رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2015-2444

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم استدعاء مکتبة الکونجرس:

المؤلف الشخصی: الکعبی، زین العابدین عبدعلی

العنوان: آیات عتاب الانبیاء علیهم السلام فی القرآن الکریم: دراسة تحلیلیة

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی

بیانات النشر: کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة - قسم الشؤون الفکریة والثقافیة. شعبة الدراسات والبحوث الاسلامیة 1436 ه -= 2015 م

الوصف المادی: 270 ورقة؛ 30 سم

سلسلة النشر: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ (166)

تبصرة عامة: الکتاب فی الاصل رسالة ماجستیر.

تبصرة ببلیوغرافیة: یحتوی علی هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 251-263).

مصطلح موضوعی: الانبیاء - العصمة - دراسة وتعریف.

مصطلح موضوعی: العصمة - من الناحیة القرآنیة.

مصطلح موضوعی: العصمة - أحادیث.

مصطلح موضوعی: الانبیاء - العصمة - شبهات وردود.

مصطلح موضوعی: العصمة - (اسلام) - الاحادیث الموضوعة

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص:2

ص:3

ص:4

(وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنا وَ نُوحاً هَدَیْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ وَ أَیُّوبَ وَ یُوسُفَ وَ مُوسی وَ هارُونَ وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ * وَ زَکَرِیّا وَ یَحْیی وَ عِیسی وَ إِلْیاسَ کُلٌّ مِنَ الصّالِحِینَ * وَ إِسْماعِیلَ وَ الْیَسَعَ وَ یُونُسَ وَ لُوطاً وَ کلاًّ فَضَّلْنا عَلَی الْعالَمِینَ * وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّیّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَیْناهُمْ وَ هَدَیْناهُمْ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ)

سورة الأنعام آیة (84-87)

ص:5

خلاف عصمة الأنبیاء علیهم السلام یتخذ درجات متفاوتة فی الشدة أو اللین بل ذهبوا إلی أبعد من ذلک حین جوّزوا علی الأنبیاء علیهم السلام ارتکاب بعض الذنوب والمعاصی، ونجد کتبهم التی عُنیت بهذه الموضوعات تزخر بتلک الشُبَه، فتارة ینطلقون من التوبة وأخری من الاستغفار وثالثة من الإنابة ویزعمون أنَّ الأنبیاءفی هذه المواقف وغیرها حصل منهم ما یجعلهم کغیرهم من البشر یخطئون ویذنبون ویتوبون ثم أنّهم یعاتبون کما یعاتب سائر الناس.

وانطلاقاً من واجب الدفاع عن عصمة الأنبیاء علیهم السلام وعموم رسالاتهم الخالدات وکمال نفوسهم الشریفة أجد لزاماً علیَّ فی دراستی هذه أنَّ أدفع عنهم قدر ما یسعفنی جهدی وما تحمله جعبتی أنواع الشبه کلها عند من تأول وأثبت وقوع ألوان اللوم والعتاب الوارد فی حقهم کما زعمه أولئک المخطئون من خلال جمودهم علی ظواهر النص وتوظیفها بما یعضّد دعوتهم وزعمهم لهم وسیأتی فی أثناء البحث تفصیل ذلک سائلاً المولی القدیر أنَّ یتقبل هذا الجهد الطیّب إنّهُ نِعْم المعین.

ولقد خصصنا عدداً من الأنبیاء علیهم السلام ولیس جمیعهم مراعاة الضرورة الموضوعیة والزمانیة واختیار الحالات التی تمثل قواسم مشترکة ودلالات متشابه، واکتفت الدراسة باستقراء آراء المذاهب الکبری المنضبطة فی فهمها لموارد الدلالات فی الآیات الکریمات موضوعة الدراسة واضطرنا إلی استبعاد التوسع فی عرض آراء المناهج الأُخَر تحاشیاً للإطالة لیشکل کل ذلک محاولة ربما خذلتها الأدوات وربما قصرت بها الاستعدادات الشخصیة المحددة جاءت الدراسة موسومة ب - ((آیات عتاب الأنبیاء فی القرآن الکریم دراسة تحلیلیة)).

ص:8

علی أنَّ الأسباب التی دعت الباحث لاختیار هذا الموضوع أهمیته الکبیرة واستعیابه لقضایا حساسة تکاد تکون متجددة فی سماء الفکر والعقیدة، ولأنه جاءَ علی حد علمی جدیداً فی عرضه إذ لم نجد بحسب حدود الإطلاع أنّ هناک من کتب فیه بشکل متخصص، وندرة ما کتب فی ملامحه العامة بشکل متفرق فی أثناء کتب التفسیر وعلم الکلام، لذا نری أنّه سیکون بکراً فی عرضه ومادته، زیادة علی کثرة الشبهات التی أثیرت من بعض الکُتَّاب المعاصرین وغیرهم ممن سبقهم عن مسیرة الأنبیاء علیهم السلام، وخاصة فیما یتعلق بفهم الآیات التی وردت مورد الدراسة والجدل إذ تسللوا فی خلالها إلی محاولة الإخلال بعصمة الأنبیاء علیهم السلام، وهو أمر یدعو إلی الوقفة والتأمل تجاه هذه الآراء ومحاولة فحصها والتعامل معها من منطلق الدفاع عن الأنبیاء علیهم السلام بما هو حق.

ومن الصعوبات التی واجهت الدراسة، خصوصیة موضوعتها إذ لم یتّخذ سیاقاً علمیاً محدداً، ولم یکن مختصاً بعلم بذاته وإنما أخذ سیاقاً متنوعاً فی دلالته ومضامینه فکان قرآنیاً من جانب، وکلامیاً من جانب آخر، کما استوجب لمحةً تاریخیةً، وأخری حدیثیة، وهو أمر دعا إلی تنوع مصادر البحث ومراجعه إذ شملت مصادر تفسیر القرآن الکریم، والکلام والعقیدة ومصادر اللغة والفقه والأصول والتأریخ الأمر الذی أضفی علی البحث حسنة التنوع علی الرُّغم من تحمل المعاناة.

وقد جاء البحث منتظماً فی مقدمة وتمهید وثلاثة فصول وخاتمة. فکان الفصل الأول محاولة للکشف عن دلالات العتاب ومعانیه فی لغة العرب وفی ضوء المنهج القرآنی فی توظیف المفردة وقد انقسم الفصل علی ثلاثة مباحث.

ص:9

وجاء الفصل الثانی علی ثلاثة مباحث أیضاً فعالج عرض نماذج من الآیات التی وردت مورد (العتاب) للأنبیاء والرسل علیهم السلام ومحاولة بیان مضامینها ودلالاتها.

أما بحث الفصل الثالث فیدرس قضیة العصمة بکون ارتباطها ب - (العتاب) المدعی مع عرض نماذج من الآیات التی تمسک بها المخطئة وبنوا علیها دعوتهم وزعمهم وحاولوا البحث فی توجیهها علی ضوء المنهج الحق القائل بالعصمة المطلقة وفی مقابلهم المنهج القائل بالعصمة الجزئیة فی أسلوب عرض تحلیلی لتخلص الدراسة بخاتمة حاولت أنَّ تلم شتات الموضوع وتلمس أهم النتائج المتحصلة من الخوض فی عباب مناهج المفسرین ومحاولات المتکلمین فی فهمه.

ولا یسعنی إلا أنَّ أتقدم بخالص شکری وامتنانی إلی کلّ من قدّم إلی الدراسة ولو بکلمة.

وختاماً نسأل الله تعالی أنَّ تکون الدراسة قد وفقت فی أنَّ تأتی بجدید أو مفید، وأن تکون جلوت ما لم یکن قد أخذ حقه من الظهور، وأن تکون فی ذلک کله قد أخلصت النیة، ونأیت بالنفس عن الأهواء وتجردت عن کل ما لا یلیق بالبحث الموضوعی، وعلیه فأدعوا أدعو الله القدیر أنَّ یوفقنی إلی الاستمرار فی مسیرة العلم لما یعود بالنفع والفلاح وأداء الواجب تجاه دیننا الحنیف والله من وراء القصد وآخر دعوانا أنَّ الحمد لله رب العالمین.

الباحث

ص:10

ص:12

المعیاریة - الثابتة وقد تشیر إلی التطور الدلالی الذی یطرأ علی اللفظة، أما المعانی السیاقیة والهامشیة فلا نجدها بکثرة فی متون المعجمات؛ لأنّ المعجمات مبنیّة ومؤلفة علی أساس جذر المفردة وتقلباته ولیس علی أساس الجملة ودلالتها.

ونظرة عجلی إلی أمهات المعجمات العربیة، کالعین للخلیل بن أحمد الفراهیدی (ت 175 ه -)، وتهذیب اللغة للأزهری (ت 370 ه -)، والمحکم لابن سیده (ت 458 ه -)، والصحاح للجوهری (ت 393 ه -)، ولسان العرب لابن منظور (ت 711 ه -)، وتاج العروس للزبیدی (ت 1205 ه -)، تطلعنا علی المعانی المرکزیة للمفردات وما یطرأ علیها من تطور دلالی فی سیاق النصوص التی أوردها مؤلفو تلک المعجمات.

وفی هذا الفصل نقفُ مُطولاً عند المعانی والدلالات اللغویة للفظة (عتاب) موضوعة الدراسة بغیة استقرائها وتحری الدلالات السیاقیة، فضلاً عن دلالاتها القاموسیة المرکزیة، لیکون هذا الفصل منطلقاً للدراسة، وسانداً فی کشف الدلالات المتعلقة بموضوعها التی قیدنا أنفسنا بها (آیات عتاب الأنبیاء فی القرآن الکریم - دراسة تحلیلیة).

ص:14

من فساد(1) ، وقال الشاعر(2):

أعددت للأمر صارماً ذکَرَا مُجرب الوقع غیر ذی عَتَب

ویأتی العتبُ بمعنی (الالتواء) و (النَبوْةَ) و (العیب)(3) ومن معانیه اللغویة (التجّنی)، فالعتب هو (التجنیّ) تعتّب علیه وتجنی علیه بمعنی واحد، وتعتب علیه أی وجد علیه(4) وهو بمعنی (الموجدة).

عتب علیه یعتب ویعتب وعتاباً ومعتبة ومعتباً أی وجد علیه، ویستشهد ابن منظور علی هذا المعنی بقول الغطمش الضّبی(5).

أقول وقد فاضتْ بعینی عبرةٌ أری الدهر یَبقی والأخلاءُ تذهبُ

أخلای لو غیر الحمامُ أصابکم عتبتُ ولکن لیس للدهر مَعَتبُ

أی لو أجستم فی الحرب لأدرکنا ثأرکم وانتصرنا لکم، ولکن الدهر لا یُنتصر منه ومن معانیه المعنویة (اللوم) عاتبهُ مُعاتبةً وعِتاباً، کل ذلک لامهُ (6).

ومنه قول الشاعر:

أعاتبُ ذا المودة من صدیقٍ إذا ما رابنی منه اجتیابُ

إذا ذهب العتاب فلیس ودٌ ویبقی الودّ ما بقی العتابُ

فواضح أنَّ السیاق هو الذی هیّأ لهذه المفردة المعنی الجدید بدلالة قول

ص:16

الشاعر (ویبقی الود).

ومن اشتقاقات هذه المفردة «الاعتاب والعتبی» وهو رجوع المعتوب علیه إلی ما یُرضی العاتب(1) ، والاستعتاب، طلبک إلی المسیء الرجوع عن إساءته ومنه (العتب والتعاتب، والمعاتبة) وهی تواصف الموجدة(2).

ومن الصفات المشتقة منه (العِتْب) وهو الرجل الذی یعاتب صاحبه، أو صدیقه فی کل شیء إشفاقاً علیه ونصیحةً لهُ (3) ، و (العَتوب) الذی لا یعمل فیه العتاب(4) و (الأعتوبةُ) ما تعُتِبَ به(5).

والعُتبی (الرضا)(6) ومنه أعتبهُ، أعطاه العُتبی ورجع إلی مَسَرّتهِ. کقول الشاعر:

إذا ذهب العتاب فلیس ودٌّ ویبقی الود ما بقی العتابُ (7)

وقد أتضح هذا المعنی من خلال السیاق الحاضن للمفردة.

ویقال استعتب فلان إذا طلب أنَّ یُعتبَ أی یرضی والمعتْبُ المرضی(8)

ص:17

والاعتتاب الانصراف عن الشیء کقول الکمیت(1).

فاعتب الشوق من فؤادی وال - شعرُ إلی مَنْ إلیه مُعَتَبُ

وفی صحاح الجوهری، واعتبتُ الطریق إذا ترکتُ سهله وأخذت فی وعره، واعتتبْ أی أقصد قال الحطیئة:

إذا مخارمُ أحناءٍ عرضن له لم ینبُ عنها وخاف الجورَ فاعتتبا

معناه اعتتب من الجبل أی ولم ینبُ عنه قال الفرّاء، اعتتبَ فلان إذا رجع عن أمرٍ کان فیه إلی غیره(2).

ویصاغ منه (عتّابٌ وعتابٌ ومُعتَّب وعتبةٌ وعُتیببة) کلّها(3) أسماء ومنها أیضاً (عتیبة وعتّابة) وهی من أسماء النساء(4).

مما تقدم اتضح أنَّ لکل لفظةٍ معنیین: أولهما المادی، وثانیهما (المعنوی)، والمادی هو أسبق فی الظهور من المعنی (المعنوی) وعلی سبیل المثال، فالمعنی المادی الذی أشرنا إلیه فی الفقرة الأولی (المشی علی ثلاث قوائم، وهذا المعنی یرشح لأن یکون هو المعنی الأولی وهو أصل الاستعمال، وأما ما ورد من معانٍ أُخَر ک - (دخول الفساد فی الأمر) فهو معنی معنوی تطور عن المعنی الأولی، وذلک لأن المشی علی ثلاث خلاف الأصل فی مشیة البعیر أو الفحل فهو فساد فی مشیته، وهذا المعنی تطور إلی أنَّ أصبح الفساد فی الأمر (عتباً) وحاصل ما قدّمناه فی هذا

ص:18

الموجز أنَّ (العتاب) یشیر إلی أمرٍ فیه صعوبةٌ من کلامٍ أو غیره(1) ، ویعبّر العرب بوساطة العتب، عن الوقوع فی مشقة وتکرّر أو صار فیه عیب وغلظ (2).

والعتوب هی الأرض الغلیظة، وفی رسالة التوابع والزوابع لابن شهید الأندلسی یُطلق علی تابع امرئ القیس (الجنیّ) اسم: عتیبة بن نوفل أخذاً من معنی (العتوب) وهو الصعوبة فی شق طریق الشعر إذْ إنّه أول من بکی واستبکی ووقف علی الدیار(3).

ونلحظ أنَّ مفردة العتاب ومشتقاتها وردت بکثرة بالصیغ المسبوقة بالأداة (لا) أو (ما) مما یدل علی أنَّ العتاب فیه نوع من التلطف والامتنان فی أحیان کثیرة.

محل عنایتهم واستقصائهم لدلالاتها الثابتة والمتحرکة، وقد خصصوا لهذا البحث کتباً، وعقدوا له فصولاً طوالاً.

ومفردة العتاب واحدة من تلک المفردات التی نالت عنایة الباحثین القُدماء وحظیت باهتمامهم الملحوظ. وکشف صاحب کتاب (الألفاظ الکتابیة) مرادفات هذه اللفظة فی مقدمة مفرداته فی باب (اللوم) إذ قال(1): (یقال لُمتُ الرّجُلَ لَوْماً وعذلته عذلاً، وأنبتهُ تأنیباً، وقرّعتُهُ تقریعاً، وفندتُهُ تفنیداً، ووبختُهُ توبیخاً، وبکیتهُ تبکیتاً، ولحیتُهُ لحیاً وعنفتُهُ تعنیفاً، فهی المعاتبة ثم اللوم ثم التقریع ثم التوبیخ ثم التأنیب).

بید أنَّ هذه المفردات، وان کانت تنتمی إلی فعل دلالی واحد هو (اللوم)، لکن کل مرادف له معنیً دقیق یومیء إلی دلالة تبتعد قلیلاً أو کثیراً عن مرکز الدلالة (اللوم) فاللوم غیر العذل، وکلاهما غیر التأنیب، وهذه تختلف فی دلالتها عن مدلول لفظة (التقریع)، و (التفنید)، و (التوبیخ)، و (التبکیت)، و (اللّحو) واعلاها کلها (التعنیف).

نستطیع أنَّ نرصد (التصاعدیة فی المعانی - إن جاز التعبیر - لأن ثمّة فوارق دلالیةً لابد من تحریها واعتمارها أساساً فی تحلیل النصوص ودراستها والحکم علیها ورصد ارتباطها بمفردة (اللوم).

ومِنْ ثَمَّ (العتاب) موضوع البحث. ولا تعدم الدراسة أنَّ تجد فی لغة العرب مفردات تنتمی إلی الحقل الدلالی نفسه (اللوم) وتومیء إلی معانیه التصاعدیة علی سبیل المثال کمفردة (الذمو) وهو اللوم والحض معاً، والذم وهو اللوم فی الإساءة.

ص:20

ونلحظ فرقاً فی دلالات الألفاظ المنتمیة إلی حقل (العتاب) فالتثریب شبیه بالتقریع والتوبیخ ولا یکون إلاّ علی فعل قبیح ومعناه الأصلی الأخذ علی الذنب.

أما اللوم فیکون علی الفعل الحسن(1) ، والعتاب غلظة یجدها الإنسان فی نفسه علی غیره کما قال الراغب الأصفهانی (ت 502 ه -)(2).

ومن الجدیر بالذکر أنَّ لکل دلالة من تلک المفردات المرادفة للفظة (اللوم) معنیً دقیقاً تنفرد به فی المعجمات العربیة أو فی سیاق الکلام النثری أو الشعری کما یجب الانتباه إلی أنّ هذه الکلمات کلّها لا تعبّر بدقة عن معنی (العتاب) فالعتاب نوع من أنواع اللوم.

ویبقی للتأویل دوره الرئیس فی إدارة هذا المعنی أو سواه من معانی ألفاظ المفردات اللغویة فی کثیر من الأحیان، مثلما یأخذ السیاق دورهُ فی التنوع الدلالی لکن التأویل فی - حد نفسه - تابع من السیاق والسیاق هو الذی یوجه المعنی ویدفع به إلی جهات معینة یکشف عنها المؤول فی إطار قدراته الخاصة ومؤهلاته.

ولذا یورد عبد الرحمن بن عیسی الهمذانی هذه المفردات فی تدرج تصاعدی یبدأ باللوم وینتهی بالتأنیب فیقول:

(قرضتهُ بعض القرض، وعذمته بعض العذم واستبطأته، ویقال استذم الرجل واستلام والأم إذا فعل فعلاً یلام علیه فهو، ملیم، ولا زلت أتجرع فیک الملائم والملاوم واللوائم أیضاً.

ص:21

ویقال: لام فلان غیر ملیم، وذم غیر ذمیم، وأنحی فلان علی فلان باللائمة وأحال علیه بالتعنیف، وتقول لمتُه وقبحّت فعله وقبلت رأیه، وذممتُ إلیه رأیه وفی الأمثال (ربّ لائم ملیم ورب ملوم لا ذنب له)(1).

رقیق(1) والتثریب هو اللوم وقد جاء فی الذکر الحکیم:(لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ) (یوسف/ 92).

ویقول أبو هلال العسکری: (إنَّ التثریب شبیه بالتقریع، والتوبیخ: تقول: وبّخه وقرّعه وثربه بما کان منه، واللوم قد یکون لما یفعله الإنسان فی الحال.

ولا یقال لذلک تقریع وتثریب وتوبیخ، واللوم یکون علی الفعل الحسن، ولا یکون التثریب إلا علی قبیح، والتفنید تعجیز الرأی: یُقال فنّده إذا عجز رأیه وضعه)(2). والاسم الفند وأصل الکلمة اللفظ ومنه للقطعة من الجبل فِنْد، ویجوز أنَّ یقال: التثریب الاستقصاء فی اللوم والتعنیف(3) وأصله من الثرب وهو شحم الجوف(4) لأنّ البلوغ إلیه هو البلوغ إلی الموضع الأقصی من البدن.

ولقد أفاد أهل اللغة وأصحاب البلاغة والفصاحة من استعمالات الآیات القرآنیة کثیراً من الأسرار البلاغیة التی لا تحصی. وما یهمنا منها فی هذه الدراسة هو (الاستفهام) إذ له الأثر فی فهم سیاق الآیات وتوجیه الصیاغة الأدبیة والتمثیل الفنی فیها، فلذا نجد أنَّ معانی العتاب تنجلی فی الاستفهام وهو باب واسع من أبواب الإنشاء ومنها:

ص:25

وإمعان لأنّ هذا القول لم یقع منه علیه السلام تنزیهاً لله عما لا یلیق من شریک وغیره(1).

حالهم بحال قوم جنی علیهم، فهم عاتبون علی الجانی غیر راضین عنه)(1).

هذا ما أفاده الزمخشری من دلالة اللفظة علی العتاب إذ إنّه أرجع الأصل فیها إلیه.

(2) قوله تعالی:(ذلِکُمْ بِأَنَّکُمُ اتَّخَذْتُمْ آیاتِ اللّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْکُمُ الْحَیاةُ الدُّنْیا فَالْیَوْمَ لا یُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ) (الجاثیة / 35).

استفید منها لفظ العتاب الصریح کما یراها الطبرسی رحمه الله (ت 548 ه -) قال: (أی لا یطلب منهم العتبی أو الاعتذار لأنّ التکلیف قد زال وقیل معناه لا یقبل منهم العتبی(2).

وجاء بمعنی الرضا کما فی الکشاف (ولا یطلب منهم أنَّ یعتبوا ربهم أی یرضوه)(3).

(3) قوله تعالی:(وَ یَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً ثُمَّ لا یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ) (النحل / 84).

یُرجع القرطبی (ت 671 ه -) أصل الکلمة إلی العتب (وأصل الکلمة من العتب وهی الموجدة، یقال عتبت علیه، یعتب إذا وجد علیه، فإذا فاوضه ما عتب علیه فیه فقیل عاتبه، فإذا رجع إلی حسرتک فقد أعتب، والاسم العُتبی وهو

ص:29

رجوع المعتدی علیه إلی ما یرضی العاتب..)(1).

- ب - وردت لفظة العتاب کذلک فی معنیین فی سورة واحدة وهی فصّلت وهما (یستعتبوا) و (المعتبین).

قال تعالی:(فَإِنْ یَصْبِرُوا فَالنّارُ مَثْویً لَهُمْ وَ إِنْ یَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِینَ) (فصلت/ 4).

قال فی المجمعَ مستفیداً من دلالة الآیة علی العتابِ: (والاستعتاب طلب العتبی وهی الرضا وهو الاسترضاء والأعتاب الإرضاء وأصل العتاب عند العرب استصلاح الجلد بإعادته فی الدباغ ثم استعیر فیما یستعطف به بعضه بعضاً لإعادته ما کان من الألفة)(2) ثم یری فی بیان الآیة (أی وأن یلبوا العتبی وسألوا الله تعالی أنَّ یرضی عنهم فلیس لهم طریق إلا الإعتاب فما هم ممن یقبل عذرهم ویرضی عنهم)(3).

(2) [تَلُومُونِی] قال تعالی:(وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی) (إبراهیم / 22).

(3) [وَلُومُوا] قال تعالی:(وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ) (إبراهیم / 22).

(4) [مَلُوماً] وردت فی سورة الإسراء فی آیتین هما:

* قال تعالی:(وَ لا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِکَ وَ لا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء/ 29).

* قال تعالی:(ذلِکَ مِمّا أَوْحی إِلَیْکَ رَبُّکَ مِنَ الْحِکْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقی فِی جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) (الإسراء / 29).

(5) [لَوْمَةَ] قال تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکافِرِینَ یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة/ 54).

(6) [لاَئِمٍ] قال تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکافِرِینَ یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة/ 54).

(7) [مَلُومِینَ]: وردت فی موضعین هما:

قال تعالی:(إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ)

ص:31

(المؤمنون/ 6).

قال تعالی:(إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ) (المعارج / 30).

(8) [مُلِیمٌ] وردت فی سورتین هما:

قال تعالی:(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِیمٌ) (الصافات/ 142).

قال تعالی:(فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِی الْیَمِّ وَ هُوَ مُلِیمٌ) (الذاریات/ 40).

(9) [مَلُومٍ] قال تعالی:(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) (الذاریات/ 54).

(10) [یَتَلاَوَمُونَ] قال تعالی:(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلی بَعْضٍ یَتَلاوَمُونَ) (القلم/ 30).

هذا ما ورد فی القرآن الکریم من ألفاظ اللوم، ونرید أنَّ نعرض الآن أُنموذجاً ل - (اللوم) فی السیاق القرآنی وسعة إفادة أهل الاختصاص منه فی توجیه الآیات المبارکات.

قال تعالی فی سورة الصافات:(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِیمٌ) (الصافات/ 142).

قال الطبرسی رحمه الله فی وجه الإفادة من هذه الآیة ومعرفة سیاقها اللغوی والتفسیری و ((ألام الرجل فهو ملیم آت بما یلام علیه))(1) هذا فی بیان اللغة أما فی وجه الإفادة منها فیقول:[ (وَ هُوَ مُلِیمٌ) أی مستحق اللّوم لوم العتاب لا لوم العقاب](2) فکأنّهُ صنف اللوم وأمال للعتاب تنزیهاً للنبی یونس علیه السلام، لأنّ

ص:32

المفردة دلالتها فیما لا ینبغی فعله.

وما یراه الصافی فی ذکره لکلمة (ملیم) أنّهُ داخل فی الملامة أو آتٍ بما یلام علیه وملیم نفسه أحد أمرین:

الأول: أنّه علیه السلام حدّث نفسه بما آل إلیه الأمر فی هذه السفینة.

الثانی: أنّه لوم أهل السفینة له باعتبار أنّهم استنتجوا وجود عاص بینهم(1) ، أو بهم مشؤوم کما یراه الصنعانی(2) ، وأما الرضی رحمه الله فیری فی شرحه علی الشافیة وهو (الام) عقبی صار صاحب قوم یلومونه فإذا صار له لوّام قبل هو ملیم(3).

وقال فی الکشاف: (داخل فی الملامة) یقال: (رب لائم ملیم، أی یلوم غیره وهو أحق باللوم، وقریء (مَلیم) بفتح المیم، من لیم فهو ملیم، کما جاء، مشیب فی مشوب...)(4).

والقرطبی یری أنَّهُ (أتی بما یلام علیه، فأما الملوم فهو الذی یلام، استحق ذلک أم لم یستحق، وقیل الملیم المعیب، یقال: لام الرجل إذا عمل شیئاً فصار معیباً بذلک العمل)(5).

ص:33

والقرع لأنّه إذا ذهب کان ذلک غایة الهزل والعجف الذی لیس بعده فلضرب مثلاً للتقریع الذی یمزق الإعراض ویذهب بماء الوجه))(1).

وهکذا فإنّ الدراسة وقفت علی استعمال القرآن لمفردة العتاب بصیغها المختلفة التی أدت أو قاربت معنی العتاب بوضوح مکتفٍ بها عن غیرها لقصر البحث بما یمکن معه انتفاء الإخلال فی أصله مما یمکن أنَّ یطیله ویخرجه عن إطاره الموضوعی المحدد.

وردت فی لحن ذلک ونحن نتناول هذا الجانب دون الجانب الإیجابی الآخر، وهذه الأنواع هی:

قوله تعالی:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (التحریم / 1).

قال الشریف الرضی رحمه الله: (لیس فی ظاهر الآیة ما یقتضی عتاباً وکیف یعاتبه الله علی ما لیس بذنب)(1).

ولمزید من التأکید أنّ العتاب هنا کان من باب العتاب الخفیف قال: (فلو کان للآیة ظاهر یقتضی العتاب لجاز أنَّ یصرفه إلی غیره لقیام الدلالة علی أنَّهُ لا یفعل شیئاً من الذنوب)(2) وهذا أدل دلیل علی أنّ العفو کان لطیفاً ذا ودٍّ.

وکذلک مما یؤید کون المرتضی رحمه الله یری أنّ هذا عتاباً لطیفاً ولیس فیه نوع لوم له صلی الله علیه وآله وسلم قولهُ: (إذا تُؤمل فی الحقیقة لم یکن فیه عتاب وإنما هو توجع له صلی الله علیه وآله وسلم)(3).

قال الزمخشری فی بیان شدّة العتاب (داخل فی الملامة)(1).

وقال القرطبی: (أتی بما یلام علیه)(2).

وقال تعالی:(ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری حَتّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا وَ اللّهُ یُرِیدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ * لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ) (الأنفال / 67-68).

ذهب بعض المفسرین والمتکلمین(3) إلی أنّ الآیة قد نطقت بعتاب شدید یحمل إنذاراً وتوعّداً إلی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وجهود الصحابة الذین أشاروا علیه صلی الله علیه وآله وسلم بأخذ الفداء من أسری بدر، مؤثرین عرض الدنیا الفانیة علی نصرة الدین لذلک یَرَون أنّ العتاب صیغ بصورة غیر مباشرة إذ إنّها لم توجه الخطاب له مباشرة، بل استهل الآیة بکون منفی تَلَتْهُ عبارة تستعظم أنَّ یصدر ذلک عن نبی من الأنبیاء.

وعلل الزمخشری هذه الشدة فی الخطاب لأنّهم ارتکبوا خطأ فی الفداء وترک القتل قال: (وکان هذا خطأ فی الاجتهاد)(4).

ومما یؤکد أنّ العتاب فی الآیة هو من باب العتاب الشدید قول القرطبی: (فالعتاب والتوبیخ إنما کان متوجهاً بسبب من أشار علی النَّبی صلی الله علیه وآله

ص:38

وسلم بأخذ الفدیة)(1).

قوله تعالی:(عَبَسَ وَ تَوَلّی * أَنْ جاءَهُ الْأَعْمی) (عبس / 1-2).

هذه من الآیات التی ذکر فیها الخطاب الذی یحمل عتاباً شدیداً للذی اعرض عن الأعمی (ابن أم مکتوم) وَتَلَهی عنه وأعرض وتصدی لغیره، بعضهم حملها علی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم والبعض الآخرس حملها علی رجل من بنی أمیة وسیأتی بیان ذلک مفصلاً.

وبغض النظر عمّن نزلت به أنّها تشیر إلی عتاب شدید صدر من الله تعالی ضدّ من أعرض وعبس(2).

ص:39

للاستنکار والتوبیخ(1).

وفی معرض عتاب إبراهیم علیه السلام لقومه نورد الآیة المبارکة من قوله تعالی:(أُفٍّ لَکُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ) (الأنبیاء / 67).

قال الطوسی [أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن (ت 460)] فی بیان نوع العتاب فی هذهِ الآیة (أُفٍّ لَکُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ) (الأنبیاء/ 67) إنّ إبراهیم علیه السلام: (قال مستهجناً مستقذراً لها(2).

وأما الطبرسی رحمه الله فیری أنّ الاستهجانات والاستقذار من النَّبی إبراهیم علیه السلام لقومه کان نتیجةً لسوء صفاتهم إذ یقول: (ثم قال إبراهیم علیه السلام مهجناً لأفعالهم مستقذراً لها (أُفٍّ لَکُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ) (الأنبیاء/ 67) ثم یقول: قال الزجاج وهذا فیه عتاب شدید اللهجة...)(3).

ویقول فی المیزان إنّ هذا (توبیخ لهم)(4).

وقال الشیرازی فی الأمثل: (وانهال بسیاط التقریع علی روحهم التی فقدت الإحساس)(5).

ص:41

وخصوصاً عند قوله تعالی:(یا قَوْمِ أَ لَمْ یَعِدْکُمْ رَبُّکُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَیْکُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ یَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّکُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِی) (طه / 86).

قال الرازی فخر الدین (ت 606 ه -) فی بیان ذلک: (ثم أنّ الله تعالی حکی عن موسی علیه السلام أنَّهُ عاتبهم بعد رجوعه إلیهم)(1).

تَتُوبا إِلَی اللّهِ) (التحریم/ 4) وکذا قوله تعالی:(وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ) (التحریم/ 4) أی حفصة وعائشة(1).

وقال الزمخشری فی بیان عتاب النَّبی لحفصة حین أفشت سره إلی عائشة إذ روی أنَّهُ قال لحفصة: ألم أقل لکِ أکتمی علیّ؟ قالت: والذی بعثک بالحق ما ملکت نفسی(2).

ومن عتابه لعائشة فی سورة التحریم وغیرها ما أکده الطبری فی خروج عائشة لقتال علی علیه السلام إذ أنّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم عاتبها ذات یوم وأنبأها بلزوم حصیرها وترک مغادرة البیت إذ قال جل ذکره:(وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ) (الأحزاب/ 33).

وفی هذا ما ذکره ابن سعد بسنده عن عطاء بن یسار، أنّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم قال لأزواجه: (أیتکن اتقت الله ولم تأتِ بفاحشة مبینة ولزمت ظهر حصیرها فهی زوجتی فی الآخرة)(3).

وقالت أم سلمة لعائشة، حذّر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نساءه من الانحراف عن الصراط، فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلک، فضرب علی ظهرک فقال: إیاک أنَّ تکونیها یا حمیراء)(4).

ص:45

وشاهد ثانٍ علی العتاب النبوی هو ما ذکره المفسرون ومؤرخو الأحداث من أنّ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم قد غضب لما أبداه بعض صحابته من عصیان فی حملة أسامة بن زید عندما أمرّه النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم علیهم، وامتعض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتمردهم ولما صدر منهم من قیل وقال فی زعامة أسامة، فخرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد عصّب رأسه بعصابة وصعد المنبر وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

((أیها الناس مقالة بلغتنی عن بعضکم فی تأمیری أسامة بن زید؟ والله أنَّ طعنتم فی إمارة أسامة لقد طعنتم فی إمارة أبیه من قبل، وأیم الله لقد کان للإمارة خلیقاً وإنّ ابنه من بعده لخلیق للامارة))(1).

وفی کلامه (صلوات الله علیه) عتاب واضح لأولئک الطاعنین فی الإمارة(2).

کما عاتب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الولید بن عتبه بن أبی

ص:46

معیط، ثم سمّاه الله بعد ذلک بالفاسق ونزل فیه الذکر الحکیم:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) (الحجرات / 6)(1).

کما عاتب النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم انس بن مالک فی حدیث الطائر المشوی(2).

ولذا روی عنه صلی الله علیه وآله وسلم أنّه یقول: (عاتبوا أرقّاءکم علی قدر عقولهم)(3).

واستعار النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم لفظ (تثریب) الواردة فی سورة یوسف علیه السلام فی حدیثه عن قریش بعد فتح مکة عند وقوفه علی باب الکعبة مخاطباً لهم.

قال صلی الله علیه وآله وسلم: (یا معشر قریش ماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟ قالوا: نظن خیراً، أخ کریم وابن أخٍ کریم، قال: فإنّی أقول لکم کما قال أخی یوسف لا تثریب علیکم الیوم یغفر الله لکم وهو أرحم الراحمین أذهبوا فأنتم الطلقاء)(4).

ص:47

فدّلَ استعمال النَّبی علیه السلام لمفردة التثریب أنها من صیغ العتاب ومرادفاته التی وردت فی لسان النَّبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم کما هی فی القرآن فی سورة یوسف علیه السلام.

وَأَخْرَجَتْهُمْ مَنْ حِضْنِهَا، فَکَانَتْ کَیَوْم مَضَی وَشَهْر انْقَضَی، وَصَارَ جَدِیدُهَا رَثّاً، وَسَمِینُهَا غَثّاً، فِی مَوْقِف ضَنْکِ الْمَقَامِ، وَأُمُور مُشْتَبِهَة عِظَام، ونَار شَدِید کَلَبُهَا، عَال لَجَبُهَا، سَاطع لَهَبُهَا، مُتَغَیِّظ زَفِیرُهَا، مُتَأَجِّج سَعِیرهَا، بَعِید خُمُودُهَا، ذَاک وُقُودُهَا، مَخُوف وعِیدُهَا، عُم قَرارُهَا، مُظْلِمَة أَقْطَارُهَا، حَامِیَة قُدُورُهَا، فَظِیعَة أُمُورُهَا، (وَ سِیقَ الَّذِینَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَی الْجَنَّةِ زُمَراً)، قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ، وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ، وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ، وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدّارُ، وَرَضُوا المَثْوَی وَالْقَرَارَ، الَّذِینَ کَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا زَاکِیةً، وَأَعْیُنُهُمْ بَاکِیَةً، وَکَانَ لَیْلُهُمْ فِی دُنْیَاهُمْ نَهَاراً، تَخَشُّعاً وَاسْتِغفَاراً، وَکَانَ نَهَارُهُمْ لَیْلاً، تَوَحُشّاً وَانَقِطَاعاً، فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ [مَآباً، وَالْجَزَاءَ] ثَوَاباً، (وَ کانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها) فی مُلْک دَائِم، وَنَعِیم قَائِم](1).

ومن کتاب له علیه السلام کَتَبهُ بین ربیعة والیمن: [هذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَیْهِ أَهْل الْیَمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِیهَا، وَرَبِیعَةُ حَاضِرُهَا وَبَادِیهَا: أَنَّهُمْ عَلَی کِتَابِ اللهِ یَدْعُونَ إِلَیْهِ، وَیَأْمُرُونَ بِهِ، وَیُجِیبُونَ مَنْ دَعَا إِلَیْهِ وَأَمَرَ بِهِ، لاَ یَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً، وَلاَ یَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً، وَأَنَّهُمْ یَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَی مَنْ خَالَفَ ذَلِکَ وَتَرَکَهُ، أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْض، دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، لاَیَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِب، وَلاَ لِغَضَبِ غَاضِب، وَلاَ لاِسْتِذْلاَلِ قَوْم قَوْماً، وَلاَ لِمَسَبَّة قَوْم قَوْماً! عَلَی ذلِکَ شَاهِدُهُمْ وَغَائِبُهُمْ، [وَسَفِیهُهُمْ وَعَالِمُهُمْ] وَحَلِیمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَیْهِمْ بِذلِکَ عَهْدَ اللهِ وَمِیثَاقَهُ، إنَّ عَهْدَ اللهِ کَانَ مسْؤولاً](2).

ومما جاء فی حکمه علیه السلام قوله: [مَا کُلُّ مَفْتُون یُعَاتَبُ](3).

ص:49

وقال علیه السلام: [عَاتِبْ أَخَاکَ بِالاِْحْسَانِ إِلَیْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالاِْنْعَامِ عَلَیْه](1).

وهنا اقتران ظاهر جلّی بین العتاب والأخوّة فهو الحبل الواصل بین الأخوّة والمرجع لما بینهما من ودٍ إن تقطعت بهم الضغائن والأحقاد.

ویرد الإمام علیه السلام فی کلام له فی نهج البلاغة علی من عتب علیه فی تسویته بالعطاء، إذْ قال: [أَتَأْمُرُونِّی أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِیمَنْ وُلِّیتُ عَلَیْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمیرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِی السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ کَانَ الْمَالُ لی لَسَوَّیْتُ بَیْنَهُمْ، فَکَیْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ].

ثمّ قال علیه السلام: [أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِی غَیْرِ حَقِّهَ تَبْذِیرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ یَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِی الدُّنْیَا وَیَضَعُهُ فِی الآخِرَةِ، وَیُکْرِمُهُ فِی النَّاسِ وَیُهِینُهُ عِنْدَ اللهِ، وَلَمْ یَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِی غَیْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَیْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اللهُ شُکْرَهُمْ وَکَانَ لِغَیْرِهِ وَدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ یَوْماً فَاحْتَاجَ إِلی مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِیل وَأَلاَْمُ خَدِین](2).

فنری الإمام علیه السلام هنا یوّبخهم ویقرّعهم، وما ذنبه إلا أنَّهُ کان فی سیرته کرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی قومه فقد ساوی فی العطاء بین المسلمین سواء کان المال من الغنائم أو الزکاة أو غیرها، أما من جاء بعده ممن أدعی الخلافة فکانوا یتفاضلون، خلاف سنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتی جاء الإمام علی علیه السلام فأخذ فی التسویة وذلک ممّا لم یرق للذین اعتادوا الفضل فی أزمنة غیره علیه السلام، فعاتبوه بما فعل.

ص:50

ومن کلام له علیه السلام موبخاً لطلحة والزبیر بعد بیعته بالخلافة وقد عتبا علیه فی ترک مشورتهما والاستعانة فی الأمور بهما فقال علیه السلام:

[لَقَدْ نَقَمْتُما یَسِیراً، وَأَرْجَأْتُمَا کَثِیراً، أَلاَ تُخْبِرَانِی، أَیُّ شَیْ ء لَکُمَا فِیهِ حَقٌّ دَفَعْتُکُمَا عَنْهُ؟ وأَیُّ قَسْم اسْتَأْثَرْتُ عَلَیْکُمَا بِهِ؟ أَمْ أَیُّ حَقّ رَفَعَهُ إِلَیَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِینَ ضَعُفْتُ عَنْهُ، أَمْ جَهِلْتُهُ، أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ؟!](1).

ومن ذلک عتابه علیه السلام لسلیمان بن صردرحمه الله عندما دخل علیه أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب علیهما السلام فعاتبه وعذّله وقال له: [أتیت وتربّصت وراوغت، وقد کنت من أوثق الناس فی نفسی وأسرعهم - فیما أظن - إلی نصرتی، فما قعد بک عن أهل بیت نبیک، وما زهدک فی نصرتهم؟].

فقال: یا أمیر المؤمنین، لا تردنَّ الأمور علی أعقابها، ولا تؤنبنی بما مضی منی، واستبق موّدتی یخلص لک نصحی وقد بقیت أمور تعرف فیها ولیک من عدوّک، فسکت عنه علیه السلام، وجلس سلیمان قلیلاً، ثم نهض فخرج إلی الحسن بن علی علیه السلام وهو قاعد فی المسجد، فقال: ألا أعجبک من أمیر المؤمنین ما لقیت منه من التبکیت والتوبیخ؟

فقال له الحسن علیه السلام: «إنما یعاتب من ترجی مودته ونصیحته»(2).

وهذا قلیل من سیل المعاتبات التی وردت فیه علیه السلام فی الأحداث المؤلمة التی مرّت به علیه السلام(3).

ص:51

ص:52

ص:54

یکون متصفاً بصفات تفوق صفات سائر البشر لأنَّ من یتلقی أخبار السماء ویرویها للناس لابد أنَّ یکون أمیناً صادقاً مأمون الجانب مبتعداً عن الزلل لا یفعل المعصیة - آیة معصیة - وهذا ما أطلق علیه علماء الکلام اسم (العصمة).

إذن الرسول والنبی کلاهما یعمل بوحی من الله تبارک وتعالی والله هو المسدد لأفعاله وأقواله.

فالعلاقة بینهما کما یقول المناطقة علاقة عموم وخصوص مطلق کما بینَّا آنفاً.

ویمکن أنَّ یستدل له بما: ((روی عن أبی ذر رحمه الله عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قلت له: کم النبیون؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم: مئة ألف وأربعة وعشرون ألف نبی، قلت کم المرسلون منهم؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم: ثلاثمئة وثلاثة عشر))(1).

وهو واضح الدلالة علی المقصود لکون المرسلین جزءاً من الأنبیاء علیهم السلام.

وقد یطول بنا المقام لو تعرضنا لعصمة الأنبیاء ووقفنا علی حدودها وسعتها من خلال القرآن الکریم، فقد کتب الباحثون القدماء والمحدثون کتباً وعقدوا فصولاً بینوا ماهیة العصمة، وهل العصمة تسلب الاختیار أم هی إرادیة بوساطتها یکون المعصوم مُنزّهاً عن الخطأ قادراً علی السلوک السویّ فی کل حین وقد أفردنا ما یفصل ذلک.

ص:56

بید أنّ الفخر الرازی فی تفسیره یوردُ وجوهاً لمن قدح فی عصمة الأنبیاء فیما یتعلق بخطابه سبحانه لنبیه نوح علیه السلام:(إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ) (هود / 46) ومن هذه الوجوه المتضمنة قدحاً بالعصمة قوله: ((یدلّ علی أنّ ذلک السؤال کان محض الجهل وهذا یدل غایة التقریع ونهایة الزجر))(1).

نری فی الآیة الکریمة عتاباً واضحاً إذ إنّ نوحاً علیه السلام کان فی نزاع نفسی بین وجوب طاعة الله تبارک وتعالی فی هذا الحدث الکونی - حدث الطوفان - وهو حدث فاصلٌ بین فئتین فئة ناجیة ترکب سفینة النجاة التی أعدت بأمر الله وتکلیف نوح علیه السلام، وبین فئة هالکة غرقاً لا محالة، أقول بین وجوب هذه الطاعة وبین تفکیره بمصیر ابنه الذی رفض الرکوب فی السفینة، تنازعت العاطفة مع قوة العقیدة فکانت العقیدة هی الغالبة ولم یکن هناک خروج عن الطاعة فی مناشدة نوح علیه السلام لربه أنَّ یستثنی ابنه من القرار الحاکم العادل فکان أنَّ جاء ردّه سبحانه وتعالی عتاباً لنوح علیه السلام (إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ) (هود: 46).

فقد جاء فی صحیح البخاری وغیره ((حدثنا الحمیری حدثنا سفیان حدثنا عمر بن دینار قال أخبرنی سعید بن جبیر قال: قلتُ لابن عباس إنّ نوف البکالی یزعمُ أنّ موسی صاحب الخضر لیس هو موسی صاحب بنی إسرائیل فقال ابن عباس کذب عدو الله حدّثنی أبی بن کعب أنّه سَمِع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: أنّ موسی قام خطیباً فی بنی إسرائیل فَسُئِل أیّ الناس أعلم؟

فقال أنا: فعتب الله علیه إذ لم یردّ العلم إلیه، فأوحی الله إلیه أنّ لی عبداً بمجمع البحرین هو أعلم منک...))(1).

وقال الزمخشری ما نصُّه ((وروی أنّه لما ظهر موسی علی مصر مع بنی إسرائیل واستقروا بها بعد هلاک القبط، أمره الله أنَّ یذکر قومه النعمة، فقام فیهم خطیباً فذکر نعمة الله وقال: إنّه اصطفی نبیّکم وکلمة فقالوا له قد علمنا هذا، فأیّ الناس أعلم؟ قال أنا: فَعَتَب الله علیه حین لم یردّ العلم إلی الله، فأوحی إلیه: (بل أعلم منک عبد لی عند مجمع البحرین وهو الخضر)(2).

أما القرطبی فقد علّق علی الآیة الکریمة (وَ إِذْ قالَ مُوسی لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّی أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباً) (الکهف/ 60) موعزاً سبب العتاب الموجه من الباری عزّ وجلّ إلی نبیه موسی علیه السلام قائلاً: ((وسبب هذه القصة ما

ص:59

أخرجه الصحیحان عن أبی بن کعب أنّه سمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول: ((إنّ موسی علیه السلام قام خطیباً فی بنی إسرائیل فَسُئِلَ أیّ الناس أعلم؟ فقال أنا، فعتب الله علیه إذ لم یردّ العلم إلیه فأوحی الله إلیه: أنّ لی عبداً بمجمع البحرین هو أعلم منک...))(1).

وعن ((أحمد بن مُحَمَّد بن عیسی، عن ابن محبوب، عن عبد العزیز العبدی، عن عبد الله بن أبی یعفور قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إنّی أخالط الناس فیکثر عجبی من أقوام لا یتولونکم ویتولون فلانا وفلانا، لهم أمانة و صدق ووفاء، وأقوام یتولونکم، لیس لهم تلک الأمانة ولا الوفاء والصدق؟ قال: فاستوی أبو عبد الله علیه السلام جالساً فأقبل علی کالغضبان، ثم قال: لا دین لمن دان الله بولایة إمام جائر لیس من الله، ولا عتب علی من دان بولایة إمام عادل من الله، قلت: لا دین لأولئک ولا عتب علی هؤلاء؟! قال: نعم لا دین لأولئک ولا عتب علی هؤلاء، ثم قال، ألا تسمع لقول الله عزّ وجلّ:(اللّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ) (البقرة/ 257) یعنی [من] ظلمات الذنوب إلی نور التوبة والمغفرة لولایتهم کل إمام عادل من الله وقال:(وَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ) (البقرة/ 257) إنّما عنی بهذا أنّهم کانوا علی نور الإسلام فلما أنَّ تولوا کل إمام جائر لیس من الله عزّ وجلّ خرجوا بولایتهم [إیّاه] من نور الإسلام إلی ظلمات الکفر، فأوجب الله لهم النار من الکفار، ف -(أُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ) (البقرة/ 257)))(2).

ص:60

وعند التدبّر فی دلالة الآیة الکریمة المارة الذکر من سورة الکهف فیما یخصّ نبی الله موسی علیه السلام والعبد العالم الخضر علیه السلام باعتماد علی ما ورد من روایات عن أهل البیت علیهم السلام نجد للأمر تحلیلاً آخر.

فعن ((إسحق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام إنّ مَثل علی بن أبی طالب علیه السلام ومثلنا من بعده فی هذه الأُمة کمثل موسی النبیّ والعالم علیهما السلام إذ لقیَه واستنطقه وسأله الصحبة فکان من أمرهما ما أقتصه الله لنبیه فی کتابه، إلی أنَّ یقول علیه السلام: ((وکان موسی علیه السلام یظنّ أنّ جمیع الأشیاء التی یحتاج إلیها فی نبوته وجمیع العلم قد کُتب له فی الألواح...)) ثم یقول علیه السلام بعد أسطر: ((ولا والله ما حسد موسی العالم وموسی نبی الله یُوحی إلیه إذ لقیه واستنطقه وعرّفه بالعلم بل أقرّ له لعلمه ولم یحسده...))(1).

قد یبدو هذا تعارضاً فی توجیه مغزی الآیة وسبب نزولها لکنّنا ننطلق من أنّ العتابَ قد یقع ضمن إطار الحکمة الموجه لسائر الناس من ذوی الأبصار کی یعلموا علم الیقین أنّ الله یرید لهم الخیر فلا یشغلهم إلاّ السعی لیوم الحساب؛ ولذا أظهر لهم النبیّ المنزّه موسی علیه السلام وهو فی اختبار إلهی وأصبح تلمیذاً عند

ص:61

من هو ذو علم (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً) (الکهف / 65) وإلاّ فالأنبیاء معصومون منزهّون لا ینطقون عن هویً بل عن وحیّ یُوحی.

موافق لأمره تعالی ویکون العتاب متوجهاً إلی المستأذنین الذین علم الله من قبلهم النفاق))(1).

وعن الإمام الرضا علیه السلام فی جواب سؤال المأمون عن عصمة الأنبیاء قال علیه السلام: ((هذا مما نزل بإیاک أعنی واسمعی یا جارة خاطب الله عزّ وجلّ بذلک نبیّه وأراد به أمته))(2).

ویعرض ابن کثیر هذه الآیة المبارکة قائلاً: ((قال ابن أبی حاتم حدّثنا أبی حدّثنا أبو حصین بن سلیمان الرازی حدّثنا سفیان بن عُینیة عن مسعر عن عون قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ نداء بالعفو قبل المعاتبة فقال جلّ ذکرُه:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة / 43) ثم یقول: وقال قتادة: عاتبه کما تسمعون))(3).

وابن کثیر رصد هذه الإضاءة التی أضفت علی قراءته تحلیلاً رائعاً ذلک أنّ العفو قد تحقق له قبل التساؤل مما یرجحّ أنّ هذا التساؤل قد یرشّح إلی معنیً ینأی عن الغلظة والتقریع واللوم بدلالة الاستهلال بالصفح فی قوله عزّ وجلّ:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة / 43) وربما علی سبیل إبعاد القلق وما یحتمل الاهتمام به.

والفخر الرازی هو الآخر یری أنّ العتاب هنا من باب التلطف بالمخاطبة

ص:63

ویرجح أنّه من باب ترک الأفضل وتارک الأفضل قد یقرّع وقد یوبّخ(1).

أما الشوکانی فیری أنّ ((الاستفهام فی (عَفَا اللّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) للإنکار من الله تعالی علی رسولهِ صلی الله علیه وآله وسلم حین وقع منه الإذن لما استأذنه فی القعود قبل أنَّ یتبیّن من هو صادق منهم فی عذره الذی أبداه ومن هو کاذب فیه))(2).

وفی تفسیر القاسمی تنبیهات بصدد هذه الآیة الکریمة، یقول فی التنبیه الأول (اعلم أنّ فی تصدیره تعالی خاتمة الخطاب ببشارة العفو من دون ما یوهم العتاب من مراعاة جانبه (علیه الصلاة والسلام)، وتعهد بحسن المفاوضة، ولطف المراجعة ما لا یخفی علی أولی الألباب)(3).

ثم یدفع شبهة من یری أنّ العفو نتیجة الذنب ویری (أی القاسمی) أنّ الواجب تفسیره بما یناسب المقام، ثم یستدل علی ذلک بقول الشهاب والسخاوند والقاضی عیاض إذ یقول: (قال الشهاب: وهو یستهل إذ لا ذنب، کما تقول لمن تُعظّمه: عفا الله عنک ما صنعت فی أمری، وقال السخاوند مشیراً إلی هذا التعظیم، ولولا تصدیر العفو فی الخطاب لما قام بصولة العتاب، وقال القاضی عیاض فی (الشفاء) وأما قوله تعالی:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة / 43) فأمر لم یتقدم للنبی صلی الله علیه وآله وسلم فیه من الله نهی فیعدّ معصیة

ص:64

ولا عدّة الله علیه معصیة بل لم تعده أهل العلم معاتبة)(1).

وأمّا البیضاوی (ت 791 ه -) فیری أنّ العفو فی الآیة المبارکة کنایة عن (خطئةِ)(2) صلی الله علیه وآله وسلم فی الأذن، فإنّ العفو من روادفه، ثم یری أنّ الله سبحانه وتعالی قد عاتب نبیّه بقوله تعالی:(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43)(3).

ویذکر القرطبی أقوالاً متعددة فی تأویل هذه الآیة وتوجیهها کقول المهداوی والنحاس ثم یذکر العتاب الوارد فی الآیة المبارکة قائلاً: وهذا عتاب تلطُّف(4).

وینضمُّ القُشیری إلی المفسرین القائلین إنّ ذلک (من باب ترک الأولی) إذ یری أنّ فی قوله تعالی:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة/ 43) لم یکن منه صلی الله علیه وآله وسلم فرق حدّ أو تعاطی محظور وإنما یُنتظر منه إلاّ یترک ما هو أولی وهو ترک الأذن لهم لکنّه صلی الله علیه وآله وسلم ترک ما هو أولی وأفضل لیس إلاّ؛ فلذا قدّم الله سبحانه ذکر العفو علی الخطاب المتضمن صورة العتاب بقوله:(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43)(5).

وقال الإحسائی: ((وهذا من لطیف المعاتبة، وإن کان العتاب علی فعلٍ جائز مثل المراد فی هذه الآیة، ولیس العفو متعلّق إلاّ التلطف فی العتاب، لأنّه یقول له: لو إذنت لهم فی القعود لیتبیّن لک الصادقون من الکاذبین یعنی لعَرفَ مَن

ص:65

یقعد عن عذرٍ وعن غیر عذر، وهذا إرشادٌ له لأجل استبصاره بهم ولیس ذنباً، وإنمّا قصاره أنَّ یکون ترک الأولی))(1).

ومن کبار المفسرین المحدثین السید الطباطبائی رحمه الله یری أنّ: ((مناسبات هذا المقام إلقاء العتاب علی المخاطَب وتوبیخه والإنکار علیه کأنّه هو الذی ستر علیه فضائح أعمالهم وسوء سریرتهم وهو نوع من العنایة الکلامیة یتبیّن به ظهور الأمر ووضوحه لإیراد أزید من ذلک فهو من أقسام البیان علی طریق (إیاک أعنی واسمعی یا جارة) فالمراد بالکلام إظهار هذه الدعوی لا الکشف عن تقصیر النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم)(2).

ومن الآیات الأخری التی یری المفسرون أنّ فیها عتاباً للنبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم قوله تعالی:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (التحریم / 1).

فقد ورد فی سبب نزول هذه الآیة روایات عدّة أشار کلّ منها إلی انّ النبیّ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله وسلم قد حرّم علی نفسه شیئاً عاتبه الله علیه.

لکن الشریف المرتضی رحمه الله لا یری أنّ هنالک ما یشیر إلی عتاب النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم؛ إذ ((لیس فی ظاهر الآیة ما یقتضی عتاباً وکیف یعاتبه الله تعالی علی ما لیس بذنب، لأنّ تحریم الرجل بعض نسائه لسبب أو لغیر سبب لیس بقبیح ولا داخل فی جملة الذنوب، وأکثر ما فیه أنّه مُباح، ولا یمتنع أنَّ یکون قوله تعالی:(لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ) (التحریم/ 1)

ص:66

خرج مخرج التوجّع من إذ یتحمّل المشقة فی إرضاء زوجاته وإن کان ما فعل قبیحاً...)(1).

ونطالع نصّاً للشیخ الطوسی رحمه الله بصدد الآیة هو قوله: ((هذا خطاب من الله تعالی للنبی صلی الله علیه وآله وسلم علی تحریم ما أباحه الله له وأحلّه له، ولا یدلّ علی أنّه وقعت منه معصیة لأنّ العتاب قد یکون علی أمر قد یکون الأولی خلافه))(2).

أما الشیخ الطبرسی رحمه الله فهو لا یری فی الآیة دلالة علی وقوع ذنب منه صلی الله علیه وآله وسلم صغیراً کان أو کبیراً(3).

والفخر الرازی لا یری فی الآیة عتاباً عن ذنب بل هو عتاب تشریف قائلاً: ((وامّا العتاب فإن النهی عن فعل ذلک لاتقاء مرضاة النساء أو لیکون زجراً لهنّ عن مطالبته مثل ذلک))(4).

والمفسر الصاوی یستدل علی العتاب فی الآیة الکریمة قائلاً: ((هذا الخطاب مشعرٌ بأنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم علی غایة من التفخیم والتعظیم إذ عاتبه علی إتعاب نفسه والتضییق علیها من أجل مرضاة أزواجه))(5).

ص:67

ومن مفسری الصوفیة القشیری الذی ذکر قائلاً: ((جاء فی القصة أنّ النبیّ حرّم علی نفسه ماریة القبطیة وفی الحال حلف إلاّ یطأها شهراً مراعاةً لقلب حفصة إذ رأت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم معها فی یومها، وقیل حرّم علی نفسه شرب العسل لمّا قالت له زوجاته إنّا نَشَمُّ منک ریح المغافیر والمغافیر صمغٌ فی البادیة کریة الرائحة، ویُقال بقلة کریهة الرائحة فعاتبه اللهُ علی ذلک))(1).

ومن المفسرین المتأخرین الطباطبائی رحمه الله أعرب قائلاً: ((خطاب مشوب بعتاب لتحریمه صلی الله علیه وآله وسلم علی نفسه بعض ما أحلّ الله له، ولم یصرّح تعالی به، ولم یتبیّن أنّه ما هو؟ وماذا کان؟)(2).

غیر أنّ (تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ) (التحریم/ 1) یراها قرین علی أنّ العتاب بالحقیقة متوجّه إلیهُنّ))(3).

وجاء فی بعض الروایات ما یدعم هذا التوجیه إذ أفادت بعض تلک الروایات أنّ شائعات انتشرت مفادها أنّ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم عازم علی طلاق زوجاته، وهو أمرٌ أدی إلی کثرة المخاوف فیما بینهنّ وندمن بعدها علی فعلهن(4).

ص:68

ویتوجه مُحَمَّد جواد مغنیة رحمه الله إلی فهم العتاب فی الآیة فیقول: ((ومهما قیل عن سبب النزول فإنّ ظاهر الآیات یدلّ بوضوح علی أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم کان قد إمتنع عن شیء أحلّه الله بسبب من الأسباب وأنه قد أسرّ بذلک إلی بعض أزواجه وأمرها بالکتمان، ولکنها خالفت أو فشت فعاتب الله سبحانه نبیّه الکریم علی إشاعة عمّا أحله الله له، وهدّد أزواجه اللائی لا یستمعن إلی أمره))(1).

وغنّی عن البیان أنّ الآیة الکریمة بما حوته من بلاغة وعمق جعلت المفسرین یذهبون مذاهب شتی فی توجیه المعنی علی أنّنا نری أنَّ ظاهر الآیة أفاد عتاباً دقیقاً عبّرت عنه صیغة الاستفهام الصریحة (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ) (التحریم/ 1) ویبقی المغزی من هذا التوجیه الإلهی الوطید الصلة بأزواج النَّبی سرّاً من أسرار التعبیر القرآنی وهدفاً دینیاً عمیقاً.

ومن الآیات قوله تعالی:(عَبَسَ وَ تَوَلّی * أَنْ جاءَهُ الْأَعْمی...) (عبس/ 1-2) التی نجد الشریف المرتضی رحمه الله یوجه معنی الآیة المبارکة قائلاً: (أمّا ظاهر الآیة فغیر دال علی توجیهها إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ولا فیها ما یدلّ علی أنّهُ خطاب له، بل هی خبرٌ محضٌ لم یُصرّح بالمخبر عنه، وفیها ما یدلّ علی التأمل علی أنّ المعنیّ بها غیر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم)(2).

وثمة اتجاه جمع فی فهم السورة بین العتاب وعدمه ومن أصحاب هذا الاتجاه

ص:69

الطبرسی رحمه الله الذی یری أنّها نازلةٌ فی النبیّ الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم إذ نقل ما ورد فی سبب نزولها واجتماع صنادید قریش عنده صلی الله علیه وآله وسلم وانشغاله بدعوتهم إلی الإسلام... فجاء ابن أم مکتوم وهو لا یعلم تشاغلَهُ بالقوم فکره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قطعه لکلامه صلی الله علیه وآله وسلم فعبس وأقبل علی القوم یکلمهم فنزلت الآیة، وینص الطبرسی رحمه الله مؤیداً نوعیة الخطاب بأنّه عتبٌ بحقه صلی الله علیه وآله وسلم عندما یورد قول الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم عندما یزوره ابن أم مکتوم ((أهلاً بمن عاتبنی فیه ربی))(1).

بید أنّ الطبرسی رحمه الله نفسه فی مؤلف آخر یستبعد إسناد العبوس إلی النبیّ الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم ذلک أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم مُنزّه من البارئ جلّ وعلا(2).

ونری أنّ تأمل الطبرسی رحمه الله للآیة ومحاولة استمکان سرّ التعبیر فیها دفعه إلی إعادة قراءتها معتمداً السیاق وما صرّحت به آیات أخری فی تنزیه النَّبی مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم کقوله سبحانه:(وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی...) (النجم/ 3-4).

علی أنّ بعض المفسرین من ذهب إلی أنّ الآیة المبارکة نزلت فی عثمان بن

ص:70

عفان لأنّه، عبس وأعرض عن الأعمی...(1).

کما نری أنّ هذا لیس ببعید إذ إنّه بشر وغیر معصوم مع إمکان صدور الخطأ والذنب منه وقد ضبط أصحاب الحدیث والسیر ما خالف به إلی أبعد من ذلک فی أثناء خلافته وقبلها.

ومنهم من رأی أنّها فی رجل من بنی أُمیّة(2).

وخلاصة الأمر - ومهما اختلف المفسرون فی سبب نزول الآیة وتوجیه المراد منها -: إنّ الآیة تشیر إلی عتاب قد حصل ولیمَ علیه فاعله.

ومما یمکن بحثه فی موضوع عتاب الله لنبیه الکریم مُحَمَّد بن عبد الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله سبحانه وتعالی:(وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أَنْعَمَ اللّهُ عَلَیْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِ أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللّهُ مُبْدِیهِ وَ تَخْشَی النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ...) (الأحزاب / 37).

اختلف المفسرون فی مضمون هذه الآیة المبارکة من جهة الخطاب الموجّه إلی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم أکان یحمل عتاباً أم لا؟

ولنبدأ بتفسیر الإمامیة فی توجیه المعنی الذی تضمنه النصّ الکریم فالشریف

ص:71

المرتضی رحمه الله بعد أنَّ یأتی علی تفصیلات القصّة المتعلقة بالآیة المبارکة یقول: ((أکثر ما فی الآیة إذا سلّمنا نهایة الإقتراح فیها أنَّ یکون صلی الله علیه وآله وسلم فَعَلَ ما غیره أولی منه ولیس أنَّ یکون صلی الله علیه وآله وسلم بترک الأولی عاصیاً))(1).

ویستفید الطبرسی رحمه الله من تأویل روایة الإمام علی بن الحسین علیه السلام بأنّها مطابقة لتلاوة الآیة (علی أنّه إنماً عوتب علی قوله (أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ) (الأحزاب/ 37) مع علمه بأنّها ستکون زوجه..(2)

ومن متأخری الإمامیة السید الطباطبائی رحمه الله یعلّق علی النصّ الکریم قائلاً: ((فظاهر العتاب الذی یلوح منه قوله تعالی:(وَ تَخْشَی النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب/ 37) مسوق لانتصاره وتأیید أمره قبال طعن الطاعنین ومن فی قلوبهم مرض))(3) ثم یورد دلیلاً قرآنیاً علی أنّه انتصار وتأیید فی صورة العتاب قوله تعالی:(فَلَمّا قَضی زَیْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناکَها) (الأحزاب/ 37)(4).

وعدا الإمامیة نجد الزمخشری فی توجیه معنی الآیة المبارکة راداً علی من یری أنَّهُ لِمَ لم یعاتب الله نبیه مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله وسلم علی ذلک ویأمره بقمع الشهوة وکفّ النفس عن التنازع إلی زینب وتتبعها، فهو یری: أنّه کم من شیء یتحفظ منه الإنسان ویستحی من إطلاع الناس علیه وهو فی نفسه مباح وحلال

ص:72

مطلق ولا مقال فیه ولا عیب عند الله، ویری هذا المفسرّ أنّ المصلحة العامة هی الغالبة فی هذه القصة، فبالأحری أنَّ یعاتب الله رسوله حین کتم الأمر وبالغ فی کتمه بقوله:(أَمْسِکْ عَلَیْکَ زَوْجَکَ) (الأحزاب/ 37)(1).

ونری فیما ذکره الزمخشری ملاحظة صائبة تستحق الوقوف عندها ذلک لأنّها منطلقة من قراءة عمیقة للنص القرآنی وإحاطة بأسباب نزول الآیة وفهم ملابسات الحادث وارتباطها بالظروف المحیطة بشخصیة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم.

والبیضاوی یقول: ((لیست المعاتبة علی الإخفاء وحدَه فإنّه حَسَن بل علی إخفاء مقالة الناس وإظهار ما ینافی إضماره فإنّ الأولی فی أمثال ذلک أنَّ یصمتَ أو یفوّض الأمر إلی ربه))(2).

وینحو مُحَمَّد الغزالی - وهو من المتأخرین - فی توجیه معنی الآیة، منحیً آخر إذ لا یری أنَّ هناک عتاباً ویعجب ممن ذهب إلی أنّ فی الآیة عتاباً إذ یقولُ: إنّهم زعموا أنّ الآیة جاء فیها عتابٌ له علی هذه العاطفة المکبوتة ونحن نعجب أشدّ العجب لهذا الخبط الهائل ثم أنّه یذهب إلی نوع من القیاس إذ یری أنّ الله لا یعاتب أحداً علی کتمان حب طائش فکیف والنبی قد أتعب نفسه وتأذی لأجل ذلک(3).

ولنأخذ فی ختام هذا المبحث الآیة السابعة والستین من سورة الأنفال لنقع علی ما لعلّه یفهم منه العتاب مستندین إلی آراء المفسرین کلّ بحسب اتجاهه، قال

ص:73

سبحانه وتعالی:(ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری حَتّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا وَ اللّهُ یُرِیدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ) (الانفال/ 67).

الاتجاه الأول: یذهب إلی أنّ العتابَ فی الآیة الکریمة متوجه إلی النبیّ مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم ومن القائلین بهذا التفسیر الواحدی إذ یری أنّ الآیة الکریمة نزلت عتاباً لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ أنکر الله عزّ وجلّ علی نبیّه ذلک(1).

وکذلک یذکر البغوی فی تفسیره لعتاب الله لنبیه فی سورة الأنفال استطراداً فی معرض تفسیره لسورة التوبة إذ یقول: ((قال عمر بن میمون: اثنان فعلهما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، إذنه للمنافقین وأخذه الفدیة من أساری بدر، فعاتبه الله))(2).

الاتجاه الثانی: یری أصحابه أنّها نزلت عتاباً لأصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ومنهم القرطبی الذی یری أنّها نزلت یوم بدر عتاباً من الله عزّ وجلّ لأصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(3).

أما الزمخشری فیذکر أنَّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بکی حزناً علی أصحابه لأخذهم الفداء یوم بدر(4).

ص:74

والاتجاه الثالث: یمثله القائلون أنّ فی الآیة الکریمة شمولاً لعتاب النَّبی الکریم صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه ومن أولئک أبو السعود الذی یراها شاملةً لعتابها النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وأصحابه إذ إنّ المفسّر توصّل إلی ذلک بدلالة قوله تعالی:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا) (الأنفال/ 67) فقال: (استئناف مسبوق للعتاب أی تریدون حطامها یأخذکم الفداء...)(1).

ویذهب الرازی إلی ترجیح أنّ العتاب هنا لترک الأولی، والأولی فی ذلک الوقت الإثخان وترک الفداء قطعاً للنزاع ولولا أنّ ذلک من باب الأولی لِما فوّض النبیّ ذلک لأصحابه(2).

ثم یری أنّ الخطاب فی قوله:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا) (الأنفال/ 67) خطاب جمع یصرف ذلک إلی القوم الذین رغبوا فی المال(3).

بیدَ أنّ مفسراً آخر لا ینتمی إلی الاتجاهات الثلاثة هو الشریف المرتضی رحمه الله ینفی أنَّ یکون من الآیة عتاب للنبی صلی الله علیه وآله وسلم ذلک لأنّه من القائلین بالعصمة المطلقة فهو یقول فی هذا الصدد: ((لیس فی الآیة ما یدلّ علی أنّه صلی الله علیه وآله وسلم عوتِب فی شأن الأسری بل لو قیل إنّ الظاهر یقتضی توجیه الآیة إلی غیره لکان أولی فلذا یری أنّ المعاتب سواه))(4).

ویوجه الطبرسی رحمه الله الخطاب العتابی فی قوله تعالی:(تُرِیدُونَ عَرَضَ

ص:75

الدُّنْیا) (الأنفال/ 67) إلی غیره من المؤمنین الذین رغبوا فی أخذ الفداء من الأسری(1).

للمفسرین فی هذه الآیة أقوال وتوجیهات شتی فمن قائلٍ إنّ فی الآیة عتاباً بیّناً علی ما ارتکبه آدم علیه السلام من مخالفة وعصیان، ومن أبرز أولئک المفسرین الطبرسی رحمه الله الذی قال: ((قالا: أی آدم وحواء علیهما السلام لما عاتبهما الله سبحانه ووبخهما علی ارتکاب النهی عنه))(1).

والفخر الرازی یری أنّ آدم علیه السلام قد أخطأ فی الاجتهاد لاشتباه الأمر علیه فهو یقول: ((فآدم علیه السلام اشتبه علیه الأمر... إلاّ أنّ المجتهد إذا أخطأ فی الفروع لم یکن صاحب کبیرة))(2).

ویذهب الزمخشری إلی تأکید ورود العتاب فی الآیة: ((عتاب من الله تعالی وتوبیخ وتنبیه علی الخطأ إذ لم یتحذرا مما حذرّهما من عداوة إبلیس..))(3).

ونحن نوافق هؤلاء المفسرین فیما ذهبوا إلیه إذ رأوا أنّ فی خطابه جلّ أمره - عتاباً لنبیه علی ما حصل منه ومن حواء، ومما یعزز هذا التوجیه لدلالة الآیة ما یتضمنه النصّ الکریم من استفهام قویّ علی مخالفة النهی إذ طلب سبحانه من آدم وحواء ترک التقرب من الشجرة المحددة (... وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونا مِنَ الظّالِمِینَ) (البقرة/ 35).

فأین هذا النهی من مخالفته ومباشرة الأکل والتناول من الشجرة نفسها؟ ولم یصمد أیّ تأویل أمام مدلول هذا الترکیب القرآنی ولاسیّما أنّ البارئ عزّ وجلّ قد

ص:77

عاقب نبیه وزوجه بهذه العقوبة الکونیة إذ أمرهما بأن یهبطا من الجنة وقد قال عزّ من قائل فی سیاق هذا الحدیث الکونی:(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ) (الأعراف/ 24).

یتبیّن من دلالة الآیات أنّ عتاباً وتوبیخاً یهیمن علی معانی الآیات من خلال الحوار الجلیل الذی یسیّر مغزی النص القرآنی وهو حوارٌ قائم علی التعلیل وتکثیف الأدلة المفضیة إلی تخطئة مخالفة أمر الله سبحانه وتعالی بالابتعاد عن الشجرة المنوّه بها فی کلامه جلّ وعلا.

وثمة جملة من المفسرین القدماء والمحدثین من حاولوا أنَّ ینأوا بالآیة عن معانی العتاب واللوم والتوبیخ ومن أولئک المفسرین الطوسی رحمه الله إذ قال فی مسألة عتاب الله سبحانه وتعالی لنبیه آدم علیه السلام إنّ ((آدم لم یرتکب قبیحاً وإنّ ما توجه إلیه بصورة النهیّ کان المراد به ضرباً من الکراهیة من دون الحصر، وإنمّا قلنا ذلک لقیام الدلالة علی عصمتها من سائر القبائح صغائرها وکبائرها فعلی هذا لا یحتاج إلی أنَّ نقول إنّها تأویل فأخطأ علی ما قاله البلخی والرمانی أو وقع منهما سهواً علی ما قاله الجبائی))(1).

وواضح الوضوح کلّه أنّ الذی دفع الطبرسی رحمه الله إلی هذا التأویل هو أنّه قید نفسه بالقول بالعصمة المطلقة للأنبیاء وتنزیههم من سائر القبائح صغیرها وکبیرها کما ذکر هو متغافلاً عن سیاق الآیات المتممة لهذا الحدث والمشیرة إلی ما أفضت إلیه مخالفة آدم علیه السلام وزوجه لما نهی الله عنه من هبوطهما المعنوی والمکنی (إلی الأرض).

ومهما یکن من شیء فإنّ تلک الآیات لابّد ألاّ تدرس بمعزل عن سیاق

ص:78

السور القرآنیة ووحدتها البنائیة وألاّ یعوّل المفسّر علی ظاهر النصّ القرآنی إذ إنّ لکثیر من آیات الله وجوهاً یعزّ تبیّنها علی المفسر والنّقید فکیف بمن لا یتأمل الدلالة العمیقة للنص القرآنی.

ومفسرو الإمامیة ومنهم الطوسی رحمه الله الذی رأی أنّ یونس علیه السلام أتی بما یُلام علیه فقال فی تفسیر الآیة الکریمة مادة الذکر المعنی: (أتی بما یلام علیه وإن وقع مُکفراً عنه من قال بتجویز الصغائر علی الأنبیاء علیهم السلام وعندنا قد یلام علی ترک الذنب)(1) ، والظاهر منه هنا هو ترک الأولی.

وقال الطبرسی رحمه الله مفسراً هذه الآیة المبارکة (مستحق للوم، لوم العتاب لا لوم العقاب علی خروجه من بنی قومه من غیر أمر ربّه، وعندنا أنّ ذلک إنمّا وقع منه ترکاً للمندوب وقد یلام الإنسان علی ذلک المندوب)(2).

وذهب المفسران الکبیران الطوسی والطبرسی رحمهما الله إلی أنّ الظلم الذی نسبه یونس علیه السلام لنفسه کان من باب ترک الأولی فهو مستحق للوم من قبل الله عزّ وجلّ)(3).

وإلی ما یشبه هذا التوجیه ذهب مفسرون آخرون منهم الفیض الکاشانی(4) العاملی(5) وعبد الله شبر(6) والطباطبائی(7) وأمثالهم وواضحٌ جلی أنّ مفسری الإمامیة یذهبون إلی أنّ ما ورد فی الآیة الکریمة هو الملاطفة فی العتاب بترک الأولی.

أما المفسرون من غیر الإمامیة فقد وقفوا عند هذه الآیة دارسین سبب نزولها

ص:80

وناظرین فی المعنی اللغوی لکلمة (مُلیم) وارتباطها فی سیاق النصّ القرآنی، فالطبری یری قوله تعالی:(وَ هُوَ مُلِیمٌ) (الصافات/ 142) أی مکتسب اللوم، یقال ألام الرجل إذا أتی بما یُلام علیه من الأمر وإن لم یُلَم کما یقال أصبحت محمقاً معطشاً أی عندک الحمق والعطش ثم یستشهد بعد ذلک بقول لبید(1).

مفهماً عذلتَ ولمت غیر ملیم وهداک قبل الیوم غیر حکیم

فأمّا اللوم فهو الذی یلام باللسان ویُعذل بالقول.. ثم بعد هذا یقول: حدّثنی یونس قال: أخبرنا وهب قال: قال أبی زید فی قوله وهو ملیم مذنب، قال والملیم المذنب(2).

والزمخشری قال معلقاً علی الآیة ((داخل فی الملامة، یقال ربّ لائم ملیم، أی یلوم غیره وهو أحق منه باللوم ثم یقول: وقرئ (ملیم) بفتح المیم، من لیم فهو ملیم(3).

أمّا القرطبی فیری أنّه علیه السلام ((أتی بما یلام علیه فأما الملوم فهو الذی یُلام استحق ذلک أو لم یستحق ثم یقول: ((وقیل: الملیم المعیب، یُقال: لام الرجل إذا عمل شیئاً مضاراً معیباً بذلک العمل(4).

والبیضاوی یقول مفسراً الآیة الکریمة: داخل فی الملامة أو آتٍ بما یلام

ص:81

علیها أو ملیم نفسه(1) والبغوی یری الرأی نفسه(2).

ولا حاجة بنا إلی أنَّ نقول أنّ الآیة المبارکة حملت لوماً، ولاسیمّا أنّ أغلب المفسرین ذهبوا إلی هذا التوجیه، وأنّ المعنی اللغوی للمفردة (ملیم) یشیر إلی وقوع اللوم إثرَ ما ارتکبه النبیّ مما یُلام بسببه، کما أنّ لهذه المفردة استعمالات شتی فی لغة العرب نثرهم وشعرهم تدل إلی هذا المعنی، والقرآن نزل بلغة العرب، وعلی أسالیبهم من القول فلا ینبغی أنَّ نتأول ما کان واضحاً من دلالته وتسنده أسباب النزول ومقتضی الحال.

دلالة هذا النص علی العتاب الغلیظ بدلالة قوله سبحانه:(... فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راکِعاً وَ أَنابَ) (ص/ 24) إذ إنّ هذا النوع من الاستغفار المشفوع بالرکوع والإنابة یأتی فی سیاق القصة القرآنیة المتضمنة لما حدث للنبی داود علیه السلام من سلوک یُوجب هذا الاستغفار والندم وقد حصل هذا العتاب الشدید فی إطار تنبیه النَّبی داود علیه السلام من خلال إرسال الملکین (المتخاصمین) علی سبیل التجربة وکشف سریرته علیه السلام ومستوی ردوده علی المتخاصمین وهل باستطاعته أنَّ یهدیهما إلی سواء الصراط الذی حاد عنه هو؟ فما أروع هذه الصورة من العتاب المعبّر!

ولذا نکتفی بما ورد فی تحلیل بعض المفسرین القداماء وهم یعرضون لنا مضامین هذا الحوار القرآنی من خلال قصة النَّبی داود علیه السلام مع (المتخاصمین) فالشریف المرتضی رحمه الله یذکر أنّ من ذهب إلی أنّ النَّبی داود علیه السلام قد عاتبه البارئ عزّ وجلّ فلأمور عدة أمور منها:

((إنّ أوریا بن حنّا لمّا أخرجه فی بعض ثغوره قُتل، وکان داود علیه السلام عالماً بجمال زوجته فمالت نفسه إلی نکاحها بعده، فقلّ غمّه بقتله لمیل طبعه إلی نکاح زوجه، فعوتب علی ذلک بنزول الملکین من إذ حمله میل الطبع، علی أنَّ قلّ غمّه بمؤمن قُتل من أصحابه(1) ونری أنّ الطبرسی هنا ناقلٌ ولیس بمتبنٍ لأنّه یدرک أنّ الإسرائیلیات احتلت دوراً کبیراً فی إمالة الحدیث عن مساره الصحیح.

کما روی أنّ إمرأة خطبها أوریا بن حنّا لیتزوجها وبلغَ داود علیه السلام

ص:83

جمالها فخطبها أیضاً فزوجها أهلها بداود وقدّموه علی أوریا وغیره، فعوتب علیه السلام علی الحرص علی الدنیا...(1).

ویورد المفسر الطبرسی رحمه الله وجوهاً منشؤها الاختلاف ذکر فیها سبب العتاب المتوجه منه سبحانه وتعالی إلی عبده ونبیه داود علیه السلام(2).

ویری الزمخشری: أنّ هذه القصّة کانت بالغة التوبیخ بحقّ النبیّ داود علیه السلام(3).

ص:84

(مَنْ أَنْبَأَکَ) قال صلی الله علیه وآله وسلم: (نبأنی وخبرّنی العلیم الخبیر وهو الله العظیم)(1).

ویتأکد العتاب لزوجاته صلی الله علیه وآله وسلم عند قوله تعالی:(إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ) (التحریم/ 4) إذ یروی أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم قال لحفصة، ألم أقل لک اکتمی علیّ؟

قالت: والذی بعثک بالحق ما ملکت نفسی(2).

وهنا یقول الزمخشری معلقاً بقوله: قلت لیس الغرض بیان من المذاع إلیه ومن المعرّف، وإنما هو ذکر جنایة حفصة فی وجوب الأنباء به وإفشائه من قبلها، ثم یری أنّ العتاب جلیٌّ عند قوله:(إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ) (التحریم/ 4) إذ أنَّهُ خطاب لحفصه وعائشة علی طریق الالتفات لیکون أبلغ فی معاتبتهما(3).

ومما یشیر إلی أنّ المعنی بالعتاب هما زوجتا الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم حفصه وعائشة ما رواه البخاری بسنده عن عبد الله بن أبی ثور عن عبد الله بن عباس إذ قال: لم أزل حریصاً أنَّ أسأل عمر عن المرأتین من أزواج النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم اللتین قال الله لهما (إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما) (التحریم/ 4) فحججت معه، فعدل، وعدلت معه بالاداوة فتبرّز حتی جاء فسکبت علی یدیه من الإداوة فتوضأ فقلت: یا أمیر المؤمنین مَنِ المرأتان من

ص:86

أزواج النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم اللتان قال لهما:(إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ) (التحریم/ 4) فقال: وأعجباً لک یا ابن عباس: عائشة وحفصة(1).

واختلف فی سبب نزول هذه الآیة المؤدیّة إلی هذا العتاب الشدید فمن قائل إنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا صلّی الغداة یدخل علی أزواجه إمرأة إمرأة وکان قد اهدیت لحفصة بنت عمر بن الخطاب عکّة من عسل، فکانت إذا دخل علیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حبسته وسقته منها وأنّ عائشة أنکرت احتباسه عندها، فقالت لجویّریة حبشیّة عندها، إذا دخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی حفصة فادخلی علیها فانظری ماذا تصنع، فأخبرتها الخبر وشأن العسل، فغارت عائشة وأرسلت إلی صواحبها وأخبرتهن وقالت: إذا دخل علیکن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقلن إنّا نجد منک ریح المغافیر - وهو صمغ کریه الرائحة - وکان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکره ویشق علیه أنَّ یوجد منه ریح غیر طیبّة لأنّه یأتیه الملک، قال: فدخل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی سودة، فقالت: فما أردت أنَّ أقول ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم إنی فرقت ممن عائشة فقلت: یا رسول الله ما هذا الریح الذی أجد منک أکلت المغافیر؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم: ((لا ولکن حفصه سقتنی عسلاً)) ثم دخل علی أزواجه إمرأة إمرأة وهن یقلن له ذلک فدخل علی عائشة فأخذت بأنفها فقال لها: ما شأنک؟ قالت: أجد منک ریح المغافیر، أکلتها یا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم: ((لا بل سقتنی حفصة عسلاً))

ص:87

فقالت: جرست أذن نحلها العرفط، فقال صلی الله علیه وآله وسلم: ((لا والله لا أطعمه أبداً)) فحرّم علی نفسه العسل(1).

ومن هذه المؤامرة المخجلة نشأ عتاب الأزواج.

وفی روایة البخاری أنّه صلی الله علیه وآله وسلم کان یمکث عند زینب بنت جحش ویشرب عندها عسلاً، فتواصت حفصة وعائشة بشأن الرائحة(2).

وقیل إنّ من مکث عندها وشرب العسل هی ماریة القبطیة فوقعت حفصة علی ذلک فأفشته لعائشة(3).

ولأجل ذلک عوتبت زوجات النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وهذا ما یراه الزمخشری وبعض المفسرین(4).

ویصرح بعضهم بأن قوله تعالی:(فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) (التحریم/ 3) أی أعلمها وأخبرها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعض الحدیث الذی أفشته معاتباً لها، لأنّ من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات والتقصیر فی اللوم والعتاب، ثم یری أنّ الخطاب کان لحفصة وعائشة بطریق الالتفات لهما کان ابلغ فی معاتبتهما(5).

ص:88

ویری الکثیر منهم أنّ العتاب فیها کان علی السیر من خطرات القلب، وعندما یصل إلی قوله (وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ) (التحریم/ 4) یحصر العتاب الوارد هنا فی زوجتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حفصة وعائشة ثم یؤکد زیادة العتاب لهن عند قوله تعالی:(عَسی رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ) (التحریم/ 5)(1).

وموجب العتاب هو اتفاق هاتین المرأتین علی إیذائه صلی الله علیه وآله وسلم والتظاهر علیه وحق علیها التوبة والرجوع إلی الخالق(2).

وتبین مما مر أنَّ هناک نوعاً من الاتفاق بین أغلب مفسری المذاهب الإسلامیة علی أنّ العتاب والتوبیخ قد ورد صریحاً تجاه زوجات النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وخصوصاً تجاه حفصة وعائشة.

ص:89

وسلم أنَّ یفجّر لهم فی الأرض ینبوعاً لکی یصدوا به ویسلموا فنزلت هذه الآیة (أَمْ تُرِیدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَکُمْ کَما سُئِلَ مُوسی مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ یَتَبَدَّلِ الْکُفْرَ بِالْإِیمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ)1 .

فی حین یری بعض المفسرین أنّ الأداة (أم) فی الآیة المبارکة جاءت بمعنی (بل) أی بل تریدون، وهذا توبیخ وتقریع(1) وقد قال آخرون بذلک معتمدین علی نصّ ورد عن الإمام الرضا علیه السلام إذ قال:(أَمْ تُرِیدُونَ) (البقرة/ 108) بل تریدون یا کفّار قریش والیهود (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَکُمْ) (البقرة/ 108) ما تقترحونه من الآیات التی لا تعلمون فیها صلاحکم أو فسادکم (کَما سُئِلَ مُوسی مِنْ قَبْلُ) (البقرة/ 108) واقترح علیه لما قیل له (لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتّی نَرَی اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصّاعِقَةُ) (البقرة / 55)(2).

وقیل: إنّ ((سیاق الآیة یدلّ علی أنّ بعض المسلمین سأل النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم أموراً علی شاکلة سؤال الیهود نبیّهم موسی علیه السلام والله سبحانه وتعالی وبخّهم علی ذلک ضمن ما وبخ الیهود بما فعلوا مع موسی والنبیین من بعده(3).

وصفوة القول فی مناقشة مضمون الآیة أنّ سیاقها یشیر إلی عتابٍ من الله للمسلمین علی عملٍ لم یکن یُستحسن لهم.

ص:91

کفراً (لَنْ یَضُرُّوا اللّهَ شَیْئاً) (آل عمران / 176) وبین الفئة الثانیة الصابرة المحتسبة الشاکرة لنعمة الله الکبری وهی الهدایة لدینه الذی ارتضاه سبحانه وتعالی وهو الغنیُّ عن العالمین وکلٌّ یفتقرُ إلیه.

وغنی عن البیان أنّ مرادفات العتاب کاللوم والتهدید والتقریع واضحة من خلال سیاق الآیة والآیات المرتبطة بها بالمعنی نفسه(1).

بالأنبیاء المتقدمین وأتباعهم أسوة حسنة فکیف یلیق بکم هذا الفرار والانهزام(1).

وفی نظر بعض المفسرین تعریض بما أصاب المسلمین من إرجاف وهزیمة بقتله صلی الله علیه وآله وسلم(2).

ونطالع روایةً عن الإمام الباقر علیه السلام إذ قال: ((بیّن الله سبحانه أنَّهُ لو کان قُتل علیه الصلاة والسلام کما أرجفت بذلک یوم (أُحد) لما أوجب ذلک إمّا یضعفوا أو یهنوا کما لم یهن من کان من الأنبیاء بقتلهم والله یحبّ الصابرین فینصرهم فی العاقبة ویعظمّ قدرهم))(3).

وغنی عن البیان أنّ العتاب حاصل من سیاق الآیة المبارکة ولیس هناک ثمة خلاف عن وقوع العتاب منه سبحانه بل الخلاف یقع فی تأویل طبیعة الخطاب الکونی الموجه منه سبحانه إلی المسلمین والتعریض بالمنهزمین الذین آثروا الحیاة الدنیا علی تنفیذ أوامر الله والقتال مع الرسول جنباً إلی جنب.

والعتاب فی قوله تعالی:(أَ رَضِیتُمْ) (التوبة/ 38) فیما یراه عدد من المفسرین(1).

ویشترک العتاب والتنکیر والتوبیخ فی إرادة المسلمین والمنافقین منهم علی وجه الخصوص کما یری صاحب المیزان إذ یقول: (وفی الآیة وما قبلها عتاب شدید للمؤمنین وتهدید عنیف وهی تقبل الانطباق علی غزوة تبوک کما ورد ذلک فی أسباب النزول(2).

هذا ما علیه مفسرو الأمامیة، أما مفسرو العامة فقد تعاملوا مع الآیة المبارکة بإبراز العتاب فیها بأنّ الداعی لذلک هو طیب الثمار وعذوبة الماء والهواء واشتداد الحر وکثرة الظلال والثمار کل هذا کان مدعاة للتثاقل وسبباً للتأخر عن الجهاد مما استحقوا اللوم والعتاب للرضا بالحیاة الدنیا(3).

ویؤکد ورود العتاب بحقهم ترک البدار عن توجه الأمر إلیهم وانتهاز الرخصة فی ذلک.

وهو أمر دعا القرطبی إلی أنَّ یصرّح بأنّ العتاب کان من أجلی مصادیق هذه الآیة إذ یری أنّها نزلت عتاباً لذلک التخلّف الحاصل منهم فی غزوة تبوک(4).

ویری ابن کثیر أنّ فیها شروعاً فی عتاب من تخلّف عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی هذه الغزوة للأسباب نفسها التی أشار إلیها السمرقندی آنفاً(5)

علی أنّ الخازن یری أنّ لغة العتاب واضحة فیمن یری اشتغال الناس لتلک

ص:95

الغزوة مع النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم فعاتبهم الله بقوله:(أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ) (التوبة / 38) والمعاتبة قد تکون فی نظره لوجوب الجهاد ولو لم یکن کذلک لما عاتبهم(1).

ولذا نجد ابن هشام یجعل هذه الآیات من أسباب نزول سورة التوبة(2) ، المصاحب للندم واللوم والتقریع علی صنیع فعلهم.

وهذا ما یعضده من یری أنَّ الاستفهام للتقریع والتوبیخ علی ترک الجهاد وأنّه عتاب لمن تخلّف عن غزوة تبوک(3).

النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم فیطیلون فی مناجاته صلی الله علیه وآله وسلم بحیث یشتغل بهم ویأخذون أغلب وقته صلی الله علیه وآله وسلم مما یؤذی المؤمنین وخاصة المستضعفین منهم، إذ إنه مشعر بامتیاز الأغنیاء عنهم، فأمر سبحانه بالصدقة عند مناجاته، فلما رأوا ذلک، انتهوا عنه، فنزلت آیة الرخصة التی عاتبت الأغنیاء وعموم المؤمنین بعتاب لطیف(1).

ویستنطق بعضهم العتاب من الآیة المبارکة (أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا) (المجادلة/ 13) من جهة خوف الفقر والعیلة، إذ یکون الاستفهام هنا للتقریر، أی خفتم الفقر والعیلة لأن نقموا ذلک(2).

إذن کان هناک نوع من العتاب کما یصفه بعض المفسرین أنّه عتاب شدید لصحابة النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم والمؤمنین إذ إنّهم ترکوا مناجاته خوفاً من بذل المال بالصدقة(3).

ولکن بعضهم الآخر منهم یرجحّ أنَّ نوع العتاب هنا کان لطیفاً ورقیقاً(4).

وفی النتیجة أنَّ لهذه الآیة وقعاً کبیراً فامتنع الأکثرون عن النجوی وتصدّق

ص:97

من تصدّق(1) وهو الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیهما السلام فسأل ووعی وعلم، وانتظم المناخ العقلی بین یدی الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم فکف الفضول وتحدّدت الأسئلة(2).

ولا یبتعد الأعمش عن الثعالبی کما یری مُحَمَّد بن عمر النووی عن ما کان سبباً لعتاب المؤمنین إذ یری أنّ الصحابة لما قدموا المدینة أصابوا لیناً من العیش ورفاهیة عن بعض ما کانوا علیه فعوتبوا(1).

فی حین من حدد أنّ العتاب کان سببه ما عرض فی قلوب المؤمنین من القوة وانتفاء خشوعها لذکر الله والحق النازل من عنده تعالی وتشبیه لحالهم بحال أهل الکتاب الذین نزل علیهم الکتاب وطال علیهم الأمد فقست قلوبهم(2).

وآله وسلم، ویترکون أنفسهم فقال فیری أنَّ الاستفهام فیها للتوبیخ والمراد بالبرّ هو الإیمان بمُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم وبّخهم الله تعالی علی ما کانوا یفعلون من أمر الناس بالإیمان بمُحَمَّد وترک أنفسهم عن ذلک(1).

وکذا نری الزمخشری إذ یستشعر بأنّ التوبیخ والعتاب حال ظاهرة فی بنی إسرائیل بحیث تکون ((الهمزة)) فی ((أتأمرون)) للتقریر والتوبیخ والتعجبّ من حالهم، ویجد کذلک التوبیخ عظیماً فی قوله تعالی:(أَ فَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة/ 44) بمعنی أفلا تفطنون لقبیح ما أقدمتهم علیه حتی یصدّکم استقباحه عن ارتکابه(2).

وقال صاحب المیزان: (أخذ سبحانه فی معاتبة الیهود وذلک فی طی نیف ومئة آیة یذکر فیها نعمه التی أفاضها علیهم وکراماته التی حباهم بها، وما قابلوها من الکفر والعصیان ونقص المیثاق والتمرد والجحود...)(3).

لذا نری أنّ الآیات توجّه الخطاب المتضمن للعتاب الشدید والتوبیخ واللوم والتقریع لبنی إسرائیل نتیجة التنوّع فی الأعمال المخالفة والخارجة عن خط السماء وتعالیم ما جاء به الأنبیاء علیهم السلام وبالذات ما جاء به موسی لقومه إذ شاهد منهم ألوان الألم والأذی، فتارة توبیخ بنی إسرائیل علی ترک إلتزامهم بالمیثاق الذی أخذ علیهم الالتزام به قال تعالی:(وَ إِذْ أَخَذْنا مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ) (البقرة / 83).

ثم تولوا إلا قلیلاً منهم کما یصفهم القرآن بذلک فی الآیة المبارکة نفسها قال تعالی:(ثُمَّ تَوَلَّیْتُمْ إِلاّ قَلِیلاً مِنْکُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة / 83)، وتارة

ص:100

أخری یوّبخهم الله تعالی ویعاتبهم علی ترکهم لبعض الأحکام الشرعیة مع الالتزام ببعضها، قال تعالی:(أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْکِتابِ وَ تَکْفُرُونَ بِبَعْضٍ)1 (البقرة / 85).

قال القرطبی فی قوله تعالی:(أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ) (البقرة/ 44) (وهذا استفهام معناه التوبیخ، والمراد فی قوله: أهل التأویل علماء الیهود)(1).

قال ابن عباس: کان یهود المدینة یقول الرجل لصهره ولذی قرابته ولمن بینه وبینه رضاع من المسلمین اثبت علی الذی أنت علیه وما یأمرک به هذا الرجل - یریدون مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم - فإن أمره حق، فکانوا یأمرون الناس بذلک ولا یفعلونه، وعن ابن عباس أیضاً کان الأحبار یأمرون مقلدیهم وإتباعهم التوراة، وکانوا یخالفونها فی جحدهم صفة مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم(2).

وفی المسألة الثانیة یقول القرطبی: ((اعلم وَفقک الله تعالی أنَّ التوبیخ فی الآیة بسبب ترک فعل البر لا بسبب الأمر بالبر، ولهذا ذم الله تعالی فی کتابه قوماً کانوا یأمرون بأعمال البر ولا یعملون بها ووبخهم به توبیخاً یُتلی علی طول الدهر إلی یوم القیامة فقال:(أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ) الآیة (البقرة/ 44)))(3).

ثم استشهد بعد ذلک بقول منصور الفقیه، إذ قال(4):

إنَّ قوماً یأمرونا بالذی لا یفعلونا

ص:101

لمجانین وإنْ هم لم یکونوا یُصرعونا

ثم بیّن عظمة التوبیخ والعتاب فی قوله تعالی:(وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْکِتابَ) فیقول ((توبیخ عظیم لمن فَهِمْ))(1).

ویری الکشّاف أنّ الآیة فیها عتاب وتوبیخ علی أعلی مراتبه؛ لأنَّ فیها تعریضاً بهم، وخصوصاً عند قوله تعالی:(أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْکِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة / 44).

یقول (الهمزة للتقریع مع التوبیخ والتعجب من حالهم)(2).

القول مع اعترافه بوحدانیة الخالق، قال تعالی:(قالَ سُبْحانَکَ ما یَکُونُ لِی أَنْ أَقُولَ ما لَیْسَ لِی بِحَقٍّ إِنْ کُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِی نَفْسِی وَ لا أَعْلَمُ ما فِی نَفْسِکَ إِنَّکَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُیُوبِ) (المائدة / 116).

ومن هنا نجد الطوسی یری أنّ هذا وإنْ خرج مخرج الاستفهام فهو تقریع وتهدید لمن أدعی ذلک علیه من النصاری(1).

وما یقارب هذا المعنی من توجیه اللوم والعتاب لمن أدعی ذلک علی النَّبی عیسی بن مریم علیهما السلام إذ کان هذا محط توبیخهم وتأنیبهم وتکذیبهم(2).

وقال القرطبی (واختلف أهل التأویل فی معنی السؤال ولیس هو استفهام وإن خرج مخرج الاستفهام - علی قولین: - أحدهما: إنّه سأله عن ذلک توبیخاً لمن أدعی علیه ذلک لیکون إنکاره بعد السؤال أبلغ فی التکذیب وأشد فی التوبیخ(3).

ویفترض میر سید علی الطهرانی أنّ هناک سؤالاً مقدراً (فلو قیل: إنّ الاستفهام کیف یلیق به تعالی علی أنّه تعالی کان عالماً بأن عیسی لم یقل ذلک فکیف بهذا الخطاب؟).

فالجواب: (أنّ هذا الاستفهام توبیخ للقائل، واستفهام لتعیین القائل حتی یجازی)(4).

وفی بیان السعادة: (الخطاب لعیسی علیه السلام والمقصود تقریع أمته وتبکیتهم والمنظور التعریض بأُمّة مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم....)(5).

ص:103

ثانیهما: من یری أنّ محل الآیة فی الحیاة الأخرة إذ یقول الله یوم القیامة ((یاعیسی)) وهو استفهام یراد به التقریع لمن ادعّی ذلک علیه من النصاری واستعظام لذلک القول(1).

ومما یؤید نزول هذه الآیة فی عتاب النصاری وتوبیخهم ما ورد فی عیون أخبار الرضا علیه السلام فی أوجه دلائل الأئمة علیهم السلام والرد علی الغلاة والمفوضة قوله علیه السلام: (قال الإمام علی علیه السلام یهلک فیّ اثنان ولا ذنب لی، محبّ مفرط ومبغض مفرط وأنا أبرأ إلی الله تبارک وتعالی ممن یغلوا فینا ویرفعنا فوق حدّنا کبراءة عیسی بن مریم علیهما السلام من النصاری، قال الله تعالی:(إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَکَ ما یَکُونُ لِی أَنْ أَقُولَ ما لَیْسَ لِی بِحَقٍّ إِنْ کُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِی نَفْسِی وَ لا أَعْلَمُ ما فِی نَفْسِکَ إِنَّکَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُیُوبِ)2 (المائدة / 116).

ومن هنا نجد الإمام علی علیه السلام یوضح بصریح قوله: إنّ النصاری قد غالوا فی عیسی علیه السلام إذ تبرأ من قولهم وفعلهم الذی استحقوا علیه اللوم والتقریع.

وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ) (آل عمران / 98-99).

ویقول فی جامع البیان:

(وقد ذکر أنّ هاتین الآیتین من قوله:(یا أَهْلَ الْکِتابِ لِمَ تَکْفُرُونَ بِآیاتِ اللّهِ...) (آل عمران/ 98) والآیات بعدهما إلی قوله:(وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ) (البقرة / 105) نزلت فی رجل من الیهود حاول الإغراء بین الأوس والخزرج بعد الإسلام لیرجعوا إلی ما کانوا علیه فی جاهلیتهم من العداوة والبغضاء، فعنفّه الله بفعله ذلک وقبح له ما فعل ووبخّه علیه، ووعض أیضاً أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونهاهم عن الافتراق والاختلاف، وأمرهم بالاجتماع والائتلاف)(1).

وقیل: إنّ قوله (قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ) (آل عمران/ 98) خطاب للیهود والنصاری، والاستفهام فی قوله تعالی:(لِمَ تَکْفُرُونَ) (آل عمران/ 98) للإنکار والتوبیخ، وقوله (وَ اللّهُ شَهِیدٌ عَلی ما تَعْمَلُونَ) (آل عمران/ 98) جملة حالیة مؤکدة للتوبیخ والإنکار، وهکذا المجیء بصیغة المبالغة فی ((شهید)) یفید مزید من التشدید والتهویل، والاستفهام فی قوله:(لِمَ تَصُدُّونَ) (آل عمران/ 99) یفید فائدة الاستفهام الأول أی: التوبیخ والإنکار)(2).

ثم أنّه سبحانه وتعالی حاجج أهل الکتاب فوجه الخطاب للنبی صلی الله علیه وآله وسلم یأمره بخطاب الیهود والنصاری وقیل للیهود فقط.

فیکون (الإحتجاج علیهم بالکتاب لإقرارهم به فکأنّه قیل یا من یقر بأنّه

ص:105

من أهل کتاب الله لِمَ تفکرون بآیات الله، واللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التوبیخ، وإنما جاز التوبیخ علی لفظ الاستفهام من حیث إنّه سؤال یعجز عن إقامة العذر فکأنّه قال هاتوا العذر...)(1).

وذهب الطباطبائی إلی أنّ الآیة المبارکة (تشتمل علی الإنکار والتوبیخ للیهود فی إلقائهم الشبهات وتفتینهم المؤمنین فی دینهم، وتحذیر المؤمنین أنَّ یطیعوهم فیما یدعون إلیه فیکفروا بالدین...)(2).

ویری الشیرازی أنّ (المخاطب فی هذه الآیة هم أهل الکتاب ویقصد منهم هنا الیهود، فالله سبحانه یأمر نبیّه فی هذه الآیة یسألهم معاتباً عن علة کفرهم بآیات الله فی حین أنّ الله یعلم أعمالهم..)(3).

ونصب الشین ومعناه: أفمن یربی فی الحلیةِ، لفظه لفظ الاستفهام والمراد به التوبیخ)(1).

(وکذلک یری التوبیخ والعتاب ظاهراً فی قوله تعالی:(أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ) (الزخرف/ 19) قال (هذا استفهام فیه نفی: یعنی لم یشهدوا خلقهم علی وجه التوبیخ والتقریع)(2).

وأما الزمخشری فعندما یصل إلی قوله تعالی:(أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ) یری أنّ هذا تهکم بهم(3).

وفی الکشّاف یری أنّ (الهمزة للإنکار المستقل بالتجهیل والتعجّب من إعتراضهم وتحکمهم)(4).

وقال فی مجمع البیان عندما یقف علی بیان عتاب وتوبیخ المشرکین فی قوله تعالی:(أَمِ اتَّخَذَ مِمّا یَخْلُقُ بَناتٍ) (الزخرف/ 16) (ثم انکر سبحانه علیهم قولهم فقال ((أم)) وهذا استفهام انکار وتوبیخ ومعناه بل)(5) إلی أنَّ یقول (ثمّ وبخّهم بما افتروه فقال (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ) (الزخرف/ 18))(6).

والسیوطی یری فی قوله تعالی من سورة الزخرف (أَمْ یَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ) (الزخرف/ 80) أنَّ الاستفهام هنا توبیخی.

ص:107

وفی نهر الماد عند ذکر قوله تعالی: (أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ) (الزخرف/ 32) قال: (فیه توبیخ وتعجّب من جهلهم)(1).

وأما فی أیسر التفاسیر فإنّ (الاستفهام إنکاری یتضمن التوبیخ لهؤلاء الزاعمین اختیار من شاءوا للإصطفاء والرسالة فعلموا أنّه لاحق لهم...)(2).

الحرام، أعلمهم أنَّ الفخر فی الإیمان بالله والیوم الآخر والجهاد من سبیله(1).

وفی صفوة التفاسیر (الخطاب للمشرکین، والاستفهام للإنکار والتوبیخ والمعنی؛ أجعلتم یا معشر المشرکین سقایة الحجیج وسدانة البیت، کإیمان من آمن بالله وجاهد فی سبیله؟ وهو رد علی العباس حین قال: لئن کنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة، فلقد کنا نعمر المسجد الحرام، ونسقی الحاج، فنزلت)(2).

ویقول صاحب أیسر التفاسیر فی خطاب الآیة: إنّه جاء التوبیخ وبیان الحال إذ یقول فی معنی الآیات (ما زال السیاق فی الرد علی من رأی تفضیل عمارة المسجد الحرام بالسقایة والحجاجة والسدانة علی الإیمان والهجرة والجهاد فقال تعالی موبخاً لهم (أَ جَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِی سَبِیلِ اللّهِ لا یَسْتَوُونَ) (التوبة: 19) فی حکم الله وقضائه بحال من الأحوال، والمشرکون ظالمون کیف یکون لعمارتهم للمسجد الحرام وزن أو قیمة تذکر (وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ) (التوبة: 19) بعد هذا التوبیخ والبیان للحال أخبر تعالی أنّ (الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا)3 (التوبة: 20).

وهذه الآیة کذلک من الآیات التی وردت بلسان العتاب للمشرکین بأشدّ صورة، بحیث یری الطوسی رحمه الله أنّ النداء قد کرّر ب -(أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (القصص/ 62)؛ لأنّ النداء الأول للتقریر بالإقرار علی الیقین بالغیّ الذی کانوا علیه ودعوا إلیه، والثانی للتعجیز عن إقامة البرهان لما طولبوا به بحضرة الإشهاد مع تقریع حاصل بالاشتراک بعد تقریع(1).

ویری الطبری فی تفسیره أنّ هذا نداءً علی سبیل التقریع والتوبیخ لمن عبد مع الله إلهاً آخر، ینادیهم الرب تبارک وتعالی علی رؤوس الأشهاد فیقول:(أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)2 .

والبعض یری أنّ هذا السؤال ونظائره هو سؤال تبکیت وتأنیب وتوبیخ وهو نوع من العذاب النفسی الذی هو أشد من العذاب الجسمی(2).

فی حین یری البقاعی أنَّ الآیات جاءت بلسان الغضب والافتراء والتوبیخ(3).

وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ) (المؤمنون / 84-90).

ویستنتج الطباطبائی رحمه الله فی میزانه العتاب والتوبیخ للمشرکین من خلال تفسیر الآیات المبارکات، فیقول فی بیان الآیة المبارکة (قُلْ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ) (المؤمنون / 85) أمرٌ بعد تسجیل الجواب أنَّ یوبخهم علی الابتعاد عن تذکر الحّجة الدالة علی إمکان البعث وعند الوقوف علی قوله تعالی:(سَیَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ) (المؤمنون/ 87) فیذکر المعنی فیقول (والمعنی: سیجیبونک بأنّها لله قل لهم تبکیتاً وتوبیخاً...)(1).

فی حین یقول الشیرازی: (وهذه عبارات تنبیه شدیدة للکفّار وإنکار لما هم علیه من باطل بشکل متدرّج ومرحلة بعد أخری، وهو أسلوب متعارف ینسجم مع الأسالیب المعروفة فی التعلیم والتربیة المنطقیة...)(2).

وکذلک الحال عند بعض المفسرین إذ یرون أنّ فیها عتاباً وتوبیخاً واستهجاناً لهم وتأنیباً شدیداً(3).

أولاد مثلما لهم تارة، وأخری أنّ له زوجاً وربما کانت من الجنّ، وهذه الأوهام الخرافیة دعتهم إلی الاعتقاد أنّ لله بنات وهم الملائکة وغیرها من الأوهام، فجاء القرآن الکریم راداً علیهم (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِکَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ) (الصافات/ 150).

فلذا جاء هنا الاستفهام الإنکاری لهم مع ما یحمل من التوبیخ لهم. ففی الکشاف ذکر أنّ الهمزة فی قوله تعالی (أَصْطَفَی الْبَناتِ) (الصافات/ 153) فلذا یری الطبرسی رحمه الله أنّ الهمزة علی وجه التقریع لهم بذلک والتوبیخ(1).

وقیل (إنّها استفهام علی طریق الإنکار والاستبعاد)(2).

وعلل أنَّهُ ولما کان المراد تبکیتهم بکونهم جعلوا الأخس لله.... عدل التعبیر بالإناث وعبّر بما ینص علی المراد فقال: ((البنات))(3).

وقیل أنَّ فی الآیة (استفهام إنکاری... ثم وبّخهم فقال:(ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ)4 (الصافات/ 154).

وفی قوله تعالی:(((فَاسْتَفْتِهِمْ) (الصافات/ 11) فاسأل یا رسول الله مُحَمَّد أهل مکة، هو سؤال توبیخ))(4).

وفی الجامع لأحکام القرآن أنَّ قوله تعالی (اصطفی) (علی معنی التقریع والتوبیخ - وأما قوله تعالی:(ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ) (الصافات/ 154) - فالکلام جار علی التوبیخ...)(5).

ص:112

تعالی:(إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 30).

ولذا ینقل الطبری (ت 310 ه -) روایة عن ابن عباس یَعْرض فیها ضعف الملائکة وعجزهم ولوم الله سبحانه لهم لأمر قد غابت مصلحته عنهم لتقصیر علمهم وأحاطتهم به فیقول (وهذه الروایة عن ابن عباس تنبأ عن أنّ قول الله عزّ وجلّ (وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة / 30) خطاب من الله تعالی جلّ ثناؤه لخاص من الملائکة من دون الجمع والذین قیل لهم ذلک من الملائکة کانوا قبیلة إبلیس خاصة، الذین قاتلوا معه جن الأرض قبل خلق آدم علیه السلام وإنّ الله إنما خصهم بقیل ذلک، احتجاجاً منه لهم وابتلاءً لیعرفهم تقصیر علمهم وفضل کثیر ممن هو أضعف خلقاً منهم، ممن خلفّه علیهم وأنّ کرامته لا تنال بقوی الأبدان ولا بشدة الأجسام کما ظنه إبلیس عدو الله عزّ وجلّ)(1).

والآیة الکریمة تحوی استفهاماً ما یحمل بین طیاته عتاباً یکشف عن انتفاء میلهم إلی السجود لآدم علیه السلام.

ولذا یری الطبری أنّ (هذه کانت هفوة منهم ورجماً بالغیب وأنّ الله جلّ ثناؤه اطلعهم علی مکروه ما نطقوا به من ذلک ووقفهم علیه حتی تابوا وأنابوا إلیه مما قالوا ونطقوا بهم من رجم الغیب بالظنون وتبرؤا إلیه أنَّ یعلموا الغیب وغیره)(2).

ولذا یری بعض المفسرین أنَّ هذا عجباً من أنَّ یخلف لعمارة الأرض

ص:114

وإصلاحها من یفسد فیها أو یخلف مکان أهل الطاعة أهل المعصیة، وکشف عما خفی علیهم من الحکمة التی بهرت بتلک المفاسد والفتها واستخبار عما یرشدهم ویزیح شبههم کسؤال المتعلم معلمه عما یختلج فی صدره ولیس باعتراض علی الله تعالی ولا طعن فی بنی آدم علی وجه الغیبة)(1).

ولهذا نلاحظ أنّ میزان استحقاق الملائکة للوم والعتاب أو من دونه مبنیّ علی (أنّ مع إخبار الله للملائکة بأمر الإفساد فی الأرض فلا وجه لتوبیخهم ولومهم وأما مع ظنهم بإدراک أنَّ بنی آدم یفسدون فی الأرض فإنّ التوبیخ حینئذٍ واقع بهم علی ما ظنوا)(2).

ویبدو لنا أنّ هذا واقع حالهم لأنّهم مأمورون بالاعتراف والإذعان وترک الاعتراض والاستفسار عن علة أمرٍ صادر لهم.

والذی یبدو من الفخر الرازی أنّ الملائکة وقعوا فیما من شأنه أنَّ یجلب لهم لوم البارئ وعتابه، إذ یری أنّ خطاب الملائکة أما کان معصیة أو ترک أولی فیصل إلی أنّه علی التقدیرین أنّ المقصود حاصل(3).

ومنهم من یعلق کلما جری علی أنّه إشارة إلی تحدی یواجه الملائکة واختبار صعب یلاحظ فی نهایته عجزهم عن اجتیازه والخوض فیه والذی یترتب علیه نهایة الأمر لومهم وعتابهم(4).

ولکن الذی یبدو أنّ قول الملائکة:(سُبْحانَکَ لا عِلْمَ لَنا) (البقرة/ 32)

ص:115

یوحی بأنّه کان استفساراً لا اعتراضاً (أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ) (البقرة/ 30) وهم استحقوا اللوم والعتاب کما یری المراغی(1).

ومع أدب الملائکة مع الله سبحانه یری بعض المفسرین أنّ من باب الحق والإنصاف أنّ الصادر منهم أشبه بالتوبة ولکن لا عن ذنب مخل بالعصمة بل ناشئ من ترک أولی(2).

وربما کان عجز الملائکة عن إدراک غایة الخلاف فی الأرض هو مدعاة البارئ لعتابهمْ ولاسیما أنَّ إجابتهم (سُبْحانَکَ لا عِلْمَ لَنا) (البقرة/ 32) دلت علی نوع من الاعتذار والإقرار والعجز.

هذا ما یراه أتباع هذه المدرسة فی نطاق هذا المقطع من هذه الآیة المبارکة.

وأما مفسرو الإمامیة فقد اختلفوا قلیلاً عن غیرهم فی سعة قبول فکرة المعاتبة والتوبیخ من الله للملائکة إذ إنهم قالوا (أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ

ص:116

فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ) (البقرة/ 30) علی الرغم من إظهار ندم الملائکة علی ما قالوا، ومن ذلک ما نراه عند العیاشی إذ یروی بسند عن أبی عبد الله علیه السلام یقول: کنت مع أبی فی الحجر فیما هو قائم یصلی وأتاه رجل فجلس إلیه فلما انصرف سلم علیه ثم قال: إنی أسألک عن ثلاث أشیاء لا یعلمها إلا أنت ورجل آخر، قال ما هی؟ قال: اخبرنی أی شیء کان سبب الطواف بهذا البیت؟ فقال: إنّ الله تعالی لما أمر الملائکة أنْ تسجد لآدم علیه السلام فقالوا:(أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ) (البقرة/ 30) قال الله عزّ وجلّ:(إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 30) فغضب علیهم ثم سألوا التوبة فأمرهم أنَّ یطوفوا بالضراح وهو البیت المعمور ومکثوا یطوفون سبع سنین، ویستغفرون الله تعالی مما قالوا، ثم جعل الله البیت الحرام حذو الضراح توبة لمن أذنب من بنی آدم وطهوراً لهم، فقال: صدقت(1).

وعندما نأتی إلی الشیخ الطوسی رحمه الله نجده یری قوله تعالی:(أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ) (البقرة/ 30) قول من قال: إنّ الملائکة إنما قالت علی وجه التعجب من هذا التدبیر لا إنکاراً له ولکن علی وجه التألم والتوجع والاغتمام والاستعلام لوجه التدبر فیها(2).

وعندما یصل الطبرسی رحمه الله إلی عرض قوله تعالی:(إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة / 30) ویعرض بعض الاشکالات حول ذلک ثم یجیب علیها، یروی بعد ذلک ما قالت الملائکة مما استوجب جلب اللوم والعتاب لهم، وهذا ما یفهم من نص الروایة عن أبی عبد الله علیه السلام من (أنّ الملائکة سألت الله أنَّ یجعل الخلیفة منهم وقالوا نحن نقدسک ونطیعک ولا نعصیک کغیرنا، فقال أبو عبد الله علیه السلام فلما أجیبوا بما ذکر الله فی القرآن علموا أنّهم قد تجاوزوا ما لیس لهم، فلاذوا بالعرش استغفاراً، فأمر الله آدم علیه السلام بعد هبوطه أنَّ یبنی لهم فی

ص:117

الأرض بیتاً یلوذ به المخطئون کما لاذ بالعرش الملائکة المقربون، فقال تعالی: إنّی أعرف بالمصلحة منکم وهو معنی قوله تعالی:(إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)1 (البقرة / 30) وفی مجمع البیان ینقل وجوه عدة فی تحلیل الآیة المبارکة منها أنّ الملائکة إنما قالت ذلک علی سبیل الاستفهام وعلی وجه الاستخبار والاستعلام عن وجه المصلحة والحکمة علی وجه الإنکار ولا علی سبیل الإخبار فکأنّهم قالوا، یا الله إن کان هذا کما ظننا فعرفنا ما وجه الحکمة فیه(1).

فکأنما طلب منهم أنَّ یقفوا لیدافعوا ویبرروا عما صرحوا به وهو نتاج لوم توجه لهم وهذا اللوم هو الذی طرأ علیهم لاستعظامهم أنفسهم واستصغارهم آدم علیه السلام وتفاخرهم علیه مما أدّی ذلک إلی سجودهم له لیعلموا أنّ البارئ مستغنً عن طاعتهم(2).

الجواب علی لسان إبلیس (قالَ أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ) (الأعراف / 12) وهذا الجواب - کما نری - ینبئ عن قیاس فاسدٍ أتی به إبلیس ممّا أدّی إلی لومه وتوبیخه بل وتکفیره ((فلما أتی إبلیس بقیاسه الفاسد دلّ ذلک علی أنَّهُ إنما ذکر ذلک القیاس لیتوسل به إلی القدح فی أمر الله وتکلیفه وذلک یوجب الکفر))(1).

ویری البغوی أنّ التوبیخ واللوم إنما جاء لتکبره وامتناعه عن السجود لآدم علیه السلام فیقول فی تفسیره لقوله تعالی (أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالِینَ) (ص/ 75) أی من المتکبرین استفهام توبیخ وإنکار یقول استکبرت بنفسک حتی أبیت السجود أم کنت من اللذین یتکبرون عن السجود لکونک منهم(2).

ویری بعض المفسرین أنّ التوبیخ جاء نتیجة الاستفهام فی الآیة الکریمة(3).

ونحن نری أنّ سیاق الآیة المبارکة تجاوز العرض والعتاب والتحضیض إلی اللوم والتعنیف (ما مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالِینَ) (ص / 75) ثم یأتی جواب الاستفهام بالاستفهام فیه همزة تسویة المتلوة بأم المعادلة وکلا الطرفین (الاستکبار، العلو) یوجب اللوم والتقریع وصد

ص:119

النفس الاستکباری الذی طغی علی روح إبلیس فبانت نیته وظهر معدنه إذ بلس من طاعة الله سبحانه وتعالی.

ونجد أنَّ القاسم المشترک بین المفسرین هو تأکیدهم علی وقوع اللوم والتقریع علی إبلیس بکونه عاصیاً لما أمر به البارئ عزّ وجلّ والجدیر بالذکر أنّ النتیجة التی انتهی إلیها إبلیس لعصیانه وتکبره هی خروجه من طاعة الله مذموماً مدحوراً وهذا یؤکد ویوجب تقریعه ولومه له لعنه الله(1).

القیامة (أَ لَمْ یَأْتِکُمْ) (الزمر/ 71) فی الدنیا (رُسُلٌ) مکلفین من الله (مِنْکُمْ) من جنسکم(1).

کما یجد بعض المفسرین أنّ النداء فی الآیة المبارکة نداء واستفهام توبیخی منه سبحانه وتعالی یعاتب فیه الإنس والجن، بأنّه قد أرسل علیهم رسلاً منهم وأنبیاء یبینون لهم حرام الله وحلاله(2).

ص:122

ص:124

العصمة من خلال ارتباطها بالرسالة فی إطارها الشمولی فیقول: (العصمة تعبیر عن الانفعال الکامل بالرسالة والتجسید الکامل لکل معطیات تلک الرسالة فی النطاقات الروحیة والفکریة والعملیة)(1).

وهذه التعریفات والدلالات التی اعتمدها متکلمو الإمامیة نجد أنّها اشتقت من الأصول والآثار الواردة عن أهل البیت علیهم السلام(2).

ومن ذلک ما رواه الشیخ الصدوق رحمه الله بإسناده إلی الإمام موسی بن جعفر علیهما السلام عن أبیه عن جده عن علی بن الحسین علیهما السلام قال: الإمام منا لا یکون إلاّ معصوماً.. فقیل یا ابن رسول الله فما معنی المعصوم؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا یفترقان إلی یوم القیامة: والإمام یهدی إلی القرآن، والقرآن یهدی إلی الإمام، وذلک قول الله عزّ وجلّ:(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ) (الإسراء / 9).

وکذلک بإسناده إلی هشام بن الحکم قال:

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک (أی معنی الإمام لا یکون إلاّ معصوماً) فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جمیع محارم الله، وقد قال الله تعالی:(وَ مَنْ یَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِیَ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ) (آل عمران / 101)(3).

ص:128

وعند التأمل قد نجد المذهب عند محققی الأشاعرة منع الکبائر والصغائر الخسیسة بعد البعثة مطلقاً، والصغائر غیر الخسیسة عمداً لا سهواً(1) ، مثبت أنّ العصمة عند الأشاعرة صدور المعصیة کبیرة أو صغیرة عمداً أی أنّ صدورها سهواً لا ینافی العصمة(2).

ویذهب البغدادی إلی أنّ الأنبیاء جمیعهم معصومون من الذنوب کلها بعد البعثة لا قبلها، وأما السهو والخطأ فجائز علیهم(3).

وعلیه فیری أحمد صبحی أنّ المعتزلة أشد نزاهة من الأشاعرة فی الموقف تجاه عصمة الأنبیاء ویستغرب من انتقاد البغدادی لهم مع أنّهم لم یثبتوا للنبی أی ذنبٍ علی سبیل الخطأ فی التأویل، فینکر علیهم القول: إنّ الله قد حصنهم من الذنوب(4).

ص:131

ومن کان بهذه الصفات لابد أنَّ یکون معصوماً مخلصاً کی یکون أهلاً للإقتداء.

ولذا نجد القرطبی یوافق الرازی فی دلالة الآیة علی الهادی للحق فقال: (دلت الآیة علی أنّ الله عزّ وجلّ لا یخلی الدنیا فی وقت من الأوقات من داعٍ یدعو إلی الحق..)(1).

ونستطیع أنَّ نستنتج من هذا بأنّ هذه الأمة هی آخر الأُمم وأَنّه لابد أنَّ یبقی منها من یقوم بأوامر الله مع قیام الدنیا وأنّه الهادی والداعی إلی الحق.

وقال السید الطباطبائی رحمه الله: إنّها (تدل علی أنّ النوع الإنسانی یتضمن طائفة قلیلة أو کثیرة مهتدیة حقیقیة، إذ الکلام فی الاهتداء والضلال الحقیقیین المستندین إلی صنع الله ومن یهدی الله فهو المهتدی، ومن یضلل فأولئک هم الخاسرون، والاهتداء الحقیقی لا یکون إلاّ عن هدایة حقیقیة، وهی التی لله سبحانه)(2).

ثم یقول: (إنّ الهدایة الحقیقیة الإلهیة لا تختلف عن مقتضاها بوجه وتوجب العصمة من الضلال)(3).

فالذی یهدی بالحق وبه یعدل لابد أنَّ یکون معصوماً فی الأزمنة جمیعها ولا یمکن بناءً علی هذا أنَّ یظهر المصداق لهذهِ الآیة المبارکة إلاّ علی ما نقول فی وجود الأنبیاء والأئمة علیهم السلام.

ص:133

وما یقارب هذا المعنی من دلالة الآیة علی العصمة المطلقة لهم علیهم السلام ما ذکره فی جوامع الجامع(1).

ویری بعد ذلک أنَّ دلالة الآیة علی الاصطفاء ذات وجهین فیقول: («إحداها» أنَّهُ اصطفاه لنفسه أی جعله خالصاً له یختص به و «الثانی» أنّه اصطفاه علی غیره أی اختصّه بالتفضیل علی غیره)(2).

ومن الإمامیة من یری أنّ المائز بین الأنبیاء والأئمة علیهم السلام وبین سائر الخلق هی العصمة، فقال: (ومن البداهة بمکان أنّ وجه الاصطفاء، هذا وسببه یکمن فی العصمة الذاتیة المتواجدة فی الأنبیاء والأئمة علیهم السلام وبها امتازوا عن الخلق فهم یتمتعون بحصانةٍ تجاه کل أنواع الکفر والشرک والذنوب الکبیرة والصغیرة والخطأ العمدی أو السهوی أو النسیان، لأنّهم یسقطون من مزیّة الاصطفاء الإلهی بمجرّد صدور الذنب عنهم ولأنّ العقل السلیم لا یقبل أنَّ یصدق أنّ فرداً یذنب ویعصی الله عزّ وجلّ ویکون مصطفاً ومقرباً إلیه)(3).

وفی کلامه هذا دلالة واضحة علی إطلاق العصمة للأنبیاء علیهم السلام وتنزیههم عن غیرهم بعدم إمکان صدور مطلق الذنب عنهم علیهم السلام.

وأشار السید عبد الله شبررحمه الله إلی عصمتهم علیهم السلام من خلال الاصطفاء فی الآیة المبارکة إذ یری أنّ الله تعالی اصطفاهم (بالنبوة والإمامة والعصمة...)(4).

ص:135

وهذه واضحة الدلالة علی کون المراد فی الآیة الکریمة هی عصمتهم علیهم السلام إذ کانوا مبرئین من کل عیب ونقص وذنب.

ویری من هو فی إطار البحث الکلامی أنّ معنی الاصطفاء فی الآیة اختیار وانتخاب للنبوّة والإمامة وما فیها من الخصائص الروحانیة والعصمة والکمالات والفضائل، وما یلازمها من الصفات الخیرة الجسمانیة والروحیة والخلقیة(1).

ثم یستخلص منها بعد ذلک إیجاب أنَّ یکون الاصطفاء محصوراً بمن کان معصوماً من آل إبراهیم وآل عمران بلا فرق بین کونهم أنبیاء أو أئمة.

فمن کانت هذه صفاته کیف یتصوّر أنَّ یکون غافلاً عن ذکر الله مائلاً إلی شهواته أضف إلی ذلک أنّ التسدید الإلهی لأنبیائه ورسله مانعاً باختیار منهم من الاقتراب من کل ذنب وخطیئة مهما کان حجمه ونوعه وهو عین إطلاق العصمة لهم علیهم السلام.

وذهب بعض متکلمی العامة ومفسرّیهم إلی أنّ الآیة فیها دلالة علی عصمتهم علیهم السلام فمنشأه ذلک الاختیار والاجتباء والاصطفاء لهم، وهذا ما نجده عند الطبری (أبو جعفر مُحَمَّد بن جریر (ت 310 ه -)) إذ یروی بسلسلة الإسناد إلی الحسن فی قوله تعالی:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ * ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) (آل عمران/ 33-34) قال: (فضلهم الله علی العالمین بالنبوّة علی الناس کلهم کانوا هم الأنبیاء الأتقیاء المطیعین لربهم)(2).

ص:136

والتفضیل بالنبوة هو من ملازمات العصمة وهذا مما لا خلاف فیه علی إطلاقه وإن اختلفوا فی تحدید السعة العصمة.

ویستدل الفخر الرازی علی عصمتهم بانتفاء صدور الذنب عنهم لدخولهم فی صفة (المصطفین) و (الاختیار) المشتملة علی جملة الأفعال والتروک)(1).

ویری القرطبی أنّ الله اختارهم واشتقهم وجعلهم الصفوة ثم بیّن مراتبهم ذاکراً (فأما مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنّه حبیب ورحمة، قال تعالی (وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ) (الأنبیاء/ 107).

وهذا فی غایة المدح والثناء وهو قمة الاصطفاء إذ جعله رحمة لجمیع العالمین مع الاستغراق التام لهم فکیف یتصوّر أنَّ یلام أو یُعاتب (صلوات الله علیه)(2).

وأما البیضاوی (ت 791 ه -) فیذهب إلی أنّ منشأ العصمة کذلک فی الآیة المبارکة هو حیازة بعض الخصائص والمیزات الداعیة الآخر لأتباعهم والإقتداء بهم علیهم السلام فیری أنّ الله اصطفاهم (بالرسالة والخصائص الروحانیة والجسمانیة ولذلک قووا علی ما لم یقو علیه غیرهم لما أوجب طاعة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ویتبین أنّها الجالبة لمحبّة الله عقب ذلک بیان مناقبهم تحریضاً علیها وبه استدل علی فضلهم علی الملائکة وآل إبراهیم وآل إسماعیل وإسحاق وأولادهما وقد دخل فیهم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وآل عمران...)(3).

نستفید من هذا کلّه أنّ الأنبیاء علیهم السلام قد اختارهم الله وهذا یعنی أنّه تعالی جمعهم لنفسه عن طریق الاصطفاء وما داموا علیهم السلام قد أدرجوا فی

ص:137

المخلصین والمصطفین فلا سلطان إذن لإبلیس علیهم لأنهم أولیاء الله وأحباؤه کانوا محفوظین من العوامل جمیعها التی تنشأ منها المعصیة ویُرتکب بسببها الذنب سواء الخارجیة منها أم الداخلیة وبذلک تثبت عصمتهم المطلقة لا محالة.

العصمة للإمام وأنّ مَنْ لیس بمعصوم فقد یکون ظالماً أما لنفسه أو لغیره)(1).

وذهب السید هاشم البحرانی رحمه الله إلی دلالة الآیة علی إثبات العصمة لهم علیهم السلام کما یلاحظ ذلک فی طی تفسیره قال: (وقول إبراهیم علیه السلام (وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی) (إبراهیم/ 40) من حرف تبعیض لیعلم أنّ من الذرّیة من یستحق الإمامة ومنهم من لا یستحقها هذا من جملة المسلمین، وذلک یستحیل أنَّ یدعو إبراهیم علیه السلام بالإمامة للکافر أو المسلم الذی لیس بمعصوم، فصح أنّ من باب التبعیض وقع علی خواص المؤمنین جملة الخواص الأخص، ثم المعصوم هو الخاص الأخص)(2).

وإلاّ غیر الأنبیاء والرسل والأئمة لم یکن هناک من له صفة الخاصیة هذه فیکون الإتباع لهم فقط لوجوب عصمتهم.

وبناءً علی ضرورة الهدایة والإرشاد والقیادة أنَّ تکون بید المعصوم یری السید عبد الله شبر أنّ السفیه لا یکون إمام التقیّ فیستنتج أنّ الآیة (دلت علی وجوب عصمة النبیّ والإمام لصدق الظالم علی العاصی سواء فسر بانتقاص الحق أو وضع الشیء فی غیر موقعه)(3).

وعنی السید الطباطبائی رحمه الله بضرورة أنَّ یکون الهادی للحق معصوماً فی نفسه إذ قال: (ثم أنّ هذا المعنی - أعنی الإمامة - علی شرافته وعظمته لا یقوم الا بمن کان سید الذات بنفسه إذ الذی ربما یتلبس بالظلم والشقاء، فإنما سعادته

ص:139

بدایة من غیره وقد قال تعالی:(أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلاّ أَنْ یُهْدی فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ) (یونس / 35).

وقد قوبل فی هذه الآیة بین الهادی إلی الحق وبین غیر المهتدی إلا بغیره أعنی المهتدی بغیره وهذه المقابلة تقتضی أنَّ یکون الهادی إلی الحق مهتدیاً بنفسه وان المهتدی بغیره لا یکون هادیاً إلی الحق(1).

هذا ما ذهب إلیه الإمامیة فی معالجة هذه الآیة المبارکة إذ اثبتوا أنّ الإمام (المعصوم) لا یمکن أنَّ یکون مخطئاً أصلاً، وإلاّ لکان ظلماً فی ذلک المصداق بالذات، فیشمله أنّه من الظالمین، فلا یمکن أنَّ ینال عهد الله تعالی فیجب أنَّ یکون معصوماً، فإذا کان الإمام کذلک فالنبیّ أو الرسول یکون من باب أولی مصداق لذلک لأنّه حاز ملاکات القیادة والهدایة بما حوته النبوة من خصائص أسماها مرتبة هی العصمة التی جاءت متقدمة رتبة وزمناً علی الإمامة، فالظالم سیکون فی جهة مغایرة لجهة الأنبیاء والرسل والأئمة ومعه لا یمکن أنَّ یکونا فی مصداق واحد جزماً ومنه نستشف أنّ الأنبیاء علیهم السلام معصومون مطهرّون من کل عیب مهما کان حجمه.

وأما مذهب العامة فی التعامل مع هذه الآیة المبارکة فی إثبات عصمة الأنبیاء علیهم السلام فما یراه الزمخشری (ت 538) من أنَّ هذا المنصب مختص بمن خوطب به أی الأصفیاء ممن اختارهم لرسالته وهم الأنبیاء والرسل علیهم السلام والظالم بعید عن هذا الاستخلاف قال: (من کان ظالماً من ذریتک لا یناله استخلافی وعهدی له بالإمامة وإنما ننال من کان عادلاً بریئاً من الظلم)(2).

ص:140

ویمکن أنَّ نضیف أنّ الاستخلاف والعهد ملازم للهدایة التی هی سنة إلهیة أعطیت للأنبیاء علیهم السلام لما امتازوا به عن غیرهم، فبالاستخلاف والهدایة یکون هناک نوع من الاقتران بین وضیفة النبوة ووظیفة الإمامة وهما داخلان فی إطار نظام التکوین الذی سنّهُ الله تعالی لهدایة خلقة.

وأول دلیل علی ذلک ما ذکره الفخر الرازی، إذ قال: (الآیة تدل علی عصمة الأنبیاء علیهم السلام من وجهین: «الأول» أنَّهُ قد ثبت أنَّ المراد من هذا العهد (الإمامة) ولا ریب أنّ کل نبیّ إمام فالإمام هو الذی یؤتم به والنبیّ أولی بالناس، وإذا دلت الآیة علی أنّ الإمام لا یکون فاسقاً وفاعلاً للذنب والمعصیة فالنبی أولی، «الثانی»: ((قال:(((لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ) (البقرة/ 124) فهذا العهد إن کان هو النبوة، وجب أنَّ تکون لا ینالها أحد من الظالمین، وأن کان هو الإمامة فکذلک لأنّ کل نبی لابد وأن یکون إماماً یؤتم به، وکل فاسق ظالم لنفسه، توجب أنَّ لا تحصل النبوّة لأحد من الفاسقین))(1).

واستدل کذلک علی عصمة الأنبیاء بهذه الآیة باعتبار العهد سواء کان عهد النبوة أو الإمامة فهو یراه عهد النبوة أظهر فی المقصود من العهد لأنّ عنده عهد الإمامة أقل درجة من عهد النبوّة(2).

وهذا بخلاف ما تراه الإمامیة من أنّ الإمامة امتداد طبیعی للنبوّة ولا یوجد هناک تعارضٌ بینهما من جهة الهدایة أو غیرها إلاّ فی مسألة الوحی وما یترتب علیه.

ویبدو أنّ قوله ((عهد الإمامة أقل درجة من عهد النبوّة)) فیه نوع تحفّظ وإن کان أصل الاستدلال صحیحاً، بناءً علی أنّ المراد بالظالمین ما یشمل الظالم

ص:141

لنفسه، وإلا لما احتاج مرتکب الصغیرة إلی التوبة لتغفر له، ولما تحوّلت إلی کبیرة بعد التوبة عنها والإصرار علی العودة إلیها، إلاّ أنَّ بعض الروایات فسرّت الظلم هنا بعبادة الأصنام(1) وربما لا تنافی بین هذا التفسیر وعموم اللفظ بناءً علی أنّ ذلک التفسیر من باب التطبیق لا الحصر.

ویستفید السید الطباطبائی رحمه الله من إطلاق الآیة دلیلاً علی عصمتهم علیهم السلام، إذ قال: (علی أنّ الآیة جمع فیها بین الرسول وأُولی الأمر، وذکر لها معاً طاعةً واحدة فقال:(وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) (النساء/ 59) وما یجوز علی الرسول أنَّ یأمر بمعصیة أو بغلط فی حکم، فلو جاز فی شیء من ذلک علی أُولی الأمر لم یسع إلاّ أنَّ یذکر القید الوارد علیهم فلا مناص من أخذ الآیة مطلقة من غیر تقید ولازمه اعتبار العصمة فی جانب أُولی الأمر کما اعتبر فی جانب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من غیر فرق)(1).

وعند التدبر بکلمات أعلام التفسیر من غیر المدرسة الإمامیة نجد أنّ العصمة هی السمة الغالبة لمن قرن الله طاعتهم بطاعته ولسان الفخر الرازی فی إثبات عصمة الأنبیاء علیهم السلام من إذ کونهم فی مقدمة أولی الأمر المذکورین فی الآیة المبارکة خیر شاهد علی ذلک إذ ذکروا الدلیل علی ذلک أنّ الله تعالی أمر بطاعة أولی الأمر علی سبیل الجزم فی هذه الآیة ومن أمر الله بطاعته علی سبیل الجزم والقطع لابد أنَّ یکون معصوماً عن الخطأ إذ لو لم یکن معصوماً عن الخطأ بتقدیر إقدامه علی الخطأ یکون قد أمر الله بمتابعته، فیکون ذلک أمراً بفعل ذلک الخطأ، والخطأ لکونه خطأ فهی عنه فهذا یقضی إلی اجتماع الأمر والنهی فی الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وأنه محال، فثبت أنَّ الله تعالی أمر بطاعة أولی الأمر علی سبیل الجزم، وثبت أنّ کل من أمر الله بطاعته علی سبیل الجزم وجب أنَّ یکون معصوماً عن الخطأ فثبت قطعاً أنّ ولی الأمر المذکور فی الآیة لابد وأن یکون معصوماً)(2).

ص:143

وعلی هذا فإذا ثبت العصمة لأولی الأمر علیهم السلام بغض النظر عمن حمل الرازی وغیره بنسبة الآیة بهم، فإنّها تکون ثابتة للأنبیاء بطریق أولی لأنّهم من مصادیق أُولی الأمر المأمورون باتباعهم.

ویمکن أنَّ نستوحی من هذه الآیة المبارکة إفادات عدة أهمها:

الأولی

بما أنّ الله سبحانه وتعالی منبع العصمة، إذاً یجب أنَّ یکون الرسول صلی الله علیه وآله وسلم معصوماً وإلاّ لاختلّت الإطاعة الثانیة لما عُطفت علی الإطاعة الأولی.

الثانیة

قوله تعالی فی نهایة الآیة المبارکة (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلاً) (النساء / 60).

یظهر منها وجوب کون الرسول معصوماً وإلاّ لطلب منهم أنَّ یردوه إلی الله فقط لئلا یحدث الخطأ بخطأ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ولما قال فی نهایة الآیة (ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلاً) (النساء/ 59) لأنّه أنّ لم یکن معصوماً لأغرانا الله بالباطل جلّ عن ذلک.

الثالثة

لقد عطفت الآیة أولی الأمر علی طاعة الله ورسوله من إذ إنهما مطلقتان فتکون طاعة أولی الأمر مطلقة أیضاً وهذا یعنی أنّ من یطع أولی الأمر فقد أطاع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ومن یطع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم

ص:144

فقد أطاع الله تعالی، ثم أنّه من تجب له الطاعة المطلقة یجب أنَّ یکون معصوماً بالعصمة المطلقة ومن ثم فمن غیر المعقول أنَّ یکون المراد بأُولی الأمر فی الآیة الکریمة حکام العدل غیر المعصومین، فضلاً عن حکّام الجور والظلم، فإنّ حکام العدل غیر المعصومین إنّما تجب طاعتهم فی حدود معینّة لا مطلقاً کما هو معلوم، ومن ذلک نستنتج أنّ المراد من أُولی الأمر فی الآیة المبارکة هو خصوص الأئمة المعصومین من أهل البیت علیهم السلام وثبوتها للأنبیاء علیهم السلام یکون من باب أولی لأنّهم مصداق حی لهذه الآیة المبارکة.

أما المجلسی رحمه الله فیری أنّ الفضل هو النبوّة وأنّ الرحمة هی العصمة فقال: (أی لولا أنّ الله خصّک بالفضل وهو النبوّة وبالرحمة وهی العصمة)(1) ثم أنَّهُ یثبت العصمة من خلال تفسیره لقوله تعالی:(وَ ما یَضُرُّونَکَ مِنْ شَیْ ءٍ) (النساء/ 113) قال: (فیه وجهان أحدهما ما یضرونک من شیء فی المستقبل فوعده الله تعالی فی هذه الآیة إدامة العصمة لما یریدون من إیقاعه بالباطل)(2).

ویری الطباطبائی رحمه الله أنّ (ظاهر الآیة الذی تحقق به العصمة نوع من العلم یمتع صاحبه عن التلبس بالمعصیة والخطأ)(3) ، ثم یقول: إشارة علی موهبة العلم الذی عبر عنه بالعصمة (إنّ هذه الموهبة الإلهیة التی نسمّیها قوّة العصمة نوع من القوی الشعوریة البتّة، بل هی الغالبة القاهرة علیها المستخدمة إیاها، ولذلک کانت تصون صاحبها من الضلال والخطیئة مطلقاً)(4).

وذهب أتباع المدارس الأخری إلی ما ذهبت إلیه الإمامیة من إثبات العصمة من خلال دلالة الآیة المبارکة.

ومنهم من قرأ:(وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکَ) (النساء/ 113) (أی عصمته وألطافه)(5).

فجعل الفضل الذی مَنَّ الله به علی نبیّه هو العصمة، وهکذا الحال عند

ص:146

القرطبی إذ أفاد الاستدلال علی عصمة الأنبیاء بعد أنَّ استند فی ذلک إلی أحد الأقوال فقال: (والمعنی:(وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکَ وَ رَحْمَتُهُ) (النساء/ 113) بأن ینبهّک علی الحق وقیل بالنبوّة والعصمة)(1).

سبحانه لا یرید إلا الحق)(1).

أما الرازی فنجده یؤکد هذا المعنی باستدلال واضح لعصمة الأنبیاء علیهم السلام إذ کتب (الآیة دالة علی أنّ الأنبیاء علیهم السلام معصومون عن المعاصی والذنوب لأنّها دلّت علی وجوب طاعتهم مطلقاً، فلو أتوا بمعصیةٍ لوجب علینا الاقتداء بهم فی تلک المعصیة واجبة علینا، وکونها معصیة یوجب کونها محرّمة علینا، فیلزم توارد الإیجاب والتحریم علی الشیء الواحد وأنه محال)(2).

وهذا الکلام فی العصمة یمکن تعدیه إلی جمیع الأنبیاء والمرسلین علیهم السلام لکونهم من أجلی مصادیق الصادقین هذا بالإضافة إلی إطلاق الآیة الشامل لهم.

وأما الفخر الرزای فیری (أمر لهم بالتقوی وهذا الأمر انما یتناول من یصح منه أنَّ لا یکون متقیاً، وإنما یکون کذلک لو کان جائز الخطأ، فکانت الآیة دالة علی أنَّ من کان جائز الخطأ وجب کونه مقتدیاً بمن کان واجب العصمة وهم الذی حکم الله بکونهم صادقین)(1).

وبعد تقصیّ هذه الآیات المبارکات الدالة علی عصمة الأنبیاء علیهم السلام نجد أنَّ دلالاتها تقتضی أنَّ الأنبیاء علیهم السلام مصطفون لله، مختارون له تعالی خیرّون ومن الضرورة إن ذلک ینافی صدور العصیان عنهم سهواً مع أنَّ الآیات تصرح بلزوم متابعتهم والاقتداء بهم والاقتباس من أنوارهم ووجوب التأسی بهم کما قال تعالی:(لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَکَرَ اللّهَ کَثِیراً) (الأحزاب/ 21).

ولو صدرت المعصیة عنهم ولو سهواً لما جاز الاقتداء والتأسی بهم، مع أنَّ صدورها عنهم ولو فی بعض الأحیان یوجب تنفر الناس منهم فلا یطمأن إلی قولهم وفعلهم وهذا ینافی الغرض الأقصی من بعثتهم.

الأنبیاء والأئمة علیهم السلام مع استبعاد أنَّ یصدر أی لون من ألوان اللوم والعتاب بحقهم علیهم السلام اعتمدنا نماذج منها بحسب ما تستوعبه الدراسة.

((خلقت أنا وعلی بن أبی طالب من نور واحد، نسبّح الله تعالی عند العرش قبل أنَّ یخلق آدم بألفی عام، فلمّا أنَّ خلق الله آدم علیه السلام جعل ذلک النور فی صلبه، فلم یزل ینقلنا الله عزّ وجلّ من أصلاب طاهرة إلی أرحام مطهرة حتی انتهی إلی عبد المطلب فقسمنا نصفین، فجعلنی فی صلب عبد الله وجعل علیّاً فی صلب أبی طالب))(1).

وهذه الروایة، وإن لم یرد فیها لفظ العصمة صراحة، لکن متنها کافٍ فی الدلالة علی العصمة للأنبیاء والأئمة علیهم السلام وعلی طهارتهم ولیس أدل علی عصمتهم من أنَّ یطهرّهم الله من کل رجس ویبعد عنهم کل ذنب ومعصیة.

عزّ وجلّ فی داود (وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ) (ص / 24).

وقوله فی نبیه مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم:(وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللّهُ مُبْدِیهِ وَ تَخْشَی النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب / 37).

فقال مولانا الرضا علیه السلام: ویحک یا علیّ، اتق الله ولا تنسب إلی أنبیاء الله الفواحش ولا تأول کتاب الله برأیک، فإنّ الله عزّ وجلّ یقول:(وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ) (آل عمران / 7).

وأما قوله عزّ وجلّ فی آدم علیه السلام:(وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی) (طه/ 121) فأن الله عزّ وجلّ خلق آدم حجة فی أرضه وخلیفته فی بلاده ولم یخلق للجنّة، وکانت المعصیة من آدم فی الجنة لا فی الأرض لتتم مقادیر أمر الله عزّ وجلّ فلما أهبط إلی الأرض وجعل حجته وخلیفته عصم بقوله عزّ وجلّ (إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ) (آل عمران / 33).

وأما قوله عزّ وجلّ:(وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ) (الأنبیاء/ 87) إنما ظنّ أنّ الله عزّ وجلّ لا یضیق علیه رزقه ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ (وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَیْهِ رِزْقَهُ) (الفجر / 16)، أی ضیق علیه ولو ظنّ أنّ الله لا یقدر علیه لکان قد کفر.

وأما قوله عزّ وجلّ فی یوسف (وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها) (یوسف/ 24) فإنّها همّت بالمعصیة وهم یوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله (کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ) (یوسف / 24) یعنی القتل (وَ الْفَحْشاءَ) (یوسف/ 24).

وأما داود فما یقول مَنْ قبلکم فیه؟ فقال علی بن الجهم: یقولون: إنّ داود

ص:152

کان فی محرابه یصلّی إذ تصوّر له إبلیس علی صورة طیر أحسن ما یکون من الطیور، فقطع صلاته وقام لیأخذ الطیر، فخرج الطیر إلی الدار فخرج فی أثره، فطار الطیر إلی السطح فصعد فی طلبه، فسقط الطیر فی دار أوریا بن حنان، فاطلّع داود فی أثر الطیر فإذا بإمرأة اوریا تغتسل، فلّما نظر إلیها هویها، وکان قد أخرج أوریا فی بعض غزواته فکتب إلی صاحبه أنَّ قدّمه فی أمام الحرب، فقدّم فظفر أوریا بالمشرکین، فصعب ذلک علی داود، فکتب ثانیة أنَّ قدّمه أمام الحرب فقدّم فقتل أوریا فتزوّج داود بامرأته.

فضرب الرضا علیه السلام بیده علی جبینه وقال:(إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ) (البقرة/ 156) لقد نسبتم نبیّاً من أنبیاء الله إلی التهاون بصلاته حتی خرج فی أثر الطیر ثم بالفاحشة ثم بالقتل، فقال یا ابن رسول الله فما کانت خطیئته؟ فقال علیه السلام: ویحک إنّ داود علیه السلام إنّما ظنّ أنّ ما خلق الله خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عزّ وجلّ إلیه الملکین فتسورا المحراب فقالا:(خَصْمانِ بَغی بَعْضُنا عَلی بَعْضٍ فَاحْکُمْ بَیْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلی سَواءِ الصِّراطِ * إِنَّ هذا أَخِی لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِیَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَکْفِلْنِیها وَ عَزَّنِی فِی الْخِطابِ) (ص 22-23) فجعل داود علیه السلام علی المدعی علیه فقال:(لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤالِ نَعْجَتِکَ إِلی نِعاجِهِ) (ص / 26) فلم یسأل المدعیّ البینة علی ذلک، ولم یقبل علی المدعی علیه، فیقول: ما تقول؟ فکان هذا خطیئة حکمه، لا ما ذهبتم إلیه، إلاّ تسمع قول الله عزّ وجلّ (یا داوُدُ إِنّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوی فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما نَسُوا یَوْمَ الْحِسابِ) (ص / 26).

فقال ابن الجهم: یا ابن رسول الله فما قصته مع أوریا؟ فقال الرضا علیه

ص:153

السلام أنَّ المرأة فی أیام داود علیه السلام کانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج أبداً، وأول من أباح الله عزّ وجلّ له أنَّ یتزوج بامرأة قتل بعلها داود علیه السلام فذلک الذی شق علی الناس من قبل اوریا.

وأما مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم وقول الله عزّ وجلّ له (وَ تُخْفِی فِی نَفْسِکَ مَا اللّهُ مُبْدِیهِ وَ تَخْشَی النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب/ 37) فإنّ الله عرّف نبیّه أسماء أزواجه فی دار الدنیا وأسماء أزواجه فی الآخرة وأنّهن أمهات المؤمنین، وکانت إحداهن زینب بنت جحش وهی یومئذٍ تحت زید بن حارثة فأخفی صلی الله علیه وآله وسلم فی نفسه، ولم یبده لکی لا یقول أحد من المنافقین إنّه قال فی امرأةٍ فی بیت رجل أنها إحدی أزواجه من أمهات المؤمنین، وخشی قول المنافقین، فقال الله عزّ وجلّ (وَ تَخْشَی النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (الأحزاب/ 37) یعنی فی نفسک وأنّ الله عزّ وجلّ ما تولّی تزویج أحد من خلقه إلاّ تزویج حواء من آدم وزینب من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفاطمة من علی علیهم السلام قال: فبکی علی بن الجهم، وقال: یا ابن رسول الله: أنا تائب إلی الله عزّ وجلّ أنَّ أنطق أنبیاء الله عزّ وجلّ یومی هذا إلا بما ذکرته(1).

بُرْهانَ رَبِّهِ) (یوسف/ 24).

قال الرضا علیه السلام: (لقد همت به ولولا أنَّ رأی برهان ربه، لهم بها کما همت به، لکنّه کان معصوماً، والمعصوم لا یهم بذنب ولا یأتیه، ولقد حدّثنی أبی عن أبیه الصادق علیهما السلام أنَّهُ قال: همت بأن تفعل، وهم بأن لا یفعل)(1).

والروایة هذه لا تحتاج إلی أدنی تأمل فی توجیه العصمة فیها وإنما هی واضحة الدلالة والهدف.

وقال المازندرانی (المیرزا مُحَمَّد صالح) (ت 1086).

((أی: أمر علمنا أعظم وأوجب)) یعنی: ألزم وأتم، وأحق أنَّ یکون مأخوذاً من أفواه الرجال، أو مخرجاً من الکتاب، بل هو من الروح الذی معنا(1).

وهذا دلیل علی أنّ المعصوم مسدد ومؤید عن ارتکاب مطلق الخطأ.

وذکر الفاضل المقداد فی شرح الباب الحادی عشر مثل هذا الوجه فی الاستدلال علی وجوب العصمة من أنّه: لو لم یکن الأنبیاء معصومین لانتفت فائدة البعثة واللازم باطل فالملزوم مثله، بیان الملازمة: أنّه إذا جازت المعصیة علیهم لم یحصل الوثوق بصحة قولهم بجواز الکذب حینئذٍ علیهم وإذا لم یحصل الوثوق لم یحصل الانقیاد لأمرهم ونهیهم فینتفی فائدة بعثهم وهو محال(1).

وإلی هذا الوجه یرجع من استدل علی العصمة من الذنوب إلی أنّه ینافی دلالة المعجز القاطعة، فإن المراد من الإعجاز القرآنی إثبات استناد القرآن الکریم إلی الله سبحانه وأنه لیس من صنع البشر، فلو کان النَّبی فمن یمکن أنَّ یتبع هواه ویرتکب المعاصی لم یؤمن منه أنَّ یبلغ کل ما جاء به القرآن أو لا ینقص منه.

وإلی هذا المعنی یشیر السید المرتضی رحمه الله فی بعض کتبه إذ قال مستدلاً علی عصمة النَّبی عن الکبائر والصغائر، بأنّ العلم المعجز إذا کان واقعاً موقع التصدیق لمدعی النبوّة والرسالة، وجاریاً مجری قوله تعالی: صدقت فی أنّ رسولی ومؤدی عنی، فلابد أنَّ یکون هذا المعجز مانعاً من کذبه عن الله فیما یؤدیه عنه، لأنّه تعالی لا یجوز أنَّ یصدق الکذاب، لأنّ تصدیق الکذاب قبیح(2).

ومن هنا استدل قطب الدین النیسابوری علی العصمة عقلاً فقال: (والذی یدل علی عصمة الرسل أنَّ العلم المعجز یؤمننا عن وقوع الکذب منه فیما یؤدی عن الله تعالی إلینا وهذا لا خلاف فیه بین الأمة لأن تجویز الکذب یرفع الثقة ویعدم الأمان)(3).

ص:159

لأن ترک ذلک یُعُّد قدحاً فی الرسالة وطعناً فی النبوّة هذا فیما یتعلّق بالکذب، أما فی ما یتعلق بسائر القبائحَ ولو کانت صغیرة فإنّها توجب النفرة منهم وانتفاء تلقی أقوالهم وقبولها، (ولا یجوز أنَّ یبعث الله تعالی من یوجب علینا اتباعه وتصدیقه وهو علی صفة تنفر عنه، فقد جنب الله الفظاظة والغلظة والخلق المشینة وکثیراً من العلل القبیحة لأجل التنفیر فأولی أنَّ یجنب القبائح کذلک)(1).

ومما یعاضد هذا القول، هو: (وأما القبائح الأخری فإنّ دلیل التنفیر یؤمن عن جمیعها، لأنّ من یجوز وقوع القبائح منه، فلا یرغب فی القبول عنه ولا تمیل نفوسنا إلی الإقتداء به ولما کان الغرض فی إرسال الرسل والاقتداء بهم والقبول عنهم والتأسی بفعلهم وقولهم وجب أنَّ یکون الرسول منزهاً عن کل ما ینفر عنه ویتعذّر منه)(2).

وعلیه فکان المعجز قد وقع وأید مدعی النبوّة والرسالة علی أتم وجه وأکمل صورة، إذ یقبح عقلاً أنَّ یبعث الله تعالی أو یوسط بنیه وبین خلقه من هو کاذب غیر أمین.

ومما اتفق علیه المفید والطوسی والمرتضی رحمهم الله فی وجوب عصمة الأنبیاء علیهم السلام من القبائح جمیعها صغیرها وکبیرها قبل النبوة وبعدها عملاً وسهواً(3) ، إذ إنّه استدل بجمالیة العقل وکماله فی أنَّ القبیح إذا کان کذباً فإنّه

ص:160

سیؤدی إلی أنّ الله تعالی سیصدق الکذابین، وتصدیق الکذابین قبیح ولا یجوز علی الله تعالی وأما جمیع القبائح الأخری غیر الکذب، فإنّنا لو جوّزناها علیهم فهذا یعنی جواز أنَّ یبعث الله نبیاً یأمرنا باتباعه، فی حین هو علی صفة تنفر الناس عنه ثم أنّه استعار عبارات المرتضی رحمه الله نفسها التی قال فیها: ولهذا جنب الله تعالی الأنبیاء علیهم السلام الفظاظة والخلق المشینة والأمراض المنفرة لما کانت هذه الأشیاء منفرة بالعادة(1).

من هنا نکشف أنّ کل ما یقدح فی صاحب هذا المقام، یقدح فی الامتثال ویزحزحه، فلابد أنَّ یکون المعصوم مؤیداً بالبعد عن جمیع ما یکون منفراً عنه مبعداً، ولعلّ هذا أقرب للوقوع من إظهار المعجز.

وما نلاحظهُ کذلک عند نور الله التستری (ت 1019 ه -) من ردّه علی أدلة منکری عصمة الأنبیاء علیهم السلام دلیل علی عصمتهم علیهم السلام من خلال انتفاء صدور الذنب عنهم فهو یری (إن صدر عنهم ذنب وجب زجرهم وتعنیفهم لوجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وإیذائهم حرام إجماعاً ولو أذنبوا لدخلوا أیضاً تحت قوله تعالی:

(وَ مَنْ یَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (الجن / 23).

وتحت قوله تعالی:(أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الظّالِمِینَ) (هود / 18).

وتحت قوله تعالی لوماً وذمةً (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (الصف / 2).

وقوله تعالی:(أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ) (البقرة / 44).

فیلزم کونهم موعودین بعذاب جهنم وملومین ومذمومین، وکل ذلک باطل إجماعاً وهذا الدلیل یدل علی عصمتهم من کل الذنوب وغیرها أیضاً)(1).

وینطلق الفخر الرازی فی إثبات العصمة لهم علیهم السلام من مبدأ انتفاء جواز زجر الأنبیاء علیهم السلام إذ قال: (لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم، لأنّ الدلائل دالة علی وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لکن زجر الأنبیاء علیهم السلام غیر جائز لقوله تعالی:(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً) (الأحزاب/ 57) فکان صدور الذنب عنهم ممتنعاً)(2).

ص:162

ولا یبتعد السید عبد الله شبررحمه الله عمن سبقه فی امتناع إیذاء النَّبی لانتفاء جواز ذلک فانطلق بهذا لإثبات العصمة لهم علیهم السلام قال: (إنّه لو جاز أنَّ یعصی لوجب إیذاؤه والتبرؤ منه من باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لکن الله تعالی نص علی تحریم إیذاء النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم، فقال:(إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً)1 (الأحزاب/ 57).

الحلی رحمه الله إذ یقول: (إنّ الإمام لو لم یکن معصوماً للزم التسلسل ومن ثم باطل فالمقدم مثله، بیان الشرطیة، إن المقتضی لوجوب نصب الإمام هو تجویز الخطأ علی الرعیة فلو کان هذا المقتضی ثابتاً فی حق الإمام وجب أنَّ یکون له إمام آخر وبتسلسل أو ینتهی إلی إمام لا یجوز علیه الخطأ فیکون هو الإمام الأصلی)(1).

وأما وجوب العصمة عند السید شبررحمه الله فیبررها بنفی خطأ المعصوم (لأنه لو کان یخطأ لاحتاج إلی من یسدّده ویمنعه عن خطأ وینبهه علی نسیانه، فأما أنَّ یکون معصوماً فیثبت المطلوب أو غیر معصوم فیتسلسل)(2).

فیکون بذلک معصوماً لانتفاء ثبوت الخطأ بحقّه ولأنّه ممّن وثق بإتباعه وانتهاج مسلکه، وهذا هو الذی دعی السید إبراهیم الحجازی (ت 1223 ه -) إلی الاستدلال بذلک لإثبات العصمة، إذ رأی (أنّ وجه الحاجة إلی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم والإمام علیه السلام هو جواز الخطأ وصدور المعصیة عن الأمة، فلو جاز علیهم ذلک لاحتاجوا إلی مرشد آخر، لاشتراک العلة ولزوم الترجیح بلا مرجّح فی دور أو بتسلسل)(3).

وهذا یدل علی إنتفاء عروض الخطأ علیهم (صلوات الله علیهم) وجوازه فی حق الأمة الأمر الذی دعا إلی وجوب الاقتداء بهم واتباعهم لأنّهم معصومون مطهرون وهداة مهدیون.

ص:164

ویستدل التستری أیضاً علی عصمتهم بإتباعهم علیهم السلام (لأنّ لو صدر عنهم ذنب لحرّم إتباعهم فیما صدر عنهم ضرورة أنّه یحرم ارتکاب الذنب، وإتباعهم واجب للإجماع علیه، لقوله تعالی:(قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللّهُ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (آل عمران / 31) وهذا الدلیل یوجب عصمتهم عن الصغائر والکبائر)(1).

فتکون نتیجة ذلک أنّهم معصومون فیجب إتباعهم والاقتداء بهم ولا یکاد یبتعد السید شبررحمه الله عمّن سبقه فی الاستدلال علی عصمتهم علیهم السلام بما یقابل النقیض، لأنّه یری أنّ المعصوم (إن فعل المعصیة فإمّا أنَّ یجب علینا إتباعه فیها فیکون قد وجب علینا فعل ما وجب ترکه واجتمع الضدان وإن لم یجب انتفت فائدة البعثة)(2).

ومن هنا وجب کونه معصوماً لأنّه لا یمکن أنَّ تکون بعثته عبثاً وبلا فائدة - تعالی الله عن ذلک -.

ویؤکد السید إبراهیم الحجازی وجوب عصمتهم لاستبعاد جواز الخطأ والنسیان علیهم علیهم السلام فیری (أنا مأمورون باتباعهم وترک الاعتراض علیهم فلو جاز الخطأ والنسیان لوجب متابعتهم فیها للأمر بها والأمر بإتباع الخطأ قبیح)(3).

ولهذا یقول المظفررحمه الله: (إنّه لو جاز أنَّ یفعل النَّبی المعصیة، أو یخطأ وینسی وصدر منه شیء من هذا القبیل، فأما أنَّ یجب علینا اتباعه فی فعله الصادر

ص:166

منه عصیاناً أو خطأ أو لا یجب، فإن وجب اتباعه فقد جوزنا فعل المعاصی برخصةٍ من الله تعالی، بل أوجبنا ذلک وهذا باطل بضرورة الدین والعقل، وإن لم یجب اتباعه فذلک ینافی النبوّة التی لابد أنَّ تقترن بوجوب الطاعة أبداً)(1).

ومن هذا یظهر أنّ النّبی لا تنفک عنه العصمة لضرورة الاتباع والإقتداء به لأنّه الهادی للحق ولأنّ غایته الرسالة والغرض منها هو حفظ الأمة وصونها من الإنحراف وهذا لا یکون إلاّ بکون حامل الرسالة منزهاً عن کل ما یورث الریب والشک فی صدقه والابتعاد عن دعواه، فلم یبق إلاّ أنَّ یکون معصوماً من دون غیره الذی هو محط لحدوث المنکرات صغیرها وکبیرها.

استدل القائل بنفی وجود العصمة فی الأنبیاء علیهم السلام بظاهر الآیة بأنّ الضمائر الثلاثة فی قوله تعالی:(وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا) (یوسف/ 110) ترجع إلی الرسل ومفاد الآیة أنّ رسل الله سبحانه وتعالی وأنبیاءه علیهم السلام کانوا ینذرون قومهم، وکان القوم یخالفونهم أشد المخالفة، وکان الرسل یعدون المؤمنین بالنصر عن الله والغلبة ویوعدون الکفّار بالهلاک والإبادة لکن لما تأخر النصر الموعود وعقاب الکافرین (وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا) (یوسف/ 110) فیما وعدوا به من جانب الله من نصر المؤمنین وإهلاک الکافرین، ومن المعلوم أنّ هذا الظن سواء أکان بصورة الإذعان والیقین أم بصورة الزعم والمیل إلی ذلک الجانب، اعتقاد باطل لا یجتمع مع العصمة، التی هی خلاف الظن وفوق کل شبهة.

درس الزمخشری هذه الآیة المبارکة بعرض روایة عن ابن عباس رحمه الله إذ روی عنه من أنّ الرسل لما ضعفوا وغلبوا ظنّوا أنّهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، وقال کانوا بشراً، وتلا قوله:(وَ زُلْزِلُوا حَتّی یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتی نَصْرُ اللّهِ) (البقرة / 214).

فیری الزمخشری أنّ صح هذا القول عن ابن عباس، فقد أراد بالظن ما یخطر بالخلد ویهجس فی القلب من شبه الوسوسة وحدیث النفس علی ما علیه البشریة وأما الظن الذی هو ترجیح أحد الجائزین علی الآخر، فغیر جائز علی رجل من المسلمین، فما بال رسل الله الذین هم أعرف الناس بربهم، وأنّه متعال عن خلف المیعاد منزه عن کل قبیح(1).

ورؤیة الزمخشری هذه مجانبة للحقیقة بعض الشیء، لأنّ فی کلامه هذا ما لا

ص:169

یناسب مقام الأنبیاء علیهم السلام إذ فسرّ الظن بما خطر فی الذهن من تلک الحاجة وحدیث النفس الذی یعرض لکل بشر.

وأما الفخر الرازی فقد قرأ فی الآیة بوجهین، تارة بتخفیف (کذبوا) وأخری بتشدیدها.

أما الأول: أنّ الظن واقع بالقوم، أی حتی إذا استیأس الرسل من إیمان القوم فظن القوم أنَّ الرسل کذبوا فیما وعدوا من النصر والظفر.

أما الثانی: أنَّ یکون المعنی أنّ الرسل ظنوا أنّهم قد کذبوا فیما وعدوا وأما القراءة بالتشدید فکذلک تحمل وجهین:

(1) أنّ الظن بمعنی الیقین، أی وأیقنوا أنّ الأمم کذبوهم تکذیباً لا یصدر منهم الإیمان بعد ذلک فحینئذٍ دعوا علیهم.

(2) أنَّ یکون الظن بمعنی الحسبان والتقدیر حتی إذا استیأس الرسل من إیمان قومهم فظن الرسل أنّ الذین آمنوا بهم کذبوهم، وهذا التأویل منقول عن عائشة وهو من أحسن الوجوه المذکورین فی الآیة(1).

ومنها: قوله تعالی:(وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللّهُ آیاتِهِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) (الحج / 52).

تمسک القائلون بنفی العصمة المطلقة للأنبیاء علیهم السلام بدلالة هذه الآیة علی إلقاء الشیطان فی أُمنیة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أو النبیّ بالتدخل فی الوحی النازل علیه فیغیره إلی غیر ما نزل به، مستندین فی ذلک إلی روایة واهیة

ص:170

فی سبب نزولها أظلت کثیراً من المفسرین. فالأمنیة فی القرآن قد تأتی ویراد منها التلاوة والقراءة، علی ما أشار إلیه الراغب الأصفهانی فی قوله:(أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ) (الحج/ 52) أی: فی تلاوته(1).

ومن مدخل الأمنیة هذا یلج بعض المفسرین لیطعن فی خلاله بعصمة الأنبیاء علیهم السلام وقالوا إن المراد من الآیة هو أنّ ما من رسول ولا نبی إلاّ إذا تمنی وتلا الآیات النازلة علیه، تدخل الشیطان فی قراءته فأدخل فیها ما لیس منها، واستشهدوا لذلک بما رواه الطبری عن مُحَمَّد بن کعب القرضی، ومُحَمَّد بن قیس قالا: جلس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی نادٍ من أندیة قریش کثیر أهله فتمنی یومئذ أنَّ لا یأتیه من الله شیء فینفروا عنه، فأنزل الله علیه:(وَ النَّجْمِ إِذا هَوی * ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی) (النجم / 1-2).

فقرأها صلی الله علیه وآله وسلم حتی إذا بلغ (أَ فَرَأَیْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّی * وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْری) (النجم 19-20).

ألقی علیه الشیطان کلمتین: ((تلک الغرانقة العلی، وأن شفاعتهن لترتجی)) فتکلم بها ثم مضی فقرأ السورة کلها فسجد فی آخر السورة وسجد القوم جمیعاً معه، ورفع الولید بن المغیرة تراباً إلی جبهته فسجد علیه وکان شیخاً کبیراً لا یقدر علی السجود فرضوا بما تکلم به وقالوا قد عرفنا: أنّ الله یحیی ویمیت وهو الذی یخلق ویزرق، ولکن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده إذا جعلت لها نصیباً فنحن معک، قالا: فلما أمسی أتاه جبرائیل علیه السلام فعرض علیه السورة، فلما بلغ الکلمتین اللتین ألقی الشیطان علیه قال: ما جئتک بهاتین، فقال رسول الله صلی

ص:171

الله علیه وآله وسلم افتریت علی الله وقلت علی الله ما لم یقل فأوحی الله علیه (وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنا غَیْرَهُ وَ إِذاً لاَتَّخَذُوکَ خَلِیلاً * وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلاً * إِذاً لَأَذَقْناکَ ضِعْفَ الْحَیاةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً) (الإسراء/ 73-75)، فما زال مغموماً مهموماً حتی نزلت علیه:(وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللّهُ آیاتِهِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) (الحج / 52)، قال فسمع من کان من المهاجرین بأرض الحبشة أنّ أهل مکة قد أسلموا کلهم فرجعوا إلی عشائرهم وقالوا: هم أحب إلینا فوجدوا قد ارتکوا حین نسخ الله ما ألقی الشیطان(1).

ومع وهن الروایة وانتفاء لیاقتها بنبی الله الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وضعفها إلاّ أنّ الزمخشری أخذ بها مع علمه بمنافاتها لصریح القرآن الکریم وهو ینصّ (وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی) (النجم 3-4) یری أنّ الشیطان وسوس إلیه بما یشیعها به فسبق لسانه علی سبیل السهو والغلط إلی أنَّ قال (تلک الغرانیق العلی، وأن شفاعتهن لترتجی)(2).

ثم أنّه بعد ذلک یری أنّ کل هذا کان تمکین الشیطان من ذلک محنة وابتلاء من الله له، لأنّ الرسل والأنبیاء من قبله کانوا کذلک إذا تمنوا مثل ما تمنی، مکن الله الشیطان لیلقی فی أمانیهم مثل ما ألقی فی أمنیته(3).

ولکن الفخر الرازی یری أنّ الروایة عند أهل التحقیق باطلة وموضوعة

ص:172

بحیث احتجوا علیها بالقرآن والسنّة المعقول(1).

ولکنه یقول بعد ذلک (لا یبعد أنّه إذا قوی التمنیّ اشتغل الخاطر به فیحصل السهو فی الأفعال الظاهرة بسببه فیصیر ذلک فتنة للکفار(2).

وبعد أنَّ ینقل القرطبی التجاذبات عن الحدیث بین مؤید ورافض له یستحسن ما أوردهُ القاضی عیاضّ فی شفائه بعد أنَّ ذکر الدلیل علی صدق النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وإجماع الأمة علی عصمته فی التبلیغ، حیث إنّه یشکل علی الحدیث بمأخذین: أحدهما فی توهین أصل الحدیث، والثانی: علی فرض صحته فیری فی الجانب الأول أنّ الحدیث لم یخرجه أحد من أهل الصحة ولا روی بسند صحیح سلیم متصل وإنّما أولع به المولع بکل غریب من المفسرین.

وأما المأخذ الثانی المبنی علی تسلیم الحدیث لو صح أجاب عنه أئمة المسلمین بجوابات أرجحها أنّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم کان قد أمره ربه بترتیل القرآن ترتیلاً وتفصیل الآی تفصیلاً فی قراءته، فیمکن ترصد الشیطان لتلک السکنات ودسّه فیها ما اختلقه من تلک الکلمات محاکیاً نغمة النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم بحیث یسمعه من دنی إلیه من الکفار، فظنوها من قول النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وأشاعوها(3).

وهذا فی الواقع ضرب من الخیال أنَّ یأتی الشیطان ویتحدث ویسمعه الناس فیمتزج صوته مع صوت النَّبی حتی یظنون أنّ القائل هو النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم.

ص:173

السلام أنَّ یکون عاصیاً استحق لوماً وتعنیفاً بل عقوبةً إذ یری أنّ آدم علیه السلام:

(1) (کان عاصیاً والعاصی لابد أنَّ یکون صاحب کبیرة، وإنّما قلنا: إنّه عاصیٍ لقوله تعالی:(وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی) (طه / 121) - ثم قال - وإنّما قلنا إنّ العاصی صاحب الکبیرة لوجهین:

«احدهما»: إنّ النص یقتضی کونه معاقباً وهو قوله تعالی:(وَ مَنْ یَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِیها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِینٌ) (النساء/ 14) ولا معنی لصاحب الکبیرة إلاّ من فعل فعلاً یعاقب علیه.

«ثانیهما»: إنّ العصیان اسم ذم فلا یطلق إلاّ علی صاحب الکبیرة).

(2) إنه تائب والتائب مذنب، وإنّما قلنا إنه تائب لقوله تعالی:(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَیْهِ وَ هَدی)1 (طه 122) والظاهر أنَّ التوبة هنا من الله علی عبده أی أنَّ الله رجع علیه بالرحمة واللطف لأنّ التوبة إذا نسبت إلی الله تعالی تتعدی بکلمة «علی» کما فی قوله تعالی (فَتابَ عَلَیْهِ) وهذا المعنی تجاوزه الرازی ونسب التوبة إلی آدم فیکون هذا خلاف صریح الآیة.

ویعرض القرطبی للآیة المبارکة «ست مسائل» نقف عند موضع الحاجة إلیها إذ نسب فی المسألة الأولی القول إنّ الله تعالی قد أخبر بوقوع الذنب من بعض الأنبیاء علیهم السلام ونسبها إلیهم وعاتبهم علیها وهم بدورهم أخبروا بذلک عن نفوسهم وتنصلوا منها واستغفروا منها وتابوا(1).

ص:175

فکأنّما أراد القرطبی ومن سبقه أنَّ یثبتوا ویبرّروا لآدم علیه السلام خطأ ارتکبه وذنباً اقترفه إذ أنَّهُ کسائر الأنبیاء فی اقتراف الذنب والخطأ والاستغفار منه الإطلاع عنه یستحق معه اللوم والعتاب والتأنیب.

فلا یمکن القبول بالقول: إنَّ آدم قد أخطأ، أو أنَّ الله تعالی قد تعمد تخطئته لحکمة منه، فإذا کان الله عزّ وجلّ هو الذی خطأ آدم، فما ذنبه حتی یعاقبه أو یعاتبه ویجعله من أهل الغوایة علی فعله هو مجبر فیها، ألیس هذا منافیاً للعدل الإلهی والعصمة النبویة.

(2) قوله تعالی:(هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِیَسْکُنَ إِلَیْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِیفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَیْتَنا صالِحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشّاکِرِینَ * فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکاءَ فِیما آتاهُما فَتَعالَی اللّهُ عَمّا یُشْرِکُونَ * أَ یُشْرِکُونَ ما لا یَخْلُقُ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ * وَ لا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ) (الأعراف/ 189-192).

استدل المخطئة لعصمة الأنبیاء علیهم السلام بقوله تعالی:(فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکاءَ) (الأعراف/ 190)، إذ قالوا: إن ضمیر التثنیة فی کلا الموردین یرجع إلی آدم وحوّاء المشار لهما فی صدر الآیة المبارکة.

ولذا نری أنَّ الزمخشری یستحسن الرأی الذی یذهب إلی أنَّ الضمیر یعود إلیهما ولأعقابهما الذین - بحسب ما یری الزمخشری - اقتدوا بهما فی الشرک، إذ أنَّ صنیع الشرک فی الآیة هو تسمیة أولادهم الأربعة بعد مناف وعبد العزی وعبد قصی وعبد الدار مکان عبد الله وبعد الرحمن وعبد الرحیم(1).

ص:176

ولا أدری من أین جاء وجه الاستحسان بجعل النبیّ آدم علیه السلام مشرکاً، فهذا توجیه بعید عن حقیقة النبوة والعصمة والاصطفاء کما یقول تعالی:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ) (آل عمران/ 33).

ولا یکاد یختلف الرازی عن الزمخشری وغیره من القائلین بجزئیة العصمة، عندما یذهب إلی أنّ مراد الآیة یقتضی صدور الشرک عنها، ثم زاد فی الطین بلّة باعتماده نصوص روائیة(1) فی دفع الآیة باتجاه معنی یؤکد الفهم القائم علی ظاهرها والموصی بوقوع الخطأ إذ یقول: (ثم قالوا إنّ إبلیس لما أنَّ حملت حواء عرض لها ولد فقال لها: إن أحببت أنَّ یعیش ولدک فسمیه بعبد الحارث، کان إبلیس یسمی الحارث فلما ولدت سمته بهذه التسمیة، فلذا قال الله تعالی:(فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکاءَ فِیما آتاهُما فَتَعالَی اللّهُ عَمّا یُشْرِکُونَ)2 (الأعراف/ 190).

(3) قوله تعالی:(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطانُ لِیُبْدِیَ لَهُما ما وُورِیَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاکُما رَبُّکُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَکُونا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونا مِنَ الْخالِدِینَ * وَ قاسَمَهُما إِنِّی لَکُما لَمِنَ النّاصِحِینَ * فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَکُما إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُما عَدُوٌّ مُبِینٌ * قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ * قالَ اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلی

ص:177

حِینٍ) (الأعراف / 19-24).

هذه واحدة من الآیات التی استدل بها المخطئون لعصمة الأنبیاء إذ قالوا إن النَّبی آدم علیه السلام استحق اللوم والعتاب والتوبیخ هنا لمخالفته أمر منهی عنه وهذا نوع من الإخلال بالعصمة.

قال الزمخشری (عتاب عن الله تعالی وتوبیخ وتنبیه علی الخطأ حین لم یتحذرا مما حذرهما الله من عداوة إبلیس، وروی أنّه قال لآدم علیه السلام ألم یکن لک فیما منحتک من شجر اللجنة مندوحة من هذه الشجرة؟ فقال: بلی وعزتک ولکن ما ظننت أنَّ أحداً من خلقک یحلف بک کاذباً، قال: بعزّتی لأحبطنک إلی الأرض ثم لا تتناول العیش إلاّ نکداً)(1).

ویذهب مُحَمَّد رشید رضا إلی إثبات وقوع ما یوجب العتاب من آدم علیه السلام إذ إنّه قد ارتکب ما یوجب عتابه ولومه إذ یری أنَّ الاستفهام فی قوله تعالی (أَ لَمْ أَنْهَکُما) (الأعراف/ 22) للعتاب والتوبیخ، أی وقال لهما ربهما الذی یربیها فی طور المخالفة والعصیان کما یربیها فی حال الطاعة والإذعان (أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ)2 (الأعراف/ 22).

وزعم البیضاوی أنَّ الآیة بصدد إثبات أنَّ آدم علیه السلام لم یلتزم بما نهی عنه وانجر وراء قول إبلیس فالآیة (عتاب علی مخالفة المنهی عنه، وتوبیخ علی الاغترار بقول العدو، وفیه دلیل علی أنَّ مطلق النهی للتحریم)(2).

ص:178

ویبدو لنا أنَّ هذا لا یصحّ فی حق الأنبیاء علیهم السلام وهم عقلاء البشر وأصحهم إدراکاً وأصفاهم نفساً، فلا یمکن أنَّ یکونوا - ومنهم آدم علیه السلام - عاجزین عن إدراک ما یفعله ویدرکه سائر الناس ولاسیما فیما له مساس بإدراک جهات الحسن والقبح، فعلیه لا یمکن أنَّ یکون آدم علیه السلام قد إرتکب نهیاً تحریمیاً استحق بموجبه صفة العصیان.

(هود/ 46) یدل علی أنّه لم یکن ابناً، وإذا کان کذلک کان قوله (إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی) (هود/ 45) کذباً فهو معصیة.

الثانی: أنَّ سؤال نوح علیه السلام کان معصیة لثلاث آیات:

(أ) قوله: (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ) (هود/ 46).

(ب) قوله خبراً عن نوح (قالَ رَبِّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَسْئَلَکَ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِی وَ تَرْحَمْنِی أَکُنْ مِنَ الْخاسِرِینَ) (هود/ 47).

(ج) قوله:(إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ)1 (هود/ 46).

والظاهر أنَّ فی قوله (فَلا تَسْئَلْنِ) (هود/ 46) نهیاً عمّا لم یقع بعد قول نوح بعد استماع خطابه سبحانه (رَبِّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَسْئَلَکَ ما لَیْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ) (هود/ 47) ولو کان سأل شیئاً من قبل لکان علیه أنَّ یقول: أعوذ بک مما سألت، وأما طلب الغفران فی قوله:(وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِی وَ تَرْحَمْنِی أَکُنْ مِنَ الْخاسِرِینَ) (هود/ 47)، فمحصله أنَّ هذا کلاماً صورته التوبة وحقیقته الشکر علی ما أنعم الله علیه من التعلم والتأدب.

فلا یکون هذا خطأ منه علیه السلام أو یکون ما فیه موجب لعتابه ولومه.

والقرطبی یری أنَّ ما ذهب إلیه نوح علیه السلام هو جزء من ذنوب الأنبیاء علیه السلام فیقول (وهذه ذنوب الأنبیاء علیهم السلام فشکر الله تذلله وتواضعه)(1).

ص:180

فیه من العلوم والنور(1).

ثم إنّ الرازی یرجح أنَّ یکون قول إبراهیم علیه السلام هذا کان علی وجه الاعتبار والاستدلال لا علی وجه الإخبار ولذلک فإنّ الله تعالی لم یذم إبراهیم علیه السلام(2).

ویری البیضاوی أنَّ قوله هذا کان باعث الاستدلال علی قومه لإرشادهم للحق وإبعادهم عن الظلام لأنّ البیضاوی یری أنّ أباه وقومه کانوا یعبدون الأصنام والکواکب فأراد أنَّ ینبههم عن ضلالتهم ثم أنّه یری أنَّ ما وقع من إبراهیم علیه السلام کان زمان المراهقة أو أبان البلوغ(3).

ویبدو أنَّ هذا وإن کان فیه نوع تنزیه للنّبی علیه السلام إلاّ أنّه من جانب آخر یطعن فی عصمته من جهة کفر أبیه أنَّ ثبت أنّه أبوه وفی جانب آخر یکیل الطعن من أنَّ النّبی زمن المراهقة لیس له سیطرة علی فکره وعقیدته وهذا باطل لأنّ إبراهیم علیه السلام من المصطفین الأخیار والمجتبین الأبرار المصونین قبل النبوة وخلالها.

وفی التسهیل یری أحد الوجهین أمّا أنَّ یکون ما صدر منه قبل التکلیف أو بعده والثانی یکون معه قوله علی سبیل الرد علیهم والتوبیخ لهم(4).

وکلا الوجهین قد لا یصح لأنّه لا فرق فی کونه مسدداً بالوحی سواء قبل البلوغ أو بعده فهو لا ینطق عن هوی.

ص:182

ومثله ما یحکیه فی الجواهر الحسان عن ابن عباس إذ یری أنَّ هذا واقع حال صباه وقیل بلوغه سنّ التکلیف ویحتمل کذلک أنّها وقعت بعد بلوغه وکونه مکلفاً(1).

فی حین یری صاحب مراح لبید أنَّ هذا منه کان علی وجه المجاراة مع قومه لأنّهم کانوا یعبدون الأصنام والکواکب(2).

وهذا غیر لائق بساحته علیه السلام لأنّه لا یجاری أحد علی حساب الهدی فالأنبیاء مسلکهم واضح وطریقهم قویم لا اعوجاج فیه ولا مهادنه لأنّهم یمثلون الصراط القویم والموقف الحق.

وهذا المعنی نقرأه عند الزمخشری إذ ذهب إلی أنَّ موسی علیه السلام عندما نسب قتل الکافر إلی عمل الشیطان وسماه ظلماً لنفسه واستغفر منه؟ لأنّه قتل قبل أنَّ یؤذن له فی القتل فکان ذنباً یستغفر منه، ثم أنّه یؤید ما ذهب إلیه بقول ابن جریح من أنّه لیس لنبی أنَّ یقتل ما لم یُؤمر(1).

وأما الفخر الرازی فنقل أنَّهُ قد احتج بهذه الآیة من طعن فی عصمة الأنبیاء علیهم السلام من وجوه(2):

(أحدها): إنّ ذلک القبطی أمّا أنَّ یقال إنّه کان مستحق القتل أو لم یکن کذلک، فإن کان الأول فلم قال (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ) (القصص/ 15) ولم قال:(رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی فَاغْفِرْ لِی فَغَفَرَ لَهُ) (القصص/ 16) ولِمَ قال فی سورة أخری (فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضّالِّینَ) (الشعراء / 20)، وإن کان الثانیَ وهو أنَّ ذلک القبطی لم یستحق القتلِ کان قتله معصیة وذنباً.

(ثانیها): إنَّ قوله:(وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ) (القصص/ 15) یدل علی أنّه کان کافراً حربیاً فکان دمه مباحاً فلِمَ استغفر عنه، والاستغفار عن الفعل المباح غیر جائز لأنّه یوهم فی المباح کونه حراماً.

(ثالثها): إنّ الوکز لا یقصد به القتل ظاهراً فکان ذلک القتل قتل خطأ، فلِمَ استغفر منه.

وأجاب الرازی عن ذلک:

أمّا الأول: فلا یجوز أنَّ یقال إنّه کان لکفره مباح الدم، أما قوله: (هذا

ص:184

مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ) (القصص/ 15) ففیه وجوه: أحدها: لعلّ الله تعالی وأن أباح قتل الکافر إلاّ أنّه قال الأولی تأخیر قتلهم إلی زمان آخر، فلمّا ترک المندوب من عمل الشیطان(1).

وهذا الوجه ضعیف سواء بصیغة الرازی أم ما نقل عن ابن جریج، لأنّه مبنی علی کون القتل عمداً وهو لم یثبت وعلی فرض العمد فالعدو کان مستحقاً للقتل ولیس فی الآیات أیُّ إشارة إلی أنّه علیه السلام قد عمل فی ذلک لیکون الاستعمال من عمل الشیطان کما أنّه علی فرض استحقاق القتل فهذا یعنی أنَّ الأمر موجود فکیف ذهبوا إلی أنّه لم یؤمر بذلک.

ذکر البغوی فی تفسیره حدیثاً عن عمر بن میمون قوله: اثنان فعلهما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یؤمر بهما: إذْنُه للمنافقین، وأخذه الفدیة من أساری بدر؛ فعاتبه الله(1).

ویبدو أنَّ هذا مخالفاً لقوله تعالی فی حق نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم:(وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی) (النجم/ 3) أما الزمخشری فیری أنَّ ذلک خطأً فی الاجتهاد؛ لأنهم نظروا فی أنَّ استبقاءهم ربما کان سبباً فی إسلامهم وتوبتهم، وأن فداءهم یتقوّی به علی الجهاد فی سبیل الله وخفی علیهم أنَّ قتلهم أعز للإسلام واهیب لمن وراءهم وأقل لشوکتهم(2).

وهنا الزمخشری لم ینزّه فی هذه القضیة غیر أبی بکر وسعد بن معاذ کما هو فی تفسیره الکشّاف، فخطّئ النَّبی کأحد الصحابة ثم أنّه أبلغ فی تخطئة النّبی صلی الله علیه وآله وسلم بقوله: (فخفی علیهم) وهل یخفی علی رسول الله خافیة وهو مسدد بروح القدس فی کل آن.

ویری الفخر الرازی أنّهم تمسکوا بالاستدلال علی خطأ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم من ثلاث أوجه:

(الأول) قوله تعالی:(ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری) (الأنفال/ 67) وذلک یقتضی استبقاء الأسری محرماً.

(الثانی) قوله تعالی:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا) (الأنفال/ 67) وذلک مذکور

ص:186

فی معرض الذم.

(الثالث) قوله تعالی:(لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ) (الأنفال/ 68).

وفی معرض الرد یری الرازی أنَّ العتاب کما یأتی علی ترک الواجب فقد یأتی علی ترک الأولی أیضاً والأولی فی ذلک الوقت الاثخان وترک الفداء قطعاً للاطماع وحسماً للنزاع ولولا أنَّ ذلک من باب الأولی لما فوض النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم ذلک علی الأصحاب، وهذا هو العذر عن قوله:(ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری) (الأنفال/ 67).

فأما قوله:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا) (الأنفال/ 67) فهو خطاب جمع فیصرف ذلک إلی القوم الذین رغبوا فی المال، وأما قوله:(لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللّهِ) (الأنفال/ 68) فمعناه لولا ما سبق من تحلیل الغنائم لعذّبکم بسبب أخذکم هذا الفداء(1).

وبعد أنَّ یری القرطبی أنَّ الآیة نزلت عتاباً وتوبیخاً لأصحابه صلی الله علیه وآله وسلم ویری أنَّ ذکر النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم فیها جاء نتیجة ترک تنبیهه عن ذلک فی حین کره ذلک سعد بن معاذ وعمر بن الخطاب وعبد الله بن رواحه، ولکنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم شغله بغت الأمر ونزول النصر فترک النهی عن الاستبقاء(2).

ویبدو لنا أنَّ هذا تجنیاً سافراً علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ

ص:187

إنَّ الصحابة تری الصواب فی الأمر ولا یراه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنّه شغله النصر وزهوه من دونهم سفدفعه زهو الدنیا أنَّ ینسی ما به حیاة أمته وبقاؤها.

(الآیة الثانیة) قوله تعالی:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43).

استدلوا بهذه الآیة المبارکة علی أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم لو لم یصدر منه الذنب لما کان هناک نوع من العفو الذی أشار إلیه قوله تعالی:(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) فهو ظاهر فی العتاب(1).

ونقل الطوسی رحمه الله عن أبی علی الجبائی قوله: (إنّ فی الآیة دلالة علی أنَّ النّبی صلی الله علیه وآله وسلم کان وقع منه ذنب فی هذا الإذن..)(2).

ویری البیضاوی أنَّ العفو فی الآیة المبارکة کنایة عن خطائه صلی الله علیه وآله وسلم فی الإذن، فإنّ العفو من روادفه ثم أنَّهُ یری أنَّ الله سبحانه وتعالی عاتب نبیّه صلی الله علیه وآله وسلم صراحة فی قوله (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) بیان لما کنی عنه بالعفو ومعاتبته علیه(3).

ویری الرازی أنَّ هذا تلطفاً فی المخاطبة بعد أنَّ یَعْرض استدلال المخطئون للأنبیاء علیهم السلام بأنّ العفو فی (عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة/ 43) لا یکون إلاّ بعد الذنب(4).

ص:188

فیعتذر إلیهم، فیأتون إبراهیم علیه السلام، فیقولون: یا إبراهیم أنت نبیّ الله وخلیله اشفع لنا إلی ربّک، أما تری ما نحن فیه؟ فیقول لهم إنَّ ربی قد غضب غضباً لم یغضب قبله مثله، ولم یغضب بعده مثله وإنّی قد کذبت ثلاث کذبات، نفسی نفسی، اذهبوا إلی غیری)(1).

وهذا دلیل علی أنَّ الأنبیاء علیهم السلام فی معتقدهم یکذبون والذی یصدر منه الکذب لا یکون معصوماً، فکیف یجوز علی الله تعالی أنَّ یرسل رسلاً کذابین، وروی الفخر الرازی أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: ((ما کذب إبراهیم إلا ثلاث کذبات، قوله: إنّی سقیم، وقوله: بل فعله کبیرهم هذا، وقوله لساره: إنّکِ أختی وهو کذب))(2).

ولهذا ورد فی الجامع الصحیح عن أبی هریرة قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ((لم یکذب إبراهیم علیه السلام فی شیء قط إلا ثلاث: قوله: (إنی سقیم) ولم یکن سقیماً، وقوله لساره (أختی) وقوله: (بل فعله کبیرهم هذا)(3).

ومما یدل علی کذب الأنبیاء علیهم السلام عندهم أیضاً ما رواه الإمام مسلم فی صحیحه عن موسی بن طلحة عن أبیه قال: (((مررت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوم علی رؤوس النخل فقال: ما یصنع هؤلاء، فقالوا یلقحونه، یجعلون الذکر فی الأنثی فتلقح فقال رسول الله صلی الله علیه

ص:190

وآله وسلم: ما أظن یغنی ذلک شیئاً، قال: فأخبروا بذلک فترکوه فأخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذلک، فقال: إن کان ینفعهم ذلک فلیصنعوه، فإنی الا ظننت ظناً فلا تؤاخذونی بالظن، ولکن إذا حدثتکم عن الله شیئاً فخذوا به فإنی لن أکذب علی الله عزّ وجلّ (1).

والذی یبدو فی ذلک أنَّ النّبی صلی الله علیه وآله وسلم عندهم جائز أنَّ یکذب علی غیر الله عزّ وجلّ.

ولهذا أخذ منها القصاصون فانتشر الکذب علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(2).

سلّم))(1).

ومنها: ما تشیر إلی أعراضه صلی الله علیه وآله وسلم عن عبادة رَبِّه وإهمالها والاشتغال عنها بغیرها من أمور الدنیا.

روی فی الصحیحین أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم صلی بالناس صلاة رکعتین ودخل حجرته ثم خرج لبعض حوائجه، فذکرّه بعض فأتمها(2).

وذهبوا إلی أبعد من ذلک حین جوّزوا صدور السب والشتم منه صلی الله علیه وآله وسلم إلی بعض أصحابه، أخرج السیوطی فی حدیث صحیح قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

((إنّما أَنَا بشر، وأنی اشترطت علی رَبِّی عَزّ وجلّ: أی عبد من المسلمین شتمته أو سببته أنَّ یکون ذلک له زکاة وأجراً))(3) فکیف یجوز علی الله أنَّ یرسل للناس أنبیاء لا یتورعون عن السب والکذب.

وسلم وعندی جاریتان تغنیان بغناء بعاث، فاضطجع علی الفراش وحول وجهه، فدخل أبو بکر فانتهرنی وقال: مزمارة الشیطان عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فاقبل علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال: دعها، فلما غفل، غمزتهما فخرجتا(1).

وکذا ما یروی عنها قالت - أی عائشة - وکان یوم عید إلی قوله... تشتهین تنظرین، فقالت: نعم، فأقامنی وراءه خدی علی خده)(2).

هذا ما یروی فی أصح الکتب عند أهل السنة من أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم یتلذذ بسماع مزامیر الشیطان حتی أنَّهُ یضع خدّه علی خد عائشة وأنّ أبا بکر ینکر ذلک علیهم ألیست هذه المزامیر من عمل الشیطان؟ وإن کانت کذلک فکیف یرضی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم بعمل الشیطان، وفی هذا دلالة واضحة علی انتقاصهم للأنبیاء علیهم السلام ونفی تمامیّة عصمتهم.

ومنها: ما روی عن برید قال: خرج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بعض مغازیه، فلما انصرف جاءت جاریة سوداء، فقالت: یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنی نذرت إن ردّک الله سالماً، أنَّ أضرب بین یدیک بالدف وأتغنّی، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إن کنت نذرت فاضربی وإلاّ فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بکر وهی تضرب ثم دخل علی وهی تضرب ثم دخل عثمان وهی تضرب ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت إستها ثم قعدت علیها، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّ الشیطان لیخاف منک یا عمر إنّی

ص:193

کنت جالساً وهی تضرب، فدخل أبو بکر وهی تضرب ثم دخل علیٌّ وهی تضرب، ثم دخل عثمان وهی تضرب، ثم دخلت أنت یا عمر فألقت الدف(1).

ویبدو لنا أنَّ الروایة لا تحتاج إلی عنایة فی کشف زیفها وفضح أمرها إذ لیس من المعقول أنَّ یکون صاحب الشریعة والمأمور علی حفظها أنَّ یخالف ما أمر به أو یناقض نفسه إذ إنّهُ صلی الله علیه وآله وسلم بیّن حرمة النذر الحرام وأنه غیر معتقد هذا من جهة ومن جهة أخری أیعقل أنَّ یخشی الشیطان صحابیاً مجرداً ویهرب منه ولا یخشی النَّبی الأعظم ویتجنبه بل کیف یعقل أنَّ یرضی النَّبی بالاستماع إلی المحرم الذی نهی عنه - أی الغناء - فلا یبقی إلاّ أنَّ هذه الروایة من الموضوعات للإخلال بعصمة الأنبیاء علیهم السلام.

یستیقظ، ثم استیقظ عمر، فقام عند نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم فجعل یکبر ویرفع صوته حتی استیقظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فلما رفع رأسه ورأی الشمس قد بزغت، قال: ارتحلوا فسار بنا حتی ابیضت الشمس نزل فصلّی بنا الغداة(1) أی الصبح.

والروایة لا تزید عن سابقاتها فی فداحة کذبها وافترائها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذ إنّها فی معرض بیان فضائل الصحابة علی رسول الله وأَنَّهُ بشر عادی لیس له فضل علی غیره إذ یکون عمر وأبو بکر أحرص منه علی صلاة الصبح متغافلین عن إحاطة الوحی به وتسدیده له.

والأنکی من ذلک أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم صلی إحدی صلواته من دون وضوء وعن نومٍ فی روایة ابن عباس کما فی الصحیح، قال:

(إنَّهُ بات عند خالته میمونه، فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من اللیل فتوضأ، ثم صلّی، ثم اضطجع فنام حتی نفخ - أی حتی غط فی النوم - ثم أتاه بلال فأذنه بالصلاة فخرج فصلّی الصبح ولم یتوضأ، قال: سفیان وهذا للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم خاصة(2).

ویبدو من خلال النص أنّهم نسبوا إلی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم النسیان باعتبار أنَّهُ صلّی عن نوم وکذا هم أرادوا منه صلی الله علیه وآله وسلم أنَّهُ قد تلاعب فی التشریع إذ إنه تجاهل الطهارة وباعتبار أنَّ الصلاة مشروطة بها فعمله هذا بحسب زعمهم منافٍ للتشریع الذی یکون منافیاً للعصمة.

ص:195

وذلک مما تمنع منه الأدلة القاطعة علی أنَّهُ لا یجوز علیه السهو والغلط (1).

الله موسی علیه السلام من أنَّهُ لطم ملک الموت لما جاء لقبض روحه علیه السلام ففقأ عینه، فکیف یجوز أنَّ ینسب هذا إلی موسی علیه السلام مع علو مکانته وشرافته ثم أنَّهُ کیف لنبیّ الله أنَّ یوقع الأذی بملک الموت وهو مأمور من الله سبحانه بقبض روحه.

عن أبی هریرة أنَّهُ قال: (أرسل ملک الموت إلی موسی علیه السلام فلما جاءه صکّه، فرجع إلی ربّه، فقال أرسلتنی إلی عبد لا یرید الموت، قال: أَرْجِع إلیه، فقل له یضع یده علی متن ثور، فله بما غطت یدهُ بکل شعرة سنة، قال: أی رَبّ، ثم ماذا؟ قال ثم الموت، قال: فالآن، قال: فاسأل الله أنَّ یُدنیهُ من الأرض المقدسة، رمیة بحجر).

قال أبو هریرة: ((قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لو کنت ثمّ لأریتکم قبره إلی جانب الطریق تحت الکثیب الأحمر))(1).

وفی روایة أخری عن أبی هریرة... قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جاء ملک الموت إلی موسی علیه السلام فقال له أجب ربّک. قال: فلطم موسی علیه السلام عین ملک الموت ففقأها، قال: فرجع الملک إلی الله تعالی، فقال: أرسلتنی إلی عبد لا یرید الموت، وقد فقأ عینی، قال: فرّد الله إلیه عینه(2).

وکیف یجوز ذلک علی موسی علیه السلام وقد اختاره الله لرسالته؟ وائتمنه علی وحیه؟ وأثره بمناجاته؟ وجعله سادة رسله؟ وکیف یکره الموت هذا مع شرف مقامه ورغبته فی القرب من الله تعالی والفوز بلقائه وما ذنب ملک الموت

ص:198

علیه السلام؟ وإنما هو رسول الله إلیه...(1).

المطلقة وإنما یرد علیهم ما یرد علی غیرهم من بنی البشر علی الرغم من کونهم أنبیاءً أو رسلاً علیهم السلام.

وقد نقل ابن حزم اختلافهم فی ذلک فقال: (اختلف الناس هل تعصی الأنبیاء أم لا؟ فذهبت طائفة إلی أنّ رسل الله علیهم السلام یعصون الله تعالی فی جمیع الکبائر والصغائر عمداً حاشا الکذب فی التبلیغ فقط، وهذا قول الکرامیة من المرجئة، ویقول ابن الطیّب والباقلانی من الاشعریة ومن اتبعه وهو قول ذهبت إلیه الیهود والنصاری من قبل، وسمعت من یحیی عن بعض الکرامیة أنَّهم یجیزون علی الرسل علیهم السلام الکذب فی التبلیغ أیضاً، وأما هذا الباقلانی فإنّا رأینا فی کتاب صاحبه أبی جعفر السمانی قاضی الموصل أنَّهُ کان یقول: إن کل ذنب دق أو جل فإنّه جائز علی الرسل حاشا الکذب فی التبلیغ فقط، فقال: وجائز علیهم أنَّ یکفروا..)(1).

ویبدو أنَّ هذا هو منطق کل من ذهب إلی إمکان صدور الذنب من المعصومین علیهم السلام وهو الذی دعی الغزالی، إلی تبنیّ هذه الفکرة إذ إنّه یورد اختلاف الفقهاء فی المسألة فیقول: أما جوازه - أی صدور الذنب - فقد أطبقت المعتزلة علی وجوب عصمة النَّبی علیه السلام عقلاً عن الکبائر تعویلاً علی أنَّهُ یورث التنفیر وهو مناقض لغرض النبوّة ثم بعد ذلک أنَّهُ یختار ما یتبناه فیقول:

(والمختار ما ذکره القاضی وهو أنَّهُ لا یجب عقلاً عصمتهم إذ لا یستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا ینظر العقل ولیس هو مناقضاً لمدلول المعجزة، فإنّه مدلول صدق اللهّجة فیما یخبر عن الله تعالی فلا جرم ولا یجوز وقوع الکذب

ص:201

فیما یخبر به عن الرّب تعالی)(1).

وهذا ما ینکره علی الشیعة، إذ إنهم اجمعوا علی أنَّ الأنبیاء لا یخطئون ولا یعتریهم السهو والنسیان وهم مجمعون علی أنهم معصومون فی أمور الدین والدنیا(2).

ومنهم من یقول بوجوب أنَّ یکون النَّبی معصوماً من القبائح صغیرها وکبیرها قبل النبوة وبعدها علی طریق العمد والنسیان وعلی کل حال(3).

ومن الأدلة علی ذلک:

(1) ما یستدل القاضی عبد الجبار حینما ینسب المعصیة للأنبیاء علیهم السلام من جهة ارتکابهم الصغائر، لأنّه یعلل ذلک بأنّ الصغائر لیس لها حظ إلاّ فی تقلیل الثواب من دون التنفیر، لانّ قلة الثواب ممّا لا یقدح فی صدق الرسل ولا فی القبول منهم(4).

وهذا ما فیه من فداحة القول تجاه العصمة التی امتاز بها أنبیاء الله ورسله علیهم السلام إذ أنَّ صدور الذنب ولو صغیراً منهم یوجب زوال الثقة بصدق أقوالهم.

ص:202

(2) وفی المواقف یری أنَّهُ قد أجمع أهل الملل والشرائع علی عصمتهم عن تعمد الکذب فیما دلت المعجزة علی صدقهم فیه کدعوی الرسالة وما یبلغونه عن الله تعالی وفی جواز صدورهم عنهم علی سبیل السهو والنسیان خلاف فمنعه الأستاذ وکثیر من الأئمة لدلالة المعجزة علی صدقهم وجوّزه القاضی أبو بکر الباقلانی(1).

(3) وممّا استدّل به أیضاً علی نفی عصمتهم علیهم السلام عقلاً ما ذکره الإحسائی إذ نسب القول علی بعض الناس فقال: (ومن الناس من لم یجوّز الکفر علی الأنبیاء لکنّهم جوّزوا إظهار الکفر تقیة بل أوجبوه، لأنّ إظهار الإسلام إذا کان مفضیاً إلی القتل کان إلقاءً للنفس إلی التهلکة وإلقاء النفس إلی التهلکة حرام لقوله تعالی:(وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ) (البقرة/ 195) وإذا کان إظهار الإسلام حراماً کان إظهار الکفر واجباً)(2).

ویبدو أنَّ المستدل قد غفل عن قوله تعالی:(وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ) (المائدة/ 67) إذ إنّ التسدید الإلهی مع الأنبیاء علیهم السلام وهو الحافظ لهم وأنّه تعالی مصدر قوتهم وعزتهم ومواقف الأنبیاء علیهم السلام مع سائر الظلمة یثبت ذلک هذا من جهة ومن جهة أخری إذا أظهر النَّبی الکفر فیدل ذلک علی أنَّ المجتمع المتأثر به سیصبح کافراً وهذا لا یتحمله العقل.

(4) ما ینقله الإحسائی عن الفضل بن روزبهان من (أن الإنسان لما خلق من الأرض ونشأ منها فلا یخلو عن الکدورات الترابیة التی تقتضی الذنب والغفلة فکان بعض الذنوب تصدر بحسب مقتضی الطبع ولما لم یکن خلاف ملکه العصمة

ص:203

فلا مؤاخذة به)(1).

ویبدو فی عبارته نوع من التضاد والتسامح فی فهم العصمة من قوله (ولما لم یکن...) لأنه کیف نتصور العصمة مع إمکان صدور الذنب منه أو الغفلة، فالعبارة فیها تأمل..

(5) واستدل کذلک فی حقائق المعرفة علی نفی عصمتهم علیهم السلام مطلقاً بل أنهم ینالون جزء العصمة إذ یقول فأما فی سائر أفعالهم فی غیر بتبلیغ الرسالة فإنّه یجوز علیهم النسیان والغفلة والخطأ فی التأویل والعجلة وقد ذکر الله عنهم ذلک وذکر توبتهم منه وندمهم وإقلاعهم واستغفارهم ثم یقول: لا یقال أنَّ النَّبی معصوم عن المذمومات والمعاصی جمیعها لأنَّهُ لو کان کذلک لم یکن له ثواب فی لزمه لنفسه عن المحرّمات ولما کان محموداً فی ترک إتباع الشهوات، ولما کان یوسف علیه السلام فی لزمِهِ لنفسهِ عن إمرأة العزیز محموداً، وقد قال تعالی:(وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأی بُرْهانَ رَبِّهِ) (یوسف/ 24)، فصح أنَّهُ لزم نفسه عنها، لا عن عصمةٍ، ولا تقل إن الله عصمه منها.

بل نقول: إن الأنبیاء مخیرّون متمکنون کغیرهم من الآدمیین بل إنهم أقوی علی نفوسهم وعلی لزمها من المحرمات لما شاهدوا من الدلائل والمعجزات(2).

(6) وأما الاشاعرة فإنهم یرون أنَّ الأنبیاء علیهم السلام مکلفون بترک الذنوب مثابون به ولو کان الذنب ممتنعاً عنهم لما کان کذلک، إذ لا تکلیف بترک الممتنع ولا ثواب علیه، وکذلک قوله (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحی إِلَیَّ)

ص:204

(الکهف/ 110) یدل علی مماثلتهم لسائر الناس فیما یرجع إلی البشریة والامتیاز بالوحی لا غیر فلا یمتنع صدور الذنب عنهم کما فی سائر البشر، هذا مذهب الأشاعرة ومن تأمّل فیه علم أنَّهُ الحق الصریح المطابق للعقل والنقل(1).

(7) اختار الغزالی مذهب القاضی عبد الجبار فی نفی عصمتهم عقلاً ودلیله علی ذلک أنَّهُ (لا یستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا ینظره، ولیس هو مناقضاً لمدلول المعجزة فإن مدلوله صدق اللهجة فیما یخبر عن الله تعالی لا عمداً ولا سهواً ومعنی التنفیر باطل فإنّه یجوز أنَّ ینبیء الله تعالی کافراً یؤیده بالمعجزة)(2).

ص:205

أو إرشادی وهو أنَّ ینطلق المولی فیه بتوجیه النصح والإرشاد والعظة والهدایة فیترک اختیار أحد الجانبین من الفعل والترک للمخاطب(1).

والآیات الواردة فی سورة (طه) تکشف النقاب عن نوعیة هذا النهی، وتصرّح بأن النهی کان إرشادیاً لصیانة آدم عما یترتب علیه من الآثار المکروهة والعواقب غیر المحمودة، ومن أجل تنزیه مقام النَّبی آدم علیه السلام ذهب علماء الإمامیة ومتکلموه القائلون بالعصمة المطلقة إلی توجیه هذه الآیات المنسوبة إلی آدم علیه السلام بما یناسب مقام آدم علیه السلام شرافته وعصمته کما جاء ذلک علی لسان الشریف المرتضی رحمه الله وغیره من علمائهم، إذ أنَّهُ - أی المرتضی - لا یری أنَّ آدم علیه السلام قد خالف الأمر الإلهی المتوجه إلیه وإنّما هو کان تارکاً لنفل ومعه لا یکون عاصیاً أو فعل قبیحاً.

إذ قال: (أما المعصیة فهی مخالفة الأمر والأمر من الحکیم تعالی قد یکون بالواجب والمندوب معاً، فلا یمتنع علی هذا أنَّ یکون آدم علیه السلام مندوباً إلی ترک التناول من الشجرة، ویکون بمواقعتها تارکاً نفلاً وفضلاً وغیر فاعل قبیحاً، ولیس یمتنع أنَّ یسمی تارک النفل عاصیاً کما یسمی بذلک تارک الواجب)(2).

وبعد هذا البیان لا یمکن القبول بالقول أنَّ آدم قد أخطأ أو أنَّ الله تعالی قد تعمّد تخطئته لحکمة منه، فإذا کان الله عزّ وجلّ هو الذی خطأ آدم، فما ذنبه حتی یعاقبه ویجعله من أهل الغوایة.

ولو عدنا إلی الآیة التی قالوا إنها جاءت فی مورد عتاب له علیه السلام

ص:209

وهی قوله تعالی:(أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ) (الأعراف/ 22) نجد الشریف المرتضی رحمه الله یوجهها انطلاقاً من الخصائص البلاغیة المتفردة للأسلوب القرآنی بقوله (أمّا النهی والأمر فلیس یختصان عندنا بصیغة لیس فیها احتمال ولا اشتراک وقد یؤمر عندنا بلفظ النهی وینهی بلفظ الأمر فإنّما یکون النهی نهیاً بکراهة المنهی عنه فإذا قال تعالی:(وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (الأعراف/ 19) ولم یکره قربها، لم یکن فی الحقیقة ناهیاً کما أنَّهُ تعالی لما قال:(اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (فصلت/ 40)(وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (المائدة/ 2) ولم یرد ذلک، لم یکن أمراً فإذا کان قد صحّ قوله:(وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (الأعراف/ 19) أراد ترک التناول، فیجب أنَّ یکون هذا القول أمراً، إن سمّاه منهی عنه، ویسمّی أمره له بأنَّهُ نهی من إذ کان فیه معنی النهی، لأن النهی ترغیبٌ فی الامتناع عن الفعل وتزهیداً فی الفعل نفسه، ولما کان الأمر ترغیباً فی الفعل وتزهیداً فی ترکه، جاز أنَّ یُسمیه نهیاً)(1).

وینحی الشیخ الطوسی رحمه الله نفس المنحی بتوجیه الآیة بما یثبت العصمة المطلقة بأن آدم علیه السلام لم یرتکب قبیحاً لقیام الدلالة عنده علی عصمة من سائر القبائح صغیرها وکبیرها.

فیقول: (إنّ آدم علیه السلام لم یرتکب قبیحاً وأتی ما توجه إلیه بصورة النهی، کان المراد به ضرباً من الکراهة من دون الحظر، وإنما قلنا ذلک لقیام الدلالة علی عصمتهما من سائر القبائح صغائرها وکبائرها فعلی هذا لا یحتاج إلی أنَّ نقول أنهما تأولا فأخطأ)(2).

ص:210

أما الطبرسی رحمه الله فینحی منحی آخر فی توجیه الآیة المبارکة إذ یری أنَّ هناک نوعاً من العتاب والتوبیخ لآدم وحواء إثر ارتکاب المنهی عنه إذ قالا:(رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) (الأعراف/ 23) ومعناه بخسناها الثواب بترک المندوب، فبعد أنَّ یعتبر الظلم الذی تسبباه لأنفسهما (نقصاً) یری أنهما لم یستحقا العقاب وإنما قالا ذلک لأنّ من جلَّ فی الدین قدمه کثر علی یسیر الزلل ندمه(1).

ویری بعض المحدثین من علماء الإمامیة فی توجیه هذه الآیات (أنّها تکشف النقاب عن نوعیة هذا النهی وتصرّح بأنّ النّهی کان إرشادیاً لصیانة آدم عمّا یترتب علیه من الآثار المکروهة والعواقب غیر المحمودة قال سبحانه: (فَقُلْنا یا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَکَ وَ لِزَوْجِکَ فَلا یُخْرِجَنَّکُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقی * إِنَّ لَکَ أَلاّ تَجُوعَ فِیها وَ لا تَعْری * وَ أَنَّکَ لا تَظْمَؤُا فِیها وَ لا تَضْحی) (طه / 117-119)، فإن قوله سبحانه:(فَلا یُخْرِجَنَّکُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقی) صریح فی أنَّ إمتثال النهی هو البقاء فی الجنة ونیل السعادة التی تمتثل فی قوله: (إِنَّ لَکَ أَلاّ تَجُوعَ فِیها وَ لا تَعْری * وَ أَنَّکَ لا تَظْمَؤُا فِیها وَ لا تَضْحی) وأنّ أثر المخالفة هو الخروج من الجنة والتعرض للشقاء الذی یتمثل فی الحیاة التی فیها الجوع والعری والظمأ وحر الشمس، وذلک کلُّه یدل علی أنَّهُ سبحانه لم یتخذ لدی النهی موقف النّهی الواجب طاعته بل کان ینهی بصورة الإرشاد والنصح والهدایة وأنّه لو خالف لتتب علیه الشقاء فی الحیاة والتعب فیها)(2).

وممّا یعضد هذا الرأی الإمامی فی تنزیه آدم علیه السلام وعصمته ما رواه الشیخ الصدوق رحمه الله فی أمالیه بإسناده إلی أبی الصلت الهروی قال: ((لما جمع

ص:211

المأمون علی بن موسی الرضا علیه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والدیانات، والیهود والنصاری، والمجوس، وسائر أهل المقالات، قام إلیه علیّ بن الجهم فقال: یا ابن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبیاء؟

قال علیه السلام: بلی.

قال: فما تقول فی قول الله عزّ وجلّ (وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی) ؟ (طه/ 121).

فقال الرضا علیه السلام: ویحک یا علی، أتقِ الله ولا تنسب إلی أنبیاء الله الفواحش، ولا تؤول کتاب الله برأیک، فإنّ الله عزّ وجلّ یقول:(وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ) (آل عمران / 7).

وأما قوله عزّ وجلّ (وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی) (طه/ 121) فإنّ الله عزّ وجلّ، خلق آدم علیه السلام حجة فی أرضه، وخلیفة فی بلاده، ولم یخلقه للجنة، وکانت المعصیة من آدم فی الجنة لا فی الأرض، لتتم مقادیر أمر الله عزّ وجلّ، فلما أهبط الی الأرض جعله حجة وخلیفة وعصمة الله بقوله:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ * ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)1 (آل عمران / 33-34).

وبالتدبّر فی هذه الروایة وما یوافقها فی روایة القمی فی عیون الأخبار نجد أنَّ آدم امتاز بالعصمة والطهارة وأنّه لم یکن مخالفاً لأمر مولوی بل کان فی غایة الطاعة المطلقة وأنّه لم یستحق ذنباً لیعاقب علیه أو یؤاخذ علی فعله (وإنّما کان من الصغائر الموجبة التی تجوز علی الأنبیاء قبل نزول الوحی عیهم، فلما اجتباه

ص:212

الله تعالی وجعله نبیاً کان معصوماً لا یذنب صغیرة ولا کبیرة)(1).

هکذا أفاد أتباع مذهب أهل البیت علیهم السلام عصمة الأنبیاء ونزاهتهم من هذه الروایة وغیرها من الروایات التی کشفت الفهم الخاطئ والشبهات إلوهیة عن وجه حقیقة عصمة الأنبیاء علیهم السلام.

سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ) (هود/ 40) فاستثنی تعالی من أهله من أراد أهلاکه بالغرق، ویدل علیه أیضاً قول نوح علیه السلام:(إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ) (هود/ 45) وعلی هذا الوجه یتطابق الأمران ولا یتنافیان)(1).

ثم یقول بعد ذلک:

أما المراد من (لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ) (هود/ 46) فهو (أنّه لیس علی دینک وأراد تعالی أنَّهُ کان کافراً مخالفاً لأبیه، فکان کفره أخرجه عن أنَّ یکون له أحکام أهله)(2).

وأما عن قوله تعالی: (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ) (هود/ 46) فهناک من یری أنَّهُ لیس یمتنع أنَّ یکون نهیاً عن سؤال ما لیس لهُ به علم وإن لم یقع فیه، وأن یکون هو علیه السلام تعوّذ من ذلک وإن لم یواقعه، ألا تری نبینا صلی الله علیه وآله وسلم قد نهی عن الشرک والکفر وإن لم یتما منه..)(3).

أما طلب نوح المغفرة فیری الطبرسی رحمه الله فی قوله تعالی:(وَ إِلاّ تَغْفِرْ لِی وَ تَرْحَمْنِی أَکُنْ مِنَ الْخاسِرِینَ) (هود/ 46) أنّه (إنما قال ذلک علی سبیل التخشع والاستکانة لله تعالی وإن لم یسبق منه ذنب)(4).

وللمفسرین المعاصرین من هذه الآیات فهم لا یخرج عن الإطار العام لتأکید العصمة المطلقة.

فالشیخ مُحَمَّد جواد مغنیة یوجه الآیة المبارکة إلی منحی آخر یقدّر فیه

ص:214

أنَّ فعل النبی علیه السلام مبنی علی ظن مخالف للواقع فلا یمس بالعصمة إذ یقول (إنّ الظن المخالف للواقع لا یضرّ بالعصمة إذا کان مجرداً عن العمل لا یترتب علیه أی أثر فی الخارج لأنّه لا یکون والحال هذه أشبه بالخیال یمر بالذهن ثم یزول، کأن لم یکن علی فرض أنّ المعصوم أراد العمل بظنّه المخالف للواقع فإنّ الله سبحانه یکشف له عنه ویعصمه عن الواقع فی الخطأ)(1).

ویوجه السید الطباطبائی الآیات المبارکات بما ینزّه معه نبیّه علیه السلام من کل ما یباعده عن العصمة فیری أنَّ الرحمة الإلهیة قد أدرکته بالعصمة فیری أنَّ نوحاً علیه السلام قد (أدرکته العصمة الإلهیة وقطعت علیه الکلام، وفسّر الله سبحانه له معنی قوله فی الوعد: (وأهلک) أنَّ المراد به الأهل الصالحون ولیس الابن الصالح، وقد قال تعالی من قبل (وَ لا تُخاطِبْنِی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود/ 37) وقد أخذ نوح علیه السلام بظاهر الأصل أنَّ المستثنی منه هو امرأته الکافرة فقط)(2).

ویلاحظ علی صاحب التفسیر الأمثل أنَّهُ یوجه الآیات المبارکات توجیهاً آخر بما یستبطن القول بصدور ما یستدعی الاعتذار والاستغفار وإن کان لا یخالف العصمة، قال: (فأحسّ نوح أنَّ طلبه هذا من ساحة رحمة الله لم یکن صحیحاً ولا ینبغی أنَّ یتصور تجاه ولده ممّا وعد الله به نجاة أهله، لذلک توجه إلی الله معتذراً مستغفراً)(3).

ص:215

لذهابه بلا أذن من ربه(1).

وهذا ما تابعه علیه صاحب تفسیر الأمثل الذی یری أنَّ (من المسلّم أنَّ هذه لملامة لم تکن بسبب ارتکابه ذنباً کبیراً أو صغیراً وإنما بسبب ترکه العمل بالأولی واستعجاله فی ترک قومه وهجرانهم)(2).

لأهلها، فحکم بین الفریقین بالحق، وعوتب علی محبّة موافقة الحکم لأهل امرأته، فلیس هذا أیضاً بشیء لأن هذا المقدار الذی ذکروه لیس بشیء یقتضی عتاباً)(1).

ویخالفه صدر المتألهین ذلک فیری حصول ما یستدعی الاستغفار فیقول: (بأنّ الافتنان الذی حصل لسلیمان علیه السلام والذی کان نتیجته الاستغفار هو عمله بترک الأولی فلذا استغفر وتاب)(2).

وأید الشیخ مغنیة رحمه الله هذا المنحی فی توجیه الآیة إذ یری أنَّ الآیة توحی بأن هناک شیئاً صدر من النَّبی علیه السلام استحق لأجله اللوم والعتاب الذی تاب علی أثره، إلاّ أنَّهُ یحدّده بأنَّهُ لا یخرج عن نطاق ترک الأولی فلا یکون معصیة وأنّ التوبة لذلک لا عن حصول المعصیة فیقول: (ومهما یکن فقد تاب سلیمان مما حدث منه کما تاب غیره من الأنبیاء ثم یقول - وتجدر الإشارة إلی أنَّ الأنبیاء علیهم السلام یتوبون لترکهم الأولی والأفضل لا لاقترافهم المعصیة(3).

ذکروا أسباب نزولها، إذ رأوا أنّها تمثل موقف حفصة وعائشة زوجتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإفشاءهما سره، وتظاهرهما علیه من أجل تحریم ماریة القبطیة أو شرب العسل عند زوجته سودة بنت زمعه فقد أفشت حفصه سرّه وأخبرت به عائشة(1) وذلک فی قوله تعالی:(وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هذا قالَ نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ) (التحریم / 3).

وبیَّن عزّ وجلّ لهما العقوبة علی ذلک الصنیع فی قوله تعالی:(إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذلِکَ ظَهِیرٌ) (التحریم / 4).

ولذا أفاد الطبرسی رحمه الله (ت 548 ه -) من هذه الآیة وقوع الأذی بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم فیری قوله تعالی:(وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ) أنّ هناک تعاوناً علیه صلی الله علیه وآله وسلم بالإیذاء، ثم یستدل بعد ذلک بروایة عن ابن عباس یسال بها عمر بن الخطاب عن المرأتین اللتین تظاهرتا علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال - أی عمر - عائشة وحفصة(2).

وفی عرضه للآیة المبارکة یری فی قوله تعالی:(یا أَیُّهَا النَّبِیُّ) (التحریم/ 1) أنَّ هنا نداء تشریفاً له صلی الله علیه وآله وسلم وتعلیماً لعباده کیف یخاطبونه فی أثناء محاوراتهم ثم یستبعد أنَّ یکون هناک ذنبٌ یوجب العتاب(3).

ویؤید هذا المعنی تصریح الفخر الرازی بذلک مع أنَّهُ لا یقول بالعصمة

ص:220

المطلقة فیقول: (إنّ تحریم ما أحلّ الله له لیس بذنب بدلیل الطلاق والعتاق، وأما العتاب فإنّ النهی عن فعل ذلک لابتغاء مرضات النساء أو لیکون زجراً لهن عن مطالبته مثل ذلک کما یقول القائل لغیره: لم قبلت أمر فلان واقتدیت به وهو دونک وآثرت رضاه وهو عبدک فلیس هذا عتاب ذنب وإنّما هو عتاب تشرف)(1).

وهذا التوجیه یستفید ممّا صرح به الشریف المرتضی فی کتابه تنزیه الأنبیاء علیه السلام(2).

کالمراد من هذه الآیة، ولیس للعفو متعلق إلا التلطف فی العتاب، لأنه یقول له: لو أذنت لهم فی القعود لتبین لک الصادقون من الکاذبین یعنی لتعرف من یقعد عن عذر وعن غیر عذر وهو إرشاد له ولیس ذنباً وإنّما قصاراه أنَّ یکون ترک الأولی.

وفی تفسیر القمی (علی بن إبراهیم ت 307 ه -) عن الإمام الباقر علیه السلام یقول: (لتعرف أهل العذر والذین جلسوا بغیر عذر) وعن الإمام الرضا علیه السلام کما فی عیون الأخبار فی جواب ما سأله المأمون عن عصمة الأنبیاء علیه السلام: (هذا مما نزل بإیاک أعنی واسمعی یا جارة خاطب الله تعالی بذلک نبیّه وأراد أمته)(1).

والظاهر أنَّ هذا اللفظ کان شائعاً فی الاستعمال من غیر اعتبار ذنب أو تقصیر وإنما هو من جمیل التلطف بالخطاب، ولذا ینفی الشریف المرتضی رحمه الله أنَّ یکون هناک أی نوع من العتاب الموجه للنّبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، إذ یقول: (أمّا قوله تعالی:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة/ 43) فلیس یقتضی وقوع معصیة ولا غفران عقاب ولا یمتنع أنَّ یکون المقصود به التعظیم والملاطفة فی المخاطبة - ثم یقول - أما قوله تعالی:(لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) فظاهره الاستفهام والمراد به التقریع واستخراج ذکر علة إذنه ولیس بواجب حمل ذلک علی العتاب، لأن أحدنا یقول لغیره، لِمَ فعلت کذا وکذا، تارة معاتباً وأخری مستفهماً فلیس هذه اللفظة خاصة للعتاب والإنکار، وإنّ أکثر ما یقتضیه وغایة ما یمکن أنَّ یدّعی فیها أنَّ تکون دالة علی أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم ترک الأولی)(2).

ص:222

ویشیر الطبرسی رحمه الله إلی نکتة بلاغیة مهمة فی أسلوب التعبیر القرآنی إذ یری أنَّ هذا من لطیف المعاتبة بدأ بالعفو قبل العتاب ویجوز العتاب من الله فیما غیره منه أولی ولاسیما الأنبیاء علیهم السلام(1).

وللعلاّمة المجلسی رحمه الله فی البحار توجیه آخر فیقول: (یجوز أنَّ یکون إذنه صلی الله علیه وآله وسلم لهم حسناً موافقاً لأمره تعالی ویکون العتاب متوجهاً إلی المستأذنین الذین علم الله من قبلهم النفاق، أو إلی جماعة حملوا النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم علی ذلک ومن هذا القبیل قوله تعالی:(یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ) (المائدة/ 116) ولا تنافی بین کون إستیذانهم حراماً وإذنه صلی الله علیه وآله وسلم بحسب ما یظهرونه من الأعذار ظاهراً واجباً أو مباحاً أو ترک أولی)(2).

وهذا قد یکون له وجد لما امتاز به النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم من صفات فاقت الأنبیاء والرسل جمیعهم علیهم السلام، وباعتباره الخاتم وکما وصفهُ القرآن بأنَّهُ ذو خلق عظیم فکیف یجتمع العتاب مع من اصطفاه الله تعالی ومیّزه واجتباه وطهرّه.

وأما السید الطباطبائی رحمه الله فیری أنَّ الآیة (فی مقام دعوی ظهور کذبهم ونفاقهم وأنّهُم مفتضحون بأدنی امتحان یمتحنون به ومن مناسبات هذا المقام إلقاء العتاب إلی المخاطب وتوبیخه والإنکار علیه کأنّه هو الذی ستر علیهم فضائح أعمالهم وسوء سریرتهم، وهو نوع من العنایة الکلامیة یبین به ظهور الأمر ووضوحه، ولا یراد أزید من ذلک فهو من أقسام البیان عن طریق إیاک أعنی

ص:223

واسمعی یا جارة، خاطب الله عزّ وجلّ بها نبیّه وأراد به أمته)(1).

فتبیّن أنَّ محصل دلالة الآیة لم یکن فیها أی نوع من الإخلال بشخصیّة الرسول وعصمته وإنّما کان ذلک تعظیماً لشأنه وتوقیراً لرسالته هذا علی القول إنّ الکلام موجهاً له صلی الله علیه وآله وسلم وإلا فالکلام یکون لأولئک الذین تخلفّوا عن الجهاد فیکون فیه نوع من اللوم والعتاب والتقریع لطلبهم الاستئذان والإنصراف عن المسیر معه.

هذه الآیات فأجازت أخذ الفداء فی قبال إطلاق سراح الأسری(1).

وعند التدبر فی الآیة ومنشأ النزول نجد أنَّ ظاهر الآیة تقتضی توجیه القول والعتب إلی غیر النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه بعید جداً عمّا أراده الله تعالی بقوله:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا) (الانفال/ 67) وبعید هذا القول عن خلقه العظیم وصفاته الحمیدة وبعد هذا نزول الشکوک ونعلم أنَّ المعاتب لیس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإنّما العتاب متوجه إلی غیره کما هو عند الشریف المرتضی رحمه الله إذ ذهب إلی أنَّ العتاب فی الحقیقة (متوجه إلی سواه صلی الله علیه وآله وسلم لأنّ الله تعالی قد صرّح فی ذلک قی تمام الآیة بقوله:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا وَ اللّهُ یُرِیدُ الْآخِرَةَ) (الانفال/ 67) وقوله تعالی:(لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ) (الأنفال / 68) والقصة فی هذه مشهورة أیضاً وإنّما أضاف الأسری إلی نبیه صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:(ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْری) (الانفال/ 67) وإن کان المراد بالخطاب من أُسر، لأنّهم أسروهم لیکونوا فی یده صلی الله علیه وآله وسلم فهم فی الحقیقة أُسراؤه ومضافون إلیه وإن لم یأمر بأسرهم)(2).

وأکد هذا التوجیه للآیة الشریف المرتضی رحمه الله فی تنزیه الأنبیاء ما نصّه (لیس فی ظاهر الآیة ما یدل علی أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم عوتب فی شأن الأسری بل لو قیل: إنّ الظاهر یقتضی توجه الآیة إلی غیره لکان أولی)(3).

والأولویة هنا ناشئة من إنکار الله عزّ وجلّ لهم هذا الأمر وبیّن أنَّ الذی

ص:225

أراده الله ورسوله غیر ما فعلوه فاستحقوا بذلک هذا اللوم والعتب القاسی.

وبعد أنَّ یعرض الطباطبائی رحمه الله اختلاف المفسرین فیمن نزل بحقّه العتاب، النبی، أو بحق المسلمین، قال: (والعتاب علی ما یهدی الیه سیاق الکلام فی الآیة الأولی، إنما هو علی اخذهم الاسری، کما یشهد به قولهم أیضاً فی الآیة الثانیة (لمسکم فیما أخذتم عذاب عظیم) أی فی أخذکم، وإنما کانوا أخذوا عنه نزول الآیات الأسری دون الفداء ولیس العتاب علی استباحة الفداء أو أخذه)(1) ثم أنَّهُ رحمه الله یضرب دلیلاً علی أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم لا یشارکهم فی العتاب فیقول (إن العتاب فی الآیة متعلق بأخذ الأسری ولیس فیه ما یشعر بأنَّهُ استشارهم فیه أو رضی به).

وبناءً علی ذلک یظهر أنَّ العتاب ما کان متوجهاً له صلی الله علیه وآله وسلم وإنّما کان لغیره من المسلمین الذین استحقوا بذلک اللوم والتوبیخ الشدیدین.

وهذا المعنی ما یؤکد توجیه حتی الذاهبین إلی نفی العصمة المطلقة کالفخر الرازی إذ ذکر مؤیداً القول بانتفاء عتاب الله تعالی لنبیه صلی الله علیه وآله وسلم بل توجه ذلک کله إلی أصحابه الذین قاموا بأخذ الفداء من الأسری علی الرغم من بُعد رغبة النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم فی ذلک، وقد علل ذلک فی الشبهة الرابعة قال: (أما قوله تعالی:(تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیا) (الانفال/ 67) فهو خطاب جمع، فیعرف ذلک إلی القوم الذین رغبوا فی المال، وأما قوله تعالی:(لَوْ لا کِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ) (الانفال/ 68) فمعناه لولا ما سبق من تحلیل الغنائم لعذبتکم بسبب أخذکم الفداء، وهذا غایة التقریع فی تخطئتهم فی أخذ

ص:226

الفداء من جهة التدبّر، ثم أنَّهُ یشیر إلی أنَّ المعاتب فی شأن الأسری هو غیر النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم، بل یجب أنَّ یکون سواه(1).

ومن خلال قراءة سبب النزول وخصوصاً الرأی الثانی یکون الخطاب غیر دال علی توجهها إلی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم بل یدل الخطاب فیها علی أنَّهُ موجه إلی شخص آخر غیره صلی الله علیه وآله وسلم ولو تنزّلنا بأنّ الخطاب له مع ذلک نجد أنَّ صاحب السعادة یوجه الآیة حتی مع احتمال أنها قصد منها النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم، إذ یری أنَّهُ (لو کانت الآیات فیه صلی الله علیه وآله وسلم والعتاب له لم یکن فیه نقص لشانه ولم یکن منافیاً لما قاله تعالی فی حقّه من قوله:(وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) (القلم/ 4) فإن إقباله وإدباره وعبوسه واستبشاره کان لله، فإن عبوسه إنْ کان لمنع الأعمی من نشر دین الله، واستماع کلمات الأعداء لله وأعداء دینه وتقریبهم إلی دینه لم یکن فیه نقص وفی خلقه، وأما أمثال العتاب له صلی الله علیه وآله وسلم فإنها تدل علی تفضیحه والإعتداد به فإنّها کلّما کانت بایاک أعنی واسمعی یا جارة فالخطاب والعتاب یکون لغیره لا له صلی الله علیه وآله وسلم).

فالخطاب لغیره صلی الله علیه وآله وسلم ولو کان له لکان الخطاب بلسان (عبست وتولیت) إذن فالآیة (خبر محض لم یصرّح بالمخبر عنه، وفیها من یدل عند التأمل علی أنَّ المعنی بها غیر النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم لأنه وصفه بالعبوس ولیس هذا من صفات النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم)(1).

والروایة التی وصفت النَّبی بأنَّهُ یتصدّی للأغنیاء، ومشیخة قریش وصنادیدها ویلهی عن الفقراء، وهذا مناقض لصفات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أیضاً وقوله تعالی:(أَمّا مَنِ اسْتَغْنی * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّی * وَ ما عَلَیْکَ

ص:228

أَلاّ یَزَّکّی) (عبس / 5-7) ففیه عتاب وتوبیخ أشد من قوله (عَبَسَ وَ تَوَلّی) (عبس/ 1) لأن الاستغناء من الغنی ووفرة المال، والمعنی: إنّ من کان غنیاً تقبل علیه وتلاطفه وتحادثه وتترک الفقیر وهذا کلّه إغراء بترک الحرص علی إیمان قومه فلا یلیق بمن بعث بالدعاء والتنبیه کما قال الفخر الرازی(1).

ویری المجلسی رحمه الله فی البحار أنَّ الآیة جاءت بلسان العتاب علی ترک الأولی..(2).

والذی یظهر مما سبق أنَّ منهج الإمامیّة تنزیهی لساحة الأنبیاء علیهم السلام عن کثیر من المعانی والشبهات التی تسیء لهم علیهم السلام إساءات بالغة إذ إن مما ینسب لهم مخجل أنَّ یصدر عن مؤمن عادی فکیف بمن اصطفوا لهدایة العباد وهذا منحی منهجی یعد من أهم الثوابت فی مذهب الإمامیّة.

المسدد لهم والمشرف علی تربیتهم وهم صفوة عباد، کیف یمکن له سبحانه أنَّ یخطئ نبیّه أو رسوله بنفسه، ثم بعد کل ذلک یعتب علیه ویلومه علی ما فعل؟

ولأنّ الله سبحانه وتعالی أراد فعلاً أنَّ یخطئه فإنّ من عدالته أنَّ لا یعتب علیه، لأنّ الله هو العدل فی حکمه، ولا یمکن أنَّ یفعل ما یناقض ذلک، وهو عزّ وجلّ لا یأمر بشیء ویعاقب علی طاعته فیه.

وفی ما یأتی نورد لبعض الآیات من الذکر الحکیم تحمل فی ظاهرها ما یفهم منه بعض المفسرین أنَّهُ نوع من العتاب أمر اللوم لهم علیهم السلام:

العیش إلا نکدا)(1).

وللفخر الرازی توجیه آخر لهذه الآیة المبارکة إذ یری أنَّ النّهی قد یکون للتحریم وقد یکون تنزیهاً غیر ملام علیه، قال: (لا تسلم أنَّ النّهی للتحریم فقط، بل هو مشترک بین التحریم والتنزیه، وتفسیره أنَّ النهی یفید أنّ جانب الترک راجح علی جانب الفعل)(2).

فیکون نهیاً إرشادیاً لا یعاقب علی ترکه فیکون من باب ترک الأولی، ثم أنَّهُ - رأی الرازی - یفرض أنَّهُ مع التسلیم بأن النهی کان محرماً لکن آدم فعل ناسیاً لقوله تعالی:(فَنَسِیَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (طه/ 115) وحینئذٍ لم یکن ذنباً لأنّ التکلیف مرتفع عن الناسی، ثم یوجه الآیة حتی مع احتمال نفی النسیان، فحتی مع أنَّهُ لقائل أنَّ یقول: إنّ آدم لم یکن ناسیاً، بدلیل هذه الآیة (ما نَهاکُما رَبُّکُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَکُونا مَلَکَیْنِ أَوْ تَکُونا مِنَ الْخالِدِینَ) (الأعراف/ 20) إذ إنه عوتب علی ذلک وإنّه لو کان ناسیاً لما عوتب علی الفعل، فحیث عوتب دلّ علی أنَّهُ ما کان ناسیاً، ثم یجیب الرازی علی هذا الاحتمال - بانا نسلّم أنَّهُ لم یکن ناسیاً ولکنه أخطأ فی الاجتهاد، وذلک لأنّ کلمة (هذه) فی قوله تعالی:(وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (الأعراف/ 19) قد یراد بها الإشارة إلی الشخص، وقد یراد بها الإشارة إلی النوع کما فی قوله علیه الصلاة والسلام: (هذا وضوء لا یقبل الله الصلاة إلاّ به) فآدم علیه الصلاة والسلام اشتبه الأمر علیه فظن أنَّ المراد هو الشخص فعدل عنه إلی شخص آخر، إلاّ أنَّ المجتهد إذا

ص:231

اخطأ فی الفروع لم یکن صاحب کبیرة(1).

إلاّ أنَّ البیضاوی یحدد دلالة الآیة بأنّ النّهی هنا للتحریم استحق علی أثره آدم علیه السلام التوبیخ واللوم لأنّه رکن إلی قول إبلیس وترک قول ربّه. فیری الآیة: (عتاب علی مخالفة المنهی عنه وتوبیخ علی الاغترار بقول العدو وفیه دلیل علی أنَّ مطلق النّهی للتحریم)(2).

ویبدو لنا أنَّ البیضاوی قد أفرط فیما ذهب إلیه فی حدود عصمة آدم علیه السلام الذی اختاره تعالی واصطفاه لنفسه، وهل یعقل أنَّ آدم علیه السلام وهو بهذه المنزلة أنَّ یکون بسیطاً لدرجة أنَّهُ یغترّ بإبلیس ویرتکب ذنباً یعاتب علی فعله ویلام علی إتیانه وهو النَّبی المعصوم الذی أمضی الله له ذلک بسجود الملائکة لله ولا یکاد ولا یختلف مُحَمَّد رشید رضا عن سابقیه فی الاشتراک فی تحمیل آدم علیه السلام تبعات اللوم والعتاب والتوبیخ، فیصرح بوقوع ما یوجب العتاب من آدم علیه السلام، لانّ الاستفهام فی قوله تعالی (أَ لَمْ أَنْهَکُما) (الأعراف/ 22) للعتاب والتوبیخ، أی وقال لهما ربهما الذی یربیهما فی طور المخالفة، کما یربیهما فی حال الطاعة والإذعان،(أَ لَمْ أَنْهَکُما عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ)3 (الأعراف/ 22) الآیة.

وقفوا عنده مطلقین أقلامهم بغْیة ارتکاب خطأ استحق علی أثره لوم البارئ وعتابه وهذا ما فهموه من قوله تعالی:(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِیمٌ) (الصافات/ 142).

إذ تعاملوا مع هذه الآیة بأنّها تدل علی مخالفة یونس لربه وخروجه عن عصمته، وذلک عندما ترک قومه وخرج مغاضباً من دون إذن من ربه فلامه الله علی ذلک...

فالطبری یری أنَّ یونس علیه السلام استحق اللوم وهذا الاستنتاج إثر تفسیر الطبری لمفردة اللوم، باعتبار أنّ النَّبی علیه السلام اقترف ما یلام علیه، قال:(وَ هُوَ مُلِیمٌ) مکتسب للوم، یقال ألام الرجل إذا أتی بما یلام علیه من الأمر وأن لم یُلم کما یقال: أصبحت محمقاً معطشاً أی عندک الحمق والعطش، ثم یستشهد بعد ذلک بقول لبید:

سفهاً عذلت ولمت غیر ملیم وهداک قبل الیوم غیر حکیم

فأمّا اللوم فهو الذی یلام باللسان ویعذل بالقول(1).

ویقترب الزمخشری من الطبری فی تحدید معنی اللوم لیستفید منه أنَّ یونس علیه السلام (أخل فی الملامة، یقال ربّ لائم لئیم، أی یلوم غیره، وهو أحق منه باللوم)(2).

فالظاهر أنّهما یریان أنَّ النَّبی یونس علیه السلام مستحق لذلک اللوم

ص:233

والعتاب لأنّه اقترف ما یوجب ذلک فأصبح عمله معیباً، وهذا ما یؤیده القرطبی إذ وجه الآیة بقوله: (أتی بما یلام علیه، فأما الملوم فهو الذی یلام، استحق ذلک أو لم یستحق ثم یقول - وقیل الملیم المعیب، یقال: لام الرجل، إذا عمل شیئاً فصار معیباً بذلک العمل)(1).

وهذا لا یلیق بساحة الأنبیاء المعصومین المطهّرین علیهم السلام فلا یتطرق إلیهم العیب والنقص کی یعاتبوا ویلاموا وخیر ما عبر عنه فی ذلک هو السید المرتضی رحمه الله الذی قال (أما أنّ یونس علیه السلام خرج مغاضباً لربّه من إذ لم ینزل بقومه العذاب فقد خرج فی الافتراء علی الأنبیاء علیهم السلام وسوء الظن بهم عن الحد ولیس یجوز أنَّ یغاضب ربّه إلاّ من کان معادیاً له وجاهلاً بأن الحکمة فی سائر أفعاله)(2).

وهذا المعنی ما استقرّ علیه رأی الزمخشری إذ یری أنَّ العتاب کان صریحاً فی حقّه علیه السلام فقال: (روی أنَّهُ لما ظهر موسی علی مصر مع بنی إسرائیل واستقروا بها أمره الله أنَّ یذکر قومه النعمة، فقام فیهم خطیباً فذکر نعمة الله وقال: إنَّ الله اصطفی نبیکم وکلمه فقالوا له قد علمنا هذا فأی الناس أعلم؟ قال: أنا: فعتب الله علیه حین لم یرد العلم إلی الله، فأوحی الله، بل أعلم منک عبد لی عند مجمع البحرین وهو الخضر)(1).

ویؤید القرطبی فی الجامع لأحکام القرآن هذا الاتجاه فی فهم تلک الروایات إذ إنّه جعل سبب إلتقاء موسی بالخضر علیه السلام هو بسبب عتاب الله له علی ما قاله فی نفسه علیه السلام من أنَّهُ الأعلم فأراد الله أنَّ یعطیه درساً عملیاً فی ذلک(2).

وللآیات المبارکات سبب نزول، إذ إنّ جماعة من المنافقین جاؤوا إلی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وبعد أنَّ تذرعوا بحجج واهیة مختلفة طالبین من النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم أنَّ ینصرفوا عن المشارکة فی معرکة تبوک، فإذن لهم النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم بالانصراف(1).

فعتب الله تعالی علی النَّبی کما فی الآیة محل البحث وللمفسرین مذاهب فی فهم معنی العتاب المشفوع بالعفو، أهو دلیل علی أنَّ إذن النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم کان مخالفة أم هو من باب ترک الأولی، أم غیره.

فما نلاحظه من توجیه تفسیر القشیری (ت 465) لهذه الآیة المبارکة أنَّهُ لم یکن صلی الله علیه وآله وسلم قد خالف حداً وإنّما کان من باب ترک الأولی قال: (لم یکن منه صلی الله علیه وآله وسلم خرق حدٍّ أو تعاطی محظور، إنّما ندر منه ترک ما هو أولی، قدّم الله ذکر العفو علی الخطاب الذی هو فی صورة العتاب بقوله (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) أو فی جواز الزلة علی الأنبیاء علیه السلام إذا لم یکن ذلک فی تبلیغ أمر أو تمهید شرع...)(2).

ویستند البغوی (ت 514) فی توجیه الآیات المبارکات إلی ما ینقله عمر بن میمون من أنَّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فعل ما أوجب عتابه، إذنه للمنافقین وأخذه الفدیة من أساری بدر، ویروی کذلک عن سفیان بن عیینه کیف أنَّ الله تلطف بنبیه إذ ذکر العفو قبل أنَّ یعیّره بالذنب الذی استجلب العتاب، وبعد هذا یردف القول بما وقرّ الله به نبیّه ورفع محلّه بافتتاح الدعاء له کما یقال:

ص:236

(عفا الله عنک ما صنعت بحاجتی)(1) وهذا کأنما جاری فی المخاطبة.

وقد أفرط بعضهم فی تجاوزه علی مقام النَّبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم إلی درجة الإساءة بزعم أنَّ الآیات دلیل علی أمکان صدور المعصیة منه، وهذا ما نلاحظه عند الزمخشری الذی أفرط فی الإساءة إلیه صلی الله علیه وآله وسلم مما دعا صاحب الحاشیة (أحمد بن المنیر الاسکندری (ت 683 ه -) إلی ردّه وتوجیه کلامه.

إذ قال الزمخشری (((عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة/ 43) کنایة عن الجنایة، لأنّ العفو رادف لها، ومعناه أخطأت وبأس ما فعلت. و (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) بیان لما کنی عنه بالعفو، ومعناه: مالک أذنت لهم فی القعود عن الغزو حین استأذنوک واعتلوا لک بعللهم وهلا استأنیت بالأذن (حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکَ) (التوبة/ 43) من صدق فی عذره ممن کذب فیه.

وقیل شیئان فعلهما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یؤمر بهما: إذنه للمنافقین وأخذه من الأساری فعاتبه الله تعالی))(2).

وهذا ما دفع صاحب الحاشیة علی الکشاف أنَّ یحتج علی الزمخشری إذ قال: (لیس له أنَّ یفسّر هذه الآیة بهذا التفسیر، وهو بین أحد أمرین: إما أنَّ لا یکون هو المراد وإمّا أنَّ یکون هو المراد ولکن أجل الله نبیه الکریم عن مخاطبته بصریح العتب، وخصوصاً فی حقّ المصطفی علیه الصلاة والسلام، فالزمخشری علی کلا التقدیرین ذاهل عما یجب من حقّه علیه الصلاة والسلام.

ص:237

ولقد أحسن من قال فی هذه الآیة: إن من لطف الله تعالی بنبیّه أنَّ بدأ بالعفو قبل العتب، ولو قال له ابتداءً: لِمَ أذنت لهم؟ لتفطر قلبه علیه الصلاة والسلام مثل هذا الأدب یجب احتذاؤه فی حق سید البشر علیه أفضل الصلاة والسلام)(1).

وکل هذا فی الواقع قلیل بحق المصطفی الذی جعله الله مثلاً فی الخلق العظیم إذ قال تعالی مخاطباً لنبیّه (وَ إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ) (القلم/ 4).

وبعد أنَّ یورد السمر قندی سبب النزول من استئذان المنافقین بالتخلف وأذن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لهم، یری أنَّ الخطاب فی قوله تعالی (عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة/ 43) للنبی صلی الله علیه وآله وسلم ویذکر بعد ذلک ما یرویه عن بن عبد الله من أنَّ الله أخبره بالعفو قبل أنَّ یخبره بالذنب، ثم یصرح علی مسألة العتاب فیری أنَّ منشأهُ فعلان فعلهما رسول الله، الفداءه من أساری بدر وإذنه للمنافقین بالتخلّف(2).

ویوجه القرطبی الآیة المبارکة فیراها (افتتاح کلام کما تقول أصلحک الله وأعزک ورحمک کان کذا وکذا وعلی هذا التأویل یحسن الوقف علی قول (عَفَا اللّهُ عَنْکَ) (التوبة/ 43) حکاه مکی المهدوی والنحاس وأخبره العفو قبل الذنب لئلا یطیر قلبه فرقاً، وقیل المعنی (عَفَا اللّهُ عَنْکَ) ما کان من ذنبک فی أنَّ أذنت لهم فلا یحسن الوقف علی قوله (عَفَا اللّهُ عَنْکَ) علی هذا التقدیر، حکاه المهداوی واختاره النحاس، ثم قیل فی الإذن قولان، الأول لِمَ أذنت لهم فی

ص:238

الخروج معک وفی خروجهم وخروجهم بلا عدّة ونیّة صادقة، الثانی لِمَ أذنت لهم فی القعود لمّا اعتلوا بأعذار ذکرهما القشیری. قال وهذا عتاب تلطّف إذا قال عفا الله عنک وکان علیه السلام أذِن من غیر وصی نزل فیه، فقال قتاده وعمر بن میمون ثنتان فعلهما النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم ولم یؤمر بهما...)(1).

ویکاد لا یبتعد ابن کثیر عن أقرانه فی أنَّ الآیات نزلت عتاباً له صلی الله علیه وآله وسلم بعد ان یروی من استحسن المعاتبة، بما ینتهی سنده إلی عون إذ قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ نداء بالعفو قبل المعاتبة فقال:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (التوبة/ 43) ثم یقول وقال قتادة عاتبه کما تسمعون(2).

وللبیضاوی نصیب من توجیه العتاب للنبی صلی الله علیه وآله وسلم إذ یری أنَّ الآیات فیها نوع استفهام من النَّبی لو أنَّهُ توقف حتی یری أمر الله لدرء ما قد یلام علیه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم فیری أنَّ النَّبی قد أخطأ قال:(عَفَا اللّهُ عَنْکَ) کنایة عن خطئه فی الإذن فإن العفو من روادفه (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بیان لما کنی عنه بالعفو ومعاتبته علیه، والمعنی لأی شیء أذنت لهم فی القعود حتی استأذنوک واعتلوا بأکاذیب وهلا توقفت حتی یتبین، یؤمر بها أخذه للفداء وإذنه للمنافقین فعاتبه الله علیها)(3).

ونری أنَّهُ لا دلیل فی الآیة علی صدور أی ذنب أو معصیة من النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وحتی ظاهر الآیة لا یدل علی ذلک لأنّ القرائن جمیعها تثبت

ص:239

أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم سواء أذن لهم أم لم یأذن، فإنّهم لا یجدون نفعاً فی الجهاد وقد اثبت القرآن ذلک قال تعالی:(لَوْ خَرَجُوا فِیکُمْ ما زادُوکُمْ إِلاّ خَبالاً) (التوبة / 47) ومعه لم یقعد المسلمون أی مصلحة فی إذن النَّبی لهم بالانصراف.

وکیف یفعل النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم ما لا یؤمر به والقرآن یصرّح بأنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم (وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی) (النجم/ 3-4) فما هذا إلاّ تجنی علی النَّبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وهو الذی یزن لکل عمل وزنه لأنّه مسدد بالوحی وبروح القدس.

الأول: أنَّهُ وصفه بالعبوس ولیس هذا فی صفات النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم فی قرآن ولا خبر مع الأعداء والمعاندین فضلاً عن المؤمنین والمسترشدین.

الثانی: وصفه بأنَّهُ تعدی للأغنیاء وتلهی عن الفقراء وذلک غیر لائق بأخلاقه.

الثالث: أنَّهُ لا یجوز أنَّ یقال للنّبی (وَ ما عَلَیْکَ أَلاّ یَزَّکّی) (عبس/ 7).

فإن هذا الإغراء یترک الحرص علی إیمان قومه فلا یلیق بمن بعث بالدعاء والتنبه(1).

وعندما نطالع الجزائری نجده یری أنَّ الآیة فیها عتاب صریح ولطیف یعاتب الله سبحانه وتعالی به رسوله الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم(2).

ولا یخفی علی ذی لب أنَّ العبوس والتصدّی للأغنیاء من دون الفقراء والتلّهی عمن جاء مسلماً لفقره أو عماه، وقوله تعالی (وَ ما عَلَیْکَ أَلاّ یَزَّکّی) (عبس / 7) کل ذلک یتعارض مع خلق رسول الله وصفاته صلی الله علیه وآله وسلم.

وهو مردود لأنه یعتمد روایات ضعیفة فی أسباب النزول فضلاً عن أنَّهُ مخالف للکتاب فی نصّه بوصف النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم أنَّهُ علی خُلُقٍ عظیم فکیف یستقیم هذا المعنی مع النص.

وبالتدبّر فی الروایات واستحضار روایات أخری صحیحة ترفع المعنی نجد أنَّ التفاسیر أجمعت علی أنَّ الأعمی هو ابن أمّ مکتوم لکنّها اختلفت فیمن خوطب بالسورة ووصفه الله بتلک الصفات فقال بعضهم: هو النَّبی صلی الله علیه وآله

ص:241

وسلم وقال آخرون: هو رجل من بنی أمیة کان عند النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم فجاءه ابن أمّ مکتوم فلما رآه تعذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحکی الله قصته(1).

وعلیه فالخطاب غیر دال علی توّجهها إلی النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم بل یدل الخطاب علی توجهها لشخص آخر غیر النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم ولو کان الخطاب له صلی الله علیه وآله وسلم لقال: عبست وتولّیت، هذا علی أنّها مناقضة لما أنماز به النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم من صفات شهد له بها القرآن الکریم.

علیه وآله وسلم، وتظاهرهما علیه، من أجل تحریم ماریة القبطیة علی نفسه صلی الله علیه وآله وسلم أو تحریمه شرب العسل عند إحدی زوجاته، فقد أفشت حفصه سرّه وأخبرت به عائشة، الأمر الذی دعا إلی نزول قوله تعالی:(وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هذا قالَ نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ) (التحریم/ 3)(1).

وعندما ینطلق القشیری (ت 465 ه -) من سبب النزول، یری أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم قد عوتب لذلک، فیقول: (جاء فی القصة أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم حرّم علی نفسه ماریة القبطیّة وفی الحال حلف أنَّ لا یطأها شهراً مراعاة لقلب حفصة إذ رأت النَّبی معها فی یومها، وقیل حرّم علی نفسه العسل لمّا قالت له زوجاته إنّا نجد منک ریح المغافیر، والمغافیر صمغ فی البادیة کریه الرائحة، ویقال بقلة کریهة الرائحة، فعاتبه الله علی ذلک)(2).

وللفخر الرازی توجیه ینحی به منحی آخر کأنه یمیل معه إلی روایة تحریم النَّبی ماریة القبطیة علی نفسه، ولذا یبرر ذلک بأنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم لم یرتکب ذنباً یستحق العتاب الصریح، فقال: (إن تحریم ما أحل الله له لیس بذنب بدلیل الطلاق والعتاق، وأمّا العتاب فإنّ النّهی عن فعل ذلک لابتغاء مرضات النساء، أو لیکون زجراً لهن عن مطالبته مثل ذلک کما یقول القائل لغیره: لِمَ قبلت أمر فلان واقتدیت به وهو دونک وأثرت رضاه وهو عبدک، فلیس هذا

ص:243

عتاب ذنب وإنما هو عتاب تشریف(1).

ویبدو أنَّ هذا التوجه أعدل من غیره إذ إنه قرن للعتاب مساحة أخری غیر مساحة الخطاب الشدید الذی أحتمله بعضهم من المفسرین.

والذی یبدو أنَّ روایة تحریم ماریة غیر ناهضة قبال الآیة المبارکة باعتبار أنَّ لماریة بیتها ولیلتها ولیس من أخلاقه صلی الله علیه وآله وسلم وهو الذی یمثل العدالة الإنسانیة، أنَّ لا یراعی ذلک، ولا یبقی إلا أنَّ یکون أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم حرم العسل علی نفسه للمؤامرة غیر الشرعیة المتمثلة بالکذب لما قلن له صلی الله علیه وآله وسلم نجدُ فیک ریح المغافیر.

وهذا المعنی من المؤامرة والتظاهر علیه صلی الله علیه وآله وسلم ما وجه به القرطبی الآیة فقال: (ثبت فی صحیح مسلم عن عائشة - رضی الله عنها - أنَّ النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم کان یمکث عند زینب بنت جحش فیشرب عندها عسلاً، قالت: فتواطأت أنا وحفصة إن أیّتنا ما دخل علیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلتقل: إنی أجد منک ریح المغافیر، أکلت المغافیر؟ فدخل علی إحداهما فقالت له ذلک ذلک فقال: ((بل شربت عسلاً عند زینب بنت جحش ولن أعود له)). فنزل:(لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ)2 (التحریم/ 1).

ولذا انطلق من هذه الروایة فی إفادة العتاب للنبی صلی الله علیه وآله وسلم من خلال قوله تعالی:(وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (التحریم/ 1) یقول (لما أوجب المعاتبة

ص:244

رحیم برفع المؤاخذة - ثم یقول - وقیل: إن ذلک کان ذنباً من الصغائر، والصحیح أنَّهُ معاتبه علی ترک الأولی وإنْ لم تکن له صغیرة ولا کبیرة)(1).

وعلی فرض کلا السببین للنزول، من تحریم ماریة علی نفسه أو شرب العسل فیری فی التسهیل أنّها نزلت عتاباً علی أنَّ یضیّق علی نفسه بتحریم الجاریة أو تحریم العسل - وإمّا قوله تعالی:(وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (التحریم/ 1) فیراه إشارة إلی أنَّ الله غفر له ما عاتبه علیه من التحریم علی أنَّ عتابه فی ذلک إنّما کان کرامة له وإنّما وقع العتاب علی تضییقه علیه السلام علی نفسه وامتناعه مما کان فیه أدب(2).

ویبدو للبیضاوی أنَّ روایة تحریم ماریة هی الراجحة عنده إذ أنَّهُ صلی الله علیه وآله وسلم عوتب لأجل ذلک(3).

ویکاد لا یختلف الصابونی عمّن سبقه إلا یسیراً فی توجیه العتاب الوارد فی الآیة فقال: (وفی افتتاح العتاب من حین التلطّف ما لا یخفی فقد عاتبه علی إتعاب نفسه والتضییق علیها من أجل مرضات أزواجه، أما قوله تعالی (وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (التحریم/ 1) - فیری أنَّهُ عقبی - والله واسع المغفرة عظیم الرحمة إذ سامحک فی امتناعک عن ماریة، وإنما عاتبک رحمة بک وفی هذا إشارة إلی أنَّ عتابه فی ذلک إنما کان کرامة له وإنما وقع العتاب لتضییقه علی نفسه)(4).

ویبدو لنا أنّ الخطاب فی الآیة المبارکة، لیس خطاب تقریع ولوم وعتاب کما تخیلّه بعض المفسرین وإنّما هو نغمة تشریف وتلطف بسبب تحملّه العناء والمشقة

ص:245

من أجل أرضاء زوجاته، إذ مرّ فیما سبق عتاب الله لهنّ، لقیامهن بإفشاء سرّه صلی الله علیه وآله وسلم والتظاهر علیه، الأمر الذی دعاهنّ للتوبة مما اقترفن.

ما قد فهم خطأ إذ یقول: (فإنْ قلت... کیف عاتبه الله فی ستر ما استهجن التصریح به ولا یستهجن النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم التصریح بشیء إلا الشیء فی نفسه مستهجن، وقال له الناس لا تتعلّق إلا بما یستقبح فی العقول والعادات؟ وما له لم یعاتبه فی الأمر نفسه ولم یأمره بفهم الشهوة وکف النفس عن أنَّ تنازع إلی زینب وتتبعها ولم یعصم نبیّه عن تعلّق الهجنة به وما یعرضه للقالة؟ قلت: کم من شیء یتحفّظ منه الإنسان ویستحی من إطلاع الناس علیه، وهو فی نفسه مباح متسع، وحلال مطلق، لا مقال فیه ولا عیب عند الله...)(1).

ونحی القرطبی المنحی نفسه من توجیه العتاب فی الآیة بقوله: ((وخشی رسول الله أنَّ یلحق قول من الناس فی أنَّ یتزوّج زینب بعد زید وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله علی هذا من أنَّ قد خشی الناس فی شیء قد أباحه الله له)(2).

وأما الفخر الرازی فقد وجّه الآیة مجیباً عمّن تمسّک بأنّها واردة فی عتاب الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم بأربعة وجوه نقف عند موضع الحاجة إلیها:

أحدها: (الذی یدل علی أنَّهُ لم یصدر من الرسول فی هذه الواقعة مذمة، ولا عاتبه الله علی شیء منه، ولا ذکر أنَّهُ عصی أو أخطأ ولا ذکر استغفار النَّبی منه، ولا أنَّهُ اعترف علی نفسه مخطئاً)(3).

والفخر الرازی وإنْ کان لا یقول بالعصمة المطلقة لنبینا الأکرم صلی الله

ص:247

علیه وآله وسلم ولکنّه یجب فی مثل هذه الحادثة أنَّ النَّبی الأکرم بعید عما دوّنته أقلامهم المزیفة بالطعن والافتراء، بل یری (أنَّهُ لو حصل فی ذلک سوء لکان قدحاً فی الله تعالی)(1).

وحقیقة ما تدل علیه هذه الآیات ونصتّها أنَّ الله تعالی أراد أنَّ ینسخ عادة جاهلیة متمکنة من نفوس الناس وهی تحریم زوجة المتبنّی، فأوحی الله عزّ وجلّ إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنَّ یتزوج منها بعد قِران زید لها وکمال عدتها، کأی إمرأة من المسلمین، لکون ذلک ناسخاً لجاهلیة کامنة فی النفوس.

ص:248

(4) أنَّ هناک بعض الآیات التی اتخذت ذریعة لمخطئة الأنبیاء علیهم السلام إذ فسروها بأنها جاءت فی مورد العتاب واللوم والتقریع لهم وهذا ممّا یؤدی إلی الطعن بعصمتهم وقد أثبتت الدراسة خلاف ذلک من خلال تبیان الآراء وتحلیلها ومحاولة فحص أدلتها.

(5) ثبوت العصمة المطلقة للأنبیاء علیهم السلام من خلال الأدلة العقلیة والنقلیة وآراء کبار علماء الکلام فی قبال ضعف رأی القائلین بالعصمة الجزئیة الأمر الذی دعا توجیه معانی الآیات الواردة الذکر بذلک.

(6) تنزیه الأنبیاء علیهم السلام ونفی إمکان صدور أی لون من ألوان الذنب منهم صغیراً کان أو کبیراً قبل النبوة أو بعدها وهذا ما أثبتته الدراسة خلاف لما رآه المخطئة من أنَّ اللوم والعتاب سببهما وقوع الذنب والمعصیة منهم.

وأخیراً فإنّا نرجو أنَّ نکون قد وفقنا فی إعطاء الموضوع حقّه من الدراسة التی جلوت ما خفی منه وقدمت أشیاء جدیدة تسهم فی بلورة تصور وفهم المفسرین وعلماء الکلام للآیات الواردة بشأن الأنبیاء ومسیرتهم فی الهدایة علی وفق طریق الحق والعدل.

والله الموفق والهادی إلی سبیل الحق علیه توکلنا أوّلاً وأخیراً وإلیه نُنیب.

ص:250

صادر بیروت - لبنان، 1986 م.

11. ابن منظور، لسان العرب، دار صادر بیروت 1986.

12. أبو الحسن أحمد بن فارس زکریا (ت 395 ه -)، تحقیق عبد السلام هارون، مکتب الإعلام الإسلامی، ط 1404 ه -.

13. أبو الحسن علی بن أحمد الواحدی (ت 468 ه -) أسباب النزول مؤسسة الحلبی، القاهرة 1388 ه -- 1968 م.

14. أبو الحسن علی بن مُحَمَّد بن حبیب الماوردی البصری (ت 450 ه -)، النکت والعیون، تحقیق عبد المقصود عبد الرحیم، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط 1 (د. ت).

15. أبو الصلاح الحلبی، تقریب المعارف، تحقیق فارس تبریزیان الحسون انتشارات، المحقق، 1417 ه -- 1375 ش.

16. أبو الفداء إسماعیل بن کثیر القرشی الدمشقی (ت 774 ه -) تفسیر ابن کثیر تحقیق عبد الرزاق المهدی، دار المعرفة بیروت - لبنان ط 1412 ه -- 1992 م.

17. أبو الفضل شهاب الدین محمود البغدادی (ت 1270 ه -) روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم والسبع المثانی، منشورات دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان ط 4، 1405 ه -- 1985 م.

18. أبو القاسم عبد الکریم بن هوزان بن عبد الملک القشیری النیسابوری الشافعی (ت 465 ه -) تفسیر القشیری، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط 1، 1240 ه -- 2000 م.

19. أبو القاسم فرات بن إبراهیم الکوی (ت 352 ه -) تفسیر فرات الکوفی، تحقیق مُحَمَّد کاظم المحمودی، إیران - طهران، ط 1، 1410 ه -.

20. أبو القاسم مُحَمَّد بن أحمد الکلبی (ت 471 ه -)، التسهیل لعلوم التنزیل، تحقیق مُحَمَّد سالم هاشم ط 1، 1415 ه -- 1995 م.

21. أبو بکر جابر الجزائری أیسر التفاسیر، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط 1، 1416 ه -- 1995 م.

22. أبو بکر مُحَمَّد بن إسحاق الکلاباذی (ت 380 ه -) التعرّف لمذهب التصّوف تحقیق أحمد شمس الدین طه، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان ط 1، 1413 ه -- 1993.

23. أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن بن بابویه القمی الصدوق (ت 381 ه -)، الأمالی نشر مؤسسة الأعلمی، بیروت - لبنان، ط 5، 1400 ه -.

ص:252

24. أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن بن فروّخ الصفّار (2902 ه -)، تعلیق میرزا محسن التبریزی، منشورات مکتبة المرعشی النجفی قم - إیران، ط 1، 1404 ه -.

25. أبو حامد بن مُحَمَّد الغزالی (ت 505 ه -)، المنخول فی علم الاصول، تحقیق مُحَمَّد حسین هیتو، دار الفکر المعاصر، بیروت - لبنان، ط 3، 1419 ه - 1998 م.

26. أبو حنیفه النعمان (ت 362 ه -) المناقب والمثالب، تحقیق ماجد أحمد العطیه، منشورات الأعلمی، بیروت - لبنان، ط 1، 1423 ه -- 2002 م.

27. أبو زکریا یحیی بن شرف النووی الدمشقی (ت 676 ه -) شرح صحیح مسلم دار الفکر، بیروت - لبنان، ط 1، 1421 ه -- 2000 م.

28. ابو عبد الله مُحَمَّد بن أحمد الأنصاری القرطبی (ت 607 ه -)، الجامع لأحکام القرآن، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان، تصحیح هاشم سمیر النجاری، ط 1، 1422 ه -- 2002 م.

29. أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الحموی (ت 626 ه -) معجم البلدان، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

30. أبو عبید البکری، فصل المقال فی شرح کتاب الأمثال، مؤسسة الرسالة، بیروت - لبنان، 1971.

31. أبو مُحَمَّد الحسین بن مسعود الفراء البغوی الشافعی (ت 514)، تفسیر البغوی أو معالم التنزیل، دار الکتب العلمیة 1414 ه -- 1993 م.

32. أبو منصور مُحَمَّد بن أحمد الأزهری (ت 370 ه -)، تهذیب اللغة، تحقیق، عبد السلام هارون.

33. ابو هلال العسکری (ت 200 ه -) الفروق اللغویة، تعلیق مُحَمَّد باسل عیون السود، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان ط 2، 2005 م - 1426 ه -.

34. الاحقاقی میرزا عبد الرسول الحائری بحث حول الولایة من وحی القرآن، تحقیق علی العبسی العاملی، بیروت - لبنان، ط 1، 1413 ه -- 1993 م.

35. أحمد بن سلیمان بن مُحَمَّد المطهر بن علی بن الإمام الناصر، حقائق المعرفة فی علم الکلام مؤسسة الإمام زید بن علی ط 1، 1424 ه -- 2003 م، صنعاء - الیمن.

36. أحمد بن علی القلقشدی (ت 821 ه -)، صبح الأعشی فی صناعة الإنشاء، تحقیق د. یوسف علی، دار الفکر، بیروت - لبنان، ط 1، 1987 م.

37. أحمد زینی دحلان (ت 1304 ه -) السیرة النبویة (سیرة ابن دحلان) دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان.

ص:253

38. أحمد صبحی، فی علم الکلام، دراسة فلسفیة لآراء الفرق الإسلامیة مؤسسة الثقافة الجامعیة الاسکندریة 1987 م.

39. إسماعیل بن أحمد النیسابوری (ت 421 ه -) وجوه القرآن تحقیق د. نجف عوش، مطبعة الاستانة الرضویة، مشهد - 1422 ه -.

40. إسماعیل حقی البروسوی (ت 1137 ه -) روح البیان، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان، ط 7، 1405 ه -- 1985 م.

41. الإمام أحمد بن حنبل (ت 341 ه -) مسند أحمد، دار صادر، بیروت - لبنان (ب. ت. ط).

42. الإمام محی الدین ابن فیض السید مُحَمَّد مرتضی، تاج العروس، تحقیق علی شیری، دار الفکر بیروت، 1994 م - 1414 ه -.

43. الأمیر أبی الحسین درّام بن ابی فراس المالکی الأشتری (605 ه -)، دار التعارف بیروت - لبنان.

44. انعام نوال، المجمع المفصل فی علوم البلاغة، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان ط 2، 1417 ه -- 1996.

45. البحرانی هاشم الحسینی (ت 1107 ه -)، البرهان فی تفسیر القرآن، تحقیق قسم الدراسات الإسلامیة، ط 1، 1421 ه -- 2000 م.

46. البخاری، أبی عبد الله إسماعیل (ت 256 ه -) صحیح البخاری دار أحیاء التراث العربی بیروت - لبنان، ط 1، 1422 ه -- 2001 م.

47. بطرس البستانی، رسالة التوابع والزوابع، بیروت - لبنان 1960 ه -.

48. البغدادی، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدین مدرسة الإلهیات دار الفنون الترکیّة، استنبول ط 1، 1982 م.

49. البیضاوی، ناصر الدین ابی سعید بن عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد الشیرازی البیضاوی (ت 682 ه -) تفسیر البیضاوی، الأعلمی، بیروت - لبنان ط 1، 1410 ه -- 1990 م.

50. البیهقی الحافظ ابی بکر بن أحمد بن الحسن بن علی (ت 458 ه -) السنن الکبری، تحقیق مکتب البحوث والدراسات، دار الفکر، بیروت - لبنان (د. ت).

51. الترمذی أبو عیسی مُحَمَّد بن عیسی بن سور (ت 279 ه -)، الجامع الصحیح نشر دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط 1، 1408 ه -- 1979 م.

52. جعفر السبحانی، مفاهیم القرآن، مؤسسة الشهید العلمیة، قم - إیران 1407 ه -. ق.

ص:254

53. جلال الدین السیوطی الشافعی (ت 911 ه -)، الاتقان فی علوم القرآن، دار الفکر، بیروت - لبنان 1426-2005.

54. جلال الدین بن عبد الرحمن السیوطی (ت 911 ه -) الجامع الصغیر، دار الفکر بیروت - ط 1، 1981 م.

55. الجوهری إسماعیل بن حماد الجوهری، (ت 398 ه -) الصحاح - تاج اللغة وصحاح العربیة، تحقیق أحمد عبد الغفور عطار.

56. حجازی خسرو شاهی، درر الأخبار، انتشارات التاریخ والمعارف الإسلامیة، قم ط 1، 1419 ه -.

57. حسن الصدر، التفسیر النافع، دار الکتب العلمیة، العراق - بغداد ط 1، (د. ت).

58. الخلیل بن أحمد الفراهیدی، کتاب العین، دار أحیاء التراث العربی، بیروت.

59. خلیل قدسی مهر، الفروق المهمة فی الأصول الفقهیة، نشر دار التفسیر، إیران - قم ط 2، 1419 ه -. ق - 1377 ش.

60. خلیل یاسین، أضواء علی متشابهات القرآن، انتشارات ذوی القربی، إیران - قم، ط 1، 1428 ه -.

61. الخیاط المعتزلی، أبو الحسن عبد الرحیم، الانتصار، تحقیق د. نیبرج، دار الکتب المصریة، القاهرة، ط 1925 م.

62. الدکتور ستار جبر الأعرجی، منهج المتکلمین فی فهم النص القرآنی، رسالة دکتوراه، جامعة الکوفة 2000 م.

63. الدکتور مُحَمَّد حسین الصغیر، المستشرقون والدراسات القرآنیة، بیروت - لبنان (د. ت).

64. دیوان لبید بن ربیعة، تحقیق د. احسان عباس، دار صادر، بیروت - لبنان.

65. الذهبی، شمس الدین (ت 478 ه -) سیر أعلام النبلاء، انتشارات مؤسسة الرسالة، بیروت - لبنان.

66. الرازی، فخر الدین مُحَمَّد بن عمر بن الحسین بن الحسن بن علی التمیمی البکری الرازی الشافعی (ت 606 ه -)، مفاتیح الغیب، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان ط 2، 1425 ه -- 2004 م.

67. الرازی، مُحَمَّد بن عمر بن الحسن بن الحسین التمیمی البکری فخر الدین الرازی (ت 606 ه -)، عصمة الأنبیاء، منشورات کتبی النجفی، قم المقدسة (د. ت).

68. الراغب الاصفهانی (ت 425 ه -)، مفردات ألفاظ القرآن تحقیق صفوان داودی، دار القلم، دمشق (د. ت).

ص:255

69. الزمخشری (ت 538 ه -)، الکشاف، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان، ط 2، 1421 ه - 2001 م.

70. الزهری، مُحَمَّد بن سعد بن منیع (ت 230 ه -) الطبقات الکبری، تحقیق، ریاض عبد الله عبد الهادی دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان ط 1، 1417 ه -- 1996 م.

71. السبزواری الخطیّ (ت 1410 ه -) التفسیر الجدید، دار التعارف للمطبوعات بیروت - لبنان، ط 1.

72. السلطان مُحَمَّد الجنابذی الملقب بسلطان علی شاه (ت 1327 ه -) بیان السعادة فی مقامات العبادة، انتشارات مطبعة جامعة طهران، ط 1344/2 ش - 1385 ق.

73. سلیم بن قیس الهلالی کتاب سلیم بن قیس، تحقیق مُحَمَّد باقر الأنصاری، مطبعة نکارش، ط 2، قم 1424 ه -.

74. سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی (ت 1294) ینابیع المودة، انتشارات الشریف الرضی قم.

75. السید عبد الله شبر (ت 1242 ه -) تفسیر القرآن الکریم، دار أحیاء التراث العربی، ط 1، 1428 ه -- 2007 م.

76. السید عبد الله شبر، الجوهر الثمین، مکتبة الألفین، ط 1، الکویت.

77. سید قطب فی ظلال القرآن دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان ط 7، 1390 ه -- 1971 م.

78. السید هاشم الحسینی البحرانی (ت 1107 ه -) البرهان فی تفسیر القرآن، تحقیق قسم الدراسات الإسلامیة، ط 1، 1421 ه -- 2000 م.

79. شرح أصول الکافی والروضة تعلیق علی أکبر الغفاری، منشورات المکتبة الإسلامیة، طهران - إیران 1384 ه -.

80. الشریف الرضی، علی بن الحسین الموسوی العلوی (ت 436 ه -)، تنزیه الأنبیاء، انتشارات الشریف الرضی، إیران، قم ط 1، 1376 ه -. ش.

81. الشریف المرتضی علم الهدی (ت 436 ه -)، الذخیرة فی علم الکلام مؤسسة النشر الإسلامیة 1411 ه -- 1991 م

82. الشریف المرتضی، علی بن الحسین الموسوی العلوی (ت 4436 ه -)، أمالی المرتضی، تحقیق مُحَمَّد ابو الفضل إبراهیم، انتشارات ذوی القربی، إیران - قم، ط 1، 1384 ه -. ش.

83. الشریف علی بن مُحَمَّد الجرجانی (ت 816 ه -)، شرح المواقف، مطبعة السعادة مصر ط 1،

ص:256

1325 ه - 1970 م.

84. شهاب الدین أحمد المعروف بابن عبد ربّه الاندلسی، العقد الفرید، دار ومکتبة الهلال، بیروت - لبنان، ط 1، 1986.

85. الشوکانی، مُحَمَّد بن علی بن مُحَمَّد (ت 1250 ه -)، فتح القدیر، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان.

86. الشیخ أحمد بن زید الدین الإحسائی العصمة، منشورات مکتبة العلامة الحائری، کربلاء ط 2، 1390 ه -.

87. الشیخ الطریحی (ت 1085 ه -) مجمع البحرین تحقیق أحمد الحسینی مکتب نشر الثقافة الإسلامیة ط 2، 1408 ه -- 1367 ش.

88. الشیخ عبد علی بن جمعه العروسی الحویزی (ت 1112 ه -) نور الثقلین، المطبعة العلمیة، قم ط 2

89. الشیخ علی النمازی الشاهرودی (ت 1405 ه -) مستدرک سفینة البحار، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة ط 1419 ه -.

90. الشیخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد رضا الهندی، کنز الدقائق، مؤسسة الطباعة والنشر، طهران ط 1.

91. الشیخ مُحَمَّد رضا المظفر، عقائد الإمامیة، مؤسسة انصاریان، ط 6، إیران - قم 1424 ه -- 2003 م.

92. صبحی الصالح، نهج البلاغة، انتشارات أنوار الهدی، إیران - قم، ط 2، 1424 ه -.

93. صدر المتألهین مُحَمَّد بن إبراهیم الشیرازی (ت 1050 ه -) تفسیر القرآن الکریم، دار التعارف، بیروت - لبنان، ط 2، 1419 ه -- 1988 م.

94. الصدوق، أبی جعفر مُحَمَّد بن علی بن الحسن بن بابویه القمی (ت 381 ه -) معانی الأخبار، تحقیق علی أکبر غفاری، انتشارات إسلامی، ط 1361 ش.

95. الصدوق، أبی جعفر مُحَمَّد بن علی بن الحسن بن بابویه القمی (ت 381 ه -) الأمالی، نشر مؤسسة الأعلمی، بیروت - لبنان، ط 5، 1400 ه -.

96. الصدوق مُحَمَّد بن علی بن بابویه (ت 381 ه -) الاعتقادات فی دین الامامیة تحقیق، عصام مُحَمَّد حسین، دار المفید للطباعة والنشر، بیروت - لبنان، ط 2، 1414 ه -- 1993 م.

97. الصدوق، أبی جعفر الصدوق مُحَمَّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، (ت 381 ه -) عیون

ص:257

اخبار الرضا علیه السلام، منشورات الشریف الرضی، قم ط 1، 1378 ش، ق.

98. الصدوق، أبی جعفر مُحَمَّد بن علی بن بابویه القمی (ت 381 ه -)، من لا یحضره الفقیه، انتشارات الإمام المهدی، إیران - قم.

99. الطباطبائی، مُحَمَّد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 2، 1390 ه -- 1971 م.

100. الطبرسی أبو علی الفضل بن الحسن الطبرسی (ت 548 ه -) مجمع البیان، تحقیق هاشم رسول المحلاتی، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان، ط 1، 1992 م.

101. الطبرسی أبی علی الفضل بن الحسن (ت 49 ه -)، جوامع الجامع، تحقیق مؤسسة دار النشر الإسلامی، قم ط 3، 1420 ه -.

102. الطبری، ابن جریر (ت 310 ه -) جامع البیان عن تأویل القرآن (د. ت)، تحقیق خلیل المیسر، دار الفکر، بیروت - لبنان 1415 ه -- 1995 م.

103. الطبری أبی جعفر مُحَمَّد بن منصور (ت 310 ه -) تاریخ الأمم والملوک، الأعلمی، بیروت - لبنان (د. ت).

104. الطوسی أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن (ت 460 ه -) الاستبصار، دار الکتب الإسلامیة ط 1390 ه -.

105. الطوسی أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن، التهذیب، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ط 1364 ش.

106. الطوسی، أبو جعفر مُحَمَّد الحسن (ت 460 ه -) التبیان، تحقیق أحمد حسن قصر العاملی، مکتب الأعلام الإسلامی قم ط 1، 1409 ه -.

107. عبد الأعلی السبزواری، مواهب الرحمن، منشورات أهل البیت علیهم السلام، بیروت - لبنان، ط 2، 1409 ه -- 1988 م.

108. عبد الحسین شرف الدین الموسوی، أجوبة مسائل جار الله، منشورات دار النعمان ط 3، النجف الأشرف.

109. عبد الرحمن بن عیسی الهمذانی، الألفاظ الکتابیة، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان 1400 ه -- 1890 م.

110. عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن مخلوف أبی زید الثعالبی المالکی (ت 875 ه -) تفسیر الثعالبی تحقیق الشیخ علی مُحَمَّد معوض، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان، ط 1، 1418 ه -- 1997 م.

ص:258

111. عبد الرزاق بن همام الصنعانی (ت 211 ه -) تفسیر القرآن الکریم، تحقیق، محمود مُحَمَّد عبده دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان ط 1، 1419 ه -- 1999 م.

112. عبد القاهر الجرجانی دلائل الأعجاز، دار المعرفة، بیروت - لبنان، قم إیران 1404 ه -- 1978 م.

113. عبد الله بن قدامه (ت 620 ه -)، المغنی، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

114. عبد الواحد التمیمی، غرر الحکم ودرر الکلم، مؤسسة الأعلمی، بیروت - لبنان، ط 1، 1407 ه -- 1997 م.

115. عضد الدین عبد الرحمن بن أحمد الایجی (ت 656 ه -) المواقف، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

116. علاء الدین البغدادی الخازن (ت 725 ه -) تفسیر الخازن (لباب التأویل) دار الفکر، بیروت - لبنان (د. ت).

117. العلامة الحلی ابی منصور الحسن بن یوسف المطهر (ت 726 ه -)، مناهج الیقین، تحقیق یوسف الجعفری، انتشارات دار الأسوة ط 1، 1415 ه -.

118. العلامة الحلی جمال الدین الحسن بن یوسف بن علی المطهّر العلامة الحلی (ت 726 ه -) کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد، تعلیق إبراهیم الموسوی الزنجانی منشورات مؤسسة الأعلمی، بیروت - لبنان، ط 1، 1399 ه -- 1972 م.

119. العلامة الشیخ أحمد بن مُحَمَّد الصاوی المصری المالکی، حاشیة الصاوی تحقیق مُحَمَّد عبدالسلام، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان ط 4، 1427 ه -- 2006 م.

120. العلامة الشیخ زین الدین أبی مُحَمَّد علی بن یونس العاملی النیاطی (ت 877 ه -)، الصراط المستقیم، تحقیق مُحَمَّد الباقر العبودی، المکتبة المرکزیة لأحیاء الآثار الجعفریة ط 1، 1384 ه -. ش.

121. العلامة عز الدین أبی الحسن علی بن أبی الکرم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الکریم بن عبد الواحد الشیبانی المعروف بابن الأثیر (ت 630 ه -)، أسد الغابة فی معرفة الصحابة دار الکتاب العربی، بیروت - لبنان (د. ت).

122. العلامة، مُحَمَّد باقر المجلسی، (ت 1111 ه -) بحار الأنوار، دار الکتب الإسلامیة، بیروت - لبنان.

123. علی بن أحمد بن سعید بن حزم الأندلسی، المحلّی، دار الآفاق الجدیدة، تحقیق لجنة إحیاء

ص:259

التراث العربی.

124. علی بن برهان الدین الحلبی (ت 1044 ه -) السیرة الحلبیة، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان ط 1.

125. عماد الدین أبی الفداء إسماعیل بن کثیر الدمشقی (ت 774 ه -)، مختصر تفسیر ابن کثیر تحقیق مُحَمَّد علی الصابونی، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان ط 1.

126. العیاشی أبو النظر مُحَمَّد بن مسعود ابن عباس السلمی السمر قندی المعروف بالعیاشی (ت 932) تفسیر العیاشی، الأعلمی، بیروت - لبنان ط 1، 1411 ه - 1991 م.

127. عیدوس بن أحمد السقاف العلوی الاندلسی المعروف ب - (ابن درویش)، شواهد التنزیل، المجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام، قم، ط 1، 1416 ه -- 1996 م.

128. الفاضل المقداد، شرح الباب الحادی عشر، تحقیق محسن الصدر الرضوانی مطبعة سلمان الفارسی ط 1، 1412 ه -- 1370.

129. الفراء (ت 204 ه -) معانی القرآن، تحقیق أحمد یوسف بخاتی، دار الکتب القاهرة 1995.

130. الفیروز آبادی: تنویر المقباس من تفسیر ابن عباس، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان 1425 ه -- 2004 م.

131. القاضی أبی السعود مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مصطفی العمادی الخیفی (ت 982 ه -) تفسیر أبی السعود أو أرشاد العقل السلیم إلی مزایا الکتاب الکریم، دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان ط 12، 1419 ه -- 1999 م.

132. القاضی عبد الجبار بن أحمد الهمذانی (ت 415 ه -)، شرح الأصول الخمسة تحقیق د. عبد الکریم عثمان، مکتبة وهبة، القاهرة ط 1، 1965 م (د. ت).

133. القاضی عبد الجبار بن أحمد الهمذانی (ت 415) متشابه القرآن، تحقیق عدنان مُحَمَّد زرزور، دار التراث، القاهرة.

134. القاضی عبد الجبار بن أحمد الهمذانی، المغنی تحقیق د. محمود مُحَمَّد قاسم.

135. القرطبی أبی عبد الله مُحَمَّد بن أحمد الأنصاری (ت 607 ه -) الجامع لأحکام القرآن تحقیق هاشم سمیر النجار، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان ط 1، 1422 ه -- 2002 م.

136. قطب الدین النیسابوری التعلیق فی علم الکلام تحقیق د. محمود یزدی مطلق، قسم الدراسات الفلسفیة والکلامیة للجامعة الرضویة للعلوم الإسلامیة، إیران - مشهد، ط 1، 1427 ق -

ص:260

13850 ش.

137. القمی، علی ابن ابراهیم ابن هاشم (ت 307 ه -)، تفسیر القمی، مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر، قم 3.

138. الکلینی، ثقة الإسلام أبی جعفر مُحَمَّد بن یعقوب بن إسحاق (ت 329 ه -) الکافی، تحقیق علی أکبر غفاری، دار الکتب الإسلامیة، طهران ط 3، 1388 ش.

139. مُحَمَّد باقر الصدر، تنوع أدوار ووحدة هدف.

140. مُحَمَّد باقر المجلسی، مرآة العقول، دار الکتب الإسلامیة، إیران ط 2، 1404 ه -.

141. مُحَمَّد بن أبی بکر بن عبد القادر الرازی (ت 721 ه -) مختار الصحاح، دار أحیاء التراث العربی، تدقیق مُحَمَّد علاق ط 1، 1419، 1999 م.

142. مُحَمَّد بن الحسن الشیبانی، نهج البیان عن کشف معانی القرآن، مؤسسة دار المعارف الإسلامیة، طهران، ط 1، 1413 ه -.

143. مُحَمَّد بن الحسن الطوسی (ت 460 ه -) الاقتصاد فیما یتعلق بالاعتقاد، دار الاضواء، بیروت - لبنان، ط 2، 1406 ه -- 1986 م.

144. مُحَمَّد بن جزی الغرناطی (ت 741 ه -) التسهیل، تحقیق د. عبد الله الخالدی، دار الأرقم، بیروت - لبنان (د. ت).

145. مُحَمَّد بن عمر الجاوی تفسیر مراح لبید لکشف حصن القرآن المجید، تحقیق مُحَمَّد أمین العتاوی، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، ط 1، 1417 ه -- 1997 م.

146. مُحَمَّد بن عمر الواقدی (ت 212 ه -) المغازی، دار المعرفة الإسلامیة ط 1405 ه -.

147. مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه -)، أوائل المقالات.

148. مُحَمَّد جمال الدین القاسمی (ت 1322 ه -) محاسن التأویل، تحقیق مُحَمَّد فؤاد عبد الباقی، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان، ط 1، 1415 ه -- 1994 م.

149. مُحَمَّد جواد مغنیة، التفسیر الکاشف، دار الکتاب الإسلامی، ط 1، 1424 ه -- 2003 م.

150. مُحَمَّد رشید رضا، تفسیر المنار، دار الفکر، بیروت - لبنان، ط 2، (د. ت).

151. مُحَمَّد علی الصابونی صفوة التفاسیر، دار الفکر، بیروت - لبنان، ط 3، 1420 ه - 2000 م.

152. محی الدین مُحَمَّد بن عمر الخطیب الرازی (ت 660 ه -)، معالم أصول الدین، تحقیق طه عبد الرزاق، دار الکتب العربیة، بیروت - لبنان ط 1404 ه -- 1984 م.

ص:261

153. المراغی أحمد مصطفی المراغی، تفسیر المراغی، دار أحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان (ب. د).

154. مصنفات الشیخ المفید، النکت الاعتقادیة، ط المؤتمر العالمی (د. ت).

155. معانی الأخبار، تحقیق علی أکبر غفاری، انتشارات إسلامی 1361 ه -.

156. مفلح بن الحسن بن راشد ابن صلاح البحرانی، من أعلام القرن التاسع، إلزام النواصب تحقیق، عبد الرضا النجفی ط 1420 1 ه -.

157. المقریزی (ت 485 ه -) امتاع الاسماع، تحقیق مُحَمَّد عبد الحمید المیس، دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان ط 1، 1420 ه -- 1999 م.

158. مکی برهان الدین الحلبی الشافعی (ت 1044 ه -) السیرة الحلبیة، دار احیاء التراث العربی، بیروت - لبنان (د. ت).

159. مناهج الیقین، تحقیق یوسف الجعفری، انتشارات دار الاسوة ط 1، 1415 ه -.

160. المولی فتح الله بن شکر الشریف الکاشانی (ت 998 ه -)، زبدة التفاسیر نشر مدرسة المعارف الإسلامیة ط 1، 1433 ه -.

161. المولی محسن الفیض الکاشانی (ت 1091 ه -) تفسیر الصافی، دار المرتضی للنشر، مشهد ط 1.

162. المولی نور الدین مُحَمَّد بن المرتضی الکاشانی (ت 1115 ه -) المعین انتشارات مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، ط 1، قم.

163. میر سید علی الحائری الطهرانی، (ت 1340 ه -) مقتنیات الدرر دار الکتب الإسلامیة، طهران 1337 ش. ه -

164. المیرزا حسین النوری الطبرسی، 265:17، المتوفی سنة 1320 ه تحقیق مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، ط 2، 1409 ه - 1988 م.

165. المیرزا مُحَمَّد المشهدی بن مُحَمَّد رمضان بن إسماعیل بن جمال الدین القمی (ت 1125 ه -) کنز الدقائق، مؤسسة الطباعة والنشر، إیران - قم، ط 1، 1366 ه -. ش.

166. ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر القرآن الکریم، دار الأمیر للطباعة والنشر، بیروت - لبنان ط 1، 1426 ه -- 2005 م.

167. النسائی أبو عبد الرحمن أحمد بن شعیب النسائی (ت 302 ه -)، سنن النسائی، دار أحیاء

ص:262

التراث العربی، بیروت - لبنان.

168. نصر الدین مُحَمَّد بن أحمد أبو اللیث السمر قندی، من أعلام القرن الرابع الهجری، بحر الغرائب، تح. د. محمود مطربی ط 1، 1418 ه -- 1997 م.

169. نصر بن مزاحم المنقری (ت 212 ه -)، وقعت صفین، تحقیق عبد السلام مُحَمَّد هارون، المؤسسة العربیة الحدیثة للطباعة والتوزیع، مصر - القاهرة، ط 2، 1382 ه -.

170. نظام الدین الحسن بن الحسین القمی النیسابوری (ت 728 ه -) غرائب القرآن ورغائب الفرقان، دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان، ط 1416 ه -- 1996 م.

171. نور الله الحسینی المرعشی التُستری (ت 1019 ه -) تحقیق شهاب الدین النجفی المرعشی منشورات مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، إیران - قم (ب ت ط).

172. النیسابوری، مُحَمَّد بن عبد الله الحاکم (405 ه -) مستدرک الحاکم - دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان.

173. هاشمیات الکمیت، تحقیق داود سلوم.

174. الهیثمی (ت 807 ه -) مجمع الزوائد، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، (د. ت).

ص:263

(1) استفهام العتاب 26

(2) استفهام التبکیت 26

(3) استفهام التوبیخ 27

معانی مفردة العتاب فی الاستعمال القرآنی 28

الاستعمال القرآنی لمفردة اللوم 30

الاستعمال القرآنی لمفردة التثریب 34

الدلالة الثانیة: تنوع الخطاب القرآنی للعتاب 35

الأول: العتاب الخفیف 36

الثانی: العتاب الشدید 37

المبحث الثالث: صیغ العتاب ومرادفاته فی القصص القرآنی والحدیث الشریف 40

الأول: العتاب فی القصص القرآنی 40

(أ) عتاب إبراهیم علیه السلام 40

(ب) عتاب موسی علیه السلام 42

(ج) عتاب نبی الله لوط علیه السلام لقومه 43

ثانیاً: ما ورد عن النَّبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم 44

ثالثاً: العتاب فی حدیث أهل البیت علیهم السلام (نهج البلاغة انموذجاً) 48

الفصل الثانی

نماذج من آیات العتاب فی القرآن الکریم

المبحث الأول: نماذج من عتاب الأنبیاء والرُّسل علیهم السلام 55

نماذج من عتاب الرسل أولی العزم علیهم السلام 55

توطئة 55

عتاب الله تعالی لنبیه نوح علیه السلام 57

عتاب الله لنبیه موسی علیه السلام 58

ص:265

نماذج من آیات (عتاب الله لنبیّه الأکرم مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم) 62

نماذج من عتاب الأنبیاء علیهم السلام غیر أولی العزم 76

توطئة 76

عتاب النبیّ آدم علیه السلام 76

عتابُ النبیّ یونس علیه السلام 79

عتابُ النبیّ داود علیه السلام 82

المبحث الثانی: نماذج من آیات عتاب الله لسائر الناس 85

عتاب زوجات النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم 85

نماذج من آیات عتاب المسلمین 90

الآیة الأولی 90

الآیة الثانیة 92

الآیة الثالثة 93

الآیة الرابعة 94

الآیة الخامسة 96

الآیة السادسة 98

نماذج من آیات عتاب الیهود والنصاری 99

توطئة 99

الآیة الأولی 99

الآیة الثانیة 102

الآیة الثالثة 104

نماذج من آیات عتاب المشرکین 106

توطئة 106

الآیة الأولی 106

الآیة الثانیة 108

الآیة الثالثة 109

الآیة الرابعة 110

ص:266

الآیة الخامسة 111

المبحث الثالث: نماذج من آیات عتاب الله لغیر البشر من مخلوقاته 113

المطلب الأول: نماذج من آیات عتاب الملائکة 113

المطلب الثانی: نماذج من آیات عتاب الجن 118

الآیة الأولی 118

الآیة الثانیة 120

الآیة الثالثة 121

الفصل الثالث

عصمة الأنبیاء علیهم السلام وإمکانیة العتاب مع استلزامه المخالفة

توطئة 125

العصمة فی اللغة والاصطلاح 126

العصمة لغة 126

العصمة اصطلاحاً 126

(أولاً) الإمامیة 127

(ثانیاً) المعتزلة 129

(ثالثاً) الأشاعرة 130

المطلب الأول: الأدلة النقلیة علی القول بالعصمة المطلقة 132

أولاً: الأدلة القرآنیة 132

الآیة الأولی 132

الآیة الثانیة 134

الآیة الثالثة 138

الآیة الرابعة 142

الآیة الخامسة 145

ص:267

الآیة السادسة 147

الآیة السابعة 148

ثانیاً: أدلة العصمة من السنّة المطهرة 149

الدلیل الأول 150

الدلیل الثانی 150

الدلیل الثالث 151

الدلیل الرابع 154

الدلیل الخامس 155

الدلیل السادس 155

الدلیل السابع 156

الدلیل الثامن 157

المطلب الثانی: الأدلة العقلیة للقول بالعصمةِ المطلقة 158

الدلیل الأول: دلالة المعجز 158

الدلیل الثانی: امتناع إیذاء المعصوم علیه السلام 161

الدلیل الثالث: الاحتیاج للمعصوم 163

الدلیل الرابع: وجوب متابعة المعصوم علیه السلام 165

الدلیل الخامس 167

المبحث الثانی: القول بالعصمة الجزئیة للأنبیاء علیهم السلام وأدلتهم 168

المطلب الأول: الأدلة النقلیة 168

أولاً: الأدلة القرآنیة 168

الطائفة الأولی: ما یمس ظاهرها عصمة الأنبیاء جمیعهم علیهم السلام 168

الطائفة الثانیة: ما یمس ظاهرها عصمة بعض الأنبیاء علیهم السلام 174

الأول: ما یتعلق بنبی الله آدم علیه السلام 174

الثانی: ما یتعلق بنبی الله نوح علیه السلام 179

الثالث: الآیات التی تتعلّق بنبی الله إبراهیم الخلیل علیه السلام 181

الرابع: الآیات التی تتعلّق بنبی الله موسی علیه السلام 183

ص:268

الخامس: النَّبی الأکرم مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم 185

ثانیاً: الأدلة النقلیة من السنة للقول بالعصمة الجزئیة 189

الاول: تکذیب الأنبیاء علیهم السلام 189

الثانی: نسیان النَّبی للصلاة وصدور السب والشتم منه صلی الله علیه وآله وسلم 191

الثالث: النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم ومزامیر الشیّطان 192

الرابع: النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم وصلاة الصبح 194

الخامس: صلاة النَّبی صلی الله علیه وآله وسلم جنباً 196

السادس: الأنبیاء علیهم السلام وحب النساء 197

السابع: موسی علیه السلام وملک الموت 197

الثامن: موسی علیه السلام یغتسل عریاناً 199

التاسع: یوسف علیه السلام والمراودة 200

المطلب الثانی: الأدلة العقلیة للقائلین بالعصمة الجزئیة للأنبیاء علیهم السلام 200

المبحث الثالث: توجیه آیات العتاب علی القول بالعصمة 206

مدخل 207

المطلب الأول: توجیه آیات العتاب علی القول بالعصمة المطلقة 208

الأول: ما یتعلق بنبی الله آدم علیه السلام 208

الثانی: توجیه ما یتعلق بنبی الله نوح علیه السلام 213

الثالث: توجیه ما یتعلق بنبی الله یونس علیه السلام 216

الرابع: توجیه ما یتعلق بنبی الله سلیمان علیه السلام 217

الخامس: توجیه ما یتعلق بنبینا الأکرم مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم 218

الآیة الأولی 219

الآیة الثانیة 221

الآیة الثالثة 224

الآیة الرابعة 227

المطلب الثانی: توجیه آیات العتاب علی القول بالعصمة الجزئیة 229

مدخل 229

الأول: توجیه ما یتعلق بنبی الله آدم علیه السلام 230

ص:269

الثانی: توجیه ما یتعلق بنبی الله یونس علیه السلام 232

الثالث: توجیه ما یتعلق بنبی الله موسی علیه السلام 234

الرابع: توجیه ما یتعلق بنبینا الأکرم مُحَمَّد صلی الله علیه وآله وسلم 235

الآیة الأولی 235

الآیة الثانیة 240

الآیة الثالثة 242

الآیة الرابعة 246

الخاتمة 249

المصادر والمراجع 251

المحتویات 264

ص:270