رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد لسنة 2015-643

النمانی، خالد

الأمن فی القرآن الکریم والسنة / تألیف الشیخ خالد النعمانی؛ تقدیم اللجنة العلمیة. السید محمد علی الحلو. الطبعة الأولی. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة والثقافیة، 1436 ق. = 2015 م.

286 ص، 24 سم. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 157).

المصادر: ص. 269 259، وکذلک فی الحاشیة.

1. الأمن من الناحیة المذهبیة الاسلام. 2. الاسلام والدولة. 3. الاسلام والسیاسة. 4. الأمن الغذائی فی الإسلام. 5. الأمن القومی (الاسلام). 6. الأمن الاجتماعی من الناحیة المذهبیة الاسلام. 7. الإرهاب قوانین وتشریعات. 8. الاسلام والعدالة الاجتماعیة. 9. الأمن الدولی قوانین وتشریعات. الف. الحلو، محمد علی، 1957 -، مقدم. ب. العنوان. ج. السلسلة.

BP 231.2 .N84 2015

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص:2

ص:3

ص:4

حالة إصلاحیة حقیقیة تنبثق من تأمین الحیاة العامة بکل مناحیها، ولعل بروز ظاهرة الإرهاب فی حرکة الخوارج کان لها صداها فی البحث عن المسألة الأمنیة بکل أنواعها، فقد أثارت حرکة الخوارج الروح التحفیزیة الأمنیة لصد إرهاب الفرد أو إرهاب الجماعة، بل وترقت حتی إلی إرهاب الدولة یوم کانت السلطة الأمویة ومن بعدها السلطة العباسیة تدفع باتجاه إشاعة الإرهاب للحفاظ علی وجودها، ولابد من رصد هذه الحالات علی أساس الوقوف امام کل هذه التحدیات باطروحة ناضجةٍ یتزعمها أهل البیت علیهم السلام عملیاً ویثبت أسسها القرآن الکریم بمدیاتها النظریة.

والکتاب الذی بین أیدینا لسماحة الشیخ الباحث خالد النعمانی والموسوم (الأمن فی القرآن والسنة) وقد تناول شطراً من الدراسة راجین له التوفیق والسداد فی دراسات جدیدة غیر مسبوقة.

عن اللجنة العلمیة

السید محمدعلی الحلو

ص:7

الجانب الصحی فی مختلف مستویاته، والتی منها عملیات زرع الأعضاء أو الاستنساخ البشری، وکذلک فی الفضاء وأعماق البحار، لکن مع هذا التطور الظاهری والخدمات الکبیرة نری أنّ البشریة تئن من عدم الأمن والاستقرار، فإنّ ما حصل من تطورات علمیة وتقنیة لم یستطع أن یعالج مشاکل المجتمع الأمنیة، من الاعتداءات والتجاوزات وعملیات الاغتیال والخطف والإرهاب والقتل؛ إذ غابت - تقریباً - قیّم الشهامة والإنسانیة، من شجاعة وکرم ومحبة وسلام، وکادت تکون مسائل حقوق الإنسان، من معونات وترحم وشفقة علی الضعفاء والنساء والأطفال، شعارا ً لا معنی له.

ثم إنّه إلی الآن تتذکر الإنسانیة فجائع هیروشیما وناکازاکی وحروب الأسلحة الکیماویة واللیزریة والمکروبیة التی بدلت أوضاع العالم وأمنه إلی وحشة وخوف وقلق مستمر، ومع ذلک یدعی أصحاب القدرة من الدول الکبری أنّهم یدافعون عن أنفسهم، فهل یقبل بذلک عاقل؟!

إنّ الدین الاسلامی هو دین العقل والرحمة والعطف والصلح والسلام والوحدة، یرفض کل أنواع التجاوز والظلم، والملاحظ أنّه بعد سقوط المعسکر الشرقی وانفراد النظام الرأسمالی الغربی بقیادة العالم برز الإسلام کقطب حضاری لدیه من المؤهلات ما یمکنه من الحضور الجدی والفاعل فی الساحة الدولیة.

إنّ الإسلام خاتم الرسالات الإلهیة ودین هدایة البشریة وتربیتها علی خط التوحید لتصل إلی کمالها من خلال ما طرحه من مفاهیم وقیّم وقوانین جاء بها القرآن الکریم والسنّة النبویّة الشریفة، وتکفل إدارة المجتمع من خلال نظریته المستوعبة

ص:9

لکلّ المتغیرات الإنسانیة، فهو لم یترک شیئاً الا ورسم له الطریق الصحیح.

إنّ الباری (عزّ شأنه) خالق الإنسان ویعلم ما یصلحه وما یفسده، وقد ألهم نفس الإنسان ما ینفعها وما یضرها، کما قال تعالی:

وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها1.

ولکن الإنسان إذا فقد الوازع الداخلی، وألغی العقل والدین فی وجوده، یصبح شریراً، فلابد أن یکون فی القرآن تعالیم خاصّة بهذا الخصوص.

والیوم نری العالم یواجه مشکلة حقیقیة هی فقدان الأمن، والمدارس البشریة عجزت عن إیجاد حلول ناجحة لها، نعم هی وضعت حلولاً سیاسیة وعسکریة واقتصادیة لکنها زادت المشکلة تعقیداً. من هنا کان اختیارنا لهذا الموضوع (الأمن فی القرآن والسنّة) عنواناً لرسالتنا.

دلیل. والبشر لدیهم قیّم مشترکة یهتمون بها أینما وجدوا، کالسلام والصلح والأمن والعدالة. وهی أصول لم تستغنِ عنها البشریة منذ بدایة الخلیقة، بل إنّ الحصول علیها مقدّم حتی علی احتیاجاته الضروریة الأخری.

والأمن من النعم الإلهیة التی قلّما یتوجه إلیها الإنسان فی ظروف توفرها، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«نعمتان مجهولتان الأمن والعافیة»(1).

وذلک لأنّه مع عدم وجود الأمن یتشتت فکر الإنسان وینذهل ویفقد قوة الترکیز والسیطرة علی حواسه وقواه العقلیة والبدنیة، بل ویغفل عن أبسط البدیهیات، ویصعب علیه اتخاذ قرار ناجح ومصیب، وتصبح طاقات الإنسان والمجتمع معطلة؛ لذلک طلب إبراهیم علیه السلام حینما أسس البیت من الباری عزّوجلّ أمرین مهمین:

الأوّل: أنْ یبعث نبیاً من ذریته فی آخر الزمان، قال تعالی:

رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِکَ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ یُزَکِّیهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 2.

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«أنا دعوة أبی إبراهیم»(2).

ص:11

والثانی: أن یجعل هذا المکان (الحرم الإلهی) آمناً للجمیع، حیث دعی إبراهیم ربّه، کما یحکیه قوله تعالی:

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ کَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِیلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلی عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ1.

فاستجاب الله دعاءه وهو ما أشار إلیه قوله تعالی:

أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ یُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ یَکْفُرُونَ 2.

إذن الأمن مسألة مهمّة فی القرآن الکریم إلی الحدّ الذی جعلها الباری تعالی صفة لأقدس مکان علی الأرض، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی:

وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِینِ 3.

وکذلک جعلها من أوصاف أفضل مکان فی الآخرة وهو الجنّة، وهو ما أشار الیه قوله تعالی:

اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِینَ 4.

أیضا قوله تعالی:

ص:12

یَدْعُونَ فِیها بِکُلِّ فاکِهَةٍ آمِنِینَ 1.

والأمن من أقدم آمال البشریة، ومن مهمّات ووظائف الحکومات توفیر الأمن بکلّ أقسامه للمجتمع وبدون الأمن لایمکن تحقیق النمو والتقدّم فی أی میدان من میادین الحیاة.

ص:16

غیری، من الامن والأمان»(1).

وقال الفیروزآبادی: «الأمن والآمن کصاحب: ضد الخوف أمن کفرح أمنا وأماناً بفتحهما وأمنا وأمنة محرکتین وإمناً بالکسر فهو أمن وأمین کفرح وأمیر. ورجل أمنة کهمزة ویحرک: یأمنه کل أحد فی کل شیء وقد آمنه وأمنه. والأمن ککتف: المستجیر لیأمن علی نفسه. والأمانة والأمنة: ضد الخیانة وقد أمنه کسمع وأمنه تأمیناً وائتمنه واستأمنه وقد أمن ککرم فهو أمین وأمان کرمان: مأمون به ثقة.»(2)

وجاء فی لسان العرب: «أمن: الأمانة والأمان بمعنی. وقد أمنت فأنا أمن وأمنت غیری من الأمن والأمان، والأمن ضد الخوف والأمانة ضد الخیانة، والایمان ضد الکفر، والایمان بمعنی التصدیق ضده التکذیب».(3)

وجاء فی المنجد بمعنی: «اطمأن، والأمان: الطمأنینة والعهد والحمایة والذمة».(4) یقول الراغب الأصفهانی: «هو طمأنینة النفس وزوال الخوف. والأمن والأمانة فی الأصل مصدر ویجعل للأمان تارة اسماً للحالة التی یکون علیها الإنسان فی الأمن وتارة اسماً لما یؤمن علیه الإنسان».(5)

وجاء فی مختار الصحاح: «(أ م ن) الأمان والأمنة بمعنی وقد أمن من باب

ص:18

فهم وسلم وأماناً وأمنة بفتحتین فهو آمن وآمنه غیره من الأمن والأمان»(1).

والحاصل من جمیع ما تقدّم أنّ المعنی اللغوی لمفرد (الأمن) یفید الطمأنینة والاستقرار للحالة النفسیة، وهما کلٌّ بحسب مورده ومتعلقه، من قبیل: الأمان فی مورد الخوف، والأمان فی مورد الخیانة، والأمان فی مورد التصدیق فی الأمر، وهو الإیمان، وهکذا فی کلّ مورد من موارد تلک المادة اللفظیة.

کلّ فرد أو مجموعة تقدّم تعریفاً خاصاً بحسب رؤیتها الفلسفیة، أو بحسب منافعها ومصالحها المحددة، وإلیک بعض هذه التعریفات:

عُرِّفَ الأمن، بأنّه حفظ المکتسبات الأساسیة عند السلم، والقدره علی الدفاع عند الحرب.

إنّ الأمن عبارة عن الحفاظ علی طریقة حیاة مقبولة اجتماعیاً، منسجمة مع احتیاجات وقیم مشروعة اجتماعیة.

فهناک تجاهان للأمن:

أ - الاتجاه التقلیدی: وهذا المفهوم نجده رائجاً فی الأدبیات الدولیة، والذی یحصر الأمن فی الإطار العسکری، والذی تسبب فی حروب کثیرة، وسباق علی التسلح.

ب - الاتجاه الحدیث: یستند هذا الاتجاه علی أنّ أمن الدول لم یعد بید القوی العسکریة، بل یکمن فی التوافق بین القوی السیاسیة والأنظمة الاقتصادیة، بحیث یحقق التوازن بین الدول فی ظل السلام.

ومن ملاحظة هذین الاتجاهین لمفهوم الأمن، یمکن أنْ نستنتج ما یلی:

1) إنّ الأمن لیس مرادفاً للأمن العسکری، بل هو أعم منه.

2) أنّ التهدیدات العسکریة لیست هی العامل الوحید فی الاضرار بالأمن، ففی کثیر من الأحیان قد تکون للجوانب الأخری أولویة علیها، کالسیاسة والاقتصاد.

ص:20

3) أنّ الأمن یتأثر بالأوضاع الإقلیمیة والدولیة.

4) أنّ الاقتصاد عامل مهم ومؤثر فی استقرار الحالة الأمنیة.

وقد عُرِّفَ الأمن القومی بأنّه: تأمین سلامة الدولة ضد أخطار خارجیة وداخلیة، قد تؤدی بها للوقوع تحت سیطرة أجنبیة، نتیجة ضغوط خارجیة أو انهیار داخلی.(1)

وهناک تعریف أوسع، أو یمکن أن یقال عنه أفضل، وهو أنّ: «الأمن عام تطمئن إلیه النفوس، وتنتشر فیه الهمم، ویأنس فیه الضعیف، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: (الأمن أهنی عیش، والعدل أقوی جیش)(2) ؛ لأنّ الخوف یقبض الناس عن مصالحهم، أو یحجزهم عن تصرفهم ویکفهم عن الأسباب المراد بها قوام أودهم وانتظام جملتهم، ولئن کان الأمن من نتائج العدل، والجور من نتائج ما لیس بعدل، فقد یکون الجور تارة بمقاصد الآدمیین الخارجة عن العدل، وتارة یکون بأسباب حادثة من غیر مقاصد الآدمیین، فلا تکون خارجة عن حال العدل»(3).

لدعوته والسعی لتحقیقها بعد الدعوة إلی التوحید ونبذ الشرک والوثنیة، هی مسألة القضاء علی الجاهلیة بجمیع أطیافها وأشکالها؛ إذ کانت تشکل العقبة الکبری أمام تکامل الإنسان والوصول إلی أهدافه المطلوبة وکماله المنشود له، فکانت من بین تلک العقبات الکؤودة أمام الإنسان هی مسألة انعدام الأمن والاطمئنان والاستقرار الفردی والاجتماعی، الذی بدونه لا تتحق السعادة الکبری، ولا تتحقق أی حالة من التقدم المادی والمعنوی للإنسان، فجاء التأکید علی هذه المسألة فی القرآن الکریم بقدر ما لها من الأهمیة ومدخلیة فی حیاة الإنسان، لأنّه یدعو الإنسان إلی کل ما فیه حیاته وسعادته فی الدارین، قال الراغب الأصفهانی: (أصل الأمن طمأنینة النفس وزوال الخوف والأمن والأمانة والأمان فی الأصل مصادر یجعل الأمان تارة اسماً للحالة التی یکون علیها الإنسان فی الأمن، وتارة اسماً لما یؤمن علیه الإنسان نحو قوله تعالی:

وَ تَخُونُوا أَماناتِکُمْ 1.

فیما ائتمنتم علیه وقوله تعالی:

إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً2.

قیل هی کلمة التوحید، وقیل العدالة، وقیل حروف التهجی، وقیل العقل... وقوله تعالی:

ص:22

وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً1.

أی آمناً من النار. وقیل من بلایا الدنیا التی من قال فیهم:

إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا2.

وقال تعالی:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً3.

وقوله تعالی:

أَمَنَةً نُعاساً4.

أی أمناً. وقیل: هی جمع کالکتبة وقوله تعالی:

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ 5.

أی منزله الذی فیه أمنه. وأمن إنما یقال علی وجهین أحدهما متعدیاً بنفسهِ یقال أمنتهُ أی جعلت له الأمن ومنه قیل لله المؤمن والثانی غیر متعدٍ ومعناه صار ذا أمن)(1).

وقال العلامة المصطفوی: (إنّ الأصل واحد فی هذه المادة (أمن، الأمان، الأمانة) هو الأمن والسکون ورفع الخوف والوحشة والاضطراب یقال أمن یأمن

ص:23

أمناً، أی: إطمأن وزال عنه الخوف فهو من وذاک مأمون ومأمون منه، والأمانة مصدر ومطلقه علی العین الخارجی الذی یتعلق به الأمن، کالودیعة فهی مورد الأمن والمأمون علیها. والأمن هو المطمئن وبلدةٌ آمنة إذا لم یکن فیها خوف ولا وحشة والإتمان هو أخذه أمیناً، والإیمان جعل نفسه أو غیره فی الأمن والسکون والإیمان به حصول السکون والطمأنینة به. وقوله تعالی:

فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ 1.

أی: اطمأنوا وحصل لهم الأمن، وآمن بالله حصل له الاطمئنان والسکون بالله المتعال. فهو مؤمن أی: مطمئن، قال تعالی:

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قالَ إِنِّی مُهاجِرٌ إِلی رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 2.

أی آمَنَ بالله لدعوة إبراهیم علیه السلام.

وقوله تعالی أیضاً:

وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ 3.

الظاهر فی الأمانة والعهد بمعناهما الأسمی، ویمکن أن یراد منها معناهما المصدری، وأیضاً قوله تعالی:

اَلَّذِی أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ 4.

ص:24

أی: جعلهم فی الأمن، وکذلک أشار القران الکریم إلی مفهوم الأمن فی العدید من الآیات الشریفة ومنها:

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ کَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِیلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلی عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ1.

فالرزق والاقتصاد والثمار والإعمار قاعدته الأمن.

فالبلد الآمن بلد طیب یعطی کلّ ما یملک من أجل خدمة الإنسان، ولا یبخس منه شیئاً، قال تعالی:

وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إِلاّ نَکِداً کَذلِکَ نُصَرِّفُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَشْکُرُونَ 2.

فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیّاماً آمِنِینَ 1.

وهنا یذکر القرآن الکریم بأنّ کثرة النعم وقرب المسافات بین القری والمدن ووفرة الخدمات فیها، معلولة للأمن والأمان والاستقرار، وبفضل ذلک تتحقق السلامة فی الأسفار وتشتد الروابط بین الناس وتزدهر التجارة وینمو الاقتصاد ویعم الرخاء.

والأمن وعدٌ إلهی للصالحین، والله لا یخلف المیعاد، قال تعالی:

وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ 2.

رَبَّنا لَغَفُورٌ شَکُورٌ1.

وفیها أیضاً مؤشر إلهی لأهل الدنیا بأن یشکروا الله تعالی علی ما أنعم به علیهم من النعم والأرزاق؛ لأجل دوامها واستزادتها، قال تعالی:

لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَ لَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِی لَشَدِیدٌ2.

وقال تعالی:

وَ إِذا جاءَکَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِآیاتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلی نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْکُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ 3.

فالسلام هنا لیس مجرد لفظ، بل هو فعل إلهی یتضمن نزول السلام والأمن والأمان، حیث الشعور بالطمأنینة، قال الراغب الأصفهانی: «السلم والسلامة التعری من الآفات الظاهرة والباطنة.... کل ذلک من الناس بالقول ومن الله بالفعل»(1).

الأمن، کما أنّ مفهوم ومصطلح الإیمان فی النصوص الإسلامیة والکتاب الکریم، یعتبر رأس مالٍ إنسانی مقدّس، یقود فی الآخرة إلی السعادة والتکامل، وهذا هو الهدف من إرسال الرسل وبعث الأنبیاء علیهم السلام، وهو علامة فارقة لقیم وقداسة الأمن فی تعالیم الوحی، والإیمان له قیمة عظیمة لکونه وسیلة للوصول إلی الأمن.

وفی القرآن الکریم آیات صریحة تدلّ علی أن الفتنة أشد من القتل، وأن الإیمان یوصد الأبواب أمام المجرمین ویبعدهم عن ارتکاب المفاسد ودفع الاضطراب الاجتماعی ودرء الفتن به، ولأجل الحد من ذلک ومنع حصولها فی المجتمع الإسلامی، جعل الله تعالی الحدود والدیات والقصاص والتعزیزات والجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، والتی سنبحث مفصلاً فی أبوابها.

ومن خلال التدبر فی الآیات القرآنیة وأحادیث المعصومین، نستطیع أن نقول: إنّ النظام الاسلامی أکثر الأنظمة حفظاً للأمن وتأکیداً علیه، حیث لایدانیه أی نظام وضعی، فهو یتدخل فی الجزئیات، ویحفظ لأفراد النوع الإنسانی کرامتهم وحقوقهم المادیة والمعنویة؛ إذ وجدناه یعتنی حتی فی المسائل الأخلاقیة علی المستوی الفردی والاجتماعی، فتشمل توصیاته وتحذیراته مواطن الفکر والذهن والخیال، قال تعالی:

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ

ص:29

أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِیمٌ 1.

ومن خلال البحث یظهر أنّ رابطة الإیمان بالله والاطمئنان والاستقرار النفسی رابطة واقعیة لایمکن إنکارها، وهذا ما صرّح به القرآن الکریم فی العدید من الآیات بهذا الخصوص، وبنظرة کلیة إلی تلک الآیات یمکن تقسیمها إلی:

آیات ذکرت أنّ الأمن نتیجة وثمرة من ثمار الإیمان الصادق، کقوله تعالی:

اَلَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یَلْبِسُوا إِیمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِکَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ 2.

آیات ذکرت أنّ الأمن بمنزلة الوعد الإلهی للأفراد المؤمنین والذین یعملون الصالحات، کقوله تعالی:

وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ 3.

آیات تداری المؤمنین وتسلیهم وتذکرهم أنّ الله هو الذی یوفر الأمن وبیده امکانات الغیب کلّها، فکما أنزلها علی أممٍ من قبلکم، فهو قادر علی أن یعطیها

ص:30

لکم، کقوله تعالی:

إِذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ یُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ وَ یُذْهِبَ عَنْکُمْ رِجْزَ الشَّیْطانِ وَ لِیَرْبِطَ عَلی قُلُوبِکُمْ وَ یُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ 1.

آیات أخری تعطی الأمل فی قلوب المسلمین من خلال إلقاء الرعب والخوف فی قلوب الأعداء وتسلب أمنهم الروحی والنفسی، کقوله تعالی:

سَنُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَکُوا بِاللّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَی الظّالِمِینَ 2.

وفی سورة الأنفال قوله تعالی:

إِذْ یُوحِی رَبُّکَ إِلَی الْمَلائِکَةِ أَنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا سَأُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ کُلَّ بَنانٍ 3.

وقوله تعالی فی سورة الحشر:

هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ یَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ یُخْرِبُونَ

ص:31

بُیُوتَهُمْ بِأَیْدِیهِمْ وَ أَیْدِی الْمُؤْمِنِینَ فَاعْتَبِرُوا یا أُولِی الْأَبْصارِ1.

وقد قدّم القرآن الکریم مفهوم الأمن فی سیاقات متعددة، فضرب نماذج تأریخیة لمجتمعات کانت آمنةً ردحاً من الزمن، منها:

قوله تعالی:

فَلَمّا دَخَلُوا عَلی یُوسُفَ آوی إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِینَ 2.

وقوله تعالی:

وَ کانُوا یَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً آمِنِینَ 3.

وقوله تعالی:

وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیّاماً آمِنِینَ 4.

وقد أکّدت السنة الإلهیة علی أنّ الکفر بأنعم الله تعالی سبب لفقدان الأمن، فقد قال تعالی بهذا الصدد:

وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْیَةً کانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما

ص:32

کانُوا یَصْنَعُونَ 1.

ومنَّ علی قریش بالرفاه الاقتصادی والأمن، واللذین کان تحققهما بسبب وجود البیت فیها، فدعاها إلی عبادة الله ربها الأوحد، قال تعالی:

فَلْیَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَیْتِ اَلَّذِی أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ 2.

وقال تعالی:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی وَ عَهِدْنا إِلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ3.

وقال تعالی:

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 4. وقال تعالی: أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ یُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ یَکْفُرُونَ 5.

واعتبر الأمن فی الآخرة من أعظم النعم یوم الفزع الأکبر، قال تعالی:

ص:33

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ 1.

وفی الجنّة أیضاً، قال تعالی:

یَدْعُونَ فِیها بِکُلِّ فاکِهَةٍ آمِنِینَ 2.

وفی مقاماتها وغرفها، قال تعالی:

وَ ما أَمْوالُکُمْ وَ لا أَوْلادُکُمْ بِالَّتِی تُقَرِّبُکُمْ عِنْدَنا زُلْفی إِلاّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِکَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِی الْغُرُفاتِ آمِنُونَ 3.

ومنَّ علی المسلمین خصوصاً بإمداد إلهیٍّ فی أجواء القتال المشحونة بالأخطار والتهدیدات، بحیث تطمئن من خلاله روحیة المقاتلین، قال تعالی:

إِذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ یُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ وَ یُذْهِبَ عَنْکُمْ رِجْزَ الشَّیْطانِ وَ لِیَرْبِطَ عَلی قُلُوبِکُمْ وَ یُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ 4.

وهناک أیضاً آیات أخری فی القرآن الکریم أشارت إلی مسألة الأمن والأمان، نشیر إلی بعضها مع آراء المفسرین فیها:

1 - قوله تعالی: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْکُرُوا اللّهَ

ص:34

کَما عَلَّمَکُمْ ما لَمْ تَکُونُوا تَعْلَمُونَ 1.

إنّ أکثر المفسرین یتفقون - فی تفسیر هذه الآیة - علی قولٍ واحدٍ تقریباً وإن اختلفت ألفاظهم أحیاناً، فمثلاً اتفق صاحب تفسیر القرآن(1) وصاحب مجمع البیان(2) فی المعنی واللفظ، بأن قالوا: إنّ تفسیر فَإِذا أَمِنْتُمْ أی: آمنتم من الخوف، وأیضاً تفسیری روح المعانی(3) والمیزان(4) یتفقان معاً بنفس المعنی مع اختلاف الألفاظ، أمّا تفسیر الأمثل(5) وتفسیر الطبری(6) تقریباً یتشابه عندهما التفسیر، ولکن الطبری یوضحها أکثر من الأمثل، بقوله: (فإذا أمنتم أیها المؤمنون من عدوکم أن یقدر علی قتلکم فی حال اشتغالکم بصلاتکم التی فرضها علیکم، ومن غیره ممن کنتم تخافونه علی أنفسکم فی حال صلاتکم، فاطمأنتنم، فاذکروا الله فی صلاتکم وفی غیرها، بالشکر له والحمد والثناء علیه، علی ما أنعم به علیکم من التوفیق لإصابة الحقّ الذی ضل عنه أعداؤکم من أهل الکفر بالله، کما ذکرکم بتعلیمه إیاکم، من أحکامه، وحلاله، وحرامه، وأخبار من قبلکم من الأمم السالفة، والأنباء الحادثة بعدکم فی عاجل الدنیا وآجل الاخرة، التی جهلها

ص:35

غیرکم، وبصرکم من ذلک وغیره، إنعاماً منه علیکم بذلک، فعلمکم منه ما لم تکونوا من قبل تعلیمه إیاکم تعلمون)(1).

لذا نستطیع القول بأنّ الأمن فی آراء المفسرین قد یکون بمعنی: الاطمئنان وزوال الخوف.

2 - قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا أَ فَمَنْ یُلْقی فِی النّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ2.

فی تفسیر هذه الآیة بخلاف الآیات السابقة توجد تفاسیر مختلفة نذکر من أهمها الدر المنثور(2) وروح المعانی(3). فهما یذکران مصادیق لهذه الآیة خارجة عن نطاق بحثنا، أمّا المیزان والأمثل وروح البیان یذکرون تفسیر هذه الآیة من دون مصادیق لها، ویختلف التفسیر عند کلّ واحد منهم، یقول العلامة الطباطبائی فی المیزان:

أَ فَمَنْ یُلْقی فِی النّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ... إیذان بالجزاء وهو الإلقاء فی النار یوم القیامة قسراً من غیر أی مؤمّن متوقع کشفیع أو ناصر أو عذر مسموع، فلیس لهم إلا النار یلقون فیها والظاهر أن قوله تعالی:

ص:36

أَمْ مَنْ یَأْتِی آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ.

لابانة أنهما قبیلان لا ثالث لهما فمستقیم فی الإیمان بالآیات وملحد فیها ویظهر به أنّ أهل الاستقامة فی أمن یوم القیامة)(1).

وفی تفسیر الأمثل: (الأشخاص الذین یحرفون إیمان الناس وعقائدهم بنیران الشبهات والشکوک سیکون جزاؤهم نار جهنم، بعکس الذین أوجدوا المحیط الآمن للناس بهدایتهم إلی التوحید والإیمان، فأنهم یکونون فی أمان یوم القیامة، ألیس ذلک الیوم هو یوم تتجسد فیه أعمال الإنسان فی هذه الدنیا؟)(2).

3 - قوله تعالی: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ 3.

فنلاحظ أنّه جاء فی تفسیر هذه الآیة المبارکة اختلاف بین المفسرین لم نشاهده فی الآیة السابقة، فنقرأ فی المیزان: «أی: إذا أمنتم المانع من مرضٍ أو عدوٍ أو غیر

ص:37

ذلک، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ، أی: تمتع بسبب العمرة من حیث ختمها والإحلال إلی زمان الإهلال بالحج فما استیسر من الهدی، فالباء للسببیة، وسببیة العمرة للتمتع بما کان لا یجوز له فی حال الإحرام، کالنساء والصید ونحوهما من جهة تمامها بالإحلال»(1).

وجاء فی التفسیر الأمثل: (إذا أردتم أداء حج التمتع حین الأمن من المرض والعدو، ونری فی تفسیر الطبری وروح المعانی لیس کنفس المعنی، بل المعانی متقاربة)(2).

وقال الطبری: (اختلف أهل التأویل فی معنی ذلک: فقال بعضهم معناه: فاذا برأتم)(3).

وقال الآلوسی فی (روح المعانی): (من الأمن ضد الخوف، والآمنة زواله، فعلی الأوّل معناه: فإذا کنتم فی أمنٍ وسعةٍ، ولم تکونوا خائفین، وعلی الثانی: فإذا زال عنکم الخوف الإحصار، ویفهم منه حکم من کان آمناً ابتداءً)(4).

وأمّا فی تفسیر شبر، فقد جاء: (استمتع بعد التحلل من عمرته بإباحة ما حرم الله علیه)(5).

4 - قوله تعالی: فَلَمّا دَخَلُوا عَلی یُوسُفَ آوی إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا

ص:38

مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِینَ 1.

فی تفسیر هذه الآیة هناک اتفاق فی جمیع التفاسیر علی معنی واحد لها، ولکن الاختلاف یقع فی الألفاظ، مثلاً: تفسیر روح البیان وتفسیر روح المعانی یتفقان فی اللفظ والمعنی، یقول صاحب تفسیر روح البیان: (ادخلوا مصر ان شاء الله آمنین: من الجوع والخوف وسائر المکاره قاطبة لأنّهم کانوا قبل ولایة یوسف یخافون ملوک مصر و...)(1).

ونری فی الأمثل نفس المعنی لکن اللفظ یختلف، قال فیه: (لأنّ مصر أصبحت تحت حکم یوسف فی أمن وأمان وإطمئنان)(2).

وحاصل الکلام: نستطیع أن نقول إنّ أفضل وأشمل تفسیر للأمن هنا، هو ما ذکره صاحب تفسیر الأمثل، الذی یقول فیه: أمان واطمئنان وأمن فی حکم یوسف. أمّا تفسیری روح البیان وروح المعانی فقد نبّها علی مسألة مهمّة، وهی: أنّ الأمن من الجوع والخوف، وسائر المکاره، ویمکن إدخالها تحت حکم یوسف الذی ذکره صاحب تفسیر الأمثل.

5 - قوله تعالی: أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ یُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ یَکْفُرُونَ 4.

ص:39

بخصوص تفسیر الآیة: إنّ أکثر المفسرین یتفقون علی معنی واحد، ولکن یوجد اختلاف فی زیادة فی التعریف والتفسیر، أو نقصانه:

فالتفاسیر تشیر إلی أنّ (آمناً) تعنی: أرض مکة المکرمة، ولکلّ دلیله الخاصّ، قال صاحب تفسیر روح المعانی: (أهله عمّا سواهم من السبی والقتل علی أن آمناً کنایة عن أمن أهله أو علی أن الإسناد مجازی أو علی أنّ فی الکلام مضافاً مقدراً، وتخصیص أهل مکة، وأن أمن کلّ من فیه حتی الطیور والوحوش لأنّ المقصود الامتنان علیهم، ولأنّ ذلک مستمر فی حقّهم)(1).

وقال فی تفسیر الأمثل: (آمناً، أی: أرض مکة المکرمة فی حین أنّ العرب کانوا یعیشون فی حالة غیر آمنةٍ خارج مکة، وکانت قبائلهم مشغولة بالنهب والسلب والغارات، إلا هذه الأرض باقیة علی أمنها)(2).

وقال صاحب تفسیر المیزان:

(الحرم الآمن هو مکة وما حولها، وقد جعله الله مُأَمَّناً بدعاء إبراهیم علیه السلام. وقد کانت العرب یومئذ یَغِیرُ بعضهم علی بعض بالقتل والسبی والنهب، لکنهم یحترمون ولا یتعرضون لمن أقام فیها، والمعنی: أولم ینظروا أنا جعلنا حرما آمناً لا یتعرض لمن فیه بقتل أو سبی أو نهب، والحال أنّ الناس یختلسون من حولهم خارج الحرم)(3).

ص:40

ولا بأس بالإشارة إلی بعض الآیات الأخری؛ لأنّ فیها نکات تستحق الوقوف عندها.

6 - وقوله تعالی: وَ إِنْ کُنْتُمْ عَلی سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا کاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضاً فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَ لْیَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَ لا تَکْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ یَکْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِیمٌ 1.

7 - وقوله تعالی: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً یَغْشی طائِفَةً مِنْکُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ یَظُنُّونَ بِاللّهِ غَیْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِیَّةِ یَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ لِلّهِ یُخْفُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ ما لا یُبْدُونَ لَکَ یَقُولُونَ لَوْ کانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَیْ ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فِی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذِینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلی مَضاجِعِهِمْ وَ لِیَبْتَلِیَ اللّهُ ما فِی صُدُورِکُمْ وَ لِیُمَحِّصَ ما فِی قُلُوبِکُمْ وَ اللّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ2.

8 - وقوله تعالی: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَ إِلی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّیْطانَ إِلاّ قَلِیلاً3.

9 - وقوله تعالی: وَ کَیْفَ أَخافُ ما أَشْرَکْتُمْ وَ لا تَخافُونَ

ص:41

أَنَّکُمْ أَشْرَکْتُمْ بِاللّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ عَلَیْکُمْ سُلْطاناً فَأَیُّ الْفَرِیقَیْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 1.

10 - وقوله تعالی: أَ تُتْرَکُونَ فِی ما هاهُنا آمِنِینَ 2.

قِیلَ یا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَکاتٍ عَلَیْکَ وَ عَلی أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَکَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِیمٌ 1.

ب - سبأ قبل السیل، فقد کانت قریةً آمنةً، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی:

لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ جَنَّتانِ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمالٍ کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ وَ اشْکُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَیِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ2.

وأیضاً قوله تعالی:

وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیّاماً آمِنِینَ 3.

ج - مدینة مکة، کانت أیضاً من المدن الآمنة، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی:

إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبارَکاً وَ هُدیً لِلْعالَمِینَ 4.

وأیضاً قوله تعالی:

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ5.

ص:43

ومن خصائص مکة المکرمة تحریم القتال فیها، وکلّ شیءٍ فیها آمن، حتی الحیوانات والنباتات، وهی مصلی إبراهیم، قال تعالی:

وَ عَهِدْنا إِلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ1.

وحتی الکلام هناک له ضوابط أمنیة، قال تعالی:

فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ اَلْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ 2.

وکذا توفر فیها الأمن الاقتصادی حیث أمرت الآیات بإطعام الجائع والمحتاج.

ویقول الإمام علیٌّ علیه السلام فی نهج البلاغة:

«اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ یَکُنِ الَّذِی کَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِی سُلْطَانٍ ولَا التِمَاسَ شَیْ ءٍ مِنْ فُضُولِ الحُطَامِ ولَکِنْ لِنَرِدَ المَعَالِمَ مِنْ دِینِکَ ونُظْهِرَ الإصلاح فِی بِلَادِکَ فَیَأْمَنَ المَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِکَ وتُقَامَ المُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِک»(1).

وقال علیه السلام:

«شر الأوطان ما لم یأمن فیها القطان، شر البلاد بلد لا أمن فیه ولاخصب»(2).

کما یقول علیه السلام:

«لا خیر فی القول إلا مع العمل.. ولا فی الحیاة إلا مع الصحة... ولا فی الوطن إلا مع الأمن والمسرة»(3).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«خمس خصال من فقدهنَّ لم یزل ناقص العقل مشغول القلب أولهما صحة البدن والثانیة الأمن»(4).

وفی حدیث آخر یقول علیه السلام:

ص:47

«خمس من لم یَکُنّ فیه لم یتهنَ بالعیش الصحة والأمن والغنی والقناعة والأنیس الموافق»(1).

ومن خلال إطلالة تأریخیة علی الإنجازات الأمنیة للرسالة الإسلامیة نجد أنّ العرب فی الجاهلیة طرحوا تعاریف للأمن تتناسب وأهدافهم ومنافعهم، وکان المجتمع حین ذاک یعانی من الفقر فی الجوانب الثقافیة والصحیة والعقائدیة، وبیانات الصدیقة فاطمة الزهراء علیها السلام ترسم لنا الصورة الواقعیة للحیاة الاجتماعیة فی الجزیرة العربیة قبل الإسلام، کما جاء فی خطبتها بعد وفاة أبیها صلی الله علیه وآله وسلم حیث قالت:

«وکنتم علی شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون الورق أذلةً خاشعین تخافون أن یتخطفکم الناس من حولکم فأنقذکم الله برسوله»(2).

ومن عادات المجتمع الجاهلی ومراسمهم الأمنیة وأد البنات وعبادة الأصنام والغارات والسلب والنهب والتجاوز وسفک الدماء وارتکاب الآثام، وفی وسط هذا المجتمع بُعِثَ النبی الکریم محمد صلی الله علیه وآله وسلم لإبلاغ رسالة الإسلام الخالدة والخاتمة، وهی رسالة عظیمة وهذا نوع تکلیفٍ یحتاج إلی مقاومةٍ قویةٍ أمام معتقدات مجموعة جاهلیة متعصبة بیدها زمام أمور الجزیرة العربیة

ص:48

والکثیر من مصالحها الاقتصادیة وغیرها، وأنّ هذه الرسالة یحتاج صاحبها إلی غطاءٍ أمنیٍّ جیدٍ لإنجازها.

وبدون شک أنّ الله تعالی هیّأ مقدمات أمنیة لحفظ النبی صلی الله علیه وآله وسلم ومنها أنّه من قبیلة کبیرة وشریفة ومعروفة، وهو رجل صادق وأمین فی قوله وعمله، وعارف بلغة قومه وثقافتهم، وبما یمتلکه من کمال إنسانی استطاع أن یحولهم إلی مجتمع إنسانی یحمل قیّماً إلهیة، وطرح النبی صلی الله علیه وآله وسلم - باعتباره قائداً للدین الإسلامی - تعریفاً للأمن ینسجم مع أهداف الإسلام وتطلعاته، وقد تمکن فی برهة من الزمن أن یفرض الأمن فی ربوع الجزیرة العربیة، وتفیأت المدن والقبائل بظلاله وتکللت جهوده بالنجاح لما قام به من إجراءات ضمن برامج قصیرة وطویلة الأمد من أجل تغییر الواقع الأمنی فی مکة والمدینة، وهناک خطوات عملیة قصیرة المدی اتّبعها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لدفع الأخطار الأمنیة التی یمکن أن تشکل تهدیداً للمسلمین فی المدینة من قبل قریش وتحالف الیهود والمشرکین، وکذلک خطر حدوث اختلافات قومیة وعشائریة بین المسلمین أنفسهم، والأحداث المُرَّة التی وقعت بین الأوس والخزرج کانت حیة فی ذاکرة الناس، بل حتی خطر عدم تحمل أهل المدینة للمهاجرین من مکة، ویمکن أن تکون أیّ من هذه الأخطار سبباً لفشل التجربة وتودی بالأمن والاستقرار.

ولو تساءلنا ما هی الأدوات والمعالجات التی یمکن أن یستخدمها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لمعالجة مثل هذه الأخطار والتصدی لها وإبعادها عن

ص:49

المسلمین ومدینتهم؟ ومن البدیهی أن یستفید الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من عقائد المسلمین والإیمان بالله والتوحید لإیجاد برنامج فکری وثقافی لمعالجة هذه المشاکل، لکن هذا الأمر یتطلب وقتاً طویلاً، خصوصاً وأنّ عقائد المسلمین غضة آنذاک وتحتاج إلی وقت طویل لرسوخها فی المجتمع، والنبی صلی الله علیه وآله وسلم یحتاج إلی برنامج عملی ومحکم لتحقق المشروع الأمنی القائم علی أساس الفهم الدینی والعقائدی، ومن المسلّمات أنّ الوسائل التی سوف یستخدمها النبی صلی الله علیه وآله وسلم لمعالجة الموقف یجب أن تکون:

1. مقبولة لدی الجمیع.

2. لا یتنافی استخدامها مع الدین الإسلامی.

وعلی هذا الأساس عند التحقیق فی الوضع الاجتماعی والثقافی آنذاک فی المدینة نری أنّ أفضل الأدوات والأسالیب التی یتوفر علیها الشرطان السابقان هو مبدأ العهود والأحلاف والمواثیق، خصوصاً أنّ شخص النبی صلی الله علیه وآله وسلم کان عضواً فی حلف الفضول قبل عشرین عاما ً من البعثة.

ومما یجدر الإشارة إلیه هو أنّ التحالفات من أقوی السنن الاجتماعیة عند العرب فأخذها النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وأضفی علیها روحاً ومعنی ثوریاً ودینیاً، وبقیت هذه العادة محفوظة، ولکن أصبح الحلف والعهد العقائدی بدلاً عن الحلف القبائلی، وید الله فوق أیدی الآخرین، ورکّز النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی عقد الحلف والعهد علی الأمان ولیس الإیمان؛ لأنّ أکثر من دخل الإسلام فی تلک الفترة من أهل المدینة کان بسبب الأخلاق الکریمة لرسول الله

ص:50

صلی الله علیه وآله وسلم، ولم یستحکم إیمانهم بعد، وکذلک أراد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن یشرک غیر المسلمین فی حفظ المدینة.

وأمّا أهم الإجراءات العملیة والسریعة، التی أقدم علیها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لإیجاد بیئة أمنیة واسعة فی المدینة یشترک فیها الجمیع، ویساعد الإسلام علی الانتشار(1) ، فهی:

1. بناء المسجد: لیکون مکاناً ومرکزاً للاجتماع والعبادة وإدارة أمور الناس وبیان أحکام الإسلام، ومرکزاً إعلامیاً للبیانات الصادرة عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، وقد کان لإتخاذ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم مسکناً إلی جانب المسجد قد أعطی لهذه المؤسسة رونقاً عجیباً.

2. إطلاق مصطلح المهاجرین والأنصار: من أجل رفع التعصبات القومیة والقبلیة التی حرکت الإسلام فی جمیع فعالیاته، فقد اصطلح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی من هاجروا من مکة إلی المدینة بالمهاجرین وأهل المدینة بالأنصار، وکان له آثارٌ طیبة علی وحدة المسلمین الذین کان معظمهم من الأوس والخزرج، وکانوا یعانون من اختلافات قبائلیة طوال أکثر من قرن من الزمن.

3. عهد المدینة: وقد أشرک النبی صلی الله علیه وآله وسلم فیه جمیع أهل المدینة للدفاع عنها وحفظ أمنها فی حالة تعرضها لخطر الأعداء، سواء کانوا یهوداً أو مشرکین.

ص:51

4. عهد الأخوة: وکان بین المهاجرین والأنصار، وهذا العهد قرّب النفوس ورفع الکدورات.

5. العهد مع الأدیان السماویة التوحیدیة، کما جاء فی قوله تعالی:

قُلْ یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَ لا نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَ لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ 1.

لتثبیت الحکومة بید النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

6. تألیف القلوب: وهو من جملة المواضیع التی استفاد منها النبی صلی الله علیه وآله وسلم لإیجاد الأمن وحفظه، والمؤلفة قلوبهم علی أقسام متعددة، منها:

أ - الکفار داخل المدینة: فإنّه یوفر رغبة لدیهم لدخول الإسلام.

ب - الکفار الذین یسکنون علی حدود المسلمین لیمنعوا العدو من الهجوم علی البلاد الإسلامیة.

ج - المسلمون ضعفاء الإیمان: لیقوی إیمانهم.

د - الناس الذین یسکنون قرب ثغور المسلمین، یدفعون العدو، أو یخبرون عن تحرکاته.

لذا فهناک ارتباط وثیق بین تألیف القلوب وتوفیر الأمن.

ص:52

الخصوم، وجهاد مثیری الفتن، والاحتراز عن الاستبداد ورفع الظلم، والإلتزام بالعهود والمواثیق والأحکام الإلهیة، وسیادة العدل والقسط، والإنفاق ومعونة الفقراء والمساکین وعلیه لا یصل العالم المعاصر إلی ساحة الأمن المنشودة إلا بالتمسک بسیرة النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم الأمنیة(1).

وهناک برامج وخطط استراتیجیة بعیدة المدی استخدمها الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لإیجاد الأمن فی المجتمع والحفاظ علیه؛ وذلک منذ بدایة البعثة فی مکة، حیث بدأ الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بتربیة مجموعة من الشخصیات الرسالیّة لیکونوا نواة أساسیة لحفظ الأمن وتوفیره فی المجتمع، وکما أنّ أخلاق الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وسلوکه الشخصی وأخلاقه العظیمة وحیاته المبارکة هی من الأصول الأمنیة التی أخذت تتوسع فی المدینة، ولقد اعتمدت خطة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم الأمنیة بعیدة المدی علی ما یلی:

1 - تعمیق الإیمان والاعتقاد الراسخ بالله تعالی وطاعته.

2 - نشر الأخلاق الحسنة والسلوکیات الصالحة، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی:

وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ 2.

أیضاً قوله تعالی:

لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ

ص:54

عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ 1.

3 - إجراء العدالة الاجتماعیة فی کلّ المیادین.

إنّ من أهم الأهداف التی ترسمها أیّة دولة لنفسها، هو توفیر الأمن لمواطنیها، وبإلقاء نظرة علی مقولة الأمن من خلال سیرة المعصومین علیهم السلام ونظرتهم إلی الأمن لاسیّما من تصدی للحکم، ومنهم أمیر المؤمنین علیه السلام لها أهمیة بالغة فی بیان هذا المفهوم ورسم حدوده، ولا عجب أن یستحوذ الأمن علی ساحة کبیرة من فکر الإمام علی علیه السلام باعتباره قائدا ًإسلامیّاً أسس دولةً ونظاماً سیاسیاً متکاملاً.

وبدیهی أنّ من أهم وظائف أیّ نظام سیاسی توفیر الأمن لمواطنیه بأبعاده وأقسامه المختلفة، ومنها حفظ نفوسهم، والذی یصطلح علیه ب - (الأمن الوطنی)، الذی یُعدّ من أهم الأبعاد الأمنیة، وأنّ التعرف علی منهج وأسلوب المعصومین علیهم السلام فی هذا المجال سوف یکون مفیداً لنا فی هذا البحث، فکان من أهم الأهداف السامیة لحکومة الإمام علیٍّ علیه السلام استقرار الأمن وتوسعته ونشره فی البلاد الإسلامیة (کانت حکومة الإمام تسیر علی نهج إسلامی خالص، أی أنها کانت تحقق للرعیة أقصی قدر مستطاع - فی ظروفها الاقتصادیة والسیاسیة والعسکریة - من الرفاهیة والأمن والعدالة)(1) ؛ لأنّ أیّ تطور فی البلاد ورقی من المجتمع لا یتحقق إلا فی ظل وجود الأمن.

ص:55

إنّ الصلح مع العدو، والذی یری الإمام علیٌّ علیه السلام أنّه یجلب النفع ویوفر الأمن، إنّما هو الصلح المشروط برضی الله تعالی، وأن یطلبه العدو أی الصلح من موقع القوة لا الضعف، وأن یحفظ وحدة المسلمین وعزتهم، وکذلک یجب أن تکون الجهة المصالحة علی حذر واحتیاط من مکائد العدو؛ إذ لعلّه یستغل الغفلة والاسترخاء لینقضّ مرة أخری.

ففی فترة حکومة الإمام علیٍّ علیه السلام وهول أحداثها، قام یوماً خطیباً فی أهل الکوفة، معاتباً لهم لتقصیرهم فی ردّ ظلامتهم ومستنهضاً هممهم، وینقل أنه علیه السلام من شدة تأثرهِ وغضبه لم یقوَ علی الوقوف لأدائها، فأمر غیره بأدائها نیابة عنه، ومنها:

«وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وقَدْ وَرَدَتْ خَیْلُهُ الأَنْبَارَ وقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَکْرِیَّ وأَزَالَ خَیْلَکُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ولَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ کَانَ یَدْخُلُ عَلَی المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ والأُخْرَی المُعَاهِدَةِ فَیَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعَاثَهَا مَا تَمْنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ والِاسْتِرْحَام، ثم انصرفوا وافرین، ما نال رجلاً منهم کلم ولا أریق لهم دم. فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما کان به ملوماً، بل کان به عندی جدیراً»(1).

ثم وجه أقصی الملامة والعتاب للخانعین:

«فَإِذَا أَمَرْتُکُمْ بِالسَّیْرِ إِلَیْهِمْ فِی أَیَّامِ الصَّیْفِ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ

ص:57

القَیْظِ أَمْهِلْنَا یُسَبَّخْ عَنَّا الحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُکُمْ بِالسَّیْرِ إِلَیْهِمْ فِی الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ القُرِّ أَمْهِلْنَا یَنْسَلِخْ عَنَّا البَرْدُ کُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الحَرِّ والقُرِّ فَأَنْتُمْ واللَّهِ مِنَ السَّیْفِ أَفَرُّ یَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ ولَا رِجَالَ حُلُومُ الأَطْفَالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الحِجَال»(1).

کانت هذه الخطبة الناریة العصماء التی تنم ألمٍ من أحداث یضیق بها صدر الحکیم، لهجوم عصابة من جند الشام أرسلهم معاویة بقیادة سفیان بن عوف لإیجاد الهلع والخوف والتشویش علی أذهان الناس، فتفقدهم بذلک ثقتهم بحکومة أمیر المؤمنین علیه السلام، ویفشلوا وتذهب ریحهم ویقعوا جمیعاً فی شراک عدوهم، وهذا ما یدلّ علی أهمیة الأمن فی السلم والحرب.

مکة (القثم بن العباس)(1) واضحة فی هذا الخصوص:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَیْنِی بِالمَغْرِبِ کَتَبَ إِلَیَّ یُعْلِمُنِی أَنَّهُ وُجِّهَ إلی المَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ العُمْیِ القُلُوبِ الصُّمِّ الأَسْمَاعِ الکُمْهِ الأَبْصَارِ الَّذِینَ یَلْتَمِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ ویُطِیعُونَ المَخْلُوقَ فِی مَعْصِیَةِ الخَالِقِ ویَحْتَلِبُونَ الدُّنْیَا دَرَّهَا بِالدِّینِ ویَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الأَبْرَارِ المُتَّقِینَ ولَنْ یَفُوزَ بِالخَیْرِ إِلَّا عَامِلُهُ ولَا یُجْزَی جَزَاءَ الشَّرِّ إِلَّا فَاعِلُهُ فَأَقِمْ عَلَی مَا فِی یَدَیْکَ قِیَامَ الحَازِمِ الصَّلِیبِ والنَّاصِحِ اللَّبِیبِ والتَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ المُطِیعِ لِإِمَامِهِ وإِیَّاکَ ومَا یُعْتَذَرُ مِنْهُ ولَا تَکُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً ولا عِنْدَ البَأْسَاءِ فَشِلًا والسَّلَام»(2)).

علی رسالة معاویة إلی زیاد نفسه یتقرب بها إلیه ویرغبه بالوقوف معه من خلال إغرائه بإلحاق نسبه بأبی سفیان، ومن تلک الرساله:

«وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِیَةَ کَتَبَ إِلَیْکَ یَسْتَزِلُّ لُبَّکَ وَیَسْتَفِلُّ غَرْبَکَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّیْطَانُ یَأْتِی المَرْءَ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ یَمِینِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لِیَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَیَسْتَلِبَ غِرَّتَه»(1)).

ومن رسالة أخری إلی (مقصلة بن هبیر الشیبانی)(2) أحد عماله:

«بَلَغَنِی عَنْکَ أَمْرٌ إِنْ کُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَکَ وأَغْضَبْتَ إِمَامَکَ أَنَّکَ تَقْسِمُ فَیْ ءَ المُسْلِمِینَ الَّذِی حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وخُیُولُهُمْ وأُرِیقَتْ عَلَیْهِ دِمَاؤُهُمْ فِیمَنِ اعْتَامَکَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِک»(3)).

ومن رسالته إلی (عثمان بن حنیف) عامله علی البصره:

«أَمَّا بَعْدُ یَابنَ حُنَیْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْیَةِ أَهْلِ البَصْرَةِ دَعَاکَ إلی مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا تُسْتَطَابُ لَکَ الالوَانُ وتُنْقَلُ إِلَیْکَ الجِفَانُ ومَا ظَنَنْتُ أَنَّکَ تُجِیبُ إلی طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وغَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إلی مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا المَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ

ص:60

عَلَیْکَ عِلْمُهُ فَالفِظْهُ ومَا أَیْقَنْتَ بِطِیبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْه»(1).

اَلْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ 1.

ومن مجمل الروایات المنقولة عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام نکتشف أنّ من الممیزات الشاخصة لعصر الظهور هو إیجاد الأمن والأمان التام والکامل من أول الأرض إلی منتهاها، کما بشّر - قبل ذلک - القرآن الکریم بعصر لاخوف فیه ولا اضطرابات ولا نوازل تحزن القلب وتشتت الفکر، فالأمن حینذاک یلقی بضلالهِ علی جمیع أبعاد الحیاة ومجالاتها المتنوعة والمختلفة.

نعم قبل ظهور الإمام علیه السلام الخوف هو المسیطر علی العالم - وکما نری الیوم - وإنّ من أهمّ الأعمال بعد الظهور الموکلة إلی الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف هو إعادة الأمن إلی المجتمع، وبناءً علی برنامج دقیق وفی مدة قلیلة جداً یعیش الناس فی جو من الأمن والاطمئنان لم ترَ البشریة مثله فی أی عصر، فتأمن الطرقات وتسافر المرأة مسافات بعیدة دون الحاجة إلی رفقة فی الطریق، وتکون آمنة من التعرض لأی اعتداء، ویأمن الناس علی أموالهم وأنفسهم ویزول الخوف من المجتمع ویشمل ذلک حتی الحیوانات أیضاً.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«.... ولو قد قام قائمنا لانزلت السماء قطرها واصطلحت السباع

ص:62

والبهائم حتی تمسی المرأة بین العراق والشام ولایهیجها سبع ولاتخاف»(1).

وسئل الإمام الصادق علیه السلام عن تفسیر قوله تعالی:

وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتِی بارَکْنا فِیها قُریً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِیهَا السَّیْرَ سِیرُوا فِیها لَیالِیَ وَ أَیّاماً آمِنِینَ 2. وقوله تعالی: فِیهِ آیاتٌ بَیِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِیمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ 3.

فقال علیه السلام فی تفسیر الأولی:

«مع قائمنا أهل البیت».

وأمّا قوله تعالی:

وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً.

فقال علیه السلام:

«فمن بایعه ودخل معه، ومسح علی یده ودخل فی عقد أصحابه کان آمناً»(2).

ومن الأمور التی تحصل بعد الظهور هی معاقبة الأشخاص الذین أخلوا

ص:63

بالأمن فی العالم کلّه، وقتلوا الأبریاء وتسببوا بأذی الملایین من البشر وأوجدوا وضعاً مؤسفاً فی الأرض، ویتم ذلک من خلال تنفیذ الحدود والأحکام الإلهیة بحقهم والانتصار للمظلومین.

نقل عن أبی جعفرٍ علیه السلام أنه قال:

«... ویخرج المهدی... فلا یترک... ولامظلمة لأحد من الناس إلاّ ردّها»(1).

یؤمّن لهم المحیط الصحیح والمنافع المادیة المشروعة، وما إلی ذلک، وبین أن التعبیر ب - «یجبی» جاءت علی صیغة الفعل المضارع الذی یدل علی الاستمرار فی الحال والاستقبال، ونحن الیوم وبعد مرور أربعة عشر قرناً، نری بأم أعیننا مفهوم هذا الکلام واستمرار جبایة جمیع أنواع المواهب إلی هذه الأرض المبارکة، فالذین یحجون مکة ویزورون بیت الله الحرام، یرون بأعینهم هذه الأرض الجرداء الحارة التی لا تنبت شیئاً، کم فیها من النعم! فکأن مکة غارقة بها، ولعل أیة نقطة من العالم لیس فیها ما فی مکة من هذه النعم الوفیرة(1).

وإمام العصر علیه السلام یقول:

«إنّی لأمانٌ لأهل الأرض، کما أنّ النجوم أمانٌ لأهل السماء»(2).

ص:65

ص:66

ص:68

مختلف المستویات والأصعدة الحیاتیة؛ لأنّ غیاب الأمن یؤدی إلی سیادة الفوضی والاضطرابات، وعندها یستشری الفساد والخراب فی جسد الأمّة، فتتخلف عن رکبها الحضاری، بل قد یؤدی ذلک إلی إضعافها وتقاعسها عن أداء رسالتها الإنسانیة والدینیة؛ لعدم قدرة أفرادها علی أداء مسؤولیتهم الشرعیة اتجاه الدین والمجتمع، وحینها تستبدل مظاهر التّوعیة بمظاهر الجاهلیة الأولی من البغی والفساد والتجاوزات اللامشروعة عقلاً وشرعاً، ولأجل الحد من انتشار ذلک نحاول بقدر الإمکان أن نجد الطرق والأسالیب الناجحة التی بیّنها القرآن الکریم والسنّة الشریفة؛ وذلک من خلال بسط البحث فی مبحثین، أحدهما البحث عن بیان أقسام وأنواع الأمن، والآخر البحث عن مظاهر فقدان الأمن ونتائجه الوخیمة علی الفرد والأمّة.

ص:70

وهنا نحن نُقسّم الأمن إلی أقسامه علی أساس القسمة الاستقرائیة، القائمة علی أساس ذکر أکبر قدر ممکن من أقسامه الفرعیة، وهذا ما سیتضح لنا من خلال ذکر أهم هذه الأقسام بالشکل الذی یتناسب مع موضوع بحثنا فی هذه الدراسة المخصّصة فی البحث عن الأمن فی القرآن والسنّة الشریفة، وإلیک بیان هذه الأقسام:

وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی اَلْأَرْضِ خَلِیفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ 1.

وقوله تعالی:

إِنّا عَرَضْنَا اَلْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً2.

وعلیه من الطبیعی أن تکون حیاة الإنسان وروحه فی نظر الإسلام من المحترمات والمقدّسات، کما أن من حقوق الإنسان تأمین الأمن لحیاته وروحه؛ ولذا قد حُرِّمَ الاعتداء علی هذه الحیاة تحریماً مشدداً، فمن جملة ما جاء فی هذا المقام:

1 - تحریم الاعتداء علی النفس من قبل الآخرین، قال تعالی:

وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ 3.

2 - جعل القصاص کرادع عن الاعتداء علی النفس، ففی الوقت الذی لم ینته الإنسان عن قتل النفس المحترمة، توعده الباری عزّ وجلّ بالاقتصاص منه عن طریق القصاص فی حال القتل العمد، أو أخذ الدیة فی حالة القتل الخطأ، فضلاً عمّا ینتظره من عقاب یوم الآخرة، قال تعالی:

ص:74

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً1.

وقال تعالی:

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی بِالْأُنْثی 2.

3 - أنزل القاتل منزلة من قتل الناس جمیعاً وقال تعالی:

مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً3.

4 - حذّر القاتل من غضبه ودخوله النار، قال تعالی:

وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً4.

5 - جعل تحریم الاعتداء شاملاً حتی للفرد نفسه، وهذا من لطیف صنعه فی أنّه تعالی لا یحرم الاعتداء علی هذه النفس فقط من قبل الآخرین، بل حتی من الشخص نفسه، قال تعالی:

وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللّهَ کانَ بِکُمْ رَحِیماً5.

ص:75

وقال تبارک وتعالی:

وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ 1.

فهذه وغیرها من الآیات الکریمة تهدف إلی توفیر الأمن والأمان للنفس الإنسانیة، والدین الإسلامی لأجل إیجاد الأمن الکامل للفرد وفرَّ لهم مجموعة من الأحکام الشرعیة، التی إذا روعیت حقّ رعایتها سوف ترتفع أسباب القلق؛ وذلک رأفة بالعبد ورحمة به، وأنّه من عظیم إحسانه ومنّنه علیه.

یقول السید الطباطبائی فی تفسیر لقوله تعالی: وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً...: (التعمد هو القصد إلی الفعل بعنوانه الذی له وحیث إنّ الفعل الاختیاری لا یخلو من قصد العنوان وکان من الجائز أن یکون للفعل أکثر من عنوان واحد أمکن أن یکون فعل واحد عمدیاً من جهة خطئیاً من جهة أُخری فالرامی إلی شبح وهو یزعم أنّه من الصید وهو فی الواقع إنسان، إذا قتله کان متعمداً إلی الصید خاطئاً فی قتل الإنسان. وکذا إذا ضرب انساناً بالعصی قاصداً تأدیبه فقتلته الضربة کان القتل قتل خطأ. وعلی هذا فمن یقتل مؤمناً متعمداً هو الذی یقصد فعله قتل مؤمن عن علم بأنّه قتل وإنّ المقتول مؤمن)(1).

وقد جاء فی عهد الإمام علیٍّ علیه السلام إلی مالک الأشتر عندما أرسله إلی ولایة مصر:

«إِیَّاکَ والدِّمَاءَ وَسَفْکَهَا بِغَیْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَیْسَ شَیْ ءٌ أَدْعَی لِنِقْمَةٍ ولَا

ص:76

أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ ولَا أَحْرَی بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْکِ الدِّمَاءِ بِغَیْرِ حَقِّهَا واللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالحُکْمِ بَیْنَ العِبَادِ فِیمَا تَسَافَکُوا مِنَ الدِّمَاءِ یَوْمَ القِیَامَةِ فَلَا تُقَوِّیَنَّ سُلْطَانَکَ بِسَفْکِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِکَ مِمَّا یُضْعِفُهُ ویُوهِنُهُ بَلْ یُزِیلُهُ ویَنْقُلُهُ ولَا عُذْرَ لَکَ عِنْدَ اللَّهِ ولَا عِنْدِی فِی قَتْلِ العَمْدِ لِأَنَّ فِیهِ قَوَدَ البَدَن»(1).

وروی جابر عن أبی جعفرٍ علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «أول ما یحکم الله (عزّوجلّ) فیه یوم القیامة الدماء، فیوقف ابنا آدم علیه السلام فیفصل بینهما ثمّ الذین یلونهما من أصحاب الدماء حتی لا یبقی منهم أحد من الناس بعد ذلک، حتی یأتی المقتول بقاتله فیشخب دمه فی وجهه، فیقول: أنت قتلته فلا یستطیع أن یکتم الله حدیثاً»(2).

وعن النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم «لزوال الدنیا أیسر علی الله من قتل المؤمن»(3).

عن عبد السلام بن صالح الهروی، قال: قلت لأبی الحسن علی بن موسی الرضا علیه السلام: یابن رسول الله ما تقول فی حدیث روی عن الصادق علیه السلام أنّه قال:

«إذا خرج القائم قتل ذراری قتلة الحسین علیه السلام بفعال

ص:77

آبائها، فقال علیه السلام: هو کذلک فقلت فقول الله عزّ وجلّ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری

ما معناه؟ فقال صدق الله فی جمیع أقواله لکن ذراری قتلة الحسین یرضون أفعال آبائهم ویفتخرون بها ومن رضی شیئاً کان کمن أتاه ولو أن رجلاً قُتِلَ فی المشرق فرضی بقتله رجل فی المغرب لکان الراضی عند الله شریک القاتل، وإنّما یقتلهم القایم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم، قال: قلت له: بأی شیءٍ یبدأ القایم فیهم إذا قام؟ قال یبدأ ببنی شیبة، ویقطع أیدیهم لأنّهم سراق بیت الله عزّوجلّ»(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّ الرجل لیدفع عن باب الجنّة أن ینظر بمحجمة من دم أریقت من مسلم»(2) ، وعن الصادق علیه السلام

«لا یدخل الجنّة سافک الدم ولا شارب الخمر»(3).

إنّ مسألة حفظ النفس وحرمة الدماء أکّدت علیها آیات کثیرة وروایات متعددة، وهذا یدل علی مقدار عنایة الإسلام بالنفس ولا نری لها مثیلاً فی جمیع الدساتیر الوضعیة ولا فی الدیانات الأخری. فلو هیأت للفرد التربیة الروحیة عن طریق العمل بالتوصیات والإرشادات الربانیّة ورعایة الحدود الشرعیة لخلص من ذلک فرد نموذجی بالمعنی الکامل، متمتع بأمنه واستقراره. ومن خلال دراسة

ص:78

العناوین التالیة والتی تشکّل مصدرّ أمنٍ الأفراد سنطلع علی اهتمام القرآن الکریم بأمن الفرد باعتباره اللبنة الأولی والأساس فی المجتمع.

ویدخل ضمن الأمن الفردی الاطمئنان النفسی والروحی للفرد، وقد اهتمت الآیات الکریمة بالبعد الروحی والنفسی للفرد اهتماماً بالغاً، فمثلاً نبی الله یوسف علیه السلام یطمئن أبویه حینما جاءوا إلی مصر، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: فَلَمّا دَخَلُوا عَلی یُوسُفَ آوی إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِینَ 1.

وفی آیة أُخری یلاحظ نبی الله یعقوب علیه السلام، ویراعی مسألة الأمن النفسی فی السفر، ویقول لأولاده حین سفرهم إلی مصر ذلک، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ قالَ یا بَنِیَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْ ءٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ عَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ 2.

أو فی قصة نبی الله موسی علیه السلام وموقفه الحرج أمام السحرة، حیث وقف الباری إلی جانبه، وطمأنه نفسیاً، کما أشار إلیه قوله تعالی: وَ أَلْقِ عَصاکَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ کَأَنَّها جَانٌّ وَلّی مُدْبِراً وَ لَمْ یُعَقِّبْ یا مُوسی لا تَخَفْ إِنِّی لا یَخافُ لَدَیَّ الْمُرْسَلُونَ 3.

ص:79

أیضاً قوله تعالی: وَ أَنْ أَلْقِ عَصاکَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ کَأَنَّها جَانٌّ وَلّی مُدْبِراً وَ لَمْ یُعَقِّبْ یا مُوسی أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّکَ مِنَ الْآمِنِینَ 1.

وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ 1.

فهذه وغیرها من العوامل التی جاء ذکرها فی القرآن الکریم، هی السبب فی إصلاح البال أی «الذهن والروح والمشاعر والخیال»، ثمّ الهدوء والاطمئنان النفسی، وحینها ستکون قلوب المؤمنین محط نزول السکینة الإلهیة والعنایة الربانیة، التی من شأنها توفیر الاطمئنان والهدوء والأمن النفسی.

کل ذلک من أجل أن لا یزرع الإنسان فی نفسه الخوف والقلق، وعندها یصاب بالکآبة النفسیة، التی قد تسبب له أمراضاً نفسیة وجسدیة مختلفة تعیقه عن أداء رسالته فی الحیاة الدنیویة، وتصده عن تکامله نحو هدفه المنشود له.

باء) النجوی

قال تعالی: إِنَّمَا النَّجْوی مِنَ الشَّیْطانِ لِیَحْزُنَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَیْسَ بِضارِّهِمْ شَیْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ عَلَی اللّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 1 ، وقال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَناجَیْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِیَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِی إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ 2 ، فالنجوی من هذا القبیل توجب سلب أمن الحاضرین لاعتقادهم أنّها ضدهم، وإلا لأشرکوهم فی الحدیث، وهی من صفات الشیطان.

والنجوی من النجو، وهو السر بین اثنین، یقال: نجوته نجواً إذا ساررته، وکذلک ناجیته، وانتجی القوم، وتناجوا، أی: تساروا(1).

جیم) السوابق الأمنیة والإتهامات للأفراد

إن من عوامل وأسباب عدم السماع لقول الحقّ - فی أغلب الأحیان - هو کون الداعی له قد سبق اتهامه بارتکاب معصیة أو کبیرة من الکبائر من قبل

ص:82

السامعین، ومثل هذا عندما یدعوهم إلی ما هو حقّ وفیه صلاح أمورهم وصلاح دینهم ودنیاهم، فإنّهم سوف لن یتقبلوا منه ذلک، لأنّ مثل هذه الاتهامات السابقة تصدهم عن قبول الحقّ منه علی وجه الخصوص، وإن لم تکن هذه التهمة ثابتة له فی الواقع، ولم یکن مرتکباً لها أبداً، فلو کلّف بأداء مهمة معینة اتجاه قومه، فإنّ مثل ذلک باعث علی القلق والخوف فی نفسه، وهذا القلق والخوف لا یشترط أن یکون علی نفسه، بل علی قومه، ک - (بکاء الإمام الحسین علیه السلام یوم الطف)، ولما قالوا له إنّ الذی یطلب مثلمّا تطلب لا یبکی، فقال لهم علیه السلام والله ما أبکی علی نفسی، ولکن أبکی علی هؤلاء الذین سیدخلون نار جهنم بسبب قتلی جهلاً، فقد ینتابه القلق والخوف علی قومه لو بعث إلیهم لسابقة اتهامهم له، کالذی حصل مع نبی الله موسی علیه السلام لما ناداه ربّه أن أئت القوم الظالمین، کرسول إلیهم، فأعلن موسی علیه السلام تخوّفه من هذه المهمة من جهته، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ لَهُمْ عَلَیَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ 1 ، فکان یعتقد أنّ الناس سوف لایسمعون منه بسبب قتله لأحد الکفار حینما استنصره أحد المؤمنین من قومه علیه فَأَصْبَحَ فِی الْمَدِینَةِ خائِفاً یَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِی اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ یَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسی إِنَّکَ لَغَوِیٌّ مُبِینٌ 2 وحینها خرج من قومه متستراً باتجاه مدین فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً یَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ 3 ، فتخوّف الأنبیاء علیهم السلام لا علی أنفسهم،

ص:83

وإن کان لهم الحقّ فی التخوف علیها؛ لأنّ فی وجودهم بین الناس رحمة لهم، بما یقدمونه من وعظ وإرشاد وتقویم للقیم والمبادئ الإنسانیة، ولکنهم أیضاً یخافون أن یرتکب هؤلاء القوم بعد أن خرج منهم متهماً بقتل أحد أفرادهم، أن یقتلوه فیدخلوا بذلک نار جهنّم، أو یحل علیهم غضب الله تعالی فیعذبهم عذاباً لم یعذب به أحداً، بل ویلبسهم لباس الذّل والمسکنة بعد ذلک، قال تعالی: ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ أَیْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الْمَسْکَنَةُ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کانُوا یَکْفُرُونَ بِآیاتِ اللّهِ وَ یَقْتُلُونَ الْأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَقٍّ ذلِکَ بِما عَصَوْا وَ کانُوا یَعْتَدُونَ 1.

وهکذا نبی الله یوسف علیه السلام أظهر عدم تقبله للمسؤولیة ابتداءً، وذلک عندما طلب منه العزیز، ولکنه اشترط أوّلاً أن یرفع عنه العزیز الاتهام، من ثمّ بعد ذلک یتحمل المسؤولیة؛ لذا فإنّ التهمة والبهتان من عوامل عدم الاستقرار والأمن الروحی والنفسی، علی أن الاتهام بلا دلیل خطأ کبیر ومعصیة عظیمة، قال تعالی: وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً2.

دال) البخل والحسد

إنّ من أقبح الأفعال والخصال النفسیة، هو البخل والحسد، لما فیهما من إمساک ومنع دوام النعمة الإلهیة وإیصالها إلی مستحقیها، فأمّا الحسد فهو قائم علی

ص:84

تمنی زوال النعم الإلهیة، وأمّا البخل فهو قائم عن عدم إیصالها إلی مستحقیها، الذین استأمنهم الله تعالی عند الأغنیاء، لیکونوا رحمة لهم، فلولاهم لما دخل الأغنیاء الجنّة، کما جاء ذلک فی الحدیث الشریف، فعن مبارک غلام شعیب قال: سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول:

«إنّ الله عزّ وجلّ یقول: إنّی لم أغنِ الغنی لکرامة به علیَّ، ولم أفقر الفقیر لهوانٍ به علیَّ، وهو مما ابتلیت به الأغنیاء بالفقراء، ولولا الفقراء لم یستوجب الأغنیاء الجنّة»(1).

وعلیه فالبخل والحسد من الأمراض النفسیة الباعثة علی القلق والاضطراب النفسی لصاحبهما، بل قد یؤججان نار الفتنة فی نفس الإنسان المبتلی بهما، کما حصل ذلک فی أول فتنة حصلت فی تاریخ البشریة بین الأخوین هابیل وقابیل، والتی انتهت بقتل قابیل لأخیه هابیل؛ إذ کان سبب ذلک هو حسد قابیل لهابیل لاستقامته وتقبل الله تعالی قربانه دون قربانه، قال تعالی: وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّکَ قالَ إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ 2 ، وکالذی حصل بین نبی الله یوسف علیه السلام وأخوته من أبیه علیه السلام، حیث قرّروا بعد أن افتتنهم الحسد، أن یلقوه فی غیاهب الجب، فقد جاء فی قصته علیه السلام، قال تعالی: إِذْ قالُوا لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ 3 فطلبوا

ص:85

من أبیهم علیه السلام أن یسمح له بالخروج معهم علی أن یحافظوا علیه أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ وَ یَلْعَبْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ 1 ولکنّ أباهم علیه السلام کان خائفاً علیه قالَ إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ 2 وما أن خرجوا به ارتکبوا جریمتهم قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیّارَةِ إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ 3.

بینما کان المفروض بالإنسان المؤمن أن یتمنی الخیر لأخیه ودوامه علیه، وأن یدعو له کما هو دیدن المؤمنین الأوفیاء الخلص، قال تعالی: وَ الَّذِینَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالْإِیمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِی قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّکَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ 4.

هاء) سوء الظن والسخریة

لقد جعل المولی تبارک وتعالی معیاراً ومیزاناً توزن به الناس، وهو معیار التقوی، حیث قال سبحانه وتعالی: یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ5 ، وجاء فی الحدیث الشریف ما یتضامن مع هذه الحقیقة القرآنیة،

ص:86

قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «أیها الناس، إنّ ربکم واحد وإنّ أباکم واحد، کلکم لآدم، وآدم من تراب، إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ ولیس لعربی علی أعجمی فضل إلا بالتقوی. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فلیبلغ الشاهد الغائب»(1).

وقد جاء فی تفسیر علی بن إبراهیم، قال علی بن إبراهیم فی قوله:«فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَ لا یَتَساءَلُونَ فإنّه ردٌّ علی من یفتخر بالأنساب. قال الصادق علیه السلام: لا یتقدم یوم القیامة أحد إلا بالأعمال، والدلیل علی ذلک قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: یا أیّها الناس إنّ العربیة لیست بأبٍ والد، وإنّما هو لسان ناطق، فمن تکلم به فهو عربی، ألا إنکم ولد آدم، وآدم من تراب، والله لعبد حبشی أطاع الله خیر من سیدٍ قرشی عاصٍ لله، وإن أکرمکم عند الله أتقاکم، والدلیل علی ذلک قول الله عز وجل: فَإِذا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَ لا یَتَساءَلُونَ»2 .

کلّ ذلک لتفشی ظاهرة التفاضل والتمایز والاستهزاء وسوء الظن بالآخرین فی مجتمعات ما قبل الإسلام، وهو ما نعبّر عنه الیوم بالمصطلح العصری بالتمییز العنصری والعرقی والطائفی، الموجب للسخریة والاستخفاف والاستهزاء ببعض الأقوام، أو ببعض الأفراد، هو ممّا یوجب عدم الارتیاح والتفکیر بالانتقام لنفسه، اللازم لعدم الأمن والاستقرار، الذی قد یؤدی فی أغلب الأحیان إلی إشاعة

ص:87

الفوضی فی المجتمع والاضطراب، نتیجة الخلافات والنزاعات التی تنجم من وراء ذلک، فعندما جاء الإسلام کداعیة للأمن والسلام، جعل معیار التقوی هو الأساس فی التفاضل والتمایز، دون الانتماء العرقی والطائفی والمذهبی والشکلی والمظهری، ونحو ذلک مما یظن أنّه من عوامل التفاضل والتمایز علی الغیر، فقد روی الکلینی، عن عقبة بن بشیر الأسدی قال: «قلت لأبی جعفرٍ علیه السلام: أنا عقبة بن بشیر الأسدی، وأنا فی الحسب الضخم من قومی، قال: فقال: ما تمنّ علینا بحسبک؟ إنّ الله رفع بالإیمان من کان الناس یسمونه وضیعاً إذا کان مؤمناً، ووضع بالکفر من کان الناس یسمونه شریفاً إذا کان کافراً، فلیس لأحد فضل علی أحد إلا بالتقوی»(1).

قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَکُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِیمانِ وَ مَنْ لَمْ یَتُبْ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ.2

واو) الحرب النفسیة

إنّ الحرب النفسیة لا تقل شأناً عن سائر أنواع الحروب المادیة الأخری اللازمة للضرب والقتل وسائر الاعتداءات المادیة الأخری، بل قد تکون أشد تأثیراً منها؛ لأنّ الانهزام الخارجی لا یحصل ما لم یسبقه انهزام نفسی قبل ذلک، ولذا

ص:88

فالحرب النفسیة وسیلة یستخدمها الخصم فی إیقاع الهزیمة بخصمه، قال تعالی: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ 1 وهذا ما نجده الیوم من دور کبیر للإشاعات وإطلاق الشعارات الزائفة والأکاذیب والأباطیل وکَیْل الاتهامات والأقاویل، والتهدیدات وغیرها من مصادیق الحرب النفسیة التی من شأنها زرع الخوف والقلق النفسی فی نفس الفرد والمجتمع.

وقد حاول القرآن الکریم محاربتها بشتی الوسائل والطرق؛ حرصاً منه علی أمن واستقرار نفوس المؤمنین، فلأجل تحقیق الأمن والأمان لهم قام بمحاربة هذه الأباطیل والتقولات الواهیة، غیر أنّ الإنسان لضعف إیمانه، وقلّة صبره، تجده یصدق هذه الأباطیل والأکاذیب قبل التحقق من صحتها ووجودها؛ ولذا فإنّ انتشارها فی المجتمعات البسیطة أکثر منها فی المجتمعات الواعیة؛ ولذا کانت واحدة من أسالیب الطواغیت آنذاک فی محاربة وصدّ دعوات الأنبیاء علیهم السلام، لعلمهم بتأثیرها الکبیر علی نفوس أقوامهم، قال تعالی حکایة عنهم: قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِیکُمْ إِلاّ ما أَری وَ ما أَهْدِیکُمْ إِلاّ سَبِیلَ الرَّشادِ2 وقال تعالی: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِیمٌ * یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ 3.

وتارة أخری یستخدمها العدو لخلق وإیجاد الأزمات الأمنیة عن طریق

ص:89

نشر بعض العملاء والمرتزقة بین صفوف المؤمنین، یقومون ببث الإشاعات والإدعاءات الباطلة، کالذی حصل فی قوم نبی الله موسی علیه السلام حینما قالوا له، کما یحکیه قوله تعالی: قالُوا أُوذِینا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِیَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسی رَبُّکُمْ أَنْ یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ وَ یَسْتَخْلِفَکُمْ فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ 1 ، حتی إذا أصابهم خیرٌ نسبوه إلی أنفسهم، وإن أصابهم شرٌ نسبوه إلی موسی علیه السلام، أو أنّ حاشیة فرعون المحیطة به یحرکونه للانتقام من نبی الله موسی علیه السلام وقومه، ویقولون له هل نترکهم یفسدون فی الأرض، وعلیه ففی الحقیقة أنّ الحرب النفسیة تفسد الأمن الروحی والنفسی للافراد والمجتمع.

وقد استخدمها القرآن الکریم لتحطیم الروح المعنویة للعدو من خلال الإعلام الموجه، قال تعالی: إِذْ یُوحِی رَبُّکَ إِلَی الْمَلائِکَةِ أَنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا سَأُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ کُلَّ بَنانٍ * ذلِکَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ یُشاقِقِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ * ذلِکُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْکافِرِینَ عَذابَ النّارِ2.

عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول لحسان بن ثابت «اهجهم (أی العدو) أو هاجهم وجبریل معک، فإنّ ذلک أوقع

ص:90

علیهم من السهام»(1).

التجاوزات والظلم، ومن جهة ثالثة حصول الاقتتال والسلب والنهب والسرقة، فالمال فی هذه الحالة بمثابة رأس مال الإنسان فی تحقیق الأمن والاستقرار؛ ولذا تری الإسلام قد أولی المال عنایة مماثلة لعنایته بالنفس الإنسانیة، فخصه بمجموعة من القوانین الشرعیة لحمایته من جهة، ولتوزیعه بین الأفراد توزیعاً عادلاً من جهة أخری، منها قوله تعالی: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما جَزاءً بِما کَسَبا نَکالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 1 ، والنکال هو العقوبة التی یعاقب بها المجرم لینتهی عن إجرامه ویعتبر بها غیره من الناس(1).

وعن الإمام الرضا علیه السلام أنّه قال:

«لا یزال العبد یسرق حتی إذا استوفی ثمن دیة یده أظهره الله علیه»(2).

وقد ذکر القرآن أنّ المال زینة الحیاة الدنیا، قال تعالی: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیاةِ الدُّنْیا4. ولکنه اعتبرهما وسیلة فی امتحان العبد، قال تعالی: أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ * نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ 5. والملکیة هنا للمال اعتباریة، أی یحقّ له التصرف بها بأنواع التصرفات سواء ینفقه بحقّ أو باطل، لکن لا یحقّ له التعدی علی أموال الآخرین، وهناک مجموعة من الآیات التی تدلّ علی اهتمام القرآن بالجانب الأمنی للأموال، منها:

ص:92

ألف) آیات تعد من الأحکام الجزائیة، کالتی بینت حد السرقة کما ذکرنا آنفاً قال تعالی: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما جَزاءً بِما کَسَبا1.

باء) آیات توصی بتأدیة الأمانة، وتنهی عن الخیانة، قال تعالی: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضاً فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ 2 ، وقوله تعالی: لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِکُمْ 3 ، وقوله تعالی: وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ 4.

جیم) آیات تنهی عن التصرف فی الأموال بالباطل، قال تعالی: وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ 5 ، وقوله تعالی: اَلَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ 6.

وقد حرّم الله الربا، وأمر بالوفاء بالعقود، ولا یحل مال امرئ إلا بطیب نفسه، فوضع قوانین لحمایة الأموال بشکل عام، وأموال الأیتام والقُصَّر بشکل خاصّ، وجعل فروضاً وواجبات مالیة منها الخمس والزکاة لموازنة المجتمع

ص:93

اقتصادیاً، ومنها الصدقات وفی أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم، وقد تکفلت الکتب الفقهیة والأخلاقیة بیان هذا الموضوع.

اُکْفُرْ فَلَمّا کَفَرَ قالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکَ إِنِّی أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ فَکانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِی النّارِ خالِدَیْنِ فِیها وَ ذلِکَ جَزاءُ الظّالِمِینَ 1.

وتجدر الإشارة إلی أنّ انتشار ظاهرة السفور وعدم الاکتراث بالحجاب وصیانته؛ إلی جانب وجود الدعوات المحاربة له من قبل شیاطین الجن والإنس، یؤدی بالتالی إلی فقد المرأة لأمنها وأمانها؛ لأنّها تصبح تعیش فی وسط مجتمع یکثر فیه الذئاب والانحلال والتفسخ الأخلاقی وعدم الالتزام بالأحکام الشرعیة والقیم والمبادئ الإسلامیة، وعندها لا یؤمن علی الأعراض والنوامیس لوجود مثل هذه الظواهر السلبیة فی المجتمع الإسلامی، وهذا ما قام بمحاربته الدین الإسلامی منذ اللحظات الأولی من دعوته المبارکة، وشریعته السهلة السمحاء؛ حرصاً منه علی حفظ أمن الأعراض وأمانها.

وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُیُوتاً تَسْتَخِفُّونَها یَوْمَ ظَعْنِکُمْ وَ یَوْمَ إِقامَتِکُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلی حِینٍ 1.

إنّ لهذه الأحکام فلسفات متعددة إحداها هو حفظ عرض وناموس وماء وجه الإنسان، حتی لا تهتک حرمته.

آیات وردت علی شکل أحکام جزائیة، قال تعالی: وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ 2 ، وقوله تعالی: اَلزّانِیَةُ وَ الزّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْکُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِی دِینِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لْیَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 3.

آیات تنهی عن الغیبة والاستهزاء والطعن واللمز بالألقاب منها:

قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِیمٌ 4 ، وقوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسی أَنْ یَکُونُوا خَیْراً مِنْهُمْ * وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسی أَنْ یَکُنَّ خَیْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَکُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ 5.

ص:96

لتغییر مسار الحرب لصالح جبهة الحقّ والمتمثلة بالإمام علیٍّ علیه السلام.

ومن جملة عوامل إیجاد الأمن الفردی:

والمنازل القربیة، حتی یصل قاب قوسین أو أدنی دنواً فَکانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی 1 ، وعندها یحصل علی الإطمئنان والأمن والأمان الحقیقی، فالنفس المطمئنة دائماً هی فی سعادة کبری، سواء افتقر صاحبها مادیاً أم لم یفتقر، کما قال أمیر المؤمین علیٌّ علیه السلام:

«والله لو أعطیت الأقالیم السبعة بما تحت أفلاکها علی أن أعصی الله فی نملة أسلبها جلب شعیرة ما فعلت وإن دنیاکم عندی لأهون من ورقة فی فم جرادة تقضمها، ما لعلی ولنعیم یفنی ولذة لا تبقی، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعین»(1). فهذه هی تربیة الإسلام والنبی صلی الله علیه وآله وسلم للإمام علیٍّ علیه السلام الذی عاش فی کنفه أیام طفولته علیه السلام.

وجاء فی خطاب النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم للمهاجرین والأنصار:

«ألا وإنه لا یضرکم تواضع شیءٍ من دنیاکم بعد حفظکم وصیة الله والتقوی. ولا ینفعکم شیءٌ حافظتم علیه من أمر دنیاکم بعد تضییع ما أمرتم به من التقوی، فعلیکم عباد الله بالتسلیم لأمره والرضا بقضائه والصبر علی بلائه»(2).

وَ إِنْ تُصِبْکُمْ سَیِّئَةٌ یَفْرَحُوا بِها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا یَضُرُّکُمْ کَیْدُهُمْ شَیْئاً إِنَّ اللّهَ بِما یَعْمَلُونَ مُحِیطٌ 1. کما أنّ تحصیل التقوی له القابلیة علی إصلاح عمل الإنسان، کما فی قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِیداً یُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمالَکُمْ 2.

کما أنّ التقوی تیسر الأمور، قال تعالی: وَ مَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ یُسْراً3 ، وتنجی من الشدائد والمشاکل والمخاوف، قال تعالی: وَ مَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً4 ، وقوله تعالی: فَمَنِ اتَّقی وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ 5 ، وتوفر الأمن وطمأنینة النفس والسکینة، کما فی قوله تعالی: فَأَنْزَلَ اللّهُ سَکِینَتَهُ عَلی رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوی 6 ، وأنّ للمتقین فی یوم القیامة الأمن والأمان، قال تعالی: إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی مَقامٍ أَمِینٍ 7.

ومن أصلح ما بینه وبین الله، أصلح الله له أمر دنیاه، ومن کان له من نفسه واعظ کان علیه من الله حافظ.

ص:100

وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ * اَلَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ 1.

ثم جاء بعد ذلک التأکید علی طلب العلم، کفریضة علی کلّ مسلم ومسلمة، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«طلب العلم فریضة علی کل مسلم، ألا إن الله یحب بغاة العلم»(1).

وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«أطلبوا العلم ولو بالصین»(2).

وقال تعالی فی بیان مقام أهل العلم:

... یَرْفَعِ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ4.

وقال تعالی:

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 5.

وقال الإمام علیٌّ علیه السلام:

«یا کمیل العلم خیر من المال العلم یحرسک وأنت تحرس المال»(3).

ص:102

الضجیعین». قال صلی الله علیه وآله وسلم:

«أنظر فی أی شیء تضع ولدک، فإنّ العرق دساس»(1) ، أی أن الأخلاق والصفات الأخری تنتقل للأبناء.

وجاء عن علیٍّ علیه السلام قال:

«حسن الأخلاق برهان کرم الأعراق»(2) ، وجاء عنه علیه السلام أنّه قال:

«إیاکم وتزوج الحمقاء، فإنّ صحبتها ضیاع وولدها ضباع»(3).

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وسلم فی وصایاه للإمام علیٍّ علیه السلام بخصوص أمور الزواج:

«یا علی، لا تجامع امرأتک فی أول الشهر ووسطه وآخره فإن الجنون والجذام والخبل سریع إلیها وإلی ولدها(4) ، یا علی، لا تتکلم عند الجماع..، یا علی، لا تجامع أهلک إذا خرجت إلی سفر مسیرة ثلاثة أیام ولیالیهن فإنه إن قضی بینکما ولد یکون عوناً لکل ظالم»(5).

وقال رجل لأبی جعفرٍ علیه السلام:

«أیکره الجماع فی وقت من الأوقات؟ قال: نعم، من طلوع الفجر إلی طلوع الشمس... وفی الیوم الذی تنکسف فیه الشمس وفی اللیلة التی ینخسف فیها القمر، وفی الیوم واللیلة التی تکون فیها الریاح سوداء أو الریاح حمراء واللیلة التی تکون فیها الزلزلة»(6).

ص:104

وعلیه فإنّ المستفاد من بعض هذه الأحادیث وغیرها، أنّ الإستقرار النفسی والطمأنینة ساعة انعقاد النطفة لها أکبر الأثر علی سلامة انعقاد النطفة، ویقول الإمام علیٌّ علیه السلام:

«إنّما قلب الحدث کالأرض الخالیة ما ألقی فیها شیء إلا قبلته»(1) ، ولهذا أوصی النبی صلی الله علیه وآله وسلم بأنّ:

«من وُلد له مولود فلیؤذن فی أذنه الیمنی بأذان الصلاة، ولیقم فی الیسری، فإنها تعصمه من الشیطان الرجیم»(2).

فإذن ینبغی علی الأمّ أن تهتم فی هذه الفترة بالإیمان والصلاة والحب والتقوی والشجاعة وغیر ذلک من الصفات التی تکمل الطفل، وان لا تتخذ الخصال الذمیمة - الغیبة والنمیمة والبهتان والکذب والخیانة والذنوب - بشکل عام؛ لأنّها تؤثر فی لبنها، واللّبن یؤثر فی طفلها، ولقد قیل لأم الشیخ الأنصاری: «بارک اللَّه لک فی تربیتک؛ لابنک الذی أفاد المجتمع الإسلامی... فکانت تجیب: کنت أتوقع أکثر من ذلک فیه، فلقد أرضعته عامین کاملین، لم أرضعه إلاّ وأنا علی طهارة»(3).

والعکس بالعکس، کما أنّ أهم عنصرین فی تکوین هذه الأسرة، هما الأبوان، وبالخصوص الأمّ، وذلک لما لها من دورٍ کبیرٍ فی إعداد الجیل الصالح للأمّة، کیف لا ونحن نعلم أنّ الأم الطاهرة هی المدرسة الأولی للطفل فیها ینشأ وإلیها یغدوا وعلیها یربو، وکما قیل فی حقها:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طیب الأعراق

الأم روض أن تعهده الحیا بالری أورق أیما إیراق

الأم أستاذ الأساتذة الألی شغلت مآثرهم مدی الآفاق(1)

أمن الفرد هو الوحدة الأساسیة التی یتشکّل منها أمن المجتمع، والعائلة هی الدائرة الأوسع التی یعیش فیها الفرد، وهی محل تربیته وحلقة الوصل بین الفرد والمجتمع؛ لذا نری اهتمام الآیات بأمن الاسرة والعائلة من خلال نظرتها إلی المراحل التی یمرّ بها الإنسان من خلال احتیاجاته وانعکاس ذلک علی الأمن العائلی، وسنشیر إلی ذلک من خلال نقاط:

اَلرَّأْسُ شَیْباً وَ لَمْ أَکُنْ بِدُعائِکَ رَبِّ شَقِیًّا * وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا * یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا1 وقد اعتبر المولی تبارک وتعالی استجابة دعاء زکریا علیه السلام بمثابة البشری التی یزفها لنبیه علیه السلام، قال تعالی: یا زَکَرِیّا إِنّا نُبَشِّرُکَ بِغُلامٍ اسْمُهُ یَحْیی لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِیًّا2 ، فإنّ الخوف والقلق النفسی قد انتابه علیه السلام بعد أن بلغ من الکبر عتیاً، فهو وإن لم یکن هذا الخوف راجعاً إلی نفسه، ولکن خوفه من عدم وجود أحدٍ من آل یعقوب علیهم السلام یقوم بحمل هذه الأمانة والمواثیق والعهود الإلهیة، فهو خوف راجع إلی الأمم من بعده، فهذا هو دیدن الأنبیاء والأولیاء علیهم السلام، وهو أمر فطری قد جُبلوا علیه، لما فیه من کمال النفس واطمئنانها وارتیاحها.

وهکذا فإنّ العائلة لما لم ترزق بمولود بسبب أو بآخر، تشعر بعدم الأمن والإطمئنان، لأنّ الولد یمثّل الامتداد الطبیعی للعائلة فی الحیاة الدنیا، بل قد یکون وجوده نافعاً لهم بعد ارتحالهم عنها، کما جاء فی الحدیث الشریف:

«لیس یتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها فی حیاته فهی تجری بعد موته، وسنة هدی سنها فهی یعمل بها بعد موته، أو ولد صالح یدعو له»(1).

وقد طرح القرآن الکریم حلاً لهذه المشکلة من خلال التبنی بشروط معینة

ص:107

تارة، کالذی جاء فی قصة امرأة فرعون، التی کانت لم یکن لها طفل، ثمّ حصلت علی موسی علیه السلام من البحر، ودار حوار بینها وبین فرعون، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَیْنٍ لِی وَ لَکَ لا تَقْتُلُوهُ عَسی أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ 1.

أو من خلال تعدد الزوجات، قال تعالی:... فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ 2.

فی الدول الکبری الرأسمالیة»(1).

وقد کان من بیّن تلک الأسالیب التی مارسها المتوکل العباسی ضد العلویین، هو ما قام به فی: «فرض الحصار الاقتصادی علی العلویین، وقطع أرزاقهم ومنع الناس من مساعدتهم»(2). وقد کان الغرض من مصادرتها کما قال الشیخ باقر شریف القرشی هو: «إشاعة الفقر والحرمان بین العلویین، وفرض الحصار الاقتصادی علیهم کی لا یتمکنوا من مناهضة أولئک الحکام...»(3).

وقد أمّن المولی تبارک وتعالی ذلک للإنسان منذ اللحظة الأولی التی یخرج بها إلی هذه الحیاة، حیث یجد صدر أمّه مؤمناً له کل ما یحتاجه من عناصر الغذاء، فضلاً عن کونه صدراً حنوناً ورحیماً وعطوفاً به، فقد جاء فی قصة أم موسی علیه السلام قوله تعالی: وَ أَوْحَیْنا إِلی أُمِّ مُوسی أَنْ أَرْضِعِیهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقِیهِ فِی الْیَمِّ وَ لا تَخافِی وَ لا تَحْزَنِی إِنّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِینَ 4.

اضمحلال العقل فی مرحلة الشیخوخة لا یأتی إلا علی من لم یوفر أسباب صقل عقله فی مرحلة الشباب»(1) ؛ ولذا فهذه المرحلة هی أخطر المراحل وأهمها، وأکثرها استهدافاً من قبل الشیطان، قال الشیخ ناصر مکارم الشیرازی: «وربما أحس أحیاناً أن فی داخله قوة مهیمنة تدفعه نحو الذنب وتدعوه إلیه، ولا شک أن مثل هذه الحالة من الوساوس فی مرحلة الشباب أکثر منها فی أیة مرحلة أخری، ولا سیما إذا کانت البیئة أو المحیط کما هو فی العصر الحاضر من التحلل والحریة، لا الحریة بمعناها الحقیقی، بل بما یذهب إلیه الحمقی "من الانسلاخ من کل قیدٍ والتزامٍ أخلاقی أو اجتماعی أو دینی" فتزداد الوساوس الشیطانیة عند الشباب. وطریق النجاة الوحید من هذا التلوث والتحلل فی مثل هذه الظروف، هو تقویة رصید التقوی أولا، کما أشارت إلیه الآیة إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا... ثم المراقبة والتوجه نحو النفس، والالتجاء إلی الله وتذکر ألطافه ونعمه وعقابه الصارم للمذنب.. وهناک أشارات کثیرة فی الروایات الإسلامیة إلی أثر ذکر الله العمیق فی معالجة الوساوس الشیطانیة. حتی أن الکثیر من المؤمنین والعلماء وذوی المنزلة کانوا یحسون بالخطر عند مواجهة وساوس الشیطان، وکانوا یحاربونها بالمراقبة»(2).

وعلیه ففی مرحلة الشباب هناک واجبات علی کلٍّ من الشاب ووالدیه، لتوفیر الأمن لکلّ منهم، وبالتالی أمن الأسرة والعائلة، ومنها شکر الوالدین والإحسان لهم، والتعامل الطیب معهم، وعدم أذیتهم، وخفض الجناح، والدعاء

ص:110

لهم، ولا یدخل علی مکان استراحتهم إلا بأذنهم، وطاعتهم فی کلّ شیء إلا الشرک بالله، قال تعالی: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً1 وقال تعالی: وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداکَ لِتُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 2 وقال تعالی: وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلی وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِی عامَیْنِ أَنِ اشْکُرْ لِی وَ لِوالِدَیْکَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ3.

ومنها رعایة الوالدین کبار السن والعاجزین وتوفیر الأمن لهم، کما فی حکایة بنات شعیب، قوله تعالی: وَ لَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْیَنَ وَجَدَ عَلَیْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ یَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَیْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُکُما قالَتا لا نَسْقِی حَتّی یُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَیْخٌ کَبِیرٌ4.

وکذلک مقالة أولاد یعقوب علیه السلام للعزیز (یوسف)، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: قالُوا یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَیْخاً کَبِیراً فَخُذْ أَحَدَنا مَکانَهُ إِنّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ 5.

ومن جهة أخری لیس للآباء حقّ فی قتل أولادهم خوفاً من الفقر؛ لأنّ الله قد تکفّل برزقهم وتوفیر الأمن الغذائی لهم، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ لا

ص:111

تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِیّاکُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ کانَ خِطْأً کَبِیراً1.

وهناک بُعدٌ آخر لأمن العائلة یتمثّل فی الإخوة، فإنّ لها فی العائلة أثراً کبیراً فی توطید العلاقات وأمن إخوانهم أو بالعکس، یکون الأخ الشاب سبباً فی سلب الأمن من أفراد عائلته وإخوته، کما فعل إخوة یوسف علیه السلام، حیث سلب السلوة والراحة من قلب والدهم، وأخ یوسف وأمّه، حتی جاء فی عظیم قصتهم قوله تعالی: وَ تَوَلّی عَنْهُمْ وَ قالَ یا أَسَفی عَلی یُوسُفَ وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ 2 ، بینما عملت أخت موسی علیه السلام، علی العکس من ذلک، حیث عملت جاهدة مراعیة لجمیع الضوابط الأمنیة لإرجاع أخیها موسی علیه السلام من فرعون إلی أمّه من دون أن یعلم الآخرون بما تقوم به، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّیهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ وَ حَرَّمْنا عَلَیْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلی أَهْلِ بَیْتٍ یَکْفُلُونَهُ لَکُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ 3.

من المسائل المهمّة فی علاقات الشباب ولها بالغ الأثر علی أمن الفرد والعائلة والمجتمع، ورعایة الحدود والضوابط الدینیة والأخلاقیة فی العلاقات الاجتماعیة، وقد طرح القرآن الکریم أمثلة لرعایة العفة والحیاء، قال تعالی عن عفة بنات شعیب علیه السلام فی الحدیث مع موسی علیه السلام: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِی عَلَی اسْتِحْیاءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِی یَدْعُوکَ لِیَجْزِیَکَ أَجْرَ ما سَقَیْتَ لَنا فَلَمّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَیْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ 1 ، وکذلک ذکر فی قصة نبی الله یوسف علیه السلام وزلیخا، موقفه علیه السلام الشجاع حینما دعته زلیخا ولم یکن ثالث معهم، فمراعاته الدقیقه لحدود الله أدت به إلی النجاة.

أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ 1 ، وقال تعالی: هُنَّ لِباسٌ لَکُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ..2 ، فالزواج سبب من أسباب السکینة والاطمئنان النفسی.

کما أنّ له بُعداً آخر فی تحقیق أمن العائلة والأسرة، یتمثّل فی الولد، إذ بعد الزواج تطرح مسألة الأولاد؛ لأنّ حفظ النسل من أهم احتیاجات البشریة، بل إنّ أغلب الحاجات النفسیة والجسمیة للوالدین یمکن تأمینها عن طریق الذریة والعائلة، وعدم الحصول علی ولد یولد مشاکل أسریة کثیرة؛ لذا نری النبی إبراهیم علیه السلام وزکریا علیه السلام بادرا للطلب من الباری عزّ وجلّ یرزقهما أن یرزقهم أولاداً صالحین، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی وَ کانَتِ امْرَأَتِی عاقِراً فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا3.

لأنّهم مؤمنون بنبوته کما یدل علیه سیاق الآیة بعد ذلک، وإنّما هو ضلال الاعوجاج فی السلیقة وفساد السیرة(1) ، وهو ما حکاه قوله تعالی: إِذْ قالُوا لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلی أَبِینا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ 2.

والحیاء والطهارة؛ لأنّ جمیعها یساهم فی تأمین أمن الروح والجسم، وخلافهما یصدع أمن العائلة، قال تعالی: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِینَ غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَی اللّهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ 1 ، وقد تقدّم بعض الشیء بما یرتبط بنفس الموضوع من جهته الفردیة.

یحل المشکلة أبداً حتی مع تجدد زواجهم»(1).

وقال أیضاً: «وبعد أن یتم الطلاق ویفترق الزوجان تبدأ مراجعة النفس، ویبدأ تأنیب الضمیر والتفکیر فی العوامل التی أدت إلی انهیار ذلک البناء، وفی أولئک الذین حولوا الأسرة إلی مجرد أنقاض، وعندها تصب اللعنات تلو اللعنات علی الذین وسوسوا لهما بذلک وحببوه إلیهما. حتی أولئک الذین اندفعوا لحمایة الزوجة أو الزوج ومن نوایا حسنة، لن یسلموا من تحمل المسؤولیة وتحسین الطلاق فی ذهن المرأة أو الرجل، خاصة إذا کانت الحالة فی زیجة عمرها شهور فقط، فالشباب مهما بلغوا من النضج لیست لدیهم التجربة الکافیة، فلا ینبغی لأیٍّ کان أن یتدخل فی شؤونهم الخاصة ویشجعهم علی اتخاذ قرارٍ خطیرٍ کالطلاق»(2).

وعلیه ینبغی علی من یتکفّل بالنفقة أن لا یکون بخیلاً إلی حدٍّ یضر بأفراد عائلته، وبمن تکفّل بالنفقة علیهم، وأن لا یسرف فی ذلک، وإنّما کل بحسبه، فالاحتیاجات متنوعة، بعضها تکون بسعة الزوج تأمینها، والبعض الآخر لا یسعه تأمینها، فلا یجبر علی ذلک، ولذا جاءت الآیات الکریمة تقرر هذه المسألة بما یرتبط بتأمین الاحتیاجات المادیة للزوجة والأولاد، مثل السکن والملابس والغذاء، لیکونوا جمیعاً فی راحة وهدوء بال، وحتی یتمتعون بأمنٍ وأمانٍ أسریٍّ جیدٍ، ولتفادی حصول النزاعات والخلافات الباعثة علی عدم استقرار أمن الأسرة،

ص:117

قال تعالی: لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَیَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً1.

حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِیمِ 1.

وأمّا بالنسبة للسلوک فیجب أن لا یتکبر الإنسان فی مشیه ولا یرفع صوته علی الآخرین.

وفی مجال الحدیث مع الآخرین أکّدت الآیات أن یکون الکلام باعثاً علی إیجاد الأمن حتی مع أهل الکتاب، قال تعالی: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْکِتابِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُکُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 1.

کما أنّ هناک آیات کریمة حذّرت من الشیطان واتباع خطواته، فإنه یعمل لیوجد الاختلاف بین المؤمنین ویسلب الأمن ویلغی قواعده فی المجتمع.

حتی أنّ کلمة (إن شاء الله) فی الوعد وذکر الله تعالی یوسع دائرة الأمن، وکذلک صلة الرحم والوفاء بالعهد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وغیرها من الأعمال الحسنة، تکون دائماً ضماناً لأمن المجتمع، وتعمل علی تصفیته من الشوائب والکدورات.

عدم إیذاء المؤمن وإجراء الحدود والقصاص ومراعاة حقوق الآخرین وإجراء العدالة والحکم بالعدل، کلّ هذه الأمور تساهم فی إیجاد الأمن الاجتماعی، قال تعالی: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها وَ إِذا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمّا یَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللّهَ کانَ سَمِیعاً بَصِیراً2 ، إضافة إلی کلّ ذلک فإنّ تحویل المسؤولیات السیاسیة

ص:122

والاجتماعیة والإداریة إلی العناصر الکفوءة والمخلصة والمؤمنة، والدقة فی التعامل مع الأفراد المشتبه بهم، کقصة إبراهیم علیه السلام مع ضیوفه بعد أن خاف ووجل منهم، والذی أشار إلیه القرآن الکریم بقوله تعالی: إِذْ دَخَلُوا عَلَیْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْکُمْ وَجِلُونَ 1 ، والتألیف بین القلوب بید الله تعالی، وهی من أسباب الأمن المهمّة، قال تعالی: وَ أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ما أَلَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لکِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 2.

وأیضاً ضرورة الوحدة وعدم التفرق والتمسک بحبل الله قال تعالی: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ کُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْها کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ 3.

کما أنّ إجراء العدالة الاقتصادیة فی الإنتاج والتوزیع وإیجاد فرص عمل فی قطاعات الاقتصاد المختلفة، ومنع الوساطة والرشوة والمعاقبة علیها، ومنع التعامل بالربا، ورفع التفاوت الطبقی، کلّها عوامل تؤثر علی مجمل الوضع الأمنی الاجتماعی.

ثمّ إنّ المهم تثقیف المجتمع والإرتقاء بمعلوماته السیاسیة والفکریة وتصعید وعیه الأمنی ومشارکته فی الإدارة والحکم وإعطاء حریة الرأی کی یشعر المواطن

ص:123

أنّه جزء من الحالة السیاسة والأمنیة، فمن البدیهی سوف یعمل لتحقیق الأمن فی المجتمع.

وکذلک من العوامل المهمّة الأخری لتحصیل الأمن الاجتماعی هو دفاع المسلمین عن دولتهم إذا داهمها خطر ما، داخلی أو خارجی، وحضور الناس فی الوقت المناسب لدفع العدو، ووحدتهم الاجتماعیة ضمان کبیر لتحقیق الأمن الاجتماعی.

یقول الدکتور محمد عمارة: «إنّ الأمن الاجتماعی یتألف من حفظ الدین وحفظ الإنسان والعقل الإنسانی وحفظ الأعراض والأموال هو من مقومات الحضارة الإسلامیة، والإسلام ینظر إلی الأمن الاجتماعی باعتباره أحد الواجبات الضروریة بینما الغرب یعتبره حقاً إنسانیاً، ویقول إنّ الإنسان موجود اجتماعی ومشارکته فی إدارة المجتمع شرط مدنیته واجتماعیته، لهذا فالشوری من الواجبات الاجتماعیة فی الإسلام التی لا یمکن توفیر الأمن الاجتماعی وکرامة الإنسان وتکریمه من قبل الباری تعالی إلا بتحقیق الأمن الاجتماعی وهو لا یتحقق إلا بوجود أرضٍ وبلدٍ آمنٍ»(1).

ورغبات من قبیل الرئاسة والثروة، وتأمین کل الرغبات أمر متعذر، بل مستحیل فی عالمٍ یسمی عند الفلاسفة ب - (عالم التزاحم)، وحتی لا یقع المجتمع فی الصراع المفضی للنزاع لابدّ من تحدید الرغبات والمیول الفطریة بوضع القوانین وسن التشریعات، ویجب التوجه إلی ضرورة إیجاد النظم والأمن المادی والمعنوی، وحفظ هذه الأمور فی المجتمع، فإنّ الفکر والدوافع الفطریة والوجدانیة لوحدها غیر کافیة، فالله تعالی فی سورة البقرة بیّن هذه المقولة بالطریقة التالیة، قال تعالی: کانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلاَّ الَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ فَهَدَی اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ 1.

یعنی أنّ الإنسان بحسب الفطرة هو اجتماعی بالطبع والفطرة، وهذه الحالة هی التی هدته لذلک من أجل تأمین منافعه مع الآخرین، ومنها نشأ ظهور القوانین لهذا الاجتماع المتشکل من جدید.

وللسید الطباطبائی کلام واسع جداً ومطول فی تفسیر هذه الآیة، یقول فیه: «الآیة تبین السبب فی تشریع أصل الدین وتکلیف النوع الإنسانی به، وسبب وقوع الاختلاف فیه ببیان: إنّ الإنسان - وهو نوع مفطور علی الاجتماع والتعاون - کان فی أول اجتماعه أمّة واحدة ثمّ ظهر فیه بحسب الفطرة الاختلاف فی اقتناء المزایا الحیویة، فاستدعی ذلک وضع قوانین ترفع الاختلافات الطارئة، والمشاجرات فی

ص:125

لوازم الحیاة فألبست القوانین الموضوعة لباس الدین، وشفعت بالتبشیر والانذار: بالثواب والعقاب، وأصلحت بالعبادات المندوبة إلیها ببعث النبیین، وإرسال المرسلین، ثمّ اختلفوا فی معارف الدین أو أمور المبدء والمعاد، فاختل بذلک أمر الوحدة الدینیة، وظهرت الشعوب والأحزاب، وتبع ذلک الاختلاف فی غیره، ولم یکن هذا الاختلاف الثانی إلا بغیاً من الذین أوتوا الکتاب، وظلماً وعتواً منهم بعد ما تبین لهم أصوله ومعارفه، وتمت علیهم الحجة، فالاختلاف اختلافان: اختلاف فی أمر الدین مستند إلی بغی الباغین دون فطرتهم وغریزتهم، واختلاف فی أمر الدنیا وهو فطری وسبب لتشریع الدین، ثم هدی الله سبحانه المؤمنین إلی الحق المختلف فیه بإذنه، والله یهدی من یشاء إلی صراط مستقیم. فالدین الالهی هو السبب الوحید لسعادة هذا النوع الإنسانی، والمصلح لأمر حیاته، یصلح الفطرة بالفطرة ویعدل قواها المختلفة عند طغیانها، وینظم للانسان مسلک حیاته الدنیویة والاخرویة، والمادیة والمعنویة، فهذا إجمال تاریخ حیاة هذا النوع (الحیاة الاجتماعیة والدینیة) علی ما تعطیه هذه الآیة الشریفة»(1).

وجاء الأنبیاء والمرسلون علیهم السلام بالمعانی الإسلامیة علی أساس العدل والحقّ کما قال تعالی: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ2.

ص:126

یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیر الآیة: «أی: بالآیات البینات التی یتبین بها أنهم مرسلون من جانب الله سبحانه من المعجزات الباهرة والبشارات الواضحة والحجج القاطعة. وقوله: وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وهو الوحی الذی یصلح أن یکتب فیصیر کتاباً، المشتمل علی معارف الدین من اعتقادٍ وعملٍ وهو خمسة: کتاب نوح وکتاب إبراهیم والتوراة والانجیل والقرآن. وقوله: وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ فسروا المیزان بذی الکفتین الذی یوزن به الأثقال، وأخذوا قوله: لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ غایة متعلقة بإنزال المیزان والمعنی: وأنزلنا المیزان لیقوم الناس بالعدل فی معاملاتهم فلا یخسروا باختلال الأوزان والنسب بین الاشیاء فقوام حیاة الإنسان بالاجتماع، وقوام الاجتماع بالمعاملات الدائرة بینهم والمبادلات فی الأمتعة والسلع، وقوام المعاملات فی ذوات الأوزان بحفظ النسب بینها وهو شأن المیزان. ولا یبعد - والله أعلم - أن یراد بالمیزان الدین فإن الدین هو الذی یوزن به عقائد أشخاص الإنسان وأعمالهم، وهو الذی به قوام حیاة الناس السعیدة مجتمعین ومنفردین، وهذا المعنی أکثر ملائمة للسیاق المتعرض لحال الناس من حیث خشوعهم وقسوة قلوبهم وجدهم ومساهلتهم فی أمر الدین. وقیل: المراد بالمیزان هنا العدل وقیل: العقل. وقوله: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ الظاهر أنه کقوله تعالی: وَ أَنْزَلَ لَکُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِیَةَ أَزْواجٍ 1 ، وقد تقدم فی تفسیر الآیة أن تسمیة الخلق فی الأرض إنزالاً إنما هو باعتبار أنه تعالی یسمی ظهور الاشیاء فی الکون بعد ما لم یکن إنزالاً لها من خزائنه التی عنده ومن الغیب إلی

ص:127

الشهادة قال تعالی: وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ 1. وقوله: فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ البأس هو الشدة فی التأثیر ویغلب استعماله فی الشدة فی الدفاع والقتال، ولا تزال الحروب والمقاتلات وأنواع الدفاع ذات حاجة شدیدة إلی الحدید وأقسام الاسلحة المعمولة منه منذ تنبه البشر له واستخرجه. وأما ما فیه من المنافع للناس فلا یحتاج إلی البیان فله دخل فی جمیع شُعب الحیاة وما یرتبط بها من الصنائع. وقوله: وَ لِیَعْلَمَ اللّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ غایة معطوفة علی محذوف والتقدیر وأنزلنا الحدید لکذا ولیعلم الله من ینصره الخ، والمراد بنصره ورسله الجهاد فی سبیله دفاعاً عن مجتمع الدین وبسطاً لکلمة الحق، وکون النصر بالغیب کونه فی حال غیبته منهم أو غیبتهم منه، والمراد بعلمه بمن ینصره ورسله تمیزهم ممن لا ینصر. وختم الآیة بقوله: إِنَّ اللّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ وکأن وجهه الإشارة إلی أن أمره تعالی لهم بالجهاد إنما هو لیتمیز الممتثل منهم من غیره لا لحاجة منه تعالی إلی ناصر ینصره إنه تعالی قوی لا سبیل للضعف إلیه عزیز لا سبیل للذلة إلیه»(1).

«إنّ أهل الکتاب هم أقرب الأصناف إلی المسلمین فإن أموالهم، وأنفسهم محترمة کمال المسلم ونفسه فإذا لم تثبت حرمة لأعراضهم فعدم ثبوت ذلک فی سائر الکفار یکون من باب الأولی»(1) ، فهؤلاء تتولی الحکومة الإسلامیة أمنهم؛ لذا فإنّ أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وحقوقهم الفردیة والاجتماعیة محترمة فی الدین الإسلامی، ویمکنهم مزاولة مراسمهم وشعائرهم بکل حریة فی معابدهم، ولکن وضع الإسلام شرائط لهذا الأمن.

1 - دفع الجزیة.

2 - عدم خیانة المجتمع عن طریق مساعدة العدو أو غیره.

3 - عدم التجاهر بارتکاب المحرمات کأکل لحم الخنزیر.

4 - إطاعة القوانین العامة الحاکمة فی المجتمع.

5 - عدم أذیة المسلمین کسرقة أموالهم وغیره.

6 - عدم إحداث معابد جدیدة وبقاء ما هو موجود(2).

والاستقرار، جاء فی کتاب (السیاسة) بأنّه لابد من وجود جهاز تنفیذیٍّ وإدارةٍ تشرف علی تطبیق القانون کما یقول إفلاطون: «الحیاة الفاضلة لا تحصل بین الافراد فی المجتمع الواحد الا بوجود دولة، لأنّ الطبیعة البشریة میالة للحیاة الاجتماعیة والسیاسیة، وبناءً علیه فوجود الدولة فی الأمور الطبیعیة التی لایمکن الاستغناء عنها، وقال أرسطو: الدولة من مقتضی الطبیعة الإنسانیة، لأنَّ الإنسان لامفرّ له من حیاة اجتماعیة، والذی ینفی وجود الدولة وضرورتها اما هو إنسان وحشی او فوق الإنسان فلا یحتاج إلی دولة»(1).

إنّ حفظ نظام المجتمع وحمایته من الأخطار أمر حتمی ولازم کما ترشد إلی ذلک النصوص الواردة فی هذا الباب، ولو لم تکن ثمة نصوص بوجوبه لکفانا العقل فی الحکم بذلک حتی صار وجوبه جزءا ً من المسلمات عند فقهائنا(2).

وعلی الدولة أن تکون فی غایة الحذر من مکائد الأعداء الذین یتربصون لسلب الأمن من المجتمع، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من لم یتحرز من المکائد قبل وقوعها لم ینفعه الأسف بعد هجومها»(3).

وعالمیة، کما جاء فی القرآن الکریم وحسب الأدوار المختلفة التی مرّت بها البشریة، وحسب حاجتها فی کلّ مرحلة من تکاملها لترسیخ العقائد الصحیحة لدی البشریة.

إنّ عدم الإیمان بالله تعالی وفساد العقیدة من الأسباب المهمة لابتعاد الإنسان عن رحمة الله تعالی، وثمرتها عدم الأمن فی الدنیا وعذاب فی الاخرة، وقد ذکر القرآن الکریم محاججة إبراهیم الخلیل علیه السلام لقومه فی عشر آیات تقریباً فی سورة الأنعام المبارکة، منها قوله تعالی: وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَ تُحاجُّونِّی فِی اللّهِ وَ قَدْ هَدانِ وَ لا أَخافُ ما تُشْرِکُونَ بِهِ إِلاّ أَنْ یَشاءَ رَبِّی شَیْئاً وَسِعَ رَبِّی کُلَّ شَیْ ءٍ عِلْماً أَ فَلا تَتَذَکَّرُونَ 1.

یقول العلامة الطباطبائی فی ذلک: «الإیمان الذی یؤثر أثره بالنسبة إلی هذا الإنسان انما یشترط فی إعطائه الأمن من الشقاء بأن لایلبسه ظلم الشرک ومعصیته»(1).

والذی یعرض عن القرآن وآیات الله تعالی ولایعتقد ولایعمل بها یعیش ضنک الحیاة، وعدم الهدوء الفکری والاستقرار النفسی، ویحشر یوم القیامة أعمی، قال تعالی: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمی 3 ، والمعرضون عن الله لاشک أنّهم سیقعون فی فخ

ص:131

الشیطان، ومن یتخذ غیر الله ولیّاً کمن یلتجأ إلی بیت العنکبوت، الذی حقیقته الضعف والوهن، قال تعالی: مَثَلُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِیاءَ کَمَثَلِ الْعَنْکَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَیْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُیُوتِ لَبَیْتُ الْعَنْکَبُوتِ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ 1.

وعن زرارة عن أبی جعفر الإمام الباقر علیه السلام، قال: «دخل رجل علی علی بن الحسین علیهما السلام فقال: إنّ امرأتک الشیبانیة خارجیة تشتم علیاً علیه السلام فإنّ سرک أنّ اسمعک ذلک منها، أسمعتک، قال: نعم، قال: فإذا کان غداً حین ترید أن تخرج کما کنت تخرج فعد فاکمن فی جانب الدار، قال: فلمّا کان من الغد کمن فی جانب الدار، فجاء الرجل وکلّمها فتبیّن منها ذلک، فخلی سبیلها وکانت تعجبه»(1).

فالحدیث أعلاه له دلالات کثیرة، لعلّ منها أهمیة الجانب الفکری والعقائدی، فمع أنّها زوجة الإمام علیه السلام، وکانت تعجبه لکنه فارقها لأنّها کانت تحمل عقائد فاسدةً ومخالفة.

ومن الناحیة الأمنیة لا یمکن الاستمرار فی الزوجیة مع وجود هذا الاعتقاد عند الزوجة، وهی تطلع علی کلّ شیءٍ فی الدار، فهذا الجانب یحمل خطورةً کبیرةً جداً حتی علی سلامة الإمام نفسه.

وفی الإسلام جمیع العقائد محترمة ولها أهمیة وأصحابها فی أمن کامل، ولا

ص:132

یحقّ إجبار الآخرین علی ترک عقائدهم واعتناق عقائد أخری، أمّا آیات الجهاد والقتال فقد وضعت للمخالفین للإسلام، والذین یهددون المسلمین ویسلبون أمنهم، والقرآن یخالف أی شکل من أشکال التهدید والإرعاب لأصحاب العقائد الأخری، وقد أشار سبحانه وتعالی فی کتابه المحکم إلی هذه الحقیقة فی آیات کثیرة، منها:

1 - قبّح القرآن تقلید الآخرین فی العقائد ولو کان بالقسر، کما فی قوله تعالی: کَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَفَرُوا بِآیاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِیٌّ شَدِیدُ الْعِقابِ 1 ، وقال تعالی: فَما آمَنَ لِمُوسی إِلاّ ذُرِّیَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلی خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ یَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِینَ 2 وقال تعالی: وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِی أَقْتُلْ مُوسی وَ لْیَدْعُ رَبَّهُ إِنِّی أَخافُ أَنْ یُبَدِّلَ دِینَکُمْ أَوْ أَنْ یُظْهِرَ فِی الْأَرْضِ الْفَسادَ3.

2 - العقیدة أمر داخلی واختیاری وغیر إجباری، کما فی قوله تعالی: لا إِکْراهَ فِی الدِّینِ 4 .

وأیضاً قوله تعالی: قُلْ یا أَیُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَکُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ ما أَنَا عَلَیْکُمْ

ص:133

بِوَکِیلٍ 1.

وکذلک قوله تعالی: إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً2.

3 - الحریة فی اختیار العقیدة من أرکان المشیئة الإلهیة، قال تعالی: وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً أَ فَأَنْتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّی یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ 3.

وأیضاً قوله تعالی:

فَلَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ 4.

4 - واجبات الأنبیاء علیهم السلام التبلیغ والإنذار والتبشیر، ولیس إجبار الناس علی قبول دین جدید، قال تعالی: وَ قُلْ لِلَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ وَ الْأُمِّیِّینَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْکَ الْبَلاغُ 5.

وقال أیضاً: فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلی رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِینُ 6.

5 - بیّن أنّ من وظیفة المسلمین الجنوح إلی الصلح مع المخالفین، إذا أرادوا ذلک، وعدم قتال الکفار إذا أرادوا عدمه، ویکونوا فی أمن بشرط عدم التعرض للمسلمین، وأن یعلنوا حیادهم، قال تعالی: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها

ص:134

وَ تَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ 1. وقوله تعالی: فَإِنِ اعْتَزَلُوکُمْ فَلَمْ یُقاتِلُوکُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَیْکُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلاً2 ، حتی لو کان النصر حلیف المسلمین، وهو أسلوب من أسالیب الابتعاد عن الإرهاب الفکری والمادی.

وهذا الأمر ینطبق علی الافکار والعقائد غیر الدینیة أیضاً، فالإجبار علی تغییر العقائد لا یستمر طویلاً؛ لأنّ العقائد أمور قلبیة لا تقبل الإجبار، فهذا غالیلوه حینما أحضر لمحاکم تفتیش العقائد وهددوه وأجبروه علی التخلی عن اعتقاده بدوران الأرض، فأعلن توبته لشدّة الضغط، وقال: أنا أتوب لکنّها تدور، لأنّه یعتقد وبإیمان عمیق أنّ الأرض تدور.

ولذلک یمکن الإشارة إلی النسبة بین الإیمان والأمن من خلال ما یلی:

أ - الإیمان یختص بالاعتقادات الدینیة، أمّا الأمن فمفهومه أوسع یشمل الأبعاد الدینیة وغیر الدینیة، فقد یکون مجتمع غیر دینی، ولکن مفهوم الأمن یملأ جمیع أبعاده.

ب - تحقق الإیمان عند الإنسان یحتاج إلی ثلاثة أصول، اعتقاد بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، أما الأمن فأوسع من ذلک؛ لأنّه لا یتقید بقیود وأصول خاصّة ومعینة، بل یتحقق بکل ما من شأنّه أن یوجد واحداً من أقسام الأمن التی سبق البحث عنها.

ص:135

ج - الإیمان بالنسبة للأمن بمثابة العلّة إلی المعلول، فإذا کان الإیمان حاکماً علی مجتمع ما فالأمن یتواجد هناک، والعکس صحیح.

إلیها وتبسم من قولها، شاکراً الله تعالی، قال تعالی: فَتَبَسَّمَ ضاحِکاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَ عَلی والِدَیَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِی بِرَحْمَتِکَ فِی عِبادِکَ الصّالِحِینَ 1.

کما أنّ العناصر الأمنیة یجب أن تقدّم تقاریرها بشکل منظم لیمکن الاستفادة منها، کما جاء علی لسان الهدهد بخصوص نظام بلد آخر وحکومة ملکة سبأ فی الیمن، وبیّن نقاط الضعف والقوة فی مملکتها، وکذلک نوع عقائدهم الفاسدة، وبیّن العقائد الحقّة والصحیحة وعلّة انحرافهم، وقدّمها إلی سلیمان علیه السلام، قال تعالی: فَمَکَثَ غَیْرَ بَعِیدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُکَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ یَقِینٍ إِنِّی وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ وَ أُوتِیَتْ مِنْ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَها عَرْشٌ عَظِیمٌ * وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ 2.

ومنها طریقة التعامل مع التقاریر والتحقیق فی صدقها أو کذبها، وعدم الإطمئنان المطلق إلیها، وعدم إفشاء أخبار وعیوب المؤمنین، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «من قال فی مؤمن ما رأته عیناه وسمعته اذناه فهو من الذین قال الله (عزّ وجلّ) عنهم: إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 3»4 .

ص:137

کما أکّد القرآن الکریم علی حفظ أمنیة الأخبار والشائعات والتهدیدات، ففی بعض الجرائم الأخلاقیة یجب أن یکون الشهود أربعة صادقین ثقات، وشهاداتهم متطابقة وإلا یعزر الجمیع علی أساس التهمة والخبر الکاذب. وهناک روایات کثیرة وردت فی هذا المعنی، منها:

1. قال ابن حجر العسقلانی فی شرح حال ناجیة بن کعب الخزاعی: «وأخرج ابن أبی شیبة عن طریق عروة أنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم بعث ناجیة الخزاعی عیناً له فی فتح مکة»(1).

2. وفی روایة أخری - تدل کذلک علی اهتمام قادة المسلمین بجمع المعلومات وإیصالها إلی المسؤول بدقة وأمان - قدم علی علی بن أبی طالب علیه السلام عین له فی الشام، فاخبره بخبر (بسر) ویقال: أنّه قیس بن زرارة بن عمر بن حیطان، وکان قیس هذا عیناً له فی الشام یکتب إلیه الأخبار(2).

3. روی الواقدی، عن موسی بن یعقوب عن أبی الأسود، عن عروة قال: بعث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أصحاب الرجیع عیوناً إلی مکة لیخبروه خبر قریش(3).

أمناً یجب تحقیقه، فکذلک لابد للعلم الذی یحصل علیه الإنسان أن یکون علماً حقیقیاً ونافعاً، بحیث یحقق الأمن والاستقرار للمجتمع، ویهدیه إلی آفاق أرحب وأوسع، وقد حملت الآیات الکریمة منافذ تحصیل العلم لدی الإنسان مسؤولیة عظیمة کالأُذنین والعینین، قال تعالی: وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً1 ، وکیف یستطیع من لیس لدیه علم وخبرة أن یصبر ویقر له قرار علی مشاهدة حوادث لم یطلع علی عللها، فالعلم وسیلة مهمة من وسائل توفیر الأمن والاطمئنان النفسی، قال تعالی: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتی قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلی وَ لکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلی کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیاً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 2.

وکذلک نبی الله موسی علیه السلام ظل مضطرباً وغیر مستقر لما رأی الخضر علیه السلام ینفذ تلک الأعمال أمامه، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً3 ، وقوله تعالی: یا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ 4.

ص:139

الأمر إلی الأبعاد الأخری، وقد استخدم علیه السلام وسائل متعددة لإحکام سلطة الرقابة والإشراف علی المسؤولین الحکومیین، نذکر منها:

1 - الرسائل: استخدم الإمام علیه السلام الرسائل للسیطرة علی المسؤولین، وتختلف مضامینها حسب المخاطبین، وأغلبها لتوجیههم وهدایتهم، ومنها.

أ - رسائل تقدیریه للعاملین، مثلاً: سعید بن مسعود الثقفی(1) ، والیهِ علی المدائن(2).

ب - رسائل تحذیریة، کرسالته لزیاد بن أبیه، حینما استماله معاویة، وکان حاکماً علی بلاد فارس(3).

ج - رسائل إرشادیة، کرسالتة لعبد لله بن عباس(4) ، والیه علی البصرة(5).

د - رسائل المعاتبة علی الأعمال الخاطئة، کرسالته لعثمان بن حنیف(6) ،

ص:141

والی البصرة(1).

2 - إرسال هیئة تحقیقیة: هو أسلوب آخر من أسالیب الرقابة العلویة، فقد أرسل علیه السلام ممثلین خاصین عنه إلی المناطق المختلفة للتحقیق فی بعض الموضوعات، فأرسل کعب بن مالک بمأموریة تفتیشیة فی أرض السواد (العراق)، وأمره أن یکتب له تقریراً مفصلاً عن عماله وأحوال البلاد والعباد هناک(2).

3 - الاستدعاء إلی مرکز الحکومة: لمعرفة ما یجری فی بعض النواحی، وحینما تصله تقاریر تحکی عن خیانة بعض الولاة یرسل إلیهم ویستدعیهم للحضور عنده والتحقیق معهم(3).

4 - التهدید بالطرد والعزل، نذکر منها اثنین:

أ - بعض التقاریر تؤلم قلب الإمام علیه السلام، فیبعث رسائل شدیدة اللهجة کرسالته إلی یزید بن قیس الأرحبی(4) ، حین نهاه عن الإفساد فی الأرض وحذّره من ضیاع أجره الأخروی، وطلب منه احترام المسلمین(5).

ب - رسالة إلی أبی موسی الأشعری: عندما وصله خبر تثبیط الأشعری

ص:142

لأهل الکوفة عن الالتحاق بجیشه علیه السلام فی معرکة الجمل، أرسل له رسالة تهدید بأقالته وعزله إذا استمر علی موقفه الداعم لمعاویة، ومخالفی الإمام علیه السلام، والمنکص لأهل العراق من الوقوف مع الحقّ المتمثل بأمیر المؤمنین علیٍّ علیه السلام(1).

وقال الإمام علی علیه السلام فی رسالته لمالک الأشتر(1):

«ثم اختر للحکم بین الناس أفضل رعیتک فی نفسک ممن لا تضیق به الأمور ولا تمحکه الخصوم...»(2).

إن حساسیة أمر القضاء وثقل مسؤولیتها یتطلب الانتخاب الصحیح للقاضی «أفضل رعیتک فی نفسک» یعنی أفضلهم علماً وأخلاقاً وتقوی، ووضع الإسلام صفات عدیدة وشرائط کثیرة لانتخاب القاضی لا مجال لذکرها هنا، لکن المهم أنّ للدولة مسؤولیة اتجاه القاضی منها تطبیق أحکام القضاة والإشراف علیهم؛ لأنّ القضاء آخر ملجأ للناس فی حل مشاکلهم، والإشراف علیهم یؤدی إلی دقة القضاة فی تشخیص الحقّ، وکذا فی الأحکام الصادرة عنهم، وبالتالی یرفع من مستوی ثقة الناس بدولتهم.

وعلی الدولة أن توفر وسائل الرفاهیة للقاضی، ورفع حاجته لیستغنی عن الآخرین وقبول الرشوة، ویعیش حالة الهدوء الفکری والنفسی.

ثم إنّ النظام الإلهی قد کفل بتوفیر الأمن للفرد والمجتمع، فالکل یتمتعون به، فکل فرد یتعرض إلی الظلم من حقّه أن یتظلم إلی القضاء وفی حالة إثبات الجرم یعاقب المجرم حتی یعم الأمن فی المجتمع، کما أنّ المتهم یتمتع بالأمن أیضاً مادام

ص:144

متهماً بعدُ، حتی إصدار الحکم العادل بحقّه.

وقد اهتم الإسلام کثیراً بشرائط القاضی، والقضاء بالحقّ وعدم اتباع الهوی، وسرعة تعیین تکلیف المتهم، ففی حال عدم ثبوت التهمة یصدر الحکم ببراءته، کما ینبغی عدم التطرف بالحکم، وحینها جعل الإسلام شرائط خاصّة للقاضی؛ وذلک لأهمیة الأمن القضائی فی المجتمع، حتی یمکن للقاضی بقضائه أن یبعث الأمل والنشاط فی نفوس الناس ویوجد الأمن والهدوء، وذلک یشعر المذنبین والمجرمین دائماً بالقلق وعدم الأمن؛ لأنّهم إذا قدموا إلی المحکمة یوجد هناک قاضٍ عادلٌ یحکم بالحقّ، ولا یقع تحت تأثیر أی أحد؛ لئلا یمیل عن الحقّ، کما ینبغی أن لا یحید عن الحقّ بسبب بعض الضغوط السیاسیة ونحوها، کالإغراءات المالیة والمعنویة کطلب الجاه واتباع الهوی.

وفی الوقت نفسه یجب توفیر الأمن للقاضی؛ لأنّه إذا لم یشعر بالأمن والهدوء، ولم تدعمه الحکومة أو السلطة، فمن الممکن ان یحس بالضعف ویتنازل عن الحقّ، وترتعد فرائصه عند إصدار الأحکام القضائیة.

(35) آیة تتحدّث عن هذا الموضوع وتلخص موقف القرآن الکریم من الأقسام الآتیة:

1. المؤمنون: وهؤلاء یتمتعون بأمن کامل، والقائد من واجباته اللطف بهم، قال تعالی: وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 1 ، وهم إخوة فی الدین، قال تعالی: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ 2.

2. المنحرفون: وهؤلاء یجب الوقوف بحزم أمامهم، فهم أصحاب البدع، کما وقف نبی الله موسی علیه السلام من السامری، قال تعالی: قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَکَ فِی الْحَیاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَکَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَ انْظُرْ إِلی إِلهِکَ الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْهِ عاکِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِی الْیَمِّ نَسْفاً3.

3. المنافقون: وهؤلاء هم من أکبر العوامل التی تؤدی إلی عدم الأمن والاستقرار؛ لأنهم دائماً یعملون علی إیجاد الفتنة، والانحراف فی المجتمع عن الحقّ والاستقرار، وقد نزلت فیهم سورةٌ کاملة، بالإضافة إلی الآیات الأخری التی وصفتهم بالفاسقین، ومرضی القلوب، حتی أنّک تجد لأکثرهم علاقات جیدة وقویة مع الأعداء، فإذا کانت هذه بعض صفاتهم، فهل یبقی أمن فی المجتمع وفیه جماعة من المنافقین؟ فهم المفسدون فی الأرض، الذین یسعون إلی هلاک الحرث

ص:146

والنسل؛ ولهذا حاربهم القرآن الکریم بإصدار الأوامر بالوقوف بحزم أمامهم؛ لکی یحل الأمن والأمان والاستقرار فی المجتمع الإسلامی(1).

4. الکفار: وهؤلاء قد شخّصهم القرآن الکریم بطبیعة علاقتهم مع المسلمین، وبیّن طرق التعامل معهم، والتی من شأنها أن تؤدی إلی الاستقرار والأمن السیاسی، ومنها: الغلظة معهم، وعدم مجاملتهم، أو إطاعتهم، والتسلح بالصبر والتقوی فی التعامل معهم؛ لأنّهم إذا أصاب المسلمین خیراً ومنّةً یتألمون، واذا أصابتهم سیئة یفرحون، وأمّا الذین لم یعلنوا الحرب علی المؤمنین فلابد من معاملتهم بالقسط والعدل، قال تعالی: اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَفَرُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ 2.

خلقیة أو عوق ولادی علی أثر الإشعاعات والمواد الکیمیاویة، فالبیئة العالمیة الیوم فی خطر.

فحینما جاء (سیل العرم) تبدلت الجنان المثمرة فی سبأ إلی أشجار أثل لیس فیها ثمر، وحل القحط، قال تعالی: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَیْهِمْ جَنَّتَیْنِ ذَواتَیْ أُکُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَیْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِیلٍ 1 ، وقلّت المحاصیل فی زمان الفراعنة بظلمهم، قال تعالی: وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ 2 .

نعم إنّ أعمال العباد تؤثر علی الماء والأرض والهواء، قال تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 3 ، وقال تعالی: قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُکُمْ غَوْراً فَمَنْ یَأْتِیکُمْ بِماءٍ مَعِینٍ 4.

کما یحدثنا القرآن الکریم فی آیات ذکرت البرق والرعد والصاعقة التی یصیب الله بها من یشاء، قال تعالی: هُوَ الَّذِی یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ * وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ وَ یُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَیُصِیبُ بِها مَنْ یَشاءُ وَ هُمْ یُجادِلُونَ فِی اللّهِ وَ هُوَ شَدِیدُ الْمِحالِ 5.

ص:148

وقال أیضاً: وَ مِنْ آیاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَیُحْیِی بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها1.

وکذلک نقض أی حقّ فردی، أو اجتماعی، أو دولی، یعتبر من أنواع الظلم.

اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِیسَ أَبی وَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرِینَ 1.

وقال تعالی فی شأن استکبار فرعون: وَ اسْتَکْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَیْنا لا یُرْجَعُونَ 2.

والاستکبار عامل أساسی فی مقاومة دعوة الأنبیاء علیهم السلام، قال تعالی: وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَی الْکِتابَ وَ قَفَّیْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَیْنا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّناتِ وَ أَیَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَکُلَّما جاءَکُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوی أَنْفُسُکُمُ اسْتَکْبَرْتُمْ فَفَرِیقاً کَذَّبْتُمْ وَ فَرِیقاً تَقْتُلُونَ 3.

ثمّ إنّ الاستکبار العالمی یتمیّز بصفات، منها: أنّه لا یظهر وجهه الحقیقی، بل یعمل فی الخفاء، ویحیک المؤامرات والفتن، للوصول إلی أهدافه، قال تعالی: اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ وَ مَکْرَ السَّیِّئِ وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاّ سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِیلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْوِیلاً4.

والأمن الدولی یترکب من أوضاع أمنیة لمجموع الدول والمجتمعات، وقد وضع القرآن الکریم معالجات أساسیة فی هذا المجال، منها:

أکّد علی احترام المعاهدات والمواثیق الدولیة والعمل بها، إلا أن ینقضها

ص:152

الطرف الآخر، أو تصدر منه خیانة بخصوصها، فإذا أُبرم العهد والاتفاق فعلی الأطراف جمیعاً الالتزام به، کوثیقة لحفظ الأمن والهدوء، ولابد أن یکون ذلک العهد محط احترام لکلّ طرف مهما کان، مسلماً أو غیر مسلم، قال تعالی: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُلاً1 ، وقال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما یُتْلی عَلَیْکُمْ غَیْرَ مُحِلِّی الصَّیْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ یَحْکُمُ ما یُرِیدُ2.

أکّد علی دور العدالة فی إیجاد الأمن الدولی والعالمی ومراعاة إجرائها، ویجب أن لاتقودنا أسالیب الآخرین اللامعقولة وتصرفات الدول السیئة إلی التنازل عن الأهداف الأساسیة أمام الامتیازات الخارجیة، فإنّ نبی الله سلیمان علیه السلام لم یقبل بهدایا ملکة سبأ، ولم یتنازل أمامها، من أجل أن یبقی هناک ظلم وعقائد فاسدة فی مکان اطلع علیه علیه السلام، وله القدرة علی الوصول إلیه، وکذلک یجب أن لا تقودنا تصرفات الآخرین السیئة إلی عدم تحکیم العدالة وبروز الظواهر والأزمات العالمیة لها.

الصلح والسلام: قال الإمام علیٌّ علیه السلام: «ولا تدفعن صلحاً دعاک إلیه عدوک ولله فیه رضا، فإنّ فی ذلک الصلح دعة لجنودک وراحة من همومک وأمناً لبلادک، لکن الحذر کل الحذر من عدوک بعد صلحه»(1) ، فالإمام هنا یدعو

ص:153

إلی الصلح مع العدو ویشترط به.

أ - أن یدعوک العدو إلیه لا أنت تطلب الصلح من ضعف، فیجب أن یکون موقفک قویاً، وتهیئ أسباب القوة، وعندها إذا طلب العدو الصلح فلا تدفعه وأقبله.

ب - أن یکون الصلح فیه الرضا الله تعالی، أی: غیر مخالف للدین وضوابطه، وأن لا یکون مخالفاً للأحکام الإسلامیة، ویشتمل علی المصلحة العامة للمسلمین.

ج - الحذر کل الحذر من العدو بعد الصلح معه، والانتباه إلی مکائده، لعلّه یستغل هذا الصلح والمهادنة للتقرب والوصول إلی أهدافه التی عجز عنها فی الحرب.

وهذا یدل علی مقام البیان والقلم، وأنّ له منزلةً عند الله تعالی، ولکن لیس کل مقال وبیان وکلام له هذه المنزلة، بل هناک خصوصیات للبیان والإعلام والحدیث، فمن شروطه:

1 - أن یکون حقاً، قال تعالی:

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِیداً1 ، وقوله تعالی: وَ لا تَقُولُوا عَلَی اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ 2.

2 - الدعوة الحسنة، قال تعالی: اُدْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ 3.

3 - عدم الکذب علی الله تعالی، قال تعالی: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْیَ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِکُوا بِاللّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ 4 ، وقال تعالی: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَری عَلَی اللّهِ کَذِباً أَوْ قالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَ لَمْ یُوحَ إِلَیْهِ شَیْ ءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لَوْ تَری إِذِ الظّالِمُونَ فِی غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِکَةُ باسِطُوا أَیْدِیهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَکُمُ الْیَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما کُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَی اللّهِ غَیْرَ الْحَقِّ وَ کُنْتُمْ عَنْ آیاتِهِ تَسْتَکْبِرُونَ 5.

ص:155

وممّا سبق یفهم أنّ الإعلام والحدیث والبیان، یجب أن تکون مطابقة للحقّ والعدل وحسن الدعوة، وإلا سوف لا یکون له قیمة، ویترتب علیه عذاب أخروی، أمّا لو افترضنا أنّ هذا البیان لا توجد فیه الخصوصیات الآنفة الذکر، فهل یمکن استدعاء المتحدث أو الکاتب للتحقیق معه، أو الضغط علیه، أو تهدید أمنه؟

الآیات السابقة تهدینا إلی أنّ الأفراد والأحزاب والحکومات لیس لدیها الحقّ بتهدید هؤلاء، أو الضغط علیهم، أو محاربتهم، أو تخویفهم، فآیات القرآن الکریم تؤکّد أنّ الله رحیم بعباده ولا یعاقب علی إظهار العقائد، ما لم یؤدی هذا الإظهار إلی مفسدة فی المجتمع، بل والذین یتحدّثون بمثل الکفر والشرک أیضاً، فعندما أخبر الباری عن خلق الإنسان للملأ الأعلی، أظهر الملائکة عقائدهم بکل إطمئنان، وقالوا: إنّ الإنسان یفسد فی الأرض ویسفک الدماء، ولم یخافوا من طرح هذا السؤال أمام الحضرة الإلهیة، ولم یصدر إلیهم تهدید، بل أجابهم بأجمل شکل، قال تعالی:

قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ * وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ کُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَی الْمَلائِکَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِی بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ * قالُوا سُبْحانَکَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّکَ أَنْتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ 1.

وهکذا بالنسبة للذین افتروا علی الله کذباً، کالذی جاء فی بعض الآیات الکریمة فی إشارة إلی ما تقوّلوا به علی الله تعالی من هذه الافتراءات

ص:156

والأکاذیب(1) ؛ ومع کل هذه الأکاذیب والافتراءات والتجرؤ علیه إلا أنّه سبحانه وتعالی ترکهم یتمتعون بأمنٍ کاملٍ فی الحیاة الدنیا، ولم نسمع أنه تمّ عقابهم، نعم عقابهم محفوظ فی الآخرة، وأمّا الآیات الدالة علی نزول العذاب بالأمم السالفة لا لأنّهم أبرزوا عقائدهم، بل لأنهم وقفوا أمام دعوة الحقّ للأنبیاء علیهم السلام واتباعهم، بل ومحاربتهم وإیذاءهم، وأحیاناً قاموا بقتلهم، فعذاب الفراعنة من جهة أنّهم أرادوا قتل بنی إسرائیل وموسی علیه السلام، قال تعالی:

وَ إِذْ نَجَّیْناکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوءَ الْعَذابِ یُذَبِّحُونَ أَبْناءَکُمْ وَ یَسْتَحْیُونَ نِساءَکُمْ وَ فِی ذلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ 2.

وکذلک عذاب قوم صالح؛ لأنّهم عقروا الناقة بعد أن طلب منهم أن لا یؤذوها، قال تعالی:

وَ یا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَکُمْ آیَةً فَذَرُوها تَأْکُلْ فِی أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذابٌ قَرِیبٌ 3.

وهکذا عذاب قوم شعیب؛ لأنّهم هددوه بإخراجه ومن آمن به من قریتهم، قال تعالی:

ص:157

قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّکَ یا شُعَیْبُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ کُنّا کارِهِینَ 1.

ومثله عذاب قوم عاد وثمود وقارون وهامان، وکذا المنافقین الذین خططوا لاغتیال الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم، قال تعالی:

یَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وَ کَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ یَتُوبُوا یَکُ خَیْراً لَهُمْ وَ إِنْ یَتَوَلَّوْا یُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذاباً أَلِیماً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِی الْأَرْضِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا نَصِیرٍ2.

فهذه الطریقة فی التعامل - أی مداراة وملاحظة أصحاب العقائد الکافرة والمشرکة، والمتجاوزین فی هذا المجال ما لم یؤدِ ذلک إلی استخدام العنف وإیجاد المفسدة فی المجتمع لا تختص بالله تعالی فقط، بل أنّ الأنبیاء اتبعوا هذه الطریقة کما أراد الله تعالی منهم، وأوصاهم أن ینذروا قومهم، ولا یتواجهوا معهم، فمثلاً، حینما أدّعت مجموعة إنّ لله ولداً، فإنّه تعالی طلب من النبی أن ینذرهم فقط، قال تعالی: وَ یُنْذِرَ الَّذِینَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً3. وکذلک الذین قالوا بالتثلیث فی زمان عیسی علیه السلام.

ص:158

وقد استخدم هذه الطریقة الأنبیاء مع الذین تجاوزوا علیهم واتهموهم، ومع الذین أظهروا عقائد مخالفة لعقائدهم، ولم یستخدموا أسلوب العنف معهم، ولم یسجنوا او یعدموا أحداً من هؤلاء، أو یسلبوا أمنهم ویهددوهم بسبب أحادیثهم، أو إظهار عقائدهم، وقد جری هذا علی جمیع الأنبیاء علیهم السلام، وبالخصوص علی نبیّنا الأکرم محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فکان رحمة للعالمین؛ ولذا تهاوت جمیع الأفکار الأخری المنحرفة، وتساقطت تحت أقدامه؛ لعظم همته وحسن أخلاقه ومداراته للناس.

ص:159

وفزَّعه. وتَرَهَّب الرجل: إذا صار راهبًا یخشی الله. والراهب: المُتَعَبِّد فی الصومعة».(1)

وجاء فی التحقیق فی کلمات القرآن الکریم بأنّ «الأصل الواحد فی هذه المادّة: هو الخوف المستمرّ المستدیم، کما سبق فی مادّة الخوف، وقلنا إنّ الخوف ضدّ الأمن، والرهب ضدّ الرغبة، والأُنس ضدّ الوحشة.. إِنَّهُمْ کانُوا یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَ یَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً أی: ویدعوننا علی الرغبة والرهبة. هذا التعبیر یدلّ علی تقابلهما.. وَ إِیّایَ فَارْهَبُونِ، لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ - أی: مستمرّین فی حالة الخوف للّه العزیز المتعال، وهذه الحالة توجب ورعاً وتقوی لهم. و إذا أرید التعدیة: تستعمل من الإفعال أو التفعیل -. وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّکُمْ - أی: تلقون فی قلوبهم الرعب المستمرّ، حتّی لا یتعرّضوا للمسلمین. و إذا أرید الطلب ویراد رهب الآخرین: فتستعمل من الاستفعال کما فی. فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْیُنَ النّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِیمٍ أرادوا رهب الناس وطلبوا رهبتهم... والرهبانیّة تدلّ علی تأکّد الرهب وشدّته».(2)

والإرهابیون فی (المعجم الوسیط): «وصف یطلق علی الذین یسلکون سبیل العنف والإرهاب لتحقیق أهدافهم السیاسیّة».(3)

ص:161

والإرهابی فی (المنجد): «من یلجأ إلی الإرهاب لإقامة سلطته، والحکم الإرهابی هو نوع من الحکم یقوم علی الإرهاب والعنف تعمد إلیه حکومات أو جماعات ثوریة».(1)

و (الإرهاب) فی الرائد «هو رعب، تحدثه أعمال عنف؛ کالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخریب، و (الإرهابی) هو مَنْ یلجأ إلی الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخریب لإقامة سلطة أو تقویض أخری، و (الحکم الإرهابی) هو نوع من الحکم الاستبدادی یقوم علی سیاسة الشعب بالشدة والعنف بغیة القضاء علی النزعات والحرکات التحرریة والاستقلالیة».(2)

نستخلص ممّا تقدم أنّ (الإرهاب) یعنی التخویف والإفزاع، وأنّ (الإرهابی) هو الذی یُحدث الخوف والفزع عند الأخرین. ولا یختلف هذا المعنی عما تقرره اللغات الأخری فی هذا الصدد، فقد ورد فی قاموس «المورد» أن کلمة terror تعنی: «رعب، ذعر، هول، کل ما یوقع الرعب فی النفوس، إرهاب، عهد إرهاب»، والاسم terrorism یعنی: «إرهاب، ذعر ناشئ عن الإرهاب»، و terrorist تعنی: (الإرهابی)، والفعل terrorize یعنی: «یرهب، یروع، یکرهه (علی أمر) بالإرهاب».(3)

وفی قاموس أکسفورد « Oxford Dictionary »: نجد أن کلمة Terrorist

ص:162

(الإرهابی) هو الشخص الذی یستعمل العنف المنظّم لضمان نهایة سیاسیة، والاسم Terrorism بمعنی (الإرهاب) یُقصد به «استخدام العنف والتخویف أو الإرعاب، وبخاصة فی أغراض سیاسیة».(1)

د - الإرهاب: هو استعمال غیر مشروع للقوة فی سبیل الوصول إلی غایةٍ ما(1).

ه -- الإرهاب: هو الاستخدام التکتیکی للعنف الغایة منه أوّلاً خلق جوٍ عامٍ من الخوف والذعر لدی القسم الأکبر من الشعب(2).

و - الإرهاب: هو إحداث أمر سلبی یطال النفس البشریة وذلک بأدخالها فی حالة من الخوف والقلق والرعب والتوتر بما یؤدی إلی الثأثیر علی اتجاهاتها وارائها تجاه قضیةٍ ما(3).

ز - الإرهاب: هو کل استخدام أو تهدید بأستخدام عنف غیر مشروع لخلق حالة من الخوف والرعب بقصد تحقیق التأثیر، أو السیطرة علی فرد أو مجموعة من الأفراد، أو حتی المجتمع بأسره وصولاً إلی هدف معین یسعی الفاعل إلی تحقیقه(4).

إنّ التعریفات السابقة رغم أنهّا تستحق التقدیر والاحترام، إلا أننا نرجح ونلتزم التعریف الأخیر منها؛ لأنّه قد ورد فی ثنایاه ما یلی:

ألف) استخدام العنف، أو التهدید به.

ب) قید العنف ب - (غیر المشروع) لا مطلق العنف، هو العنف الذی یستخدم ضد الضحیة.

ص:164

ج) ذکر الحالة النفسیة التی یخلقها الإرهاب فی نفس الضحیة من الخوف والذعر.

د) بیّن الجهة التی یطالها الإرهاب، سواء کان فرداً أو مجموعةً من الأفراد أو حتی المجتمع بأسره.

ه -) أشار التعریف إلی الجهة المنفذة، أو الفاعل للعنف والإرهاب بغض النظر عن هویته.

و) لم یحصر التعریف هدف الإرهاب فی جانب معین.

ز) هذا الحد وسّعَ من دائرة مفهوم الإرهاب متجاوزاً التأثیر علی الضحیة إلی السیطره علیها ودخولها تحت رحمته(1).

هذا وقد حاولت المنظمات الدولیة، کالأمم المتحدة والاتفاقیات الأوربیة والعربیة و.... تحدید مفهوم الفعل الإرهابی من منطلق أن: «(الإرهاب) هو شکل من أشکال العنف المنظّم، بحیث أصبح هناک اتفاقاً عالمیاً علی کثیرمن صور الأعمال الإرهابیة؛ مثل الاغتیال والتعذیب واختطاف الرهائن واحتجازهم وبث القنابل والعبوات المتفجرة واختطاف وسائل النقل کالسیارات والأُتوبیسات(2) والطائرات أو تفجیرها، وتلغیم الرسائل وإرسالها إلی الأهداف التی خطط الإرهابیون للإضرار بها... إلخ».(3) وقد ذکرت له عدّة تعاریف، نذکر منها:

ص:165

1. ما قامت به لجنة الإرهاب الدولی التابعة للأمم المتحدة عند وضعها اتفاقیة إجراءات مواجهة الإرهاب الدولی فی عام 1980 م، فعرّفت الإرهاب بأنّه: «یعد الإرهاب الدولی عملاً من أعمال العنف الخطیرة یصدر من فرد أوجماعة بقصد تهدید هؤلاء الاشخاص أو التسبب فی إصابتهم، أو موتهم سواء کان یعمل بمفرده أوبالاشتراک مع أفرادٍ آخرین ویوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السکنیة أو الحکومیة أو الدبلوماسیة أو وسائل النقل أو المواصلات أو ضد أفراد الجمهور العام دون تمییز أوالممتلکات أو تدمیر وسائل النقل أو المواصلات بهدف إفساد علاقات الود والصداقة بین الدول أو بین مواطنی الدول المختلفة أو ابتزاز أو تنازلات معینة من الدول فی أی صورة کانت، کذلک فإن التآمر علی ارتکاب أو محاولة ارتکاب أو الاشتراک فی الارتکاب أو التحریض علی ارتکاب الجرائم یشکل جریمة الإرهاب الدولی».(1)

2. التعریف الوارد فی قوانین الولایات المتحدة الأمریکیة هو: «کل ما من شأنه أن یتسبب علی وجه غیر مشروع فی قتل شخص أو إحداث ضررٍ بدنیٍّ فادحٍ أو خطفه أو محاولة ارتکاب هذا العمل أو الاشتراک فی ارتکابه أو محاولة ارتکاب مثل هذه الجرائم».(2)

ص:166

3. قانون العقوبات المصری فی المادة 86 یعرّف الإرهاب: «یقصد الإرهاب فی تطبیق أحکام هذا القانون کل من استخدم القوة أوالعنف أو التهدید أو الترویع یلجأ إلیه الجانی تنفیذاً لمشروعٍ إجرامیٍّ فردیٍّ أو جماعیٍّ یهدف إلی الإخلال بالنظام العام أو تعریض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا کان من شأن ذلک إیذاء الاشخاص أو القاء الرعب بینهم أو تعریض حیاتهم أو أمنهم للخطر أو الحاق الضرر بالبیئة أو الاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو المبانی أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دُور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطیل تطبیق الدستور أو اللوائح»(1).

4. التعریف الوارد فی اتفاقیة جنیف لقمع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937 م، هی «الأعمال الإجرامیة الموجهة ضد دولةٍ ما وتستهدف أو یقصد بها خلق حالة رعبٍ فی أذهان أشخاصٍ معینین، أو مجموعةٍ من الأشخاص أو عامة الجمهور»(2)

5. التعریف الوارد فی الاتفاقیة الأروبیة لعام 1977 م؛ لم تأت هذه الاتفاقیة بتعریفٍ محددٍ لمفهوم الإرهاب؛ بل عدَّدت مجموعة من الأفعال، منها ما کان قد جُرّم سابقاً باتفاقات دولیة أو کان التعامل الدولی قد حرّمها، وأضاف إلیها کلّ الأفعال الخطرة التی تهدد حیاة الاشخاص أو أموالهم إذا کانت تخلق خطراً جماعیاً لتخرج کلّ هذه الأفعال من طائفة الجرائم السیاسیّة منعاً لتطبیق مبدأ عدم التسلیم

ص:167

الذی کانت قد نصّت علیه اتفاقیة تسلیم المجرمین لعام 1975 م(1).

6. الاتفاقیة العربیة وتعریف الإرهاب: جاء فی المادة الأولی فقرة رقم (2) من اتفاقیة عام 1998 م، بأنّ الإرهاب هو: «کلّ فعل من أفعال العنف أو التهدید أیّاً کانت بواعثه أو أغراضه، یقع تنفیذاً لمشروع إجرامی فردیّ أوجماعیّ ویهدف إلی القاء الرعب بین الناس أو ترویعهم بإیذائهم أو تعریض حیاتهم أو حریاتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبیئة أو بأحد المرافق أو الأملاک العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستیلاء علیها، أو تعریض أحد الموارد الوطنیة للخطر».(2)

7. تعریف قانون العقوبات السوری لجریمة الإرهاب: عرّفت المادة 304 من قانون العقوبات السوری لعام 1949 م، الأعمال الإرهابیة علی أنّها: «جمیع الأفعال التی ترمی إلی إیجاد حالة ذعر وتُرتکب بوسائل کالأدوات المتفجرة، والأسلحة الحربیة، والمواد الملتهبة، والمنتجات السامة، أو المحرقة، والعوامل الوبائیة أو الجرثومیة التی من شأنها أن تحدث خطراً عاماً».(3)

8. وکانت وکالة الاستخبارات المرکزیة الأمریکیة ( C.I.A ) قد تبنت فی عام 1400 ه - (1980 م)، تعریفًا ینصُّ علی أن «الإرهاب هو: «التهدید باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سیاسیة من قبل أفراد أو جماعات، سواء تعمل لصالح سلطة حکومیة قائمة أو تعمل ضدها، وعندما یکون القصد من تلک

ص:168

الأعمال إحداث صدمةٍ، أو فزعٍ، أو ذهولٍ، أو رُعْبٍ لدی المجموعة المُسْتَهدَفَة والتی تکون عادة أوسع من دائرة الضحایا المباشرین للعمل الإرهابی. وقد شمل الإرهاب جماعات تسعی إلی قلب أنظمة حکم محددة، وتصحیح مظالم محددة، سواء کانت مظالم قومیة أم لجماعات معینة، أو بهدف تدمیر نظام دولی کغایة مقصودة لذاتها».(1)

9. وقد اجتمعت لجنة الخبراء العرب فی تونس، فی الفترة من 20 حتی 22 محرم 1410 ه - (الموافق 22-24 أغسطس سنة 1989 م) لوضع تصور عربیّ أوّلیّ عن مفهوم الإرهاب والإرهاب الدولی والتمییز بینه وبین نضال الشعوب من أجل التحرر، ووضعت تعریفًا یُعدُّ أکثر الصیغ شمولیة ووضوحًا، حیث ینص علی أنّ الإرهاب «هو فعل منظّم من أفعال العنف أو التهدید به یسبب فزعًا أو رعبًا من خلال أعمال القتل أو الاغتیال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجیر المفرقعات وغیرها، ممّا یخلق حالة من الرعب والفوضی والاضطراب. والذی یستهدف تحقیق أهداف سیاسیة سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخری أو مجموعة أخری من الأفراد، وذلک فی غیر حالات الکفاح المسلّح الوطنیّ المشروع من أجل التحریر والوصول إلی حقّ تقریر المصیر فی مواجهة جمیع أشکال الهیمنة أو قوات استعماریة أو محتلة أو عنصریة أو غیرها، وبصفة خاصّة حرکات التحریر المعترف بها من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولی والمنظمات الإقلیمیة بحیث تنحصر أعمالها فی الأهداف العسکریة أو الاقتصادیة للمستعمر أو

ص:169

المحتل أو العدو، ولا تکون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان، وأن یکون نضال الحرکات التحرریة وفقًا لأغراض ومبادئ میثاق الأمم المتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع».(1)

10. ذکر الدکتور یعقوب البرجی بعد ذکر تعاریف متعددة للإرهاب بأنّه: «عبارة عن استخدام القوة والإجراءات القهریة (أو استعمال العنف) مع الدوافع والاهداف السیاسیّة وغیر السیاسیّة التی تقام متفرقة وسریّة، والتی لا یصدق علیها الدفاع المشروع»(2)).

ثم یفسر هذا التعریف بأن استخدام القوة والإجراءات القهریة بمنزلة الجنس یصدق علی الإرهاب والدفاع المشروع والحروب المتجاوزة. والفقرات الأخیرة بمنزلة الفصول فخرج بالفقرة (متفرقة وسریّة) الحروب؛ لأنّها مرتبة وعلانیة، کما خرج (الدفاع المشروع) بالفقرة والتی لایصدق علیها عنوان الدفاع المشروع.(3)

ومن خلال جمیع ما تقدّم من التعاریف، نستطیع أن نقول بأنّها تشترک ببیان خمسة أدوار للإرهاب، وهی:

ص:170

1. استخدام العنف المادیّ غیر المشروع.

2. أن یکون محل العنف الأشخاص، أو الأماکن العامة، أو الخاصّة، أو المراکز الدولیة.

3. أن یکون هدف العمل الإرهابی هدفاً سیاسیاً غیر مشروع.

4. أن یکون مرتکب العمل الإرهابی فرداً أوجماعة.

5. أن تکون العقوبة للفاعل الأصلیّ، أو المحرّض بأیّ أسلوب من أسالیب التحریض بالمساعدة، أو المساهمة أو الاتفاق الجنائی، وأن تکون للفاعل الأصلی مثل عقوبة الشروع.

جَناحَکَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِکَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّکَ إِلی فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ 1 ، فالرهب هنا بمعنی الخوف والفَرَق(1).

فی قوله تعالی: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ کانُوا یُسارِعُونَ فِی الْخَیْراتِ وَ یَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ کانُوا لَنا خاشِعِینَ 3 ، رغباً ورهباً، أی: رغباً فی ما عندنا ورهباً منا(2).

فی قوله تعالی: قالَ أَلْقُوا فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْیُنَ النّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِیمٍ 5 ، فاسترهبوهم بمعنی أخافوهم أو فرقوهم(3).

فی قوله تعالی: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِی صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ 7 ، رهبة بمعنی خشیةً (4).

فی قوله تعالی: ثُمَّ قَفَّیْنا عَلی آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَ قَفَّیْنا بِعِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ وَ آتَیْناهُ الْإِنْجِیلَ وَ جَعَلْنا فِی قُلُوبِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعایَتِها فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ

ص:172

وَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ 1 ، فکلمة رهبانیة بمعنی الخصلة من العبادة(1).

فی قوله تعالی: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَیْ ءٍ فِی سَبِیلِ اللّهِ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 3 ترهبون بمعنی تخوفون(2).

إنّ ما یهمّنا من الآیات أعلاه الآیة «60» من سورة الأنفال والآیة «13» من سورة الحشر، ولتوضیح الفرق المقصود من الإرهاب الذی ذکر فی الآیتین الکریمتین، وبین الإرهاب الذی نقصده فی تعریفنا یمکن الإشارة إلی النقاط التالیة:

أ - القول فی تأویل، قوله تعالی: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَیْ ءٍ فِی سَبِیلِ اللّهِ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 5. وکأنّه تعالی یرید أن یقول: «وأعدوا لهؤلاء الذین کفروا بربهم الذین بینکم وبینهم عهد، إذا خفتم خیانتهم وغدرهم أیها المؤمنون بالله ورسوله ما استطعتم من قوة یقول: ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التی تکون قوة لکم علیهم من السلاح والخیل. ترهبون به عدو الله وعدوکم یقول: تخیفون بإعدادکم ذلک عدو الله

ص:173

وعدوکم من المشرکین. وبنحو ما قلنا فی ذلک قال أهل التأویل»(1).

ب - الأمر بالإعداد هو نتیجة ولیس سبباً، فهو ینشأ من خوف خیانة العدو وبعبارة أخُری «إعداد القوة إنّما هو لغرض الدفاع عن حقوق المجتمع ومنافعه الحیویة والتظاهر بالقوة المعدة ینتج إرهاب العدو فهو من شعب الدفع ونوع منه»، فقوله تعالی: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّکُمْ یذکروا فائدة من فوائد الإعداد الراجعة إلی أفراد المجتمع»(2).

ج - إنّه فیه إشارة إلی أنّ القرآن الکریم یأمر المسلمین بإعداد القوة، بقوله تعالی: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وهذا غیر استخدام العنف غیر المشروع الذی یستهدف الأفراد، أو الجماعات البشریة، یملأ الناس خوفاً وفزعاً وبوسائل غیر شریفة وأهداف غیر إنسانیة.

أمّا قوله تعالی: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِی صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ 3 ، أی: أنتم أشدّ خوفاً فی قلوب هؤلاء المنافقین یخافونکم ما لا یخافون الله ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ أی: لأنّهم قوم لا یفقهون الحقّ ولا یعرفونه ولا یعرفون معانی صفات الله تعالی، فالفقه العلم بمفهوم الکلام فی ظاهره ومتضمنه عند إدراکه، ویتفاضل أحوال الناس فیه(3).

ص:174

د - إنّ هذه الرهبة التی کانت للمؤمنین فی صدور یهود بنی النضیر والمنافقین مردها جهلهم لا أعمال عنف أو استخدام للقوة من قبل المؤمنین، ومن هنا نخلص إلی أنّ لفظة الإرهاب الواردة فی القرآن تتباین فی الموضوع والوسائل والغرض مع الإرهاب الذی سبق القول منا فی تعریفه.

کما أطلق الإسلام مصطلح (المحاربة) أی: محاربة الله ورسوله علی تلک الأعمال التی نسمیها الیوم بالأعمال الإرهابیة، ووضع الإسلام عقوبة للإرهاب والإرهابیین - لا ترقی إلی مستواها - عقوبة فی جمیع القوانین العالمیة من حیث القسوة والصرامة؛ حفاظاً علی البشریة.

والمحاربة هی تجرید السلاح براً أو بحراً لیلاً أو نهاراً لإخافة الناس فی مصر أو غیره من ذکر أو انثی قوی أو ضعیف(1).

والإرهاب مصطلح وضعی یعنی الإفساد فی الأرض أو المحاربة الله ولرسوله، والإرهابیون یرفعون شعارات براقة لتبریر فسادهم فی الأرض فیعتبرون اعمالهم الإرهابیة بطولات وواجبات ملقاة علی عواتقهم، وأنّ ما یقومون به من إرهاب من أجل الوطن ورسول الله والإسلام والحریة، فهم ممن عناهم الله بقوله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالاً اَلَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِیمُ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَزْناً2.

ص:175

وهو ما نراه فی تبریر فرعون لإفساده فی الأرض، ومحاربته لنبی الله موسی علیه السلام وإرهابه البشع، قال تعالی: وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِی أَقْتُلْ مُوسی وَ لْیَدْعُ رَبَّهُ إِنِّی أَخافُ أَنْ یُبَدِّلَ دِینَکُمْ أَوْ أَنْ یُظْهِرَ فِی الْأَرْضِ الْفَسادَ1.

وبالغ فرعون بالاستهزاء بعقول مواطنیه یوم اتهم موسی وهارون علیهما السلام، بأنّهما ساحران، وقد أشار إلیه بقوله تعالی: قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ یُرِیدانِ أَنْ یُخْرِجاکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ بِسِحْرِهِما وَ یَذْهَبا بِطَرِیقَتِکُمُ الْمُثْلی * فَأَجْمِعُوا کَیْدَکُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلی 2.

الدولة أو الحکومة - فی سبیل تحقیق هذا الغرض - بشتی الأسالیب والممارسات التی تبعث علی الخوف وتسلب الطمأنینة من نفوس مناوئیها. وأنّ الإرهاب الحکومی امتد عبر التأریخ ولن ینتهیَ إلا بالفرج الإلهی.

إنّ الدولة أو الحکومة تمارس ضغوطها وأکراهها لخصومها لیتخلوا عن المقاومة ویظهرون الطاعة لها. روی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«ویح هذه الأُمة من ملوک جبابرة، کیف یقتلون ویخیفون المطیعین إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقی یصانعهم بلسانه ویفر منهم بقلبه. فإذا أراد الله «عزّ وجلّ» أن یعید الإسلام عزیزاً قصم کل جبار، وهو القادر علی ما یشاء أن یصلح أمة بعد فسادها، فقال علیه السلام: یا حذیفة لو لم یبقَ من الدنیا إلا یوم واحد لطَوَّلَ الله ذلک الیوم حتی یملک رجل من أهل بیتی، تجری الملاحم علی یدیه، ویظهر الإسلام، لا یخلف وعده، وهو سریع الحساب»(1).

ومن الأسالیب الإرهابیة القتل بشتی أشکاله، والإجلاء والترحیل القسری، أو النفی، أو الطرد والابتزاز بالتهدید، والإرهاب الحکومی یدخل تحت مظلته أصناف أخری من الإرهاب، هی:

ص:178

أ - الإرهاب العسکری.

ب - الإرهاب الحزبی.

ج - الإرهاب الأمنی.

وسوف نتناول هذه الأصناف بشیءٍ من الاختصار:

بینهما، فالأولویة ستکون فی تقدیم وتحقیق إرادة الحزب، وعندما لایکون اعتناء بأبسط حقوق الناس فإنّ ذلک یعنی الاستهانة والاستخفاف بمطالبهم المشروعة، وهو مایترتب علیه سفک دمائهم وتسلیط سوط العذاب علیهم، وهکذا نعرف الدور الحزبی فی بعث الرعب والخوف فی نفوس الناس تحقیقاً لأغراضه، واعتقاداً منه أنّه هو المعیار لمعرفة الصواب من الخطأ(1).

یکون ما بین مذهبین من دین واحد، کما هو تأریخیاً الصراع الکاثولیکی البروتستانتی فی ایرلندا، والذی دام ثمانمائة سنة منذ العام 1171 م(1) ، أو یکون بین دیانتین، کما هو الصراع فی الحروب الصلیبیة التی دامت قرابة قرنین من الزمان.

إنّ منشأ هذا الإرهاب هو التزمت، والغلو فی الحماس، والتمسک الضیق الأفق بعقیدة أو فکرة دینیة ممّا یؤدی إلی الاستخفاف بآراء الآخرین ومحاربتها.

ورد عن عبد الله بن سنان، أنّه قال: «کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فسمعت رجلاً من همدان یقول له: إنّ هؤلاء العامة یعیرونا ویقولون لنا: إنّکم تزعمون أنّ منادیاً ینادی من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وکان متکئاً فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عنی وارووه عن أبی ولا حرج علیکم فی ذلک، أشهد أنّی قد سمعت أبی علیه السلام یقول: والله إنّ ذلک فی کتاب الله (عزّوجلّ) لبیّن حیث یقول: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ 2 ، فلا یبقی فی الأرض یومئذٍ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فیؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء (ألا إنّ الحقّ فی علی بن أبی طالب علیه السلام، وشیعته). قال: فإذا کان من الغد صعد إبلیس فی الهواء حتی یتواری عن أهل الأرض، ثم ینادی (ألا إنّ الحقّ فی عثمان بن عفان وشیعته، فإنّه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه) قال: فیثبت الله الذین آمنوا بالقول الثابت علی الحقّ، وهو النداء الأوّل، ویرتاب یومئذٍ الذین فی قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا،

ص:181

فعند ذلک یتبرأون منا ویتناولونا، فیقولون: إنّ المنادی الأوّل سحر من سحر أهل هذا البیت، ثمّ تلا أبو عبد الله علیه السلام قول الله (عزّوجلّ): وَ إِنْ یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَ یَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ»1.

أسالیب الخداع والتضلیل، وفی المقابل سوف یکون رد فعل الدول التی استعمرت قویاً ضد تلک المؤامرات الإرهابیة الاستعماریة «وفی المستعمرات یزداد العنف حدة ضد قوة المستعمر باعتباره أحد الأوجه المهمة فی الصراع السیاسی من أجل الاستقلال»(1).

إنّ استخدام القوة من أجل إبقاء السیطرة والنفوذ علی البلاد المستعمرة - الأمر الذی یزید من دوامة الفجائع علی الناس واضطراب البلاد - هو أحد التبعات التی ترافق نزول المستعمرین الإرهابیین فی بلاد المسلمین.

الضرورة، کما أشار إلیه الإمام علیٌّ علیه السلام بقوله: «کونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً»(1).

فبحسب النظرة الإسلامیة إذا تنازعت فرقتان من المسلمین، فالمؤمن هنا مکلّف بأحقاق الحقّ وإیجاد السلام بین الفئتین، ومناصرة المظلوم إذا لم تخضع الفئة الباغیة للحقّ والسلام، قال تعالی: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ 2.

وقد ورد عن أبی عبد الله علیه السلام أنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال:

«من أصبح لا یهتم بأمور المسلمین فلیس منهم، ومن سمع رجلاً ینادی یا للمسلمین فلم یجبه فلیس بمسلم»(2) ).

4 - إیجاد الرعب بین الناس وإلغاء الحقوق السیاسیة.

5 - سلب الأمن والسلام.

لا شک أنّ الإرهاب والخطف عمل إجرامی وذنب کبیر مخالف للقوانین والأعراف، ویبعث علی الفوضی والهرج والمرج، بما یستتبعه من خوف وقلق وفساد، فمثلاً فی صدر الإسلام وحیاة المسلمین الأولی عندما کان المسلمون قلّة مستضعفین ولیس لدیهم القدرة عن کف أذی العدو عنهم أصبحوا معرضاً للاختطاف والأذی، وتحت وطئة التعذیب الوحشی استشهد منهم الکثیر، وقد أشار القرآن الکریم فی سورة الأنفال إلی هذه النقطة ووصف حال ما هم علیه من الخوف والقلق ومن انعدام الأمن؛ لضعفهم وقلّة حیلتهم، قال تعالی: وَ اذْکُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ یَتَخَطَّفَکُمُ النّاسُ فَآواکُمْ وَ أَیَّدَکُمْ بِنَصْرِهِ وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ 1 ، وقال تعالی: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدی مَعَکَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ 2 ، إنّ فقدان عنصر الأمن ناشیء من اختطاف الناس کما أشارت إلیه الآیة الکریمة، وفی ظل الإرهاب وعند انعدام الأمن والسلام لایمکن أن یُتوقع الهدایة وترویج الأحکام الإلهیة، وإنّ من مجموع الآیات الثلاث السابقة نحصل علی ثلاث نتائج هی:

ص:185

إنّ الأمن الاجتماعی والفردی من ضرورات الحیاة، وهی نعمة إلهیة فی غایة الأهمیة.

إنّ من جملة آثار الإرهاب الخوف والرعب، وما یتبعهما من مرارة الحیاة.

إنّ انعدام الأمن یؤدی إلی اختلال الفعالیات الفکریة والثقافیة والدینیة.

لذا فإنّ الإسلام واجه هذه الظاهرة الخطرة بکل حزم وعنف دارجا ً إیاها تحت عنوان المحارب، ووضع له جزاءً خاصّاً، کما جاء فی قوله تعالی: إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیا وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِیمٌ 1.

«التهیئة والتجهیز»(1).

وفی عرف العسکریین: «حشد قوی الجیش ومصادر البلاد المادیة وطاقاتها البشریة بقصد إعدادها للحرب»(2).

ومقصودنا من التحشید هو تهیئة المسلمین وتعبئتهم لحین وصول النداء إلی أسماعهم، وفی مرحلة التحشید ستکون هناک ثلاثة عناصر تشارک فی إیجاد العلاقات بین المؤمنین، وهی:

أ - التعارف لغة: «العرفان والمعرفة تقول: عرف فلان فلاناً عرفاً ومعرفة»(3).

ب - التآلف لغة: وهو انضمام الشیء إلی الشیء(4). ومقصودنا من التآلف هو التآخی والتعاضد بین المؤمنین. وفی روایة أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام بشَّر بکلّ من یألف ویُؤلف «طوبی لمن یآلف الناس ویآلفونه علی طاعة الله»(5).

ج - التحالف لغة: «الملازمة یقال حالف فلان فلاناً إذا لازمه»(6). و «الحلف: العهد بین القوم، والمحالفة: والمعاهدة»(7). والتحالف من وجهة نظر

ص:187

القانون الدولی «علاقة تعاقدیة بین دولتین أو أکثر یتم من خلالها اتخاذ خطوات الدعم المتبادل فی حالة حدوث حرب»(1).

«سیأتی فی أمتی زمان تخبث فیه سرائرهم وتحسن فیه علانیتهم طمعاً فی الدنیا لا یریدون به ما عند الله (عزّ وجلّ) یکون أمرهم ریاءً لا یخالطهم خوف یعمهم الله بعقاب فیدعونه دعاء الغریق فلا یستجاب لهم»(1).

وبهذا الإسناد، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«سیأتی علی أمتی زمان لا یبقی من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا إسمه یسمون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهی خراب من الهدی، فقهاء ذلک الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإلیهم تعود»(2).

فالتراجع الأخلاقی سبب مهم فی وجود الإرهاب الأمر الذی یقتضی مکافحته.

ب - التیه والحیرة: الحیرة فی اللغة «التردد فی الشیء»(3). أمّا التیه فهو، «جنس من الحیرة»(4). ومقصودنا من التیه والحیرة هما الضیاع، والاضطراب الفکری والعقائدی بسبب انعدام الرؤیة فی تشخیص الحقّ والتمسک به، وقد یسأل عن ماهیة العلاقة بین التیه والحیرة وبین الإرهاب، فنقول: إنّ الضیاع والاضطراب والتردد الفکری والعقائدی ینعکس أثره علی سلوک الإنسان ممّا

ص:190

یؤدی إلی الاختلاف فی إتخاذ الموقف الصحیح، بل قد یؤدی ذلک أیضاً إلی ارتکاب جریمة باسم الدفاع عن عقیدةٍ متزلزلةٍ مبنیةٍ علی رمال متحرکة، یضاف إلی أنّ الإنسان عندما یضطرب سلوکه لاضطراب أفکاره یکون عرضة للانزلاق واتخاذ قرارات غیر حکیمة قد تهدد کرامة وحریة الآخرین وتعرضها إلی الخطر.

إنّ التیه والحیرة سبب للوقوع فی دروب الانحراف، وهو ما یسهل الارتماء فی ساحات الإرهاب والدخول فیها طوعاً أو کرهاً، وعلیه یکون هذا السبب علّةً للمواجهة المرتقبة ضد الإرهاب.

ج - التوجه نحو الدنیا: نعنی بهذا السبب النظر والتوجه الدنیوی شطر کل ما هو مادی من متاع الدنیا الفانیة، ویعزی ذلک لأمرین قد ذکرهما أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إنّما أخاف علیکم اثنتان: اتباع الهوی وطول الأمل، أمّا اتباع الهوی فأنّه یصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فینسی الآخرة»(1).

إنّ اعتبار الدنیا هدف یقلب الموازین ویجعلها ساحة للتنافس والتهالک علی أمتعتها، وهو ما أشار إلیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«أخشی علیکم أن تبسط الدنیا علیکم کما بسطت علی من کان قبلکم، فتنافسوا کما تنافسوها فتهلککم کما اهلکتهم»(2) ).

فعندما یکون التوجه والمسیر نحو نفق ضیق ودائرة صغیرة هی الدنیا، فإنّ ذلک یؤثر سلباً علی الإنسان، ممّا یجرّه إلی النهایة التی عبّر عنها رسول الله صلی

ص:191

الله علیه وآله وسلم بقوله:

«سیأتی علی الناس زمان تخبث فیه سرائرهم وتحسن فیه علانیتهم، طمعاً فی الدنیا، لا یریدون به ما عند ربّهم، یکون دینهم ریاءً لا یخالطهم خوف، یعمهم الله بعقاب، فیدعونه دعاء الغریق فلا یستجیب لهم»(1) ).

ورکوب الدّنیا یقود إلی الاهتمام بشؤونها ویأخذ الإنسان نحو منعطفات الهوی والأمل، وبالتالی یصبح الإنسان محطاً لرحالها التی تتجه صوب الشر الذی یتفرع منه الإرهاب والظلم وما إلی ذلک، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«من شر الناس منزلة عند الله یوم القیامة عبد ذهبت آخرته بدنیا غیره»(2) ).

إنّ ارتفاع درجات التوجه والتعلق بالدنیا بین الناس سیکون سبباً ملحاً فی وجود المواجهة التی ترید من الإنسان أن یتعامل کما یملیه الشرع الإلهی(3).

د - الفوضی والفتن: الفوضی بمعنی کثرة الاختلافات والنزاعات بین الناس، أمّا الفتن فهی عبارة عن الأمور المتشابهة فی ما بینها، وقد تکون نزاعات حدودیة أو علی میاه أقلیمیة، أو موضوعات تخص السیادة لدولة معینة، أو

ص:192

نزاعات قومیة وعرقیة أو دینیة أو اقتصادیة... الخ.

تشمل الفتن الأسالیب التضلیلیة التی تستخدمها الوسائل الإعلامیة، والتی تلعب الکلمة واللسان فیها دوراً مؤثراً من خلال بث الدعایات والأراجیف: «ستکون فتنة صماء بکماء عمیاء من استشرف لها استشرفت له وإشراف اللسان فیها کوقع السیف»(1).

هذه الفوضی والفتن التی تشمل الإنسان وما یرتبط به، والتی لا تجد لدفعها ملجأً، والتی تحیط بالناس من کل جانب ما هی إلا مصادیق صارخة للإرهاب ومنها یخرج الإرهاب وإلیها یعود، ومن أجل هذا ستکون المواجهة لیفقأ الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف عیون الفتن ویطهر الفوضی(2).

ه -- الإبادة والتدمیر: عرِّفت الإبادة بأنّها: «الفعل الذی یرتکب بقصد القضاء کلاً أو بعضاً، علی جماعة بشریة بالنظر إلی صفتها الوطنیة أو العنصریة أو الجنسیة أو الدینیة»(3).

والإبادة التی نقصدها لا تستهدف جماعة بشریة بالنظر لصفة معینة فقط، بل تستهدف القضاء علی الکتل البشریة فی حالة تضاربها ومعأرضتها لمصالح فئة معینة، فالإنسان هو الضحیة المستهدفة فی عملیات الإبادة وبشتی الوسائل القاتلة.

أمّا التدمیر فهو عبارة عن عملیات التخریب التی تصاحب عملیات الإبادة

ص:193

غالباً، کتدمیر البنی الاقتصادیة، أو الممتلکات العامّة التی تخصّ شعباً معیناً، أو تدمیر البیوت والطرق العامّة، أو تدمیر البیئة الطبیعیة من غابات وثروات زراعیة وحیوانیة وتلویث المیاه والهواء... الخ. وهناک روایات صرّحت بأنّ الإبادة والقتل سیعم أرجاء المعمورة، أو أکثر بقاع العالم، فقد روی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال:

«إنّ بین یدی الساعة لأیاماً ینزل فیها الجهل ویرفع فیها العلم ویکثر فیها الهرج» والهرج القتل(1).

وروی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال:

«لا تقوم الساعة حتی یکثر الهرج قالوا وما الهرج یا رسول الله؟ قال: القتل القتل»(2).

وسیکون التدمیر والإبادة التی تلحق بالمجموعات البشریة سبباً للمواجهة وإیقاف استمرار مثل هذه المذابح فی الزمن اللاحق لها.

فی لوحه المحفوظ، وفی مایلی النتائج التی ستزخر بها الأرض بعد المواجهة مع الإرهاب وتزفها السماء إلی الناس:

فی کفک، فإذا ورد علیک أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فیه فانظر إلی کفک، وأعمل بما فیها، قال: ویبعث جنداً إلی القسطنطینیة، فإذا بلغوا الخلیج کتبوا علی أقدامهم شیئاً ومشوا علی الماء، فإذا نظر إلیهم الروم یمشون علی الماء، قالوا: هؤلاء أصحابه یمشون علی الماء، فکیف هو؟! فعند ذلک یفتحون لهم أبواب المدینة، فیدخلونها، فیحکمون فیها ما یشاؤون»(1).

إنّ هؤلاء الاصحاب المبعوثین إلی آفاق الأرض سیقومون بمهام جسام فی إقامة أحکام الإسلام دون فتور أو قصور، فهم أقویاء أشداء فی تنفیذ کلّ الأوامر الإلهیة التی أدرجها الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف فی العهد الذی فی حوزتهم، الذی هو کالعهد الذی کتبه أمیر المؤمنین علیه السلام لمالک الأشتر النخعی، وعبارة وأعمل بما تری لیس بمعنی الرأی الشخصی، بل بما تری من أحکام الإسلام، وربّما تکون لبعض الحوادث الواقعة أکثر من مادة قانونیة أو تشریعیة، وممثلوا الإمام فی الأقالیم لهم حقّ اختیار التشریع الذی یرونه مناسباً.

وفی روایة إثبات الهداة جاء فیها قوله علیه السلام:

«عهدک فی کفک وأعمل بما تری»(2).

وهنا إشارة ضمنیة إلی الحریة فی اتخاذ القرارات علی ضوء فضاء التشریع

ص:196

الإسلامی الرحب، وسیعمل الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف ومندوبوه فی أطراف الأرض بکامل الهمة والإخلاص فی سبیل ترتیب أوضاع الأمصار عن طریق تقدیم الخدمات المختلفة لیعم الصلاح والاستقامة فی کل مرافق الحیاة، فهولاء الرجال الصالحون یعیشون حالة استنفار قصوی فی کل موقع، فلا عجب فی أن یظهر به الدین ویمیت الله به وبأصحابه البدع والباطل(1).

«ویظهر الله دینه علی الدین کله ولو کره المشرکون»(1) ).

إن دخول الناس فی دین الله أفواجاً سیکون عن قناعة وإیمان وتصدیق، وهو ما أشار إلیه الإمام علیه السلام بقوله:

«فلا یبقی یهودی ولا أحد ممّن یعبد غیر الله إلا آمن به وصدقه، وتکون الملة واحدة ملة الإسلام»(2). عندها ستنتهی قصة الأدیان المختلفة بما فی ذلک المذاهب الوضعیة ذات التفسیر المادی، وهو ما أشار إلیه الإمام علیه السلام بقوله:

«یرفع المذاهب من الأرض فلا یبقی إلا الدین الخالص»(3). وممّا ذکر یتبیّن أن إحدی ثمرات المواجهة هی ظهور الإسلام وجریان سننه وأحکامه فی الناس(4).

لقد کان الإنسان قدیماً یتحرک بحریة فی مساحات واسعة من الأرض إلا أنّه وفی مطلع القرن العشرین قیدت حرکته، وحددت جغرافیته الطبیعیة بخطوط صناعیة ابتدعها الإنسان(1).

والحدود الجغرافیة بین الدول: «لم تبرز إلا مع التفکیر القومی، عندما أصبحت الحدود بمثابة الخط الذی یشعر الناس ضمنه بأنهم جزء من مجموعة، أو وحدة قومیة وبالأمان. کما أنّ الشأن السیاسی أو الاجتماعی یؤدی إلی تمایز المجموعات فیما بینها بالحدود»(2).

ثم إنّ هذه المظاهر التشطیریة للأرض وما علیها ستزول بزوال أسبابها عند ظهور الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف، بحیث تصبح الأمم والدول أمة ودولة واحدة تصیر الدول فیها نظیر المدن والولایات ضمن إطار دولة معینة مترابطة متعاونة أی فی إطار الدولة العالمیة الکبری علی الأرض، لأنّ «الإسلام یرمی إلی توحید بنی الإنسان فی ظل نظام قانونی واحد هو الشریعة الإسلامیة»(3).

الدولة الإسلامیة ذات الحدود المترامیة الأطراف ستظهر بعد فشل کل تجارب البشریة فی تحقیق السعادة التی ینشدها الإنسان، فالدولة الکریمة للإمام ستشمل الأرض بما رحبت وسترفع منها الخطوط الجغرافیة بین الدول لإرتفاع المصالح والأسباب(4).

ص:199

المرأة لتحج فی خمس نسوة ما معهن رجل لا تتقی شیئاً إلا الله (عزّ وجلّ)»(1).

والسلام والأمن بزغت أنوار معانیه فی الدعاء الذی یشیر إلی الدولة الفاضلة للإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف: «اللهم وأمن به البلاد واهدی به العباد»(2). والسلام العالمی سیعم کافة الأمم والسلالات علی الأرض: «وذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم»(3). وخلاصّة ما نحن فیه أنّ الإسلام فی الأرض سیصل إلی ذروته، بحیث تضحی الأرض کأنّها الجنّة التی وعد المتقون «ولا یکون علی وجه الأرض مؤذٍ ولا شر ولا أثم ولا فاسد اصلاً»(4).

فإنّها ستتوسع من الناحیة العمرانیة طولاً وعرضاً حتی تتصل بیوت الکوفة بنهر کربلاء والحیرة(1).

ثم إنّ الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف سیعرف حجم الکثافة السکانیة فی الکوفة، وموجات الهجرة إلیها؛ ولذا یبنی مسجداً بظهر الکوفة له ألف باب «فیخط مسجداً له ألف باب یسع الناس»(2). ویصل الحال من شدة زحام الناس واکتظاظ الطرق فیها أن لا یدرک بعضهم الجمعة مع وجود وسیلة نقل سریعة: «حتی یخرج الرجل یوم الجمعة علی بغلة سفواء(3) یرید الجمعة فلا یدرکها»(4).

وسوف یقوم الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف بعملیات هدم لکلّ بناء أسس علی غیر تقوی من الله، أو تعدیل لکلّ بناء غیر مطابق للشروط العمرانیة، وکما سیعمل علی إصلاح الطرق والمواصلات المروریة وتنظیمها حسب ضوابط المرور والنقل، وأیضا إصلاح الإسکان ومواصفاته حسب المعاییر الهندسیة والفنیة مراعیاً بناء بیئة طبیعیة نظیفة سلیمة من التلوث، وسیشمل الإعمار شق الترع والأنهار، وتأسیس محطات تولید الماء، أو ما شابه ذلک فی عصرنا من قبیل محطات تولید الطاقة «ویبعث فیحفر من خلف قبر الحسین علیه السلام له نهراً یجری إلی الغریین حتی ینبذ فی النجف، ویعمل علی فوهته قناطر

ص:202

وارحاء ماء فی السبیل»(1). وهکذا نلاحظ أن هناک نشاطاً مشهوداً للإعمار فی الأرض، وتوفیر الخدمات الحیاتیة للناس.

فاجِراً کَفّاراً1. وفی ذلک یقول النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «انظر فی أی شیء تضع ولدک، فإن العرق دساس»(1) ، فالعامل الوراثی إذا اجتمع مع أجزاء العلّة الموجبة لانحراف الفرد أدی به ذلک إلی تحققه فی الخارج، لا أنّه علّة تامة بحد ذاته، نعم فی الجانب الجسمی والبدنی قد یکون دور العامل الوراثی أظهر وأبرز منه فی الجانب النفسی والروحی.

ب - العامل البیئی: فکما أنّ العامل الوراثی له تأثیر ما فی استقامة السلوک وعدمه، فکذلک العامل البیئی هو الآخر له تأثیر فی تکوین الشخصیة للفرد، سلباً وإیجاباً، فقد یدفع العامل البیئی بالإنسان لیکون مجرماً ظالماً مرتکباً لمجموعة من الجرائم والفحشاء والمنکرات فیما إذا اقترن بوجود العوامل الأخری المؤدیة إلی ذلک، بحیث یؤدی بذلک إلی اختلال الأمن والسلام الاجتماعی، والعامل البیئی عبارة عن مجموعة عوامل من أشیاء وحوادث، سواء أکانت مادیة أم معنویة، فی المدرسة أو فی المجتمع، أو فی البیت.

فالإنسان یولد وهو ذو ذهن خالٍ من أی معلومات حصولیة دون المعارف الفطریة وَ اللّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً3 نعم، توجد لدیه مجموعة استعدادات ستصل إلی الفعلیة ضمن إطار عائلی أو مدرسی أو اجتماعی، یسمّی البیئة، فهو ینشأ ویتربی فی کنف والدین، إن کانا صالحین

ص:204

سوف یتأثر بهما حتماً، وکذلک تأثیر الأخلاء والأصدقاء المحیطین بالإنسان، قال تعالی: وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلاً یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلاً لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَ کانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً1 ، وقال الإمام علی علیه السلام:

«مجالسة أبناء الدنیا منساة للإیمان قائدة إلی طاعة الشیطان»(1).

ج - الفقر: من جملة العناصر المساهمة فی وقوع الجرائم ومخالفة القانون وعدم رعایة الواجبات الاجتماعیة، ولها دور مهم فی زعزعة الأمن هو الفقر؛ إذ إنّ البطن الجائعة والنفس التی تشعر بالضائقة والحرمان یصعب علیها الالتزام بالمقررات والقوانین الاجتماعیة، فالفقر من العوامل المخلّة بالأمن لأنّ قوام الأمن رعایة القوانین والوفاء بالالتزامات الاجتماعیة، والمتتبع للحالات الإجرامیة سوف یلاحظ بدون تأمل أنّ الاحصاءات تفید بأنّ أکثر السرقات تتم بوازع الحاجة الأکیدة؛ إذ لا یوجد طریقٌ آخر لإدراکها بغیر السرقة، ثمّ یعتاد الشخص السارق بذلک فیصبح معتاداً؛ لأنّه مع تکرار الفعل تنشأ العادة.

إنّ الدین الإسلامی - ومن أجل الوقوف أمام الإجرام الناشیء عن الفقر والأوضاع المادیة والتدنی المعیشی - حثَّ علی الرفاه، یعنی توفیر الحد الأدنی من متطلبات المعیشة وحاجیات الحیاة الفردیة والاجتماعیة بشکل متوازن وعادل،

ص:205

وأوصی بالتجارة والزراعة والصناعات وکلّ الأعمال الإنتاجیة، وأمر أولی الأمر أن یعملوا علی ذلک.

د - الطبقیة: کما أنّ الفقر والخصاصة والحرمان یدفع الإنسان إلی الجریمة إذا لم یکن مشفوعاً بالإیمان والقیم المعنویة السامیة من قبیل التوکل والتقوی، کذلک یکون الغنی سبباً فی ظهور الغرور والطغیان والتکبر علی الناس والإسراف وأتباع الشهوات الدنیویة واستغلال الآخرین ونشوء الاختلال الطبقی إذا لم یواکب الغنی إیمان أیضاً، والدین الإسلامی کما اعتبر الفقر والخصاصة أساس الذلة والانحرافات، کذلک واجه ظاهرة الاکتناز وتجمیع الأموال بدون وجهة حقّ، وحاربها بکلّ شدة فقد سمّت الثقافة الإسلامیة کل من یعیش الثراء الفاحش ویمارس الطغیان مترفاً.

وفی القرآن الکریم إشارة إلی أنّ الإحساس بالاستغناء وعدم الحاجة، هما أساس الطغیان النظری والعملی، کما یشعر بذلک قوله تعالی: کَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغی أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی 1.

ثم إنّ القرآن الکریم وفی آیات متعددة، وفی مقام عرض سنة تأریخیة یقول: إنّ الأنبیاء علیهم السلام دائماً فی مواجهةٍ مع أصحاب النفوذ من المترفین، وهو ما یشکل عبئاً آخر یضاف علی کواهلهم، حینما تتعأرض الدعوة الإلهیة مع ملذات اؤلئک المترفین وفسادهم، فیکونون عقبة أمام التکامل الاجتماعی وسداً أمام هدایة العباد، ومثال لذلک قوله تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلاّ قالَ

ص:206

مُتْرَفُوها إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ 1 ، وفی آیة أُخری یقول تعالی: وَ کَذلِکَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی قَرْیَةٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلی أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلی آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُکُمْ بِأَهْدی مِمّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آباءَکُمْ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ 2.

فالزیادة علی الحد فی التنعم المادی والمبالغة فی الشهوات والإفراط فی تکنیز الأموال والتمتع باللذائذ الدنیویة یعقبها التخمة والطغیان والغرور، فکلّ تلک الأمور تجرّ المجتمع إلی المعصیة وتسوق بکثیر من أفراده إلی محاربة القیّم الأخلاقیة الفاضلة، وفی النتیجة یبعث علی الإنهیار الاجتماعی، قال تعالی: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً3.

فالثروة وکنز الأموال من جهة تسبب الطغیان والتخمة والإفراط فی الشهوات والغرور والسکر عن سماع قول الحقّ، ومن جهة أُخری تعمق الفواصل الاجتماعیة وتجعلها کبیرة بین الأغنیاء والفقراء، وتخرج المجتمع حینئذٍ من حالة التوازن والاعتدال، وهو مایخلق عدم الوئام بین الطبقات فیختل التوازن الاجتماعی ممّا یؤدی إلی تفجر الأوضاع وینتهی بالصراعات التی لیس لآخرها آخر؛ وذلک لأنّ أهل الشهوات والاکتناز لا یفکرون إلا فی مصالحهم الضیقة، فقد ورد عن الإمام علیٍّ علیه السلام فی رسالته إلی مالک الاشتر: «فأن سخط

ص:207

العامة یجحف برضا الخاصة وأنّ سخط الخاصّة یغتفر مع رضا العامة»(1) ، فهذا الکلام یعطی الطبقة الفقیرة حقّها من العنایة التی تستحقها.

ه -- انحطاط القیّم المعنویة: إنّ ظهور الظلم والتعدی والفحشاء والمنکرات التی تسبب الفوضی وانعدام الأمن الفردی والاجتماعی، لها أسباب مختلفة، تحلیل جمیعها لیس بالأمر السهل، ولکن أکثرها تأثیراً ضعف القیّم المعنویة وغیاب القیم الأخلاقیة والشاهد علی ذلک کثرة الإجرام فی الحیاة المعاصرة وفی المدن الکبیرة فی العالم، بسبب غیاب الروح الدینیة والمعنویة وانحسارها، رغم توفر الإمکانات المادیة والرفاه الذی تتمتع به المجتمعات الحالیة نسبةً مع سابقاتها، أنّ دور القیّم المعنویة التی جاء بها الأنبیاء والمرسلون علیهم السلام فی تثبیت الأمن للفرد والمجتمع أمر لایمکن تجاهله أو جعله موضع تردید.

کما أنّ التقوی تبعث علی الإحساس بالأمان النفسی والاجتماعی، فإنّ الإعراض عن الأمور المعنویة یبعث علی الألم والعذاب والضیاع والفساد والإجرام، ففی سورة طه، قال تعالی: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمی 2.

وفی سورة سبأ یؤکد الباری عزّ وجلّ علی أنّ العاقبة السیئة نتیجة الإعراض عن ذکر الله وعدم شکرالنعم، قال تعالی: لَقَدْ کانَ لِسَبَإٍ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ جَنَّتانِ عَنْ یَمِینٍ وَ شِمالٍ کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ وَ اشْکُرُوا لَهُ

ص:208

بَلْدَةٌ طَیِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَیْهِمْ جَنَّتَیْنِ ذَواتَیْ أُکُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَیْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِیلٍ * ذلِکَ جَزَیْناهُمْ بِما کَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِی إِلاَّ الْکَفُورَ1. وفی سورة النحل، نلاحظ أنّ الخوف والأمن ینشآن من کفران النعم وفقدان القیّم الأخلاقیة والمعنویة بکلّ وضوح، قال تعالی: وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْیَةً کانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما کانُوا یَصْنَعُونَ 2. ففی هذه الآیة الکریمة نری أن الکفر أکبر عامل مؤثر ومسؤول عن الإجرام وسلب الأمن، وبیان ذلک تفصیلاً یحتاج إلی وقفةٍ مستقلةٍ.

ص:209

ص:210

ص:212

القرآنیة وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إِلاّ نَکِداً کَذلِکَ نُصَرِّفُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَشْکُرُونَ 1 ، فإنّ من یغرس الخیر یحظی بمعسول ثمره، ومن یزرع الشر یصلی بمرور ریعه والله تعالی یقول والبلد الطیب یخرج نباته بإذن ربه والذی خبث لا یخرج إلا نکدا، کذلک نصرف الآیات لقوم یشکرون.

وأیضاً أشار القرآن الکریم إلی ما تنقله الوراثة من أدق الصفات فقال تعالی حکایة عن نبیه نوح علیه السلام: قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکافِرِینَ دَیّاراً * إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبادَکَ وَ لا یَلِدُوا إِلاّ فاجِراً کَفّاراً2. فالآیة دلت بوضوح علی انتقال الکفر والإلحاد بالوراثة من الآباء إلی الأبناء. وقد حفلت موسوعات الحدیث بکوکبة کبیرة من الأخبار التی أُثرتْ عن أئمة أهل البیت علیهم السلام, وهی تدلل علی واقع الوراثة وقوانینها وما لها من الأهمیة البالغة فی سلوک الإنسان، وتقویم کیانه.

فقد جاء عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قوله:

«أیّها الناس إیاکم وخضراء الدمن قیل یا رسول الله وما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء فی منبت السوء»(1).

وقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

ص:215

«اختاروا لنطفکم فان الخال أحد الضجیعین»(1).

لأنّ الحیاة تبدأ من هناک أی من وقت شروع الرجل فی اختیار وانتقاء الزوجة فهی مثل الأرض التی توضع فیها البذور، فالأم والأب ینتخبان مستقبل أبنائهم، فلابد من حسن الاختیار, وموضوع الأجنة من المواضیع التی استوقفت اهتمام العلماء، وما زالت تأتی بالجدید, والإسلام قد سبق العلم الحدیث بتوصیاته بأربعة عشر قرناً، فهذا الموجود المجهری یحتوی علی کثیر من الخصوصیات العرقیة الخلقیة والأخلاقیة، التی للآباء والأمهات، بل للأجداد أیضاً، وکلّ صفة لها نسبة احتمالیة یمکن أن تظهر وتتشخص فی المولود وقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الآنف الذکر إشارة إلی ذلک، وفی ذلک یقول الإمام علی علیه السلام:

«حسن الأخلاق برهان علی کرم الأعراق»(2) ). وروی أن أمیر المؤمنین علیه السلام دفع یوم الجمل رایته إلی محمد ابنه علیه السلام، وقد استوت الصفوف، وقال له: احمل، فتوقف قلیلاً، فقال له: احمل، فقال: یا أمیر المؤمنین، أمّا تری السهام کأنّها شآبیب المطر! فدفع فی صدره، فقال: أدرکک عرق من أمک، ثم أخذ الرایة فهزها، ثم قال:

اطعن بها طعن أبیک تحمد لا خیر فی الحرب إذا لم توقد(3)

وأشار الإسلام إلی کیفیة التعامل مع بعض الحالات، فعن محمد بن مسلم،

ص:216

عن أبی جعفر الإمام الباقر علیه السلام قال: سأله بعض أصحابنا عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أیصلح له أن یتزوجها وهی مجنونة؟ قال:

«لا ولکن إن کانت عنده أمة(1) مجنونة لا بأس بأن یطأها ولا یطلب ولدها»(2).

وهکذا فقد ثبت للعیان أنّ الزواج من العائلات المصابة بعاهات مثل الجنون أو الحماقة معادل لتطبیق القانون الوراثی علی الأولاد وبالمشاهدة، نری نسل العائلات التی من أب وأم مصابین بالجنون أو البله والضعف العقلی تظهر فیهم تلک الصفات بشکل واضح.

فعن الإمام الصادق علیه السلام قال: «شارب الخمر إن مرض فلاتعوده، وإن مات فلا تشهدوه، وإن شهد فلا تزکوه، وإن خطب الیکم فلا تزوجوه، فإن من زوج ابنته شارب الخمر فکأنما قادها إلی الزنا، ومن زوج ابنته مخالفا له علی دینه فقد قطع رحمها، ومن ائتمن شارب الخمر لم یکن له علی الله تبارک وتعالی ضمان»(3).

الرضاعة، وهذه المسائل کانت مورد عنایة أئمة أهل البیت علیهم السلام وموضع تأکیداتهم وقصة ولادة الزهراء علیها السلام، حیث جاء الأمر الإلهی للرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم بأعتزال خدیجة أربعین یوماً، والغذاء الخاص الذی تناوله النبی صلی الله علیه وآله وسلم طوال هذه الفترة یبین تأثیر التغذیة فی تکوین شخصیة الطفل وصفاته الروحیة والنفسیة، وکذا سیماء الولید قال الرسول صلی الله علیه وآله وسلم:

«اطعموا المرأة فی شهرها الذی تلد فیه التمر فأن ولدها یکون حلیماً تقیاً»(1) ). فالطعام یؤثر فی الجوانب المتعلقة بالأخلاق والسجایا المعنویة وکذلک فی الجانب الخلقی المتعلق بالظاهر والشکل.

عن الإمام الصادق علیه السلام:

«نظر إلی غلامٍ جمیلٍ فقال: ینبغی أن یکون أبو هذا أکل سفرجلاً لیلة الجماع»(2) ).

فإذا کانت الروایات أوصت وأرشدت إلی الشروط المکانیة والزمانیة والحالات النفسیة ما قبل انعقاد النطفة وأثنائها وما بعدها، وأهمیة التغذیة ودورها فی صقل شخصیة الطفل فإنّه دلیل علی مدخلیتها فی ذلک، واعتقاد الإسلام بها بمعنی أنّها جمیعاً علل إعدادیة ولیست علّة تامة فی تکوین شخصیة الطفل، بل إنّ إمکان تغییر هذه الصفات یبقی فی الحسبان، ذلک أنّ لدور التربیة والتعلیم والبیئة السالمة أو الفاسدة أثراً فی تربیة الأفراد أی أنّ الصفات الوراثیة عامل من جملة عوامل کثیرة أخری.

ص:218

«واما حق ولدک فتعلم أنه منک ومضاف إلیک فی عاجل الدنیا بخیره وشره وإنّک مسؤول عمّا ولیته من الأدب والدلالة علی ربّه والمعونة له علی طاعته فیک وفی نفسک فمثاب علی ذلک ومعاقب فاعمل فی أمره المتزین بحسن أثره علیه فی عاجل الدنیا المعذر إلی ربه فی ما بینک وبینه بحسن القیام علیه والأخذ له ولا قوة الا بالله»(1).

بالصلاة ویسکن روع الإنسان، ومن ثم فیها عامل مساعد للاستقرار الذی هو شرط فی السلم الاجتماعی والأمن والطمأنینة، قال تعالی: اَلَّذِینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللّهِ أَلا بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 1.

فإنّ الصلاة بأشتمالها علی ذکر الله والتوجه إلیه وما فیها من الطهارة المادیة والمعنویة تثمر مجتمعاً آمناً مطمئناً قادراً علی مواجهة الضغوط الاجتماعیة ومصاعب الحیاة.

ب - الوقایة والنهی عن المنکر: إن الصلاة إذا وقعت صحیحة جامعة للشرائط، فإنّها تقی الإنسان من المعاصی وتزجره عن المنکر وتوجهه نحو الخیر, فقد تتحکم بغرائزه وشهواته التی هی سبب المعاصی والانحرافات مثل السرقة، القتل، الزنا، هتک حرمات الآخرین والشاهد علی ذلک قوله تعالی: اُتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَذِکْرُ اللّهِ أَکْبَرُ وَ اللّهُ یَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ 2. وممّا رواه أنس بن مالک قال: کان فتی من الأنصار یصلی مع النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولا یدع شیئاً من الفواحش والسرقة إلا رکبه، فذکر للنبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال: «إنّ الصلاة ستنهاه»، فلم یلبث أن تاب وصلحت حاله. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ألم أقل لکم»(1).

ص:222

خرقت ستر الله علیک»(1).

فعن طریق هذه العبادة یحافظ المجتمع علی قیمه أمام کلّ تلوث یواجهه، وأهل الاختصاص بإحصائیاتهم یدللون علی ذلک، وهو أنّ فی شهر رمضان المبارک تنخفض وتتضاءل نسبة الجریمة والمعاصی, ولا یخفی علی أحد ما لدور الصیام فی تفعیل نشاط السجایا الإنسانیة وتثبیت الخلق الإنسانیة فی إطار التقوی، وهو ما أشار إلیه قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ 2.

وفی أکثر الآیات التی فیها أمر بالصلاة یرافقها أمر بإعطاء الزکاة بعنوان فریضة عظیمة للتأکید والاهتمام بها ویحدد وجوه صرفها، قال تعالی: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساکِینِ وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِی الرِّقابِ وَ الْغارِمِینَ وَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ فَرِیضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 1.

نعم إذا دفعت الزکاة والخمس وبعد جمعها یتمّ توزیعها لمستحقیها بطریقة عادلة فسوف تکون هناک عدالة اقتصادیة، وعندها لن یوجد فی المجتمع من یعیش الفقر والحاجة؛ إذ لاشک فی مساعدة هذه التشریعات فی نظم الحیاة واستقرارها، کما جاء عن معتب مولی الصادق علیه السلام قال: قال الصادق علیه السلام:

«إنّما وضعت الزکاة اختباراً للأغنیاء ومعونة للفقراء، ولو أنّ الناس أدوا زکاة أموالهم ما بقی مسلم فقیراً محتاجاً، ولاستغنی بما فرض الله عزّوجلّ له، وإنّ الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنیاء، وحقیق علی الله عزّوجلّ أن یمنع رحمته من منع حق الله فی ماله، وأقسم بالذی خلق الخلق وبسط الرزق إنّه ما ضاع مال فی بر ولا بحر إلا بترک الزکاة، وما صید صید فی بر ولا بحر إلا بترکه التسبیح فی ذلک الیوم وإن أحب الناس إلی الله عزّوجلّ أسخاهم کفاً، وأسخی الناس من أدی زکاة ماله ولم یبخل علی المؤمنین بما افترض الله عزّوجلّ لهم فی ماله»(1).

ص:225

وفی عصر دولة الإمام المهدی الموعود عجل الله تعالی فرجه الشریف تجمع الضرائب والزکاة وتوزع بالعدل لمستحقیها عندها یتحول الفقر إلی ذکری مؤلمة فی تأریخ البشر، ویعیش الناس فی بحبوحة الأمن والرفاه وتستقر الأوضاع فیأمن الناس علی أموالهم وأنفسهم، ویقسم المال صحاحاً بالسویة بین الناس، ویملأ قلوب أمة محمد صلی الله علیه وآله غنی، ویسعهم عدله حتی أنّه یأمر منادیاً فینادی: من له حاجة؟ فما یأتیه أحد إلا رجل واحد، یأتیه یسأله، فیقول: أئت السادن یعطیک. فیأتیه، فیقول: أنا رسول المهدی إلیک لتعطینی مالاً. فیقول: إحث... الخ(1). فالذی یأتی لیس لحاجة من فقر، بل لزیادة فی المال والخیر.

ولکن علینا التوجه إلی مسألة مهمة وهی أن وضع القوانین وأخذ الضرائب وتقسیمها علی مستحقیها وغیر القادرین علی العمل لیس دعوة إلی الکسل، بل سبقتها قوانین تنظم العمل وتحثّ علی طلب الرزق، فقد جاء فی الحدیث الشریف:

«إن قامت الساعة وفی ید أحدکم الفسیلة فإنّ استطاع أن لا تقدم الساعة حتی یغرسها فلیغرسها»(2).

والتعالیم الإسلامیة حثت الإنسان علی أن یکون فعالاً ومجاهداً فی سبیل تحصیل الرزق وإدارة شؤون من یعیلهم، فقد ورد عن الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«الکاد علی عیاله کالمجاهد فی سبیل الله»(3) ).

ص:226

ثمّ إنّ التشجیع علی العمل والترغیب فی التجارة والصناعة من الأمور التی أوصی بها الإسلام، فمن رسالة للإمام علی علیه السلام إلی مالک الأشتر:

«ولیکن نظرک فی عمارة الأرض أبلغ من نظرک فی استجلاب الخراج؛ لأنّ ذلک لا یدرک إلا فی العمارة، ومن طلب الخراج بغیر عمارة أضر بالبلاد وأهلک العباد ولم یستقم أمره إلا قلیلاً»(1).

اَلْوَعْدِ وَ کانَ رَسُولاً نَبِیًّا وَ کانَ یَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ وَ کانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِیًّا1.

وجاء فی وصف النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم، قوله تعالی: اَلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 2.

وذکر القرآن الکریم أنّها من أوصاف المؤمنین، وذلک فی قوله تعالی: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ یُطِیعُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 3. وقال تعالی: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاکِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ 4.

وجعل الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من جملة الإمارات الدالة علی أفضلیة الأمّة، والمستحقة لهذه الصفة، قوله تعالی: کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ

ص:228

لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتابِ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَکْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ 1 ، کما أنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من خصوصیات الخلفاء الإلهیین علی وجه الأرض، فقد جاء فی الحدیث النبوی:

«من أمر بالمعروف ونهی عن المنکر، هو خلیفة الله فی الأرض، وخلیفة کتابه، وخلیفة رسوله»(1).

سلباً وإیجاباً، فلابد من توخی الحذر, وأن یکون کلّ فرد منهم علی أهبة الاستعداد للتصدی لأی مخالفة تضر فی المجتمع حسب ما تقتضیه الحکمة, فمسؤولیة، هذا البند الخطیر تقع علی عاتق الأفراد ککل، وهو ما عبّرعنه الإمام الباقر علیه السلام بقوله:

«إنّ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فریضة عظیمة بها تقام الفرائض»(1) ).

فالتقوی والعمل بفریضتی (الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر) دعامتان لفتح باب الرحمة الإلهیة والرشد ونمو القیم والإزدهار الاجتماعی والاقتصادی، قال تعالی: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ 1 ، وقال عزّ من قائل: ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما کَسَبَتْ أَیْدِی النّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ 2.

المجتمع فی حالة استعداد ویقظة أمام أکبر الأعداء ویقطع به دابر المفسدین المتجاوزیین لحریم دار الإسلام، قال تعالی: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ1 ، وقال تعالی: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَیْ ءٍ فِی سَبِیلِ اللّهِ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 2.

وأمّا أهداف ودوافع الجهاد، فإنّ ما یفهم من الآیات والروایات أنّ الجهاد لیس من أجل القتل وسفک الدماء والتشفی، بل الجهاد أمر مقدّس فطری یسعی إلی إصلاح الأمر وإحیاء القیم الإنسانیة والقضاء علی الظلم والتجاوز والفحشاء، وتتلخص دوافع الجهاد والحرب بشکل مجمل فهی بما یلی:

القضاء علی الشرک وعبادة الأصنام ومواجهة جبهة النفاق وقلع العوامل المهددة للاستقرار والأمن، قال تعالی: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَ یَکُونَ الدِّینُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَی الظّالِمِینَ 3.

الدفاع عن الحقوق الفردیة والاجتماعیة وتأمین العدالة، قال تعالی: أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ. وقال تعالی فی موضع آخر: وَ ما لَکُمْ لا تُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجالِ

ص:233

وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْیَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ نَصِیراً1.

محاربة عوامل الفساد والفحشاء والمنکرات، قال تعالی: اَلَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ یَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِیَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسْمُ اللّهِ کَثِیراً وَ لَیَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ2.

الدفاع عن النفس أو المال أو العرض، عن محمد بن زیاد صاحب السابری البجلی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: «من قتل دون عیاله فهو شهید»(1).

وعن الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«إذا دخل علیک اللص المحارب فاقتله، فما أصابک فدمه فی عنقی»(2).

حفظ الحدود والقوانین الإلهیة، فإنّ الله عزّ وجلّ - ومن أجل تبیین عظمة الجهاد وحفظ المنزلة الرفیعة للمجاهدین - شبّهه بالبیع والشراء کمعاملة قیّمة یکون

ص:234

هو - عزّ وجلّ - فی موضع المشتری والمجاهدون هم البائعین لأنفسهم ومهجهم وأبدانهم وجمیع ما یملکون، قال تعالی: إِنَّ اللّهَ اشْتَری مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ 1.

ص:235

الإنسان، فالعقل قاضٍ بمدح مناصری العدالة والمدافعین عنها.

إنّها أمنیة الولد من أبیه أن ینظر إلی جمیع أولاده بعین العدل والإنصاف، وکذلک هی أمنیة الطلاب فی المدرسة؛ إذ یتوقعون من المعلم أن ینظر إلیهم بالعدل والإنصاف، فإذا لم یتوفر عنصر العدل فی المدرسة سوف تعیش مشکلة حقیقیة وخللاً دائماً، وکذا الحال بالنسبة إلی جمیع أفراد المجتمع أما عند إقرار العدل فی المجتمع سوف یساعد الحکومة علی تنفیذ برامجها لإطمئنان الناس وثقتهم بها، فإنّ للعدالة ایجابیات کثیرة لا تحصی.

وقد عرّفت العدالة: «بأنّها إعطاء کل ذی حق حقه»(1) ، أو «وضع الشیء فی موضعه»(2) یعنی کل فرد بحکم العقل والشرع والعرف إذا کان یستحق مقاماً ما, یجب أن یوضع فیه، فالعدالة لیست التساوی المطلق فی جمیع الجوانب، وهذا ما نستفاده من القرآن الکریم، بحیث نفی وأدان التساوی المفسد، قال تعالی: أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِینَ کَالْمُجْرِمِینَ 3 ، وقوله تعالی: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ کَالْمُفْسِدِینَ فِی الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِینَ کَالْفُجّارِ4. وقوله تعالی: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ 5.

ص:237

قال الإمام علی علیه السلام فی رسالة إلی مالک الاشتر:

«ولا یکن المحسن والمسیء عندک بمنزلةٍ سواء فإنّ فی ذلک تزهیداً لأهل الإحسان فی الإحسان، وتدریباً لأهل الإساءة علی الإساءة»(1).

نعم لابد أن تکون رعایة المساواة فی جعل القانون، وفی إجرائه، وبعبارة أُخری وضع القانون للکل بالتساوی وتطبیقه علی الجمیع بالتساوی.

فالعدالة بمعنی التطبیق والإجراء العادل الذی یحقق التوازن والتلاؤم بین الطبقات الاجتماعیة ویکون السد المنیع بین الانحرافات والخروقات, ویمکن تلخیصها فی المحاور التالیة:

العدالة فی وضع القوانین.

العدالة فی الحکم والقضاء.

العدالة فی الحقوق الجزائیة.

العدالة فی تقسیم إمکانات الدولة.

العدالة فی أخذ الضرائب.

العدالة فی الانتخاب.

وقد عدّ القران الکریم العدل من أهداف الأنبیاء علیهم السلام، حیث قال تعالی: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِکَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ 2. وهی صفة من صفات الله تعالی، بل هی صفة حاکمة

ص:238

علی الوجود ونظام الخلقة.

قال تعالی: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ لِیَعْلَمَ اللّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ1.

والعدالة لیست مختصة بمجال دون مجال، ففی موضوع الزواج جاء قوله تعالی: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ ذلِکَ أَدْنی أَلاّ تَعُولُوا2. وکذا فی بحث القضاء والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، قال تعالی: إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها وَ إِذا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمّا یَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللّهَ کانَ سَمِیعاً بَصِیراً3.

وفی المسائل الاقتصادیة نحتاج أیضاً للعدل، قال تعالی: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا الْکَیْلَ وَ الْمِیزانَ بِالْقِسْطِ لا نُکَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبی وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِکُمْ وَصّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ 4 ، بل إن الإسلام یدعو إلی العدل حتی فی باطن الإنسان، قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ لِلّهِ شُهَداءَ

ص:239

بِالْقِسْطِ وَ لا یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلی أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی 1.

إنّ القرآن الکریم جعل کلّ المسائل والحقائق والمعارف من التوحید إلی أصل المعاد إلی الحیاة ما بعد الموت ومسائل القیم السامیة الفردیة إلی القیم الاجتماعیة ومعاییر الجمال والکمال حتی مسائل السلامة مرتبطة بالعدل، ولابد لکلّ هذه الأمور أن تکون ضمن إطار العدل؛ لذلک جاء فی الروایات:

«العدل أحلی من الماء یصیبه الضمآن»(1). وأیضاً:

«إنّ العدل میزان الله الذی وضعه للخلق ونصبه لإقامة الحق فلا تخالفه فی میزانه»(2).

وأخیراً إنّ العدل هو سرّ تقدّم الحضارات والأمم، وأنّه یساعد علی إیجاد محبّة الناس؛ إذ إنّ النظام الکونی مبتنٍ علی العدل، وأنّ کلّ الظواهر الطبیعیة المدهشة قائمة علی العدل، فبالعدل قامت السماوات والأرض، وبکلّ تأکید المجتمعات والشعوب التی هی قطرة فی هذا المحیط الشاسع المواج من نظام الخلقة إذا التزمت النظام الکونی القائم علی العدل، سوف یتحقق التناغم والانسجام، أمّا إذا لم تأخذ بالعدل فإنّها سوف تکون شاذة عن ذلک التناغم الکونی, فلا شک فی انحلالها وانحدارها، ثم سقوطها.

وإذا کان العدل والمیزان یبعث علی بقاء العالم الکبیر، (أی عالم الکون والتکوین) وبانتفائه ینتفی النظام ویتلاشی، کذلک العالم الصغیر (عالم الأمم

ص:240

والمجتمعات) إذا لم یسد فیه نظام العدالة سوف یصیبه السقوط والزوال.

فبالعدالة تتذلل الصعوبات وتتلاحم القوی وتتعاضد المساعی وتشتد العلقة بین الناس وسائر عناصر النظام، إنّ العدل من العناصر المؤثرة فی رشد ونمو المجتمع وتکامله فی کلّ أبعاده الاجتماعیة والاقتصادیة والأمنیة، فحیاة الأمة والنظام الاجتماعی وإرساء السلام فیه مرتبط بالمحبّة والوفاء للمجتمع ویرتبط بأولی الأمر والمتصدین، وفقده عامل شقاء وفی ذلک قال الإمام علی علیه السلام:

«جعل الله العدل قواماً للأنام وتنزیها عن المظالم والآثام وتسنیة الإسلام»(1).

ولو طبق العدل فی المجتمع لما وجدت الفواصل الطبقیة الکبیرة بین الناس فی المجتمع، لما وجد المکتنزون المال من أصحاب الثروة المتربصین الفرص والمستغلین لغیرهم من الناس الضعفاء وذوی الحاجة، ولما کان هناک تجاوز وتعدّ ولا بغض وعداوة وإرهاب، وما زادت الهوة تزداد اتساعاً بین الفقیر والغنی، وإذا لم تلتزم السلطة الحاکمة بمبدأ العدل بین الناس ووزعت إمکانات الدولة بدون وجه حقّ، سوف تتحول إلی نقمة ثمّ إلی اضطرابات وفوضی، ویؤدی بالتالی إلی إنعدام الأمن وزعزعة النظام الحاکم.

ص:241

فعدم تطبیق القوانین الجزائیة سوف یؤدی إلی سیادة قانون الغاب وإشاعة الفوضی فی المجتمع, وهذا ما یعرض حیاة الإنسان إلی الخطر؛ إذ إنّ إطلاق سراح المجرمین یجعل المجتمع طمعاً لجرائمهم وساحة لأفعالهم، وإنّ وضعاً کهذا یشل الهمم ویحبط العزائم ویقتل الأمل فی النفوس، ویحول المجتمع إلی مجتمع میت لا روح فیه، ومن هذا المنطلق وضعت القوانین بقصد الحد من الجریمة ضمن إطار تربوی شامل وضوابط شرعیة، قال تعالی: وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ 1. وقال أمیر المؤمنین علیه السلام:

«فرض الله القصاص حقنا للدماء»(1).

وقال علیه السلام:

«ردوا الحجر من حیث جاء فإنّ الشر لایدفعه إلا الشر»(2). وقال تعالی: وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللّهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظّالِمِینَ 4.

والإجرام، کما أنّ القصاص عبرة للآخرین ولیس للانتقام والتشفی بخلاف الإجرام والقتل والأعمال الخارجة عن القانون فغالباً ما تقع بقصد التشفی والإنتقام، أمّا قانون القصاص فهو موضوع لأجل حفظ أرواح الناس وتأمین حیاتهم الاجتماعیة، فهو لیس فقط مورد قبول العقل السلیم، بل إنّه مسألة ضروریة وموضع تأکید الشریعة.

ثم إنّ تنفیذ القصاص فی حقّ المجرمین، هو لأجل تجنب الإجرام وحفظ دماء الناس فی المستقبل، وهو أسلوب مؤثر ومنهج عقلائی ضد المفسدین، ویبین الإمام زین العابدین علیه السلام فلسفة تشریع القصاص من خلال تعرضه للآیة الکریمة: وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ 1 ، قال علیه السلام: «لأن من هّم بالقتل یعرف أنّه یقتص منه، فکفّ لذلک عن القتل، کان حیاة للذی کان یهم بقتله، وحیاة لهذا الجانی الذی أراد أن یقتل، وحیاة لغیرهما من الناس إذا علموا أنّ القصاص واجب لا یجسرون علی القتل مخافة القصاص»(1).

وقد حفظ الإسلام - فی مسألة القصاص - حقّ أولیاء الدم بالعفو، أی أنّه حقّ قابل للتغییر والإسقاط، قال تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی بِالْأُنْثی فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَیْهِ بِإِحْسانٍ ذلِکَ تَخْفِیفٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ

ص:244

اِعْتَدی بَعْدَ ذلِکَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِیمٌ 1 ، وقال تعالی: مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزی إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ 2 ، وقال تعالی: فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَةً یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُکِّرُوا بِهِ وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلی خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاّ قَلِیلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ 3.

فالإسلام رغب فی التجاوز والتعالی علی الأحقاد، وعن الأمور الدنیویة من أجل الآخرة، وممّا تقدّم یعلم أن الإشکالات التالیة موهومة ومردودة، وهی:

القصاص من هویة الإجرام.

القصاص ناشیء عن غریزة الانتقام.

القصاص رجوع إلی العصور المتوحشة.

فإنّ حکم القصاص ینسجم مع الفطرة البشریة والنظرة العقلیة لحقن الدماء وحفظ النفوس والوقوف حائلاً دون الإجرام وسفک الدماء، وکلّ الأعمال الوحشیة التی لا تمت إلی القیم الإنسانیة بصلة, فقد ثبت أنّ الحکمة فی القصاص هو استبقاء الأرواح وصیانة النفوس والأعضاء کما هو ظاهر من قوله تعالی: وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ 4, کما ذهب جملة

ص:245

من المفسرین إلی ذلک, فالإنسان کلّما هَمَّ بالقتل تذکر القصاص وتراجع عن عزیمته فقد حفظ نفسه وحفظت حیاة المقصود بالقتل وإلا کثر القتل بینهم, مع أنّه یشیر إلی قتل الجانی فقط دون هدر دم العشیرة، کما کان سائداً فی أوساط القبائل الجاهلیة(1). وأیضاً فی حال الجروح فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ 2 وقوله تعالی: وَ کَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ 3 ، مع هذا کلّه أنّ هناک حکمة ذات صفة معنویة یحفظ بها الفرد أو الجماعة حیاتهم المعنویة واعتبارهم وحیثیاتهم وهو رفع الشین والهون, وذلک ما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام وعلل القصاص بقوله:

«إنما یکون القصاص من أجل الشین». کما ورد فی معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه علیهما السلام

«إنّ رجلاً قطع من بعض أذن رجل شیئاً فرفع ذلک إلی علی علیه السلام فأقاده فاخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده علی أذنه بدمه، فالتحمت وبرئت فعاد الآخر إلی علی علیه السلام فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانیة، وأمر بها فدفنت، وقال علیه السلام: إنّما یکون القصاص من أجل الشین»(2).

ص:246

ولو کان فیها قصور أو ضعف فی السند فقد جبر بالعمل من الأعلام المتأخرین والمتقدمین, مع أنّها یعبر عنها بالمعتبرة کما عن السید الخوئی وغیره, وإسحاق بن عمار عند الشیخ فی الفهرست ثقة وله کتاب.

وکیف کان فإنّ الروایة فی مضمونها وفی لفظها تدلّ علی أنّ الحکمة من القصاص رفع الشین وإیجاد التشفی، فالمجنی علیه بعد قصاص الجانی لا یشان، وإنّما ما حلّ به حلّ بالمعتدی علیه (فمن اعتدی) لذلک الإمام علیه السلام رجع ثانیة وقطع أذنه ودفنها حتی لا یرجع الشین للمجنی علیه بعد إصلاح أذن الجانی، أو هی فی معرض بیان حکمة القصاص لا أن تکون علّة للشین, کما ذکره بعض الأعلام(1) ، وهذا حتی فی القتل فلا یبقی الجانی یسرح ویمرح وهو ممّا یولد الشین والألم لأولیاء المقتول.

مع أنّ القصاص قدیم وینتمی إلی العصور السابقة، فهذا لیس بدلیل علی بطلانه وعلی أنّه عمل وحشی، بل أنّ القانون ضارب فی أعماق التأریخ، ویکون دافعاً للعمل به لشدة التصاقه بوجدان الأمّة؛ ولذا یعتبر أمراً واضحاً مسلماً لکثرة العمل به؛ ولأنّ الهدف منه حفظ الأمن الاجتماعی وحفظ القیم السامیة وحفظ مصالح الناس ومنافعهم، والقصاص إن لم یمکن إجراؤه فی الدنیا، فحتماً سینفذ فی الآخرة، یقول الإمام علی علیه السلام: «القصاص هناک شدید لیس هو جرحاً بالمُدی ولا ضرباً بالسیاط، ولکنه ما یستصغر ذلک معه»(2).

ص:247

وقد ورد عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام: قال سألته عن قوله تعالی: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً1 ، فقال علیه السلام:

«له فی النار مقعد لو قتل الناس جمیعاً لم یزد علی ذلک العذاب»(1) )، وعنه علیه السلام أیضاً، قال:

«لا یدخل الجنّة سافک دم ولا شارب خمر ولا مشّاء بنمیمة»(2) ).

وأخرج أحمد والنسائی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول:

«کل ذنب عسی الله تعالی أن یغفره إلا الرجل یموت کافراً أو الرجل یقتل مؤمناً متعمداً»(3).

والفرق بین العمد وشبهه، أنّ شبه العمد هو قصد الفعل من دون قصد القتل، أو القطع مثلاً, من قبیل لو ضرب الولی الصبی تأدیباً، فمات أو أفسد عضواً, أو علاج الطبیب للمریض فمات أو تعطلت بعض أطرافه, فهنا قصد الفعل من دون قصد القتل أو إفساد عضو.

وأمّا الخطأ فهو لم یقصد القتل أو إفساد عضو، ولا یقصد الفعل نفسه, کما لو رمی حیواناً وأصاب إنساناً فقتله، أو أفسد فیه عضواً, فهنا لم یقصد الفعل ولا القتل ولا الإفساد، ولا غیرها من المصادیق، والشارع هنا أوجب الدیة من التعویض المادی فی مثل هذه الاعتداءات.

وهذه الأحکام من الدیات لا تجری علی الأعضاء الخارجیة، أو النفس، بل تشمل الأمور الداخلیة والمنافع کذهاب الشم، مثلاً، من المنخرین ففیها الدیة کاملة بلا خلاف(1) وعن المنخر الواحد نصف الدیة، کما جاء فی معتبرة الأصبغ بن نباتة سئل الإمام علی علیه السلام:

«عن رجل ضرب رجلاً علی هامته فأدعی المضروب أنّه لا یبصر شیئاً ولا یشم الرائحة، وأنّه قد ذهب لسانه، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: إنّ صدق فله ثلاث دیات... الخ»(2).

وهکذا یشمل الذوق وذهاب العقل وما شابههما، حتّی إنقطاع الجماع، کما فی صحیحة إبراهیم بن عمر عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

ص:249

«قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل ضرب رجلاً بعصاً، فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه، وانقطع جماعه، وهو حی: بست دیات»(1).

وقد بیّن القرآن الکریم مسألة الدیة وما یترتب علیها من أحکام فی موارد، منها قوله تعالی: وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ یَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ یَصَّدَّقُوا فَإِنْ کانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَکُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ کانَ مِنْ قَوْمٍ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ فَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهْلِهِ وَ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ کانَ اللّهُ عَلِیماً حَکِیماً2.

کلّ شیء: حده(1) ، وفی الاصطلاح الشرعی: عقوبة خاصّة تتعلق بإیلام البدن بواسطة تلبس المکلف بمعصیة خاصّة عین الشارع کمیتها فی جمیع أفراده(2).

والفرق بین الحدود والتعزیرات، هو أنّ الحد معین المقدار والجزاء، أمّا التعزیرات فهی منوطة بتعیین مقداره من قبل الحاکم الشرعی.

وقال الراغب الأصفهانی: «سمّی الحد حداً لکونه مانعاً لمتعاطیه عن معاودة مثله، ومانعاً لغیره أن یسلک مسلکه»(3). قال تعالی: تِلْکَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها4» (4).

ومن تلک الحدود مایلی:

حد السارق: قال تعالی: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما جَزاءً بِما کَسَبا نَکالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 6.

والنکال بمعنی العقوبة للمجرم حتی یرفع یده ویعتبر الآخرون بما رأوه، عن أبی بصیر، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أدنی ما یقطع فیه السارق، فقال:

«فی بیضة حدید قلت: وکم ثمنها؟ قال: ربع دینار»(5).

ص:251

الجنایات، ویتأدب بها المذنب لفرض الأمن والسلام فی المجتمع، وتقطع الأیدی التی تلوث السلام الاجتماعی، وبالنتیجة سوف تشیع العفة والطهارة، قال تعالی: اَلزّانِیَةُ وَ الزّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْکُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِی دِینِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لْیَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ 1.

فعندما یقول القرآن الکریم أن یشهد إجراء الحد مجموعة من المؤمنین، یمکن أن یفهم منه کی یفتضح المجرم أمام الناس، فیرون بعیونهم ذلّة عمله وإنقیاده لشهوته، کما أنّهم أیضاً حینما یرون هول ما یحدث ترتدع نفوسهم عن التفکیر فی المنکرات والفحشاء، فالقانون واقع ومجسد أمام أعینهم، ومن یتجاوز فما له إلّا الذلّة والهوان، وإجراء الحدود فی المصادر الإسلامیة کثیرة، وهی موضع تأکید الإسلام؛ لما لها من تأثیر، وکونها وسیلة ناجعة فی إرساء الأمن والسلم الاجتماعی.

ص:253

الواقعی الذی لابدّ من أن یتقلده فی النظام الوجودی، فذلک الموقع یبعث علی التعالی والتکامل، ویحقق السعادة فی الاختیارات، ویجنب الوقوع فی المهالک والانحرافات والذنوب التی تجر إلی الفساد والغضب الإلهی.

رابعاً: إنّ الإسلام یسعی دائماً إلی صقل نفسیّة الفرد وتزکیتها، وذلک من خلال وضع الأصول وتعیین الطرق اللازمة لذلک، ومن خلال محاربة جذور الفساد، الموجبة لعدم استقرار الأمن وسلامة الفرد والمجتمع، والتی قد ترجمها عن طریق الاعتقاد القلبی والأحکام العبادیة والقیّم الأخلاقیة کالتقوی، العدالة، منع الفساد، التجاوز.

خامساً: إنّ جمیع ما اعتمده الدین الإسلامی فی رؤیته المتکاملة، تقع تحت مظلة القوانین الإلهیة، التی تری فی مخالفتها حلول الغضب الإلهی، ونتیجتها العذاب الأخروی.

سادساً: طرح الدین الإسلامی لمجموعة من البرامج التربویة، التی تبدأ بتربیة الإنسان وهو فی بطن أمّه إلی أن یصبح کهلاً، بالإضافة إلی اهتمامه بتربیة الأسرة والمجتمع ضمن أُطر القیّم الدینیة.

سابعاً: جعله للمسؤولیة مشترکة تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فلم یقتصر علی المسؤولیة الفردیة فقط، بل علی کل فرد من المجتمع أن یکون له أمام الحوادث الاجتماعیة نحو من المسؤولیة - حسب قدرته - ودعا إلی الأعمال والسلوکیات المقبولة والممدوحة، وحذّر من الغضب الإلهی من ارتکاب الذنوب والمعاصی التی تسبب الفساد والهرج والمرج بین الناس وخلق حالة من

ص:255

الفوضی ینعدم فیها الأمن، ووضع القوانین الجزائیة التی من شأنها أن توجد النظام وتجنب من الوقوع فی الهرج والمرج، تلک القوانین التی لابد أن تطبق بدون أی تمییز أو تفاوت بین الأفراد أو بین الطبقات المختلفة، ویکون إجراؤها بکلّ دقة وبمساواة تامة.

ثامناً: إنّ رعایة الأصول والأحکام لها فوائد وآثار اجتماعیة مختلفة، وإنّ أحد آثارها التربویة، هو اجتناب الجرائم، وبالخصوص فی هذه العصور التی غابت فیها القیّم والمقاییس الإنسانیة عن مواقعها الحقة؛ إذ اختار الإنسان فی العصور المتأخرة الابتعاد عن الأصول الدینیة، وهو أمر یبعث عن القلق ولا یمکن أن تکون له عاقبة جیدة.

تاسعاً: إنّ القرآن الکریم، هو الذی یخلص الإنسان من الخوف، ویحرره من الضلال والضیاع، لکی ینعم بالأمن تحت مظلة العبودیة، کما أنّ الأمن والسلام والطمأنینة هی من جملة مصادیق «البرکات» التی تکون تحت مظلة التقوی ورعایة القوانین وتحت مظلة الأوامر الإلهیة.

وعاشراً: إن السلام والإطمئنان والأمن الکامل، الروحی والنفسی، والفردی والاجتماعی، والمادی والمعنوی، الدنیوی والاخروی، یتمّ فقط تحت مظلة التقوی والعبودیة لله تعالی، ورعایة القوانین والأحکام الإلهیة، وأصول التربیة العبادیة والأخلاقیة، التی تجد تطبیقها عند الأفراد والأشخاص الذین یعتقدون بالتوحید، وهم الذین یتطلّعون أن یمنعوا أنفسهم عند اللحظات الحرجة من الوقوع فی نیران الشهوات، وعند تقاطع المصالح أن تقدّم المصالح العامّة علی

ص:256

المصالح الفردیة الضیقة.

بینما نری أنّ بعض البشر علی العکس من ذلک؛ إذ إنّ الأمن والسلام عندهم قدم قرباناً لأجل المصالح الفردیة الضیقة، وهم الأنانیین والعبثیین، ولذا کان القصاص والتعزیرات والحدود، هی الطریق الوحید لردع المتجاوزین عن الحقّ من أمثالهم، وأمّا من اعتقد بالمعاد والإیمان، وکان من أصحاب الیقین، وهم من جعلوا قوانین الله میزاناً لأعمالهم بکل دقة، فحاسبوا ونظروا إلی المجازات للأعمال الأعم من الحسنة والقبیحة، فلا یمکن أن ینجرفوا إلی الاعمال التی تخل بالأمن، أو أن یغضبوا الله تعالی؛ لأنّ إحساسهم بالمسؤولیة وشعورهم بما یمنعهم من ارتکاب المعاصی.

ولکن الأمل یبقی معلقاً لیومٍ تطبق فیه الأحکام الأسلامیة الصحیحة للوقایة من الظلم والتجاوز والسرقة والاختلاس، وتخفق الأرض والجبال بهجة بالأمن والسلام؛ لأجل الحریة الإنسانیة والسعادة الحقیقیة، فیزول الاستعمار والظلم وتتحول هذه الأمور إلی ذکری مؤلمة وصفحة تأریخیة عتمة عاشتها الإنسانیة سابقاً، فتسعد الدنیا وتهنأ بالسلام الدائم فی ظل الأمن والأمان.

وبهذا القدر نکتفی من ذکر هذه النتائج، سائلین المولی العلی القدیر أن یحقق الأمن والسلام والأمان علی أیدی أهل الإیمان والتقوی، وأن یطهّر الأرض من جمیع الأرجاس الذین لا یریدون الأمن والاستقرار والسلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین، وصلی الله علی خاتم النبیین وسید المرسلین أبی القاسم محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین.

ص:257

ص:258

دراسة وتحقیق وتعلیق الشیخ عادل أحمد عبدالموجود، الشیخ علی محمد معوض، الطبعة الاولی 1415 ه - 1995 م، دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان.

11. إعلام الوری بأعلام الهدی، أبو علی الفضل بن الحسن الطبرسی، الطبعة الأولی 1417 ه -، مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم.

12. الإمام المهدی «عج» فی مواجهة الإرهاب، محمد عیدان العبادی، منشورات رشید الطبعة الاولی 1427 ه -.

13. أنساب الأشراف، أحمد بن یحیی بن جابر البلاذری، حققه وعلق علیه الشیخ محمد باقر المحمودی، الطبعة الاولی: 1394 ه - 1974 م، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان.

14. بحار الأنوار لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر بن محمد تقی المجلسی المتوفی سنة 111 ه -، دار إحیاء التراث العربی، بیروت الطبعة الثانیة المصححة 1403 ه -.

15. بلاغات النساء، أبو الفضل بن أبی طاهر المعروف بابن طیفور المتوفی سنة 380 ه. منشورات مکتبة بصیرتی قم - شارع ارم.

16. البلد الأمین، الشیخ إبراهیم الکفعمی العاملی، مکتبة الصدوق، طهران.

17. تاج العروس من شرح القاموس، محب الدین أبو الفیض السید محمد مرتضی الحسینی الواسطی الزبیدی الحنفی، منشورات مکتبة الحیاة، بیروت - لبنان.

18. التاریخ الکبیر، أبو عبدالله محمد بن إسماعیل بن إبراهیم بن المغیرة الجعفی البخاری، دار الکتب العلمیة، بیروت.

19. تاریخ الیعقوبی، أحمد بن أبی یعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الکاتب العباسی المعروف بالیعقوبی، دار صادر - بیروت.

20. التبیان فی تفسیر القرآن، شیخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق وتصحیح: أحمد حبیب قصیر العاملی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان.

ص:260

21. تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیهم، الشیخ الثقة الجلیل الأقدم أبو محمد الحسن بن علی بن الحسین بن شعبة الحرانی، صححه وعلق علیه علی اکبر الغفاری، الطبعة الثانیة 1363 - ش 1404 ق، مؤسسة النشر الاسلامی «التابعة» لجماعة المدرسین بقم المشرفة ایران.

22. تحقیق فی کلمات القرآن، العلامة حسن المصطفوی، اعتماد الطبعة الأولی 1385 ه -. ش.

23. ترتیب کتاب العین، الشیخ محمد بکائی، مؤسسة النشر الاسلامی محرم 1414 ه -.

24. تفسیر الأمثل، الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، الطبعة الأولی 1385 ه -. ش - 1421 ه -. ق، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب، قم، ایران.

25. تفسیر البرهان، للعلامة المحدث هاشم البحرانی، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات.

26. تفسیر العیاشی، أبو النظر محمد بن مسعود بن عیاش السلمی السمرقندی المعروف بالعیاشی، صححه وحققه وعلق علیه السید هاشم الرسولی المحلاتی، المکتبة العلمیة الاسلامیة.

27. تفسیر القمی، أبو الحسن علی بن إبراهیم القمی، الطبعة: الثالثة / شهر صفر عام 1404 ه -، مؤسسة دار الکتاب للطباعة والنشر قم - ایران.

28. تفسیر راهنما، اکبر هاشمی رفسنجانی، الطبعة الاولی، مسؤول مرکز فرهنگ ومعارف قرآن، دفتر تبلیغات إسلامی حوزه علمیّه قم.

29. تفسیر روح البیان، إسماعیل حقی البروسوی، الطبعة السابعة 1405 ه -، نشر دار إحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان.

30. تفسیر روح المعانی، العلامة الآلوسی البغدادی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت - لبنان.

31. تفسیر شبر، السید عبدالله شبر، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، طبعة 1451 ه -. ق، بیروت - لبنان.

ص:261

32. تفسیر مجمع البیان، أبو علی الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان الطبعة الاولی 1418 ه -..

33. تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة للشیخ المفید، شیخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، حققه وعلق علیه سیدنا الحجة السید حسن الموسوی الخرسان، دار الکتب الاسلامیة - طهران.

34. ثواب الاعمال، الشیخ الصدوق، الطبعة الثانیة 1368 ه - ش، منشورات الرضی قم.

35. جامع البیان عن تأویل آی القرآن، أبو جعفر محمد بن جریر الطبری، طبعة سنة 1415 ه/ 1995 م، دار الفکر، بیروت - لبنان.

36. الجامع الصحیح، أبو الحسین مسلم بن الحجاج بن مسلم القشیری النیسابوری، دار الفکر، بیروت - لبنان.

37. الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر النذیر، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع - بیروت.

38. الجامع لأحکام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاری القرطبی، طبعة سنة 1405 ه -، دار إحیاء التراث العربی، نشر مؤسسة التاریخ العربی - بیروت.

39. جریمة إبادة الجنس البشری، د. منذر الفضل، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان.

40. الجریمة المنظمة وأسالیب مواجهتها فی الوطن العربی، مرکز الدراسات والبحوث، الاصدار: 1423 ه - / 2003.

41. حرب الجلباب والصاروخ، محمود المراغی، دار الشروق، مصر.

42. حلیة الأبرار فی أحوال محمد وآله الأطهار، السید هاشم البحرانی، تحقیق الشیخ غلام رضا مولانا البحرانی، الطبعة الاولی 1411 ه -، مطبعة بهمن، الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامیة.

43. الخصال، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، صححه وعلق

ص:262

علیه علی أکبر الغفاری، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم المقدسة.

44. الدر المنثور فی تفسیر القرآن بالمأثور، جلال الدین السیوطی، دار إحیاء التراث العربی الطبعة الأولی، بیورت لبنان 1421 ه -. ق.

45. الدرجات الرفیعة فی طبقات الشیعة، السید علی خان المدنی، تحقیق السید محمد صادق بحر العلوم، طبعة سنة 1397 ه - / قم المقدسة.

46. رسالة فی التحسین والتقبیح العقلیین، الشیخ جعفر السبحانی، الطبعة الأولی لسنة 1420 ه -، نشر مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام - قم المقدسة.

47. روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم والسبع المثانی «تفسیر الآلوسی»، لشهاب الدین الآلوسی - دار إحیاء التراث العربی - بیروت.

48. الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة، زین الدین الجبعی العاملی «الشهید الثانی»، الطبعة الأولی 1386 ه -.

49. زاد المسیر فی علم التفسیر، أبو الفرج جمال الدین عبد الرحمن بن علی بن محمد الجوزی القرشی البغدادی، حققه وکتب هوامشه محمد بن عبد الرحمن عبد الله، الطبعة الاولی جمادی الاولی 1407 ه - کانون الثانی 1987 م، دار الفکر، بیروت - لبنان.

50. سنن ابن ماجة، الحافظ أبو عبد الله محمد بن یزید القزوینی، حقق نصوصه، ورقم کتبه، وأبوابه، وأحادیثه، وعلق علیه محمد فؤاد عبد الباقی، دار الفکر.

51. السیاسة من واقع الإسلام، السید صادق الشیرازی، دار الکتب الاسلامیة - طهران.

52. شرح نهج البلاغة، ابن أبی الحدید، محمد أبو الفضل إبراهیم، دار احیاء الکتب العربیة، الطبعة الاولی [1378 ه - 1959 م].

53. الصحاح، إسماعیل بن حماد الجوهری، تحقیق أحمد عبد الغفور، الطبعة الرابعة لسنة 1407 ه -، نشر دار العلم للملایین - بیروت.

ص:263

54. صحیح البخاری، الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعیل بن إبراهیم ابن المغیرة بن بردزبة البخاری الجعفی، طبعة بالاوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول الجزء الأوّل حقوق الطبع محفوظة للناشر 1401 ه - 1981 م، دار الفکر.

55. الصراط المستقیم، علی بن یونس العاملی البیاضی، المکتبة المرتضویة، طهران، 1384 ه.

56. الطبقات الکبری، محمد بن سعد، نشر دار صادر - بیروت.

57. الطفل بین الوراثة والتربیة، الشیخ محمد تقی الفلسفی، منشورات مؤسسة الاعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان.

58. العلاقات الدولیة فی الاسلام، عدنان السید حسین، الطبعة الأولی، المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر.

59. علل الشرایع، محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی الشیخ الصدوق، منشورات المکتبة الحیدریة ومطبعتها فی النجف 1385 ه - 1966 م.

60. علم الاجتماع السیاسی، توم بوتومور، المترجم ومیض ظمی، سنة النشر: 1986 الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الطلیعة.

61. عیون أخبار الرضا علیه السلام، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، صححه وقدم له وعلق علیه الشیخ حسین الأعلمی، الطبعة الاولی 1404 ه - 1984 م، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان.

62. عیون الحکم والمواعظ، الشیخ کافی الدین أبو الحسن علی بن محمد اللیثی الواسطی، تحقیق الشیخ حسین الحسنی البیرجندی، قم - دار الحدیث.

63. غایة المرام، السید هاشم بن سلیمان البحرانی «؟ - 1107 ه -»، هیئة نشر معارف إسلامی.

64. غرر الحکم ودرر الکلم «مجموعة من کلمات وحکم الإمام علی علیه السلام»،

ص:264

عبدالواحد الآمدی التمیمی، الطبعة الأولی 1407 ه -، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت.

65. الغیبة، أبو عبد الله محمد بن إبراهیم بن جعفر الکاتب المعروف ب» ابن أبی زینب النعمانی»، الطبعة الأولی، منشورات أنوار الهدی ایران - قم.

66. الغیبة، الشیخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، مؤسسة المعارف، قم، ایران 1411 ه -.

67. الفتوحات المکیة، ابن عربی، محمد بن علی الطائی، دار صادر - بیروت.

68. الفصول المهمة فی أصول الأئمة «تکملة الوسائل»، الشیخ محمد بن الحسن الحر العاملی، الطبعة الاولی 1418 ه -، تحقیق واشراف محمد بن محمد الحسین القائینی، مؤسسة معارف إسلامی امام رضا علیه السلام، مطبعة نکین - قم.

69. الفوائد الرجالیة، السید محمد مهدی بحر العلوم الطباطبائی، تحقیق محمد صادق بحر العلوم، الطبعة الأولی لسنة 1363 ه - / إیران - طهران.

70. قاموس الرجال، محمد تقی التستری، تحقیق مؤسسة النشر الإسلامی، قم المقدسة، الطبعة الأولی لسنة 1422 ه -.

71. القاموس المحیط، مجد الدین حجر بن یعقوب الفیروزآبادی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

72. قرب الإسناد، الشیخ الجلیل أبو العباس عبد الله بن جعفر الحمیری، الطبعة الاولی - 1413 ه -، تحقیق مؤسسة آل البیت «علیهم السلام» لإحیاء التراث - قم.

73. الکافی، ثقة الاسلام أبو جعفر محمد بن یعقوب بن إسحاق الکلینی الرازی. دار الکتب الإسلامیة، طهران، إیران 1388 ه -. ش.

74. کشف الغمة فی معرفة الأئمة، العلامة المحقق أبو الحسن علی بن عیسی بن أبی الفتح الاربلی «ره»، الطبعة الثانیة 1405 ه/ 1985 م، دار الأضواء، بیروت - لبنان.

ص:265

75. کمال الدین وتمام النعمة، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، صححه وعلق علیه علی اکبر الغفاری، محرم الحرام 1405 - الموافق ل: مهر 1363، مؤسسة النشر الإسلامی «التابعة» لجماعة المدرسین بقم المشرفة «إیران».

76. کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال، العلامة علاء الدین علی المتقی بن حسام الدین الهندی البرهان فوری، ضبطه وصححه الشیخ بکری حیانی، مؤسسة الرسالة، جمیع الحقوق محفوظة 1409 ه - 1989 م.

77. لسان العرب، العلامة بن منظور، نشر أدب الحوزة، محرم 1405 ه -. ق.

78. لوامع الأنوار البهیة، محمد بن أحمد السفارینی الحنبلی، مطبعة المنار، مصر 1324 ه -.

79. مبانی تکملة المنهاج، السید أبو القاسم الخوئی، الطبعة الثانیة لسنة 1396 ه -، قم المقدسة.

80. مجلة العلوم السیاسیة، جامعة باقر العلوم، مجموعة أعداد من المجلة.

81. مجمع البحرین ومطلع النیرین، فخر الدین بن محمد بن علی بن احمد الطریحی، الطبعة الثانیة 1365 ه -. ش، نشر المکتبة المرتضویة، طهران.

82. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الحافظ نور الدین علی بن أبی بکر الهیثمی، دار الفکر، بیروت.

83. المحجة فیما نزل فی القائم الحجة، للشیخ الکامل العلامة الشریف هاشم بن سلیمان بن إسماعیل الحسینی البحرانی «قدس الله سره ووهب لنا علومه»، بدون تاریخ.

84. مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل، المیرزا حسین النوری، الطبعة الثانیة لسنة 1408 ه -، نشر مؤسسة آل البیت علیهم السلام، قم المقدسة.

85. مسند الإمام أحمد بن حنبل، وبهامشه منتخب کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال، دار صادر، بیروت.

ص:266

86. معجم ألفاظ الفقه الجعفری، الدکتور أحمد فتح الله، الدمام - السعودیة، الطبعة الأولی لسنة 1415 ه -.

87. معجم المصطلحات القانونیة، د. أحمد زکی بدوی، الطبعة الثانیة 2003 م، دار الکتاب المصری.

88. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الکریم، محمد فؤاد عبدالباقی، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، لبنان 1420 ه -. ق.

89. معجم علم النفس والتحلیل النفسی، فرج عبد القادر طه، دار النهضة، بیروت لبنان.

90. معجم مقاییس اللغة، أبو الحسن أحمد بن فارس بن زکریا، تحقیق عبدالسلام محمد هارون 1404 ه -. ق.

91. المعیار والموازنة فی فضائل الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب «صلوات الله علیه» وبیان أفضلیته علی جمیع العالمین بعد الانبیاء والمرسلین، أبو جعفر الاسکافی محمد بن عبد الله المعتزلی، بتحقیق المحقق الخبیر الشیخ محمد باقر المحمودی.

92. المغازی، محمد بن عمر الواقدی - تحقیق الدکتور مارسدن جونس مطبعة اکسفورد - لندن 1966 م.

93. المفردات فی غریب القرآن، الراغب الأصفهانی، الطبعة الاولی 1404 ه، دفتر نشر الکتاب.

94. مکارم الأخلاق، أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسی، الطبعة الرابعة 1425 ه -، مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجامعة المدرسین - قم.

95. الملاحم والفتن فی ظهور الغائب المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف، رضی الله أبو القاسم علی بن موسی جعفر بن محمد بن طاووس الحسنی الحسینی، الطبعة الخامسة 1398 ه - 1998 م، منشورات الرضی، قم - إیران.

96. الملاحم والفتن، الحافظ أحمد بن جعفر بن محمد بن المنادی - مخطوط نقلنا

ص:267

عنه بواسطة «معجم أحادیث الإمام المهدی علیه السلام».

97. من لا یحضره الفقیه، الشیخ الجلیل الاقدم الصدوق أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، صححه وعلق علیه علی أکبر الغفاری، الطبعة الثانیة، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة.

98. منتخب الأثر، لطف الله الصافی، طبعة إیران - مکتبة الصدر.

99. منتخب الأنوار المضیئة، السید علی بن عبد الکریم النیلی النجفی، تحقیق السید عبد اللطیف الکوهکمری، مطبعة الخیام - قم 1401 ه.

100. المنجد فی الأعلام، بإشراف مجموعة من الکتاب والباحثین المعاصرین، الطبعة الثانیة عشرة 1982 م، دار المشرق - بیروت،.

101. منهاج الصالحین، السید أبو القاسم الخوئی، الطبعة الثامنة والعشرین لسنة 1410 ه -، قم المقدسة.

102. موسوعة الأمن والاستخبارات فی النصوص والآثار الاسلامیة، علی دعموش.

103. الموسوعة السیاسیة، إشراف د. عبد الوهاب الکیالی وکامل زهیری، المؤسسة العربیة بیروت.

104. موسوعة مصطلحات العلوم الاجتماعیة والسیاسیة فی الفکر العربی والاسلامی، الدکتور سمیح دغیم، الطبعة الاولی، مکتبة لبنان ناشرون، بیروت - لبنان.

105. المیزان فی تفسیر القرآن، السید محمد حسین الطباطبائی، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات بیروت، لبنان 1417 ه -. ق.

106. النظام السیاسی والإرهاب الصهیونی، محمد علی الحسینی، المؤسسة العربیة - بیروت، لبنان.

107. نهج البلاغة، شرح الأستاذ الإمام الشیخ محمد عبده مفتی الدیار المصریة سابقاً، دار المعرفة للطباعة والنشر، بیروت - لبنان.

108. وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، الشیخ محمد بن الحسن الحر

ص:268

العاملی، تحقیق مؤسسة آل البیت «علیهم السلام» لإحیاء التراث - 1372، نمونة.

109. ینابیع المودة لذوی القربی، الشیخ سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی، تحقیق سید علی جمال أشرف الحسینی، الطبعة: الاولی تاریخ النشر: 1416 ه. ق، الناشر: دار الاسوة قم.

ص:269

ص:270

ثانیاً: الأمن فی الاصطلاح 5

ثالثاً: الأمن فی الاستعمال القرآنی 5

ألف) المدینة الآمنة 5

ب) الرفاه فی ظل الأمن 5

ج) الأمن من نعم الجنّة 5

د) الأمن فی ظل الإیمان 5

نماذج أمنیة ذکرها القرآن الکریم 5

1 - نموذج المدینة الآمنة 5

2 - نموذج المذهب والفکر الذی یوفر الأمن 5

3 - نموذج قرانی فی استخدام القدرة من أجل تحقیق الأمن 5

المبحث الثانی: الأمن فی السنة الشریفة 5

الاتجاه الأمنی للنبی صلی الله علیه وآله وسلم 5

الاتجاه الأمنی عند الإمام علیٍّ علیه السلام 5

بعض الإجراءات الأمنیة للإمام علیٍّ علیه السلام فی حکومته 5

1 - الحصول علی أخبار العدو 5

2 - الرقابة علی المسؤولین 5

3 - حفظ الأسرار العسکریة 5

الأمن والأمان فی عصر الظهور 5

الإمام أمان للأرض وأهلها 5

ص:272

الفصل الثانی

أقسام الأمن ومظاهر فقدانه

تمهید 5

المبحث الأوّل: أقسام الأمن 5

القسم الأول: الأمن الفردی 5

1 - الأمن النفسی 5

عوامل إیجاد الأمن النفسی: 5

عوامل تهدید الأمن الروحی للفرد 5

2 - الأمن علی الأموال 5

3 - الأمن علی الأعراض 5

4 - الأمن الفردی 5

عوامل إیجاد الأمن الفردی 5

1 - تربیة الإنسان 5

2 - تحصیل التقوی وبناء الروح 5

3 - الهدوء والاستقرار الفکری 5

4 - تحصیل العلم 5

5 - سلامة الجسم 5

القسم الثانی: الأمن العائلی (الأسری) 5

أ) عدم الإنجاب 5

ب) الأمن الغذائی 5

ص:273

ج) الشباب 5

د) رعایة حدود المحارم 5

ه -) الزواج 5

و) التوزیع العادل للمحبة 5

ز) الولد غیر الصالح 5

ح) العفة: النظرة - الحجاب - صوت الأجنبیة 5

ط) النفقة 5

ک) الاختلافات العائلیة 5

ل) وصیة الوارث 5

م) الاتهام والقذف 5

ن) نساء المسؤولین 5

س) دعاء الملائکة 5

القسم الثالث: الأمن الاجتماعی 5

القانون والأمن الاجتماعی 5

الأمن لأهل الکتاب فی المجتمع الإسلامی 5

الدولة والأمن 5

القسم الرابع: الأمن العقائدی 5

القسم الخامس: أمن المعلومات 5

القسم السادس: الأمن العلمی 5

القسم السابع: الأمن الإداری 5

ص:274

القسم الثامن: الأمن القضائی 5

القسم التاسع: الأمن السیاسی 5

القسم العاشر: الأمن البیئی 5

القسم الحادی عشر: الأمن الدولی العالمی 5

عوامل تهدید الأمن العالمی 5

1 - التجاوز والاعتداء 5

2 - الظلم وقبوله 5

3 - التهدید والإرعاب 5

4 - التسلط والاستکبار 5

القسم الثانی عشر: الأمن الإعلامی 5

المبحث الثانی: مظاهر فقدان الأمن 5

أوّلاً: الإرهاب 5

1 - الإرهاب لغة 5

2 - الإرهاب اصطلاحاً 5

3 - ما هو المقصود من کلمة الإرهاب فی القرآن 5

أنواع الإرهاب 5

1 - الإرهاب الفردی 5

2 - الإرهاب الجماعی 5

نماذج من الإرهاب الجماعی 5

3 - الإرهاب الحکومی 5

ص:275

أ - الإرهاب العسکری 5

ب - الإرهاب الحزبی 5

ج - الإرهاب الامنی 5

4 - الإرهاب الدینی 5

5 - الإرهاب الاستعماری 5

أهداف الإرهاب 5

ومن أهم أهداف الإرهاب 5

کیفیة مواجهة الإرهاب 5

1. مرحلة التحشید 5

2. مرحلة التصمیم 5

3. مرحلة المواجهة 5

أسباب مواجهة الإرهاب 5

نتائج مواجهة الإرهاب 5

1 - وراثة الصالحین 5

2 - بسط الإسلام 5

3 - الاُمة والحدود الواحدة 5

4 - السلام والأمن 5

5 - البناء والإعمار 5

ثانیاً: الجریمة 5

1 - أسباب الجریمة 5

ص:276

الفصل الثالث

المعالجات القرآنیة لفقدان الأمن

تمهید 5

المبحث الأوّل: العلاقة بین الأمن والتربیة والتعلیم 5

1 - ما یرتبط بما قبل وما بعد انعقاد النطفة 5

أثر التغذیة فی تکوین الجنین 5

2 - ما یرتبط بمراحل ما بعد الولادة 5

3 - حق الولد علی الوالد 5

4 - أثر التعلیم والتربیة 5

المبحث الثانی: تطبیق الأحکام الشرعیة والأمن 5

1 - الصلاة 5

2 - الصیام 5

3. الخمس والزکاة 5

4. والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر 5

الآثار الاجتماعیة لتطبیق الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر 5

أ - إجراء الأحکام الإلهیة 5

ب - استقرار العدالة الاجتماعیة 5

ج - الإعمار والبناء 5

د - تقویة المؤمنین وتضعیف الأعداء 5

ه - الاستقرار وتقدم الأمن والسلام 5

ص:277

5. الجهاد 5

المبحث الثالث: العلاقة بین الأمن والعدالة الاجتماعیة 5

المبحث الرابع: دور الأحکام الجزائیة فی إیجاد الأمن 5

أ - القصاص 5

فلسفة القصاص 5

ب - الدیة 5

فلسفة الدیة 5

ج - الحدود 5

حد الزنا 5

إجراء حد الزنا والأمن الاجتماعی 5

الخاتمة 5

مصادر الکتاب 5

ص:278