الامام المهدی علیه السلام من المهد الی الظهور

اشارة

سرشناسه:قزوینی، محمدکاظم، 1308-1373.

عنوان و نام پديدآور:الامام المهدی علیه السلام من المهد الی الظهور/محمدکاظم القزوینی.

مشخصات نشر:قم: فاجی جزایری، 1385، = 2006 م، = 1427ق.

مشخصات ظاهری:[674] ص.

شابک::964-95592-6-4

يادداشت:کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشرین مختلف به چاپ رسیده است.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255 ق.-

موضوع:مهدودیت.

رده بندی کنگره:BP51/ق4الف8 1385الف

رده بندی دیویی:297/959

شماره کتابشناسی ملی:1028155

وضعيت ركورد:ركورد كامل

ص :1

اشارة

ص :2

الامام المهدی علیه السلام من المهد الی الظهور

محمدکاظم القزوینی

ص :3

المقدّمة

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه،و صلى اللّه على محمد رسول اللّه،و على آله المصطفين الأخيار.

و بعد:لقد شاء اللّه تعالى أن أفتح عيني في بيت يتجلّى فيه الدين و العلم و التقوى،و منذ نعومة أظفاري كنت أعيش في جوّ ملطّف بالصلاح و الإعتدال،حتى شعرت بالإندماج و الإنسجام مع المعتقدات الصحيحة التي صارت عندي كالقضايا البديهية التي لا تقبل الشك،و لا تحتاج الى كثير من الأدلة و البراهين،و ذلك لوضوحها.

و من جملة تلك المعتقدات التي تلقّيتها فصارت جزءا منّي هو الإعتقاد بوجود الإمام المهدي(عليه السلام).

كنت أقرأ الكتب التي تتحدّث عن هذا الإمام،و أستمع الى المواضيع و المحاضرات التي تدور حول هذه الشخصية فيزداد قلبي تعلّقا بهذا الإمام،و أزداد ولعا و شوقا الى المزيد من هذه المواضيع.

و حينما كنت أقرأ عن الشخصيات العلمية و الدينية التي ساعدها الحظ و التوفيق ففازت بلقاء هذا الإمام العظيم،كنت أدرك أنّ باب الأمل و الرجاء مفتوح،و أنّ اللقاء بالإمام المهدي(عليه السلام)ممكن و ليس مستحيلا.

ص:4

و كان هذا الموضوع قد شغل قلبي و أطال فكري،و ذلك لما يتمتّع به من أهمية عظمى.

فالإمام المهدي(عليه السلام)الذي سمعت و قرأت عنه، شخصية لا تقاس بها شخصيات عالم اليوم من ملوك و رؤساء و غيرهم.

فهو أقرب الكائنات الى اللّه تعالى و أكرمهم عنده.

إنه أفضل أهل زمانه،قد منحه اللّه قدرة الإتصال بالعالم الأعلى، و الإحاطة بالكون،قد إدّخره ليوم عظيم،ليقوم بأعظم حملة تطهير في سبيل إصلاح المجتمع البشري،على جميع أنحاء الكرة الأرضية.

و يرفع راية السلم و السلام،و الأمن و الأمان،على كل بقعة من بقاع الأرض،الى غير ذلك من الأمور التي ستعرف بعضها من خلال هذا الكتاب.

و هكذا مرّت الأيام و الأعوام،و إذا بي أقرأ في بعض الكتب -القديمة منها و الحديثة-،أنواعا من التهجّم على هذه العقيدة و محاولة تزييفها و تفنيدها على حدّ زعمهم.

ففي الوقت الذي كنت أستاء من تلك التهريجات القاسية ضدّ هذا الإعتقاد،كنت أتعجّب من أولئك المهاجمين و المهرّجين،و أستغرب الدوافع التي دفعتهم الى تكذيب هذه الحقيقة الثابتة عند جميع المسلمين.

فإذا كان الشيعة يعتقدون بالإمام المهدي(عليه السلام)حسب ما ورد في تفاسيرهم و أحاديثهم المعتبرة المتواترة،فإنّ كتب أهل السنّة قد

ص:5

تطرّقت الى هذه الحقيقة أكثر و أكثر من كتب الشيعة،بل إنّ عددا من علماء السنّة القدامى ألّفوا كتبا حول الإمام المهدي(عليه السلام) و ملؤها بالأحاديث الصحيحة الواردة في صحاحهم بأسانيد معتبرة لديهم.

و إليك بعض تلك المصادر و المدارك الموثوقة التي صرّحت بهذه الحقيقة الثابتة عند الأمة الإسلامية،نذكرها و لا ندّعي أننا إستوعبنا جميع المصادر.

اسم المؤلف اسم الكتاب

[علماء السنة الذين كتبوا عن الامام المهدى عليه السلام]

1-الشيخ ابراهيم الذهبي الجويني الشافعي فرائد السمطين

2-الشيخ سليمان القندوزي الحنفي ينابيع المودّة

3-موفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي مقتل الحسين،و المناقب

4-إبن حجر الهيثمي الشافعي الصواعق المحرقة

5-الشبلنجي الشافعي نور الأبصار

6-إبن الصبّاغ المالكي الفصول المهمة

7-الحافظ ابو نعيم الاصفهاني الأربعين

8-الحافظ أبو القاسم الطبراني المعجم الكبير

9-الكنجي الشافعي البيان في أخبار صاحب الزمان

10-محمد بن عيسى الترمذي السنن

11-الشيخ عبد اللّه الأمر تسري الحنفي أرجح المطالب

12-جلال الدين السيوطي الشافعي العرف الوردي في أخبار المهدي و(علامات المهدي)و(الجامع الصغير)

ص:6

13-البغوي الشافعي مصابيح السنة

14-الحاكم النيسابوري مستدرك الصحيحين

15-شيرويه الديلمي الفردوس

16-علي المتقي الحنفي في(البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان) و(كنز العمّال)

17-أحمد بن حنبل في مسنده

18-الحافظ ابن ماجة القزويني في سننه

19-الحافظ أبو بكر البيهقي دلائل النبوة

20-أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره

21-الدارقطني في سننه و كتاب مسند فاطمة الزهراء

22-محب الدين الطبري الشافعي ذخائر العقبى

23-الهيثمي الشافعي مجمع الزوائد و منبع الفوائد

24-الحميدي الجمع بين الصحاح الستة

25-أبو داود السجستاني السنن

26-نعيم بن حمّاد،استاذ البخاري الفتن و الملاحم

27-إبن الصبان الحنفي اسعاف الراغبين

28-إبن خلدون في مقدمته

29-الخطيب البغدادي تاريخ بغداد

30-أبو المظفر السمعاني فضائل الصحابة

31-المناوي المصري كنوز الحقائق

32-السمهودي الشافعي جواهر العقدين

33-ابن قتيبة الدينوري غريب الحديث

ص:7

34-محي الدين إبن العربي الفتوحات المكية

35-ابن عبد البر الإستيعاب

36-الكسائي المبتدأ

37-البخاري في صحيحه

38-يوسف بن يحيى الشافعي عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر

39-ابن حجر الهيثمي الشافعي القول المختصر في علامات المهدي المنتظر

40-سبط ابن الجوزي تذكرة الخواص

41-ابن خلّكان وفيات الأعيان

42-ابن طولون الدمشقي الأئمة الاثني عشر

43-محمد بن طلحة الحلبي الشافعي مطالب السؤول

44-عبد اللّه بن محمد الشبراوي الشافعي الإتحاف بحب الأشراف

45-عبد الوهاب الشعراني اليواقيت و الجواهر،و الطبقات الكبرى

46-ابن المغازلي المناقب

47-ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة

48-القرطبي الاندلسي الحنبلي التذّكرة

49-ابن الأثير الكامل

50-ابن حجر العسقلاني الإصابة

هذه بعض المصادر و المدارك أو الوثائق التاريخيّة التي كتب فيها المحدّثون من علماء السنة حول الإمام المهدي(عليه السلام).

أما تكفي هذه المصادر أيها المتطرّفون؟!.

ص:8

و هل هؤلاء العلماء و المحدّثون كذّابون عندكم؟!.

و هل هذا الجمّ الغفير و الجمع الكثير غير موثوقين لديكم؟!.

فما هي-إذن-المصادر الموثوقة عندكم؟و على من تعتمدون؟و ممن تأخذون؟!.

فإذا كانت هذه الحقيقة ثابتة فكيف كان طريق ثبوتها؟!.

فهل تتوقّعون أن ينزل جبرئيل على كل فرد فرد منكم ليقول له:

إنّ الإمام المهدي حق؟!.

أو تنتظرون الوحي ينزل عليكم من رب السماء حول الإمام المهدي؟!.

أليس هذا هو الجحود؟لماذا تحاربون الحق و تقتلونه؟إلى من تتقرّبون بهذا العمل؟!.

و هل يجتمع الإيمان باللّه مع تكذيب رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله)؟!.

و هل لكم عذر عند اللّه يوم يسألكم عمّا قلتم و كتبتم؟!.

و لماذا هذا التهريج و التشنيع ضدّ هذه الحقيقة،و ضدّ من يعتقد بها؟!

و لماذا الإلحاح و الإصرار على إنكار هذا الموضوع؟!.

هل لأنّه ينافي العقل أو القرآن أو الشرع أو الفطرة؟!.

كلاّ،كل ذلك لم يكن،بل العقل و الشرع و الفطرة تساعد على

ص:9

ذلك كما ستعرف ذلك من خلال هذا الكتاب؟!.

إنني أعتقد أنّ السبب الرئيسي لهذا الإنكار المستمر،و جميع المناقشات حول عمر الإمام المهدي و غيبته،و جميع التشكيكات في الاحاديث التي تتحدّث عن الإمام المهدي و ظهوره،سبب هذه الأمور كلّها هو شيء واحد و هو:

أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)-الذي بشّر به القرآن الكريم و الأحاديث النبويّة-هو علويّ النسب،و هو من أئمة الشيعة..لا غير.

فلو كان الإمام المهدي أموي النزعة أو أموي النسب لما كان هذا التهريج و التشكيك و المناقشات تدور حوله.

و كم تشبه هذه التهريجات ضد الإمام المهدي التهريجات التي يقوم بها اليهود و النصارى ضدّ نبيّنا محمد(صلى اللّه عليه و آله)مع العلم أنّ الكتب المقدّسة عندهم بشّرت بظهور نبيّنا(صلى اللّه عليه و آله)و ذكرت علائمه و علائم بعثته و نبوّته.

نعم،ما أشبه الليلة بالبارحة.

و منذ مدة طويلة كنت أجد عددا كثيرا من الناس(شيبا و شبّانا) يتساءلون عن الإمام المهدي،و يناقشون حول الموضوع تثبيتا لعقائدهم، و تسلّحا لصدّ هجمات المستهزئين المتطرّفين،فكنت أجعل بعض تلك الكتب(التي تتحدّث عن الإمام المهدي)تحت تصرّفهم،فكانوا يتزوّدون منها،و يروون غليلهم بها.

ص:10

و هنا أرى لزاما عليّ أن أبوح بما في صدري من الوجد و الألم، و أبثّ آلامي من هذه المأساة التي طالما كنت و لا أزال أشعر بها.

و قد حان الوقت،و جاءت الفرصة لأشكو بثّي و حزني الى من يشاركني في العقيدة و المبدأ،و لعلّي أكون معذورا غير ملوم إذا قسوت في البيان،و أسرفت في التعبير و قلت:إنّ موقف الكثيرين من علماء الشيعة و من حملة الأقلام و مفكّريهم موقف غير مشرّف تجاه هذا الواجب العقائدي،و هو التحدّث عن الإمام المهدي(عليه السلام)،و تأليف الكتب المناسبة لهذه الشخصية،الملائمة لهذا الموضوع الأسمى.

فإنّ المؤلفات التي تدوّن حول شخصية الإمام المهدي(بصورة مستقلة)و تنزل الى المطابع و منها الى الأسواق هي أقل من 1/10,000 بالنسبة الى الكتب المطبوعة.

أنظر الى الكتب و المؤلّفات التي تنزل الى الأسواق في كل أسبوع حتى الكتب الدينيّة منها،فإنّ نسبة الكتب التي تتحدثّ عن الإمام المهدي ضئيلة جدّا.

و إن كنت لا تصدّق هذا فخذ القلم بيدك و اكتب أسماء الكتب العربية التي قد ألّفت حول الإمام المهدي و طبعت خلال هذا القرن فإنّك لا تجد عدد تلك الكتب يتجاوز مائة كتاب.

و لا بأس أن تقيس هذا العدد الى الآلاف المؤلّفة من الكتب التي صدرت و تصدر الى الأسواق في شتّى المواضيع حتى تعرف مدى تقصيرنا تجاه هذا الواجب الديني.

ص:11

[أهمية التأليف حول الإمام المهدي عليه السلام]

مع العلم أنّ التأليف حول الإمام المهدي(عليه السلام)اولى و أوجب من التأليف حول بقية الأئمة(عليهم السلام)لأن الناس كلهم -على إختلاف أديانهم و مذاهبهم-متّفقون على أولئك الأئمة و على انّهم قد ولدوا و عاشوا و ماتوا.

فمثلا:المسلمون و اليهود و النصارى و كل من قرأ تاريخ العرب أو تاريخ الإسلام قد إطّلع على حياة رجل إسمه:(علي بن أبي طالب).

إلاّ أنّ هناك من يعتقد بأنه الخليفة الأول للرسول(صلى اللّه عليه و آله)و هم الشيعة.و بعض المسلمين يعتبره الخليفة الرابع و هم أهل السنّة.

و بعض الناس يعتقد به إلها من دون اللّه و هم الغلاة الهالكون(1).

و بعض الطوائف لهم نظرة شاذّة في حق الإمام و هم الخوارج الضالّون2.

فالمقصود أنّه لا يوجد في العالم من ينكر الإمام علي بن أبي طالب تاريخيا،أو يقول عنه:إنّه خرافة أو:إنّه لم يولد بعد أو:لم يكن في التاريخ رجل إسمه علي بن أبي طالب.

و نفس هذا الكلام يأتي بالنسبة الى سائر أئمة أهل البيت(عليهم

ص:12


1- (1و2) قد ثبت في الصحيح قول علي(عليه السلام):«هلك فيّ اثنان:محبّ غال و عدو قال».

السلام)مع إختلاف آراء الناس و معتقداتهم في أولئك الأئمة.

و لكن الإمام المهدي(عليه السلام)تختلف حياته و ترجمته عن بقية الأئمة من حيث الخصوصيات المحيطة بحياته،فترى بعض المسلمين الشّواذ يعتبره خرافة،و أنّه لا وجود له،متحدّيا بذلك العشرات بل المئات من الأحاديث المدوّنة في كتب الحديث و التفسير.أو يقول عنه:

إنّه لم يولد بعد،أو:إنّه كيف يعيش هذه القرون؟و لماذا غاب؟و متى يظهر؟الى غير ذلك من أنواع الأسئلة و التشكيكات التي يثيرونها حول شخصية الإمام المهدي(عليه السلام).

و لنفرض-جدلا-أنّ الكتب التي قد ألّفت حول الإمام المهدي في هذا القرن قد بلغت أو تجاوزت مائة كتاب،فكم نسخة طبعت من كل كتاب؟!.

مع الأسف إنّ الكتاب الواحد لا يطبع منه-على الأكثر-سوى ألف نسخة أو ألفين،فكيف يملأ هذا العدد الفراغ الموجود عند المسلمين؟!و يسدّ الحاجة الماسّة إلى أمثال هذه الكتب العقائديّة؟!.

و مما يحزّ في الصدر أنّ الأموال التي جعلها اللّه تعالى من سهم الإمام المهدي(عليه السلام)المستخلصة من أخماس الأرباح،هي ملك للإمام و حقّه الشرعي،و هي موجودة في أيدي الأثرياء،تتجاوز مئات الملايين من الدنانير.

ص:13

أما يستحق صاحب هذه الأموال أن يكتب عنه في كل سنة كتاب واحد على أقلّ التقادير،من ماله الشخصي،و يترجم الى اللغات الحيّة الدراجة في البلاد الإسلامية كي يعرفه المسلمون و يطّلع عليه المؤمنون؟!.

أما يستحق الإمام المهدي أن يوجّه العلماء قلوب الناس إليه؟! و يكوّنوا العلاقات الودّية المفروضة بين الناس و بين إمامهم المهدي؟!.

إنّ الإحصائيات تدل على أنّ نفوس العرب حوالي مائة و خمسين مليون،و أنّ عدد المسلمين حوالي ثمانمائة مليون،و معنى ذلك أنّ من كل ربع مليون مسلم عربي لا يصل اليه كتاب واحد.

و يا ليت تلك الكتب-مع قلّة عددها-كانت تنتشر بين القرّاء كي تكثر الفائدة و يعمّ النفع،و لكن المشكلة أنّ أفرادا يقتنونها في مكتباتهم الخاصة و هم في غنى عنها،كأنّ هوايتهم جمع الكتب و حبسها فقط!!

إحفظ هذه الأرقام الضئيلة ثم أنظر الى الصحف و المجلاّت التي تنتشر يوميا و أسبوعيا و شهريا بأعداد تتجاوز عشرات الآلاف..بل عشرات الملايين.

إنّني أعرف بعض المجلات الأسبوعيّة في بعض البلاد الإسلامية تنتشر منها في كل اسبوع 300,000 نسخة،و مجلة(لايف)تنتشر منها في كل أسبوع 8,000,000 نسخة،و مجلة(المختار من ريدرز دايجست)تنتشر منها في كل شهر ستة و ثلاثون مليون نسخة بإحدى عشرة لغة.

ص:14

و في طوكيو تنتشر ثلاث جرائد يومية في إثني عشر مليون نسخة.

نعم!!الناس هكذا يكتبون،و هكذا يطبعون،و هكذا ينشرون، مع العلم أنّ قيمة الجريدة الواحدة متعلّقة بتاريخ يوم صدورها، فالجريدة الصادرة اليوم قيمتها دراهم معدودة،و لكن غدا و بعد غد لا قيمة لهذه الجريدة،بل تلفّ فيها البضائع ثم تطرح في سلّة القمامة، و ليست الكتب هكذا،بل الكتاب له قيمة علمية ثقافية لا تزول،و قد تبلغ قيمة الكتاب الواحد آلاف الدنانير.

هذا..و الكلام طويل،و القصة مفصّلة،و ما الفائدة من سرد هذه القضايا المؤلمة سوى تسجيل مسؤولياتنا على هذه الصفحات،و لعل اللّه تعالى يشحذ عزائم ذوي الهمم العالية و النفوس الغيورة فيتداركوا هذه الخسائر العلميّة و الفكريّة.

و قد قمت بتأليف هذا الكتاب المتواضع،و ضمّنته بعض المواضيع المتعلّقة بالإمام المهدي(عليه السلام)معترفا بالعجز و القصور تجاه هذا العبأ الثقيل،و أحببت أن أكون ضمن الذين كتبوا عن هذا الإمام العظيم قربة الى اللّه تعالى،و أداءا لأقل الواجب الإسلامي الديني، و خدمة للعقيدة الإسلامية،و لعل اللّه تعالى ينفع بهذه الأوراق من إلتبست عليه الأمور،و خفيت عنه الحقائق،و اللّه من وراء القصد، و هو الهادي الى الصراط المستقيم.

محمّد كاظم القزويني الموسوي 12 صفر 1397 ه

ص:15

المدخل

التحدّث عن الإمام المهدي(عليه السلام)في هذا الكتاب يشتمل على المواضيع الآتية:

1-من هو الإمام المهدي؟.

2-إسمه و نسبه.

3-البشائر في القرآن بالإمام المهدي.

4-البشائر في السنّة النبوية.

5-البشائر في أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام).

6-هل ولد الإمام المهدي؟

7-كيف غاب عن الأبصار؟

8-الغيبة الصّغرى.

9-النوّاب الأربعة.

10-من الذي رآه في الغيبة الصغرى؟

11-الغيبة الكبرى.

12-من الذي رآه في الغيبة الكبرى؟

13-كيف عاش الى هذا اليوم؟

ص:16

14-متى يظهر؟

15-أوصاف الإمام المهدي و علائمه.

16-علائم ظهوره.

17-الذين إدّعوا المهدويّة كذبا وزورا.

18-كيف يظهر و من أين يبدأ

19-كيف يحكم إذا ظهر؟

20-كيف تخضع له الدول و الحكومات؟.

21-حياة المجتمع في عصره.

22-كم سنة يحكم؟

23-كيف تنتهي حياته؟.

24-ثم ماذا يكون بعده؟.

و هناك بحوث أخرى تندمج ضمن هذه المواضيع.

ص:17

الفصل الأول

من هو الإمام المهدي«عليه السّلام»؟

إنّ التحدّث عن الإمام المهدي(عليه السلام)يكون تحدّثا عن موضوع ديني عقائدي له غاية الأهمية،و له الصلة الكاملة بالإسلام و المسلمين.

إنّ شخصية الإمام المهدي تعتبر حقيقة إسلامية،و مسألة من أهمّ المسائل الدينية،و تعتبر من صميم الدين الحنيف.

و ليست أسطورة كتبها الشيعة تسلية لأنفسهم المضطهدة،و ترويحا عن قلوبهم المجروحة من جرّاء المصائب التي إنصبّت عليهم طيلة قرون طويلة،كما زعمها بعض الكتّاب المنحرفين.

و ليست نظرية أو فكرة إختمرت في بعض الأذهان تخفيفا أو تخديرا للآلام التي كانت الشيعة تشعر بها من سوء تصرّفات الحاكمين،كما ذكرها بعض المتفلسفين.

و ليست خرافة إختلقها القصّاصون و ألصقوها بالإسلام،كما تصوّرها بعض الجهّال ممّن يدّعي العلم و الثقافة.

و ليست مهزلة تاريخية كي يستهزيء بها المعاندون المستهترون.

ص:18

بل إنها حقيقة إسلامية واقعية،تليق بالإهتمام،و تجدر بالدراسة و الوعي،و تستحق كل تقدير و إنتباه.

إنها إمتداد للإسلام و القرآن،إنها مسألة جوهريّة مهمّة بشّر بها القرآن الكريم،و تحدّث عنها الرسول الأعظم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في مواطن كثيرة و مناسبات عديدة،و بشّر بها أئمة المسلمين (عليهم السلام)شيعتهم،بل بشّروا بها الأمّة الإسلامية جمعاء.

و كتب عنها العلماء و المحدّثون و المفسّرون و المؤرّخون على مرّ القرون،و ألّفوا الكتب المفصّلة حول الموضوع بالذات.

إذن،فالموضوع إستراتيجي جدّا،فريد من نوعه،وحيد في ذاته،يمتاز بمزايا كثيرة خاصة،كثر حوله النقاش،و تضاربت في رحابه الآراء،و طاشت الأقلام،و طغت عليه الأقوال،فآمن به قوم،و تحيّر قوم،و سكت آخرون،و سخرت طائفة من طائفة،كلّ ذلك حول شخصية الإمام المهدي(عليه السلام).

فالإمام المهدي ليس من الذين قد أكل الدهر عليهم و شرب و صار نسيا منسيّا،بل هو نداء الملايين،و مهوى أفئدة الأجيال،و محطّ أنظار الأمم،و معقد آمال الشعوب.

الإمام المهدي إنسان ولد قبل الف و مائة و اثنتين و أربعين سنة بالضبط الى حين تأليف هذا الكتاب سنة 1397 ه.

و لا يزال حيا،و يعيش الى الآن على وجه الأرض،يأكل و يشرب،و يعبد اللّه و ينتظر الأمر له بالخروج و الظهور.

ص:19

غائب عن الأبصار،و قد يراه الناس و لا يعرفونه،و هو لا يعرّف نفسه،و يحضر في كل مكان أراد.

و له إشراف على العالم،و إحاطة بالعباد و البلاد.

يعلم-بإذن اللّه-كلّ ما يجري في العالم.

و سيظهر في يوم معلوم عند اللّه-مجهول عندنا-.

و تحدث علائم حتميّة قبل ظهوره.

إذا ظهر يحكم على الكرة الأرضية جميعها.

و ينزل عيسى بن مريم(عليه السلام)من السماء و يصلّي خلفه.

تخضع له جميع الدول و الشعوب في العالم.

و تنقاد له كافة الأديان و الملل.

يأتي بالإسلام الصحيح الذي جاء به محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

هذه بعض رؤوس الأقلام مما يتعلّق بشخصية الإمام المهدي، و هي بمنزلة الفهرست لهذا الكتاب.

ص:20

الفصل الثاني

اشارة

إسمه و نسبه

هو الإمام محمد المهدي المنتظر.

إبن الإمام الحسن العسكري.

إبن الإمام علي الهادي.

إبن الإمام محمد الجواد.

إبن الإمام علي الرضا.

إبن الإمام موسى الكاظم.

إبن الإمام جعفر الصادق.

إبن الإمام محمد الباقر.

إبن الإمام علي زين العابدين.

إبن الإمام الحسين الشهيد.

إبن الإمام علي بن أبي طالب.

و إبن فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و ما أجمل قول الفرزدق الشاعر حيث يقول:

اولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

ص:21

هذا نسبه الشريف الأرفع،كما صرّحت بذلك أحاديث متواترة، ستطّلع عليها إن شاء اللّه.

و أمّا أمّه فهي السيدة الجليلة السعيدة المعظّمة المكرّمة المسمّاة ب (نرجس)أو صقيل أو ريحانة أو سوسن.

و إختلاف أسمائها أو تعدّدها لا يقتضي تعدّد المسمّى أو الإختلاف في المسمّى.فقد كانت للسيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)أسماء عديدة لمناسبات او أسباب.و قد ذكرنا شيئا منها في كتاب(فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد).

و سنذكر في المستقبل بعض ما يتعلق بالسيدة نرجس بالمناسبة إن شاء اللّه.

التحريف في بعض الاحاديث:

إن كل من يراجع الأحاديث التي تتحدث عن نسب الإمام المهدي (عليه السلام)يجد-بكل وضوح-أن الإمام المهدي هو إبن الإمام الحسن العسكري(عليهما السلام)بلا أي شك و ريب.

و لكنّك تجد-في بعض كتب اهل السنّة-حديثا إمتدّت إليه يد التحريف و التزوير فأضافت اليه كلمة اجنبية،محاولة لتشويه الحديث و صرفه عن الإمام المهدي(عليه السلام)و بذلك سقط هذا الحديث عن أصالته و قيمته الواقعية.

هذا..بالاضافة إلى أن الحديث-مع الزيادة الموجودة فيه-

ص:22

ضعيف من حيث السند و من حيث المتن،و لا اعتبار به عند المحقّقين و العلماء،و العجيب ان بعض الشواذ تركوا مئات الأحاديث الصحيحة، و تمسّكوا بهذا الحديث السقيم،تجاوبا مع ميولهم و نفوسهم المريضة!.

و الحديث هو:عن أبي داود،عن زائدة،عن عاصم عن زر، عن عبد اللّه،عن النبي(صلى اللّه عليه-و آله-و سلم)انه قال:لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد،لطوّل اللّه ذلك اليوم،حتى يبعث اللّه رجلا منّي-أو:من اهل بيتي-يواطيء إسمه اسمي[و إسم أبيه إسم أبي]يملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت ظلما و جورا».

هذا الحديث-مع الزيادة الموجودة فيه-يختلف عن بقية الاحاديث الواردة حول الإمام المهدي(عليه السلام)من حيث السند و من حيث المتن:

أمّا السند:فالحديث يروى عن(زائدة)،و قد ذكر علماء الدراية في علم الرجال-في ترجمة(زائدة)-:أنه كان يزيد في الاحاديث.

و أمّا المتن:فقد روي هذا الحديث عن(زر)بطرق عديدة و كثيرة،و ليس فيه:[و اسم ابيه اسم أبي]مما يدل على أن هذه الزيادة جاءت من تصرّفات الراوي الذي اسمه(زائدة)(1).

ص:23


1- (1) ذكر الحافظ الكنجي الشافعي في كتابه(البيان في أخبار صاحب الزمان)ما لفظه: الأحاديث الواردة عن النبي(صلّى اللّه عليه-و آله-و سلم)جميعها خالية من جملة«و اسم ابيه اسم ابي»-ثم ذكر الحديث المروي عن زائدة و قال-بعد ذكر الحديث-ما نصّه: قلت:و قد ذكر الترمذي الحديث،و لم يذكر قوله«و اسم ابيه اسم أبي»...و في معظم-

ثم إن جميع الاحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الإمام المهدي(عليه السلام)ليس فيها كلمة«و اسم ابيه اسم ابي»و خاصة بعد اجماع المسلمين على أن الإمام المهدي هو ابن الإمام العسكري(عليهما السلام).

إذن:فالحديث المروي عن(زائدة)ساقط عن الاعتبار،مرفوض عند العلماء،لمخالفته سائر الأحاديث الصحيحة،و لأن(زائدة)رجل متّهم بالتلاعب بالأحاديث التي يرويها.

أمّا سبب التلاعب بهذا الحديث فهو أن سماسرة الأحاديث كانوا يختلقون الاحاديث و ينسبونها الى رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) تقرّبا إلى السلطات،و طمعا في الأموال،و تقوية للباطل.فإن اختلاق الأحاديث المزوّرة كان في بعض الأزمنة مهنة و تجارة يعيش من ورائها الوضّاعون الكذّابون،أمثال:أبي هريرة و سمرة بن جندب و المغيرة بن شعبة،و زملائهم و نظرائهم،و منهم راوي هذا الحديث،و هو (زائدة).

و السؤال الآن:ما هو الهدف من إضافة«و اسم ابيه اسم ابي» في هذا الحديث؟

ص:24

الجواب:احتمالان:

1-ان يكون تأييدا لأحد الحكام العباسيين،المسمّى ب «محمد بن عبد اللّه المنصور»و الملقّب ب«المهدي».

2-ان يكون تأييدا ل«محمد بن عبد اللّه بن الحسن»الملقّب ب «النفس الزكية»و الذي ثار ضد العباسيّين(1)-كما ذكره العلامة المعاصر الشيخ الصافي في كتابه منتخب الأثر-.

و لبعض علمائنا(رحمهم اللّه)توجيهات في تصحيح الحديث، و كلها تكلّف،و لا حاجة إليها.

و خلاصة القول:ان حديث(زائدة)-الذي يتضمّن كلمة «و اسم ابيه اسم ابي»-غير صحيح عند علماء الحديث،و ضعيف في غاية الضعف،و سقيم في منتهى السقم،و توجيه الغلط غلط آخر.

ص:25


1- (1) لا يخفى ان هذا الشخص الملقّب بالنفس الزكية،غير الذي يخرج في آخر الزمان، قبل ظهور الإمام المهدي،بالرغم من تشابه اللقب.

اسماء الإمام المهدي«عليه السّلام»

اشارة

للإمام المهدي(عليه السلام)اسماء متعددة وردت لمناسبات عديدة، و هذا شأن العظماء،حيث تتعدد اسماؤهم لتعدد صفاتهم و كثرة جوانب عظمتهم،فمثلا:تجد تعدد الاسماء لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)في القرآن الكريم و الانجيل،مثل:محمد،احمد،طه،يس، البشير،النذير.و في الانجيل:فارقليطا-باللغة السريانية- و بركلوطوس-باللغة اليونانية-.

كما تجد تعدد الأسماء لبطل الإسلام الخالد الإمام امير المؤمنين(عليه السلام)مثل:علي،حيدر،المرتضى،و«ايليا»باللغة السريانية..

و غيرها من الأسماء

و كذلك بالنسبة الى سيدة نساء العالمين(عليها السلام)مثل:

فاطمة،الزهراء،البتول،المباركة،المحدّثة،الطاهرة،الصدّيقة..

و غيرها.

و بالنسبة إلى الإمام المهدي(عليه السلام)وردت احاديث متعددة عن الرسول الأعظم(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و عن أئمة اهل البيت(عليهم السلام)تعبّر عنه ب«المهدي»و«الحجة»و«القائم»و«المنتظر»و «الخلف الصالح»و«صاحب الأمر»و«السيّد»و«الإمام الثاني عشر» و غيرها..و تصرّح بأن اسمه اسم رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم):

محمد،و كنيته:ابو القاسم.

ص:26

و فيما يلي نشير إلى بعض هذه الأسماء،مع بعض الأحاديث الواردة فيها:

1-المهدي

عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم):إسم المهدي اسمي.

و قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام):اسم المهدي:محمد.(1)

و سمّي بالمهدي،لأن اللّه تعالى يهديه و يرشده الى الأمور الخفيّة التي لا يطّلع عليها احد،و إليك الحديث التالي:

قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):إذا قام مهديّنا اهل البيت، قسّم بالسويّة،و عدل في الرعيّة،فمن أطاعه فقد اطاع اللّه و من عصاه فقد عصى اللّه،و إنما سمّي المهدي لأنه يهدى إلى أمر خفي.(2)

2-القائم

يسمّى بالقائم،لأنه يقوم بأعظم قيام عرفه التاريخ البشري،و يقوم بالحق الذي لا يشوبه باطل ابدا،و هذا مما يمتاز به قيامه(عليه السلام)لأن التاريخ قد سجّل قيام بعض الأفراد بثورات و نهضات،و لكن قيامهم و نهضتهم لم تكن على الصراط المستقيم،إلا أن الإمام المهدي(عليه السلام)يقوم بالحق..لا غير،و اليك الحديث التالي:

ص:27


1- (1) كتاب البرهان في علامات مهدي آخر الزمان،للمتقي الهندي الحنفي،الباب الثالث،حديث 8 و 9.
2- (2) كتاب عقد الدرر الباب الثالث ص 40.

عن أبي حمزة الثمالي قال:سألت الباقر(صلوات اللّه عليه):يا بن رسول اللّه ألستم كلكم قائمين بالحق؟

قال:بلى.

قلت:فلم سمّي القائم قائما؟

قال:لما قتل جدّي الحسين(صلى اللّه عليه)ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جل بالبكاء و النحيب...-إلى أن قال:-ثم كشف اللّه عزّ و جل عن الأئمة من ولد الحسين(عليه السلام)للملائكة،فسرّت الملائكة بذلك، فإذا احدهم قائم يصلّي،فقال عزّ و جل:بذلك القائم أنتقم منهم.اي من قتلة الحسين عليه السلام.(1)

و قال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام):سمّي«القائم» لقيامه بالحق(2).

3-المنتظر

يسمّى بالمنتظر،لأن الناس كانوا و لا يزالون ينتظرون ظهوره و خروجه،لتطهير الكرة الأرضية من كل ظلم و جور،و إليك الحديث التالي:

سئل الإمام محمد الجواد(عليه السلام):يا بن رسول اللّه و لم سمّي:القائم؟

قال:لأنه يقوم بعد موت ذكره،و ارتداد اكثر القائلين بامامته.

ص:28


1- (1) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 51 ص 28-29،طبع طهران عام 1393 ه،و علل الشرائع للشيخ الصدوق.
2- (2) بحار الأنوار ج 51 ص 30 طبع طهران عام 1393 ه،و الارشاد للشيخ المفيد.

فقيل له:و لم سمّي:المنتظر؟

قال:لأن له غيبة تكثر أيّامها،و يطول أمدها،فينتظر خروجه المخلصون،و ينكره المرتابون...الى آخر الحديث(1)

4-صاحب الامر

يسمّى بصاحب الأمر،لأنه الإمام الحق الذي فرض اللّه طاعته على العباد،في قوله تعالى:أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2)حيث صرّحت الأحاديث الصحيحة ان«اولي الأمر»هم أئمة اهل البيت(عليهم السلام).

5-الحجة

و يسمّى بالحجة،لأنه حجة اللّه على العالمين،و به يحتجّ اللّه تعالى على خلقه.

أمّا بقية اسمائه و القابه(عليه السلام)فهي واضحة،لا تحتاج الى الشرح و التفصيل.

ص:29


1- (1) بحار الأنوار ج 51 ص 30 طبع طهران عام 1393 ه،و إكمال الدين للشيخ الصدوق
2- (2) سورة النساء/الآية 59.

الدّخول في صميم البحث

لعلّ أفضل طريق نسلكه للدخول في صميم البحث عن الإمام المهدي(عليه السلام)هو ذكر الأحاديث الواردة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الامام المهدي بصورة عامة أو بصورة خاصة،و بعبارة اخرى:بصورة إجماليّة أو تفصيليّة(1).

أمّا الأحاديث الواردة في كتب الشيعة و مؤلّفاتهم فلا نذكرها-هنا-لأنّ الإعتقاد بالإمامة يعتبر أصلا ثابتا من أصول الدين أو المذهب عند الشيعة الإماميّة.

و كلّ من يعتقد بالإمامة لا محيص له إلاّ أن يعتقد بالإمام المهدي(عليه السلام)لأنّ الأحاديث التي تتطرّق الى الإمامة و الى عدد الأئمة تصرّح بالإمام الثاني عشر و هو الإمام المهدي.

فالإعتقاد بالإمام المهدي لا ينفكّ و لا ينفصل عن الإعتقاد بالإمامة بصورة عامة،و هو جزء لا يتجزّأ عن الموضوع.

و أمّا الأحاديث الواردة في كتب أهل السنة حول الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام)فهي تختلف من حيث الإجمال و التفصيل،فهناك الأحاديث

ص:30


1- (1) كما إنتهج ذلك كثير من المؤلفين حول الإمام المهدي(عليه السلام).

التي تكتفي بذكر العدد فقط بدون ذكر أسماء الأئمة و تعيين أشخاصهم،و هناك الأحاديث التي تصرّح بالعدد و الأسماء،و بعض تلك الاحاديث تصرّح بالإمام المهدي و أنّه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم السلام).و خلاصة القول:إنّ تلك الأحاديث يفسّر بعضها بعضا.

و من الحقّ و الصواب أن أقول:إنّ تلك الأحاديث قد تجاوزت حدّ التواتر بحيث لا يبقى-هناك-مجال و لا موضع للمناقشة.

و لو أردنا سرد جميع تلك الأحاديث لطال بنا الكلام الى حدّ الملل و السأم بما في ذلك من تضييع العمر،و لكن لأجل أن لا يكون الكتاب خاليا عن هذا البحث نذكر بعض تلك الاحاديث و المصادر،تسهيلا للباحث الذي يفتّش عن الحق و الحقيقة:

1-أحمد بن حنبل في مسنده:يروي هذا الحديث عن جابر بن سمرة من أربع و ثلاثين طريقا،و هو:عن جابر بن سمرة قال:سمعت النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يقول:يكون لهذه الأمة إثنا عشر خليفة(1)،و يرويه مسلم في صحيحه(2).

و يروي البخاري في صحيحه ج 4 عن جابر بن سمرة قال:سمعت النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يقول:يكون إثنا عشر أميرا،فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي:إنّه قال:كلّهم من قريش(3).

ص:31


1- (1) مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 106 طبع(المطبعة الميمنية)في مصر 1313 ه.
2- (2) صحيح مسلم،كتاب الامارة،طبع(مطبعة بولاق)في تركيا 1292 ه.
3- (3) صحيح البخاري كتاب الاحكام طبع المطبعة الخيرية في مصر سنة 1320 ه.و رواه

و يرويه الترمذي في صحيحه(1)،و تجد الحديث في:

المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 2501 طبع الهند 1324 ه.

تيسير الوصول الى جامع الأصول ج 2

منتخب كنز العمّال

تاريخ بغداد ج 14 ص 353.

تاريخ الخلفاء ص 7

ينابيع المودّة ص 444.

و يروى هذا الحديث عن الإمام الحسن و عبد اللّه بن مسعود و أنس بن مالك و أبي هريرة و عمر بن الخطاب و وائلة بن الأسقع و أبي قتادة و غيرهم.

إنك تجد هذه الأحاديث تصرّح بالأئمة الاثني عشر و أنّهم من قريش- بصورة مجملة-و تأتي طائفة أخرى من الأحاديث تضع النقاط على الحروف كما يلي:

1-أخرج الجويني في فرائد السمطين قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):أنا سيد النبيّين،و علي بن أبي طالب سيد الوصيّين، و إنّ أوصيائي بعدي إثنا عشر،أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم

ص:32


1- (1) صحيح الترمذي ج 2 ص 35،طبع(مطبعة بولاق)في تركيا 1292 ه.

المهدي(1).

2-أخرج سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي لإثنا عشر:أوّلهم عليّ و آخرهم ولدي المهدي، فينزل روح اللّه عيسى بن مريم،فيصلّي خلف المهدي(2)و تشرق الأرض بنور ربّها،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب(3).

3-و روي-ايضا-عن ابن عباس قال:قدم يهودي يقال له نعثل فقال:يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين...الى أن قال:فأخبرني عن وصيّك من هو؟فما من نبيّ إلاّ و له وصي،و إنّ نبينا موسى إبن عمران أوصى الى يوشع بن نون.

فقال:«إنّ وصيّي علي بن أبي طالب،و بعده سبطاى الحسن و الحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين».

قال:يا محمد فسمّهم لي؟

قال:«إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى عليّ فابنه محمد فإذا

ص:33


1- (1) فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 313 طبع لبنان 1400 ه.و رواه ايضا القندوزي الحنفي في كتابه(ينابيع المودّة ص 445).
2- (2) هكذا وجدنا في المصدر،و لعلّ هناك كلمات كانت قبل قوله«فينزل عيسى بن مريم»و لكنّها سقطت من أيدي النسّاخ.
3- (3) ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص 447 طبع إستانبول 1302 ه.

مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى،فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه علي،فإذا مضى علي فإبنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي، فهؤلاء إثنا عشر...»إلى آخر الحديث(1).

إنّ الذي فهمه المسلمون المعتدلون من هذه الأحاديث هو أنّ المقصود بالأئمة الإثني عشر هم أئمة أهل البيت(عليهم السلام)لا غيرهم،كما صرّحت بذلك الأحاديث المتواترة.

و لكنّ المصابين بداء العناد،و المعتادين بإماتة الحق و إحياء الباطل لا يعجبهم الخضوع لهذه الحقيقة،و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم.

فتراهم كالغريق يتشبّث بكلّ حشيش،يحاولون صرف هذه الأحاديث عن ظواهرها،و تطبيقها على غير أئمة أهل البيت،و هم يعلمون(علم اليقين)أنّ هذا العدد(الإثني عشر)لا ينطبق على الأمويين و لا على العباسيين على كل حال،و لكن التعصّب يفعل كلّ شيء،و المتعصّب يعمى و يصمّ، و لا يهمّه الكذب و التزوير،و لا يبالي بالغش و الدجل.

لأنّ الدين هو الرادع الوحيد للإنسان عن الإنحراف،فاذا فقد الرادع صار مطلق العنان و مطلق اللسان،يفعل ما يشاء،و يقول ما يريد بلا حياء و لا

ص:34


1- (1) ينابيع المودّة ص 441 طبع تركيا سنة 1302 ه.

خجل،و لا شعور بالمسؤولية أمام اللّه و بلا خوف من العقاب.

و إذا أردنا أن نزيّف هذه النظريّة التائهة و نبطل هذا الإدّعاء المزعوم و الإفتراء المكشوف و الدجل المقصود،لكان علينا أن نقدّم قائمة سوداء بأسماء الجناة و المجرمين من حكّام بني أمية و بني العباس،من قاسط الى ملحد إلى إباحي سفّاك الى خمّار الى زنّاء الى سابح في حوض الخمر الى ممزّق للقرآن الى ناه عن المعروف الى أسير شهواته و نزواته و هكذا و هلم جرّا،ضع يدك على من شئت منهم فلا ترى إلاّ فاسقا أو فاجرا أو مهتوكا أو طليقا أو دعيّا،إذن لخرج هذا الكتاب عن موضوعه و تبدّل الى ملفّات سوداء مظلمة بحياة الأشرار اعداء الإسلام و الإنسانية.

أهؤلاء الأئمة الإثنا عشر الذين أخبر عنهم رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)؟.

الف كلاّ،و مليون حاشا،حاشا الرسول الأقدس الأطهر أن يمثّله هؤلاء الأرجاس الأقذار،أو يخلفه هؤلاء الخونة المجرمون الفسقة الفجرة.

إنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أجلّ شأنا و أعظم قدرا من أن يكون هؤلاء خلفاءه.

إنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)لا يمثّله إلاّ الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،و لا يخلفه إلاّ الطاهرون المطهّرون الذين هم

ص:35

أطهر من ماء السماء،و أشرف من على وجه الثرى،الصالحون الذين حياتهم مشرقة و متلألأة بكل فضيلة،ليس لأحد فيهم مهمز،و لا لقائل فيهم مغمز، الذين كانوا صورة طبق الأصل،الذين كانوا يمثّلون رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في علمه و حكمته و ورعه و تقواه و زهده و عبادته و بقية صفاته و مكارمه.

الذين كانوا يستقون من منابع علمه،و يرتشفون من نمير حكمته، و يتّبعونه في هديه و سلوكه،و هم أولى الناس به و أقربهم إليه و أعزّهم عليه.

هم عترته الطاهرة و أهل بيته الأكرمون،و قد أثنى عليهم القرآن في آيات كثيرة،و عرّفهم الرسول في مواطن عديدة.

و لكن ما نصنع بالمصابين بالشذوذ الفكري،الذين لا يعترفون بالمنطق،و لا ينفع فيهم الدليل،و لا يقبلون البرهان لموت ضمائرهم، و إنحراف نفوسهم؟و لو جئتهم بكل آية لا يؤمنوا.

و هذه الفئة الشاذّة لا يخلو منهم زمان أو مكان،و في نفس الوقت تجد الكثير الكثير من الذين لم تتلوّث ضمائرهم و لم تتحجّر عقولهم و لم تتعطّل مشاعرهم يخضعون للحق إذا ظهر لهم الحق،و ينبذون الأنانية و التجبّر، و ليسوا من الذين ينطبق عليهم قوله تعالى:أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ.

و لكن المصيبة مصيبة المتعصّب للباطل،المعاند للحق،و هي ما ابتليت به الأمة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا.

ص:36

أعود الى حديثي عن الأئمة الإثني عشر الذين ذكرهم رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فأقول:إننا في غنى عن تأويل هذه الأحاديث لأنّ الرسول العظيم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)كشف النقاب و أوضح الحق و صرّح بما يلزم،و ليس من المعقول من نبيّ الحكمة أن يخبر عن أئمة المسلمين بعده بصورة مبهمة موجزة لأنه خلاف البلاغة،لأن الكلام هنا يتطلّب الشرح و التفصيل،و لا يقتضي الإجمال و الإبهام،لأن الموضوع إستراتيجي مهم غاية الأهمية،له كل الصلة بالإسلام و المسلمين و القيادة الإسلامية.

أمّا و قد وصل الكلام إلى هنا فمن اللازم ذكر بعض الأحاديث النبوية حول الإمام المهدي بصورة أوضح،مع العلم أن الأحاديث الواردة في كتب الشيعة و السنّة المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)لا يمكن إستيعابها و يصعب إحصاؤها بسبب كثرتها و غزارتها،فقد روى شيخنا العلاّمة المعاصر البحّاثة الجليل الشيخ لطف اللّه الصافي(دام علاه)أكثر من ثمانين حديثا مرويا عن كتب الفريقين الشيعة و السنّة،و هو يعترف بأنه لم يذكر إلاّ القليل،و هذه الأحاديث تصرّح بما ذكرناه في هذا الفصل،و إليك بعضها:

في كتاب(كفاية الأثر لأبي القاسم علي بن محمد الرازي القمي)عن سهل بن سعد الأنصاري قال:سألت فاطمة بنت رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)عن الائمة؟فقالت:كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) يقول:يا علي أنت الإمام و الخليفة بعدي،و أنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضيت فإبنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فاذا مضى الحسن فإبنك الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فاذا مضى الحسين فإبنه علي بن

ص:37

الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى علي فإبنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى محمد فإبنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فاذا مضى جعفر فإبنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى موسى فإبنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى علي فإبنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فإبنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى علي فإبنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،يفتح اللّه به مشارق الأرض و مغاربها،فهم أئمة الحق،و ألسنة الصدق،منصور من نصرهم،و مخذول من خذلهم.

و يروى هذا الحديث-بتغيير يسير-عن الإمام الحسين(عليه السلام).

و في(كفاية الأثر)أيضا عن سلمان الفارسي:قال:خطبنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)فقال:معاشر الناس إني راحل عنكم عن قريب، و منطلق الى المغيب،أوصيكم في عترتي خيرا،و إيّاكم و البدع،فإن كل بدعة ضلالة،و كل ضلالة و أهلها في النار.

معاشر الناس:من إفتقد الشمس فليتمسّك بالقمر،و من افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين،و من افتقد الفرقدين فليتمسّك بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي هذا و أستغفر اللّه لي و لكم.

قال-سلمان-:فلما نزل عن منبره تبعثه حتى دخل بيت عائشة فدخلت عليه و قلت:بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه!سمعتك تقول:إذا إفتقدتم الشمس فتمسّكوا بالقمر و إذا افتقدتم القمر فتمسّكوا بالفرقدين و إذا إفتقدتم

ص:38

الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة،فما الشمس و ما القمر و ما الفرقدان،و ما النجوم الزاهرة؟.

قال:أمّا الشمس فأنا،و أمّا القمر فعليّ(عليه السلام)،و إذا افتقدتموني فتمسّكوا به بعدي،و أما الفرقدان فالحسن و الحسين(عليهما السلام)فإذا افتقدتم القمر فتمسّكوا بهما،و أما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين(عليهم السلام)و التاسع مهديّهم.

ثم قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):إنهم هم الأوصياء و الخلفاء بعدي،أئمة أبرار عدد أسباط يعقوب و حواري عيسى،قلت:فسمّهم لي يا رسول اللّه.قال:أوّلهم و سيّدهم علي بن أبي طالب(عليه السلام).

و سبطاي،و بعدهما زين العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام)و بعده محمد بن علي باقر علم النبيّين،و الصادق جعفر بن محمد،و إبنه الكاظم سميّ موسى بن عمران،و الذي يقتل بأرض خراسان إبنه علي،ثم إبنه محمد،و الصادقان علي و الحسن،و الحجة القائم،المنتظر في غيبته، فإنهم عترتي من دمي و لحمي،علمهم علمي،و حكمهم حكمي،من آذاني فيهم فلا أناله اللّه تعالى شفاعتي»(1).

ص:39


1- (1) و روى الحديث ايضا-مع اختلاف يسير في بعض الفاظه-الجويني الشافعي في كتابه (فرائد السمطين)ج 2 ص 217 طبع لبنان سنة 1400 ه. و رواه الحاكم الحسكاني الحنفي في(شواهد التنزيل)ج 1 ص 59،و ج 2 ص 211.طبع لبنان 1393 ه. و رواه الشيخ الصدوق في معاني الاخبار ص 114،طبع النجف،و رواه ايضا الشيخ الطوسي في المجلد الثاني من(الامالي)ص 131.

و بعد هذه الأحاديث التي يصعب إحصاؤها ستعرف التفاصيل الواردة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الإمام المهدي(عليه السلام)و أنّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)كان يركّز على هذا الموضوع في مناسبات عديدة،إتماما للحجّة و لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة، و اهتماما منه بضرورة هذا الإعتقاد.

ص:40

الفصل الثالث

اشارة

البشائر في القرآن

بالامام المهدي«عليه السّلام»

القرآن الكريم،كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.

فيه تبيان كلّ شيء،لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين،ما فرّطنا في الكتاب من شيء،و هو آخر الكتب السماوية،كما أنّ الإسلام آخر الأديان.

أترى القرآن يسكت عن هذا الحادث الجلل الذي يعتبر تبدّلا عظيما في الحياة؟!.

القرآن الذي أخبر عن غلبة الروم على الفرس،و عن قيام دولة اليهود بالتعاون مع الدول الكبرى(1).

القرآن الذي أخبر عن يأجوج و مأجوج و مصيرهما في المستقبل.

القرآن الذي أخبر عن إمكانية غزو الفضاء بقوله تعالى:يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ (2)

أترى القرآن لا يخبر عن ظهور الإمام المهدي و استيلائه على الحكم؟

ص:41


1- (1) صربت عليهم الذلّة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللّه و حبل من الناس.سورة آل عمران 112
2- (2) سورة الرحمن الآية 33.

كلاّ،إنّ القرآن الحكيم أخبر عن الامام المهدي(عليه السلام)و قيام حكومته في مواضع عديدة و آيات متعدّدة.

و هذه الآيات مأوّلة بالإمام المهدي و ظهوره كما صرّح بذلك أئمة أهل البيت(عليهم السلام)الذين أنزل القرآن في بيوتهم،و أهل البيت أدرى بما في البيت.

و إليك بعض تلك الآيات:

الآية الأولى:وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ،وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ .

(1)

في نهج البلاغة ج 3 قال علي(عليه السلام):لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها،و تلا(عليه السلام)-عقيب ذلك- قوله تعالى:وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ .

قال ابن أبي الحديد في شرحه:إن أصحابنا يقولون:إنه وعد بإمام يملك الأرض و يستولي على الممالك.

أقول:هذا الحديث مروي بطرق عديدة عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)،و لعلّ الحديث يحتاج الى شيء من الشرح:«لتعطفن»يقال:

عطفت الناقة على ولدها أي حنّت عليه و درّ لبنها،«شماسها»يقال:شمس

ص:42


1- (1) سورة القصص آية 5 و 6.

الفرس يشمس:أي إستعصى على راكبه و منع ظهره من الركوب، «الضروس»:الناقة السيئة الخلق،تعضّ حالبها(1).

و معنى كلامه(عليه السلام):ان الدنيا تقبل على أهل البيت (عليهم السلام)بعد الجفاء الطويل و المكاره الكثيرة،و المقصود:قيام حكومة أهل البيت و إنتصاراتهم على أعدائهم،و تذلّل جميع الصعوبات التي وقفت حجر عثرة في طريق نهضتهم المقدّسة،و تسهل لهم الدنيا بعد صعوبتها،و تحلو بعد مرارتها،و تخضع بعد تمرّدها،و تنقاد بعد عصيانها.

و عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام):قال:المستضعفون في الأرض،المذكورون في الكتاب،الذين يجعلهم اللّه أئمة:نحن أهل البيت،يبعث اللّه مهديّهم فيعزّهم و يذلّ عدوّهم(2).

و الآن-بعد أن وصل الكلام الى الآيات المأوّلة بالإمام المهدي (عليه السلام)-أرى من الأفضل أن أذكر كلمة موجزة عن التأويل، ليكون القاريء النبيه على مزيد من الإطّلاع،و المعرفة بمعنى التأويل:

التأويل:إرجاع الكلام و صرفه عن معناه الظاهري الى معنى أخفى منه(3)،و هكذا تأويل الرؤيا و الأحلام أي الشيء الذي ترجع اليه الرؤيا، فمثلا:رأى يوسف(عليه السلام)أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رآهم له

ص:43


1- (1) «مجمع البحرين»للطريحي.
2- (2) بحار الأنوار للمجلسي ج 51 ص 63،باب الآيات المأوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام).
3- (3) المصدر:«مجمع البحرين»للطريحي،مادة،أوّل.

ساجدين،و بعد سنين طويلة لما ذهب يعقوب و أولاده الى مصر،قال تعالى:

وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً،وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ،قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا (1).و نفس هذا الكلام يأتي في تأويل الأحلام و المنامات،فقد قال يوسف(عليه السلام)للشابّين الذين رأى كل منهما رؤيا،قال لهما:لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ (2).و قال علي(عليه السلام)في حديثه عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) و تعلّمه العلوم منه-:«ما من آية إلاّ و علّمني تأويلها»أي معناها الخفي.

أعود الى حديثي عن الآية الشريفة-التي سبقتها آية تتحدّث عن فرعون و جرائمه-فقال عزّ و جل:وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ. فالمعنى الظاهري هو أن اللّه تعالى يعيد لبني إسرائيل عزّهم و كرامتهم و يهلك فرعون و وزيره هامان و جنودهما.

و لكن تأويل الآية-أي معناها الخفي غير المعنى الواضح الجليّ-هو أن المقصود من المستضعفين في هذه الآية:هم آل محمد(عليهم السلام)فقد استضعفهم الناس و ظلموهم و قتلوهم و شرّدوهم و صنعوا بهم ما صنعوا،و قد قال لهم رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«أنتم المستضعفون بعدي»،و لا أراني بحاجة إلى إثبات هذه الحقيقة،فالتاريخ الإسلامي يشهد و يصرّح بل و يصرخ بأعلى صوته بأنّ آل محمد(عليهم السلام)إستضعفهم الناس من يوم فارق رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)هذه الحياة،و لو

ص:44


1- (1) سورة يوسف/آية 100.
2- (2) سورة يوسف/آية 37.

راجعت كتاب(مقاتل الطالبيّين)و غيره من الكتب لوجدت-هناك-أنواع المصائب و المآسي و النوائب التي انصبّت على آل رسول اللّه(عليهم السلام)، لأن أصحاب السلطة و القدرة استضعفوا هذه الذرّية الطاهرة فصنعوا بهم ما شاءت نفوسهم الممتلئة بالحقد و الجبروت،حتى وصل الأمر إلى أن الناس كانوا يهدون رؤوس آل محمد إلى الحكّام تقرّبا اليهم و تفريحا لقلوبهم،كما فعل ذلك جعفر البرمكي و غيره،و أيّ إستضعاف أشد من هذا؟!.

و لكنّ اللّه تعالى قد تعلّقت ارادته أن يتفضّل على هذه الذرية الطاهرة المظلومة-عبر التاريخ-و على أتباعهم و شيعتهم المضطهدين الذين كانوا و لا يزالون يعيشون تحت الضغط و الكبت و الذلّ و الهوان،المحرومين من أبسط حقوق البشر،الذين سلبتهم السلطات كل حرية و كل كرامة،أن يتفضّل عليهم بحكومة تشمل الكرة الأرضية و من عليها و ما عليها.

حكومة حدودها القطبان المنجمدان الشمالي و الجنوبي،و جميع المحيطات المترامية الأطراف،و هي الحكومة الوحيدة التي تحكم الأرض و من عليها،بلا مزاحم أو منافس،و تكون لهم السلطة التامة و القدرة الكاملة،و سيأتيك التفصيل..بل التفاصيل قريبا إن شاء اللّه.

و ختاما للبحث و التحدّث عن هذه الآية يمكن أن نقول:من الممكن أن يستفاد هذا التأويل من نفس ظاهر الآية،و من قوله تعالى:

وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ بلفظ المستقبل،لأنّ نزول الآية كان بعد آلاف السنين من عصر موسى(عليه السلام)و فرعون،و كان من الممكن أن يقول سبحانه:و أردنا أن نمنّ.أو:مننّا على الذين استضعفوا.كما

ص:45

قال في مكان آخر،بل في أمكنة أخرى:لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً (1).

كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ (2).

وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (3).

وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وَ هارُونَ (4).

ذكر اللّه تعالى هذه الآيات بلفظ الماضي،و هنا ذكرها بلفظ المستقبل فقال:و نريد أن نمنّ.

و هكذا قوله تعالى:وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ فإنّه تعالى لم يقل:و أرينا فرعون و هامان.

و هكذا قوله سبحانه:نُرِيدُ ونَجْعَلَهُمْ ونَجْعَلَهُمْ أيضا،ونُمَكِّنَ ونُرِيَ حيث جاءت جميع هذه الألفاظ الستّة بصيغة المستقبل لا الماضي.

و لعلّ قائلا يقول:إنّ فرعون و هامان و جنودهما كانوا قد هلكوا قبل نزول الآية بآلاف السنين،فكيف يمكن تأويل الآية الى المستقبل؟

ص:46


1- (1) سورة آل عمران آية 164.
2- (2) سورة النساء آية 94.
3- (3) سورة طه آية 37.
4- (4) سورة الصافات آية 114.

الجواب:لقد صار إسم(فرعون)رمزا لكلّ سلطان متجبّر جائر يتجاوز في ظلمه،فلكلّ عصر فرعون،و لكلّ امّة فراعنة.

و قد روي عن الإمام محمد الباقر و الإمام جعفر الصادق(عليهما السلام)-في تأويل هذه الآية-أنّ المراد منفِرْعَوْنَ وَ هامانَ -في هذه الآية-هما رجلان من جبابرة قريش،يحييهما اللّه تعالى عند ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)-في آخر الزمان-فينتقم منهما بما أسلفا(1).

وَ جُنُودَهُما أتباع الرجلين،الذين تعاونوا معهما،و ساروا على خطّهما،و أحيوا ذكرهما.

الآية الثانية:وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ،وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ،وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً،وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ .

(2)

هذه الآية من جملة الآيات المأوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام)، و معنى الآية-على الظاهر-:أنّ اللّه تعالى وعد المؤمنين من هذه الأمّة، الصالحين بأن يجعلهم يخلفون من قبلهم،أي يجعلهم مكان من كان قبلهم في الأرض،و من الطبيعي أنّ البشر لا يعيش إلاّ في الأرض أي في الكرة الأرضية

ص:47


1- (1) كتاب البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني.في تفسير الآية.
2- (2) سورة النور/آية 55

برّا أو بحرا،أي يورثهم اللّه أرض الكفّار من العرب و العجم،و يجعلهم اللّه تعالى يتصرّفون في الأرض و يحكمون فيها كما استخلف اللّه تعالى بعض أوليائه من قبل،و أعطاهم السلطة و الإمكانيات و القدرة في تطبيق دين اللّه الذي ارتضاه لهم،و تتبدّل حالة خوفهم الى حالة الأمن و الأمان،لا يخافون أحدا إلاّ اللّه،و لا يقدر عليهم أحد من أصحاب القدرة و السلطة،يعبدون اللّه تعالى بلا خوف و لا تقيّة من أحد،و يتجاهرون بالحق بكل وضوح.

و خلاصة البحث:أنّ اللّه تعالى وعد المؤمنين الصالحين من هذه الأمّة بمجتمع طاهر من كل رجس،و حياة طيبة مقدسة فاضلة،هذا هو المعنى الظاهري للآية الكريمة.

أقول:إنّ هذا الوعد الإلهي-المؤكّد بلام القسم ثلاث مرات؟ و بنون التأكيد ثلاث مرات ايضا-لم يتحقق الى يومنا هذا،و متى كان المؤمنون الصالحون يتمكّنون من الحكم على الناس و تطبيق الإسلام بكل حرية،و بلا خوف من أحد؟!.

و من هم المؤمنون الذين عملوا الصالحات الذين وعدهم اللّه تعالى بهذا الوعد العظيم؟!.

و لو راجعت تاريخ الإسلام و المسلمين منذ طلوع فجر الإسلام الى يومنا هذا لعلمت علم اليقين أنّ وعد اللّه تعالى لم يتحقّق خلال ألف و أربعمائة سنة.

إنني لا أظن أنّ مسلما منصفا يقبل ضميره بأن يكون المقصود من الذين آمنوا و عملوا الصالحات هم الأمويون،أو العباسيون،لأن التاريخ المتفق عليه

ص:48

بين المسلمين-بل و غير المسلمين-يشهد بأنّ الأمويين و العباسيين إرتكبوا أعظم الجرائم،و أراقوا دماء أولياء اللّه،و هتكوا حرمات اللّه،و كانت قصورهم مليئة بأنواع الفجور و المنكرات،و لو أردنا تفصيل تلك الجرائم و وضع النقاط على الحروف لخرج الكتاب عن اسلوبه المقصود و موضوعه المطلوب.

و بعد هذا...متى تمكّن دين اللّه-الذي ارتضاه لعباده-في الأرض؟ حتى يتحقق قوله تعالى:وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ.

إنّ الدين الإسلامي كان و لا يزال مهجورا ضعيفا يحاربه كل من يستطيع محاربته،إذهب الى بلاد الصين أو الإتحاد السوفيتي أو بعض البلاد الإفريقية و الأوروبية حتى تعرف الخوف المستولي على البقيّة الباقية من المسلمين، و الإضطهاد الذي شملهم من جميع جوانب حياتهم،و في بعض البلاد اللاّدينية يعتبر إقتناء القرآن أعظم جريمة يستحق الإنسان عليها أعظم العقوبات و أشد أنواع التعذيب،و لا تسأل عن عشرات الملايين من المسلمين الذين قتلوا لأنّهم مسلمون و هذا ذنبهم الوحيد،ففي بلاد الصين و الإتحاد السوفيتي، و يوغوسلافيا أقيمت المذابح و المجازر الرهيبة و سالت دماء المسلمين،و حتى اليوم يعاني المسلمون في الفيليبين أنواع الضغط و الكبت و الحرمان،و في فيتنام لا يعلم أحد إلاّ اللّه عدد المسلمين الذين قتلهم الشيوعيون،و لا تسأل عن عشرات الآلاف من المساجد التي انقلبت الى اصطبلات و مخازن و مسارح و كنائس،فمتى تحقّق وعد اللّه؟!.

من الممكن أن يقول قائل:بأن الإسلام تمكّن في الجزيرة العربية و بلاد الشرق الأوسط و كثير من البلاد و خاصة في عهد الفتوحات الإسلامية.

ص:49

نجيب على هذا السؤال بما يلي:

نحن لا ننكر ذلك،فالإسلام كان يحكم على المدينة المنوّرة في عهد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)إذن فما معنى هذا الوعد الإلهي الذي يقول:وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ الى آخر الآية؟.

إن معنى هذا الوعد أنّ الإسلام يحكم على الأرض أي على الكرة الأرضية،و المسلمون يقيمون الطقوس و الشعائر الدينية بلا خوف و لا تقية، و أنّ جميع المناطق المعمورة و المسكونة يسودها الإسلام فقط و لا غير، و هذا لم يتحقق الى هذا اليوم.

إن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)ذكروا في تأويل هذه الآية الكريمة أنّ الوعد الإلهي يتحقق عند ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)،و ستعرف في هذا الكتاب أن الأحاديث المتواترة تصرّح بأنّ هذه الآية ستنطبق على عصر الإمام المهدي(عليه السلام)،و اليك بعض تلك الأحاديث.

في تفسير مجمع البيان للطبرسي و تفسير العيّاشي و غيرهما عن الإمام علي إبن الحسين(عليه السلام):أنّه قرأ الآية و قال:هم و اللّه شيعتنا أهل البيت،يفعل اللّه ذلك بهم على يد رجل منّا،و هو مهديّ هذه الأمّة،و هو الذي قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي،إسمه إسمي،يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا(1).

ص:50


1- (1) مجمع البيان للطبرسي ج 7،ص 152.

و روي نفس هذه الكلام عن الإمامين:الباقر و الصادق(عليهما السلام).

ثم قال الطبرسي:فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا و عملوا الصالحات:النبي و أهل بيته(صلوات الرحمن عليهم)و تضمّنت الآية البشارة لهم بالإستخلاف،و التمكّن في البلاد،و ارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي(عليه السلام).

و أضاف قائلا:و على هذا إجماع العترة الطاهرة،و إجماعهم حجّة،لقول النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«إني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»،و أيضا فإن التمكن في الأرض على الإطلاق لم يتّفق فيما مضى،فهو منتظر،لأنّ اللّه(عزّ إسمه)لا يخلف وعده(1).

الآية الثالثة:وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ

(2)

.ان كان المفسّرون قد اختلفوا في معنى الزبور،و معنى الذكر في هذه الآية،فليس الإختلاف جوهريّا،سواء كان المقصود من الزبور -هنا-هو الكتاب السماوي المنزّل على نبي اللّه داود(عليه السلام)،أو كان المقصود من الزبور هو جنس ما أنزل اللّه على الأنبياء من الكتب،و سواءا كان المقصود من الذكر في هذه الآية التوراة أو القرآن أو اللوح المحفوظ،فالمعنى-

ص:51


1- (1) مجمع البيان ج 7 ص 152.
2- (2) سورة الأنبياء/آية 105

على حدّ قول المفسّرين-:و لقد كتبنا في الكتب التي أنزلناها على الأنبياء أو في الزبور الذي نزل على داود(عليه السلام)من بعد كتابته في الذكر-أي في أمّ الكتاب الذي في السماء و هو اللوح المحفوظ أو التوراة أو القرآن-:أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون.

و قد روى الطبرسي و غيره في تفسير الآية عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام)أنه قال:هم اصحاب المهدي (عليه السلام)في آخر الزمان.

أقول:إنّ الموضوع الذي كتبه اللّه تعالى في الزبور-بجميع معانيه-و في الذكر ينبغي أن يكون موضوعا له غاية الأهمية،و خاصة بعد الإنتباه الى كلمة (لقد)و(أنّ)المستعملة للتحقيق و التأكيد،فإن كان المفسّرون ذكروا أنّ المقصود من(الأرض)في هذه الآية أرض الجنة ليكون المعنى:أنّ عباد اللّه الصالحين يرثون أرض الجنة،أو المقصود هي الأرض المعروفة ترثها الأمة الاسلامية بالفتوحات فهذا معنى التنزيل.

و أما التأويل-و قد ذكرنا معناه-فيكون المعنى أن عباد اللّه الصالحين يحكمون الأرض كلها،و قد روى الشيخ الطوسي(عليه الرحمة)في التبيان في تفسير الآية عن الإمام الباقر(عليه السلام):أن ذلك وعد اللّه للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض(1).

ص:52


1- (1) تفسير التبيان ج 7 ص 252.

و هذه الآية تشبه الآية السابقة من حيث المعنى،حيث يقول تعالى:

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ و ما أجمل التعبير بالإرث و الإستخلاف في هاتين الآيتين،فالإرث إنتقال المال من الميت الى الحي،و الإستخلاف جعل هذا مكان ذاك عوضا منه و بدلا عنه.

الآية الرابعة:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

(1)

لقد تكرّرت هذه الآية في القرآن ثلاث مرات،مما يدلّ على أهمية الموضوع.

و لقد تكرّر منّا الكلام حول التنزيل و التأويل،و هذه الآية أيضا لها تنزيل و تأويل،فالتفسير أو التنزيل للآية:أنّ اللّه تعالى أرسل رسوله محمدا «بالهدى»من التوحيد و إخلاص العبادة،«و دين الحق»و هو دين الإسلام «ليظهره»الظهور-هنا-:العلو بالغلبة بكل وضوح،قال تعالى:

كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً (2)أي يغلبوكم و يظفروا بكم.

فمعنى:«ليظهره على الدين كلّه»أي يعلو و يغلب دين الحق على جميع الأديان،فإن كان هذا الكلام قد تحقق و كانت الإرادة الإلهية قد تنجزّت فالمعنى

ص:53


1- (1) سورة التوبة/آية 33
2- (2) سورة التوبة/آية 8.

أنّ اللّه تعالى قد أدحض و زيّف جميع الأديان الباطلة و الملل و الشرائع المنحرفة، زيّفها بالقرآن و بالإسلام،و بعبارة أوضح:إنّ الإسلام قد أبطل و نسخ جميع الأديان،و ردّ على كل ملحد أو زنديق و على كل من يعبد شيئا غير اللّه.

أمّا إذا أردنا أن نتحدث عن الآية على ضوء التأويل،فإنّ هذا الهدف الإلهي لم يتحقق بعد،فالمسلمون عددهم أقل من ربع سكّان الأرض،و البلاد الإسلامية تحكمها قوانين غير إسلامية،و الأديان الباطلة تنبض بالحياة و النشاط،و تتمتع بالحرية،بل تجد المسلمين في بعض البلاد أقلية مستضعفة لا تملك لنفسها نفعا و لا ضرّا،إذن فأين غلبة الحق على الباطل،و اين قوله تعالى:

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ و في ايّ زمان تحقق هذا المعنى؟.

إنّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام)ذكروا في تأويل الآية أنها تتعلق بعصر الإمام المهدي(عليه السلام)و ظهوره.

و أما الأحاديث الواردة في تأويل الآية فإليك بعضها:

في كتاب مجمع البيان-في تفسير الآية-عن عبابة أنه سمع أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أظهر ذلك بعد؟قالوا:نعم.قال(عليه السلام):كلاّ، فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلاّ و ينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا اللّه بكرة و عشيا(1).و في تفسير البرهان:فلا،و الذي نفسي بيده حتى لا تبقى

ص:54


1- (1) مجمع البيان ج 9 ص 280.

قرية إلاّ و نودي فيها:بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا رسول اللّه بكرة و عشيا(1).

و في تفسير البرهان-أيضا-عن ابن عباس في قوله(عزّ و جل):

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قال:لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي و لا نصراني و لا صاحب ملّة(2)إلاّ صار الى الإسلام،حتى تأمن الشاة و الذئب(3)و البقرة و الأسد،و الإنسان و الحيّة،حتى لا تقرض فارة جرابا(4)و حتى توضع الجزية(5)و يكسر الصليب(6)و يقتل الخنزير،و هو قوله تعالى:

ص:55


1- (1) تفسير البرهان ج 4 ص 329.
2- (2) الملّة:الشريعة أو الدين.كما في القاموس،و مجمع البحرين.
3- (3) أي تأتلف بعضها مع بعض،فلا الذئب يبطش و يأكل الشاة،و لا الشاة تخاف من الذئب، و نفس هذا الكلام في البقرة و الأسد و الإنسان و الحيّة؛و سيأتي بيان و شرح ذلك في فصل(حياة المجتمع في عصره)من هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى.
4- (4) الجراب:كيس من جلد،توضع فيه الحبوب و الدقيق،و ما أشبه،و لعل قوله(عليه السلام)إشارة إلى عدم وقوع أيّ نوع من أنواع الفساد و الإفساد و الخراب.
5- (5) وضع الجزية:إلغاؤها،و الجزية:مبلغ من المال يدفعه اليهود و النصارى و المجوس-في كل سنة-إلى الدولة الإسلامية إزاء منحها إياهم الصيانة لأنفسهم و أموالهم و أعراضهم،و ذلك بشروط خاصة مذكورة في الكتب الفقهية،و عند ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)يدخل الذين تجب عليهم الجزية في دين الإسلام فتلغى عنهم الجزية نهائيا.
6- (6) الصليب:شيء معروف،و هو شعار النصارى،ينصبونه على كنائسهم و مدارسهم و مستشفياتهم،و يعلّقونه على صدورهم.و الصليب يرمز الى صلب المسيح و قتله،مع العلم أنّ اللّه تعالى يقول في القرآن الكريم:وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ و كلام اللّه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،فالصليب يناقض كلام اللّه و يعتبر رمزا لتكذيب القرآن،

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و ذلك يكون عند قيام القائم(عليه السلام)(1).

و في تفسير البرهان عن كتاب الكافي عن أبي الفضيل عن الإمام أبي الحسن الكاظم(عليه السلام)،قلت:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ؟قال(عليه السلام)؛هو أمر اللّه رسوله بالولاية و الوصية،و الولاية:هي دين الحق.قلت:لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ؟ قال(عليه السلام):يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (عليه السلام)(2).

و روى القندوزي الحنفي في كتابه(ينابيع المودّة)و شيخنا المجلسي (رضوان اللّه عليه)في كتابه(بحار الأنوار)عن الإمام الصادق(عليه السلام)في تفسير الآية حديثا،أما ما ذكره القندوزي فهو كما يلي:

قال(عليه السلام):و اللّه ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي (عليه السلام)فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه،و لا يبقى كافر إلاّ قتل...الى آخر الحديث(3).

ص:56


1- (1) تفسير البرهان ج 4 ص 329.
2- (2) تفسير البرهان ج 4 ص 330.
3- (3) المهدي في القرآن ص 62.

و أما ما ذكره المجلسي:فعن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه -الصادق-(عليه السلام)عن قوله تعالى في كتابه:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فقال(عليه السلام):و اللّه ما أنزل تأويلها بعد.قلت:جعلت فداك و متى ينزل؟ قال:حتى يقوم القائم إن شاء اللّه فإذا خرج القائم لم يبق مشرك...إلى آخر الحديث(1).

أقول:نكتفي بهذا المقدار من الآيات البّينات المأوّلة بالإمام المهدي (عليه السلام)و الأحاديث الواردة حول تلك الآيات،و من اللازم أن أقول:

بأني لم أذكر من الآيات إلاّ القليل الأقل منها،فإنّ الآيات المأوّلة بالإمام المهدي -حسب ما ورد في الأحاديث-كثيرة جدّا و قد جمع بعضها العلاّمة المعاصر السيد صادق الشيرازي في كتاب سمّاه:(المهدي في القرآن) فإنه ذكر(106)من الآيات المأولة بالإمام المهدي(عليه السلام)و قد نقلها عن مصادر أهل السنّة فقط،و لو أردنا إستعراض تلك الآيات و الأحاديث الواردة في تأويلها لطال بنا الكلام،و في هذا المقدار كفاية إن شاء اللّه.

ص:57


1- (1) بحار الأنوار ج 51 ص 60.

الفصل الرابع

البشائر في الأحاديث النبويّة

بالامام المهدي«عليه السّلام»

إنّ الأحاديث المرويه عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الإمام المهدي(عليه السلام)تشكّل أكبر طائفة و أكثر كميّة من مجموع الأحاديث و البشائر بالإمام المهدي(عليه السلام)و قد ذكرنا بعضها-فيما مضى-و نذكر بعضها في المستقبل.

و من العجيب أنّ أكثر الأحاديث الموجودة في كتب أهل السنّة حول الإمام المهدي(عليه السلام)مرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)بأسانيد متعدّدة و مضامين متنوّعة

فتارة يبشّر رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)المسلمين بالإمام المهدي(عليه السلام)في ضمن الأئمة الإثني عشر،و أنه هو الثاني عشر، و تارة أخرى يخبر عنه أنه من ولد فاطمة الزهراء(سلام اللّه عليها)،و أنه من صلب الحسين،و أنه الإمام التاسع من ولد الحسين(عليه السلام).

و ستعرف في هذا الفصل و الفصول الآتية أنّ الرسول(صلى اللّه عليه و آله و سلم)كان يخبر عن الإمام المهدي(عليه السلام)في مناسبات عديدة و مواقف كثيرة و مواطن حسّاسة جدا،مما يدل على أهمية الموضوع غاية الأهمية،و إلاّ فما الداعي الى هذا الإهتمام و الى هذه العناية بالموضوع،و الإلحاح و التكرار و التركيز في الإخبار عن الإمام المهدي(عليه السلام).

ص:58

الأحاديث المروية عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الإمام كثيرة جدا،و نقتطف بعضها رعاية لأسلوب الكتاب:

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي لإثنا عشر،أوّلهم أخي و آخرهم ولدي.قيل:يا رسول اللّه و من أخوك؟قال:

علي بن أبي طالب.قيل:و من ولدك؟قال:المهدي الذي يملؤها-أي يملأ الأرض-قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح اللّه عيسى بن مريم فيصلي خلفه،و تشرق الأرض بنور ربها، و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب(1).

2-عن حذيفة قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):

المهدي رجل من ولدي،وجهه كالكوكب الدرّي(2).

3-عن حذيفة أيضا قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) المهدي رجل من ولدي،وجهه كالكوكب الدرّي،اللون لون عربي،و الجسم جسم إسرائيلي،يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،يرضى في خلافته أهل السماء،و الطير في الجو،يملك عشرين سنة(3).

ص:59


1- (1) فرائد السمطين للجويني ج 2؛و كذلك في كتاب بحار الأنوار ج 51 ص 71.
2- (2) كنز العمال ج 7.الكوكب الدرّي.هو الثاقب المضيء الشديد الإنارة،نسب إلى الدرّ لبياضه و شدة توقّده و تلألأه،قال تعالى:اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.
3- (3) المصدر:عقد الدرر،في الباب الثالث.

4-عن الإمام محمد بن علي الباقر عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(صلوات اللّه عليهم اجمعين)قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):المهدي من ولدي،يكون له غيبة،و حيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء(عليهم السلام)فيملؤها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما(1).

5-روى القندوزي الحنفي عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليهم السلام)قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):المهدي من ولدي،إسمه إسمي، و كنيته كنيتي،و هو أشبه الناس بي خلقا و خلقا،يكون له غيبة و حيرة في الأمم حتى تضل الخلق عن أديانهم،فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا(2).

6-روى المجلسي عن الشيخ المفيد عن أبي أيوب الانصاري قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)-لفاطمة-(في مرضه):و الذي نفسي بيده لا بدّ لهذه الأمة من مهدي،و هو و اللّه من ولدك(3).

7-عن مكحول عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)قال:قلت يا رسول اللّه أمنّا-آل محمد-المهدي أم من غيرنا؟فقال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):لا،بل منّا،بنا يختم اللّه الدين كما فتح اللّه بنا،و بنا

ص:60


1- (1) فرائد السمطين.
2- (2) ينابيع المودّة.
3- (3) بحار الأنوار ج 51 ص 67.

ينقذون عن الفتنة كما أنقذوا من الشرك،و بنا يؤلّف اللّه بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما ألّف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك،و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما اصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا(1).

إنّ سؤال الإمام أمير المؤمنين من رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) من قبيل تجاهل العارف،فهو يسأل عما يعلم و كأنّه لا يعلم و ذلك لغرض يقصده،و هذا النوع من الكلام وارد في القرآن و الأحاديث بل و في العرف أيضا قال تعالى:وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى.

8-عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه(عليهم السلام)قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):

القائم من ولدي،إسمه إسمي،و كنيته كنيتي،و شمائله شمائلي(2)،و سنّته سنّتي،يقيم الناس على ملّتي و شريعتي،و يدعوهم الى كتاب اللّه عزّ و جل، من أطاعه أطاعني،و من عصاه عصاني،و من أنكره في غيبته فقد أنكرني، و من كذّبه فقد كذّبني،و من صدّقه فقد صدقني،الى اللّه أشكو المكذّبين لي في أمره،و الجاحدين لقولي في شأنه،و المضلّين لأمتّي عن طريقته،و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون(3).

9-عن إبن عباس قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):علي بن أبي طالب إمام أمتّي،و خليفتي عليهم بعدي،و من ولده

ص:61


1- (1) بحار الأنوار ج 51،رواه عن إكمال الدين للشيخ الصدوق.
2- (2) الشمائل:الأخلاق و الطبائع.
3- (3) بحار الأنوار ج 51.

القائم المنتظر الذي يملأ اللّه(عزّ و جل)به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما،و الذي بعثني بالحق بشيرا:إنّ الثابتين على القول به-في زمان غيبته- لأعزّ-أيّ أقلّ و أندر-من الكبريت الأحمر.فقام اليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه و للقائم من ولدك غيبة؟فقال:إي و ربيّ وَ لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ يا جابر إنّ هذا لأمر من أمر اللّه، و سرّ من سرّ اللّه،مطوي-أي مستور-عن عباده،فإياك و الشك في أمر اللّه فهو كفر(1).

10-عن أبي سعيد الخدري-في حديث طويل-قال:قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)-لفاطمة-:يا بنيّة:إنا أعطينا-أهل البيت-سبعا لم يعطها أحد قبلنا:

1-نبيّنا خير الأنبياء،و هو أبوك.

2-و وصيّنا خير الأوصياء و هو بعلك.

3-و شهيدنا خير الشهداء و هو عمّ أبيك حمزة.

4-و منّا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة و هو إبن عمّك جعفر.

5 و 6-و منّا سبطا هذه الأمة و هما إبناك الحسن و الحسين.

7-و منّا-و اللّه الذي لا إله إلاّ هو-مهدي هذه الأمة،الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم،ثم ضرب بيده على منكب الحسين(عليه السلام)فقال:

من هذا،ثلاثا2.أي قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«من هذا»ثلاث

ص:62


1- (1و2) بحار الانوار ج 51.

مرات.و في كتاب(البيان)للشافعي الكنجي،:قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):من هذا مهدي هذه الأمّة.

11-عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):ينزل عيسى بن مريم(عليه السلام)فيقول أميرهم المهدي:تعال صلّ بنا،فيقول:ألا:إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من اللّه عزّ و جلّ لهذه الأمّة(1).

12-في كتاب فرائد السمطين،عن الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام)قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«من أحبّ أن يتمسّك بديني و يركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب،و ليعاد عدوّه،و ليوال وليّه،فإنه وصيّي و خليفتي على أمتّي، في حياتي و بعد وفاتي،و هو إمام كل مسلم،و أمير كل مؤمن بعدي،قوله قولي،و أمره أمري،و نهيه نهيي،و تابعه تابعي،و ناصره ناصري،و خاذله خاذلي؛

ثم قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):من فارق عليا بعدي لم يرني و لم أره يوم القيامة،و من خالف عليا حرّم اللّه عليه الجنة و جعل مأواه النار،و من خذل عليا خذله اللّه يوم يعرض عليه،و من نصر عليا نصره اللّه يوم يلقاه،و لقّنه حجّته عند المسألة.

ثم قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):الحسن و الحسين إماما أمتّي بعد أبيهما،و سيّدا شباب أهل الجنة،أمّهما سيدة نساء العالمين،و أبوهما سيد

ص:63


1- (1) الأربعين للحافظ أبي نعيم.

الوصيّين،و من ولد الحسين تسعة أئمة،تاسعهم القائم من ولدي،طاعتهم طاعتي،و معصيتهم معصيتي،

الى اللّه أشكو المنكرين لفضلهم،و المضيّعين لحرمتهم بعدي،و كفى باللّه وليا و ناصرا لعترتي و أئمة أمتي،و منتقما من الجاحدين حقّهم،و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون».

13-و قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم)-في خطبة يوم الغدير و بحضور 120 ألف مسلم-:«...معاشر الناس:النور من اللّه عز و جل،فيّ مسلوك،ثمّ في علي،ثم في النسل منه الى القائم المهدي، الذي يأخذ بحقّ اللّه و بكلّ حق هو لنا...الى آخر الخطبة الشريفة(1).

لقد مرّ عليك-في الأحاديث النبوية-أنّ الرسول(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يحلف باللّه،و يقول:«و الذي بعثني بالحق بشيرا»أو«و الذي نفسي بيده»أو«منّا-و اللّه الذي لا إله إلاّ هو-مهدي هذه الأمّة»كل ذلك تأكيدا لهذه الحقيقة،و تثبيتا للموضوع،و لا يكتفي الرسول الصادق الأمين (صلى اللّه عليه و آله و سلم)بهذا حتى يقول:لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد...و يقصد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أنّ هذا الأمر كائن قطعا و بلا شك،و حتى إذا طالت الأزمنة،بل و حتى لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد فلا بدّ و أن يظهر الإمام المهدي(عليه السلام)و هذا منتهى المبالغة في التأكيد

ص:64


1- (1) كتاب الاحتجاج للطبرسي.

و التحقيق.

و قد سمعت و قرأت أنّ الرسول(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يتحدّث عن الإمام المهدي بأنه يملأ الأرض قسطا و عدلا،بعد ما ملئت ظلما و جورا.

و لهذه الكلمة تحقيق و شرح يأتيك في المستقبل القريب.

و أما ذكر الظلم و الجور معا،و القسط و العدل معا-كما مرّ عليك في الأحاديث-فمن الممكن أن يكون المقصود من قوله:«تملأ ظلما و جورا» إنتشار الظلم من عامة الناس،و إنتشار الجور من الحكّام.و أن يكون المقصود من قوله:«يملؤها قسطا و عدلا»القسط من الحكّام و العدل من عامة الناس، و سيأتيك مزيد من التفصيل في فصل:حياة المجتمع في عصره.

و قد مرّ عليك كلام رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الإمام المهدي(عليه السلام):«اللون لون عربي و الجسم جسم إسرائيلي»أي أنه مثل بني إسرائيل في طول القامة،فإن الكثير من الساكنين في بلاد الأردن و فلسطين طوال القامة و هم من بقايا بني إسرائيل،أي من ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن(عليهم السلام)و ليس جسمه(عليه السلام)كأجسام اليابانيين أو أهل الصين أو ساكني بلاد شرق آسيا،فإنّ أجسامهم-على الأغلب-قصيرة أو متوسطة.

ص:65

الفصل الخامس

اشارة

البشائر في أحاديث الأئمّة الطّاهرين«عليهم السلام»

بالإمام المهدي«عليه السّلام»

تجد في موسوعات الأحاديث(كالكافي و البحار و غيرهما)طائفة كثيرة من البشائر التي رويت عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)بالإمام المهدي (عليه السلام)في شتّى المناسبات مما يدل على إهتمام الأئمة(عليهم السلام) بهذا الموضوع،بل على أهمية الموضوع.

و لا نريد-هنا-البحث عن علم الإمام و كيفية إخباره عن المستقبل، و لكنّنا نكتفي-هنا-بكلمة واحدة و فيها الكفاية:

أقول:الأحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) حول الإمام المهدي(عليه السلام)المذكورة في كتب الشيعة و السنّة تبلغ المئات،و كذلك الأخبار و الأحاديث المرويّة عنه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) حول المستقبل،القريب من عهده أو البعيد عنه،و حول آخر الزمان و تبدّل الأحوال،فقد أخبر(صلى اللّه عليه و آله و سلم)عن حكومة الأمويين و العباسيين و غيرهما من الحوادث.

أقول:كل ما تقوله في تلك الأحاديث-أي في مصدر هذه الإخبارات عن المستقبل-نقوله نحن في الإخبارات الواردة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)حول الملاحم و الفتن بصورة عامة و حول الإمام المهدي(عليه

ص:66

السلام)بصورة خاصة،فإن كان مستقى علم النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)هو الوحي فكذلك الأئمة علومهم عن جدّهم عن جبرئيل عن اللّه تعالى،و ليس معنى ذلك علم الغيب فإنه خاص باللّه تعالى.

و قد ألّف علماؤنا المتقدّمون(رحمهم اللّه)و بعض المعاصرين كتبا كثيرة حول علم الإمام،و ذكرنا بعض تلك الأحاديث في الجزء الأول من كتابنا شرح نهج البلاغة،و كتاب:(فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد)في البحث عن مصحف فاطمة عليها السلام.

و خلاصة البحث:أنّ مصادر علومهم و منابع معلوماتهم متنوّعة و متعدّدة،فمنها:المسموعة و المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)،و منها:ما هو مذكور في كتاب علي و مصحف فاطمة(عليهما السلام)و منها:ما هو مذكور في الجفر الأحمر،و منها:ما هو من خصائص الإمام،و البحث يحتاج الى شيء من الشرح و التفصيل،و نرجو اللّه تعالى أن يوفّقنا لتأليف كتاب حول الموضوع يتضمّن شيئا من التفصيل و التحليل.

أعود الى حديثي حول البشائر الواردة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)حول الإمام المهدي(عليه السلام)فأقول:

حينما نراجع موسوعات الأحاديث الواردة عن أهل بيت النبوة(عليهم السلام)نجد فيها البشائر الواردة عن جميع الأئمة الأحد عشر(عليهم السلام)بالإمام المهدي،و هذا أيضا مما يدل على مدى إهتمام الأئمة الطاهرين و شدّة عنايتهم بهذا الموضوع،و خاصة بعد الإنتباه الى المواطن الحسّاسة و المواقف الفريدة التي نوّه الأئمة(عليهم السلام)بالإمام المهدي(عليه

ص:67

السلام)و أشادوا بذكره و إسمه،و من الطبيعي أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)-بالرغم من ظروفهم الخاصة-كانوا يبذلون ما أمكنهم من الجهود في تثبيت هذه الحقيقة على الصعيد العقائدي.

و لا عجب إذا كنت كميات الأحاديث الواردة عن الأئمة تختلف من حيث القلّة و الكثرة،و الإجمال و التفصيل،فالظروف كانت تختلف، و الحريات كانت تتفاوت حسب تبدّل الظروف السياسية التي كانت لا تسمح لنشر هذه الحقيقة بصورة مكشوفة،أو التحدّث عنها بصورة مفصّلة،و اليك نبذة من تلك الأحاديث المرويّة عن أئمة أهل البيت الصادقين(عليهم السلام):

ص:68

الامام أمير المؤمنين«عليه السّلام»

يبشّر بالإمام المهدي«عليه السّلام»

الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)باب مدينة علم الرسول،و هو أبو الأئمة و سيّد العترة،و قد إشتهر بين جميع المسلمين قوله (عليه السلام):«علّمني رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)ألف باب من العلم،يفتح لي من كل باب ألف باب»و قد أخبر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)عن حوادث جمّة و قضايا كثيرة جدّا،فقد أخبر(عليه السلام)عن إستيلاء معاوية بعده على البلاد الإسلامية(1)و أخبر-أكثر من مرة -عن شهادة الإمام الحسين(عليه السلام)في كربلاء،و خاصة حين مرّ بكربلاء قبل شهادة الحسين بأكثر من عشرين عاما(2)و أخبر عن الحكّام العباسيين،و بناء بغداد،ثم إنقراض العباسيين على أيدي المغول بقوله(عليه السلام):«الزوراء!و ما أدراك ما الزوراء؟أرض ذات أثل،يشيّد فيها البنيان،و تكثر فيها السكّان،و يكون فيها مخادم و خزّان،يتخذها ولد العباس موطنا،و لزخرفهم مسكنا،تكون لهم دار لهو و لعب،يكون بها الجور

ص:69


1- (1) قال(عليه السلام):«أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم،مندحق البطن،يأكل ما يجد،و يطلب ما لا يجد،فاقتلوه،و لن تقتلوه،ألا:و إنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي...إلى آخر الحديث».راجع نهج البلاغة ص 105، و بحار الأنوار ج 41 ص 317.
2- (2) راجع كتاب بحار الأنوار ج 41 ص 337،315،313،286.

الجائر،و الخوف المخيف،و الأئمة الفجرة،و الأمراء الفسقة،و الوزراء الخونة،تخدمهم أبناء فارس و الروم،لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه،و لا يتناهون عن منكر إذا نكروه،تكفي الرجال منهم بالرجال،و النساء بالنساء، فعند ذلك الغمّ العميم،و البكاء الطويل،و الويل و العويل لأهل الزوراء من سطوات الترك،و هم قوم صغار الحدق،وجوههم كالمجانّ المطوّقة(1)،لباسهم الحرير،جرد مرد،يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم،جهوريّ الصوت،قويّ الصولة،عالي الهمّة،لا يمرّ بمدينة إلاّ فتحها،و لا ترفع عليه راية إلاّ نكّسها،و الويل الويل لمن ناواه،فلا يزال كذلك حتى يظفر»(2).

لا أراني بحاجة إلى شرح هذه الخطبة،و خاصة و أنّها ليست مقصودة بالذات،بل ذكرتها كمثال و شاهد لما نحن فيه،و لكن في الخطبة نكتة لطيفة و هي أنّ حكومة العباسيين إبتدأت من خراسان على يد أبي مسلم الخراساني،و كان زحف المغول من خراسان أيضا،يقول(عليه السلام):

«يأتي من حيث بدا ملكهم»و قد تحقّق كل هذا و هذا كلّه،فالزوراء-و هي مدينة بغداد-كانت و لا تزال كما وصفها الإمام(عليه السلام)و المغول صنعوا ما صنعوا في البلاد الإسلامية،تجد التفاصيل في شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد.

و خلاصة البحث:إنّ الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)أخبر عن

ص:70


1- (1) و في نسخة«المجان المطرقة».المجان-جمع مجنّ-:و هو الترس.و الترس: صفحة من الفولاذ-مستديرة الشكل غالبا-تحمل في الحرب للوقاية من السيف.
2- (2) كتاب(سفينة البحار)للمحدّث القميّ.ج 1 ص 568.

حوادث كثيرة و كوارث عديدة قد تحقّق معظمها(1).

و من جملة تلك الإخبارات هو الإخبار عن الإمام المهدي(عليه السلام) و قد ذكرنا كلامه في تفسير الآيات المأوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام)و إليك بعض تلك الأحاديث:

روى الشيخ الصدوق في(إكمال الدين)بسنده عن أبي جعفر الثاني (الإمام محمد الجواد)عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال:للقائم منّا غيبة،أمدها طويل،كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته،يطلبون المرعى فلا يجدونه؛

ألا:فمن ثبت منهم على دينه و لم يقس قلبه لطول أمد إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة،ثم قال:إن القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه.

و روى الصدوق أيضا عن الإمام الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)أنه قال-للحسين(عليه السلام)-:التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق،المظهر للدين،الباسط للعدل،قال الحسين(عليه السلام):فقلت يا أمير المؤمنين و إنّ ذلك لكائن؟...فقال:إي و الذي بعث محمدا بالنبوة و اصطفاه على جميع البرية،و لكن بعد غيبة و حيرة،لا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين،الذين أخذ اللّه ميثاقهم

ص:71


1- (1) الجدير بالذكر أن الشيخ المجلسي(رضوان اللّه عليه)قد خصّص-في كتابه بحار الأنوار فصلا خاصا بعنوان(باب إخباره عن الغائبات و علمه باللغات)و قد جمع فيه 64 حديثا مرويا عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)حول المستقبل،راجع بحار الأنوار ج 41 ص 283 الى 360

بولايتنا،و كتب في قلوبهم الإيمان،و أيّدهم بروح منه.

و في كتاب نهج البلاغة:قال(عليه السلام):فأنظروا أهل بيت نبيّكم فلئن لبدوا فألبدوا(1)و إن استنصروكم فانصروهم.فليفرّجنّ اللّه الفتنة برجل منّا أهل البيت،بأبي ابن خيرة الإماء،لا يعطيهم إلاّ السيف هرجا هرجا(2)موضوعا على عاتقه ثمانية اشهر،حتى تقول قريش:لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا؛

يغريه اللّه ببني أميّة-أي يسلّطه اللّه عليهم-حتى يجعلهم حطاما و رفاتا، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا و قتّلوا تقتيلا،سنّة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا.

و في كتاب(ينابيع المودّة)للقندوزي الحنفي ص 512 قال:خطب علي بعد إنقضاء أمر النهروان،فذكر طرفا من الملاحم،و قال:ذاك أمر اللّه،و هو كائن،وقتا مريحا،فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر؟(3)أبشر بنصر قريب من ربّ رحيم.فبأبي و أمي عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة.

و في(ينابيع المودّة)أيضا(ص 467)عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)أنه قال:سيأتي اللّه بقوم يحبّهم اللّه و يحبّونه،و يملك من هو بينهم غريب،فهو المهدي،أحمر الوجه،بشعره صهوبة(4)يملأ الأرض عدلا بلا

ص:72


1- (1) لبد في المكان:أي أقام فيه.
2- (2) لعل المراد:قتلا قتلا.
3- (3) هكذا وجدنا في المتن،و لعل الأصح«الى متى تنتظر»و يحتمل أن يكون«متى تنتصر».
4- (4) الصهبة:الشقرة في شعر الرأس،و الشقرة:اللون الأشقر،و هي في الانسان حمرة تعلو بياضا كما في كتب اللغة،

صعوبة،يعتزل في صغره عن أمّه و أبيه،و يكون عزيزا في مربّاه،فيملك بلاد المسلمين بأمان،و يصفو له الزمان،و يسمع كلامه،و يطيعه الشيوخ و الفتيان،و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،فعند ذلك كملت إمامته و تقرّرت خلافته،و اللّه يبعث من في القبور(1)فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم، و تعمر الأرض و تصفو و تزهو بمهديّها،و تجري به أنهارها،و تعدم الفتن و الغارات،و يكثر الخير و البركات.

و في كتاب(منتخب الأثر)عن كتاب تذكرة الخواص،عن أمير المؤمنين(عليه السلام)في خطبة في مدح النبي و الأئمة(عليهم السلام) قال:فنحن أنوار السماوات و الأرض،و سفن النجاة،و فينا مكنون العلم، و إلينا مصير الأمور،و بمهديّنا تقطع الحجج،فهو خاتم الأئمة،و منقذ الأمّة،و منتهى النور،و غامض السرّ،فليهنأ من استمسك بعروتنا و حشر على محبّتنا.

و أيضا في كتاب(منتخب الأثر)عن(ينابيع المودّة)للقندوزي الحنفي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام):يظهر صاحب الراية المحمديّة،و الدولة الأحمديّة،القائم بالسيف و الحال(2)الصادق في المقال، يمهّد الأرض،و يحيي السنّة و الفرض(3).

ص:73


1- (1) إشارة الى الرجعة و يأتي التفصيل في أواخر الكتاب.
2- (2) هكذا وجدنا في المصدر،و لعل الصحيح«الخال»كما صرّحت الأحاديث أن على خده الايمن خالا.
3- (3) السنّة:المستحب،الفرض:الواجب.

و في كتاب عقد الدرر:قال علي بن أبي طالب:إذا نادى مناد من السماء:انّ الحق في آل محمد.فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس(1)يشربون ذكره،فلا يكون لهم ذكر غيره.

في كتاب(إكمال الدين)للشيخ الصدوق بأسناده عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر)عن أبيه عن جده(عليهم السلام)قال:قال أمير المؤمنين(عليه السلام)-و هو على المنبر-.يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان،أبيض اللون،مشرّب بالحمرة(2)مبدّح البطن(3)عريض الفخذين،عظيم مشاش المنكبين،بظهره شامتان:شامة على لون جلده، و شامة على شبه شامة النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

له إسمان:إسم يخفى و إسم يعلن:فأما الذي يخفى فأحمد،و أما الذي يعلن:محمد.فإذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق و المغرب، و يوضع(4)يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد،و أعطاه اللّه قوة أربعين رجلا،و لا يبقى ميت من المؤمنين إلاّ دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه و هو في قبره،و هم يتزاورون في قبورهم،يتباشرون بقيام القائم(عليه السلام).

و روى القندوزي في(ينابيع المودّة)هذه الأبيات لأمير المؤمنين(عليه

ص:74


1- (1) أن يكون ظهوره حديث الساعة،و أهمّ الأخبار في جميع المجالس و الإجتماعات.
2- (2) أبيض مشرب بالحمرة:أي إختلط أحد اللونين بالآخر،إذ قد يكون بياض فقط في اللون،و قد يكون البياض مختلطا باللون الأحمر.
3- (3) مبدح البطن:واسع البطن.و المشاش:رؤوس العظام.
4- (4) هكذا وجدنا في المتن و لعل الأصح أن يكون هكذا:يضع يده.

السلام):

حسين إذا كنت في بلدة غريبا فعاشر بآدابها

إلى أن يقول:

سقى اللّه قائمنا صاحب القيامة،و الناس في دابها

هو المدرك الثار لي يا حس ين بل لك،فاصبر لأتعابها

أقول:الأحاديث المرويّة عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)حول الإمام المهدي كثيرة جدا،و لعلنا نتطرّق إلى ذكر بعضها في الفصول القادمة من هذا الكتاب إن شاء اللّه.

و أختم هذا الفصل بكلام أمير المؤمنين(عليه السلام)حول الإمام المهدي(عليه السلام)،في أواخر لحظات حياته المشرقة و أثناء وصيته لإبنه الإمام الحسن(عليه السلام)حيث قال:ثم تقدّم-يا أبا محمد-و صلّ عليّ- يا بني يا حسن-و كبرّ عليّ سبعا،و اعلم أنه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلاّ على رجل يخرج في آخر الزمان إسمه:القائم المهدي،من ولد اخيك الحسين يقيم إعوجاج الحق(1).

ص:75


1- (1) الصلاة على الميت خمس تكبيرات،و لا تجوز الزيادة على الخمس إلاّ لافراد مخصوصين.

الإمام الحسن«عليه السّلام»

يبشّر بالامام المهدي«عليه السّلام»

الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة و السبط الأكبر لرسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)هو أحد الأئمة المبشّرين و المخبرين بالإمام المهدي(عليه السلام).

و لا عجب إذا كانت الأحاديث المروية عنه-بصورة عامة-و حول الإمام المهدي-بصورة خاصة-قليلة،فمن اللازم أن لا ننسى أن أيام خلافته و هي حوالي عشر سنوات(ابتداءا من شهادة أبيه امير المؤمنين(عليه السلام) و انتهاءا إلى وفاته)إنقضت في جوّ من المآسي و المحن و الإضطرابات و التوتّر.

فقد تربّع إبن آكلة الأكباد(معاوية بن أبي سفيان)على منصّة الحكم و ساعدته الظروف لمحاربة آل محمد(عليهم السلام)محاربة شعواء بلا هوادة، و فتح بيوت أموال المسلمين ليشتري بها الضمائر،و يستأجر المرتزقة ليختلقوا الأحاديث المزوّرة ليشوّهوا سمعة آل البيت النبوي الطاهر،و يحطّموا معنوياتهم، و يدنّسوا قداستهم،و في نفس الوقت يضعوا الأحاديث المزيّفة في فضل الشجرة الملعونة ليلبسوها حلّة النزاهة و المجد؛و الأموال لها كل الأثر في تشويه الحقائق و نشر الأباطيل في كل زمان،و خاصة إذا كانت مصحوبة بالقدرة و السلطة الغاشمة.

ص:76

فكان التشيّع و الشيعة في أقسى أزمنة الإضطهاد و الكبت و القلق، و كانت أعاصير السياسة تبلبل الأفكار و الأهواء.

ظروف عجيبة،و مشاكل رهيبة،و مآسي و مصائب جمّة عاشها الإمام الحسن السبط،فكيف يجد الزمان المناسب لنشر الحقائق؟و أين الإمكانيات التي تتيح له الفرصة للتحدّث عن الأمور العظيمة التي لا تتقبّلها إلاّ القلوب المطمئنة لا المضطربة،و لا تنسجم معها إلاّ الأفكار السليمة لا المذبذبة.

و بالرغم من أنّ تلك الفترة من ذلك العصر لم يكن للناس فيها إقبال على الحديث و ضبطه و لا اهتمام بأخذ العلم عن المصادر النزيهة و المنابع العذبة،مع ذلك كله لم يهمل الإمام الحسن(عليه السلام)التنويه و الإشادة بالإمام المهدي(عليه السلام).

فحينما كان يتحدث عن ظروفه الصعبة إنتهز الفرصة ليقول:

....أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه(1)بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلّي روح اللّه عيسى بن مريم خلفه،فإنّ اللّه عز و جل يخفي ولادته،و يغيّب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج،ذاك التاسع من ولد أخي الحسين،ابن سيدة الإماء،يطيل اللّه عمره في غيبته،ثم يظهره بقدرته في صورة شاب إبن دون أربعين سنة،ذلك ليعلم أن اللّه على كل شيء قدير(2).

ص:77


1- (1) لا شك أنه ليس المراد من«البيعة»في قوله«عليه السلام»:«بيعة لطاغية زمانه»البيعة بالخلافة و التعهّد بالطاعة،بل المراد ما يكون نتيجة البيعة و هو العيش-مقهورين-تحت سلطة و حكومة أولئك الطغاة.
2- (2) بحار الأنوار ج 51 ص 132.نقلا عن إكمال الدين للشيخ الصدوق.

الامام الحسين«عليه السّلام»

يبشّر بالإمام المهدي«عليه السّلام»

لقد مرّ الإمام الحسين(عليه السلام)بنفس الظروف الصعبة و الملابسات المؤلمة التي مرّ بها الإمام الحسن(عليه السلام)و زيادة،فلقد عاش الإمام الحسين بعد أخيه الإمام الحسن حوالي عشر سنوات إشتدّت فيها المحنة و كثر فيها البلاء،و طالت المدّة،و مع ذلك كلّه لم يترك الإمام الحسين (عليه السلام)الفرصة أن تفوته،بل كان ينتهزها بالإخبار عن الإمام المهدي (عليه السلام)و الإشادة به و التحدّث عنه،فمثلا:يقول(عليه السلام) لعبد اللّه بن عمر:

لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه(عزّ و جل)ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما،كذلك سمعت رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يقول.(1).

و يقول(عليه السلام)-لرجل من همدان(2)-:قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي،و هو صاحب الغيبة،و هو الذي يقسّم ميراثه و هو حيّ (3).

ص:78


1- (1) «كذلك سمعت رسول اللّه»أي هكذا سمعت من رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم). بحار الأنوار ج 51 ص 133 نقلا عن إكمال الدين للشيخ الصدوق.
2- (2) همدان:اسم قبيلة في اليمن.
3- (3) نفس المصدر.قوله(عليه السلام):«و هو الذي يقسّم ميراثه و هو حيّ»:يمكن أن يكون-

و في كتاب(عقد الدرر)بسنده عن الحسين بن علي(عليه السلام) قال:لو قام المهدي لأنكره الناس،لأنه يرجع اليهم شابا و هم يحسبونه شيخا كبيرا.

و روى الشيخ الصدوق في(إكمال الدين)بأسناده عن عبد الرحمن بن سليط قال:قال الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام):منّا إثنا عشر مهديّا،أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و آخرهم التاسع من ولدي(1)،و هو الإمام القائم بالحق،يحيي اللّه به الأرض بعد موتها، و يظهر به دين الحق على الدين كلّه و لو كره المشركون،له غيبة يرتدّ فيها أقوام،و يثبت فيها على الدين آخرون،فيؤذون و يقال لهم:«متى هذا الوعد إن كنتم صادقين».

أما إنّ الصابر-في غيبته-على الأذى و التكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)(2).

و روى الصدوق أيضا عن عيسى الخشّاب قال:قلت للحسين بن علي (عليهما السلام):أنت صاحب هذا الأمر؟.

ص:79


1- (1) ليس المقصود من قوله(عليه السلام):«منّا إثنا عشر مهديّا»أن«المهدي»إسم لكل واحد من الأئمة الإثني عشر،بل المقصود وصفهم بالهداية و أنهم جميعا مهديّون.
2- (2) (إكمال الدين)للشيخ الصدوق ج 1 ص 317.

قال:لا...و لكنّ صاحب الأمر الطريد الشريد،الموتور بأبيه، المكنى بعمّه(1)يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.

ص:80


1- (1) المستفاد من هذا الحديث و من الحديث الذي سيأتي في فصل(الإمام الباقر عليه السلام يبشّر بالإمام المهدي عليه السلام)أن«أبا جعفر»كنية للإمام المهدي(عليه السلام)،و ان كانت هذه الكنية غير مشهورة.

الامام زين العابدين«عليه السّلام»

يبشّر بالامام المهدي«عليه السّلام»

و من المبشّرين بالإمام المهدي(عليه السلام)هو زين العابدين و سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)،و مما يجدر الإنتباه إليه هو أن الإمام أشار الى هذه الحقيقة في ساعة يعجز القلم عن وصفها،فلقد عاش الإمام زين العابدين(عليه السلام)واقعة كربلاء الدامية،و فقد في يوم كربلاء(عاشوراء)أباه الإمام الحسين(عليه السلام)و عشيرته و أغصان الشجرة الطيّبة في غضون يوم واحد،و انصبّت عليه الفجائع،الواحدة تلو الأخرى في خلال ساعات،و حكموا عليه بالإعدام ثلاث مرات:

الأولى:في كربلاء بعد شهادة أبيه سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)

الثانية:في الكوفة،و في مجلس عبيد اللّه بن زياد،حين أمر إبن زياد بقتل الإمام.

الثالثة:في الشام،لما عزم يزيد على قتله،و حتى أنه أمر أن يحفر قبر للإمام ليدفن فيه بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه.

ص:81

و لكن اللّه تعالى كفاه شرّهم،و دفع عنه السوء،و حفظه من القتل؛ و في يوم جمعة من تلك الأيام حضر يزيد بن معاوية ليؤمّ الناس في أداء صلاة الجمعة في الجامع الأموي بدمشق،و أمر يزيد خطيبا أن يتولّى خطبة صلاة الجمعة،إذ أنه كان عاريا عن الثقافة الدينية،و بمعزل عن وعظ الناس و إرشادهم،و لكنّه أعطى للخطيب رؤوس الأقلام التي تدور عليها الخطبة.

أمر يزيد الخطيب أن يمدح بني أمية و على رأسهم معاوية و يزيد،و أن يذكر آل رسول اللّه(صلوات اللّه عليهم)بكل سوء،و نفّذ الخطيب المأجور هذه الخطّة القذرة.

كل هذا و الإمام زين العابدين(عليه السلام)حاضر يسمع تلك الترّهات و الأباطيل،فينهض الإمام ليكسر أقفال الصمت،و ليصرخ في وجه الخطيب صرخة يدوّي صداها على مسامع الجماهير المتجمهرة في الجامع الأموي لأداء صلاة الجمعة قائلا:«ويلك أيها الخاطب!!إشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوّأ مقعدك من النار»ثم يستأذن الإمام زين العابدين (عليه السلام)من يزيد ليأذن له ليرقى المنبر،و بعد محاولات كثيرة و إلحاح من الحاضرين أذن له يزيد مكرها،و صعد الإمام المنبر،و بعد مقدّمات و كلمات في المواعظ جلب إنتباه الحاضرين و ملك قلوبهم و مشاعرهم،فقال:-في ضمن خطبته-:

«أيها الناس:أعطينا ستّا،و فضّلنا بسبع:أعطينا العلم،و الحلم، و السماحة،و الفصاحة،و الشجاعة،و المحبّة في قلوب المؤمنين؛و فضّلنا:

بأن منّا النبيّ المختار،و منّا الصّدّيق،و منّا الطيّار،و منّا أسد اللّه و أسد

ص:82

رسوله،و منّا سبطي هذه الأمّة،و منّا مهديّ هذه الأمة...إلى آخر الخطبة»(1).

2-في كتاب(إكمال الدين):قال الإمام علي بن الحسين سيّد العابدين(عليه السلام):القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا:لم يولد بعد،ليخرج حين يخرج و ليس لأحد في عنقه بيعة(2).

3-و أيضا في(إكمال الدين)عن ابي خالد الكابلي-و هو من أصحاب الإمام زين العابدين عليه السلام-:...قال أبو خالد:فقلت:يا بن رسول اللّه إن ذلك لكائن؟.

فقال:إي و ربيّ،إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

قال أبو خالد:فقلت يا بن رسول اللّه ثم يكون ماذا؟

قال(عليه السلام):ثم تمتدّ الغيبة بوليّ اللّه(عزّ و جل)الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و الأئمة بعده.

يا أبا خالد:إنّ أهل زمان غيبته،القائلين بإمامته،و المنتظرين ظهوره أفضل من أهل كل زمان،لأنّ اللّه تبارك و تعالى أعطاهم من العقول و الأفهام

ص:83


1- (1) معالي السبطين نقلا عن منتخب الطريحي.الصّدّيق:هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)،و الطيّار:أخوه جعفر بن أبي طالب،و أسد اللّه رسوله:هو عمّه حمزة بن عبد المطلب.
2- (2) (إكمال الدين)للشيخ الصدوق ج 1 ص 323.

و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة،و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)بالسيف، أولئك المخلصون حقّا،و شيعتنا صدقا،و الدعاة الى اللّه(عزّ و جل)سرّا و جهرا.

4-و في كتاب(إكمال الدين)بإسناده عن سعيد بن جبير قال:

سمعت سيد العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام)يقول:

في القائم منّا سنن من الأنبياء،سنّة من أبينا آدم(عليه السلام)و سنّة من نوح،و سنّة من إبراهيم،و سنّة من موسى،و سنّة من عيسى،و سنّة من أيّوب،و سنّة من محمد(صلوات اللّه عليهم)

فأمّا من آدم و نوح:فطول العمر.

و أمّا من إبراهيم:فخفاء الولادة و اعتزال الناس(1).

و أمّا من موسى:فالخوف و التقيّة(2).

و أمّا من عيسى:فاختلاف الناس فيه(3).

ص:84


1- (1) قال اللّه تعالى في القرآن-حكاية لكلام النبي إبراهيم(عليه السلام)-:وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ،وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا،فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ سورة مريم/آية 48-49.
2- (2) قال اللّه تعالى في القرآن الكريم-في ذكر قصة النبي موسى(عليه السلام)-:فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ.سورة القصص/آية 18.فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ سورة القصص/آية 21.
3- (3) قال تعالى:لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ سورة المائدة/آية 17.-

و أمّا من أيوب:فالفرج بعد البلوى.

و أمّا من محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم):فالخروج بالسيف(1).

نكتفي بهذا العدد،و لعلّنا نذكر في المستقبل بعض الأحاديث الأخرى المرويّة عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام).

ص:85


1- (1) سيأتي معنى هذه الجملة في فصل(كيف تخضع له الدول و الحكومات؟)من هذا الكتاب إنشاء اللّه.

الإمام الباقر«عليه السّلام»

يبشّر بالإمام المهدي«عليه السّلام»

يستفاد من مطاوي كتب التواريخ أن عصر الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)كان نقطة تحوّل و تطوّر في الثقافة الإسلامية،فقد تولّد في الناس الوعي،و الرغبة الى طلب العلم،و شدّ الرحال الى المراكز الدينية لتحصيل العلوم،و خاصة الفقه و التفسير و الحديث،و حصل شيء من النضج الفكري،فكان الناس لا يكتفون بسماع الأحاديث،إلاّ بعد التحقيق و البحث عن التحليل و التعليل.

فلا عجب إذا كان الناس يقصدون المدينة المنوّرة للتزوّد من التابعين الذين أدركوا أصحاب رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و أخذوا منهم العلوم.

فكم من الفقهاء الذين هاجروا من الكوفة أو غيرها الى المدينة المنوّرة و إتصلوا بالإمام الباقر(عليه السلام)يرتشفون من نمير علمه،و يروّون غليلهم من بحار معرفته و ينابيع حكمته،فكانت العلوم و المعارف تتفجّر لهم من ناحية الإمام الباقر(عليه السلام)و تنكشف لهم الأدلّة و البراهين في المسائل العقائدية كالتوحيد و العدل و النبوّة،و الإمامة بصورة خاصة و غيرها.

و من البديهي ان تكون الأحاديث المرويّة عن الإمام الباقر(عليه السلام)حول الإمام المهدي(عليه السلام)غزيرة المادّة،كثيرة العدد،قد

ص:86

سجّلتها أقلام الفقهاء الذين تلمّذوا على الإمام الباقر،و لا يسع هذا الكتاب إستيعاب تلك الأحاديث بأجمعها،بل نكتفي ببعضها،مع العلم أننا سنذكر بعض تلك الأحاديث،في الأبواب و الفصول القادمة بالمناسبة إنشاء اللّه تعالى،و قد ذكرنا شيئا منها في الفصول السابقة:

1-في كتاب(بحار الأنوار)نقلا عن كتاب(الغيبة)للنعماني بأسناده عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام)ذات يوم،فلما تفرّق من كان عنده قال لي:يا أبا حمزة من المحتوم الذي حتمه اللّه قيام قائمنا،فمن شكّ فيما أقول لقى اللّه و هو به كافر،ثم قال:بأبي و أمي المسمّى بإسمي،و المكنّى بكنيتي،السابع من بعدي(1)، بأبي من يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا،يا أبا حمزة من أدركه فيسلّم له ما سلّم لمحمد و علي فقد وجبت له الجنة،و من لم يسلّم فقد حرّم اللّه عليه الجنة،و مأواه النار،و بئس مثوى الظالمين.

2-و في(إكمال الدين)للشيخ الصدوق(عليه الرحمة)بأسناده عن أمّ هانىء الثقفية قالت:غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر(عليه السلام) فقلت له:يا سيدي!آية في كتاب اللّه عزّ و جل عرضت بقلبي فأقلقتني و أسهرتني.قال:فأسألي يا أمّ هانىء..قالت:قلت:قول اللّه عزّ و جل:

«فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ 2 قال:نعم المسألة سألتيني يا أمّ

ص:87


1- (1) الإمام الباقر(عليه السلام)هو الإمام الخامس،و الإمام المهدي(عليه السلام)هو الإمام الثاني عشر،فيكون الإمام المهدي(عليه السلام)سابع إمام بعد الإمام الباقر(عليه السلام.).

هانىء،هذا مولود في آخر الزمان،هو المهدي من هذه العترة،تكون له حيرة و غيبة يضلّ فيها أقوام،و يهتدي فيها أقوام،فيا طوبى لك إن أدركتيه،و يا طوبى لمن أدركه(1)».

3-و أيضا في(إكمال الدين)عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)قال:قال لي:يا أبا الجارود إذا دار الفلك و قال الناس:مات القائم أو هلك،بأيّ واد سلك،و قال الطالب:أنّى يكون ذلك و قد بليت عظامه فعند ذلك فأرجوه،فإذا سمعتم به فاتوه و لو حبوا(2)على الثلج(3).

نكتفي-هنا-بهذا المقدار من الأحاديث،و لنا في المستقبل مجال واسع لذكر بعض الأحاديث الأخرى المرويّة عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام).

ص:88


1- (1) إكمال الدين ج 1 ص 330،بحار الأنوار ج 51 ص 137.
2- (2) الحبو:هو المشي على اليدين و الرجلين،يقال:حبا الصبي:أي زحف على يديه و بطنه.
3- (3) (إكمال الدين)للشيخ الصدوق ج 1 ص 326.

الإمام الصادق«عليه السّلام»

يبشّر بالامام المهدي«عليه السّلام»

إن التحدّث عن عصر الإمام الصادق جعفر بن محمد(صلوات اللّه عليه)و إنتشار العلم و إزدهاره يحتاج الى تأليف خاص،و ربما يحتاج الى موسوعة لمن يريد الإحاطة بجميع جوانب عصر الإمام من الناحية السياسيّة و العلميّة و الظروف الخاصة التي إندمجت مع عصره.

و نستطيع-هنا-أن نلخّص الكلام فنقول:

إن الحكومة الأموية الغاشمة كانت في طريقها الى الزوال وا الأضمحلال في أواسط حياة الإمام الصادق(عليه السلام)،ثم تأسّست الحكومة العباسية و قبل أن تشتدّ أركانها و يقوى نفوذها في البلاد الإسلامية و خاصة في المدينة المنّورة وجد الإمام الصادق(عليه السلام)المجال المناسب لنشر العلوم على أوسع صورة ممكنة،فلقد إستطاع الإمام أن يرقى منبر جده رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)،ذلك المنبر الطاهر بعد أن كان البعض ينزون عليه نزو القردة كما رأى رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) ذلك في المنام و ساءه ذلك فنزل عليه قوله تعالى:وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ (1).فقد تقوّضت تلك

ص:89


1- (1) سورة الإسراء/آية 60؛و مصادر هذا الحديث و نزول الآية بهذه المناسبة كثيرة جدا، راجع التفاسير كتفسير إبن جرير الطبري،و السيوطي في(الدرّ المنثور)و غيرهما.

الشجرة الملعونة بإنقراض الحكومة الأموية،و أتيحت الفرصة للشجرة الطيّبة- و إن كانت الفرصة قصيرة-أن تؤتي اكلها،و وجد الإمام الصادق(عليه السلام)شيئا من حريّة التكلّم،و ساعدته الظروف أن يرقى منبر جدّه في مسجد جدّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و يدرّس الفقه و التفسير و العقائد و غيرها،فكان يحضر مجلس درسه أربعة آلاف بين فقيه و محدّث و مفسّر و غيرهم.

و ممن كان يحظى بشرف التلمّذ عند الإمام هو أبو حنيفة نعمان بن ثابت حيث قال:«لو لا السنتان لهلك نعمان»(1).إشارة الى السنتين اللتين حضر فيهما مجلس درس الإمام الصادق(عليه السلام).

و تخرّج من تلك المدرسة المباركة عظماء أبرار يفتخر بهم الدهر،و تعتزّ بهم البشرية أمثال:جابر بن حيان أول كيماوي في الإسلام و العرب،و هشام بن الحكم و غيرهما ممن يطول الكلام بذكر أسمائهم،حتى بلغ الأمر أن تسعمائة متكلّم كانوا يخطبون في مسجد الكوفة و كل منهم يقول:حدّثني جعفر بن محمد(2).

و مع هذا التجاوب و توفّر الأهلية و المؤهّلات في الأصحاب وجد الإمام الصادق(عليه السلام)الفرصة المناسبة ليضع النقاط على الحروف، و يتحدّث عن الإمام المهدي(عليه السلام)و يبشّر به كلّ من يعتقد بالإمام المهدي،و يكون التحدّث عنه متنوّعا،فتراه يتحدّث عن إسمه،و نسبه،

ص:90


1- (1) التحفة الاثنا عشرية للدهلوي ص 8.
2- (2) المجالس السنيّة للسيد الأمين ج 5 ص 309.

و علائم ظهوره،و مدّة حكومته،و غير ذلك مما يدور في هذا الفلك.

و من الصدق و الصواب أن أقول:إن الأحاديث المروّية عن الإمام الصادق(عليه السلام)حول الإمام المهدي(عليه السلام)أكثر من الأحاديث المرويّة عن بقية الأئمة(عليهم السلام).

و بعبارة أخرى:لم يرو عن إمام من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) حول الإمام المهدي بمقدار ما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)و ذلك لما تقدّم الكلام عنه و هو مساعدة الظروف المواتية للإمام الصادق(عليه السلام).

و من الواضح أننا لا نستطيع أن نذكر-هنا-جميع الأحاديث المرويّة عن الإمام الصادق حول الإمام المهدي(عليهما السلام)بسبب غزارة المادّة، و إرتفاع النسبة،و الكتاب يفرض علينا أن نوزّع بعض تلك الأحاديث على فصول الكتاب رعاية للمناسبة،و نكتفي-هنا-بما تيسّر رعاية لإسلوب الكتاب:

1-في كتاب(بحار الأنوار)نقلا عن كتاب(أمالي الصدوق)بأسناده عن إبن أبي عمير عمّن سمع أبا عبد اللّه-الصادق-(عليه السلام)يقول:

لكلّ أناس دولة يرقبونها و دولتنا في آخر الدهر تظهر

2-في كتاب(إكمال الدين)بأسناده عن صفوان بن مهران عن الإمام الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام)أنه قال:من أقرّ بجميع الأئمة (عليهم السلام)و جحد المهدي كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء و جحد محمدا (صلى اللّه عليه و آله و سلم)نبوّته،

ص:91

فقيل له:يا بن رسول اللّه فمن المهدي(1)؟من ولدك؟.

قال(عليه السلام):الخامس من ولد السابع(2)،يغيب عنكم شخصه،و لا يحلّ لكم تسميته(3).

3-و أيضا في(إكمال الدين)عن أبي بصير قال:سمعت أبا عبد اللّه- الصادق-(عليه السلام)يقول:«إنّ سنن الأنبياء(عليهما السلام)و ما وقع عليهم من الغيبات جارية-و في نسخة:حادثة-في القائم منّا أهل البيت، حذو النعل بالنعل،و القذّة بالقذّة»(4).

قال أبو بصير:فقلت له:يا بن رسول اللّه!و من القائم منكم أهل البيت؟.

فقال:يا أبا بصير هو الخامس من ولد إبني موسى،ذلك إبن سيدة الإماء،يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون،ثم يظهره اللّه عزّ و جل،فيفتح على يديه مشارق الأرض و مغاربها،و ينزل روح اللّه عيسى بن مريم(عليه السلام)فيصلّي خلفه،و تشرق الأرض بنور ربّها،و لا تبقى في الأرض بقعة

ص:92


1- (1) و في نسخة«ممّن المهدي».
2- (2) الامام السابع هو موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)و الامام المهدي هو الابن الخامس للامام السابع،هكذا:الامام المهدي بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى(عليهم السلام).
3- (3) إكمال الدين ج 1 ص 333.
4- (4) أي أن الشبه موجود 100%،و قوله(عليه السلام):«حذو النعل بالنعل،و القذّة بالقذّة»:مثل مشهور يضرب للشيئين المتساويين الّلذين لا تفاوت بينهما.

عبد فيها غير اللّه عزّ و جلّ إلاّ عبد اللّه فيها،و يكون الدين كلّه للّه و لو كره المشركون(1)

ص:93


1- (1) (إكمال الدين)ج 2 ص 335.

الامام الكاظم«عليه السلام»

يبشّر بالإمام المهديّ«عليه السّلام»

لقد كانت ظروف الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) تختلف عن ظروف أبيه الإمام الصادق(عليه السلام)فقد قضى الإمام الكاظم(عليه السلام)سنوات طويلة من حياته المباركة في سجون بغداد، بعيدا عن الناس،و منقطعا عن المجتمع،يعبد اللّه تعالى في قعر السجون، و ظلم المطامير(1)و أطلقوا سراحه مرة أو أكثر،فكان تحت المراقبة الشديدة، ثم سجنوه و قتلوه بالسمّ،و على هذا فقد كانت إمكانيّاته و حرّيته محدودة،و لم يستطع الشرح و التحليل لموضوع الإمام المهدي(عليه السلام).و مع ذلك كلّه لم تخل موسوعات الأحاديث عن كلمات الإمام الكاظم(عليه السلام) حول الإمام المهدي(عليه السلام)و فيما يلي نذكر بعضها:

1-في كتاب(إكمال الدين)بإسناده عن محمد بن زياد الأزدي،قال:

سألت سيدي موسى بن جعفر-الكاظم-(عليهما السلام)عن قول اللّه(عزّ و جل):وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً؟ فقال:النعمة الظاهرة:

الإمام الظاهر،و الباطنة:الإمام الغائب،

فقلت:و يكون في الأئمة من يغيب؟.

ص:94


1- (1) المطامير-جمع مطمورة-:هي السجون المظلمة تحت الأرض.

قال:نعم،يغيب عن أبصار الناس شخصه،و لا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره،و هو الثاني عشر منّا،يسهّل اللّه له كلّ عسير،و يذلّل له كلّ صعب،و يظهر له كنوز الأرض،و يقرّب له كلّ بعيد،و يبير-أي يهلك-به كلّ جبّار عنيد،و يهلك على يده كلّ شيطان مريد،

ذلك إبن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته،و لا يحلّ لهم تسميته حتى يظهره اللّه(عزّ و جل)فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

2-و أيضا في(إكمال الدين)بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال:

دخلت على موسى بن جعفر-الكاظم-(عليه السلام)فقلت له:يا بن رسول اللّه أنت القائم بالحق؟.

فقال:أنا القائم بالحق،و لكنّ القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء اللّه و يملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي،له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه،يرتدّ فيها أقوام و يثبت فيها آخرون.

ثم قال(عليه السلام):طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا-و في نسخة:

بحبّنا-في غيبة قائمنا،الثابتين على موالاتنا و البراءة من أعدائنا،أولئك منّا و نحن منهم،قد رضوا بنا أئمة و رضينا بهم شيعة،و طوبى لهم،هم-و اللّه- معنا في درجتنا يوم القيامة.

ص:95

الامام الرّضا«عليه السّلام»

يبشّر بالامام المهدي«عليه السّلام»

لقد إمتاز عصر الإمام الرضا(عليه السلام)بمزايا كثيرة متنوّعة، و التحدّث عن ذلك العصر يحتاج الى مجال واسع أو تأليف آخر،فلا أقول:إنه وجد الحرية التامّة الكاملة،بمعنى أن يفعل ما يشاء و يقول ما يريد،و لا أقول:إنه كان مضيّقا عليه،و لا يستطيع أن يتكلّم بكلمة واحدة.

لما مات الطاغية هارون الرشيد،و قام إبنه المأمون مقامه،تظاهر بحبّه للعلويّين و على رأسهم الإمام الرضا(عليه السلام)،فتلطّف الجوّ السياسي الذي كان سائدا ضدّهم،و فرضت السياسة على المأمون أن يجعل الإمام الرضا (عليه السلام)وليّ عهده،و أن يضرب الدراهم و الدنانير باسمه،و يبذل العطايا للشعراء الذين يمدحون الإمام(عليه السلام).

و كانت هذه فرصة إنتهزها الإمام الرضا(عليه السلام)للتحدّث عن الإمام المهدي(عليه السلام)فمثلا:عند ما دخل عليه دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت و أنشده قصيدته التائيّة المعروفة،و وصل الى هذين البيتين:

خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم اللّه و البركات

يميّز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزي على النعماء و النقمات

بكى الإمام الرضا(عليه السلام)بكاءا شديدا،ثم رفع رأسه الى دعبل،و قال له:يا خزاعي...نطق روح القدس على لسانك بهذين

ص:96

البيتين..فهل تدري من هذا الإمام؟و متى يقوم؟.

فقال:لا يا مولاي..إلاّ أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلا كما ملئت جورا.

فقال الإمام:يا دعبل..الإمام بعدي:محمد إبني،و بعد محمد:إبنه علي،و بعد علي:إبنه الحسن،و بعد الحسن:إبنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته،المطاع في ظهوره،لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

و أضاف(عليه السلام)قائلا:

و أمّا متى...فإخبار عن الوقت،و لقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه عن علي(عليه السلام):أن النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)قيل له:يا رسول اللّه متى يخرج القائم من ذريّتك؟.

فقال:مثله مثل الساعة(القيامة)لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو،ثقلت في السماوات و الأرض،لا يأتيكم إلاّ بغتة(1)(2).

و في إكمال الدين عن أبي الصلت الهروي قال:قلت للرضا(عليه السلام):ما علامة القائم منكم إذا خرج؟.

ص:97


1- (1) وجدنا في المصدر«يأتيكم»مع العلم أن في الآية«تأتيكم»و لعل الرسول الأعظم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أدمج حديثه مع الآية فقال:«يأتيكم»أي:المهدي يأتيكم.
2- (2) إكمال الدين ج 2 ص 372.و رواه-ايضا-الجويني الشافعي في(فرائد السمطين)ج 3 ص 337.

فقال:علامته أن يكون شيخ السن(1)شابّ المنظر،حتى أنّ الناظر اليه ليحسبه إبن أربعين سنة أو دونها،و إنّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام و الليالي حتى يأتيه اجله.

ص:98


1- (1) «شيخ السن»:أي كبير من حيث العمر،و شاب من حيث المنظر كالنضارة،و الطراوة، و لون الشعر،و عدم التجاعيد في الوجه.

الامام الجواد«عليه السّلام»

يبشّر بالامام المهدي«عليه السّلام»

من الواضح أنّ الحكمة الإلهية تقتضي أن تكون البشائر المرويّة عن الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام)بالإمام المهدي(عليه السلام) كثيرة و غزيرة،و ذلك بسبب قرب الزمان،لأنّ عصر الإمام الجواد(عليه السلام)كان قبل ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)بما يقارب الخمسين عاما،و كان من المتوقّع و المقتضي أن تكون البشائر بإقتراب مولد الإمام- الذي بشّر به القرآن الكريم و النبي العظيم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و أئمة أهل البيت(عليهم السلام)-على أوسع نطاق،تنبيها للغافلين،و تشجيعا و ترويحا و تفريحا لقلوب المؤمنين،و لكن.

و لكنّ يد الغدر و الخيانة حالت دون ذلك،فقتلت الإمام الجواد في ريعان شبابه،و نضارة حياته،و قضى(عليه السلام)نحبه مسموما و هو إبن أربع و عشرين أو خمس و عشرين سنة،و عاصر في حياته ثلاثة من طواغيت بني العباس،و قد كان كلّ منهم ممتلئا غيظا و حقدا على الإمام الجواد،و كانوا يضايقونه في كل خطوة من خطواته،و يبذلون المحاولات في تشويه سمعته و إطفاء نوره.

و بالرغم من هذه العقبات و المشاكل التي إعترضت طريق الإمام الجواد (عليه السلام)فإن موسوعات الأحاديث لا تخلو عن البشائر المرويّة عنه

ص:99

(عليه السلام)بالإمام المهدي(عليه السلام)و إليك بعضها:

1-في كتاب(بحار الأنوار)ج 51 نقلا عن(إكمال الدين)بسنده عن السيد عبد العظيم الحسني قال:دخلت على سيدي محمد بن علي-الجواد- (عليهما السلام)و أنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أم غيره؟.

فابتدأني-عليه السلام-فقال:يا أبا القاسم إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته،و يطاع في ظهوره،و هو الثالث من ولدي و الذي بعث محمدا(صلى اللّه عليه و آله و سلم)بالنبوّة،و خصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و إنّ اللّه تبارك و تعالى يصلح له أمره في ليلة،كما أصلح أمر كليمه موسى(عليه السلام)إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع و هو رسول نبي؛

ثم قال(عليه السلام):أفضل أعمال شيعتنا إنتظار الفرج.

2-و في(بحار الأنوار)أيضا عن عبد العظيم الحسني قال:قلت لمحمد بن علي بن موسى(عليهم السلام):إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

فقال(عليه السلام):ما منّا إلاّ و هو قائم بأمر اللّه،و هاد الى دين اللّه، و لكنّ القائم الذي يطهّر اللّه(عزّ و جل)به الأرض من أهل الكفر و الجحود، و يملأها عدلا و قسطا:هو الذي تخفى عن الناس ولادته،و يغيب عنهم

ص:100

شخصه،و يحرم عليهم تسميته،و هو سميّ رسول اللّه و كنيّه،و هو الذي تطوى له الأرض،و يذلّ له كلّ صعب...الى آخر الحديث(1).

ص:101


1- (1) (بحار الأنوار)للمجلسي ج 51/ص 157،(إكمال الدين)للشيخ الصدوق ج 2/ ص 377-378.

الإمام الهادي«عليه السّلام»

يبشّر بالامام المهدي«عليه السّلام»

الإمام علي بن محمد الهادي(عليه السلام)هو جدّ الإمام المهدي (عليه السلام)،و إن كان اللّه تعالى لم يقدّر للإمام الهادي أنّ يرى حفيده الإمام المهدي(عليهما السلام)لأن ولادة الإمام المهدي كانت بعد وفاة جدّه الإمام الهادي(عليه السلام)(1)،و لكنّه(عليه السلام)كان يهيّىء الجوّ و يمهّد المقدمات للإمام المهدي بسبب إقتراب الموعد،و ستعرف-قريبا-أنّ زواج الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)بالسيدة نرجس كان تحت إشراف الإمام الهادي(عليه السلام)و مشفوعا بالبشائر و الإخبار بأنّ السيدة نرجس هي التي سوف تنجب الإمام المهدي(عليه السلام).

فلا عجب إذا كان الإمام الهادي(عليه السلام)يقلّل إجتماعاته بالناس،و لا يخرج إليهم كالعادة،كأنّه يريد أن يعوّدهم تدريجيا على غيبة الإمام و اختفائه عنهم تمهيدا لغيبة الإمام المهدي(عليه السلام)؛فتراه يعيّن الوكلاء في بغداد ليكونوا همزة وصل بينه و بين الشيعة في مراجعاتهم و مسائلهم،و يأمر الشيعة بمراجعة الوكلاء في قضاياهم المالية و الفقهية و غيرها.

ص:102


1- (1) الإمام الهادي(عليه السلام)قتل مسموما في الثالث من شهر رجب سنة 254 هجرية، و الإمام المهدي(عليه السلام)ولد في النصف من شعبان سنة 255 هجرية.

و هنا أسأل اللّه تعالى أن يوفّقني لتأليف كتاب يتضمّن شيئا من حياة الإمام الهادي(عليه السلام)...بل أتضرّع الى اللّه تعالى أن يتفضّل عليّ-بمحمد و آله عليهم السلام-بالتوفيق للتأليف عن جميع أئمة أهل البيت(سلام اللّه عليهم أجمعين).

و نذكر-هنا-حديثا واحدا و نرجىء الباقي الى الفصول القادمة إنشاء اللّه

روى الشيخ الصدوق-رضوان اللّه عليه-في كتاب(إكمال الدين) باسناده عن أبي دلف قال:سمعت علي بن محمد-الهادي-(عليه السلام) يقول:إن الإمام بعدي:الحسن ابني،و بعد الحسن إبنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

ص:103

الامام الحسن العسكري«عليه السّلام»

يبشّر بالإمام المهدي«عليه السّلام»

الإمام أبو محمد الحسن العسكري(عليه السلام)هو والد الإمام المهدي(عليه السلام)و من الطبيعي أنّ أكبر عدد من البشائر يتحقق على يديه،و ينطلق من لسانه،فقد إقترب موعد ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و ينبغي ان يكون الإعلام بولادته على أوسع نطاق،و لكن...هل يمكن ذلك؟.

و كيف يمكن ذلك؟و هناك الموانع و الحواجز و العقبات التي تحول دون ذلك،فالإعتقاد بظهور الإمام المهدي كان سائدا في الأمة الإسلامية في تلك العصور،و مشهورا عند المسلمين مع اختلاف بعض الطوائف الإسلامية في شخصية ذلك الإنسان المسمّى بالمهدي الذي بشّر به رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و الأئمة(سلام اللّه عليهم)و ستعرف في الفصول القادمة أن الذين إدّعوا المهدويّة كذبا وزورا إنّما كانوا يعتمدون على الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي،و كانوا يطبّقون تلك الأحاديث على أنفسهم إفتراءا و خداعا.

إذن...فالإعتقاد و القول بظهور الإمام المهدي كان من الأمور القطعيّة عند المسلمين في ذلك الزمان،و خاصة بعد التركيز على أنه يملأ الأرض قسطا و عدلا،و أنه يقضي على الطواغيت و الجبابرة الظالمين،و من الواضح أنّ الحكّام العباسيين كانوا في طليعة المعادين و المناوئين لهذه الشخصية المبشّر بها،

ص:104

لانهم يظنّون أنّ حكوماتهم سوف تنهار على يديه و دماؤهم تسفك بسيفه.

بعد الإنتباه الى هذه الظروف و الملابسات...هل يستطيع الإمام العسكري(عليه السلام)أن يعلن عن ولادة الإمام المهدي(عليه السلام) بصورة واسعة؟.

أليس معنى ذلك أنّ الإمام العسكري يسبّب قتل ولده الإمام المهدي جريا على العادة؟فما الذي يمنع الأعداء من أن يهجموا عليه الدار و يقتلوا أهل الدار كلهم؟و ما المانع من ذلك؟.

ثم...هل يسكت الإمام العسكري(عليه السلام)و يخفي ولادة ولده المهدي عن كل أحد؛فلا يدع أحدا يعرف ذلك أبدا؟فكيف يعلم الشيعة بولادة إمامهم،و خاصة و أنّ الإمام العسكري كان يرى أنّ حياته شخصيّا في معرض الخطر،و يعلم-بعلم الإمامة-أنّه سوف يقتل مسموما و هو إبن ثمان و عشرين سنة؟و الأوامر الإلهيّة تفرض عليه أن يعرّف الإمام الذي بعده و ينصّ عليه،حفظا للأمة الإسلامية من الضياع و الضلال،فقد ورد في الحديث الصحيح-المتّفق عليه بين جميع المسلمين-عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أنه قال:«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(1).

ص:105


1- (1) مصادر هذا الحديث كثيرة جدا،و قد روي بألفاظ مختلفة،و من المصادر:شرح المقاصد للتفتازاني ج 2 ص 275،صحيح مسلم ج 6 ص 22،سنن البيهقي ج 8 ص 156، مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 446،و غيرها.

مشكلة و أيّة مشكلة،لا يحلّها إلاّ عقل الإمام،ذلك العقل الذي تتجلّى فيه الحكمة بأجمل الصور،و تظهر فيه الحنكة بأبهى منظر،و تبرز حقيقة علم الإمام و مدى تدبيره للأمور و كيفية تصرّفاته في تحقيق الأهداف مع رعاية جميع الجوانب و الأطراف.

الحلّ الذي اختاره الإمام العسكري(عليه السلام)في هذا المجال:

هو الحدّ الوسط،فلا إعلام عام،و لا كتمان و إخفاء مطلق،و الأفضل أن يكون تمام الحديث في الفصل القادم إنشاء اللّه،و نكتفي-هنا-بذكر حديثين رعاية لإسلوب الكتاب:

1-في كتاب(بحار الأنوار)نقلا عن كتاب(الخرائج)بسنده عن عيسى بن صبيح قال:دخل الحسن العسكري(عليه السلام)الحبس، و كنت به عارفا،فقال لي:لك خمس و ستون سنة و شهر و يومان.و كان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي،و إني نظرت فيه فكان كما قال.

و قال(عليه السلام):هل رزقت ولدا؟.

فقلت:لا..فقال:اللهم أرزقه ولدا يكون له عضدا،فنعم العضد الولد.ثم تمثّل(عليه السلام):

من كان ذا ولد يدرك ظلامته إنّ الذليل الذي ليست له عضد

قلت:ألك ولد؟قال-عليه السلام-:إي و اللّه سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا،فأمّا الآن فلا-أي فليس لي ولد-ثم تمثّل.

ص:106

لعلّك يوما أن تراني كأنّما بنيّ حواليّ الأسود اللوابد

فإنّ تميما قبل أن يلد الحصا أقام زمانا و هو في الناس واحد

2-عن كتاب(إكمال الدين):بسنده عن احمد بن إسحاق قال:

سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)يقول:الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي،أشبه الناس برسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)خلقا و خلقا،يحفظه اللّه تبارك و تعالى في غيبته،ثم يظهره فيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما.

ص:107

الكتب السّماويّة تبشّر

بالإمام المهدي«عليه السّلام»

لقد وردت بشائر كثيرة بالإمام المهدي(عليه السلام)في الكتب السماوية،و إخبارات المتنبّئين،و الكهّان،توجد طائفة منها في كتاب(بحار الأنوار)للشيخ المجلسي،و كتاب(يوم الخلاص)للكاتب المعاصر كامل سليمان،و كتاب(أنيس الأعلام)للقسّ المسيحي الذي أسلم و صار من علماء المسلمين،و غير هؤلاء،و قد ذكرنا في أوائل هذا الكتاب في تفسير الآية الثالثة بعض ما يتعلّق بالموضوع؛و قد أعرضنا-هنا-عن ذكر تلك البشائر رعاية للإختصار،و من أراد المزيد من الإيضاح و التفصيل فعليه بمراجعة الكتب المذكورة(1)

ص:108


1- (1) راجع(بحار الأنوار)ج 51 ص 162،و كتاب(يوم الخلاص)ص 286،254- 287،و كتاب(أنيس الأعلام)ج 7 ص 386.من الطبعة الجديدة.

الفصل السادس

اشارة

هل ولد الامام المهدي«عليه السّلام»؟

كان كلامنا من أوّل الكتاب الى هنا حول الآيات الماوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام)و الأحاديث المبشّرة به و بظهوره و نسبه،و ذكرنا بعض ما يلزم حول هذه المواضيع.

و لا يخفى أنّ الأحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)صدرت عنهم قبل ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و كانت تلك الأحاديث بمنزلة البشائر و الإخبارات عن المستقبل.

و الآن وصل كلامنا الى ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)،أي وصلنا الى ولادة ذلك الإمام الذي بشّر به القرآن الكريم و بشّر به النبي العظيم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و بشّر به ائمة أهل البيت الصادقون(عليهم السلام).

و هنا نقطة الخلاف و الإختلاف،و معترك الآراء،و تضارب الحق و الباطل،و صراع الحقيقة مع الدجل...و ما دمنا مسلّحين بالأدلّة الكافية و البراهين القطعيّة فلا مانع من أن نتحدّث على ضوء العقل و المنطق في حدود الإمكان،ثم نترك القارىء و ضميره و عقله و فكره،و لسنا مسؤولين عن أكثر من هذا،و اللّه الهادي الى سواء السبيل،فنقول:

كلّ من آمن بالأحاديث المتواترة الصحيحة المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)حول الإمام

ص:109

المهدي(عليه السلام)فمن الواجب عليه أن يؤمن و يعترف بولادته،إذ من المستحيل-عقلا و عرفا-أن تكون هذه الأخبار و الأحاديث صحيحة و أن يكون الإمام المهدي لم يولد بعد،و إليك تفصيل و توضيح هذا المعنى:

إنّ الأحاديث الواردة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله)و عن الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)حول الإمام المهدي(عليه السلام)تصرّح بنسبه الشريف،و أنه التاسع من أولاد الامام الحسين(عليه السلام)بمعنى:أن يكون الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)هو الولد الأول للحسين،و يكون الإمام الباقر محمد بن علي:الولد الثاني للحسين(عليه السلام)أي يكون إبن إبنه،و على هذا:يكون الإمام الحسن العسكري هو الولد الثامن للحسين(عليه السلام)و من الطبيعي ان يكون الإمام المهدي إبن الحسن العسكري هو الولد التاسع للإمام الحسين(عليه السلام).

و قد ثبت أن الإمام الحسن العسكري قد فارق الحياة مسموما،و حضر تشييع جنازته الآلاف من الناس،و دفن في ضريحه بمرأى من الناس،فلا محيص لنا من القول بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)إذ لا يمكن أن يموت أبوه و هو غير موجود،فإمّا أن يكون قد ولد في حياة أبيه و هو الصحيح الثابت-لما ستعرف-،و إمّا أن يكون جنينا في بطن أمّه ثم ولد بعد وفاة أبيه بفترة،إذ لا يمكن أن يموت الرجل و يولد إبنه-الذي من صلبه-بعد عشرات أو مئات السنين.

إذن..فالإمام المهدي(عليه السلام)قد ولد قطعا،و بلا أيّ شك أو

ص:110

ريب،و هو حيّ موجود قطعا،لأنّه لا يمكن أن يفارق الحياة قبل أن يظهر(1)، و من الواضح أنه لم يظهر بعد،لأنه إذا ظهر يملأ الأرض قسطا و عدلا كما صرّحت بذلك مئات الأحاديث،و من البديهي أن الأرض قد إنتشر فيها الظلم و الجور،و لا أقول قد ملئت ظلما و جورا،لأنها اذا إمتلأت ظلما و جورا فإن الإمام المهدي(عليه السلام)يظهر عند ذلك.

و بعد هذه المقدمة نقول:إنّ الأحاديث التي تتحدّث عن ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)كثيرة بحيث يصعب إحصاؤها،و يتعسّر أو يتعذّر إستيعابها،و هذه الأحاديث مرويّة في كتب الشيعة و السنّة.

أمّا الشيعة فيعتقدون بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)كما يعتقدون بولادة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)لا يدخلهم في ذلك شك و لا ريب،و منذ مئات السنين تحتفل الشيعة في بلادها في النصف من شهر شعبان من كل سنة بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و تقام آلاف الإحتفالات في المساجد،و المدارس العلميّة، و بيوت العلماء،و توزّع الحلويّات،و تلقى القصائد بالمناسبة،و يرقى الخطباء المنابر،و يتحدّثون حول الإمام المهدي(عليه السلام)و ولادته، و ما يدور في هذا المجال.

ص:111


1- (1) و قد شاهده المئات من الناس-على اختلاف مذاهبهم-خلال الغيبة الصغرى،و الغيبة الكبرى،و حتى في زماننا هذا،و قد ذكر أسماء بعضهم الشيخ المجلسي في(بحار الأنوار) و الشيخ النوري في(جنّة المأوى)و(النجم الثاقب).

و أمّا أحاديث الشيعة و مؤلّفاتهم فإنها تعتبر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)من الأمور القطعيّة الثابتة التي لا تقبل الشك و الجدل.

و أمّا الأحاديث الواردة-عن كتب أهل السنّة-حول ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)فكثيرة جدا،ثابتة عند أكابر العلماء،و قدماء المحدّثين منهم،و إليك بعض تلك الأقوال:

ص:112

علماء السّنّة المعترفون

بولادة الامام المهدي«عليه السّلام»

لقد ذكر المرحوم الشيخ نجم الدين العسكري في الجزء الأول من كتابه(المهدي الموعود المنتظر)أسماء أربعين من علماء السنّة الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)كما ذكر العلاّمة المعاصر الشيخ لطف اللّه الصافي في كتابه(منتخب الأثر)جماعة أخرى يبلغ عددهم ستة و عشرين عالما من علماء السنّة الذين صرّحوا بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و نحن ننتخب من هذين الكتابين ثمانية عشر مصدرا رعاية للإختصار،و من أراد المزيد من التفصيل فليراجع هذين الكتابين و غيرهما من الكتب التي تتحدّث حول الموضوع:

1-محمد بن طلحة الحلبي الشافعي في كتابه(مطالب السؤول في مناقب آل الرسول)(1)قال:الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمد بن الحسن...المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر...فأمّا مولده فبسرّ من رأى(2)...الى آخر كلامه.

و قال أيضا:المهدي هو إبن أبي محمد الحسن العسكري،و مولده بسامراء...الى آخر كلامه.

ص:113


1- (1) صفحة 88،طبع إيران سنة(1287)ه
2- (2) (سرّ من رأى):إسم لمدينة سامرّاء.

2-محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه(البيان في أخبار صاحب الزمان)ص 336 قال:إن المهدي ولد الحسن العسكري،فهو حيّ موجود،باق منذ غيبته الى الآن.

3-محمد بن أحمد المالكي المعروف بابن الصبّاغ في(الفصول المهمّة)ص 273 في الباب الثاني عشر قال:ولد أبو القاسم محمد الحجّة ابن الحسن الخالص(1)بسرّ من رأى في النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين للهجرة...الى آخر كلامه...

4-سبط إبن الجوزي الحنفي في كتابه(تذكرة الخواص)(2)قال:

و أولاده(أي و أولاد الإمام الحسن العسكري):محمد الإمام.ثم قال- تحت عنوان(فصل في ذكر الحجّة المهدي)-:هو محمد بن الحسن بن علي...و كنيته:أبو القاسم،و هو الخلف الحجّة،صاحب الزمان، القائم،و المنتظر،و هو آخر الأئمة...الى آخر كلامه.

5-أحمد بن حجر في كتابه(الصواعق المحرقة)(3)عند ذكره للإمام الحسن العسكري قال:و لم يخلّف غير ولده:أبي القاسم محمد الحجّة،و عمره عند وفاة أبيه خمس سنين،آتاه اللّه الحكمة...الى آخر كلامه.

ص:114


1- (1) الخالص:من ألقاب الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).
2- (2) صفحة 88 من الطبعة القديمة و هي طبعة ايران سنة 1287 ه،و في صفحة 363 من الطبعة الحديثة المتداولة في الأسواق.
3- (3) صفحة 127،طبع مصر 1308 ه.

6-الشبراوي الشافعي في(الإتحاف بحبّ الأشراف)(1)قال:

الحادي عشر من الأئمة:الحسن الخالص و يلقّب بالعسكري...و يكفيه شرفا أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده...ثم قال:ولد الإمام محمد الحجّة إبن الإمام الحسن الخالص بسرّ من رأى،ليلة النصف من شعبان سنة 255...الى آخر كلامه.

7-عبد الوهّاب الشعراني في(اليواقيت و الجواهر)(2)ذكر أشراط الساعة(3)فقال:كخروج المهدي،ثم قال:و هو من أولاد الإمام حسن العسكري،و مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين،و هو باق الى أن يجتمع بعيسى بن مريم(عليه السلام)...

إلى آخر كلامه.

8-عبد اللّه بن محمد المطيري الشافعي في(الرياض الزاهرة)- بعد ذكر الأئمة و الإمام العسكري-قال:إن إبنه الإمام الثاني عشر، إسمه:محمد القائم المهدي...الى آخر كلامه.

9-سراج الدين الرفاعي في(صحاح الأخبار)قال:...أمّا الإمام الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب(4)،الحجّة المنتظر، وليّ اللّه،الإمام المهدي.

ص:115


1- (1) صفحة 178 طبع مصر سنة 1316 ه.
2- (2) صفحة 145،طبع مصر سنة 1307 ه.
3- (3) أشراط الساعة:أي العلامات التي تدلّ على قرب يوم القيامة.
4- (4) «صاحب السرداب»سيأتي بيان معنى هذه الجملة.

10-الأستاذ بهجت افندي في(كتاب المحاكمة)قال-في ذكر ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)-:ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255،و إن إسم أمّه نرجس...إلى آخر كلامه.

11-الحافظ محمد بن محمد الحنفي النقشبندي في(فصل الخطاب)قال:و أبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د(رضي اللّه عنهما)معلوم عند خاصّة أصحابه،ثم ذكر ولادته في النصف من شعبان سنة 255 على رواية السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد(عليه السلام).

12-سليمان القندوزي الحنفي في كتابه(ينابيع المودّة)(1)،ذكر ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)كما هي مرويّة في كتب الشيعة عن السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد(عليه السلام)(2)ثم قال:الخبر المعلوم المحقّق عند الثقات:أنّ ولادة القائم كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين،في بلدة سامرّاء.

13-الشبلنجي الشافعي في كتابه(نور الأبصار)(3)قال:

و كانت وفاة أبي محمد الحسن بن علي في يوم الجمعة لثمان خلون-أي مضين-من شهر ربيع الأول سنة ستين و مائتين،و خلّف من الولد:

محمدا...الى آخر كلامه.

ص:116


1- (1) صفحة 449-452-طبع ايران سنة 1385 هجرية.
2- (2) ننبّه القارىء بأننا سنذكر بالتفصيل حديث الميلاد المرويّة عن السيدة حكيمة(عليها السلام).
3- (3) صفحة 185.طبع بيروت،سنة 1398 هجرية.

14-إبن خلّكان في(وفيات الأعيان)قال:كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين،و لما توفي أبوه-و قد سبق ذكره-كان عمره خمس سنين،و إسم أمّه خمط،و قيل نرجس.

15-إبن الخشاب في كتابه(تاريخ مواليد الأئمة):الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي،و هو صاحب الزمان،و هو المهدي.

16-عبد الحق الدهلوي في رسالته في أحوال الأئمة قال:و أبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د(رضي اللّه عنهما)معلوم عند خواصّ أصحابه و ثقاته..ثم قال:الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي،و هو صاحب الزمان.

17-محمد أمين البغدادي السويدي في كتابه(سبائك الذهب) قال:محمد المهدي،و كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين...الى آخر كلامه...

18-المؤرّخ إبن الوردي قال في(تاريخه):ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس و خمسين و مائتين.

هذه نبذة من المصادر غير الشيعيّة التي صرّحت بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)في النصف من شهر شعبان سنة 255، و صرّحت أنه إبن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)و لو أردنا جمع الأقوال في هذا الكتاب لطال الكلام الى حدّ الملل و السأم.

ص:117

ترجمة حياة السيّدة نرجس«عليها السّلام»

و هنا يناسب أن نذكر شيئا من ترجمة حياة السيدة نرجس والدة الإمام المهدي(عليه السلام)و قد ذكرنا-فيما مضى-بعض كلمات الأئمة(عليهم السلام)التي عبّرت عن السيدة نرجس ب(خيرة الإماء) أو(سيدة الإماء).

و الآن-و قبل كلّ شيء-نذكر أسماءها،فقد ذكر المحدّثون لها ثمانية أسماء:نرجس،سوسن،صيقل أو صقيل،حديثة،حكيمة، مليكة،ريحانة،و خمط.

و أشهر أسمائها:نرجس...و كنيتها:أم محمد.

و قد ذكرنا-في أوائل الكتاب-أنّ تعدّد الأسماء لا يدلّ على تعدّد المسمّى،و ذكرنا أنّ السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)كانت لها أسماء عديدة لأسباب و مناسبات متنوّعة،و هكذا الكلام هنا،فإن نرجس:إسم لبعض الأزهار العطرة،و الخمط:نوع من شجر الأراك له حمل و ثمر يؤكل قال تعالى:ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ (1)و سوسن:أيضا من أنواع الأزاهير ذات الرائحة الطيّبة و الفوائد الكثيرة المذكورة في كتب

ص:118


1- (1) سورة سبأ آية 16.

الطب،و الصقيل:هو الشيء الأملس،فلا مانع من أن تسمّى المرأة بأسماء متعدّدة لمناسبات مختلفة،و لعلّ هناك أسباب و حكم و مصالح سياسية أو إجتماعية قد خفيت علينا.

و لا يضرّ الإختلاف في حسبها و نسبها،فالشخصية واحدة، و الأقوال حولها مختلفة،و نحن نذكر-هنا-قولين لأصحابنا و علمائنا المحدّثين:

روي عن بشر بن سليمان النخّاس،و هو من ولد أبي أيوب الأنصاري،و أحد موالي(1)أبي الحسن-الهادي-و أبي محمد العسكريين(2)و جارهما بسرّ من رأى،قال:

كان مولانا أبو الحسن الهادي(عليه السلام)فقّهني في علم الرقيق(3)فكنت لا أبتاع(4)و لا أبيع إلاّ بإذنه،فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه،و أحسنت الفرق بين الحلال و الحرام، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى،و قد مضى هويّ(أي:

ساعة)من الليل إذ قرع الباب قارع،فإذا أنا بكافور الخادم،رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد(عليهما السلام)يدعوني إليه فلبست ثيابي و دخلت عليه،فرأيته يحدّث إبنه أبا محمد و أخته حكيمة من وراء الستر،فلما جلست قال:

ص:119


1- (1) أي أحد الموالين للإمام.
2- (2) العسكري:لقب الإمام الحادي عشر،و قد يطلق على أبيه الإمام الهادي(عليه السلام)
3- (3) الرقيق:المملوك من الجواري و العبيد.
4- (4) لا أبتاع:أي لا أشتري.

يا بشر:إنّك من ولد الأنصار،و هذه الموالاة لم تزل فيكم، يرثها خلف عن سلف،و أنتم ثقاتنا أهل البيت،و إني مزكّيك و مشرّفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها:بسرّ أطلعك عليه، و أنفّذك في ابتياع(1)أمة.

فكتب كتابا ملصقا بخط رومي و لغة روميّة،و طبع عليه بخاتمه،و أخرج شنتقة(أي صرّة توضع فيها النقود)صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا،فقال:خذها و توجّه بها الى بغداد،و أحضر معبر الصراة(2)ضحوة يوم كذا،(3)فإذا وصلت إلى جانبك زوارق(4)السبايا،و برزن الجواري منها،فستحدق بهنّ طوائف المبتاعين(5)من وكلاء قوّاد بني العباس،و شراذم(6)من فتيان العراق،فإذا رأيت ذلك

ص:120


1- (1) إبتياع:أي شراء.
2- (2) معبر:اي الجسر الذي يعبر الناس عليه.الصراة:إسم لنهرين في بغداد،هما: الصراة الكبرى،و الصراة الصغرى.ذكر ذلك ياقوت الحموي في كتابه(معجم البلدان). هذا..و الموجود في المصدر:«معبر الفرات»لكن يبدو أنّ ذلك من اخطاء النسّاخ او المطبعة،إذ من الواضح أنّ النهر الذي يجري في بغداد هو:دجلة..لا الفرات.
3- (3) «ضحوة كذا»:أي وقت الضحى من يوم كذا.
4- (4) زوارق-جمع زورق-:السفينة الصغيرة و الموجود في المصدر الزواريق،و لكن لم نجد ذلك في اللغة.
5- (5) المبتاعين-جمع مبتاع-:و هو المشتري.قوله«فستحدق»:يقال حدق القوم به:أي أطافوا و أحاطوا به من كل جهة.
6- (6) شراذم-جمع شرذمة-:و هي الجماعة القليلة من الناس.

فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس(1)عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا،لابسة حريرتين صفيقتين(2)تمتنع من السفور و لمس المعترض و الإنقياد لمن يحاول لمسها،و يشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق.فيضربها النخّاس،فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم أنّها تقول:و اهتك ستراه.فيقول بعض المبتاعين:عليّ بثلاثمائة دينار،فقد زادني العفاف فيها رغبة.فتقول له-بالعربية-:لو برزت في زيّ سليمان بن داود و على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة،فأشفق على مالك.

فيقول النخّاس:فما الحيلة؟و لا بدّ من بيعك؟.

فتقول الجارية:و ما العجلة؟و لا بدّ من إختيار مبتاع يسكن قلبي إليه و الى وفائه و أمانته.

فعند ذلك..قم إلى عمر بن يزيد النخّاس و قل له:إنّ معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف،كتبه بلغة روميّة و خط رومي و وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه،فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه،فإن مالت إليه و رضيته فأنا وكيله في إبتياعها منك.

قال بشر:فامتثلت جميع ما حدّه(3)لي مولاي أبو الحسن(عليه السلام)في أمر الجارية.

ص:121


1- (1) النخّاس:بيّاع الجواري و العبيد.
2- (2) «صفيقتين»:يقال ثوب صفيق:أي كثيف نسجه.
3- (3) حدّه:أي عرّفه و بيّنه.

فلما نظرت في الكتاب بكت بكاءا شديدا،و قالت لعمر بن يزيد:بعني من صاحب هذا الكتاب.و حلفت بالمحرجة المغلّظة(1)أنّه متى إمتنع من بيعها منه قتلت نفسها،

فما زلت أشاحّه(2)في ثمنها حتى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي(عليه السلام)من الدنانير في الشنتقة(أي الصرّة) الصفراء،فاستوفاه منّي و تسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة،و انصرفت بها الى حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد.

فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها(عليه السلام)من جيبها و هي تلثمه(3)و تضعه على خدّها،و تطبقه على جفنها(4)،و تمسحه على بدنها.فقلت-تعجّبا منها-أتلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟

فقالت:أيّها العاجز،الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء!أعرني سمعك و فرّغ لي قلبك:أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم،و أمّي من ولد الحواريّين(5)تنتسب الى وصيّ المسيح:شمعون،

أنبّئك العجب العجيب:إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من إبن أخيه،و أنا من بنات ثلاث عشرة سنة،فجمع في قصره من نسل الحواريين

ص:122


1- (1) المحرجة:أي القسم و اليمين التي تضيّق على الحالف،بحيث لا يبقى له مجال عن برّ قسمه.قوله«المغلّظة»:أي المؤكّدة من اليمين و القسم.
2- (2) قوله«أشاحّه»يقال:تشاحّ الرجلان على كذا:أي لا يريدان أن يفوتهما،و المقصود أنه كان يساوم في ثمن الجارية و يطلب منه التخفيض في قيمتها.
3- (3) تلثمه:أي تقبّله.
4- (4) تطبقة على جفنها:أي تضعه على عينها.
5- (5) الحواريّون:هم خواصّ أصحاب النبي عيسى(عليه السلام)

و من القسّيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل،و من ذوي الأخطار(1)سبعمائة رجل،و جمع من أمراء الأجناد و قوّاد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف،و أبرز من بهو(2)ملكه عرشا مصنوعا(3)من أصناف الجواهر الى صحن القصر،فرفعه فوق أربعين مرقاة،

فلما صعد إبن أخيه و أحدقت به الصلبان(4)و قامت الأساقفة(5)عكّفا، و نشرت أسفار الإنجيل(6)تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، و تقوّضت الأعمدة فانهارت الى القرار،و خرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه(7)فتغيّرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرائصهم،فقال كبيرهم-لجدّي:

أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني(8).

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا(9)و قال للأساقفة:أقيموا هذه

ص:123


1- (1) ذوي الأخطار-جمع الخطر-أصحاب الشرف،و الشخصيّات البارزة.
2- (2) البهو:هو البيت المقدّم أمام البيوت،و الذي يعبّر عنه ب(قاعة الإستقبال).
3- (3) و في نسخة:مصوغا.
4- (4) الصلبان:جمع صليب،و قد تقدّم تعريفه.
5- (5) الأساقفة-جمع اسقف-:هو الرئيس الديني عند النصارى.و هو أعلى مرتبة من القسيس.
6- (6) أسفار-جمع سفر-:جزء من اجزاء الإنجيل.
7- (7) يقال لهذا النوع من الحوادث:الإرهاص:و معناه الإخبار عن حادث عظيم قبل وقوعه بفترة طويلة،كما حدث شبيه هذا..ليلة ميلاد نبي الإسلام الرسول الأعظم(صلى اللّه عليه و آله)و سقطت شرفات من طاق كسرى و خمدت نار فارس و أمثال ذلك.
8- (8) الملكانية:من المذاهب المسيحيّة.
9- (9) تطيّر:أي تشاءم.

الأعمدة و ارفعوا الصلبان و أحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه(1)لأزوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول،و تفرّق الناس، و قام جدّي قيصر مغتمّا،و دخل قصره،و أرخيت الستور.

فأريت في تلك الليلة كأنّ المسيح و شمعون و عدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي،و نصبوا فيه منبرا يباري السماء علوّا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه،فدخل عليهم محمد(صلى اللّه عليه و آله)مع فتية و عدّة من بنيه،فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه،فقال(2)له محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلم):يا روح اللّه إني جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لإبني هذا،-و أومأ بيده إلى أبي محمد إبن صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح الى شمعون و قال له:قد أتاك الشرف،فصل رحمك برحم رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله).قال:قد فعلت.فصعد ذلك المنبر و خطب محمد(صلى اللّه عليه و آله)و زوّجني من إبنه و شهد المسيح (عليه السلام)و شهد أبناء محمد(صلى اللّه عليه و آله)(3)و الحواريّون.

فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي و جدّي مخافة القتل،.

ص:124


1- (1) المنكوس جدّه:أي المقلوب حظّه،.و المقصود:أنّ قيصر لما رأى ما جرى في زواج إبن أخيه أراد أن يزوّج السيدة نرجس من أخ ذلك العرّيس.
2- (2) الموجود في المصدر:«فيقول»عوضا عن«فقال».
3- (3) و في نسخة«بنو محمد».

و ضرب صدري بمحبة أبي محمد(1)حتى امتنعت من الطعام و الشراب، و ضعفت نفسي،و دقّ شخصي،و مرضت مرضا شديدا،فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي و سأله عن دوائي،فلمّا برح به اليأس قال:يا قرّة عيني هل تشتهين شيئا؟.

فقلت:يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة،فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين،و فككت عنهم الأغلال،و تصدّقت عليهم،و مننت عليهم بالخلاص،لرجوت أن يهب المسيح و أمّه لي عافية و شفاءا.

فلما فعل ذلك جدّي تجلّدت في اظهار الصحة في بدني،و تناولت يسيرا من الطعام،فسرّ بذلك جدّي،و أقبل على إكرام الأسارى و إعزازهم.

فرأيت أيضا-بعد أربع ليال-:كأنّ سيّدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف و صيفة من وصائف الجنان،فتقول لي مريم:هذه سيدة نساء العالمين،و أمّ زوجك أبي محمد.فأتعلّق بها و أبكي و أشكو اليها إمتناع أبي محمد من زيارتي.

فقالت لي سيّدة النساء:إنّ إبني لا يزورك و أنت مشركة باللّه و على مذهب النصارى،و هذه أختي مريم تبرأ الى اللّه من دينك،فإن ملت(2)الى رضى اللّه عزّ و جل و رضى المسيح و مريم عنك و زيارة أبي محمد إياك فقولي:

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ أبي محمدا رسول اللّه.

ص:125


1- (1) ضرب صدري:أي ألزم و أحيط بمحبة أبي محمد.
2- (2) ملت:أى رغبت

فلما تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء إلى صدرها،فطيّبت لي نفسي و قالت:الآن توقّعي زيارة أبي محمد إياك فإنّي منفّدته إليك.

فانتبهت و أنا أقول:و اشوقاه إلى لقاء أبي محمد.فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد(عليه السلام)في منامي،فرأيته كأنّي أقول له:جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟.فقال:ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك،و إذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة الى أن يجمع اللّه شملنا في العيان.فما قطع عني زيارته بعد ذلك الى هذه الغاية.

قال بشر:فقلت لها:و كيف وقعت في الأسر؟.

فقالت:أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسيّر جيشا الى قتال المسلمين يوم كذا،ثم يتبعهم،فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت،فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت و شاهدت،و ما شعر أحد-بي بأني إبنة ملك الروم الى هذه الغاية-سواك، و ذلك بإطلاعي إياك عليه.

و لقد سألني الشيخ-الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة-عن إسمي، فأنكرته و قلت:نرجس.فقال:إسم الجواري.

فقلت:العجب انّك روميّة و لسانك عربي؟(1).

ص:126


1- (1) هذا كلام بشر و سؤاله منها.

قالت:بلغ من ولوع(1)جدّي و حمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى إمرأة ترجمانة في الإختلاف إليّ،فكانت تقصدني صباحا و مساءا،و تفيدني العربية حتى استمرّ عليها لساني و استقام.

قال بشر:فلما انكفأت(2)بها إلى(سرّ من رأى)دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري(عليه السلام)(3)فقال لها:كيف أراك اللّه عزّ الإسلام و ذلّ النصرانية(4)و شرف أهل بيت محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)؟

قالت:كيف أصف لك-يا بن رسول اللّه-ما أنت أعلم به منّي؟.

قال:فإني أريد(5)أن أكرمك،فأيّما أحب إليك،:عشرة آلاف درهم؟أم بشرى لك بشرف الأبد؟.

قالت:بل البشرى.

قال(عليه السلام):فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا،و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

قالت:ممّن؟قال(عليه السلام)ممّن خطبك رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)له،ليلة كذا من شهر كذا،من سنة كذا

ص:127


1- (1) الولع:شدة الحب و التعلّق بشيء.الإختلاف اليّ:اي التردّد يقال:إختلف الى المكان:أي تردّد،و جاء اليه المرة بعد الأخرى.
2- (2) إنكفأت:أي رجعت.
3- (3) سبق أن ذكرنا أن لقب«العسكري»قد يطلق على الإمام الهادي والد الامام الحسن العسكري(عليهما السلام).
4- (4) إشارة الى انتصار المسلمين على جيش قيصر جدّ نرجس.
5- (5) و في نسخة:إني أحبّ.

بالروميّة(1).

قالت:من المسيح و وصيّه؟.

قال:ممّن زوّجك المسيح و وصيّه.؟

قالت:من إبنك أبي محمد؟.

فقال:هل تعرفينه؟.

قالت:و هل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء:أمّه(2)؟.

فقال أبو الحسن الهادي(عليه السلام):يا كافور أدع لي أختي حكيمة،فلما دخلت عليه قال لها:هاهيه.فاعتنقتها طويلا،و سرّت بها كثيرا،فقال لها أبو الحسن(عليه السلام):يا بنت رسول اللّه خذيها الى منزلك،و علّميها الفرائض و السنن،فإنّها زوجة أبي محمد و أمّ القائم(عليه السلام)(3).

أيها القارىء الكريم:لعلّ هذا الحديث يحتاج الى شيء من التعليق و التحليل و التحقيق فأقول:

الرؤيا الصادقة حقيقة ثابتة في القرآن و السنّة،و إستيعاب هذا البحث يحتاج الى تأليف خاص،كما فعل ذلك شيخنا النوري(عليه الرحمة)في كتابه:(دار السلام)و يمكن أن نلخّص القول فيما يلي:

ص:128


1- (1) أي بالتاريخ الميلادي...لا التاريخ الهجري.
2- (2) يعبّر عن السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)ب«أمّ الأئمة»لأنّ الأئمة الأحد عشر أبناؤها.
3- (3) روى هذا الحديث الشيخ الصدوق في(إكمال الدين)و الشيخ الطوسي في(كتاب الغيبة) بألفاظ متقاربة،و نحن جمعنا بين الروايات بقدر المستطاع و أخترنا احسن الوجوه.

لقد ذكر اللّه تعالى في القرآن الكريم منامات عديدة للأنبياء و غيرهم، فذكر في سورة الصافّات رؤيا النبي إبراهيم(عليه السلام)(1)و في سورة يوسف تجد أربع منامات أحدها ليوسف بن يعقوب(عليهما السلام)و إثنين للشابّين اللذين دخلا معه السجن،و رؤيا للملك يومذاك،و كانت هذه الأحلام و المنامات صادقة،فقد تحقّق تأويلها و تعبيرها في الخارج(2).

و في الأحاديث النبويّة و أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام)تجد كميّة كثيرة من المنامات و الأحلام الصادقة التي تحقّق تأويلها و تعبيرها،فلقد رأى رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في المنام:أنّ رجالا ينزون على منبره نزو القردة،و يردّون الناس على أعقابهم القهقرى،فاستوى رسول اللّه جالسا و الحزن يعرف في وجهه،فأتاه جبرئيل بهذه الآية:وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ،وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ،وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً يعني بني أميّة(3).

و رأى رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)منامات أخرى و فسّرها فكانت كما أخبر بها،تجد التفاصيل في الكتب التي تتحدّث عن سيرته(صلى اللّه عليه و آله)

و السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)رأت أباها رسول اللّه في المنام في

ص:129


1- (1) سورة الصافات/آية 102.
2- (2) تجد ذلك في سورة يوسف آية 36،4-42،40،37.
3- (3) بعض مصادر الحديث:السيوطي في(الدر المنثور)في تفسير الآية،مقدمة الصحيفة السجادية،البيهقي في(الدلائل)،و ابن عساكر،و الألوسي في تفسيره(روح البيان)ج 15 ص 100،و ابن كثير في تفسيره ج 3 ص 49،و الفخر الرازي في تفسيره.

يوم وفاتها،فقال لها النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم):أنت الليلة عندي.

فتوفّيت(عليها السلام)في ذلك اليوم،و كذلك الإمام علي أمير المؤمنين و الإمام الحسين(عليهما السلام)كلّ منهما رأى رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله)في المنام.فأخبر النبي كلا منهما باقتراب شهادته و تعيين يومها.

فالرؤيا الصادقة تعتبر للإنسان الرائي مكاشفة و مكالمة و مخابرة من عالم ما وراء الطبيعة،و لقد ثبت في الأحاديث الصحيحة كلام رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله)حيث قال:«من رآني فقد رآني،فإن الشيطان لا يتمثّل بي»و روي الحديث أيضا هكذا:«من رآنا فقد رآنا».

لقد كانت رؤيا السيدة نرجس رؤيا صادقة،بل تعتبر رؤياها نوعا من المكاشفة،فقد خطبها رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في عالم الرؤيا، و أسلمت في عالم الرؤيا بعد أن لقّنتها السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) كلمة الشهادتين،و كانت السيدة نرجس ترى الإمام الحسن العسكري في منامها في كل ليلة،و أخيرا أخبرها الإمام بأنّ جدّها قيصر ينوي محاربة المسلمين،و أمرها أن تجعل نفسها مع الوصائف و الخدم و ترافق الجيش ليكون ذلك وسيلة لوصولها الى البلاد الإسلامية،ثم تحظى بشرف المثول و الحضور عند الإمام العسكري(عليه السلام).

كل هذه الأشياء تعتبر من الأمور الممكنة،و قد وقعت أمثالها بكثرة على مرّ التاريخ.و اختصّ اللّه تعالى السيدة نرجس بهذا الشرف الأرفع الخالد، بعد أن خلق فيها المؤهّلات و المواهب من:نفسية شريفة،و فضائل شخصية،و مزايا جمّة،كالحياء و العفّة،و قوّة الشخصية،و الإيمان و الأصالة

ص:130

و غيرها،و هذه الفضائل و الإمتيازات قد أهّلتها لتكون والدة لسيّدنا صاحب الزمان الحجّة بن الحسن،المهدي(عليهما السلام)فإنّ الوراثة لها كلّ الأثر في الطفل...و إلاّ فما هي الدوافع و الدواعي لأن يخطبها رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في المنام و هي في بلاد الروم.

أما وجد الإمام العسكري(عليه السلام)في البلاد الإسلامية إمرأة مسلمة يتزوّجها،أو جارية مسلمة يشتريها.فلماذا هذه المقدّمات الطويلة العريضة،و هذه التشريفات الخاصة العجيبة؟.

من الواضح أننا لا نستطيع الإحاطة و الإطّلاع بصورة مفصّلة عن حياة السيدة نرجس من حيث نفسيتها الممتازة و شخصيتها المثالية!

و أمّا الحديث الآخر الذي يترجم حياة السيدة نرجس فهو كما يلي:

1روى الشيخ الصدوق في(إكمال الدين)بأسناده عن محمد بن عبد اللّه المطهّري قال:قصدت حكيمة بنت محمد الجواد(عليه السلام)بعد مضي- أي:بعد وفاة-أبي محمد الحسن العسكري(عليه السلام)أسألها عن الحجّة و ما اختلف فيه الناس من الحيرة التي فيها...الى أن يقول:فقلت يا مولاتي هل كان للحسن العسكري(عليه السلام)ولد؟.

فتبسّمت...ثم قالت:إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجّة من بعده؟و قد اخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن و الحسين(عليهما السلام)(1).

ص:131


1- (1) و في نسخة:ان الإمامة لا تكون لأخوين بعد الحسن و الحسين(عليهما السلام).-

فقلت:يا سيدتي حدّثيني بولادة مولاي و غيبته(عليه السلام)؟.

قالت:نعم..كانت لي جارية يقال لها(نرجس)،فزارني إبن أخي،فأقبل يحدق النظر اليها.فقلت له:يا سيدي لعلّك هويتها فأرسلها إليك؟فقال:لا يا عمّه،و لكنني اتعجّب منها.فقلت:و ما أعجبك منها؟(1)فقال(عليه السلام):سيخرج منها ولد كريم على اللّه عزّ و جل،الذي يملأ اللّه به الأرض عدلا و قسطا.فقلت:فأرسلها اليك يا سيدي؟فقال:إستأذني في ذلك أبي.

قالت حكيمة:فلبست ثيابي و أتيت منزل أبي الحسن،فسلّمت و جلست،فبدأني(عليه السلام):و قال:يا حكيمة إبعثي نرجس الى إبني أبي محمد.فقلت:يا سيدي على هذا قصدتك:على أن أستأذنك في ذلك.

فقال:يا مباركة إنّ اللّه تبارك و تعالى أحبّ أن يشركك في الأجر و يجعل لك في الخير نصيبا.

قالت حكيمة:فلم ألبث أن رجعت الى منزلي و زيّنتها و وهبتها لأبي محمد(عليه السلام)و جمعت بينه و بينها في منزلي،فأقام عندي أيّاما ثم مضى الى والده(عليهما السلام)و وجّهت بها معه...إلى آخر الحديث»(2).

ص:132


1- (1) يقال:أعجبه:أي حمله على العجب منه:فيكون المعنى:أيّ شيء عجيب رأيت منها؟.
2- (2) اكمال الدين للصدوق ج 2 ص 427 طبع طهران سنة 1395 ه.

أقول:هذا الحديث-كما تراه-لا يذكر شيئا من أصل السيدة نرجس، و ترجمة حياتها،سوى أنها كانت جارية للسيدة حكيمة و رآها الإمام الحسن العسكري،و لا يذكر هذا الحديث كيفية وصولها الى سامراء و الى السيدة حكيمة بصورة خاصة.و لقد حاول بعض المعاصرين أن يجمع بين هذين الحديثين فقال:«لقد مرّ في الحديث السابق أنّ الإمام الهادي(عليه السلام) قال لأخته حكيمة:يا بنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك و علّميها الفرائض و السنن فإنها زوجة أبي محمد و أمّ القائم.فكانت نرجس عند حكيمة حتى إشتهرت ب(جارية حكيمة).

فلعلّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)رآها في بيت عمّته بعد ذلك،و جعل يحدق النظر إليها،و لا مانع من ذلك فهي زوجته»إنتهى.

و لكن المشكلة أنّ كلمات هذا الحديث لا تساعد على هذا التأويل و التوجيه،فقول السيدة حكيمة:«كانت لي جارية يقال لها:نرجس»يدل على أن نرجس كانت ملكا للسيدة حكيمة،و كذلك قولها:«و وهبتها لأبي محمد»ينافي كلام الإمام الهادي(عليه السلام)-في الحديث السابق- «فإنّها زوجة أبي محمد».

و بعد تضعيف نظرية الجمع و التوجيه يأتي سؤال و هو:كيف جاز للإمام العسكري(عليه السلام)أن يحدق النظر إلى إمرأة لا تحلّ له؟.

و الجواب:يجوز النظر الى جارية الغير إذا أذن مالكها ذلك،و من المستحيل أن ينظر الإمام العسكري الى إمرأة لا يحل له النظر اليها لأنه خلاف العصمة...و بعد هذا فإنّ هذا الحديث الثاني مروي عن محمد بن عبد اللّه

ص:133

المطهّري أو الطهوي،و هو مجهول،و معنى ذلك ان هذا الخبر ضعيف، و الإعتماد على الحديث الأول أولى و أنسب،و اللّه العالم.

ص:134

ميلاد الامام المهدي«عليه السّلام»

روى الشيخ الصدوق في(إكمال الدين)بأسناده:عن حكيمة (بنت الإمام الجواد عليه السلام)قالت:بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)فقال:يا عمّة إجعلي إفطارك الليلة عندنا،فإنها ليلة النصف من شعبان،و إنّ اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة،و هو حجّته في أرضه-و في رواية:فإنه سيولد-الليلة-المولود الكريم على اللّه عزّ و جل،الذي يحيي اللّه(عزّ و جل)به الأرض بعد موتها.

قالت(حكيمة):فقلت:و من أمّه؟قال لي:نرجس.قلت له:

جعلني اللّه فداك ما بها أثر(1)؟.فقال:هو ما أقول لك.قالت:فجئت فلما سلّمت و جلست جاءت(نرجس)تنزع خفّي(2)و قالت لي:يا سيدتي و سيدة أهلي كيف أمسيت؟(3)فقلت:بل أنت سيدتي و سيدة أهلي.فأنكرت قولي

ص:135


1- (1) أي:ما بها أثر من الحمل،لأن اللّه تعالى أخفى فيها أثر الحمل،كما صرّحت بذلك الأحاديث،كما أخفى اللّه ذلك في أمّ النبي موسى(عليه السلام)و لم يظهر عليها أثر الحمل و لم يعلم بها أحد الى وقت ولادتها،لأن فرعون كان يشق بطون النساء الحبالى في طلب موسى.
2- (2) كانت العادة المتعارفة في ذلك الزمان أنّ صاحبة البيت كانت تنزع خفّ المرأة الزائرة التي جاءت الى بيتها إحتراما و إكراما و تقديرا لها.
3- (3) كلمة«كيف أصبحت»أو«كيف امسيت»كانت تستعمل في ذلك الزمان مكان كلمة «كيف حالك»في زماننا.

و قالت:ما هذا يا عمّة؟!(1).و في رواية أخرى:فجاءتني نرجس تخلع خفّي،فقالت:يا مولاتي ناوليني خفّك،فقلت:بل أنت سيدتي و مولاتي،و اللّه لا أدفع اليك خفّي لتخلعيه،و لا لتخدميني،بل أنا أخدمك،على بصري(2).فسمع أبو محمد(عليه السلام)ذلك،فقال:

جزاك اللّه-يا عمّة-خيرا.

قالت حكيمة:فقلت لها:يا بنيّة إنّ اللّه سيهب لك-في ليلتك هذه-غلاما سيدا في الدنيا و الآخرة.فجلست(نرجس)و استحيت، فلما أن فرغت من صلاة العشاء أفطرت و أخذت مضجعي فرقدت، فلما كان في جوف الليل قمت الى الصلاة،ففرغت من صلاتي و هي (أي:نرجس)نائمة ليس بها حادث،ثم جلست معقّبة(3)،ثم اضطجعت،ثم انتبهت فزعة و هي راقدة،ثم قامت فصلّت.فدخلتني الشكوك،فصاح بي أبو محمد(عليه السلام)من المجلس(أي:

من حجرته التي كان جالسا فيها):لا تعجلي يا عمّه فإنّ الأمر قد قرب.

ص:136


1- (1) «فأنكرت»:أي تعجّبت من قولي لها:«بل أنت سيدتي و سيدة أهلي»أي:كيف يسوغ للسيدة حكيمة و هي بنت الإمام و أخت الإمام و عمّة الإمام أن تخاطب جارية بهذه الكلمات؟.و أما قول نرجس:«يا عمّة»فهو بإعتبار أن السيدة حكيمة عمّة زوجها،فكما كان الإمام العسكري يخاطبها«يا عمّة»كذلك خاطبتها نرجس بكلمة«يا عمّة».
2- (2) قولها«على بصري»كالقول المتعارف في هذا الزمان(على عيني)
3- (3) معقّبة:أي مشتغلة بتعقيبات الصلاة كالأدعية و الأوراد و تلاوة القرآن و غيرها.

و في رواية:فوثبت سوسن(أي:نرجس)فزعة،و خرجت و أسبغت الوضوء،ثم عادت فصلّت صلاة الليل حتى بلغت الوتر(1)فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب،فقمت لأنظر،فإذا بالفجر الأول قد طلع(2)فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد(عليه السلام)(3)فناداني من حجرته:لا تشكّي.فاستحييت من أبي محمد و ممّا وقع في قلبي،و رجعت الى البيت(4)و أنا خجلة،فإذا هي(أي:

نرجس)قد قطعت الصلاة،و خرجت فزعة،فلقيتها على باب البيت،فقلت لها:هل تحسّين شيئا مما قلت لك؟.

قالت:نعم يا عمّه(5)إنّي أجد أمرا شديدا.

قلت:إسم اللّه عليك،إجمعي نفسك،و اجمعي قلبك فهو ما قلت لك،لا خوف عليك إنشاء اللّه،فأخذت و سادة فالقيتها في وسط

ص:137


1- (1) الوتر:آخر ركعة من صلاة الليل.
2- (2) الفجر الأول:هو البياض«الضوء»الذي يظهر في الأفق-في جانب المشرق- ثم يزول و يأتي مكانه الظلام،و يعبّر عنه أيضا ب«الفجر الكاذب».
3- (3) كان سبب الشك أنّ الإمام العسكري(عليه السلام)كان قد أخبرها بأنّ المولود يولد ليلا،و كانت تلك الليلة على وشك الإنتهاء،و قد قرب طلوع الفجر،و المولود لم يكن يولد بعد،و لهذا صاح بها الإمام-من حجرته حتى تسمع صوته-و نهاها عن الشك.
4- (4) البيت:أي الحجرة..و كذا فيما يأتي،فإنّ المراد من«البيت»:الحجرة... لا الدار المستقلّة
5- (5) حيث أن السيدة حكيمة كانت عمّة الإمام العسكري(عليه السلام)و كان الإمام يخاطبها«يا عمّة»كذلك خاطبتها نرجس مجازا..لا حقيقة.

البيت،و أجلستها عليها،و جلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة،فقبضت على كفّي و غمزت غمزا شديدا(1)ثم أنّت أنّة(2)و تشهّدت،فصاح بي أبو محمد(عليه السلام)و قال:إقرئي عليها:

إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (3)فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني،فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ،ففزعت لما سمعت،فصاح بي أبو محمد(عليه السلام):لا تعجبي من أمر اللّه(عزّ و جلّ)إنّ اللّه (تبارك و تعالى)ينطقنا بالحكمة صغارا،و يجعلنا حجّة في أرضه كبارا،فلم يستتمّ الكلام حتى غيّبت عنّي نرجس،فلم أرها،كأنّه ضرب بيني و بينها حجاب(و في رواية:ثم أخذتني فترة،و أخذتها فترة)(4)فعدوت نحو أبي محمد(عليه السلام)و أنا صارخة،فقال لي:إرجعي يا عمّه،فإنّك ستجدينها في مكانها.فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب الذي كان بيني و بينها،و إذ أنا بها و عليها من أثر النور ما غشى بصري،و إذا أنا بوليّ اللّه(صلوات اللّه عليه)متلقّيا الأرض بمساجده(5)-و على ذراعه الأيمن مكتوب:جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ

ص:138


1- (1) غمزت:أي كبست و عصرت يدي عصرا شديدا.
2- (2) «أنّت أنّة»الأنين:الصوت من ألم أو مرض.
3- (3) و في رواية:أمرها أن تقرأ سورة الدخان التي أوّلها:بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ،فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ و لا يخفى ما في هذه الآيات من التناسب بينها و بين الولادة أو المولود.
4- (4) سنذكر معنى كلمة«فترة»بعد انتهاء حديث ولادة الامام(عليه السلام)
5- (5) أي قد وضع مواضع السجود السبعة على الأرض.

اَلْباطِلُ،إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (1)-و هو(أي الإمام حال كونه ساجدا)يقول:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ جدّي محمدا رسول اللّه،و أنّ أبي أمير المؤمنين وليّ اللّه»ثم عدّ الأئمة إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه،ثم قال:«اللهمّ أنجز لي ما وعدتني،و أتمم لي أمري،و ثبّت وطأتي(2)و املأ الأرض بي عدلا و قسطا»ثم رفع رأسه-من الأرض-و هو يقول:شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ،قائِماً بِالْقِسْطِ،لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (3)ثم عطس فقال:«الحمد للّه ربّ العالمين،و صلى اللّه على محمد و آله،زعمت الظلمة أنّ حجّة اللّه داحضة(4)لو أذن لنا في الكلام لزال الشك.

ص:139


1- (1) سورة الإسراء/آية 81.
2- (2) «و ثبّت وطأتي»:يقال:وطأه برجله:أي داسه،فالوطىء:هو الدوس بالقدم.و يعبّر عن الغزو و الغلبة و القتل ب«الوطيء»لأنّ من يطأ على الشيء برجله فقد إستقصى في هلاكه و إهانته،فيكون معنى«ثبّت وطأتي»:أي ثبّت و أحكم ما وعدتني من محاربة المخالفين و إستئصالهم،و سهّل لي ذلك.
3- (3) سورة آل عمران/آية 18-19.
4- (4) داحضة:أي زائلة و باطلة.و ذلك لأن أعداء الأئمة الطاهرين كانوا يظنّون أن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)لا عقب له،و كانوا يقولون:إن العسكري يموت و تنتهي سلسلة«أئمة أهل البيت»،زاعمين أنّ بموته تنقطع حجّة اللّه على الأرض،دون أن يعلموا أن له ولدا هو الإمام المهدي(عليه السلام)و لكن اللّه تعالى لم يأذن له بالإعلان عن نفسه حتى يعلم الجميع أن الإمامة مستمرة من خلاله،و لو أذن اللّه له بالإعلان عن نفسه لزال الشك في إنقطاع سلسلة الأئمة- الطاهرين(عليهم السلام).

قالت حكيمة:فأخذت بكتفيه فضممته إليّ،و أجلسته في حجري،فإذا هو نظيف منظّف،فصاح بي أبو محمد(عليه السلام):هلمّي إليّ بابني يا عمّه،فجئت به إليه،فأجلسه على راحته اليسرى،و جعل راحته اليمنى على ظهره،ثم أدخل-الإمام العسكري-لسانه في فيه،و أمرّ يده على رأسه و عينيه و سمعه و مفاصله،ثم قال له:تكلّم يا بني!!(و في رواية:يا بني انطق بقدرة اللّه تكلّم يا حجّة اللّه و بقيّة الأنبياء،و خاتم الأوصياء،تكلّم يا خليفة الأتقياء..فتشهّد الشهادتين و صلى على النبي و الأئمة الطاهرين واحدا واحدا،ثم سكت بعد وصوله إلى إسم أبيه،ثم استعاذ من الشيطان الرجيم و تلى هذه الآية:بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ،وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ،وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).

فناولنيه أبو محمد(عليه السلام)و قال:يا عمّة ردّيه إلى أمّه كي تقرّ عينها و لا تحزن و لتعلم أنّ وعد اللّه حق و لكنّ أكثر الناس لا يعلمون.

فرددته إلى أمّه،و قد إنفجر الفجر الثاني(2)فصلّيت الفريضة،

ص:140


1- (1) سورة القصص/آية 5-6.
2- (2) الفجر الثاني:و يعبّر عنه ب«الفجر الصادق»:-هو البياض«الضوء»الذي يظهر في عرض الأفق-في جانب المشرق-و يمتد و ينتشر حتى يعمّ السماء كلّها،-

ثم ودّعت أبا محمد و انصرفت(1).

أقول:ليس في هذا شيء من الغلو أو الخرافة،و ليس الإمام المهدي(عليه السلام)هو الطفل الأول-في العالم-الذي تكلّم قبيل ولادته أو بعدها مباشرة،بل تجد القرآن الكريم يصرّح بأنّ عيسى بن مريم تكلّم يوم ولادته..بل ساعة ولادته(بناءا على بعض الروايات) فقد ذكر بعض المفسّرين-في تفسير قوله تعالى:فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا،وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا،فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً،فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (2)أنّ هذا كلّه:

كلام عيسى ساعة إنفصاله عن بطن أمّه،كما روي ذلك عن مجاهد، و سعيد بن جبير،و الحسن،و وهب بن منبّه،و إبن جرير،و إبن زيد، و الجبائي(3).و في رواية:ناداها جبرئيل.و إن كان-هناك-إختلاف في

ص:141


1- (1) لقد نقلنا كيفية ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)من روايات متعدّدة و من عدّة مصادر مع رعاية الترابط و التناسق،و كان من بين المصادر:كتاب(إكمال الدين) للشيخ الصدوق ج 2 ص 424-433.طبع ايران 1395.ه.و كتاب(بحار الأنوار)للشيخ المجلسي ج 51 ص 13-28 من الطبعة الحديثة،طبع ايران 1393 ه.
2- (2) سورة مريم/آية 24-26.أما الآيات التي بعدها فهي كالتالي:فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ،قالُوا:يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا!!يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا!!فَأَشارَتْ إِلَيْهِ،قالُوا:كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا؟قالَ:إِنِّي عَبْدُ اللّهِ...إلى آخر الآيات»سورة مريم/آية 26-30.
3- (3) مجمع البيان الطبرسي في تفسير الآية،تفسير التبيان للشيخ الطوسي،أيضا في تفسير الآية.

المنادي-في قوله تعالى:فَناداها أنّه هل هو عيسى أو جبرئيل-فلا خلاف و لا اختلاف في كلام عيسى لليهود-حين قالوا:كيف نكلّم من كان في المهد صبيّا-؟«قال:إنّي عبد اللّه،آتاني الكتاب،و جعلني نبيّا،و جعلني مباركا أينما كنت،و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيّا...»أنه كلام عيسى(عليه السلام).

قد يقال:إنّ هذه معجزة أوجدها اللّه تعالى لعيسى بن مريم تثبيتا لنبوّته،

و نحن نقول:إنّ هذه معجزة أوجدها اللّه سبحانه للإمام المهدي تثبيتا لإمامته،و هو(عليه السلام)إمام عيسى بن مريم في الصلاة، كما تقدّم الكلام،و سيأتي المزيد من التفصيل أنّ عيسى بن مريم ينزل من السماء و يصلّي خلف الإمام المهدي(عليه السلام)فلا عجب أن يحدث للإمام المهدي ما حدث لعيسى بن مريم(عليهما السلام).

و قد تكرّرت هذه الظاهرة في آل البيت النبوي،و قد ذكرنا في كتاب(فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد)حديثا مروّيا عن الدهلوي الحنفي في كتاب(تجهيز الجيش)عن كتاب(مدح الخلفاء الراشدين):«أنّه لمّا حملت خديجة بفاطمة كانت تكلّمها ما في بطنها»و حديثا آخر مرويّا عن شعيب بن سعد المصري في كتابه (الروض الفائق):«...قالت خديجة:و اخيبة من كذّب محمدا و هو رسول ربّي.فنادت فاطمة-من بطنها-يا أمّاه لا تحزني و لا ترهبي

ص:142

فإنّ اللّه مع أبي(1).

و الآن نعود الى ولادة الإمام المهدي(عليه السلام).

لقد ولد الإمام في جوّ من الكتمان و الخفاء،في وقت السحر من ليلة النصف من شهر شعبان،قبيل الفجر،في تلك اللحظات التي كان جبابرة بني العباس و أتباعهم في نوم عميق،كعادتهم في كل ليلة.

تلك اللحظات التي كان البيت العلوي الطاهر(و أخصّ بيت الإمام العسكري)عامرا بأصوات الدعاء و الإبتهال و الصلاة و تلاوة القرآن.

ما أشرف تلك اللحظة من سحر ليلة الجمعة النصف من شعبان !!و ما أسعد تلك الليلة التي«لا يولد فيها مولود إلاّ كان مؤمنا،و إن ولد في أرض الشرك نقله اللّه إلى الإيمان ببركة الإمام المهدي(عليه السلام)!!(2)و ما أنسب ذلك الوقت لولادة الإمام حيث روعيت فيه جوانب الحكمة كلها!

ص:143


1- (1) و قد روى الحافظ محبّ الدين احمد الطبري الشافعي-في كتابه(ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى)ص 45،طبع مصر سنة 1356-حديثا عن النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أنّ السيدة فاطمة(عليها السلام)كانت تكلّم أمّها و هي في بطنها.
2- (2) نقل الشيخ المجلسي في كتابه(بحار الأنوار)ما نصّه:«نقل من خطّ الشهيد عن الصادق(عليه السلام)قال:إنّ الليلة التي يولد فيها القائم(عليه السلام) لا يولد فيها مولود إلاّ كان مؤمنا،و إن ولد في أرض الشرك نقله اللّه الى الإيمان-

و قد حضرت السيدة حكيمة ولادة الإمام(عليه السلام)و شاهدت المراحل كلهّا في تلك الليلة،و من الطبيعي أنّ الولادة إنّما تثبت بشهادة نساء الأسرة او القابلة المولّدة،و السيدة حكيمة:هي بنت الإمام و أخت الإمام و عمّة الإمام(1)و هل كانت-في ذلك العصر-إمرأة أصدق منها قولا؟و أوثق منها كلاما؟و أطهر منها لسانا؟و أكثر منها إطمئنانا؟و هي السيدة الشريفة العابدة المتهجّدة الصالحة،فمن أين يأتي الشك في صدق كلامها؟و صحّة حديثها؟.

إنّ بعض المنحرفين عن الحق،المعاندين للصواب يشك أو يشكّك في ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و يقول:إنّ مصدر هذا الخبر هي السيدة حكيمة،فكيف يثبت هذا الأمر بشهادة إمرأة!!.

إنّ هذا المعاند قد ضرب الرقم القياسي في الحمق و الجهل،فكأنّه يتوقّع أن يولد الإمام المهدي(عليه السلام)في ساحة من الساحات المزدحمة بالناس،أو في مسجد غاصّ بالمصلّين،أو في مكان آخر يكثر فيه

ص:144


1- (1) السيدة حكيمة:هي بنت الإمام التاسع محمد الجواد(عليه السلام)و أخت الإمام العاشر علي الهادي(عليه السلام)و عمّة الإمام الحادي عشر أبو محمد الحسن العسكري(عليه السلام).

المتفرّجون،و تقع ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)بمرأى من الجماهير المتجمهرة،و السيل البشري حتى تثبت ولادته(عليه السلام)عند هذا الأعوج!!.

قبحا لهذه النفسيّة القذرة،و تعسا لهذه العقلية السافلة الساقطة، و لعنة التاريخ على هذا المستوى النازل المنحط،و على كلّ معقّد بعقدة الحقارة الجهنميّة.

هذا..بالإضافة إلى أنّ شهادة السيدة حكيمة بولادة الإمام المهدي (عليه السلام)ليست الدليل الأول و الاخير،فالإمام الحسن العسكري (عليه السلام)لم يتهاون في إعلام الشيعة بولادة إبنه الإمام المهدي،رغم الظروف القاسية،و عدم توفّر الإمكانيات الإعلامية،و كثرة الموانع.

أمّا كلمة«الفترة»التي ذكرتها السيدة حكيمة،أو كلمة«السبات» و أمثالها،فهي تشير إلى حالة نفسيّة تعرض نادرا لبعض الأفراد،في حالات خاصة،و لحظات محدودة.و هي حالة تشبه فقدان الوعي بصورة سريعة، و في مدّة قصيرة،تتعطّل خلالها المشاعر،و يتصوّر الإنسان أنّه على وشك الإغماء،فيحاول أن يتغلّب على تلك الحالة،و يحافظ على مشاعره، كالإنسان الذي يغلب عليه النوم و هو يحاول أن لا ينام.

و هذه الحالة-التي يعجز القلم عن وصفها-تعتري الإنسان في حالة التوجّه القويّ إلى اللّه تعالى،أو في حالة الإتصال بعالم الأرواح أو الروحانيّات.

و إنما يفهم هذا الكلام أهل المعنى الروحيّون الذين تكثر إتصالاتهم بعوالم ما وراء الطبيعة.

ص:145

إستولت حالة«الفترة»أو«السبات»على السيدة حكيمة في اللحظات و الثواني التي سبقت ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و إنفصاله عن بطن أمّه،و شعرت السيدة نرجس بنفس الحالة،في نفس تلك اللحظات.

و من الواضح أنّ لحظة ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و إنتقاله إلى هذا العالم،لحظة رهيبة،تتجلّى فيها القدسية و النورانية و الروحانية، و يغشى النور الباهر القوي السيدة نرجس،بحيث لا يمكن رؤيتها في تلك اللحظة،لأنها مغمورة بنور لا يشبه أنوار الدنيا،و لم تستطع أن تراها السيدة حكيمة لهذا السبب.و من الطبيعي أنّ هذه الحالة تورث في الإنسان الذعر و الذهول و الدهشة،فلا عجب إذا خرجت السيدة حكيمة و هي صارخة، من جرّاء حالتها النفسيّة المريعة،و لفقدان السيدة نرجس.

ص:146

العقيقة و الإطعام

العقيقة:هي الذبيحة-من شاة أو بقر او إبل-تذبح بعد ولادة المولود،و هي مستحبّة شرعا،و قد عقّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)عن ولديه:الحسن و الحسين(عليهما السلام)بكبشين في اليوم السابع من ولادتهما(1).

و العقيقة تعتبر فداءا للطفل،و تأمينا على حياته،فقد ورد في الحديث عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم):«كلّ امرىء مرتهن بعقيقته»(2)و عن الإمام الصادق(عليه السلام):«كلّ مولود مرتهن بالعقيقة»(3)

و ما أبدع هذا التعبير،و أجمل هذا البيان،فإن اللّه تعالى إذا وهب المولود للوالدين فإنه يمكن أن يعيش الطفل،و يمكن أن يسترجع اللّه هبته فيموت الطفل في وقت مبكّر،فإذا عقّ عنه بعقيقة،فإنه يعيش،لأن العقيقة بمنزلة الرهان.

و إنطلاقا من هذه الحقيقة،فإن الإمام العسكري(عليه السلام)عقّ

ص:147


1- (1) فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج 2 ص 104-105،طبع لبنان 1400 هجرية، ذخائر العقبى للطبري الشافعي ص 118 طبع مصر 1356 هجرية.و غيرها.
2- (2) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 104 ص 126 طبع طهران 1389 هجرية.
3- (3) مكارم الأخلاق للطبرسي ص 226 طبع لبنان 1392 هجرية.

عن الإمام المهدي(عليه السلام)بثلثمائة عقيقة(1).

و قد إمتاز الإمام المهدي(عليه السلام)بهذه المزيّة عن جميع الأوّلين و الآخرين،إذ لم يذكر التاريخ أنّ مولودا عقّ عنه بثلثمائة عقيقة،سوى الإمام المهدي(عليه السلام).

و تجد-هنا-سرّا عظيما،فإنّ العقيقة الواحدة إذا كانت نافذة المفعول في طول عمر المولود بالعمر الطبيعي المتعارف-و هو ما بين الستين و السبعين مثلا-،فإنّ المولود الذي قدّر اللّه تعالى له أن يعيش ألفا و مئات السنين-مع كثرة أعدائه-يتطلّب أن يعقّ عنه بمئات الذبائح لنفس الغرض.

و لا منافاة في أن يكون اللّه تعالى هو الحافظ و الحارس للإمام المهدي (عليه السلام)خلال قرون حياته،و في نفس الوقت يعقّ عنه بهذه الكمية و العدد الوافر،تحقيقا للهدف،لأن العقيقة لها آثارها الوضعية.

و البحث يتطلّب شيئا من الشرح و التفصيل،و لكنّه يستدعي مجالا أوسع.

و قد قام الإمام العسكري(عليه السلام)بهذه العملية التي تعتبر:

1-تمديدا لطول عمر ولده الإمام المهدي(عليه السلام).

2-إعلاما لشيعته بولادة الإمام المهدي المنتظر.

و لم يكتف الإمام العسكري(عليه السلام)بذلك،بل أمر عثمان بن

ص:148


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 106،طبع طهران المطبوع مع الترجمة الفارسية سنة 1396 ه.

سعيد-و هو من أخصّ أصحابه-بأن يشتري عشرة الآف رطل(1)من الخبز،و عشرة الآف رطل من اللحم،و يوزّعها على بني هاشم لنفس الغرض(2).

و ربما أرسل الإمام العسكري(عليه السلام)شاة مذبوحة الى بعض أصحابه،و قال له:هذه من عقيقة إبني محمد(3).

و أرسل إلى إبراهيم-و هو من أصحابه-بأربعة أكبش،و كتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم،عقّ هذه عن إبني محمد المهدي،و كل،هنّأك اللّه، و أطعم من وجدت من شيعتنا(4).

و يخبر الإمام العسكري(عليه السلام)بعض ثقاة شيعته بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و يأمره بالكتمان،بل و يكتب رسالة الى الشيخ أحمد ابن إسحاق القمّي-و هو من أجلاّء أصحابه-يبشّره بولادة ولده الإمام المهدي(عليه السلام)،بل ربما كان يري ولده لبعض أصحابه الثقاة، تأكيدا لهذه الحقيقة،و من الأحاديث التالية يتّضح ما نقول:

في كتاب(إكمال الدين)باسناده عن الحسن بن المنذر قال:جاءني

ص:149


1- (1) الرطل:وزن يختلف بإختلاف البلدان،و المراد منه هنا:هو الرطل العراقي.و الرطل العراقي الواحد:يساوي 10/6 327 غرام،أمّا عشرة آلاف رطل:فتساوي 3276 كيلو غرام.
2- (2) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 431 طبع طهران سنة 1395 هجرية.
3- (3) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 432،طبع طهران سنة 1395 هجرية.
4- (4) بحار الأنوار للشيخ المجلسي الطبعة الحديثة ج 51 ص 28،طبع طهران سنة 1393 هجرية.

يوما حمزة بن أبي الفتح،فقال لي:البشارة!ولد-البارحة-في الدار مولود لأبي محمد(عليه السلام)و أمر بكتمانه،قلت:و ما اسمه؟قال:سمّي بمحمد،و كنّي بجعفر(1).

و أيضا في(إكمال الدين)عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي قال:لما ولد الخلف الصالح(عليه السلام)ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام)إلى جدّي أحمد بن اسحاق(2)كتاب،فإذا فيه مكتوب بخط يده(عليه السلام)الذي كان ترد به التوقيعات عليه(3)و فيه:.

«ولد لنا مولود،فليكن عندك مستورا،و عن جميع الناس مكتوما، فإنّا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته،و الولي لولايته،أحببنا إعلامك ليسرّك اللّه به مثل ما سرّنا به،و السلام»(4).

و في(إكمال الدين)باسناده عن جعفر الفزاري عن جماعة من أصحاب الإمام العسكري(عليه السلام)قالوا:عرض علينا أبو محمد

ص:150


1- (1) إكمال الدين للصدوق ج 2 ص 432.طبع طهران سنة 1395 هجرية.
2- (2) هكذا وجدنا الحديث في المصدر،و يمكن أن يكون المراد:جدّه من طرف أمّه.
3- (3) كانت الرسائل التي يرسلها الشيعة الى الإمام العسكري(عليه السلام)مشتملة على أسئلة متنوّعة،و كان بين كل سؤال و سؤال فراغ ليكتب فيه الجواب،فكان الإمام يجيب على الأسئلة في نفس الورقة...لا في رسالة مستقلة.و التوقيع-لغة-:إضافة شيىء الى الرسالة بعد الفراغ منها،و لأجل هذا سمّيت هذه الرسائل ب«التوقيعات»لأن الإجابات كانت مذكورة بين الأسطر في نفس الرسالة.
4- (4) إكما الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 434.طبع طهران سنة 1395 هجرية.

الحسن بن علي(عليهما السلام)إبنه و نحن في منزله،و كنّا أربعين رجلا، فقال:هذا إمامكم من بعدي،و خليفتي عليكم،أطيعوه،و لا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا،أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا.

قالوا:فخرجنا من عنده،فما مضت إلاّ أيام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام(1).

ص:151


1- (1) إكمال الدين ج 2 ص 435.طبع طهران سنة 1395 هجرية.

الفصل السابع

اشارة

كيف غاب عن الأبصار؟

إنّ الذي يراجع موسوعات الأحاديث يجد أن الكميّة الهائلة من الأحاديث التي تخبر عن الإمام المهدي(عليه السلام)قد تضمّنت الإخبار عن غيبته.

و لكلمة«الغيبة»-هنا-معنيان:

الأول:انه لا يعيش في المجتمعات البشرية،و لا يكون في متناول الناس،بأن يقصده الناس،و يلتقي به كل أحد،و يراه القريب و البعيد، كما هو شأن الإنسان العادي المتعارف.

الثاني:الإختفاء عن العيون-حسب إرادته-فلا تراه العيون مع كونه موجودا،كما أن العيون لا ترى الأرواح،و لا الملائكة،و لا الجن،مع تواجدها في المجتمعات البشرية.

و قد تظهر الأرواح بالشكل المرئي لبعض الأفراد،كما هو المشهور عند الذين يمارسون إحضار الأرواح.و قد تظهر الملائكة لغير الأنبياء،كما ظهرت لسارة زوجة ابراهيم(عليه السلام)و لمريم بنت عمران.

و في عهد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)كان جبرئيل يتمثّل بصورة الصحابي دحية الكلبي،فيظن الناس أنّه دحية.

و قد ظهرت الملائكة يوم بدر للمسلمين و غيرهم.

ص:152

و لعلّ قائلا يقول:إنّ الملائكة أجسام لطيفة،و من شأنها أن لا ترى بهذه العيون إلاّ في ظروف خاصّة،و ليس البشر كذلك.

فنقول:كان مقصودنا التشبيه بالكائنات التي لها القدرة على الظهور للناس،و الإختفاء و الإستتار عن العيون.

و أمّا بالنسبة لإختفاء الإمام المهدي(عليه السلام)عن العيون فإن المقاييس الطبيعية فاشلة لإثبات ذلك،و لا أستطيع إثبات ذلك على ضوء المادّة و الطبيعة،فالقضية تعتبر من الحقائق الماورائية،و ليست هذه نظريّة او فكرة..بل حقيقة ثابتة،و نحن أمام أمر واقع،فإنّ أكثر الذين تشرّفوا بلقاء الإمام المهدي(عليه السلام)كان لقاؤهم مختوما بغيبة الإمام المهدي عن أنظارهم.

و من الصحيح أن نقول:إنّ غيبة الإمام بعد تلك اللقاءات كانت دليلا واضحا على أنه هو الإمام،لأنّ الفرد العادي كيف يستطيع أن يستتر و يختفي أو يغيب عن العيون في طرفة عين؟

معجزة الاستتار

و يمكن أن يعتبر هذا الإستتار و الإختفاء معجزة من معاجز الإمام المهدي(عليه السلام)لأنّ المعجزة:ما يعجز عنه الناس،و المعجزة تحدّ للعادة و الطبيعة فكما ان المعجزة-بصورة عامة-لا يمكن تحليلها على ضوء المادة و الطبيعة لأنها من ما وراء الطبيعة،فكذلك إستتار الإمام المهدي (عليه السلام)يعتبر من الماورائيات بهذا المعنى.

ص:153

و هناك احتمال آخر:و هو أن الإمام المهدي(عليه السلام)يتصرّف في عيون الناظرين حتى لا يروه،و ليس هذا بعيدا من أولياء اللّه الذين لهم قدرة التصرّف في الكائنات.

و يمكن لنا أن نستفيد من القرآن الكريم إمكانيّة الإستتار و الإختفاء عن العيون لفترة قصيرة،أو طويلة:

قال تعالى:وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا،وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (1).

و قال سبحانه:وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (2).

و قال عزّ و جلّ-حكاية عن السامري-:قالَ:بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ،فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ... (3).

أمّا الآية الأولى:فقد ذكر المفسّرون عن عبد اللّه بن مسعود أنّ قريشا إجتمعوا بباب دار النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)فخرج إليهم فطرح التراب على رؤوسهم و هم لا يبصرونه(4).

و عن إبن عباس قال:إنّ قريشا اجتمعت فقالت:لئن دخل محمد

ص:154


1- (1) سورة يس،الآية 9.
2- (2) سورة الإسراء،الآية 45.
3- (3) سورة طه،الآية 96.
4- (4) (مجمع البيان في تفسير القرآن)للشيخ الطبرسي،في شأن نزول الآية،ج 8 ص 416 طبع لبنان سنة 1379 هجرية.

لنقومنّ إليه قيام رجل واحد.فدخل النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم) فجعل اللّه من بين أيديهم سدّا و من خلفهم سدا فلم يبصروه،فصلى النبي الكريم،ثم أتاهم فجعل ينثر على رؤوسهم التراب و هم لا يرونه،فلما خلى عنهم رأوا التراب،و قالوا:هذا ما سحركم إبن أبي كبشة.أي رسول اللّه(1).

و قد ذكر الطبري الشافعي-في تفسير الآية-حديثا عن عكرمة قال:

«قال أبو جهل لئن رأيت محمدا لأفعلنّ و لأفعلن،فأنزلتإِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً. إلى قوله:فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ، قال-عكرمة-:

فكانوا يقولون:هذا محمد،فيقول-أبو جهل-أين هو..أين هو،لا يبصره»(2).

و أمّا الآية الثانية:فقد ورد في كتب التفسير أنّ المقصود مناَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ هم:أبو سفيان،و النضر بن الحرث،و أبو جهل،و أمّ جميل زوجة أبي لهب،حجب اللّه رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن،

ص:155


1- (1) مجمع البيان للطبرسي-في شأن نزول الآية-ج 8 ص 416 طبع لبنان سنة 1379 ه كان المشركون ينسبون النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)الى ابي كبشة،و يقولون:«إبن أبي كبشة»،و كان أبو كبشة رجلا من قبيلة خزاعة،خالف قريشا في عبادة الأوثان،و لم يعبد الأصنام كبقية أفراد قبيلته،و كذلك المشركون،لمّا خالفهم النبي في عبادة الأوثان،شبّهوه ب«أبي كبشة».و قيل:إنّ أبي كبشة-الذي تقدّم تعريفه-كان احد أجداد النبي من طرف أمّه،فأرادوا أنه نزع إليه في الشبه.
2- (2) (جامع البيان في تفسير القرآن)لمحمد بن جرير الطبري الشافعي ج 22 ص 99 طبع مصر سنة 1328 هجرية.

و كانوا يأتونه و يمرون به و لا يرونه(1).و الذي يجلب الإنتباه و يدعو الى التعجبّ هو قوله تعالى:حِجاباً مَسْتُوراً إذ قد يمكن أن يحتجب الإنسان وراء الحجاب،فلا يراه الناس..بل يرون الحجاب،و هنا تجد أنّ ذلك الحجاب الذي حجب النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)عن الأبصار.

أيضا كان مستورا.

و لا تغفل عن قوله تعالى:وَ جَعَلْنا في الآية الأولى و الثانية،مما يدل على القدرة الإلهية.

و أمّا الآية الثالثة:فهي تتحدّث عن الحوار الذي جرى بين موسى بن عمران(عليه السلام)و بين السامري الذي صنع العجل(2)فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ (3).فسأله موسى عن فعله:قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ؟قالَ:بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ،فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها (4)فلقد ذكر المفسّرون أنّ السامري رأى جبرئيل-في شكل البشر-،و قد نزل على موسى بالوحي،أو رآه و قد نزل راكبا على فرس من الجنّة،فأخذ قبضة من تراب أثر قدم جبرئيل،أو أثر حافر فرسه،و نبذ ذلك التراب في تمثال العجل فتكوّنت فيه الحياة.

و المقصود:أنّ السامري رأى جبرئيل في الوقت الذي لم يره أحد من

ص:156


1- (1) مجمع البيان للطبرسي ج 6 ص 418 طبع لبنان سنة 1379 هجرية.
2- (2) العجل:ولد البقرة،كما في(مجمع البحرين)و(المنجد في اللغة).
3- (3) سورة طه،الآية 88.
4- (4) سورة طه،الآية 95-97.

بني إسرائيل،و هدفنا من الإستشهاد بهذه الآية إمكانية الإختفاء عن بعض العيون و إمكانية الظهور لبعض العيون في نفس الوقت.

حكمة الغيبة الطويلة

بقي هنا سؤال لا بدّ من الإجابة عليه و هو:لماذا غاب الإمام(عليه السلام)هذه القرون الطويلة؟

و الجواب-كما صرّحت بذلك الأحاديث-:هو أنّ حياته مهدّدة بالقتل،إذ من الطبيعي أنّ الحكّام الذين حكموا طيلة هذه القرون-من العباسيّين و العثمانيين و غيرهم ممّن حكموا بلاد الشرق الأوسط بصورة خاصة-كانوا يبذلون أقصى جهودهم للقضاء على حياة الإمام المهدي(عليه السلام)و خاصة بعد أن علموا بأنّ الإمام المهدي هو الذي يزلزل كراسي الظالمين،و يقوّض عروشهم،و يدمّر كيانهم،و يمنعهم من الإستيلاء على العباد و البلاد.

أنظر إلى تاريخ أئمة أهل البيت(عليهم السلام)فلا ترى واحدا منهم مات حتف أنفه..بل قتلهم طواغيت هذه الأمّة،إبدأ من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)و سر مع تاريخ الأئمة،فإنّك تراهم قد قتلوا إمّا بالسيف،و إمّا بالسمّ،(و حتى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)دسّوا إليه السمّ و قتلوه)مع العلم أنّه لم يرد فيهم ما ورد في حق الإمام المهدي(عليه السلام)من البشائر و الإخبارات،فمثلا:لم يرد حديث واحد في حقّ أحد الأئمة بأنّه يملأ الدنيا قسطا و عدلا،و أنّه يحكم

ص:157

العالم كلّه،و أنّ جميع وسائل الإنتصار تتوفّر له،سوى في حق الإمام المهدي (عليه السلام).فما ترى يكون موقف الحكومات من هذا الموجود الذي يشكّل الخطر على كلّ ما يملكون؟.

و لقد مرّ عليك أنّه كيف كان الإمام العسكري(عليه السلام)يحاول إخفاء ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)عن عامّة الناس،تحفّظا على حياة ولده من شرّ الفراعنة الطغاة،و سيأتيك شيء من التفاصيل التي تصرّح بأنواع التحرّي و التفتيش الذي قام به رجال السلطة في دار الإمام العسكري (عليه السلام)بحثا عن الإمام المهدي(عليه السلام).

شبهات و ردود

و ختاما لهذا البحث،أجلب إنتباه القارىء إلى بعض المناقشات أو التساؤلات او المغالطات التي قام و يقوم بها بعض المشكّكين،حول غيبة الإمام المهدي-مع إعترافهم بوجوده(عليه السلام)،حسب ما صرّحت بذلك مئات الأحاديث التي لا يمكن تزييفها أو تضعيفها،و ذلك لغزارة المادّة و كثرة الكميّة-.

لقد وردت الى النجف الأشرف قصيدة مجهولة،لم يذكر الناظم إسمه و لا هويته و إتجاهه،و فيها يثير بعض التشكيكات و الشبهات الباطلة حول غيبة الإمام المهدي(عليه السلام)و قد اجاب بعض علمائنا(رحمهم اللّه) على تلك الشبهات،نظما و نثرا.و ها نحن نورد القصيدة بصورة متقطّعة، مع الإجابة على التساؤلات المدرجة فيها.

ص:158

و القصيدة كما يلي:

أيا علماء العصر يا من لهم خبر بكلّ دقيق حار في مثله الفكر

لقد حار منّي الفكر في القائم الذي تنازع فيه الناس و اشتبه الأمر

فمن قائل:في القشر لبّ وجوده و من قائل:قد نضّ عن لبّه القشر

يعترف الشاعر بالحيرة في ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)لأنّ الأقوال فيه مختلفة،فقد قال البعض:إنّه لم يولد بعد.و قال البعض:إنّه قد ولد.و قد ذكرنا لك الأقوال و البراهين و الاحاديث في ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)قبل هذا الفصل.

و أوّل هذين الذين تقرّرا به العقل يقضي و العيان و لا نكر

و كيف و هذا الوقت داع لمثله ففيه توالى الظلم و انتشر الشرّ

و ما هو إلاّ ناشر العدل و الهدى فلو كان موجودا لما وجد الجور

يختار هذا الشاعر القول الأول و هو:«في القشر لبّ وجوده»أي إنه لم يولد بعد،و يستدل على ذلك بعقله المريض،و هو أنه لو كان الإمام موجودا لكان الواجب عليه أن يظهر،بسبب إنتشار الظلم و الجور في البلاد و العباد، و حيث انه لم يظهر الى الآن فهو غير موجود،أي لم يولد بعد!!

أنظر إلى هذا الدليل الأعوج،حيث ان الشاعر يتوقّع أن يتّبع الإمام المهدي(عليه السلام)أهواء الناس،و كأنّه لا يعلم بانتشار الظلم في الأرض،أو كأنّه لا يعلم التكليف الشرعي الواجب عليه،ثم يوالي الشاعر كلامه و استدلاله المنهار فيقول:

ص:159

و إن قيل:من خوف الطغاة قد اختفى فذاك لعمري لا يجوّزه الحجر(1)

و لا النقل كلاّ إذ تيقّن أنّه إلى وقت عيسى يستطيل له العمر

و أن ليس بين الناس من هو قادر على قتله و هو المؤيده النصر

و أن جميع الأرض ترجع ملكه و يملأها قسطا و يرتفع المكر

يقول الشاعر:إن كان سبب اختفاء الإمام المهدي(عليه السلام) هو الخوف من الأعداء،فهذا شيء لا يقبله العقل..و لا النقل،لأن الإمام المهدي(عليه السلام)يعلم أنّه سيطول عمره إلى نزول عيسى بن مريم(عليه السلام)من السماء،و أنّه لا يستطيع أحد أن يقتله،و يعلم أنه سيملك الكرة الأرضية،و يملأها عدلا،فكيف يخاف من الأعداء مع علمه بذلك؟

و الجواب:كيف و لماذا إختفى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)في الغار خوفا من المشركين،و كان(صلّى اللّه عليه و آله)يعلم أنّ اللّه سيظهر دينه على الدين كلّه فلما ذا الخوف من المشركين؟و لماذا سلك طريقا غير الطريق المتعارف في توجّهه نحو المدينة؟

و قبل ذلك:لماذا«أصبح»موسى بن عمرانفِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ؟ (2)و لماذافَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ،قالَ:رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ

ص:160


1- (1) الحجر-بكسر الحاء-:العقل.
2- (2) سورة القصص،الآية 18.

اَلظّالِمِينَ؟ (1).و لماذا قال:فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ؟ (2)

و لماذا الخوف و هو يعلم بأنّه سيعيش حتى ينقذ بني إسرائيل من ظلم فرعون و آل فرعون،و هو يعلم بأنه سيدمّر عروش الفراعنة الظالمين

فكلّما تقوله في خوف موسى بن عمران و خوف رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)من المشركين،فهو جوابنا عن سبب إختفاء الإمام المهدي (عليه السلام).

و خلاصة القول:إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)ينتظر أمر اللّه و إذنه له بالظهور،فهو يعلم بأنّه سوف يعيش الى نزول عيسى بن مريم من السماء،و أنه سيملأ الأرض قسطا و عدلا،و لكن مع رعاية الشروط و الظروف،و هو يعلم أنّ الأمور مرهونة بأوقاتها،و من الطبيعي أنّه لو حضر الوقت المناسب و الزمان الملائم للظهور،و توفّرت الشروط اللازمة لأذن اللّه تعالى له بالظهور.و سبب إمتداد إستتاره و اختفائه الى هذا اليوم هو عدم توفّر الجوّ المناسب و الوقت الملائم.

و إن قيل:عن خوف الأذاة قد اختفى فذلك قول عن معائب يفترّ

فهلاّ بدا بين الورى متحمّلا مشقّة نصح الخلق من دأبه الصبر

و من عيب هذا القول لا شكّ إنّه يؤول إلى جبن الإمام و ينجرّ

ص:161


1- (1) سورة القصص،الآية 21.
2- (2) سورة الشعراء،الآية 21.

و حاشاه عن جبن و لكن هو الذي غدا يختشيه من حوى البرّ و البحر

و يرهب منه الباسلون جميعهم و تعنو له حتى المثقّفة السمر

على أنّ هذا القول غير مسلّم و لا يرتضيه العبد كلاّ و لا الحرّ

يقول هذا الشاعر المتفلسف:إن كان الإمام المهدي(عليه السلام) قد اختفى خوفا من ايذاء الناس له،فهو عيب و نقص للإمام المهدي (عليه السلام)،فلماذا لا يخرج و يتحمّل المكاره و الأذى في سبيل اللّه، و يصبر على ما يناله من الأعداء،حتى يؤدّي واجبه الشرعي،و ينقذ البشر من مخالب الظالمين

و هناك عيب آخر و هو أنّ إختفاء الإمام خوفا من الأذى يدلّ على جبنه و عدم إتّصافه بالشجاعة،مع العلم أنه منزّه عن الجبن،بل هو الذي يخاف منه الجميع:الحكومات و الشعوب.

نجيب على هذه الأباطيل فنقول:

هل كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)جبانا يوم فرّ الى الغار..ثم الى المدينة المنوّرة؟!

و هل كان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)فاقدا لفضيلة الشجاعة طيلة ثلاث سنين و شهور،و هي الفترة التي قضاها في شعب أبي طالب في جوّ من الضيق و المجاعة و الخوف؟!

و هل كان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)غير واثق بربّه في الفترة التي كان يدعو الى اللّه سرّا،و كان هو و أصحابه يعبدون اللّه تعالى سرّا في دار

ص:162

الأرقم،حتى نزل عليه قوله تعالى:فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ؟! (1).

نعم،الحكمة شيء،و الجبن شيء آخر،و الحنكة و العقل و معرفة الأمور شيء،و التهوّر و المجازفة شيء آخر،و لكنّ الشاعر لا يفرّق بين هذه المفاهيم،ثم يقول:

ففي الهند أبدى المهدويّة كاذب و ما ناله قتل و لا ناله ضرّ

الهند-في القرون الأخيرة-كانت و لا تزال حكومة و ثنيّة علمانية لا تعترف بالدين،و فيها من جميع الملل و الأديان،و لا يتعرّض أحد لأحد في القضايا الدينية،فإن ظهر كذّاب في الهند و ادّعى المهدويّة،و ما أصابه أذى و لا مكروه،و سرعان ما تبخّر و تبخّرت آثاره و دعوته،فإنّ هذا لا يبّرر للإمام المهدي(عليه السلام)أن يظهر إستنادا على سلامة ذلك الكذّاب المدّعي للمهدوية.

و ما يدرينا،فلعلّ الإستعمار هو الذي نحت ذلك الكذّاب،و كان يراقبه و يحرسه،تنفيذا لخطّته الإستعمارية،و لعلّ ذلك الكذّاب لو كان يدّعي النبوة أو الربوبيّة،لما كان يتعّرض له أحد،فبعض الوثنيّين-في الهند-يعبدون البقر،و الحجر،و الشجر،بل و يعبدون الذكر!فما المانع أن يدّعي الكذّاب المهدوية و يسلم من كل مكروه.

و قد نحت الإستعمار الروسي كذّابا آخر،و هو علي محمد،الذي

ص:163


1- (1) سورة الحجر،الآية 94.

إدّعى البابيّة(1)ثم إدّعى أنّه هو الإمام المهدي،و كان عاقبة أمره الحبس، و الضرب،و الصلب،ثم طرح أرضا فمزّقته الكلاب.

إذن:فالإستدلال بالكذّاب الهندي-الذي ما ناله مكروه و لا أذى- منقوض بالكذّاب علي محمد الباب،و سيأتيك شيء من أباطيله و ترجمة حياته في المستقبل.

و في هذا القرن،حينما إنتشر المستعمرون في البلاد الإسلامية، و سلبوا و نهبوا،و دمّروا و حطّموا،و قتلوا،و أفسدوا،و صنعوا ما أرادوا، نجد أنّ كلّ من يتكلّم بكلمة الحق،توضع عليه علامة الإستفهام،ثم يخطّط المستعمرون الخطط الجهنّمية للقضاء عليه.

و لو أردنا أن نذكر الشخصيّات البارزة من المسلمين الذين قتلهم المستعمرون في هذا القرن،لتبدّل طابع الكتاب،و تغيّر موضوعه الى موضوع آخر.ففي تاريخ ايران تجد عددا من أجلاّء العلماء الذين لم يخضعوا لقوانين الإستعمار،كان مصيرهم الإغتيال،او الصلب،أو القتل بالسمّ،بعد أن رشقوهم بالتهم و الافتراءات.و تجد نفس المأساة في شخصيّات العراق-قبل ثورة العشرين و بعدها-أمثال:آية اللّه الشيخ محمد تقي الشيرازي زعيم الثورة الإسلامية في العراق.و السيد جمال الدين الأفغاني الذي قتلوه في تركيا،و هكذا في الجزائر و ليبيا تجد عددا من الزعماء الذين قتلهم المستعمرون.و لو فتّشت تاريخ البلاد الإسلامية في خلال هذا القرن،لوجدت الفجائع و الكوارث التي تشيب منها النواصي.

ص:164


1- (1) أي:إدّعى أنّه باب و طريق الى الإمام المهدي(عليه السلام).

مع العلم أنّهم لم يدّعوا المهدويّة،بل كانوا دعاة لإصلاح المجتمع الإسلامي،و إيجاد الوعي و اليقظة في النفوس،و هذا ما لا يريده المستعمرون.

و ممّا زاد في أبعاد تلك الفجائع و المآسي،أنّ الذين كانوا يقومون بتنفيذ خطط الإستعمار،كانوا من المنتمين الى الديانة الإسلامية!، أولئك العملاء الذين باعوا ضمائرهم و عقائدهم للإستعمار،و استسلموا لأوامره قربة الى الشيطان الرجيم!!.

فما ظنّك بمصير الإمام المهدي(عليه السلام)لو كان يظهر في هذا القرن-مثلا-مع كثرة الأعداء،و عدم إستعداد النفوس لنصرته؟!.

و ستعرف-قريبا-بعض الظروف التي يجب أن تتحقّق حتى يستعدّ جميع الطبقات لتلبية نداء الإمام المهدي(عليه السلام)إذا ظهر.

ثم يوالي الشاعر كفريّاته فيقول:

فإن قيل:إنّ الإختفاء بأمر من له الأمر في الأكوان و الحمد و الشكر

فذلك أدهى الداهيات و لم يقل به أحد إلاّ أخو السفه الغمر

أيعجز ربّ الخلق عن نصر حزبه على غيرهم؟حاشا،فهذا هو الكفر

فحتّى م هذا الإختفاء و قد مضى من الدهر الآف و ذاك له ذكر؟

يقول هذا الجاهل:إذا قيل:بأنّ الإمام المهدي(عليه السلام)قد اختفى بأمر اللّه تعالى،و لا يظهر إلاّ بأمر اللّه عزّ و جل،فهذا القول يعتبر-عند الشاعر-أدهى الداهيات،و أفجع الفجائع،و لا يقول بهذا القول إلاّ السفيه الجاهل،لأنّ هذا القول يعني أنّ اللّه تعالى عاجز عن

ص:165

نصرة الإمام المهدي(عليه السلام)،و هذا هو الكفر حسب منطق هذا الشاعر.

و نحن نجيب على هذا الإستدلال الخاطىء الساقط فنقول:

هل كان اللّه عاجزا عن نصرة أنبيائه على أعدائهم؟!

إستمع الى هذه الآيات:

قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1).

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (2).

سَنَكْتُبُ ما قالُوا،وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ (3).

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ (4).

وَ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً،كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا،وَ فَرِيقاً يَقْتُلُونَ (5).

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللّهِ وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ (6).

ص:166


1- (1) سورة البقرة/الآية 91.
2- (2) سورة البقرة/الآية 61.
3- (3) سورة آل عمران،الآية 181.
4- (4) سورة آل عمران،الآية 112.
5- (5) سورة المائدة،الآية 70.
6- (6) سورة النساء،155.

قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (1).

و قد روي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام)قال-لعبد اللّه بن عمر-:«يا أبا عبد الرحمن،أما علمت أنّ من هوان الدنيا على اللّه تعالى أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغيّ من بغايا بني اسرائيل؟!

أما تعلم أنّ بني اسرائيل كانوا يقتلون-ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس-سبعين نبيّا،ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا...»(2).

هذا..و لو راجعت قصص الأنبياء لوجدت آلاف المآسي التي انصبّت عليهم من القتل و التعذيب،و سلخ جلدة الرأس،و دفنهم و هم أحياء.

فهل كان اللّه تعالى عاجزا عن نصر أنبيائه أيها الشاعر المتفلسف؟!.

مع العلم أن اللّه سبحانه هو الذي بعث أنبيائه الى الأمم،و من الطبيعي أنّ الأنبياء أفضل طبقات البشر،و أقرب الخلائق الى اللّه تعالى، فلماذا لم ينصرهم اللّه سبحانه؟!.

و قد ذكرنا-قبل قليل-أنّ نبيّنا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)إستتر

ص:167


1- (1) سورة آل عمران،183.
2- (2) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 44 ص 365،طبع ايران،سنة 1393 هجرية.نقلا عن كتاب اللهوف للسيد إبن طاووس(رحمه اللّه).

في شعب أبي طالب ثلاث سنين و شهورا،وفرّ الى الغار،و هاجر من مكة الى المدينة،أما كان اللّه قادرا على نصره و هو سيّد الأنبياء؟!.

نعم،للّه تعالى حكمة بالغة في عباده،فهو بكل شيء عليم و خبير، و بصير و محيط،و على كل شيء قدير،فالحكمة شيء..و القدرة شيء آخر.

و الحكمة الإلهية تقتضي تأخير ظهور الإمام المهدي(عليه السلام) الى الزّمان المناسب الذي يعلمه اللّه..لا الوقت الذي يختاره العباد، الجاهلون بالمصالح الإلهية و عواقب الأمور.

و هكذا يسرد الشاعر في التهريج و الإستهزاء قائلا:

و ما أسعد السرداب في سرّ من رأى له الفضل عن أمّ القرى و له الفخر

فيا للأعاجيب التي من عجيبها أن اتّخذ السرداب برجا له البدر

فيا علماء المسلمين فجاوبوا بحقّ،و من ربّ الورى لكم الأجر

ليس هذا الشاعر هو أوّل مستهزء و مهرّج-بإسم السرداب-ضد الإمام المهدي(عليه السلام)،و سيأتيك شيء من التفصيل-قريبا- حول السرداب الذي يدور حوله الأعداء للتهريج.

ص:168

الفصل الثامن

اشارة

الغيبة الصغرى

لقد ذكرنا في الفصل السابق كلمة حول الغيبة،و إختفاء الإمام المهدي(عليه السلام)عن الأبصار،و قد وصل الكلام الى الغيبة الصغرى،فنقول:

لقد إختلف العلماء و المحدّثون حول بداية الغيبة الصغرى،و أنّها هل بدأت من أوائل عمر الإمام المهدي(عليه السلام)و في عهد والده الإمام العسكري(عليه السلام)أم بدأت من وفاة الإمام العسكري؟

و لعلّ من الصحيح أن نقول:إنّ الإستتار و الإختفاء كان ملازما لحياة الإمام المهدي(عليه السلام)منذ أوائل عمره،و على هذا يمكن لنا أن نقول:إنّ الغيبة الصغرى إبتدأت مع حياة الإمام المهدي(عليه السلام)،أي:كانت حياته منذ الولادة مقرونة بالإستتار عن الناس، و يمكن أن نعتبر السنوات الخمس التي قضاها الإمام المهدي(عليه السلام) مع والده الإمام العسكري(عليه السلام)من ضمن الغيبة الصغرى، تبعا للشيخ المفيد و غيره.

و لقد كانت الغيبة الصغرى مقدّمة تمهيدية و مدخلا للغيبة الكبرى، و الغيبة الكبرى مقدّمة للظهور،و-أيضا-كانت الغيبة الصغرى حدّا وسطا بين الغيبة الكبرى-التي انقطعت فيها الإتصالات بين الشيعة و بين الإمام المهدي(عليه السلام)بالمعنى الذي سنذكره فيما سيأتي-و بين

ص:169

تواجد الإمام المهدي في المجتمعات البشرية.و اليك شيئا من التفصيل و التوضيح:

كان الناس بصورة عامة،و الشيعة بصورة خاصة،بإمكانهم أن يلتقوا بالأئمة الطاهرين(عليهم السلام)في أيّ وقت شاؤا،و في أيّ مكان أرادوا،فكانت اللقاءات مستمرة:في المسجد،و في الطريق و في مواسم الحج:في مكّة،و عرفات،و منى،و في بيوت الأئمة،بلا رادع و لا مانع.

و استمرت الحالة على هذا المنوال حتى زمان الإمام الهادي(عليه السلام) حيث إشتدّت فيه الرقابة على الإمام من قبل السلطة الجائرة،بعد أن جمّدت نشاطاته،فكانت العيون تراقب حركاته و سكناته بكلّ دقّة،و تراقب إتّصالاته و لقاءاته بالأفراد.

و كان الحكّام العبّاسيون-بالرغم من قدرتهم و إستيلائهم على مرافق الحكم-يعلمون أنّ هناك طائفة إسلامية كبيرة،لا تعترف بشرعية السلطة للعباسيينّ،بل تعتقد أنّ الخلافة حق شرعي لأئمة أهل البيت(عليهم السلام)و أنّ غيرهم من مدّعي الخلافة-على طول الخط-على الباطل،و أنّهم غاصبون و معتدون في إستيلائهم على الحكم.

كانت هذه الحقيقة ثابتة عند الحكّام العبّاسيين من ناحيتين:

الأولى:توفّر المؤهّلات في أئمة أهل البيت،من النسب الشريف الأعلى،و جميع المقوّمات الأخرى كالعلم الكامل،و التقوى بجميع معنى الكلمة،و الصلاح و الإعتدال،و السمعة الطيّبة عند كافّة الطبقات، و السلوك النزيه،و الحياة المشرقة بالفضائل و المكرمات،بالإضافة إلى ما كانوا

ص:170

يتمتّعون به من خصائص الإمامة،كالإعجاز و النصوص الواردة في حقّهم من عند اللّه و رسوله و هذه الصفات و المزايا تكفي لإثبات إمامتهم الصحيحة، و خلافتهم الشرعية،و تضمن جلب القلوب إليهم،و الإعتراف بهم،و إثبات الحقّ لهم.

الثانية:هي الناحية المغايرة للناحية الأولى،عند العبّاسيّين،و الحياة المخالفة لمفهوم الإسلام،فالعبّاسيّون-بعد أن تأكّدوا من رسوخ قواعد الحكم،و إستيلائهم على نصف الكرة الأرضية-كانوا لا يبالون بعواطف الشعب،و لا يخافون من تمرّد المسلمين عليهم،و لا يعبئون بنقمة الشعب و سخطه على السلطة العبّاسية.

و لماذا يخافون من الشعب الأعزل في مقابل القدرة الكبرى؟

و لماذا يتورّعون من المحرّمات،و يجتنبون المنكرات؟

و لماذا لا يشبعون رغباتهم،و يلبّون شهواتهم مع توفّر الوسائل بأجمعها؟

على هذا الأساس قلبوا مفهوم«خليفة رسول اللّه»إلى مفهوم طاغوت جبّار،يدور في فلك الترف و البذخ،و الفحشاء و المنكرات.فمجالس اللهو،و حفلات الرقص و الغناء،و سهرات الخمور و المجون كانت قائمة على قدم و ساق في كلّ ليلة،و في كلّ صبيحة و مساء،في قصور هؤلاء الخلفاء!يحضرها الخليفة و حاشيته الفسقة الفجرة،الذين ليست لهم همّة إلاّ رضى الخليفة،و توفير وسائل الفجور له.

و لا تسأل عن علماء السوء،الذين منحوا الخليفة صيانة شرعية دينية، لا مثيل لها في تاريخ البشر،و هي أنّهم زعموا أنّ الخليفة لا يحاسب على أعماله

ص:171

يوم القيامة،و لا يسأل عمّا كان يفعله!

إذن،فسواء عليه صلّى..أم زنى،لأنّه خليفة!!

و لم يكن للخليفة إنجاز و إنتاج،و تفكير حول قضايا الدولة..بل كان متفرّغا للأمور التي ذكرناها.

نعم،الذي شغل بال الخليفة،و ربّما نغّص عليه الملذّات هو وجود أئمة أهل البيت(عليهم السلام)الذين ألبسهم اللّه حلّة القداسة و النزاهة، و التقوى و الورع،و توّجهم بتاج أحسن الفضائل،و أجمل مكارم الأخلاق.

فكان الخليفة(بصورة عامّة)يفكّر-دائما-في كيفية القضاء على تلك الشخصيات المقدّسة،و تحطيم معنوياتهم،و تشويه سمعتهم،و تجميد نشاطاتهم،و ملاحقة أصحابهم و أتباعهم.

هذا الجوّ،و هذه الظروف كان يعيشها الإمام الهادي(عليه السلام).

أليست الحكمة تفرض عليه أن يختار سلوكا خاصا في حياته،يراعي فيه جميع جوانب الحكمة و الحنكة و العقل؟!

ففي الوقت الذي كان(عليه السلام)يعيش تحت المراقبة الشديدة،- تلك الرقابة التي من شأنها الإرهاب و الإرعاب،للإمام و لكلّ من يتّصل به من الشيعة-كان يراعي الظروف،و يخطّط للتخلّص من مضاعفات تلك الرقابة.

و لقد شاهدنا-في زماننا-بعض النماذج عن تلك المآسي و الضغوط، و أنّ السلطات كيف كانت تحسب ألف حساب و حساب للشخصيات المرموقة التي لها شعبية دينيّة،و نفوذ في المجتمع،و كيف كانت تتّخذ الإجراءات الطويلة العريضة للعثور على شيء من المعلومات التافهة،فتجعلها من أهمّ

ص:172

التقارير السّريّة ذات الأهمية الكبرى،فترفعها إلى السلطات العليا،و كأنّهم إكتشفوا أسرارا عسكرية،أو خلايا التجسّس.

فكيف بذلك العهد؟!و كيف بتلك السلطات التي كانت تعتبر أئمة اهل البيت(عليهم السلام)هم الخطر الأول و الأخير على حكوماتهم؟!لأنّ السلطات كانوا على يقين أنّ ائمة اهل البيت يملكون القلوب،و انّ علاقة المجتمع بهم علاقة دينيّة التي هي أقوى و أصلب من كلّ علاقة،و ما كانت هذه المزيّة متوفّرة في رجال الحكم في ذلك العهد،فهم كانوا يملكون الرقاب..لا القلوب،و كانوا يحكمون بمنطق القوّة..لا منطق الدين.

نعم،إنّهم كانوا يحكمون باسم الدين،و يعرّفون أنفسهم أنّهم خلفاء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)لأنّ القيادة الإسلامية-يوم تكوّنت مع تولّد الإسلام-كانت متمثّلة في نفس رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فكان هو الحاكم،و هو الآمر و القائد،و بيده السلطة التشريعية و التنفيذية،و إدارة البلاد،فكان يأمر بالجهاد،و أخذ الزكاة،و إقامة احكام اللّه و حدوده،الى غير ذلك من الأمور التي تتعلّق بالنظام الإجتماعي والديني.

و قد جعل اللّه تعالى تلك القيادة-بعد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)- لأئمة اهل البيت(عليهم السلام)فكان ما كان من إستيلاء الحكّام على منصّة الحكم،و سلب الإمكانيات من أئمة أهل البيت،و منعهم من أيّ تصرّف، إبتداءا من الإمام علي أمير المؤمنين..و انتهاءا بالإمام الحسن العسكري (عليهما السلام).

فكان الحكّام-طيلة هذه القرون-يدّعون القيادة الإسلامية باسم الخلافة من بعد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)لأنّهم لو كانوا يدّعون

ص:173

أنّهم ملوك،أو رؤساء الجمهورية،لكان المسلمون يرفضون الخضوع لهم لعدم إنسجام الملوكيّة مع الخلافة الإسلامية،و الزعامة الروحيّة.

و لهذا السبب إدّعى الأمويون و العباسيّون و غيرهم الخلافة كي يثبتوا لأنفسهم السلطة الروحيّة على العباد و البلاد،و على الدماء و الانفس،و كأنّهم يحكمون بحكم اللّه،و يأمرون بأمر اللّه.

و لكنّ الواقع كان خلاف هذا مائة بالمائة،فالخلافة الإسلامية(بمعناها الصحيح)يجب أن تكون مطوّقة بهالة من النزاهة و القداسة،و الديانة و العلم،و التقوى و غيرها من المؤهّلات،و هذه الصفات و المؤهّلات كانت مفقودة في أولئك الحكّام المدّعين للخلافة،من الباب الى المحراب،و التاريخ الصحيح يؤيّد هذا القول و يصدّقه.

و جميع تلك الصفات المطلوبة و المؤهّلات اللازمة كانت متوفّرة في أئمة أهل البيت(عليهم السلام)على أحسن ما يرام،و أتمّ وجه،و أجمل صورة، و التاريخ يعلن هذا بأرفع صوت.

نعود إلى حديثنا عن عصر الإمام الهادي(عليه السلام)و عن الرقابة المشدّدة عليه فنقول:

إن من جملة الطرق و الوسائل الحكيمة التي إختارها الإمام الهادي(عليه السلام)للتخلّص من مشاكل الرقابة و مضاعفاتها هي:أنّه عيّن بعض الثقاة من شيعته في بغداد،ليكون وكيله،و يكون مرجعا لقضايا الشيعة،و مصدرا لأمورهم الدينية و الدنيوية.

فكانت الأموال تحمل الى الوكلاء،و المسائل الدينية تسلّم اليهم،

ص:174

فكانوا يقومون بالوساطة بين الإمام الهادي(عليه السلام)و بين الشيعة.

و قد إختار الوكلاء بعض المهن تغطية لهذا المنصب الخطير.

و استمر الأمر على هذا المنوال سنوات،حتى تعوّد الناس على مراجعة الوكلاء في بغداد،...إلى أن إستشهد الإمام الهادي(عليه السلام)و بقيت الوكالة نافذة المفعول عند الوكلاء،فكانوا همزة وصل بين الشيعة و بين الإمام العسكري(عليه السلام).

و لما استشهد الإمام العسكري(عليه السلام)أبقى الإمام المهدي (عليه السلام)الوكلاء على وكالتهم،و سنذكر في الفصول القادمة شيئا عن حياة الوكلاء أو النوّاب أو السفراء،إن شاء اللّه تعالى.

ص:175

الامام المهدي في عهد والده«عليها السّلام»

بعد أن اخترنا القول الذي يعتبر بداية الغيبة الصغرى،من ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)فلا بأس ان نذكر لمحة خاطفة عن حياة الإمام المهدي في عهد والده الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)و نرجىء التفصيل الى الفصول القادمة،فنقول:

من الواضح أن الإمام المهدي(عليه السلام)كان يعيش في سامراء، تحت رعاية والده الإمام العسكري(عليه السلام)مشمولا بعواطفه و عنايته طيلة حياة والده.

و في خلال تلك الفترة،كان الإمام العسكري(عليه السلام)يظهر إبنه لبعض الثقاة من الشيعة،و يعرّفه لهم بأنه الإمام الثاني عشر،و أنه المهدي الموعود المنتظر.و سنذكر بعض الاحاديث المتعلقة بالموضوع في فصل قادم إن شاء اللّه تعالى.

و بعد أن دسّ السمّ إلى الإمام العسكري(عليه السلام)و حضرت اللحظات الأخيرة من حياته-و خلى بيته من الأغيار و الجواسيس الذين تركوا دار الإمام العسكري بعد أن تأكّدوا من تأثير السمّ القتّال في جسمه-حضر الإمام المهدي(عليه السلام)عند والده،ليعينه على شرب الدواء،و يمسك الاناء الذي كان يصطكّ بأسنان الإمام العسكري(عليه السلام)بسبب رعشة يديه الكريمتين من جرّاء ذلك السم!.

ص:176

كان ذلك اللقاء آخر لقاء و آخر العهد،و فارق الإمام العسكري(عليه السلام)الحياة،تاركا شبله الأعزّ الأقدس يتيما في مهبّ الأعاصير،و معرض الحوادث و المآسي،محروسا بعين اللّه التي لا تنام،و محفوظا بركنه الذي لا يرام.

و الآن..قد وصلنا الى بحث حسّاس يتطلّب شيئا من التفصيل و التحليل،و سنحاول الإيجاز قدر المستطاع:

ص:177

جعفر ابن الامام الهادي

جعفر،من ابناء الإمام الهادي(عليه السلام)و قد انحرف عن خط آبائه الطاهرين،و سلك طريق الهوى و المنكرات.

و ليس انحراف جعفر بأعجب من انحراف ابن نوح نبي اللّه(عليه السلام)الذي قال اللّه تعالى في شأنه:يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ،إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (1).

و لم يكن انحراف جعفر-عن خط آبائه المعصومين-بسبب اهمال والده في تربيته،و لا البيئة التي كان يعيش فيها،بل كان بسبب مجالسته للفسقة و المنحرفين،و من الواضح أن المجالسة مؤثّرة.

و لا نعلم-بالضبط-كيفية اتصاله و ارتباطه بالمنحرفين،الذين وصموه بالخزي،و جرّوا عليه الويلات،و أبعدوه عن خط اهل البيت(عليهم السلام).

و العجيب أن الإمام العسكري(عليه السلام)-في الوقت الذي كان يظهر ولده الإمام المهدي(عليه السلام)للثقاة من شيعته و يخبر الخواصّ من اصحابه بولادته-لم يخبر اخاه جعفرا بذلك،و لم يعرف جعفر أن لأخيه ولدا، و لعله كان يعلم ذلك و لكنه كان يتجاهله،لأسباب و اهداف.

و قبل وفاة الإمام العسكري(عليه السلام)بخمسة عشر يوما،كتب

ص:178


1- (1) سورة هود الآية 46.

الإمام رسائل عديدة لشيعته من اهل المدائن(1)و سلّم الرسائل الى خادمه ابي الأديان،و قال له:

«إمض بها(أي بالرسائل)الى المدائن،فإنك ستغيب خمسة عشر يوما(2)و تدخل الى«سرّ من رأى»يوم الخامس عشر(اي من سفره)و تسمع الواعية في داري(3)و تجدني على المغتسل.

قال أبو الأديان:فقلت:يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟أي:فمن الإمام بعدك؟

قال:من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي.

فقلت:زدني؟أي:أذكر لي المزيد من العلائم؟

قال:من يصلّي عليّ فهو القائم بعدي.

فقلت:زدني؟

قال:من أخبر بما في الهميان(4)فهو القائم بعدي.

ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.

و خرجت بالكتب(الرسائل)الى المدائن،و أخذت جواباتها،و دخلت «سرّ من رأى»يوم الخامس عشر-كما ذكر لي عليه السلام-فإذا أنا بالواعية في

ص:179


1- (1) المدائن:اسم كان يطلق-حينذاك-على مدينة او مجموعة مدن في العراق،تبعد عن بغداد 30 كيلو مترا.
2- (2) و في نسخة:«ستغيب اربعة عشر يوما و تدخل الى سرّ من رأى يوم الخامس عشر».
3- (3) الواعية:الصراخ على الميّت.
4- (4) الهميان:كيس تجعل فيه نفقة السفر،و يشدّ على الوسط كالحزام.

داره،و إذا به على المغتسل،و إذا أنا بجعفر بن علي أخيه(1)(أي:أخ الإمام العسكري)بباب الدار،و الشيعة من حوله يعزّونه و يهنّئونه.(أي:يهنّئونه بالخلافة و الإمامة).

فقلت-في نفسي-:إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة،لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ،و يقامر في الجوسق(2)و يلعب بالطنبور(3)!!.

فتقدّمت فعزّيت و هنّأت،فلم يسألني عن شيء.ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري)فقال:يا سيّدي قد كفّن أخوك،فقم و صلّ عليه(4)فدخل جعفر و الشيعة من حوله،-يقدمهم السمّان و الحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة-فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (صلوات اللّه عليه)على نعشه مكفّنا،فتقدّم جعفر بن علي ليصلّي على أخيه،فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ(صلوات اللّه عليه)بوجهه سمرة،بشعره قطط (5)بأسنانه تفليج(6)فجبذ(أي:جذب)برداء جعفر بن علي و قال:

«تأخّر يا عم،فأنا أحقّ بالصلاة على أبي».

ص:180


1- (1) و في نسخة:«و إذا أنا بجعفر الكذّاب ابن علي»
2- (2) الجوسق:اسم قصر المقتدر العباسي.
3- (3) الطنبور:آلة لهو و غناء.
4- (4) و في نسخة:«نصلّ عليه».
5- (5) بشعره قطط:أي مجعّد.
6- (6) بأسنانه تفليج:يقال:فلجت أسنانه:أي تباعدت أسنانه بعضها عن بعض،و الجدير بالذكر أنّ هذه الصفة ذكرها المؤرخون في وصف رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم).

فتأخّر جعفر،و قد إربدّ وجهه و اصفرّ(1)،فتقدّم الصبيّ و صلّى عليه، و دفن إلى جانب قبر أبيه(عليهما السلام)ثم قال-الصبي-:يا بصري هات جوابات الكتب التي معك؟فدفعتها إليه،و قلت-في نفسي-:هذه بيّنتان (أي:علامتان)بقي الهميان.

ثم خرجت الى جعفر بن علي و هو يزفر(2)فقال له حاجز الوشاء:يا سيّدي من الصبي؟ليقيم الحجّة عليه.

فقال:و اللّه ما رأيته قطّ و لا أعرفه.

فنحن جلوس(3)إذ قدم نفر(أي:جماعة)من قم،فسألوا عن الحسن ابن علي(عليهما السلام)فعرفوا موته.قالوا:فمن؟(أي:فمن الإمام بعده؟)(4)فأشار الناس الى جعفر،فسلّموا عليه،و عزّوه،و هنّئوه، و قالوا:إنّ معنا كتبا و مالا،فتقول(أي:فهل تقول)ممّن الكتب؟و كم المال؟

فقام جعفر ينفض أثوابه و يقول:تريدون منّا أن نعلم الغيب؟!

فخرج الخادم(أي:خادم الإمام المهدي عليه السلام)فقال:معكم كتب فلان و فلان،و هميان فيه ألف دينار،عشرة دنانير منها مطليّة (بالذهب).

ص:181


1- (1) إربد وجهه:تغيّر.
2- (2) زفر الرجل:أخرج نفسه بعد مدّه إيّاه.
3- (3) هكذا وجدنا في المصدر،و المقصود:فبينما نحن جلوس.
4- (4) و في نسخة:«فمن نعزّي».

فدفعوا إليه الكتب و المال،و قالوا:الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.....إلى آخر الحديث»(1).

نستفيد من هذا الحديث أمورا عديدة:

1-إنّ جعفر الكذّاب كان قد رشّح نفسه للإمامة الكبرى و الخلافة العظمى،في حين أنّه كان فاقدا لجميع مؤهّلات الإمامة،و عارفا بموبقاته و فجوره و مخاريه،و هذا يدلّ على عدم ورعه،و قلّة مبالاته بالدين،إذ كان من اللازم عليه أن ينفي عن نفسه هذا المقام الأرفع،حينما رأى بعض الناس يهنّئونه بالخلافة و الإمامة،و لكنّه لم يقل شيئا يدلّ على ذلك،بل كان يتقبّل التهاني من الناس.

2-كان المشهور بين الشيعة:أنّ الإمام لا يصلّي عليه(صلاة الميّت) إلاّ الإمام،لأنّ الصلاة على الميّت تعتبر دعاءا من المصلّي للميّت،و بالنسبة للصلاة على جثمان الإمام فهي خاصّة بالإمام الذي بعده،و حينما تقدّم جعفر ليصلّي على جثمان الإمام العسكري(عليه السلام)شاء اللّه تعالى أن يكشف الغطاء للجماهير التي تجمهرت لأداء الصلاة على الإمام العسكري،و يعرّفهم الإمام الحقيقي،تحدّيا لجعفر،و إتماما للحجّة على الأمة الإسلامية،و لهذا خرج الإمام المهدي(عليه السلام)و جذب رداء جعفر الذي همّ بالتكبير للصلاة على جثمان الإمام العسكري،و تكلّم كلمة تعتبر في أعلى درجات

ص:182


1- (1) المصدر:إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 475-476 طبع طهران،سنة 1395 هجرية.

الفصاحة و البلاغة،و هي-بالرغم من إيجازها و قلّة ألفاظها-تعتبر قليلة النظير.قال-عليه السلام-:

«تأخر يا عمّ،فأنا أحقّ بالصلاة على أبي»!!.

قال له:«تأخّر»فلم يسمح له بأداء الصلاة،و قال:«يا عمّ»و بهذه الكلمة أخبر الإمام أنّ جعفرا عمّه،فالإمام إبن أخ جعفر.

«فأنا أحقّ بالصلاة على أبي»إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يثبت- بهذه الكلمة-الأولويّة بالصلاة على الإمام العسكري(عليه السلام).

و يقول:«على أبي»فهنا إثبات للنسب،و إثبات للإمامة،لأنّ الإمام لا يصلّي عليه إلاّ الإمام،و لأنّه وليّ الميّت،و أولى الناس بميراثه.

إذن:فجعفر ليس بإمام،و ليس وارثا للإمام العسكري،لأنّ الإمام المهدي هو الكلّ في الكلّ،و جعفر لا حقّ له في الموضوع بتاتا.

و ترى جعفرا يتراجع عن الساحة،و لا يستطيع أيّة مقاومة أمام ذلك الصبي،ترى..أين ذهبت قدرته؟!و كيف سلبت منه إمكانيّة التكلّم..

و لو بكلمة واحدة؟!!و كيف يخاف الرجل-الذي خلفه الجماهير-من ذلك الصبي؟!

نعم،إنّها هيبة الإمام،و قوّة الإمامة المتوفّرة في الإمام المهدي(عليه السلام)،المفقودة عند جعفر و أمثاله!!

و لماذا إصفرّ لون جعفر؟!و لماذا إربدّ وجهه؟!و لماذا تحمّل الخجل و الفشل أمام الناس المهنّئين له بالإمامة؟!و لماذا كذّب نفسه بنفسه،حينما إنسحب عن الصلاة على الإمام العسكري(عليه السلام)لأجل كلمة«تأخّر

ص:183

يا عمّ»التي سمعها من ذلك الصبي؟!.

أنظر الى الحق كيف يظهر!والى الباطل كيف يندحر!

و يسأله بعض أهل البصيرة من الشيعة:يا سيّدي من الصبي؟

سأله السائل عن ذلك الصبي،كي يعترف جعفر بالإمام المهدي(عليه السلام)بعد أن رأى نفسه أمام أمر واقع،و لكنّه حلف باللّه تعالى قائلا:و اللّه ما رأيته قطّ و لا أعرفه.

عجيب أمرك يا جعفر!!إنّ أحمد بن إسحاق القمّي الأشعري -و هو في قم-يعرف هذا الصبي،و أنت لا تعرفه؟!و كثيرون من الشيعة الغرباء رأوا الإمام المهدي في عهد والده الإمام العسكري(عليهما السلام)و أنت ما رأيته؟!!

هذا إذا كنت صادقا في يمينك و حلفك باللّه تعالى:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم

و يا ليت جعفرا إكتفى بهذا الموقف المخزي المخجل،و يا ليته تراجع عن إدّعائه الإمامة المزعومة،و يا ليت الحاضرين-الذين شهدوا موقف جعفر في الصلاة-عاد اليهم وعيهم،و عرفوا الحق من الباطل...و لكن للناس أهداف،و في القلوب أمراض.

و ليتهم لم يشيروا الى جعفر،حينما وصل وفد أهل قم إلى مدينة سامراء،و بلغهم خبر وفاة الإمام العسكري(عليه السلام)و سألوا عن الإمام بعده.

ص:184

و ليتهم لم يدّعوا إمامته،كيلا يزيد خجلا على خجل،و فضيحة على أخرى.

و لكنّ القمّيين الأذكياء،العارفين بعلائم الإمامة سألوه أن يخبرهم بكلّ ما معهم من الرسائل و الأموال،كي يتأكّدوا من صحّة إمامة جعفر المشكوكة.

و هنا ينفض جعفر أثوابه و يقول:«تريدون منّا أن نعلم الغيب»يفعل ما يفعله البريىء من التهمة،النزيه عن كلّ إفتراء،و يا ليته عرف الفرق بين علم الغيب و بين علم الإمام الذي هو تعلّم من ذي علم.

و يا ليته تذكّر الآلاف من الأحاديث المرويّة عن جدّه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و عن آبائه الطاهرين،الأئمة الهداة حول المستقبل،من الملاحم و غيرها(1).

و يا ليته عرف كلام جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) -لمّا أخبر عمّا يجري على البصرة من صاحب الزنج،و عن الأتراك-فقال له بعض أصحابه:لقد أعطيت-يا أمير المؤمنين-علم الغيب،فقال الإمام:

«ليس هو بعلم غيب،و إنّما هو تعلّم من ذي علم،و إنّما علم الغيب:علم الساعة،و ما عدّده اللّه سبحانه بقوله:إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ،وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ،وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ،وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً،وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ،إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (2)فيعلم اللّه سبحانه ما في

ص:185


1- (1) الملاحم-جمع ملحمة-:و هي الوقعة العظيمة،او القتل في الحرب،و قد يطلق-مجازا- على أخبار آخر الزمان.
2- (2) سورة لقمان/الآية 34.

الأرحام:من ذكر أو أنثى،و قبيح أو جميل،و شقيّ أو سعيد،و من يكون في النار حطبا،أو في الجنان للنبيّين مرافقا،فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه،و ما سوى ذلك فعلم علّمه اللّه نبيّه فعلّمنيه،و دعا لي بأن يعيه صدري و تضطمّ عليه جوانحي(1)»(2).

و ما زال جعفر مصرّا على غيّه و عناده و ضلاله،فقد ذهب إلى المعتمد العباسي-و هو الحاكم الذي دسّ السمّ الى أخيه الإمام العسكري(عليه السلام)بالأمس و قتله-ليخبره بوجود الإمام المهدي(عليه السلام)،و كأنّ جعفرا جاسوس للمعتمد ضد أهل البيت.

فأمر المعتمد بإلقاء القبض على السيّدة نرجس زوجة الإمام العسكري (عليه السلام)،فألقوا القبض عليها،و طالبوها بالإمام المهدي،و لكنّها أنكرته تقيّة،و لم يعبأ الخليفة بإنكارها،بل امر بتسليمها الى قاضي سامراء (ابن أبي الشوارب)لتكون تحت الرقابة المشدّدة،و لكن اللّه تعالى فرّج عنها بعد فترة قليلة.

الا..لعن اللّه الرئاسة الشيطانية المزيّفة،التي يضحّي المجرمون-في سبيلها-بشرفهم و ضمائرهم و دينهم و عقائدهم..و تبّا لكل من يتّبع هوى نفسه فيفعل ما يشاء و يقول ما يريد!

ص:186


1- (1) قوله:«و تضطم عليه جوانحي»:الاضطمام:صيغة افتعال من الضمّ و هو الجمع، يقال:«اضطمّ عليه»او«اضطمّت عليه الضلوع»اي اشتملت عليه.و الجوانح-جمع جانحة-:هي اضلاع ما تحت الترائب مما يلي الصدر،سمّيت بذلك لانحنائها و ميلها.
2- (2) نهج البلاغة ص 239 المطبوع-في بيروت-مع شرح محمد عبده،سنة 1382 ه و ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج 41 ص 335.

وفد آخر من أهل قم:

و ترى جعفرا يصرّ على باطله و لا يتنازل عنه،و تتكرر الحوادث فتزيد- معها-فضيحة جعفر،و ذلك حينما وصل وفد آخر من اهل قم الى سامراء، كما روي عن علي بن سنان الموصلي قال:حدّثني أبي قال:«لما قبض سيّدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري(صلوات اللّه عليهما)وفد من قم و الجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم و العادة،و لم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام)فلما أن وصلوا الى«سرّ من رأى»سألوا عن سيدنا الحسن بن علي(عليهما السلام)فقيل لهم:إنه قد فقد.

فقالوا:فمن وارثه؟

قالوا:أخوه جعفر بن علي.

فسألوا عنه.فقيل لهم:انه قد خرج متنزّها،و ركب زورقا في «دجلة»يشرب و معه المغنّون!!

قال:فتشاور القوم..فقالوا:هذه ليست من صفة الإمام.و قال بعضهم:إمضوا بنا حتى نردّ هذه الأموال على اصحابها.

فقال ابو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي:قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل و نختبر أمره بالصحة(1).

فلما أنصرف جعفر،دخلوا فسلّموا عليه و قالوا:يا سيدنا نحن من اهل قم،و معنا جماعة من الشيعة و غيرها،و كنا نحمل الى سيدنا ابي محمد الحسن

ص:187


1- (1) اي:انتظروا حتى يرجع جعفر من نزهته،و نعرف الأمر.

ابن علي الأموال.

فقال:و أين هي؟

قالوا:معنا.

قال:إحملوها إليّ.

قالوا:لا..إن لهذه الأموال خبرا طريفا.

قال:و ما هو؟

قالوا:إن هذه الأموال تجمع،و يكون فيها-من عامة الشيعة-،:

الدينار و الديناران،ثم يجعلونها في كيس و يختمون عليه،و كنّا اذا وردنا بالمال على سيدنا ابي محمد(عليه السلام)يقول:جملة المال كذا و كذا دينار(1)من عند فلان كذا،و من عند فلان كذا.حتى يأتي على اسماء الناس كلهم، و يقول ما على الخواتيم من نقش.

فقال جعفر:كذبتم!..تقولون على اخي ما لا يفعله،هذا علم الغيب،و لا يعلمه الا اللّه.

فلما سمع القوم كلام جعفر،جعل بعضهم ينظر الى بعض.

فقال لهم جعفر:إحملوا هذا المال إليّ؟

قالوا:إنا قوم مستأجرون،وكلاء لأرباب المال،و لا نسلّم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي(عليهما السلام)فإن كنت (أنت)الإمام فبرهن لنا،و إلا رددناها الى اصحابها،يرون فيها رأيهم.

ص:188


1- (1) اي يخبر بمجموع المال اولا و قبل كل شيىء.

قال(الراوي):فدخل جعفر على المعتمد العبّاسي-و كان بسرّ من رأى-فاستعدى عليهم(1)فلما احضروا،قال المعتمد:إحملوا هذا المال الى جعفر؟

قالوا:..إنا قوم مستأجرون،وكلاء لأرباب هذه الأموال،و هي وداعة لجماعة(2)و أمرونا بأن لا نسلّمها إلا بعلامة و دلالة،و قد جرت بهذه العادة مع ابي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام).

فقال الحاكم:فما كانت العلامة التي كانت لكم مع ابي محمد؟

قال القوم:كان يصف لنا الدنانير،و اصحابها،و الأموال و كم هي(3)فإذا فعل ذلك سلّمناها اليه،و قد وفدنا اليه مرارا فكانت هذه علامتنا معه و دلالتنا،و قد مات،فإن يكن هذا الرجل صاحب الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا اخوه،و إلاّ رددناها الى اصحابها.

قال جعفر:يا امير المؤمنين إن هؤلاء قوم كذّابون،يكذبون على اخي،و هذا علم الغيب.

فقال العبّاسي:القوم رسل،و ما على الرسول إلا البلاغ المبين.

قال(الراوي):فبهت جعفر و لم يرد جوابا.

فطلب الوفد من الحاكم العباسي أن يرسل معهم حارسا يصحبهم حتى

ص:189


1- (1) اي اشتكى عليهم عند الحاكم.
2- (2) اي أمانة.
3- (3) اي ان الإمام العسكري(عليه السلام)كان يبيّن صفة الدنانير-من مغشوشة و غيرها- و اسماء اصحابها،و نوعية الأموال من دينار و غيره،و مقدارها.

يخرجوا من المدينة،فأمر بذلك.

فلما أن خرجوا من البلد،خرج اليهم غلام احسن الناس وجها،كأنه خادم،فنادى:يا فلان بن فلان و يا فلان بن فلان اجيبوا مولاكم؟

فقالوا:أنت مولانا؟

قال:معاذ اللّه..أنا عبد مولاكم،فسيروا اليه.

قال:فسرنا معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي(عليهما السلام)فإذا ولده القائم سيدنا(عليه السلام)قاعد على سرير،كأنه فلقة قمر،عليه ثياب خضر،فسلّمنا عليه،فردّ علينا السلام ثم قال:جملة المال كذا و كذا دينار،حمل فلان كذا و فلان كذا،و لم يزل يصف،حتى وصف الجميع.

ثم وصف ثيابنا و رحالنا و ما كان معنا من الدواب،فخررنا سجّدا للّه عز و جل،شكرا لما عرّفنا،و قبّلنا الأرض بين يديه،و سألناه عما اردنا فأجاب،فحملنا إليه الأموال.و امرنا القائم(عليه السلام)أن لا نحمل الى سرّ من رأى بعدها شيئا من المال،فإنه ينصب لنا-ببغداد-رجلا تحمل إليه الأموال،و تخرج من عنده التوقيعات.

قالوا:فانصرفنا من عنده،و دفع(اي الإمام)إلى أبي العباس محمد بن جعفر القميّ الحميري شيئا من الحنوط و الكفن فقال له:اعظم اللّه اجرك في نفسك.

قال:فما بلغ ابو العباس عقبة همدان حتى توفي«رحمه اللّه».

ص:190

و كان بعد ذلك،تحمل الأموال الى بغداد إلى النوّاب المنصوبين بها، و تخرج من عندهم التوقيعات».

قال الشيخ الصدوق(رحمه اللّه)-بعد نقل هذا الحديث في كتابه إكمال الدين-:هذا الخبر يدّل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر(أي أمر الإمامة)كيف هو؟و أين هو؟و اين موضعه؟فلهذا كفّ عن القوم و عما معهم من الأموال،و دفع جعفر الكذّاب عنهم،و لم يأمر بتسليمها إليه.

إلاّ أنه كان يحب أن يخفى هذا الأمر و لا ينشر،لئلا يهتدي اليه الناس فيعرفونه،و قد كان جعفر الكذّاب حمل الى الخليفة عشرين الف دينار،لما توفي الحسن بن علي(عليهما السلام)و قال له:يا امير المؤمنين..تجعل لي مرتبة اخي الحسن و منزلته!!

فقال الخليفة:إعلم أن منزلة اخيك لم تكن بنا،إنما كانت باللّه عز و جل،و نحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته و الوضع منه،و كان اللّه عز و جل يأبى إلا ان يزيده-كل يوم-رفعة،لما كان فيه من الصيانة و حسن السمت(1)و العلم و العبادة.

فإن كنت عند شيعة اخيك بمنزلته فلا حاجة بك الينا،و إن لم تكن عندهم بمنزلته و لم يكن فيك ما كان في اخيك،لم نغن عنك شيئا».(2)

و من هذا الحديث-الذي يشبه الحديث السابق-نستفيد ايضا بعض

ص:191


1- (1) السمت:العلم و العبادة.
2- (2) إكمال الدين

الأمور التي لا بأس بالاشارة اليها كالتالي:

1-إلحاح جماعة من الناس على تعيين جعفر للإمامة،و هنا تبرز علامة استفهام بل علامات إستفهام:

لماذا اختارت هذه الجماعة-المشبوهة-جعفرا للإمامة-مع كثرة الموانع و عدم وجود مقتضيات الإمامة فيه-؟

-و مع فشله في جميع المواقف،و انسحابه عن الساحة،و انهيار معنويّاته مع وفد القميّين الأول-:ما هو الداعي الى التركيز على إمامة هذا الإنسان المشوّه المفضوح؟

2-تكذيب جعفر للشيعة،حول إخبار الأئمة بما معهم من الأموال و تفاصيلها،فإن كان جعفر فاقدا لصفات الإمام،و جاهلا بهذه الخصائص،فلماذا ينفي ذلك عن اخيه الإمام العسكري(عليه السلام) و يكذّب الشيعة،ذلك التكذيب الفضيع؟

أليس الأفضل ان ينفي علمه بهذه الأمور،و يعلن جهله بهذه المواضيع حتى لا يكذّب امرا واقعيا و حقيقة ثابتة؟

3-مطالبته القميّين بالأموال،ظلما وزورا،مع عدم استحقاقه لتلك الأموال،و هو يعلم ذلك،و هذا يدلّ على عدم تورّعه من المحرّمات،و لعله لو كان يقبض منهم الأموال لكان يصرفها في خموره و فجوره!

4-استعانة جعفر بالسلطة-الظالمة الغاشمة-ضد الشيعة، و تجاوب السلطة معه.إن ذا لعجيب.

ص:192

فالحاكم العبّاسي يأمر القميّين بتسليم الأموال الى جعفر،فهل كان ذلك بدافع الحب لجعفر؟أم كان اعترافا ضمنيّا بإمامة جعفر-تشويها لجمال الإمامة،و تدنيسا لقداستها،و تحطيما لمعنويّاتها،و تغييرا لمفهوم الإمامة في المجتمع الشيعي-؟

و يا ليت الفضيحة كانت تنتهي عند هذا الحدّ،و يا ليت جعفرا كان يكتفي بهذا المقدار من المأساة،و لكنه ذهب الى السلطة ليتفاوض معها، و يحمل عشرين الف دينار الى الحاكم العباسي،ثمنا للاعتراف بامامته.

مسكين هذا الجاهل!..انظر اليه كيف يتشبّث بالوسائل الفاشلة، لتثبيت مقامه،و تقوية مكانته؟!و كيف يتّخذ المضلّين عضدا؟!و كيف يستعين بالباطل للقضاء على الحق؟!و كيف يبرّر الوسيلة لتحقيق غايته الجهنّمية؟!

انني لا اتعجب من جعفر و تصرفاته و محاولاته..فقد رأينا في زماننا- امثال جعفر-الفاقدين للشعبيّة و السمعة الطيبة،المنبوذين في المجتمع الديني،كيف يبايعون الحكّام مائة بالمائة،لتعترف لهم السلطة ببعض المزايا التافهة و الخصائص المادّية!

5-و اخيرا..يتفطّن الحاكم العباسي الى أن تجاوبه مع جعفر،لا يسمن و لا يغني من جوع،و لا يجديه اي نفع،لأن اصول عقيدة الإمامة- عند الشيعة-متكاملة الجوانب،مستجمعة الصفات،مدروسة الأطراف،مترابطة من جميع الجهات،و لا يمكن التلاعب بها،و لا تغيير مجراها و مفهومها،فتراه يتنازل عن فكرته الأولى،و يعطي الحق لوفد قم و يقول:القوم رسل،و ما على الرسول إلا البلاغ المبين!

ص:193

و بهذه الكلمة تنغلق الأبواب في وجه جعفر،و يخيب ظنه و تنقطع آماله من تلك اللحظة!.

و يخاف القميّون من شرّ جعفر،و شرور الجماعة التي تدور حول جعفر،فيطلبون من المعتمد العباسي ان يحميهم برقابة أمنيّة،حتى يخرجوا من مدينة سامراء.

و يلبيّ الحاكم طلبهم و يرسل معهم الحرس،حتى يخرجوا من البلد بسلام.

و لا تسأل عن الحيرة التي استولت على القميّين حول أمر الإمام الذي يقوم مقام الإمام العسكري(عليه السلام)..فما الذي يصنعون؟و كيف يعودون الى بلادهم قبل التعرف على إمام الحق؟

و هنا شملهم اللطف الالهي و أنقذهم من تلك الحيرة،و انتشلهم من تلك الورطة و جاءهم الغلام المرسل من عند الإمام المهدي(عليه السلام) و ناداهم بأسمائهم،و أرشدهم الى مقرّ الإمام المهدي(عليه السلام) و تشرّفوا بلقاء الإمام فانحلّت المشكلة و انكشف الغطاء و زالت الحيرة.

و بعد هذا كله..ادّعى جعفر أنه هو الوارث الوحيد للإمام العسكري(عليه السلام)متحدّيا وجود الإمام المهدي(عليه السلام) و منكرا نسل اخيه الإمام العسكري(عليه السلام)،و استولى على تركة الإمام العسكري كلّها،و تحقق كلام الإمام الحسين(عليه السلام)في

ص:194

شأنه،حيث قال-لرجل من همدان-:«قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي،و هو صاحب الغيبة،و هو الذي يقسّم ميراثه و هو حي»(1).

عاقبة أمر جعفر:

لقد اختلف المحدّثون في عاقبة أمر جعفر،فقال بعضهم:إنه تاب و رجع عن غيّه،و استقام أمره،و ظهر له إنحرافه،فرجع الى الصراط المستقيم.و دليلهم الوحيد على ذلك هو التوقيع الذي خرج من الإمام المهدي(عليه السلام)في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب،و فيه يقول ما نصّه:«و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده،فسبيل إخوة يوسف»(2)و ترى أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يشبّه عمّه جعفر و أولاده بإخوة يوسف الذين صنعوا ما صنعوا بأخيهم يوسف.

و لنا أن نتساءل:كيف يستفاد-من هذه الجملة-أنّ جعفرا تاب، و أنّ اللّه تعالى قبل توبته؟؟!

نعم..إنّ إخوة يوسف-لما انكشف سوء صنيعهم-قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ،قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (3).

و لكن هنا لا يستفاد الإستغفار و التوبة من جعفر،و من الصحيح أن نقول:إنّ وجه الشبه-هنا-غير واضح،و اللّه العالم.

ص:195


1- (1) قد مرّ هذا الحديث في باب البشائر.
2- (2) هذا ما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج،و الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة.
3- (3) سورة يوسف الآية 97-98.

الفصل التاسع

اشارة

النوّاب الأربعة

النيابة الخاصة

اشارة

تعتبر النيابة الخاصّة من المناصب الخطيرة ذات الأهميّة الكبرى،و لا يليق بهذا المقام السّامي إلاّ من تتوفّر فيه الصفات المطلوبة،و المؤهّلات اللازمة،كالأمانة(بجميع معنى الكلمة)و التقوى و الورع،و كتمان الأمور التي لا ينبغي إفشاؤها،و عدم التصرّف-في القضايا الخاصّة-بالرأي الشخصي،و تنفيذ الاوامر و التعليمات الواصلة إليه من الإمام،و غير ذلك من الشروط.

و لا يخفى أنّ النيابة الخاصّة أهم و أعلى من النيابة العامّة،التي هي مرتبة الإجتهاد المحفوفة بالشروط اللازمة،كالعدالة،و مخالفة الهوى، و شدّة التمسّك و الإلتزام بالموازين الشرعية،و غير ذلك من الصفات التي يجب توفّرها في المجتهد.

و لا نريد أن نخوض في هذا البحث اكثر من هذا،و إنّما المقصود- هنا-التحدّث عن النوّاب الأربعة،و بيان شيء من ترجمة حياتهم.

النائب الأول:[عثمان بن سعيد]

إسمه:عثمان بن سعيد.

كنيته:أبو عمرو.

لقبه:العمري،السمّان،الزيّات،الأسدي،العسكري.

ص:196

و كان يلقّب ب«السمّان»و«الزيّات»لأنه كان يتّجر بالسمن و الزيت،تغطية على مقامه،و تقية من السلطة،فكان الشيعة يحملون إليه الأموال و الرسائل،فيجعلها في جراب السمن و زقاقه(1)-كي لا يعلم بذلك أحد-و يبعثها الى الإمام.

و لا يهمّنا التحقيق في لقبه بالعمري،و لا في إنتسابه الى بني أسد، و إنما نكتفي بما يلي:

لقد كان للعمري شرف خدمة الإمام الهادي(عليه السلام)يوم كان عمره إحدى عشرة سنة،و هذا يدلّ على ما كان يتمتّع به من الذكاء، و العقل،و الرشد الفكري المبكّر،و المؤهّلات التي منها العدالة و الوثاقة و الأمانة،و اللّه يختصّ برحمته من يشاء.و الآن..اليك الحديث التالي:

روي عن أحمد بن إسحاق قال:سألت الإمام الهادي(عليه السلام) و قلت:من أعامل؟و عمّن آخذ؟و قول من أقبل؟

فقال الإمام:«العمري ثقتي،فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي،و ما قال لك عنّي فعنّي يقول،فاسمع له و أطع،فإنّه الثقة المأمون»(2).

و-بعد وفاة الإمام الهادي عليه السلام-زاد اللّه العمريّ شرفا على شرفه،إذ صار وكيلا للإمام العسكري(عليه السلام)أيضا.

فقد روي عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)أنّه قال-

ص:197


1- (1) الجراب:وعاء من جلد.الزقاق:جلد يستعمل لحمل الماء او السّمن.
2- (2) كتاب الأصول من الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 330 طبع طهران سنة 1388 هجرية.كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 219،طبع طهران سنة 1398 ه.

لأحمد بن إسحاق-:«العمري و ابنه ثقتان،فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان،و ما قالا لك فعنّي يقولان،فاسمع لهما و أطعهما،فإنّهما الثقتان المأمونان»(1).

و قد كتب الإمام العسكري كتابا مفصّلا إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري،نقتطف منه كلمة تتعلّق بالمترجم له:«...فلا تخرجنّ من البلدة حتى تلقى العمري(رضي اللّه عنه برضاي عنه)و تسلّم عليه، و تعرفه و يعرفك،فإنّه الطاهر الأمين،العفيف،القريب منّا و إلينا...»(2).

و روي عن محمد بن إسماعيل و علي بن عبد اللّه السجستاني،قالا:

دخلنا على أبي محمد الحسن(عليه السلام)بسرّ من رأى،و بين يديه جماعة من أوليائه و شيعته،حتى دخل بدر خادمه،فقال:يا مولاي..بالباب قوم شعث غبر(3)فقال لهم(أي:قال الإمام للحاضرين عنده):«هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن»...الى أن قال الإمام الحسن لبدر:«فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري».فما لبثنا إلاّ يسيرا حتى دخل عثمان،فقال له سيّدنا أبو محمد(عليه السلام):«إمض يا عثمان فإنّك الوكيل،و الثقة المأمون على مال اللّه،و اقبض من هؤلاء النفر اليمنييّن ما حملوه من المال»...

ص:198


1- (1) كتاب الأصول من الكافي ج 1 ص 330 طبع طهران سنة 1388 ه.و كتاب الغيبة للطوسي ص 219 طبع طهران 1398 ه.
2- (2) كتاب(إختيار معرفة الرجال)المعروف ب(رجال الكشّي)ج 6 ص 580 طبع مشهد-ايران سنة 1390 هجرية.
3- (3) شعث غبر:أي عليهم الغبار و التراب.

ثم قلنا-بأجمعنا-:يا سيّدنا..و اللّه إنّ عثمان بن سعيد لمن خيار شيعتك،و لقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك،و إنّه وكيلك و ثقتك على مال اللّه؟

قال(عليه السلام):«نعم..و اشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي،و أنّ إبنه محمدا وكيل إبني:مهديّكم»(1).

و روي عن جماعة من الشيعة،منهم:علي بن بلال،و أحمد بن هلال،و الحسن بن أيوب،و غيرهم-في خبر طويل مشهور-قالوا جميعا:

إجتمعنا الى أبي محمد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) نسأله عن الحجّة من بعده،و في مجلسه أربعون رجلا،فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له:يا بن رسول اللّه أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي؟

فقال الإمام(عليه السلام):«أخبركم بما جئتم»؟

قالوا:نعم يا بن رسول اللّه.

قال:«جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي».

قالوا:نعم..فإذا غلام كأنّه قطعة قمر،أشبه الناس بأبي محمد (العسكري).

فقال:«هذا إمامكم من بعدي،و خليفتي عليكم،أطيعوه،و لا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم.

ص:199


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 216،و(بحار الأنوار)للشيخ المجلسي ج 51 ص 345 طبع طهران سنة 1393 ه.

ألا:و إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر،فاقبلوا من عثمان ما يقوله،و انتهوا الى أمره،و اقبلوا قوله...»(1).

و قد سبق أن ذكرنا أنّ الإمام العسكري(عليه السلام)أمر العمري-بعد ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)-أن يشتري آلاف الأرطال من اللحم و الخبز،و يوزّعها على الفقراء،و يعقّ عددا من الأغنام عن ولده الإمام المهدي(عليه السلام).

و كان العمري يسكن في بغداد،و يكثر السفر الى سامراء ليلتقي بالإمامين:الهادي و الحسن العسكري(عليهما السلام).

و يستفاد من بعض الروايات أن العمري حضر تغسيل الإمام العسكري(عليه السلام)و تحنيطه و تكفينه و دفنه(2).و لا نقول:إنّه باشر ذلك بنفسه،فالإمام لا يغسّله إلاّ الإمام.و لا يهمّنا إن كان التاريخ أهمل تغسيل الإمام المهدي أباه،و لم يتعرّض لذلك،فالعقيدة ثابتة..سواء ذكر التاريخ ذلك..أو لم يذكره.

و بعد وفاة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)أبقى الإمام المهدي(عليه السلام)العمريّ على وكالته،و على هذا..يعتبر العمري

ص:200


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 217،طبع طهران سنة 1398 ه.
2- (2) يستفاد ذلك من كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 216 حيث قال ما نصه:«عن أبي نصر بن أحمد،عن شيوخه:أنّه لما مات الحسن بن علي(عليهما السلام)حضر غسله عثمان بن سعيد، و تولّى جميع أمره في تكفينه و تحنيطه و تقبيره...». و قد مرّ-في الحديث عن«جعفر بن الإمام الهادي»-قول الراوي:«يقدمهم السمّان»يعني عثمان بن سعيد العمري،الذي كان حاضرا عند الصلاة على جثمان الإمام العسكري(عليه السلام).

النائب الأول للإمام المهدي.

و هكذا..كان العمري همزة وصل بين الإمام المهدي و شيعته،في مراسلاتهم و قضاياهم،و حلّ مشاكلهم.

و يعلم اللّه تعالى عدد لقاءاته مع الإمام المهدي(عليه السلام)و تشرّفه بالمثول بين يديه،و يعلم اللّه كيفية تلك اللقاءات و مقدارها يوميا؟ أسبوعيا؟شهريا؟أو حسب الظروف و الحاجة،في حين كان الملايين من الشيعة محرومين عن هذا الشرف،و فاقدين لهذا التوفيق.

نعم..إنّ الأمانة و المصلحة كانتا تفرضان على العمري أن لا يبوح بهذا السرّ للناس،ليبقى السرّ مكتوما و يدفن مع صاحبه.

و قد روي أنّ عبد اللّه بن جعفر إلتقى بالعمري-بعد وفاة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)-فأقسم على العمري-بعد وفاة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)-فأقسم على العمري و حلّفه قائلا:

فأسألك بحقّ اللّه و بحقّ الإمامين الذين وثّقاك(1)هل رأيت إبن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان؟

فبكى العمري من هذا الإحراج،و اشترط على عبد اللّه بن جعفر أن لا يخبر بذلك أحدا ما دام العمري حيّا،و قال:قد رأيته(عليه السلام)...الى آخر كلامه(2).

و خلاصة الكلام:إنّ العمري كان من النوابغ..فكرا و عقلا، أضف الى ذلك مزاياه الخاصّة كالتقوى و الورع و الأمانة،و غيرها من

ص:201


1- (1) يعني:الإمام علي الهادي،و الإمام الحسن العسكري(عليهما السلام).
2- (2) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 215 طبع طهران سنة 1398 ه.

الصفات التي جعلته أهلا للنيابة الخاصّة و الوكالة العامّة،و«هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم»فالعمري كان مغمورا بالسعادة و شرف خدمة الأئمة قبل أن يبلغ الحلم،الى أن فارق حياته السعيدة المباركة.

و من الواضح أنّ الأئمة الثلاثة(سلام اللّه عليهم)إنما انتخبوه و اختاروه لهذا المنصب الخطير و المكانة السّامية لوجود المؤهلات فيه.

و لقد أمره الإمام المهدي(عليه السلام)أن ينصب ولده محمد بن عثمان من بعده،ليتولّى الامور بعد وفاة أبيه.

النائب الثاني:[محمد بن عثمان]

إسمه:محمد بن عثمان.

كنيته:أبو جعفر.

لقبه:العمري،العسكري،الزيّات.

لقد كان من حسن حظّ عثمان بن سعيد العمري أن رزقه اللّه تعالى ولدا صالحا يشبه أباه في المؤهّلات و المزايا و الفضائل،«و من يشابه أبه فما ظلم»،و قد مرّ-عليك-أنّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)نصّ عليه و على أبيه حيث قال:«العمري و ابنه ثقتان...»و قال:«...و إنّ إبنه محمدا وكيل إبني:مهديّكم».

فاختاره مولانا الإمام المهدي(عليه السلام)ليقوم مقام أبيه عثمان، و يمارس أعماله.

و قد بعث الإمام رسائل متعدّدة الى زعماء الشيعة،يخبرهم-فيها-بأنّه

ص:202

قد عيّن محمد بن عثمان نائبا عنه(1)و منها الرسالة التي كتبها الإمام إلى محمد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي،و قد جاء فيها:

«...و الإبن(وقاه اللّه)لم يزل ثقتنا في حياة الأب(رضي اللّه عنه و أرضاه،و نضّر وجهه)يجري عندنا مجراه،و يسدّ مسدّه،و عن أمرنا يأمر الإبن،و به يعمل،تولاّه اللّه،فانته الى قوله(2)...»(3).

و لقد إزداد محمد بن عثمان شرفا على شرفه حيث تلقّى رسالة من الإمام المهدي(عليه السلام)يعزّيه فيها بموت أبيه،و قد جاء في الرسالة:

«إنّا للّه و إنا إليه راجعون،تسليما لأمره،و رضاءا بقضائه،عاش أبوك سعيدا،و مات حميدا،فرحمه اللّه،و ألحقه بأوليائه و مواليه عليهم السلام،فلم يزل مجتهدا في أمرهم،ساعيا فيما يقرّبه الى اللّه(عزّ و جل) و إليهم،نضّر اللّه وجهه،و أقاله عثرته...

أجزل اللّه لك الثواب،و أحسن لك العزاء،رزئت و رزئنا(4)و أوحشك فراقه و أوحشنا،فسرّه اللّه في منقلبه،

كان من كمال سعادته أن رزقه اللّه تعالى ولدا مثلك،يخلفه من بعده،و يقوم مقامه بأمره،و يترحّم عليه،

و أقول:الحمد للّه،فإنّ الأنفس طيّبة بمكانك و ما جعله اللّه تعالى

ص:203


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 220.
2- (2) «فانته الى قوله»:أي:إسمع كلامه،و امتثل أوامره.
3- (3) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 220،طبع طهران سنة 1398 ه.
4- (4) و في نسخة:«رزيت و رزينا».كتاب الغيبة للشيخ الطوسي.

فيك و عندك،أعانك اللّه و قوّاك،و عضدك و وفّقك،و كان لك وليا و حافظا،و راعيا و كافيا و معينا»(1).

لا يستطيع القلم أن يستوعب ما احتوته هذه الرسالة من الأوسمة و الخلع التي تفضّل بها الإمام المهدي(عليه السلام)على الوالد و ما ولد.

إنّ كلّ كلمة من كلمات الرسالة تعتبر ثناءا عاطرا،و وساما ساميا، لو فاز رجل بواحدة منها لحقّ له أن يمشي مرفوع الرأس،يشمخ بأنفه، و يفتخر على غيره،و يقول:من مثلي؟!

فكيف و هذه الكلمات-التي هي أغلى من كلّ غال و نفيس-قد توفّرت و اجتمعت في عثمان بن سعيد و إبنه محمد،فهنيئا لهما بشرف الدنيا و سعادة الآخرة.

لقد كان محمد بن عثمان كأبيه سفيرا بين الإمام المهدي و بين جميع الشيعة في ذلك العصر،سواء القاطنين في العراق،او القادمين من مدينة قم أو البلاد الإسلامية الأخرى،و كان يسكن في بغداد،كما تقدّم في الحديث عن أبيه.

و من الطبيعي أنّه كان يؤدّي الوظائف الواجبة الملقاة على عاتقه في جو من الكتمان و التقيّة،فكان يستلم الأموال و الحقوق الشرعية من الشيعة و يحملها الى الإمام المهدي(عليه السلام)بصورة سرّية.

أمّا كيفية إيصّاله الأموال الى الإمام فهي مجهولة جدّا،فالقضية مغطّاة بالغموض من جميع جوانبها.

ص:204


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق،ج 2 ص 510.كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 219-220.

و قد أخبر محمد بن عثمان-اكثر من مرة-أنّ الذي يقوم مقامه-بعد وفاته-هو الحسين بن روح النوبختي.

النائب الثالث:[الحسين بن روح]

إسمه:الحسين بن روح.

كنيته:أبو القاسم.

لقبه:النوبختي.

كان الحسين بن روح شخصية مشهورة و معروفة عند الشيعة و كان- قبل تولّيه النيابة-وكيلا للنائب الثاني محمد بن عثمان،يشرف على أملاكه، و يقوم بدور الواسطة بينه و بين زعماء الشيعة،في نقل الأوامر و التعليمات و الاخبار السرّية إليهم.

و بهذا إزدادت ثقة الشيعة به،بعدما رأوا أنّ النائب الثاني يثق به، و يعتمد عليه،و يشهد بفضله و دينه،و يراه أهلا لمنصب الوكالة.

و كان الحسين بن روح مشهورا و معروفا بالعقل و الرشد،و يشهد له الموافق و المخالف،حتى أنّ العامّة كانت تعظّمه و تحترمه.

كلّ هذه الأمور..كوّنت للحسين بن روح رصيدا شعبيا،و مكانة رفيعة عند الناس على اختلاف مستوياتهم و اتجاهاتهم و مذاهبهم.

و قبل وفاة النائب الثاني،صدر الأمر من الإمام المهدي(عليه السلام)اليه،بأن يقيم الحسين بن روح مقامه في النيابة الخاصّة،فامتثل النائب الثاني أمر الإمام،و أعلن أن النائب الثالث الذي يقوم مقامه:هو

ص:205

الحسين بن روح،فقد جمع زعماء الشيعة و شخصياتهم،و قال لهم:«إنّ حدث عليّ حدث الموت،فالأمر الى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي،فارجعوا اليه،و عوّلوا في أموركم عليه»(1).

و قبل وفاة النائب الثاني بساعات،حضر عنده جمع غفير من زعماء الشيعة و شيوخهم،فقال لهم:«هذا ابو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي،القائم مقامي،و السفير بينكم و بين صاحب الأمر(عليه السلام)و الوكيل و الثقة الأمين،فارجعوا اليه في أموركم،و عوّلوا عليه في مهمّاتكم،بذلك أمرت،و قد بلّغت»(2).

و كان للنائب الثاني صديق حميم،اسمه جعفر بن أحمد بن متيل، يكثر مجالسته و معاشرته،حتى بلغ من أمره أنّ النائب الثاني-في أواخر حياته-لم يكن يتناول طعاما إلاّ ما تهيّأ في منزل جعفر بن أحمد،و كان الكثيرون من الشيعة يتوقّعون أن يكون جعفر هو النائب الثالث،لكن إختيار الإمام المهدي(عليه السلام)وقع على الحسين بن روح.

و الجدير بالذكر:أنّ جعفر بن أحمد لم يغيّر سلوكه مع الحسين بن روح-بالرغم من تفوّق الأخير عليه-بل كان بين يديه كما كان بين يدي النائب الثاني،صديقا وفيا،يحضر مجلسه،و يعينه على أداء مهامّه و مسؤوليّاته،الى أن توفي الحسين بن روح سنة 326 ه،و كانت مدّة سفارته إحدى و عشرين أو إثنتي و عشرين سنة.

ص:206


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 227.
2- (2) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 227.

النائب الرابع:[علي بن محمد]

إسمه:علي بن محمد.

كنيته:أبو الحسن.

لقبه:السمري.

إختاره الإمام المهدي(عليه السلام)ليكون سفيرا له،فأمر الحسين بن روح-النائب الثالث-بأن يقيم علي بن محمد السمري مقامه، و نفّذ الحسين بن روح أمر الإمام المهدي(عليه السلام).

أمّا شخصية علي بن محمد السمري فهي كالشمس لا تحتاج الى بيان نورها،و ثقته و جلالته أشهر من أن تذكر.

و من كراماته:أنه أخبر-و هو في بغداد-بموت علي بن الحسين بن بابويه القمي(والد الشيخ الصدوق)و هو في الرّي(1)ساعة وفاته،و كان عنده جماعة من الشيعة،فسجّلوا الساعة و اليوم و الشهر،و جاء الخبر-بعد سبعة عشر يوما-فكان مطابقا لما أخبر به،من حيث اليوم و الساعة التي أخبر بها.

و بوفاة السمري إنقطعت السفارة،و انتهت الغيبة الصغرى،و ابتدأت الغيبة الكبرى التي امتدت الى يومنا هذا،و سوف تنتهي بظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

و صدر توقيع من الإمام المهدي(عليه السلام)الى السمري،قبل

ص:207


1- (1) الريّ:إسم مدينة في ضواحي طهران.

وفاته بستة أيام،و قد جاء فيه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم.يا علي بن محمد السمري:أعظم اللّه أجر إخوانك فيك،فإنّك ميّت ما بينك و بين ستة أيام،فاجمع أمرك،و لا توصي الى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك،فقد وقعت الغيبة التامّة(1)فلا ظهور إلاّ بعد إذن اللّه-تعالى ذكره-و ذلك بعد طول الأمد،و قسوة القلوب،و امتلاء الأرض جورا...»الى آخر كلامه عليه السلام(2).

فأخرج السمري هذا التوقيع الى الناس،فكتبوه و خرجوا من داره، فلما كان اليوم السادس عادوا اليه و هو يجود بنفسه(3)فقيل له:من وصيّك؟

فقال:للّه أمر هو بالغه.

و كان هذا آخر كلام سمع منه،و قضى نحبه(رحمة اللّه عليه)و كانت وفاته سنة 329 ه.

ص:208


1- (1) و في بعض النسخ:«فقد وقعت الغيبة الثانية».
2- (2) كتاب الغيبة للطوسي ص 242-243،و إكمال الدين للصدوق ج 2 ص 516.
3- (3) أي:يعالج سكرات الموت،و يقضي اللحظات الأخيرة من حياته..

وكلاء الامام المهدي«عليه السّلام»

لقد كان الشيعة يسألون الإمام المهدي(عليه السلام)عن المسائل الفقهية و الماليّة،بل و عن القضايا الشخصية أيضا،و ذلك عن طريق السفراء(النوّاب الأربعة)فكان الجواب يأتيهم بعد فترة قصيرة.

و قد كان للسفراء وكلاء في كثير من البلاد الإسلامية،يقومون بدور كبير في تسهيل مهمّة السفراء و وظائفهم.

و كان هؤلاء الوكلاء محمودين في سلوكهم،مستقيمين في عقيدتهم، معروفين بالزهد و التقوى و الصلاح،و لم يتغيروا و لم ينحرفوا الى آخر حياتهم.

و كان الوكلاء،تارة يراجعون السفراء في القضايا و الأسئلة الموجّهة اليهم،و تارة يراسلون الإمام المهدي(عليه السلام)بصورة مباشرة.

و فيما يلي نذكر أسماء بعض الوكلاء،و نترك التحدّث عن حياتهم،رعاية للإختصار:

1-حاجز بن يزيد الملقّب بالوشّاء.

2-إبراهيم بن مهزيار.

3-محمد بن إبراهيم بن مهزيار.

4-أحمد بن اسحاق الأشعري القمّي.

ص:209

5-محمد بن جعفر الأسدي.

6-القاسم بن العلاء.

7-الحسن بن القاسم بن العلاء.

8-محمد بن شاذان.

و هناك أناس آخرون لم تثبت وكالتهم،أو لم تشتهر بين المحدّثين،و لا يهمّنا التعرّض لذلك.

ص:210

الذين ادّعوا السّفارة أو الوكالة كذبا وزورا

اشارة

من أعاجيب الدهر أنّ عددا من أصحاب الإمام الهادي و الإمام العسكري(عليهما السلام)إختاروا لأنفسهم سوء العاقبة،و الإنحراف عن الطريق المستقيم،بالرغم من سوابقهم المشرقة،و كثرة تشرّفهم بلقاء الإمامين العسكرييّن(عليهما السلام)و شدّة إتصالهم بهما و استماعهم الى أحاديثهما،حتى أنّ بعضهم ألّف كتابا سجّل فيه الاحاديث التي سمعها من أحد الإمامين او منهما.

و لا نعرف لإنحرافهم سببا سوى تأمين المصالح الشخصيّة،و الطمع في الأموال-و هي الحقوق الشرعية التي كانت الشيعة تدفعها الى نوّاب الإمام المهدي(عليه السلام)-و حبّ الرئاسة و الشهرة،ثم الحكم-من ورائها-على جميع مرافق الشيعة،و إتّباع الهوى الذي يصدّ عن الحق.

و كانت عاقبة أمرهم أن شملتهم اللعنة من الإمام المهدي(عليه السلام)تلك اللعنة التي ترتعد منها الفرائص و ترتجف منها القلوب!

و من الطبيعي أنّ أولئك الكذّابين قد كونّوا مشاكل عقائدية و إجتماعية في المجتمع الشيعي،بالإضافة الى أنهم أشغلوا افكار النوّاب الحقيقيين،لأنّ المنحرف عقائديا إذا ادّعى الوكالة أو النيابة عن الإمام المهدي(عليه السلام)سيكون سببا لتشويه خط الإمام أوّلا،و منافسا للنائب الحقيقي ثانيا.

ص:211

و هذه مشكلة لا يصحّ السكوت عنها،و لا بدّ من تدارك الأمر، و كشف الحقيقة،و رفع النقاب عن الواقع،و فضح المدّعي الكاذب.

و اليك شيئا من التفصيل:

1-ابو محمد الحسن الشريعي:

كان من أصحاب الإمامين:الهادي و العسكري(عليهما السلام) و ادّعى أنه سفير الإمام الحجّة المهدي(عليه السلام)كذبا وزورا،و لم يكن أهلا لذلك،و كذب على اللّه تعالى،و نسب الى الأئمة الطاهرين أشياء لا تليق بهم،و هم منها برآء،ثم ظهر منه الكفر و الإلحاد،و خرج التوقيع من مولانا صاحب الزمان(عليه السلام)-على يد النائب الثالث- بلعنه و البراءة منه،فلعنته الشيعة و تبرّأت منه.

2-محمد بن نصير النميري:

كان من أصحاب الإمام العسكري(عليه السلام)فلما توفّي الإمام،إدّعى النميري-كذبا وزورا-أنه سفير الإمام المهدي(عليه السلام)و نائبه و لكن اللّه تعالى فضحه،حينما ظهرت منه عقيدة الإلحاد،فلعنه النائب الثاني محمد بن عثمان،و تبرّأ منه.

و كان اللعين يقول بربوبية الإمامين:الهادي و العسكري(عليهما السلام)،و يدّعي أنه نبي مرسل من عند الإمام الهادي(1).

ص:212


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 244.

و كان يقول بالتناسخ(1)و يفتي بإباحة نكاح المحارم و اللواط، و يقول:إنه من اللذّات و الشهوات-في الفاعل-و من التواضع-في المفعول به-و قد شوهد مرّة و غلامه راكب على ظهره،و لما عوتب على هذا الفعل القبيح قال:إنّ هذا من اللذات،!و هو من التواضع و ترك التجبرّ(2).

نكتفي بذكر هذه المخازي التي سوّدت صحيفة الرجل،و كشفت عن خبثه،و إنحرافه و سوء عاقبته.

3-أحمد بن هلال العبرتائي:

ينسب الى«عبرتا»و هي قرية كبيرة،كانت في ضواحي النهروان، بين بغداد و واسط.

قيل:كان من أصحاب الإمام الهادي(عليه السلام).

و قيل:كان من أصحاب الإمام العسكري(عليه السلام).

و على كل حال..فالرجل مشهور باللعنة و الغلوّ،و كان-في أوائل أمره-من ثقاة الإمام العسكري(عليه السلام)و خواصّه،و من المحدّثين

ص:213


1- (1) لقد أجمع المسلمون على بطلان نظريّة التناسخ التي اختلقها بعض المتفلسفين المنحرفين، و التناسخ:هو إنتقال الروح-بعد موت صاحبها-الى بدن آخر،و القائلون بالتناسخ ينكرون الآخرة و الجنة و النار،و لهذا حكم عليهم بالكفر.و في كتاب(المعجم الوسيط):تناسخ الروح:عقيدة شاعت بين الهنود و غيرهم من الأمم القديمة،و مؤداها:أنّ روح الميّت تنتقل الى حيوان أعلى أو أقل منزلة،لتنعّم أو تعذّب،جزاءا على سلوك صاحبها الذي مات،و أصحاب هذه العقيدة لا يقولون بالبعث.
2- (2) كتاب رجال الكشي ص 438.كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 244-245.

عن الأئمة(عليهم السلام)و قد حجّ أربعا و خمسين حجّة،عشرين منها على قدميه،و لكنه إنحراف أيّ إنحراف،حتى ورد فيه من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)ذمّ كثير،و قد صدر في شأنه:«إحذروا الصوفيّ المتصنّع»(1)و لا نعلم-بالضبط-أنّ هذا التوقيع صدر من الإمام العسكري او من ولده الإمام المهدي(عليهما السلام).

و عاش إبن هلال الى أيّام النائب الثاني محمد بن عثمان،فصار ينكر نيابته عن الإمام المهدي(عليه السلام)و يصرّ على ذلك،فورد التوقيع من الإمام المهدي(عليه السلام)بلعنه و البراءة منه،فانقلب الرجل ناصبيّا معاديا،فلعنته الشيعة و تبرأت منه.

و بعد هلاك العبرتائي،خرج توقيع آخر من ناحية الإمام المهدي (عليه السلام)يزيد في ذمّه و البراءة منه.

و السبب في ذلك-كما ذكروا-هو أنّ بعض الشيعة أنكروا ما ورد في ذمّ العبرتائي،فطلبوا من القاسم بن العلا-و هو من وكلاء الإمام المهدي- أن يكتب الى الإمام(عليه السلام)و يتأكّد من صحّة خبر إنحرافه، و يستفسر عنه،حتى تطمئن القلوب بذلك.

فجاء الجواب من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)يقول:

«...قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنّع إبن هلال(لا رحمه اللّه)بما قد علمت،و لم يزل-لا غفر اللّه له ذنبه و لا أقاله عثرته-يداخل في أمرنا بلا إذن منّا و لا رضى،يستبدّ برأيه....لا يمضي من امرنا إيّاه إلا بما يهواه و يريده،أرداه اللّه بذلك في نار جهنّم.

ص:214


1- (1) المتصنّع:هو الذي يظهر عن نفسه ما ليس فيه،كالذي يتظاهر بالتقوى و الورع و هو فاقد لهما.

فصبرنا عليه،حتى بتر اللّه-بدعوتنا-عمره(1)و كنّا قد عرّفنا خبره قوما من موالينا في أيامه(لا رحمه اللّه)و أمرناهم بإلقاء ذلك الى الخاص من موالينا،و نحن نبرأ الى اللّه من ابن هلال(لا رحمه اللّه)و ممّن لا يبرأ منه.

و أعلم الإسحاقي(2)-سلّمه اللّه-و أهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر،و جميع من كان سألك و يسألك عنه من أهل بلده و الخارجين، و من كان يستحقّ أن يطّلع على ذلك،فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روى عنّا ثقاتنا،قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم بسرّنا،و نحمله إياه اليهم،و عرفنا ما يكون من ذلك إن شاء اللّه تعالى»(3).

و هناك توقيع ثالث صدر من الإمام المهدي(عليه السلام)في ذمّ العبرتائي أيضا.

4-محمد بن علي بن بلال:

أبو طاهر محمد بن علي بن بلال،كان-في بدء أمره-ثقة و معتمدا عند الإمام العسكري(عليه السلام)و لكنّه إنحرف بعد ذلك،و ادّعى أنه وكيل للإمام المهدي(عليه السلام)و أنكر نيابة النائب الثاني محمد بن عثمان،و خان بالأموال التي إجتمعت عنده لكي يوصلها الى الإمام المهدي.

و بالرغم من أنّ النائب الثاني سهّل له طريق الإلتقاء بالإمام المهدي

ص:215


1- (1) بتر:أي قطع.
2- (2) الإسحاقي:أحمد بن اسحاق العمري.
3- (3) كتاب(رجال الكشّي)ص 450 طبع النجف الأشرف.

(عليه السلام)و أمره الإمام بدفع الأموال الى نائبه،إلاّ أنّ الرجل بقي على عناده و انحرافه،و كانت عاقبة أمره أن خرج التوقيع من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)بلعنه و البراءة منه،في ضمن جماعة،منهم:

الحلاّج و الشلمغاني،و نعوذ باللّه من سوء العاقبة.

5-الحسين بن منصور الحلاّج

شيطان و أيّ شيطان؟!

إبتليت به الأمة الإسلامية منذ عشرة قرون،و لا يزال الحبل ممدودا حتى اليوم،و بالرغم من ظهور كفره و انحرافه،فلا يزال بعض الساقطين يعتبرون أنفسهم من هواة الرجل،و المعجبين به،و المعتقدين بعقائده الفاسدة«و شبه الشيء منجذب إليه».

إختلف المؤرّخون في أصله و بلده،فقيل:هو من أهل نيسابور- إقليم خراسان-،و قيل:من أهل مرو،أو طالقان،أو الريّ.

و قد تحدّث عنه المؤرّخون و المحدّثون،و اعتبروه من الكذّابين الدجّالين،و المحتالين المشعوذين(1)،و كان يتظاهر بالتصوّف،و يدّعي معرفة كل علم-و هو جاهل به-و يتلوّن بألوان مختلفة،فيتظاهر بالتشيّع عند الشيعة،و يدّعي التسنّن عند أهل السنّة،و قد خرج التوقيع من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)بلعنه و البراءة منه.

و لذلك كلّه..فلا عجب إذا إلتبس الأمر على بعض الشيعة،

ص:216


1- (1) المشعوذ:هو الذي يستعمل الشعوذة،و الشعوذة:هي خفّة في اليد،و أعمال كالسحر،تري الشيء للعين بغير ما هو عليه.

فبالغوا في مدحه،و غفلوا عن منكراته و انحرافاته،و عمّا ورد في ذمّه،و ما صدر من التوقيع بلعنه و البراءة منه.

و من إنحرافاته أنه كان يقول بالحلول،أي:يدّعي أنّ اللّه تعالى قد حلّ فيه،و بهذا كان يدّعي الألوهيّة و الربوبيّة.

و مرّة ذهب الى مدينة قم-بإيران-و ادعى أنه رسول الإمام المهدي (عليه السلام)و وكيله،فاستخفّ به الناس و طردوه.

و ذكر الشيخ البهائي-في الكشكول-ما يلي:الحسين بن منصور الحلاّج:أجمع أهل بغداد على إباحة دمه،و وضعوا خطوطهم على محضر يتضمّن ذلك(1)و هو يقول:اللّه في دمي فانه حرام(2)و لم يزل يردّد ذلك و هم يثبتون خطوطهم.

ثم صدر الأمر بإلقاء القبض عليه،فحمل الى السجن،و أمر المقتدر العباسي بتسليمه الى مدير الشرطة،ليضربه ألف سوط،فإن مات..و إلاّ يضربه ألفا أخرى حتى يموت،ثم يضرب عنقه.

فجيىء به الى باب الطاق،حيث كانت جماهير غفيرة من الناس قد اجتمعت-هناك-للتفرج عليه،و ضرب ألف سوط،ثم قطعت أطرافه،و حزّ رأسه،و احرقت جثّته،و نصب رأسه على الجسر،و ذلك في سنة 309 ه.

ص:217


1- (1) أي أنهم أعدّوا سجلاّ و شهدوا فيه بإنحرافه،و وقّعوا فيه بأسمائهم.و«محضر الضبط»-في إصطلاح المحاكم-هي الشهادة و الإفادة الخطّية،التي يشهد فيها رجل الأمن أو الشرطي،بما قيل أمامه،و ما شاهده و ما قام به من تنفيذ مذكّرات المحاكم و الأحكام.
2- (2) أي:إحذروا اللّه في إراقة دمي.

6-محمد بن علي الشلمغاني:

أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن العزاقر.ينسب الى شلمغان:ناحية من نواحي واسط في العراق.

كان من المحدّثين،و له مؤلّفات كثيرة جمع فيها الاحاديث التي وصلت إليه من أئمة أهل البيت(عليهم السلام)و لمّا إنحرف و تغيّر، جعل يتلاعب بالاحاديث،و يزيد فيها،و ينقص منها.

و خرج توقيع من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)الى الشيخ الحسين بن روح،يتبّرأ من الشلمغاني،و يذمّه و يلعنه،و فيه يقول(عليه السلام):

«..عرّف-أطال اللّه بقاءك،و عرّفك الخير كلّه،و ختم به عملك-من تثق بدينه و تسكن الى نيّته،من إخواننا-أدام اللّه سعادتهم-:بأنّ محمد بن علي المعروف بالشلمغاني-عجّل اللّه له النقمة و لا أمهله-قد إرتدّ عن الإسلام و فارقه،و ألحد في دين اللّه،و ادّعى ما كفر معه بالخالق-جلّ و تعالى-و افترى كذبا وزورا،و قال بهتانا و إثما عظيما،كذب العادلون باللّه و ضلّوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا.

و إنّا برئنا إلى اللّه تعالى و الى رسوله و آله(صلوات اللّه و سلامه و رحمته و بركاته عليهم)منه،و لعنّاه،عليه لعائن اللّه تترى،في الظاهر منّا و الباطن،و السرّ و العلن،و في كل وقت،و على كل حال و على من شايعه و بايعه،و بلغه هذا القول منّا فأقام على تولّيه بعده.

و أعلمهم-تولاّك اللّه-أنّنا في التوقّي و المحاذرة منه،على مثل ما كنّا

ص:218

عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من الشريعي و النميري و الهلالي و البلالي و غيرهم.

و عادة اللّه-جلّ ثناؤه-مع ذلك قبله و بعده-عندنا جميلة،و به نثق،و ايّاه نستعين،و هو حسبنا في كل أمورنا و نعم الوكيل»(1).

و قد صدر هذا التوقيع الشريف،حين كان الشيخ الحسين بن روح مسجونا في دار المقتدر العبّاسي،و بالرغم من ذلك فقد سلّم الشيخ هذا التوقيع الى أحد اصحابه،و أمره أن يوزّعه توزيعا عاما بين الشيعة، فانتشر ذلك بينهم،و اتفقوا على لعنه و البراءة منه و الإبتعاد عنه.

أمّا إنحرافاته:فمنها أنه كان يقول بالحلول و التناسخ،أي:يدّعي أنّ اللّه تعالى قد حلّ فيه،و يقول لأتباعه:إنّ روح رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)إنتقلت الى محمد بن عثمان(النائب الثاني للإمام المهدي)و انّ روح أمير المؤمنين علي(عليه السلام)إنتقلت الى بدن الشيخ الحسين بن روح،و ان روح فاطمة الزهراء(عليها السلام)إنتقلت الى أمّ كلثوم بنت محمد بن عثمان.و يدّعي لأصحابه أنّ هذا سرّ عظيم، ينبغي أن يظلّ مكتوما.

و يلتقي الشلمغاني و الحلاّج على خط واحد و هو خط الكفر و الإلحاد.

و لا نعرف-بالضبط-كيف تكونّت-في هؤلاء-هذه العقيدة المنحرفة؟! و ما الذي دعاهم الى هذا الإختلاق و الكذب العظيم،و الإفتراء المبين، و الكفر المكشوف؟!

ص:219


1- (1) كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي ج 2 ص 474-475.طبع بيروت سنة 1401 ه.

و كان الشيخ الحسين بن روح قد وثّق الشلمغاني عند بني بسطام، فكانوا يوالونه و يسمعون كلامه،و لما إنحرف اللعين جعل يحكي كل كذب و كفر،لبني بسطام،و يسنده الى الحسين بن روح،فكانوا يقبلون منه، و يأخذونه عنه.

فلما علم الحسين بن روح بذلك،أنكر ما نسبه الشلمغاني اليه، و نهى بني بسطام عن الأخذ بكلامه،و أمرهم بلعنه و البراءة منه،فلم ينتهوا عن ذلك،بل أقاموا على موالاته.

و لما علم الشلمغاني أنّ الشيخ الحسين بن روح قد أمر بلعنه و البراءة منه،راح يراوغ و يخادع،بتأويل اللعن الى معان واهية،تخلّصا منه.

و قد بذل الحسين بن روح جهودا كثيرة،لفضح الرجل و كشف حقيقته عند الشيعة،و لم يترك أحدا إلاّ و كاتبه بلعن الشلمغاني و البراءة منه و ممن تابعه و رضي بقوله.

و على أثر ذلك إنتشر خبر لعنه بين الناس،و صار حديث المجالس، فاشتد الأمر على الشلمغاني،و حاول أن يتخلّص من هذا المأزق،فقال لجماعة من الشيعة:إجمعوا بيني و بين الحسين بن روح،حتى آخذ بيده و يأخذ بيدي،فان لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه فجميع ما قاله فيّ حق!

و وصل خبر الشلمغاني و انحرافه الى الراضي-الحاكم العباسي يومذاك-فأمر بالقاء القبض عليه،فاختفى الشلمغاني،و صار ينتقل من بيت الى بيت،و كان إبن مقلة-الوزير-يبحث عنه حتى وجده فالقى القبض عليه،و وجد عنده رسائل كتبها اليه بعض أتباعه،و خاطبوه فيها

ص:220

بكلمات لا تليق إلا باللّه تعالى مثل:يا إلهي و سيّدي و رازقي!

و أخيرا ساقوه الى محكمة تشكّلت من الفقهاء و القضاة و رؤساء الجيش،و بعد محاكمات عديدة،إتّفقت كلمتهم على قتله،فضربوه بالسياط،ثم ضربوا عنقه،و أحرقوا جثّته،و القوا رمادها في نهر دجلة.

7-أبو دلف الكاتب:

أبو دلف محمد بن المظفّر الكاتب الأزدي.إدّعى السفارة كذبا وزورا،و قال فيه جعفر بن قولويه:«و أمّا أبو دلف الكاتب-لاحاطه اللّه- فكنّا نعرفه ملحدا،ثم أظهر الغلوّ،ثم جنّ و سلسل(1)ثم صار من المفوّضة(2).و ما عرفنا-قطّ-إذا حضر في مجلس إلاّ استخفّ به، و لا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة(3)و الجماعة تتّبرأ منه و ممن يومي اليه و يتنمّس به»(4).

و أمّا إنحرافاته:فمنها أنه كان من المخمّسة و هم طائفة من الغلاة تقول:إنّ الخمسة-و هم سلمان،و أبو ذر،و المقداد،و عمّار، و عمرو بن أمية الضمري-هم الموكّلون بمصالح العالم من قبل الرب(5).

ص:221


1- (1) أي:صار مجنونا و قيّد بالسلاسل.
2- (2) المفوّضة:قوم قالوا:إنّ اللّه خلق محمدا(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و فوّض إليه خلق الدنيا، فهو الخلاّق لما فيها،و قيل:فوّض ذلك الى الإمام علي(عليه السلام).و في الحديث«من قال بالتفويض فقد أخرج اللّه عن سلطانه».-مجمع البحرين للطريحي-.
3- (3) إشارة الى انها تبرأت منه فور انحرافه.
4- (4) أي:ينتسب اليه،و يسير على خطّه.
5- (5) ذكر ذلك البهبهاني في التعليقة.

و قيل:المخمّسة فرقة من الغلاة تقول بألوهيّة أصحاب الكساء الخمسة:محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين(عليهم الصلاة و السلام) و أنهم نور واحد،و الروح حالّة فيهم بالسويّة،لا فضل لأحدهم على الآخر(1).

و على كل حال..فهو قائل بالحلول،كافر نجس،ضالّ مضلّ، و المعروف أنه كان مجنونا و هذه الخرافات منبعثة من جنونه و زوال عقله.

8-محمد بن أحمد البغدادي:

أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي.من العجيب أنه كان حفيد عثمان بن سعيد(النائب الأول)و ادّعى-كذبا وزورا-أنه سفير من قبل الإمام المهدي(عليه السلام).

و كان قليل العلم،ضعيف العقل،و كفى في جهله أنه كان يتبع أبا دلف،و يؤمن بأباطيله و كفريّاته.

و يذكر:أنه دخل يوما مجلس عمّه محمد بن عثمان-النائب الثاني- و كانوا يتذاكرون حول الأحاديث الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) فقال محمد بن عثمان للحاضرين:أمسكوا-أي:أسكتوا-فإنّ هذا الجائي ليس من أصحابكم.

و قد كان هذا المنافق يتلوّن كل يوم بلون من الألوان،و مرّة إدّعى أنه وكيل لليزيدي في البصرة،و جمع مالا عظيما،فقبض عليه و ضربه

ص:222


1- (1) نقل ذلك الشهرستاني في كتاب الملل و النحل ج 2 ص 13.

على رأسه ضربة شديدة،نزل الماء في عينيه،فعمى و مات(1).

ص:223


1- (1) اقتبسنا هذه المواضيع في تراجم هؤلاء من كتاب(رجال الكشّي)،و تنقيح المقال للمامقاني، و كتاب الغيبة للطوسي،و كتاب بحار الأنوار للمجلسي(رحمة اللّه عليهم).

الفصل العاشر

اشارة

من الذي رآه في الغيبة الصّغرى؟

بعد أن اعتبرنا مبدأ الغيبة الصغرى من ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)يمكن لنا أن نقسّم الذين فازوا بلقائه الى قسمين-مع ذكر بعضهم بالإجمال و بعضهم بالتفصيل-:

1-الذين فازوا بلقائه في حياة والده الإمام العسكري(عليه السلام).

2-الذين تشرّفوا بلقائه بعد وفاة الإمام العسكري(عليه السلام).

القسم الأول:[الذين فازوا بلقائه في حياة والده الإمام العسكري(عليه

اشارة

السلام)]

[1-السيدة حكيمة عمّة الإمام العسكري(عليه السلام)]

1-السيدة حكيمة عمّة الإمام العسكري(عليه السلام)فلقد حضرت ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)-و قد ذكرنا ذلك بالتفصيل- و رأته بعد ذلك مرّات عديدة.

[2-«نسيم»جارية الإمام العسكري(عليه السلام)]

2-«نسيم»جارية الإمام العسكري(عليه السلام)قالت:

دخلت عليه(أي:على الإمام المهدي)بعد مولده بليلة(1)فعطست عنده،فقال لي:«يرحمك اللّه».

قالت نسيم:ففرحت بذلك.

ص:224


1- (1) و في رواية:بعد مولده بعشر ليال.

فقال لي(عليه السلام):«ألا أبشّرك بالعطاس»؟

فقلت:بلى يا مولاي.

فقال:«هو أمان من الموت ثلاثة ايام»(1).

[3-جماعة من أصحاب الإمام العسكري(عليه السلام)]

3-جماعة من أصحاب الإمام العسكري(عليه السلام)فقد روي عن أبي غانم الخادم قال:ولد لأبي محمد ولد فسمّاه محمدا،فعرضه على أصحابه في اليوم الثالث و قال:«هذا صاحبكم من بعدي،و خليفتي عليكم،و هو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالإنتظار،فإذا امتلأت الأرض جورا و ظلما،خرج فملأها قسطا و عدلا»(2).

[4-أربعون رجلا-تقريبا-شاهدوا الإمام المهدي(عليه السلام)

حين أخرجه أبوه الإمام العسكري(عليه السلام)اليهم]

4-أربعون رجلا-تقريبا-شاهدوا الإمام المهدي(عليه السلام) حين أخرجه أبوه الإمام العسكري(عليه السلام)اليهم و قال لهم:«هذا إمامكم من بعدي،و خليفتي فيكم...»و قد ذكرنا ذلك-بالتفصيل-في الحديث عن النائب الأول عثمان بن سعيد.

5-أبو الأديان

.و قد مرّ خبره في ذكر وفاة الإمام العسكري(عليه السلام).

6-الشيخ الجليل أحمد بن اسحاق القمي الأشعري.

قال دخلت على أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام)و أنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده،فقال لي-مبتدءا-:«يا أحمد بن إسحاق إنّ اللّه(تبارك و تعالى)لم يخل الأرض-منذ خلق آدم(عليه السلام)و لا

ص:225


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 430،كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 139.
2- (2) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 431 طبع طهران سنة 1395 ه.

يخليها الى أن تقوم الساعة-من حجّة للّه على خلقه،به يدفع البلاء عن أهل الأرض،و به ينزّل الغيث،و به يخرج بركات الأرض».

قال:فقلت:يا بن رسول اللّه..فمن الإمام و الخليفة بعدك؟

فنهض(عليه السلام)مسرعا فدخل البيت،ثم خرج و على عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر،من أبناء الثلاث سنين،فقال:«يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على اللّه(عزّ و جل)و على حججه،ما عرضت عليك إبني هذا.

انه سميّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و كنيّه،الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا..كما ملئت جورا و ظلما.

يا أحمد بن إسحاق..مثله في هذه الأمّة مثل الخضر،و مثله مثل ذي القرنين،و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته اللّه-عزّ و جلّ-على القول بإمامته،و وفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه».

قال أحمد بن إسحاق:فقلت له:يا مولاي فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟

فنطق الغلام(عليه السلام)بلسان عربي فصيح فقال:أنا بقيّة اللّه في أرضه،و المنتقم من أعدائه،فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق(1).

ص:226


1- (1) «فلا تطلب أثرا بعد عين»:قد يفحص الإنسان عن الأثر كي يعرف المؤثّر،أمّا إذا وجد المؤثّر فلا داعي للفحص عن الأثر،و لعلّ معنى كلام الإمام(عليه السلام):«لا تطلب أثرا بعد عين» انك وجدت إمامك،فلا تفحص عن الأدلّة و العلامات التي يفحص عنها الشاكّون.

قال أحمد بن إسحاق:فخرجت مسرورا فرحا،فلما كان من الغد عدت إليه،فقلت له(أي:للإمام العسكري)يا بن رسول اللّه لقد عظم سروري بما مننت به عليّ،فما السنّة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين؟

فقال(عليه السلام):طول الغيبة يا أحمد.

فقلت:يا بن رسول اللّه و إنّ غيبته لتطول؟

قال:إي و ربّي،حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به،فلا يبقى إلاّ من أخذ اللّه(عزّ و جلّ)عهده بولايتنا،و كتب في قلبه الإيمان، و أيّده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق:هذا أمر من أمر اللّه،و سرّ من سرّ اللّه، و غيب من غيب اللّه(1)،فخذ ما آتيتك و كن من الشاكرين،تكن غدا معنا في علّيّين(2).

7-يعقوب بن منقوش:

قال:دخلت على أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام)و هو جالس على دكّان في الدار(3)و عن يمينه بيت عليه ستر مسبل،فقلت له:

يا سيدي..من صاحب هذا الأمر؟

ص:227


1- (1) تقدّم الكلام أن علم الغيب شيء،و الإطّلاع على علم الغيب شيء آخر.
2- (2) علّيين:إسم لأعلى درجات الجنّة.المصدر:إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 384- 385،طبع طهران 1395 ه.
3- (3) الدكّان:الدكّة التي يجلس عليها.البيت:أي الحجرة.مسبل:أي مرخى،يقال:أسبل الستر:أي أرخاه.

فقال:إرفع الستر.

فرفعته،فخرج الينا غلام خماسي(1)له عشر أو ثمان-سنوات-أو نحو ذلك،واضح الجبين،أبيض الوجه،درّي المقلتين(2)ششن الكفّين(3)معطوف الركبتين(4)في خدّه الأيمن خال،و في رأسه ذؤابة(5).

فجلس على فخذ أبي محمد(عليه السلام).

فقال(أي:الإمام العسكري):هذا صاحبكم.

ثم وثب(أي:قام الإمام المهدي ليذهب)فقال له:يا بني أدخل الى الوقت المعلوم.

فدخل البيت و أنا أنظر اليه.

ثم قال(أي:الإمام العسكري)لي:يا يعقوب أنظر من في البيت.

فدخلت فما رأيت أحدا(6).

القسم الثاني:[الذين تشرّفوا برؤيته بعد وفاة والده]

اشارة

و أمّا الذين تشرّفوا برؤية الإمام المهدي بعد وفاة والده الإمام

ص:228


1- (1) خماسي:أي طوله خمسة أشبار،كما في كتاب(النهاية)لإبن الأثير،و(مجمع البحرين) للطريحي.و تقدير عمر الامام كان حسب رأيه الشخصي.
2- (2) درّي المقلتين:أي متلألأ العينين.
3- (3) ششن الكفين:أي يميلان الى الغلظ،لأن الششن:هو الغليظ.
4- (4) معطوف الركبتين:أي كانتا مائلتين الى الأمام لعظمهما و غلظهما.
5- (5) ذؤابة:المضفور من شعر الرأس.
6- (6) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 3 ص 437.

العسكري(عليهما السلام)في أيام الغيبة الصغرى فكثيرون يصعب إحصاؤهم،و إليك أسماء بعضهم:

1-أبو الأديان

،و قد مرّ خبره في الحديث عن وفاة الإمام العسكري (عليه السلام).

2-حاجز بن يزيد الوشّاء

،و قد صار بعد ذلك من وكلاء الإمام المهدي(عليه السلام)(1).

3-جعفر بن علي-عمّ الإمام المهدي-

و قد ذكرنا أنه لمّا أراد أن يصلي على جثمان الإمام العسكري خرج اليه الإمام المهدي و جذب رداءه و قال:تنحّ يا عمّ،أنا أولى بالصلاة على أبي.

و رآه جعفر مرّة أخرى،و ذلك حينما نازع في الميراث-بعد وفاة الإمام العسكري-فظهر له الإمام المهدي من موضع لم يعلم به فقال له:

يا جعفر!ما لك تتعرّض في حقوقي؟!ثم غاب عنه(2).

و رآه مرّة ثالثة،و ذلك حينما توفّيت والدة الإمام العسكري(عليه السلام)و كانت قد أوصت أن تدفن في الدار التي دفن فيها الإمامان الهادي و العسكري(عليهما السلام)فنازعهم جعفر و قال:هي داري..

لا تدفن فيها،فظهر له الإمام المهدي(عليه السلام)و قال له:يا جعفر..أدارك هي؟!ثم غاب عنه فلم يره جعفر بعد ذلك3.

[4-الجماهير التي حضرت للصلاة على جثمان الإمام العسكري]

4-الجماهير التي حضرت للصلاة على جثمان الإمام العسكري

ص:229


1- (1) كان من الذين شاهدوا الإمام المهدي(عليه السلام)عند الصلاة على جثمان الإمام العسكري (عليه السلام).
2- (2و3) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 3 ص 442.طبع طهران سنة 1395 ه.

(عليه السلام)كلّها شاهدت الإمام المهدي حين تقدّم للصلاة على والده.

5-الوفد الثاني من القميّين

الذين تشرّفوا بلقاء الإمام المهدي(عليه السلام)في مدينة سامرّاء،و قد ذكرنا ذلك بالتفصيل.

6-سيماء

-و هو من غلمان جعفر أو شرطة المقتدر العبّاسي-كسر باب دار الإمام العسكري(عليه السلام)فخرج اليه الإمام المهدي و بيده طبر زين(1)فقال:ما تصنع في داري؟

قال سيماء:إنّ جعفرا زعم أنّ أباك مضى و لا ولد له،فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك.ثم خرج من الدار(2).

7-إبراهيم بن إدريس

-و كان من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام-.

قال:رأيته-أي:الإمام المهدي-بعد مضيّ-أي:وفاة-أبي محمد العسكري(عليه السلام)حين أيفع(3)و قبّلت يده و رأسه(4).

8-علي بن مهزيار

تشرّف بلقاء الإمام في وادي جبل الطائف، و مكث عنده أيّاما،و حديثه مفصّل جدّا(5).

ص:230


1- (1) طبر زين:فأس كبيرة،تستعمل كسلاح.
2- (2) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 162 طبع طهران 1398 ه.
3- (3) أيفع الغلام:راهق العشرين من العمر،و قيل:إذا شارف الإحتلام و لم يحتلم.أي:من أبناء أربع عشرة سنة.
4- (4) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 162،و(بحار الأنوار)للشيخ المجلسي ج 52 ص 14.
5- (5) ذكر حديثه و قصّته الشيخ الصدوق في(إكمال الدين)ج 3 ص 465-470،و الشيخ الطوسي-

9-النائب الثاني محمد بن عثمان

،سئل:أرأيت صاحب هذا الأمر؟

فقال:نعم،و آخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام و هو يقول:

«اللهمّ أنجز لي ما وعدتني»(1).

و روي عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:سمعت محمد بن عثمان العمري(رضي اللّه عنه)يقول:رأيته-أي الإمام المهدي- (صلوات اللّه عليه)متعلّقا بأستار الكعبة في المستجار(2)و هو يقول:

«اللهمّ انتقم لي من أعدائي»(3).

هذا..و الذين تشرّفوا بلقاء الإمام المهدي(عليه السلام)في الغيبة الصغرى كثيرون،يطول الكلام باستيعاب أخبارهم،و فيما ذكرناه كفاية.

ص:231


1- (1) إكمال الدين ج 2 ص 440،و كتاب(الغيبة)ص 221-222.
2- (2) المستجار:هو الحائط المقابل للباب دون الركن اليماني،لأنه كان قبل تجديد الكعبة هو الباب، سمّي بذلك لأنه يستجار عنده باللّه من النار.مجمع البحرين للطريحي.
3- (3) و في نسخة:«من أعدائك».إكمال الدين ج 3 ص 440 و كتاب(الغيبة)ص 222.

محاولة فاشلة لاغتيال الامام المهدي«عليه السّلام»

لقد سكن الإمام المهدي(عليه السلام)في مدينة سامراء بعد وفاة والده فترة لا نعلم مقدارها بالضبط،إلا أنّ الكثيرين تشرّفوا بلقائه في سامراء،و سلّموا الأموال اليه هناك.

و من الطبيعي أنّ السلطة-يومذاك-كانت تعتبر وجود الإمام المهدي (عليه السلام)خطرا عليها،و ما كانت تغفل عن وجود هذا الخطر، و عن الخطّ الشيعي الذي لا يعترف بخلافة الجالسين على منصّة الحكم من العبّاسيين.

و لهذا كان سفراء الإمام المهدي(عليه السلام)ينتهجون سلوكا و أسلوبا خاصّا مقرونا بالحذر،لكي يدفعوا عن أنفسهم كلّ شك، و حتى يسلموا من مطاردة السلطة لهم.

و قد حاولت السلطة-مرّات عديدة-إلقاء القبض على الإمام المهدي (عليه السلام)و إغتياله،إلا أنّ جميع محاولاتها باءت بالفشل.

و قد مرّ عليك أنّ السلطة ألقت القبض على السيدة نرجس بحثا عن الإمام المهدي(عليه السلام)فلم يظفروا به.

و أخيرا...و بعد مرور تسع عشرة سنة،أصبحت بغداد عاصمة العبّاسيين-بعد أن كانت سامرّاء عاصمة لهم-و انتقل اليها جهاز الحكم،و المعتضد-يومذاك-هو المدّعي للخلافة،و هو رئيس الدولة و صاحب القوّة و الإمكانيّات.

ص:232

فقرّر المعتضد إغتيال الإمام المهدي(عليه السلام)فأرسل إلى ثلاثة من المقرّبين لديه،و أمرهم بالخروج الى سامراء،بصورة متفرّقة،و أن لا يصحبوا معهم متاعا،قليلا و لا كثيرا،و وصف لهم محلّة في سامراء و دارا فيها،و قال:إذا أتيتموها-أي الدار-تجدون على الباب خادما أسود، فاكبسوا الدار،و من رأيتم فيها فأتوني برأسه.

و الآن..لنقرأ ما قاله أحد هؤلاء الثلاثة-و إسمه رشيق-و هو يحكي محاولة الإغتيال:

قال:(فوافينا سامرّاء،فوجدنا الأمر كما وصفه،و في الدهليز خادم أسود،و في يده تكّة ينسجها(1)فسألناه عن الدار و من فيها؟فقال:

صاحبها.

فو اللّه ما التفت الينا،و قلّ إكتراثه بنا،فكبسنا الدار(2)كما أمرنا، فوجدنا دارا سرية و مقابل الدار ستر،ما نظرت قطّ الى أنبل منه،كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت،و لم يكن في الدار أحد،فرفعنا الستر،فإذا بيت كبير،كأنّ بحرا فيه ماء،و في أقصى البيت حصير قد علمنا أنّه على الماء،و فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي،فلم يلتفت إلينا،و لا الى شيء من أسبابنا.(3)

فسبق أحمد بن عبد اللّه-أحد الثلاثة-ليتخطّى البيت،فغرق في الماء،و ما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلّصته و أخرجته،و غشي عليه و بقي ساعة مغشيّا عليه،و عاد صاحبي الثاني الى ذلك الفعل،فناله

ص:233


1- (1) الدهليز:مدخل الدار،أي:ما بين الباب و صحن الدار.التكّة:رباط السراويل.
2- (2) الكبس:الهجوم و الإقتحام.
3- (3) أسبابنا:أي أسلحتنا التي كنّا قد اصطحبناها معنا لإغتياله.

مثل ذلك.

و بقيت مبهوتا..فقلت-لصاحب البيت-:المعذرة الى اللّه و إليك،فو اللّه ما علمت كيف الخبر،و لا إلى من أجيىء،و أنا تائب الى اللّه.

فما التفت الى شيء ممّا قلناه،و ما انفتل عمّا كان فيه.

فهالنا ذلك،و انصرفنا عنه.

و قد كان المعتضد ينتظرنا،و قد تقدّم الى الحجّاب(1)-إذا وافيناه- أن ندخل عليه في أيّ وقت كان.

فوافيناه في بعض الليل،فأدخلنا عليه،فسألنا عن الخبر؟فحكينا له ما رأينا.

فقال:و يحكم!لقيكم أحد قبلي؟و جرى منكم الى أحد سبب أو قول؟

قلنا:لا.

فقال:أنا نفي من جدّي(2)و حلف بأشدّ أيمان له،أنّه إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا!فما جسرنا أن نحدّث به إلا بعد موته(3).

يستفاد من هذا الخبر أنّ الدار التي سكن فيها الإمام المهدي(عليه السلام)-في سامرّاء-كانت تحت الرقابة المشدّدة،و كانت التقارير ترفع

ص:234


1- (1) تقدّم الى الحجّاب..سبق أن قال لهم.
2- (2) سيأتي معنى هذه الجملة.
3- (3) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 149.

الى المعتضد بصورة مستمرة،و لهذا كان المعتضد على علم بوجود غلام أسود في مدخل الدار،بصورة دائمة-حسب التقارير التي وصلت اليه-.

و لهذا تراه يختار ثلاثة من حاشيته و جلاوزته،و يأمرهم بالخروج من بغداد الى سامراء،بكيفية خاصّة،لا يحملون معهم شيئا من المتاع،ثم يصف لهم محلّة من محلاّت سامراء،و دارا معيّنة،و يأمرهم بإقتحام الدار،أي:الدخول بلا إذن..بل الهجوم بكلّ قوّة و شدّة،و يأمرهم بقتل كلّ من وجدوه في البيت.

فتراه لا يخبرهم باسم ذلك الإنسان المقصود قتله،بل يريد أن يكونوا على عمى الجهالة،فلا يعرفوا من هو المقصود بالقتل؟و لماذا حكم عليه بالقتل؟و ما ذنبه؟

و يصل هؤلاء الثلاثة الى مدينة سامراء،و يقتحمون الدار، فيجدون الغلام الأسود و هو ينسج التكّة بيده،فلا يعبأ الغلام بهؤلاء و لا يبالي بهم،و كأنّهم حشرات دخلت الدار،و عندما يسألونه عن الدار و من فيها،تراه يجيبهم بجواب موجز و بكلّ هدوء،يقول:صاحبها.أي:

صاحب الدار و لا يذكر الغلام هويّة صاحب الدار و لا إسمه(1)و لا يخفى ما في ذلك من التحقير و الإستخفاف بشأنهم،و قد شعروا بهذا الاستخفاف.

و يجدون على الباب سترا نبيلا،أي:جيّدا جديدا كأنّه قد انتهى نسجه و صنعه في ذلك اليوم.

و أخيرا يقتحمون الدار فيجدون حجرة كبيرة مملوءة بالماء،و كأنها

ص:235


1- (1) لعلّ الإمام المهدي(عليه السلام)هو الذي أعطاه تلك التعليمات.

بحر،و يرون في اقصى الحجرة حصيرا و كأنّه على الماء،و عليه رجل حسن الهيئة،و هو يصلّي،و لم يرتبك من إقتحام هؤلاء،بل و لم يلتفت اليهم و كأنّ شيئا لم يحدث.

من الواضح أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)إستعان بالمعجزة، لدفع اولئك الأفراد،و تفنيد خطّتهم،و لكنّ أحدهم تحدّى ذلك المنظر المرعب و نزل الى الماء محاولا الوصول الى الإمام عن طريق السباحة،إلاّ أنه غرق في الماء..فأنقذه(رشيق)و أخرجه من الماء،و حاول الثاني ما حاوله الأول فكان مصيره مصير الأول.

تبّا لهذا البشر المسكين،العاجز الطاغي،الذي يريد أن يتغلّب على قدرة اللّه تعالى،و يخالف إرادته سبحانه.

و في هذا المجال..لا أراني بحاجة الى تفسير المعجزة و تحليلها على ضوء المادّة و الطبيعة،لأنّ المعجزة فوق هذه المقاييس،و العقل عاجز عن تحليلها و تفسيرها من زاوية مادّية،و يكفي أن نعلم أنّ ما رآه رشيق كان معجزة،و المعجزة لا حدود لها،و لا تختصّ بالنبي،بل هي عامّة له و لخلفائه الشرعيّين:الأئمة الطاهرين(عليهم السلام).

و في جوّ خارق للطبيعة و العادة،ينتبه رشيق الى أنه أمام معجزة، و كأنّه يعيش في عالم آخر غير عالم المادّة..و لهذا غيّر موقفه،و تحوّل من مهاجم الى معتذر،فاعتذر إلى اللّه أوّلا،و الى المصلّي فوق الحصير ثانيا، و إدّعى أنّه لا يعرف شيئا عن الدار و صاحبها،و لا يعرف لماذا امره المعتضد بقتل صاحب الدار،و ما ذنبه الذي استحق عليه القتل؟!

و لكنّ الإمام لم يبال باعتذاره،و لم يغيّر شيئا من هيئة الصلاة،

ص:236

فإزداد هؤلاء رعبا و خوفا.و رجعوا الى بغداد فاشلين خاسئين!

و كان المعتضد على أحرّ من الجمر،ينتظر رجوع هؤلاء الثلاثة، للإطّلاع على نتيجة العمليّة الإجراميّة المفوّضة إليهم،و قد أوعز الى الحرس أن يسمحوا لهؤلاء بالدخول عليه فور وصولهم،و في أيّ ساعة من ساعات الليل أو النهار.

و عندما دخلوا على المعتضد و أخبروه بما جرى.سألهم:هل لقيكم أحد قبلي؟يعني:هل أخبرتم أحدا بما جرى؟

قالوا:لا.فحلف لهم بأشدّ الإيمان و أغلظها عنده،بأسلوب متعارف عند سفلة الناس و أراذلهم فقال:أنا نفي-أي منفيّ-من جدّي،و هذا كأن يقول:لست إبن أبي،؛أولست إبن حلال إن كان الأمر هكذا.و يقول المعتضد:إن اخبرتم أحدا بما رأيتم،لأضربنّ أعناقكم،و هذا أشد تهديد لهم بالقتل إن كشفوا الستر عن الحادثة.

محاولة أخرى لإغتيال المهدي(عليه السلام)

بعد أن رأى المعتضد أنّ المحاولة باءت بالفشل،أراد أن يتخذ الإجراءات بصورة أوسع و أقوى.

أنظر الى عقليته السخيفة و رأيه الفاسد و نظرته الحمقاء..حيث إنّه في الوقت الذي يعلم أنّ الأمر من عند اللّه تعالى و أنّ اللّه هو الحافظ للإمام المهدي(عليه السلام)و أنّ الإمام مسلّح بسلاح المعجزة..مع ذلك كلّه،لا يعود اليه وعيه و رشده،بل يستمرّ على عناده و جبروته،و يحاول التغلّب على إرادة اللّه تعالى.

ص:237

و في هذا المجال..يحدّثنا رشيق أيضا عن المحاولة الأخرى لإغتيال الإمام،و لعلّه كان حاضرا بنفسه مع الجيش:

يقول:«...ثم بعثوا عسكرا أكثر،فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب(1)قراءة القرآن فاجتمعوا على بابه(باب السرداب)و حفظوه، حتى لا يصعد(الإمام)و لا يخرج،و أميرهم قائم حتى يصل العسكر كلّهم،فخرج(اي:الإمام)من السكّة التي على باب السرداب و مرّ عليهم،فلما غاب قال الأمير:إنزلوا عليه.

قالوا:أليس هو مرّ عليك؟

قال:ما رأيت!و لم تركتموه؟

قالوا:إنا حسبنا أنّك تراه)(2).

نعم..أرسل المعتضد جيشا-لا نعلم عدده بالضبط-الى سامراء،لإغتيال الإمام المهدي(عليه السلام)أو إلقاء القبض عليه، فدخلوا الدار و سمعوا صوت الإمام يتلو القرآن من السرداب،فوقف قائد الحملة ينتظر وصول الجيش كلّه حتى ينزلوا الى السرداب و ينفّذوا ما أمرهم المعتضد.

أنظر إلى هؤلاء الجبناء،كيف يتّخذون التدابير الطويلة العريضة، لإلقاء القبض على إنسان واحد.

و هنا شاءت الإرادة الإلهيّة أن يتحدّاهم الإمام(عليه السلام)

ص:238


1- (1) السرداب-بكسر السين-بناء تحت الأرض يلجأ اليه من حرّ الصيف.
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 52-53،نقلا عن كتاب(الخرايج).

فتنطبع جباههم بوصمة الخزي و الفشل أكثر من المحاولة السابقة،ففي لحظة من تلك اللحظات،خرج الإمام(عليه السلام)من السرداب، و مرّ على الجيش فرأوه،ثم ذهب و غاب.

يبدو أنّ قائد الحملة كان متشتّت الفكر،مرتبك النفس و أنّ اللّه جعل أمام عينيه سدّا فأغشاه،فلم ير الإمام المهدي(عليه السلام)حينما رآه الجيش..

و عندما رأى الجيش أنّ القائد لم يأمره بشيء-عند خروج الإمام المهدي من السرداب-ظنّ أنّ القائد رأى الإمام و لكنّه لم يتكلّم بشيء.

و هكذا حفظ اللّه الإمام من تلك المحاولات الفاشلة التي قام بها أولئك السفلة،و سوف يحفظه و يحرسه الى يوم ظهوره.

قضية السرداب:

و ما دام قد وصل الكلام الى هذا المجال،فلا بأس أن نتحدّث عن موضوع لا يخلو من أهميّة:

إنّ اكثر البيوت و المساكن في المناطق الحارّة في العراق،كانت و لا تزال مزوّدة بالسرداب(1)لإتّقاء حرارة الصيف.

و كانت دار الإمام العسكري(عليه السلام)في مدينة سامرّاء أيضا مزوّدة بالسرداب،و قد قرأت أنّ رشيق-و هو راوي خبر محاولة

ص:239


1- (1) تقدّم معنى السرداب.

الإغتيال-حدّثنا أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)خرج من السرداب، حين كانت الدار مطوقة بالجيش لإلقاء القبض عليه،ثم غاب عنهم.

و السرداب لا يزال موجودا في جوار مرقد الإمامين:الهادي و العسكري(عليهما السلام)و من الطبيعي أنّ بناءه قد تجدّد خلال هذه القرون،و لكنّه المكان نفسه لم يتغير،و الزوّار يحترمون هذا السرداب، لشرافته و قدسيّته و يتبّركون به لأنّه كان مسكنا لثلاثة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)و هذا هو الشأن في بيوت النبي و الأئمة(عليهم الصلاة و السلام)حيث إنها بيوت مباركة قد أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه و لهذا فإنّ المسلمين الشيعة يصلون للّه هناك و يزورون،و لا يعتقد أحد منهم أنّ الإمام يسكن في السرداب،أو أنّه يظهر منه،فالسرداب ليس إلاّ مكان إكتسب الشرف و البركة،و كأنّهم يتمثّلون بقول الشاعر:

و ما حبّ الديار شغفن قلبي و لكن حبّ من سكن الديارا

هذه خلاصة قضيّة السرداب و حديثه،و لكن تعال معي و انظر الى الكذّابين الدجّالين،الذين كانوا و لا يزالون يهرّجون باسم السرداب و يستهزؤن بالشيعة الذين يعتقدون بغيبة الإمام المهدي(عليه السلام)في السرداب،مع العلم أنّه لا يوجد-و لم يوجد-أحد من الشيعة يعتقد بأنّ الإمام المهدي(عليه السلام)غاب في السرداب،أو أنّه ساكن و مقيم فيه.

و لكنّ المنحرفين و المستهزئين يكتبون ما يريدون،و يقولون ما يشتهون،بلا رادع ديني،و لا حياء و لا خجل من الناس،و لا خوف من اللّه تعالى.

ص:240

و قد بلغ الجهل و الحقد بأحدهم الى أن ينظم شعرا في هذا الموضوع و يقول:

ما آن للسرداب أن يلد الذي سمّيتموه بزعمكم إنسانا

و قد بقيت هذه الأكذوبة-خلال هذه القرون-تنتقل من كاتب الى مؤلّف،و من جاهل الى حاقد،و من كذّاب الى دجّال،و تتطوّر في عالم الوهم و الخيال،حتى بلغ الجهل بأحدهم أن يذكر في كتابه:إنّ السرداب (المزعوم!)في مدينة الحلّة بالعراق!مع العلم أنّ المسافة بين الحلّة و سامراء تبلغ 300 كيلو مترا تقريبا!

و يأتي آخر و يضيف الى هذه الأكذوبة-من نسيج خياله-تهمة أخرى و افتراءا آخر،فيقول:إنّ الشيعة يأتون-في كلّ جمعة-بالسلاح و الخيول الى باب السرداب،و يصرخون و ينادون:يا مولانا أخرج إلينا!.

و يا ليت هؤلاء المنحرفين إتّفقوا-في هذه الأكذوبة-على قول واحد، حتى لا تنكشف سوءتهم،و لا تتساقط أقنعتهم المزيّفة،و لكن أبى اللّه إلاّ أن يظهر الحق و يدمغ الباطل و يفضحه،فتراهم يتفرقون على أقوال متناقضة،فيقول أحدهم:إنّ هذا السرداب في الحلّة،و يقول آخر:إنّه في بغداد،و يقول ثالث:إنّه في سامراء،و يأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو،فيطلق لفظ السرداب،ليستر سوءته.

أمّا نحن فلا نعلّق على هذه الأكاذيب و الإفتراءات إلاّ بقول:ألا لعنة اللّه على الكاذبين.ألا لعنة اللّه على كلّ مفتر أفّاك.

ص:241

نشاطات الامام المهدي«عليه السّلام»خلال الغيبة الصّغرى

إنتقلت الإمامة و الخلافة الى الإمام المهدي بعد وفاة والده الإمام العسكري (عليهما السلام)فكان الإمام-في الوقت الذي يعيش في جوّ من الإستتار و الإختفاء،و لا يراه إلاّ الأخصّ من شيعته-مشرفا على حياة الناس،و محيطا بما يجري من الأحداث،قابضا على زمام القيادة و إدارة الشؤون العامّة و الخاصّة لشيعته،و تدبير أمورهم،و الإجابة على أسئلتهم و حلّ مشاكلهم،و غير ذلك.

فكان(عليه السلام)يأمر و ينهى،و يعزل و ينصب،و يقرّب و يبعّد، و كأنّه حاضر في المجتمع..لا يغيب عنه شيء.

و كان(عليه السلام)على اتصال تام بسفرائه و وكلائه،يسعفهم بالأوامر و التعليمات اللازمة،و يرشدهم الى ما يجب عليهم حسب الظروف المختلفة، و يأمرهم بإتخاذ التدابير الخاصّة،إذا اقتضت الحاجة ذلك.

و إليك شيئا من التفصيل في هذا المجال:

لقد مرّ عليك أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)امر الوفد الثاني من أهل قم بمراجعة سفيره عثمان بن سعيد العمري في بغداد،و لذلك فإنّ الشيعة-السائرين على خطّ الإمام المهدي-كانوا يراجعون عثمان بن سعيد في قضاياهم الفقهيّة و الماليّة و الإجتماعيّة،و هم على بصيرة من الأمر،لا يشكّون في وثاقة السفير و ديانته و أمانته.

فتارة كانوا يكتبون مسائلهم الفقهيّة،أو قضاياهم الشخصيّة،أو ما يرتبط

ص:242

بالحقوق الماليّة،و يسلّمونها الى النائب،ثم يأتي الجواب بخط الإمام المهدي(عليه السلام).

و تارة كانوا يطلبون من النائب أن يكتب مسائلهم و حوائجهم الى الإمام، فكان النائب يكتب ذلك،و بعد فترة قصيرة يخبرهم بالجواب الصادر من الإمام (عليه السلام)أو يريهم جواب الإمام في رسالة مفصّلة فيها الإجابات على مسائل كثيرة،و قد لا يجيب الإمام على السؤال،لحكمة و مصلحة يراها.

و قد كان بعض الشيعة يتنازعون في بعض المسائل العقائديّة،فينحلّ النزاع و يرتفع الإختلاف عند مراجعتهم لأحد النّواب و عرض المشكلة أو المسألة-التي إختلفوا فيها-عليه،فيأتيهم الجواب من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام) و يكون كلامه القول الفصل،فيذعن به الجميع.

و فيما يلي نشير الى نماذج من مراجعة الناس للسفراء في مشاكلهم العامّة أو الخاصّة:

1-إختلف جماعة من الشيعة في أنّ اللّه عزّ و جل هل فوّض الى الأئمة (صلوات اللّه عليهم)أن يخلقوا أو يرزقوا؟

فقال قوم:هذا محال،و لا يجوز على اللّه تعالى،لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير اللّه عزّ و جل.

و قال آخرون:بل اللّه تعالى أقدر الأئمة على ذلك(1)و فوّضه اليهم،فخلقوا و رزقوا.

ص:243


1- (1) أي:منحهم القدرة على أن يخلقوا و يرزقوا بإذن اللّه،كما منح القدرة لعيسى بن مريم،فكان يبرء الأكمة و الأبرص و يحيي الموتى بإذن اللّه تعالى.

فقال قائل:ما بالكم لا ترجعون الى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، فتسألونه عن ذلك،فيوضّح لكم الحق فيه(1)؟؟فإنّه الطريق الى صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه.

فرضوا بذلك،و كتبوا المسألة و أرسلوها إليه،فخرج اليهم من ناحية الإمام (عليه السلام)هكذا:«إن اللّه تعالى هو الذي خلق الأجسام و قسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم،و لا حالّ في جسم،ليس كمثله شيء و هو السميع العليم.

و أما الأئمة(عليهم السلام)فإنّهم يسألون اللّه تعالى فيخلق،و يسألونه فيرزق،إيجابا لمسألتهم،و إعظاما لحقّهم»(2).

2-و حدث خلاف بين الشيعة حول الخليفة من بعد الإمام العسكري(عليه السلام)فقال أحدهم:إنّ الإمام العسكري مضى و لا خلف له،و قال آخرون:

كلا..إنّه لم يمض إلاّ بعد أن عيّن الخلف،و لكي يحسموا النزاع كتبوا كتابا حول هذا الموضوع و أنفذوه الى الناحية المقدّسة،فورد الجواب بخطّ الإمام المهدي (عليه السلام)يقول:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم.عافانا اللّه و إيّاكم من الضلالة و الفتن،و وهب لنا و لكم روح اليقين،و أجارنا و إيّاكم من سوء المنقلب.

إنّه أنهي إليّ إرتياب جماعة منكم في الدين،و ما دخلهم من الشكّ و الحيرة في ولاة أمورهم،فغمّنا ذلك لكم..لا لنا،و ساءنا فيكم..لا فينا،لأنّ اللّه معنا و لا فاقة بنا الى غيره،و الحقّ معنا،فلن يوحشنا من قعد عنّا،...

ص:244


1- (1) أي:في هذا الموضوع المختلف فيه.
2- (2) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 1398.

يا هؤلاء..ما لكم في الريب تتردّدون؟!و في الحيرة تنعكسون؟!أو ما سمعتم اللّه عزّ و جلّ يقول:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)؟!

أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون و يحدث في أئمّتكم عن الماضين و الباقين منهم(عليهم السلام)؟!

أو ما رأيتم كيف جعل اللّه معاقل تأوون إليها،و أعلاما تهتدون بها،من لدن آدم(عليه السلام)إلى أن ظهر الماضي(عليه السلام)، كلما غاب علم بدا علم،و إذا افل نجم طلع نجم؟!

فلما قبضه اللّه إليه(2)ظننتم أن اللّه تعالى أبطل دينه و قطع السبب بينه و بين خلقه!؟

كلا..ما كان ذلك و لا يكون حتى تقوم الساعة،و يظهر أمر اللّه سبحانه و هم كارهون،و إنّ الماضي(عليه السلام)مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه (عليهم السلام)،و فينا وصيّته و علمه،و من هو خلفه و من هو يسدّ مسدّه،لا ينازعنا موضعه إلاّ ظالم آثم،و لا يدّعيه دوننا إلاّ جاحد كافر،و لو لا أنّ أمر اللّه تعالى لا يغلب،و سرّه لا يظهر و لا يعلن لظهر لكم من حقّنا ما تبين منه عقولكم،و يزيل شكوككم،لكنّه ما شاء اللّه كان،و لكلّ أجل كتاب،فاتّقوا اللّه و سلّموا لنا، و ردّوا الأمر إلينا،فعلينا الإصدار،كما كان منّا الإيراد،و لا تحاولوا كشف ما غطّي

ص:245


1- (1) سورة النساء/الآية 59.
2- (2) الضمير في«قبضه»يعود الى الإمام العسكري عليه السلام،المعبّر عنه ب«الماضي»أي:المتوفىّ الذي مضى الى ربّه.

عنكم،و لا تميلوا عن اليمين(1)و تعدلوا الى الشمال،و اجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّة الواضحة،فقد نصحت لكم،و اللّه شاهد عليّ و عليكم،و لو لا ما عندنا من محبّة صلاحكم و رحمتكم و الإشفاق عليكم،لكنّا عن مخاطبتكم في شغل،فيما قد امتحنّا به من منازعة الظالم العتلّ الضالّ المتتابع في غيّه(2)المضادّ لربّه،الداعي ما ليس له،الجاحد حقّ من افترض اللّه طاعته،الظالم الغاصب،و في إبنة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)لي أسوة حسنة(3)و سيردي الجاهل رداءة عمله، و سيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

عصمنا اللّه و إيّاكم من المهالك و الأسواء و الآفات و العاهات كلّها برحمته، فإنّه وليّ ذلك و القادر على ما يشاء،و كان لنا و لكم وليّا و حافظا،و السلام على جميع الأوصياء و الأولياء و المؤمنين،و رحمة اللّه و بركاته،و صلّى اللّه على محمد و آله و سلّم تسليما»(4).

3-رجل رزق مولودا،و مات المولود في اليوم الثامن،فكتب الرجل رسالة الى الإمام المهدي(عليه السلام)يخبر-فيها-بموت إبنه،فجاء الجواب من الإمام عليه السلام:«سيخلف اللّه عليك غيره و غيره،فسمّه أحمد،و من بعد أحمد جعفرا».فكان كما أخبر الإمام،و امتثل أمر الإمام في إختيار الاسم لولديه(5).

ص:246


1- (1) لقد عبّر القرآن الكريم عن المؤمنين ب«أصحاب اليمين»و عن الكافرين و المنحرفين ب«أصحاب الشمال»و الظاهر أنّ الإمام(عليه السلام)يشير الى ذلك.
2- (2) يحتمل أن يكون المراد:جعفر بن علي الذي أشير إليه سابقا،و يحتمل أن يكون المراد:خليفة ذلك الزمان،و اللّه العالم.
3- (3) يشير(عليه السلام)الى السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين(عليها السلام)،التي غصبوا حقّها و ظلموها و تجاهلوا قدرها و مكانتها.
4- (4) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 172 طبع طهران 1398 ه.
5- (5) كتاب(الغيبة)للطوسي ص 171.

4-و في أيام النائب الثالث الحسين بن روح،طلب الشيخ علي بن الحسين بن بابويه(والد الشيخ الصدوق)من الحسين بن روح أن يسأل مولانا صاحب الزمان(عليه السلام)أن يدعو اللّه ليرزقه ولدا ذكرا.

فجاء الجواب بعد ثلاثة أيام:أنه(عليه السلام)قد دعا لعلي بن الحسين،و سيولد له ولد مبارك،و سيولد له بعد هذا الولد أولاد أيضا.

فولد له-في تلك السنة-محمد بن علي بن الحسين بن بابويه،الملقّب بالشيخ الصدوق(رضوان اللّه عليه)و ولد بعده أولاد أيضا.

و كان الشيخ الصدوق عالما جليلا حافظا للأحاديث،بصيرا بالرجال(1)لم ير في القميين مثله في حفظه و كثرة علمه،و له ما يقارب ثلاثمائة كتاب.

و في رواية أخرى:إنّ علي بن الحسين(والد الشيخ الصدوق)كتب الى الشيخ الحسين بن روح أن يسأل الإمام المهدي(عليه السلام)أن يدعو اللّه ليرزقه أولادا فقهاء.

فجاء الجواب:إنّك لا ترزق من هذه(2)و ستملك جارية ديلميّة(3)و ترزق منها ولدين فقيهين.

و كان الشيخ الصدوق و أخوه الحسين فقيهين،يحفظان من الأحاديث مالا يحفظ غيرهما من أهل قم(4).

ص:247


1- (1) أي:عارفا بأحوال رجال أسانيد الأخبار و الأحاديث و الروايات.
2- (2) كانت زوجته-يومذاك-بنت عمّه،و لم يرزق منها ولدا.
3- (3) ديلميّة:-نسبة الى الديلم-:و هم قوم كانوا يسكنون في نواحي آذربايجان في ايران.المعجم الوسيط في اللغة.
4- (4) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 188،

5-رجل إسمه سرور،كان في أيام صباه أخرسا لا يستطيع التكلّم،و بلغ من العمر ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة،فجاء به أبوه الى الشيخ الحسين بن روح،و طلب منه أن يسأل من الإمام المهدي(عليه السلام)أن يفتح اللّه لسانه.

فقال لهم الشيخ:إنكم أمرتم بالخروج الى الحائر(1).

فجاء به أبوه و عمّه الى كربلاء المقدّسة،و بعد زيارة مرقد الإمام أبي عبد اللّه الحسين(عليه السلام)صاح به ابوه و عمّه:يا سرور؟

فأجابهم-بلسان فصيح-:لبيّك!

فقال:و يحك..تكلّمت؟!

قال سرور:نعم(2).

6-رجل إختلف مع زوجته،و انتهى الأمر الى النزاع الشديد،و الخلاف الكثير،فطلب الرجل من الناحية المقدّسة حلّ مشكلته؟

فجاء الجواب من الإمام(عليه السلام)-ضمن رسالة فيها الإجابات على أسئلة الناس-:«و الزوج و الزوجة فأصلح اللّه ذات بينهما»فعادت اليه زوجته

ص:248


1- (1) الحائر:مرقد الإمام الحسين عليه السلام،و من الواضح أن الأمر صدر من الإمام المهدي(عليه السلام)،و ممّا يجدر الإنتباه إليه:هو أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)-في الوقت الذي كان يمكن له الدعاء بنفسه،و يستجاب دعاؤه فورا..و بدون أيّ تأخير-أمرهم بالتوجّه إلى مرقد الإمام الحسين(عليه السلام)و بذلك أراد توجيه قلوب الناس نحو تلك البقعة الطاهرة.و قد ورد في الحديث الصحيح:«إنّ للّه بقاعا يحبّ أن يدعى فيها...و منها:عند قبر الإمام الحسين (عليه السلام).
2- (2) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 188.

و اعتذرت إليه،و عاش معها على أحسن حال(1).

7-و جاء رجل من مدينة قم إلى بغداد،و معه أموال كثيرة و هدايا من أهالي قم الى الإمام المهدي(عليه السلام)عن طريق النائب الثاني محمد بن عثمان.

و لما سلّم الأموال قال له محمد بن عثمان:قد بقي شيء مما استودعته فأين هو؟

فقال الرجل:لم يبق شيء-يا سيدي-إلاّ و قد سلّمته!

قال محمد بن عثمان:بلى..قد بقي شيء،فارجع الى ما معك و فتّشه.

فمضى الرجل و فتّش أمتعته،و تفكر كثيرا،فلم يصل فكره الى شيء، فرجع الى محمد بن عثمان و قال له:لم يبق شيء في يدي.

فقال له محمد بن عثمان:يقال لك:الثوبان السودانيان اللذان دفعهما اليك فلان بن فلان،ما فعلا(أي:أين هما)؟

فتذكّر الرجل الثوبين و قال:لقد نسيتهما و لست أدري أين وضعتهما؟

و ذهب الرجل يبحث عن الثوبين،فلم يجدهما.فرجع الى محمد بن عثمان،و أخبره بفقدان الثوبين،فقال له محمد:يقال لك:إمض الى فلان بن فلان القطّان الذي حملت إليه العدلين(2)فافتق أحد العدلين،تجد الثوب في جانبه.فتحيّر الرجل(3)و ذهب،و فتق العدلين و جاء بالثوبين الى محمد بن عثمان(4).

ص:249


1- (1) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 184،طبع طهران 1398 ه.
2- (2) العدل:كيس كبير توضع فيه الأمتعة.
3- (3) الظاهر انه كان قد نسي ذلك.
4- (4) كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي ص 179.

الفصل الحادي عشر

اشارة

الغيبة الكبرى

إنتهت الغيبة الصغرى بوفاة النائب الرابع للإمام المهدي(عليه السلام) و ابتدأت الغيبة الكبرى،و بذلك انقطعت طرق الإتّصالات بالإمام المهدي، و كانت الطامّة الكبرى،و المأساة العظمى،و تطوّرت القيادة الدينيّة،و انتقلت الى الفقهاء الجامعين لشرائط الفتوى.

و كان الإمام المهدي(عليه السلام)قد كتب إلى أحد وجهاء الشيعة-و هو إسحاق بن يعقوب،بواسطة النائب الثاني محمد بن عثمان-توقيعا جاء فيه:

«...و أمّا الحوادث الواقعة،فارجعوا فيها الى رواة حديثنا،فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه عليكم...»(1).

و قد كان في ذلك العصر عدد كثير من المحدّثين:أصحاب الإمامين الهادي و العسكري(عليهما السلام)،و ألّف بعضهم كتبا عديدة جمع فيها الأحاديث المتنوّعة و الأحكام الشرعيّة،و كانت بيوت الشيعة مليئة بتلك المؤلّفات الزاخرة، و كانوا يراجعون تلك الأحاديث عند الحاجة.

و قد كان الجمّ الغفير و الجمع الكثير من أصحاب الإمامين:الباقر و الصادق (عليهما السلام)قد ألّفوا كتبا بلغت أو تجاوزت أربعمائة كتاب،تسمّى ب

ص:250


1- (1) هذا نصّ ما ورد في كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي،أمّا في(إكمال الدين)للشيخ الصدوق ج 2 ص 484 فقد ورد الشطر الأخير-من الحديث-هكذا:«و أنا حجّة اللّه عليهم»،و في كتاب (الإحتجاج)للطبرسي ج 2 ص 470 لا يوجد لفظ«عليهم»و لا«عليكم».

(الأصول الأربعمائة)،و أكثر تلك الكتب-إن لم يكن كلّها-كانت موجودة و متداولة،يعتمد عليها،و يعمل بها في ذلك العهد.

و أمّا القضايا و الأمور الحادثة التي لم يجدوا لها حديثا خاصّا يبيّن حكمها،فقد أمرهم الإمام المهدي(عليه السلام)أن يراجعوا فيها المحدّثين الذين لهم قوّة إستخراج و إستنباط الأحكام من الأدلّة،و هي القواعد و الأصول العامّة المستفادة من الأحاديث الصحيحة.

و بهذه الوسائل فتح الإمام المهدي(عليه السلام)لشيعته خطّا جديدا لتأمين الناحية الفقهيّة لهم عن طريق القيادة المرجعيّة المتجسّدة في رواة أحاديث أئمّة أهل البيت(عليهم السلام).

و ليس معنى ذلك إنسحاب الإمام المهدي(عليه السلام)عن المجتمع الإسلامي،أو إعتزاله عن مركز القيادة و التصرّف في العالم،أو إنقطاعه عن كلّ ما يحدث في العباد و البلاد،أو إنقراض نظام الإمامة و إنهياره،كلاّ..بل إنّ نظام الإمامة ممتد إلى أن ينقرض العالم،لأنّه نظام إلهيّ،و لا يقبل الزوال،سواءا كان ذلك النظام حاكما على المجتمع،و سائدا على السّاحة الإسلامية يتصرّف في شؤون الناس أم كان ممنوعا عن الظهور،و مكبوتا مضغوطا عليه من الحكومات الغاصبة الظالمة.

و هنا يتبادر سؤال الى الذهن،و هو:إذن..فما الفائدة من وجود الإمام الغائب،و كيف ينتفع الناس به؟؟

الجواب يأتيك في الفصل القادم إنشاء اللّه تعالى.

ص:251

وجه الانتفاع بالامام الغائب

لقد وردت أحاديث متعدّدة تذكر فوائد وجود الإمام الغائب(عليه السلام)و وجه الإنتفاع به،و فيما يلي نذكر بعضها بالمناسبة:

1-عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه سأل النبيّ(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):هل ينتفع الشيعة بالقائم(عليه السلام)في غيبته؟

فقال(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«إي و الذي بعثني بالنبوّة،إنّهم لينتفعون به،و يستضيئون بنور ولايته في غيبته،كإنتفاع الناس بالشمس و إن جلّلها السحاب»(1).

2-عن سليمان الأعمش عن الإمام الصادق(عليه السلام)قال:«لم تخل الأرض-منذ خلق اللّه آدم-من حجّة للّه فيها،ظاهر مشهور،أو غائب مستور،و لا تخلو-الى أن تقوم الساعة-من حجّة للّه فيها،و لو لا ذلك لم يعبد اللّه».

قال سليمان:فقلت-للصادق عليه السلام-:فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟

ص:252


1- (1) و في نسخة:«و إن تجلّلها سحاب».إكمال الدين ج 1 ص 253،طبع طهران سنة 1395 ه

قال:«كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب».(1)

3-و روي مثل هذا الكلام،عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليهما السلام).(2)

4-و قد ذكر في التوقيع الصادر من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)-الى إسحاق بن يعقوب-:«...و أمّا وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الابصار السحاب...»الى آخره(3)

أقول:ما أعمق هذا التشبيه!!

و ما أجمل و أكمل هذا التعبير!!

إن كان الناس-فيما مضى-لا يعرفون عن الشمس إلاّ أنّها جرم سماويّ،يشرق على الأرض،و يبتدأ النهار بشروقها،و ينتهي بغروبها،و أنّها تجفّف الأجسام الرطبة،و تبخّر الماء،و تولّد الحرارة في الجوّ،و أمثال ذلك،فإنّ العلم الحديث-اليوم-إكتشف للشمس فوائد عظيمة و منافع مهمّة جدا.

هذا و الموضوع يتطلّب شيئا من التفصيل و التوضيح فنقول:

لقد عرفت أنّ الأحاديث-التي مرّت عليك قبل لحظات-كانت

ص:253


1- (1) إكمال الدين ج 1 ص 207.و(فرائد السمطين)للجويني الشافعي ج 1 ص 46 طبع لبنان 1398 ه
2- (2) الإمامة لأحمد محمود صبحي ص 413.
3- (3) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 485!و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 177.

مرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم)و عن ثلاثة من أئمة أهل البيت(عليهم السلام)و كلّها تؤكّد على حقيقة واحدة،و بمضمون واحد،و كأنّها صادرة من نبع واحد.

و عرفت-أيضا-أنّ النبي و الأئمة(عليهم السلام)يشبّهون الإمام المهدي الغائب،بالشمس المستورة بالسحاب.

و نتساءل:لماذا لم يشبّهوه بالقمر المستور بالسحاب؟مع العلم أنّ القمر له تأثيرات كثيرة في الأرض،كالمدّ و الجزر في البحار و ما شابه.

الجواب:من الواضح أنّ الشمس تمتاز على القمر من عدّة جهات:

1-إنّ نور الشمس نابع من ذاتها،بينما القمر يكتسب نوره من الشمس.

2-إنّ في أشعّة الشمس فوائد كثيرة ليست في أشعّة القمر.

3-إنّ دور الشمس-في المجموعة الشمسيّة-دور قياديّ رئيسيّ، بخلاف القمر،فإنّه واحد من الكواكب التي تسبح في المجموعة.

و هناك جهات أخرى لا داعي لذكرها.

و نعود لنتساءل-مرّة أخرى-:لماذا شبّهوا الإمام الغائب، بالشمس؟

الجواب:إنّ المقام يتطلّب شيئا من البحث عن الشمس و تأثيرها في الكرة الأرضيّة-بمقدار ما وصل اليه العلم الحديث-و لكنّ المجال لا يتّسع للتفصيل في ذلك،لعدم علاقة مباشرة بينه و بين الكتاب،و لهذا نذكر كلمة بالمناسبة-مع رعاية الإختصار-حتى نعرف وجه الشبه بين

ص:254

الشمس و الإمام المهدي-أوّلا-ثمّ نعرف وجه الشبه بين الشمس المستورة بالسحاب و الإمام الغائب-ثانيا-فنقول:

توجد في هذا الفضاء آلاف أو ملايين المجموعات الشمسيّة التي تسبح في هذا الجوّ الواسع الشاسع،و لكلّ مجموعة من هذه المجموعات الشمسيّة مركز(1)و تدور كواكب تلك المجموعة-في مداراتها-حول ذلك المركز،بسرعة مدبّرة و مقدّرة،و في نفس الوقت يبتعد كلّ واحد من الكواكب عن المركز بمسافات معيّنة.

و مجموعتنا الشمسيّة-التي هي واحدة من ملايين المجموعات-لها مركز أيضا،و هي الشمس،و تدور حولها الكواكب،و قد إشتهر-في الأوساط العلمية-أنّ مجموعتنا الشمسيّة عبارة عن تسعة كواكب هي عطارد،الزهرة،الأرض،المرّيخ،المشتري،زحل،اورانوس، نبتون،بلوتو.(2)

و النظام العجيب البديع الموجود في هذه المجموعات الشمسيّة، و الذي يحافظ على بقائها:هي الجاذبيّة التي أودعها اللّه-الحكيم المدبّر الذي هو على كل شيء قدير-في مركز المجموعة فالمركز يجذب كلّ ما يدور حوله من الكواكب،و الكواكب تحاول الإفلات و الإبتعاد عن المركز

ص:255


1- (1) ملاحظة:في علم الفضاء و الفلك يعبّر عن مركز المجموعة ب(النجم)و هو الذي يضيء بذاته،و يعبّر عمّا يدور في المجموعة ب(الكواكب)
2- (2) ننبّه القاريء بأن هناك أجرام سماويّة تدور حول بعض كواكب المجموعة،و يعبّر عنها-في علم الفلك ب(الأقمار التوابع)،كالقمر الذي يدور حول الأرض.و لا يأتي في عداد كواكب المجموعة

بكلّ قوّة.(1)

و لهذا فإنّ بقاء هذه المجموعات و إنتظامها و سيرها بصورة مدهشة، إنّما هو بسبب الجاذبيّة الموجودة في الشمس،و لو لا الجاذبيّة لاختلّ النظام،و اضطربت المجموعة،و انتثرت الكواكب،و اصطدم بعضها ببعض،و تلاشت في هذا الفضاء-الذي لا يعلم حدوده إلاّ اللّه-و هلكت الكائنات و تبدّل الوجود الى العدم و الفناء.فسبحان من أمسك السماوات و الأرض أن تزولا.

و اللّه تعالى الذي جعل القوّة الجاذبة في الشمس،جعل القوّة المانعة الطاردة في كواكب المجموعة الشمسيّة،فكلّ كوكب يحاول أن يبتعد عن الشمس،بقوّة خارجة عن التصوّر،و لكنّ القوّة الجاذبة الموجودة في الشمس تمنعه عن الهرب،فلولا القوّة الطاردة لإقتربت الكواكب من الشمس و احترقت،و لو لا القوّة الجاذبة في الشمس لتفرّقت الكواكب و تبعثرت،و خرجت عن مداراتها،و اختلّ نظامها،و انعدمت الحياة الى الأبد.

فالشمس أمان للمجموعة الشمسيّة من الفناء و الزوال.

هذه لمحة خاطفة،و شرح موجز،لتأثير الشمس في الكواكب التي تدور حولها،و منها الأرض و من عليها و ما عليها.

فانظر الى أهميّة هذا النجم المشرق الذي نراه كتلة ملتهبة،ترسل أشعّتها النافعة المفيدة الى الأرض،و تتفاعل-بأنواع التفاعلات-في الإنسان و الحيوان و النبات و الهواء و الماء و التراب و الجماد.

ص:256


1- (1) يعبّر عن هذه القوة ب(القوة الطاردة)

و من الواضح أنّ السحاب لا يغيّر شيئا من تأثير الشمس،و إنّما يحجب الشمس عن الرؤية-في المنطقة التي يخيّم عليها السحاب-فقط.

و من الطبيعي أنّ السحاب لا يتكوّن إلاّ من إشراق الشمس، و الأمطار لا تهطل إلاّ من السحاب،فلو لا الشمس ما كان سحاب و لا مطر،و لا زرع و لا ضرع،و كان مصير الحياة معلوما.

فالإمام المهدي عليه السلام-الذي شبّهه رسول اللّه و الإمامان:

السجّاد و الصادق(عليهم السلام)بالشمس من وراء السحاب-هو الذي بوجوده يتنعّم البشر،و تنتظم حياته،و كلّ ذلك من فضل اللّه تعالى على رسوله محمد و أهل بيته الطاهرين(عليهم السلام).

و هو الذي تتفجّر منه الخيرات و البركات و الألطاف الخفيّة و الفيوضات المعنويّة الى الناس.

و هو المهيمن على الكون-بإذن اللّه تعالى-من وراء ستار الغيبة و الإختفاء،فهو يتصرّف في الكائنات بصورة مستمرّة،و يملك كافّة الصلاحيّات التي فوّضها الله إليه،و ليست حياته حياة العاجز الضعيف، الذي لا يملك حولا و لا قوّة،و يكتفي بصلاته و صيامه،و يقضي أوقاته في الصحاري و البراري،منعزلا عن الناس،لا يعرف شيئا عن العباد و البلاد،كلاّ..و الف كلاّ

إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)-بالرغم من غيبته التي أرادها الله له-يتمتّع بقدرة من اللّه تمكّنه من كلّ ما يريد،و توفّر له جميع الوسائل اللازمة.

ص:257

و ممّا لا شكّ فيه أنّ تصرّفات الإمام المهدي و إنجازاته،كلّها مطابقة للحكمة و المصلحة،و ليست تابعة للهوى و الميول النفسانيّة، فيعطي و يمنع،و ينصر و يخذل،و يفعل و يترك،و يدعو اللّه تعالى لهذا و ذاك،و يرشد الضالّ،و يبرء المريض،و يطلق لسان الأخرس،و يظهر نفسه لهذا و ذاك،تارة في العراق،و اخرى في ايران،و مرّة في طريق الحج،و أخرى في مكّة و المدينة و منى و عرفات،و في بعض الأحيان يري نفسه-لبعض الأفراد-في البحرين،و في بلاد القفقاس،و غيرها من بقاع العالم.كلّ ذلك بقدرة اللّه تعالى و إذنه.

أيها القارىء الكريم:بعد هذا كلّه،يتّضح لك شيء من معنى الأحاديث التي شبّهت الإمام المهدي الغائب،بالشمس-أولا-و المحجوبة بالسحاب-ثانيا-.

نعم..ذلك هو الإمام الذي يختاره اللّه تعالى..لا الذي يختاره الناس.

ذلك الإمام هو خليفة رسول اللّه حقا..لا كلّ من يدّعي الخلافة.

ذلك الإمام هو المنصوب من عند اللّه تعالى،لا كلّ من يسمّى بالإمام.

لا كلّ من إستلم الحكم و الزعامة و القيادة.لا..لا..لا.

بل هو الإمام الذي تتوفّر فيه جميع المؤهّلات بجميع معنى الكلمة،و يجتمع فيه كلّ ما يحتاج اليه البشر،بل كلّ ما تحتاج اليه الحياة،بل كلّ ما يحتاج اليه الكون.

ص:258

الإمام-الموصوف بهذه الأوصاف-أمان لأهل الأرض،و وجوده سبب لبقاء الأرض و من عليها«بيمنه رزق الورى،و بوجوده ثبتت الأرض و السماء».

و لعلّ بعض الناس يتصوّر أنّ في هذا الكلام شيئا من المبالغة و الغلوّ و الإسراف،و لكن هذا التصوّر يزول و يتبخّر إذا عرف أنّ عشرات الأحاديث الصحيحة-التي لا تقبل الشكّ،المرويّة في كتب الحديث بطرق متعدّدة،المتّفق عليها بين الطوائف و المذاهب الإسلامية-تؤكّد هذه الحقيقة.

و إليك بعض تلك الأحاديث:

1-عن أياس بن سلمة،عن أبيه،قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«النجوم أمان لأهل السماء،و أهل بيتي أمان لأمّتي»(1)

2-عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم):«النجوم أمان لأهل السماء،فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون،و أهل بيتي أمان لامّتي،فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون»(2)

ص:259


1- (1) الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 189،ذخائر العقبى ص 17 طبع مصر 1356 ه،منتخب كنز العمّال للمتقي الهندي ج 5 ص 92،فرائد السمطين للجويني ج 2 ص 241 طبع لبنان 1400 ه،الصواعق المحرقة لإبن حجر ص 185، و بحار الأنوار للمجلسي ج 27 ص 309 و غيرها من عشرات المصادر.
2- (2) مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري الحنفي ج 2 ص 448،منتخب كنز العمّال للمتّقي الهندي.

3-قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«أهل بيتي أمان لأهل الأرض،فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون»(1)

4-عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)قال:قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«النجوم أمان لأهل السماء،فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء،و أهل بيتي أمان لأهل الأرض،فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»(2)

5-قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«إنّ اللّه جعل النجوم أمانا لأهل السماء،و جعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض»(3)

و توجد طائفة أخرى من الأحاديث المرويّة عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)توضّح هذا المعنى أكثر و أكثر،و إليك بعض تلك الأحاديث:

1-ورد في رسالة الإمام المهدي(عليه السلام)-الى إسحاق بن يعقوب-:«...و إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل

ص:260


1- (1) الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيثمي الشافعي ص 150
2- (2) الصواعق المحرقة ص 150،و اخرجه احمد بن حنبل في كتاب المناقب،بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 27 ص 310 نقلا عن إكمال الدين،و رواه الطبري الشافعي في كتابه(ذخائر العقبى)ص 17 طبع مصر 1356،رشفة الصادي لإبي بكر الحضرمي ص 78،إسعاف الراغبين للصبان ص 144 فرائد السمطين ج 2 ص 253.و غيرهم
3- (3) مجمع البيان للطبرسي،في تفسير الآية 16 من سورة النحل.

السماء...»(1)

2-قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام):

«نحن أئمّة المسلمين،و حجج اللّه على العالمين،و سادة المؤمنين،...و نحن أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء،و نحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها(2)و بنا ينزل الغيث(3)و تنشر الرحمة،و تخرج بركات الأرض،و لو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها»(4)

3-قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«و نحن أئمّة الهدى، و نحن الذين بنا ينزل اللّه الرحمة،و بنا يسقون الغيث،و نحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب،فمن عرفنا و عرف حقّنا و أخذ بأمرنا فهو منّا و الينا»(5)

4-كتب محمد بن إبراهيم رسالة الى الإمام جعفر الصادق(عليه

ص:261


1- (1) إكمال الدين ج 2 ص 485،و كتاب الغيبة للطوسي ص 177،و كتاب الإحتجاج للطبرسي ج 2 ص 471.
2- (2) تميد:تضطرب،و تفقد توازنها.
3- (3) الغيث:المطر،و قيل:هو المطر الغزير،الكثير المنافع.
4- (4) ساخت الأرض بأهلها:إنخسفت بهم،و غاصوا فيها.فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 1 ص 45-46،طبع لبنان 1398 ه،و رواه القندوزي الحنفي في(ينابيع المودّة)ص 21،و الصدوق في إكمال الدين ج 1 ص 207،و الطبرسي في(الإحتجاج)ج 2 ص 317.
5- (5) إكمال الدين ج 1 ص 206،فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 253-254

السلام)جاء فيها:أخبرنا ما فضلكم أهل البيت؟

فكتب الإمام(عليه السلام)-في الجواب-:«إنّ الكواكب جعلت في السماء أمانا لأهل السماء،فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أهل السماء ما كانوا يوعدون.و قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):جعل أهل بيتي أمانا لأمّتي،فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما كانوا يوعدون».(1)

5-قال الإمام علي الرضا(عليه السلام):«نحن حجج اللّه في خلقه،...بنا يمسك اللّه السماوات و الأرض أن تزولا،و بنا ينزل الغيث،و ينشر الرحمة،و لا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف، و لو خلت يوما بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله»(2)

6-عن سليمان الجعفري،قال:سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام)فقلت:أتخلو الأرض من حجّة؟

فقال:«لو خلت طرفة عين لساخت بأهلها».(3)

7-قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«لو بقيت الأرض-يوما-بلا إمام منّا لساخت بأهلها،و لعذّبهم اللّه بأشدّ عذابه.

إنّ اللّه-تبارك و تعالى-جعلنا حجّة في أرضه،و أمانا في الأرض لأهل الأرض،لم يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم،فإذا أراد اللّه أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم و لا ينظرهم..ذهب بنا من بينهم،و رفعنا إليه،ثم يفعل اللّه ما يشاء و يحبّ»(4)

ص:262


1- (1) إكمال الدين ج 1 ص 205
2- (2) ماج:إضطرب.إكمال الدين ج 1 ص 202-203
3- (3) إكمال الدين ج 1 ص 204
4- (4) إكمال الدين ج 1 ص 204

8-قال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام):«لو لا من على الأرض من حجج اللّه لنفضت الأرض ما فيها و ألقت ما عليها،إنّ الأرض لا تخلو ساعة من الحجّة»(1)

9-قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة..لماجت الأرض بأهلها كما يموج البحر بأهله»(2)

10-سئل الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«لأيّ شيء يحتاج الى النبيّ و الإمام؟

فقال:«لبقاء العالم على صلاحه،و ذلك أنّ اللّه(عزّ و جلّ)يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيهم نبيّ أو إمام،قال اللّه(عزّ و جل):وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ... (3)و قال النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«النجوم أمان لأهل السماء،و أهل بيتي أمان لأهل الأرض،فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون،و إذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون»،يعني بأهل بيته:الأئمّة الذين قرن الله طاعتهم بطاعته فقال:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (4)و هم المعصومون المطهّرون،

ص:263


1- (1) إكمال الدين ج 1 ص 202
2- (2) إكمال الدين ج 1 ص 202،كتاب أصول الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 179،طبع طهران 1388 ه،و كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص 139،طبع طهران سنة 1397 ه
3- (3) الآية 33/سورة الأنفال.
4- (4) الآية 59-سورة النساء.

الذين لا يذنبون و لا يعصون،و هم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون،بهم يرزق الله عباده،و بهم يعمر بلاده،و بهم ينزل القطر من السماء،و بهم تخرج بركات الأرض،و بهم يمهل أهل المعاصي و لا يعجّل عليهم بالعقوبة و العذاب،لا يفارقهم روح القدس و لا يفارقونه،و لا يفارقهم القرآن و لا يفارقونه،صلوات اللّه عليهم»(1).

نكتفي بهذا المقدار من الأحاديث الشريفة،و نعود لنواصل الحديث عن الغيبة الكبرى و ابتداء القيادة المرجعيّة:

ص:264


1- (1) علل الشرائع للشيخ الصدوق ص 52

القيادة المرجعيّة

اشارة

لقد كان إبتداء إستلام القيادة المرجعيّة الدينيّة في الغيبة الكبرى-حسب إطّلاعنا-على يد الشيخ الفقيه:الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني(1).

فقد قال السيّد محمد مهدي بحر العلوم(رضوان اللّه عليه):

«...و هو أوّل من هذّب الفقه،و استعمل االنظر(2)و فتق البحث عن الأصول و الفروع في ابتداء الغيبة الكبرى»(3).

و قال أيضا:إنّ حال هذا الشيخ الجليل-في الثقة و العلم و الفضل و الكلام(4)و الفقه-أظهر من أن يحتاج الى البيان،و للأصحاب(5)مزيد إعتناء بنقل أقواله و ضبط فتاواه،خصوصا الفاضلين(6)و من تأخّر

ص:265


1- (1) نسبة الى عمان-بضم العين و تخفيف الميم-:بلاد تقع في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربيّة،و تعرف اليوم بإسم(سلطنة عمان)و عاصمتها:مسقط.
2- (2) أي:إجتهد في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من ادلّتها التفصيلية.
3- (3) فتق البحث:نقّحه و قوّمه و وسّعه.
4- (4) علم الكلام-في إصطلاح الفقهاء-يطلق على العقائد و الفلسفة الإسلامية.
5- (5) المقصود من«الأصحاب»-في كلمات الفقهاء-:هم الفقهاء.
6- (6) الفاضلان:العلاّمة الحلّي و المحقّق الحلّي،و هما من أكابر العلماء و الفقهاء و أعاظمهم.

عنهما(1).».(2)

و للفقيه العماني منزلة كبيرة جدّا عند الفقهاء،و قد أثنى عليه علماؤنا القدامى،كالشيخ المفيد و الشيخ الطوسي.

و للعماني كتاب(الكرّ و الفرّ)في موضوع الإمامة،و كتاب(المتمسّك بحبل آل الرسول)في الفقه،و هو كتاب حسن كبير،و كان مشهورا في ذلك الزمان،و لكنّه الآن غير موجود.

أقول:لم أجد في كتب التراجم-الموجودة عندي-تاريخ مولده أو وفاته،و لكنّه كان قبل الشيخ المفيد،بسنوات عديدة،لأنّه أسبق زمنا من إبن الجنيد،و إبن الجنيد من مشايخ المفيد و أساتذته(3).

و لعلّ من الصحيح أن نقول:إنّ هذه الفترة-و هي ما بين وفاة النائب الرابع و بين نبوغ الشيخ المفيد-فترة مفقودة الحلقات،فقد كانت وفاة النائب الرابع سنة 329 ه،و ولد الشيخ المفيد سنة 336 أو 338 هجرية.

و على كلّ حال،فقد أخذت القيادة المرجعيّة طابعها الخاصّ، و تكوّنت حلقات التدريس في بغداد،و انقضت سنوات،و لمع نجم الشيخ المفيد في بغداد،و أسّس الحوزة العلميّة،و كان يحضر مجلس

ص:266


1- (1) من تأخّر عنهما:من جاء بعدهما،باعتباره متأخّرا من حيث الزمن
2- (2) كتاب(الفوائد الرجاليّة)المعروف ب(رجال السيّد بحر العلوم)ج 1 ص 220، طبع النجف الأشرف سنة 1385.
3- (3) كتاب(رجال السيد بحر العلوم)ج 2 ص 220

درسه العشرات من الفضلاء و في طليعتهم السيّدان:الرضيّ و المرتضى، و يعتبر كل واحد منهما من ألمع الشخصيّات العلمية و أبرزها.

و كان الشيخ المفيد آية من آيات اللّه تعالى،و نادرة من نوادر الكون،و نابغة من نوابغ الدهر،فهو شيخ المشايخ و رئيس الفقهاء، و قد إجتمعت فيه صفات الفضل،و انتهت اليه الرئاسة العامّة،و إتّفق الجميع على علمه و فقهه،و فضله و ورعه و تقواه،و زهده و عدالته و جلالته.

فلا عجب إذا ساعده الحظّ و التوفيق،فكتب إليه الامام المهدي(عليه السلام)رسائل عديدة في السنوات الأخيرة من حياته، و كان(عليه السلام)يرسل اليه في كلّ سنة رسالة.

و نجد في كتب التراجم رسالتين فقط،و لكن يستفاد من نصوص الرسالة الثانية أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)أرسل إليه أكثر من رسالتين،و ستعرف ذلك قريبا.

و كلّ رسالة من تلك الرسائل تضع و سام الفخر على صدر الشيخ المفيد،و تاج العزّ و الشرف على رأسه،و الله يختصّ برحمته من يشاء.

و إليك نصّ الرسالة الأولى التي وصلت في شهر صفر سنة 410 ه مع شرح بعض نقاطها بعد ذلك:

[رسالة الامام المهدى عليه السلام الى الشيخ المفيد]

((للأخ السديد،و الوليّ الرشيد،الشيخ المفيد:أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه.

من مستودع العهد المأخوذ على العباد:

ص:267

بسم اللّه الرحمن الرحيم

أمّا بعد:سلام عليك ايها المخلص في الدّين،المخصوص فينا باليقين،فإنّا نحمد-اليك-اللّه الذي لا إله إلاّ هو،و نسأله الصلاة على سيّدنا و مولانا و نبيّنا محمد و آله الطاهرين.

و نعلمك-أدام اللّه توفيقك لنصرة الحقّ،و أجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق-:أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة،و تكليفك ما تؤدّيه عنّا الى موالينا قبلك-أعزّهم اللّه بطاعته،و كفاهم المهمّ برعايته لهم و حراسته-.

فقف-أمدّك اللّه بعونه(1)على أعدائه المارقين من دينه-على ما نذكره(2)و اعمل في تأديته إلى من تسكن اليه،بما نرسمه إن شاء اللّه:

نحن و إن كنّا ثاوين بمكاننا،النائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي أراناه اللّه تعالى لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين.

فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شيء من أخباركم، و معرفتنا بالذلّ (3)الذي أصابكم،مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا،و نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم

ص:268


1- (1) و في نسخة:أيّدك اللّه بعونه.
2- (2) و في نسخة:على ما أذكره.
3- (3) و في نسخة:بالزلل.

لا يعلمون.

إنّا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم الّلأواء،و اصطلمكم الأعداء،فاتّقوا الله جلّ جلاله،و ظاهرونا على إنتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم،يهلك فيها من حمّ أجله، و يحمى عنها من أدرك أمله،و هي أمارة لأزوف حركتنا،و مباثّتكم بأمرنا و نهينا،و الله متمّ نوره و لو كره المشركون.

إعتصموا بالتقيّة من شبّ نار الجاهليّة،تحشّشها عصب أمويّة، يهول بها فرقة مهديّة.

أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفيّة،و سلك في الظعن منها السبل المرضيّة.

إذا حلّ جمادى الأولى-من سنتكم هذه-فاعتبروا بما يحدث فيه، و استيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه.

ستظهر لكم من السماء آية جليّة،و من الأرض مثلها بالسويّة، و يحدث في أرض المشرق ما يحزن و يقلق،و يغلب-من بعد-على العراق طوائف عن الإسلام مرّاق،تضيق-بسوء فعالهم-على أهله الأرزاق،ثم تنفرج الغمّة-من بعد-ببوار طاغوت من الأشرار،ثم يسرّ بهلاكه المتّقون الأخيار.

و يتّفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يأملونه منه،على توفير عليه منهم و إتفاق(1)و لنا-في تيسير حجّهم على الإختيار منهم و الوفاق-شأن

ص:269


1- (1) و في نسخة:على توفير غلبة منهم و انفاق

يظهر على نظام و اتساق.

فليعمل كلّ امرىء منكم بما يقرّبه من محبّتنا(1)و يتجنّب ما يدنيه من كراهتنا و سخطنا،فإنّ أمرنا بغتة فجأة،حين لا تنفعه توبة،و لا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة.

و اللّه يلهمكم الرشد،و يلطف لكم في التوفيق برحمته)).

نسخة التوقيع باليد العليا،على صاحبها السلام:

((هذا كتابنا اليك أيها الأخ الوليّ و المخلص في ودّنا الصفّي، و الناصر لنا الوفيّ،حرسك اللّه بعينه التي لا تنام،فاحتفظ به،و لا تظهر على خطّنا-الذي سطّرناه بماله ضمّنّاه-أحدا،و أدّ ما فيه الى من تسكن اليه،و أوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء اللّه،و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين))(2)

و الآن نشرح ما ينبغي شرحه من بعض كلمات الرسالة:

لقد جرت العادة-في المراسلات-أن يتقدّم إسم المرسل على إسم المرسل إليه،فيكتب:من فلان الى فلان،و قد يتقدّم إسم المرسل إليه على إسم المرسل إذا أريد له التعظيم و الإحترام الكثير.و هذا ما حصل فعلا في هذه الرسالة،فقد قدّم الإمام المهدي(عليه السلام)إسم الشيخ المفيد،حيث كتب(عليه السلام)إليه:

((للأخ السديد و الوليّ الرشيد الشيخ المفيد))و هذا إن دلّ على

ص:270


1- (1) و في نسخة:«بما يقرب به من محبّتنا».
2- (2) كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج 2 ص 497،طبع لبنان 1401 ه

شيء فإنّه يدلّ على ما كان يتمتّع به الشيخ من الصلاح و الديانة و الورع.

كما أنّ تعبير الإمام(عليه السلام)عنه ب((الأخ))يعتبر مرتبة عالية لا يمكن تصوّرها،فما أعظم أن يبلغ الإنسان-من التقرّب الى اللّه تعالى-مرتبة يخاطبه الإمام بكلمة(الأخ)مع العلم أنّنا لم نجد هذا التعبير صادرا عن الإمام المهدي(عليه السلام)الى غير الشيخ المفيد، من النوّاب الأربعه و الوكلاء و غيرهم.

ثم يصفه بالسداد-بفتح السين-:و هو الإصابة في القول و العمل،فالسديد هو المصيب الذي لا يخطيء في اقواله و أفعاله.

و يصفه بالولاء،و الوليّ له معان متعدّدة،لكن الأنسب-هنا:

الذي له النصرة و المعونة.

ثم يصفه بالرشاد،و الرشيد هو الناضج الذي يدبّر الأمور و القضايا بحكمة و تعقّل،من غير إشارة مشير و لا تسديد مسدّد.

و يعبّر الإمام المهدي(عليه السلام)عن نفسه ب(مستودع العهد المأخوذ على العباد)فالمستودع:مكان الحفظ و الإيداع،و العهد المأخوذ على العباد يحتمل معنيين:

1-العهد العقلي و معناه أنّ العقل السليم يحكم على الإنسان أن يصدّق الأنبياء و المرسلين،و من لوازم هذا التصديق هو الإيمان و الإعتراف بوجود الامام المهدي(عليه السلام)الذي أخبر عنه رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

ص:271

و بناءا على هذا،يكون الإمام المهدي(عليه السلام)مستودع العهد المأخوذ على العباد.

2-الإقرار الذي أخذه اللّه من خلقه في عالم الذرّ.(1)ففي تفسير قوله تعالى:وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ:أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟قالُوا:بَلى شَهِدْنا.. (2)وردت أحاديث كثيرة عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)أنّ الآية تتعلّق بعالم الذرّ، و أنّ اللّه تعالى قد أخذ العهد من عباده أن يقرّوا له بالربوبيّة، و لمحمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)بالرسالة،و للأئمّة الإثني عشر-بما فيهم الإمام المهدي-بالإمامة.

و قد ذكرنا شيئا يسيرا ممّا يتعلّق بعالم الذر في كتاب(فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد).

و على كلّ تقدير فالإمام المهدي(عليه السلام)يقصد نفسه بهذا الوصف.

((و نعلمك-أدام اللّه توفيقك لنصرة الحقّ،و أجزل مثوبتك

ص:272


1- (1) ملخّص القول-عن عالم الذرّ هو:أنّ اللّه تعالى-يوم خلق آدم-أخرج ذرّيته من صلبه،و هم كهيئة الذر-أي:و هم في منتهى الصغر-،فعرضهم على آدم، و قال:إني آخذ على ذرّيتك ميثاقهم أن يعبدوني و لا يشركوا بي شيئا،و عليّ أرزاقهم، ثم قال-لهم-:ألست بربّكم؟قالوا:بلى شهدنا إنّك ربّنا،فقال اللّه تعالى للملائكة:إشهدوا،فقالوا:شهدنا.ثم ردّهم الى صلب آدم.و قد سئل الإمام الصادق(عليه السلام):كيف أجابوا و هم ذر؟فقال:جعل اللّه فيهم ما إذا سألهم أجابوه.
2- (2) سورة الأعراف/الآية 172

على نطقك عنّا بالصدق-أنّه قد اذن لنا في تشريفك بالمكاتبة))

دعا الإمام المهدي(عليه السلام)للشيخ المفيد بدوام التوفيق لنصرة الحق،فالكثيرون من العلماء يفضّلون الخمول و الخمود على النشاط و الإنتاج،و إنجاز الأعمال النافعة للمجتمع الاسلامي،كلّ ذلك مع توفّر المؤهّلات فيهم،و ما ذاك إلاّ لعدم التوفيق الإلهي،الذي يعتبر السبب الأصلي لتحقّق الأعمال.

و أمّا كيفية صدور الإذن من اللّه تعالى للإمام المهدي بمكاتبة الشيخ المفيد،فلا يعلمها إلاّ اللّه تعالى و الإمام المهدي(عليه السلام)و جميع الإحتمالات و الوجوه المتصوّرة في هذ المسألة تعتبر آراء شخصية..لا حقائق قطعيّة.

فاللّه سبحانه يأذن لأوليائه في القيام ببعض الامور،بكيفيّة مجهولة عندنا،و لا نستطيع أن ندرك كيفيّة الإتّصالات بين اللّه سبحانه و بين أوليائه،في صدور الأوامر إليهم،و إنّما نكتفي بالقول:إنّ الشيخ المفيد حصل له هذا الشرف-شرف المكاتبة-بإذن اللّه تعالى للإمام المهدي(عليه السلام)و لا يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم.

((و تكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قبلك))و أيضا أذن اللّه تعالى للإمام المهدي(عليه السلام)أن يكلّف الشيخ المفيد بأن يكون همزة وصل بين الإمام المهدي و بين شيعته الموالين للإمام في بيان الأوامر العامّة و التعاليم الخاصّة.

و دعا الإمام(عليه السلام)في حقّ شيعته الموالين،بقوله:

«أعزّهم اللّه بطاعته،و كفاهم المهمّ برعايته لهم و حراسته»لقد روي عن

ص:273

الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)أنّه قال:«..و إذا أردت عزّا بلا عشيرة،و هيبة بلا سلطان،فاخرج من ذلّ معصية اللّه الى عزّ طاعته»(1)

و معنى ذلك أنّ طاعة اللّه تعالى توجب-للمطيع-العزّة في الدنيا و السعادة في الآخرة،و أنّ المعاصي تورث الذلّ و الهوان في الدنيا،و الخزي و العذاب في الآخرة.

و دعا الإمام المهدي(عليه السلام)لشيعته أن يعزّهم اللّه بطاعته، بأن يوفّقهم للطاعة،فينالوا بها العزّ،و أن يكفيهم اللّه تعالى ما أهمّهم من أمورهم،برعايته لهم،و يحرسهم من شرّ الأعداء.

((فقف-أمدّك اللّه بعونه،على أعدائه المارقين من دينه-على ما نذكره))من الواضح أنّ كلمة«قف»معناها-هنا-:إفهم و تبيّن و اطّلع على ما نذكره،و قد دعا الإمام(عليه السلام)له دعاءا آخر،جعله جملة معترضة بين كلمة«فقف»و كلمة«على ما نذكره»دعا الإمام أن يمدّ اللّه الشيخ المفيد بعونه،أي:يعينه على اعداء اللّه المارقين،و هم الخارجون من دين اللّه،و لا أظنّ أنّ الإمام(عليه السلام)يقصد بذلك اليهود أو النصارى أو المشركين،بل يقصد بعض الطوائف التي تدّعي الإسلام و هي في طليعة أعداء الاسلام،بل هي أضرّ على الإسلام و المسلمين من المشركين.

ص:274


1- (1) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 44 ص 139

«و اعمل في تأديته الى من تسكن إليه،بما نرسمه إن شاء اللّه» أمره الإمام المهدي أن يؤدّي إلى من يطمئنّ به من الشيعة هذه الأخبار و الأوامر:

«نحن و إن كنّا ثاوين بمكاننا النّائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي أراناه اللّه تعالى لنا من الصلاح»يقول(عليه السلام):إنّه يسكن في المناطق البعيدة عن سلطة الظالمين،و إنّ هذا من المصلحة التي رآها اللّه تعالى له،إذ من الواضح أنّ الإمام(عليه السلام)لو كان يعيش بين الناس بصورة علنيّة،لكانت السلطات المنحرفة تلقي القبض عليه و تقتله،و قد مرّ-عليك-أنّ المعتضد العبّاسي أرسل فرقة مسلّحة الى دار الإمام بسامراء لإلقاء القبض على الإمام و قتله.

«و لشيعتنا المؤمنين في ذلك،ما دامت دولة الدنيا للفاسقين»أي:

إنّ مصلحة الشيعة أيضا في غيبة الإمام،لأنّ ظهور الإمام بين الناس-قبل اليوم المعيّن عند اللّه تعالى-يؤدّي الى إلتفاف الشيعة حوله و إجتماعهم عنده،و بهذا يشملهم جميعا الخطر و البلاء من قبل الحكومات المنحرفة التي تلاحق أهل الحقّ و الإيمان،إذ من السهل القضاء على طائفة من الناس مجتمعة في مكان واحد.

و ليس معنى هذا أنّ الإمام(عليه السلام)منقطع عن المجتمع، و أنّه لا يحضر في المدن و المجتمعات و لا يلتقي بمن يريد،كلاّ،و إنّما معناه أنّ مسكن الإمام و إقامته في المناطق البعيدة عن الطواغيت و الظالمين،و أنّه(عليه السلام)حين تواجده في المدن و بين الناس لا يعرّف نفسه،و لا يظهر بشكل أو بزيّ خاص،بحيث يعرفه كلّ أحد،و إنما يعرّف نفسه لمن يريد،و لا يعرّف نفسه لمن لا يحب،و قد

ص:275

صرّح الامام المهدي(عليه السلام)-لجمع من الذين تشرّفوا برؤيته-بأنه يحضر عند قبر جدّه الامام الحسين الشهيد(عليه السلام)في كلّ ليلة جمعة،و لهذا يقول(عليه السلام):

«فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شيء من أخباركم» هذه الجملة مرتبطة بالتي قبلها،و المعنى:أنّنا و إن كنّا بعيدين عنكم من حيث المكان،إلاّ أنّنا نعلم كلّ ما يدور حولكم و يحدث عندكم،و لا يغيب عنّا شيء من أخباركم و قضاياكم.

من الطبيعي أنّ الإمام الذي جعله اللّه مستودع العهد المأخوذ على العباد،لا بدّ و أن يوفّر اللّه تعالى له وسائل الإطّلاع و المعرفة على ما يجري و يحدث في هذا الكون.

و لا نعلم-بالضبط-نوعيّة وسائل الإستخبارات المتوفّرة لدى الإمام المهدي(عليه السلام)فيمكن له إستخدام الملائكة و الجنّ و البشر لهذا الغرض،و يمكن أن يكتفي بما توفّرت لديه من خصائص الإمامة، فترتفع له الحجب،و تنكشف له الخفايا و النوايا باذن اللّه تعالى،فيعلم بما جرى و يجري.

إنّنا نرى-اليوم-أنّ الحكومات و الدويلات توفّر جميع وسائل الإستخبارات-.كالهاتف و اللاسلكي و التلكس و الرادار و ما شابه ذلك-لمنتسبي دوائر المخابرات،بالإضافة الى الأفراد الكثيرين الذين تنشرهم في الأوساط و المجتمعات و البلاد،كي يسترقوا السمع و يلتقطوا الأخبار،و يوحوا بها الى أوليائهم.

فكيف بمن جعله اللّه تعالى إماما و أمينا في أرضه و حجّة على

ص:276

عباده،أما ينبغي أن يسخّر اللّه تعالى له جميع الوسائل المادّية و الماورائيّة، و يزوّده بجميع الأجهزة المعنويّة اللازمة،ليكون على علم و إحاطة بكلّ ما يجري؟؟!

«و معرفتنا بالذلّ الذي أصابكم مذ جنح(1)كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا»هذه الجملة-كما تراها-مبهمة و غير واضحة عندنا،فما هو الذلّ الذي أصاب الناس حينما أقبل الكثيرون الى إرتكاب الأعمال التي كان الخطّ الشيعيّ السالف بعيدا عنها؟إنّ الإمام(عليه السلام)لا يكشف النقاب عمّا جرى،و يراعي الإختصار و الإجمال، لأنّ المرسل إليه-و هو الشيخ المفيد-يفهم ما يقصده الإمام.

و لكن المستفاد من ظاهر كلامه(عليه السلام)هو أنّ بعض الناس-يومذاك-إنحرفوا عن الصراط المستقيم،و لا نعلم هل كان إنحرافهم عقائديّا أم سلوكيّا،فأصابهم الذلّ و فقدوا العزّة و الإستقلال.

«و نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم،كأنّهم لا يعلمون»لا نعلم-بالضبط-ما هو المقصود من نبذ العهد المأخوذ؟و لعلّ المعنى هو أنّ بعض الناس-بعد وقوع الغيبة الكبرى و انقطاع الإتّصالات بين الشيعة و بين الإمام المهدي-بدأ يشك او يشكّك في وجود الإمام المهدي(عليه السلام)و ذلك لمّا أصابتهم المحن و المشاكل و الضغوط من الحكومات الظالمة،فتصوّروا أنّ الإمام لو كان موجودا لما أصابتهم تلك المكاره،و لكنّ الإمام(عليه السلام)يبيّن سبب ذلك الذلّ،و هو أنّهم إنحرفوا و خالفوا العهد،فأصابتهم سيّئات ما كسبوا،و إلاّ فإنّ

ص:277


1- (1) جنح:مال.

الإمام(عليه السلام)يشمل شيعته بدعائه و عطفه و لطفه،و لهذا قال(عليه السلام):

«إنّا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء،و اصطلمكم الأعداء»لو لا رعاية الإمام(عليه السلام) لشيعته و دعاؤه لهم،لضاقت عليهم الأمور،و اشتدّت بهم المحن، و هذا معنى«اللأواء»،و قد كانت الحكومات المنحرفة-في عهد الأمويّين و العبّاسيّين و العثمانيّين و غيرهم-تحارب الشيعة و تطاردهم و تلاحقهم، و كان المفروض أن لا يبقى منهم أحد،لو لا دعاء الأئمّة الطاهرين و عناية الإمام المهدي و رعايته،و هذا معنى«إصطلمكم الأعداء»أي:

إستأصلكم.يقال:إستأصل الشجرة،أي قلعها من أصولها و جذورها.

و خلاصة القول:إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يدافع و يحامي عن الشيعة بالطرق و الوسائل المتوفّرة لديه،و بالإستفادة من القدرة المادّية و الماورائيّة التي يتمتّع بها،و لقد أحسن و أجاد الخاجة نصير الدين الطوسي-الفيلسوف الشيعيّ العظيم-حيث قال-في حقّ الإمام المهدي عليه السلام-:«وجوده لطف،و تصرّفه لطف آخر،و عدمه منّا».

و سنذكر-في الفصل القادم-بعض النماذج لعناية الإمام المهدي بشيعته، و رعايته لهم.

و ينبغي أن لا ننسى أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يدافع عن شيعته ما داموا على الخطّ الشيعيّ الصحيح،أمّا إذا انحرفوا عقائديا أو سلوكيا فإنّ الأمر يختلف،و العناية تضعف،كما شاهدنا و نشاهد ذلك، فالإمام المهدي(عليه السلام)لا يشمل برعايته الخمّارين و القمّارين

ص:278

و الزنّائين و أمثالهم من الفسقة الفجرة،و لا يبالي بالمنحرفين عقائديا و لا بالعاملين في الأحزاب و المنظّمات المخالفة للإسلام و المناقضة للدين، نعم..لا يبالي بهم لأنّهم ليسوا على خطّ الإمام المهدي الذي هو خطّ الإسلام و النبيّ و الأئمّة(عليهم الصلاة و السلام)و بالتالي ليسوا من شيعته.

«فاتّقوا اللّه جلّ جلاله،و ظاهرونا على إنتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم(1)»يأمرهم الإمام(عليه السلام)بتقوى اللّه سبحانه،و الإبتعاد عن المعاصي التي تجلب أنواع البلاء.

إنّ الامام المهدي-الذي يتجسّد فيه الإسلام،و الذي يمثّل جدّه صاحب الشريعة الإسلاميّة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) و أجداده الطاهرين(عليهم السلام)-لا يتجاوب مع المستهترين الذين لا يبالون بالقيم الإسلاميّة و الأحكام الدينيّة،فترى بعضهم يرتاد المسابح المختلطة و الملاهي و المخامر و المدارس المختلطة،و يتعاطى المعاملات الربويّة،و يتعاون مع الظالمين،و يبايعهم على تنفيذ أوامرهم مهما كانت، و كأنّه لا يعترف بالحلال و الحرام،و لا بالنجس و الطاهر،و لا بالواجبات و التكاليف الشرعيّة،فهو شيعي بالإسم فقط..لا بالعمل..و لا بالعقيدة!!

فما كرامة هذا الشيعي الذي يستخفّ بأحكام الإسلام،و يرتكب المحرّمات و كأنّه ليس من هذه الأمة،و لا من أفراد هذه الملّة؟!!

و لقد مرّت عليك-في فصل سابق-أسماء بعض المنحرفين الذين تبّرأ الإمام المهدي(عليه السلام)منهم،بل و لعنهم و أمر شيعته بالبراءة

ص:279


1- (1) ظاهرونا:تعاونوا معنا.إنتياش:إنقاذ و إنتشال.أنافت:أشرفت و ارتفعت

منهم.كلّ ذلك بسبب منكراتهم و إنحرافاتهم.ثم ينذر الإمام المهدي(عليه السلام)شيعته،و يخوّفهم من فتنة كانت في طريقها الى المجتمع الإسلامي،أو الى بغداد بصورة خاصّة،و يأمرهم أن يتعاونوا معه عمليّا حتى ينقذهم من تلك الفتنة.

و المقصود من التعاون العملي هو ما ذكره الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)في الرسالة التي كتبها الى عثمان بن حنيف(1)، حيث ذكر فيها:«...و لكن أعينوني بورع و اجتهاد،و عفّة و سداد...»فالدعاء من الإمام و التقوى من الشيعة ينتجان معا:

الخلاص من البلايا و الفتن.

و يشبّه الإمام(عليه السلام)تلك الفتنة بالسحابة التي تخيّم على البلدة،و تسدّ الفضاء من الافق الى الأفق.

«يهلك فيها من حمّ أجله،و يحمى عنها من أدرك أمله»:يهلك في تلك الفتنة كلّ من قدّر اجله و انتهت مدّته،و يحفظ اللّه عن تلك الفتنة كلّ من أدرك أمله،و قدّر له البقاء.

«و هي أمارة لأزوف حركتنا»الأمارة-بفتح الهمزة-العلامة، الأزوف-بضمّ الهمزة-:الدنوّ و الإقتراب.فالمعنى:أنّ الفتنة المذكورة علامة لقرب حركتنا،و ليس المقصود من الحركة-هنا-الظهور،بل هو الإنتقال من مكان الى مكان،فإنّ الذي أوصل هذه الرسالة الى الشيخ المفيد قال إنّه يحملها من ناحية متّصلة بالحجاز،فلعلّ الإمام إنتقل من تلك المنطقة الى مكان آخر،في أوائل حدوث تلك الفتنة المشار إليها.

ص:280


1- (1) كان واليا على مدينة البصرة من قبل الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام).

«و مباثّتكم بأمرنا و نهينا»و في بعض النسخ:مباينتكم،و هناك نسخ أخرى بعيدة،و الأقرب الى الصواب هو«مباثّتكم»يقال:تباث القوم الأسرار،أي كشفها بعضهم لبعض،و المقصود أن يخبر كلّ واحد منهم الآخر بما يعلمه من الأوامر و النواهي الواردة من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)،و لعلّ المعنى هو أنّ الإمام سوف يرسل تعليمات جديدة عند حلول تلك الفتنة.

«إعتصموا بالتقيّة من شبّ نار الجاهليّة»(1)التقيّة:هي كتمان العقيدة التي لا يتّفق معها الناس،و موافقتهم في قول أو فعل..مخالف للحق،إتّقاء شرّهم،و هي راجحة عقلا،و قد تجب شرعا في ظروف خاصّة،و شروط مذكورة في الكتب الفقهيّة.

امر الإمام(عليه السلام)شيعته أن يلتزموا بالتقيّة،و ليس هذا بشيء جديد،فقد أمر الأئمّة(عليهم السلام)شيعتهم بذلك بكلّ تأكيد.

و لعلّ المقصود من التقيّة-هنا-:الإبتعاد عن مواطن الفتنة، و الحذر منها،و إنتهاج أسلوب خاص-في الحياة-لا يجلب إنتباه الأعداء و لا يهيّج عزائمهم ضدّ الشيعة و التشيّع.

و من المؤسف أنّ هذه الكلمات-بالنسبة إلينا-في منتهى الخفاء و الغموض،و لا نستطيع أن نعرف-بالضبط-المقصود منها،و لا يبعد أن تكون الحكومة العباسيّة-يومذاك-قد خطّطت للقضاء على الشيعة، باعتبارها القلب النابض لخطّ الإمام المهدي(عليه السلام)،و لأنّها تحافظ

ص:281


1- (1) شبّ نار الجاهليّة:يقال:شبّ النار:إذا أوقدها.

على كيانها و تعتمد على نفسها،و تتحدّى الحكومات اللاشرعيّة،فأنذر الإمام المهدي(عليه السلام)شيعته بتلك النوايا السيّئة و الخطط الجهنميّة التي كانت تحاك خلف الستار،و أمرهم بالإجتناب عما يعرّضهم للخطر، و ذلك بالإعتصام و الإلتزام بالتقيّة.

«تحشّشها عصب أمويّة»حشّ النار:أوقدها أو حرّكها(1)فيمكن أن يكون المعنى أنّ طائفة أمويّة النزعة تستغلّ الموقف،فتحشّ النار و تحرّكها،و تشعل نار الفتنة لإيجاد حرب طائفيّة،فتثور في الشيعة روح الحميّة،و تهيج عزائمهم،و يقاومون تلك المشاغبات،و كأنّهم بذلك يشبّون النار،و بما أنّهم-يومذاك-طائفة مستضعفة،لذلك سيكونون ضحيّة تلك الفتنة،و وقود تلك النار.

«أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفيّة»يقال:رام،يروم روما-بفتح الراء-الروم:الحركة المختلسة الخفيّة.يضمن الإمام المهدي(عليه السلام)و يتكفّل بنجاة من لم يقم بأعمال سريّة،و لم يقم بنشاط مضاد للشيعة و التشيّع،كإيجاد علاقات صداقة سريّة مع أعداء الشيعة.

«و سلك في الظعن منها السبل المرضيّة»أي:إختار الطرق السليمة المعتدلة،في مواجهة تلك الحوادث الخطيرة التي خطّطها الأعداء.

ثم أخبرهم الإمام بما سيحدث في تلك الأزمنة فقال:«إذا حلّ

ص:282


1- (1) لم أجد في كتب اللغة-الموجودة عندي-حشّش،بل الموجود:حشّ النار:أي أوقدها أو حرّكها.

جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيها(1)»كلمة(العبرة) و(الإعتبار)بمعنى الإتّعاظ،و هي مشتقّة من العبور،و هو الإنتقال من مكان الى مكان،و المراد-هنا-إنتقال الذهن من أمر الى آخر،مثلا:

الإعتبار بالموت هو إنتقال ذهن الإنسان من موت الناس الى موته هو، فيتفكّر أنّه يموت كما مات غيره،أو فلان كان غنيا فافتقر،أو عزيزا فذلّ،فيعتبر الإنسان بذلك،و يتّخذ التدابير اللازمة،و لا يعتمد على الدنيا،فهنا إنتقل الذهن عن الحوادث الى مصير الإنسان نفسه.

أمر الإمام المهدي(عليه السلام)شيعته بالإعتبار بالحوادث التي أخبر عنها مسبقا،و لا أراني بحاجة الى تكرار التحدّث عن علم الإمام(عليه السلام)و إخباره عن المستقبل،و قد سبق هذا البحث في فصل سابق.

«و استيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليها»(2)يستفاد من هذه الكلمة أنّ الخمود و تعطّل المشاعر و فقدان الوعي كان سائدا على ذلك المجتمع،فكأنّهم كانوا نائمين..لا يشعرون بالذي يجري حولهم.

((ستظهر لكم من السماء آية جليّة،و من الأرض مثلها بالسويّة)) مع كلّ أسف أنّ التاريخ أهمل ذكر الحوادث التي حدثت في تلك السنة، و نجد في كتب التاريخ حوادث لا تتّفق مع تلك السنة تاريخيا،لأنّ تاريخ هذه الرسالة سنة.41 ه،و قد حدثت حوادث في سنين متأخّرة عن تاريخ هذه الرسالة،و لا ينطبق عليها إخبار الإمام

ص:283


1- (1) و في نسخة:فيه،باعتبار رجوع الضمير الى لفظة«شهر»المقدّرة في الجملة
2- (2) و في نسخة:يليه.

المهدي(عليه السلام).

مثلا:((ستظهر لكم من السماء آية جليّة،و من الأرض مثلها بالسويّة))الآية السماوية التي حدثت هو سقوط كوكب(أي قذيفة منفصلة عن الكواكب)عظيم،إستنارت منه الأرض،و سمع له دويّ عظيم،و لكن كان ذلك في سنة 417 ه،و حدث مثل هذا الحدث سنة 401 ه،و ارتفع ماء دجلة-بسبب الفيضان-مقدار إحدى و عشرين ذراعا،و غرق جانب كبير من بغداد و أراضي العراق.

فمن المستبعد جدا أن يأمر الإمام شيعته بأن يعتبروا بما يحدث في شهر جمادى الإولى من تلك السنة من الحوادث،من ظهور آية سماويّة، و من الأرض مثلها بالسويّة ثمّ تحدث الحوادث بعد سبع سنوات!.

و لا محيص لنا من أن نقول:إن حوادث سماويّة و أرضيّة حدثت في تلك السنة،و لكنّ التاريخ أهمل ذكرها،أو لم يصل إلينا خبرها، بسبب تطاول الزمان.

((و يغلب-من بعد-على العراق طوائف عن الإسلام مرّاق)) مرّاق-جمع مارق-:يقال مرق عن الدين:أي خرج منه.أخبر الإمام المهدي(عليه السلام)عن غلبة طوائف خارجة عن الإسلام،أو خارجة عن تعاليم الإسلام،على العراق.يقال إنّ(طغرل بك)أول ملوك السلاجقة،إستولى على العراق،بعد حروب دامية،و شمل شرّه العباد و البلاد،و ذلك في سنة 447،فدخل جيشه بغداد،و ضيّق على الناس في المساكن و الأرزاق،فوقع القحط و الغلاء في المواد الغذائية،و ارتفعت الأسعار إرتفاعا جنونيّا،و كثر الموت،و حدث وباء عظيم،و اشتد الأمر

ص:284

و تطوّر من سوء الى أسوأ،حتى عجز الناس عن دفن الموتى.

فلعلّ المقصود من الطوائف المرّاق عن الإسلام،هم:(طغرل بك) و عساكره الذين أفسدوا في البلاد العراقية،و جعلوا أعزّة أهلها أذلّة، و أهلكوا الحرث و النسل،و هتكوا الحرمات بعد أن أراقوا الدماء، و ارتكبوا أبشع الجرائم و أفظع الفجائع،و جعلوا الحياة الإقتصاديّة في تدهور و تأزّم(1)و اللّه العالم.

((ثم تنفرج الغمّة-من بعد-ببوار طاغوت من الأشرار،ثم يسرّ بهلاكه المتّقون الأخيار))و اخيرا مات الطاغوت طغرل بك،و انفرجت الغمّة و الأزمة،و فرح المتّقون الأخيار بهلاكه و موته،و انحلّت المشاكل، و زال الغلاء و تحسّنت الأوضاع،و تبدّلت الحياة الى التي هي أحسن.

((و يتّفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يأملونه منه على توفير عليه منهم و اتّفاق))إجتاحت بعض بلاد الشرق الأوسط موجة من الإضطرابات و المآسي،و منها طرق الحجّ للحجاج،فكانت الطرق غير مأمونة،بل و حتى في مكّة ذاتها،قبل صدور هذه الرسالة و بعدها، و استمرّ الوضع طيلة سنوات غير قليلة،و بعد ذلك عادت المياه الى مجاريها،و عاد الأمان و الهدوء و الإستقرار الى البلاد،و الطمأنينة الى العباد،كلّ ذلك ببركة الإمام المهدي(عليه السلام)كما صرّح بذلك في هذه الرسالة:

((و لنا في تيسير حجّهم-على الإختيار منهم و الوفاق-شأن يظهر على نظام و اتّساق))لا بأس أن ننتبه الى أنّ في هذه الجملة تقديما

ص:285


1- (1) تجد تفصيل ذلك في كتاب الكامل للطبري ج 7

و تأخيرا،فالمعنى:و لنا شأن يظهر على نظام و اتّساق في تيسير حجّهم على الإختيار منهم و الوفاق.

فالإمام المهدي(عليه السلام)له القدرة في التصرّف في هذا الكون بأساليب عديدة مقدورة لديه،و قد ذكر الطبري أنّ محمد بن سبكتكين سعى في توفير سلامة الحجّاج،و ما يدريك من الذي أوعز اليه ذلك و امره ببذل الجهود في هذا السبيل؟!و اللّه العالم بالمقصود.

((فليعمل كلّ امرىء منكم بما يقرّبه من محبّتنا،و يتجنّب ما يدنيه من كراهتنا و سخطنا))من الواضح أنّ الأعمال التي تقرّب الإنسان الى اللّه تعالى تقرّبه الى أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)و الأعمال التي توجب سخط اللّه تعالى توجب سخط الأئمّة أيضا،لأنّهم يحبّون ما أمر اللّه به و يكرهون ما نهى اللّه عنه،و من الطبيعي أنّ هذا الخطاب لا يخصّ أهل ذلك الزمان،بل يشمل جميع الشيعة على مرّ القرون.

((فإنّ أمرنا بغتة فجأة))البغتة و الفجأة متقاربتان في المعنى، الظاهر أنّ المراد من الأمر-هنا-هو ظهور الإمام المهدي،فالعلائم الحتميّة-التي تحدث قبل الظهور-لا تعيّن يوم الظهور،فيكون الظهور فجأة بغتة،و خاصّة للأفراد الذين لا يتفكّرون حول ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)لعدم المبالاة،أو ضعف الإعتقاد بالإمام المهدي(عليه السلام)و ظهوره.

((حين لا تنفعه توبة،و لا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة)) الحوبة:الإثم.إنّ الانسان إذا أذنب-في عصر الغيبة-ذنبا يستحقّ عليه الحدّ،ثم تاب الى اللّه تعالى،قبل أن تشهد البيّنة بذنبه،فإنّ الحدّ

ص:286

يسقط عنه،أمّا بعد قيام الإمام المهدي(عليه السلام)فان التوبة لا تسقط الحد،و الندم لا ينجي من العقاب الذي يستحقّه المذنب، مثلا:السارق إذا تاب قبل ظهور الامام المهدي(عليه السلام)قبلت توبته،لأنّها توبة خالصة للّه و خوفا منه،و لكن إذا ظهر الإمام المهدي(عليه السلام)فإنّ التوبة لا تنفع في رفع الحد،فيأمر الإمام بقطع يد السارق،و إقامة الحدّ على من يستحقّ الحدّ و يأمر برجم من يستحقّ الرجم،كما قال تعالى:إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا،أَوْ يُصَلَّبُوا،أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ،أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ،ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا،وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ،إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فقد ذكر الطبرسي في مجمع البيان-في تفسير هذه الآية-:إستثني من جملتهم:من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ و يقدر عليه،لأن توبته-عند قيام البيّنة عليه و وقوعه في يد الإمام-لا تنفعه،بل يجب إقامة الحدّ عليه.

و ستعرف أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يعامل الناس حسب علمه و اطّلاعه بالحوادث،و لا ينتظر شهادة الشهود او إقامة البيّنة،بل يحكم بما أراه اللّه تعالى،و انكشف له من الواقع،فعند ذلك تكون التوبة خوفا من الإمام لا من اللّه تعالى،و لهذا لا تنفع التوبة.

((و اللّه يلهمكم الرشد،و يلطف لكم في التوفيق برحمته))دعا الإمام المهدي(عليه السلام)في حق شيعته بأن يلهمهم اللّه الرشد و الاستقامة و الصواب،و الإلهام:ما يلقى في الروع،و الروع-بضم الراء-العقل و الذهن و القلب،كالتلقين،يقال:وقع ذلك في روعي،

ص:287

أي:في بالي.

((و يلطف لكم في التوفيق)).التوفيق من اللّه:هو توجيه الأسباب نحو المطلوب الخير،و«يلطف لكم في التوفيق»أي:يهيّىء لكم الأسباب بالرفق،اذ قد يتوفّق الانسان للأعمال الحسنة..لكن مع تحمل المكاره و الصعوبات،و قد تتهيء له الأسباب فيقوم بنفس العمل..بكلّ سهولة و يسر.

الى هنا كانت الرسالة بإملاء الإمام(عليه السلام)و خطّ كاتبه، ثم كتب الإمام بخطّه الشريف المبارك في ذيل الرسالة هذه الجملات، و سمّى الشيخ المفيد هذه الملحوظة ب((نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام))و قد ذكرنا-فيما مضى-أنّ معنى التوقيع إضافة شيء الى الرسالة،و الشيخ المفيد يقصد باليد العليا يد الإمام المهدي(عليه السلام)المقدّسة،و الملحوظة كما يلي:

((هذا كتابنا إليك أيها الأخ الوليّ،و المخلص في ودّنا الصفيّ، و الناصر لنا الوفّي،حرسك اللّه بعينه التي لا تنام،فاحتفظ به،و لا تظهر على خطّنا-الذي سطّرناه بما له ضمّنّاه-أحدا،و أدّ ما فيه الى من تسكن اليه،و أوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء اللّه و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين)).

دعا له الإمام المهدي(عليه السلام)بالحفظ من كلّ شرّ،و أمره أن لا يطلع أحدا على خطّ الكاتب و خطّ الامام،و إنّما يستنسخ منه نسخة و يخبر بذلك الموثوقين من الشيعة المعتمدين.

ص:288

و هناك أسرار و حكم-لا نعلمها-في إخفاء خطّ الإمام(عليه السلام)و خطّ كاتبه عن الناس،و لا نستطيع أن نعرف السبب القطعيّ لذلك.

رسالة أخرى الى الشيخ المفيد

و ورد على الشيخ المفيد رسالة أخرى من ناحية الإمام المهدي(عليه السلام)في يوم الخميس،الثالث و العشرين من شهر ذي الحجّة سنة 412 ه،هذا نصّها:

((من عبد اللّه المرابط في سبيله

الى ملهم الحقّ و دليله».

بسم اللّه الرحمن الرحيم

سلام اللّه عليك أيّها الناصر للحقّ،الداعي إليه بكلمة الصدق، فإنّا نحمد اللّه إليك الذي لا إله إلاّ هو،إلهنا و إله آبائنا الأوّلين، و نسأله الصلاة على سيّدنا و مولانا محمد خاتم النبيينّ،و على أهل بيته الطاهرين.

و بعد..فقد كنّا نظرنا مناجاتك،عصمك اللّه بالسبب الذي وهبه اللّه لك من أوليائه،و حرسك به من كيد أعدائه،و شفّعنا ذلك.

الأن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ من بهماء،صرنا إليه آنفا من غماليل،ألجأنا اليه السباريت من الايمان،و يوشك أن يكون هبوطنا الى

ص:289

صحصح،من غير بعد من الدهر،و لا تطاول من الزمان.

و يأتيك نبأ منّا بما يتجدّد لنا من حال،فتعرف بذلك ما تعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال،و اللّه موفّقك لذلك برحمته.

فلتكن-حرسك اللّه بعينه التي لا تنام-أن تقابل لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لإسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون، و يحزن لذلك المجرمون.

و آية حركتنا من هذه اللّوثة حادثة بالحرم المعظّم،من رجس منافق مذمّم،مستحلّ للدم المحرّم،يعمد بكيده أهل الإيمان،و لا يبلغ بذلك غرضه من الظلم و العدوان،لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض و السماء.

فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب،و ليثقوا بالكفاية منه و إن راعتهم بهم الخطوب،و العاقبة-بجميل صنع اللّه سبحانه-تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهيّ عنه من الذنوب.

و نحن نعهد إليك-أيّها الوليّ المخلص،المجاهد فينا الظالمين(أيّدك اللّه بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين)-أنّه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين،و أخرج ممّا عليه الى مستحقّيه، كان آمنا من الفتنة المبطلة،و محنها المظلمة المضلّة.

و من بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته على من أمره بصلته،فإنّه يكون خاسرا بذلك لأولاه و آخرته(1)

ص:290


1- (1) و في نسخة:لأولاه و أخراه.

و لو أنّ أشياعنا-وفّقهم اللّه لطاعته-على أجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم،لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا،و لتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة و صدقها منهم بنا!

فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل بنا ممّا نكرهه و لا نؤثره منهم.و اللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل،و صلاته على سيّدنا البشير النذير محمد و آله الطاهرين و سلّم.

و كتب في غرّة شوال سنة إثنتي عشرة و أربعمائة

نسخة التوقيع باليد العليا(صلوات اللّه على صاحبها):

((هذا كتابنا إليك أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ،بإملائنا،و خطّ ثقتنا،فأخفه عن كلّ أحد،و اطوه،و اجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن الى أمانته من أوليائنا،شملهم اللّه ببركتنا إن شاء اللّه

الحمد للّه و الصلاة على سيّدنا محمد النبي و آله الطاهرين)).

أقول:هذه الرسالة-كسابقتها-تشتمل على رموز و كنايات لا يعرفها إلاّ الشيخ المفيد نفسه،و تتضمّن إخبارات عن المستقبل، بالإضافة الى إحتوائها على كلمات عربيّة غير مألوفة،و يجب أن لا ننسى أنّ كلّ غموض أو توضيح أو رمز أو ما شابه ذلك إنّما هو منبعث عن الحكمة و العناية الخاصّة.

((من عبد اللّه المرابط في سبيله))المرابطة:هي الملازمة و المواظبة على حفظ ثغور البلد من شرّ العدو،و المقصود من الثغور-هنا-:

المواضع التي يخاف منها هجوم العدو،و هي الحدود التي تفصل بين دولتين.

ص:291

و الإمام المهدي(عليه السلام)يسمّي نفسه:المرابط في سبيل اللّه،لأنّه المحافظ على الدين الإسلامي الصحيح،من الضياع و التلف،فما أجمل هذا التعبير!و ما أحسن هذا البيان!.

إنّ المرابط جالس بالمرصاد لكلّ من يحاول الإعتداء على المدينة، في حين أنّ الناس لاهون بأعمالهم و أشغالهم،و هم لا يعلمون بالأخطار التي تتوجّه نحو المدينة و يدفعها المرابطون.

((الى ملهم الحقّ و دليله))قد ذكرنا معنى الإلهام-في شرح الرسالة الأولى-و للدليل معنيان:1-ما يستدلّ به.2-الدالّ على الشيء،و بعبارة أخرى:قد يكون لفظ«الدليل»إسم الفاعل،و قد يكون إسم المفعول،و على كلّ تقدير فالإمام المهدي(عليه السلام) يصف الشيخ المفيد بدليل الحق،ذلك الحقّ الذي ألهمه اللّه تعالى.

((فقد كنّا نظرنا مناجاتك))أي:كنا نرقب أو نشاهد مناجاتك، فلعلّ الشيخ المفيد كان قد توسّل بالإمام المهدي(عليه السلام)و خاطبه في أموره،فجاء الجواب إنّا سمعنا صوتك و فهمنا مرادك.

و دعا له الإمام بالحفظ((عصمك اللّه بالسبب الذي وهبه اللّه لك من أوليائه،و حرسك به من كيد أعدائه))يمكن أن يكون المقصود من السبب-هنا-:المنزلة الشامخة و المقام الرفيع الذي كان له عند الإمام المهدي(عليه السلام).

((و شفّعنا ذلك))أي:إستجاب اللّه هذا الدعاء في حقّنا أيضا، و ذلك كما يقال:غفر اللّه لك و لنا،أو:حفظك اللّه و إيّانا.

((الآن من مستقرّ لنا ينصب في شمراخ من بهماء))أظنّ أنّ هنا

ص:292

كلمة أو جملة محذوفة،و لعلّ التقدير:نكتب إليك الآن،أو نحن الآن،أو ما شابه ذلك،و بدونه يكون الكلام ناقصا.

و المقصود من((مستقر لنا))إمّا خيمة منصوبة،أو دار مبنيّة على قمّة جبل من أرض غير مسلوكة،و مكان لا يعرف الطريق اليه، لأن«الشمراخ»:قمّة الجبل،و«بهماء»-هنا-:المكان الذي لا يعرف الطريق إليه.

((صرنا اليه آنفا من غماليل،ألجأنا اليه السباريت من الايمان)) كان الإمام قد انتقل الى ذلك المكان حديثا،و كان قبل ذلك في غماليل،أي:واد ملتفّ بالشجر الكثير..كالغابة.و إنّما انتقل الإمام من ذلك الوادي بسبب صعوبة العيش فيها،من الجدب و عدم وجود الزرع.

و إنما اختار الإمام(عليه السلام)هذه المناطق المجهولة البعيدة عن المدن و الأماكن المسكونة،بوصية من والده الإمام الحسن العسكري(عليهما السلام)كما صرّح الإمام المهدي بذلك لإبن مهزيار حيث قال له:

((إنّ أبي(صلى اللّه عليه)عهد إليّ أن لا أوطّن من الأرض إلا أخفاها و أقصاها،إسرارا لأمري،و تحصينا لمحلّي،لمكائد أهل الضلال و المردة من أحداث الأمم الضوال..))الى آخر كلامه(1).

((و يكون هبوطنا الى صحصح من غير بعد من الدهر،و لا تطاول

ص:293


1- (1) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 53 ص 34

من الزمان))و يمكث الإمام في تلك المنطقة الجديدة فترة قصيرة،ثم يهبط من قمّة الجبل الى صحصح أي:الى أرض مستوية.و في نسخة:«ضحضح»أي:ماء يسير،و لعلّ الأول أقرب.

((و يأتيك نبأ منّا بما يتجدّد لنا من حال))يستفاد من هذه الجملة أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)كتب الى الشيخ المفيد أكثر من الرسالتين المذكورتين،كما ذكرنا ذلك في أوائل هذا البحث،و المقصود أنّنا نخبرك عن كلّ تغيير يحصل لنا في المسكن((فتعرف بذلك ما تعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال))أي:إنما نخبرك لتعرف أنّ لك عندنا قربا و منزلة شامخة حصلت لك بسبب أعمالك الحسنة.

((فلتكن-حرسك اللّه بعينه التي لا تنام-أن تقابل لذلك فتنة تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لإسترهاب المبطلين))دعا الإمام المهدي(عليه السلام)للشيخ المفيد بأن يحرسه اللّه عن المكاره،و كان هذا الدعاء مقدّمة تمهيديّة لتقوية عزائمه،و تثبيته في مقابل فتنة تهلك نفوس قوم زرعت الباطل في القلوب الفارغة عن العقيدة الصحيحة،و ذلك عن طريق نشر الأباطيل و إشاعة الأكاذيب في ذلك المجتمع.

فالظاهر أنّ الإمام(عليه السلام)أمره بمقاومة تلك الفتنة،و اتّخاذ التدابير اللازمة لها،لتخويف المبطلين،حتى يعلموا أنّ الساحة غير خالية أمامهم،و أنّ هناك من يقاوم نشاطاتهم الجهنميّة.

و يحتمل أن يكون المعنى:إنّ الذين يزرعون الباطل إنما هو لاسترهاب و تخويف المبطلين أمثالهم.و يحتمل-قويّا-أنّ معارك طائفيّة كانت مترقّبة و مخطّطة،و لا نستطيع أن نعلم ماهيّتها و حقيقتها، لغموضها و إهمال التاريخ لذكرها.

ص:294

و على كلّ تقدير:فقد وجد الإمام(عليه السلام)الكفاءة في الشيخ المفيد،ليقف أمام تلك الموجة التي كادت أو كانت تقوم بأعمال شيطانيّة،و يتصدّى لها بكلّ حزم و صمود.

((يبتهج لدمارها المؤمنون،و يحزن لذلك المجرمون))و أخيرا كان مصير تلك المحاولات الفشل،و كأنّ تلك الفتنة أكلت أصحابها و دمّرتهم،ففرح المؤمنون بذلك،و حزن المجرمون لانهيار مساعيهم المنحرفة.

((و آية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظّم،من رجس منافق مذمّم،مستحلّ للدم المحرّم،يعمد بكيده أهل الايمان،و لا يبلغ بذلك غرضه من الظلم و العدوان))اللّوث-بفتح اللام-:لزوم الدار(1)و أمّا اللوثة-بضم اللام-:فهي بمعنى الاسترخاء و البطؤ،و لا تناسب المقام.

و المقصود أنّ علامة حركتنا،أي مغادرتنا هذا المكان الذي نقيم فيه حاليا-و الذي قد تقدّم وصفه-حادثة بالحرم المعظّم،أي:مكّة أو المسجد الحرام،و يقوم بها رجس منافق يظهر الايمان و يبطن الكفر، مذمّم مذموم،كثير الذم،أي:لا يذكره الناس إلا بالشر سفّاك للدماء المحرّمة،لا يبالي من إراقة دماء الأبرياء،يقصد المؤمنين،و يحيك ضدّهم المؤمرات،و لكن محاولاته تبوء بالفشل،فلا يتحقّق هدفه السيء،و لا يبلغ الى آماله من الظلم و العدوان،و هذه أيضا مشكلة تاريخيّة

ص:295


1- (1) القاموس للفيروز آبادي.

لا نستطيع التأكّد من تعيينها،فالحوادث التي جرت في المسجد الحرام كثيرة،و لا نعرف ما يقصده الإمام(عليه السلام)بالضبط.

و لكن نعلم باليقين أنّ الحادثة حدثت في زمان الشيخ المفيد،و لهذا أمره الإمام باتخاذ التدابير لإبطال تلك المؤمراة الكافرة،و تفنيد ذلك المخطّط الشيطاني.

((لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض و السماء)).الدعاء:هو الإستمداد من مركز القدرة التامّة و مصدر القوّة الكاملة العامّة غير المحدودة،الدعاء هو:إستمداد من اللّه تعالى الذي هو ملك السماوات و الأرض و مالكها،و يدبّرها كيف يشاء، و يتصرّف فيها كما يريد،و هو على كل شيء قدير،و بكلّ شيء محيط عليم بصير خبير.

و دعاء الإمام المهدي(عليه السلام)لا يحجب عن اللّه تعالى، لعدم وجود ما يحبس الدعاء عن الإجابة و يمنعه عن التنفيذ،فدعاؤه لا يردّ،بالغا ما بلغ،و كائنا ما كان،و لا يحول دون إجابته حائل.

و يدفع اللّه الفتن بدعاء الإمام المهدي(عليه السلام)و طلبه من اللّه تعالى ذلك،فالإمام المهدي هو الحافظ لشيعته عن طريق الدعاء لهم، و لو لا دعاء الإمام لكانت الحياة على خلاف ما هي عليه الآن.

أيها القاريء:في غضون تأليف هذا الكتاب،إنصبّت أنواع المصائب و المآسي على الشيعة في كثير من بلاد الشرق الأوسط،فقتل من قتل،و اسر من أسر،و سجن من سجن،و اقصي من اقصي،و تشتّت العوائل،و تفرّقت العشائر،و هدّمت بيوت و احترقت أجساد،و زهقت نفوس تحت الأنقاض،و هتكت الاعراض و تمزّقت الاسر،و صودرت

ص:296

الأموال و العقار،و عاشت الشيعة في جوّ من الضغط و الكبت و الإختناق،و انقلبت عليهم الأمور،فصار الأغنياء فقراء و الأعزّة أذلّة، و شملهم الخوف و الذلّ و الهوان،فكانت الويلات و الدموع و الآهات ممّا تعجز الأقلام عن وصفها،و الألسن عن شرحها،فأين دعاء الإمام؟؟!!

لا أريد أن أخدش عواطف أبناء مذهبي و أضع النقاط على الحروف،حتى يحمل كلامي على الشماتة،و لكنّي أقول:كلّ من قرأ هذا البحث من كتابي،فليلق نظرة الى المجتمع و ليقارن بينه و بين التعاليم الإسلامية،ليرى بونا شاسعا و ابتعادا كثيرا بينهما.

فأين التشيّع من السفور و الخلاعة،و الخمور و الفجور،و الربا و الزنا و أكل الحرام و الإنحراف عن خط أهل البيت الذي هو خطّ الاسلام؟!

و لا تسأل عن الإنحرافات العقائديّة التي ابتلي بها شبابنا في هذا العصر بصورة خاصّة!

فأين التشيّع من الشيوعيّة الكافرة،و الوجودية الباطلة،و الأحزاب الأخرى التي هي و التشيّع على طرفي نقيض؟!

إنّ الكثيرين من الشيعة هم شيعة بالولادة،شيعة إسما،لا سلوكا و لا عقيدة و لا عملا..فكيف يشملهم دعاء الإمام؟!.

و ليس معنى كلامي هذا،أنّ الانحراف خاص ببعض أفراد الشيعة فقط،كلاّ..بل إنّ الإنحرافات و المفاسد و المساوىء عند أفراد بقيّة المذاهب الاسلامية أكثر و أكثر ممّا هو موجود عند الشيعة،كما رأيت ذلك و شاهدت،و ليس معنى كلامي المتقدّم أنّ أتباع بقية المذاهب أبرار

ص:297

و أخيار و معصومون من كلّ ذنب و كأنّهم ملائكة..كلاّ،و إنّما المقصود أنّ دعاء الإمام لشيعته يكون عند صفاء الشيعة و ابتعادهم عمّا نهى اللّه عنه،و إلاّ فالبلاء نازل و الشرّ قادم-نعوذ باللّه-.

((فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب،و ليثقوا بالكفاية منه و إن راعتهم بهم الخطوب))و هكذا يفيض الإمام المهدي(عليه السلام) الطمأنينة و الإستقرار على قلوب مواليه و محبّيه،ببركة دعاء الإمام،حتى يثقوا بأنّ اللّه تعالى يكفيهم شرّ الأحداث و حتى إذا أخافتهم البهم:و هي الخطوب و المكاره العظيمة.

((و العاقبة-بجميل صنع اللّه سبحانه-تكون حميدة لهم،ما اجتنبوا المنهيّ عنه من الذنوب))و هذه بشرى سارة أنّ عاقبة أمرهم-و هي نهايتها-تكون حميدة،و ذلك بسبب جميل صنع اللّه تعالى؛أي:جميل إحسانه لهم،ما داموا مبتعدين عن المعاصي و المنكرات.

((و نحن نعهد اليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين-ايّدك اللّه بنصره الذي ايّد به السلف من أوليائنا الصالحين-أنّه من اتقى ربّه))نعهد اليك أي:نتقدّم اليك بهذا القول،أو:نوصيك بهذه الوصيّة،أو نعدك.ثم وصف الإمام الشيخ المفيد بالولاء الخالص، و سمّاه وليا مخلصا في ولائه و أعماله،و معنى الاخلاص:التجرّد عن الشوائب،و كلّ ما صفى و خلص و لم يمتزج بغيره فهو خالص،و العمل الذي يكون للّه و لا يريد أن يحمده عليه أحد إلاّ اللّه سبحانه.

و يستفاد أنّ الشيخ المفيد بذل الجهود و المساعي الكثيرة في دفع شبهات المبطلين،و تفنيد مزاعمهم،و تثبيت قواعد التشيّع و مكافحة المنحرفين،و قد وصفه الإمام(عليه السلام)بقوله:((المجاهد فينا

ص:298

الظالمين)ثم دعا له بهذه الدعوات التي تعتبر من نوادر النعم..و لا تثمّن بثمن:((أيّدك اللّه بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائه الصالحين)) لعلّ الإمام المهدي(عليه السلام)يشير بهذا الدعاء الى الآية الشريفة:

((و أيّدناه بروح القدس))أيدّك اللّه أي:قوّاك اللّه بنصره،فيمكن أن يكون المقصود من قوله:((بنصره الذي أيّد به السلف))هي تقوية الروح و النفس عن طريق روح القدس الموكّل ببعض العباد،يلهمهم الكلام،و يلقّنهم المعاني،و يجري على ألسنتهم الحقائق،كما قال النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)لحسّان بن ثابت:«لا زلت مؤيّدا بروح القدس ما دمت ناصرنا».و قال الإمام الرضا(عليه السلام) لدعبل:يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك.و قد ذكرنا ذلك في فصل:((الإمام الرضا يبشّر بالإمام المهدي)).

نعهد اليك((أنّه من اتقى ربّه من إخوانك في الدين،و أخرج ممّا عليه الى مستحقّيه،كان آمنا من الفتنة المبطلة،و محنها المظلمة المضلّة)) يضمن الإمام المهدي(عليه السلام)لأهل التقوى الذين يخرجون ما عليهم من الحقوق المالية-كالخمس و الزكاة و غيرهما-و يدفعونها الى مستحقّيها،يضمن لهم الأمان من مضاعفات الفتنة المبطلة،و هي التي تأتي بالباطل و الكذب،و المحن-جمع محنة-و هي ما يمتحن به الانسان من بليّة،و وصفها بالظلام و الضلال،كالطريق المظلم الذي يضلّ فيه الإنسان و لا يعرف طريق الخلاص و الخروج من تلك الظلمة.

((و من بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته على من أمره بصلته فانه يكون خاسوا لأولاه و أخراه))لقد ضمن الإمام المهدي(عليه السلام) للذين يدفعون حقوقهم الماليّة الواجبة أن يكونوا آمنين من البلايا و المحن

ص:299

و الشدائد،و كذلك هدّد الذين يبخلون عن دفع الحقوق الماليّة التي أعارها اللّه عندهم،و العارية:هي الشيء الذي تدفعه للآخر بشرط أن يردّه إليك،فالأموال التي يتركها الإنسان بعده هي بمنزلة العارية،لأنها تنتقل الى غيره،أو يصرفها في حياته،و على كلّ حال فالأموال التي بيد الإنسان جعلها اللّه سبحانه عارية عنده،لا تبقى دائما بل تزول و تخرج من يده،فمن بخل عن دفع الحقوق المالية الى المستحقّين فسوف يرى الخسائر الماليّة في هذه الدنيا،بأن تسرق أمواله أو تتلف بالحرق أو الغرق أو النهب أو ما شابه ذلك.

و يكون خاسرا في آخرته أيضا،لأنّه يخسر الأجر العظيم و الثواب الجزيل الذي أعدّه اللّه للمنفقين أموالهم في سبيل اللّه،بل و يعذّب على ترك هذا الواجب و هو دفع الحقوق الشرعيّة.

((و لو أنّ أشياعنا-وفّقهم اللّه لطاعته-على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم،لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا و لتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة،و صدقها منهم بنا))كلام مؤسف و خبر مؤلم،يشير الى أكبر خسارة منيت بها الطائفة الشيعيّة،و هي حرمانها عن الفوز بلقاء الإمام(عليه السلام)خلال الغيبة الكبرى، و ذلك بسبب فقدان المؤهّلات و هي:اجتماع قلوب الشيعة في الوفاء بالعهد.

لا نستطيع أن نعرف-بالضبط-المقصود من كلمة((الوفاء بالعهد))و الإحتمالات كثيرة و التصوّرات متعددة،و لكنّ الشيء الثابت هو أن المقصود من«الوفاء بالعهد»هو الإلتزام بالاستقامة و السير على خطّ الاسلام بدون أيّ إنحراف.

ص:300

فلو كان المجتمع الشيعي هكذا،لكان الطريق مفتوحا له،يلتقي بالإمام بصورة مكشوفة واضحة،لا أن يكون غافلا حين اللقاء،لأنّ أكثر اللقاءات التي حصلت لبعض الأفراد خلال الغيبة الكبرى كان مقرونا بالغفلة و عدم الإنتباه،و بعد إنتهاء اللقاء كان ينكشف لهم أنّهم التقوا بالإمام المهدي(عليه السلام)في جوّ من الغفلة و انصراف الفكر.

و لو كان المجتمع الشيعي على ما يحبّه الإمام المهدي(عليه السلام) لكانت السعادة تغمرهم بالتشرّف بلقاء الإمام مع معرفتهم به،لا في حالة الغفلة و عدم الإنتباه.

((فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا مما نكرهه و لا نؤثره منهم))إنّ الأحاديث الكثيرة تصرّح بأنّ أعمال الناس تعرض على كلّ إمام من أئمّة أهل البيت،في كل أسبوع مرّتين،في أيّام الخميس و الاثنين،فمن الطبيعي أن الإمام يكره لشيعته أن يتلوّثوا بأيّ إنحراف،و لا يرضى لهم ذلك،و لأن التلوّث بالمعاصي يسلب منهم توفيق التشرّف بلقاء الإمام المهدي(عليه السلام)و يكون مانعا لحصول هذا الشرف.

((و كتب في غرّة شوال من سنة إثنتي عشرة و أربعمائة))

((نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه على صاحبها)):

هذا كتابنا اليك أيها الولي الملهم للحق العلي،بإملائنا و خطّ ثقتنا،فأخفه عن كلّ أحد و اطوه،و اجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن الى أمانته من أوليائنا،شملهم اللّه ببركتنا إن شاء اللّه)).

لقد ذكرنا-في شرح الرسالة الأولى للشيخ المفيد-المقصود من كلمة«نسخة التوقيع....».

ص:301

لقد أمر الإمام المهدي(عليه السلام)الشيخ المفيد بأن يخفي رسالة الإمام عن جميع الناس،حتى لا يطّلع أحد على خطّ الإمام و خطّ كاتبه،لأسرار و حكم،و أمره الإمام أن يستنسخ من الرسالة نسخة حتى يطلع عليها من يطمئنّ الشيخ المفيد بأمانته و عدم إفشائه السرّ من الشيعة فقط.

فلعلّ الإمام(عليه السلام)كان يرى كتمان هذا الأمر عن غير الشيعة و عن السلطات الحاكمة في ذلك الزمان.

ص:302

الفصل الثاني عشر

اشارة

من الذي رآه في الغيبة الكبرى؟

إنّ الذين تشرّفوا بلقاء الإمام الحجّة المهدي(عليه السلام)-في أيام الغيبة الكبرى-كثيرون جدّا،و لا يمكن إحصاؤهم،كما يصعب إستيعاب أسماء من سجّلتهم كتب التاريخ و الحديث في هذا المجال.

و قد ذكر الشيخ المجلسي-رحمه اللّه-أسماء جماعة من الذين تشرّفوا بلقاء الإمام في أيام الغيبة الكبرى،في كتاب بحار الانوار.(1)

كما ذكر الشيخ النوري-في كتاب النجم الثاقب-مائة قصّة عن الذين ساعدهم الحظ ففازوا بلقائه(عليه السلام)ثم إنتخب منها ثمان و خمسين قصّة و حكاية،و ذكرها في كتاب جنّة المأوى.(2)

و قد ألّف علماؤنا القدامى و المعاصرون-كتبا مستقلّة حول الذين تشرّفوا بلقاء الإمام المهدي(عليه السلام)مثل:كتاب(تبصرة الوليّ، فيمن رأى القائم المهدي)للسيّد هاشم البحراني،و(تذكرة الطالب، فيمن رأى الإمام الغائب)،و(دار السلام فيمن فاز بسلام الإمام) للشيخ محمود الميثمي العراقي،و(بدائع الكلام فيمن اجتمع بالإمام)للسيّد

ص:303


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 1-77،طبع طهران سنة 1393 ه
2- (2) لقد طبع كتاب(جنّة المأوى)مع الجزء الثالث و الخمسين من بحار الأنوار

جمال الدين محمد بن الحسين اليزدي الطباطبائي،و(البهجة فيمن فاز بلقاء الحجّة)للميرزا محمد تقي الألماسي الاصفهاني،و(العبقريّ الحسان في تواريخ صاحب الزمان)للشيخ علي أكبر النهاوندي.

أما قصص و حكايات الذين تشرّفوا بلقاء الإمام(عليه السلام)في زماننا هذا-ممّن لم يذكر قصصهم المحدّثون،و لم يسجّل أسماءهم المؤلّفون-فكثيرة جدّا.

و بما أنّ للقصص أهميّة كبرى في التثقيف و التوجيه و التعليم،لذا ننتخب في هذا الفصل-من مجموع القصص و الحكايات-عشر قصص، نوجزها رعاية للإختصار.

و الجدير بالذكر أنّ كثيرا من الذين ساعدهم التوفيق ففازوا بهذا الشرف العظيم،ما كانوا يخبرون أحدا بذلك،خوفا من الشهرة،أو من أن يتّهموا بالكذب و الدجل فلا يصدّقهم أحد،أو تقيّة من السلطة أو ما شابه ذلك،و لهذا كانوا يفضّلون السكوت على الإخبار بذلك.

و أمّا الذين أخبروا بالتشرّف بلقاء الإمام(عليه السلام)-ممّن وصلتنا أخبارهم-فلعلّ الضرورة اقتضت ذلك،أو أنّ التكليف الشرعي فرض عليهم،إثباتا للحق و تثبيتا لعقائد الناس.

و فيما يلي نذكر القصص المختارة،مع مراعاة الإختصار:

ص:304

1-قصّة الرمّانة في البحرين

لقد كانت بلاد البحرين-و لا تزال-آهلة بشيعة أهل البيت(عليهم السلام)،و في القرن السابع الهجري كان والي البحرين من النواصب و الأعداء الألدّاء للشيعة،و كان وزيره أخبث منه،و أكثر بغضا للشيعة.

و في يوم من الأيام جاء الوزير للوالي برمّانة مكتوب عليها:(لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه،أبو بكر و عمر و عثمان و علي خلفاء رسول اللّه) فنظر الوالي الى كتابة الرمّانة،فظن أنّ تلك الخطوط كتبت بقلم القدرة،و ليست من صنع البشر.

فقال للوزير:هذه آية بيّنة،و حجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة-يقصد الشيعة-.

فاقترح الوزير أن يجمع الوالي علماء الشيعة و شخصيّاتهم،و يريهم الرمّانة،فإن تخلّوا عن مذهب التشيّع و اعتنقوا مذهب أهل السنّة، تركهم بحالهم،و إن أبوا إلا التمسّك بمذهبهم،خيّرهم بين ثلاثة أمور:

الأول:أن يدفعوا الجزية،كما يدفعها غير المسلمين من اليهود و النصارى و المجوس.

ص:305

الثاني:أن يأتوا بجواب لردّ و تفنيد الكتابة الموجودة على الرمّانة.

الثالث:أن يقتل الوالي رجالهم،و يسبي نساءهم و أولادهم، و يأخذ أموالهم بالغنيمة!

فأرسل الوالي الى شخصيّات الشيعة و أحضرهم،و أراهم الرمّانة، و خيّرهم بين الأمور الثلاثة المذكورة،فطلبوا منه المهلة ثلاثة أيام.

فاجتمع رجالات الشيعة و أهل الحلّ و العقد،يتذاكرون فيما بينهم حول كيفية التخلّص من هذه المشكلة،و بعد مذاكرات طويلة،اختاروا من صلحائهم عشرة رجال،و اختاروا من العشرة ثلاثة،و تقرّر أن يخرج في كل ليلة واحد من الثلاثة الى الصحراء،و يستغيث بالإمام المهدي(عليه السلام)للتخلّص من هذه المحنة.

فخرج أحدهم في الليلة الأولى،فلم يتشرّف بلقاء الإمام و لم تنحلّ المشكلة،و هكذا حدث للثاني أيضا،و في الليلة الثالثة خرج الشيخ محمد بن عيسى الدمستاني(1)-و كان فاضلا تقيّا-فخرج الى الصحراء حافيا حاسر الرأس،و قضى ساعات من الليل بالبكاء و التوسّل و الإستغاثة بالإمام المهدي(عليه السلام)لكي ينقذهم من هذه الورطة و البلاء.و في الساعات الأخيرة من الليل،حضر الإمام المهدي(عليه السلام)و خاطبه:يا محمد بن عيسى مالي أراك على هذه الحالة؟و لماذا خرجت الى هذه البريّة(2)؟فامتنع الرجل أن يذكر حاجته إلاّ للإمام

ص:306


1- (1) دمستان:قرية في البحرين.
2- (2) البريّة:الصحراء

المهدي(عليه السلام).

فقال له الإمام:أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك.

قال محمد بن عيسى:إن كنت صاحب الأمر فانت تعلم قصّتي، و لا حاجة الى البيان و الشرح.

فقال الإمام:نعم،خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة،و ما كتب عليها(1)

فلمّا سمع محمد بن عيسى ذلك،أقبل الى الإمام،و قال:نعم يا مولاي،تعلم ما أصابنا،و أنت إمامنا و ملاذنا،و القادر على كشفه عنّا.

فقال الإمام:إنّ الوزير-لعنه اللّه-في داره شجرة رمّان،فلمّا حملت تلك الشجرة،صنع الوزير شيئا(أي:قالبا)من الطين على شكل الرمّانة،و جعله نصفين،و نحت في داخله تلك الكلمات المذكورة،ثم جعل رمّانة من الشجرة في ذلك القالب،و شدّ القالب على الرمّانة،فلما نبتت الرمّانة و كبرت،دخل قشرها في تلك الكتابة المنحوتة.

فإذا مضيتم غدا الى الوالي(2)فقل له:جئتك بالجواب،و لكنّني لا أبديه إلاّ في دار الوزير،فإذا مضيتم الى داره،فانظر عن يمينك ترى غرفة،فقل للوالي:لا أجيبك إلاّ في تلك الغرفة،و سيمتنع الوزير عن

ص:307


1- (1) دهمكم:ساءكم،و أشغل أفكاركم.
2- (2) مضيتم:ذهبتم

ذلك،و لكن عليك بالإلحاح،و حاول أن لا يدخل الوزير تلك الغرفة قبلك،بل أدخل معه،فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة(1)فيها كيس أبيض،فانهض اليه و خذه،فترى فيه تلك الطينة(القالب)التي عملها لهذه الحيلة،ثم ضعها أمام الوزير،ثم ضع الرمّانة فيها حتّى ينكشف أنّ الرمّانة على حجم القالب.

ثم قال الإمام المهدي(عليه السلام)يا محمد بن عيسى:قل للوالي:إنّ لنا معجزة اخرى،و هي أنّ هذه الرمّانة ليس فيها إلاّ الرماد و الدخان(2)فإن أردت صحة هذا الخبر فأمر الوزير بكسرها،فإذا كسرها طار الرماد و الدخان على وجهه و لحيته!

إنتهى اللقاء،و رجع محمد بن عيسى و قد غمره الفرح و السرور، و انصرف الى الشيعة يبشّرهم بحلّ المشكلة.

و أصبح الصباح و مضوا الى الوالي،و نفّذ محمد بن عيسى كلّ ما أمره الإمام(عليه السلام)فسأله الوالي:من أخبرك بهذا؟

قال:إمام زماننا،و حجّة اللّه علينا!

فقال:و من إمامكم؟

فأخبره بالأئمة الإثني عشر واحدا بعد واحد،حتّى انتهى الى الإمام المهدي صاحب الزمان(عجّل اللّه ظهوره)

فقال الوالي:مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمدا

ص:308


1- (1) الكوّة:ثقبة في الحائط توضع فيها الأشياء،و ربّما نفذ منها الهواء و الضوء.
2- (2) و ذلك لعدم وصول الهواء و أشعّة الشمس إليها،بسبب كونها في القالب.

عبده و رسوله،و أنّ الخليفة بعده بلا فصل:أمير المؤمنين علي(عليه السلام)ثم أقرّ بالأئمة الطاهرين(عليهم السلام)و أمر بقتل الوزير، و اعتذر الى أهل البحرين(1)

أيّها القاريء الكريم:هذه القصّة مشهورة عند المؤمنين و خاصّة عند أهل البحرين،و قبر محمد بن عيسى في البحرين معروف يزوره الناس.

2-قصّة ياقوت الدهّان

روي عن الشيخ الجليل العالم النبيل الشيخ علي الرشتي-و كان من أجلاّء العلماء الأتقياء-قال:سافرت من مدينة كربلاء المقدّسة الى النجف الأشرف عن طريق(طويريج)(2)فركبنا السفينة،و فيها جماعة كانوا مشغولين باللهو و اللعب و بعض الأعمال المنافية للوقار و الأدب، و رأيت رجلا معهم لا يشاركهم في أعمالهم،بل يحافظ على وقاره و أخلاقه،و لا يشترك معهم إلاّ عند تناول الطعام،و كانوا يستهزؤن به و يخاطبونه بكلام لاذع،و ربما طعنوا في مذهبه!

فسألته عن سبب إبتعاده عن تلك الجماعة و عدم إشتراكه معهم في

ص:309


1- (1) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 52 ص 178-180.
2- (2) طويريج:إسم مدينة تبعد عن كربلاء حوالي 15 كيلوا مترا،و تعرف اليوم ب(قضاء الهنديّة)و قد كان الناس يسافرون-بالزوارق و السفن-من كربلاء الى طويريج، و منها الى النجف.

اللهو و اللعب؟

فقال:هؤلاء أقاربي،و هم أهل السنّة،و أبي منهم،و لكن والدتي من أهل الإيمان(أي:أنّها شيعيّة)و كنت أنا أيضا على مذهبهم، و لكنّ اللّه تعالى منّ عليّ بالتشيّع ببركة الإمام الحجّة صاحب الزمان(عليه السلام).

فسألته عن سبب هدايته و تشرّفه بالتشيّع؟

فقال:إسمي:ياقوت،و أنا دهّان(1)في مدينة الحلّة.ثم بدأ يحكي لي قصّة هدايته فقال:خرجت-في بعض السنين-الى البراري، خارج الحلّة،لشراء الدهن،فاشتريت كميّة من الدهن و رجعت مع جماعة،و وصلنا ليلا الى منزل-في الطريق-فبتنا فيه تلك الليلة،فلّما انتبهت من النوم،رأيت أنّ الجماعة قد رحلوا جميعا،فخرجت في أثرهم،و كان الطريق في البرّ الأقفر،و أرض ذات سباع،فضللت عن الطريق،و بقيت متحيّرا خائفا من السباع و العطش.

فجعلت أستغيث بالخلفاء!!و أسألهم الإعانة،فلم يظهر منهم شيء!و كنت-فيما مضى-قد سمعت من أمّي أنّها قالت:إنّ لنا إماما حيّا،يكنّى:أبا صالح،و هو يرشد الضالّ (2)و يغيث الملهوف و يعين الضعيف،فعاهدت اللّه تعالى:إن أغاثني ذلك الإمام أن أدخل في دين أمّي(أي:أعتنق مذهب التشيّع).

ص:310


1- (1) أي:إنّ مهنتي بيع الدهن.
2- (2) أي:التائه الذي ضاع و ضلّ عن الطريق.

فناديت:يا أبا صالح!

و إذا برجل في جنبي و هو يمشي معي و قد تعمّم بعمامة خضراء، فدلّني على الطريق،و أمرني بالدخول في دين أمّي،و قال:ستصل الى قرية أهلها جميعا من الشيعة

فقلت له:ألا تأتي معي الى هذه القرية؟

قال:لا..لأنّه قد إستغاث بي-الآن-الف إنسان في أطراف البلاد،و أريد أن أغيثهم.ثم غاب عنّي،فمشيت قليلا،فوصلت الى القرية و كانت تبعد عن ذلك المنزل-الذي نزلنا فيه ليلا-مسافة بعيدة، و وصلت الجماعة الى تلك القرية بعدي بيوم!

و دخلت الحلّة،و ذهبت الى دار السيّد مهدي القزويني(1)فذكرت له القصّة،و تعلّمت منه معالم الدين...الى آخر كلامه.(2)

3-قصّة إسماعيل بن الحسن الهرقلي

حكي عن شمس الدين بن إسماعيل الهرقلي(3)أنّ أباه كان-في أيام شبابه-قد أصيب بقرحة على فخذه الأيسر يقال لها:(توثة)و كانت تتشقّق-في موسم الربيع-و يخرج منها دم وقيح.فخرج من

ص:311


1- (1) كان من علماء الشيعة البارزين في عصره.
2- (2) كتاب(جنّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجّة عليه السلام في الغيبة الكبرى)لمؤلّفه الشيخ النوري،ص 293،المطبوع مع الجزء الثالث و الخمسين من بحار الأنوار.
3- (3) هرقل:إسم قرية كانت في ضواحي مدينة الحلّة.

قريته(هرقل)و قصد مدينة الحلّة(1)و شكى الى السيّد رضيّ الدين علي بن طاووس(2)ما يجده من الألم،فأحضر إبن طاووس الأطبّاء لمعاينته،و بعد الفحص قال الأطبّاء:إنّ في إجراء العمليّة الجراحيّة على هذه القرحة خطر الموت،و إنّ نسبة نجاح العمليّة ضئيلة جدّا.فذهب إسماعيل الهرقلي مع السيّد إبن طاووس الى بغداد لمراجعة الأطباء الحاذقين.فكان الجواب نفس الجواب الأوّل.

فتوجّه إسماعيل الى مدينة(سامرّاء)للتوسّل بالإمام المهدي(عليه السلام)و طلب الشفاء منه،و بعد أيام ذهب الى نهر دجلة،و اغتسل فيه و لبس ثوبا نظيفا،فالتقى به أربعة فرسان،أحدهم بيده رمح و عليه فرجيّة(3).

فتقدّم اليه صاحب الفرجيّة،و وقف أصحابه الثلاثة على جانبي الطريق،و سلّموا على إسماعيل،فسأله صاحب الفرجيّة:أنت غدا تروح الى أهلك؟

قال إسماعيل:نعم

فقال له:تقدّم حتى أبصر ما يوجعك.فجعل يلمس جسم الهرقلي،حتى أصابت يده القرحة فعصرها ثم استوى على سرج فرسه

فقال أحد الفرسان الثلاثة:أفلحت يا إسماعيل!

ص:312


1- (1) الحلّة:إسم مدينة في العراق،تقع على نهر الفرات،تبعد عن مدينة كربلاء حوالي 40 كيلو مترا.
2- (2) هو من كبار علماء الشيعة ولد سنة 589 ه،و توفّي سنة 664 ه
3- (3) الفرجيّة:ثوب واسع،طويل الأكمام،يتزيّا به علماء الدين.

فتعجّب إسماعيل من معرفتهم إسمه،و لكنّه لم ينتبه الى ما يجري عنده،و قال:أفلحنا و أفلحتم إنشاء اللّه.

فقال له الرجل:هذا هو الإمام-و أشار الى صاحب الفرجيّة-.

فتقدّم إسماعيل و احتضن رجله و قبّل فخذه،فقال له الإمام-بلطف و رأفة-:إرجع

قال إسماعيل:لا أفارقك أبدا.

فقال الإمام:المصلحة في رجوعك

فأعاد إسماعيل كلامه الأول

فقال أحدهم:يا إسماعيل ما تستحي؟!يقول لك الإمام-مرّتين-:إرجع.و تخالفه؟!

فتوقّف إسماعيل عند ذلك،فقال له الإمام:إذا وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك أبو جعفر-يعني الحاكم العباسي:المستنصر-فإذا حضرت عنده و أعطاك شيئا فلا تأخذه،و قل لولدنا الرضيّ:ليكتب لك الى علي بن عوض،فإنّني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم تركه الإمام و أصحابه و واصلوا المسير،و مضى إسماعيل الى مشهد الإمامين العسكريّين فالتقى به بعض الناس فسألهم عن الفرسان الأربعة؟فقالوا:هم من الشرفاء أرباب الغنم

فقال لهم:بل هو الإمام

فقالوا:أريته المرض الذي فيك؟

ص:313

قال:هو قبضه بيده.ثم كشف عن رجله فلم ير أثرا لذلك المرض،فتداخله الشك في أن تكون القرحة في الرجل الأخرى، فكشف عن رجله الأخرى فلم ير شيئا،فتهافت الناس عليه،يمزّقون قميصه تبرّكا به.

و جاءه رجل من قبل السلطة العباسيّة،و سأله عن إسمه و تاريخ مغادرته بغداد؟فأخبره بكلّ شيء،فكتب الرجل بالخبر الى بغداد.

و بعد يوم واحد خرج إسماعيل من مدينة سامراء متوجّها الى بغداد،فلمّا وصل اليها رأى الناس مزدحمين على القنطرة-خارج المدينة-يسألون كلّ قادم عن إسمه و نسبه و أين كان؟فسألوه عن إسمه،فأخبرهم بكلّ شيء،فاجتمعوا عليه يمزّقون ثيابه للتبرّك، و وصل الى بغداد و قد كاد أن يموت من كثرة الإزدحام.

و خرج السيّد إبن طاووس و معه جماعة،فالتقوا بإسماعيل و ردّوا الناس عنه،فلما رآه السيد قال له:أعنك يقولون؟

قال:نعم

فنزل عن دابّته و كشف عن فخذ إسماعيل،فلم ير أثرا من القرحة،فغشي عليه..و لمّا أفاق أخذ بيد إسماعيل و أدخله على الوزير باكيا،و قال:هذا أخي و أقرب الناس الى قلبي.

فسأله الوزير عن القصّة فحكى له،فأحضر الوزير الأطبّاء-الذين عاينوا القرحة قبل ذلك و قالوا ليس لها دواء إلاّ القطع بالحديد و فيه خطر الموت-فقال لهم:فبتقدير أن يقطع و لا يموت..في كم تبرأ؟(1)

ص:314


1- (1) أي:لو فرضنا أنّ العمليّة أجريت له و نجحت،في كم مدّة يندمل الجرح و يبرأ؟

قالوا:في شهرين،و يبقى مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر!

فسألهم الوزير:متى رأيتم القرحة؟

قالوا:منذ عشرة أيام.

فكشف الوزير عن الفخذ التي كانت فيه القرحة،فلم يروا لها أثرا،فصاح أحد الأطباء:هذا عمل المسيح!

فقال الوزير:حيث لم يكن هذا من عملكم،فنحن نعرف من عملها.

ثم إنّ الحاكم العباسي المستنصر أحضر إسماعيل و سأله عن القصّة؟ فقصّها عليه،فأمر له بألف دينار و قال له:خذ هذه و أنفقها

فقال إسماعيل:ما أجسر أن آخذ منه حبّة واحدة!!

فقال المستنصر-متعجبا-ممّن تخاف؟!

قال:من الذي فعل معي هذا،فإنه قال:لا تأخذ من المستنصر شيئا!

فبكى المستنصر و تكدّر،و خرج إسماعيل من عنده و لم يأخذ منه شيئا.

قال شمس الدين بن إسماعيل الهرقلي:رأيت فخذ أبي-بعد ما صلحت-و لا أثر فيها،و قد نبت في موضعها الشعر(1).

ص:315


1- (1) كتاب بحار الأنوار ج 52 ص 61-64،نقلا عن كتاب(كشف الغمّة في معرفة الأئمّة)لمؤلّفه علي بن عيسى الإربلي.

4-قصّة ابي راجح الحمّامي

روى الشيخ المجلسي عن الشيخ العابد المحقّق شمس الدين محمد بن قارون قال:كان في مدينة الحلّة رجل يقال له:أبو راجح الحمّامي،و حاكم ناصبي إسمه مرجان الصغير(1)و ذات يوم أخبروا الحاكم بأنّ أبا راجح يسبّ بعض الصحابة!،فأحضره و أمر بضربه و تعذيبه،فضربوه ضربا مهلكا على وجهه و جميع بدنه،فسقطت أسنانه،ثمّ أخرجوا لسانه و أدخلوا فيه إبرة عظيمة،و ثقبوا أنفه، و جعلوا في الثقب خيطا و شدّوا الخيط بحبل و جعلوا يدورون به في طرقات الحلّة،و الضرب يأخذه من جميع جوانبه،حتى سقط على الأرض.

فأمر الحاكم بقتله،فقال الحاضرون:إنّه شيخ كبير،و سوف يموت من شدة الضرب و كثرة الجراحات.فتركوه على الأرض،و جاء أهله و حملوه الى الدار،و كان بحالة فظيعة لا يشكّ أحد أنّ الرجل سيفارق الحياة،ممّا نزل به من التعذيب الوحشي.

و أصبح الصباح،و إذا الرجل قائم يصلّي على أحسن حالة،و قد عادت اليه أسنانه التي سقطت،و التأمت جراحاته،و لم يبق في بدنه أثر من ذلك التعذيب!!

ص:316


1- (1) الناصبي:هو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت،أو شيعتهم لأجل متابعتهم لأهل البيت.مجمع البحرين للطريحي.

فتعجّب الناس من ذلك،و سألوه عن واقع الأمر؟فأخبرهم أنّه أستغاث بالإمام المهدي(عجّل اللّه ظهوره)و توسّل الى اللّه تعالى به، فجاءه الإمام الى داره،فامتلأت الدار نورا.

قال أبو راجح:فمسح الإمام بيده الشريفة على وجهي،و قال لي:أخرج و كدّ على عيالك(1)فقد عافاك اللّه تعالى،فاصبحت كما ترون.

و رآه محمد بن قارون و قد عادت اليه نضارة الشباب،و احمرّ وجهه و اعتدلت قامته.

و شاع الخبر في الحلّة،فأمر الحاكم بإحضاره-و كان قد رآه يوم أمس و قد تورّم وجهه من الضرب-فلما رآه صحيحا سليما و لا أثر للجراحات في جسمه،خاف الحاكم خوفا شديدا،و غيّر سلوكه مع شيعة أهل البيت(عليهم السلام)و صار يحسن المعاملة معهم.

و كان أبو راجح-بعد تشرّفه بلقاء الإمام-كأنه إبن عشرين سنة و لم يزل كذلك حتى أدركته الوفاة(2).

5-قصّة المقدّس الأردبيلي

ذكر العلاّمة المجلسي-رحمه اللّه-أنّه سمع من جماعة أخبروه عن السيد الفاضل أمير علاّم قال:كنت في صحن الإمام أمير المؤمنين(عليه

ص:317


1- (1) كدّ على عيالك:أي:أطلب الرزق لهم.
2- (2) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 52 ص 70-71

السلام)(1)في ساعة متأخّرة من الليل،فرأيت رجلا مقبلا نحو الروضة المقدّسة،فاقتربت منه فإذا هو العالم التقيّ مولانا أحمد الأردبيلي-قدّس اللّه روحه-فاختفيت عنه،فجاء الى باب الروضة-و كان مغلقا-فانفتح له الباب،و دخل الروضة،فسمعته يتكلّم كأنّه يناجي أحدا،ثمّ خرج،و أغلق باب الروضة،فتوجّه نحو مسجد الكوفة،و أنا خلفه أتّبعه و هو لا يراني،فدخل المسجد و قصد نحو المحراب الذي إستشهد فيه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).

و مكث هناك طويلا،ثمّ رجع نحو النجف و كنت خلفه أيضا، و في أثناء الطريق غلبني السعال،فسعلت،فالتفت إليّ و قال:أنت أمير علاّم؟

قلت:نعم

قال:ما تصنع ها هنا؟!

قلت:كنت معك منذ دخولك الروضة المقدّسة و الى الآن، و أقسم عليك بحقّ صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك من البداية الى النهاية؟

قال:أخبرك بشرط أن لا تخبر به أحدا ما دمت حيا،فوافقت على الشرط.

فقال:كنت أتفكّر في بعض المسائل الفقهيّة الغامضة،فقرّرت أن

ص:318


1- (1) الصحن:الساحة التي تحيط ببناء الروضة التي فيها قبر الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام).

أحضر عند مرقد الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)لأسأله عنها،فلمّا وصلت الى باب الروضة إنفتح لي الباب بغير مفتاح،فدخلت الروضة و سألت اللّه تعالى أن يجيبني مولاي أمير المؤمنين(عليه السلام)عن تلك المسائل،فسمعت صوتا من القبر:أن ائت مسجد الكوفة،و سل من القائم،فإنّه إمام زمانك.

فأتيت المسجد عند المحراب،و سألت الإمام المهدي(عليه السلام)عنها فأجابني عن ذلك،و ها أنا راجع الى بيتي.(1)

6-قصّة الشيخ محمد حسن النجفي

ذكر الشيخ النوري-في كتاب جنّة المأوى-عن بعض علماء النجف الأشرف:أنّه كان في النجف رجل من طلاّب العلوم الدينيّة، إسمه الشيخ محمد حسن سريرة،و كان يعاني ثلاث مشاكل:

1-يقذف الدم من صدره.

2-يعيش في فقر شديد.

3-يحبّ الزواج من امرأة إمتنع أهلها أن يزوّجوها إيّاه،لفقره.

فلمّا يئس من ذلك،قرّر الذهاب الى مسجد الكوفة(2)أربعين ليلة

ص:319


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 175
2- (2) مسجد الكوفة:مسجد عظيم مبارك،يقع في مدينة الكوفة بالقرب من النجف الأشرف،و قد كان الإمام علي أمير المؤمنين يصلّي بالناس فيه،و فيه قتل،و قد جدّد بناؤه عدة مرات.

أربعاء،لأنّه قد اشتهر بين المؤمنين أنّ من واظب على زيارة مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء،فلا بدّ أن يرى الإمام المهدي صاحب الزمان (عليه السلام).

فواظب الرجل على ذلك،أملا في أن يتشرّف بلقاء الإمام، و يعرض عليه حوائجه الثلاث.

فلمّا كانت الليلة الأخيرة-و كانت ليلة ظلماء باردة ذات ريح عاصفة-جلس الرجل على دكّة باب المسجد في الخارج-لأنّه لم يستطع اللبث في المسجد،بسبب الدم الذي كان يقذفه من صدره عند السعال- و جعل يفكّر في أنّه لم يوفّق لزيارة الإمام المهدي(عليه السلام)بالرغم من أنّه في آخر أسبوع من الأسابيع الأربعين.

كان الرجل متعوّدا على شرب القهوة،فأشعل النار لصنع القهوة،و إذا به يرى رجلا قصده،فانزعج من ذلك و قال في نفسه:

إنّ هذا الأعرابي سيشرب القهوة كلّها،و لا يبقى لي شيء!.

يقول:فوصل الرجل و سلّم عليّ باسمي.فتعجّبت من معرفته باسمي و جعلت أسأله:من أيّة طائفة أنت،من طائفة فلان؟فيقول:

لا،حتى ذكرت أسماء طوائف متعدّدة،و هو يقول:لا.لا.

و أخيرا سألني:ما الذي جاء بك الى هنا؟.

فقلت له:و لماذا تسأل عن ذلك؟

فقال:و ما يضرّك لو أخبرتني به؟!.

فصببت له القهوة في الكأس المعروفة ب(الفنجان)و قدّمته له،

ص:320

فشرب قليلا منه،ثمّ ردّ الفنجان و قال لي:أنت إشربها.فأخذت الكأس منه و شربت ما تبقّى من القهوة.

ثم بدأت ببيان حوائجي فقلت له:أنا في غاية الفقر و الحاجة، و مصاب بقذف الدم منذ سنين،و قد تعلّق قلبي بامرأة،و امتنع أهلها من تزويجها إيّاي.

و قد خدعني بعض رجال الدين إذ قالوا لي:أقصد-في حوائجك-الإمام صاحب الزمان(عليه السلام)و اذهب الى مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء،فتقضى حوائجك،و قد تحمّلت المشاق و المتاعب في هذه الليالي،و هذه هي الليلة الأخيرة و لم أر فيها أحدا.

فقال لي-و أنا غافل-:أمّا صدرك فقد برأ،و أمّا المرأة فستتزوّج بها قريبا،و أمّا الفقر فلا يفارقك حتى الموت.

..و لما أصبح الصباح شعرت أنّ صدري قد برأ،و بعد اسبوع تزوّجت تلك المرأة،و بقي الفقر على حاله(1).

7-قصّة آية اللّه القزويني

ذكر الشيخ النوري-في كتاب جنّة المأوى-ثلاث قصص من

ص:321


1- (1) جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة(عليه السلام)في الغيبة الكبرى.الحكاية الخامسة عشرة.

تشرّف العالم الجليل آية اللّه السيّد مهدي القزويني(1)بلقاء الإمام المهدي (عليه السلام)و نحن نذكر منها قصّتين يرويها السيّد ميرزا صالح نجل السيّد المذكور عن رجل من صلحاء الحلّة إسمه علي:

يقول:خرجت من داري قاصدا دار السيّد مهدي القزويني، فمررت على مرقد السيّد محمد المعروف ب(ذي الدمعة)و هو إبن زيد بن علي بن الحسين(عليهم السلام)و كان للمرقد شبّاك على الطريق، فرأيت رجلا جليل القدر،بهيّ المنظر،واقفا عند الشباك يقرأ سورة الفاتحة على روح صاحب المرقد.

فوقفت أنا و قرأت الفاتحة،و بعد الفراغ سلّمت على ذلك الرجل،فردّ عليّ السلام و قال لي:يا علي أنت ذاهب لزيارة السيّد مهدي القزويني؟.

قلت:نعم.

قال:لنذهب معا.

و في أثناء الطريق قال لي:يا علي لا تحزن على ما أصابك من الخسران و ذهاب المال في هذه السنة،فإنّك رجل إمتحنك اللّه بالمال فوجدك مؤدّيا للحقّ،و قد قضيت ما فرض اللّه عليك،و أمّا المال فإنّه عرض يأتي و يذهب.

يقول علي:و كنت-في تلك السنة-قد اصبت بخسارة كبيرة في

ص:322


1- (1) كان السيّد المذكور يسكن في مدينة الحلّة بالعراق،و قد توفّي سنة 1300 ه.

التجارة،و لم يطّلع عليها أحد،و لكنّني إغتممت كثيرا عندما رأيت أنّ هذا الرجل الغريب يعلم بخسارتي،و ظننت أنّ هذا الخبر قد إنتشر بين الناس،بحيث أنّ هذا الغريب إطّلع عليه.

فقلت له:الحمد للّه على كلّ حال.

فقال:إنّ ما ذهب من أموالك سوف يعود إليك بعد مدّة، و تقضى ديونك!و لمّا وصلنا الى دار السيّد مهدي،وقفت و قلت له:

أدخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال:أدخل أنت،أنا صاحب الدار!

فامتنعت من أن أتقدّم عليه،فأخذ بيدي و أدخلني الدار،و كان بجوار دار السيّد مسجد له باب الى دار السيّد،فدخلنا المسجد فوجدنا جماعة من طلبة العلوم الدينيّة ينتظرون خروج السيّد من داخل الدار للتدريس.فجلس الرجل في مكان السيّد-الذي كان يجلس فيه كلّ يوم للتدريس،و أخذ كتابا كان هناك-و هو كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي-و فتحه،فوقع نظره على أوراق كان السيّد قد كتب فيها بعض المسائل و جعلها في الكتاب،فجعل الرجل يتصفّح تلك الأوراق و يقرأ تلك المسائل.

و دخل السيد مهدي،فرأى الرجل جالسا في مكانه،فرحّب به، و تنحّى الرجل عن مكان السيّد،و لكن السيّد أصرّ عليه أن يجلس في مكانه.

يقول السيّد مهدي-و هو يحكي لنا جانبا من القضيّة-:(رأيته

ص:323

رجلا بهيّ المنظر،وسيم الشكل(1)،فأقبلت عليه أسأله عن حاله، و استحييت أن أسأله عن إسمه و وطنه).

و شرع السيّد بتدريس الفقه،فجعل الرجل يناقشه في المسألة التي طرحها السيّد على بساط البحث!

فقال أحد الطلبة المتطفّلين-لذلك الرجل-:أسكت!ما أنت و هذا؟!.

فتبسّم الرجل و سكت!

و بعد الفراغ من البحث سأله السيّد:من أين مجيئك الى الحلّة؟

فقال:من بلدة السليمانيّة.

قال السيّد:متى خرجت من السليمانيّة؟.

فقال:بالأمس خرجت منها.و قد دخلها(نجيب باشا)فاتحا، و قد ألقي القبض على المتمرّد:أحمد باشا(و كان أحمد باشا قد تمرّد على الدولة العثمانيّة الحاكمة في العراق يومذاك).

يقول السيّد:فجعلت أتفكّر في كلامه و أنّه كيف لم يصل خبر فتح السليمانيّة الى حكّام الحلّة؟!،و لم يخطر ببالي أن أسأله:كيف وصلت الى الحلّة و بالأمس خرجت من السليمانية؟!لأنّ المسافة تزيد على عشرة أيام.(أي حوالي أربعمأة كيلو متر).

ص:324


1- (1) الوسيم:الجميل الوجه.

ثم طلب الرجل ماءا ليشرب،فقام أحد الخدم ليأتيه بالماء من (الحب)(1)فناداه الرجل:لا تفعل،فإنّ في الحب حيوانا ميتا!فنظر فيه فإذا فيه(سام أبرص)ميّت،فجاء الخادم بالماء من مكان آخر و شرب الرجل،ثم قام ليخرج فقام السيّد و ودّعه.

فلما خرج الرجل قال السيّد للحاضرين:لماذا لم تنكروا عليه خبر فتح السليمانيّة؟!

و هنا شرع الحاج علي-الذي التقى بالرجل عند مرقد ذي الدمعة- يحدّث الحاضرين بما سمعه من الرجل في أثناء الطريق.فقام الحاضرون-و قد أخذتهم الدهشة و الحيرة-و خرجوا من الدار يبحثون عنه،فما وجدوه،فكأنّه صعد الى السماء أو غاب في الأرض!

فقال السيّد لهم:هو-و اللّه-صاحب الأمر،روحي فداه.

و بعد عشرة أيام جاء الخبر بفتح السليمانيّة..الى آخر القصة(2).

8-قصة أخرى لآية اللّه القزويني.

و هذه قصّة أخرى لآية اللّه السيّد مهدي القزويني،يذكرها الشيخ النوري عن نجل السيّد أنّه سمع أباه يقول:

خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان،من مدينة الحلّة قاصدا

ص:325


1- (1) الحب:إناء خزفيّ كبير،الجرّة الكبيرة.
2- (2) جنّة المأوى للشيخ النوري،الحكاية الرابعة و الأربعون.

كربلاء لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)ليلة النصف من شعبان(1)فلما وصلت الى نهر الهندية(أي:طويريج)وجدت الزوّار متجمهرين هناك،و قد وصلهم الخبر أنّ عشيرة عنيزة(عشيرة بدويّة) قد نزلت على طريق كربلاء لسلب الزوّار و نهب أموالهم!

فبينما الناس حيارى،و قد أمطرت السماء،توسّلت الى اللّه تعالى بالنبي و آله الأطهار،لإغاثة الزوّار و نجاتهم.فبينما أنا كذلك،و إذا بفارس بيده رمح طويل،وقف عندي و سلّم،فرددنا عليه السلام، فسمّاني باسمي و قال:ليأت الزوّار،فإنّ عشيرة عنيزة،قد رحلوا عن الطريق،و صار الطريق مأمونا.

فخرجت مع الزوّار و هو يرافقنا في الطريق و يمشي أمامنا،و كأنّه الأسد.و في أثناء الطريق غاب عنّا فجأة و بغتة،فقلت لمن معي:أبقي شكّ في أنّه صاحب الزمان؟!فقالوا:لا و اللّه.

يقول السيّد:إنّني كنت أطيل النظر اليه،كأنّي رأيته قبل هذا، فلما غاب عنّا تذكّرت أنّه هو الشخص الذي زارني في الحلّة.

أمّا عشيرة عنيزة فلم نر أحدا منهم،و رأينا غبرة شديدة مرتفعة في البر،فوصلنا كربلاء خلال ساعة-و كانت المسافة ثلاث ساعات-

ص:326


1- (1) زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)من المستحبّات الشرعيّة المؤكدّة،و قد وردت في فضلها و ثوابها أحاديث كثيرة،و هي مستحبّة في كلّ الأيام و الساعات،إلاّ أنّ الإستحباب يتأكّد و الثواب يتضاعف في بعض المناسبات،كيوم عاشوراء،و ليلة النصف من شعبان،و ليالي القدر،و ليالي الجمعة و غيرها.

فوجدنا الحرّاس على باب البلد،فسألونا:من أين جئتم؟و كيف وصلتم؟و أين صارت عشيرة عنيزة؟!.

فقال أحد الفلاّحين-المتواجدين هناك-:بينما عشيرة عنيزة جلوس في خيامهم،و إذا بفارس بيده رمح طويل،فصاح في عشيرة عنيزة و أنذرهم بالدمار و الهلاك،فألقى اللّه الخوف في قلوبهم،و تركوا المنطقة فورا.

يقول السيّد:فسألت ذلك الفلاّح عن وصف ذلك الفارس؟ فوصفه لي،فإذا هو نفسه الذي رأيته عند نهر الهنديّة(1).

9-قصّة أحمد العسكري:

ذكر البحّاثة المعاصر العلاّمة الشيخ لطف اللّه الصافي-صاحب التآليف القيّمة-(2)قصة سمعها في سنة 1398 ه من الحاج احمد العسكري و هو من الأخيار الساكنين في طهران-ايران-،و القصّة تتعلّق ببناء مسجد يقع على طريق قم-طهران،و هو الآن على مدخل مدينة قم المقدسة و يسمّى:مسجد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام).

يقول أحمد العسكري:قبل سبع عشرة سنة،و في يوم خميس، جاءني ثلاثة من الشباب-و كانت حرفتهم تصليح السيارات-و قالوا لي:

اليوم يوم الخميس،و نريد أن نذهب الى مدينة قم،الى مسجد جمكران(3)

ص:327


1- (1) جنّة المأوى،الحكاية السادسة و الأربعون.
2- (2) في كتابه(ياسخ ده برسش)باللغة الفارسيّة.
3- (3) مسجد جمكران:مسجد بني بأمر الإمام المهدي(عليه السلام)يقع في ضواحي-

للتوسّل الى اللّه تعالى بالإمام المهدي صاحب الزمان(عليه السلام) لقضاء بعض الحوائج الشرعيّة،و نحب أن ترافقنا في هذه الرحلة.

فوافقت على ذلك،و ركبنا السيارة و اتّجهنا نحو مدينة قم، و بالقرب من المدينة حصل خلل في السيّارة فتوقفت عن السير،و انشغل الشباب بتصليحها،فانتهزت الفرصة و اخذت قليلا من الماء و ابتعدت عنهم لقضاء الحاجة.

فرأيت-هناك-سيّدا جميل الوجه،أبيض اللون،أزجّ الحاجبين(1)أبيض الثنايا(2)و على خدّه خال،و عليه ثياب بيضاء و عباءة رقيقة،و في رجليه نعلان صفراوان،و قد تعمّم بعمامة خضراء،و بيده رمح يخطّ به الأرض.

فقلت في نفسي:إنّ هذا السيّد قد جاء-في هذا الصباح الباكر- الى هذا المكان،و على جانب الطريق و يخطّ الارض بالرمح!هذا غير صحيح.لأنّ الطريق عام يمرّ فيه السوّاح الأجانب.

كان أحمد العسكري يحكي قصّته هذه،و هو يظهر الندم على ما صدر منه تجاه صاحب الرمح،من سوء الظن و سوء الأدب.

يقول:فتقدّمت اليه و قلت له:هذا العصر عصر الدبّابات

ص:328


1- (1) أزجّ الحاجبين:أي إنّ حاجبيه دقيقتان طويلتان،متقوّستان،أو متصلتان-على اختلاف الأقوال-.
2- (2) الثنايا:أسنان مقدّم الفم.

و المدافع و الذرّة و أنت تأخذ بيدك الرمح؟!إذهب و ادرس العلوم الدينيّة-و إنما قال له ذلك لأنّ الرجل كان بزيّ رجال الدين-.

ثم تركته..و اتّجهت نحو موضع بعيد،و هناك جلست لقضاء الحاجة..فناداني باسمي و قال:لا تجلس في هذا المكان لقضاء الحاجة،لأني قد خطّطت هذا المكان لبناء المسجد.

فغفلت عن معرفته باسمي و لم أتمالك أن قلت:على عيني.و قمت فورا.

فقال لي:إذهب وراء تلك الربوة لقضاء الحاجة،فذهبت هناك، و تبادرت الى ذهني بعض الأسئلة حول هذا الموضوع،و قرّرت أن أطرحها على ذلك السيد،و أقول له:لمن تبني هذا المسجد؟!للملائكة أم للجن؟!-لأنّ المنطقة كانت بعيدة عن المدينة و في صحراء قاحلة-.

و بعد ذلك..أقول له:إنّ المسجد لم يشيّد بعد،فلماذا منعتني عن قضاء الحاجة في هذا المكان؟-لأنّ المسجد يحرم تنجيسه إذا وقفت الأرض للمسجد،أمّا قبل كل شيء فلا يجري عليه هذا الحكم-.

فلما فرغت من قضاء الحاجة..قصدت السيّد و سلّمت عليه، فركزّ رمحه في الأرض،و رحّب بي و قال:اعرض علي الأسئلة التي نويت أن تسألني عنها؟!.

فلم أنتبه الى أنه يخبر عمّا في قلبي ممّا لم أتفوّه به،و أنّ هذا ليس أمرا عاديا،بل هو خارق للعادة.و على كلّ حال..قلت له:يا سيّد..تركت الدراسة،و جئت الى هذا المكان،و كأنّك لا تتفكّر بأننا

ص:329

في عصر الصاروخ و المدفع..فما قيمة الرمح؟.

و جرى بيني و بينه حوار..ثم قال لي-و قد القى نظره الى الأرض-:أخطّط للمسجد.

قلت:للجن أم للملائكة؟!.

قال:للبشر.

و أضاف:سوف تعمر هذه المنطقة بالسكّان.

قلت له:أخبرني:حينما أردت قضاء الخاجة قلت لي:«هنا مسجد»مع العلم أنّ المسجد لم يشيّد بعد؟.

فقال:إنّ سيّدا من ذريّة فاطمة الزهراء(عليها السلام)قد قتل في هذا المكان و استشهد،و سوف يكون مصرعه محرابا،لأنّ عليه أريق دم ذلك الشهيد.

ثم أشار الى جانب من الأرض و قال:و في ذلك المكان تبنى المرافق الصحيّة،لأنّ أعداء اللّه و أعداء رسوله قد صرعوا في ذلك المكان.

ثم التفت خلفه و قال:و في هذا الموضع تبنى الحسينيّة،و جرت دموعه على خدّيه،حين تذكّر الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام) فبكيت لبكائه.

ثم قال:و خلف هذا المكان تبنى مكتبة،و أنت تهدي اليها الكتب..

قلت:أوافق.لكن بثلاثة شروط:

1-أن أعيش الى زمان تشييد المكتبة.

ص:330

فقال:إنشاء اللّه.

2-و أن يبنى المسجد هنا.

فقال:بارك اللّه.

3-و أن اهدي الى المكتبة بقدر استطاعتي،و لو كتابا واحدا، إمتثالا لأمرك يا بن رسول اللّه.

فضمّني الى صدره..فقلت له:من الذي يبني هذا المسجد؟

قال:يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ.

قلت:أنا أعلم أنّ يد اللّه فوق أيديهم.

فقال:سوف ترى المسجد حينما يتم بناؤه،و أبلغ سلامي الى المتبرّع لبناء المسجد.

ثم قال لي:وفّقك اللّه للخير.

فتركت السّيد،و اتّجهت نحو السّيارة التي كانت واقفة على جانب الشارع،و قد تمّ إصلاحها،فسألني الإخوة:مع من كنت تتكلّم تحت حرارة الشمس؟

قلت:أما رأيتم ذلك السيّد مع الرمح الطويل..كنت اكلّمه؟

قالوا:و أيّ سيّد؟

فنظرت خلفي..ها هنا و هناك..فلم أر أحدا،بالرغم من أنّ الأرض كانت منبسطة لا توجد فيها ارتفاعات و انخفاضات!

فاستولت عليّ حالة ذهول و دهشة،و ركبت السيارة و أنا في حالة لا

ص:331

أستطيع وصفها!..

كان الأصدقاء يتكلّمون معي و لا استطيع ان اجيبهم..و لا أعرف كيف صلّيت الظهر و العصر!!

و أخيرا..وصلنا الى مسجد جمكران و أنا متشتّت الفكر،و جلست أبكي في المسجد و كان عن يميني شيخ و عن شمالي شاب،ثم صلّيت الصلاة التي تصلى في هذا المسجد،و أردت أن أسجد بعد الصلاة، فرأيت سيدا تفوح منه رائحة طيّبة فقال لي:آقاي عسكري..سلام عليكم.و جلس عندي-و كان صوته يشبه صوت ذلك السيّد الذي رأيته في الصباح-و نصحني نصيحة.فسجدت و قرأت ما ينبغي قراءته في السجود،ثم رفعت رأسي فلم أره،فسألت عنه من الذي عن يميني و شمالي..فقالا:لم نر أحدا.

فكأنّ الأرض ارتجفت تحتي..و فقدت الوعي،فجاء أصدقائي و تعجبوا ممّا جرى عليّ،و رشّوا على وجهي الماء.

و رجعنا الى طهران،فحدّثت أحد العلماء بما جرى.فقال:إنّه هو الإمام المهدي،فاصبر حتى ننظر هل يبنى المسجد!.

و انقضت سنوات و جئت الى قم-في احدى المناسبات-فلما وصلت الى تلك المنطقة رأيت الأعمدة مرتفعة في ذلك المكان،فسألت عن القائم ببناء المسجد؟

فقيل لي:رجل إسمه:الحاج يد اللّه رجبيان،فلما سمعت هذا الإسم إنهارت أعصابي و غمر العرق جسمي و لم أستطع الوقوف على

ص:332

قدمي،فجلست على الكرسي و عرفت معنى كلام الإمام(عليه السلام) حين سألته:من الذي يبني المسجد؟فقال:يد اللّه فوق أيديهم.

فذهبت الى طهران و اشتريت أربعمائة كتاب،و أوقفتها لتلك المكتبة،و التقيت بالحاج يد اللّه رجبيان..الى آخر القصّة،و قد ترجمناها الى اللغة العربية و ذكرناها بصورة ملّخصة مع حذف الزوائد.

10-قصّة الحاج علي البغدادي:

ذكر الشيخ النوري في كتابه(النجم الثاقب)أنّ رجلا من أهل بغداد،إسمه الحاج علي البغدادي،و كان من الصالحين الأخيار،و قد فاز بلقاء الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام)و اليك خلاصة قصّة تشرّفه بلقاء الإمام:

كان الحاج علي يسافر-بصورة دائمة-من بغداد الى مدينة الكاظمية-التي تقع في ضاحية بغداد-و ذلك لزيارة الإمامين الكاظم و الجواد(عليهما السلام).

يقول الحاج علي:كان قد وجب عليّ شيء من الخمس و الحقوق الشرعيّة،فسافرت الى مدينة النجف الأشرف،و دفعت عشرين تومانا منها الى العالم الزاهد الفقيه الشيخ مرتضى الأنصاري و عشرين تومانا(1)الى المجتهد الفقيه الشيخ محمد حسين الكاظمي،و عشرين تومانا منها الى الشيخ محمد حسن الشروقي،و بقيت عندي عشرون منها،قرّرت أن

ص:333


1- (1) التومان:هي العملة الإيرانية.

أدفعها-عند رجوعي الى بغداد-الى الفقيه الشيخ محمد حسن آل ياسين.

و عدت الى بغداد في يوم الخميس،فتوجهت-أولا-الى مدينة الكاظميّة،و زرت الإمامين الكاظم و الجواد(عليهما السلام)،ثم ذهبت الى دار الشيخ آل ياسين،و قدّمت له جزءا ممّا بقي عليّ من الخمس، كي يصرفه في موارده المقرّرة في الفقه الإسلامي،و استأذنت منه على أن أدفع باقي المبلغ بصورة تدريجيّة..إليه أو الى من أراه مستحقا لذلك، ثم أصرّ الشيخ بأن أبقى عنده،فلم اجبه الى ذلك،معتذرا بأن عليّ بعض الأشغال الضروريّة،و ودّعته و توجّهت نحو بغداد،فلمّا قطعت ثلث الطريق إلتقيت بسيّد جليل القدر،عظيم الشأن،عليه الهيبة و الوقار،و قد تعمّم بعمامة خضراء،و على خدّه خال أسود،و كان قاصدا مدينة الكاظميّة للزيارة،فاقترب منّي و سلّم عليّ،و صافحني و عانقني بحرارة و ضمّني الى صدره،و رحّب بي و سألني:على خير..الى أين تذهب؟

قلت:لقد زرت الإمامين الكاظمين،و الآن أنا عائد الى بغداد.

فقال:عد الى الكاظمين فهذه ليلة الجمعة.

قلت:لا يسعني ذلك.

فقال:إنّ ذلك في وسعك،إرجع كي أشهد لك بأنك من الموالين لجدّي أمير المؤمنين(عليه السلام)و لنا،و يشهد لك الشيخ، فقد قال تعالى:وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ.

و كنت قد طلبت من الشيخ آل ياسين أن يدفع اليّ وثيقة يشهد لي

ص:334

فيها بأنّني من الموالين لأهل البيت(عليهم السلام)كي أجعلها في كفني.

فسألت السّيد:من أين عرفتني..و كيف تشهد لي؟.

فقال:كيف لا يعرف المرء من وافاه حقّه!

قلت:و أيّ حق هذا الذي تقصده؟

فقال:الحقّ الذي قدّمته لوكيلي.

قلت:و من هو؟

قال:الشيخ محمد حسن.

قلت:أ هو وكيلك؟قال:نعم.

فتعجّبت من كلامه..و احتملت أن تكون بيننا صداقة سابقة لا أتذكّرها،لأنّه ناداني باسمي في أول اللقاء،كما أنّني احتملت أن يكون متوقّعا منّي لأن أدفع اليه شيئا من الخمس-باعتباره من ذرّية رسول اللّه-.

فقلت له:سيّدنا..لقد بقي في ذمّتي شيء من حقكم-حقّ السادة-و قد استأذنت الشيخ محمد حسن أن أدفعه الى من احب.

فتبسّم و قال:نعم..لقد دفعت شيئا-من حقّنا-الى وكلائنا في النجف الأشرف.

فقلت:هل حظي هذا العمل بالقبول؟

قال:نعم.

ص:335

ثم انتبهت الى أنّ هذا السيّد يعبّر عن أعاظم العلماء بكلمة «وكلائي»فاستعظمت ذلك،لكن عادت اليّ الغفلة مرة اخرى.

ثم قال لي:عد الى زيارة جدّي.فوافقت فورا و توجّهنا معا نحو مدينة الكاظميّة،و كانت يدي اليسرى في يده اليمنى.

و سرنا نتجاذب أطراف الحديث،و كنت أسأله عن مسائل مختلفة و يجيبني عليها،و كان ممّا سألته:سيّدنا..إنّ خطباء المنبر الحسيني يقولون:إنّ سليمان الأعمش تذاكر مع رجل حول زيارة سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)فقال له الرجل:إنّ زيارة الحسين بدعة، و كلّ بدعة ضلالة-و كلّ ضلالة في النار،ثم رأى ذلك الرجل-في المنام-أنّ هودجا بين السماء و الأرض،فسأل عن الهودج فقيل له:إنّ فيه السيدة فاطمة الزهراء و خديجة الكبرى،فسأل أين تذهبان؟فقيل له:إلى زيارة الحسين في هذه الليلة-و هي ليلة الجمعة-،و شاهد رقاعا-جمع رقعة-تتساقط الى الأرض من ذلك الهودج،و قد كتب عليها:أمان من النار لزّوار الحسين(عليه السلام)في ليلة الجمعة، أمان من النار الى يوم القيامة..فهل صحيح هذا الحديث؟

فقال:نعم..تام صحيح.

قلت:سيدنا..هل صحيح ما يقال أنّ من زار الإمام الحسين (عليه السلام)ليلة الجمعة كان آمنا؟

فقال:نعم..و دمعت عيناه و بكى.

فلم تمض علينا إلاّ فترة قصيرة من الوقت..و إذا بي أرى نفسي

ص:336

في روضة الإمامين الكاظمين(عليهما السلام)من دون أن نمرّ بالشوارع و الطرق المؤدّية الى الروضة الشريفة.

و وقفنا على مدخل الحرم الشريف..فقال لي:زر

قلت:لا احسن القراءة.

قال:هل أقرأ الزيارة و تقرأ معي؟قلت:نعم.

فشرع في الزيارة.و جعل يسلّم على رسول اللّه و الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)واحدا بعد واحد..حتى بلغ الى الإمام العسكري..

ثم خاطبني قائلا:هل تعرف إمام عصرك؟فقلت:و كيف لا أعرفه؟

قال:فسلّم عليه،فقلت:السلام عليك يا حجّة اللّه يا صاحب الزمان يا بن الحسن،فتبسّم و قال:عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته.

ثم دخلنا الحرم الشريف،و قبّلنا الضريح المقدّس،فقال لي:

زر،قلت:لا احسن القراءة قال:هل اقرأ لك الزيارة؟فقلت:

نعم.

فشرع بالزيارة المعروفة ب(أمين اللّه)و بعد انتهاء الزيارة، قال لي:هل تزور جدّي الحسين؟قلت:نعم،فهذه ليلة الجمعة، فزاره الزيارة المعروفة بزيارة الوارث،و حان وقت صلاة المغرب،فأمرني بالصلاة،و قال لي:التحق بصلاة الجماعة

فوقفت للصلاة و بعد الفراغ من الصلاة غاب عني ذلك السيد، فخرجت ابحث عنه فلم أجده.

ص:337

فانتبهت من غفلتي و تذكّرت أنّ السيد ناداني باسمي،و دعاني الى العودة الى الكاظمية مع العلم أنني امتنعت عن ذلك،و كان يعبّر عن الفقهاء ب(وكلائي)ثم غاب عني فجأة،فعلمت أنّه صاحب الزمان الإمام المهدي(عليه السلام)(1).

أقول:إنّ قصص الذين تشرّفوا بلقاء الإمام المهدي(عليه السلام)كثيرة جدا،و قد انتخبنا من مجموعها هذا العدد اليسير،و كلّ قصة منها تدلّ على مواضيع مهمّة و فوائد جمّة،و قد حدثت هذه الحوادث في خلال قرون عديدة،من أوائل الغيبة الكبرى الى زماننا هذا.

ففي سامرّاء يلتقي الإمام المهدي(عليه السلام)بإسماعيل الهرقلي و يبرأ قرحته،و يخبره أنّ المستنصر العبّاسي سوف يدفع اليه شيئا من المال،و ينهاه عن أخذه منه.

و في النجف الأشرف يلتقي(عليه السلام)بالرجل المسلول و يشرب القهوة و يدفع سؤره اليه،فيبرأ من السلّ المزمن،و يتزوّج تلك المرأة،بعد أن كان أهلها يمتنعون عن ذلك.

و في البحرين يلتقي(عليه السلام)بمحمد بن عيسى،و يخبره عن قصّة الرمّانة،و الحيلة التي استعملها الوزير،و يخبر عن مكان القالب الذي صنعه الوزير.

و في طريق كربلاء المقدّسة يحضر(عليه السلام)عند عشيرة

ص:338


1- (1) كتاب النجم الثاقب-الحكاية الواحدة و الثلاثون.

عنيزة،و يصيح فيهم تلك الصيحة،فيلقي اللّه الرعب في قلوبهم، و يرحلون عن ذلك المكان خائبين خائفين،و يفتح الطريق لزّوار قبر الإمام الحسين(عليه السلام).

و في مدينة الحلّة يخبر(عليه السلام)الحاج علي بالخسارة التي حلّت به،و يبشّره بتبدّل الأحوال و تحسّن حالته الاقتصاديّة.

و في الحلّة أيضا يحضر(عليه السلام)في دار العالم الجليل السيّد مهدي القزويني،و يخبره أنّه خرج من السليمانية أمس-و هي على الحدود العراقيّة التركية،و في أقصى نقاط شمال العراق-و يخبره بالفتح و الإنتصار،ثم يغيب عنهم فلا يرونه،و يصل الخبر الى حكّام الحلّة بعد عشرة أيام.

و يحضر في مجالس الشيعة التي تنعقد لإحياء ذكريات الأئمة الطاهرين(عليهم السلام).

فانظر كيف يثبت(عليه السلام)وجوده لشيعته،و كيف يسعفهم و يغيثهم و يدفع عنهم الأعداء،و يخبرهم عن المؤامرات و المكائد و المخطّطات التي يرسمها الأعداء لإيذاء الشيعة،ثم يغيب عنهم فجأة لتكون غيبته دليلا على أنّه هو الإمام لا غير.

و في هذا المجال يتّضح لك-أيها القارىء الكريم-ما كتبه(عليه السلام)الى الشيخ المفيد،من قوله:«فإنّا نحيط علما بأنبائكم، و لا يعزب عنّا شيء من أخباركم»و قوله:«إنّا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء و اصطلمكم

ص:339

الأعداء»و قوله:«لأنّا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض و السماء»و قوله:«و لو أنّ أشياعنا-وفّقهم اللّه لطاعته- على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا،و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا».

ص:340

الفصل الثالث عشر

اشارة

كيف عاش الى هذا اليوم؟

قبل كلّ شيء..إنّني أعتقد أنّ المناقشة و المجادلة حول موضوع طول عمر الامام المهدي(روحي له الفداء)ليست مناقشة هادفة و بنّاءة،بل هي تجاهل العارف،و نوع من العناد،بدليل أنّنا لا نجد أحدا يناقش في طول أعمار الملائكة،أو طول عمر إبليس(لعنه اللّه) أو طول عمر الخضر(عليه السلام)الذي شرب من ماء الحياة و بقي حيّا من عهد النبي موسى(عليه السلام)الى يومنا هذا(1)و إنّما المناقشات

ص:341


1- (1) لقد ورد في الحديث عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)أنّه قال«إنّ الخضر(عليه السلام)شرب من ماء الحياة،فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور،و إنّه ليحضر الموسم كلّ سنة،و يقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين (أي:يقول آمين)و سيؤنس اللّه به وحشة قائمنا في غيبته،و يصل به وحدته». إكمال الدين ج 2 ص 390-391. و روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)أنّه قال:«...و أمّا العبد الصالح أعني الخضر(عليه السلام)،فانّ اللّه-تبارك و تعالى-ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له،و لا لكتاب ينزّله عليه،و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء،و لا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها،و لا لطاعة يفرضها له،بلى..إنّ اللّه -تبارك و تعالى-لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم(عليه السلام)في أيّام غيبته ما يقدّر،و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك..إلاّ لعلّة الإستدلال به على

و الشبهات كلّها حول طول عمر صاحب الزمان(عليه السلام)!

فلماذا هذا التهريج و التجاهل و الإستهزاء؟؟!!.

هل هو بدافع البغض و العداء لآل رسول اللّه؟!

أم أنّه إستبعاد لقدرة اللّه تعالى؟!

و ما قيمة الإستبعاد المنبعث من الجهل-أو العناد-أمام الأمر الواقع؟؟!.

أتذكّر عندما نزل روّاد الفضاء على سطح القمر،انتشر هذا الخبر في شرق الأرض و غربها،و تحدّثت عنه جميع الإذاعات و الصحف، و ظهرت صورة روّاد الفضاء-ساعة نزولهم على سطح القمر-على شاشة التلفزيون،و نقلتها الأقمار الصناعيّة الى كلّ مكان،و بالرغم من كلّ ذلك رأيت كثيرا ممّن أعرفهم يستهزؤن بهذا الحادث و يعتبرونه من أكذب الأساطير،حتى قال لي أحدهم:إنّني أتعجّب منك كيف تصدّق هذا الخبر؟!و كيف يمكن للنصارى و الكفّار أن ينزلوا على القمر؟!

فهل انّ استبعادهم و انكارهم يمنع حقيقة الوصول الى القمر؟!

طبعا..لا.

إنّ طول عمر الإمام المهدي(عليه السلام)حقيقة ثابتة لا مجال

ص:342

لإنكارها أو التشكيك فيها،و إنّ جميع الشبهات-حول هذا الموضوع- لا قيمة لها،لأنّها من قبيل التشكيك في حرارة النار،و نور الشمس في منتصف النهار،و غير ذلك من الحقائق الثابتة.

بعد هذه المقدّمة،نأتي الآن لنبحث حول موضوع طول العمر على ضوء القرآن الكريم و من الناحية العقائديّة و على ضوء العلم الحديث.

طول العمر على ضوء القرآن الكريم

إذا عرضنا مسألة طول العمر على القرآن الكريم نجد نماذج من البشر قدّر اللّه تعالى لهم أن يعيشوا قرونا طويلة،و عند ذلك يكون طول عمر الإمام المهدي(عليه السلام)أمرا عاديا،بل يكون طول عمر أيّ إنسان-قدّر اللّه له أن يعيش طويلا-أمرا عاديا.

و الآن إليك نموذجا من القرآن الحكيم:

قال تعالى:وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ (1).

إنّ هذه الآية الكريمة تقول:إنّ الفترة التي دعا فيها نوح(عليه السلام)الى اللّه تعالى هي 950 سنة،فكم كان عمره يوم أرسله اللّه نبيا؟و كم عاش بعد الطوفان؟

لقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:

«عاش نوح ألفي سنة و ثلاثمأة سنة،فمنها ثمانمائة و خمسون سنة قبل أن

ص:343


1- (1) سورة العنكبوت الآية 14.

يبعث،و ألف سنة إلاّ خمسين عاما و هو في قومه يدعوهم،و خمسمائة بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء(1)فمصّر الأمصار،و أسكن ولده البلدان..»(2).

و في رواية أخرى:إنّ نوحا عاش ألفين و خمسمائة سنة،و على كلّ حال فمن الواضح أنّ نوحا(عليه السلام)عاش هذه القرون الطويلة بقدرة اللّه تعالى و قد روي عن الإمام زين العابدين(عليه السلام)أنّه قال:«في القائم سنّة من نوح،و هي طول العمر(3).

و تتجلّى القدرة الإلهيّة في تحقيق مشيئته و ارادته،و إخضاع الطبيعة،في قصّة النبي يونس(عليه السلام)الذيفَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ،فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (4)فالظاهر من هذه الآية أنّ يونس لو لم يكن من المسبّحين في بطن الحوت للبث حيّا في بطن الحوت الى يوم القيامة.

و أمّا ما ذكره بعض المفسّرين من(أنّ بطن الحوت كان قبرا له، أي كان يموت و يبقى جسده في بطن الحوت الى يوم يبعثون)فهو خلاف الظاهر.

ص:344


1- (1) نضب الماء:غار الماء.مصّر الأمصار:بنى المدن.
2- (2) تفسير البرهان للبحراني في تفسير الآية،نقلا عن كتاب الكافي للشيخ الكليني. إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 523.
3- (3) كتاب إكمال الدين ج 1 ص 322 و 524.
4- (4) سورة الصّافات،الآية 142-144.

و قد ذكر الزمخشري-في تفسيره الكشّاف-ان الظاهر من قوله تعالى:لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ هو لبثه فيه حيا إلى يوم القيامة،و مثله في تفسير البيضاوي.

و لعلّ المعنى-و اللّه العالم-أنّ النبي يونس(عليه السلام)كان يبقى حيا محبوسا في بطن الحوت-مع حياة الحوت-الى يوم القيامة، فيستفاد من هذه الآية أنّ اللّه تعالى قادر على أن يحفظ إنسانا من الموت في مكان لا هواء فيه و لا طعام و لا شيء من لوازم الحياة و البقاء،بل و يحفظه من الهضم في بطن الحوت و صيرورته جزءا من جسد الحوت، الى ملايين السنين.

أليس اللّه تعالى بقادر على أن يحفظ وليّه من الموت و يعمّره مئات السنين؟!.

طول العمر من الناحية العقائديّة:

و إذا نظرنا الى موضوع العمر من الناحية العقائديّة وجدناه أمرا عاديا جدا،لأن كلّ مؤمن باللّه يعتقد أنّ الآجال بيد اللّه تعالى،و معنى هذا أنّ اللّه هو الذي يقدّر الآجال لكلّ نفس و لكلّ ذي حياة،و اللّه قادر على إطالة الأعمار كقدرته على تعجيل الآجال،فاذا قدّر اللّه تعالى لأحد عباده طول العمر فمن البديهي أن يهيّىء له الأسباب الماديّة،و الطبيعيّة الموجبة لطول العمر،و من الممكن أن يسعفه-للعمر الطويل-بالأمور الطبيعيّة و بالماورائيّات معا،أي ماوراء الطبيعة و المادّة،و لا يستلزم من ذلك خرق الطبيعة و لا العادة،فكما أنّ هناك وسائل و عوامل لقصر

ص:345

العمر و تعجيل الأجل،كذلك هناك وسائل لإطالة العمر و تأخير الأجل، و كلا القسمين من الوسائل في قدرة اللّه تعالى على حدّ سواء.

و لتوضيح هذا المعنى نقول:من الواضح أنّ جسم الإنسان يتعفّن و يتلاشى بعد الموت،و تتفرّق أجزاؤه و تنقلب الى ديدان،هذا من ناحية الطبيعة،و لكنّنا نجد-في مدينة القاهرة-عشرات الأجسام المحنّطة-من عهد الفراعنة-التي مرّت عليها آلاف السنين و هي لا تزال متماسكة الأعضاء و الأجزاء،فلا يقال:هذا خرق الطبيعة،بل الطبيعة ناقضت الطبيعة،يعني انّ التحنيط يناقض و يمانع تعفّن البدن و تلاشيه.

و إن تجاوزنا مرحلة تحنيط الأجسام الى مرحلة أعلى منها،رأينا ما يوجب الدهشة و العجب،فقد انهدمت قبور بعض عباد اللّه الصالحين فوجدت أجسادهم طريّة لم يطرأ عليها أيّ تغيير،فقد وجد جثمان الشيخ الصدوق-في إحدى ضواحي طهران-و قد مرّ على وفاته حوالي تسعمائة سنة،و كان جسده طريّا(1)،و في زماننا هذا،أرادوا نقل مرقد الصحّابي الجليل حذيفة بن اليمان من شاطىء نهر دجلة-ببغداد-الى جوار مرقد الصحّابي الجليل سلمان الفارسي-بالمدائن-فانهار القبر و ظهر الجثمان، فكأنّه مات في ذلك اليوم و لم يتغيّر جثمانه و ملامحه أبدا،و كانت وفاته سنة 36 من الهجرة،مع العلم أنّه لم يكن محنّطا بالتحنيط المتعارف،

ص:346


1- (1) توفي الشيخ الصدوق-رضوان اللّه عليه-سنة 381،و قد جدّد البناء الموجود على قبره سنة 1238 ه و وجد جسده طريا حين تجديد البناء.ذكر ذلك بالتفصيل الخونساري في(روضات الجنّات)و التنكابني في(قصص العلماء)،و المامقاني في (تنقيح المقال)و غيرهم.

و إنّما بقي جسده طريّا باذن اللّه تعالى.

و المشهور بين المؤمنين أنّ من واظب على غسل الجمعة لا يبلى جسده.

إذن:فالطبيعة شيء،و إرادة اللّه فوق الطبيعة،و مشيئته فوق المادّة و الماديّات،لأنّه تعالى خالق الطبيعة و المادّة،يقلّبها كيف يشاء و يتصرّف فيها بما يريد،فهو الذي منح للاشياء طبايعها.

فمن الممكن أن الإمام المهدي(عليه السلام)يراعي في حياته النواحي الصحيّة،فيتناول ما ينفع و لا يضرّ،فيعيش سالما عن جميع الأمراض،و تكون جوارحه و أجهزة جسمه نشيطة تؤدّي وظائفها على أحسن ما يرام،فالشيب و الشيخوخة و الضعف و الذبول لا طريق لها الى جسمه(عليه السلام)و إنّما يتمتّع بالطراوة و النضارة،فكأنّه شاب متكامل القوى..سليم الأعضاء،كلّ ذلك بسبب القابليّات و الإستعدادات و الطاقات التي أودعها اللّه تعالى في جسم الإمام المهدي (عليه السلام).

و خلاصة القول:إنّ اللّه تعالى هو الحافظ للإمام المهدي(عليه السلام)و هو الذي يصونه من نوائب الدهر و حوادث الزمان،و يمدّ سبحانه في عمره(عليه السلام)بما يشاء،و يحافظ على سلامة جسمه من كلّ مرض و آفة و عاهة.

طول العمر على ضوء العلم الحديث

قبل أن ندخل في هذا البحث،لا بأس أن نذكر كلمة بالمناسبة:

ص:347

من المؤسف جدا أنّ بعض الشباب-في المجتمع الإسلامي- يقتنعون بكلمات الغربيّين-من اليهود و النصارى و غيرهم-و يتلقّونها بالتصديق و القبول حتى لو كانت فوق مستوى عقولهم و مشاعرهم، و لكنّهم يتردّدون في قبول الحقائق الماورائيّة الغيبيّة التي تتجاوز حدود المادّة و الطبيعة،و يشكّكون فيها.

و هذا إن دلّ على شيء فانما يدلّ على الإستعمار الفكري و الثقافي الذي غزى البلاد الإسلاميّة،و سلب الإيمان و اليقين من قلوب كثير من الشباب الغافلين،و أحدث فجوة كبيرة و بونا واسعا بين هؤلاء الشباب و بين الحقائق التي لا ترتبط بالمادّة.

لقد دفع الإستعمار الشباب الى الإيمان بالماديّات فقط،والى رفض المعنويّات و الغيبيّات.

فإذا قيل:قال المستر فلان،و قال المسيو فلان،و كتب البروفسور فلان،و قال الفيلسوف فلان،و المكتشف فلان،و الدكتور فلان،الألماني أو الفرنسي أو الإمريكي،أو الأستاذ بجامعة كذا،أو الكاتب اليهودي،أو الخبير المسيحي،أو الزعيم الوثني،فإنّ أقوال هؤلاء و آراءهم و نظريّاتهم تعتبر-عند هؤلاء الشبّان-وحيا يوحى،و يتلقّونها بصدور رحبة و بكلّ تقدير!

أمّا إذا قلنا:قال اللّه تعالى،أو قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أو قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام)أو ذكرنا حديثا أو معجزة لأحد أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)ثقل عليهم تصديقه

ص:348

و صعب عليهم قبوله!.

لماذا أيها المسلمون؟!.

أما كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)عالما حكيما فيلسوفا خبيرا مكتشفا،مرتبطا بالوحي،متّصلا بالمبدأ الأعلى؟؟!.

لماذا لا يقبل كلامه و لا تصدّق أقواله و أخباره؟؟!!

إذا قلنا:إنّ عمر الإمام المهدي أكثر من ألف و مائتي سنة قالوا:

كيف يمكن ذلك؟و تردّدوا فيه،أمّا أذا قيل:إنّ المستر فلان قال:إنّ بإمكان الإنسان أن يعيش ألوف السنين،صدّقوه و قبلوا منه!!لماذا؟!

قليلا من التفكّر و الإنتباه.

قليلا من الوعي و اليقظة.

إنّنا يجب أن نفتخر بعظماء الإسلام،بالنبي العظيم،بالإمام علي العظيم،بأهل البيت العظماء،و يجب أن نرفض الدخلاء الذين دسّ بهم الإستعمار الى مجتمعاتنا و أفكارنا و أذهاننا!

يجب أن لا ننسى أنّ المسلمين هم رجال العلم الحديث و أبطاله، و أنّهم الذين فتقوا هذه العلوم و كتبوا عنها و نشروها!

ما قيمة الغربيين؟!و ما قيمة أقوالهم و نظريّاتهم؟؟!!

لماذا نسينا أصالتنا و مجدنا؟.

إذا ذكروا قولا أو نظريّة لداروين اليهودي،و فرويد اليهودي، و أينشتاين اليهودي،و سارتر الوجودي الملحد،و أمثالهم-ممّن أنكروا

ص:349

الخالق و جحدوا الصانع،و رفضوا جميع الأديان،و جاؤا بنظريّات فاشلة،مضادّة للإسلام-رأيت هؤلاء الشباب،يتلقّون كلمات هؤلاء بالقبول،و يعتبرونها من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الشك و الجدل!!

و لهذا ترى كثيرا من المؤلّفين يضطرّون الى الإستشهاد بكلمات الغربيّين،لإقناع الشباب بالموضوع الذي يتحدّثون حوله!.

لماذا يا أبناء الاسلام؟!.

لماذا يا شباب القرآن؟!.

عودوا إلى إسلامكم،و افتخروا به على غيركم.

إرفضوا الغرب و رجاله و أفكاره،فإنّه لا يزيديكم إلاّ وبالا و انحرافا.

و الآن أعود الى حديثي عن طول العمر على ضوء العلم الحديث:

إن مسألة طول العمر من المسائل التي لم يتحقّق تحديدها بالضبط، فاذا قالوا:فلان عاش مئات السنين أو آلاف السنين،فليس معنى ذلك أنّه عاش الحدّ الأقصى من العمر الممكن للبشر أن يدركه،لأنّ العمر الممكن للبشر لم يتحقّق تحديده-كما تقول بذلك آخر الإكتشافات العلميّة-.

و أمّا الأعمار القصيرة-في هذا الزمان و قبل هذا الزمان-فليست مقياسا تقاس عليه الأعمار،لأنّ الحياة مستلزمة-غالبا-للحوادث و الكوارث و الآلام التي تسبّب قصر العمر،كسوء التغذية و سوء التهوية

ص:350

و عدم رعاية التعاليم الصحيّة،و الأمراض الفتّاكة،و تراكم الهموم و الاحزان،التي لها كل الأثر في هدم الحياة و العقد النفسيّة التي تسبّب أمراضا خطيرة على حياة الانسان و غيرها.

و في هذا المجال ذكر في صفحة 239 من مجلة المقتطف المصريّة ما نصه:(...لكن العلماء الموثوق بعلمهم(1)يقولون:إنّ جميع الأنسجة الرئيسيّة في جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لا نهاية له،و أنه في الإمكان أن يبقى الإنسان حيّا ألوفا من السنين،إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته».

و في صفحة 240 من نفس العدد تقول:«و غاية ما ثبت الآن من التجارب المذكورة أنّ الإنسان لا يموت بسبب بلوغ عمره الثمانين أو المائة من السنين،بل لأنّ العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها،و لإرتباط بعضها ببعض تموت كلّها،فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها،لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات السنين(2).

و لم نقرأ في كتاب أو تقرير،و لم نسمع من أيّ طبيب أو حكيم أو فيلسوف أنّ عمر البشر قد تمّ تحديده،و أنّه لا يمكن أن يتجاوز عمره ذلك الحدّ،أو أنّ من المستحيل أن يعيش الإنسان ألف سنة مثلا.

ص:351


1- (1) ليس المقصود من كلمة(العلماء)-هنا-الفقهاء و علماء الدين،بل المكتشفون و علماء العلم الحديث.
2- (2) مجلة المقتطف المصرية،في الجزء الثالث الصادر في سنة 1379 ه.في مقال تحت عنوان«هل يخلّد الإنسان في الدنيا؟».

بل نجد أنّ الطب الحديث يأمل في أن يجد دواءا لطول العمر، و منع الشيخوخة،و حفظ خلايا جسم الإنسان و الغدد التي تنشّط الأعضاء،و المحاولات مبذولة في هذا المجال.

نعم..العمر الطويل-في هذا الزمان-غير مألوف،نظرا الى الأعمار القصيرة التي يعيشها البشر اليوم،فاذا كان الشيء غير مألوف عندنا فليس معناه أنّه محال و غير ممكن(1)،فالناس-فيما مضى-كانوا يقطعون مسافة الف كيلو متر في شهر،و اليوم يقطعون هذه المسافة في ساعة واحدة بالطائرة،فلو أنّ إنسانا كان يخبر الناس-قبل مائة سنة- أنه يمكن قطع هذه المسافة في ساعة واحدة لما كانوا يصدّقونه،بل كانوا يستبعدون ذلك،لأنّه خلاف المألوف عندهم،و لكن الخبر صحيح.

إنّ المجتمعات البشريّة-اليوم-تعرف الأشياء حسب العادة الجارية،لا حسب الاصول العلمية،و حتى الذين لهم معرفة بالأصول العلمية لا يدّعون أنّهم أحاطوا بجميع الأسباب و المسبّبات،بل يعترفون أنّهم لا زالوا في بداية الطريق،و يقرّون بأنّ الأصول العلمية التي خفيت عنهم أكثر جدا ممّا ظهرت لهم.

فالمقاييس العلمية-في هذا الكون-أكثرها مجهولة،و لم يستطع البشر أن يحيط بها علما،و إنما استطاع أن يدرك أشياء ظاهرة بدون أن يعرف أسبابها و عللها،فكلّ شيء له سبب،و ذلك السبب أيضا له

ص:352


1- (1) روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)انه قال:«كانت اعمار قوم نوح(عليه السلام)ثلاثمائة سنة..ثلاثمائة سنة»اكمال الدين ج 2 ص 523.

سبب،و هكذا تجد الأسباب و المسببّات متسلسلة و لا تستطيع أن تعرف السبب الأول-الذي يقال له(علّة العلل)-إلاّ أن تقول:انّها قدرة اللّه سبحانه و إرادته..لا غيرها.

المعمّرون:

في تاريخ البشر توجد أسماء كثيرين من الذين عاشوا في هذه الحياة قرونا طويلة،و قد تعرّض المؤرّخون الى ذكر أسمائهم و بعض قضاياهم،كما أفرد بعض العلماء-في كتبهم-فصلا خاصّا لهم تحت عنوان«أخبار المعمّرين»و ذكروا فيه بعض ما يتعلّق بهم،ممّا يدلّ على أنّ طول العمر ليس أمرا غريبا في حياة الإنسان،بل كان شيئا طبيعيّا في بعض الأزمنة.

و نحن نذكر-هنا-أسماء بعضهم،مع رعاية الإختصار:

1-النبي آدم(عليه السلام)عاش 930 سنة.

2-النبي سليمان بن داود(عليهما السلام)عاش 712 سنة.

3-لقمان الحكيم عاش 4000 سنة و قيل 400 سنة.

4-الربيع بن الضبع الفزاري عاش 380 سنة.

5-شدّاد بن عامر عاش 900 سنة.

6-عمر بن عامر عاش 800 سنة.

7-قس بن ساعدة الأيادي عاش 600 سنة.

8-عزيز مصر عاش 700 سنة.

9-الريّان-والد عزيز مصر-عاش 1700 سنة.

ص:353

10-لقمان العادي عاش 560 سنة(1).

و هناك الكثيرون-ممّن سجّل التاريخ أسماءهم-الذين عاشوا مئات السنين،و لا أرى حاجة الى ذكرهم،و قد اكتفينا بالقرآن العظيم و قصّة نوح(عليه السلام)و فيها الكفاية.

ص:354


1- (1) و إن أردت المزيد من التفصيل فراجع كتاب إكمال الدين ج 2 ص 523 و ما بعده، و كتاب بحار الأنوار ج 51 ص 225 و ما بعده.

الفصل الرابع عشر

متى يظهر؟

لقد اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يكون وقت ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)مجهولا عند الناس و مكتوما عنهم،فلا يعلمون في أيّ وقت-بالضبط-يظهر الإمام(عليه السلام).

و بالرغم من وجود الأحاديث الكثيرة الواردة عن الرسول الأعظم و الأئمة الطاهرين حول مختلف جوانب حياة الإمام المهدي(عليه السلام)-بما في ذلك جانب ظهوره-لم يجيء التصريح بوقت ظهور الإمام،في أيّ خبر أو حديث،بل بالعكس وردت أحاديث شريفة عن النبي و الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)تكذّب-بشدّة-كلّ من يخبر بوقت الظهور،و تنفي أن يكون أحد المعصومين قد أخبر عن ذلك.

فقد روي عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في إخباره عن غيبة الإمام المهدي:«...و يكذب فيها الوقّاتون»(1).

و سأل الفضيل من الإمام محمد الباقر(عليه السلام):هل لهذا الأمر وقت؟

ص:355


1- (1) كفاية الأثر للرازي القمّي.و هو من تلامذة الشيخ الصدوق.

فقال(عليه السلام):«كذب الوقّاتون،كذب الوقّاتون،كذب الوقّاتون»(1).

و روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)أنّه قال:«كذب الموقّتون،ما وقّتنا فيما مضى،و لا نوقّت فيما يستقبل»(2).

و قال(عليه السلام):«...كذب الوقّاتون،و هلك المستعجلون،و نجا المسلّمون»(3).

و المراد من عدم التوقيت-هنا-هو عدم تحديد السنة التي يظهر فيها الإمام المهدي بالضبط،إذ أنّ الأحاديث التي تذكر العلائم الحتميّة لظهوره(عليه السلام)تجعل ظهور تلك العلائم مقرونا بظهور الإمام المهدي في نفس السنة.

أمّا الحكمة في إخفاء وقت ظهوره(عليه السلام)فلا نستطيع أن نعرفها بصورة قطعيّة.

و لعلّ الحكمة في هذا السرّ المكتوم هو أن يبقى المؤمنون-طيلة هذه القرون-ينتظرون ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)فيثابون على هذا الإنتظار المر.فالأجيال-منذ الغيبة الصغرى الى يومنا هذا-كانت

ص:356


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 262،و كتاب الكافي ج 1 ص 368.
2- (2) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 262.
3- (3) كتاب الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 368،و كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 262.

و لا تزال ترجو أن تدرك ظهور الإمام المهدي،فلو كان وقت الظهور محدّدا لما كان هذا الإنتظار،بل كانت الآمال تنقلب الى اليأس،و كان الملايين يحرمون من ثواب الإنتظار،فقد روي عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أنه قال:«أفضل أعمال أمّتي إنتظار الفرج»(1).

و قال الإمام علي أمير المؤمنين(عليه الصلاة و السلام):«المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه»(2).

و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«من مات منتظرا لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم(عليه السلام)في فسطاطه(3)لا..بل كان بمنزلة الضارب بين يدي رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) بالسيف»(4).

و في إنتظار الفرج فائدة أخرى و هي أنّ الإنتظار يعتبر تصديقا لكلام اللّه تعالى و كلام رسوله و الأئمة الطاهرين من ولده،و هذا التصديق من مراتب الإيمان و درجات التسليم و الإطاعة.

و هناك حكمة أخرى في هذا الموضوع و هي:الإمتحان و الإختبار، فانّ اللّه سبحانه يمتحن عباده بشتّى أنواع الإمتحانات،و منها القضايا

ص:357


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 644،و رواه الجويني الشافعي في(فرائد السمطين).
2- (2) إكمال الدين ج 2 ص 645.
3- (3) فسطاطه:الخيمة التي يعسكر فيها الإمام.
4- (4) إكمال الدين ج 2 ص 338.

العقائديّة،فالذين آمنوا باللّه و بالرسول و بما جاء به من عند ربّه حول الإمام المهدي لا يهمّهم طول الغيبة،مهما طالت المدّة و طال الإنتظار.

و أمّا المنافقون فانّهم يجدون المجال المناسب للإستهزاء و التهريج ضدّ هذه العقيدة المقدّسة،و يضربون الآيات القرآنيّة و الأحاديث النبويّة عرض الجدار،و هذه عادة أهل الباطل في كلّ زمان و مكان.

و قد روي عن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)أنّه قال -في حديثه عن غيبة الإمام المهدي-:«...إنّما هي محنة من اللّه-عزّ و جلّ-إمتحن بها خلقه...»(1).

و ليس معنى الإمتحان أنّ اللّه سبحانه لا يعلم حقائق عباده و لا يعرف ما في ضمائرهم و سرائرهم إلاّ بعد الإمتحان.كلاّ..بل إنّ اللّه بكلّ شيء عليم،و يعلم ما في الصدور،و لا يخفى عليه شيء،قال تعالى:أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (2).

فلماذا الإمتحان إذن؟

ص:358


1- (1) كتاب الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 336.
2- (2) سورة العنكبوت الآية 3-5.

الجواب:إنّ اللّه سبحانه يمتحن عباده لعدّة أمور:

منها:إتمام الحجّة على الخلق،لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة.

و منها:لكي ينجح المؤمن في الإمتحان،فيستحقّ بذلك الأجر و الثواب.

و قد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)أن يدعو الإنسان-في عصر الغيبة-بهذا الدعاء المسمّى ب(دعاء الغريق):

«يا اللّه يا رحمن يا رحيم،يا مقلّب القلوب،ثبّت قلبي على دينك»(1)

و روي-أيضا-عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه أمر بهذا الدعاء:«اللهمّ عرّفني نفسك،فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك،اللّهم عرّفني رسولك،فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك،اللهمّ عرّفني حجّتك،فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني»(2).

هذا..بالاضافة الى وجوه الحكمة الأخرى،التي خفيت علينا.

أيها القارىء الكريم:هناك أحاديث شريفة تتحدّث عن بعض ما يتعلّق بوقت الظهور،نذكر بعضها بالمناسبة:

قال الإمام الصادق(عليه السلام):«يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة».

ص:359


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 352.
2- (2) كتاب الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 337،إثبات الهداة للشيخ الحر العاملي ج 7 ص 31.

و قال(عليه السلام):لا يخرج القائم(عليه السلام)إلاّ في وتر من السنين:سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع(1).

و قال(عليه السلام):«ينادى باسم القائم(عليه السلام)في ليلة ثلاث و عشرين،و يقوم في يوم عاشوراء،و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي(عليهما السلام)...»(2).

و المستفاد من مجموع الأحاديث التي تتحدّث عن ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)أنّ الظهور يكون قبل القيام بفترة غير قصيرة، فلعلّ الإمام(عليه السلام)يظهر من الإختفاء حين ينادى باسمه،في شهر رجب أو شهر رمضان،و ينقضي شهر شوّال و ذي القعدة و ذي الحجّة و عشرة أيام من شهر محرّم،ثم يقوم(عليه السلام)و ينهض تلك النهضة المباركة،فهو-في خلال هذه الفترة-يتّخذ التدابير اللازمة، و ينتظر الوقت و الزمان المناسب الذي يأذن اللّه له كي يبدأ حملة التطهير و يزيل الظلم و الجور،و ينشر العدل و العدالة في ربوع الكرة الأرضيّة، و سنذكر بعض التفصيل في المستقبل القريب إنشاء اللّه تعالى.

و أمّا حساب المنجّمين و أهل الرمل و الجفر و المكاشفات،و المرتاضين و غيرهم من الذين يدّعون الإخبار عن المغيّبات-في هذا الزمان-فليس

ص:360


1- (1) كشف الغمة ج 3 باب 4 ص 534.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني ص 282،إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات للشيخ الحر العاملي ج 7 ص 31،و كتاب عقد الدرر للشافعي ص 65.

بشيء يعبأ به أو يعتمد عليه،خاصّة مع الإخبار المسبق من الرسول الأعظم و الأئمة الطاهرين بتكذيب كلّ من يخبر بوقت الظهور،كائنا من كان،و لقد رأينا و قرأنا و سمعنا تنبّؤات كثيرة حول العالم و حول ما يحدث لبعض الأفراد،فكان أكثرها كذبا وزورا!.

نعم يمكن أن نعرف إقتراب الظهور إذا ظهرت العلامات القطعيّة و الحتميّة،و لنا بحث حول تلك العلامات،سنذكره في فصل قادم باذن اللّه تعالى.

ص:361

الفصل الخامس عشر

اوصاف الامام المهدي و علائمه

لقد تعرّضت الأحاديث الشريفة لذكر علائم الإمام المهدي(عليه السلام)و أوصافه،و كان هذا ضروريا جدا،حتى يعرف الحقّ من الباطل،و ليكون حاجزا قويّا أمام من سوّلت له نفسه أن يدّعي ما ليس له.

و هذه العلامات يتعلّق بعضها بجسم الإمام المهدي(عليه السلام)و بعضها يصف أخلاقه،و بعضها يبيّن كيفية ظهوره،و بعضها يشرح حياة المجتمع في عصره.

و الجدير بالذكر أنّ علائم الإمام المهدي-المذكورة في الأحاديث الشريفة-تعتبر من العلائم التي لا تجتمع في غيره.فالعلائم التي تحدث قبل الظهور و بعد الظهور و حين قيامه بالحكم،و أيام حكومته، و فتوحاته،و امتلاء الأرض قسطا و عدلا بعد أن تملأ ظلما و جورا، و غيرها..كلّ هذه الأمور تعتبر شواهد صدق على حقيّة الإمام المهدي (عليه السلام)و تعيين شخصه.

و من الصحيح أن نقول:إنّ أكثر الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي(عليه السلام)إنّما هي علائم لتعيين شخصه،كالأحاديث التي

ص:362

تشرح نسبه الشريف،و أنّه إبن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) و أنّه يملأ الأرض قسطا و عدلا،و أنّه يستولي على الكرة الأرضيّة،فلا يبقى على وجه الأرض دين غير دين الإسلام..و الى ما شاء اللّه من العلائم التي لم تتحقّق الى الآن و لم تتوفّر في أحد من مدّعي المهدويّة.

و السؤال الآن:ما هي الحكمة من ذكر أوصاف الإمام المهدي و علاماته؟.

الجواب:يمكننا أن نشير الى بعضها فيما يلي:

1-إنّ بتحقق هذه العلامات و انطباق هذه الأوصاف على الإمام المهدي-حين ظهوره-يرتفع كل شك و ريب،و يتلقّى الناس خبر ظهور الإمام بكلّ يقين،و لا يبقى مجال لأصحاب القلوب المريضة أن يشكّوا أو يشكّكوا في الإمام المهدي(عليه السلام)مع توفّر العلائم و تحقّق الصفات فيه،و تلزمهم الحجّة القطعيّة التي تأخذ بأعناقهم و تسدّ عليهم أبواب الشكوك و المناقشة.

2-إنّ اللّه تعالى كان يعلم أنّ عددا كثيرا من أهل الضلالة و أتباع الشيطان الرجيم سيدّعون المهدويّة كذبا وزورا،و افتراءا و خداعا،و لهذا جعل اللّه تعالى هذه العلائم المهمّة-التي لم تحدث في الكون أبدا-من العلائم القطعيّة للإمام المهدي(عليه السلام)و لظهوره،كي لا ينخدع الناس بأباطيل الضالّين و وساوس الشياطين،بل و حتى تفشل الدعاوي الباطلة التي يدّعيها المبطلون المدّعون للمهدويّة.

ص:363

و حينما نستعرض التاريخ الإسلامي نجد أنّ جماعة من أهل الضلال و الباطل،إدّعوا المهدويّة كذبا وزورا،و لكنّهم كانوا فاقدين لهذه الصفات و لم تتوفّر فيهم العلامات.

فقد كان قيام بعضهم ضيّق النطاق،قصير المدة،فاقد الشرائط، لم يستطع ان يملأ بلدة واحدة قسطا و عدلا،فكيف بأن يملأ الأرض كلّها قسطا و عدلا؟!

و كثير من هؤلاء فشلوا في إدّعائهم الكاذب،و لم يتّبعهم سوى بعض البسطاء الضعفاء من الناس،فباؤا بالفشل و لاذوا بالفرار، و جرّوا الويلات على أتباعهم،فكانوا لعنة التاريخ و أضحوكة المجالس.

و سنذكر في فصل قادم-إن شاء اللّه تعالى-أسماء بعض الذين ادّعوا المهدويّة،و نذكر بعض انحرافاتهم و أباطيلهم.

و فيما يلي نشير الى بعض الأحاديث الواردة في أوصاف الإمام المهدي(عليه السلام)و علائمه:

1-قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«المهديّ من ولدي،إبن أربعين سنة(1)كأنّ وجهه كوكب درّي(2)في خدّه الأيمن خال

ص:364


1- (1) إبن أربعين سنة:أي يبدو كأنّه إبن أربعين سنة،إذ لا طريق للذبول و آثار الشيخوخة اليه.
2- (2) الدرّي:المضيء الشديد الإضاءة،نسب الى الدرّ لبياضه و شدّة توقّده و إنارته.

أسود،عليه عباءتان قطوانيتان(1)كأنّه من رجال بني إسرائيل(2)يملك عشرين سنة،يستخرج الكنوز،و يفتح مدائن الشرك»(3).

2-و قال(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«يخرج المهديّ و على رأسه غمامة،فيها مناد ينادي:هذا المهدي خليفة اللّه فاتّبعوه»(4).

3-و قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«المهديّ منّي،أجلى الجبهة،أقنى الأنف»(5).

4-و قال(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):«المهديّ من ولدي، وجهه يتلألأ كالقمر الدرّي،اللون لون عربي،و الجسم جسم

ص:365


1- (1) القطوانية-نسبة الى قطوان-:و هو موضع في الكوفة،كان يصنع فيه العباءة، و قيل:القطوانية:عباءة بيضاء قصيرة الخمل.
2- (2) كأنّه من رجال بني إسرائيل:أي:انّه جسيم و طويل القامة.
3- (3) كتاب البيان للكنجي الشافعي ص 137،و رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب الأربعين،و الجويني في(فرائد السمطين)ج 2 ص 314،و يوسف بن يحيى الشافعي السلمي في(عقد الدرر)ص 36.
4- (4) و في نسخة«يخرج المهدي و على رأسه ملك ينادي:هذا المهدي...».فرائد السمطين للجويني ج 2 ص 316،و كتاب البيان للكنجي الشافعي ص 132، و رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب الأربعين،و المتّقي الهندي في(البرهان)و الخطيب البغدادي في(تلخيص المتشابه).
5- (5) أجلى الجبهة:واسع الجبهة،أو:هو الذي انحسر الشعر عن مقدّم رأسه.أقنى الأنف:القنا في الأنف:هو طوله ورقّة أرنبته..مع حدب في وسطه.مصدر الحديث:البرهان للمتقي الهندي ص 99،و البيان للكنجي الشافعي ص 117.

إسرائيلي،يملأ الأرض عدلا..كما ملئت جورا»(1).

5-و قال الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)-في خطبة له-:«...المهدي من ذرّيتي،يظهر بين الركن و المقام،عليه قميص إبراهيم،و حلّة إسماعيل،و في رجله نعل شيث(2)،و الدليل عليه قول النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلّم):عيسى بن مريم ينزل من السماء و يكون مع المهدي من ذرّيتي..»(3).

6-و قال(عليه السلام)أيضا-في خطبة البيان-:«...هو صاحب الوجه الأقمر،و الجبين الأزهر(4)و صاحب العلامة و الشامة، العالم غير معلّم،المخبر بالكائنات قبل أن يعلم(5)...

ألا و إنّ المهدي يطلب القصاص ممّن لا يعرف حقّنا،و هو الشاهد بالحق و خليفة اللّه على خلقه،إسمه كإسم جدّه رسول اللّه(صلى اللّه

ص:366


1- (1) البيان للكنجي ص 118،و عقد الدرر ليوسف بن يحيى السلمي الشافعي ص 34،و أخرجه الحافظ أبو نعيم في(مناقب المهدي)و الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه.
2- (2) شيث:هو إبن النبي آدم-أبي البشر-(عليهما السلام).و لا يخفى أنّ هذه مواريث الأنبياء و ودائع النبوّة،التي انتقلت من نبي الى نبي،الى خاتم الأنبياء، الى الأئمة الطاهرين،حتى وصلت الى الإمام المهدي(عليه السلام).
3- (3) كتاب إثبات الهداة للشيخ الحر العاملي ج 7.
4- (4) الأقمر:الأبيض،الأزهر:المشرق اللون.
5- (5) أي:قبل أن يخبر عنها.و في نسخة:«قبل أن تعلم».

عليه و آله و سلم)إبن الحسن بن علي(عليه السلام)(1)،من ولد فاطمة، من ذريّة الحسين ولدي...»الى آخر خطبته(2).

7-و قال الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام):«لو قام المهدي لأنكره الناس،لأنّه يرجع اليهم شابا و هم يحسبونه شيخا كبيرا(3).

8-و عن الهروي قال:قلت للإمام الرضا(عليه السلام):ما هي علامات القائم منكم إذا خرج؟

قال(عليه السلام):«علامته:أن يكون شيخ السنّ،شابّ المنظر،حتى أنّ الناظر اليه ليحسبه إبن أربعين سنة أو دونها،و إنّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام و الليالي،حتى يأتي أجله(4).

ص:367


1- (1) المقصود هو الامام الحسن العسكري إبن الامام علي الهادي(عليهما السلام).
2- (2) كتاب إلزام الناصب ج 2 ص 200.
3- (3) كتاب عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي السلمي ص 42.
4- (4) إكمال الدين ج 2 ص 652.

الفصل السادس عشر

اشارة

علائم ظهوره

يمكننا أن نقسّم علائم ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)المرويّة في كتب الأحاديث،إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:العلائم العامّة،التي تتحدّث عن الإنحرافات التي تنتشر في الأوساط الإسلاميّة و غيرها،و تتلوّث بها المجتمعات البشريّة.

و هذه العلائم ليست من العلائم المقارنة لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)بل يمكن أن تحدث قبل ظهور الإمام بعشرات السنين.

القسم الثاني:العلائم التي تحدث قريبا من ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)بسنوات غير كثيرة،و لكنّها لا تدلّ على وقوع الظهور في تلك السنة،بل تعتبر من أنواع الملاحم و الفتن في القرون المتأخّرة عن زمن صدور هذه الأحاديث.

القسم الثالث:العلائم التي تحدث في السنة التي يظهر فيها الامام (عليه السلام)أو في السنة السابقة على سنة الظهور.

و هذا القسم الأخير ينقسم الى نوعين:

النوع الأول:العلائم غير المحتومة،و معنى ذلك أنّها ليست قطعيّة،فيمكن أن تقع و يمكن أن لا تقع.

ص:368

النوع الثاني:العلائم المحتومة التي لا تقبل الشك و الترديد،و هي قطعيّة الوقوع..لا محالة.

ثم إنّ هذه العلائم-من حيث المجموع-بعضها ظاهر المعنى و واضح المراد،و بعضها في غاية الإبهام و الإجمال و الغموض.

و قد سبقني الكثيرون الى ذكر تلك الأحاديث،و خاصّة الكتّاب المعاصرون،و قد فسّروها و أوّلوها حسب آرائهم الخاصّة و نظريّاتهم الشخصيّة.

و إنّني أظن أنّهم لا يستطيعون إثبات تلك الآراء لا علميا و لا تاريخيا،و لهذا فإنّني لا اتجرّأ في أن أتّبعهم في تلك التوجيهات،أو أقتدي بهم في آرائهم و تأويلاتهم لتلك الأحاديث،فاللّه و رسوله و أهل البيت أعلم بحقائق الأمور.

و هاك مثالا في هذا المجال:

ذكر الشيخ المفيد في كتابه الارشاد-في ضمن العلائم-::

«...و نزول الترك الجزيرة،و نزول الروم الرملة..».

إنّ الأتراك يسكنون-حاليا-في إيران و في شمال العراق،و في تركيا،و في القفقاس،من الإتحاد السوفياتي،فيا ترى ما هو المقصود من الترك هنا؟.

و الجزائر كثيرة فما هي الجزيرة التي تنزل بها الترك؟و اين هي؟

ص:369

و أما الروم فهم-على الاكثر-الأوروبيّون،و من الواضح أنّ أوروبا قارّة مشتملة على دول عديدة و حكومات متعدّدة،و كلّهم روم،فما هو المقصود من الروم،

هل يمكن أن يكون المقصود من الروم اسرائيل؟!(1).

و يمكن أن يكون المقصود امريكا،لأنّ أكثر الإمريكيين هم من المهاجرين من القارّة الأروبيّة.

و هكذا وردت في الأخبار كلمة«المشرق«أو«المغرب»فما هو المقصود من المشرق و المغرب؟

المشرق الأقصى؟أم الشرق الأوسط؟

المغرب الأقصى؟أم المغرب العربي المشتمل على ليبيا و تونس و الجزائر و المغرب؟

و هكذا وردت كلمة:«بنو فلان»أو«ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان»فما هو المقصود من بني فلان؟.

يقال:إنّهم بنو العباس،مع العلم أنّ العباسيّين إنقرض ملكهم سنة 656 من الهجرة،فهل يمكن أن يكون بعض الرؤساء في البلاد العربية عباسيّين في النسب؟.

ص:370


1- (1) باعتبار أن الروم الذين جاءوا لحرب المسلمين-في غزوة مؤتة-كانوا يسكنون الأردن و فلسطين.

و على كلّ حال..لا نستطيع أن نتأكّد من معرفة هذه الأسماء في هذه الأحاديث التي تشبه الرموز،و لا نتمكن أن نعرف المقصود منها بالضبط.

إذن..فالأفضل أن نذكر العلائم كما هي،و المستقبل يضمن تفسير هذه الكلمات و تطبيقها على مصاديقها.

القسم الأول:العلائم العامّة:

أمّا العلائم العامّة-و هي القسم الأول من العلائم-فهي كثيرة، و نقتطف من مجموع الأحاديث حديثا واحدا و فيه الكفاية،ثم نشرح بعض الكلمات الواردة فيه:

روي عن النزال بن سبرة قال:خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(صلوات اللّه عليه)فحمد اللّه-عزّ و جلّ-و أثنى عليه،و صلى على محمد و آله،ثم قال:سلوني-أيها الناس-قبل أن تفقدوني-قالها ثلاث مرات-.

فقام اليه صعصعة بن صوحان فقال:يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجّال؟.

فقال(عليه السلام)له:أقعد،فقد سمع اللّه كلامك،و علم ما أردت..

الى أن قال:و لكن لذلك علامات و هيئات يتبع بعضها بعضا كحذو النعل بالنعل،و إن شئت أنبأتك بها.

ص:371

قال:نعم يا أمير المؤمنين.

فقال(عليه السلام):«إحفظ..فإنّ علامة ذلك:إذا أمات الناس الصلاة،و أضاعوا الأمانة،و استحلوا الكذب،و أكلوا الربا، و أخذوا الرشا..و باعوا الدين بالدنيا،و استعملوا السفهاء،و قطعوا الأرحام،و اتّبعوا الأهواء،و استخفّوا بالدماء.

و كان الحلم ضعفا،و الظلم فخرا،و كان الأمراء فجرة،و الوزراء ظلمة،و العرفاء خونة،و القرّاء فسقة،و ظهرت شهادات الزور، و استعلن الفجور و قول البهتان،و الإثم و الطغيان.

و حليت المصاحف،و زخرفت المساجد،و طوّلت المنارات،و أكرم الأشرار،و ازدحمت الصفوف،و اختلفت الأهواء،و نقضت العهود، و اقترب الموعود،و شارك النساء ازواجهنّ في التجارة حرصا على الدنيا، و علت أصوات الفسّاق و استمع منهم،و كان زعيم القوم أرذلهم،و اتّقي الفاجر مخافة شرّه،و صدّق الكاذب،و اؤتمن الخائن،و اتخذت القيان و المعازف(1)و لعن آخر هذه الأمّة اوّلها،و ركبت ذوات الفروج السروج، و تشبّه النساء بالرجال و الرجال بالنساء،و شهد شاهد من غير أن يستشهد و شهد الآخر قضاءا لذمام بغير حق عرفه،و تفقّه لغير الدين،و آثروا عمل الدنيا على الآخرة،و لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب،

ص:372


1- (1) القيان:الإماء المغنّيات:و قيل:المغنّيات..سواء كنّ من الإماء أولا.و المعازف: هي آلات اللهو يضرب بها..من الدفوف و غيرها.

و قلوبهم أنتن من الجيف و أمرّ من الصبر،فعند ذلك..ألوحا..

الوحا..ثم العجل العجل...»الى آخر الحديث(1).

و الآن..نذكر بعض الجملات الواردة في هذا الحديث،مع شيء من الشرح و التفصيل،حسب ما يتبادر الى الذهن،و اللّه العالم:

الحديث المذكور يشير الى بعض المفاسد في المجتمعات الإسلاميّة، و قلب المفاهيم،و تبدّل المقاييس،و ضعف الجانب العقائدي،و عدم المبالاة بالنواميس الإسلامية،و كثرة الإهتمام بالأشياء التافهة،و استيلاء المنحرفين على الحكم،و سقوط الفضائل عن الإعتبار و انتشار المنكرات بلا خوف و لا خجل.

فالصلاة-التي هي عمود الدين-تفقد جوهرها،و الأمانات تضيع،و يصبح الكذب الحرام حلالا،و الربا مباحا،و يستولي الفاقدون للمؤهّلات على الحكم،و العلاقات الودّية بين الأقارب و الأرحام تنقطع،و يستهان بإراقة دماء الأبرياء و الظالم يفتخر بالظلم،و ينتشر الفجور بين الأمراء،و الظلم بين الوزراء،و الخيانة بين العرفاء(2)و الفسق بين القرّاء-قرّاء القرآن أو الخطباء-.

و يكون إحترام القرآن العظيم بإناقة الطباعة و تلوين الغلاف و ما

ص:373


1- (1) الوحا..الوحا:أي العجل..العجل..إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 525-526.
2- (2) الظاهر أنّ العرفاء:هم الشرطة و الجواسيس،و ما يسمّون برجال أمن الدولة.

شابه ذلك،لا تلاوته و لا العمل به.

و صفوف صلاة الجماعة تكون مزدحمة بالمصلّين الذين يحملون قلوبا متنافرة،فالأجساد متقاربة و القلوب متباعدة.

و تنزل النساء و الفتيات الى الأسواق و الحوانيت،جلبا للمال، و أصوات الفسّاق تعلو و تنتشر من الإذاعات و غيرها،و الناس يصدّقون كلامهم و يعتبرونه وحيا يوحى.

و تكون الزعامة و الرئاسة للسفلة الاراذل الذين لا يؤمنون بالقيم و الشرف،و الناس يخافون من شرّ الفجّار فيدارونهم إتّقاء شرّهم.

و أمّا اصوات المغنّيات و الراقصات و المطربات-المقرونة بالموسيقى و الدفّ و أمثال ذلك-فهي مرتفعة من أكثر البيوت،و تسمعها في الجوّ و البرّ و البحر،و في الشوارع و الأسواق و حتى في الصحاري و البراري-في الوسائل النقليّة-كلّ ذلك عبر الإذاعات و أجهزة التسجيل و الأشرطة.

و ركوب النساء الدرّاجات الهوائيّة أو الناريّة أو الخيول..و لا شكّ أنّ ركوب المرأة على السرج يهيّج فيها غريزة الجنس،بسبب الحركة العنيفة،المصحوبة بكيفية جلوسها على السرج،مع العلم أنّ ركوب السيّارة و أمثالها ليس فيه هذا التأثير.

و أما تشبّه النساء بالرجال فقد صار من أرقى مراتب الحضارة و التقدّم،فالفتاة تلبس البدلة الرجاليّة،و تقصّر شعر رأسها،بحيث يصعب التمييز بينها و بين الرجل.هذا من ناحية الملبس و المظهر.

ص:374

و أمّا التوظّف في الدوائر و الإستخدام في المحلاّت،و المشاركة في بقيّة مرافق الحياة الخاصّة بالرجل-كالوزارة و المجلس النيابي و المحاماة و أمثالها-فحدّث و لا حرج!!.

و أما تشبّه الرجال بالنساء..فتراه في كلّ مكان،فالرجل يلبس القميص الملوّن و البنطلون الضيّق،و يضع السلسلة الذهبيّة في رقبته، و يتختّم بالذهب،و يحلق اللحية مع الشارب و يرقّق حاجبيه عند الحلاّق،و يستعمل المساحيق الخاصّة لطراوة الوجه و لمعانه،و كأنّه يجلب الأنظار الى نفسه!و كأنّ هناك إتفاقيّة بين الرجال و النساء للتبادل الثقافي!!.

نعم..هذا بعض مظاهر تشبّه الرجال بالنساء!.

و أمّا في المحاكم فالشاهد يشهد من غير أن يطلب منه الشهادة، و الآخر يشهد لصديقه رعاية لحقّه،و هو لا يعرف القضيّة و لا يعلم الحقّ مع من؟!.

و لا تسأل عمّا يجري في هذه المحاكم من بذل المال و الرشوة و الهدايا الى الحاكم أو الوسيط،جلبا لرضاه و رعايته.فذلك ممّا لا يخفى على أحد.

و أمّا التفقه لغير الدين،فقد صار متعارفا عند البعض،فتراه يتفقّه لا للدين..بل للدنيا،يدرس العلوم الدينيّة لكي يتخرّج و يصبح قاضيا،فيجرى له راتب يوفّر له الحياة المرّفهة،و لا يهمّه من أمور الدين

ص:375

شيء أبدا.

و هناك أفراد يتظاهرون بالصلاح و الورع،و لكنّهم يحملون نفوسا شرّيرة،و نوايا سيّئة و ضمائر قذرة،فاذا أتيحت لهم الفرصة فلا وجدان و لا عطف و لا إنسانيّة و لا دين و لا مذهب،تماما كالذئب الذي لا يعرف شيئا سوى تمزيق فريسته،و شرب دمائها و تقطيع أعضائها!.

أيها القارىء الكريم:كان هذا شرحا موجزا لبعض الجملات التي وردت فيما روي عن مولانا و سيّدنا علي أمير المؤمنين(صلوات اللّه و سلامه عليه)و الأحاديث التي تتضمّن هذه المواضيع كثيرة،و قد اكتفينا بهذا الحديث رعاية للإختصار.

القسم الثاني:العلائم القريبة من زمن الظهور:

و أمّا القسم الثاني من العلائم،و هي التي تحدث قريبا من ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)فكثيرة جدا،و قد ذكر الشيخ المفيد(رحمه اللّه)-في كتاب الإرشاد-علائم كثيرة إستخلصها من الأحاديث التي إعتبرها صحيحة و ثابتة عنده،و قد جمع بين العلائم القريبة و المقارنة للظهور و القيام،بصورة مجملة و موجزة،و فيما يلي نذكر كلامه،تتميما للفائدة،ثم نشرح بعض ما يستدعي الشرح و التوضيح:

قال(رحمه اللّه):«قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي(عليه السلام)و حوادث تكون أمام قيامه،و آيات و دلالات،فمنها:

ص:376

خروج السفياني،و قتل الحسني،و اختلاف بني العباس في الملك الدنياوي(1)و كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان،و خسوف القمر في آخره على خلاف العادات،و خسف بالبيداء،و خسف بالمشرق،و خسف بالمغرب،و ركود الشمس من عند الزوال الى وسط أوقات العصر،و طلوعها من المغرب،و قتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين،و ذبح رجل هاشمي بين الركن و المقام،و هدم حائط مسجد الكوفة،و إقبال رايات سود من قبل خراسان،و خروج اليماني،و ظهور المغربي بمصر و تملّكه الشامات،و نزول الترك الجزيرة، و نزول الروم الرملة.

و طلوع نجم يضيىء كما يضيىء القمر،ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه،و حمرة تظهر في السماء و تنتشر في آفاقها،و نار تظهر بالمشرق طولا و تبقى في الجوّ ثلاثة أيام أو سبعة أيام.

و خلع العرب أعنّتها(2)و تملّكها البلاد،و خروجها عن سلطان العجم،و قتل أهل مصر أميرهم(3)و خراب الشام و اختلاف ثلاث رايات فيه،و دخول رايات قيس و العرب الى أهل مصر،و رايات كندة الى خراسان،و ورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة،و إقبال

ص:377


1- (1) هكذا وجدنا في المصدر و لعل الأصح:الملك الدنيوي.
2- (2) الأعنّة جمع عنان،مثل أزمّة جمع زمام وزنا و معنى.
3- (3) لعلّ هذا قد تحقّق،فقد قتل المصريّون أنور السادات رئيس الجمهورية،و اللّه العالم.

رايات سود من قبل المشرق نحوها،و ثبق بالفرات(1)حتى يدخل الماء أزقّة الكوفة.

و خروج ستّين كذّابا كلّهم يدّعي النبوّة،و خروج إثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه،و إحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس،بين جلولاء و خانقين(2)و عقد الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة بغداد و ارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار،و زلزلة حتى ينخسف كثير منها،و خوف يشمل أهل العراق و بغداد،و موت ذريع فيه، و نقص في الأموال و الأنفس و الثمرات.

و جراد يظهر في أوانه و غير أوانه حتى يأتي على الزرع و الغلاّت، و قلّة ريع لما يزرعه الناس(3)،و اختلاف صنفين من العجم و سفك دماء كثيرة فيما بينهم،و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم، و مسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة و خنازير،و غلبة العبيد على بلاد السادات،و نداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اهل كلّ لغة بلغتهم،و وجه و صدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس،و أموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا الى الدنيا فيتعارفون فيها و يتزاورون،ثم يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة تتّصل،فتحيى بها

ص:378


1- (1) ثبق النهر:أي كسر سدّه،و فاض منه الماء،و الثبق:موضع الكسر من النهر. المنجد.
2- (2) جلولاء و خانقين مدينتان في العراق تقعان بين بغداد و الحدود الإيرانية.
3- (3) الريع:ما فضل و زاد من الزرع.

الأرض بعد موتها،و تعرف بركاتها،و يزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي(عليه السلام)فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة،و يتوجّهون نحوه لنصرته».

أقول:لعل بعض ما ذكره الشيخ المفيد من العلائم قد وقع، و بعضها سوف يقع في المستقبل القريب أو البعيد.

و بعض هذه العلائم يحتاج الى شيء من الشرح و التوضيح، و بعضها غير واضح المراد،و لا نستطيع بالتأكيد أن نفسّر ما أبهم منها، و لكنّنا نبدأ-بعون اللّه تعالى-بشرح ما هو المظنون،و لا ندّعي أنّ هذا هو المقصود لا غير:

أمّا السفياني و الحسني فسوف نتحدّث عنهما قريبا،و سيأتي الكلام كذلك عن كسوف الشمس و خسوف القمر و عن الخسف بالبيداء،في ضمن الحديث عن السفياني.و هكذا سيأتي الكلام عن قتل النفس الزكيّة و الرجل الهاشمي.

و أمّا إختلاف بني العباس في الملك-مع العلم أنّ حكومتهم قد انقرضت قبل حوالي ثمانمائة سنة-فلا بدّ لنا من القول:إنّ بعض الحكّام في البلاد العربيّة هم عباسيّون في النسب و لكنّهم غير معروفين بذلك.

و أمّا ركود الشمس،أو طلوعها من المغرب،فلا يؤمن به العلم الحديث-اليوم-و لكنّنا نقول:إنّ اللّه على كلّ شيء قدير،و لسنا

ص:379

بحاجة الى تصديق العلم الحديث و تأييده في هذه الأمور.

و أما إقبال رايات،سود من قبل خراسان،فلا نعلم هل هو إشارة الى واقعة التتار و سقوط حكومة العباسيّين،و قد وقع هذا قبل مئات السنين؟!أم أنّه إشارة الى ما سيقع في المستقبل؟!.

و(خراسان)أسم منطقة واسعة تشمل شيئا من أرض الأفغان و الإتّحاد السوفياتي،بالإضافة لشمولها لمدينة مشهد الإمام الرضا(عليه السلام)و ضواحيها و نواحيها.و اللّه يعلم ماذا خبّأ الدهر لهذه المنطقة و تلك البلاد.

و أمّا خروج اليماني و ظهور المغربي بمصر،فالتاريخ يذكر إستيلاء المصريّين على الشام مرّات عديدة،و يمكن أن يتكرّر ذلك في المستقبل.

و أمّا الحمرة التي تظهر في السماء فيمكن أن تكون من إنعكاسات أشعّة الشمس في الأفق أو الفضاء بصورة عامّة،و يعتبر هذا من آثار غضب اللّه تعالى على أهل الأرض،و قد حدث نظير هذا بعد إستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام).

قال أبو العلاّء المعرّي:

و على الأفق من دماء الشهيدين علي و نجله شاهدان

و أمّا النار التي تظهر بالمشرق طولا و تبقى في الجوّ ثلاثة أيام أو سبعة أيام،فلعلّها من الحرائق الرهيبة التي تظهر،و ما يدرينا لعلّ آبار

ص:380

البترول-في بعض المناطق-تصاب بالحريق فيمتلأ الفضاء بالنار و الدخان،و لا يستطاع إخماد النار الى ثلاثة أيام أو سبعة أيام.و اللّه العالم.

و أما خلع العرب أعنّتها و تملّكها البلاد و خروجها عن سلطان العجم،فلعلّه قد وقع،و ينبغي أن لا ننسى أنّ العجم هم:غير العرب،سواء في ذلك الفرس و الترك و غيرهما.

فبعد أن كانت الإمبراطورية العثمانيّة تحكم على أكثر البلاد العربيّة-كالعراق و الأردن و فلسطين و سوريا و لبنان و مصر و السودان و الحجاز و اليمن و غير ذلك-إنهارت تلك الإمبراطورية و خرجت البلاد العربية عن السلطة العثمانية.

و أمّا خراب الشام و اختلاف ثلاث رايات فيها،فسنذكره قريبا.

و أمّا دخول رايات قيس و العرب الى أهل مصر،فالمستقبل كفيل بتوضيحه.

و أمّا ورود الخيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة-في العراق-،فحيث أنّنا لا نعلم المقصود من المغرب.لا نستطيع أن نتأكّد من معرفة الخيل القادم من المغرب نحو العراق.

و نفس هذا الكلام بالنسبة الى الرايات السود القادمة من قبل المشرق نحو الحيرة.

و أما الثبق في الفرات،فلعلّه يحدث من إنهيار السدّ على شطّ

ص:381

الفرات و تفايض الماء و طغيانه،فيدخل الماء أزقّة الكوفة.و قد تفايض الماء-فيما مضى من السنين-بصورة مكرّرة.

و أمّا خروج ستين كذّابا كلّهم يدّعي النبوّة،فقد خرج عدد من هؤلاء في خلال قرنين أو أكثر،أمثال علي محمد الباب-رئيس البهائية الباطلة-و أحمد القادياني-رئيس القاديانيّة المنحرفة-و غيرهما ممّن لا داعي لذكرهم.

و أما إحراق رجل عظيم من شيعة بني العباس-بين جلولاء و خانقين-فلا يتبادر الى الذهن-الآن-شيء حوله،و لعلّه يتّضح ذلك في المستقبل.

و أما عقد الجسر ممّا يلي الكرخ و بغداد،فقد بني الجسر قبل عشرات السنين،بل بلغ عدد الجسور التي بنيت في بغداد سبعة.

و أمّا إرتفاع الريح السوداء بها في أوّل النهار،فيمكن ان يكون ذلك بسبب الحرائق و المتفجّرات،أو يكون عذابا من عند اللّه،كما حدث ذلك بالنسبة لبعض الأمم السابقة.

و أما الزلزلة التي ينخسف منها كثير من بغداد،فلعلّها إشارة الى القصف الذي يزلزل المدينة و يهدم بناياتها،أو أنّها زلزلة حقيقية،لم تقع بعد.

و أمّا الخوف الذي يشمل أهل العراق،فلعلّه إشارة الى ما هو موجود الآن-و نحن في عام 1403 هجريّة-حيث لم يبق في العراق

ص:382

إنسان إلاّ و شمله الخوف.

و أمّا الموت الذريع،فلعلّه اشارة الى الإعدامات الكثيرة الجماعية و غيرها،التي تحدث-حاليا-بصورة مستمرة في كلّ يوم..بل في كلّ ساعة!

و أما النقص في الأموال،فلعلّه إشارة الى آثار الإشتراكيّة و ما تتركه من الفقر و الجوع و الحرمان،كما هو موجود-حاليا-في العراق،و في كل دولة تطبق فيها الإشتراكية السوداء.

و أمّا النقص في الأنفس،فلعلّه إشارة الى الحرب التي لا تزال قائمة-حين كتابة هذا الفصل-بين العراق و إيران.

و أمّا النقص في الزرع و الثمرات،فهو بسبب ما يسمّى بالإصلاح الزراعي الذي حوّل بلاد السواد الى أرض جرداء.

و أمّا الجراد الذي يظهر في أوانه و غير أوانه..حتى يأتي على الزرع و الغلاّت،فالظاهر أنّه لم يأت حتى الآن..

و أمّا قلّة الريع في الزرع،و سلب البركة من المزروعات،فيمكن أن يكون بسبب الحشرات التي تفسد الزرع،أو الأمطار الغزيرة التي تتلف الزرع،أو غير ذلك.

و أمّا إختلاف صنفين من العجم،فليس واضحا،بعد أن عرفنا أنّ المقصود من العجم هم غير العرب و ليس الفرس فقط،و اللّه يعلم

ص:383

حقائق الأمور.

و أمّا خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم،فهو يشير الى تمرّد-حدث أو يحدث-بين طوائف من الناس،كالفلاّحين الذين يتمرّدون على الملاّكين،أو العمّال الذين يثورون ضد أرباب المعامل،أو الجنود الذين يخرجون عن طاعة القوّاد و لا ينفّذون أوامرهم،و يوجّهون بنادقهم الى صدور أمرائهم و يقتلونهم،و يمكن أن يكون المراد بذلك ما حدث في ثورة صاحب الزنج في البصرة.و اللّه العالم.

و أمّا النداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض،فسنذكره قريبا.

و أمّا الوجه و الصدر اللذان يظهران من السماء للناس في عين الشمس،فيعتبر من الأمور المبهمة الغامضة،و لا مجال للظنّ و الحدس في تفسيره و تحليله.

و أمّا الأموات الذين ينشرون من قبورهم فهو إشار الى الرجعة، و لنا حديث مفصّل حول هذا الموضوع يأتي في أواخر الكتاب.

و أمّا الأمطار الغزيرة الكثيرة،فهذا أيضا يأتي شرحه في المستقبل القريب إنشاء اللّه تعالى.

و ختاما لهذا البحث أعود لأقول-مرّة ثانية-:إنّ ما ذكرته في شرح و توضيح ما ذكره الشيخ المفيد(رضوان اللّه عليه)إنّما هو ما تبادر اليه الظن،و من الممكن أنّ تشير مجموعة هذه الأحاديث الى معان أخرى لم تتبادر الى الذهن،و اللّه العالم.

ص:384

القسم الثالث:العلائم التي تحدث في سنة الظهور:

اشارة

القسم الثالث و الأخير:العلائم التي تحدث في السنة التي يظهر فيها الإمام المهدي(عليه السلام)أو في السنة السابقة على سنة الظهور،و قد ذكرنا أنّها على نوعين:

الأول:العلائم غير المحتومة و هي التي يحتمل وقوعها كما يحتمل عدمه،فهي ليست قطعيّة..و الآن نشير الى بعضها كالتالي:

الهاشمي:

خروج راية(الهاشمي)من العلائم غير المحتومة لظهور الإمام المهدي(عليه السلام)،و قد ورد ذكر(الهاشمي)في أحاديث عديدة، و المستفاد من مجموعها أنه رجل من بني هاشم،و من ذرّية رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)و أنّه في سنّ الشباب و بكفّه اليمنى خال و أنّه يخرج من خراسان،و قد ذكرنا-فيما مضى-أنّ خراسان إسم منطقة واسعة تشمل جزءا من إيران و الأفغان و الإتّحاد السوفياتي،و لا نستطيع التأكّد من نقطة إنطلاقه و مركز نهضته.

و تقول الأحاديث:إنّ الهاشمي يصل بجيشه الى العراق،بعد خروج جيش السفياني من الكوفة،و ارتكابه الفجائع و اراقته للدماء، و سبيه للنساء و وضعهنّ في الوسائل النقليّة و حملهنّ الى الشام.

في هذا الوضع المأساوي المؤلم يصل السيّد الهاشمي الى الكوفة فيعلم أنّ جيش السفياني قد خرج-حديثا-من الكوفة متوجّها نحو

ص:385

الشام،و معه السبايا و يصل الى الكوفة-أيضا-اليماني بجيشه الجرّار، ثم يخرج الهاشمي و اليماني بجيشهما لملاحقة جيش السفياني،و يلتقي الجيشان-جيش الهاشمي و اليماني من جهة،و جيش السفياني من جهة أخرى-و يقع بينهما قتل كبير،و أخيرا ينتصر السيّد الهاشمي،و يقضي على جيش السفياني بكامله،و يرجع الى الكوفة مظفّرا،بعد أن استنقذ السبايا.

و قد اختلفت الأحاديث في نسب الهاشمي،فبعضها يقول:إنّه حسني،و بعضها يقول:إنّه حسيني،و من المحتمل قويّا كونه حسني النسب و إنّني أظنّ ظنيا قويّا-أنّ الهاشمي هذا،هو الذي يعبّر عنه في بعض الأحاديث ب«الحسني»و«النفس الزكية»و لا مانع من أن يكون هناك سادة حسنيّون ذوو نفوس زكيّة.

نعم..قد اشتهر الرجل المذبوح بين الركن و المقام ب«النفس الزكية»و هو حسني النسب.

و ممّا لا شكّ فيه أنّ السيّد الهاشمي شيعيّ المذهب،متمسّك بعقيدته،و له شعبيّة واسعة و محبّة في القلوب.

و فيما يلي نذكر بعض الأحاديث المرويّة في هذا المجال:

عن عبد اللّه بن مسعود قال:أتينا رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فخرج الينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه،فما سألناه عن شيء إلاّ أخبرنا به،و لا سكتنا إلاّ ابتدأنا،حتى مرّت فتية من بني

ص:386

هاشم،فيهم الحسن و الحسين(عليهما السلام)،فلما رآهم إلتزمهم و انهملت عيناه.

فقلنا:يا رسول اللّه ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه؟!.

فقال:«إنا أهل بيت إختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا،و إنّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا و تشريدا،حتى ترفع رايات سود من المشرق،فيسألون الحقّ فلا يعطونه،فيقاتلون فينصرون،فمن أدركهم منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي،و لو حبوا على الثلج(1)فإنّها رايات هدى،يدفعونها الى رجل من أهل بيتي(2).

أقول:لعلّ بعض الناس يتوهّم أن المقصود من الرايات السود- في هذا الحديث-هي الرايات السود التي كانت مع أبي مسلم الخراساني حين نهض و قوّض حكومة بني امية،و أسّس حكومة العبّاسيّين في سنة 656 هجريّة.

و الصحيح أنّ هذه الرايات القادمة من خراسان ليست لها علاقة برايات أبي مسلم الخراساني،و قد قال المؤرّخ إبن كثير:«هذه الرايات

ص:387


1- (1) الحبو:يقال:حبى الطفل:أي زحف على يديه و بطنه،و التعبير ب«الحبو على الثلج»مبالغة في تحمّل المصاعب و بذل الجهود للإلتحاق بجيش الهاشمي.
2- (2) مستدرك الصحيحين للحاكم ج 4 ص 464،و رواه القندوزي الحنفي في(ينابيع المودّة)مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ،و رواه الحافظ أبو نعيم الإصفهاني، و إبن ماجة في السنن ج 2 ص 1366 باب خروج المهدي من كتاب الملاحم و الفتن.

السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني امية،بل رايات سود اخرى تأتي صحبة المهدي(1).

و عن أبي الطفيل قال:إنّ عليا(عليه السلام)قال لي:«إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان،فكنت في صندوق مقفل عليك،فاكسر ذلك القفل و ذلك الصندوق حتى تقتل تحتها(أي:تحت الرايات)فإن لم تستطع فتدحرج»(2).

أقول:بما أنّ الرايات متعدّدة في ذلك الزمان،و راية الهاشمي هي الراية التي تسير على الحق و لا يشوبها الباطل،لهذا ذكر الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)هذه الكلمات،مبالغة في بذل جميع المحاولات و أقصى الجهود،من أجل الإلتحاق بجيش السيّد الهاشمي.

و روي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)أنّه قال:«يخرج شاب من بني هاشم،بكفّه اليمنى خال،و يأتي من خراسان برايات سود،بين يديه شعيب بن صالح،يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم»(3).

و قال(عليه السلام)أيضا:«تنزل الرايات السود-التي تخرج

ص:388


1- (1) ذكر كلام ابن كثير،السيوطي في كتابه(العرف الوردي في أحوال المهدي)ص 60.
2- (2) كنز العمال للمتّقي الهندي ج 6 ص 68.
3- (3) كتاب الملاحم و الفتن للسيد إبن طاووس باب 77.

من خراسان-الكوفة،فإذا ظهر المهدي(عليه السلام)بمكّه بعثت إليه بالبيعة»(1).

و قال الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)-في خطبة البيان-:

«...فيلحقه(أي:يلحق بالإمام المهدي)رجل من أولاد الحسن، في إثني عشر ألف فارس،و يقول له:يا ابن العم أنا أحقّ منك بهذا الأمر،لأنّي من ولد الحسن و هو أكبر من الحسين.

فيقول المهدي:إنّي أنا المهدي.

فيقول له:هل عندك آية أو معجزة أو علامة؟.

فينظر المهدي(عليه السلام)الى طير في الهواء،فيومي اليه فيسقط في كفّه،فينطق بقدرة اللّه تعالى و يشهد له بالإمامة،ثم يغرس قضيبا يابسا في بقعة من الأرض ليس فيها ماء(2)،فيخضرّ و يورق، و يأخذ جلمودا كان في الأرض من الصخر(3)فيفركه بيده و يعجنه مثل الشمع.

فيقول الحسني:الأمر لك.فيسلّم و تسلّم جنوده»(4).

ص:389


1- (1) كتاب الملاحم و الفتن باب 104.
2- (2) القضيب:الغصن المقطوع.
3- (3) الجلمود:الصخر.
4- (4) إلزام الناصب ج 2 ص 205،و عقد الدرر ص 97.

الكسوف و الخسوف

من الواضح أنّ كسوف الشمس و خسوف القمر يعود تاريخهما الى ملايين السنين..و لا يهمّنا-الآن-أن نعرف سبب الخسوف و الكسوف..لأنه ليس مقصودا في هذا الكتاب.

و إنما المقصود هو أنّ كسوف الشمس يحدث في أواخر الشهر القمري،و خسوف القمر يحدث في أواسط الشهر القمري ايضا.

و الظاهر أنّ هذه المسألة من المسائل المتّفق عليها عند علماء الفلك و النجوم،منذ مئات السنين،بل كان هذا محسوسا عند البشر و مرئيّا منذ أقدم العصور،و لم يقع خلاف ذلك أبدا،منذ هبوط آدم(عليه السلام)الى الكرة الأرضيّة.

و لكن هذه القاعدة الطبيعيّة الفلكية سوف تنحرق قبيل قيام الإمام المهدي(عليه السلام)فتنكسف الشمس في وسط الشهر،و ينخسف القمر في آخره،على خلاف المعتاد.

و فيما يلي نذكر بعض الأحاديث التي تصرّح بهذا المعنى:

قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«آيتان بين يدي هذا الامر(1):خسوف القمر لخمس(2)و كسوف الشمس لخمس عشرة،و لم

ص:390


1- (1) أي:قبيل ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
2- (2) أي:قبل خمسة أيام من نهاية الشهر.

يكن ذلك منذ هبط آدم(عليه السلام)الى الأرض،و عند ذلك يسقط حساب المنجّمين»(1).

و عن بدر بن خليل الأسدي قال:كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام)فذكر آيتين تكونان قبل قيام القائم(عليه السلام)لم تكونا منذ أهبط اللّه آدم(صلوات اللّه عليه)أبدا،و ذلك أنّ الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان،و القمر في آخره.

فقال له رجل:يا بن رسول اللّه..لا..بل الشمس في آخر الشهر و القمر في النصف!.

فقال له(عليه السلام):«إني لاعلم بالذي أقول..إنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم»(2).

لقد اعترض هذا الرجل على الإمام(عليه السلام)بأنّ الكسوف لا يقع إلاّ في آخر الشهر،و الخسوف في وسطه،فردّ الإمام عليه بأنّ هذه القاعدة سوف تنخرق،دلالة على قرب ظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

و قال الإمام الباقر(عليه السلام)أيضا:«إنّ بين يدي هذا الأمر

ص:391


1- (1) إكمال الدين ج 2 ص 655.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني ص 271 و روي هذا الحديث أيضا في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 270 مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.عقد الدرر للشافعي ص 65-66.

إنكساف القمر لخمس تبقى(1)و الشمس لخمس عشرة،و ذلك في شهر رمضان،و عنده يسقط حساب المنجّمين»(2).

أيّها القارىء الكريم:بعد إستعراض هذه الأحاديث يظهر لنا أنّ تغييرا سوف يحدث في المنظومة الشمسية،بحيث يتغيّر زمان الكسوف و الخسوف،و يتبدّل المجرى الطبيعي لسير الشمس و القمر و الكرة الأرضيّة.

و ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه التصرّفات لا يمكن أن تكون من صنع البشر،كما لا يمكن إسنادها الى الطبيعة أو الصدفة

و الجدير بالذكر هو أنّني لم أجد مذكورا-في الكتب المناسبة-أنّ خسوفا و كسوفا وقعا في شهر واحد.

و ينبغي أن لا ننسى أنّ هذه الأحاديث تجعل الخسوف و الكسوف مرتبطين بظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و من علائم ظهوره.

و تعتبر هذه الظاهرة الكونيّة من العلائم السماويّة التي لا يمكن لأحد تجاهلها أو التغافل عنها،لئّلا يكون للناس على اللّه حجّة.

ص:392


1- (1) قد يطلق-مجازا-الكسوف على القمر و كذا العكس.
2- (2) الغيبة للنعماني-من علماء القرن الرابع الهجري-ص 272.

كثرة الأمطار

ممّا لا شكّ فيه عند كل مسلم يؤمن باللّه تعالى،أنّ الأمطار إنّما تهطل بإذن اللّه سبحانه،و ليس للطبيعة-وحدها-نصيب أو دور في الأمطار.

و إليك بعض الآيات القرآنيّة التي تصرّح بهذا المعنى:

قال سبحانه:وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (1).

وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً (2).

وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً (3).

وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً (4).

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ (5).

وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ (6).

ص:393


1- (1) سورة الفرقان-الآية 48.
2- (2) سورة فاطر-الآية 9.
3- (3) سورة الأنعام-الآية 6.
4- (4) سورة الحجر-الآية 22.
5- (5) سورة العنكبوت-الآية 63.
6- (6) سورة ق-الآية 9.

وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (1).

وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ (2).

هذه الآيات الكريمة تصرّح بأنّ الرياح التي تحمل السحاب و تسيّرها شرقا و غربا و شمالا و جنوبا إنّما هي بأمر اللّه تعالى و إرادته و قدرته، و تصرّح-أيضا-بأنّ نسبة الأمطار و كمّيتها تكون-أيضا-بتعيين من اللّه سبحانه،كما يتّضح ذلك من قوله عزّ و جل:وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ.

بعد الإنتباه الى هذه الآيات المباركات،لا يبقى أيّ شك في أنّ هذه الرحمة السماويّة كانت و لا تزال تنزل الى الأرض بأمر اللّه تعالى و إذنه.

و قد تنقطع هذه الرحمة عن بعض البلاد في بعض السنين، لأسباب خاصّة،و لهذا ورد في الفقه الإسلامي الأمر بصلاة الإستسقاء- أي:طلب السقي من اللّه سبحانه-عند قلّة الأمطار و غور الأنهار.

و قد ذكر المؤرّخون و المحدّثون أنّ النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلّم)إستسقى ربّه،فأمطرت السماء مطرا غزيرا إمتلأت منه الصحاري و البوادي.

و هكذا ورد في الأحاديث أنّ مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

ص:394


1- (1) سورة الأنفال-الآية 11.
2- (2) سورة المؤمنون-الآية 18.

(عليهما السلام)و بعض أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)خرجوا لصلاة الإستسقاء،فأمطرت عليهم السماء بعد الفراغ من الصلاة،ممّا يؤكّد أنّ الأمطار بأمر اللّه تعالى..وجودا و عدما.

فلا عجب إذا أفاض اللّه تعالى على أهل الأرض المزيد من فضله و رحمته،فأمطرت السماء مطرا غزيرا لا مثيل له في تاريخ البشر-إلاّ في زمن النبي نوح(عليه السلام)حينما غمر الماء وجه الكرة الأرضيّة-.

و يكون هطول هذه الأمطار الغزيرة،في السنة التي يظهر فيها الإمام المهدي(عليه السلام).و لا نعلم-بالضبط-هل تكون هذه العناية الإلهية خاصّة بمنطقة الشرق الأوسط-كالحجاز و العراق و غيرهما-أم أنّها تشمل العالم كلّه،حتى تعمّ البشرى أهل الأرض جميعهم،فتكون إعلاما للناس أجمعين باقتراب ظهور منقذ البشر الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)الذي يكون عصره عصر الخيرات و البركات و الإنعاش في الأرض و الإنسان و الحيوان و النبات.

و الآن..إليك حديثا واحدا من الأحاديث التي تزفّ هذه البشرى لأهل الأرض:

قال الإمام الصادق(عليه السلام):«إذا آن قيامه،مطر الناس في جمادى الآخرة و عشرة أيام من رجب مطرا لم ير مثله(1).

و قد مرّ عليك كلام الشيخ المفيد-عند ذكره علائم الظهور-حيث

ص:395


1- (1) إعلام الورى للشيخ الطبرسي،و إلزام الناصب ج 2 ص 159،نقلا عن العوالم.

قال:ثم يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة تتصل،فتحيى بها الأرض بعد موتها و تعرف بركاتها».

ص:396

الحرب العالميّة الثالثة

لم أجد في المصادر و كتب الأحاديث-التي تحضرني-إسما أو ذكرا صريحا للحرب العالمية الثالثة،و لكن وردت أحاديث متعددة تصرح بهلاك الناس بسبب الجوع أو المرض او القتل،فهل معنى ذلك هو الحرب العالمية التي تطحن الملايين؟!أم انّها شيء آخر؟!

الأفضل الآن..أن نذكر بعض تلك الأحاديث لنرى النتيجة المستفادة منها:

روي عن الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال:«لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث،و يموت ثلث،و يبقى ثلث(1).

و روي عنه(عليه السلام)أيضا أنّه قال:«بين يدي المهدي (أي قبل ظهوره)موت أحمر،و موت أبيض،و جراد في حينه،و جراد في غير حينه كألوان الدم،فأمّا الموت الأحمر:فالسيف،و أمّا الموت الأبيض:فالطاعون(2).

ص:397


1- (1) عقد الدرر و ذكر هذا الحديث نعيم بن حمّاد-شيخ البخاري-في كتاب الفتن،كما ذكره المقري في سننه.
2- (2) عقد الدرر ص 65،كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 267،كتاب الغيبة للنعماني ص 278.

و روي عنه(عليه السلام)أنه قال-في حديثه عن علائم الظهور-:«فيقتل-يومئذ ما بين المشرق و المغرب-ثلاثة آلاف ألف، يقتل بعضهم بعضا،فيومئذ تأويل هذه الآية«فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين»بالسيف»(1).

و روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)أنّه قال:

«قدّام القائم موتان:موت أحمر و موت أبيض،حتى يذهب من كلّ سبعة خمسة،الموت الأحمر:السيف،و الموت الأبيض،الطاعون(2).

و روي عنه(عليه السلام)أيضا أنّه قال:«لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس».

فقيل له:فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟!.

فقال(عليه السلام):«أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي؟!(3).

أيّها القارىء الكريم:هذه نبذة من الأحاديث التي تخبر عن هلاك مئات أو ألوف الملايين من البشر،بالقتل أو مرض الطاعون.

و بصرف النظر عن سند هذه الأحاديث و مدى صحّتها،فإنّها لا تصرّح بوقوع الحرب العالميّة الثالثة،بل من الممكن أن تحدث ثورات

ص:398


1- (1) سورة الأنبياء-الآية 15،و الحديث مذكور في(بحار الأنوار)ج 52 ص 274.
2- (2) إكمال الدين ج 2 ص 655.
3- (3) إكمال الدين ج 2 ص 656.

داخليّة في كثير من البلاد،و تذهب ضحيّتها مئات الملايين.

و أمّا الطاعون فهو من الأمراض الخبيثة الفتّاكة بالبشر،و يشبه الوباء(الكوليرا)في سرعة انتشاره و كثرة ضحاياه.

ص:399

علائم متفرّقة

في ختام الحديث عن العلائم غير الحتميّة لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)نذكر جانبا من خطبة مفصّلة للإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام)تسمّى ب(خطبة البيان)و هي تتضمّن أمورا كثيرة، و علائم متفرّقة عديدة لظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

فقد روي أنّ الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)قال-يوما على المنبر-:أنا أبو المهدي القائم في آخر الزمان.

فقام مالك الأشتر و قال:متى يقوم القائم من ولدك يا أمير المؤمنين؟.

فكان ممّا قال(عليه السلام)في ذكر العلامات:

«..و يا ويل للريّ (1)و ما يحلّ بها من القتل العظيم،و سبي الحريم،و ذبح الأطفال،و عدم الرجال...

فيا ويل لجزيرة قيس(2)من رجل مخيف ينزل هو و من معه بها، فيقتل جميع من فيها،و يفتك بأهلها.

ص:400


1- (1) الري:مدينة في ضواحي طهران،و الظاهر أنّ المراد من الري-هنا-منطقة طهران كلّها.
2- (2) لعلّ جزيرة قيس هي الجزيرة المشهورة بجزيرة كيش،الواقعة في الخليج،و هي -حاليا-تابعة لايران،و تقع بالقرب من دبي و بندر عباس.

ألا يا ويل لأهل البحرين من وقعات تترادف عليها من كلّ ناحية و مكان،فيؤخذ كبارها و تسبى صغارها،و إنّي لأعرف بها سبع وقعات عظام:

1-فأوّل وقعة منها في الجزيرة المنفردة عنها من قرنها الشمالي تسمّى(سماهيج)(1).

2-و الوقعة الثانية تكون في القاطع و بين النهر عن عين البلد و قرنها الشمالي الغربي

3-و بين الابلّة و المسجد.

4-و بين الجبل العالي و بين التلتين المعروف بجبل حنوة.

5-ثم يقبل الى الكرخ بن التل و الجاد.

6-و بين شجرات النبق المعروفة بالسديرات(2)بجانب شط الماحي(3)

7-ثم الحورتين..و هي سابعة الطامة الكبرى.

و علامة ذلك:يقتل فيها رجل من أكابر العرب في بيته،و هو قريب من ساحل البحر،فيقطع رأسه بأمر حاكمها،فتغير العرب

ص:401


1- (1) سماهيج-كانت-سابقا-منفصلة،و لكنّها-اليوم-صارت متّصلة ببلاد البحرين.
2- (2) و في نسخة:بالبديرات.
3- (3) و في نسخة:شط الماجي.

عليه(1)فتقتل الرجال و تنهب الأموال،فتخرج-عند ذلك-العجم على العرب،و يتبعونهم الى بلاد الخط (2).

ألا يا ويل لأهل الخطّ من وقعات مختلفات يتبع بعضها بعضا:

فأوّلها:وقعة بالبطحاء،و وقعة بالدبيرة(3)و وقعة بالصفصف، و وقعة على الساحل،و وقعة بسوق الجزّارين،و وقعة بالسكك،و وقعة بين الزرافة(4)و وقعة بالجرارة(5)و وقعة بالمدارس،و وقعة بتاروت..

ألا يا ويل بغداد من الريّ،من موت و قتل و خوف يشمل أهل العراق إذا حلّ فيما بينهم السيف،فيقتل ما شاء اللّه.

و علامة ذلك:إذا ضعف سلطان الروم،و تسلّطت العرب، و دبّت الى الناس الفتن(6)كدبيب النمل،فعند ذلك تخرج العجم على العرب و يملكون البصرة.

ألا:يا ويل لفلسطين و ما يحلّ بها من الفتن التي لا تطاق.

ألا:يا ويل لأهل الدنيا و ما يحلّ بها من الفتن في ذلك الزمان، و جميع البلدان:الغرب و الشرق و الجنوب و الشمال.

ص:402


1- (1) تغير-من الإغارة-:و هي بمعنى الهجوم.
2- (2) بلاد الخط:القطيف.
3- (3) و في نسخة:بالديورة.
4- (4) و في نسخة:الزراقة.
5- (5) و في نسخة:بالجرار.
6- (6) و في نسخة:دبّت الناس الى الفتن.

ألا:و إنه يركب الناس بعضهم على بعض و تتواثب عليهم الحروب الدائمة،و ذلك بما قدّمت أيديهم و ما ربّك بظلاّم للعبيد(1).

أيّها القارىء:نكتفي بذكر هذا المقدار من العلائم غير المحتومة، و قد مرّ عليك قسم منها عند ذكر كلام الشيخ المفيد(رضوان اللّه عليه).و الآن نبدأ بذكر العلائم المحتومة.

ص:403


1- (1) إلزام الناصب ج 2 ص 189-191.

العلائم المحتومة

و أمّا العلائم المحتومة لظهور الإمام المهدي(عليه السلام)-و هي التي تحدث قطعا،و لها أشدّ الإرتباط بالظهور و تكون مقارنة لظهور الإمام-فهي خمس.

و هذه العلائم الخمس يحدث بعضها قبل الظهور بأيام،أو بعده بشهور،و بعضها يحدث قبل قيام الإمام و ابتداء نهضته.

و هناك أحاديث كثيرة،تذكر هذه العلائم..مع اختلاف يسير في ترتيب العلامات،و تقديمها و تأخيرها.

و الآن نذكر بعض الأحاديث المتضمّنة لهذه العلائمة بصورة موجزة،ثم نذكر كلّ علامة مع بعض التفاصيل الواردة في الأحاديث، و التعليقات المناسبة المتبادرة الى الذهن.

قال الإمام الصادق(عليه السلام):«خمس قبل قيام القائم (عليه السلام):اليماني،و السفياني،و المنادي ينادي من السماء، و خسف بالبيداء و قتل النفس الزكية(1)».

و قال(عليه السلام)ايضا:«قبل قيام القائم خمس علامات

ص:404


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 649.و رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص 267،مع اختلاف في ترتيب العلامات.

محتومات:اليماني و السفياني،و الصيحة،و قتل النفس الزكية و الخسف بالبيداء»(1).

و قال(سلام اللّه عليه):«النداء من المحتوم،و السفياني من المحتوم،و خسف البيداء من المحتوم،و اليماني من المحتوم،و قتل النفس الزكيّة من المحتوم»(2).

ص:405


1- (1) إكمال الدين ج 2 ص 650.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني ص 252 و 257.

الصيحة السماويّة

اشارة

تعتبر الصيحة السماويّة-أو النداء السماوي-من أبرز الآيات، و أوضح العلامات،و أقوى البراهين على ظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

و لا مانع من أنّ نقول:إنّ الصيحة السماويّة بمنزلة إعتراف السماء بشرعيّة قيام القائم المهدي(عليه السلام)و إثبات الحقيقة التي أخبر بها القرآن الكريم و النبي العظيم و أهل بيته الطاهرون(صلوات اللّه عليهم أجمعين).

و قد صرّحت الأحاديث أنّ الصيحة السماويّة تكون من جبرئيل، و أنّه هو المنادي،.

و من البديهي أنّه ليس المقصود من الصيحة السماويّة هو صوت الرعد،أو صوت المدافع أو الصواريخ أو ما شابه ذلك،ممّا هو من فعل البشر،بل هو كلام واضح المعنى،مفهوم عند الناس أجمعين.

و ستعرف-من الأحاديث التي سنذكرها-مدى تأثير ذلك الصوت في نفوس أهل الأرض؟فالنائم يستقيظ فزعا،و القاعد يقوم ذعرا، و الواقف يقعد إنهيارا،و المرأة المخدّرة تخرج من خدرها خوفا و هولا!

و بعبارة أخرى:تجتاح المجتمع البشري موجة من الإضطراب و الإهتزاز،و تسلب من الناس كلّ قرار و استقرار،بحيث لا يستطيع

ص:406

أحد أن يتجاهل تلك الصيحة أو يستخفّ بها،أو يسندها الى الطبيعة، لأنّ الصوت مسموع و مفهوم للجميع،و لا يقبل أيّ شك أو ترديد أو تأويل،مهما حاول المنحرفون ذلك.

و من الطبيعي:أنّ حادثة كحادثة ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)تتطلّب الإعلام على أوسع مستوى،و أوضح معنى مفهوم.

و حيث أنّ تلك النهضة عالميّة،-أي:تتعلّق بجميع العالم-لذلك ينبغي أن يطّلع العالم كلّه على هذا الحدث العظيم،الذي سوف يغيّر مجرى حياة البشر أجمعين.

و قد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال-في حديثه عن النداء السماوي-:«يسمعه كل قوم بألسنتهم»(1)و قال(عليه السلام)-في حديث آخر-:«يسمع كلّ قوم بلسانهم»(2).

و لا نعلم-بالضبط-كيفيّة وصول الخبر الى جميع البشر،و في المسألة إحتمالان:

الأول:أن يكون النداء السماوي باللغة العربية الفصحى فقط، و يكون له دوي عظيم و ردّ فعل حول الكرة الأرضيّة في ثوان قليلة، فيسمع الذين يحسنون اللغة العربية هذا الصوت و يفهمون معناه في نفس الوقت.

ص:407


1- (1) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 266.
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 205،نقلا عن إكمال الدين للصدوق.

و أمّا الذين لا يحسنون اللغة العربية فيسمعون النداء و لكنّهم لا يفهمون المعنى في نفس الوقت،فيحقّقون عن معنى هذه الصيحة،و لا يبعد أن تذيع وكالات الأنباء في العالم كله هذا الخبر،و تنشره الى كلّ قطر على اختلاف اللغات و الأديان،فيترجم النداء في لحظات،و يسمعه كل قوم بلغتهم،من الإذاعة أو التلفزيون مباشرة،أو ممّن سمع ذلك منها.

هذا..و من الواضح أنّ النبي و الأئمة الطاهرين(سلام اللّه عليهم)كانوا يراعون مستوى عقول الناس حين التحدّث معهم، فالعقول-في ذلك اليوم-ما كانت تستطيع أن تدرك الوسائل الاعلاميّة المتوفرّة في هذا اليوم،و دورها في نشر الأخبار بأقصى سرعة ممكنة، و لهذا السبب-و بناءا على هذا الإحتمال الأول-إكتفى الإمام الصادق (عليه السلام)بقوله:«يسمعه كلّ قوم بألسنتهم»و لم يصرّح بكيفية ذلك بأكثر من هذا..و اللّه العالم.

الإحتمال الثاني:أن يكون سماع كلّ قوم بلغتهم بشكل إعجازي،بحيث يسمع الجميع النداء في نفس الوقت،كل بلغته الخاصّة به،و بدون ترجمة وكالات الأنباء.

و هذا الإحتمال ليس ببعيد لأنّ اللّه على كلّ شيء قدير،و ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)محفوف بمثل هذه المعاجز و الخوارق.

بالإضافة الى عدم إستحالة هذا الإحتمال من الناحية الماديّة،لأنّنا نرى-اليوم-أن الإنسان المخلوق إستطاع أن يصنع جهازا يترجم

ص:408

الخطاب الى لغات متعدّدة خلال ثوان قليلة،و يستخدم هذا الجهاز في الإجتماعات الدوليّة،حيث يضع مندوب كلّ دولة سمّاعة خاصة على أذنيه،فيسمع ترجمة كل خطاب بلغته الخاصّة به.

أليس اللّه سبحانه بقادر على أن يسمع البشر كلّهم هذا النداء في وقت واحد،فيسمعه كلّ قوم بلغتهم؟!.

بلى إنّ اللّه على كلّ شيء قديروَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً.

و يستفاد من مجموع الأحاديث-التي ستقرأها-أنّ النداءات السماويّة متعدّدة،و متباعدة من حيث الزمان،و مختلفة من حيث اللفظ و المعنى،فالنداء الأول يكون في شهر رجب،و النداء الثاني يكون في شهر رمضان،و النداء الثالث يكون في شهر محرم.

و الظاهر من الأحاديث أن الصيحة التي لها الأهميّة الكبرى،و التي تعتبر من العلائم المحتومة،هي التي تكون في شهر رمضان.

و تكون هذه الصيحة-أو النداء-أعظم بشرى تزفّها السماء الى أهل الأرض،و أكبر تهديد و إنذار للطغاة الجبابرة الذين لا يعجبهم الخضوع للحق مهما كان.

و لا نستطيع أن نتصوّر صدى ذلك النداء في المجتمعات البشريّة، يومذاك،فالفرح و السرور يتجلّى على وجوه المؤمنين،و القلق و الإرتباك و الرعب و الذعر يستولي على قلوب المجرمين،و خاصّة إذا عرفوا أنّهم لا يستطيعون الهرب من سلطة ذلك الحاكم المقتدر الذي يشترك في نصرته

ص:409

أهل السماء قبل أهل الأرض،و تخضع لحكمه كافّة مرافق الطبيعة،بل و يتصرّف في ما وراء الطبيعة.

فسلام اللّه على رسول اللّه و أهل بيته الطاهرين الذين وضعوا النقاط على الحروف،و ذكروا كل ما يتعلّق بتلك الصيحة من العلائم، بمقدار ما كانت العقول تتحمّله في ذلك العهد.

و إليك بعض تلك الأحاديث:

قال الإمام الصادق(عليه السلام):«الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة،لثلاث و عشرين مضين من شهر رمضان»(1).

و عن أبي حمزة الثمالي أنّه قال للإمام الصادق(عليه السلام):

...فكيف يكون النداء؟.

قال:«ينادي مناد من السماء أوّل النهار يسمعه كلّ قوم بألسنتهم:«ألا:إنّ الحق في علي و شيعته»ثم ينادي إبليس-في آخر النهار-:«ألا:إنّ الحق في السفياني و شيعته»(2)فيرتاب عند ذلك المبطلون(3)(4)

ص:410


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 2 ص 650.
2- (2) و في نسخة:«في عثمان و شيعته»و الظاهر أن المراد من«عثمان»-هنا-:هو السفياني الذي إسمه:عثمان بن عنبسة.
3- (3) و في نسخة:«فعند ذلك يرتاب المبطلون».يرتاب:أي يشك.
4- (4) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 266،و إكمال الدين ج 2 ص 652.

و قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«ينادي مناد من السماء باسم القائم(عليه السلام)فيسمع من بالمشرق و من بالمغرب،لا يبقى راقد إلاّ استيقظ،و لا قائم إلاّ قعد،و لا قاعد إلاّ قام على رجليه، فزعا من ذلك الصوت،فرحم اللّه من اعتبر بذلك الصوت فأجاب(1)فإنّ الصوت الأول هو صوت جبرئيل.

ثم قال(عليه السلام):«يكون الصوت في شهر رمضان،في ليلة جمعة،في ليلة ثلاث و عشرين،فلا تشكّوا في ذلك،و اسمعوا و اطيعوا.

و في آخر النهار صوت الملعون إبليس،ينادي:«ألا:إنّ فلانا قتل مظلوما(2)ليشكّك الناس و يفتنهم،فكم في ذلك اليوم من شاك متحيّر قد هوى في النار.

فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان،فلا تشكّوا فيه،إنّه صوت جبرئيل،و علامة ذلك أنّه ينادي باسم القائم و إسم ابيه حتى تسمعه العذراء في خدرها،فتحرّض أباها و أخاها على الخروج»(3).

ثم قال(عليه السلام):«لا بدّ من هذين الصوتين قبل خروج

ص:411


1- (1) اعتبر بذلك الصوت فأجاب:أي إهتمّ به و إلتحق بالامام المهدي(عليه السلام). و الإعتبار:هو الاستدلال بالشيء على شيء آخر،فيكون معناه-هنا-:معرفة قرب ظهور الامام من النداء.
2- (2) قوله«فلانا»يحتمل أن يكون عثمان بن عفّان كما في بعض الأحاديث-.
3- (3) أي:الخروج من الدار،و الالتحاق بالإمام المهدي(عليه السلام).

القائم(عليه السلام)»(1).

و قال الإمام الباقر(عليه السلام):«الصوت في شهر رمضان في ليلة ثلاث و عشرين،فلا يبقى شيء خلق اللّه فيه الروح إلاّ سمع الصيحة،فتوقظ النائم و يخرج الى صحن داره،و تخرج العذراء من خدرها»(2).

و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«إنّ أول من يبايع القائم (عليه السلام)جبرئيل،ينزل في صورة طير أبيض،فيبايعه ثم يضع رجلا على بيت اللّه الحرام و رجلا على بيت المقدس،ثم ينادى بصوت طلق ذلق(3)تسمعه الخلائق:«أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه»(4).

و قال الإمام علي الرضا(عليه السلام):«ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء:

صوتا منها:ألا لعنة اللّه على الظالمين.

و الصوت الثاني:أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين(5).

و الصوت الثالث:إنّ اللّه بعث فلانا فاسمعوا له و أطيعوا»(6).

ص:412


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني ص 254،الباب الرابع عشر،الحديث الثالث عشر.و رواه الشافعي السلمي في عقد الدرر ص 105.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني الخدر:ستر أعدّ للبنت البكر في ناحية البيت.
3- (3) طلق اللسان:فصيحه.الذلق:البليغ الفصيح.
4- (4) إكمال الدين
5- (5) أزف مجيىء فلان:قرب.
6- (6) المراد ب«فلانا»هو الإمام المهدي(عليه السلام)و لعلّ عدم تصريح الإمام الرضا

عن زرارة بن أعين أنه سمع الإمام الصادق(عليه السلام) يقول:...و ينادي مناد:إنّ عليا و شيعته هم الفائزون.

قلت:فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟.

فقال:إنّ الشيطان ينادي:إنّ فلانا و شيعته هم الفائزون-لرجل من بني امية(1).

قلت:فمن يعرف الصادق من الكاذب؟.

فقال:يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا و يقولون إنه يكون قبل أن يكون،و يعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون(2).

قال الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام):«...فيقول جبرئيل في صيحته:«يا عباد اللّه،إسمعوا ما أقول:إنّ هذا مهديّ آل محمد،خارج من أرض مكة فاجيبوه»(3).

ص:413


1- (1) و الظاهر انه عثمان بن عفّان،أو عثمان بن عنبسة السفياني.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني ص 264،الباب الرابع عشر،الحديث 28.
3- (3) خطبة البيان.إلزام الناصب ج 2 ص 200.

السّفياني

اشارة

لقد ورد ذكر السفياني في أحاديث كثيرة جدا،و قد صرّحت طائفة منها بأنّ إسمه:(عثمان بن عنبسة)فهو إذن-فرد من أفراد البشر، و ليس كما زعم البعض أنّ السفياني هو الإتّحاد السوفياتي،و يعتبر خروج هذا الطاغي من العلائم المحتومة لظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

و الأحاديث التي تتحدّث عن السفياني و عن أعماله،و جرائمه تقشعرّ منه الجلود،و تفزع منها القلوب،فهو من أقسى البشر قلبا،و لا يعرف معنى العاطفة و الرحم،و أكثرهم جناية و جريمة و جرأة على اللّه، تعالى و يضرب الرقم القياسي في القساوة و الفظاظة..!

و هو أمويّ النسب،سفّاك للدماء،يقتل البشر كما تقتل الحشرات،بلا هوادة،و يهتك ستور النساء المسلمات بكلّ صلافة و استهتار،و لا يدع حراما إلاّ أباحه،و لا جريمة إلاّ أرتكبها.

و هو و أصحابه قد امتلأت قلوبهم حقدا و غيظا و بغضا و عداوة لآل رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)لأنّ السفياني وارث أسلافه الأمويّين،الذين تلطّخت أيديهم-الى المرافق-بدماء آل رسول اللّه و شيعتهم،فهو يحاول أن يكمل تلك الجرائم المتسلسلة،و الجنايات التي اهتزّ منها عرش الرحمن،و يضجّ أهل السماوات من فضائعه و فجائعه

فما تظنّ في خبيث إباحي حقود،يتّبعه أمثاله و نظراؤه،و يفرض نفسه على البلاد،و يستغلّ قدرته فيما تشتهي نفسه الشرّيرة..بلا خوف

ص:414

و لا حياء و لا خجل و لا خجل و لا إحساس بالضمير؟؟.

و الحقّ انّ الفترة التي يحكم فيها السفياني هي من شرّ الفترات في تاريخ الإسلام و أيام حكومته الطاغية الطائشة هي من شرّ أيام الدنيا، فهو يسير و ينشر الظلم،و يزرع الفجائع و المآسي و الكوارث،و يقيم المجازر و المذابح بين الرجال و النساء و الأطفال،و تصبح حياة البشر في عهد حكومته مسلوبة الكرامة،مهدورة القيمة.

فهو بلاء عظيم مبين،و محنة كبرى على الشرق الأوسط:مثل سوريا و العراق و المدينة المنوّرة،و المناطق المجاورة لتلك الأقطار.

و لهذا تجد الإخبارات واردة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم)و عن الإمام علي أمير المؤمنين و الأئمة الأحد عشرة(سلام اللّه عليهم)حول هذه البليّة و النقمة التي تشمل الناس.

و إليك بعض الأحاديث الواردة حول السفياني:

1-روي عن حذيفة بن اليمان،أنّ النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق و المغرب،قال:«فبينما هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فور ذلك(1)حتى ينزل دمشق،فيبعث جيشين:جيشا الى المشرق(2)و آخر إلى المدينة،حتى

ص:415


1- (1) الوادي اليابس:منطقة في ضواحي دمشق.في فور ذلك:أي:في أوج تلك الفتنة المشار اليها.
2- (2) لعلّ المراد من كلمة«المشرق»-هنا-:هو مدينة الكوفة،بإعتبار أنها تقع في العراق..شرق سوريا.و يستفاد من هذه الخطبة أنّ جيش السفياني يمرّ-في طريقه

ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة-يعني بغداد(1)-فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف،و يفضحون أكثر من مائة إمرأة،و يقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس(2).

ثم ينحدرون الى الكوفة فيخربون ما حولها،ثم يخرجون متوجّهين الى الشام،فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم،لا يفلت منهم مخبر،و يستنقذون ما في أيديهم من السبي و الغنائم.

و يحلّ الجيش الثاني بالمدينة،فينتهبونها ثلاثة أيام بلياليها،ثم يخرجون متوجّهين الى مكة،حتى اذا كانوا بالبيداء بعث اللّه جبرئيل فيقول:يا جبرئيل!إذهب فأبدهم.،فيضربها-أي يضرب الأرض- برجله،ضربة يخسف اللّه بهم عندها،و لا يفلت منها إلاّ رجلان من جهينة..»الى آخر الحديث(3).

هذا..و للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)خطبة مشهورة تسمّى بخطبة البيان،فيها شىء من الملاحم و الفتن،و منها:خروج

ص:416


1- (1) المدينة الملعونة هي بابل،لأن اهلها عذّبوا،و قد مرّ عليها الإمام علي امير المؤمنين(عليه السلام)بجيشه فلم يصلّ فيها.أمّا تفسير المدينة الملعونة ببغداد،فلا أعلم قائله و لعلّه من الراوي.و اللّه العالم.خاصة مع أنّ هذه الكلمة«يعني بغداد»لم ترد في كثير من مصادر هذا الحديث.
2- (2) الكبش:سيد القوم.
3- (3) بحار الأنوار ج 52 ص 186 عن تفسير الثعلبي الشافعي،و رواه أيضا-الطبري في تفسيره و السلمى في كتابه عقد الدرر.

السفياني،و نقتطف من تلك الخطبة بعض ما يتعلّق بالموضوع:قال (سلام اللّه عليه):

«...ألا،يا ويل لكوفانكم هذه..و ما يحلّ بها من السفياني في ذلك الزمان!!

يأتي اليها من ناحية هجر،بخيل سبّاق تقودها أسود ضراغمة، و ليوث قشاعمة(1)أول إسمه شين(2)..

فيا ويل لكوفانكم من نزوله بداركم،يملك حريمكم،و يذبح أطفالكم،و يهتك نساءكم،عمره طويل،و شرّه غزير،و رجاله ضراغمة..

ألا:و إنّ السفياني يدخل البصرة ثلاث دخلات،يذلّ فيها العزيز،و يسبي فيها الحريم،..

و علامة خروج السفياني:إختلاف ثلاث رايات:

راية من المغرب،فيا ويل لمصر،و ما يحلّ بها منهم.

و راية من البحرين من جزيرة أوال من أرض فارس(3).

ص:417


1- (1) قشاعمة-جمع قشعم-:الضخم المسنّ.
2- (2) أول إسمه شين،هكذا وجدت في المصادر الموجودة لدي-حاليا-،و لعلّ الصحيح هو:«عين»فيكون«شين»من أخطاء النسّاخ،خاصة مع الإنتباه الى التشابه الكثير بين«شين»و«عين».
3- (3) اوال:هذا الاسم كان يطلق-قديما-على بلاد البحرين.

و راية من الشام.

فتدوم الفتنة سنة،ثم يخرج رجل من ولد العباس،فيقول أهل العراق:قد جاءكم قوم حفات(1)أصحاب أهواء مختلفة،فيضطرب أهل الشام و فلسطين،و يرجعون الى رؤساء الشام و مصر فيقولون:أطلبوا ولد الملك.(يعني:السفياني).

فيطلبونه،ثم يوافقونه بغوطة دمشق،بموضع يقال لها:

(حرستا)فاذا حلّ بهم،أخرج أخواله:بني كلب و بني دهانة،و يكون له بالوادي اليابس عدّة(أي:جماعة)عديدة».

ثم إنّه يجيبهم،و يخرج معهم في يوم الجمعة،فيصعد منبر دمشق،و هو أول منبر يصعده،ثم يخطب و يأمرهم بالجهاد،و يبايعهم على أن لا يخالفوا أمره،رضوه أم كرهوه،ثم يخرج الى الغوطة،و لا يلج بها حتى يجتمع الناس عليه.

فعند ذلك يخرج السفياني في عصائب أهل الشام،فتختلف ثلاث رايات:

فراية الترك و العجم،و هي سوداء.

و راية للبريين لابن العباس-صفراء.

و راية للسفياني.

فيقتتلون ببطن الأزرق(2)قتالا شديدا،فيقتل منهم ستّون ألفا،ثم

ص:418


1- (1) و في نسخة:جفاة.
2- (2) و في نسخة:ببطن الأردن.

يغلبهم السفياني،فيقتل منهم خلقا كثيرا،و يملك بطونهم(1)و يعدل فيهم حتى يقال فيه:«و اللّه ما كان يقال عليه إلاّ كذبا»(2).

و اللّه:إنّهم لكاذبون،و لا يعلمون ما تلقى امة محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و لو علموا لما قالوا ذلك،

و لا يزال يعدل فيهم حتى يسير،فأوّل سيره الى حمص،و إنّ أهلها بأسوء حال،ثم يعبر الفرات من باب مصر،يسير الى موضع يقال له:(قرية سبا)فيكون له بها وقعة عظيمة،فلا يبقى بلد إلاّ و بلغهم خبره،فيدخلهم من ذلك خوف و جزع،فلا يزال يدخل بلدا بعد بلد..

ثم يرجع الى دمشق،و قد دانت له الخلق،فيجيش(3)جيشا الى المدينة،و جيش الى المشرق،فيقتل بالزوراء سبعين ألفا،و يبقر بطون ثلاثمأة إمرأة حامل!.

و يخرج الجيش الى كوفانكم هذه،فكم من باك و باكية..

و أمّا جيش المدينة،فإنّه اذا توسّط البيداء صاح به جبرئيل صيحة عظيمة،فلا يبقى أحد إلاّ و خسف اللّه به الأرض إلاّ رجلان..فيهرب قوم من أولاد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و هم أشراف-الى

ص:419


1- (1) البطون:القبائل.
2- (2) أي:إنّ الناس يكذّبون الإشاعات المنتشرة بذمّ السفياني،فيعتبرونه رجلا صالحا عادلا،لما يرون من عدله أيام حكومته.
3- (3) يجّش:يسيّر،أو يجهّز.

بلد الروم،فيقول السفياني لملك الروم:تردّ عليّ عبيدي!!

فيردّهم إليه،فيضرب أعناقهم على الدرج الشرقي لجامع دمشق، فلا ينكر ذلك عليه أحد.

ألا:و إنّ علامة ذلك تجديد الأسوار بالمدائن..

فقيل:يا أمير المؤمنين أذكر لنا الأسوار؟.

فقال:تجدّد سور بالشام،و العجوز و الحرّان يبنى عليهما سوران، و على واسط سور،و البيضاء يبنى عليها سور،و الكوفة يبنى عليها سوران و على شوشتر سور،و على ارمينيّة سور،و على الموصل سور،و على همدان سور،و على الرقّة سور،و على ديار يونس سور،و على حمص سور،و على مطر دين سور،و على الرقطاء سور،و على الرحبة سور، و على دير هند سور،و على القلعة سور(1).

معاشر الناس:ألا و انّه اذا ظهر السفياني تكون له وقايع عظام، فأول وقعة بحمص،ثم بحلب،ثم بالرقّة،ثم بقرية سبأ،ثم برأس العين،ثم بنصيبين،ثم بالموصل،و هي وقعة عظيمة،يقتل منهم- السفياني ستين ألفا.

..و لا يزال السفياني يقتل كلّ من إسمه:محمد و علي و حسن

ص:420


1- (1) لعلّ المقصود من السور-هنا-القاعدة العسكرية،لا الجدار المحيط بالبلد،و قد حدثت القواعد العسكرية في أكثر البلاد المذكورة في هذا الحديث.

و حسين و فاطمة و جعفر و موسى و زينب و خديجة و رقية،بغضا و حنقا لآل محمد!!.

و يرجع منهزما الى الشام..فاذا دخل الى بلده إعتكف على شرب الخمر و المعاصي،و يأمر أصحابه بذلك،فيخرج السفياني و بيده حربة، و يأمر بالإمرأة فيدفعها الى بعض أصحابه فيقول له:«أفجر بها في وسط الطريق)فيفعل بها،ثم يبقر بطنها،و يسقط الجنين من بطن امّه،فلا يقدر أحد أن ينكر عليه ذلك(1).

فعند ذلك تضطرب الملائكة في السماوات،و يأذن اللّه بخروج القائم من ذريتي،و هو صاحب الزمان،ثم يشيع خبره في كلّ مكان، فينزل-حينئذ-جبرئيل على صخرة بيت المقدس،فيصيح في أهل الدنيا:«جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا».

فيقول جبرئيل في صيحته:«يا عباد اللّه!إسمعوا ما أقول:إنّ هذا مهديّ آل محمد،خارج من أرض مكة فأجيبوه..»(2).

و عن إبن أذينة قال:قال أبو عبد اللّه-الصادق-(عليه السلام):قال أبي(عليه السلام):قال أمير المؤمنين(صلوات اللّه عليه):«يخرج إبن آكلة الأكباد من الوادي اليابس(3)،و هو رجل

ص:421


1- (1) لعلّ ذلك الرجل يزني بها و هي حامل،و لهذا يسقط جنينها إذا شقّ بطنها.
2- (2) المصدر:إلزام الناصب ج 2 ص 188-200 و كتاب(نوائب الدهور في علائم الظهور)للميرجهاني الطباطبائي.
3- (3) إبن آكلة الأكباد:هو معاوية بن أبي سفيان،و آكلة الأكباد:هي هند زوجة أبي-

ربعة(1)وحش الوجه(2)ضخم الهامة،بوجهه أثر الجدري،اذا رأيته حسبته أعور،إسمه:عثمان بن عنبسة،و هو من ولد أبي سفيان،حتى يأتي أرض ذات قرار و معين»(3)(4).

و روى جابر الجعفي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)أنه قال:«يا جابر:إلزم الأرض،و لا تحرّك يدا و لا رجلا(5)حتى ترى علامات أذكرها لك..إن أدركتها:(6).

ص:422


1- (1) رجل ربعة:أي متوسّط القامة.
2- (2) وحش الوجه:أي يستوحش من يراه،و لا يستأنس به أحد.
3- (3) للمفسّرين أقوال في معنى«ذات قرار و معين»،فمنها:أنّ ذات قرار:مسجد الكوفة،و المعين:هو نهر الفرات.و هذا القول مرويّ عن الإمامين:الباقر و الصادق(عليهما الصلاة و السلام).
4- (4) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 52 ص 205.نقلا عن إكمال الدين للشيخ الصدوق.
5- (5) لعلّ المعنى:لا تنخدع بكلّ من يدّعي المهدوية،بل إنّ هناك علامات لا بدّ أن تتحقّق قبل ظهور الإمام المهدي(عليه السلام).
6- (6) ليس جابر-نفسه-المقصود من هذا الخطاب،إذ أنّه مات،و الإمام كان يعلم بأنّه يموت و لا يدرك زمن وقوع علامات الظهور،بل المقصود:هو أنّ جابر ينقل الحديث الى الآخرين،حتى يصل الى الأفراد الذين يدركون زمن وقوع تلك العلامات.

أوّلها:إختلاف بني العباس،و ما أراك تدرك ذلك،و لكن حدّث به-من بعدي-عنّي.

و مناد ينادي من السماء،و يجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح،و تخسف قرية من قرى الشام تسمّى(الجابية)و تسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن،و مارقة تمرق من ناحية الترك.و يعقبها هرج (أي:قتل)الروم،و سيقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة،و ستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة.

فتلك السنة-يا جابر-فيها إختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب!فأوّل أرض تخرب أرض الشام.ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات:

راية الأصهب،و راية الأبقع،و راية السفياني،فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون،و يقتله السفياني و من تبعه،و يقتل الأصهب

ثم لا يكون له همّة إلاّ الإقبال نحو العراق،و يمرّ جيشه بقرقيسا(1)فيقتتلون بها،فيقتل بها من الجبّارين مائة الف،و يبعث السفياني جيشا الى الكوفة و عدّتهم سبعون ألفا،فيصيبون من أهل الكوفة قتلا و صلبا و سبيا فبيناهم كذلك،إذ أقبلت رايات من قبل خراسان،تطوي المنازل طيا حثيثا،و معهم نفر(أي:جماعة)من أصحاب القائم،

ص:423


1- (1) قرقيسا:اسم بلدة تقع في سوريا،و هي-الآن-قريبة من الحدود السورية-العراقية.

ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء،فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة و الكوفة.

و يبعث السفياني بعثا الى المدينة،فينفر(أي:يخرج)المهدي منها الى مكّة،فيبلغ أمير جيش السفياني أنّ المهدي قد خرج الى مكّة، فيبعث جيشا على أثره،فلا يدركه حتى يدخل(الإمام المهدي)مكة خائفا يترقّب،على سنّة موسى بن عمران(1).

و ينزل أمير جيش السفياني البيداء،فينادي مناد من السماء:«يا بيداء أبيدي القوم»(2)فيخسف بهم،فلا يفلت منهم إلاّ ثلاثة نفر، يحوّل اللّه وجوههم الى أقفيتهم(3)و هم من كلب(4)و فيهم نزلت هذه الآية:يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها.. (5).

ص:424


1- (1) يترقّب-في اللغة-بمعنى:ينتظر،و لعل الامام ينتظر وصول الأخبار،أو ينتظر إذن اللّه بالظهور و القيام.السنّة-في اللغة-:الطريقة و السيرة،«على سنّة موسى»أي:كما حدث ذلك لموسى،حيث أنه خرج من مدينة فرعون-مصر-خائفا ينتظر ملاحقة اعوان فرعون له،قال تعالى:«فخرج منها خائفا يترقب»،سورة القصص-الآية 21.
2- (2) البيداء:الفلاة.أبيدي:أي أهلكي،يقال:أباده:أي أهلكه،من الإبادة.
3- (3) اقفية-جمع قفا:اي يقلّب اللّه وجوههم الى الخلف.
4- (4) من كلب:أي من قبيلة كلب.
5- (5) سورة النساء-الآية 47،و قوله(عليه السلام):«و فيهم نزلت هذه الآية»:أي تأويلا.و هذا الحديث رواه النعماني في كتاب الغيبة ص 279-280.و ذكره الشيخ المجلسي في كتاب بحار الأنوار ج 52 ص 237.

و روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:«كأنّي بالسفياني-أو بصاحب السفياني(1)قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة(2)فنادى مناديه:«من جاء برأس شيعة علي فله ألف درهم» فيثب الجار على جاره و يقول:«هذا منهم»،فيضرب عنقه،و يأخذ ألف درهم»(3).

و روي-أيضا-عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:

«السفياني من المحتوم،و خروجه في رجب،و من أول خروجه الى آخره خمسة عشر شهرا،ستة أشهر يقاتل فيها،فإذا ملك الكور الخمس(4)ملك تسعة أشهر،و لم يزد عليها يوما واحدا»(5).

و روي عن معلّى بن خنيس قال:سمعت أبا عبد اللّه-الصادق- (عليه السلام)يقول:«من الأمر محتوم،و منه ما ليس بمحتوم،و من

ص:425


1- (1) من الواضح أن الترديد من الراوي..لا من الإمام.
2- (2) الرحبة:محلّة في الكوفة،و الرحبة-في اللغة-:الساحة الواسعة المنبسطة.و عليه يكون المعنى:«نزل في ساحتكم بالكوفة».
3- (3) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي،و ذكره الشيخ المجلسي في كتاب بحار الأنوار ج 52 ص 215.
4- (4) الكور-جمع كورة،على وزن غرف و غرفة-:هي المدينة،و الناحية،كما في مجمع البحرين للطريحي.و الكور الخمس هي:دمشق،و حمص،و فلسطين،و الأردن، و قنّسرين.كما فسّر ذلك في حديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)مروي في بحار الأنوار ج 52 ص 206.
5- (5) كتاب الغيبة للنعماني ص 300،و ذكره المجلسي في بحار الانوار ج 52 ص 248.

المحتوم:خروج السفياني في رجب»(1).

و روي عن الإمام الباقر(عليه السلام)أنّه قال:قال أمير المؤمنين(عليه السلام):«إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلاّ عن آية من آيات اللّه»(2).

قيل:و ما هي يا أمير المؤمنين؟

قال:«رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف،يجعلها اللّه رحمة للمؤمنين و عذابا على الكافرين،فإذا كان ذلك فانظروا الى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة(3)و الرايات الصفر،تقبل من المغرب حتى تحلّ بالشام،و ذلك عند الجزع الأكبر و الموت الأحمر.

فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها:

ص:426


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني ص 300،و بحار الأنوار ج 52 ص 249.
2- (2) لم تنجل:أي لم تنكشف،من الإنجلاء:بمعنى الإنكشاف.
3- (3) البراذين-جمع برذون-:التركي من الخيل،و قد يطلق هذا الإسم على الدابة التي تحمل الأثقال. الشهب:صفة لون البراذين،و الشهبة:اللون الأبيض الذي يتخلّله سواد. المحذوفة:أي مقطوعة الآذان أو الأذناب أو قصيرتهما،و يحتمل أن يكون الصحيح «المحذوفة»أي المسرعة،و الخذرفة:ما ترمي الإبل بأخفافها من الحصى إذا أسرعت.كما في كتاب(لسان العرب)مادّة خذرف.و يحتمل أن تكون هذه الألفاظ إشارة الى الوسائل النقليّة أو الحربيّة،كالدبابات و ناقلة الجنود،و يكون الشهب: لون تلك السيارات و الوسائل،و يكون التعبير عن تلك الوسائل ب«البراذين»تكلّما مع الناس بلغتهم،في ذلك العصر الذي لم تكن فيه سيارة أو دبّابة أو ما أشبهها من الوسائل المتطوّرة الحديثة الموجودة حاليا.

(حرستا)(1)فاذا كان ذلك خرج إبن آكلة الأكباد(2)من الوادي اليابس، حتى يستوي على منبر دمشق،فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي (عليه السلام)»(3).

و روي عن الأصبع بن نباتة قال:سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام)يقول للناس:

«...و لذلك علامات:..و خروج السفياني براية حمراء، أميرها رجل من كلب(4)و إثنى عشر ألف عنان(5)من خيل السفياني يتوجّه الى مكّة و المدينة،أميرها(6)رجل من بني اميّة يقال له:خزيمة،أطمس العين الشمال(7)على عينه ظفرة غليظة(8)يمثّل بالرجال(9)لا تردّ له

ص:427


1- (1) حرستا:إسم قرية كبيرة عامرة،تقع في ضواحي دمشق..على طريق حمص..كما في معجم البلدان و مراصد الإطّلاع.
2- (2) إبن آكلة الأكباد:يعني السفياني.
3- (3) كتاب الغيبة للنعماني ص 305-306،و كتاب عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي ص 53،طبع مصر سنة 1399 ه.
4- (4) كلب:إسم قبيلة.
5- (5) عنان-بكسر العين و تخفيف النون-:هو سير اللجام.و عنّان-بفتح العين و تشديد النون-:السبّاق.
6- (6) أميرها:أي قائد الراية المرسلة الى مكة و المدينة هو خزيمة
7- (7) أطمس العين الشمال،الطمس:ذهاب ضوء العين،و الشمال:أي العين اليسرى هي المصابة بالطمس.
8- (8) الظفرة:جلدة تغشّي العين،و هي تشبه الظفر في بياضها و صلابتها،تنبت من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين الى سوادها.يقال ظفرت عينه:أي نبت فيها الظفرة.
9- (9) لعلّ الأصح:يمثّل بالرجال،من المثلة:و هي قطع أعضاء القتيل،كالأنف و الأذنين و أصابع اليدين و الرجلين.

راية(1)حتى ينزل المدينة في دار يقال لها:دار أبي الحسن الأموي.

و يبعث خيلا في طلب رجل من آل محمد(2)و قد اجتمع اليه ناس من الشيعة يعود الى مكّة،أميرها رجل من غطفان،اذا توسّط القاع الأبيض،خسف بهم،فلا ينجو إلاّ رجل يحوّل اللّه وجهه الى قفاه، لينذرهم،و يكون آية لمن خلفهم،و يومئذ تأويل هذه الآية:وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (3).

و يبعث مائة و ثلاثين ألفا الى الكوفة،و ينزلون الروحاء و الفارق، فيسير منها ستون ألفا حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود(عليه السلام) بالنخيلة يوم الزينة(4)و أمير الناس جبّار عنيد،يقال له:الكاهن الساحر.فيخرج من مدينة الزوراء(أي:بغداد)اليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة،و يقتل على جسرها سبعين ألفا(5)،حتى

ص:428


1- (1) أي ينتصر و يتغلّب على كل بلدة قصدها.
2- (2) الظاهر من هذا الحديث-هو ان قائد الجيش(خزيمة)يبقى في المدينة،و يرسل الجيش الى مكة لإلقاء القبض على الامام لمهدي(عليه السلام).و يكون قائد الجيش المرسل الى مكة رجلا من غطفان.
3- (3) سورة سبأ-الآية 51.و روي في تفسير علي بن ابراهيم عن الامام الباقر(عليه السلام)-في تفسير هذه الآية-انه قال:«و لو ترى اذ فزعوا فلا فوت»من الصوت،و ذلك الصوت من السماءوَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ من تحت اقدامهم،خسف بهم.
4- (4) يوم الزينة:أي يوم العيد.
5- (5) جسرها:اي جسر الكوفة.

تحتمي(1)الناس من الفرات ثلاثة أيام،من الدماء و نتن الاجساد، و تسبى من الكوفة سبعون ألف بكر،لا يكشف عنها كفّ و لا قناع حتى يوضعن في المحامل(2)،و يذهب بهنّ الى الثويّة و هي الغري(3)..»(4).

و روي عن الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال-في حديثه عن السفياني-:«..ثم يسير-في سبعين ألف-نحو العراق و الكوفة و البصرة.

ثم يدور الأمصار و الأقطار،و يقتل أهل العلم،و يحرق المصاحف،و يخرّب المساجد،و يستبيح الحرام،و يأمر بضرب الملاهي و المزامير في الأسواق،و الشرب على قوارع الطرق،و يحلّل لهم الفواحش،و يحرّم عليهم كلّ ما افترضه اللّه(عزّ و جلّ)من الفرائض، و لا يرتدع عن الظلم و الجور،بل يزداد تمرّدا و عتّوا و طغيانا...

ثم يبعث فيجمع الأطفال،و يغلي الزيت لهم،فيقولون:إن كان أباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا؟.

فيأخذ منهم إثنين،اسمهما:حسن و حسين،فيصلبهما،ثم يسير

ص:429


1- (1) تحتمي:اي تمتنع و تجتنب.
2- (2) الظاهر ان المراد من المحامل-هنا-:الوسائل النقلية كالسيارات و غيرها.
3- (3) الغري:مدينة النجف الأشرف.
4- (4) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 52 ص 273-274:نقلا عن كتاب(سرور اهل الايمان).

الى الكوفة،فيفعل بهم كما فعله بالأطفال و يصلب على باب مسجدها طفلين،إسمهما حسن و حسين،فتغلي دماؤهما،كما غلى دم يحيى بن زكريا،فإذا رأى-السفياني-ذلك أيقن بالهلاك و البلاء،فيخرج هاربا منها متوجها الى الشام،فلا يرى في طريقه أحدا يخالفه.

فإذا دخل دمشق،إعتكف على شرب الخمر و المعاصي،و يأمر أصحابه بذلك..(1).

و روى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر(عليه السلام)أنه قال:

«السفياني أحمر أشقر أزرق(2)،لم يعبد اللّه قطّ،و لم ير مكّة و المدينة قطّ،يقول:يا رب..ثاري و النار،يا رب..ثاري و النار(3)»(4).

ص:430


1- (1) عقد الدرر للشافعي ص 93-94.
2- (2) لعلّ المراد:أنّه أحمر اللون،أشقر الشعر،أزرق العين.
3- (3) أي:إني أطلب ثاري و لو كان بدخول النار.و يقصد من الثار:ما فعله السيّد الهاشمي،من قتل بني امية و إبادتهم،فقد روى نعيم بن حمّاد-شيخ البخاري-في كتاب الفتن،عن أبي قبيل،قال:يملك رجل من بني هاشم،فيقتل بني أميّة،فلا يبقى منهم إلاّ اليسير،لا يقتل غيرهم،ثم يخرج رجل من بني أميّة،فيقتل بكلّ رجل رجلين،حتى لا يبقى إلاّ النساء،ثم يخرج المهدي. و روى-أيضا-عن أبي قبيل قال:يبعث السفياني جيشا الى المدينة،فيأمر بقتل كلّ من كان فيها من بني هاشم حتى الحبالى،و ذلك لما صنع الهاشمي الذي يخرج من الشرق يقول:ما هذا البلاء كلّه و قتل أصحابي إلا من قبلهم،فيأمر بقتلهم فيقتلون،حتى لا يعرف بالمدينة منهم أحد،و يفترقوا منها هاربين الى البوادي و الجبال و الى مكّة،حتى نساؤهم يضع فيهم السيف أيّاما،ثم يكفّ عنهم،فلا يظهر منهم إلا خائف،حتى يظهر أمر المهدي بمكّة.المصدر:عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي.
4- (4) كتاب الغيبة للنعماني ص 306،و ذكره المجلسي في بحار الأنوار ج 52 ص 254.

أيها القاريء الكريم:هذه نبذة من الأحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و الأئمة المعصومين(عليهم السلام)حول السفياني و منكراته و جرائمه.

و اعلم أنّ الشيعة لم ينفردوا بذكر السفياني،بل ذكره علماء السنة في كتبهم أيضا،و الأحاديث متواترة في كتب الفريقين،و فيما يلي نذكر أسماء بعض المصادر المتضمّنة لأخبار السفياني من كتب السنّة:

1-العرف الوردي للسيوطي الشافعي ج 2 ص 75.

2-مجمع الزوائد للهيثمي ج 7 ص 314.

3-صحيح مسلم ج 2 ص 493.

4-عقد الدرر للشافعي في كثير من فصوله و أبوابه.

5-كنز العمّال للمتّقي الهندي ج 6 ص 68.

6-كتاب الفتن لنعيم بن حمّاد-أستاذ البخاري-في باب (علامات المهدي).

7-مستدرك الصحيحين للحاكم الحسكاني ج 4 ص 468

8-تفسير القرآن للثعلبي الشافعي.

9-تفسير القرآن للطبري.و غيرها من عشرات المصادر التي يصعب إستيعابها.

ص:431

خلاصة ما روي في السّفياني

إنّ هذه الأحاديث-التي مرّت عليك حول السفياني و عاقبة أمره- تعتبر بمنزلة الإضبارة السوداء لحياته المليئة بالجرائم و الجنايات،و يمكن أن نلخّصها فيما يلي:

إنّ السفياني رجل إباحي مستهتر،أموي النسب و النزعة،يثور في سوريا،و تنجح ثورته بعد أن يقضي على طائفتين معارضتين له، إحداهما يقودها رجل أحمر،و الثانية يقودها رجل أبرص،و يصفو له الجوّ،و يستولي على دمشق و حمص و حلب و الأردن و فلسطين (إسرائيل)،و يتبعه اليهود و غيرهم من أولاد الشوارع و اللقطاء،كلّ ذلك في خلال ستة أشهر.

ثمّ يجهّز جيشا مؤلفا من حوالي مائة و إثنين و أربعين ألف رجل، فيرسل قسما من الجيش الى المدينة،و قسما آخر الى العراق.

و يتوجّه الجيش المؤلّف من 12,000 رجل نحو المدينة لإلقاء القبض على الإمام المهدي(عليه السلام)،بعد سماعهم خبر ظهوره، و يمكثون في المدينة ثلاثة أيام،و يكثرون فيها النهب،ثمّ يتّجه عدد كبير منهم نحو مكّة المكرّمة لملاحقة الإمام،لأنّهم يعلمون أنّ الإمام خرج من المدينة نحو مكّة،فإذا وصل الجيش الى الصحراء-بين المدينة و مكّة- تبتلعهم الأرض،و لا ينجو منهم إلاّ رجلان:

ص:432

رجل يذهب الى الإمام المهدي(عليه السلام)ليبشّره بهلاك العدو و رجل يذهب الى السفياني ليخبره بمصير جيشه.

و أما الجيش الذي يقصد العراق،فينزل بالروحاء-و هي منطقة تقع في ضواحي مدينة النجف الأشرف،و تشمل مدينة الحلّة و بابل-ثم يتجّه ستون ألفا أو سبعون ألفا منهم نحو النجف و الكوفة،و يكون ذلك في يوم عيد من الأعياد،و يخرج من بغداد خمسة آلاف جندي نحو الكوفة لمحاربة جيش السفياني،و تقام المذابح الرهيبة بين العسكرين، و يكون الإنتصار لجيش السفياني.

و يبقى جيش السفياني في الكوفة و يكثر فيها الفساد،من إراقة الدماء و الصلب و سبي العوائل،و يثور ثائر من أهل الكوفة ضدّهم،فيقتله أمير جيش السفياني.

و أخيرا:يرجع جيش السفياني نحو الشام و يقدّر عددهم بمائة ألف،و لكنّ طائفة تخرج من الكوفة لملاحقتهم،فتقضي على جيش السفياني بكامله،و لا يفلت منهم ذو حياة،و تستنقذ هذه الطائفة جميع الأسرى و تأخذ الغنائم(1).

و أمّا نهاية السفياني و عاقبة أمره:فإنّ الإمام المهدي(عليه

ص:433


1- (1) الطائفة التي تخرج لملاحقة جيش السفياني هي:السيد الهاشمي و جيشه،و اليماني و جيشه الزاحف.و قد تقدم بعض التفصيل حول ذلك عند الحديث عن الهاشمي في العلائم غير المحتومة.

السلام)-بعد أن يظهر و يقصد الكوفة و تستقيم له الأمور-يتوجّه نحو الشام للقضاء على السفياني،حتى يصل الإمام الى الشام،و قد التحق به(عليه السلام)أناس كثيرون،و السفياني-يومذاك-بوادي الرملة(1)و يلتقي الجيشان هناك،و يلتحق أناس من جيش السفياني بمعسكر الامام المهدي(عليه السلام)و أناس يخرجون من جيش الامام و يلتحقون بالسفياني.

و في هذا المجال..روي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) أنّ السفياني-إذا بلغه خبر توجّه الإمام المهدي(عليه السلام)اليه من ناحية الكوفة-يتحرّك بجيشه حتى يلتقي بجيش الإمام،فيخرج و يقول:أخرجوا إليّ إبن عمّي؟(2).

فيخرج الإمام المهدي(عليه السلام)و يلتقي بالسفياني و يجري بينهما حوار ينتهي الى مبايعة السفياني للإمام(عليه السلام).

ثم ينصرف السفياني الى أصحابه(3)فيقولون له:ما صنعت؟

فيقول:أسلمت و بايعت!

فيقولون:قبّح اللّه رأيك،بينما أنت خليفة متبوع صرت تابعا؟!

ص:434


1- (1) الرملة:بلدة في فلسطين شمال شرقي القدس.
2- (2) باعتبار ان بني امية كانوا يعتبرون انفسهم اولاد عم لبني هاشم،و قد تقدم ان السفيان أمويّ النسب.
3- (3) و في رواية:انه ينصرف الى اخواله من قبيلة كلب.نقلناها بالمعنى.

فيستقيل السفياني و ينكث البيعة و يستعدّ لمحاربة الإمام.

و في الصباح تقع الحرب بين الجيشين و يقتتلون يومهم ذلك.

ثم إنّ اللّه تعالى ينصر الإمام المهدي و أصحابه عليهم،فيقتلونهم حتى يفنوهم(1).

و في رواية أخرى:إنّ السفياني يعتبر ممّا جرى على جيشه المرسل الى مكّة،و كيف إبتلعتهم الأرض،فيحاول أن ينقاد للإمام المهدي(عليه السلام)فيبايع ثم ينكث البيعة و ينقض عهده،و يتمرّد على الإمام و يقاتله.

و أخيرا..يؤخذ أسيرا،فيذبحه الإمام المهدي.

و في رواية ثالثة:فيأمر الإمام به فيذبح على بلاط باب ايليا(2).

و هكذا يريح اللّه العباد و البلاد من شرور تلك الجراثيم التي يستأصلها الامام و يزيلها عن الوجود.

و يأتي-هنا-سؤال و هو:

لماذا تنزل بالناس هذه المصائب و الكوارث و الفجائع التي تشيّب الأطفال و تشمل الرجال و النساء،و الصغار و الكبار؟!.

ص:435


1- (1) نقلناها بالمعنى.
2- (2) بلاط باب إيليا:صخرة عند مدخل مدينة القدس.عقد الدرر ص 85،و الحديث مروي عن الامام الباقر(عليه السلام)

و بماذا إستحق البشر هذه البلايا و المحن و الآلام،حتى يتسلّط عليه الأشرار و يلعبون به تلاعب الصبيان بالكرة؟لماذا؟.

الجواب:

قبل كلّ شيء..يجب أن لا ننسى أنّ الإنسان الذي يخالف القانون مرّة واحدة يعاقب بالسجن أو الغرامة أو التعذيب أو التسفير، و قد يحكم عليه بالسجن المؤبّد مع الأعمال الشاقّة،كلّ ذلك لمخالفته مادّة واحدة من القانون البشري.

فكيف بمن خالف القوانين الإلهية،بل إعتاد على ترك القانون و مخالفته في كل يوم مرات و كرّات؟.

فالواجبات الشرعيّة..أكثرها متروكة،و المحرّمات(الممنوعة) أكثرها أصبحت مباحة عند البشر،و لا تسأل عن الإنحرافات العقائديّة المنتشرة بين الشباب(فتيات و فتيان)حتى بلغ الأمر عند بعض المسلمين أنّه أصبح ملحدا ينكر الخالق و يجحد الصانع،و يستهزء بجميع المقدّسات و المعتقدات؟.

و لو أردنا إستعراض هذه الجوانب لتبدّل طابع الكتاب الى طابع آخر،و لكنّنا نراعي الإيجاز و الإختصار،فنقول:

إنّ الكثيرين من المسلمين لا يصلّون،و الكثير منهم لا يصومون شهر رمضان،و الذين يؤدّون الزكاة المفروضة عليهم قليلون جدا،و في أكثر البلاد الإسلاميّة تجد المنكرات و المحرمات مباحة،و الجرائم مسموح بها،فهل تعرف في البلاد الإسلاميّة و الأجنبيّة بلدة واحدة لا توجد فيها

ص:436

جريمة السرقة؟.

و لقد رأينا الكثير من الحجّاج،الذين سرقت نقودهم في حال الطواف حول الكعبة في المسجد الحرام!!

و قد شوهد بعض السرّاق و هو يسرق المصاحف من المساجد و يبيعها بأسعار زهيدة،جلبا للمال التافه!!.

و الخمور تصنع أو تستورد بكلّ حريّة،و تباع و تشرب علنا بلا مانع،بل انّ القانون يعطيهم الحقّ لممارسة هذه الأعمال!.

ثم البغاء و الفواحش..فهي من متطلّبات هذا العصر!و السفور و الخلاعة تكيّف مع المدّ الحضاري!و تحرّر من الأفكار القديمة البالية!!.

و الربا جزء لا يتجزّأ من الإستيراد و التصدير و التجارة العامّة، فالبنوك تبتلع الملايين من الأموال الربويّة بمساعدة القانون،و لا تسأل عن الذين يعيشون بالربا،و تنبت لحومهم من الربا؟.

ثمّ اللحوم المثلّجة و المعلّبة المستوردة من بلاد الكفّار يأكلها المسلمون بصورة عاديّة،مع العلم أنّها فاقدة لشروط الذباحة الشرعيّة و محكومة بالحرمة في الإسلام.

و الأفظع الأفجع:هو أنّ الكثيرين-في بعض البلاد الإسلاميّة- قد تعوّدوا على سبّ الدين و المذهب و بقيّة المقدسات،ممّا يخجل الإنسان عن ذكره،و تندى جبهة الإسلام عن تصوّره!!

و الأحزاب الباطلة و التنظيمات المنحرفة قد غزت بلادنا،و جرفت

ص:437

شبابنا،و استهزأت بمقدّساتنا.

الى غير ذلك من ملايين الملايين من الخطايا و المعاصي و الذنوب التي أصبحت أشياء طفيفة،و فاقدة لكلّ أهميّة عند بعض المسلمين.

إنّك لا تجد في قاموس المعاصي معصية إلاّ وجدتها عند بعض المسلمين.

و أمّا غير المسلمين فجميع المعاصي مباحة في دينهم و فلسفتهم و قد تجاوزوا حتى حدود الإنسانيّة و خالفوا حتى نواميس الفطرة!.

ففي أكثر بلاد الغرب و شرق آسيا توجد نوادي للعراة،يدخلها الرجال و النساء و الأطفال و هم عراة،بلا أيّ ساتر،كأنّهم حيوانات و بهائم لا تعرف معنى الحياء و العفّة!.

ثم المراقص التي ترقص فيها الفتيات عاريات بجميع معنى الكلمة،و الملايين من الناس يرتادون تلك المراقص،و يتفرّجون على تلك الأبدان العارية و كأنّهم لم يصنعوا شيئا!.

أيّها القارىء:هذه رؤوس أقلام عن المجتمع الاسلامي أو المجتمع البشري المعاصر،الذي نبذ الأخلاق و القيم و العقائد و الفضائل،و تبرّأ عنها عمليا.

و بإمكانك أن تراجع معلوماتك الشخصيّة التي رأيتها و سمعت بها،و قرأتها في الصحف و المجلاّت،من حوادث القتل و السرقة، و الإختطاف و الإغتصاب،و الاعتداء،و أنواع الظلم و الجور.

ص:438

أما يستحق هذا البشر أن يتسلّط عليه السفياني و جيشه السفّاك الإباحي،و يحصد الرؤوس حصد السنبل،و يقتل البشر قتل الحشرات؟؟؟!!!

نعم..إنّه يستحقّ هذا و أكثر من هذا و لعذاب الآخرة أخزى!.

و هنا يسهل عليك أن تعرف السبب الأصلي للحرب العالميّة الثالثة المتوقّعة،التي يفنى فيها أكثر أهل الأرض،و تصبح البلاد خالية عن البشر،و المساكن معطّلة أو مدمّرة.

إنّ السبب الأصلي هي كثرة المعاصي و الذنوب و الجرائم و الإنحرافات الأخلاقيّة و العقائديّة التي تنتشر في كلّ بلدة و في كلّ بيت!.

فما قيمة هذا البشر و ما كرامته؟!و لماذا يدفع اللّه البلاء عن هذا الموجود المستهتر الذي تمرّد على أحكام خالقة؟!.

إنّ اللّه تعالى يطهّر الأرض عن هذه الكائنات القذرة،كما يعقّم الجوّ و المزارع من الجراثيم الضارة،و الميكروبات التي تقضي على الزرع و الضرع،و على الإنسان و الحيوان.

ص:439

الخسف بالبيداء

الخسف بالبيداء من العلائم المحتومة لظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و قد تكرّر ذكر الخسف في الأحاديث التي تحدّثت عن السفياني، و لا نعيد شيئا من تلك الأحاديث،بل نكتفي بالإشارة الى هذه العلامة بصورة مستقلّة،لأنّها إحدى العلائم المحتومة.

لقد عرفنا من الأحاديث المتقدّمة أنّ السفياني يرسل جيشا إلى المدينة المنوّرة لملاحقة الإمام المهدي و محاربته،فإذا وصل الجيش الى المدينة يسمع بأن الإمام قد خرج نحو مكّة،فيخرج الجيش من المدينة نحو مكّة،و عندما يصل الى وسط الصحراء-بين المدينة و مكة-يخسف اللّه بهم الأرض،فتبتلعهم جميعا،بما معهم من الوسائل النقليّة،و لا ينجو منهم إلاّ رجلان-كما سبق ذكره.

و من الواضح أنّ هذا الخسف لا يكون بسبب هزّة أرضية أو زلزال أو ما شابه ذلك من القضايا الطبيعيّة التي تتكرّر في كثير من المناطق،و إنما يكون عذابا لجيش السفياني و انتقاما منهم،-بأمر اللّه تعالى و إرادته التكوينيّة،قال عزّ و جل:إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

و هذا الخسف يعني حدوث إنشقاق عظيم-في الأرض-و فجوة كبيرة و حفرة لا نستطيع أن نقدّر أبعادها،تنشقّ فجأة و يتساقط الجيش في أعماقها ثم تنهار عليهم ملايين الأطنان من التراب،فيهلكون جميعا.

ص:440

و في هذا المجال روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال- في حديث طويل تحدّث فيه عن ما بعد ظهور الإمام المهدي-:«و سيدنا القائم مسند ظهره الى الكعبة،..ثم يقبل على القائم رجل وجهه الى قفاه،و قفاه الى صدره،و يقف بين يديه فيقول:يا سيّدي أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك،و أبشّرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء،فيقول له القائم:بيّن قصّتك و قصّة أخيك؟.

فيقول الرجل:كنت و أخي في جيش السفياني،و خرّبنا الدنيا من دمشق الى الزوراء(1)و تركناها جمّاء(2)و خرّجنا الكوفة و خرّبنا المدينة، و كسرنا المنبر،وراثت بغالنا في مسجد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و خرجنا منها..نريد إخراب البيت و قتل أهله،فلما صرنا في البيداء عرّسنا فيها(3)فصاح بنا صائح:يا بيداء أبيدي القوم الظالمين، فانفجرت الأرض و بلعت كلّ الجيش،فو اللّه ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري و غير أخي،فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت الى ورائنا كما ترى،فقال لأخي:ويلك إمض الى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد،و عرّفه أنّ اللّه قد أهلك جيشه بالبيداء.

و قال لي:يا بشير إلحق بالمهدي بمكة و بشّره بهلاك الظالمين،و تب

ص:441


1- (1) الزوراء:بغداد.
2- (2) جماء:ملساء،و لعل المعنى:تركنا الأرض قاعا صفصفا.
3- (3) عرّس في المكان:نزل به.

على يده فانه يقبل توبتك،فيمرّ القائم يده(1)فيردّه سويّا كما كان، و يبايعه و يكون معه.(2).

ص:442


1- (1) أي:يمسحها.
2- (2) كتاب إلزام الناصب ج 2 ص 259.

اليماني

خروج اليماني من جملة العلائم المحتومة لظهور الإمام المهدي (عليه السلام)و قد ورد ذكر اليماني في أحاديث كثيرة،في عداد العلائم المحتومة.

و من المؤسف أن تلك الأحاديث-بسبب إختصارها-غير كافية لمعرفة هذه الشخصيّة.و نحن نكتفي بذكر حديث واحد في هذا الموضوع،مع ما فيه من الإيجاز و الإختصار:

روي عن الإمام الباقر(عليه السلام)أنّه قال-في ضمن حديث طويل-:«و خروج السفياني و اليماني و الخراساني(أي:الهاشمي)في سنة واحدة،في شهر واحد،في يوم واحد،نظام كنظام الخرز(1)يتبع بعضه بعضا...و ليس في الرايات أهدى من راية اليماني،هي راية هدى لأنّه يدعوكم الى صاحبكم(2)فإذا خرج اليماني حرم(3)بيع السلاح على الناس و كل مسلم،و إذا خرج اليماني فانهض اليه،فإنّ رايته راية

ص:443


1- (1) الخرز-جمع خرزة،على وزن قصب و قصبة-:و هي الحبات المثقوبة،تصنع من الزجاج و نحوه،تجعل في الخيط بشكل منظم،إحداها تتلو الأخرى مباشرة،يصنع منها السبحة و القلادة.
2- (2) أي الامام المهدي عليه السلام.
3- (3) العبارة تحتمل قراءتين:1-حرم،2-حرّم.

هدى،و لا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه(1)فمن فعل ذلك فهو من أهل النار،لأنّه يدعو الى الحقّ و الى طريق مستقيم(2).

نكتفي بهذا المقدار من المعلومات،آسفين من عدم توفّر المصادر التي تشرح هذه الشخصيّة بأكثر من هذا.

ص:444


1- (1) يلتوي عليه،يقال:التوى عن الأمر:اي تثاقل،و أمال وجهه عنه إعراضا و استكبارا.
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 232،و كتاب الغيبة للنعماني ص 255 باب 14 حديث 13.

النفس الزّكيّة

يعتبر ذبح النفس الزكيّة بين الركن و المقام-في المسجد الحرام-من العلائم المحتومة لظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و قد اختلف في نسبه،فقيل:هو حسني و قيل:هو حسيني،و لا يضرّ هذا الإختلاف في نسبه،بعد أن ثبت أنّه من آل رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

و قد ورد في الأحاديث التعبير عنه ب«غلام»فيمكن أن يكون في أوائل شبابه.يرسله الإمام المهدي(عليه السلام)الى أهل مكّة ليستنصرهم فينقضّون عليه و يذبحونه بين الركن و المقام(1)،فعند ذلك يحلّ عليهم غضب اللّه تعالى.

و يكون بين قتل النفس الزكيّة و قيام الإمام المهدي خمسة عشر يوما.

و إنّما سمّي ب«النفس الزكيّة»لأنه يقتل بلا أيّ ذنب،و إنّما يقتل لأنّه يبلّغ أهل مكّة رسالة شفويّة من الإمام المهدي(عليه السلام)لا غير.

و الرسالة لا تشتمل على شيء من السبّ و الشتم أو التهديد،و إنّما

ص:445


1- (1) المقصود من الركن:هو الزاوية التي يستقر فيها الحجر الأسود،و المقام:هو مقام ابراهيم(عليه السلام)بالقرب من الكعبة.

تشتمل على الإستنصار و الإستنجاد بأهل مكّة.

قال تعالى-عن لسان موسى(عليه السلام)للخضر-:«أقتلت نفسا زكيّة»(1)أي:بريئة من الذنوب.

و الآن..إليك شيئا من الأحاديث المرويّة في هذا المجال:

قال الإمام الباقر(عليه السلام):يقول القائم لأصحابه:«يا قوم إنّ أهل مكّة لا يريدونني،و لكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم»فيدعو رجلا من أصحابه فيقول له:إمض الى أهل مكّة فقل:يا أهل مكة..أنا رسول فلان(2)اليكم و هو يقول لكم:إنّا أهل بيت الرحمة،و معدن الرسالة و الخلافة،و نحن ذريّة محمد و سلالة النبيّين.

و إنّا قد ظلمنا و اضطهدنا و قهرنا،و ابتزّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا الى يومنا هذا،فنحن نستنصركم فانصرونا».

فاذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن و المقام،و هي النفس الزكية...(3).

و قال الإمام الباقر(عليه السلام):«...و قتل غلام من آل محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)بين الركن و المقام،إسمه محمد بن

ص:446


1- (1) سورة الكهف-الآية 74.
2- (2) يقصد الامام من كلمة«فلان»نفسه المقدسة.
3- (3) بحار الانوار ج 52 ص 307.

الحسن:النفس الزكية،...فعند ذلك خروج قائمنا(1).

و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«و ليس بين قيام قائم آل محمد و بين قتل النفس الزكيّة إلا خمس عشرة ليلة»(2).

أقول:لقد أطلق لقب«النفس الزكيّة»-في بعض الأحاديث الشريفة-على رجل يقتل مع سبعين رجلا من الصالحين في ضواحي الكوفة،عند دخول جيش السفياني.

و أطلق هذا اللقب-أيضا-على السيّد ا لهاشمي،الذي مرّ ذكره في العلائم غير المحتومة.

لكن لا شكّ في أنّ(النفس الزكيّة)الذي يعتبر قتله من العلائم المحتومة،هو ذلك الرجل الذي يذبح بين الركن و المقام،قبل ظهور الإمام بخمس عشرة ليلة.

ص:447


1- (1) بحار الانوار ج 52 ص 192،نقلا عن إكمال الدين للشيخ الصدوق.
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 203،نقلا عن إكمال الدين ج 2 ص 649،و رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص 271 و الشيخ المفيد في الارشاد.

الفصل السابع عشر

اشارة

الذين ادّعوا المهدويّة كذبا وزورا أو نسبت اليهم

لقد كان القول و الإعتقاد بالإمام المهدي(عليه السلام)ثابتا عند المسلمين منذ عهد الرسول الأعظم(صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، و الأئمة الطاهرين من بعده.

و قد مرّ عليك-في أوائل الكتاب-شيء من الآيات المأوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام)و البشائر النبوية،و الأحاديث العلوية، و الإخبارات الواردة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام).

و قد رأيت أنّ تلك الآيات و الأحاديث تنطق بظهور الإمام المهدي،و تصرّح بجلالة قدره و علوّ مكانته،بحيث لا تجد في تاريخ الإسلام نظير تلك الشخصيّة من حيث الإمكانيّات و تنفيذ القدرة، و الإستيلاء على الكرة الأرضيّة،و غير ذلك ممّا قرأته في فصول هذا الكتاب.

فكانت هذه الحقيقة مشهورة عند المسلمين،معروفة لديهم،لكثرة الأحاديث المرويّة حولها،و لم يكن أحد يتجرّأ على تكذيب هذه الحقيقة في ذلك الزمان.

و انطلاقا من هذه العقيدة و الحقيقة ظهر-خلال هذه القرون-أفراد

ص:448

نسبت اليهم المهدويّة أو سوّلت لهم أنفسهم أن يدّعوا المهدويّة كذبا وزورا،و قد أحصاهم بعض المؤرّخين فبلغوا خمسين رجلا،و الجدير بالذكر أنّ بعضهم مجهول النسب و الهويّة و الإتّجاه و الدين و المذهب، و بعضهم كانت له تصرّفات شاذّة،و أعمال غير عقلائيّة تشبه تصرّفات المجانين،و بعضهم هلك هو و أتباعه في أوائل دعوته،و ازيلوا عن الوجود و لم تبق منهم بقيّة،و بعضهم مات و بقي إسمه و ذكره.

و نحن نقتطف-من مجموع هؤلاء الأفراد-عددا من الذين اشتهروا في التاريخ بادّعائهم المهدويّة،و نذكر لمحة خاطفة عنهم.

و يمكننا أن نقسّم هؤلاء الى ثلاثة أقسام:

1-من نسبت اليه المهدويّة.

2-من ادّعى المهدويّة بدافع حبّ الرئاسة و الجاه.

3-من ادّعى المهدويّة بخطّة استعماريّة و إيعاز من المستعمرين.

أما القسم الأول:فيظهر من التاريخ أنّ بعض الذين نسبت اليهم المهدويّة إنّما ادّعاها لهم أصحابهم و أتباعهم،و انتشرت هذه الفكرة يومذاك في الأوساط.و لا نعلم-بالضبط-لماذا سكت هؤلاء في مقابل هذه النسبة المفتعلة اليهم؟!.

و قد حاول أتباع هؤلاء أن يطبّقوا بعض العلامات-المرويّة في الأحاديث حول الإمام المهدي-على أولئك الأفراد.

ص:449

و فيما يلي نذكر نماذج من هذا القسم:

1-لقد ورد في الأحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)«ان المهدي إسمه إسمي»و جاء أتباع المختار بن أبي عبيدة الثقفي و أعوانه،فنسبوا المهدوية الى محمد بن الإمام علي،المعروف بابن الحنفيّة،و طبّقوا عليه الحديث المذكور.و يناسب هنا قول الشاعر:

قل للذي يدّعي في العلم فلسفة حفظت شيئا و غابت عنك أشياء

2-كما ورد في الأحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«أنّ المهدي من ولد الحسين،و أنّه يخرج بالسيف،و أنّه إبن سبيّة-أي مسبيّة-.

فلما نهض زيد بن علي بن الحسين(عليهما السلام)إدّعى أتباعه أنّه المهدي،لأنه من ولد الحسين،و انه قام بالسيف و انه إبن سبيّة.

و قد تناسى أتباع زيد الأحاديث المرويّة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حيث قال:«الأئمة بعدي إثنا عشر،تسعة من صلب الحسين،تاسعهم قائمهم»فلم يكن زيد الإمام التاسع من صلب الحسين(عليه السلام).

و لكن أتباع زيد إدّعوا هذا الإدّعاء،جلبا للقلوب و لأغراض نفسية.

و لمّا قتل زيد و بقي مصلوبا سنوات عديدة،قال حكم بن عيّاش- شاعر الأمويّين-في ضمن أبيات له:

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة و لم نر مهديّا على الجذع يصلب

ص:450

فانظر الى هذا الحاقد الشامت،كيف يشمت بصلب زيد بن علي بن الحسين،و كيف يستهزء بالمهدويّة؟!.

و أخيرا..تكوّن المذهب الزيدي من ذلك اليوم و الى هذا اليوم، و يتواجد أكثرهم في بلاد اليمن،و قد انفصلوا-مع الأسف-عن المذهب الشيعي و عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)و اتّبعوا بعض المذاهب الأخرى،في فقههم و أصولهم و فروعهم.

و كانت للزيديّة مواقف غير حميدة تجاه الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)

هذا..و الجدير بالزيديّة أن يرجعوا الى أصلهم و أصالتهم،بأن يتمسّكوا-في مذهبهم-بأئمة أهل البيت الذين أمر اللّه و رسوله باتّباعهم،و أن يعودوا الى المذهب الشيعيّ الحق،الذي كانوا عليه في بداية الأمر.

3-و بعد سنوات من ثورة زيد بن علي،ولد محمد بن عبد اللّه- المعروف بالمحض-بن الحسن المثنّى بن الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)فانتهز أصحاب المطامع و الأهواء هذه الفرصة،فنسبوا اليه المهدويّة و طبّقوا عليه الحديث المزيّف المختلق المنسوب الى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)بأن:المهدي...و إسم أبيه إسم أبي.

و قد ذكرنا-في أوائل الكتاب-أنّ هذا الحديث يخالف مئات الأحاديث المرويّة حول اسم والد الإمام المهدي،و أنّه الإمام الحسن العسكري(عليهما السلام)إلاّ أنّ الإنتهازيّين طبّقوا هذا الحديث المزيّف على محمد بن عبد اللّه المحض،و سمّوه ب(النفس الزكيّة) و بايعه بعض الناس.و من المضحك أن اباه عبد اللّه بايعه ايضا على أنه

ص:451

المهدي!.

و ممن بايعه هو المنصور الدوانيقي العباسي،و لما قامت الحكومة العباسية إنهارت مهدوية محمد بن عبد اللّه،و نقض المنصور بيعته!.

و أما القسم الثاني:و هم الذين ادّعوا المهدوية بدافع الدجل و حبّ الرئاسة،و جلب القلوب و اكتساب القدرة و العظمة،فهم كثيرون..

منهم:المهدي العباسي،فقد ادّعى أبوه المنصور الدوانيقي بأنّ ولده هذا هو المهدي!مع العلم أنّ المنصور كان قد بايع-قبل ذلك-محمد بن عبد اللّه المحض الذي نسبت اليه المهدويّة.

أنظر الى هذه المخازي،و الى التلاعب بالعقائد،حسب الأهواء و الظروف!.

و هكذا..و بين فترة و أخرى،كانت هذه الفكرة تظهر،و تتجسّد في هذا و ذاك،حسب الآراء و الميول و النزعات.

و لا ينقضي تعجّبي من قلّة حياء هؤلاء المدّعين للمهدويّة و صلافتهم!فكيف كانوا يتجاهرون بهذا الكذب الفاضح المخزي و هم يعلمون أنهم يكذبون في ادّعائهم؟!لأنّ الإمام المهدي-الذي بشّر به رسول اللّه و الأئمة الطاهرون-موصوف بصفات خاصّة،و منعوت بمزايا معيّنة مصرّح بها.

و أشهر تلك الصفات أنّه يملأ الأرض قسطا و عدلا،بعد أن تملأ ظلما و جورا،فهل استطاع أحد من أولئك الكذّابين أن يرفع شيئا من الظلم الذي انتشر في المجتمعات البشريّة؟!.

ص:452

و أعجب من هؤلاء الدجالين هم الذين صدّقوا إدّعاءات هؤلاء، و آمنوا بهم و بخرافاتهم،مع العلم أنّ الأحاديث الشريفة لم تكن تنطبق عليهم،و هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على الفراغ الفكري و العقائدي الذي كان يعاني منه هؤلاء الأتباع،ممّا جعلهم ينعقون مع كلّ ناعق و يميلون مع كل ريح.

و أما القسم الثالث:و هم الذين ادّعوا المهدويّة،بخطّة إستعماريّة و إيعاز من المستعمرين،فيمكن الإشارة اليهم فيما يلي:

لقد وضع الإستعمار عدّة خطط لضرب الإسلام و تفريق كلمة المسلمين،كي يتحقّق هدفه الإستعماري:(فرّق تسد).

و من الخطط الجهنّمية التي وضعها في هذا المجال هو إيجاد المذاهب المتعدّدة في المسلمين،و التلاعب بالمعتقدات الدينيّة،لإيجاد الوهن فيها و تضعضع القلوب و الأفكار.

و ممّا انتهزه الإستعمار-في هذا المجال-هي فكرة المهدويّة،فقد ربّى بعض الأفراد تربية إستعمارية،و أمرهم بأن يدّعوا المهدويّة، و ساعدهم بالمال و غيره.

و نكتفي-هنا-بذكر نموذج واحد من الذين ادّعوا المهدويّة بايعاز من المستعمرين،رعاية لأسلوب الكتاب:

علي محمد الباب،مؤسّس الدين البهائي:

لقد جاء جاسوس روسي الى إيران عام 1834 م،حاملا معه

ص:453

خطّة شيطانيّة خبيثة ضد الإسلام و المسلمين،و استطاع هذا الجاسوس الروسي أن يلعب دورا حاقدا في سياسة ايران يومذاك.

و بعد فترة جاء الى العراق،و سمّى نفسه:الشيخ عيسى لنكراني،بينما كان إسمه الحقيقي:كنياز دالكوركي،و تزيّا بزيّ رجال الدين و حضر درس السيد كاظم الرشتي-و كان من العلماء-في مدينة كربلاء المقدّسة،و هناك إلتقى برجل إسمه علي محمد-الذي عرف فيما بعد بالباب-و كان تلميذا عند الرشتي المذكور.

و كان علي محمد يشرب الحشيشة،و استطاع الجاسوس أن يكوّن بينه و بين علي محمد علاقة صداقة وثيقة.

و في ليلة من الليالي و بينما شرب علي محمد الحشيشة-كعادته-إنتهز الجاسوس الروسي الفرصة،و خاطبه-بكل خضوع و احترام-قائلا:يا صاحب الزمان ترحّم عليّ..أنت صاحب الزمان قطعا.

و بالرغم من أنّ علي محمد كان قد فقد بعض مشاعره بسبب الحشيشة المخدّرة إلاّ أنّه رفض هذا الخطاب،و حاول أن يدفع عن نفسه هذه النسبة،و لكنّ الجاسوس الروسي ألحّ عليه بذلك،و جعل يلقّنه و يكرّر عليه القول بأنه هو الإمام المهدي.

و كلّما شرب علي محمد الحشيشة،إنتهز الجاسوس الفرصة للتلقين و الإيحاء،و كان يسأله أسئلة طفيفة و يجيب علي محمد باجابات سخيفة، فيبدي الجاسوس إعجابه بتلك الإجابات.

و في يوم من الأيام أحضر له الجاسوس زجاجة خمر اشتراها من

ص:454

بغداد،و قدّمه للباب،فلم يمتنع من شربها،و لما سلبت الخمرة عقله و رشده،شرع الجاسوس بتلقينه بأنه هو الإمام المهدي صاحب الزمان.

و بدأ علي محمد يصدّق مقالة الجاسوس،و يعتقد بانه هو الإمام المهدي،و لكنّه خاف من إظهار هذا الأمر،و لم يصرّح به..إلاّ أنّ الجاسوس كان يشجّعه على ذلك و يعده بالمال الكثير.

و أخيرا سافر علي محمد من كربلاء المقدّسة الى البصرة ثم الى بوشهر-ايران-و هناك إدّعى أنه باب الإمام المهدي،أي أنّه نائب خاص للإمام(عليه السلام)و لكنّ الجاسوس لم يرض بهذا الإدّعاء، بل كتب اليه:أنت صاحب الأمر و إمام العصر.

ثم جعل الجاسوس ينشر في كربلاء بأنّ علي محمد هو صاحب الزمان و قد ظهر في بوشهر.

و الناس بين مصدّق و مكذّب،فالذين كانوا يعرفون علي محمد الحشّاش الخمّار،كانوا يضحكون من هذه الإشاعات،و بعض الحمقى و البسطاء كانوا يصدّقون الخبر.

و بعد ما قام الجاسوس بهذه الأعمال الشيطانية عيّن سفيرا لروسيا في طهران،فقويت شوكته،و كثرت إمكانيّاته،و وجد مجال العمل مفتوحا أمامه أكثر،فانتهز الفرصة اكثر من ذي قبل.

و كان الجاسوس قد ربّى-في طهران-أفرادا من أصدقائه تربية جاسوسيّة،بأن اشترى منهم ضمائرهم و عقائدهم،فصاروا تحت

ص:455

تصرّفه،و رهن إشارته،منهم:الأخوان:حسين علي المعروف ب (البهاء)و الميرزا يحيى المعروف ب(صبح أزل)و كان لهذين الأخوين دور كبير في تنفيذ خطط هذا الجاسوس الخبيث.

و بعد إنقضاء شهرين،خرج علي محمد من مدينة بوشهر و اتّجه نحو مدينة شيراز،و كلّما مرّ على قرية في الطريق إدّعى بأنّه النائب الخاص للإمام المهدي.

و في شيراز جعل يدّعي أنّه هو الإمام المهدي صاحب الزمان، فاجتمع حوله بعض السفلة الذين لا يلتزمون بمبدأ و لا دين.

و لمّا سمع علماء شيراز بقدوم هذا الشيطان الرجيم،ارسلوا بعض من يثقون به،الى مجلس علي محمد للتحقيق عن الخبر،و استطاع أولئك الثقات أن يتظاهروا بالمحبّة و التعظيم،حتى وثق بهم علي محمد، و صرّح لهم بأنّه هو الإمام المهدي،و كشف لهم عن بعض ما يعتقده من خرافات و أباطيل،فاخبروا العلماء بما يضمره هذا المنحرف الضال.

و هنا قام العلماء ضدّه،و هكذا ثار عليه أقرباؤه و أسرته و أخرجوه من منزله،و ألقي عليه القبض و سيق الى المحاكمة،فحكموا عليه بالضرب و السجن.و بقي في السجن فترة طويلة،ثم اطلق سراحه، فخرج من شيراز قاصدا مدينة إصفهان.

و بعث الجاسوس برسالة الى والي إصفهان،يوصيه-فيها-باحترام علي محمد الباب و المحافظة على حياته،و لكنّ والي إصفهان فارق الحياة في تلك الأيام،و ألقي القبض على الإمام المزيّف و أرسل مخفورا الى

ص:456

طهران.

و أوعز الجاسوس الروسي الى أصدقائه-الذين تقدّم ذكرهم-بأن يثيروا الضجيج بين الناس،بأن يقولوا لهم:إنّ الإمام المهدي قد ألقي عليه القبض!!

ثم أرسلت الحكومة علي محمد الباب مخفورا الى(قزوين)ثم الى (تبريز)ثم الى(ماكو).و استمرّ أصدقاء الجاسوس السوفياتي على التهريج ضدّ الحكومة يومذاك،و انتشر الخبر في بعض بلاد إيران،فقام بعض السفلة-الذين زوّدهم الجاسوس بالمال-بالضجيج و الصياح ضدّ الحكومة.

و أخيرا..أمر الملك بإحضار علي محمد و محاكمته،بحضور العلماء و الفقهاء،فانعقدت الجلسة و جرى حوار و نقاش أدّى-في النهاية-الى نوبة علي محمد على أيدي العلماء،و الإستغفار من ذنبه.

فخشي الجاسوس الروسي أن ينكشف أمره،فسعى في قتل علي محمد،تغطية للمؤامرة السوفياتية الخبيثة التي نفّذها،

و في تلك الأيام،قتل الملك،و جاء بعده الملك ناصر الدين شاه، فأمر بقتل علي محمد و شنقه،و نفّذ فيه حكم الإعدام.

و أمّا حسين علي و زملاؤه،فقد ذهبوا الى بغداد،بأمر الجاسوس الروسي،بعد أن كادوا أن يلقوا جزاءهم،لو لا المحاولات الكثيرة التي بذلها الجاسوس و موظّفوا السفارة الروسيّة لإنقاذهم.

ص:457

و صدرت التعليمات من الجاسوس الى حسين علي بأن يدعو لأخيه يحيى بأنّه هو الذي يظهره اللّه في آخر الزمان،و زوّدهم بأموال كثيرة في سبيل نشر هذه الدعوة.فشرعوا بالدعوة الى ذلك الدين المزيّف، و تجاوب معهم بعض الهمج من الناس،الذين ليس لهم إتّجاه معيّن في الحياة.

و عند ذلك حكمت الحكومة العثمانية على هذه الطغمة الفاسدة، بالإبعاد من بغداد الى(اسلامبول)-بتركيا-ثم الى(ادرنة).

و كانت التعليمات البهائية تنظّم في سفارة روسيا في طهران، و ترسل الى حسين علي،و كان بدوره ينشرها بين أتباعه.

و أخيرا..وقع الإختلاف و النزاع بين حسين علي و أخيه يحيى، فسافر يحيى الى قبرص و تزوّج هناك و سمّى نفسه:(صبح ازل).

و أمّا حسين علي و أتباعه فقد ابعدوا من تركيا الى مدينة عكّا-في فلسطين-و واصلوا الجهود لنشر هذا الدين الخرافي في ايران و فلسطين، عن طريق بذل الأموال الطائلة.

و قد اختار حسين علي لنفسه لقب(البهاء)و لهذا يسمّى أتباعه ب (البهائية).و الجدير بالذكر أنّ الدين البهائي ينفصل عن الإسلام في الأصول و الفروع،و أنّ البهائيين لا يعتبرون أنفسهم مسلمين،بل

ص:458

يعتبرون أنفسهم أتباع دين آخر إسمه:(البهائية).

و قد انتشر هذا الحزب السياسي-الذي تلبّس بلباس الدين-في بعض البلاد الإسلامية و الغربية و قد اتّحدت امريكا مع روسيا في نشر هذا الدين و ترويجه،ضد الإسلام و المسلمين،و لهذا ترى البهائية و البهائيين يتواجدون في كلّ قطر يخضع للنفوذ الإمريكي،و متى تقلّص النفوذ الإمريكي من بلد من البلاد الإسلامية،تقلّص الحزب البهائي أيضا.

هذه خلاصة عن تاريخ الباب و البهائيّة و البهائيّين،ذكرناها بالمناسبة،و لهم تاريخ طويل مملوء بالمخازي و القبائح التي تندى منها جبهة الإنسانية(1).

و هناك عدد آخر من المدّعين للمهدويّة كذبا وزورا،و لا نعلم-

اشارة

أنّهم من أيّ قسم من الأقسام الثلاثة المذكورة،و إليك أسماء بعضهم:

1-عبيد اللّه المهدي بن محمد الحبيب بن الإمام جعفر الصادق

(عليه السلام)

و هو مؤسّس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إبتداءا من مصر الى المغرب الأقصى.

ص:459


1- (1) مذكرات دالكوركي-الجاسوس الروسي في البلاد الاسلامية-ص 61-85.تعريب العلامة البحاثة السيد احمد الموسوي الفالي.

2-محمد بن عبد اللّه بن تومرت العلوي الحسني،المعروف

بالمهدي الهرعي

،أصله من جبل السوس في أقصى بلاد المغرب،و قد أسّس دولة عظيمة في أوائل القرن السادس الهجري.و عند مماته أوصى الى عبد المؤمن،فقام مقامه و أسّس دولة عرفت بدولة عبد المؤمن.

3-العباس الفاطمي،

ظهر في المغرب الأقصى في آخر المائة السابعة للهجرة،و ادّعى المهدوية.

4-السيد أحمد

،ظهر في بعض بلاد الهند عام 1243 ه.

5-محمد بن علي بن محمد السنوسي

،ولد في الجزائر في جبل سنوس عام 1211 ه تقريبا،و أسّس مذهبا و سكن في ليبيا،و خلفه إبنه.

6-غلام أحمد قادياني

،ولد حوالي سنة 1249 ه في قاديان من بلاد البنجاب في باكستان،و كثر أتباعه في بلدته و في منطقة البنجاب و كشمير و بمباي و غيرها من بلاد الهند و بلاد العرب،و زنجبار.

7-محمد أحمد المهدي السوداني

.و يقال له:(المتمهدي)إدّعى أنّه الإمام الثاني عشر الذي ظهر مرّة قبل هذه،و كان يبشّر السودانيين المضطهدين بظهور المهدي المنتظر لإنقاذهم من الضرائب التي كانت الدولة-يومذاك-تستوفيها من الناس،فانتشر إسم الإمام المهدي المنتظر في الأوساط.و سألوه يوما:لعلّك المهدي المنتظر؟!.

ص:460

فقال:أجل..أنا هو!!.

ثم أخذ يبثّ تعاليمه و انتشر خبره الى الخرطوم و ضواحيه، فاعترفت به القبائل البقّارة،و حارب الإنكليز و انتصر في حروبه،ثم مات على أثر الحمّى حوالي سنة 1308 ه.

هذا..و لكلّ واحد من هؤلاء تراجم مفصّلة،و قد إكتفينا بهذا الموجز رعاية للإختصار،و يوجد شيء من التفاصيل في كتاب(مفتاح باب الأبواب)و كتاب(طبقات المضلّين).

و خلاصة القول:إنّ إدّعاء المهدويّة صار ألعوبة و وسيلة عند الإنتهازيين الذين يحاولون تحقيق أهدافهم الشخصية أو الإستعمارية..

مهما كانت الوسيلة.

و من الصحيح أن نقول:إنّ هؤلاء الذين ادّعوا المهدويّة،قد ارتكبوا جريمة لا تغفر،لأنهم تلاعبوا بمعتقدات الناس،و أرادوا إحياء الباطل و إماتة الحق،و تشويه سمعة الشيعة و التشيّع،و تفريق كلمة أتباع أهل البيت(عليهم السلام)و فتح المجال أمام كل مخالف و مستهزء و معاند،ليكتب ما يشاء و يقول ما يريد.

أضف الى ذلك:إضلالهم الناس و إغوائهم عن الطريق المستقيم، و سوقهم الى مذاهب مفتعلة مزيّفة.

ص:461

الفصل الثامن عشر

اشارة

كيف يظهر؟و من أين يبدأ؟

أعتقد أنّ هذا البحث حسّاس جدا،و له غاية الأهميّة،لأنّ الكلام يدور حول كيفيّة الظهور،و الخروج عن الإستتار و الإختفاء الذي دام أكثر من ألف سنة.

كما يدور الكلام أيضا حول كيفيّة الشروع بالنهضة-التي ستحقّق أعظم الأهداف،و تثمر أغلى الثمرات-و البدء بالقيام بأكبر حملة تطهير على وجه الأرض،و أكبر تبدّل في حياة البشر،و أوسع تغيير في مظاهر الحياة.

فما هي كيفيّة الشروع؟.

و من أين يبدأ الإمام باصلاح الأرض و من عليها؟!.

من الواضح أنّ العقول المحدودة و الأفكار الضيّقة لا تستطيع التنبّؤ و التكهّن حول هذا الموضوع الأسمى الأرقى.و ما قيمة التنبّؤات التي تخطىء أكثر مما تصيب،و يظهر عليها الباطل أكثر من الحق،و يرافقها الكذب أكثر من الصدق؟؟؟!.

بالإضافة الى أنّ الأحاديث الواردة عن الأئمة الطاهرين الصادقين

ص:462

(عليهم السلام)تغنينا عن كلّ تنبّؤ و كلّ تكهّن،فهي تصف كيفيّة ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و قيامه،و لا شك أنّ الإمام المهدي (عليه السلام)يسير وفق مخطّط سماوي،يضمن له النجاح الكامل، و يمنع عنه الفشل بجميع أنواعه.

و يجب أن لا ننسى الفرق بين الظهور و بين القيام،فالظهور هو الخروج عن الإستتار و الإختفاء،و القيام هو النهضة و الثورة و الشروع بالعمل.

و حينما نراجع المصادر و موسوعات الأحاديث نجد إضطرابا كثيرا في بعض الألفاظ،و اختلافا في الأسماء،و احاديث محذوفة الأول أو الوسط أو الآخر،و لا تسأل عن الأخطاء الكتابيّة و المطبعيّة،فإنّ لها تأثيرا و دورا مؤسفا في تشويش الأحاديث لفظا و معنى.

و نحن قد نضطر ان نذكر خلاصة بعض الأحاديث،او ما نستفيده من الأحاديث و إن لم يصرّح به،حتى ينتظم الكلام بصورة مرتبطة و متسلسلة،و قد نذكر الأحاديث في المتن او الهامش لهذا الغرض،فنقول:

لقد قرأت احاديث الصيحة السماويّة و انها تكون في شهر رمضان، و الظاهر انّ ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)يكون مقارنا لتلك الصيحة.

و على كلّ تقدير..يظهر الإمام المهدي(عليه السلام)في المدينة المنوّرة،و لا نستطيع ان نعلم مدى سعة ظهوره،و لكنّنا نستطيع ان

ص:463

نعرف أنّ الظهور لا يكون في مستوى ضيّق،و لا نعلم موقف السلطة الحاكمة في المدينة-يومذاك-مع الإمام المهدي.

و يصل خبر ظهوره الى السفياني و قد استولى على بلاد سوريا و الأردن و فلسطين،فيرسل السفياني جيشا الى المدينة المنوّرة لأجل القضاء على الإمام المهدي(عليه السلام)و لكنّ الإمام يخرج من المدينة-قبل وصول الجيش-قاصدا مكة،إتّقاءا من شر جيش السفياني.

و يدخل جيش السفياني-لإلقاء القبض على الإمام-فلا يجد له اثرا فيها،و لهذا يتوجّه نحو مكّة،لنفس الغرض،و قد قرأت أنّ الأرض تبتلعهم في البيداء.

و يصل الإمام المهدي(عليه السلام)الى مكّة و ينزل في دار قريبة من جبل الصفا-كما في بعض الأحاديث-و في حديث آخر:أنّه ينزل في ناحية ذي طوى،و هي في ضواحي مكّة(1).

و تمرّ الأيام:و يقترب وقت قيام الإمام،فيجتمع ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا-و هم الخواص من اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)-يجتمعون من شرق الأرض و غربها في مكّة.

و هنا نقطع شريط الكلام لنتحدّث عن اصحاب الإمام(عليه السلام)ثم نعود لنواصل الحديث عمّا يجري و يحدث بعد الظهور و قبل القيام.

ص:464


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني،الباب العاشر،الحديث 30،ص 182،و عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي ص 133،و الحديث مروي عن الإمام الباقر عليه السلام.

أصحاب الإمام المهدي«عليه السّلام»

اشارة

أصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)و عددهم و مزاياهم:

لا اعلم ما هو السرّ في عدد الثلاثمائة و الثلاثة عشر؟!

فلقد كان أصحاب رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يوم بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،و ورد في بعض الروايات أنّ أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)الذين استشهدوا معه يوم عاشوراء-في كربلاء-كانوا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا.

و هكذا سيكون عدد اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام) ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا.

و من الواضح أنّ هؤلاء من خيرة اهل الأرض يومذاك،و قد توفّرتّ فيهم المؤهّلات المطلوبة،و اللياقة و الكفاءة لإدارة الكرة الأرضيّة،و تدبير أمور الناس اجمعين،كلّ ذلك تحت قيادة الإمام المهدي(عليه السلام)و إرشاداته و تعاليمه.

و هؤلاء الصفوة يختارهم اللّه تعالى من بلاد عديدة و من قوميّات مختلفة و نواحي متعدّدة،بل و من قارّات و أقاليم مختلفة.

و قد وردت-في خطبة البيان المنسوبة الى الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)-أسماؤهم و أسماء بلادهم،و يوجد-في قائمة أسماء

ص:465

البلاد-بعض الأسماء غير المعروفة عندنا،و أسماء مشتركة،و لعلّ بعض تلك البلاد قد تغيّرت أسماؤها،أو أن بعض البلاد سوف تبنى و تسمّى بتلك الأسماء في المستقبل،أو وقعت أخطاء كتابيّة أو مطبعيّة في ضبط الأسماء.

و بإمكاننا أن نضع جدولا لأسماء أصحاب الإمام المهدي و أسماء بلادهم و قبائلهم،و ذلك حسب حروف الهجاء،فيما يلي:

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

2أرمينية(1)أحمد و حسين

4الإسكندريةحسن و محسن و شبيل و شيبان

1اصفهانيونس

2الإفرنج(2)علي و أحمد

1ألومة(3)معشر

1الأنبار(4)علوان

ص:466


1- (1) أرمينيّة:إسم منطقة واسعة جدا،تشمل مدن كثيرة،قسم منها في ايران،و قسم منها في تركيا،و قسم منها في الإتحاد السوفياتي.
2- (2) الإفرنج:هم الفرنسيون بصورة خاصّة،أو الأوروبيون بصورة عامة.
3- (3) ألومة-على وزن اكولة-:بلد في ديار هذيل،كما في(معجم البلدان).
4- (4) الأنبار:بلدة في العراق،تقع بالقرب من الحدود العراقية-السورية،و تعرف أيضا ب (الرطبة).

عدد الأفرادأسماء البلاد او القبائلأسماء الأفراد

1أنطاكية(1)عبد الرحمن

5أوال(2)عامر و جعفر و نصير و بكير و ليث

1أوس(3)محمد

1بالس(4)نصير

3بدو اعقيلمنبه و ضابط و غربان(5)

1بدو اغيرعمرو(6)

1بدو شيباننهراش

1بدو قسينجابر

1بدو كلابمطر

2بدو مصرعجلان و دراج

ص:467


1- (1) أنطاكية:مدينة في سوريا.
2- (2) أوال:هو الاسم السابق للبحرين،و قد ذكر في نصّ الخطبة:«جزيرة أوال، و هي البحرين».
3- (3) الأوس:إسم قبيلة عربيّة من الأزد،يمانيّة،إرتحلت و أختها الخزرج فنزلوا المدينة المنوّرة و لمّا بعث النبي و هاجر الى المدينة إلتفّوا حوله و اعتنقوا دين الإسلام،و كانت هجرة النبي و المسلمين اليهم في المدينة،و سمّي الجميع-بعد ذلك-بالأنصار.
4- (4) بالس:قرية في سوريا،بين حلب و الرقّة،و تعرف اليوم باسم(إسكي مسكنة).
5- (5) و في نسخة:عريان،أو عزبان.
6- (6) و في نسخة:عمر.

عدد الأفراداسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

3برعة(1)يوسف و داود و عبد اللّه

2البصرةعلي و محارب

1بلخ(2)حسن

1بلست(3)عبد الوارث

1البلقاء(4)صادق

3بيت المقدسبشر و داود و عمران

2البيضاء(5)سعد و سعيد

2تستر(6)أحمد و هلال

1تفليس(7)محمد

1تميم(8)ريان

ص:468


1- (1) برعة:قرية في ضواحي الطائف.
2- (2) بلخ:مدينة في أفغانستان.
3- (3) بلست:قرية من قرى الإسكندرية.
4- (4) البلقاء:مدينة في الأردن.
5- (5) البيضاء:إسم لعدّة مدن و قرى،منها:مدينة في ايران،و مدينة في بلاد المغرب الأقصى،و مدينة في ليبيا،و مدينة في جنوب اليمن.و اللّه العالم بالمقصود.
6- (6) تستر-معرّب شوشتر-:مدينة في منطقة خوزستان،جنوب ايران.
7- (7) تفليس-و تعرف أيضا ب(تبيليسي)-:مدينة في جنوب غربي الإتحاد السوفياتي، و هي-اليوم-عاصمة جمهورية جيورجيا.
8- (8) تميم:قبيلة عربية،ينتهي نسبها الى تميم بن مر بن الياس بن مضر.

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

1الثقب(1)هارون

5جبل اللكام(2)عبد اللّه و عبيد اللّه و قادم و يحيى و طالوت

1جدّةابراهيم

2جعارة(3)يحيى و احمد

4الحبشة(4)ابراهيم و عيسى و محمد و حمدان

1الحبشكثير

2حلبصبيح و محمد

2الحلّةمحمد و علي

1حمصجعفر

2حمير(5)مالك و ناصر

2خرشانتكيّة و مسنون

2الخط (6)عزيز و مبارك

ص:469


1- (1) الثقب:قرية من قرى اليمامة في منطقة نجد،في شبه الجزيرة العربية.
2- (2) جبل اللكام:هو الجبل المشرف على أنطاكية،و بالقرب منها مدينة.كما في(معجم البلدان).
3- (3) جعارة:قيل:هي بلدة في ضواحي مدينة النجف الأشرف،في العراق.
4- (4) الحبشة-و تعرف اليوم ب(إثيوبيا)-:هي دولة في الشرق الشمالي من افريقيا.
5- (5) حمير:قبيلة كانت تسكن بلاد اليمن.
6- (6) الخط:منطقة ساحلية في شبه الجزيرة العربية،تشمل عدة مدن،منها:مدينة القطيف في المنطقة.

عدد الأفرادأسماء البلاد او القبائلأسماء الأفراد

2الخلاط (1)محمد و جعفر

2خونج(2)محروز و نوح

2دمشقداود و عبد الرحمن

1الدورق(3)عبد الغفور

1ديارشعيب

1ذهاب(4)حسين

2الرملة(5)طليق و موسى

1رهاط (6)جعفر

1الري(7)مجمع

3الزوراء(8)عبد المطّلب و أحمد و عبد اللّه

ص:470


1- (1) الخلاط:مدينة كبيرة في منطقة أرمينية-شمال ايران.
2- (2) خونج:مدينة في منطقة آذربايجان-شمال ايران.و في المصدر:خونخ،بالخاء..لا الجيم،و لعله من اخطاء النساخ.
3- (3) الدورق:قرية من قرى الأهواز،في منطقة خوزستان-جنوب ايران.
4- (4) ذهاب-و تعرف أيضا ب-حلوان-:هي بلدة بالقرب من مدينة كرمانشاه في ايران.
5- (5) الرملة:بلدة في فلسطين،شمال شرقي القدس.
6- (6) رهاط:منطقة في ضواحي مكة المكرّمة.
7- (7) الري:مدينة في ضواحي طهران.
8- (8) الزوراء:مدينة بغداد.

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلاسماء الأفراد

3زيد(1)محمد و حسن و فهد

3السادةصليب و سعدان و شبيب

1سجار(2)محمد

2سرخس(3)ناجية و حفص

2سرّ من رأى(4)مرائي و عامر

3سعداوةأحمد و يحيى و فلاح

1سلماس(5)هارون

2سمرقند(6)علي و مجاهد

2السن(7)مقداد و هود

2سنجار(8)ابان و علي

ص:471


1- (1) زيد:اسم موضع بالقرب من مدينة بالس في سوريا.
2- (2) سجار:قرية في ضواحي مدينة بخاري،في بلاد القفقاز في الإتحاد السوفيتي.
3- (3) سرخس:مدينة في ضواحي مدينة مشهد المقدسة-في ايران.
4- (4) سرّ من رأى:مدينة في العراق،تعرف اليوم ب-(سامرّاء).
5- (5) سلماس:منطقة في شمال ايران بالقرب من تبريز،تشمل قرى متعددة.
6- (6) سمرقند:مدينة كبيرة في جمهورية(اوزبكستان)و هي اليوم تحت إحتلال الإتحاد السوفييتي.
7- (7) السن:مدينة على ساحل نهر دجلة في العراق،بالقرب من تكريت.
8- (8) سنجار:بلدة في ضواحي الموصل في شمال العراق،و في نسخة سنحار:و هي قرية في ضواحي مدينة حلب في سوريا.

عدد الافرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

1السند(1)عبد الرحمن

1السهمجعفر

2السوس(2)شيبان و عبد الوهاب

4سيراف(3)خالد و مالك و حوقل و ابراهيم

3سيلان(4)نوح و حسن و جعفر

1الشوبكعمير

4شيرازعبد اللّه و صالح و جعفر و ابراهيم

1شيزر(5)عبد الوهاب

4صنعاءجبرئيل و حمزة و يحيى و سميع

4الضيعةزيد و علي

2الضيف(6)عالم و سهيل

3الطائفعلي و سبأ و زكريا

1طائف اليمنهلال

ص:472


1- (1) السند:منطقة واسعة في جنوب باكستان.
2- (2) السوس-و تعرب(الشوش)-ق؛بلدة من بلاد خوزستان،جنوب ايران،و أيضا، السوس:اسم بلدة في المغرب الأقصى.
3- (3) سيراف:بلدة في ايران،تقع على الخليج،تبعد عن مدينة شيراز حوالي 60 فرسخا.
4- (4) سيلان:جزيرة تقع في جنوب شرقي الهند،سماها العرب:بلاد سرنديب.
5- (5) شيزر:مدينة في سوريا،تقع على نهر العاصي شمال مدينة حماة.
6- (6) لعل الصحيح هو:الضيق-بالقاف-:قرية في منطقة نجد في شبه الجزيرة العربية.

عدد الأفراداسماء البلاد أو القبائلاسماء الأفراد

24طالقان(1)صالح و جعفر و يحيى و هود و فالح و داود و جميل و فضيل و عيسى و جابر و خالد و علوان و عبد اللّه و أيوب و ملاعب و عمر و عبد العزيز و لقمان و سعد و قبضة و مهاجر و عبدون و عبد الرحمن و علي.

1الطبرية(2)فليح

10عبادانحمزة و شيبان و قاسم و جعفر و عمرو و عامر و عبد المهيمن و عبد الوارث و محمد و أحمد

2عدنعون و موسى

1عرفة(3)فرج

5عسقلان(4)محمد و يوسف و عمر و فهد و هارون

2عسكر مكرم(5)الطيّب و ميمون

ص:473


1- (1) طالقان:اسم منطقة بين مدينة قزوين و أبهر في ايران،و هذه المنطقة تشتمل على قرى متعددة يطلق عليها هذا الاسم.و طالقان-أيضا:إسم مدينة كبيرة في مقاطعة طخارستان في أفغانستان.
2- (2) الطبرية:مدينة تقع على بحيرة طبرية في فلسطين.
3- (3) عرفة:قرية بالقرب من أرض عرفات في ضواحي مكة المكرمة،كما في(معجم البلدان)للحموي.
4- (4) عسقلان:مدينة في فلسطين.و أيضا عسقلان:قرية في ضواحي مدينة بلخ في أفغانستان.
5- (5) عسكر مكرم:مدينة في منطقة خوزستان-جنوب ايران.

عدد الافرادأسماء البلاد أو القبائلاسماء الأفراد

1عقر(1)أحمد

2عكّا(2)مروان و سعد

1العمارة(3)مالك

6عمّانمحمد و صالح و داود و هواشب و كوش و يونس

1عنيزة(4)عمير

4الفسطاط (5)أحمد و عبد اللّه و يونس و طاهر

2قاشان(6)عبد اللّه و عبيد اللّه

1القادسية(7)حصين

ص:474


1- (1) عقر:اسم موضع بالقرب من مدينة كربلاء المقدسة،و اسم قرية بين تكريت و الموصل،و قرية في ضواحي بغداد،و قرية في ضواحي الموصل،و العقر-بفتح القاف-:قرية في ضواحي الرملة في فلسطين.
2- (2) عكا-و في نسخة:عكّة-:مدينة في فلسطين.
3- (3) العمارة:مدينة في جنوب العراق.
4- (4) عنيزة:مدينة في مقاطعة نجد في شبه الجزيرة العربية،و في نسخة:عنزة:اسم قبيلة عربية.
5- (5) الفسطاط:مدينة في مصر.
6- (6) قاشان-معرب كاشان-:مدينة في ايران،تبعد عن طهران حوالي 230 كيلو مترا.
7- (7) القادسية:مدينة في العراق،و اسم موضع بالقرب من مدينة النجف.

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

8قزوينهارون و عبد اللّه و جعفر و صالح و عمر و ليث و علي و محمد

1قميعقوب

3كازرون(1)عمر و معمر و يونس

1الكبش(2)محمد

3كربلاءحسين و حسين و حسن

1كرخي بغداد(3)قاسم

1الكرد(4)عون

1كرمان(5)عبد اللّه

1الكورة(6)ابراهيم

4الكوفةمحمد و غياث و هود و عتاب

ص:475


1- (1) كازرون:مدينة في ايران.
2- (2) الكبش:موضع في ضواحي بغداد.
3- (3) كرخ بغداد:اسم محلة في بغداد.
4- (4) الكرد:مفرد الأكراد.و الكرد:قرية في ايران،تبعد عن اصفهان حوالي 60 كيلو مترا.
5- (5) كرمان:مدينة في ايران.
6- (6) الكورة:بلدة في لبنان.

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

1لنجوية(1)كوثر

10المدينةعلي و حمزة و جعفر و عباس و طاهر و حسن و حسين و قاسم و ابراهيم و محمد.

1مراغة(2)صدقة

2مرقية(3)بشر و شعيب

1مرو(4)حذيفة

14المعاذةسويد و احمد و محمد و حسن و يعقوب و حسين و عبد اللّه و عبد القديم و نعيم و علي و حيان و ظاهر و تغلب و كثير.

4مكّةعمرو و ابراهيم و محمد و عبد اللّه

2المنصوريةعبد الرحمن و ملاعب محمد و عمر و مالك

3المهجم(5)محمد و عمر و مالك

2الموصلهارون و فهد

2النجفجعفر و محمد.

ص:476


1- (1) لنجوية:جزيرة في افريقيا الشرقية(زنجبار).
2- (2) مراغة:مدينة في شمال ايران.
3- (3) مرقية:بلدة في ضواحي مدينة حمص في سوريا
4- (4) مرو:مدينة في الإتحاد السوفيتي.و مدينة في مقاطعة خراسان في ايران.
5- (5) المهجم:بلدة في ضواحي مدينة زبيد في اليمن.

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

2نصيبين(1)أحمد و علي

2النوبة(2)واصل و فاضل

2نيسابور(3)علي و مهاجر

2هجر(4)موسى و عباس

1هجرعبد القدوس

1هرات(5)نهروش

2همدان(6)علي و صالح

3الهونين(7)عبد السلام و فارس و كليب

ص:477


1- (1) نصيبين:مدينة في تركيا،بالقرب من الحدود التركية-العراقية،و قرية في ضواحي حلب في سوريا.
2- (2) النوبة:منطقة إفريقية ممتدة على شاطيء نهر النيل،قسم منها في مصر،و قسم منها في السودان.
3- (3) نيسابور:مدينة في ايران،في مقاطعة خراسان.
4- (4) هجر:اسم لعدة اماكن،منها:قرية في البحرين،و قرية في اليمن،و قرية في المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية.
5- (5) هرات:مدينة في شمال غربي أفغانستان.
6- (6) همدان-بسكون الميم-:قبيلة عربية يمانية،و اسم مدينة في اليمن،و همدان-بفتح الميم-:مدينة في ايران،جنوب غربي طهران.
7- (7) الهونين:بلد في جبال عاملة،مطل على نواحي مصر.

عدد الأفرادأسماء البلاد أو القبائلأسماء الأفراد

1واسط (1)عقيل

2اليمامة(2)ظافر و جميل

14اليمنجبير و حويش و مالك و كعب و أحمد و شيبان و عامر و عمار و فهد و عاصم و حجر و كلثوم و جابر و محمد.

298المجموع

و ستة رجال من الأبدال(3)كلّهم أسماؤهم عبد اللّه،و ثلاثة من موالي اهل البيت عبد اللّه و مخنف و براك،و اربعة رجال من موالي الأنبياء:صباح و صياح و ميمون و هود،و رجلان مملوكان:عبد اللّه و ناصح.

المجموع:313 رجلا.(4)

ص:478


1- (1) واسط:مدينة في العراق.و قرية في اليمن،و ضواحي حلب،و ضواحي بلخ.
2- (2) اليمامة:منطقة واسعة في شبه الجزيرة العربية،و تعرف اليوم ب-(العارض).
3- (3) الأبدال:قوم من الصالحين..لا تخلو الدنيا منهم،اذا مات واحد ابدل اللّه مكانة آخر.كما في(مجمع البحرين)للطريحي.و قال الفيروز آبادي في القاموس: الأبدال:قوم يقيم اللّه بهم الأرض،و هم سبعون:اربعون بالشام(المقصود من الشام-هنا-:سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن)و ثلاثون بغيرها،لا يموت احدهم الا قام مقامه آخر من سائر الناس.و قال-أيضا-:النجباء:هم الأفاضل من الناس.
4- (4) المصدر:كتاب الزام الناصب للشيخ علي الحائري ج 2 ص 201،و كتاب(نوائب-

أقول:لعلّ بعض من يقرأ بأنّ عدد اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،او يقرأ قائمة الأسماء،يستولي عليه اليأس و الخيبة إذا لم يجد إسمه أو اسم بلدته في القائمة المذكورة، و لكن..سرعان ما يتبدّل هذا اليأس بالرجاء،و تنقلب هذه الخيبة الى الأمل،عندما يعلم هؤلاء بأنّ أصحاب الامام ليس منحصرا في هذا العدد،و الآن إليك ما يلي:

الفرق بين الأصحاب و الأنصار

هناك فرق بين اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)و بين انصاره:

فالأصحاب:هم الثلاثمائة و الثلاثة عشر،و هم الذين عبّر عنهم الإمام أمير المؤمنين و الإمام الصادق(عليهما السلام)بقولهما:«هم اصحاب الألوية»إشارة الى توفّر المؤهّلات فيهم لقيادة الجيوش و العساكر،و عبّر عنهم الإمام الصادق(عليه السلام)بقوله:«و هم حكّام اللّه في ارضه»

و ستقرأ-في المستقبل-أنّ لكلّ واحد من هؤلاء الأصحاب دورا كبيرا في قيادة الجيوش و فتح البلاد و إدارة الأمور و غير ذلك.

أمّا الأنصار:فهم المؤمنون الصالحون الذين يلتحقون بالإمام

ص:479

المهدي(عليه السلام)في مكّة و غيرها،و ينضوون تحت لوائه،و يحاربون اعداء اللّه و رسوله.

و ستقرأ أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)لا يخرج من مكّة إلاّ و معه عشرة آلاف رجل من الانصار،و هذا العدد هو بعض الانصار أيضا..لا كلهم،و لهذا فانّ السيّد الهاشمي يلتحق بالإمام المهدي-في العراق-و معه إثنا عشر الف رجل.

كلّ هذا..عدا انصار الإمام المهدي من الملائكة،الذين يمتثلون أوامره و تعليماته.

و قد ورد في الأدعية و الزيارات المرويّة عن الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)أن يسأل الإنسان ربّه أن يجعله من انصار الإمام المهدي و أعوانه و المجاهدين بين يديه.

و فيما يلي نذكر بعض النماذج من تلك الأدعية و الزيارات:

1-«...و أسأل اللّه البرّ الرحيم أن يرزقني مودّتكم،و أن يوفّقني للطلب بثاركم مع الإمام المنتظر الهادي من آل محمد...»(1)

2-«...و أن يرزقني طلب ثاري مع إمام هدى(2)ظاهر ناطق بالحق منكم...»(3)

3-«...و اجعلني اللهمّ من أنصاره و أعوانه و أتباعه

ص:480


1- (1) مفاتيح الجنان ص 464،زيارة عاشوراء غير المعروفة.
2- (2) و في نسخة:و ان يرزقني طلب ثاركم مع امام مهدي.
3- (3) مفاتيح الجنان للمحدث القمي ص 457،و الزيارة مروية عن الإمام الباقر(عليه السلام).

و شيعته...»(1)

4-«...اللهم كما جعلت قلبي بذكره معمورا فاجعل سلاحي بنصرته مشهورا،و إن حال بيني و بين لقائه الموت-الذي جعلته على عبادك حتما و أقدرت به على خليقتك رغما-فابعثني عند خروجه ظاهرا من حفرتي،مؤتزرا كفني،حتى أجاهد بين يديه في الصفّ الذي أثنيت على أهله في كتابك فقلت:كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ...»(2)

دعاء العهد

5-و روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:من دعا الى اللّه تعالى أربعين صباحا بهذا العهد،كان من انصار قائمنا،فأن مات قبله،اخرجه اللّه تعالى من قبره(3)و أعطاه بكل كلمة ألف حسنة، و محى عنه ألف سيّئة.

و اليك الدعاء:

«اللّهم ربّ النور العظيم،و ربّ الكرسيّ الرفيع،و ربّ البحر المسجور،و منزّل التوراة و الإنجيل و الزّبور،و ربّ الظلّ و الحرور، و منزّل القرآن العظيم،و ربّ الملائكة المقرّبين،و الأنبياء و المرسلين.

ص:481


1- (1) مفاتيح الجنان ص 525،و الزيارة مروية عن الإمام المهدي(عليه السلام).
2- (2) مفاتيح الجنان ص 528،طبع طهران سنة 1379 ه.
3- (3) أي:أحياه اللّه تعالى عند ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و سيأتيك التفصيل في موضوع الرجعة،في الفصل الرابع و العشرين.

اللّهمّ إني أسألك بوجهك الكريم،و بنور وجهك المنير،و ملكك القديم،يا حيّ يا قيّوم،أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات و الأرضون،و باسمك الذي يصلح به الأوّلون و الآخرون،يا حيّا قبل كلّ حي،و يا حيّا بعد كل حيّ،و يا حيا حين لا حيّ،يا محيي الموتى و مميت الأحياء،يا حيّ لا إله إلّأ أنت.

اللهم بلّغ مولانا الإمام الهادي المهديّ القائم بأمرك (صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين)عن جميع المؤمنين و المؤمنات،في مشارق الأرض و مغاربها،سهلها و جبلها،و برّها و بحرها،و عنّي و عن والديّ،من الصلوات زنة عرش اللّه،و مداد كلماته،و ما أحصاه علمه و احاط به كتابه.

اللهمّ إنّي أجدّد له في صبيحة يومي هذا،و ما عشت من أيّامي، عهدا و عقدا و بيعة له في عنقي،لا أحول عنها و لا ازول ابدا.

اللهم اجعلني من انصاره و اعوانه،و الذّابّين عنه،و المسارعين اليه في قضاء حوائجه،و المحامين عنه،و السابقين إلى إرادته،و المستشهدين بين يديه.

اللهم إن حال بيني و بينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيّا،فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني،شاهرا سيفي،مجرّدا قناتي، ملبّيا دعوة الداعي،في الحاضر و البادي.

اللهّم أرني الطلعة الرشيدة،و الغرّة الحميدة،و اكحل ناظري بنظرة منّي اليه،و عجّل فرجه،و سهّل مخرجه،و أوسع منهجه،و اسلك محجّته،و أنفذ أمره،و اشدد أزره،و اعمر اللهمّ به بلادك،و أحي به

ص:482

عبادك،فانك قلت-و قولك الحق-:ظهر الفساد في البرّ و البحر،بما كسبت أيدي الناس،فأظهر اللهم لنا وليّك،و ابن بنت نبيّك،المسمّى باسم رسولك،حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلاّ مزّقه،و يحقّ الحقّ و يحقّقه،و اجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك،و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك و مجدّدا لما عطّل من أحكام كتابك،و مشيّدا لما ورد من أعلام دينك،و سنن نبيّك(صلى اللّه عليه و آله)و اجعله اللهمّ ممّن حصّنته من بأس المعتدين.

اللهمّ و سرّ نبيّك محمدا(صلى اللّه عليه و آله)برؤيته،و من تبعه على دعوته،و ارحم إستكانتنا بعده.

اللهم اكشف هذه الغمّة عن هذه الامّة بحضوره،و عجّل لنا ظهوره،إنّهم يرونه بعيدا و نراه قريبا،برحمتك يا ارحم الراحمين.

ثم تضرب بيدك على فخذك الأيمن ثلاث مرّات و تقول-بعد كلّ مرّة-:العجل العجل يا مولاي يا صاحب الزمان(1).

عن المفضّل بن عمر قال:ذكرنا القائم،و من مات من أصحابنا ينتظره.

فقال لنا الإمام الصادق(عليه السلام):إذا قام..اتي المؤمن في قبره،فيقال له:يا هذا..إنه قد ظهر صاحبك،فإن تشأ أن تلحق به فالحق،و إن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم(2).

ص:483


1- (1) مفاتيح الجنان-المعرّب-للمحدّث القمي ص 539-540،و كتاب(المصباح) للشيخ العاملي الكفعمي ص 551-552.
2- (2) حق اليقين للسيد عبد اللّه شبّر ج 2 ص 14.

احاديث حول اصحاب الإمام المهدي«عليه السّلام»

اشارة

لقد وردت احاديث كثيرة في مدح هؤلاء الصفوة الذين اختارهم اللّه تعالى لشرف صحبة الإمام المهدي(عليه السلام)و في كيفيّة إلتحاقهم بالإمام و تواجدهم في مكّة،بل و في القرآن الكريم آيات مأوّلة بهذه الجماعة.

و فيما يلي نذكر بعض ما روي في هذا المجال،ثم نشرح بعض ما يتطلّب الشرح و التوضيح:

1-روي عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السلام)-في تأويل قوله تعالى:وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ (1)-إنّهما قالا:

«إنّ الأمّة المعدودة هم اصحاب المهدي في آخر الزمان،ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،كعدّة اهل بدر،يجتمعون في ساعة واحدة،كما يجتمع قزع الخريف(2)»(3).

ص:484


1- (1) سورة هود،الآية 8.
2- (2) ينابيع المودة للقة دوزي الحنفي،و تفسير البرهان للبحراني في تفسير الآية.
3- (3) القزع-جمع قزعة-:و هي القطعة من السحاب،و قزع الخريف:أي قطع السحاب المتفرقة،فكما أن السحاب يرى-في فصل الخريف-قطعا صغيرة متفرقة،ثم تجتمع و تتراكم و تصير قطعة واحدة،كذلك اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام) يجتمعون-من بلاد مختلفة-في مكة،و يلتقي بعضهم ببعض،فتتكون منهم كتلة واحدة.

2-و روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)-في قوله تعالى:

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً -أنّه قال:«يعني اصحاب القائم،الثلاثمائة و بضع عشرة،و هم-و اللّه-الأمّة المعدودة، يجتمعون في ساعة واحدة كقزع الخريف»(1).

3-و روي عن الإمام علي امير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال:

«يجتمعون قزعا كقزع الخريف من القبائل،ما بين الواحد و الإثنين و الثلاثة و الاربعة و الخمسة و الستّة و السبعة و الثمانية و التسعة و العشرة(2)(3)

4-و روي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)أنّه قال:

«أصحاب القائم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،أولاد العجم،بعضهم يحمل في السحاب نهارا،يعرف باسمه و اسم ابيه و نسبه و حليته، و بعضهم نائم على فراشه،فيوافيه في مكّة على غير ميعاد»(4).

5-و روي عن الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال:«إنّ أصحاب القائم شباب،لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين،او كالملح في الزاد(5)و أقلّ الزاد الملح»(6).

ص:485


1- (1) ينابيع المودة،و رواه النعماني في كتاب الغيبة باب 20 حديث 3.
2- (2) أي:انهم من قبائل عديدة،فبعض القبائل يكون منها رجل واحد،و بعضها رجلان و بعضها ثلاثة و هكذا الى العشرة.
3- (3) كتاب الغيبة للنعماني باب 20 حديث 2.
4- (4) كتاب الغيبة للنعماني باب 20 حديث 8.
5- (5) إشارة الى قلة وجود الكهول فيهم.
6- (6) بحار الأنوار ج 52 ص 333،و كتاب الغيبة للنعماني بابا 20 حديث 10.

6-و قال(عليه السلام)أيضا-و قد سأله رجل عن الإمام المه:«...فيجمع اللّه تعالى له قوما،قزع كقزع السحاب، يؤلّف اللّه بين قلوبهم،لا يستوحشون من أحد،و لا يفرحون بأحد يدخل فيهم،على عدّة أصحاب بدر،لم يسبقهم الأوّلون،و لا يدركهم الآخرون..»الى آخر الحديث(1).

7-و روي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)أنّه قال:

«فيصير إليه أنصاره من أطراف الأرض،تطوى لهم طيّا،حتى يبايعوه»(2).

8-و قال(عليه السلام)ايضا:«إذا أذن الإمام(3)دعا اللّه باسمه العبراني،فاتيحت له صحابته الثلاثمائة و ثلاثة عشر(4)قزع كقزع الخريف،فهم اصحاب الألوية،منهم من يفقد من فراشه ليلا، فيصبح بمكّة،و منهم من يرى يسير في السحاب نهارا،يعرف باسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه».

قال الراوي:قلت:جعلت فداك..أيّهم أعظم إيمانا؟

قال(عليه السلام):«الذي يسير في السحاب نهارا،و هم

ص:486


1- (1) مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 4 ص 554،عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي،
2- (2) الفصول المهمة لإبن الصبّاغ المالكي/الفصل الثاني عشر.
3- (3) لعلّ الصحيح هو:«إذا اذن للإمام»و يكون المعنى:إذا أذن اللّه تعالى للإمام بالظهور و القيام،دعا ربّه باسم خاص له سبحانه.
4- (4) يقال:اتيح له الشيىء:أي قدّر و يسّر له.

المفقودون،و فيهم نزلت هذه الآية:«أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا»(1).

9-و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«...و رجال كأنّ قلوبهم زبر الحديد،لا يشوبها شك في ذات اللّه،أشدّ من الحجر،لو حملوا على الجبال لأزالوها...كأنّ على خيولهم العقبان(2)يتمسّحون بسرج الإمام(3)يطلبون بذلك البركة،و يحفّون به،يقونه بأنفسهم في الحروب(4)و يكفونه ما يريد.

رجال لا ينامون الليل،لهم دوي في صلاتهم كدويّ النحل، يبيتون قياما على اطرافهم،و يصبحون على خيولهم،رهبان بالليل، ليوث بالنهار.

هم أطوع له من الأمة لسيّدها(5).

كالمصابيح..كأنّ قلوبهم القناديل،و هم من خشية اللّه

ص:487


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني باب 20 حديث 3
2- (2) لعلّ الصحيح:كأنّهم على خيولهم العقبان-جمع عقاب-:و هو طائر من الجوارح، قوي المخالب،و يحتمل أن تكون العبارة هكذا:كأن خيولهم العقبان،فهو تشبيه للخيول بالعقبان،و على كلّ حال فإنّ«العقبان»يمكن أن تكون صفة للأصحاب، و يمكن-ايضا-أن تكون صفة لمراكبهم التي عبّر عنها بالخيول.
3- (3) أي:يتمسحّون بسرج فرس الإمام(عليه السلام).
4- (4) يقونه من الوقاية.أي:يحفظونه.
5- (5) الأمة:الجارية المملوكة،و لعل التشبيه بها لكونها تطيع أمر مولاها بلا تأمّل و لا مناقشة.

مشفقون،يدعون بالشهادة،و يتمنّون أن يقتلوا في سبيل اللّه، شعارهم:يا لثارات الحسين.

إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر،يمشون الى المولى إرسالا،بهم ينصر اللّه إمام الحق..»(1).

10-و روي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)أنّه قال:

«...فمن كان إبتلي بالمسير،وافى في تلك الساعة،و من لم يبتل بالمسير فقد من فراشه،و هو قول أمير المؤمنين علي(عليه السلام):

«المفقودون من فراشهم»..»(2).

11-و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام،إذ وافوا الى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد،فيصبحون بمكة»(3).

12-و روي عن الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال:

...ألا:و إنّ المهدي أحسن الناس خلقا و خلقا،ثم إذا قام يجتمع اليه أصحابه،على عدّة أهل بدر و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، كأنّهم ليوث قد خرجوا من غاباتهم،مثل زبر الحديد،لو أنهم همّوا بإزالة الجبال الرواسي لأزالوها عن مواضعها(4)فهم الذين وحّدوا اللّه

ص:488


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 308
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 20 حديث 6
3- (3) كتاب الغيبة للنعماني باب 21 حديث 11
4- (4) الرواسي:الثوابت الرواسخ.

حق توحيده،لهم بالليل أصوات كأصوات الثواكل،خوفا و خشية من اللّه تعالى(1)قوّام الليل،صوّام النهار،كأنما ربّاهم أب واحد و ام واحدة، قلوبهم مجتمعة بالمحبّة و النصيحة..ألا و إني أعرف أسماءهم و أمصارهم...»(2).

13-و قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«يبايع القائم-بين الركن و المقام-ثلاثمائة و نيّف،عدّة أهل بدر،فيهم النجباء من أهل مصر،و الأبدال من أهل الشام،و الأخيار من اهل العراق»(3)..»(4)

14-و روى حذيفة عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أنه قال:«إذا كان عند خروج القائم،ينادي مناد من السماء:ايها الناس،إنّ اللّه قطع عنكم مدّة الجبّارين،و ولّى الأمر خير أمّة محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فالحقوا بمكّة،فيخرج النجباء من

ص:489


1- (1) الثواكل-جمع ثكلى-:المرأة التي فقدت عزيزها.
2- (2) إلزام الناصب للشيخ علي الحائري ج 2 ص 200،نوائب الدهور للميرجهاني ج 2 ص 114.
3- (3) الأبدال:قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم،إذا مات واحد أبدل اللّه مكانه آخر. كما في(مجمع البحرين)للطريحي.و قال الفيروز آبادي في القاموس:الأبدال:قوم يقيم اللّه بهم الأرض،و هم سبعون:أربعون بالشام(المقصود من الشام-هنا-:سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن)و ثلاثون بغيرها،لا يموت أحدهم إلاّ قام مقامه آخر من سائر الناس.و قال-أيضا-:النجباء:هم الأفاضل من الناس.
4- (4) بحار الأنوار ج 52 ص 334،نقلا عن كتاب(الغيبة)للشيخ الطوسي.

مصر،و الأبدال من الشام،و عصائب العراق(1)رهبان بالليل،ليوث بالنهار،كأنّ قلوبهم زبر الحديد،فيبايعونه بين الركن و المقام»(2).

ص:490


1- (1) عصائب-جمع عصبة-:و هم الجماعة من الناس،من العشرة الى الأربعين.كما في كتاب(القاموس).
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 304،نقلا عن كتاب الإختصاص.

تعليق على الاحاديث

يستفاد من الأحاديث-التي مرّت عليك-أشياء عديدة و أمور شتّى،لا بأس بالإشارة الى بعضها،مع رعاية الإختصار:

لقد قرأت أن كلاّ من هؤلاء الأصحاب:«يعرف باسمه و اسم ابيه و نسبه و حليته»و يقول البعض:إنّ هذا اشارة الى جواز السفر،و لكنّنا غير متأكّدين من صحّة هذا التأويل،إذ لو كانت العبارة هكذا:«معه كتاب فيه اسمه و اسم ابيه»لأمكن هذا التأويل و لكن المستفاد من هذه العبارة هو أنّ كلّ فرد من هؤلاء الأصحاب معروف باسمه و اسم ابيه و نسبه و أوصافه،يعني أنّهم ليسوا لقطاء و لا مجهولي الإسم و النسب.

يقول الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)-مشيرا الى هؤلاء-:

«...أسماؤهم في السماء معروفة،و في الأرض مجهولة..»(1).

و من الواضح أنّ اللّه تعالى إنتخب هذا العدد من الأفراد-ليكونوا من أصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)-لمزايا توفّرت فيهم و أهلتهم لهذا الشرف الخالد.

فهؤلاء-من حيث المزايا و المؤهّلات-ليس لهم نظير في الماضي، و لا يكون لهم مثيل في المستقبل،و قد قرأت قول الإمام أمير

ص:491


1- (1) ينابيع المودّة ص 437

المؤمنين(عليه السلام):«لم يسبقهم الأوّلون،و لا يدركهم الآخرون» فبعضهم يمتاز بفضيلة طيّ الأرض،كما قرأت ذلك في حديث الإمام الصادق(عليه السلام):«فيصير اليه أنصاره من أطراف الأرض،تطوى لهم الأرض طيّا».و طيّ الأرض:هو عبارة عن قطع مسافات طويلة في مدّة قصيرة جدا،بشكل إعجازي.

نحن و إن كنّا لا نعرف-بالضبط-كيفيّة طيّ الأرض،و لكننا نعلم إمكانية ذلك لبعض عباد اللّه،كما صرّح بذلك القرآن الكريم.

ففي سورة النمل..في قصّة سليمان بن داود(عليهما السلام) و عرش بلقيس..يقول اللّه عزّ و جل:

قالَ:يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ

قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ:أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ.

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ:أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ:هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي...» (1)

فهذه الآية الكريمة صريحة في إمكانية طيّ الأرض و تحقّقه،فقد أحضر عرش الملكة بلقيس،في أقل من لحظة،مع العلم أنّ عرشها كان في سبأ باليمن،و كان سليمان(عليه السلام)في الأردن،و تفصل بينهما الجزيرة العربية.

ص:492


1- (1) سورة النمل آية 38-40

فكيف يمكن جذب عرش بلقيس و نقله من اليمن الى الأردن بأسرع من الصوت؟!

من الواضح أنّ المقاييس الطبيعيّة عاجزة و قاصرة أمام هذه القضايا التي تعتبر من الماورائيات.

و يمتاز اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)بقوّة الإيمان المتكامل،و لا طريق للشك الى قلوبهم،فهم-بسبب الإيمان باللّه سبحانه-لا يفهمون معنى الخوف،لأنّ الإنسان كلّما ازداد إيمانا باللّه تعالى إزداد قوّة و نشاطا و شجاعة،و لهذا تراهم-عندما يدخلون ساحة الجهاد-لا يقف في طريقهم احد،و لا يمنعهم مانع عن تنفيذ الأوامر الموجّهة اليهم،و يقضون على كلّ قوّة تحول بينهم و بين أهدافهم المقدّسة.

و في نفس الوقت..يتمتّع هؤلاء بفضيلة التواضع،فهم يعتقدون بالإمام المهدي(عليه السلام)إعتقادا لائقا به،فتراهم يتمسّحون بالسرج الموضوع على فرس الإمام المهدي و يتبرّكون به-لأنّ الامام المهدي منبع كلّ خير،و تتفجّر الخيرات من جوانبه و نواحيه-و يلتفّون حوله كالحرس، و يجعلون انفسهم وقاية دونه في الحروب،و يلبّون طلباته بسرعة.

و أمّا من ناحية العبادة..فهم عبّاد خاشعون،يقضون الليل بالصلاة و التضرّع الى اللّه سبحانه،و لهم في الصلاة دوي كدويّ النحل،بين ركوع و سجود،و قيام و قعود.

و في النهار..تجدهم فرسانا على خيولهم على أهبّة الإستعداد كأنّهم

ص:493

في حالة الطوارىء.يطيعون اوامر الإمام المهدي(عليه السلام)بلا توقّف او تأمّل او تثاقل،بل بأقصى سرعة ممكنة.

قلوبهم مضيئة بنور المعرفة،و هم بعيدون عن الجهل،لأنّهم يفهمون الواقع،و عندهم الوعي الكامل.

و قد عرفت أنّ أكثرهم في سنّ الشباب،و أنّ الكهول فيهم قليلون جدا،و هؤلاء أفكارهم متّحدة،و آراؤهم موحّدة،و قلوبهم متآلفة..لا تجد فيهم اختلافا في التفكير او في الرأي او في القول،فهم كالقلب الواحد و الفكر الواحد و اللسان الواحد.

لا يستوحشون من الوحدة،لأنّ الإنسان الذي له خط مرتبط باللّه عزّ و جل،لا يشعر بالوحشة او الغربة،و على هذا الأساس..لا يفرحون إذا انضمّ اليهم غيرهم.

أمنيّتهم ان يقتلوا في سبيل اللّه،لأنّهم عرفوا معنى الشهادة و قيمتها عند اللّه تعالى.

و شعارهم و هتافهم هو:«يا لثارات الحسين»!!.

نعم..إنّ فاجعة كربلاء و شهادة الإمام الحسين(عليه السلام)لا تنسى بمرور القرون و الأجيال،بل تبقى و كأنّها حدثت بالأمس القريب،تحتفظ بحرارتها و فظاعتها و إن طال الزمن.

و الذين ارتكبوا الجرائم يوم عاشوراء،إستحقّوا أشد انواع العذاب و أقساها،و كل من رضي بتلك الجرائم-من الأجيال و الطوائف-فهو

ص:494

شريك في الجريمة و يستحقّ القتل و الإبادة.

إن الإنسان الذي يرضى ضميره أن تهتك حرمات اللّه تعالى، و تراق دماء سادات أولياء اللّه على ايدي شرّ خلق اللّه..إنّ هذا الإنسان لا يستحق الحياة..إنّه موجود قذر عفن،يتلوّث منه المجتمع البشري،و إبقاؤه حيّا يعتبر جريمة لا تغتفر،فلا بدّ من القضاء على تلك الجراثيم التي توالدت و تكاثرت من يوم استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)الى هذا اليوم،و الى يوم ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).

و في هذه السنوات صدر أكثر من كتاب في تقديس يزيد بن معاوية النذل السافل الحقير القذر،الذي قتل سيد شباب اهل الجنّة،و ارتكب أفجع الجرائم في حقّ عترة رسول اللّه الطاهرين.

و سمّى أحدهم كتابه:حقائق عن امير المؤمنين يزيد بن معاوية!!

باللّه عليك..ما تقول في هذا المؤلّف الذي يسحق جميع المفاهيم،و ينسلخ عن كلّ شرف و دين،و ينزل الى أسفل سافلين من سحق الوجدان و الضمير؟!!

ما كرامة هذا الانسان؟!

ألا يستحق القتل و الإبادة؟!

و من المناسب في هذا المجال أن نذكر هذا الحديث:

سئل الإمام الرضا(عليه السلام):يا بن رسول اللّه..ما تقول

ص:495

في حديث روي عن الصادق(عليه السلام)أنّه قال:إذا قام القائم قتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائها؟

فقال(عليه السلام):هو كذلك.

فقال السائل:قول اللّه عز و جل:وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ما معناه؟

قال(عليه السلام):صدق اللّه في جميع اقواله،لكنّ ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن أتاه،و لو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب،لكان الراضي عند اللّه شريك القاتل،و إنما يقتلهم القائم-إذا خرج-لرضاهم بفعال آبائهم...»(1).

إنّ اصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)يهتفون:يا لثارات الحسين،إعلاما بعظمة الفاجعة التي تتجدّد بمرور الأعوام،و تظهر معالمها و أبعادها كلّما ازداد البشر فهما للحوادث.

إنّ هذا الهتاف إنذار بالإنتقام من كلّ من يشمت بهذه المصيبة التي حلّت بآل رسول اللّه الطاهرين.

أيها القارىء:و ممّا مرّ عليك-في الأحاديث-هو أن بعض أصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)«يحمل في السحاب نهارا»و يأتي

ص:496


1- (1) تفسير البرهان،في تفسير قوله تعالى:«و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا» سورة الإسراء آية 33.

بعض المعاصرين فيقول:المقصود من السحاب هنا هي الطائرة!

و لكنّنا لا نستطيع التأكّد من هذا التأويل،بل يمكن أن يحمل في السحاب حقيقة،فالسحاب الذي يحمل ملايين الأطنان من الماء لا يصعب عليه حمل البشر،و خاصّة إذا كان متكاثفا تحمله الريح الى الجو،فتضعف الجاذبية.

و ينبغي ان لا نغفل عن كلمة«يحمل»في الحديث،ممّا يدل على أنّ هناك من يحملهم في السحاب.

و يستفاد ايضا من مجموع الأحاديث،أنّ بعض هؤلاء الأصحاب موجودون في مكّة حين ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و البعض الآخر متفرّقون في بلادهم،و عند ظهور الإمام و عزمه على القيام، يتّجهون نحو مكّة من شرق الأرض و غربها،فمنهم من يحمل في السحاب،و منهم من يقطع المسافة-بين بلاده و مكّة-بطيّ الأرض، و قد مرّت عليك كلمة موجزة عن طيّ الأرض.

كيفيّة ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)

بعد إستعراض بعض ما يتعلّق بأصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)و ذكر صفاتهم و مزاياهم،نعود لنواصل الحديث عن كيفيّة ظهور الإمام المهدي..فنقول:

إنّ عددا من الأصحاب يتواجدون في مكة و يبحثون عن الإمام المهدي(عليه السلام):

ص:497

«فيأتيهم رجل من عند الإمام و يسألهم:كم انتم هاهنا؟

فيقولون:نحو من اربعين رجلا.

فيقول:كيف انتم لو رأيتم صاحبكم-اي الإمام المهدي-؟.

فيقولون:و اللّه لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه.(أي:لو نهض بنا لمقاتلة الجبال لنهضنا نقاتل معه الجبال،و بهذا الكلام يعبّرون عن عمق اعتقادهم بالإمام المهدي،و كامل استعدادهم للفداء و التضحية و امتثال أوامره).

ثم يأتيهم الرجل في الليلة القابلة و يقول:أشيروا(1)الى رؤساكم أو خياركم عشرة.فيشيرون له اليهم،فينطلق بهم حتى يلتقوا بالإمام المهدي(عليه السلام)»(2).

و في الليلة الأخرى يفسح المجال للآخرين حتى يلتقوا بالإمام المهدي(عليه السلام)بصورة مكشوفة.

و أخيرا:يجتمع العدد المذكور(ثلاثمائة و ثلاثة عشر)عند الإمام، و يكون إجتماعهم معه في مكّة او في ضاحية من ضواحيها.فاذا صار

ص:498


1- (1) و في نسخة عقد الدرر:«إستبرؤا إليّ من رؤسائكم أو خياركم عشرة»أي:إنتخبوا و اختاروا«فيستبرؤن له»أي:ينتخبون.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 30 ص 182 مرويا عن الامام الباقر(عليه السلام)و قد ضممنا الى الحديث بعض التوضيحات.و رواه يوسف بن يحيى الشافعي في(عقد الدرر)باب 5 ص 134

اليوم الخامس و العشرون من شهر ذي الحجّة أرسل الإمام المهدي(عليه السلام)الرجل الملقّب ب«النفس الزكية»-و الذي تقدّم عنه في العلائم المحتومة-الى أهل مكة فينقضّون عليه و يذبحونه بين الركن و المقام، و يرسلون برأسه الى السفياني بالشام.

بعد هذا..يحضر الإمام المهدي(عليه السلام)في المسجد الحرام في يوم عاشوراء،و يصلّي ركعات عند مقام إبراهيم(عليه السلام) و يخطب في الناس الخطبة الآتية،و حوله أصحابه المذكورون.

و اليك نصّ الخطبة.

ص:499

خطبة الامام المهدي«عليه السّلام»حين القيام

اشارة

روي أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يسند ظهره الى البيت الحرام مستجيرا به،ثم يبتدأ خطبته التاريخيّة.

ترى..ماذا يقول الإمام في خطبته؟!

إنّه يفتتحها بحمد اللّه تعالى و الثناء عليه،و الصلاة على محمد و آله الطاهرين.

ثم ماذا يقول؟

هنا نستمع الى الإمام محمد الباقر(عليه السلام)ليخبرنا عمّا ما سيقوله الإمام المهدي في اول خطبة له عند القيام:

قال الإمام الباقر(عليه السلام):«...و القائم يومئذ بمكّة،قد أسند ظهره الى البيت الحرام مستجيرا به،فينادي:

«ايها الناس!إنّا نستنصر اللّه و من أجابنا من الناس(1)فانّا أهل بيت نبيّكم محمد،و نحن أولى الناس باللّه و بمحمد(صلى اللّه عليه و اله و سلم)فمن حاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم،و من حاجّني في نوح

ص:500


1- (1) و في نسخة:فمن أجابنا من الناس.

فأنا أولى بنوح،و من حاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بابراهيم و من حاجّني في محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فأنا أولى الناس بمحمد،و من حاجّني في النبيينّ فأنا أولى الناس بالنبيين،أليس اللّه يقول في محكم كتابه:إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

فأنا بقيّة من آدم،و ذخيرة من نوح،و مصطفى من ابراهيم، و صفوة من محمد(صلى اللّه عليهم أجمعين).

ألا:فمن حاجّني في كتاب اللّه فأنا اولى الناس بكتاب اللّه.

ألا:و من حاجّني في سنّة رسول اللّه الا فأنا أولى بسنّة رسول اللّه.

فأنشد اللّه من سمع كلامي اليوم،لما بلّغ الشاهد منكم الغائب.

و أسألكم بحقّ اللّه و حقّ رسوله و بحقّي-فانّ لي عليكم حقّ القربى من رسول اللّه-إلاّ أعنتمونا،و منعتمونا ممّن يظلمنا،فقد أخفنا و ظلمنا،و طردنا من ديارنا و أبنائنا،و بغي علينا،و دفعنا عن حقّنا، و افترى أهل الباطل علينا.

فاللّه اللّه فينا،لا تخذلونا،و انصرونا ينصركم اللّه تعالى»(2).

و رويت للامام(عليه السلام)خطبة أخرى تختلف عن هذه بعض

ص:501


1- (1) سورة آل عمران-آية 33-35.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 14 حديث 67

الإختلاف،كقوله(عليه السلام):أيها الناس..من يحاجّني في موسى فأنا اولى الناس بموسى.

أيها الناس..من يحاجّني في عيسى فأنا اولى الناس بعيسى.»

شرح بعض كلمات الخطبة

قبل أن أتحدّث عن كلمات هذه الخطبة،أجلب إنتباه القارىء الى أنّ هذه الخطبة-التي سيخطب بها الإمام المهدي(عليه السلام)عند قيامه-قد ذكرها و أخبر بها جدّه السادس الإمام محمد الباقر(عليه السلام)قبل ان يولد الامام المهدي بأكثر من مائة و اربعين سنة.

و هذا إن دلّ على شيء فانّما يدلّ على أنّ جميع حركات الإمام المهدي(عليه السلام)و سكناته،و جميع أقواله و أفعاله و سيره و سلوكه، مخطّطة معلومة مسبقا،و ليست حركات ارتجالية تفرضها الظروف.

و قد روعيت-في هذه الخطبة-جوانب البلاغة،و اشتملت على نقاط حسّاسة و مواضيع فريدة لا يستطيع أحد أن يدّعيها إلاّ الإمام الحق.

قبل كلّ شيء..يأتي الإمام المهدي(عليه السلام)الى المسجد الحرام،الذي«من دخله كان آمنا»و ليكون بيت اللّه مركز إنطلاقه المبارك الميمون.

و يسند ظهره الى الكعبة،عائذا بالبيت الحرام،ليأمن شرّ

ص:502

الأعداء.و يستقبل الجماهير المجتمعة حوله،بما فيها أصحابه الخواص الثلاثمائة و الثلاثة عشر.

في البداية..يفتتح خطبته بحمد اللّه و الثناء عليه،و الصلاة على محمد و آله الطاهرين.

ثم يعرّف نفسه بكلّ صراحة،و يكشف الغطاء عن شخصيته، و قد جاء في بعض الأحاديث أنّ أول ما ينطق به(عليه السلام)هو قوله تعال ى:بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1).

ثم يقول:«أنا بقيّة اللّه و خليفته و حجّته عليكم»(2)).

إنّه(عليه السلام)يذكر تأويل هذه الآية و انطباقها على نفسه، فالبقيّة:معناها ما يبقى من الشيء و يفضل،و الإمام المهدي(عليه السلام)هو البقيّة الباقية من فصيلة أولياء اللّه الذين هم افضل طبقات البشر،فالنبوّة ختمت برسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فلا نبيّ بعده،و الإمامة ختمت بالإمام المهدي(عليه السلام)فلا إمام جديد بعده،فهو بقيّة الصفوة التي اختارها اللّه تعالى لإصلاح البشر،و هو الوحيد الباقي على خطّ الانبياء و الأوصياء،بجميع معنى الكلمة.

و ورد في بعض الأحاديث أنّ التسليم على الإمام المهدي يكون بهذه

ص:503


1- (1) سورة هود-آية 86.و مصدر الحديث:بحار الأنوار ج 52 ص 192 نقلا عن إكمال الدين للشيخ الصدوق.
2- (2) الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي/الفصل الثاني عشر.

الجملة:«السلام عليك يا بقيّة اللّه في ارضه».(1).

و الإمام المهدي هو الخليفة الباقي المقصود من قوله تعالى:إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (2).فالخليفة-في اللغة-تطلق على معان متعدّدة،منها ما يلي:

1-من استخلف في الأمر مكان من كان قبله،فهو مأخوذ من أنّه خلف غيره و قام مقامه.

2-الإمام الذي ليس فوقه إمام.

3-السلطان الأعظم.(3)

و بناءا على هذا،يكون المعنى:أنا صاحب السلطة العليا التي ليست فوقها سلطة إلاّ اللّه تعالى.

و قد ورد ذكر«الخليفة»في القرآن الكريم:فقد قال تعالى:«يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض»(4)أي:صيّرناك خليفة تدير أمور العباد من قبلنا بأمرنا.

و قيل:إن معناه:جعلناك خلف من مضى من الأنبياء،في الدعوة الى توحيد اللّه تعالى و بيان أحكامه.

ص:504


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق ج 1 باب 57 ص 653.
2- (2) سورة البقرة-آية 30
3- (3) مجمع البحرين
4- (4) سورة ص-آية 26

و الإمام المهدي(عليه السلام)خليفة اللّه بجميع هذه المعاني،فاللّه تعالى جعله خليفة لرسول اللّه،لا الناس،أي:لم تأته الخلافة بانتخاب الناس إيّاه،بل اختاره اللّه تعالى و انتخبه للخلافة في الأرض، للقيام بما يلزم من هداية البشر الى الدين الصحيح،و التصرّف في أمور العباد و البلاد و إصلاح شؤونهم و توفير وسائل الخير لهم.

و أما قوله(عليه السلام):«و حجّته عليكم».

فالحجّة:ما يحتجّ به،و من يحتجّ به،فالإمام حجّة اللّه،لأنّ اللّه تعالى يحتجّ به على عباده،و قال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام):

((اللهم بلى!لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة،إمّا ظاهرا مشهورا، او خائفا مغمورا،لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته...))(1).

و الآن..نبدأ بشرح بعض كلمات الخطبة:

يقول(عليه السلام):«إنّا نستنصر اللّه و من اجابنا من الناس» إنّه(عليه السلام)يطلب النصرة-اولا-من اللّه تعالى الذي بيده كلّ شيء و هو على كلّ شيء قدير،ثم يطلب النصرة من الناس المستمعين الى كلامه و خطابه.

ثم يذكر(عليه السلام)الأمور التي تفرض طاعته على الناس فيقول:«إنّا أهل بيت نبيّكم محمد،و نحن أولى الناس باللّه و بمحمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)»يذكر شدّة إتّصاله برسول اللّه(صلى

ص:505


1- (1) نهج البلاغة الجزء الثالث.

اللّه عليه و آله و سلم).

و أنّه من اهل بيت رسول اللّه الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

اهل البيت الذين جعلهم رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) عدل القرآن يوم قال:إني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،و إنكم لن تضلوا ما أن تمسكتم بهما،و إنّها لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض.

و الإمام المهدي(عليه السلام)هو اقرب اهل العالم الى اللّه تعالى، لأنّ جميع وسائل القرب و التقرّب متوفّرة فيه،من حيث أنه حجّة اللّه في أرضه،و أكثر هذه الأمة عبادة و تقوى من اللّه تعالى،و أنّه أعزّ اهل زمانه و أشرفهم و أكرمهم عند اللّه تعالى.

و هو اقرب الناس الى الرسول الأقدس(صلى اللّه عليه و آله و سلم) لأنّه خليفته و وصيّه و وارثه،و أنّه أكثر الخلائق إتباعا لرسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)قال تعالى:إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (1)أي:هم الذين يحقّ لهم أن يقولوا:إنّا على دين ابراهيم.

و قال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام):إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به.(2).

ص:506


1- (1) سورة آل عمران/آية 68.
2- (2) تفسير مجمع البيان ج 2 ص 458 في تفسير الآية.

و بهذه الآية التي مرّت عليك،و الحديث المرويّ عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)يتّضح لك معنى كلام الإمام المهدي(عليه السلام)في اولويّته بأنبياء اللّه،من آدم و نوح و ابراهيم و موسى و عيسى و محمد و جميع الانبياء(صلوات اللّه عليهم اجمعين)ثم يستدل الإمام المهدي(عليه السلام)بهذه الآية:إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ،ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و المقصود من الاستدلال بهذه الآية الكريمة:هو الإستشهاد بكلمة:«و آل ابراهيم»فالمقصود من آل ابراهيم-الذين اصطفاهم اللّه و اختارهم-هم الأنبياء الذين من نسله،و آل محمد الطاهرون(عليه السلام)الذين هم من نسل ابراهيم ايضا.

و الإصطفاء مشتق من الصفوة،و هذا من أحسن البيان،و ذلك لأنّ الصافي هو النقي من شائب الكدر فيما يشاهد،فمثّل اللّه تعالى خلوص هؤلاء الطاهرين من الفساد،بخلوص الصافي من شائب الأدناس.

و من الواضح أنّ الأنبياء-من آدم الى نبيّنا محمد(صلوات اللّه عليهم)-هم على خط واحد،و هو خطّ الإسلام و الايمان و التوحيد و الطاعة.

و في القرآن الكريم تجد تصريحات الأنبياء بأنهم على خط الاسلام..و اليك بعض تلك الآيات:

قال تعالى:

ص:507

1-وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ،وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ.إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ:أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ.وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ:يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ،إِذْ قالَ لِبَنِيهِ:ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا:نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ،إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (1).

2-قُلْ آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ،وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ عِيسى وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ،لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (2).

3-و يقول سبحانه عن لسان النبي نوح(عليه السلام):فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ،إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (3).

4-و يقول عزّ و جل عن لسان النبي يوسف(عليه السلام):

تَوَفَّنِي مُسْلِماً (4).

5-و يقول سبحانه عن لسان ابراهيم و اسماعيل(عليهما السلام):

ص:508


1- (1) سورة البقرة آية 130-133.
2- (2) سورة آل عمران آية 84
3- (3) سورة يونس آية 72
4- (4) سورة يوسف آية 101

رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ،وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (1).

و من البديهي أن الإسلام المذكور في هذه الآيات هو الإيمان باللّه و توحيده و اتّباع أحكامه سبحانه،و هو خط الأنبياء و أتباعهم،و لا شك أن الامام المهدي(عليه السلام)هو اقرب الناس الى هذا الخط.

و أمّا قوله-(عليه السلام)-:((فأنا بقيّة من آدم))فقد مرّ عليك شرحه في توضيح كلمة«أنا بقية اللّه»في بداية شرح الخطبة.

و أما قوله(سلام اللّه عليه)-:«و ذخيرة من نوح»فلعلّ المقصود من الذخيرة-هنا-:هو أن نوحا(عليه السلام)هو الذي طهّر الكرة الأرضيّة كلّها من الكفّار،حين دعى ربّه قائلا:((ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا))(2)،فاستجاب اللّه دعاءه و أغرق الناس كلّهم..إلاّ من كان مع النبي نوح فى السفينة،و لم يتهيّأ لبقيّة الأنبياء و الأوصياء أن يطهّروا الأرض كلّها من الكفار،و أمّا الإمام المهدي(عليه السلام)فإنّه يقوم بعمليّة التطهير العام،حينما ينشر الإسلام في جميع بقاع العالم،و لا يعيش على وجه الأرض إلا المسلمون فقط،لأن بقية الملل و الشعوب يخيّرون بين إعتناق الدين الإسلامي و بين القتل و الإبادة،و بالنتيجة لا يبقى أحد على وجه الأرض على غير دين الإسلام.

..و يستمّر الإمام المهدي(عليه السلام)في خطابه،و يزيد

ص:509


1- (1) سورة البقرة آية 128
2- (2) سورة نوح-الآية 26

الناس معرفة بشخصيته فيقول:«ألا:فمن حاجّني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه»أي:فمن جادلني و خاصمني في القرآن فأنا اولى الناس و اقربهم الى القرآن،لأنّي أعلم الناس و أعرفهم بالقرآن،من حيث المعاني و المفاهيم و التفسير و التأويل و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه،و الخاص و العام،و الحلال و الحرام،و الفرائض و السنن و الغوامض و الأسرار،و العجائب و النكات،و العبر و الأمثال و غير ذلك.

و خلاصة القول:إنّه عالم بالقرآن كما نزل من عند اللّه،من دون زيادة أو نقصان،و لا حاجة له الى اقوال المفسرين او القراءات المختلفة او ما شابه ذلك،لأنه(عليه السلام)يعلم ما أراده اللّه و قصده بكلامه.

أ ليست التفاسير متضاربة،و القراءات متغايرة،و المقصود الالهي غير معلوم في كثير من الآيات؟

و من الذي يتسطيع أن يعلم علم اليقين،التفسير الصحيح المطابق للواقع،او القراءة الصحيحة التي نزلت من عند اللّه؟!

إنّه الإمام المعصوم..

هكذا يجب أن يكون..و إلاّ لما كان إماما.

و لهذا قال الامام أمير المؤمنين علي(عليه السلام):«سلوني قبل أن تفقدوني،فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية، لأخبرتكم بوقت نزولها،و فيم نزلت،و أنبأتكم بناسخها من منسوخها، و خاصّها من عامّها،و محكمها من متشابهها،و مكيّها من

ص:510

مدنيّها...»(1).

و عن الأصبغ بن نباته قال:لمّا قدم علي(عليه السلام)الى الكوفة،صلّى بهم اربعين صباحا،فقرأ بهم:«سبّح اسم ربك الأعلى».

فقال المنافقون:و اللّه ما يحسن أن يقرأ إبن ابي طالب القرآن!! و لو أحسن أن يقرأ،لقرأ بنا غير هذه السورة.

قال:فبلغه ذلك..فقال(عليه السلام):ويلهم!!إني لأعرف ناسخه و منسوخه،و محكمه و متشابهه،و فصله من وصله،و حروفه من معانيه.و اللّه ما حرف نزل على محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)إلاّ و أنا اعرف فيمن أنزل،و في أيّ يوم نزل،و في أي موضع...».الى آخر الحديث(2).

و يواصل الإمام المهدي(عليه السلام)خطابه فيقول:

ألا:و من حاجّني في سنّة رسول اللّه،فأنا أولى الناس بسنّة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)».أي:من جادلني و خاصمني في سنّة رسول اللّه فأنا اولى و أعلم بالسنّة النبويّة الصحيحة من غيري.

قسما باللّه العظيم:إنّ السنّة النبويّة قد تغيّر أكثرها عند بعض المسلمين،و تبدّل معظمها و طرأت عليها الزيادة و النقصان.إبدأ من

ص:511


1- (1) بحار الأنوار ج 40 ص 153-باب 93
2- (2) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 40 باب 93-ص 138-.

الوضوء الى الأذان..الى الصلاة و الصيام و الزكاة و الحج و غيرها من العبادات.

و هكذا قوانين الأحوال الشخصية من النكاح الى الطلاق..الى بقيّة المعاملات و العقود و الحدود و الديات.

و هذا التلاعب بالسنّة النبويّة..و هذه التغييرات و التبديلات إنما جاءت من حكّام الجور،او علماء السوء،او من الأفراد الذين وضعوا القوانين الوضعيّة المضادّة للسنّة النبوية.

و لو أردنا الشرح و التفصيل لهذه المأساة،لتبدّل أسلوب الكتاب و ازداد حجمه الى مجلّدات عديدة.

إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)هو أولى الناس و أعلمهم بالسنّة النبويّة الصحيحة،المطابقة للواقع،السليمة من التلاعب و التزوير.

إنّه لا يعتمد في علمه-بالسنّة النبويّة-على المؤلّفات المشحونة بأحاديث الوضّاعين و الكذّابين الذين كانوا يختلقون الأحاديث كذبا وزورا،و ينسبونها الى الرسول الأقدس(صلى اللّه عليه و آله و سلم)بلا خوف من اللّه و لا حياء من رسول اللّه.و كأنّهم معامل و مصانع لإنتاج الأحاديث،حسب الطلب و الظروف!.

ثم يقسم الإمام المهدي(عليه السلام)على الجماهير المتجمهرة حوله فيقول:«فأنشد اللّه»أي:أقسم عليكم و أسألكم بحقّ اللّه«من سمع كلامي-اليوم-لمّا بلّغ الشاهد منكم الغائب»إنّها أفضل وسيلة إعلاميّة،حيث أنّه(عليه السلام)يقسم على الحاضرين الذين يسمعون

ص:512

كلامه أن يبلّغوه الى من لم يسمع ذلك.

ثم يؤكّد عليهم القسم فيقول:((و أسألكم بحق اللّه و حقّ رسوله»يقسم عليهم بحقّ اللّه العظيم،ذلك الحق الذي ليس شيء أعظم منه،و بحق رسوله على الأمة الإسلامية،ذلك الحق الذي لا يعدله شيء«و بحقي عليكم،فإن لي عليكم حقّ القربى من رسول اللّه».إشارة الى قوله تعالى:قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى حيث أنّ اللّه تعالى أوجب على المسلمين المودّة لأقرباء الرسول(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و قد ذكرنا في كتاب(فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد)ستة و اربعين مصدرا-من مصادر العامّة-في أن المقصود من«القربى»هم:علي و فاطمة و الأئمة الطاهرون(عليهم السلام).

و قد كان أئمة أهل البيت(عليهم السلام)يستشهدون بهذه الآية و يطبّقونها على أنفسهم.

و الإمام المهدي(عليه السلام)أحد«القربى»فتجب طاعته على المسلمين،بالإضافة الى إمامته و كونه خليفة اللّه و حجّته على خلقه.

«إلاّ أعتنتمونا،و منعتمونا ممن يظلمنا»،يطلب منهم ان يكونوا من اعوانه و انصاره،و أن يحموه و يحفظوه عمن يريد أن يظلمه.

«فقد أخفنا،و ظلمنا،و طردنا من ديارنا و أبنائنا،و بغي علينا، و دفعنا عن حقّنا،و افترى أهل الباطل علينا».

إنّها مآسي متسلسلة و حلقات متّصلة منذ وفاة رسول اللّه(صلى اللّه

ص:513

عليه و آله و سلم)و الى يومنا هذا،فالحبل متّصل منذ أربعة عشر قرنا..

الإخافة و الظلم،و الطرد و البغي،و الإستيلاء على الحقوق،و الافتراء على اهل بيت رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)مستمّر و ممتدّ على طول الخط.

فلقد عاش آل رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حياة الرعب و التشريد و الإضطهاد!

ألم تكن المدينة المنوّرة موطنهم و احبّ البلاد اليهم؟!

فأين المدينة من النجف و كربلاء و بغداد و سامراء و خراسان و غيرها من البلاد؟!

و لماذا غادروا المدينة المنوّرة و تفرّقوا في الأرض،و قتلوا في بلاد الغربة؟!

لقد غيّر بعض العلويّين اسمه،و اخفى الآخر نسبه،كيلا يعرفه الأعداء فيقتلوه!

و هكذا..و الى هذا اليوم.

إن الإمام المهدي(عليه السلام)إنما اختفى-من يوم وفاة والده الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)الى هذه الساعة-خوفا على حياته.

و قد عرفت-فيما مضى-أنّه(عليه السلام)أذا ظهر،يرسل اليه السفياني جيشا لمحاربته.

ص:514

و أمّا حقوق اهل البيت وفيئهم و أموالهم فكانت-و لا تزال-بيد الحكومات الكافرة و الحكّام الطغاة،يشربون بها الخمور و يرتكبون بها الفجور،و يصرفونها في الملاهي و المناهي و المنكرات،و شراء الأسلحة الفتاكة و قتل الأبرياء!.

و أمّا حقوقهم في الولاية و الحكم فالتاريخ يشهد أنّ الأعداء منعوا آل محمد عن القيام بتدبير أمور العباد و البلاد،و نشر العلوم،و غير ذلك من وظائف الإمام.

خطبة أخرى للإمام المهدي(عليه السلام):

و تروى عن الإمام الباقر(عليه السلام)خطبة اخرى للإمام المهدي(عليه السلام)-مع اختلاف يسير-أنه قال:

«ثم يظهر المهدي بمكّة عند العشاء،و معه راية رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و قميصه و سيفه و علامات و نور و بيان،فاذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته:أذكّركم اللّه-ايها الناس-و مقامكم بين يدي ربّكم،و قد أكّد المحجّة و بعث الأنبياء و أنزل الكتاب،يأمركم أن لا تشركوا به شيئا و أن تحافظوا على طاعته و طاعة رسوله(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و أن تحيوا ما أحيا القرآن و تميتوا ما أمات،و تكونوا أعوانا على الهدى و وزراء على التقوى،فانّ الدنيا قد دنا فناؤها و زوالها،و آذنت بالوداع،و إني أدعوكم الى اللّه و الى رسوله(صلى اللّه عليه و آله و سلم)

ص:515

و العمل بكتابه و إماتة الباطل و إحياء السنّة...»الى آخرها(1).

خطبة ثالثة للإمام المهدي(عليه السلام):

و رويت أيضا خطبة أخرى عن الإمام الصادق(عليه السلام)في حديث طويل نقتطف منه نصّ الخطبة،تتميما للفائدة:

«...و سيّدنا القائم مسند ظهره الى الكعبة،و يقول:يا معشر الخلائق:ألا..و من اراد أن ينظر آلى آدم و شيث فها أناذا آدم و شيث.

ألا..و من اراد أن ينظر الى نوح و ولده سام فها أنا ذا نوح و سام.

ألا..و من أراد أن ينظر الى ابراهيم و اسماعيل فها اناذا ابراهيم و اسماعيل.

ألا..و من اراد أن ينظر الى عيسى و شمعون فها اناذا عيسى و شمعون.

ألا..و من اراد أن ينظر الى محمد و أمير المؤمنين(صلوات اللّه عليهما)فها أناذا محمد و أمير المؤمنين.

ص:516


1- (1) ذكرها السيوطي في كتاب الحاوي،و ذكرها الصافي في كتاب منتخب الأثر نقلا عن كتاب الملاحم و الفتن.

ألا..و من اراد ان ينظر الى الحسن و الحسين فها أناذا الحسن و الحسين.

ألا..و من أراد ان ينظر الى الأئمة من ولد الحسين فها اناذا الأئمة...»الى آخر الخطبة(1).

قال العلامة المجلسي-تعليقا على هذا الحديث-:قوله(عليه السلام):«فها أنا ذا آدم»يعني في علمه و فضله و أخلاقه التي بها تتّبعونه و تفضلونه.انتهى كلامه.

و ينتهي الإمام المهدي(عليه السلام)من خطبته،قال الامام الباقر(عليه السلام):«فيجتمع عليه أصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و يبايعونه»نعم،يتبادر اصحابه و يبايعونه،بعد أن يبايعه جبرئيل.

و ينزل عليه أكثر من أربعين ألفا من الملائكة،على اختلاف درجاتهم و مراتبهم،و هؤلاء الملائكة رهن تصرّف الإمام المهدي(عليه السلام)، ينفّذون اوامره التي قد يعجز عنها البشر.

ص:517


1- (1) بحار الأنوار ج 53 ص 9

البيعة للامام المهدي«عليه السّلام»

قبل أن نتحدّث عن البيعة للإمام المهدي(عليه السلام)نذكر بعض الأحاديث المرويّة في هذا المجال:

قال الإمام الصادق(عليه السلام):«إنّ أول من يبايع القائم جبرئيل»(1)

و قال الإمام محمد الجواد(عليه السلام):«كأنّي بالقائم-يوم عاشوراء يوم السبت-قائما بين الركن و المقام،بين يديه جبرئيل ينادي:

البيعة للّه»(2).

و قال الإمام الصادق(عليه السلام):((إذا أذن اللّه تعالى للقائم في الخروج،صعد المنبر،فدعا الناس الى نفسه،و ناشدهم اللّه و دعاهم الى حقّه،و أن يسير فيهم بسنّة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) و يعمل فيهم بعلمه.

فيبعث اللّه(جل جلاله)جبرئيل حتى يأتيه فينزل على الحطيم(3)يقول:الى أيّ شيء تدعو؟!

ص:518


1- (1) إكمال الدين
2- (2) كتاب الغيبة للطوسي
3- (3) الحطيم هو ما بين الركن الذي فيه الحجر الأسود و بين باب الكعبة.

فيخبره القائم(عليه السلام).

فيقول جبرئيل:أنا اول من يبايعك.ابسط يدك.

فيمسح على يده،و قد وافاه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا فيبايعونه، و يقيم بمكّة حتى يتمّ أصحابه عشرة الآف نفس،ثم يسير منها الى المدينة))(1).

بعد ذكر هذه الأحاديث..نقول:

(البيعة)معناها:المعاهدة على الطاعة و الإنقياد،و عدم التمرّد و عدم القيام بمؤامرة..و ما شابه ذلك.

و ممّا تمتاز به البيعة للإمام المهدي(عليه السلام)عن البيعة لغيره-من الحكام و الخلفاء-هو أنّها بيعة يشترك فيها اهل السماء و الأرض.فبيعة أمين وحي اللّه جبرئيل للإمام المهدي(عليه السلام)تسبق بيعة الناس له،و هي تدّل على اعتراف السماء بمشروعيّة تلك البيعة المباركة الميمونة التي تشمل بركاتها جميع الكائنات و يعمّ خيرها جميع الموجودات.

و يستفاد من الأحاديث أنّ الإمام المهدي يطلب من أصحابه البيعة على شروط مذكورة في الكتب،و بعض هذه الشروط يحرم إتيانها على كلّ حال،و هي المحرّمات الشرعيّة التي لا تحتاج الى شرط،؛كالزنا و السرقة و أكل مال اليتيم و ما شابه.

و بعضها واجبة و لا يرتبط وجوبها بالبيعة،كالامر بالمعروف و النهي

ص:519


1- (1) الارشاد للمفيد

عن المنكر،و بعضها يتعلّق بالزهد و الأخلاق.فاذا التزم الأصحاب بهذه الشروط و بايعوا الإمام عليها،فانّ الحكم يتأكّد و يتشدّد عليهم، كالإنسان الذي يحلف على ان لا يسرق،فاذا سرق استحقّ عقابين:

عقابا للسرقة،و عقابا لمخالفة اليمين،و كذلك البيعة مع الإمام المهدي(عليه السلام)لأنها تعتبر عهدا و معاهدة مع اللّه تعالى.قال سبحانه:إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ،يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (1).

و بالرغم ممّا يتمتّع به اصحاب الامام المهدي(عليه السلام)من مزايا و مؤهّلات،فانّ اشتراط تلك الشروط ضروريّة،لأن الإمام(عليه السلام)يريد من أصحابه أن يكونوا مثاليينّ في الفضائل و الكمالات، حتى يليقوا لقيادة الكرة الأرضية فيتورّعون عن المحرّمات و يلتزمون بالواجبات،و يجتنبون مغريات الحياة و زخارفها،و يمتنعون عن كلّ بذخ و ترف،و ينتهجون حياة الزهد و الخشونة،كي يستطيعوا أن يؤدّوا الوظائف الملقاة على أكتافهم،و يؤدّوا الواجبات على أحسن ما يرام.

جيش الإمام المهدي(عليه السلام):

روي عن الامام محمد الباقر(عليه السلام)أنّه قال-في حديث عن الإمام المهدي(عليه السلام)-:((ثم لا يخرج من مكّة حتى يكون في مثل الحلقة.

ص:520


1- (1) سورة الفتح آية 10

قال الراوي:فما الحلقة؟

قال:عشرة الآف»(1).

و سئل الإمام الصادق(عليه السلام):كم يخرج مع القائم؟ فإنّهم يقولون:إنّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر،ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا؟

فقال(عليه السلام):ما يخرج إلاّ في أولي قوّة،و ما يكون أولو قوّة أقل من عشرة الآف»(2)

ايها القارىء:لم نجد-في المصادر الموجودة عندنا-شيئا من التفاصيل حول«الحلقة»و هم العشرة الآف.و لكن المستفاد أنّهم جماعات و جماهير،لهم نصيب وافر من الأيمان الكامل و العقيدة الراسخة،فهم محسوبون من جيش الإمام المهدي(عليه السلام)و لكنّهم لا يمتازون بما امتازت به الثلاثمائة و الثلاثة عشر،إلاّ أنهم يلتحقون بالإمام في مكّة،و ينضمون تحت لوائه.

و وردت في بعض الأحاديث كلمة«العقد»بدل«الحلقة»و المقصود واحد.

و يخرج الإمام المهدي(عليه السلام)من مكة بهذا العدد من الجيش الجرّار.و من الطبيعي أن الملايين من الناس سوف يلتحقون به في

ص:521


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 307 باب خروجه و ما يحدث عنده.
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 323،نقلا عن(إكمال الدين)للصدوق.

أثناء الطريق و في أيام إقامته في الكوفة.

و على هذا..لا نستطيع أن نتصوّر مدى كثرة جيوش الإمام و عساكره،و لكنّنا نستطيع ان نقول:إن كلّ رجل آمن بالإمام المهدي(عليه السلام)و كان قادرا على حمل السلاح،فهو من جنود الإمام،فاذا أصدر الامام أمرا بالتعبئة،فان جميع الطبقات-بمختلف أعمارهم و مستوياتهم-يتسابقون الى تلبية نداء الإمام و تنفيذ أوامره،و لنا في المستقبل كلام و تفصيل حول هذا الموضوع.

ص:522

كيفيّة السّلام على الامام المهدي«عليه السّلام»

ما هي كيفية السلام على الإمام المهدي(عليه السلام)؟

جاء في الحديث:«سأل رجل من الإمام الصادق(عليه السلام):

هل يسلّم على القائم بإمرة المؤمنين؟(1)

قال(عليه السلام):لا..ذاك إسم سمّى اللّه به أمير المؤمنين، لم يسمّ به احد قبله،و لا يسمّى به بعده إلاّ كافر.

فقال رجل كان حاضرا عند الإمام الصادق:جعلت فداك..

و كيف يسلّم عليه؟

قال(عليه السلام):تقول:السلام عليك يا بقيّة اللّه.

ثم قرأ قوله تعالى:بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين»(2).

هذا..و المستفاد من هذا الحديث و غيره،انه لا يسمح للناس ان ينادوا الإمام المهدي(عليه السلام)باسمه و كنيته حين السلام عليه،بأن يقولوا-مثلا-:السلام عليك ايها المهدي،و أمثال ذلك،و هذا يدل

ص:523


1- (1) أي:هل يقال له السلام عليك يا أمير المؤمنين،فأجاب الإمام الصادق بأن هذا الاسم خاص بالإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام).
2- (2) وسائل الشيعة ج 10 ص 470 باب 106 حديث 2.

على التعظيم و التجليل،كما نهى اللّه تعالى المسلمين أن ينادوا رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)باسمه،فقال عزّ و جل:لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.

و قال الإمام الباقر(عليه السلام):من أدرك منكم القائم فليقل حين يراه:السلام عليكم يا اهل بيت الرحمة و النبوّة،و معدن العلم و موضع الرسالة.(1).

ص:524


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 331-و إكمال الدين للصدوق باب 57 حديث 18.

الخروج بالسيف

إنّ البشر قد يتجاهل الحقائق،و قد يتعصّب للباطل،و قد ينكر لحق..و لكن في حدود مّا.

و لكن..ما تقول في البشر الذي ينظر الى الشمس و ينكر وجودها؟!و يلمس النار و يشعر بالحرارة و لا يعترف بها؟!لا جهلا بالموضوع و انما عنادا للحق و تعصبا للباطل!!

لقد مرّ عليك-ايها القارىء-في اوائل الكتاب بعض الآيات المأوّلة بالإمام المهدي(عليه السلام)و شيء من الأحاديث المرويّة عن الرسول الأعظم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حول الامام المهدي و نسبه و ظهوره، و كلّ الذي ذكرناه كان نموذجا من مئات الأحاديث الصحيحة المذكورة في كتب الشيعة و السنّة،أضف الى ذلك،الأحاديث المروية عن أئمة اهل البيت(عليهم السلام)حول الموضوع.

و لكن طوائف من بعض المذاهب الإسلاميّة لا يعجبهم الخضوع لهذه الحقيقة التي ركّز عليها الرسول الأمين(صلى اللّه عليه و آله و سلم) في كلماته و إخباراته،فتراهم-كانوا و لا يزالون-ينكرون الإمام المهدي،بل و يستهزؤن بهذه العقيدة،و لهم كلمات و أبيات شعرية قبيحة،في التهريج و التشنيع و أنواع التشكيك حول الإعتقاد به(عليه السلام).

ص:525

و هذا الإنحراف و الموقف العدائي كان و لا يزال ممتدا يدا بيد، و من جيل الى آخر،و من عصابة الى أخرى،و الى الآن و الى يوم ظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

و يمكن ان نقول-جدلا-:إنّ هؤلاء ما كانوا يصدّقون وجود الإمام المهدي،بسبب عمره الطويل،لأنّه خلاف المعتاد بالنسبة للأعمار المتعارفة في هذا الزمان.

و لكن..حتى إذا ظهر الإمام المهدي(عليه السلام)و حدثت تلك العلامات التي لا يمكن إنكارها و لا تكذيبها-كالصيحة السماويّة و غيرها-و رأوا الإمام المهدي بأعينهم،فانهم-مع ذلك كله-لا يعترفون بالإمام المهدي،بل يحاربونه،كالذي أخذته العزّة بالإثم!.

فما جزاء هؤلاء..ايها المسلمون؟!

و ما الذي ينبغي ان يصنع الإمام المهدي بهؤلاء الطواغيت الذين جاوزوا حدود الطغيان و أصرّوا على العناد و العصيان؟!

و هل لهم علاج و جزاء سوى السيف؟!

نعم..إنّ الأحاديث الشريفة تصرّح بأنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يستخدم السيف لاستئصال هؤلاء المعاندين المتكبّرين،و قلع جذورهم و القضاء عليهم،ما داموا يرفضون الخضوع للحق و يحاربونه.

و الآن..إقرأ بعض الأحاديث المرويّة في هذا المجال:

1-قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام):«...و أمّا سنّته من

ص:526

جدّه المصطفى محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فخروجه بالسيف، و قتله اعداء اللّه و أعداء رسوله،و الجبّارين و الطواغيت،و أنّه ينصر بالسيف و الرعب،و أنّه لا تردّ له راية...»(1).

2-قال الإمام زين العابدين(عليه السلام):«في القائم سنّة من سبعة أنبياء:...و أمّا من محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فالخروج بالسيف»(2).

3-قال الإمام الباقر(عليه السلام):«في صاحب هذا الأمر سنن من اربعة انبياء:...و أمّا سنّته من محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم) فالسيف»(3).

4-قال الإمام الصادق(عليه السلام)-في معنى قوله تعالى:

وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ -:إنّ الأدنى بالقحط و الجدب،و الأكبر:خروج القائم المهدي بالسيف في آخر الزمان.(4)

5-و قال الإمام علي امير المؤمنين(عليه السلام):-في حديثه عن

ص:527


1- (1) إكمال الدين للشيخ الصدوق.
2- (2) إكمال الدين للشيخ الصدوق.
3- (3) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي،و لا يخفى عدم التناقض بين هذا الحديث و الذي سبقه في أن الامام المهدي فيه سنن من سبعة انبياء أو اربعة،لأن علماء البلاغة يقولون:اثبات الشيء لا ينفي ما عداه.فقوله(عليه السلام)«من أربعة أنبياء» ليس معناه لا أكثر من ذلك.
4- (4) كتاب الغيبة للنعماني ص 229.

الإمام المهدي-يسومهم خسفا،و يسقيهم بكاس مصبّرة،و لا يعطيهم إلاّ السيف هرجا-اي:قتلا-(1).

هذا..و سنذكر-في المستقبل-كلمة حول المقصود من(السيف)في هذه الأحاديث.

ص:528


1- (1) منتخب الأثر للشيخ الصافي.

مواريث الأنبياء عند الامام المهدي«عليه السّلام»

يقوم الإمام المهدي(عليه السلام)و معه مواريث الأنبياء،و خاصّة مواريث رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم)..تلك المواريث التي لا تثمّن بثمن،و لا تقوّم بقيمة.

و تسأل:ما هي مواريث الأنبياء؟

الجواب:ليس المقصود من المواريث-هنا-ما يتركه الميت لورثته من المال أو غيره،بل المقصود:هي الأشياء النفيسة القيّمة التي تركها الأنبياء للأوصياء من بعدهم،و انتقلت من وصيّ إلى وصي.

و هذه المواريث وصلت الى رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّم)من الأنبياء الذين كانوا قبله،و بعد وفاة رسول اللّه إنتقلت تلك المواريث-مع مواريث رسول اللّه-الى خليفته الشرعي الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام)و من بعده الى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)و هكذا..الى الإمام الذي بعده..حتى وصلت الى خاتم الأوصياء الخليفة الثاني عشر:الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) فهي الآن موجودة عنده يحتفظ بها ليوم ظهوره.

و تسأل:ما هو دور هذه المواريث يوم ظهور الإمام؟.

الجواب:إنّها تدلّ على أولويّة الإمام المهدي(عليه السلام)من

ص:529

سائر الناس،بالأنبياء و الأوصياء،و أنه(عليه السلام)إمتداد لنفس الخط السماوي الإلهي،و يستفاد منها لأغراض أخرى أيضا.

و فيما يلي نذكر بعض ما روي في هذا المجال:

1-قال الإمام الباقر(عليه السلام):إذا ظهر القائم(عليه السلام)ظهر براية رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و خاتم سليمان،و حجر موسى و عصاه(1).

أقول:لقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال-في حديثه عن راية رسول اللّه-:«...نزل بها جبرئيل يوم بدر...

نشرها رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يوم بدر،ثم لفّها و دفعها الى علي(عليه السلام)فلم تزل عند علي(عليه السلام)حتى إذا كان يوم البصرة،نشرها أمير المؤمنين ففتح اللّه عليه،ثم لفّها،و هي عندنا..لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم،فاذا هو قام نشرها..»(2).

و أمّا خاتم سليمان..فقد روي أنه كان إذا لبسه سخّر اللّه له الطير و الريح و الملك.

و أمّا حجر موسى و عصاه..فقد قال تعالى:وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ،فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ،فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً،قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ.. (3).

ص:530


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني باب 13 حديث 28.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 19 حديث 2.
3- (3) سورة البقرة آية 60.

و قال سبحانه:وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (1).

و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«عصى موسى قضيب آس،من غرس الجنّة،أتاه بها جبرئيل لمّا توجّه تلقاء مدين(2).

و قال الإمام الباقر(عليه السلام):إذا خرج القائم...و يحمل معه حجر موسى بن عمران-و هو وقر بعير(3)-فلا ينزل منزلا إلاّ نبعت منه عيون..(4).

2-و قال الإمام الصادق(عليه السلام)-ليعقوب بن شعيب-:

ألا أريك قيمص القائم الذي يقوم عليه؟

قال:بلى.فدعى بقمطر(5)ففتحه،و أخرج منه قميص كرابيس(6)فنشره،فإذا في كمّه الأيسر دم.

فقال(عليه السلام):هذا قميص رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)الذي كان عليه يوم ضربت رباعيّته(7)و فيه يقوم القائم.

ص:531


1- (1) سورة الأعراف آية 117.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 13 حديث 27.
3- (3) الوقر:الحمل الثقيل.وقر بعير:حمل بعير.و هذه إشارة الى عظمة الصخرة و كبر حجمها.
4- (4) كتاب الغيبة للنعماني باب 13 حديث 29.
5- (5) القمطر:وعاء تحفظ فيه الكتب.
6- (6) كرابيس:جمع كرباس:و هو الثوب الخشن.
7- (7) الرباعيّة-بفتح الراء-:الأسنان التي بين الثنيّة و الناب،و قد كسرت يوم احد.

قال يعقوب بن شعيب:فقبّلت الدم،و وضعته على وجهي،ثم طواه أبو عبد اللّه و رفعه(1).

3-و قال الإمام الصادق(عليه السلام)-للمفضّل بن عمر-:

أتدري ما كان قميص يوسف؟قلت:لا.

قال:إنّ إبراهيم(عليه السلام)لمّا أوقدت النار،نزل اليه جبرئيل بالقميص و ألبسه إيّاه،فلم يضرّه معه حرّ و لا برد،فلما حضرته الوفاة جعله في تميمة(2)و علّقه على إسحاق(عليه السلام)و علّقه إسحاق على يعقوب(عليه السلام)فلما ولد يوسف علّقه عليه،و كان في عضده،حتى كان من أمره ما كان.

فلما أخرجه يوسف(عليه السلام)من التميمة وجد يعقوب ريحه،و هو قوله عزّ و جل:إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ فهو ذلك القميص من الجنّة.

قلت:جعلت فداك..فالى من صار هذا القميص؟

قال(عليه السلام):إلى أهله،و هو مع قائمنا إذا خرج.

ثم قال:كل نبيّ ورث علما-أو غيره-فقد انتهى الى آل محمد (عليهم السلام)(3)

ص:532


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني-باب 13 حديث 42.
2- (2) التميمة:خرزة أو عوذة توضع على الأولاد للوقاية من العين و الأذى.
3- (3) كتاب إكمال الدين للصدوق.

4-و قال الإمام الصادق(عليه السلام):«..يكون عليه قميص رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)الذي كان عليه يوم أحد،و عمامته السحاب،و درع رسول اللّه السابغة(1)و سيف رسول اللّه ذو الفقار»(2).

5-و قال الإمام الباقر(عليه السلام):«كانت عصى موسى لآدم(عليهما السلام)فصارت الى شعيب،ثم صارت الى موسى بن عمران،و إنها لعندنا،و إنّ عهدي بها آنفا،و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها،و إنها لتنطق اذا استنطقت،اعدّت لقائمنا(عليه السلام)يصنع بها ما كان يصنع بها موسى بن عمران(عليه السلام) و إنّها تصنع ما تؤمر،و إنها حيث القيت تلقف-ما يأفكون-بلسانها»(3).

ص:533


1- (1) من لطيف ما يذكره المؤرّخون أنّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)سمّى كلّ شيء يرتبط به باسم خاص،فسمّى عصاه:الممشوق،و سمّى إحدى عمائمه: السحاب،و سمّى ناقته:العضباء،و هكذا..
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 19 حديث 2.
3- (3) كتاب إكمال الدين للصدوق ج 2 باب 58 حديث 27.

انجازات الإمام المهدي«عليه السّلام»في مكّة المكرمة

اشارة

بعد ان تتم البيعة للإمام المهدي(عليه السلام)يستلم الإمام الحكم في مكّة،و يهيمن على مراكز القوة،بعد سقوط الحكم السابق و انهياره.

و لا تستطيع السلطة-يومذاك-أن تقاوم الإمام(عليه السلام)بل المستفاد من بعض الأحاديث أن مكّة تستسلم له(عليه السلام)و يسيطر الإمام على البلدة بكاملها.

و هناك في مكّة،يقوم الإمام المهدي(عليه السلام)بأعمال و إنجازات،نشير الى بعض ما ذكر منها في الأحاديث..فيما يلي:

1-إعادة المسجد الحرام الى ما كان عليه

قال الإمام الصادق(عليه السلام):إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يردّه الى اساسه،و حوّل المقام الى الموضع الذي كان فيه(1).

لقد توسّع المسجد الحرام من بعد وفاة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)الى يومنا هذا،و أضيفت اليه مساحات كثيرة من جميع

ص:534


1- (1) كتاب الإرشاد للشيخ المفيد.

جوانبه،و لكنّه بالرغم من كل ذلك لم يبلغ الأساس القديم الذي رسمه النبي ابراهيم(عليه السلام)للمسجد الحرام،لأنّ الأساس القديم كان من(الحزورة)(1)و هي بين الصفا و المروة.

روي ذلك عن الإمام الصادق(عليه السلام)-عندما سئل عن الزيادات الحادثة في المسجد الحرام و هل هي من المسجد؟-فقال(عليه السلام):نعم..إنهم لم يبلغوا بعد مسجد ابراهيم و اسماعيل(صلى اللّه عليهما)(2).

و قال(عليه السلام):خطّ ابراهيم(عليه السلام)بمكة ما بين الحزورة الى المسعى،فذلك الذي خطّ ابراهيم-(3)

و سأل الحسين بن نعيم من الإمام الصادق(عليه السلام)عن الصلاة في الزيادات الحادثة في المسجد الحرام؟

فقال(عليه السلام):إن ابراهيم و اسماعيل حدّا المسجد الحرام ما بين الصفا و المروة،فكان الناس يحجّون الى الصفا(4).و في نسخة اخرى:«يحجون من مسجد الصفا».

قال الفيض الكاشاني في كتاب الوافي ص 28:بيان:....

ص:535


1- (1) الحزورة-على وزن قسورة-:إسم موضع بين الصفا و المروة و هي من المسعى.
2- (2) كتاب الكافي للكليني.
3- (3) كتاب الكافي/باب فضل الصلاة في المسجد الحرام.أي:فالمسجد:هو ذلك الذي خطّ ابراهيم.
4- (4) كتاب التهذيب للشيخ الطوسي.

يحجّون»إمّا بمعنى:يطوفون،او بمعنى:يحرمون(من الإحرام)يعني:

كان ذلك داخلا في سعة مطافهم او محل إحرامهم.

و خلاصة هذه الأحاديث أنّ المسجد الحرام الأصلي هو أكبر بكثير من المسجد الحرام اليوم.

فاذا ظهر الإمام المهدي(عليه السلام)هدم الجدار المحيط بالمسجد الحرام اليوم،و بنى جدارا جديدا على اساسه الأول.

و هذا مما يسهّل الطواف للحجاج كثيرا،خاصّة و أنّ عدد الحجاج سوف يتصاعف الى عشرات الملايين في عصر ظهوره(عليه السلام).

2-إعادة مقام ابراهيم الى موضعه الأول

لقد مرّ عليك قول الإمام الصادق(عليه السلام):«إذا قام القائم...و حوّل المقام الى الموضع الذي كان فيه».

مقام ابراهيم:هو الصخرة التي وقف عليها النبي ابراهيم خليل الرحمن حين بناء الكعبة،و قد كان المقام بجوار الكعبة،في عهد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

و لما جاء عمر بن الخطاب الى الحكم،نقل المقام من مكانه و غيّر موضعه.

و لما استلم الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)زمام الحكم-بعد مقتل عثمان-قرّر أن يقضي على كلّ زيادة و بدعة حدثت في

ص:536

الدين،و أن يردّ كلّ شيء الى ما كان عليه في عهد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

و من جملة ذلك:أراد أن يردّ المقام الى موضعه الأول بجوار الكعبة،فثار المنافقون و المناوئون-الذين كانوا يهرّجون ضد كلّ خطوة إصلاحية يقوم بها الإمام-فرأى الإمام علي(عليه السلام)أن الأفضل هو تجميد القضيّة،الى وقت آخر،نظرا لأمور كانت أهمّ من ذلك.

و هكذا بقي مقام ابراهيم في غير موضعه،الى يومنا هذا.

و من جملة إنجازات الإمام المهدي(عليه السلام)في مكّة،هو ردّ مقام ابراهيم الى موضعه الأول بجوار الكعبة المشرّفة.

و هذا أيضا ممّا يسهّل الطواف على الحجّاج،لأنه-عند ذلك-لا يجب الطواف بين الركن و المقام،بل يكفي الطواف حول الكعبة،مهما ابتعد الطائفون عن الكعبة في حال الطواف.فان كان الطواف يجب-حاليا-بين الركن و المقام-حسب رأي بعض الفقهاء-فان هذا الوجوب سيرتفع إذا ردّ المقام الى موضعه الأول.

3-النهي عن الطواف المستحب

قال الإمام الصادق(عليه السلام):أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه،أن يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة،الحجر الاسود و الطواف(1).

ص:537


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 374 نقلا عن الكافي.

أقول:إنّ الذي يحضر المسجد الحرام في موسم الحج،يشاهد إزدحام الناس حال الطواف،ذلك الإزدحام الذي قد تتلف فيه النفوس و تزهق فيه الأرواح،بسبب الضغط الذي يؤدي الى سقوط الانسان تحت اقدام الطائفين حول الكعبة.

و كلّ هذا..بالرغم من الصعوبات التي يتعرّض لها الحجاج-في اكثر البلاد-من مشاكل السفر،و الضرائب المستوفاة منهم بعناوين مختلفة و بلا أي عوض.

فما تقول في عصر الإمام المهدي(عليه السلام)؟!

ذلك العصر الذي تلغى فيه كافة القوانين الوضعيّة المرتبطة بمقدّمات السفر،من جواز السفر و التأشيرة(الويزا)و أمثال ذلك من القيود و الشروط المستوردة من بلاد الكفر!!

و من الطبيعي ان يكون السفر مباحا و ميسورا لكلّ أحد،بلا أي قيد أو شرط.

و بالنتيجة:سوف يتضاعف عدد الحجاج،بنسبة لا نستطيع تحديدها!.

و من الواضح أنّ الطواف حول الكعبة و استلام الحجر الأسود سيكون صعبا جدا،و خاصّة أنّ بعض الحجاج لا يكتفي بالطواف الواجب،بل يطوف استحبابا طلبا للثواب.

و لهذا فانّ الإمام المهدي(عليه السلام)يأمر الحجاج بالإقتصار على

ص:538

الطواف الواجب و ترك الطوافات المستحبة،إفساحا للمجال أمام الذين يؤدون الطواف الواجب.

4-قطع أيدي بني شيبة

قال الإمام الصادق(عليه السلام):أما إنّ قائمنا لو قد قام، لأخذ بني شيبة و قطع ايديهم و طاف بهم و قال:هؤلاء سرّاق اللّه(1).

و قال(عليه السلام)-في حديث له-:...و قطع ايدي بني شيبة...و كتب عليها:هؤلاء سرّاق الكعبة.(2).

(بنو شيبة)هم سدنة الكعبة الذين كانت بأيديهم مفاتيح الكعبة، يتوارثونها خلفا عن سلف،و كان هؤلاء يسرقون الأموال و الذخائر المهداة الى الكعبة،و يتصرّفون بها كما تشتهيه أنفسهم،و بهذه المناسبة سمّاهم الإمام(عليه السلام):سرّاق اللّه،اي:سرّاق أموال اللّه.و لعلّ الحديث كان هكذا:«سرّاق بيت اللّه»فحذفت منه كلمة«بيت»و اللّه العالم.

و لا يكتفي الإمام المهدي(عليه السلام)بقطع ايدي بني شيبة، بل يأمر بأن يطاف بهم،و هذا الإجراء من الامام المهدي(عليه السلام) يعتبر إنذارا و تهديدا لكل السرّاق،و لكلّ من يتصرّف في أموال لا يملكها تصرّفا غير مشروع،فيعرفون بأن جزاءهم هو قطع اليد،ثم الخزي

ص:539


1- (1) كتاب الكافي ج 4 ص 243.
2- (2) كتاب الارشاد للمفيد.

في الدنيا و العذاب في الآخرة.

و بهذا يضع الإمام المهدي(عليه السلام)حدّا للسرقة،و لكل تصرّف غير مشروع في الأموال و الأملاك و الأوقاف و غيرها.

هذا بعض إنجازات الإمام المهدي(عليه السلام)في مكّة تجاه المسجد الحرام،و من الواضح أن انجازاته العامة التي تشمل جميع البلاد،ستشمل مكة بطريق أولى،و سوف نتحدث عن إنجازاته العامة في فصول قادمة،انشاء اللّه.

ص:540

الامام المهدي«عليه السّلام»في المدينة المنوّرة

يغادر الإمام المهدي(عليه السلام)مكة المكرمة،قاصدا المدينة المنورة،بعد أن ينصب في مكة واليا من قبله،و بعد مغادرة الإمام المهدي (عليه السلام)مكّة،يثور بعض المجرمين-من أهل مكّة-ضدّ الوالي و يقتلونه،و يبلغ الخبر الى الإمام المهدي(عليه السلام)فيقطع سفره و يعود الى مكة و يقضي على تلك الشرذمة المتمرّدة،و يقطع جذور الفتنة و أصولها،ثم ينصب واليا آخر،و يتّجه نحو المدينة المنوّرة.

و هناك في المدينة،يقوم(عليه السلام)بأعمال و إنجازات،نشير الى واحد منها..و هي:نبش بعض القبور و إخراج الأجساد منها و إحراقها،و هذا من القضايا التي تستدعي التوضيح و التحليل،و لكننا نكتفي بذكرها إجمالا.

و السؤال الآن:أين يتوجّه الإمام المهدي(عليه السلام)بعد المدينة المنوّرة؟

الجواب:المستفاد من الأحاديث أنّه(عليه السلام)يتوجّه من المدينة نحو العراق،و لعلّه يمرّ بجبل شمّر،و الحائل،و الرفحاء فالنجف،كما هو الطريق الآن.

و تسأل:أين يستقرّ الإمام المهدي في العراق؟و أين ستكون عاصمة بلاده؟الجواب في الفصل القادم

ص:541

الكوفة عاصمة الامام المهدي«عليه السّلام»

اشارة

المسافة بين الكوفة و النجف،أقلّ من عشرة كيلو مترات، و الأحياء السكنية التي أنشأت-في هذه السنوات الأخيرة-جعلت النجف متّصلا بالكوفة.(1)

و الكوفة سيكون لها شأن عظيم بعد ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)إذ أنها تكون عاصمة حكومته،و دار خلافته و مقرّ دولته،كما أخبر بذلك الأئمة الطاهرون(عليهم السلام).

و فيما يلي نذكر بعض الأحاديث التي تتحدّث عن عاصمة الإمام المهدي(عليه السلام)في المستقبل:

قال الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام):«..ثم يقبل الى الكوفة فيكون منزله بها،فلا يترك عبدا مسلما إلا اشتراه و أعتقه،و لا غارما إلاّ قضى دينه،و لا مظلمة لأحد من الناس إلاّ ردّها،و لا يقتل عبد إلا ادّى ثمنه«فدية مسلّمة إلى أهلها»و لا يقتل قتيل إلاّ قضى عنه دينه و ألحق عياله في العطاء،حتى يملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت ظلما و جورا و عدوانا.

و يسكن هو و أهل بيته الرحبة،و الرحبة انما كانت مسكن نوح،

ص:542


1- (1) الكوفة مدينة تقع على الجانب الشرقي من النجف الأشرف.

و هي أرض طيّبة،لا يسكن رجل من آل محمد(عليهم السلام)و لا يقتل إلاّ بأرض طيّبة زاكية،فهم الأوصياء الطيّبون(1).

خلواته:الذكوات البيض من الغريّين.

قال المفضّل:يا مولاي..كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟

قال(عليه السلام):إي و اللّه..لا يبقى مؤمن إلاّ كان بها أو حواليها،و ليبلغنّ مجالة فرس منها ألفي درهم،و ليودّن اكثر الناس أنه إذا قام القائم و دخل الكوفة،لم يبق مؤمن إلاّ و هو بها(2)(3)و قال الإمام الحسن بن علي(عليه السلام):لموضع الرجل(4)في الكوفة أحبّ إليّ من دار بالمدينة.(5)و قال الإمام الباقر(عليه السلام)-في حديث له عن الإمام المهدي-:...ثم يرجع الى الكوفة،فيبعث الثلاثمائة و البضعة عشر رجلا الى الآفاق كلّها،فيمسح بين اكتافهم و على صدورهم،فلا يتعايون(6)في قضاء..

ص:543


1- (1) تفسير العياشي ج 1 ص 66.
2- (2) لعلّ الصحيح هو:«لم يبق مؤمن إلاّ و هواها»أي:مال اليها و أحبّ السكنى فيها،و قد كانت أصول الكتابة-فيما مضى-تبدّل الألف بالياء،مثل:«وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها»و يؤيّد ذلك رواية أخرى تقول:«..فلا يبقى مؤمن إلاّ كان فيها،او حنّ اليها».
3- (3) بحار الانوار ج 52 ص 385 ح 197.
4- (4) الرجل:القدم.
5- (5) بحار الانوار ج 52 ص 385 ح 198.
6- (6) لا يتعايون:لا يعجزون عن معرفة الأحكام و القضايا.

و عن الإزدهار العمراني في الكوفة،يقول الإمام الصادق(عليه السلام):إذا قام قائم آل محمد(صلوات اللّه عليهم)...اتّصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء.(1)

و سأل المفضّل من الإمام الصادق(عليه السلام):يا سيّدي..

فأين تكون دار المهدي و مجتمع المؤمنين؟

قال(عليه السلام):دار ملكه:الكوفة،و مجلس حكمه:

جامعها،و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين:مسجد السهلة،و موضع اشترى شبرا-من أرض السبع-بشبر من ذهب....و لتصيرنّ الكوفة أربعة و خمسين ميلا،و ليجاورنّ قصورها كربلاء..»

ص:544


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 336.

أكبر مسجد في العالم

المساجد في العالم كثيرة،و مختلفة من حيث المساحة و البناء،و صلوات الجماعة تقام في كثير من المساجد،في أيام الجمعة و غيرها.

و المذاهب الأربعة تجوّز الصلاة خلف كلّ برّ و فاجر،لكنّ المذهب الشيعي الذي هو مذهب أهل البيت(عليهم السلام)-يشترط في إمام الجماعة:العدالة،بمعنى التقوى و أداء الواجبات و ترك المحرّمات الشرعيّة.

و على هذا جرت السيرة،فانّ الشيعة يقتدون في صلواتهم بالعلماء و الفضلاء و المجتهدين و مراجع التقليد.

و من الواضح أنّ إمام الجماعة كلّ ما كان أكثر علما و عدالة و تقوى، فإنّ صلاته تكون أقرب الى القبول،و تكون الصلاة خلفه أكثر ثوابا و أعظم أجرا.

فكيف بالصلاة خلف الإمام المعصوم الذي هو مجمع لكلّ الفضائل و المناقب؟!

لا شك أنّ الصلاة خلفه أعظم أجرا من الصلاة خلف غيره.

و من المؤسف جدا أنّ الأمة الاسلاميّة حرمت من هذا الثواب العظيم و الأجر الجزيل،منذ وفاة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)

ص:545

الى يومنا هذا!

نعم..في عهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليهما السلام)حظي بعض المسلمين و فازوا بثواب الصلاة خلفه(عليه السلام) خلال سنوات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

و أيام قلائل إستطاع الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)أن يصليّ بالناس.

ثم أغلق هذا الباب،و تصدّى لإمامة الجماعة مدّعو الخلافة، و أمراء البلاد،أمثال:إبن آكلة الأكباد معاوية بن أبي سفيان القذر،و ابنه يزيد بن معاوية الخمّار الزنّاء الفاسد الفاسق،و الوليد بن عقبة الذي صلىّ بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات،لأنّه كان سكرانا،و تكلّم في حال الصلاة و تقيّأ الخمر في المحراب!!.

و كم لهؤلاء من نظائر و أشباه!!.

نعم..لم يستطع أحد من أئمة أهل البيت-بدءا بالإمام زين العابدين الى الإمام الحسن العسكري(عليهم السلام)-أن يصلّوا بالناس صلاة الجماعة،حتى أنّ الإمام الرضا(عليه السلام)لم يسمح له أن يصلّي بالناس صلاة العيد مرّة واحدة،بالرغم من كونه وليا للعهد،و قد ضربت الدراهم و الدنانير باسمه!!.

و عند ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)و وصوله الى الكوفة تتّجه أنظار المؤمنين اليها،لأن من الواضح أنّ أكثر الشيعة القاطنين في الكرة الأرضية سيبذلون جهودهم للهجرة الى الكوفة،و قد قرأت الحديث الذي

ص:546

يخبر عن إتّساع مدينة الكوفة من جميع جوانبها،و اتّصالها بمدينة كربلاء المقدسة،مع العلم أنّ المسافة بينهما-اليوم-اكثر من ستين كيلو مترا.

و الإمام المهدي(عليه السلام)يصلي صلاة الجمعة في المسجد الجامع بالكوفة،و من الطبيعي أنّ يتفايض المسجد من المصلّين،لأنّ المسجد-بالرغم من سعته في الوقت الحاضر-لا يسع لأكثر المصلين الذين يريدون الصلاة خلف الإمام المهدي(عليه السلام).

و السبب في ذلك:هو أنّ جميع الناس-بمختلف طبقاتهم و بلا إستثناء-يشتاقون الى الصلاة خلف الإمام و يتسابقون اليها،و لا يتخلّف عن الصلاة إلاّ العاجز عن المشي كالمقعد و الهرم..

و فيما يلي نذكر بعض الأحاديث التي تخبر عما سيجري هناك:

قال الإمام محمد الباقر(عليه السلام)-في حديث طويل-:

«يدخل المهدي الكوفة،و بها ثلاث رايات قد اضطربت بينها،فتصفو له، فيدخل حتى يأتي المنبر و يخطب،و لا يدري الناس ما يقول..من البكاء....فاذا كانت الجمعة الثانية قال الناس:يا بن رسول اللّه..

الصلاة خلفك تضاهي(تساوي)الصلاة خلف رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و المسجد لا يسعنا؟

فيقول(عليه السلام):أنا مرتاد لكم(أي:أطلب لكم) مسجدا يسعكم.فيخرج الى الغري(1)فيخط مسجدا له الف باب يسع

ص:547


1- (1) و في رواية انه يبني المسجد في ظهر الكوفة.و الغري:هو النجف الأشرف.

الناس..»(1)

و روي مثل هذا الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)

و لا يخفى أنّ إسناد التخطيط الى الإمام إنما هو من باب المجاز، و ليس معناه مباشرة الإمام التخطيط و البناء بنفسه،بل يأمر(عليه السلام)

بذلك،كما يقال:بنى الأمير المدينة.اي:انه أمر بذلك.

و على كلّ حال..فالمستفاد من هذا الحديث أنّ الامام المهدي(عليه السلام)يخرج الى الصحراء و يأمر بتخطيط مسجد لم يشيّد مثله في تاريخ البشر،له ألف باب.

و نفرض البناء هكذا:أن يكون في كل جانب-من جوانب المسجد الأربعة-مائتان و خمسون بابا،و من الطبيعي أن تكون الأبواب واسعة تناسب دخول الجماهير و خروجهم،فلا بد أن يكون عرض كل باب ثلاثة أمتار-على الأقل-و على هذا يكون عرض الأبواب الداخلة الى المسجد من أحد الجوانب الاربعة فقط سبعمائة و خمسين مترا،يضاف الى هذا العدد مسافة الجدران التي تبنى بين كل باب و باب،فلو قدّرنا مسافة الجدار بين كل بابين عشرة أمتار-على أقلّ التقادير-لكان طول الجدران-لا ارتفاعها-الفين و خمسمائة مترا،يضاف اليها سبعمائة و خمسون مترا،فيكون طول المسجد-في جانب واحد-ثلاثة الاف و مائتين و خمسين مترا،فاذا ضربنا هذا العدد في نفسه فستكون مساحة المسجد عشرة

ص:548


1- (1) بحار الأنوار.

ملايين،و خمسمائة و اثنين و ستين الفا،و خمسمائة متر مربّع، هكذا:10,562,500.

و من الطبيعي أن تبنى قريبا من المسجد المرافق الصحّية و أماكن للوضوء،تناسب هذا العدد الهائل من البشر.

و هذا العدد الكثير من الأبواب إنما هو لتسهيل دخول المصلّين و خروجهم،وقاية من الأزدحام و مضاعفاته.

و هذا الإنجاز العظيم و المشروع الكبير هو أحد إنجازات الإمام المهدي(عليه السلام)في عصره الزاهر المشرق.

ص:549

الامام المهدي«عليه السّلام»في فلسطين

لقد ذكرنا-في الحديث عن السفياني-أنّ الامام المهدي(عليه السلام)يتوجّه نحو الشام للقضاء على السفياني،و ذلك بعدما يقصد الكوفة و تستقيم له فيها الامور.

و يكون السفياني-يومذاك-بوادي الرملة،في فلسطين،شمال شرقيّ القدس.

و يصل الامام المهدي(عليه السلام)بجيشه الكبير الى فلسطين، و تقع الحرب بين الجيشين هناك،و ينتهي الامر-أخيرا-بانتصار الامام و هزيمة السفياني و فنائه.

و تقول الأحاديث:إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يتواجد عند باب مدينة الّلد في فلسطين

و لا نعلم ماذا سيكون موقف السلطات الحاكمة على فلسطين و الأردن-يومذاك-تجاه الإمام المهدي(عليه السلام)إلاّ أنّ الثابت أنّ الإمام المهدي يسحق جميع الحكومات الظالمة،و يقضي على كل الحكّام المنحرفين.

و هناك..عند باب مدينة اللّد،ينزل النبي عيسى بن مريم

ص:550

(عليهما السلام)من السماء الى الارض لبيعة الإمام المهدي(عليه السلام و اليك التفصيل في الفصل القادم.

ص:551

نزول عيسى بن مريم من السماء

يعتبر نزول النبي عيسى بن مريم(عليه السلام)من السماء-عند قيام الإمام المهدي عليه السلام-من الحقائق الثابتة عند جميع المسلمين- على اختلاف مذاهبهم-و من الأمور التي لا تقبل الشك و الجدل.

و لعل الحكمة الوحيدة في نزوله عند قيام الامام المهدي(عليه السلام)هي تقوية جانب الامام المهدي،و الاعتراف و التصديق بأنه حق لا ريب فيه،و خاصة بعد اقتدائه بالامام المهدي في الصلاة-كما ستعرف ذلك-.

و يعتبر نزول عيسى الى الأرض من أعجب الأعاجيب و أهمّ الحوادث،و اعظم الآيات و أكبر الدلالات.

أليس من العجيب أنّ إنسانا كان يعيش على الأرض،ثم عرج به الى السماء،و عاش هناك أكثر من ألف و تسعمائة سنة ثم يهبط الى الأرض؟!

مع الإنتباه الى أنّ هذا الإنسان يمتاز عن غيره بأنّه:

أولا:نبي من أنبياء اللّه تعالى،و من أولي العزم.

ثانيا:أنّه صاحب شريعة و كتاب سماوي-و إن امتدّت يد التحريف و التشويه الى شريعته من بعده-.

ص:552

ثالثا:أنّه خلق من غير أب.

رابعا:أنّ أمّته-اليوم-حوالي الف مليون نسمة،بما فيهم الملوك و الأمراء و رؤساء الجمهوريّات،و غيرهم من كافّة الطبقات.

خامسا:أنّ ملايين من تماثيله منصوبة على الكنائس و المدارس، و معلّقة على صدور أتباعه،و موجودة في البيوت و المحلاّت.

أضف الى ذلك:العقائد الشاذّة الموجودة عند المسيحيّين تجاه عيسى بن مريم،فمنهم من يعتقد أنه إبن اللّه،أو أنّه اللّه..تعالى اللّه عمّا يقول الكافرون و المشركون.

و على كلّ حال..فالنبي عيسى أقدس موجود عند المسيحيين، و من الطبيعي أنّ بقيّة الملل و الأديان لا تتجاهل هذه الشخصيّة.

و كذلك المسلمون،يضعون المسيح في المكان اللائق به،إتباعا للقرآن الكريم الذي ذكر المسيح بالنزاهة و التبجيل،في مواضع عديدة منه.

و نظرا لأهميّة هذه الحقيقة-و هي نزول عيسى من السماء-تجد أحاديث كثيرة متواترة،تصرّح بهذا المعنى.

و عندما نراجع موسوعات الحديث نجد الكثير من علماء السنّة و حفّاظهم و أئمّة الحديث يذكرون نزول عيسى بن مريم من السماء عند قيام الإمام المهدي(عليه السلام)،و إن كان بعضهم لا يعجبه التصريح بهذه الحقيقة،فتراه يشوّه الحديث،فيحذف أوّله أو آخره،أو يتلاعب بألفاظ

ص:553

الحديث لأهداف يعلمها اللّه تعالى.

فهذا البخاري-الذي يعتبر عند السنّة من أئمة الحديث،و يعتبرون كتابه في قمّة الكتب الصحاح-يذكر إقتداء النبي عيسى بالإمام المهدي (عليه السلام)و لكن مع رعاية الإجمال و الإبهام،فتراه يروي الحديث هكذا:«عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) كيف أنتم إذا نزل إبن مريم فيكم و إمامكم منكم؟».(1)

و يذكره مسلم في صحيحه(2)و الديلمي في كتابه فردوس الأخبار، حرف الكاف،و أحمد بن حنبل في مسنده(3)

و يأتي نعيم بن حمّاد-شيخ البخاري-و يذكر نزول عيسى من السماء،و لكنّه لا يعجبه التصريح باسم الإمام المهدي(عليه السلام) فيروي الحديث بأسناده عن كعب هكذا:قال:يهبط المسيح عيسى بن مريم عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي،طرف السحر(أي:

يكون نزوله في وقت السحر)،تحمله غمامة،واضعا يديه على منكب

ص:554


1- (1) صحيح البخاري،باب نزول عيسى بن مريم،ج 2 ص 158،طبع المطبعة الميمنية بمصر،سنة 1312 ه.
2- (2) صحيح مسلم،كتاب الإيمان،باب نزول عيسى بن مريم،ج 2 ص 500
3- (3) مسند أحمد ج 2 ص 336،طبع المطبعة الميمنية بمصر،سنة 1313 ه.و رواه الشبلنجي في كتابة نور الأبصار ص 170 طبع مصر 1384 ه،و رواه يوسف بن يحيى الشافعي في كتاب عقد الدرر،الباب العاشر ص 229،نقلا عن صحيح البخاري و صحيح مسلم.

ملكين،عليه ريطتان(1)مؤتزا باحداهما،مرتديا بالأخرى(2)،إذا أكبّ رأسه يقطر منه كالجمان(3)،فيأتيه اليهود فيقولون:نحن أصحابك.

فيقول:كذبتم.ثم تأتيه النصارى فيقولون:نحن أصحابك.فيقول:

كذبتم،بل أصحابي المهاجرون،بقيّة أصحاب الملحمة،فيأتي مجمع المسلمين حيث هم،فيجد خليفتهم يصلّي بهم،فيتأخّر المسيح حين يراه، فيقول:يا مسيح اللّه صلّ بنا.فيقول:بل أنت فصلّ بأصحابك فقد رضي اللّه عنك،فانما بعثت وزيرا و لم أبعث أميرا،فيصليّ بهم خليفة المهاجرين ركعتين مرّة واحدة،و ابن مريم فيهم...الى آخر كلامه.(4)

ثم يروي نعيم بن حمّاد-أيضا-حديثا آخر عن حذيفة بن اليمان عن النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)،فتراه يتلاعب بالفاظ الحديث، و يقول:«فيهبط عيسى،فيرحّب به الناس،و يفرحون بنزوله لتصديق حديث رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)ثم يقول للمؤذّن:أقم الصلاة،ثم يقول الناس:صلّ بنا،فيقول:إنطلقوا الى إمامكم فليصلّ بكم فإنّه نعم الإمام،فيصلّي بهم إمامهم،فيصلّي معهم عيسى.(5)

و هكذا رأيت-أيها القارىء-كيف تلاعب هؤلاء بهذه الأحاديث

ص:555


1- (1) الريطة-بفتح الراء-:كل ملاءة إذا كانت قطعة واحدة.
2- (2) أي:يجعل إحدهما إزارا و الأخرى رداءا.
3- (3) الجمان-بضم الجيم و تخفيف الميم-:جمع جمانة و هي اللؤلؤة،و لعلّ المعنى أنّ العرق او الماء يتساقط من رأسه كاللؤلؤ.
4- (4) كتاب الملاحم و الفتن لأبن طاووس باب 187 ص 83.
5- (5) الملاحم و الفتن لإبن طاووس،باب 187 ص 84.

فلم يصرّحوا باسم الإمام المهدي(عليه السلام)بل عبّروا عنه-تارة- ب-«إمامكم»و أخرى ب-«خليفتهم»و في بعض كتبهم ب- «أميرهم».

و لكن في نفس الوقت تجد بعض علمائهم-ممّن لم تطغ إتّجاهاتهم على أقلامهم-يروون هذا الحديث بلا تشويه أو تمويه أو تحريف.و فيما يلي نذكر بعض تلك الأحاديث:

عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«منّا الذي يصلّي إبن مريم خلفه».(1)و عن حذيفة بن اليمان قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«يلتفت المهدي و قد نزل عيسى بن مريم كأنّما يقطر من شعره الماء(2)فيقول المهدي:تقدّم و صلّ بالناس!.

فيقول عيسى بن مريم:إنّما أقيمت الصلاة لك.فيصلّي عيسى خلف رجل من ولدي،فاذا صليت قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه.(3)

و عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«...و الذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم

ص:556


1- (1) عقد الدرر،الباب العاشر ص 230 ينابيع المودة للقندوزي الحنفي و رواه الحافظ أبو نعيم في كتابيه:الأربعين و حلية الأولياء.
2- (2) أي:إن شعر رأسه يلمع كأنه دهّن شعره،أو غسله بالماء.
3- (3) عقد الدرر ص 229-230،طبع مصر 1399 ه،و قال بعد ذكر الحديث: اخرجه الحافظ أبو نعيم في(مناقب المهدي)و الطبراني في معجمه.

واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي،فينزل عيسى بن مريم فيصلّي خلفه...».(1)

و قال امير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)-في قصّة الدجّال-:...و يدخل المهدي(عليه السلام)بيت المقدس و يصلّي بالناس إماما،فاذا كان يوم الجمعة و قد أقيمت الصلاة،نزل عيسى بن مريم(عليه السلام)بثوبين مشرقين،أحمر،كأنّما يقطر من رأسه الدهن،رجل الشعر(2)صبيح الوجه،أشبه خلق اللّه بأبيكم إبراهيم خليل الرحمن،فيرى المهدي عيسى،فيقول لعيسى:يابن البتول صلّ بالناس(3)

فيقول:لك أقيمت الصلاة.فيتقدّم المهدي(عليه السلام) فيصلّي بالناس،و يصلّي عيسى خلفه و يبايعه..»

و الآن..نذكر بعض ما قاله علماء العامّة حول نزول عيسى عند قيام الإمام المهدي(عليه السلام):

قال الآلوسي(4):و المشهور نزوله-أي:عيسى-(عليه السلام)- بدمشق و الناس في صلاة الصبح،فيتأخّر الامام-و هو المهدي-فيقدّمه

ص:557


1- (1) فرائد السمطين للجويني الشافعي ج 2 ص 312
2- (2) أي:مسرّح الشعر،كالذي إستعمل المشط.
3- (3) البتول:هي المرأة التي لا ترى دم الحيض و النفاس،و قد كانت السيدة مريم-والدة عيسى-طاهرة..لا ترى دما،كما ورد ذلك في الأحاديث.
4- (4) في كتابه روح المعاني ج 25 ص 95،في تفسير الآية 59 من سورة الزخرف.

عيسى(عليه السلام)و يصلي خلفه و يقول:إنّما أقيمت لك.

و في كتاب الحاوي على الفتاوى ج 2 ص 167 قال السيوطي-في الردّ على من أنكر أنّ عيسى يصلّي خلف المهدي-:هذا من أعجب العجب،فان صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدّة أحاديث صحيحة بإخبار رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و هو الصادق المصدّق الذي لا يخلف خبره.

ثم ذكر السيوطي بعض ما روي في هذا المجال.

أيها القارىء الكريم:هذه بعض الأحاديث و بعض مصادرها من كتب العامّة،و أقوال علمائهم حول نزول عيسى بن مريم من السماء عند قيام الإمام المهدي(عليه السلام).

أمّا الأحاديث الواردة في كتب الشيعة المروية عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)فكّلها تصرّح باقتداء عيسى بن مريم(عليهما السلام)بالإمام المهدي(عليه السلام) و لا نبالغ إذا قلنا:إنّ نزول عيسى من السماء و اقتداءه بالإمام المهدي يعتبر-عند الشيعة-من الأمور القطعيّة،بل من أشهر القضايا،حتى جاء في كتاب عيون المعجزات(1):انّ رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) أخبر الأئمة بخروج المهدي خاتم الأئمة،الذي يملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،و أنّ عيسى ينزل عليه وقت خروجه و ظهوره و يصلّي خلفه.

ص:558


1- (1) لحسين بن عبد الوهّاب،و هو من علماء القرن الخامس الهجري.

ثم قال:و هذا خبر قد اتّفقت عليه الشيعة،و العلماء و غير العلماء، و السنّة،و الخاص و العام،و الشيوخ و الأطفال،لشهرة هذا الخبر.

أقول:و لنا كلام حول نزول عيسى بن مريم(عليه السلام)سيأتي في فصل(كيف تخضع له الدول و الحكومات)إنشاء اللّه.

ص:559

الدّجّال

هذا الاسم مشتق من الدجل-بفتح الدال و الجيم-و معناه:التمويه و التغطية و الخداع و الكذب.

و(الدجّال)صفة لرجل يخرج قبل ظهور الامام المهدي(عليه السلام)و ليس المقصود منه:الحضارة الغربية او المدنية الحديثة التي تجلب القلوب،كما زعم ذلك بعض المعاصرين.

و يخرج الدجال في ظروف قحط و جدب،و لا يتّبعه الا سفلة الناس و أراذلهم،و من الطبقة الملوثة المنحطة،كنساء الشوارع و اولادهم و اليهود و غيرهم.

و يستفاد من الاحاديث ان الدجال رجل اعور،و انه يعرف شيئا من الشعوذة و السحر و التصرّف في العيون،و لهذا يقوم باعمال سحرية يخيّل الى الناس انها حقائق،فلا عجب اذا ادعى النبوة-اولا-ثم ادعى الربوبية-ثانيا-و قال:انا ربكم الاعلى!!

و قد ذكرنا-فيما مضى-ما يتعلق بالشلمغاني و نظرائه،من الذين ادعوا الحلول و الربوبية.و الكثير من الاحاديث-الواردة حول الدجال- لا تطمئن اليه النفس،لأنها مشوشة و مضطربة،و ما يدرينا لعلها رموز و إشارات غير مفهومة في زماننا هذا،و سوف يكشف المستقبل عن حقيقتها.

ص:560

و على كل حال..تنتهي حياة ذلك الرجس في فلسطين،حين يأمر الامام المهدي(عليه السلام)عيسى بن مريم(عليه السلام)فيقتل الدجال،و يريح العباد و البلاد من شره و فتنته.

نكتفي بهذا الموجز،و التفاصيل موجودة في موسوعات الاحاديث.

ص:561

الفصل التاسع عشر

اشارة

كيف تخضع له الدّول و الحكومات؟

هذا السؤال يأتي في طليعة الأسئلة التي تطرح حول ظهور الإمام المهدي(عليه السلام).

فالكثيرون يتساءلون:كيف تخضع الحكومات للامام المهدي؟ و كيف ينتصر على الدول و الحكومات؟كيف يكون موقف الحكومات و الدول الكبرى تجاه الإمام المهدي؟

إنّ هذا الموضوع حسّاس جدا،و الإجابة عليه يتطلّب شيئا من الشرح و التحليل،فنقول:

إنّ الحكومات و الدول انما تتكوّن من افراد و هي الهيئة الحاكمة، و من الطبيعي أنّ كل فرد منهم يدرك الامور و يفهم الوقائع.

و الحكومات تعتمد على الاسلحة و العتاد،و الاسلحة بيد الجيش من اصغر جندي إلى أكبر قائد،و تعتمد أيضا على القوات المسلّحة كالشرطة او الجيش الشعبي او الانضباط العسكري،و هذه هي الاجهزة التي تعتمد عليها الدول و الحكومات و تتقّوى بها،و تحارب بها الاعداء.

فماذا تصنع الحكومات اذا كانت الأجهزة غير موافقة لها او غير منقادة لها؟

و ماذا تصنع الهئية الحاكمة او الطبقة الحاكمة مع الاجهزة التي لا تتفق معها فكريا و عقائديا؟

ص:562

إنّ الحكومات تخاف من جيوشها اكثر من خوفها من جيوش العدو،لأنه يمكن القضاء على العدو بالجيوش الموجودة في الدولة،و لكن كيف يمكن القضاء على الجيش إذا تمرّد كلّه او أكثره؟

إن الحكومات لا تملك وسيلة أمام القوات المسلّحة إذا انحرفت او اختلفت فكريا عنها.

نعم،هناك وسيلة او محاولة واحدة لضرب الجيش و ذلك عن طريق الاستنجاد و الاستعانة بالشعب،و هذه المحاولة تفشل اذا كان الشعب يضم صوته الى الجيش و ينحاز اليه،و يثور ضد الطبقة الحاكمة الظالمة.

و لقد سبق أن ذكرنا أنّ الرسول(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أخبر عن الامام المهدي(عليه السلام)أنه يخرج بالسيف.و هذه الكلمة اتخذها المستهزئون وسيلة للتهريج فجعلوا يسخرون قائلين:ما فائدة السيف في مقابل الاسلحة الفتّاكة التي لا تذر من شيء أتت عليه ألاّ جعلته رمادا؟

كالقنابل على اختلاف انوعها و اقسامها و الصواريخ القريبة و البعيدة المدى،و المدافع و الرشاشات و البندقيات و المسدّسات و الدبابات و المدرّعات و المصفّحات و غيرها من الوسائل البرية و البحرية و الجوية المدمرة المبيدة للبشر.

فما قيمة السيف و ما تأثيره أمام هذه الأجهزة و الوسائل السريعة الابادة؟؟

ص:563

للاجابة على هذا السؤال لا بأس بذكر مقدمة،لعلها تكون ضرورية و مفيدة:

لقد مرّ عليك-فيما مضى-عدد غير قليل من الاحاديث التي صرحت بنزول عيسى بن مريم(عليه السلام)من السماء.

و قد ثبت أنّ اللّه تعالى رفع نبيه عيسى بن مريم(عليه السلام)الى السماء،بدليل قوله سبحانه-في ردّ من ادّعى قتله-:وَ قَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ،وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ،وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ،ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ،وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً،بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ (1).

و الأحاديث حول صعود عيسى بن مريم(عليه السلام)الى السماء كثيرة،و أنه موجود في السماء حي يرزق،و قد مضى على صعوده اكثر من الف و تسعمائة سنة،و قد ذكرنا شيئا من تلك الاحاديث.

و تلك الاحاديث تصرّح بأنّ عيسى بن مريم(عليه السلام)ينزل من السماء عند ظهور الامام المهدي(عليه السلام)و انه يقتدي بالامام المهدي في الصلاة،و يصلي خلف الامام المهدي.

فانظر الى حكمة اللّه البالغة و تدبيره العظيم،حيث انه رفع عيسى بن مريم الى السماء ليدخره ليوم عظيم و هدف كبير و غاية اسمى.

ص:564


1- (1) سورة النساء آية 157-158

فما هي الفائدة و الحكمة في نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) الى الارض عند ظهور الامام المهدي؟!و ما العلاقة بين نزول هذا من السماء و ظهور ذاك؟!

و ما المناسبة بين هاتين الحادثتين؟

قبل كل شيء..ينبغي أنّ لا ننسى ان عدد المسيحيين في العالم اليوم اكثر من الف مليون نسمة،فمثلا:رؤساء و شعوب الدول الاوروبية، كلّهم او اكثرهم مسيحيون،و أكثر رؤساء الدول الافريقية و شعوبها مسيحيون،و الدول الامريكية-الشمالية منها و الجنوبية-مسيحيون.

و عقيدة المسيحيين في عيسى بن مريم(عليه السلام)مشهورة معروفة مذكورة في القرآن.قال تعالى:وَ قالَتِ النَّصارى:اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ (1)و قال سبحانه:وَ إِذْ قالَ اللّهُ:يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ:سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ،إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ (2)و قال عز و جل:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (3).

و قال الشاعر:

عجبا للمسيح بين النصارى حيث قالوا:إنّ الإله أبوه

ص:565


1- (1) سورة التوبة آية 30
2- (2) سورة المائدة آية 116
3- (3) سورة المائدة آية 17

ثم قالوا:ابن الإله إله ثم قاموا بجهلهم عبدوه

و في زماننا-هذا-نجد المنشورات الضالّة التي ينشرها المبشّرون المسيحيون تصرح بهذه الاكذوبة،كقولهم:يسوع الرب..الرب يسوع..الإله المخلّص.و امثالها من كلمات الكفر..تعالى اللّه عما يقولون علوا كبيرا.

فاذا سمع المسيحيون بأن عيسى بن مريم(عليه السلام)قد نزل من السماء،و اقتدى بالامام المهدي(عليه السلام)فهل تبقى في العالم حكومة مسيحية او شعب مسيحي يحارب الامام المهدي؟!

كلاّ..بل تجد المسيحيين يدخلون تحت راية الامام المهدي(عليه السلام)و يعتنقون الدين الاسلامي.و فيما يلي نذكر بعض الاحاديث التي تشير الى هذا المعنى:

روي عن الامام محمد الباقر(عليه السلام)انه قال-في خبر طويل-:..فاذا اجتمع عنده عشرة آلاف رجل،فلا يبقى يهودي و لا نصراني الا آمن به و صدّقه(1).

و روي هذ الحديث بصورة اخرى و هي:«...فاذا اجتمع عنده العقد-عشرة آلاف رجل-فلا يبقى يهودي و لا نصراني و لا احد ممّن يعبد غير اللّه تعالى الا آمن به و صدّقه،و تكون الملّة واحدة:ملّة الاسلام، و كل ما كان في الارض-من معبود سوى اللّه تعالى-تنزل عليه نار

ص:566


1- (1) كتاب العرائس الواضحة لعبد الهادي الابياري ص 209

من السماء فتحرقه(1).

و روي عن الامام علي امير المؤمنين(عليه السلام)انه قال:اذا بعث السفياني الى المهدي جيشا فخسف به بالبيداء،و بلغ ذلك اهل الشام قالوا لخليفتهم:قد خرج المهدي فبايعه و ادخل في طاعته،و الاّ قتلناك،فيرسل اليه بالبيعة.

و يسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس،و تنقل اليه الخزائن، و تدخل العرب و العجم و اهل الحرب و الروم و غيرهم في طاعته،من غير قتال،حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية و ما دونها.الى آخر كلامه(عليه السلام)(2).

أقول:بناءا على هذا..سوف تتعطّل الاسلحة-بجميع انواعها-عن الاستعمال،اذ تنتفي الحاجة الى استعمالها.

و أمّا اليهود..فانهم يجتمعون عند الامام المهدي(عليه السلام) فيخرج لهم ألواح التوراة المدفونة في بعض الجبال،فيجدون فيها أوصاف الامام و علائمه،فلا يبقى يهودي الاّ و يعتنق دين الاسلام.

روي عن الامام الباقر(عليه السلام)انه قال:«...و إنما سمّي «المهدي»لأنه يهدى الى أمر خفي،و يستخرج التوراة و الانجيل من أرض يقال لها انطاكية(3).

ص:567


1- (1) كتاب نور الأبصار للشبلنجي المصري باب 2 ص 155
2- (2) كتاب كنز العمال للمتقي الهندي ج 2 ص 261
3- (3) كتاب عقد الدرر

و في بعض الروايات:و انما سمي(المهدي)لانه يهدى الى اسفار من التوراة فيستخرجها من جبال الشام،فيدعو اليها اليهود،فيسلم على تلك الكتب-جماعة كثيرة نحوا من ثلاثين الفا(1).

و في كتب اسعاف الراغبين:و ان المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار انطاكية،و أسفار التوراة من جبل بالشام،يحاجّ به اليهود، فيسلم كثير منهم(2).

أقول:الظاهر ان الدفعة الاولى-التي تدخل في الاسلام من اليهود-هم ثلاثون ألفا،ثم تتوالى الدفعات،حتى لا يبقى يهودي الا و يدخل في الاسلام.

هذا بالنسبة الى اليهود و النصارى.

و أمّا سائر الأديان و الملل،فمن الواضح أنّ هذا التبدّل المفاجىء العظيم الذي يحصل في الدول و الشعوب سوف يترك أثرا كبيرا على الحكومات اللادينية،كبلاد الصين و السوفيات و كثير من بلاد الشرق الأقصى،فهي لا تستطيع ان تتجاهل هذه الحقيقة التي تغيّر مجرى حياة اهل العالم،خاصة و ان الامام المهدي(عليه السلام)يرسل اليهم الدعاة و المبلّغين لكي يدعوهم الى الاسلام الصحيح الكامل الذي لا زيادة فيه و لا نقصان،فلا تستطيع تلك الدول الا الخضوع و الانقياد للحاكم الجديد القوي المقتدر،و قد قرأت-في حديث مضى-انه لا يبقى احد

ص:568


1- (1) كتاب الفتن لنعيم بن حماد
2- (2) كتاب إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص 127.

ممن يعبد غير اللّه تعالى الا و يؤمن بالامام المهدي(عليه السلام) و يصدّقه.

و أمّا الشيعة-الذين يقدّر مجموعهم في العالم بعدد نصف المسلمين- فمن الواضح أنهم سوف يكونون في طليعة الشعوب التي تلتفّ حول الامام المهدي(عليه السلام)و تندمج تحت لوائه.

و هكذا يسود الاسلام و السلام في كافّة بقاع الارض،و ترى الشعوب و الحكومات تدخل في دين اللّه أفواجا.

هذا اذا كان ظهور الامام المهدي(عليه السلام)قبل وقوع الحرب العالمية الثالثة المتوقّعة،أمّا إذا وقعت الحرب العالمية الثالثة(لاسمح اللّه)و كان ظهور الإمام بعد الحرب،فلا يمكن تقدير ما يتبقّى من البشر على وجه الارض،و خاصّة بعد استعمال القنابل الذرية و الهيدروجينية و أمثاله من وسائل الابادة و الاعدام.

و معنى ذلك أنّ الامام(عليه السلام)يظهر بعد أن يهلك أكثر من 60%من أهل الارض،و تبقى البقيّة الباقية و قد دمّرها الإرهاب و الإرعاب و حطّمها شبح الابادة،و انقلبت الحياة الى جحيم لا يطاق.

فعند ذلك يملّ البشر جميع الحضارات المزيّفة،و جميع النظريات الفاشلة،سواء منها الاقتصادية او الاجتماعية او ما اشبه ذلك،و يتنفّر البشر من تلك الحياة السوداء التي يكون الموت أفضل منها و أشرف.

عند ذلك ينتظر الناس كلّهم-على إختلاف طبقاتهم-من ينقذهم من تلك الويلات،و من تلك الأنظمة و القوانين التي ما زادت الناس إلاّ

ص:569

خسارا.

ينتظرون مصلحا يصلح مفاسد الحياة و يقضي على تلك التعاليم و الأنظمة التي هي عصارة ادمغة الجبابرة الطغاة،و الظالمين القساة، الذي كانوا يتفكّرون ليلا و نهارا كيف يضيّقون على الناس مجاري أنفاسهم؟!و كيف يشدّون عليهم وثاق العبودية و الرقّ؟!و كيف يسلبون منهم حرياتهم التي منحهم اللّه!

حينما يشعر البشر أن لا كرامة له،بسبب الضغط و الكبت الذي يشاهده في جميع مجالات حياته،فانه ينتظر من يقوم باغاثة البشر و انقاذهم من تلك الحياة.

و في هذا المجال روي عن الامام محمد الباقر(عليه السلام)انه قال:«دولتنا آخر الدول و لم يبق اهل بيت-لهم دولة-الا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا-اذا رأوا سيرتنا-:اذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء.و هو قول اللّه عز و جل:وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(1).

فاذا ظهر الامام المهدي(عليه السلام)خضع الجميع له، و سلموا اليه زمام امورهم،أملا في أن يكون خلاصهم على يديه.

هذا..و يمكن أن يسيطر الامام المهدي(عليه السلام)على الكرة الارضية و على الحكومات و الشعوب بطرق اخرى،و يمكن ان يقاوم تلك الاسلحة الفتّاكة بأسلحة اشدّ فتكا و أكثر دمارا منها.

ص:570


1- (1) كتاب الغيبة للطوسي ص 382

و ما المانع أن يعلّم اللّه عز و جل الامام المهدي(عليه السلام)أن يصنع أسلحة مضادة لجميع الاسلحة التي تستعملها حكومات اليوم، فتكون اقوى تأثيرا،و أسرع مفعولا،و أشد إبطالا للمعدات الحربية التي تعتمد عليها الدول الكبرى؟!

و لنا هنا مجال واسع للتحدّث حول امكانية وقوع هذه التصوّرات و لكننا نكتفي بهذا المقدار رعاية للاختصار.

هذا اذا تحدّثنا عن الموضوع من زاوية مادية طبيعية.

و أمّا اذا تكلّمنا و تحدّثنا على الصعيد الديني و العقائدي و ما وراء الطبيعة،فان أمامنا آفاقا واسعة مفتوحة للاحتمالات و التصوّرات.

فمنها:إلقاء الرعب في قلوب الكفار و المشركين و الحكّام المعادين للإمام المهدي(عليه السلام)،و قد صرّح القرآن الكريم بهذه الحقيقة و جعلها من أسباب إنتصار الرسول الأعظم(صلى اللّه عليه و آله و سلم) على حكومات و شعوب ذلك العهد،قال عز و جل:

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (1).

سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (2).

وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ،فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً (3)

ص:571


1- (1) سورة آل عمران آية 15.
2- (2) سورة الأنفال آية 12.
3- (3) سورة الأحزاب آية 26.

فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ (1).

و قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«نصرت بالرعب مسيرة شهر».

و قال أيضا:«اعطيت خمسا:...و نصرت بالرعب».

و بعد هذا..فلا مانع من أن ينتصر الامام المهدي(عليه السلام)بالرعب،اي:عن طريق القاء الرعب في القلوب،قلوب ذوي القدرة و اصحاب الامكانيات من رؤساء الدول،كما صرّحت بذلك الاحاديث الكثيرة،فقد روي عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال:«إنّ القائم منّا منصور بالرعب،مؤيّد بالنصر،تطوى له الارض،و تظهر له الكنوز كلها،و يظهر اللّه به دينه على الدين كلّه و لو كره المشركون»(2).

و قال(عليه السلام)-في تفسير قوله تعالى:أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ -:هو أمرنا،امر اللّه عز و جل أن لا نستعجل به حتى يؤيّده اللّه بثلاثة أجناد:الملائكة،و المؤمنين،و الرعب(3).

و قال الامام الباقر(عليه السلام):لو خرج قائم آل محمد(عليه السلام)لنصره اللّه بالملائكة المسوّمين و المردفين و المنزلين و الكروبيين(4)

ص:572


1- (1) سورة الحشر آية 2.
2- (2) كتاب إثبات الرجعة.
3- (3) كتاب الغيبة للنعماني.
4- (4) الملائكة الكروبيون-بتخفيف الراء و تشديد الياء-:هم سادة الملائكة و المقربون منهم

يكون جبرائيل امامه و ميكائيل عن يمينه،و إسرافيل عن يساره،و الرعب يسير مسيرة شهر أمامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله،و الملائكة المقربون حذاه..»(1).

و قال الامام الصادق(عليه السلام):اذا قام القائم(صلوات اللّه عليه)نزلت ملائكة بدر،و هم خمسة آلاف(2).

و من التصوّرات و الاحتمالات في هذا المجال:أن يزوّد اللّه تعالى الامام المهدي(عليه السلام)بما زوّد به أنبياءه،كتسخير الريح،كما سخّر ذلك لسليمان بن داود(عليهما السلام)و تسخير جوانب كثيرة من الطبيعة،فالريح تصنع كلّ شيء بأمر اللّه تعالى،و العواصف التي تؤثّر في الارض و الهواء و البحار لا يمكن التغافل عنها،و هكذا الصواعق التي لا يمكن ان تقاس بمقياس خيالي او تصوّري.

و بالنتيجة:يمكن للامام المهدي(عليه السلام)أن يهيمن-بإذن اللّه-على كافة مرافق الطبيعة،و يتصرّف فيها باذن اللّه و ارادته.

و بعد هذه التصوّرات-التي ليست بعيدة عن الحقيقة-ليست هناك مشكلة حول استيلاء الامام المهدي(عليه السلام)على العالم،و تحدّي القدرات،و إبطال المساعي و الجهود التي يبذلها المناوئون.

ص:573


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني.حذاه:
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني ص 243.

ما هي فائدة السيف؟

في هذا المجال..يأتي هذا السؤال:اذا كان الامام المهدي يستعين بتلك الوسائل المذكورة،فما هي فائدة السيف؟و ما المقصود من الاحاديث التي تقول:انه(عليه السلام)يقوم بالسيف؟!

الجواب:لقد فهم بعض العلماء أنّ المقصود من السيف-هنا-:

القوّة،لأن السيف هو رمز القوة.

و بعبارة اخرى:إنّ المعنى أنّ الامام المهدي(عليه السلام)ليس مأمورا بالمصانعة و المداراة مع الاعداء و الصبر على أذاهم،بعكس ما كان عليه جدّه الرسول الاعظم(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حيث كان مأمورا بالصبر على ما يلاقيه من الاعداء،و كانت الاوامر بالصبر تأتيه من عند اللّه،كقوله عز و جل:فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (1)و قوله تعالى:اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ (2)و غيرها من الآيات الآمرة له بالصبر.

إنّ الامام المهدي(عليه السلام)اذا ظهر لا يؤمر بالصبر و لا يحتاج الى الصبر،و انما عليه أن يأتي بالاسلام الصحيح و يطبّقه على العالم،و كلّ من خالف الاسلام او حال دون تطبيقه،فمصيره واضح في القانون الاسلامي.

ص:574


1- (1) سورة الأحقاف آية 35
2- (2) سورة ص آية 17.

و يمكن لنا أن نقول:إنّ المقصود من«السيف»-هنا-هو المعنى الحقيقي،و هي الأداة الجارحة المعروفة،فيكون المعنى أنّ الامام المهدي (عليه السلام)يستعمل السيف في تطبيق قانون العقوبات،فالذي يستحق القتل يقتل بالسيف لا بالرصاص و لا بالشنق-لأن الشنق يعتبر خنقا..لا قتلا-و لا بالاعدام بالكهرباء..و لا بالسم..و لا الموت تحت التعذيب،و لا أي نوع من انواع التعذيب التي تمارسها الحكومات في العالم،اليوم و غير اليوم،و انما بالسيف يضرب عنق المجرم،فتقطع أوداج رقبته فقط.

و هكذا كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يأمر بقتل من يستحق القتل بالسيف و ضرب الاعناق.

و على كل تقدير..لا يبقى مجال للمناقشة حول الموضوع بعد هذا الشرح المتواضع.

ص:575

الفصل العشرون

اشارة

كيف يحكم اذا ظهر؟

كيف يحكم الامام المهدي(عليه السلام)اذا ظهر؟

يعتبر هذا السؤال من جملة الأسئلة المهمّة في هذا المجال،و الاجابة عليه تستدعي ذكر مقدمة تمهيدية عن الحكم و القانون..فنقول:

إنّ من جملة العوامل التي لها كلّ التأثير في سعادة الشعب و شقائه، و إصلاحه و إفساده،هي القوانين السائدة الحاكمة في المجتمع،و خاصة في حقل الحكم و القضاء.

فالقوانين-بشتّى أقسامها و أنواعها،و في جميع جوانبها و مجالاتها- تعتبر هي الاداة التوجيهية و الجهاز التربوي الذي يسيّر المجتمع نحو الفضائل أو الرذائل،و يسوقهم نحو الخير او الشر.

و بتعبير آخر:إنّ مقدّرات حياة المجتمع رهينة للقوانين السائدة في ذلك المجتمع،فالقانون يهيّىء وسائل الثقافة،أو يعرقل وسائل الدراسة.

و بإمكان القانون أن يعطي الحريات في أوسع نطاق و يفسح المجال لكلّ انحراف،و بامكانه أن يحافظ على الاخلاق و القيم،و يكافح كلّ ما ينافي الوقار و الحشمة.

و القانون يؤدّي الى الثروة و الغنى و الرخاء و الرفاه،او يكوّن الفقر و الغلاء و المجاعة...و هكذا الى مئات الآلاف من الأمثلة التي يتحكّم

ص:576

فيها القانون.

و خلاصة القول:إنّ القانون هو الكلّ في الكل،و خاصة في مجال الحكم و القضاء،فالحاكم-او القاضي-بامكانه إغاثة المظلوم و إعانة الضعيف و انقاذ حقّه من الظالم،و بامكانه إبطال الحق و احقاق الباطل و سحق الحقوق و اهدار الدماء،و التلاعب بأموال الناس و أعراضهم.

هذه كلمة موجزة عن الحكم و القانون بصورة عامة.

و في الوقت الحاضر..في عالم اليوم..ملايين القوانين التي تطبّق على المجتمعات البشرية-سواء في البلاد الاسلامية و غيرها.-

و الجزء اليسير من هذه القوانين يطابق العقل و العدل،أمّا اكثرها فهي مناقضة لجميع المفاهيم و القيم و الاخلاق و الفضيلة و العدالة،و حتى للأديان السماوية.

فالقانون يعطي حريّة الدعارة و الاستهتار و ممارسة البغاء و الانحراف الجنسي،و تعاطي الخمور و الربا.و القانون يمنع السفر او الاقامة، و التجارة-من الاستيراد و التصدير-و بناء المساكن،و الزراعة،و تربية الدواجن،و لا يسمح بها إلاّ في شروط قاسية و ضرائب جائرة.

هذا..و لو أردنا ان نذكر مساوىء القوانين في البلاد،و المصائب، التي تصبّها على البشر،لا بتعدنا عن الموضوع المقصود بالذات و هو:كيف يحكم الامام المهدي(عليه السلام)اذا ظهر.

و نكتفي-هنا-بما يشعر به كلّ انسان تضايقه القوانين الظالمة، و تسلب منه حرية الانتفاع بالحياة..فنقول:إنّ جميع القوانين غير

ص:577

الاسلامية-بمختلف أقسامها-تلغى في عهد الامام المهدي(عليه السلام) و تطرح في سلّة المهملات و برميل القمامة،و لا تكون لها-يومذاك-قيمة و لا كرامة.

و يكون المصدر الوحيد للقانون-الذي يحكم على الارض-هو القرآن الكريم و السنّة النبويّة الصحيحة،السليمة من التلاعب و التزوير و الاختلاق.

و عند ذلك..يتخلّص البشر من ويلات القوانين الكافرة الجائرة، و يعيش تحت ظل القوانين الاسلامية العادلة،التي تحافظ على حقوق البشر،و توفّر لهم كل خير و رفاه،و توقف كلّ ظالم عند حدّه،و تسدّ أبواب الانحرافات،بجميع أقسامها و انواعها.

و يجب أن لا ننسى بأن القوانين الاسلامية الصحيحة،هي التي تضمن سعادة البشر في الدنيا و الآخرة.

و أما غيرها من القوانين،فالأوضاع السائدة في العالم،تعرّف حقيقتها و هويّتها:فالمفاسد و المظالم و المآسي و المشاكل و أنواع الحرمان و الكبت و الضغط..انما هي من نتائج و آثار هذه القوانين الوضعيّة،التي جرّت كلّ هذه الويلات على المجتمعات البشرية.

و يفهم كلامي هذا جيدا،كلّ من ابتلي بالوزارات الحكوميّة و الدوائر الرسمية و المحاكم القضائيّة..حيث أنّه يرى-بكلّ وضوح- كيف تغدر فيها الحقوق و كيف ينتصر الباطل،و كيف تهدر الكرامات، و كيف تموت العدالة،و كيف تحكم الرشوة،و كيف تؤثّر الوساطات

ص:578

و التوصيات الصادرة من الشخصيات الحكومية؟!!

و لبعض المحامين دور مؤسف مؤلم،في إبطال الحق و احقاق الباطل و سحق الحقوق،و خاصة اذا كان المدّعي او المدّعى عليه ضعيفا و عاجزا عن الدفاع عن نفسه،أو عن التشبّث بالوسائل الناجحة لانتصاره و تغلّبه على خصمه.

و انني أعتقد أنّ القوانين الاسلامية الصحيحة،الأحكام الالهية، لم تطبّق بكاملها إلاّ في عهد رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم) و عهد الإمام علي امير المؤمنين(عليه السلام)ثم صارت نسيا منسيا، أو جمّدت و بقيت مكتوبة في بطون الكتب فقط.

و أستطيع أن اثبت هذا المعنى في المجال المناسب،و لكنّني الخّص البحث-هنا-في هذه الكلمة:فأقول:إنّ الذي يراجع تاريخ الامويين و العباسيين و العثمانيين و أمثالهم من حكّام السوء،يعرف هذا الموضوع بكلّ وضوح.

و الواقع:إنّ الهدف الالهي لم يتحقّق بعد..فاللّه سبحانه خلق للبشر كلّ ما يحتاج اليه،من الماء و الهواء و الأرض و المعادن،و جعل التراب صالحا للزرع،مع تفاعل العناصر الأربعة من الشمس و الهواء و الماء و التراب،و سخّر الطبيعة للبشر،كي يعيش سعيدا في حياته،بأن تتوفّر له لوازم الحياة و ضرورياتها،من المأكل و الملبس و المسكن و غير ذلك.

و لكن الحكّام-على طول التاريخ،قبل الإسلام و بعده-هم الذين كانوا يستعبدون البشر،و يحولون بينه و بين الحياة السعيدة،فكان الملايين

ص:579

يعيشون في شقاء و يموتون في شقاء.

هذا من الناحية الدنيوية و حياة المعيشة.

و أمّا من الناحية العقائدية فاللّه تعالى بعث الانبياء و المرسلين الى البشر،لاصلاح عقائدهم،و غرس الايمان في قلوبهم،و ايقاظ فطرتهم، و اثارة دفائن عقولهم،و استخراج مواهبهم،و تفجير طاقاتهم.

و خلاصة القول:إنّ اللّه سبحانه بعث الانبياء لاصلاح حياة البشر،من الناحية العقائدية و الحيوية و الاقتصادية و الاجتماعية و العائلية..و كلّ النواحي الاخر.

و أكثر أفراد البشر حاربوا هؤلاء المصلحين،و لم يقبلوا نصائحهم، و أهانوهم و استهزؤا بهم و قتلوهم،و القرآن الكريم:يحدّثنا عن موقف بعض الامم تجاه أنبيائهم.

كانت هذه لمحة خاطفة عن تاريخ الانبياء و البشر.

و أمّا بالنسبة الى نبيّنا محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)فالقرآن الكريم-أيضا-يحدّثنا عن بعض ما قام به المشركون و الكفّار ضدّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم).و الحروب و الغزوات-التي حدثت بعد الهجرة إلى وفاة رسول اللّه-كلّها شواهد على تلك المواقف المخزية لبعض افراد البشر تجاه رسول اللّه،ذلك النبي العظيم،و المصلح الحكيم، و الأب العطوف.

و بعد اللّتيا و الّتي..استقرّ الإسلام و قويت أركانه،و صار الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا،فأمر اللّه رسوله أن ينصب الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)خليفة من بعده و اماما على امّته،و وليّا للأمر

ص:580

على الناس.

و امتثل رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)أمر اللّه و نفّذ حكمه،بعد أن رجع من حجّة الوداع و وصل الى أرض(خم)و جمع الناس فكانوا مائة و عشرين ألفا-و قيل أكثر من ذلك-و خطب فيهم خطبة جليلة طويلة،ثم أخذ بيد الإمام علي(عليه السلام)و قال:«من كنت مولاه فهذا علي مولاه»و أمرهم باتباعه و اطاعته،و حذّرهم من مخالفته و منابذته،و لكن اكثر المسلمين خالفوا أمر الرسول و لم يثبت على طاعته إلاّ القليل.

فجاء الى الحكم أفراد اتّبعوا أهواءهم أكثر من اتّباعهم القانون الاسلامي النزيه،فجرى ما جرى على الأجيال البشرية-في خلال هذه القرون-من أنواع المصائب و الآلام و الفجائع،و ما تجلّى جمال القانون الاسلامي الكامل للبشر،خلال هذه القرون،فكان الناس يظنّون أنّ الاسلام هو ما يشاهدونه من الحكّام و القوانين الصادرة منهم.

حكم الامام المهدي(عليه السلام)

عندما نتحدّث عن حكم الامام المهدي(عليه السلام)فانّ الحديث يدور حول نقطتين:

النقطة الأولى:إصدار الأحكام و وضع القوانين و التعليمات في مختلف المجالات.

النقطة الثانية:القضاء بين الناس،سواء ترافع اليه الخصمان أم لا.

بالنسبة الى النقطة الاولى..ذكرنا-قبل قليل-أنّ جميع القوانين غير الاسلامية تلغى و تهمل و لا يعمل بها أبدا،و تأتي الاحكام الاسلامية

ص:581

-المنبعثة عن القرآن الكريم و السنّة النبوية الصحيحة-و تسود العباد و البلاد و تطبّق على المجتمع..

و خلاصة القول:إنّ جميع الانجازات و الأحكام التي طبّقها رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و الإمام علي امير المؤمنين(عليه السلام)-في شتّى الميادين و في كافة المجالات-سوف يطبّقها الإمام المهدي(عليه السلام)في عصره.

و يقوم(عليه السلام)بانجازات اخرى-و هي أيضا من صميم الإسلام-كبناء الجسور و السدود،و توسيع الشوارع و الطرق الرئيسية، و حفر الأنهار،و نصب المطاحن عليها،و السماح للناس لاحياء الأراضي الموات و الانتفاع ممّا خلق اللّه تعالى،كالمعادن-على اختلاف انواعها-.

هذه كلمة موجزة عن حكم الامام المهدي(عليه السلام)بعد ظهوره و قيامه.

و اما بالنسبة الى النقطة الثانية..فنقول:

قضاء الامام المهدي(عليه السلام)

إنّ قضاء الإمام المهدي(عليه السلام)بين الناس،يمتاز عن قضاء أجداده الطاهرين(عليهم السلام)بمزيّة خاصة و هي:أنّه يحكم بعلمه و اطّلاعه بالحوادث و الوقائع،و لا ينتظر شهادة الشهود،و لا الأدلّة التي تثبت الإدّعاء.

و الكلام-هنا-في نقطتين:

ص:582

النقطة الاولى:لقد تكرّر منّا-في هذا الكتاب-ذكر الحديث المشهور الصحيح المتواتر المرويّ عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام):أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن تملأ ظلما و جورا.

و الجدير بالذكر أنّ هذا الحديث بالذّات،مروي في كتب الاحاديث مئات المرّات،بطرق كثيرة و عديدة،بحيث لا يبقى مجال للشك في صحّته.

و من الطبيعي أنّ الإمام-الذي يريد أن يقضي على كلّ ظلم، و يقلع كلّ جذور الجور في كل مكان و عن كل انسان-لا يتوقّع منه أن ينتظر حتى يرفع المظلوم اليه الشكوى،و يطلب الإمام من المدّعي إقامة البيّنة،و إبراز المستمسكات و المستندات و أمثال ذلك لإثبات مدّعاة.

كلاّ..إذ قد يمكن أن لا يجد المدّعي الأدلّة و البراهين لاثبات دعواه أو يعجز عن إثبات حقّه،او لا يستطيع أن يزيّف إدّعاءات الظالم.

و من الممكن أن يقع الظلم في كثير من بقاع العالم،و لا يستطيع المظلوم أن يرفع أمره الى الإمام المهدي(عليه السلام)و من الممكن أيضا أنّ انسانا يقتل ظلما و سرّا،و لا يعلم أحد بقتله،و لا يعرف أحد قاتله،فيهدر دمه فكيف تملأ الأرض قسطا و عدلا؟!

النقطة الثانية:لقد روي أنّ النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم) قال:«إنّما أقضي بينكم بالأيمان و البيّنات»و لعلّ المعنى الظاهري لهذا الحديث هو أنّ النبي لا يحكم بين الناس حسب علمه الشخصي

ص:583

و اطّلاعه الخاص،فمثلا:

لو أنّ النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)علم-بعلم النبوّة-أنّ فلانا قد سرق،فإنّ النبي لا يقيم عليه الحدّ،بل ينتظر شهادة الشهود،فإن قامت البينة على السارق بالسرقة،أقام النبي عليه الحدّ.

هذا..و لو كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)يحكم بين الناس حسب إطّلاعه الشخصي،لصار عمله سنّة و حجّة بين امّته.

إذن:لجاز لكلّ قاض و حاكم أن يقيم الحدّ على من شاء، و يحكم على من يريد بما يريد،و بلا مبالاة بالبيّنة و الشهود،و يدّعي أنه يحكم بعلمه الشخصي.

و بهذا يختلّ النظام،و يتفشّى الفوضى في حقل الحكم و القضاء، و تختلّ المقاييس الفقهية و العرفية.

و لكن النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلم)سدّ هذه الأبواب على قضاة السوء و حكّام الجور،كيلا يستطيعوا أن يحكموا بين الناس حسب ميولهم و أهوائهم،ثم يدّعوا أنهم يحكمون حسب معلوماتهم الشخصية.

أمّا الإمام المعصوم العدل-الذي لا يخشى منه أن يميل في حكمه و قضائه الى الهوى و الباطل،و لا يتصوّر في حقّه و شأنه أي إنحراف-فإنه يجوز له ان يحكم حسب علمه الشخصي بالقضايا،و لا ينتظر شهادة الشهود و لا اقامة البينة من المدّعي،و لا يرتّب أثرا على اليمين التي يأتي بها المدّعي او المدّعى عليه،سواء كانا صادقين أم كاذبين.

ص:584

و انطلاقا من هاتين النقطتين:

1-أنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يملأ الأرض قسطا و عدلا.

2-أنّه يحكم حسب علمه الشخصي.

فإن الإمام المهدي(عليه السلام)يقيم الحدّ،و يقتصّ و يعزّر من صدر منه ما يوجب القصاص او التعزير،حتى اذا لم يشهد الشهود و لم تقم البيّنة.

و لتوضيح هذا المعنى نذكر مثالين:

1-لو أنّ إنسانا شرب الخمر في بيته،و لم يره أحد حتى يشهد عليه،فإن الإمام المهدي(عليه السلام)يعلم ذلك-بعلم الإمامة-و له أن يقيم عليه حدّ شارب الخمر.

2-و لو أنّ إنسانا ارتكب جريمة يستحق عليها العقاب،فإن الإمام المهدي(عليه السلام)له أن يعاقبه على فعله.فعند ذلك يعلم كلّ من سوّلت له نفسه أن يرتكب خطيئة أو جريمة،بأنّ الإمام يطّلع على فعله-بعلم الإمامة-و يطبّق عليه قانون العقوبات.

و سيكون هذا هو الرادع القوي لكلّ من يريد ارتكاب الجرائم، و بهذا يتورّع الناس عن كلّ إنحراف،في جميع المجالات.

و ممّا يؤيّد ذلك..ما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:بينا الرجل على رأس القائم(عليه السلام)(1)يأمر و ينهى،إذ

ص:585


1- (1) أي:واقف بجنبه.

أمر(الإمام)بضرب عنقه،فلا يبقى بين الخافقين(1)شيء إلا خافه(2).

و هذا الحديث صريح بأنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يعاقب -من يستحقّ العقوبة-حسب علم الإمامة،و لا ينتظر الترافع اليه.

و هكذا تمتلأ الأرض قسطا و عدلا،و لا يتجرّأ أحد على مخالفة القانون الإسلامي.

أمّا الاحاديث-التي تشير الى هذا المعنى-فهي كثيرة..نذكر منها ما يلي:

قال الإمام الباقر(عليه السلام):اذا قام قائم آل محمد(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حكم بحكم داود،و لا يسأل البيّنة(3).

و قال الإمام الصادق(عليه السلام):لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منّي،يحكم بحكومة آل داود،و لا يسأل البيّنة،يعطي كلّ نفس حقّها.و في رواية:يعطي كلّ نفس حكمها(4).

و قال(عليه السلام)-في حديث له-:...ثم يأمر مناديا ينادي:هذا المهدي يقضي بقضاء داود و سليمان،و لا يسأل على ذلك بيّنة(5).

ص:586


1- (1) الخافقان:المشرق و المغرب.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 13 رقم الحديث 33.
3- (3) كتاب وسائل الشيعة.البينة:الدليل و الحجّة.
4- (4) كتاب بحار الانوار ج 52.
5- (5) كتاب الغيبة للنعماني باب 20.

و قال(عليه السلام):إذا قام قائم آل محمد(عليه السلام) حكم بين الناس بحكم داود،لا يحتاج الى بيّنة،يلهمه اللّه تعالى، فيحكم بعلمه،و يخبر كل قوم بما إستبطنوه(1)(2).

و السؤال الآن:ما هو المقصود من«حكم داود»؟

الجواب:ليس المقصود من«حكم داود»شريعته،لأنّ جميع الشرائع-التي كانت قبل الاسلام-نسخت،و انما المقصود-و اللّه العالم- هو أنّ الامام المهدي(عليه السلام)يحكم-في القضايا-حسب اطّلاعه بالواقع و علمه بالحق،و لا يعتمد على الظاهر.

و هكذا كان النبي داود(عليه السلام).لقد حكم داود-فترة من الزمن-بالواقع،و كانت الحقائق تنكشف له باذن اللّه تعالى،و لذلك لم يكن يبالي بقول المدّعي او المدّعى عليه.

و هنا سؤال يقول:كيف يستطيع الامام المهدي(عليه السلام)أن يطبّق هذه العدالة في كلّ مكان و في جميع البلدان،مع العلم أنّه يعمل بعلمه في القضايا و المرافعات التي تقع في بلده؟؟

يمكن الجواب على هذا السؤال،بقول الامام الصادق(عليه السلام):اذا قام القائم بعث-في أقاليم الأرض،في كلّ إقليم- رجلا..يقول(له الإمام):عهدك في كفّك،فاذا ورد عليك أمر لا

ص:587


1- (1) أي:بما أخفوه و أضمروه.
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 339.

تفهمه و لا تعرف القضاء فيه،فانظر الى كفّك،و اعمل بما فيها..»(1).

أقول:هذا الحديث له ثلاث احتمالات:

1-إمّا أن يحمل على الإعجاز،بأن تظهر الأحكام الشرعية مكتوبة على أكفّ الحكام،عند الحاجة اليها.

2-و إمّا أن يكون المقصود من قوله(عليه السلام):«عهدك في كفّك»جهاز اللاسلكي الذي يحمله رجال المخابرات-من الشرطة و الجيش و غيرهما-في كلّ مكان،و يتلقّون الأوامر من مركز القيادة، و تراهم يحملون هذا الجهاز بأيديهم-على الأكثر-.

3-و إمّا أن يكون له معنى آخر يعلمه اللّه تعالى،و سيكشف عنه بعد ظهوره(عليه السلام).

و خلاصة القول:إنّ الإمام المهدي(عليه السلام)يكون على اتصال دائم مع الحكام الذين نصبهم و وزّعهم في جميع الاقاليم.

و الإقليم-عند العرف-ما يختص باسم،و يتميّز به عن غيره، فمثلا:مصر تعتبر إقليما،و هكذا الشام و اليمن،و ما شابه(2).

ص:588


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني باب 21.
2- (2) كتاب مجمع البحرين.

الفصل الحادي و العشرون

اشارة

حياة المجتمع في عصر الإمام المهدي«عليه السّلام»

يعتبر عصر الإمام المهدي(عليه السلام)-بعد ظهوره و قيامه- من افضل عصور الكرة الأرضية منذ خلق اللّه الأرض،او منذ خلق اللّه آدم(عليه السلام).

و من الصحيح ان نسمي عصر الامام المهدي(عليه السلام):عصر النور و عصر العلم،لا العصور التي نحن نعيشها اليوم،التي هي عصور ظلمات الجهل و الفقر،و الانحراف و الفجائع،و الجور و الضلالة و أمثال ذلك.

و انطلاقا من الكلمة الحكيمة المشهورة:«تعرف الاشياء بأضدادها» يمكن لنا ان ندرك شيئا من ازدهار ذلك العصر،و جمال الحياة في ذلك الزمان،و حلاوة العيش في تلك السنوات،بالقاء نظرة خاطفة الى الوضع المأساوي الذي نعيشه في الوقت الحاضر:

انظر الى المجتمع الذي نعيشه اليوم،و انظر الى المكاره التي عكّرت الحياة على الناس،و سلبتهم لذة العيش و حلاوة الحياة،من انواع الحرمان:

فهذا محروم من المال،و الآخر محروم من دار يسكنها،او حانوت يتجر فيه، او مال يؤمّن به حياته و حياة عائلته،او يداوي نفسه او من يتعلق به،فترى المشاكل محيطة بالحياة.و الأزمات تسد الأبواب على الناس،من فقد الحريات:حرية السكن،او السفر،او التجارة،او العمل،او الاقامة،

ص:589

او الخطابة،او الكتابة و التأليف،و ابداء الرأي و غيرها!

و من زوال الامن و الأمان،فالانسان يخاف على حياته و على امواله و على عائلته،و الضعفاء يخافون من الأقوياء،و الاغنياء يتجبرون على الفقراء،و انتشار العقد النفسية التي لا تحصى مضاعفاتها!.

ثم انظر الى الفقر و المجاعة التي يعيشها اكثر البشر في العالم، و الأمراض الناتجة من سوء التغذية،و خاصة بين الاطفال...و هكذا و هلم جرا.

انظر الى الناس و الى نواقص حياتهم و محرومياتهم،و اهدار كراماتهم، و مآسيهم و مصائبهم و مشاكلهم،فالسجون ممملوءة بالملايين،و الحروب تأكل و تسحق و تمزق و تدمر و تحرق.

بعد هذا العرض الخاطف...اقلب مظاهر الحياة كلها-مائة بالمائة-عند قيام الامام المهدي(عليه السلام)فالفقر يرحل عن المجتمع البشري و الحرمان يزول عن الناس،و العقد النفسية تنحل،و الأحزان تنقلب افراحا.و جحيم الحياة ينقلب نعيما،و الذبول المستولي على الوجوه تتبدل طراوة و نضارة،و الخوف يرتفع، و الأمان يسود العالم و العدالة تخيم على رؤوس البشر،و الظلم يتبخر،فلا ترى ظالما و لا مظلوما،و المسلمون تتحقق امنياتهم،و السلام يشمل الكرة الارضية و الاسلام ينتشر في كل بقعة من بقاع الأرض،فلا يعيش على وجه الأرض الا من يشهد ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و أن الإمام عليا وليّ اللّه و حجّته.

كل ذلك..ببركات نهضة الامام المهدي(عليه السلام)و قيامه

ص:590

و انجازاته،و خطواته الاصلاحية،و مشاريعه العمرانية،و تعاليمه القيمة، و تطبيقه للقوانين الالهية.

و ليس من السهل:الاحاطة بانجازات الامام المهدي(عليه السلام) و الاطلاع عليها بصورة مفصلة،حين قيامه و نهضته،لأن المفاسد و المآسي و المصائب و المنكرات و الانحرافات المنتشرة في المجتمعات البشرية عدد نجوم السماء،لا تعد و لا تحصى!

و يجب ان نعلم ان أكثر الانحرافات انما تحدث بسبب القوانين الجائرة،التي هي خلاصة ادمغة الهيئة الحاكمة الظالمة..تلك القوانين التي سلبت من البشر الحرية و الكرامة،فكانت النتيجة:إنتشار الجهل و الفقر، و الحرمان و المشاكل،و الذنوب و الجرائم و الفجائع،و غيرها من مظاهر الشر!!

نعم..ان القوانين المنحرفة هي التي تسبب الفحشاء و السرقة و القتل و الجوع و غير ذلك في المجتمعات،فاذا أزيلت تلك القوانين العوجاء و حلت مكانها الاحكام الالهية فان المجتمعات تنقلب الى الرخاء و الرفاه و الصلاح و الاعتدال.

و ينبغي أن لا ننسى ان مئات الاحاديث-الواردة عن الرسول(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و عن ائمة اهل البيت(عليهم السلام)المذكورة في كتب الشيعة و السنة و التي قد تجاوزت حد التواتر-قد صرحت بان الامام المهدي(عليه السلام)يملأ الارض قسطا و عدلا بعد ان تملأ ظلما و جورا.

و هذه الكمية الكثيرة من الاحاديث تركز على نقطتين:

ص:591

الأولى:ان الامام المهدي يملأ الارض قسطا و عدلا.

الثانية:بعد ان تملأ ظلما و جورا.

فيمكن لنا ان نقول:ان الجملة الثانية علة للجملة الاولى،

و بعبارة اوضح:ان ظهور الامام المهدي(عليه السلام)يكون اذا امتلأت الارض بأنواع الظلم و الجور،فالحكام يظلمون الشعوب،و الأقوياء يظلمون الضعفاء،و الرجل يظلم زوجته و بالعكس،و الاولاد يظلمون الوالدين و بالعكس،و الجيران يظلم بعضهم بعضا،و الأجير يظلم من استأجره و بالعكس،و يشمل الظلم الأرامل و الايتام و الضعفاء،بل و حتى الحيوانات،فلا ترى الا ظالما او مظلوما،بل يتجاوز الظلم الى حد الجور، فالبريء يقتل مظلوما،ثم يمنع اهله من البكاء عليه،او تشييع جنازته!!.

و قد حدث في زماننا-في بعض البلاد-ان بعض الحكومات البائدة كانت تقتل الابرياء ظلما.فاذا جاء اهل المقتول لاستلام جنازة القتيل كانت الحكومة تأخذ منهم قيمة الطلقات النارية-التي قتلوا بها ذلك المسكين- بأضعاف قيمتها،و ذلك بعد ان يفتشوا جنازة القتيل لاحصاء مكان الطلقات النارية في جسده،ثم كانوا يسلمون الجثة الى ذويها.!!

او كانوا يصادرون الاموال ظلما و بغيا،ثم لا يسمحون لصاحب تلك الأموال ان يتكلم بكلمة واحدة،او يتظلم الى احد،او يشكو مصائبه الى احد!!.

ان هذه المآسي و الضغوط-و ملايين من أمثالها-هي التي تهيىء المجتمعات للانفجار و الثورة ضد الطبقة الحاكمة الظالمة،فاذا قام من يقود

ص:592

الثورة فان الملايين من المظلومين يتبعونه و يؤيدونه بصدور رحبة-و يبدون استعدادهم لمؤازرته،و يقفون الى جانبه و لو الى حد الموت،لأن تلك الحياة التي يعيشونها تكون مكروهة مبغوضة عندهم.

و هذه الامور تكون كمقدمة تمهيدية لنهضة الامام المهدي(عليه السلام)و قيامه بنشر العدل و القسط في جميع المجتمعات البشرية.

و ليس معنى ذلك ان المسلمين يتكاسلون و يتقاعسون عن العمل و بذل النشاط فلا يتكلمون و لا يكتبون و لا يعملون شيئا-كهداية الناس و مكافحة الظلم-ظنا منهم ان ذلك يؤخر ظهور الامام المهدي(عليه السلام).

كلاّ..لأن هداية الناس و مكافحة الظلم واجبة،من باب(الامر بالمعروف و النهي عن المنكر)و لا تؤثر في تأخير ظهور الامام(عليه السلام).فنحن مكلفون بالعمل و لسنا مسؤولين عن تقدم ظهور الامام او تأخره.

بعد هذه المقدمة..اعود الى حديثي عما يقوم به الامام المهدي من الانجازات و الخطوات الاصلاحية فأقول:

ان حياة البشر لها جوانب عديدة و نواحي متعددة،و جميع تلك النواحي و الجوانب يمكن ان ينتشر فيها الفساد،و لذلك فان الإمام المهدي(عليه السلام)يقوم بانجازات عامة واسعة النطاق،لاصلاح جميع تلك الجوانب و النواحي.

و يستفاد من الاحاديث الكثيرة أن تطورا عظيما و تبدلا كبيرا سوف يحدث في المجتمعات البشرية كلها-في ارجاء الكرة الأرضية-و سوف

ص:593

تتغير صور الحياة الى صور اخرى رائعة،في جميع مظاهرها و مرافقها.

و فيما يلي نتحدث عن بعض نواحي الحياة و ازدهارها في عصر الامام المهدي(عليه السلام):

ص:594

الحياة الثقافيّة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

تزدهر الحياة الثقافية في عصر الامام المهدي(عليه السلام) ازدهارا لا مثيل له في تاريخ البشر،و ينتشر العلم و الثقافة،و خاصة العلوم الدينية و الاحكام الشرعيّة و المعارف الاسلامية،و تدور عجلات الثقافة بصورة سريعة.

و من الواضح ان تبدلا و تطورا عظيما سوف يحصل في هذا الحقل.

و يتبادر الى ذهني-و اللّه العالم-ان كثيرا من كتب الفقه و الحديث سوف يطرأ عليها التهذيب و التنقيح،و كمية كبيرة من مواضيع كتب اصول الفقه و مباحثه سوف ينتهي دورها و يبطل مفعولها،لأن الامام المهدي(عليه السلام)يبين القواعد العامة للمسائل الشرعية،و بذلك يستغنى عن كثير من مباحث الاصول.

و كذلك الحال بالنسبة الى كتب الدراية و الرجال و تراجم رواة الاحاديث و تقسيم الاحاديث-الى صحيح و ضعيف و ما شابه ذلك من الاصطلاحات-فان تلك الكتب يستغنى عنها-لأن اكثرها مبينة على الحدس و الظن،و انما كان يستفاد منها في عصر الغيبة و انقطاع الناس عن الإمام(عليه السلام).

اما في عهد الامام المهدي(عليه السلام)فان الناس يجدون الاحكام الشرعية القطعية..و اكثر كتب التفسير يسقط عن الاعتبار،اذ

ص:595

لا يعبؤ الناس بالتفاسير المنبعثة من الآراء الشخصية او المتطرفة،و تبقى -فقط-التفاسير المروية عن ائمة اهل البيت(عليهم السلام).

و هكذا الحال بالنسبة الى القراءات المختلفة-التي ما انزل اللّه بها من سلطان-فان الناس يتعلمون القران من الامام المهدي(عليه السلام)كما انزله اللّه تعالى،و يعرفون تفسيره كما قصده اللّه و اراده، و يطّلعون على معارف القرآن و اسراره و عجائبه التي كانت-و لا تزال- مجهولة و مكتومة.

و هكذا يستغنى عن كثير من العلوم المستحدثة التي جاءت نتيجة الفكر و الخيال كأكثر مباحث الفلسفة.

و الخلاصة:ان العلم الصحيح ينتشر في كل بيت،و تتكون حلقات التدريس في المجتمعات،للرجال و النساء.

قال الامام الباقر(عليه السلام):«...تؤتون الحكمة في زمانه(اي زمان الامام المهدي)حتى ان المرأة لتقضي-في بيتها- بكتاب اللّه و سنة رسوله(صلى اللّه عليه و آله و سلم)(1).

إن هذا الحديث يدل على أن الناس يؤدّبون في زمانه(عليه السلام)بالآداب الدينية و تعليم الاحكام الشرعية،و ترتفع مستوى الثقافة و الحضارة فيهم الى درجة تتمكن المرأة-و هي في بيتها-من الحكم بين المتنازعين،بما يوافق كتاب اللّه و سنة رسوله(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

ص:596


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني باب 13 حديث 30

و يجب ان نعلم ان الامام المهدي(عليه السلام)يعمل بكتاب اللّه و سنة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و لا ينحرف عنهما قيد شعرة،و لا بمقدار ذرة،و لا يأتي بشريعة جديدة،او دين يناقض الدين الإسلامي،او يحللّ ما حرمه اللّه،او يحرم ما أحلّه اللّه سبحانه.

و لكن الشيء الذي يحصل هو ان جميع المذاهب المستحدثة بعد وفاة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)تتبخر و تلغى،لأنها مذاهب مذاهب لا تجد لها موضعا في كتاب اللّه و لا في سنة رسوله.

و لم انفرد بهذا الرأي،بل صرح به احد علماء المذاهب الأربعة و هو المعروف بابن العربي،-المتوفي سنة 638 ه،في كتابه الفتوحات المكية باب 366-حيث قال-في كلامه عن الامام المهدي-:...يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول اللّه حيا لحكم به،يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى الا الدين الخالص...الى آخر كلامه.

نعم..ان الوحدة الاسلامية الكبرى سوف تتحقق في ذلك اليوم،حين يتوحد المسلمون في اصول دينهم و فروعه و جميع المسائل الفقهية و الاحكام الشرعية،فلا قياس و لا استحسان،و لا فتاوى تتولّد حسب الظروف السياسية.

بل يكون الدين هو الإسلام..و يكون المذهب هو مذهب التشيع،مذهب اهل البيت الذي دعا اليه رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)في احاديث كثيرة،و يعيش الجميع تحت راية:لا اله الا

ص:597

اللّه،محمد رسول اللّه،علي ولي اللّه.

قال الامام علي امير المؤمنين(سلام اللّه عليه)-في حديثه عن عصر الامام المهدي-:«...و يهلك الاشرار،و يبقى الاخيار،و لا يبقى من يبغض اهل البيت...».(1).

و قال(عليه السلام)-في كلامه عن الامام المهدي-:«...و لا نترك بدعة الا ازالها،و لا سنة الا اقامها...»(2).

ص:598


1- (1) عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي-باب 7 ص 159.
2- (2) عقد الدرر-باب 9 ص 224.

الحياة التّربويّة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

إنّ ممّا لا شك فيه أنّ البشر قابل للتربية بصورة عامّة،فإذا كانت التربية قائمة على الأسس الأخلاقيّة الصحيحة،كان البشر معتدل السلوك،مرضيّ السيرة،محمود الطريقة.

و اذا كانت التربية فاسدة و قائمة على أسس لا أخلاقيّة فإن النتيجة ستكون بعكس الصورة الاولى.فالتربية تؤثّر على الفطرة و الغريزة، و على الميولات و الرغبات النفسيّة،و على العادات و التقاليد،و غيرها مما يتعلّق بالبشر.

و اذا كانت الحيوانات-حتى الوحوش و السباع المفترسة-قابلة للتربية،فكيف بالبشر؟و هو الموجود المفضّل على كثير من المخلوقات، و ذلك بما أنعم اللّه عليه من العقل و الإدراك و البيان و غير ذلك.

و على أساس التربية يصلح المجتمع أو يفسد،و يسعد أو يشقى، و يهتدي أو ينحرف.

و أجهزة التربية و وسائلها كثيرة:

فالبيت-الذي يفتح الطفل فيه عينه-يعتبر جهازا تربويّا،و له كلّ

ص:599

التأثير في توجيه الطفل،و بعد ذلك يأتي دور المدرسة،و الطفل يتلقّى أوّليات العلم و الثقافة من المعلّمين،و كلّما انتقل من مرحلة دراسية الى أخرى،إرتفع مستوى دراسته و ثقافته و معلوماته،حتى يصل الى الدراسات العليا.

و في جميع هذه المراحل يندمج و ينسجم و يتأثّر،بل و يتكهرب بما يلقى عليه من العلوم،من الحقائق أو الأكاذيب،و من الحق أو الباطل،و من الفضائل أو الرزذائل،و من الدين أو الكفر.

و الجهاز الثالث-الذي يرافق هذين الجهازين-هو المجتمع، فالطفل الذي يعيش في مجتمع الكذب و الغش،و الإستهتار و الخلاعة، و السرقة و الخيانة،أو في مجتمع الديانة و الأمانة،و الحياء و الفضيلة،فمن الطبيعي أن يتكيّف بجوّ المجتمع:الصالح أو الفاسد.

و من أهم العوامل التي تؤثّر في إصلاح المجتمع أو إفساده:

الوسائل الإعلامية،من الصحف و الإذاعة و التلفزيون و الأفلام السينمائيّة.

بعد هذه اللمحة الخاطفة عن التربية..أقول:إنّ الإمام المهدي (عليه السلام)-الذي يريد أن يصلح المجتمع البشري كلّه،و يكوّن مجتمعا إسلاما بجميع معنى الكلمة-لا بدّ له من أن يستعين بالوسائل التربويّة،و يصدر التعاليم المرتبطة بالتربية الصحيحة الشريفة عبر هذه الوسائل و غيرها.

فالمدارس تسودها التعاليم الإسلامية،و مناهج التعليم تكون

ص:600

إسلامية في جميع مراحلها،و الوسائل الإعلامية تكون صالحة و نافعة و مفيدة،و لا تتعدى الإطار الإسلامي.

و قد مرّ عليك ما روي عن الإمام الباقر(عليه السلام)أنّه قال:

«...تؤتون الحكمة في زمانه،حتى أنّ المرأة لتقضي-في بيتها- بكتاب اللّه و سنّة رسوله(صلى اللّه عليه و آله و سلم).

ص:601

الحياة الاقتصاديّة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

لعل من اهم مشاكل الحياة هي مشكلة الاقتصاد و ما يدور حوله، من الفقر و الغلاء و تحديد التجارة،و التضخم المالي و العجز المالي و قلة الانتاج و كثرة الطلب،و أشباه ذلك مما هو من نتائج الاقتصاد الكافر السائد في العالم،و خاصة في البلاد الاسلامية.

نعم..ان الاقتصاد الكافر الجائر هو الذي ادى الى هذه الازمات الاقتصادية في المجتمعات البشرية،و ذلك بسبب كبت الحريات،و سد طرق المعيشة على الناس،و استيفاء الضرائب-و خاصة التصاعدية منها-و حرمان الناس من بركات الحياة التي خلقها اللّه تعالى لعباده و أباحها لهم.

و ينبغي ان لا ننسى بأن أكثر الجرائم-التي تقع في العالم-منشأها الفقر و الحاجة الى المال،و اكثر الخصومات الحادثة في المجتمعات البشرية يعود سببها الى الناحية المالية،و كثير من النزاعات العائلية انما هو من نتائج الفقر،و اكثر الامراض،انما هو بسبب سوء التغذية الذي هو من آثار الفقر ايضا.

و اكثر الشباب لا يتزوجون بسبب الفقر،و الكثير من المتزوجين يحدّدون نسلهم لهذا السبب،و لا ابالغ اذا قلت:إن كثيرا من الناس يموتون ضحايا للفقر!.

ص:602

هذا..و لو اردنا استيعاب المضاعفات-الناتجة عن الفقر في المجتمع البشري-لطال بنا الكلام و تبدّل طابع الكتاب.و هكذا لو اردنا ان نتحدث عن الاقتصاد و جوانبه و نواحيه لخرج الكتاب عن موضوعه الأصلي و لكننا نلخص الكلام فيما يلي:

ان من جملة الاصلاحات الواسعة النطاق،و الانجازات الضخمة التي يقوم بها الإمام المهدي(عليه السلام)هو حل المشاكل الاقتصادية في المجتمعات البشرية،و ذلك عن طريق تطبيق الاقتصاد الاسلامي في المجتمع،و من اهم بنود ذلك:

1-اباحة الانتفاع بما خلق اللّه تعالى.

2-اعطاء الحريات للناس في اطارها الاسلامي.

3-استثمار المواهب و الطاقات،و افساح المجال-في حدوده المعقولة-للأيدي العاملة.

و لتوضيح هذا الموضوع..اليك بعض الأمثلة:

تعيش-في البحار و الانهار و الشطوط-ملايين المليارات من الاسماك التي يحلّ اكلها،و قد رأينا نهري دجلة و الفرات و السمك يجري فيهما كالماء!

و يعتبر السمك طعاما لذيذا،و دواءا لكثير من الامراض الفتاكة، و يتكاثر السمك بكمية مدهشة،فلا يخشى عليه من النفاد و الانقراض، فالأنهار متصلة بالبحار،و البحار متصل بعضها ببعض.

ص:603

و لكن..بالرغم من توفر هذه المادة الغذائية و الدوائية و السلعة التجارية،فان الحكومات وضعت قيودا و شروطا لصيد السمك،مما سبّب قلّة الانتفاع من هذه المنابع الغذائية،و أدى الى ارتفاع اسعارها.

فالحكومات تسمح لأفراد معيّنين بصيد الاسماك،و ذلك في مقابل رخصة رسمية و ضرائب مستوفاة،و شروط و قيود.

و لهذا تجد اسعار السمك باهضة حتى في البلاد الساحلية او البلاد الواقعة على ضفاف الانهار و الشطوط.و اكثر الفقراء محرومون عن هذه النعمة الالهية مع العلم ان اللّه تعالى خلقها لعباده و أباحها لهم.

قال سبحانه:

اَللّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ،وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (1).

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (2).

وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا (3).

وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ:هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ،وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ،وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا،وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها (4).

ص:604


1- (1) سورة الجاثية آية 12.
2- (2) سورة ابراهيم آية 32.
3- (3) سورة النحل آية 4.
4- (4) سورة لقمان آية 12.

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ،مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ (1) (2).

فلو كانت الحكومات تبيح للناس الانتفاع من هذه المنابع الحيويّة، لكانت اسعار اللحوم تنخفض،و كان الكثير من الناس ينتفعون من هذا الطريق،و ما كانت الحكومات تحتاج الى استيراد اللحوم المثلّجة من الخارج.

امّا في عصر الإمام المهدي(عليه السلام)فإن الخيرات و البركات تنهمر على الناس و تشمل جميع الطبقات و من جملة ذلك:يرفع الإمام المهدي(عليه السلام)المنع و يبيح للناس ان يستفيدوا من هذه الذخائر التي خلقها اللّه لعباده.

و خلاصة القول:إن الإمام المهدي(عليه السلام):يفسح المجال امام الناس ليستثمروا الارض و ما فيها من المعادن،و ما عليها من المزارع،فتكثر الاموال بين البشر،و تتضاعف البركات،فلا فقر و لا حرمان و لا مجاعة.

و لا تسأل عن انخفاض نسبة الجرائم التي تقع يوميا في العالم بسبب الفقر و الحرمان و البطالة.

و اليك الآن بعض الأحاديث التي تشرح الحياة الاقتصادية في عصر

ص:605


1- (1) قوله تعالى:«و طعامه»هو السمك المملوح«و متاعا لكم و للسيارة»أي:منفعة للمقيم و المسافر.
2- (2) سورة المائدة آية 96.

الامام المهدي(عليه السلام):

روي عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)انه قال:

«أبشروا بالمهدي...و يقسّم المال صحاحا بالسويّة(1)و يملأ قلوب امة محمد غنى،و يسعهم عدله،حتى انه يأمر مناديا ينادي:من له حاجة اليّ (2)؟.

فما يأتيه احد الا رجل واحد يأتيه فيسأله،فيقول له المهدي:

إئت السادن(3)حتى يعطيك.فيأتيه،فيقول:انا رسول المهدي اليك لتعطيني مالا.فيقول:أحث(4)فيحثي ما لا يستطيع ان يحمله(5)فيلقي منه حتى يكون قدر ما يستطيع ان يحمله،فيخرج به،فيندم و يقول:

انا كنت اجشع امة محمد نفسا(6)كلهم دعي الى هذا المال فتركه، غيري،فيردّ عليه(7)فيقول(السادن):إنا لا نقبل شيئا اعطيناه...»(8).

و روي عنه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)انه قال:«...فيجيء

ص:606


1- (1) صحاحا:أي بالسوية بين الناس،كما صرح النبي بمعنى هذه الكلمة في حديث آخر.
2- (2) و في نسخة اخرى:من له في المال حاجة،او:من له حاجة الى المال يأتيه.
3- (3) السادن:الذي بيده مفاتيح بيت المال.
4- (4) أي:صب و خذ ما تريده من المال.
5- (5) و في نسخة اخرى:فلا يستطيع ان يحمله.
6- (6) أجشع:احرص،اكثر حرصا.
7- (7) أي:يرد الرجل المال على السادن.
8- (8) كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر ص 102.

اليه الرجل فيقول:يا مهدي أعطني أعطني أعطني،فيحثي له في ثوبه ما استطاع ان يحمله»(1).

ص:607


1- (1) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي

الحياة الزراعيّة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

كلنا نعلم ان الزراعة تعتبر من مصادر الثروة و موارد الأرزاق العامة،و من وسائل تأمين المواد الغذائية للبشر و الحيوانات،و قد جعل اللّه الماء و التراب تحت تصرف البشر ليستفيد من بركات الأرض،فالماء موجود في كل مكان،فوق الارض او تحتها،و انما على البشر ان يستخرج الماء و يحرث الارض و يغرس،او ينثر الحبوب فيها،و يسقي الأرض.

و أما التفاعلات-التي تحدث بين الشمس و الهواء و الماء و التراب و بين النباتات-فهي خارجة عن مسؤولية البشر،و انما هي بقدرة اللّه تعالى الذي اودع في هذه العناصر الأربعة تلك الخواص،قال تعالى:

أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ (1)؟!

و بالرغم من البركات الكثيرة و الفوائد العظيمة التي يمكن ان تستفاد من الزراعة،فان ملايين البشر يشكون من سوء التغذية..و لا تسأل عن الأطفال الذين يموتون جوعا،و خاصة في القارة السوداء!!

و نتساءل:هل ان الارض ضيقة لا تسع للزراعة؟؟

الجواب:كلاّ..ان ارض اللّه واسعة.

ص:608


1- (1) سورة الواقعة-الاية 64.

و هل ان الماء لا يكفي لسد حاجات البشر؟

الجواب:كلاّ..ان مليارات الأطنان من المياه تذهب هدرا في كل يوم!!

إذن:فما هو سبب المجاعة و قلّة الارزاق و غلاء الأثمار؟!

الجواب:ان السبب الوحيد هي الحكومات الجائرة التي تحول بين البشر و بين ان ينتفع مما خلق اللّه له من مصادر الارزاق،و تكون النتيجة ما يعانيه البشر من الويلات و الفقر و الحرمان،و المجاعة و الغلاء و النقص في الاموال و الانفس و الثمرات!.

فاذا قام الامام المهدي(عليه السلام)فان الحياة الزراعية تتبدل الى احسن المظاهر و أجملها،و اليك نبذة مختصرة من الاحاديث التي تتعلّق بهذا الموضوع:

قال الإمام الباقر(عليه السلام)-في حديث طويل-...:ثم يأمر من يحفر من خلف مشهد الحسين(عليه السلام)نهرا يجري الى الغريين(1)حتى ينزل الماء في النجف،و يعمل على فوهته القناطر و الأرحاء في السبيل(2)و كأني بالعجوز و على رأسها مكتل فيه بر(3)فتأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء(4).

ص:609


1- (1) الغريان:بناءان مشهوران كانا بالقرب من الحيرة في ضواحي الكوفة.
2- (2) الأرحاء-جمع رحى-:ما يطحن فيها الحبوب كالحنطة و الشعير.السبيل:الطريق.
3- (3) المكتل:وعاء من خوص النخل،يحمل فيه التمر و غيره،و يقال له:زنبيل.البر: الحنطة.
4- (4) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي-الفصل الأخير من الكتاب ص 281.

يستفاد من هذا الحديث ان الامام المهدي(عليه السلام)يأمر بحفر الانهار و بناء الجسور و السدود على الأنهار و الشطوط،و خاصة بين كربلاء و النجف،و ينصب عليها المطاحن التي تطحن الحبوب،و يمكن لكل احد ان يستفيد من تلك المطاحن مجانا و بلا عوض.

حتى ان المرأة تضع الحنطة في المطحنة-التي تدور دواليبها بسبب ضغط الماء-فتطحن الحنطة و غيرها من الحبوب مجانا و بلا كراء،أي:

بلا اجرة.

أقول:لعل الامام المهدي(عليه السلام)يأمر بحفر النهر بين كربلاء و النجف لأن تلك المنطقة تتصل بالصحاري و البوادي،و الآف الكيلو مترات من الأراضي شرقا و غربا و جنوبا،مثل بادية الشام و حدودها:العراق و الاردن و الشام،و صحراء النفود و حدودها:

الكويت و الحجاز،و الربع الخالي و حدودها:مسقط و اليمن.

و هذه البوادي و الصحاري-الا القليل منها-قاحلة جرداء،لا مسكونة و لا مأهولة و لا مزروعة لعدم وجود الماء فيها.و بناءا على هذا سوف ترتوي تلك البوادي من النهر الذي يحفره الإمام المهدي(عليه السلام).

و من الواضح ان ذلك النهر متشعب من شط الفرات الطويل العريض العميق،الذي تجري فيه ملايين الاطنان من المياه في كل دقيقة و-اخيرا-تنصبّ في الخليج و تذهب هدرا.

فهل يمكن ان نتصور مدى الخيرات و البركات و الرخاء و الرفاه الذي سيكون من نصيب مئات الملايين من البشر الذين يسكنون في هذه الارجاء الواسعة،

ص:610

و يحيونها بالزرع و غرس الأشجار و بناء المساكن؟!

و كم يتلطف الجو،و يتبدل الطقس،و تقل الأمراض،و يرتفع اكثر مشاكل الحياة،و تقل نسبة الجرائم،ان لم نقل:ترتفع الجرائم بصورة كلية!! و سوف يستغني الناس،و تزول البطالة،و تظهر المواهب..الى غير ذلك مما لا تدركه العقول في الحال الحاضر،من نتائج تلك الحياة المزدهرة.

أقول:هذه منطقة واحدة من مناطق العالم التي تدبّ فيها الحياة،و نفس هذه العملية تجري في بقية الاراضي الموات و الصحاري و البوادي المعطلة عن الاستثمار.

و من الواضح ان الامام المهدي هو المخطط لهذه المشاريع،و هو الآمر بتنفيذ هذه الأمور،لا انه يباشر هذه الأعمال بنفسه،اذ لا حاجة الى ذلك،و انما يكفي ان تصدر منه الأوامر و التعليمات و تنفّذ فورا،بلا حاجة الى التشريفات او العراقيل الموجودة في الوزارات-امثال:(كتابنا و كتابكم)-و توقف اعمال الناس على توقيع الموظف الفلاني و موافقة اللجنة الفلانية،و أمثال ذلك من العقبات او السلاسل و الأغلال المسماة بالروتين،التي كونت للناس آلاف المشاكل في مسيرة الحياة.

و لا ينحصر إحياء الأراضي عن طريق سقيها بمياه الأنهار،بل ان اللّه تعالى يفتح أبواب السماء بالخيرات و البركات.و بهذه الاحاديث يتضح لنا بعض ذلك.

1-روى ابو سعيد الخدري عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)انه قال:«تتنعم امتي-في زمن المهدي-نعمة لم يتنعموا مثلها قط،ترسل السماء

ص:611

عليهم مدرارا،و لا تدع الارض شيئا من نباتها إلا اخرجته»(1).

2-و قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«يخرج-في آخر امتي-المهدي، يسقيه اللّه الغيث،و تخرج الأرض نباتها،و يعطي المال صحاحا،و تكثر الماشية،و تعظم الامة...»(2).

3-و قال(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«...و تزيد المياه في دولته، و تمد الانهار،و تضاعف الارض أكلها...»(3).

4-و قال مولانا علي امير المؤمنين(عليه السلام)-في ضمن حديث طويل-:«..و لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها،و لأخرجت الارض نباتها...حتى تمشي المرأة بين العراق و الشام،لا تضع قدميها الا على النبات...»(4).

5-و قال(سلام اللّه عليه)-في حديثه عن عصر الامام المهدي-:

«و يزرع الانسان مدّا يخرج له سبعمائة مد(5)كما قال اللّه تعالى:كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ (6).(7).

ص:612


1- (1) كتاب الرسالة للشافعي،و رواه الطبراني في معجمه الأكبر.و يوسف بن يحيى في (عقد الدرر)الباب السابع.
2- (2) عقد الدرر ليوسف بن يحيى الشافعي-الباب السابع-ص 144.
3- (3) عقد الدرر-باب 7 ص 149.
4- (4) بحار الانوار ج 52 ص 319-نقلا عن كتاب(الخصال)للشيخ الصدوق.
5- (5) المد:ثلاثة أرباع الكيلو.
6- (6) في الآية الكريمة:مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُسورة البقرة-آية 261.
7- (7) عقد الدرر باب 9-ص 200.

لقد اتضح لنا-من هذه الاحاديث-ان الصحارى الخالية و البراري القاحلة و الأراضي الجرداء-التي لا زرع فيها و لا كلاء-سوف تتبدل الى مزارع خضرة، تنبت من كل زوج بهيج،بسبب كثرة الامطار و الانهار،و انتعاش الاراضي بها.

و يكون نزول الامطار بصورة تنتفع بها الأرض،لا كالأمطار التي تتكون منها السيول و تهدم المساكن و تغرق المزارع،و تهلك الانسان و الحيوان،كما يحدث ذلك-بين مدة و اخرى-في بعض البلاد.

و من الواضح ان الناس سيكونون احرارا في الزرع و غرس الاشجار،و لا توضع أمامهم الموانع و العقبات-كالضرائب الجائرة و القوانين الكافرة-لأن الاسلام يعطي الحرية للانسان بان يختار الارض الموات-و هي التي لا زرع فيها و لا بناء-و يحييها بالزرع او بالبناء.

كما روي ذلك عن رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)انه قال:«من احيى ارضا مواتا فهي له»(1).

و قال:(صلى اللّه عليه و آله و سلم):«من غرس شجرا او حفر واديا لم يسبقه اليه احد،او احيى ارضا ميتة فهي له،قضاء من اللّه و رسوله»(2).

و قال الامام الباقر(عليه السلام:«أيّما قوم احيوا شيئا من الارض و عمروها،فهم احق بها،و هي لهم»(3).

ص:613


1- (1) كتاب وسائل الشيعة ج 17 ص 327.
2- (2) كتاب وسائل الشيعة ج 17 ص 328.قوله قضاء من اللّه و رسوله:أي هذا هو حكم اللّه و رسوله.
3- (3) كتاب وسائل الشيعة ج 17 ص 327.

الى غيرها من الاحاديث التي تصرح بان الانسان لو اختار قطعة من الارض و احياها فهي ملك له،بشرط ان لا تكون ملكا لاحد قبله.

و يكون الزرع و الغرس للانسان نفسه،لا للاقطاعيين،و لا للحكومة،كما هو الآن في الدول الاشتراكية،حيث ان مليارات الهكتارات من الاراضي لا يستفاد منها على مرّ القرون،و لا يزرع فيها،او يزرع فيها و يكون الحاصل للاقطاعيين فقط...كل ذلك بسبب القوانين الكافرة المستوردة من بلاد المستعمرين.

و عند قيام الامام المهدي(عليه السلام)-اي:عند زوال تلك القوانين و اضمحلالها-يجد البشر الارض مع الحرية،فيزرع بنفسه لنفسه، و يستفيد-من بركات التراب-انواع الحبوب و الفواكه و مختلف المزروعات.

و يعلم اللّه تعالى مدى الرخاء الذي سيتمتع به البشر،فتكثر الخيرات و تتضاعف البركات،بسبب كثرة الزرع و امتلاء الضرع،و توفّر النعم و كثرة العمران،و انتعاش الحيوانات و خاصة الدواجن و الانعام منها.

ص:614

حلّ مشكلة المسكن في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

تعتبر مشكلة المسكن من المشاكل التي يعاني منها البشر..اليوم و قبل اليوم..فالكثير من الناس-ان لم يكن الاكثر-يعيشون في ازمة سكنية، من بيوت مستأجرة او ضيقة،و لا يملكون المال الكافي لشراء دار يسكنون فيها مع عوائلهم في رفاه.

و هذه المشكلة هي-ايضا-من نتائج القوانين الكافرة،الحاكمة على الناس..لأن الحكومات تكبت الحريات و لا تسمح لهؤلاء بأن يبنوا لأنفسهم مساكن خارج البلد،الا بشروط قاسية و ضرائب باهضة.ما انزل اللّه بها من سلطان.

و لا تسأل عن النتائج المؤسفة و المآسي التي تتمخّض عنها هذه المشكلة-بصورة خاصة-فالكثير من الشباب يقضون فترة من شبابهم بدون زواج،بسبب ازمة المسكن..و هذا مما يؤدي-بضعفاء الايمان منهم-الى الانحرافات الجنسية..و غيرها من المنكرات.

و بعد انقضاء الفترة الذهبية من شبابهم..يتزوجون و يضطرّون الى استئجار دار صغيرة او شقة ضيقة!!

و هناك الامراض التي تتولّد نتيجة سوء التهوية.

بالاضافة الى أن كثيرا من النزاعات العائلية و العقد النفسية تأتي نتيجة

ص:615

لضيق المكان الذي يعيش فيه اهل الدار.

و الأطفال يحرمون من اللعب و الركض و الرياضة في ساحة الدار، و يضطرّون للخروج الى الشوارع و الطرقات او المنتزهات و الحدائق العامة لنفس الهدف.

و كثيرا ما يؤدّي-خروجهم الى المنتزهات-الى الانحراف الفكري او السلوكي،فهناك المنحرفون-من اهل الفساد او الاحزاب-الذين يترصّدون بالشباب الأبرياء،و ينصبون لهم الاشراك و المصائد،لكي يوقعوهم في مستنقعات الفساد او الأحزاب.

الى غير ذلك من عشرات المشاكل و المآسي و الجرائم التي تقع نتيجة لأزمة المسكن.

أمّا في عصر الامام المهدي(عليه السلام)فان هذه المشكلة تنحلّ بصورة كاملة..كما انها انحلت-بالفعل-في عصر حكومة الامام علي امير المؤمنين(سلام اللّه عليه)فقد جاء في التاريخ:ان كل انسان كان يملك لنفسه دارا مستقلة،ببركة حكومة الامام امير المؤمنين(عليه السلام)(1).

و السؤال الآن:كيف يحلّ الامام المهدي(عليه السلام)هذه المشكلة؟

الجواب:بتطبيق الاسلام.

إن القانون الاسلامي يقول:«الارض للّه و لمن عمّرها»فكل ارض

ص:616


1- (1) كتاب الغارات.

-لم تكن ملكا لأحد-يحق للانسان ان يحييها بالعمران و البناء،و تكون ملكا له،و لا يحق لأية جهة-كالبلدية و غيرها-الاعتراض عليه او اخذ الضرائب منه،لأنه لا ضرائب في الاسلام،سوى ما نصّ عليه القرآن و الاحاديث الشريفة،كالخمس و الزكاة و ما شابه ذلك.

و هنا نذكر حديثا واحدا يشير الى حلّ مشكلة المسكن في عصر الامام المهدي(عليه السلام)-و قد ذكرناه سابقا-:

قال الإمام الصادق(عليه السلام):«اذا قام قائم آل محمد...

اتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء»(1)و هذا الحديث يدل على أن الناس يستثمرون الأراضي القاحلة و الصحاري الخالية،بالبناء و العمران،حتى تصل-كنموذج من ذلك-بيوت الكوفة بنهر كربلاء،بالرغم من المسافة البعيدة بينهما.

ص:617


1- (1) بحار الأنوار.

حلّ مشكلة البطالة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

البطالة ظاهرة مؤسفة منتشرة في جميع البلاد..و هي أيضا من المشاكل المعقّدة التي يعاني منها كثير من الناس.و إحصائيات البطالة ترتفع ارقامها بصورة غريبة.

و هذه المشكلة تترك آثارا سيئة و نتائج و خيمة في المجتمع:ففي احضان البطالة تتكوّن آلاف الرذائل..و الانحرافات العقائدية،و العقد النفسية،و جرائم السرقة و السلب و النهب.و غير ذلك..

فبسبب البطالة،يضطر كثير من الناس الى قضاء اوقاتهم في الأسواق و المقاهي،و النظر الى نساء الناس و مغازلة الفتيات،و التحدث في امور تضر و لا تنفع،كاغتياب الناس و هتك اسرارهم،و غير ذلك.

و بالرغم من ان الاسلام يكره البطالة و الكسل اشد الكراهية، و يدعو الى العمل و النشاط،فان هذه الظاهرة موجودة في البلاد الاسلامية أيضا..و ما ذلك الا بسبب القوانين غير الاسلامية التي تحكم في هذه البلاد،من كبت الحريات،و عدم السماح بالعمل و التجارة إلا بشروط قاسية و ضرائب باهظة و ما شابه ذلك.

و في بعض الدول..لا يسمح لاحد بالعمل إلا اذا كان حاملا لجنسية تلك الدولة!!و كأنّ من لا يحمل جنسية تلك الدولة،لا يعتبر

ص:618

انسانا له حق الحياة و العمل؟!!

و في بعض البلاد..لا يسمح لأحد بالعمل الا بعد الخدمة العسكرية،او بلوغ مرحلة خاصة من العمر!!و على كل حال..فان أسباب البطالة و عواملها كثيرة..و لا نريد التحدث عن ذلك بالتفصيل..

أمّا في عصر الامام المهدي(عليه السلام)فان ظاهرة البطالة تختفي عن المجتمع بصورة نهائية،لأنه(عليه السلام)يقضي على جذور البطالة و أسبابها.

فحرية العمل و السفر و التجارة تمنح لجميع الناس،و الضرائب تلغى،و الجنسيات تسقط عن الاعتبار،لأن الإسلام لا يؤمن بالجنسيات،و يعتبر الجميع متساوين في الحقوق و الحرية،كما قال الإمام علي امير المؤمنين(سلام اللّه عليه)-في عهده الى مالك الأشتر يوم جعله واليا على مصر-:«...الناس صنفان:إما اخ لك في الدين،او نظير لك في الخلق»(1).

و لهذا فان جميع طبقات الشعب يعيشون حالة النشاط و العمل و الثروة،و ذلك ببركة الاسلام و حكومة الامام المهدي(عليه السلام).

ص:619


1- (1) نهج البلاغة:باب كتبه عليه السلام.

الأمن و الأمان في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

تعيش المجتمعات البشرية-اليوم-حالة عصيبة من فقدان الامن و الأمان في مختلف المجالات:فسرقة الأموال من البيوت و المحلات، و سرقة السيارات،بل و سرقة البنوك التي تقوم بها العصابات..و الجرائم التي يقوم بها قطّاع الطرق،من سلب الناس و نهب اموالهم..و اختطاف النساء و الأطفال..و غير ذلك..ما هي الا مظاهر من فقدان الامن و الأمان في المجمعات البشرية.

و في بعض البلاد يسيطر الخوف و الرعب على المجتمع،و يبلغ اقصاه في الليل..فاذا طرق باب بيت من البيوت،استولى الارتباك و الذعر على صاحب البيت و عائلته..قبل ان يعرف من الذي طرق الباب!!

أمّا في عصر الامام المهدي(عليه السلام)فان جميع هذه المخاوف تزول عن الناس،و يسود الامن و الامان جميع الكرة الارضية،و يعيش البشر في جوّ من السلام و الاطمئنان،و الراحة و هدوء البال.

و السؤال الآن:كيف يتحقق ذلك؟

الجواب:علينا ان نعرف-اولا-العوامل التي تؤدي الى فقدان الأمن و الأمان،حتى نعرف-بعد ذلك-كيف يتحقق الأمن في عصر الامام.

ص:620

ان فقدان الامن يعود الى احدى الاسباب التالية:

1-الفقر و الحرمان..بان يرتكب شخص جريمة السرقة-و ما شابهها-لأنه فقير محروم يريد أن يؤمّن حياة نفسه و أهله عن هذا الطريق القذر.

2-ضعف الايمان باللّه،بأن لا يكون سبب السرقة هو الفقر..

بل الطمع في المزيد من المال او خبث النفس و انحراف السلوك.

3-ضعف الحكومة،بأن تكون عاجزة عن ملاحقة المجرمين و معاقبة العصابات المفسدة.

أمّا في عصر الامام المهدي(عليه السلام)فتزول جميع هذه الاسباب:فالفقر ينتفي من المجتمع و يعيش الجميع في رفاه و رخاء و رغد من العيش،حتى أنّ منادي الامام المهدي(عليه السلام)ينادي:من له حاجة الي؟فما يأتيه الا رجل واحد يريد المزيد من المال..لا انه فقير محروم.

و الايمان باللّه يتركّز في القلوب،على أثر المناهج التربوية التي يطبقها الامام في المجتمع،و بذلك تنتفي الجرائم التي تقع بسبب ضعف الايمان باللّه تعالى.

و حكومة الامام المهدي(عليه السلام)سوف تكون اقوى حكومة جاءت على وجه الارض،فالسماء و الأرض تشتركان في دعمها و إرساء قواعدها..و سوف تكون حكومة الامام(عليه السلام)هي الحكومة الوحيدة في الارض كلها..و لهذا لا تتشكّل عصابات قطع الطريق و ما

ص:621

شابه ذلك..لأن يد العدالة تقضي عليها و هي في المهد..

هذا..بالاضافة الى ان الناس يصلون الى مراتب عالية من التكامل و علو النفس و الشرف،بحيث يجلّون انفسهم و يترفعون عن ارتكاب جريمة السرقة.

بعد هذا التوضيح..نعرف كيفية تحقق الامن و الأمان في عصر الإمام المهدي(عليه السلام).

و الجدير بالذكر:ان الأمن و الأمان لا يختص بالبشر،بل يشمل البشر مع الحيوان،و الحيوانات بعضها مع بعض،فالانسان لا يخاف من الحيوان،و الحيوانات الضعيفة لا تخشى من الحيوانات القوية،و يسود بينها روح التآلف و المحبة.

و فيما يلي نذكر بعض الاحاديث المروية حول هذه النقاط:

قال الامام الباقر(عليه السلام)-في حديثه عن الامن و الامان في عصر الامام المهدي عليه السلام-:«...و تخرج العجوزة الضعيفة من المشرق،تريد المغرب،لا يؤذيها احد...»(1).

و قال الامام علي امير المؤمنين(سلام اللّه عليه):«...حتى تمشي المرأة بين العراق و الشام،لا تضع قدميها الا على النبات،و على رأسها زينتها،لا يهيّحها سبع،و لا تخافه(2).

ص:622


1- (1) ينابيع المودة للقندوزي ص 423
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 319-نقلا عن كتاب الخصال للشيخ الصدوق.

و قال(عليه السلام):«لو قد قام قائمنا...و لذهبت الشحناء من قلوب العباد،و اصطلحت السباع و البهائم...»(1).

و قال الامام علي امير المؤمنين(عليه السلام):«...و ترعى الشاة و الذئب في مكان واحد،و يلعب الصبيان بالحيّات و العقارب، لا يضرّهم شيء،و يذهب الشرّ،و يبقى الخير...»(2).

و تسأل:كيف تصطلح السباع..مع العلم أن غريزتها و طبيعتها الافتراس؟

الجواب:لعل ذلك يتحقق عن طريق المعجزة،فان اللّه تعالى الذي خلق تلك السباع و أوجد فيها الغرائز و الطباع،يسلبها غريزة الافتراس و يجعلها كسائر الحيوانات الاليفة التي لا يخشى منها احد.

و تسأل ثانيا:كيف يمكن ذلك..مع العلم ان بعض السباع و الوحوش ينحصر طعامها في اللحوم؟

الجواب:لقد صرح علماء الحيوان بأنّ طعام السباع و الوحوش لا ينحصر في اللحوم،بل إن اللحوم تعتبر من ألذّ الأطعمة عندها، و في صورة عدم حصولها على اللحم،تكتفي بغيره كأوراق الشجر و ما شابه ذلك.

و قد ذكرنا كلمة موجزة حول هذا الموضوع في هامش فصل

ص:623


1- (1) بحار الأنوار ج 52 ص 319.
2- (2) عقد الدرر باب 7-ص 159.

(البشائر في الاحاديث النبوية)من هذا الكتاب.

و هكذا يكون عصر الامام المهدي(عليه السلام)عصر السلم و السلام و الامن و الأمان،بجميع معنى الكلمة.

ص:624

الإصلاحات العامة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

لقد ذكر الشيخ الطوسي(رضوان اللّه عليه)-في كتاب الغيبة- بعض الاصلاحات العامّة التي تحدث في عصر الإمام المهدي(عليه السلام)و جميع هذه الاصلاحات لها علل و أسباب حكيمة تدعو الى ذلك.

و فيما يلي نذكر بعض تلك الاصلاحات:

1-حل مشكلة الطرق و المرور،و من ذلك:توسعة الطرق العامة الى ستين ذراعا.

2-القضاء على النوافذ المطلّة على الطريق،و منع إحداثها من جديد،لأن للنوافذ المطلّة على الطريق دورا كبيرا في الفساد و الخيانة الزوجية و ما شابه ذلك،اذ أنها تكشف عمّا في البيت،و خاصة في موسم الصيف،حيث تكون مفتوحة.

3-هدم كل جناح و شرفة خارجة من البيوت،و لعل السبب في ذلك أن فضاء الطريق عام لجميع الناس،و الجناح و الشرفة تصرّف في هذا الحق.

4-منع وضع الميزاب الذي ينصبّ منه الماء من السطوح في الطريق،و هذا من الاجراءات الضرورية للمحافظة على نظافة الطريق،

ص:625

و عدم انصباب الماء على رؤوس المارّة-كما يحدث كثيرا-و لسلامة الطريق من الأخطار المحتملة،كالعثرة و التدحرج،و خاصة للشيوخ الطاعنين في السن.

و لذلك فإن الكثيرين-اليوم-ينصبون الميزاب في ساحة بيوتهم، كي لا ينصبّ الماء في طريق الناس.

5-منع ان تكون البالوعة في الطريق(1).

و غير ذلك من الاصلاحات المختلفة(2)

أيها القاريء الكريم:إعلم ان جميع ما ذكرناه حول حياة المجتمع في عصر الامام المهدي(عليه السلام)انما هو قليل من كثير،و غيض من فيض،مما يتمتع به المجتمع في عصره،لأن الاحاديث التي تتحدّث عن تلك الحياة السعيدة،قليلة بالنسبة الى الواقع،و يعلم اللّه تعالى عدد الاحاديث التي تحدّثت عن ذلك العصر المشرق،و لم تصل بأيدينا،بسبب الاحراق او الاتلاف،عدا ما لم يتفوّه به ائمة اهل البيت (عليهم السلام)رعاية لعقول الناس و مستوياتهم الفكرية.

و خلاصة الكلام:إن البشر سوف يتمتع بأسعد حياة و ارغد عيش في عصر الامام المهدي(عليه السلام)

ص:626


1- (1) البالوعة:حفيرة تجتمع فيها الأوساخ و القذارات،و قد تعارف في كثير من البلاد، ان يحفروها في الطريق،و ينصبوا لها قناة تجري فيها الأوساخ من داخل الدار الى البالوعة.
2- (2) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص 283-و بحار الأنوار للمجلسي ج 52 ص 339. و الحديث مروي عن الإمام الباقر(عليه السلام).

الشيعة في عصر الامام المهدي«عليه السّلام»

كان الشيعة-و لا يزالون-يتعرّضون للضغط و الاضطهاد،منذ وفاة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و حتى يومنا هذا.

و بسبب ذلك،فان تاريخ الشيعة مليء بالضحايا و الشهداء الذين كانوا يقتلون و يطاردون..لا لشيء،سوى انهم«شيعة الامام علي»!!

و قد كان التشيع-و لا يزال-هدفا للأقلام المسمومة في كل عصر و مصر،و كانت الحكومات-التي استولت على الحكم خلال هذه القرون-تحارب الشيعة بكل ما تملك من قوة.

راجع كتب التاريخ و اقرأ ما جرى عليهم من المصائب و المحن..

بدءا بسلمان الفارسي،و عمار بن ياسر،و عبد اللّه بن مسعود،و ابي ذر الغفاري،و مالك بن نويرة..و مرورا بحرب الجمل و صفين و النهروان، و الغارات التي شنّت-في عهد معاوية-على بلاد الشيعة،الى استشهاد الامام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)و دسّ السم الى ولده الامام الحسن(عليه السلام)..الى فاجعة كربلاء و توابعها..الى شهادة ثمانية من أئمة اهل البيت(عليهم السلام)واحدا بعد الآخر...الى غيرها من آلاف الأمثال و الشواهد التي تدلّ على صحّة ما نقول.

فالأمويون و العباسيون و العثمانيون و نظراؤهم-من حكّام الجور و الفساد-بذلوا جهودهم للقضاء على الشيعة و التشيّع.

ص:627

و الفتاوى صدرت من فقهاء السوء تحكم باهدار دماء الشيعة و اباحة اموالهم و أعراضهم،و نسبت اليهم الكفر و الشرك..و غير ذلك من انواع التهم و الافتراءات و الأكاذيب.

نعم..إنتعش الشيعة في عهد البويهيين و الحمدانيين و الفاطميين و الصفويين..و عاد اليهم شيء من الحياة و الحرية.

لكن هذه الفترات كانت محدودة..و كانت المآسي تحلّ بالشيعة عند انقراض احدى هذه الحكومات،فالمكتبات تحرق،و المساجد تهدم، و الدماء تراق،و الأموال تنهب و تستباح،و الملايين يشرّدون و يهاجرون من اوطانهم الى بلاد نائية غير اسلامية،و تنقطع آثارهم و أخبارهم.

و في ظل الحكومات غير الشيعية،كان الشيعة-و لا يزالون- يتعرّضون للمعاملة السيّئة من بعض السلطات،فالضغط و الرقابة المشددة على المطبوعات الشيعيّة،و على المجالس الحسينية،و المدارس و المساجد و المكتبات و الشخصيات..كلها من مظاهر سوء المعاملة مع الشيعة.

و حين كتابة هذه السطور..نسمع بالمآسي و المصائب و الفجائع التي تتراكم على الشيعة في جنوب لبنان و باكستان و الهند و العراق و كثير من بلاد الشرق الأوسط.

فالسجون مملوءة بهم رجالا و نساءا و شيبا و شبانا،فالأطفال يولدون في السجون،و الكبار يموتون في السجون،و الأموال صودرت و نهبت،و المساكن-بما فيها من الأثاث و المتاع-اخذت منهم قسرا و قهرا و ظلما و جورا.

ص:628

و بين كل آونة و أخرى..يقدّمون الى المشانق جماعات جماعات، كأنهم اغنام تساق الى المجازر،و الدول و الحكومات تتخذ موقف المتفرّج على هذه الفجائع و الكوارث..بل و لعلها ترضى بكل ذلك و توافق عليه.

و على كل حال..فالأفضل ان اترك هذا الحديث المرّ المزعج المؤلم،الذي ينغّص الحياة على كل ذي غيرة و حمية،و أنتقل الى التحدث عن الشيعة في عهد ظهور الامام المهدي(عليه السلام).

ينبغي أن لا ننسى ان الشيعة الاثني عشرية-الذين يعتقدون بالامام المهدي(عليه السلام).يبلغ عددهم مئات الملايين،فاذا ظهر الإمام المهدي يكون الشيعة في طليعة اصحابه و أنصاره.

و من البديهي انّ الشيعة سيبلغون قمّة العظمة و ذروة القدرة و الاستطاعة حين ظهور الامام،فليست هناك حكومة منحرفة يخشون منها،و لا قدرة شاذة،يحذرونها،فلا عجب اذا حصل تحوّل في نفسيّاتهم و معنوياتهم.

و لا شك أنّ الروح تؤثّر في البدن كل التأثير،فاذا كانت الروح قوية كان البدن قويا،و العكس بالعكس.

فممّا لا شك فيه أنّ معنويات الشيعة سترتفع الى اعلى درجة من الامكانيات و القوة و استلام الحكم في الكرة الارضية،و خاصة اذا شملتهم العناية الخاصة من الامام المهدي(عليه السلام)فان الوضع سوف يتبدّل الى اجمل صورة.

ص:629

و الآن..اليك بعض الاحاديث التي تشير الى ذلك:

قال الامام الصادق(عليه السلام):يكون شيعتنا في دولة القائم (عليه السلام)سنام الارض و حكّامها يعطى كل رجل منهم قوة اربعين رجلا»(1).

و قال الامام الباقر(عليه السلام)-في حديثه عن الشيعة في عصر الامام المهدي(عليه السلام)-:«اذا وقع امرنا،و خرج مهديّنا كان احدهم اجرأ من الليث،و امضى من السنان،يطأ عدوّه بقدميه، و يقتله بكفّيه»(2).

و قال الامام الصادق(عليه السلام)-في هذا المجال أيضا-:

«إن اللّه نزع الخوف من قلوب شيعتنا و أسكنه قلوب اعدائنا،فواحدهم امضى من سنان،و اجرأ من ليث،يطعن عدوّه برمحه،و يضربه بسيفه،و يدوسه بقدميه»(3).

و قال الامام علي امير المؤمنين(سلام اللّه عليه):«كأنى انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة،قد ضربوا الفساطيط (4)يعلّمون الناس القرآن...»(5).

ص:630


1- (1) بحار الانوار ج 52 ص 372
2- (2) بحار الأنوار ج 52 ص 372
3- (3) بحار الأنوار ج 52
4- (4) الفساطيط-جمع فسطاط-:البيت من شعر،و تطلق على الخيمة،و لعل المعنى ان كل واحد من الشيعة يتخذ لنفسه زاوية او بقعة في المسجد،لتعليم القرآن العظيم.
5- (5) كتاب الغيبة للنعماني باب 21 حديث 3

و قال الامام الباقر(عليه السلام):«من ادرك قائم اهل بيتي، من ذي عاهة برأ،و من ذي ضعف قوي»(1).

و قال(عليه السلام):«...إذا قام قائمنا،وضع يده على رؤوس العباد،فجمع بها عقولهم»(2).

و قال(عليه السلام):«...انه لو كان ذلك-اي:ظهور الامام المهدي-اعطي الرجل منكم قوة اربعين رجلا،و جعل قلوبكم كزبر الحديد،لو قذفتم بها الجبال فلقتها(3)و انتم قوّام الارض و خزّانها(4).

فيما يلي نقدم بعض الشرح و التحليل لهذه الأحاديث:

إن المذهب الشيعي-بأصله و أصوله و مبادئه و تعاليمه-هو مذهب الاستقلال و الجدّ و الجهد و الجهاد و التضحية و النشاط في العمل في أوسع الحدود.

و الثروة العلمية و الفكرية التي يمتاز بها المذهب الشيعي،إذا استغلت و استثمرت،فان النتيجة ستكون ايجابية في أعلى مستوى، و بصورة مدهشة.

و يؤسفني ان اقول:إن المواهب و المؤهّلات-التي كانت الشيعة

ص:631


1- (1) بحار الأنوار ج 52.
2- (2) إكمال الدين للصدوق.
3- (3) و في نسخة:لقلعتها.
4- (4) بحار الأنوار ج 52.

تتمتع بها خلال هذه القرون-كانت مكبوتة و مجمدة..بل و مخنوقة.

و عند ظهور الإمام المهدي(عليه السلام)ستظهر المواهب، و تنمو المؤهّلات و تحيى النشاطات،و تتولّد الابتكارات،فلا عجب اذا عادت الشجاعة الى الشيعة تحت قيادة إمامهم الثائر المقدام الذي يريد أن يقلع جذور كل ظلم و فساد،و أن ينشر العدل و الفضيلة و السعادة في جميع ارجاء العالم.

فعند ذلك..يكون الشيعي اكثر جرأة و إقداما و شجاعة من الأسد،و قوة روحه تؤثّر في عضلاته،فيمكن له أن يقتل عدوّه باللّكم و الوكز،كما قال تعالى:فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ (1).

و الضعفاء من الشيعة-سواء كان الضعف في الجسم او النفس- ينقلب ضعفهم الى قوة و بسالة،و بطولة و اقتدار.

و جميع الامراض تزول عن الشيعة،و يتمتعون بالصحة و السلامة في ابدانهم.

و أما وضع الامام المهدي(عليه السلام)يده على رؤوس العباد ففيه احتمالان:

الأول:ان يكون ذلك حقيقة:بان يضع الامام(عليه السلام) يده على رأس من يريد من عباد اللّه،فيكمل عقله و ينضج فكره عن طريق الاعجاز و يرتقي الى مدارج الكمال.

ص:632


1- (1) سورة القصص آية 15.

الثاني:ان يكون ذلك رمزا الى تصرّف الامام(عليه السلام)في أفكار الناس،و كأنه يقوم بعملية غسل المخ،و يتحقق ذلك عن طريق بثّ النصائح الحكيمة و المواعظ البليغة..و اللّه العالم.

و على كل حال:فان المجتمع الشيعي يتبلور فكريا و عقائديا و ثقافيا.

قال الامام الصادق(عليه السلام):ان قائمنا اذا قام مد اللّه لشيعتنا في اسماعهم و أبصارهم،حتى لا يكون بينهم و بين القائم بريد(1)يكلّمهم فيسمعون،و ينظرون اليه و هو في مكانه(2)

و قال(عليه السلام):ان المؤمن في زمان القائم و هو بالمشرق ليرى اخاه الذي في المغرب،و كذا الذي في المغرب يرى اخاه الذي بالمشرق(3).

إن هذين الحديثين ينطبقان في عصرنا هذا على جهاز التلفزيون- حسب الظاهر-فالامام المهدي(عليه السلام)يظهر على شاشة التلفزيون ليوجّه ارشاداته التربوية و تعاليمه الاسلامية الى جميع اهل العلم،فيراه اهل المشرق و المغرب،و يسمعون كلامه،و هو في مكانه،كما هو الحال الآن،و هكذا الشيعة-الذين هم في ذلك العصر يشكلون المجتمع

ص:633


1- (1) البريد:الرسول الذي يسلم الرسائل الى أهلها.و المعنى ان الامام المهدي على اتصال مباشر بهم.
2- (2) الكافي/كتاب الروضة.
3- (3) كتاب حق اليقين.

البشري في كل مكان-يرى بعضهم البعض الآخر على شاشة التلفزيون.

و قال الامام الباقر(عليه السلام):«...و يخرج الناس خراجهم على رقابهم الى المهدي،و يوسّع اللّه على شيعتنا،و لو لا ما يدركهم من السعادة لبغوا».

أقول:يدل هذا الحديث على ما يتمتع به الشيعة من تكامل العقول،و الرزانة و ادراك الوقائع،فان طبيعة الانسان أن يطغى،أن رآه استغنى.

فمثلا:العامل و الفلاح اذا توفّرت لهما وسائل المعيشة فمن الممكن ان يترك العامل العمل،و يترك الفلاح الزراعة،لاستغنائهما بالمال، و معنى ذلك ان يختلّ النظام الاجتماعي،اذ يترك اصحاب الحرف و المهن اعمالهم،لتوفّر المال لديهم.

و لكن الامام محمد الباقر(عليه السلام)يتدارك هذا المعنى فيقول:«و لو لا ما يدركهم من السعادة لبغوا»فلعل المعنى:انهم-بالرغم من توفر المال لديهم-يحافظون على النظام الاجتماعي و على التحلّي بالاخلاق الفاضلة و عدم الطغيان،و يمارسون اعمالهم كما لو كانوا محتاجين الى المال.

ص:634

الفصل الثاني و العشرون

كم سنة يحكم؟

من الواضح اننا لا نستطيع ان نعرف المدة التي يحكم فيها الامام المهدي(عليه السلام)إلا عن طريق الاحاديث الشريفة التي تحدّدها.

و الأحاديث الواردة في مدّة حكم الامام المهدي(عليه السلام)بعد الظهور مختلفة،فبعضها تحدّدها بسبع سنين،و بعضها بعشرين سنة تقريبا و بعضها بسبعين سنة،و بعضها بأعداد أخر.

و لكن الاحاديث التي تحدّد مدة حكومته(عليه السلام)بحوالي عشرين سنة كثيرة و مشهورة،و الاعتماد عليها اولى،لأنها مرويّة عن ائمة اهل البيت الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.

و فيما يلي نذكر بعض تلك الاحاديث:

قال الامام جعفر الصادق(عليه السلام):«ملك القائم منّا تسع عشرة سنة و اشهرا»(1).

و في حديث آخر:«يملك القائم(عليه السلام)تسع عشرة سنة و أشهرا»(2).

ص:635


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني باب 26 الحديث الثاني.
2- (2) كتاب الغيبة للنعماني باب 26 الحديث الأول.

و سأل جابر بن يزيد الجعفي من الامام الباقر(عليه السلام):

كم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟

فقال الامام:تسع عشرة سنة،من يوم قيامه الى يوم موته(1).

أقول:لا تناقض و لا تنافي بين هذا الحديث و الحديث الذي سبقه،في تحديد مدة حكومة الامام،لأن ظهوره(عليه السلام)يكون قبل قيامه و نهضته بعدة أشهر،كما يظهر ذلك من بعض الاحاديث.

ص:636


1- (1) كتاب الغيبة للنعماني ص 332.

الفصل الثالث و العشرون

اشارة

كيف تنتهي حياته؟

لقد اشتهر بين علماء الشيعة و محدّثيهم كلام رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم)حيث قال:«إن امر الخلافة يملكه أحد عشر إماما من صلب علي و فاطمة،ما منّا إلا مسموم او مقتول»

فقد روي هذا الحديث عن الامام الحسن المجتبى(عليه السلام) حيث قال-لجنادة بن أبي امية-:«و اللّه لقد عهد الينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم)إنّ هذا الامر يملكه احد عشر إماما من ولد علي و فاطمة(عليها السلام)ما منا الا مسموم او مقتول».

و روي عن الامام الصادق(عليه السلام)تصديق هذا الحديث و تفصيله،كما في كتاب(الفتن و المحن)من بحار الانوار.

هذا من ناحية الحديث..و أمّا من الناحية التاريخية:فان التواريخ تؤيّد هذا الحديث،فقد قتل الامام علي امير المؤمنين(عليه السلام)بالسيف،و قتل ولده الامام الحسن المجتبى(عليه السلام) بالسم،و استشهد الامام الحسين(عليه السلام)بالسيف.و بقية الائمة-من الامام زين العابدين الى الامام الحسن العسكري(عليهم السلام)-قتلوا بالسم،و هذه كتب الحديث و التاريخ تشهد بذلك، و لا أراني-الآن-بحاجة الى ذكر كل واحد من الأئمة الذين دسّ لهم

ص:637

السم،من حكّام زمانهم،من الأمويين و العباسيين.

و انني اعتقد ان التشكيك في هذه الامور انما هو تشكيك في الحقائق الثابتة و القضايا الواقعة،و كل من يشكّ في هذه الحقائق فهو مبتلى بالشذوذ الفكري و لا علاج له.

اعود الى حديثي عن الامام المهدي(عليه السلام)فأقول:

ان الامام المهدي هو احد ائمة اهل البيت و خاتمهم،فيشمله هذا الحديث،فانه-ايضا-لا يموت حتف انفه،بل يفارق الحياة بسبب خارجي،إما القتل و إما السم.

أما القتل فلم نجد في المصادر الموجودة-عندنا-شيئا يدل على ذلك سوى ما ذكره اليزدي في كتابه(الزام الناصب)ص 190 من الطبعة الاولى قال:

«فاكهة:ملخّص الاعتقاد في الغيبة و الظهور و رجعة الأئمة.

لبعض العلماء:و مما ينبغي اعتقاده:رجعة محمد و اهل بيته..

الى ان يقول:«فاذا تمّت السبعون سنة،أتى الحجّة الموت، فتقتله امرأة من بين تميم-إسمها سعيدة،و لها لحية كليحة الرجال-بجاون صخر من فوق سطح،و هو متجاوز في الطريق،فاذا مات تولّى تجهيزه الحسين..و ما ذكرنا هنا ملتقط من روايات الأئمة الأطهار...»إلى آخر كلامه.

أقول:يا ليت ذلك العالم ذكر تلك الروايات التي التقط منها كيفية

ص:638

شهادة الامام المهدي(عليه السلام)حتى يتضح لنا هذا الكلام.

و يا ليت المؤلف صرح باسم ذلك العالم الذي ذكر هذه الخلاصة.

و على كل حال..فالكلام لا يخلو من الغموض و الاجمال.

و أما السم:فلم اجد-في الأحاديث-تصريحا بدسّ السم الى الإمام المهدي(عليه السلام)و على كل تقدير..فان الإمام المهدي (روحي له الفداء)يفارق الحياة بسبب يعلمه اللّه تعالى.

الإمام لا يصلّي عليه الا الإمام.

و من جملة معتقدات الشيعة-قديما و حديثا-ان الإمام المعصوم لا يغسّله الا الإمام المعصوم،و لا يصلّي عليه الا الإمام المعصوم،حتى ان الواقفية-في عصر الإمام الرضا(عليه السلام)-احتجّوا على الإمام بمثل هذا..فقد روي ان علي بن ابي حمزة البطائني قال للإمام الرضا (عليه السلام):إنا قد روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي امره إلا إمام مثله.

فقال الامام الرضا:فأخبرني عن الحسين بن علي(عليهما السلام) كان إماما او كان غير امام؟!

قال:كان إماما.

فقال الامام:فمن ولي امره؟

قال البطائني:علي بن الحسين(زين العابدين).

ص:639

فقال الامام:و أين كان علي بن الحسين؟!كان محبوسا في يد عبيد اللّه بن زياد.

قال البطائني:خرج..و هم كانوا لا يعلمون،حتى ولي امر ابيه ثم انصرف.

فقال الامام الرضا:إن هذا امكن علي بن الحسين(عليهما السلام) أن يأتي كربلاء فيلي امر ابيه،فهو يمكّن صاحب الأمر(1)ان يأتي بغداد، فيلي امر أبيه ثم ينصرف،و ليس في حبس و لا أسار...»(2).

ان هذا الحديث بحاجة الى بعض الشرح و التوضيح فنقول:

بعد وفاة الامام موسى الكاظم(عليه السلام)توقّف جماعة من الاعتراف بامامة علي الرضا(عليه السلام)من بعده،و سمي هؤلاء ب(الواقفية)و قد تكوّن هذا المذهب بعد وفاة الامام موسى الكاظم(عليه السلام)ثم انقرض بعد سنوات.و الحديث طويل يحتاج الى مجال اوسع.

و خلاصة القول:ان علي بن أبي حمزة البطائني-و كان من رؤساء الواقفية-قال للامام الرضا(عليه السلام)ان المروي عن أئمة اهل البيت (عليهم السلام)ان الامام لا يلي امره،أي:لا يغسّله و لا يصلّي عليه إلا الامام،و كان الامام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)قد فارق الحياة في سجن هارون الرشيد في بغداد،و كان ابنه الامام الرضا(عليه

ص:640


1- (1) صاحب الأمر:يقصد الامام الرضا نفسه من هذه الكلمة،إذ انه كان صاحب الامر بعد وفاة أبيه الامام الكاظم(عليهما السلام).
2- (2) بحار الأنوار ج 48 ص 269،باب ردّ مذهب الواقفية.

السلام)حينذاك في المدينة المنورة،و لهذا سأله رئيس الواقفية عن كيفية حضوره في بغداد لتغسيل والده الامام الكاظم و الصلاة عليه؟

فكان جواب الامام الرضا(عليه السلام)أن سألهم عن كيفية حضور الامام زين العابدين لدفن والده الامام الحسين و الصلاة عليه،مع العلم ان الإمام زين العابدين كان محبوسا في سجن ابن زياد في الكوفة.

فأجابه البطائني بأن الامام زين العابدين حضر كربلاء بطريق المعجزة،من حيث لا يراه أحد من السجّانين في الكوفة.

فكان جواب الامام الرضا(عليه السلام)انه أيضا حضر من المدينة الى بغداد لتغسيل والده الامام الكاظم،بطريق المعجزة.

و المقصود من هذا الحديث هو ان الاعتقاد-بأن الامام لا يغسله و لا يصلّي عليه الا الامام-كان مشهورا عند الشيعة،و الامام الرضا(عليه السلام)لم يزيّف هذا الاعتقاد،بل نراه يقرّه،و تقرير الامام حجّة و دليل.

و بناءا على هذا..فانه لا محيص لنا من القول:إن إماما معصوما سوف يقوم بتغسيل الامام المهدي(عليه السلام)و الصلاة عليه.

و سنذكر-في الفصل القادم-بعض الأحاديث التي تصرّح بأن الامام الحسين(عليه السلام)هو أول من يرجع الى هذه الحياة الدنيا،و أنه(عليه السلام)هو الذي يتولّى تغسيل الامام المهدي(عليه السلام)و تحنيطه و الصلاة على جنازته.

و قد ذكرنا-في فصل وجه الانتفاع بالامام الغائب-حديثا عن الامام

ص:641

الصادق(عليه السلام)انه قال:لم تخل الارض-منذ خلق اللّه آدم-من حجّة للّه فيها،ظاهر مشهور او غائب مستور،و لا تخلو-الى أن تقوم الساعة-من حجة للّه فيها،و لو لا ذلك لم يعبد اللّه.

و هذا الحديث-بالذات-يعتبر من الأحاديث المتواترة الصحيحة، و على هذا..إذا توفي الامام المهدي(روحي له الفداء)فمن الامام و الحجة من بعده؟و لهذا لا بد لنا من القول بالرجعة كما ستقرأ ذلك في الفصل القادم.

ص:642

الفصل الرابع و العشرون

ثمّ ماذا يكون؟

لقد وصلنا-و نحن في خاتمة المطاف-الى بحث يعتبر-عند بعض البسطاء و المتطرّفين-موضوعا يشبه الخرافة..و كثير من الحقائق يعتبره بعض الناس خرافة و ضلالة..فهل يؤثّر ذلك في حقيقة ذلك الموضوع و واقعيّته؟!

طبعا..لا..لأنّ الحقيقة ثابتة،و إن أنكرها الناس.

إنّ الملاحدة و الزنادقة يعتبرون وجود اللّه خرافة،فهل يؤثّر ذلك في حقيقة وجوده سبحانه؟

طبعا..لا.

إنّ هذا الموضوع الذي نريد التحدّث عنه الآن..هو موضوع الرجعة.

قبل كلّ شيء..لا بدّ لنا أن نعرف:ما هي الرجعة؟

(الرجعة)معناها:أنّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام)و طوائف كثيرة من الأموات،سوف يرجعون الى هذه الحياة الدنيا،و تبدأ الرجعة بعد ظهور الامام المهدي(عليه السلام)و قبل شهادته،و يكون ابتداؤها برجوع الامام الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)ثم الأئمة الآخرون واحدا بعد واحد.و تمتدّ فترة الرجعة قرونا طويلة جدا.

ص:643

هذه خلاصة البحث و عصارة القول.

و قد وردت أحاديث تتجاوز الأربعين و الخمسين-بل أكثر من ذلك- عن أئمة اهل البيت(عليهم السلام)حول الرجعة و تفاصيلها.

و قد مضى حين من الدهر..كان القول و الاعتقاد بالرجعة ذنبا لا يغفر،و جريمة لا يمكن السكوت عليها.

و الجدير بالذكر:أنّ الذين كانوا يحاربون عقيدة الرجعة-و يشنّون الغارات عليها و يهرّجون ضدّها-ما كانوا يحاربون الالحاد و الزندقة!!

و الآن..لا بأس أن نضع هذه العقيدة على طاولة التشريح، لنطّلع على أبعادها و حقيقتها،و نعرضها على كتاب اللّه و سنّة رسوله و العقل،لننظر موقف القرآن و السنّة و العقل من هذه العقيدة،و هل أنّ فيها شيئا يدعو الى التهريج و الاستهزاء؟!

النقاط التي ينبغي التحدّث عنها-في هذا الفصل-هي كالتالي:

1-إحياء الموتى يوم القيامة

2-هل أحيى اللّه احدا قبل يوم القيامة؟

3-هل في القرآن دليل على الرجعة؟

4-هل في الاحاديث دليل على الرجعة؟

5-لمن تكون الرجعة؟

ص:644

احياء الموتى يوم القيامة

يعتبر الاعتقاد بالمعاد يوم القيامة أصلا من اصول الدين،و لا أظنّ أنّ هناك مسلما يؤمن بالقرآن و الإسلام ثم لا يؤمن بالمعاد و إحياء الموتى في يوم القيامة،مع تصريح مئات الآيات و مئات الأحاديث،و الأدلة العقلية على ذلك.

و لا نريد أن نتحدّث-الآن-حول المعاد بالتفصيل،و لكنّنا نلخّص الحديث حوله فيما يأتي:

إنّ المسلمين-بكافّة مذاهبهم-متّفقون على أنّ اللّه تعالى يحيي الأولين و الآخرين من عباده يوم القيامة،حتى الجنين الذي سقط من بطن امّه ميتا،يحييه اللّه تعالى.

قال عزّ و جل:وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (1).

و لعلّ الكثيرين من أهل الأديان و الشرائع و الملل يشاركون المسلمين في هذه العقيدة.

إذن:إحياء الأموات-يوم القيامة-يعتبر من الأمور المسلّمة القطعية عند المسلمين-و عند غيرهم احتمالا-و لا يستبعد احد من المسلمين ذلك.

نعم..كان المشركون و الملاحدة ينتكرون البعث في يوم القيامة،

ص:645


1- (1) سورة الكهف آية 47.

و يقولون:أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (1)و لسنا الآن في مقام الرد على هؤلاء،و انما السؤال هو:

هل أحيى اللّه أحدا قبل يوم القيامة؟

ان كلّ من يؤمن بالمعاد،و يؤمن بأنّ اللّه تعالى يحيي الخلائق اجمعين في يوم القيامة،لا يصعب عليه أن يؤمن بأن اللّه على كل شيء قدير،و أنه سبحانه قادر على إحياء بعض عباده،كما أنّه تعالى قادر على إحياء جميع عباده،فلا مانع عند العقل من قبول هذا المعنى و أنّه ممكن غير مستحيل.

أمّا القرآن الكريم فقد أخبر عن وقوع إحياء الموتى،مرّات عديدة، و فيما يلي نشير الى بعض تلك الآيات،و فيها الكفاية للمنصفين..أمّا المعاندونوَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها.

الآية الاولى:وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها،وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2).

التفسير:

وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً الخطاب موجّه الى بني اسرائيل،لأنّ أحدهم كان قد قتل أحد أقربائه،ثم طرح جثّة القتيل على طريق سبط من أسباط بني اسرائيل،ثم جاء القاتل يطالب بدمه،و سألوا موسى بن

ص:646


1- (1) سورة الصافات آية 16-17.
2- (2) سورة البقرة آية 73.

عمران(عليه السلام)عن القاتل من هو؟و هذا معنى قوله:

فَادّارَأْتُمْ فِيها أي:اختلفتم في تلك النفس المقتولة و قاتلها.

فأمرهم موسى بن عمران(عليه السلام)أن يذبحوا بقرة،و أخيرا..

ذبحوا البقرة.فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها أي:إضربوا القتيل-و هي الجثّة-ببعض أعضاء تلك البقرة المذبوحة-على اختلاف بين المفسّرين حول ذلك العضو-فضربوا القتيل بعضو من أعضاء البقرة،فقام القتيل حيّا و قال:قتلني فلان،ثم عاد ميّتا:كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (1).

و المقصود أنّ اللّه تعالى قد أحيى ذلك القتيل الاسرائيلي في هذه الدنيا و قبل يوم القيامة.

الآية الثانية:أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ-وَ هُمْ أُلُوفٌ-حَذَرَ الْمَوْتِ،فَقالَ لَهُمُ اللّهُ:مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ،إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ (2).

التفسير:

هذه الآية تتحدّث عن قوم من بني اسرائيل،فرّوا من طاعون وقع بأرضهم،و قد اختلف المفسّرون في عددهم فقيل:كانوا ثلاثة آلاف،و قيل:أربعين ألفا،و قيل سبعين ألفا.خرجوا من بلدتهم فرارا و حذرا من الطاعون و الوباء،فأماتهم اللّه تعالى و أمات دوابّهم، و تفسخت أبدانهم و تلاشت أعضاؤهم.

ص:647


1- (1) تفاصيل القصة مذكورة في تفسير الآية من سورة البقرة..
2- (2) سورة البقرة آية 243.

و ذات يوم..مرّ عليهم نبي اللّه حزقيل،و سأل من اللّه تعالى أن يحييهم،فأحياهم اللّه تعالى،كما صرّحت بذلك الآية الشريفة.

الآية الثالثة:أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها،قالَ:أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ،ثُمَّ بَعَثَهُ،قالَ:كَمْ لَبِثْتَ؟قالَ:لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ،قالَ:بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ،فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ،وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ،وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ،وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً،فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ:أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (1).

التفسير:

ليس المقصود-هنا-تفسير الآية بكاملها،بل هو بيان الموارد التي أحيى اللّه تعالى بعض عباده،و ردّهم الى هذه الدنيا.فهذا نبي من الأنبياء-مع الاختلاف في إسمه-مرّ على قرية خاوية على عروشها، أي:سقط بناؤها و خربت مساكنها بسبب خلوّها من الساكنين.

و قيل:هي القرية التي خرج منها أهلها و هم الوف حذر الموت.

و قيل:المقصود من قوله تعالى:اَلْقَرْيَةَ هو أهل القرية، أي:مرّ على أهل القرية و عظامهم متفرّقة متلاشية.

«فقال:أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها»أي:أنه تساءل سؤال تعجّب..لا سؤال إنكار..قال:كيف يحيي اللّه هذه الأموات؟!

ص:648


1- (1) سورة البقرة آية 259.

فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ و بقي ميّتا مائة سنةثُمَّ بَعَثَهُ و أحياه اللّه تعالى،فسمع نداءا من السماء-كما قيل-:كَمْ لَبِثْتَ أي:

كم هي المدّة التي نمت في هذا المكان؟قالَ:لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لأنه مات أول النهار و أحياه اللّه آخر النهار،بعد مائة سنة،و لهذا قال:أو بعض يوم.

الآية الرابعة:وَ إِذْ قُلْتُمْ:يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً،فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ،ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1).

التفسير:

لقد ورد ذكر هذه القصّة في موضعين من القرآن الكريم:الأول في سورة البقرة-و قد تقدّم-و الثاني في سورة النساء آية 153 بقوله تعالى:فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ.

و خلاصة القصّة:أنّ اليهود قالوا لموسى بن عمران(عليه السلام):لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ أي:لا نصدّقك في نبوّتكحَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً أي:عيانا و علانيةفَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ الى النار التي أحرقتهم.

ثُمَّ بَعَثْناكُمْ أحياهم اللّه تعالى بعد موتهم،-و كانوا سبعين رجلا-فرجعوا الى هذه الحياة الدنيا و عاشوا فترة اخرى.

ص:649


1- (1) سورة البقرة آية 55.

و هذه الآية أيضا تحكي لنا قصّة قوم ماتوا،ثم أحياهم اللّه قبل يوم القيامة.

الآية الخامسة:وَ رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ،أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ،أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ،فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ،وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ.

التفسير:

لقد ورد ذكر إحياء عيسى بن مريم الموتى،في موضعين من القرآن الكريم:الأول في سورة آل عمران آية 49 و قد ذكرناها،و الثاني في سورة المائدة آية 110 و هي قوله تعالى:وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي،وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي، وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي.

في هاتين الآيتين تجد بأن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللّه،حتى قيل:إنه أحيى سام بن نوح،بالرغم من مرور القرون الكثيرة على وفاته.

و المقصود هو أنّ اللّه سبحانه أحيى عددا من الأموات بدعاء عيسى (عليه السلام)قبل يوم القيامة الذي يحيي فيه جميع الأموات.

أيها القارىء الكريم:هذه آيات بيّنات،ذكرناها كنماذج على وقوع إحياء الموتى قبل يوم القيامة،و لا أظنّ أنّ أحدا يشكّ في هذه الآيات الصريحة حول هذا الموضوع.

ص:650

و أمّا الروايات و الأحاديث الصحيحة-التي تتحدّث عن إحياء الموتى على أيدي الأنبياء السابقين-فكثيرة.

و توجد أيضا طائفة من الأحاديث تصرّح باحياء الموتى بدعاء رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم)و دعاء بعض الأئمة الطاهرين(عليهم السلام) و لو لا رعاية الاختصار لذكرنا بعض النماذج منها.كلّ ذلك دليل على إمكانية إحياء الموتى قبل يوم القيامة و تحقّق ذلك.

هل في القرآن دليل على الرجعة؟

أيها القارىء:كان الهدف الأصلي من ذكرنا الآيات-التي تخبر عن إحياء بعض الموتى و كذلك الأحاديث المرويّة في هذا المجال-هو التمهيد لهذا السؤال:

هل في القرآن دليل على الرجعة؟

الجواب:نعم..في القرآن الكريم آيات متعددة فسّرها أئمة أهل البيت(عليهم السلام)بالرجعة،و من الواضح أنّ الأئمة الطاهرين هم تراجمة وحي اللّه،و قد نزل القرآن في بيوتهم،و أهل البيت أدرى بالذي فيه.

و قبل أن نذكر نماذج من تلك الآيات،ننبّه القارىء الى أنّ بعض العلماء المعاصرين جمع ستا و سبعين آية،من الآيات المأوّلة بالرجعة-عدا الأحاديث التي سوف نتحدّث عنها قريبا-.

ص:651

و لا عجب من ذلك،لأنّ موضوع الرجعة يعتبر من المواضيع العقائدية الهامّة،و التأكيد عليه ضروري طبعا.

أما الآيات فاليك نماذج منها:

1-قوله سبحانه:وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (1).

لقد وردت أحاديث متعدّدة عن الامام الصادق(عليه السلام)في تأويل هذه الآية بالرجعة..منها:روي أنّ رجلا قال للإمام الصادق (عليه السلام):إنّ العامّة تزعم أنّ قوله تعالى:وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً عنى يوم القيامة.

فقال(عليه السلام):أفيحشر اللّه يوم القيامة من كلّ أمّة فوجا و يدع الباقين؟!لا..و لكنّه في الرجعة،و أما آية القيامة:وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (2).

و قال(عليه السلام)-في قوله تعالى:وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً-: ليس أحد من المؤمنين قتل إلاّ و يرجع حتى يموت،و لا يرجع إلاّ من محض الايمان محضا،و من محض الكفر محضا.

و قد جرى حوار لطيف بين السيد إسماعيل الحميرى-الشاعر-و بين سوار القاضي،في مجلس المنصور العباسي،نذكره بصورة ملخّصة:

قال القاضي-للمنصور-:إنه-أي الحميري-قائل بالرجعة.

ص:652


1- (1) سورة النمل آية 82.
2- (2) تفسير البرهان ج 3 ص 310.

فقال السيد الحميري:أمّا قوله إني قائل بالرجعة،فاني أقول بذلك على ما قال اللّه تعالى:وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً و قد قال في موضع آخر:وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً فعلمنا أنّ ها هنا حشرين:أحدهما عام و الآخر خاص..الى آخر كلامه.

2-قوله تعالى:إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (1).

سئل الإمام الصادق(عليه السلام)عن هذه الآية..فقال:

ذاك-و اللّه-في الرجعة،أما علمت أنّ أنبياء اللّه كثيرا لم ينصروا في الدنيا و قتلوا،و أئمة قتلوا و لم ينصروا؟!فذلك في الرجعة(2).

3-قوله عزّ و جل:رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ (3).

قال الإمام الباقر(عليه السلام)هو-أي:قوله تعالى-خاصّ لأقوام في الرجعة بعد الموت(4).

و قال الإمام الرضا(عليه السلام):و اللّه ما هذه الآية إلاّ في الكرّة.(أي الرجعة)(5).

ص:653


1- (1) سورة المؤمن آية 51.
2- (2) بحار الأنوار ج 53.قوله«فذلك في الرجعة»أي:انتصار الأنبياء و الأئمة على اعداء اللّه سيكون عندما يرجعون الى الدنيا.
3- (3) سورة المؤمن آية 11.
4- (4) تفسير البرهان ج 2-في تفسير الآية.
5- (5) نفس المصدر.

هذه بعض الآيات التي استدلّ بها أئمة أهل البيت(عليهم السلام)على الرجعة بصورة عامّة..و أمّا تفصيل الحديث عن الرجعة فسوف يأتيك قريبا.

هل في الاحاديث دليل على الرجعة؟

نعم..الأحاديث حول الرجعة كثيرة،و يمكن تقسيمها الى قسمين:

1-الأحاديث الصريحة بالرجعة.

2-الزيارات التي يزار بها الأئمة(عليهم السلام)و الأدعية التي يدعى بها في المناسبات،و كلا القسمين يصلحان للإستدلال على الرجعة،أمّا الأحاديث فواضح،و أمّا الزيارات و الأدعية فلأنّها مرويّة عن الأئمة المعصومين(عليهم السلام)فهي أحاديث أيضا.

و فيما يلي نذكر بعض الأحاديث المرويّة في أصل الرجعة:

سأل المأمون العباسي من الامام الرضا(عليه السلام):يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة؟

فقال(عليه السلام):إنّها الحق،قد كانت في الامم السالفة، و نطق بها القرآن،و قد قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلم):

يكون في هذه الامّة كلّ ما كان في الأمم السالفة،حذو النعل بالنعل...»(1)

ص:654


1- (1) كتاب بحار الأنوار ج 53 ص 39،نقلا عن كتاب عيون اخبار الرضا.

و قال الامام الصادق(عليه السلام):أيام اللّه ثلاثة:يوم يقوم القائم،و يوم الكرّة(أي الرجعة)و يوم القيامة.(1)

لمن تكون الرجعة؟

اشارة

بعد أن ثبت لنا-على ضوء القرآن و الأحاديث الشريفة و العقل-أنّ الرجعة حقيقة لا ريب فيها..يأتي دور هذا السؤال:لمن تكون الرجعة؟و من هو الذي يرجع الى الحياة الدنيا؟

الجواب:المقصود من الرجعة هو:

1-رجوع بعض الأموات و خروجهم من قبورهم،عند ظهور الامام المهدي(عليه السلام).

2-رجوع الأئمة الطاهرين(عليهم السلام).

أمّا رجوع بعض الأموات،فقد سبقت الاشارة اليه عند التحدّث عن(الفرق بين الأصحاب و الأنصار)و هنا نذكر المزيد من ذلك:

قال الامام الصادق(عليه السلام):..إن الرجعة ليست بعامّة،و هي خاصّة،لا يرجع الى الدنيا إلا من محض الايمان محضا، او محض الكفر محضا(2).

و عن المفضّل بن عمر قال:ذكرنا القائم و من مات من أصحابنا ينتظره.

ص:655


1- (1) بحار الأنوار ج 53 ص 63.
2- (2) بحار الأنوار ج 53 ص 39.

فقال لنا الإمام الصادق(عليه السلام):إذا قام اتي المؤمن في قبره،فيقال له:يا هذا،إنّه قد ظهر صاحبك،فإن تشأ أن تلحق به فالحق،و إن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم(1).

و قد كان أئمة أهل البيت(عليهم السلام)يأمرون شيعتهم بالدعاء و التوسل الى اللّه تعالى،كي يعيدهم الى الحياة بعد ظهور الامام المهدي(عليه السلام)حتى يدركوا أيامه المباركة و حكومته الميمونة.

و كان الأئمة الطاهرون(عليهم السلام)يعلّمون شيعتهم الدعاء الذي يدعى به لهذا الهدف السامي..و فيما يلي نذكر مقتطفات ممّا اشير الى رجوع بعض الأموات،عن ظهور الإمام(عليه السلام):

1-في دعاء العهد المروي عن الامام الصادق(عليه السلام) تقول:...اللهم إن حال بيني و بينه(أي الإمام المهدي)الموت -الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا-فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني،شاهرا سيفي،مجرّدا قناتي!ملبّيا دعوة الداعي...».

2-و تقول في زيارة الإمام الهادي و الإمام العسكري(عليهما السلام)في سامراء-العراق-:«...و إن حال بيني و بين لقائه الموت -الذي جعلته على عبادك حتما،و أقدرت به على خليقتك رغما-فابعثني عند خروجه ظاهرا من حفرتي،مؤتزرا كفني-حتى اجاهد بين يديه، في الصفّ الذي أثنيت على أهله في كتابك،فقلت:كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ

ص:656


1- (1) حق اليقين للسيد عبد اللّه شبر ج 2 ص 14.

مَرْصُوصٌ (1).

اللهم إني ادين بالرجعة،بين يدي صاحب هذه البقعة...».

3-و تقول في زيارة الإمام المهدي(عليه السلام):«...و إن أدركني الموت قبل ظهورك،فأتوسّل بك الى اللّه سبحانه أن يصلّي على محمد و آل محمد و أن يجعل لي كرّة في ظهورك(2)و رجعة في أيامك...».

هذا بعض ما ورد في رجوع بعض الاموات عند ظهور الامام المهدي(عليه السلام).

و أمّا رجوع الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)فقد اشير اليه في القرآن و الاحاديث الشريفة المرويّة،و الزيارات المرويّة.

أمّا في القرآن الكريم فمن ذلك قوله تعالى:إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (3)فقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)أنّه قال-في تأويل هذه الآية-:«يرجع اليكم نبيّكم و أمير المؤمنين و الأئمة»(4).

و أمّا الأحاديث الشريفة..فاليك نماذج منها:

قال الامام الصادق(عليه السلام):أول من تنشقّ الأرض عنه

ص:657


1- (1) سورة الصف آية 4
2- (2) الكرة:الرجعة،و هي على وزن المرة،و الجمع كرات مثل مرّة و مرّات.
3- (3) سورة القصص آية 85.
4- (4) تفسير البرهان في تفسير الآية.

و يرجع الى الدنيا:الحسين بن علي(عليهما السلام)(1).

و قال(عليه السلام):إنّ أول من يكرّ في الرجعة:الحسين بن علي(عليهما السلام)و يمكث في الأرض أربعين سنة،حتى تسقط حاجباه على عينيه(2).

و سئل الامام الصادق(عليه السلام)عن الرجعة..أحق هي؟

فقال:نعم.

فسئل:من أول من يخرج؟

قال(عليه السلام):...الحسين..يخرج على أثر القائم(3).

و قال(عليه السلام):...و يقبل الحسين(عليه السلام)...

فيدفع اليه القائم(عليه السلام)الخاتم(4)،فيكون الحسين هو الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه،و يواريه في حفرته(5).

و قال(عليه السلام):-في تأويل قوله تعالى:ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ

ص:658


1- (1) بحار الأنوار ج 53 ص 39.
2- (2) بحار الأنوار ج 53.
3- (3) منتخب الأنوار المضيئة للفقيه السيد علي بن عبد الكريم النيلي-من علماء القرن التاسع الهجري.
4- (4) لعلّ المقصود من«الخاتم»-هنا-:هو خاتم النبي سليمان،باعتباره من مواريث الأنبياء.
5- (5) بحار الأنوار ج 53.

اَلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ (1)-:...خروج الحسين في سبعين من أصحابه، عليهم البيض المذهّبة...يؤدّون الى الناس:إنّ هذا الحسين قد خرج،حتى لا يشكّ المؤمنون فيه...و الحجة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين،جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يغسّله و يكفّنه و يحنّطه و يلحده في حفرته:الحسين بن علي، و لا يلي أمر الوصي إلاّ الوصي(2).

هذه بعض الأحاديث المروية في هذا المجال.

و أما الزيارات المأثورة المرويّة عن الأئمة(عليهم السلام)فاليك بعض المقتطفات منها:

1-في الزيارة الجامعة المرويّة عن الإمام الهادي(عليه السلام)- و التي يزار بها كلّ إمام من أئمة اهل البيت-تقول:«...مؤمن بإيابكم،مصدّق برجعتكم،منتظر لأمركم،مرتقب لدولتكم...».

2-و في زيارة الإمام المهدي(عليه السلام)-و التي صدرت من ناحيته المقدسة-تقول:«...و انّ رجعتكم حق لا ريب فيها..».

3-و عند الانصراف من زيارة كلّ إمام من الأئمة الطاهرين و وداعه..تقول:«...و حشرني اللّه في زمرتكم...و مكّنني في دولتكم،و أحياني في رجعتكم،و ملّكني في أيامكم..».

ص:659


1- (1) سورة الاسراء-اية 6.
2- (2) تفسير البرهان للسيد البحراني.

هذه خلاصة الحديث عن الرجعة،و قد عرفنا أنّ الإمام المهدي (عليه السلام)لا يفارق الحياة إلاّ بعد أن يرجع الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)الى هذه الدنيا،و يسلّم الإمام المهدي اليه الحكم و القيادة.

و اعلم أنّ الحديث عن الرجعة حديث مفصّل،و أنّ بعض علمائنا قد كتب الكتب المستقلّة عنها،و قد اختصرنا البحث رعاية لاسلوب الكتاب.

كلام الشيخ المجلسي حول الرجعة

و لشيخنا المجلسي(رضوان اللّه عليه)كلام حول هذا الموضوع، نذكره تتميما للبحث..قال:(إعلم يا أخي أني لا أظنّك ترتاب (أي:تشكّ)بعدما مهّدت و أوضحت لك في القول بالرجعة التي اجتمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار،و اشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار،حتى نظموها في أشعارهم،و احتجّوا بها على المخالفين في جميع أعصارهم،و شنّع المخالفون عليهم في ذلك...

الى أن قال:و كيف يشكّ مؤمن بحقيّة الأئمة الأطهار(عليهم السلام)فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صحيح،رواها نيّف و أربعون من الثقات العظام و العلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم؟!كثقة الإسلام الكليني،و الصدوق محمد بن بابويه،و الشيخ

ص:660

ابي جعفر الطوسي،و السيد المرتضى،و النجاشي(1)و الكشي(2)و العيّاشي(3)و علي بن ابراهيم(4)و سليم الهلالي(5)و الشيخ المفيد، و الكراجكي(6)و النعماني(7)و الصفّار(8)و سعد بن عبد اللّه(9)و ابن

ص:661


1- (1) النجاشي:أحمد بن علي بن العباس،صاحب كتاب الرجال المعروف،و هو شيخ ثقة،مسلّم عند الكل،غير مخدوش فيما كتب بوجه،مطمئن اليه سيّما في الرجال، يقدّم قوله-عند التعارض-على قول غيره،يروي عن الشيخ المفيد.توفي سنة 460 من الهجرة،ذكر ذلك المامقاني في(تنقيح المقال).
2- (2) الكشي:محمد بن عمر بن عبد العزيز،صاحب كتاب الرجال،كان من غلمان العياشي و قيل من أصحابه،هو ثقة بصير بالرجال و الأخبار،مستقيم المذهب.
3- (3) العياشي:محمد بن مسعود بن محمد بن عياش،ثقة صدوق،اكثر اهل المشرق علما و أدبا و فضلا و نبلا،جليل القدر،واسع الأخبار،بصير الرواية،مطلع عليها،له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنف،و قد ورث من ابيه ثلاثمائة الف دينار،فأنفقها على العلم و الحديث.
4- (4) هو علي بن ابراهيم بن هاشم القمي،ثقة في الحديث،معتمد صحيح المذهب،له مؤلفات كثيرة،كان يعيش في سنة 307.
5- (5) سليم الهلالي:كان من اصحاب الإمام علي امير المؤمنين و الامام الحسن و الامام الحسين(عليهم السلام)و قيل:من اصحاب الامام زين العابدين و الامام محمد بن علي الباقر(عليهما السلام)أيضا.
6- (6) الكراجكي:محمد بن علي،كان من تلاميذ الشيخ المفيد و السيد المرتضى.له مؤلفات عديدة.
7- (7) النعماني:محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب،صاحب كتاب الغيبة،هو شيخ عظيم القدر،شريف المنزلة،صحيح العقيدة،كثير الحديث،له كتب عديدة، قدم بغداد و مات بالشام.كان من علماء القرن الرابع الهجري.
8- (8) الصفار:محمد بن الحسن بن فروخ القمي،هو ثقة عظيم القدر،له كتب عديدة، منها:كتاب الرجعة.توفي سنة 290 من الهجرة.
9- (9) سعد بن عبد اللّه الأشعري القمي:الفقيه الوجيه،من أصحاب الامام الحسن-

قولويه(1)و علي بن عبد الحميد(2)و السيد علي بن طاوس(3)و مؤلف كتاب التنزيل و التحريف،و أبي الفضل الطبرسي،و ابراهيم بن محمد الثقفي، و محمد بن العباس بن مروان،و البرقي،و ابن شهر آشوب،و الحسن بن سليمان،و القطب الراوندي،و العلامة الحلّي،و السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم،و احمد بن داود بن سعيد،و الحسن بن علي، و علي بن ابي حمزة،و الفضل بن شاذان،و الشيخ الشهيد محمد بن مكي،و الحسين بن حمدان،و الحسن بن محمد بن جمهور العمّي مؤلف كتاب(الواحدة)و الحسن بن محبوب،و جعفر بن محمد بن مالك الكوفي،و طهر بن عبد اللّه،و شاذان بن جبرئيل،و صاحب كتاب الفضائل،و مؤلف كتاب(العتيق)و مؤلف كتاب(الخطب)و غيرهم من مؤلّفي الكتب التي عندنا و لم نعرف مؤلّفيها على التعيين،و لذا لم ننسب الأخبار اليهم،و إن كان بعضها موجودا فيها.

و اذا لم يكن مثل هذا متواترا،ففي أيّ شيء يمكن دعوى التواتر مع

ص:662


1- (1) ابن قولوية:جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى،من ثقاة المحدثين و الفقهاء، و عظمائهم،له مؤلفات كثيرة جدا.توفي في قم سنة 368 ه.
2- (2) علي بن عبد الحميد الضبي:من أصحاب الامام موسى الكاظم(عليه السلام).
3- (3) علي بن طاوس:علي بن موسى بن جعفر بن طاووس،صاحب الكرامات و المؤلفات الكثيرة.توفي سنة 664 ه.

ما روته كافة الشيعة خلفا عن سلف؟!!

و ظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في أئمة الدين،و لا يمكنه إظهار ذلك بين المؤمنين،فيحتال في تخريب الملة القويمة بالقاء ما تتسارع اليه عقول المستضعفين،و تشكيكات الملحدين«يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون».

و لنذكر-لمزيد التشييد و التأكيد-أسماء بعض من تعرّض لتأسيس هذا المدّعى و صنّف فيه،او احتجّ على المنكرين،او خاصم المخالفين، سوى ما ظهر مما قدّمناه في ضمن الأخبار،و اللّه الموفق:

فمنهم:احمد بن داود بن سعيد الجرجاني.قال الشيخ (الطوسي)في كتاب الفهرست:له كتاب:(المتعة و الرجعة).

و منهم:الحسن بن أبي حمزة البطائني،و عدّ النجاشي من جملة كتبه:كتاب الرجعة.

و منهم:الفضل بن شاذان النيسابوري.ذكر الشيخ(الطوسي) في كتاب الفهرست و النجاشي أنّ له كتابا في إثبات الرجعة.

و منهم:الصدوق محمد بن علي بن بابوية،فانه عدّ النجاشي من كتبه(كتاب الرجعة).

و منهم:محمد بن مسعود العياشي:ذكر الشيخ و النجاشي في الفهرست كتابه في الرجعة..)..الى آخر كلامه.

ص:663

ختام و اعتذار

معذرة الى اللّه تعالى و الى رسوله و الى الأئمة الطاهرين(صلوات اللّه عليهم أجمعين)سيّما الى مولانا بقيّة اللّه في أرضه و حجّته على عباده:

الامام الحجة بن الحسن المهدي(عليه السلام)عن كل قصور أو تقصير،او خطأ غير متعمّد،أو سهو غير مقصود في تأويل بعض الأحاديث..و كلّي أمل و رجاء في أن ينال هذا الجهد الضئيل و الخدمة المتواضعة شرف القبول من اللّه عز و جل-الذي يقبل اليسير و يعفو عن الكثير-و أن ينال رضا رسوله و الأئمة الكرام البررة(سلام اللّه عليهم).

و وداعا مع القرّاء الكرام الذين قضينا معهم ساعات و ساعات،في رحاب مولانا صاحب الزمان(عليه السلام)و كأنّنا كنّا نعيش تلك القرون التي صدرت فيها البشائر و الاخبارات عن الرسول الأقدس(صلى اللّه عليه و آله و سلم)و عن الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)و الفترات التي سبقت ولادة الإمام المهدي(عليه السلام)و السنوات التي قضاها تحت ظل والده العظيم الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).

و هكذا فترة الغيبة الصغرى و أحداثها،و الغيبة الكبرى و بعض حوادثها.

و كأننا أدركنا سنة ظهوره،و شاهدنا العلائم المحتومة و غيرها،

ص:664

حتى أدركنا ظهوره و قيامه و نهضته المباركة،و رأينا بعض إنجازاته(عليه السلام)و تصرّفاته في المجتمعات البشرية.

و رأينا كيف تجاوبت معه الكائنات السماويّة و الأرضية،و ساندته القوى المحسوسة و المعنوية،و كيف استولى على منصّة الحكم و القيادة العامة للبشر؛يحكم على كلّ شبر من أرض اللّه الواسعة.

و في الختام..أقول:لقد عثرت-خلال تأليف هذا الكتاب-على مئات الأحاديث المتعلّقة بالإمام المهدي(عليه السلام)المذكورة في موسوعات الأحاديث،و لكنّني صرفت النظر عن ذكرها،لا شكّا منّي في صحّة تلك الاحاديث،بل لم أجد ضرورة في ذكرها،و كان بعضها معارضا للأحاديث الصحيحة القوية السند،و بعضها يصعب-على بعض الناس-قبوله،و يعسر تحمّله،و لا يتّضح معناه إلاّ بعد ذكر مقدّمات طويلة عريضة..فرأيت أنّ الأفضل ترك ذكر تلك الأحاديث، و تفويضها الى من يكتب الموسوعات المفصّلة في هذا المجال.

و أسأل اللّه عز و جل أن يمنّ علي بالمزيد من التوفيق لما يحبّ و يرضى،و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.

محمّد كاظم القزويني الموسوي صفر الخير/1404 ه

ص:665

الفهرس

الموضوع الصفحة

الإهداء 3

المقدّمة 4

علماء السنّة الذين كتبوا عن الإمام المهدي(عليه السلام)6

أهمية التأليف عن الإمام المهدي(عليه السلام)12

المدخل 16

الخطوط العامة لهذا الكتاب 17

الفصل الأول:18

من هو الإمام المهدي؟18

الفصل الثاني:

إسمه و نسبه 21

أسماء الإمام المهدي(عليه السلام)26

الدخول في صميم البحث 30

الأئمة الإثنا عشر 31

الفصل الثالث:41

البشائر في القرآن بالإمام المهدي 41

الآية الأولى 42

الآية الثانية 47

ص:666

الآية الثالثة 51

الآية الرابعة 53

الفصل الرابع:58

البشائر في الأحاديث النبويّة 58

الفصل الخامس:66

البشائر في احاديث الأئمة الطاهرين 66

الإمام أمير المؤمنين يبشّر بالإمام المهدي 69

الإمام الحسن يبشّر بالإمام المهدي 76

الامام الحسين يبشر بالإمام المهدي 78

الإمام زين العابدين يبشّر بالإمام المهدي 81

الإمام الباقر يبشّر بالإمام المهدي 86

الإمام الصادق يبشر بالإمام المهدي 89

الإمام الكاظم يبشّر بالإمام المهدي 94

الإمام الرضا يبشّر بالإمام المهدي 96

الإمام الجواد يبشّر بالإمام المهدي 99

الإمام الهادي يبشّر بالإمام المهدي 102

الإمام العسكري يبشّر بالإمام المهدي 104

الكتب السماوية تبشر بالإمام المهدي 108

الفصل السادس:109

هل ولد الإمام المهدي؟109

علماء السنّة المعترفون بولادة الإمام المهدي 113

ترجمة حياة السيدة نرجس 118

ص:667

ميلاد الإمام المهدي(عليه السلام)135

العقيقة و الإطعام 147

الفصل السابع:152

كيف غاب عن الأبصار؟152

الفصل الثامن:169

الغيبة الصغرى 169

الإمام المهدي في عهد والده(عليه السلام)176

جعفر بن الإمام الهادي 178

وفد القميين الى سامرّاء 184

عاقبة أمر جعفر 195

الفصل التاسع:196

النوّاب الأربعة 196

النائب الأول:عثمان بن سعيد 196

النائب الثاني:محمد بن عثمان 202

النائب الثالث:الحسين بن روح 205

النائب الرابع:علي بن محمد السمري 207

وكلاء الإمام المهدي(عليه السلام)209

الذين ادعوا السفارة أو الوكالة كذبا وزورا 211

الفصل العاشر:224

من الذي رآه في الغيبة الصغرى؟224

محاولة فاشلة لإغتيال الإمام المهدي 232

قضية السرداب 239

ص:668

نشاطات الإمام المهدي خلال الغيبة الصغرى 250

الفصل الحادي عشر:250

الغيبة الكبرى:250

وجه الإنتفاع بالإمام الغائب 252

القيادة المرجعيّة 265

رسالة الإمام المهدي الى الشيخ المفيد 267

رسالة أخرى للإمام المهدي الى الشيخ المفيد 289

الفصل الثاني عشر:303

من الذي رآه في الغيبة الكبرى؟303

قصّة رمّانة البحرين 305

قصّة ياقوت الدهّان 309

قصّة إسماعيل الهرقلي 311

قصّة أبي راجح الحمّامي 316

قصّة المقدّس الأردبيلي 317

قصّة محمد حسن النجفي 319

قصّة السيد مهدي القزويني 321

قصة أخرى للسيد مهدي القزويني 325

قصّة أحمد العسكري 327

قصّة الحاج علي البغدادي 333

الفصل الثالث عشر:341

كيف عاش الى هذا اليوم؟341

طول العمر على ضوء القرآن الكريم 343

ص:669

طول العمر من الناحية العقائدية 345

طول العمر على ضوء العلم الحديث 347

المعمّرون 353

الفصل الرابع عشر:355

متى يظهر؟355

الفصل الخامس عشر:362

أوصاف الامام المهدي و علائمه 362

الفصل السادس عشر:368

علائم ظهوره 371

العلائم القريبة من زمن الظهور 376

العلائم التي تحدث في سنة الظهور 385

الهاشمي 385

الكسوف و الخسوف 390

كثرة الأمطار 393

الحرب العالميّة الثالثة 397

علائم متفرّقة 400

العلائم المحتومة 404

الصيحة السماويّة 406

السفياني 414

خلاصة ما روي في السفياني 432

الخسف بالبيداء 440

اليماني 443

ص:670

النفس الزكيّة 445

الفصل السابع عشر:448

الذين ادّعوا المهدويّة كذبا وزورا،أو نسبت اليهم 448

الفصل الثامن عشر:462

كيف يظهر و من أين يبدأ؟462

أصحاب الامام المهدي(عليه السلام)465

الفرق بين الأصحاب و الأنصار 479

دعاء العهد 481

أحاديث حول أصحاب الإمام المهدي(عليه السلام)484

تعليق على الأحاديث 491

كيفية ظهور الامام المهدي(عليه السلام)497

خطبة الإمام المهدي حين القيام 500

شرح بعض كلمات الخطبة 502

خطبة أخرى للإمام المهدي(عليه السلام)515

خطبة ثالثة للإمام المهدي(عليه السلام)516

البيعة للإمام المهدي(عليه السلام)518

جيش الإمام المهدي(عليه السلام)520

كيفية السلام على الإمام المهدي 523

الخروج بالسيف 525

قواريث الأنبياء عند الإمام المهدي 529

إنجازات الإمام المهدي في مكّة 534

إعادة المسجد الحرام الى ما كان عليه 534

ص:671

إعادة مقام إبراهيم الى مكانه الأول 536

النهي عن الطواف المستحب 537

قطع أيدي بني شيبة 539

الإمام المهدي في المدينة المنوّرة 541

الكوفة عاصمة الإمام المهدي 542

اكبر مسجد في العالم 545

الإمام المهدي في فلسطين 550

نزول عيسى بن مريم من السماء 552

الدجّال 560

الفصل التاسع عشر 562

كيف تخضع له الدول و الحكومات؟562

ما هي فائدة السيف؟574

الفصل العشرون 576

كيف يحكم إذا ظهر؟576

حكم الإمام المهدي(عليه السلام)581

قضاء الإمام المهدي(عليه السلام)582

الفصل الحادي و العشرون 589

حياة المجتمع في عصره 589

الحياة الثقافية في عصر الإمام المهدي 595

الحياة التربويّة في عصر الإمام المهدي 599

الحياة الإقتصادية في عصر الامام المهدي 602

الحياة الزراعيّة في عصر الامام المهدي 608

ص:672

حل مشكلة السكن في عصر الامام المهدي 615

حل مشكلة البطالة في عصر الامام المهدي 618

الأمن و الأمان في عصر الامام المهدي 620

الإصلاحات العامة 625

الشيعة في عصر الامام المهدي 627

الفصل الثاني و العشرون 635

كم سنة يحكم؟635

الفصل الثالث و العشرون 637

كيف تنتهي حياته؟637

الإمام لا يصلي عليه إلاّ الإمام 639

الفصل الرابع و العشرون 643

ثم ماذا يكون؟643

الرجعة 643

إحياء الموتى يوم القيامة 645

هل أحيى اللّه أحدا قبل يوم القيامة؟646

هل في القرآن دليل على الرجعة؟651

هل في الأحاديث دليل على الرجعة؟654

رجوع الإمام الحسين(عليه السلام)الى الدنيا 658

كلام المجلسي حول الرجعة 660

ختام و اعتذار 664

ص:673

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.