سرشناسه : طبسی، نجم الدین، 1334 -
عنوان قراردادی : با علمای روسیه : گزارشی از مناظره درباره زیارت قبور، توسل و تبرک .عربی
عنوان و نام پديدآور : مع علماء روسیا : مناظره حول زیاره القبور، التوسل والتبرک [کتاب]/ نجم الدین طبسی.
مشخصات نشر : تهران: دلیل ما ، 1437 ق.= 1395.
مشخصات ظاهری : 48 ص.؛ 5/14×5/21س م.
شابک : 220000 ریال: 978-964-397-967-6
وضعیت فهرست نویسی : فاپا
يادداشت : عربی.
یادداشت : کتابنامه: ص. 45 - 48؛ همچنین به صورت زیرنویس.
موضوع : وهابیه -- مناظره ها
موضوع : Wahhabiyah -- *Debetes
موضوع : وهابیه -- احادیث اهل سنت
موضوع : Wahhabiyah -- Hadiths (Sunnites)
موضوع : وهابیه -- دفاعیه ها و ردیه ها
موضوع : Wahhabiyah -- Apologetic works
موضوع : شیعه -- دفاعیه ها
موضوع : Shi'ah -- Apologetic works
رده بندی کنگره : BP238/6/ط2ب2043 1394
رده بندی دیویی : 297/527
شماره کتابشناسی ملی : 4114190
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
مع علماء روسیا : مناظره حول زیاره القبور، التوسل والتبرک
نجم الدین طبسی
ص: 3
ص: 4
مقدمة العلاّمة الطبسي. 7
ملاطفة من الشيخ. 11
بداية المناظرة 11
الاستناد إلى سيرة ابن حبان في القرن الثالث من الهجرة. 13
الاستناد إلى سيرة الصحابة و التابعين في القرن الأول من الهجرة. 14
الاستدلال بسيرة المسلمين في القرن الثالث من الهجرة. 16
الاستدلال بسيرة الصحابة في سنة 11 من الهجرة 19
سؤال من أحد الحضور. 21
عرض حديث الثقلين من أهم مصادر السنة 23
النقطة الأولى. 25
النقطة الثانية 25
إشكال أحد الحضور على ذهاب ابن حبان لزيارة قبر الإمام الرضا(علیه السلام) 26
جواب سماحة الشيخ. 26
ص: 5
الاستدلال بسيرة الصحابة في عهد الخليفة الثالث. 28
جعل حديث «عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء» مقابل حديث الثقلين. 30
جواب سماحة الشيخ. 31
الكحلاني و حديث «عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين». 31
موقف ابن حزم من الحديث. 32
قبول التوسل و التبرك و تضییق دائرة جوازه 34
جواب سماحة الشيخ. 35
تقييد جواز التوسل بالنبي(صلی الله علیه وآله وسلم). 37
جواب سماحة الشيخ. 37
تقييد و تحديد جواز التوسل بعصر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) 38
جواب سماحة الشيخ. 39
تقييد جواز التوسل و التبرك للأمور الأخرویة 40
جواب سماحة الشيخ. 40
تغيير أحد الحضور لمسار البحث. 41
ختام البحث و المناظرة 43
المصادر. 45
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبینا محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) و آله الطاهرین(علیهم السلام).
هذا الكُتيّب هو عبارة عن خلاصة احدی المحاورات الجدلية و المفيدة و المؤثرة التي كانت بيني و بين ستة عشر عالماً من علماء أهل السنة من روسیا و الذين لهم توجهات وهّابية. استمرت هذه المناظرة و المباحثة قُرابة ساعتين، و قد جهد بعض الحاضرين و كان قد درس في جامعة أمالقری أن لايتنازلوا عن أفكارهم، لذا كانوا في بعض الأحيان يُنكرون أصل الرواية التي تُطرح عليهم، و أحياناً يعمدون إلى تأويل و تبرير الرواية، و لكن حيث كانت المناظرة في المكتبة و بوجود أمهات كتب أهل السنة و مصادرهم و بعد عرض تلك الروايات على الحضور، فقد كانوا يتراجعون عن إصرارهم و يقتنعون، فاعترفوا بعدها بأننا ما كنّا اطلعنا على هذه الحقائق من قبل و لميتحدث إلينا أحد بهذه الصراحة و هذا الاستدلال. في نهاية الحوار رفض الجميع تلك الأفكار الوهّابية
ص: 7
المنحرفة و اعتبروها أموراً مخالفة للاسلام و سيرة الصحابة و التابعين. لمتكن هذه المناظرة أول بحث بيننا، بل كانت قبلها مناظرات علمية عديدة مع الإخوة من أهل السنة و علمائهم و لكن مع ملاحظة المستوى العلمي للحضور، فقد اقتُرح بسط الاستدلال و الاستناد إلى شواهد و أدلة عديدة لها و من ثم كتابتها و طبعها و نشرها، فألقيت مسؤولية هذا العمل على عاتق ولدي العزيز الفاضل الشيخ حسن بُلقان آبادي السبزواري الذي كان أحد الحضور في تلك المناظرة و قد شاهد عن قُرب بدء و انتهاء المناظرة و منهجها و الأسئلة التي طُرحت فيها و تمّ بمساعدة من أحد تلامذتنا الشیخ قاسم بيداربخت إعدادها بأسلوب يستفيد منه الجميع، فتم ترتيبه و إخراج مصادره ليكون بين يدي طُلاّب الحقيقة؛ كي يتعرف مجتمعنا على مسيرة الحق و یسلکه، على أمل أن يتّبع المسلمون كتاب الله و عترة نبيه علیهم السلام.
نجمالدين الطبسي
مؤسسة ولاء الصديقة الكبرى(علیها السلام)
قم المقدسة 25/7/1394 ه- ش
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و كفى و الصلاة على النبيّ و آله الأخيار الأطهار سيما مهدي آل محمد(علیهم السلام)
بملاحظة المكانة العلمية لسماحة العلامة الشيخ الطبسي و إلمامه بالمسائل الخلافية بين الشيعة و السنة و ما لديه من اطلاع كافٍ على ما يرتبط بالفکر الوهابي من أبحاث، فعندما يأتي علماء من بعض الدول الإسلامية إلى إيران و المدن المقدسة فإن بعض المؤسسات ذات العلاقة بالحوزة العلمية يتصلون بمكتب سماحته و يُنسقون من أجل عقد لقاءات مع سماحته.
و في أحد الأيام جاء اتصال لمكتب سماحة الأستاذ و قيل: بأن مجموعة من علماء السنة و المتأثرين بالوهابية من دولة روسيا قد جاءوا إلى قم المقدسة، فإن كان لديكم فرصة فلتلقوا بهم.
ص: 9
قَبِل سماحة الشيخ، فاتفقنا على أن يكون ذلك في تاريخ 21/جمادي الأولی/1435ه-- ، الساعة 7 مساءً ليحضروا مكتب سماحته. و على الرغم من كل تلك المساعي و المشاكل التي واجهتنا لقبول هذا العدد منهم، إذ لميكن قاعة مكتبة سماحة الشيخ و هو «مؤسسة ولاء الصديقة الكبرى (علیها السلام)مهیأ لإستقبال هذا العدد و للمحاورة إلاّ أن سماحة الشيخ كان دائما
يرغب و يصر على أن تكون المناظرة في أجواء المكتبة؛ كي يتعرف أولئك الضيوف الأجانب على جو المكتبة و يُشاهدوا ما هو موجود من كتب فيها فيعرفوا أن قُرابة نصف الكتب من آلاف المتوفّرة في تلك المكتبة هي من كتب أهل السنة و تقريباً كل الصحاح و السنن و شروحها و كتب التراجم و الرجال و التاريخ و المجاميع الروائية لأهل السنة موجودة في هذه المكتبة و في مکتبة علماء الشيعة، إذ إن علماء الشيعة على العكس من كثير من علماء السنة الذين يخشون أن يكون في مكتباتهم كتباً للشيعة، فهم يشترون كتب السنة و يقرأونها و يستفيدون مما فيها من مطالب مهمة. مضافاً إلى هذا الهدف المذكور، فقد كان سماحة الشيخ يُصر على نقل المطالب التي تُقال في الرد على الوهابيين و أفكارهم مباشرة من مصادر أهل السنة و في أمثال هذه اللقاءات عندما ينقل معلومة و بصورة مباشرة من مصادرهم فإنه يكون قد أتم الحجة على الخصم و لميُبق أي مجال للترديد و التبرير.
في اليوم المقرر للّقاء بهم، مرّ الوقت المعين و لميحضر أولئك الضيوف، فاتصلنا بمن لهم صلة بالموضوع فتبين أنّ سبب تأخيرهم كان الازدحام
ص: 10
الذي أخّرهم حتى وصلوا بعد قرابة 15 دقيقة من الوقت المقرر لهم. و بسبب مرافقة المترجم و المصور و مجموعة أخرى كانت معهم فقد تبين أنّ عددهم أكبر من العدد الذي قيل عنه في بادئ الأمر و بسبب هذا العدد الزائد لنتسع قاعة المكتبة لاستیعابهم، فقد اضطررنا لتقريب المقاعد من بعضها ليسع المجال أكثر.
ثمّ قُدمت الضيافة من فاكهة و غيرها و لكن لشدة حساسية و جاذبية الموقف و المواضیع المطروحة يومها، بقيت تلك الفاكهة و غيرها أمام بعض الضيوف الحاضرين كما كانت على حالها.
بدأت المناظرة بمزحة من سماحة الشيخ، فحيث كان بعضهم من يتحدث باللغة العربية و بعضهم كان متمكناً من الفارسية و البعض الآخر لايعرف سوى لغته الروسية، قال الشيخ ممازحاً: بأي لغة أتحدث معكم؟ فاتفق الحاضرون على أن يتحدث سماحة الشيخ بالفارسية و يتم ترجمة كلامه.
بدأ الشيخ حديثه بالحمد و الثناء لله تعالى و الصلاة على النبي و أهل بيته (علیهم السلام)، فشكر الضيوف على حضورهم، ثم بدأ بحثه ببيان مقام أهل البيت من وصية النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)بعترته الذين هم الجهة المشتركة بين
ص: 11
الشيعة و السنة، ثم قال: سمعنا أنّ الإخوة الأعزاء ذاهبون إلى أصفهان! إنكم ستشاهدون هناك عن قُرب ثقافةً أصيلة و كثيراً من الأشياء التي سمعتم و اطّلعتم عليها عبر التاريخ، بعد ذلك ستسافرون إلی مدینة مشهد المقدسة، فهي مضافاً إلى أنها مدينة جميلة جداً و حضاریة، ففيها قبر ابن رسولالله(صلی الله علیه وآله وسلم) الامام علي الرضا(علیه السلام)و الجدیر بالذکر أنه كان منذ القِدَم و لازال إلى الآن محطة زيارة للملايين من الشيعة و السنة، و هذا يعني أن أهل البيت: كانوا و لازالوا نقطة اللقاء و القاسم المشترك بين جميع المسلمين و هو ما رواه الترمذي بسند صحيح عن النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله وسلم) أنّه قال: «إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لنتضلّوا، كتاب الله و عترتي أهل بيتي».(1)
أريد من هذا أن أقول لكم: إنّ أهل البيت(علیهم السلام) هم النقطة المشتركة بين المسلمين و أنّ مظهر هذا الاشتراك هو مدينة مشهد، فالشيعة و السنة يأتون لزيارة هذا القبر الشريف و
هذه السیرة لم تكن مختصة بهذا العصر فقط بل كانت موجودة و لها امتداد منذ مئات السنين.
ص: 12
وصل الكلام إلى هنا و لكي يكون كلام سماحة الشيخ مستنداً إلى دليل، فقد قرأ ما ذكره ابنحبان حول شخصية الإمام الرضا(علیه السلام)في كتابه «الثقات» و قال: إنّ ابنحبان يُعدّ من كبار علماء أهل السنة و قد كان مولده سنة 275 ه- ، و تُوفي سنة 354 ه- ، فالآن قد مضت على وفاته قُرابة 1100 سنة. ذكر ابنحبان في كتابه «الثقات» ما نصه:
«قبره بسناباذ خارج النوقان مشهورٌ يُزار بجنب قبر الرشيد، قد زُرته مراراً کثيرة، و ما حلّت بي شدةٌ في وقت مقامي بطوس فزرتُ قبر علي بن موسی الرضا صلوات الله على جدّه و عليه و دعوتُ الله إزالتها عنّي إلا استُجيب لي و زالت عني تلك الشدة و هذا شيء جرّبته مراراً، فوجدته کذلك. أماتنا الله علی محبّة المصطفی و أهل بيته صلی الله عليه و عليهم أجمعين».(1)
عندما قرأ سماحة الشيخ نصّ عبارة ابنحبان العربية و ترجمها لهم المترجم بالروسية انصدموا جميعاً من ذلك و صمتوا متحيّرين.
قام أحد الحضور و كان يبدو أنه لايملك الكثير من المعلومات عن مكانة ابنحبان عند السنة أو أنه يتظاهر بعدم المعرفة به، و قصده من ذلك استصغار ابنحبان و التقليل من أهميته و مكانته، فسأل عن شخصية ابنحبان و مكانته، فأمر الشيخ بإحضار كتاب «سير أعلام
ص: 13
النبلاء» فأحضرناه له، فقرأ لهم بعض عبارات الذهبي حول شخصية ابنحبان و قال: يقول شمسالدين الذهبي و الذي هو أحد كبار علماء أهل السنة في القرن الثامن الهجري في وصف ابنحبان: «الإمام، العلاّمة، الحافظ، شيخ خراسان، کان ابنحبان ثقةً، نبيلاً، فَهِمَاً».(1)
ثم استمر سماحة الشيخ في حديثه و ما هو فيه من الاستدلال، فقال: إنّ قصة ابنحبان و قصده قبر الإمام الرضا(علیه السلام) للزيارة و حلّ المشاكل و المعضلات كانت في القرن الثالث الهجري و قد روى أهل السنة عن النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله وسلم) أنّ القرون الثلاثة الأولى أفضل
القرون، و من عاشوا في القرن الأول أفضلهم، ففي الرواية المنسوبة إلیه:«خيرکم قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم»(2) و ما قام به ابنحبان من زيارته لقبر الإمام الرضا(عیه السلام) أيضاً كان في واحد من أفضل القرون و بواسطة واحد من أفضل الأشخاص حسب قناعتهم و لكن الآن يقولون: إنّ التوسل شرك و حرام.
و بعد نقل مطالب ابنحبان، عرّف سماحة الشيخ عن المسعودي و كتابه «مروج الذهب و معادن الجوهر» و قال: المسعودي واحد من كبار
ص: 14
علماء الشافعية و هو مصنّف كتاب «مروج الذهب و معادن الجوهر» المشهور و المعروف و المتوفّى سنة 346 ه- أي قبل ما يقارب 1100 سنة(1) فقد نقل في كتابه قصص توسل الصحابة بقبر النبي الأكرم(صلی الله علیه و آله وسلم) و
يقول: «في سنة ثلاث و خمسين هلك زياد بن أبيه... و قد كان كتب إلی معاوية أنّه قد ضبط العراق بيمينه و شماله فارغة، فجمع لها الحجاز مع العراقين. و اتصلت ولايته بأهل المدينة، فاجتمع الصغير و الكبير بمسجد رسولالله(صلی الله علیه و آله وسلم) و ضجّوا إلى الله و لاذوا
بقبر النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) ثلاثة أيام، لعلمهم بما هو عليه من الظلم و العسف. فخرجت في كفّه بَثْرة(2) ثمّ حكّها ثمّ سَرَتْ و اسودّت فصارت آكلة سوداء، فهلك بذلك».(3)
و هنا بعد أن قرأ سماحة الشيخ النصَّ العربي و بعد ترجمة شيء منه؛ و لكي لاتبقى أي شبهة عالقة في الأذهان و لكي يزول أي شك أو ترديد ناشئ من بيان المترجم، طلب من أحد الحاضرين في المجلس و الذي كان متمكناً من اللغة العربية و لغته الروسية أن يقرأ نصَّ عبارة المسعودي للحضور، إلاّ أنه مع الأسف قد حرّف ترجمة عبارة «لاذوا
ص: 15
بقبر النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) » و أصرّ على أن يقول: إنّ أهل المدينة طلبوا من الله أن يفرّج ما حلّ بهم من مشاكل. و لكن سماحة الشيخ أصرّ على أن يترجم نَصَّ عبارة المسعودي حيث قال: «لاذوا بقبر النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ».
صحح سماحة الشيخ العبارة و تم إعادة ترجمتها و قال: إنّ الله تعالى موجود في كلّ مكان، فإذا كان أهل المدينة يريدون حل مشاكلهم من الله تعالى، لميكن حاجة و لا ضرورة لأن يذهبوا إلى مسجد النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و يحضروا عند قبر رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) و يلوذوا بقبره، بل كان بإمكانهم البقاء في بيوتهم أو التواجد في مسجد آخر فيطلبوا من الله تعالى حلّ مشاكلهم.
و بعد أن نقل سماحة الشيخ عبارة ابنحبان و المسعودي و بيّنهما، توجّه إلى من حضر و قال: بملاحظة ما هو موجود في هذين الكتابين، يتبين أنّ مسألة التوسل و الاستغاثة و اللوذ بالقبور و زيارتها كانت جزءاً من ثقافة السلف و سيرتهم و بالأخص أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و من كانوا في القرن الأول من الهجرة.
ثمّ إنّ سماحة الشيخ و لأجل أن يُتم الحجة على جميع من حضر و ليُزيل الشكوك و الشبهات حول زيارة القبور و الاستغاثة و التوسل و التبرم و اللجوء إلى القبور، ذكر مورداً آخر من سيرة السلف حول جواز هذه الأمور و العمل بها، فقال: أريد أن أقرأ مورداً مهماً آخر يبيّن أنّ طريقة
ص: 16
المسلمین أعمّ من الشيعة أو السنة و أسلوبهم تختلف عن طريقة الوهابية. فقد نقل علي بن حجر العسقلاني (المتوفی 852ه-) في كتابه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» مطلباً حول تبرّك الناس بتراب قبر البخاري، فقال: «و جعل الناس يختلفون إلی القبر أياماً يأخذون من ترابه إلی أن جعلنا عليه خشباً مشبکاً».(1)
و هذا المطلب بعينه ذكره السبُكي و هو واحد من كبار علماء الشافعية في كتابه «طبقات الشافعية الکبری» في ترجمة البخاري.(2)
و الملاحظ في هذه الواقعة أنها قد حدثت في القرن الثالث الهجري و الذي بحسب ما هو موجود في كتب أهل السنة هو واحد من أفضل القرون.
بعد نقل نصوص من ابنحبان و المسعودي و ابنحجر العسقلاني، قال سماحة الشيخ: ما نقلته لكم هو منقول من كتب أهل السنة المعروفة، و كلّكم تعرفون ابنحجر العسقلاني و ابنحبان و المسعودي و السبكي، هؤلاء العلماء جميعاً يقولون: إنّ زيارة القبور و التبرك بها و اللجوء إلی قبور الأنبياء و الصالحين من مبادي أهل السنة و السلف و سیرتهم، و هذا يشير إلى أنّ التوسل و التبرك كان موجوداً بين الصحابة و التابعين و هؤلاء كانوا خير القرون و بحسب ما تدّعونه هم من أفضل الناس.
ص: 17
إنّ من يدّعون أنّهم سلفيون و تابعون للسلف يجب عليهم أن يلتزموا بأعمالهم و سيرتهم و يعتقدون بها و يتّبعونها.
في نهاية هذا البحث التمهيدي طرح سماحة الشيخ عدة أسئلة و توجّه مخاطباً علماء أهل السنة الحاضرين في المجلس و قال: هل نستطيع اليوم أن نطبق ثقافة التوسل و التبرك في مكة المکرمة و المدينة المنورة؟
هل يمكننا أن نبیت عند قبر النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ثلاثة أيام و نتوسل به؟
هل يمكننا أن نأخذ شيئاً من تراب قبر النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) تبركاً به؟
ليس هناك سوى طريقين: إن كان كلام وهابيي نجد و القصيم صحيحاً، إذن فجميع السلف و حتى أصحاب النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله وسلم) هم مشركون! و إن كان ما ذكره ابنحبان و المسعودي و ابنحجر و السبكي صحيحاً، إذن فطريقة الوهابية هي غير دين الإسلام و طريقة السلف، و يبيّن أنّ الوهابيين بمعزل عن المسلمين؛ لأنّه لايمكن الجمع بين هذين الأمرين.
هنا ذكر سماحة الشيخ الطبسي مشاكل العصر و الأمة الإسلامية و اعتبر أنّ سبب هذه المشاكل كلّها هو الفكر الوهابي و قال: لقد ابتُليت الأمة الإسلامية اليوم بهذا الفكر المتطرف الوهابي، فهم يقصفون اليمن بالقنابل و يقتلون آلاف الأشخاص و يقصفون سوريا و يهجّرون الملايين من السوريين و يوجد في دولة العراق ثلاثة ملايين مهجّرا، لمَ هذا؟ لأنهم يتوسّلون بالنبي الأكرم (صلی الله علیه و آله وسلم) و أهل بيته: و يقولون: «يا محمد» و «يا علي» و یضربون مزاعم الوهابیة عرض الجدار.
ص: 18
عندما وصل البحث إلى هنا تذكّر سماحة الشيخ مطلباً له علاقة بتاريخ الطبري و شعار جيوش الصحابة و التابعين في قتالهم مسيلمة الكذاب، فطلب كتاب «تاريخ الطبري» و أحضر الكتاب للشيخ فبدأ ينقل ذلك المطلب و قال: قال الطبري عن الجيش الذي كان أبوبكر أرسله لقتال مسيلمة الكذاب: «و كان شعارهم يومئذ يا محمداه».(1)
أما الوهابيون فيقولون: كلّ من يقول: «يا محمد»، «يا علي» و «يا حسين» هو مشرك.(2)
[و حيث إنّ الحديث وصل بي إلى هذه النقطة، تذكرت المناظرة التي وقعت بين سماحة الشیخ و بين أحد الوهابيين السعوديين و لابأس
ص: 19
بذكر بعض من هذه المناظرة التي لها ارتباط بالتوسل، لأنها لاتخلو من فائدة. يقول سماحة الشيخ: في إحدى المرات التي سافرت فيها إلى مكة و المدينة اتفقت مع أحد علماء الوهابية على اللقاء في موعد ما و المناظرة و عندما وصل بنا الحديث إلى التوسل، قلت: كان التوسل موجوداً من زمن الصحابة، فقد كانوا
يتوسّلون بالنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) . فقال ذلك الوهابي: التوسل شرك و لايمكن أن يكون قد حدث هذا. فقلت له هل يوجد في مكتبتك کتاب «البداية و النهاية» لابنکثير الدمشقي؟ فقال: نعم. قلت: أحضر المجلد المتعلق بحوادث سنة 11 للهجرة. فأحضر المجلد المذكور، ففتحت الكتاب و أشرت إلی موضع توسل الصحابة بالنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في قتالهم مسيلمة الكذاب.(1) فلما أن رأى الوهابي ذلك تعجّب و أخذ يفكّر هُنيئة، و بعد مدّة قال: هذا القول ضعيفٌ. قلت: في أول المحاورة ادعيتَ أن لا وجود لمثل هذا الأمر و
انکرته بالمرة جملة و تفصیلاً و الآن تقول: هو ضعيف! ثم أضفتُ قائلاً: إنّ ابنكثیر تلميذ ابنتيمية و لو كان يرى أنّ التوسل شركاً و حراماً فكان يجب أن لايذكر في كتابه حتى هذا المورد الضعيف و لاينبغي أن ينسبه إلى جيش أبيبكر و لو بسند ضعیف]
ص: 20
لميكن كلام سماحة الشيخ حول التوسل و التبرك قد تمّ حتى قام أحد الحاضرين بمداخلة و قال لسماحة الشيخ: لو أمكن أن تقرأ لنا حديث الثقلين من صحيحي البخاري و مسلم.
فكأنه بطلبه هذا يقول: إن ما يتم تلقينه أهل السنة هو أنّ كلّ موضوع لابد أن يكون مأخوذاً من الصحيحين منقولاً عنهما و كلّ ما لميكن في هذين الكتابين فهو غير صحيح، في حين أنّ البخاري نفسه يقول: «لم أخرّج في هذا الکتاب إلاّ صحيحاً و ما ترکتُ من الصحيح کان أکثر».
قال الإسماعيلي: لأنّه لو أخرج کلّ صحيحٍ عنده لجمع في الباب الواحد حديثُ جماعة من الصحابة و لذکر طريق کلّ واحد منهم إذا صحّت فيصير کتاباً کبيراً جداً.(1)
و قال ابراهيم بن معقل الثقفي: و سمعته يقول: ما أدخلت في کتابي الجامع إلاّ ما صحّ و ترکتُ من الصحاح لحال الطول.(2)
فقال له سماحة الشيخ: لمينقل البخاري حديث الثقلين و لكنه موجود في صحيح مسلم و سنن الترمذي و مسند أحمد بن حنبل، لكن انتظر و اصبر قليلاً فسوف أنقل لكم حديث الثقلين من هذه الكتب المذكورة.
ص: 21
أكمل سماحة الشيخ الطبسي حديثه عن التوسل و التبرك و قرأ لمن حضر المجلس رواية مهمة من صحيح مسلم مما جعلهم يتعجّبون و يُصدمون جميعاً، فقال: ذكر مسلم نقلاً عن أسماء أخت عائشة أنها قالت: «...هذه جُبَّةُ رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) فأخرجت إليَّ جُبَّةَ طَيالسةٍ كَسروانيّةً لها لِبنَةُ ديباجٍ و فَرجَيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها و كان النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستَشفَى بها».(1)
هنا بيّن سماحة الشيخ هذه الرواية، فقال: أسماء هذه توفيت سنة 73 ه-(2) و في رواية مسلم تعبير «يُستَشفَى» يعني طلب الشفاء من جُبّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و بملاحظة تاريخ وفاة أسماء يُعلم أنّ الفترة التي کانت جُبّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) عند عائشة و أختها أسماء و يُستفاد لشفاء المرضى قُرابة 60 سنة بعد وفاة النبي(صلی الله علیه و آله وسلم).
يقول النووي و هو من أهم شُرّاح صحيح مسلم في بيان هذه الرواية: «و في هذا الحديث دليلٌ علی استحباب التبرك بآثار الصالحين و ثيابهم».(3)
ص: 22
بعد نقل هذه الموارد المتعلقة بجبّة النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) توجّه سماحة الشیخ ثانية للحضور مخاطباً إياهم و سألهم: يا أهل الفكر! هل يمكن القيام بمثل هذه الأمور اليوم في مكة و المدينة؟
فأجاب أحد الحاضرين سماحة الشيخ ممازحاً: يوجد في روسيا مكان يمكن القيام فيها بالتوسل و التبرك و مثل هذه الأعمال.
و لكن شخصاً آخر من العلماء الحاضرين و كان يبدو عليه الجد فيما يقوله، قال: لاتوجد اليوم جبّة النبيّ (صلی الله علیه و آله وسلم) كي يُستفاد منها للاستشفاء و معالجة المرضى. و يظهر من كلامه هذا أنّه ربما كان يری أصل الاستشفاء بجبّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و آثاره الباقية و یرتضیه.
فأجابهما سماحة الشيخ و قال: ليس البحث مختصاً بجبّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) كي تقولوا: إنّ هذه الجبّة قد تلفت و لا وجود لها و إلاّ فنحن نقبل بالاستشفاء بجبّة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ، بل الحديث عن الفكر الوهابي الذي يعتبر هذه الأعمال حراماً و شرکاً.
عندما انتهى كلام سماحة الشيخ حول زيارة القبور و التوسل و التبرك و طلب الاستشفاء بدأ كما وعد بنقل حديث الثقلين من صحيح مسلم و سنن الترمذي و مسند أحمد بن حنبل و قال: نقل مسلم بن الحجاج النيسابوري حديث الثقلين عن رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) هكذا: «...أنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب الله و
ص: 23
استمسكوا به، فحثّ على كتاب الله و رغّب فيه. ثمّ قال: و أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي...».(1)
و في نقل أحمد بن حنبل أيضاً عن أبيسعيد الخدري قال: قال النبيّ (صلی الله علیه و آله وسلم) : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الارض و عترتي أهل بيتي و إنهما لنيفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».(2)
و نقل الترمذي في مناقب أهل البيت (علیهم السلام)عن جابر بن عبدالله قال: رأيت رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) في حجّته يوم عرفة و هو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: «يا أيها الناس! إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لنتضِلّوا، كتاب الله و عترتي أهل بيتي».(3)
عندما قرأ سماحة الشيخ حديث الثقلين من الكتب المذكورة، طرح سؤالاً من أجل تكملة الاستدلال و إرشاد الحاضرين نحو طريق أهل البيت(علیهم السلام) فقال: من الذي يعين و يحدّد للناس من هم أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ؟ هل هو نفس النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أم شخص آخر؟ هل أنتم الذين
ص: 24
تحدّدوا مَن هم أهل بيتكم أم أنا؟ هل أنا أعرف أهل بيتكم أم أنتم أعرف بهم؟
و للإجابة عن السؤال الذي طرحه سماحة الشيخ طلب كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي، فأحضر الكتاب في الحال. و بالالتفات إلى ما ذكره الذهبي، قال سماحة الشيخ: من الأکید و بالتأکید مسلّمٌ أن لا أحد سوى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) يمكنه أن يعرّف بأهل بيته. لذا يقول الذهبي: «و صحّ أنّ النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) جلّل فاطمة و زوجها و ابنيهما بكساء و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم فاذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً».(1)
لخّص سماحة الشيخ بحوثه التمهيدية في نقطتين:
أنّ السلف و الصحابة و التابعين يرون جواز زيارة القبور و التوسل و التبرك و لكن الوهابیة اليوم يعتبرون هذه الأعمال شركاً و حراماً. و هذه الحركة القائلة بهذا الفکر حركة غير إسلامية، فوظيفتكم أيها العلماء أن تنتبهوا و تنبّهوا لهذا.
أنّ مجتمعنا قد انحرف عن أهل البيت: و يجب أن یعود إلىه، لقد دعا رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) المسلمين للقرآن و أهل بيته و جعل التمسك بالقرآن و
ص: 25
أهل البيت (علیهم السلام)في آن و زمان واحد ضامناً لهداية المسلمین و عدم ضلالهم.
إنّ أهمّ شيء يفتقده المسلمون اليوم هو التمسك بأهل بيت النبي (علیهم السلام)و أنّ التمسك بهم يعني العمل بإرشاداتهم، کما أنّ التمسك بالقرآن يعني العمل بأوامر القرآن، فمجرد حبّ أهل البيت (علیهم السلام) غير کافٍ، بل يجب أن نعمل بثقافة أهل البیت (علیهم السلام) و رواياتهم و فقههم و أخلاقهم.
بعد انهاء كلام الشيخ، ابتدأت المناظرة بسؤال و جواب حول ما نُقل من المطالب و الأبحاث، فأشكل أحد الحاضرين على ما نقله سماحة الشيخ عن ابنحبان و قال: يقول ابنحبان: «دعوتُ الله» أي أن يحل الله مشاكلي و ليس الإمام الرضا (علیه السلام)، فكان سؤاله من الله تعالى.
و في الإجابة عن هذا الإشكال قال سماحة الشيخ:
أولاً: إنّ الله تعالى موجود في كلّ مكان، فلماذا يتوجه ابنحبان إلى قبر الإمام الرضا(علیه السلام) و یقصده ليطلب من الله تعالى حلّ مشاكله؟ فمن المعلوم أنّ الدعاء بجوار قبر الإمام الرضا (علیه السلام)لها خصوصية و موضوعية بحيث إنّ ابنحبان قد قصده مرات عديدة، فإن لمتكن
ص: 26
لمجاورة قبر الإمام مدخلية و موضوعية فلماذا لميطلب من الله تعالى حلّ مشاكله و هو في داره أو في المسجد القريب من داره؟
ثانياً: نحن أيضاً نقول بأنّ الطلب من الله عزّوجلّ أمر مشروع و راجح، لكن ابنحبان طلب من الله تعالى بجوار قبر الإمام الرضا(علیه السلام) و نعتقد أنّ بالإمكان الطلب من الله
تعالى مباشرة و لكنه ذهب إلى قبر الإمام الرضا (علیه السلام) فجعله واسطة، إذن فكلا الفعلين جائز و لیس بشرك.
و لكن هل بالإمكان القيام بهذا الفعل الآن في مكة و المدينة؟ هل الوهابیة يعتبرون هذا الفعل جائزاً؟ کلا إنهم ليس فقط لايتعتبرونه جائزاً، بل يعتبرونه أمراً محرماً.
إنّ معركة المسلمين مع الوهابية ليس في أفضلية هذا العمل، بل في الجواز و التحريم، فجميع المسلمين يقولون بجواز زيارة القبور و التقرب و التوسل بأهلها و جعلهم واسطة، أما الوهابيون فيعتبرون مثل هذه الأفعال أموراً محرمة و شرکاً یخرجهم عن الاسلام.
ثالثاً: هناك نماذج في سيرة الصحابة و التابعين و تصرفاتهم إذ طلبوا فيها من غير الله تعالى (من النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بعد وفاته) حلّ مشاکلهم و قضاء حوائجهم و أنا أشير إلى نموذج واحد من كتبكم كي يُعرف أن بالإمكان طلب حلّ المشاکل بواسطة المعصومین و الصلحاء من الله تعالى.
ص: 27
لقد نقل الطبراني في كتابه «المعجم الکبير» حادثة مهمة لها صلة بما نحن فيه عن أحد أصحاب رسولالله (صلی الله
علیه و آله وسلم) و اسمه عثمان بن حُنيف كانت حدثت في عهد الخليفة الثالث، أي بعد ما يقارب العشرين سنة من وفاة رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) و هي: «أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لايلتفت إليه و لاينظر في حاجته، فلقي ابن حُنيف، فشكى ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضاة فتوضأ ثمّ ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين، ثمّ قل: اللهم إني أسألك و أتوجه إليك بنبينا محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) نبيّ الرحمة، يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي و تذكرحاجتك...، فانطلق الرجل، فصنع ما قال له، ثمّ أتى باب عثمان بن عفان، فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان، فأجلسه معه على الطنفسة، فقال: حاجتك؟ فذكر حاجته و قضاها له، ثمّ قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كان الساعة و قال: ما كانت لك من حاجة فأذكرها، ثمّ إنّ الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بنحنيف، فقال له: جزاك الله خيراً! ما كان ينظر في حاجتي و لايلتفت إليّ حتى كلمته فيّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلّمته و لكني شهدتُ رسولالله و أتاه ضرير، فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبی (صلی الله علیه و آله وسلم) : فتصبر. فقال: يا رسولالله! ليس لي قائد و قد
شقّ عليّ. فقال النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) : ائت الميضاة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين، ثم ادع بهذه
ص: 28
الدعوات. قال ابنحنيف: فوالله ما تفرّقنا و طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنّه لميكن به ضرّ قطّ».(1)
هذه الحادثة تشير بوضوح إلى مشروعیة التوسل برسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) و أنها من تعالیم النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و ارشاداته لأصحابه و لحلّ المعضلات يمكن أن يُتوسّل برسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) و جعله واسطة و قد توسل الصحابة أيضاً برسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) ، لكن ابنتيمية المولود بعد عصر الصحابة بما يقارب 700 سنة يقول: «من يأتي إلی قبر نبيّ أو صالح و يسأله حاجته و يستنجده، مثل أن يسأله أن يزيل مرضَه أو مرض دوابه أو يقضي دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه و أهله و دوابه و نحو ذلك مّما لايقدر عليه إلاّ الله عزّ وجلّ فهذا شرك صريح، يجب أن يُستتاب صاحبُه، فإن تاب و إلاّ قُتل».
و يقول: «قال کثير من الضلال: هذا أقرب إلی الله منّي و أنا بعيد من الله لايمکنني أن أدعوه إلاّ بهذه الواسطة و نحو ذلك من أقوال المشرکين».(2)
يقول الوهابيون: إنّ الشيعة مشركون و خارجون عن دين الإسلام، فلايجوز الزواج من بناتهم و لا تزويج أبناهم من بنات أهل السنة و لو
ص: 29
وقع مثل هذا الزواج فإن العقد باطل بزعمهم و ذلك لأن الشيعة يتوسّلون بأهل البيت (علیهم السلام) و یقولون: «يا علي» و «يا حسين».(1)
بعد أن أجاب سماحة الشيخ على السؤال المطروح، دعا العلماء الحاضرین إلى الوحدة بين الشيعة و السنة و إلى إظهار الحقائق و الدفاع عن الإسلام الأصيل و تعاليمه، و قال: إننا نتوقع من أمثالكم أن تقولوا الحقيقة للناس، إننا اليوم بحاجة إلى الوحدة الإسلامية. إنّ عدوّنا جميعاً مشترك. هل رأيتم ماذا فَعل العدو
بغزّة؟ هل أبناء غزة هم من الشيعة؟ هل السوريون شيعة؟ إنّ معارضة أعداء الإسلام لهي مع النبي الأكرم محمد (صلی الله علیه و آله وسلم) و القرآن و الأمة الإسلامية.
بملاحظة ما نقله سماحة الشيخ حول حديث الثقلين و دعوته علماء الأمة الإسلامية و علماء أهل السنة للرجوع و التمسك بأهل البيت(علیهم السلام) فقد ذكر أحد الحضور حديث «عليکم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين».(2)
ص: 30
فأجاب عنه سماحة الشيخ: بأن حديث «عليکم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين» مضافاً إلى الإشكال السندي فهو من حيث الدلالة أيضاً محل إشكال.
هنا و لكي يوضّح سماحة الشيخ الإشكال الدلالي و يبيّنه، سأل من ذلك الشخص الذي كان قد طرح الحديث فقال: هل سنة الخلفاء الراشدين شيء غير سنة النبي (صلی الله علیه و آله
وسلم) ؟ أم أنها هي نفس سنة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و مطابقة لها؟
فإن كانت سنة الخلفاء الراشدين مختلفة عن سنة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و مغايرة لها ففي هذه الصورة لا معنى لأن يوصينا النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بما هو مغاير لسنته، و إن كانت سنة الخلفاء الراشدين هي نفسها سنة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و لا فرق بينهما، فأيضاً لا معنى لأن يوصي بسنة الخلفاء الراشدين و لا أثر خاص بها. لقد ناقش علماء السنة في سند هذا الحديث و دلالته.
[و تتميماً لبحث سماحة الشيخ ننقل هنا بعض كلمات محمد بن إسماعيل الكحلاني و ابنحزم الأندلسي في نقد حديث «عليکم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين».
يقول محمد بن اسماعيل الكحلاني الصنعاني عن حديث عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين: «و أما حديث «عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء
ص: 31
الراشدين بعدي تمسكوا بها و عضّوا عليها بالنواجذ» أخرجه أحمد و أبوداود و ابنماجة و الترمذي و صحّحه الحاكم و قال: على شرط الشيخين... و له طرق فيها مقال إلاّ أنه يقوّي بعضها بعضاً. فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلاّ طريقتهم الموافقة لطريقته (صلی الله علیه و آله وسلم) من جهاد الأعداء و تقوية شعائر الدين و نحوها».(1)
و ذكر ابن حزم الأندلسي في نقده لحديث «عليکم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين» توضيحاً أكثر، فقال: «و أمّا قوله: عليکم بسنّتي و سنّة الخلفاء الراشدين، فقد علمنا أنّه لايأمر بما لايقدر عليه و وجدنا الخلفاء الراشدين بعده (علیه السلام)قد اختلفوا اختلافاً شديداً، فلابد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها: إمّا أن نأخذ بكلّ ما اختلفوا فيه و هذا ما لاسبيل إليه و لايقدر عليه، إذ فيه الشيء و ضدّه و لاسبيل إلی أن يورث أحدٌ الجدّ دون الإخوة بقول أبي بكر و عائشة و يورثه الثلث فقط و باقي ذلك للإخوة علی قول عمر و يورثه السدس و باقيه للإخوة علی مذهب علي و هكذا في كلّ ما اختلفوا فيه، فبطل هذا الوجه؛ لأنّه ليس في استطاعة
الناس أن يفعلوه فهذه وجه. أو يكون مباحاً لنا بأن نأخذ بأيّ ذلك شئنا و هذا خروج عن الإسلام؛ لأنّه يوجب أن يكون دين الله تعالی موكولاً
ص: 32
إلی اختيارنا، فيحرّم كلّ واحد منّا ما يشاء و يحلّ ما يشاء و يحرم أحدنا ما يحلّه الآخر و قول الله تعالی:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(1) و قوله تعالی: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا»(2) و قوله تعالی: «وَلَا تَنَازَعُوا»(3) يُبطل هذا الوجه الفاسد و يوجب أنّ ما كان حراماً حينئذ فهو حرامٌ إلی يوم القيامة و ما كان واجباً يومئذ فهو واجبٌ إلی يوم القيامة و ما كان حلالاً يومئذ فهو حلال إلی يوم القيامة و أيضاً فلو كان هذا لكنّا إذا أخذنا بقول الواحد منهم فقد تركنا قول الآخر منهم و لابدّ من ذلك، فلسنا حينئذ متّبعين لسنّتهم، فقد حصلنا في خلاف الحديث المذكور و حصلوا فيه شاؤوا أو أبوا و لقد أذكرنا هذا مُفتياً كان عندنا بالأندلس و كان جاهلاً، فكانت عادته أن يقدمه رجلان كان مدار الفتيا عليهما في ذلك الوقت، فكان يكتب تحت فتياهما: أقول بما قاله الشيخان. فقضی أنّ ذينك الشيخين اختلفا، فلمّا كتب تحت فتياهما ما ذكرنا،
قال له بعض من حضر: إنّ الشيخين اختلفا، فقال: و أنا أختلف باختلافهما. فإذ قد بطل هذان الوجهان فلميبق إلاّ الوجه الثالث و هو أخذ ما أجمعوا عليه و ليس ذلك إلاّ فيما أجمع عليه سائر الصحابة معهم و في تتبعهم سنن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)و القول بها و أيضاً فإنّ الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) إذا أمر باتباع سنن الخلفاء الراشدين لايخلو ضرورة من أحد وجهين: إمّا أن يكون أباح أن يسنّوا سنناً غير سننه، فهذا ما لايقوله مسلمٌ و من أجاز هذا فقد كفر و
ص: 33
ارتد و حلّ دمه و ماله؛ لأنّ الدين كلّه إمّا واجب أو غير واجب و إمّا حرام و إمّا حلال، لا قسم في الديانة غير هذه الأقسام أصلاً، فمن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سنّة لميسنّها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقد أباح أن يُحرّموا شيئاً كان حلالاً علی عهده إلی أن مات أو أن يُحلّوا شيئاً حرّمه رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم) أو أن يُوجبوا فريضة لميوجبها رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم) أو أن يسقطوا فريضة فرضها رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم) و لميسقطها إلی أن مات و كلّ هذه الوجوه من جوّز منها شيئاً فهو كافرٌ مشركٌ بإجماع الأمة كلّها بلا خلاف و بالله التوفيق فهذا الوجه قد بطل و لله الحمد. و إمّا أن يكون أمر باتباعهم في اقتدائهم بسنّته (صلی الله علیه وآله وسلم) ، فهكذا
نقول ليس يحتمل هذا الحديث وجهاً غير هذا أصلاً».(1)]
بملاحظة ما تم طرحه من مسائل حول توسل و تبرك الصحابة و التابعين و علماء و عوام أهل السنة و ذكر أدلة و مصادر ذلك من كتب أهل السنة أنفسهم، لميكن هناك مجال إلا قبول هذا الأمر بعنوان ثقافة إسلامية، إلاّ أنّ أحد الحضور قد ضيّق هذه الدائرة أيضاً، فسأل سماحة الشيخ و قال: هل كان التبرك و التوسل من سيرة خلفاء رسولالله(صلی الله علیه وآله وسلم)؟
أجاب سماحة الشيخ عن التساؤل فقال:
ص: 34
أولاً: بناءً على رواياتكم و مبانيكم فإنّ جميع أصحاب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) هم عدول و أعمالهم و أفعالهم جميع الصحابة هي دليل و حجّة يؤخذ بها(1) فلماذا تتشبث لإثبات جواز التوسل و التبرك بسيرة الخلفاء فقط؟ إذ بملاحظة
توسل الصحابة برسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم)
في قتالهم مسيلمة الكذاب و ما حدث في قصة عثمان بن حنيف و تعليمه التوسل لشخص كان يعاني من مشكلة و لميكن الخليفة الثالث يوليه عناية و لايلتفت إليه و التجاء الصحابة و التابعين بقبر رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم) و توسلهم به للخلاص و النجاة من شرّ حکومة زياد بن أبيه فالتبرك و التوسل سيرة الصحابة و ثقافتهم و لميكن فيه أي إشكال، بل كان مشروعاً؛ إلا أن لاتعتبروا جميع هؤلاء الصحابة عدولاً و لا أنّ أقوالهم و أفعالهم حجّة! و من البعيد وجود مثل هذا الرأي و النظرية عندكم و الالتزام به.
ثانياً: أيضاً كان التوسل و التبرك من السيرة العملية لخلفاء النبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم)، فالخليفة الأول و الخليفة الرابع في اللحظات الأولى من وفاة النبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم) قد توسلا به.
يقول زينيدحلان و هو أحد علماء الشافعية: «لمّا توفي النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)أقبل أبوبکر، فکشف عن وجهه، ثمّ أکبّ عليه فقبّله و قال: بأبي أنت و أمّي!
ص: 35
طبتَ حيّاً و ميتاً، أذکرنا يا محمد عند ربّك و لنَکُن من بالك».(1)
كذلك الإمام علي(علیه السلام) و هو رابع الخلفاء عندکم قام بهذا العمل و وضع خدّه على خدّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) و قال: «بأبي أنت و أمي! أذکرنا عند ربك و اجعلنا من بالك».(2)
ثالثاً: مضافاً إلى السيرة العملية للخلفاء، فإن في القرآن الكريم أجاز الله تعالى التوسل بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) و أرشد المسلمين إلى هذا الأمر المهم، فقال: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)»(3) فالله تعالى في هذه الآية يُعلّم المسلمين و یرشدهم كيف يلجأون إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) و يتوسلون به إذا ما كانوا مذنبين، ليستغفر لهم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم).
و بعد أن أجاب سماحة الشيخ على السؤال المطروح بالأدلة، تكلم السائل نفسه و سأل مرة أخرى عن جدال و عناد: هل نقل عن الخلفاء رواية تدلّ على جواز التوسل و التبرك؟
فأجابه سماحة الشيخ و قال: إذا كان التوسل من السيرة العملية للخلفاء الراشدين و قد توسّلوا بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ، فما وجه الإصرار على وجود رواية عن هؤلاء
في هذا المجال؟ هل أنّ فعل الخلفاء الراشدين و سيرتهم العملية عندکم أقلّ من كلمات و أقوال أولئك؟
ص: 36
عندما وصل الحديث إلى أنّ سيرة الخلفاء الأربعة العملية هي أيضاً دليل جواز التوسل و مشروعیته عندهم و لم يترك مجالاً للاعتراض، تكلّم أحد الحضور حيث لميكن أمامه إلاّ القبول بالتوسل كثقافة و قیم إسلامية و يريد أن یحدد و يضيّق دائرة جواز التوسل و مشروعيته، فقال: إنّ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) شخصية خاصة و نحن نقبل التوسل به، أما أهل بيته فهم بشر عاديين و لايمكن التمسك و التوسل بهم.
فأجابه سماحة الشيخ و قال:
أولاً: فأنتم اقتنعتم و قبلتم بأنّ التوسل بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ليس شركاً.
ثانياً: من قال بأنّ التوسل مختصٌ بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)؟ و لمیشرع التوسل بغیره من أهل البیت علیهم السلام مع ورود الروایات في ذلك؟
ثالثاً: أنتم قبلتم مشروعیة التوسل بالنبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم) ، في حين أنّ ابنتيمية و الوهابية لايقبلون بهذا
الرأي و حتی التوسل بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يعتبرونه شرکاً.
يقول ابنتيميه في کتابه زيارة القبور و الاستنجاد بالمقبور: «من يأتي إلی قبر نبي أو صالح و يسأله حاجته و يستنجده... فهذا شرك صريح، يجب أن يستتاب صاحبُه، فإن تاب و إلاّ قُتِل».(1)
ص: 37
و یقول محمد بن عبدالوهاب في کتابه کشف الشبهات: «و إنّ قصدهم الملائکة و الأنبياء و الأولياء يريدون شفاعتهم و التقرّب إلی الله بذلك هو الذي أحل ّدمائهم و أموالهم... من ظنّ أنّ بين الله و بين خلقه وسائط ترفع إليهم الحوائج، فقد ظنّ بالله سوء الظن... إنّ محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم) لميفرّق بين من اعتقد في الأصنام و من اعتقد في الصالحين، بل قاتلهم کلّهم و حکم بکفرهم... و لايصحّ دين الاسلام إلاّ بالبراءة ممّن يتقرب إلی الله بالصلحاء و تکفيرهم... من عَبَدَ الله ليلاً و نهاراً، ثمّ دعا نبياً أو ولياً عند قبره، فقد اتّخذ إلهَين إثنين و لميشهد أن لا إله إلاّ الله، لأنّ الاله هو المدعوّ... إجماع المذاهب کلّهم علی من جعل بينه و بين الله وسائط يدعوهم أنّه کافر مرتدّ حلال المال و الدم».(1)
كانت أجوبة سماحة الشيخ على الأسئلة مقنعة و مستندة إلى أدلة فأنهت تلك الشكوك و الترددات و الاحتمالات و أزالتها عن الأذهان، إلاّ أنّ أحد الحضور أشكل بقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)»(2) على استدلال سماحة الشيخ في جواز التوسل بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) و قال: إنّ الآية و الأمر فيها بالرجوع إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) متعلق بحياة رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم) و لا علاقة له بما بعد وفاته.
ص: 38
فأجاب سماحة الشيخ على هذا السؤال و الشبهة فقال:
أولاً: إنّ الآيه مطلقة من هذا الباب و لاتوجد قرينة لتقييدها بحياة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم).
ثانياً: إن قلتم: إنّ الآية خاصة بحياة النبي ،(صلی الله علیه وآله وسلم) فلابد أن تطرح الآية جانباً و نقول: إنّ
القرآن أيضاً متعلق بزمن خاص، فهل تلتزمون بما يلزم من قولكم هذا؟
ثالثاً: قد نُقلت في تفسیر نفس الآية قضیة عن الإمام مالك تتنافى مع ما قلتم و تدلّ على أنّ الصحابة و التابعين لميقيدوا و لميخصصوا الآية و لا الرجوع إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بحیاته.
سأل المنصور الدوانيقي و هو أحد الخلفاء العباسيين الإمام مالك عندما كان في مسجد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) إلى جانب القبر: «يا أباعبدالله! أستقبل القبلة و أدعو أم أستقبل رسولالله (صلی الله علیه وآله وسلم) ؟ فقال: و لِمَ تصرف وجهك عنه و هو وسيلتك و وسيلة أبيك آدم (علیه السلام) إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله و استشفع به فيشفّعك الله، قال الله تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّهَ وَ اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ لَوَجَدُوا اَللّهَ تَوّاباً رَحِيماً.(1)
رابعاً: عندما اعتبر القرآن الکريم في قوله تعالی«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
ص: 39
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(1) الشهداء أحياءً عند ربهم و مع ملاحظة أفضلية مقام النبوة على مقام الشهادة، فالأنبياء من باب أولی هم أحياء أيضاً.
خامساً: عندما يكون الطلب من غير الله تعالى شرکاً، فلافرق بين الحي و الميت و لا بين رسولالله (صلی الله علیه و آله وسلم) في وقت حياته و غیره، إذ یکون التوسل به حیاً أیضاً شركاً.
و للتشكيك في تعاليم و ثقافة التوسل أخذ بعض الحضور في المجلس و سعی بكلّ ما لدیهم من طاقة كالغریق لكي ينجو فهو يتشبّث بأي وسيلة للتبرير و التأويل بطرح أي شيء يحضر في أذهانهم و لكن لميسعفهم ذلك للوصول إلى نتيجة، فمضافاً إلی الاعتراف بمشروعية و جواز التوسل، فأطلقوا آخر ما كان لديهم مما تسلّحوا به في الظلماء فقالوا: نحن نقبل أنّ الخلفاء قاموا ببعض الأمور من قبيل التبرك و التوسل إلاّ أنّ هذه الأفعال كانت فیما يختصّ بالأمور الأخروية و ليست أمورهم الدنيوية! و مع هذا فنحن لانصدق جميع ما يقوله الوهابيون.
و في الجواب عن هذا الكلام ذكّرهم سماحة الشيخ بما قد نقله الطبراني من قصة عثمان بن حنيف و ذلك الشخص المتعثّر في مشكلته، و قال:
ص: 40
إنّ ذلك الشخص ذهب إلى الخليفة لقضاء حوائجه و مشاكله الدنیویة إلاّ أنّ البواب لميكن يأذن له، فذكر له الصحابي عثمان بن حنيف التوسل بالنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ليتمكن من الدخول على الخليفة و ليحل له مشاکله الدنيوية و ليس لأموره الأخروية؛ مضافاً إلى حادثة عثمان بن حنيف و ذلك الشخص المبتلى بالمشاكل و التي تبين أنّ التوسل للأمور الدنيوية جائز، فحتی لو قبلنا أنّ التوسل جائز فقط للأمور الأخروية، كذلك سيبقى المسلمون في معضلة مع الوهابيين؛ لأن الوهابية لاتقبل التوسل في الأمور الأخروية أیضاً و تعتبره حراماً.
و رجع سماحة الشيخ أيضاً و أشار إلى مشاکل الأمة الإسلامیة اليوم و قال: اليوم المسلمين من أجل هذه العقائد مُعرّضون للقتل، فلتكونوا شجعاناً و تقولوا: إنّ الوهابية منحرفة و مخطئة و هي لاتسير على منهج السلف.
غيّر أحد الحضور في المجلس موضوع البحث فسأل قائلاً: هل صحيح أنّ الإمام علي (علیه السلام) قال عن الخوارج:
أولئك إخواننا؟
يظهر من طرح هذا السؤال أنّ المناظرة و المباحثة حول زيارة القبور و التبرك و التوسل قد انتهت و قد أجيب على كلّ ما طرحوه من أسئلة و ما یختلج في أذهانهم.
و هنا قال سماحة الشيخ مجيباً عن هذا السؤال: لقد نُسب إلى الإمام علي (علیه السلام) مثل هذا القول و لكنّه محل تأمل و بحث و تحقيق في السند و لكن من المستبعد صحة هذه النسبة؛ فبناء على ما قد نقله ابنماجة عن
ص: 41
النبي الأکرم (صلی الله علیه و آله وسلم) من أنّ الخوارج كلاب جهنم(1) و الكلب لايمكن أن يكون أخاً لخليفة المسلمين.
بملاحظة أنّ الاتفاق بأن يكون اللقاء لمدة ساعة واحدة مع سماحة الشيخ و لكن مضت ساعة و خمس و أربعون دقيقة من بدء الجلسة، كما أنّه قد حان وقت المغرب قد مضى منه بعض الدقائق و قد أذّن للصلاة و لمیسمح الحضور بقطع البحث و ایقاف المناظرة.
لقد كانت هناك عدّة مقابلات لعلماء أهل السنة مع سماحة الشيخ
بمجرد أن یدخل وقت الصلاة عندهم من غروب الشمس دون اذهاب الحمرة فإنّ بعض الحضور يقوم و بدون أي التفات لما يدور و يقف في زاوية ما و يبدأ و يصلي فرادى، و لكن هذه المرة و لحساسية البحث و جاذبيته و بالرغم من تأكيد سماحة الشيخ على إنهاء البحث و أداء الصلاة في أول الوقت إلاّ أن الجميع قد انشد و انجذب للأجوبة المستندة إلى الدليل و لكن سماحة الشيخ لمیوافقهم علی إكمال البحث قبل أداء الصلاة فأوقف البحث إلی بعد الصلاة کعادته في المحاورات السابقة.
بعد ذلك ذكّر سماحة الشيخ بالمشترکات المتعددة بين الشيعه و السنة في الفقه مستدلاً بكلام آيةالله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي حيث يقول: «لأنّ الأحکام المتفق عليها بين الفريقين کثيرة في نفسها»(2) و كلام المرحوم آیةالله الشيخ عبدالکريم الزنجاني حيث قال: «و أمّا في فروع
ص: 42
الدين فلايوجد رأي واحد في الفروع عند الشيعة يکون مخالفاً لجميع المذاهب الأربعة السنية بأسرها»(1) و قال: إنّ الطائفتین الشیعة و السنة إخوة و أنّ الوهابية هي المشكلة الرئيسية لدى المسلمين الشيعة و السنة، و العدو المشترك بينهم و لتأييد و دعم
كلامهم استشهد سماحة الشیخ بكلام ابنعابدين أحد علماء الحنفية و قال: يقول ابنعابدين:
«کما وقع في زماننا في اتباع عبدالوهاب الذين خرجوا من نجد و تغلّبوا علی الحرمين و کانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لکنّهم اعتقدوا أنّهم هم المسلمون و أنّ من خالف اعتقادهم مشرکون، و استباحوا بذلك قتل أهل السنة و قتل علمائهم حتی کسر الله تعالی شوکتهم و خرّب بلادهم و ظفر بهم عساکر المسلمين عام ثلاث و ثلاثين و مائتين و الف».(2)
في نهاية الجلسة أخذ سماحة الشيخ بتلخيص البحث فقال: يتلخص كلامي في نقطتين:
النقطة الأولى: انحراف الوهابية عن خط السلف؛ لأن السلف كانوا يتبرکون و يتوسلون و کان ذلك دیدنهم و دأبهم، أما الآن فإن هذه الأمور تعتبرها الوهابیة حراماً و شرکاً.
النقطة الثانية: کارثة إعراض بعض المسلمين عن قیم أهل بيت النبي
ص: 43
الأکرم(علیهم السلام) الذين قال فيهم: إني تارك فيكم [شيئين
عظيمين] ما إن تمسكتم بهما لنتضلوا بعدي.
و بعد انتهاء الحوار أبدی کلّ واحد من الحاضرین ارتیاحه لهذا الحوار و شکرهم من الأستاذ علی هذه المعلومات القیمة التي لمیطلعوا علیها سلفاً و اعترفوا بانحراف الوهابیة و خطأهم في الطریقة التي سلکوها کما تعهدوا أن یستغلوا فرصة مکانتهم الاجتماعیة و منابرهم و المنصات في ایقاظ المجتمع و تحذیرهم من خطر هذا الحزب المعادي للقیم الاسلامیة و مبادیها.
و في ختام الجلسة حان وقت الصلاة و أدوا الفریضة بإمامة الشیخ الأستاذ نجمالدین الطبسي ثم التقطوا صور تذکاریة معه و خرجوا و هم مسرورون مما اتضح لهم من الحقائق.
حسن بلقان آبادی
مؤسسة ولاء الصدیقة الکبری(علیها السلام)
قم المقدسة
3/محرم الحرام/1437 ه- ق
الموافق 25/7/1394 ه- ش
ص: 44
* القرآن کريم
* نهج البلاغة
1. الإحکام في أصول الأحکام، ابنحزم (المتوفى 456 ه-)، مطبعة العاصمة، القاهرة، مصر.
2. البداية و النهاية، ابنکثير الدمشقي (المتوفى 774 ه-)، دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان.
3. تاريخ الأمم و الملوك، أبوجعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفی310 ه-)، دار الکتب العلمية، الطبعة الثانیة 1408 ه- ق، بيروت، لبنان.
4. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المبارکفوري (المتوفى 1353 ه-)، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية 1430 ه- ، بيروت، لبنان.
5. تهذيب التهذيب، ابنحجر العسقلاني (المتوفى 852 ه-)، دار الفکر، الطبعة الأولى 1404 ه- ، بيروت، لبنان.
6. تهذيب الکمال في أسماء الرجال، أبوالحجاج يوسف المزي (المتوفی742 ه-)، دار الفکر، 1414 ه- ، بيروت، لبنان.
ص: 45
7. الثقات، ابنحبان، أبوحاتم محمد بن حبّان التميمي البستي (المتوفى 354 ه-) ، دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى 1393 ه-، حيدرآباد، الهند.
8. الدُرَر السنية في الردّ على الوهابية، زينيدحلان، (المتوفی 1304 ه-)، بدون تعيين تاريخ و لا مكان.
9. رحلة الإمام الزنجاني، بدون تعيين تاريخ و لا مكان.
10. ردّ المحتار على الدر المختار، محمدأمين ابنعابدين، دار الکتب العلمية، الطبعة الثالثة 2011 م ، بيروت، لبنان.
11. زيارة القبور و الاستنجاد بالمقبور، ابنتيميه، أبوالعباس تقيالدين أحمد بن عبدالحليم (المتوفى 728 ه-).
12. سبل السلام، محمد بن إسماعيل الکحلاني (المتوفی 1182 ه-)، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة 1379 ه- ، بيروت، لبنان.
13. سنن ابنماجة، ابنماجة القزويني (المتوفی 275ه- ق)، دار ابن الجوزي، ترقیم: الشیخ محمد فؤاد عبدالباقي، الطبعة الأولی 1432 ه- ق، القاهرة، مصر.
14. سنن أبيداود، أبوداود السجستاني (المتوفى 275 ه- )، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 2011م، القاهرة، مصر.
15. سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة (المتوفی 279 ه- )، دار ابنالجوزي، القاهرة، مصر.
ص: 46
16. سير أعلام النبلاء، شمسالدين الذهبي، محمد بن أحمد (المتوفی 748 ه- )، مؤسسة الرسالة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و محمدنعيم العرقسوقي، الطبعة الحادية عشر، 1417 ه- ، بيروت، لبنان.
17. شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه أفضل الصلاة و السلام، السُبکي، علي بن عبدالکافي (المتوفی756 ه-)، تحقيق: السيد محمدرضا الحسيني، الطبعة الرابعة 1419 ه- ، بدون تعيين المكان.
18. صحيح البخاري، أبوعبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى 256 ه-)، الطبعة الثانية، دار الآفاق العربية، القاهرة، مصر.
19. صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج النيشابوري (المتوفی 261 ه-)، دار المعرفة، الطبعة الثانیة 1428ه-، بيروت، لبنان.
20. طبقات الشافعية الکبری، السبکي، عبدالوهاب بن علي (المتوفی 771 ه-)، دار إحياء الکتب العربية، تحقيق: محمود محمد الطناحي و عبدالفتاح محمد الحلو، بدون تاريخ.
21. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني، محمود بن أحمد (المتوفى 855 ه-)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
22. الغدير في الکتاب و السنة و الأدب، العلامة الأميني، مرکز الغدير للدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى 1416ه- ، قم، إيران.
23. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء، جمع و ترتيب الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدّويش، دار العاصمة، الطبعة الثالثة 1419 ه- ، الرياض، السعودية.
ص: 47
24. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابنحجر (المتوفی 852 ه-)، الطبعة الأولى 1407 ه-، دار الريان للتراث، القاهرة، مصر.
25. مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (المتوفی 1206 ه- )، تحقيق رائد بن صبري بن أبيعلفة.
26. مروج الذهب و معادن الجوهر، المسعودي، أبوالحسن علي بن الحسين البغدادي الشافعي (المتوفى 346 ه-)، دار الکتب العلمية، تحقيق: الدکتور مفيد محمد قميحة، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان.
27. المسند، أحمد بن محمد بن حنبل (المتوفی 241 ه- )، دار صادر، بيروت، لبنان.
28. مصباح الأصول، السيد أبوالقاسم الخوئي، مطبعة النجف، 1376 ه- ، النجف الأشرف، العراق.
29. المعجم الکبير، الطبراني (المتوفی360 ه-)، دار إحياء التراث العربي، تحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي، الطبعة الثانية.
30. المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، يحيي بن شرف (المتوفی 676 ه-)، المکتبة العصرية، صيدا، بيروت، لبنان.
31. وهابيت از منظر عقل و شرع (فارسي) ، الحسيني القزويني، مؤسسة وليعصر (علیه السلام)، الطبعة الثالثة، خرداد 1378 ش، قم، إيران.
32. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابنحجر (المتوفی 852ه-)، الطبعة الأولى 1407 ه-، دار الريان للتراث، القاهرة، مصر.
ص: 48