامة المتكلم ياء قبلها نون نحو : ضربني وجيء بالنون لتسلم الفتحة ولئلا يدخل الفعل جر وللمجرور علامته ياء بغير نون نحو : مررت بي وغلامي وهذه الياء تفتح وتسكن فمن فتح جعلها كالكاف أختها ومن أسكن فلاستثقال الحركة في الياء في أنها تكسر ما قبلها وكلهم إذا جاء بها بعد ألف فتحها نحو : عصاي ورحاي.

وإذا تكلم منه ومن غيره قال : ضربنا زيد والمؤنث في ذا كالمذكر وكذلك هو في الجر تقول : ضربنا وغلامنا فإذا خاطبت فعلامة المخاطب المذكر كاف مفتوحة والمؤنث كاف مكسورة نحو : ضربتك وكذلك المجرور تقول : مررت بك يا رجل وبك يا امرأة ، وإذا ثنيت قلت في المذكر والمؤنث : ضربتكما وللجميع المذكرين : ضربتكم وكذلك تقول : مررت بكما في التذكير والتأنيث ومررت بكم في المذكرين ومررت بكن للمؤنث.

الضرب الثاني وهو علامات المضمرين المتصلة

أما علامة المرفوعين فللمتكلم أنا فالاسم الألف والنون وإنما تأتي بهذه الألف الأخيرة في الوقف ، فإن وصلت سقطت فقلت : أن فعلت ذاك ، وإن حدث عن نفسه وعن آخر قال : نحو وكذلك إن تحدث عن نفسه وعن جماعة قال : نحن ولا يقع (أنا) في موضع التاء والموضع الذي يصلح فيه المتصل لا يصلح فيه المنفصل لا تقول فعل أنا وعلامة المخاطب إن كان واحدا أنت ، وإن خاطبت اثنين فعلامتها أنتما والجميع أنتم فالاسم هو الألف والنون في (أنت) والتاء علامة المخاطب والمضمر الغائب علامته (هو) ، وإن كان مؤنثا فعلامته (هي) والإثنين والإثنتين هما والجميع هم ، وإن كان الجمع جمع مؤنث فعلامته هن ، وأما علامة المضمر المنصوب (فأيا) ، فإن كان غائبا قلت إياه ، وإن كان متكلما قلت : إياي ويانا في التثنية والجمع وللمخاطب المذكر : إياك وللمؤنث إياك وإياكما إذا ثنيت المؤنث والمذكر وإياكم للمذكرين وإياكن في التأنيث وللغائب المذكر إياه وللمؤنث إياها وإياهما للمذكر والمؤنث

ص: 494

وأياهم للمذكرين وإياهن للجميع المؤنث وقد قالوا : إن (أيا) مضاف إلى الهاء والكاف والقياس أن يكون (أيا) مثل الألف والنون التي في أنت فيكون (أيا) الاسم وما بعدها للخطاب ويقوي ذلك أن الأسماء المبهمة وسائر المكنيات لا تضاف و (أيا) مع ما يتصل بها كالشيء الواحد نحو : أنت فأما المجرور فليست له علامة منفصلة ؛ لأنه لا يفارق الجار ولا يتقدم عليه وجميع المواضع التي يقع فيها المنفصل لا يقع المتصل والموضع الذي يقع فيه لا يقع المنفصل ؛ لأن المنفصل كالظاهر تقول : إني وزيدا منطلقان ولا تقول : إن إياي وزيدا منطلقان وتقول : ما قام إلا أنت ولا تقول : إلات وتقول : إن زيدا وإياك منطلقان ولا يقول : إن زيدا إلاك منطلقان ومما يدل على (إن وأخواتها) مشبهة بالفعل أن المكنى معها كالمكنى مع الفعل تقول : إنني كما تقول : ضربني ، وأما قولهم : عجبت من ضريبك وضريبه فالأصل من ضربي إياك وضربي إياه وأقل العرب من يقول : ضريبه وإنما وقع هذا مع المصدر ؛ لأنه لم تستحكم علامات الإضمار معه ألا ترى أنهم لا يقولون : عجبت من ضربكني إذا بدأت بالمخاطب قبل المتكلم ولا من ضربهيك إذا بدأت بالبعيد قبل القريب وقالوا : عجبت من ضريبك وضربكه ولو كان هذا موضعا يصلح فيه المتصل لجاز فيه جميع هذا ألا ترى أنك تقول : ضريبك إذا جئت بالفعل ضربته وموضع ضربكه ضربته وكان الذين قالوا : ضريبه قالوا : ذلك إختصارا ؛ لأن المصدر اسم فإذا أضفته إلى مضمر فحقه إن عديته لمعنى الفعل أن تعديه إلى ظاهر أو ما أشبه الظاهر من المضمر المتصل وكان حق المضمر المتصل أن لا يصلح أن يقع موقع المنفصل والأصل في هذا : عجبت من ضربي إياك كما تقول : من ضربي زيدا ومن ضربك إياه كما تقول من ضربك عمرا والكسائي يصل جميع المؤنث فيقول : أعطيتهنه والضارباناه ؛ لأنه لم يتفق حرفان ولا أعلم بين الواحد والجمع فرقا ومن ذلك قولهم : كان إياه ؛ لأن (كانه) قليلة ولا تقول : كانني وليسني ولا كانك ؛ لأن موضعه موضع ابتداء وخبر فالمنفصل أحق به قال الشاعر :

ليت هذا اللّيل شهر

لا نرى فيه عريبا

ص: 495

ليس إياي وإياك

ولا نخشى رقيبا (1)

ص: 496


1- قل سيبويه : ومثل ذلك كان إياه ، لأن كانه قليلة ، لا تقول : كانني وليسني ، ولا كانك ؛ فصارت غياها هنا بمنزلتها في ضربي إياك. قال الشاعر : ليت هذا الليل شهر الخ وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون : ليسني ، وكذلك كانني. قال الأعلم : الشاهد في إتيانه بالضمير بعد ليس منفصلا ، ولوقوعه موقع خبرها والخبر منفصل من المخبر عنه ، فكان الاختيار فصل الضمير إذا وقع موقعه. واتصاله بليس جائز ، لأنها فعل وإن لم تقو قوة الفعل الصحيح. وليس في هذا البيت تحتمل تقديرين : أحدهما أن تكون في موضع الوصف للاسم قبلها ، كأنه قال : لا نرى فيه عربيا غيري وغيرك. والتقدير الآخر : أن تكون استثناء بمنزله غلا. وعريب بمعنى أحد ، وهو بمعنى معرب ، أي : لا نرى فيه متكلما يخبر عنا ويعرب عن حالنا. وقوله : ليت هذا الليل شهر قال أبو القاسم سعيد الفارقي فيما كتبه في تفسير المسائل المشكلة في أول المقتضب للمبرد : وقد روي في شهر الرفع والنصب جميعا ؛ وهو عندي أشبه بمعنى البيت. وكلاهما حسن. وقد قضينا هذا في كتابنا تفسير أبيات كتاب سيبويه. ولم يظهر لي وجه النصب. ونرى من رؤية العين. وعريب من الألفاظ الملازمة للنفي ، واسم ليس ضمير مستتر راجع إلى عريب ، وإياي خبرها بتقدير مضاف ، أي : ليس عريب غيري وغيرك ، فحذف غير ، وانفصل الضمير وقام مقامه في النصب. تمنى أن تطول ليلته بمقدار شهر. وجملة لا نرى فيه خبر ثان لليت. وجملة لا نخشى رقيبا معطوف عليه ، والرابط محذوف ، أي : فيه. ويجوز أن يكون جملة لا نرى صفة لشهر. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل : يقول لحبيبته : ليت هذا الليل الذي نجتمع فيه طويل كالشهر ، لا نبصر فيه أحدا ليس إياي وإياك ، أي : ليس فيه غيري وغيرك أحد. وهو استثناء لنفسه كما قال إلاك ، لا نحاف فيه رقيبا. - وهذا الشعر نسبه خدمة كتاب سيبويه إلى عمر بن أبي ربيعة المذكور آنفا. ونسبه صاحب الأغاني ، وتبعه صاحب الصحاح إلى العرجي ، وهو عبد الله بن عمر ابن عمرو بن عثمان بن عفان. نسب إلى العرج ، وهو من نواحي مكة ، لأنه ولد بها ، وقيل بل كان له بها مال ، وكان يقيم هناك. والله أعلم. انظر خزانة الأدب 2 / 215.

وقد حكوا : ليسني وكأنني واعلم أنك إذا أكدت المرفوع المتصل والمنصوب والمخفوض المتصلين أكدته بما كان علامة المضمر المرفوع المنفصل ، وذلك قولك : قمت أنت وضربتك أنت وإنما جاز ذلك ؛ لأن الخطاب جنس واحد وليس بأسماء معربة والأصل في كل مبني أن يكون المرفوع والمنصوب والمخفوض على صيغة واحدة وإنما فرق في هذا للبيان فإذا أمنوا اللبس رجع المبني إلى أصله ومع ذلك فلو أكد المرفوع والمنصوب المتصلان بالمنفصلين اللذين لهما لبقي المجرور بغير شيء يؤكده ولا يحسن أن يعطف الاسم الظاهر على المرفوع المتصل لا يحسن أن تقول : قمت وزيد حتى تؤكد فتقول : أنا وزيد ولا تقول : قام وزيد حتى تقول : قام هو وزيد وقال عز وجل : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) [طه : 42] ربما جاء على قبحه غير مؤكد ويحتمل لضرورة الشاعر.

وإنما قبح أن تقول : قمت وزيد ؛ لأن التاء قد صارت كأنها جزء من الفعل إذ كانت لا تقوم بنفسها وقد غير الفعل لها ، فإن عوضت من التأكيد شيئا يفصل به بين المعطوف والمعطوف عليه نحو : ما قمت ولا عمرو وقعدت اليوم وزيد : حسن فأما ضمير المنصوب فيجوز أن يعطف عليه الظاهر : تقول : ضربتك وزيدا وضربت زيدا وإياك فيجوز يتقدم وتأخيره ، وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر لا يجوز أن تقول : مررت بك وزيد ؛ لأن المجرور ليس له اسم منفصل يقتدم ويتأخر كما للمنصوب وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه فلما خالف المجرور سائر الأسماء لم يجز أن يعطف عليه وقد حكي أنه قد جاء في الشعر :

ص: 497

فاذهب فما بك والأيّام من عجب (1)

وتقول : عجبت من ضرب زيد أنت إذا جعلت زيدا مفعولا ومن ضربكه إذا جعلت الكاف مفعولا وتقول فيما يجري من الأسماء مجرى الفعل : عليكه ورويده وعليكني ولا تقول : عليك إياي ومنهم من لا يستعمل (ني) ولا (نا) استغناء بعليك (بي) و (بنا) وهو القياس ولو قلت : عليك إياه كان جائزا ؛ لأنه ليس بفعل والشاعر إن اضطر جعل المنفصل موضع المتصل قال حميد الأرقط :

إليك حتّى بلغت إياكا (2) ...

ص: 498


1- على أن حرف الجر قد يترك صورة عند البصريين ، أي : ما بك وبالأيام عجب. قال سيبويه قبل أن ينشد هذا البيت : ومما يقبح أن يشرك المظهر علامة المضمر المجرور ، وذلك قولك : مررت بك وزيد ، وهذا أبوك وعمرو ، فكرهوا أن يشرك المظهر مضمرا داخلا فيما قبله ، لأن هذه العلامة الداخلة فيما قبلها جمعت أنها لا يتكلم بها إلا معتمدة على ما قبلها ، وأنها بدل من اللفظ بالتنوين ، فصارت عندهم بمنزلة التنوين ، فلما ضعفت عندهم ، كرهوا أن يتبعوها الاسم ، ولم يجز أن يتبعوها إياه. إلى أن قال : وقد يجوز في الشعر. وأنشد هذا البيت وبيتا آخر. انتهى. وأوضح منه قول ابن السراج في الأصول : وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر ، لا يجوز أن تقول : مررت بك وزيد ، لأن المجرور ليس له اسم منفصل فيتقدم ويتأخر كما للمنصوب ، وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه ؛ فلما خالف المجرور سائر الأسماء ، لم يجز أن يعطف عليه. وقد حكى أنه جاء في الشعر : فاذهب فما بك والأيام من عجب انتهى ووافق الكوفيين يونس ، والأخفش ، وقطرب ، والشلويين ، وابن مالك. وهذه المسألة أوردها ابن الأنباري في مسائل الخلاف بأدلة الفريقين ، قال : الحتج الكوفيون على جوازها بمجيئها في التنزيل ، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) الذين (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)" بالخفض ؛ وهي قراءة حمزة وغيره. وقال تعالى : "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ" فما عطف على ضمير فيهن. وقال تعالى : "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ" ، فالمقيمين عطف على الكاف في إليك ، أو على الكاف في قبلك. وقال تعالى : "وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ" فمن عطف على ضمير لكم. انظر خزانة الأدب 2 / 154.
2- على أن حرف الجر قد يترك صورة عند البصريين ، أي : ما بك وبالأيام عجب. قال سيبويه قبل أن ينشد هذا البيت : ومما يقبح أن يشرك المظهر علامة المضمر المجرور ، وذلك قولك : مررت بك وزيد ، وهذا أبوك وعمرو ، فكرهوا أن يشرك المظهر مضمرا داخلا فيما قبله ، لأن هذه العلامة الداخلة فيما قبلها جمعت أنها لا يتكلم بها إلا معتمدة على ما قبلها ، وأنها بدل من اللفظ بالتنوين ، فصارت عندهم بمنزلة التنوين ، فلما ضعفت عندهم ، كرهوا أن يتبعوها الاسم ، ولم يجز أن يتبعوها إياه. إلى أن قال : وقد يجوز في الشعر. وأنشد هذا البيت وبيتا آخر. انتهى. وأوضح منه قول ابن السراج في الأصول : وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر ، لا يجوز أن تقول : مررت بك وزيد ، لأن المجرور ليس له اسم منفصل فيتقدم ويتأخر كما للمنصوب ، وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه ؛ فلما خالف المجرور سائر الأسماء ، لم يجز أن يعطف عليه. وقد حكى أنه جاء في الشعر : فاذهب فما بك والأيام من عجب انتهى ووافق الكوفيين يونس ، والأخفش ، وقطرب ، والشلويين ، وابن مالك. وهذه المسألة أوردها ابن الأنباري في مسائل الخلاف بأدلة الفريقين ، قال : الحتج الكوفيون على جوازها بمجيئها في التنزيل ، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) الذين (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)" بالخفض ؛ وهي قراءة حمزة وغيره. وقال تعالى : "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ" فما عطف على ضمير فيهن. وقال تعالى : "لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ" ، فالمقيمين عطف على الكاف في إليك ، أو على الكاف في قبلك. وقال تعالى : "وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ" فمن عطف على ضمير لكم. انظر خزانة الأدب 2 / 154.

يريد : حتى بلغتك ، فإن ذكرت الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين فحق هذا الباب إذا جئت بالمتصل أن تبتدأ بالأقرب قبل الأبعد وأعني بالأقرب المتكلم قبل المخاطب والمخاطب

ص: 499

قبل الغائب وتعرف القوي من غيره ، فإن الفعلين إذا اجتمعا إلى القوي فتقول : قمت وأنت ثم تقول : قمنا وقام وأنت ثم تقول : قمتما فتغلب المخاطب على الغائب وتقول : أعطانيه وأعطانيك ويجوز : أعطاكني ، فإن بدأ بالغائب قال : أعطاهوني.

وقال سيبويه : هو قبيح لا تكلم به العرب ، وقال أبو العباس : هذا كلام جيّد ليس بقبيح وقال الله عز وجل : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) [هود : 28] فتقول على هذا أعطاه إياك وهو أحسن من أعطاهوك فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت : لمعطاهوه وليس بالكثير في كلامهم والأكثر المعطاه إياه والمنفصل بمنزلة الظاهر فأما المفعولان في ظننت وأخواتها فأصلها الابتداء الخبر كما جاء في (كان) فالأحسن أن نقول ظننتك إياه كما تقول : كان إياه وكنت إياه.

واعلم أنه لا يجوز أن يجتمع ضمير الفاعل والمفعول إذا كان المفعول هو الفاعل في الأفعال المتعدية والمؤثرة لا يجوز أن تقول : ضربتني ولا أضربك إذا أمرت ، فإن أردت هذا قلت : ضربت نفسي واضرب نفسك وكذلك الغائب لا يجوز أن تقول : ضربه إذا أردت ضرب نفسه ويجوز في باب ظننت وحسبت أن يتعدى المضمر إلى المضمر ولا يجوز أن يتعدى المضمر إلى الظاهر تقول : ظننتي قائما وخلتني منطلقا لأنها أفعال غير مؤثرة ولا نافذة منك إلى غيرك فتقول على هذا : زيد ظنه منطلقا فتعدى فعل المضمر في ظن إلى الهاء ولا يجوز زيدا ظن منطلقا فتعدى فعل المضمر الذي في ظن إلى زيد فتكون قد عديت في هذا الباب فعل المضمر إلى الظاهر وإنما حقه أن يتعدى فعل المضمر إلى المضمر وتكون أيضا قد جعلت المفعول الذي هو فضلة في الكلام لا بد منه وإلا بطل الكلام فهذه جميع علامات المضمر المرفوع والمنصوب قد بينتها في المنفصل والمتصل وقد خبرتك أن المجرور لا علامة له منفصلة ، وإن علامته في الإتصال كعلامة المنصوب لا فرق بينها في الكاف والهاء تقول : رأيتك كما تقول : مررت بك وتقول : ضربته كما تقول : مررت به فهذا مطرد لا زيادة فيه فإذا جاءوا إلى الياء التي هي ضمير المتكلم زادوا في الفعل نونا قبل الياء لئلا يكسروا لام الفعل والفعل لا جرّ فيه فقالوا : ضربني فسلمت الفتحة بالنون ووقع الكسر على النون وكذلك : يضربني فإذا جاءوا بالاسم لم يحتاجوا إلى النون فقالوا : الضاربي في النصب واستحسنوا الكسرة في الباء موضع ؛ لأنه يدخله الجر ولم

ص: 500

يستحسنوا ذلك في لام الفعل ؛ لأنه موضع لا يدخله الجر وقالوا : إنني ولعلني ولكنني ؛ لأن هذه حروف مشبهة بالفعل.

قال سيبويه : قلت له : يعني الخليل ما بال العرب قالت : إني وكأني ولعلي ولكني فزعم :أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة من كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا النون التي تلي الياء قال : فإن قلت : (لعلي) ليس فيها تضعيف فإنه زعم : أن اللام قريبة من النون يعني في مخرجها من الفم وقد قال الشعراء في الضرورة : ليتي.

وقال : سألته عن قولهم : عني وقطني ولدني : ما بالهم جعلوا علامة المجرور هاهنا كعلامة المنصوب فقال : إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحركا مكسورا ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في (قط) ولا النون التي في (من) فجاءوا بالنون ليسلم السكون وقدني بهذه المنزلة وهذه النون لا ينبغي أن نذكرها في غير ما سمع من العرب لا يجوز أن تقول : قدي كما قلت مني وقد جاء في الشعر (قدي) قال الشاعر :

قدني من نصر الخبيبين قدي (1) ...

ص: 501


1- هذا ضرورة ، والقياس قدني بالنون. قال سيبويه : وسألته رحمه الله ، يعني الخليل بن أحمد ، عن قولهم قطني ومني وعني ولدني ما بالهم جعلوا علامة المجرور هاهنا كعلامة المنصوب؟ فقال : إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة ، إلا كان متحركا مكسورا ، ولم يريدوا أن يحركوا الطاء ولا النونات ، لأنها لا تذكر أبدا ، إلا وقبلها حرف متحرك مكسور ، وكانت النون أولى ، لأن من كلامهم أن تكون النون والياء علامة المتكلم ، فجاؤوا بالنون لأنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الإضمار ، وكرهوا إن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الإضمار. وإنما حملهم على أن لم يحركوا الطاء والنونات كراهية أن يشبه الأسماء نحو : يد ، وهن. وأما ما يحرك آخره فنحو مع ولد ، كتحريك أواخر هذه الأسماء ، لأنه إذا تحرك آخره فقد صار كأواخر الأسماء ، فمن ثم لم يجعلوها بمنزلتها ، فمن ذلك معي ولدي في مع ولد ، وقد جاء في الشعر قدي. قال الشاعر قدني من نصر الخبيبين قدي لما اضطر شبهه بحسبي وهني ، لأن ما بعد حسب ، وهن مجرور ، كما أن ما بعد قط مجرور ، فجعلوا علامة الإضمار فيهما سواء ، كما قال : ليتي حيث اضطر. انتهى كلام سيبويه. ورده صاحب الكشاف والبيضاوي عند قوله تعالى : "قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً" على قراءة نافع بتحريك نون لدن والاكتفاء بها عن نون الوقاية ، كما في : قدني من نصر الخبيبين قدي وعند ابن مالك نون الوقاية في قدني وقطني غير لازمة ، بل يجوز ذكرها وحذفها. انظر خزانة الأدب 3 / 233.

فقال : قدي لما اضطر شبهه بحسبي كما قال : ليتي حيث اضطر.

وقال سيبويه : لو أضفت إلى الياء الكاف تجر بها لقلت : ما أنت كي لأنها متحركة قال الشاعر لما اضطر :

وأمّ أو عال كها أو أقربا (1) ...

ص: 502


1- هو من أرجوزة للعجاج ، مطلعها : ما هاج دمعا ساكبا مستسكبا من أن رأيت صاحبيك أكأبا أي : دخلا في الكآبة ، وهي الحزن. ثم وصف فيها حمار الوحش وأتنه ، أراد أن يرد الماء فرأى الصياد ، فهرب بأتنه. إلى أن قال : نحى الذنابات شمالا كثبا وأم أوعال كها أو أقربا ذات اليمين غير ما أن ينكبا نحاه تنحية : أبعده عنه ، وجعله في ناحية. وفاعل نحى ضمير يعود إلى حمار وحش ذكره. يعني أنه مضى في عدوه ناحية ، فجعل الذنابات في جانب شماله ، وأم أوعال في ناحية يمينه. وروى خلى الذنابات ، وشمالا على الأول ظرف ، وعلى الثاني ظرف أيضا في وضع المفعول الثاني ، لتضمين خلى معنى جعل. والذنابات ، قال الأندلسي في شرح المفصل : هو جمع ذنابة بكسر الذال ، وهي آخر الوادي ، ينتهي إليه السيل. وكذلك آخر النهر. ووجدتها في موضع آخر : الذبابات بالموحدتين ، وهي الجبال الصغار. انتهى. وقال غيره : الذنابات بالذال والنون : اسم موضع. ولم أره في المعجم لأبي عبيد البكري ولا في معجم البلدان لياقوت الحموي ولا في كتب اللغة المدونة. وفسره شارح اللباب بالجبال الصغار ، وقيده العيني بفتح الذال ، وقال : اسم موضع بعينه. والكثب ، بفتح الكاف والمثلثة : القرب وأراد القريب ، وهو صفة الشمال. وأم أوعال ، قال البكري : على لفظ جمع وعل : هضبة في ديار بني تميم ، ويقال لها : ذات أوعال. انظر خزانة الأدب 4 / 9.

وقال آخر لما اضطر :

فلا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلّا حاظلا (1)

فهذا قاله سيبويه قياسا وهو غير معروف في الكلام واستغنى عن (كي) بمثلي.

ولام الإضافة تفتح مع المضمر إلا مع الياء ؛ لأن الياء تكسر ما قبلها تقول : له ولك ثم تقول : لي فتكسر ؛ لأن هذه الياء لا يكون ما قبلها حرف متحرك إلا مكسورا وهي مفارقة لأخواتها في هذا ألا ترى أنك تقول : هذا غلامه فتصرف فإذا أضفت غلاما إلى نفسك قلت : هذا غلامي فذهب الإعراب وإنما فعلوا ذلك ؛ لأن الضم قبلها لا يصلح فلما غير لها الرفع وهو أول غير لها النصب إذا كان ثانيا وألزمت حالا واحدا فقلت : رأيت غلامي.

ص: 503


1- شبهوه بقوله : له ولهن. ولو اضطر شاعر فأضاف الكاف إلى نفسه ، قال : كي. وكي خطأ ، من قبل أنه ليس من حرف يفتح قبل ياء الإضافة. انتهى. قال النحاس : هذا عند سيبويه قبيح. والعلة له أن الإضمار يرد الشيء إلى أصله. فالكاف في موضع مثل ، فإذا أضمرت ما بعدها ، وجب أن تأتي بمثل. وأبو العباس ، فيما حكى لنا علي بن سليمان ، يجيز الإضمار في هذا على القياس ، لأن المضمر عقيب المظهر ، وقد نطقت به العرب. وقد ذكرنا قبل ما ذكره بعض النحويين من إجازتهم : أنا كأنت ، وكإياك ، ورد أبي العباس لذلك. انتهى كلامه. وقال ابن عصفور في كتاب الضرورة : ومنه أ، يستعمل الحرف للضرورة ، استعمالا لا يجوز مثله في الكلام. انظر خزانة الأدب 4 / 7.

واعلم أن الذي حكي من قولهم : لولاي ولو لا شيء شذ عن القياس كان عند شيخنا يجري مجرى الغلط والكلام الفصيح ما جاء به القرآن : لو لا أنت.

كما قال عز وجل : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : 31] والذين قالوا : لولاك ولولاي قالوا : لأنها أسماء مبنية يؤكد المرفوع منها المخفوض فكأنهم إنما يقتصرون العبارة عن المتكلم والمخاطب والغائب لا بأي لفظ كان ؛ لأنه غير ملبس ولكنهم لا يجعلون غائبا مكان مخاطب لا يقولون : لولاه مكان لولاك فأما قولهم : عساك فالكاف منصوبة لأنك تقول : عساني فعساك مثل رماك وعساني مثل رماني.

واعلم أن علامة الإضمار قد ترد أشياء إلى أصولها فمن ذلك قولك : لعبد الله مال ثم تقول : لك وله إنما كسرت مع الظاهر في قولك لزيد مال كيلا يلتبس بلام الابتداء إذا قلت :لهذا أفضل منك ألا تراهم قالوا : يا لبكر حين أمنوا الالتباس فمن ذلك : أعطيكموه في قول من قال : أعطيتكم ذاك فأسكن ردوه بالإضمار إلى أصله كما ردوا بالألف واللام حين قالوا : أعطيتكموه اليوم فكان الذين وقفوا بإسكان الميم كرهوا الوقف على الواو.

فلما وصلوا زال ما كرهوا فردوا وزعم يونس أنه يقول : أعطيتكمه بإسكان الميم كما قال في الظاهر أعطيتكم زيدا.

واعلم أنّ أنت وأنا ونحن وأخواتهن يكن فصلا ومعنى الفصل أنهن يدخلن زوائد على المبتدأ المعرفة وخبره وما كان بمنزلة الابتداء والخبر ليؤذن بأن الخبر معرفة أو بمنزلة المعرفة ولا يكون الفصل إلا ما يصلح أن يكون كناية عن الاسم المذكور فأما ما الخبر فيه معرفة واضحة فنحو قولك : زيد هو العاقل وكان زيد هو العاقل ، وأما ما الخبر فيه يقرب من المعرفة إذا أردت المعرفة وكان على لفظه فنحو قولك حسبت زيدا هو خيرا منك وكان زيد هو خيرا منك وتقول : إن زيدا هو الظريف فيكون فصل ، وإن زيدا هو الظريف وتقول : إن كان زيد لهو الظريف ، وإن كنا لنحن هي (نا) في كنا ولو قلت كان زيد أنت خيرا منه لم يجز أن تجعل أنت فصلا ؛ لأن أنت غير زيد ، فإن قلت : كنت أنت خيرا من زيد جاز أن يكون فصلا وأن يكون تأكيدا فجميع هذه لمسائل الاسم فيها معرفة والخبر معرفة أو قريب منها مما لا يجوز أن يدخل

ص: 504

عليه الألف واللام ولو قلت : ما أظن أحدا هو خير منك لم يجز أن تجعل (هو) فصلا ؛ لأن واحدا نكرة ولكن تقول : ما أظن أحدا هو خير منك فجعل : هو مبتدأ و (خير منك) خبره وهذا الباب يسميه الكوفيون العماد وقال الفراء : ادخلوا العماد ليفرقوا بين الفعل والنعت لأنك لو قلت : زيد العاقل لأشبه النعت فإذا قلت : زيد هو العاقل قطعت (هو) عن توهم النعت فهذا الذي يسميه البصريون فصلا ويسميه الكوفيون عمادا وهو ملغى من الإعراب فلا يؤكد ولا ينسق عليه ولا يحال بينه وبين الألف واللام وما قاربهما ولا يقدم قبل الاسم المبتدأ ولا قبل (كان) ولا يجوز كان هو القائم زيد ولا هو القائم كان زيد وقد حكي هذا عن الكسائي ؛ لأنه كان يجعل العماد بمنزلة الألف واللام في كل موضع يجوز وضعه معهما فإذا قلت : كنت أنت القائم جاز أن يكون أنت فصلا وجاز أن يكون تأكيدا ويجوز أن يبتدأ به فترفع القائم.

ولك أن تثني الفعل وتجمعه وتؤنثه فتقول : كان الزيدان هما القائمين وكان الزيدون هم القائمين وكانت هند هي القائمة والظن ، وإن وجميع ما يدخل على المبتدأ والخبر يجوز الفصل فيه تقول : ظننت زيدا هو العاقل ، وإن زيدا هو العاقل فإذا قلت كان زيد قائمة جاريته فأدخلت الألف واللام على (قائمة) وجعلتها لزيد قلت : كان زيدق القائمة جاريته ، فإن كانت الألف واللام للجارية صار المعنى : كان زيد التي قامت جاريته فقلت : كان زيد القائمة جاريته حينئذ وهذا لا يجوز عندي ولا عند الفراء من قبل أنه ينبغي أن يكون الألف واللام هي الفصل بعينه وأن يصلح أن يكون ضميرا للأول.

ص: 505

الباب الثالث من المبنيات : وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى

وفيه من أجل ذلك معنى الفعل وهي : ذا وذه وتثنى ذا وذه فتقول : ذان في الرفع وذين في النصب والجر وتثنية (تا) تان وتجمع ذا وذه وتا أولى وأولاء والمذكر والمؤنث فيه وسواء فذا اسم تشير به إلى المخاطب إلى كل ما حضر كما يدخلون عليه هاء التنبيه فيقولون : هذا زيد وهذي أمة الله فإذا وقفوا على الياء أبدلوا منها هاء في الوقف فإذا وصلوا أسقطوا الهاء وردوا الياء ويبدلون من الياء فيقولون : هذه أمة الله فإذا وصلوا قالوا : هذي أمة الله فإذا وقفوا حذفوا الهاء وردوا الياء ومنهم من يقول : هذه أمة الله.

وهؤلاء تمد وتقصر ، وإذا مدوا بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين ، فإن أدخلوا كاف المخاطبة فأول كلامهم لما يشار إليه وآخره للمخاطب والكاف هاهنا حرف جيء به للخطاب وليس باسم ؛ لأن إضافة المبهمة محال من قبل أنها معارف فلا يجوز تنكيرها وكل مضاف فهو نكرة قبل إضافته فإذا أضيف إلى معرفة صار بالإضافة معرفة وهو قولك : ذاك ، وذلك واللام في (ذلك) زائدة والأصل (ذا) والكاف للخطاب فقط ومحال أن تكون هنا اسما لما بينت لك فإنما زدت الكاف على (ذا) وكانت (ذا) لما يومي إليه بالقرب.

فإذا قلت ذلك دلت على أن الذي يومي إليه بعيد وكذلك جميع الأسماء المبهمة إذا أردت المتراخي زدت كافا للمخاطبة لحاجتك أن تنبه بالكاف المخاطب ونظير هذا هنا وهاهنا وهناك وهنالك إذا أشرت إلى مكان ، فإن سألت رجلا عن رجل قلت : كيف ذاك الرجل ، فتحت الكاف.

فإن سألت امرأة عن رجل قلت : كيف ذاك الرجل فكسرت الكاف قال الله عز وجل : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [آل عمران : 47] ، فإن سألت رجلا عن امرأة قلت : كيف تلك المرأة ، فإن سألت المرأة عن امرأة قلت : كيف تلك المرأة تكسر الكاف ، فإن سالت رجلا عن رجلين قلت : كيف ذانك الرجلان ومن قال في الرجل ذلك : قال في الاثنين : ذانّك بتشديد

ص: 506

النون أبدلوا من اللام نونا وأدغمت إحدى النونين في الأخرى كما قال عز وجل : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص : 23] ، فإن سألت عن جماعة رجلا قلت : كيف أولئك الرجال وأولاك الرجال ، فإن سألت رجلا عن امرأتين قلت : كيف تانك المرأتان ، وإن سألت امرأة عن رجلين قلت : كيف ذانك الرجلان يا امرأة ، وإن سألتها عن جماعة قلت : كيف أولئك الرجال يا امرأة ، فإن سألت رجلين عن رجلين قلت : كيف ذانكما الرجلان يا رجلان ، وإن سألتهما عن جماعة قلت : كيف أولئكما الرجال يا رجلان ، وإن سألتهما عن امرأة قلت : كيف تيكما وتلكما المرأة يا رجلان ، وإن سألتهما عن امرأتين قلت : كيف تانكما المرأتان يا رجلان ، وإن سألت جماعة عن واحد قلت : كيف ذاكم الرجل يا رجال ، وإن سألتهم عن رجلين قلت : كيف ذانكم الرجلان يا رجال ، وإن سألتهم عن جماعة قلت : كيف أولئك الرجال يا رجال ، وإن سألتهم عن امرأة قلت : كيف تلكم المرأة يا رجال ، وإن سألتهم عن امرأتين قلت : كيف تانكم المرأتان يا رجال ، وإن سألت امرأتين فعلامة المرأتين والرجلين في الخطاب سواء ، فإن سألت نساء عن رجل قلت : كيف ذاكنّ الرجل يا نساء وباللام : كيف ذلكن الرجل يا نساء قال الله عز وجل : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : 32] ، فإن سألتهن عن رجلين قلت : كيف تيكن ، وإن سألتهن عن جماعة قلت : كيف أولئكنّ النساء مثل المذكر.

واعلم أنه يجوز لك أن تجعل مخاطب الجماعة على لفظ الجنس أو تخاطب واحدا عن الجماعة فيكون الكلام له والمعنى يرجع إليهم كما قال الله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء : 3] ولم يقل : ذلكم ؛ لأن المخاطب النبي والدليل على أن في هذا معنى فعل قولهم : هذا زيد منطلقا ؛ لأن منطلقا انتصب على الحال والحال لا بد من أن يكون العامل فيها فعل أو معنى فعل.

ص: 507

باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل

وذلك قولهم : (صه ومه ورويد وإيه) وما جاء على فعال نحو : (حذار ونزال وشتان).

فمعنى صه : اسكت. ومعنى مه : أكفف. فهذان حرفان مبنيان على السكون سمى الفعل بهما فأما رويد : فمعناه : المهلة وهو مبني على الفتح ولم يسكن آخره ؛ لأن قبله ساكنا فاختير له الفتح للياء قبله تقول : رويد زيدا فتعديه فأما قولك : رويدك زيدا ، فإن الكاف زائدة للمخاطبة وليست باسم وإنما هي بمنزلة قولك : التجاءك يا فتى وأرأيتك زيدا ما فعل ويدلك على أن الكاف ليست باسم في التجاءك دخول الألف واللام والألف واللام والإضافة لا يجتمعان وكذلك الكاف في : أرأيتك زيدا زائدة للخطاب وتأكيده ألا ترى أن الفعل إنما عمل في زيد ، فإن قلت : إرودّ كان المصدر إروادا وتصرف جميع المصادر ، فإن حذفت الزوائد على هذه الشريطة صرفت : رويد فقلت : رويدا يا فتى ، وإن نعت به قلت : ضعه وضعا رويدا وتضيفه ؛ لأنه كسائر المصادر تقول : رويد زيد كما قال الله عز وجل : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : 4] ورويدا زيدا كما تقول ضربا زيدا في الأمر فأما إيه وآه فمعنى إيه الأمر بأن : يزيدك من الحديث المعهود بينكما فإذا نونت قلت : إيه والتنوين للتنكير كأنك قلت : هات حديثا وذاك كأنه قال : هات الحديث قال ذو الرمة :

وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم

وما بال تكليم الدّيار البلاقع (1)

ص: 508


1- ابن السكيت والجوهري ، قالا : إنما جاء ذو الرمة هنا ب إيه غير منون ، مع أنه موصول بما بعده ، لأنه نوى الوقف. هذا الكلام نقله الجوهري عن ابن السكيت ، ثم نقل عن ابن السري الزجاج أنه قال : إذا قلت : إيه يا رجل ، فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما ، كأنك قلت : هات الحديث. فإن قلت : إيه بالتنوين فكأنك قلت : هات حديثا ما ؛ لأن التنوين تنكير. وذو الرمة أراد التنوين فتركه للضرورة. انتهى. وإنما كان ترك التنوين ضرورة لأنه أراد من الطلل أن يخبره عنها أي حديث كان ، وليس فيه ما يقتضي أن يحدثه حديثا معهودا. كذا قيل ، وفيه أنه إنما طلب حديثا مخصوصا ، وهو الحديث عن أم سالم. وبه يسقط قول ثعلب في أماليه : تقول العرب : إيه بالتنوين بمعنى حدثنا. وأما قول ذي الرمة فإنه ترك التنوين وبنى على الوقف ، ومعناه إيه ، أي : حدثنا. قال ابن جني في سر الصناعة : تنوين التنكير لا يوجد في معرفة ، ولا إلا تابعا لحركات

فإذا فتحت فهي زجر ونهي كقولك : إيه يا رجل إني جئتك فإذا لم ينون فالتصويت يريد الزجر عن شيء معروف ، وإذا نونت فإنما تريد الزجر عن شيء منكور قال حاتم :

إيها فدى لكم أمّي وما ولدت

حاموا على مجدكم واكفوا من اتّكلا

ومن ينون إذا فتح فكثير والقليل من بفتح ولا ينون وجميع التنوين الذي يدخل في هذه الأصوات إنما يفرق بين التعريف والتنكير تقول : صه يا رجل هذا الأصل في جميع هذه المبنيات ومنها ما يستعمل بغير تنوين البتة فما دخله التنوين ؛ لأنه نكرة قولهم : فدى لك يريدون به الدعاء والدعاء حقه أن يكون على لفظ الأمر فمن العرب من يبني هذه اللفظة على الكسر وينونها لأنها نكرة يريد بها معنى الدعاء.

ومن هذا الباب قولهم : هاء يا فتى ويثنى فيقول هائما وهائم للجميع كما قال عز وجل :(هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : 19] وللمؤنث هاء بلا ياء مثل هاك والتثنية هاؤما مثل المذكرين وهاؤن تقوم الهمزة في جميع ذا مقام الكاف ولك أن تقول : هاء يا قوم كما قال عز وجل : (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ) [المجادلة : 12] وأصل الكلام (ذلكم) هذا في الخطاب يجوز ؛ لأن كل واحد منهم يخاطب وقال : هاك وهاكما وهاكم والمؤنث هاك ، وأما ما كان على مثال فعال مكسور الآخر فهو على أربعة أضرب والأصل واحد.

ص: 509

واعلم أنه لا يبني شيء من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنث معرفة ومعدول عن جهته وإنما يبنى على الكسر ؛ لأن الكسر مما يؤنث به تقول للمرأة : أنت فعلت وإنك فاعلة وكان أصل هذا إذا أردت به الأمر السكون فحركت لالتقاء الساكنين فجعلت الحركة الكسر للتأنيث ، وذلك قولك : نزال وتراك ومعناه : أنزل واترك فهما معدولان عن المتاركة والمنازلة قال الشاعر :

ولنعم حشو الدّرع أنت إذا

دعيت نزال ولجّ في الذّعر (1)

ص: 510


1- قوله : ولنعم حشو الدرع إلخ ، جعل لابس الدرع حشوا لها لاشتمالها عليه ، كما يشتمل الإناء على ما فيه. وهو العامل في إذا ، لأنه بمعنى لابس ، وقيل : متعلق بنعم لما فيه من معنى الثناء كما فيما قبله. والجل ، بالضم : الحادث العظيم كالجلى. وقوله : على ظهر ، أي : ظهر حمول قوي. والذمار : ما يجب عليه أن يحميه من حرمه. والجلى : النائبة الجليلة وجمعها جلل ، وقيل هنا بمعنى : جماعة العشيرة. وقوله : أمين مغيب الصدر ، أي :لا يضمر إلا الجميل ، ولا ينطوي إلا على الوفاء والخير وحفظ السر ، فهو مأمون على ما غاب في صدره. والحدب : المتعطف المشفق. والمولى : ابن العم. والضريك : الفقير والمحتاج. والدسيعة : العطية الجزيلة. وجز الناصية تكون في الأسير ، إذا أنعم عليه وأطلق جزت ناصيته وأخذت للافتخار. وراغمهم : نابذهم وهجرهم وعاداهم. وقوله : ومرهق النيران ، أي : تغشى ناره ؛ يقال : رهقت الرجل ، إذا غشيته وأحطت به ؛ والمشدد للتكثير. يصف أنه يوقد النار بالليل للطبخ وإطعام الناس ، وليعشو إليها الضيف والغريب. وكثرة النيران ، للإخبار عن سعة معروفة. والأواء : شدة الزمان والقحط. وقوله : غير ملعن القدر ، أي : لا يؤكل ما فيها دون الضيف ، والجار ، واليتيم ، والمسكين ، فهو محمود القدر ، لا مذمومها. وأوقع اللعن على القدر مجازا ، وهو يريد صاحبها. وقوله : ويقيك ما وقي الأكارم إلخ ، وقي بالبناء للمفعول. والحوب : الإثم ، أي : إن الأكارم وقوا أن يسبوا فيقيك ذلك أنت أيضا ، أي : إنه لا يغدر ، ولا يسب ، فبأتي بإثم. وروي : ما وقى الأكارم بالبناء للفاعل ونصب الأكارم. وقوله : وإذا برزت به ، أي : برزت إليه ، يعني : إذا صرت إليه صرت إلى رجل واسع الخلق طيب الخبر. وقوله : متصرف للمجد إلخ ، أي : يتصرف في كل باب من الخير ، لاكتساب المجد. والمعترف : الصابر ، أي : يصبر لما نابه من الأمر ، ويحتمله. وقوله : يراح ، أي : يخش ويخف ويطرب ، لأن يفعل فعلا كريما يذكر به ، ويمدح من أجله. وقوله : جلد يحث إلخ ، أي : قوي العزم ، مجتهد فيما ينفع العشيرة من التآلف والاجتماع ، فهو يحث على ذلك ويدعو إليه ، إذا كره الظنون الاجتماع والتآلف ، لما يلزمه عند ذلك ، من المشاركة والمواساة بماله ونفسه. والظنون : الذي لا يوثق بما عنده ، لما علم من قلة خيره. وجوامع الأمر : ما يجمع الناس في شأنهم. وقوله : ولأنت تفري إلخ ، هذا مثل ضربه. والخالق : الذي يقدر الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه. والفري : القطع. والمعنى : إنك إذا تهيأت لأمر مضيت له ، وأنفذته ولم تعجز عنه ، وبعض القوم يقدر الأمر ويتهيأ له ، ثم لا يعزم عليه ولا يمضيه ، عجزا وضعف همة. قال ابن قتيبة في أدب الكتاب : فرى الأديم : قطعه على جهة الإصلاح ، وأفراه : قطعه على جهة الإفساد. وقال ابن السيد : هذا قول جمهور اللغويين ، وقد وجدنا فرى مستعملا في القطع على جهة الإفساد. انظر خزانة الأدب 2 / 372.

فقال : دعيت لما ذكر ذلك في التأنيث.

وقالوا : تراكها وحذار ونظار فهذا ما سمي الفعل به باسم مؤنث ويكون (فعال) صفة غالبة تحل محل الاسم نحو قولهم : للضبع جعار يا فتى وللمنية : حلاق ويكون في التأنيث نحو يا فساق.

والثالث : أن تسمي امرأة أو شيئا مؤنثا باسم مصوغ على هذا المثال نحو : حذام ورقاش.

والرابع : ما عدل من المصدر نحو قوله :

جماد لها جماد ولا تقولي

طوال الدّهر ما ذكرت حماد (1)

قال سيبويه : يريد : قولي لها جمود ولا تقولي لها حمدا ومن ذلك فجار يريدون : الفجرة ومسار يريدون : المسرة وبداو يريدون : البدو وقد جاء من بنات الأربعة معدولا مبني قرقار وعرعار وهي لغية وشتان : مبني على الفتح ؛ لأنه غير مؤنث فهو اسم للفعل إلا أن الفعل هنا غير أمر وهو خبر ومعناه : البعد المفرط ، وذلك قولك : شتان زيدق وعمرو فمعناه : بعد ما بين

ص: 511


1- قالوا : معناه قولي لها : جمودا ، ولا تقولي : حمدا ، بالتنكير والتذكير. وهذا وارد على قولهم إن فعال معدول عن معرف مؤنث. وممن قال كذا ابن السراج في الأصول فإنه قال بعد ما أنشد البيت : قال سيبويه : يريد قولي لها : جمودا ، ولا تقولي لها : حمدا. ومنهم ابن الشجري ، قال في أماليه : جماد : اسم للجمود ، وحماد : اسم للحمد في هذا البيت. أراد قولوا لها : جمودا ، ولا تقولوا لها : حمدا. وهذا لا يرد عليهم ؛ فإنهم قالوا : لا بد من التعريف والتأنيث في فعال بالمعاني الأربعة. وقولهم : معناه جمودا وحمدا وما أشبهه ، فإنما هو تساهل في التعبير عنه. وكذلك فعل سيبويه ، إلا أنه اعتبر التأنيث في المعدول عنه ، إما تحقيقا أو تقديرا ، قال : وأما ما جاء اسما للمصدر ، فنحو فجار معدولة عن الفجرة ويسار معدولة عن الميسرة. انظر خزانة الأدب 2 / 278.

زيد وعمرو جدا وهو مأخوذ من شتّ والتشتت التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء فتقدير : شتان زيد وعمرو تباعد زيد وعمرو ولأنه اسم لفعل ما تم به كلام قال الشاعر :

شتّان هذا والعناق والنّوم

والمشرب البارد في ظلّ الدّوم (1)

فجميع هذه الأسماء التي سمي بها الفعل إنما أريد بها المبالغة ولو لا ذلك لكانت الأفعال قد كفت عنها.

ص: 512


1- وهذا مما يرد على الأصمعي ، ويؤيد قول غيره أن شتان لا يكتفي بواحد ، لأنه وضع لاثنين فصاعدا. وقد أجاز ثعلب ما منعه الأصمعي ، قال في فصيحه : وتقول : شتان زيد وعمرو ، وشتان ما هما ، نون شتان مفتوحة. إن شئت قلت شتان ما بينهما. والفراء يخفض نون شتان. انتهى. ومحصل الكلام فيها أن شتان يكون مرفوعها شيئين اتفاقا ، وأكثر عند غير الأصمعي ، ويكون معهما ما الزائدة وبدونها. والصحيح جواز شتان ما بينهما ، خلافا للأصمعي. ولم يتعرض ابن السراج في الأصول لهذا. قال : قولك شتان زيد وعمرو ، معناه بعد ما بين زيد وعمرو جدا. وهو مأخوذ من شت. والتشتيت : التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء ، فتقديره تباعد زيد وعمرو. انتهى. وهي عند الشارح قسمان : أحدهما : ما ذكر من أنه لا بد لها من مرفوعين فصاعدا. والثاني : جواز الاكتفاء بمرفوع واحد. وهو في شتان ما بينهما لكونهما بمعنى واحد. وبقي استعمالها مع ما الموصولة بفعل ، ولم يذكروه. وهو ما أورده الفراء في الشعر المذكور ، وهو لشتان ما أنوي. وينبغي أن تقدر ما الموصولة في الفعل الثاني ، ليكون مرفوعها شيئين. وهي اسم فعل على الصحيح. قال ابن عصفور في شرح الإيضاح :وهو ساكن في الأصل ، إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين ، وكانت الحركة فتحة إتباعا لما قبلها وطلبا للخفة ، ولأنه واقع موضوع الماضي مبنيّ على الفتح ، فجعلت حركته كحركته. وزعم المرزوقي والهروي في شرح الفصيح أنها مصدر. قال الأول : شتان مصدر لم يستعمل فعله. وهو مبنيّ على الفتح ، لأنه موضع فعل ماض ، وزيد :فاعل له. وقال الثاني : معنى شتان البعد المفرط بين الشيئين ، وهو اسم وضع موضع الفعل الماضي ، تقديره :شت زيد وعمرو ، أي : تشتتا وتفرقا جدا. وسبقهما الزجاج كما نقل الشارح المحقق. قال ابن عصفور : وزعم الزجاج أنه مصدر واقع موقع الفعل جاء على فعلان فخالف أخواته ، فبني لذلك ، فإن قيل : لنا فعلان في المصادر ، قالوا : لوى يلوي ليانا ، وشنئته شنآنا. وأن لو وضعت ليانا وشنآنا موضع الفعل ، لبقيا على إعرابهما ولم يبنيا. فالجواب : أنهما مصدران قد استعملا بعد فعلهما وتمكنا ، فإذا وقعا موقع فعلهما بقيا على إعرابهما ، وليس كذلك شتان ؛ لأنك لا تقول شت يشت شتاتا ، وإنما استعمل في أول أحواله موضوعا موضع الفعل المبني ، فبني لذلك. انتهى. قال ناظر الجيش في شرح التسهيل : مقتضى هذا الجواب أن تبنى المصادر الملتزم إضمار ناصبها ، كسبحان الله ومعاذ الله. انتهى. انظر خزانة الأدب 2 / 360.
باب الاسم الذي قام مقام الحرف

وذلك : (كم ، ومن ، وما ، وكيف ، ومتى ، وأين).

فأما (كم) فبنيت لأنها وقعت موقع حرف الاستفهام وهو الألف وأصل الاستفهام بحروف المعاني لأنها آلة إذا دخلت في الكلام أعلمت أن الخبر استخبار : و (كم) اسم لعدد مبهم.

فقالوا : كم مالك فأوقعوا (كم) موقف الألف لما في ذلك من الحكمة والإختصار إذ كان قد أغناهم عن أن يقولوا أعشرون مالك أثلاثون مالك أخمسون والعدد بلا نهاية فأتوا باسم ينتظم العدد كلّه.

وأما (من) فجعلون سؤالا عن من يعقل نحو قولك : من هذا ومن عمرو فاستغني بمن عن قولك : أزيد هذا أعمرو هذا أبكر هذا والأسماء لا تحصى فانتظم بمن جميع ذلك ووقعت أيضا موقع حرف الجزاء وهو (إن) في قولك : من يأتني آته.

وأما (ما) فيسأل بها عن الأجناس والنعوت تقول : ما هذا الشيء فيقال : إنسان أو حمار أو ذهب أو فضّة ففيها من الإختصار مثل ما كان في (من) وتسأل بها عن الصفات فتقول : ما زيد فيقال : الطويل والقصير وما أشبه ذلك ولا يكون جوابها زيد ولا عمرو ، فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على من يعقل.

ومن كلام العرب : سبحان ما سبح الرعد بحمده وسبحان ما سخركن لنا وقال الله عز وجل : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : 5] فقال قوم : معناه : ومن بناها وقال آخرون : إنما والسماء وبنائها كما تقول : بلغني ما صنعت : أي صنيعك ؛ لأن (ما) إذا وصلت بالفعل كانت بمعنى المصدر.

وأما (كيف) فسؤال عن حال ينتظم جميع الأحوال يقال : كيف أنت فتقول : صالح وصحيح وآكل وشارب ونائم وجالس وقاعد والأحوال أكثر من أن يحاط بها فإذا قلت :(كيف) فقد أغنى عن ذكر ذلك كله وهي مبنية على الفتح ؛ لأن قبل الياء فاء فاستثقلوا الكسر

ص: 513

مع الياء وأصل تحريك التقاء الساكنين الكسر فمتى حركوا بغير ذلك فإنما هو للإستثقال أو لإتباع اللفظ اللفظ.

فأما (متى) فسؤال عن زمان وهو اسم مبنيّ والقصة فيه كقصة (من وكيف) في أنه مغن عن جميع أسماء الزمان أيوم الجمعة القتال أم يوم السبت أم يوم الأحد أم سنة كذا أم شهر كذا فمتى يغني عن هذا كله وكذا (أيان) في معناها : كما قال الله عز وجل : (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) [القيامة : 6] وقال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) [النازعات : 42] وبنيت على الفتح ؛ لأن قبلها ألفا فأتبعوا الفتح الفتح.

وأما (أين) فسؤال عن مكان وهي كمتى في السؤال عن الزمان إذا قلت : أين زيد قيل لك : في بغداد أو البصرة أو السوق فلا يمتنع مكان من أن يكون جوابا وإنما الجواب من جنس السؤال فإذا سئلت عن مكان لم يجز أن تخبر بزمان ، وإذا سئلت عن عدد لم يجز أن تخبر بحال ، وإذا سئلت عن معرفة لم يجز أن تخبر بنكرة ، وإذا سئلت عن نكرة لم يجز أن تخبر بمعرفة فهذه المبنيات المبهمات إنما تعرف بأخواتها وتعلم مواضعها من الإعراب بذلك.

ص: 514

باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات

وذلك نحو الآن ومذ ومنذ فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله : إنما بني ؛ لأنه وقع معرفة وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته لأنك إذا قلت : الآن فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان فليس له ما يشركه ليس هو آن وآن فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة وإنما وقع معرفة لما أنت فيه من الوقت.

وأما (منذ) فإذا استعملت اسما أن يقع ما بعدها مرفوع أو جملة نحو : ما رأيته منذ يومان ، وإن المعنى : بيني وبين رؤيته يومان وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنية على الضم وإنما حركت لذلك ؛ لأن قبلها ساكنا وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه واتبعوا الضّم الضّم وقد يستعمل حرفا يجر ، وأما (مذ) فمحذوفة من (منذ) والأغلب على (مذ) أن تستعمل اسما ولو سميت إنسانا بمذ لقلت منيذ إذا صغرته فرددت ما ذهب وصار (مذ) أغلب على الأسماء لأنها منقوصة ولدن ومن عل.

كما قال الشاعر :

وهي تنوش الحوض نوشا من علا (1)

ص: 515


1- قال الأعلم : وصف إبلا وردت الماء في فلاة من الأرض ، فعافته ، وتناولته من أعلاه ، ولم تمعن في شربه. انتهى. وقال الجواليقي في شرح أبيات أدب الكاتب : يصف إبلا تشرب من ماء الحوض ، وتتناول ما فيه من الماء تناولا من فوق ، تقطع به أرضا بعيدة ، وتستغني به عن المبالغة فيه. والأجواز : جمع جوز بفتح الجيم ، وهو الوسط. وقال ابن السيد في شحر أبياته أيضا : لا أعلم هذا الرجز لمن هو؟ يصف ناقة شربت الماء من الحوض. وقد يمكن أن يصف أبلا ، ويريد بقوله : به تقطع أجواز الفلا أنهم كانوا إذا حاولوا سفرا سقوا إبلهم الماء على نحو ما يقدرونه من بعد المسافة وقربها ، وكانوا يجعلون أظماء إبلهم ثلثا وربعا وخمسا إلى العشر ، والعشر نهاية الأظماء. وكانوا ربما احتاجوا في الفلاة إلى الماء ولا ماء عندهم ، فينحرون الإبل ، ويستخرجون ما في أجوافها من الماء ويشربونه. انظر خزانة الأدب 3 / 403.

وأما الأفعال فنحو : خذ وكل وع كلامي وش ثوبا ، وأما الحروف فلا يلحقها ذلك وكانت مذ ومنذ أغلب على الحروف فكل واحد منهما يصلح في مكان أختها وإنما ذكرنا منذ ومذ في الظروف لأنهما مستعملان في الزمان.

ص: 516

الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكى
اشارة

وذلك نحو : غاق وهي حكاية صوت الغراب وماء وهو حكاية صوت الشاة وعاء وحاء زجر ومن ذلك حروف الهجاء نحو ألف باء تاء ثاء وجميع حروف المعجم إذا تهيجت مقصورة موقوفة وكذلك كاف ميم موقوفة في التهجي أما زاي فيقال : زاي وزي والعدد مثله إذا أردت العدد فقط.

وقال سيبويه تقول : واحد اثنان فتشم الواحد ؛ لأنه اسم ليس كالصوت ومنهم من يقول : ثلاثة أربعة فيطرح حركة الهمزة على الهاء ويفتحها ولم يحولها تاء ؛ لأنه جعلها ساكنة والساكن لا يغير في الإدراج فإذا لم ترد التهجي بهذه الحروف ولم ترد أن تعد بأسماء العدد فررت منها جرت مجرى الأسماء ومددت المقصور في الهجاء فقلت : هذه الباء أحسن من هذه الباء وتقول : هذه الميم أحسن من هذه الميم وكذلك إذا عطفت بعضها على بعض أعربت لأنها قد خرجت من باب الحكاية ، وذلك نحو قولك : ميم وباء وثلاثة وأربعة إنما مددت المقصور من حروف الهجاء إذا جعلته اسما وأعربته ؛ لأن الأسماء لا يكون منها شيء على حرفين أحدهما حرف علة.

ذكر الضرب الثاني من المبنيات وهو الكلم المركب

هذه الأسماء على ضربين : فضرب منها يبنى فيه الاسم مع غيره وكان الأصل أن يكون كل واحد منهما منفردا من صاحبه والضرب الثاني : أن يكون أصل الاسم الإضافة فيحذف المضاف إليه وهو في النية.

فالضرب الأول على ستة أقسم : اسم مبني مع اسم واسم مبني مع فعل واسم مبني مع حرف واسم مع صوت وحرف بني مع فعل وصوت مع صوت فأما الاسم الذي بني مع الاسم فخمسة عشر وستة عشر ، وكل كلمتين من هذا الضرب من العدد فهما مبنيان على الفتح.

ص: 517

وكان الأصل خمسة وعشرة فحذفت الواو وبني أحدهما مع الآخر اختصارا وجعلا كاسم واحد وكذلك حادي عشر وثالث عشر إلى تاسع عشر والعرب تدع خمسة عشر في الإضافة والألف واللام على حالها ومنهم من يقول : خمسة عشرك وهي رديئة ومن ذلك : حيص بيص بنيا على الفتح وهي تقال عند اختلاط الأمر وذهب شغر بغر وأيادي سبأ ومعناه الإفتراق وقالى قلا بمنزلة خمسة عشر ولكنهم كرهوا الفتح في الياء والألف لا يمكن تحريكها.

ومن ذلك : خاز باز وهو ذباب عند بعضهم وعند بعضهم داء ومنهم من يكسر فيقول خاز باز وبعض يقول : الخاز باز كحضر موت ومنهم من يقول : خاز باز فيضيف وينون ومن ذلك قولهم : بيت بيت وبين بين ومنهم من يبني هذا ومنهم من يضيف ويبني صباح مساء ويوم يوم ومنهم من يضيف جميع هذا ومن ذلك لقيته كفة كفة وكفة كفة.

واعلم أنهم لا يجعلون شيئا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحد إلا إذا أرادا الحال والظرف والأصل والقياس الإضافة فإذا سميت بشيء من ذا أضفته فإذا قلت : أنت تأتينا في كل صباح ومساء أضفت لا غير ؛ لأنه قد زال الظرف وصار اسما خالصا فمعنى قولهم : هو جاري بيت بيت أي ملاصقا ووقع بين بين أي وسطا ، وأما قالى قلا فبمنزلة : حضر موت ؛ لأنه اسم بلد وليس بظرف ولا حال.

وأسماء الزمان إذا أضيفت إلى اسم مبني جاز أن تعربها وجاز أن تبنيها وذاك نحو : (يومئذ) تقول : سير عليه يومئذ ويومئذ والتنوين هاهنا مقتطع ليعلم أنه ليس يراد به الإضافة والكسر في الذال من أجل سكون النون فتقرأ على هذا إن شئت : (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ)(1) [المعارج : 11] ومذهب أبي العباس رحمه الله في دخول التنوين هنا أنه عوض من حذف المضاف إليه.

ص: 518


1- اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله : (يَوْمِئِذٍ) في ثلاثة مواضع : في هود والنمل وسأل سائل. فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) وو هم من فزع يومئذ مضافا ثلاثهن بكسر الميم. وقرأ عاصم ، وحمزة : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) و (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) مثل أبي عمرو وأصحابه ، وخالفوهم في قوله : (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ،) فنون عاصم وحمزة ، وفتحا الميم في (يومئذ.) وقرأ الكسائي : ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ بفتح الميم فيهما مع الإضافة ، وقرأ : وهم من فزع منونا ، يومئذ نصبا. واختلف عن نافع ، فروى ابن جمّاز وأبو بكر بن أبي أويس ، والمسيبي ، وقالون ، وورش ، ويعقوب بن جعفر ، كل هؤلاء عن نافع بالإضافة في الأحرف الثلاثة وفتح الميم ، وقال إسماعيل بن جعفر عنه : بالإضافة في الثلاثة ، وكسر الميم ، ولا يجوز كسر الميم إذا نونت (مِنْ فَزَعٍ ،) ويجوز فتحها وكسرها إذا لم تنون. قال أبو علي : قوله : (مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) يوم : من قوله : (يَوْمِئِذٍ) ظرف كسرت أو فتحت في المعنى إلا أنه اتسع فيه ، فجعل اسما. [الحجة للقراء السبعة : 4 / 347].

الثاني اسم بني مع فعل : وهو قولهم : حبذا هند وحبذا زيد بني حبّ وهو فعل مع ذا وهو اسم.

ومن العرب من يقول في أحبّ : حبّ. وقولهم : محبوب إنما جاء على حبّ ولو كان على أحبّ لكان محب فإذا بنوا أحبّ مع ذا اجتمعوا على طرح الألف والدليل على أن حبذا بمنزلة اسم أنك لا تقول حبذه وأنه لا يجوز أن تقول حبذا وتقف حتى تقول : زيد أو هند فتأتي بخبر فحبذا مبتدأ وهند وزيد خبر ومما يدل على أن حبّ مع ذا بمنزلة اسم أنه لا يجوز لك أن تقول :حبّ في الدار ذا زيد فلا يجوز أن تفصل بينهما وبين (ذا) كما تفصل في باب نعم.

الثالث اسم بني مع حرف : وذلك قولك : لا رجل ولا غلام ويدلك على أن (لا) مع رجل بمنزلة اسم واحد أنه لا يجوز لك أن تفصل رجلا من (لا) لا تقول : لا فيها رحل لك يجوز القول : لا ماء ماء باردا ولا رجل رجل صالحا عندك فبني (ماء مع ماء ورجلا مع رجل).

قال أبو بكر : وقد استقصيت ذكر ذا في بابه ومن ذلك قولهم : يا زيداه ويا أيها الرجل فأي اسم وهاء حرف وهو غير مفارق لأيّ في النداء وقد بينا ذا في باب النداء.

ص: 519

الرابع اسم بني مع صوت : وذلك نحو سيبويه وعمرويه تقول : هذا سيبويه يا هذا وهذا عمرويه يا فلان وهو مبني على الكسر ، وإن قلت : مررت بعمرويه وعمرويه آخر نونت الثاني ؛ لأنه نكرة.

الخامس : الحرف الذي بني مع الفعل : وذلك : هلمّ مبنيا على الفتح وهو اسم للفعل ومعناه : تعال ويدل على أنه حرف بني مع فعل قول من قال من العرب : هلما للإثنين وهلموا للجماعة وصرفوه تصريف لمّ بكذا والمعنى يدلّ على ذلك.

السادس الصوت الذي بني مع الصوت : وذلك قولهم : حيّ هل الثريد ومعناه : إيتوا الثريد وحكى سيبويه : عن أبي الخطاب أنّ بعض العرب يقول : حيّهل الصلاة.

الضرب الثاني : من القسمة الأولى وهو ما أصله الإضافة إلى اسم فحذف المضاف إليه :فهذه المضافات على قسمين : قسم حذف المضاف إليه البتة وضرب منع الإضافة إلى الواحد وأضيف إلى جملة فأما ما حذف المضاف إليه فيجيء على ضربين : منهما ما بني على الضمة وهي التي يسميها النحويون الغايات فمصروفة عن وجهها قبل وغير وحسب فجميع هذه كان أصلها الإضافة تقول : جئت من قبل هذا ومن بعد هذا وكنت أول هذا أو فوق وغير هذا وهذا حسبك أي كافيك فلما حذف ما أضيفت إليه بنيت وإنما بنيت على الحركة ولم تبن على السكون وفي بعضها ما قبل لامه متحرك لأنها أسماء أصلها التمكن وتكون نكرات معربات فلما بنيت تجنب إسكانها وزادوها فضيلة على ما لا أصل له في التمكن فهذه علة بنائها على الحركة ، وأما بناؤها على الضم خاصة فلأنّ أكثر أحوال هذه الظروف أن تكون منصوبة ، وذلك الغالب عليها فأخرجت إلى الضم ولم تخرج إلى الكسر ؛ لأن الكسر أخو النصب وجعلوا ذلك علامة للغاية ؛ لأن الكسر حقه أن يكون لالتقاء الساكنين فتجنبوه هاهنا ؛ لأنه موضع تحرك لغير التقاء الساكنين.

الثاني : ما بني وليس بغاية من ذلك أمس مبنية على الكسر وكسرت لالتقاء الساكنين وإنما بني ؛ لأنه يقال لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه وهو ملازم لكل يوم من أيام الجمعة ووقع في أول أحواله معرفة فمعرفته قبل نكرته فمتى نكرته أعربته وغد ليس كذلك ؛ لأنه غير

ص: 520

معلوم ؛ لأنه مستقبل لا تعرفه فإذا أضفت أمس نكرته ثم أضفته فيصير معرفة بالإضافة كما تقول : زيدك إذا جعلته من أمة كلها زيد وعرفته بالإضافة وزالت المعرفة الأولى.

وقال أبو العباس رحمه الله في قول الشاعر :

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن ليس حين بقاء (1)

ص: 521


1- على أن أصله عند المبرّد والسيرافيّ : ولات أوان طلبوا ، فحذفت الجملة وبني أوان على السكون أو على الكسر ، ثم أبدل التنوين من المضاف إليه كما في يومئذ. قال ابن هشام في" المغني" : قرئ" ولات حين مناص" ، بخفض الجين ، فزعم الفرّاء أن لات تستعمل حرفا جارّا لأسماء الزمان خاصة ، وأنشد : طلبوا صلحنا ولات أوان وأجيب عن البيت بجوابين : أحدهما : على إضمار من الاستغراقيّة. ونظيره في بقاء عمل الجارّ مع حذفه وزيادته قوله : " الوافر" ألا رجل جزاه الله خيرا فيمن رواه بجرّ رجل والثاني : أن الأصل : ولات أوان صلح ، ثم بنى المضاف لقطعه عن الإضافة ، وكان بناؤه على الكسر لشبهه بنزال وزنا ، ولأنّه قدّر بناءه على السكون ثم كسر على أصل التقاء الساكنين كأمس ، ونوّن للضرورة ، وقال الزمخشريّ : للتعويض كيومئذ. ولو كان كما زعم لأعرب ، لأن العوض ينزّل منزلة المعوّض منه. وعن القراءة بالجواب الأوّل - وهو واضح - وبالثاني وتوجيهه : أنّ الأصل حين مناصهعم ثم نزّل قطع المضاف إليه من مناص منزلة قطعه من حين ، لاتّحاد المضاف والمضاف إليه ؛ قاله الزمخشريّ. وجعل التنوين عوضا من المضاف إليه ، ثم بنى إضافته إلى غير متمكن. انتهى. والأولى أن يقال : إنّ التنزيل المذكور اقتضى بماء الحين ابتداء ، وإنّ المناص معرب ، وإن كان قد قطع عن الإضافة بالحقيقة ، لكنه ليس بزمان ، فهو ككل وبعض. انتهى كلام ابن هشام. " أقول" : تقدير المضاف إليه جملة هو المناسب لتشبيه أوان بيومئذ في البناء ، وغي كون التنوين بدلا من المضاف إليه ، وأما تقديره مفردا ثم تعليل بنائه بقطعه عن الإضافة كما صنع ابن هشام تبعا لغيره ، ففيه أنّ ما ذكره مختص بالظروف النّسبيّة ، ويكون بناؤها حينئذ على الضمّ ، وأما أوان فإنّه ظرف متصرف ، كما يأتي قريبا وليس مضموما ، كقبل وبعد. ويجوز أن يقدّر المضاف إليه ولات أوان نصطلح ، فإنّ المنفيّ في الحقيقة هو أوان الصلح ، أو يقدّر جملة اسمية ، أي : ولات أوان صلحنا ممكن ، فأوان خبر لات وهو منصوب لفظا أو مبني على الفتحة إضافته إلى مبنيّ واسمها محذوف ، أي : ولات الأوان. - قال أبو عليّ في" المسائل المنثورة" : قال أبو العبّاس المبّرد : أوان هنا مبنية ؛ لأنّ أوان تضاف إلى المبتدأ والخبر ، فكأنك حذفت منه المبتدأ والخبر ، فنونّت ليعلم أنّك قد اقتطعت الإضافة منه. ولم يرتض ابن جنّي في" الخصائص" كون التنوين عوضا عن الجملة كيومئذ ، وفرّق بينهما بأن إذ ظرف ناقص ، وأوان ظرف متصرّف. انظر خزانة الأدب 2 / 20.

كان (أوان) مما لا يستعمل إلا مضافا فلما حذف ما يضاف إليه بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين كما فعل بأمس وأدخل التنوين عوضا لحذف ما يضاف إليه (أوان) ألا ترى أنهم لا يكادون يقولون : أوان صدق كما يقولون في الوقت والزمن.

ولكن يدخلون الألف واللام فيقولون : كان ذلك في هذا الأوان فيكونان عوضا.

الضرب الثاني ما منع الإضافة إلى الواحد وأضيف إلى جملة

وذلك : (حيث وإذ وإذا). فأما (حيث) فإن من العرب من يبنيها على الضم ومنهم من يبنيها على الفتح ولم تجىء إلا مضافة إلى جملة نحو قولك : أقوم حيث يقوم زيد وأصلي حيث يصلي فالحركة التي في الثاء لالتقاء الساكنين فمن فتح فمن أجل الياء التي قبلها وفتح استثقالا للكسر ومن ضمّ فلشبهها بالغايات إذ كانت لا تضاف إلى واحد ومعناها الإضافة وكان الأصل فيها أن تقول : قمت حيث زيد كما تقول : قمت مكان زيد.

وأما (إذ) فمبنية على السكون ، وتضاف إلى الجمل أيضا نحو قولك : إذ قام زيد وهي تدل على ما مضى من الزمان ويستقبحون جئتك إذ زيد قام إذا كان الفعل ماضيا لم يحسن أن نفرق بينه وبين إذ ؛ لأن معناهما في المضي واحد.

وتقول : جئتك إذ زيد قام وإذ زيد يقوم فحقها أن تجيء مضافة إلى جملة فإذا لم تضف نونته قال أبو ذؤيب :

نهيتك عن طلابك أمّ عمرو

بعاقبة وأنت إذ صحيح (1)

ص: 522


1- على أن التنوين اللاحق ل إذ عوض عن الجملة ، والأصل : وأنت إذ الأمر ذاك ، وفي ذلك الوقت. وكذا أورده صاحب الكشاف في سورة ص. استشهد به على أن أوان في قوله : طلبوا صلحنا ولات أوان بني على الكسر تشبيها ب إذ ، في أنه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض عنه التنوين ، وكسر لالتقاء الساكنين. وروي أيضا : وأنت إذا صحيح ، فيكون التنوين فيه أيضا عوضا عن المضاف إليه الجملي عند الشارح المحقق ، ويكون الأصل وأنت إذ نهيتك ، كما قال في قوله تعالى : "فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ". والمشهور أنها في مثله للجواب والجزاء. وعليه مشى المرزوقي في شرح الهذليين قال : رواه الباهلي : وأنت إذا صحيح. وتكون إذا للحال ، كأنه يحكي ما كان. والمراد : وأنت في تلك الحال صحيح. انظر خزانة الأدب 2 / 440.

وأما (إذا) فقلما تأتي من الزمان وهي مضافة إلى الجملة تقول : أجيئك إذا أحمر البسر ، وإذا قدم فلان ويدلك على أنها اسم أنها تقع موقع قولك : آتيك يوم الجمعة وآتيك زمن كذا ووقت كذا وهي لما يستأنف من الزمان ولم تستعمل إلا مضافة إلى جملة.

فأما (لدن) فجاءت مضافة ومن العرب من يحذف النون فيقول : لد كذا وقد جعل حذف النون بعضهم أن قال : لدن غدوة فنصب غدوة ؛ لأنه توهم أن هذه النون زائدة تقوم مقام التنوين فنصب كما تقول : قائم غدوة ولم يعملوا (لدن) إلا في غدوة خاصة.

قال أبو بكر : قد ذكرنا الأسماء المعربة والأسماء المبنية وقد كنا قلنا : أن الكلام اسم وفعل وحرف ونحن نتبع الأسماء والأفعال ونذكر إعرابها وبناءها إن شاء الله.

ص: 523

ص: 524

الفهرس

مقدمة التحقيق 5

المبحث الأول : في علم اللغة 7

المبحث الثاني : في بيان واضع اللغة 7

المبحث الثالث : في حد الوضع 19

المبحث الرابع : شروط ثبوت اللغة 20

المبحث الخامس : في سعة اللغة 21

المبحث السادس : في حد الكلمة والكلام والكلم والفرق بينهما 24

المبحث السابع : أقسام الكلام : (الاسم والفعل والحرف) 27

ترجمة المصنف 32

عملنا في الكتاب 35

مقدمة المؤلف 39

الكلام 41

شرح الاسم 41

شرح الفعل 44

شرح الحرف 46

باب مواقع الحروف 47

ذكر ما يدخله التغيير من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها 48

باب الإعراب والمعرب والبناء والمبني 50

ذكر العوامل من الكلم 58

تفسير الأول وهو الاسم 58

ص: 525

تفسير الثاني وهو الفعل 61

تفسير الثالث وهو العامل من الحروف 61

والقسم الثاني من الحروف : 62

والقسم الثالث من الحروف : 62

ذكر الأسماء المرتفعة 64

شرح الأول : وهو المبتدأ : 64

شرح الثاني وهو خبر المبتدأ 69

شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل 78

شرح الرابع من الأسماء المرتفعة : 81

شرح الخامس 86

ذكر الضرب الثاني : وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال : 94

ذكر الفعل الذي لا يتصرف 99

شرح التعجب 100

مسائل من هذا الباب 106

باب نعم وبئس 110

مسائل من هذا الباب 115

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل 119

مسائل من هذا الباب 123

شرح الثاني وهو : الصفة المشبهة باسم الفاعل 127

مسائل من هذا الباب 129

شرح الثالث : وهو المصدر 132

مسائل من هذا الباب 133

ص: 526

شرح الرابع 136

مسائل من هذا الباب 138

باب المعرفة والنكرة 142

ذكر المعرفة 143

مسائل في المعرفة والنكرة 146

ذكر الأسماء المنصوبات 151

مسائل من هذا الباب 155

شرح الثاني وهو المفعول به 160

مسائل من هذا الباب 164

باب الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين 168

مسائل من هذا الباب 172

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين 176

مسائل من هذا الباب 178

شرح الثالث : وهو المفعول فيه 180

مسائل من هذا الباب 184

ذكر المكان 187

مسائل من هذا الباب 191

شرح الرابع من المنصوبات وهو المفعول له 195

شرح الخامس وهو المفعول معه 199

القسم الثاني من الضرب الأول من المنصوبات 203

ذكر ما كان المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى 203

ذكر ما شبه بالمفعول والعامل فيه فعل حقيقي 203

ص: 527

مسائل من هذا الباب 207

باب التمييز 211

مسائل من هذا الباب 214

مسائل من هذا الباب 228

باب كسر ألف إن وفتحها 241

ذكر أن المفتوحة 245

ذكر المواضع التي تقع فيها إن وأن 250

مسائل في فتح ألف (أن) وكسرها 253

ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع 260

هذا باب ما جاء من الكلم في معنى (إلا) 263

باب الاستثناء المنقطع من الأول 226

مسائل من باب الاستثناء 270

باب تمييز المقادير 279

باب تمييز الأعداد 282

باب (كم) 285

مسائل من هذه الأبواب 290

ذكر الاسم المضموم والمفتوح اللذين يضارعان المعرب 296

باب النداء 297

شرح الاسم المنادى الثاني وهو المضاف : 305

شرح الثالث : وهو الاسم المنادى المضارع للمضاف لطوله : 308

باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى والزيادة في آخره والحذف فيه 310

باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب 313

ص: 528

باب الندبة 316

باب الترخيم 320

باب مضارع للنداء 326

مسائل من هذا الباب 327

باب النفي ب (لا) 336

ذكر الأسماء المنفية في هذا الباب 340

باب ما يثبت فيه التنوين 345

باب ما إذا دخلت عليه (لا) لم تغيره عن حاله 349

باب (لا) النافية إذا دخلت عليها ألف الاستفهام 352

باب تصرف (لا) 354

مسائل من باب (لا) 356

ذكر الجر والأسماء المجرورة 364

ذكر حروف الجر 364

باب (ربّ) 370

مسائل من هذا الباب 374

باب حتى 376

مسائل من هذا الباب 381

باب الأسماء المخفوضة في القسم 384

مسائل من هذا الباب 390

المجرور بالإضافة 395

باب إضافة الأسماء إلى الأفعال والجمل 399

مسائل من هذه الأبواب 401

ص: 529

هذه توابع الأسماء في إعرابها 406

شرح الأول : وهو التوكيد : 406

الثاني من التوابع وهو النعت : 409

شرح الثالث من النعوت : وهو ما كان صفة غير عمل وتحلية : 411

شرح الرابع : وهو النسب : 411

شرح الخامس : وهو الوصف ب (ذي) : 412

ذكر الصفات التي ليست بصفات محضة 413

ذكر وصف المعرفة 420

مسائل من هذا الباب 422

الثالث من التوابع وهو عطف البيان : 432

الرابع من التوابع : وهو عطف البدل : 432

مسائل من هذا الباب 436

الخامس من التوابع : وهو العطف بحرف : 442

باب العطف على الموضع 447

باب العطف على عاملين 453

باب مسائل العطف 460

ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف 463

الأسباب التي تمنع الصرف تسعة 464

مسائل من هذا الباب 475

باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى 484

باب ما لا يجوز أن يحكى 488

باب التسمية بالحروف 489

ص: 530

ذكر الأسماء المبنية التي تضارع المعرب 490

أقسام الأسماء المبنيات المفردات ستة 493

باب الكنايات وهي علامات المضمرين 493

الباب الثالث من المبنيات : وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى 506

باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل 508

باب الاسم الذي قام مقام الحرف 513

باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات 515

الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكى 517

ذكر الضرب الثاني من المبنيات وهو الكلم المركب : 517

الفهرس 525

ص: 531

المجلد 2

اشارة

ص: 1

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرّحمن الرحيم

باب إعراب الأفعال وبنائها

اشارة

الأفعال تقسم قسمين : مبني ومعرب.

فالمبني ينقسم قسمين : مبني على حركة (1) ومبني على سكون.

فأما المبني على حركة فالفعل الماضي (2) بجميع أبنيته نحو : قام واستقام وضرب واضطرب ودحرج وتدحرج وأحمر واحمارّ وما أشبه ذلك ، وإنما بني على الحركة ؛ لأنه. ضارع الفعل المضارع في بعض المواضع نحو قولك : إن قام قمت. فوقع في موضع : إن تقم.

ويقولون : مررت برجل ضرب ، كما تقول : مررت برجل يضرب ، فبني على الحركة كما بني (أول وعل) في بابه على الحركة ، وجعل له فضيلة على ما ليس بمضارع المضارع عما حصل (لأول وعل) أو من قبل ومن بعد فضيلة على المبنيات ، وأما المبني على السكون فما أمرت به وليس فيه حرف من حروف المضارعة ، وحروف المضارعة : الألف والتاء والنون والياء ، وذلك نحو قولك : قم واقعد واضرب ، فلما لم يكن مضارعا للاسم ولا مضارعا للمضارع ترك على سكونه ؛ لأن أصل الأفعال السكون والبناء ، وإنما أعربوا منها ما أشبه الأسماء وضارعها ، وبنوا منها على الحركة ما ضارع المضارع ، وما خلا من ذلك أسكنوه وهذه الألف في قولك : اقعد ألف وصل إنما تنطق بها إذا ابتدأت ؛ لأنه لا يجوز أن تبتدىء بساكن وما بعد حروف المضارعة ساكن فلما خلا الفعل منها واحتيج إلى النطق به أدخلت ألف الوصل وحق ألف الوصل أن تدخل على الأفعال المبنية فقط ولا تدخل على الأفعال المضارعة لأنها لا

ص: 5


1- الحركات التي يبنى عليها الفعل هي : الفتح والضم ، ولا يدخل الكسر في حركات بناء الأفعال.
2- الفعل الماضي الأصل فيه البناء على الفتح دائما ، إلا إذا اتصل بنون النسوة ، أو تاء الفاعل ، فيكون مبني على السكون حينئذ.

تدخل على الأسماء إلا على ابن وأخواته وهو قليل العدد ، وإنما بني فعل التعجب الذي يجيء على لفظ الأمر بني على السكون نحو قولك : أكرم بزيد وأسمع بهم وأبصر. وقد مضى ذكر ذا في باب التعجب.

وأما الفعل المعرب فقد بينا أنه الذي يكون في أوله الحروف الزوائد التي تسمى حروف المضارعة (1) ، وهذا الفعل إنما أعرب لمضارعته الأسماء وشبهه بها والإعراب في الأصل للأسماء وما أشبهها من الأفعال أعرب ، كما أنه إنما أعرب من أسماء الفاعلين ما جرى على الأفعال المضارعة وأشباهها ألا ترى أنك إنما تعمل (ضاربا) إذا كان بمعنى يفعل فتقول : هذا ضارب زيدا ، فإن كان بمعنى (ضرب) لم تعمله فمنعت هذا العمل ، كما منعت ذلك الإعراب واعلم أنه إنما يدخله من الإعراب الذي يكون في الأسماء : الرفع والنصب ولا جرّ فيه وفيه الجزم وهو نظير الخفض في الأسماء ؛ لأن الجرّ يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال ونحن نذكرها نوعا نوعا بعون الله.

الأفعال المرفوعة

الفعل يرتفع بموقعه موقع الأسماء (2) كانت تلك الأسماء مرفوعة أو مخفوضة أو منصوبة فمتى كان الفعل لا يجوز أن يقع موقعه اسم لم يجز رفعه ، وذلك نحو قولك : يقوم زيد ويقعد عمرو وكذلك عمرو يقول وبكر ينظر ومررت برجل يقوم ورأيت رجلا يقول ذاك ألا ترى أنك إذا قلت : يقوم زيد جاز أن تجعل زيدا موضع (يقوم) فتقول : زيد يفعل كذا وكذلك إذا قلت : عمرو ينطلق فإنما ارتفع (ينطلق) ؛ لأنه وقع موقع (أخوك) إذا قلت : زيد أخوك فمتى وقع الفعل المضارع في موضع لا تقع فيه الأسماء فلا يجوز رفعه.

وذلك نحو قولك : لم يقم زيد لا يجوز أن ترفعه ؛ لأنه لا يجوز أن تقول : لم زيد فافهم هذا.

ص: 6


1- وهو الفعل المضارع ، وإعرابه بالضم ، أو بالنصب إذا سبقه حرف من حروف النصب ، أو يسكن إذا سبقه حرف من حروف الجزم ، أو وقع في جواب الطلب.
2- أي سبب قبوله الرفع ، هو وقوعه موقع الأسماء ، وهي مسألة نظرية وقع الاختلاف فيها كثيرا ، ولا طائل عمليا من ورائها.

واعلم أن الفعل إنما أعرب ما أعرب منه لمشابهته الأسماء فأما الرفع خاصة فإنما هو لموقعه موقع الأسماء فالمعنى الذي رفعت به غير المعنى الذي أعربت به.

الأفعال المنصوبة

اشارة

وهي تنقسم على ثلاثة أقسام : فعل ينصب بحرف ظاهر ولا يجوز إضماره وفعل ينتصب بحرف يجوز أن يضمر وفعل ينتصب بحرف لا يجوز إظهاره والحروف التي تنصب : أن ولن وكي وإذن.

الأول : ما انتصب بحرف ظاهر لا يجوز إضماره

وذلك ما انتصب بلن وكي تقول : لن يقوم زيد ولن يجلس فقولك : لن يفعل يعني : سيفعل يقول القائل : سيقوم عمرو فتقول : لن يقوم عمرو وكان الخليل يقول : أصلها لا أن فألزمه سيبويه : أن يكون يقدم ما في صلة (أن) في قوله : زيدا لن أضرب وليس يمتنع أحد من نصب هذا وتقديمه ، فإن كان على تقديره فقد قدم ما في الصلة على الموصول.

وأما (كي) فجواب لقولك : لمه إذا قال القائل : لم فعلت كذا فتقول : كي يكون كذا ولم جئتني فتقول : كي تعطيني فهو مقارب لمعنى اللام إذا قلت : فعلت ذلك لكذا فأما قول من قال : كيمه في الاستفهام فإنه جعلها مثل لمه فقياس ذلك أن يضمر (أن) بعد (كي) إذا قال : كي يفعل ؛ لأنه قد أدخلها على الأسماء.

وكذا قول سيبويه : والذي عندي أنه إنما قيل : كيمه لما تشبيها.

وقد يشبهون الشيء بالشيء ، وإن كان بعيدا منه.

وأما (إذن) فتعمل إذا كانت جوابا وكانت مبتدأة ولم يكن الفعل الذي بعدها معتمدا على ما قبلها وكان فعلا مستقبلا فإنما يعمل بجميع هذه الشرائط ، وذلك أن يقول القائل : أنا أكرمك فتقول : إذن أجيئك إذن أحسن إليك إذن آتيك.

فإن اعتمدت بالفعل على شيء قبل (إذن) نحو قولك : أنا إذن آتيك رفعت وألغيت كما تلغى ظننت وحسبت وليس بشيء من أخواتها التي تعمل في الفعل يلغى غيرها فهي في

ص: 7

الحروف نظير أرى في الأفعال ومن ذلك إن تأتني إذن آتك ؛ لأن الفعل جواب : إن تأتني ، فإن تم الكلام دونها جاز أن تستأنف بها وتنصب ويكون جوابا ، وذلك نحو قول ابن عنمة :

أردد حمارك لا تنزع سويّته

إذن يردّ وقيد العير مكروب (1)

فهذا نصب ؛ لأن ما قبله من الكلام قد استغنى وتمّ ألا ترى أنّ قوله : اردد حمارك لا تنزع سويته كلام قد ثمّ ثم استأنف كأنه أجاب من قال : لا أفعل ذاك فقال :

إذن يردّ وقيد العير مكروب

فإن كان الفعل الذي دخلت عليه (إذن) فعلا حاضرا لم يجز أن تعمل فيه ؛ لأن أخواتها لا يدخلن إلا على المستقبل ، وذلك إذا حدثت بحديث فقلت : إذن أظنه فاعلا وإذن أخالك كاذبا ، وذلك لأنك تخبر عن الحال التي أنت فيها في وقت كلامك فلا تعمل (إذن) ؛ لأنه موضع لا تعمل فيه أخواتها فإذا وقعت (إذن) بين الفاء والواو وبين الفعل المستقبل فإنك فيها بالخيار : إن شئت أعملتها كإعمالك أرى وحسبت إذا كانت واحدة منها بين اسمين ، وإن شئت ألغيت فأما الإعمال فقولك : فإذن آتيك فإذن أكرمك.

قال سيبويه : وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف : (وإذن لا يلبثوا (خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : 76] ، وأما الإلغاء فقولك : فإذن أجيئك ، وقال عز وجل : فإذن (لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء : 53].

واعلم أنه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بسوى إذن وهي تلغى وتقدم وتؤخر تقول : إذن والله أجيئك فتفصل والإلغاء قد عرفتك إياه وتقول : أنا أفعل كذا إذن

ص: 8


1- على أنه يجوز على مذهب الكسائي أن يكون لا يرتع مجزوما بكون لا فيه للنهي ، لا أنه جواب الأمر. ويرد مجزوما لا منصوبا بكونه جوابا للنهي ، كما هو مذهبه في نحو : لا تكفر تدخل النار. فيكون المعنى لا يرتع ، إن يرتع يرد. وعند غيره : يرد منصوب ، وإذن منقطع عما قبله مصدر ، كأن المخاطب قال : لا أزجره. فأجاب بقوله : إذن يرد. أقول : يكون لا يرتع على قول الكسائي بدلا من ازجر ، وهو أوفى من الأول في تأدية المعنى المراد. انظر خزانة الأدب 3 / 246.

فتؤخرها وهي ملغاة أيضا ، وإذا قلت : إذن عبد الله يقول ذلك فالرفع لا غير ؛ لأنه قد وليها المبتدأ فصارت بمنزلة (هل) وزعم عيسى : أن ناسا يقولون : إذن أفعل في الجواب.

الثاني : ما انتصب بحرف يجوز إظهاره وإضماره

وهذا يقع على ضربين : أحدهما أن تعطف بالفعل على الاسم والآخر أن تدخل لام الجر على الفعل فأما الضرب الأول من هذا وهو أن تعطف الفعل على المصدر فنحو قولك :

يعجبني ضرب زيد وتغضب. تريد : وأن تغضب فهذا إظهار (أن) فيه أحسن.

ويجوز إضمارها فأن مع الفعل بمنزلة المصدر فإذا نصبت فقد عطفت اسما على أسم ولو لا أنك أضمرت (أن) ما جاز أن تعطف الفعل على الاسم ؛ لأن الأسماء لا تعطف على الأفعال ولا تعطف الأفعال على الأسماء ؛ لأن العطف نظير التثنية فكما لا يجتمع الفعل والاسم في التثنية كذلك لا يجتمعان في العطف فمما نصب من الأفعال المضارعة لما عطف على اسم قول الشاعر :

للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (1)

ص: 9


1- على أن تقر منصوب بأن بعد واو العطف. قال سيبويه : لما لم يستقم أن تحمل وتقر وهو فعل ، على لبس وهو اسم ، ولما ضممته إلى الاسم ، وجعلت أحب لهما ، ولم ترد قطعه ، لم يكن بد من إضمار أن. قال النحاس : قال أبو الحسن : أي لم ترد لبس عباءة أحب إلي. وأن تقر عيني ، لأن هذا يبطل المعنى ، لأنه لم يرد أن لبس عباءة أحب إليه. هذا سخف ، إنما أراد قرة العين ، فلهذا نصب. وقال الأعلم : نصب تقر بإضمار أن ليعطف على اللبس ، لأنه اسم وتقر فعل ، فلم يمكن عطفه عليه ، فحمل على إضمار إن لأن أن وما بعدها اسم ، فعطف اسما على اسم وجعل الخبر عنهما واحدا ، وهو أحب. والمعنى : لبس عباءة مع قرة العين ، وصفاء العيش أحب إلي من لبس الشفوف مع سخنة العين ونكد العيش. والعباءة : جبة الصوف. والشفوف : ثياب رقاق تصب البدن ، واحدها شفّ. انتهى. فإن قلت : ما الفرق بين واو الجمع ، وواو العطف ، وهل هما إلا شيء واحد؟ قلت : واو الجمع في الأصل للعطف ، لكنه خص ببعض أحواله ، وذلك أن المعطوف قد يكون قبل المعطوف عليه في الوجود ، وقد يكون بعده ، وقد يكون معه ، نحو : جاء زيد وعمرو قبله أو بعده أو معه. فخص واو الجمع بما يكون بمعنى مع ، فهو باعتبار أصل معنى العطف احتاج إلى تقدير مصدر منتزع من الأول. وباعتبار اختصاصه العارض بحال المعية ، صار كأنه قسيم للعطف المطلق الذي لا يتقيد. فواو الجمع عطف مقيد بالمعية ، وواو العطف غير مقيد بها. فهذا هو الفرق. وقال اللخمي في شرح أبيات الجمل : ولو رفعت وتقر لجاز ، على أن ينزل الفعل منزلة المصدر ، ونحو قولهم : " تسمع بالمعيدي" ، فتسمع منزل منزلة سماعك. انظر خزانة الأدب 3 / 278.

كأنه قال : للبس عباءة وأن تقرّ عيني.

وأما الضرب الآخر فما دخلت عليه لام الجر ، وذلك نحو قولك : جئتك لتعطيني ولتقوم ولتذهب وتأويل هذا : جئتك ؛ لأن تقوم جئتك ؛ لأن تعطيني ولأن تذهب ، وإن شئت أظهرت فقلت (لأنّ) في جميع ذلك ، وإن شئت حذفت (أن) وأضمرتها ويدلك على أنه لا بدّ من إضمار (أن) هنا إذا لم تذكرها أن لام الجر لا تدخل على الأفعال وأن جميع الحروف العوامل في الأسماء لا تدخل على الأفعال وكذلك عوامل الأفعال لا تدخل على الأسماء وليس لك أن تفعل هذا مع غير اللام لو قلت : هذا لك بتقوم تريد بأن تقوم لم يجز وإنما شاع هذا مع اللام من بين حروف الجر فقط للمقاربة التي بين كي واللام في المعنى.

الثالث : وهو الفعل الذي ينتصب بحرف لا يجوز إظهاره
اشارة

وذلك الحرف (أن) والحروف التي تضمر معها ولا يجوز إظهارها أربعة أحرف (حتى) إذا كانت بمعنى إلى أن والفاء إذا عطفت على معنى الفعل لا على لفظه والواو إذا كانت بمعنى الاجتماع فقط وأو إذا كانت بمعنى إلى (أن).

شرح الأول من ذلك وهو حتى

اعلم أن (حتى) إذا وقعت الموقع الذي تخفض فيه الأسماء ووليها فعل مضارع أضمر بعدها (أن) ونصب الفعل وهي تجيء على ضربين : بمعنى (إلى) وبمعنى (كي) فالضرب الأول قولك : أنا أسير حتى أدخلها والمعنى : أسير إلى أن أدخلها وسرت حتى أدخلها كأنه قال : سرت إلى دخولها فالدخول غاية للسير وليس بعلة للسير وكذلك : أنا أقف حتى تطلع

ص: 10

الشمس وسرت حتى تطلع الشمس والضرب الآخر أن يكون الدخول علة للسير فتكون بمعنى (كي) كأنه قال : (سرت كي أدخلها) فهذا الوجه يكون السير فيه كان والدخول لم يكن كما تقول : أسلمت حتى أدخل الجنة وكلمته كي يأمر لي بشيء (فحتىّ) متى كانت من هذين القسمين اللذين أحدهما يكون غاية الفعل وهي متعلقة به وهي من الجملة التي قبلها فهي ناصبة ، وإن جاءت بمعنى العطف فقد تقع ما بعدها جملة وارتفاع الفعل بعدها على وجهين :

على أن يكون الفعل الذي بعدها متصلا بالفعل الذي قبلها أو يكون منقطعا منه ولا بدّ في الجميع من أن يكون الفعل الثاني يؤديه الفعل الأول فأما الوجه الأول فنحو قولك : سرت حتى أدخلها ذكرت أن الدخول اتصل بالسير بلا مهلة بينهما كمعنى الفاء إذا عطفت بها فقلت : سرت فأنا أدخلها.

وصلت الدخول بالسير كما قال الشاعر :

ترادى على دمن الحياض ، فإن تعف

فإنّ المندّى رحلة فركوب

وينشد تراد لم يجعل بين الرحلة والركوب مهلة ولم يرد أنّ رحلته فيما مضى وركوبه الآن ولكنه وصل الثاني بالأول ومعنى قولي : إنّك إذا رفعت ما بعد حتى فلا بدّ من أن يكون الفعل الذي قبلها هو الذي أدى الفعل الذي بعدها أن السير به كان الدخول إذا قلت : سرت حتى أدخلها ، ولو لم يسر لم يدخلها.

ولو قلت : سرت حتى يدخل زيد فرفعت (يدخل) لم تجر ؛ لأن سيرك لا يؤدي زيدا إلى الدخول ، فإن نصبت وجعلتها غاية جاز فقلت : سرت حتى يدخل زيد تريد إلى أن يدخل زيد وكذلك : سرت حتى تطلع الشمس ولا يجوز أن ترفع (تطلع) ؛ لأن سيرك ليس بسبب لطلوع الشمس وجاز النصب ؛ لأن طلوع الشمس قد يكون غاية لسيرك.

وأما الوجه الثاني من الرفع : فأن يكون الفعل الذي بعد (حتّى) حاضرا ولا يراد به اتصاله بما قبله ويجوز أن يكون ما قبله منقطعا ومن ذلك قولك : لقد سرت حتى أدخلها وما أمنع حتى أني أدخلها الآن أدخلها كيف شئت ومثل قول الرجل : لقد رأى مني عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أن أكلمه العام بشيء.

ص: 11

ولقد مرض حتى لا يرجونه إنما يراد أنه الآن لا يرجونه وأن هذه حاله وقت كلامه (فحتى) هاهنا كحرف من حروف الابتداء والرفع في الوجهين جميعا كالرفع في الاسم ؛ لأن حتى ينبغي أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني ؛ لأنه لو لا سيره لم يدخل ولو لا ما رأى منه في العام الأول ما كان لا يستطيع أن يكلمه العام ولو لا المرض ما كان لا يرجى وهذا مسألة تبين لك فيما فرق ما بين النصب والرفع تقول : كان سيري حتى أدخلها فإذا نصبت كان المعنى : إلى أن أدخلها فتكون (حتى) وما عملت فيه خبر كان ، فإن رفعت ما بعد (حتى) لم يجز أن تقول : كان سيري حتّى أدخلها لأنك قد تركت (كان) بغير خبر ؛ لأن معنى (حتى) معنى الفاء فكأنك قلت : كان سيري فأدخلها ، فإن زدت في المسألة ما يكون خبرا (لكان) جاز فقلت : كان سيري سيرا متعبا حتى أدخلها وعلى ذلك قرىء : (حتى يقول الرسول) (1) [البقرة : 214] وحتى يقول : من نصب جعله غاية ومن رفع جعله حالا.

ص: 12


1- اختلفوا في نصب اللام ورفعها من قوله جل وعز : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ.) فقرأ نافع وحده : حتى يقول الرسول برفع اللام. وقرأ الباقون : حتى يقول الرسول نصبا. وقد كان الكسائي يقرؤها دهرا رفعا ، ثم رجع إلى النصب. وروى ذلك عنه الفراء ، قال : حدثني به ، وعنه محمد بن الجهم ، عن الكسائي. قال أبو علي : قوله عز وجل : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) من نصب فالمعنى : وزلزلوا إلى أن قال الرسول. وما ينتصب بعد حتى من الأفعال المضارعة على ضربين : أحدهما : أن يكون بمعنى إلى ، وهو الذي تحمل عليه الآية. والآخر : أن يكون بمعنى كي ، وذلك قولك : أسلمت حتى أدخل الجنة ، فهذا تقديره : أسلمت كي أدخل الجنة. فالإسلام قد كان ، والدخول لم يكن ، والوجه الأول من النصب قد يكون الفعل الذي قبل حتى مع ما حدث عنه قد مضيا جميعا. ألا ترى أن الأمرين في الآية كذلك. وأما قراءة من قرأ : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) بالرفع ، فالفعل الواقع بعد حتى إذا كانا مضارعا لا يكون إلا فعل حال ، ويجييء أيضا على ضربين : أحدهما : أن يكون السبب الذي أدّى الفعل الذي بعد حتى قد مضى ، والفعل المسبب لم يمض ، مثال ذلك قولهم : (مرض حتى لا يرجونه) و: (شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه). وتتجه على هذا الوجه الآية ، كأن المعنى : وزلزلوا فيما مضى ، حتى أن الرسول يقول الآن : متى نصر الله ، وحكيت الحال التي كانوا عليها ، كما حكيت الحال في قوله : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) وفي قوله : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ.) والوجه الآخر من وجهي الرفع : أن يكون الفعلان جميعا قد مضيا ، نحو : سرت حتى أدخلها ، فالدخول متصل بالسير بلا فصل بينهما ، كما كان في الوجه الأول بينهما فصل. والحال في هذا الوجه أيضا محكيّة ، كما كانت محكية في الوجه الآخر ، ألا ترى أن ما مضى لا يكون حالا؟. وحتى إذا رفع الفعل بعدها ، حرف ، يصرف الكلام بعدها إلى الابتداء ، وليست العاطفة ولا الجارّة ، وهي - إذا انتصب الفعل بعدها - الجارّة للاسم ، وينتصب الفعل بعدها بإضمار أن ، كما ينتصب بعد اللام بإضمارها. [الحجة للقراء السبعة : 2 / 306].
شرح الثاني : وهو الفاء

اعلم أن الفاء عاطفة في الفعل كما يعطف في الاسم كما بينت لك فيما تقدم فإذا قلت : زيد يقوم فيتحدث فقد عطفت فعلا موجبا على فعل موجب ، وإذا قلت : ما يقوم فيتحدث فقد عطفت فعلا منفيا على منفيّ فمتى جئت بالفاء وخالف ما بعدها ما قبلها لم يجز أن تحمل عليه فحينئذ تحمل الأول على معناه وينصب الثاني بإضمار (أن) ، وذلك قولك : ما تأتني فتكرمني وما أزورك فتحدثني لم ترد : ما أزورك وما تحدثني ولو أردت ذلك لرفعت ولكنك لما خالفت في المعنى فصار : ما أزورك فكيف تحدثني وما أزورك إلّا لم تحدثني جمل الثاني على مصدر الفعل الأول وأضمر (أن) كي يعطف اسما على اسم فصار المعنى ما يكون زيارة مني فحديث منك.

وكذا كلما كان غير واجب نحو الأمر والنهي والاستفهام فالأمر نحو قولك : إئتني فأكرمك والنهي مثل : لا تأتني فأكرمك والاستفهام مثل : أتأتني فأعطيك ؛ لأنه إنما يستفهم عن الإتيان ولم يستفهم عن الإعطاء وإنما تضمر (أن) إذا خالف الأول الثاني فمتى أشركت الفاء الفعل الثاني بالأول فلا تضمر (أن) وكذلك إذا وقعت موقع الابتداء أو مبنيّ على الابتداء.

ص: 13

شرح الثاني : وهو الواو

الواو تنصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الإشراك بين الفعل والفعل وأردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها كما كان في الفاء وأضمرت (أن) وتكون الواو في جميع هذا بمعنى (مع) فقط ، وذلك قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا تجمع بين أكل السمك وشرب اللبن ، فإن نهاه عن كل واحد منهما على حال قال : ولا تشرب اللبن على حال وتقول : لا يسعني شيء ويعجز عنك فتنصب ولا معنى للرفع في (يعجز) ؛ لأنه ليس يخبر أن الأشياء كلها لا تسعه وأن الأشياء كلها لا تعجز عنه إنما يعني لا يجتمع أن يسعني شيء ويعجز عنك كما قال :

لاتنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (1)

ص: 14


1- على أن تأتي منصوب بأن مضمرة بعد واو الجمعية الواقعة بعد النهي. قال سيبويه : واعلم أن الواو وإن جرت هذا المجرى ، فإن معناها ومعنى الفاء مختلفان. ألا ترى الأخطل قال : لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... البيت فلو دخلت الفاء هاهنا ، لأفسدت المعنى ، وإنما أراد : لا تجمعن النهي ، والإتيان ، فصار تأتي على إضمار أن. انتهى. ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : وأنت تأتي ، ولا يجوز جزمه ، لفساد المعنى. وعار خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو عار. وعظيم. صفته. وهذه الجملة دليل جواب إذا. ومعنى البيت من قوله تعالى : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ". وقال الحاتمي : هذا أشرد بيت قيل في تجنب إتيان ما نهي عنه. والبيت وجد في عدة قصائد. ومنه اختلف في قائله ، فنسبه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أمثاله إلى المتوكل بن عبد الله الليثي الكناني. وأورده في باب تعيير الإنسان صاحبه بعيب هو فيه. والمتوكل الليثي من شعراء الإسلام ، وهو من أهل الكوفة ، وكان في عصر معاوية وابنه يزيد ، ومدحهما. ونسبه إليه أيضا الآمدي في المؤتلف والمختلف ، وقال فيمن يقال له المتوكل : منهم المتوكل الليثي ، وهو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة. انظر خزانة الأدب 3 / 275.

أي : لا يجتمع أن تنهي وتأتي ولو جزم كان المعنى فاسدا.

ولو قلت بالفاء : لا يسعني شيء فيعجز عنك كان جيدا ؛ لأن معناه : لا يسعني شيء إلا لم يعجز عنك ولا يسعني شيء عاجزا عنك.

فهذا تمثيل كما تمثل : ما تأتيني فتحدثني إذا نصبت بما تأتيني إلّا لم تحدثني وبما تأتيني محدثا وتنصب مع الواو في كل موضع تنصب فيه مع الفاء وكذلك إذا قلت : زرني فأزورك تريد ليجتمع هذان قال الشاعر :

ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودّة والإخاء (1)

أراد : ألم يجتمع هذان ولو أراد الإفراد فيهما لم يكن إلا مجزوما والآية تقرأ على وجهين (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : 142] وإنما وقع النصب في باب الواو والفاء في غير الواجب ؛ لأنه لو كان الفعل المعطوف عليه واجبا لم يبن الخلاف فيصلح إضمار (أن).

شرح الرابع وهو (أو)

اعلم أن الفعل ينتصب بعدها إذا كان المعنى معنى إلا أن تفعل تقول : لألزمنّك أو تعطيني كأنه قال : ليكوننّ اللزوم والعطية وفي مصحف أبي (تقاتلونهم أو يسلموا) على معنى :

إلا أن يسلموا أو حتى يسلموا وقال امرؤ القيس :

فقلت له : لا تبك عينك إنّما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (2)

ص: 15


1- انظر الأغاني 2 / 364.
2- على أن سيبويه جوز الرفع في قوله : نموت إما بالعطف على نحاول ، أو على القطع ، أي : نحن نموت. وهذا نص سيبويه : واعلم أن معنى ما انتصب بعد أو على إلا أن ، كما كان معنى ما انتصب بعد الفاء. تقول : لألزمنك ، أو تقضيني حقي ، ولأضربنك أو تسبقني. فالمعنى لألزمنك إلا أن تقضيني ، ولأضربنك إلا أن تسبقني. هذا معنى النصب. قال امرؤ القيس : فقلت له لا تبك عينك ... البيت والقوافي منصوبة ، فالتمثيل على ما ذكرت لك ، والمعنى على إلا أن نموت فنعذرا. ولو رفعت لكان عربيا جيدا على وجهين : على أن تشرك بين الأول والآخر ، وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعا من الأول ، يعني أو نحن ممن يموت. انظر خزانة الأدب 3 / 269.

أي : إلا أن نموت فنعذرا فكل موضع وقعت فيه أو يصلح فيه إلا أن وحتى فالفعل منصوب ، فإن جاء فعل لا يصلح هذا فيه رفعت ، وذلك نحو قولك أتجلس أو تقوم يا فتى والمعنى : أيكون منك أحد هذين وهل تكلمنا أو تنبسط إلينا لا معنى للنصب هنا وقال الله عز وجل : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ 72 أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) [الشعراء] فهذا مرفوع لا يجوز فيه النصب ؛ لأن هذا موضع لا يصلح فيه (إلّا أن).

الأفعال المجزومة

اشارة

الحروف التي تجزم خمسة : (لم ولمّا ولا في النهي ، واللام في الأمر ، وإن التي للجزاء) وهذه الحروف تنقسم قسمين : فأربعة منها لا يقع موقعها غيرها ولا تحذف من الكلام إذا أريدت وهي لم ولمّا ولا في النهي ولام الأمر والقسم الآخر حرف الجزاء قد يحذف ويقع موقعه غيره من الأسماء وحذف حرف الجزاء على ضربين : ضرب يقوم مقامه اسم يجازى به وضرب يحذف البتة ويكون في الكلام دليل عليه والأسماء التي يجازى بها على ضربين : اسم غير ظرف واسم ظرف وهو نحو : ما ومن وأي وأين ومتى وحيثما ومتهما وإذ ما.

شرح القسم الأول : وهو الأحرف الأربعة

(لم ولمّا ولا في النهي ، ولام الأمر)

أما لم فتدخل على الأفعال المضارعة واللفظ لفظ المضارع والمعنى معنى الماضي تقول : لم يقم زيد أمس ولم يقعد خالد ، وأما (لمّا) لم ضمت إليها (ما) وبنيت معها فغيرت حالها كما غيرت لو (ما) ونحوها ألا ترى أنك تقول : لمّا ولا يتبعها شيء ولا تقول ذلك في (لم) وجواب (لمّا) قد فعل يقول القائل : لمّا يفعل فيقول : قد فعل ويقول أيضا للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره وتقول : لما جئت جئت فيصير ظرفا ، وأما (لا في

ص: 16

النهي) فنحو قولك : لا تقم ولا تقعد ولفظ الدعاء لفظ النهي كما كان كلفظ الأمر تقول : لا يقطع الله يدك ولا يتعس الله جدك ولا يبعد الله غيرك ولا في النهي بمعنى واحد لأنك إنّما تأمره أن يكون ذلك الشيء الموجب منفيا ألا ترى أنّك إذا قلت : قم إنّما تأمره بأن يكون منه قيام فإذا نهيت فقلت : لا تقم فقد أردت منه نفي ذلك فكما أنّ الأمر يراد به الإيجاب فكذلك النهي يراد به النفي ، وأما لام الأمر فنحو قولك : ليقم زيد وليقعد عمرو ولتقم يا فلان تأمر بها المخاطب كما تأمر الغائب وقال عز وجل : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : 58] ويجوز حذف هذه اللام في الشعر وتعمل مضمرة قال متمم بن نويرة :

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي

لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (1)

أراد : ليبك ولا يجوز أن تضمر لم ولا في ضرورة شاعر.

ولو أضمرا لالتبس الأمر بالإيجاب.

شرح القسم الثاني : وهو حرف الجزاء

اعلم أنّ لحرف الجزاء ثلاثة أحوال حال يظهر فيها وحال يقع موقعه اسم يقوم مقامه ولا يجو أن يظهر معه والثالث أن يحذف مع ما عمل فيه ويكون في الكلام دليل عليه.

ص: 17


1- قال الأعلم : هذا من أقبح الضرورة ، لأن الجازم أضعف من الجار ، وحرف الجر لا يضمر. وقد قيل : إنه مرفوع حذفت لامه ضرورة ، واكتفي بالكسرة منها. وهذا أسهل في الضرورة وأقرب. وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان ، يقول : سمعت محمد بن يزيد ينشد هذا البيت ، ويلحن قائله ، وقال : أنشده الكوفيون ، ولا يعرف قائله ، ولا يحتج به ، ولا يجوز مثله في شعر ولا غيره ؛ لأن الجازم لا يضمر ؛ ولو جاز هذا ، لجاز يقم زيد ، بمعنى : ليقم. وحروف الجزم لا تضمر ، لأنها أضعف من حروف الخفض ، وحرف الخفض لا يضمر. فبعد أن حكى لنا أبو الحسن هذه الحكاية ، وجدت هذا البيت في كتاب سيبويه يقول فيه : وحدثني أبو الخطاب أنه سمع هذا البيت ممن قاله. قال أبو إسحاق الزجاج احتجاجا لسيبويه : في هذا البيت حذف اللام ، أي : لتفد. قال : وإنما سماه إضمارا ، لأنه بمنزلته. وأما قوله : أو يبك من بكى ، فهذا البيت لفصيح ، وليس هذا مثل الأول ، وإن كان سيبويه قد جمع بينهما. انظر خزانة الأدب 3 / 283.

فأما الأول الذي هو حرف الجزاء : فإن الخفيفة ويقال لها : أم الجزاء ، وذلك قولك : إن تأتني آتك ، وإن تقم أقم. فقولك : إن تأتني شرط وآتك جوابه ولا بدّ للشرط من جواب وإلا لم يتم الكلام وهو نظير المبتدأ الذي لا بدّ له من خبر ألا ترى أنّك لو قلت : (زيد) لم يكن كلاما يقال فيه صدق ولا كذب فإذا قلت : منطلق تمّ الكلام فكذلك إذا قلت : إن تأتني لم يكن كلاما حتى تقول : آتك وما أشبه وحقّ (إن) في الجزاء أن يليها المستقبل من الفعل لأنك إنما تشترط فيما يأتي أن يقع شيء لوقوع غيره ، وإن وليها فعل ماض أحالت معناه إلى الإستقبال ، وذلك قولك : إن قمت قمت إنما المعنى : إن تقم أقم (فإن) تجعل الماضي مستقبلا كما أنّ (لم) إذا وليها المستقبل جعلته ماضيا تقول : لم يقم زيد أمس والمعنى : ما قام فعلى هذا يجوز أن تقول :

إن لم أقم لم أقم فلا بد لشرط الجزاء من جواب والجواب يكون على ضربين : بالفعل ويكون بالفاء فالفعل ما خبرتك به فأما الفاء فنحو قولك : إن تأتني فأنا أكرمك ، وإن تأت زيدا فأخوه يحسن إليك ، وإن تتّق الله فأنت كريم فحق الفاء إذا جاءت للجواب أن يبتدأ بعدها اللام ولا يجوز أن تعمل فيما بعدها شيء مما قبلها وكذلك قولك : إن تأتني فلك درهم وما أشبه هذا وقد أجازوا للشاعر إذا اضطر أن يحذف الفاء.

وأما الثاني : فأن يقع موقع حرف الجزاء اسم والأسماء التي تقع موقعه على ضربين : اسم غير ظرف واسم ظرف.

فالأسماء التي هي غير الظروف : من وما وأيّهم تقول : من تكرم أكرم وكان الأصل : إن تكرم زيدا وأشباه زيد أكرم فوقعت (من) لما يعقل كما وقعت (من) في الاستفهام مبهمة لما في ذلك من الحكمة وكذلك : ما تصنع أصنع وأّيّهم تضرب أضرب تنصب أيهم بتضرب ؛ لأن المعنى : إن تضرب أيا ما منهم أضرب ولكن لا يجوز أن تقدم (تضرب) على (أي) ؛ لأن هذه الأسماء إذا كانت جزاء أو استفهاما فلها صدور الكلام كما كان للحروف التي وقعت مواقعها فكذلك من وما إذا قلت : من تكرم أكرم وما تصنع أصنع.

وموضعها نصب ، وإذا أردت أن تبين مواضعها من الإعراب فضع موضعها (إن) حتى يتبين لك ، وإذا قلت : من يقم أقم إليه فموضع (من) رفع لأنها غير معقولة وكذا ايهم يضرب

ص: 18

زيدا أضربه وأيهم يأتني أحسن إليه ، وأما (مهما) فقال الخليل : هي (ما) أدخلت معها (ما) لغوا وأبدلوا الالف هاء.

قال سيبويه : ويجوز أن تكون كإذ ضمت إليها (ما) ، وأما الظروف التي يجازى بها : فمتى وأين وأنّى وأي حين وحيثما وإذ ما لا يجازى بحيث وإذ حتى يضم إليهما (ما) تصير مع كل واحد منهما بمنزلة حرف واحد.

فتقول إذا جازيت بهن : متى تأتني آتك وأين تقم أقم وأنى تذهب أذهب وأي حين تصل أصل (فأيّ) إلى أي شيء أضفتها كانت منه إن أضفتها إلى الزمان فهي زمان.

وإن أضفتها إلى المكان فهي مكان وتقول : حيثما تذهب أذهب وإذ ما تفعل أفعل قال الشاعر :

إذ ما تريني اليوم مزجى ظعينتي

أصعّد سيرا في البلاد وأفرع (1)

فإنّي من قوم سواكم وإنّما

رجالي فهم بالحجاز وأشجع

ص: 19


1- قال ابن يعيش : إن قيل : إذ ظرف زمان ماض ، والشرط لا يكون إلا بالمستقبل ، فيكف يصح المجازاة بها؟ فالجواب من وجهين. أحدهما : أن إذ هذه التي تستعمل في الجزاء مع ما ، ليست الظرفية ، وإنما هي حرف غيرها ضمت إليها ما ، فركبا دلالة على هذا المعنى كإما. والثاني : أنها الظرفية ، إلا أنها بالتركيب غيرت ونقلت ، وغيرت عن معناها بلزوم ما إياها إلى المستقبل ، وخرجت بذلك إلى حيز الحروف. ولذلك قال سيبويه : ولا يكون الجزاء في حيث ولا في إذ حتى يضم إلى كل واحدة منهما ما ، إلخ. اه؟. ورواه أهل السير ، منهم ابن هشام : إما أتيت على النبي فقل له وعليه لا شاهد فيه ، وأصله إن ما ، وهي إن الشرطية ، وما الزائدة. والبيت من قصيدة للعباس بن مرداس الصحابي ، قالها في غزوة حنين يخاطب بها النبي صلّى الله عليه وسلم ، ويذكر بلاءه وإقدامه مع قومه في تلك الغزوة وغيرهما من الغزوات ، وعدتها ستة عشر بيتا. انظر خزانة الأدب 3 / 288.

قال سيبويه : والمعنى : إما.

وإذا لا يجازى بها إلا في الشعر ضرورة وهي توصل بالفعل كما توصل (حيث) ويقع بعدها مبتدأ وكل الحروف والأسماء التي يجازى بها فلك أن تزيد عليها (ما) ملغاة ، فإن زدت (ما) على (ما) لم يحسن حتى تقول : مهما فيتغير فأمّا (حيثما وإذ ما) لا يجازى بهما إلّا و (ما) لازمة لهما.

واعلم أن الفعل في الجزاء ليس بعلة لما قبله كما أنه في حروف الاستفهام ليس بعلة لما قبله.

واعلم أن الفعل إذا كان مجزوما في الجزاء وغيره فإنه يعمل عمله إذا كان مرفوعا أو منصوبا تقول إن تأتني ماشيا أمش معك ، وإن جعلت (تمشي) موضع (ماشيا) جاز فقلت : إن تأتني تمشي أمش معك ، وإن تأتني تضحك أذهب معك تريد (ضاحكا) ، فإن جئت بفعل يجوز أن يبدل من فعل ولم ترد الحال جزمت فقلت : إن تأتني تمش أمش معك وإنّما جاز البدل ؛ لأن المشي ضرب من الإتيان ولو لم يكن ضربا منه لم يجز لا يصلح أن تقول : إن تأتني تضحك أمشي معك فتجزم (تضحك) وتجعله بدلا وقد كنت عرفتك أنّ جميع جواب الجزاء لا يكون إلا بالفعل أو بالفاء وحكى الخليل : أنّ (إذا) تكون جوابا بمنزلة الفاء لأنها في معناها ؛ لأن الفاء تصحب الثاني الأول وتتبعه إياه ، وإذا وقعت لشيء يصحبه ، وذلك قوله عز وجل :

(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : 36].

والمعنى : إن أصابتهم سيئة قنطوا ونظيره : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) [الأعراف : 193] بمنزلة : أم صمتم ولا يجوز : إن تأتني لأفعلنّ.

ويجوز : إن أتيتني لأكرمنّك ، وإن لم تأتني لأغمنك ؛ لأن المعنى : لئن أتيتني لأكرمنّك فما حسن أن تدخل اللام على الشرط فيه حسن أن يكون الجواب لأفعلنّ وما لم يحسن في الشرط اللام لم يحسن في الجواب ؛ لأن الجواب تابع فحقه أن يكون على شكل المتبوع ولا يحسن أن تقول : لإن تأتني لأفعلنّ فلما قبح دخول اللام في الشرط قبح في الجواب ولو قلت ذاك أيضا لكنت قد جزمت (بإن) الشرط وأتيت بجوابها غير مجزوم ويجوز أن تقول : (آتيك إن تأتني)

ص: 20

فتستغني عن جواب الجزاء بما تقدم ولا يجوز : إن تأتني آتيك إلّا في ضرورة شاعر على إضمار الفاء ، وأما ما كان سوى (إن) منها فلا يحسن أن يحذف الجواب وسيبويه يجيز : إن أتيتني آتك ، وإن لم تأتني أجزك ؛ لأنه في موضع الفعل المجزوم وينبغي أن تعلم أنّ المواضع التي لا يصلح فيها (إن) لا يجوز أن يجازى فيها بشيء من هذه الأسماء البتة ؛ لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو بها إذا دخل حرف الجر على الأسماء التي يجازى بها لم يغيرها عن الجزاء تقول : على أي دابة أحمل أركبه وبمن تؤخذ أو خذ به وإنما قدم حرف الجرّ للضرورة ؛ لأنه لا يكون متعلقا بالمفعول.

فإن قلت : بمن تمرّ به أمرّ وعلى أيهم تنزل عليه انزل رفعت وصارت بمعنى الذي وصارت الباء الداخلة في (من) لأمرّ والباء في (به) لتمرّ وقد يجوز أن تجزم بمن تمرر أمرر وأنت تريد (به) وهو ضعيف وتقول على ذلك : غلام من تضرب أضربه قدمت الغلام للإضافة كما قدمت الباء وهو منصوب بالفعل ولكن لا سبيل إلى تقديم الفعل على (من) في الجزاء والاستفهام.

وأما الثالث : الذي يحذف فيه حرف الجزاء مع ما عمل فيه وفيما بقي من الكلام دليل عليه ، وذلك إذا كان الفعل جوابا للأمر والنهي أو الاستفهام أو التمني أو العرض تقول : آتني آتك فالتأويل : ائتني فإنّك إن تأتني آتك هذا أمر ولا تفعل يكن خيرا لك وهذا نهي والتأويل لا تفعل فإنّك إن لا تفعل يكن خيرا لك وإلا تأتني أحدثك وأين تكون أزرك وألا ماء أشربه وليته عندنا يحدثنا فهذا تمنّ ألا تنزل تصب خيرا وهذا عرض ففي هذا كلّه معنى (إن تفعل) ، فإن كان للإستفهام وجه من التقدير لم تجزم جوابه.

ولا يجوز : لا تدن من الأسد فإنّك إن تدن من الأسد يأكلك فتجعل التباعد من الأسد سببا لأكلك فإذا أدخلت الفاء ونصبت جاز فقلت : لا تدن من الأسد فيأكلك ؛ لأن المعنى لا يكون دنو ولا أكل وتقول : مره يحفرها وقل له : يقل ذاك فتجزم ويجوز أن تقول : مره يحفرها فترفع على الابتداء ، وقال سيبويه : وإن شئت على حذف (أن) كقوله :

ص: 21

ألا أيّها الزّاجري احضر الوغى (1)

وعسينا نفعل كذا وهو قليل وقد جاءت أشياء أنزلوها بمنزلة الأمر والنهي ، وذلك قولهم : حسبك ينم الناس واتقى الله امرؤ وفعل خيرا يثب عليه.

ص: 22


1- على أن أحضر منصوب بأن مضمرة ، بدليل تمامه : وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي وتقدم الكلام عليه في الشاهد العاشر من أوائل الكتاب. وهذه رواية الكوفيين ، والرفع رواية البصريين. قال سيبويه : وقد جاء في الشعر : ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قال الأعلم : الشاهد فيه رفع أحضر بحذف الناصب وتعريه منه. والمعنى : لأن أحضر الوغى. وقد يجوز النصب بإضمار أن ضرورة ، وهو مذهب الكوفيين. انتهى. وفي التذكرة القصرية ، وهي أسئلة من أبي الطيب محمد بن طوسي المعروف بالقصري ، وأجوبة من شيخه أبي علي الفارسي ، قال : سألت أبا علي عن أحضر الوغى ، أي شيء موضعه؟ فقال : نصب ، وهو يريد حاضرا. فقلت : كيف يجوز أن يكون حالا وإنما الحضور مزجور عنه لا عن غيره؟ فقال : قد يجوز أن يكون لم يذكر المزجور عنه. فقلت : قد فهمنا من قوله : ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قد نهاه عن حضور الوغى. قال : صير أن يفهم منه هذا وإن كان ذلك لا يفهم منه إذا قدرته بقولك حاضرا. قلت : فإن الحضور لم يقع ، ونحن نعلم أنه ما نهاه وقد حضر. قال : هذا مثل قولك : هذا صاحب صقر صائدا به غدا. قلت : فما الحاجة إلى أن قدرته حالا. قال : ليتعلق بما قبله ، وإلا فلا سبيل إلى تعلقه بما قبله إلا على هذا الوجه. انتهى. انظر خزانة الأدب 3 / 259.

باب إعراب الفعل المعتل اللام

اعلم أن إعراب الفعل المعتل الذي لامه ياء أو واو أو ألف مخالف للفعل الصحيح والفرق بينهما أن الفعل الذي آخره واو أو ياء نحو : يغزو أو يرمي تقول فيهما : هذا يغزو ويرمي فيستوي هو والفعل الصحيح في الرفع في الوقت كما تقول : هو يقتل ويضرب ، فإن وصلت خالف يقتل ويضرب فقلت : هو يغزو عمرا ويرمي بكرا فتسكن الياء والواو ولا يجوز ضمها إلا في ضرورة شاعر ، فإن نصبت كان كالصحيح فقلت : لن يغزو ولن يرمي وإنما امتنع من ضم الياء والواو لأنها تثقل فيهما ، فإن دخل الجزم اختلفا في الوقف والوصل فقلت :لم يغز ولم يرم فحذفت الياء والواو وكذلك في الوصل تقول : لم يغز عمرا ولم يرم بكرا وإنما حذفت الياء والواو في الجزم إذا لم تصادف الجازم حركة يحذفها فحذفت الياء والواو ؛ لأن الحركة منهما وليكون للجزم دليل.

والأمر كالجزم ، تقول : ارم خالدا واغز بكرا فتحذف في الوقف والوصل إلا أنك تضم الزاي من (يغزو) وتكسر الميم من (يرمي) إذا وصلت.

فيدلان على ما ذهب للجزم والوقف وإنما تساوي الوقف في الأمر للجزم لأنهما استويا في اللفظ الصحيح فلما كان ذلك في الصحيح على لفظ واحد جعلوا المعتل مثل الصحيح فقالوا :

ارم واغز كما قالوا لم يرم ولم يغز وقالوا : اضربا واضربوا كما قالوا : لم يضربا ولم يضربوا.

ص: 23

مسائل من سائر أبواب إعراب الفعل

اشارة

تقول : انتظر حتى إن يقسم شيء تأخذ تجزم (تأخذ) ؛ لأنه جواب لقولك : إن يقسم وانتظر حتى إن قسم شيء تأخذ تنصب (تأخذ) إن شئت على حتّى تأخذ إن قسم ، وإن شئت جزمت (تأخذ) فجعلته جوابا لقولك : إن قسم هذا قول الأخفش وقبيح أن تفصل بين حتى وبين المنصوب قال : ومما يدلّك على أنه يكون جوابا ولا يحمل على (حتى) أنك تقول : حتى إن قسم شيء أخذته يعني أنه معلق بالجواب فلا يرجع إلى (حتى) ألا ترى أنك لا تقول : حتى أخذت إن قسم شيء وتقول : اجلس حتى إن يقل شيئا فتسمعه تجبنا جزم كله ولا يجوز أن تنصب (تجبنا) على حتى ؛ لأن قولك : إن تفعل مجزوم في اللفظ فلا بد من أن يكون جوابه مجزوما في اللفظ وتقول : أقم حتّى تأكل معنا وأقم حتى أيانا يخرج تخرج معه فأيّ مبتدأ لأنها للمجازاة وحتى معلقة وكذلك اجلس حتى إن يخرج تخرج معه وانتظر حتى من يذهب تذهب معه (فمن) في موضع رفع واجلس حتى (أيا) يأخذ تأخذ معه (أيا) منصوبة (بتأخذ) وتقول : أقم حتى أي القوم تعط يعطك تعمل في (أي) ما بعدها ولا تعمل فيها ما قبلها وتقول : اجلس حتى غلام من تلقّ تكرّم تنصب الغلام (بتعلق) واجلس حتى غلام من تلقه تكرم ترفع الغلام على الابتداء ولو أن (حتّى) تكون معلقة في شيء ما جاز دخولها هاهنا ؛ لأن حرف الجزاء إذا دخل عليه عامل أزاله عن حرف الجزاء ألا ترى أنك تقول : من يزرنا نزره فيكون مرفوعا بالابتداء وتكون للجزاء ، وذلك ؛ لأن حال الابتداء كحال (إن) التي للجزاء والشرط نظير المبتدأ والجواب نظير الخبر.

قال الأخفش : ومما يقوي (من) إذا كانت مبتدأة على الجزاء أن (إن) التي للجزاء تقع موقعها ولو أدخلت إنّ المشددة على (من) لقلت : إنّ من يزرونا نزوره ؛ لأن المجازاة لا تقع ها هنا ، فإن قلت : فلم لا تعمل إنّ في (من) وتدعها للمجازاة كما أعملت إنّ الابتداء فلأن (إن) التي للمجازة لا تقع هاهنا ؛ لأن إنّ المشددة توجب بها والمجازاة أمر مبهم يعني أنه لا تقع (إن) التي للمجازاة بعد (أنّ) الناصبة والمجازاة ليس بشيء مخصوص إنما هو للعامة ، وإن

ص: 24

الناصبة للإيجاب وكذلك : ليت من يزورنا نزوره ولعل وكان وليس لأنك إذا قلت من يزورنا نزوره ولعل وكان وليس لأنك إذا قلت من يزورنا نزورثه وما تعطي تأخذ فأنت تبهم ولا توضح وهكذا يجيء الجزاء بمن وأخواته ، فإن أوضحت منه شيئا بصلة ذهب عنه هذا العمل وجرى مجرى (الذي) وتقول : سكت حتى أردنا أن نقوم تقول : افعلوا كذا وكذا فترده على جواب (إذا) ولو رددته على حتى جاز على قبحه وحقّ (حتى) أن لا تفصل بينها وبين ما تعمل فيه وتقول : لا والله حتى إذا أمرتك بأمر تطيعني ترفع جواب (إذا) ، وإن شئت نصبت على (حتى) على قبح عندي إلا أن الفصل بالظرف أحسن من الفصل بغيره.

وتقول : لا والله حتى إن أقل لك لا تشتم أحدا لا تشتمه.

ولا تشتمه جواب (إن أقل لك) فلا يكون فيه النصب ؛ لأنه لا يرجع إلى : حتى لا والله ، وإذا قلت لك اركب تركب يا هذا تنصب (تركب) على أو وفصلت بالظرف والفصل بالظرف أحسن من الفصل بغيره أردت : ولا والله أو تركب إذا قلت لك اركب ومن رفع ما بعد (أو) في هذا المعنى رفع هذه المسألة وتقول : تسكت حتى إذا قلنا ارتحلوا لا يذهب الليل تخالفنا فلا تذهب (تذهب) معطوف على (تخالفنا) وحتى إن نقل إيت فلانا تصب منه خيرا لا تأته فتصب خيرا جزم على جواب إيت ولا تأته جواب (إن نقل).

وتقول : لئن جئتني لأكرمنّك الأولى توكيد والثانية لليمين ولا يجوز بغير النون ولئن جئتني لإليك أقصد ولإيّاك أكرم ولا تنون أكرم ؛ لأن اللام لم تقع عليه ولو وقعت عليه فقلت أكرمنّك وكذلك : لئن جئتني لأكفلن بك وفي كتاب الله عز وجل : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران : 158] لما وقعت اللام على كلام مع الفعل لم تدخله النون وكذلك :(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [آل عمران : 157] وكذلك : لئن جئتني لأهل ، وكذلك : ولئن وصلتك للصلاة أنفع لك.

قال الأخفش : المعنى : والله للصلة أنفع ، وإن وصلتك كما أن قولك : لئن جئتني لأكرمنك إنما هي : والله لأكرمنك إن جئتني قال : واللام التي في (لئن جئتني) زائدة وقوله عز وجل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [البقرة : 103] على معنى اليمين كأنه قال

ص: 25

والله أعلم والله لمثوبة من عند الله خير لهم ولو آمنوا وقال لا تقول : إنّ زيدا لقام وتقول : إنّ زيدا إليك كفيل ، وإن زيدا له ولك منزل ؛ لأن اللام لا تقع على فعل فإذا كان قبلها كلام ضمته معها جاز دخول اللام وتقول : سرت حتى أدخل أو أكاد ترفعهما جميعا لأنك تقول :حتى أكاد والكيدودة كائنة وكذلك سرت حتى أدخلها أو أقرب منها ؛ لأنه قد كان القرب أو الدخول وكذلك : سرت حتى أكاد أو أدخل وأشكل عليّ كلّ شيء حتى أظن أني ذاهب العقل فجميع هذا مرفوع ؛ لأنه فعل وهو فيه قال الجعدي :

وننكر يوم الرّوع ألوان خيلنا

من الطّعن حتى تحسب الجون أشقرا (1)

قال : يجوز في (تحسب) الرفع والنصب والرفع على الحال والنصب على الغاية وكأنك أردت إلى أن تحسب وحكى الأخفش إن النحويين ينصبون إذا قالوا : سرت أكاد أو أدخل يا هذا ينصبون الدخول ويقولون : الفعل لم يجب. والكيدودة قد وجبت.

قال : وهذا عندي يجوز فيه الرفع يعني الدخول ؛ لأنه في حال فعل إذا قلت : حتى أكاد يعني إذا كنت في حال مقاربة و (حتى) لا تعمل في هذا المعنى إنما تعمل في كل فعل لم يقع بعد والكيدودة قد وقعت وأنت فيها وتقول : الذي يأتيني فله درهم والذي في الدار فله درهم فدخول الفاء لمعنى المجازاة ولا يجوز. : ظننت الذي في الدار فيأتيك.

تريد : ظننت الذي في الدار يأتيك والأخفش يجيزه على أن تكون الفاء زائدة وقال : قول الله عز وجل : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : 8] ولكن زدت (إن) توكيدا وقال : لو قلت : إن هذا لا يجوز أن يكون في معنى المجازاة كان صالحا لأنك إذا قلت :

إن الذي يأتينا فله درهم فمعناه : الذي يأتينا فله درهم ولا يحسن ليت الذي يأتينا فله درهم ولا لعل الذي يأتينا فنكرمه ؛ لأن هذا لا يجوز أن يكون في معنى المجازاة ولا يحسن (كأنّ الذي يأتينا فله درهم) ؛ لأن معنى الجزاء إنما يكون على ما يأتي لا على ما كان ، فإن قدرت فيه زيادة الفاء جاز على مذهب الأخفش.

ص: 26


1- انظر خزانة الأدب 1 / 364.

فصل يذكر فيه قلّ وأقلّ

اعلم أنّ قلّ : فعل ماض وأقلّ : اسم إلّا أن أقلّ رجل قد أجروه مجرى قلّ رجل فلا تدخل عليه العوامل وقد وضعته العرب موضع (ما) ؛ لأنه أقرب شيء إلى المنفى القليل كما أن أبعد شيء منه الكثير وجعلت (أقلّ) مبتدأة صدرا إذا جعلت تنوب عن النفي كما أن النفي صدر فلا يبنون أقلّ على شيء فتقول : أقلّ رجل يقول ذاك ولا تقول : ليت أقلّ رجل يقول ذاك ولا لعل ولا إنّ إلا أن تضمر في (إنّ) وترفع أقلّ بالابتداء قال الأخفش : هو أيضا قبيح ؛ لأن أقلّ رجل يجري مجرى : قلّ رجل وربّ رجل لو قلت : كان أقلّ رجل يقول ذاك فرفعت (أقلّ) على (كان) لم يجز ولكن تضمر في (كان) وترفع أقلّ على الابتداء وأقلّ رجل وقلّ رجل قد أجروه مجرى النفي فقالوا : أقلّ رجل يقول ذاك إلا زيد.

وقال سيبويه : لأنه صار في معنى : ما أحد فيهما إلا زيد وقال : وتقول : قلّ رجل يقول ذاك إلا زيد فليس زيد بدلا من الرجل في (قلّ) ولكن : قلّ رجل في موضع أقلّ رجل ومعناه كمعناه وأقل رجل مبتدأ مبني عليه والمستثنى بدل منه لأنك تدخله في شيء يخرج من سواه.

قال : وكذلك : أقلّ من وقلّ من إذا جعلت (من) بمنزلة رجل.

حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة كما قال :

ربّما تجزع النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال (1)

ص: 27


1- قال ابن المستوفي في شرح الشواهد للمفصل : وجدت قوله ربما تكره النفوس من الأمر البيت ، في أبيات لأبي قيس صرمة بن أبي أنس ، من بني عدي بن النجار ، ووجد أيضا في أبيات لحنيف بن عمير اليشكري ، قالها لما قتل محكم بن الطفيل يوم اليمامة ، وهي : يا سعاد الفؤاد بنت أثال طال ليلي بفتنة الرجال إنها يا سعاد من حدث الده ر عليكم كفتنة الرجال إن دين الرسول ديني وفي القو م رجال على الهدى أمثالي أهلك القوم محكم بن طفيل ورجال ليسوا لنا برجال ربما تجزع النفوس من الأم ر له فرجة كحل العقال وحنيف أدرك الجاهلية والإسلام ، ولا تعرف له صحبة. وقال ابن حجر في الإصابة : هو مخضرم ، ذكره المزرباني ، وروى له هذه الأبيات عمر بن شبة ، ووجد أيضا في أبيات لأعرابي. وهي : يا قليل العزاء في الأهوال وكثير الهموم والأوجال اصبر النفس عند كل ملمّ إن في الصبر حيلة المحتال لا تضيقن بالأمور فقديك شف غماؤها بغير احتيال ربما تكره النفوس من الأم ر له فرجة كحل العقال قد يصاب الجبان في آخر الص ف وينجو مقارع الأبطال ورواها صاحب الحماسة البصرية لحنيف بن عمير المذكور ، وقيل أنها لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب ، لعنه الله. ونسبها العيني لأمية بن أبي الصلت. وهذا لا أصل له. وقوله : يا قليل العزاء هو بالفتح ، بمعنى الصبر والتجلد. وقوله : اصبر النفس ، أي : احبسها. والملم : الحادث من حوادث الدهر ، وهو اسم فاعل من ألم ، إذا نزل. وغماؤها : مبهمها ومشكلها ؛ وهو بالغين المعجمة ، يقال : أمر غمة ، أي : مبهم ملتبس. ويقال :صمنا بالغمى ، بفتح الغين وضمها ، وصمنا للغماء على فعلاء ، بالفتح والمد ، إذا غم الهلال على الناس وستره عنه غيم ونحوه. وصحفه العيني فقال : عماؤها بالعين المهملة وتشديد الميم للضرورة. والعماء في اللغة : السحاب الرقيق ، سمي بذلك لكونه يعمي الأبصار عن رؤية ما وراءه. وأراد بها ما يحول بين النفس ومرادها. هذا كلامه. انظر خزانة الأدب 2 / 305.

يريد أنّ (ربّ) دخلت على (ما) وهي لا تدخل إلا على نكرة فتنكير (ما) كتنكير (من) قال : وتقول : قلّ ما سرت حتى أدخلها من قبل أنّ قلّما نفي لقوله كثر ما كما أنّ ما سرت نفي لقوله : سرت ألا ترى أنه قبيح أن تقول : قلما سرت فأدخلها كما يقبح في ما سرت إذا أردت معنى فإذا أنا أدخل إنما قبحه ؛ لأنه إذا لم يكن سير لم يكن دخول فكذلك قلّما لمّا أريد بها النفي كان حكمها حكم قال وتقول : قلّما سرت فأدخلها فاتنصب بالغاءها هنا كما تنصب فيما قال.

وتقول : قلّما سرت إذا عنيت سيرا واحدا. أو عنيت غير سير كأنك قد تنفي كثير من السير الواحد كما تنفيه من غير سير يريد بقوله : من غير سير أي سيرا بعد سير.

قال الأخفش : الدليل على أن أقلّ رجل يجري مجرى ربّ وما أشبهها أنّك تقول : أقلّ امرأة تقول ذاك فتجعل اللفظ على امرأة وأقلّ امرأتين يقولان ذاك فينفي أقلّ كأنه ليس له خبر

ص: 28

ولا تحمله إلا على الآخر يعني : لا تحمل الفعل إلا على الذي أضفت إليه أقلّ فهذا يدل على أنه لا يشبه الأسماء يعني إذا كان الخبر يجيء على الثاني وكذلك : أقلّ رجال يقولون ذاك ولا يحسن كذلك لو قلت : أقلّ رجلين صالحان لم يحسن ولا يحسن من خبره إلا الفعل والظرف أقلّ رجلين صالحين في الدار وأقلّ امرأة ذات جمة في الدار وأقلّ رجل ذي جمة في الدار كان جيدا ولو ألغيت الخبر كان مذهبه كمذهب (ربّ) ، فإن قلت : فمالي إذا قلت : قلّ رجل يقول ذاك وقلّ رجل قائل ذاك وهو صفة لا يجوز حذفه فلأنك إنما قللت الموصوفين ولم تقلل الرجال مفردين في الوصف ألا ترى أنك لا تقول : قلّ رجل قائل ذاك إلا وأنت تريد القائلين ولست تريد أن تقلل الرجال كلهم.

ص: 29

فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي

اعلم أن أصل الدعاء أن يكون على لفظ الأمر وإنما استعظم أن يقال أمر والأمر لمن دونك والدعاء لمن فوقك ، وإذا قلت : اللهم اغفرلي فهو كلفظك إذا أمرت فقلت : يا زيد أكرم عمرا وكذلك إذا عرضت فقلت : انزل فهو على لفظ اضرب وقد يجيء الأمر والنهي والدعاء على لفظ الخبر إذا لم يلبس تقول : أطال الله بقاءه فاللفظ لفظ الخبر والمعنى دعاء ولم يلبس لأنك لا تعلم أنّ الله قد أطال بقاءه لا محالة فمتى ألبس شيء من ذا بالخبر لم يجز حتى يبين فتقول على ذا : لا يغفر الله له ولا يرحمه ، فإن قلت : لا يغفر الله له ويقطع يده لم يجز أن تجزم (يقطع) ؛ لأنه لا يشاكل الأول ؛ لأن الأول دعاء عليه ، وإذا جزمت (يقطع) فقد أردت : ولا يقطع الله فهذا دعاء له فلا يتفق المعنى ، وإذا لم يتفق لم يجز النسق.

وكذلك إذا قلت : ليغفر الله لزيد ويقطع يده لم يجز جزم (يقطع) لإختلاف المعنى ولكن يجوز في جميع ذا الرفع فيكون لفظه لفظ الخبر والمعنى الدعاء ، وإذا أسقطت اللام ولا رفعت الفعل المضارع فقلت : يغفر الله

لك وغفر الله لك وقال الله عز وجل : (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) [يوسف : 92] وقال : (فَلا يُؤْمِنُوا) وقال الله تبارك وتعالى : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) باللام [يونس : 88].

وقال قوم : يجوز الدعاء بلن مثل قوله : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص : 17].

وقال الشاعر :

لن تزالوا كذلكم ثم لا زلت لهم

خالدا خلود الجبال (1)

ص: 30


1- قوله : لن يزالوا بالياء التحتية بضمير الغيبة الراجع لمجموع من ذكر ممن قتلوا ، وأسروا ، ونهبوا من الأعداء ، وممن غزا معه وقتل وغنم من الأولياء. وقوله : لا زلت بالخطاب ، ولهم بضمير الغيبة. فظهر من هذا أن روايته في كتب النحو لن تزالوا بالخطاب ولا زلت لكم بالتكلم والخطاب ، على خلاف الرواية الصحيحة. وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب. وهو شاعر جاهلي. وقد اشتبه على العيني فقال : قائل : رب رفد هرقته ذلك اليو ... م ... البيت أعشى همدان ، واسمه عبد الرحمن بن عبد الرحمن. ولا يخفى أن هذا الشاعر إسلامي في الدولة المروانية زمن الحجاج ، ولم يكن في زمن الأسود بن المنذر. انظر خزانة الأدب 3 / 442.

والدعاء (بلن) غير معروف إنما الأصل ما ذكرنا أن يجيء على لفظ الأمر والنهي ولكنه قد تجيء أخبار يقصد بها الدعاء إذا دلت الحال على ذلك الا ترى أنك إذا قلت : (اللهم افعل بنا) لم يحسن أن تأتي إلا بلفظ الأمر وقد حكى قوم : اللهم قطعت يده وفقئت عينه قال الشاعر :

لا هم ربّ الناس إن كذبت ليلى

وإن قدمت الأسماء فقلت : زيد قطعت يده كان قبيحا ؛ لأنه يشبه الخبر وهو جائز إذا لم يشكل ، وإذا قلت : زيد ليقطع الله يده كان أمثل ؛ لأنه غير ملبس وهو على ذلك اتساع في الكلام ؛ لأن المبتدأ ينبغي أن يكون خبره يجوز فيه الصدق والكذب والأمر والنهي ليسا بخبرين والدعاء كالأمر وإنما قالوا : زيد قم إليه وعمرو اضربه اتساعا كما قالوا : زيد هل ضربته فسدّ الاستفهام مسد الخبر وليس بخبر على الحقيقة وقال : إذا اجزت افعل ولا تفعل أمروا ولم ينهوا ، وذلك في المصادر والأسماء والأدوات فتقول : ضربا ضربا والله تريد : اضرب ضربا واتق الله.

وهلمّ وهاؤم إنما لم يجز في النهي ؛ لأنه لا يجوز أن يضمر شيئان لا والفعل ولو جاءوا (بلا) وحدها لم يجز أيضا أن يحال بين (لا) والفعل لأنها عاملة وتقول : ليضرب زيد وليضرب عمرو وتقول : زيدا اضرب تنصب زيدا (باضرب) وقال قوم : تنصب زيدا بفعل مضمر ودليلهم على ذلك أنك تدخل فيه الفاء فتقول : زيدا فاضرب وقالوا : إنّ الأمر والنهي لا يتقدمها منصوبهما ؛ لأن لهما الإستصدار والذين يجيزون التقديم يحتجون بقول العرب بزيد امرر ويقولون : إن الباء متعلقة بامرر ولأنه لا يكون الفعل فارغا وقد تقدمه مفعوله ويضمرون إذا شغلوا نحو قولهم : زيدا اضربه ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله.

ص: 31

وتقول : ضربا زيدا تريد : اضرب زيدا.

وقوم يجيزون. ضرب زيد وأنت تريد : ضربا زيدا ثم تضيف وهذا عندي قبيح ؛ لأن ضربا قام مقام اضرب واضرب لا يضاف والألف في الأمر تذهب إذا اتصلت بكلام نحو قولك :

اضرب اضرب واذهب اذهب ويقولون : ادخل ادخل واذهب ادخل ويختارون الضم إذا كانت بعد مضموم والكسر جائز تقول : اذهب ادخل.

وقد حكوا : ادخل الدار للواحد على الإتباع وهو رديء ؛ لأنه ملبس وقالوا : يجوز الإتباع في المفتوح مثل قولك : اصنع الخير.

وقالوا : لا نجيزه ولم نسمعه لأنّا قد سمعناه إذا حرك نحو قول الشاعر :

يحسبه الجاهل ما لم يعلما (1) ...

ص: 32


1- شبهه بالجزاء حيث كان مجزوما وكان غير واجب ، وهذا لا يجوز إلا في اضطرار ، وهي في الجزاء أقوى. انتهى. وكذا قل الفراء إنه ضرورة ، قال عند تفسير قوله تعالى : "ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ" ما نصه : فمن ذلك قوله تعالى : "يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ". والمعنى والله أعلم : إن لم تدخل حطمتن. وهو نهي محض ، لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ولا الخفيفة. ألا ترى أنك لا تقول : إن تضربني أضربنك ، إلا في ضرورة شعر ، كقوله : فمهما تشأ منه فزارة البيت انتهى. وكذا في المفصل ، قال : فإن دخلت في الجزاء بغير ما ، ففي الشعر ، تشبيها للجزاء بالنهي. وكذا في كتاب الضرائر لابن عصفور. وخالف ابن مالك فأجازه في الكلام ، قال في التسهيل : وقد تحلق جواب الشرط اختيارا ، وقال قبله : وتلحق الشرط مجردا من ما. وكذا قال في الألفية. قال الشاطبي : فإذا قلت إن تقومن أكرمتك ، ومهما تطلبن أعطك ، ومهما تأتيني أكرمك ، وحيثما تكونن أذهب إليك ، وكذلك سائر أدوات الشرط ، فهو جائز ، ولكنه قليل. ويحتمل أن كلام الناظم أن أدوات الشرط مسوغة لدخول النون مطلقا ، سواء أكان الفعل معها في جملة الشرط ، أو في جملة الجزاء. إذ لم يقيد ذلك بفعل الشرط. فيجوز على هذا أن تقول : إن تكرمنني أكرمنك. انتهى. وقوله : فمهما تشأ ... إلخ. قال الأعلم : أراد مهما تشأ فزارة إعطاءه تعطكم ، ومهما تشأ منعه تمنعكم ، فحذف الفعل لعلم السامع ، وإدخال النون الخفيفة على تمنعا ، وهو جواب الشرط ضرورة ، وليس من مواضع النون ، لأنه خبر يجوز فيه الصدق والكذب. إلا أن الشاعر إذا اضطر أكده بالنون تشبيها بالفعل في الاستفهام ، لأنه مستقبل مثله. انتهى. والبيت غير موجود في ديوان ابن الخرع ، وإنما هو من قصيدة للكميت بن ثعلبة ، أوردها أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب. انظر خزانة الأدب 4 / 211.

وقوله :

أجّره الرّمح ولا تهاله ...

لما كان قبله فتح اتبع.

فأما قول القائل : ما لم يعلما فقد قيل فيه أنه يريد النون الخفيفة ، وأما قوله لا تهاله فإنه حرك اللام لالتقاء الساكنين ؛ لأنه قد علم أنه لا بد من حذف أو تحريك وكان الباب هنا الحذف وأن تقول لا تهل ولكن فعل ذلك من أجل القافية ؛ لأن الالف لازمة لحرف الروي فرده إلى أصله فالتقى ساكنان الألف واللام التي أسكنت للجزم فحرك اللام بالفتح لفتحة ما قبلها ولما منه الفتح وهي الألف وأدخل الهاء لبيان الحركة وتقول : زرني ولأزرك فتدخل اللام ؛ لأن الأمر لك فإذا كان المأمور مخاطبا.

ففعله مبني غير مجزوم وقد بينا هذا فيما تقدم وقوم من النحويين يزعمون أنّ هذا مجزوم وأن أصل الأمر أن يكون باللام في المخاطب إلا أنه كثر فأسقطوا التاء واللام يعنون أن أصل اضرب لتضرب فأسقطوا اللام والتاء قال محمد بن يزيد وهذا خطأ فاحش ، وذلك ؛ لأن الإعراب لا يدخل من الأفعال إلا فيما كان مضارعا للأسماء وقولك : اضرب وقم ليس فيه شيء من حروف المضارعة ولو كانت فيه لم يكن جزمه إلا بحرف يدخل عليه.

ص: 33

ويروى عن رسول الله أنه قرأ : (فبذلك فلتفرحوا (1)) فإذا لم يكن الأمر للحاضر فلا بد من إدخال اللام تقول : ليقم زيد وتقول : زر زيدا وليزرك إذا كان الأمر لهما جميعا ؛ لأن زيدا غائب فلا يكون الأمر له إلا بإدخال اللام وكذلك إذا قلت : ضرب زيد فأردت الأمر من هذا قلت : ليضرب زيدا ؛ لأن المأمور ليس بمواجه والنحويون يجيزون إضمار هذه اللام للشاعر إذا اضطر وينشدون لمتمم بن نويرة :

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي

لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (2)

أراد : ليبك وقول الآخر :

ص: 34


1- قرأ رويس بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة.
2- قال الأعلم : هذا من أقبح الضرورة ، لأن الجازم أضعف من الجار ، وحرف الجر لا يضمر. وقد قيل : إنه مرفوع حذفت لامه ضرورة ، واكتفي بالكسرة منها. وهذا أسهل في الضرورة وأقرب. وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان ، يقول : سمعت محمد بن يزيد ينشد هذا البيت ، ويلحن قائله ، وقال : أنشده الكوفيون ، ولا يعرف قائله ، ولا يحتج به ، ولا يجوز مثله في شعر ولا غيره ؛ لأن الجازم لا يضمر ؛ ولو جاز هذا ، لجاز يقم زيد ، بمعنى : ليقم. وحروف الجزم لا تضمر ، لأنها أضعف من حروف الخفض ، وحرف الخفض لا يضمر. فبعد أن حكى لنا أبو الحسن هذه الحكاية ، وجدت هذا البيت في كتاب سيبويه يقول فيه : وحدثني أبو الخطاب أنه سمع هذا البيت ممن قاله. قال أبو إسحاق الزجاج احتجاجا لسيبويه : في هذا البيت حذف اللام ، أي : لتفد. قال : وإنما سماه إضمارا ، لأنه بمنزلته. وأما قوله : أو يبك من بكى ، فهذا البيت لفصيح ، وليس هذا مثل الأول ، وإن كان سيبويه قد جمع بينهما. وذلك أن المعطوف يعطف على اللفظ وعلى المعنى ، فعطف الشاعر على المعنى ، لأن الأصل في الأمر أن يكون باللام ، فحذفت تخفيفا ، والأصل : فلتخمشي ، فلما اضطر الشاعر عطف على المعنى ، فكأنه قال : فلتخمشي ، ويبك ، فيكون الثاني معطوفا على معنى الأول. والبعوضة : موضع بعينه قتل في رجال من قومه ، فحض على البكاء عليهم. وحذا ابن هشام في المغنى هذا الحذو ، وقال : وهذا الذي منعه المبرد أجازه الكسائي في الكلام ، بشرط تقدم قل ، وجعل منه : "قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ" ، أي : ليقيموا. انظر خزانة الأدب 3 / 283.

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من شيء تبالا

قال أبو العباس : ولا أرى ذا على ما قالوا : لأن عوامل الأفعال لا تضمر وأضعفها الجازمة ؛ لأن الجزم في الأفعال نظير الخفض في الأسماء ولكن بيت متمم يحمل على المعنى ؛ لأنه إذا قال : فاخمشي فهو في موضع فلتخمشي فعطف الثاني على المعنى.

وأما هذا البيت الأخير فليس بمعروف على أنه في كتاب سيبويه على ما ذكرت لك وتقول : ليقم زيد ويقعد خالد وينطلق عبد الله لأنك عطفت على اللام.

ولو قلت : قم ويقعد زيد لم يجز الجزم في الكلام.

ولكن لو اضطر إليه الشاعر فحمله على موضع الأول ؛ لأنه مما كان حقه اللام جاز وتقول : لا يقم زيد ولا يقعد عبد الله لأنك عطفت نهيا على نهي ، فإن شئت قلت : لا يقم زيد ويقعد عبد الله وهو بإعادتك (لا) أوضح لأنك إذا قلت : لا يقم زيد ولا يقعد عبد الله تبين أنك قد نهيت كل واحد منهما على حياله فإذا قلت : لا يقم زيد ويقعد عبد الله بغير (لا) ففيه أوجه : قد يجوز أن يقع عند السامع أنك أردت لا يجتمع هذان ، فإن قعد عبد الله ولم يقم زيد لم يكن المأمور مخالفا وكذلك إن لم يقم زيد وقعد عبد الله.

ووجه الاجتماع إذا قصدته أن تقول : لا يقم زيد ويقصد عبد الله ، أي : لا يجتمع قيام عبد الله وأن يقعد زيد (فلا) المؤكدة تدخل في النفي لمعنى تقول : ما جاءني زيد ولا عمرو إذا أردت أنه لم يأتك واحد منهما على الإنفراد ولا مع صاحبه لأنك لو قلت : لم يأتني زيد وعمرو وقد أتاك أحدهما لم تكن كاذبا (فلا) في قولك : لا يقم زيد ولا يقعد عمرو يجوز أن تكون التي للنهي وتكون المؤكدة التي تقع لما ذكرت لك في كل نفي.

واعلم أن الطلب من النهي بمنزلته من الأمر يجري على لفظه وتقول ائتني أكرمك وأين بيتك أزرك وهل تأتيني أعطك وأحسن إليك ؛ لأن المعنى : فإنّك إن تفعل أفعل فأما قول الله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ثم قال :

ص: 35

(تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ،) فإن أبا العباس رحمه الله يقول : ليس هذا الجواب ولكنه شرح ما دعوا إليه والجواب : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ) [الشعراء : 10 - 12].

فإن قال قائل : فهلا كان الشرح (أن تؤمنوا) ؛ لأنه بدل من تجارة؟ فالجواب في ذلك : أن الفعل يكون دليلا على مصدره فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه ألا ترى أنهم يقولون : من كذب كان شرا له يريدون : كان الكذب.

وقال الله عز وجل : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : 180] ؛ لأن المعنى البخل خير لهم فدل عليه بقوله : (يَبْخَلُونَ) وقال الشاعر :

ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

المعنى : عن أن أحضر الوغى فأن والفعل كقولك : عن حضور الوغى فلما ذكر (أحضر) دل على الحضور وقد نصبه قوم على إضمار (أن) وقدموا الرفع.

فأما الرفع فلأن الفعل لا يضمر عامله فإذا حذف رفع الفعل وكان دالا على مصدره بمنزلة الآية.

وهي : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ثم قال : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ،) وذلك لو قال قائل : ما يصنع زيد؟ فقلت : يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول : الأكل والصلاة.

ألا ترى أنّ الفعل إنّما مفعوله اللازم له إنما هو مصدره ؛ لأن قولك : قد قام زيد بمنزلة قولك : قد كان منه قيام.

فأما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع ولكنهم أجازوا معه النصب ؛ لأن المعنى (بأن) وقد أبان ذلك بقوله فيما بعده (وأن أشهد) فجعله بمنزلة الأسماء التي تجيء بعضها محذوفا للدليل عليه ، وفي كتاب الله عز وجل : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الرحمن : 29] قال :

والقول عندنا أنّ (من) مشتملة على الجميع لأنها تقع للجميع على لفظها للواحد.

وقد ذهب هؤلاء إلى أن المعنى : ومن في الأرض وليس القول عندي كما قالوا.

ص: 36

وقالوا في بيت حسان بن ثابت :

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

إنما المعنى : ومن يمدحه وينصره وليس الأمر عند أهل النظر كذلك ولكنه جعل (من) نكرة وجعل الفعل وصفا لها ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف فكأنه قال : وواحد يمدحه وينصره ؛ لأن الوصف يقع موضع الموصوف إذا كان دالا عليه.

وعلى هذا قول الله عز وجل : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : 159] وقال الشاعر :

كأنّك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (1)

يريد : كأنك جمل ولذلك قال : يقعقع خلف رجليه. وقال في أشد من ذا :

ص: 37


1- على أن حذف الموصوف هنا بدون أن يكون بعضا من مجرور بمن أو في لضرورة الشعر ، والتقدير : كأنك جمل بني أقيش. وهذا مثال لقيام الظروف مقام الموصوف لضرورة الشعر ، والبيتان قبله لقيام الجملة مقامه كذلك. وقد أورده ابن الناظم والمرادي في شرح الألفية كما أورده الشارح المحقق. وفيه أن البيت من القسم الأول ، وهو أن الموصوف بالجملة أو الظرف إذا كان بعضا من مجرور بمن أو في يجوز حذفه كثيرا. وبيانه أن الموصوف يقدر هنا قبل يقعقع ، والجملة صفة له ، أي : كأنك جمل يقعقع ، وهو بعض من المجرور بمن ، ويكون قوله من جمال بني أقيش حالا من ضمير يقعقع الراجع إلى جمل المحذوف. وقد أورده الزمخشري في المفصل وصاحب اللباب فيما يجوز حذف الموصوف منه ، إلا أنهما جعلاه خبرا لكان كالشارح المحقق. وهما في ذلك تابعان لسيبويه ، فإنه قال في باب حذف المستثنى استخفافا ، قال : وذلك قولك ليس غير ، وليس إلا ، كأنه قال : ليس إلا ذاك وليس غير ذاك ، ولكنه حذفوا ذلك تخفيفا واكتفاء بعلم المخاطب ما يعنى. وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول : ما منهما مات حتى رأيته فيي حال كذا ، وإنما يريد ما منهما واحد مات. ومثل ذلك قوله تعالى جده : "وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ" ، ومثل ذلك من الشعر : كأنّك من جمال بني أقيش أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش. انظر خزانة الأدب 2 / 137.

ما لك عندي غير سهم وحجر

وغير كبداء شديدة الوتر

جادت بكفّي كان من أرمى البشر (1)

قال أبو بكر : وهذا كله قول أبي العباس ومذهبه.

ص: 38


1- على أن جملة كان مع ضميره المستتر صفة لموصوف محذوف ضرورة ، أي : بكفي رجل أو إنسان كان. والأولى بكفي رام ، للقرينة. قال ثعلب في أماليه : لم أسمع من في موضع الاسم إلا في ثلاثة مواضع ، قوله : جادت بكفي كان من أرمى البشر وقوله : ألا ربّ منهم من يقوم بمالكا وقوله : ألا ربّ منهم دارع وهو أشوس انتهى. وإنما قال لم أسمع لأن كان فعل ، ورب حرف ، ولا يليهما إلا الأسماء. وبهذا يستدل على حرفية من التبعيضية ، لأن رب لا تجر إلا النكرة. وأقول : لو لا وقوع هذا الموصوف مضافا إليه هنا لجاز أن يكون من قبيل : وكلمتها ثنتين كالماء منهما وقال ابن جني في الخصائص : روي أيضا بفتح ميم من أي : بكفي من هو أرمى البشر ، وكان على هذا زائدة. انتهى. أقول : جعل من على هذه الرواية نكرة موصوفة أولى من جعلها موصولة. وقوله : مالك عندي الخ ، لك : ظرف مستقر ، وغير : فاعله ، وعندي : متعلق بلك. وكبداء أي : قوس كبداء ، وهي التي يملأ الكف مقبضها. وجادت أي : أحسنت. وهذه رواية ثعلب وابن جني وغيرهما ، ووقع في رواية ابن هشام في المغني : ترمي بدل جدل جادت ، ويروي في بعض نسخ هذا الشرح كانت ، وهذا لا يناسب المعنى. انظر خزانة الأدب 2 / 136.

فصل من مسائل الجواب بالفاء

يقول : (هل يقوم زيد فتكرمه) يجوز الرفع والنصب النصب على الجواب والرفع على العطف وقال الله عز وجل : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ) [الحديد : 11] يقرأ بالرفع والنصب وتقول : ما أنت الذي تقوم فتقوم إليه الرفع والنصب فالرفع على النسق والنصب على الجواب وتقول : من ذا الذي يقوم فيقوم إليه زيد الرفع والنصب وقوم يجيزون توسط الفاء في الجزاء فيقولون : هل تضرب فيأتيك زيد وهو عندي في الجزاء كما قالوا : لأن ما بعد الفاء إذا نصب فهو مع ما قبله من جملة واحدة والجزاء وجوابه جملتان تنفصل كلّ واحدة منهما عن صاحبتها.

فلا يجوز أن يختلطا ، فإن قال قائل : ينبغي أن يكون غير جائز عليمذهبكم من قبل أن التقدير عندكم : هل يقع ضرب زيدا فإتيانك فلو أجزت (زيدا) في هذه المسألة لم يجز ؛ لأنه في صلة (ضرب) فلا يجوز أن تفصل بين الصلة والموصول بشيء فالجواب في ذلك أنك إذا قلت :

هل تضرب فيأتيك زيدا فإنما العطف على مصدر يدل عليه (يضرب) فأغنى عنه وعلى ذلك فينبغي أن لا يجري على التقديم والتأخير في مثل هذا إلا أن يسمع نحوه من العرب ؛ لأنه قد خولف به الكلام للمعنى الحادث ، وإذا أزيل الكلام عن جهته لمعنى فحقه أن لا يزال بضده ولا يتصرف فيه التصرف الذي له في الأصل إلا أن يقول العرب شيئا فتقوله والفراء يقول :

إنما نصبوا الجواب بالفاء ؛ لأن المعنى كان جوابا بالجواب.

فلما لم يؤت بالجزاء فينسق على غير شكله فنصب مثل قولك : هل تقوم فأقوم وما قمت فأقوم إنما التأويل لو قمت لقمت وشبهه بقولهم : لو تركت والأسد لأكلك.

وتقول : لا يسعني شيء ويضيق عنك ، لم يحسن التكرير فنصبت وقال بعضهم : إنما نصب الجواب بالفاء ، وإن لا تلي إلا المستقبل فشبه (بأن) والفاء في الجزاء تلي كل شيء فبطلت والذي يجيزون توسط الجواب يقولون : ما زيد فنأتيه بمذنب يجيزون النصب ولا يجيزون الرفع ولا يجوز أن تقول : ما زيد نأتيه إلا أن تريد الاستفهام.

ص: 39

واعلم أنه لا يجوز أن تلي الفاء (ما) ولا شيء مما يكون جوابا وفي كتاب سيبويه في هذا الباب مسألة مشكلة وأنا ذاكر لفظه وما يجب فيها من السؤال والجواب عنه.

قال سيبويه : لا تدن من الأسد يأكلك قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سببا لأكله ، فإن رفعت فالكلام حسن ، فإن أدخلت الفاء فحسن ، وذلك قولك : لا تدن منه فيأكلك وليس كل موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء ألا ترى أنه يقول : ما أتيتنا فتحدثنا والجزاء هاهنا محال وإنما قبح الجزم في هذا ؛ لأنه لا يجىء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء فمما يسأل عنه في هذا أن يقال : لم حسن مع الفاء النصب وقبح في الجزم ولم يفصل بينهما سيبويه بشيء قبحه فالجواب في ذلك أن الفرق بين المنصوب والمجرور أنك إذا جزمت إنما تقدر مع حرف الجزاء الفعل الذي ظهر ، وإن كان أمرا قدرت فعلا موجبا ، وإن كان نهيا قدرت فعلا منفيا ألا ترى أنك إذا قلت : قم أعطك فالتأويل : إن تقم أعطك ، وإذا قلت لا تقم أعطك.

فالتأويل : إلّا تقم أعطك فالإيجاب نظير الأمر والنفي نظير النهي ؛ لأن النهي نفي فهذا الجزاء على أنه لم ينقل فيه فعل إلى اسم ولا يستدل فيه بفعل على اسم ثم عطف عليه ، وإن قال : ما تأتيني فتحدثني فما بعد الفاء في تقدير اسم قد عطف على اسم دل عليه (تأتيني) ؛ لأن الأفعال تدل على مصادرها وكذلك إذا قال : لا تفعل فأضربك فالتأويل على ما قال سيبويه : أن المنصوب معطوف على اسم كأنه إذا قال : ليس تأتيني.

فتحدثني قال : ليس إتيان فحديث ، وإذا قال : لا تفعل فتضرب قد قال : لا يكن فعل فتضرب وهذا تمثيل وقد فسره وقواه ودل على أن الثاني المنصوب من الجملة الأولى ، وإن كانت الأولى مسألة.

قال : اعلم أن ما ينتصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحد وكل ذلك على إضمار (أن) إلا أن المعاني مختلفة كما أن قولك : (يعلم الله) يرتفع كما يرتفع : يذهب زيد وعلم الله يفتح كما يفتح : ذهب زيد وفيها معنى اليمين قال : فالنصب هنا كأنك قلت : لم يكن إتيان ، فإن تحدث والمعنى غير ذلك كما أن معنى : علم الله لأفعلن غير معنى : رزق الله ، فإن (تحدث)

ص: 40

في اللفظ فمرفوعة بيكن ؛ لأن المعنى لم يكن إتيان فيكون حديث فقوله مرفوعة يدل على أن الفاء عاطفة عطفت اسما على اسم والكلام جملة واحدة ومن شأن العرب إذا أزالوا الكلام عن أصله إلى شيء آخر غيروا لفظه وحذفوا منه شيئا وألزموه موضعا واحدا إذا لم يأتوا بحرف يدلّ على ذلك المعنى ولم يصرفوه وجعلوه كالمثل ليكون ذلك دليلا لهم على أنهم خالفوا به أصل الكلام فقد دل ما قال سيبويه : على أن النفي والنهي إنما وقعا على المصدرين اللذين دل عليهما الفعلان ويقوى أن الفاء للعطف إذا نصبت ما بعدها الواو إن قصتها في النصب وهما للعطف ، فإن قال قائل : فلم جاءوا بالفعل بعد الفاء وهم يريدون الاسم قيل : لأن الظاهر الذي عطف عليه فعل.

فكان الأحسن أن يعطف فعل على فعل ويغير اللفظ فيكون ذلك التغيير دليلا على المصدرين ألا تراهم في النفي كما قالوا : لا أبالك فأضافوا إلى المعرفة أقحموا اللام ليشبه النكرة والمعطوف بالفاء والواو وغيرهما على ما قبله يجوز أن يكون ما قبله سببا له ويجوز أن لا يكون سببا له إذا كان لفظه كلفظه نحو قولك : يقوم زيد فيضرب ويقوم ويضرب وزيد يقوم فيقعد عمرو.

فيجوز أن يكون القيام سببا للضرب ويجوز أن لا يكون إلا أن الفاء معناه اتباع الثاني الأول بلا مهلة فإذا أرادوا أن يجعلوا الفعل سببا للثاني جاءوا به في الجزاء وفيما ضارع الجزاء وجميع هذه المواضع يصلح فيها المعنى الذي فيها من الإتباع ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر فعطف على الفعل الواجب الذي على غير شرط بالفاء وكان الأول سببا للثاني نصب كما قال :

سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

جعل لحاقه بالحجاز سببا لأستراحته فتقديره لما نصب كأنه قال : يكون لحاق فاستراحة وقد جاء مثله في الشعر أبيات لقوم فصحاء إلّا أنه قبيح أن تنصب وتعطف على الواجب الذي على غير شعر وألحق بالحجاز فإذا لحقت استرحت ، وإن ألحق أسترح ومع ذلك ، فإن الإيجاب على غير الشرط أصل الكلام وإزالة اللفظ عن جهته في الفروع أحسن منها في الأصول لأنها

ص: 41

أدلّ على المعاني ألا ترى أنهم جازوا بحرف الاستفهام والاستفهام وإنما جازوا بالأخبار لأفعال المستفهم عنها فقال أين بيتك يراد به أعلمني.

والعطف بالفاء مضارع للجزاء ؛ لأن الأول سبب للثاني وهو مخالف له من قبل عقده عقد جملة واحدة ألا ترى أنهم مثلوا ما تأتينا فتحدثنا في بعض وجوهها بما يأتينا محدثنا ، فإن قلت : لا تعص فتدخل النار فالنهي هو النفي كما عرفتك فصار بمنزلة قولك : ما تعصي فتدخل النار فقد نفيت العصيان الذي يتبعه دخول النار. وكذلك قد نهيت عنه.

فالنهي قد اشتمل على الجميع إلا أن فيه من المعنى في النصب ما ذكرنا ، فإن قلت : قم فاعطيك فالمعنى ليكن منك قيام يوجب عطيتي وكذلك اقعد فتستريح أي : ليكن منك قعود تتبعه راحة فيقرب معناه من الجزاء إذا قلت : قم أعطك أي إن تقم أعطك ، وإذا دخلت الفاء في جواب الجزاء فهي غير عاطفة إلّا أنّ معناها الذاتي يخصها تفارقه إنها تتبع ما بعدها ما قبلها في كلّ موضع وقال الشاعر في جواب الأمر :

يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا

فقد جعل سير ناقته سببا لراحته فكأنه قال : ليكن منك سير يوجب راحتنا وهذا مضارع لقوله : إن تسيري نستريح ولذلك سمى النحويون ما عطف بالفاء ونصب جوابا لشبهه بجواب الجزاء وكذلك إذا قال : أدن من الأسد يأكلك فهو مضارع لقوله : ادن من الأسد فيأكلك ؛ لأن معنى ذاك إن تدن من الأسد يأكلك ومعنى هذا : ليكن منك دنو من الأسد يوجب أكلك أو يتبعه أكلك إلّا أنّ هذا مما لا يؤمر به ؛ لأن من شأن الناس النهي عن مثل ذلك لا الأمر به ، فإن أردت ذاك جاز فإذا قلت : لا تدن من الأسد يأكلك لم يجز ؛ لأن المعنى :أنك تدن من الأسد يأكلك لم يكن إلّا على المجاز ، وإن السامع يعلم ما تعني ؛ لأن المعنى : إلّا تدن من الأسد يأكلك وهذا محال ؛ لأن البعد لا يوجب الأكل فإذا قلت : لا تدن من الأسد فيأكلك جاز ؛ لأن النهي مشتمل في المعنى على الجميع كأنه قال : لا يكن منك دنو من الأسد.

يوجب أكلك أو يتبعه أكلك وكذلك قوله : ما تدنو من الأسد فيأكلك هو مثل لا تدن لا فرق بينهما.

ص: 42

وفي الجزاء قد جعل نفي الدنّو موجبا للأكل.

واعلم أنّ كل نفي معنى تحقيق للإيجاب بالفاء نحو : ما زال ولم يزل لا تقول : ما زال زيد قائما فأعطيك وإنما صار النفي في معنى الإيجاب من أجل أنّ قولهم زال بغير ذكر ما في معنى النفي لأنك تريد عدم الخبر فكأنك لو قلت : زال زيد قائما لكان المعنى زال قيامه فهو ضد كان زيد قائما وكان وأخواتها إنما الفائدة في أخبارها والإيجاب والنفي يقع على الأخبار فلما كان زال بمعنى : ما كان ثم أدخلت (ما) صار إيجابا ؛ لأن نفي النفي إيجاب فلذلك لم يجز أن يجاب بالفاء وقوم يجيزون أنت غير قائم فتأتيك.

قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز لأنّا إنما نعطف المنصوب على مصدر يدلّ عليه الفعل فيكون حرف النفي منفصلا وغير اسم مضاف وليست بحرف فتقول : ما قام زيد فيحسن إلّا حمد وما قام فيأكل إلا طعامه قال الشاعر :

وما قام منّا قائم في نديّنا

فينطق إلا بالّتي هى أعرف (1)

ص: 43


1- على أن النفي بالمعنى الثاني ، وهو أن يرجع النفي لما بعد الفاء ، كثير الاستعمال كما في البيت ، فإن النفي منصب على ينطق في المعنى ، وقام مثبت في تأويل المستقبل ، لمناسبة المعطوف. ولهذا قال الشارح المحقق : أي يقوم ، ولا يقوم إلا بالتي هي أعرف. وإنما جعل النفي هنا بالمعنى الثاني لأجل الاستثناء ، فإن الاستثناء المفرغ لا يكون إلا مع النفي ، فلما اعتبر في ينطق صح التفريغ. وجوز صاحب اللباب أن يكون النفي في البيت على ظاهره من القسم الأول. قال في باب الاستثناء : والمفرغ لا يكون إلا في الإثبات. إلى أن قال : ويجوز فيما هو جواب النفي. وأنشد هذا البيت. قال الفالي في شرحه : لا يقال ينبغي أن لا يجوز ، لأن قولك فينطق مثبت ، ولا يصح المفرغ في المثبت ، لأن قوله : فينطق بالنصب بأن المضمرة ، والتقدير : فأن ينطق ، وهذا المصدر معطوف على مصدر منتزع من الأول ، وهو قام ، أي : ما يكون قيام فنطق. فحكم النفي منسحب على القيام والنطق. فالنطق في المعنى منفيّ فيصح الاستثناء المفرغ فيه. ونظيره : ما تأتينا فتحدثنا ، بالنصب ، أي : ما يكون منك إتيان فتحديث على نفي المركب ، أي : ما يكون منك إتيان كثير ، ولا تحديث عقيبه. وهذا نص سيبويه في باب الفاء ، قال : وتقول ما أتيتنا فتحدثنا ، والنصب فيه كالنصب في الأول ، وإن شئت رفعت على معنى فأنت تحدثنا الساعة. والرفع فيه يجوز على ما. وإنما اختير النصب لأن الوجه هاهنا ، وحد الكلام أن تقول : ما أتيتنا فحدثتنا ، فلما صرفوه عن هذا الحد ضعف أن يضموا يفعل إلى فعلت ، فحملوه على الاسم ، كما لم يجز أن يضموا إلى الاسم في قولهم : ما أنت منا فتنصرنا يعني أنت ونحوه. وأما الذين رفعوه ، فحملوه على موضع أتيتنا ، لأن أتيتنا في موضع فعل مرفوع ، وتحدثنا هاهنا في موضع حدثتنا. وتقول : ما تأتينا فتكلم إلا بالجميل. فالمعنى : إنك لم تأتنا إلا تكلمت بجميل. ونصبه على إضمار أن كما كان نصب ما قبله على إضمار أن. وإن شئت رفعت على الشركة ، كأنه قال : وما تكلم إلا بالجميل. انظر خزانة الأدب 3 / 268.

تقول : ألا سيف فأكون أول مقاتل وليت لي مالا فأعينك.

وقوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ)(1) [الأنعام : 27] كان حمزة ينصب ؛ لأنه اعتبر قراءة ابن مسعود الذي كان يقرأ بالفاء وينصب.

ص: 44


1- قرأ حمزة ، وحفص : (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ) بنصب الياء والنون ، جعلاه جواب التمني ؛ لأن الجواب بالواو ينصب كما ينصب بالفاء ، قال الشاعر : لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وكما تقول : ليتك تصير إلينا ونكرمك. المعنى : ليت مصيرك يقع وإكرامنا ، ويكون المعنى : ليت ردنا وقع ، ولا نكذب ؛ أي : إن رددنا لم نكذب. وقرأ ابن عامر : يا ليتنا نرد ولا نكذب بالرفع ، ونكون بالنصب ، جعل الأول نسقا ، والثاني جوابا ؛ كأنه قال : ونحن لا نكذب ، ثم رد الجواب إلى (يا لَيْتَنا.) المعنى : يا ليتنا نرد فنكون من المؤمنين. وحجته قوله : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ....) وقرأ الباقون : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ) بالرفع فيهما ، جعلوا الكلام منقطعا عن الأول. قال الزجاج المعنى : أنهم تمنوا الرد ، وضمنوا أنهم لا يكذبون. المعنى : يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أم لم نرد ، ونكون من المؤمنين ؛ أي : عانينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا ، قال : ويجوز الرفع على وجه آخر على معنى : يا ليتنا نرد ، ويا ليتنا لا نكذب بآيات ربنا ؛ كأنهم تمنوا الرد والتوفيق للتصديق. [حجة القراءات : 1 / 246]

والفراء يختار في الواو والفاء الرفع ؛ لأن المعنى : يا ليتنا نرد ولسنا نكذب استأنف ومن مسائلهم لعلّي سأحجّ فأزورك ولعلك تشتمنا فأقوم إليك ويقولون (لعل) تجاب إذا كانت استفهاما أو شكا وأصحابنا لا يعرفون الاستفهام بلعل وتقول : إنّما هي ضربة من الأسد فتحطم ظهره كأنه قال : إنّما هي ضربة فحطمه فأضمر (أن) ليعطف مصدرا على مصدر وقالوا : الأمر من ينصب الجواب فيه والنهي يجاب بالفاء ؛ لأنه بمنزلة النفي ويجوز النسق.

وقالوا : العرب تذهب بالأمر إلى الإستهزاء والنهي فتنصب الجواب فيقولون : استأذن فيؤذن لك أي لا تستأذن وتحرك فأصبنك قالوا : والعرب تحذف الفعل الأول مع الاستفهام للجواب ومعرفة الكلام فيقولون : متى فأسير معك وأجازوا : متى فآتيك تخرج ولم فأسير تسر وقالوا : كأنّ ينصب الجواب معها وليس بالوجه وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه نحو قولك : (كأنّك وال علينا فتشتمنا) والمعنى : لست واليا علينا فتشتمنا ، وتقول : أريد أن آتيك فأستشيرك ؛ لأنك تريد إتيانه ومشورته جميعا.

فلذلك عطفت على (أن) ، فإن قلت أريد أن آتيك فيمنعني الشغل رفعت لأنك لا تريد منع الشغل ، فإن أردت ذلك نصبت وقالوا : (لو لا) إذا وليت فعلا فهي بمنزلة هلّا ولو ما تكون استفهاما وتجاب بالفاء ، وإذا وليت الأسماء لم ينسق عليها بلا ولم تجب بالفاء وكانت خبرا نحو قوله : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : 31] و (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) [المنافقون : 10] وقالوا : الإختيار في الواجب منها الرفع وقد نصب منها الجواب قال الشاعر :

ولو نبش المقابر عن كليب

فيعلم بالذّنائب أيّ زير (1)

ص: 45


1- قد يدّعى أنّ لو التي للتمني شرطية أشربت معنى التمنّي ، كما نقله في المغني عن بعضهم ، وصحّحه أبو حيان في الارتشاف ، وذلك لأنهم جمعوا لها بين جوابين : جواب منصوب بعد الفاء ، وجواب باللام كقوله : الوافر : فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذّنائب أيّ زير بيوم الشّعثمين لقرّ عينا وكيف لقاء من تحت القبور فلعله يختار هذا القول ، فتبجّحه على مختاره. فقول ابن الحاجب : ليس من ذا الباب ، أي : من باب لو الشرطية ، ممنوع عنده. انتهى. انظر خزانة الأدب 4 / 186.

ذهب به مذهب (ليت) والكلام الرفع في قوله عز وجل : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : 9].

واعلم أن الأسماء التي سمى بها الأمر وسائر الألفاظ التي أقيمت مقام فعل الأمر وليست بفعل لا يجوز أن تجاب بالفاء نحو قولك : تراكها ونزال ودونك زيدا وعليك زيدا لا يجاب ؛ لأنه لا ينهى به.

وكذلك إليك لا يجاب بالفاء ؛ لأنه لم يظهر فعل ومه وصه كذلك.

قالوا : الدعاء أيضا لا يجاب نحو قولك : ليغفر الله وغفر الله لك والكسائي يجيز الجواب في ذلك كله ، وأما الفراء فقال في الدعاء : إنّما يكون مع الشروط : غفر الله لك إن اسلمت ، وإن قلت : غفر الله لك فيدخلك الجنة جاز وهو عندي في الدعاء جائز إذا كان في لفظ الأمر لا فرق بينهما ولا يكون للفاء جواب ثان ولا لشيء جوابان.

وأما قوله عز وجل : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام : 52].

إنما هو : ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم فتكون جواب (لا) وقوله : فتطردهم جواب (ما) وتقول : ما قام أحد إلا زيد فتحسن إليه إن كانت الهاء لأحد فجائز ؛ لأن التقدير ما قام أحد فيحسن إليه ، وإن كانت الفاء لزيد فخطأ ؛ لأن الموجب لا يكون له جواب والاستثناء إذا جاء بعد النفي فالمستثنى موجب.

وكذلك إن قلت : ما قام إلّا زيد فتحسن إليه محال ؛ لأن التحقيق لا جواب له.

ص: 46

فصل من مسائل المجازاة

إذا شغلت حروف المجازاة بحرف سواها لم تجزم نحو : إن وكان ، وإذا عمل في حرف المجازاة الشيء الذي عمل فيه الحرف لم يغيره نحو قولك : من تضرب يضرب ، وأيا تضرب يضرب ، فمن وأي قد عملت في الفعل وعمل الفعل فيهما.

واعلم أنه لا يجوز الجواب بالواو ولو قلت : من يخرج الدلو له درهمان رفعت (يخرج) وصار استفهاما ، وإن جزمت لم يجز إلا بالفاء وتقول : من كان يأتينا وأيّ كان يأتينا نأتيه أذهبت المجازاة لأنك قد شغلت (أيا ومن) عن (يأتينا).

وحكى الأخفش : (كنت ومن يأتني آته) يجعلون الواو زائدة في (باب كان) خاصة ، وإن توصل (بما) فتقول : أمّا تقم أقم تدغم النون في الميم وتوصل (بلا) تقول : ألا تقم أقم إلا أن (ما) زائدة للتوكيد فقط و (لا) دخلت للنفي والكوفيون يقولون : إذا وليت أنّ الأسماء فتحت يقولون أما زيد قائما تقم ، وإن شرط للفعل وقال الكسائي : إن شرط والجزاء الفعل الثاني وهذا الذي ذكره الفراء مخالف لمعنى الكلام وما يجب من ترتيبه وللإستعمال ، وذلك أنّ كل شيء يكون سببا لشيء أو علة له فينبغي أن تقدم فيه العلة على المعلول فإذا قلت : إن تأتني أعطك درهما فالإتيان سبب للعطية به يستوجبها فينبغي أن يتقدم وكذلك إذا قلت : إن تعص الله تدخل النّار فالعصيان سبب لدخول النار فينبغي أن يتقدم فأما قولهم : أجيئك إن جئتني وإنك إن تأتني فالذي عندنا أن هذا الجواب محذوف كفى عنه الفعل المقدم وإنّما يستعمل هذا على جهتين : إما أن يضطر إليه الشاعر فيقدم الجزاء للضرورة وحقه التأخير وإما أن تذكر الجزاء بغير شرط ولا نية فيه فتقول : أجيئك فيعدك بذلك على كل حال ثم يبدو له ألا يجيئك بسبب فتقول : إن جئتني ويستغنى عن الجواب بما قدم فيشبه الاستثناء وتقول : اضرب إن تضرب زيدا تنصب زيدا بأي الفعلين شئت ما لم يلبس فإذا قدمت فقلت : اضرب زيدا إن تضرب فإنما تنصب زيدا بالأول ولا تنصب بالثاني ؛ لأن الذي ينتصب بما بعد الشروط لا

ص: 47

يتقدم وكذلك يقول الفراء ولا يجوز عنده إذا قلت : أقوم كي تضرب زيدا أن تقول : أقوم زيدا كي تضرب والكسائي يجيزه وينشد :

وشفاء غيّك خابرا أن تسألي (1)

وقال الفراء : (خابرا) حال من النفي : قمت كي تقوم وأقوم كي تقوم فهذا خلاف الجزاء ؛ لأن الأول ، وإن كان سببا للثاني فقد يكون واقعا ماضيا والجزاء ليس كذلك وهم يخلطون بالجزاء كل فعل يكون سببا لفعل والبصريون يقتصرون باسم الجزاء على ما كان له شرط وكان جوابه مجزوما وكان لما يستقبل.

ص: 48


1- على أن تقدم خابرا على أن نادر ، أو هو منصوب بفعل يدل عليه المذكور ، والتقدير : تسألين خابرا. ولم يذكر التخريج الثاني في البيت الذي قبله ، لأنه لا يتأتى هنا ، فإن خابرا منصوب. قال ابن السراج في الأصول : ولا يجوز عند الفراء إذا قلت أقوم كي تضرب زيدا : أقوم زيدا كي تضرب. والكسائي يجيزه ، وينشد : وشفاء غيك خابرا أن تسألي وقال الفراء : خابرا حال من الغي. ونقله صاحب اللباب ، فقال : ولا يجوز : قمت زيدا كي أضرب ، كما لا يجوز : أريد زيدا أن أضرب ، خلافا للكسائي. وقوله : وشفاء غيك خابرا أن تسألي مما يعضد مذهبه. والفراء يجعل المنصوب حالا من الغي على ما حكاه ابن السراج. وقول الفراء في البيت لا وجه له ، فإن خابرا اسم فاعل من خبرته أخبره ، من باب نصر ، خبرا بالضم ، إذا علمته. وهو بالخاء المعجمة والباء الموحدة. فالخابر : العالم. والغي ، بفتح الغين المعجمة : مصدر غوى غيا ، من باب ضرب ، أي : انهمك في الجهل ، وهو خلاف الرشد ، والاسم الغواية بالفتح. والمصراع عجز ، وصدره : هلا سألت وخبر قوم عندهم وشفاء غيك خابرا أن تسألي انظر خزانة الأدب 3 / 237.

وتقول : إن لم تقم قمت فلم في الأصل تقلب المستقبل إلى الماضي لأنها تنفي ما مضى فإذا أدخلت عليها إن أحالت الماضي إلى المستقبل ، وأما (لا) فتدع الكلام بحا إلا ما تحدثه من النفي تقول : إن لا تقم أقم ، وإن لا تقم وتحسن آتك وقوم يجيزون : إن لا تقم وأحسنت آتك ويقولون : إذا أردت الإتيان بالنسق جاز فيه الماضي فإذا قلت : إن لم تقم وتحسن آتك جاز معه الماضي إذا كان الأول بتأويل الماضي تقول : إن لم تقم ورغبت فينا نأتك وتقول : إن تقم فأقوم فترفع إذا أدخلت الفاء ؛ لأن ما بعد الفاء استئناف يقع قيه كل الكلام فالجواب حقه أن يكون على قدر الأول إن كان ماضيا فالجواب ماض ، وإن كان مستقبلا فكذلك.

وتقول : إن تقم وتحسن آتك تريد : إن تجمع مع قيامك إحسانا آتك وكذلك : إن تقم تحسن آتك تريد : إن تقم محسنا. ولم ترد : إن تقم ، وإن تحسن آتك وهذا النصب يسميه الكوفيون الصرف لأنّهم صرفوه على النسق إلى معنى غيره وكذلك في الجواب تقول : إن تقم آتك وأحسن إليك ، وإن تقم أنك فأحسن إليك ، وإذا قلت : أقوم إن تقم فنسقت بفعل عليها ، فإن كان من شكل الأول رفعته ، وإن كان من شكل الثاني ففيه ثلاثة أوجه : الجزم على النسق على (إن) والنصب على الصرف والرفع على الإستئناف فأمّا ما شاكل الأول فقولك : تحمد إن تأمر بالمعروف وتؤجر ؛ لأنه من شكل تحمد فهذا الرفع فيه لا غير ، وأما ما يكون للثاني فقولك تحمد إن تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر فيكون فيه ثلاثة أوجه : فإن نسقت بفعل يصلح للأول ففيه أربعة أوجه : الرفع من جهتين : نسقا على الأول وعلى الاستئناف والجزم والنصب على الصرف وقال قوم : يرد بعد الجزاء فعل على يفعل ويفعل على فعل نحو قولك : آتيك إن تأتني وأحسنت ، وإن أحسنت وتأتني والوجه الاتفاق ، وإذا جئت بفعلين لا نسق معهما فلك أن تجعل الثاني حالا أو بدلا والكوفيون يقولون موضع بدل مترجما أو تكريرا ، فإن كررت جزمت ، وإن كان حالا رفعته وهو موضع نصب إذا ردّ إلى اسم الفاعل نصب فأما الحال فقولك : إن تأتني تطلب ما عندي أحسن إليك تريد : طالبا والتكرير مثل قولك : إن تأتني تأتني تريد الخير أعطك والبدل مثل قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ثم فسر فقال :(يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) [الفرقان : 68 - 69] وكذلك إن تبرر أباك تصل رحمك تفعل ذاك لله

ص: 49

تؤجر إذا ترجمت عن الأفعال بفعل ولا يجوز البدل في الفعل إلا أن يكون الثاني من معنى الأول نحو قولك : إن تأتني تمشي أمش معك ؛ لأن المشي ضرب من الإتيان ولو قلت : إن تأتني تضحك معي آتك فجزمت تضحك لم يجز.

قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله عز وجل : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) [الروم : 51] فقال المعنى : ليظلّنّ ، وكذلك (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : 145] وإنما يقع ما بعدها من الماضي في معنى المستقبل لأنها مجازاة نظير ذلك : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما) [فاطر : 41] أي : لا يمسكهما وقال محمد بن يزيد رحمه الله : وأما قوله : والله لا فعلت ذاك أبدا فإنه لو أراد الماضي لقال : ما فعلت فإنما قلبت لأنها لما يقع ألا ترى أنها نفي سيفعل تقول : زيد لا يأكل فيكون في معنى ما يستقبل ، فإن قلت : ما يأكل نفيت ما في الحال.

والحروف تغلب الأفعال ألا ترى أنك تدخل (لم) على المستقبل فيصير في معنى الماضي تقول : لم يقم زيد : فكذلك حروف الجزاء تقلب الماضي إلى المستقبل تقول : إن أتيتني أتيتك قال أبو العباس رحمه الله : مما يسأل عنه في هذا الباب قولك : إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم فقد صار ما بعد (إن) يقع في معنى الماضي فيقال للسائل عن هذا : ليس هذا من قبل (إن) ولكن لقوة كان ، وأنها أصل الأفعال وعبارتها جاز أن تقلب (إن) فتقول : إن كنت أعطيتني فسوف أكافيك فلا يكون ذلك إلا ماضيا كقول الله عز وجل : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : 116] والدليل على أنه كما قلت ، وإن هذا لقوة (كان) أنه ليس شيء من الأفعال يقع بعد (إن) غير (كان) إلا ومعناه الإستقبال لا تقول : إن جئتني أمس أكرمتك اليوم.

قال أبو بكر : وهذا الذي قاله أبو العباس رحمه الله لست أقوله ولا يجوز أن تكون (إن) تخلو من الفعل المستقبل ؛ لأن الجزاء لا يكون إلا بالمستقبل وهذا الذي قال عندي نقض لأصول الكلام.

ص: 50

فالتأويل عندي لقوله : (إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم) إن تكن كنت ممن زارني أمس أكرمتك اليوم ، وإن كنت زرتني أمس زرتك اليوم فدلت (كنت) على (تكن) وكذلك قوله عز وجل : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة : 116] أي : إن أكن كنت (أو) إن أقل كنت قلته أو أقر بهذا الكلام ، وقد حكي عن المازني ما يقارب هذا ورأيت في كتاب أبي العباس بخطه موقعا عند الجواب في هذه المسألة ينظر فيه وأحسبه ترك هذا القول وقال : قال سيبويه في قوله عز وجل : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : 8] : إنما دخلت الفاء لذكره تفرون ونحن نعلم أنّ الموت ليس يلاقيكم من أجل أنهم فروا كقولك : الذي يأتينا فله درهمان فإنما وجب له الدرهمان من أجل الإتيان ولكن القول فيه والله اعلم إنما هو مخاطبة لمن يهرب من الموت ولم يتمنّه قال الله عز وجل : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الجمعة : 6].

فالمعنى : أي أنتم إن فررتم منه فإنه ملاقيكم ودخلت الفاء لإعتلالهم من الموت عن أنفسهم بالفرار نحو قول زهير :

ومن هاب أسباب المنيّة يلقها

وإن رام أسباب السّماء بسلّم

ومن يهبها أيضا يلقها ولكنه قال هذا لمن يهاب لينجو ومثل ذلك : إن شتمتني لم اشتمك وهو يعلم أنه إن لم يشتمني لم اشتمه ولكنه قيل هذا ؛ لأنه كان في التقدير أنه إن شتم شتم كما كان في تقدير الفارّ من الموت : أن فراره ينجيه.

وقال : قال سيبويه : إنّ حروف الجزاء إذا لم تجزم جاز أن يتقدمها أخبارها نحو : أنت ظالم إن فعلت ثم أجرى حروف الجزاء كلها مجرى واحدا وهذه حكاية قول سيبويه وقد تقول : إن أتيتني آتيك أي : آتيك إن أتيتني قال زهير :

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (1)

ص: 51


1- لا يحسن إن تأتيني آتيك ، من قبل أن إن هي العاملة. وقد جاء في الشعر ، قال جرير بن عبد الله البجلي: يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع أي : إنك تصرع إن يصرع أخوك. ومثل ذلك قوله : البسيط هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب أي : والمرء ذئب إن يلق الرشا. قال الأصمعي : هو قديم أنشدنيه أبو عمرو. وقال ذو الرمة : الطويل وإني متى أشرف على الجانب الذي به أنت من بين الجوانب ناظر انظر خزانة الأدب 3 / 293.

ولا يحسن : إن تأتني آتيك من قبل أنّ (إن) هي العاملة.

وقد جاء في الشعر قال :

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

أي : أنّك تصرع إن يصرع أخوك.

ومثل ذلك قوله :

هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (1)

ص: 52


1- على أن الضمير في يدرسه راجع إلى مضمون يدرس ، أي : يدرس الدرس ، فيكون راجعا للمصدر المدلول عليه بالفعل ؛ وإنما لم يجز عوده للقرآن لئلا يلزم تعدي العامل إلى الضمير وظاهره معا. واستشهد به أبو حيان في شرح التسهيل على أن ضمير المصدر قد يجيء مرادا به التأكيد ، وأن ذلك لا يختص بالمصدر الظاهر على الصحيح. وأورده سيبويه على أن تقديره عنده : والمرء عند الرشا ذئب إن يلقها. وتقديره عند المبرد : إن يلقها فهو ذئب. وهذا من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يقف على قائلها أحد. قال الأعلم : هجا هذا الشاعر رجلا من القراء نسب إليه الرياء. وقبول الرشا. والحرص عليها وكذلك أورده ابن السراج في الأصول. وزعم الدماميني في الحاشية الهندية : أن هذا البيت من المدح لا من الهجاء ، وظن أن سراقة هو سراقة بن جعشم الصحابي مع أنه في البيت غير معلوم من هو - فيه تحريفات ثلاثة : الأول : أن الرشا بضم الراء - والقصر : جمع رشوة ؛ فقال : هو بكسر الراء مع المد : الحبل ، وقصره للضرورة وأنثه على معنى الآلة. وكلامه هذا على حد : زناه وحده. والثاني : أن قوله يلقها بفتح الياء من اللقي ، وهو ضبطه بضم الياء من الإلقاء. والثالث : أن قوله ذيب بكسر الذال وبالهمزة المبدلة ياء وهو الحيوان المعروف ؛ وهو صحفه ذنبا بفتح الذال والنون ، وقال : قوله عند الرشا متعلق بذنب لما فيه من معنى التأخر. والمعنى : إن يلق إنسان الرشا فهو متأخر عند إلقائها ، يريد أن سراقة درس القرآن فتقدم والمرء متأخر عند اشتغاله بما لا يهم كمن امتهن نفسه في السقي وإلقاء الأرشية في الآبار. هذا كلامه ؛ وتبعه فيه الشمني. انظر خزانة الأدب 1 / 164.

أي : المرء ذيب إن يلق الرّشا فجاز هذا في الشعر وشبهوه فالجزاء إذا كان جوابه منجزما ؛ لأن المعنى واحد قال : ثم قال في الباب الذي بعده.

فإذا قلت : آتي من أتاني فأنت بالخيار إن شئت كانت بمنزلتها في (إن) وقد يجوز في الشعر : آتي من يأتيني قال الشاعر :

فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها

مطبّعة من يأتها لا يضيرها

كأنه قال : لا يضيرها من يأتها ولو أريد أنه حذف الفاء جاز وأنشد في باب بعده :

وما ذاك أن كان ابن عمّي ولا أخي

ولكن متى ما أملك الضّرّ أنفع (1)

ص: 53


1- والقوافي مرفوعة ، كأنه قال : ولكن أنفع متى ما أملك الضر ، ويكون أملك على متى في موضع جزاء ، وما لغو. ولم تجد سبيلا إلى أن تكون بمنزلة من فتوصل ، ولكنها كمهما. انتهى كلام سيبويه. فشرط جواز وقوع أداة الشرط بعد لكن تقدير الضمير بينهما ، وحينئذ لا ضرورة فيه ، بل هو حسن للفصل ، كما قال سيبويه. ولم يصب الأعلم في قوله : الشاهد في هذا البيت حذف المبتدأ بعد لكن ضرورة ، والمجازاة بعدها ، والتقدير : ولكن أنا متى يسترفد القوم أرفد. اه؟. وإن لم يقدر الضمير ، فلا يجوز وقوع الأداة بعد لكن إلا في الشعر. والشارح المحقق أخل بهذا التفصيل ، ولم يذكره ، وقد أخذ به أبو علي في التذكرة القصرية. انظر خزانة الأدب 3 / 299.

كأنه قال : ولكن أنفع متى ما أملك الضرّ ، قال أبو العباس رحمه الله : أما قوله : آتيك إن أتيتني فغير منكر ولا مرفوع استغنى عن الجواب بما تقدم.

ولم تجزم (إن) شيئا فيحتاج إلى جواب مجزوم أو شيء في مكانه.

وأما قولهم : وإن أتاه خليل يوم مسألة تقول على القلب فهو محال ، وذلك كان الجواب حقه أن يكون بعد (إن) وفعلها الأول وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو : ضرب غلامه زيد ؛ لأن حد الكلام أن يكون بعد زيد وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن تقول : ضرب غلامه زيدا. تريد : ضرب زيدا غلامه ، وأما ما ذكره من (من ومتى) وسائر الحروف فإنه يستحيل في الأسماء منها والظروف من وجوه في التقديم والتأخير لأنك إذا قلت : آتي من أتاني وجب أن تكون (من) منصوبة بقولك : أتى ونحوه وحروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها فليس يجوز هذا إلا أن تريد بها معنى الذي و (متى) إذا قلت : آتيك متى أتيتني فمتى للجزاء وهي ظرف (لأتيتني) ؛ لأن حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها ولكن الفعل الذي قبل متى قد أغنى عن الجواب كما قلت في الجواب : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم ، منقطع من (إن) وقد سدّ مسدّ جواب (متى) و (إن) لم تكن منها في شيء ؛ لأن (متى) منصوبة (بيأتيني) ؛ لأن حروف الجزاء من الظروف والأسماء إنما يعمل فيها ما بعدها وهو الجزاء الذي يعمل فيه الجزم.

والباب كله على هذا لا يجوز غيره ولو وضع الكلام في موضعه لكان تقديره : متى أتيتني فآتيك أي : فأنا آتيك وإنما قوله (من) يأتها فمحال أن يرتفع (من) بقولك : لا يضيرها ومن مبتدأ كما لا تقول : زيد يقوم فترفعه (بيقوم) وكل ما كان مثله فهذا قياسه وهذه الأبيات التي أنشدت كلها لا تصلح إلا على إرادة الفاء في الجواب.

كقوله : (الله يشكرها) لا يجوز إلا ذلك.

وتقول : إن الله أمكنني من فلان فعلت : فتلى (إن) الاسم إلا أنك تضمر فعلا يليها يفسره (أمكنني) كما تفعل بألف الاستفهام.

وزعم سيبويه أنه جاز فيها ما امتنع في غيرها لأنها أصل الجزاء.

ص: 54

قال : والدليل على ذلك أنها حرفه الذي لا يزول عنه لأنها لا تكون أبدا إلا للجزاء ومن تكون استفهاما وتكون في معنى الذي وكذلك ما وأيّ وأين ومتى تكون استفهاما وجميع الحروف تنقل غيرها.

قال أبو العباس رحمه الله : فيقال له : (إن) قد تكون في معنى (ما) نحو : (إن الكافرون إلا في غرور) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون زائدة نحو قوله :

وما إن طبنا جبن (1) ...

ثم قال : والدليل على ما قال سيبويه : أنّ هذا السؤال لا يلزم أنّ (من) تكون لما يعقل في الجزاء والاستفهام ومعنى الذي فهي حيث تصرفت واحدة و (ما) واقعة على كل شيء غير الناس وعلى صفات الناس وغيرهم حيث وقعت فهي واحدة وكذلك هذه الحروف و (إن) للجزاء لا تخرج عنه وتلك الحروف التي هي (إن) للنفي ومخففة من الثقيلة وزائدة ليس على معنى (إن) الجزاء ولا منها في شيء ، وإن وقع اللفظان سواء فإنهما حرفان بمنزلة الاسم والفعل إذا وقعا في لفظ وليس أحدهما مشتقا من الآخر : نحو قولك : هذا ذهب وأنت تعني التّبر وذهب من الذهاب ونحو قولك : زيد على الجبل وعلا الجبل فهذا فعل والأول حرف قال : وسألت أبا عثمان عن (ما) و (من) في الاستفهام والجزاء أمعرفة هما أم نكرة فقال : يجوز

ص: 55


1- على أنّ" ما الحجازيّة" إذا زيد بعدها" إن" لا تعمل عمل ليس ، كما في هذا البيت. قال الأعلم : " إن" كافة لما عن العمل ، كما كفت" ما" إن عن العمل. والطّبّ بالكسر هاهنا بمعنى العلّة والسبّب ، أي : لم يكن سبب قتلنا الجبن وإنّما كان ما جرى به القدر من حضور المنية ، وانتقال الحال عنّا والدّولة. وقال في" الصحاح" : تقول ما ذلك بطبّي ، أي : دهري وعادتي. وانشد هذا البيت للكميت. وهذه النسبة غير صحيحة كما يأتي بيانه قريبا. و" الجبن" : ضدّ الشّجاعة ، وهو مصدر جبن جبنا كقرب قربا ، فهو جبان أي : ضعيف القلب. والجبن المأكول فيه ثلاث لغات ، أجودها سكون الباء ، والثانية ضمّ الباء للاتباع ، والثالثة وهي أقلّها التشديد كذا في" المصباح". و" المنايا" : جمع منيّة ، وهي الموت ، لأنّها مقدّرة ، مأخوذة من المنا بوزن العصا وهو القدر ، يقال : مني له ، أي : قدّر بالبناء للمفعول فيهما. انظر خزانة الأدب 1 / 498.

أن يكونا معرفة وأن يكونا نكرة فقلت : فأيّ : ما تقول فيها قال : أنا أقول : إنّها مضافة معرفة ومفردة نكرة والدليل على ذلك أنك تقول : أية صاحبتك ولو كانت معرفة لم تتصرف.

قال : وكان الأخفش يقول : هي معرفة ولكن أنون ؛ لأن التنوين وقع وسط الاسم فهو بمنزلة امرأة سميتها خيرا منك وكان غيره لا يصرفها ويقول : أيّة صاحبتك لأنّها معرفة.

وشرح أبو العباس ذلك فقال : إن من وما وأيّ مفردة نكرات ، وذلك أنّ أيا منونة في التأنيث إذا قلت : أيّة جاريتك وقول الأخفش : التنوين وقع وسطا غلط وذاك ؛ لأن (أيّ) في الجزاء والاستفهام لا صلة لها (ومن وما) إذا كانتا خبرا فإنهما يعرفان بصلتهما.

فقد حذف ما كان يعرفهما فهما بمنزلة (أي) مفردة ومن الدليل على أنهن نكرات أنك تسأل بمن سؤالا شائعا ولو كنت تعرف ما تسأل عنه لم يكن للسؤال عنه وجه فالتقدير فيها على ما ذكرنا إذا قلت : ما زيد وأيّ زيد وما عندك وأيّ رجل وأي شيء فإذا قلت : أيهم وأيّ القوم زيد فقد اختصصته من قوم فأضفته إليهم والتقدير : أهذا زيد من القوم أم هذا للاختصاص.

فلذلك كانت بالإضافة معرفة وفي الإفراد نكرة.

وقال سيبويه : سألت الخليل عن (كيف) : لم لم يجازوا بها فقال : هي فيه مستكرهة وأصلها من الجزاء ذلك ؛ لأن معناها على أي حال تكن أكن.

وقال محمد بن يزيد : والقول عندي في ذلك : إنّ علة الجزاء موجودة في معناها فما صحّ فيه معنى الجزاء جوزي به وما امتنع فلا جزاء فيه وإنما امتنعت (كيف) من المجازاة ؛ لأن حروف الجزاء التي يستفهم بها كانت استفهاما قبل أن تكون جزاء والدليل على تقديم الاستفهام وتمكنه أنّ الاستفهام يدخل على الجزاء كدخوله على سائر الأخبار فتقول : أإن تأتني آتك ونحوه ولا يدخل الجزاء على الاستفهام ثم رأيت أنه ما كان من حروف الاستفهام متمكنا يقع على المعرفة والنكرة جوزي به : لأن حروف الجزاء الخالصة تقع على المعرفة والنكرة تقول إن تأتني زيد آته ، وإن يأتني رجل أعطه فكذلك من وما وأي وأين ومتى وأنّى.

ص: 56

وذلك إذا قلت في الاستفهام : من عندك جاز أن تقول : زيد أو رجل أم امرأة وكذلك كلما ذكرنا من هذه الحروف.

وأما كيف فحقّ جوابها النكرة ، وذلك قولك كيف زيد فيقال صالح أو فاسد ولا يقال الصالح ولا أخوك لأنّها حال والحال نكرة وكذلك كم لم يجازوا بها ؛ لأن جوابها لا يكون نكرة إذا قام كم مالك فالجواب : مائة أو ألف أو نحو ذلك والكوفيون يدخلون (كيف وكيفما) في حروف الجزاء ولو جازت العرب بها لأتبعناها وتقول : إن تأمر أن آتيك تريد إنّك إن تأمر بأن آتيك ، وإن أسقطت (إن) قلت : إن تأمر آتيك آتك ولا يجوز عندي إن تأمر لا أقم لا أقم إلا على بعد وقوم يجيزونه وتقول : إن تقم إنّ زيدا قائم تضمر الفاء تريد : فإن زيدا قائم ، وإن تقم لا تضرب زيدا.

يريد : فلا تضرب زيدا : وإن تقم أطرف بك أي فأطرف بك وتقول : إن تقم يعلم الله أزرك تعترض باليمين ويكون بمنزلة ما لم يذكر أعني قولك : يعلم الله ، وإن جعلت الجواب للقسم أتيت باللام فقلت : إن تقم يعلم الله : لأزورنّك وتضمر الفاء وكذلك : إن تقم يعلم الله لآتينك تريد : فيعلم الله لأزورنك ويعلم الله لآتينك.

ص: 57

باب الأفعال المبنية

اشارة

الأفعال التي تبنى على ضربين : فعل أصله البناء فهو على بنائه لا يزول عنه وفعل أصله الإعراب فأدخل عليه حرف للتأكيد فبني معه.

فأما الضرب الأول فقد تقدم ذكره وهو الفعل الماضي وفعل الأمر ، وأما الضرب الثاني فهو الفعل الذي أصله الإعراب فإذا دخلت عليه النون الثقيلة والخفيفة بني معها.

ذكر النون الثقيلة

هذه النون تلحق الفعل غير الماضي إذا كان واجبا للتأكيد فيبنى معها وهي تجيء على ضربين : فموضع لا بد منها فيه وموضع يصلح أن تخلو منه فأمّا الموضع الذي لا تخلو منه فإذا كانت مع القسم ، وذلك قولك : والله لأفعلنّ وأقسم لأفعلنّ وأشهد لأفعلنّ وأقسمت عليك بالله لتفعلنّ فهذه النون ملازمة للام وهي تفتح لام الفعل الذي كان معربا وتبنى معه وهي إذا كانت مشددة مفتوحة.

قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله : لتفعلنّ مبتدأة لا يمين قبلها فقال : جاءت على نية اليمين.

وإذا حكيت عن غيرك قلت : أقسم لتفعلنّ واستحلفته لتفعلنّ.

وزعم : أنّ النون ألحقت (في لتفعلنّ) لئلا يشبه أنه ليفعل.

فإذا أقسمت على ماض دخلت اللام وحدها بغير نون نحو قولك : والله لقد قام ولقام وحكى سيبويه : والله أن لو فعلت لفعلت وتقول : والله لا فعلت ذاك أبدا تريد : لا أفعل وقال الله عز وجل : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) [الروم : 51] على معنى : (ليظلّن) وتقول : لئن فعلت ما فعل تريد : ما هو فاعل وتقول : والله أفعل تريد لا أفعل ، وإن شئت أظهرت (لا) وإنما جاز حذف (لا) ؛ لأنه موضع لا يلبس ألا ترى أنك لو أردت الإيجاب ولم ترد النفي قلت : لأفعلن فلما لم تأت باللام والنون علم أنك تريد النفي ، وأما الموضع الذي تقع

ص: 58

فيه النون وتخلو منه فالأمر والنهي وما جرت مجراهما من الأفعال غير الواجبة ، وذلك قولك : أفعلنّ ذاك ولا تفعلنّ وهل تقولنّ وأتقولنّ ؛ لأن معنى الاستفهام معنى أخبرني.

وكذلك جميع حروف الاستفهام وزعم يونس أنك تقول : هلا تفعلنّ وألا تقولنّ لأنك تعرض ومعناه أفعل ومثل ذلك : لو لا تقولنّ ؛ لأنه عرض.

ومن مواضعها حروف الجزاء إذا أوقعت بينها وبين الفعل (ما) للتوكيد تقول : إمّا تأتني آتك وأيّهم ما يقولنّ ذاك نجزه وقد تدخل بغير (ما) في الجزاء في الشعر.

وقد أدخلت في المجزوم تشبيها به للجزم ولا يجوز إلا في ضرورة قال الشاعر :

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما (1)

والخفيفة والثقيلة سواء ، ويقولون : أقسمت لمّا لم تفعلن ؛ لأن ذا طلب.

وزعم يونس : أنّهم يقولون ربّما تقولنّ ذاك وكثر ما تقولنّ ذاك ؛ لأنه فعل غير واجب ولا يقع بعد هذه الحروف إلا و (ما) له لازمة ، وإن شئت لم تدخل النون فهو أجود فهذه النون تفتح ما قبلها مرفوعا كان أو مجزوما.

فإذا أدخلت النون الشديدة على (يفعلان) حذفت النون التي هي علامة الرفع لإجتماع النونات ولأن حقه البناء فينبغي أن تطرح الذي هو علامة الرفع وكذلك النون في (يفعلون) تقول : ليفعلن ذاك وقد حذفت النون فيما هو أشد من هذا لإجتماع النونات قرأ بعض القراء : (أتحاجونّي) و (فبم تبشرونّ) وسقطت الواو لالتقاء الساكنين فصار ليفعلنّ ، فإن أدخلتها على (تضربين) حذفت أيضا النون لإجتماع النونات لأنها تكون علما للرفع وحذفت الياء لالتقاء الساكنين فقلت : هل تضربين وتقول : اضربن زيدا وأكرمن عمرا وكان الأصل اضربي

ص: 59


1- على أن نون التوكيد تدخل بعد لم تشبيها لها بلا النهي عند سيبويه. وأنشد هذا الشعر. وتقدم نقل كلامه قبل أربعة أبيات ، وأنه عند ضرورة ، وأصله ما لم يعلمن ، فقلبت النون ألفا للوقف. قال ابن الأنباري في مسائل الخلاف : يدل على أن النون الخفيفة ليست مخففة من الثقيلة أنها تتغير في الوقف ، ويقف عليها بالألف ، قال تعالى : "لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ" ، وقال تعالى : "لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ" أجمع القراء على أن الوقف فيهما بألف لا غير. انظر خزانة الأدب 4 / 218.

وأكرمي وتقول لجماعة المذكرين : اضربنّ زيدا كان الأصل : اضربوا وأكرموا فسقطت الواو لالتقاء الساكنين وتقول في التثنية : اضربان يا رجلان بكسر النون تشبيها بالنون التي تقع بعد الألف وهي فيما سوى هذا مفتوحة ومتى دخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيته لام المعرفة حرك لها تقول : ارضونّ زيدا واخشونّ عمرا وارضينّ يا امرأة لأنك تقول : اخشو فتضم وتقول : ارضي الرجل فتكسر فلذلك ضممت وكسرت مع النون ، فإن أدخلت النون على : تضربن الذي هو لجماعة المؤنث قلت : هل تضربنان يا نسوة واضربنان لم تسقط هذه النون لأنها اسم للجماعة وفصلت بين النونات بالألف لئلا تجتمع النونات.

واعلم أن ما يحذف من اللامات في الجزم والأمر إذا أدخلت النون لم يحذفن تقول : ارمين زيدا وكان اللفظ : ارم زيدا ؛ لأن الياء والواو تحذفان في المواضع التي أصلها الإعراب فإذا أدخلت النون عادت لأنها تبنى مع ما قبلها ولا سبيل للجزم.

ص: 60

ذكر النون الخفيفة

كل شيء تدخله النون الثقيلة تدخله الخفيفة إلا أن النون الخفيفة في الفعل نظير التونين في الاسم فلا يجوز الوقف عليها كما لا يجوز الوقف على التنوين تقول اضربن زيدا إذا وصلت فإذا وقفت قلت اضربا كما تقول : ضربت زيدا في الوقف وقد فرقوا بين التنوين والنون الخفيفة بشيء آخر بأن الخفيفة لا تحرك لالتقاء الساكنين والتنوين يحرك لالتقاء الساكنين فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت لأنهم فضلوا ما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل وتقول : إذا أمرت امرأة : اضربن يا هذه فإذا وقفت قلت : اضربي ولم يجز أن تقول : اضربن في الوقف لأنها بمنزلة التنوين وأنت تحذف التنوين إذا انكسر ما قبله فحذفت التنوين هاهنا فلما حذفتها عادت الياء ؛ لأن سقوطها كان لالتقاء الساكنين وتقول للجماعة : اضربن يا قوم فإذا وقفت قلت : اضربوا : أعدت الواو لأنها إنما سقطت لالتقاء الساكنين ولم يجز أن تقول : اضربن في الوقف كما لم يجز أن تقول : زيد في الوقف فقد يقفون وهم ينوون النون كما ينوون التنون في الرفع والجزم في الوقف.

وتقول في الوقف : اخشى وللرجال اخشوا وحكى سيبويه : أن يونس يقول : اخشي واخشنووا ، وقال الخليل : لا أرى ذلك إلا على قول من قال : هذا عمرو ومررت بعمري قول العرب على قول الخليل ، وإذا أدخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيته لام المعرفة حرك من النون.

وتقول : هل تضربن يا امرأة وكان الأصل : تضربين فسقطت النون التي كانت علامة للرفع كما تسقط الضمة في : هل تضربن وتثبت النون الخفيفة أو الثقيلة إن شئت وتسقط الياء لالتقاء الساكنين فيصير : هل تضربن في الوصل وكان في الأصل تضربين ، وإذا وقفت قلت : هل تضربين ، فأعدت النون التي كانت للرفع لأنك لا تقف على النون الخفيفة ولا يجوز أن تسقطها لأنك لم تأت بما تسقط من أجله وكذلك هل تضربون وهل تضربان فأما الثقيلة فلا

ص: 61

تتغير في الوقف ، وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام ذهبت لالتقاء الساكنين. تقول : اضربا الرجل.

وإذا أردت فعل الإثنين في الخفيفة كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعل الإثنين في الوصل والوقف لأنك لو أتيت بها لاحتجت إلى تحريكها لأنها بعد ألف وهي لا تحرك ، وذلك قولك : اضربا وأنت تنوي النون ، وإذا أردت الخفيفة في فعل جمع النساء قلت في الوقف والوصل : اضربن زيدا فيكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة ولو أتيت بها للزمك أن تقول : اضربنان زيدا فتاتي بالألف لتفصل بين النونين وتكسر النون لالتقاء الساكنين فتحركها وهي لا تحرك.

قال سيبويه : وأما يونس وناس من النحويين فيقولون : اضربان زيدا واضربنان زيدا.

ويقولون في الوقف : اضربا واضربنا فيمدون.

فإذا وقع بعدها ألف ولام أو ألف وصل جعلوها همزة مخففة وهذا لم تفعله العرب والقياس أن يقولوا في : اضربن اضرب الرجل فيحذفون لالتقاء الساكنين.

ص: 62

مسائل من باب النون

تقول في المضاعف من الفعل : ردّن يا هذا وردّان وردّن وكان قبل النون ردّوا فسقطت الواو لالتقاء الساكنين وتقول في المؤنث ردّن وكان قبل النون : ردي فسقطت الياء لالتقاء الساكنين وتثنية المؤنث كتثنية المذكر.

تقول : ردّان يا امرأتان وتقول لجماعة النساء : ارددنان وكان قبل النون : ارددن.

فجئت بالألف لتفصل بين النونات.

وتقول : قولن وقولان وقولّنّ والمؤنث قولنّ : وقولان يا امرأتان وقلنا يا نسوة وقس على هذا جميع ما اعتلت عينه وكذلك ما عتلت لامه اقضين زيدا واقضيان واقضين تسقط الواو لسكون النون الأولى اقضين يا امرأة تسقط ياءين التي هي لام الفعل وياء التأنيث أما لام الفعل فتسقط كما تسقط في (تقضين) لالتقاء الساكنين لأنها ساكنة وياء التأنيث ساكنة ، وتسقط ياء التأنيث من أجل سكون النون الأولى ، فإن جمعت قلت : اقضينان والكوفيون يحكون إذا أمرت رجلا : اقضنّ يا هذا بكسر الضاد وإسقاط الياء كأنهم أسقطوا الياء لسكونها وسكون النون هكذا اعتلوا.

وعندي أنا : الذي فعل هذا إنما أدخل النون على (اقض) ولم يجد ياء فترك الكلام على ما كان عليه وهذا شاذ وتقول : من دعوت : ادعون زيدا أو ادعوان وادعن للجماعة سقطت الواوان في (ادعن) الواو التي هي لام الفعل سقطت لدخول واو الجمع وسقطت واو الجمع لدخول النون الأولى وهي ساكنة.

وتقول للواحدة : ادعن سقطت واوا وياء فالواو لام الفعل سقطت لدخول الياء التي هي للمؤنث حين قلت : ادعي.

وسقطت الياء للنون فصار ادعن وتقول : للإثنين : ادعوان مثل المذكرين وللجماعة ادعونان لأنك تقول : قبل النون : ادعون زيدا مثل اقضين زيدا تأتي بالألف إذا أردت النون

ص: 63

الشديدة فتفصل بين النونات لئلا تجتمع كما تقول : اقضنان زيدا وتقول : من خشيت : اخشين زيدا يا هذا واخشينان زيد يا هذان واخشون زيدا يا نسوة. تحرك الواو بالضم.

وحكم هذا الباب أنّ كل واو وياء تحركت فيه إذا لقيتها لام المعرفة تحركت هنا ، وإن كانت تسقط هناك لالتقاء الساكنين سقطت هنا فلهذا قلت : اخشون زيدا ضممت الواو كما تضمّها إذا قلت : اخشوا الرجل وتقول للمرأة : اخشين زيدا كما تقول : اخشى الرجل وتثنية المؤنث كتثنية المذكر وتقول لجماعة النساء : اخشين زيدا والكوفيون يحكون : اخشن يا رجل بإسقاط الياء من (اخشين) وهذا نظير (اقضن) وحكوا : لا يخفن عليك : يريدون لا يخفين عليك وقال الفراء : هذه لغة طيء لأنهم يسكنون الياء في النصب ولا ينصبون ، والنون لا تشبه ذلك.

وتقول : لا تضربني ولا تضربننا ومنهم من يخفض لكثرة النونات فيقول : لا تضربني ولا تضربنا والكوفيون يحكون : اضربن يا رجل ينوون الجزم قد ذكرنا جميع أصناف الأسماء المعربة والمبنية والأفعال المبنية وبقي ذكر الحروف مفردة.

ص: 64

باب الحروف التي جاءت للمعاني

اشارة

قد ذكرنا أول الكتاب ما يعرف به الحرف والفرق بينه وبين الاسم والفعل وإنما هي أدوات قليلة تدخل في الأسماء والأفعال وتحفظ لقلتها وسنذكرها بجميع أنواعها وكلها مبني وحقها البناء على السكون وما بني منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو ؛ لأنه حرف واحد فلا يمكن أن يبتدأ به إلا متحركا وهي تنقسم أربعة أقسام : ساكن يقال له موقوف ومضموم ومكسور ومفتوح الأول.

الموقوف : ويبدأ بما كان منه على حرفين ، وذلك أم وأو وهل وتكون بمعنى : (قد) ولم نفي فعل ولن نفي سيفعل ، فإن للجزاء ووجوب الثاني لوجوب الأول وتكون لغوا في (ما إن يفعل) وتكون (كما) في معنى (ليس) قال الشاعر :

ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته (1)

ومن ذلك (أن) المفتوحة يكون وما بعدها بمنزلة المصدر وتكون بمنزلة (أي) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون لغوا نحو قولك : لمّا أن جاء.

وأما والله أن فعلت فأما كونها بمنزلة المصدر فقولك : أن تأتيني خير لك واللام تحذف من أن كقوله : أن تقتل أحدهما وأن كان ذا مال ويجوز أن تضيف إلى (أن) الأسماء تقول : إنه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل ، وإن شئت قلت : إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل وإنّه خليق ؛ لأن يفعل وإنّه خليق أن يفعل وعسيت أن تفعل وقاربت أن تفعل ودنوت أن تفعل ولا تقول : عسيت الفعل ولا للفعل وتقول : عسى أن يفعل وعسى أن يفعلا وعسى أن يفعلوا وتكون

ص: 65


1- زاد إن بعد ما المصدرية ، وليست بنافية ، تشبيها لها بما النافية. ألا ترى أن المعنى : ورج الفتى للخير مدة رؤيتك إياه ، لا يزال يزيد خيرا على السن. لكن لما كان لفظها كلفظ ما النافية زادها بعدها ، كما تزاد بعد ما النافية ، في نحو قولك : ما إن قام زيد ، وقول الآخر : أنشده أبو زيد : يرجي المرء ما إن لا يلاقي ... البيت فزاد إن بعد ما ، وهي اسم موصول ، لشبهها باللفظ بما النافية. انظر خزانة الأدب 3 / 240.

عسى للواحد والإثنين وللجميع والمذكر والمؤنث ومن العرب من يقول : عسى وعسيا وعسوا وعسيت وعسيت وعسين فمن قال ذاك كانت (أن) فيهن منصوبة ومن العرب من يقول : عسى يفعل فشبهها بكاد يفعل فيفعل في موضع الاسم المنصوب في قوله : عسى الغوير أبؤسا.

فأما (كاد) فلا يذكرون فيها (أن) وكذلك كرب يفعل ومعناهما واحد وجعل وأخذ فالفعل هنا بمنزلة الفعل في (كان) إذا قلت : كان يقول.

وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثم وقد جاء في الشعر : كاد أن يفعل ويجوز في الشعر : لعلّي أن أفعل بمنزلة عسيت أن أفعل وتقول : يوشك أن تجيء فيكون موضع (أن) رفعا ويجوز أن يكون نصبا وقد يجوز : (يوشك) تجيء بمنزلة (عسى) قال أمية بن أبي الصلت :

يوشك من فرّ من منيته

في بعض غراته يوافقها

قال سيبويه : وسألته - يعني : الخليل - عن معنى : أريد ؛ لأن تفعل فقال : المعنى إرادتي لهذا كما قال تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : 12].

وأما (إن) التي بمعنى (أي) فنحو قوله : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : 6] ومثله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : 117] فأما كتبت إليه أن افعل وأمرته أن قم فتكون على وجهين : على التي تنصب الأفعال وعلى (أي) ووصلك لها بالأمر كوصلك للذي يفعل إذا خاطبت والدليل على أّنّها يجوز أن تكون الناصبة قولك : أوعز إليه بأن افعل وقولهم : أرسل إليه أن ما أنت وذا فهي على أي والتي بمعنى أن لا تجيء إلا بعد استغناء الكلام لأنها تفسير ، وأما مخففة من الثقيلة فنحو قوله : (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) يريد ، (أنه) ويجوز الإضمار بعد أن هذه وقولك و (كأنّ) هي أنّ دخلت عليها الكاف كما دخلت على ما خففت منه.

وقال سيبويه : لو أنّهم جعلوا أن المخففة بمنزلة إنّما كان قويا وفي هذا الباب شيء مشكل أنا أبينه.

ص: 66

اعلم أن الأفعال على ضروب ثلاثة : فضرب منها يقين وهو علمت وضرب هو لتوقع الشيء نحو : رجوت وخفت وضرب هو بينهما يحمل على ذا وعلى ذا نحو : ظننت وحسبت.

واعلم أن (أنّ) إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك وأن الخفيفة إنما هي لما لم يقع نحو قولك : أريد أن تذهب فإذا كانت أن الخفيفة بعد (علمت) فهي مخففة من الثقيلة ، وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضا مما حذف.

وجعلوا حذفها دليلا على الإضمار وقد ذكروا فيما تقدم و (أن) التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفت. تقول : خفت أن لا تفعل.

فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين : إن كان حسبانك قد استقر كانت مخففة من الثقيلة ، وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(1) [المائدة : 71]. تقرأ بالرفع والنصب.

فمن رفع فكأنه أراد وحسبوا أن لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا.

وقد حكي عن المازني نحو منه ثم يتسعون فيحملون (رجوت) على علمت إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها.

ص: 67


1- واختلفوا في رفع النون ونصبها من قوله جل وعز : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ.) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر : أن لا تكون فتنة نصبا. وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : أن لا تكون فتنة رفعا. ولم يختلفوا في رفع (فتنة). قيل : إن المراد بقوله : (وَحَسِبُوا) أن لا (تَكُونَ فِتْنَةٌ :) حسبوا أن لا تكون فتنة بقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.) قال أبو علي : الأفعال على ثلاثة أضرب : فعل يدل على ثبات الشيء واستقراره ، وذلك نحو : العلم والتيقن والتبين والتثبت. وفعل يدل على خلاف الاستقرار والثبات [الحجة للقراء السبعة 3 / 247].

وحكي عن أبي العباس ولست أحفظه من قوله : إنه إن سئل عن أن الخفيفة المفتوحة ومواضعها فقال : أن الخفيفة المفتوحة أصلها أنّ المفتوحة الثقيلة في جميع أحوالها وأنها مفتوحة كما انفتحت أنّ المعمول فيها كأنما خففت أنّ فصارت أن مخففة فلها في الكلام موضعان :

أحدهما : تقع فيه على الأسماء والأخبار.

والآخر : تقع فيه على الأفعال المضارعة للأسماء.

فأما كون وقوعها على الأسماء والأخبار : فإن ذلك لها إذا دخلت محل (أنّ) الثقيلة أعني في التأكيد للابتداء والخبر فإذا كانت بهذه المنزلة لم يقع عليها إلا فعل واجب وكانت مؤكدة لما تدخل عليه ، وأما كون وقوعها على الأفعال المضارعة فلأنّ العامل فيها غير واجب ولا واقع وإنما يترجى كونه ووقوعه فإذا وجدت العامل فيها واجبا على (أن) ففتحتها وأوقعتها على المضمر وجعلته اسما لها.

وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيرا أو أما أن يغفر الله لك.

قال سيبويه : إنما جاز ؛ لأنه دعاء وقال : سمعناهم يحذفون إنّ المكسورة في هذا الموضع ولا يجوز حذفها في غيره.

يقولون : أما إن جزاك الله خيرا وهذا على إضمار الهاء في المحذوفة وقال : يجوز ما علمت إلا أن تأتيه إذا أردت معنى الإشارة لا أنك علمت ذلك وتيقنته.

والمبتدأ وخبره بعد (أن) يحسن بلا تعويض تقول : قد علمت أن عمرو ذاهب وأنت تريد (أنه) ويجوز : كتبت إليه أن لا تقل ذاك وأن ترفع (تقول) وأن تنصب.

فالجزم على النهي والنصب على (لئلا) والرفع على (لأنك لا تقول) أو بأنّك لا تقول وقد تكون أن بمنزلة لام القسم في قول الله : (أن لو فعل) وتوكيدا في قوله : لما أن فعل.

ومن الحروف (ما) وهي تكون نفي هو يفعل إذا كان في الحال وتكون كليس في لغة أهل الحجاز.

ص: 68

وتكون توكيدا لغوا تغير الحرف عن عمله نحو : إنما وكأنما ولعلما جعلتهنّ بمنزلة حروف الابتداء ومن ذلك حيثما صارت بمجيء (ما) بمنزلة إن التي للجزاء وما في (لمّا) مغيرة عن حال لم كما غيرت (لو ما) ألا ترى أنك تقول : (لمّا) ولا تتبعها شيئا ومنها (لا) وهي نفي لقوله يفعل ولم يقع الفعل وتكون (كما) في التوكيد واللغو في قوله (لئلا يعلم أهل الكتاب) وهو ؛ لأن يعلم ولا تكون توكيدا إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإيجاب بالنفي من أجل المعنى.

وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعل (ما) ، وذلك قولك : (لو لا) غيرت معنى لو وستبين إذا ذكرنا معنى (لو) وكذلك هلا صيرت (لا) هل في معنى آخر وتكون ضدا لنعم وبلى ومنها (لو) وهو كان التي للجزاء ؛ لأن إن توقع الثاني من أجل وقوع الأول ولم تمنع الثاني من أجل إمتناع الأول تقول : إن جئتني أكرمتك فالإكرام إنما يكون متى إذا كان منك مجيء وتقول : لو جئتني لأكرمتك والمعنى : أنه امتنع إكرامي من أجل امتناع مجيئك.

وقال سيبويه : (لو) لما كان سيقع لوقوع غيره وهو يرجع إلى هذا المعنى ؛ لأنه لم يقع الأول لم يقع الثاني فتقدير إن قبل (لو) تقول : إن أتيتني أتيتك. يريد : فيما يستقبل فإذا لم تفعل وطالبتك بالإتيان قلت : لو أتيتني أتيتك.

ومنها (لو لا) وهي مركبة من معنى إن ولو وتبتدأ بعدها الأسماء ، وذلك أنها تمنع الثاني لوجود الأول تقول : لو لا زيد لهلكنا تريد : لو لا زيد في هذا المكان لهلكنا وإنما امتنع الهلاك لوجود زيد في المكان وقال عز وجل : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : 31] وقد يستعملونها بمعنى هلا يولونها الفعل.

ومنها (كي) وهي جواب لقوله : كيمه كما تقول : لمه.

ومنها (بل) وهي لترك شيء من الكلام وأخذ في غيره.

ومنها (قد) وهي جواب لقوله : لمّا يفعل.

وزعم الخليل : أنّ هذا لقوم ينتظرون الخبر. وقد تكون (قد) بمنزلة ربّما.

ص: 69

ومنها (يا) وهي تنبيه وقد ذكرناها في باب النداء ومنها (من) وهي لابتداء الغاية وتكون للتبعيض وتدخل توكيدا بمنزلة (ما) إلا أنها تجرّ ، وذلك قوله : ما أتاني من رجل وويحه من رجل أكدتهما بمن. وقد ذكرناها فيما تقدم.

ومنها (مذ) وهي في قول من جرّ بها حرف فهي لابتداء غاية الأيام والأحيان وحقّ (مذ) أن لا تدخل على ما تدخل عليه (من) وكذلك (من) لا تدخل على ما تدخل عليه (مذ).

ومنها (عن) وهي لما عدا الشيء وقد استعملت اسما. وقد ذكرتها في الظروف.

وذكرها سيبويه في الحروف وفي الأسماء ، فقال : (عن) اسم إذا قلت : من عن يمين كذا.

وأما (مع) فهي اسم ويدلك على أنها اسم أنها متحركة ولو كانت حرفا لما جاز أن تحرك العين ؛ لأن الحروف لا تحرك إذا كان قبلها متحرك.

ص: 70

باب (أم) و (أو) والفصل بينهما

اعلم أنّ (أم) لا تكون إلا استفهاما وهي على وجهين : على معنى أيهما وأيهم وعلى أن تكون منقطعة من الأول.

فإذا كان الكلام بهما بمنزلة أيهما وأيّهم فهو نحو قولك : أزيد عندك أم عمرو وأزيدا لقيت أم بشرا. تقديم الاسم أحسن. لأنك عنه تسأل ويجوز تقديم الفعل.

وإذا قلت : أضربت زيدا أم قتلته كان البدء بالفعل أحسن لأنك عنه تسأل وتقول : ما أبالي أزيدا لقيت أم عمرا وسواء عليّ أزيدا كلمت أم عمرا وما أدري أزيد ثمّ عمرو أدخلت حرف الاستفهام للتسوية وعلى ذا ما أدري أقام أم قعد على التسوية.

وأما المنقطعة فنحو قولك : أعمرو عندك أم عندك زيد وأنّها لإبل أم شاء ويجوز حذف ألف الاستفهام في الضرورة.

فأما (أو) فقد ذكرناها مع حروف العطف كما ذكرنا أم.

وقد تختلط مسائلهما لاشتراك بينهما بعض المعاني.

واعلم أنّ (أو) إنما تثبت أحد الشيئين أو الأشياء وأنّ أم مرتبتها أن تأتي بعد أو.

ويقول القائل : لقي زيد عمرا أو خالدا.

فيثبت عندك أنه قد لقي أحدهما إلا أنك لا تدري أيّهما هو فتقول : حسب أعمرا لقي زيد أم خالدا.

وكذلك إذا قال لك القائل : قد وهب لك أبوك غلاما أو جارية.

فقد ثبت عندك أن أحدهما قد وهب لك إلا أنك لا تدري أغلام أم جارية فإذا سألت أباك عن ذلك قلت : أغلاما وهبت لي أم جارية وتقول : أيّهم تضرب أو تقتل ومن يأتيك أو يحدثك ؛ لأن (أم) قد استقر على أي ومن وكأنّك قلت : زيدا أم عمرا تضرب أو تقتل ثم أتيت بأي موضع زيد وعمرو ، فقلت : أيهما تضرب أو تقتل؟

ص: 71

وعلى هذا يجري (ما ومتى وكيف وأين) ؛ لأن جميع هذه الأسماء إذا كانت استفهاما فقد قامت مقام الألف وأم جميعا.

واعلم أن جواب أو نعم أو لا وجواب (أم) الشيء بعينه إن سأل سائل عن اسم أجبت بالاسم ، وإن سأل عن الفعل أجبت بالفعل إذا قال : أزيد في الدار أو عمرو فالجواب نعم أو لا ؛ لأن المعنى : أأحدهما في الدار وجواب أأحدهما في الدار : نعم أو لا وكذلك إذا قال : أتقعد أو تقوم فالجواب : نعم أو لا ، فإن قال أزيد أم عمرو في الدار فالجواب : أن تقول : زيد إذا كان هو الذي في الدار.

وكذلك إذا قال : أتقوم أم تقعد قلت : أقعد (فأو) تثبت أحد الشيئين أو الأشياء مبهما وأم تقتضي وتطلب إيضاح ذلك المبهم و (أو) تقوم مقام (أم) مع هل ، وذلك لأنك لم تذكر الالف وأو لا تعادل الألف ، وذلك قولهم : هل عندك شعير أو بر أو تمر وهل تأتينا أو تحدثنا لا يجوز أن تدخل (أم) في (هل) إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الاستفهام وتقول : ما أدري هل تأتينا أو تحدثنا يكون في التسوية كما هو في الاستفهام ، وإذا قلت : أزيد أفضل أم عمرو لا يجوز إلا (بأم) لأنك تسأل عن أيهما أفضل ولو قلت : (أو) لم يصلح ؛ لأن المعنى يصير أحدهما أفضل فليس هذا بكلام ولكنك لو قلت : أزيد أو عمرو أفضل أم خالد جاز ؛ لأن المعنى أحد ذين أفضل أم خالد وجواب هذه المسألة أن تقول خالد إن كان هو الأفضل أو أحدهما إن كان هو الأفضل ويوضح هذه المسألة أن يقول القائل : الحسن أو الحسين أشرف أم ابن الحنفية فالجواب في هذه المسألة أن تقول : أحدهما بهذا اللفظ ولا يجوز أن تقول : الحسن دون الحسين أو الحسين دون الحسن ؛ لأنه إنما سألك أأحدهما أشرف أم ابن الحنفية وكذاك الدرّ أو الياقوت أفضل أم الزجاج فالجواب أحدهما ، فإن كان قال : الزّجاج أو الخزف أفضل أم الياقوت قلت :الياقوت.

وتقول : ما أدري أقام أو أقعد إذا لم يطل القيام ولم يبن من سرعته وكان بمنزلة ما لم يكن كما تقول : تكلمت ولم أتكلم فيجوز أن يكون ثمّ كلام ولكنه لقلّته جعله بمنزلة من لم يتكلم ويجوز أن يكون لم يبلغ به المراد فصار بمنزلة من لم يتكلم وهذا في الحكم بمنزلة قولك : صليت

ص: 72

ولم تصلّ فإذا قال : ما أدري أقام أو قعد وهو يريد ذا المعنى فهو قد علم منه قيامه ولكنه لم يعتد به وليس (لأم) هنا معنى ؛ لأنه إذا قال : ما أدري أقام أم قعد فقد استوى جهله في القيام والقعود وهاهنا قيام قد علم إلا أنه جعل بمنزلة ما يشك فيه لما خبرتك فعلى هذا تقول : ما أدري أقام أو قعد إذا كان لم يبن قيامه حتى قعد فهذا الباب كله إنما جعل بأو.

وكذلك أأذن أو أقام إذا كان ساعة إذن أقام وما أدري أبكى أو سكت ؛ لأنه لم يعد بكاؤه بكاء ولا سكوته سكوتا ، فإن كان لا يدري أأذن أم أقام قال : ما أدري أأذن أم أقام كما تقول :ما أدري أزيد في الدار أو عمرو إذا كنت تستيقن أن أحدهما في الدار ولا تدري أيهما هو.

ص: 73

باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف

فمن ذلك (على) ذكر محمد بن يزيد : أنها تكون حرفا واسما وفعلا ، وإن جميع ذلك مأخوذ من الإستعلاء وقد ذكرتها فيما تقدم.

وقال سيبويه : (على) معناها استعلاء الشيء ويكون أن تطوى مستعليا كقولك : أمررت يدي عليه ومررت على فلان كالمثل.

وكذلك علينا أمير وعليه دين ؛ لأنه شيء اعتلاه. ويكون مررت عليه : مررت على مكانه.

ويجيء كالمثل وهو اسم لا يكون إلا ظرفا قال : ويدل على أنه اسم قول بعضهم : غدت من عليه ومن ذلك (إلى) وهي منتهى لابتداء الغاية ومنها (سوف) وهي تنفيس فيما لم يكن بعد.

ألا تراه يقول : سوفته وهذا لفظ سيبويه ومنها (إنّ) وهي توكيد لقوله زيد منطلق ، وإذا خففت فهي كذلك غير أنّ لام التوكيد تلزمها إذا خفضت عوضا لما ذهب منها لئلا تلتبس بأن التي للنفي ومنها (ليت) وهي تمنّ ومنها بلى وهي توجب بها بعد النفي ومنها نعم وهي عدة وتصديق قال سيبويه : وليس بلى ونعم اسمين ، وإذا استفهمت فأجبت بنعم.

قال أبو بكر : والدليل على أنّ (نعم) حرف : أنها نقيضة (لا) ومنها (إذن) وهي جواب وجزاء. ومنها إلا وهي تنبيه.

باب ما جاء منها على أربعة حروف

من ذلك حتى : هي كإلى وقد بيّن أمرها في بابها ولها نحو ليس (لإلى) يقول : الرجل إنما أنا إليك أي أنت غايتي ولا تكون (حتى) هاهنا وهي أعم في الكلام من حتى.

تقول : قمت إليه فتجعله منتهى له من مكانك ولا تقول : حتاه ومنها (لكن) خفيفة وثقيلة توجب بها بعد النفي وقد ذكرناها فيما تقدم لعلّ.

قال سيبويه : لعلّ وعسى طمع وإشفاق.

ص: 74

باب ما جاء منها على حرف واحد

كل هذه التي جاءت على حرف واحد متحركات إلا لام المعرفة فإنها ساكنة فإذا أرادوا أن يبدأوا أيضا أتوا بألف الوصل قبلها ، وأما لام الأمر فهي مكسورة ويجوز أن تسكن ولا تسكن إلا أن يكون قبلها شيء نحو قولك : فليقم زيد فالحرف على ثلاثة أضرب : مبني على السكون وعلى الفتح وعلى الكسر فأما المبني على الفتح فواو العطف وليس فيه دليل أن أحد المعطوفين قبل الآخر والفاء كالواو غير أنها تجعل ذلك بعضه في أثر بعض.

وكاف الجر للتشبيه ولام الإضافة مع المضمر وفي الاستغاثة وواو القسم وتاء القسم بمنزلتها والسين في (سيفعل) وزعم الخليل أنها جواب لن.

وألف الاستفهام ولام اليمين في لأفعلنّ ولام الابتداء في قولك : لزيد منطلق.

وأما المبني على الكسر فباء الجر وهي للإلزاق والاختلاط ولام الإضافة مع الظاهر ومعناها الملك واستحقاق الشيء.

فجميع هذه جاءت قبل الحرف الذي جيء بها لها فأما ما جاء بعد فالكاف التي تكون للخطاب فقط في قولك : ذاك والتاء في أنت.

باب الحرف المبني مع حرف

من الحروف ما يبنى مع غيره ويصير كالحرف الواحد ويغير المعنى.

فمن ذلك : لو لا غيرت (لا) معنى لو.

وكذلك لما غيرت (ما) معنى لم و (مهما) زعموا : أنها (ما) ضمت إليها (ما) وأبدلوا الألف الأولى هاء ولما فعلوا ذلك صار فيها معنى المبالغة والتأكيد فكأنّ القائل إذا قال : مهما تفعل أفعل فقد قال لا أصغر عن كبير من فعلك ولا أكبر عن صغير أو ما أشبه هذا المعنى.

ومن ذلك (إنّما) إذا رفعت ما بعدها يصير فيها معنى التقليل : تقول (إنّما أنا بشر) إذا أردت التواضع وقال أصحابنا : إنّ اللام في (لعل) زائدة لأنهم يقولون علّ والذي عندي أنهما لغتان وأن الذي يقول لعلّ لا يقول علّ إلا مستعيرا لغة غيره لأني لم أر زائدا لغير معنى.

ص: 75

فإن قيل : إنها زيدت توكيدا فهو قول.

ومن ذلك كأنّ بنيت الكاف للتشبيه مع إنّ وجعلت صدرا ولو لا بناؤها معها لم يجز أن تبتدىء بها إلا وأنت تريد التأخير ومنها : هلّا بنيت (لا) مع (هل) فصار فيها معنى التحضيض وما لم أذكره فهذا مجراه فيما بنى له حرف مع حرف.

قال أبو بكر : قد أتينا على ذكر الاسم والفعل والحرف وإعرابها وبنائها ونحن نتبع ذلك ما يعرض في الكلام من التقديم والتأخير والإضمار والإظهار إن شاء الله.

ص: 76

باب التقديم والتأخير

اشارة

الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر سنذكرها ، وأما ما يجوز تقديمه فكل ما عمل فيه فعل متصرف أو كان خبرا لمبتدأ سوى ما استثنيناه فالثلاثة عشر التي لا يجوز تقديمها : الصلة على الموصول ، والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى ؛ إلا ما جاء على شريطة التفسير ، والصفة وما اتصل بها على الموصوف ، وجميع توابع الاسم حكمها كحكم الصفة ، والمضاف إليه وما اتصل به على المضاف ، وما عمل فيه حرف أو اتصل به حرف زائد لا يقدم على الحرف ، وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم مرفوعه على منصوبه ، والفاعل لا يقدم على الفعل ، والأفعال التي لا تتصرف لا يقدم عليها ما بعدها ، والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين ، والصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه ، والحروف التي لها صدور الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها ، وما عمل فيه معنى الفعل فلا يقدم المنصوب عليه ولا يقدم التمييز وما عمل فيه معنى الفعل ، وما بعد إلا وحروف الاستثناء لا تعمل فيما قبلها ، ولا يقدم مرفوعه على منصوبه ولا يفرق بين الفعل العامل والمعمول فيه بشيء لم يعمل فيه الفعل.

شرح الأول من ذلك : وهو الصلة

لا يجوز أن تقدم على الموصول لأنها كبعضه ، وذلك نحو صلة (الذي) وأن فالذي توصل بأربعة أشياء بالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وجوابه والظرف ولا بدّ من أن تكون في صلتها ما يرجع إليها والألف واللام إذا كانت بمنزلة (الذي) فصلتها كصلة (الذي) إلا أنك تنقل الفعل إلى اسم الفاعل في (الذي) فتقول في (الذي قام) : القائم وتقول في (الذي ضرب زيدا) : الضارب زيدا فتصير الألف واللام اسما يحتاج إلى صلة وأن تكون في صلته ما يرجع إلى الألف واللام فلو قلت : (الذي ضرب زيدا عمرو) فأردت أن تقدم زيدا على (الذي) لم يجز ولا يصلح أن تقدم شيئا في الصلة ظرفا كان أو غيره على (الذي) البتة فأما قوله : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : 20] فلا يجوز أن تجعل (فيه) في الصلة.

ص: 77

وقد كان بعض مشايخ البصريين يقول : إنّ الألف واللام هاهنا ليستا في معنى (الذي) وأنّهما دخلتا كما تدخل على الأسماء للتعريف وأجاز أن يقدم عليها إذا كانت بهذا المعنى ومتى كانت بهذا المعنى لم يجز أن يعمل ما دخلت عليه في شيء فيحتاج فيه إلى عامل فيها.

قال أبو بكر : وأنا أظن أنه مذهب أبي العباس يعني أنّ الألف واللام للتعريف والذي عندي فيه أنّ التأويل : (وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين) فحذف (زاهدين) وبينه بقوله : (مِنَ الزَّاهِدِينَ)(1) وهو قول الكسائي ولكنه لم يفسر هذا التفسير وكان هو والفراء لا يجيزانه إلا في صفتين في (من وفي) فيقولان : (أنت فينا من الراغبين وما أنت فينا من الزاهدين) ، وأما (أن) فنحو قولك : (أن تقيم الصلاة خير لك) لا يجوز أن تقول : (الصلاة أن تقيم خير لك) ولا تقدم (تقيم) على (أن) وكذلك لو قلت : (أن تقيم الصلاة الساعة خير لك) لم يجز تقديم (الساعة) على (أن) وكذلك إذا قلت : (أأن تلد ناقتكم ذكرا أحبّ إليكم أم أنثى) لم يجز أن تقول : أذكرا أأن تلد ناقتكم أحبّ إليكم أم أنثى ؛ لأن (ذكرا) العامل فيه (تلد) وتلد في صلة (أن) وكذلك المصادر التي في معنى (أن نفعل) لا يجوز أن يتقدم ما في صلتها عليها لو قلت : أولادة ناقتكم ذكرا أحبّ إليكم أم ولادتها أنثى ما جاز أن تقدم (ذكرا) على (ولادة) وكل ما كان في صلة شيء من اسم أو فعل مما لا يتمّ إلا به فلا يجوز أن نفصل بينه وبين صلته بشيء غريب منه لو قلت : (زيد نفسه راغب فيكم) لم يجز أن تؤخر (نفسه) فتجعله بين (راغب) و (فيكم) فتقول : زيد راغب نفسه فيكم ، فإن جعلت (نفسه) تأكيدا لما في (راغب) جاز.

شرح الثاني : توابع الأسماء

وهي الصفة والبدل والعطف لا يجوز أن تقدم الصفة على الموصوف ولا أن تعمل الصفة فيما قبل الموصوف ولا تقدم شيئا بصيغة المجهول مما يتصل بالصفة على الموصوف وكذلك البدل إذا قلت : مررت برجل ضارب (زيدا) لم يجز أن تقدم (زيدا) على (رجل)

ص: 78


1- قال أبو إسحاق : ليست (فيه) داخلة في الصلة ، ولكنها تبيين. أي : زهادتهم فيه. وحكى سيبويه ، والكسائي : زهدت فيه وزهدت. بكسر الهاء وفتحها. [إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : 2 / 197].

وكذلك إذا قلت : (هذا رجل يضرب زيدا) لم يجز أن تقول (هذا زيدا رجل يضرب) ؛ لأن الصفة مع الاسم بمنزلة الشيء الواحد وكذلك كل ما اتصل بها فإذا قلت : (عبد الله رجل يأكل طعامك) لم يجز أن تقدم (طعامك) قبل (عبد الله) ولا قبل (رجل).

والكوفيون يجيزون إلغاء (رجل) فيجعلونه بمنزلة ما ليس في الكلام فيقولون : (طعامك عبد الله رجل يأكل) لا يعتدون برجل وتقديره عندهم (طعامك عبد الله يأكل) وإلغاء هذا غير معروف وللإلغاء حقوق سنذكرها إن شاء الله ولكن هذه المسألة تجوز على غير ما قدروا وهو أن تجعل (رجلا) بدلا من (عبد الله) ترفعه بالابتداء وتجعل (يأكل) خبرا فحينئذ يصلح تقديم (طعامك) ، وأما البدل فلا يتقدم على البدل منه وكذلك ما اتصل به لا يتقدم على الاسم المبدل منه.

وأما العطف فهو كذلك لا يجوز أن يتقدم ما بعد حرف العطف عليه وكذلك ما اتصل به والذين أجازوا من ذلك شيئا أجازوه في الشعر ولو جعلنا ما جاء في ضرورات الشعر أصولا لزال الكلام عن جهته فقدموا حرف النسق مع المنسوق به على ما نسق به عليه وقالوا : إذا لم يكن شيء يرفع لم يجز تقديم الواو والبيت الذي أنشدوه :

عليك ورحمة الله السّلام (1) ...

ص: 79


1- ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام لما تقدم في البيت قبله ، بدليل العطف عليه. فإن قوله" ورحمة الله" عطف على الضمير المستكن في" عليك" الراجع إلى" السّلام" ، لأنه في التقدير : السّلام حصل عليك ، فحذف حصل ونقل ضميره إلى عليك واستتر فيه. ولو كان الفعل محذوفا مع الضمير لزم العطف بدون المعطوف عليه. وبهذا البيت سقط قول ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمل الضمير إذا تأخر عن المبتدأ. قال ابن هشام في المغني : " قول ابن خروف مخالف لإطلاقهم ولقول ابن جني في هذا البيت : إن الأولى حمله على العطف على ضمير الظرف لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه. قد اعترض بأنه تخلص من ضرورة بأخرى ، وهو العطف مع عدم الفصل ، ولم يعترض بعدم الضمير. وجوابه : أن عدم الفصل أسهل لوروده في النثر ، كمررت برجل سواء والعدم ، حتى قيل : إنه قياس". وإنما نسب الأولوية إلى ابن جني لأنه ذهب - تبعا لغيره - في حرف الواو من المغني إلى أنه من باب تقدم المعطوف على المعطوف عليه ، وأنه من خصائص الواو. وما زعمه الدماميني في" الاختصاص" : بأن السعد قال في" شرح المفتاح" إن تقديم المعطوف جائز بشرط الضرورة ، وعدم التقديم على العامل ، وكون العاطف أحد حروف خمسة : الواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، ولا ، وصرح به المحققون. قال ابن السيد في" شرح أبيات الجمل" : مذهب الأخفش أنه أراد : عليك السّلام ورحمة الله ، فقدم المعطوف ضرورة ؛ لأن السّلام عنده فاعل عليك. ولا يلزم هذا سيبويه لأن السّلام عنده مبتدأ ، وعليك خبره ، ورحمة الله معطوف على الضمير المستر. انظر خزانة الأدب 1 / 139.

فإنما جاز عندهم ؛ لأن الرافع في مذهبهم (عليك) وقد تقدم ولا يجيزون للشاعر إذا اضطر أن يقول : (إنّ وزيدا عمرا قائمان) ؛ لأن (إنّ) أداة وكل شيء لم يكن يرفع لم يجز أن تليه الواو عندهم على كل حال فهذا شاذ لا يقاس عليه وليس شيء منصوب مما بعد حرف النسق يجوز تقديمه إلا شيء أجازه الكوفيون فقط ، وذلك قولهم : زيدا قمت فضربت وزيدا أقبل عبد الله فشتم. وقالوا : الإقبال والقيام هنا لغو.

شرح الثالث : وهو المضاف إليه

لا يجوز أن تقدم على المضاف ولا ما اتصل به ولا يجوز أن تقدم عليه نفسه ما اتصل به فتفصل به بين المضاف والمضاف إليه إذا قلت : (هذا يوم تضرب زيدا) لم يجز أن تقول : (هذا زيدا يوم تضرب) ولا هذا يوم زيدا (تضرب) وكذلك : هذا يوم ضربك زيدا لا يجوز أن تقدم (زيدا) على (يوم) ولا على (ضربك) ، وأما قول الشاعر :

لله درّ اليوم من لامها ...

وقوله :

كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهودي يقارب أو يزيل (1)

ص: 80


1- البصريون احتجوا بأن قالوا إنّما قلنا لا يجوز ذلك لأنّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد ، فلا يجوز أن يفصل بينهما. وإنّما جاز الفصل بالظرف وحرف الجرّ كما قال ابن قميئة : لله درّ اليوم من لامها وقال أبو حيّة النميريّ : " الوافر" كما خطّ الكتاب بكفّ يوما يهوديّ يقارب أو يزيل وقال ذو الرمّة : كأن أصوات من إيغالهنّ بنا لآنّ الظرف وحرف الجر يتّسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما. انظر خزانة الأدب 3 / 92.

فزعموا : أن هذا لما اضطر فصل بالظرف ؛ لأن الظروف تقع مواقع لا تكون فيها غيرها وأجازوا : (أنا طعامك غير آكل) وكان شيخنا يقول : حملته على (لا) إذ كانت (لا) تقع موقع (غير).

قال أبو بكر : والحق في ذا عندي أن يكون طعامك منصوبا بغير (آكل) هذا ولكن تقدر ناصبا يفسره (هذا) كأنك قلت : أنا لا آكل طعامك واستغنيت (بغير آكل) ومثل هذا في العربية كثير مما يضمر إذا أتى بما يدل عليه.

شرح الرابع : الفاعل

لا يجوز أن يقدم على الفعل إذا قلت : (قام زيد) لا يجوز أن تقدم الفاعل فتقول : زيد قام فترفع (زيدا) بقام ويكون (قام) فارغا ولو جاز هذا لجاز أن تقول : (الزيدان قام والزيدون قام) تريد : (قام الزيدان وقام الزيدون).

وما قام مقام الفاعل مما لم يسم فاعله فحكمه حكم الفاعل إذا قلت : (ضرب زيد) لم يجز أن تقدم (زيدا) فتقول : (زيد ضرب) وترفع زيدا (بضرب) ولو جاز ذلك لجاز : (الزيدان ضرب والزيدون ضرب) فأما تقديم المفعول على الفاعل وعلى الفعل إذا كان الفعل متصرفا فجائز وأعني بمتصرف أن يقال : منه فعل يفعل فهو فاعل كضرب يضرب وهو ضارب ، وذلك اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل حكمه حكم الفعل.

الخامس : الأفعال التي لا تتصرف

لا يجوز أن يقدم عليها شيء مما عملت فيه وهي نحو : نعم وبئس وفعل التعجب (وليس) تجري عندي ذلك المجرى لأنها غير متصرفة ومه وصه وعليك وما أشبه هذا أبعد في التقديم والتأخير.

ص: 81

السادس : ما أعمل من الصفات تشبيها بأسماء الفاعلين وعمل عمل الفعل

وذلك نحو (حسن وشديد وكريم) إذا قلت : هو كريم حسب الأب ، وهو حسن وجها لم يجز أن تقول : هو وجها حسن ولا هو حسب الأب كريم وما كان من الصفات لا يشبه أسماء الفاعلين فهو أبعد له من العمل والتقديم وكل ما كان فيه معنى فعل وليس بفعل ولا اسم فاعل فلا يجوز أن يتقدم ما عمل فيه عليه.

السابع : التمييز

اعلم أن الأسماء التي تنتصب انتصاب التمييز لا يجوز أن تقدم على ما عمل فيها ، وذلك قولك : (عشرون درهما) لا يجوز : (درهما عشرون) وكذلك له عندي رطل زيتا لا يجوز : (زيتا رطل) وكذلك إذا قلت : (هو خير عبدا) لا يجوز : (هو عبدا خير) ، فإن كان العامل في التمييز فعلا فالناس على ترك إجازة تقديمه سوى المازني ومن قال بقوله ، وذلك قولك : (تفقأت سمنا) فالمازني يجيز : (سمنا تفقأت) وقياس بابه أن لا يجوز ؛ لأنه فاعل في الحقيقة وهو مخالف للمفعولات ألا ترى أنه إذا قال : (تفقأت شحما) فالشحم هو المفقىء كما أنه إذا قال : (هو خير عبدا) فالعبد هو خير ولا يجوز تعريفه فبابه أولى به ، وإن كان العامل فيه فعلا وفي الجملة أن المفسر إنّما (ينبغي أن) يكون بعد المفسر واختلف النحويون في : بطرت القرية معيشتها وسفه زيد رأيه فقال بعضهم : نصبه كنصب التفسير والمعنى : (سفه رأي زيد) ثم حول السفه إلى زيد فخرج الرأي مفسرا فكأن حكمه أن يكون : (سفه زيد رأيا) فترك على إضافته ونصب كنصب النكرة قالوا : وكما لا يجوز تقديم ما نصب على التفسير لا يجوز تقديم هذا وأجاز بعض التقديم وهو عندي القياس ؛ لأن المفسر لا يكون إلا نكرة وإنما يجري هذا والله أعلم على :جهل زيد رأيه وضيّع زيد رأيه.

وما أشبه هذا وكذلك : (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [القصص : 58] كأنه : كرهت معيشتها وأحسب البطر أنه كراهية الشيء من غير أن يستحق أن يكره وكان شيخنا رحمه الله لا يجيز :(وجع عبد الله رأسه) في تقديم ولا تأخير ؛ لأن (وجع) لا يكون متعدية وهي جائزة في قول الكسائي والفراء.

ص: 82

الثامن : العوامل في الأسماء والحروف التي تدخل على الأفعال

الأول من ذلك : ما يدخل على الأسماء ويعمل فيها فمن ذلك : حروف الجر لا يجوز أن يقدم عليها ما عملت فيه ولا يجوز أن يفرق بينها وبين ما تعمل فيه ولا يجوز أن يفصل بين الجار والمجرور حشو إلا ما جاء في ضرورة الشعر لا يجوز أن تقول : (زيد في اليوم الدار) تريد : (في الدار اليوم) ولا ما أشبه ذلك وقد أجاز قوم : (لست زيدا بضارب) ؛ لأن الباء تسقط والقياس يوجب أن تضمر فعلا ينصب (زيدا) تفسره (بضارب) ومن ذلك (إنّ وأخواتها) لا يجوز أن يقدم عليهن ما عملنّ فيه ولا يجوز أن تفرق بينهن وبين ما عملنّ فيه بفعل ولا تقدم أخبارهن على أسمائهن إلا أن تكون الأخبار ظروفا ، فإن كان الخبر ظرفا قلت : إنّ في الدار زيدا ، وإن خلفك عمرا والظروف يتسع فيهن خاصة ولكن لا يجوز أن تقدم الظرف على (إنّ) ومن الحروف التي لا يقدم عليها ما يليها : (إلا) وجميع ما يستثنى به ؛ لأن ما بعد حرف الاستثناء نظير ما بعد (لا) إذا كانت عاطفة وقد فسرنا هذا فيما تقدم.

وأما الحروف التي تدخل على الأفعال فلا تتقدم فيها الأسماء وهي على ضربين : حروف عوامل وحروف غير عوامل فالحروف العوامل في الأفعال الناصبة نحو : (جئتك كي زيد يقول ذاك) لا يجوز : (ولا خفت أن زيد يقول ذاك) ومنها الحروف الجوازم وهي : لم ولمّا ولا التي تجزم في النهي واللام التي تجزم في الأمر لا يجوز أن تقول : (لم زيد يأتك) ؛ لأن الجزم نظير الجر ولا يجوز لك أن تفصل بينها وبين الفعل بحشو كما لا يجوز لك أن تفصل بين الجار والمجرور بحشو إلا في ضرورة شعر ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهية أن تشبه بما يعمل في الأسماء ؛ لأن الاسم ليس كالفعل كذلك (ما يشبهه) ألا ترى كثرة ما يعمل في الاسم وقلة ما يعمل في الفعل وحروف الجزاء يقبح أن يقدم الاسم معها على الأفعال شبهوها بالجوازم التي لا تخلو من الجزم إلا أنّ حروف الجزاء (فقط) جاز ذلك فيها في الشعر ؛ لأن حروف الجزاء يدخلها (فعل ويفعل) ويكون فيها الاستفهام ويجوز في الكلام أن تلي (إن) الاسم إذا لم يجزم نحو قوله :

ص: 83

عاود هراة ، وإن معمورها خربا (1)

وإن جزمت فلا يجوز إلا في الشعر لأنها تشبه (بلم) وإنما جاز هذا في (إن) لأنها أم الجزاء لا تفارقه كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا : (إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر) وهي على كل حال : إن لم يلها فعل في اللفظ فهو مقدر في الضمير.

وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيها ضعيف ومما جاء في الشعر مجزوما في غير (إن) قول عدي بن زيد :

فمتى واغل ينبهم يحيّوه

وتعطف عليه كأس السّاقي

وقال الحسام :

صعدة نابتة في حائر

أينما الرّيح تميّلها تمل (2)

ص: 84


1- يجوز الفرق في الكلام في إن إذا لم تجزم في اللفظ ، نحو قوله : عاود هراة وإن معمورها خربا فإن جزمت ففي الشعر ، لأنه يشبه بلم. وإنما جاز في الفصل ، ولم يشبه ، لأن لم لا يقع بعدها فعل. وإنما جاز هذا في إن لأنها أصل الجزاء ، ولا تفارقه ، فجاز هذا ، كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيه ضعف في الكلام ، لأنها ليست كإن ، فلو جاء في إن وقد جزمت كان أقوى ، إذ جاز فيه فعل. ومما جاء في الشعر مجزوما في غير إن. انظر خزانة الأدب 3 / 291.
2- تكون الريح فاعلة بفعل محذوف يفسره المذكور ، أي : أينما تميّلها الريح تميلها. وهذا البيت من قصيدة لابن جعيل ، منها هذه الأبيات : وضجيع قد تعللت به طيّب أردانه غير تفل في مكان ليس فيه برم وفراش متعال متمهل فإذا قامت إلى جاراتها لاحت الساق بخلخال زجل وبمتنين إذا ما أدبرت كالعنانين ومرتج رهل صعدة قد سمتت في حائر. " الضجيع" : المضاجع ، مثل النديم بمعنى المنادم والجليس بمعنى المجالس ، من الضجوع وهو وضع الجنب على الأرض ؛ وهو مجرور برب المقدرة بعد الواو ؛ وجملة" قد تعللت" جواب رب وهو العامل في مجرورها ؛ وقد وقع جواب رب قبل وصفه. و" التعلل" : التلهي. و" طيب" : صفة ضجيع ، و" أردانه" : فاعله. و" التفل" : بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء ، وصف من تفلت المرأة تفلا فهي تفلة ، من باب : تركت الطيب والأدهان. و" البرم" بفتحتين : مصدر برم به ، بالكسر : إذا سئمه وضجر منه. و" فراش" : معطوف على مكان. و" متمهل" : اسم فاعل من اتمهل الشيء ، على وزن اقشعرّ ، أي : طال واعتدل ؛ وأصل المادة تمهل بمثناة فوقية فميم فهاء فلام. و" زجل" : بفتح الزاي المعجمة وكسر الجيم. أي : مصوت. وذلك أنهم كانوا يجعلون في الخلاخيل جلاجل. وقوله : " وبمتنين" ، هو تثنية متن ، وهو - كما قال ابن فارس - مكتنفا الصلب من العصب واللحم ؛ وهو متعلق بمحذوف ، أي : وإذا ما أدبرت أدبرت بمتنين كالعنانين وبمرتج الخ ، وهو مثنى عنان الفرس ؛ وعنانا المتن : حبلاه ؛ أراد أن خصرها مجدول لطيف ؛ وأراد بالمرتج الكفل. و" الرهل" ، بفتح فكسر : المضطرب. وقوله : " صعدة" أي : هي صعدة ؛ و" الصعدة" : القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف وتعديل ؛ وامرأة صعدة : مستوية القامة ، شبهها بالقناة. وأنشده الجوهري - في مادة صعد - ولم ينسبه إلى أحد. وقال العيني : نسبه الجوهري إلى الحسام بن صداء الكلبي. ولا أدري أين ذكره. و" الحائر" بالحاء المهملة ، قال أبو نصر : يقال للمكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف : حائر - وأنشد هذا البيت - وإنما قيل له حائر ، لأن الماء يتحير فيه فيجيء ويذهب .. قال الأعلم : الحائر : القرارة من الأرض يستقر فيها السيل فيتحير ماؤه. أي :يستدير ولا يجري ، وجعلها في حائر لأن ذلك أنعم لها وأشد لتثنيها إذا اختلفت الريح 1. ه. وقال أبو بكر الزبيري في كتاب لحن العامة ويقولون تكون في الحظيرة تكون في الدراحير ويجمعونه أحيارا والصواب حائر وجمعه حوران وحيران بالبصرة حائر الحجاج معروف وقال أحمر بن يحيى ثعلب : الحائر هو الذي تسميه العامة حيرا وهو الحائط 1. ه. وروي بدل نابتة : " قد سمقت" ، أي : طالت وارتفعت. و" ابن جعيل" صاحب هذا الشعر ، بضم الجيم مصغر جعل. واسمه كعب بن جعيل بن قمير ، مصغر قمر ، ابن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل. وهو شاعر مشهور إسلامي كان في زمن معاوية. انظر خزانة الأدب 1 / 326.

وإذا قالوا في الشعر : (إن زيد يأتك يكن كذا) إنما ارتفع على فعل هذا تفسيره وهذا يبين في باب ما يضمر من الفعل ويظهر إن شاء الله.

ص: 85

الضرب الثاني منه الحروف التي لا تعمل فمنها : (قد) وهي جواب لقوله : (أفعل) كما كانت (ما فعل) جوابا لهل (فعل) إذا أخبرت أنه لم يقع ولما يفعل وقد فعل إنما هما لقوم ينتظرون شيئا فمن ثم أشبهت (قد) لما في أنها لا يفصل بينها وبين الفعل ومن هذه الحروف (سوف يفعل) لا يجوز أن تفصل بين (سوف) وبين (يفعل) لأنها بمنزلة (السين) في (سيفعل) وهي إثبات لقوله : (لن يفعل) ومما شبه بهذه الحروف (ربّما وقلما وأشباهما) جعلوا (ربّ) مع (ما) بمنزلة كلمة واحدة ليذكر بعدها الفعل ومثل ذلك (هلّا ولو لا وألا ألزموهن لا) وجعلوا كل واحدة مع (لا) بمنزلة حرف واحد وأخلصوهن للفعل حيث دخل فيهن معنى التحضيض وقد يجوز في الشعر تقديم الاسم قال الشاعر :

صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم

وهذا لفظ سيبويه.

التاسع : الحروف التي تكون صدور الكلام

هذه الحروف عاملة كانت أو غير عاملة فلا يجوز أن يقدم ما بعدها على ما قبلها ، وذلك نحو ألف الاستفهام و (ما) التي للنفي ولام الابتداء لا يجوز أن تقول : (طعامك أزيد آكل) ولا (طعامك لزيد آكل) وإنّما أجزنا : إنّ زيدا طعامك لآكل ؛ لأن تقدير اللام أن يكون قبل (إنّ) وقد بينا هذا فيما تقدم هذه اللام التي تكسر (إنّ) هي لام الابتداء وإنما فرق بينهما ؛ لأن معناهما في التأكيد واحد فلما أزيلت عن المبتدأ وقعت على خبره وهي لا يجوز أن تقع إلا على اسم (إنّ) أو يكون بعدها خبره فالاسم نحو قولك : (إنّ خلفك لزيدا) والخبر نحو : (إنّ زيدا لآكل طعامك) ، فإن قلت : (إنّ زيدا آكل لطعامك) لم يجز لأنها لم تقع على الاسم ولا الخبر.

ومن ذلك (ما) النافية تقول : (ما زيد آكلا طعامك) ولا يجوز أن تقدم (طعامك) فتقول :(طعامك ما زيد آكلا) ولا يجوز عندي تقديمه ، وإن رفعت الخبر ، وأما الكوفيون فيجيزون :(طعامك ما زيد آكلا) يشبهونها (بلم) و (لن) وأباه البصريون وحجة البصريين أنهم لا

ص: 86

يوقعون المفعول إلا حيث يصلح لناصبه أن يقعه فلما لم يجز أن يتقدم الفعل على ما لم يجز أن يتقدم ما عمل فيه الفعل والفرق بين (ما) وبين (لم ولن) : أنّ (لن ولم لا يليهما إلا الفعل فصارتا مع الفعل بمنزلة حروف الفعل).

وأجاز البصريون : (ما طعامك آكل إلّا زيد) وأحالها الكوفيون إلا أحمد بن يحيى.

ومن ذلك (لا) التي تعمل في النكرة النصب وتبنى معها لا تكون إلا صدرا ولا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها وهي مشبهة (بإنّ) وإنما يقع بعدها المبتدأ والخبر فكما لا يجوز أن تقدم ما بعد (إنّ) عليها كذلك هي والتقديم فيما أبعد ؛ لأن (إنّ) أشبه بالفعل منها فأما (لا) إذا كانت تلي الأسماء والأفعال وتصرفت في ذلك ولم تشبه (بليس) فلك التقديم والتأخير تقول : (أنت زيدا لا ضارب ولا مكرم) وما أشبه ذلك ومن ذلك (إن) التي للجزاء لا تكون إلا صدرا ولا بدّ من شرط وجواب فالجزاء مشبه بالمبتدأ والخبر إذ كان لا يستغنى أحدهما عن الآخر ولا يتم الكلام إلا بالجميع فلا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها لا يجوز أن تقول : (زيدا إن تضرب أضرب) بأي الفعلين نصبته فهو غير جائز ؛ لأنه إذا لم يجز أن يتقدم العامل لم يجز أن يتقدم المعمول عليه وأجاز الكسائي أن تنصبه بالفعل الأول ولم يجزها أحد من النحويين وأجاز هو والفراء أن يكون منصوبا بالفعل الثاني.

قال الفراء : إنما أجزت أن يكون منصوبا بالفعل الثاني ، وإن كان مجزوما ؛ لأنه يصلح فيه الرفع وأن يكون مقدما فإذا قلت : (إن زيدا تضرب آتك) فليس بينهم خلاف (وتضرب جزم) إلا أنهم يختلفون في نصب (زيد) فأهل البصرة يضمرون فعلا ينصب وبعضهم ينصبه بالذي بعده وهو قول الكوفيين وأجازوا : (إن تأتني زيدا أضرب) إلا أنّ البصريين يقولون بجزم الفعل بعد (زيد) وأبى الكوفيون جزمه وكان الكسائي يجيز الجزم إذا فرق بين الفعلين بصفة نحو قولك : (إن تأتني إليك أقصد).

فإذا فرق بينهما بشيء من سبب الفعل الأول فكلهم يجزم الفعل الثاني.

ص: 87

العاشر : أن يفرق بين العامل والمعمول فيه بما ليس للعامل فيه سبب وهو غريب منه

وقد بينا أنّ العوامل على ضربين : فعل وحرف ، وقد شرحنا أمر الحرف فأما الفعل الذي لا يجوز أن يفرق بينه وبين ما عمل فيه فنحو قولك : (كانت زيدا الحمى تأخذ) هذا لا يجوز لأنك فرقت بين (كان) واسمها بما هو غريب منها ؛ لأن (زيدا) ليس بخبر لها ولا اسم ولا يجوز : (زيد فيك وعمرو رغب) إذا أرددت : (زيد فيك رغب وعمرو) لأنك فرقت بين (فيك) ورغب بما ليس منه.

وإذا قلت : (زيد راغب نفسه فيك) فجعلت (نفسه) تأكيدا (لزيد) لم يجز لأنك فرقت بين (راغب وفيك) بما هو غريب منه ، فإن جعلت (نفسه) تأكيدا لما في (راغب) جاز وكذلك الموصولات لا يجوز أن يفرق بين بعض صلاتها وبعض بشيء غريب منها تقول : (ضربي زيدا قائما) تريد : إذا كان قائما (فقائما) حال لزيد وقد سدت مسدّ الخبر ؛ لأن (ضربي) مبتدأ ، فإن قدمت (قائما) على زيد لم يجز ؛ لأن (زيدا) في صلة (ضربي) و (قائما) بمنزلة الخبر فكما لا يجوز :(ضربي حسن زيدا) تريد : (ضربي زيدا حسن) كذاك لا يجوز هذا وكذلك جميع الصلات.

الحادي عشر : تقديم المضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى

أما تقديم المضمر على الظاهر الذي يجوز في اللفظ فهو أن يكون مقدما في اللفظ مؤخرا في معناه ومرتبته ، وذلك نحو قولك : (ضرب غلامه زيد) كان الأصل : ضرب زيد غلامه فقدمت ونيتك التأخير ومرتبة المفعول أن يكون بعد الفاعل فإذا قلت : (ضرب زيدا غلامه) كان الأصل : (ضرب غلام زيد زيدا) فلما قدمت (زيدا) المفعول فقلت : ضرب زيدا قلت : غلامه وكان الأصل : (غلام زيد) فاستغنيت عن إظهاره لتقدمه قال الله عز وجل : وإذا (ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : 124].

وهذه المسألة في جميع أحوالها لم تقدم فيها مضمرا على مظهر ، إنما جئت بالمضمر بعد المظهر إذا استغنيت عن إعادته فلو قدمت فقلت : (ضرب غلامه زيدا) تريد : ضرب زيدا غلامه لم يجز لأنك قدمت المضمر على الظاهر في اللفظ والمرتبة ؛ لأن حق الفاعل أن يكون قبل

ص: 88

المفعول فإذا كان في موضعه وعلى معناه فليس لك أن تنوي به غير موضعه إنما تنوي بما كان في غير موضعه موضعه فافهم هذا ، فإن هذا الباب عليه يدور.

فإذا قلت : (في بيته يؤتى الحكم) جاز ؛ لأن التقدير (يؤتى الحكم في بيته) فالذي قام مقام الفاعل ظاهر وهو (الحكم) ولم تقدم ضميرا على ظاهر مرتبته أن يكون قبل الظاهر ، فإن قلت : (في بيت الحكم يؤتى الحكم) جاز أن تقول : (يؤتى) وتضمر استغناء عن إظهاره إذ كان قد ذكره كما تقول : إذا ذكر إنسان زيدا قام وفعل وكذلك إذا ذكر اثنين قلت : (قاما وفعلا) فتضمر اسم من لم تذكر استغناء بأنّ ذاكرا قد ذكره ، فإن لم تقدره هذا التقدير لم يجز ، فإن قدمت فقلت : (يؤتيان في بيت الحكمين) تريد : (في بيت الحكمين يؤتيان) لم يجز ومن هذا :زيدا أبوه ضرب أو يضرب أو ضارب فحقه أن تقول : (زيدا أبو زيد ضرب).

واختلفوا في قولهم : (ما أراد أخذ زيد) فأجازه البصريون ورفعوا زيدا (بأخذ) وفي (أراد) ذكر من زيد وأبى ذلك الكوفيون ففرقوا بينه وبين (غلامه ضرب زيد) بأن الهاء من نفس الاسم بمنزلة التنوين فصار بمنزلة : غلاما ضرب زيد ويقول قوم من النحويين : إذا كان المخفوض ليس في نية نصب فلا يقدم مكنيه تقول (في داره ضربت زيدا) ولا يجوز عندهم :(في داره قيام زيد) وهذا الذي لم يجيزوه هو كما قالوا من قبل أني إذا قلت قيام زيد فقيام مبتدأ ويجوز أن يسقط (زيد) فيتم الاسم فهو بمنزلة ما ليس في الكلام ؛ لأنه من حشو الاسم وليس بالاسم وإنما أجزت : (قيام زيد في داره) استغناء بذكر (زيد) ولو قلت : قيام زيد في دار تمّ الكلام ولم يضطر فيه إلى إضمار فإذا جاء الضمير والكلام غير مضطر إليه كان بمنزلة ما لم يذكر فإذا كان الضمير مؤخرا بهذه الصفة فهو في التقديم أبعد.

واختلفوا في قولهم : (لبست من الثياب ألينها) فمنهم من يجيزها كما يجيز درهمه أعطيت زيدا ومن أباه قال : الفعل واقع على (ألين) دون الثياب وأجازوا جميعا : (أخذ ما أراد زيد) (وأحبّ ما أعجبه زيد) (وخرج راكبا زيد) لم يختلفوا إذا قدموا الفعل وأهل البصرة أجازوا (راكبا خرج زيد) ولم يجزها الفراء والكسائي وقالا : فيها ذكر من الاسم فلا يقدم على الظاهر ولو كان لا يقدم ضمير البتة على ظاهر لوجب ما قالا ولكن المضمر يقدم على الظاهر إذا كان

ص: 89

في غير موضعه بالصفة التي ذكرت لك وأجمعوا على قولهم : (أحرز زيدا أجله) وفي القرآن :(لا ينفع نفسا إيمانها) ؛ لأنه ليس في ذا تقديم مضمر على ظاهر وأجمعوا على : (أحرز زيدا أجله) وعلى : (زيدا أحرز أجله) ، فإن قالوا : (زيدا أجله أحرز) فأكثر النحويين المتقدمين وغيرهم يحيلها إلّا هشاما وهي تجوز ؛ لأن المعنى : (أجل زيد أحرز زيدا) فلما قلت : (زيدا أجل زيد أحرز) لم تحتج إلى إظهار زيد مع الأجل واختلفوا في (ثوب أخويك يلبسان) وهي عندي جائزة ؛ لأن المعنى : (ثوب أخويك يلبس أخواك) فاستغنى عن إعادة الأخوين بذكرهما فأضمرا.

وأجاز الفراء : دار قومك يهدم هم (ويهدمون هم) وتقول : (حين يقوم زيد يغضب) لأنك تريد : (حين يقوم زيد يغضب زيد) فلو أظهرته لجاز واستغنى عن إضماره بذكر زيد ولو أظهرته لظن أنه زيد آخر وهو على إلباسه يجوز وليس هذا مثل : (زيدا ضرب) إذا أردت :(ضرب نفسه) لأن هذا إنما امتنع ؛ لأنه فاعل مفعول وقد جعلت المفعول لا بدّ منه وحقّ الفاعل أن يكون غير المفعول إلا في الظن وأخواته فإذا أردت هذا المعنى قلت : (ضرب زيدا نفسه) (وضرب زيد نفسه) وقالوا : فإن لم تجيء بالنفس فلا بدّ من إظهار المكنى ليقوم مقام ما هو منفصل من الفعل ؛ لأن الضمير المنفصل بمنزلة الأجنبي فتقول : (ضرب زيدا هو) (وضرب زيد إيّاه) واحتجوا بقوله عز وجل : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : 31] كأنه في التقدير : (وما يعلم جنود ربك إلّا ربّك) ولو جاز أن تقول : ضربتني وضربتك فأوقعت فعلك على نفسك ومن تخاطبه للزمك أن تقول : (ضربه) للغائب فتوقع فعل الغائب على نفسه بالكناية فلا يعلم لمن الهاء فإذا قلت : (ضرب نفسه) بأنّ لك ذلك وما الذي يجوز فيه تعدى فعل الفاعل إلى نفسه فقولك : (ظننتي قائما وخلتني جالسا) ، فإن هذا وما أشبهه يتعدى فيه فعل المضمر إلى المضمر ولا يتعدى فعل المضمر إلى الظاهر ؛ لأنه يصير في المفعول الذي هو فضلة لا بدّ منه وإلا بطل الكلام.

وهذه مسألة شرحها أبو العباس وذكر قول أصحابه ثم قوله قال : قال سيبويه : (أزيدا ضربه أبوه) ؛ لأن ما كان من سببه موقع به الفعل كما يوقعه ما ليس من سببه ولا أقول : (أزيدا

ص: 90

ضرب) فيكون الضمير في (ضرب) هو الفاعل وزيد مفعول فيكون هو الضارب نفسه وأضع الضمير في موضع أبيه حيث كان فاعلا قيل له : لم لا يجوز هذا وما الفصل بينه وبين أبيه وقد رأينا ما كان من سببه يحلّ محله في أبواب فالجواب في ذلك : أن المفعول منفصل مستغن عنه بمنزلة ما ليس في الكلام وإنما ينبغي أن يصحح الكلام بغير مفعول ثم يؤتي بالمفعول فضلة وأنت إذا قلت : (أزيدا ضرب) فلو حذفت المفعول بطل الكلام فصار المفعول لا يستغنى عنه وإنما الذي لا بدّ منه مع الفعل الفاعل.

وكذلك لا تقول : (أزيدا ظنه منطلقا) ؛ لأن الفاعل إذا مثل بطل فصرت إن قدمته لتضعه في موضعه صار (ظنّ زيدا منطلقا) فأضمرت قبل الذكر ولكن لو قلت : (ظنه زيد قائما) وإياه ظن زيد أخا كان أجود كلام ؛ لأن فعل زيد يتعدى إليه في باب (ظننت وعلمت وأخواتهما) ولا يتعدى إليه في (ضرب) ونحوه ألا ترى أنك تقول : غلام هند ضربها فترد الضمير إليها لأنها مستغن عنها لأنك لو قلت (غلام هند ضرب) لم تحتج إلى المفعول فلما كانت في ذكرك رددت إليها وحلت محل الأجنبي ولو قلت : (غلام هند ضربت) تجعل ضمير هند الفاعل لكان غلطا عند بعضهم ؛ لأن هندا من تمام الغلام والغلام مفعول فقد جعلت المفعول الذي هو فضلة لا بدّ منه ليرجع الضمير الذي هو الفاعل إليه ، فإن قلت : فما بالي أقول : (غلام هند ضاربته هي) فيجوز واجعل هي إن شئت إظهار الفاعل وهو (لهند) ، وإن شئت ابتداء وخبرا فالجواب فيه أنه إنما جاز هنا ؛ لأن الغلام مبتدأ و (ضاربته) على هذا التقدير مبتدأ والفاعل يسدّ مسدّ الخبر فهو منفصل بمنزلة الأجنبي ألا ترى أنّك لو وضعت مكان (هي) جاريتك أو غيرها استقام والفاعل المتصل لا يحل محلّه غيره ، فإن قلت أفتجيز : (غلام هند ضاربته هي) تجعل (هي) إن شئت ابتداء مؤخرا ، وإن شئت جعلت (ضاربته) ابتداء و (هي) فاعل يسدّ مسد الخبر فكل هذا جيد ؛ لأن (هي) منفصل بمنزلة الأجنبي ولو قلت : (غلام هند ضربت أمّها) كان جيدا ؛ لأن الأم منفصلة وإنّما أضفتها إلى هند لما تقدم من ذكرها فهند هاهنا وغيرها سواء ألا ترى أني لو قلت : غلام هند ضربت أمّ هند كان بتلك المنزلة إلا أن الإضمار أحسن لما تقدم الذكر والضمير المتصل لا يقع موقعه المنفصل المذكور إلا على معناه وتقديره وإنما هذا

ص: 91

كقولك : (زيدا ضرب أبوه) ؛ لأن الأب ظاهر ولو حذفت ما أضفت إليه صلح فقلت : أب وغلام ونحوهما والأول بمنزلة : (زيدا ضرب) الذي لا يحل محله ظاهر فلذلك استحال.

قال أبو العباس : وأنا أرى أنه يجوز : (غلام هند ضربت) وباب جوازه أنّك اضمرت (هندا) لذكرك إياها وكان التقدير غلام هند (ضربت هند) فلم تحتج إلى إظهارها لتقدم ذكرها وكان الوجه (غلامها ضربت هند) ويجوز الإظهار على قولك : (ضرب أبا زيد زيد) ولو قلت : (أباه) كان أحسن فإنما أضمرتها في موضع ذكرها الظاهر ولكن لا يجوز بوجه من الوجوه : (زيدا ضرب) إذا جعلت ضمير زيد ناصبا لظاهره لعلتين : إحداهما : أنّ فعله لا يتعدى إليه في هذا الباب لا تقول : (زيد ضربه) إذا رددت الضمير إلى (زيد) ولا تقول : ضربتني إذا كنت الفاعل والمفعول وقد بين هذا والعلة الأخرى : ما تقدم ذكره من أن المفعول الذي فضلة يصير لازما ؛ لأن الفاعل الذي لا بدّ منه معلق به ولهذا لم يجز : زيدا ظنّ منطلقا إذا أضمرت (زيدا) في (ظنّ) ، وإن كان فعله في هذا الباب يتعدى إليه نحو : (ظننتي أخاك) ولكن لم يتعد المضمر إلى الظاهر لما ذكرت لك ، وأما (غلام هند ضربت) فجاز ؛ لأن هندا غير الغلام ، وإن كانت بالإضافة قد صارت من تمامه ألا ترى أنك تقول : (غلام هند ضربها) ولا تقول : (زيد ضربه).

فهذا بين جدا واختلفوا في : (ضربني وضربت زيدا) فرواه سيبويه وذكر : أنهم أضمروا الفاعل قبل ذكره على شريطة التفسير وزعم الفراء : أنه لا يجيز نصب (زيد) وأجاز الكسائي على أن (ضرب) لا شيء فيها وحذف (زيدا) وقال بعض علمائنا (رحمه الله) : والذي قال الفراء : لو لا السماع لكان قياسا.

وأما (عبد الله زيد ضارب أباه) فالبصريون يجيزون : (أباه عبد الله زيد ضارب) وغيرهم لا يجيزها وهو عندي : قبيح لبعد العامل من الذي عمل فيه.

و (طعامك زيد يأكل أبوه) لا يجيزها الفراء ولا يجيز : (آكل) أيضا ويجيزها الكسائي إذا قال : (طعامك زيد آكل أبوه) ؛ لأن زيدا ارتفع عنده (بآكل) فأجاز تقديم الطعام ولما كان

ص: 92

يرتفع بما عاد عليه من الذكر لم يجزه وقال الفراء : هو في الدائم غير جائز ؛ لأنه لا يخلو من أن أقدره تقدير الأفعال فيكون بمنزلة الماضي والمستقبل إذا قدره تقدير الأسماء فلا يجوز أن أقدم مفعول الأسماء ولكني أجيزه في الصفات ويعني بالصفات (الظروف) وهذه المسألة لم يقدم فيها مضمر على ظاهر.

والمضمر في موضعه إلا أن (أبوه) فاعل (يأكل) وطعامك مفعول وقد بعد ما بينهما وفرقت بين الفاعل والمفعول به (بزيد) وليس له في الفعل نصيب ولكن يجوز أن تقوله من حيث قلت : (طعامك زيد يأكل) فالفاعل مضمر فقام (أبوه) مقام ذلك المضمر.

الثاني عشر : التقديم إذا ألبس على السامع أنه مقدم

وذلك نحو قولك : (ضرب عيسى موسى) إذا كان (عيسى) الفاعل لم يجز أن يقدم (موسى) عليه ؛ لأنه ملبس لا يبين فيه إعراب وكذلك : (ضرب العصا الرجى) لا يجوز التقديم والتأخير ، فإن قلت : (كسر الرحى العصا) وكانت الرحى هي الفاعل وقد علم أنّ العصا لا تكسر الرحى جاز التقديم والتأخير ومن ذلك قولك : (ضربت زيدا قائما) إذا كان السامع لا يعلم من القائم الفاعل أم المفعول لم يجز أن تكون الحال من صاحبها إلا في وضع الصفة ولم يجز أن تقدم على صاحبها ، فإن كنت أنت القائم قلت : (ضربت قائما زيدا) ، وإن كان زيد القائم قلت : ضربت زيدا قائما ، فإن لم يلبس جاز التقديم والتأخير وكذلك إذا قلت :(لقيت مصعدا زيدا منحدرا) لا يجوز أن يكون المصعد إلا أنت والمنحدر إلا (زيد) لأنك إن قدمت وأخرت التبس ولو قلت : (ضرب هذا هذا) تريد تقديما وتأخيرا لم يجز فإذا قلت :(ضرب هذا هذه) جاز التقديم والتأخير فقلت : (ضربت هذه هذا) ؛ لأنه غير ملبس ولو قلت : (ضرب الذي في الدار الذي في البيت) لم يجز التقديم والتأخير لإلباسه ومن ذلك إذا قلت : (أعطيت زيدا عمرا) لم يجز أن تقدم (عمرا) على (زيد) وعمرو هو المأخوذ ؛ لأنه ملبس إذا كان كل واحد منهما يجوز أن يكون الآخذ فإذا قلت : (أعطيت زيدا درهما) جاز التقديم والتأخير فقلت : (أعطيت درهما زيدا) ؛ لأنه غير ملبس والدرهم لا يكون إلا مأخوذا.

ص: 93

الثالث عشر : إذا كان العامل معنى الفعل ولم يكن فعلا

لا يجوز أن يقدم ما عمل فيه عليه إلا أن يكون ظرفا ، وذلك قولك : (فيها زيد قائما) لا يجوز أن تقدم (قائما) على فيها ؛ لأنه ليس هنا فعل وإنما أعملت (فيها) في الحال لما تدل عليه من الاستقرار وكذلك إذا قلت : (هذا زيد منطلقا) لا يجوز أن تقدم (منطلقا) على (هذا) ؛ لأن العامل هنا دلّ على ما دل عليه (هذا) وهو التنبيه وليس بفعل ظاهر ومن ذلك : (هو عبد الله حقا) لا يجوز أن تقدم (حقا) على (هو) ؛ لأن العامل هو المعنى وإنما نصبت (حقا) لأنك لما قلت : هو عبد الله دلّك على (أحق دلك) فقلت (حقا) فأما الظرف الذي يقدم إذا كان العامل فيه معنى فنحو قولك : (أكلّ يوم لك ثوب) العامل في (كلّ) معنى (لك) وهو الملك.

ص: 94

ذكر ما يعرض من الإضمار والإظهار

اعلم أنّ الكلام يجيء على ثلاثة أضرب : ظاهر لا يحسن إضماره ومضمر مستغمل إظهاره ومضمر متروك إظهاره.

الأول : الذي لا يحسن إضماره : ما ليس عليه دليل من لفظ ولا حال مشاهدة لو قلت :زيدا وأنت تريد : كلم زيدا فأضمرت ولم يتقدم ما يدل على (كلم) ولم يكن إنسان مستعدا للكلام لم يجز وكذلك غيره من جميع الأفعال.

الثاني : المضمر المستعمل إظهاره : هذا الباب إنما يجوز إذا علمت أنّ الرجل مستغن عن لفظك بما تضمره فمن ذلك ما يجري في الأمر والنهي وهو أن يكون الرجل في حال ضرب فتقول : زيدا ورأسه وما أشبه ذلك تريد : اضرب رأسه وتقول في النهي : الأسد الأسد نهيته أن يقرب الأسد وهذا الإضمار أجمع في الأمر والنهي وإنما يجوز مع المخاطب ولا يجوز مع الغائب ولا يجوز إضمار حرف الجر ومن ذلك أن ترى رجلا يسدد سهما فتقول : (القرطاس والله) أي يصيب القرطاس أو رأيته في حال رجل قد أوقع فعلا أو أخبرت عنه بفعل فقلت : (القرطاس والله) أي : أصاب القرطاس وجاز أن تضمر الفعل للغائب ؛ لأنه غير مأمور ولا منهيّ وإنما الكلام خبر فلا لبّس فيه كما يقع في الأمر وقالوا : (الناس مجزيون بأعمالهم) إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر يراد إن كان خيرا.

ومن العرب من يقول : (إن خيرا فخيرا) كأنه قال : (إن كان ما فعل خيرا جزي خيرا) والرفع في الآخر أكثر ؛ لأن ما بعد الفاء حقه الإستئناف ويجوز : (إن خير فخير) على أن تضمر (كان) التي لها خبر وتضمر خبرها ، وإن شئت أضمرت (كان) التي بمعنى (وقع) ومثل ذلك قد مررت برجل إن طويلا ، وإن قصيرا ولا يجوز في هذا إلا النصب وزعم يونس : أنّ من العرب من يقول : (إن لا صالح فطالح) على إن : لا أكن مررت بصالح فطالح.

وقال سيبويه : هذا ضعيف قبيح قال : ولا يجوز أن تقول عبد الله المقتول وأنت تريد (كن عبد الله) ؛ لأنه ليس فعلا يصل من الشيء إلى الشيء ومن ذلك : أو فرقا خيرا من حبّ) ولو

ص: 95

رفع جاز كأنه قال : (أو امرىء فرق) وألا طعام ولو تمرا أي : (ولو كان الطعام تمرا) ويجوز :(ولو تمر) أي : ولو كان تمر ومن هذا الباب : (خير مقدم) أي قدمت ، وإن شئت قلت : (خير مقدم) فجميع ما يرفع إنما تضمر في نفسك ما تظهر وجميع ما ينصب إنما تضمر في نفسك غير ما تظهر فافهم هذا ، فإن عليه يجري هذا الباب ألا ترى أنك إذا قلت : خير مقدم فالمعنى : قدمت فقدمت فعل وخير مقدم اسم والاسم غير الفعل فانتصب بالفعل فإذا رفعت فكأنّك قلت : قدومك خير مقدم فإنما تضمر قدومك خير مقدم فقدومك (هو خير مقدم) وخبر المبتدأ هو المبتدأ ، وإذا قلت : (خير مقدم) فالذي أضمرت (قدمت) وهو فعل وفاعل والفعل والفاعل غير المفعول فافهم هذا ، فإن عليه يجري هذا الباب ومن هذا الباب قولهم : (ضربت وضربني زيد) تريد : (ضربت زيدا وضربني) إلا أن هذا الباب أضمرت ما عمل فيه الفعل ، وذلك أضمرت الفعل نفسه وكذلك كلّ فعلين يعطف أحدهما على الآخر فيكون الفاعل فيهما هو المفعول فلك أن تضمره مع الفعل وتعمل المجاوز له فتقول على هذا متى ظننت أو قلت :زيد منطلق ؛ لأن ما بعد القول محكي وتقول : (متى قلت أو ظننت زيدا منطلقا) فإذا قلت : (ضربني وضربت زيدا) ثنيت فقلت : (ضرباني وضربت الزيدين) فأضمرت قبل الذكر ؛ لأن الفعل لا بد له من فاعل ولو لا أنّ هذا مسموع من العرب لم يجز وإنما حسن هذا لأنك إذا قلت : (ضربت وضربني زيد) وضربني وضربت زيدا فالتأويل : تضاربنا فكل واحد فاعل مفعول في المعنى فسومح في اللفظ لذلك.

ومن ذلك : (ما منهم يقوم) فحذف المبتدأ كأنه قال : (أحد منهم يقوم) ومن ذلك قوله عز وجل : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(1) [يوسف : 18]. أي : (أمرى صبر جميل).

ص: 96


1- فصبر جميل أي : فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أمثل. وقرأ أبي ، والأشهب ، وعيسى بن عمر : فصبرا جميلا بنصبهما ، وكذا هي في مصحف أبيّ ، ومصحف أنس بن مالك. وروي كذلك عن الكسائي. ونصبه على المصدر الخبري أي : فاصبر صبرا جميلا. قيل : وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه ، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر ، وكذلك يحسن النصب في قوله :شكا إلي جملي طول السرى.

الثالث : المضمر المتروك إظهاره : المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه وقد يجوز فيه غيره فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير نحو قولهم : (إياك) إذا حذرته والمعنى : (باعد إياك) ولكن لا يجوز إظهاره.

وإياك والأسد وإياك الشرّ كأنه قال : إياي لأتقينّ وإياك فأتقينّ فصارت (إياك) بدلا من اللفظ بالفعل ومن ذلك : (رأسه والحائط وشأنك والحجّ وامرأ ونفسه) فجميع هذا المعطوف إنما يكون بمنزلة (إياك) لا يظهر فيه الفعل ما دام معطوفا ، فإن أفردت جاز الإظهار والواو ها هنا بمعنى (مع) ومما جعل بدلا من الفعل : (الحذر الحذر والنجاء النجاء وضربا ضربا) انتصب على (الزم) ولكنهم حذفوا ؛ لأنه صار بمعنى (افعل) ودخول (إلزم) على (افعل) محال وتقول : (إياك أنت نفسك أن تفعل) ونفسك إن وصفت المضمر الفاعل رفعت ، وإن أضفت إياك نصبت ، وذلك ؛ لأن (إياك) بدل من فعل ، وذلك الفعل لا بدّ له من ضمير الفاعل المأمور ، وإن وصفت (إياك) نصبت وتقول : (إياك أنت وزيد وزيدا) بحسب ما تقدر ولا يجوز : (إياك زيدا) بغير واو وكذلك : (إياك أن تفعل) إن أردت : (إياك والفعل) ، وإن أردت :إياك أعظ مخافة أن تفعل جاز وزعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز :

إيّاك إيّاك المراء فإنّه

إلى الشّرّ دعاء وللخير زاجر (1)

ص: 97


1- الشاهد فيه أنه أتى بالمراء وهو مفعول به ، بغير حرف عطف. وعند سيبويه أن نصب المراء بإضمار فعل ، لأنه لم يعطف على إياك. وسيبويه وابن أبي اسحاق ينصبه ويجعله كأن والفعل وينصبه بالفعل الذي نصب إياك يقدر فيه : اتق المراء ، كما يقدر فعلا آخر ينصب إياك. وقال المازني : لما كرر إياك مرتين ، كان أحدهما عوضا من الواو. وعند المبرد : المراء بتقدير أن تماري ، كما تقول : إياك أن تماري : أي مخافة أن تماري. وهذا البيت نسبه أبو بكر محمد التاريخي في طبقات النحاة - وكذلك ابن بري في حواشيه على درة الغواص الحريرية ، وكذلك تلميذه ابن خلف في" شرح شواهد سيبويه" - للفضل بن عبد الرحمن القرشي ، يقوله لابنه القاسم بن الفضل. قال ابن بري : وقبل هذا البيت : من ذا الذي يرجو الأباعد نفعه إذا هو لم تصلح عليه الأقارب و" الأباعد" : فاعل يرجو. يريد : كيف يرجو الأجانب نفع رجل أقاربه محرومون منه. و" المراء" : مصدر ماريته أماريه مماراة ومراء. أي : جادلته. ويقال ماريته أيضا : إذا طعنت في قوله ، تزييفا للقول ، وتصغيرا للقائل. ولا يكون المراء إلا اعتراضا ، بخلاف الجدال : فإنه يكون ابتداء ، واعتراضا. والجدال مصدر جادل : إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب كذا في" المصباح". انظر خزانة الأدب 1 / 332.

كأنه قال : (إياك) ثم أضمر بعد (إياك) فعلا آخر فقال : اتق المراء.

وقال الخليل : لو أنّ رجلا قال : إياك نفسك لم أعنفه يريد أن (الكاف) اسم وموضعها خفض.

قال سيبويه : وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول : (إذا بلغ الستين فإيّاه وإيّا الشواب) ومن ذلك : (ما شأنك وزيدا) كأنه قال : (وما شأنك وملابسة زيدا) وإنما فعلوا ذلك فرارا من العطف على المضمر المخفوض وحكوا ما أنت وزيدا وما شأن عبد الله وزيدا كأنه قال ما كان : فأما : ويله وأخاه فانتصب بالفعل الذي نصب ويله كأنّك قلت ألزمه الله ويله.

وإن قلت : ويل له وأخاه نصبت ؛ لأن فيه ذلك المعنى ومن ذلك سقيا ورعيا وخيبة ودفرا وجدعا وعقرا وبؤسا وأفة وتفة له وبعدا وسحقا وتعسا وتبّا وبهرا وجميع هذا بدل من الفعل كأنه قال : سقاك الله ورعاك ، وأما ذكرهم (لك) بعد (سقيا) فليبينوا المعنى بالدعاء وليس بمبني على الأول ومنه : (تربا) وجندلا أي : ألزمك الله وقالوا : فاها لفيك يريدون : الداهية ومنه هنيئا مريا ومنها ويلك وويحك وويسك وويبك وعولك لا يتكلم به مفردا ولا يكون إلا بعد (ويلك) ومن ذلك سبحان الله ومعاذ الله وريحانه وعمرك الله إلا فعلت وقعدك الله إلا فعلت بمنزلة : نشدتك الله وزعم الخليل : أنه تمثيل لا يتكلم به ومنه قولهم : كرما وصلفا وفيه معنى التعجب كأنه قال : (ألزمك الله) وصار بدلا من أكرم به وأصلف به ومنه : لبيك وسعديك وحنانيك وهذا مثنى وجميع ذا الباب إنما يعرف بالسماع ولا يقاس وفيما ذكرنا ما يدلّك على الشيء المحذوف إذا سمعته ومن ذلك قولهم : (مررت به فإذا له صوت صوت

ص: 98

حمار) ؛ لأن معنى : (له صوت) هو يصوت فصار له صوت بدلا منه ومن هذا : (أزيدا ضربته) تريد : أضربت زيدا ضربته فاستغنى (بضربته) وأضمر فعل يلي حرف الاستفهام وكذلك يحسن في كل موضع هو بالفعل أولى كالأمر والنهي والجزاء تقول : (زيدا اضربه) وعمرا لا يقطع الله يده وبكرا لا تضربه وإن زيدا تره تضربه.

وكذلك إذا عطفت جملة على جملة فكانت الجملة الأولى فيها الاسم مبني على الفعل كان الأحسن في الجملة الثانية أن تشاكل الأولى ، وذلك نحو : (ضربت زيدا وعمرا كلمته) والتقدير : ضربت زيدا وكلمت عمرا فأضمرت فعلا يفسره (كلمته) وكذلك إن اتصل الفعل بشيء من سبب الأول تقول : (لقيت زيدا وعمرا ضربت أباه) كأنك قلت (لقيت زيدا وأهنت عمرا وضربت أباه) فتضمر ما يليق بما ظهر ، فإن كان في الكلام الأول المعطوف عليه جملتان متداخلتان كنت بالخيار ، وذلك نحو قولك : (زيد ضربته وعمرو كلمته) إن عطفت على الجملة الأولى التي هي الابتداء والخبر رفعت ، وإن عطفت على الثانية التي هي فعل وفاعل ، وذلك قولك : ضربته نصبت ومن ذلك قولهم : أمّا سمينا فسمين ، وأما عالما فعالم ومنه قولهم :(لك الشاء شاة بدرهم) ومنه قولهم : (هذا ولا زعماتك) أي لا أتوهم زعماتك وكليهما وتمرا.

ومن العرب من يقول : (كلاهما وتمرا كأنه قال (كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا) ومن ذلك : (انتهوا خيرا لكم ووراءك أوسع لك وحسبك خيرا لك) لأنّك تخرجه من أمر وتدخله في آخر ولا يجوز ينتهي خيرا لي لأنّك إذا نهيته فأنت ترجيه إلى أمر ، وإذا أخبرت فلست تريد شيئا من ذلك ومن ذلك : (أخذته فصاعدا وبدرهم فزائدا).

أخبرت بأدنى الثمن فجعلته أولا ثم قررت شيئا بعد شيء لأثمان شتى ولا يجوز دخول الواو هنا ويجوز دخول (ثمّ) وممّا انتصب على الفعل المتروك إظهاره المنادى في قولك : (يا عبد الله) وقد ذكرت ذلك في باب النداء.

قال سيبويه : ومما يدلّك على أنه انتصب على الفعل قولك : (يا إيّاك) إنما قلت : يا إياك أعني ولكنهم حذفوا وذكر أمّا أنت منطلقا انطلقت معك فقال : إنها (إن) ضمت إليها (ما) وجعلت عوضا من اللفظ بالفعل تريد : إن كنت منطلقا قال : ومثل ذلك : (إمّا لا) كأنّه قال :

ص: 99

(افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره) وإنما هي (لا) أميلت في هذا الموضع لأنّها جعلت مع ما قبلها كالشيء الواحد فصارت كأنها ألف رابعة فأميلت لذاك ومن ذلك : مرحبا وأهلا زعم الخليل أنه بدل من : رحبت بلادك ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمر هو ما يظهر.

واعلم أن جميع ما يحذف فإنهم لا يحذفون شيئا إلا وفيما أبقوا دليل على ما ألقوا.

ص: 100

الاتساع

اعلم أن الاتساع ضرب من الحذف إلا أن الفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله أن هذا تقيمه مقام المحذوف وتعربه بإعرابه ، وذلك الباب تحذف العامل فيه وتدع ما عمل فيه على حاله في الإعراب وهذا الباب العامل فيه بحاله وإنما تقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف أو تجعل الظرف يقوم مقام الاسم فأمّا الاتساع في إقامة المضاف إليه مقام المضاف فنحو قوله :(سل (الْقَرْيَةَ)(1)) [يوسف : 82] تريد : أهل القرية وقول العرب : بنو فلان يطؤهم الطريق :يريدون : أهل الطريق وقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : 177] إنما هو بر من آمن بالله.

وأما اتساعهم في الظروف فنحو قولهم : (صيد عليه يومان) وإنما المعنى : صيد عليه الوحش في يومين ، (وولد له الولد ستون عاما) والتأويل : (ولد له في ستين عاما) ومن ذلك قوله عز وجل : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : 33] وقولهم : (نهارك صائم وليلك قائم) وإنما المعنى : (أنّك صائم في النهار وقائم في الليل) وكذلك :

يا سارق اللّيلة أهل الدّار (2)

ص: 101


1- قال أبو عبيد : ومن مجاز ما حذف وفيه مضمر ، قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) (1282) ، فهذا محذوف فيه ضمير مجازه : وسل أهل القرية ، ومن في العير : انظر مجاز القرآن ص / 7.
2- على أنه قد يتوسع في الظروف المنصرفة فيضاف إليها المصدر والصفة المشتقة منه ، فإن الليل ظرف متصرّف ، وقد أضيف إليه سارق وهو وصف. وقد وقع هذا في كتاب سيبويه. وأورده الفرّاء أيضا في تفسيره ، عند قوله تعالى "فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ" وقال : أضاف سارق إلى الليلة ونصب أهل. وكان بعض النحوييين ينصب الليلة ويخفض أهل ، فيقول : يا سارق الليلة أهل الدار هذا كلامه. قال ابن خروف في شرح الكتاب : أهل الدار منصوب بإسقاط الجار ، ومفعوله الأول محذوف والمعنى : يا سارق الليلة لأهل الدار متاعا ، فسارق متعد لثلاثة ، أحدهما الليلة على السعة ، والثاني بعد إسقاط حرف الجر ، والثالث مفعول حقيقي. وجميع الأفعال متعديها ولازمها يتعدى إلى الأزمنة والأمكنة. انتهى. - وفيه نظر ، فإن أهل اللغة نقلوا : أن سرق يتعدى بنفسه إلى مفعولين ، قال صاحب المصباح وغيره : سرقه مالا يسرقه من باب ضرب ، وسرق منه مالا ، يتعدى إلى الأول بنفسه وبالحرف على الزيادة. انتهى. انظر خزانة الأدب 1 / 346.

وإنما سرق في الليلة وهذا الاتساع أكثر في كلامهم من أن يحاط به وتقول : (سرت فرسخين يومين) إن شئت نصبت. انتصاب الظروف وإن شئت جعلت نصبهما بأنهما مفعولان على السعة وعلى ذلك قولك : (سير بزيد فرسخان يومين) إذا جعلت الفرسخين يقومان مقام الفاعل ولك أن تقول : سير بزيد فرسخين يومان فتقوم اليومين مقام الفاعل.

اعلم أن الإلغاء إنما هو أن تأتي الكلمة لا موضع لها من الإعراب إن كانت مما تعرب وإنها متى أسقطت من الكلام لم يختل لكلام وإنما يأتي ما يلغى من الكلام تأكيدا أو تبيينا والجمل التي تأتي مؤكدة ملغاة أيضا وقد عمل بعضها في بعض فلا موضع لها من الإعراب والتي تلغى تنقسم أربعة أقسام : اسم وفعل وحرف وجملة.

الأول : الاسم : وذلك نحو : (هو) إذا كان الكلام فصلا فإنه لا موضع له من الإعراب لو كان له موضع لوجب أن يكون له خبر إن كان مبتدأ أو يكون له مبتدأ إن كان هو خبرا وقيل في قوله : (ولباس التقوى ذلك خير) (ذلك) زائدة.

الثاني : الفعل : ولا يجوز عندنا أن يلغى فعل ينفذ منك إلى غيرك ولكن الملغى نحو : (كان) في قولك : (ما كان أحسن زيدا) الكلام ما أحسن زيدا و (كان) إنما جيء بها لتبيّن أنّ ذلك كان فيما مضى.

الثالث : الحرف : وذلك نحو : ما في قوله عز وجل : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : 155] لو كان (لما) موضع من الإعراب ما عملت الباء في (نقضهم) وإنما جيء بها زائدة للتأكيد ومن ذلك (إن) الخفيفة تدخل مع (ما) للنفي في نحو قوله : وما إن طبنا جبن وكذلك (إن) في قولك : (لما إن جاء قمت إليه) المعنى : (لما جاء قمت) وكذلك (ما) إذا كانت كافة فلا موضع لها من الإعراب في نحو قولك : (إنّما زيد منطلق) كفت (ما) (إن) عن

ص: 102

الإعراب كما منعت إن (ما) من الإعراب وكذلك (ربّما) تقول : (ربّما يقوم زيد) لو لا (ما) لما جاز أن يلي (ربّ) فعل ومن ذلك (بعد ما) قال الشاعر :

أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالشّهاب المخلس (1)

فجميع هذه لا موضع لها من الإعراب وقد جاءت حروف خافضة وذكروا أنها زوائد إلا أنها تدخل لمعان فمن ذلك : (ليس زيد بقائم) أصل الكلام : (ليس زيد قائما) ودخلت الباء لتؤكد النفي وخص النفي بها دون الإيجاب ومن ذلك : (ما من رجل في الدار) دخلت (من) لتبين أن الجنس كله منفي وأنه لم يرد القائل أن ينفي رجلا واحدا.

قال أبو بكر : وحقّ الملغى عندي أن لا يكون عاملا ولا معمولا فيه حتى يلغى من الجميع وأن يكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير التأكيد وهذه الحروف التي خفض بها قد دخلت لمعان غير التأكيد من الحروف الملغاة (لا) شبهوها (بما) فمن ذلك قولك : (ما قام زيد ولا عمرو) والواو العاطفة ولا لغو و (لا) إنما دخلت تأكيدا للنفي وليزول بها اللبس إذا كان منفيا ؛ لأنه قد يجوز أن تقول : ما قام زيد وعمرو ما قاما معا وقالوا في قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [القيامة : 1] إنّ (لا) زائدة و (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : 29] إنما هو :لأن يعلم وجملة الأمر أنها لا تزاد إلا في موضع غير ملبس كما لا تزاد (ما) وأما قولك :

ص: 103


1- بعد منتصب بما نصب به المصدر الذي هو علاقة ، فكذلك ينبغي أن يكون الفعل على ما كان عليه قبل دخول هذا الحرف ، من اقتضائه للفاعل وإسناده إليه. هذا كلامه. وقوله : ولم نر في سائر كلامهم الفعل بلا فاعل يرد عليه زيادة كان في نحو : ما كان أحسن زيدا. وفيه أيضا دخول فعل على فعل. فقوله : غير موجود ممنوع. وقوله : ويقوي هذا أن الفعل مع دخول ما هذه تجده دالا إلى آخره ، يرد عليه أن الحرف المكفوف عن عمله باق على معناه ، ولا ينكر أن يكف الفعل عن عمله في الفاعل ، مع بقائه على معناه. وقوله : ألا ترى أن الاسم في حال دخول هذا الحرف إياه على ما كان عليه قبل انتصابه بالظرف وتعلقه بالفعل ... إلخ ، هذا يشهد عليه لا له ، فإن الكلام في طلب المعمول لا في طلب العامل ، والمعمول لبعد بالإضافة مفقود لوجود المانع ، وهو الكف. وهذا هو المدعى. فلا يرد على سيبويه شيء مما ذكره. والله أعلم. انظر خزانة الأدب 4 / 17.

(حسبك به) كلام صحيح كما تقول : كفايتك به وفيه معنى الأمر أو التعجب وقولهم : (كفى بالله).

قال سيبويه : إنما هو (كفى الله) والباء زائدة والقياس يوجب أن يكون التأويل : (كفى كفايتي بالله) فحذف المصدر لدلالة الفعل عليه وهذا في العربية موجود.

الرابع : الجملة : وذلك نحو قولك : (زيد ظننت منطلق) بنيت (منطلقا) على (زيد) ولم تعمل (ظننت) وألغيته وصار المعنى زيد منطلق في ظني ، فإن قدمت (ظننت) قبح الإلغاء ومن هذا الباب الإعتراضات ، وذلك نحو قولك : زيد أشهد بالله منطلق ، وإن زيدا فافهم ما أقول رجل صدق ، وإن عمرا والله ظالم ، وإن زيدا هو المسكين مرجوم وعلى ذلك يتأول قوله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً 30 أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الكهف] (فأولئك) هو الخبر ، و (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) اعتراض ، ومنه قول الشاعر :

إنّي لأمنحك الصّدود وإنّني

قسما إليك مع الصّدود لأميل (1)

ص: 104


1- على أن قسما تأكيد للحاصل من الكلام السابق بسبب إن واللام ، يعني أن قسما تأكيد لما في قوله : وإنني مع الصدود لأميل إليك : من معنى القسم ، لما فيه من التحقيق والتأكيد من إن ولام التأكيد ؛ فلما كان في الجملة منهما تحقيق والقسم أيضا تحقيق صار كأنه قال : أقسم قسما. وقال ابن خلف : الشاهد فيه أنه جعل قسما تأكيدا لقوله : وإنني إليك لأميل ، وقوله وإنني إليك لأميل جواب قسم ، فجعل قسما تأكيدا لما هو قسم. وروى أبو الحسن : أصبحت أمنحك كأنه قال : أصبحت أمنحك الصدود ووالله إني إليك لأميل. وهم يحذفون اليمين وهم يريدونها ويبقون جوابها. وفيه نظر من وجهين : الأول أن الجملة ليست جواب قسم محذوف. والثاني : أن المؤكد لا يحذف. وجعل ابن السراج في الأصول التوكيد من جهة الاعتراض فقال : قوله قسما اعتراض ، وجملة هذا الذي يجيء معترضا إنما يكون تأكيد للشيء أو لدفعه ، لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده. وقال ابن جني في إعراب الحماسة : انتصاب قسم ، لا يخلو أن يكون بما تقدم من قوله إني لأمنحك الصدود ، أو من جملة إنني إليك لأميل. ولا يجوز الأول من حيث كان في ذلك الحكم ، لجواز الفصل بين اسم - إن وخبرها بمعمول جملة أخرى أجنبي عنها ؛ فثبت بذلك أنه من الجملة الثانية وأنه منصوب بفعل محذوف دل عليه قوله : وإنني إليك لأميل ، أي : أقسم قسما ، وأضمر هذا الفعل ، وإنما سبق الجزء الأول من الجملة الثانية وهو اسم إن ؛ وهذا واضح. وهذا البيت من قصيدة للأحوص الأنصاري ، يمدح بها عمر بن عبد العزيز الأموي. انظر خزانة الأدب 1 / 179.

قوله (قسما) اعتراض.

وجملة هذا الذي يجيء معترضا إنما يكون توكيدا للشيء أو لدفعه ؛ لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده.

واعلم أنه لا يجوز أن يعترض بين واو العطف وبين المعطوف بشيء لا يجوز أن تقول :(قام زيد فأفهم عرمو ولا قام زيد ووالله عمرو).

وقد أجاز قوم الإعتراض في (ثمّ وأو ولا) ؛ لأن أو ولا وثمّ (يقمن بأنفسهنّ) فيقولون :(قام زيد ثم والله محمد).

ومما يلغيه الكوفيون ولا يعرفه البصريون : (زيدا قمت فضربت) يلغون القيام كأنهم قالوا : (زيدا ضربت) وهذا رديء في الإلغاء ؛ لأن ما يلغى ليس حقه أن يكون بعد فاء تعلق ما بعدها به.

قال أبو بكر : قد انتهينا إلى الموضع الذي يتساوى فيه كتاب الأصول وكتاب الجمل بعد ذكر (الذي) والألف واللام ثمّ لا فرق بينهما إلا أنّ بعد التصريف زيادة المسائل فيه والجمل ليس فيه ذلك.

ذكر (الذي) و (الألف واللام)

اشارة

الإخبار بالذي والألف واللام التي في معناه : ضرب من المبتدأ والخبر وموضع (الذي) من الكلام أن يكون مع صلته صفة لشيء وإنما اضطر إلى الصفة (بالذي) للمعرفة ؛ لأن وصف النكرة على ضربين : مفرد وجملة فالمفرد نحو قولك : مررت برجل عاقل وقائم وما

ص: 105

أشبه ذلك والجملة التي توصف بها النكرة تنقسم قسمين : مبتدأ وخبر نحو قولهم : مررت برجل (أبوه منطلق) وفعل وفاعل نحو قولك : مررت برجل قام أبوه فلما كانت النكرات قد توصف بالحديث والكلام التام احتيج في المعرفة إلى مثل ذلك فلم يجز أن توصف المعرفة بما توصف به النكرة ؛ لأن صفة النكرة نكرة مثلها وصفة المعرفة معرفة مثلها فجاز وصف النكرة بالجمل ؛ لأن كلّ جملة فهي نكرة ولو لا أنها نكرة ما كان للمخاطب فيها فائدة ؛ لأن ما يعرف لا يستفاد فلما كان الأمر كذلك وأريد مثله في المعرفة جاءوا باسم مبهم معرفة لا يصح معناه إلا بصلته وهو (الذي) فوصلوه بالجمل التي أرادوا أن يضعوا المعرفة بها لتكون صفة المعرفة معرفة كما أن صفة النكرة نكرة (فالذي) عند البصريين أصله (لذي) مثل (عمى) ولزمته الألف واللام فلا يفارقانه ويثنى فيقال (اللذان) في الرفع (واللذين) في الخفض والنصب ويجمع فيقال : (الذين) في الرفع وغيره ومنهم من يقول : (اللذون) في الرفع (واللذين) في الخفض والنصب والمؤنث (التي واللتان واللاتي واللواتي) وقد حكى في (الذي) (الذي) بإثبات الياء (والذ) بكسر الذال بغير ياء والذ باسكان الذال (والذيّ) بتشديد الياء وفي التثنية (اللذان) بتشديد النون (واللّذا) بحذف النون وفي الجمع (الذين والذون واللاؤن وفي النصب والخفض اللائين واللاء بلا نون واللاي) بإثبات الياء في كل حال والأولى وللمؤنث التي واللاء بالكسر ولا ياء والتي والت بالكسر بغير ياء والت بإسكان التاء واللتان واللتا بغير نون واللتانّ بتشديد النون وجمع (التي) اللاتي واللات بغير ياء واللواتي واللوات بالكسر بغير ياء واللواء واللاء بهمزة مكسورة واللاات مثل اللغات مسدود مكسور التاء وطيء تقول : (هذا ذو قال ذاك) يريدون : الذي قال ذلك.

و (مررت بذو قال ذاك) في كل وجه في الجمع وحكى : أنه يجوز ذوات قلت ذاك ورأيت ذو قال ذاك وللأنثى : ذات قالت ذاك قلت ذاك (فذو) يكون في كل حال رفعا ويكون موحدا في التثنية والجمع من المذكر والمؤنث قالوا : ويجوز في المؤنث أن تقول : (هذه ذات قالت ذاك) في الرفع والنصب والخفض فأما التثنية في (ذو وذات) فلا يجوز فيه إلا الإعراب في كل الوجوه وحكى : أنه قد سمع في (ذات) و (ذوات) الرفع في كل حال.

ص: 106

وقال غير البصريين : إن أصل (الذي) هذا وهذا عندهم أصله ذال واحدة وما قالوه :بعيد جدا ؛ لأنه لا يجوز أن يكون اسم على حرف في كلام العرب إلا المضمر المتصل ولو كان أيضا الأصل حرفا واحدا ما جاز أن يصغر والتصغير لا يدخل إلا على اسم ثلاثي وقد صغرت العرب (ذا) والموجود والمسموع مع ردنا له إلى الأصول من (الذي) ثلاثة أحرف لام وذال وياء وليس لنا أن ندفع الموجود إلا بالدليل الواضح والحجة البينة على أني لا لا أدفع أنّ (ذا) يجوز أن يستعمل في موضع (الذي) فيشار به إلى الغائب ويوضح بالصلة ؛ لأنه تقل من الإشارة إلى الحاضر إلى الإشارة إلى الغائب فاحتاج إلى ما يوضحه لما ذكرنا.

وقال سيبويه : إن (ذا) تجري بمنزلة (الذي) وحدها وتجري مع (ما) بمنزلة اسم واحد فأما إجراؤهم (ذا) بمنزلة (الذي) فهو قولهم : ماذا رأيت فيقول : متاع حسن وقال لبيد :

ألا تسألان المرء ما ذا يحاول

أنحب فيقضى أم ضلال وباطل (1)

وأما إجراؤهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد فهو قولك : ماذا رأيت فتقول : خيرا كأنك قلت : ما رأيت ومثل ذلك قولهم : ماذا ترى : فتقول : خيرا وقال الله : (ماذا أنزل ربكم قالوا :خيرا) كأنه قال : ما أنزل ربكم قالوا : خيرا أي أنزل خيرا فلو كان (ذا) لغوا لما قالت العرب :عما ذا تسأل ولقالوا : عمّ ذا تسأل ولكنهم جعلوا (ما وذا) اسما واحدا كما جعلوا (ما وإنّ) حرفا واحدا حين قالوا : (إنّما) ومثل ذلك كأنّما و (حيثما) في الجزاء ولو كان (ذا) بمنزلة (الذي) في هذا الموضع البتة لكان الوجه في (ماذا رأيت) إذا أراد الجواب أن تقول : خير فهذا الذي ذكر سيبويه بيّن واضح من استعمالهم (ذا) بمنزلة (الذي) فأما أن تكون (الذي) هي (ذا) فبعيد جدا ألا ترى أنّهم حين استعملوا (ذا) بمنزلة (الذي) استعملوها بلفظها ولم يغيروها والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم ولا يعرف له نظير في كلامهم ومن وما وأي

ص: 107


1- هذا البيت من قصيدة أزيد من خمسين بيتا للبيد بن ربيعة الصحابي ، رضي الله عنه ، رثى بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة .. وأولها : ألا تسألان المرء ما ذا يحاول أنحب فيقضى أم ضلال وباطل انظر خزانة الأدب 1 / 243.

يستعملن بمعنى (الذي) فيوصلن كما توصل ولكن لا يجوز أن (يوصف بهن) كما وصف (بالذي) لأنها أسماء لمعان تلزمها ولهن تصرف غير تصرف (الذي) لأنهن يكنّ استفهاما وجزاء وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألف واللام تستعمل في موضع (الذي) في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعل إلى اسم الفاعل والفعل يريدون فيقولون في موضع (الذي قام) القائم فالألف واللام قد صار اسما وزال المعنى الذي كان له واسم الفاعل هاهنا فعل وذاك يراد به ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : (هذا ضارب زيدا أمس) حتى تضيف ويجوز أن تقول : (هذا الضارب زيدا أمس) لأنك تنوي (بالضارب) الذي ضرب ومتى لم تنو بالألف واللام (الذي) لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه وصار بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابه إعراب (الذي) بغير صلة ؛ لأنه لا يمكن فيه غير ذلك وكان الأخفش يقول : (إنّ زيدا) في قولك : (الضارب زيدا أمس) منصوب انتصاب : الحسن وجها وأنه إنما نصب ؛ لأنه جاء بعد تمام الاسم.

وقال أبو بكر : ليس عندي كما قال ؛ لأن الأسماء التي تنتصب عن تمام الاسم إنما يكنّ نكرات والحسن وما أشبهه قد قال سيبويه : إنه مشبه باسم الفاعل وقد ذكرنا ذا فيما تقدم.

ذكر ما يوصل به (الذي)

اعلم أنّ (الذي) لا تتم صلتها إلا بكلام تام وهي توصل بأربعة أشياء : بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابه ولا بد من أن يكون في صلته ما يرجع إليه ، فإن لم يكن كذلك فليس بصلة له والفعل الذي يوصل به (الذي) ينقسم انقسامه أربعة أقسام قبل أن يكون صلة : فعل غير متعد وفعل متعد إلى مفعول واحد وفعل متعد إلى مفعولين وفعل متعد إلى ثلاثة مفاعيل وفعل غير حقيقي نحو (كان) و (ليس) فهذه الأفعال كلها يوصل بها (الذي) مع جميع ما عملت فيه ، وذلك قولك : الذي قام والذي ضرب زيدا والذي ظنّ زيدا منطلقا والذي أعطى زيدا درهما والذي أعلم زيدا عمرا أبا فلان (والذي كان قائما والذي ليس منطلقا) ففي هذه كلها ضمير (الذي) وهو يرجع إليه وهو في المعنى فاعل فاستتر في الفعل ضمير الفاعل ؛ لأنه قد جرى على من هو له ، فإن كان الفعل لغيره لم يستتر الضمير وقلت :

ص: 108

(الذي قام أبوه أخوك) والذي ضرب أخوه زيدا صاحبك ، وأما وصله بالمبتدأ فنحو (الذي هو زيد أخوك) والذي زيد أبوه غلامك والذي غلامه في الدار عبد الله.

وأما صلته بالظرف فنحو قولك : (الذي خلفك زيد) كأنّك قلت : (الذي استقرّ خلفك زيد) والذي عندك والذي أمامك وما أشبه ذلك ، وأما وصله بالجزاء فنحو قولك : (الذي إن تأته يأتك عمرو) و (الذي إن جئته فهو يحسن إليك) ولا يجوز أن تصل (الذي) إلا بما يوضحه ويبينه من الأخبار فأما الإستخبار فلا يجوز أن يوصل به (الذي) وأخواتها لا يجوز أن تقول : (الذي أزيد أبوه قائم) وكذلك النداء والأمر والنهي وجملة هذا أن كل ما تمكن في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصلح أن يقال فيه صدق وكذب وجاز أن توصف به النكرة فجائز أن يوصل به (الذي) ويجوز أن تصل بالنفي فتقول : (الذي ما قام عمرو) ؛ لأنه خبر يجوز في الصدق والكذب ولأنك قد تصف به النكرة فتقول : (مررت برجل ما صلى).

وكل فعل تصل به (الذي) أو تصف به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول أو الموصوف فغير جائز أن تصل به (الذي) لو قلت : (مررت برجل نعم الرجل) لما جاز إلا أن تريد : (هو نعم الرجل) فتضمر المبتدأ على جهة الحكاية.

ومن ذلك فعل التعجب لا يجوز أن تصل به ولا تصف لا تقول : (مررت برجل أكرم به من رجل) ؛ لأن الصفة موضعها من الكلام أن تفصل بين الموصوفات وتبين بعضها من بعض وإنما تكون كذلك إذا كانت الصفة محدودة متحصلة فأما إذا كانت مبهمة غير متحصلة فلا يجوز ، ألا ترى أنك إذا قلت : (أكرم بزيد وما أكرمه) فقد فضلته في الكرم على غيره إلا أنك لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن يظن به كل ضرب من الكرم فإذا قلت : أكرم من فلان فقد تحصّل وزال معنى التعجب وجاز أن تصف به وتصل به فنعم وبئس من هذا الباب ، فإن أضمرت مع جميع هذه القول جاز فيهنّ أن يكنّ صفات وصلات ؛ لأن الكلام يصير خبرا فتقول : مررت برجل يقال له : ما أحسنه ويقال : أحسن به وبرجل تقول له : اضرب زيدا وبالذي يقال له : اضرب زيدا ، وبالذي يقول : اضرب زيدا ، ومررت برجل نعم الرجل هو ، أي : تقول نعم الرجل هو وبالذي نعم الرجل هو أي : بالذي يقول : نعم الرجل هو.

ص: 109

واعلم أنّ الصلة والصفة حقهما أن تكونا موجودتين في حال الفعل الذي تتذكره ؛ لأن الشيء إنما يوصف بما فيه فإذا وصفته بفعل أو وصلته فالأولى به أن يكون حاضرا كالاسم ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل (قائم) فهو في وقت مرورك في حال قيام ، وإذا قلت : (هذا رجل قام أمس) فكأنك قلت : (هذا رجل معلوم) أي : (أعلمه) الساعة أنه قام أمس ولأنك محقق ومخبر عما تعلمه في وقت حديثك وكذلك إذا قلت : (هذا رجل يقوم غدا) فإنما المعنى : (هذا رجل معلوم الساعة أنّه يقوم غدا) وعلى هذا أجازوا : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا فنصبوا (صائدا) على الحال ؛ لأن التأويل (مقدرا الصيد به غدا) ، فإن لم يتأول ذلك فالكلام محال وكل موصوف فإنما ينفصل من غيره بصفة لزمته في وقته وكذلك الصلة إذا قلت : (الذي قام أمس والذي يقوم غدا) ، فإن وصلت (الذي) بالفعل المقسم عليه نحو قولك : (ليقومنّ) لم تحتج إليه ؛ لأن القسم إنما يدخل على ما يؤكد إذا خيف ضعف علم المخاطب بما يقسم عليه والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان وبابها : أن يكون خبرا خالصا لا يخلطه معنى قسم ولا غيره ، فإن وصل به فهو عندي جائز ؛ لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبرا ، وأما إنّ وأخواتها فحكم (إنّ) من بين أخواتها حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة فالكلام غير محتاج إليها ، وإن ذكرتها جاز فقلت : (الذي إنّ أباه منطلق أخوك) وفي (إنّ) ما ليس في الفعل المقسم عليه ؛ لأن خبر (إنّ) قد يكون حاضرا وهو بابها وفعل القسم ليس كذلك إنما يكون ماضيا أو مستقبلا فحكمه حكم الفعل الماضي والمستقبل إذا وصف به و (ليت ولعلّ) لا يجوز أن يوصل بهما لأنهما غير أخبار ولا يجوز أن يقال فيهما صدق ولا كذب و (لكنّ) لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصف لأنهما لا تكون إلا بعد كلام.

وأما (كأنّ) فجائز أن يوصل بها ويوصف بها وهي أحسن من (إنّ) من أجل كاف التشبيه تقول : (الذي كأنّه الأسد أخوك ومررت بالذي كأنّه الأسد) ؛ لأنه في معنى قولك :مثل الأسد واعلم أنّه لا يجوز أن تقدم الصلة على الموصول ولا تفرق بين الصلة والموصول بالخبر ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدل وما أشبه ذلك.

ص: 110

ذكر الإخبار عن (الذي)

اعلم أنّ (الذي) إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة فجاز أن تقع فاعلة ومفعولة ومجرورة ومبتدأة وخبرا لمبتدأ فتقول : (قام الذي في الدار ورأيت الذي في الدار ومررت بالذي في الدار وزيد الذي في الدار) فيكون خبرا والذي في الدار زيد فتكون (الذي) مبتدأة وزيد خبر المبتدأ ، وإذا جعلت مبتدأة فحينئذ تكثر المسائل وهو الباب الذي أفرده النحويون وجعلوه كحدّ من الحدود فيقولون إذا قلت : (قام زيد) كيف تخبر عن زيد بالذي وبالألف واللام فيكون الجواب : (الذي قام زيد والقائم زيد) فتكون الذي مبتدأ وقام صلته وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمّ.

وهو في المعنى : (زيد) ؛ لأن الضمير هو الذي والذي هو زيد فهو في المعنى : الفاعل كما كان حين قلت : (قام زيد) وكذلك إذا دخلت الألف واللام بدلا من الذي قلت : (القائم زيد) فالألف واللام قد قامتا مقام الذي و (قائم) قد حلّ مقام (قام) وفي (قائم) ضمير يرجع إلى الألف واللام والألف واللام هما زيد إلا أنك أعربت (القائم) بتمامه بالإعراب الذي يجب (للذي) وحدها إذ لم يكن سبيل إلى غير ذلك وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كان فيه وتضع موضعه ضميرا يقوم مقامه ويكون ذلك الضمير راجعا إلى الذي أو الألف واللام وإنما كان كذلك ؛ لأن كل مبتدأ فخبره إذا كان اسما مفردا في المعنى هو هو فإذا ابتدأت (بالذي) وجعلت اسما من الأسماء خبره فالخبر هو (الذي) والذي هو الخبر وهذا شرط المبتدأ والخبر وإنما الأخبار عن (الذي والألف واللام) ضرب من المبتدأ والخبر وقد كنت عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيء من ذلك فاجعل الصلة صفة ليبين لك إن قال قائل إذا قلت : (ضربت زيدا) كيف تخبر عن زيد قلت : (الذي ضربته زيد) فجعلت موضع (زيد) الهاء وهي مفعولة كما كان (زيد وهو) (الذي والذي هو زيد) ، فإن جعلته صفة قلت : (رجل ضربته زيد) إلا أنّ حذف الهاء في صلة (الذي) حسن لأنهم استثقلوا اجتماع ثلاثة أشياء في الصلة (فعل وفاعل ومفعول) فصرن مع (الذي) أربعة أشياء

ص: 111

تقوم مقام اسم واحد فيحذفون الهاء لطول الاسم ولك أن تثبتها على الأصل ، فإن أخبرت عن المفعول بالألف واللام قلت : (الضاربه أنا زيد) وكان حذفها قبيحا وقد أجازوه على قبحه.

وقال المازني : لا يكاد يسمع من العرب وحذف الهاء من الصفة قبيح إلا أنه قد جاء في الشعر.

والفرق بينه وبين الألف واللام أنّ الهاء ثمّة تحذف من اسم وهي في هذا تحذف من فعل ، وإن قيل لك : أخبر عن (زيد) من قولك : (زيد أخوك) قلت : (الذي هو أخوك زيد) أخذت زيدا من الجملة وجعلت بدله ضميره وهو مبتدأ كما كان زيد مبتدأ وأخوك خبره كما كان وقولك : هو وأخوك جميعا صلة (الذي) وهي راجعة إلى (الذي) والذي هو (زيد) ، وإن أردت أن تجعله صفة فتعتبره بهاء قلت : (رجل هو أخوك زيد) فقولك : هو أخوك جملة وهي صفة لرجل وزيد الخبر ، فإن أردت أن تخبر عن (أخوك) قلت : (الذي زيد هو أخوك) فجعلت الضمير موضع (الذي) انتزعته من الكلام وجعلته خبرا وإنما قال النحويون أخبر عنه وهو في اللفظ خبر ؛ لأنه في المعنى محدث عنه ولأنه قد يكون خبرا ولا يجوز أن يحدث عنه نحو الفعل والألف واللام لا مدخل لهما في المبتدأ والخبر كما عرفتك وهذه المسائل تجيء في أبوابها مستقصاة إن شاء الله ، فإن كان خبر المبتدأ فعلا أو ظرفا غير متمكن لم يجز الإخبار عنه إذا قال لك : (زيد قام) كيف تخبر عن (قام) لم يجز ؛ لأن الفعل لا يضمر.

وكذا لو قال : (زيد في الدار) أخبر عن (في الدار) لم يجز ؛ لأن هذا مما لا يضمر وقد بينا أن معنى قولهم : أخبر عنه ، أي : انتزعه من الكلام واجعل موضعه ضميرا ثم اجعله خبرا فهذا لا يسوغ في الأفعال ولا الحروف.

واعلم أنه إذا كان صلة (الذي) فعلا جاز أن يدخل الفاء في الخبر نحو (قام فله درهم) والذي جاءني فأنا أكرمه شبه هذا بالجزاء ؛ لأن قولك : فله درهم تبع المجيء وكذلك هو في الصفة تقول : (كلّ رجل جاءني فله درهم وكلّ رجل قام فإني أكرمه) والأصل في جميع هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخير إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام الجزاء ويبين أن الخبر من

ص: 112

أجل الفعل ولذلك لم يجز أن تدخل الفاء في كل حال وبأن لو قلت : (الذي إن قمت قام فله درهم) لم يجز ؛ لأن معنى لجزاء قد تمّ في الصلة ولكن لو قلت : (الذي إن قمت قام فله درهم إن أعطاني أعطيته) جاز ؛ لأنه بمنزلة قولك : (زيدق إن أعطاني أعطيته) وكذلك إذا قلت : (الذي إن أتاني فله درهم له دينار) لا يجوز أن تدخل الفاء على (له دينار) فالفاء إذا دخلت في خبر (الذي) أشبه الجزاء من أجل أنه يقع الثاني بالأول ألا ترى أنك إذا قلت : الذي يأتيني له درهم قد يجوز أن يكون له درهم لا من أجل إتيانه ويجوز أن يكون له درهم من أجل إتيانه فإذا قلت : الذي يأتيني فله درهم دلت الفاء على أنّ الدرهم إنما يجب له من أجل الإتيان إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنّ الفعل الذي في صلة (الذي) يجوز أن يكون ماضيا وحاضرا ومستقبلا والجزاء لا يكون إلا مستقبلا ، وإذا جاءت الفاء فحق الصلة أن تكون على اللفظ الذي يحسن في الجزاء في اللفظ ، وإن اختلف المعنى.

فمن أجل هذا يقبح أن تقول : (الذي ما يأتني فله درهم) ؛ لأنه لا يجوز أن تقول : (إن ما أتاني زيد فله درهم و (لا) كلّ رجل ما أتاني فله درهم) إذا أردت هذا المعنى قلت : (الذي لم يأتني فله درهم وكلّ رجل لم يأتني فله درهم) والقياس يوجب إجازته للفرق الذي بين (الذي وبين الجزاء) ؛ لأنه إذا جاز أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي (إن) وكان المعنى مفهوما غير مستحيل فلا مانع يمنع من إجازته وإنما أجزنا دخول الفاء في هذا ؛ لأن الذي ما فعل قد يجب له شيء بتركه الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفعل وإنما لم يجز (ما) مع (إن) في الجزاء ؛ لأن (ما) لا تكون إلا صدرا والجزاء لا يكون إلا صدرا فلم يجز ؛ لأن (إن) تعمل فيما بعد (ما) فلما أرادوا النفي أتوا (بلم) وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزء منه أو (بلا) فقالوا (إن لم تقم قمت ، وإن لم تقم لا أقم).

واعلم أن كل اسم لا يجوز أن تضمره وترفعه من الكلام وتكني عنه فلا يجوز أن يكون خبرا في هذا الباب من أجل أنك متى انتزعته من الكلام وهو اسم ظاهر أو مضمر فلا بد من أن تضمر في موضعه كما خبرتك.

ص: 113

ولك اسم مبني إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناه فإنهن في أصول الكلام لا يجوز أن يكنّ خبرا (للذي) وكذلك كلّ ظرف غير متمكن في الإعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبرا للذي ؛ لأن جميع الأسماء إذا صارت أخبارا (للذي) والذي مبتدأ لم يكن بد من رفعها فكلّ ما لا يرتفع لا يجوز أن يكون خبرا لو قلت : الموضع الذي فيه زيد عندك لم يجز ؛ لأنه كان يلزم أن يرفع (عنه) وهو لا يرتفع وكذلك ما أشبهه.

ولو قلت : الموضع الذي قمت فيه خلفك. جاز ؛ لأن (خلف) قد يرفع ويتسع فيه فيقال : (خلفك واسع) ، وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك : (الذي في الدار هذا والذي في الدار الذي كان يحبّك والذي في الدار هو) وكذلك : ما كان في معنى (الذي) تقول : (الذي في الدار من تحبّ والذي في الدار ما تحبّ) فيكون الخبر (ما ومن) بصلتهما وتمامهما ، فإن كانتا مفردتين لم يجز أن يكونا خبرا (للذي) وكذلك الذي لا يجوز أن يكون خبرا وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل قوله :

بعد اللتيّا واللتيّا والتي (1) ...

فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره فإذا أضمرته زال أن يكون نعتا ولو قيل لك أخبر عن العاقل في قولك : (زيد العاقل أخوك) فأخبرت لزمك أن تقول : (الذي زيد هو أخوك العاقل) فتضع موضع (العاقل) هو فيصير نعتا لزيد وهو لا يكون نعتا.

ولا يجوز أن تخبر عن (زيد) وحده في هذه المسألة ؛ لأنه يلزمك أن تقول : (الذي هو العاقل أخوك زيد فتصف (هو) بالعاقل وهذا لا يجوز ولكن إذا قيل لك أخبر عن مثل هذا فانتزع زيدا وصفته جميعا من الكلام وقل : (الذي هو أخوك زيد العاقل) ومما لا يجوز أن يكون خبرا المضاف دون المضاف إليه لو قيل : (هذا غلام زيد) أخبر عن (غلام) ما جاز ؛ لأنه كان

ص: 114


1- لم يأت للموصولين الأولين بصلة ، لأن صلة الموصول الثالث دلت على ما أراد. ومثله : من اللواتي والتي واللاتي ... البيت. انظر خزانة الأدب 2 / 318.

يلزم أن تضمر موضع غلام وتضيفه إلى (زيد) والمضمر لا يضاف فأما المضاف إليه فيجوز أن يكون خبرا ؛ لأنه يجوز أن يضمر وجميع ما قدمت سيزداد وضوحا إذا ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون.

ص: 115

باب ما جاز أن يكون خبرا

اشارة

اعلم أن أصول الكلام جملتان : فعل وفاعل ومبتدأ وخبر وقد عرفتك كيف يكون الفاعل خبرا وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبرا مخبرا عنه في هذا الباب وذكرت لك المبتدأ والخبر والإخبار عن كل واحد منهما وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعدد أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى فكلّ ما يتعدى إليه الفعل ويعمل فيه إلا ما استثنيناه مما تقدم فهو جائز أن تخبر عنه إلا أن يكون اسما نكرة لا يجوز أن يضمر فيعرف فإنه لا يجوز الإخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز فجميع الأبواب التي يجوز الإخبار عن الأسماء التي فيها مميز أربعة عشر بابا :

الأول : الفعل الذي لا يتعدى.

والثاني : الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد.

والثالث : ما يتعدى إلى مفعولين ولك أن تقتصر على أحدهما.

والرابع : ما يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما.

والخامس : ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين.

والسادس : الفعل الذي بني للمفعول الذي لم يذكر من فعل به.

والسابع : الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيء واحد.

والثامن : الظروف من الزمان والمكان.

والتاسع : المصدر.

والعاشر : المبتدأ والخبر.

والحادي عشر : المضاف إليه.

والثاني عشر : البدل.

والثالث عشر : العطف.

والرابع عشر : المضمر.

ص: 116

وقد كان يجب أن يقدم باب ما يخبر فيه (بالذي) ولا يجوز أن يخبر عنه بالألف واللام ولكنا أخرناه ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب.

فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن إدخال (الذي) على (الذي) و (التي) وركبوه من ذلك فنحو نفرده بعد إن شاء الله.

الأول : باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول

وهو (ذهب زيد وقعد خالد) وكذلك جميع ما أشبهه من الأفعال التي لا تتعدى إذا قيل لك أخبر عن (زيد) بالذي قلت : (الذي ذهب زيد) فالذي مبتدأ و (ذهب) صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى (الذي) فقد تم (الذي) بصلته وخبره زيد ، فإن قيل لك أخبر عنه بالألف واللام قلت : (الذاهب أخوك) فرفعت الذاهب ؛ لأنه اسم ومعناه : (الذي ذهب) ولم يكن بد من رفعه ؛ لأن اللام لا تنفصل من الصلة كإنفصال (الذي) وهي جزء من الاسم ولكن المعنى معنى (الذي) ، فإن ثنيت (الذي) قلت : (اللذان قاما أخواك) ، فإن جعلت (موضع) الذي الألف واللام قلت : (القائمان أخواك) ثنيت (القائم) إذ لم يكن سبيل إلى ثنية الألف واللام والتأويل : (اللذان قاما) ويرجع إلى الألف واللام الضمير الذي في (القائمين) وليست الألف بضمير في (قائمان) وإنما هي ألف التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال كما تقول : الزيدان أخواك ، فإن جمعت قلت : (الذين قاموا إخوتك) وبالألف واللام : (القائمون إخوتك) وتفسير الجمع كتفسير التثنية ومن استفهم قال القائمون إخوتك و (القائمان أخواك) ولا يجوز أن تقول القائم اخوتك على قول من قال أقائم أخوتك ؛ لأن قولهم : (أقائم أخوتك) تجري مجرى : أيقوم أخوتك وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى ؛ لأنه قد تكملّ اسما معرفة والمعارف لا تقوم مقام الأفعال ؛ لأن الأفعال نكرات ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو (قائم) فتقول : (القائم أبوه وأخوك والقائم أبوهما أخواكض) ولا يجوز أن تقول : (القائمان أبواهما أخواك) من أجل أنّ (قائم) قد عمل عمل الفعل وما تمت الألف واللام بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يثنى فإذا أعملت (ما) في صلة الألف واللام في (فاعل) امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول : (القائمان أخواك) ؛ لأن

ص: 117

الاسم قد تم والضمير الذي في (القائم) لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه وإنما احتمل الضمير الاسم إذا كان في صلة ما هو له وجاريا عليه استغناء بعلم السامع وليس باب الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال فإذا لم يكن اسم الفاعل فعلا في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبرا له لم يحتمل الضمير البتة وقد بينت ذا فيما تقدم.

وتقول : (القائم أخواه زيد والقائم أخوته عمرو) ؛ لأن الفعل للأخوين وللأخوة وهو مقدم فالضمير أبدا عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحدا كان واحدا ، وإن عنيت اثنين كان مثنى ، وإن عنيت جميعا كان جمعا وكذلك الألف واللام والذي إنما هي بحسب من تضمر في العدة ، وإذا قلت : (اللذان ذهبا أخواك) قلت (الذاهبان أخواك) ، وإذا قلت (الذين يذهبون قومك) قلت : (الذاهبون قومك) تثنى اسم الفاعل في الموضع الذي تثنى فيه الفعل ألا ترى أنك تقول : (الزيدان ذاهبان) لما كنت تقول (الزيدان يذهبان) ولا يجوز أن تقول (الزيدان ذاهب) وتضمرهما وتقول : (الزيدان ذاهب أبوهما) كما كنت تقول : (الزيدان يذهب أبوهما) إلا أنّ تقدير الالف في (ذاهبان) غير تقديرها في (يذهبان) ؛ لأن ألف (يذهبان) للتثنية والضمير وهي في (ذاهبان) تثنية وإنما الضمير في النية.

الثاني : الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد

وذلك قولك : (ضرب زيد عمرا) اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع مسائله اسمان في كل مسألة فاعل ومفعول ، فإن قيل لك : (أخبر عن الفاعل بالذي) قلت : (الذي ضرب عمرا زيد) فالذي رفع بالابتداء (وضرب عمرا) صلته وفي (ضرب) ضمير (الذي) هو راجع إليه وضرب وعمرو في صلة (الذي) وبهما تم اسما والخبر زيد وزيد هو (الذي).

فإن قيل لك : ثنّ واجمع قلت : (اللذان ضربا عمرا الزيدان) والذين ضربوا عمرا الزيدون لا بد من أن يكون الخبر بعد المبتدأ مساويا له وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي كلها يشار بها إلى معنى واحد الذي والضمير والخبر ، فإن قيل لك : أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت (الضارب عمرا زيد) والتفسير كالتفسير في (الذي) ، فإن قيل لك : ثنّ واجمع.

ص: 118

قلت : (الضاربان عمرا الزيدان) والضاربون عمرا الزيدون ولا يجوز أن تقول : (الضارب عمرا الزيدان ؛ لأن المبتدأ قد نقص عدده من عدة الخبر والضارب عمرا واحد وليس في الصلة دليل على أن الألف واللام لجماعة فإذا ثنيت وجمعت قام الدليل وقد مضى تفسير ذا وينبغي أن تراعي في التثنية والجمع (اللذين) في الألف واللام أن يكون الاسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظير (الذي) وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه ، فإن رفعت (الذي) رفعته ، وإن نصبته نصبته ، وإن خفضته خفضته ، وإن ثنيته وجمعته ثنيته وجمعته وكذلك يكونان إذا قام أحدهما مقام الآخر.

ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو : (الضارب) كإعراب (الذي) كذلك ثني وجمع تثنيته وجمعه ولو كانت الألف واللام تثنى أو يكون فيها دليل إعراب لأنفصلت كإنفصال (الذي) من الصلة فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظه لفظ الاسم غير الموصول ومعناه معنى الموصول ، فإن قيل لك أخبر عن المفعول في قولك : ضرب زيد عمرا قلت : (الذي ضربه زيد عمرو) وحذف الهاء حسن كما خبرتك به ، وإن شئت قلت : الذي ضربه زيد عمرو فالذي مبتدأ وضربه زيد صلته والهاء ترجع إلى (الذي) وعمرو خبر المبتدأ والذي هو عمرو.

فإن ثنيت وجمعت قلت : اللذان ضربهما زيد العمران والذين ضربهم زيد العمرون ، فإن أخبرت بالألف واللام قلت : الضاربه زيد عمرو جعلت : الضاربه مبتدأ والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيدا بأنه خبر الضارب وحذف الهاء في هذه المسألة قبيح وهو يجوز على قبحه ، فإن ثنيت وجمعت قلت : الضاربهما زيد العمران والضاربهم زيد العمرون فإذا قلت : (ضربت زيدا) فقيل لك : أخبر عن (التاء) فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي بالمكنى المنفصل فتقول : (الذي ضرب زيدا أنا).

فإن قيل لك : أخبر عن زيد قلت : (الذي ضربته زيد) ؛ لأن الضمير وقع موقعه من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل ، فإن ثنيت أو جمعت الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله ، وقال المازني مثل ذلك.

ص: 119

قال أبو بكر : والذي عندي أنّ المفعول الأول يجوز أن يقتصر عليه كما (كان) يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعول وليس في الأفعال الحقيقية فعل لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعول.

وكل فعل لا يتعدى إذا نقل إلى (أفعل) تعدى فلما كان يجوز أن أقول : (علم زيد) فاقتصر على الفاعل جاز أن أقول : (أعلم الله زيدا) ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب ؛ لأنه المفعول الأول في الباب الذي قبله وإنما استحال هذا من جهة المعنى لأنّك إذا قلت : (ظننت زيدا منطلقا) فالشكّ إنما وقع في الإنطلاق لا في زيد فلذلك لا يجوز أن تقول : (ظننت زيدا) وتقطع الكلام ويجوز أن تقول : ظننت وتسكت فلا تعديه إلى مفعول وهذا لا خلاف فيه ، وإذا جاز أن تقول : (ظننت وتسكت فيساوي (قمت) في أنه لا يتعدى جاز أن تقول : (أظننت زيدا) إذا جعلته يظن به كما تقول أقمت زيدا ؛ لأنه لا فرق بين (ظنّ زيد) إذا لم تعده وبين قام زيد كما تقول : أقمت زيدا وكل فعل لا يتعدى إذا نقلته إلى (أفعل) تعدّى إلى واحد ، فإن كان يتعدى إلى واحد تعدّى إلى اثنين ، وإن كان يتعدى إلى اثنين تعدى إلى ثلاثة ، فإن نقلت (فعل) إلى (فعل) كان بالعكس ؛ لأنه إن كان لا يتعدى لم يجز نقله إلى (فعل) ، وإن كان يتعدى إلى مفعول واحد أقيم المفعول فيه مقام الفاعل ولم يتعد بعده إلى مفعول ، وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيم أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعول واحد وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدى إلى مفعولين (ففعل) ينقص من المفعولات و (أفعل) يزيد فيها إذا كان منقولا من (فعل) فإذا أخبرت عن الفاعل (بالذي) من قولك : أعلم الله زيدا عمرا خير الناس قلت : (الذي أعلم زيدا عمرا خير الناس الله) وتفسيره كتفسير ما قبله ، فإن قيل لك ثنّ هذه المسألة بعينها فهو محال كفر ؛ لأن الله عز وجل لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه ولكن لو قلت : (أعلم بكر عمرا زيدا خير الناس) لجاز تثنية بكر وجمعه على ما تقدم من البيان ، وإن قلته : بالألف واللام وأردت الإخبار عن الفاعل فهو كالإخبار عنه في الباب الذي قبله ، وذلك قولك : (المعلم زيدا عمرا خير الناس الله) والمنبىء زيدا عمرا أخاك الله ، وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت : (المعلمه الله عمرا خير الناس زيد) وإثبات الهاء هاهنا هو الوجه

ص: 120

وحذفها جائز وهو هاهنا أسهل عند المازني وعندي لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طوله ، وإن أخبرت عن المفعول الثاني قلت : (المعلمه الله زيدا خير الناس عمرو) ، وإن شئت قلت : (المعلم الله زيدا إيّاه خير الناس عمرو) وهو الوجه والقياس ؛ لأن تقديم الضمير كأنه يدخل الكلام لبسا فلا يعلم عن أي مفعول أخبرت : أعن الأول أم الثاني وكذلك إذا أخبرت عن الثالث قدمت الضمير إن شئت قلت : (المعلمه الله زيدا عمرا خير الناس) ، وإن أخرت قلت : المعلم الله زيدا عمرا إيّاه خير الناس وهو القياس لما يدخل من اللبس ولأنّ حقّ الضمير أن يقع موقع الاسم الذي انتزع ليخبر عنه في موضعه.

السادس : الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به

اعلم أن المفعول الذي تقيمه مقام الفاعل حكمه حكم الفاعل تقول : ضرب زيد كما تقول : (ضرب زيد) فإذا أردت أن تخبر عن (زيد) من قولك : ضرب زيد بالذي قلت : (الذي ضرب زيد) ففي (ضرب) ضمير (الذي) والذي مبتدأ وضرب مع ما فيه من الضمير صلة له وزيد الخبر على ما فسرنا في الفاعل ، فإن ثنيت قلت : (اللذان ضربا الزيدان) ، وإن جمعت قلت : (الذين ضربوا الزيدون) ، فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت : (المضروب زيد) ؛ لأن مفعولا في هذا الباب كفاعل في غيره ألا ترى أنّك إذا جعلته صفة قلت : (رجل ضرب زيد) ورجل مضروب زيد ، فإن ثنيت قلت : (المضروبان الزيدان) و (المضروبون الزيدون) وتفسير المفعول كتفسير الفاعل ، فإن قلت : (أعطي زيد درهما) فأخبرت عن (زيد) قلت : (أعطي درهما زيد) ، وإن أخبرت عن الدرهم قلت : (الذي أعطي زيد درهم) ، وإن شئت قلت : (الذي أعطيه زيد درهم) ولك أن تقول : (أعطي زيد إيّاه درهم) وهو القياس ؛ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائز ؛ لأنه غير ملبس ولكن لو كان أصل المسألة : أعطي زيد عمرا. ما جاز هذا عندي فيه ؛ لأنه ملبس لا يعرف المأخوذ من الآخذ وليس الدرهم كذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يكون آخذا وعلى هذا المثال : (باب ظننت وأخواتها) تقول : ظنّ زيد قائما ، فإن أخبرت عن (زيد) بالذي قلت : الذي ظنّ قائما زيد.

ص: 121

وإن أخبرت عن (قائم) قلت : (الذي ظنّ قائما زيد) ، وإن أخبرت عن (قائم) قلت : (الذي ظنّ زيد قائم) ، وإن شئت قلت : الذي ظنّه زيد قائم ولك أن تقول : (الذي ظنّ زيد إياه قائم) وهو القياس ، وإن قلته بالألف واللام وأخبرت عن (زيد) قلت : (المظنون قائما) ، وإن أخبرت عن (قائم) قلت : (المظنونه زيدق قائم) ، وإن شئت قلت : (المظنون زيد إياه قائم) ، فإن ثنيت قلت : (المظنونان قائمين الزيدان) ، وإن جمعت قلت : (المظنونون قائمين الزيدون) فإذا أخبرت عن (قائم) قلت : (المظنونهما الزيدان قائمان) ، وإن شئت قلت : (المظنون الزيدان إيّاهما قائمان) وعلى هذا القياس في الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين.

السابع : الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد

وذلك كان ويكون وما تصرف منه وليس وما دام وما زال وأصبح وأمسى وما كان نحوهنّ تقول : (كان عبد الله أخاك وأصبح زيد أباك).

فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت : (الذي كان أخاك عبد الله) ففي كان ضمير الذي وهو اسمها وأخاك خبرها وهي اسمها وخبرها صلة (الذي) و (الذي) مبتدأ وعبد الله خبره والذي أصبح أباك زيد مثله.

فإن أخبرت بالألف واللام قلت : (الكائن أخاك زيد) وتقديره تقدير : (الضارب أخاك زيد) ولا خلاف في الإخبار عن اسم (كان) فأما خبرها ففيه اختلاف فمن الناس من يجيز الإخبار عنه فيقول : الكائنه زيد أخوك والمصبحه عمرو أخوك ، وإن شئت جعلت المفعول منفصلا فقلت : (الكائن زيد إياه أخوك) والمصبح زيد إياه أبوك وقال قوم : إن الإخبار عن المفعول في هذا الباب محال ؛ لأن معناه : (كان زيد من أمره كذا وكذا) فكما لا يجوز أن تخبر عن (كان من أمره كذا وكذا) كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا كان في معناه كذا حكى المازني جميع هذا.

قال أبو بكر : والإخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيح ؛ لأنه ليس بمفعول على الحقيقة وليس إضماره متصلا إنما هو مجاز وعلامات الإضمار هاهنا غير محكمة ؛ لأن الموضع

ص: 122

الذي تقع فيه الهاء لا يجوز أن تقع (إيّاه) ذلك الموقع فأجازتهم إيّاه (في) كان وأخواته دليل على أن علامات الإضمار لا تستحكم هاهنا قال الشاعر :

ليت هذا اللّيل شهرا

لا تريا فيه عريبا

ليس إيّاي وإيّاك

ولا نخشى رقيبا (1)

ص: 123


1- الفصل ، هو المختار في خبر ان وأخواتها كما قال ليس إياي ، ولو وصل لقال ليسني. قال سيبويه : ومثل ذلك كان إياه ، لأن كانه قليلة ، لا تقول : كانني وليسني ، ولا كانك ؛ فصارت غيا هاهنا بمنزلتها في ضربي إياك. قال الشاعر : ليت هذا الليل شهر الخ وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون : ليسني ، وكذلك كانني. قال الأعلم : الشاهد في إتيانه بالضمير بعد ليس منفصلا ، ولوقوعه موقع خبرها والخبر منفصل من المخبر عنه ، فكان الاختيار فصل الضمير إذا وقع موقعه. واتصاله بليس جائز ، لأنها فعل وإن لم تقو قوة الفعل الصحيح. وليس في هذا البيت تحتمل تقديرين : أحدهما أن تكون في موضع الوصف للاسم قبلها ، كأنه قال : لا نرى فيه عربيا غيري وغيرك. والتقدير الآخر : أن تكون استثناء بمنزله غلا. وعريب بمعنى أحد ، وهو بمعنى معرب ، أي : لا نرى فيه متكلما يخبر عنا ويعرب عن حالنا. وقوله : ليت هذا الليل شهر قال أبو القاسم سعيد الفارقي فيما كتبه في تفسير المسائل المشكلة في أول المقتضب للمبرد : وقد روي في شهر الرفع والنصب جميعا ؛ وهو عندي أشبه بمعنى البيت. وكلاهما حسن. وقد قضينا هذا في كتابنا تفسير أبيات كتاب سيبويه. ولم يظهر لي وجه النصب. ونرى من رؤية العين. وعريب من الألفاظ الملازمة للنفي ، واسم ليس ضمير مستتر راجع إلى عريب ، وإياي خبرها بتقدير مضاف ، أي : ليس عريب غيري وغيرك ، فحذف غير ، وانفصل الضمير وقام مقامه في النصب. تمنى أن تطول ليلته بمقدار شهر. وجملة لا نرى فيه خبر ثان لليت. وجملة لا نخشى رقيبا معطوف عليه ، والرابط محذوف ، أي : فيه. ويجوز أن يكون جملة لا نرى صفة لشهر. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل : يقول لحبيبته : ليت هذا الليل الذي نجتمع فيه طويل كالشهر ، لا نبصر فيه أحدا ليس إياي وإياك ، أي : ليس فيه غيري وغيرك أحد. وهو استثناء لنفسه كما قال إلاك ، لا نحاف فيه رقيبا. وهذا الشعر نسبه خدمة كتاب سيبويه إلى عمر بن أبي ربيعة المذكور آنفا. ونسبه صاحب الأغاني ، وتبعه صاحب الصحاح إلى العرجي ، وهو عبد الله بن عمر ابن عمرو بن عثمان بن عفان. نسب إلى العرج ، وهو من نواحي مكة ، لأنه ولد بها ، وقيل بل كان له بها مال ، وكان يقيم هناك. والله أعلم. انظر خزانة الأدب 2 / 215.

فقال : (ليس) إيّاي ولم يقل : ليسني فقد فارق باب (ضربني) وقد روى (عليه رجلا ليسني) وإنما هذا كالمثل لأنهم لا يأمرون (بعليك) إلا المخاطب فقد شذ هذا من جهتين من قولهم : (عليه) فأمروا غائبا ومن قولهم : (ليسني) فأجروه مجرى (ضربني) فإذا قلت : (ليس زيد أخاك) وأخبرت عن الفاعل والمفعول فإنّه لا يجوز إلا (بالذي) ولا يجوز بالألف واللام ؛ لأن (ليس) لا تتصرف ولا يبنى منها فاعل ألا ترى أنّك لا تقول : (يفعل) منها ولا شيئا من أمثلة الفعل وهي فعل وأصلها (ليس) مثل (صيد) البعير.

وألزمت الإسكان إذ كانت غير متصرفة فتقول : إذا أخبرت عن الفاعل من قولك : (ليس زيد أخاك) الذي ليس أخاك زيد ، وإن أخبرت عن المفعول قلت : الذي ليس زيد إياه أخوك) ، وإن شئت قلت : (الذي ليسه زيد أخوك) على قياس الذين أجازوه في (كان) والذين أجازوا الإخبار عن المفعول في باب (كان) وأخواتها يحتجون بقول أبي الأسود الدؤلي :

فإن لا تكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمّه بلبانها

فجعله كقولك : اضربها ويضربها ولو قلت : (كان زيد حسنا وجهه) فأخبرت عن الوجه لم يجز لأنّك كنت تضع موضعه (هو) فتقول : الذي كان زيد حسنا هو وجهه إذا كان يلزمك أن تضع موضع الاسم الذي تخبر عنه ضميرا يرجع إلى (الذي) كما بينت فيما تقدم فإذا كان (هو) يرجع إلى (الذي) لم يرجع إلى زيد شيء ، وإن رجع إلى زيد لم يرجع إلى الذي ولكن لو أخبرت عن قولك : (حسنا وجهه بأسره) جاز في قول من أجاز الإخبار عن المفعول في هذا الباب فتقول : الكائنه زيد حسن وجهه ولو أخبرت (بالذي) لقلت : (الذي كان زيد حسن

ص: 124

وجهه) وحذفت ضمير المفعول من (كان) كما حذفته من (ضربت) حين قلت : الذي ضرب زيد ولو أثبت الهاء لجاز ، وإن أخبرت بالذي على قول من جعل المفعول (إيّاه) لم يجز حذفه ؛ لأنه منفصل وكنت تقول : الذي كان زيد إياه حسن وجهه.

الثامن : الظروف من الزمان والمكان

اعلم أنّ الظرف إذا أخبرت عنه فقد خلص اسما وصار كسائر المفعولات إلا أنّك إذا أضمرته أدخلت حرف الجرّ على ضميره ولم تعد الفعل إلا ضميره إلا بحرف الجر إلا أن تريد السعة فتقدر نصبه كنصب سائر المفعولات وهذه الظروف منها ما يكن اسما وظرفا ومنها ما يكون ظرفا.

ولا يكون اسما وقد تقدم ذكرها في هذا الكتاب إلا أنّا نعيد منه شيئا هاهنا ليقوم هذا الحدّ بنفسه فالذي يكون منه ظرفا واسما ضمّ اليوم والليلة والشهر والسنة والعام والساعة ونحو ذلك.

وأما ما يكون ظرفا ولا يكون اسما فنحو (ذات مرة وبعيدات بين وبكرا وسحرا) إذا أردت (سحرا) بعينه ولم تصرف ولم ترد سحرا من الأسحار وكذلك ضحيّا إذا أردت ضحى يومك وعشية وعتمة إذا أردت عشية يومك وعتمة ليلتك لم يستعملن على هذا المعنى إلا ظروفا ، وأما الأماكن وما يكون منها اسما فنحو المكان والخلف والقدام والأمام والناحية وتكون هذه أيضا ظروفا والظروف كثيرة ، وأما ما يكون ظرفا ولا يكون اسما فنحو : عند وسوى وسواء إذا أردت بهنّ معنى (غير) لم تستعمل إلا ظروفا وربّما كان الظرف ظرفا والعمل في بعضه لا في كله نحو : آتيك يوم الجمعة وإنما تأتيه في بعضه لا كله وكذلك آتيك شهر رمضان وكل ما كان في جواب (متى) فعلى هذا يجيء ، وأما ما كان جوابا (لكم) فلا يكون العمل إلا فيه كله نحو : سرت فرسخين وفرسخا وميلا لا يجوز العمل في بعضه دون بعض.

وإذا قلت : صمت يوما لم يجز أن يكون الصوم في بعضه من أجل أنه وضع للإمساك عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كله.

ص: 125

فما كان من الظروف قد يستعمل اسما فالإخبار عنه جائز وما كان منها لا يجوز إلا ظرفا لم يجز الإخبار عنه تقول : (ذهبت اليوم) فإذا قيل لك : أخبر عن اليوم (بالذي) قلت : الذي ذهبت فيه اليوم ولم يجز حذف (فيه) كما كان يجوز حذف الهاء ؛ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجر وكذلك إذا قلت : (قمت اليوم يا هذا) فجعلت اليوم مبتدأ قلت : (اليوم قمت فيه) ؛ لأنه قد صار اسما والمضمر لا يكون ظرفا وكل ما دخل عليه حرف الجر فهو اسم وإنما الظرف هو الذي قد حذف حرف الجر منه ، وذلك المعنى يراد به ، فإن ثنيت قلت : اللذان ذهبت فيهما اليومان.

فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت : (الذاهب فيه أنا اليوم) والذاهب فيهما أنا اليومان فالألف واللام قد قام مقام (الذي) وأفردت (ذاهبا) ولم تثنيه ؛ لأن فاعله غير مضمر فيه وهو مذكور بعده ، وإن جمعت قلت الذاهب فيهن أنا الأيام وكذلك الإخبار عن المكان إذا قلت : (جلست مكانك) فإذا أردت الإخبار عن (مكانك) قلت : (الذي جلست فيه مكانك) واللذان جلست فيهما مكاناك وبالألف واللام : (الجالس فيه أنا مكانك) والجالس فيهما أنا مكاناك ، فإن جعلت الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره فقلت : في (ذهبت اليوم) إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي قلت : (الذي ذهبت اليوم) كما تخبر عن زيد في قولك : (ضربت زيدا) تريد : الذي ذهبته اليوم ، وإن شئت أظهرت الهاء وهو الأصل وإثباتها عندي في هذا أولى منه في ضربت : لأن هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلال بالكلام وتقوله بالألف واللام : الجالسه أنا مكانك وتقول : (سرت بزيد فرسخين يومين) فالفرسخان ظرف من المكان واليومان ظرف من الزمان ، فإن أخبرت عن اليومين (بالذي) قلت : اللذان سرت بزيد فرسخين فيهما يومان وبالألف واللام السائر أنا بزيد فرسخين (فيهما يومان) ، وإن أخبرت عنهما على السعة قلت : السائرهما أنا بزيد فرسخين يومان وبالذي : اللذان سرت بزيد فرسخين يومان ، وإن شئت قلت : سرتهما وهو أحبها إليّ كي لا يكثر ما يحذف ، فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت : (سير بزيد فرسخان يومين) فأنت بالخيار إن شئت نصبت الفرسخين ورفعت اليومين ، وإن شئت

ص: 126

رفعت الفرسخين ونصبت اليومين إلا أنّ الذي ترفعه تجعله مفعولا على السعة ؛ لأنه قد صار اسما وخرج عن حد الظرف وتجعل الثاني ظرفا إن شئت ، وإن شئت جعلته مفعولا على السعة أيضا فإذا أخبرت عن الفرسخين فيمن رفعهما بالذي قلت : (اللذان سيرا بزيد يومين الفرسخان ، وإن قلته بالألف واللام قلت (المسيران بزيد يومين) فرسخان) ، وإن أخبرت عن (اليومين) في هذه المسألة وقد رفعت الفرسخين قلت (المسير بزيد فرسخان فيهما يومان) هذا إذا كان (اليومان) ظرفا ، فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : (المسير هما بزيد فرسخان يومان) ، وإذا قدمت الفرسخين من قولك : (سير بزيد فرسخان يومين) قلت : (الفرسخان سيرا بزيد يومين) فجعلت ضمير الفرسخين في (سير) فقلت : سيرا وخلف الضمير الفرسخين فقام مقامهما ، فإن قدمت اليومين قلت : (اليومان سير بزيد فيهما فرسخان) فأظهرت حرف الجرّ لمّا احتجت إلى إضمار (اليومين) ، فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : اليومان سيرهما بزيد فرسخان ، فإن قدمت الفرسخين واليومين قلت : (الفرسخان اليومان سيراهما بزيد) فالفرسخان : مبتدأ واليومان مبتدأ ثان وسيراهما بزيد خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة ، فإن لم تجعلهما كذلك قلت : سيرا فيهما وكل ما قدمته فقد مقام مقامه ضميره ، فإن أدخلت (اللذين) في (سير) وجعلت (اللذين) هما الفرسخان قلت : (الفرسخان اليومان اللذان سيرا بزيد فيهما هما) فالفرسخان : مبتدأ أول واليومان مبتدأ ثان واللذان مبتدأ ثالث وصلته سيرا بزيد فيهما والخبر (هما) والألف في (سيرا) ترجع إلى اللذين و (فيهما) ترجع إلى اليومين واليومان مبتدأ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة واليومان وما بعدهما خبر الفرسخين ، وإن شئت قلت : (اللذان سيراهما) ، فإن أخبرت بالألف واللام قلت : (الفرسخان اليومان المسيران بزيد فيهما هما) واعتبر صحة هذه المسائل بأن تجعل كل اسم ابتدأته موضع ضميره ، فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأ ألا ترى أن قولك : (هما) ضمير الفرسخين و (هما) التي في قولك : المسيراهما ضمير اليومين فإذا جعلت كلّ واحد منهما موضع ضميره صار الكلام : (المسيران بزيد يومين فرسخان) فعلى هذا يقع التقديم والتأخير في كل

ص: 127

هذه المسائل ، فإن جعلت (اللذين) في هذه المسألة لليومين قلت : الفرسخان اليومان اللذان سيرا فيهما بزيد فالفرسخان مبتدأ واليومان مبتدأ ثان و (اللذان) خبر (اليومين) وهما اليومان والألف في (سيرا) ضمير الفرسخين وفيهما ضمير (اللذين) فلو جعلت (الفرسخين) موضع ضميرهما لقلت : اليومان اللذان سير الفرسخان فيهما بزيد هما ، فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما (لليومين) أيضا قلت : (الفرسخان اليومان المسيرهما بزيد هما) فهما الأولى : مفعولة على السعة والثانية فاعلة وإنما ظهر الفاعل هاهنا ؛ لأن كلّ اسم كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه ، فإن الفاعل يظهر فيه وإنما جاز في (اللذين سيرا) ؛ لأنه فعل فتثنيه ، وإن كان جاريا على غير من هو له ومعنى قولي : جار على غير من هو له أن اللذين لليومين والألف في (سيرا) للفرسخين فلما قلته بالألف واللام لم يصلح أن تقول : المسيراهما كما قلت : (اللذان سيراهما) ؛ لأن مسيرا اسم ولو ثنيته لكان فيه ضمير الألف واللام ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم يجوز أن تقول القائمان وضمير الفاعل للألف واللام وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف (الذي) وحده لأنها تتحد مع الاسم الذي بعدها فيثني تثنية (الذي) وحده إذا كان الفعل له ، فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل واسم الفاعل لا يحتمل الضمير إذا جرى على غير من هو له فإذا جرى اسم الفاعل على غير من هو له أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهرا وإما مكنيا فلذلك قلت : الفرسخان اليومان المسيرهما بزيد هما لأنك لو جعلت الفرسخين في موضعهما لقلت : اليومان المسيرهما بزيد الفرسخان ويبين لك اسم الفاعل والمفعول إذا جرى على غير من هو له في هذه المسألة تقول : الفرسخان اليومان مسيرهما بزيد (هما) فتجعل الأولى مفعولة والثانية تقوم مقام الفاعل ؛ لأن قولك : مسيرهما هما الفرسخان فإذا جعلت : (مسيرهما) خبرا عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هما له فلم يحتمل الاسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضمير مرفوع ولو قلت : (الفرسخان اليومان سيراهما بزيد) جاز والألف للفرسخين ألا ترى أنك تقول : (زيد ضاربه أنا) ولو قلت : (زيد اضربه) لم تحتج إلى (أنا) ؛ لأن الفعل مما يضمر فيه ، وإن جرى على غير صاحبه.

ص: 128

التاسع : الإخبار عن المصدر

اعلم أن المصدر إذا كان منصوبا وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفا فالإخبار فنه قبيح ؛ لأنه بمنزلة ما ليس في الكلام ألا ترى أنك إذا قلت : (ضربت ضربا) فليس في (ضربا) فائدة لم تكن في (ضربت) وإنما تجيء تأكيدا فإذا قلت : ضربت ضربا شديدا أو الضرب الذي تعلم فقد أفادك ذلك أمرا لم يكن في (ضربت) فهذا الذي يحسن الإخبار عنه ، فإن أردت الإخبار عن ذلك قلت : (الذي ضربت ضرب شديد) تريد : (الذي ضربته ضرب شديد) ، وإن قلت سير بزيد سير شديد قلت الذي سير بزيد سير شديد والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقوم مقام الفاعل كما كان ذلك في الظروف قال الله تبارك وتعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : 13].

وذكر المازني : أن الإخبار عن النكرة يجوز من هذا الباب ، وإن الأحسن أن يكون معرفة أو موصوفا وهو عندي غير جائز إلا أن تريد بالمصدر نوعا من الفعل فتقول على ذلك :(ضرب ضرب) أي : نوع من الضرب وفيه بعد وتقول : (ضربتك ضربا شديدا) فإذا أخبرت عنه بالألف واللام قلت : (الضاربك أنا ضرب شديد) أي : (الذي ضربتكه ضرب شديد) ، فإن ثنيت المصدر أو أفردت المرة فيه حسن الإخبار لأنك تقول : ضرب ضربتان فتكون فيه فائدة ؛ لأن قولك : (ضرب) لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت : (ضرب ضربة واحدة) أو ضربة ولم تذكر واحدة فإذا قلت : (ضرب بزيد ضرب شديد) قلت : (المضروب بزيد ضرب شديد) و (المنفوخ في الصور نفخ شديد) ، وإذا قلت : (شربت شرب الإبل) قلت : (الشاربه أنا شرب الإبل) ، وإذا قلت : (تبسمت وميض البرق) قلت : المتبسمة أنا وميض البرق وقد قال قوم : إنّ وميض البرق ينتصب على (فعل) غير (تبسمت) كأنهم قالوا :(ومضت وميض البرق) فهؤلاء لا يجيزون الإخبار عن هذه الجهة ومن نصب المصادر إذا كانت نكرة على الحال لم يجز الإخبار عنها كما لا يجوز الإخبار عن الحال ، وإذا كانت المصادر وغيرها أيضا حالا فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو : أرسلها العراك والقوم فيها الجماء الغفير ورجع عوده على بدئه وما أشبه هذا مما جاء حالا وهو معرفة وكل ما شذّ عن بابه

ص: 129

فليس لنا أن نتصرف فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به وكل اسم لا يكون إلا نكرة فلا يجوز الإخبار عنه وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فقصة : ربّ رجل وأخيه وكلّ شاة وسخلتها وما أشبه هذا مما جاء معطوفا نكرة فهو كالحال لا يجوز الإخبار عنه ولو أجزته لوجب أن تكرر (ربّ) فتقول : (الذي ربّه).

ولا حجة في قول العرب : ربّه رجلا وربّها امرأة ؛ لأن هذا ليس بقياس ولا هو اسم تقدم.

قال المازني : وأما قول العرب : (ويحه رجلا) فإنّما جاءت الهاء بعد مذكور وقد يجوز الإخبار عنها كما يجوز الإخبار عن المضمر المذكور فتقول : (الذي ويحه رجلا هو) وفيه قبح ؛ لأن (ويح) بمعنى الدعاء مثل الأمر والنهي والذي لا يوصل بالأمر والتي لأنّهما لا يوضحانه والدعاء بتلك المنزلة قال : إلا أنّ هذا أسهل ؛ لأن لفظه كلفظ الخير.

قال أبو بكر : أنا أقول : (وهو عندي غير جائز ؛ لأن هذه أخبار جعلت بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحال عن ذلك ، وأما ما جاء من المصادر مضمرا فعله مثل : إنما أنت ضربا وأنت سيرا وضربا ضربا) فلا يجوز عندي الإخبار عنه لأنها مصادر استغنى بها عن ذكر الفعل فقامت مقامه فلا يجوز الإخبار غعنها كما لا يجوز الإخبار عن الفعل والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرته لم يدل ضميره على الفعل.

والمازني : يجيز الإخبار عن هذا فيقول إذا أخبرت عن (سير) من قولك : إنّما أنت سيرا قلت : (الذي انت إيّاه سير شديد) كأنّك قلت : الذي أنت تسيره سير شديد.

العاشر : الابتداء والخبر

اعلم أنّ هذا الباب لا يجوز الإخبار فيه إلا بالذي ؛ لأنه لا يكون منه فاعل.

وذلك قولك : (زيد أخوك) إن أخبرت عن (زيد) قلت : (الذي هو أخوك زيد) انتزعت زيدا من الصلة وجعلت موضعه (هو) فرجع إلى (الذي) والذي هو زيد على ما بينت فيما تقدم ، وإن أخبرت عن الأخ.

ص: 130

قلت : (الذي زيد هو أخوك) جعلت (هو) مكان الخبر كما كان في أصل المسألة ولا يجوز هذا التقديم والتأخير ؛ لأنه ملبس.

وتقول : (أنت منطلق) للذي تخاطب ، وإن أردت أن تخبر عن المخاطب قلت : (الذي هو منطلق أنت) ، وإن أخبرت عن منطلق قلت الذي أنت هو منطلق ، وإن أخبرت عن المضمر في (منطلق) لم يجز لأنك تجعل مكانه ضميرا يرجع إلى (الذي) ولا يرجع إلى المخاطب فيصير المخاطب مبتدأ ليس في خبره ما يرجع إليه ، وإذا قلت : (زيد ضربته) فأخبرت عن (زيد) أقمت مقامه (هو) فقلت : (الذي هو ضربته زيد) فهو يرجع إلى (الذي) والهاء في (ضربته) لم يجز لأنك تصير إلى أن تقول : (الذي زيد ضربته هو) ، فإن جعلت الهاء التي في (ضربته) ترجع إلى (زيد) لم يرجع إلى (الذي) شيء ، وإن رددته إلى (الذي) لم يرجع إلى (زيد) شيء.

قال المازني : هل يجوز أن أحمل هذا على المعنى ؛ لأن زيدا هو الذي في المعنى ، فإن ذلك أيضا غير جائز لأنك لا تفيد حينئذ بالخبر معنى ولا يجوز الإخبار عن (ضربته) في هذه المسألة ؛ لأنه فعل وجملة والأفعال والجمل لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرت احتجت أن تضمر ما تخبر عنه والفعل لا يضمر وكذلك الجملة ؛ لأن ذلك محال ، وإذا قلت زيد ذهب عمرو إليه جاز أن تخبر عن زيد فتقول : (الذي هو ذهب عمرو إليه زيد) لأنك تجعل الهاء التي في (إليه) يرجع إلى (هو) وتجعل (هو) يرجع إلى (الذي) ، وإن أخبرت عن (عمرو) فجائز.

فتقول : (الذي زيد ذهب إليه عمرو) وتجعل للفاعل في (ذهب) ضميرا يرجع إلى (الذي) وتجعل عمرا خبرا للمبتدأ ، وإن جعلت في موضع (عمرو) في هذه المسألة (هندا) كان أبين إذا قلت : (زيد ذهبت هند إليه) فأخبرت عن (هند) قلت : التي زيد ذهبت إليه هند ، فإن ثنيت هندا قلت : (اللتان زيد ذهبتا إليه الهندان) فصار الكلام أوضح لما ظهر ضمير الفاعل وهو الراجع إلى (اللتين) ، فإن أخبرت عن (الهاء) في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإخبار عن الهاء في (زيد ضربته) ، فإن قلت : (زيد ذاهب إليه عمرو) فأخبرت عن (عمرو) قلت : الذي زيد ذاهب إليه هو (عمرو) جعلت (هو) فاعلا وجعلت (هو) منفصلا ؛ لأن (ذاهبا) اسم إذا صار خبرا لغير من هو له أو صفة أو حالا صار فاعله منفصلا والفعل ليس كذلك وقد مضى

ص: 131

تفسير هذا وتقول : (زيد يضربه أبوه) ، فإن أخبرت عن (زيد) قلت : (الذي هو يضربه أبوه زيد) جعلت (هو) موضع. (زيد) وهو الراجع إلى (الذي) والهاء في يضربه ترجع إلى (هو) وكذلك الهاء في (أبيه) كما كان في أصل المسألة ، وإن أخبرت عن الأب قلت : (الذي زيد يضربه أبوه) فتجعل في (يضربه) فاعلا وهو صلة (الذي) وجعلت الأب خبرا وهو (الذي) وهذه المسألة تلبس بقولك : (زيد يضرب أباه) لو قيل لك أخبر عن (الأب) لقلت : الذي زيد يضربه أبوه ولو جعلت موضع أبيه أمه لارتفع اللبس لو قيل لك كيف تخبر عن الأم من قولك : (زيد تضربه أمه) لقلت : (التي زيد تضربه أمه) ولو قلت (زيد يضرب أمه) فأخبرت عن الأم لقلت : (التي زيد يضربها أمه) وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبس فلم يعلم الفاعل من المفعول ، فإن خالفت بأن تجعل أحدهما مفردا والآخر مثنى أو مجموعا أو تجعل أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا زال اللبس ألا ترى أن أصل المسألة إذا قلت : (زيد يضربه عمرو) وعمرو فاعل لو قيل لك : قدم عمرا لقلت : عمرو زيد يضربه ففي (يضربه) ضمير (عمرو) مرفوع ولو قيل لك : قدم عمرا من قولك : (زيد يضرب عمرا) لقلت : (عمرو زيد يضربه) ففي (يضربه) ضمير (زيد) واللفظ واحد جعلت عمرا فاعلا أو مفعولا إذا قدمته وابتدأته ، فإن خالفت بين الاسمين حتى يقع ضميراهما متخالفين بأن المراد ، وذلك أن تجعل موضع عمرو العمران.

فإذا قلت : زيد يضربه العمران فقدمت العمرين مبتدأين قلت : (العمران زيد يضربانه) ، وإن قلت : (زيد يضرب العمرين) فقدمت العمرين مبتدأين قلت : العمران زيد يضربهما ، فإن جعلت موضع (يضرب) ضاربا من قولك : زيد يضربه أبوه قلت : زيد ضاربه أبوه ، فإن أخبرت عن الأب قلت : الذي زيد ضاربه هو أبوه فأظهرت (هو) منفصلة لما تقدم ذكره ، فإن أخبرت عن الأب من قولك : (زيد ضارب أباه) قلت : (الذي زيد ضاربه أبوه) ولم تحتج إلى (هو) ؛ لأن (ضارب) إلى جانب زيد وهو له فأما قولهم : (السمن منوان بدرهم) فهذا مستعمل بالحذف يريدون : السمن منوان منه بدرهم ، فإن أخبرت عن السمن قلت : (والذي هو منوان

ص: 132

بدرهم السمن) تريد : (الذي هو منوان منه بدرهم السمن) نقلته عما كان والحذف بحاله والهاء التي في (منه) ترجع إلى (هو) كما كانت ترجع إلى السمن في أصل المسألة.

وإن أخبرت عن (المنوين) قلت : (اللذان السمن هما بدرهم منوان) ، وإن أتممت الكلام قلت : (اللذان السمن هما بدرهم منه منوان) والإتمام هو أحبّ إليّ ؛ لأن المحذوف لا ينبغي أن يصرف تصرف غير المحذوف وحقه أن يترك على لفظه ليدل على ما حذف منه وهذه المسألة نظير قولك : (زيد عمرو قائم إليه) فزيد : مبتدأ كالسمن ومنوان : مبتدأ ثان كعمرو وقولك :(بدرهم منه) خبر (منوين) والهاء في (منه) ترجع إلى (السمن) كرجوع الهاء في (إليه) ، فإن قيل لك : أخبر عن خبر السمن بأسره وهو قولك : (منوان منه بدرهم) لم يجز ؛ لأن الجمل لا تضمر وكذلك لو قيل لك : أخبر في قولك : زيد عمرو قائم إليه عن خبر (زيد) بأسره لم يجز.

الحادي عشر : المضاف إليه

اعلم أن المضاف إليه على ضربين : فضرب منه يكون الاسمان فيه كحروف زيد وعمرو يراد بهما التسمية فقط كرجل اسمه عبد الله أو عبد الملك فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه ؛ لأنه كبعض حروف الاسم وضرب ثان من الإضافة وهي التي يراد بها الملك نحو : (دار عبد الله) وغلام زيد فهذان منفصلان جمع بينهما الملك ومتى زال الملك زالت الإضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه أما المضاف الأول فلا يجوز أن تخبر عنه البتة أعني (غلاما ودارا) إذا قلت : غلام زيد ودار عمرو لأنك لو أخبرت عنه لوجب أن تضمره وتضيفه والمضمر لا يضاف فإذا قلت : (هذا غلام زيد) فأردت الإخبار عن (زيد) قلت : (الذي هذا غلامه زيد) جعلت الهاء موضع زيد وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت قمت في دار زيد قلت الذي قمت في داره زيد ، فإن قلت : هذا ابن عرس وسام أبرص وحمار قبان وأبو الحرث وأنت تعني الأسد فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز ؛ لأن الثاني ليس هو شيء يقصد إليه وإنما حمار قيان اسم للدابة ليس أن قبان شيء يقصد إليه كما كان زيد شيئا يقصد إليه.

ص: 133

وقال أبو العباس عن أبي عثمان : أنه قد جاء الإخبار في مثل : حمار قبان وأبي الحرث وما أشبهه ولكنه في الشعر شاذ.

الثاني عشر : البدل

(1)

اختلف النحويون في الإخبار في هذا الباب فمنهم من لا يجيز الإخبار عن المبدل منه إلا والبدل معه كما يفعل في النصب.

قال أبو بكر : وإلى هذا أذهب وهو الذي يختاره المازني ومنهم من يجيز الإخبار عن المبدل منه دون البدل فإذا قلت : (مررت برجل أخيك) فأخبرت عن (رجل) قلت : الذي مررت به رجل أخوك والمار به أنا رجل أخوك تجعل الرجل خبرا ثم تبدل الأخ منه كما كان في أصل المسألة وقوم يقولون : المار به أنا أخيك رجل فيجعلون (الأخ) بدلا من الاسم المضمر كما كان بدلا من مظهر.

قال المازني : فإن أخبرت عن أخيك من قولك : (مررت برجل أخيك) قلت : المار أنا برجل به أخوك قال : وهذا قبيح لأنّك جئت بالبدل الذي لا يصح الكلام إلا به فجعلته بعد ما قدرت كلامك تقديرا فاسدا قال : ومن أجاز هذا أجاز : (زيد ضربت أخاك أباه) قال : وهو جائز على قبحه.

قال أبو بكر : ومعنى قول المازني : قدرت كلامك تقديرا فاسدا يعني : أنّ حقّ الكلام أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل ؛ لأن حقّ البدل أي يكون بمنزلة ما ليس في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلام فلو قلت : (المارّ أنا برجل أخوك) لم يجز ؛ لأنه لم يرجع إلى الألف واللام شيء فكان الكلام فاسدا وكذلك لو قلت : (زيد ضربت أخاك) لم يجز ؛ لأنه لم يرجع إلى (زيد) شيء وقولك (أباه) بعد بمنزلة ما ليس في الكلام ، قال المازني : وكلا القولين مذهب وليسا بقويين.

ص: 134


1- قال الجرجاني في التعريفات : البدل : تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه ، قوله : مقصود بما نسب إلى المتبوع ، يخرج عنه : النعت ، والتأكيد ، وعطف البيان ، لأنها ليست بمقصودة بما نسب إلى المتبوع ، وبقوله : دونه ، يخرج عنه العطف بالحروف ، لأنه وإن كان تابعا مقصودا بما نسب إلى المتبوع ، كذلك مقصود بالنسبة.
الثالث عشر : العطف

(1)

اعلم أن العطف يشبه الصفة والبدل من وجه ويفارقهما من وجه أما الوجه الذي أشبههما فإنه تابع لما قبله في إعرابه ، وأما الوجه الذي يفارقهما فيه ، فإن الثاني غير الأول والنعت والبدل هما الأول.

ألا ترى أنك إذا قلت : (زيد العاقل) فالعاقل هو زيد ، وإذا قلت : (مررت بزيد أخيك) فأخوك هو زيد ، وإذا قلت (قام زيد وأخوك) فأخوك غير زيد فلذلك يجوز أن تخبر عن الاسم المعطوف عليه الأول ويجوز أن تخبر عن الاسم المعطوف الثاني التابع لما قبله ولك أن تخبر عنهما جميعا تقول : زيد وعمرو في الدار ، فإن أخبرت عنهما جميعا قلت : (اللذان هما في الدار زيد وعمرو).

وإن أخبرت عن زيد قلت : (الذي هو وعمرو في الدار زيد) ، وإن أخبرت عن زيد قلت :(الذي هو وعمرو في الدار زيد) ، وإن أخبرت عن (عمرو) قلت : (الذي زيد وهو في الدار عمرو) ، وإن شئت قلت : (الذي هو زيد في الدار عمرو) ؛ لأن المعنى واحد ، فإن قلت : (قام زيد وعمرو) فأخبرت عنهما جميعا قلت : (اللذان قاما زيد وعمرو) ، وإن أخبرت عن (زيد) قلت : الذي قام هو وعمرو (زيد) فأكدت الضمير في (قام) بهو لتعطف عليه الظاهر ويجوز أن لا تذكر (هو) فتقول : (الذي قام وعمرو زيد) وفيه قبح ، وإن أخبرت عن (عمرو) قلت : (الذي قام زيد وهو عمرو زيد) ، فإن قلت في هذه المسائل بالألف واللام فقياسه قياس ما تقدم ، وإن أخبرت عن المفعول من قولك : ضربت زيدا وعمرا ، فإن أردت أن تخبر عن (زيد) قلت : الذي ضربته وعمرا زيد ، وإن أخبرت عن عمرو) قلت : (الذي ضربت زيدا وإياه عمرو) ، فإن لم ترد ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت : الذي ضربته وزيدا عمرو وجاز ذلك ؛ لأن قولك : (ضربت زيدا وعمرا وضربت عمرا وزيدا) في الفائدة سواء ، فإن قلت :

ص: 135


1- قال الجرجاني في التعريفات : العطف : تابع يدل على معنى مقصود بالنسبة مع متبوعه ، يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة ، مثل : قام زيد وعمرو ، فعمرو تابع مقصود بنسبة القيام إليه مع زيد.

ضربت زيدا وقام عمرو لم يجز الإخبار عن واحد منهما لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان فلو أخبرت عن (زيد) لكنت قائلا : (الذي ضربته وقام عمرو زيد) فليس لقولك قام عمرو اتصال بالصلة ، فإن زدت في الكلام فقلت وقام عمرو إليه أو من أجله جاز ، فإن قلت :ضربت زيدا أو عمرا فأخبرت عن (زيد) ، فإن الأخفش يقول (الضاربه أنا أو عمرا زيد) قال ؛ لأن عمرا قد صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فعل واحد كما تقول : مررت برجل ذاهب أبوه أو عمرو ولو قلت : أو ذاهب عمرو لم يجز لأنهما لم يجتمعا في فعل واحد فيصير عمرو إذا جعلت له فعلا على حدته كأنك قلت : مررت برجل ذاهب عمرو وكذلك لا يجوز الضاربه أنا والضارب زيدا عمرو.

قال أبو بكر : لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضارب ، وإذا قلت : ضربت أو شتمت عمرا فأخبرت عن (عمرو) قلت : (الذي ضربت أو شتمت عمرو) تريد : (الذي ضربته أو شتمته عمرو) فالفعلان داخلان في الصلة ، فإن قلته بالألف واللام احتجت أن تقول : الضاربه أنا والشاتمه أنا عمرو فأخرجت ما كان في صلة (الذي) عنها ؛ لأنه لا بد من ألف ولام أخرى حتى يصير فاعل بمعنى الفعل وهذا لا يجوز ومعنى الكلام أيضا يتغير لأنك إذا قلت : الذي ضربت أو شتمت عمرو فالشك واقع في الفعلين ، وإذا قلت (الضاربه أنا أو الشاتمه أنا عمرو) فالشك في الاسمين ، فإن قلت : ضربت زيدا أو شتمت عمرا لم يجز أن تخبر عن زيد إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجع إلى (زيد) فتقول : (الذي ضربت أو شتمت عمرا من أجله أو له زيد).

واعلم أنه قد جاء في العطف أشياء مخالفة للقياس فمن ذلك قولك : (مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين) فقولك : (لا قاعدين) معطوف على (قائم) وليس في قولك : (قاعدين) شيء يرجع إلى رجل كما كان في قولك : قائم أبواه ضمير يرجع إلى (رجل) فجاز هذا في المعطوف على غير قياس وهذا لفظ المازني وقول كلّ من يرضى قوله وكان ينبغي أن تقول : مررت برجل قائم أبواه ولا قاعد أبواه وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكى عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياسا مستقيما ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب : (كلّ شاة

ص: 136

وسخلتها بدرهم) ولو جعلت السخلة تلي (كلّ) لم يستقم ومثله : (ربّ رجل وأخيه) فلو كان الأخ يلي : (ربّ) لم يجز ومن كلام العرب : (هذا الضارب الرجل وزيد) ولو كان زيد يلي الضارب لم يكن جرا وينشدون هذا البيت جرا :

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّى خلفها أطفالها

وكان أبو العباس رحمه الله يفرق بين عبدها وزيد : ويقول : إن الضمير في (عبدها) هو المائة فكأنه قال : وعبد المائة ولا يستحسن ذلك في (زيد) ولا يجيزه وأجاز ذلك سيبويه والمازني ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت.

وقال المازني : إنه من كلام العرب والذي ، قال أبو العباس أولى وأحسن فإذا قلت : (مررت بزيد القائم أبواه لا القاعدين) أجريت (القاعدين) على القائم أبواه عطفا فصارا جميعا من صفة زيد ولم يكن في القاعدين ما يرجع إلى الموصول في اللفظ ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة وتقول على هذا القياس : مررت بهند القائم أبواها لا القاعدين فتجري (القاعدين) عليها.

قال المازني : وقد قال قوم من أهل العلم : نجيز هذا في الألف واللام ولا نجيزه في (الذي) ؛ لأن الألف واللام ليستا على القياس و (الذي) لا بد في صلته من ضميره وقال هؤلاء ألا ترى أنك تقول : (نعم الذاهب زيد ونعم القائم أبوه زيد ونعم الضارب زيدا عمرو) ولا تقول : (نعم الذي ذهب زيد) ألا ترى أن الألف واللام قد دخلتا مدخلا لا يدخله (الذي) وكذلك جاز مررت بهند القائم أبواها لا القاعدين ولم يجز : (مررت بهند القائم أبواها لا اللذين قعدا).

وقال الآخرون : نجيزه (بالذي) معطوفا ونجعل صلته على المعنى كما قلنا : أنا الذي قمت ، وأنت الذي قمت ، وأنا الذي ضربتك ، فحملناه على المعنى فكان الحمل على المعنى في العطف أقوى إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفا لأنّا قد رأينا أشياء تكون في العطف فلا تكون في غيره فإذا كانت صلة (الذي) جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفة فهي معطوفة أشد احتمالا فأجازوا هذا الباب على ما ذكرت لك.

ص: 137

قال المازني : وهو عندي جائز على المعنى كما تقول : (اللذان قام وقعد أخواك) فتجعل الضمير الذي في (قام وقعد) يرجع إلى (اللذين) على معناهما لا على لفظهما.

ومما جاء في الشعر في صلة الذي محمولا على معناه لا على لفظه :

وأنا الّذي قتّلت بكرا بالقنا

وتركت تغلب غير ذات سنام

ولو حمله على لفظه لقال : (قتل) قال : وليس كل كلام يحتمل أن يحمل على المعنى لو قلت : أخواك قام وأنت تريد : قام أحدهما لم يكن كلاما لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجيء في خبرهما بما يرجع إليهما فلذلك لم يجز هذا ولو قلت : أخواك قام وقعد فحملت (قام وقعد) على معنى الأخوين كان هذا أقوى ؛ لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل ولو قلت : (اللذان قام أخواك) تريد : (اللذان قام أحدهما أخواك) لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشي على المعنى فيكون ذلك جائز كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه ولا يجوز ذلك في غير الشعر فكلّ ما شنع في السمع أجازته ولم يستعمل لا تجزه.

وقال الأخفش : لو أنّ رجلا أجاز : مررت بالذي ذهبت جاريتاه والذي أقامتا على القياس يعني في هذا الباب وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد كان قياسا على قبحه وعلى أنه ليس من كلام العرب ومن لم يجز هذا لم يجز : (مررت بالحسنة جاريتاه لا القبيحتين) إذا أراد معنى (الذي) ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى (الذي) ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة ، وإذا قلت : (ضربت زيدا فعمرا) فأردت الإخبار عن (زيد) قلت : (الذي ضربته فعمرا زيد) ، فإن أخبرت عن (عمرو) قلت : (الذي ضربت زيدا فإياه عمرو) ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلا وتقدمه كما فعلت في الواو ؛ لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمّ كالفاء وكذلك (لا) إذا كانت عاطفة فإذا قلت : (ضربت زيدا ثمّ شتمت عمرا) لم يجز أن تخبر عن زيد بالألف واللام ؛ لأنه يلزمك أن تقول : (الضاربه أنا ثمّ الشاتم أنا عمرا زيد) فلا يكون لقولك : (الشاتم أنا عمرا) اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت لو قلت : الذي ضربته وضربت عمرا زيد أو ثمّ ضربت عمرا أو فضربت عمرا لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد : (ضربته وزيدا) فتقول : ضربته وضربت زيدا ترد

ص: 138

الفعل الثاني توكيدا فيجوز على هذا وهو أيضا قبيح وكذلك لو قلت : الذي ضربته وقمت أو ثم قمت أو قلت زيد لم يجز إلا على ما ذكرت لك وهو قبيح ألا ترى أنّك لو قلت : (مررت برجل قائم أبوه وأنا) جاز ولو قلت : (مرّ زيد برجل وذاهب أنا) لم يجز إلا على ما ذكرت لك من الضمير فتقول : وذاهب أنا من أجله ولو قلت : (الذي ضربته فبكى زيد أخوك) جاز ؛ لأن بكاء زيد كان لضربك إياه ولو قلت : (الضاربه أنا والباكي زيد أخوك) لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علة للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل ولو قلت : الذي ضربته وقمت زيد كان جيدا ؛ لأن الفعلين جميعا من صلة (الذي).

وقال الأخفش : لو قلت : الضاربه أنا وقمت زيد كان جائزا على المعنى ؛ لأن معنى الضاربه أنا الذي ضربته ، وفي كتاب الله عز وجل : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا. اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ)(1) [الحديد : 18] ولو قلت : الضاربة أنا والقائم أنا زيد لم يجز ؛ لأن كل واحد منهما اسم على حياله والقائم أنا ليس فيه ذكر زيد ولو قلت : (الضارب زيدا فمبكيه أنت) كان جائزا على أن يكون الضرب علة للبكاء لأنك لو قلت : (الضارب زيدا فبكى أنا) كان جيدا ولو قلت : (الضارب زيدا فالباكي هو أنا) لم يحسن.

وقال الأخفش : إلا على وجه بعيد كأنه ليس فيه ألف ولام كما قالت العرب : هم فيها الجماء الغفير يريدون : هم فيها جما غفيرا وأرسلها العراك يريد : أرسلها عراكا وقال : قالت العرب : (هم الخمسة العشر) يريدون : (هم الخمسة عشر).

الرابع عشر : الإخبار عن المضمر

إذا قلت : (قمت) فأخبرت عن (التاء) قلت : (القائم أنا) ، فإن قلت (قمت) فأخبرت عن (التاء) قلت : (القائم أنت) ، فإن كان الضمير غائبا قلت : (القائم هو) ، وإن أخبرت (بالذي)

ص: 139


1- قرأ ابن كثير ، وعاصم في رواية أبي بكر مخففة الصّاد. وقرأ الباقون مشدّدا في الحرفين جميعا أرادوا : المتصدّقين فأدغموا التّاء في الصّاد فالتّشديد من جلل ذلك ، وليس في تشديد الدّال اختلاف ؛ لأنّه على وزن تفعّل تصدّق مثل تكبّر ، وتجبّر ، ومن خفّف حذف التّاء اختصارا. [إعراب القراءات السبع وعللها : 2 / 351].

قلت : (الذي قام هو والذي قام أنت والذي قام أنا) لأنك لو قلت : (الذي قمت أنا والذي قمت أنت) لم يكن في صلة (الذي) شيء يرجع إليه وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم : أنا الذي قمت وأنت الذي قمت إذا بدأت بالمخاطب قبل (الذي) أو بدأ المتكلم (بأنا) قبل (الذي) فحملت (الذي) في هذا الباب على المعنى والجيد : أنا الذي قام والآخر جائز فإذا قلت : (ضربتني) فأخبرت عن المفعول قلت : (الذي ضربته أنا) ، فإن قلت : (ضربتك) فأخبرت عن الفاعل قلت : الذي ضربك أنا) ولا يجوز : (الذي ضربتك أنت) ولا (الذي ضربتني أنا) إذا أخبرت عن (التاء) ، فإن قدمت (نفسك) قبل (الذي) قلت : (أنا الذي ضربتك وأنا الذي ضربتني).

قال المازني : ولو لا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه لفساده ، وإذا قلت : ضربتك فخبرت عن المفعول بالذي قلت : (الذي ضربت أنت) إن شئت حذفت الهاء من (ضربت) ، وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت : مررت بك فأخبرت عن (الكاف) بالذي قلت :(الذي مررت به أنت) ، فإن قلت : ضربتني أو مررت بي فأخبرت عن نفسك قلت : (الذي مررت به أنا والذي ضربته أنا) فالمجرور والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا فإذا قلت :هذا غلامك فأخبرت عن (الكاف) قلت : الذي هذا غلامه أنت ، وإذا قلت : هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت : (الذي هذا غلامه أنا) ، وإذا قلت : (هذا غلامه) قلت : (الذي هذا غلامه هو) ؛ لأن (أنا) للمتكلم وأنت للمخاطب وهو للغائب.

وقال المازني في هذا الباب : إنه جائز عند جميع النحويين.

ثم قال : وهو عندي رديء في القياس ولو لا اجتماع النحويين على إجازته ما أجزته :قال أبو بكر : والذي جعله عنده رديئا في القياس أنك تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر ؛ لأن (الذي) ، وإن كان مبهما فهو كالظاهر ؛ لأنه يصحّ بصلته.

ص: 140

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام

وما يجوز بالألف واللام ولا يجوز بالذي ، وذلك المبتدأ والخبر

أما ما يخبر فيه (بالذي) ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر وقد بيناه فيما تقدم وكذلك ما جرى مجراهما والمضاف إليه والاسم المعطوف وكل اسم لا يتصل به فعل فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جر لا يجوز أن تخبر عنه إلا (بالذي) وكل فعل لا يتصرف فلا يجوز عنه الإخبار إلا (بالذي) وقد تقدم ذكر هذا.

وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز (بالذي) مكانه فقال الأخفش تقول : (مررت بالقائم أخواه إلا القاعدين) ولو قلت : (مررت بالذي قعدت جاريتاه لا الذي قامتا) لم يجز ؛ لأن (الذي) لا بد من أن يكون في صلتهما ذكرها وكذلك لو قلت : (مررت بالقاعد أبواها لا القائمين) كان جيدا.

ولو قلت : مررت بالتي قعد أبواها لا التي قاما لم يجز ؛ لأنه ليس في صلة (التي) ذكر لها ألا ترى أنك تقول : (المضروب الوجه عبد الله) ولا تقول : (الذي ضرب الوجه عبد الله) وتقول : المضروبة الوجه ضربتين أمة الله.

ولا تقول : (التي ضربت الوجه ضربتين أمة الله ؛ لأنه ليس في صلة (التي) لها ذكر.

ص: 141

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون

وذلك قولك : (ضربت وضربني زيد) وضربني وضربت زيدا قال الأخفش : إذا قلت :(ضربت وضربني زيد) فأدخلت عليه الألف واللام وجعلت (زيدا) خبرا قلت : (الضاربه أنا والضاربي زيد) لا يحسن غير ذلك لأنك حين طرحت المفعول في (ضربت وضربني) لم تزد على ذلك وأنت لو طرحت (الهاء) من قولك (الضاربه أنا والضاربي زيد) كنت قد طرحت المفعول به كما طرحته في (ضربت) وطرحت الشيء الذي تصحّ به الصلة ؛ لأن كلّ شيء من صلة (الذي) لا يرجع فيه ذكر (الذي) فليس هو بكلام قال : إلا أنّ بعض النحويين قد أجاز هذا وهو عندي غير جائز لطول الاسم ؛ لأنه صير (الضارب أنا والضاربي) كالشيء الواحد ، وإذا جعلت (أنا) هو الخبر يعني إذا أخبرت عن (التاء) كان حذف (الهاء) أمثل من هذا ، وذلك أنك إذا قلت : (الضارب والضاربه زيد أنا) إنما أوقعت من (الضارب) المفعول به ولم توقع ذكر (الذي) فلم تزد على مثل ما صنعت في (ضربت وضربني زيد) لأنك إنما ألغيت ثم المفعول وألغيته هاهنا أيضا ، وإن كان في قولك : (الضارب والضاربه زيد أنا) أقبح منه في (ضربت وضربني زيد) ؛ لأن هذا مما يخل بصلة الاسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الاسم كأنه لم يتعد.

قال المازني : إذا أردت الإخبار عن زيد ، فإن ناسا من النحويين يقولون : (الضارب أنا والضاربي زيد) قال : وما أرى ما قالوا إلا محالا إن كنت لم تنو أن يكون في (الضارب) مفعول محذوف ، فإن كنت أردت أن يكون محذوفا فإثباته أجود قال : وإن قلت : إني إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل ، فإن ذلك غير جائز لأنك حين حذفته في الفعل لم تضمر وأنت هاهنا تحذفه مضمرا فحذفهما مختلف فلذلك لم يكن مثله في الفعل قال : والقياس عندي أن أقول :(الضارب أنا والضاربي زيد) فأجعل (الضارب) مبتدأ وأجعل (أنا) خبره فأجعل (الضاربي) مبتدأ وأجعل زيدا خبره وأجعله تفسيرا لما وقع عليه (ضربت) كما كان تفسيرا له مع الفعل وأجعل الضارب الأول غير متعدّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدّ وأجعل (أنا) خبرا

ص: 142

له ؛ لأن الفعل والفاعل نظيرهما من الأسماء المبتدأ والخبر لأنك إذا قلت : (ضرب زيد) فلا بد لضرب من (زيد) كما أنك إذا قلت : (زيد منطلق) فلا بد له من (منطلق) أو ما أشبهه فجعلت الأول مبتدأ و (أنا) خبره وعطفت عليه مبتدأ وخبره لتكون جملة عطفتها على جملة كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلا وفاعلا جملة قال : فهذا أشبه وأقيس مما قال النحويون.

قال أبو بكر : وهذا الباب عندي لا يجوز الإخبار فيه من أجل أن هاتين الجملتين كجملة واحدة لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية ، وإذا أدخلت الألف واللام فصلت ، فإن أحوجت الضرورة إلى الإخبار فهما بالألف واللام فأقيس المذهبين مذهب المازني ليكون الاسم محذوفا ظاهرا غير مضمر كما كان في الفعل.

وقال الأخفش : من جوز الحذف في (ضربت وضربني زيد) إذا أدخل عليه الألف واللام قال في (ظننت وظنني زيد عاقلا) إذا أعمل الآخر (الظانّ) أنا (والظاني عاقلا زيد) ، فإن قال : قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت : أما الأول منهما فأضمرته ليكون له في الصلة ذكر والثاني أضمرته ؛ لأنه لا بد إذا أعملت الفعل في واحد من أن تعمله في الآخر قال :فإن جعلت (أنا) هو الخبر يعني : إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثل شيئا لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام فتقول : (الظانّ والظانه زيد عاقلا أنا) ، وإن ألحقت (الهاء) قلت : (الظانه إياه والظانه عاقلا زيد أنا).

قال المازني : فإن قلت : (ضربني وضربت زيدا) فأخبرت عن (زيد) قلت : (الضاربي هو والضاربه أنا) فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلا في (ضربني) ليكون الضارب يستغني ويكون (هو) يحتاج إلى أن يفسر كما كان محتاجا وهو في موضع (ضربني) وليكون جملة معطوفة على جملة وكذلك إن كان فعلا تعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت وأعطاني زيد درهما إذا أخبرت عن نفسك قلت : المعطي أنا والمعطى درهما زيد فجعلت (أنا) الأول خبرا (للمعطى) كما كان فاعلا (لأعطيت) وجعلت الثاني مبتدا وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة.

ص: 143

قال أبو بكر : فعلى هذا يجيء هذا الباب ، وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب.

ص: 144

باب ما ألّف النحويون من (الذي) و (التي) وإدخال (الذي) على (الذي) وما ركب من ذلك

وقياسه قد تقدم من قولنا : إن (الذي) لا يتم إلا بصلة وإنه وصلته بمنزلة اسم مفرد فمتى وصلت (الذي) بالذي فانظر إلى الأخير منهما فوقه صلته فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسما مضافا إلى ضمير ما قبله ؛ لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح فإذا كان الأول مبتدأ فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير (الذي) ويكون (الذي) الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه إلا أن (الذي) التالي للأول يحتاج إلى أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني والآخر يرجع إلى (الذي) الأول ، وإن كان (الذي) بعد (الذي) الأول مرتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو ما بلغ فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبرا له تقول : (الذي التي قامت في داره هند عمرو) فيكون (الذي) الأول مبتدأ ويكون (التي) الثانية مبتدأة أيضا ويكون (قامت في داره) فيه ضميران : أحدهما مرفوع وهو المضمر في (قامت) وهو راجع إلى (التي) والهاء راجعة إلى (الذي) الأول وتكون (هند) خبر (التي) الثانية وتكون (التي) الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي (الأول) ويكون (عمرو) خبر (الذي) الأول ، فإن ثنيت قلت : (اللذان اللتان قامتا في دارهما الهندان العمران) فظهر الضمير الذي كان في (قامت) في الواحدة والتفسير ذلك التفسير.

وكذلك لو قلت : الذي التي في داره هند عمرو ففي (داره) ضميران أحدهما مرفوع والآخر مجرور فالمرفوع مضمر في الاستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه (فالتي) مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضمير (الذي) ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك (أخته) لجاز أن تقول : (الذي أخته هند عمرو) وتقول : (الذي الذي ضرب عمرو زيد) تجعل الفاعل الذي في (ضرب) يرجع إلى (الذي) الأول ، وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في

ص: 145

(ضرب) يرجع إلى الآخر وتجعل عمرا خبرا للثاني وزيدا خبرا للأول وتقول : (الذي التي أخته أمها هند زيد) فتجعل (الذي) مبتدأ والتي مبتدأ ثانيا وأخته أمها (صلة التي) وفيها ما يرجع إلى (الذي) وإلى (التي) وهند خبر (التي) فصارت (التي) مع صلتها مبتدأ خبره (هند) وهذا المبتدأ والخبر صلة (الذي) وقد تم به ؛ لأن فيه ذكره و (زيد) خبر (الذي) فكأنك قلت :(الذي أخته هند زيد) فلو قلت الذي التي أخته هند أختها زيد لم يجز لأنك لم تجعل في صلة التي شيئا يرجع إليهما ولو قلت الذي التي أختها هند أخته زيد جاز لأنك جعلت (أختها) مبتدأة و (هندا) خبرها وهما في صلة (التي) وجعلت قولك : أخته خبر التي وجعلت (الهاء) التي أضفت الأخت إليها راجعة إلى (الذي) وجعلت التي وصلتها وخبرها صلة (للذي) فصار خبرها مضافا إلى ضمير الذي يرجع إلى (الذي) في صلته وصار زيد خبرا عن (الذي) فكأنك قلت (الذي هند أخته زيد) فصلح أن تضع هذا موضع (التي) ؛ لأنه ليس في (التي) وصلتها ما يرجع إلى (الذي) ولو لا الهاء في (أخته) ما كان كلاما ، فإن أدخلت كان على هذا قلت : (كان الذي التي أختها هند أخته زيدا) ، وإن أدخلت (ظننت) قلت : (ظننت الذي التي أختها هند زيدا) فنصبت (الذي وزيدا) وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعا ، فإن أدخلت في هذه المسائل (الذي) ثالثة فالقياس واحد تقول : (اللذان الذي التي أخته أختها أختهما هند زيد أخواك) لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات.

فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأ فتجعل اللذين ابتداء والذي ابتداء ثانيا والتي ابتداء ثالثا وتجعل أخته أختها صلة (للتي) والهاء في (أخته) ترجع إلى (الذي) وها في (أختها صلة للتي) والهاء في (أخته) ترجع إلى (الذي) وها في (أختها) ترجع إلى (التي) وأختهما خبر للتي وهي مضافة إلى ضمير (اللذين) وهي وصلتها وخبرها صلة (للذي) وزيد خبر الذي والذي وصلته وخبره صلة للذين وأخواك خبر (اللذين) وتعتبر هذا بأن تجعل موضع (التي) مع صلتها اسما مؤنثا مضافا إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك : (أخته) فتقول : (اللذان الذي أمه أختهما زيد أخواك) فتجعل موضع (الذي) بتمامه صاحبهما فتقول : (اللذان صاحبهما زيد

ص: 146

أخواك) فالكلام ، وإن طال فإلى هذا يرجع فنعتبره إذا طال بهذا الإمتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب.

وتقول : (اللذان الذي أخوه زيد أخوهما أبوه أخواك) تجعل اللذين ابتداء والذي ابتداء ثانيا و (أخوه زيد) صلة الذي وأخوهما ابتداء وأبوه خبره وهما جميعا خبر (الذي) والضمير الذي في (أخيهما) راجع إلى (اللذين) والضمير الذي في قولك : (أبوه) راجع إلى الذي والكلام الذي بعد (اللذين) إلى قولك : (أبوه) صلة للذين وأخواك خبر عنهما ولو أدخلت على هذا (كان) أو ظننت وما أشبههما من العوامل كان الكلام على حاله كله ما خلا (اللذين وأخويك) فإنهما يتغيران ، وذلك قولك : (ظننت اللذين الذي أخوه زيد أخوهما أبوه أخويك) فلو أخبرت عن اللذين لقلت : (الظانّهما أنا أخويك اللذان الذي أخوه زيد أخوهما أبوه).

قال المازني : فإن أخبرت عن زيد جاز فقلت : (الظانّ أنا اللذين الذي أخوه هو أخوهما أبوه أخويك زيد) جعلت (الظانّ) ابتداء وأوقعته على (اللذين والأخوين) وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك : هو راجعا إلى (الظانّ) فلذلك صح الكلام قال : ولو أخبرت عن (غير زيد) مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك ؛ لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير (زيد) كلها مضافات إلى مضمرات فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميرا فلا يقوم مقام الراجع الذي كان شيء ولو أخبرت عن (الذي) لقلت : الظانّ أنا اللذين هو أخوهما أبوه أخويك الذي أخوه زيد.

وقال أبو بكر : وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته قال : لو قلت (الذي التي اللذان التي أبوهما أخواك أختها أخته زيد) جاز أن تجعل (الذي) مبتدأ (والتي) مبتدأة أيضا (واللذين) مبتدأين والتي مبتدأة ، وتجعل (أبوها) مبتدأ وهو مضاف إلى ضمير (التي) الثانية وأبوهما خبر (أبيها) وهو مضاف إلى ضمير (اللذين) وأختها خبر (التي) الثانية وهو مضاف إلى ضمير (التي) الأولى وهذا كله صلة للذين وأخواك

ص: 147

خبر اللذين وهذا كله صلة للتي الأولى يعني اللذين وصلتهما وخبرهما (وأخته) خبر عن (التي) وهي وصلتها وخبرها صلة (للذي) وزيد خبر عن (الذي).

قال أبو بكر : ويعتبر هذاه بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسما حتى تردّ الجميع إلى واحد فإذا قلت : (الذي التي اللذان التي أبوها أبوهما أختها أخواك أخته زيد) عمدت إلى (التي) الثانية وصلتها أبوها أبوهما فأقمت مقامهما (أمهما) فصار الكلام الذي التي اللذان أمهما أختها أخواك أخته زيد ثم تقيم مقام (اللذين) وصلتهما اسما فتقول : الذي التي صاحباها أخواك أخته زيد ثم تقيم مقام (التي) مع صلتها (هند) فيصير الكلام : (الذي هند أخته زيد) فإلى هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل ، وإن طالت.

وإذا قلت : (الذي التي اللذان التي أبوها أبوهما أختها أخواك أخته زيد) فأردت الإخبار عن (الذي) قلت : (الذي هو زيد الذي التي اللذان التي أبوهما أختها أخواك أخته) ؛ لأن هذا كله صلة (للذي) الذي أخبرت عنه ، وإن أخبرت عن شيء في الصلة وكان مضافا إلى ضمير لم يجز ، وإن كان غير مضاف فالإخبار عنه جائز نحو الأخوين وزيد فالإخبار عن هذا كله جائز وتقول : (الذي إنّه زيد الذي إنّ أباه منطلق) تجعل (الذي) مبتدأ وتعمل (إنّ) في ضميره وتجعل (زيدا) خبرا (لأن) وتجعل (إن) وما عملت فيه صلة (للذي) وتجعل (الذي) الثاني خبرا للذين الأول وتجعل (إنّ أباه منطلق) صلة للذي الثاني.

قال المازني : وإنما جاز أن تجعل في صلة (الذي) إنّ ؛ لأنه قد جاء في القرآن : (ما إنّ مفاتحه) كأنه قال والله أعلم الذي إنّ (مفاتحه) ؛ لأن (ما) إذا كانت بمنزلة (الذي) كانت صلتها كصلة الذي.

ص: 148

باب أخوات (الذي)

وهي (ما (1) ومن وأي) مضاف ومفرد يكنّ استفهاما وجزاء وخبرا بمنزلة (الذي) فإذا كن استفهاما أو جزاء لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو : (من أبوك) وما مالك وأي أبوك والجزاء نحو : (من يأتنا نأته) وأي يذهب تذهب معه وأيا تأكل آكل وقد يكن بمنزلة (الذي) فإذا كن كذلك وصلن بما وصل به (الذي) بالابتداء والخبر وبالظروف وبالفعل وما يعمل فيه نحو : (اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق) وكل ما أكل زيد تريد : (ما أكله زيد) وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة (الذي) لطول الاسم وقد توصل (أي) بالابتداء والخبر وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتي بالخبر فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها كقولك : اضرب أيهم أفضل واضرب أيهم قائم ومثل ذلك قراءة الناس : (ثمّ لننزعنّ من كل شيعة أيّهم أشدّ) (2) لأنك لو وضعت (الذي) هاهنا كان قبيحا إنما تقول : (الذي هو قائم) ، فإن قلت : (الذي قائم) كان قبيحا ، فإن قلت :اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك نصبت لأنك لو وضعت

ص: 149


1- ما الموصولة : وتستعمل فيما لا يعقل نحو : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) (الآية : 96 سورة النحل) ، وقد تكون له مع العاقل نحو (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (الآية : 1 سورة الصف) ومنه (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) ومنه (إنما توعدون لآت) وفي كليهما : إنّ الذي صنعوا ، وإن الذي توعدون. وتكون لأنواع من يعقل نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (الآية : 3 سورة النساء) وتكون للمبهم أمره ، كقولك حين ترى شبحا من بعد" انظر إلى ما ظهر". وإن جعلت الصّفة في موضع الموصوف على ما يعقل ، ومن كلام العرب : " سبحضان ما سبّح الرعد بحمده" ، وقال تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (الآية : 5 سورة الشمس). انظر معجم القواعد 25 / 5.
2- في حالة أن تضاف ويحذف صدر الصلة نحو يعجبني أيهم قائم ففي هذه الحالة تبنى على الضم فتقول يعجبني أيهم قائم ورأيت أيهم قائم ومررت بأيهم قائم وعليه قوله تعالى (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) وقول الشاعر إذا ما لقيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل انظر شرح ابن عقيل 1 / 162.

(الذي) هاهنا كان حسنا وزعموا أن من العرب من يقول : (اضرب أيهم أفضل) على القياس وقد قرأ بعض أهل الكوفة : (ثم لننزعنّ من كل شيعة أيّهم أشّد) وإنما حذف المبتدأ من صلة (أي) مضافة لكثرة استعمالهم إياها فإذا كانت مفردة لزمها الإعراب فقلت : (اضرب أيا أفضل) ولا تثني هاهنا ، وإن كانت (الذي) تقبح هاهنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس.

قال أبو بكر : هذا مذهب أصحابنا وأنا أستبعد بناء (أي) مضافة وكانت مفردة أحق بالبناء ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية كأنه إذا قال : (اضرب أيهم أفضل) فكأنه قال : اضرب رجلا إذا قيل : (أيهم أفضل) قيل : هو.

والمحذوفات في كلامهم كثيرة والإختصار في كلام الفصحاء كثير موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون وهذا الذي اختاره مذهب الخليل.

قال سيبويه : زعم الخليل : أن (أيهم) إنما وقع في قولهم اضرب أيهم على أنه حكاية كأنه قال : (اضرب الذي يقال له أيّهم أفضل).

وشبهه بقول الأخطل :

ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم (1)

ص: 150


1- على أن لا حرج عند الخليل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والجملة محكية بقول محذوف ، أي : أبيت مقولا في : هو لا حرج ولا محروم. وهذا من حكاية الجمل بتقدير المبتدأ ، ولا يصح أن يكون من حكاية المفرد ، لأن حكاية إعرابه إنما تكون إذا أريد لفظه ، نحو : قال فلان : زيد ، إذا تكلم بزيد مرفوعا ، وفي غير هذا يجب نصبه ، إلا أن يكون بتقدير شيء ، فنجب حكاية إعرابه كما هنا. وهذا نص سيبويه في المسألة : وزعم الخليل أن أيهم إنما وقع في قولهم : اضرب أيهم أفضل على أنه حكاية ، كأنه قال : اضرب الذي يقال له : أيهم أفضل. وشبه بقول الأخطل : ولقد أبيت من الفتاة بمنزل ... البيت قال الأعلم : الشاهد في رفع حرج ومحروم ، وكان وجه الكلام نصبهما على الحال. ووجه رفعهما عند الخليل الحمل على الحكاية ، والمعنى : فأبيت كالذي يقال له لا حرج ولا محروم. ولا يجوز : رفعه حملا على مبتدأ مضمر ، كما لا يجوز : كان زيد لا قائم ولا قاعد ، على تقدير : لا هو قائم ، ولا هو قاعد لأنه ليس موضع تبعيض ولا قطع ، فلذلك حمله على الحكاية. اه. وقال النحاس : قال سيبويه : زعم الخليل أن هذا ليس على إضمار أنا ، ولو كان كذلك لجاز : كان عبد الله لا مسلم ولا صالح ، ولكنه فيما زعم الخليل : فأبيت كالذي يقال له : لا حرج ولا محروم. وإنما فر الخليل من إضمار أنا وإن كانت قد تضمر في هذا الموضع ، لأنه يلزم عليه أن يقول : كنت لا خارج ولا ذاهب. وهذا قبيح جدا ، فجعله على الحكاية : فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا حرج ولا محروم ، أي : إنها لم تحرمني ، فيقال لي محروم ، ولم أتحرج من حضوري نعها ، فيقال لي : حرج. وقال أبو إسحاق الزاج : هو بمعنى لا حرج ولا محروم في مكاني. فإذا لم يكن في مكانه حرجا ولا محروما ، فهو لا حرج ولا محروم. وزعم الجرمي أنه على معنى فأبيت وأنا لا حرج ولا محروم. قال سيبويه : وقد زعم بعضهم أنه على النفي ، كأنه قال : فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا فيه. وكلام أبي إسحاق شرح لهذا. قال أبو الحسن : فيكون في المكان الذي أنا فيه خبرا عن حرج ، والجملة خبر أبيت. انتهى كلام النحاس. قال السيرافي :وهذا التفسير أسهل ، لأن المحذوف خبر حرج ، وهو ظرف ، وحذف الخبر في النفي كثير كقولنا : " لا حول ولا قوة إلا بالله" ، أي : لنا. وقوله : ولقد أبيت ، قال صاحب المصباح : بات له معنيان : أحدهما كما نقل الأزهري عن الفراء : بات الرجل ، إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية. وثانيهما : بمعنى صار ، يقال : بات بموضع كذا ، أي : صار به ، سواء كان في ليل ، أو نهار. وعليه قوله عليه الصلاة والسّلام : " فإنه لا يدري أين باتت يده" ، أي : صارت ووصلت. اه. والمناسب هنا المعنى الثاني. والرواية في ديوان الأخطل : ولقد أكون. والمستقبل هنا في موضع الماضي ، لأنه يريد أن يخبر عن حاله فيما مضى ، وأكثر ما يجيء هذا فيما علم منه ذلك الفعل خلقا وطبعا ، وقد تكرر ذلك الفعل منه ، ولا يكون كفعل فعله في الدهر مرة واحدة. والفتاة : الجارية الشابة ، يريد أنه كان في شبابه تحبه الفتيات ، ويبيت عندهن بمنزل يعنى بمنزلة جميلة. والحرج بفتح الحاء وكسر الراء : المضيق عليه. يقول : إن موضعه لم يكن مضيقا به ، ولا هو محروم من جهتها ما يريده. انظر خزانة الأدب 2 / 312.

وأما يونس فزعم : أنه بمنزلة قولك : (أشهد أنه لعبد الله) واضرب (معلقة) يعني (بمعلقة) أنها لا تعمل شيئا والبناء مذهب سيبويه والمازني وغيرهما من أصحابنا ومن العرب من يعمل (من) وما نكرتين فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة قالوا : اضرب من طالحا أو امرر بمن صالح قال الشاعر :

يا ربّ من يبغض أذوادنا

رحن على بغضائه واغتدين (1)

ص: 151


1- من النّكرة الموصوفة : وتدخل عليها" ربّ" دليلا على أنّها نكرة وذلك في قول الشّاعر : - ربّ من أنضجت غيظا قلبه قد تمنّى لي موتا لم يطع واستشهد سيبويه على ذلك بقول عمرو بن قميئة : يا ربّ من يبغض أذوادنا رحن على بغضائه واغتدين وظاهر في البيتين أنها واقعة على الآدميّين أي للعاقل. كما أنها وصفت بالنّكرة في نحو قولهم" مررت بمن معجب لك". ومثالها قول الفرزدق : إني وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا كمن بواديه بعد المحل ممطور أي كشخص ممطور بواديه. انظر معجم القواعد 25 / 101.

وقال الآخر :

ربّما تكره النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال (1)

فجعلها نكرة وأدخل عليها (ربّ).

واعلم أنه يجوز أن تقول : لأضربن أيهم في الدار وسأضرب أيهم في الدار ولا يجوز : (ضربت أيهم في الدار) وهذه المسألة سئل عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي فطولب بالفرق فقال : (أي) كذا خلقت.

قال أبو بكر : والجواب عندي في ذلك أن (أيا) بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول فإذا كان الفعل ماضيا فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له (أيّ) والمستقبل ليس كذلك.

ص: 152


1- قد تدخل" ما" النكرة الموصوفة على" ربّ" وتوصف بالجملة التي بعدها ، نحو قول أمية بن أبي الصّلت : ربّما تكره النّفوس من الأم ر له فرجة كحلّ العقال والتّقدير : ربّ شيء تكرهه النّفوس ، وضمير له يعود على ما. وقد تلحق ربّ ما الزّائدة فتكفّها عن العمل فتدخل حينئذ على المعارف وعلى الأفعال فتقول : " ربّما عليّ قادم" و" ربّما حضر أخوك". انظر معجم القواعد 11 / 1.

باب الاستفهام إذا أردت الإخبار عنه

إذا قلت : (أيهم كان أخاك (1)) فأردت الإخبار عن الأخ قلت : أيهم الذي هو كأنه أخوك ، وإن شئت (كان إيّاه) كما ذكر في مفعول (كان) المضمر فيما مضى ، وذلك أن اسم (أي) كان مضمرا في (كان) ولم يستقم أن تجعل (الذي) قبل (أي) ؛ لأنه استفهام فجعلت (هو الذي) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار (أي) ؛ لأنه استفهام فجعلت (هو الذي) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار (أي) ابتداء في (كان) وأخوك خبر (الذي) والذي وخبره خبر أي وتقديره تقدير :زيد الذي أبوه ضربه عمرو تجعل (الذي) لعمرو والأب هو الفاعل ، فإن أخبرت عن (أي) في هذه المسألة قلت : (أيهم الذي هو ضرب أخاك) تجعل (أيهم) خبرا مقدما وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل : (الذي هو ضرب أخاك أيّهم) ثم قدمته ؛ لأنه بمنزلة : زيد ضرب أخاك فالإخبار عن (زيد) الذي هو ضرب أخاك زيد فإذا قدمت زيدا وأدخلت عليه ألف الاستفهام قلت : (أزيد الذي هو ضرب أخاك) فهذا نظير (أيهم) ، فإن قلت : (أيهم ضرب أخوك) فجعلت (أي) مفعولة فأردت الإخبار عن (أي) قلت : أيهم الذي إياه ضربت أخوك والتقدير : (الذي إياه ضرب أخوك أيهم) إلا أنك قدمت (أي) وهي خبر الابتداء لأنها استفهام.

(الذي بعضهم هو زيد) ولكنك قدمت للاستفهام (فبعض) يجوز فيها التقديم والتأخير وأن يقع صلة وغير صلة وخبرا وأيهم إذا كانت استفهاما لا يجوز أن يكون إلا صدرا كسائر حروف الاستفهام.

ص: 153


1- الثالث أن يكون الخبر له صدر الكلام وهو المراد بقوله كذا إذا يستوجب التصديرا نحو أين زيد فزيد مبتدأ مؤخر وأين خبر مقدم ولا يؤخر فلا تقول زيد أين ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام وكذلك أين من علمته نصيرا فأين خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وعلمته نصيرا صلة من. انظر شرح ابن عقيل 1 / 243.

باب من الألف واللام يكون فيه المجاز

تقول في قولك : (ضربنا الذي ضربني) إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلا ضربك فأردت أن تجعل اسميكما الخبر قلت : (الضاربان الذي ضربني نحن).

وتصحيح المسألة : (الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن) وإنما جاز أن تقول : (الذي ضربني) على المجاز وإنه في المعنى واحد ألا ترى أنك لا تقول : (الضارب الذي ضربني أنا) إلا على المجاز وتصحيح المسألة : (الضارب الذي ضربه أنا) ؛ لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا على قصد الإبهام كأنه قال : (من ضرب الذي ضربك).

فأجبته بحسب سؤاله فقلت : (الضارب الذي ضربني أنا) كما تقول : (الضارب غلامي أنا) والأحسن : (الضارب غلامه أنا) ؛ لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره والأحسن أن تضيفه إلى ضميره.

فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك : (ضربنا الذي ضربني) قلت :(الضاربة نحن الذي ضربني) هذا المجاز وتصحيح المسألة الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا.

ص: 154

باب مسائل من الألف واللام

اشارة

تقول : هذا ثالث ثلاثة قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة ، فإن قيل لك : في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر.

لم يجز أن تقول : الذين هذا حاديهم أحد عشر ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر كما قلت :الذين هذا ثالثهم ثلاثة ؛ لأن أصل (حادي) أحد عشر وثالث ثلاثة عشر حادي عشر أحد عشر وثالث عشر ثلاثة عشر هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين فلما ذهب لفظ (أحد عشر) وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك حادي أحد عشر وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول : حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم وأنت تريد ثلث ثلاثة ولو أردت إدخال الألف واللام ، فقلت : الحادي عشرهم أنا أو الثاني عشرهم أنا لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين ؛ لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل ؛ لأنه اشتق من شيئين وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس ولو لا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة.

قال الأخفش : ألا ترى أن العرب لا تقول : هذا خامس خمسة عددا ولا ثاني اثنين عددا وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام ؛ لأن ذلك بناء يكون في الأفعال ، وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى قال : ولكنه في القياس جائز أن تقول : الثاني اثنين أنا والثانيهما أنا اثنان ليس بكلام حسن ، وإذا قلت : هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه لأنك تريد : هذا الذي جعل اثنين ثلاثة والذي جعل ثلاثة أربعة ومع ذلك فهو ضعيف ؛ لأنه ليس له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق (ضارب) من الضرب ومن ضرب فإذا قلت : هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة ، فأخبرت عن ثلاثة قلت : الذين هذا رابعهم ثلاثة وبالألف واللام : الرابعهم هذا ثلاثة

ص: 155

وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة ؛ لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به فثالث ورابع مشبه بفاعل وليس به وتقول : مررت بالضاربين أجمعون زيدا فتؤكد المضمرين في (الضاربين) ؛ لأن المعنى : (الذين ضربوا أجمعون زيدا).

ولو قلت : مررت بالضاربين أجمعين زيدا لم يجز ؛ لأن الصلة ما تمت ولا يجوز أن تؤكد (الذين) قبل أن يتم بالصلة ألا ترى أنك لو قلت : (مررت بالذين أجمعين في الدار) لم يجز أنك وصفت الاسم قبل أن يتم.

وتقول : (زيد الذي كان أبوه راغبين فيه) فزيد : مبتدأ و (الذي) خبره ولا بد من أن يرجع إليه ضمير أما الهاء في (أبويه) ، وأما الهاء في (فيه) لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى (الذي) والآخر إلى (زيد) فكأنك قلت : (زيد الرجل الذي من قصته كذا وكذا) ، فإن جعلت (الذي) صفة لزيد احتجت إلى خبر فقلت : زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق.

فكأنك قلت : (زيد الظريف منطلق) ، فإن جعلت موضع زيد (الذي) فلا بد من صلة ولا يجوز أن تكون (الذي) الثانية صفة ؛ لأن (الذي) لا يوصف حتى يتم بصلته فإذا قلت :الذي الذي كان أبواه راغبين فيه فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم فإذا جئت بخبر تمت صلة الأولى (بالذي الثانية) وخبرها فصار جميعه يقوم مقام قولك : زيد فقط واحتجت إلى خبر ، فإن قلت : أخوك تم الكلام فقلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك كأنك قلت : (الذي أبوه منطلق أخوك) ، فإن جعلت موضع (منطلق) مبتدأ وخبرا ؛ لأن كل مبتدأ يجوز أن تجعل خبره مبتدأ وخبرا قلت : (الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة أخوك).

فكأنك قلت : (الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك) ، فإن جعلت موضع (أخوك) مبتدأ وخبرا قلت الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه فالذي الثانية صلتها (كان أبواه راغبين فيه) وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته وجاريته ومنطلقة جميعا خبر الذي الثانية والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي الأولى فقد

ص: 156

تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ ، وعمرو مبتدأ ثان ، وأخوه خبر عمرو وعمرو وأخوه جميعا خبر الذي الأولى ، فإن جعلت (من) موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما تقول : من من كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه ، فإن أدخلت (كان) على (من) الثانية قلت : (من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه) لا فرق بينهما في اللفظ إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب ألا ترى أنك لو جعلت خبر (من) الثانية اسما مفردا كمنطلق لقلت :(من من كان أبواه راغبين فيه منطلقا عمرو أخوه) ، فإن أدخلت على (من) الأولى (ليس) فاللفظ كما كان في هذه المسألة إلا أن موضع قولك : (عمرو أخوه) نصب ؛ لأن (من) بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر فكأنك قلت : (ليس زيد عمرو أخوه).

وقال الأخفش : (إذا قلت الضاربهما أنا رجلان) جاز ولا يجوز : الثانيهما أنا اثنان لأنك إذا قلت : (الضاربهما) لم يعلم أرجلان أم امرأتان فقلت : رجلان أو أمرأتان ، وإذا قلت :الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين فكان هذا الكلام فضلا أن تقول : الثانيهما أنا اثنان قال : ولو قالت المرأة الثانيتهما أنا اثنان كان كاملا لأنها قد تقول : الثانيتهما أنا اثنتان إذا كانت هي وامرأة.

قال : فإن قلت : الضاربتهن أنا إماء الله والضاربهن أنا إماء الله وقد علم إذا قلت : الضاربهن أنهن من المؤنث قلت : أجل : ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا ولو قالت المرأة : (الثالثتهن أنا ثلاث) كان رديئا ؛ لأنه قد علم إذا قالت : الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث وكذلك إذا قالت : الرابعتهن أنا أربع يكون رديئا ؛ لأنه قد علم.

فإذا قلت : رأيت الذي قاما إليه فهو غير جائز ؛ لأن قولك : الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له وتصحيح المسألة رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك فترجع الألف في (قاما) إلى (اللذين) والهاء في (إليه) إلى (الذي) وأخوك خبر (الذي) فتمت صلة اللذين وصح الكلام ولو قلت :(ظننت الذي التي تكرمه يضربها) لم يجز ، وإن تمت الصلة ؛ لأن (التي) ابتداء ثان وتكرمه صلة لها وتضربها خبر (التي) وجميع ذلك صلة (الذي) فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول (لظننت) وتحتاج (ظننت) إلى مفعولين فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولا ثانيا فتقول :(ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك) وما أشبه ذلك وتقول : (ضرب اللذان القائمان إلى

ص: 157

زيد أخواهما الذي المكرمه عبد الله) فاللذان ارتفعا (بضرب) والقائمان إلى (زيد) مبتدأ وأخواهما خبرهما وجميع ذلك صلة اللذين فقد تمت صلة (اللذين) (1) والذي مفعول والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره وجميع ذلك صلة (الذي) وقد تم بصلته.

وإن جعلت (الذي) الفاعل نصبت (اللذين) وتقول : رأيت الراكب الشاتمه فرسك والتقدير رأيت الرجل الذي ركب الرجل الذي شتمه فرسك وتقول : (مررت بالدار الهادمها المصلح داره عبد الله) فقولك : (الهادمها) في معنى (التي هدمها الرجل الذي أصلح داره عبد الله) وتقول : (رأيت الحامل المطعمة طعامك غلامك) أردت : رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام (الذي) مع صلته اسما مفردا وموضع (الذي) صفة مفردة لتتبين صحة المسألة وتقدير هذه المسألة : رأيت الحامل الرجل الظريف وتقول : (جاءني القائم إليه الشارب ماءه الساكن داره الضارب أخاه زيد) فالقائم إليه اسم واحد وهذا كله في صلته والشارب ارتفع بقائم والساكن ارتفع (بشارب) والضارب ارتفع (بساكن) وزيد (بضارب) وتقول : (الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه) تريد : (أكرم الآكل طعامه غلامه الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا) كأنك قلت : أكرم زيد الضارب الرجل سوطا.

ص: 158


1- الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر والتي للمفرد المؤنثة ، فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع نحو اللذان واللتان والياء في حالتي الجر والنصب فتقول اللذين واللتين وإن شئت شددت النون عوضا عن الياء المحذوفة فقلت اللذان واللتان وقد قرىء (واللذان يأتيانها منكم) ويجوز التشديد أيضا مع الياء وهو مذهب الكوفيين فتقول اللذين واللتين وقد قرىء (ربنا أرنا اللذين) بتشديد النون. وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية ذا وتا اسمي الإشارة فتقول ذان وتان وكذلك مع الياء فتقول ذين وتين وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة. انظر شرح ابن عقيل 1 / 141.

واعلم أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا فمن قولك (الضارب) إلى أن تفرغ من قولك سوطا اسم واحد فيجوز أن تبدل من القائم بشرا ومن المعطي بكرا ومن المكرم عمرا ومن الشاتم خالدا ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول : (عبد الله) فتصير المسألة حينئذ : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا بشر بكرا عمرا خالدا عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من (المعطيه) قبل البدل من (القائم) لأنك إذا فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من القائم في صلة المعطي والبدل من المعطي في صلة المكرم فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول ؛ لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات لأنها كلها في صلة الضارب ولو فعلت ذلك كنت قد أبدلت منه قبل أن يتم ، فإن أبدلت من الفاعل وهو (الآكل) فلك ذاك فتقول : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهما القائم في داره أخوك سوطا أكرم الآكل طعامه غلامه جعفر.

وتقول : الذي ضربني إياه ضربت فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت والهاء في (إياه) ترجع إلى الذي وإنما جاء الضمير منفصلا لأنك قدمته وتقول بالذي مررت بأخيه مررت تريد : مررت بأخيه إذا قلت : (الذي كان أخاه زيد) إن أردت النسب لم يجز ؛ لأن النسب لازم في كل الأوقات ، وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز تكون الهاء ضمير رجل مذكور وتقول :الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته وداره مبتدأ ثان ودارك خبرها وهما جميعا خبر (الذي) وتقول : (الذي ضربت زيد أخوك) فالذي مبتدأ و (ضربت) صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد وتقول : الذي ضربت زيدا شتمت تريد : (شتمت الذي ضربته زيدا) فتجعل زيدا بدلا من الهاء المحذوفة وتقول : (الذي إياه ظننت زيد) (الذي ظننته زيدا) وتجعل إياه لشيء مذكور ولا يجوز أن تقول : (الذي إياه ظننت زيد).

ص: 159

وإن جعلت (إياه) للذي ؛ لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد ، فإن قلت : المفعول الثاني الهاء محذوفة من (ظننت) فلا يجوز في هذا في الموضع أن تحذف الهاء لأنها ليست براجعة إلى الذي وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي وإنما تحذف الهاء من صلة (الذي) متى كانت ترجع إلى (الذي) وكذاك : (الذي أخاه ظننت زيد) ، وإن أضمرت هاء في (ظننت) ترجع إلى الذي جاز ، وإن جعلت الهاء في (أخيه) ترجع إلى (الذي) لم يجز أن تحذف الهاء من (ظننت) لأنها حينئذ لمذكور. غير الذي وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير (الذي) لأنها حينئذ لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الاسم كما حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا : اشهباب لطول الاسم.

فأما إذا كانت الهاء ضميرا لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك البتة فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه وتقول : (الذي ضارب أخوك) تريد الذي هو ضارب أخوك فتحذف هو وإثباتها أحسن (فهو) مبتدأ وضارب خبره وهما جميعا صلة (الذي) وهو يرجع إلى (الذي).

وتقول : الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك.

نسقت بعبد الله على (هو) فتقول في هذه المسألة على قول من حذف : (هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك) عطفت (عبد الله) على (هو) المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه وإنما استقبحته ؛ لأن المحذوف ليس كالموجود ، وإن كنا ننويه ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسما واحدا لا ثاني له ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك ، وذلك قولك : (قمت وزيد) يستقبحونه حتى يقولوا : قم أنت وزيد فاذهب أنت وربّك ؛ لأنه لو قال (اذهب وربك) كأن في السمع العطف على الفعل ، وإن كان المعنى غير ذلك وهو يجوز على قبحه وتقول : (الذي هو وعبد الله ضرباني أخوك) ، فإن حذفت (هو) من هذه المسألة لم يجز لا تقول : (الذي وعبد الله ضرباني أخوك) فتضمر (هو) ؛ لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسما ألا ترى أنك إذا قلت : (الذي هو ضربني زيد) لم يجز أن تحذف (هو) وأنت تريده فتقول : (الذي ضربني زيد) ؛

ص: 160

لأن الذي قد وصلت بفعل وفاعل والفاعل ضمير (الذي) ولا دليل في (ضربني) على أن هنا محذوفا كما يكون في الأسماء ألا ترى أنك إذا قلت : (الذي منطلق زيد) فقد ذلك ارتفاع (منطلق) على أن ثم محذوفا قد ارتفع به ولا يجوز حذف ما لا دليل عليه فلما لم يجز هذا في الأصل لم يجز في قولك : (الذي وعبد الله ضرباني أخوك) وجاز في قولك : (الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك) فهذا فرق ما بين المسألتين ولا يجوز أيضا : (الذي وعبد الله خلفك زيد) تريد : (الذي هو) (1) ، فإن أظهرت (هو) جاز والفراء يجيز : الذي نفسه محسن أخوك تريد :الذي هو نفسه محسن أخوك يؤكد المضمر وكذاك : (الذين أجمعون محسنون أخوتك) تريد : (الذين هم أجمعون) فيؤكد المضمر قال : ومحال : (الذي نفسه يقوم زيد) وقام أيضا وكذلك في الصفة يعني الظرف محال الذي نفسه عندنا عبد الله ، فإن أبرزته فجيد في هذا كله ومن قال :(الذي ضربت عبد الله) لم يقل : (الذي كان ضربت عبد الله) وفي (كان) ذكر الذي ؛ لأن الضمير الراجع إلى الذي في (كان) فليس لك أن تحذفه من (ضربت) ؛ لأن الهاء إذا جاءت بعد ضمير يرجع إلى (الذي) لم تحذف وكانت بمنزلة ضمير الأجنبي ، فإن جعلت في (كان) مجهولا جاز أن تضمر الهاء ؛ لأنه لا راجع إلى الذي غيرها وليس في هذه المسألة (ككان) تقول : (الذي ليس أضرب عبد الله) وفي (ليس) مجهول ، فإن كان فيه ذكر (الذي) لم يجز ، فإن ذهبت (بليس) مذهب ما جاز أن ترجع الهاء المضمرة إلى (الذي) فإذا قلت : (الذي ما ضربت عبد الله) الهاء

ص: 161


1- قال ابن عقيل : وأشار بقوله وفي ذا الحذف إلى آخره إلى المواضع التي يحذف فيها العائد على الموصول وهو إما أن يكون مرفوعا أو غيره ، فإن كان مرفوعا لم يحذف إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد نحو (وهو الذي في السماء إله) وأيهم أشد فلا تقول جاءني اللذان قام ولا اللذان ضرب لرفع الأول بالفاعلية والثاني بالنيابة بل يقال قاما وضربا ، وأما المبتدأ فيحذف مع أى ، وإن لم تطل الصلة كما تقدم من قولك يعجبني أيهم قائم ونحوه ولا يحذف صدر الصلة مع غير أي إلا إذا طالت الصلة نحو جاء الذي هو ضارب زيدا فيجوز حذف هو فتقول جاء الذي ضارب زيدا ومنه قولهم ما أنا بالذي قائل لك سوءا التقدير بالذي هو قائل لك سوءا ، فإن لم تطل الصلة فالحذف قليل وأجازه الكوفيون قياسا نحو جاء الذى قائم التقدير جاء الذي هو قائم ومنه قوله تعالى (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) في قراءة الرفع والتقدير هو أحسن. انظر شرح ابن عقيل 1 / 165.

المضمرة ترجع على (الذي) ، فإن قلت : (الذي ما هو أكرمت زيد) في قول من جعل (هو) مجهولا جاز ؛ لأن الإضمار يرجع على (الذي) وتقول : (الذي كنت أكرمت عبد الله) تريد أكرمته.

وتقول : (الذي أكرمت ورجلا صالحا عبد الله) تريد : أكرمته وعطفت على الهاء والأحسن عندي أن تظهر الهاء إذا عطفت عليها وتقول : (الذي محسنا ظننت أخوك) تريد :ظننته ومحسنا مفعول ثان فإذا قلت : (الذي محسنا ظننت وعبد الله أخوك) قلت : محسنين لأنك تريد : الذي ظننته وعبد الله محسنين.

وأجاز الفراء : (ما خلا أخاه سار الناس عبد الله) تريد : الذي سار الناس ما خلا أخاه عبد الله.

ويقول : الذي قياما ليقومن عبد الله تريد : (الذي ليقومن قياما عبد الله) وكذلك : (الذي عبد الله ليضربن محمد) ورد بعض أهل النحو (الذي ليقومن زيد) فيما حكى الفراء وقال فاحتججنا عليه بقوله : (وإنّ منكم لمن ليبطئن) ، وإذا قلت : (الذي ظنّك زيدا منطلقا عبد الله) فهو خطأ ؛ لأنه لم يعد على الذي ذكره ، وإذا قلت : (الذي ظنك زيدا إياه عبد الله) فهو خطأ أيضا ؛ لأنه لا خبر للظن وهو مبتدأ ، فإن قلت : (الذي ظنك زيدا إياه صواب عبد الله) جاز ؛ لأن الذكر قد عاد على (الذي) وقد جاء الظن بخبر ولا يجوز أن تقول : (الذي مررت زيد) تريد : (مررت به زيد) كما بينت فيما تقدم.

ويجوز : (الذي مررت ممر حسن) ؛ لأن كل فعل يتعدى إلى مصدره بغير حرف جر و (الذي) هنا هي المصدر في المعنى ولك أن تقول : (الذي مررته ممر حسن) وقال الفراء : لا إضمار هنا ؛ لأنه مصدر كأنك قلت : (ممرك ممر حسن) واحتج بقول الله عز وجل : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : 94] وقال : لا إضمار هنا ؛ لأنه في مذهب المصدر وكذاك : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [الليل : 3] لم يعد على (ما) ذكر ؛ لأنه في مذهب المصدر.

قال أبو بكر : أما قوله في (ما) ففيها خلاف من النحويين من يقول : أنها وما بعدها قد يكون بمعنى المصدر.

ص: 162

ومنهم من يقول : إنها إذا وقعت بمعنى المصدر فهي أيضا التي تقوم مقام (الذي) ولا أعلم أحدا من البصريين يجيز أن تكون (الذي) بغير صلة ولا يجيز أحد منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهرا وإما محذوفا ولا أعرف لمن ادعى ذلك في (الذي) حجة قاطعة وقوله عز وجل : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) [الحجر : 94] قد بينت ذلك : أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه يتعدى إلى المصدر بغير حرف جر وتقول : (ما تضرب أخويك عاقلين) تجعل (ما) وتضرب في تأويل المصدر كأنك قلت : (ضربك أخويك إذا كانا عاقلين وإذ كانا عاقلين) ولا يجوز أن تقدم (عاقلين) فتقول : (ما تضرب عاقلين أخويك) ولا يجوز أيضا : ما عاقلين تضرب أخويك وإنما استحال ذلك من قبل أن صلة (ما) لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض ولا بين (ما) وبينها بشيء ليس من الصلة.

وتقول : (الذي تضرب أخوينا) (قبيحين) تريد : (إذا كانا قبيحين) ، فإن قلت : قبيح رفعت فقلت : (الذي تضرب أخوينا قبيح).

واعلم أن هذه الأسماء المبهمة (1) التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا (الذي) وحدها ؛ لأن (الذي) لها تصرف ليس هو لمن وما ألا ترى أنك تقول : (رأيت الرجل الذي في الدار) ولا تقول : رأيت الرجل من في الدار وأنت تريد الصفة وتقول : (رأيت الشيء الذي في الدار) ولا تقول : (رأيت

ص: 163


1- إذا اعتمد الظرف والمجرور على ما ذكرت في باب اسم الفاعل وهو النفي والاستفهام والاسم المخبر عنه والاسم الموصوف والاسم الموصول عملا عمل فعل الاستقرار فرفعا الفاعل المضمر أو الظاهر تقول ما عندك مال وما في الدّار زيد والأصل ما استقر عندك مال وما استقرّ في الدار زيد فحذف الفعل وأنيب الظرف والمجرور عنه وصار العمل لهما عند المحققين وقيل إنما العمل للمحذوف واختاره ابن مالك ويجوز لك أن تجعلهما خبرا مقدما وما بعدهما مبتدأ مؤخرا والأول أولى لسلامته من مجاز التقديم والتأخير وهكذا العمل في بقية ما يعتمدان عليه نحو (أفي الله شكّ) وقولك زيد عندك أبوه وجاء الذي في الدار أخوه ومررت برجل فيه فضل. فإن قلت ففي أي مسألة يعتمد الوصف على الموصول حتى يحال عليه الظرف والمجرور. انظر شرح شذور الذهب 1 / 526.

الشيء ما في الدار) وأنت تريد : الصفة فالذي لما كان يوصف بها حسن أن توصف و (من وما) لما لم يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا ويفرق بين الذي وبين (من) وما أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقل وللواحد العلم وللجنس وهي تقوم في كل موضع مقام الصفة و (من) مخصوصة بما يعقل ولا تقع موقع الصفة و (ما) مخصوصة بغير ما يعقل ولا يوصف بها.

وقال الفراء : من نعت (من وما) على القياس لم نردد عليه ونخبره أنه ليس من كلام العرب.

قال : وإنما جاز في القياس ؛ لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته قال : وأما (ما ومن) فتؤكدان يقال : نظرت إلى ما عندك نفسه ومررت بمن عندك نفسه.

قال أبو بكر : والتأكيد عندي جائز كما قال ، وأما وصفهما فلا يجوز ؛ لأن الصلة توضحهما وقد بينت الفرق بينهما وبين (الذي) وقد يؤكد ما لا يوصف نحو المكنيات ، وأما (أن) إذا وصلتها فلا يجوز وصفها لأنها حرف والقصد أن يوصف الشيء الموصول وإنما الصلة بمنزلة بعض حروف الاسم وإنما تذكر (أن) إذا أردت أن تعلم المخاطب أن المصدر وقع من فاعله فيما مضى أو فيما يأتي إذا كان المصدر لا دليل فيه على زمان بعينه فإذا احتجت إلى أن تصف المصدر تركته على لفظه ولم تقله إلى (أن) وتقول : (من أحمر أخوك) تريد : من هو أحمر أخوك من حمراء جاريتك تريد : من هي حمراء جاريتك وليس لك أن تقول من أحمر جاريتك فتذكر أحمر للفظ من ؛ لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضا باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه لا يجوز أن تقول : (من أحمر جاريتك) ويجوز أن تقول : من محسن جاريتك لأنك تقول : محسن ومحسنة كما تقول : ضرب وضربت.

فليس بين محسن ومحسنة في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث وهذا مجاز والأصل غيره وهو في الفعل عربي حسن تقول : من أحسن جاريتك ومن أحسنت جاريتك كلّ عربي فصيح ولست تحتاج أن تضمر (هو) ولا (هي) فإذا قلت : (محسن جاريتك) فكأنّك قلت : (من هو محسن جاريتك فأكدت تذكير (من) بهو ثم

ص: 164

يأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت (هو) وهو مع الحذف أحسن وتقول : (ضربت الذي ضربني زيدا) إذا جعلته بدلا من (الذي) ، فإن جعلته بدلا من اسم الفاعل وهو المضمر في (ضربني) رفعته فقلت : ضربت الذي ضربني زيد ؛ لأن في (ضربني) اسما مرفوعا تبدل زيدا منه وتقول : (ضربت وجه الذي ضرب وجهي أخيك) ؛ لأن الأخ بدل من (الذي) ، فإن أبدلته من اسم الفاعل المضمر في (ضرب) رفعته ولا يجوز أن تنصب (الأخ) على البدل من الوجه ؛ لأن الأخ غير الوجه.

وتقول : ضربت وجوه اللذين ضربا وجهي أخويك إذا جعلت أخويك بدلا من (اللذين) ، فإن جعلتهما بدلا من الألف التي في (ضربا) رفعت وإنما قلت : ضربت وجوه (اللذين) ؛ لأن كل شيئين من شيئين إذا جمعتهما جعلت لفظهما على الجماعة.

قال الله جل ثناؤه : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : 38] وقال : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(1) [التحريم : 4] وتقول : (ضرب وجهي الذين ضربت وجوههم أخوتك) ترفع الأخوة إذا جعلتهم بدلا من (الذين) ، فإن جعلتهم بدلا من الهاء والميم اللتين في جوههم جررت.

وتقول : (مررت باللذين مرا بي أخويك) إذا كانا بدلا من (اللذين) فإن كانا بدلا من الألف في (مرا) رفعت فقلت : (أخواك) ؛ لأن في (مرا) اسمين مضمرين ولو قلت : (ضربني اللذان ضربت الصالحان) وأكرمت وأنت تريد أن تجعل : (وأكرمت) من الصلة لم يجز لأنك قد فرقت بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها وتقول : المدخول به السجن زيد ؛ لأن السجن

ص: 165


1- صرح النحاة بأن كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه يجوز فيه الجمع والإفراد والتثنية والمختار الجمع نحو : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (التحريم : 4) ، ويترجح الإفراد على التثنية عند الناظم وعند غيره بالعكس وكلاهما مسموع كقوله : حمامة بطن الواديين ترنّمي وكقوله : ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور التّرسين. انظر شرح الأشموني 1 / 199.

قام مقام الفاعل وشغلت الباء بالهاء فالمدخول به السجن ابتداء وزيد خبر الابتداء وتقول :المدخل السجن زيد : على خبر الابتداء وأضمرت الاسم الذي يقوم مقام الفاعل في (المدخل) ويدلك على أن في (المدخل) إضمارا أنك لو ثنيته لظهر فقلت المدخلان وأقمت السجن مقام المفعول به والتأويل الذي أدخل السجن زيد ، وإن شئت قلت : (المدخله السجن زيد) كأنك قلت : (الذي أدخله السجن زيد) ولك أن تقول : (الذي أدخل السجن إياه زيد) ؛ لأن (أدخل) في الأصل يتعدى إلى مفعولين فإذا بنيته للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل واقتضى مفعولا آخر ولا بدّ من إظهار الهاء في (المدخله) وقد بينت هذا وضربه فيما تقدم.

وتقول : (أدخل المدخل السجن الدار) ؛ لأن في (المدخل) ضمير الألف واللام وهو الذي قام مقام الفاعل والسجن مفعول للفعل الذي في الصلة والمدخل وصلته مرفوع بأدخل :والدار منصوبة بأدخل ؛ لأنه مفعول له كأنك قلت : أدخل زيد الدار وتقول : (أدخل المدخول به السجن الدار) قام المدخول به مقام الفاعل ورفعت السجن لأنك شغلت الفعل به وشغلت الهاء بالباء ومن قال : (دخل بزيد السجن) قال : أدخل المدخول به السجن الدار.

وتقول : (دخل بالمدخل السجن الدار) والتأويل : (دخل بالذي أدخل السجن الدار) ، فإن ثنيت قلت : (باللذين أدخلا السجن الدار) وتقول : (جارية من (1) تضرب نضرب)

ص: 166


1- من الموصولة : هي في الأصل للعاقل نحو : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (الآية : 43 سورة الرعد). وقد تكون لغير العاقل في ثلاث مسائل : (إحداها) أن ينزّل غير العاقل منزلة العاقل نحو قوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (الآية : 5 سورة الأحقاف) وقول امرئ القيس : ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي فأوقع" من" على الطّلل وهو غير عاقل ، فدعاء الأصنام في الآية ، ونداء الطّلل سوّغ استعمال" من" إذ لا يدعى ولا ينادى إلّا العاقل. (الثانية) أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه" من" نحو قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (الآية : 17 سورة النحل) لشموله الآدميّين والملائكة والأصنام ، ونحو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (الآية : 18 سورة الحج). (الثالثة) أن يقترن بالعاقل في عموم فصل ب" من" الموصولة ، نحو : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)(مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (الآية : 45 سورة النور) فأوقع" من" على غير العاقل لمّا اختلط بالعاقل. وقد يراد ب" من" الموصولة المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث ، فمن ذلك في الجمع قوله عزّ وجلّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (الآية : 45 سورة النور). انظر معجم القواعد 25 / 100.

تنصبهما بالفعل الثاني إذا جعلت (من) بمعنى (الذي) كأنك قلت : (جارية الذي تضربه تضرب) ، فإن جعلت (من) للجزاء قلت : (جارية من تضرب نضرب) تجزم الفعلين وتنصب الجارية بالفعل الأول ؛ لأن الثاني جواب ، فإن جعلت (من) استفهاما قلت : (جارية من تضرب) جزمت (أضرب) ؛ لأنه جواب كما تقول : (أتضرب زيدا أضرب) أي : إن تفعل ذاك أفعل وتقول : جارية من تضربها نضرب ترفع الجارية بالابتداء وشغلت الفعل بالهاء و (من) وحدها اسم ؛ لأنه استفهام والكلام مستغن في الاستفهام والجزاء لا يحتاج (من) فيهما إلى صلة ، فإن جئت بالجواب بعد ذلك جزمت على الجزاء ، وإن أدخلت في الجواب الفاء نصبت وتقول : على من أنت نازل إذا كنت مستفهما توصل نازلا (بعلى) إلى (من) ، فإن جعلت (من) بمعنى الذي في هذه المسألة لم يكن كلاما ؛ لأن الذي تحتاج إلى أن يوصل بكلام تام يكون فيه ما يرجع إليها ، فإن كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر ، وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من عامل يعمل فيها فلو قلت : على من أنت نازل عليه لم يجز لأنك لم توصل بعلى إلى (من) شيئا ، فإن قلت : (نزلت على من أنت عليه نازل) جاز وتقول : أبا من تكنى وأبا من أنت مكنى (فمن) في هذا استفهام ولا يجوز أن تكون فيه بمعنى (الذي) أضمرت الاسم الذي يقوم مقام الفاعل في مكنى وتكنى ونصبت أبا من ؛ لأنه مفعول به متقدم وإنما نصبته (بتكنى) وهو لا يجوز أن يستقدم عليه ؛ لأنه استفهام فالاستفهام صدر أبدا مبتدأ كان أو مبنيا على فعل والفعل الذي بعده يعمل فيه إذا كان مفعولا ولا يجوز تقديم الفعل على الاستفهام وكلما أضفته إلى الأسماء التي يستفهم بها فحكمها حكم الاستفهام لا تكون إلا صدرا.

ص: 167

ولا يجوز أن يقدم على حرف الاستفهام شيء مما يستفهم عنه من الكلام وتقول : أبو من أنت مكنى به رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك (به) كأنك قلت : أأبو زيد أنت مكنى به ولو قلت : بأبي من تكنى به كان خطأ لأنك إنما توصل الفعل بياء واحدة ألا ترى أنك تقول : (بعبد الله مررت) ولا يجوز : (بعبد الله مررت به) ولو جعلت (من) في هذه المسألة بمعنى (الذي) لم يجز حتى تزيد فيها فتقول : (أبو من أنت مكنى به زيد) ألا ترى أنك تقول :من قام فيكون كلاما تاما في الاستفهام ، فإن جعلت (من) بمعنى (الذي) صار (قام) صلة واحتاجت إلى الخبر فلا بدّ أن تقول : (من قام زيد) وما أشبههه وتقول : (إنّ بالذي به جراحات أخيك زيد عيبين) فقولك : عيبين اسم (إنّ) وجعلت الهاء بدلا من الذي ثم جعلت زيدا بدلا من الأخ وتقول : إن الذي به جراحات كثيرة أخاك زيدا به عيبان تجعل الأخ بدلا من (الذي) وزيدا بدلا من الأخ وبه عيبين خبر إنّ وتقول : (إنّ الذي في الدار جالسا زيد) تزيد : إنّ الذي هو في الدار جالسا زيد ، وإن شئت لم تضمر وأعملت الاستقرار في الحال ألا ترى أن (الذي) يتم بالظرف كما يتم بالجمل ، وإن شئت قلت : (إنّ الذي في الدار جالس زيد) تريد : (الذي هو في الدار جالس) فتجعل جالسا خبر هو وتقول : (إنّ الذي فيك راغب زيد) لا يكون في (راغب) إلا الرفع ؛ لأنه لا يجوز أن تقول : (إن الذي فيك زيد) وتقول : (إن اللذين بك كفيلان أخويك زيد وعمرو) تريد : (إنّ) أخويك اللذين هما بك كفيلان زيد وعمرو فزيد وعمرو خبر (إنّ) ولا يجوز أن تنصب كفيلين ؛ لأن بك لا تتم بها صلة (الذي) في هذا المعنى وقال الأخفش : تقول : (إنّ الذي به كفيل أخواك زيد) لأنها صفة مقدمة قال : وإن شئت قلت : (كفيلا) في قول من قال : أكلوني البراغيث (1).

ص: 168


1- يوحّد الفعل مع تثنية الفاعل وجمعه كما يوحّد مع إفراده نحو" زحف الجيش" و" تصالح الأخوان" و" فاز السّابقون" و" تعلّم بناتك" ومثله" أزاحف الجيش" و" أفائز السّابقون" و" أمتعلّم بناتك". ولغة توحيد الفعل هي الفصحى وبها جاء التنزيل ، قال تعالى : (قالَ رَجُلانِ) (الآية : 23 سورة المائدة) و (قالَ الظَّالِمُونَ) (الآية : 8 سورة الفرقان) و (قالَ نِسْوَةٌ) (الآية : 30 سورة يوسف) ولغة طيئ وأزد شنوءة (وهي المشهورة بلغة" أكلوني البراغيث" كما في سيبويه) : موافقة الفعل لمرفوعه بالإفراد والتّثنية والجمع نحو (ضربوني قومك) وضربتني نسوتك" و" ضرباني أخواك" وقال أميّة : يلومونني في اشتراء النّخي ل أهلي فكلّهم ألوم ("أهلي" فاعل يلومونني ، فألحق الفعل علامة الجمع مع أنه مسند إلى الظاهر). وقال أبو فراس الحمداني : نتج الرّبيع محاسنا ألقحنها غرّ السّحائب (غر جمع "غراء" مؤنث أغر بمعنى أبيض ، وهي فاعل "ألقحنها" وألحق به علامة جمع المؤنث وهي النون). والصّحيح أنّ الألف والواو والنون في ذلك أحرف دلّوا بها على التّثنية والجمع تذكيرا وتأنيثا ، لا أنّها ضمائر الفاعلين ، وما بعدها مبتدأ على التّقديم والتأخير أو ما بعدها تابع على الإبدال من الضّمير ، بدل كل من كلّ. انظر معجم القواعد 21 / 8.

قال أبو بكر : معنى قوله : (صفة مقدمة). يعني : أن كفيلا صفة وحقها التأخير فإذا قدمت أعملت عمل الفعل ولكن لا يحسن أن تعمل إلا وهي معتمدة على شيء قبلها وقد بينا هذا في مواضع ومعنى قوله في قول من قال : (أكلوني البراغيث) أي تثنية على لغتهم وتجريه مجرى الفعل الذي يثنى قبل مذكور ويجمع ليدل على أن فاعله اثنان أو جماعة كالتاء التي تفصل فعل المذكر من فعل المؤنث نحو : قام وقامت وقد مضى تفسير هذا أيضا.

وتقول : (إن اللذين في دارهما جالسين أخواك أبوانا) تريد : أن اللذين أخواك في دارهما جالسين تنصب (جالسين) على الحال من الظرف.

وإن رفعت (جالسين) فقلت : إن اللذين في دارهما جالسان أخواك أبوانا تريد أن اللذين أخواكض في دارهما جالسين رفعت وجعلتهما خبر الأخوين وتقول : منهن من كان أختك وكانت أختك : فمن ذكر فللفظ ومن أنث فللتأويل وكذلك : منهن من كانتا أختيك ومنهن من كان أخواتك وكنّ أخواتك ومن يختصمان أخواك ، وإن شئت : من يختصم أخواك توحد اللفظ وكذاك : من يختصم إخوتك ويختصمون وتقول : من ذاهب وعبد الله محمد نسقت بعبد

ص: 169

الله على ما في (ذاهب) والأجود أن تقول : (من هو وعبد الله ذاهبان محمد) فإذا قلت : (من ذاهب وعبد الله محمد) فالتقدير من هو ذاهب هو وعبد الله محمد (فهو الأول) مبتدأ محذوف.

وتقول : (من يحسن أخوتك) ولك أن تقول : (من يحسنون إخوتك) مرة على اللفظ ومرة على المعنى.

وتقول : (من يحسن ويسيء إخوتك ومن يحسنون ويسيئون أخوتك وقبيح أن تقول : (من يحسن ويسيئون إخوتك) لخلطك المعنى باللفظ في حال واحدة.

وتقول : (الذي ضربت عبد الله فيها) تجعل عبد الله بدلا من (الذي) بتمامها ، فإن أدخلت (إن) قلت : (إن الذي ضربت عبد الله فيها) نصبت عبد الله على البدل ، فإن قلت : (الذي فيك عبد الله راغب) لم يجز ؛ لأن (راغبا) مع (فيك) تمام الذي فلا يجوز أن يفرق بينهما وتقول : (الذي هو هو مثلك) الأول كناية عن الذي والثاني كناية عن اسم قد ذكر وكان تقديم ضمير الذي أولى من تقديم ضمير الأجنبي ومن قال : (الذي منطلق أخوك) وهو يريد : (الذي هو منطلق أخوك) جاز أن تقول : (الذي هو مثلك) يريد : (الذي هو هو مثلك) فتحذف (هو) التي هي ضمير الذي وتترك (هو) التي هي ضمير مذكور وقد تقدم لأنها موضع (منطلق) من قولك الذي منطلق مثلك.

وتقول : (مررت بالذي هو مسرع ومسرعا) فمن رفع (مسرعا) جعل هو مكنيا من (الذي) ومن نصب فعلى إضمار (هو) أخرى كأنه قال : الذي هو هو مسرعا ؛ لأن النصب لا يجوز إلا بعد تمام الكلام.

وتقول : (مررت بالذي أنت محسنا) تريد : الذي هو أنت محسنا ولا يجوز رفع (محسن) في هذه المسألة وتقول : من عندك اضرب نفسه تنصب (نفسه) ؛ لأنه تأكيد (لمن) فموضع (من) نصب (بأضرب) ، فإن جعلت نفسه تأكيدا للمضمر في (عند) رفعت وقدمته قبل (أضرب) ولم يجز تأخيره ؛ لأن وصف ما في الصلة وتأكيده في الصلة فتقول : إذا أردت ذلك من عندك نفسه أضرب وتقول : (من من أضرب أنفسهم عبد الله) تؤكد (من) فتجر ، وإن شئت نصبت أنفسهم تتبعه المضمر كأنك قلت من من أضربهم أنفسهم وأجاز الفراء : (من من أضرب

ص: 170

أنفسه) يجعل الهاء (لمن) ويوحد للفظ (من) وقال : حكى الكسائي عن العرب : ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه الهاء للفظ الجراد وقال : تقول : (من من داره تبنى زيد) تريد : (من الذين دورهم تبنى زيد) قال : ولا يجوز أن تقول : (من من رأسه يخضب بالحناء زيد) حتى تقول : (من من (1) أرأسه مخضوبات) فرق بين رأس ودار ؛ لأن الدار قد تكون لجماعة والرأس لا يكون لجماعة قال : ويجوز : (من من رأسه يخضب بالحناء زيد) فيمن أجاز ضربت رأسكم وتقول : (من المضروبين أحدهم محسن زيد) تريد : (من المضروبين وأحدهم محسن زيد) والأحسن أن تجيء بالواو إلا أن لك أن تحذفها إذا كان في الكلام ما يرجع إلى الأول ، فإن لم يكن لم يجز حذف الواو.

فإن قلت : (من المظنونين أحدهم محسن زيد) جاز بغير إضمار واو ؛ لأن قولك : (أحدهم محسن) مفعول للظن كما تقول : (ظننت القوم أحدهم محسن) فأحدهم محسن مبتدأ وخبر في موضع مفعول ثان للظن فإذا رددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : (ظنّ القوم أحدهم محسن) وتقول : (مررت بالتي بنى عبد الله) تريد : (الدار التي بناها عبد الله) وتقول : (الذي بالجارية كفل أبوه أبوها) ولا يجوز : (الذي بالجارية كفل أبوه) ولو جاز هذا لجاز : زيد أبوه وهذا لا يجوز إذا لم يكن مذكور غير زيد ؛ لأنه لا يجب منه أن يكون زيد أبا نفسه وهذا محال إلا أن تريد التشبيه أي : زيد كأبيه وتقول : (مررت بالذي كفل بالغلامين أبيهما) تجعل (الأب) بدلا من الذي (وهما في أبيهما ضمير الغلامين) وكذاك : (إنّ الذي كفل بالغلامين أبوهما) فأبوهما خبر إن (وهما) من أبيهما يرجع إلى الغلامين وتقول : (مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله) نسقت (ألطفني) على (أكرمني) وهما جميعا في صلة الذي وعبد الله بدل من الذي ، فإن عطفت

ص: 171


1- ممّا : تكون مركّبة من" من" الجارّة ، و" ما" الزّائدة نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) (الآية : 25 سورة نوح) وقد تكون" ما" المتّصلة ب" من" مصدرية نحو" سررت ممّا كتبت" أي من كتابتك ، أو من الذي كتبته فتكون" ما" موصولة وقد تأتي" ممّا" كلمة واحدة ومعناها" ربّما" ومنه قول أبي حيّة النّميري : وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة على رأسه تلقي اللسان من الفم وهذا ما قاله سيبويه والمبرّد. انظر معجم القواعد 25 / 82.

(ألطفني) على مررت رفعت عبد الله فقلت : (مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله) فأخرجت (ألطفني عبد الله) من الصلة كأنك قلت : (مررت بزيد وألطفني عبد الله) وتقول :(الذي مررت وأكرمني عبد الله) رجع إلى الذي ما في (أكرمني) فصح الكلام ولا تبال أن لا تعدى (مررت) إلى شيء هو نظير قولك : الذي قعدت وقمت إليه زيد.

فإن قلت : (الذي أكرمني ومررت عبد الله) جاز أيضا ؛ لأن الكلام لا خلل فيه كما تقول :(أكرمني زيد ومررت) لا تريد أنك : مررت بشيء وإنما تريد : مضيت.

وقال قوم : (الذي أكرمني ومررت عبد الله) محال لا بدّ من إظهار الباء وهو قولك :(الذي أكرمني ومررت به عبد الله) وهذا إنما لا يجوز إذا أراد أن يعدى (مررت) إلى ضمير الذي ، فإن لم ترد ذلك فهو جائز وهم مجيزون : (الذي مررت وأكرمني عبد الله) على معنى الإضمار ، وإذا قلت : (الذي أكرمت وظننت محسنا زيد) جاز تريد : (ظننته) لا بدّ من إضمار الهاء في (ظننت) ؛ لأن الظن لا يتعدى إلى مفعول واحد ، وأما أكرمت فيجوز أن تضمرها معها ويجوز أن لا تضمر كما فعلت في (مررت).

وتقول : (مررت بالذي ضربت ظننت عبد الله) تلغي الظن ، فإن قدمت (ظننت) على (ضربت) قبح ؛ لأن الإلغاء كلما تأخر كان أحسن وتقول : (الذي ضربت ضربت عبد الله) والتأويل : (الذي ضربته أمس ضرب اليوم) (فالذي) منصوب (بضربت) الثاني وعبد الله بدل من (الذي).

وتقول : (للذي ظننته عبد الله درهمان) تريد : للذي ظننته عبد الله درهمان فإذا قلت :للذي ظننت ثم عبد الله درهمان صار (ثم) المفعول الثاني للظن والمفعول الأول الهاء المحذوفة من (ظننت) وجزرت عبد الله مبدلا له من الذي وتقول : تكلم الذي يكلم أخاك مرتين إن نصبت أخاك (يتكلم) الفعل الذي في الصلة فتكون مرتين إن شئت في الصلة ، وإن شئت كان منصوبا بتكلم بالفعل الناصب (للذي) ، فإن جعلت أخاك بدلا من (الذي) لم يجز أن يكون (مرتين) منصوبا بالفعل الذي في الصلة لأنك تفرق بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها.

ص: 172

وتقول : الذين كلمت عامة أخوتك تريد : (الذين كلمتهم عامة أخوتك) والذين كلمت جميعا أخوتك مثله تنصب (عامة) وجميعا نصب الحال ، فإن قلت : الذين (عامة) كلمت إخوتك قبح عندي ؛ لأنه في المعنى ينوب عن التأكيد والمؤكد لا يكون قبل المؤكّد كما أن الصفة لا تكون قبل الموصوف وتقول : (الذي عن الذي عنك معرض زيد) تريد : الذي هو معرض عن الذي هو عنك معرض زيد كأنك قلت : (الذي معرض عن الرجل زيد) وهذا شيء يقيسه النحويون ويستبعده بعضهم لوقوع صلة الأول وصلة الثاني في موضع واحد وتقول :(أعجبني ما تصنع حسنا) تريد : (ما تصنعه حسنا) وكذلك : (أعجبني ما تضرب أخاك) تريد :(ما تضربه أخاك) فما وصلتها في معنى مصدر وكذلك : (أعجبني الذي تضرب أخاك) تريد :الذي تضربه أخاك و (ما) أكثر في هذا من (الذي) إذا جاءت بمعنى المصدر.

واعلم أنك إذا قلت : (الذي قائم زيد) فرفعت (قائما) وأضمرت (هو) لم يجز أن تنسق على هو ولا تؤكده لا تقول : (الذي نفسه قائم زيد) الذي وعمرو قائمان زيد وقوم يقولون إذا قلت : (الذي قمت فضربته زيد) إذا كان القيام لغوا فالصلة (الضرب) ، وإن كان غير لغو فهو الصلة ولا يجيزون أن يكون لغوا إلا مع الفاء ولا يجيزونه مع جميع حروف النسق ، فإن زدت في الفعل جحدا أو شيئا فسد نحو قولك : (الذي لم يقم فضربته زيد) والغاء القيام لا يعرفه البصريون وإنما من الأفعال التي تلغى الأفعال التي تدخل على المبتدأ وخبره نحو (كان وظننت) ؛ لأن الكلام بتم دونها و (قام) ليس من هذه الأفعال وهؤلاء الذين أجازوا إلغاء (القيام) إنما أن يكونوا سمعوا كلمة شذت فقاسوا عليها كما حكى سيبويه ما جاءت حاجتك أي : صارت على جهة الشذوذ فالشاذ محكي ويخبر بما قصد فيه ولا يقاس عليه ، وأما أن يكونوا تأولوا أنه لغو وليس بلغو لشبهة دخلت عليهم وقال من يجيز اللغو إذا قلت : (الذي قام قياما فضربته زيد) خطأ إذا أردت اللغو وكذاك : الذي قمت قياما فضربته وهؤلاء يجيزون : (الذي ضارب أنت زيد) يريدون : (الذي ضاربه أنت زيد) فإذا حذفوا نونوا ومثل ذا يجوز عندي في شعر على أن ترفع أنت بضارب وتقيمه مقام الفعل كما تقول : (زيد ضاربه أنت) تريد :(ضارب أنت إيّاه) إذا أقمنا (ضارب) مقام الفعل حذفنا معه كما تحذف مع الفعل ضرورة ولا

ص: 173

يحسن عندي فلا غير ضرورة ؛ لأنه ليس بفعل وإنما هو مشبه بالفعل وما شبه بالشيء فلا يصرف تصريفه ولا يقوى قوته وإنما هذا شيء قاسوه ولا أعرف له أصلا في كلام العرب وهؤلاء لا يجيزون : (الذي يقوم كان زيد) على أن تجعل (يقوم) خبر كان تريد : (الذي كان يقوم زيد) والقياس يوجبه ؛ لأنه في موضع (قائم) وهو يقبح عندي من أجل أن (كان) إنما تدخل على مبتدأ وخبر فإذا كان خبر المبتدأ قبل دخولها لا يجوز أن يقدم على المبتدأ فكذا ينبغي أن تفعل إذا دخلت (كان) وأنت إذا قلت : (زيد يقوم) فليس لك أن تقدم (يقوم) على أنه خبر زيد ، وإذا قلت : (الذي كان أضرب زيد) كان خطأ ؛ لأن الهاء المضمرة تعود على ما في كان ولا تعود على الذي وإنما يحذف الضمير إذا عاد على الذي ، فإن قلت الذي كنت أضرب زيد جاز ؛ لأن الهاء (للذي) وتقول : (الذي ضربت فأوجعت زيد) تريد : (الذي ضربته فأوجعته) إذا كان الفعلان متفقين في التعدي وفي الحرف الذي يتعديان به جاز أن تضمر في الثاني.

وكذلك : (الذي أحسنت إليه وأسأت زيد) أحسنت تعدت (بإليه) وأسأت مثلها ، وإذا اختلف الفعلان لم يجز لو قلت : (الذي ذهبت إليه وكفلت زيد) تريد : به لم يجز ؛ لأن (به) خلاف (إليه) وحكوا : مررت بالذي مررت وكلفت بالذي كفلت فاجتزوا بالأول فإذا اختلف كان خطأ لو قالوا : (كفلت بالذي ذهبت) لم يجز حتى تقول : إليه.

وقالوا : (أمرّ بمن تمرّ وأرغب فيمن ترغب) قالوا : وهو في (من) أجود ؛ لأن تأويل الكلام عندهم جزاء ، ومن قولهم : (إن هذا والرجل) وكل ما دخلته الألف واللام وكل نكرة وكل ما كان من جنس هذا وذاك يوصل كما توصل (الذي) فما كان منه معرفة ووقع في صلته نكرة نصبت النكرة على الحال وهي في الصلة ، وإذا كان نكرة تبع النكرة وهو في الصلة ، وإذا كان في الصلة معرفة جئت (بهو) لا غير فتقول في هذا والرجل قام : (هذا ظريفا) فظريف حال من (هذا) وهو في صلة (هذا) وضربت هذا قائما وقام الرجل ظريفا وظريف في صلة الرجل وضربت الرجل يقوم وقام وعندك يجري على ما جرى عليه (الذي) لا فرق بينهما عندهم إلا في نصب النكرة فتقول في النكرة : ضربت رجلا قام ويقوم وقائما وضربت رجلا ضربت

ص: 174

وضربت في صلة (رجل) وثم هاء تعود على (رجل) ويقولون إذا قلت : (أنت الذي تقوم وأنت رجل تقوم وأنت الرجل تقوم) ، فإن هذا كله يلغى ؛ لأن الإعتماد على الفعل ، فإن جعلوا الفعل للرجل قالوا : (أنت الرجل يقوم) وقالوا إذا قلت : (أنت من يقوم) لم يجز إلا بالياء ؛ لأن (من) لا تلغى وقالوا قلت (أنت رجل تأكل طعامنا) وقدمت الطعام حيث شئت فقلت :(أنت طعامنا رجل تأكل) أجازوه في (رجل) وفي كل نكرة وهذا لا يجوز عندنا ؛ لأن الغاء (رجل) والرجل والذي غير معروف عندهم وهؤلاء يقولون إذا قلت : (أنت الرجل تأكل طعامنا) أو آكلا طعامنا لم يجز أن تقول : (أنت طعامنا الرجل آكلا) ؛ لأنه حال وصلة الحال والقطع عندهم لا يحال بينهما وقالوا : إذا قلت : (أنت فينا الذي ترغب) كان خطأن ؛ لأن (الذي) لا يقوم بنفسه ورجل قد يقوم بلا صلة قالوا : فإن جعلت (الذي) مصدرا جاز فقلت :(أنت فينا الذي ترغب) ووحدت (الذي) في التثنية والجمع قال الله عز وجل : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) [التوبة : 69] يريد : كخوضهم ويقولون على هذا القياس : (أنت فينا الذي ترغب) وأنتما فينا الذي ترغبان وأنتم فينا الذي ترغبون وكذاك المؤنث (أنت فينا الذي ترغبين) تريد : (أنت فينا رغبتك) ولا تثنى (الذي) ولا تجمع ولا تؤنث وكذاك : (الذي تضرب زيدا قائما وما تضرب زيدا قائما) تريد : (ضربك زيدا قائما) قالوا : ولا يجوز هذا في (إن) ؛ لأن (إن) أصله الجزاء عندهم ، وإذا قدمت رجلا والرجل والذي وهو ملغى كان خطأ في قول الفراء قال : إنه لا يلغى متقدما وقال الكسائي : تقديمه وتأخيره واحد.

وإذا قلت : (أين (1) الرجل الذي قلت وأين الرجل الذي زعمت) ، فإن العرب تكتفي (بقلت وزعمت) من جملة الكلام الذي بعده ؛ لأنه حكاية تريد : الذي قلت إنه من أمره كذا

ص: 175


1- أين الاستفهاميّة : اسم استفهام عن مكان ، وهي مغنية عن الكلام الكثير ، وذلك أنّك إذا قلت : " أين بيتك". أغناك عن ذكر الأماكن كلّها ، وهو سؤال عن المكان الّذي حلّ فيه الشيء ، ، وإذا دخلته" من" كان سؤالا عن مكان بروز الشيء تقول : " من أين قدمت" وهو مبنيّ على الفتح في الحالات كلّها. انظر معجم القواعد 2 / 140.

وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي والذي ولا ما كان في معنى ذلك شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون : إنه ليس من كلام العرب ويذكرون أنه إن اختلف جاز وينشدون :

من النّفر اللّائي (1)

الّذين إذا هم

يهاب اللّئام حلقة الباب قعقعوا

قالوا : فهذا جاء على إلغاء أحدهما وهذا البيت قد رواه الرواة فلم يجمعوا بين (اللائي والذين) ويقولون : (على هذا مررت بالذي ذو قال ذاك) على الإلغاء ، فقال أبو بكر : وهذا عندي أقبح ؛ لأن الذي يجعل (ذو) في معنى (الذي) من العرب طيء فكيف يجمع بين اللغتين ولا يجيزون : (الذي من قام زيد) على اللغو ويحتجون بأنّ (من) تكون معرفة ونكرة مررت بالذي القائم (أبوه) على أن تجعل الألف واللام للذي وما عاد من الأب على الألف واللام ويخفض القائم يتبع (الذي) وهذا لا يجوز عندنا ؛ لأن (الذي) لا بدّ لها من صلة توضحها ومتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك ؛ لأنه قد علم ، وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة ويقولون : إن العرب إذا جعلت (الذي والتي) لمجهول مذكر أو مؤنث تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر :

فإن أدع اللّواتي من أناس

أضاعوهنّ لا أدع الّذينا (2)

ص: 176


1- الّلات ، أو : الّلاتى ، والّلاء ، أو : اللائي. وتختص بجمع المؤنث للعاقلة وغير العاقلة ، تقول : الّلات سبقن في الميدان العملى كثيرات ، ومنهن الّلاء اشتهرن بالاختراع ... أو اللاتى أو : اللائ. وامتلأ البحر بالسفن اللات تشقه طولا وعرضا ، وهى محملة بالبضائع المتنوعة اللاء تنتقل بين أطراف المعمورة ... أو اللاتى أو : اللائى. (واللات واللاء مبنيتان على الكسر. أما اللاتى واللائ فمبنيتان على السكون). وكلها في محل رفع ، أو :نصب ، أو : جرّ ، على حسب موقعها من الجملة. انظر النحو الوافي 1 / 232.
2- قال أبو علي الفارسي في إيضاح الشعر : أنشده أحمد بن يحيى ثعلب وقال : يقول : فإن أدع النساء اللاتي أولادهن من رجال قد أضاعوا هؤلاء النساء : أي : لا أهجو النساء ، ولكن أهجو الرجال الذين لم يمنعوهن. فعلى تفسيره ينبغي أن يكون المبتدأ مضمرا في الصلة ، كأنه قال : فإن أدع اللواتي أولادهن من أناس أضاعوهن فلن يحموهن كما تحمي البعولة أزواجها فلا أدع الذين. والتقدير : إن أدع هجو هؤلاء النساء الضعاف ، لا أدع الضعاف ، لا أدع هجو الرجال المضيعين ، وذمهم على فعلهم. فالمضاف محذوف في الموضعين. وتقدير حذف المبتدأ غير ممتنع هنا ، وقد حذف المبتدأ من الصلة. انظر خزانة الأدب 2 / 319.

ويقولون : الذي إذا كان جزاء فإنه لا ينعت ولا يؤكد ولا ينسق عليه ؛ لأنه مجهول لا تقول : (الذي يقوم الظريف فأخواك ولا الذي يقوم وعمرو فأخواك) ؛ لأنه مجهول (وعمرو) عندهم معروف.

قال أبو بكر : إن كان (أخاه) من النسب فلا معنى لدخول الفاء ؛ لأنه أخوه على كل حال ، وإن كان من المؤاخاة فجائز ، وأما النعت والتوكيد فهو عندي كما قالوا إذا جعلت (الذي) في معنى الجزاء ؛ لأنه لم يثبت شيئا منفصلا من أمة فيصفه ، وإذا قلت : (الذي يأتيني فله درهم) على معنى الجزاء فقد أردت : (كل من يأتيني) فلا معنى للصفة هنا والعطف يجوز عندي كما تقول الذي يجيء مع زيد فله درهم فعلى هذا المعنى تقول : (الذي يجيء هو وزيد فله درهم) أردت الجائي مع زيد فقط ولك أيضا أن تقول في هذا الباب : (الذي يجيئني راكبا فله درهم) ويجيزون أيضا الدار تدخل فدارنا يجعلونها مثل (الذي) كأنك قلت : (الدار التي تدخل فدارنا) وهذا لا يجوز لما عرفتك إلا أن يصح أنه شائع في كلام العرب وأجازوا (الذي يقوم مع زيد أخواك) يريدون : (الذي يقوم وزيد أخواك) يعطفون (زيدا) على (الذي) وإنما يجيزون أن يكون مع بمنزلة الواو إذا كان الفعل تاما ، وإذا كان ناقصا لم يجز هذا.

قال الفراء : إذا قلت : (الذي يقوم مع زيد أخواك) لم أقل : (أخواك الذي يقوم مع زيد) قال : ولا أقول : (الذي يختصم مع زيد أخواك) لأن الاختصام لا يتم والطوال وهشام يجيزانه مع الناقص وفي التقديم والتأخير ويجعلونه (مع) بمنزلة الواو والفراء لم يكن يجيزه إلا وهو جزاء ، وإذا قلت : (الذي يختصم زيد أخواك) فزيد لا يجوز أن ينسق به إلا على ما في الاختصام ؛ لأنه لا يستغني عن اسمين ويقول : (اللذان اختصما كلاهما أخواك) فاللذان ابتداء واختصما صلة لهما و (كلاهما) ابتداء ثان وأخواك خبره وهذه الجملة خبر اللذين ، فإن جعلت (كلاهما) تأكيدا لما في اختصما لم يجز ؛ لأن الاختصام لا يكون إلا من اثنين فلا معنى للتأكيد

ص: 177

هنا ، فإن قلت : اللذان اختصما كلاهما أخوان لم يجز على تأويل وجاز على تأويل آخر إن أردت بقولك : (أخوان) أن كل واحد منهما أخ لصاحبه لم يجز ؛ لأن (كلاهما) لا معنى لها هاهنا وصار مثل (اختصما) الذي لا يكون إلا من اثنين ؛ لأن الأخوين كل واحد منهما أخ لصاحبه مثل المتخاصمين والمتجالسين ، فإن أردت بأخوين أنهما أخوان لا نسيبان جاز ؛ لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما أخا لزيد ولا يكون الآخر أخا لزيد فإذا كان أحدهما أخا لصاحبه فلا بدّ من أن يكون الآخر أخا له فلا معنى (لكلا) هاهنا وتقول : (الذي يطير الذباب فيغضب زيد) فالراجع إلى (الذي) ضميره في (يغضب) والمعنى الذي إذا طار الذباب غضب زيد ولا يجوز الذي يطير الذباب فالذي يغضب زيد ؛ لأن الذي الأولى ليس في صلتها ما يرجع إليها وقوم يجيزون الطائر الذباب (فالغاضب زيد) ؛ لأن الألف والام الثانية ملغاة عندهم فكأنهم قالوا :(الطائر الذباب) فغاضب زيد وهذا لا يجوز عندنا على ما قدمنا في الأصول أعني إلغاء الألف واللام.

واعلم أن من قال : (من يقوم ويقعدون قومك ومن يقعدون ويقومون أخوتك) فيرد مرة إلى اللفظ ومرة إلى المعنى فإنه لا يجيز أن تقول : (من قاعدون وقائم إخوتك) فيرد (قائما) إلى لفظ (من) لأنك إذا جئت بالمعنى لم يحسن أن ترجع إلى اللفظ وتقول : (من كان قائما إخوتك ومن كان يقوم إخوتك) ترد ما في كان على لفظ (من) وتوحد فإذا وحدت اسم كان لم يجز أن يكون خبرها إلا واحدا فإذا قلت من كانوا قلت قياما ويقومون ولا يجوز (من كان يقومون إخوتك وقوم يقولون إذا قلت : (أعجبني ما تفعل) فجعلتها مصدرا فإنه لا عائد لها مثل (أن) فكما أنّ (أن) لا عائد لها فكذلك ما وقالوا : إذا قلت : (عبد الله أحسن ما يكون قائما) فجاءوا (بما) مع (يكون) ؛ لأن (ما) مجهول و (يكون) مجهول فاختاروا (ما) مع يكون : أردت : (عبد الله أحسن شيء يكون) فما في (يكون) (لما) فإذا قلت : (عبد الله أحسن من يكون) فأردت أحسن من خلق جاز ولا فعل (ليكون) يعنون لا خبر لها وقالوا إذا قلت : (عبد الله أحسن ما يكون قائما) إذا أردت أن تنصب (قائما) على الحال أي : أحسن الأشياء في حال قيامه قالوا :ولك أن ترفع عبد الله بما في (يكون) وترفع أحسن بالحال وتثنى وتجمع فتقول : (الزيدان

ص: 178

أحسن ما يكونان قائمين والزيدون أحسن ما يكونون قائمين) يرفعون (أحسن) بالحال ولا يستغنى عن الحال هاهنا عندهم ، فإن قلت : (عبد الله أحسن ما يكون) وأنت أحسن ما تكون على هذا التقدير لم يجز ؛ لأن عبد الله إذا ارتفع بما في (يكون) لم يكن لأحسن خبر ومعنى.

قولهم : ارتفع بما في (يكون) يعنون أنهم يرفعون بالراجع من الذكر وهذا خلاف مذهب البصريين ؛ لأن البصريين يرفعون بالابتداء قالوا : فهذا وقت فلا يرتفع عبد الله بجملته ، فإن أردت : (عبد الله أحسن شيء يكونه) فهو جائز وهو صفة فإذا قلت : (أحسن ما يكون عبد الله قائما) جرى مجرى : (ضربي زيدا قائما).

وقال محمد بن يزيد : قول سيبويه : (أخطب ما يكون الأمير قائما) تقديره : على ما وضع عليه الباب : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما كما قال (هذا بسرا أطيب منه تمرا ، فإن قال قائل : أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام أي : (أخطب أحواله القيام (1)) فالجواب في ذلك : أن (القيام) مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه ، فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره وإنما

ص: 179


1- يجب حذف الخبر إذا وقع قبل حال لا تصلح خبرا (عن) المبتدأ (الّذي خبره قد أضمرا) وذلك فيما إذا كان المبتدأ مصدرا عاملا في اسم مفسر لضمير ذي حال بعده لا تصلح ؛ لأن تكون خبرا عن ذلك المبتدأ ، أو اسم تفضيل مضافا إلى المصدر المذكور أو إلى مؤول به فالأول. (كضربي العبد مسيئا و) الثاني مثل (أتم تبييني الحقّ منوطا بالحكم) إذا جعل منوطا جاريا على الحق لا على المبتدأ. والثالث نحو أخطب ما يكون الأمير قائما ، والتقدير إذ كان أو إذا كان مسيئا ومنوطا وقائما ، نصب على الحال من الضمير في كان ، وحذفت جملة كان التي هي الخبر للعلم بها وسد الحال مسدها ، وقد عرفت أن هذه الحال لا تصلح خبرا لمباينتها المبتدأ إذ الضرب مثلا لا يصح أن يخبر عنه بالإساءة ، فإن قلت جعل هذا المنصوب حالا مبني على أن كان تامة ، فلم لا جعلت ناقصة والمنصوب خبرها ؛ لأن حذف الناقصة أكبر : فالجواب أنه منع من ذلك أمران : أحدهما أنا لم نر العرب استعملت في هذا الموضع إلا أسماء منكورة مشتقة من المصادر فحكمنا بأنها أحوال إذ لو كانت أخبارا لكان المضمرة لجاز أن تكون معارف ونكرات ومشتقة وغير مشتقة. الثاني وقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه ، كقوله عليه الصّلاة والسّلام : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد». انظر شرح الأشموني على الألفية 1 / 108.

المصدر لذات الفعل فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية ولأنه مبني له ، وذلك نحو : (جائني زيد راكبا) ؛ لأن في (راكب) ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل ، فإن احتج القائل في إجازتنا : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة فالتقدير :(أخطب أيام الأمير يوم الجمعة) فجعلت الخطبة للأيام على السعة وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبينا كما قال الله عز وجل : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : 33] أي : مكركم فيهما.

قال محمد : وجملة هذا أن الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه وقد يخلو من فعل إلى آخر وقال في موضع آخر : كان سيبويه يقول في قولهم : أكثر ضربي زيدا قائما إن قائما سد مسدّ الخبر وهو حال قال : وأصله إنما هو على (إذ كان) ، وإذا كان ومثله : (أخطب ما يكون الأمير قائما وأكثر شربي السويق ملتوتا وضربي زيدا قائما) وتقول ذلك في كل شيء كان المبتدأ فيه مصدرا وكذلك إن كان في موضع الحال ظرف نحو قولك : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة وأحسن ما يكون زيد عندك وقال : وكان أبو الحسن الأخفش يقول : (أخطب ما يكون الأمير قائم) ويقول : أضفت أخطب إلى أحوال قائم أحدها ويزعم سيبويه أنك إذا قلت : (أخطب ما يكون الأمير قائما) فإنما أردت : (أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما) فحذفت ؛ لأنه دل عليهما ما قبلها و (قائما) حال وقد بقي منها بقية وكذلك قوله : ضربي زيدا راكبا أي : إذا كان راكبا وهي (كان) التي معناها (وقع) فأما أكلي الخبز يوم الجمعة فلا يحتاج فيه إلى شيء ؛ لأن يوم الجمعة خبر المصدر وينبغي أن يكون على قول سيبويه ظننت ضربي زيدا قائما وظننت أكثر شربي السويق ملتوتا أنه أتى (لظننت) بمفعول ثان على الحال التي تسد مسد المفعول الثاني كما سدت مسد الخبر ، فإن قيل : إن الشك إنما يقع في المفعول الثاني قيل : إن الشك واقع في (إذ كان) و (إذا كان) والحال دليل ؛ لأن فيها الشك وأن يعمل فيها (ظننت) ولكن في موضعها كما كنت قائلا : القتال يوم الجمعة فتنصب يوم الجمعة بقولك القتال ، فإن جئت بظننت قلت : (ظننت القتال يوم الجمعة) فيوم الجمعة منتصب بوقوع القتال وليس (بظننت) والدليل على ذلك أنه ليس يريد أن يخبر أن القتال هو اليوم هذا محال ولكنه يخبر أن القتال في اليوم وتقول : إنّ القتال اليوم ظننت فتنصب ؛ لأن (إنّ) لا تعمل فيه شيئا إنما تعمل

ص: 180

في موضعه كما وصفت لك وقياس (ظننت) ، وإن وكان والابتداء والخبر واحد وكذلك لو قلت : (كان زيد خلفكم) لم تكن كان الناصبة (لخلف) فكذلك إذا قلت : (كان أكثر شربي السويق ملتوتا) نصب (ملتوتا) بما كان انتصب به قبل دخول (كان) سد مسد خبرها كما سد مسد خبر الابتداء ولكن ما ينصب هذه الظروف هو الخبر لهذه العوامل كما كان خبر الابتداء فإذا قلت : (كان زيد خلفكم) فتقديره : (كان زيد مستقرا خلفكم) وكان ضربي زيدا إذا كان قائما وما كان مثلهن فهذا مجراه.

ص: 181

ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم

وما يسكن من المتحركات وما تغير حركته لغير إعراب وما يحذف لغير جزم

أما ما يتحرك من السواكن (1) لغير إعراب فهو على ضربين : إما أن يحرك من أجل ساكن يلقاه ، ولا يجوز الجمع بين ساكنين. وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقي حركته عليه.

الأول على ضربين

أحدهما : إما أن يكون آخر الحرف ساكنا فيلقاه ساكن نحو قولك : (قم الليل) حركت الميم بالكسر لالتقاء الساكنين وأصل التحريكات لالتقاء الساكنين الكسر ولم ترد الواو ؛ لأن الكسر غير لازمة في الوقف وكذلك قولك : (كم المال ومن الرجل) ، فإن قلت : (من الرجل)

ص: 182


1- إذا التقى ساكنان فإمّا أن يكون أولهما مدّة أو لا ، فإن كان أوّلهما مدّة وجب حذفها لفظا وخطّا سواء أكان الساكن الثاني والأول من كلمة أم كان الثاني كجزء من الكلمة ، فالأول نحو" خف" من خاف يخاف و" قل" من قال يقول و" بع" من باع يبيع ، والثاني نحو" تغزون" أصلها تغزوون (اجتمع ب" تغزوون" واو الكلمة وواو الجمع ، تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصارت تغزوان ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وحركت الزاي بالضّمة لمناسبة الواو ، وهكذا غيرها) بواو الكلمة وواو الجمع و" ترمنّ" أصلها :ترميينّ بياء الكلمة وياء المخاطبة. و" تغزنّ" يا رجال و" ترمنّ" أصلهما : تغزووننّ وترموننّ ونحو" أنت ترمين وتغزين". أصلهما ترميين وتغزوين و" لتغزنّ" يا هند ، " ولترمنّ" وأصلهما : لتغزووننّ (اجتمع في" تغزووننّن" واوان : واو الكلمة ، وواو الجمع ، وثلاثة نونات ، وإعلالها : تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين فبقى واو الجماعة وثلاث نونات ، حذفت نون الرفع لتوالي النونات ، فالتقى ساكنان : واو الجماعة ونون التوكيد فحذفت واو الجماعة ورمز إليها بالضمة قبل نون التوكيد فصارت تغزنّ وهكذا غيرها) ولترمييننّ. وتحذف لفظا فقط إذا كان الساكنان في كلمتين نحو" يخشى الله" و" يغزو الجيش" و" يرمي الحاجّ" ومنه (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) (الآية : 15 سورة النمل) ، (وَما قَدَرُوا)(قَدْرِهِ) (الآية : 91 سورة الأنعام) (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ونحو (ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها). انظر معجم القواعد 2 / 91.

فالفتح أحسن من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الاستعمال أيضا والكسرة الأصل فكل ما لا يتحرك إذا لقيه ساكن حرك من ذلك قولك : (هذا زيد العاقل) حركت التنوين بالكسر.

والآخر (1) : ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها وليس التحريك تحرك البناء كأين وأولاء وحيث فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب تختلف فيه ، وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد فأهل الحجاز يقولون : (اردد ، وإن تضارر أضارر وغيرهم يقول : (ردّد) وفرّ ، وإن تردّ أردّ ويقولون : لا تضار ؛ لأن الألف يقع بعدها المدغم والذين يدغمون يختلفون في تحريك الآخر فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي حركة كانت ، وذلك ردّ وعضّ وفرّ واطمئن واستعدّ واجترّ ؛ لأن قبلها فتحة فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحوا أبدا فقالوا : ردّها وعضّها وفرّها ؛ لأن الهاء خفية فكأنه قال : فرّا وردّا ولم يذكرها فإذا كانت الهاء مضمومة (2) في مثل قولهم : ردهو ضموا كأنهم قالوا : ردوا.

فإن جئت بالألف واللام وأردت الوصل كسرت الأول كله فقلت : ردّ القوم وردّ ابنك وعضّ الرجل وفرّ اليوم ، وذلك ؛ لأن الأصل : أردد فهو ساكن فلو قلت : أردد القوم لم يكن

ص: 183


1- والثاني ما ليس أولهما مدّة :إن لم يكن أول السّاكنين مدّة وجب تحريكه إلّا في موضعين - وسنأتي على ذكر الموضعين بنهاية هذا البحث - وتحريكه إمّا بالكسر على أصل التّخلّص من التقاء الساكنين وإمّا بالضم وإما بالفتح. أما التّحريك بالكسر فهو الأصل كما قدمنا ، ويكون في كلّ ما عدا موضعي الضّمّ ومواضع الفتح. انظر معجم القواعد 2 / 92.
2- التّحريك بالضّم فيجب في موضعين : 1- أمر المضعّف المتّصل به هاء الغائب ومضارع المضعّف المجزوم نحو" ردّه" و" لم يردّه" والكوفيون يجيزون الفتح والكسر. 2- الضّمير المضموم نحو (لهم البشرى) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ويترجّح الضمّ على الكسر في واو الجماعة المفتوح ما قبلها نحو" اخشول الله" ؛ لأن الضمة على الواو أخفّ من الكسرة ، ويستوي الكسر والضّم في ميم الجماعة المتّصلة بالضمير المكسور نحو" بهم اليوم". انظر معجم القواعد 2 / 93.

إلا الكسر فهذه الدال تلك وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز ألا ترى أن الذال في (مذ واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها لالتقاء الساكنين ردّ إلى الأصل وأصلها الضم فقلت : مذ اليوم وذهبتم اليوم ؛ لأن أصل (مذ) منذ يا هذا وأصل ذهبتم : ذهبتم يا قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة ومنهم من يفتح على كل حال إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد.

قال الخليل : شبهوه (بأين وكيف) ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحا يجعله في جميع الأشياء (كأين) ومن العرب من يكسر ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة (اضرب الرجل) ، وإن لم تجىء بالألف واللام ؛ لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين والذي يكسرون كعب وغني.

ولا يكسر هلم البتة من قال : هلما وهلمي ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء أرددن ؛ لأن سكون الدال هنا لا يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء وزعم الخليل وغيره إن ناسا من بكر بن وائل يقولون (ردّن ومرّن وردّت) كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء والشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل ومن ذلك الهمزة إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن وسنذكر باب الهمزة إن شاء الله.

والثاني : ما يسكن لغير جزم وإعراب

وهو على ثلاثة أضرب : إسكان لوقف ، وإسكان لإدغام ، وإسكان لاستثقال.

أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف والابتداء.

وأما الإدغام فنحو قولك : (جعل لك) فمن العرب من يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإدغام.

وأما إسكان الاستثقال فنحو ما حكوا في شعر امرىء القيس في قوله :

ص: 184

فاليوم أشرب (1) غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل

كان الأصل : أشرب فأسكن الباء كما تسكنها في (عضد) فتقول : (عضد) للإستثقال فشبه المنفصل والإعراب بما هو من نفس الكلمة وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإعراب ولكن الذين قالوا (وهو) فأسكنوا الهاء تشبيها (بعضد) والذين يقولون في (عضد) (عضد) وفي (فخذ) إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا.

الثالث : ما غيرت حركته لغير إعراب

تقول : هذا غلام فإذا أضفته إلى نفسك قلت : غلامي فزالت حركت الإعراب وحدث موضعها كسرة وقد ذكرت ذا فيما تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركا ، فإن كان قبلها ياء نحو : (يا قاضي) قلت : قاضيّ وجواريّ ، فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها ضمة قلبتها ياء وأدغمت نحو (مسلميّ) ، فإن كان ما قبلها ياء ساكنة وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول :(رأيت غلامي) تدع الفتحة على حالها وكل اسم آخره ياء يلي حرفا مكسورا فلحقته الواو والنون والياء للجمع تحذف منه الياء ويصير مضموما تقول في (قاض) إذا جمعت (قاضون) وقاضين لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لالتقاء الساكنين ، فإن أضفت (قاضون (2)) إلى نفسك قلت : (قاضي) كما قلت : مسلميّ وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب من يقول : بشراي بفتح الياء ومنهم من يقول : بشريّ ، وأما قولهم : في عليّ عليك ولديّ لديك فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا قال سيبويه : وحدثنا الخليل إن ناسا من العرب يقولون : علاك ولداك وإلاك وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف

ص: 185


1- ليس قوله أشرب مجزوما وإنما هو مرفوع ولكن حذفت الضمة للضرورة أو على تنزيل ربغ بالضم من قوله أشرب غير منزلة عضد بالضم فإنهم قد يجرون المنفصل مجرى المتصل فكما يقال في عضد بالضم عضد بالسكون كذلك قيل في ربغ بالضم ربغ بالإسكان. شرح شذور الذهب 1 / 276.
2- إن جمع المنقوص هذا الجمع حذفت ياؤه وضم ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء فتقول في قاض قاضون رفعا وقاضين جرا ونصبا. انظر شرح ابن عقيل 4 / 109.

وهؤلاء على القياس قال : وسألته عن من قال : رأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك ومررت بكليهما فقال : جعلوه بمنزلة : عليك ولديك وكلا لا تفرد أبدا إنما تكون للمثنى.

الرابع : ما حذف لغير جزم

وذلك على ضربين :

أحدهما : ما يحذف من الحروف المعتلة لالتقاء الساكنين.

والآخر : ما يحذف في الوقف ويثبت في الإدراج.

فأما الذي يحذف لالتقاء الساكنين فالألف والياء التي قبلها كسرة والواو التي قبلها ضمة ، وذلك نحو : هو يغزو الرجل ويرمي القوم ويلقي الفارس وكذلك إن كانت واو جمع أو ياء نحو : مسلمو القوم ومسلمي الرجل ، فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف لأنها لا تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لالتقاء الساكنين وهي مع ذلك لو حذفت لإلتبست بالواحد ، وذلك قولك : هم مصطفو القوم واخشوا الرجل والفتح مع ذلك أخف من الضم ، وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والابتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا ثم نتبعه الهمز للحاجة إليه إن شاء الله.

ص: 186

باب ذكر الابتداء

اشارة

كل كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف ، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ ، فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف وصل فتحذف البتة من اللفظ ، وذلك إجماع من العرب أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن ، وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة ، فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله.

ألف الوصل

ألف الوصل (1) : همزة زائدة يوصل بها إلى الساكن في الفعل والاسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن وبابها أن تكون في الأفعال غير المضارعة ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت عليحرف من الحروف التي جاءت لمعنى ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله.

ص: 187


1- همزة الوصل : 1 - تعريفها : هي : همزة سابقة موجودة في الابتداء مفقودة في الدّرج. 2 - مواضعها : قد تأتي في بعض الأسماء ، وبعض الأفعال ، وبعض الحروف. 3 - مجيؤها في بعض الأسماء : تجيء من الأسماء في مصادر" الخماسي" و" السداسي" ك" انطلاق"" استنفار" وفي ااثني عشر اسما وهي :" اسم ، واست (الاست : الدبر) ، وابن ، وابنم ، وابنة ، وامرؤ وامرأة ، واثنان ، واثنتان ، وايمن المخصوص بالقسم ، وايم لغة فيه وأل الموصوفة" (- في حروفها). 4 - مجيؤها في بعض الافعال : تأي همزة الوصل من الأفعال في الفعل" الخماسي" ك" انطلق" و" اقتدر" والفعل" السداسي" ك" استخرج" وأمر الثلاثي نحو" اكتب". 5 - مجيؤها في بعض الحروف : لا تأتي همزة الوصل من الحروف إلّا بحرف واحد هو" أل". انظر معجم القواعد 27 / 12.

أما كونها في الأفعال غير المضارعة فنحو قولك مبتدئا : اضرب اقتل اسمع اذهب كان الأصل : تذهب تضرب وتقتل وتسمع فلما أزلت حرف المضارعة وهو (التاء) بقي ما بعد الحرف ساكنا فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن وأصل كل حرف السكون فكان أصل هذه الهمزة أيضا السكون فحركتها لالتقاء الساكنين بالكسر ، فإن كان الثالث في الفعل مضموما ضممتها وتكون هذه الألف في (انفعلت) نحو : انطلقت وافعللت نحو : احمررت وافتعلت نحو : احتبست ويكون في : استفعلت نحو : استخرجت وافعللت نحو : اقعنسست وافعاللت نحو : اشهاببت وافعولت نحو : اجلوذت وافعوعلت نحو : اغدودنت وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلت نحو احرنجمت واقشعررت فألف الوصل في الفعل في الابتداء مكسورة أبدا إلا أن يكون الثالث مضموما فتضمها نحو قولك : اقتل استضعف احتقر احرنجم والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها وأوائلها ألفات الوصل مثلها في الفعل ولا يكون إلا مكسورة تقول : انطلقت انطلاقا واحمررت احمرارا واحتبست احتباسا واستخرجت استخراجا واقعنسست اقعنساسا واشتهابيت اشهيبابا واجلوذت اجلواذا واغدودنت اغديدانا.

وأما الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها وهي أسماء قليلة : فهي : ابن وابنة واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وابنم واسم واست فجميع هذه الألفات مكسورة في الابتداء ولا يلتفت إلى ضم الثالث تقول : مبتدئا ابنم وامرء لأنها ليست ضمة تثبت في هذا البناء على حال كما كانت في الفعل ، وأما الحرف الذي تدخل عليه ألف الوصل فاللام التي يعرف بها الأسماء نحو : القوم والخليل والرجل والناس وما أشبه ذلك إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الاستفهام (1)

ص: 188


1- همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل ، ثبتت همزة الاستفهام وسقطت همزة الوصل ، وذلك ؛ لأن همزة الوصل إنما أتي بها ليتوصّل بها إلى النطق بالساكن الذي بعدها ، فلمّا دخلت عليها همزة الاستفهام استغني عنها بهمزة الاستفهام ، فأسقطت ، نحو قولك في الاستفهام" أبن زيد أنت؟ " و" أمرأة عمرو أنت؟ "" أستضعفت زيدا"" أشتريت كتابا؟ " ومنه قوله تعالى : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً)؟ (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) (أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ؟) (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ)؟ (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) إلى كثير من الأمثال. وقال ابن قيس الرّقيّات : فقالت : أبن قيس ذا؟ وبعض الشّيب يعجبها وقال ذو الرّمّة : أستحدث الرّكب عن أشياعهم خبرا؟ أم راجع القلب من أطرابه طرب؟ انظر معجم القواعد 27 / 9.

فإنهم يقولون : أالرجل عندك فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالاستفهام وقد شبهوا بهذه الألف التي في (أيم وأيمن) في القسم ففتحوها لما كان اسما مضارعا للحروف ، وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من (هو) إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم : فهو قال ذاك وهي أمك وكذلك لام الأمر في قولك : لتضرب زيدا إذا كان قبلها واو وصلت فقلت : ولتضرب والعرب تختلف في ذلك فمنهم من يدع الهاء في (هو) على حالها ولا يسكن وكذلك هي ومن ترك الهاء على حالها في (هي) و (هو) ترك الكسرة في اللام على حالها فقال في قوله :فلينظر (فلينظر) ، فإن كان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لالتقاء الساكنين ، وإن كان مما يحذف لالتقاء الساكنين حذفته فأما الذي يحرك لالتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب يحرك بالكسر والضم والفتح فالمكسور نحو قولك : (اضرب ابنك واذهب اذهب) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ 1 اللهُ) [الإخلاص] ، وإن الله وعن الرجل وقط الرجل ، وأما الضم فنحو قوله : (قُلِ انْظُرُوا) [يونس : 101](وَقالَتِ اخْرُجْ) [يوسف : 31] وعذاب أركض ومنه أو انقض إنما فعل هذا من أجل الضم الذي بعد الساكن ومنهم من يقول : قل انظرزا ويكسر جميع ما ضم غيره ومن ذلك الواو التي هي علامة الإضمار يضمّ إذا كان ما قبلها مفتوحا نحو : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة : 237].

قال الخليل : لفصل بينها وبين واو (لو) وأو التي من نفس الحرف وقد كسر قوم ، وقال قوم : لو استطعنا والياء التي هي علامة الإضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير نحو أخشى

ص: 189

الرجل يا هذه وواو الجميع وياؤه مثل الضمير نقول : (مصطفو الله) في الرفع و (مصطفى الله) في النصب والجر ، وأما الفتح فجاء في حرفين (الم (1) اللهُ) [آل عمران] فرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء.

والآخر : من الله ومن الرسول لما كثرت وناس من العرب يقولون : (من الله) واختلفت العرب في (من) إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف اللام فكسره قوم ولم يكسره قوم ولم يكسروا في ألف اللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في الكلام وذلك : (من ابنك) (ومن امرىء) وقد فتح قوم فصحاء فقالوا : (من ابنك) ، وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة أحرف الألف والياء التي قبلها حرف مكسور والواو التي قبلها حرف مضموم فالألف نحو : رمى الرجل وحبلى الرجل ومعزى القوم ورمت دخلت التاء وهي ساكنة على ألف (رمى) فسقطت وقالوا : رميا وغزوا لئلا يلتبس بالواحد وقالوا : حبليان وذفريان لئلا يلتبس بما فيه ألف تأنيث والياء مثل : يقضي القوم ويرمي الناس والواو نحو :يغزو القوم ومن ذلك : لم يبع ولم يقل ولم يخف.

فإذا قلت : لم يخف الرجل ولم يبع الرجل ورمت المرأة لم ترد الساكن الساقط وكان الأصل في (يبع) (يبيع) وفي (يخف) يخاف وفي (يقل) يقول : فلم نرد لأنها حركة جاءت لالتقاء الساكنين غير لازمة وقولهم : (رمتا) إنما حركوا للساكن الذي بعده ولا يلزم هذا في (لم يخافا) (ولم يبيعا) ؛ لأن الفاء غير مجزومة وإنما حذفت النون للجزم ولم تلحق الألف شيئا حقه السكون.

ص: 190

ذكر الوقف على الاسم والفعل والحرف

اشارة

أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام : اسم ظاهر سالم ، وظاهر معتل ، ومضمر مكني ، ومبهم مبنيّ.

الأول : الأسماء الظاهرة السالمة

نحو : (هذا خالد وهذا حجر ومررت بخالد وحجر) فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه : اسكان مجرد وإشمام وروم (1) التحريك والتضعيف وجعل سيبويه لكل شيء من ذلك علامة في الخط فالإشمام نقطة علامة.

وعلامة الإسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين فالإشمام لا يكون إلّا في المرفوع خاصة لأنك تقدر أن تضع لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيك وإشمامك للرفع إنما هو للرؤية وليس بصوت يسمع فإذا قلت : (هذا معن) فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيك بغير تصويت وروم الحركة صوت

ص: 191


1- في الوقف على المتحرك خمسة أوجه : الإسكان ، والروم ، والإشمام ، والتضعيف ، والنقل. ولكل منها حدّ وعلامة : فالإسكان عدم الحركة وعلامته خ فوق الحرف ، وهي الخاء من خف أو خفيف ، والإشمام ضم الشفتين بعد الإسكان في المرفوع والمضموم للإشارة للحركة من غير صوت ، والغرض به الفرق بين الساكن والمسكن في الوقف ، وعلامته نقطة قدام الحرف هكذا. والروم وهو أن تأتي بالحركة مع إضعاف صوتها ، والغرض به هو الغرض بالإشمام إلا أنه أتم في البيان من الإشمام ، فإنه يدركه الأعمى والبصير ، والإشمام لا يدركه إلا البصير ، ولذلك جعلت علامته في الخط أتم. وهو خط قدام الحرف هكذا - والتضعيف تشديد الحرف الذي يوقف عليه ، والغرض به الإعلام بأن هذا الحرف متحرك في الأصل ، والحرف المزيد للوقف هو الساكن الذي قبله وهو المدغم ، وعلامته ش فوق الحرف وهي الشين من شديد. والنقل تحويل الحركة إلى الساكن قبلها ، والغرض به إما بيان حركة الإعراب أو الفرار من التقاء الساكنين ، وعلامته عدم العلامة ، وسيأتي تفصيل ذلك : فإن كان المتحرك هاء التأنيث لم يوقف عليها إلا بالإسكان ، وليس لها نصيب في غيره ، ولذلك قدم استثناءها ، وإن كان غيرها جاز أن يوقف عليه بالإسكان وهو الأصل وبالروم مطلقا أعني في الحركات الثلاث ، ويحتاج في الفتحة إلى رياضة لخفة الفتحة ، ولذلك لم يجزه أكثر القراء في المفتوح ووافقهم أبو حاتم. ويجوز الإشمام والتضعيف والنقل لكن بالشروط الآتية. انظر شرح الأشموني 2 / 2.

ضعيف ناقص فكأنك تروم ذاك ولا تتممه ، وأما التضعيف فقولك : هذا خالد وهو يجعل وهذا فرح ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي (سبسبا تريد : السبسب وعيهلّ تريد : العيهل) وإنما فعلوا ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد ، وإذا وصل رده إلى التخفيف ، فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرف ساكنا لم يضعفوا نحو (عمرو) فإذا نصبت فكل اسم منون تلحقه الألف في النصب في الوقف فتقول : (رأيت زيدا وخالدا) فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب وأزد السراة يقولون : هذا زيدو وهذا عمرو وبكرو ومررت بزيدي يجعلون الخفض والرفع مثل النصب والذين يرومون الحركة يرومونها في الجر والنصب والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضا في الجر والنصب إذا كان مما لا ينون فيقولون : مررت بخالدّ ورأيت أحمرّ.

وقال سيبويه : وحدثني من أثق به أنه سمع أعرابيا يقول : أبيضّه يريد : أبيضّ وألحق الهاء مبنيا للحركة فأما المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين بغير تضعيف وبعض العرب يقول في (بكر) : هذا بكرو من بكر فيحرك العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا :رأيت البكر ؛ لأنه في موضع التنوين وقالوا : هذا عدل وفعل فأتبعوها الكسرة الأولى ؛ لأنه ليس من كلامهم فعل وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى ؛ لأنه ليس في الأسماء فعل وهم الذين يقولون في الصلة اليسر فيخففون وقالوا : (رأيت العكم) ولا يكون هذا في (زيد وعون) ونحوهما لأنهما حرفا مدّ ، فإن كان اسم آخره هاء التأنيث نحو : (طلحة وتمرة وسفرجلة) وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير تاء في الوصل فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت : زيدان ومسلمان وزيدون ومسلمون تقف على النون في جميع ذلك ومن العرب من يقول : ضاربانه ومسلمونه فيزيد هاء يبين بها الحركة ويقف عليها والأجود ما بدأت به ، وإذا جمعت المؤنث بالألف والتاء نحو : تمرات ومسلمات فالوقف على التاء وكذلك الوصل لا فرق بينهما فإذا استفهمت منكرا فمن العرب من يقول إذا قلت رأيت زيدا قال : أزيدنيه ، وإن كان مرفوعا أو مجرورا فهذا حكمه في إلحاق الزيادة فيه فأما آخر الكلام فعلى ما شرحت لك من الإعراب فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لالتقاء الساكنين ، وإن كان

ص: 192

مضموما جعلته واوا ، وإن كان مكسورا جعلته ياء ، وإن كان مفتوحا جعلته ألفا ، فإن قال :(لقيت زيدا وعمرا) قلت : أزيدا وعمرنيه ، وإذا قال : (ضربت عمر) قلت : أعمراه ، وإن قال : (ضربت زيدا الطويل) قلت : الطويلاه ، فإن قال : (أزيدا يا فتى) تركت العلامة لما وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم (إن) فتقول : أعمرانيه.

القسم الثاني : وهو الظاهر المعتل
اشارة

المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب :

[الضرب الأول : ما كان آخره ياء قبلها كسرة]

ما كان آخره ياء قبلها كسرة (1) أو همزة أو ألف مقصورة فأما ما لامه ياء فنحو : (هذا قاض وهذا غاز وهذا العم) يريد : القاضي والغازي والعمى أسقطوها في الوقف لأنها تسقط في الوصل من أجل التنوين.

قال سيبويه : وحدثنا أبو الخطاب : أنّ بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول : (هذا رامي وغازي وعمي) يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين أجود ، فإن لم يكن في موضع تنوين ، فإن البيان أجود في الوقف ، وذلك قولك : هذا القاضي والعاصي وهذا العمي لأنها ثابتة في الوصل ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام كأنهم

ص: 193


1- المنقوص المختوم بياء فإذا وقفنا عليه وجب إثبات يائه في ثلاث مسائل : 1- أن يكون محذوف الفاء أي أوّل الكلمة كما إذا سمّيت بمضارع" وفى" وهو" يفي" ؛ لأن أصلها" يوفى"" حذفت" فاؤه فلو حذفت لامه لكان إجحافا. 2- أن يكون محذوف العين أي وسط الكلمة نحو" مر" اسم فاعل من" أرى" أصله" مرئي" نقلت حركة عينه وهي الهمزة إلى الرّاء ، ثمّ حذفت للتّخفيف ، وأعلّ قاض (قاض : أصلها قاضي بياء ساكنة وتنوين ساكن فحذفنا الياء الساكنة للتخلص من التقاء الساكنين) فلا يجوز حذف الياء في الوقف. 3- أن يكون منصوبا منوّنا نحو (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) (الآية : 193 سورة آل عمران) ، أو غير منوّن نحو (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) (الآية : 26 سورة القيامة) ، ، فإن كان مرفوعا أو مجرورا جاز إثبات يائه وحذفها ، ولكنّ الأرجح في المنوّن الحذف نحو" هذا ناد" و" نظرت إلى ناد" ويجوز الإثبات (ورجحه يونس) وبذلك قرئ ولكل قوم هادي (الآية : 7 سورة الرعد) ، وما لهم من دونه من والي (الآية : 11 سورة الرعد) والأرجح في غير المنوّن الإثبات نحو" هذا الدّاعي" و" مررت بالرّاعي" و" قرأ الجمهور (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (الآية : 9 سورة الرعد) بالحذف". انظر معجم القواعد 28 / 10.

أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون : (هذا القاض والعاص) هذا في الرفع والخفض فأما النصب فليس فيه إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل تقول : رأيت قاضيا ورأيت القاضي وقال الله عز وجل : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) [القيامة : 26] وتقول : رأيت جواري وهنّ جوار يا فتى في الوصل ومررت بجوار فالياء كياء قاضي والياء الزائدة هاهنا كالأصلية نحو : ياء ثمان ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن (القاضي) في النداء فقال : (اختار يا قاضي) ؛ لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي فأما يونس فقال : (يا قاض) بغير ياء وقالا في (مر) وهو اسم من أرى هذا مري بياء في الوقف كرهوا أن يخلو بالحرف فيجمعوا عليه لو قالوا : مر ذهاب الهمزة والياء ، وذلك أن أصله مرئي مثل : مرعي ، فإن كان الاسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو : (ظبي وكرسيّ) وناس من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفيفة فيقولون : هذا تميمج يريدون تميمي وهذا علجّ يريدون : علي وعربانج يريدون : عرباني والبرنج يريدون : البرني وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا يختار فيه أن لا يحذف يحذف في الفواصل والقوافي فالفواصل قول الله عز وجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : 4]. و (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) [الكهف : 64] و (يَوْمَ التَّنادِ) [غافر : 32] ، و (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [الرعد : 9].

الضرب الثاني : وهو ما كان آخره همزة

ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمه حكم الصحيح وإعرابه كإعرابه تقول : هذا كساء ومررت بكساء وهو مثل حمار في الوصل والوقف ، فإن كانت الهمزة ألف قبلها وقبلها ساكن فحكمها حكم الصحيح وحكمها أن تكون كغيرها من الحروف كالعين ، وذلك قولك : الخبء حكمه حكم الفرع في الإسكان وروم الحركة والإشمام فتقول :هو الخبء ساكن والخبء بروم الحركة والخبء تشم وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة الحركة ومنهم تميم وأسد يقولون : (هو الوثوء) فيضمون الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ وهو البطؤ ومن البطيء

ص: 194

ورأيت البطأ وهو الردؤ وتقديرها : الردع ومن الردّىء ورأيت الردأ وناس من بني تميم يقولون : هو الرديء كرهوا الضمة بعد الكسرة وقالوا رأيت الرديء سووا بين الرفع والنصب وقالوا : من البطؤ ؛ لأنه ليس في الكلام (فعل) ومن العرب من يقول : هو الوثو فيجعلها واوا من الوثي ورأيت الوثاء ومنهم من يسكن الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب ، وإذا كان ما قبل الهمزة متحركا لزم الهمزة ما يلزم النّطع من الإشمام والسكون وروم الحركة وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها ، وذلك قولك : هو الخطأ والخطأ تشم والخطأ تروم.

قال سيبويه : ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة ومن العرب من يقول : هو الكلو حرصا على البيان ويقول : من الكلى ورأيت الكلاء وهذا وقف الذين يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون : الكلا وأكمو وأهنى يبدل من الهمزة حرفا من جنس الحركة التي قبلها ، وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف من أصناف الوقف.

الضرب الثالث : منه وهو ما كان في آخره ألف مقصورة

(1)

حقّ هذا الاسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين ، وإن كان منصرفا فتقول : هذا قفا ورأيت قفا ومررت بقفا إلا أن هذه الألف التي وقفت عليها يجب أن تكون

ص: 195


1- المقصور المنون يوقف عليه بالألف ، نحو : رأيت فتى وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب : الأول أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاث ، واستصحب حذف الألف المنقلبة وصلا ووقفا ، وهذا مذهب أبي الحسن والفراء والمازني وهو المفهوم من كلام الناظم هنا ؛ لأنه تنوين بعد فتحة. والثاني أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة وأن التنوين حذف فلما حذف عادت الألف ، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين ، وإليه ذهب ابن كيسان والسيرافي ، ونقله ابن الباذش عن سيبويه والخليل ، وإليه ذهب المصنف في الكافية. قال في شرحها : ويقوي هذا المذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفا والاعتداد بها رويّا وبدل التنوين غير صالح لذلك. ثم قال : ولا خلاف في المقصور غير المنون أن لفظه في الوقف كلفظه في الوصل ، ، وإن ألفه لا تحذف إلا في ضرورة. انظر شرح الأشموني على الألفية 2 / 19.

عوضا من التنوين في النصب وسقطت الألف التي هي لام لالتقاء الساكنين كما تسقط مع التنوين في الوصل هذا إذا كان الاسم مما ينون مثله وبعض العرب يقول في الوقف : هذا أفعى وحبلى وفي مثّنّى مثنّى فإذا وصل صيرها ألفا وكذلك كل ألف في آخر اسم وزعموا أن بعض طيء يقول : (أفعو) لأنها ابين من الياء وحكى الخليل عن بعضهم : هذه حبلا مهموز مثل حبلع ورأيت رجلا مثل رجلع فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك.

القسم الثالث : وهي الأسماء المكنية

من ذلك (أنا) الوقف بألف فإذا وصلت قلت : أن فعلت ذاك بغير ألف ومن العرب من يقول في الوقف : هذا غلام يريد : هذا غلامي. شبهها بياء قاض وقد أسقان وأسقن يريد :أسقاني وأسقني ؛ لأن (في) اسم.

وقد قرأ أبو عمرو فيقول : (رَبِّي أَكْرَمَنِ) و (رَبِّي أَهانَنِ) [الفجر : 16 ، 15] على الوقف وترك الحذف أقيس فأما : هذا قاضيّ وهذا غلاميّ ورأيت غلاميّ فليس أحد يحذف هذا ومن قال : غلاميّ فاعلم وإني ذاهب لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضي في النصب ومن ذلك قولهم : (ضربهو زيد وعليهو مال ولديهو رجل وضربها زيد) وعليّها مال فإذا كان قبل الهاء حرف لين ، فإن حذف الياء والواو في الوصف أحسن وأكثر ، وذلك قولك : عليه يا فتى ولديه فلان ورأيت أباه قبل وهذا أبوه كما ترى وأحسن القراءتين : (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) [الإسراء : 106] و (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ) [الأعراف : 176] (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) [يوسف : 20] و (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) [الحاقة : 30].

والإتمام عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث ، فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في (ها) وكذلك إذا كان قبل الهاء حرف ساكن ، وذلك قول بعضهم : منه يا فتى وأصابته جائحة والإتمام أجود ، فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركا فالإثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث وهاتان والواو والياء تلحقان الهاء التي هي كناية يسقطان في الوقف هذا في المكنى المتصل فأما إن كانت الكناية منفصلة نحو : هو وهي وهما

ص: 196

وهنّ ، فإن جميع ذا لا يحذف منه في الوقف شيء ومن العرب من يقول : هنّه وضربتنّه وذهبتّه وغلاميه ومن بعديه وضربنه فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء وهيه يريدون (هي) وهوه يريدون (هو) يا هذا وخذه بحكمكه وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف.

فإذا قلت : عليكمو مال وأنتمو ذاهبون ولديهمي مال فمنهم من يثبت الياء والواو في الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل ويسكن الميم والجميع إذا وقفوا وقفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في (عليه مال) لاجتمع أربع متحركات نحو : (رسلكمو) وهم يكرهون الجمع بين أربع متحركات وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف وصل ولكن يضمها لأنها في الوصل متحركة بعدها واو كما أنها في الإثنين متحركة بعدها ألف نحو : غلامكما وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافا ، وذلك قولك : كنتم اليوم وفعلتم الخير وتقول : مررت بهي قبل ولديهي مال ومررت بدارهي وأهل الحجاز يقولون : مررت بهو قبل ولديهو مال ويقرأون : (فخسفنا بهو وبدار هو الأرض) [القصص : 81] وجميع هذا الوقف فيه على الهاء ويقول بهمي داء وعليهمي مال ومن قال : (بدار هو الأرض) قال :عليهمو مال وبهمو داء والوقف على الميم.

الرابع : المبهم المبني

تقول في الوصل : علام تقول كذا وكذا وفيم صنعت ولم فعلت وحتام وكان الأصل : على (ما) وفي ما ولما صنعت فالأصل (ما) إلا أن الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان (ما) استفهاما فإذا وقفت فلك أن تقول : فيم وبم ولم وحتام ولك أن تأتي بالهاء فتقول : لمه وعلامه وحتامه وبمه وثبات الهاء أجود في هذه الحروف لأنك حذفت الألف من (ما) فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة ، وأما قولهم : مجيء م جئت ومثل م أنت فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء ؛ لأن (مجيء ومثل) تستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان ويقولون : مثل ما أنت ومجيء ما جئت ، وأما حيهّل إذا وصلت فقلت : حيهّل بعمر ، وإذا وقفت ، فإن شئت قلت : حيهّل ، وإن شئت قلت : حيهّلا تقف على الألف كما وقفت في (أنا) وتقول : هذي أمة

ص: 197

الله فإذا وقفت قلت : (هذه) فتكون الهاء عوضا عن الياء وقد مضى ذكر ذا وقد تلحق الهاء بعد الألف في الوقف ؛ لأن الألف خفية ، وذلك قولهم : هؤلاء وهاهناه والأجود أن تقف بغير هاء ومن قال : هؤلاء وهاهناه لم يقل في (أفعى وأعمى) ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإضافة ؛ لأنه لو قال : أعماه وأفعاه لتوهمت الإضافة إلى ضمير.

واعلم أنهم لا يتبعون الهاء ساكنا سوى هذا الحرف الذي يمتد به الصوت ؛ لأنه خفي وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء.

ص: 198

الوقف على الفعل

اشارة

(1)

الفعل ينقسم إلى قسمين : سالم ، ومعتل. فأما السالم فما لم تكن لامه ألفا ولا ياء ولا واوا ، والمعتل ما كان لامه ألفا أو ياء أو واوا.

الأول : الفعل السالم

والوقف عليه كما تقف على الاسم السالم في الرفع في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الاسم المنصوب المنصرف الذي تعوض فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه تقول لن نضرب أما المجزوم فقد استغنى فيه عن الإشمام والروم وغيره ؛ لأنه ساكن وكذلك فعل الأمر تقول : لم يضرب ولم يقتل واضرب واقتل ، وإذا وقفت على النون الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الاسم المنصوب فتقول : اضربا ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف :اضربنّه وافعلنّه وافعلنّه ومنهم من لا يلحق الهاء. وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة.

ص: 199


1- قال الأشموني في شرح الألفية : (وقف بها السّكت على الفعل المعل بحذفآخر كأعط من سأل) يعني أن هاء السكت من خواص الوقف ، وأكثر ما تزاد بعد شيئين : أحدهما الفعل المعتل المحذوف الآخر جزما نحو لم يعطه ، أو وقفا نحو أعطه. والثاني ما الاستفهامية إذا جرت بحرف نحو على مه ولمه ، أو باسم نحو اقتضاء مه ، ولحاقها لكل من هذين النوعين واجب وجائز أما الفعل المحذوف الآخر فقد نبه عليه بقوله (وليس حتما في سوى ما كع أو كيع مجزوما فراع ما رعوا) يعني أن الوقف بهاء السكت على الفعل المعل بحذف الآخر ليس واجبا في غير ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد ، فالأول نحو عه أمر من وعى يعي ، ونحو ره أمر من رأى يرى ، والثاني لم يعه ولم يره ؛ لأن حرف المضارعة زائد فزيادة هاء السكت في ذلك واجبة لبقائه على أصل واحد ، كذا قاله الناظم. قال في التوضيح : وهذا مردود بإجماع المسلمين على وجوب الوقف على لم أك من تق بترك الهاء. تنبيه : مقتضى تمثيله أن ذلك إنما يجب في المحذوف الفاء وإنما أراد بالتمثيل التنبيه على ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد كما سبق ، فمحذوف العين كذلك كما سبق في التمثيل بنحوره ولم يره. وفهم منه أن لحاقها لما بقي منه أكثر من ذلك نحو أعطه ولم يعطه جائز لا لازم (وما في الاستفهام إن جرّت حذف ألفها) وجوبا سواء جرت بحرف أو اسم. انظر شرح الأشموني 2 / 28.
الثاني : الفعل المعتل

(1)

نحو : يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء والألف ولا يحذف منه في الوقف شيء ؛ لأنه ليس مما يلحقه التنوين في الوصل فيحذف فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان : من العرب من يقول : إرمه ولم يغزه وأخشه ولم يقضه ولم يرضه ومنهم من يقول : ارم واغز واخش فيقف بغير هاء.

ص: 200


1- من خصائص الوقف اجتلاب هاء السّكت ، ولها ثلاثة مواضع : (أحدها) الفعل المعلّ بحذف آخره ، سواء أكان الحذف للجزم نحو" لم يغزه" و" لم يرمه" و" لم يخشه" ومنه (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (الآية : 259 سورة البقرة). ومعنى لم يتسنه : لم تغيره السنون) ، أو لأجل البناء نحو" اغزه" و" اخشه" و" ارمه" ومنه : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (الآية : 90 سورة الأنعام) ، والهاء في هذا كلّه جائزة ، وقد تجب إذا بقي الفعل على حرف واحد كالأمر من وعى يعي ، فإنّك تقول : " عه". (ثانيها): " ما" الاستفهاميّة المجرّدة ، فإنّه يجب حذف ألفها إذا جرّت في نحو" عمّ ، وفيم" مجرورتين بالحرف" ومجيء م جئت" (الأصل : جئت مجيء م؟ وهذا سؤال عن صفة - المجيء ، أي على أي صفة جئت ثم أخّر الفعل ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام ، ولم يمكن تاخير المضاف) مجرورة بالمضاف ، فرقا بينها وبين" ما" الموصوليّة الشرطيّة. فإذا وقفت عليها ألحقت بها الهاء حفظا للفتحة الدّالّة على الألف المحذوفة ، وتجب الهاء إن كان الخافض ل" ما" الاستفهاميّة اسما كالمثال المتقدم : " مجيء" وتترجّح إن كان الخافض بها حرفا نحو : عمه يتساءلون (عمه : وبها السكت قرأ البزي) (الآية : 1 سورة النبأ). (ثالثها) : كلّ مبنيّ على حركة بناء دائما ، ولم يشبه المعرب كياء المتكلم ك" هي" و" هو" وفي القرآن الكريم : (مالِيَهْ) (الآية : 28 سورة الحاقة) و (سُلْطانِيَهْ) (الآية : 29 سورة الحاقة) و (ما هِيَهْ) (الآية : 10 سورة القارعة) وقال حسّان : إذا ما ترعرع فينا الغلام فما إن يقال له من هوه هب : بصيغة الأمر ، وهي من أفعال القلوب وتفيد في الخبر رجحانا ، وهي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر نحو قول عبد الله بن همّام السّلولي : فقلت أجرني أبّا خالد وإلّا فهبني امرءا هالكا ويقال" هبني فعلت ذلك" أي احسبني واعددني ، ولا يقال : " هب أني فعلت". انظر معجم القواعد 27 / 2.

قال سيبويه : حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس وهذا اللغة أقل اللغتين فأما : لا تقه من وقيت ، وإن تع أعه من (وعيت) فإنه يلزمها الهاء في الوقف من تركها في (اخش) وقد قالوا :لا أدر في الوقف ؛ لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا : (لم يك) شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون : لم يك الرجل لأنها في موضع تحريك فيه فلم يشبه بلا أدر ولا تحذف الياء إلا في أدر وما أدر.

ص: 201

الوقف على الحرف

اشارة

الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها فالصحيح فيها والمعتل سواء وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال : إنّه يريدون (أنّ) ومعناها أجل قال الشاعر :

ويقلن شيب قد علاك

وقد كبرت فقلت إنّه (1)

وليته ولعله كذلك.

باب الساكن الذي تحركه في الوقف

إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإضمار وذلك قولك في : (ضربته ضربته وأضربه وقده ومنه وعنه) قال سيبويه : سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء وقال أبو النجم :

فقرّبن هذا وهذا أزحله ...

وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون : قد ضربته وأخذته حرك لسكون الهاء وخفائها فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبين.

ص: 202


1- على أن سيبويه ، قال : إن فيه حرف تصديق للخبر ، بمنزلة أجل. والهاء للسكت ، قال سيبويه في باب ما تلحقه الهاء لتتبين الحركة : ومثل ما ذكرت قول العرب إنه ، وهم يريدون إنه ، ومعناها أجل. وأنشد هذا البيت. قال الأعلم : الشاهد فيه تبيين حركة النون بهاء السكت ، لأنها حركة بناء لا تتغير لإعراب ، فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة. ومعنى إن هاهنا نعم. انتهى. وقال النحاس : وفي نسخة أبي الحسن الأخفش هذا البيت ، وليس عندي عن أبي إسحاق. وفي النسخة : أي فقلت أجل. وسألت عنه أبا الحسن ، فقال : إن بمعنى نعم ، والهاء لبيان الحركة ، وكانت خطباء قريش تفتتح خطبتها بنعم. انتهى. وقال أبو علي في البغداديات بعد نقل قول سيبويه في البيت : وكان أبو بكر أجاز فيه مرة أن تكون إن المحذوفة الخبر ، كأنه قال : إن الشيب قد علاني ، فأضمره فجرى بذلك ذكره ، وحذف خبره للدلالة عليه. قال : وحذف الخبر في هذا أحسن ، لأن عنايته بإثبات الشيب نفسه ، كما أنه يحذف معها الخبر لما كان غرضه ووكده ، كإثبات المحل في قوله : المنسرح إن محلا وإن مرتحلا قال : وهذا أحد ما تشبه فيه إن لا النافية العاملة النصب. انتهى. انظر خزانة الأدب 4 / 158.

الوقف على القوافي

العرب إذا ترنمت في الإنشاد ألحقت الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون لأنهم أرادوا مدّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه : أما أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نون منها وما لم ينون على حالها في الترنم ليفرقوا بينه وبين الكلام فيقولون :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي (1)

وفي النصب :

فبتنا نصد الوحش عنّا كأنمّا

قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا (2)

ص: 203


1- أورد سيبويه المصراع الأول في باب وجوه القوافي في الإنشاد من أواخر كتابه ، قال : أما إذا ترنّموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ، ما ينوّن ، وما لا ينوّن ، لأنهم أرادوا مدّ الصوت ، وذلك كقول امرىء القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي البيت. انظر خزانة الأدب 4 / 98.
2- هو من من قصيدة لامرئ القيس ، ورأينا أن نقتصر عليها ، وهي : بعثت إليها والنجوم خواضع حذارا عليها أن تقوم فتسمعا فجاءت قطوف المشي هائية السرى يدافع ركناها كواعب أربعا يزجنيها مشي النزيف وقد جرى صباب الكرى في مخها فتقطعا تقول وقد جردتها من ثيابها كما رعت مكحول المدامع أتلعا وجدك لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا إذن لرددناه ولو طال مكثه لدينا ولكنا بحبك ولعا فبتنا نصد الوحش عنا كأننا قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا إذا أخذتها هزة الروع أمسكت بمنكب مقدام على الهول أروعا قوله : بعثت إليها ... إلخ ، قال شارح ديوانه خواضع حائلة للمغيب من آخر الليل حذارا عليها أن تقوم في سمع ولدها صوتها وقوله : فجاءت قطوف ... إلخ هذا البيت ساقط من رواية ديوانه ، وفاعل جاءت ضمير المرأة ، وقطوف بالنصب حال منه. والقطف : ضيق المشي ، كمشي المقيد ، والفعل من باب ضرب. وكذلك : هائية السرى حال. وركناها :جانباها. والكواعب : جمع الكاعب ، وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود. وقوله : يزجنيها .. إلخ ، هذا البيت أيضا ساقط من رواية ديوانه. ويزجنيها : يدفعنها ويسقنها. يقال : زجيته تزجيه ، إذا دفعته برفق للمشي. وهو بالزاي المعجمة والجيم. والنون ضمير الكواعب ، أي : يمشينها كمشي النزيف ، أي : السكران ، وهو بالنون والزاي المعجمة. والصبابة : البقية. والكرى : النون ، يعني كأن فيها فتور النوم. وقوله : تقول وقد جردتها ... إلخ ، راعه يروعه روعا ، إذا أفزعه. والمدامع : الأجفان. والأتلع بالمثناة الفوقية : الطويل العنق. يقول : كأنها ظبي مكحول الأجفان ، أي : أكحل. وقوله : وجدك لو شيء ... إلخ ، هذا البيت ، وما بعده مقول قولها. والواو للقسم ، وجدك مقسم به. والجد ، بالفتح : العظمة ، والحظ والغنى ، والاجتهاد في الشيء ، وأبو الأب. وكل من هذه الخمسة مناسب. والمشهور : وأقسم لو شيء فالمقسم به محذوف ، أي : وأقسم بما يقسم به ، كما نبه عليه الشارح المحقق في آخر الفصل. قال شارح ديوانه : شيء بمعنى أحد ، قال تعالى : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ، أي : أحد من أزواجكم. تريد : لو أن إنسانا أتانا رسوله سواك ما أتيته ، ولكن لم نجد مدفعا ندفعك به عنا. انتهى. وجملة أتانا رسوله : صفة شيء ، وسواك : إما ظرف متعلق بمحذوف ، وإما اسم خارج عن الظرفية صفة ثانية لشيء ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء في رسوله. وقوله : إذن لرددناه هذا يدل على أنه جواب لو ، لا جواب القسم ، فإذا إذن في الغالب تكون جوابا للو ، أو لإن الشرطيتين ، ظاهرتين أو مقدرتين ، ولم يسمع وقوعها في جواب القسم. وهذا البيت ساقط من رواية الديوان. وقوله : فبتنا نصد الوحش عنا ... إلخ ، قال شارح ديوانه : لأن الوحش لا تقرب القتلى ، ولا النيام ، ولا غير ذلك من الناس. وإنما قال : قتيلان ، لأنهما نائمان في الفلاة. وفي رواية الديوان بيت بعد هذا ، وهو : تجافى عن المأثور بيني وبينها وتدني عليها السابري المضلعا تجافى : مضارع أصله تتجافى ، أي : ترتفع عنه. قال شارحه : المأثور : السيف الذي به أثر ، أي : جوهر. والسابري : ضرب من الثياب. والمضلع : الذي فيه طرائق. يقول : ترتفع عنه لئلا يؤذيها يبسه. يصف أنه متقلد سيفا وتدني عليها السابري ليقيها من يبس السيف. وقوله : إذا أخذتها هزة ... إلخ ، الهزة ، بالفتح مصدر هززت الشيء هزا فاهتز ، أي : حركته فتحرك ، والهزة ، بالكسر : نوع منه. والروع : الفزع. د قال شارح ديوانه : أي أخذتها رعدة الفزع ، إذا فزعت من شيء تراه ، أو من خوف أن يشعروا بنا. ويقال : يعتريها رعدة الجماع ، ويقال : تخاف من الافتضاض ، فتمسك بمنكبي تضمني إليها ، لتسكن من شدة الفزع ، لأنها لم تخرج من خدرها ، ولم تباشر الرجال ، فهي فزعة مذعورة لما يراد منها. انظر خزانة الأدب 3 / 474.

ص: 204

وفي الرفع :

هريرة ودعها ، وإن لام لائمو

هذا فيما ينون فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون فقول جرير في الرفع :

متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيّتها الخيامو (1)

وقال في الجر :

أيهات منزلنا بنعف سويقة

كانت مباكة من الأيامي

وفي النصب :

أقلّي اللّوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا (2)

فهذا وجه :

ص: 205


1- البيت من قصيدة لجرير هجا بها الأخطل النصراني. وهذا مطلعها : متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام تنكر من معالمها ومالت دعائمها وقد بلي الثمام أقول لصحبتي لما ارتحلنا ودمع العين منهمر سجام انظر خزانة الأدب 3 / 313.
2- على أن تنوين الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام - وقد اجتمعا في هذا البيت - والفعل سواء كان ماضيا كما ذكر أو مضارعا. انظر خزانة الأدب 1 / 25.

الثاني : ناس كثيرون من بني تميم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون ولا ينون لمّا لم يريدوا الترنم يقولون :

يا أبتا علّك أو عساكن

ويا صاح ما هاج الدموع الذّرفنّ

قال العجاج :

من طلل كالأتحمي أنهجن

وكذلك الجر والرفع والمكسور والمبني والمفتوح المبني والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب.

الثالث : إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر يقولون :

أقلّي اللّوم عاذل والعتاب

وقال الأخطل :

واسأل بمصقلة البكري ما فعل (1)

ويقولون :

قد رابني حفص فحرّك حفصا

يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب كما يفعلون في الكلام والياءات والواوات اللواتي هنّ لا مات إذا كان ما قبلها حرف الروي فعل بها ما فعل بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي فالأصل والزائد للإطلاق والترنم سواء في هذا من أثبت الزائد أثبت الأصل ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل فمن ذلك إنشادهم لزهير :

وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر

ص: 206


1- أي : عن مصقلة. وتغلب : قبيلة القطامي ، وهو تغلب بن وائل. ثم أخذ بعد هذا يذكر مآثر قومه في الجاهلية. انظر خزانة الأدب 3 / 316.

وكذلك : يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفا الواو إن شئت وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل فتقرأ (والليل إذا يسر) إذا وقفت ، وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنّ الألف ؛ لأن هذه الألف لما كانت تثبت في الكلام جعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلا من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول : لم يعلم لنا الناس مصرع فتحذف الألف قال رؤبة :

داينت أروي والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا (1)

فكما لا تحذف ألف (بعضا) لا تحذف (لف تقضي).

وزعم الخليل : أن واو يغزو وياء (يقضي) إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في (وقاتم الأعماق خاوي المخترق) حروق رويّ فكما لا تحذف القاف لا تحذف واحدة منهما وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم.

وقال سيبويه : وقد دعاهم حذف ياء (يقضي) إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء (يقضي) لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين بنينا على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله :

يا عجبا للدّهر شتّى طرائقه

وقال : سمعت من العرب من يروي هذا الشعر :

لا يبعد الله أصحابا تركتهم

لم أدر بعد غداة الأمس ما صنع

يريد : ما صنعوا.

وقال عنترة :

ص: 207


1- الشاهد تنوين الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام - وقد اجتمعا في هذا البيت - والفعل سواء كان ماضيا كما ذكر أو مضارعا. انظر خزانة الأدب 1 / 25.

يا دار عبلة بالجواء تكلّم (1) ...

يريد : تكلمي.

فأما (الهاء) فلا تحذف من قولك : شتّى طرائقه وما أشبهه ؛ لأن الهاء ليست من حروف المد واللين قال : وأنشدنا الخليل :

خليليّ طيرا بالتّفرّق أوقعا ...

فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من (يقضي) فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط ولم يجيء في الألف ولم يجز لما نقدم ذكره.

واعلم أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها ولا يقع ذلك في غير المجرور كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لالتقاء الساكنين كسروا ، قال امرؤ القيس :

أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي

وأنّك مهما تأمري القلب يفعل

وقال طرفة :

متى تأتني أصبحك كأسا رويّة (2) فإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد

ص: 208


1- يبنى المضارع على حذف النون إذا اتصل بآخره ألف الاثنين ؛ مثل : اخرجا ، أو واو الجماعة ، مثل : اخرجوا ، أو ياء مخاطبة ؛ مثل : اخرجى. فكل واحد من هذه الثلاثة فعل أمر ، مبنى على حذف النون ، والضمير فاعل (وهو ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة). ومن الأمثلة قوله تعالى لموسى وفرعون : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ،) وقوله : (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) وغدا - وقول الشاعر : يا دار عبلة بالجواء تكلمى .... وعمى صباحا - دار عبلة - واسلمى
2- هو من معلقة طرفة بن العبد. وقبله : الطويل ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم أرفد فإن تبغني في حلقة القوم تلقني وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد متى تأتني أصبحك كأسا روية وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد انظر خزانة الأدب 3 / 412.

ولو كانت في قواف مرفوعة أو منصوبة كان اقواء وقال أبو النجم :

إذا استحثّوها بحوب أو حلى ...

وحل مسكنة في الكلام.

قال سيبويه : ويقول : الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامه (قالا) فيمد (قال ويقولوا) فيمد (يقول) ومن العامي فيمدّ (العام) سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكرونه ولم يقطعوا كلامهم فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون : إنه (قدي) في (قد) ويقولون : إلى في الألف واللام يتذكرون الحارث ونحوه.

قال : وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول : (هذا سيفني يريد : سيف ولكنّه تذكر بعد كلاما ولم يرد أن يقطع اللفظ ولو أراد القطع ما نون فالتنوين حرف ساكن فكسر كما كسر دال (قد).

ص: 209

باب (من) و (أي) إذا كنت مستفهما عن نكرة

إذا قال القائل : رأيت رجلا قلت : منا ، وإذا قال هذا رجل قلت : منو ، وإن قال : رأيت رجلين قلت : منين ، وإن قال : (هذان رجلان) قلت : منان (1) وفي الجميع منون ومنين وللمؤنث : منه ومنت مثل : بنت وابنة ومنتان ومنات.

وزعم الخليل : أنّ هذا الباب في (مأ) إذا وصلت قلت : من يا فتى وإنما يصلح هذا في الوقف فقط.

قال سيبويه : وحدثنا يونس : أن ناسا يقولون : منا ومنى ومنو واحدا كان أو اثنين أو جماعة ، وإذا قال : رأيت امرأة ورجلا قلت : من ومنا لأنك تقول : من يا فتى في الصلة للمؤنث ، وإن بدأت بالمذكر قلت : من ومنه قال : فإذا قال : (رأيت عبد الله) فلا تقل : منا لا يصلح ذلك في شيء من المعرفة.

قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقال له : ذهب معهم فيقول : مع منين وقد رأيته فيقول : منا ، وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم والعرب تختلف في الاسم المعروف فأهل الحجاز إذا قال الرجل : (رأيت زيدا) قال : (من زيدا) يحكون نصب أو رفع أو جر ، وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الاسم الغالب فإذا قال : (رأيت أخا زيد) لم يجز : (من أخا زيد) إلا قول من قال : (دعنا من تمرتان) وليس بقرشيا والواجب الرفع وقال يونس : إذا قال رجل : رأيت زيدا وعمرا أو زيدا وأخاه أو زيدا أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد : ما زيد إلا منطلق إلى

ص: 210


1- تثنّى" من" الاستفهامية ، وذلك إذا كنت مستفهما عن نكرة ، تقول : " رأيت رجلين" فتقول : منين؟ كما تقول : أيّين؟ وأتاني رجلان ، فتقول : منان؟ ، وأتاني رجال فتقول : منون؟ ، وإذا قلت : رأيت رجالا ، فتقول :منين؟ كما تقول : أيّين. ، وإذا قال : رأيت امرأة ، قلت : منه؟ كما تقول : أيّة ، وإن قال : رأيت امرأتين ، قلت :منين؟ كما قلت : أيّتين ، ، فإن قال : رأيت نساء ، قلت : منات؟ كما قلت : أيّات. إلّا أنّ الواحد يخالف أيّا في موضع الجرّ والرّفع ، وذلك قولك" أتاني رجل" فتقول : منو؟ وتقول : مررت برجل ، فتقول : مني؟. انظر معجم القواعد 25 / 100.

الأصل فأما ناس فإنهم قالوا : من أخو زيد وعمرو ومن عمرا وأخا زيد يتبع الكلام بعضه بعضا ، وإذا قالوا : (من عمرا ومن أخو زيد) رفعوا (أخا زيد) قال : وسألت يونس عن رأيت زيد بن عمرو فقال : أقول : من زيد بن عمرو ؛ لأنه كالواحد فمن نون زيدا رفع في قول يونس ، فإن أدخلت الواو والفاء في (من) فقلت : فمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع ويقول القائل : رأيت زيدا فتقول : المنيّ ، فإن قال : رأيت زيدا وعمرا قلت : المنين ، وإن ذكر ثلاثة قلت : المنيينّ تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت : القرشيّ أم الثقفيّ نصب ، وإن شاء رفع على (هو) كما قال صالح في جواب كيف أنت وما أي فهي مخالفة (لمن) لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت : إذا قال : رأيت رجلا أيا ، فإن قال : رجلين قلت : أييّن وللجميع : أيين ، فإن ألحقت (يا فتى) فهي على حالها ، وإذا قلت : رأيت امراة قلت : أية يا فتى وللإثنتين : أيتّين (1) يا فتى والجماعة أيّات يا فتى ، وإن تكلم بجميع ما ذكرنا ومجرورا جررت ، وإن رفع رفعت ، فإن قال : رأيت عبد الله ، فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع (أيّ) في المعرفة إلا الرفع فأيّ ومن يتفقان في أشياء ويختلفان.

فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى (الذي) تقول : اضرب أيهم هو أفضل واعط أيهم كان أفضل واضرب أيهم أبوه زيد كما تقول : اضرب من أبوه زيد ومن هو أفضل ، فإن قلت : (اضرب أيهم عاقل) رفعت هذا مذهب سيبويه وهو عندي مبني (لأنّ) الذي عاقل قبيح ، فإن دخلت (هو) نصبت وزعم الخليل أنه سمع عربيا يقول : ما أنا بالذي قال لك شيئا فعلى هذا تقول : اضرب أيهم قائل لك خيرا إذا طال الكلام حسن حذف (هو) ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت : اضرب من أفضل ورفع أضرب أيّهم أفضل وهو بمعنى (الذي) عندي

ص: 211


1- تقول : أيّين؟ وأتاني رجلان ، فتقول : منان؟ ، وأتاني رجال فتقول : منون؟ ، وإذا قلت : رأيت رجالا ، فتقول : منين؟ كما تقول : أيّين. ، وإذا قال : رأيت امرأة ، قلت : منه؟ كما تقول : أيّة ،. وإن قال : رأيت امرأتين ، قلت : منين؟ كما قلت : أيّتين ، ، فإن قال : رأيت نساء ، قلت : منات؟ كما قلت : أيّات. إلّا أنّ الواحد يخالف أيّا في موضع الجرّ والرّفع ، وذلك قولك" أتاني رجل" فتقول : منو؟ وتقول : مررت برجل ، فتقول : مني؟. انظر معجم القواعد 25 / 100.

ناقص لأصول العربية إلا أن تراد الحكاية أو ضرب من الضروب يمنع الفعل من الإتصال (بأي) وما يفارق (أي) فيه (من) أن أي تضاف و (من) لا تضاف ومن تصلح للواحد والإثنين والجماعة والمذكر والمؤنث فمن ذلك : (ومنهم من يستمعون إليك) ومن كانت أمّك وتقول أيضا : أيهم كانت أمّك وزعم الخليل أن بعضهم قرأ : (ومن يقنت منكنّ لله) وقال الفرزدق :

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (1)

فأي : إنما هي بعض لما أضيفت إليه ومن قد حكى فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك : مررت بمن صالح وقالوا : من تكون استفهاما وتعجبا وجزاء قال بعض الكوفيين : إذا وقعت على نكرة كانت تعجبا ولم تكن استفهاما ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها ، وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والاستفهام فإذا قلت : أيّ الرجلين أخواك وأي رجال إخوتك فهو على العدد ، وإذا قلت : أي الزيدين أخوك وأي الثلاثة صاحبك وصاحباك فلا يجوز أصحابك لأنها تزيد بعد المعرفة.

واعلم أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض لأنك إذا قلت : أي الرجلين أخواك إنما تريد : أي الرجال إذا صنفوا رجلين رجلين أخواك وقد حكى أن (ذا) قد جاءت بمعنى (الذي).

ص: 212


1- أن يقترن بالعاقل في عموم فصل ب" من" الموصولة ، نحو : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)(مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (الآية : 45 سورة النور) فأوقع" من" على غير العاقل لمّا اختلط بالعاقل. وقد يراد ب" من" الموصولة المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث ، فمن ذلك في الجمع قوله عزّ وجلّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (الآية : 45 سورة النور) وقال الفرزدق في الاثنين : تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان وفي المؤنث قرأ بعضهم : ومن تقنت منكن لله ورسوله (الآية : 31 سورة الأحزاب). أما المفرد المذكر فكثير. انظر معجم القواعد 25 / 101.

باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام

يقول الرجل : ضربت زيدا ، فتقول إذا أنكرت : أزيدنيه ، وإن كان مرفوعا أو مجرورا فهذا حكمه.

إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لالتقاء الساكنين مثل التنوين.

وإن كان مضموما جعلته واوا ، وإن كان مكسورا جعلته ياء ، وإن كان مفتوحا جعلته ألفا ، فإن قال : (لقيت زيدا وعمرا) قلت : أزيدا وعمرنيه ، وإذا قال : ضربت عمر قلت :أعمراه ، فإن قال : ضربت زيدا الطويل قلت : الطويلاه ، وإن قلت : أزيدا يا فتى تركت الزيادة إذا وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الاسم أن فيقول : أعمرانيه.

قال سيبويه : سمعنا رجلا من أهل البادية قيل له : أتخرج إن أخصبت البادية فقال : أنا إنيه منكرا.

ومما زادوا الهاء فيه بيانا قولهم : أضربه يريد : اضرب وتقول إني قد ذهبت فيقول : أذهبتوه ويقول : أنا خارج فتقول : أنا إنيه تلحق الزيادة ما لفظته وتحكيه.

ص: 213

ذكر الهمزة وتخفيفه

اشارة

الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة ، فالساكنة لها ثلاث جهات : إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة.

فإن كان قبلها فتحة أبدلت ألفا ، وذلك في راس راس وفي يأس ياس وفي قرأت قرات ، وإن كان قبلها كسرة أبدلت ياء ، وذلك قولهم : في الذئب الذيب (1) وفي المئرة الميرة ، وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوا ، وذلك قولك في البؤس البوس والمؤمن المومن وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها ؛ لأنه ليس شيء أقرب منه فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكنا أو متحركا فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين :

1 - همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمد.

2 - والضرب الآخر : همزة قبلها حرف غير مد

فالضرب الأول : الهمزة المتحركة التي قبلها مدّة

فهي تبدل إذا كان قبلها واوا أو ياء ، وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروّ فاعلم وأبدلت الهمزة واوا وإنما فعلت ذاك ؛ لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مفعولة ومفعول ، وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء تقول في : خطيئة خطيّة ، وفي النسيء النسيّ يا هذا ، وفي أفيئس تصغير أفأس أفيّس ، وفي سويئل وهو تصغير سائل سويل ، فياء التصغير بمنزلة ياء خطية.

ص: 214


1- الهمزة الساكنة إن كان كا قبلها متحركا : تكتب الهمزة السّاكنة وقبلها متحرّك على حرف من جنس الحركة التي قبلها ، ، فإن كان ما قبلها مفتوحا كتبت على" ألف" نحو" رأس" و" بأس" و" كأس" ، وإن كان ما قبلها مكسورا كتبت على" ياء" (عنما قلت على ياء ، ولم أقل على نبرة كما هو اصطلاح المتأخّرين ، لأنها تسهّل إلى ياء والحجازيّون وهم أفصح العرب وأكثر السّلف يسهّلون هذا النوع من الهمزات إلى الحروف التي تحتها فيقولون مثلا" ذيب" و" بير" و" يومن" و" كاس" ، ، فإن لم تقل توضع الهمزة على ياء وعلى ألف وعلى واو ضاع التّسهيل ، وأضعنا نطفا فصيحا) ، نحو"" ذئب" و" بئر" وشئت" و" جئت" ، وإن كان ما قبلها مضموما كتبت على" واو" نحو" مؤمن" و" يؤمن" و" بؤس". انظر معجم القواعد 30 / 4.

وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحا قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدة كانت لا تحرك أبدا وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير ونحو ألف دراهم ألا ترى أنك تقول : دريهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألف ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف ولا تحرك كما لا تحرك الألف ، وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفا جعلت بين بين ومعنى قول النحويين :(بين بين) أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأن تلينها ، فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة ، وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة ، وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة.

وقال سيبويه : ولا يجوز أن تجعل الهمزة بين بين في التخفيف إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن ولو لا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك ؛ لأنه لا يجمع بين ساكنين ، وذلك في المسائل المسايل يجعلها بين الياء والهمزة وفي هباءة هباأة فيجعلونها بين الهمزة والألف يلين الصوت بها وتقول في : جزاء أمه جزاؤامه جزاؤامه.

الضرب الثاني : الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مدّ

فمن يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها ، وذلك قولك في المرأة المرة وفي الكماة الكمة وقال الذين يخففون : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(1) [النمل : 25] ومن

ص: 215


1- (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) هذه قراءة أبي عمرو ، وعاصم ، ونافع ، وحمزة ؛ وقرأ الزهري ، وأبو جعفر ، وأبو عبد الرحمن ، وحميد ، وطلحة ، والكسائي : (ألا يا اسجدوا لله) القراءة الأولى هي أن دخلت عليها ، و (إن) في موضع نصب ، قال الأخفش المعنى : لئلا يسجدوا ، وقال الكسائي المعنى : فصدهم أن لا يسجدوا ، وقال علي بن سليمان : أن بدل من أعمالهم في موضع نصب ، وقيل : موضعها خفض على البدل من (السبيل) ، والقراءة الثانية بمعنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ؛ كما قال : ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر وقال آخر : يا لعنة الله والأقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار والمعنى : يا هؤلاء لعنة الله ؛ قال أبو جعفر : وهذا موجود في كلام العرب ؛ إلا أنه غير معتاد أن يقال : يا قدم زيد ؛ والقراءة به بعيدة ؛ لأن الكلام يكون معترضا ، والقراءة الأولى يكون الكلام بها متسقا ، وأيضا السواد على غير هذه القراءة ؛ لأنه قد حذف منها ألفان ، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : 3 / 142].

ذلك : من بوك ومن مّك وكم بلك إذا خففت ومثل ذلك : الحمر تريد الأحمر وقد قالوا : الكماة والمراة ومثله قليل ومما حذف في التخفيف ؛ لأن ما قبله ساكن قولهم : أرى وترى ونرى ويرى.

وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأوه قلت : روه حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره أرأوه مثل : أرعوه دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل ، فإن أمرت واحدا قلت : ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل ارأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في : اخش يا هذا وكان الأصل اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها قال سيبويه : وحدثني أبو الخطاب : أنه سمع من يقول : قد أراهم فجاء به على الأصل.

ص: 216

باب ذكر الهمزة المتحركة

لا تخلو الهمزة المتحركة من إحدى ثلاث جهات من الضم أو الكسر أو الفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها (بين بين) إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك ؛ لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، وذلك محال فأما ما تجعل من ذلك (بين بين) فنحو : سأل وسيئم وقد قرأه وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها (بين بين) إلا ما استثنيته من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة ، فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بين بين بين الألف والهمزة ، وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوا ، وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياء فتقول في التخفيف في التؤدة التودة فيجعلونها واوا خالصة ونريد أن نقريك في نقرئك وفي المئر المير ياء خالصة وتقول في المتصل من غلام يبيك وهذا غلام وبيك ، وإن كانت الهمزة مكسورة وقبلها فتح صارت بين الهمزة والياء ، وذلك في يئس ييس وفي سئم سيم (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) [إبراهيم : 35].

وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو ، وذلك قولك : ضربت أختك ، وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بين بين ، وذلك : هذا درهم أختك ، وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بين بين ، وذلك من عند أختك وقال سيبويه : وهو قول العرب والخليل.

ص: 217

باب الهمزتين إذا التقتا

اشارة

وذلك على ضربين : فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة (1) وضرب في كلمتين منفصلتين

[الضرب الأول : يكونان فيه في كلمة واحدة]

اعلم أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بدّ من إبدال الآخرة ولا تخفف فمن ذلك قولك في فاعل جائي أبدلت مكانها الياء ؛ لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفا نحو : آدم لانفتاح ما قبلها قال : وسألت الخليل عن فعلل من جئت فقال : جيأي

ص: 218


1- لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان في النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة والعقبة المتكلف صعودها ، فلهذا سمي تخفيفها تسهيلا ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع الإبدال والنقل وجعلها بين بين وتجتمع الأنواع الثلاثة في باب وقف حمزة وهشام وللنقل باب مختص به والإبدال له باب الهمز المفرد وهو يقع في المتحركة والساكنة ، ، وأما النقل وبين بين فلا يكونان إلا في المتحركة وهذا الباب وما بعده مختصان بما يسهل بين بين ويقع فيهما ذكر الإبدال قليلا ولفظ التسهيل ، وإن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة والمعنى إلا أنه قد صار في اصطلاح القراء وكثرة استعمالهم وتردده في كلامهم كالمختص ببين بين أي تكون الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها وقد بين ذلك في آخر الباب الذي بعد هذا ، ثم الهمزة الأولى في هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتي قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه في مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو (قل أؤنبئكم) - (قلءأنتم أعلم) - (قل أئنكم لتكفرون) ، وهذا سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله تعالى ، وأخرى بمعنى أخيرة أي الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة وهي الثانية والأصل الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى ، (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى ،) ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى ،) وقال تعالى في موضع آخر (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ،) فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى في قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى ،) وقال تعالى أيضا (قالَتْ أُخْراهُمْ) و (قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ ،) أي الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة ومنه قوله جاء بي في أخريات الناس أي أواخرهم ولا أفعله أخرى الليالي أي أبدا ، فالهمزة الأخيرة من همزتين وهي الثانية تسهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة والألف إن كانت مفتوحة وبين الهمزة والياء إن كانت مكسورة وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة والذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله سما وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وسما خبر قوله وتسهيل أخرى همزتين وإنما صح الابتداء بلفظ تسهيل وهو نكرة لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا بكلمة صفة لهمزتين أي كائنتين بكلمة كقولك بيت رجل ذي علم مقصود.

مثال جيعا ، وإذا جمعت آدم قلت : أوادم كما أنك إذا حقرت قلت : أويدم صيروا ألفه بمنزلة ألف خالد ؛ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف (خالد) لإنفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها ، وأما خطايا فأصلها خطائي فحقها أن تبدل ياء فتصير : خطائي فقلبوا الياء ألفا رفعوا ما قبلها كما قالوا مداري أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا (مطايا) وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا ، وذلك قولهم : كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان ؛ لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء ؛ لأن الألف الآخرة تسقط ويجري الاسم في الكلام.

الضرب الثاني : من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين

(1)

ص: 219


1- قال الشاطبي : وأسقط الأولى في اتّفاقهما معا إذا كانتا من كلمتين فتى العلا فتى العلا فاعل أسقط يعني ولد العلا وهو أبو عمرو بن العلاء أسقط الهمزة الأولى من المتفقتين بالفتح والكسر والضم وهذا نقل علماء القراءات عن قراءة أبي عمرو بإسقاط الهمزة ، ثم منهم من يرى أن الساقطة هي الأولى ؛ لأن أواخر الكلم محل التغيير غالبا ومنهم من يجعل الساقطة هي الثانية ؛ لأن الثقل بها حصل ، والذي نقله النحاة عن أبي عمرو أنه يخفف الأولى من المتفق والمختلف جميعا ، قال أبو علي في التكملة أهل التحقيق يحققون إحداهما فمنهم من يخفف الأولى ويحقق الثانية ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الثانية وهو الذي يختاره الخليل ويحتج بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة نحو آدم وآخر فكذلك إذا كانتا من كلمتين ، قال الخليل رأيت أبا عمرو قد أخذ بهذا القول في قوله (يا ويلتي أألد) ، قال العبدي في شرحه مذهب أبي عمرو تخفيف الأولى ، ومذهب الخليل تخفيف الثانية والقراء على خلاف ما حكاه النحويون عنه وذلك أنهم يقولون الهمزتان إذا التقيا بحركة واحدة حذفت إحداهما حذفا من غير أن تجعلها بين بين ، وإذا اختلفت الحركة عادوا إلى ما قلناه ، قال وقياس قول أبي عمرو المحذوفة هي الأولى ؛ لأنه حكى مذهبه أن تكون الأولى بين بين ، قلت ومن فوائد هذا الاختلاف ما يظهر في نحو (جاء أمرنا) ، من حكم المد فيه ، ، فإن قيل الساقطة هي الأولى كان المد فيه من قبيل المنفصل ، ، وإن قيل هي الثانية كان المد من قبيل المتصل ، وقد نص مكي في كتاب التبصرة على قول أن الساقطة هي الأولى ، ثم إن القارئ لأبي عمرو إذا وقف على جاء فإنه يمد يعني قوله تعالى في سورة يوسف (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ،) خالفا فيها أصلهما فعدلا عن تسهيل همزة السوء بين بين ؛ لأن لغة العرب في تخفيف همزة مثل ذلك على وجهين سيأتي ذكرهما في باب وقف حمزة وهشام ، أحدهما أن تلقى حركة الهمزة على الواو وبحذف الهمز وهذا لم يقرأ به لهما وهو الوجه المختار في تخفيف همز ذلك وقد نبه عليه مكي رحمه الله في التبصرة ، والثاني أن تبدل الهمزة واوا وتدغم الواو التي قبل الهمزة فيها وهذا الوجه هو المذكور لهما في هذا البيت أي أبدلا الهمز واوا ثم أدغما فيها الواو التي قبلها وإنما اختارا هذا على وجه نقل الحركة ؛ لأن النقل يؤدي هنا إلى أن تنكسر الواو بعد ضمة فتصير مثل قول وهو مرفوض في اللغة وقول بالتشديد مستعمل وهو أخف من قول ولعل سببه حجز الساكن بين الضمة والكسرة ، وقد فعل قالون نحو ذلك في لفظ النبي في موضعين في سورة الأحزاب ؛ لأنه يهمز لفظ النبي وقبل الهمز ياء فأبدل الهمزة ياء وأدغم فيها الياء التي قبلها وذلك متعين ثم لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى الياء لأنها زائدة بخلاف الواو هنا وهذا سيأتي ذكره في سورة البقرة إن شاء الله تعالى ثم قال وفيه أي وفي تخفيف بالسوء خلاف عن قالون والبزي ليس مقفلا أي ليس مغلقا أو ليس مقفلا عليه أي ممنوعا لا يوصل إليه بل هو مشهور معروف في كتب مصنفة منها التبصرة لمكي ، وإن كان صاحب التيسير ما ذكره ولم يذكر هذه المسألة إلا في سورتها والخلاف المشار إليه أنهما قرآها بين بين على أصلهما ولا يمنع من ذلك كون الواو ساكنة قبلها فإنها لو كانت ألفا لما امتنع جعلها بين بين بعدها لغة على ما يأتي فالواو قريبة منها والله أعلم ، قال مكي ذكر عن قالون فيها أنه يجعل الأولى كالياء الساكنة قال والأحسن الجاري على الأصول إلقاء الحركة ولم يرو عنه ويليه في الجواز الإبدال والإدغام وهو الأشهر عن قالون وهو الاختيار لأجل جوازه والرواية قال فأما البزي فقد روي عنه الوجهان. انظر إبراز المعاني لأبي شامة 1 / 198.

اعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة ، فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عينا مضاعفة في الأصل نحو : سمائين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو ، وذلك قول الله عز وجل : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) [محمد : 18](يا زَكَرِيَّا إِنَّا) [مريم : 7] ومنهم من يحقق الأول ويخفف الآخرة وكان الخليل يستجب هذا ويقول : لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم وأخذ به أبو عمرو في قوله : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) [هود : 72].

فحقق الأولى وقال سيبويه : وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة ويدلك على ذلك قول الأعشى :

أأن رأت رجلا أعشى أضرّبه

ص: 220

فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت ، وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين ؛ لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت فتقول : اقرأ آية في قول من خفف الأولى ؛ لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها ومن حقق الأولى قال : اقر آية ويقولون : اقري مثل : اقر آية ؛ لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن ، وأما أهل الحجاز فيقولون : اقرأ آية. ويقولون : (أقري باك السّلام) يبدلون الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفا إذا التقتا ، وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا : اخشينان فهؤلاء أهل التحقيق ، وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول : آإنك وآأنت وهي التي يختار أبو عمرو ويدخلون بين الهمزتين ألفا ويجعلون الثانية بين بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين وكرهوا الهمزة التي هي بين بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة ، وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعا ويدخلون بينها ألفا ، وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية واعلم أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتجعل في لغة أهل التخفيف بين بين قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحا والياء إذا كان ما قبلها مكسورا ياء مكسورة وليس هذا بقياس مطرد وإنما يحفظ عن العرب حفظا فمن ذلك قولهم في (منسأة) منسأة ومن العرب من يقول في أو أنت أوّنت وأبو يوب في أبو أيوب وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء : سوّة وضو شبهوه بأوّنت ، فإن خففت في قولهم : أحلبني إبلك وأبو أمّك لم تثقل الواو كراهية لإجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها وبعضهم يقول : يريد أن يجيك ويسوك وهو يجيك ويسوك يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو وعلى هذا تقول : هو يرم خوانه يريد : يرم أخوانه حذف الهمزة وأذهب الياء لالتقاء الساكنين.

قال أبو بكر : ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتثنية والجمع الذي على حدها والعدد وجمع التكسير والتصغير والنسب والمصادر وما اشتق منها والإمالة والأبنية والتصريف والإدغام وضرورة الشاعر.

ص: 221

باب المذكر والمؤنث

التأنيث يكون على ضربين : بعلامة وغير علامة ، فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين : فأحد اللفظين التاء تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة والآخر الألف ، أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب :

الأول : دخولها على نعت يجري على فعله ، وذلك قولك : في قائم ومفطر وكريم ومنطلق إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يسم فهذا بابه وجميع هذا نعت لا محالة وهو مأخوذ من الفعل.

الثاني : دخولها فرقا بين الاسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأنثاه ذكر ، وذلك قولهم :امرؤ وامرأة ومرء ومرأة ويقولون رجل وللأنثى رجلة قال الشاعر :

ولم يبالوا حرمة الرّجلة ...

والثالث : دخولها فرقا بين الجنس والواحد منه نحو قولك : تمر وتمرة ، وبسر وبسرة وشعير وشعيرة وبقر وبقرة فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والذكير فتقول هو التّمر وهو البسر وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه ولك أن تقول : هي التمر وهي الشعير وكذلك ما كان مثلها قال الله عز وجل : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : 7] فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة ومن هذا الباب جراد وجرادة وإنما هو واحد من الجنس ليس جراد بذكر جرادة.

واعلم أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه ؛ لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة فأما حيّة فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس (حيّ) ؛ لأنه في الأصل نعت حي يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب.

الرابع : ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذكر وذلك : بلدة ومدينة وقرية غرفة.

ص: 222

الخامس : ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك : علّامة ونسابة وراوية فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره لمذكر أو مؤنث قلت أو كثرت.

السادس : الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفاعل وبابه ينقسم على ثلاث أنحاء فمن ذلك ما يراد به النّسب نحو : الأشاعثة والمهالبة والمناذرة والثاني : أن يكون من الأعجمية المعربة نحو : الجواربة والموازجة والسيّابجة والبرابرة.

وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار الثالث : أن تقع الهاء في الجمع عوضا من (ياء) محذوفة فلا بد منها أو من الياء ، وذلك في جمع جحجاج جحاجيج وفي جمع زنديق زناديق وفيفرزان فرازين ، فإن حذفت الياء قلت فرازنة وزنادقة وجحاجحة وليس هذا كعساقلة وصياقلة لأنك حذفت من هذا شيئا لا يجتمع هو والهاء ولو اجتمعا لم يكن معاقبا ولا عوضا.

وإنما قلت : إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء ألا ترى أن الاسم تمنعه الهاء من الإنصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة ، وإن الهاء كياء النسب تقول : بطة وبط وتمرة وتمر فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء وكذلك تقول :(زنجي وزنج وسندي وسند وروميّ وروم ويهوديّ ويهود) فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة تأتي بها في أي وزن كان وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تميمي تميميّ وفي تصغير جمزي جميزيّ وتقول : في عنترة عنتيريّ فالاسم على ما كان عليه.

السابع : ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى ، وذلك نحو :حمامة ودجاجة وبطة وبقرة واقع على الذكر والأنثى ألا ترى قول جرير :

لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقني

صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس

إنما يريد : زقاء الديوك.

ص: 223

باب التأنيث بالألف

اشارة

هذه الألف تجيء على ضربين : ألف مقصورة وألف ممدودة

[الضرب الأول من ألف التأنیث : هو الألف المقصورة]

والألف المقصورة تجيء على ضربين : فضرب لا يشك في ألفه أنها ألف تأنيث وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل.

الأول : ما جاء على فعلى فهو أبدا للتأنيث لا يكون هذا البناء لغيره ، وذلك نحو : حبلى وأنثى وخنثى ودنيا ؛ لأنه ليس في الكلام اسم على مثال (جعفر) فهذا ممتنع من الإلحاق.

الثاني منه : ما جاء على وزن الأصول وبابه أن ينظر هل يجوز إدخال الهاء عليه.

فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث ؛ لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث ، وإن امتنعت فهي للتأنيث فما الذي لا تدخل عليه الهاء فسكرى وغضبى ونحوه مما بني الذكر منه على فعلان نحو : سكران وغضبان وكذلك جمعه نحو : سكارى في أن الألف للتأنيث ومن ذلك : مرضى وهلكى وموتى فأما ما تدخله الهاء فنحو : علقاة وأرطأة وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف.

الضرب الثاني من ألف التأنيث : هو الألف الممدودة

وهي تجيء على ضربين : منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه ومنه ما يجيء اسما وليس له مذكر اشتق له من لفظه.

فالضرب الأول يجيء على فعلاء نحو : حمراء وخضراء وسوداء وبيضاء وعوراء : والمذكر من جميع ذا على (أفعل) نحو : أحمر وأخضر وأعور وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث.

وأما ما جاء اسما لواحد ولجميع فالواحد نحو : صحراء وطرفاء وقعساء وحلفاء وخنفساء وقرفصاء ، وأما ما جاء لجمع فنحو : الحكماء والأصدقاء والأخمساء ، وأما بطحاء وأبطح : فأصله صفة ، وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسما مثل : أبرق وبرقاء وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال : جبل أبرق ، وأما قوباء وخششاء فهو ملحق بقسطاط

ص: 224

وقرطاط وكذلك : علباء وحرباء وقيقاء وزيزاء مذكرات ملحقات بسرادح ومداتهن منقلبات وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحا ليست ألفه للتأنيث.

الضرب الثاني : من القسمة الأولى من المؤنث وهو ما أنث بغير علامة من هذه العلامات وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضا فغير عن حرف التأنيث واسم يلزم التأنيث ، وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه واسم يذكر ويؤنث.

الأول : قولك : أتان وحمار وعناق ورخل وجمل وناقة صار هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفا معروفا (بذي) عن العلامة ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك وكذلك حجر.

الثاني : ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازما أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره ، وذلك أنه ليس شيء من ذوات الثلاثة كان مؤنثا إلا وتصغيره يرد الهاء فيه ؛ لأنه أصل للمؤنث ، وذلك قولك : في بغل بغيلة وفي ساق سويقة وفي عين عيينة ، وأما قولهم في : حرب حريب وفي فرس فريس ، فإن حرابا إنما هو في الأصل مصدر سمي به ، وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى ، فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسة ، فإن كان الاسم رباعيا لم تدخله الهاء في التصغير ، وذلك نحو : مقرب وأرنب وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث ، وذلك نحو : إبل وغنم تقول في تصغير غنم غنيمة وفي إبل أبيلة ولا واحد في لفظه وكذلك خيل هو بمنزلة هند ودعد وشمس فتصغر ذلك فتقول :غنيمة وخييلة ، فإن كان شيء من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث.

الثالث : وهو ما يذكر ويؤنث ، فمن ذلك الجموع لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة فأما قوم فيقولون في تصغيره قويم وفي بقر بقير وفي رهط رهيط لأنك تقول في ذلك (هم) ولا يكون ذلك لغير الناس ، فإن قلت فقد أقول : جاءت الرجال و (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)

ص: 225

[الحج : 42] وما أشبه ذلك فإنما تريد جاءت جماعة الرجال وكذبت جماعة قوم نوح كقول الله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82] إنما هو أهل القرية وأهل العير فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : 20] فهذا على لفظ الجنس.

وقال : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : 7] على معنى الجماعة وتقول : هذه حصى كبيرة وحصى. كثيرة وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء قال الأعشى :

فإن تبصرني ولي لمّة

فإنّ الحوادث أودى بها (1)

لأن الحوادث جمع حدث والحدث مصدر والمصدر واحده وجمعه يؤولان إلى معنى واحد وكذلك قول عامر بن حريم الطائي :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (2)

ص: 226


1- على أن إن الشرطية المقرونة بما الزائدة ، يلزم توكيد شرطها بالنون عند الزجاج. وترك توكيد جيد عند غيره. وهذا البيت يدل لغير الزجاج ، فإنه لم يؤكد فعل الشرط فيه. قال ابن الناظم : وأما الشرط بإما فتوكيده بالنون جائز ، قال تعالى : "فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ" ، و "إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً". وقد تخلو من التوكيد بها. كما في قوله : فإما تريني ولي لمة البيت وقول الآخر : البسيط يا صاح إما تجدني عير ذي جدة فما التخلي عن الخلان من شيمي وقال ابن هشام في المغني : يقرب التوكيد من الوجوب بعد إما. وذكر ابن جني أنه قرئ : فإما ترين بياء ساكنة بعدها نون الرفع. انظر خزانة الأدب 4 / 224.
2- هو نظير لعرفات : في كونها مؤنثة لا يجوز فيها التذكير إلا بتأويل بعيد ، وهو أن يراد بها المكان. وأورده أيضا في باب المذكر والمؤنث على أنه لا يحذف علامة التأنيث في المسند إلى ضمير المؤنث المجازي إلا لضرورة الشعر. وهو من شواهد الكتاب و" مغني اللبيب". قال ابن خلف : الشاهد فيه أنه ذكر" أبقل" وهو صفة للأرض ضرورة ، حملا على معنى المكان ، فأعاد الضمير على المعنى وهو قبيح. والصحيح أنه ترك فيه علامة التأنيث للضرورة واستغنى عنه مما علم من تأنيث الأرض. وإلى هذا الوجه أشار أبو علي. وقال غيره : وإنما قبح ذلك لاتصال الفاعل المضمر بفعله ، فكأنه كالجزء منه حتى لا يمكن الفصل بينهما بما يسد مسد علامة التأنيث. ولا يخفى ما فيه. وعند ابن كيسان والجوهري أن الفعل إذا كان مسندا لضمير المؤنث المجازي لا يجب إلحاق علامة التأنيث. وقول بعضهم : وهذا ليس بضرورة لأنه كان يمكنه أن يقول" ولا أرض أبقلت إبقالها" بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها وإسقاطها - ليس بجيد ، لأن الصحيح أن الضرورة ما وقع في الشعر ، سواء كان للشاعر عنه فسحة أم لا. وأجاب السيرافي بأنه يجوز أن يكون الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة ، وحينئذ لا يمكنه ما ذكره. وذكر ابن يسعون أن بعضهم رواه بالتاء بالنقل المذكور. وقال ابن هشام : فإن صحت الرواية وصح أن القائل ذلك هو الذي قال و" لا أرض أبقل" بالتذكير صح لابن كيسان مدعاة ، وإلا فقد كانت العرب ينشد بعضهم بعضا ، وكل يتكلم على مقتضى لغته التي فطر عليها ، ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات. وزعم جماعة أنه لا شاهد فيه ، فقال أبو القواس في" شرح ألفية ابن معطي" أنه روى" إبقاها" بالرفع ، مسندا إلى المصدر. ويرده أن إبقالها منصوب على المصدر التشبيهي ، أي : ولا أرض أبقلت كإبقال هذه الأرض. ولو كان كما زعم كان معناه نفي الإبقال ، وهو نقيض مراد الشاعر. وزعم بعضهم أن ضمير أبقل عائد على مذكر محذوف ، أي : ولا مكان أرض ، فقال أبقل باعتبار المحذوف ، وقال إبقالها باعتبار المذكور. وهذا فاسد أيضا ، لأن ضمير إبقالها ليس عائدا على الأرض المذكورة هنا ، فتذكير" أبقل" باعتبار المحذوف لا دليل عليه ، ولو قال إن الأرض مما يذكر ويؤنث - كما قال أبو حنيفة الدينوري في" كتاب النبات" عند ما أنشد هذا البيت : إن الأرض تذكر وتؤنث ، وكذلك السماء ، ولهذا قال أبقل إبقالها - لكان وجها. انظر خزانة الأدب 1 / 16.

لأن أرضا ومكانا سواء ولو قال على هذا : (إنّ زينب قام) لم يجز ؛ لأن تأنيث هذا تأنيث حقيقي فمهما اعتوره من الاسم فخبرت عنه بذلك ، فإن الخبر عنه لا عن الاسم.

واعلم أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو تقول : فهر فهي مؤنثة وتصغيرها فهيرة وتقول : قتّب لحشوة البطن وهو المعي وتصغيره قتيبة وبذلك سمي الرجل قتيبة وكذلك : طريق وطرق وطريقين جرن وجرنات وأوطب وأواطب والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك :

ص: 227

اللسان يقال هو وهي والطريق مثله والسبيل مثله ، وأما قولهم : أرض فكان حقه أن يكون الواحد أرضة والجمع أرض لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرة من تمر ولكن لما كانت نمطا واحدا وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز وجل : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : 14] وقال : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : 12] فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزن وبحر وجبل قيل : أرضون كما تقول في التمر تمران تريد ضربين فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لو لا ما ذكرنا وإنما قالوا : أرضون والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصا كمشية وثبة وقلة وكلية لا بد أنها كانت هاء في الأصل فلذلك جاءت الواو والنون عوضا.

وطاغوت فيها اختلاف فقوم يقولون : هو أحد مؤنث وقال قوم : بل هو اسم للجماعة قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) [الزمر : 17] فهذا قول قال محمد بن يزيد : والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة وهو كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وغيره ومن حجر وخشب وما سوى ذلك قال الله عز وجل : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة : 257] فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له وقولهم : إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت والعنكبوت مؤنثة قال الله جل اسمه : (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) [العنكبوت : 41] والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية على وزن عناق وأتان وكل ما أنث وتأنيثه غير حقيقي والحقيقي : المؤنث الذي له ذكر فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل قال الله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) [البقرة : 275] ؛ لأن الوعظ والموعظة واحد ، وأما حائض وطامث ومفصل فهو مذكر وصف به مؤنث.

ص: 228

ذكر المقصور والممدود

وهما بنات الياء والواو اللتين هما لا مات فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة ؛ لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنّ بعد حرف مفتوح ، وذلك نظائرها من غير المعتل ، وذلك نحو : معطي وأشباهه ؛ لأنه معتل مثل مخرج ومثل ذلك المفعول ، وذلك أن المفعول من سلقيته فهو مسلقى والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في (سلقيت) حرفا غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح فكذلك هذا وأشباهه وكل شيء كان مصدرا لفعل يفعل وكان الاسم أفعل فهو منقوص ؛ لأنه على مثال : حول يحول فهو حول واسمه أحول فمن ذلك قولهم : للأعشى به عشي وللأعمى به عمى وللأقنى به قنى.

وما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعل فعل يفعل والاسم منه فعل ، وذلك فرق يفرق فرقا فمصدر هذا من بنات الياء والواو على (فعل) هوي يهوى ورديت تردى وهو رد وهو الردّى وصديت صدى وهو صدّ ولويت لوى وكذلك : كري يكرى كرى ، وإذا كان (فعل) يفعل فعلاء والاسم منه فعلان فهو أيضا منقوص نظيره من الصحيح : عطش يعطش عطشا وهو عطشان وله فعلى نحو : عطشى والمعتل : نحو طوي يطوي طوى وصدي يصدى صدى وهو صديان وقالوا : رضي يرضى رضا وهو راض وهو الرضا ونظيره : سخط يسخط سخطا وهو ساخط وكسروا الراء من رضا كما قالوا : الشيع فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يجسر عليه إلا سماعا ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو : قفا ورحىّ وقد يستبدل بالجمع إذا سمعت أرحاء وأقفاء علمت أنه جمع لمنقوص وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فعلة أو فعلة فهي مقصورة نحو : عروة وعرى وفرية وفرى أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو : الإستسقاء ؛ لأن استسقيت مثل استخرجت فكذلك الإشتراء ؛ لأن اشتريت مثل احتقرت ومن ذلك الأحبنطاء والإسلنقاء فإنه يجيء على مثال الإستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر

ص: 229

مضموم الأول ويكون للصوت ، وذلك نحو : العواء والزقاء والرّغاء ونظيره من غير المعتل الصّراخ والنّباح ومن ذلك البكاء.

قال الخليل : والذين قصروه جعلوه كالحزن ويكون العلاج كذلك نحو النّزاء ونظيره من غير المعتل القماص وقلما يكون ما ضم أوله من المصدر منقوصا ؛ لأن فعلا لا تكاد تراه مصدرا من غير بنات الياء والواو ومنه ما لا يعلم إلا سماعا نحو : السماء والرشاء والألاء والمقلاء ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أفعلة فواحدها ممدود نحو : أفنية واحدها فناء وأرشية واحدها رشاء.

ص: 230

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية

الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين : صحاح ومعتلة ، فأما الصحاح فقد تقدمت معرفتها ، وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة.

والمعتل على ثلاثة أضرب : مقصور ، وممدود ، وما آخره ياء.

الأول المقصور : ما كان على ثلاثة أحرف فصاعدا فالألف بدل غير زائدة ، فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو ، وإن كان ياء أظهرت الياء فبنات الواو مثل : قفا وعصا ورحا والدليل عليه قولهم رضا فلا يميلون وليس شيء من بنات الياء لا يجوز فيه الإمالة فتقول على هذا فيه : قفوان وعصوان ورحوان ومن ذلك رضا والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم : مرضوّ ورضوان ، وأما مرضي فبمنزلة مسنية وهي من سنوت استثقلوا الواوين فأبدلوا وبنات الياء مثل : رحى وعمى وهدى وفتى ، لأنهم يقولون : فتيان ورحيان فأما الواو في الفتوة فمن أجل الضمة التي قبلها وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية قالوا : قنوات وأدوات وتقول في ربا ربوان لقولهم : ربوت فإذا جاء من المنقوص شيء ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الإنتصاب فهو من بنات الواو نحو : لدىّ وإلىّ وإنما يثنيان إذا صار اسمين ، وإن جاء من المنقوص شيء ليس فعل تثبت فيه الياء وإلا اسم وجازت إمالته فالياء أولى به ، وذلك نحو : متى وبلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية ، فإن كان الاسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفه بدلا من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية ، وذلك نحو قولك : في مصطفى مصطفيان ومصطفيات وأعمى وأعميان ، فإن جمعت المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها تقول في مصطفى مصطفون وفي رجل سميته : قفا قفون.

الثاني : من الممدود : اعلم أن الممدود بمنزلة غير المعتل تقول في كساء : كساءان وهو الأجود ، فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واوا وكذلك إذا جمعته بالتاء ، وذلك قولك جمراوان وحمراوات وناس كثيرون يقولون : علباوان وحرباوان

ص: 231

شبهوه بحمراء إذ كان زائدا مثله وإنما تثنيته علباءان وحرباءان ؛ لأن علباء ملحق بسرواح والملحق كالأصل وهذا يبين في التصريف وقال ناس : كساوان وغطاوان ورداوان ، وإن.

جعلوه بمنزلة علباء وعلباوان أكثر من كساوان.

قال سيبويه : وسألته - يعني : الخليل - عن عقلته بثنايين لم لم يهمز فقال : لأنه لم يفرد له واحد.

الثالث : الاسم المعتل : الذي لامه ياء قبلها كسرة نحو : قاض وغاز تثنيه : قاضيان وغازيان وتجمعه : قاضون وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع.

كما كانت في مصطفى إذا ثنيت فقلت : مصطفيان ، وإذا جمعت قلت : مصطفون والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها.

ص: 232

باب جمع الاسم

الذي آخره هاء التأنيث إذا سميت رجلا : طلحة أو امرأة فجمعه بالتاء لا تغيره عما كان عليه فأما حبلى وحمراء وخنفساء إن سميت بها رجلا قلت : حبلون وحمراوون تجمع جميع هذا بالواو والنون لأنها ليست تزول إذا قلت : حمراوان فمن حيث قلت حمراوان قلت : حمراوون ولما لم يجز تمرتان لم يجز تمرتون وتجمع عيسى وموسى عيسون وموسون.

باب جمع الرجال والنساء

قال سيبويه : إذا جمعت اسم رجل فأنت فيه بالخيار إن شئت جمعته بالواو والنون ، وإن شئت كسرته ، وإذا جمعت اسم امرأة فأنت بالخيار جمعت بالتاء ، وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع فإذا سميت بأحمر قلت : الأحامر جعلته مثل أرنب وأرانب وأخرجته من جمع الصفة ، وإن سميت بورقاء جعلتها كصلفاء تقول : صلاف وصحراء صحار ، وإن جمعت خالدا وحاتما قلت : خوالد وحواتم ولو سميت رجلا أو امرأة بسنة لكنت بالخيار ، وإن شئت قلت : سنون ، وإن شئت قلت : سنوات وكذلك ثبة تقول : ثبات وثبون لا تجاوز جمعهم الذي كان عليه وشية وظبة شيات وظبات لأنهم لم يجاوزوا هذا وكان اسما قبل أن يسمى به.

وابن بنون وأبناء وأم أمهات وأمات واسم وأسمون وأسماء.

وامرؤ امرؤن مستعمل بألف الوصل وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه.

وشاة إذا سميت بها لم تقل إلا شياة لأنهم قد جمعوه ولم يجمعوه بالتاء.

ولو سميت رجلا بربة فيمن خفف قلت : ربات وربون وعدة عدات وعدون كلدون وشفة في التكسير شفاه ولا يجوز في أمة آمات ولا شفات كذا.

قال سيبويه والقياس يجيزه وقالوا : آم وإماء في أمة وقال بعضهم : أمّة وإموان ولو سميت رجلا ببرة لقلت : برى مبرة كما فعلوا به قبل : وإذا جاء شيء مثل (برة) لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون ؛ لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين

ص: 233

الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل ، وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفا ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسما على القياس ، فإن كان اسما قد كسرته العرب لم تجاوز ذلك ، وأما والد وصاحب فجعلوهما كضارب ، وإن تكلم بهما كما يتكلم بالأسماء ، فإن أصلهما الصفة ، وإذا كسرت الصفة على شيء قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسما على ذلك كما قالوا في أحمر أحامر والذين قالوا : في حارث حوارث إنما جعلوه اسما ولو كان صفة لكان حارثون ولو سميت رجلا بفعيلة قلت : فعائل ، وإن سميته بشيء قد جمعوه فعلا جمعته كما جمعوه مثل صحيفة وصحف وسفينة وسفن ، وإن سميته بفعيلة صفة لم يجز إلا فعائل ؛ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت : العجز نحو : عمود وعمد وقالوا في أب أبون وفي أخ أخون لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئا كما قال :

وفديننا بالأبينا (1) ...

وعثمان : لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره عثيمين وإنما تحقيره. عثيمان وهذا يبين في التصغير وما يجمع الاسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجل تسميه :ببنت وأخت وهنت وذيت تقول في جمعه : بنات وذيّات وهنات وفي أخت أخوات ، وإن سميته : بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون والمؤنث بالالف والتاء ؛ لأنه جمع لا يكسر وكذلك قالوا : سراويلات حين جاء على هذا المثال ، وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته ، وإن سمعت اسما مضافا فهو مثل جمعه مفرد تقول في عبد الله كما تقول : عبدون وأسقطت النون للإضافة ، وإن جمعت أبا زيد قلت : أباء زيد لأنك عرفتهم بالثاني ، وإن جمعت بالواو والنون قلت : أبو زيد تريد : أبون.

ص: 234


1- أجاز المبّرد أبي وأخيّ ، وأنشد : وأبيّ مالك ذو المجاز بدار وصحّة محمله على الجمع في قوله : وفدّيننا بالأبينا تدفع ذلك. يريد أن أبيّ جاء على لفظ الجمع ، ولا قرينة مخلّصة للإفراد فتعارض الاحتمالان ، فحمل على لفظ الجمع وسقط الاحتجاج به في محلّ الخلاف فيكون أصله على هذا أبين ، حذفت النون عند الإضافة ، فأدغمت الياء التي هي ياء الجمع في ياء المتكلّم. فوزن أبي فعي لا فعلي. وعلى هذا حمل ابن جنّي وغيره قراءة من قرأ : " نعبد إلهك وإله أبيك إبراهيم وإسمعيل وإسحق" ؛ ليكون في مقابلة آبائك في القراءة الآخرى. انظر خزانة الأدب 2 / 108.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم الأشعرون فقال : كما قالوا : الأشاعرة والمسامعة حين أراد بني مسمع وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم : النميرون وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه يعني بقوله : هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن (مقتوى ومقتوين) فقال : هو بمنزلة النسب للأشعرين ، وقال سيبويه : لم يقولوا : (مقتون) جاءوا به على الأصل وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة وقوله : جاءوا به على الأصل ؛ لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفا ، فإن صارت ألفا طرحت لالتقاء الساكنين كما قال : مصطفون وقال في تثنية المبهمة ذان وتان واللذان ويجمع اللذون وإنما حذفت الياء (في) من الذي والألف في ذا في. هذا الباب ليفرقا بينها وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة وهذه الأسماء لا تضاف.

ص: 235

ذكر العدد

اشارة

الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر لتبين ما العدد إذا جاوز الاثنين والثنتين إلى أن يبلغ تسع عشرة وتسعة عشر ، فإذا جاوز الاثنين فيما واحدة مذكر ، فإن أسماء العدد مؤنثة فيها الهاء ، وذلك ثلاثة بنين وأربعة أجمال ، فإن كان واحده مؤنثا أخرجت الهاء ، وذلك قولك :ثلاث بنات وأربع نسوة فإذا جاوز المذكر العشرة فزاد عليها واحدا قلت : أحد عشر ، وإن جاوز المؤنث العشرة فزاد عليها واحدا قلت : إحدى عشرة في لغة بني تميم وبلغة أهل الحجاز :إحدى عشرة ، وإن زاد المذكر واحدا على أحد عشر قلت : اثنا عشر ، وإن له اثني عشر حذفت النون ؛ لأن عشر بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون حرف إعراب ، وإذا زاد المؤنث واحدا على إحدى عشرة قلت ثنتا عشرة ، وإن له ثنتي عشرة واثنتي عشرة وبلغة أهل الحجاز عشرة فإذا جاوزت ذلك قلت : ثلاثة عشر وأذا زاد على ثنتي عشرة واحدا قلت : ثلاث عشرة وحكم أربعة عشر وما يليها من العدد إلى العشرين من حكم ثلاثة عشر.

ص: 236

باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه

وذلك قولهم : خامس خمسة وثاني اثنين وثالث ثلاثة إلى قولك : عاشر عشرة فقولك : ثاني وثالث مشتق من اثنين وثلاثة وبالثالث كمل العدد فصار ثلاثة وقد أضفته إلى العدد وهو (ثلاثة) فمعناه : أحد ثلاثة وأحد أربعة وتقول للمؤنث : خامسة فتدخلها الهاء كما تدخل في (ضاربة) لأنك قد بنيته بناء اسم الفاعل فإذا أضفت قلت : ثالثة ثلاث ورابعة أربع وتقول :هذا خامس أربعة تريد : هذا الذي خمس الأربعة وتقوله في المؤنث : هذا خامسة أربع وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة فإذا أردت أن تقول في أحد عشر كما قلت : في (خامس) قلت :حادي عشر وثاني عشر وثالث عشر إلى أن تبلغ إلى تسعة عشر ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأول والآخر.

وفي المؤنث : حادية عشرة كذلك إلى أن تبلغ تسعة عشر.

ومن قال خامس خمسة قال : خامس خمسة عشر وحادي أحد عشر. (فحادي وخامس) هاهنا يجرّ ويرفع ولا يبنى وبعضهم يقول : ثالث عشر ثلاثة عشر ونحوه وهو القياس وليس قولهم : ثالث ثلاثة عشر في الكثرة كثالث ثلاثة لأنهم قد يكتفون بثالث عشر وتقول : هذا حادي أحد عشر إذا كنّ عشر نسوة فيهن رجل ومثل ذلك : خامس خمسة إذا كن أربع نسوة فيهن رجل كأنك قلت : هو تمام خمسة والعرب تغلب التذكير إذا اختلط بالمؤنث وتقول : هو خامس أربعة إذا أردت به أن صير أربع نسوة خمسة ولا تكاد العرب تكلم به وعلى هذا تقول :رابع ثلاثة عشر كما قلت : خامس أربعة فأما بضعة عشر فبمنزلة تسعة عشر في كل شيء وبضع عشرة كتسع عشرة في كل شيء.

ص: 237

باب العدد المؤنث المواقع على معدود مؤنث

تقول : ثلاث شياه ذكور وله ثلاث من الشّاء والإبل والغنم فأجريت ذلك على الأصل ؛ لأن أصله التأنيث.

وقال الخليل : قولك : هذا شاة بمنزلة قولك : هذا رحمة. أي هذا شيء رحمة وتقول : له ثلاث من البط لأنك تصيره إلى بطة وتقول له ثلاثة ذكور من الغنم لأنك لم تجيء بشيء من التأنيث إلا بعد أن أضفت إلى المذكر ثم جئت بالتفسير فقلت : من الإبل ومن الغنم لا تذهب الهاء كما أن قولك : ذكور بعد قولك : من الإبل لا تثبت الهاء.

وتقول : ثلاثة أشخص ، وإن عنيت نساء ؛ لأن الشخص اسم مذكر وكذلك : ثلاث أعين ، وإن كانوا رجالا ؛ لأن العين مؤنثة تريد الرجل الذي هو عين القوم وثلاثة أنفس ؛ لأن النفس عندهم : إنسان وثلاثة نسابات وهو قبيح ؛ لأن النسابة صفة فأقمت الصفة مقام الموصوف فكأنه لفظ بمذكر ثم وصفه فلم يجعل الصفة تقوى قوة الاسم.

وتقول : ثلاثة دواب إذا أردت المذكر ؛ لأن أصل الدابة عندهم صفة فأجروها على الأصل ، وإن كان لا يتكلم بها كأسماء.

وتقول : ثلاث أفراس إذا أردت المذكر ؛ لأنه قد ألزم التأنيث وتقول : سار خمس عشرة من بين يوم وليلة لأنك ألقيت الاسم على الليالي فكأنك قلت : خمس عشرة ليلة ، وقولك : من بين يوم وليلة توكد بعد ما وقع على الليالي ؛ لأنه قد علم : أن الأيام داخلة مع الليالي وتقول :أعطاه خمسة عشر من بين عبد وجارية لا غير لاختلاطها.

قال سيبويه : وقد يجوز في القياس : خمسة عشر من بين يوم وليلة وليس بحدّ في كلام العرب وتقول : ثلاث ذود ؛ لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه فأما ثلاثة أشياء فقالوها لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليه (فعل) ومثل ذلك : ثلاثة رجلة ؛ لأنه صار بدلا من أرجال وزعم الخليل : أن أشياء مقلوبة كقسى وزعم يونس عن رؤبة : أنه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما قلت : ثلاث أعين.

ص: 238

واعلم أن الصفة في هذا الباب لا تجري مجرى الاسم ولا يحسن أن تضيف إليها الأسماء التي تعدد تقول : هؤلاء ثلاثة قرشيون وثلاثة مسلمون كراهية أن يجعل الاسم كالصفة إلا أن يضطر شاعر.

ص: 239

ذكر جمع التكسير

اشارة

هذا الجمع يسمى : مكسرا ؛ لأن بناء الواحد فيه قد غير عما كان عليه فكأنه قد كسر ؛ لأن كسر كل شيء تغييره عما كان عليه والتكسير يلحق الثلاثي من الأسماء والرباعي ولا يكادون يكسرون اسما خماسيا لا زائد فيه فمتى كسروه حذفوا منه وردوه إلى الأربعة ويكسرون ما يبلغ بالزيادة أربعة أحرف فأكثر من ذلك ؛ لأنه يسوغ لهم حذف الزائد منه.

والذي يحذف على ضربين : ضرب يحذف ويعرض من الحذف الياء تعويضا لازما وضرب التعويض فيه وتركه جائزان وسنذكر كل واحد من ذلك في موضعه إن شاء الله.

وأبنية هذه الجموع تجيء أيضا على ثلاثة أضرب : ضرب يكون اسما للجمع ومنها ما بني للأقل من العدد وهي العشرة فما دونها ومنها ما هي للأكثر والكثير ما جاوز العشرة ويتسعون فيها فمنها ما يستعمل في غير بابه ومنها ما يقتصر به على بناء القليل عن الكثير والكثير منها ما يستغنى فيه بالقليل عن الكثير فالذي يستغنى فيه بناء الأقل عن الأكثر فتجده كثيرا والإستغناء بالكثير عن القليل نحو : ثلاثة شسوع وثلاثة قروء ، وإذا أردت أن تعرف ما يكون اسما للجمع فهو الذي ليس له باب يكسر فيه وتطرد الأسماء المجموعة المكسرة على ضربين :أحدهما عدته ثلاثة أحرف والآخر عدته أربعة أحرف والثلاثة على ضربين أحدهما مذكر لا هاء فيه أو على لفظ المذكر والآخر فيه هاء التأنيث وكذلك ما كان على أربعة أحرف ونبدأ بالاسم الثلاثي الذي لا زائد فيه وهو يجيء على عشرة أبنية : فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل.

وأبنية الجموع على ثلاثة عشر بناء : فعل فعل فعلة فعلة أفعل فعيل فعال فعول فعالة فعولة فعلان فعلان أفعال فأفعل وإفعال بناءان للقليل وفعال وفعول أخوان وهما للكثير وفعالة وفعولة ومؤنثاهما يجريان مجراهما والثلاثي يجيء أكثره على بناء هذه الأربعة وفعول وفعال أخوان وليست أفعل وإفعال أخوين ؛ لأن ما يجيء على فعال يجيء فيه بعينه كثيرا فعول وفعلان وفعلان ايضا للكثير وما لم يخص القليل ولا الكثير فيهما فهو اسم للجمع وأسماء

ص: 240

الجمع منها : فعل وفعل إلا أن يكون مقصورا من فعول وفعلة وفعلة إن لم تكن مقصورة من فعلة وفعيل.

الأول من أبنية الجموع : فعل

فعل كسروا (فعل) على (فعل) وهو قليل قالوا : أسد وأسد وقد جاء في (فعل فعل) وهو قولهم : الفلك للواحد وللجمع الفلك وهو اسم للجميع لا يقاس عليه وقالوا : أركن وركن وبعض العرب يقول : نصف ونصف وقد جاء في (فعل) رهن ورهن ففعل : اسم للجميع ولمتأول أن يتأول أنّ (فعل) مخفف (فعل ، وإن (فعل) مقصور من (فعول) وكيف كان الأمر فهو بمنزلة اسم للجمع لا يقاس عليه وقالوا فيما أعلت عينه : دار ودور وساق وسوق وناب ونيب فهذا في الكثير.

الثاني : فعل

قالو : أسد وأسد فهذا مما يدل على أن (فعل) في ذلك الباب مخفف من (فعل) وكسروا (فعل) عليه قالوا : نمر ونمر قال الراجز :

فيها عياييل أسود ونمر

وهو عندي مقصور عن فعول حذفت الواو وبقيت الضمة والذين قالوا : أسد وفلك ينبغي أن يكون خففوا (فعل) والقياس يوجب أن يكون لفظ الجمع أثقل من لفظ الواحد.

الثالث : فعلة

جمعوا (فعل) عليه قالوا : رجل وثلاثة رجلة استغنوا بها عن أرجال.

الرابع : فعلة

كسروا عليه ثلاثة أبنية : فعل وفعل وفعل ، وذلك قولهم : فقع وفقعة وجب وجبأة وهو اسم جمع وقالوا في المعتل : عود وعودة وزوج وزوجة وثور وثورة وبعض يقول : ثيرة فأما فعل فنحو : حسل وحسلة وقرد وقردة للقليل والكثير وقالوا : فيما اعتلت عينه : ديك وديكة وكيس وكيسة وفيل وفيلة.

ص: 241

وأما فعل فنحو : حجر وحجرة وخرج وخرجة وكرز وكرزة وهو كثير ومضاعفه حب وحببة.

الخامس : فعيل

جاء فعل على فعيل قالوا : كلب كليب وهو اسم للجمع لا يقاس عليه وعبد وعبيد وجاء فيه فعل قالوا : ضرس وضريس.

السادس : أفعل

وهو يجيء جمعا لخمسة أبنية : فعل فعل فعل فعل فعل فأما فعل فنحو : كلب وأكلب وفلس وأفلس وأفعل في الثلاثي إنما يكون لأقل العدد وأقل العدد العشرة فما دونها والمضاعف يجري هذا المجرى ، وذلك ضبّ وأضّب وبنات الياء والواو بهذه المنزلة تقول : ظبي وأظبّ ودلو وأدل كان الأصل : أظبو وأدلو ولكن الواو لا تكون لاما في الأسماء وقبلها متحرك فقلبوها ياء وكسروا ما قبلها.

وجاء في المعتل العين : ثوب وأثوب وقوس وأقوس ، وذلك قليل.

وقالوا : أير وآير وقد جاء أفعل في الكثير أيضا جمع فعل قالوا : أكفّ.

الثاني : فعل نحو : زمن وأزمن وقالوا في المعتل : عصا وأعصّ بدل من أعصاء.

الثالث : فعل نحو : ضلع وأضلع.

الرابع : فعل نحو : ذئب وأذؤب وقطع وأقطع وجرو وأجرّ ورجل وأرجل إلا أنهم لا يجاوزون أفعل في القليل والكثير.

الخامس : فعل : ركن وأركن وجاء في (فعل) مما اعتلت عينه : دار وأدور وساق وأسوق ونار وأنور وقال يونس : وما جاء مؤنثا ومن (فعل) من هذا الباب فإنه يكسر على أفعل.

وقال سيبويه : لو كان هذا صحّ للتأنيث لما قالوا : رحا وأرحاء وقفا وأقفاء في قول من أنث القفا وقال : في جمع قدم أقدام وأفعل إنما هو مستعار في فعل وإنما حقه أفعال في القليل ولكنهم قد يدخلون بعض هذه الجموع على بعض ؛ لأن جمعها إنما هو جمع اسم ثلاثي.

ص: 242

السابع من أبنية الجموع : فعال

وهو جمع خمسة أبنية : فعل فعل فعل فعل فعل : فأما فعل فهو كلب وكلاب وربما كان في الحرف الواحد لغتان قالوا : فرخ وفروخ وفراخ ؛ لأن فعولا أخت فعال والمضاعف يجري هذا المجرى قالوا : ضبّ وضباب وصكّ وصكاك والمعتل مثله وقالوا : ظبي وظباء ودلو ودلاء وقالوا فيما اعتلت عينه سوط وسياط ولم يستعملوا (فعولا) حينما اعتلت عينه من ذوات الواو وقد يجيء خمسة كلاب يراد به خمسة من الكلاب أي من هذا الجنس وكان القياس خمسة أكلب ؛ لأن (أفعل) للقليل وفعالا للكثير ، وأما فعل فيجمع في الكثير على فعال أيضا نحو :جمل وجمال وهو أكثر من فعول ، وأما فعل فنحو رجل ورجال وسبع وسباع ، وأما فعل فنحو :بئر وبئار وذئب وذئاب ومضاعفه : زقّ وزقاق والمعتل نحو : ريح ورياح ، وأما فعل فنحو :جمد وجماد وقرط وقراط ومضاعفه خصّ وخصاص وعشّ وعشاش والمضاعف فيه كثير.

الثامن من الجموع : فعول

وقد جاء جمعا لستة أبنية : فعل وفعل وفعل وفعل وفعل فعل فأما فعل فإذا جاوز العشرة فإنه قد يجيء على (فعول) قال : نسر ونسور وبطن وبطون والمضاعف مثله : صكّ وصكوك وبتّ وبتوب وبنات الياء والواو مثله قالوا : ثدي وثدي ودلو ودلي فهو فعول ، وذلك يبين في التصريف وفوج وفؤوج وبحر وبحور وبيت وبيوت ابتزت فعول الياء كما ابتزت فعال الواو فأما (فعل) فيجمع في الكثير على فعول نحو أسد وأسود وذكر وذكور وهو أقل من فعال والمضاعف فيه قياسه فعول فالذي جاء على أفعال نحو : لبب وألباب والمعتل : نحو قفا وقفيّ وقفيّ وعصا وعصيّ وعصيّ وإنما كسرت الفاء من أجل الياء والكسرة والمعتل العين نحو :ناب ونيوب وقال بعضهم في ساق سؤوق فهمزوا ، وأما فعل فنحو : نمر ونمور ووعل ووعول ، وأما فعل فنحو : ضلع وضلوع وإرم وأروم ، وأما فعل : فنحو : حمل وحمول وعرق وعروق وشسع وشسوع استغنوا فيها عن بناء أدنى العدد والمضاعف : لصّ ولصوص والمعتل فيل وفيول وديك وديوك ، وأما فعل فنحو : برج وبروج وخرج وخروج.

ص: 243

التاسع من أبنية الجموع : فعالة

جاء في فعل فعولة وفعالة وزعم الخليل : إنما أرادوا أن يحققوا التأنيث نحو الفحالة يعني تأنيث الجمع وجاء في فعل جمل وجمالة وحجر وحجارة وقالوا أحجار.

العاشر من أبنية الجموع : فعولة

جاء في فعل فعولة نحو : بعل وبعولة وعمّ وعمومة وجاء فيما اعتلت عينه : عير وعيور وخيط وخيوط.

الحادي عشر : فعلان

وهو لأربعة أبنية : فعل وفعل وفعل وفعل فأما فعل فنحو : خرب وخربان وبرق وبرقان في الكثير وفي المعتل جار وجيران وقاع وقيعان وقل فيه فعال وألزموه فعلان وقد يستغنى فيه بأفعال نحو : مال وأموال.

وأما فعل : نحو : جحل وجحلان ورأل ورئلان وفيما اعتلت عينه نحو : ثور وثيران وقوز وقيزان وهو قطعة من الرمل.

وأما فعل : نحو : رئد ورئدان وهو فرخ الشجرة وصنو وصنوان وقنو وقنوان ، وأما فعل :فنحو : خشّ وخشّان وقالوا : خشّان لأن فعلان وفعلان : أختان وجاء في المعتل من بنات الواو التي هي عين فعلان انفردت به فعلان نحو : عود وعيدان وغول وغيلان وكوز وكيزان وحوت وحيتان ونون ونينان.

الثاني عشر : فعلان

وهو لأربعة أبنية : فعل وفعل وفعل وفعل : جاء في الكثير جمعا لفعل نحو : جمل وجملان وسلق وسلقان وجاء فعل على فعلان نحو : ثغب وثغبان وبطن وبطنان وظهر وظهران وجاء في فعل نحو : ذئب وذئبان وفي مضاعفة زقّ وزقان وجاء في (فعل) في المضاعف نحو : خشّ وخشّان جميعا.

ص: 244

الثالث عشر : أفعال جاءت جمعا لعشرة أبنية

فعل. فعل. فعل. فعل. فعل. فعل. فعل. فعل. فعل.

فأما فعل : فنحو : جمل وأجمال وجبل وأجبال وأسد وآساد وهذا لأدنى العدد وفي المعتل : قاع وأقواع وجار وأجوار ويستغني به عن الكثير في : مال وأموال وباع وأبواع ، وأما فعل فقد جاء جمعه : أفعال وليس ببابه فقالوا : زند وأزناد وقال الأعشى :

وزندك أثقب أزنادها ...

وقالوا في المضاعف : جدّ وأجداد وفيما اعتلت عينه لأدنى العدد : سوط وأسواط وقد يقتصرون عليها للقليل والكثير نحو : لوح وألواح ونوع وأنواع وبيت وأبيات للقليل.

ومما جاء أفعال لأكثر العدد ، وذلك نحو : قتب وأقتاب وارسان وقد جاء في فعل للكثير قالوا : أرآد ومضاعف (فعل) أفعال لم يجاوزوه في القليل والكثير نحو : لبب وألباب ومدد وأمداد وفنن وأفنان كما لم يجاوزوا الأقدام والأرسان والمعتل اللام من فعل نحو : صفا وأصفاء وصفيّ وقفا وأقفاء وقالوا : أرحاء في القليل والكثير.

قال أبو بكر : ومن ذكرى قتب إلى هذا الموضع فهو في الصنف الأول في باب فعل ، وأما فعل فنحو : كبد وأكباد وفخذ وأفخاذ ونمر وأنمار وقلما يجاوز بفعل هذا الجمع.

فأما فعل فنحو : ضلع وأضلاع وإرم وأرماء ، وأما فعل : فنحو : عضد وأعضاد وعجز وأعجاز اقتصروا على أفعال في (عضد) ، وأما فعل فنحو : عنق وأعناق وطنب وأطناب مقتصر عليه في جمع (طنب) ، وأما فعل فنحو : ربع وأرباع ورطب وأرطاب ، وأما فعل فنحو :إبل وآبال ، وأما فعل فنحو : حمل وأحمال وجذع وأجذاع ومما استعمل فيه للقليل والكثير :خمس وأخماس وشبر وأشبار وطمر وأطمار والمعتل نحو : نحي وأنحاء وفيما أعتلت عينه : فيل وأفيال وجيد وأجياد وميل وأميال في القليل وقد يقتصر فيه على أفعال.

قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون أصل (فيل) وما أشبهه (فعلا) كسر من أجل الياء كما قالوا : أبيض وبيض قال أبو الحسن الأخفش : هذا لا يكون في الواحد إنما للجميع.

ص: 245

وإنما اقتصارهم على أفعال كقولهم : أميال وأنياب وقالوا : ريح وأرواح فأما فعل : فجند وأجناد وبرد وأبراد في القليل وربما استغنوا به في الكثير نحو : ركن وأركان وجزء وأجزاء وشفر وأشفار ومضاعفه حبّ وأحباب والمعتل : مدي وأمداد لا يجاوز به وفيما اعتلت عينه عود وأعواد وغول وأغوال وحوت وأحوات وكوز وأكواز في القليل.

ص: 246

باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع

فعل فعل فعل فعول فعول فعال فعلان فعلان فعلات فعلات فعلاء أفعل وإنما يقع فعل في الباب الثاني وهو ما الفرق بين جمعه وواحده الهاء فقط. هذه أبنية الجمع فيه.

فأما أبنية الأسماء المجموعة فستة : فعلة وفعلة وفعلة وفعلة وفعلة وفعلة.

الأول : فعلة : جمعها بالتاء في أدنى العدد وتفتح العين فتقول : فعلات نحو : جفنة وجفنات فإذا جاوزت أدنى العدد صار على فعال مثل : قصاع وقد جاء على فعول وهو قليل مثل : مأنة ومؤون والمأنة أسفل البطن وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير وبنات الياء والواو بهذه المنزلة وكذلك المضاعف فالمعتل نحو : ركوة وركاء وقشوة وقشاء وركوات وقشوات وظبية وظبيات والمضاعف نحو : سلّة وسلات فأما ما اعتلت عينه فإذا أردت أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحرك العين ، وذلك نحو : عيبة وعيبات وعيات وضيعة وضيعات وضياع وروضة وروضات ورياض وقد قالوا : نوبة ونوب ودولة ودول وجوبة وجوب ومثلها قرية وقرى ونزوة ونزى وفعلة من بنات الياء على (فعل) نحو : خيمة وخيم.

الثاني : فعلة : وهو بمنزلة فعلة ، وإن جاء شيء من بنات الواو والياء والمضاعف أجري مجرى الضرب وهو عزيز ، وذلك قولك : رحبة ورحبات ورقبة ورقبات ورقاب ولم يذكر سيبويه مثالا لما اعتلت لامه فأما ما اعتلت عينه فيكسر على (فعال) قالوا : ناقة ونياق وقد كسر على (فعل) قالوا : قامة وقيم وتارة وتير.

قال الراجز :

يقوم تارات ويمشي تيرا (1) ...

ص: 247


1- تقول : بينا نستخدم الناس وندبر أمورهم ، وطاعتنا واجبة عليهم ، وأحكامنا نافذة ، تقلبت الأمور ، واتضعت الأحوال ، وصرنا سوقة تخدم الناس. - ونسوس من ساس زيد الأمر يسوسه سياسة : دبره وقام بأمره. والسياسة لفظة عربية خالصة ، زعم بعضهم أنها معرب سه يسا ، وهي لفظة مركبة من كلمتين ، أولاهما أعجمية ، والأخرى تركية. فسه بالفارسية ثلاثة ، ويسا بالمغلية الترتيب ، فكأنه قال : التراتيب الثلاثة. انظر خزانة الأدب 2 / 464.

فكأنّ (فعل) في هذا الباب مقصورة من فعال.

الثالث : فعلة : تجمع على فعلات نحو : ركبة وركبات وغرفة وغرفات فإذا أردت الكثير كسرته على (فعل) قلت : ركب وغرف وقد جاء نقرة ونقار وبرمة وبرام ومن العرب من يفتح العين فيقول : ركبات وغرفات وبنات الواو بهذه المنزلة نحو : خطوة وخطوات وخطى ومن العرب من يسكن فيقول : خطوات وبناء الياء نحو : كلية وكلى ومدية ومدى اجتزأوا ببناء الأكثر ومن خفف قال : كليات ومديات والمضاعف يكسر على (فعل) مثل ركبة وركب وقالوا : سرّات وسرر ولا يحركون العين لأنها كانت مدغمة والفعال في المضاعفة كثير نحو :جلال وقباب والمعتل العين نحو : دولة ودولات ودول.

الرابع : فعلة : نحو ما في القليل بالألف والتاء وتكسر العين نحو : سدرة وسدرات وكسرة وكسرات.

ومن العرب من يفتح العين فيقول : سدرات وكسرات ، فإن أردت الكثير قلت : سدر.

ومن قال : غرفات فخفف قال : سدرات وقد يريدون الأقل فيقولون : كسر وفقر في القليل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب.

والمعتل اللام فيه نحو : لحية ولحى وفرية وفرى ورشوة ورشا. اجتزأوا بهذا عن التاء ومن قال : كسرات. قال : لحيات.

والمضاعف : قدّة وقدّات وقدة وربّة وربّات وربب وقد جاء (فعلة) على (أفعل) قالوا :نعمة وأنعم وشدّة وأشد ولم تجمع : رشوة بالتاء ولكن من أسكن قال : رشوات ؛ لأن الواو لا تعتل في الإسكان هنا : والمعتل العين : قيمة وقيمات وريبة وقيم وريب.

ص: 248

الخامس : فعلة : نحو : نعّمة ونعّم ومعدة ومعد ، وذلك أن تجمع بالتاء ولا تغير.

السادس : فعلة : نحو : تخمة وتخم وتهمة وتهم وليس هذا كرطبة ورطب ألا ترى أن الرطب مذكر كالبرّ وهذا مؤنث كالظّلم والغرف.

ص: 249

باب ما يكون من بنات الثلاثة واحدا يقع على الجميع

ويكون واحد على بنائه من لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه الهاء للفصل وهذا الباب حقه أن يكون لأجناس المخلوقات وهي تجيء على تسعة أبنية :

الأول : فعلة : نحو : طلحة وطلح وتمرة وتمر ونخلة ونخل وصخرة وصخر ، وإذا أردت القليل جمعت بالتاء وربما جاءت الفعلة على فعال نحو : سخلة وسخال وبهمة وبهاما وهم شبهوها بالقصاع.

وقال بعضهم : صخرة وصخور وبنات الياء والواو نحو : مروة ومرو وسروة وسرو.

وقالوا : صعوة وصعاء وشرية وشري.

والمضاعف نحو : حبّة وحبّ.

والمعتل العين نحو : جوزة وجوز وبيضة وبيض وبيضات وقد قالوا : روضة ورياض.

الثاني : فعلة : وهي مثل فعلة قالوا : بقرة وبقر وبقرات وقالوا : أكمة وإكام وبنات الياء والواو نحو : حصى وحصاة وقطاة وقطا وقطوات وقال : أضاة وأضى وإضاء مثل إكام وأكم وقالوا : حلق وفلك ثم قالوا : حلقة وفلكة فخففوا في الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيروا المعنى هذا لفظ سيبويه قال : وزعم يونس عن أبي عمرو أنهم يقولون : حلقة.

والمعتل العين هام وهامة وهامات وراح وراحة وراحات وساعة وساع وساعات.

الثالث : فعلة : نحو : نبقة ونبقات ونبق فلم يجاوزوا هذا.

الرابع : فعلة : نحو : عنبة وعنب وإبرة وإبرات وهو فسيل المقل.

الخامس : فعلة : نحو : سمرة وسمر وسمرات.

السادس : فعلة : نحو بسرة وبسر.

السابع : فعلة : نحو عشر وعشرة ورطب ورطبة ورطبات ويقول ناس للرطب أرطاب مثل : عنب وأعناب وهذا عندي إنما يجوز إذا اختلفت أنواعه ونظيره من الياء مهاة ومهي وهو ماء الفحل في رحم الناقة.

ص: 250

الثامن : فعلة : نحو : سلقة وسلق وسلقات. وقد قالوا : سدرة وسدر وقالوا : لقحة ولقاح وفي المضاعف حقّة وحقاق وقالوا : حقق قال المسيب بن علس :

قد نالني منهم على عدم

مثل الفسيل صغارها الحقق

والمعتل العين نحو : تينة وتين وتينات وطين وطينة وطينات ، قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون هذا (فعلا).

التاسع : فعلة : نحو : دخنة ودخن ودخنان ومن المضاعف : درّة ودرّ ودرّات وقالوا : درر كما قالوا : ظلم ومن المعتل العين : تومة وتوم وتومات وصوفة وصوفات وصوف.

ص: 251

باب ما جاء لفظ واحدة وجمعه سواء

وقالوا : حلفاء للجميع وحلفاء واحدة وطرفاء مثله وهذا عندي : إنما يستعمل فيهما ليحقر الواحد منه.

قال أبو العباس : حدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال : واحد الطرفاء طرفة وواحد القصباء قصبة وواحد الحلفاء حلفة تكسر اللام مخالفة لأختيها.

باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث

اعلم أن ما كان أصله (فعلا) كسر على (أفعل) نحو : يد وأيد وفي الكثير على (فعال) و (فعول) وذلك : دماء مدمي ، فإن كان (فعل) كسر في القليل على (أفعال) ، وذلك أب وآباء.

وزعم يونس أنه يقول : أخ وآخاء. وقال إخوان.

وبنات الحرفين تكسر على قياس نظائرها التي لم تحذف.

وأما ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنهم يجمعونها بالتاء وبالواو والنون ، كأنه عوض فإذا جمعت بالتاء لم تغير وذلك : هنة وهنات وشية وشيات وفئة وفئات وثبة وثبات وقلة وقلّات وربما ردوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء فقالوا : سنوات وعضوات فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأول ، وذلك نحو : سنون وقلون وثبون ومئون فرقوا بين هذا وبين ما الواو له في الأصل نحو قوله : هنون ومنون وبنون وبعضهم يقول : قلون فلا يغير ، وأما هنة ومنة فلا يجمعان إلا بالتاء لأنهما قد ذكرا.

وقد يجمعون الشيء بالتاء فقط استغناء ، وذلك نحو قولهم : ظبة وظبات وشيّة وشيات والتاء تدخل على ما دخلت فيه الواو والنون ؛ لأن الاصل لها فقد يكسرون هذا النحو على بناء يرد ما ذهب من الحرف.

وذلك قولهم : شفة وشفاة وشاة وشياه واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد وتركوا الواو حيث ردوا ما يحذف منه وقالوا : أمة وآم وإماء وهي (فعلة) لأنهم كسروا (فعلة) على (أفعل) ولم نرهم كسروا (فعلة) على (أفعل) وقالوا : برة وبرات وبرون وبرى ولغة ولغى

ص: 252

وقد يستغنون بالشيء عن الشيء وقد يستعملون فيه جمع ما يكون في بابه وقالت العرب : أرض وأرضات وأرضون فجمعوا بالواو والنون عوضا من حذفهم الألف والتاء وتركوا الفتحة على حالها وزعم يونس أنهم يقولون : حرّة وحرّون وقالوا : إوزّة وإوزون وزعم يونس أيضا أنهم يقولون : حرّة وإحرون يعنون الحرار كأنه جمع إحرّة ولكن لا يتكلم بها.

وقد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاء التأنيث بالتاء ، وذلك قولهم : عرسات وأرضات وقالوا : سماوات استغنوا بالتاء عن التكسير وقالوا : أهلات فشبهوها بصعبات وقالوا : أهلات وقالوا : إموان جماعة أمة.

ص: 253

باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع

الأسماء المكسرة في هذا الباب ستة : فعال وفعال وفعال وفعيل وفعول وفاعل.

فالأول : فعال : جاء في القليل على (أفعلة) نحو : حمار وأحمرة والكثير (فعل) نحو : حمر ولك أن تخفف في لغة بني تميم فتقول : حمر وربما عنوا ببناء أكثر العدد أدناه ، وذلك قولهم :ثلاثة جدر وثلاثة كتب.

والمضاعف لا يجاوز به أدنى العدد ، وإن عنوا الكثير وذلك : جلال وأجلة وعتان وأعنّة وكنان وأكنة وكذلك المعتل نحو : رشاء وأرشية وسقاء وأسقية.

وما أعتلت عينه فيكسر على (أفعلة) نحو : خوان وأخونة ورواق وأروقة ، فإن أردت الكثير جاء على (فعل) ، وذلك نحو : خون وروق بون.

وذوات الياء عيان وعين والعيان : حديدة تكون في متاع الفدان فثقلوا ؛ لأن الياء أخفّ من الواو كما قالوا : بيوض وبيض وزعم يونس : أن من العرب من يقول : صيود وصيد.

والثاني : فعال : يجيء على (أفعلة) في القليل نحو : زمان وأزمنة وقذال وأقذلة والكثير (فعل) نحو : قذل وقد يقتصرون على أدنى العدد فيه.

وبنات الواو والياء على (أفعلة) نحو : سماء وأسمية. وكرهوا بناء الأكثر.

الثالث : فعال : يجيء على (أفعلة) في القليل : غراب وأغربة والكثير (فعلان) نحو : غربان وغلمان ولم يقولوا : أغلمة استغنوا بغلمة والمضاعف ذباب وأذبة في القليل وذبّان في الكثير وقالوا في المعتل في أدنى العدد أحورة والذين يقولون : حوار يقولون : حيران.

وأما سوار وسور فوافق الذين يقولون : سوار للذين يقولون : سوار كما اتفقوا في الحوار وقال قوم : حوران وربما اقتصروا على بناء أدنى العدد فيه كما فعلوا ذلك في غيره وقالوا : فؤاد وأفئدة وقالوا : قراد وقرد وذباب وذب.

الرابع : فعيل : يجمع في القليل على (أفعلة) والكثير فعل وفعلان مثل : رغيف وأرغفة ورغف ورغفان وربما كسروه على (أفعلاء) نحو : أنصباء.

ص: 254

وقد قال بعضهم فيه (فعلان) قال : فصيل وفصلان والمعتل نحو : قريّ وأقرية وقريان ولم يقولوا في صبيّ وأصبية استغنوا بصبية وقالوا : في المضاعف : حزيز وأحزة وحزّان وقال بعضهم : حزّان وقالوا : سرير وأسرة وسرر وقالوا : فصيل وفصال حيث قالوا : فصيلة وتوهموه الصفة فشبهوه بظريفة وظراف حيث أنثوا وكان هو المنفصل من أب وقد قالوا : أفيل وأفائل وهو حاشية الإبل. وقالوا : إفال شبهوها بفصال حيث قالوا : في الواحد أفيلة فأشبه الصفة.

الخامس : فعول : ويذكر في باب المؤنث.

السادس : فاعل وفاعل : يكسران على فواعل ويكسرون الفاعل أيضا على (فعلان) نحو :حاجر وحجزان وعلى فعلان في المعتل نحو : حائط وحيطان وكان أصله : صفة فأجري مجرى الأسماء فيجيء على (فعلان) نحو : راكب وركبان وفارس وفرسان.

وقد جاء على فعال نحو : صحاب ولا يكون فيه فواعل ؛ لأن أصله صفة وله مؤنث فيفصلون بينهما إلا في فوارس.

ص: 255

باب المؤنث

والأبنية المجموعة فيه أحد عشر بناء : فعال وفعال وفعال وفعيل وفعول وفعل وفعل وفعيلة وفعالة وفعالة وفعالة.

اعلم أنّ ما كان من هذه الأسماء التي تجيء بالزيادة على أربعة أحرف وهي مؤنثة فجمعها في القليل على (أفعل).

فأمّا فعال : فمثل : عناق وأعنق وفي الكثير على (فعول) مثل عنوق.

وأمّا فعال : فنحو : ذراع وأذرع ولا يجاوزونها هذا ومن أنث اللسان قال : ألسن ومن ذكر قال : ألسنة.

وقد جاء في شمال : شمائل كسرت على الزيادة. وقالوا : أشمل.

وأما فعال : فنحو : عقاب وأعقب. وقالوا : عقبان.

وأما فعيل : فيمين وأيمن لأنّها مؤنثة وقالوا : أيمان.

وأما فعول : فنحو : قدوم وقدم وهو بمنزلة فعيل في القليل في المذكر ، فإن أردت الكثير كسرته على فعلان نحو : خرفان وقالوا : عمود وعمد وزبور وزبر وقد كسروا أشياء منها من بنات الواو على (أفعال) قالوا : فلوّ وأفلاء وعدو وعدوّ وصف ولكنّه ضارع الأسماء.

وأما فعلى ، فإن كانت : فعلى أفعل (فتكسيرها) على (فعل) نحو : الصّغرى والصّغر ومثله من ذوات الياء والواو : الدّنيا والدّنى والقصوى والقصى ، وإن شئت جمعتهنّ بالتاء فقلت :الصّغريات والكبريات كما يجمع المذكر بالواو والنون نحو : الأصغرون.

فعلى وفعلى إذا كسرته حذفت الزيادة التي هي للتأنيث ثم تبنى على (فعالى) وتبدل الياء من الألف نحو : حبالى وذفارى ولم ينونوا ذفرى.

و (فعلى وفعلى) في هذا الباب سواء وقالوا في ذفرى : ذفار قال : فقولهم : ذفار يدلّك أنّهم جمعوا هذا الباب على (فعال) ثمّ قلبوا الياء ألفا وجاء على الأصل والفرق بين حبلى والصّغرى أنّ الصّغرى فعلى أفعل مثل الأصفر ولا تفارقها الألف واللام وحبلى ليست كذلك فأشبهت

ص: 256

ذفرى ، وأما فعلى فهو مثل حبلى إذا كسرته حذفت الزيادة التي هي للتأنيث ثمّ بنيته على (فعالى) وأبدلت من الياء الألف وفعلى وفعلى في هذا الباب سواء.

وقالوا في ذفرى : ذفار ولم ينونوا ذفرى وما كانت الألف في آخره للتأنيث فحكمه حكم ذفرى تحذف الألف التي قبل الطرف نحو : صحراء وصحارى وقالوا : صحار ، فإن أردت أدنى العدد جمعت بالتاء.

فقلت : صحراوات وذفريات وحبليات وقالوا : أنثى وإناث وربى ورباب.

وأما فعيلة : فما عدة حروفه أربعة وفيه هاء التأنيث حذفوا وكسروه على (فعائل).

وربّما كسروه على (فعل) ليس يمتنع شيء من هذا أن يجمع بالتاء إذا أردت ما يكون لأقلّ العدد نحو : صحيفة وصحائف وصحف وقد يقولون : ثلاث صحائف.

فأما فعالة : فمثل فعيلة نحو : عمامة وعمائم.

وأمّا فعالة فنحو : حمامة وحمائم ودجاجة ودجائج وفي التاء مثل (فعيلة).

وأمّا فعالة : فمثل ما قبلها نحو : ذوابة وذوائب وليس ممتنع شيء من ذا من الألف والتاء إذا أردت أدنى العدد.

واعلم أن فعيلا وفعالا وفعالا وفعالا إذا كان شيء منها يقع على الجميع (فواحده) يكون على بنائه وتلحقه هاء التأنيث مثل : دجاجة ودجاج وسفينة وسفين ومرارة (ومرار) ودجاجات وسفينات ومرارات فأمرها كأمر ما كان عليه ثلاثة أحرف من الجمع بالتاء وغيره وكذلك بنات الياء والواو فيه. وقالوا : دجائج وسحائب.

وكلّ ما كان واحدا مذكرا على الجميع فإنه بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف من الجميع وغيره مما ذكرنا كثرت حروفه أو قلّت : نحو : سفرجلة وسفرجل كما يقولون تمرة وتمر.

ص: 257

باب ما كان من الأسماء على أربعة أحرف من غير زيادة

اعلم أنّ ما كان من بنات الأربعة لا زيادة فيه فإنه يكسر على مثال (مفاعل) نحو : ضفادع وإنء عنيت الأقلّ أيضا لا تجاوزه لأنك لا تصل إلى التاء ؛ لأنه مذكر ، فإن كان فيه حرف رابع زائد وهو حرف لين كسرته على مثال (مفاعيل) نحو : قنديل وقناديل وكلّ شيء من بنات الثلاثة ألحق بزيادة ببنات الأربعة وألحق ببنائها فتكسره أيضا على مثال مفاعل والملحق بمنزلة الأصلي ، وذلك نحو : جدول وجداول وأجدل وأجادل ومما لم يلحق بالأربعة وفيه زيادة وليست الزيادة بمدة فتكسيره على مثال (مفاعل) أيضا نحو : تنضب وتناضب وكلّ شيء من بنات الثلاثة قد ألحق ببنات الأربعة فصار رابعه حرف مدّ فهو بمنزلة ما كان من بنات الأربعة له رابع حرف مدّ كقرطاط وقراطيط وكذلك ما كانت فيه زائدة ليست بمدة ولا رابعه حرف مدّ ولم يبن بناء بنات الأربعة التي رابعها حرف مدّ نحو : (كلوب وكلاليب) ويربوع ويرابيع وكلّ شيء مما ذكرنا كانت فيه هاء التأنيث فتكسيره على ما ذكرنا من الأربعة إلّا أنّك تجمع بالتاء إذا أردت أدنى العدد.

واعلم أنّ الخماسي من الأسماء التي هي أصول لا يجوز تكسيره فمتى استكرهوا حذفوا منها وردوه إلى الأربعة تقول في سفرجل : سفارج فتحذف اللام وقالوا في فرزدق : فرازق حذفوا الدال لأنّها من مخرج التاء والتاء من حروف الزوائد والقياس أن يقولوا : فرازد وما جاء من الأسماء ملحقا فاحذف بالخمسة منها الزوائد وردّه إلى الأربعة ، فإن كان فيه زائد ثان أو أكثر فأنت بالخيار في حذف الزوائد حتى تردّه إلى مثال : (مفاعل) ومفاعيل ، فإن كان إحدى الزوائد دخلت لمعنى أثبتّ ما دخل لمعنى وحذفت ما سواه ، وذلك نحو : مقعنسس وهو ملحق بمحرنجم فالميم زائدة والنون زائدة والسين الأخيرة زائدة فتقول : مقاعس ، وإن شئت : مقاعيس فتحذف النون والسين ولا تحذف الميم لأنّها أدخلت لمعنى اسم الفاعل وأنت بالتعويض بالخيار والتعويض أن تلحق ياء ساكنة بين الحرفين اللذين بعد الألف ، فإن كانت الزيادة رابعة فالتعويض لازم كما ذكرنا في قنديل وقناديل لا يجوز إلّا التعويض.

ص: 258

وربّما اضطر فزاد الياء من غير تعويض من شيء كما قالوا :

نفي الدّراهم تنقاد الصّياريف (1)

ص: 259


1- على أنّ فيه الفصل بالمفعول أيضا بين المتضايفين ، فإن أصله : نفي تنقاد الصياريف الدراهيم ، ففصل بالمفعول وهو الدراهيم ، بين المتضايفين. وإضافة نفي إلى تنقاد ، من إضافة المصدر إلى فاعله. وروي أيضا بغضافة نفي إلى الدراهيم ورفع تنقاد ، فيكون من إضافة المصدر. وعلى هذه الرواية أنشده ابن الناظم وابن عقيل في" شرح الألفيّة". قال العينيّ : وفي شرح الكتاب : ويجوز نصب التّنقاد ورفع الدراهيم في العمل ، على القلب ، من حيث أمن اللبس ، يعني أنّه روي بجرّ الدراهيم بإضافة نفي إليه ونصب تنقاد ، فيكون من قبيل إضافة المصدر إلى فاعله على تقدير القلب بجعل الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا. وأورده سيبويه في" اوائل كتابه ، في باب ما يحتمل الشعر" قال : وربّما مدّوا فقالوا : مساجيد ومنابير ، شبّهوه بما جمع على غير واحدة في الكلام كما قال الفرزدق : نفي الدنانير تنقاد الصّياريف وينشد : نفي الدراهيم. انتهى كلامه ومحلّ الشاهد فيه عند أبي جعفر النحاس ، الدنانير والدراهيم ، قال : من روى الدنابير فلا ضرورة عنده فيه ، لأنّ الأصل في دينار دنّار فلما جمعت رددته إلى أصله فقلت دنانير. ومن روى الدراهيم فذكر أبو الحسن بن كيسان أنه قد قيل في بعض اللغات درهام ، قال : فيكون هذا على تصحيح الجمع. قال : أو يكون على أنه زاده للمد. قال : ويكون على الوجه الذي قال سيبويه أنّه بنى الجمع على غير لفظ الواحد ، كما أ، قولهم : مذاكير ليس على لفظ ذكر ، إنما هو على لفظ مذكار ، وهو جمع لذكر على غير بناء واحده. قال : ولم ينكر أن يكون الجمع على غير بناء الواحد ، فلذلك زاد الياء في دراهيم. وقال لي علي بن سليمان : واحد الصياريف صيرف ، وكان يجب أن يقول صيارف انتهى كلامه. وعند الشنتمري الشاهد في الصياريف ، قال : زاد الياء في الصياريف صرورة تشبيها لها بما جمع في الكلام على غير واحد ، نحو ذكر ومذاكير ، وسمح ومساميح. ولم يتعرض للدراهيم والدنانير. وقد جمع ابن خلف بينهما فقال : الشاهد فيه على زيادة الياء في جمع الدراهم والصيارف. أقول : الظاهر كلام الأعلم لا غير ، وروي الدراهم بلا ياء ، وجميعهم لم يتعرضوا إعراب الدراهيم والتنقاد. انظر خزانة الأدب 2 / 96.

ذكر تكسير الصفة باب الثلاثي منها

الأول : فعل جاء فيه تسعة أبنية : فعال فعول فعل أفعل فعيل أفعال فعلان فعلة فعلان.

فعال : نحو صعب وصعاب ولا يكسر للقليل.

وفعول نحو : كهل وكهول وليس شيء من هذا إذا كان للآدميين يمتنع من الواو والنون ، وإذا ألحقته الهاء للتأنيث كسر على (فعال) نحو : عبلة وعبال وليس شيء من هذا يمتنع من التاء إلا أنك لا تحرك الأوسط ؛ لأنه صفة.

وقالوا : شياه لجبات فحركوا ومن العرب من يقول : شاة لجبة وقالوا : رجال ربعات ؛ لأن أصل (ربعة) اسم مؤنث وقع على المذكر والمؤنث وقد كسروا (فعلا) على (فعل) مثل كثّ وكثّ وكسروا ما استعملوا منه استعمال الأسماء على (أفعل) نحو : عبد وأعبد وقالوا : عبيد كما قالوا : كليب وقالوا : شيخ وأشياخ وشيخان وشيخة وقالوا : وغد ووغدان ووغدان وربّما كسروا الصفة تكسير الأسماء.

الثاني : فعل على ثلاثة أبينة : فعال وفعلان وأفعال وذلك : حسن وحسان عند الباب وقالوا : خلق وخلقان وبطل وأبطال استغنوا به عن (فعال) فألحقته الهاء للتأنيث كسر أيضا على (فعال) وليس شيء من هذا للآدميين يمتنع من الواو والنون.

وما كان على (أفعال) نحو : أبطال ، فإن مؤنّثه إذا لحقته الهاء جمع بالتاء نحو : بطلة وبطلات من قبل أن مذكره لم يجمع (على فعال) فيكسر هو عليه. (فعلة) كما لا يجمع مؤنث (فعل) على (أفعل) كما قالوا : رجل صنع وقوم صنعون ورجل رجل وقوم رجلون والرّجل :هو الرّجل الشّعر ولم يكسروهما.

الثالث : فعل : جاء على (أفعال) وهو في الصفات قليل ، وذلك قولك : جنب فمن جمع من العرب قال : أجناب ، وإن شئت قلت : جنبون وقالوا : رجل شلل ولا يجاوزون (شللون) وهو الخفيف في الحاجة.

ص: 260

الرابع : فعل : على (أفعال) و (أفعل) ، وذلك جلف وأجلاف.

وقال بعض العرب : أجلف.

وقالوا : رجل صنع وقوم صنعون وليس شيء مما ذكرنا يمتنع من الواو والنون ومؤنثه إذا لحقته الهاء بمنزلة مؤنث ما كسر على (أفعال) من باب (فعل) يجمع بالألف والتاء وقالوا :علجة وعلج.

الخامس : فعل : وأفعال يقولون : رجل مرّ وأمرار وهو مثل (فعل) في القلة ويقال : رجل حلو وقوم حلون وهو العظيم البطن.

السادس : فعل على أفعال : وذلك : يقظ وأيقاظ ونجد وأنجاد وبابه أن يجمع بالواو والنون.

السابع : فعل : جاء على (أفعال) وقالوا : نكد وأنكاد.

فجميع الأبنية التي جاءت من الثلاثي في الصفات سبعة أبنية.

الأول : فعل. وجاء فيه تسعة أبنية : فعال وفعول وفعل وأفعل وفعيل وأفعال وفعلان وفعلة وفعلان.

الثاني : فعل وجاء فيه ثلاثة أبنية : فعال وفعال وأفعال.

الثالث : فعل : جاء على أفعال.

الرابع : فعل : جاء على أفعال وأفعل.

الخامس : فعل : جاء على أفعال.

السادس : فعل : جاء على أفعال.

السابع : فعل : جاء على أفعال.

ص: 261

واعلم أنّ جميع هذه النعوت لا تمتنع من الواو والنون والألف والتاء لأنّها على الفعل تجري والأسماء أشدّ تمكنا في التكسير فمتى احتجت إلى تكسير صفة ولم تعلم أنّ العرب كسرتها فكسرها تكسير الاسم الذي هو على بنائه لأنّها أسماء ، وإن كانت صفات.

والضرورة تقع في الشعر فأمّا إذا احتجت إلى ذلك في الكلام فاجمع بالواو والنون والألف والتاء إلّا أن تعلم أنّ العرب قد كسروا من ذلك شيئا فتكسر عليه.

ص: 262

باب تكسير ما كان في الصفات عدد حروفه أربعة أحرف بالزيادة

تجيء الصفة في هذا الباب على تسعة أبنية :

الأول : فاعل : جاء على سبعة أبنية : فعّل وفعّال وفعلة وفعلة فيما اعتلت لامه. وفعل وفعلاء وفواعل.

فأما (فعّل) فنحوه شاهد وشهّد ومثله من بنات الياء والواو التي هنّ عينات : صائم وصوّم وغائب وغيّب وفي اللامات : غاز وغزّى.

وأما (فعّال) فنحو : جاهل وجهّال وشاهد وشهّاد وهو كثير.

وأما فعلة فنحو : فاسق وفسقة وبارّ وبررة وهو كثير ومثله فيما اعتلت عينه : كخائن وخونة وبائع وباعة ويجيء نظيره من بنات الياء والواو والتي هي لام على (فعلة) نحو : قاض وقضاة ورام ورماة.

وأمّا فعّل : فبازل وبزّل وعائط وعيّط وحائل وحوّل.

وأما (فعلاء) : فعالم وعلماء وصالح وصلحاء وفعّل وفعلاء في هذا الباب ليس بالقياس المتمكن وليس شيء للآدميين يمتنع من الواو والنون ، وإذا ألحقت الهاء للتأنيث كسر على فواعل : كضاربة وضوارب وكذلك إن كان صفة للمؤنث ولم يكن فيه هاء التأنيث : كحائض وحوائض ويكسرونه على (فعّل) نحو : حيّض وزائر وزوّر لا يمتنع شيء فيه الهاء من هذه الصفات من التاء ، وإن كان فاعل لغير الآدميين كسر على (فواعل) ، وإن كان لمذكر أيضا مثل :جمال بوازل وقد اضطرّ الفرزدق فقال :

وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرقاب نواكس الأبصار (1)

ص: 263


1- على أن جمع التكسير نحو" نواكس" لا يمتنع جمعه جمع سلامة كنواكسين ، كما ذكره أبو علي في" الحجة". أقول : ذكره أبو علي في" إعراب الشعر" أيضا. واعلم أن الكلام على هذه الكلمة من ثلاثة وجوه : " أحدها" : أن" نواكس" جمع ناكس وهو المطأطأ رأسه ؛ وفاعل إذا كان اسما نحو كاهل ، أو صفة مؤنث سواء كان ممن يعقل نحو حائض أو ممن لا يعقل نحو ناقة حاسر : إذا أعيت ، أو صفة مذكر غير عاقل نحو - صاهل يجمع قياسا على فواعل ، تقول : كواهل وحوائض وحواسر وصواهل. أما إذا كان صفة المذكر عاقل لا يجمع على فواعل ، وقد شذت ألفاظ خمسة : وهي ناكس ونواكس ، وفارس وفوارس نحو : " البسيط" لو لا فوارس من نعم وأسرتهم وهالك وهوالك قالوا : " هالك في الهوالك" ، وغائب وغوائب ، وشاهد وشواهد ، قال عتبة بن الحارث لجزء بن سعد : " الوافر" أحامي عن ديار بني أبيكم ومثلي في غوائبكم قليل فقال له جزء : نعم ، وفي شواهدنا! فجمع" عتبة" غائبا على غوائب ، وجمع" جزء" شاهدا على شواهد. وقد وجهت بتوجيهات : أما الأول فقد حمله سيبويه على اعتبار التأنيث في الرجال ، قال : لأنك تقول هي الرجال كما تقول هي الجمال. فشبهه بالجمال. ومنه أخذ أبو الوليد فقال في" شرح كامل المبرد" : هذا مخرج على غير الضرورة ، وهو أن تريد بالرجال جماعات الرجال ، فكأنه جماعات نواكس وواحده جماعة ناكسة ، فيكون مقيسا جاريا على بابه كقائله وقوائل. ووجهه ابن الصائغ على أنه صفة للإبصار من جهة المعنى ، لأن الأصل قبل النقل نواكس أبصارهم ، والجمع في هذا قبل النقل سائغ لأنه غير عاقل ، فلما نقلوا تركوا الأمر على ما كان عليه لأن المعنى لم ينتقل. وأما الثاني فقالوا : إنه من الصفات التي استعملت استعمال الأسماء فقرب بذلك منها ، ولأنه لا لبس فيه ، لما ذكر سيبويه من أن الفارس في كلامهم لا يقع إلا للرجال. وأما الثالث فوجهه أنه جرى عندهم مجرى المثل ، ومن شأن الأمثال أن لا تغير عن أصلها. انظر خزانة الأدب 1 / 72.

فجعل الآدميين كغيرهم.

الثاني : فعيل : يجيء تكسيره على عشرة أبنية : فعلاء. وفعال. وأفعلة في المضاعف.

وأفعلاء في المعتل. وفعل. وفعلان وفعلان وأفعال وفعائل في المؤنث وفعول ، وذلك نحو : فقيه وفقهاء وقالوا : لئيم ولئام وما كان منه مضاعفا كسر على (فعال) : كشديد وشداد ونظير فعلاء فيه أفعلاء : كشديد وأشدّاء وقد يكسّرون المضاعف على (أفعلة) نحو : شحيح وأشحّة ومتى كان من بنات الياء والواو ، فإن نظير فعلاء فيه : أفعلاء : كغني وأغنياء وغويّ وأّغوياء.

استغنوا بهذا عن (فعال) وبالواو والنون.

ص: 264

وما كان من بنات الياء والواو وهي عينات كسر على (فعال) نحو : طويل وطوال وهو قليل في الكلام وليس شيء من هذا للآدميين يمتنع من الواو والنون.

وأما فعل فمثل نذير ونذر ومثله من بنات الياء : ثنيّ وثن وكان الأصل : ثنوّا فوقعت الواو طرفا قبلها ضمة فقلبت ياء وكسر ما قبلها وهذا يبين في موضعه إن شاء الله.

وقد جاء (فعلان) قال : ثنيّ وثنيان وجاء فعلان قالوا : خصيّ وخصيان و (أفعال) مثل :(يتيم وأيتام) وقالوا : صديق وأصدقاء حيث استعمل كما تستعمل الأسماء نحو : نصيب وأنصباء ، وإذا ألحقت الهاء (فعيلا) للتأنيث فالمؤنث يرافق المذكر مثل : صبيحة وصباح ويكسر على (فعائل) وقد يستغنون على (فعائل) بغيرها نحو : صغير وصغار وقالوا : خليفة وخلائف جاءوا به على الأصل وقالوا : خلفاء من أجل أنه لا يقع إلّا على مذكر فصار مثل :ظريف وظرفاء ، وأما فعول فجاء في جمع ظريف : ظروف.

وقال أبو بكر : هو جمعه عندي على حذف الزوائد كأنه جمع ظرفاء.

وقال الخليل : هو بمنزلة : مذاكير إذا لم يكسر على ذكر.

فقد أجري شيء من فعيل مستويا في المذكر والمؤنث شبّه بفعول نحو : جديد وسديس وفعيل إذا كان بمعنى فعول فهو في المذكر والمؤنث سواء لا يجمع بالواو والنون ويكسر على فعلى نحو : قتيل وقتلى.

وقال سيبويه : سمعنا من يقول : قتلاء.

الهاء تدخل في باب فعيل على ما كان مقدرا فيه قبل أن يفعل به ذاك فإذا فعل كان بغير هاء تقول : هذه ذبيحة فلان قبل أن تذبح فإذا ذبحت قيل : شاة ذبيح.

الثالث : فعول : ويجيء على : فعل وفعائل للمؤنث وفعلاء قالوا : صبور وصبر وفي المؤنث : عجوز وعجائز وليس شيء من هذا يجمع بالواو والنون كما أنّ مؤنثه لا يجمع بالتاء.

وقالوا للمذكر : جزور وجزائر لمّا لم يكن من الآدميين شبهوه بالمؤنث وقالوا : رجل ودود وودودة شبهوه : بصديق وصديقة وقالوا : امرأة فروقة وملولة.

ص: 265

الرابع : فعال : يجيء على ثلاثة أبنية : على فعل وفعل فيما اعتلت عينه وفعلاء ، وذلك نحو :صناع وصنع وقالوا فيما اعتلت عينه : نوار ونور وجواد وجود والهاء لا تدخل في مؤنثه وجاء :جبان وجبناء.

الخامس : فعال : جاء على ثلاثة أبنية : فعل فعائل وفعال.

اعلم أنّ فعالا بمنزلة : فعال لا تدخل الهاء في مؤنثه وجمع على : فعل نحو : ناقة دلاث ودلث وزعم الخليل : أنّ هجان للجماعة بمنزلة : ظراف وزعم أبو الخطاب : أنّ الشّمال تجعل.

جمعا وقالوا : درع دلاص وأدرع دلاص لفظ الجميع لفظ الواحد وإنّما وقع هذا ؛ لأن (فعال وفعول وفعيل) أخوات فالزيادة من جميعهنّ في موضع واحد.

السادس : فيعل : وهذا البناء لا يكون إلّا في المعتلّ فيجيء جمعه على : (أفعال) وأفعلاء ، وذلك نحو : ميّت وأموات وحقه الواو والنون نحو : قيّم وقيمون ومثل أموات : قيل وأقيال والأصل : قيّل فخفّف ولو لم يكن (فيعلا) لما جمعوا بالواو والنون فقالوا : قيلون ؛ لأن (فعيل) التكسير فيه أكثر وفيعل الواو والنون فيه أكثر ويقولون للمؤنث أيضا : أموات وقالوا : هيّن وأهوناء.

السابع : مفعل : يكسر على مفاعل مدعس ومداعس.

الثامن : مفعل : ومفعل يجمع بالواو والنون والمؤنث بالتاء إلّا أنّهم قد قالوا : منكر ومناكير وموسر ومياسير.

وأما مفعل الذي يكون للمؤنث ولا تدخله الهاء فإنه يكسر نحو : مطفل ومطافل وقد قالوا على غير القياس : مطافيل.

التاسع : فعّل : يجمع بالواو والنون ، وذلك نحو : زمّل وجبّا يقال : رجل جبّا إذا كان ضعيفا.

ص: 266

باب ما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة من الصفات

وهو يجيء على ثلاثة أبنية على : فعول وفيعل وأفعل.

والأول : فعول : نحو : قسور وقساور وتوأم وتوائم أجروه مجرى : قشعم وقشاعم.

الثاني : فيعل : نحو : غيلم وغيالم شبهوها : بسملق وسمالق ولا يمتنعان من الواو والنون أعني : فعلول وفيعل إذا عنيت الآدميين والتاء إذا عنيت غير الآدميين.

الثالث : أفعل : إذا كان صفة كسر على : (فعل) وفعلان ، وذلك نحو : أحمر وحمر ولا يحركون العين إلّا أن يضطر شاعر وهو مما يكسر على (فعلان) نحو : حمران وسودان ويمضان.

فالمؤنث من هذا يجمع على (فعل) نحو : حمراء وحمر وفي (أفعل) إذا كان صفة هل هو ملحق أم غير ملحق نظر وسؤال.

قال : والحقيقة أنه غير ملحق ولو كان ملحقا لما أدغم في مثل الأصمّ.

وأما الأصغر والأكبر فإنّه لا يوصف به كما يوصف بأحمر ولا تفارقه الألف واللام لا تقول : رجل أصغر.

قال سيبويه : سمعنا العرب تقول : الأصاغرة كما تقول : القشاعمة ، وإن شئت قلت :الأصغرون وقالوا الآخرون ولم يقولوا غيره.

ص: 267

باب تكسير ما جاء من الصفة على أكثر من أربعة أحرف

وهي تجيء على عشرة أبنية :

الأول : مفعال : ويجيء على : مفاعيل ولا تدخله الهاء ولا يجمع بالواو والنون نحو : مهذار ومهاذير ومفعل بمنزلته للمذكر والمؤنث كأنه مقصور منه.

الثاني : مفعيل : تقول في محضير : محاضير وقالوا : مسكينة شبهت بفقيرة فأدخلوا الهاء فيجوز على ذا : مسكينون ، وقالوا أيضا : امرأة مسكين فمن قال هذا لم يجز أن يجمع بالواو والنون ومؤنثه بالألف والتاء ؛ لأن الهاء تدخله.

[الثالث : فعول : بمعنى فاعل نحو : امرأة صبور وشكور وفخور ، وقد جاء حرف شاذّ فقالوا : " هي عدوّة الله. قال سيبويه : شبهوا عدوّة بصديقة. فإذا كان في تأويل مفعول لحقته التّاء نحو : الحمولة ، والرّكوبة ، والحلوبة تقول : هذا الجمل ركوبتهم وأكولتهم.](1)

الرابع : فعّال : مثل (فعّال) نحو : الحسّان وقالوا : عوّار وعواوير.

الخامس : مفعول : مثله بالواو والنون وقالوا : مكسور ومكاسير وملعون وملاعين شبهوها بالأسماء.

السادس : فعّيل : نحو : زمّيل وجمعه كجمع : فعّل بالواو والنون.

السابع : فعلان : إذا كان صفة وكان له فعلى كسر على (فعال) نحو : عطشان وعطاش وقد يكسر على : فعالى وفعال نحو : سكارى وكذلك المؤنث أيضا.

وجاء بعضه على (فعالى) نحو : سكارى ، ولا يجمع فعلان بالواو والنون ولا مؤنثه بالتاء إلّا أن يضطر شاعر وقد قالوا فيما يلحق مؤنثه الهاء كما قالوا في هذا ؛ لأن آخره ألف ونون زائدتان وذلك : ندمانة وندمان وندامى وقالوا : خمصانة وخمصان وخماص ومنهم من يقول :خمصان.

ص: 268


1- ما بين المعكوفتين ساقط من (ط).

وقد يكسرون (فعلا) على : (فعالى) ؛ لأنه يدخل (فعلان) فيعني به ما يعني (بفعلان) وذلك : رجل عجل وسكر وحذر قالوا : حذارى وقالوا : رجل رجل ورجالى وقال بعضهم :رجلان ورجلى وقالوا : رجال كما قالوا : عجال ويقال : شاة حرمى وشياه حرام وحرامى ؛ لأن (فعلى) صفة بمنزلة التي لها فعلان.

الثامن : فعلان نحو : خمصان وعريان يجمع بالواو والنون ولم يقولوا في عريان : عراء ولا :عرايا استغنوا بعراة وعراة إنّما هو جمع عار إلا أن المعنى واحد في عريان وعار.

التاسع : فعلاء : فهي بمنزلة فعلة من الصفات ؛ لأن الألفين للتأنيث نظير الهاء وذلك :نفساء ونفساوات ونفاس وليس شيء من الصفات آخره علامة التأنيث يمتنع من الجمع بالتاء غير : فعلاء أفعل وفعلى فعلان.

العاشر : فعلاء : قد ذكرنا في باب (أفعل) أنّها تجيء على (فعل) نحو : حمراء وحمر فالمذكر والمؤنث فيه سواء كما كان في جمع فعلى فعلان وقال : بطحاوات في جمع بطحاء حيث استعملت كالأسماء وقالوا : بطحاء وبطاح وبرقاء وبراق.

ص: 269

باب ما كان من الأسماء عدة حروفه خمسة وخامسه ألف التأنيث أو ألفا التأنيث

فما كان على (فعالى) يجمع بالتاّء نحو : حبارى وحباريات وما كان آخره ألفان على فاعلاء نحو : القاصعاء فهو على : (فواعل) تقول فيه : قواصع شبهوا (فاعلاء) بفاعلة وجعلوا ألفي التأنيث بمنزلة الهاء وقالوا : خنفساء وخنافس.

باب ما جمع على المعنى لا على اللفظ

قال الخليل : إنّما قالوا : مرضى وهلكى وموتى وجربى ؛ لأن المعنى معنى : مفعول وقد قالوا : هلّاك وهالكون فجاءوا به على الأصل وقالوا : مراض وسقام ولم يقولوا : سقمى وقالوا : وجع وقوم وجعى ووجاعتى وقالوا : قوم وجاع كما قالوا : بعير جرب وإبل جراب وقالوا : مائق وموقى وأحمق وحمقى وأنوك ونوكى ؛ لأنه شيء أصيبوا به.

وقالوا : أهوج وهوج على القياس وأنوك ونوك وقالوا : سكرى كمرضى وروبى : للذين اسثقلوا نوما والواحد : رائب وقالوا : زمن وزمنى وضمن وضمنى ورهيص ورهصى وحسير وحسرى ، وإن شئت قلت : زمنون وهرمون.

وقالوا : أسارى مثل : كسالى وقالوا : وج ووجيا بلا همز وقالوا : ساقط وسقطى مثله :وفاسد وفسدى وليس يجيء في كلّ هذا على المعنى لم يقولوا : بخلى ولا سقمى.

قال أبو العباس : لو قالوه جاز. وقالوا : يتامى.

قال سيبويه : وقالوا : عقيم وعقم.

وقال : لو قيل إنها لم تجىء على (فعل) لكان مذهبا يعني : أنّ بابها أن يقال عقمى مثل :قتيل وقتلى فصرفت عن بابها لأنّها بلية فأكثر ما تجيء على فعلى.

ص: 270

باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله

فمن ذلك : رهط وأراهط وباطل وأباطيل كأنّهم كسروا : أرهط وأبطال ومن ذلك : كراع وأكارع وحديث وأحاديث وعروض وأعاريض وقطيع وأقاطيع ؛ لأن هذا لو كسرته وعدة حروفه أربعة بالزيادة التي فيها لكانت (فعائل) ولم يكن في الأول زيادة.

ومثل أراهط أهل وأهال. وليلة وليال كأنه جمع : أهلا وليلا.

وقال أبو العباس : ليلة أصلها (ليلا) فحذفت وزعم أبو الخطاب : أنّهم يقولون : أرض وآراض كما قالوا : أهل وآهال فهذا على قياسه وقال بعضهم : أمكن كأنه جمع مكن.

وقال سيبويه : ومثل ذلك : توأم وتوائم كأنهم كسروه على (تئم) كما قالوا : ظئر وظؤار.

وقال أبو العباس : توأم اسم من أسماء الجمع وفعال لا يكون من أبواب الجمع وكذلك : رجل ورجال وقالوا : كروان. وللجمع : كروان.

وقال أبو العباس : كروان جمع : كروان تحذف الزوائد وكذلك قال في أمكن جمع : مكان.

وقال سيبويه : إنما جمع (كروان) على (كرى) وقالوا في مثل : أطرق كرا إنّ النعام في القرى ومثل هذا : حمار وحمير وصاحب وأصحاب وطائر وأطيار.

ص: 271

باب ما هو اسم يقع على الجميع ولم يكسر عليه واحده وهو من لفظه

وذلك نحو : ركب وسفر وطائر وطير وصاحب وصحب ألا ترى أنك تقول في التصغير : ركيب وسفير ولو كان تكسيرا لردّ إلى الواحد ومثل ذلك : أديم وأدم وعمود وعمد وحلقة وحلق وفلكة وفلك ومن ذلك : الجامل والباقر وأخ وإخوة وسريّ وسراة من ذلك لو قال قائل : شبّه (فعيل بفاعل) نحو : فاسق وفسقة قيل له : مثال هذا في المعتلّ إنّما يجيء على (فعلة) نحو : قاض وقضاة و (فعلة) ليس من جموع المعتلّ فلذلك لم يجعل جمعا وصار في ركب وسفر وقالوا : فاره وفرهة مثل : صاحب وصحبة وغائب وغيب وخادم وخدم وإهاب وأهب وماعز ومعز وضائن وضأن وعازب وعزيب وغاز وغزيّ.

ص: 272

باب جمع الجمع

أما أبنية أدنى العدد فيجمع على (أفاعل) وأفاعيل نحو : أيد وأياد وأوطب وأواطب وأفعال بمنزلة إفعال نحو : أنعام وأناعيم وقد جمعوا (أفعلة بالتاء).

قالوا : أغطية وأغطيات وأسقية وأسقيات وقالوا : أسورة وأساورة وقالوا : جمال وجمائل.

وقالوا : جمالات وبيوتات عملوا بفعول ما عملوا بفعال وكذلك (فعل) قالوا : الحمرات بضم الميم.

قال سيبويه : وليس كلّ جمع يجمع. لم يقولوا : في جمع برّ أبرار وقالوا : في تمر تمران.

وأبو العباس يجيز : أبرار في جمع برّ ويركن إلى القياس وقالوا في مصران : مصارين.

وأبيات وأبابيت وبيوت وبيوتات وقالوا : عوذ وعوذات ودور ودورات وحشّان وحشاشين وكلّ بناء من أبنية الجموع ليس على مثال (مفاعل) ومفاعيل إذا اختلفت ضروبه فجمعه عندي جائز وقياسه أن ينظر إلى ما كان على بنائه من الواحد أو على عدته فتكسره على مثال تكسيره.

وقال سيبويه : من قال : أقاويل وأبابيت في أبيات لا يقول : أقوالان لا يثني (أقوالا) وكذلك : البسر والتّمر إلّا أن تريد ضربين مختلفين فهذا يدلّك على أنّ جمع الجمع يجيء على نوعين : فنوع يراد به التكثير فقط ولا يراد به ضروب مختلفة ونوع يراد به الضروب المختلفة وهو الذي لا يمتنع منه جمع قالوا : إبلان ؛ لأنه اسم لم يكسر.

وقال : لقاحان سوداوان لأنّهم لم يقولوا : لقاح واحدة وهو في إبل أقوى ؛ لأنه لم يكسر.

قال سيبويه : سألت الخليل عن : ثلاثة كلاب فقال : يجوز في الشعر على (من) ، وإن نونت قلت : ثلاثة كلاب.

ص: 273

باب ما لفظ به مثنى كما لفظ بالجمع

وهو أن يكون كلّ واحد بعض شيء مفرد من صاحبه كقولك : ما أحسن رؤوسهما وزعم يونس أنّهم يقولون : غلمانهما وإنّما هما اثنان.

وزعم أيضا أنّهم يقولون : ضربت رأسيهما وأنه سمع ذلك من رؤبة والباب ما جاء في القرآن قال الله عزّ وجلّ : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(1) [التحريم : 4]. (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : 38].

باب ما كان من الأعجمية على أربعة أحرف وقد أعرب

جمع هذا الضرب على مثال مفاعل وزعم الخليل : أنهم يلحقون جمعه الهاء إلّا قليلا : كموزج وموازجة وطيلسان وطيالسة وقد قالوا : جوارب وكيالج وقد أدخلوا الهاء أيضا.

وكذلك إذا كسرت الاسم وأنت تريد : آل فلان أو جماعة الحي كالمسامعة والمناذرة والمهالبة وقد قالوا : دياسم وهنّ ولد الذئب من الضبع.

وقالوا : ولد الكلب من الذئبة وقالوا : البرابرة والسيابجة فاجتمع فيهما الأعجمية والإضافة.

ص: 274


1- قوله تعالى (إِنْ تَتُوبا) جواب الشرط محذوف تقديره فذلك واجب عليكما أو يتب الله عليكما ودل على المحذوف فقد صغت لأن اصغاء القلب إلى ذلك ذنب. قوله تعالى : (قُلُوبُكُما) إنما جمع وهما اثنان لأن لكل انسان قلبا وما ليس في الانسان منه الا واحد جاز أن يجعل الاثنان فيه بلفظ الجمع وجاز أن يجعل بلفظ التثنية وقيل وجهه أن التثنية جمع. [التبيان في إعراب القرأن 2 / 149]

باب التحقير

اشارة

التصغير (1) شيء اجتزىء به عن وصف الاسم بالصغر وبني أوله على الضمّ وجعل ثالثه ياء ساكنة قبلها فتحة ولا يجوز أن يصغر اسم يكون على أقل من ثلاثة أحرف فإذا كان الاسم ثلاثيا فالإعراب يقع على الحرف الذي بعد الياء نحو قولك في حجر : حجير ، فإن كان آخره هاء التأنيث فلا بدّ من أن ينفتح لها ما قبلها ، فإن جاوز الاسم الثلاثة بزائد أو غير زائد فهو نظير الجمع الذي يجيء على (مفاعل) ومفاعيل فالألف في الجمع نظيره الياء في التصغير وما بعدها مكسور كما أنّ ما بعد الألف مكسور إلّا أنّ أول الجمع مفتوح وأول هذا مضموم وجميع التصغير يجيء على ثلاثة أمثلة على مثال تصغير : فلس ودرهم ودينار وتصغيرها : فليس ودريهم ودنينير وهذا الياء التي تجيء في مثال : دنينير وما أشبه تكون عوضا لازما متى كان في الاسم زائدة تابعة كما وقعت في دينار وتكون غير ملازمة متى كان في الاسم زيادة تابعة كما وقعت في دينار وتكون غير ملازمة متى كان في الاسم زيادة غير تابعة فحينئذ لك فيه الخيار فياء التصغير زائدة وياء التعويض زائدة فالتصغير إنّما يكون في الثلاثي وفيما كان عدده أربعة أحرف بزيادة أو غير زيادة ، فإن تجاوز العدد ذلك حذف حتى يردّ إلى هذا العدد.

والأسماء تنقسم ثلاثة أقسام : اسم لا زيادة فيه ولا نقص ، واسم فيه زيادة ، واسم منقوص.

الأول : الاسم الذي لا زيادة فيه ولا نقص

اشارة

وهذا الضّرب ينقسم ثلاثة أقسام : اسم ثلاثي واسم رباعي واسم خماسي.

أما الثلاثي : فينقسم أيضا ثلاثة أقسام : اسم صحيح واسم مضاعف واسم معتلّ.

ص: 275


1- قال الجرجاني : التصغير : تغيير صيغة الاسم لأجل تغيير المعنى ، تحقيرا ، أو تقليلا ، أو تقريبا ، أو تكريما ، أو تلطيفا ، كرجيل ، ودريهمات ، وقبيل ، وفويق ، وأخي ، ويبنى عليه ما في قوله صلّى الله عليه وسلّم في حق عائشة رضي الله عنها : " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء".

الأول من الثلاثي : أمّا الصّحيح فعلى ضربين : مذكر ومؤنث فالمذكر نحو قولك : رجل ورجيل وحجر وحجير وجمل وجميل وكلب وكليب والمؤنث نحو : قدم وقدر تقول : قديمة لأنّك تقول : قدم صغيرة وقديرة لأنك تقول : قدر صغيرة وفي عين عيينة وأذن : أذينة.

الثاني من الثلاثي : وهو المضاعف تقول في دنّ : دنين وفي مدّ : مديد يزول الإدغام لتوسطّ ياء التصغير.

الثالث من الثلاثي : وهو المعتلّ يجيء على ضربين فالضرب الأول : ما كانت الألف بدلا من عينه والضرب الثاني : ما لامه ياء أو واو.

ص: 276

ذكر تحقير ما كانت الألف بدلا من عينه

حقّ هذا الاسم إذا صغّر أن يردّ إلى أصله ، فإن كانت الألف منقلبة من واو ردت الواو ، وإن كانت منقلبة من ياء ردت الياء تقول في ناب نييب والناب من الإبل كذلك لأنك تقول :أنياب وتقول في بيت : بييت وفي شيخ : شييخ هذا الأحسن.

ومنهم من يكسر الأول فيقول : شييخ وبييت وتقول في تصغير سيّد : سييد وهو الأحسن ، وإن حقرت رجلا : اسمه : سار وغاب لقلت غييب وسيير لأنهما من الياء ولو حقّرت السّار وأنت تريد السائر : لقلت : سوير لأنها ألف (فاعل).

قال سيبويه : وسألت الخليل عن : خاف ومال يعني إذا قلت : رجل خاف ورجل مال فقال : خاف يصلح أن يكون (فاعلا) ذهبت عينه ويصلح أن يكون (فعلا) ؛ لأنه من فعلت.

يعني : أنّ اسم الفاعل إذا كان ماضيه على (فعل) أنه قد يجيء هو أيضا على فعل : نحو :حذر فهو رجل حذر وفرق فهو رجل فرق قال : وأما مال فإنّهم لم يقولوا (مائل).

قال : وحدثني من أثق به : أنه يقال : رجل مال إذا كثر ماله وكبش صاف إذا كثر صوفه ونعجة صافة قال : وإذا جاء اسم نحو : النّاب لا تدري أمن الياء هو أم من الواو.

فاجمله على الواو حتى يتبين لك لأنّها مبدلة من الواو أكثر.

قال أبو العباس : إنما قلبت الألف يعني الألف التي لا يدرى أصلها إلى الواو للضمة التي قبلها يعني في باب التصغير.

قال سيبويه : ومن العرب من يقول في ناب : نويب فيجيء بالواو ؛ لأن هذه الألف يكثر إبدالها من الواوات وهو غلط منه ، وأما المؤنث فتقول : في نورة : نويرة وفي جوزة جويزة.

الضرب الثاني : ما لامه معتلة من الثلاثي

تقول في قفا : قفيّ وفي فتى فتيّ وفي جرو : جري وفي ظبي : ظبيّ فيصير جميع ذلك إلى الياء.

القسم الثاني : مما لا زيادة فيه وهو الرّباعي

ص: 277

وذلك نحو : جعفر وسلهب تقول : جعيفر وسليهب والتصغير كالتكسير.

القسم الثالث : مما لا زيادة فيه وهو الخماسي

وذلك نحو : سفرجل وفرزدق تقول : سفيرج وفريزد وقال بعضهم : فريزق ؛ لأن الدال تشبه التاء والتاء من حروف الزيادة وكذلك خدرنق : خديرق فيمن قال : فريزق ومن قال : فريزد قال : خديرن ولا يجوز في (جحمرش) حذف الميم ، وإن كانت تزاد لأنها رابعة بعد ياء التحقير.

وقال الخليل : لو كنت محقرا مثل هذه الأسماء لا أحذف منها شيئا لقلت : سفيرجل حتى يصير مثل : دنينير.

الثاني من القسمة الأولى : وهو ما كان من الأسماء فيه زيادة

اشارة

وهو على عشرة أضرب :

الأول : المضاعف المدغم.

الثاني : اسم ثلاثي لحقته الزيادة للتأنيث فصار بالزيادة أربعة أحرف.

الثالث : اسم ثلاثي أدخل عليه أيضا التأنيث وما ضارعهما.

الرابع : اسم يحذف منه في التحقير من بنات الثلاثة الزيادة التي كسرته للجميع لحذفتها.

الخامس : اسم يحذف منه الزواد من بنات الثلاثة مما أوله ألف الوصل.

السادس : اسم فيه زائدتان تكون فيه بالخيار أيّهما شئت حذفت.

السابع : اسم من بنات الثلاثة تثبت زيادته في التحقير.

الثامن : ما يحذف في التحقير من زوائد بنات الأربعة.

التاسع : ما أوله ألف الوصل وفيه زيادة من بنات الأربعة.

العاشر : تحقير الجمع.

الأول : المضاعف المدغم

تقول في مدقّ : مديّق وفي أصمّ : أصيّم تجمع بين ساكنين كما فعلت في الجمع ؛ لأن هذه الياء نظيرة تلك الألف.

ص: 278

الثاني : تصغير ما كان على ثلاثة أحرف

ولحقته الزيادة للتأنيث فصار بالزيادة أربعة أحرف تقول في حبلى : حبيلى وفي بشرى : بشيرى وفي أخرى : أخيرى فلا تكسر ما قبل الألف كما لا تكسر ما قبل الهاء في طليحة وسليمة ، فإن جاءت الألف للإلحاق قلبت ياء تقول في معزى : معيز وفي أرطى : أريط وفيمن قال : علقى فنون عليق ، وإذا كانت الألف خامسة للتأنيث أو لغيره حذفت تقول في : قرقرى : قريقر وفي حبركى : حبيرك.

الثالث : اسم ثلاثي أدخل عليه ألفا التأنيث

وما ضارعهما تقول في حمراء : حميراء فلا تغير وكذلك (فعلان الذي له) (فعلى) تقول في (عطشان) وسكران : عطيشان وسكيران ؛ لأن مؤنثه : عطشى وسكرى فأما ما كان آخره كآخر (فعلان) الذي له فعلى وعلى عدة حروفه ، وإن اختلفت حركاته ولم تكسره للجمع حتى يصير على مثال (مفاعيل) فتحقيره كتحقير (عطشان وسكران) ، فإن كان يكسر على مثال (مفاعيل) كسرحان وسراحين ، فإن تصغيره : سريحين فأما ما كان على ثلاثة أحرف فلحقته زائدتان فكان ممدودا منصرفا فإنه مثل ما هو بدل من ياء من نفس الحرف نحو : علباء وحرباء تقول : عليبي وحريبى يحقر كما يحقر ما تظهر فيه الياء من نفس الحرف ، وذلك نحو : درحاية ودريحية ومن صرف غوغاء قال : غويغى ومن لم يصرف جعلها كعوراء فقال : غويغاء يا هذا ومن صرف قوباء قال : قويبى ومن لم يصرف قوباء قال :قويباء ؛ لأن تحقير ما لحقته ألفا التأنيث وكان على ثلاثة أحرف حكمه حكم واحد كيف اختلفت حركاته وكلّ اسم آخره ألف ونون يجيء على مثال (مفاعيل) فتحقيره كتحقير : سرحان تقول في سرحان : سريحين وفي ضبعان : ضبيعين لأنك تقول : ضباعين حومان :حويمين لأنك تقول : حوامين وسلطان : سليطين لأنك تقول : سلاطين وفي فرزان : فريزين كقولهم : فرازين ومن قال : فرازنة قال أيضا : فريزين ؛ لأنه جاء مثل جحاجحة وزنادقة وتقول في ورشان وريشين لأنك تقول : وراشين ، وأما ظربان فتقول : ظريبان لأنك تقول : ظرابيّ ولا تقول : ظرابين فلا تأتي بالنون في جمع التكسير كما لا تأتي بها في جمع سكران إذا قلت : سكارى ، وإذا جاء شيء على مثال : سرحان ولم تعلم العرب كسرته في الجمع فتحقيره كتحقير سكران تثبت الألف والنون في آخره كألفي التأنيث.

ص: 279

ولو سمّيت رجلا : سرحان ، ثم حقرته لقلت : سريحين ؛ لأنه يجمع جمع الملحق في نكرته ، وإذا جمعت العرب شيئا فقد كفتك إيّاه.

فأمّا عثمان فتصغيره عثيمان ؛ لأنه لم يكسر على عثامين ولا له أصل في النكرة يكسر عليه.

الرابع : ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة من الزيادات

لأنك لو كسرته للجمع حذفتها تقول في مغتلم : مغيلم : كقولك : مغالم ، وإن شئت عوضت فقلت : مغيليم العوض هنا غير لازم ؛ لأن الزيادة لم تقع رابعة وفي جوالق : جويليق إذا أردت التعويض وفي مقدّم ومؤخّر : مقيدم ومؤيخر تحذف الدال ولا تحذف الميم ؛ لأن الميم دخلت أولا لمعنى ، وإن شئت عوضت فقلت : مقيديم ومؤيخير.

واعلم أنه لا يجوز أن تقول : مقيدم فتدع الدال على تشديدها ؛ لأنه لا يكون الكلام مقادم من أجل أنه لا يجتمع ثلاثة أحرف من الأصول بعد ألف الجمع ، وأما منطلق فتقول فيه :مطيلق ومطيليق تحذف النون ولا تحذف الميم لأنّها أول وتقول في : مذكّر مذيكر وكان الأصل مذتكرا فقلبت التاء ذالا من أجل الدال ثم أدغمت الذال في الدال وهذا يبين في موضعه إن شاء الله.

فإذا حقرت حذفت الدال لأنّها التاء في مفتعل وظهرت الذال إذ لم يكن ما تدغم فيه ، وإن شئت عوضت فقلت : مذيكير وكذا مستمع تقول : مسيمع ومسيميع وتقول في مزدان مزيّن ومزيين ؛ لأن أصل مزدان مزتان وهو مفتعل من الزّين فأبدلت التاء دالا فلما صغرت حذفتها لأنها زائدة في حشو الاسم وتقول : محمرّ محيمر ومحيمير وفي : محمار محيمير لا بدّ من التعويض وإنّما ألزمتها العوض ؛ لأن فيها إذا حذفت الرّاء ألفا رابعة في محمارّ.

وتقول في حمارّة : حميرّة جمع بين ساكنين لأنك لو كسرت قلت : حمارّ وفي جبنّة جبينّة لأنّك لو كسرت قلت : جبان وقد قالوا : جبنة فخففوا.

وتقول في مغدودن : مغيدين فتحذف الدال الثانية ؛ لأنه مفعوعل فالعين الثانية هي المكررة الزائدة.

ص: 280

هذا القياس عند سيبويه. وإن حذفت الدال الأولى فهو بمنزلة جوالق وتقول في خفيدد : خفيدد وخفيديد وغدودن مثل ذلك وقطوطى : قطيط وقطيطيّ.

ومقعنسس تحذف النون وإحدى السينين فتقول : مقيعس ومقيعيس ، وأما معلوّط فليس إلّا : معيليط وعفنجج : عفيجج وعفيجيج ؛ لأن النون بمنزلة واو غدودن وياء خفيدد والجيم بمنزلة الدال.

وعطوّد : عطيّد وعطيّيد.

وإنّما ثقلت الواو الملحقة كما ثقلت باء عدبّس ونون عجنّس عثول : وعثيّل لأنّهم يقولون : عثاول وعثاويل والواو ملحقة بمنزلة شين قرشبّ واللام الزائدة بمنزلة الباء في قرشبّ فحذفتها كما حذفت الباء في : قراشب.

وأثبتوا ما هو بمنزلة الشين.

وألندد ويلندد واحد تقول : أليدّ ولو سميت رجلا بألبب لقلت : أليبّ. ترده إلى القياس ؛ لأن (ألببا) شاذ كحيوة.

إذا حقرت حيوة صار مثل : حذوة وجميع هذا قول سيبويه وإستبرق : أبيرق وأبيريق.

وأرندج وأريدج مثل ألندد.

ولا تلحق الألف إلّا بنات الثلاثة فتدع الزائد الأول وتحذف النون.

وذرحرح ذريرح ؛ لأن الراء والحاء ضوعفا كما ضوعفت دال مهدد : والدليل على ذلك : ذرّاح وذرّوح ومن لغته ذرحرح يقول : ذرارح.

وقالوا : جلعلع وجلالع.

وزعم يونس : أنّهم يقولون : في صمحمح صمامح فتقول على هذا جليلع ، وإن شئت عوضت فقلت : ذريريح.

ص: 281

وزعم الخليل : أنّ (مرمريس) من المراسة فضاعفوا الميم والدال في أوّله وتحقيره : مريريس ؛ لأن الياء تصير رابعة فصارت الميم أولى بالحذف من الراء ؛ لأن الميم إذا حذفت تبين في التحقير أن أصله من الثلاثة كأنّك حقرت (مرّاس) ومسرول مسيريل ليس إلا ومساجد اسم رجل مسيجد تحقير مسجد.

الخامس : ما تحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة

مما أوائله ألفات الوصل تقول في استضراب تضيريب حذفت ألف الوصل والسين لا بدّ من تحريك ما يليها ولم تحذف التاء ؛ لأنه ليس في كلامهم سفعال وفيه التّجفاف والتّبيان وتقول في افتقار : فتيقير تحذف ألف الوصل لتحرك ما يليها ولا تحذف التاء الزائدة إذا كانت ثانية في بنات الثلاثة وكان الاسم عدة حروفه خمسة رابعهنّ حرف لين لم يحذف منه شيء في تكسير الجمع ولا في تصغير وإنما تحذف الزائد إذا زاد على هذه العدة وخرج عن الوزن وانطلاق.

قال سيبويه : نطيليق ؛ لأن الزيادة إذا كانت أولا في بنات الثلاثة وكانت على خمسة أحرف فكان رابعهن حرف لين لم يحذف منه شيء في التصغير ولا في الجمع كتجفاف تجافيف.

وقال أبو عثمان المازني : أقول في انطلاق طليق طلييق ؛ لأنه ليس في كلامهم نفعال.

قال أبو بكر : والذي أذهب إليه قول سيبويه ؛ لأنه إنّما يحذف الزائد ضرورة فإذا قدر على إثباته كان أولى لئلا يلبس بغيره مما لا زائد فيه فأمّا استفعال فلم يجز أن تثبت السين والتاء فيه ؛ لأنه ستة أحرف كان حذف السين أولى لأنّها ساكنة ولأنّها إذا حذفت بقي من الاسم مثال تكون عليه الأسماء فكانت أولى بالحذف وليس يلزمنا متى حذفنا زائدا أن نبقي الباقي على مثال معروف من الأسماء ولو وجب هذا لما جاز أن تقول : في افتقار فتيقير ؛ لأنه ليس في الكلام (فتعال) ولا شيء من هذا الضرب وتقول في اشهيباب : شهيبيب واغديدان : غديدين تحذف الألف والياء.

ص: 282

واقعنساس تحذف الألف والنون وحذف النون أولى من السين واعلوّاط وعلييّط تحذف الألف والواو الأولى لأنّها بمنزلة الياء في اغديدان والواو المتحركة بمنزلة ما هو من نفس الحرف ؛ لأنه ألحق الثلاثة بالأربعة.

السادس : اسم من الثلاثي

فيه زائدتان تكون فيه بالخيار أيّهما شئت حذفت تقول في قلنسوة : قليسية وحبنطى :حبيط وحبينط لأنها جميعا دخلت للإلحاق.

وكوألل : وهو القصير زيادة كؤيلل وكؤيليل وكوئيل وكويئيل وفي حبارى : حبيرى وحبيّر.

قال أبو بكر : والذي أختاره إذا كانت إحدى الزائدتين علامة لشيء لم تحذف العلامة إلّا أن يكون الزائد الآخر ملحقا ، فإن الملحق بمنزلة الأصلي فأرى أن تصغر حبيرى وتحذف الألف الأولى التي في حشو الاسم وتترك ألف التأنيث وكان أبو عمرو يقول : حبيرة يجعل الهاء بدلا من ألف التأنيث وألما علانية وثمانية فأحسنه علينية وثمينية ؛ لأن الياء في آخر الاسم أبدا بمنزلة ما هو من نفس الحرف لأنها تلحق بناء ببناء فياء (عفارية وقراسية) بمنزلة راء عذافرة وقد قال بعضهم : عفيرة وثمينة شبهها بألف حبارى وكذلك صحارى وأشباه ذلك ، فإن سميت رجلا بمهارى وصحارى قلت : مهير وصحير.

قال سيبويه : وهو أحسن ؛ لأن هذه الألف لم تجيء للتأنيث إنّما أرادوا : مهاريّ وصحاريّ فحذفوا وأبدلوا وعفرناة وعفرني عفيرن وعفيرية لأنّهما زيدتا للإلحاق العرضني ضرب من السير عريضن ؛ لأن النون ملحقة والألف للتأنيث فثبات الملحق أولى.

وقبائل اسم رجل : قبيئل وقبيئيل. إذا عوضت وطرح الألف أولى من الهمزة لأنّها بمنزلة جيم مساجد وهمزة برائل وهذا قول الخليل ، وأما يونس فيقول : (قبيّل) بحذف الهمزة.

قال أبو بكر : فقول الخليل أحسن ؛ لأن حذف الساكن أولى من حذف المتحرك وبقاء الهمزة أدلّ على المصغر وتقول في لغّيزى : لغيغيز تحذف الألف لأنّك لو حذفت الياء الرابعة لاحتجت إلى أن تحذف الألف فتقول : لغيغز ؛ لأنه يستوفي عدد الخمسة وكذلك اقعنساس :

ص: 283

قعيسيس تحذف النون وتترك الألف لأنك لو حذفت الألف لاحتجت إلى حذف النون فحذف ما يستغنى بحذفه وحده أولى من أن تخلّ بالاسم.

وياء لغّيزى ليست بياء تصغير ؛ لأن ياء التصغير لا تكون رابعة فهي بمنزلة الألف في خضّارى وتصغير خضّارى كتصغير لغّيزى وبركاء وجلولاء بريكاء وجليلاء ففرقوا بين هذه الألف التي للتأنيث وقبلها ألف وبين الهاء التي للتأنيث ؛ لأن هذه لازمة والهاء غير لازمة وتقول في : عبدّى عبيد تحذف الألف ولا تحذف الدال وفي معلوجاء ومعيوراء : معيليجاء ومعييراء تلزم العوض ؛ لأن الواو رابعة.

قال سيبويه : لو جاء في الكلام فعولاء ممدودا لم تحذف الواو في قول من قال في أسود :أسيود فأمّا من قال في سيد : أسيد وفي جدول جديّل فإنه يلزمه أن يحذف فيقول : فعيلاء ؛ لأنه غير الحرف الملحق فصار بمنزلة الزائد في (بركاء) ويحقر : ظرفين وظريفات ظريفون وظريفات.

وقال سيبويه : سألت يونس عن تحقير ثلاثين فقال : ثليثون ولم يثقل شبهوها بواو جلولاء ؛ لأن ثلاثا لا تستعمل مفردة وهي بمنزلة عشرين لا تفرد عشرا.

ولو سميت رجلا جدارين ثم حقرت لقلت : جديرين ولم تثقل لأنك لست تريد معنى التثنية ، فإن أردت معنى التثنية ثقلت وكذلك لو سميته بدجاجات وظريفين ثقلت في التحقير ؛ لأن تحقير ما كان من شيئين كتحقير المضاف فدجاجة كدراب جرد ودجاجتين كدراب جردين.

السابع : كلّ اسم من بنات الثلاثة تثبت فيه زيادته في التحقير

وذلك قولك في تجفاف : تجيفيف. وإصليت : أصيليت. ويربوع : يربيع ؛ لأنّها تثبت في الجمع وعفريت : عفيريت وملكوت : مليكيت لقولهم : ملاكيت وكذلك : رعشن لقولك : رعاشن وسنبتة لقولهم : سنابت والدليل على زيادة التاء قولهم : سنبة.

وقرنوة تصغر : قرينية لأنّك لو جمعت قلت : قران.

ص: 284

وبردرايا وحولايا بريدر وحويلي ؛ لأن الياء ليست للتأنيث وهي كياء درحاية.

الثامن : ما يحذف من زوائد بنات الأربعة كما تحذفها في الجمع

تقول في قمحدوة قميحدة لقولهم : قماحد وسلحفاة سليحفة لسلاحف وفي منجنيق مجينيق لمجانيق وعنكبوت : عنيكب وعنيكيب لعناكب وعناكيب.

وتخربوت تخيرب وتخيريب تعوض ، وإن شئت فعلت ذلك بقمحدوة وسلحفاة ونحوهما.

عيطموس : عطيميس لقولهم : عطاميس وعيضموز : عضيميز لأنّك لو كسرت قلت :عضاميز وحجنفل حجيفل وحجيفيل النون زائدة وكذلك عجنّس وعدبّس ضاعفوا كما ضاعفوا ميم محمّد وكذلك قرشبّ ضاعفوا الباء كما ضاعفوا دال معدّ وكنهور لا تحذف واوه لأنّها رابعة فيما عدته خمسة أحرف.

وعنتريس عتيريس والنون زائدة ؛ لأن العترسة الشدة والعنتريس الشديد وخنشليل خنيشيل تحذف إحدى اللامين زائدة لأنّها زائدة يدلّك على ذلك التضعيف والنون من نفس الحرف حتى يتبين لك سوى ذلك ومنجنون منيجين وطمأنينة طميئينة تحذف إحدى النونين لأنّها زائدة.

وفي قشعريرة قشيعرة وقندأو إن شئت حذفت الواو كما حذفت ألف حبركى ، وإن شئت النون وإبراهيم بريهيم وقد غلط في هذا سيبويه ؛ لأنه حذف الهمزة فجعلها زائدة ومن أصوله أنّ الزوائد لا تلحق ذوات الأربعة من أوائلها إلّا الأسماء الجارية على أفعالها ويلزمه أن يصغر إبراهيم : أبيرية ويصغّر اسماعيل : سميعيل وقال : تحذف الألف حتى تجيء على مثال : فعيعيل ومجرفس جريفس وجريفيس ولو لم يحذف الميم لم يجيء التحقير على مثال : فعيعل وفعيعيل ومقشعر ومطمئن تحذف الميم وأحد الحرفين المضاعفين.

فتقول : قشيعير وطميئين وخورنق مثل : فدوكس وبردرايا بريدر تحذف الزوائد حتى تصير على مثال (فعيعل) ، وإن عوضت قلت : بريدير وحويليّ ؛ لأن الياء فيهما ليست للتأنيث ولكنها بمنزلة ياء درحاية.

ص: 285

التاسع : تحقير ما أوله ألف الوصل وفيه زيادة من بنات الأربعة

وذلك احرنجام تقول : حريجيم تحذف الألف والنون حتى يصير ما بقي على مثال :فعيعيل ومثله الاطمئنان والاسلنقاء.

العاشر : ما كسّر عليه الواحد للجمع

كلّ بناء لأدنى العدد فتحقيره جائز وهو على أربعة أبنية : أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة ، وذلك قوله في أكلب : أكيلب وفي أجمال : أجيمال وفي أجربة أجيربة وفي غلمة : غليمة وفي وليدة : وليدة ، فإن حقرت ما بني للكثير وددته إلى بناء أقلّ العدد تقول في تصغير : دور أدير تردّء إلى أدنى العدد ، فإن لم تفعل تحقرها على الواحد وألحق تاء الجمع ، فإن حقرت مرابد وقناديل قلت : قنيديلات ومريبدات ودراهم دريهمات وفتيان وفتيّة ترده إلى فتية ، وإن شئت قلت : فتيّون والواو والنون بمنزلة الألف والتاء وفقراء فقيرون ، فإن كان الاسم قد كسّر على واحده المستعمل في الكلام فتحقيره على واحده المستعمل تقول في ظروف جمع ظريف : ظريفون وفي السّمحاء : سميحون وفي شعراء شويعرون ترده إلى سمح وظريف وشاعر فإذا جاء جمع لم يستعمل واحده حقّر على القياس نحو : عباديد تقول : عبيديدون ؛ لأنه جمع فعلول أو فعلال أو فعليل فكيف كان فهذا تحقيره.

وزعم يونس : أنّ من العرب من يقول : سرييلات في تصغير سراويل يجمعه جمعا بمنزلة :دخاريض ودخرضة وتقول في جلوس وقعود : جويلسون وقويعدون فأما ما كان اسما للجمع وليس من لفظ واحد مكسرا فإنّه يحقر على لفظه ؛ لأنه اسم للجمع كالاسم الواحد ، وذلك نحو : قوم يحقر قويم ورجل رجيل ؛ لأنه غير مكسر وكذلك النفر والرّهط والنسوة والصحبة ، فإن كسرت شيئا من هذا لأدنى العدد حقرته بعد التكسير نحو : أقوام أقيام وأنفار تقول :أنيفار والأراهط رهيطون.

قال أبو عثمان المازني : قال الأصمعي : بنات رهط وأراهط وأراهط فعلى هذا تقول :أريهط ، وأما قوله :

ص: 286

قد شربت الأدهيد هينا ...

فكأنه حقّر دهاده فرده إلى الواحد وأدخل الياء والنون للضرورة كما يدخل في أرضين والدّهداه : حاشية الإبل ، وإذا حقرت السنين قلت : سنيّات لأنك قد رددت ما ذهب وأرضون أريضات لأنك قد غيرت البناء ، وإن كان اسم امرأة قلت : أريضون وكذلك سنون لا تردّ إلى الواحد لأنك لا تريد جمعا تحقره ، وإذا حقرت سنين اسم امرأة في قول من قال : سنين قلت : سنيّن على قوله في يضع : يضيّع لا تحتاج إلى أن تردّ ؛ لأنه على مثال المصغرات من فعيل وفعيعل فمن قال : سنون قال : سنيّون فلم يكن بدّ من الردّ ؛ لأن الواو والنون ليستا من الاسم المصغر.

وقال سيبويه : تقول في أفعال اسم رجل أفيعال فرقوا بينها وبين إفعال.

ص: 287

الثالث من القسمة الأولى : وهو الاسم المنقوص

اشارة

(1)

وهو على سبعة أضرب :

الأول : ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين.

الثاني : ما ذهبت عينه.

الثالث : ما ذهبت لامه.

الرابع : ما ذهبت لامه وكان أوله ألف الوصل.

الخامس : ما كان فيه تاء التأنيث.

السادس : ما حذف منه ولا يردّ في التحقير.

السابع : الأسماء المبهمة.

الأول : ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين

من حقّ هذا الباب أن تردّ الاسم فيه إلى أصله حتى يصير على مثال فعيل نحو : عدة وزنة تقول : وعيدة ووزينة ووشية.

ويجوز أعيدة وأشية وكل إذا سميت به قلت : أكيل وخذ أخيذ.

الثاني : ما ذهبت عينه

وذلك مذ يدلّك على ذهاب العين منذ وتحقيره منيذ وسل هو من سألت وتحقيره سؤيل ومن قال : سال يسال فلم يهمز قال : سويل ويحقرسه ستيهة.

الثالث : ما ذهب لامه

نحو : دم تقول : دميّ يدلّك عليه دماء ويد يدية يدلّك عليه أيد وشفة شفيهة يدلّك شفاة شافهت وحر حريح يدلّك أحراح ومن قال في سنة سانيت.

قال : سنية ومن قال : سانهت قال : سنيهة.

ص: 288


1- قال الجرجاني : المنقوص : هو الاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة ، نحو : القاضي.

ومنهم من يقول في عضة عضيهة من العضاه ومنهم من يقول عضيّة من عضّيت وعلى ذلك قالوا : عضوات وتقول في فل : فلين دليله فلان ورب مخففة تحقيرها ربيب تدل ربّ الثقيلة عليهما.

وكذلك بخ يدلك عليها (بخّ) الثقيلة. وكلّ هذا يبنى إذا سمى به.

قال سيبويه : وأظن قط كذلك ؛ لأن معناها انقطاع الأمر وفم فويه يدلّ عليه : أفواه وذه ذييّة لو كانت امرأة ؛ لأن الهاء في ذه بدل من ياء فتذهب هذه الهاء كما ذهبت ميم (فم) ، وإذا خففت (إنّ) ثم حقرتها رددت ، وأما (إن) الجزاء (وأن) التي تنصب الفعل و (إن) التي في معنى ما و (إن) التي تلغى في قولك ما إن تفعل وعن تقول : عنيّ وأنيّ وليس على نقصانها دليل ما هو فحمل على الأكثر وهو الياء ألا ترى أنّ ابنا واسما ويدا وما أشبه إنّما نقصانه الياء وجميع هذا قول سيبويه.

الرابع : ما ذهبت لامه وكانت أوله ألفا موصولة

تقول في اسم سميّ ويدلّ أسماء وابن بنيّ يدلّ أبناء وأست : ستيهة ويدل أستاه.

الخامس : تحقير ما كان من ذلك فيه تاء التأنيث

اعلم أنهم يردونه إلى الأصل ويأتون بالهاء فيقولون في أخت : أخية.

وفي بنت : بنية وذيت : ذييّة وهنت : هنية ومن العرب من يقول في (هنت) : هنيهة يجعل الهاء بدلا من التاء في (هنت) ولو سميت امرأة : (بضربت) ثم حقرت لقلت : ضريبة تجعل الهاء بدلا من التاء.

السادس : ما حذف منه ولا يردّ في التحقير ما حذف منه

وذلك من قبل أنّ ما بقي منه لا يخرج عن أمثلة التحقير من ذلك ميت : مييت والأصل ميّت وهار : هوير والأصل هائر.

وزعم يونس : أنّ ناسا يقولون : هويئر فهؤلاء لم يحقروا هارا وإنّما حقروا هائرا كما قالوا :أبينون كأنّهم حقروا أبنى ومرّ ويرى إذا سمي بهما مريّ ويرىّ ولا يقاس على (هويئر).

ص: 289

قال سيبويه : فأما يونس فحدثني أنّ أبا عمرو كان يقول في : (يرى) يريئي يهمز ويجرّ وهذا رده إلى الأصل وتصغير يضع : يضيع على مذهب سيبويه وكان أبو عثمان يرى الردّ فيقول : يوضع ومرئين وهو أجود عنده لأنها عين ويقول في خير منك : خيير منك وشترير منك لا تردّ الزيادة.

السابع : الأسماء المبهمة

اعلم أنّ التحقير يضم أوائل الأسماء غير هذه ، فإن أوائلها تترك على حالها تقول في هذا : هذيّا وذاك ذيّاك وألا أليّا.

وألحقوا هذه الألف الزائدة أواخرها لتخالف أواخر غيرها كما خالفت أوائلها قال : هذا قول الخليل.

قال سيبويه : قلت فما بال ياء التصغير فيه ثانية قال هي في الأصل ثالثة ولكنّهم حذفوا الياء حين اجتمعت الياءات.

وإنّما حذفوها من ذييّا فأما تيّا فتحقيرتا لأنهم قد استعملوا (تا) مفردة ومن مدّ ألاء يقول أليّاء.

والذي تقول : (اللّذيّا) والتي : اللتيّا ، وإذا ثنيت أو جمعت حذفت هذه الألفات تقول : اللّذيّون واللتيات والتثنية اللّذيّان واللّتيّان وذيان ولا تحقر (من) ولا (أي) إذا صارا بمنزلة الذي استغنى عنهما بتحقير (الذي) ولا تحقر اللاتي استغنوا عنها باللّتيات.

قال سيبويه : كما استغنوا بقولهم : أتانا مسيّانا وعشيّانا من تحقير القصر في قولهم : أتى قصرا وهو العشيّ.

ص: 290

الأبواب المنفردة تسعة

الأول : تحقير كلّ حرف فيه بدل.

الثاني : تحقير الأسماء التي يثبت الإبدال فيها.

الثالث : تحقير ما كان فيه قلب.

الرابع : تحقير كلّ اسم كان من شيئين ضمّ أحدهما إلى الآخر.

الخامس : ترخيم التصغير السادس : ما جرى في الكلام مصغرا.

السابع : ما يحقر لدنوه من الشيء وليس مثله.

الثامن : ما لا يحقر.

التاسع : ما حقر على غير مكبره المستعمل.

الأول : تحقير كلّ حرف كان فيه بدل

تحذف البدل وترده إلى الأصل تقول في ميزان : مويزين وميقات : مويقيت وقيل : قويل ، وأما عيد فتحقيره عييد ألزموه البدل لقولهم أعياد وأعياد شاذّ وطيّ طويّ وطيّان وريّان :رويّان وطويّان والأصل : طويت ورويت وتقول في قيّ قويّ ؛ لأنه من القواء يستدلّ عليه بالمعنى وموقن مييقن وموسر مييسر وعطاء وقضاء عطيّ وقضيّ الصّلاء صليّ وكذلك صلاءة.

وأما ألاءة وأشاءة فأليّئة وأشيّئة ؛ لأن هذه الهمزة ليست مبدلة ولو كانت مبدلة لجاء فيها ألاية كما كان في عباءة عباية وفي صلاءة : صلاية ، وإذا لم يكن شاهد فهو عندهم مهموز فأمّا النّبيّ فقد اختلفت العرب فيه فمن قال : النبآء قال : نبييء تقديرها : نبيّع.

ومن قال : أنبياء. قال : نبيّ ، وأما النّبوة فعلى القياس نبيئة وليس من العرب أحد إلا وهو يقول : تنبّأ مسيلمة وهو من (أنبأت) ، وأما الشاء فالعرب تقول فيه : شويّ وفي شاة شويهة وقيراط : قريريط ودينار : دنينير وديباج : دبابيج ودبيبيج وديماس فيمن قال : دماميس ، وأما من قال : دياميس وديابيج فهي عنده ملحقة كواو جلواخ وياء جريال.

ص: 291

ولو سميت رجلا : ذوائب لقلت ذؤيئب تقديرها : فعيعل ؛ لأن الواو بدل من الهمزة التي في ذؤابة.

الثاني : تحقير الأسماء التي يثبت الإبدال فيها

وذلك إذا كانت أبدالا من الياءات والواوات التي هي عينات نحو : قائم قويئم وبائع بويئع لثباتها في قائم وبائع وكذلك أدؤر تثبت الهمزة في التصغير والجمع وأوائل اسم رجل تثبت الهمزة ؛ لأن الدليل لو كان أفاعل لثبتت الهمزة في الجمع والنّؤور والسّؤور ؛ لأن هذه كلها ليست منتهى الاسم لأنهم لا يبدلون من اللامات إذا كانت منتهى الاسم ألا تراهم قالوا : فعلوة وكذلك فعائل ؛ لأنه مثل قائل.

ولو كانت فعائل ثم كسرته للجمع لثبتت.

وتاء تخمة وتاء تراث وتاء تدعة يثبتن لأنهن بمنزلة الهمزة التي تبدل من واو نحو ألف أرقة وألف أدد وإنّما أدد من الودّ.

والعرب تصرف أددا جعلوه بمنزلة ثقب ولم يجعلوه مثل عمر ويقولون : تميم بن أدّ وودّ جميعا.

ومتّلج ومتّهم ومتّخم التاء هاهنا بمنزلتها في أول الحرف لأنك تقول : اتلجت واتّلج واتّخم وكذلك في تقوى وتقيّة وتقاة وقالوا في التّكأة اتكأته وهما يتكئان.

فهذه التاء قوية يصرفونها ومتّعد ومتّزن لا تحذف التاء منهما وإنّما جاؤوا بها كراهية الواو والضمة التي قبلها ، وإن شئت قلت : موتعد وموتزن كما تقول : أدؤر لو ثنيت فلا تهمز.

الثالث : تحقير ما كان فيه قلب يردّ ما قلب منه إلى الأصل

فتقول في لاث : لويث ؛ لأن أصل لاث : لائث وشاك شويك ؛ لأن الأصل شائك وكذلك مطمئن إنما هو من (طأمنت) فتقول مطيئمن وقسيّ الأصل : قووس وأينق إنّما هو أنوق ومنه قولهم : أكره مسائيتك وإنما جمعت المساءة وساءة مفعلة من يسوء.

ص: 292

فكان أصله مساوئة الواو قبل الهمزة فلما قلب صارت الهمزة قبل الواو وقلبت ياء فصارت مسائية ومن ذلك : قد راءه مثل زاعه وإنّما الأصل رآه مثل رعاه.

الرابع : تحقير كلّ اسم كان من شيئين ضمّ أحدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد.

زعم الخليل : أنّ التصغير إنّما يكون في الصدر الأول تقول في حضرموت : حضيرموت وبعلبك : بعيلبك وخمسة عشر : خميسة عشر ، وأما اثنا عشر فتقول : ثنيّا عشر فعشر بمنزلة نون اثنين.

الخامس : الترخيم في التصغير

كلّ زائد من بنات الثلاثة يجوز حذفه في التصغير حتى يصير على مثال فعيل فتقول في حارث : حريث وخالد : خليد وأسود : سويد وغلاب اسم امرأة : غليبة.

وزعم الخليل : أنه يجوز في صنفندد : صنفيد وفي خفيدد : خفيد وفي مقعنسس : قعيس وبنات الأربعة في الترخيم بمنزلة بنات الثلاثة تحذف الزوائد حتى يصير على مثال (فعيعل) ولا فرق في بنات الأربعة بين تصغير الترخيم وغيره إلّا أنّ ياء التعويض لا تقع فيه وحكى سيبويه أحسبه عن الخليل : أنه سمع في إبراهيم وإسماعيل : سميع وبرية.

قال أبو العباس : القياس أبيرة وأسيمع ؛ لأن الألف لا تدخل على بنات الأربعة.

السادس : ما جرى في الكلام مصغرا فقط

وذلك جميل وهو طائر في صورة العصفور وكعيث وهو البلبل.

قال سيبويه : سألت الخليل عن كميت فقال : إنّما صغر ؛ لأنه بين السواد والحمرة ، وأما سكيت فهو ترخيم : سكّيت وهو الذي يجيء آخر الخيل.

السابع : ما يحقر لدنوه من الشيء وليس مثله

وذلك أصيغر منه وهو دوين ذاك وفويق ذاك ومن ذلك : أسيد أي قد قارب السواد.

وأما قول العرب : وهو مثيل هذا وأميثال فإنّما يريدون : أن يخبروا : أن المشبه حقير كما أنّ المشبه به حقير وقولهم : ما أميلحه يعنون به الموصوف بالملاحة ولم يحقر من الأفعال شيء من غير هذا الموضع.

ص: 293

الثامن : ما لا يحقر

كلّ اسم معرفة علم لا ثاني له فلا يجوز تحقيره ؛ لأنه إنّما يكون. فعلامات الإضمار لا تحقر لذلك ولا يحقر أين ولا متى ولا حيث ونحوهن لبعدها من التمكن وأنّها لا تثنى وكذلك : من وما وأيّهم ولا تحقر (غير) لأنّها غير محدودة وسواك كذلك فأمّا : اليوم والليلة والشهر والسنة والساعة فيحقرن وأمس وغد لا تحقران استغنوا عن تحقيرهما بما هو أشد تمكنا وهو اليوم والليلة والساعة وكذلك أول من أمس والثلاثاء والأربعاء والبارحة لما ذكرنا ولا يحقر الاسم إذا كان بمعنى الفعل نحو هو ضويرب زيدا ، وإن كان ضارب زيد لما مضى فتحقيره جيد ولا تحقر (عند) وكذلك عن ومع.

التاسع : ما يحقر على غير بناء مكبره

والمستعمل من ذلك : مغرب الشمس مغيربان والعشيّ عشيان قال : وسمعنا من يقول في عشية : عشيشية كأنهم حقّروا مغربان وعشيان وعشاة قال : وسألت الخليل عن قولهم : آتيك أصيلالا فقال إنما هو أصيلان أبدلوا اللام منها وتصديقه قولهم : آتيك أصيلانا.

قال سيبويه : وسألته عن قول بعضهم : آتيك عشيّانات. ومغيربانات فقال : جعلوا ذلك الحين أجزاء ومثل ذلك قولهم : المفارق في مفرق جعل كلّ موضع مفرقا.

ومن ذلك قيل للبعير ذو عثانين ، وأما غدوة فتحقيرها : غدية وسحر : سحير وضحى :ضحياّ.

واعلم أنّ جميع هذه الأشياء ليست تحقير الحين وإنّما يريد أن يقرب وقتا من وقت وكذلك المكان.

تقول : قبيل وبعيد وجميع هذا إذا سميت به حقرته على القياس.

ومما جاء على غير مكبره إنسان : أنيسيان. وبنون : أبينون. ورجل : رويجل. وصبية : وأصيبية. وغلمة : واغيلمة. ومنهم من يجيء به على القياس فيقول : صبيّة وغليمة.

ص: 294

ذكر النّسب

اشارة

(1)

وهو أن يضيف الاسم إلى رجل أو بلد أو حيّ أو قبيلة ويكون جميع ما ينسب إليه على لفظ الواحد المذكر ، فإن نسبت شيئا من الأسماء إلى واحد من هذه زدت في آخره ياءين الأولى منهما ساكنة مدغمة في الأخرى وكسرت لها ما قبلها هذا أصل النسب إلّا أن تخرج الكلمة إلى ما يستثقلون من اجتماع الكسرات والياءات وحروف العلل وقد عدلت العرب أسماء عن ألفاظها في النسب وغيرتها وأخذت سماعا منهم فتلك تقال كما قالوها. ولا يقاس عليها.

وهذه الأسماء تنقسم في النسب على خمسة أقسام : اسم نسب إليه فسلم بناؤه ولم تغير فيه حركة ولا حرف ولا حذف منه شيء واسم غيّر من بنائه حركة فجعل المكسور منه مفتوحا واسم قلب فيه الحرف الذي قبل ياءي النّسب وأبدل. واسم حذف منه. واسم محذوف قبل النسب. فمنها ما يردّ إلى أصله ومنها ما يترك على حذفه.

الأول : اسم نسب إليه فسلم بناؤه

ولم يغير فيه حركة ولا حرف ولا حذف منه شيء. وذلك نحو قولك : هاشمّي وبكريّ وزيديّ وسعديّ وتميميّ وقيسيّ ومصريّ فجميع هذه قد سلم منها بناء الاسم وزدت عليه ياءي الإضافة وكسرت للياء ما قبلها وعلى هذا يجري القياس طال الاسم أو قصر.

ص: 295


1- نسبته إلى أبيه نسبا من باب طلب عزوته إليه وانتسب إليه اعتزى والاسم النّسبة بالكسر فتجمع على نسب مثل سدرة وسدر وقد تضمّ فتجمع مثل غرفة وغرف قال ابن السّكّيت يكون من قبل الأب ومن قبل الأمّ ويقال نسبه في تميم أي هو منهم والجمع أنساب مثل سبب وأسباب وهو نسيبه أي قريبه وينسب إلى ما يوضّح ويميّز من أب وأمّ وحيّ وقبيل وبلد وصناعة وغير ذلك فتأتي بالياء فيقال مكّيّ وعلويّ وتركيّ وما أشبه ذلك فإن كان في النّسبة لفظ عامّ وخاصّ فالوجه تقديم العامّ على الخاصّ فيقال القرشيّ الهاشميّ لأنّه لو قدّم الخاصّ لأفاد معنى العامّ فلا يبقى له في الكلام فائدة إلّا التّوكيد. وفي تقديمه يكون للتّأسيس وهو أولى من التّأكيد والأنسب تقديم القبيلة على البلد فيقال القرشيّ المكّيّ لأنّ النّسبة إلى الأب صفة ذاتيّة ولا كذلك النّسبة إلى البلد فكان الذّاتيّ أولى وقيل لأنّ العرب إنّما كانت تنتسب إلى القبائل ولكن لمّا سكنت الأرياف والمدن استعارت من العجم والنّبط الانتساب إلى البلدان فكان عرفا طارئا والأوّل هو الأصل عندهم. [المصباح المنير : 9 / 262].

الثاني : اسم غيّر من بنائه حركة فجعل المكسور فيه مفتوحا

وذلك إذا نسب إلى اسم على وزن فعل مسكور العين فإنّك تفتحها استثقالا لإجتماع الكسرتين والياءين في اسم ليس فيه حرف غير مكسور إلّا حرفا واحدا وهو النّسب إلى النّمر :نمريّ. وفي شقرة : شقريّ. وفي سلمة : سلميّ.

فأما تغلب فحقّ النّسب أن تأتى به على القياس وتدعه على لفظه فتقول : تغلبيّ ؛ لأن فيه حرفين غير مكسورين الياء مفتوحة والعين ساكنة ومنهم من يفتح فيقول : تغلبيّ وبعضهم يقول في الصّعق : صعقيّ يدعه على حاله ويكسر الصاد ؛ لأنه يقول : صعق فهذا كسر من أجل حرف الحلق ويقول في علبط وجندل : علبطيّ وجندليّ فلا يغير.

الثالث من القسمة الأولى : ما يقلب فيه الحرف الذي قبل يائي النّسب من حروف العلة

اشارة

وذلك على ضربين :

الضرب الأول : الإضافة إلى كلّ شيء من بنات الياء والواو

التي هي فيهنّ لا مات من الثلاثي تقول في هدى : هدويّ وفي حصى : حصويّ ورحا : رحويّ هذا فيما كان قبل اللام فتحة وقد قلبت لامه ألفا.

فأماّ الياء التي قبلها مكسور فنحو : عمّ وشجّ تقول : عمويّ وشجويّ ، فعلوا به ما فعلوا بنمر ففتحوه فانقلبت الياء ألفا ، ثم قلبوها واوا من أجل ياءي النّسب.

وقيل في حيّة : حيويّ. وفي ليّة لوويّ ومن قال : أمييّ قال : حييّ ، فإن كان ما قبل الياء والواو حرف ساكن قلبت في ظبي : ظبي وغزو ودلو دلويّ وغزويّ لا تغير ، فإن كان فيه هاء التأنيث فمنهم من يجعله بمنزلة مما لا هاء فيه وهو القياس وكان يونس يقول في ظبية : ظبويّ وفي دمية : دمويّ وفتية : فتويّ وقالوا في بني زنية : زنويّ وفي البطية : بطويّ وقال : لا أقول في :غزوة إلا غزويّ ؛ لأن ذا لا يشبه آخره آخر فعلة إذا أسكنت عينها وكذلك غدوة وعروة وكان يونس يقول في عروة : عرويّ وقال في راية وطاية وثاية وآية رائيّ وآئيّ يهمز لإجتماع الياءات مع الألف ومن قال : أمييّ قال : آييّ فلم يهمز وهو أولى وأقوى ولو أبدلت من الياء واوا جاز تقول : ثاويّ وآويّ وطاويّ كما قالوا : شاويّ فأبدلوا من الهمزة.

ص: 296

الضرب الثاني : ما زاد على الثلاثة

من العرب من يقول في حان حانويّ والكثير : حانيّ يحذف فمن قال : حانويّ قال في مرمى : مرمويّ.

ومن ذلك الإضافة إلى ما لامه ياء أو واو قبلها ألف ساكنة وهي غير مهموزة تقول في سقاية : سقائيّ ولقاية : لقائيّ أبدلت همزة وتقول في شقاوة وعلاوة : شقاويّ وعلاويّ شبهوه بآخر حمراء ولم يبدلوا من الواو همزة وقالوا في : غداء : غداويّ وفي رداء : رداويّ وياء درحاية بمنزلة ياء سقاية ولو كان مكانها واو كانت بمنزلة الواو التي في : شقاوة وحولايا وبردرايا تسقط الألف لأنّها كالهاء وحكم الياء حكمها في سقاية فإذا أضفت إلى ممدود ومنصرف فالقياس أن تدعه على حاله وقد أبدل ناس من العرب مكانها واوا وهمزة كثير ، وإن كانت الهمزة من نفس الحرف فالإبدال فيها تقول في قراء قراويّ.

وكلّ اسم ممدود لا يدخله التنوين كثر أو قلّ فالإضافة إليه لا تحذف منه شيئا وتبدل الواو مكان الهمزة ، وذلك قولك في زكريّا زكراويّ.

وفي بروكاء بروكاويّ ومن ذلك ما رابعه ألف غير زائدة ولا ملحقة ملهى ومرمى وأعشى وأعيا فذا يجري مجرى حصى ورحى.

قال سيبويه : سمعناهم يقولون في أعيا : أعيويّ حي من العرب من جرم ويقولون في : أحوى : أحوويّ وكذلك حكم معزى وذفرى فيمن نون ، فإن أضفت إلى اسم آخره ألف زائدة لا ينون وهو على أربعة أحرف حذفتها وسنذكره في باب الحذف إن شاء الله.

الرابع : من القسمة الأولى : الأسماء التي حذف منها

اشارة

وهي على ضربين : اسم ضمّ إليه شيء ليس فيه فيحذف ما ضمّ إليه وينسب إلى الصدر واسم حذف من بنائه في الإضافة.

الأول : منها على سبعة أضرب
اشارة

: هاء التأنيث والألف والنون التي للتثنية والواو والنون اللتان للجمع والألف والتاء اللتان للجمع والمضاف إليه إلّا أن يكون أعرف من الصدر

ص: 297

والاسم الذي بني مع اسم قبله والأسماء المحكية فجميع هذا إنّما يضاف وينسب إلى الصدر والجمع المكسر يرجع إلى الواحد.

الأول : من ذلك هاء التأنيث

تحذف من الاسم وينسب إلى الاسم ولا هاء فيه ، وذلك نحو قولك في حمدة : حمديّ وفي سلمة : سلميّ وفي سفرجلة : سفرجليّ وكلّ اسم فيه هاء التأنيث فعلى هذا يجري.

الثاني : النسب إلى المثنى والمجموع على حدّ التثنية

من قال : قنّسرون ورأيت قنّسرين وهذه يبرون ورأيت يبرين يا هذا.

قال : قنّسريّ ويبريّ ومن قال : هذه قنّسرين ويبرين قال : يبرينيّ ، وإن أضفت إلى (زيدان) قلت : زيديّ فتضيف إلى الاسم بلا زيادة.

الثالث : الألف والتاء

تقول في مسلمات مسلميّ.

الرابع : أن تضيف إلى مضاف

تقول إذا أضفت إلى عبد القيس : عبديّ وإلى امرىء القيس : امرئيّ ، فإن خافوا اللبس نسبوا إلى ما ليس فيه فقالوا في : عبد مناف منافيّ فأما ابن كراع وابن الزّبير فلا يجوز إلّا : زبيريّ وكراعيّ وتقول في أبي بكر بن كلاب : بكريّ : وقد يركبون من الاسمين المضاف أحدهما إلى الآخر اسما إذا خافوا اللبس فيقولون : عبشميّ في عبد شمس وعبدريّ في عبد الدار وليس بقياس.

الخامس : الاسم الذي بني مع اسم

تقول : في خمسة عشر ومعد يكرب : خمسيّ ومعديّ تضيف إلى الصدر.

وتقول في رجل سمي اثنا عشر ثنويّ في قول من قال في ابن : بنويّ واثنيّ في قول من قال : ابنيّ ، وأما اثنا عشر التي للعدد فلا يضاف إليها ولا تضاف.

السادس : من الأسماء المحكية

ص: 298

وذلك نحو : تأبط شرا تضيفه إلى الصدر فتقول : تأبطيّ وكذلك حيثما وإنّما ولو لا وأشباه ذلك.

قال سيبويه : سمعنا من يقول : في كنت : كونّي وقال أبو عمر : قوم يقولون : كنتيّ وقال أبو العباس : هو خطأ.

السابع : الإضافة إلى الجمع

توقع الإضافة على الواحد لتفرق بينه وبين التسمية تقول في أبناء فارس : بنويّ وفي الرّباب : ربّيّ واحده ربّة وفي مساجد : مسجديّ وإلى جمع جمعيّ وإلى عرفاء : عريفيّ وإلى قبائل :قبليّ.

وزعم الخليل : أنّ نحو ذلك مسمعيّ في المسامعة ومهلّبيّ في المهالبة وقال أبو عبيدة : وقالوا في الإضافة إلى العبلات وهم حيّ من قريش عيليّ ، فإن كانت الإضافة إلى جمع لا واحد له تركته على لفظه ؛ لأنه ليس له ما ترده إليه ، وذلك نحو الإضافة إلى نفر نفريّ ؛ لأنه لا واحد له وأناس أناسيّ وقالوا : إنسانيّ.

قال : سيبويه : وأناسيّ أجود وقال أبو زيد : النّسب إلى محاسن محاسنّي ؛ لأنه لا واحد له ، وإن أضفته إلى عباديد قلت : عباديديّ ؛ لأنه لا واحد له وواحده على فعليل أو فعلال وفي أعراب أعرابيّ ؛ لأنه لا واحد له ، فإن جمعت شيئا من هذه الجموع التي لا واحد لها فلت في نفر : أنفار وفي نسوة : نساء وفي نبط : أنباط فأردت الإضافة إليه رددته إلى ما كان عليه قبل الجمع فقلت في أنفار نفريّ. وفي نساء : نسويّ وفي أنباط : نبطيّ ، وإن سميت بجمع تركته على لفظه أيّ جمع كان قالوا : في أنمار : أنماريّ وفي كلاب : كلابيّ فرقوا بين الجمع إذا سمي به وبينه إذا لم يسمّ به ولو سميت بضربات لقلت : ضربيّ لا تغير المتحرك لأنّك لم ترد الإضافة إلى واحد وإنّما حذفت الألف والتاء كما تحذف الهاء من الواحد ومدائنيّ جعلوه بمنزلة اسم للبلد وعلى ذا قالوا في الأبناء : أبناويّ وقالوا في الضّباب إذا كان اسم رجل : ضبابيّ وفي معافر :معافريّ وهو فيما يزعمون : معافر بن مر أخو تميم.

ص: 299

وقالوا في الأنصار : أنصاريّ ؛ لأن هذا قد صار اسما لهم ، وإن كان أصله صفة قد غلبت فهو مثل أنمار.

الضرب الثاني من الرابع من القسمة الأولى
اشارة

وهو ما يحذف منه من أصل بنائه عند الإضافة إليه وهو يجيء على ضربين :

أحدهما : المحذوف حرف قبل آخره.

والثاني : يحذف أحرف منه.

والضرب الأول ينقسم ثلاثة أقسام
الأول : ما كان قبل لامه ياء زائدة أو واو

فما جاء فعيلة أو فعيلة فبابه وقياسه حذف الياء وفتح ما قبله ذلك تقول في حنيفة : حنفيّ وجهينة : جهنيّ وقتيبة : قتبيّ وشنوءة : شنئيّ.

وقد تركوا التغيير في مثل حنيفة وهو شاذّ قالوا في مثل سليمة : سليميّ وفي عميرة : عميريّ.

وقالوا : سليقيّ للرجل من أهل السليقة فأمّا شديدة وطويلة فلا تحذف الياء لأنك إن حذفتها خرجت إلى الإدغام والإعلال فتقول : طويليّ وقالوا في بني حويزة : حويزيّ.

الثاني : الإضافة إلى فعيل وفعيل ولاماتهنّ واوات وما كان في اللفظ بمنزلتهما

تقول في عديّ عدويّ وفي غنيّ غنويّ وفي قصيّ : قصويّ وفي أميّة : أمويّ وحذفوا الياء الزائدة وأبدلوا اللام واوا وبعضهم يقول : أمّيي وقالوا في مرميّ : مرميّ.

جعلوه بمنزلة بختيّ استثقالا للياءات ومرمية : مرميّ ومن قال : حانويّ قال : مرمويّ فإذا أضفت إلى عدوةّ قلت : عدويّ من أجل الهاء كما قلت في شنوءة : شنئيّ وقالوا في تحية :تحويّ وكذلك كلّ شيء كان آخره هكذا وتقول في قيسيّ وثديّ : ثدويّ وقسويّ لأنّها فعول فتردّها إلى الأصل وإنّما كانت ألفا مكسورة قبل الإضافة بكسرة ما بعدها.

الثالث : الإضافة إلى كل اسم آخره ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى

ص: 300

نحو : أسيّد وحميّر تقول أسيديّ وحميريّ تحذف الياء المتحركة وقالوا في زبينة : زبانيّ أبدلوا ألفا من ياء.

وتقول في مهيّيم تصغير مهوّم : مهيّيميّ فلا تحذف منه شيئا لئلا يصير كأسيّد.

الضرب الثاني : ما يحذف آخره عند الإضافة من الالفات والياءات
اشارة

وهو على ثلاثة أقسام:

الأول : الإضافة إلى اسم على أربعة أحرف فصاعدا إذا كان آخره ياء ما قبلها مكسور.

الثاني : الإضافة إلى كلّ اسم آخره ألف زائدة لا ينون وهو على أربعة أحرف.

الثالث : الإضافة إلى كلّ اسم كان آخره ألفا وكان على خمسة أحرف.

الأول من ذلك : وهو ما كان على أربعة أحرف فصاعدا إذا كان آخره ياء قبلها مكسور

تقول في رجل من بني ناجية : ناجيّ وفي أدل : أدليّ وفي صحار : صحاريّ وفي ثمان : ثمانيّ وفي رجل اسمه يمان : يمانيّ لأنك لو أضفت إلى رجل اسمه يمني لأحدثت ياءين سواهما ، وحذفتهما وإلى يرمي يرميّ وإلى عرقوة : عرقي.

وقال الخليل : من قال في يثرب : يثربيّ وفي تغلب : تغلبيّ : ففتح فإنّه يقول في يرمي :يرمويّ.

الثاني : الإضافة إلى كلّ اسم آخره ألف زائدة لا ينون وهو على أربعة أحرف

تقول في حبلى : حيليّ ودفلى : دفليّ وسلّى : سليّ ومنهم من يقول : دفلاويّ يفرق بينها وبين التي هي من نفس الحرف فجعلت بمنزلة : حمراويّ وقالوا في دهناد : دهناويّ وقالوا في دنيا :دنياويّ ، وإن شئت قلت : دنييّ ومنهم من يقول : حبلويّ فيجعلها بمنزلة ما هو من نفس الحرف.

قال سيبويه : فإن قلت في ملهى : ملهيّ لم أر به بأسا ولا يجوز الحذف في (قفا) ؛ لأنه ثلاثي.

وأما جمزى فلا يجوز فيه : جمزويّ ولكن : جمزيّ لأنّها ثقلت لتتابع الحركات.

والحذف في معزى أجود. قال : لأنه ليس كالأصل ، وإن كان ملحقا.

ص: 301

الثالث : الإضافة إلى كلّ اسم كان آخره ألفا وكان على خمسة أحرف

تقول في حبارى : حباريّ. وفي جمادى : جماديّ. وفي قرقرى : قرقريّ. وكذلك كلّ اسم كان آخره ألفا وكان على خمسة أحرف.

قال : وسألت يونس عن مرامى فقال : مراميّ يجعلها كالزيادة ، وتقول في مقلولى : مقولويّ ، وفي يهيرّى : يهيرّيّ ولا يفرق هنا بين الزائد والأصل فأمّا الممدود مصروفا كان أو غير مصروف كثر عدده أو قلّ فإنّه لا يحذف ، وذلك قولك في خنفساء : خنفساويّ وحرملاء : حرملاويّ ومعيوراء : معيوراويّ لم تحذف هذه الألف لأنّها متحركة وحذفت تلك لأنّها ساكنة ميتة.

فكذلك لو أضفت إلى عثير وحثيل لقلت : عثيريّ وحثيليّ كما قلت : حميريّ ولم يجز إسقاط الياء لأنها متحركة فقد فرقوا بين المتحرك والساكن مثنىّ بمنزلة مرامى لأنّها خمسة.

الخامس من القسمة الأولى : وهو ما أضيف إلى الأسماء المحذوفة قبل الإضافة

اشارة

وهو على ثلاثة أقسام:

الأول : الإضافة إلى بنات الحرفين.

الثاني : الإضافة إلى ما فيه الزوائد من بنات الحرفين.

الثالث : الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه.

الأول من ذلك : الإضافة إلى بنات الحرفين

وهي تجيء على ضربين : أحدهما أنت فيه مخير في ردّ ما حذفت وتركه والآخر : لا بدّ فيه من الردّ.

اعلم أنه ما كان منقوصا فأنت فيه بالخيار إن شئت قلت في دم ويد : دميّ ، وإن شئت قلت : دمويّ تردّ ما حذف وكذلك غد وغدويّ وإنّما فتحت عين غد ويد وهما فعل لأنّك نسبته إلى الاسم وكانت العين متحركة فرددت وتركت الحرف.

وتقول في ثبة : ثبيّ وثبويّ. وفي شفة : شفيّ وشفهيّ. وفي حر : حريّ وحرحيّ.

ص: 302

وإنت أضفت إلى (رب) فيمن خفف قلت : ربيّ ، وإن شئت رددت كما قالوا في قرة : قريّ وإنّما اسكنت كراهية التضعيف فلم يقولوا : ربّيّ ، وأما ما لا يجوز فيه إلّا الردّ من بنات الحرفين فنحو : أب وأخ تقول في أب : أبويّ وفي أخ : أخويّ وفي حم : حمويّ ؛ لأن هذه تظهر في الإضافة والتثنية.

والجمع تقول : أبو زيد وأخو عمرو وحمو بكر وتثني فتقول : أبوان ومن يقول : هنوك مثل (أبوك) يقول : هنويّ ومن قال : وضعة وهو نبت ضعوات قال : ضعويّ ومن جعل سنة من سانهت يقول : سنهيّ ومنهم من يقول : في عضة ويقول : عضويّ ، وإن أضفت إلى أخت قلت : أخويّ لأنك تقول : أخوات.

قال سيبويه : وسمعنا من يقول في جمع هنت : هنوات وكان يونس يقول : أختيّ وليس بقياس.

الثاني : الإضافة إلى ما فيه الزوائد من بنات الحرفين

إن شئت قلت في ابن واسم وابنة واست واثنان : ابنيّ واثنيّ فتركته على حاله ، وإن شئت رددته إلى أصله : سمويّ وبنويّ وستهيّ.

وزعم يونس : أنّ أبا عمرو زعم : أنّهم يقولون : ابناويّ في الإضافة إلى أبناء ، وقال سيبويه : في الإضافة ابنمّ إن شئت : بنويّ ، وإن شئت : ابنميّ.

واعلم أنك إذا حذفت ألف الوصل فلا بدّ من الرّدّ وتقول في بنت : بنويّ ولو جاز بنيّ ؛ لأنه يقول بنات لجاز : بنيّ في ابن ؛ لأنه يقول بنون فالزيادة كأنّها عوض عما حذف فإذا حذفتها فلا بدّ من الردّ ؛ لأنه قد زال ما استعيض به وكذلك : كلتا وثنتان تقول : كلويّ وثنويّ.

قال أبو العباس : التاء في (كلتا) عند سيبويه بدل من ألف (كلا) مثل التاء التي هي بدل من واو فحذف ألف التأنيث وردّ ما التاء بدل منه.

وكان يونس يقول : ثنيتيّ كقوله : في أخت وذيت بمنزلة بنت وأصلها ذيّة فإذا حذفت التاء لزمها التثقيل ؛ لأن التاء عوض ، فإن نسبت إليها قلت : ذيويّ وإنّما ثقلت كما ثقلت (كيّ)

ص: 303

اسما وأصل بنت وابنة (فعل) وكذلك أخت واست والدليل : استاه وسه وآخاء وبنون وقالوا : في اثنين : أثناء ولم يجيء : ثينيّ وقالوا في : اثنتين اثنتيّ هكذا ليس عينه في الأصل متحركة إلّا ذيت ، وأما (كلتا) فالدليل على تحرك عينها قولهم كلا كمعا واحد الأمعاء.

ومن قال : رأيت كلتا أختيك فإنه جعل الألف ألف تأنيث.

فإن سمّى بها شيئا لم يصرفه في معرفة ولا نكرة وصارت التاء بمنزلة الواو في (شروى) ولو جاء من هذا اسم منقوص وبان لك أنه فعل لحركت العين إذا أضفته وفم إذا شئت قلت :فميّ لأنّهم قالوا : فموان ولو لم يقولوه لم يجز ؛ لأنه لا ينبغي أن يجمع بين العوض والمعوض وبين الحرف الذي عوّض فالميم إنّما جعلت عوضا من الواو إذا قلت : فو زيد.

قال أبو بكر : والذي زين لهم عندي أن قالوا : (فموان) أنّ هذا يعد محذوفا وهي الهاء يدلّك عليه قولك : تفوهت وأفواه ، فإن أضفت إلى رجل اسمه ذوا مال قلت : ذوويّ وكذلك ذات مال لأنك إذا أضفت حذفت الهاء فكأنك تضيف إلى (ذو) ، وإن أضفت إلى رجل اسمه فو زيد.

قال سيبويه : فكأنك إنما تضيف إلى فم والإضافة إلى شاء شاويّ كذا تكلموا به ، وإن سميت به رجلا قلت : شائيّ ، وإن شئت قلت : شاويّ كذا قال سيبويه.

وبين شائيّ وعطائيّ فرق ؛ لأن الهمزة في عطاء بعد ألف زائدة وليست في شاء كذلك كما قلت : عطاويّ وفي شاة شاهيّ والإضافة إلى لات من اللات والعزى حكمها حكم (لا) لا تقول : (لائيّ) ولا تحرك العينان من هذه الحروف (كلو).

واعلم أنّ (لوا) إذا ثقلتها وسميت بها ليست كالأسماء المنقوصة ؛ لأن الأسماء المنقوصة التي قد حذفت لاماتها حقّها وحكمها أن تعرب العينات وتحرك إذا أفردت والواو من (لوّ) لم تحلقها حركة في حال والإضافة إلى امرئّ مثل امرعيّ ؛ لأنه ليس من بنات الحرفين وكذلك امرأة وقد قالوا : مرئيّ مثل مرعيّ في امريء القيس والإضافة إلى ماء مائيّ ومن قال :عطاويّ قال : ماويّ وقولهم : شاويّ يقوي ذا.

ص: 304

قال أبو بكر : شاء مثل ماء ، وإن الهمزة تصلح أن تكون فيهما جميعا مبدلة من هاء لقولهم موية وشويهة.

الثالث : الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين

اعلم أنّ هذا الباب ينقسم قسمين :

أحدهما : أن تكون الفاء وحدها من حروف اللين في الاسم.

والآخر : أن يجتمع فيه حرفا لين فتكون فاؤه ولامه معتلتين فالأول : إذا نسب إليه لم ترد الفاء لبعدها من حروف الإضافة ، وذلك قولهم في : عدة : عديّ وفي زنة : زنيّ ، وأما الذي فاؤه وعينه معتلتان فإذا نسبت إليه رردت الفاء.

قال سيبويه : وتترك العين على حركتها فتقول : شية وشويّ فلا تسكن مثل : شجويّ.

وقال الأخفش : القياس : اسكان العين.

فتقول : وشيّ ، وأما الردّ فلا بدّ منه ؛ لأنه لا يبقى الاسم على حرفين أحدهما حرف لين.

ص: 305

باب ما غير في النّسب

اشارة

وجاء على غير القياس الذي تقدم وهو ينقسم أربعة أقسام:

الأول : ما جاء على غير قياس.

الثاني : ما يكون علما خلافه إذا لم يردّ به ذلك.

الثالث : ما يحذف فيه ياء الإضافة إذا جعلته صاحب معالجة.

الرابع : ما يكون مذكرا يوصف به مؤنّث على تأول النّسب.

الأول : ما جاء معدولا على غير قياس وهو يجيء على ضربين

أحدهما : أن تبدل الاسم عن لفظ إلى لفظ آخر والضرب الثاني : تغير ياءي النّسب من ذلك قولهم : هذيل هذليّ وفقيم كنانة : فقميّ ومليح خزاعة ملحيّ وثقيف ثقفيّ وكان القياس في جميع هذه أن تثبت وقالوا في زبينة : زبانيّ وفي طيء : طائيّ والعالية : علويّ وبادية : بدويّ والبصرة : بصريّ والسّهل : سهليّ والدهر : دهريّ وفي حيّ من بني عديّ يقال لهم : بنو عبيدة :عبديّ.

قال سيبويه حدثني من أثق به أنّ بعضهم يقول : في بني جذيمة : جذميّ وقالوا في بني الحبلى من الأنصار : حيليّ وفي صنعاء : صنعانيّ وفي شتاء : شتويّ ، وقال أبو العباس : هو جمع شتوة.

وفي بهراء قبيلة من قضاعة : بهرانيّ وفي دستواء : دستوانيّ مثل بحرانيّ وزعم الخليل : أنّهم بنوا البحر على بناء فعلان وفي الأفق : أفقيّ ومن العرب من يقول : أفقيّ على القياس.

وفي حروراء وهو اسم موضع : حروريّ وكان القياس : حرواويّ وجلولاء : جلوليّ وخراسان : خرسيّ وخراسانيّ أكثر وخراسيّ وقال بعضهم : إبل حمضّية إذا أكلت الحمض وحمضيّة أجود وإبل طلاحيّة إذا أكلت الطّلح.

قال سيبويه : وسمعنا من يقول : أمويّ وقال في : الرّوحاء : روحانيّ وروحاويّ أكثر.

وقالوا في : طهيّة : طهويّ وقال بعضهم : طهويّ على القياس.

ص: 306

الضرب الثاني : ما جاء معدولا محذوفا منه إحدى الياءين

وذلك قولهم في شأم : شآم وفي تهامة : تهام يفتحون التاء ومن كسرها شدّد فقال : تهاميّ ويمان في اليمن وزعم الخليل : أنّهم ألحقوا هذه الألفات عوضا من ذهاب إحدى الياءين.

وقال سيبويه : منهم من يقول : تهاميّ ويمانيّ وشآميّ ، وإن شئت قلت : يمنيّ على القياس قال : وزعم أبو الخطاب : أنه سمع من العرب من يقول في الإضافة إلى الملائكة والجنّ : روحانيّ أضاف إلى الروح وللجميع : رأيت روحانيين.

وزعم أبو عبيدة : أنّ العرب تقوله لكلّ شيء فيه الروح وجميع هذا إذا صار اسما في غير هذا الموضع فأضفت إليه جرى على القياس.

الثاني : ما يكون علما خلافه إذا لم يرد به ذلك

قالوا في الطويل الجمّة : جمانيّ وفي الطويل اللحية : لحيانيّ وفي الغليظ الرقبة : رقبانيّ فإذا سميت بها قلت : رقبيّ وجمّيّ على الأصل وقالوا في القديم السنّ : دهريّ ولو سميت بالدهر لقلت : دهريّ.

الثالث : ما تحذف منه ياء الإضافة

إذا جعلته صاحب معالجة جاء على (فعّال) قالوا : لصاحب الثياب : ثوّاب ولصاحب العاج : (عوّاج) وذا أكثر من أن يحصى وقد قالوا : البتّيّ أضافوه إلى البتوت وقد قالوا : البتّات فأمّا ما كان ذا شيء وليس بصنعة فيجيء على فاعل تقول لذي الدرع : دارع ولذي النبل : نابل ومثله ناشب وتامر ذو تمر وآهل أي : ذوا أهل ولصاحب الفرس : فارس وعيشة راضية ذات رضا ومثله طاعم كاس ذو طعام وكسوة.

وناعل ذو نعل وقالوا : بغّال لصاحب البغل شبهوه بالأول وقالوا لذي السيف : سيّاف ولا تقول لصاحب الشعير : شعّار ولا لصاحب البرّ : برّار ولا لصاحب الفاكهة : فكّاه ولم يجىء هذا في كلّ شيء والقياس في جميع ذا أن تنسب إليه بالياء المشددة على شرائط النّسب التي مضت.

ص: 307

الرابع : ما يكون مذكرا يوصف به مؤنث

اعلم بأنّ هذا الباب جاء على ذي شيء مثل دارع ونابل وهذا قول الخليل فمن ذلك قولهم : حائض وطامث وناقة ضامر.

قال الخليل : لم يجيء هذا على الفعل وكذلك مرضع ، فإن أجراه على الفعل قال : مرضعة وهي حائضة غدا ولا يجوز غيره.

وقال سيبويه : إنّ (حائض) جاء على صفة شيء والشيء مذكر.

وقال : إنّ (فعولا ومفعالا ومفعلا) يكون في تكثير الشيء وتشديده ووقع في كلامهم على أنه مذكر.

وقال الخليل : إنّهم : يريدون الإضافة ويستدلّ على ذلك بقولهم : رجل عمل وليس معناه المبالغة إلّا أنّ الهاء تدخله يعني : (فعل) وقال : نهر يريدون : نهاريّ يعني : النهار وقالوا : رجل حرح : ورجل سته كأنّه قال : حريّ واستيّ وقال في قولهم : موت (مائت) وشغل شاغل وشعر شاعر أرادوا به المبالغة.

قال أبو العباس : أي شعر يقوم بنفسه وشغل يقوم مقام فاعله.

وقال الخليل : هو بمنزلة قولهم : همّ ناصب وقد جاءت هاء التأنيث في.

شيء من (فعول) ومفعال وأمّا : مفعيل فقلّما جاءت فيه الهاء ومفعل قد جاءت الهاء فيه.

يقال : مصكّ ومصكةّ.

ص: 308

هذا باب المصادر وأسماء الفاعلين

اشارة

المصادر : الأصول ، والأفعال مشتقة منها ، وكذلك أسماء الفاعلين ، وقد تكون أسماء في معاني المصادر لم يشتقّ فيها فعل ولكن لا يجوز أن يكون فعل لم يتقدمه مصدر فإذا نطق بالفعل فقد وجب المصدر الذي أخذ منه ووجب اسم الفاعل ولو كانت المصادر مأخوذة من الفعل كاسم الفاعل لما اختلفت كما لا يختلف اسم الفاعل ونحو نذكر أربعة أشياء : المصدر والصفة والفعل وما اشتقّ منه.

فالفعل ينقسم قسمين : ثلاثي ورباعي. والثلاثي ينقسم قسمين : فعل بغير زيادة وفعل فيه زيادة. وانقسام المصادر في الزيادة وغيرها كانقسام الأفعال.

القسم الأول : الفعل الثلاثي الذي لا زيادة فيه :

وهو ينقسم على ضربين : فعل متعد إلى مفعول وفعل غير متعدّ.

ص: 309

ذكر أبنية المتعدي من الثلاثي

اشارة

وهو على ثلاثة أضرب :

على فعل يفعل مثل : ضرب يضرب.

وفعل يفعل مثل : قتل يقتل.

وفعل يفعل نحو : لحس يلحس.

وليس في الكلام فعل يفعل إلّا أن يكون فيه حرف من حروف الحلق وسنذكرها بعد إن شاء الله.

والصفة : على فاعل في جميع هذا ، وذلك نحو : ضارب وقاتل ولا حس وقد جاء اسم الفاعل على (فعيل) قالوا : ضريب قداح للضارب وصريم بمعنى : صارم وأصل المصدر في جميعها أن يجيء على (فعل) ؛ لأن المرة الواحدة على فعلة ولكنّها اختلفت أبنيتها كما تختلف أبنية سائر الأسماء ونحن نذكر ما جاء في باب باب منها.

الضرب الأول : فعل يفعل

يجيء على اثني عشر بناء :

فعل نحو : ضرب ضربا وهو الأصل.

وفعل : قاله قيلا.

وفعل : سرق سرقا.

فعلة : غلبة.

فعلة : سرقة.

فعل : كذب.

فعلة : حمية.

فعال : ضراب الفحل كالنّكاح.

فعالة : حماية.

ص: 310

فعلان : حرمان.

فعلان : غفران.

فعلان : ليّان من لويته.

قال أبو العباس : فعلان لا يكون مصدرا ولكن استثقلوا الكسرة مع الياء.

الضّرب الثاني : فعل يفعل

فعل : هو الأصل نحو : القتل وجاء (فعل) حلبها يحلبها حلبا فعل : الخنق فعل كفر فعل قيل : وحجّ فعلة : شدّة فعال : كتاب فعلان : شكران فعول : شكور وقد جاء : فعل يفعل :حسب يحسب ويئس ييئس ونعم ينعم.

قال سيبويه : والفتح في هذا أقيس وكان هذا عند أصحابنا إنّما يجيء على لغتين ومن ذا قولهم : فضل يفضل ومتّ تموت وكدت تكاد.

الضرب الثالث : فعل يفعل

فعل الأصل مثل : حمد حمدا فعل : عمل فعل : شرب فعلة : رحمة فعلة : خلته خيلة فعلة قالوا : رحمته رحمة فعال : سفاد.

فعال : سماع فعلان : غشية غشيانا فعل يفعل من حروف الحلق فعالة : نصاحة فعالة :نكاءة فعال : سوال.

القسم الثاني من الثلاثي وهو الذي لا يتعدى :

وهو ينقسم قسمين : عمل وغير عمل ، ونحن نبدأ بذكر ما هو عمل.

اعلم أنّ هذا الفعل على أبنية المتعدي واسم الفاعل في الثلاثة التي على وزن المتعدي على (فاعل) والمصدر الذي يكثر فيه (فعول) وعليه يقاس فعل يفعل فعول الكثير مثل : جلوس فعل : حلف فعل : عجز.

ص: 311

فعل يفعل وجدت فعل يفعل فيما هو غير متعدّ أكثر من (فعل يفعل) وهما أختان فعول هو الأكثر الذي يقاس عليه نحو : قعود فعال : ثبات فعل قالوا : سكت : سكتا فعل : مكث والشغل فعل : فسق فعالة : عمارة.

فعل يفعل فعل : عمل فعل.

حرد يحرد حردا وهو حارد قولهم : فاعل يدلّ على أنّهم جعلوه من هذا الباب.

فعل : حميت الشمس حميا وهي حامية فعل : الضّحك.

وأما ما كان غير عمل فقد تجيء هذه الأبنية فيه إلّا أنه يخصه فعل : يفعل وهذا البناء لا يكون في المتعدي البتة.

باب فعل يفعل من حروف الحلق :

فعل : هدأ هدءا. فعال : ذهاب. فعال : مزاح.

ص: 312

ذكر ما جاء من المصادر والصفات والأفعال على بناء واحد لتقارب المعاني

اشارة

هذا الضرب إنّما حقه أن يجيء فيما كان خلقة أو خلقا أو صناعة تكون في الشيء فما جاء من الأعمال فمشبه بهذا.

اعلم أنّ العرب ربما أجرت هذه المصادر على المعاني كما خبرتك وربّما رجعوا إلى بناء الفعل وكذلك الصفة وأبنية الأفعال قد تجيء على بناء واحد لتقارب المعاني وجميع هذه التي ذكرت لا تخلو من أن تتفق في المصادر أو في الصفات أو في الفعل فهي من أجل هذا تقسم ثلاثة أقسام :

الأول : منها المتفقة في المصدر

والثاني : المتفقة في الصفة.

والثالث : المتفقة في الفعل.

الضرب الأول : المتفقة في المصدر

وهو ينقسم على سبعة أقسام : فعال فعالة فعال فعالة فعالة فعل فعلان.

الأول : فعال لما كان داءا نحو : السّكات والعطاس.

والثاني : لما فتّت نحو : الجطام والفتات والفضاض.

الثالث : لما كان صوتا كالصّراخ والبكاء وقد جاء الهدير والضجيج والصّهيل وقالوا : الهدر والصوت أيضا تحرك فباب فعال وفعلان واحد وقد جاء الصوت على فعلة نحو : الرّزمة والجلبة.

الثاني : فعالة : ما كان جزاء لما عملت : نحو العمالة والخباسة والظلامة.

الثاني من فعالة : ما كان معناه الفضالة نحو القلامة والقوارة والقراضة.

الثالث من الأول : فعال للهياج نحو : الصّراف في الشاة والهباب والقراع ؛ لأنه تهييج فيذكّر الثاني من فعال وهو لما كان انتهاء الزمان نحو : الصّرام والجزاز والحصاد وربّما دخلت

ص: 313

اللغة في بعض ذا فكان فيه (فعال وفعال) فإذا أرادوا الفعل على (فعلت) قالوا : حصدته حصدا إنّما يريد العمل لا انتهاء الغاية.

الثالث من فعال للتباعد نحو : الشّراد والشّماس والنّفار والخلاء.

وقالوا : النّفور والشّموس والشّبيب من شبّ الفرس وقالوا : الشّبّ وقالوا : خلأت الناقة خلاء وخلأ مثل خلع وقالوا : العضاض شبهوه بالحران ولم يريدوا به : فعلته فعلا.

الرابع من (فعال) ما كان وسما نحو : الخباط والعلاط والعراض.

الأثر يكون على فعال والعمل يكون فعلا كقولك : وسمته وسما ، وأما المشط والدّلو والخطّاف فإنما أرادوا به صورة هذه الأشياء.

وقد جاء على (فعلة) نحو : القرمة والجرفة اكتفوا بالعمل وأوقعوه على الأثر.

فعالة للقيام بالشيء وعليه نحو : الولاية والإمارة والخلافة والعرافة والنّكابة والعياسة والسياسة وقالوا في العياسة : العوس والعياسة ، والسياسة والقصابة وإنّما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي تليها فصار بمنزلة الوكالة وكذلك السّعاية تريد : الساعي الذي يأخذ الصدقة.

فعالة للترك والانتهاء نحو : السّامة والزّهادة والاسم فاعل وقالوا : الزّهد.

فعل للانتهاء والترك أيضا هذا يجيء فعله على (فعل يفعل) نحو : أجم يأجم أجما وسنق يسنق سنقا.

قال أبو بكر : وعندي أنّ حذر وفرق وفزع من هذا الباب للترك وجاؤوا بضده على مثاله نحو : هوي هوى وهو هو وقنع : يقنع فهو قنع وقالوا : قناعة كزهادة وقالوا : قانع كزاهد وقالوا : بطن يبطن بطنا وهو بطن وتبن وثمل مثله.

فعلان : ما كان زعزعة للبدن في ارتفاع كالعسلان والرّتكان والغثيان واللّمعان وجاء على (فعال) لأنهما يتقاربان في المعنى ، وذلك (النّزاء) والقماص.

وقالوا : وجب وجيبا ووجف وجيفا كما قالوا في الصوت : الهدير ورسم البعير رسيما وقالوا : النّزو واللّمع ولا يجيء فعله متعديا إلّا شاذّا نحو : شنئته شنآنا.

ص: 314

وقال أبو العباس : المعنى شنئت منه.

الضرب الثاني : المتفقة في الصفة

فعلان : الجوع والعطش ويكون المصدر (فعل) فالفعل : فعل يفعل ، وذلك طوي : يطوي طوا وهو طيّان وعطش يعطش عطشا وهو : عطشان وقالوا : الظّماءة والطوّى مثل الشّبع وضده مثله : شبع يشبع شبعا وهو من : شبعان وملئت من الطعام وقدح نصفان وجمجمة نصفى وقدح قربان وجمجمة قربى بمنزلة ملآن ولم يقولوا : قرب.

ورجل شهوان وشهوى ؛ لأنه بمنزلة الغرثى والغضب كالعطش ؛ لأنه في جوفه ومثله : ثكل يثكل ثكلا وهو ثكلان وثكلى وعبرت تعبر عبرا وعبرى.

وأمّا ما اعتلت عينه فعمت تعام عيمة وهو عيمان وهي عيمى كأنّ الهاء عوض من فتحة العين في (عيمة) وحرت تحار حيرة وهو حيران وهي حيرى وهو كسكران ، وأما جربان وجربى فلأنه بلاء وقالوا : الرّيّ وسغب يسغب سغبا وهو ساغب وجاع يجوع وهو جائع وجوعان وسكر وسكر.

الثاني من الصفة : أفعل، للألوان ويكون الفعل على (فعل) (يفعل) والمصدر فعلة نحو : كهب يكهب كهبة وشهب يشهب شهبة وصدي يصدا صدأة وقالوا أيضا : صدأ وربّما جاء الفعل على فعل : يفعل نحو : أدم يأدم ومن العرب من يقول : أدم يأدم أدمة وشهب وقهب وكهب ويبنون الفعل منه على إفعالّ مثل اشهابّ ويستغني (بإفعالّ) عن (فعل) وهو الذي لا يكاد ينكسر في الألوان يقولون : أسودّ وابيضّ فيقصرونه وقالوا : (الصّهوبة والبياض والسّواد كالصباح والمساء) ومن الألوان جون وورد على وزن (فعل).

وقالوا : الأغبس والغبسة كالحمرة.

وجاء المصدر الوردة والجونة.

وجاء فعيل : خصيف أي : أسود.

ص: 315

وتأتي (أفعل) صفة في معنى الداء والعيب.

الفعل فعل يفعل والمصدر (فعل) فيما كان داءّ أو عيبا عور يعور عورا وأعور وأصلع وأجذم وأجبن وأقطع وأجذم لم يتكلم بالفعل منه ويقال لموضع القطع : القطعة والقطعة والصّلعة والصلعة وقالوا : ستهاء وأسته جاء على بناء ضده رسحاء وأرسح وأهضم وهضماء.

وقالوا : أغلب وأزبر والأغلب العظيم الرّقبة والأزبر العظيم الزّبرة وهو موضع الكاهل وآذن وأذناء وأسكّ وسكاء وأخلق وأملس وأجرد كما قالوا : أخشن في ضده وقالوا : الخشنة وخشونة كالصهوبة ومؤنث كلّ أفعل فعلاء.

قال أبو العباس : أفعل فعلان وفعيل شيء واحد لأنها تقع لما لا يتعدى وقالوا في الأصيد : صيد يصيد صيدا وقالوا : شاب يشيب ومثل : شاخ يشيخ وأشيب كأشمط وأشعر كأجرد وأزبّ.

وقالوا : هيج يهوج هوجا وثول يثول ثولا وأثول وقالوا : مال يميل وهو مائل وأميل.

فعيل بمعنى : العديل ؛ لأن فعلة فاعلته ، وذلك نحو : الجليس والعديل والخليط والكميع وخصيم ونزيع وقد جاء خصم ثاني فعيل : ما أتى من الفعل نحو : حلم يحلم حلما فهو حليم وظرف يظرف ظرفا وهو ظريف وقالوا : في ضده جهل جهلا وهو جاهل وقالوا : عالم وعلم يعلم وجهل كحرد حردا وهو حارد فهذا ارتفاع في الفعل واتضاع وقالوا : عليم وفقيه وهو فقيه والمصدر فقه.

وقالوا : اللّبّ واللّبابة ولبيب كما قالوا : اللؤم واللآمة ولئيم وقالوا : فهم يفهم فهما وهو فهم ونقه ينقه نقها وهو نقه وقالوا : الفهامة وناقة ولبق.

وحذق يحذق حذقا ورفق يرفق رفقا وهو رفيق وقالوا : رفق وعقل يعقل عقلا وعاقل ورزن رزانة وهو رزين ورزينة وقالوا للمرأة : حصنت حصنا وهي حصان مثل جبان.

ص: 316

وقالوا : حصنا ويقال لها ثقال ورزان وصلف يصلف صلفا وصلف ورقع رقاعة كحمق حماقة وحمق وأحمق كأشنع وخرق خرقا وأخرق وقالوا : النّواكة وأنوك واستنوك ولم نسمعهم قالوا : نوك.

ثالث فعيل : ما كان ولاية نحو : أمير ووكيل ووصيّ وجريّ بمعنى وكيل.

الضرب الثالث : المتفقة في الفعل
اشارة

هذا الباب يكون في الخصال المحمودة والمذمومة يجيء هذا على (فعل) يفعل إلّا في المضاعف وهو على ثلاثة أضرب :

الأول : ما كان حسنا أو قبحا.

الثاني : ما كان في الصغر والكبر.

الثالث : الضّعف والجبن والشجاعة ومنه ما يختلط منه فعل بفعل كثيرا وهو الرّفعة والضّعة ؛ لأن فعل أخت (فعل).

الأول من فعل يفعل ما كان حسنا أو قبحا

الفعل فعل يفعل فعالا وفعالة وفعلا والاسم فعيل قبح يقبح قباحة ووسم يوسم وسامة ووساما وجمل جمالا وقالوا : الحسن والقبح وفعالة أكثر وقالوا : نضير على الباب وقالوا : نضر وجهه وناضر ونضر ونضارة وقالوا : ضخم وسبط وقطط مثل : حسن وسبط سباطة وسبوطة وملح ملاحة ومليح وسمح سماحة وسميح وشنع شناعة وشنيع ونظف نظافة كصبح صباحة وقالوا : رجل سبط وجعد.

قال أبو العباس : هذيل تقول : سميح ونذيل.

قال سيبويه : وقالوا : طهر طهرا وطهارة وطاهر وقالوا : طهرت المرأة وطمثت.

الثاني : الصغر والكبر

وذلك عظم عظامة وهو عظيم ويجيء المصدر على (فعل) نحو : الصّغر والكبر والقدم وكثر كثارة وهو كثير وقالوا : الكثرة وسمن سمنا وهو سمين ككبر كبرا وهو كبير وقالوا : كبر

ص: 317

على الأمر كعظم وجاء : فخم وضخم والمصدر فعولة الجهومة وقالوا : بطن يبطن بطنة وهو بطين.

الثالث : الضعف والجبن وضدّهما

شجع شجاعة وشجيع وشجاع وفعيل أخو فعال وضعف ضعفا وهو ضعيف وجرؤ يجرؤ جرأة وهو جريء وغلظ يغلظ غلظا وغليظ للصلابة من الأرض وغيرها.

وسهل سهولة وسهل وسرع سرعا وهو سريع وبطؤ بطأ وهو بطيء.

قال سيبويه : إنما جعلناهما في هذا الباب ؛ لأن أحدهما أقوى على أمره وكمش كماشة وكميش وحزن حزونة للمكان وهو حزن وصعب صعوبة وهو صعب.

هذا باب ما يختلط فيه (فعل يفعل) كثيرا وهو ما كان من الرفعة والضّعة

قالوا : غني غنى وهو غبيّ وفقير كصغير والفقر كالضّعف ولم يقولوا : فقر كما لم يقولوا في الشديد شددت استغنوا بافتقر واشتدّ وشرف شرفا وهو شريف وكرم ولؤم مثله ودنو وملؤ ملاءة وهو مليء ووضع ضعة وهو وضيع وضعة ورفيع ولم يقولوا : رفع وقالوا : نبه ينبه وهو نابه ونبيه وسعد يسعد سعادة وسعيد وشقي يشقى شقاوة وشقيّ وبخل يبخل بخلا وبخيل أمر علينا فهو أمير وأمر أيضا وقالوا : الشّقاء حذفوا الهاء.

ورشد يرشد رشدا وراشد والرّشد ورشيد والرّشاد والبخل والبخل كالكرم.

أمّا المضاعف فلا يكون فيه (فعلت) ، وذلك نحو : ذلّ يذلّ ذلّا وذلّة وذليل وشحيح وشحّ يشحّ وقالوا : شححت.

وضننت ضنّا وضنانة ولبّ يلبّ واللّبّ واللّبابة واللبيب وقلّ يقلّ قلّة وقليل وعفّ يعفّ عفة وعفيف ويقولون : لببت تلبّ.

ص: 318

باب : فعل يفعل من حروف الحلق

اعلم أنّ يفعل إذا قلت فيهن : فعل يفعل مفتوح العين ، وذلك كانت الهمزة أو الهاء أو العين أو الغين أو الحاء أو الخاء لاما أو عينا نحو : قرأ يقرأ ووجبه يجبه وقلع يقلع وذبح يذبح ونسخ ينسخ. وهذا ما كانت فيه لامات.

وأما ما كانت فيه عينات فهو كقولك : سأل يسأل وذهب يذهب وبعث يبعث ونحل ينحل ونحر ينحر ومغث يمغث وذخر يذخر وقد جاؤوا بأشياء منه على الأصل قالوا : برأ يبرؤ كما قالوا : قتل يقتل وهنأ يهنىء كضرب يضرب وهو في الهمز أقلّ وكذلك في الهاء لأنّها مستقلة في الحلق وكلّما سفل الحرف كان الفتح له ألزم والفتح من الألف والألف أقرب إلى حروف الحلق من أختيها وقالوا : نزع ينزع ورجع يرجع ونضح ينضح ونطح ينطح ورشح يرشح وجنح يجنح والأصل في العين أقلّ لأنّها أقرب إلى الهمزة من الحاء وقالوا : صلح يصلح وفرغ يفرغ وصبغ يصبغ ومضغ يمضغ ونفخ ينفخ وطبخ يطبخ ومرخ يمرخ والخاء والغين الأصل فيهما أحسن لأنّهما أشدّ ارتفاعا إلى الفم ومما جاء على الأصل من هذه الحروف فيه عينات قولهم : زأر يزئر ونأم ينئم ونعر ينعر ورعدت ترعد وقعد يقعد وشحج يشحج ونحت ينحت وشحب يشحب ونغرت القدر تنغر ولغب يلغب وشعر يشعر ومخض يمخض ونخل ينخل ونخر ينخر وهذا الضرب إذا كانت فيه الزوائد لم يفتح البتة كان حرف الحلق لاما أو عينا ؛ لأن الكسر له لازم وليس هو مثل (فعل) الذي يجيء مضارعه على (يفعل) ويفعل ، وذلك مثل : استبرأ يستبرىء وانتزع ينتزع وكذلك : فعل يفعل لا يغير ؛ لأنه لازم له الضمّ ، وذلك قولهم : صبح يصبح وقبح يقبح وضخم يضخم وملؤ يملؤ وقمؤ يقمؤ وضعف يضعف وقالوا : رعف يرعف وسعل يسعل.

فضموا ما جاء منه على فعل فهم في (فعل) أجدر وكان حقّ (سعل) ورعف أن يجيء على مثال ما جاءت عليه الأدواء.

ص: 319

فإن كانت هذه الحروف فاءات نحو : أمر وأكل وأفل يأفل لم تفتح العين لسكون حرف الحلق وقالوا : أبى يأبى شبهوه بيقرا وفيه وجه آخر أن يكون مثل : حسب يحسب فتحا كما كسرا وقالوا : جبى يجبى وقلى يقلى (جبى جمع الماء في الحوض) وحكى سيبويه : عضضت تعضّ.

وقال أبو العباس : عضضت غير معروف وما كانت لامه ياء أو واوا فحكمه في هذا الباب حكم غير المعتلّ نحو : شأى يشأى وسعى يسعى ومحا يمحى وصفى يصفى ونحا ينحى وقد قالوا : ينحو يصفوا ويزهوهم الآل وينجو ويرغو ، وأما ما كانت لامه من حروف الحلق وعينه معتلة فلا تفتح لأنّها تكون ساكنة نحو : باع يبيع وتاه يتيه وجاء يجيء وكذلك المضاعف : نحو : دعّ يدعّ وشحّ يشحّ وزعم يونس : أنّهم يقولون : كعّ يكعّ.

قال سيبويه : يكعّ أجود وهو كما قال.

واعلم أنّ هذه الحروف الستة إذا كنّ عينات في (فعل) ففيه أربع لغات : فعل وفعل وفعل اسما كان أو صفة نحو : رحم وبعل.

والاسم رجل لعب وضحك وما أشبه ذلك في جميع حروف الحلق.

وفي (فعيل) لغتان : فعيل وفعيل وتكسر الفاء في هذا الباب في لغة تميم نحو : سعيد ورغيف وبخيل وبيئس ، وأما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس ، فإن كانت العين مضمومة لم تضم لها ما قبلها نحو : رؤوف ورؤوف لا يضمّ.

قال : وسمعت من بعض العرب من يقول : بيس ولا يحقق الهمزة ويدع الحرف على الأصل.

وأمّا الذين قالوا : مغيرة ومعين فليس على هذا ولكنهم أتبعوا الكسرة الكسرة كما قالوا :منتن وأنبؤك وأجؤك (أراد : أنبئك وأجيئك) وقالوا : في حرف شاذّ : إحبّ يحبّ شبهوه (بمنتن) فجاؤوا به على (فعل) كما قالوا : يئبى لما جاء شاذا عن بابه خولف به وقالوا : ليس ولم

ص: 320

يقولوا : لاس ولا يجوز في (أجيئك) ما جاز في (يحبّ) ؛ لأن يحبّ غيرت عن أصلها وكان حقّها يحبّ فلمّا غيرت استحسنوا التغيير هنا والإتباع وأجيئك على حقّها فلا يجوز أن يتبع الهمزة الجيم ؛ لأن الجيم في الأصل ساكنة أيضا.

ص: 321

باب نظائر الثلاثي الصحيح من المعتل

وهو ينقسم ثلاثة أقسام معتل اللام والعين والفاء : الأول : وهو ما اعتلت لامه ، وذلك نحو : رميته رميا ومراه يمريه مريا وهو مار وغزاه يغزوه غزوا وهو غاز هذه الأصول وقالوا :لقيته لقاء واللّقى وقليته فأنا أقليه قلى وهديته هدى وفعل أخت فعل ؛ لأنه ليس بينهما إلّا الضمّ والكسر وكلّ واحدة تدخل على صاحبتها وعتا عتوّا وثوى يثوى ثويّا ومضى مضيّا وعات وثاو وماض ونمى ينمى نماء وبدا يبدو وقضى يقضي قضاء ونثا ينثو نثاء وقالوا : بدا بدا ونثا نثا وزنى زنا وسرى يسري سرى والتّقى.

هذا ما كان ماضيه على (فعل) ، وأما (فعل) فقالوا : بهو يبهو بهاء وهو بهيّ وسرو يسرو سروا وسريّ وبذو يبذو بذاء وهو بذيّ وبذى مثل : سقم في تصرفه ودهوت وهو دهيّ.

وبعض العرب يقول : بزيت كشقيت ، وأما (فعل) فنحو : خشي يخشى خشية وخشيا وهو خشيان وخاش وشقي يشقى شقاوة وشقاء وقوي قوة وخزي يخزى خزاية فهو خزيان إذا استحيى.

قال الأصمعي : خشي الرجل يخشى خشيا وهو خشيان وخشّ إذا أخذه الرّبو والنّفس وهذا مع ما قبله يدخل في باب الأدواء وهذا لم يذكره سيبويه وكان هذا موضعه في فعل فيما مضى وعري الرجل إذا خرج من ثيابه يعرى عريا فهو عريان وامرأة عريانة ونشي الرجل الخبر إذا تخبره ونظر من أين جاء ينشا نشوة فهو نشيان.

نظير ذلك مما اعتلت عينه كلته كيلا والاسم كائل وقلته قولا والاسم قائل وزرته زيارة وخفته خوفا وهبته أهابه هيبة ونلته أناله نيلا وذمته أذيمه ذاما وقتّه قوتا.

وقال بعضهم : (رجل خاف) فجاؤوا به على (فعل) مثل فرق وقزع وعفته أعافه عيافة وغرت أغور غوورا وغيارا وغبت غيوبا وقام قياما ونحت نياحة وغابت الشمس غيابا ودام يدوم دواما ولعت تلاع لاعا ورجل لاع ولائع إلّا أنّ قولهم : لاع أكثر.

ص: 322

نظير ذلك مما اعتلت فاؤه وعدته أعده وعدا ولا يجيء في هذا الباب (يفعل) يحذف الواو في (يعد) لوقوعها بين ياء وكسرة وتجري باقي حروف المضارعة عليها.

وقال بعضهم : وجد يجد كأنّهم حذفوها من يوجد وقالوا : ورد ورودا ووجل يوجل وهو وجل ووضؤ يوضؤ فأتموا ما كان على فعل وقالوا : ورم يرم ورما وهو شاذ عن القياس وورع يورع لغة ووجد يجد وجدا ووغر يغر ويوغر ووحر يحر ويوحر ويوحر أكثر ولا يجوز يورم وولى يلي وأصله فعل يفعل فنقل إلى (يفعل) ليحذفوها طلبا للخفة ، وأما ما كان من الياء فإنه لا يحذف منه ، وذلك قولهم : يئس ييئس ويمن وييمن وبعضهم يقول : (يئس) يحذف الياء من (يفعل) فأمّا وطيئ يطأ فإنّما فتحوا العين للهمزة وهذا جاء على (فعل يفعل مثل : حسب يحسب.

ص: 323

باب ذكر المصادر التي تضارع الأسماء

اشارة

التي ليست بمصادر وحقّها الوصف من هذه الأفعال التي تقدم ذكرها وجاءت على ضربين : أحدهما ما فيه علامة للتأنيث والضرب الثاني لا علامة فيه للتأنيث ويجمع هذه المصادر كلّها أنّها جاءت غير جارية على فعل وأنّ ما وقع منها صفة خالصة فعلى غير لفظ الصفة والمؤنث ينقسم قسمين :

أحدهما : حرف التأنيث فيه ألف والآخر هاء
القسم الأول : ما جاء من المصادر فيه ألف التأنيث

وذلك قولهم : رجعته رجعى وبشرته بشرى وذكّرته ذكرى واشتكيت شكوى وأفتيته فتيا وأعداه عدوى والبقيا أمّا الحذيا فالعطية والسّقيا ما سقيت والدّعوى ما ادعيت وقال بعضهم : اللهمّ : أشركنا في دعوى المسلمين وقالوا : الكبرياء.

الفعل رميّا وحجّيزى وحثّيثى وقالوا : الهجّيرى وهو كثرة القول بالشيء والكلام به.

وقال الأخفش : الأهجيرى وهو كثرة كلامه بالشيء يردده.

القسم الثاني على ضربين

أحدهما (فعلة) يراد بها ضرب من الفعل (فعلة) يراد بها المرة ، وذلك الطعمة وقثلة سوء وبئست الميتة إنّما تريد : الضرب الذي أصابه من القتل وكذلك : الرّكبة والجلسة وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا نحو الشّدة والشّعرة والدّرية وقد قالوا : الدّرية وقالوا : ليت شعري فحذفوا كما قالوا : ذهبت بعذرتها وهو أبو عذرها وهو بزنته أي بقدره والعدة والضّعة والقحة لا تريد شيئا من هذا ، وأما المرة الواحدة من الفعل فهي فعلة نحو ضربة وقومة وقالوا أتيته إتيانه ولقيته لقاءة وهو قليل وقالوا : غزاة فأرادوا عملة واحدة وحجة عمل سنة وقالوا : قتمة وسهكة وخمطة اسم لبعض الريح كالبنّة والشّهدة والعسلة ولم يرد فعل فعلة.

ص: 324

الضرب الثاني : الذي لا علامة فيه للتأنيث

وهو ينقسم قسمين :

أحدهما : ما أصله أن يكون مبنيا للصفة فوقع للمصدر والقسم الآخر ما هو من أبنية المصادر فوصف به أو جعل هو الموصوف بعينه : الأول : ما لفظه لفظ الصفة فوقع للمصدر ، وذلك ما جاء على (فعول) نحو : توضأت وضوءا وتطهرت طهورا وأولعت به ولوعا ومنهم من يقول وقدت النار وقودا عاليا وقبلته قبولا والوقود أكثر والوقود الحطب وعلى فلان قبول وهذا البناء أكثر ما يجيء في الصفات نحو : ضروب وقتول وهبوب وتؤوم وطروب.

الثاني : ما لفظه لفظ المصدر فجاء على معنى : مفعول وفاعل ، وذلك قولك : لبن حلب إنّما تريد : محلوب وكقولهم : الخلق إنّما يريد به : المخلوق والدرهم ضرب الأمير : أي :مضروب.

ويقع على الفاعل نحو : رجل غمر ورجل نوم إنّما تريد : الغامر والنائم وماء صرى أي صر ومعشر كرم أي كرماء وقالوا صري يصرى صرى وهو صرّ إذا تغير اللبن في الضرع وهو رضى أي : مرضيّ ، وأما ما جعل هو الموصوف بعينه : إلا أنهم جاؤوا به مخالفا لبناء المصدر وغير مخالف.

فقولهم : أصاب شبعه وهذا شبعه إنّما يريدون مشبعه ومن ذلك : هو ملء هذا أي : ما يملأ هذا وقولهم : ليس له طعم إنّما معناه : ليس له طيب أي : ليس بمؤثر في ذوقي وما ألتذّ به فهذا مما خولف به.

وقد يجيء غير مخالف نحو : رويت ريّا وأصاب ريّه وطعمت طعما وأصاب طعمه ونهل ينهل نهلا وأصاب نهله وقالوا : قتّه قوتا والقوت : الرزق فلم يدعوه على بناء واحد وقالوا :مريتها مريا إذا أراد العمل وحلبتها مرية لا يريد (فعلة) ولكنّه يريد نحوا من الدرة والحلب وقالوا : لعنة للذي يلعن واللعنة المصدر والخلق المصدر والمخلوق جمعا وقالوا : كرع كروعا والكرع : الماء الذي يكرع فيه ودرأته درءا وهو ذو تدرإ أي : ذو عدّة ومنعة وكاللّعنة السّبّة إذا أردت المشهور بالسّبّ واللعن جعلوه مثل : الشهرة.

ص: 325

قال أبو بكر : قد ذكرت أحوال الأفعال الثلاثية المتعدية وغير المتعدية التي لا زائد فيها وعرّفت : أنّ الفعل الذي لا يتعدى يفضّل على المتعدي بفعل يفعل وعرفتك الأسماء الجارية عليها والمصادر وما لا يجري من المصادر على الفعل.

واعلم أنّ كلّ فعل متعدّ فقد يبنى منه على مفعول نحو قولك في ضرب : مضروب وفي قتل : مقتول وما لا يتعدى فلا يجوز أن يبنى منه (مفعول) إلا أن تريد المصدر أو تتسع في الظروف فتقيمها مقام المفعول الصحيح وقد جاء في اللغة (فعل) ولم يستعمل منه فعلت ، وذلك نحو : جنّ وسلّ.

وورد من الحمّى وهو مجنون ومسلول ومحموم ومورود ولم يستعمل فيه فعلت : ومثله : قطع : كأنّهم قالوا : جعل فيه جنون فجاء مجنون على (فعل) كما جاء محبوب من (أحببت) وكان حق مجنون : مجنّ على : أجنّ وقال بعضهم : (حببت) فجاء به على القياس ونحن نتبع هذا :بذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها.

باب ذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها

اشارة

هذه الأفعال تجيء على ضربين : أحدهما على وزن الفعل الرباعي ، والآخر على غير وزن ذوات الأربعة ، فأمّا الذي على وزن ذوات الأربعة فهو أيضا على ضربين : أحدهما ملحق ببنات الأربعة ، والآخر على وزن ذوات الأربعة في متحركاته وسواكنه ، وليس بملحق فالمحلق : حوقل حوقلة وبيطر بيطرة وجهور كلامه وكذلك شمللت شمللة وسلقيته سلقاة وجعبيته جعباة فهذا ملحق بدحرج ومضارعه كمضارع يدحرج نحو : يجعبي ويحوقل ويشملل.

ومصدر الرباعي بغير زيادة يجيء على (فعللة وفعلال) نحو : السّرهاف والزّلزلة والزّلزال وكذلك : الملحق الحيقال السّلقاء على مثال الزّلزال كما قال :

وبعض حيقال الرجال الموت

ص: 326

الضرب الآخر : الذي على وزن ذوات الأربعة وليس بملحق وهو يجيء على ثلاثة أضرب : فعل وأفعل وفاعل الوزن على وزن : دحرج والمضارع كمضارع بنات الأربعة ؛ لأن الوزن واحد ولا يكون المصدر كمصادرها ؛ لأنه غير ملحق بها تقول : قطّع يده يقطعها وكسّر يكسر على مثال : يدحرج وقاتل يقاتل ، وأما أفعلت فنحو : أكرم يكرم وأحسن يحسن وكان الأصل : يؤكرم ويؤحسن حتى يكون على مثال : يدحرج ؛ لأن همزة أكرم مزيدة بحذاء دال دحرج وحقّ المضارع أن ينتظم ما في الماضي من الحروف ولكن حذفت الهمزة وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ومع هذا فإنّهم حذفوا الهمزة الأصليّة لالتقاء الهمزتين في : أاكل وأاخذ وأامر فقالوا :خذ وكل ومر وربّما جاء على الأصل فقالوا : أومر ، فإن اضطّر شاعر فقالوا : يؤكرم ويؤحسن جاز ذلك كما قال :

وصاليات ككما يؤثفين (1) ...

وكما قال :

فإنه أهل ؛ لأن يؤكرما ...

والمصادر في الفعل على مثال : الزّلزال وليس فيه مثال : الزّلزلة ؛ لأنه نقص في المضارع فجعل هذا عوضا ، وذلك نحو : أكرمته إكراما وأعطيته إعطاء ، وأما (فاعلت) فمصدره اللازم له (مفاعلة).

وذلك نحو : قاتلته مقاتلة وشاتمته مشاتمة فهذا على مثال : دحرجته مدحرجة ولم يكن فيه شيء على مثال : الدّحرجة ؛ لأنه ليس بملحق (بفعللت) ويجيء فيه (الفعال) نحو : قاتلته قتالا وراميته رماء وكان الأصل (فيعالا) ؛ لأن (فاعلت) على وزن (أفعلت) وفعللت فالمصدر كالزّلزال والإكرام ولكنّ الياء محذوفة من (فيعال) استخفافا ، وإن جاء بها جاء فمصيب ، وأما

ص: 327


1- على أنه يمكن أن تكون" الكاف" الثانية مؤكدة للأولى ؛ قياسا على اللامين في البيت الذي قبله ، فلا يكون في البيت دليل على اسمية الكاف الثانية. وهو من قصيدة لخطام المجاشعي. وهي من بحر السريع ؛ وربما حسب من لا يحسن العروض أنه من الرجز كما توهمه بعضهم ؛ لأن الرجز لا يكون فيه معولات فيرد إلى فعولات. انظر خزانة الأدب 1 / 263.

فعّلت : فمصدره التفعيل ؛ لأنه ليس بملحق فالتاء الزائدة عوض من تثقيل العين والياء بدل من الألف التي تلحق قبل أواخر المصادر ، وذلك قولك : قطّعته تقطيعا وكسّرته تكسيرا وشمّرت تشميرا وكان أصل هذا المصدر أن يكون فعّالا كما قلت أفعلت إفعالا ولكنه غير لبين أنه ليس ملحقا ولو جاء به جاء على الأصل لكان مصيبا كما قال الله جلّ ذكره (وكذبوا ليبين بآياتنا كذّابا) وقال قوم : حمّلته حمّالا وكلّمته كلّاما فهذه تصاريف هذه الأفعال ومصادرها ونحن نذكر معانيها ومواقعها في الكلام إن شاء الله.

الأول : فعّل

حقه أن يكون للتكثير والمبالغة فأذا أدخلت عليه التاء قلت : تفعّلت تفعّلا ضموا العين ؛ لأنه ليس في الكلام اسم على (تفعّل) وفيه (تفعّل) مثل التنوط اسم ويجيء : فعّلته وأفعلته بمعنى واحد. نحو : خبّرته وأخبرته ووعّزت وأوعزت وسمّيت وأسميت أي : جعلته فاعلا ويجيئان مفترقين نحو : علّمته وأعلمته فعلّت أدبت وأعلمت : آذنت وكذلك آذنت وأذّنت مفترقان فآذنت : أعلمت وأذّنت من النداء والتصويت بإعلام وبعض العرب يجري : أذّنت وآذنت مجرى سمّيت وأسميت وأمرضته جعلته مريضا ومرّضته قمت عليه.

ومثله أقذيت عينه وقذّيتها فأقذيتها : جعلتها قذيّة وقذّيتها : نظفتها من القذاء كثّرت وأكثرت وقلّلت وأقللت فكثّرت أن تجعل قليلا كثيرا وقلّلت تجعل كثيرا قليلا وصبّحنا ومسّينا وسحّرنا فمعناه : أتيناه صباحا في هذه الأوقات ومثله بيّتناه أتيناه بياتا وما بني على (يفعّل) فهو يشجّع ويجبّن ويقوّي أي يرمى بذلك وقد شيّع الرجل أي رمي بذلك وقيل فيه.

الثاني : أفعل

وحقّ هذه الألف إذا دخلت على : فعل لا زيادة فيه أن يجعل الفاعل مفعولا نحو : قام وأقمته وقد ذكر هذا فيما مضى ويكون في معنى (فعل) في لغتين مختلفتين نحو : قلته وأقلته وأشباه هذا كثير وقد أفرد له النحويون وأهل اللغة كتبا يذكرون فيها : فعلت وأفعلت والمعنى واحد وكما أنه قد جاء أفعلت في معنى : فعلت فكذلك يجيء : فعلت في معنى : أفعلت ينقل الفاعل فيجعله مفعولا نحو : نعم الله بك عينا وأنعم بمعنى واحد ويقال : أبان وأبنته واستبان

ص: 328

واستبنته بمعنى واحد فأبان وأبنته في ذا الموضع كحزن وأحزنته وكذلك : بيّن وبيّنته ويجيء : أفعلته على أن تعرضه لأمر كأقتلته وأقبرته جعلت له قبرا وسقيته فشرب وأسقيته جعلت له سقيا ويجيء : أفعل على معنى أنه صار صاحب كذا نحو : أجرب صار صاحب جرب وأحال : صار حيال ومثله : مقو ومقطف أي : صاحب قوة وقطاف في ماله من قوي الدابة وقطف ومثله ألام فلان (أي : صار صاحب لائمة) ولامه بغير هذا المعنى وإنّما هو إذا أخبره بأمره والمعسر والمرسر مثل : المجرب فأمّا عسّرته فضيقت عليه ويسّرته وسعت عليه ومثل ذلك :اسمنت وأكرمت فأربط.

وكذلك ألأمت وأراب صار صاحب ريبة ورابني جعل فيّ ريبة ويجيء على معنى أنه استحقّ ذلك نحو : أحصد الزرع وأقطع النخل إذا استحقّ ذلك ، فإن أخبرت أنك فعلت قلت : قطعت وأحمدته : وجدته مستحقاّ للحمد مني وحمدته جزيته وقضيته حقّه ويجيء للمصير إلى الحين ، وذلك نحو : أسحرنا وأصبحنا وأهجرنا وأمسينا أي : صرنا في هذه الأوقات.

ويجيء : أفعلت في معنى : فعّلت كما جاءت (فعّلت) في معناها : أقللت وأكثرت في معنى قلّلت وكثّرت وقالوا : أغلقت الأبواب وغلّقت.

قال الفرزدق :

ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها

حتى أتيت أبا عمرو بن عمار

ومثل : أغلقت وغلّقت أجدت وجوّدت ، وإذا جاء شيء نحو : أقللت وأكثرت : أي جئت بقليل وكثير فهذا على غير معنى : قلّلت وكثّرت.

الثالث : فاعل

وأصله أن يكون لتساوي فاعلين في (فعل) ، وذلك نحو ضاربته وكارمته فإذا كانت أنت فعلت من ذلك ما تغلب به وتستحقّ أن تنسب الفعل إليك دونه قلت : كارمني فكرمته أكرمه وخاصمني فخصمته أخصمه فهذا الباب كله على مثال : خرج يخرج إلّا ما كان مثل : رميت

ص: 329

وبعت ووعد ، فإن جميع ذلك : أفعله وليس في كلّ شيء يكون هذا لا تقول : نازعني فنزعته استغني عنه بغلبته.

وقد يجيء (فاعلت) لا تريد به عمل اثنين نحو ناولته وعاقبته وعافاه الله وسافرت وظاهرت عليه ، وأما (تفاعلت) فلا يكون إلّا وأنت تريد فعل اثنين فصاعدا ولا يعمل في (مفعول) نحو : ترامينا وقد يشركه (افتعلنا) فتريد بها معنى واحدا نحو : تضاربوا واضطربوا وتجاوروا واجتوروا وقالوا : تماريت في ذلك وتراءيت له وتقاضيته وقد يجيء (تفاعلت) ليريك أنه في حال ليس فيها نحو : تغافلت وتعاميت وتعاشيت وتعارجت.

قال الشاعر :

إذا تخازرت وما بي من خزر ...

باب دخول (فعّلت) على (فعلت) لا يشركه في ذلك : (أفعلت)

تقول : كسرتها فإذا أردت كثرة العمل قلت : كسّرتها وقالوا : مؤّتت وقوّمت إذا أردت جماعة الإبل وغيرها وقالوا : يجوّل أي : يكثر الجولان ويطّوف أي : يكثر ذاك والتخفيف في هذا كله جائز ؛ لأن كلّ فالقليل فيه واجب يجوز أن تقول : ضربت تريد : ضربا كثيرا وقليلا فإذا قلت : ضرّبت انفرد بالكثير ألا ترى أنك إذا قلت : ضربت ضربا جاز أن يكون مرة ومرارا فإذا قلت : ضربة انفرد بمرة واحدة.

ص: 330

باب دخول التاء على فعّل

فإذا أدخلت التاء على (فعّل) صار للمطاوعة نحو : كسّرته فتكسّر ، وأما تقيّس وتنزّر فكأنه جرى على (نزر فتنزّر وقيّس فتقيّس) مثل : كسّر فتكسّر ، وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمر حتى يضاف إليه يقول : تفعّل نحن : تشجّع وتمرّأ أي : صار ذا مروة وقد يجيء تقيّس وتنزّر مثله إذا أدخل نفسه في ذلك وقد يشارك (تفعّل) استفعل نحو : تعظّم واستعظم وتكبّر واستكبر وتجيء : تفعّلت بمعنى : الإستثبات ويشاركها استفعلت : نحو : تيقّنت واستيقنت وتبيّنت واستبينت وتثبّت واستثبت وقولهم : تقعّدته إنّما هو : ريّثته عن حاجته وعقته ومثله : تهيبني البلاد وأمّا : تنقّصته فكأنه الآخذ من الشيء الأوّل فالأوّل ومثله : يتجرّعه ويتحسّاه ، وأما (تعقّله) فنحو : تقعّده ؛ لأنه يريد : أن يختله عن أمر يعوقه عنه ويتملّقه نحو ذلك ؛ لأنه إنّما يريد أن يديره عن شيء وقالوا : تظلمني أي : ظلمني مالي كما قالوا : جزت وجاوزته ونهيته واستنهيته مثل : علوته واستعليته والمعنى واحد ، وأما تخوّفه فهو أن توقع أمرا يقع بك فلا تأمنه في حالك التي تكلمت فيها و (خافه) ليس كذلك ، وأما يتسمّع ويتبصّر ويتحفّظ ويتجرّع ويتدخّل ويتعمّق فجميعه عمل بعد عمل في مهلة وتنجّز حوائجه واستنجز في معنى واحد.

باب افتراق فعلت وافعلت

تقول : دخل وأدخله غيره وخاف وأخفته وجال وأجلته ومكث وأمكثته وفرح وأفرحته وفرّحته يشتركان.

ومن العرب من يقول : أملحته والكثير ملّحته وظرف وظرّفته ولا يستنكر (أفعلت) فيها فأمّا : طردته : فنحيته وأطردته : جعلته طريدا وطلعت : بدوت وأطلعت : هجمت وشرقت الشمس بدت وأشرقت : أضاءت : وأسرع : عجل كثقل كأنه غريزة كخفّف وقالوا : فتن الرجل وفتنته وحزن وحزنته لم يرد أن يقول : جعلته حزينا ولكن جعلت فيه حزنا مثل كحلته جعلت فيه كحلا ، وإذا أردت ذلك قلت : أحزنته : وأفتنته ومثله : شتر الرجل وشترت عينه

ص: 331

فإذا أردت تغير شتر الرجل قلت : أشترته وعورت عينه وعرتها وبعضهم يقول : سودت وسدتها من السواد وقد اختلفوا في هذا البيت لنصيب فقال بعضهم :

سودت فلم أملك سوادي وتحته

قميص من القوهيّ بيض بنائقه

وقال بعضهم : سدت : يريد فعلت وجملة هذا أنك إذا أردت تغيير (فعل) قلت : أفعل فقط وقالوا : عوّرت عينه مثلّ فرّحته وسوّدته ومثل : فتنته جبرت يده وجبرتها وركضت الدابة وركضتها ونزحت الرّكيّة ونزحتها وسارت الدابة وسرتها ورجس الرجل ورجسته ونقص الدرهم ونقصته وغاض الماء وغضته وقد جاء فعّلته إذا أردت أن تجعله (مفعلا) نحو : فطّرنه فأفطر وبشّرته فأبشر وهو قليل ، وأما خطّأته فإنّما أردت : سميته مخطئا مثل فسّقته وزنّيته وحيّيته وسقّيته قلت له : حياك الله وسقاك ويا فاسق ويا زاني وأفّغت به قلت له أفّ لك وقالوا : أسقيته في معنى سقّيته ودخل (أفعل) على (فعّل) كدخول فعّل عليه.

القسم الثاني : ما فيه زائد من بنات الثلاثة

اشارة

وليس على وزن ذوات الأربعة وهو ما أسكن أوله ودخل عليه ألف الوصل وهي تجيء على ثمانية أبنية : انفعل افتعل استفعل افعاللت افعللت افعوعل افعوّل افعنللت.

الأول : انفعل

هذا البناء يجيء للمطاوعة نحو : قطعته فانقطع وكسرته فانكسر وقالوا : طردته فذهب استغنى به عن انطرد وقد يجيء : افتعل (في معنى) (انفعل) نحو : غمته فاغتمّ يجوز فيه انفعل وافتعل.

الثاني : افتعل

حكم افتعل وبابه أن يكون متعديا وقد يجيء في معنى (انفعل) في المطاوعة فمتى جاء على معنى المطاوعة فهو غير متعد فإذا قلت : شويته فاشتوى فهو على معنى : انشوى ، وإذا قلت : اشتويت اللحم أي : اتخذت شواء وشويت مثل : أنضجت وكذلك اختبز وخبز واطّبخ وطبخ واذّبح وذبح فذبح بمنزلة قوله : قتله واذّبح بمنزلة قوله : اتخذ ذبيحة والأجود في

ص: 332

(افتعل) أن يقع متعديا على غير معنى الانفعال وحبسته بمنزلة : ضبطته واحتبسته اتخذته حبيسا واصطبّ الماء بمنزلة استقه تقول اتخذه لنفسك وكذلك : أكتل واتّزن وقد يجيء على وزنته وكلته فاكتال واتّزن وقد يجيء فيما لا يراد به شيء من هذا نحو : افتقر فأمّا كسب فإنه أصاب واكتسب : هو التصرف والطّلب والإجتهاد بمنزلة الاضطراب.

وقد جاء : افتعلت على (تفعّلت) قالوا : ادّخلوا واتّلجوا يريدون معنى : تدخلوا وتولجوا.

وقالوا : قرأت واقترأت وخطف واختطف بمعنى واحد ، وأما انتزع فهي خطفة كقولك استلب ، وأما (نزع) فإنه تحميلك إياه ، وإن كان على نحو الإستلاب وكذلك : قلع واقتلع وجذب واجتذب.

الثالث : استفعل

وهو طلب الفعل نحو : استنطقته فنطق لأنّ : استنطق مأخوذ من (نطق) واستكتمته فكتم واستخرجته فخرج واستعطيته طلبت العطيّة ومثله استعتبت واستفهمت وهو متعدّ وفعل المطاوع يجيء على (فعل) إن كان الماضي على (فعل) بلا زيادة ، وإن كان الماضي على (أفعل) كان فعل المطاوع على (أفعل) نحو : استنطقته فنطق ؛ لأنه استنطقته مأخوذ من (نطق) ، فإن قلت : استفتيته قلت : فأفتى ؛ لأن الماضي : أفتى ومنه أخذ استفتى وكذلك : استخبرته فأخبر لأنك تريد : سألته أن يخبر وكذلك : استعملته فأعلمني فعلى هذا يجري هذا فافهمه وقالوا : استحقّه طلب حقّه واستخفّه : طلب خفته واستعجل : مرّ طالبا ذاك من نفسه ويجيء :استفعلت أيضا على معنى : أصابه الفعل أي : أصبت كذا نحو : استجدته : أصبته جيدا واستكرمته أصبته كريما واستعظمته أصبته عظيما وقد جاء في التحول من حال إلى حال نحو :استنوق الجمل واستتيست الشاة.

وقد جاء : استفعل (في معنى) تفعّل قالوا : تعظّم واستعظم وتكبّر واستكبر وتيقّنت واستيقنت وتثبّتّ واستثبتّ وقد جاء على معنى : (أفعل وفعّل) ، وذلك نحو : استخلف لأهله كما تقول : أخلف لأهله واستعليته بمعنى علوته.

ص: 333

الرابع : افعاللت

يجيء هذا الضرب في الألوان نحو : احماررت احمرارا واشهابّ اشهيبابا وكذلك جميع هذا الضرب وقد مضى ذكره وتجيء. أشياء مستعملة بالزيادة فقط نحو : أقطارّ النبت وأقطر وارعويت واشمأززت.

قد ذكره سيبويه في الرباعي ، وإن كان مهموزا فليس هذا موضعه وهو ثلاثي.

الخامس : افعللت

وهو مقصور من افعاللت نحو : احمررت وما أشبهه ويجيء الشيء مستعملا بالزيادة فقط.

السادس : افعوعل

قال الخليل : كأنّهم يريدون به المبالغة والتوكيد وذلك : خشن واخشوشن واعشوشبت الأرض واحلولى وربّما بني عليه الفعل فلم يفارقه نحو : اعروريت الفلو إذا ركبته بغير سرج.

السابع : افعوّل

نحو : اجلوّذ واعلوّط كذا قال سيبويه : وقالوا : الاعلواط : ركوب العنق والتقحم على الشيء.

الثامن : افعنلل

نحو : اسحنكك ومعناه اسودّ فهو بمنزلة : اذلولى إذا أريد به الإلحاق باحرنجم واقعنسس مثله.

باب مصادر ما لحقته هذه الزوائد

أفعلت مصدره إفعال ألفه مقطوعة افتعلت : افتعال ألفه موصولة مثله في فعله انفعلت :انفعال نحو : انطلقت انطلاقا واحمررت : احمرارا واحماررت : احميرارا واشهاببت اشهيبابا واقعنسست اقعنساسا واجلوّذت اجلوّاذا استفعلت استفعالا وكذلك كلّ ما كان على وزنه

ص: 334

ومثاله يخرج على هذا الوزن وهذا المثال فعّلت : (تفعيل) التاء بدل من العين الزائدة في (فعّلت) والياء بمنزلة الألف في الأفعال.

وقال ناس : كلّمته كلّاما وحملّته حمّالا شبهوه بالإفعال في متحركاته وسواكنه.

تفعّلت (تفعّل) ضموا العين ؛ لأنه ليس في الكلام اسم على : (تفعّل) وفيه : تفعّل.

مثل التّنوط وهو طائر ومن قال : كذّابا.

قال : تحملت تحمّالا فاعلت : مفاعلة الميم عوض من الألف التي بعد الفاء والهاء عوض من الألف التي في المصدر قبل آخره.

ومن قال تحمّالا فهو يقول : قيتّالا وقالوا : ماريته مراء وقاتلته قتالا وجاء فعال على (فاعلت) كثيرا لأنّهم حذفوا الياء التي جاء بها أولئك في قتيال (ومفاعلة) لا تنكسر.

تفاعلت : (تفاعل) : ضموا العين ولم يكسروها لئلا يشبه الجمع ولم يفتحوا ؛ لأنه ليس في الكلام (تفاعل) في الأسماء ولو فتحوا لكان لفظ المصدر كلفظ الفعل.

باب ما لحقته الهاء عوضا

وذلك أقمت إقامة كان الأصل إقواما فحذفت الألف وكذلك : استعنته استعانة كان الأصل : استفعالا وأريته : إراءة ، وإن شئت لم تعوض قال تعالى : (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) [الأنبياء : 73] وقالوا : اخترت اختيارا فلم يلحقوا الهاء حين أتموا.

وقالوا : أريته : إراء مثل : إقاما وأمّا : عزّيت : تعزية فلا يجوز حذف الهاء منها ولا مما لامه ياء أو واو وكان أصل تعزية تعزّي فحذفت زايا من الزاي المشددة والمشددة حرفان وقد يجيء في الأول نحو الاحواذ والإستحواذ ونحوه على الأصل ولا يجوز الحذف فيما لامه همزة نحو :تجزئة وتهنئة لأنّهم ألحقوهما بأخيتهما الياء والواو.

قال أبو العباس : الإتمام أجود وأكثر عن أبي زيد وجميع النحويين فيقولون : هنّأته وخطّأته تخطئا وتهنئا وتخطئة وتهنئة.

ص: 335

باب ما جاء المصدر فيه من غير الفعل لأن المعنى واحد

وذلك : اجتوروا تجاورا وتجاوزوا اجتوارا ، وانكسر كسرا وكسر انكسارا ، (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : 17] كأنّه قال : فنبتم نباتا. (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : 8] كأنه قال : بتّل.

وفي قراءة ابن مسعود : (وأنزل الملائكة تنزيلا) [الفرقان : 25] ؛ لأن أنزل ونزّل واحد.

قال القطامي :

وليس بأن تتبّعه اتّباعا (1)

فجاء به على (اتبع) وقال رؤبة :

ص: 336


1- قصيدة للقطامي ، مدح بها زفر بن الحارث الكلابي. وكان بنو أسد أحاطوا به في نواحي الجزيرة وأسروه يوم الخابور وأرادوا قتله ، فحال زفر بينه وبينهم ، وحماه ومنعه ، وحمله وكساه ، وأعطاه مائة ناقة. فمدحه بهذه القصيدة وغيرها ، وحض قيسا وتغلب على السلم. وبعد هذا البيت : قفي فادي أسيرك ، إن قومي وقومك لا أرى لهم اجتماعا وكيف تجامع مع ما استحلا من الحرم الكبار وما أضاعا ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينت انقطاعا يطيعون الغواة ، وكان شرا لمؤتمر الغواية أن يطاعا ألم يجزنك أن ابني نزار أسالا من دمائهما التلاعا إلى أن قال : أمور لو تلافاها حليم إذا لنهى وهبب ما استطاعا ولكن الأديم إذا تفرى بلى وتعينا غلب الصناعا ومعصية الشفيق عليك مما يزيدك مرة منه استماعا وخير الأمر ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعا كذاك ، وما رأيت الناس إلا إلى ما ضر غاويهم سراعا تراهم يغمزون من استركوا ويجتنبون من صدق المصاعا انظر خزانة الأدب 1 / 280.

وقد تطوّيت انطواء الحضب

فجاء به على (انفعل) ومثل هذه الأشياء (تدعه تركا) ؛ لأن المعنى واحد.

هذا باب ما يكثر فيه المصدر من (فعلت)

وتلحق الزوائد وتبنيه بناء آخر على غير ما يجب للفعل تقول : في الهدر التّهدار وفي اللّعب التّلعاب والصّفق التصّفاق والتّرداد والتّجوال والتّقتال والتّسيار فأما : التّبيان فلم تزد التاء للتكثير ولو كانت لذلك لفتحت ولكنّها زيدت لغير علة وكذلك التّلقاء إنّما يريد : اللّقيان.

ص: 337

ذكر الفعل الرّباعي وهو القسم الثاني من أول قسمة

اشارة

الرباعي على ضربين : أحدهما : لا زيادة فيه ، والآخر ذو زيادة.

الأول : الذي لا زيادة فيه نحو : دحرجته : دحرجة وزلزلته : زلزلة به نحو : حوقلته : حوقلة وزحولته : زحولة مأخوذ من (الزّحلة) وإنّما ألحقوا الهاء عوضا من الألف التي تكون قبل آخر حرف ، وذلك ألف زلزال وقالوا : زلزال والكسر الأصل نحو : القلقال وسرهفته سرهافا كأنّهم أرادوا مثال الإعطاء ؛ لأن أعطى على وزن : دحرج وسرهف فإذا قلت : سرهافا فصار على وزن : إكرام في سواكنه ومتحركاته لا في زوائده. وزلزال على مثال : تفعيل.

الثاني من الرباعي : وهو ما لحقته الزيادة ففيه ما جاء بالزيادة على مثال : استفعلت (فمصدره يجيء على مثال مصدر استفعل) ، وذلك نحو احرنجمت احرنجاما واطمأننت واطمئنانا والطمأنينة والقشعريرة ليس واحد منهما بمصدر على (اطمأننت) واقشعررت كما أنّ النّبات ليس بمصدر على (أنبت) وتدخل التاء على ذوات الأربعة كما دخلت على ذوات الثلاثة نحو : تدحرج وتدحرجنا تدحرجا والكلام يقلّ في ذوات الأربعة.

باب ما لا يجوز أن تعديه من الثلاثي والرباعي

وذلك انفعلت نحو : انطلقت انطلاقا وانكمشت لا تقول فيه فعلته مثل : كسرته فانكسر لا يجوز : احرنجمته ؛ لأنه نظير انفعلت (في بنات الثلاثة زادوا فيه نونا وألف وصل وليس في الكلام) أفعنللته ولا (افعنليته ولا افعللته ولا افعاللته) وهو نحو : احمررت واشهاببت ونظير ذلك من بنات الأربعة اطمأننت واشمأززت ، وأما (افعوعل) فقد يتعدى.

قال حميد الهلالي :

فلمّا أتى عامان بعد انفصاله

عن الضرع واحلولى دماثا يرودها

وافعوّل أيضا يتعدى نحو (اعلوّطته) وكذلك (فعللته) صعررته ؛ لأنه على بناء دحرجته وهو ملحق به وكذلك فوعلته مفوعلة نحو : كوكبته مكوكبة وقالوا : اعروريت الفلو فعرّوه.

واعلم أنّ ما لا يتعدى في جميع الأفعال أقلّ مما يتعدى.

ص: 338

قال سيبويه : إنّما كثر المتعدي لأنّهم يدخلون المفعول في الفعل ويشغلونه به كما يفعلون ذلك بالفاعل.

هذا باب نظير (ضربته ضربة) من هذه الأبواب كلّ المصادر

المصادر تجيء على أفعالها على القياس لا تتغير نحو : استفعلت استفعالا وأعطيت إعطاءة وانطلقت : انطلاقة واستخرجت : استخراجة وتقول : قاتلته مقاتلة ولا تقول : قتالة ؛ لأن الأكثر في (فاعلت) مفاعلة ولو أردت الواحد من (اجتورت فقلت : تجاورة جاز ؛ لأن المعنى واحد ومثل ذلك تركه تركة واحدة.

واحرنجمت احرنجامة واحدة واقشعررت اقشعرارة ونظير ذلك من بنات الأربعة : دحرجته دحرجة واحدة وزلزلة واحدة.

ص: 339

ذكر المشتقّ من ذوات الثلاثة على مثال المضارع مما أوله ميم

اعلم أنهم يشتقون للمكان والمصدر والزمان من الثلاثي ولا يكاد يكون في الرباعي إلّا قليلا أو قياسا.

الأول : الثلاثي : يجيء على مثال الفعل المضارع على (يفعل) ويفعل فتقع الميم موقع حرف المضارعة للفصل بين الاسم والفعل.

الضرب الأول : وهو ما كان (على) فعل يفعل ، فإن موضع الفعل مفعل مثل يفعل :وذلك مجلس ومحبس والمصدر مفعل ، وذلك قولهم : إنّ في ألف درهم لمضربا أي : لمضربا وقال عزّ وجل : (أَيْنَ الْمَفَرُّ) والمكان (المفرّ) والمبيت : المكان والمعاش المصدر.

وقد جاء مفعل يراد به (الحين) جعلوا الزّمان كالمكان ، وذلك قولهم : أتت الناقة على مضربها وأتت على منتجها تريد الحين وربّما بنوا المصدر على المفعل قال جلّ وعزّ : (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) وقالوا : المحيض يريدون : الحيض.

والمعجز يريدون : العجز وقالوا : المعجز القياس وربّما ألحقوا هاء التأنيث فقالوا : المعجزة كما قالوا : المعيشة ويدخلون الهاء في الموضع أيضا : نحو المزلّة أي : موضع الزّلل وقالوا : المعذرة والمعتبة وقالوا : المعصية والمعرفة.

الضرب الثاني ما كان على (يفعل) مفتوحا اسم المكان على مثاله على القياس مفتوح كما أنّ (يفعل) كان فيه مكسورا ، وذلك قولك : شرب يشرب والمكان : مشرب ويلبس والمكان : ملبس والمصدر مفتوح أيضا ؛ لأنه كان يفتح مع المكسور فهو في المفتوح أجدر وقد جاء الكسر للفرق.

وقالوا : علاه المكبر وقالوا : محمدة فأنثوا وكسروا وحكم (يفعل) حكم (يفعل) وتنكبوا أن يقولوا : (مفعل) ؛ لأنه ليس في الكلام اسم مثل (مفعل) تقول في (يقتل) (ويقوم) : المقتل والمقام في المكان وقالوا : الملامة في المصدر وقالوا : المردّ والمكرّ يريدون : الكرور والرّدّ وقالوا :المدعاة والمأدبة يريدون : الدّعاء إلى الطعام وقالوا : مطلع يريدون الطّلوع كما قالوا : في باب

ص: 340

(يفعل) المرجع وباب : يفعل حقه أن يشترك فيه (يفعل) ويفعل بل كان (يفعل) أحقّ به ؛ لأن (يفعل) أخت (يفعل) ألا تراهما يجيئان في مضارع (فعل) ولكن جاء في الأكثر على (يفعل) لخفة الفتحة وأنه لمّا كان لا بدّ من تغيير يفعل غيروا إلى الأخفّ فإذا جاءك شيء على قياس (يفعل) فاعلم أنّ الخفة قصدوا.

وإن جاء على قياس (يفعل) فاعلم أنّه أحقّ به لأنّهما أختان أعني : يفعل ويفعل وقالوا :مطلع يريدون : الطلوع وهي لغة بني تميم.

وأهل الحجاز يفتحون وقد كسروا الأماكن أيضا في هذا.

وذلك المنبت والمطلع لمكان الطّلوع وقالوا : مسقط رأسي للموضع والسقوط المسقط.

قال أبو العباس : يختلف الناس في (المطلع) فبعض يزعم : أنّ المطلع : هو المكان الذي يطلع فيه ويجعل المصدر (المطلع) وبعضهم يقول كما قال سيبويه ، وأما المسجد فاسم البيت ولست تريد به موضع جبهتك ولو أردت ذلك لقلت : مسجد ونظير ذلك : المكحلة والمحلب والميسم اسم لوعاء الكحل وإنّما دخلت هذه الميم في (ميسم) ومحلب لمعنى الإرتفاق وكذلك :المدق صار اسما كالجلمود وكذلك المقبرة والمشرقة وموضع الفعل مقبر وكذلك المشرقة وهي الغرفة وكذلك : المدهن والمظلمة بهذه المنزلة إنّما هو اسم ما أخذ منك.

وقالوا : مضربة السيف جعلوه اسما للحديدة وبعضهم يقول : مضربة والمنخر بمنزلة المدهن والمسربة والمكرمة والمأثرة بمنزلة : المشرقة وقد قال قوم : معذرة كالمأدبة ومثله : (فنظرة إلى ميسرة).

ويجيء المفعل اسما ، وذلك (المطبخ) والمربد وكلّ هذه الأبنية تقع اسما للذي ذكرنا من هذه الفصول لا لمصدر ولا لموضع فعل.

باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي فيه لامات

اشارة

الموضع والمصدر فيه سواء يجيء على (مفعل) وكان الألف والفتح أخفّ عليهم من الياء والكسرة ، وذلك نحو : مغزى ومرمى وقد قالوا : معصية ومحمية ولم يجىء مكسورا بغير الهاء ،

ص: 341

وأما بنات الواو مثل : يغزو فيلزمها الفتح لأنّها (يفعل) ، وإن كان فيها ما في بنات الياء من العلّة.

باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو فيه فاء

المكان من ذوات الواو يبنى على (مفعل) ، وذلك قولك للمكان الموعد والموضع والمورد وفي المصدر الموجدة والموعدة وموحل لإنّ هذا الباب يفعل منه لا يصرف إلى يفعل.

وقال أكثر العرب في وحل ووجل موجل وموجل ؛ لأن هذه الواو قد تعلّ فشبهوه بواو وعد.

وقال سيبويه : حدثنا يونس وغيره : أنّ ناسا من العرب يقولون في (وجل) يوجل ونحوه : موجل قال : وكأنّهم الذين يقولون : يوجل (فلم يعلوا الواو) وقالوا : مودة ؛ لأن الواو تسلم في (يودّ) وليست مثل (واو يوجل) التي قد يعلّها بعضهم فتح وموحد فتح ؛ لأنه اسم معدول عن واحد فشبهوه بالأسماء نحو : موهب وموألة ، وأما بنات الياء فإنّها بمنزلة غير المعتلّ لأنّها تتمّ فلا تعلّ ألا تراهم قالوا : ميسرة وقال بعضهم : ميسرة.

باب ما يكون (مفعلة) بالفتح والهاء لازمة له

وذلك إذا أردت أن تكثر الشيء بالمكان نحو : مسبعة ومأسدة ومذأبة وليس في كلّ شيء قيل إلّا أن تقيس شيئا وتعلم أنّ العرب لم تتكلم به ولم يجيئوا بمثل لهذا في الرباعي ولو قلت من بنات الأربعة مثل قولك : مأسدة لقلت : مثعلبة ؛ لأن ما جاوز الثلاثة يكون نظير المفعل (منه بمنزلة المفعول) وقالوا : أرض مثعلبة ومعقربة ومن قال : ثعالة قال : مثعلة ومحيأة من الحيات ومفعاة فيها أفاع ومقثأة : فيها القثّاء.

باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة زيادة بزيادة أو غير

فالمكان والمصدر يبنى من جميع هذا بناء المفعول وكان بناء المفعول أولى به ؛ لأن المصدر مفعول والمكان مفعول فيه فيضمون أوّله كما يضمون المفعول كما أنّ أول بنات الثلاثة كأول المفعول منها في فتحه إلّا أنّه على غير بنائه وهو من الرباعي على بنائه يقولون للمكان : هذا

ص: 342

مخرجنا وممسانا وكذلك إذا أردت المصدر وتقول أيضا للمكان : هذا متحاملنا وتقول : ما فيه متحامل أي : تحامل ويقولون : مقاتلنا وكذلك تقول إذا أردت المقاتلة : أي : القتال.

ومذهب سيبويه : أنّ المصدر لا يأتي على وزن (مفعول) البتة ويتأول في قولهم : دعه إلى ميسورة وإلى معسورة أنّه إنّما جاء على الصفة كأنه قال : دعه إلى أمر يؤسر فيه وإلى أمر يعسر فيه.

وغيره يكون عنده على (مفعول) ويحتجّ بقولهم معقول يراد به العقل ولا أحسب الصحيح إلّا مذهب سيبويه.

وقد تأول سيبويه للمعقول فقال : كأنه عقل له شيء أي : حبس له لبّه وشدّد قال : ويستغنى بهذا عن (المفعل) الذي يكون مصدرا.

باب ما عالجت به

المقصّ الذي تقصّ به والمقصّ : المكان والمصدر وكلّ شيء يعالج به مكسور الأول كانت فيه هاء التأنيث أو لم تكن وذلك : مخلب ومنجل ومكسحة ومسلّة والمصفى والمخرز والمخيط ويجيء على مفعال نحو : مقراض ومفتاح ومصباح وقالوا : المفتح والمسرحة.

باب ما لا يجوز فيه (ما أفعله)

لا يقال : ما أحمره ولا ما أعرجه إنّما تقول : ما أشدّ حمرته وما أشدّ عرجه وكذا جميع الألوان والخلق وما لم يكن فيه (ما أفعله لم يكن فيه) أفعل به.

وكذلك : أفعل منه وكذلك أيضا فعول ومفعال نحو : رجل ضروب ورجل محسان ؛ لأن هذا في معنى : ما أحسنه لأنّك إنما تريد المبالغة ، وأما قولهم : ما أحمقه وأرعنه وأنوكه وفي الألدّ :ما ألدّه ، فإن هذا عندهم من قلة العلم ونقصان الفطنة وليس بلون ولا خلقة في جسد إنّما هو كقولك : ما أنظره تريد نظر التفكير وكذلك ما ألسنه تريد البيان والفصاحة.

ص: 343

باب ما يستغنى فيه عن ما أفعلة بما أفعل فعله

اشارة

وعن أفعل منه بقولهم (أفعل منه فعلا)

لا تقول في الجواب : ما أجوبه إنّما تقول : ما أجود جوابه ولا تقول : هذا أجوب من هذا ولكن أجود منه جوابا وكذلك : أجوب به إنّما تقول : أجود بجوابه ولا يقولون : في (قال يقيل من النّوم ما أقيله إنّما يقولون : ما أكثر قائلته وما أنومه في ساعة كذا وكذا كما قالوا تركت ولم يقولوا : ودعت هذا مذهب سيبويه.

وقال أبو العباس : الخلق على خلافه.

والقياس يوجب ما قال أبو العباس.

باب ما أفعله على معنيين أحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الصفة

تقول : ما أبغضني له وما أمقتني له وما أشهاني كذلك تريد : أنك ماقت وأنك مبغض وكذلك ما أمقته لي أي : هو ماقت لي فهي في المعنى (فاعل) ، وأما ما كان في المعنى (المفعول) فقولك : ما أمقته وما أبغضه إليّ إنّما تريد : أنه مبغض إليك وممقوت كما تقول : ما أقبحه إنما تريد أنه قبيح في عينك فكان هذا على (فعل) و (فعل) ، وإن لم يستعمل.

باب ما تقول العرب ما أفعله وليس فيه فعل وإنما يحفظ حفظا ولا يقاس عليه

قالوا : أحنك الشاتين يعني أقواهما وأحنك البعيرين على معنى : حنك وقالوا : آبل الناس كلّهم كأنّهم قالوا : أبل وقالوا : رجل آبل وقد قالوا : فلان آبل منه.

ص: 344

باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة

وذلك إذا كان الفعل الماضي على (فعل) من الصحيح والمعتلّ مما اعتلت عينه أو لامه.

قال سيبويه : وذلك في لغة العرب إلّا أهل الحجاز ، وذلك نحو : علم وأنا أعلم وأنت تعلم وشقيت تشقى وخلت تخال وعضّت تعضّ وأنت تعضين تكسر حرف المضارعة لكسر العين في (فعل) وجميع هذا إذا أدخلت فيه الياء فقلت : يفعل (فتحت كرهوا الكسرة في الياء وفتحوا تضرب) وما كان على وزنه لفتح العين في (ضرب) وقالوا : أبى فأنت تئبى كأنها من الحروف التي يستعمل (يفعل) منها مفتوحا فأشبه ما ماضيه (فعل) وقد قالوا : يئبى فكسروا الياء وخالفوا به بابه حين فتحوه شبهوه (بييجل).

وأما يسع ويطأ فإنّما فتحوا ؛ لأنه (فعل يفعل) ففتحوا للهمزة والعين كما قالوا : نفزع ويقرأ فلمّا جاءت على مثال ما (فعل) منه مفتوح لم يكسروا.

واعلم أنه لا يضمّ حرف المضارعة لضم عين (فعل) فأمّا وجل يوجل ونحوه فأهل الحجاز يقولون توجل وغيرهم تيجل وأنا إيجل ونيجل ، وإذا قلت (يفعل) فبعض العرب يقول : يبجل وبعض العرب : ياجل وبعض : ييجل وكلّ شيء كانت ألفه موصولة في الفعل الماضي فإنّك تكسر أوائل الأفعال المضارعة نحو : استعفر فأنت تستغفر واحرنجم فأنت تحرنجم واغدودن فأنت تغدودن واقعنسس فأنا اقعنسس وكذلك كلّ شيء من (تفعّلت) أو (تفاعلت) يجري هذا المجرى ؛ لأنه كان في الأصل عندهم مما ينبغي أن يكون أوله ألفا موصولة ؛ لأن معناه معنى (الانفعال) ومن ذلك قولهم : تقى الله رجل ثمّ قالوا : يتقي الله أجروه على الأصل ، وإن كانوا لم يستعملوا الألف فحذفوا الحرف الذي بعدها من (اتّقى).

ص: 345

باب ما يسكن استخفافا في الاسم والفعل

وذلك قولهم في فخذ : فخذ وفي كبد : كبد وعضد : عضد وكرم كرم وعلم علم إنّما يفعلون هذا بما كان مكسورا أو مضموما وهي لغة بكر بن وائل وأناس من تميم وقالوا : في مثل : لم يحرم من فصد له أي : فصد له بعير يعني : فصد البعير للضيف وقالوا في عصر عصر ، وإذا تتابعت الضمتان أيضا خففوا يقولون في الرّسل : رسل وعنق عنق وكذلك الكسرتان وقالوا في إبل : إبل ولا يسكنون ما توالت فيه الفتحتان نحو : جمل وما أشبه الأول وليس على ثلاثة أحرف قولهم : أراك منتفخا يريد : منتفخا وانطلق يا هذا بفتح القاف لئلا يلتقي ساكنان وأنشد :

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (1)

أراد لم يلده.

ص: 346


1- على أن سيبويه استشهد به في ترخيم أسحار في أنك تحركه بأقرب الحركات إليه ، وكذا تقول : انطلق إليه ، في الأمر : تسكن اللام فتبقى ساكنة والقاف ساكنة ، فتحرك القاف بأقرب الحركات إليها وهي حركة الطاء. قال أبو جعفر النحاس : " فإن قيل : فقد جئت بحركة موضع حركة ، فما الفائدة في ذلك؟ فالجواب : أن الحركة المحذوفة كسرة" انتهى. أي : فالفتحة أخف منها. فأصل" يلده بكسر اللام وسكون الدال للجزم ، فسكن المكسور تخفيفا ، فحركت الدال دفعا لالتقاء الساكنين بحركة ، وهي أقرب الحركات إليها ، وهي الفتحة ؛ لأن الساكن غير حاجز حصين. قال المبرد في" الكامل" : كل مكسور أو مضموم ، إذا لم يكن من حركات الإعراب ، يجوز فيه التسكين. وأنشد هذا البيت وقال : لا يجوز ذلك في المفتوح لخفة الفتحة. انتهى. ووقع هذا البيت في رواية سيبويه : ألا رب مولود وليس له أب وكذا أورده ابن هشام في مغني اللبيب شاهدا على أن رب تأتي بقلة لإنشاء التقليل ، كهذا البيت ، وفي الأكثر أنها لإنشاء التكثير. وكذا أورده غيره. ولا تلتفت إلى قول ابن هشام اللخمي مع رواية سيبويه : " الصواب عجبت لمولود". لأن الروايتان صحيحتان ثابتتان. ونسبه شراح أبيات سيبويه لرجل من أزد السراة. انظر خزانة الأدب 1 / 284.

فأسكن اللام فلمّا أسكنها التقى الساكنان ففتح الدال لالتقاء الساكنين وزعموا أنّهم يقولون : ورد وورد وكتف وكتف وهذه لغة ومما أسكن من هذا الباب قولهم : شهد ولعب في :شهد : ولعب ومثل ذلك : نعم وبئس إنّما هما (فعل) ومثل ذلك فيها ونعمت وبعض العرب يقول : نعم الرجل ومثل ذلك : غزي الرجل لا يحوّل الياء واوا لأنّها إنّما خففت والأصل عندهم التحريك.

ص: 347

هذا باب الإمالة

اشارة

معنى الإمالة (1) : أن تميل الألف نحو الياء والفتحة نحو الكسرة والأسباب التي يمال لها ستة : أن يكون قبل الحرف أو بعده ياء أو كسرة أو يكون منقلبا أو مشبها للمنقلب أو يكون الحرف الذي قبل الألف قد يكسر في حال أو إمالة لإمالة وهذه الإمالة تجوز ما لم يمنع من ذلك الحروف المستعلية أو الراء إذا لم تكن مكسورة.

الأول : ما أميل من أجل الياء ، وذلك شيبان وقيس عيلان وغيلان وكيّال وبيّاع وأهل الحجاز لا يميلون هذا ويقولون : شوك السّيال والضّياح أميل حرف متحرك متحرك قزحا قزحا وعذافر تنوين.

الثاني : ما أميل من أجل كسرة قبله أو بعده فأما ما أميل للكسرة قبل ، فإذا كان بين أول الحرف من الكلمة وبين الألف حرف متحرك والأول مكسور أملت الألف وكذلك إن كان بينه وبين الألف حرفان الأول ساكن وذلك : سربال وشملال ودرهمان ورأيت قزحا وعمادا وكلابا وجميع هذا لا يميله أهل الحجاز ويقولون : لزيد مال يشبهون المنفصل بالمتصل فأمّا ما أميل للكسرة بعد فنحو : عابد وعالم ومساجد ومفاتيح وعذافر فإذا كان ما بعد الألف مضموما أو مفتوحا لم تكن إمالة نحو : آجر وتابل وكذلك إذا كان الحرف الذي قبل الألف مفتوحا أو مضموما نحو : رباب وجماد والبلبال والخطّاف.

الثالث : ما انقلب من ياء يمال ؛ لأنه من ياء نحو : ناب ورجل مال وباع ، وإذا جاوزت الأسماء أربعة أحرف أو جاوزت من بنات الواو فالإمالة مستتبة لأنّها مواضع تصير فيه ياءات وجميع هذا لا يميله ناس كثير من بني تميم وكلّ ألف زائدة للتأنيث أو لغيره فحكمها حكم الألف إذا كانت رابعة فصاعدا لأنّها تقلب ياء في التثنية ، وذلك نحو : حبلى ومعزى وناس كثيرون لا يميلون.

ص: 348


1- قال الجرجاني : الإمالة : أن تنحي بالفتحة نحو الكسرة.

الرابع : ما شبه بالمنقلب من الياء كلّ شيء من بنات الواو والياء كانت عينه مفتوحة تمال ألفه أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه لأنّها في موضع (ياء) وبدل منها ، وأما بنات الواو فشبهوها بالياء لغلبة الياء على هذه اللام إذا جاوزت ثلاثة أحرف.

وقد يتركون الإمالة فيما كان على ثلاثة أحرف من بنات الواو نحو : قفا وعصا والقنا والقطا والإمالة في الفعل لا تنكسر نحو : غزا.

الخامس : ما يمال ؛ لأن الحرف الذي قبل الألف تكسر في حال أعني في (فعلت) ، وذلك نحو : خاف وطاب وهاب وهي لغة لبعض أهل الحجاز فأمالوا : لأنّهم يقولون : خفت وطبت وهبت ، وأما العامة فلا يميلون.

قال سيبويه : وبلغنا عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثّير عزة يقول : صار بمكان كذا وكذا وقرأ بعضهم خاف ولا يميلون غير فعل نحو : باب ودار لا يمالان وقد قالوا : مات وهم الذين يقولون : متّ ومنهم من يقول : هذا ماش في الوقف فيميل ومنهم من ينصب في الوقف.

السادس : الإمالة لإمالة : يقولون : رأيت عمادا فيملون الألف في النصب لإمالة الألف الأولى وقالوا في مهاري تميل الألف وما قبلها.

واعلم أنّ ناسا من العرب يلغون الهاء إذا اعترضت بين الذي يميل الألف وبين الألف لخفائها ولا يعتدون بها ، وذلك قولهم : يريد أن يضربها وينزعها كأنه قال : أريد أن يضربا وينزعا : بيني وبينها وليس شيء من ذا تمال ألفه في الرفع إذا قال : هو يكيلها ، وذلك أنه وقع بين الألف وبين الكسرة الضّمة فصارت حاجزا وقالوا : فينا وعلينا ورأيت يدها والذين يقولون : رأيت عدّا الألف ألف نصب ويريد أن يضربها يقولون : هو منّا وإنا إلى الله راجعون وهم بنو تميم ويقوله أيضا قوم من قيس وأسد قال هؤلاء : رأيت عنبا فلم يميلوا ؛ لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان.

ص: 349

ذكر ما يمنع الألف من الإمالة

الحروف المستعلية التي تمنع الإمالة سبعة أحرف : الصاد والضاد والظاء والظاء والغين والقاف والخاء ، إذا كان حرف منها قبل الألف والألف تليه ، وذلك قولك : قاعد وغائب وخامد وصاعد وطائف وضامن وظالم.

قال سيبويه : ولا نعلم أحدا يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بلغته وكذلك إذا كان الحرف من هذه الحروف بعد ألف تليها ، وذلك قولك : ناقد وعاطش وعاصم وعاضد وعاظل باخل وواقد وكذلك إن كانت بعد الألف بحرف ، وذلك قولك : نافخ ونابغ ونافق وشاحط وعالط وناهض وناشط وكذلك إن كان شيء منها بعد الألف بحرفين ، وذلك قولك : مناشيط ومعاليق ومنافيخ ومقاريض ومواعيظ ومباليغ.

وقال قوم : المناشيط فأمالوا حين تراخت وهي قليلة فإذا كان حرف من هذه الحروف قبل الألف بحرف وكان مكسورا فإنّه لا يمنع الإمالة ؛ لأن الإنحدار أخفّ عليهم ، وذلك قولك : الضّعاف والصّعاب والطّناب والقباب والعقاف والخباث والغلاب وكذلك (الظّاء) كالظّراب ، وإذا كان الحرف المستعلى مفتوحا لم يجز الإمالة ، وإذا كان أول الحرف مكسورا وبين الكسرة والألف حرفان أحدهما ساكن.

والساكن أحد هذه الحروف ، فإن الإمالة تدخل الألف ، وذلك قولك : ناقة مقلات والمصباح والمطعان وكذلك سائر هذه الحروف وبعض من يقول : قفاف ويميل ينصب الألف في (مصباح) ونحوه ؛ لأن المستعلى جاء ساكنا غير مكسور وبعده الفتح فجعله بمنزلته متحركا مفتوحا وتقول : رأيت قزحا وأتيت ضمنا فتميل وهما بمنزلتهما في (صفاف) وقفاف وتقول :رأين عرقا ورأيت ملغا فلا تميل لأنهما بمنزلتهما في (غانم) والقاف بمنزلتها في (قائم) وقالوا في المنفصل كما قالوا في المتصل أراد : أن يضربها قبل فلم يمل وكذلك أخواتها وقوم يفرقون بين المتصل والمنفصل فأمّا ما كان من الألف منقلبا من ياء ، فإن من يميل يميل على كلّ حال ، وإن وليها المستعلي نحو : سقاء ومعطاء وكذلك (خاف) ؛ لأنه يروم الكسرة التي في (خفت)

ص: 350

وكذلك ألف (حبلى) لأنّها حكمها حكم بنات الياء وكذلك باب غزا ؛ لأن الألف هنا كأنّها مبدلة من (ياء) يقولون : ضغا وصغا ومما لا تمال ألفه (فاعل) من المضاعف ومفاعل وأشبهاههما ؛ لأن الحرف قبل الألف مفتوح والحرف الذي بعد الألف ساكن لا كسرة فيه وذلك : جادّ ومادّ وجوادّ لا يميل ؛ لأنه فرّ مما يحقق فيه الكسرة وقد أمال قوم في الجرّ وأمال قوم آخرون على كلّ حال وقالوا : لم يضربهما الذي تعلم فلم يميلوا ؛ لأن الألف قد ذهبت وقالوا : رأيت علما كثيرا فلم يميلوا لأنّها نون.

واعلم أنّ بعض العرب من يقول : عابد فيميل يقول : مررت بمالك فينصب ؛ لأن الكسرة غير لازمة ومما لا يمال ألفه الحروف التي جاءت لمعنى (حتّى ، وأما وإلّا) فرّقوا بينها وبين الأسماء وأمالوا : أنّى لأنّها مثل (أين) وهي اسم وقالوا : (ألا) فلم يميلوا فرقوا بينها وبين (ذا) ولم يميلو (ما) لإنّها لم تمكن تمكّن (ذا) ولا تتمّ اسما إلا بصلة فأشبهت الحروف وقالوا : يا وتا في حروف المعجم لأنّها أسماء ما يلفظ به.

وقالوا : يا زيد (فأمالوا لمكان الياء) ومن قال : هذا مال ورأيت بابا فلا يقول على حال :ساق ولا قار ولا غاب وغاب الأجمة ؛ لأن المعتلّ وسطا أقوى فلم يبلغ من أمرها هاهنا أن تمال مع مستعل كما أنّهم لم يقولوا : بال من (بلت) حيث لم تكن الإمالة قوية في المال ولا مستحسنة عند العامة.

ص: 351

باب الراء

الراء فيها تكرير في مخرجها ، فإذا قلت : راشد وفراش لم تمل لأنّهم كأنهم تكلموا براءين مفتوحتين فصارت بمنزلة القاف وتقول : هذا حمار ورأيت حمارا فلا تميل ولو كان غير الراء لأملت ، وأما في الجرّ فتميل الألف كان أول الحرف مكسورا أو مفتوحا أو مضموما لأنّها كأنّها حرفان مكسوران فإنّما تشبه القاف مفتوحة ، وذلك قولك : من حمارك ومن عوارك ومن المعار ومن الدّوار وجميع المستعلية إذا كانت الراء مكسورة بعد الألف غلبت الراء ، وذلك قولك :قارب وغارم وهذا طارد قويت على هذه الألف إذ كنت إنّما تضع لسانك في موضع استعلاء ثمّ تنحدر ، فإن كان المستعلي بعد الراء لم تمل تقول هذه ناقة فارق وأينق مفاريق فتنصب كما فعلت ذلك حين قلت : ناعق ومنافق ومناشيط وقالوا : من قرارك فغلبت الراء المكسورة الراء المفتوحة كما غلبت الحرف المستعلي وقوم من العرب يقولون : الكافرون والكافر والمنابر لبعد الراء ولم تقو قوة المستعلية لأنّها من موضع اللام وهي قريبة من الياء ألا ترى أنّ الألثغ يجعلها ياء وقوم آخرون نصبوا الألف في النّصب والرفع وأمالوا في الجرّ ومن قال : مررت بالحمار فلم يمل قال : مررت بالكافر فنصب الألف قال : وقد قال قوم ترضى عربيتهم : مررت بقادر قبل سمعنا من نثق به من العرب يقول وهو هدبة ابن خشرم :

عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرّباب سكوب (1)

والأجود ترك الإمالة ومن يقول : مررت بكافر أكثر ممن يقول : بقادر ومن العرب من يقول : مررت بحمار قاسم فينصبون للقاف.

ومن قال : بالحمار قبل قال : مررت بفارّ قبل وقال : (كانَتْ قَوارِيرَا 15 قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان].

ص: 352


1- شاهد على حذف أن من خبر عسى ، وهو قليل ، والتقدير : أن يكون وراءه .... إلخ. وكذا قال ابن هشام في المغني ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، قال سيبويه : واعلم أن من العرب من يقول : عسى يفعل يشبهها بكاد يفعل ، فيفعل حينئذ في موضع الاسم المنصوب في قوله عسى الغوير أبؤسا. فهذا مثل من أمثال العرب ، أجروا فيه عسى مجرى كان. انظر خزانة الأدب 3 / 372.

ومن قال : جادّ لم يقل : هذا فارّ لقوة الراء هنا وتقول : هذه دنانير كما قلت كافر ودنانير أجدر ؛ لأن الراء أبعد والذين يقولون : هذا داع في الوقف فلا يميلون لأنّهم لم يلفظوا بالكسرة يقولون مررت بحمار ؛ لأن الراء كأنها عندهم مضعفة راء مكسورة قبل راء ومن قال : أراد أن يضربها قاسم قال : أراد أن يضربها راشد والراء أضعف ورأيت عفرا مثل علقا وعيرا مثل :ضيقا وهذا عمران مثل حمقان وقوم يقولون : رأيت عفرا يشبهونها بألف (حبلى) وقالوا :رأيت : عيرا وقالوا : النغران وعمران ولم يقولوا : برقان وقالوا : هذا جراب وذا فراش لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة شبهت بنغران.

واعلم أنّهم يشبهون الهاء بالألف فيميلون يقولون : ضربت ضربه وأخذت إخذه.

ص: 353

ذكر الفتحة الممالة نحو الكسرة

يقولون من الضّرر ومن البعر ومن الكبر ومن الصغر قياس هذا الباب أن تجعل مما يلي الفتحة بمنزلة ما يلي الألف وتقول : من عمرو فتميل فتحة العين ؛ لأن الميم ساكنة وتقول : من المحاذر فتميل فتحة الذال وتقول : رأيت خبط الريف كما قالوا : من المطر ورأيت خبط فرند وحكي الإشمام في الضمة هذا خبط رياح ومن المنقر وقال : مررت بعير فلم يشمّ لأنّها تخفى مع الياء ومررت ببعير ؛ لأن العين مكسورة ويقولون : هذا ابن ثور ومن لم يمل بمال قاسم لم يمل : خبط رياح.

ومن قال : من عمرو والنّغر فأمال لم يمل من الشّرق ؛ لأن بعد الراء حرفا مستعليا ويحسب لا يكون فيه إلّا الفتح في الياء والنون والهمزة.

واعلم أنّهم ربّما أمالوا على غير قياس وإنّما هو شاذّ وذلك : الحجّاج إذا كان اسما وأكثر العرب ينصبه والناس تميله من لا يقول : هذا مال وهم أكثر العرب ، وإن جميع ما يمال ترك إمالته جائز وليس كلّ من أمال شيئا وافق الآخر فيه من العرب فإذا رأيت عربيّا قد أمال شيئا وامتنع منه آخر فلا ترينّ أنه غلط.

ذكر عدة ما يكون عليه الكلم

اشارة

ما جاء على حرف قبل الشيء الذي جاء به الواو للعطف وليس فيه دليل أنّ أحدهما قبل الآخر والفاء كالواو غير أنها تجعل ذلك بعضه في أثر بعض وكاف الجرّ للتشبيه ولام الإضافة ومعناه الملك واستحقاق الشيء باء الجر للإلزاق والاختلاط وواو القسم كالباء والتاء في القسم بمنزلتها والسين في (سيفعل).

قال الخليل : إنّها جواب (لن) والألف للإستفهام ولام اليمين في (لأفعلنّ) واللام في الأمر : ليقم زيد ما جاء بعد علامة للإضمار وهي الكاف والتاء والهاء وقد تكون الكاف غير اسم للمخاطبة فقط نحو : ذاك والتاء تكون بمنزلتها للخطاب فقط وهي التي في (أنت).

ص: 354

ما جاء على حرفين

من الأسماء : يد ودم ودد وسه ومن الأفعال : خذ وكل ومر وبعضهم يقول : أوكل كما أنّ بعضهم يقول في (غد) : غدو وما لحقته الهاء من الأسماء نحو : ثبة ولثة وشية ورئة وعدة.

ولا يكون شيء على حرفين صفة من حيث قل في الاسم.

ومن الحروف : أم وأو وهل للإستفهام ولم نفي فعل ولن : نفي سيفعل ، وإن للجزاء وتكون لغوا في (ما إن تفعل) وتكون كافة (لما) في لغة أهل الحجاز كما تكف (إنّ) الثقيلة وتجعلها من حروف الابتداء وما : نفي هو يفعل إذا كان في الحال وتكون (كليس) وتوكيدا لغوا وقد يغير الحرف عن عمله نحو : إنّما وكأنّما ولعلّما جعلتهنّ بمنزلة حروف الابتداء ومن ذلك حيثما صارت بمجيئها بمنزلة (إن) فهي مغيرة في الموضعين إلّا أنّها تكفّ العامل عن عمله ويعمل ما كان لا يعمل قبل مجيئها وتكون (إن) كما في معنى ليس (ولا) تكون كما في التوكيد واللغو (لئلّا يعلم أهل الكتاب) أي : لأن يعلم ونفي لقوله : يفعل ولم يقع الفعل.

وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعل (ما) ، وذلك قولك : (لو لا) صارت لو في معنى آخر وهلّا صيّرتها في معنى آخر وتكون ضدّا لنعم وبلى و (أن) تكون بمنزلة لام القسم في قولك :

والله أن لو فعلت وتوكيدا في (لمّا) أن فعل وقد تلغى (إن) مع (ما) إذا كانت اسما وكانت حينا قال الشاعر :

ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

عن السّن خيرا لا يزال يزيد (1)

(كي) جواب لقوله : لمه (بل) لترك شيء من الكلام وأخذ في غيره.

(قد) جواب لقوله : لمّا يفعل.

ص: 355


1- زاد إن بعد ما المصدرية ، وليست بنافية ، تشبيها لها بما النافية. ألا ترى أن المعنى : ورج الفتى للخير مدة رؤيتك إياه ، لا يزال يزيد خيرا على السن. لكن لما كان لفظها كلفظ ما النافية زادها بعدها ، كما تزاد بعد ما النافية ، في نحو قولك : ما إن قام زيد. انظر خزانة الأدب 3 / 240.

وزعم الخليل : أنّ هذا لقوم ينتظرون الخبر ، وما في (لمّا) مغيرة عن حال (لم) كما غيرت لو إذا قلت (لو ما) ألا ترى أنّك تقول : (لمّا) ولا تتبعها شيئا ولا تقول ذلك في (لم) وتكون (قد) بمنزلة (ربما) (لو) لما كان سيقع لوقوع غيره ياء تنبيه.

(من) : لابتداء الغاية في الأماكن وكتبت من فلان إلى فلان فهذا في الأسماء أيضا غير الأماكن ويكون في التبعيض وتدخل للتوكيد بمنزلة (ما) إلّا أنها تجرّ ، وذلك ما أتاني من رجل وكذلك : ويحه من رجل (أكدتهما) بمن ؛ لأنه موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس.

وأراد في (ويحه) التعجب من بعض الرجال. هذا لفظ سيبويه.

قال : وكذلك : لي ملؤه من عسل.

وهو أفضل من زيد وإنّما أراد أن يفضله على بعض وجعل (زيدا) الموضع الذي ارتفع منه أو سفل وكذلك : أخزى الله الكاذب مني ومنك إلّا أنّ هذا وأفضل منك لا يستغني عن (من) فيهما لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها وقد تكون باء الإضافة بمنزلتها في التوكيد وذلك : ما زيد بمنطلق وكذلك : كفى بالشيب واعظا ورأيته من ذلك الموضع جعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء والمنتهى وأل : تعرف الاسم : مذ : ابتداء غاية الأيام والأحيان ولا تدخل (مذ) على ما تدخل عليه من وكذلك من في مذ. في : للوعاء عن لما عدا الشيء.

ما جاء على حرفين من الأسماء غير المتمكنة

وهي تجيء أكثر من المتمكنة ذا وذه معناهما أنك بحضرتهما أنا علامة المضمر وهو وهي :كم : وهي للمسألة عن العدد : من : للمسألة عن الأناسي ويكون بها الجزاء للأناسي.

ويكون بمنزلة (الذي) للأناسي : ما مثل (من) إلّا أنّ (ما) مبهمة تقع على كلّ شيء وأن بمنزلة (الذي) مع صلتها فتصير : تريد أن تفعل بمنزلة الفعل قط : معناها : الإكتفاء مع :للصحبة مذ فيمن رفع بها بمنزلة إذا وحيث (عن) : اسم إذا قلت : من عن يمينك على :معناها : الإتيان من فوق إذ : لما مضى من الدهر وهي ظرف بمنزلة (مع) ، وأما ما هو في موضع الفعل فقولهم : مه صه حل للناقة سأ للحمار.

ص: 356

باب ما جاء على ثلاثة أحرف

(على) : الاستعلاء للشيء ويكون أن يطوى مستعليا كقولك : أمررت يدي عليه ومررت على فلان كالمثل علينا أمير وعليه دين ؛ لأنه شيء اعتلاه ويكون مررت عليه مررت على مكانه ويجيء كالمثل وهو اسم ولا يكون إلّا ظرفا ويدلّ على أنّه اسم قول بعضهم :

غدت من عليه ...

هذا قول سيبويه.

وقد ذكرت ما قال أبو العباس فيما مضى من الكتاب.

وأما (إلى) فمنتهى لابتداء الغاية وكذلك (حتّى) وقد بين أمرهما في بابهما ولها في الفعل نحو ليس (لإلى) ويقول الرجل للرجل : إنّما أنا إليك أي : أنت غايتي ولا تكون (حتّى) هاهنا وهي أعمّ في الكلام من (حتّى) تقول : قمت إليه (فجعلته منتهاك من مكانك) ولا تقول :حتاه. حسب : معناه معنى قط.

فأمّا : غير وسوى : فبدل وكلّ عمّ وبعض اختصاص.

ومثل : تسوية وبله زيد دع زيدا وبله هنا بمنزلة المصدر كما تقول : ضرب زيد. وعند :لحضور الشيء ودنوه منه وقبل : لما ولي الشيء وذهبت قبل السوق أي : نحو السوق ولي قبلك مال أي : فيما يليك ولكنه اتسع حتى أجري مجرى (على) إذا قلت : لي عليك نول : (ينبغي لك فعل كذا وكذا) وأصله : من التناول كأنه يقول : تناولك كذا وكذا ، وإذا قال : لا نولك فكأنه قال : أقصر ولكنّه صار فيه معنى ينبغي لك.

(إذا) : لما يستقبل من الدهر وفيها مجازاة وهي ظرف وتكون للشيء توافقه في حال أنت فيها ، وذلك قولك : مررت فإذا زيد قائم : وتكون (إذ) مثلها ولا يليها إلّا الفعل الواجب ، وذلك قولك : بينما أنا كذاك إذ جاء زيد وقصدت قصده إذ انتفخ عليّ فلان فهذا لما توافقه وتهجم عليه مع حال أنت فيها : لكن : خفيفة وثقيلة : توجب بها بعد نفي سوف : تنفيس فيما لم يكن بعد ألا تراه يقول : سوّفته.

ص: 357

(قبل) : للأول. (بعد) : للآخر وهما اسمان يكونان ظرفين.

(كيف) : على أي حال.

(أين) : أيّ مكان.

(متى) : أيّ حين.

(حيث) : مكان بمنزلة قولك : هو في المكان الذي فيه زيد.

(خلف) : مؤخر الشيء.

(أمام) : مقدمه.

(قدّام) : أمام.

(فوق) : أعلى الشيء.

(ليس) : نفي ، أي : مسألة ليبين لك بعض وهي تجري مجرى (ما) في كلّ شيء : من : مثل أي إلّا أنه للنّاس.

(إنّ) : توكيد لقوله : (زيد منطلق) ، وإذا خففت فهي كذلك غير أنّ لام التوكيد تلزمها لما ذهب منها.

(ليت) : تمنّ.

(لعلّ وعسى) : طمع وإشفاق.

(لدن) : الموضع الذي هو أول الغاية وهو اسم يكون ظرفا وقد يحذف بعض العرب النّون.

(ولدى) : بمنزلة عند.

(ودون) : تقصير عن الغاية ويكون ظرفا.

(قبالة) : مواجهة وهو اسم يكون ظرفا.

(بلى) : توجب ما يقول وهو ترك للنفي.

ص: 358

(نعم) : عدة وتصديق وليس (بلى ونعم) اسمين ، وإذا استفهمت أجبت (بنعم) فإذا قلت : ألست تفعل قال : بلى. يجريان مجراهما قبل أن يجيء الألف.

(بجل) : بمنزلة (حسب).

(إذن) : جواب وجزاء.

(لمّا) : هي للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره ، وإنّما تجيء بمنزلة (لو) ويكون ظرفا يعني إذا قلت : (لمّا جئت) جئت جعلت لمّا ظرفا.

(وأمّا) : فيها معنى الجزاء كأنه يقول : عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلق ألا ترى أنّ الفاء لازمة له أبدا.

(ألا) : تنبيه ، تقول : ألا إنه ذاهب ألا : بلى.

(كلّا) : ردع وزجر.

(أنّى) : كيف.

(وأين أيان) : متى.

ص: 359

الأبينة بأقسامها

الأسماء في أبنيتها تنقسم قسمين : اسم لا زيادة فيه ، واسم فيه زيادة ، والأسماء التي لا زيادة فيها تنقسم ثلاثة أقسام : ثلاثي ورباعي وخماسي.

فالثلاثي : ينقسم على عشرة أبنية وقد ذكرناهما في الجمع.

والرباعي : على خمسة أبنية.

والخماسي : أيضا خمسة أبنية.

القسم الثاني :

وهي الأسماء ذوات الزيادة وهي على ضربين :

أحدهما : الزيادة فيه تكرير حرف من الأصل وهو الأقلّ فتؤخره.

والآخر : زيادته ليست منه وهي من الحروف الزوائد وهو الكثير فنقدمه.

والحروف الزوائد التي يبنى عليها الاسم سبعة أحرف : الهمزة والألف والياء والنون والتاء والميم والواو.

فالأسماء الثلاثية ذوات الزوائد تنقسم بعدد هذه الحروف سبعة أقسام :

الأول : ما زيدت فيه الهمزة.

الثاني : ما زيدت فيه الألف.

الثالث : ما زيدت فيه الياء.

والرابع : ما زيدت فيه النون.

الخامس : ما زيدت فيه التاء.

والسّادس : ما زيدت فيه الميم.

والسابع : ما زيدت فيه الواو.

ص: 360

أبنية الثلاثي

اعلم أنّ أقلّ ما تكون عليه الأصول من الأسماء والأفعال ثلاثة أحرف تقدر بفاء وعين ولام فالفاء لا بدّ من أن تكون متحركة ؛ لأنه لا يبتدأ بساكن واللام : حرف إعراب والعين لا بدّ من أن تكون : إمّا ساكنة وإمّا متحركة فإذا سكنت كان الثلاثي على ثلاثة أبنية بعدد الحركات : فعل وفعل فعل ؛ لأن الحركات ثلاث فكلّ واحد من هذه الأبنية الثلاثة تجيء منها ثلاثة أبنية والعين متحركة.

فعل فعل فعل فتح وكسر وضمّ وكذلك يكون من فعل (فعل فعل) إلا أنّ فعل مطّرح.

لثقل الضمة بعد الكسرة وكذلك (فعل يكون منه) فعل فعل وفعل ولا يكون (فعل) إلّا في الأفعال دون الأسماء لثقل الكسرة بعد الضمة فعدد أبنية السواكن الوسط ثلاثة وأبنية المتحرك العين تسعة فذلك اثنا عشر يسقط.

منها (فعل) في الأسماء والأفعال ويسقط (فعل) في الأسماء دون الأفعال فتكون جميع أبنية الأسماء الثلاثية عشرة أبنية : فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل فعل.

واعلم أنّ من الأبنية في الثلاثية وغيرها منها ما يكون في الأسماء والصفات ومنها ما يكون في الأسماء دون الصفات ومنها ما يكون في الصفات دون الأسماء ففعل : صقر والصفة :صعب فعل : جذع والصفة نقض فعل : برد والصفة : حلو فعل : جمل والصفة حدث فعل :كتف والصفة : حذر فعل : رجل.

والصفة حدث فعل : صرد والصفة حطم فعل : طنب والصفة جنب فعل : ضلع وجاء في المعتلّ : عدّى نعت.

فعل : إبل وهو قليل وقالوا في الصفة : امرأة بلز وهي العظيمة.

ص: 361

أبنية الأسماء الرباعية

اشارة

خمسة أبنية : فعلل فعلل فعلل فعلل فعلّ.

الأول : فعلل

جعفر والصفة : سلهب وألحق بها : حوقل وزينب وجدول ومهدد وعلقى ورعشن وسنبتة وعنسل.

الثاني : فعلل

البنية اسما : زبرج والصفة : عنفص القليلة اللحم ويقال أيضا : هي الداعرة. قال الأعشي :

ليست بسوداء ولا عنفص

تسارق الطرف إلى داعر

وحرمل وهي الحمقاء.

الثالث : فعلل

درهم والصفة : هجرع طويل عن الأصمعي وقال غيره : الجبان وألحق به : عثير وهو الغبار.

الرابع : فعلل

ترتم بقية الثريد والصفة : جرشع وألحق به : دخلل : خاصة الرجل الذين يداخلونه.

الخامس : فعلّ

فطحل والصفة هزبر قال الجرمي : سألت أبا عبيدة عن : الفطحل فقال : الأعراب يقولون : زمن كانت الحجارة رطبة وألحق به خدبّ.

وأمّا علبط فمحذوف من : علابط وعرتن حذفوا منه نون : عرنتن وجندل حذفوا ألف :جنادل وليس في أصول كلامهم جمع بين أربع متحركات في كلمة وربّما حملهم استثقال ذلك على (أن) لا يجمعوا بين أربع متحركات من كلمتين وقالوا : عرقصان فحذفوا الساكن من (عرنقصان) وحكي : أنها تقال بالياء والنون وهي : دابة.

ص: 362

أبنية الأسماء الخماسية

اشارة

أربعة ، التي ذكر سيبويه وهي خمسة مع بناء لم يذكره سيبويه : فعلّل فعللل فعللل فعللّ فعللل.

الأول : فعلّل

فرزدق اسم شمردل صفة وما لحق هذا لم يذكره سيبويه.

من بنات الثلاثة : عثوثل وجبربر وعقنقل وألندد ومن بنات الأربعة جحنفل.

الثاني : فعللل

صفة : جحمرش ولحقه من الأربعة : همّرش.

الثالث : فعلّل

قال سيبويه : يكون في الاسم والصفة نحو : قذعمل وخبعثن قال : والاسم نحو : قذعملة.

قال : الخبعثن كلّ شيء قارّ البدن ريان المفاصل.

قال أبو العباس : حدثني التوزي قال : يقال ما في بطنه قذعملة ، أي : شيء فهو هاهنا اسم : خزعبلة إنّما هي (الباطل) وقال غيره : القذعمل والقذعملة : الضّخم من الإبل.

الرابع : فعللّ

الاسم قرطعب دابة والصفة : جردحل وحنزقر : قصير وما ألحق به من الثلاثة : إزمول وإرزبّ وألحق به من بنات الأربعة.

فردوس وقرشبّ ، وأما هندلع فلم يذكره سيبويه : وقالوا : هي بقلة.

[الأسماء الثلاثية ذوات الزوائد]

القسم الأول : ما زيدت فيه الهمزة

وهو ينقسم قسمين :

أحدهما : زيدت الهمزة فيه وحدها.

والقسم الآخر : زيدت مع غيرها من الزوائد.

ص: 363

أمّا ما زيدت فيه وحدها فهو أيضا على ضربين :

1 - منه ما زيدت فيه أولا وهو الكثير.

2 - والثاني : وهو ما زيدت فيه غير أول وهو القليل الأوّل من ذلك :

أ- وهو ما زيدت الهمزة أولا وحدها وهي ستة أبنية : أفعل أفكل أبيض صفة ، إفعل :إثمد ، إفعل : إصبع ، أفعل : أبلم ، أفعل في الجمع.

ب - الثاني منه : ما زيدت الهمزة فيه وحدها غير أول ثلاثة أبنية : فعلاء مقصور وقد يمدّ ضهياء المرأة التي لا تحيض ، فاعل : شامل ، فعأل : شمأل.

القسم الآخر الذي زيدت فيه الهمزة مع غيرها وهي على ضربين :

أحدهما : وقعت فيه أولا. والآخر غير أول.

الأول : إفعال : إسلام إعصار إسكاف إسحار إخريط إصليت أسلوب أملود أجارد أباتر إدرون من الدرن إسحوف يقال : إنّها لإسحوف الأحاليل وهو : صوت الدرة وأفعال وأفاعل وأفاعيل أبنية الجموع فقط.

أفنعل : ألنجج عود ألندد : ألدّ إفعيلى : إهجيري أفعلى : أجفلى أفعلّة : أترجّة أسكفّة إفعلّ :إرزبّ غليط كز إزفنّة خفيف يقال : أخذته إزفنّة وقرأت في كتاب سيبويه (إزفلّة) وهو اسم وإرزبّ وهو صفة.

أفعلى : أجفلى وجفلى قال الشاعر :

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتقر

يعني : الجماعة.

ويكون على إفعلى مثل : إيجلى : اسم أفعلان : أغردان نبت أسحلان حسن إفعلان :الإسحمان جبل بعينه والصفة (ليلة إضحيانة).

أفعلان : أنبجان : عجين. أنبجان : صفة رخو غير ملتئم.

ص: 364

أفعلاء : الأربعاء وبنوه أيضا على : أفعلاء بفتح الباء : أربعاء ، وأما أفعلاء مكسرا عليه الواحد للجمع فكثير نحو : أنصباء.

الضرب الثاني ما زيدت الهمزة فيه غير أول مع غيرها من الزوائد ، وذلك ضهياء ممدود اسم شجر وحطائط صغير وجرائض عظيم.

الثاني : ما زيدت فيه الألف من الأسماء الثلاثية
اشارة

وهذا أيضا ينقسم على ضربين : فضرب زيدت فيه الألف وحدها وضرب زيدت فيه مع غيرها من الزائد الأول من ذلك ما زيدت فيه الألف وحدها وهي تزاد ثانية وثالثة ورابعة أما ثانية فعلى بناءين كاهل وضارب وطابق وثالثة : على ثلاثة أبنية : قذال وجبان وحمار وكناز غراب شجاع ورابعة : فعلى فعلى فعلى فعلى علقى ولا يكون صفة إلّا بهاء : ناقة حلباة وتجيء رابعة للتأنيث نحو : سلمى والصفة : عبرى فعلى : ذفرى وقالوا : امرأة سعلاة. ورجل عزهاة وتجيء الألف للتأنيث نحو : ذكرى وذفرى منهم من يجعلها ألف تأنيث ومنهم من يجعلها ملحقة فينون. فعلى.

ولا تكون ألف (فعلى) لغير التأنيث ، وذلك نحو : البهمى والصفة. حبلى وأنثى.

وقال سيبويه : قال بعضهم : بهماة.

قال أبو العباس : ليس هذا بمعروف.

فعلى : قلهى موضع.

والصفة : جمزى. ألف تأنيث. وبعض العرب يقول : قلهى فيجعلها ياء. فعلاء : شعباء.

الثاني : ما زيدت فيه الألف مع غيرها وهو على ضربين :

الأول : ما كانت فيه ثانية ثلاثة أبنية : فاعول فاعال فاعلاء : عاقول حاطوم ساباط قاصعاء عاشوراء.

الثاني : ما كانت فيه.

ص: 365

ثالثة : أكثر ذلك في أبنية الجمع وهي : مفاعل ومفاعيل وفواعل وفواعيل فعاعل.

فعالى فعاليل فعالل فعالين فعالن فعاول فعايل فعائل فياعل فياعيل تفاعل تفاعيل يفاعيل تفاعيل مفاعيل فعاويل فعاييل فعاليت فعاعل.

مفاعل مساجد الصفة : مداعس مفاعيل : مفاتيح مكاسيب صفة.

فواعل حوائط اسم وحواسر صفة. فواعيل : خواتيم.

قال سيبويه : ولا نعلمه. جاء في الصفة كما لا يجيء واحدة في الصفة.

قال أبو العباس : فواعيل : لا يكون صفة وهو جمع (فاعال) ويكون صفة وهو جمع (فاعول) نحو : جاسوس وحاطوم تقول : حواطيم وجواسيس.

فعاعيل : سلاليم جبابير فعاعل : سلالم ولا يستنكر أن يكون هذا في الصفة ؛ لأن في الصفة مثل : زرّق ، وحوّل.

فعالى : مبدلة الياء نحو صحارى والصفة. كسالى. فعال صحار عذار فعالي : بخاتي والصفة : دراري فعاليل ظنابيب والصفة : شماليل فعالل : قرادد والصفة : الرّعابب فعالين سراحين قال سيبويه : ولا أعرفه وصفا فعالن : فراسن والصفة : رعاشن.

فعاول : جداول والصفة : قساور بغير عثاير قال : ولا نعرفه جاء وصفا.

فعائل بهمز : رسائل والصفة : ظرائف فياعل : غياطل والصفة : صياقل.

فياعيل : دياميس صياريف.

تفاعيل : تماثيل ولم يجىء وصفا تفاعل : تتافل ولم يجىء وصفا يفاعيل : يرابيع والصفة :يحاميم يفاعل : يرامع ولم يجىء وصفا فعاويل وصف جلاويح وهي العظام من الأودوية فعاييل : كراييس غير مهموز ولم يعلم وصفا.

فعاليت : وصف عفاريت فناعل : جنادب والصفة : عنابس.

وقد ذكرت ما جاء من أمثلة الجمع والهمزة في أوله في باب الهمز وهو الباب الذي قبل هذا.

ص: 366

لحاق الألف ثالثة في غير الجمع مع غيرها من الزوائد : مفاعل فعالى فعاعيل فعالاء فعلان فواعل فعالّة فعالية فعالية.

مفاعل صفة : مجاهد فعالى : حبارى ولا يكون وصفا إلا أن يكسر للجمع نحو : سكارى مفاعيل وصف : ماء سخاخين.

قال : ولا نعلم في الكلام غيره فعالاء : ثلاثاء والوصف : رجل عياياء طباقاء.

فعالان : سلامان ولم يجيء صفة فواعل : عوارض دواسر : صفة أي : شديدة.

فعالّة : زعارّة. ولم يجيء صفة. فعالية : صراحية قراسية فعالية : كراهية عباقية.

لحاقها رابعة مع غيرها من الزوائد

فعلال فعلال مفعال تفعال فعلال تفعال فعّال فعّال فعّال فعلاء فعلاء فعّالاء فعلاء فعلاء فعلاء فوعال فوعال فعلان فعلان فعلان فعلان فعلان فعلان فعلان فعوال فعيال فيعال فعوال فيعال فنعال فعّالى فعلال جلباب شملال فعلال قرطاط ولا نعلم وصفا.

مفعال : منقار مصلاح تفعال : تمثال ولا نعلم وصفا فعلال مصدر لا غير تفعال : مصدر لا غير نحو : التّرداد فعّال : الجبّان والكلّاء والصفة نحو : شرّاب : فعّال : خطّاف والصفة :حسّان وكرّام فعّال : الكذّاب ولا نعلم وصفا فعلاء : علباء ولا نعلم وصفا.

فعلاء : نحو : خششاء فعلاء : قوباء اسم. فعلاء : طرفاء وخضراء فعّالى : خضارى اسم ولا نعلم وصفا فعلاء : قوباء والرّحضاء والصفة : النّفساء وهو كثير إذا كسر عليه الواحد في الجمع نحو : الخلفاء فعلاء : علباء اسم ولا نعلم وصفا فعلاء قال : سليك بن السلكة :

على قرماء عالية شراه

كأنّ بياض غرته خمار

قرماء : اسم موضع ولا نعرف وصفا فعلاء : السيراء اسم لا يعرف وصفا.

فوعال : طومار وسولاف : اسم بلد ولا يعرف وصفا. فعلان : سعدان والصفة : عطشان فعلان كروان اسم زفيان صفة يقال : زفته الريح زفيانا أي : طردته ويقال للظليم : زفيان :فعلان اسم : عثمان عريان : صفة وهو كثير في الجمع نحو : جربان.

ص: 367

فعلان ضبعان وفي الجمع كثير نحو : غلمان فعلان : ظربان ولا يعرف وصفا فعلان : سبعان ولا يعلم وصفا.

قال ابن مقبل :

ألا يا ديار الحيّ بالسبّعان

فعلان سلطان اسم فعوال : قرواش : اسم رجل درواس صفة عظيم الرأس فعيال جريال : اسم.

فيعال : خيتام وديماس وشيطان والصفة : بيطار. فعوال : عصواد اسم. فيعال : ديماس وديوان ولا يعرف وصفا : فوعال : توراب اسم : فنعال : قنعاس صفة فقط فعنال : فرناس صفة من صفة الأسد يقال : هو غليظ الرقبة.

لحاقها خامسة مع غيرها من الزوائد

لحاقها خامسة على ضربين : لغير تأنيث ولتأنيث : فعنلى قرنبى والوصف : الحبنطى فعلنى : عفرنى فعلنى : علندى وهذا قليل وقالوا : علادى مثل : حبارى وهو قليل.

لحاقها خامسة وبعدها حرف ليس من حروف الزوائد

فعلعال الحلبلاب : نبت والصفة : سرطراط فعنلال : فرنداد اسم فوعلاء : حوصلاء اسم.

لحاقها خامسة للتأنيث

فعلّى : زمكّى والصفة : كمرّى وهو العظيم الكمرة.

فعلنى : العرضنى اسم وهي مشية فعلنى العرضنى اسم وهي مشية وليس في كتاب محمد بن يزيد في كتاب سيبويه ووجدته بخطّ أحمد بن يحيى فعلّى : عرضّى اسم فعلّى : دفقّى اسم.

فعلّى : الحذرّى والبذرّى الباطل وقيل : حذرّى وبذرّى من هو يحذر ويبذر.

فعنلى : جلندى اسم ملك من العرب. فوعلى : حوزلى فيعلى : الخيزلى مشية.

ص: 368

فعلّى : السّمهّى اسم يقال : ذهب في السّمة أي : ذهب في الباطل. فعنلى : بلنصى : اسم طائر.

لحاقها خامسة وبعدها همزة للتأنيث

فعلياء : كبرياء والصفة : جربياء. مفعلاء : مندباء صفة : رجل ندب في الحاجة.

فعولاء : دبوقاء اسم فعولى : عشورى اسم فعولاء : عشوراء اسم. فعيلاء : عجسياء اسم مشية بطيئة فنعلاء : عنصلاء اسم. فنعلاء : خنفساء فوعلاء : حوصلاء اسم.

لحاقها سادسة للتأنيث مع غيرها

مفعلّى : مرعزّى فعّيلى في المصادر نحو : هجّيرى أوقتّيتى وهي النميمة فعّيلى : لفّيزى اسم يفعيلّى يهيّرى وهو الباطل اسم. فعليّا : المرحيّا اسم فعلوتى : رغبوتى ورهبوتى مفعلّى : مكورّى صفة : عظيم الروثة مفعلّى : مرعزّى اسم.

لحاقها خامسة وبعدها نون

فيعلان : ضيمران والصفة : كيذبان. فيعلان : قيقبان : خشب السرج والصفة : هيبان ولا يعلم في الكلام : فيعلان في غير المعتل.

فعليان : الصّليان نبت العنظيان جاء في أولّ الشّباب وأول كلّ شيء فعلوان : العنظوان اسم. فعّلان : الحوّمان آكام صغار والصفة : عمّدان : طويل.

قال أبو بكر : هكذا هذا الحرف في كتابي وأحسبه : حوّمان على فعّلان ووجدت في كتاب ثعلب على ما أحكيه : فعّلان في الاسم والصفة فالاسم : الحوّمان وكنت أراه نبتا والحلّبان بقلة والصفة نحو : العمّدان والجلّبان : صاحب جلبة.

فعّلان : وجدت في النسخة المنسوخة من نسخة القاضي المقروءة على أبي العباس : ويكون : فعّلان في الاسم والصفة نحو : التّوّمان والجلّبان والصفة نحو : الغمّدان فعّلان فرّكان اسم. مفعلان : مكرمان وملأمان وملكعان معارف ولا يعلم وصفا. فوعلان : حوتنان : بلدة.

تفعلان. تئفّان اسم.

ص: 369

لحاقها سادسة وبعدها همزة للتأنيث

مفعولاء : معيوراء والصفة مشيوخاء فاعولاء : عاشوراء وأقصى ما تلحق لغير التأنيث سادسة في : معيوراء وأشهيباب والأشهيباب مذكور في موضعه.

الثالث ما زيدت فيه الياء من الأسماء الثلاثيّة

لحاقها أولا : يفعل : يرمع اسم ولا يعلم وصفا.

يفعول : يربوع والصفة : اليحموم : الأسود فأمّا قولهم في : اليسروع يسروع فإنّما ضموا الياء لضمة الراء كما قيل : استضعف. يفعيل يقطين ولا يعرف وصفا. يفعل : يعفر وقالوا :يعفر كما قالوا : يسروع يفنعل : يلنجج اسم ويلندد صفة.

لحاقها ثانية : فيعل : زينب الصفة : ضيغم. فيعول : قيصوم.

والصفة : عيثوم : ضخم. فيعل : حيفس صفة ولا يعرف اسما وهو الغليظ القصير.

لحاقها ثالثة : فعيل : بعير والصفة : سعيد فعيل : عثير والصفة : رجل طريم أي : طويل.

فعيلل خفينن : اسم أرض والصفة : خفيدد : فعيّل : هبيّخ واد ضخم صفة ولا يعرف اسما.

فعيعل : خفيفد خفيف وهو صفة. فعيول : ذهيوط بلد والصفة : عذيوط فعيل : عليب اسم واد.

لحاقها رابعة : فعلية : حذرية أرض غليظة والصفة : عفرية : داهية والهاء لازمة لفعلية.

فعّيل : بطّيخ والصفة : شرّيب. فعيّل : مرّيق وهو العصفر والصفة : كوكب درّي. فعّيل :العلّيق : نبت يتلعق بالشجر والصفة : زمّيل : الضعيف اللئيم. مفعيل : منديل والصفة : منطيق.

فعليل : حلتيت الذي يطيب به الملح والصفة : شمليل. فعليت :عزويت اسم وهو القصر والصفة : عفريت. فعلين : غسلين. اسم تفعيل : اسم : التمتين :تفعيلة : ترعيبة : وهي القطعة من السّنام.

وقد كسر بعضهم التاء اتباعا وفي كتابي محمد وأحمد ترعيّة والجرمي قال : ترغيبة وفسره بأنه قطعة من السّنام فعليل : حمصيص وهو نبت والصفة : صمكيك شديد.

ص: 370

لحاقها خامسة : فعلنية : بلهنية اسم السعة والعزة. فعنلية : قلنسية اسم والهاء لا تفارقه فعفعيل : مرمريس. فلعليل : صفة : خنشليل.

الرابع : ما زيدت فيه النون

لحاقها ثانية : فنعل : قنبر ولا يعرف صفة. فنعل : سنبل اسم. فنعل : جندب اسم جندب وجندب سواء في المعنى. فنعل : عنبس صفة. فنعلو : كندأو : هو الجمل الغليظ.

لحاقها ثالثة : فعنعل : عقنقل اسم رمل كثير متعقد ولا يعرف وصفا. فعنلل : ضفندد :عظيم البطن. فعنل : صفة : عرند شديد وقد حكي : ترنجة اسم. فعنلة : جرنبة اسم جماعة من الناس والحمير وقالوا : جربّة أيضا.

لحاقها رابعة : فعلن : صفة : رعشن من الرّعشة. فعلنة : عرضنة : مشية وبلغن اسم والصفة رجل خلفنة فعلن : فرسن اسم.

الخامس : ما زيدت فيه التاء من الأسماء الثلاثيّة

لحاقها أولا : تفعل تن ضب والتّضرة اسم تفعل : ترتب وتتفل وتحلبة صفة وقال بعضهم : أثر ترتب فجعله وصفا. تفعل : تتفل والتّقدمة اسم والتّحلبة صفة. تفعلة : تتفلة : اسم.

تفعلوت : ترنموت اسم ترنم القوس. تفعل : تحلىء اسم القشرة التي يقشرها الدباغ مما يلي اللحم. تفعلة. تدورة وقالوا : تدورة فجوة بين الرمل ولا يعرف بغير الهاء. تفعول : تعضوض ولا يعرف وصفا تفعول : تؤثور اسم حديدة يوسم بها في أخفاف الإبل تفعلة : صفة تحلبة.

وهي الغزيرة التي تحلب ولم تلد. تفعلة : تحلبة لغة أخرى. تفعّل : التهبّط اسم بلدة. تفعّل : تبشّر ووجدت بخط ثعلب تبشّر وهو اسم طائر. تفعّل : التنوّط اسم طائر قال : والصحيح : الضمّ ؛ لأن الكسرة تخصّ الأفعال وجدته مضروبا عليه في كتاب أبي علي الفارسي أعزّه الله.

لحاقها رابعة : فعلتة سنبتة اسم.

ص: 371

لحاقها خامسة : فعلوت : رغبوت اسم والصفة : رجل خلبوت وناقة تربوت وهي الخيار الفارهة كذا في كتاب سيبويه وقيل : إنّها اللينة الذلول وهو عندي الصواب ؛ لأنه مشتق من التراب.

السادس : الميم

لحاقها أولا : مفعول : مضروب ولا يعرف اسما. مفعل : المحلب والمعتل والصفة : المشتى والمولى. مفعل : منبر ومرفق والصفة : مدعس. مفعل : مجلس والصفة : المنكب وهو العريف من ولاة العشيرة. مفعل : مصحف. والصفة نحو : مكرم وهو كثير. مفعل : منجل ولا يعرف وصفا. مفعل بالهاء : مزرعة ومشرقة ولا يعرف وصفا وليس في الكلام : مفعل بغير هاء.

مفعل : منخر اسم فأمّا : منتن ومغيرة فأصله : منتن ومغير ؛ لأنه من : أنتن وأغار ولكن كسروا إتباعا كما قالوا : أجؤك ولإمك مفعول : معلوق للمعلاق وهو غريب مفعل : مرعز.

لحاقها رابعة : فعلم : زرقم وستهم : للأزرق والأسته وهو صفة. فعلم : دلقم ودقعم للدلقاء والدقعاء ودردم للدرداء وهي صفات ، وأما دلامص ففيه خلاف يقول الخليل : إنه :فعامل.

ويحتج بأنه من دليص وغيره يقول : هو بمنزلة اللاآل من اللّؤلؤ شاركه في بعض الحروف وخالفه في بعض والمعنى متفق.

السابع : الواو

لحاقها ثانية : فوعل : كوكب والصفة : حوقل إذا أدبر عن النساء وهو زبّ البعير المسن :فوعلل : كوألل للصفة وهو القصير الغليظ.

لحاقها ثالثة : فعول : خروف اسم والصفة : صدوق. فعول : جدول والصفة جهور فعول : خروع ولا يعرف وصفا. فعول : العسودّ العظاية والصفة : عثولّ وهو الشيخ الثقيل. وفعوّل : صفة : عطوّد طويل. فعول : سدوس وهو الطيلسان وهو قليل في الكلام إلّا أن يكون مصدرا أو يكسر عليه الواحد للجمع. فعوعل : صفة : عثوثل وقطوطى مقاربة الخطو فعولل : حبونن اسم واد قريب من اليمامة. فعولل جعلها بعضهم : حبونن.

ص: 372

لحاقها رابعة : فعلوة : عرقوة ولا يعرف وصفا. فعلوة عنفوة قطعة من يبيس الحلّي وهو اسم رجل عن ثعلب وحنذوة مثله. فعلوة : حنذوة اسم : كذا في كتابي كتاب سيبويه وبخطّ ثعلب. فعلوة : حنذوة وفسره أنه شبعة من الجبل والهاء لا تفارقه.

قال أبو بكر : وأظنه خطأ من أجل أنه ليس في كلامهم مضموم بعد مكسور والنون ها هنا ساكنة فكأنه قد التقى الضّمّ والكسر. فعّول : سنوّر والصفة : الخنوّص وهو الصغير من الخنازير. فعّول : سفّود والصفة : سبّوح وقدّوس فعّول : قالوا : سبّوح وقدّوس وهما صفة.

فعلول : طخرور اسم يقال : ما عليه. طخرور أي : شيء والصفة بهلول. فعلول : بلصوص طائر والصفة : الحلكوك : الأسود. وتلحق الواو خامسة فيكون الحرف على : فعنلوة وقد مضى ذكره في باب النون.

ص: 373

باب الزيادة بتكرير حرف من الأصل في الثلاثي

اشارة

إمّا أن تضاعف العين وإمّا أن تضاعف اللام وإمّا أن تضاعفا جميعا.

الأول : ما ضوعفت فيه العين

فعّل : سلّم والصفة : زمّل وهو الضعيف. فعّل : قنّب وهو الطين الذي يجيء في أسفل القيعان والصفة : الدّنّب وهو القصير ويقال : دنّبة فعّل : حمّص وحلّز : شجر قصار ولا يعرف وصفا. فعّل : تبّع وهو قليل يراد به تبّع وهو الظّل.

الثاني : ما ضوعفت لامه

فعلل مهدد اسم امرأة ولا يعرف وصفا. فعلل : سردد اسم مكان وقعدد. قال الجرمي :وهو شيئان يقال : أقعدهم إليّ جدّه والآخر يكون الضعيف قال الشاعر :

دعاني أخي والخيل بيني وبينه

فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد

فعلل : عنبب اسم واد والصفة : قعدد. فعلل : صفة : رماد رمدد أي : هالك. فعلّ : شربّة بلذّة ومعدّ : وهو موضع مركض رجل الفارس من الدابة والصفة : الهبيّ والهبيّة الجارية الصغيرة. فعلّ : جدبّ اسم الجدب والصفة : خدبّ وهو الضخم الشديد. فعلّ : جبنّ وقطن والصفة : القمدّ شديد. فعلّ : الفلزّ : رصاص وقيل : خبثّ الفضة والصفة : الطمرّ وهو السريع. فعلّ : تئفّة.

قال الجرمي : زعم سيبويه : أنّهم يقولون : تئفّة ولم أر ذلك معروفا وقال : إن صحت فهي فعلة.

قال أبو بكر : وهذا الحرف في بعض النسخ قد ذكر في باب التاء وجعل على مثال : تفعلة يقال : جاء على : تئفّة ذاك مثل : تئفّة ذاك كذا أخذته عن محمد بن يزيد رحمه الله.

فعلّة : درجّة وهو اسم : فعلّة : تلنّة وبخطّ ثعلب : تلنّة فعلّة : قالوا : لي قبله تلنّة أي :حاجة.

قال أبو بكر : فيجوز أن تكون الضمة إتباعا والأصل الفتح يعني في تلنّة.

ص: 374

الثالث : ما ضوعفت عينه ولامه

فعلعل : حبربر اسم يقال : ما أصاب منه حبربرا ولا تبربرا ولا حورورا أي : ما أصاب منه شيئا والصفة : صمحمح.

قال الجرمي : وهو الغليظ القصير وقال ثعلب : رأس صمحمح أصلع غليظ شديد.

فعلعل : ذرحرح دابّة حمراء ولا يعرف وصفا وضاعفوا الفاء والعين في حرف واحد قالوا : داهية مرمريس أي : شديدة وهي من المراسة.

قال أبو بكر : قد ذكر ذوات الزوائد من الثلاثي ونحن نتبعه بذوات الزوائد من الرباعي.

ص: 375

ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة

اشارة

اعلم أنّ ذوات الأربعة لا يلحقها شيء من الزوائد أولا إلّا الأسماء من أفعالهنّ وكلّ شيء من بنات الأربعة لحقته زيادة فكان على مثال الخمسة فهو ملحق بالخمسة كما تلحق ببنات الأربعة بنات الثلاثة إلّا ما جاء إن جعلته فعلا خالف مصدره مصدر بنات الأربعة نحو : فاعل وفعّل. ففاعل : نحو : طابق. وفعّل نحو : سلّم لو جعلت هذا فعلا ما كان إلا ثلاثيا وما كانت مصادرها إلّا ثلاثية وكل شيء جاء من بنات الأربعة على مثال : سفرجل فهو ملحق ببنات الخمسة لأنك لو أكرهتها حتى تكون فعلا لاتفق الاسم والفعل لو قلت : فعلت من : فرزدق وسفرجل مستكرها ذلك لكان القياس أن يكون فرزدقت وسفرجلت فيكون على وزن : تكلّمت وتفاعلت في متحركاته وسواكنه وعلى وزن : تدحرجت.

وجاءت الزوائد في بنات الأربعة أقلّ من بنات الثلاثة بحرف وهي الهمزة فأمّا (التاء) فجاءت سادسة مع غيرها من الزوائد في عنكبوت فصار انقسام الرباعي ذي الزوائد على أربعة أقسام : الواو والياء والألف والنون.

الأول من ذلك : لحاق الواو ثالثة زائدة

في ذوات الأربعة : فعولل : حبوكر وهي الداهية والصفة عشوزن ، وهو الصّلب الغليظ ونظيرها من بنات الثلاثة : حبونن فعوللان عبوثران وهو نبات في طريق مكة فعوللى :حبوكرى. اسم.

لحاقها رابعة : فعلول : بلهور اسم ملك من الأعاجم والصفة : بلهوق : وهو الوضيء الحسن وكنهور : وهو العظيم من السحاب. فعلويل : قندويل صفة : وهو العظيم الرأس.

فعلول : عصفور والصفة : شنحوط طويل ونظيره من بنات الثلاثة : بهلول فعلول : قربوس وزرجون اسم الكرم.

قال الجرمي : وهو صبغ أحمر قال : وزعم الأصمعي أنّ هذه فارسية أعربت وأنّ المعنى :زربون أي لون الذّهب فقلبته العرب والصفة : قرقوس الأملس وحلكوك من بنات الثلاثة

ص: 376

ألحق ببنات الأربعة. فعلول : فردوس اسم روضة دون اليمامة وهي إحدى الجنان التي ذكرها الله عز وجل. وبرذون والصفة : ناقة علطوس : وهي الناقة الخيار الفارهة. وألحق به من بنات الثلاثة : عذيوط.

لحاقها خامسة : فعلّوة : قمحدوة والهاء لازمة له ونظيره من بنات الثلاثة قلنسوة فيعلول :خيتعور : اسم للداهية والصفة : عيسجور وهي الشديدة من الإبل. فعللوت : عنكبوت وتخربوت.

قال الجرمي : سألت علماءنا فلم يعرفوا : تخربوتا وفي كتاب ثعلب بخطّه : تخربوت ناقة فارهة.

فعللول : منجنون اسم والصفة : حندقوق وهو الطويل المضطرب شبه المنجنون.

الثاني : زيادة الياء في الرباعي

تلحق ثالثة : فعيلل : صفة عميثل : وهو الجلد النشيط وألحق به من بنات الثلاثة : خفيدد وأصله للظليم ثمّ هو بعد لكلّ سريع. فعيللان : عريقصان وهي دابة ولا يعرف وصفا.

لحاقها رابعة : فعليل : قنديل وبرطيل والصفة : شنظير : السيء الخلق عن أبي زيد وحربيش الخشنة. وألحق به من بنات الثلاثة : زحليل من : تزحّل فعليل : غرنيق صفة وهو السيد الرفيع.

وليس يلحق الرباعي شيء من الزوائد في أوله سوى الميم التي في الأسماء من أفعالهنّ وما لحقته الياء مع الواو فقد تقدم ذكره.

لحاقها خامسة : فعلّية : سلحفية وهي دابة ولا يعرف وصفا وألحق به من الثلاثي البلهنية وهي العيش الواسع لازمة فنعليل. منجيق والصفة : عنتريس والدليل على زيادة النون الأولى قولهم في جمعه : مجانيق وفي تصغيره مجينيق والدليل على زيادة النون في عنتريس أنه مشتق من العترسة وهي الأخذ بالشدة ويوصف الأسد بذلك لشدته فعاليل : كنابيل : اسم أرض فعلليل : عفشليل : أعجمي والصفة قمطرير وذكر سيبويه أنه لا يعرفه إلا صفة.

ص: 377

الثالث لحاق الألف في ذوات الأربعة
اشارة

تلحق ثالثة : فعالل جخادب دابة : والصفة عذافر وهو العظيم الشديد وما لحقه من ذوات الثلاثة دواسر وهو الغليظ الجانب من دسر يدسر فعاللى خجادبى ام وقد مدّه بعضهم.

فعالل. قراشب. فعاليل : قناديل.

لحاقها رابعة لغير التأنيث

فعلال : حملاق والصفة : سرداح وهي الأرض الواسعة.

وألحق به جلباب. فعلال لا يعلم في الكلام إلّا المضعف من بنات الأربعة الذي يكون الحرفان الآخران منه بمنزلة الأولين وليس في حروفه زوائد كما أنه ليس في مضاعف بنات الثلاثة نحو رددت زيادة ، وذلك نحو : الزلزال والجرجار وهو نبت والصفة : قرب القسعاس وهو البعيد وفعلال في المصدر نحو الزّلزال لا يعلم المضاعف جاء مكسور الأول إلّا في المصدر فعلاء : برساء. وهو الناس فعلال : قرطاس هو القرطاس بعينه وقرناس وهو الشيء يشخص من الجبل ولا يعرف وصفا.

لحاقها خامسة لغير التأنيث

فعلّى : حبركى وهو القراد. وقالوا : رجل حبركاء يا فتى وهو القصير الظهر الطويل الرجل وألحق به من بنات الثلاثة : الحبنطى وغيره.

قال الجرمي وقد جعل بعضهم الألف في حبركاء للتأنيث فلم يصرف. فعنلال : جعنبار صفة : وهو الضّخم مثل جعبرى ولحقه من بنات الثلاثة : فرنداد وهي أرض فعلّال : سنمّار :اسم رجل وجنبّار : فرخ الحبارى والصفة : الطّرمّاح وهو الطويل وألحق به من بنات الثلاثة.

جلبّاب. فعللاء : برنساء وعقرباء ممدود وغير مصروف ولا يعرف وصفا فعللاء : القرفصاء يمدّ قوم ويقصر قوم. فعللاء : طرمساء وهي الظلمة ممدود صفة وألحق به من الثلاثة : جربياء وهو الريح الشمال. فعللاء قالوا : هندباء للبقل يقصر بعض ويمدّ بعض.

فعللان : عقربان وهي دابة والصفة : دحمسان وهو الأدم السمين. فعللان : الحنذمان حيّ يقال

ص: 378

له الحنذمان والصفة : حذرجان وهو القصير. فعللان : زعفران والصفة : شعشعان الطويل الخلق من الفتيان.

لحاقها خامسة للتأنيث

فعللى : فرتنى اسم امرأة وقيل : قصر بمرو الروذ ولا يعرف صفة وألحق من الثلاثة الخيزلى. فعللى : الهندبى اسم قال الجرمي : هندباء : وهو الخفيف في الحاجة فعلى : سبطرى اسم.

فعللى الهربذى. وهو اسم مشية.

الرابع : لحاق النون في الرباعي ثانية

فنعلل خنثعبة اسم وهو الغريز والصفة : كنتأل وهو القصير.

فنعلل : كنهبل شجر عظام. فنعلّ : قنفخر ألحق بجردحل.

الثاني : لحوق النون ثالثة

فعنلل حزنبل القصير وألحق به عفنجح الضخم.

ص: 379

باب ما الزيادة فيه تكرير في الرباعي

لحاقها من موضع الثاني

فعّل صفة علّكد : وهو الغليظ الشديد. فعّلل : الهمّقع وهو ثمر التنضب والصفة : الزّمّلق وهو الذي ينزل قبل أن تجامع المرأة : فعّلّ : شمّخر المتعظم. فعّلل : همرّش هذا الحرف ليس في كتابي المنسوخ من نسخة أبي العباس. وهو فيما قريء في كتاب القاضي عليه ولم أجده في نسخة ثعلب فأحسب أن أصل هذا الحرف : فنعلل فأدغم.

لحاقها من موضع الثالث

فعلّل : همرّجة والصفة : سفنّج : خفيف من صفة الظليم. فعلّل زمرّد كذا قال بالدال هذه الحجارة من الجوهر. فعلّل : الصّعرّر في كتاب بعض أصحابنا وليس في أصل أبي العباس ولا أعرفه. وقرأت في كتاب ثعلب الصّفرّق نبت.

إلحاقها من موضع الرّابع
اشارة

فعلّل وصف سبهلل الرجل الفارع. فعللّ : عربدّ : اسم حية والصفة : قرشبّ وهو المسنّ من الرجال.

وألحق به عسودّ : اسم دابة. فعللّ : صفة قسحبّ ضخم وطرطبّ : ثدي طويل فعلل : قهقر : حجر يملأ الكفّ والذي يقرقر في جوفه قهقر بكسر القاف الأولى.

ص: 380

ما لحقته الزيادة من بنات الخمسة وجاءت الزوائد في بنات الخمسة أقلّ بحرف فزوائده ثلاثة :

الأول : لحاق الياء خامسة

فعلليل خندريس وعندليب طائر وسلسبيل والصفة دردبيس وهي العجوز والداهية أيضا. فعلّيل : خزعبيل وهي الأباطيل عن الجرمي.

الثاني : لحاق الواو خامسة

فعللول : عضرفوط وهي العظاءة الذكر. فعللول : صفة قرطبوس : وفي كتابي موقع عن أبي العباس قرطبوس : هو المعروف.

الثالث : لحاق الألف سادسة لغير التأنيث

فعلّلى : قبعثرى وهو العظيم الشديد.

ص: 381

باب أبنية ما أعرب من الأعجمية

اشارة

الكلام الأعجمي يخالف العربي في اللفظ كثيرا ومخالفته على ضربين :

أحدهما : مخالفة البناء.

والآخر : مخالفة الحروف.

فأمّا ما خالف حروفه حروف العرب ، فإن العرب تبدله بحروفها ولا تنطق بسواها ، وأما البناء فإنه يجيء على ضربين أحدهما : قد بنته العرب بناء كلامها وغيّرته كما غيرت الحروف التي ليست من حروفها.

ومنه ما تكلمت به بأبنية غير أبنيتها وربما غيروا الحرف العربي بحرف غيره ؛ لأن الأصل أعجمي.

الأول : ما بنته من كلامها

وذلك قولهم : درهم ودينار وإسحاق ويعقوب وقالوا : آجور وشبارق فألحقوه بعذافر ورستاق ألحقوه بقرطاس.

الثاني : ما بنته على غير أبنية كلامها

وذلك نحو : آجرّ وإبريسم وسراويل وفيروز. وربّما تركوا الاسم على حاله إذا كانت حروفه من حروفهم كان على بنائهم أو لم يكن نحو : خراسان وخرّم والكركم وربّما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه على بنائه في الفارسية نحو : فرند وبقّم.

واعلم أنّهم إذا أبدلوا حرفا من حروف الفارسية أبدلوا منه ما يقرب من المخرج فيبدلون من الحرف الذي بين الكاف والجيم الجيم ، وذلك نحو : الجربز والآجرّ والجورب وربّما أبدلوا القاف لأنّها قريبة أيضا.

قال بعضهم : قربز وقالوا : قربق في قربك ، وإذا كانت حروف لا تثبت في كلام العجم ، وإن كانت من حروف العرب أبدلوا منه نحو : كوسه وموزه ؛ لأن هذه الحروف تحذف وتبدل في كلام الفرس همزة مرة وياء أخرى فأبدلت من ذلك الجيم فقالوا : موزج وجعلوا الجيم

ص: 382

الأولى لأنّها قد تبدل من الحرف الأعجمي الذي بين الكاف والجيم وربّما أدخلت القاف عليها.

قال بعضهم : كوسق وكربق وقالوا : قربق وكيلقة ويبدلون من الحرف الذي بين الياء والفاء نحو : الفرند والفندق وربّما أبدلوا الباء لقربها قال بعضهم : البرند والعرب تخلط فيما ليس من كلامها إذا احتاجت إلى النطق به فإذا حكي لك في الأعجمي خلاف ما العامة عليه فلا ترينه تخليطا ممّن يرويه.

ص: 383

ما ذكر أنّه فات سيبويه من الأبينة

تلقامّة وتلعابّة وفرناس وفرانس تنوفى ترجمان.

شحم أمهج رقيق : أنشد أبو زيد :

يطعمها اللحم وشحما أمهجا

مهو أن عياهم ترامز تماضر ينابعات دحندج فعلّين ليث عفرين زعم أنه العنكبوت الذي يصيد الذباب ترعاية الصّنبر زيتون كذبذب هزنبران عفزّران اسم رجل هيدكر ضرب من المشي زيادة في حفظ أبي علي : هيدكر وفي نسخة في حفظ أبي علي : هديكر.

قال أبو علي : سألت ابن دريد عنه فقال : لا أعرفه ولكن أعرف الهيدكور هندلع : بقلة درداقس حزرانق.

ص: 384

ذكر ما بنت العرب من الأفعال

اشارة

جميع ما بنت العرب من الأفعال اثنان وثلاثون بناء من بنات الثّلاثة ومن بنات الأربعة وما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة وما زيد على الثلاثة والأربعة مما ليس بمحلق ولا يبنى من بنات الخمسة فعل البتّة.

الأول : ما لا زيادة فيه الثلاثي

فعل : مضارعه يفعل أو يفعل وربّما انفردا والأصل اجتماعهما.

قال الجرمي : سمعت أبا عبيدة يروي عن أبي عمرو بن العلاء قال : سمعت الضمّ والكسر في عامة هذا الباب : فعل : مضارعه يفعل وشذّ حرف واحد قالوا : فضل يفضل ، وأما المعتلّ فقد شذت منه أحرف قالوا : ورم يرم وومق يمق وقالوا في حرفين من بنات الواو فعل يفعل قالوا : متّ تموت ودمت تدوم والأجود : متّ تموت ودمت تدوم. فعل يفعل ففيه ثلاثة أبنية.

الثاني : ما فيه زائد وهو ينقسم ثلاثة أقسام

الأول : لا ألف وصل فيه.

والثاني : فيه ألف وصل.

والثالث : ملحق بالرباعي أفعل يفعل. واسم الفاعل : مفعل والمفعول : مفعل. وكان القياس أن يقولوا : يؤفعل فتثبت الهمزة في المضارع ولكنّهم حذفوها استثقالا وقد حذفوها وهي فاء الفعل في : كل وخذ وكان القياس أوكل أوخذ وقال أكثرهم : أومر. فاعل يفاعل فعالا ومفاعلة وهي التي لا تنكسر. فأمّا الفعال فربّما انكسر. وفوعل إذا أردت (فعل) فتقلب الألف واوا لإنضمام ما قبلها وكذلك كلّ ألف ينضمّ ما قبلها.

واسم الفاعل على : مفاعل والمفعول على مفاعل فعّل يفعّل تفعيلا وهو مفعّل والمفعول مفعّل تفاعل يتفاعل تفاعلا واسم الفاعل على : متفاعل والمفعول متفاعل تفعّل يتفعّل تفعّلا واسم الفاعل على متفعّل والمفعول متفعّل. وليس تلحق الياء شيئا من بنات الثلاثة ليس فيه

ص: 385

زيادة ولا تضم التاء في المضارع إذا قلت : ينفعل ولكن تفتحها لأنّها شبهت بألف الوصل ألا ترى أنّ العرب الذين يكسرون التاء والنون والهمزة في المضارع إذا كانت فيما فيه ألف وصل يكسرونها هاهنا فيقولون : أنت تتعهد وتتفاعل فيجرونها مجرى تنطلق وأنا أنطلق وأنت تنطلق فيضمون ذلك في جميع ما كانت فيه ألف الوصل وفي جميع ما كانت فيه التاء زائدة في أوله فلذلك خمسة أبنية.

ما فيه ألف الوصل من بنات الثلاثة :

انفعل ينفعل انفعالا وفعل فيه انفعل ينفعل والفاعل منفعل والمفعول منفعل ولا تلحق النون شيئا من الفعل إلّا انفعل وحده افتعل يفتعل افتعالا وفعل منه افتعل يفتعل استفعل يستفعل استفعالا وفعل منه استفعل استفعالا واسم الفاعل مستفعل والمفعول مستفعل افعاللت يفعالّ افعيلالا وتجري مجرى استفعلت في جميع ما تصرفت فيه لأنها في وزنها وإنّما أدغمت اللام في اللام فقيل : ادهامّ لأنّها ليست بملحقة ولو كانت ملحقة لما أدغمتها كما قالوا : جلبب يجلبب جلببة وفعلل : افعوّل ادهوّم أدهمياما واشهيبابا افعللت : احمررت احمرارا وفعل منه : احمرّ في هذا المكان وافرّ فيه يصفرّ اصفرارا.

وافعوعل يفعوعل افعيلالا نحو : اغدودن النبت يغدودن اغديدانا إذا نعم افعوّل يفعوّل افعوّالا نحو : اخروّط السّفر يخروّط اخروّاطا إذا طال السّفر وامتدّ قال الأعشى :

لا تأمن البازل الكرماء ضربته

بالمشرفي إذا ما اخروّط السّفر

وفعّل : اخروّط واعلوّط اعلواطا.

قال الجرمي : سألت : أبا عبيدة عن اعلّوطت المهر قال : ركبته عريا قال : وسألت الأصمعي عن ذلك فقال : اعتنقته فذلك سبعة أبنية فأمّا هرقت الماء فأكثر العرب يقول : أرقت أريق أراقة. وهو القياس.

ويقول قوم من العرب : هراق الماء يهريق هراقة فيجيء به على الأصل ويبدل الهاء من الهمزة ودمع مهراق قال زهير :

ص: 386

ولم يهريقوا بينهم ملء محجم

وقال امرؤ القيس :

وإن شفائي عبرة مهراقة

فهل عند رسم دارس من معوّل

وأما الذين قالوا : اهراق يهريق اهراقة فقد زادوها لسكون موضع العين من الفعل فأجروه مجرى الذين قالوا : اسطاع يسطيع اسطاعة فزادوا السين لسكون موضع العين من الفعل.

ص: 387

ما ألحق بالرباعي

اشارة

فعللت أفعلل فعللة. جلببت الرجل أجلبهه جلببة إذا ألبسته الجلباب وهي الملحفة والفاعل مجلبب فأجروه مجرى : دحرجت. فوعل يفوعل فوعلة : حوقل يحوقل حوقلة ، وذلك إذا أدبر عن النّساء يستعمل في كلّ مدبر. فيعل يفيعل فيعلة : بيطر يبيطر بيطرة وفعّل : بوطر فعول يفعول فعولة : هرول يهرول هرولة. فعليت أفعلي فعلاة : سلقيته أسلقيه سلقاة كان الأصل سلقية مثل دحرجة فقلبت الباء لإنفتاح ما قبلها ومعنى سلقاه : رمى به على قفاه افعنلى فإذا أرادوا فعل الرجل بنفسه قالوا : اسلنقى يسلنقي اسلنقاء فعنلته يقول بعضهم : قلسنته ويقول بعضهم : قلنسته أقلنسة قلنسة تفعلى وقالوا : قلسته فتقلس يتقلس تقلسيا دحرجته فتدحرج تدحرجا وكان الأصل تقلسوا ولكنّ الواو إذا كانت طرفا في الاسم وقبلها ضمة قلبت ياء فيعلته : شيطنته فتشيطن تشيطنا تفعول : سهوكته فتسهوك تسهوكا والمتسهوك : المدبر الهالك افعنلل قالوا : تفنجج يتفنجج اتفنجاجا ملحق باحرنجم وهي تجري مجرى استفعل في جميع ما تصرفت فيه فهذا جميع ما بنت العرب من الأفعال من بنات الثلاثة تمفعل وقد جاء حرفان شاذان لا يقاس عليهما قالوا : تمدرع من المدرعة يتمدرع تمدرعا وأكثرهم : تدرع يتدرع تدرّعا وهو القياس وهو أكثرهما وأجودهما وقالوا : تمسكن يتمسكن تمسكنا للمسكين وأكثرهم يقول : تسكّن يتسكن تسكنا وهو أجودهما وهو القياس وقال : تمندل بالمنديل يتمندل تمندلا إذا مسح يده بالمنديل وأكثرهم يقول : تندّل يتندل تندّلا وهو أجودهما فذلك اثنا عشر بناء.

بناء الأفعال من بنات الأربعة بلا زيادة

فعلل : دحرج يدحرج دحرجة وسرهف يسرهف سرهفة وقالوا : سرهافا قال العجاج :

سرهفته ما شئت من سرهاف

ص: 388

والمسرهف الحسن الغداء فعلل مكرر فإذا كان من المكرر قالوا : زلزلته زلزلة وزلزالا وبعض العرب يفتح هذا المكرر فيقول زلزلته زلزالا فإذا أردت اسم الفاعل قلت : هذا مزلزل ومدحرج.

ما فيه زيادة من الرباعي وألف الوصل

افعنلل يفعنلل افعنلالا : احرنجم يحرنجم احرنجاما والمحرنجم المجتمع بعضه إلى بعض افعللّ : اقشعرّ يقشعرّ اقشعرارا واطمأنّ يطمئنّ اطمئنانا فيجري مجرى : استعدّ يستعدّ استعدادا ، وأما قولهم : الطمأنينة والقشعريرة فهذا اسم فليس بمصدر على الفعل وليس في الأربعة ملحق إذ لم يكن للخمسة بناء تلحق به فذلك أربعة أبنية.

ص: 389

ذكر التصريف

اشارة

هذا الحدّ إنّما سمي تصريفا (1) لتصريف الكلمة الواحدة بأبنية مختلفة وخصوا به ما عرض في أصول الكلام وذواتها من التغيير وهو ينقسم خمسة أقسام : زيادة وإبدال وحذف وتغيير بالحركة والسكون وإدغام وله حدّ يعرف به.

الأول : الزيادة

اشارة

والزيادة تكون على ثلاثة أضرب : زيادة لمعنى وزيادة لإلحاق بناء ببناء وزيادة فقط لا يراد بها شيء مما تقدم فأمّا ما زيد لمعنى فألف (فاعل) إذا قلت : ضارب وعالم ونحو حروف المضارعة في الفعل نحو الألف في أذهب والياء في يذهب والتاء في تذهب والنون في نذهب ، وأما زيادة الإلحاق فنحو : الواو في كوثر ألحقته ببناء جعفر ، وأما زيادة البناء فنحو : ألف حمار وواو عجوز وياء صحيفة.

والحروف التي تزاد عشرة : الهمزة والألف والياء والواو والهاء والميم والنون والتاء والسين واللام يجمعها في اللفظ قولك : اليوم تنساه.

الأول : الهمزة

أمّا الهمزة فتزاد إذا كانت أول حرف في الاسم في ذوات الثلاثة فصاعدا بالزوائد في الاسم والفعل نحو : أفكل وأذهب وفي الوصل في ابن واضرب والهمزة إذا لحقت رابعة من أول الحرف فصاعدا فهي زائدة ، وإن لم يشتقّ منه ما تذهب فيه الزيادة ولا تجعله من نفس الحرف إلّا بثبت ، فإن سميته فأفكل وأيدع لم تصرفه وأنت لا تشتقّ منه ما تذهب فيه الألف وكذلك إن جاءت الهمزة مع غيرها من الزوائد في الكلمة فاحكم عليها بالزيادة نحو : اصليت وأرونان. ومحال أن تلحق رباعيّا أو خماسيّا ؛ لأن الزيادة لا تلحق ذوات الأربعة من أوائلها وهي من الخمسة أبعد فأما : أولق فالألف من نفس الحرف يدلّك على ذلك قولهم : ألق وإنّما

ص: 390


1- قال الجرجاني : التصريف : تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها ، وعلم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب.

أولق فوعل ولو لا هذا الثبت لحمل على الأكثر وكذلك : الأرطى لأنّك تقول : أديم مأروط ولو كانت الألف زائدة قلت : مرطى. وكذلك : إمّرة أمعة إنّما هو فعلة ؛ لأنه لا يكون أفعل وصفا والهمزة المضمومة والمكسورة كالمفتوحة ألا ترى أنك تسوّي بين أبلم وإثمد وإصليت وأرونان وإمخاض وإنّما هي من الصلت والرون والمخض وكذلك : ألندد إنّما هو من ألدد وأسكوب إنّما هو من السّكب ولا تزاد الهمزة غير أول إلّا بثبت فمن ذلك : ضهياء هي زائدة لأنك تقول : جرواض وحطائط ؛ لأن القصير محطوط ومن ذلك شملال شأمل لأنك تقول :شمللت الريح.

الثاني : الألف

الألف لا تزاد أولا ، وذلك محال لأنّها لا تكون إلا ساكنة ولا يجوز الابتداء بساكن وتزاد ثانية في (فاعل) ونحوه وثالثة في جماد ونحوه ورابعة في عطشى ومعزى وحبلى ونحوهنّ وخامسة في حلبلاب وجحجبى وحبنطى ونحو ذلك ولا تلحق الألف رابعة فصاعدا إلّا مزيدة وهي بمنزلة الهمزة أولا وثانية وثالثة ورابعة إلّا أن يجيء ثبت وهي أجدر بالزيادة من الهمزة لأنّها لا تكثر ككثرتها فإنّه ليس في الكلام حرف إلّا وبعضها فيه أو بعض الياء والواو ، فإن جاءت الألف رابعة وأول الحرف ونحو ذلك ولا تلحق الهمزة أو الميم ... فهي أصل نحو : أفعى وموسى ؛ لأن أفعى (أفعل) وموسى (مفعل) فإذا لم يكن ثبت فهي زائدة أبدا ، وأما (قطوطى) فهي فعوعل ؛ لأنه ليس في الكلام فعولى وفيه (فعوعل) مثل : عثوثل وحبركى ولم يجعل فعلعل ؛ لأن فعوعلا أولى به من باب صمحمح ودمكمك زعم أنّ الواو لا يكون أصلا في بنات الثلاثة فصاعدا فلذلك قال : قطوطى فعوعل فالألف إذا لحقت رابعة فهي زائدة ، وإن لم يشتقّ من الحرف ما يذهب فيه كما وجب في الهمزة إذا كانت أولا رابعة.

الثالث : الياء

وهي تكون زائدة إذا كانت أول الحرف رابعة فصاعدا كالهمزة في الاسم والفعل. نحو :يرمع ويربوع ويضرب وتكون زائدة ثانية وثالثة في مواضع الألف ورابعة في نحو : حذرية

ص: 391

وهي قطعة من الأرض وقنديل وخامسة نحو : سلحفية. وتلحق إذا ثنيت قبل النون الياء أخت الألف فإذا جاءت في كلمة تذهب فيما اشتقت منه فهي زائدة نحو : حذيم إنّما هو من حذمت وعثير إنّما هو من عثرت وسلقيته إنّما هو من سلقته وقلسيته وتقلّس لأنّهم يقولون :تقلنس وتقلس ومن ذلك قولهم في عيضموز عضاميز وفي عيطموس : عطاميس ومثل ذلك ياء عفرية وزبنية لأنك تقول : عفر وعفره وزبنه فمتى جاءت ملحقة فحكمها حكم الزيادة ، وإن جاءت الياء في حرف لا يجيء على مثال الأربعة والخمسة فهي بمنزلة ما يشتق منه ما ليس فيه زيادة لأنك إذا قلت : حماطة ويربوع كان بمنزلته لو قلت : ربعت وحمطت ؛ لأنه ليس في الكلام مثل : سبطر ولا مثل : دملوج ويهيرّ يفعلّ ؛ لأنه ليس في الكلام فعيلّ ولو كانت يهير مخففة الراء لكانت الياء هي الزائدة ؛ لأن الياء إذا كانت أولا بمنزلة الهمزة ألا ترى أن يرمعا بمنزلة أفكل. قال : ولا في الكلام أيضا (يفعلّ) اسما ولكنّهم قد يقولون : يهير خفيف وفي الكلام مثله فلمّا قالوه علمنا أنّه مشتقّ منه ، وأما يأجج فالياء فيه من نفس الحرف لو لا ذلك لأدغموا كما يدغمون في مفعل ويفعل وإنّما الياء هاهنا كميم مهدد. ويستعور الياء فيه أصلية بمنزلة عين عضرفوط ؛ لأن الحروف الزوائد لا تلحق ببنات الأربعة أولا إلّا الميم التي في الاسم الذي يكون على فعله.

الرابع : الواو

وهي تزاد ثانية في : حوقل وصومعة ونحوهما وثالثة في : قعود وعجوز وقسور ونحوها ورابعة في بهلول وقرنوة وخامسة في قلنسوة وقمحدوة ونحوهما وفي : عضرفوط كما لحقت الياء خندريس وهي كالياء إذا ألحقت بنات الثلاثة ببنات الأربعة والأربعة ببنات الخمسة فهي زائدة في الأسماء والأفعال التي يشتقون منها فالذاهب فيه بمنزلة الهمزة أولا أن يجيء ثبت وهو أولى أن تكون زائدة من الهمزة قالوا : جهورت وإنّما هي من الجهارة وقسور من الإقتسار وعنفوان إنّما هو من الإعتناف وقرواح إنّما هو من القراح وأمّا : ورنتل فالواو من نفس

ص: 392

الحرف ؛ لأن الواو لا تزاد أولا أبدا وقرنوة : فعلوة ؛ لأنه ليس مثل قحطبة فهو بمنزلة ما أذهبه الاشتقاق.

الخامس : الهاء

وهي تزاد لتتعّين بها الحركة وقد بينا ذلك وبعد ألف المدّ الندبة والنداء : واغلاماه ويا غلاماه.

السادس : الميم

وهي تزاد أولا في : مفعول ومفعل ومفعل ومفعال والميم بمنزلة الألف يعني الهمزة فموضع زيادتها كموضع زياتها وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولا في الاسم والصفة فمنبج : مفعل لذلك فأمّا المعزى فالميم من نفس الحرف لقولك : معز ومعدّ مثله لقولهم : تمعدد لقلة (تمفعل) في الكلام ، وأما مسكين فمن تسكّن وقالوا : تمسكن مثل تمدرع في المدرعة.

وتمفعل شاذّ ، وأما منجنيق فالميم فيه من نفس الحرف صار الاسم رباعيّا لأنّك جعلت النون من نفس الحرف والزيادات لا تلحق بنات الأربعة أولا إلا الأسماء الجارية على أفعالها نحو : مدحرج ، وإن جعلت النون زائدة لم يجز أن تكون الميم زائدة فيجتمع حرفان زائدان في أول الاسم وهذا لا يكون في الأسماء ولا الصفات التي ليست على الأفعال المزيدة.

والهمزة التي هي نظيرة الميم ولم يقع بعدها أيضا زائد في الكلام فمنجنيق بمنزلة عنتريس فهي فنعليل والنون زائدة ويقوي ذلك قولهم : مجانيق فحذفوا النون ومنجنون فعللول بمنزلة عرطليل إلّا أنّ موضع الياء واو ويجمع مناجين.

فالميم أصلية لما أخبرتك وكذلك ميم مأجج ومهدد ولو كانتا زائدتين لأدغمتا كمردّ ومفرّ وإنّما مهدد ملحق بجعفر ومرعزاء (مفعلاء) ولكن كسرت الميم إتباعا للكسرة التي في العين كما قالوا : منخر يدلّ على ذلك قولهم : مرعزّى ومكورّى مثله وهو العظيم الروثة مأخوذ من كوّره إذا جمعه وقالوا : يهيرّي فليس شيء من الأربعة على هذا المثال لحقته ألف التأنيث ؛ لأن (فعللّى) لم يجيء. وقالوا : يهير فحذفوا كما قالوا : مرعز وقال بعضهم : مكورّ.

ص: 393

وقال سيبويه : مراجل ميمها من نفس الحرف قال العجاج : بشية كشية الممرجل.

والممرجل : ضرب من ثياب الوشي والميم إذا جاءت في أول الكلام فإنّه يحكم بزيادتها ، فإن جاءت غير أول فإنّها لا تزاد إلا بثبت لقلتها وهي غير أول زائدة وقالوا : ستهم وزرقم يريدون : الأستة والأزرق.

السابع : النون

وهي تزاد في فعلان خامسة : عطشان ونحوه. وسادسة في زعفران ونحوه ورابعة في : رعشن والعرضنة ونحوهما وفيما يصرف من الأسماء وفي الفعل الذي تدخله النون الخفيفة والثقيلة.

وفي تفعلين وفي فعل النساء إذا جمعت نحو : فعلن ويفعلن وفي تثنية الأسماء وجمعها وفي (نفعل) تكون أولا وثانية في عنسل وثالثة في قلنسوة.

وتكثر في فعلان وفعلان للجمع.

وتكثر في فعلان مصدرا ، وأما فعلان فعلى فقال سيبويه : النون فيه بدل من همزة (حمراء) ولا يجعلها زائدة فيما خلا ذا إلّا بثبت.

ولو سميت رجلا : نهشلا أو نهسرا لصرفته ولم تجعله زائدا كالياء والألف وكذلك نون عنتر لا تجعلها زائدة فأمّا عنسل فالنون زائدة لأنهم يريدون : العسول وكذلك العنبس ؛ لأنه مشتقّ من العبوس ونون عفرنى زائدة من العفر ونون بلهنية من قولك : عيش أبله ونون فرسن لأنّها من فرست ونون خنفقيق ؛ لأن الخنفقيق الخفيفة من النساء الجريئة.

قال سيبويه : وإنّما جعلها من خفق يخفق كما تخفق الريح يقال : داهية خنفقيق. ومن ذلك :البلنصى تقول للواحد : البلصوص ومثل ذلك عقنقل وعصنصر لأنك تقول : عقاقيل وتقول :عصاصير وعصيصير ولو لم يوحد هذان لكانت النون زائدة ؛ لأن النون إذا كانت ثالثة ساكنة في هذا المثال فهي زائدة ولا تجعل النون فيها زائدة إلّا باشتقاق من الحروف ما ليس فيه نون

ص: 394

لأنّها تكثر في هذا وتلحق البناء بالبناء فيما كان على خمسة أحرف نحو : حبنطى وجحنفل ودلنظى وقلنسوة وهذه النون في موضع الزوائد نحو ألف عذافر وواو فدوكس وياء سميدع.

والنون والألف يتعاوران الاسم في معنى واحد نحو : شرنبث وشرابث وجرنفس وجرافس وقالوا : عرنتن وعرتن فحذفوا كعلبط وما جاء من هذا بغير نون نحو : عوطط وجندب وعنصل وخنفس وعنظب النون زائدة ؛ لأنه لا يجيء على مثال : فعلل شيء إلّا وحرف الزيادة لازم له وأكثر ذلك النون ثانية فإنّما جعلت نوناتهنّ زوائد ؛ لأن هذا المثال تلزمه حروف الزوائد كما جعلت النونات فيما كان على مثال احرنجم زائدة ؛ لأنه لا يكون إلّا بحرف الزيادة وما اشتقّ من هذا النحو مما ذهبت فيه النون قنبر لأنهم قالوا قبّر لو لم يشتق منه ولا من ترتب لكان علمك بلزوم حرف الزيادة هذا المثال بمنزلة الإشتقاق وكذلك : سندأو وحنطأو للزوم النون والواو هذا المثال ، وأما نونا دهقان وشيطان فلا تجعلهما زائدتين لقولهم : تدهقن وتشيطن.

وإذا جاء شيء على فعلان فلا تحتاج فيه إلى الاشتقاق ؛ لأنه لم يجىء شيء آخره من نفس الحرف على هذا المثال فإذا رأيت الشيء فيه من حروف الزوائد شيء ولم يكن على مثال ما آخره من نفس الحرف فاجعله بمنزلة المشتقّ الذي تسقط معه حروف الزيادة ، وأما جندب فالنون فيه زائدة لأنّك تقول جدب لو لا ذلك لكانت أصلا ونون عرند زائدة لقولهم : عردّ ولأنّه ليس في الأربعة على هذا المثال ، وإذا كانت ثانية ساكنة فلا تزاد إلّا بثبت ، وذلك نحو : حنزقر وعندليب ، وإذا كانت ثانية متحركة أو ثالثة فلا تزاد إلّا بثبت ، وذلك جنعدل وخدرنق ، وأما كنهبل فالنون فيه زائدة ؛ لأنه ليس في الكلام على مثال سفرجل وقرنفل مثله ، وأما القنفخر فالنون زائدة لأنك تقول : قفاخريّ في هذا المعنى.

وكنتأل النون زائدة ؛ لأنه ليس مثل جردحل يقال : خنثعبة وخنثعبة بكسر الخاء وضمها إذا كانت غزيرة.

ص: 395

الثامن : التاء

وهي تؤنث بها الجماعة نحو : منطلقات. ويؤنث بها الواحد نحو : هذه طلحة وحمزة ورحمة وبنت وأخت وتلحق رابعة نحو : سنبتة وخامسة نحو : عفريت وسادسة نحو : عنكبوت ورابعة أولا فصاعدا في تفعل أنت وتفعل وفي الاسم كتجفاف وتنضب وترتب فالذي بين لك أنّ التاء زائدة في تنضب أنه ليس في الكلام مثل جعفر وكذلك التتفل لأنّهم قد قالوا : التّتفل فهذا بمنزلة ما اشتقّ منه ما لا تاء فيه وكذلك ترتب وتدرأ لأنّهما من رتب ودرأ وكذلك جبروت وملكوت لأنّهما من الملك والجبرية وكذلك عفريت ؛ لأنه من العفر وكذلك عزويت ؛ لأنه ليس في الكلام فعويل ولا يجوز أن يكون : عزويت (فعليل) ؛ لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة وكذلك : الرّغبوت والرّهبوت ؛ لأنه من الرغبة والرّهبة وكذلك :التّحلىء والتّحلئة لأنّها من حلأت وحلئت وكذلك السنبتة من الدهر ؛ لأنه يقال : سنبة من الدهر وكذلك التّقدّميّة لأنّها ممن قدمت وكذلك : التّربوت ؛ لأنه من الذّلول يقال للذلول مدرّب والتاء الأولى مكان الدّال كما قالوا : الدّولج في التّولج وكما قالوا : ستّة فأبدلوا التاء مكان الدال ومكان السين وكما قالوا : سبنتى وسبنداء واتّغر وادّغر والعنكبوت والتّخربوت لأنّهم قالوا : عناكب وقالوا : العنكباء فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء وكذلك : تاء أخت وبنت وثنتين وكلتا لحقن للتأنيث وبنين بناء ما لا زيادة فيه من الثلاثة وكذلك تاء هنت ومنت يريد :هنه ومنه وكذلك : التّجفاف والتّمثال لأنّهما من جفّ ومثل وكذلك : التنبيت والتمتين لأنّهما من المتن والنّبات ولو لم يجيء ما تذهب فيه التاء لعلمت أنّها زائدة ؛ لأنه ليس في الكلام مثل :قنديل ومثل ذلك : التّنوط ؛ لأنه ليس في الكلام مثال (فعلّل) وهو من ناط ينوط ومثله التّهبط وترنموت من التّرنم.

واعلم أنّ التاء لم تجعل زائدة فيما جاءت فيه إلّا بثبت لأنّها لم تكثر في الأسماء والصفات ككثرة الأحرف الثلاثية نعني : الألف والياء والواو والهمزة والميم وإنّما كثرتها في الأسماء للتأنيث إذا جمعت أو الواحدة التي الهاء فيها بدل من التاء إذا وقعت ولا تكون في الفعل ملحقة ببنات الأربعة فكثرتها في هذا في الأفعال في افتعل واستفعل وتفاعل وتفوعل وتفعول

ص: 396

وتفعّل وكثرت في (تفعّل) مصدرا وفي تفعال وفي التفعيل ولا تكون إلّا مصدرا وحقّها أن لا تجعل زائدة إلّا بثبت.

التاسع : السين

تزاد في استفعل.

العاشر : اللام

وهي تزاد في ذلك وفي عبدل.

فأمّا الزيادة من غير حروف الزيادة فأن يتكرّر الحرف إذا جاوزت الثلاثة نحو : قردد ومهدد وقعدد ورمدد وجبنّ وخدبّ وسلّم ودنّب وكذلك جميع ما كان من هذا النحو وكذلك : شملال وبهلول وعدبّس وصمحمح وبرهرهة هذا ضوعفت فيه العين واللام والذي أذهب إليه في جميع هذا أنّ الزوائد : الثاني الذي قد تكرر.

واعلم أنّ النحويين قد جعلوا الفاء والعين واللام أمثلة للحروف الصحاح فيقولون : جمل وزنه : فعل وجمال : فعال وجميل : فعيل وعجوز : فعول وضارب : فاعل فيوازنون الأصول بالأصول من الفاء والعين واللام وينطقون بالزّوائد بألفاظها فإذا قالوا : فاء هذا الحرف وواو أو ياء فإنّما يعنون أن أول حرف منه أصلي واو أو ياء وكذلك إذا قالوا : عينه كذا أو لامه كذا فإنّما يعنون الثاني الأصلي الذي هو عين والثالث الأصلي الذي هو لام فإذا تكرر الحرف الأصلي بعد تمام الثلاثة كرروا اللام.

الثاني من القسم الأول : وهو الإبدال

اشارة

لغير إدغام وهو أحد عشر حرفا ثمانية منها من حروف الزوائد وثلاثة من غيرهن : الهمزة والألف والياء والواو والتاء والدال والطاء والميم والجيم والهاء والنون.

الأول : الهمزة

وهي تبدل من ثلاثة أشياء : تبدل من الياء إذا كانت لاما في نحو : قضاء وسقاء كان الأصل : قضاي وسقاي ؛ لأنه من : قضيت وسقيت والملحق بمنزلة الأصل وذلك : القيقاء

ص: 397

والزّيزاء بمنزلة العلياء ملحق بسرداح ويدلّك على أنّها ملحقة زائدة أنه لا يكون في الكلام على مثاله إلّا مصدر.

ويدلّك على أنّ الهمزة في : قيقاء وزيزاء مبدلة من ياء قولهم : قواق فجعلوا الياء الأولى مبدلة من واو مثل (قيل) فعلباء وقيقاء. مثل درحاية وإنّما هي فعلاية.

وتبدل من الواو إذا كانت لاما نحو : كساء. وعزاء تبدل من الواو إذا كانت الواو عينا مضمومة في أدور وأنور ولك أن لا تهمز وكلّ واو مضمومة لك أن تهمزها إن شئت إلّا واحدة فإنّهم اختلفوا فيها وهو قوله عز وجل : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). وما أشبهها من واو الجمع فأجاز بعض الناس الهمزة وهم قليل والإختيار غير ما قالوا ، وإذا اجتمعت واوان في أول الكلمة ولم تكن الثانية مدة فالهمزة لازمة تقول في تصغير واصل : أويصل.

قال سيبويه : سألت الخليل عن فعل من وأيت فقال : وؤي فقلت فيمن خفّف فقال أوي فأبدل من الواو همزة وقال : لا تلتقي واوان في أول الحرف.

قال المازني : الذي قال خطأ. ؛ لأن الواو الثانية منقلبة من همزة ؛ فإن كانت الواو أولا وكانت مضمومة فأنت في همزها بالخيار أعد في وعد وأجوة من وجوه ، وإن كانت غير مضمومة فقد جاء الهمز في بعض ذلك نحو : إسادة في وسادة وإشاح في وشاح.

وتبدل من الألف المنقلبة ومن الألف الزائدة إذا وقعت بعد ألف ، وذلك (فاعل) إذا اعتلّ فعل منه نحو : قام فهو قائم وباع فهو بائع ومن شأنهم إذا اعتلّ الفعل أن يعل اسم الفاعل الجاري عليه وكان أصل قام : قوم وأصل باع : بيع فأبدلت الياء والواو ألفين فلمّا صرف منه فاعل وقعت الألف بعد ألف فلم يمكن النطق بهما لأنّهما ساكنتان والألف لا تتحرك فقلبت همزة وقيل : إنّها همزت ؛ لأن أصل الياء السكون في : يقول ويبيع فوقعت بعد ساكن فهمزت وكذلك الألف الزائدة إذا وقعت بعد ألف نحو ألف رسالة إذا جمعتها قلت : رسائل ؛ لأن الألف وقعت بعد ألف فهمزت وشبهت ياء صحيفة وواو عجوز بألف رسالة فقالوا : صحائف ورسائل وعجائز فهمزوا ، وأما قولهم : الشّقاوة والنّهاية ، فإن هذا بني من الهاء في أول أحواله.

ص: 398

فلم تكن الياء والواو حرف إعراب فيها ولو بني على التذكير كان مهموزا كقولهم : عباءة وصلاءة وعظاءة وهذا أصل قبل دخول الهاء ، وأما قولهم : غوغاء ففيها قولان : أمّا من قال :غوغاء فلم يصرف فهي عنده مثل : عوراء ، وأما من صرف وذكر فهي عنده بمنزلة : القمقام والهمزة مبدلة من واو وأبدلوا الهمزة من الهاء في موضع اللام من ماء يدلّ على ذلك تصغيرها موية وفي الجمع مياه وأمواه.

وزعم أبو زيد : أنّ العرب تقول : ماهت الركية تموه موها إذا ظهر ماؤها وأماهها صاحبها يميهها إماهة.

الثاني : الألف
اشارة

الألف تبدل من الياء والواو والهمزة والنون الخفيفة.

الضرب الأول : إبدال الألف من الياء

وهي تبدل منها في ثلاثة مواضع :

الأول : تبدل وهي لام وعين وفاء أما اللام فنحو : بعت وقضيت إذا وقعت الياء والواو موقعا تتحركان فيه مثل ضرب قلت : رمى وغزا فقلبت الياء والواو ألفا لأنّهما في موضع حرف متحرك وقبلها فتحة وكذا حقّ الياء والواو إذا وقعتا بهذه الصيغة وكذلك : يرمي ويرى ، وإذا كان الماضي من هذا على (فعل) فمضارعه على يفعل يلزم العين الكسرة لتثبت الياء ولا يقع فيه (يفعل) كيلا تنقلب الياء واوا وكذلك فعل فيه من الواو نحو : غزا يلزمه يفعل فتقول : يغزو وتدخل فعلت عليهما فتقول : خشيت واللام ياء ؛ لأنه من خشيه وتقول :غبيت فالأصل واو ؛ لأنه من الغباوة ، وأما فعل فلا يكون فيما لامه ياء.

ويكون لامه واو نحو : سرو يسرو ولم يقع هذا في الياء استثقالا له لأنّهم قد يفرون من الواو إلى الياء.

والياء إذا كانت ملحقة فحكمها حكم الأصل تعلّ كما تعلّ نحو : سلقيت وجعبيت تقول : سلقى وجعبى.

ص: 399

واعلم أنّ آخر المضاعف من بنات الياء يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف فحكم : حييت حكم خشيت فالموضع الذي تعلّ فيه لام خشيت تعلّ لام حييت فتقول : حيي يحيا كما تقول : خشي يخشى فتنقلب الياء ألفا ولا يجمع على الحرف أن تعلّ لامه وعينه فيختلّ وتقول : محيا كما تقول : مخشى ويحيا مثل يخشى وكذلك يعيى وقالوا محيا كما قالوا مخشى فإذا وقع شيء من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة وياء يرمي وكانت حركة غير مفارقة ، فإن الإدغام جائز فيه ، وذلك قولك : قد حيّ في هذا المكان وقد عيّ بأمره ، وإن شئت قلت : قد حيي والإدغام أكثر ؛ لأن لام رمى وخشي في هذا الموضع بمنزلة الصحيح إذا كانا قد لزمها الحركة ولم يعلّا ومثل ذلك : قد أحي البلد كما تقول : أرمى يا هذا فتصحّ فلمّا ضاعفت صارت بمنزلة مدّ وأمدّ وقال عز وجلّ : (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وكذلك قولهم : حياء وأحيّة لأنّك لو قلت : أرميّه للزم الياء الحركة ورجل عييّ وقوم أعياء ؛ لأن الحركة لازمة فإذا قلت : فعلوا وأفعلوا قلت : حيوا كما تقول خشوا فتذهب الياء ؛ لأن حركتها قد زالت كما زالت في : (ضربوا) فتحذف لالتقاء الساكنين ولا تحرك بالضمّ لثقل الضمة في الياء وأحيوا مثل أخشوا.

قال الشّاعر :

وكنّا حسبناهم فوارس كهمس

حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا

وقد قال بعضهم : حيّوا وعيّوا لما رأوها في الواحد والإثنين في المؤنث إذا قالوا : حيّت المرأة بمنزلة المضاعف غير المعتلّ قال الشّاعر :

عيّوا بأمرهم كما

عيّت ببيضتها الحمامه

فهؤلاء عندي إنّما أدخلوا الياء بعد أن قالوا في الواحد حيّ فأجروه عليه.

وقد قال ناس من العرب : حيي الرجل وحييت المرأة فبين وجرى على القياس.

قال سيبويه : وأخبرنا بهذه اللغة يونس قال : وسمعنا من العرب من يقول : أعيياء وأحيية فيبين وأحسن ذلك أن يخفيها وتكون بزنتها متحركة ، وإذا لم تكن الحركة لازمة لم تدغم كما قال عزّ وجلّ : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : 40].

ص: 400

وتقول : رجل معيبة فتبين ؛ لأن الهاء غير لازمة وكذلك محييان ومعيبان وحييان إذا ثنيت الحيا الذي تريد به الغيث ، وأما تحية فهي تفعلة والهاء لازمة.

قال سيبويه في باب حيّيت : ومما جاء في الكلام على أنّ فعله مثل : بعت : آي وغاية وآية وهذا ليس بمطرد وهو شاذ وهو قول الخليل.

وقال غيره : إنّما هي أيّة وأي فعل ولكنّهم قلبوا الياء وأبدلوا مكانها الألف لاجتماعهما كما تكره الواوان وكما قالوا : ذوائب فأبدلوا الواو كراهية الهمزة ، وأما الخليل فكان يقول : جاء على أن فعله معتلّ ، وإن كان لم يتكلم به كما قالوا : قود فجاء كأنّ فعله على الأصل.

وجاء استحيت على حاي مثل باع وقياس فاعله أن يكون حاء في مثل بائع مهموز ، وإن لم يستعمل وكان أصل استحيت استحييت مثل استبيعت فأعلوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فقالوا : استحيت كما قالوا : استبعت. قال سيبويه : حذفت لالتقاء الساكنين قال :وإنّما فعلوا ذلك حيث كثر في كلامهم.

قال المازني : لم تحذف لالتقاء الساكنين ولو كانت حذفت لالتقاء الساكنين لردّها إذا قال :(هو يفعل) فيقول : هو يستحي. فاعلم.

والذي عندي في ذلك : أنّها حذفت استثقالا لمّا دخلت عليها الزوائد السين والتاء وقول المازني في هذا عندي أقرب وقولهم للاثنين استحيا دليل على أنّه لم تحذف لالتقاء الساكنين ولو ردوا في يستحي فجعلوه مثل يستبيع على ما قال سيبويه لوجب أن يقال : يستحيّ والأفعال المضارعة إذا كان آخرها معتلا لم يدخلوا الرفع في شيء من الكلام وهذا أصل مطرد فيها ولهذا قيل : يحي ولم تحذف الياء الأخيرة ولو وقع مثل هذا في الأسماء لحذفت كما حذفوا في تصغير عطاء وأحوى فقالوا : عطيّ وأحيّ ؛ لأن الأسماء قد تعرب إذا أعللت أواخرها فأمّا قولهم :

يحيى فإنّما جاز ذلك فيه محييّ وهو اسم ؛ لأنه اسم فاعل جاء على فعله فحكمه حكمه ؛ لأن الأسماء الجارية على أفعالها تعتلّ باعتلالها فمحيّ نظير يحيي فهذا فرق بينهما وفيه لطف.

واعلم أنّ افعاللت من رميت بمنزلة أحييت في الإدغام والبيان والخفاء وهي متحركة تقول : ارماييت فيلزمها ما يلزم ياء أحييت وكذلك افعللت وتقول : ارمويّ في هذا المكان كما

ص: 401

قلت : حيّ وأحيّ فيه ؛ لأن الفتحة لازمة ولا تقلب الواو ياء لأنّها كواو سوير وهي زائدة لا تلزم وتكون ألفا في سائر.

ومن قال : أحيي فيها قال : أرميني أرموبي فيها.

وافعللت من حييت بمنزلتها من رميت فافعللت بمنزلة ارمييت إلّا أنه يدركها من الإدغام مثل ما يدرك اقتتلت وتبين كما تبين لأنهما ياءان في وسط الكلمة كالتاءين في وسطها ولك أن تخفي كما تخفي في التاءين لا فرق بينهما في ذلك وإنّما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا مثل رددت فيلزمه الإدغام أنّه في وسط الحرف وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.

قال سيبويه : سألته يعني الخليل عن قولهم : معايا فقال : الوجه معاي وهو المطرد وكذلك قال يونس وإنّما قالوا : معايا كما قالوا : مدارى وكانت الكسرة مع الياء أثقل.

الثاني : العين

الألف تبدل من الياء والواو إذا كانتا عينين وكانتا متحركتين وقبلهما فتحة كاللام لا فرق بينهما ، وذلك نحو : قال وباع وخاف والأسماء نحو : باب ودار وناب فالواو والياء تقلب في جميع ذلك لأنّهما متحركتان قبلهما فتحة فهذا يعود مستقصى في باب إبدال الألف من الواو وهي عين وقالوا : العاب يريدون : العيب فهؤلاء بنوها على فعل وقالوا : أحال البئر وحولها قال الجرمي : فأبدلوا الألف من الواو. وليس الأمر عندي كما قال ولكنّهما لغتان ؛ لأن الواو في هذا الموضع لا يجب أن تقلب. وقالوا : مات فأبدلوا الألف من الواو.

الثالث : إبدالها من الفاء

منهم من يقول في يئس ويبس. ياتئس وياتبس فأبدلوا من الياء الفاء.

الضرب الثاني : إبدال الألف من الواو
اشارة

تبدل الواو لاما وعينا وفاء.

الأول : تبدل الواو لاما نحو : غزوت إذا أوقعتها موقعا تتحرك فيه نحو : ضرب قلت :غزا فقلبت الواو ألفا لأنّها في موضع حرف متحرك وقبلها متحرك يفعل فيه يلزمه يفعل

ص: 402

لتصحّ الواو فتقول : يغزو وفعلت يدخل عليها نحو : شقيت وهو من الشقوة ، وأما فعل فيكون في الواو نحو : سرو ويسرو والدّوداة والشوشاة والأصل : دودة فقلبت وهذا مضاعف كالقمقام والموماة مثله بمنزلة المرمر ولا تجعل الميم زائدة.

قال سيبويه : لا تجعلها بمنزلة تمسكن ؛ لأن ما جاء هكذا والأول من نفس الحرف هو الكلام الكثير ولا تكاد تجد في هذا الضّرب الميم زائدة ، وأما قولهم : الفيفاة فالألف زائدة لأنّهم يقولون الفيف في هذا المعنى ، وأما القيقاء والزّيزاء فهو (فعلاء) ملحق بسرداح ؛ لأنه لا يكون في الكلام مثل القلقال إلّا مصدرا.

إبدال الألف من الواو وهي عين

الأول : ما الواو فيه والياء ثانية وهما في موضع العين في الفعل : فعل وفعل وفعل تبدل في جميع هذا الإلف من الياء والواو ، وذلك قولهم : قال وهو فعل من القول وخاف فعل من الخوف.

وطال فعل من الطول يدلّك على ذلك طلت وطويل والياء في هذا كالواو.

الثاني : ما الواو فيه ثانية وهي في موضع العين في الاسم

اعلم أنّه ما جاء من الأسماء وساق وزن الفعل المعتلّ أعلّ وما خالف منها بناء الفعل صحّ فالمعتلّ نحو : باب ودار وساق ؛ لأن ذلك على مثال الأفعال وربّما جاء على الأصل في الاسم نحو : القود والحوكة والخونة والجورة وكذلك : (فعل) ، وذلك خفت ورجل خاف وملت ورجل مال ويوم راح وقد جاء على الأصل قالوا : رجل روع وحول ، وأما فعل فلم يجيئوا به على الأصل كراهية للضمة في الواو ولما يصيرون إليه من الإسكان والهمز وفعل في كلامهم نحو طال ويدلّك على أنّه فعل قولهم : طلت وطويل وفعل على الأصل ؛ لأنه لا يكون فعلا معتلّا فيجري على فعله وما لم يكن له مثال في الفعل قد أعلّ لم يعلّ ، وذلك قولهم : رجل نوم وسولة ولومة وعيبة وكذلك إن أردت نحو : إبل قلت : قول ومن البيع بيع فأمّا (فعل) ، فإن الواو تسكن لإجتماع الضمتين والواو ، وذلك قولهم : عوان وعون ونوار ونور وقوول :قول وألزموا هذا الإسكان إذ كانوا يسكنون (رسل) ولم يكن لأدؤر وقؤول مثال من غير

ص: 403

المعتلّ يسكن فيشبه هذا به ويجوز تثقيل فعل في الشعر وفعل في بنات الياء بمنزلة غير المعتل نحو : غيور وغير ودجاج بيض ومن قال : رسل قال : بيض.

قال الأخفش : أقول في فعلة من البيع : بوعة ولا أغير إلّا في الجمع وهو مذهب أبي العباس.

إبدال الهاء من الواو وهي فاء

ذكر سيبويه في : وجل يوجل أربع لغات فأجودهنّ وأكثرهنّ يوجل وهي الأصل قال الله عز وجل : (لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) [الحجر : 53].

ويقول قوم : أنت تيجل فيكسرون التاء ويقلبون الواو ياء لانكسار ما قبلها وهي لغة تميم وعامة قيس ومن العرب من يكره الياء مع الواو فيقلب الواو فيقول : ياجل وهي لغة معروفة وقوم من العرب يكسرون الياء فيقولون : هو ييجل فيكسرون الياء فتنقلب الواو ياء وليس ذلك بالمعروف.

الضرب الثّالث : إبدال الألف من النون

الألف تبدل من النون الخفيفة في ثلاثة مواضع :

أحدها : التنوين في الصرف في الاسم المنصوب تقول : رأيت زيدا إذا وقفت فإذا وصلت جعلتها نونا ، وإذا وقفت جعلتها ألفا.

والثاني : النون الخفيفة في الفعل إذا انفتح ما قبلها في قولك : اضربن زيدا بالنون الخفيفة فإذا وقفت قلت اضربا.

والثالث : قولك : إذن آتيك فإذا وقفت قلت : إذا. قال الله عز وجلّ : (وإذن (لا يَلْبَثُونَ) خلفك (إِلَّا قَلِيلاً)(1) [الإسراء : 76] إذا وقفت عليها قلت : (إذن).

ص: 404


1- اختلفوا في كسر الخاء وإثبات الألف في قوله عز وجل : (خَلْفَكَ.) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية أبي بكر : لا يلبثون خلفك. حفص ، عن عاصم : (خِلافَكَ.) وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : (خِلافَكَ). - زعم أبو الحسن : أنّ خلافك في معنى خلفك ، وأن يونس روى ذلك عن عيسى ، وأن معناه : بعدك ، فمن قرأ : (خَلْفَكَ) و (خِلافَكَ) فهو في تقدير القراءتين جميعا على حذف المضاف ، كأنه : لا يلبثون بعد خروجك ، وكان حذف المضاف في الآية [الحجة للقراء السبعة : 5 / 114]
[إبدال الياء]
إبدال الياء من الواو

إبدالها من اللامات في (شقيت) وهي متحركة مفتوحة وقبلها كسرة والواو إذا كان قبلها حرف مضموم في الاسم وكانت حرف الإعراب قلبت ياء وكسر المضموم ، وذلك قولهم : دلو وأدل وحقو وأحق كان الأصل : أدلو وأحقو قلبت الواو ياء ، فإن كان قبل الواو ضمة ولم يكن حرف الإعراب ثبتت ، وذلك نحو : عنفوان وقمحدوة وقالوا : قلنسوة فأثبتوا ثم قالوا :قلنس فأبدلوا لما صارت طرفا وقبلها ضمة ، وإذا كان قبل الياء والواو حرف ساكن جرتا مجرى غير المعتل ، وذلك نحو : ظبي ودلو ومن ثم قالوا : مغزو وعثوّ ؛ لأن قبل الواو ساكنا وقالوا : عتيّ ومغزيّ شبهوها حين كان قبلها حرف مضموم ولم يكن بينهما إلّا حرف ساكن بأدل والوجه في هذا النحو الواو والأخرى عربيّة كثيرة ، فإن جاء مثل هذا الواو في جمع فالوجه الياء ، وذلك قولهم : في جمع ثدي : ثديّ وعصيّ وحقيّ.

وقال بعضهم : إنّكم لتنظرون في نحو كثيرة فشبهوها : بعتوّ وهذا قليل وألزم الجمع الياء لأنّهم يقولون في : صوّم : صيّم وهو أبعد من الطرف.

فكان هذا أوجب. وقد يكسرون أول الحرف لما بعده من الكسر والياء وهي لغة جيدة ، وذلك قولهم : عصيّ وثديّ وعتيّ وجثيّ وقد أبدلت الياء من الواو استثقالا من غير شيء مما تقدم فقال الشاعر :

وقد علمت عرس مليكة أنّني

أنا الليث معديا عليه وعاديا

وقالوا : يسنوها المطر وهي أرض مسنية وقالوا : مرضيّ وأصله الواو وقالوا : مرضوّ فجاءوا به على الأصل والقياس.

وهذه الواو إذا كانت لاما وقبلها كسرة قلبت ياء ، وذلك نحو : غاز وغزي.

ص: 405

قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن غزي وشقي إذا خفف في قول من قال : علم ذاك وعصر في عصر فقال : إذا فعلت ذلك تركتها ياء على حالها لأني إنّما خففت ما قد لزمته الياء وإنّما أصلها التحريك وقلب الواو ألا تراهم قالوا : لقضو الرجل ولقضو.

قال : وسألته عن قول بعض العرب : رضيوا فقال : هي بمنزلة : غزي ؛ لأنه أسكن العين ولو كسرها لحذف ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان حيث كانت لا تدخلها الضمة وقبلها الكسرة والواو كذلك تقول : سرووا على الإسكان وسروا على إثبات الحركة وفعلى من بنات الواو إذا كانت اسما فالياء مبدلة من الواو ، وذلك قولك : الدّنيا والعليا والقصيا.

وقد قالوا : القصوى فأجروها على الأصل لأنّها قد تكون صفة بالألف واللام وهي من :دنوت وعلوت يقولون : قضا يقضو وهو قاض ويجري (فعلى) من بنات الياء على الأصل اسما وصفة.

وأمّا فعلى منهما فعلى الأصل صفة واسما يجريهما على القياس ؛ لأنه أوثق ما لم تتبين تغيرا منهم.

إبدال الياء من الواو

تقلب الواو ياء في شقيت وغبيت لإنكسار ما قبلهما فإذا قالوا : يشقى ويغبى قلبوها ألفا لإنفتاح ما قبلها ، وإذا قالوا : يشقيان ويغبيان قلبوا الواو ياء ليكون المضارع كالماضي ، وإذا كان : فعلت مع التاء على خمسة أحرف فصاعدا وكان الفعل ممّا لامه واو قلبت ياء ، وذلك قولك : أغزيت وغازيت واسترشيت وإنّما فعل ذلك لأنّك إذا قلت منه يفعل انكسر ما قبل الواو فقلبت الواو ياء لذلك ثمّ اتبع الماضي المستقبل ، فإن قال قائل : فما بال قولهم : تغازينا ومستقبله يتغازى وما قبل اللام مفتوح في الماضي والمستقبل قيل له : إنّ الأصل كان قبل دخول التاء في (تغازينا) غازينا نغازي (فاعل) غازي من أجل اعتلال (يغازي) ثم دخلت التاء بعد أن وجب البدل ومن ذلك قولهم : ضوضيت وقوقيت الياء مبدلة من واو ؛ لأنه بمنزلة : صعصعت تكررت فيه الفاء والعين ولكنّهم أبدلوا الواو إذ كانت رابعة ياء والمضاعف من بنات الواو ممّا عينه ولامه واوان لا يثبتان في (فعل) ويلزمان في الماضي ان يبنيا

ص: 406

على (فعل) حتى تنقلب الواو التي هي لام ياء ، وذلك قولهم : من القوة : قويت ومن الحوة :حويت وقوي وحوي ولم يقولوا : قد قوّ كما قالوا (حيّ) ؛ لأن العين في الأصل قالبة الواو الآخرة إلى الياء وليس قوي مثل : حييّ ؛ لأن العين واللام في (قوي) قد اختلفا وإنّما الإدغام بإتفاقهما ولم يقولوا : قووت تقوو كما قالوا : غزوت تغزو استثقالا للواوين وقالوا : قوّة ؛ لأن اللسان يرتفع رفعة واحدة فجاز هذا كما قالوا : سأل : لمّا كان اللسان يرتفع رفعة واحدة والهمزة أثقل من الواو.

وافعللت وافعاللت من غزوت اغزويت واغزاويت لا يقع فيهما الإدغام ولا الإخفاء حتى لا يلتقي حرفان من موضع واحد وإنّما وقع الإدغام والإخفاء في باب : حييت لأنّهما ياءان فاغزويت مثل : ارعويت وثبتت الواو الأولى ولم تحول ألفا ، وإن كانت متحركة وقبلها فتحة من أجل سكون ما بعدها وأنّه إذا كانت العين واللام من حروف العلة أعلت اللام وصحت العين وإنّما الواو هنا بمنزلة نزوان وافعاللت من الواوين بمنزلة غزوت ، وذلك قول العرب : قد احواوت الشاة واحواويت والمصدر احويّاء.

وتقول : احوويت فتثبت الواوان وسطا كالياءين ويجري احوويت على : اقتتلت في البيان والإدغام والإخفاء وتقول في (فعل) من شويت : شيء قلبت الواو ياء حين كانت ساكنة بعدها ياء وكسرت الشين كراهية الضمة مع الياء كما تكره الواو الساكنة وبعدها ياء وكذلك فعل (من) (حييت) حيّ.

وقد ضمّ بعض العرب الأول ولم يجعلها كبيض ؛ لأنه حين أدغم ذهب المدّ ألا ترى أنّ ما لا يعرب من الياء والواو إذا كانتا لامين متى وقع فيهما إدغام وجب الإعراب ؛ لأن الحرف إذا شدّد قوي وصار بمنزلة الصحيح وكان بمنزلة الياء والواو اللتين قبلهما ساكن ولو كانت :(حيّ) في قافية مع (عمي) لجاز وقالوا : قرن ألوى وقرون ليّ.

قال سيبويه : ومثل ذلك قولهم : ريّا وريّة حيث قلبوا الواو المبدلة من الهمزة فجعلوها كواو (شويت) يريد : رويا وروية وقد قال بعضهم : ريّا وريّة كما قالوا : ليّ ومن قال : ريّة قال

ص: 407

في (فعل) من (وأيت) فيمن ترك الهمزة : ويّ : يدع الواو الأولى على حالها ؛ لأنه لم يلتق واوان إلّا في قول من قال : أعدّ في وعد هذا قول سيبويه.

وقال أبو العباس : هذا غلط ؛ لأن الذي يقول : ويّ ينوي الهمزة فكيف يفرّ من الهمز الذي هو الأصل ويأتي بغير الأصل ومن قال : ريّا فكسر الراء قال : ويّ فكسر الواو وأبدلوا الياء من الواو في قولك : هذا أبوك وأخوك ثم قالوا : مررت بأخيك وأبيك وكذلك : مسلمون إذا قلت : مررت بمسلمين.

إبدال الياء من الألف

حاحيت وعاعيت وهاهيت ، قال سيبويه : أبدلوا الألف لشبهها بالياء ويدلّك على أنّها ليست فاعلت قولهم : الحيحاء والعيعاء كما قالوا : السّرهاف والحاحاة والهاهاة فأجري مجرى :دعدعت إذ كنّ للتصويت كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل : دهدهت وتبدل الياء من الألف في قولك : هذان رجلان ثم تقول : رأيت رجلين ومررت برجلين وتبدل من الألف في (قرطاس) إذا صغرت أو جمعت قلت : قراطيس وقريطيس وتبدل في لغة بعض العرب طيىء وغيرهم يقولون : أفعى وحبلى.

إبدال الياء من الواو وهي فاء

وذلك ميزان وميقات وهو من الوقث والوزن ولكنّهم قلبوا الواو ياء لإنكسار ما قبلها.

إبدال الياء من الواو وهي عين

تبدل في (فعل) من القول والخوف فيقولون : قد خيف وقد قيل.

وقد ذكر في موضعه وتبدل مدغمة في : سيّد وميّت والأصل : فيعل وهو من الموت والسودد ولكن كلمّا التقت واو وياء وسكن الأول منهما قلبوا الواو ياء وأدغموا الياء في الياء وأكثر الكلام على هذا إلّا أحرفا شاذة.

وقالوا : لويت ليّة وليّا وطويت طيّا والأصل : لويت لوية ولويا وطويت طويا ولكن لما سكنت الواو وبعدها الياء قلبوها ياء وأدغموها في الياء وليس في الصحيح : (فيعل) ولكن قد

ص: 408

يخصون المعتلّ ببناء ليس في الصحيح كما قالوا : كينونة وقيدودة وإنّما هو من : قاد يقود فأصلها : فيعلول وليس في غير المعتلّ : فيعلول مصدر فيعلولة. وقضاة ليس في جمع الصحيح مثله ولو أرادوا : (فيعلا) لقالوا : سيّد كما قالوا : تيّحان وهيّبان ومما قلبوا فيه الواو ياء : ديّار وقيّام وإنّما كان الحدّ : قيوام وقالوا : قيّوم وديّور والأصل : ديوور : وأمّا : زيّلت ففعّلت من :زايلت وزلت ولو كانت زيّلت فيعلت : لقلت في المصدر : زيّلة ولم تقل : تزييلا ، وأما تحيزت فتفيعلت من : حزت : والتحيّز : التّفيعل.

إبدالها من الواو الزائدة

وتبدل الياء من الواو في : بهلول وكردوس إذا صغرتهما أو جمعتهما تقول في التصغير : بهيليل وكريديس وفي الجمع : بهاليل وكراديس ومن ذلك : مقصيّ ومرميّ إنّما هو مفعول وكان القياس أن تقول : مقصويّ ومرمويّ ولكن لما سكنت الواو بعدها الياء قلبوها ياء وأدغموها فيها وكذلك إذا قلت : هذه عشروك وعشريّ إنّما قلبت الواو ياء للياء التي بعدها قال :وسألت الخليل عن : سوير وبويع ما منعهم من أن يقلبوا الواو ياء فقال : لأنّها ليست بأصل وكذلك : تفوعل نحو : تبويع ؛ لأن الأصل الألف ومثله : روية ورويا غير مهموز لم يقلبوا ؛ لأن الأصل الهمز وقال بعضهم ريّا ورويا قال : ولا يكون هذا في : سوير وتبويع ؛ لأن الواو بدل من الألف فأرادوا أن يمدوا نحو واو سوير واو ديوان ؛ لأن الياء بدل من الواو.

إبدال الياء من المدغم عينا

وذلك قولهم : دينار وقيراط والأصل : دنّار وقرّاط يدلّ على ذلك جمعهم إياه دنانير وقراريط والتصغير دنينير وقريريط فأبدلوا الأولى ياء. وكلهم يقول في (ديوان) دواوين في الجمع وديوين في التصغير فقلبت الواو ياء للكسرة.

إبدال الياء من الواو تشبيها بما يوجب القلب

من ذلك قولهم : حالت حيالا وقمت قياما.

قال سيبويه : قلبوها لإعتلالها في الفعل ، وإن قبلها كسرة وبعدها حرف يشبه الياء يعني الألف قال ومثل ذلك : سوط وسياط لمّا كانت الواو ساكنة فأمّا ما كان قد قلب في الواحد فإنّه

ص: 409

لا يثبت في الجمع إذا كان قبله الكسر ، وذلك قوله : ديمة وديم وحيلة وحيل وقامة وقيم ودار وديار وهذا أجدر إذا كانت بعدها الألف استثقلوا الواو بعد الكسرة.

فجميع هذا لم يعلّ للكسرة التي قبله فقط ؛ لأن الكسرة إنّما تقلب الواو ياء إذا كانت الواو ساكنة ولكنّ هذه الواو ضارعت الواو الساكنة باعتلالها في الواحد فأعلوها في الجميع ، فإن لم تعتلّ في الواحد لم تعلّ في الجميع ، وذلك قولهم : كوز وكوزة وعود وعودة وثور وثورة وقد قالوا : ثيرة. قلبوها حيث كانت بعد كسرة وهذا شاذّ والفرق بينه وبين : سوط وسياط أنّ بعد الياء في (سياط) ألفا وهو حرف يقرب من الياء.

وقال أبو العباس : هؤلاء إنما قالوا : ثيرة ليفرقوا بين : ثور الأقط.

وثور من البقر وقال : بنوه على فعلة ثم حركوه فصار ثيرة وممّا أجري مجرى (حيالا) :اجتزت اجتيازا وانقدت انقيادا فأمّا قولهم : جوار فلصحته في الفعل قالوا : جاورت وقد قلبوا الواو ياء في (فعّل) وذلك : صيّم في (صوّم) وفي قوّل : قيّل : وفي قيّم قوّم شبهوها بعتوّ وعتيّ كما قالوا : جثوّ.

وفعول إذا كانت جمعا فحقّها القلب نحو : عات وعتيّ ، وإذا كان مصدرا فحقه التصحيح ؛ لأن الجمع أثقل عندهم من الواحد ألا تراهم قالوا : في جمع أبيض : بيض وكان القياس : بوض ؛ لأنه فعل : يدلّك على ذلك قولهم : أحمر حمر ولكنّهم أبدلوا الضمة كسرة لتصحّ الياء التي كانت في الأصل ولئلا يخرجوا من الآخفّ إلى الأثقل في الجمع وهو أثقل من الواحد عندهم فيجتمع ثقلان وقالوا أيضا : صيّم ونيّم كما قالوا : عتيّ فكسروا ليؤكدوا البدل.

ولم يقلبوا في : زوّار وصوّام لبعدها من الطرف فأمّا طويل وطوال فصحّ في الجمع كما صحّ في الواحد. أما فعلان وفعلى فنحو : جولان وحيدان وحيدى فأخرجوه بهذه الزيادة من مثال الفعل الذي يعتلّ فأشبه عندهم ما صحح ؛ لأنه جاء على غير مثال الفعل المعتل نحو :الحول والغير وكذلك فعلاء نحو : السيراء وفعلاء : نحو : القوباء والخيلاء وقد وكذلك فعلاء نحو : السيراء وفعلاء : نحو : القوباء والخيلاء وقد أعلّ بعضهم : فعلان وفعلى كما أعلّ ما لا

ص: 410

زيادة فيه جعلوا الزيادة بمنزلة الهاء ، وذلك قولهم : داران وهامان وليس ذا بالمطرد ، وأما فعلى وفعلى فلا تدخله العلة كما لا تدخل : فعلاء وفعلاء.

[إبدال الواو]
إبدال الواو من الياء

الواو تبدل من الياء إذا سكنت وانضم ما قبلها نحو : موقن وموسر كان الأصل : ميقن وميسر فأبدلت واوا من أجل الضمة ويا زيد وإس وقال بعضهم : يا زيد بئس شبهه بقيل وقرأ أبو عمرو : (يا صالح يتنا) جعل الهمزة ياء ثمّ لم يقلبها واوا ولم يقولوا : هذا في الحرف الذي ليس منفصلا وهي لغة ضعيفة وتبدل من الياء في النسب إذا نسبت إلى ندا ورحا : ندويّ وروحويّ وإلى غنيّ : غنويّ وهذه الياء إنما تقلب ألفا ثم تقلب واوا فالأصل ياء والتقدير قلبها من الألف وقد ذكرت ذا في النسب وتبدل الواو من الياء في (فعلى) إذا كانت اسما والياء موضع اللام يقولون : لك شروى هذا الثّوب وإنّما هي من : شريت وتقوى وإنّما هي من التّقيّة ، وإن كانت صفة تركوها على أصلها قالوا : امرأة خزيا وريّا ولو كانت : ريّا اسما لكانت :روّا لأنك كنت تبدل واوا موضع اللام وتثبت الواو التي هي عين فعلى من الواو على الأصل.

وذلك : شهوى صفة ودعوى اسم وأبدلوها وهي عين في فعلى ، وذلك قولهم : هذه الكوسى والطّوبى وهو من الكيس والطيب وإنّما أبدلوها للضمة قبلها ، فإن كانت صفة ليست فيها ألف ولام ردوها إلى أصلها قال : (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : 22].

وذكر سيبويه : أنّها فعلى وأنه ليس في الكلام : فعلى (صفة) وفي الكلام فعلى صفة مثل : حبلى و (فعلى) إذا كانت فيها ألف ولام استعمل استعمال الأسماء ، وإن كانت مشتقة ألا ترى أنّك تقول الصّغرى والكبرى فلا تحتاج أن تقول : المرأة الصّغرى وأمّا : (فعلى) فعلى الأصل في الواو والياء ، وذلك قولهم : فوضى وعيثى وفعلى من قلت على الأصل كما كانت فعلى من غزوت على الأصل.

وكأنّهم عوضوا الواو في هذا الباب من كثرة دخول الياء عليها في غيره وذا قول سيبويه.

إبدال الواو مكان الهمزة

ص: 411

قد ذكرنا في باب الهمزة ابدال الواو من الألف بعض العرب يقول : هذه افعو وحبلو في الوقف وتبدل الواو من الألف إذا كانت ثانية زائدة في الجمع والتصغير فتقول في : ضاربة ضويربة وفي جمعها : ضوارب وتبدل الواو من همزة التأنيث في النّسب والتثنية والجمع فتقول : ناقتان عشراوان وامرأتان نفساوان وأينق عشراوات ونساء نفساوات ، وإذا نسبوا إلى : ورقاء قالوا : ورقاويّ وأبدلوها في موضعين بدلا شاذا وقالوا : في فتيان : هؤلاء فتوّ كما ترى وأنشدوا :

في فتوّ أنا رابئهم

من كلال غزوة ماتوا (1)

وقالوا في المصدر : فتوّة فهذا من الشاذّ وقالوا في النّسب : كساويّ والهمز أجود وقالوا :هذان علباوان في تثنية علباء وهذه كثيرة ؛ لأن الياء زائدة في (علباء) ، وإذا قلت : (فعل) من فاعل قلت : فوعل : فأبدلت من الألف واوا ، وذلك نحو : سوير هو من سائر وكذلك بايع وبويع.

[إبدال التاء]
إبدال التاء : أبدلوها من الواو والياء

تبدل في موضعين من الواو والياء ومن أشياء تشذّ إبدالا مطردا وتبدل من السين إبدالها من الواو تقلب التاء من الواو إذا كانت الواو في موضع الفاء قلبا مطردا إذا قلت : افتعل يقولون : اتّعد واتّزن يتّزن ويتّعد وهم متّزنون ومتّعدون وكذلك الياء تقول افتعل من يأس اتّأس فتقلب.

ص: 412


1- ورابئ : اسم فاعل من ربأت القوم بالهمزة ربئا وارتبأتهم ، أي : رقبتهم ، وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف. والربيء والربيئة على وزن فعيل وفعلية : الطليعة. والمربأة على مفعلة ، وكذلك المربأ : المرقبة. والعورة تقدم شرحها. وصمات : جمع صامت ، وصمتهم للحراسة. وروى الجوهري : في فتو أنا رابئهم من كلال غزوة ماتوا والكلال ، بالفتح : التعب. وهو مضاف إلى غزوة. والغزوة ، بمعجمتين ، وجملة ماتوا : صفة ثانية لفتو. وأردا بالموت : مقاساة الأهوال والشدائد. انظر خزانة الأدب 4 / 217.

وناس يقولون : ايتعد وقالوا : ياتعد وموتعد. وتقلب قلبا غير مطرد في قولهم : أتهم وأتلج وأولج أكثرهم يقوله. ، وأما أتهم فهو من الوهم والظنّ يقال : قد أتهم الرجل إذا صار تظنّ به الرّيبة ومثله : التّخمة وإنّما هو من (الوخامة) ومثلها : تجاه وهي من : واجهت وكذلك تراث هي من : ورثت وربّما أبدلوا التاء إذا التقت الواوان وليس بمطرد قالوا : تولج.

وزعم الخليل : أنّها فوعل ولم يجعلهما تفعلا لأنك لا تكاد تجد في الأسماء تفعلا وفوعل كثير ومنهم من يقول : دولج في تولج.

إبدال التاء من الياء

قال سيبويه : إذا قلت افتعل من اليبس قلت اتّبس يتّبس اتباسا وهو متّبس.

قال الجرمي : والعرب تقول في أيسار الجزور الذي يقتسمونها قد أتّسروها يتّسرونها اتّسارا وهذا أكثر على ألسنتهم وبعضهم يقول : ائتسروها يأتسرونها ائتسارا وهم مؤتسرون.

الشذوذ

يبدلون التاء من السين والدال في قولهم : ستّ وكان الأصل : (سدس) والدليل على ذلك إذا جمعت قلت أسداس ، وإذا صغرت قلت : سديسة ويقولون : غلام سداسيّ فإذا زالت عن الموضع. الذي قلبوها فيه ردوها إلى أصلها وأبدلوا التاء من الواو في قولهم : أسنتوا إذا أصابتهم السنة والجدوبة وإنّما كان أصلها : أسنوا ولكنّهم إذا أرادوا أن يقولوا : لبثنا هاهنا سنة قالوا :قد أسنوا يسنون اسناء فأرادوا الفصل بينهما فقلبوا الواو في هذا المعنى تاء وهذا كله شاذّ لا يقاس عليه ، وإذا كانت الذال لاما في (فعلت) فمنهم من يجريها على الأصل فيقول : أخذت فيظهر الذال والتاء وهي قليلة وأكثرهم يقلب الذال تاء فيقول أختّ وهي أكثر القراءة وقرأوا : (وأختم على ذلكم إصري) [آل عمران : 81].

[إبدال الدال]
إبدال الدال في افتعل وفعلت

تبدل من التاء في (افتعل) قلبا مطردا إذا كان قبل التاء حرف مجهور زاي أو دال تقول في (افتعل) من الزينة : ازدان ازديانا ومن الزرع : ازدرع ازدراعا وذاك أنّ التاء كانت مهموسة

ص: 413

والزاي مجهورة فأبدلوا من التاء حرفا من موضعها مجهورا وهو الدال وكذلك : افتعل من الذّكر وهو قولك : ادّكر يدّكر ادّكارا وهو مدّكر وهذه أكثر في كلام العرب ويقول قوم : اذّكر يذّكر وهو مذّكر وكان الأصل : مذدكر ثمّ أدغمت الذال في الدّال ؛ لأن حقّ الإدغام أن يدغم الأول في الثاني وهو أكثر كلام العرب ومن العرب من يكره أن يدغم الأصلي فيما هو بدل من الزائد فيقول : مذّكر وهي قليلة فهذا لا تعدّ فيه الذال بدلا ؛ لأنه قلب وبدل لإدغام وكذلك قولهم : اثّرد يريدون : اثترد ومنهم من يقول : اتّرد فيدغم الثّاء في التاء وهو الكثير والذين قالوا : اثّرد كرهوا أن يدغموا الأصليّ في الزائد.

وبعض بني تميم إذا كانت الزاي لاما قلبوا التاء في (فعلت) دالا وقالوا فزد يريدون فزت ومنهم من يقول : وولج في : تولج.

إبدال الطاء

الطاء تبدل من التاء في (افتعل) إذا كان قبلها طاء أو ضاد ، وذلك قولهم : اظطلم يظطلم اظطلاما واضطجع يضطجع اضطجاعا وهو مضطجع وفي (افتعل) من (ظلم) ثلاث لغات من العرب من يقلب التاء طاء ثمّ يظهر الطاء والظاء جميعا كما ذكرت لك ومنهم من يريد الإدغام فيدغم الظاء في الطاء وهي أكثر اللغات فيقول : اظّلم يظّلم اظّلاما وهو مظّلم ومنهم من يكره أن يدغم الأصلي في الزائد فيقول : اظّلم يظّلم اظّلاما ومظّلم ، وأما مضطجع ففيه لغتان : مضطجع ومضّجع ولا يدغمون الضاد في الطاء.

وإذا كان الأول صادا قالوا : اصطبر يصطبر اصطبارا وهو مصطبر ، فإن أرادوا الإدغام قالوا هو مصبّر وقد اصبّر ؛ لأن الصاد لا تدغم في الطاء فقلبوا الطاء ضادا وأدغموا الضاد فيها ، فإن كان أول (افتعل) طاء فكلهم يقول : اطّلب يطّلب وهو مطّلب ، وإذا كان أوله سينا فمنهم من يظهر التاء ومنهم من يدغم فيقول : اسّمع وقد أبدلوا التاء في (فعلت) طاء إذا كان قبلها الصاد وسكنت الصاد وتحركت التاء وهي لغة لناس من بني تميم يقولون : فحصط برجلي فيجعلون التاء طاء كما فعلوا ذلك في : اصطبر فقلبوا التاء طاء وكذلك إذا كانت التاء قبلها طاء موضع اللام يقولون : خبط بيدي وقال علقمة بن عبدة :

ص: 414

وفي كلّ قوم قد خبطّ بنعمة

فحقّ لشأس من نداك ذنوب

إبدال الميم

إذا كانت النون ساكنة وبعدها الباء فالعرب تقلب النون ميما فيقولون : العنبر : الكتابة بالنون واللفظ بالميم وشنباء أيضا الكتابة بالنون واللفظ بالميم فيقلبون النون ميما إذا كانت النون ساكنة يقولون : أخذته عن بكر الكتابة بالنون واللفظ بالميم فيقلبون النون إذا سكنت فإذا تحركت أعادوها إلى أصلها فجعلوها نونا يقولون : الشّنب ورجل أشنب لمّا تحركت رجعت إلى أصلها ، وإذا صغّرت (العنبر) قلت : عنيبر تردّ النون إلى أصلها لمّا تحركت.

قال الجرمي : وسمعت الأصمعي يقول : الشّنب : برد الفم والأسنان فقلت له : إنّ أصحابنا يقولون : إنّه حدتها حين تطلع فيراد بذلك حداثتها وطراءتها لأنّها إذا أتت عليها السنون احتكت فقال : ما هو إلّا بردها وقد قلبوا قلبا شاذا لا يقاس عليه قالوا : في فيك وفوك إذا أفردوه فم وأصله : فوه والدليل على ذلك تصغيره : فويه وجمعه : أفواه فإذا أضافوه ففيه لغتان : يقول بعضهم : هذا فوك ورأيت فاك وفي فيك فيجيئون بموضع العين ويحذفون اللام وهي لغة كثيرة إذا أضافوا ومنهم من يقول : هذا فمك ورأيت فمك وفي فمك ويجيء في الشعر لغة ضعيفة على غير هذا قالوا : هذان فموان ورأيت فموين وكذلك إذا أضافوا قالوا :هذان فمواكما ورأيت فمويكما.

إبدال الجيم

أبدلت الجيم مكان الياء المشددة وليس ذلك بالمعروف وأنشدوا :

خالي عويف وأبو علجّ

المطعمان الشّحم بالعشجّ

وبالغداة فلق البرنيجّ

وقد أبدلوها من المخففة ، وذلك ضعيف قليل وأنشد أبو زيد :

يا ربّ إن كنت قبلت حجّتج

ص: 415

فلا يزالن شاحج يأتيك بج

يريدون (حجتي) ويأتيك (بي) وأنشدوا :

حتى إذا ما أمسجت وأمسجا

يريد : أمسيت وأمسيا فهذا كله قبيح وليس بالمعروف.

قال أبو عمر : ولو رده إنسان كان مذهبا.

إبدال اللام

أبدلوا اللام في : (أصيلال) من النون ، وذلك أنّهم إذا صغروا : الأصيل قالوا : أصيل وهو القياس وقال بعضهم : أصيلان فزاد الألف والنون وهي لغة معروفة وهذا من الشاذّ فأبدل بعضهم هذه النون لاما فقال : أصيلال والأصيل بعد العصر إلى المغرب قال النابغة :

وقفت فيها أصيلالا أسائلها

أعيت جوابا وما بالرّبع من أحد (1)

الهاء

الهاء تبدل من التاء تاء التأنيث في الاسم في الوقف نحو : تمره وطلحه وقائمه ومن الهمزة في : أرحت : هرحت.

النون

والنون تكون بدلا من الهمزة في : (فعلان) فعلى كما أنّ الهمزة بدل من الألف في : حمراء هذا مذهب الخليل وسيبويه.

الحذف

إذا كانت الواو أولا وكانت فاء نحو : وعد يعد حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ؛ لأن مضارع فعل يفعل فوعد فعل ، فإن كان الماضي مثل : وجل جاء المضارع على : يفعل وتثبت الواو لأنّها لم تقع بين ياء وكسرة.

ص: 416


1- قال الأعلم : الشاهد في قوله : إلّا الأواريّ ، بالنصب على الاستثناء المنقطع ، لأنها من غير جنس الأحد ، والرفع جائز على البدل من الموضع ، والتقدير : وما بالربع أحد إلّا الأواريّ ، على أن تجعل من جنس الأحد اتّساعا ومجازا ، انتهى. انظر خزانة الأدب 4 / 104.

وتفعلة من : وعدت وتفعل : إذا كانا اسمين توعدة وتوعد والدليل على أنّها تثبت قولهم : توسعة وتودية والمصدر من : وعدت : عدة فعلة والهاء لا بدّ منها ، وإذا لم تكن فلا حذف أعلوا المصدر كفعله.

قال سيبويه : وقد أتموا فقالوا : وجهة في جهة.

قال أبو بكر : وهذا عندي أعني وجهة لم يجيء على الفعل والواو تثبت في الأسماء قالوا : ولدة وقالوا أيضا لدة كعدة فالاسم : وعدة والمصدر : عدة.

وإن كانت الياء أولا فاء لم تحذف في الموضع الذي تحذف فيه الواو ، وذلك قولهم : يعر ييعر وحكي عن بعضهم في المضارع : يئس وييئس كما قالوا : يعد ومن ذلك قولهم : هين وميت يريدون هيّن وميّت فحذفوا العين وهي متحركة ومن ذلك : كينونة وقيدود وإنّما هو من : قاد يقود وأصلها : فيعلول.

قال سيبويه : سألت الخليل عن (لم أبل) فقال : هي من (باليت) ولكنّهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان وزعم الخليل : أنّ ناسا يقولون : لم أبله لا يزيدون على حذف الألف ولم يحذفوا لا أبالي كما أنّهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف وأبالي إنّما يحذف في موضع الجزم فقط ، وإذا كانت اللام ياء بعد ياءين مدغمين فاجتمع ثلاث ياءات في اسم غير مبني على (فعل) حذف اللام ، وذلك قولك في تصغير عطاء عطيّ وفي أحوى : حييّ ، فإن كان اسم على فعل تثبت نحو قولك : حيّا فهو محييّ.

ص: 417

التحويل والنقل

اشارة

هذا على ضربين : فعل واسم جار على : (فعل).

واعلم أنّ كلّ كلمة فحقّها أن تترك على بنائها الذي بنيت عليه ولا تزال عنه حركاتها التي بنيت عليها ولا يحول إلّا (فعلت) مما عينه واو أو ياء فإنه في الأصل (فعل) نحو : قام وباع فإذا قلت : فعلت نقلت ما كان من بنات الواو إلى (فعلت) وما كان من بنات الياء إلى (فعلت) ثمّ حولت الضمة في (فعلت) من : قلت إلى الفاء ومن : بعت إلى الفاء وأزلت الحركة التي كانت لها في الأصل فقلت : قمت وبعت وكان التقدير : قومت وبيعت فلمّا نقلت عن العينين حركتيهما إلى الفاء سكنتا وأسكنت اللام من أجل التاء في : (فعلت) فحذفت العين لالتقاء الساكنين فصار قمت وبعت فألزموا : فعلت بنات الواو وألزموا (فعلت) بنات الياء شبهوا ما اعتلت عينه بما اعتلت لامه كما ألزموا : يغزو وبابه (يفعل) وألزموا (يرمي) وبابه (يفعل) وكلّ ما كان ماضيه على (فعل) فعلى هذا يجري وقد جعلوا ما قبل كلّ واحدة منهما حركتها منها فتقدير : قلت قول وتقدير : بعت بيع ويدلّك على أنّ أصل : قمت وما أشبهه :(فعلت) أنه ليس في الكلام (فعلته) فأمّا (طلت) فإنّها (فعلت) في الأصل لأنّك تقول : طويل وطوال ولا يجوز : طلته وليس في بنات الياء (فعلت).

ودخلت (فعلت) على بنات الواو نحو : شقيت وغبيت ولم تدخل (فعلت) على ذوات الياء لأنّها نقلت من الأثقل إلى الأخفّ ، وإذا قلت : يفعل من قلت ونحوه ألزمته (يفعل) فقلت : يقول وكان الأصل : يقول فحوّلت الحركة كما فعلت في (فعلت) حين قلت : قمت وقلت في بعت : أبيع وكان الأصل أبيع فنقلت الحركة كما قلت في (فعلت) من (بعت) ، وأما (خفت) فالأصل : خوفت مبنيّ على (فعلت) والعين مكسورة فهذا لم يحول من بناء إلى بناء وهو على أصله ولكنّك نقلت حركة العين فألقيتها على الفاء ويدلّك على أنّ خاف (فعل) قولهم : يخاف ويخاف (يفعل) كان الأصل : يخوف فنقلت الحركة كما فعلت في الماضي ومستقبل : (فعل) على : (يفعل) نحو : حذر يحذر وفرق يفرق فنقل الحركة من عين (فعلت)

ص: 418

وفعلت كانتا محوّلتين أو أصليتين إلى الفاء واجب في (فعلت) ، وأما التحويل من بناء إلى بناء فليس إلّا في (قمت) ونحوه وبعت ونحوه فافهمه وخصّ (بعت) وقمت بالتحويل دون غيرهما لشبههما بيغزو ويرمي ويخاف لا يشبه (يغزو) لأنّ : يخاف (يفعل) مفتوح العين ، وإذا كان الماضي فعل جاء المضارع على يفعل ويفعل وليس ذلك في (فعل) فنقلنا من الفعل الماضي ما له (يفعل) و (يفعل) تشبيها به وما ليس له ذاك لم ينقل فتأمل هذا فإنّه غير مشروح في كتبهم.

وطلت أصله : طولت (فعلت) فنقلت الحركة إلى الفاء ولم يحوّله من شيء إلى شيء فمستقبله مثل (يطول) ، وإذا كان (فعل) من بنات الواو ونقل إلى (فعل) كان (فعل) الذي أصله من بنات الواو حقيقا بأن لا يزال عن جهته و (فعل) ليس في ذوات الياء ، وإذا قلت (فعل) في هذه الأشياء كسرت الفاء وحولت عليها حركة العين كما فعلت ذلك في (فعلت) لتغير حركة الأصل ، وذلك قولك : خيف وبيع وهيب وقيل وبعض العرب يشم الضم إرادة أن يبين أنّها (فعل) وبعض من يضم يقول : بوع وقول وخوف يتبع الياء ما قبلها كما قال :موقن وهذه اللغات دواخل على قيل وخيف وبيع وهيب والأصل الكسرة.

وإذا قلت (فعل) صارت العين تابعة لما قبلها ولو لم تجعلها تابعة لما قبلها لألتبس (فعل) من (باع وخاف) (بفعل).

قال سيبويه : وحدثنا أبو الخطاب : أنّ ناسا من العرب يقولون : كيد زيد يفعل وما زيل زيد يفعل يريدون زال وكاد فهؤلاء نقلوا في (فعل) وحولوا كما فعلوا في (فعلت) فإذا قلت :فعلت أو فعلن أو فعلنا من هذه الأشياء ففيها لغات أمّا من قال : بيع وهيب وخيف فإنّه يقول : خفنا وبعنا وخفن وبعن وخفت وبعت وهبت تدع الكسرة على حالها وتحذف الياء لالتقاء الساكنين.

وأما من ضمّ بإشمام إذا قال : فعل فإنّه يقول : قد بعنا وقد بعن يميل الفاء ليعلم أنّ الياء قد حذفت والذين يقولون : بوع وقول وخوف يقولون : بعنا وخفنا وهبنا ، وأما متّ تموت فإنّما اعتلت من (فعل يفعل) ونظيرها من الصحيح : فضل يفضل وهذه الأشياء تشذّ كأنّها

ص: 419

لغات تداخلت فاستعمل من يقول : فضل في المضارع لغة الذي يقول : فضل وكذلك (كدت) تكاد جاءت تكاد على كدت وكدت على : تكود.

قال سيبويه : وأما ليس فكأنّها مسكنة من نحو قوله : صيد كما قالوا : علم ذاك في (علم ذاك) وإنّما فعلوا ذلك بها حيث لم يكن لها (يفعل) شبهوها (بليت) أمّا (عور يعور) و (حول يحول) و (صيد يصيد) فجاءوا بها على الأصل ؛ لأنه في معنى (اعوررت) و (احوللت) ، وأما طاح يطيح وتاه يتيه فزعم الخليل : أنّها (فعل يفعل) بمنزلة : حسب يحسب وهي من الواو يدلّك على ذلك : طوّحت وتوّهت وهو أطوح منه وأتوه منه ومن قال : طيّحت وتيّهت فقد جاء بها على (باع يبيع).

واعلم أنّ جميع هذه إذا دخلت عليها الزوائد فهي على علتها لا فرق بينها وبينها إلّا أنّك لا تنقل فيها من بناء إلى بناء ألا ترى أنّك تقول : قام ثمّ تقول : أقام فهو مثل (قام) كما كان.

فإذا قلت : (فعلت) اختلفا فقلت : (قمت) ، فإن قلت : أفعلت قلت : أقمت فتركت القاف مفتوحة نقلت إليها الفتحة من (أقومت) ولم تحول من بناء إلى بناء ؛ لأنه قد زال هنا أن يشبه المضارع مضارع (يغزو ويرمي) ؛ لأن مضارع أجاد : يجيد وأقام : يقيم فقد زالت تلك العلّة التي كانت (بقمت وبعت) قبل دخول الزيادة ولو فعلوا هذا به أيضا لكانوا قد حوّلوه إلى ما ليس من كلامهم وهو (أفعل) فلمّا كان من كلامهم (فعل) حوّلوا إليه ولمّا امتنع منه (أفعل) ألقوه وقد جاءت حروف على الأصل ولا يقاس عليها ، وذلك نحو قولهم : أجودت وأطولت واستحوذ واستروح وأطيب وأخيلت وأغيلت وأغيمت وجميع هذا فيه اللغة المطردة.

قال سيبويه : إلّا أنّا لم نسمعهم قالوا إلّا (استروح إليه وأغيلت واستحوذ) ومن هذا الباب : اختار واعتاد وانقاس فتار من (اختار) وتاد من اعتاد وقاس من انقاس نظير (قام) لا فرق بينهما في سواكنه ومتحركاته ، وإذا قلت فعلت قلت أخترت وانقدت.

ص: 420

وإذا قلت : (أفتعل) (وأنفعل) قلت : أختير وأنقيد لمّا كان (تار) من (اختار) بمنزلة : قال صار تير من (أختير) بمنزلة قيل والأسماء الجارية على أفعالها تعتلّ كاعتلال الأفعال فأمّا (فاعل) من قام وباع فتقول : قائم وبائع.

قال سيبويه : إنّ هذه الياء والواو جعلتا هنا همزتين كما فعل بهما في : سقاء وقضاء ويعتلّ مفعول منها كما اعتل (فعل) فتقول في : بيع مبيع وفي هيب : مهيب وكان الأصل : مبيوع فنقلت الحركة من التاء إلى الياء فسكنت الياء والتقى ساكنان الياء والواو.

وقال الخليل : فحذفت (واو مفعول) وكانت أولى بالحذف لأنّها زائدة وكذلك : مقول.

وكان أبو الحسن الأخفش يزعم : أنّ المحذوفة عين الفعل والباقية واو مفعول.

قال المازني : فسألته عن (مبيع) فقلت : ألا ترى أنّ الياء في (مبيع) ياء ولو كانت واو مفعول كانت مبوع فقال : إنهم لما أسكنوا (ياء) مبيوع وألقوا حركتها على الباء انضمت الباء وصارت بعدها ياء ساكنة فأبدلت مكان الضمة كسرة للياء التي بعدها ثمّ حذفت الياء بعد أن لزمت الباء الكسرة للياء التي حذفتها فوافقت واو مفعول الباء مكسورة فانقلبت ياء للكسرة التي قبلها كما انقلبت واو (ميزان) ياء للكسرة.

قال المازني : وكلا القولين حسن جميل قال وقول : أبي الحسن أقيس.

وتقول في (مفعول) من القول (مقول) وكان الأصل : مقوول فنقلت الحركة فاجتمع ساكنان فحذف أحدهما وبعض العرب يخرجه إلى الأصل فيقول : مخيوط ومبيوع ولا يحذف ولا نعلم أنّهم أتموا في الواوات لم يقولوا في (مقول) مقوول لثقل الواو ويجري (مفعل) مجرى (يفعل) فيهما فيعتلّ قالوا : مخافة مثل : يخاف ومقام ومقال ومثابة ومنارة فمفعل على وزن (يفعل) ليس بينهما إلّا أنّ الميم موضع الياء فمذهب سيبويه : أنّ كلّ ما كان من الأسماء التي في أوائلها زوائد تفصل بينها وبين الأفعال وهي على وزن الأفعال فإنّه يعلّها كما يعلّ الفعل.

و (مفعل) مثل : (يفعل) ، وذلك قولك المبيض والمسير ومفعلة مثل يفعل ، وذلك قولك :المشورة والمعونة والمثوبة ويدلّك على أنّها ليست بمفعولة وأنّها مفعلة أنّ المصدر لا يكون على (مفعولة) وكان الأخفش يجيز أن يأتي بمفعولة مصدرا ويحتج بخذ ميسورة ودع معسورة.

ص: 421

و (مفعلة) من بنات الياء تجيء على مثال (مفعلة) لأنك إذا سكنت الياء وهي العين جعلت الفاء تابعة كما فعلت ذلك في (مفعول) فتقول (معيشة) إذا أردت (مفعلة) من العيش ولو أردت أيضا (مفعلة) لكان على هذا اللفظ فمعيشة على وزن : يعيش ويعيش لو جاز أن تريد به (يفعل) ما كان بدّ من إبدال الضمة كسرة لتصحّ الياء لقربها من الطرف وإنّما تبدل الضمة كسرة إذا كانت بعدها الياء ساكنة ، وذلك نحو : أبيض وبيض وكان القياس بوض لأنّها فعل.

ويدلّك على ذلك قولهم : أحمر وحمر ولكنّهم أبدلوا الضمة كسرة لتصحّ الياء التي كانت في الأصل لئلا يخرجوا من الأخف إلى الأثقل في الجمع وهو أثقل من الواحد عندهم فيجتمع ثقلان ولذلك قالوا : عتيّ فكسروا ليؤكدوا البدل قالوا : صيّم وقيّم لقربهما من الطرف ولأنها جمع ولم يقولوا في دوّار وصوّام لبعدها من الطرف.

قال سيبويه : ولا تجعلها بمنزلة (فعلت) في الفعل يعني إذا قلت : قضو فأتبعت الياء الضمة ؛ لأن ذلك لا يفعل في (فعل) لو كان اسما تقول في مثال مسعط من البيع : مبيع كان الأصل : مبيع فنقلت الحركة إلى الباء ثم أبدلتها كسرة لتصحّ الياء.

وقال الأخفش : فيما أحسبه أقول : مبوع وهو خلاف قول سيبويه وإنّما أعلّ مثال مسعط ؛ لأنه وزن (أقتل) ومفعل من الياء والواو على مثال : يفعل وقد جاءت (مفعلة) على الأصل قالوا : إنّ الفكاهة مقودة إلى الأذى.

قال سيبويه : مكوزة ومزيد جاء على الأصل ، وإن كان اسما وليس بمطرد.

قال أبو العباس : مزيد إن كان اسما لرجل ولم ترد به الإجراء على الفعل كما يكون المصدر وما يشتقّ منه اسما للمكان أو الزمان فحقه أن لا يعل وأن يصحح ؛ لأنه إنّما تعله ما دام يناسب الفعل بأنّه مصدر للفعل أو مكان للفعل أو زمان له فإذا بعد من هذه الأمور لم يجز أن يعلّ إلا كما تعلّ سائر الأسماء.

قال سيبويه : وقالوا : محبب حيث كان اسما ألزموه الأصل كمورق ومتى جاء اسم على وزن الفعل وليس فيه ما يفرق بينه وبين الفعل صحّح ، وذلك قولهم : هو أقول الناس وأبيع

ص: 422

الناس وأقول منك وأبيع منك وإنّما أتموا ليفصلوا بينه وبين الفعل نحو : أقال وأقام ويتمّ في قولك : ما أقوله وأبيعه ؛ لأن معناه معنى (أفعل منك) وأنّه لا يتصرف تصرف الأفعال فأشبه الأسماء وكذلك : أفعل به ؛ لأن معناه معنى : ما ما أفعله ويتمّ في كلّ ما جاء على لفظ الفعل بغير فرق بينهما ونحن نتبع هذا ما يتمّ من الأسماء ولا يعلّ إن شاء الله.

ص: 423

ذكر ما يتم ويصحح ولا يعلّ

من ذلك ما صحح لسكون ما قبله وما بعده ، وذلك نحو : حوّل وعوّار وقوّال ومشوار والتّقوال والتقوال وقوول وبيوع وشيوخ وحوول ونوار وهيام وطويل وطوال وخوان وخيار وعيان ومقاول ومعايش وبنات الياء كبنات الواو في جميع هذا في ترك الهمز في : طاووس وسايور نحو ما ذكرنا ومن ذلك : أهوناء وأبيناء وأعيياء وقالوا : أعيّاء وقال بعضهم : أبيناء كسره الكسرة في الياء كما كرهوا الضمة في (فعل) من الواو فأسكنوا نحو : نور وقول وليس بالمطرد فأمّا الإقامة والإستقامة فاعتلت على أفعالهما وطويل لم يجيء على (يطول) ولا على الفعل ألا ترى أنّك لو أردت الاسم لقلت : طائل وإنّما هو (كفعيل) يعني به (مفعول) مفعل يتمّ ولم يجر مجرى (أفعل) ؛ لأن مفعلا إنّما هو (مفعال) ألا ترى أنّهما في الصفة سواء تقول :مطعن ومفساد فتريد في (المفساد) من المعنى ما تريد في (المطعن) وتقول : المخصف والمفتاح فتريد في المخصف من المعنى ما أردت في (المفتاح) وقد يعتوران الشيء الواحد نحو : مفتاح ومفتح ومنسج ومنساج فمن ثمّ قالوا : مقول ومكيل فأمّا قولهم : مصائب وهمزها فغلط هي (مفعلة).

وتوهموها (فعيلة) وقد قالوا : مصاوب ويهمزون نحو : صحائف ورسائل وعجائز.

(فاعل) من (عورت) إذا قالوا : (فاعل) غدا قالوا : عاور غدا وكذلك : صائد غدا من صيد لمّا صحت في الفعل ولو كان (تقول) اسما لكسرته تقاول وتبيع تبايع ولا يهمز ويتمّ (فاعل) نحو : قاول وبايع.

وفواعل من (عورت) وصيدت يهمز لأنّك تقول في (شويت شوايا) كما تهمز نظير مطايا من غير بنات الياء والواو نحو : صحائف ؛ لأن (عورت) نظير (شويت) وصيدت نظير (حييت) فهمزت لالتقاء الواوين ، وليس بينهما حاجز حصين فصار بمنزلة الواوين يلتقيان.

ص: 424

هذا باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا
اشارة

وطويل وطوال صحّ في الجمع كما صحّ في الواحد ، وأما فعلان وفعلى نحو : جولان وحيدان وحيدى فأخرجوه بهذه الزيادة من مثال الفعل الذي يعتلّ فأشبه عندهم ما صحح ؛ لأنه جاء على غير مثال الفعل المعتلّ نحو : الحول والغير وكذلك (فعلاء) نحو (السّيراء) وفعلاء نحو : القوياء والخيلاء أخرجته الزيادة من مثال الفعل الذي يعتلّ فأشبه عندهم ما صحّ ؛ لأنه جاء على غير مثال الفعل وقد أعلّ بعضهم : فعلان وفعلى كما أعلّ ما لا زيادة فيه جعلوا الزيادة بمنزلة الهاء ، وذلك قولهم : داران وهامان وليس بالمطرد ، وأما فعلى وفعلى فلا تدخله العلة كما لا تدخل (فعل وفعل).

[تابع] هذا باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا

إذا جمعت (فوعل) همزت كما همزت (فواعل) من عورت وصيدت وسيّد يهمز وفيعل نحو عيّن يهمز جميع هذا ؛ لأنه اعتلّ بعد ياء زائدة في موضع ألف (فاعل) ولو لم يعتلّ لم يهمز كما قالوا : ضيون وضياون (فعّل) من قلت (قوائل) تهمز وكذلك (فعول) لالتقاء الواوين وأنّه ليس بينهما حاجز حصين وقربها من آخر الحرف ، وإذا التقت الواوان على هذا المثال فلا تلتفتن إلى الزائد وغير الزائد ألا تراهم قالوا : أوائل في أول ، وأما قول الشاعر : عواور فإنّما اضطر إليه فحذف الياء من (عواوير) ولم يكن ترك الياء في الكلام لازما فيهمز : فواعل من قلت يهمز لأنّها أمثل من فواعل من (عورت) وأوائل.

وبنات الياء كبنات الواو يهمزن كما همزت (فواعل) من (صيدت) ؛ لأن الياء قد تستثقل مع الواو كاستثقال الواوين ويهمز (فعيل) من قلت وبعت قوائل وبيائع.

باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا إذا كسر للجمع على الأصل

فمن ذلك (فيعال) نحو : ديّار وقيّام وديّور وقيّوم تقول : دياوير وقياويم وعوّار وعواوير وكلّما فصلت بينه وبين آخر الحروف بحرف جرى على الأصل كما جاء : طاووس وناووس.

ص: 425

باب (فعل) من (فوعلت) من (قلت) وفيعلت من (بعت)

وذلك قولك قوول وبويع تمدّ كما مددت في (فاعلت) ألا ترى أنّك تقول : بيطرت فتقول : بوطر فتمدّ وصومعت فتقول : صومع فتجري مجرى : باطرت وصامعت وكذلك (تفيعلت) إذا قلت : قد تفوعل تقول : تفوهق من تفيهقت وكذلك إذا كان الحرف (فعولت) وفعيلت : تقول : قد بووع وافعوعلت من سرت اسييرّت تقلب الواو ياء لأنّها ساكنة بعدها ياء فإذا قلت : فعلت قلت : أسيويرت.

قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن اليوم فقال : كأنّه من (يمت) ، وإن لم يستعمل كراهية أن يجمعوا بين هذا المعتل وياء تدخلها الضمة في (يفعل) كراهية أن يجتمع ياءان في إحداهما ضمة مع المعتل ومما جاء على (فعل) لا يتكلم به كراهية نحو ما ذكرها أول وآأة وويس وويج كأنّه من ولت ووحت وأؤت.

أفعلت في القياس من اليوم على من قال : أطولت وأجودت.

قال الخليل : أيّمت تقلب. هنا كما قلبت في (أيام) أفعل ومفعل ويفعل أووم بغير همز ويووم ؛ لأن الياء لا يلزمها أن يكون بعدها ياء كفعّلت وفوعلت من بعت وقد تقع وحدها فكما أجريت (فيعلت وفوعلت) مجرى (بيطرت) وصومعت أجريت هذه مجرى (أيقنت).

وأبو العباس يقول : أيّم على (أفعل) ؛ لأن الواو هنا فاء فهي تلزم العين وهي مدغمة ، وإذا كان الحرف مدغما لم يقلبه ما قبله.

أفعل : من اليوم أيّم والجمع أيائم تهمز لأنّها اعتلت كما اعتلت في (سيد) فكما أجريت سيدا مجرى (فوعل) من (قلت) كذلك تجري هذا مجرى أوّل.

افعوعلت من (قلت) : (اقووّلت وافعاللت) من الياء والواو : اسواددت وابياضضت أتموا لأنّهم لو أسكنوا لكان فيه حذف الألف والواو لئلا يلتقي ساكنان.

افعللت (ازوررت) وابيضضت ، فإن أردت (فعل) قلت أبيوض في هذا المكان واقوول جمعت بين ثلاث واوات ؛ لأن الثانية كالمدة كما فعلت ذلك في (قوول).

ص: 426

قال أبو الحسن : أقول : واقويلت لئلا أجمع بين ثلاث واوات فعلل من كلت : كولل وفعلل إذا أردت الفعل : كولل ولم يجمع بمنزلة بيض وبيع لبعدها من الطرف وصارت على أربعة أحرف وكان الفعل ليس أصله يائه التحريك.

سمعنا من العرب من يقول : تعيّطت الناقة ثم قالوا : عوطط فعلل.

ص: 427

باب ما الهمز فيه في موضع اللام من بنات الياء والواو

نحو : ساء يسوء وجاء يجيء وشاء يشاء : اعلم أنّ الواو والياء لا تعلّان واللام ياء أو واو لأنّهم إذا فعلوا ذلك يصيرون إلى ما يستثقلون وإلى الإلباس والإجحاف فهذه الحروف تجري مجرى : قال وباع إلّا أنك تحول اللام ياء إذا همزت العين ، وذلك نحو قولك : جاء همزت العين التي همزت في (بائع) واللام مهموزة فالتقت همزتان ولم تكن لتجعل اللام بين بين لأنّهما في كلمة واحدة وجميع ما ذكرت في (فاعل) بمنزلة جاء.

واعلم أنّ ياء (فعائل) أبدا مهموزة لا تكون إلا كذلك ولم ترد إلّا كذلك وشبهت (بفعاعل فواعل) من جئت جواء وشواء لأنّها لم تعرض في جمع ، وأما (فعائل) من (جئت) وسؤت فكخطايا تقول : جيايا وسوايا.

وكان الخليل يزعم : أنّ جاء وشاء اللام فيهما مقلوبة واطرد في هذا القلب إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة نحو (لاث وشاك) فعائل من جئت جياء ومن سؤت سواء لأنّها لم تعرض في جمع :(فعلل) من جئت وقرأت : جيأى وقرأى فعلل : وقرئى وجوئى فعلل قرئي وجيئي لالتقاء الهمزتين ولزومهما وليس يكون هاهنا قلب كما في : جاء ؛ لأنه ليس هنا شيء أصله الواو ولا الياء فإذا جعلته طرفا جعلته كياء (قاض) وإنّما الأصل هنا الهمز فإذا جمعت قلت :قراء وجياء لأنّها لم تعرض في الجمع.

(فعاعل) : من جئت وسؤت سوايا وجيايا ؛ لأن (فعاعل) من قلت : وبعت مهموزتان فصارت همزة عرضت في جمع ومن جعلها مقلوبة فينبغي أن يقول : جياء وسواء لأنّهما همزتا الأصل التي تكون في الواحد.

ص: 428

(افعللت) : من صدئت اصدأيت تقلبها ياء كما تقلبها في (مفعلل) ، وذلك قولك مصدىء ويفعلل يصدئي فياعل من جئت وسوت بمنزلة فعاعل جيايا وسيايا لأنّها عرضت في جمع.

قال سيبويه : وسألت الخليل عن (سؤته سوائية) فقال : هي : فعالية بمنزلة علانية والذين قالوا : سواية حذفوا الهمزة وأصله الهمزة كما اجتمع أكثرهم على ترك الهمز في (ملك) قال : وسألته : عن مسائية فقال : هي مقلوبة. وكذلك : أشياء وأشاوي ونظيره قسيّ وأصل مسائية : مساوئة فكرهوا الواو مع الهمزة وأصل أشياء : شيئاء وأشاوي كأنّك (جمعت) إشاوة وأصل (إشاوة : شيئاء) ولكنّهم قلبوا وأبدلوا مكان الياء الواو كما قالوا : أتيته أتوة ، وأما (جذبت) وجبذت ونحوه فليس بمقلوب كلّ واحد على حدته ؛ لأن الفعل يتصرف فيهما ، وأما كلّ وكلا فمن لفظتين ؛ لأنه ليس هاهنا قلب ولا حرف من حروف الزوائد.

ص: 429

باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب

وذلك : الشّقاوة والإداة والنّهاوة ومن ذلك : الأبوة والأخوة والأخوة لا يغيران ولا تحولهما فيمن قال : مسنيّ وعتيّ للزوم الإعراب غيرهما وصلاءة وعظاءة جاؤوا به على قولهم : صلاء كما قالوا : مسنيّة ومرضيّة حيث جاءتا على مرضيّ ومسنيّ فلحقت الهاء حرفا يعرّى منها ومن قال : صلاية وعباية فلم يجىء بالواحد على الصّلاء والعباء كما أنّه إذا قال : خصيان لم يثنه على الواحد ولو أراد ذلك لقال خصيتان قال وسألته عن الثنايين فقال : هو بمنزلة : النّهاية ومن ثم قالوا : مذروان ؛ لأن ما بعدهما من الزيادة لا يفارقانهما ، وإذا كان قبل الياء والواو حرف مفتوح كانت الهاء لازمة ولم تكن إلّا بمنزلتها لو لم تكن هاء نحو : العلاة وهناة ومناة فتقلبها ألفا.

وقمحدوة مثل : (سرو) ، وإن كان ما قبل الياء والواو فتحة في الفعل قلبت ألفا وإنّما قالوا : الغثيان ؛ لأن ما بعده ساكن كما قالوا رميا ، وإذا كانت الكسرة قبل الواو ثم كان بعدها ما يقع عليه الإعراب لازما أو غير لازم فهي مبدلة مكانها الياء (محنية) وهي من (حنوت) وهي الشيء المحنيّ من الأرض وغازية وقالوا : قنية للكسرة وبينهما حرف والأصل (قنوة).

باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا
اشارة

وذلك : مطيّة ومطايا وركية وركايا وهديّة وهدايا وإنّما هذه (فعائل) كصحيفة وصحائف لأنّها همزة بين ألفين يدلك على ذلك أنّ الذين يقولون : سلاء كما ترى فيحققون يقولون : رأيت سلا فلا يحققون فأبدلوا من مطايا مكان الهمزة ياء لأنّها هي كانت ثابتة في الواحد.

وقال : قال : بعضهم : هداوى فأبدلوا الواو ؛ لأن الواو قد تبدل من الهمزة وما كانت الواو فيه ثابتة نحو (هراوة) وإداوة فيقولون : هراوى وأداوى وألزموا الواو هنا كما ألزموا الياء في (مطايا) وكما قالوا : حبالى ليكون آخره كآخر واحده وليست بألف التأنيث كما أنّ الواو في (أداوى) غير الواو في (إداوة) ولم يفعلوا هذا في (جاء) لئلا يلتبس بفاعل وفعل ذلك بما

ص: 430

كان على مثال مفاعل ؛ لأنه ليس يلتبس لعلمهم أنّه ليس في الكلام على مثال (مفاعل).

و (فواعل) من (شويت) شوايا لأنّها همزة تعرض في الجمع وبعدها الياء همزتها كما همزت (فواعل) من (عورت) وكذلك (فواعل) من (حييت) وفواعل منهما بمنزلة (فواعل) في أنّك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياء تقول : شواء فعائل من بنات الياء والواو مطاء ورماء لأنّها همزة لم تعرض في الجمع فهمزتها بمنزلة همزة فعال (من) حييت والجمع مطاء لأنّها لم تعرض في الجمع فياعل من (شويت) وحييت حيايا وشيايا لأنّها همزة تعرض في الجمع بعدها الياء ولا يخافون التباسا وقالوا : فلوّة وفلاوى ؛ لأن الواحد فيه واو فأبدلوا في الجمع واوا.

وأمّا فعائل وفعاعل تقول : شواء وحياء وو لا تقول : حيايا وشوايا لئلا يلتبس (بحبارى).

ما بني على : أفعلاء وأصله (فعلاء)

وذلك (أسرياء وأغنياء وأشقياء) صرفوها عن سرواء وغنياء لأنّهم يكرهون تحريك الواو والياء وقبلهما الفتحة إلّا أن يخافوا التباسا في رميا وغزوا.

جمل الأصول التي لا بدّ من حفظها لاستخراج المسائل بجميع أقسامها

الياء لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة والساكنة لا تخلو من أن تكون بعد حرف مفتوح أو حرف مكسور أو حرف مضموم فإن كانت الياء بعد حرف مفتوح وهي ساكنة لم تعل إلّا في لغة من قال : في ييأس ييئس وفي (يوجل ياجل) ، وإن كانت بعد حرف مكسور فهي على حالها ، وإن كانت الياء الساكنة بعد حرف مضموم قلبت واوا ، وإن بعدت من الطرف ، وإن قربت أبدلت الضمة كسرة وأقرت الياء على حالها نحو بيض وما أشبهه إلّا في الاسم الذي على (فعلى) نحو : طوبى) وكوسى وهذه الياء لا تغير لما بعدها إلّا أن يليها تاء (افتعل). وتقول : اتّأس من التأسي.

ص: 431

باب الياء المتحركة

الياء المتحركة لا تخلو من أن تكون أولا أو بعد حرف ، وإذا كانت أولا فلا بدّ من أن يكون بعدها حرف ساكن أو حرف متحرك ، فإن كان بعدها حرف ساكن أو حرف متحرك فهي على حالها لا تقلب ولا تغير حركتها إلّا في قول من قال في (يوجل ييجل) فيكسر الياء ليثبت قلب الواو بعدها ، وإن كانت الياء المتحركة بعد حرف فلا تخلو من أن تكون طرفا أو غير طرف ، فإن كانت طرفا فلا تخلو من أن يكون قبلها ساكن أو متحرك ، فإن كان قبلها ساكن وهي طرف فهي على حالها إلّا أن يكون الساكن الذي قبلها ألفا فإنّها تبدل همزة ، وذلك نحو : قضاء وسقاء أو يكون لاما في (فعلى) نحو (تقوى) ، فإن كان قبل الياء المتحركة التي هي طرف حرف متحرك أبدلت الياء لحركة ما قبلها إن كانت في (فعل) ، وإن كان المتحرك قبلها مفتوحا أبدلت ألفا نحو : قضى ورمى ، وإن كان مضموما قلبت واوا نحو قضو الرجل ورمو ، وإن كان قبلها مكسور بقيت على حالها ، فإن كانت بهذه الصفة في اسم وكان قبلها مفتوح قلبت ألفا نحو : رحى الألف منقلبة من (ياء) يدلّك على هذا قولهم : رحيان ، وإن كان ما قبلها مكسورا تركت على حالها ، وإن كان ما قبلها مضموما أبدلت من الضمة كسرة واتبعت الحركة ما بعدها خلاف ما عملت في الفعل ، وذلك نحو قولهم في جمع (ظبي) على (أفعل) أظّب كان الأصل الضم في الباء فأبدلت منها كسرة ، فإن كانت الياء المتحركة غير طرف فليست تخلو من أن تكون بين ساكنين أو متحركين أو بين متحرك وساكن ، فإن كانت بين ساكنين فهي على حالها إلا في قول من قال في (ظبي ظبويّ) وقد ذكرته في النّسب ، وإن كانت الياء المتحركة بين متحركين فهي على حالها إلّا أن يكون قبلها حرف مفتوح فإنّها تقلب ألفا نحو : باع وناب ، وإن كان قبلها حرف مضموم أو مكسور وهي مفتوحة فهي على حالها ، وذلك نحو : عيبة وصير وليس يجوز أن يقع في الكلام مضموم بعد مكسور في حشو كلمة وبنائها ليس في الكلام مثل (فعل) ولا (فعل) إلّا في الفعل ، فإن أردت (فعل) من البيع قلت : بيع ومن العرب من يقول (بوع) فيبدل فهذا مذكور في موضعه مبين ، وإن كانت الياء المتحركة بين متحرك وساكن ، فإن كان ما قبلها متحركا وما بعدها ساكنا لم يجز أن تعلها لسكون ما بعدها

ص: 432

لئلا يجتمع ساكنان نحو (دياميس) ، وإن كان ما قبلها ساكنا وما بعدها متحركا فهي على حالها نحو : عثير.

الواو : والواو لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة والساكنة لا تخلو من أن تكون بعد حرف مفتوح أو مضموم أو مكسور ، فإن كانت الواو الساكنة بعد حرف مفتوح فهي على حالها إلّا في لغة من قال في يوجل : (ياجل) ، وإن كان قبلها حرف مضموم فهي على حالها إلّا أن يكون بعدها واو في نحو : (صوّم) ، فإن منهم من قال : (صيّم) لقربها من الطرف شبهوها بعتي وقالوا أيضا : (صيّم) إنّما جاء هذا فيما قرب من الطرف وهو جمع ، فإن قالوا : صوّام وزوّار لم يقلبوا ، وإن كان قبلها حرف مكسور قلبت ياء نحو (ميزان) وأصله : (موزان) ؛ لأنه من الوزن إلا أن تكون الواو علامة لجمع نحو : (قاضون ويقضون فإنّك تبدل من الكسرة ضمة كي لا تزول العلامة ، وإن كانت الواو ساكنة ولم يغيرها ما قبلها فلن يغيرها ما بعدها إلا أن يكون بعدها ياء) فإنّها تبدل ياء وتدغم فيما بعدها تقول في (فوعل) من (بعت) بيّع ، فإن كانت الواو مدة قبلها ضمة وهي منقلبة من ألف زائدة لم يجز إدغامها نحو واو : (سوير) والواو منقلبة من ألف (ساير) وكذلك (تبويع) ومثله روية ورويا ونويّ لم يقلبوا ؛ لأن الأصل الهمز وقال بعضهم : ريّا وريّة ولا يكون مثل هذا في (سوير وتبويع) ؛ لأن الواو بدل من ألف فأرادوا أن يمدوا وأن لا يكون بمنزلة (فعّل) و (تفعّل) ألا تراهم قالوا : (تقوول) وقوول فهذه قصة الواو الساكنة إلّا أن يقع في (يفعل) وهي في موضع الفاء بين ياء وكسرة.

نحو : وعد يعد وكان الأصل (يوعد) فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت وأجريت التاء والألف والنون مجرى أختهن الياء لئلا يختلف الفعل.

وقالوا : عدة فأجروا المصدر على الفعل في الحذف ، وإن كان بعد هذه الواو تاء (افتعل) أبدلت تاء نحو قولهم : اتّعد.

ص: 433

الواو المتحركة

والواو المتحركة لا تخلو من أن تكون أولا أو بعد حرف ، فإن كانت أولا فلا تخلو من أن تكون مضمومة أو مكسورة أو مفتوحة ، فإن كانت مضمومة فمن العرب من يبدلها همزة ومنهم من يدعها على حالها قالوا : في (وجوه) أجوة ، وإن كانت مكسورة فكذلك إلّا أنّ الهمز أكثر ما يجيء في المضمومة وهو مطرد فيها وقالوا في (وسادة إسادة) وفي (وشاح أشاح) وهذا أيضا كثير فأمّا المفتوحة فليس فيها إبدال وقد شذّ منه شيء قالوا : امرأة أناة وهي وناة من الونى وقالوا : أحد في (وحد) وهذا شاذ ، وإن كانت الواو المتحركة أولا وبعدها حرف ساكن أو متحرك فهي على حالها إلّا أن يكون بعدها واو فإنّه يلزمها البدل وأن تجعل همزة كقولهم في (فوعل) من الوعد : أوعد ، فإن كانت الواو الثانية مدة كنت في همزة الأولى بالخيار نحو :(فوعل) من (وعد) تقول : ووعد (وووري عنهما من سوآتهما) الواو الثانية مدة وليس الهمز لإجتماع الواوين ولكن لضمة الأولى ، وإن كانت الواو المتحركة بعد حرف فلن تخلو من أن تكون طرفا أو غير طرف ، فإن كانت طرفا فلا بدّ من أن يكون قبلها ساكن أو متحرك ، فإن كان ما قبلها ساكنا وهي طرف.

فهي على حالها في الاسم إلّا أن يكون قبلها واو (فعول) في الجمع نحو : (عتيّ) وعصيّ كان الأصل (عتوّ) وعصوّ فقلبت في الجمع وتثبت في الواحد ألا ترى أنّك تقول في المصدر قد بلغ عتوّا.

وقد حكي عن بعض العرب : إنكم لتنظرون في نحوّ كثيرة فصحح الواو في الجمع وأتى به على الأصل أو يكون قبلها ألف فإنّها تقلب همزة نحو : (كساء) ، وإن كانت قبلها ياء ساكنة فقد قالوا : حيوة فكان حقّ هذا (حيّة) أو تكون لاما في الفعل نحو (الدّنيا) كان الأصل (الدنوى) أو تكون مضمومة فيجوز همزة نحو : أدؤر (وإن كان قبل الواو المتحركة وهي طرف حرف متحرك فلا يخلو ما قبلها أن يكون مفتوحا أو مضموما أو مكسورا ، فإن كان مفتوحا قلبت ألفا نحو : غزا وقضى ، وإن كان مكسورا قلبت ياء نحو (غزي) ، وإن كان

ص: 434

مضموما في (فعل) ترك على حاله نحو : يغزو ، فإن كان في اسم أبدلت ياء وكسر ما قبلها كما قالوا في جمع دلو : أدل وكان الأصل أدلوا ، فإن كانت بهذه الصفة وبعدها هاء التأنيث صحت ، وذلك نحو : (قمحدوة) ، فإن كانت الواو غير طرف فليست تخلو من أن تكون بين ساكنين أو متحركين أو بين ساكن ومتحرك ، فإن كانت بين ساكنين فهي على حالها إلا أن يكون الساكن الذي قبلها ياء فإنّها تقلب ياء ويدغم فيها ما قبلها ، وذلك نحو : (فيعول) من يقوم قيوم ، وإن كانت متحركة بين متحركين وكان الذي قبلها مفتوحا قلبت ألفا ، وذلك نحو : (قال) وباب ودار وخاف ولا تبال (إلى) أيّ حركة كانت مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة فإنّها تقلب ألفا إلّا ما جاء على (فعلان وفعلى) نحو (جولان وحيدى) جعلوه بمنزلة ما لا زائد فيه فأخرجوه بذلك من شبه الفعل فصار بمنزلة الحول والغير الذي ليس على مثال الفعل وقد أعل بعضهم (فعلان وفعلى) جعلوا الزيادة كالهاء ، وذلك قولهم : داران وهامان.

قال سيبويه : وهذا ليس بالمطرد ، وإن كان ما قبلها مضموما وهي مفتوحة فهي على حالها نحو : رجل نوم ولا تعتلّ هذه ؛ لأن هذا الوزن لا يكون فعلا ، وإن كانت مكسورة وقبلها مضموم فهذا لا يكون إلا في (فعل) مثل قيل كان الأصل قول وهذا مبين في موضعه ومنهم من يقول : قول ، وإن كان ما قبلها مسكورا وهي مفتوحة صحت لأنّها ليست على مثال الفعل نحو : حول إلّا أن يكون جمعا لواحد قد قلب فإنه لا يثبت في الجمع إذا كان قبله كسرة ، وذلك نحو : ديمة وديم وحيلة وحيل وقامة وقيم ، وإن كانت مضمومة وقبلها مضموم ، فإن كان الاسم على (فعل) أسكنوا الواو لإجتماع الضمتين ، وذلك قولهم : عوان وعون ونوار ونور ويجوز تثقيل فعل في الشعر ولا يجوز أن تقع مضمومة وقبلها كسرة لأنها ليس في الكلام مثل (فعل) وفعل أيضا ليس في الكلام إلّا في (إبل وإطل) ، فإن وقعت بين ساكن ومتحرك فحكمها حكم التي تقع بين ساكنين لأنّها لا يغيرها ما بعدها فهي على حالها إلّا أن يكون الساكن الذي قبلها ياء فإنّها تقلب ياء وتدغم فيها نحو : (سيّد وميّت كان الأصل : سيود وميوت) ، وإن وقعت بين متحرك وساكن فهي على حالها إلّا أن تكون في مصدر قد اعتلّ فعله وقبلها كسرة وبعدها ألف نحو : قمت قياما وحالت حيالا أو تكون كذلك في جمع قد أعلّ

ص: 435

واحده نحو : دار وديار ، وإذا كان بعدها الألف فهي أجدر أن تقلب أو تكون كذلك أيضا في جمع الواو ساكنة في واحده نحو : ثوب وثياب وسوط وسياط ؛ لأن الكسرة قد دخلت على ما أصله السكون ، فإن جئت بفعال غير مجر له على (فعل) ولا جمع لشيء مما ذكرنا صححت فقلت : هذا قوام الأمر ، فإن جاء الجمع في هذا بغير ألف نحو : عود وعودة وزوج وزوجة لم يعلّ وقد قالوا : ثور وثورة وثيرة.

قال سيبويه : قلبوها حيث كانت بعد كسرة قال : وليس هو بمطرد.

قال أبو العباس : بنوه على (فعلة) ثم حركوه فصار ثيرة.

قال أبو بكر : والأقيس عندي في ذا أن يكونوا أرادوا (فعالة) وقصروا ؛ لأن (فعالة) من أبنية الجمع (وفعلة) ليس من أبنية الجمع التي تكثر فيه ولا يقاس عليه ، فإن لم يقع في هذا الباب قبل الواو كسرة صحت الواو ألا تراهم جمعوا : (قيل) : إقوال وأجرى مجرى حيال اخترت اختيارا : (تيار) من اختيار مثل (حيال) وانقدت انقيادا (قيادا) (مثل) حيال فأمّا جوار فصح لصحته في الفعل ، وذلك قولهم : جاورت ، وإن وقع بعد الواو المتحركة واو ساكنة نحو :(فعول) تركت على الأصل ويهمزون إن شاءوا وكذلك (فعول) نحو : قوول إن شاء على الأصل ، وإن شاء همز المضمومة ، وأما طويل وطوال فصحت في الجمع لصحتها في الواحد وقد تقدم من قولنا : إنّ حروف العلة أربعة : الواو والياء والهمزة والألف وقد ذكرت أصول الياء والواو وهما الحرفان المعتلان كثيرا.

والهمزة قد مضى ذكرها في باب الهمز والألف فلا تكون أبدا إلا زائدة أو منقلبة من شيء إلّا أن تبنى من صوت أو حرف معنى فعل على مذهب الحكاية أو لمعنى سوى ذلك نحو :عاعيت وحاحيت إنّما هو صوت بني منه (فعل) وكذلك لو اكثرت من قولك (لا) لجاز أن تقول : لا ليت تريد : قلت لا.

ص: 436

ذكر تكرر هذه الحروف المعتلة واجتماع بعضها مع بعض

الياء مكررة : إذا اجتمعت الياءان فلا تخلوان من أن تكونا متحركتين ، أو إحداهما متحركة والأخرى ساكنة ، فإن كانتا متحركتين وهما عين ولام أعلت اللام دون العين ولم يجز أن تعلا جميعا وهذا مذكور في باب (حييت) وما أشبهه يلزم اللام ما يلزم ياء (رميت) وخشيت ولا يجوز إعلال العين وتصحيح اللام إلّا فيما جاء شاذا مما لم يستعمل منه (فعل) ، وإن كانتا متحركتين كيف وقعتا فليس يجوز أن تعلا جميعا فحكم الواحدة المعتلة منهما حكم المنفردة ، فإن اجتمعت ثلاث ياءات في الفعل أعلت الآخرة نحو : حيا يحيى وهو محييّ ولا تكون هذه الياءات الثلاث إلّا في اسم مبنيّ على (فعل) ، فإن جاء في غير ذلك حذفت الآخرة ، وذلك قولهم في تصغير عطاء : عطيّ وتصغير أحوى : أحييّ وكان الأصل : أحييي وعطيي ، فإن كانت المتحركة قبل الياء المشددة في مثل النسب إلى (عمّ) قلت : عمويّ نقلته من (فعل) إلى (فعل) كما قلت في (النّمر : نمريّ) فلما انفتح ما قبل الياء قلبت ألفا فلمّا جئت بياء النّسب بعدها صار حكمها حكم (رحى) فقلت : عموي كما قلت : (رحويّ) ولا توجد هذه الياءات مجتمعة في أصول كلامهم إلّا في هذا النوع ، فإن اجتمعت أربع ياءات فإنّما تجد ذلك في مثل النّسب إلى : أميّة في قول من قال : أميّيّ هؤلاء جعلوا المشدد كالصحيح ؛ لأنه قد قوي ومنهم من يقول : أمويّ وهم الأكثر والأفصح فتحذف الياء الساكنة ويصير مثل عمويّ.

الواو المكررة : فإن اجتمعت واو مع واو أولا همزت الأولى إلّا أن تكون الثانية مدة ، وإن كانتا آخر كلمة والأولى ساكنة مدغمة في الثانية صحتا إلا ما قد استثنياه فيما تقدم ، وإن كانتا في فعل بني على (فعل) حتى تنقلب اللام الآخرة ياء نحو : قويت من القوة ، وإن كانتا متحركتين أعلت إحداهما الإعلال الذي قد تقدّم ذكره.

وسيأتي بعد أيضا ولا تجتمع واوان في إحداهما ضمة.

ص: 437

قال سيبويه : تقول في (فعلان) من (قويت) : فوّان وغلط في ذلك : وقالوا : ينبغي له إن لم يدغم أن يقول : قويان : فيدغم الأولى ويقلب الثانية ياء ؛ لأنه لا يجتمع واوان في إحداهما ضمة والأخرى متحركة وهذا قول أبي عمر.

وأمّا اجتماع ثلاث واوات فقالوا في مثال : اغدودن من قلت : إقووّل تكرر عين الفعل وبينهما واو زائدة فتدغم الواو الزائدة في الواو التي بعدها فإذا بنيته بناء ما لم يسمّ فاعله قلت : افووول ولا تدغم لأنّها قد صارت مدة كما تقول : اغدودن (فتوافق هذه الواو الواو التي تكون بدلا من الألف في (سوير) وهذا قول الخليل.

وكان أبو الحسن الأخفش يقول في (اغدودن) من قلت اقويّل فيقلب الواو الآخرة ياء ثم يقلب التي يليها لأنّها ساكنة وبعدها ياء متحركة ويقول : أكره الجمع بين ثلاث واوات ولا يجوز أن تجتمع هذه الواوات وفي إحداها ضمة ؛ لأنه إذا لم يكن في الواوين فهو من الثلاثة أبعد.

وإذا بنيت مثال (فعلوة) من (غزوت) قلت : غزوية وكان الأصل : (غزووة) فأبدلت الثانية لأنّها لام وهي أولى بالعلة وإنّما جاء : اقووول ؛ لأن الواو الساكنة مدة فهي نظيرة الياء والألف وكان أبو الحسن الأخفش يقول في (افعوعل) اقويّل فيبدل الواو الآخرة ياء ثم يقلب لها التي تليها لأنّها ساكنة وبعدها ياء متحركة ويقول : أكره الجمع بين ثلاث واوات ، وإذا قال : (فعل) قال : اقووول فلا يقلب وصارت الوسطى مدة بمنزلة الألف فلا يلزمه تغيير لذلك فهذا يدلّك على أن ثلاث واوات ليست من أصول كلامهم ولو سمع منهم شيء لاتبعوه أو ذكروه.

وأمّا الألف فلا تكون أصلا إلّا زائدة أو منقلبة في حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل أو صوت كالحرف فحكم هذا متى احتيج إلى تكريره أن تبدل همزة لتشبه ما انقلب من ياء أو واو ، وأما الهمزة فقد ذكرنا حكمها إذا تكررت في كتاب الهمز وأنّهما لا يجتمعان محققتين في كلمة إلا أن يكونا عينا مشددة نحو : رأس فإذا اجتمعتا متحركتين أول كلمة وكانت الأولى والثانية مفتوحتين أبدلت الثانية ألفا ، فإن احتجت إلى تحريك الألف والألف لا تحرك أبدلتها

ص: 438

واوا ، وذلك قولك في آدم : أوادم وفي آخر : أواخر وكذلك في التصغير تقول : أويدم فأشبهت ألف (فاعل) وفاعل لأنها ، وإن كانت مبدلة من همزة فليست بأصل في الكلمة كألف فاعل ليست بأصل ، وإن كانت الهمزتان متأخرتين لامين قلت في مثل (قمطر) من (قرأت) : قرأي ومثل معدّ (قراي) فتغير الهمزة.

قال المازني : وسألت الأخفش وهو الذي بدأ بهذه المقالة فقلت : ما بال الهمزة الأولى إذا كان أصله السكون لا تكون مثل همزة (سأل ورأس) فقال : من قبل أنّ العين لا تجيء أبدا إلّا وبعدها مثلها واللام قد تجيء بعدها لام ليست من لفظها ألا ترى أنّ قمطرا وهدملة قد جاءت اللامان مختلفتين.

قال المازني : والقول عندي كما قال.

قال : وسألته عن : هذا أفعل من هذا (من) أممت : أي : قصدت فقال : أقول هذا أوّم منه فجعلها واوا حين تحركت بالفتحة كما فعلوا ذلك في (أويدم) فقلت له : كيف تصنع بقولهم :(أيمّة) ألا تراها أفعلة والفاء فيها همزة فقال : لمّا حركوها بالكسرة جعلوها ياء.

وقال الأخفش : لو بنيت مثل : أبلم من (أممت) لقلت : أوّم أجعلها واوا.

قال المازني : فسألتنه : كيف تصغر (أيمّة) فقال : أويمّة لأنّها قد تحركت بالفتحة.

والمازني يرد هذا ويقول : أييمّة والقياس عنده أن يقول في هذا أفعل من هذا من (أممت) وأخواتها هذا أيمّ من هذا ولا يبدل الياء واوا لأنّها قد ثبتت ياء بدلا من الهمزة إلّا هذه الهمزة إذا لم يلزمها تحريك فبنيت مثل (الأبلم) من الأدمة قلت : أودم ومثل : إصبع إيدم ومثل (أفكل) أأدم وهذا أصل تخفيف الهمز فإذا احتجت إلى تحريكها في تكسير أو تصغير جعلت كلّ واحدة منهن على لفظها الذي بنيت عليه والأخفش يرى أنّها تحركت بفتحة أبدلها واوا كما ذكرت لك. هذا آخر التصريف.

ص: 439

مسائل التصريف
اشارة

هذه المسائل التي تسأل عنها من هذا الحدّ على ضربين :

أحدهما : ما تكلمت به العرب وكان مشكلا فأحوج إلى أن يبحث عن أصوله وتقديراته.

والضرب الثاني : ما قيس على كلامهم.

ذكر النوع الأول من ذلك

قالت العرب : حاحيت وهاهيت وعاعيت.

وأجمع أصحابنا على أنّ الألف بدل من ياء وللسائل أن يسأل فيقول : ما الدليل على أنّها بدل من ياء دون أن يكون بدلا من واو ، وإذا ثبت أنها بدل من ياء فله أن يسأل فيقول : لم قلبت وهي ساكنة ألفا فالجواب في ذلك يقال له : وجدنا كلّ ما جاء من الواو في هذا الباب قد ظهرت فيه الواو نحو : (قوقيت وضوضيت وزوزيت) ولم نر منه شيئا جاء بالياء ظاهرة واجتمع مع هذا أنا وجدنا الألف قد أبدلت في بعض المواضع من الياء الساكنة ولم نجدها مبدلة من الواو الساكنة ، وذلك قولهم في (طيىء طائي وإنّما هو : طيّئي) فقلبوا الياء ألفا.

وقال الأخفش : إنّهم يقولون في (الحيرة) حاري ، قال أبو بكر : فلو قالوا : حيحيت لاجتمعت الياءات ولا يكون ذلك في ذوات الواو ؛ لأنه لا يجوز أن تقول : (قوقوت) ؛ لأن الواو إذا صارت رابعة انقلبت ياء ، وإذا كانت الياء رابعة لم تقلب إلى غيرها في مثل هذا فقولك : (قوقيت) لم يجتمع في الحرف واوان ولو قلت : حيحيت (لاجتمعت) ياءان.

قال أبو بكر : وكان القياس عندي أن تظهر الياء ولكنّهم تنكبوا ذلك استثقالا للياءين أن يتكررا مع الحاء في (حاحيت) والعين في (عاعيت) وخفّ ذلك في ذوات الواو لإختلاف اللفظ بما أوجبته العلة ومع ذلك ، فإن هذا الفعل بني من صوت الألف فيه أصل ليست منقلبة من شيء ألا ترى أنّ الحروف والأصوات كلها مبنية على أصولها ووجدناهم قد قلبوا الألفات في بعض الحروف إلى الياء نحو : عليه وإليه فلمّا قلبت الألف إلى الياء وجب أن تقلب الياء إلى الألف والدليل أيضا على أنّ الألفات في الحروف غير منقلبات أنّه لا تجوز أمالتها ولو كانت

ص: 440

منقلبة لوجب إمالة (حتى) ؛ لأن الألف إذا كانت رابعة في اسم أو فعل فهي منقلبة فليس لك أن تقول في ألف (لا) إنّها منقلبة من شيء ولا ألف (ما) ولا (يا) ؛ لأن الحروف حكمها حكم الأصوات المحكية ولذلك بنيت.

وقال الأخفش : لم يجيء من هذا الباب مما علمنا إلا هذه الثلاثة يعني : حاحيت وهاهيت وعاعيت.

وقال محمد بن يزيد : مما يسأل عنه فيما جاء على أصله من بنات الواو التي على (فعل) نحو : الخونة والحوكة والقود هل في الياء مثل هذا وقد استويا في : عور وصيد البعير قال :والجواب في ذلك : أنّ عور وصيد فعلان جاءا في معنى ما لا يعتل من الأفعال فصحا ليدلا عليه نحو : اعورّ واصيدّ كما صحّ : اجتوروا واعتونوا إذا أردت معنى : تجاوروا وتعاونوا فأمّا :الخونة والحوكة ونحوهما فإنّما كان ذلك في الواو لأنّها تباعدت من الألف فثبت كما ثبت ما ردّ إلى الأصل ولم تجيء الياء في : ناب وغار وباعه ولا في شيء منه على الأصل لشبه الياء بالألف لأنّها إليها أقرب وبها أحقّ ألا ترى أنّ (باب) : قوقيت وضوضيت يظهر فيه الواو لا يأتي ما كان من بنات الياء في هذا الباب إلّا مقلوبا نحو : حاحيت وعاعيت وإنّما هو (فعللت).

قال أبو بكر : ولمعترض أن يعترض بقولهم : غيب وصيد ، فجوابه أن يقال له : (صيد) صحّ كما صحّ فعله وصحّ (عور) أيضا مثله ويجوز أن يكون : (غيب) شبه بصيد ، وإن كان جمع (غائب) ؛ لأنه يجوز أن يكون ينوي به المصدر.

قال : قول سيبويه في باب : على وإلى ولدى لم انقلبت الألف فيهنّ مع المضمر في قولك : عليك وإليك ولديك وكذلك : جاءني كلام الرجلين ورأيت كلا الرجلين ومررت بكلام الغلامين فإذا اتصل بذلك مضمر في موضع جرّ أو نصب قلبت الألف ياء فقلت : رأيت كليهما ومررت بكليهما وفي الرفع تبقى على حالها فتقول : جاءني أخواك كلاهما فزعم سيبويه :أنّ ذلك ؛ لأن (على وإلى ولدى) ظروف لا يكنّ إلا نصبا أو جرا كقولك : غدت من عليه فشبهت (كلا) مع المضمر بهنّ في الموضع الذي يقعن فيه منقلبات ولم تكن مما ترتفع فبقيت (كلا) في الرفع على حالها وشبه (كلا) بهن لأنّها لا تفرد كما لا يفردن.

ص: 441

قال أبو العباس : قيل لسيبويه : أنت تزعم أنّ الألفات في (على) ونحوها منقلبات من واو ويستدل على ذلك بأنّ الألفات لا تكون فيها إمالة ولو سمي رجل بشيء منهنّ قال في تثنيته :علوان وألوان فلم قلبتها مع المضمر ياء هلّا تركتها على حالها فقلت : علاك وإلاك كما يقول بعض العرب. قال : فقال : من قبل أنّ هاتين يعني : على ولدى اسمان غير متمكنين و (إلى) حرف جاء لمعنى.

ففصل بين ذلك وبين الأسماء المتمكنة فقيل له : فهلّا فصلت بينها مع الظاهر أيضا فقال :لأن المضمر يتصل بها.

قيل : فبين وعند ونحو ذلك غير متمكنة فلم لا فصلت أيضا بينها وبين المتمكنة قال : لأن الواو والياء والألف من الحظّ في إبدال بعضهن من بعض ما ليس لسائر الحروف قيل له : فما بال قولك : فيكم وفينا وفيّ بمنزلة : مسلميك ونحوها وما علمت بين هذين فصلا مقنعا قال : والقول عندي في هذا أنّ هذه الحروف لمّا كانت لا تخلو من الإضافة كما لا يخلو من الفاعل بنوها على المضمر على إسكان موضع اللام منها كما فعل ذلك الفعل بالفعل مع الفاعل والحجة واحدة ، وأما (كلا) فإنّما أشبهتهنّ في الجرّ والنصب على ما قال سيبويه. قال : وهذا القول مذهب الفراء وأصحابه.

قال أبو العباس : في هذا الباب نظر أكثر من هذا وقد صدق.

وقال : زعم أصحاب الفراء عنه أنه كان يقول في بنات الحرفين من الأسماء نحو : أخت وبنت وقلة وثبة وجميع هذا المحذوف أنّ كلّ شيء حذفت منه الياء فأوله مكسور ليدلّ عليها وكلّ ما حذفت منه الواو فأوله مضموم يدلّ عليها فأخت من قولك : أخوات وبنت كسر أولها ؛ لأن المحذوف (ياء) وقلة المحذوف (واو) فيقال له أمّا (قلة) فما تنكر أن تكون من (قلوت) إذا طردت وقولك في (بنت) دعوى ويبطل ما تقوله (عضة) ؛ لأن أولها مكسور وهي من الواو يقال في جمعها (عضوات). قال الشاعر :

هذا طريق يآزم المآزما

وعضوات تقطع اللهازما

ص: 442

وكان يلزمه أن يضمّ أول (سنة) فيمن قال (سنوات) لأنّها من الواو وكذلك : هنة هنوات ينشدون فيها :

أرى ابن نزار قد جفاني وملنّى

على هنوات شأنها متتابع

قال أبو العباس : الذاهب من (ابن) واو كما ذهب من (أب وأخ).

فإن قيل : فما الدليل عليه وليس براجع في تثنية ولا جمع ما يدلّ على أحدهما دون الآخر قلنا : نستدلّ بالنظائر أمّا (ابن) فإنّك تقول في مؤنثه : (ابنة) وتقول : (بنت) من حيث قلت : (أخت) ومن حيث قلت : (هنت) ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثا إلّا ومذكره محذوف الواو يدلك على ذلك (أخوان) ومن ردّ في هن قال : هنوان.

قال : وأما (اسم) فقد اختلف فيه.

فقال بعضهم : هو (فعل). وقال بعضهم : (فعل) وأسماء تكون جمعا لهذا الوزن وهذا الوزن تقول في جذع : أجذاع كما تقول في (قفل) : أقفال وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسمع وأكثرهم أنشد :

في كلّ سورة سمه ...

فضمه وجاء به على (فعل) وأنشد بعضهم : (سمه) فكسر السين وهو أقل وأنشد أبو زيد فذكر الوجهين :

فدع عنك ذكر اللهو واعمد لمدحة

لغير معدّ كلّها حيثما انتمى

لأعظمها قدرا وأكرمها أبا

وأحسنها وجها وأعلنها سما

فأمّا (ابن) فتقديره (فعل) متحرك ، وذلك أنّك تقول في جمعه (أبناء) كما تقول : جمل وأجمال وجبل وأجبال ، فإن قال قائل : فلعله (فعل) أو (فعل) ، فإن جمعها على (أفعال) قيل له :الدليل على ذلك أنّك تقول : بنون في الجمع فتحرك بالفتح ، فإن قال : ما أنكرت من أن يكون على (فعل) ساكن العين قيل ؛ لأن الباب في جمع (فعل) على (أفعل) نحو : كلب وأكلب

ص: 443

وكعب وأكعب فأما دم فهو فعل لأنّك تقول : دمي يدمى فهو دم فهذا مثل : فرق يفرق فرقا فهو فرق (فدم) مصدر مثل بطر وحذر هذا قول أبي العباس.

قال أبو بكر : وليس عندي في قولهم : دمي يدمة دما حجة لمن ادّعى أنّ (دما) فعل ؛ لأن قولهم : دمي يدمى دما إنّما هو (فعل) ومصدر اشتقا من الدم كما : اشتقّ ترب من (التّراب) وشعر الجبين من الشعر فقولهم (دما) اسم للحدث والدم اسم للشيء الذي هو جسم وقد بينت هذا الضرب في كتاب الإشتقاق ولكنّ قولهم : دميان دلّ على أنّه (فعل) قال الشاعر لمّا اضطر :

فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين

وأمّا يد فتقديرها (فعل) ساكنة العين لأنك تقول : أيد في الجمع فهذا جمع (فعل) ولو جاء شيء لا يعلم ما أصله من هذه المتقوصات لكان الحكم فيه أن يكون فعلا ساكن العين ؛ لأن الحركة زيادة والزيادة لا تثبت إلّا بدليل ، وأما أست (ففعل) متحركة العين يدلّك على ذلك (أستاه) ، فإن قيل فلعلها ففعل أو فعل ، فإن الدليل على ما قلنا قولك : سه فتردّ الهاء التي هي لام وتحذف العين وتفتح السين فأمّا حر المرأة فتقديره (فعل) لقولهم : أفعال في جمعه بمنزلة : جذع وأجذاع ودليله بين ؛ لأن أوله مكسور.

قال محمد بن يزيد : ما كان على حرفين ولا يدرى ما أصله الذي حذف منه ، فإن حكمه في التصغير والجمع أن تثبت فيه الياء ؛ لأن أكثر ما يحذف من هذا : الواو والياء فالياء أغلب على الواو من الواو عليها فإنّما القياس على الأكثر فلو سمينا رجلا بإن التي للجزاء ثم صغرنا فقلنا. أنيّ وكذلك : أن التي تنصب الأفعال ، فإن سمينا (بإن) الخفيفة من الثقيلة قلنا : أنين.

فاعلم لأنا قد علمنا أنّ أصلها (نون) أخرى حذفت منها وكذلك لو سميناه (برب) الخفيفة (من) ربّ الثقيلة لقلنا : ربيب لأنا قد علمنا ما حذف منه وكذلك (بخ) المخففة تردّ فيهما الخاء المحذوفة ؛ لأن الأصل التثقيل كما قال :

في حسب بخّ وعزّ أقعسا

ص: 444

ولو سميت رجلا : ذو لقلنا : ذوا قد جاء ؛ لأنه لا يكوون اسم على حرفين أحدهما : حرف لين ؛ لأن التنوين يذهب به فيبقى على حرف فإنّما رددت ما ذهب وأصله فعل يدلّك على ذلك : (ذَواتا أَفْنانٍ) [الرحمن : 48] و (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) [سبأ : 16].

وإنّما قلت : هذا ذو مال فجئت به على حرفين ؛ لأن الإضافة لازمة له ومانعة من التنوين كما تقول : هذا فو زيد ورأيت فا زيد فإذا أفردت قلت : هذا فم فاعلم ؛ لأن الاسم قد يكون على حرفين إذا لم يكن أحدهما حرف لين كما تقدم من نحو : يد ودم وما أشبهه.

قال : فإذا سميت رجلا (بهو) ، فإن الصواب أن تقول : هذا هوّ كما ترى فتثقل ، وإن سميته (بفي) من قولك : في الدار زيد زدت على الياء ياء فقلت : هذا فيّ فاعلم.

وإن سميته (بلا) زدت على الألف ألفا ثم همزت لأنك تحرك الثانية والألف إذا حرّكت كانت همزة فتقول : هذا لاء فاعلم.

وإنّما كان القياس أن تزيد على كلّ حرف من حروف اللين ما هو مثله ؛ لأن هذه حروف لا دليل على تواليها لأنّها لم تكن أسماء فيعلم ما سقط منها وهو وهي اسمان مضمران مجراهما مجرى الحروف في جميع محالهما وكذلك قالت العرب : في (لوّ) حيث جعلته اسما. قال الشاعر :

ليت شعري وأين مني ليت

إنّ ليتا ، وإن لوّا عناء

فزاد على الواو واوا ليلحق الأسماء ، وإن سميت رجلا (كي) قلت : هذا كيّ فاعلم.

وكذلك كلّ ما كان على حرفين ثانية ياء أو واو أو ألف.

وقال أبو الحسن الأخفش : ما كان على حرفين فلم تدر من الواو هو أم من الياء فالذي تحمله عليه الواو ؛ لأن الواو أكثر فيما عرفنا أصله من الحرفين فيما يعلم أنّه من الواو (أب) لأنك تقول : أبوان وأخ لأنك تقول : أخوان وهن لأنك تقول : هنوان وغد لأنّهم قد قالوا :وغدوا بلاقع.

قال : وأما (ذو) ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأن يكون ياء ؛ لأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه واوان.

ص: 445

وأمّا (دم) فقد استبان أنه من الياء لقول بعض العرب إذا ثنّاه : دميان وقال بعضهم :دموان فما علمت أنه من الواو أكثر لأنّهم قد قالوا : هنوان وأخوان وأبوان فقد عرفت أنّ أصل دم : فعل وغد قد استبان لك أنّه (فعل) بقولهم : وغدوا بلاقع.

وإنما يحمل الباب على الأكثر.

وذكر الأخفش (سنين ومئين) فقال : فيها قولين : أختار أحدهما وهو الصحيح عندنا فقال : وأما سنين ومئين في قول من رفع النون فهو فعيل ولكن كسر الفاء لكسرة ما بعدها وأجمعوا كلّهم على كسرها وصارت النون في آخر (سنين) بدلا من الواو ؛ لأن أصلها من الواو وفي (مئين) النون بدل من الياء ؛ لأن أصلها من الياء كأنّها كانت (مئي) مثل معي وقد قالوها في بعض الشعر ساكنة ولا أراهم أرادوا إلّا التثقيل ثمّ اضطروا فخففوا لأنّهم لو أرادوا غير التخفيف لصار الاسم على (فعل) وهذا بناء قليل.

قال الشاعر :

حيدة خالي ولقيط وعلي

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي

مثل (المعي) ، وأما قولهم : ثلاث مئي فاعلم. فإنه أراد (بمئي) جماعة المائة كتمر وتمرة وتقول فيه : رأيت مئيا مثل : معيا وقولهم : رأيت مئا مثل : معى خطأ ؛ لأن المئي إنّما جاءت في الشعر فتقول : ليس لك أن تدعي أنّ هذه الياء للإطلاق وأنت لا تجد ما هو على حرفين يكون جماعة ويكون واحده بالهاء نحو : تمرة وتمر.

قال أبو الحسن : وهو مذهب وهو قول يونس يعني (الياء) قال والقياس الجيد عندنا أن يكون سنين فعلين مثل غسلين محذوفة ويكون قول الشاعر : سني والمئي مرخما.

فإن قلت : فإن (فعلين) لم يجيء في الجمع وقد جاء (فعيل) نحو : كليب وعبيد وقد جاء فيه ما لزمه (فعيل) مكسور الفاء نحو : (مئين) ، فإن من الجمع أشياء لم يجىء مثلها إلّا بغير اطراد نحو (سفر) وقد جاء منه ما ليس له نظير نحو : (عدى) وأنت إذا جعلت (سنين) فعيلا جعلت النون بدلا والبدل لا يقاس ولا يطرد.

ص: 446

ومخالفة الجمع للواحد قد كثر ، فإن تحمله على ما لا بدل فيه أولى وليس يجوز أن تقول :إنّ الياء في سنين : أصلية وقد وجدتها زائدة في هذا البناء بعينه لمّا قلت : (فعلين) وفعلون : يعني أنك تقول : سنين يا هذا وسنون وقال : اعلم أنّ قول العرب : (آوّه) لا يجوز أن تكون فاعلة والدليل على أنّ الهاء للتأنيث قول العرب : (أوتاه) وإنّما هذا شاذّ ؛ لأنه حرف بني هكذا لم يسمع فيه (فعل) قط العين واللام من الواو فلمّا بنوه كأنّه لم يكن له (فعل) بنوه على الأصل كما قالوا : مذروان فبنوه على الأصل إذ لم يكن له واحد يقلب فيه الواو إلى الياء وكما قالوا : ثنايان فلم يهمزوا إذا لم يكن لهذا واحد تكون الياء آخره قال : وأما قول الشاعر :

فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها

ومن بعد أرض دونها وسماء

فإنه من قولهم : أوتاه ولكن جعله مثل : سبح وهلّل وقوله : أو يريد : افعل ورأيت بخط بعض أصحابنا مما قريء على بعض مشايخنا من كلام الأخفش.

اعلم أنّ قول العرب (أوّه) لا يجوز أن يكون إلّا (فاعلة) ورأيت إلا ملحقة في الكتاب.

قال أبو بكر : جميع الأصوات التي تحكى محالفة للأسماء والأفعال في تقديرها فليس لنا أن نقول في (قد) أن أصلها (فعل) كما تقول في (يد) ولا ندعي أنه حذف من (قد) شيء كما حذف في (يد) ولا لنا أن نقول : إنّ الألف في (ما ولا) منقلبة من شيء وكذلك صه ومه وألف (غاق) لا تقول : إنّها منقلبة وإنّما تقدر الأسماء والأفعال بالفاء والعين واللام لتبين الزوائد من غيرها والحروف والأصوات أصول لا تكاد تجد فيها زائدا ولا تحتاج إلى تقديرها بالفاء والعين واللام لأنّها لا تتصرف تصرف الأسماء ولا تصرف الأفعال لأنّها لا تصغر ولا تثنى ولا تجمع ولا يبنى منها فعل ماض ولا مستقبل وأنّما جعلت الفاء والعين واللام في التمثيل ليعتبر بهنّ الزائد من الأصل والأبينة المختلفة.

فما لا تدخله الزيادة ولا تختلف أبنيته فلا حاجة إلى تمثيله وتقديره فأمّا قولهم (تأوّه) فإنّما هو مشتقّ من قولهم : آوّه يراد به أنه قال : أواه كما قالوا : سبّح إذا قال سبحان الله وهلّل إذا قال : لا إله إلّا الله فهلل فعّل أخذت الهاء واللام من بعض الكلام الذي تكلم به وجاز تقديم

ص: 447

الهاء ؛ لأنه غير مشتق من مصدر وإنّما يصير للكلمة تقدير إذا كانت اسما أو فعلا فما عدا ذلك فلا تقدير له وقول الشاعر :

من أعقاب السّمي ...

فالسّمي مخفف من السّميّ ويدلك على ذلك أنّ (فعل) ليس من بناء الأسماء : وإنّما أراد : السّمي فخفف وهي (فعول) مثل عصي فلمّا خفف صار : سمي.

قال الأخفش : ولو سمى به لأنصرف ؛ لأنه (فعول) محذوسف وهو ينصرف إذا كان اسم رجل ألا ترى أنّ (عنوق جماعة العناق) لو كانت اسم رجل فرخمته فيمن قال : ياحار لقلت :باعني تحذف القاف وتقلب الواو.

قال : ولو سميت به لصرفته ؛ لأنه ليس (بفعل) ونظير التخفيف في سمى قول الشاعر :

حيدة خالي ولقيط وعلي

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي

فخفف الياء من (عليّ) وقال في بيت آخر :

يأكل أزمان الهزّال والسني

فهذا إمّا أن يكون رخم (سنين) ومئين وإما أن يكون بنى : سنة ومائة على : سني ومئي وكان أصلهما : سنو ومئو فلمّا حذف النون ورخم بقي الاسم آخره واو قبلها ضمة فلما أراد أن يجعله اسما كالأسماء التي لم يحذف منها شيء قلب الواو ياء وكسر ما قبلها ؛ لأنه ليس في الأسماء اسم آخره واو قبلها ضمة فمتى وقع شيء من هذا قلبت الواو فيه ياء وقد بيّن هذا فيما تقدم.

قال أبو بكر : ويجوز عندي أن يكون تقدير قول الشاعر : (سمي) أنّه (فعل) قصره من (فعول) فلمّا وقعت الواو بعد ضمة وهي طرف قلبها ياء وهذا التأويل عندي أحسن من حذف اللام ؛ لأن حذف الزائد في الضرورة أوجب من حذف الأصل وسماء مثل (عناق) في البناء والتأنيث وكذلك جمعهما سواء تقول (سميّ) وعنوق فسميّ (فعول) وعنوق (فعول)

ص: 448

وقد حكوا : ثلاث أسمية بنوها على (أفعلة) وهي مؤنثة وإنّما هذا البناء للمذكر وإنّما فعلوا ذلك ؛ لأنه تأنيث غير حقيقيّ وليس كعناق ؛ لأن (عناقا) تأنيثها حقيقيّ.

واعلم أنّ قولهم (يهريق) الهاء مفتوحة في مكان الهمزة وكان الأصل : يؤريق ؛ لأن أصله (أفعل) مثل (أكرم) فأكرم مثل (دحرج) ملحق به وكان القياس أن يقول في مضارع أكرم يؤكرم مثل (يدحرج) فاستثقلوا ذلك ؛ لأنه كان يلزم منه أن يقول : أنا أكرم مثل أدحرج أأكرم فحذفوا الهمزة استثقالا لإجتماع الهمزتين ثمّ أتبعوا باقي حروف المضارعة الهمزة وكذلك يفعلون ألا تراهم حذفوا الواو من (يعد) استثقالا لوقوعها بين ياء وكسرة ثمّ أسقطوها مع التاء والألف والنون فقالوا : أعد ونعد وتعد فتبعت الياء أخواتها التي تأتي للمضارعة فالذي أبدل الهاء من الهمزة فعل ذلك استثقالا لئلا يلزمه أن يجمع بين همزتين في أنا أفعل وأبدل فلم يحذف شيئا ، فإن قال قائل : فما تقديره من الفعل قلت : يهفعل ؛ لأن الهاء زائدة وحقّ كلّ زائد أن ننطق به بعينه وكذلك لو قال الشاعر : (يؤكرم) كما قالوا : يؤثفين لكان تقديره ووزنه من الفعل (يؤفعل) وتقول في قول من قال (يهريق) فأسكن الهاء وجعلها عوضا من ذهاب الحركة إن قيل : ما تقديره من الفعل لم يجز أن تنطق به على الأصل لأنّك إذا قيل لك : ما وزن : يريق قلت : يفعل وكذا عادة النحويين والفاء ساكنة والهاء ساكنة فلا يجوز أن تنطق بهما إذا كان تقدير (يريق) يفعل.

وأنا أبين لك ذلك بيانا أكشفه به ، فإن الحاجة إلى ذلك في هذه الصناعة شديدة فأقول إني قد بينت ما دعا النحويين إلى أن يزنوا بالفاء والعين واللام.

وأنهم قصدوا أن يفصلوا بين الزائد والأصل فالقياس في كلّ لفظ مقدر إذا كان فيه زائد أن تحكي الزائد بعينه فتقول في (أكرم) إنه (أفعل) وفي (كرامة) أنها (فعالة) وفي كريم أنّه (فعيل) ومكرم مفعل ؛ لأن ذلك كلّه من الكرم فالأصل الذي هو الكاف والراء والميم موجود في جميعها فالكاف فاء والراء عين والجيم لام فعلى هذا يجري جميع الكلام في كلّ أصلي وزائد فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلّ وتحذف ، فإن النحويين يقولون إذا سئلوا : ما وزن (قام) قالوا : (فعل).

ص: 449

فيذكرون الأصل ؛ لأنه عندهم مثل (ضرب) وإنّما كان الأصل (قوم) ثمّ قلبت الواو ألفا ساكنة ، وإذا قيل لهم : ما وزن يقول : قالوا : (يفعل) ؛ لأن الأصل (كان يقول) فحولت الحركة التي كانت في الواو إلى القاف ، وإذا قيل لهم : ما وزن مقول قالوا : مفول لإنّ الأصل : مقوول فحولت الضمة إلى القاف فاجتمع ساكنان فحذف أحدهما فهذا الذي قالوه صحيح وإنّما يريدون بذلك المحافظة على الأصول لتعلم وأنّ ما يغير من اللفظ فلعلة إلّا أنه يجب أن تمثل الكلمة المعتلة بما هي عليه من اللفظ كما يمثل الأصل فيقول : مثالها المسموع كذا : والأصل كذا كما قالوا في (رسل) فيمن خفف إنّ الأصل (فعل) ، وإن الذين خففوا قالوا : (فعل) فيجب على من أراد أن يمثل الكلمة من الفعل بما هي عليه ولم يقصد الأصل إذا قيل له : ما وزن (قال) بعد العلة قال (فعل) ، وإن قيل له : ما وزن قلت قال : فلت : فإن قيل : ما الأصل قال : فعلت قيل له : ما وزن قيل قال : فعل ، فإن أريد الأصل قال : فعل ، فإن قيل له : ما وزن مقول ، فإن كان ممن يقدر حذف واو مفعول وذاك مذهبه قال (مفعل).

وإن كان ممن يذهب إلى أنّ العين الذاهبة قال : مفول ، فإن سئل عن الأصل قال : مفعول وكذلك إذا سئل عن (يد) قال (فع) ، فإن سئل عن الأصل قال (فعل) كما بينا فيما تقدم ، وإن سئل عن (مذ) قال : (فل) ، فإن سئل عن الأصل قال : فعل ؛ لأن أصل (مذ) : منذ فالعين هي الساقطة وكذلك : (سه) إن قال : ما وزنها في النطق قلت : (فل).

فإن قال : ما الأصل قلت (فعل) كما ذكرنا ويلزم عندي من مثل قال : يفعل ومقول :بمفعول أن يمثل يكرم بيؤفعل فيذكر الأصل فأمّا (أمهات) فوزنها (فعلهات) يدلّك على ذلك أنّهم يقولون : أمّ وأمهات فيجيئون في الجمع بما لم يكن في الواحد.

وقد حكى الأخفش على جهة الشذوذ أنّ من العرب من يقول : (أمّهة) ، فإن كان هذا صحيحا فإنّه جعلها فعّلة وألحقها بجخدب ومن لم يعترف بجخدب ولم يثبت عنده أنّ في كلام العرب (فعللا) وجب عليه أن يقول (أمّهة) فعلهة كما قال : إنّ جندبا فنعل ولم يقل :فعلل ، وإذا قيل لك ما وزن (يغفر) ، فإن قال السائل ما أصله فقل : يفعل ولكن أتبعوا الضمّ الضمّ ، وإن كان سئل عن اللفظ فقل (يفعل) وكذلك (منتن) إن قال ما وزنه قلت : الأصل

ص: 450

(مفعل) ولكن أتبعوا الكسر الكسر واللفظ (مفعل) وتقول في (عصي) إنّها (فعول) في الأصل وفعيل في اللفظ والتمثيل باللفظ غير مألوف فلا تلتفت إلى من يستوحش منه ممن يطلب العربية ، فإن من عرف ألف ومن جهل استوحش وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش وتقول في (قسيّ) أصله : فعول وكان حقه (قووس) ولكن قدموا اللام على العين وصيروه (فلوع) وكان حقه أن يكون (قسو) فصنعوا به ما صنعوا بعصيّ قلبوا الواو ياء وكسروا القاف كما كسروا عين (عصيّ) فالمسموع من (قسيّ) (فليع).

وأصل (فليع) فلوع وفلوع مقلوب من فعول.

وقالوا في (أينق) إنّ أصلها (أنوق) فاستثقلوا الضمة في الواو فحذفت الواو وعوضت الياء فيقولون إذا سئلوا عن وزنها أنّها (أفعل) واللفظ على هذا التأويل هو (أيفل) ولقائل أن يقول : إنّهم قلبوا فصار (أونقا) ثمّ أبدلوا من الواو ياء والياء قد تبدل من الواو لغير علة استخفافا فعلى هذا القول يكون وزن (أينق) (أعفل) كما قال الخليل في أشياء : إنّها (لفعاء) ؛ لأن الواحد شيء فاللام همزة فلمّا وجدها مقدمة قال هي : لفعاء وقد قال غيره : إنّها (فعلاء) كان الأصل عنده شيئاء فحذفت الهمزة.

قال المازني : قال الخليل : أشياء (فعلاء) مقلوبة وكان أصلها شيئاء مثل : حمراء فقلب فجعلت الهمزة التي هي لام أولا فقال : أشياء كأنّها لفعاء ثمّ جمع فقال : أشاوى مثل : صحارى وأبدل الياء واوا كما قال : جبيت الخراج جباوة وهذا شاذّ وإنّما احتلنا لأشاوى حيث جاءت هكذا لتعلم أنّها مقلوبة عن وجهها.

قال : وأخبرني الأصمعي : قال : سمعت رجلا من أفصح العرب يقول لخلف الأحمر : إنّ عندك لأشاوي قال : ولو جاءت الهمزة في (أشياء) في موضعها مؤخرة بعد الياء كنت تقول :شيئاء.

قال : وكان أبو الحسن الأخفش يقول : أشيئاء أفعلاء وجمع شيء عليه كما جمعوا شاعرا على شعراء ولكنّهم حذفوا الهمزة التي هي لام استخفافا وكان الأصل : أشيئاء أشيعاع فثقل

ص: 451

ذلك فحذفوا فسألته عن تصغيرها فقال : العرب تقول أشيّاء فاعلم فيدعونها على لفظها فقلت : لم لاردت إلى واحدها كما ردت (شعراء) إلى واحدها فلم يأت بمقنع.

وقال : قال الخليل : أشياء مقلوبة كما قلبوا (قسيّ) وكان أصلها (قووس) ؛ لأن ثاني (قوس) واو فقدّم السين في الجمع وهم مما يغيرون الأكثر في كلامهم قال الشاعر :

مروان مروان أخو اليوم اليمي

يريد (اليوم) فأخّر الواو وقدم الميم ثم قلب الواو حيث صارت طرفا كما قال : (أدل) في جمع (دلو) ومما ألزم حذف الهمزة لكثرة استعمالهم (ملك) إنّما هو (ملأك) فلمّا جمعوه وردوه إلى أصله قالوا : ملائكة وملائك ، وقد قال الشاعر فردّ الواحد إلى أصله حين احتاج :

فلست لإنسيّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السّماء يصوب

قال : ومن القلب : طأمن واطمأن قال : وأمّا : جذب وجبذ فليس واحد منهما مقلوبا عن صاحبه لأنّهما يتصرفان ، وأما (طأمن) فليس أحد يقول فيه (طمأن) ومما يسأل عنه (أوّل) إن قال قائل : هذه همزة أبدل منها واو واحتجّ بأنّه لم ير الفاء والعين من جنس واحد قيل له : قد قالوا : الدّدن وكوكب ويقال لمن اعترض بهذا أي : الواوين من أوّل تجعلها بدلا من الهمزة ، فإن قال : الأولى قيل له : لو كانت همزة لوجب أن تبدل الفاء كما قالوا : آمن ، وإن قال : الثانية قيل له : لو كانت الثانية همزة لوجب حذفها في التخفيف وكنت تقول : أوّل فعّل كما تقول في تخفيف (مؤلة) مولةّ ، فإن قال : ولم قالوا : أوائل ولم يقولوا : أواول قيل : هذا كان الأصل ولكنّهم تجنبوا اجتماع الواوين وبينهما ألف الجمع ومما يغيّر في الجمع الهمزتان إذا اكتنفتا الألف نحو : ذؤابة إذا جمعتها قلت : ذوائب وكان الأصل : (ذأآئب) ؛ لأن الألف التي في (ذؤابة) كالألف التي في (رسالة) حقّها أن تبدل منها همزة في الجمع ولكنّهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين همزتين كما استثقلوا أن تقع بين واوين فأبدلوا الأولى التي هي أصل وتنكبوا إبدال الثانية التي هي بدل من حرف زائد الزوائد أصلها السكون وإنّما أبدلت لمّا أرادوا حركتها واضطرهم إلى ذلك الفرار من الجمع بين ساكنين وكان ملازمة الهمزة تدلّ على أنّ المبدل زائد

ص: 452

فأمّا خطايا وأداوى فإنّهم جعلوا موضع الهمزة ياء وواوا وأزالوا البناء عن وزن (فعائل) إلى (فعال) ثم نقلوها إلى (فعائل) وعاول فجاءوا ببناء أخر ولم ينطقوا بالهمزة مع هذا البناء وإنّما هو شيء يقدره النحويون ألا ترى أنّ الشاعر إذا اضطرّ فقال :

سماء الإله فوق سبع سمائيا

لمّا ردّ البناء إلى (فعائل) وكسر ردّ الهمزة فحروف المدّ إذا أبدلت للضرورة قبح أن تبدل بدلا بعد بدل فتشبه الأصول ألا ترى أنّ ألف (سائر) لما أبدلت في (سوير) واوا لم تدغم فتقدير خطيئة : فعيلة وتقدير إداوة : فعالة وخطيئة مثل : صحيفة كان القياس على ذلك أن يقال فيها : خطائي خطاعي مثل صحائف فكان يجتمع همزتان فتنكبوا (فعائل) إلى (فعائل) كما قالوا في مداري : مدارى وكان مداري : مفاعل فجعلوه (مفاعل).

والنحويون يقولون : إنّه لما نقل وقعت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء : قالوا : وإنّما (فعل) ذلك بها لأنّك جمعت بين ثلاثة ألفات وهذا المعنى إنّما يقع إذا كانت الهمزة عارضة في الجمع وهذا تقدير قدروه لا أنّ هذا الأصل سمع من العرب كما قد تأتي بعض الأشياء على الأصول مثل : حوكة واستحوذ فخطايا وبابها لم يسمع فيه إلّا الياء ، وأما (إداوة) فهي (فعالة) مثل (رسالة) وكان القياس فيها (أدائيء) مثل (رسائل) تثبت الهمزة التي هي بدل من ألف (إداوة) كما تثبت الهمزة التي هي بدل من ألف (رسالة) فتنكبوا (أداي) كما تنكبوا (خطاي) فجعلوا فعائل : فعائل وأبدلوا منها الواو ليدلوا على أنّه قد كانت في الواحد واو ظاهرة فقالوا :أداوي فهذه الواو بدل من الألف الزائدة في (إداوة) والألف التي هي لام بدل من الواو التي هي لام في (إداوة).

ومما يسأل عنه (سريّة) ما تقديرها من الفعل وهل هي (فعليّة) أو (فعيلة) وممّ هي مشتقة والذي عندي فيها أنّها فعليّة مشتقة من (السرّ) ؛ لأن الإنسان كثيرا ما يسرّها ويستر أمرها عن حرّته.

ص: 453

وكان الأخفش يقول : إنّها (فعيلة) مشتقة من (السرور) لأنّها يسرّ بها وإنّما حكمنا بأنّها (فعليّة) ولم نقل : إنّها (فعيلة) لضربين : لأن مثال (فعليّة) كثيّر نحو : قمرية وفعيلة قليل نحو :مريقة.

والضرب الآخر : الاشتقاق وما يدلّ عليه المعنى ؛ لأن الذي يقول إنّها (فعيلة) يقال له :ممّ اشتققت ذلك ، فإن قال : أردت : ركبت سراتها وسراة كلّ شيء أعلاه فقد ردّ هذا أبو الحسن الأخفش فقال : ذا لا يشبه ؛ لأن الموضع الذي تؤتى المرأة منه ليس هو سراتها وإنّما سراة الشيء ظهره أو مقدمه ؛ لأن أول النهار سراته وظهر الدابة : سراتها فهذا عندي بعيد كما قال أبو الحسن ، فإن قيل : إنّه من (سريت) فهو أقرب من أن يكون من (السّراة) والصواب عندي ما بدأت به ، وأما (عليّة) فهي (فعيّلة) ولو كانت (فعليّة) لقلت (علويّة) وهي من (علوت) ؛ لأن هذه الواو إذا سكن ما قبلها صحت كما تنسب إلى (دلو) دلويّ ولكنّها قلبت في (عليّة) لمّا كانت (فعيّلة) مثل (مريّقة) وكان الأصل (عليوة) فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء فيها وكذلك كلّ ياء ساكنة بعدها واو تقلب لها ياء وتدغم فيها وقد مضى ذكر هذا في الكتاب.

ومن ذلك قولهم : لا أدر ولم يك ولم أبل وجميع هذه إنّما حذفت لكثرة استعمالهم إيّاها في كلامهم وإنّما كثر استعمالهم لهذه الأحرف للحاجة إلى معانيها كثيرا لأنّ : لا أدري أصل في الجهالات ويكون عبارة عن الزمان ولم أبل مستعملة فيما لا يكترث به وهذه أحوال تكثر فيجب أن تكثر الألفاظ التي يعبر بهنّ عنها وليس كلّ ما كثر استعماله حذف فأصل لا أدر : لا أدري وكان حقّ هذه الياء أن لا تحذف إلّا لجزم فحذفت لكثرة الاستعمال وحقّ لم يك : لم يكن وكان أصل الكلمة قبل الجزم (يكون) فلمّا دخلت عليها (لم) فجزمتها سكنت النون فالتقى ساكنان ؛ لأن الواو ساكنة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فوجب أن تقول : لم يكن فلمّا كثر استعمالها وكانت النون قد تكون زائدة وإعرابا في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأمّا : لم أبل فحقه أن تقول : لم أبال كما تقول لم أرام يا هذا فحذفت الألف لغير شيء أوجب ذلك إلّا ما يؤثرونه من الحذف في بعض ما يكثر استعماله وليس هذا مما يقاس عليه.

ص: 454

وزعم الخليل : أنّ ناسا من العرب يقولون : لم أبله لا يزيدون على حذف الألف كما حذفوا : علّبط وكذلك يفعلون في المصدر فيقولون :بالة : (بالية) كما قيل في عافى : عافية.

ولم يقولوا : لا أبل ؛ لأن هذا موضع رفع كما لم يحذفوا حين قالوا : لم يكن الرجل ؛ لأن هذا موضع تحرك فيه النون ومما يشكل قولهم : متّ تموت وكان القياس أن يقول من قال : متّ :تمات مثل : خفت تخاف ومن قال : تموت وجب أن يقول : متّ كما قلت : قمت تقوم فهذا إنّما جاء شاذّا كما قالوا في الصحيح : فضل يفضل.

قال المازني : وأخبرني الأصمعي قال سمعت عيسى بن عمر ينشد لأبي الأسود :

ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر

وما مرّ من عيشي ذكرت وما فضل

قال : ومثل (متّ تموت) : دمت تدوم وهذا من الشاذّ ومثله في الشذوذ : كدت أكاد.

وزعم الأصمعي : أنّه سمع من العرب من يقول : لا أفعل ذاك ولا كودا فجعلها من الواو.

وقال أصحابنا : إنّ (ليس) أصلها ليس نحو : صيد البعير ولم يقلبوا الياء ألفا لأنّهم لم يريدوا أن يصرفوها فيستعملوا منها (يفعل) ولا فاعل ولا شيئا من أمثلة الفعل فأسكنوا الياء وتركوها على حالها بمنزلة (ليت) ومن ذلك (همّرش).

قال الأخفش : الميم الأولى عندنا نون لتكون من بنات الخمسة حتّى تصير في مثال (جحمرش) ؛ لأنه لم يجيء شيء من بنات الأربعة على هذا النباء ، وأما (همّقع) فهما ميمان لأنّا لم نجد هذا البناء في بنات الخمسة وكذلك (شمّخر) ندعه على حاله ونجعله من بنات الأربعة ؛ لأن الأربعة قد جاءت على هذا البناء نحو (دبّخس) وكذلك (غطمّش) مثل : عدبّس وهو من بنات الأربعة.

قال : ولو كانت من بنات الخمسة وكانت الأولى نونا لأظهرت النون لئلا تلتبس بمثل (عدبّس).

ص: 455

وقال : إن صغّرت (همّرش) فالقياس أن تقول : هنيمر ؛ لأن الأولى كانت نونا ، وإن شئت قلت : همّيرش وقلت مثل هذا يجوز أن يكون جمعه (همارش) ؛ لأن النون والميم من الحروف الزوائد ، وإن لم تكن في هذا المكان زائدة فإنّها تشبه ما هو زائد فتلقى هاهنا.

قال : فإن قلت : ما لك لم تبين النون في (همّرش) فلأنّه ليس لها مثال تلتبس به فتفصل بينهما.

وقال الأخفش : كلمون مثل : زرجون وهو العنب تقول : هذه كلمونك ؛ لأن هذه النون من الأصل وهذا من بنات الأربعة مثل : (قربوس) ولم تزد فيه هذه الواو والنون كزيادة نون الجميع.

وحكي عن الفراء في قولهم : ضرب عليهم ساية أنّ معناه طريق قال : وهي فعلة من (سوّيت) قلبوا الياء ألفا استثقالا لسيّة فقلبوا الياء ؛ لأن قبلها فتحة كما قالوا : دويّة وداوية وهذا الذي قاله الفراء يجوز أن يكون كما قال والقياس أن يكون وزن (ساية) فعلة ؛ لأن الألف لا تبدل إبدالا مطردا إلّا من حرف متحرك وقد مضى ذكر هذا في الكتاب.

وقال محمد بن يزيد : قول سيبويه في (ضيون) إذا جمعه قال : ضياون فيصححه في الجمع كما جاء في الواحد على أصله.

وزعم أنّه لو جمع (ألبب) في قوله : قد علمت ذاك بنات ألببه لقال (الألبّب) فاعلّة قال :فيقال له : هلا صححته في الجمع كما صحّ في الواحد أو أعللت (ضيون) في الجمع كما أعللته وقلت : صححته في الواحد شذوذا فأرده في الجمع إلى القياس كما فعلت (بألبب) ولم فرقت بينهما وقد استويا في مجيء الواحد على الأصل.

وزعم أنّه إذا صغرّ ألبب وحيوة وضيون أعلّهن وسوى بينهن في التصغير فقال (أليّب وضيين وحييّة).

فيقال له : لم استوين في التصغير وخالفت بين (ألبب) وبينهما في الجمع ولم خالف بين جمع (حيوة) وبين تصغيرها فصححت (ضيون) في الجمع وأعللتها في التصغير وزعم أنّ الواو لا تصحّ بعد ياء ساكنة وقد صحتا في الواحد في (حيوة وضيون) على الأصل شاذتين فهلّا

ص: 456

أتبعتهما التصغير أو رددت إلى القياس في الجمع كما فعلت في التصغير كما سويت بين جمع (ألبب) وتصغيره في الرد إلى القياس.

قال : والجواب عندي في ذلك أنّ الباب مختلف فأمّا (ضيون) فقد جعل في الواحد بمنزلة غير المعتلّ فالوجه أن يجري على ذلك في الجمع فيصير : (ضياون) بمنزلة جداول وأساود وتقول في التصغير : ضييّن على ما قاله سيبويه ؛ لأن ياء التصغير قبل الواو فيصير بمنزلة (أسيّد) ولا يكون أمثل منه حالا مع ما فيه قبل التصغير ويكون جمعه بمنزلة (أساود) ومن قال في التحقير : (أسيود) فلا أرى بأسا بأن يقول : (ضييون) لأنها عين مثلها ولا يكون إلّا ذلك لصحتها.

وأمّا (ألبب) فيجب أن يكون في الجمع والتحقير مبيّنا جاريا على الأصل فتقول : (ألابب وأليبب) فتجري جمعه على واحده كما فعلت (بضيون) لا فرق بينهما وكذلك تصغيره ؛ لأن ياء التصغير ليس لها فيه عمل كما كان لها في تصغير (ضيون) فكذلك خالفه وكان تصغيره كجمعه ، وأما (حيوة) فمن بنات الثلاثة والواو في موضع اللام فلا سبيل إلى تصحيحها ؛ لأن أقصى حالاتها أن تجعل (كغزوة) في التصغير فتقول : (حييّة) وجمعها كجمع (فروة) حياء تقول : (فراء).

وأمّا (معيشة) فكان الخليل يقول : يصلح أن تكون (مفعلة) ويصلح أن يكون (مفعلة).

وكان أبو الحسن الأخفش يخالفه ويقول في (مفعلة) من العيش (معوشة) وفي (فعل) من البيع والعيش (بوع وعوش) ويقول في (أبيض وبيض) : هو (فعل) ولكنّه جمع والواحد ليس على مذهب الجمع.

قال أبو عثمان المازني : قول الأخفش في (معيشة) (معوشة) ترك لقوله في (مبيع ومكيل) وقياسه على (مكيل ومبيع) (معيشة) ؛ لأنه زعم أنّه حين ألقى حركة عين (مفعول) على الفاء انضمت الفاء ثمّ أبدلت مكان الضمة كسرة ؛ لأن بعدها ياء ساكنة وكذلك يلزمه في (معيشة) وإلّا رجع إلى قول الخليل في (مبيع) وذكر لي عن الفراء أنّه كان يقول : (مؤونة من الأين) وهو التعب والشدة فكان المعنى : أنّه عظيم التعب في الإنفاق على من يعول.

ص: 457

قال أبو بكر : وهذا على مذهب الخليل لا يجوز أن يكون : (موؤنة من الأين) لأنّها (مفعلة) ولو بنى (مفعلة) من الأين لقال : (مئينة) كما قال : (معيشة) وعلى مذهب الأخفش يجوز أن تكون (مؤونة) من الأين إلّا أنّ أبا عثمان قد ألزمه المناقضة في هذا المذهب وموؤنة عندي وهو القياس (مفعلة) مأخوذ من (الأون) يقال (للأتان) إذا أقربت وعظم بطنها : قد (أوّنت) ، وإذا أكل الإنسان وشرب وامتلأ بطنه وانتفخت خاصرتاه يقال : قد (أوّن) تأوينا.

قال رؤبة (1) :

سرا وقد أوّن تأوين العقق

وقال أيضا : (الأونان) جانبا الخرج فينبغي أن يكون (موؤنة) مأخوذة من (الأون) لأنّها ثقل على الإنسان فتككون (موؤنة) مفعلة ، فإن قال قائل : إنّ موؤنة مفعولة قيل له : فقل في معيشة إنّها مفعولة مثل : (مبيعة) ومفعول ومفعولة لا يكاد يجيء إلّا على ما كان مبنيا على (فعل) تقول : (بيع) فهو مبيع وبعت فهي مبيعة وقيلت فهي مقولة وليس حقّ المصادر أن تجيء على (مفعولة) وقد اختلف أصحابنا في (معقول) فقال بعضهم : هو مصدر وقال بعضهم : صفة ولو كان (معقول) مصدرا لا خلاف فيه ما وجب أن يردّ إليه شيء ولا يقاس عليه إذا وجد عنه مذهب لقلته. ومن هذا الباب (أسطوانة).

قال الأخفش : تقول في (أسطوانة) إنّه فعلوانة لأنك تقول : أساطين فأساطين فعالين كانت (أفعلانة) لم يجز : أساطين ؛ لأنه لا يكون في الكلام (أفاعين).

وقد قال بعض العرب في ترخيم (أسطوانة) : سطينة فهذا قول من لغته حذف بعض الهمز كما قالوا : ويلمه يريدون : ويل لأمه.

وقد قال قوم على قول من قال : سطينة أنها (أفعلانة) وغيّر الجمع فجعل النون كأنّها من الأصل كما قالوا : مسيل ومسلان وهذا مذهب وهو قليل والقياس في نحو هذا أن تكون الهمزة هي الزيادة.

ص: 458


1- البيت لرؤبة بن العجاج ت 145 ه ، والبيت كاملا : [الرجز] وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق سرّا وقد أوّنّ تأوين العقق.

وقد قال بعض العرب : (متسطّ) فهذا يدل على أنّ (أسطوانة) أفعوالة وأشباهها نحو : (أرجوانة وأقحوانة) الهمزة فيها زائدة ؛ لأن الألف والنون كأنّهما زيدا على (أفعل) ولا يجيء في الكلام (فعلو) ومع ذا إنّ الواو لو جعلها زائدة لكانت إلى جنب زائدتين وهذا لا يكاد يكون.

قال : وأما موسى فالميم هي الزائدة ؛ لأن (مفعل) أكثر من (فعلى) مفعل يبنى من كلّ (أفعلت) ويدلّك على أنّه (مفعل) أنّه يصرف في النكرة. و (فعلى) لا تنصرف على حال.

الضرب الثاني ما قيس على كلام العرب وليس من كلامهم

هذا النوع ينقسم قسمين :

أحدهما : ما بني من حروف الصحة وألحق بما هو غير مضاعف.

والقسم الآخر : ما بني من المعتل بناء الصحيح ولم يجىء في كلامهم مثاله إلّا من الصحيح.

النوع الأول : وهو الملحق إذا سئلت كيف تبني مثل (جعفر) من ضرب قلت : ضربب ومن (علم) قلت : علمم. ومن ظرف قلت : (ظرفف) ، وإن كان فعلا فكذلك تجريه مجرى :دحرج في جميع أحواله.

وقال أبو عثمان المازني : المطرد الذي لا ينكسر أن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للإلحاق مثل : (مهدد وقردد) قال : وأما مثال : حوقل الرجل حوقلة وبيطر الدابة بيطرة وسلقيته وجعبيته فليس بمطرد إلّا أن يسمع.

قال : ولكنّك إن سئلت عن مثاله جعلت في جوابك زائدا بإزاء الزائد وجعلت البناء كالبناء الذي سئلت عنه فإذا قيل لك : ابن من ضرب مثل (جدول) قلت : ضروب ومثل (كوثر) قلت : ضورب ومثل جيأل قلت : ضيرب ، وإن كان فعلا فكذلك.

وقد يبلغ ببنات الأربعة الخمسة من الأسماء كما بلغ بالثلاثة الأربعة فما ألحق من الأربعة بالخمسة قفعدد ملحق (بسفرجل) وهمرجل وقد يلحق الثلاثة بالخمسة نحو (عفنجج) هو من الثلاثة فالنون وإحدى الجيمين زائدتان ومثل ذلك : حبنطى ودلنطى وسرندى النون

ص: 459

والألف زائدتان لأنك تقول : حبط ودلظه بيده وسرده فهذا من الثلاثة وقال جميع أصحابنا إذا بنيت من (ضرب) نحو : دحرج قلت : ضربب حتى يصير الحرف أربعة ولا يدغم الباء في الباء لأنك إنما أردت أن تلحقه بوزن دحرج ولو أدغمت لحركت ما كان ساكنا وسكنت ما كان متحركا وزال دليل الإلحاق ، وإن بنيت من (دحرج) مثل : سفرجل اسما زدت حرفا حتى يكون خمسة تقول : دحرجج ولا تكون الألف ملحقة أبدا إلّا أن تكون آخرا نحو : (علقى) وتعرف أنّها ملحقة إذا رأيتها منونة في كلام العرب لأنّها إنّما تكون للتأنيث في نحو : عطشى وبشرى فإذا لم تكن للتأنيث كانت ملحقة وكانت منونة نحو (علقى ومعزى) لأنّها منونة ومن العرب من ينون دفلى وذفرى فيجعلهما ملحقتين.

واعلم أنّ الواو إذا انضمّ ما قبلها والياء إذا انكسر ما قبلها لا يكونان ملحقين نحو : عجوز وعمود وسعيد وقضيب ، وإذا كان ما قبلها مفتوحا نحو : حوقل وبيطر فهما ملحقتان وكذلك إذا سكّن ما قبلهما فحكمها حكم الصحيح نحو (جهور) وحذيم ، وأما الميم والهمزة فلا تكادان تكونان ملحقتين إلّا قليلا في نحو : زرقم وستهم وشأمل وشمأل ودلامص ، وأما التاء فتكون ملحقة في نحو : (سنبتة) وعنكبوت وجبروت وبنت وأخت إلّا أنّها في (بنت) وأخت قامت مقام حرف من الأصل ولا تكون السين ملحقة وكذلك الهاء ولا تكون اللام ملحقة إلّا في (عبدل) وحده والنون تكون ملحقة في (رعشن) و (سرحان).

وأما حروف الأصل فتكون كلها ملحقة نحو : مهدد وقعدد وجلباب وكوألل واسحنكك فإذا وجدت شيئا ملحقا قد ضعف واجتمع فيه حرفان مثلان فلا تدغمه فإنّه إنّما ضعف ليبلغ زنة ما ألحق به فمثل : اسحنكك واقعنسس لا يدغم ؛ لأنه ألحق باحرنجم ، وأما (احمرّ واصفرّ) فهو مدغم ليس له شيء مثله ليس فيه حرفان مثلان فيلحق به وكذلك اطمأنّ مدغم ؛ لأنه ليس له شيء مثله ليس فيه حرفان مثلان فيلحق به وأمّا : معدّ وصملّ وطمرّ ، فإن هذه إنّما أدغمت لأنّ الأول منها ساكن وبعده حرف مثله فإذا التقى حرفان مثلان والأول منهما ساكن لم يكن فيهما إلّا الإدغام.

ص: 460

واعلم أنّ النون الساكنة إذا كانت في كلمة واحدة مع الميم والواو والياء والراء واللام فإنّهم بينونها في نحو : أنملة ومنية وأنوك لأنّهم لو أدغموها لالتبست فتوهم السامع أنّها من المضاعف وإنّما قالوا : امّحى فأدغموا النون ؛ لأن هذا بناء لا يكون إلا (انفعل) ولا يكون في الكلام (افّعل) فيخاف أن يلتبس بهذا وكذلك (انفعل) من وجلت أوّجل ومن رأيت ارّأى ومن لحن الحّن لا تبين النون ؛ لأن هذا موضع لا يخاف أن يلتبس بغيره وتقول في مثل : قنفخر من : عمل عنملّ ومثل : عنسل من : بعت وقلت : بنيع وقنول ومثال : قنفخر بنيّع وقنوّل فتبين النون لئلا يلبس ما كان من قنفخر بعلكد وتقول في مثل : جحنفل من علمت علنمم فتبين النون لئلا يلبس بغطمّش.

قال الأخفش : ولا تقوله من كسرت ولا جعلت ؛ لأن النون تقع قبل لام أوراء ، فإن بنيتها ثقل الكلام لقرب اللام والراء منها ، وإن أدغمت خشيت الإلتباس ولا تقول أيضا مثل (عنسل) من شريت ولا من علمت ؛ لأن النون من مخرج الراء واللام ، فإن أدغمت التبس ، وإن بنيت ثقل وتقول في مثل (عنسل) من قلت وعملت : عنمل وقنول ومن (بعت) بنيع ولم يجز الإدغام فيلتبس قال : وتقول في مثل (كنتأل من قويت) قنويّ تبين النون لأنّك لو أدغمتها التبست (بفعّل) من قويت إذا ثقلت العين واللام وكذلك مثل (كنتأل) من نميت ننميّ ومن قال : نموت قال : ننموّ ومن حييت حيييّ وتقول فيما كان من المضاعف على مثال (فعل) بغير الإدغام ، وذلك نحو قصص من قصّ يقصّ ومثله : مشش وعسس وتقول على مثال ذلك من (رددت ردد) ، فإن كان المضاعف على مثال : فعل وفعل لم يقع إلّا مدغما ، وذلك رجل صنفّ الحال هو (فعل) والدليل على ذلك قولهم : الضّفف في المصدر فهذا نظيره من غير المضاعف الحذر والرجل حذر وقد جاء حرف منه على أصله قالوا : قوم ضففو الحال فشذّ هذا كما شذّ (الحوكة) ، وإن كان المضاعف (فعل) أو (فعل) أو (فعل) مما لا يكون مثاله فعلا فهو على الأصل نحو : خزر ومرر وحضض وحضض ، وأما قولهم قصص وقصّ وهم يعنون المصدر فهما اسمان :

أحدهما : محرك العين.

ص: 461

والآخر : ساكن العين في لغتين.

وأمّا قول الشاعر (1) :

هاجك من أروى كمنهاض الفكك

فإنّه احتاج فحرك فجعل الفكّ الفكك.

قال المازني : فإذا ألحقت هذه الأشياء الألف والنون في آخرها تركت الصدر على ما كان عليه قبل أن تلحق ، وذلك نحو : رددان ، وإن أردت (فعلان) أو (فعلان) أدغمت فقلت :ردّان فيهما وهو أوثق من أن تظهر.

قال : وكان أبو الحسن الأخفش يظهر فيقول : رددان ورددان ويقول : هو ملحق بالألف والنون ولذلك يظهر ليسلم البناء.

قال المازني : والقول عندي على خلاف ذلك ؛ لأن الألف والنون يجيئان كالشيء المنفصل ألا ترى أنّ التصغير لا يحتسب بهما فيه كما لا يحتسب بياءي الإضافة ولا بألفي التأنيث فيحقرون (زعفران) : زعيفران وخنفساء : خينفساء فلو احتسبوا بهما لحذفوهما كما يحذفون ما جاوز الأربعة. قال : وهذا قول الخليل وسيبويه وهو الصواب.

الضرب الثاني مما قيس من المعتلّ على الصحيح
اشارة

هذا الضرب ينقسم بعدد الحروف المعتلة ثلاثة أقسام وهي : الياء والواو والهمزة ثمّ يمتزج بعضها مع بعض فتحدث أربعة أقسام : ياء وواو وياء مع همزة وواو مع همزة واجتماع ياء وواو وهمزة فذلك سبعة أقسام.

القسم الأول : المسائل المبنية من الياء

تقول : في مثال حمصيصة من رميت رمويّة وكانت قبل أن تغيرها رمييّة فاجتمع فيها من الياءات ما كان يجتمع في رحييّة إذا نسبت إلى رحى فغيرت كما غيرت (رحى) في النسب

ص: 462


1- البيت لرؤبة بن العجاج ت 145 ه ، والبيت كاملا : [الرجز] هاجك من أروى كمنهاض الفكك همّ إذا لم يعده همّ فتك.

فقلبت اللام الأولى ألفا ثم أبدلتها واوا ؛ لأن بعدها ياء ثقيلة كياء النسب ، فإن قلت : إنّ ياء النسب منفصلة فلم شبّهت هذا بها فإنّهم إذا كرهوا اجتماع الياءات في المنفصل فهم لغير المنفصل أكره ألا ترى أنّ الهمزتين إذا التقتا منفصلتين خلافهما إذا اجتمعتا في كلمة واحدة ؛ لأن الجميع من أهل التحقيق والتخفيف يجمعون على إبدالها إذا كانت في كلمة واحدة ومن قال في (حيّة) في النسب (حيّيّ) وفي أميّة : أميّيّ فجمع بين أربع ياءات لم يقل ذلك في (مثل) (حمصيصة) من (رميت) ولم يكن فيها إلّا التغير وهذا أقيس.

وكان الخليل وسيبويه وأبو الحسن الأخفش يرونه وهو قول المازني وتقول في (فيعل) من حييت حيّ وكان الأصل : حييّ فاجتمعت ثلاث ياءات الأولى الياء الزائدة في (فيعل) والثانية عين والثالثة لام فحذفت الأخيرة كما فعلوا في تصغير أحوى حين قالوا : أحيّ فحذفوا استثقالا للجمع بين هذه الياءات الثلاث التي آخرها لام قبلها كسرة وتقول في فعلان من حييت : حيوان فتقلب الياء التي هي لام واوا لإنضمام ما قبلها ومن أسكن قال : حيوان (كما يقول إذا أسكن) (لقضو الرجل) لا يغير ؛ لأن الإسكان ليس بأصل ، فإن قيل لم لم تقلب الياء من حيوان ألفا وهي عين متحركة قبلها فتحة قيل : إذا أعلت اللام لم تعل العين والواجب إعلال اللام دون العين ؛ لأن اللامات متى لم تدخل عليها الزوائد كانت أطرافا يقع عليها الإعراب ويلحقها التغير أيضا إذا دخلت عليها الزوائد.

وقال الخليل : أقول في مثل (فعلان) من حييت : حيّان وتسكن وتدغم إن شئت ويقول في مثال (مفعلة) من (رميت) : مرموة إذا بنيتها على التأنيث ومرمية إذا بنيتها على التذكير ومعنى قولي : بنيتها على التأنيث أي : لا يقدر فيها التذكير قبل الهاء ثم تدخل الهاء إنّما تجعلها في أول أحوالها وقعت وصيغت مع الهاء ، فإن قدرت أنّ التذكير سبق ثم أدخلت الهاء للتأنيث فلا بدّ من الإعلال ؛ لأنه لا يجوز أن يكون اسم آخره واو قبلها ضمة والدليل على أنّ الذي يبنى على التأنيث لا يقلب فيها الواو قراءة الناس : خطوات ؛ لأنه إنما عرض التثقيل في الجمع ولم تكن الواحدة مثقلة ومن ثقل (خطوات) لزمه أن يقول : في كلية كلوات ؛ لأن الياء انضمّ ما قبلها وهو موضع تثبت فيه الواو لأنّها غير طرف ولكنّ العرب لا تقوله ؛ لأن له نظيرا من غير

ص: 463

المعتلّ لا يحول في أكثر كلام العرب نحو (ظلمات) والرّسل فألزم هذا الإسكان إذ كان غير المعتلّ يسكن ولكن من قال (مدية) في (مدية) فلا بأس بأن يقول : مديات ؛ لأنه لا يلزمه قلب شيء إلى شيء والإسكان أكثر في الياء والواو لإستثقالهم الحركة فيهما ومن قال : رشوة ثم جمع بالتاء فحرك فقياسه رشيات كما يلزمه أن يقلب الياء في كلية واوا إذا انضمّ ما قبلها كذا يلزمه أن يقلب الواو ياء إذا انكسر ما قبلها للجمع في (رشوة) كما كان قائلا في (كلية) كلوات ولكنّ هذا متنكب كما كان تثقيل كلية متنكبا.

وقال الأخفش : تقول في (مفعلة) من (رميت) مرموة إذا بنيتها على التأنيث ومرمية إذا بنيتها على التذكير كما تقدم من قولنا مثل (عرقوة) وفعللة من (رميت) رميوة وفعلة من (قضيت ورميت) إذا لم تبنه على تذكير (قضوة ورموة إن بنيته على تذكير قلت : رمية. وفعلان من (رميت) رميان كما قلت : رميا. وتقول في فعلالة من رميت : رمياية ومن (حييت) حيايّة ، وإذا كانت على تذكير همزت وتقول في (فعللة) من (رميت) رميية قال : وتقول في (فعلان) من حييت حييان لا تدغم وإنّما قالت العرب : الحيوان فصيروا الآخرة واوا لأنّهم استثقلوا الياءين وكان هذا الباب مما لا يدغم فحولوا الآخرة واوا لئلا يختلف الحرفان.

قال : وتقول في (فعلان) من حييت : حيوان فتبدل الآخرة واوا لما انضمّ ما قبلها.

قال : وتقول في (فعلان وفعلان) : حييان وحييان ولا تقلب الأولى واوا ، وإن كان ما قبلها مضموما لأنّها في موضع العين.

قال أبو بكر : إن كان ما حكي عن الأخفش من قوله في (فعلان) من (حييت) : حييان صحيحا عنه فهو غلط ؛ لأنه قد ترك قوله في (فعلان) حيوان ، فإن احتجّ عنه محتج أنه كان يلزم أن يقول (حووان) فتقلب الياءين للضمتين ثم تقلب الواو الأخيرة ياء وتكسر ما قبلها فلمّا فعل ذلك وأعلّ اللّام لم يجز أن يعلّ العين ردّ الياء قيل له : إذا وجب إعلال اللام دون العين لم يتسع لنا هذا التقدير ؛ لأن العين كالحرف الصحيح إذا كانت اللام معتلة وكان بعض أصحابنا من الحذاق بالتصريف لا يجيز في شيء من الأبنية أن يجتمع واوان بينهما ضمة.

ص: 464

وقال : أجري هذه الأشياء على ما تلفظ به العرب فأنقل (فعل) إلى (فعل) في (حيوان وقووان) فأقول : قويان وحييان فأمّا (فعلان) فأستقبح أن أبني مثله ؛ لأنه يخرج إلى ما ليس في الأسماء نحو : فعل وفعلان ، فإن قال قائل : فلم لا تدغم قيل : لا يجوز الإدغام في (فعل) و (فعلان) لخروجه عن مثال الفعل فالوجه أن لا أبني مثل هذا كما أنه لو قيل لي : كيف تبني على مثال (كابل) من (ضربت) لم يجز أن أبني.

وقال الأخفش : (أفعلّة) من رميت (أرموّة) وتقول في مثال (درجة) من (رميت) : رمية وجميع ما ذكرت لك من هذا المثقل بني مثقلا على أنّ الحرف الأول منه ساكن وتقول في مثل (عرضنة من) رميت : رمينة وتقول في مثل (صمحمح) من (رميت) : رميما وتقول في مثل (حلبلاب) من (رميت) : رميماء ولو قال قائل : ابن لي مثل بكر من يد قلت له : إنّ العرب لما أرادت هذا البناء جاءت به منقوصا ، وإذا أتممته فليس من كلامهم ، فإن أحبّ أن تتكلف له ذلك لتريه كيف يكون لو تكلموا به قلت : يدي أثبت الياء وأعربت ؛ لأنه مثل (ظبي) ، فإن قال لك قائل : ابن لي من ياء مثل (بكر) قلت : ليس في أسماء العرب اسم فاؤه وعنيه ولامه من موضع واحد ، فإن تكلفت ذلك على قياس كلامهم قلت : ييي يا هذا جمعت بين ثلاث ياءات كما فعلت ذلك في تصغير (حيّة) حين قلت : حييّة وهي في هذا أقوى منها في (حيييّة) ؛ لأن الياء الأولى في موضع الفاء وهي في تصغير (حيّة) في موضع العين وموضع العين أضعف من موضع الفاء ، فإن قال قائل ابن من ياء مثال (جعفر) قلت : (ييئا) ولو بنيت مثال : قعدد لقلت : ييئي. تحذف الرابعة وتدع ثلاث ياءات ولو أردت مثل (سفرجل) أو مثل (صمحمح) لقلت فيهما جميعا (يويّا) تبدل الواو.

قال الأخفش : لأنك إذا أبدلت الرابعة أبدلت معها الثالثة وينضم إلى ما قال ممّا احتجّ به أنّه لا أصل يرجع إليه في اجتماع الياءات إلّا ما جاء في النّسب ونحو هذا إذا وقع في النّسب قلبوا الياء ألفا ثم قلبوها واوا ، فإن بنيت نحو (جحمرش) من الياء.

قال الأخفش : تقول : ييّوي ثلاث ياءات ثمّ واو ثمّ ياء بعدها واجتمعت الياءات الأول لأنّهنّ لسن بأثقل من باب تصغير (حيّة) إذا قلت (حييّة).

ص: 465

قال : ومثال (جحمرش) من حييت : (حيوي) تقلب إحدى الياءات واوا لئلا تجتمع أربع ياءات ولم تقلب الأولى والثانية من (حييت) لأنك لو قلبتها كنت قد قلبت حرفين فكان قلب الحرف الرابع أولى لأنّك إنّما تقلب حرفا واحدا.

قال : وتقول في مثال (قذعميلة من (قضيت) قضويّة لأنّها تصير في مثل النّسب إلى (أميّة) فيجتمع فيها أربع ياءات فتحذف منهنّ واحدة ثم تبدل الأولى واوا كما قلت في أميّة : أمويّ وتقول في مثل (قذعملة) وهي القصيرة من (قضيت قضيّة فتحذف ياء وكان الأصل (قضيّية) فتكون ثلاث ياءات أولها ساكن فحذفوا الآخرة كما أنّ أصل (معيّة) إذا صغرت : معوية معيّية فحذفوا الآخرة ، وإذا بنيت (فعلا) من قضيت اسما قلت : قض ، وإن بنيته (فعلا) قلت : قضوا وإنّما قلبت الواو ياء في الاسم ؛ لأن الاسم لا يكون آخره كذا وكذلك إن بنيت اسما على (فعل) من (قضيت) يستوي لفظ (فعل وفعل) ، فإن قال قائل : فكيف لا تخاف في هذا اللبس وكيف لا تترك بناء هذا أصلا إذا كان يلتبس كما تركت بناء (فنعل) من (ضربت) إذ كان يلتبس بفعّل قيل : إنّ بين هذين فرقا ؛ لأن (فنعل) من (ضربت) لا يظهر بناؤه واضحا أبدا ، وأما (فعل) من بنات الياء والواو فقد يصحّ إذا قلت (فعلة) ولم تبنه على تذكيره نحو : رموة وغزوة وتقول هو أيضا في الفعل فيصحّ تقول : لرمو الرجل ولغزو الرجل وأنت لا تصحح فنعل من ضربت في وجه من الوجوه.

واعلم أنّ أربع ياءات لا يجتمعن إلّا في لغة رديئة هذا عديييّ وأميّيّ في النسب إلى (عديّ) وأميّة وهذا لا يقاس علية ولا يقوله إلّا قليل من العرب.

واجتماع ثلاث ياءات مرفوض أيضا إذا سكنت الأولى.

فأمّا إذا سكن ما قبل الياء الأولى وهنّ ثلاث ياءات ، فإن ذلك في الكلام كثير نحو :(ظبييّ) ومكان محييّ فيه ، وإذا كانت ثلاث ياءات فكانت الأولى منهنّ مكسورة وما قبل الأولى متحرك ، فإن ذلك أيضا مرفوض تقلب الأولى منهن واوا نحو : (شجوىّ ورحويّ) ، فإن كانت الوسطى متحركة والأولى متحركة وما قبلها ساكن ، فإن ذلك متروك في كلامهم ،

ص: 466

فإن بنيت مثل (جحمرش) من (رميت) فالأصل فيه أن تقول : رمييّ فتجتمع ثلاث ياءات والميم قبل الياء الأولى ساكنة وهذا لا مثل له.

قال الأخفش : من جمع هذه الياءات ، فإن أراد أن يدغم في قول من قال : قتّلوا فإنّه يقول :رميّ ياءان ويحذف الآخرة ؛ لأن الأولى قد سكنت قال : وما أرى إذا كانت الياء الأولى والثانية متحركتين إلّا أن تلقى ياء إذا كنّ فيه ثلاث ياءات متحركات ؛ لأن ياء متحركة أثقل من ياء ساكنة.

القسم الثاني : المسائل المبنية من الواو

تقول في مثل : أغدودن من قلت : أقووّل تكرر العين وهي واو وتجعل واو افعوعل الزائدة بينهما وهي ساكنة فتدغمها في الواو التي بعدها وكان أبو الحسن الأخفش يقول : أقويّل فيقلب الواو الآخرة ياء ثم يقلب لها الواو التي تليها لأنّها ساكنة وبعدها ياء متحركة ويقول : أكره الجمع بين ثلاث واوات ، وإذا قلت (فعل) من هذا قلت : (أبيويع وأقوول) فلم تدغم ؛ لأن الواو مدة فهي بمنزلة الألف ويقول أبو الحسن : اقووول فلا يقلب ويقول :صارت الوسطى مدة بمنزلة الألف فلا يلزمه تغيير لذلك ويشبه ذلك (بفوعل) من وعد إذا قال فيها (ووعد) فلا يلزمه الهمز كما يلزمه الهمز إذا اجتمعت واوان في أول كلمة ؛ لأن الثانية مدة ومثله قول الله جلّ ثناؤه : (ما وري عنهما من سوآتهما) وجميع ذا عن المازني وتقول في مثل (هدملة) من قلت : قولّة وتقول في مثل عنكبوت من (بعت) وقلت : قوللوت وبيععوت فإذا جمعت قلت : بياعع وقوالل ، وإن عوضت قلت : بياعيع وقواليل ولم تدغم قبل العوض ؛ لأنه ملحق ببنات الأربعة ولم يعرض فيه ما يهمز من أجله فذهب الإدغام لذلك وتقول في مثال :اطمأننت من (غزوت) : اعزوّا ومن (رميت) ارميّا فتبدل الطّرف ويقول النحويون فيها من القول والبيع : اقولّل وابيعّع وإنّما فعلت هذا بالواو والياء ؛ لأن هذا موضع لا تعتلان فيه ويجريان مجرى غيرهما ويقولون فيها من الضرب (اضربّب) يحولون الحركة على اللّام الأولى كما فعلوا في (اطمأنّ) والذي يذهب إليه أبو عثمان وهو الصواب عندي أن يقول : اضربّب فيدع الكلام على أصله إذ كنت تخرج من إدغام إلى إدغام وإنّما تفعل هذا إذا اختلفت اللامات

ص: 467

ألا ترى أنّ (اطمأنّ) لامه الأولى همزة والأخريان من جنس واحد فلم يوصل إلى الإدغام حتى ألقى حركة الأولى على الهمزة وليس ذلك في باب (ضرب) ؛ لأن اللامات من جنس واحد فإذا أنت غيرت لم يخرجك ذلك من أن يكون الإستثقال على حاله كما قال سيبويه في (فعّل) من (رددت) لا أغيره لأني لو فعلت ذلك لصرت من كثرة الدالات إلى مثل ما فررت منه فأقررت البناء على أصله فكذلك هذا إذا بنيته على مثال (اطمأنّ) تركته على أصله وحقّ هذا في التقدير أن لا تجعل اللام الأولى أصلا فتكون قد جمعت بين لامين زائدتين فتجمع ما لا يجمع مثله وكذلك أيضا إن جعلت الآخرة أصلا ولكن تجعل الأولى زائدة ملحقة والثانية أصلا والآخرة زائدة ، وإذا قلت (يفعل) من ارمياّ واغزوّا قلت : يرمييّ ولم يرمييّ فاعلم ولن يرمييّ يا فتى وكذلك : يغزوّي ولن يغزوّي فاعلم ولم يغزوّ يا هذا فأمّا مثال : (اغدودن) من (رددت) فإنّك تقول : اردودّ تدغم ؛ لأن اغدودن قد تكررت فيه الدال وهو ثلاثي وليس بملحق بالأربعة ؛ لأنه ليس في الأربعة مثل : احروجم فيكون : اغدودن ملحقا به وتقول فيه من وددت ايدودّ تقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها وهي ساكنة وتقول في (فعلول) من (غزوت) غزويّ تبدل الواو الآخرة ياء فيصير غزووي فتبدل الواو الساكنة ياء من أجل الياء التي تليها ثم تدغمها فيها فتصير بمنزلة ياء النّسب إلى عدو وغزو وتقول في مفعول من القوّة مقويّ وكان الأصل : مقووّ فغيرت لإجتماع الواوات.

قال سيبويه : تقول في (فعلول) من غزوت : غزويّ وأصلها : (غزووّ) فلمّا كانوا يستثقلون الواوين في (عييّ) ومعديّ ألزم هذا بدل الياء حيث اجتمعت ثلاث واوات مع الضمتين في (فعلول) فألزم هذا التغيير كما ألزم (محنية) البدل إذ غيرت في ثيرة وسياط ونحوهما وتقول في (فعلول) من (قويت) : قويّ تغير منهما ما غيرت من (فعلول) من (غزوت) وتقول في (أفعولة) من (غزوت) : أغزوّة وقد جاء في الكلام (أدعوّة) وقد تكون أدعيّة على أرض مسنية هذا قول سيبويه.

وتقول في (أفعول) في (قويت) أقويّ ؛ لأن فيها ما في مفعول من الواوات.

ص: 468

وقال سيبويه تقول في فعلان من (قويت) : قووان وكذلك (حييت) فالواو الأولى كواو (عور) وقويت الواو الأخيرة كقوتها في (نزوان) وصارت بمنزلة غير المعتلّ ولم يستثقلوهما مفتوحتين كما قالوا لوويّ وأحوويّ ولا تدغم ؛ لأن هذا الضرب لا يدغم في (رددت).

وقال المازني : تصحّ اللام في (فعلان) فتقول : (قووان) كما صحت في (نزوان) وتصحّ العين كما صحت في (جولان).

وقال سيبويه : تقول في (فعلان) من (قويت) قوّان وكذلك (فعلان) من حييت حيّان تدغم لأنّك تدغم (فعلان) من (رددت) وقد قويت الواو الأخيرة كقوتها في (نزوان) فصارت بمنزلة غير المعتلّ.

قال : ومن قال : حييّ عن بينّة قال : (قووان).

قال أبو العباس : قووان غلط ينبغي إن لم تدغم أن تقول : (قويان) فتكسر الأولى وتقلب الثانية ياء ؛ لأنه لا يجتمع واوان في أحدهما ضمة والأخرى متحركة.

قال : وهذا قول أبي عمر وجميع أهل العلم ، قال سيبويه : تقول في (فيعلان) من حييت وقويت وشويت : قيّان وحيّان وشيّان لأنّك تحذف ياء هاهنا كما حذفتها في (فيعل) يعني أنّك لو قلت : (فيعل) من القوة لقلت (قيّ) كي لا يجتمع ثلاث ياءات قبل الأخيرة التي هي لام ياء مشددة مكسورة قال : فهم يكرهون هاهنا ما يكرهون في تصغير (شاوية) في قولهم : رأيت شويّة.

قال أبو بكر : فجعل الألف والنون نظيرتي الهاء لأنّهما زائدتان كزيادتها وأنّ ما قبل الألف مفتوح كما أنّ ما قبل الهاء مفتوح وتقول في (فعلة) من : غزوت ورميت : غزوة ورموة ، فإن بنيتها على (فعل) على التذكير قلت : غزية ورمية ؛ لأن مذكرهما : رم وغز.

قال أبو بكر : وهو عندي قبيح ؛ لأنه يخرج إلى مثال لا يكون إلا للفعل فأمّا (خطوات) فلم يقلبوا الواو لأنّهم لم يجمعوا (فعل) ولا فعلة جاءت على (فعل) وإنّما عرضت هذه الحركة في الجمع ألا ترى أنّ الواحدة خطوة فخطوة نظير فعلة التي لا مذكّر لها ومن قال : خطوات بالتثقيل ، فإن قياس ذلك أن تقول في (كلية) : كلوات ولكنّهم لم يتكلموا إلّا بكليات مخففة

ص: 469

فرارا من أن يصيروا إلى ما يستثقلون ولكنّه لا بأس بأن تقول في مدية : مديات كما قلت في خطوة : خطوات ؛ لأن الياء مع الكسرة والواو مع الضمة ومن ثقل في (مديات) ، فإن قياسه أن يقول : جروة جريات ؛ لأن قبلها كسرة وهي لام ولكنهم لا يتكلمون بذلك إلّا مخففا فرارا من الإستثقال والتغيير.

فإذا كانت الياء مع الكسرة والواو مع الضمة فكأنّك رفعت لسانك بحرفين من موضع واحد رفعته ؛ لأن العمل من موضع واحد ، فإن خالفت الحركة فكأنّهما حرفان من موضعين متقاربين الأول ساكن نحو : (وتد) هذا قول سيبويه : يريد أنّ الضمة في (خطوة) مع الواو من مخرج واحد وكذلك الكسرة من (مدية) مع الياء من موضع واحد من الفم وليست كذلك في (جروة) ومدية فشبّه الضمة مع الواو والكسرة مع الياء بدال ساكنة لقيت دالا متحركة فأدغمت فيها ضرورة لا بد من ذلك وشبّه الكسرة مع الواو والضمة مع الياء بحرفين متقاربين من مخرج واحد التقيا والأول ساكن فالنطق به ممكن لا ضرورة أحوجت إلى إدغامه ؛ لأن الإدغام إنّما هو حرف ساكن لقيه حرف مثله فمتى لم يقف المتكلم وقع الإدغام ضرورة.

وقال سيبويه : تقول في (فوعلّة) من غزوت : غوزوّة وأفعلّة : أغزوّة وفي (فعلّ) : غزوّ وفوعلّ : غوزوّ.

وأفعلّة من رميت : أرميّة تكسر العين كما تكسرها في (فعول) إذا قلت : ثديّ ومن قال في عتوّ عتيّ قال في (أفعلّة) من غزوت. أغزيّة.

وتقول في (فعلالة) من غزوت : غزواوة إذا لم تكن على (فعلال) وتقول في مثل : كوألل من غزوت : غوزوا ومن قويت : قووّا ومن حييت : حويّا وتقول في (فعول) من غزوت : غزووّ لا تجعلها ياء والتي قبلها مفتوحة ألا ترى أنّهم لم يقولوا في (فعلّ) : غزيّ للفتحة كما قالوا :عتيّ.

وتقول في مثال (عثولّ) من القوة : قيّوّ وكان الأصل : قيووّ ولكنّك قلبت الواو ياء كما قلبتها في (سيّد).

ص: 470

وتقول في مثل : حلبلاب من (غزوت) ورميت : غزيزاء ورميماء كسرت الزاي والواو ساكنة وقلبتها ياء.

وتقول في (فوعلّة) من أعطيت : عوطوّة على الأصل لأنّها من (عطوت) وتقول في (فعل) من غزوت : غز تلزمها البدل إذا كانت تبدل وقبلها الضمّة فهي هاهنا بمنزلة محنية.

وتقول في (فعلوة) من غزوت : غزوية وكان الأصل : (غزووة) فقلبت الأخيرة وكسرت ما قبلها ؛ لأنه لا يجتمع واوان الأولى مضمومة ولكن إذا كانت واو واحدة قبلها ضمة قد ثبتت إذا لم تكن طرف اسم نحو : عرقوة جعلت الواو في (سرو ولغزو) ألا ترى أنّ (فعلت) في المضاعف من الواو لم يستعمل لم يقولوا : قووت من القوة وألزموه (فعلت) لتنقلب الواو ياء ، وأما (غزوّ) فلمّا انفتحت الزاي صارت الواو الأولى بمنزلة غير المعتلّ وصارت بمنزلة واو (قوّ) هذا لفظ سيبويه.

وتقول في (فيعلى) من غزوت غيزوى لأنّك لم تلحق الألف (فيعلا) ولكنّك بنيت الاسم على هذا ألا تراهم قالوا : مذروان إذ كانوا لا يفردون الواحد فهو في (فيعلى) : أجدر ؛ لأن هذه الألف لا تلحق اسما بني على التذكير.

وقال الأخفش : إذا اشتققت من (وعدت) اسما على (أفعل) مثل (يزيد) في العلة قلت :هذا عد ، وإن أردت اسما على حدّ (أبين) قلت : أيعد وكذلك (يفعل) : يوعد.

قال أبو بكر : قوله : اشتققت اسما على (أفعل) إن لم يرد به أنّه سمى بالفعل بعد أن أعلّ كما سمى (بيزيد) وإلّا فالكلام خطأ ؛ لأن هذا البناء لا يكون إلّا للفعل أعني : عد ولو سميت (بقم) لقلت : هذا قوم ؛ لأن الواو إنّما كانت تسقط لالتقاء الساكنين فلمّا وجب الإعراب وتحركت الميم ردت الواو ، فإن سميت بالمصدر من وعدت قلت : عدة ومن (وزنت) زنّة ، فإن أردت أن تبني (فعلة) ولا تنوي مصدرا قلت : وعدة ووزنة ، وأما (وجهة) فإنّه جاء على الأصل ولم يبن على (فعل).

قال الأخفش : وأما قولهم : الدّعة والضّعة وفي الوقاح : هذا بيّن القحة فكل شاذ فالذين قالوا : الضّعة والقحة أخرجوه على فعلة ونقصوه لعلة الواو وإنما يقولون في الوضيع : قد

ص: 471

وضع يوضع ولكنّ المصدر لا يجيء على القياس وتقول في (فوعل) من وددت : أودد وكان الأصل : وودد فأبدلت الأولى همزة لإجتماع الواوين في أول الكلمة وتقول في المفعول : موودد ولا تدغم ؛ لأنه ملحق ولا تهمز كما تهمز (فوعل) ؛ لأن الواو ليست أول الكلمة ألا ترى أنّ من يقول : أعد يقول : موعود ولا يبنيه على (أعد) ؛ لأن تلك العلة قد زالت وهي أنّ الواو مضمومة.

قال الأخفش : وليس كلّ ما غيّر (فعل) منه غيّر المفعول منه ألا ترى أنّهم يقولون : غزي ودعي ثم يقولون : مغزوّ ومدعوّ وتقول في (فيعول) من غزوت : غيزوّ مثل : مفعول منه إذا قلت : مغزوّ وفيعول من قويت : قيّوّ تقلب الواو التي في موضع العين ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتقول في (مفعلة) من قويت : مقوية تقلب الأخيرة ياء ؛ لأنه لا يجتمع واوان إحداهما مضمومة وتقول في مثال : عرقوة من غزوت : غزوية لئلا يجتمع واوان إحداهما مضمومة وتقول في (فعلة) من غزوت : غزية إن بنيتها على تذكير ، فإن لم تبنها على تذكير قلت : غزوة ؛ لأنه غير منكر أن يكون في حشو الكلمة واو قبلها ضمة وإنّما يتنكب ذلك إذا كانت طرف اسم وتقول في مثل : ملكوت من غزوت وقضيت : غزوت وقضوت وكان الأصل : غزووت فقلبت الواو التي هي لام ألفا لأنّها (فعلوت) فالتقى ساكنان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وكذلك عملت في (قضوت) وتقول في (فعلالة) من غزوت وقويت : غزواوة وقوّاوة إذا لم يكن على تذكير ، فإن كانت على تذكير همزتها فقلت : قوّاءة وغزوّاءة.

وتقول في مثال : كوألل من غزوت : غوزوا ومن (قويت) على مذهب الأخفش : قويّا وعلى مذهب غيره : قووّا تجمع بين ثلاث واوات كما فعل ذلك في (افعوعل) من : قلت فقال اقووّل والأخفش يقول : اقويّل.

قال أبو بكر : والذي أذهب إليه : القلب والإبدال كما فعل الأخفش لأنّي وجدتهم يقلبون إذا اجتمعت واوان وضمة فإذا اجتمعت ثلاث واوات فهي أثقل ؛ لأن الضمة بعض واو والكلّ أثقل من البعض وتقول في (فعليّة) من غزوت : غزويّة ومن قويت : قويّة.

ص: 472

وقال الأخفش : تقول في (فعل) من غزوت : غزي لا تكون فيه إلّا الياء لإنكسار ما قبلها.

وقال بعض أصحابنا : لا أقول إلّا غزو فأمّا مذهب الأخفش فإنّه أبدل الواو الأولى الساكنة لكسره ما قبلها ثم أدغمها في الأخرى فقلبها ياء أو يكون أبدلها لأنّها طرف قبلها كسرة وحجة من لم يبدل أن يقول : المدغم كالصحيح ولا يكون قلب الأولى ياء لأنّها غير منفصلة ممّا بعدها وإنما وقعتا معا مشددة ، وإذا كانت مشددة فهي كالحرف الصحيح.

القسم الثالث : المسائل المبنية من الهمزة

تقول فيما فاؤه همزة إذا ألحقتها همزة قبلها نحو : أخذ وأكل وأبق لو قلت : هذا أفعل من ذا قلت : هذا آكل من ذا تبدل الهمزة التي هي فاء ألفا ساكنة كألف (خالد) فإذا أردت تكسيره أو تصغيره جعلتها واوا فتقول في تصغير آدم : أويدم وفي تصغير آخر : أويخر.

وزعم الخليل : أنّهم حين جعلوا الهمزة ألفا جعلوها كالألف الزائدة التي في (خالد وحاتم) فحين احتاجوا إلى تحريكها فعلوا بها ما فعلوا بألف (خالد وحاتم) حين قالوا : خوالد وحواتم قال الشاعر (1) :

أخالد قد هويتك بعد هند

فشيبني الخوالد والهنود

فكذلك فعلوا بألف (آدم) حين قالوا : أوادم.

قال المازني : سألت أبا الحسن الأخفش عن : هذا أفعل من هذا من (أمّمت) أي : قصدت فقال : أقول : هذا أوّم من هذا فجعلها واوا حين تحركت بالفتحة كما فعلوا ذلك في أويدم.

قال : فقلت له : فكيف تصنع بقولهم : أيّمة ألا تراها : أفعلة والفاء منها همزة فقال : لمّا حركوها بالكسرة جعلوها ياء وقال : لو بنيت مثل (أبلم) من (أممت) لقلت : أوّم أجعلها واوا فسألته : كيف تصغر أيّمة فقال : أويّمة لأنّها قد تحركت بالفتحة.

ص: 473


1- البيت لجرير ، ويقول بعده : هوى بتهامة ، وهوى بنجد ، فتبليني التهائم والنّجود.

قال المازني : وليس القول عندي على ما قال : لأنّها حين أبدلت في آدم وأخواته ألفا ثبتت في اللفظ ألفا كالألف التي لا أصل لها في الفاء ولا في الواو فحين احتاجوا إلى حركتها فعلوا بها ما فعلوا بالألف ، وأما ما كان مضاعفا فإنّه تلقى حركته على الفاء ولا تبدل همزته ألفا ولو أبدلت ألفا لمّا حركوا الألف ؛ لأن الألف قد يقع بعدها المدغم ولا تغير فتغييرهم أيّمة يدل على أنّها لا تجري مجرى أيّم ما تبدل منه الألف.

قال : والقياس عندي أن أقول في : هذا أفعل من ذا من (أممت وأخواتها) : هذا أيّم من ذا وأصغر أيمة : أييمة ولا أبدل الياء واوا لأنّها قد ثبتت ياء بدلا من الهمزة إلّا أنّ هذه الهمزة إذا لم يلزمها تحريك فبنيت مثل (الأبلم) من الأدمة قلت : أودم ومثل (إصبع) : إيدم ومثل أفكل فاجعلها ألفا إذا انفتح ما قبلها وياء ساكنة إذا انكسر ما قبلها وواوا ساكنة إذا انضمّ ما قبلها فإذا احتجت إلى تحريكها في تصغير أو تكسير جعلت كلّ واحدة منهن على لفظها الذي قد بنيت عليه فاترك الياء ياء والواو واوا واقلب الألف واوا كما فعلت ذلك العرب في تصغير آدم وتكسيره.

قال أبو بكر : هذا مذهب المازني والقياس عنده وأبو الحسن الأخفش يرى : أنّها إذا تحركت بالفتحة أبدلها واوا.

قال أبو بكر : والذي أذهب إليه قول الأخفش فأمّا الذي قاله المازني في : (هذا أفعل من ذا) (من) أقمت انّه يقول : أيّم من ذا وأنّه يصغر أيّمة : أييمة ففيه نظر وقول الأخفش عندي أقيس لأنّها أبدلت ياء في (أيّمة) من أجل الكسرة فإذا زالت العلة بطل المعمول وقوله : إني أصغر فأقول : أييّمة لأنّها قد ثبتت في (أيمة) غير واجب ولو وجب هذا لوجب أن يقول في ميزان : ميازين في الجمع ويصغر فيقول : مييزين ؛ لأن الياء قد ثبتت في الواحد وليس الأمر كذا ألا ترى أنّهم يقولون : ميزان وموازين ومويزين لأنّهم إنّما أبدلوا الواو ياء في الواحد من أجل الكسرة فقالوا : ميزان والأصل موازن ؛ لأنه من الوزن فلمّا انفتحت الميم رجعت الواو فقالوا :موازين ؛ لأن ذلك السبب قد زال والهمزتان إذا اجتمعا في كلمة فحقّ الثانية أن تبدل فتقول في : أنا أفعل من (أممت) : أنا أؤمّ الناس وتقول فيها من أط : أيطّ وكان الأصل : أأمم وآطط

ص: 474

فأدغمت وألقيت الحركة على الهمزة وأبدلت منها الحرف الذي فيه حركتها وكذلك (أيّمة) كان أصله : أأممة.

فإن قال قائل : فلم لم تبدل من الهمزة ألفا كما فعلت في (آدم) وهي ساكنة مثلها قبلها فتحة كما أنّ قبلها فتحة فهلا قلت : أنا أأمّ إذا أردت : أومّ وآمّه في أيمّة وهذا موضع يقع فيه المدغم كما قالوا : آمّة وهم يريدون (فاعلة) قيل له : الفرق بين : آمة وأيمة أنّ الألف في (فاعلة) لا يجوز أن تتحرك لأنّها زائدة غير منقلبة من شيء ، وإذا قدرت في (أيمّة) القلب فصارت آممة فأردت الإدغام ساغ لك أن تلقي الحركة على ما قبل الميم ؛ لأن الألف بدل من همزة والهمزة يجوز أن تتحرك وأن تثبت إذا لم يكن قبلها همزة وليست ألف (فاعلة) كذلك ولا أعلم للمازني في ذلك حجة إلّا أن يقول : إنّه أبدلت الهمزة لغير الكسرة ويحتجّ بأنّها قد تبدل ياء في بعض المواضع لغير كسر يقول في مثل (اطمأنتت) من قرأت : اقرأيأت.

فيبدل من الهمزة الوسطى ياء لئلا تجتمع همزتان ويدع باقي الهمز على حاله فإذا قلت : هو يفعل قلت : هو يقرئي يا فتى مثل : يقرعين فلم يغيره ولم يلق حركة الياء على الهمزة ؛ لأن هذا ليس موضع تغيير وقد فارق حكم (اطمأن) ؛ لأن الحروف قد اختلفت ووجب ذلك فيها والهمزة أخت الحروف المعتلات فإذا كانت لاما مكررة أبدلت الثانية ياء وجرى عليها ما يجري على ياء (رميت) ولو بنيت مثل (دحرجت) من (قرأت) قلت : قرأيت ومثله من كلام العرب جاء وتقول في مثال (قمطر) من (قرأت) : قرأي ومثل (معدّ) : قرأي فتغير الهمزة.

قال المازني : سألت أبا الحسن الأخفش وهو الذي بدأ بهذه المقالة فقلت : ما بال الهمزة الأولى إذا كان أصلها السكون لا تكون كهمزة : سأآل ورأآس فقال : من قبل أن العين لا تجيء أبدا إلّا وبعدها مثلها واللام قد يجيء بعدها لام ليست من لفظها ألا ترى أنّ قمطرا و (هدملة) و (سبطرا) قد جاءت اللامان مختلفتين وكذلك جميع الأربعة والخمسة والعينان لا تنونان كذلك فلذلك فرقت بينهما.

قال المازني : والقول عندي كما قال.

ص: 475

قال الأخفش : وقد ذكروا في (جائي وشائي) أنّهما يهمزان جميعا فيرفعونه ويجرونه وينصبون ويهمزون همزتين.

قال : وقد سمعنا من العرب من يجمع بين همزتين فيقول : غفر الله له خطائئه وخطائي.

قال : وهو قليل لا يكاد يعرف قال : وإنّما أبدلوا في (جاء وشاء) ولم يفتحوا كما فتحوا في (خطائي) ؛ لأن خطائي قد وجدوا لها نظيرا من الجمع يقولون في مدار : مدارى وفي إبل معاي معايا ولم يجدوا في (فاعل) بناء قد ذهب به إليه غير فاعل فيذهبوا به إليه.

وقال بعضهم : إنّ همزة جائي هي اللام وقلب العين وجعلها بعد اللام كما قالوا : لاث وشاك يريدون : شائكا ولائثا ، وأما الذين قالوا : شاك السلاح فإنّهم حذفوا الهمزة ولم يقلبوها.

ص: 476

باب اجتماع الحروف المعتلة في كلمة
اشارة

هذا الباب ينقسم أربعة أقسام : اجتماع ياء وواوء وياء مع همزة وواو مع همزة واجتماع الثلاثة.

الأول : اجتماع الياء والواو في كلمة

تقول في مثل (كوألل) من رميت : روميا ومن حييت : حويّا ومن شويت : شويّا وحدها شوويا ولكنّك قلبت الواو إذ كانت ساكنة.

وتقول في مثال (عثول) من شويت : شييّ والأصل (شيويّ) ولكن قلبت الواو ياء وأدغمت.

وتقول في مثل (اغدودن) من رميت : ارموما فكررت العين ثمّ قلبت الياء ألفا لأنّها لام الفعل قبلها فتحة.

وقال المازني : تقول في مثال (قوصرّة) من (بعت : بيّعّة) وكان أصلها (بويعّة) فالواو ساكنة وبعدها ياء متحركة فلذلك قلبت كما قلت : لويت يده ليّة ولو جمعتها كما تجمع (قواصر) لقلت (بوائع) فهمزت كما تهمز (أوائل) لإجتماع الواو والياء ليس بينهما إلّا الألف كما همزت (فواعل) من (سرت) وتقول في مثال (عنكبوت) من رميت : رميوت فتكرر اللام فتنقلب الثانية ألفا لإنفتاح ما قبلها ولأنّ أصلها الحركة.

وتقول من (بعت) : بيععوت فإذا جمعت قلت : بياعع ، وإن عوضت قلت : بياعيع ولم تدغم قبل العوض ؛ لأنه ملحق ببنات الأربعة فذهب الإدغام لذلك.

وتقول في مثال (حمصيصة) من غزوت : غزويّة وكان الأصل (غزويوة) فأدغمت الياء في الواو فصارت ياء مشددة وقلبت الواو الأولى ألفا لأنّها لام متحركة قبلها فتحة ثمّ أبدلتها واوا كما فعلت في النّسب إلى (رحى) حين قلت : رحويّ وتقول في (فعلول) من (رميت) رمييّ لا تغير ؛ لأن الحرف الذي قبل الياء الأولى ساكن فصار بمنزلة النّسب إلى (ظبي).

ص: 477

وتقول في (فعلول) من (شويت) و (طويت) شوويّ وطوويّ وكان الأصل : شويوي وطويوي فقلبت الواو الأولى ياء ؛ لأن بعدها ياء متحركة وقلبت الواو الأخرى ياء للياء التي بعدها أيضا فاجتمعت أربع ياءات وصارت بمنزلة (أميّيّ) فكأنّها (طيييّ) (وشيييّ) ففعلت بها ما فعلت بأميّة حين نسبت إليها فقلت : أمويّ وتقول في (فيعول) من غزوت : غيزوّ فتصير بمنزلة (مغزوّ) وتقول فيها من قويت : قيّوّ فتقلب العين التي هي واو ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتدغم الياء الأولى فيها وتدع واوي الطرف على حالهما ؛ لأن هذا ليس موضع تغير وتقول في (فيعل) من (حويت) و (قويت) : حيّا وقيّا فتقلب العين ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتقلب اللام ألفا ؛ لأن أصلها التحريك وقبلها فتحة وتقول في (فيعل) من (حويت) و (قويت) : حيّ وقيّ وكان الأصل (حيوو وقيوو) ؛ لأنه من الحوّة والقوّة فقلبت الواو الأولى ياء من أجل الياء التي قبلها وسكونها وأدغمتها فيها ثمّ قلبت الواو التي هي لام ياء لإنكسار ما قبلها لأنّها لام فصار (حييّ) فاجتمعت ثلاث ياءات فحذفت كما تحذف من تصغير (أحوى) حين قلت : أحيّ كما ترى.

قال أبو عثمان : تقول في (فيعلان) من قويت وحويت وشويت : قيّان وحيّان وشيّان تحذف الياء التي هي آخر الياءات ولم تعد هذه الألف أن تكون كهاء التأنيث وألف النصب فهكذا أجر هذا.

قال : وأما قولهم : حيوان فجاء على ما لا يستعمل ليس في الكلام فعل يستعمل موضع عينه ياء ولامه واو فلذلك لم يشتقوا منه فعلا وعلى ذلك جاء (حيوة) فافهمه.

وكان الخليل يقول : (حيوان) قلبوا فيه الياء واوا لئلا تجتمع ياءان استثقالا للحرفين من جنس واحد يلتقيان.

قال أبو عثمان : ولا أرى هذا شيئا ولكنّ هذا كقولهم : فاظ الميت يفيظ فيظا وفوظا ولا يشتقون من فوظ (فعلا) وكذلك : ويل وويس وويح هذه مصادر وليس لهن فعل كراهة أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون ولإستغنائهم بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغنى عنه مسقطا وتقول في مثل (قمحدوة) من رميت : رميوّة وتقول في مثال (ترقوة) من رميت : رميوة وعلى

ص: 478

التذكير : رميية لأنّك تقلب الطرف ياء كما فعلت (بأدل وعرق) لأنّك جئت بالهاء بعد ما لزم الواو القلب والدليل على أنّ الذي يبنى على التأنيث لا تقلب فيه الواو قراءة الناس (خطوات) ؛ لأنه إنّما عرض التثقيل في الجمع.

وتقول في مثل (أحدوثة) من قضيت : أقضيّة وفي مثل (فعلول) من (طويت وشويت) :طوويّ وشوويّ كما قالوا في حيّة : حيويّ.

وتقول في (فيعول) من غزوت : غيزوّ مثل (مفعول) من (غزوت).

وتقول في (فيعول) من قويت : قيّوّ تقلب الواو التي في موضع العين ياء ؛ لأن قبلها ياء ساكنة وتقول في (فيعول) من (حييت وعييت) : حيويّ وعيويّ ؛ لأنه اجتمع أربع ياءات.

وتقول في (فيعل) من (قويت وطويت) : طيّا وقيّا هذا قول الأخفش.

قال : وإن شئت بنيتها على (فيعل) فهو وجه الكلام ؛ لأن (فيعلا) فيما عينه واو أكثر ، فإن بنيته على (فيعل) قلت : طيّ وقيّ لأنك أنقصت ياء ؛ لأنه لا تجتمع ثلاث ياءات.

قال : وتقول في (فيعلان) من (شويت وطويت) : طيّان وشيّان تحذف إحدى الياءات لأنّهن اجتمعن وكذلك إن أردت (فيعلان) قلت : طيّان وشيّان ؛ لأنه قد اجتمع ثلاث ياءات لا يجتمع مثلهن.

قال : وهذا في قول من قال في شاوي : شويّ وفي معاوية : معيّة ومن قال في شاو : شويي وفي أحوى : أحيّ قال فيه : شيّيان وطيّيان وتقول في (فعلية) من غزوت : غزوية ومن قويت :قويّة ومن شويت : شييّة وتقول في (فوعلة) من رويت : رويّة وتقول في (فوعلة) من حييت في لغة من قال : (أمييّ) : حييّة ومن قال : أمويّ قال : حيوية.

الثاني : اجتماع الياء والهمزة

تقول في مثال (اغدودن) من رأيت : ارأوأيت وأرأوأ زيد تكرر الهمزة لأنّها عين الفعل كما كررت الدال في (اغدودن) ، فإن خفّفت الهمزة الثانية قلت : أرأويت وارأوى زيد حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الواو.

ص: 479

فإن خفّفت الأولى قلت : روأا واروآيت مثل روعيت حذفت الهمزة وألقيت حركتها على الراء فلما تحركت الفاء سقطت ألف الوصل ، فإن خفّفت الهمزتين جميعا صار : (رويت) حذفت الهمزة الأولى وألقيت حركتها على الواو وسقطت ألف الوصل ثمّ حذفت الثانية وألقيت حركتها على الواو وتقول في مثال (عرضنة) من رأيت : رأينة وتقول في مثل (صمحمح) من رأيت : رأيا أو تقول في مثل (جعفر) من جئت : جيّأ ، فإن خفّفت قلت : جيا.

الثالث : اجتماع الواو والهمزة

تقول في مثال (قوصرّة) من آب يؤوب : أوّبة أدغمت واو فوعلّة الزائدة في العين ، فإن جمعته قلت : أوائب فأبدلت من الواو همزة لإجتماع الواوين مع الألف كما فعلت في (أوائل) وحذفت إحدى الياءين كما حذفت إحدى الراءين من قواصر ومسائل : هذا الباب والباب الذي قبله يدلّ عليها ما يأتي في الباب الذي تجتمع فيها الهمزة والواو والياء ويغني عنهما ؛ لأنه يعمّهما ويزيد عليهما.

الرابع : اجتماع الثلاثة

تقول في مثال (اطمأنّ) من وأيت : ايايا وكان الأصل : أوايا ؛ لأن (اطمأنّ) أصله (اطمأنن) فاللام الأولى ساكنة والثانية مفتوحة والآخرة حرف الإعراب ولكنّه لمّا أدغم النون في النون ألقى الحركة على الهمزة فلذلك قلت في هذه (أيّ) أيايا فأبدلت الواو التي هي ألف ياء لإنكسار ما قبلها فصارت الياء الأولى نظيرة الطاء والهمزة نظيرة الميم والياء الأولى نظيرة الهمزة من (اطمأنّ) إلّا أنّ هذه الياء ساكنة على أصلها لم تلق عليها حركة ما بعدها ؛ لأن ما بعدها مثلها ولام الإعراب قد انقلبت ألفا.

وتقول في مثال (إصبع) من وأيت : إيأي ، كان الأصل (أوأي) فقلبت الواو ياء لسكونها وإنكسار ما قبلها وقلبت الياء التي هي اللام ألفا وتقولها من أويت : أيّا وكان الأصل : إوأي فقلبت الياء التي هي اللام ألفا لإنفتاح ما قبلها ولكنّك لو قلت في مثل (إصبع) من وددت لكان : إودّ وكان الأصل : إودد فلزمك أن تبدل الواو ياء لكسره ما قبلها ووجب أن تدغم الدال في الدال فلمّا أدغمت احتجت إلى أن تلقي حركة الدال على ما قبلها فلمّا تحركت رددتها

ص: 480

إلى الأصل وهو الواو فقلت : إودّ والذي كان أوجب قلب الواو ياء أنّها ساكنة وقبلها كسرة فلمّا تحركت زالت العلة.

قال المازني : ومثل ذلك : إوزّة.

وتقول في مثل (أبلم) من وأيت : أوء وكان ينبغي أن يكون : أوأي ولكن لا يجوز أن تكون الواو لاما وقبلها ضمة ومتى وقعت كذاك قلبت ياء كما قالوا : أدل وعرق وأصله : أدلو وعرقو وتقول فيها من أويت : أوّ وكان الأصل : أوويّ فأبدلت الهمزة الثانية واوا لأّنّها ساكنة وقبلها همزة مضمومة ثم تدغمها في الواو التي بعدها وهي عين (أويت) وتبدل من الضمة كسرة لتثبت الياء وهو موضع لا تكون فيه واو قبلها ضمة إلّا قلبت كما قد بيّن في مواضع.

وتقول في مثال (أجرد) من وأيت : إياء وكان الأصل : إوإي فقلبت الواو ياء لإنكسار ما قبلها وتقول فيها من أويت : إيّ وكان الأصل إئوي فأدغمت الواو في الياء فصارت (إيّي) فاجتمع ثلاث ياءات كما اجتمع في تصغير (أحوى) فحذفت منها الياء التي هي طرف ، فإن خفّفت مثال (أجرد) من وأيت قلت : إو فتردّ الواو إلى الأصل وتلقي عليها حركة الهمزة وتحذف الهمزة كما تفعل ذلك إذا خفّفت الهمزة وقبلها ساكن ممّا تلقى عليه الحركة.

وتقول في مثل (أوزّة) من وأيت : إيأأة ومثلها من أويت : إيّاة لأنّ (إوزّة) : إفعلة والدليل على ذلك قولهم : وزّة ولو بنيت مثال (هرملة) من وأيت قلت : وأيّة ومن أويت : إويّة.

وتقول في مثال (قوصرّة) من أويت : أويّة ؛ لأن العين واو فلو جمعتها كما تجمع (قواصر) لقلت : أوايا وكان الأصل : أواو فصارت كأوائل ثمّ غيرّت لأنّها عرضت في جمع ولأنها معتلة وقد مضى تفسير هذا ولو

عوضت قلت (أواويّ) فلم تهمز ولم تغير كما لم تهمز طواويس وما أشبهها ولو بنيتها من وأيت لقلت : أوأيّة ؛ لأنه اجتمع في أوله واوان وكان الأصل (ووأيّة) فهمزت الأولى ، فإن جمعته قلت : أواو ؛ لأن الهمزة لم تعرض في جمع ولو عوضت قلت أوائي.

وتقول في مثال (عنكبوت) من أويت : أيّوت وكان الأصل أوييوت فأبدلت الواو الأولى للياء التي بعدها وحذفت الياء التي أبدلتها ألفا لالتقاء الساكنين يعني : الياء الأخيرة لأنّها

ص: 481

متحركة قبلها فتحة فقلبت ألفا والواو التي بعدها ساكنة فسقطت لالتقاء الساكنين وتقول فيها من وأيت : وأيوت والعلة في الحذف واحدة.

ولو جمعته من وأيت لقلت : وأاي ولا تهمز ؛ لأنه ملحق ولم يعرض له ما يهمز من أجله.

ولو جمعته من أويت لقلت : أوايا وكان الأصل (أواوي) فوجب الهمز من حيث وجب في (أوائل).

فصارت (أوايّ) فعرضت الهمزة في جمع فقلت : أوايا ولو عوضت لقلت أواييّ كما قلت : طواويس وعواوير فلم تهمز.

وتقول في مثال (اغدودن) من وأيت : أيأوأي كما تقول فيها من وعيت : ايعوعي فتكرر الهمزة لأنّها عين الفعل كما كررت الدال في (اغدودن) ، فإن خفّفت الهمزة الثانية قلت : إيأوي ألقيت حركتها على الواو فحركت الواو وحذفت الهمزة ، وإن خفّفت الأولى وتركت الثانية قلت : أوأي وكان الأصل (ووأي) لأنّك ألقيت حركة الهمزة التي هي عين الفعل الأولى على الفاء وكانت واوا في الأصل فانقلبت ياء لكسرة ألف الوصل فحذفت ألف الوصل لتحريك ما بعدها فرجعت واوا وبعدها الواو الزائدة فهمزت موضع الفاء لئلا تجتمع واوان في أول كلمة ، فإن خففتهما جميعا قلت : أوي والعلة واحدة وتقول فيها من أويت : إيووّي ؛ لأن (أويت) عينها واو فتكرر الواو وتكون الواو الزائدة بين الواوين اللتين هما عينان فتدغم الزائدة في الواو التي بعدها فتصير فيها ثلاث واوات كما كان ذلك في (اقووّل) ومن رأى التغير في (اقوّول) رآه هاهنا. وتقول في مثال (صمحمح) من وأيت : وأيأا ومن أويت : أويّا.

ص: 482

باب ما ذكره الأخفش من المسائل على مثال مرمريس

قال أبو بكر : وإنّما أفردت هذا الباب ؛ لأنه مخالف لما مضى من المسائل لا شكل له وجميع ما مضى ممّا فيه تكرير فإنّما هو تكرير عين نحو : (افعوعل) أو تكرير لام نحو : (فعلل) أو تكرير عين ولام نحو : (فعلعل).

ومرمريس وزنها (فعفعيل) فقد كرّرت الفاء والعين وإنما استدلوا على ذلك بأنّها مشتقة من المراسة.

قال : إذا بنيت مثال مرمريس من واو قلت : أوّييّ واوان وثلاث ياءات وكان الأصل أن يكون الأول ثلاث واوات فهمزت الأولى ؛ لأنه إذا اجتمع في أول الكلمة واوان همزت الأولى.

وقال : تقول في مثال (مرمريس) من (الويل والويح). وييّيل ووييّيح أربع ياءات بين الواو واللام وبين الواو والحاء فمن كان من قوله جمع بين ثلاث ياءات في هذه الصفة جمع بين هذه الأربع ياءات ؛ لأن الياء الرابعة لا يحتسب بها لأنّها مثل ياء (مهييمّ) ، وإذا كانت مدة هكذا لم يحتسب بها ألا ترى أنّك لو قلت في قوّام (قوييم) لم يكن تثقيل كما تثقل في (أحيّ) ومن حذف حذف واحدة لئلا يجتمع ثلاث ياءات يكنّ مثل ياءات (شوييّ) تصغير (الشّاوي) فإذا قلت : مرمريس من يوم قلت : ييوّيم وكان الأصل : يويويم فقلبت الواو للياء التي بعدها واجتمعت ثلاث ياءات لأنّهن مثل النّسب إلى (طيء) إذا قلت : طييّ ولو أردت مثل (مرمريس) من أتيت قلت : أتأتيّ ، فإن خفّفت الهمزة قلت : أتتيّ ومن أبت : أواويب ، فإن خفّفت قلت : أوويب وتقول مثال مرمريس (من) إن أوأويي ومن أاأة) أوأوي.

وحكي عن الخليل أنّه كان يصغر (أأأة) أوئة قال : وتأسيس بنائها من تألف واو بين همزتين فلو قلت : ألا أو كما تقول من النوم منامة على تقدير (مفعلة) لقلت : أرض مأآة ولو اشتق منه (مفعول) لقلت : مووء مثل (معوع).

ص: 483

وتقول في مثال : (مرمريس) من أول : أوييل فتقلب الواو الآخرة ياء أقربهنّ إلى العلة وتهمز الأولى لإجتماع واوين في أول كلمة وكان أصلها (ووّويل) أربع واوات الثانية منهنّ مدغمة في الثالثة ومن أجاز جمع ثلاث واوات فقال في (افعوعل) من قلت : اقووّل قال في هذا : أوّويل.

قال الأخفش : وهذا عندي ضعيف.

وقال : وتقول في مثل (قصعة) من الواو ويّة ؛ لأنه لا تجتمع ثلاث واوات وكان أصلها (ووّة) ، وإن شئت قلت : أوّة فجعلت الأولى همزة وكلّ مذهب.

قال : إلّا أنّ الأولى أقواهما ؛ لأن موضع العين إن كان ياء فلا بدّ من (ويّة) إلا أنّ النحويين لا يجعلون الألف التي في (واو) إلّا واوا.

قال : وما أعلمه إلّا أبعد الوجهين وهم يصغرون (واوا) أويّة.

قال : وإنّما جاز أن أبني من واو اسما ؛ لأن الواو اسم ولا يجوز أن أبني منها فعلا وذكر بعد هذا كيف يبنى من التامّ مثل المنقوص المحذوف.

قال أبو بكر : وهذا لا يجوز عندي ولا دربة فيه ؛ لأن الحذف ليس بعمل ولكني أذكر ما قال.

قال : ويبنى من رأيت مثل (شاة) راة قال : ومثلها من القول : قاة ومن البيع : باة وضعّفه مع ذلك.

ص: 484

باب : من مسائل الجمع

تقول في (فيعول) من بعت : بيّوع فإذا جمعته قلت : بياييع فلا تهمز لأنّها لمّا بعدت من الطرف قويت فلم تهمز ، وإذا جمعت (فوعلا) من (قلت) همزت فقلت : قوائل وتهمز فواعل من (عورت وصيدت) وكذلك إذا جمعت (سيدا وعيّلا) ، وذلك قولك : سيائد وعيائل وميائت جمع (ميّت) على التكسير شبهوه (بأوائل).

قال المازني : وسألت الأصمعي عن عيّل : كيف تكسره العرب فقال : عيائل يهمزون كما يهمزون في الواوين يعني في أوّل.

وأمّا (ضيون وضياون) فلم يهمزوا لأنّها صحت في الواحد فجاءت على الأصل وقول الشّاعر (1) :

وكحل العينين بالعواور

إنّما ترك الهمز ؛ لأنه أراد : العواير ولكنّه احتاج فحذف الياء وترك الواو على حالها.

قال الأخفش : فإذا جمعت (فعلّ) نحو : هبيّ ورميّ وأنت تريد مثل : معدّ قلت : هبايّ ورمايّ تجريه مجرى ما ليس من بنات الياء نحو : طمر ومعدّ تقول : طمارّ ومعاد تدعه على إدغامه ولا تظهر التضعيف وقد كان الأصل التضعيف ؛ لأنه ملحق ولكنّ العرب لما وجدت الواحد مدغما أجرت الجمع على ذلك.

قال : وليس هو بالقياس وكذلك (فعلّ) نحو : غزوّ تقول : غزاو إذا جمعتها.

قال : وإذا جمعت (فعلل) من غزوت ورميت وهو غزوا ورميا قلت : غزاو ورماي ولم تهمز لأنّها من الأصل.

ص: 485


1- من شعر جندل الطهوي ، والأبيات كاملة : غرك أن تقاربت أبا عري وأن رأيت الدهر ذا الدوائر حنى عظامي وأراه ثاغري وكاحلا عيني بالعواور.

قال : فإن أردت فعاليل قلت : رمائيّ فهمزت لمّا اجتمع ثلاث ياءات قبلهنّ ألف والألف شبه الياءات فشبّهوا ذلك بالنسب إلى (راية).

تقول : رائيّ وقال بعضهم : راويّ فأبدلها واوا فلهذا يقول في (فعاليل) من رميت : رماويّ ومن قال : أمييّ قال : رماييّ فلم يغير وتركهن ياءات وكذلك (فعاليل) من (حييت) ومفاعيل تحذف أو تبدل واوا لأنّهم قد كرهوا جمع ياءين في نحو (أثاف) حتى خففوها وخفف بعضهم : أغاني وأضاحي ومعطاء ومعاطي.

قال : ولو قال قائل : أحذف هذا في الجمع إذا رأيتهم قد حذفوا إحدى الياءين في (معاط) و (أثاف) ذهب مذهبا وما غيّر من الجمع كثير نحو : معايا ومكّوك ومكاكي.

قال : (وفعاليل) من غزوت : غزاوي لا تغيّره ؛ لأنه لم يجتمع فيهن ثلاث ياءات.

ص: 486

باب الإدغام

اشارة

(1)

قال أبو بكر : أصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا الهمزة الألف الهاء العين الحاء الغين الخاء القاف الكاف الضاد الجيم الشين الياء اللام الراء النون الطاء الدال التاء الصاد الزاي السين الظاء الذال الثاء الفاء الباء الميم الواو.

وتكون خمسة وثلاثين. حرفا مستحسنة النون الخفيفة وهمزة بين بين والألف الممالة والشين كالجيم والصاد كالزاي وألف التفخيم ويكون اثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة.

مخارج الحروف ستة عشر

فللحق ثلاثة فأقصاها مخرجا : الهمزة والهاء والألف.

والأوسط : العين والحاء.

والأدنى من الفم : الغين والخاء.

الرابع : أقصى اللسان وما فوقه من الحنك : القاف.

الخامس : أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك : الكاف.

السادس : وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك : الجيم والشين والياء.

السابع : من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس : الضاد.

الثامن : من بين أول حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينهما وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية : مخرج اللام.

التاسع : النون وهي من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا.

العاشر : ومن مخرج النون غير أنّه أدخل في ظهر اللسان قليلا لإنحرافه إلى اللام : مخرج الراء.

ص: 487


1- قال الجرجاني : الإدغام في اللغة : إدخال الشيء في الشيء ، يقال : أدغمت الثياب في الوعاء ، إذا أدخلتها ؛ وفي الصناعة : إسكان الحرف الأول وإدراجه في الثاني ، ويسمى الأول : مدغما ، والثاني : مدغما فيه. وقيل : هو إلباث الحرف في مخرجه مقدار إلباث الحرفين ، نحو : مد ، وعد.

الحادي عشر : ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا : مخرج الطاء والدال والتاء.

الثاني عشر : ممّا بين اللسان وفويق الثنايا السّفلى : مخرج الزاي والسين والصاد.

الثالث عشر : ممّا بين طرف اللسان وأطراف الثنايا : مخرج الظاء والثاء والذال.

الرابع عشر : ومن باطن الشّفة السفلى وأطراف الثنايا العليا : مخرج الفاء.

الخامس عشر : ومما بين الشفتين : الباء والميم والواو.

السادس عشر : ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة.

أصناف هذه الحروف أحد عشر صنفا
اشارة

المجهورة والمهموسة والشديدة والرخوة والمنحرف والشديد الذي يخرج معه الصوت والمكررة واللينة والهاوي والمطبقة والمنفتحة.

الأول : المجهورة

وهي تسعة عشر حرفا : الهمزة والألف والعين والغين والقاف والجيم والياء والضاد واللام والزاي والراء والطاء والدال والنون والظاء والذال والباء والميم والواو.

فالمجهورة كلّ حرف أشبع الإعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتّى ينقضي الإعتماد يجري الصوت إلّا أنّ النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنّة والدليل على ذلك أنّك لو أمسكت بأنفك ثمّ تكلمت بهما رأيت ذلك قد أخلّ بهما.

الثاني : المهموسة

وهي عشرة أحرف : الهاء والحاء والخاء والكاف والسين والشين والتاء والصاد والثاء والفاء.

وهو حرف أضعف الإعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرردت الحرف مع جري النفس ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه.

ص: 488

الثالث : الشديد من الحروف

هو الذي يمنع الصوت أن يجري فيه وهي ثمانية أحرف : الهمزة والقاف والكاف والجيم والطاء والتاء والباء والدال فلو أردت مدّ صوتك بالحرف الشديد لم يجر لك ، وذلك أنّك لو قلت : ألحج لم يجر لك مد الصوت بالجيم.

الرابع : الحروف الرّخوة

الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والضاد والزاي والسين والظاء والثاء والذال والفاء ، وذلك أنّك إذا قلت : الطّس وانقض وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت أما (العين) فبين الرّخوة والشديدة تصل إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء.

الخامس : الحرف المنحرف

وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لإنحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كإعتراض الشديدة وهو اللام ، وإن شئت مددت فيه الصوت وليس كالرّخوة ؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكن من ناحيتي مستدقّ اللّسان فويق ذلك.

السادس : الشديد الذي يخرج معه الصوت

لأنّ ذلك الصوت غنّة من الأنف فإنّما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنّك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه صوت وهو النون والميم.

السابع : المكرر

وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وإنحرافه إلى اللام فتجافى للصوت كالرّخوة ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه وهو الراء.

الثامن : اللينة

الواو والياء ؛ لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشدّ من اتساع غيرهما.

ص: 489

التاسع : الهاوي

حرف اتسع لهواء الصوت مخرجه أشدّ من اتساع مخرج الياء والواو لأنّك قد تضمّ شفتيك في الواو وترفع لسانك في الياء قبل الحنك وهي الألف وهذه الثلاثة أخفى الحروف لإتساع مخرجها وأخفاهنّ وأوسعهنّ مخرجا الألف ثمّ الياء ثمّ الواو.

العاشر : المطبقة

هي أربعة : الصاد والضاد والطاء والظاء.

الحادي عشر : المنفتحة

وهو كلّ ما سوى المطبقة من الحروف لأنّك لا تطبق لشيء منهنّ لسانك ترفعه إلى الحنك وهذه الأربعة الأحرف إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهنّ إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك فإذا وضعت لسانك فالصوت محصور فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف.

وأمّا الدال والزاي ونحوهما فإنّما ينحصر الصوت إذا وضعت لسانك في مواضعهن ولو لا الإطباق لصارت الطاء دالا والصاد سينا والظاء ذالا ولخرجت الضاد من الكلام ؛ لأنه ليس شيء من موضعها وغيرها.

ص: 490

ذكر الإدغام
اشارة

وهو وصلك حرفا ساكنا بحرف مثله من موضعه من غير حركة تفصل بينهما ولا وقف فيصيران بتداخلهما كحرف واحد ترفع اللسان عنهما رفعة واحدة ويشتدّ الحرف ألا ترى أنّ كلّ حرف شديد يقوم في العروض والوزن مقام حرفين الأول منهما ساكن.

والإدغام في الكلام يجيء على نوعين :

أحدهما : إدغام حرف في حرف يتكرر.

والآخر : إدغام حرف في حرف يقاربه.

النوع الأول : إدغام الحرفين

اللذين تضع لسانك لهما موضعا واحدا لا يزول عنه ، وذلك يجيء على ضربين : أحدهما : أن يجتمع الحرفان في كلمة واحدة والآخر : أن يكونا من كلمتين.

فأمّا ما كان من ذلك في الفعل الثلاثي الذي لا زيادة فيه فجميعه مدغم متى التقى حرفان من موضع واحد متحركين حذفت الحركة وأدغم أحدهما في الآخر ، وذلك نحو : فرّ وسرّ والأصل : فرر وسرر.

ففرّ نظير (قام) أعلّت العين في ذا كما أعلّت في ذا.

وسرّ : نظير (قيل) في أصلها ألا ترى أنّ بعضهم يقول : قول وبوع كما أنّ منهم من يقول :ردّ مثل (قيل) ، وأما مدّ وفرّ في الأمر فقد ذكرناه في حدّ الوقف والابتداء وكذلك ما جاء من الأسماء على وزن الأفعال المدغمة أعلّ وأدغم ؛ لأن الإدغام اعلال إلّا (فعل) مثل (طلل وشرر) ، فإن كان المضاعف على مثال (فعل) و (فعل) لم يقع إلّا مدغما ، وذلك رجل ضفّ الحال هو (فعل).

والدليل على ذلك قولهم الضفف في المصدر فهذا نظيره من غير المضاعف : الحذر ورجل حذر وقد جاء حرف منه على أصله كما قالوا (الخونة والحوكة) على أصولهما قالوا : قوم ضففو الحال فشذّ هذا كما شذّ غيره.

ص: 491

(وفعل) لم يسمع منه شيء جاء على أصله ، وإن كان المضاعف (فعلا) أو (فعلا) أو فعلا ممّا لا يكون مثاله فعلا فهو على الأصل نحو : (خزو ومرر) وحضض وضض فأمّا قولهم :قصص وقصّ وهم يعنون المصدر فإنّما هما اسمان : أحدهما محرّك العين والآخر ساكن العين.

فجاءا على أصولهما ومثله من غير المضاعف : معز ومعز وشمع وشمع وشعر وشعر وهذا كثير وليس أنّ (قصّا) مسكّن من (قصص) ولكن كل واحد منهما أصل ، وأما قول الشاعر :

هاجك من أروى كمنهاض الفلك

فإنّما احتاج إلى تحريكه فبناه على (فعل) كما قال :

ولم يضعها بين فرك وعشق

وإنّما هو عشق فاحتاج فبناه على (فعل).

قال المازني : وزعم الأصمعي قال : سألت أعرابيا ونحن بالموضع الذي ذكره وزهير حيث يقول :

ثم استمرّوا وقالوا : إنّ مشربكم

ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك

هل تعرف (رككا) فقال : قد كان هاهنا ماء يسمّى ركّا.

فهذا مثل فكك فإذا ألحقت هذه الأشياء التي ذكرت الألف والنون في آخرها ، فإن الخليل وسيبويه والمازنيّ يدعون الصدر على ما كان عليه قبل أن يلحق ، وذلك نحو : رددان ، وإن أردت (فعلان) أو (فعلان) أدغمت فقلت : (ردّان) فيهما وكان أبو الحسن الأخفش يظهر فيقول : رددان ورددان ويقول : هو ملحق بالألف والنون فلذلك يظهر ليسلم البناء.

قال المازني : والقول عندي على خلاف ذلك ؛ لأن الألف والنون يجب أن يكونا كالشيء الواحد المنفصل ألا ترى أنّ التصغير لا يحتسب بهما فيه كما لا يحتسب بياءي الإضافة ولا بألفي التأنيث ويحقرون (زعفرانا) فيقولون : زعيفران وخنفساء. خنيفساء فلو احتسبوا بهما لحذفوهما كما يحذفون ما جاوز الأربعة فيقولون في (سفرجل). سفيرج فأمّا ما جاء من

ص: 492

التضعيف فيما جاوز عدته ثلاثة أحرف فإنّه يكون على ضربين. ملحق وغير ملحق فالملحق يظهر فيه التضعيف نحو : مهدد وجلببة. فمهدد ملحق بجعفر وجلببة ملحق بدحرجة.

وإن كان غير ملحق أدغم ، وذلك نحو : احمّار واحمر ولو كان له في الرباعي مثال لما جاز تضعيفه كما لم يجز إدغام (اقعنسس) لمّا كان ملحقا (باحرنجم) وقد مضى ذكر ذا وأشباهه ، وأما (اقتتلوا) فليس بمحلق والعرب تختلف في الإدغام وتركه فمنهم من يجريه مجرى المنفصلين فلا يدغم كما لا يدغم اسم (موسى) وإنّما فعل به ذلك ؛ لأن التاء الأولى دخلت لمعنى فمن أبى الإدغام كره أن يزيل البناء الذي دخلت له التاء فيزول المعنى وذهب إلى أنّ التاء غير لازمة وأنّها ليست مثل راء (احمررت) اللازمة ؛ لأنه يجوز أن يقع بعد تاء (افتعلوا) كلّ حرف من حروف المعجم.

ومنهم من أدغم لمّا كان الحرفان في كلمة ومضى على القياس فقال : يقتّلون وقد قتّلوا كسروا القاف لالتقاء الساكنين وشبهت بقولهم : (ردّ).

وقال آخرون : قتّلوا ألقوا حركة المتحرك على الساكن وتصديق ذلك قراءة الحسن (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ)(1) [الصافات : 10] ومن قال : يقتّل قال : مقتّل ومن قال : يقتّل قال : مقتّل.

قال سيبويه : حدثني الخليل وهارون : أنّ ناسا يقولون : مردّفين يريدون : مرتدفين أتبعوا الضمة الضمة ومن قال هذا قال : مقتّلين وهذا أقلّ اللغات.

وكلّ ما يجوز أن تدغمه ولا تدغمه فلك فيه الإخفاء إلّا أن يكون قبله ساكن وبعده ساكن كنحو (أردد).

الضرب الثاني : أن يكون الحرفان من كلمتين منفصلتين وهو ينقسم قسمين :

ص: 493


1- (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) فيه لغات قد قرىء ببعضها ، وهي غير مخالفة للخط ، يقال : إذا أخذ الشيء بسرعة خطف وخطف وخطّف وخطّف وخطّف ، والأصل : المشددات اختطف ، فأدغمت التاء في الطاء ؛ لأنها أختها ، وفتحت الخاء ؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها ، ومن كسرها فلالتقاء الساكنين ، وممن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر. [إعراب القرآن للنحاس : 3 / 280].

أحدهما : ما يجوز إدغامه.

والآخر : لا يجوز إدغامه.

وأحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواء إذا كانا منفصلين أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعدا ؛ لأنه ليس في أصل بناء كلامهم بناء لكلمة على خمسة أحرف متحركة.

وقد تتوالى الأربعة متحركة في مثل (علبط) وهو محذوف من علابط ولا يكون ذلك في غير المحذوف وليس في الشعر خمسة أحرف متحركة متوالية ، وذلك نحو : جعل لك وفعل لبيد لك. أن تدغم ولك أن تبين والبيان عربي حجازي ؛ لأن المنفصل ليس بمنزلة ما هو في كلمة واحدة لا ينفصل نحو : مدّ واحمرّ ولك الإدغام في كلّ حرفين منفصلين إلّا أن يكون قبل الأول حرف ساكن فحينئذ لا يجوز الإدغام ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان إلّا أن يكون الساكن الذي قبل الأوّل حرف مدّ ، فإن الإدغام يجوز في ذلك كما كان في غير الإنفصال كما قالوا : رادّ وتمودّ الثوب.

فأمّا المنفصل فنحو قولك : المال لك وهم يظلمونيّ والبيان هاهنا يزداد حسنا لسكون ما قبله ، فإن كان قبله ساكن ليس بحرف مدّ لم يجز الإدغام ، وذلك قولك : ابن نوح واسم موسى لا تدغم ولكنّك إن شئت أخفيت وتكون بزنة المتحرك ولا يجوز إذا كان قبل الحرف الأول حرف ساكن أن يدغم ويحرك ما قبله لالتقاء الساكنين فأمّا قول بعضهم : (نعمّا) محرّك العين فليس على لغة من قال (نعم) فأسكن ولكن على لغة من قال : (نعم) فحرّك العين هذا قول سيبويه.

قال : وحدّثنا أبو الخطاب : أنّها لغة هذيل وكسروا كما كسروا (لعب) ، وأما قوله (فلا تتناجوا) ، فإن شئت أسكنت وأدغمت ؛ لأن قبله حرف مدّ وهو الألف ، وأما (ثوب بكر) فالبيان هاهنا أحسن منه في الألف ؛ لأن الواو في (ثوب) لا تشبه الألف ؛ لأن حركة ما قبلها ليس منها وكذلك (جيب بكر) والإدغام في هذا جائز ، وإن لم يكونا بمنزلة الألف وإنّما يكونان بمنزلة الألف إذا كان قبل الواو ضمّة قبل الياء كسرة فالإدغام في (ثوب بكر) في

ص: 494

المنفصل مثل (أصيم) في المتصل وإنّما فعل ذلك بياء التصغير لأنّها لا تحرك وأنّها نظير الألف في (مفاعل ومفاعيل).

القسم الثاني : الذي لا يجوز إدغامه وإذا قلت : مررت بوليّ يزيد وعدوّ وليد ، فإن شئت أخفيت ، وإن شئت بنيت ولا يجوز الإدغام لأنك حيث أدغمت الواو في (عدوّ) والياء في (وليّ) فرفعت لسانك رفعة واحدة ذهب المدّ وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل فالواو الأولى في (عدوّ) بمنزلة اللام في (دلو) والياء الأولى في (وليّ) بمنزلة الباء في (ظبي) والدليل على ذلك أنه يجوز في القوافي (ليّا) مع قولك : ظبيا و (دوّا) مع قولك : غزوا ، وإذا كانت الواو قبلها ضمّة والياء قبلها كسرة ، فإن واحدة منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها ، وذلك قولك : ظلموا واقدا واظلمي ياسرا ويغزو واقد وهذا قاضي ياسر لا تدغم وإنّما تركوا المدّ على حاله في الانفصال كما قالوا : قد قوول حيث لم تلزم الواو وأرادوا أن تكون على زنة (قاول) فكذلك هذه إذا لم تكن الواو لازمة فأمّا الواو إذا كانت لازمة بعدها واو في كلمة واحدة فهي مدغمة ، وذلك نحو : معزوّ وزنه مفعول فالواو لازمة لهذا البناء وليست بمنزلة قوول الذي إذا بنيته للفاعل صار : قاول ، وإذا قلت وأنت تأمر : اخشي يّاسرا واخشوا واقدا أدغمت لأنّهما ليسا بحرفي مدّ كالألف ؛ لأنه انفتح ما قبل الهاء والواو والهمزتان ليس فيهما إدغام في مثل قولك : قرأ أبوك وأقرىء أباك وقد ذكر في باب الهمز ما يجوز في ذا وما لا يجوز.

النوع الثاني من الإدغام وهو ما أدغم للتقارب
اشارة

اعلم أنّ المتقاربة تنقسم قسمين : أحدهما : أن يدغم الحرف في الحرف المقارب له والقسم الآخر لا يدغم الحرف في مقاربه.

فأمّا الذي يدغم في مقاربه فهو على ضربين :

أحدهما : يدغم كلّ واحد من الحرفين في صاحبه.

والآخر : ليس كذلك بل لا يدغم أحد الحرفين في الآخر ولا يدغم الآخر فيه.

ص: 495

ذكر ما يدغم في مقاربه
اشارة

اعلم أنّ أحسن الإدغام أن يكون في حروف الفم وأبعد ما يكون في حروف الحلق فكلّما قرب من الفم فالإدغام فيه أحسن من الإدغام فيما لا يقرب والبيان في حروف الحلق.

وما قرب منها أحسن وما قرب من الفم لا يدغم في الذي قبله.

واعلم أنّ هذه المدغمة تنقسم ثلاثة أقسام منها ما يبدل الأول بلفظ الثاني ثمّ يدغم فيه وهذا أحقّ الإدغام ومنها ما يبدل الثاني بلفظ الأول ثم يدغم الأول في الثاني ومنها ما يبدل الحرفان جميعا بما يقاربهما ثمّ يدغم أحدهما في الآخر وقد كتبنا جميع ذلك في مواضعه وقد قلنا : إنّ المخارج ستة عشر مخرجا ونحن نذكر جميع ذلك وما يجوز وما لا يجوز وما يحسن وما لا يحسن.

الأول : ما يدغم من حروف الحلق
اشارة

ولها ثلاثة مخارج كما ذكرنا الهاء مع الحاء تدغم كقولك : اجبه حملا البيان أحسن ولا يدغم الحاء في الهاء العين مع الهاء : أقطع هلالا البيان أحسن ، فإن أدغمت لقرب المخرجين حوّلت الهاء حاء والعين حاء ثمّ أدغمت الحاء في الحاء ؛ لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم في الذي قبله وكان التقاء الحاءين أخفّ في الكلام من التقاء العينين وبنو تميم يقولون : محّم يريدون :معهم ومحّاؤلاء يريدون : مع هؤلاء.

العين مع الهاء

اقطع حّملا الإدغام حسن والبيان حسن لأنّهما من مخرج واحد ولا تدغم الحاء في العين ؛ لأن الحاء يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين.

الحاء مع العين

قال سيبويه : ولكنّك لو قلبت العين حاء فقلت في (امدح عرفة) : امدحّرفة جاز.

الغين مع الخاء

البيان أحسن والإدغام حسن ، وذلك قولك : أدمغ خلفا.

ص: 496

الخاء مع الغين

البيان أحسن ويجوز الإدغام ؛ لأنه المخرج الثالث وهو أدنى مخارج الحلق إلى اللسان ألا ترى أنّ بعض العرب يقول : منخل ومنغل فيخفي النون كما يخفيها مع حروف اللسان ، وذلك قولك في اسلخ غنمك : اسلغّنمك ويدلّك على حسن البيان عزتها في باب (رددت) لأنّهم لا يكادون يضعفون ما يستثقلون.

القاف مع الكاف

الحق كلدة الإدغام حسن والبيان حسن.

الكاف مع القاف

انهك قطنا البيان أحسن والإدغام حسن وإنّما كان البيان أحسن ؛ لأن القاف أقرب إلى حروف الحلق من الكاف فإدغام الكاف فيها أحسن من إدغامها هي في الكاف.

السادس الجيم مع الشين

ابعج شبثا الإدغام والبيان حسنان.

السابع اللام مع الراء

اشغل رّجبة يدغم وهو أحسن.

النون مع الراء واللام والميم

من رّاشد يدغم بغنّة وبلا غنّة وتدغم في اللام (من لّك) إن شئت كان إدغاما بلا غنّة ، وإن شئت بغنّة وتدغم النون مع الميم.

النون مع الباء

تقلب النون مع الباء ميما ولم يجعلوا النون باء لبعدها في المخرج ، وأنّها ليست فيها غنّة ، وذلك قولهم : ممبك يريدون : من بك وشمباء وعمبر يريدون : شنباء وعنبرا.

النون مع الواو

ص: 497

وتدغم النون مع الواو بغنّة وبلا غنّة لأنّها من مخرج ما أدغمت فيه النون وإنّما منعها أن تقلب مع الواو ميما أنّ الواو حرف لين تتجافى عنه الشّفتان والميم كالباء في الشدة وإلزام الشّفتين.

النون مع الياء

تدغم بغنّة وبلا غنّة ؛ لأن الياء أخت الواو وقد تدغم فيها الواو فكأنّهما من مخرج واحد ؛ لأنه ليس مخرج من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء منه الياء ألا ترى أنّ الألثغ بالراء يجعلها ياء وكذلك الألثغ باللام وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفا خفيا مخرجه من الخياشيم ، وذلك أنّها من حروف الفم وأصل الإدغام لحروف الفم لأنّها أكثر الحروف فلمّا وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم كان أخفّ عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة ، وذلك قولك : من كان ومن قال ومن جاء وهي مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنّة ليس مخرجها من الخياشيم ولكنّ صوت الفم أشرب غنّة ولو كان مخرجها من الخياشم لما جاز أن تدغمها في الواو والياء والراء واللام حتى تصير مثلهن في كلّ شيء وهي مع حروف الحلق بنية موضعها من الفم.

قال سيبويه : وذلك أنّ هذه الستّة تباعدت عن مخرج النون فلم تخف هاهنا كما لا تدغم في هذا الموضع وكما أنّ حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق وإنّما أخفيت النون في حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها تقول : من أجل ذنب ومن خلف زيد ومن حاتم ومن عليك ومن غلبك ومنخل فتبين وهو الأجود والأكثر وبعض العرب يجري الغين والخاء مجرى القاف ، وإذا كانت النون متحركة لم تكن إلا من الفم ولم يجز إلّا إبانتها وتكون النون ساكنة مع الميم إذا كانت من نفس الحرف بينة وكذلك هي مع الواو والياء بمنزلتها مع حروف الحلق ، وذلك قوله : شاة زنماء وغنم زنم وقنواء وقنية وكنية.

وإنّما حملهم على البيان كراهية الإلباس فيصير كأنّه من المضاعف ؛ لأن هذا المثال قد يكون في كلامهم مضعّفا ألا تراهم قالوا : امّحى حيث لم يخافوا الإلباس ؛ لأن هذا المثال لا تضاعف فيه الميم.

ص: 498

قال سيبويه : وسمعت الخليل يقول في انفعل من (وجلت) : اوّجل كما قالوا : امّحى لأنّها نون زيدت في مثال لا تضاعف فيه الواو فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك : من مثلك وكذلك إن بنيت (انفعل) من (يئس) قلت : إيّاس ، وإذا كانت مع الباء لم تتبين ، وذلك قولك : شمباء لأنّك لا تدغم النون وإنما تحوّلها ميما والميم لا تقع ساكنة قبل الباء في كلمة فليس في هذا لبس ولا تعلم النون وقعت في الكلام ساكنة قبل راء ولا لام ليس في الكلام مثل : قنر ولا.

عنل وإنّما احتمل ذلك في الواو والياء لبعد المخارج وليس حرف من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم تدغم في النون لم تدغم فيهنّ.

فأمّا اللام فقد تدغم في النون ، وذلك قولك : هنّرى. فتدغم في النون والبيان أحسن ؛ لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام فكأنّهم يستوحشون من الإدغام فيها ولم يدغموا الميم في النون لأنّها لا تدغم في الياء التي هي من مخرجها فلمّا لم تدغم فيما هو من مخرجها كانت من غيره أبعد ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفا ولا يجوز فيها معهن إلّا الإدغام لكثرة لام المعرفة في الكلام وكثرة موافقتها لهذه الحروف واللام من طرف اللسان وهذه الحروف أحد عشر حرفا منها من طرف اللسان وحرفان بخالطان طرف اللسان فلمّا اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام والأحد عشر حرفا : النون والواو والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والثاء والذال.

وقد خالطتها الضاد والشين ؛ لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج الطاء ، وذلك قولك : النعمان والرجل فكذلك سائر هذه الحروف فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام (هل وبل) ، فإن الإدغام في بعضها أحسن ، وذلك قولك : هرّأيت ؛ لأن الراء أقرب الحروف إلى اللام ، وإن لم تدغم فهي لغة لأهل الحجاز وهي عربية جائزة وهي مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائزة وليس ككثرتها مع الراء وإنّما جاز الإدغام ؛ لأن آخر مخرج اللام قريب من مخرجها وهي حروف طرف اللسان وهي مع الظاء والثاء والذال جائزة وليس كحسنه مع هؤلاء وإنّما جاز الإدغام لأنّهنّ مع الثنايا وهنّ من حروف طرف

ص: 499

اللسان كما أنهن منه واللام مع الضاد والشين أضعف ؛ لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان والشين من وسطه.

قال طريف بن تميم العنبري :

تقول إذا استهلكت مالا للذّة

فكيهة هشّيء بكفيك لائق

يريد : (هل شيء) فأدغم اللام في الشين.

وقرأ أبو عمرو : هثّوب الكفّار فأدغم اللام في الثاء وقرىء : (بتؤثرون الحياة الدنيا) (1) [الأعلى : 16] فأدغم اللام في التاء.

قال سيبويه : وإدغام اللام في النون أقبح من جميع هذه الحروف لأنّها تدغم في اللّام كما تدغم في الياء والواو والراّء والميم فلم يجسروا أن يخرجوها من هذه الحروف التي شاركتها في إدغام النّون وصارت كأحدها في ذلك.

ص: 500


1- هذه القراءة للسوسي عن أبي عمرو بإدغام اللام في التاء ، والنطق بها مشددة.
الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا
الدال مع الطاء

اضبطّلامه يريد : اضبط دلامه تدغم وتدع الإطباق على حاله فلا تذهبه ؛ لأن الدّال ليس فيها إطباق وبعض العرب يذهب الإطباق حتى يجعلها كالدّال سواء والدال في الظاء ، وذلك قولك : أفقد ظالما.

الطاء مع التاء

تدغم وتدع الإطباق بحاله وذهاب الإطباق مع الدال أمثل ؛ لأن الدال مجهورة والتاء مهموسة وكلّ عربيّ وذلك : أنفتّوأما تدغم وكذلك التاء في الطاء ، وذلك قولك : انعطّالبا وهذا لا يجحف فيه بالإطباق.

التاء مع الدّال

كلّ واحدة منهما تدغم في صاحبتها إلّا أنّ إدغام التاء في الدال أحسن ؛ لأن الدّال مجهورة والأحسن إدغام الناقص في الزائد ، وذلك قولك : انعدّلاما وانقتّلك فتدغم ولو بينت فقلت :اضبط دلاما واضبط تلك وانعت دلاما لجاز وهو يثقل الكلام به.

ص: 501

باب الصاد والزاي والسين
اشارة

الصاد مع السين : (افحسّالما) تدغم فتصير سينا وتدع الإطباق لأنّها مهموسة مثلها ، وإن شئت أذهبته وإذهاب الإطباق مع السين أمثل من إذهاب الإطباق إذا أدغمت الطاء وتدغم السين في الصاد ، وذلك احبصّابرا.

الزاي مع الصاد

وتدغم الزاي في الصاد وذلك : أو جصّابرا.

الزاي والسين

احبزّردة تدغم وكذلك الزاي في السين ورسّلمة تدغم.

باب الظاء والذال والثاء
الظاء مع الذال

احفذّلك تدغم وتدع الإطباق ، وإن شئت أذهبته لأنّها مجهورة مثلها وتدغم الذّال في الظاء نحو : خظّالما.

الثاء مع الظاء

ابعظّالما تدغم.

الذّال مع الثاء

تدغم كلّ واحدة منهما في صاحبتها وذلك : خثّابتا وابعذّلك والبيان فيهنّ أمثل منه في الصاد والسين والزاي.

إدغام مخرج في مخرج يقاربه

الطاء والدال والتاء يدغمن كلهنّ في الصاد والزاي والسّين لقرب المخرجين وذلك : ذهبسّلمى وقسّمعت فتدغم واضبزّردة فتدغم وانعصّابرا.

وقرأ بعضهم : (لا يسّمّعون). يريد : (لا يتسمّعون) والبيان عربيّ حسن.

ص: 502

وكذلك : الظاء والذال والثاء تدغم في الصاد وأختيها ، وذلك قولك : ابعسّلمة واحفسّلمة وخصّابرا واحفزّردة سمعناهم يقولون : مزّمان فيدغمون الذّال في الزاي ومسّاعة فيدغمونها في السين والبيان فيها أمثل منه في الظاء وأختيها.

والظاء والثاء والذال أخوات.

الطاء والتاء والدال لا يمتنع بعضهنّ من بعض في الإدغام ، وذلك أهبظّالما وابعذّلك وانعثّابتا واحفطّالبا وخدّاود وابعتّلك وحجته قولهم : ثلاث دراهم تدغم الثاء في التاء التي هي بدل من الهاء التي في الدارهم وقالوا : حدّتّهم فجعلوها تاء والبيان فيه جيد فأمّا الصاد والسين والزاي فلا تدغمهن في هذه الحروف لأنّهن حروف الصفير وهنّ أندى في السمع فامتنعت كما امتنعت الراء أن تدغم في اللام وتدغم الطاء والدال والتاء في الضاد ، وذلك اضبضّرمة وانقضّرمة وانعضّرمة.

قال سيبويه : وسمعنا من يوثق بعربيته قال : ثار فضجّضّجّة ركائبه فأدغم التاء في الضاد.

والظاء والثاء والذال يدغمن في الضاد وذلك : احفضّرمة وخضّرمة وابعضّرمة ولا تدغم الضاد في الصاد والسين والزاي لإستطالة الضّاد كما امتنعت الشين وهي قريبة منها ولا تدغم الصاد وأختاها في الضاد فالضاد لا تدغم فيما تدغم فيها والبيان عربيّ جيّد وتدغم الطاء والتاء والدال في الشين لإستطالتها حين اتصلت بمخرجها وذلك : اضبشّبثا وانقشّبتا والإدغام في الضاد أقوى وتدغم الظاء والذال والثاء في الشين لأنّهم أنزلوها منزلة الضاد ، وذلك قولك :احفشّنباء وابعشّنباء وخشّنباء والبيان عربيّ جيّد وهو أجود منه في الضاد.

واعلم أنّ جميع ما أدغمته وهو ساكن يجوز لك فيه الإدغام إذا كان متحركا كما تفعل ذلك في المثلين وحاله فيما يحسن فيه ويقبح الإدغام وما يكون فيه حسن وما كان خفيا وهو بزنته متحركا قبل أن يخفى كحال المثلين ، وإذا كانت هذه الحروف المتقاربة في حرف واحد ولم يكن الحرفان منفصلين ازداد ثقلا واعتلالا كما كان المثلان إذا لم يكونا منفصلين أثقل ؛ لأن الحرف لا يفارقه ما يستثقلون فمن ذلك قولهم في (مثترد) : مثّرد وقد ذكر باب (افتعلّ) في التصريف وما يدغم منه وما يبدل ولا يدغم.

ص: 503

ذكر ما امتنع من الحروف المتقاربة

وهي تجيء على ضربين : منها ما يدغم في مقاربه ولا يدغم مقاربه فيه ومنها ما لا يدغم في مقاربه ويدغم مقاربه فيه.

فالحروف التي تدغم فيما قاربها ولا يدغم فيها مقاربها : الهمزة والألف والواو لا تدغم ، وإن كان قبلها فتحة في شيء من المقاربة وكذلك الواو لو كانت مع هذه الياء التي ما قبلها مفتوح ما هو مثلها سواء لأدغمتها ولم تستطع إلّا ذلك ، وإذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام.

الحروف التي لا تدغم في المقاربة

فيها : الميم والراء والفاء والشين.

فالميم لا تدغم في الباء لأنّهم يقلبون النون ميما في قولهم : العنبر ومن بك ، وأما إدغام الباء في الميم فنحو : اصحمّطرا تريد : اصحب مطرا.

والفاء لا تدغم في الباء والباء تدغم فيها وذلك : اذهفّي ذلك.

والرّاء لا تدغم في اللام ولا في النون لأنّها مكررة وتدغم اللام والنون في الراء.

والشّين لا تدغم في الجيم وتدغم الجيم فيها.

وجملة هذا أنّ حقّ الناقص أن يدغم في الزّائد وحقّ الزائد أن لا يدغم في الناقص وأصل الإدغام في حروف الفم واللسان وحروف الحلق وحروف الشّفة أبعد من الإدغام فما أدغم من الجميع فلمقاربة حروف الفم واللسان.

هذا باب الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه

والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه فأمّا الذي يضارع به الحرف الذي من مخرجه فالصاد الساكنة إذا كان بعدها الدال نحو : مصدر وأصدر والتقدير فما لم يمكن أن يعلّ ضارعوا بها أشبه الحروف بالدال من موضعه وهي الزاي.

ص: 504

قال سيبويه : وسمعنا الفصحاء يجعلونها زايا خالصة ، وذلك قولك في التّصدير : التّزدير وفي الفصد : الفزد وفي أصدرت : أزدرت ولم يجسروا على إبدال الدال لأنّها ليست بزائدة كالتاء في (افتعل) ، فإن تحركت الصاد لم تبدل ؛ لأنه قد وقع بينهما شيء ولكنّهم قد يضارعون بها نحو صاد (صدقت) والبيان أحسن فربّما ضارعوا بها وهي بعيدة نحو : مصادر والصّراط ؛ لأن الطاء كالدال والمضارعة هنا ، وإن بعدت كما قالوا : صويق ومصاليق ، فأبدلوا السين صادا ، والبيان هنا أحسن.

فإن كان موضع الصاد سينا ساكنة أبدلت فقلت في التّسدير : التّزدير وفي يسدل ثوبه :يزدل ثوبه ؛ لأنه ليس فيها إطباق يذهب والبيان فيها أحسن ، وأما الحرف الذي ليس من موضعه فالشين ، وذلك أشدق فتضارع بها الزاي والبيان أكثر وهذا عربيّ كثير والجيم أيضا يقولون في (الأجدر) أشدر ولا يجوز أن يجعلها زايا خالصة ولا الشين لأنّهما ليستا من مخرجهما وقد قالوا : اجدمعوا في اجتمعوا واجدرؤوا يريدون : اجترؤوا.

هذا باب ما يقلب فيه السين صادا في بعض اللغات

تقلبها القاف إذا كانت بعدها في كلمة واحدة نحو صقت وصبقت والصّملق ولم يبالوا ما بين السين والقاف من الحواجز وكذلك الغين والخاء يقولون (صالغ) في (سالغ) وصلخ في (سلخ) ، فإن قلت : زقا وزلق لم تغيرها لأنّها حرف مجهور وإنّما يقول : هذا من العرب بنو العنبر وقالوا : صاطع في (ساطع) ولا يجوز في ذقتها أن تجعل الذال ظاء ، وأما الثاء والتاء فليس يكون في موضعهما هذا.

هذا باب ما كان شاذا : ممّا خفّفوا على ألسنتهم وليس بمطرد

فمن ذلك (ستّ) وأصلها (سدس) أبدل من السين تاء ثمّ أدغم ومن ذلك قولهم : ودّ إنما أصله : وتد وهي الحجازية الجيدة ولكنّ بني تميم أسكنوا التاء فأدغموا ولم يكن مطردا لما ذكرت من الإلتباس حتّى تجشموا : وطدا ووتدا وكان الأجود عندهم : تدة وطدة وممّا بينوا فيه (عتدان) وقد قالوا : (عدّان) شبهوه (بودّ) وقلما تقع التاء في كلامهم ساكنة في كلمة قبل الدال.

ص: 505

ومن الشاذّ : أحست ومست وظلت فحذفوا كما حذفوا التاء من قولهم : يستطيع استثقلوا التاء مع الطاء وكرهوا أن يدغموا التاء في الطاء فتحرك السين وهي لا تحرك أبدا ومن قال :يسطيع فإنّما زاد السين على (أطاع يطيع).

ومن الشاذّ : قولهم : تقيت يتقى ويتسع حذفوا الفاء ، لأنّ التاء تبقى متحركة ومن قال تتقى يقدر أنّه مخفف من اتّقى ومن قال : تقى مثل ترى يبدل التاء من الواو وقال بعض العرب : استخذ فلان أرضا يريد : اتّخذ أبدلوا السين مكان التاء كما أبدلت التاء مكانها في (ستّ) ومثل ذلك قول بعض العرب : اطّجع في اضطجع كراهية التقاء المطبقين فأبدل مكانها أقرب الحروف منها وفي (استتخذ) قول آخر أن يكون (استفعل) فحذف التاء للتضعيف من (استتخذ) كما حذفوا (لام) ظلت.

وقال بعضهم : (يستيع) في يستطيع ، فإن شئت قلت : حذف الطاء كما حذف لام (ظلت) وتركوا الزيادة كما تركوا في (تقيت) ، وإن شئت قلت : أبدلوا التاء مكان الطاء ليكون ما بعد السين مهموسا مثلها كما قالوا : ازدان ليكون ما بعده مجهورا فأبدلوا من موضعها أشبه الحروف بالسين فأبدلوها مكانها كما تبدل هي مكانها في الإطباق.

ومن الشاذّ قولهم في بني العنبر وبني الحارث : بلحرث وبلعنبر فحذفت النون وكذلك يفعلون بكلّ قبيلة تظهر فيها لام المعرفة فإذا لم تظهر اللام فلا يكون ذلك لأنّها لمّا كانت ممّا كثر في كلامهم وكانت اللام والنون قريبتي المخارج حذفوها وشبهوها (بمست) لأنّهما حرفان متقاربان ولم يصلوا إلى الإدغام كما لم يصلوا في (مسست) لسكون اللام وهذا أبعد ؛ لأنه اجتمع فيه أنّه منفصل وأنّه ساكن لا يتصرف تصرف الفعل حين تدركه الحركة ومثل هذا قول بعضهم : علماء بنو فلان فحذفوا اللام وهو يريد : على الماء بنو فلان وهي عربية.

ص: 506

باب ضرورة الشّاعر

اشارة

ضرورة الشاعر : أن يضطرّ الوزن إلى حذف أو زيادة أو تقديم أو تأخير في غير موضعه وأبدال حرف أو تغيير إعراب عن وجهه على التأويل أو تأنيث مذكر على التأويل وليس للشاعر أن يحذف ما اتفق له ولا أن يزيد ما شاء بل لذلك أصول يعمل عليها فمنها ما يحسن أن يستعمل ويقاس عليه ومنها ما جاء كالشاذّ ولكنّ الشاعر إذا فعل ذلك فلا بدّ من أن يكون قد ضارع شيئا بشيء ولكنّ التشبيه يختلف فمنه قريب ومنه بعيد.

ذكر الذي يحسن من ذلك ويقاس عليه

اشارة

اعلم أنّ أحسن ذلك ما ردّ فيه الكلام إلى أصله وهو في جميع ذلك لا يخلو من زيادة أو حذف فالزيادة صرف ما لا ينصرف وإظهار التضعيف وتصحيح المعتلّ ويتبعه في الحسن تحريك الساكن في القافية بحركة ما قبله ، فإن كان في حشو البيت فهو عندي أبعد وقطع ألف الوصل في أنصاف البيوت.

وأمّا الحذف : فقصر الممدود وتخفيف المشدد في القوافي فأمّا ما لا يجوز للشاعر في ضرورته فلا يجوز له أن يلحن لتسوية قافية ولا لإقامة وزن بأن يحرك مجزوما أو يسكن معربا وليس له أن يخرج شيئا عن لفظه إلّا أن يكون يخرجه إلى أصل قد كان له فيرده إليه ؛ لأنه كان حقيقته وإنّما أخرجه عن قياس لزمه أو اطراد استمرّ به أو استخفاف لعلّة واقعة.

الأول من الضرب الأول

وهو صرف ما لا ينصرف للشاعر أن يصرف في الشّعر جميع ما لا ينصرف ، وذلك أنّ أصل الأسماء كلّها الصرف ، وذلك قولهم في الشعر : مررت بأحمر ورأيت أحمرا ومررت بمساجد يا فتى كما قال النابغة :

فلتاتينك قصائد وليركبن

جيش إليك قوادم الأكوار (1)

ص: 507


1- الأكوار : جمع كور بالضم وهو رحل الناقة بأداته وهو كالسّرج وآلته للفرس. وقد تكرر في الحديث مفردا ومجموعا وكثير من الناس يفتح الكاف وهو خطأ ، وفي حديث علي ليس فيما تخرج أكوار النّحل صدقة - واحدها كور بالض وهو بيت النّحل والزّنابير والكوار والكوارة شيء يتّخذ من القضبان للنّحل يعسّل فيه أراد أنه ليس في العسل صدقة [النهاية في غريب الحديث : 4 / 209].

فقال قوم : كلّ شيء مما لا ينصرف مصروف في الشعر إلّا أفعل (الذي معه من كذا نحو :هذا أفعل منك ورأيت أكرم منك وذهبوا إلى أنّ (منك) يقوم مقام المضاف إليه وهذا منهم خطأ وإنّما منع الصرف ؛ لأنه (أفعل) وتمّ (بمنك) نعتا فصار كأحمر ألا ترى أنّك تقول : مررت بخير منك وشرّ منك فمنك على حالها وصرفت خيرا وشرا) ؛ لأنه قد نقص عن وزن (أفعل) وقال قوم : يجوز في الشعر ترك صرف ما ينصرف.

قال محمد بن يزيد : وهذا خطأ عظيم ؛ لأنه ليس بأصل للأسماء أن لا تنصرف فتردّ ذلك إلى أصله قال : وممّا يحتجون به قول العباس بن مرداس :

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في مجمع

وإنّما الرواية الصحيحة (يفوقان شيخي في مجمع) ومن ذلك روايتهم في هذا البيت لذي الأصبع العدواني :

وممن ولدوا عامر

ذو الطّول وذو العرض

وإنّما عامر اسم قبيلة فيحتجون بقوله (وذو الطول) ولم يقل (ذات) فإنّما ردّه للضرورة إلى (الحيّ) كما قال :

قامت تبكيّه على قبره

من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدّار ذا غربة

قد ذلّ من ليس له ناصر

فإنّما أراد للضرورة إنسانا ذا غربة فهذا نظير ذلك وهذا الذي ذكر أبو العباس كما قال :إنّه القياس أن يردّ للضرورة الشيء إلى أصله ولكن لو صحت الرواية في ترك صرف ما ينصرف في الشعر لما كان حذف التنوين بأبعد من حذف الواو في قوله : فبنياه يشري رحله .. ؛

ص: 508

لأن التنوين زائد ولأنّه قد يحذف في الوقف والواو في (هو) غير زائدة فلا يجوز حذفها في الوقف كلاهما رديء حذفهما في القياس.

قال أبو العباس : فأمّا قول ابن الرقيات :

ومصعب حين جدّ

الأمر أكثرها وأطيبها

فزعم الأصمعي : أنّ ابن الرقيات ليس بحجة وأنّ الحضرية أفسدت عليه لغته قال : ومن روى هذا الشعر ممّن يفهم الإعراب ويتبع الصواب ينشد :

وأنتم حين جدّ الأمر

أكثرها وأطيبها

قال : ومن الشعراء الموثوق بهم في لغاتهم كثير ممّن قد أخطأ ؛ لأنه ، وإن كان فصيحا فقد يجوز عليه الوهل والزلل من ذلك قول ذي الرّمة :

وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم

وما بال تكليم الدّيار البلاقع

وهذا لا يعرف إلّا منونا في شيء من اللغات وقوله :

حتى إذا دومت في الأرض راجعه

كبر ولو شاء نجّى نفسه الهرب

إنّما يقال : دوّى في الأرض ودوّم في السّماء كما قال :

والشّمس حيرى لها في الجوّ تدويم

فأمّا ما يضطر إليه الشاعر ممن ينون الاسم المفرد في النداء فقد ذكرناه في النداء.

الثاني من الضرب الأول

وهو إظهار التضعيف وهو زيادة حركة إلّا أنّها حركة مقدرة في الأصل يجوز في الشعر ولا يجوز في غيره تضعيف المدغم فيقول في (ردّ) : ردد ؛ لأنه الأصل ويقول في (رادّ) : هذا رادد وفي (أصمّ) أصمم فاعلم.

قال معنب بن أم صاحب :

مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي

أني أجود لأقوام ، وإن ضننوا

يريد : ضنّوا وقال : آخر :

ص: 509

الحمد لله العليّ الأجلل

يريد : الأجلّ.

وقال أبو العباس في قولهم :

قد علمت ذاك بنات ألببه

يريد : بنات أعقل هذا الحي.

وقال : ولا أجيز هذا إلّا في الشعر كقولك : (ضننوا).

فأمّا في الكلام فلا يجوز إلّا بنات ألبّه.

الثالث من الضرب الأول

وهو تصحيح المعتلّ يجوز في الشعر ولا يصلح في الكلام تحريك الياءات المعتلة في الرفع والجرّ للضرورة نحو قولك في الشّعر : هذا قاضي ومررت بقاضي ؛ لأنه الأصل من ذلك قول ابن الرقيات :

لا بارك الله في الغواني هل

يصبحن إلّا لهنّ مطّلب

وقال جرير :

فيوما يجازين الهوى غير ماضي

ويوما ترى منهنّ غولا تغوّل

فهذه الياء حكمها على هذا الشرط أن تفتح في موضع الجرّ إذا وقعت في اسم لا ينصرف كما ترفع في موضع الرفع ، فإن اضطرّ شاعر إلى صرف ما لا ينصرف حرّكها في موضع الجر بالكسر ونوّنها كما يفعل في غير المعتلّ فأجراها في جميع الأشياء مجرى غير المعتلّ وكذلك حكمها في الأفعال أن ترفع في الياء والواو فتقول : زيد يرميك ويغزوك كما قال :

ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد

هذا جزمه من قوله : (هو يأتيك) ، وأما الأسماء فقوله :

قد عجبت مني ومن يعيليا

لمّا رأتني خلقا مقلوليا

ص: 510

ففتح (يعيلى) ؛ لأنه لا ينصرف ولم يلحقه التنوين ؛ لأنه جعله بمنزلة غير المعتلّ ومثل ذلك قوله :

أبيت على معاري فاخرات

بهنّ ملوّب كدم العباط

فهذا لو أسكن فقال : معار فاخرات لم ينكسر الشعر ولكن فرّ من الزحاف ومثل ذلك :

فلو كان عبد الله مولى هجوته

ولكنّ عبد الله مولى مواليا

وأمّا قول القائل (1) :

سماء الإله فوق سبع سمائيا

ففيه ثلاثة أشياء.

منها أنّه جمع (سماء) على (فعائل) كما تجمع سحابة على سحائب وكان حقّ ذلك أن يقول : سمايا فبلغ به الأصل فقال : سماء ثم فتح فجعله بمنزلة الصحيح فقال : سماي يا فتى في موضع الجرّ كما تقول سمعت برسائل يا فتى فردّ (سمايا) إلى الأصل من جهات ردّ الألف التي هي طرف (سمايا) إلى الياء فصارت (سماي) ثمّ ردّ الياء الأولى التي تلي الألف إلى الهمزة فصارت (سماي) ثمّ أعرب الياء إعراب الصحيح فلم يصرف والياء في مثل هذا الجمع يلحقها التنوين فيقول : هؤلاء جوار فاعلم ومررت بجوار فاعلم. ورأيت جواري يا هذا.

ص: 511


1- من مشطور الرجز ، قال أبو جعفر النحاس في" شرح شواهد س" ، نقلا عن الأخفش ، ومثله ابن جني في" شرح تصريف المازني" واللفظ له قال : " قد خرج هذا الشاعر عما عليه الاستعمال من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه جمع" سماء" على فعائل فشبهها بشمال وشمائل ، والجمع المعروف فيها إنما هو" سمي" على فعول ، ونظيره عناق وعنوق. ألا ترى أن سماء مؤنثة كما أن عناقا كذلك؟ والثاني : أنه أقر الهمزة العارضة في الجمع مع أن اللام معتلة ، وهذا غير معروف ، ألا ترى أن ما تعرض الهمزة في جمعه ولامه واو أو ياء أو همزة فالهمزة العارضة فيه مغيرة مبدلة نحو خطيئة وخطايا ، ومطية ومطايا ، ولم يقولوا : خطائي ولا مطائي!. والثالث : أنه أجري الياء في" سمائي" مجرى الباء في ضوارب ، ففتحها في موضع الجر ، والمعروف عندهم أن تقول : هؤلاء جوار ومررت بجوار ، فتحذف الياء وتدخل التنوين. وللنحويين في ذلك احتجاج لما يذهبون إليه من أن أصل مطايا مطائي ، ألا ترى أن الشاعر لما اضطر جاء به على أصله فقال : " سمائيا" كما أنه لما اضطر إلى إظهار أصل" ضن".
الرابع من الضرب الأول من الزيادة

وهو قطع ألف الوصل في أنصاف البيوت يجوز ابتداء الأنصاف بألف الوصل ؛ لأن التقدير الوقف على الأنصاف التي هي الصدور ثمّ تستأنف ما بعدها فمن ذلك قول لبيد :

ولا يبادر في الشّتاء وليدنا

ألقدر ينزلها بغير جعال

وقال :

أو مذهب جدد على ألواحه

ألنّاطق المزبور والمختوم

وقال :

لا نسب اليوم ولا خلّة

إتّسع الخرق على الراقع

ويقبح أن يقطع ألف الوصل في حشو البيت وربّما جاء في الشعر وهو رديء.

الضرب الثاني : ممّا يستحسن للشاعر إذا اضطر أن يحذفه
اشارة

الحذف نوعان

الأول : قصر الممدود

؛ لأن المدّ زيادة فإذا اضطر الشاعر فقصر فقد ردّ الكلام إلى أصله وليس له أن يمدّ المقصور كما لم يكن له أن لا يصرف ما ينصرف ؛ لأنه لو فعل ذلك لأخرج الأصل إلى الفرع والأصول ينبغي أن تكون أغلب من الفروع وهو في الشعر كثير ولكن لا يجوز أن يمدّ المقصور.

الثاني : تخفيف المشدد في القوافي

يجوز تخفيف كل مشدد في قافية ؛ لأن الذي بقي يدلّ على أنّه قد حذف منه مثله ؛ لأن المشدد حرفان وإنّما اقتطعته القافية ؛ لأن الوزن قد تمّ فمن ذلك قوله :

أصحوت اليوم أم شاقتك هر

ومثله :

حتّى إذا ما لم أجد غير الشّري

كنت امرأ من مالك بن جعفر

لا بدّ من تخفيف ياء الشرى ومثل هذا :

ص: 512

قتلت علباء وهند الجملي

وابنا لصوحان على دين علي

وقد ذكرنا في القوافي ما يجوز تحريك الساكن فيه للقافية فما يجوز في الشعر ولا يكون في غيره فمنه أن يكون الاسم على ثلاثة أحرف مسكن الأوسط فتحركة بالحركة التي للحرف الأول ، وذلك أن يكون على (فعل) أو (فعل) أو (فعل) فتحرك للضرورة.

قال زهير :

ثمّ استمرّوا وقالوا : إنّ مشربكم

ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك

وإنّما اسم الموضع (ركّ) ومثل ذلك قول رؤبة :

هاجك من أروى كمنهاض الفكك

وإنّما هو (الفكّ) يقال : فكّه يفكه فكّا وقال آخر :

يلعج الجلدا ...

يريد الجلد فحرك اللام لإتباع ما قبلها وقد فعل رؤبة ما هو أشدّ من هذا قال :

ولم يضعها بين فرك وعشق

يريد : عشق فكان حكم هذا في الضرورة أن يقول : عشق ولكنّه كره الجمع بين كسرتين ؛ لأن هذا عزيز في الأسماء.

فلو قال : (الجلد) كما قال رؤبة لكان حسنا كما يفعلون بالجمع بالتاء في غير الضرورة فيقولون في المضموم والمكسور : ظلمة وظلمات كسرة وكسرات ، وإن شاءوا فتحوا لتوالي الكسرات والضّمات.

ذكر ما جاء كالشاذّ الذي لا يقاس عليه

اشارة

وهو سبعة أنواع : زيادة وحذف ووضع الكلام غير موضعه وإبدال حرف مكان حرف وتغيير وجه الإعراب للقافية تشبيها بما يجوز وتأنيث المذكر على التأويل وهو زيادة إلّا أنّا أفردناها لمعناها.

ص: 513

الأول : الزيادة

فمن ذلك أن ينقص الوزن فيحتاج الشاعر إلى تمامه فيشبع الحركة حتى يصير حرفا ، وذلك نحو قوله (1) :

نفي الدراهيم تنقاد الصّياريف

وقال محمد بن يزيد : إنّما نظر إلى هذه الياءات التي تقع في هذا المكان في الجمع فإذا هي تقع لعلل إمّا أن تكون كانت في الواحد فرجعت في الجمع نحو : مصباح ومصابيح وقنديل وقناديل وجرموق وجراميق وإمّا وقعت لشيء حذفته من الاسم فجعلتها عوضا ، وذلك قولك في (منطلق) : مطالق حذفت النون لزيادتها شئت قلت (مطاليق) فجئت بالياء عوضا ، وذلك أنّ الكسرة تلزم هذا الموضع فوضعت العوض من جنس الحركة اللازمة فلمّا اضطرّ أدخل هذه الياء تابعة للحركة ، وإن لم تكن للواحد وجعل الصورة بمنزلة ما عوض للكسرة منه وقد كان يستعمل هذا في الكلام تشبيعا للكسرة في غير موضع العوض ولا الضرورة ، وذلك قولك : دانق ثمّ تقول : دوانيق وتقول في جمع (خاتم) : خواتيم.

الثاني : إجراؤهم الوصل كالوقف

من ذلك قولهم في الشعر للضرورة في نصب (سبسب وكلكل) : رأيت سبسبّا وكلكلا ولا يجوز مثل هذا في الكلام إلّا أن يقول : رأيت سبسبّا وكلكلا وإنّما جاز هذا في الضرورة لأنّك كنت تقول في الوقف في الرفع والجرّ : هذا سبسبّ ومررت بسبسبّ فتثقل لتدلّ على أنّه متحرك الآخر في الوصل لأنّك إذا ثقّلت لم يجز أن يكون الحرف الآخر إلّا متحركا ؛ لأنه لا يلتقي ساكنان قلّما اضطر إليه في الوصل أجراه على حاله في الوقف وكذلك فعل به في القوافي المجرورة والمرفوعة في الوصل فمن ذلك قوله :

إن تنجلي يا جمل أو تعتلّي

أو تصبحي في الظّاعن المولى

ثمّ قال :

ببازل وجناء أو عيهلّ

ص: 514


1- البيت للفرزدق في وصف الناقة.

فثّقل وقال :

كأنّ مهواها على الكلكلّ

موضع كفّيّ راهب يصلّي

وقال في النصب :

ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا

فهذا أجراه في الوصل على حده في الوقف.

الثالث منها : ومن ذلك إدخال النون الخفيفة والثقيلة في الواجب نحو قوله (1) :

ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

وهذا قديم يقوله جذيمة الأبرش.

الرابع منها : ومن ذلك إثبات الألف في (أنا) في الوصل وإنّما يثبت في الوقف روى الأعشى :

فكيف أنا وانتحالي القوافي

بعد المشيب كفى ذاك عارا

فأثبت الألف ووصل واحتجّ النحويون بأنّ الألف منقلبة من ياء أو واو فردوا ما ذهب من الاسم.

ص: 515


1- البيت لجذيمة الأبرش : وهو جذيمة الملك بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب. أحد الشعراء المعمرين في الجاهلية ، وكان أعز من سبقه من ملوك دولة تنوخ ، وهو أول من غزا بالجيوش المنظمة ، وأول من عملت له المجانيق في الحرب من ملوك العرب. طمع إلى امتلاك الشام وأرض الجزيرة فغزاها وقتل ملكها أبا الزباء عمرو بن الظرب إلا أن إبنته الزباء استطاعت الثأر لأبيها وقتلت جذيمة في قصة مشهورة. وهو ملك من ملوك الخيرة القدماء ، وشاعر من الشعراء الأوائل عند ابن سلّام الجمعي ، وأغلب الظن أنه عاش في القرن الثالث الميلادي. وهو من ملوك الطوائف ، وله سيرة منثورة في الكتاب وقد حكم مدة طويلة ويقال له أنه تزوج عيس أخت مالك بن زهير.

قال أبو العباس : هذا لا يصلح ؛ لأنه لو كان كما يقولون لم تقلب الياء والواو ألفا لأنّهما لا يكونان إلّا ساكنين ؛ لأن هذا اسم مضمر مبنيّ فلا سبيل إلى القلب فمن هاهنا فسد ولهذا كانت الألف في جميع الحروف التي جاءت لمعنى أصلا لأنّها غير منقلبة ؛ لأن الحروف لا حقّ لها في الحركة وإنّما هي مسكنة فلا تكون ألفاتها منقلبة وذلك : حتى ، وأما وإلا وما أشبهها هذه ألفاتها من الأصل غير منقلبة والاسم والفعل الألف فيهما لا تكون أصلا.

قال أبو العباس : ورواية البيت :

فكيف يكون انتحالي القوافي

بعد المشيب ...

الثاني : الحذف
الأول منه : حذف التنوين لالتقاء الساكنين

نحو قوله :

فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلّا قليلا

وأقبح منه حذف النون. قال الشاعر :

فست بآتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

الثاني منه : أن تحذف للإضافة والألف واللام ما كنت تحذفه للتنوين

لأن هذه الأشياء تتعاقب. قال الشاعر :

كنواح ريش حمامة نجديّة

ومسحت باللّثتين عصف الإثمد

فحذف الياء من (نواحي) لمّا أضافها إلى (ريش) كما كان يحذفها مع التنوين ، وأما حذفها مع الألف فنحو قوله :

وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه

ويصرن أعداء بعيد وداد

الثالث منه : ما رخّم في غير نداء

قال زهير :

خذوا حظّكم يا آل عكرم واذكروا

أواصركم والرّحم بالغيب تذكر

يريد : عكرمة. وقال :

ص: 516

إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته

أو أمتدحه ، فإن الناس قد علموا

يريد : ابن حارثة وهذا كثير. وقال في قوله :

قواطنا مكّة من ورق الحمي

إنه حذف الميم التي هي لام الفعل وقلب ألف الحمام ياء وأحسن ما قيل فيه إنّ الشاعر لمّا اضطرّ حذف الألف من الحمام لأنّها مدة كما تحذفها من سائر المدود فصار الحمم فلزمه التضعيف فأبدل من إحدى الميمين ياء كما فعلوا في (تظنيت).

الرابع منه : أن تحذف من المكني في الوصل

كما كنت تحذفه في الوقف إلّا أنه تبقى الحركة دالة على المحذوف فمن ذلك قوله :

فإن يك غثّا أو سمينا فإنني

سأجعل عينيه لنفسه مقنعا

وقال :

وما له من مجد تليد ولا له

من الريح فضل لا الجنوب ولا الصّبا

فالواو والياء في هذا زوائد في الوصل فحذفها لمّا احتاج وأبعد من هذا قوله :

فبيناه يشري رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب

فإنّ هذا حذف الواو من هو والمنفصل كالظاهر تقف على الواو ولا يجوز حذفها فيبقى الاسم على حرف وهو اسم يجوز الابتداء به ولا كلام قبله ومثله :

دار لسعدى اذه من هواكا

وقد جاء في الشعر حذف الياء والواو الزائدة في الوصل مع الحركة كما هي في الوقف سواء قال رجل من أزد السراة :

فظلت لدى البيت العتيق أخليه

ومطواي مشتاقان له أرقان

الخامس منه : حذف الفاء من جواب الجزاء

وذلك قول ذي الرمة :

وإنّي متى أشرف على الجانب الذي

به أنت من بين الجوانب ناظر

ص: 517

هو عند سيبويه على تقديم الخبر ناظر متى أشرف.

وأجاز أيضا أن يكون على إضمار الفاء والذي عند أبي العباس وعندي فيه وفي مثاله أنّه على إضمار الفاء لا غير ؛ لأن الجواب في موضعه فلا يجوز أن تنوي به غير موضعه إذ وجد له تأويل ومثله :

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

فهذا على ما ذكرت لك وكذلك قوله :

فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها

مطبّعة من يأتها لا يضيرها

أراد : لا يضيرها من يأتها وإنّك تصرع إن يصرع أخوك عند سيبويه وهو عندنا على إضمار الفاء.

فأمّا قوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشرّ بالشّرّ عند الله مثلان

فإنّه على إضمار الفاء في كلّ قول.

السادس منه : ما حذف منه المنعوت وذكر النعت

اعلم أنّ إقامة النعت مقام المنعوت في الكلام قبيح إلّا أن يكون نعتا خاصا يخصّ نوعا من الأنواع كالعاقل الذي لا يكون إلا في الناس والكاتب وما أشبه ذلك ممّا تقع به الفائدة ويزول اللبس فإذا اضطر الشاعر فله أن يقيم الصفة مقام الموصوف و (الذي) وضعت ليوصف بها مع صلتها فمن قبيح ما جاء في ضرورة الشّاعر قوله :

من أجلك يالتي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالودّ عني

فأدخل (يا) على (التي) وحرف النداء لا يدخل على ما فيه الألف واللام إلا في اسم الله عز وجلّ وقد مضى ذكر ذا فشبه الشاعر الألف واللام في (التي) باللام التي في قولك (الله عز وجلّ) إذ كانتا غير مفارقتين للإسمين.

الثالث : مما جاء كالشاذّ وهو وضع الكلام في غير موضعه وتغيير نضده

ص: 518

أحسن ذلك قلب الكلام إذا لم يشكل فمن ذلك قوله (1) :

ترى الثور فيها مدخل الظّلّ رأسه

وسائره باد إلى الشمس أجمع

فالمعنى : مدخل رأسه الظلّ ولكن جعل الظلّ مفعولا على السعة وأضاف إليه والنحويون يجيزون مثل هذا في غير ضرورة فيقولون :

يا سارق الليلة أهل الدار

فأمّا الذي يبعد فنحو قوله :

مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر

فجعل (هجر) في اللفظ هي التي تبلغ السوآت ؛ لأن هذا لا يشكل ولا يحيل والفرق بين هذا وبين البيت الذي قبله أنّ ذاك قدّم فيه المفعول الثاني على المفعول الأول وهو غير ملبس فحسن ؛ لأنه يجوز أن تضيف (مدخل) إلى (رأسه) ولا تذكر (الظلّ) وتضيفه إلى (الظلّ) ولا تذكر (رأسه) وهذا خلاف ذلك لأنك جعلت الفاعل فيه مفعولا والمفعول فاعلا وينشدون في مثله :

وتشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر

وإنّما يشقى الرجال وقد يحتمل المعنى غير ما قالوا (قد شقى الخزّ بفلان) إذ لم تجعله أهلا له فهذا على السعة والتمثيل يكون المعنى : قد شقي الرمح بأبدان هؤلاء وكقولهم : أتعبت سيفي في رقاب القوم إني فعلت به ما إذا فعل بمن يجوز عليه التّعب تعب.

فأمّا قول الله عز وجلّ : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : 76] فقد احتمله قوم على مثل هذا وقالوا : إنّما العصبة تنوء بالمفاتيح وتحملها في ثقل.

قال أبو العباس : وليس هكذا التقدير إنّما التقدير : لتنوء بالعصبة : أي : تجعل العصبة مثقلة كقولك : انزل بنا أي : اجعلنا ننزل معك وكقولك : ارحل بنا يا فلان أي : اجعلنا نرحل معك ومثله قول ابن الخطيم :

ص: 519


1- البيت من البحر الطويل ، أضاف فيه الشاعر مدخل إلى الظل ، وكان الوجه أن يضيف مدخل إلى الرأس.

ديار التي كادت ونحن على منى

تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب

أي : تجعلنا نحلّ لا أنّها هي تنتقل إلينا ومن هذا الباب قول الشاعر :

صددت فأطولت الصّدود وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم

والكلام : قلّ ما يدوم وصال وليس يجوز أن يرفع (وصال) بيدوم وقد أخّره ولكن يجوز هذا عندي على إضمار (يكون) كأنه قال : قلّ ما يكون وصال يدوم على طول الصدود وحقّ (ما) إذا دخلت كافة في مثل هذا الموضع فإنّما تدخل ليقع الفعل بعدها وكذلك يكون مع الحرف نحو : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(1) [الحجر : 2] وإنّما يقوم زيد وما أشبه ذلك مما لا يجوز أن يليه الفعل فإذا كفّ (بما) وبني معها وليه الفعل ومن هذا الباب قول الفرزدق :

وما مثله في النّاس إلا مملكا

أبو أمه حيّ أبوه يقاربه

يريد : ما مثله في الناس حيّ يقاربه إلّا مملك أبو أم ذلك المملك أبوه ولكن نصب مملكا حيث قدّم الاستثناء ومن هذا فصلهم بالظرف بين المضاف والمضاف إليه نحو قوله :

كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهوديّ يقارب أو يزيل

وكقول الآخر : لله درّ اليوم من لامها.

الرابع : هو إبدال حرف اللين من حرف صحيح

اعلم أنّ الشاعر يضطر فيبدل حروف اللين من غيرها كما قال :

لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالي ووخز من أرانيها

يريد (الثعالب وأرانبها) فكان الشعر ينكسر لو ذكر (الباء) في الثعالب وتفسد القافية ؛ لأن رويه الياء فابدل الباء ؛ لأن الحركة لا تدخلها فينكسر الوزن فكذلك أبدل ياء في (الحمي) وهو يريد (الحمام) ومن قبيح ما جاء في الضرورة عند النحويين.

ص: 520


1- نافع وعاصم : (ربما) مخفّفا. وقرأ الباقون مشدّدا ، وهما لغتان فصيحتان غير أنّ الإختيار التّشديد ، لأنّه الأصل ، ولو صغّرت لقلت : ربيب ، ومن خفّف أسقط باء تخفيفا [إعراب القراءات السبع : 1 / 340].

قال أبو بكر : وهو عندي لا يجوز البتة بوجه من الوجوه شعر ينشدونه يجعلون فيه الألف التي هي بدل من التنوين بمنزلة هاء التأنيث فيظهرون الياء قبلها كما يقولون : شقاية وشقاوة ، وذلك قوله :

إذا ما المرء صمّ فلم يكلّم

وأعيا سمعه إلا ندايا

ولاعب بالعشي بني بنيه

كفعل الهرّ يلتمس العظايا

يلاعبهم وودوا لو سقوه

من الذّيفان مترعة إنايا

فأبعده الإله ولا يؤتى

ولا يعطّى من المرض الشّفايا

قال أبو العباس : فمن أجاز هذا فلا ضرورة له في إجازته إلّا الرواية وهو أحقّ كلام بالرفع وأولى قول بالردّ وإنّما حقّ هذا الشعر أن يكون مهموزا فيقول : ولا يعطّى من المرض الشّفاء وكذلك العظاء وأعيا سمعه إلا النداء ومن ذلك إبدال الهمزة في الموضع الذي لا يقوم فيه الشعر بتحقيقه ولا تخفيفه ، فإن كان مفتوحا جعل ألفا ، وإن كان مكسورا جعل ياء ، وإن كان مضموما جعل واوا نحو قول الفرزدق :

راحت بمسلمة البغال عشيّة

فأرعى فزارة لا هناك المرتع

وقال حسان بن ثابت :

سالت هذين رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب

وقال زيد بن عمرو بن نفيل :

سالتاني الطّلاق إن رأتاني

قلّ مالي قد جئتماني بنكر

فهذان ليس من لغتهما (سلت أسأل وسلت أسال) لغة من غير هذا الأصل (كخفت أخاف) في التقدير والوزن ليس من أصل الهمزة ويقول : هم يتساولان كقولك : يتقاولان ومن الهمزة المبدلة للضرورة :

لا يرهب ابن العمّ متى صولتي

ولا أختتي من صولة المتهدّد

وإنّما يقال : (اختتأت) إذا استترت من خضوع وفرق.

ص: 521

الخامس : تغير وجه الإعراب للقافية

من ذلك إدخال الفاء في جواب الواجب ونصب ما بعدها وهذا لا يجوز في الكلام وإنّما ينصب ما بعدها إذا كان مخالفا لما قبلها ، وذلك إذا كانت جوابا لأمر أو نهي أو تمنّ أو استفهام أو نفي قال الشاعر :

سأترك منزلي لبني تميم

فألحق بالحجاز فاستريحا

وقال طرفة :

لنا هضبة لا يدخل الذّلّ وسطها

ويأوي إليها المستجيز فيعصما

وإنّما كان النصب فيما خالف الأول على إضمار (أن) إذا قال : ما تأتني فتكرمني كأنّه قال : ما يكون منك إتيان فأن تكرمني فإذا قال : أنت تأتيني فتكرمني فهو كقولك : أنت تأتيني وأنت تكرمني فإذا نصب للضرورة كان التقدير : أنت يكون منك إتيان فأن تكرمني ومن الضرورات وهو من أحسنها في هذا الباب.

وقال أبو العباس : لو تكلم بها في غير شعر لجاز ذلك قوله :

قد سالم الحيات منه القدما

الأفعوان والشّجاع الشّجعما

وذات قرنين ضموزا ضرزما

لأنه حين قال : (سالم الحيات منه القدما) علم أنّ القدم مسالمة كما أنّها مسالمة فنصب الأفعوان بأنّ القدم سالمتها لأنك إذا قلت : سالمت زيدا وضاربت عمرا فقد كان منك مثل ما كان إليك فإنّما صلح هذا لإستغناء الكلام الأول فحملت ما بعده بعد اكتفاء الكلام على ما لا ينقض معناه وقد قرأ بعض القراء : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(1) [الأنعام : 137] لمّا استغنى الكلام بقوله : قتل أولادهم حمل الثاني على المعنى

ص: 522


1- قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ). فالأولاد في موضع نصب ، وشركاؤهم : يرتفعون بفعلهم ، وفعلهم التّزيين ، والتّقدير : وكذلك زيّن شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم فهذه قراءة النّاس كلّهم إلّا أهل الشّام فإنّهم قرءوا : (وكذلك زيّن) بضمّ الزّاي (قتل) بالرّفع (أولادهم) بالنّصب (شركائهم) بالخفض على تقدير : قتل شركائهم أولادهم ، ففرّقوا بين المضاف والمضاف إليه ، كما قال الشّاعر : فزججتها متمكّنا زجّ القلوص أبي مزاده أراد : زجّ أبي مزادة القلوص [إعراب القراءات السبع : 1 / 172].

أي : (زينه شركاؤهم) فعلى هذا تقول : ضرب زيد عبد الله لأنك لمّا قلت : ضرب زيد علم أنّ له ضاربا فكأنك قلت : ضربه عبد الله. وعلى هذا ينشد :

ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومن هذا الباب قول القطامي :

فكرت تبتغيه فوافقته

على دمه ومصرعه السّباعا

لأنه لمّا قال : وافقته علم أنّها قد صادفت السباع معه فكأنّه قال : صادفت السباع على دمه ومصرعه ومثل ذلك :

وجدنا الصالحين لهم جزاء

وجنّات وعينا سلسبيلا

أي : وجدنا لهم عينا فلهذا باب في الضرورات غير ضيق وممّا يقرب من هذا الباب قوله :

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما

وإنّما الكلام : (جونا المصطليين) فرده إلى الأصل في المعنى لأنّك إذا قلت مررت برجل حسن الوجه فمعناه : حسن وجهه فإذا ثنيت قلت : برجلين حسن الوجوه ، فإن رددته إلى أصله قلت : برجلين حسن وجوههما فإذا قلت : وجوههما لم يكن في (حسن) ذكر ما قبله ، وإذا أتيت بالألف واللام وأضفت الصفة إليها كان في الصفة ذكر الموصوف فكان حقّ هذا الشاعر لما قال : مصطلاهما أن يوحد الصفة فيقول : جون مصطلاهما.

ص: 523

السابع : تأنيث المذكر على التأويل

من ذلك قول الشاعر :

فكان مجنّى دون من كنت أتقّي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

فإنّما أنّث الشخوص لقصده النساء فحمله على المعنى ثمّ أبان عن إرادته وكشف عن معناه بقوله : كاعبان ومعصر ونظير ذلك قوله :

وإنّ كلابا هذه عشر أبطن

وأنت بريء من قبائلها العشر

فقال : عشر أبطن يريد : قبائل وأبان في عجز البيت ما أراد فأمّا في النعوت ، فإن ذلك جيد بالغ تقول : عندي ثلاثة نسّابات وعلّامات لأنّك إنّما أردت عندي ثلاثة رجال ثم جئت بنسّابات نعتا لهم فهذا الكلام الصحيح وقد قرأت القراء : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : 160] ؛ لأن العدد وقع على حسنات أمثالها.

قال محمد بن يزيد : ومن الشيء الذي في الشعر فيكون جميلا ومجازه مجاز الضرورات عند النحويين وليس عنده كذلك قولهم في الكلام : ذهبت بعض أصابعه ؛ لأن بعض الأصابع إصبع فحمله على المعنى ، قال جرير :

لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

لأنّ السور من المدينة وقال أيضا :

رأت مرّ السّنين أخّذن منّي

كما أخذ السّرار من الهلال

فقال : أخذن فرده إلى السنين ولم يرده إلى مرّ ؛ لأنه لا معنى للسنين إلا مرها ومثله قول الأعشى :

وتشرق بالقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدر القناة من الدّم

لأنّ صدر القناة من القناة.

قال محمد بن يزيد : يردّ على من ادّعى أنّ هذا مجراه مجرى الضرورة القرآن أفصح اللغات وسيدها وما لا تعلق به ضرورة ولا يلحقه تجوز.

ص: 524

قال الله عز وجل : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : 4]. فخبّر عنهم وترك الأعناق.

وقال : قال أبو زيد : وقد قال غيره : الأعناق : الجماعات من ذلك قولك : جاءني عنق من الناس أي : جماعة كما قال القائل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :

أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا

أنّ العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا

قال : فهذا قول والأول هو الذي يعمل عليه.

قال أبو بكر : والذي عندي في ذلك أنّ الآية ليست نظيرة الأبيات التي ذكرت ؛ لأن تلك بني فيها اسم مؤنث على فعل مؤنث والآية قد جاءت باسم مذكر بعد مؤنث في اللفظ فرد (خاضعين) إلى أصحاب الأعناق ومن ذلك قول ذي الرمة :

مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النّواسم

ومن ذلك قول الراجز :

مرّ الليالي أسرعت في نقضي

أخذن بعضي وتركن بعضي

فقد ذكرت في كل حدّ من الحدود ما أجازته الضرور.

هذا آخر الأصول بحمد الله ومنته.

والحمد لله الواحد العدل ذي الجلال والمنة والفضل والصلوات على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين.

ص: 525

ص: 526

الفهرس

باب إعراب الأفعال وبنائها 5

الأفعال المجزومة : 16

باب إعراب الفعل المعتل اللام 23

مسائل من سائر أبواب إعراب الفعل 24

فصل يذكر فيه قلّ وأقلّ 27

فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي 30

فصل من مسائل الجواب بالفاء 39

فصل من مسائل المجازاة 47

باب الأفعال المبنية 58

ذكر النون الثقيلة 58

ذكر النون الخفيفة 61

مسائل من باب النون 63

باب الحروف التي جاءت للمعاني 65

باب (أم) و (أو) والفصل بينهما 71

باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف 74

باب ما جاء منها على أربعة حروف 74

باب ما جاء منها على حرف واحد 75

باب الحرف المبني مع حرف 75

باب التقديم والتأخير 77

ذكر ما يعرض من الإضمار والإظهار 95

ص: 527

الاتساع 101

ذكر الإخبار عن الذي 111

باب ما جاز أن يكون خبرا 116

باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام 141

ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون 142

باب ما ألف النحويون من (الذي) و (التي) 145

باب أخوات (الذي) 149

باب الاستفهام إذا أردت الإخبار عنه 153

باب من الألف واللام يكون فيه المجاز 154

باب مسائل من الألف واللام 155

ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم 182

باب ذكر الابتداء 187

ألف الوصل 187

ذكر الوقف على الاسم والفعل والحرف 191

الوقف على الفعل 199

الوقف على الحرف 202

باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإضمار : 202

الوقف على القوافي 203

باب (من) و (أي) إذا كنت مستفهما عن نكرة 210

باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام 213

ذكر الهمزة وتخفيفه 214

باب ذكر الهمزة المتحركة 217

ص: 528

باب الهمزتين إذا التقتا 218

باب المذكر والمؤنث 222

باب التأنيث بالألف 224

ذكر المقصور والممدود 229

ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية 231

باب جمع الاسم 233

باب جمع الرجال والنساء 233

ذكر العدد 236

باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه 237

ذكر جمع التكسير 240

باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع 247

باب ما يكون من بنات الثلاثة واحدا يقع على الجميع 250

باب ما جاء لفظ واحدة وجمعه سواء 252

باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث 252

باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع 254

باب المؤنث 256

باب ما كان من الأسماء على أربعة أحرف من غير زيادة 258

ذكر تكسير الصفة 260

باب تكسير ما كان في الصفات عدد حروفه أربعة أحرف بالزيادة 263

باب ما ألحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة من الصفات 267

باب تكسير ما جاء من الصفة على أكثر من أربعة أحرف 268

باب ما كان من الأسماء عدة حروفه خمسة وخامسه ألف التأنيث أو ألفا التأنيث 270

ص: 529

باب ما جمع على المعنى لا على اللفظ 270

باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله 271

باب ما هو اسم يقع على الجميع ولم يكسر عليه واحده وهو من لفظه 272

باب جمع الجمع 273

باب ما لفظ به مثنى كما لفظ بالجمع 274

باب ما كان من الأعجمية على أربعة أحرف وقد أعرب 274

باب التحقير 275

ذكر تحقير ما كانت الألف بدلا من عينه 277

الثالث من القسمة الأولى وهو الاسم المنقوص 288

الأبواب المنفردة تسعة : 291

ذكر النّسب 295

باب ما غير في النّسب وجاء على غير القياس الذي تقدم 306

هذا باب المصادر وأسماء الفاعلين 309

ذكر أبنية المتعدي من الثلاثي 310

ذكر ما جاء من المصادر والصفات والأفعال على بناء واحد لتقارب المعاني 313

هذا باب ما يختلط فيه (فعل يفعل) كثيرا وهو ما كان من الرفعة والضّعة : 318

باب : فعل يفعل من حروف الحلق 319

باب نظائر الثلاثي الصحيح من المعتل 322

باب ذكر المصادر التي تضارع الأسماء 324

باب ذكر الأفعال التي فيها زوائد من بنات الثلاثة ومصادرها 326

باب دخول (فعّلت) على (فعلت) لا يشركه في ذلك : (أفعلت) 330

باب دخول التاء على فعّل 331

ص: 530

باب افتراق فعلت وافعلت 331

باب مصادر ما لحقته هذه الزوائد 334

باب ما لحقته الهاء عوضا 335

باب ما جاء المصدر فيه من غير الفعل لأن المعنى واحد 336

هذا باب ما يكثر فيه المصدر من (فعلت) : 337

ذكر الفعل الرّباعي وهو القسم الثاني من أول قسمة 338

باب ما لا يجوز أن تعديه من الثلاثي والرباعي 338

هذا باب نظير (ضربته ضربة) من هذه الأبواب كلّ المصادر : 339

ذكر المشتقّ من ذوات الثلاثة على مثال المضارع مما أوله ميم 340

باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي فيه لامات 341

باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو فيه فاء 342

باب ما يكون (مفعلة) بالفتح والهاء لازمة له 342

باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة زيادة بزيادة أو غير 342

باب ما عالجت به 343

باب ما لا يجوز فيه (ما أفعله) 343

باب ما يستغنى فيه عن ما أفعلة بما أفعل فعله وعن أفعل منه بقولهم (أفعل منه فعلا) 344

باب ما أفعله على معنيين أحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الصفة 344

باب ما تقول العرب ما أفعله وليس فيه فعل وإنما يحفظ حفظا ولا يقاس عليه 344

باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة 345

باب ما يسكن استخفافا في الاسم والفعل 346

هذا باب الإمالة 348

ذكر ما يمنع الألف من الإمالة 350

ص: 531

باب الراء 352

ذكر الفتحة الممالة نحو الكسرة 354

ذكر عدة ما يكون عليه الكلم : ما جاء على حرف قبل الشيء الذي جاء به 354

ما جاء على حرفين 355

ما جاء على حرفين من الأسماء غير المتمكنة 356

باب ما جاء على ثلاثة أحرف 357

أبنية الثلاثي 361

أبنية الأسماء الرباعية 362

أبنية الأسماء الخماسية 363

لحاق الألف ثالثة في غير الجمع مع غيرها من الزوائد : 367

لحاقها رابعة مع غيرها من الزوائد : 367

لحاقها خامسة مع غيرها من الزوائد : 368

لحاقها خامسة وبعدها حرف ليس من حروف الزوائد : 368

لحاقها خامسة للتأنيث : 368

لحاقها خامسة وبعدها همزة للتأنيث : 369

لحاقها سادسة للتأنيث مع غيرها : 369

لحاقها خامسة وبعدها نون : 369

لحاقها سادسة وبعدها همزة للتأنيث : 370

الثالث ما زيدت فيه الياء من الأسماء الثلاثيّة : 370

الرابع : ما زيدت فيه النون : 371

الخامس : ما زيدت فيه التاء من الأسماء الثلاثيّة : 371

باب الزيادة بتكرير حرف من الأصل في الثلاثي 374

ص: 532

ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة 376

الثاني : زيادة الياء في الرباعي : 377

الثالث لحاق الألف في ذوات الأربعة : 378

لحاقها رابعة لغير التأنيث : 378

لحاقها خامسة لغير التأنيث : 378

لحاقها خامسة للتأنيث : 379

الرابع : لحاق النون في الرباعي ثانية : 379

الثاني : لحوق النون ثالثة : 379

باب ما الزيادة فيه تكرير في الرباعي لحاقها من موضع الثاني 380

ما لحقته الزيادة من بنات الخمسة وجاءت الزوائد في بنات الخمسة 381

باب أبنية ما أعرب من الأعجمية 382

ما ذكر أنّه فات سيبويه من الأبنية 384

ذكر ما بنت العرب من الأفعال 385

ما ألحق بالرباعي 388

ذكر التصريف 390

الضرب الأول : إبدال الألف من الياء : 399

الضرب الثاني : إبدال الألف من الواو : 402

إبدال الهاء من الواو وهي فاء : 404

الضرب الثّالث : إبدال الألف من النون : 404

الشذوذ : 413

إبدال الميم : 415

إبدال الجيم : 415

ص: 533

إبدال اللام : 416

التحويل والنقل 418

ذكر ما يتم ويصحح ولا يعلّ 424

هذا باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا 425

تابع هذا باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا : 425

باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا إذا كسر للجمع على الأصل : 425

باب (فعل) من (فوعلت) من (قلت) وفيعلت من (بعت) : 426

باب ما الهمز فيه في موضع اللام من بنات الياء والواو 428

باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب 430

باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا 430

جمل الأصول التي لا بدّ من حفظها لاستخراج المسائل بجميع أقسامها : 431

باب الياء المتحركة 432

ذكر تكرر هذه الحروف المعتلة واجتماع بعضها مع بعض 437

مسائل التصريف 440

باب اجتماع الحروف المعتلة في كلمة 477

باب ما ذكره الأخفش من المسائل على مثال مرمريس 483

باب : من مسائل الجمع 485

باب الإدغام 487

مخارج الحروف ستة عشر : 487

أصناف هذه الحروف أحد عشر صنفا : 488

ذكر الإدغام 191

القسم الثاني : الذي لا يجوز إدغامه : 495

ص: 534

النوع الثاني من الإدغام وهو ما أدغم للتقارب : 495

ذكر ما يدغم في مقاربه 496

الأول : ما يدغم من حروف الحلق : 496

الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا 501

باب الصاد والزاي والسين 502

باب الظاء والذال والثاء 502

إدغام مخرج في مخرج يقاربه 502

ذكر ما امتنع من الحروف المتقاربة : 504

الحروف التي لا تدغم في المقاربة : 504

هذا باب الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه : 504

هذا باب ما يقلب فيه السين صادا في بعض اللغات : 505

هذا باب ما كان شاذا : ممّا خفّفوا على ألسنتهم وليس بمطرد : 505

باب ضرورة الشّاعر 507

ذكر الذي يحسن من ذلك ويقاس عليه : 507

الضرب الثاني : ممّا يستحسن للشاعر إذا اضطر أن يحذفه : 512

ذكر ما جاء كالشاذّ الذي لا يقاس عليه : 513

الفهرس 527

ص: 535

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.