زیارة الام الحسین بحث استدلالی فی روایات الوجوب

اشارة

العنوان: زیارة الام الحسین بحث استدلالی فی روایات الوجوب.

بیان المسؤولیة: تألیف: الشیخ رافد التمیمی؛ الإشراف العلمی: مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة.

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی.

بیانات النشر: النجف، العراق: مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، 1435ه- - 2014م.

الوصف المادی: 198 صفحة.

سلسلة النشر: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة.

تبصرة عامة: تم نشر هذه البحوث فی مجلة الإصلاح الحسینی.

موضوع شخصی: الحسین بن علی علیه السلام ، الإمام الثالث، 4-61 هجریاً - نظریته فی الإصلاح.

موضوع شخصی: الحسین بن علی علیه السلام ، الإمام الثالث، 4-61 هجریاً - زیارة.

مصطلح موضوعی: واقعة کربلاء، 61 هجریاً - أسباب ونتائج.

مصطلح موضوعی: واقعة کربلاء، 61 هجریاً - شبهات وردود.

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

مقدمة المرکز

العلم والقراءة والکتابة بالقلم، قواعد المجد، ومفاتیح التنزیل، ودیباجة الوحی، ومشرق القرآن الکریم، بها یقوم الدین، وتُدوّن الشرائع، وتحیی الأُمم، وتُبنی الحضارات، ویُکتب التاریخ، ویُرسم الحاضر والمستقبل، وبها تتمایز المجتمعات، وتختلف الثقافات، ویُوزن الإنسان، ویتفاضل الناس، ویزهو ویفتخر بعضهم علی البعض الآخر.

فی ضوء هذه القیم والمبادئ السامیة، ومن منطلق الشعور بالمسؤولیة، وبالتوکل علی الله تبارک وتعالی، بذلت الأمانة العامة للعتبة الحسینیة المقدّسة جهوداً کبیرة واهتمامات واسعة لدعم الحرکة العلمیة والفکریة والثقافیة، وتطویر جوانب الکتابة والتألیف والتحقیق والمطالعة، وذلک عن طریق الاهتمام بالشؤون الفکریة، وافتتاح المؤسسات ومراکز الدراسات العلمیة، وبناء المکتبات التخصّصیة، والتواصل مع الأساتذة والعلماء والمفکّرین، وتشجیع النُّخب والکفاءات والطاقات القادرة علی بناء صروح العلم والمعرفة.

ویُعدّ مرکز الدراسات التخصّصیة فی النهضة الحسینیة فی النجف الأشرف وقم المقدسة، امتداداً لتلک الجهود المبارکة، وقد عمل منذ تأسیسه وبأقسامه ووحداته المتنوّعة علی إثراء الواقع العلمی والفکری، وذلک من

ص: 7

خلال تدوین البحوث، وتألیف الکتب وتحقیقها ونشرها، وإصدار المجلات المتخصّصة، والمشارکة الفاعلة مع شبکة التواصل العالمیة، وإعداد الکوادر العلمیة القادرة علی مواصلة المسیرة.

ومن تلک الأُمور المهمّة التی تصدّی مرکزنا المبارک للقیام بها وتفعیلها بشکل مناسب، فی إطار قسم مجلة الإصلاح الحسینی هو إصدار سلسلة مؤلفات بعنوان کتاب المجلة، وهی عبارة عن البحوث التی تتسلسل فی موضوع واحد وتتناوله من جهات مختلفة، والتی قد تمَّ نشرها فی أعداد سابقة للمجلة.

ومن تلک البحوث العلمیة والقیّمة، هذا السِّفر الماثل بین یدیک عزیزی القارئ، وهو کتاب (زیارة الإمام الحسین علیه السلام بحث استدلالی فی روایات الوجوب) والذی یُعتبَر الکتاب الأول من سلسلة إصدار کتاب مجلة الإصلاح الحسینی.

وفی الختام نتمنَّی للمؤلف دوام التوفیق فی خدمة القضیة الحسینیة، ونسأل الله تعالی أن یبارک لنا فی أعمالنا إنه سمیع مجیب.

اللجنة العلمیة

فی مرکز الدراسات التخصصیة

فی النهضة الحسینیة

ص: 8

توطئة

اشارة

إن من أعظم النِّعم التی مَنّ الله تعالی بها علی البشر هی نعمة الإمامة، فبها یتمّ الدین، وبها تنفتح أبواب السماء للراغبین، وبها یمکن الوصول لغایات رب العالمین، فمقام الإمامة مقام عُلوی فی مراتب الوجود الإلهیة، ومن أجل ذلک فقد فرض الله تعالی علی عباده قبول هذا المقام، وأمرهم بتولّی الأئمة علیهم السلام والتبرَّی من أعدائهم، ومن أبرز مظاهر التولّی للإمام الإلهی هو الحضور عنده والبیعة له ومناصرته وإطاعته، ولأجل ذلک تُعتبر زیارة الإمام فی مقامه وضریحه المقدس من مظاهر البیعة له والتمسک بنهجه؛ ولذلک جاء التأکید الکبیر والحثیث علی زیارة أولیاء الله تعالی وخصوصاً الرسول الأعظم علیه السلام وأئمة أهل البیت علیهم السلام .

وبذلک تکتسب الزیارة أهمیّة قصوی؛ لأنها تمثّل مظهراً من مظاهر التولّی والبیعة لإمام الحق، وفی هذه الدراسة نحاول أن نُسلّط الضوء علی جنبة من جوانب هذه المسألة المهمة، وهی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وذلک من خلال عرض الروایات التی وردت فی هذه المسألة، وبحثها سنداً ودلالة، مع الأخذ بنظر الاعتبار المسائل الأُصولیة والمرتکزات الفقهیة التی ترتبط بمثل هذه الأبحاث. وقد وردت روایات کثیرة یمکن أن یُدّعی أنّها تدلّ علی

ص: 9

الوجوب، وقد قسّمناها علی قسمین: ما کان منها نصّاً وتصریحاً بالوجوب، وما کان منها ظاهراً فی ذلک، فسیکون بحثنا فی هذه الدراسة فی مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة:

أمّا المقدمة فستکون فی بیان معنی الزیارة، وبیان فوائدها وأبعادها التربوبة والعقائدیة بشکل مطلق، ثم بیان أهم الآثار لزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، سواء الآثار التی تتحقق فی الدنیا أو التی تتحقق فی ساعة الموت أو فی البرزخ أو فی الآخرة، وکذا بیان أقسام زیارة الإمام الحسین علیه السلام وإفراز محل البحث عن غیره، وما یرتبط بذلک.

وأمّا الفصل الأول، فسنُسلّط الضوء فیه علی القسم الأول من روایات الوجوب، وهی ما دلت علی الوجوب بالنص والتصریح وذلک من خلال البحث السندی والدلالی.

وأمّا الفصل الثانی، فهو مختص بالروایات التی ظاهرها الوجوب أمّا من خلال ظهور الفظ، أو من خلال قرائن أُخری مُحتفّة بمتن الروایة، فسنبحثها سنداً ودلالة أیضاً.

وأمّا الفصل الثالث، فسنُسلّط الضوء فیه علی مجموعة من الأبحاث الدلالیة والإشکالات والاعتراضات التی یمکن أن تُذکر فی المقام.

وأمّا الخاتمة، فسنعرض فیها أهم نتائج البحث والدراسة.

ملاحظة وتنویه

لا بد من التنویه إلی أن هذا البحث هو عبارة عن مجموعة من المقالات

ص: 10

التی نشرتها مجلة الإصلاح الحسینی الموقَّرة الصادرة عن مرکز الدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة التابع للعتبة الحسینیة المقدسة، فی أعدادها: الأول والثانی والثالث، وقد قمنا بجمعها وتهذیبها وإضافة ما لا بد أن یُضاف إلیها مع مجموعة من التعدیلات، وإخراجها بحلَّة الکتاب، وذلک لتحقیق رغبة الأمین العام للعتبة الحسینیة المقدسة سماحة الشیخ عبد المهدی الکربلائی الذی أکّد علی ضرورة إخراج کتاب المجلة من خلال الأبحاث والمقالات التی تنشرها مجلة الإصلاح الحسینی.

الشیخ رافد التمیمی

یوم شهادة الصدیقة الطاهرة‘

1435ه- - قم المقدسة

ص: 11

ص: 12

المقدمة: فی معنی الزیارة

المعنی اللغوی

قال الراغب الإصفهانی: «زور: الزور أعلی الصدر، وزرت فلاناً تلقّیته بزوری، أو قصدت زوره نحو وجهته، ورجل زائر وقوم زور نحو سافر وسفر، وقد یُقال: رجل زور. فیکون مصدراً موصوفاً به نحو ضیف، والزور میل فی الزور والأزور المائل الزور، وقوله ﴿وَتَرَی الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذَاتَ الْیَمِینِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِکَ مِنْ آیَاتِ اللَّهِ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِدًا﴾((1)) أی: تمیل، قرئ بتخفیف الزای وتشدیده وقرئ تزور. قال أبو الحسن: لا معنی لتزور ههنا؛ لأن الازورار الانقباض، یقال: تزاور عنه، وأزور عنه، ورجل أزور وقوم زور وبئر زوراء مائلة الحفر، وقیل للکذب: زور؛ لکونه مائلاً عن جهته»((2)).

قال ابن منظور: «زور: الزَّوْرُ: الصَّدْرُ، وقیل: وسط الصدر. وقیل: أَعلی الصدر. وقیل: مُلْتَقَی أَطراف عظام الصدر حیث اجتمعت. وقیل: هو جماعة الصَّدْرِ من الخُفِّ. والجمع أَزوار. والزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ، وقیل: هو إِشراف أَحد جانبیه علی الآخر، زَوِرَ زَورَاً، فهو أَزْوَرُ. وکلب أَزْوَرُ: قد اسْتَدَقَّ جَوْشَنُ صَدْرِه وخرج کَلْکَلُه کأَنه قد عُصِرَ جانباه، وهو فی غیر الکلاب مَیَلٌ مَّا لا

ص: 13


1- ([1]) الکهف: آیة 17.
2- ([2]) الراغب الأصفهانی، المفردات فی غریب القران: ص217، مادة زور.

یکون مُعْتَدِلَ التربیع نحو الکِرْکِرَةِ واللِّبْدَةِ، ویستحب فی الفرس أَن یکون فی زَوْرِه ضِیقٌ وأَن یکون رَحْبَ اللَّبَانِ، کما قال عبد الله بن سلیمة:

مُتَقَارِب الثَّفِناتِ ضَیْق زَوْرُه رَحْب اللَّبَانِ شَدِید طَیِّ ضَریسِ

قال الجوهری: وقد فرّق بین الزَّوْرِ واللَّبانِ کما تری. والزَّوَرُ فی صدر الفرس: دخولُ إِحدی الفَهْدَتَیْنِ وخروجُ الأُخری؛ وفی قصید کعب ابن زهیر: فی خَلْقِها عن بناتِ الزَّوْرِ تفضیلُ»((1)).

قال الطریحی: «زور، قوله تعالی: «ذَلِکَ وَمَنْ یُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَکُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا یُتْلَی عَلَیْکُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)» ((2)) الزور: الکذب والباطل والبُهته. وروی أنه یدخل فی الزور الغناء وسائر الأقوال المُلهیة؛ لأن صدق القول من أعظم الحرمات. قوله:«وَالَّذِینَ لَا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِرَامًا (72)((3)). قیل: یعنی الشرک. وقیل: أعیاد الیهود والنصاری. قوله:«وَتَرَی الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذَاتَ الْیَمِینِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِی فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِکَ مِنْ آیَاتِ اللَّهِ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِدًا(17) »((4)) أی: تمایل عنه، ولذا قیل للکذوب: زور؛ لأنه یمیل عن الحق، ویقال: تزاور عنه تزاوراً. عدل عنه وانحرف. وقرئ: تزَّاور وهو مدغم تتزاور. قوله:«حَتَّی زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)»((5))، یعنی أدرککم الموت. وفی الحدیث: تزاوروا تلاقوا وتذاکروا أمرنا وأحیوه. أی: زوروا إخوانکم ویزورونکم، ولاقوا إخوانکم ویلاقونکم، وتذاکروا فیما بینکم أمرنا وما نحن علیه، وأحیوه ولا تُمیتوه، یعنی تدرسونه. وزاره یزوره زیارة: قصده، فهو زائر وزور وزوار مثل

ص: 14


1- ابن منظور، لسان العرب: ج4، ص334.([1](
2- (([2] الحج: آیة30.
3- ([3]) الفرقان: آیة72.
4- ([4]) الکهف: آیة17.
5- ([5]) التکاثر: آیة2.

سافر وسفر وسفار، یقال: نسوة زور أیضاً وزائرات. وفیه مَن زار أخاه فی جانب المصر، أی: قصده ابتغاء وجه الله، فهو زوره وحق علی الله أن یُکرم زوره أی: قاصدیه»((1)).

وخلاصة القول: إنّ معنی الزیارة هو الذهاب إلی الغیر والمیل إلیه وقصده المقرون بالاحترام والإکرام، فهو حضور بعض عند بعض مقترناً بالاحترام والتقدیر.

المعنی الاصطلاحی

إن المعنی المتداول للزیارة اصطلاحاً أحد معنیین:

الأول: هو نفس المعنی اللغوی.

الثانی: أخص من المعنی اللغوی بعض الشیء، وذلک من جهة الموضوع حیث تطلق الزیارة والزائر علی مَن قصد مکاناً خاصاً، وهو زیارة الأنبیاء والأئمة والأولیاء وأصحاب المقامات.

وهناک اصطلاح خاص عند الشیعة لکلمة الزیارة عند إطلاقها ومن دون أیّ قرینة، وهی زیارة خصوص الأئمة علیهم السلام .

الزیارة والبیعة

إن من أهمّ مظاهر الولاء فی الصدر الأول من الإسلام هو البیعة لولی الأمر، والتی کانت تتحقق بالحضور عند الرسول الأعظم علیه السلام أو المعصوم علیه السلام

ص: 15


1- الطریحی، فخر الدین، مجمع البحرین: ج3، ص 320.([1])

ومبایعته والتسلیم والطاعة له، وهذا الأمر له الأهمیّة البالغة فی حیاة الأشخاص، بل هو من الواجبات التی حثّت علیها الشریعة المقدسة فی زمن حضور ولی الأمر.

وقد تنوّعت طرق تحقیق البیعة بمرور الزمان، واتخذت أشکالاً عدّة بمرور السنین، ومن تلک الطرق هو طریق الحضور عند قبر ولی الأمر وزیارته؛ لأجل ذلک تُعتبر الزیارة بیعة للإمام المعصوم علیه السلام ، وإظهار الاعتقاد به والمتابعة والطاعة له؛ ولذلک وردت الروایات فی شرط قبول الزیاره أن یکون الزائر عارفاً بالإمام، والمعرفة تعنی الإدراک والاعتقاد بأنّه إمام مفترض الطاعة ولازم الاتّباع، فقد روی بأسانید بعضها صحاح، عن محمد بن الحسین، عن محمد بن سنان، عن محمد بن صدقة، عن صالح النیلی، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : «مَن أتی قبر الحسین علیه السلام عارفاً بحقّه کتب الله له أجر مَن أعتق ألف نسمة، وکمن حمل علی ألف فرس مسرجة ملجمة فی سبیل الله»((1)).

وعن أحمد بن محمد، عن الحسین بن سعید، عن القاسم بن محمد، عن إسحاق بن إبراهیم، عن هارون بن خارجة، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «وکّل الله بقبر الحسین علیه السلام أربعة آلاف مَلَک شعث غبر یبکونه إلی یوم القیامة، فمن زاره عارفاً بحقّه شیّعوه حتی یُبلغوه مأمنه، وإن مرض عادوه

ص: 16


1- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج4، ص582، باب: فضل زیارة أبی عبد الله الحسین علیه السلام .([1])

غدوة وعشیة، وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلی یوم القیامة»((1)).

وعن محمد بن یحیی، عن محمد بن الحسین، عن موسی بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الکلبی، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : «إنّ أربعة آلاف مَلَک عند قبر الحسین علیه السلام شعث غبر یبکونه إلی یوم القیامة، رئیسهم مَلَک یُقال له: منصور. فلا یزوره زائر إلّا استقبلوه، ولا یودّعه مودّع إلّا شیعوه، ولا مرض إلّا عادوه، ولا یموت إلّا صلّوا علی جنازته واستغفروا له بعد موته»((2)).

وعن الحسین بن محمد، عن معلی بن محمد، عن أبی داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن مثنی الحناط، عن أبی الحسن الأول علیه السلام ، قال: سمعته یقول: «مَن أتی الحسین عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»((3)).

وبذلک یتبین أن هناک ارتباطاً وثیقاً بین الزیارة وبین البیعة، وکذلک بین البیعة والطاعة.

قال السید المروج فی کتاب منتهی الدرایة - بعد أن أورد هذه الروایة وهی روایة الوشاء، قال: «سمعت الرضا علیه الصلاة والسلام یقول: إن لکل إمام عهداً فی عنق أولیائه وشیعته، وأنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زیارة قبورهم، فمن زارهم رغبة فی زیارتهم وتصدیقاً لما رغبوا فیه کان أئمتهم

ص: 17


1- المصدر السابق.([1])
2- المصدر السابق.([2])
3- المصدر السابق.([3])

شفعاءهم یوم القیامة»((1)) -: «بل یُفهَم من هذه الروایة ونظائرها أن التمسک بحبل ولایتهم والإیمان بإمامتهم لا یتم إلّا بزیارتهم صلوات الله علیهم، فلا یکون أحد إمامیاً إلّا بالاعتقاد الجنانی بإمامتهم والإقرار اللسانی بها والحضور بالبدن العنصری عند قبورهم، فالزیارة هی الجزء الأخیر لسبب اتصاف المسلم بکونه إمامیاً، وترکها کفقدان سابقیها یوجب الرفض المبعد عن رحمته الواسعة - أعاذنا الله تعالی منه - فالإمامة التی هی من أُصول الدین یتوقف التدیّن بها علی زیارتهم علیهم السلام ، فلها دخل فی تحقق هذا الأصل الأصیل الذی هو أساس الدین»((2)).

فوائد الزیارة

اشارة

إنّ للزیارة فوائد عدیدة ومتنوعة فی مختلف المجالات، خصوصاً زیارة الرسول الأعظم علیه السلام وأئمة أهل البیت علیهم السلام ، نُشیر إلی بعضها:

الفوائد التربویة للزیارة

إنّ زیارة الأولیاء والصالحین لها تأثیر کبیر علی نفسیة الشخص الزائر وعلی سلوکه وطریقة تعامله وسائر أفعاله؛ وذلک لأنّ الإنسان - وبحسب طبعه ومیله إلی الأُمور المحسوسة - یتأثّر بما یدرکه بحواسّه، لذلک نجده یتأثر بما یراه أمامه أکثر مما یتأثر بما یسمعه، وکذا نجد أنّ تأثره بکل حاسّة أکثر من غیرها فیما یرتبط بتلک الحاسّة، وهکذا نجد أنّ أقوی الحواس هی الرؤیة والمشاهدة، فهی أکثر الأُمور تأثیراً فی النفس البشریة؛ لذلک عندما تسمع

ص: 18


1- المصدر السابق.([1])
2- المروّج، محمد جعفر، منتهی الدرایة: ج6، ص638.([2])

بتفاصیل قضیة ما فإنک تتأثر بها، ولکن عندما تراها فإنّ التأثر یکون أشدّ وأقوی، والتفاعل معها یکون بصورة أعمق؛ من هنا فإنّ الحضور فی محضر الأولیاء والصالحین یکون أکثر تاثیراً فی النفس وبشکل مباشر من أیّ شیء آخر، وهذا الحضور لا یقتصر علی الحضور عند شخص الولی، بل یمتد إلی الحضور عند مرقده؛ لأنّ مقام ومرتبة الولی والإمام لیس بجسمه العنصری - وإن کان فی القدسیة والطهارة بمکان - بل المقام لشأنه ومرتبته الوجودیة، وهی محفوظة علی کل حال، وهذا الحضور له تأثیرات تربویة عدیدة، منها:

التخلّق بأخلاق الأولیاء والصالحین

من الآثار التربویة للزیارة وخصوصاً زیارة المعصومین علیهم السلام هو التخلّق بأخلاق الشخص المزور، والسیر علی خطاه العملیة فی التعامل مع الله تعالی ومع الدین بشکل عام ومع الناس.

لا نقول: إنّ الزیارة علة تامة لهذا الأثر، وإنما نقول: إنّها مؤثّرة فی سبیل تحقق هذه الغایة، فعامل الحضور من العوامل المهمة فی هذا المجال.

التعرف علی الطرق الصحیحة فی التعامل مع مختلف الأحداث

إن حیاة الأولیاء والصالحین - وخصوصاً المعصومین علیهم السلام - ملیئة بالمواقف المهمة والأحداث الخطیرة التی لها القابلیة لأن تُنیر الطریق لطلاب الحق والحقیقة، فعندما نری کل حدث مع الموقف الملائم له من قبل المعصومین علیهم السلام فإن هذا أمر فی غایة الأهمیة، وله تأثیر کبیر فی حیاة الأشخاص؛ من هنا فإن الحضور والزیارة لمراقد المعصومین علیهم السلام من المحفزات المهمة للسیر علی خطاهم.

ص: 19

لا نقول: إن هذا هو الطریق المنحصر. فإنّه یمکن التعرف علی سیرتهم من خلال مطالعة ما أُلّف وما نُقل عنهم، إلّا أنّ الحضور هو المحفز الأقوی لمتابعة القضیة.

التعرف علی أخلاقیات الباطل والانحراف

إن الحضور والزیارة للاؤلیاء والصالحین تعنی التعرف علی الحق المستفاد من سیرتهم ومواقفهم، وهذا بنفسه تعرّف علی الباطل؛ لأنه (هل غیر الحق إلّا الضلال)؛ لأجل ذلک فإن التعرف علی أولیاء الله من خلال الحضور عندهم یُعرّفنا بأعدائهم وبمن ناوءهم وقتلهم والأسباب التی وراء ذلک.

إلی غیر ذلک من الأُمور التربویة التی تحصل من الزیارة والتی تفتح آفاقاً واسعة للشخص الزائر، وبذلک تبرز لنا أحد أهم الجوانب التی تُحتِّم الزیارة وتُثبِت أنّها أمر لا بد منه فی حیاة الإنسان المؤمن.

الفوائد والأبعاد العقائدیة والمعرفیة للزیارة

اشارة

من الواضح أنّ العقیدة تتبع المعرفة، فکلّما کانت المعرفة صحیحة کانت العقیدة کذلک، وکلّما کانت المعرفة خاطئة تکون العقیدة کذلک، لذلک نجد العدید من العقائد الباطلة والتی یضحّی من أجلها معتقدوها مع أنها محض بطلان وبعیدة عن الواقع والصواب، وما ذلک إلّا للرؤیة المعرفیة الخاطئة التی یحملها هؤلاء، والتی علی إثرها اعتقدوا تلک العقائد وبنوا رؤاهم وأفکارهم. والزیارة والحضور عند أولیاء الله تعالی لها التأثیر الکبیر فی تحقیق المعرفة الصحیحة، والتی بدورها تصنع عقیدة صحیحة. ومن تلک الآثار:

ص: 20

التعرف علی الحق من خلال التعرف علی الأدّلاء علیه

إنّ الحضور عند المعصوم معناه التعرّف علیه، والتعرّف علی المعصوم یؤثّر فی التعرف علی نهجه وعقیدته، وهذا التأثیر - کما تقدم - أقوی من بقیة المؤثرات؛ لأنه حضور فعلی عملی محسوس، فالزائر فی محضر المعصوم یعیش التوحید، ویری التسلیم، ویدرک النبوة، ویفهم الإمامة، ویمیز الدین الحق من الدین الباطل.

التعرف علی طرق إحیاء الحق

إنّ سیرة الأولیاء والمعصومین ملیئة بالطرق الحکیمة والعلمیة لبیان الحق وتثبیته ونشره والتضحیة من أجله، فعندما تحضر عند الإمام الحسین علیه السلام - مثلاً - فإنّه ستتجلی لک معانی الحق والحقیقة بأجلی صورها، وعندما تتأمّل وأنت قرب الضریح تحس بنفسک کأنّما تسمع کلامه علیه السلام وهو یقول: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح فی أُمّة جدی»، وکذلک تسمع «هیهات منا الذلة»، وتسمع وتسمع..

التعرف علی الباطل وأهل الباطل

إنّ معرفة الحسین علیه السلام - مثلاً - تعنی معرفة یزید، ومعرفة نهج الحسین علیه السلام تعنی معرفة نهح بنی أُمیة، وإنّ معرفة المظلوم تعنی معرفة الظالم، وإنّ التضحیة من أجل الحق تعنی الوقوف بوجه الباطل، فکل معرفة بالحق إلی جنبها معرفة بالباطل، وهکذا کلما ازدادت المعرفة اشتدّت وقوت العقیدة، وکلما قویت العقیدة کان العمل إلی الصلاح أقرب.

ص: 21

والنتیجة: إنّ الزائر یری - ومن خلال زیارته وحضوره عند ضریح الولی - لوحتین ظاهرتین: لوحة الحق وأهل الحق ونهج الحق، ولوحة الباطل وأهله ونهجه. وزیارة ولی الله تعنی مبایعة الحق، واتّباع الصدق، وعقد القلب للتسلیم لأمر الله تعالی.

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام

اشارة

بعد أن عرفنا معنی الزیارة بشکل مطلق، وعرفنا آثارها التربویة والمعرفیة یصل الکلام إلی معرفة آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، فقد اختصّت بمجموعة من الآثار الدنیویة والأُخرویة، ویُعتبر العدید من هذه الآثار من مختصات زیارة الشهید أبی عبد الله الحسین علیه السلام ، وهذا مما یجعل میزة لزیارته تختلف عن جمیع المعصومین علیهم السلام بمن فیهم الأنبیاء وحتی أُولی العزم.

لایقال: هذا مبالغ فیه؛ لأنّه یلزم منه أفضلیة الإمام الحسین علیه السلام علی بقیة الأئمة والأنبیاء علیهم السلام ، وهذا ما نقطع بعدمه فی الرسول الأعظم علیه السلام وأمیر المؤمنین علیه السلام .

لأنّا نقول: إن الاختصاص ببعض الآثار لا یلازم الأفضلیة المطلقة، بل هو أمر مرتبط بالأعمال التکوینة التی یؤدیها الشخص، ومن الواضح أنّ ما مرّ علی الإمام الحسین علیه السلام وما جری علیه فی کربلاء لم یجرِ علی أیّ أحد من آدم وإلی قیام الساعة، والفجائع التی مرّت فی کربلاء لها آثارها التکوینیة والتشریعیة والدنیویة والأُخرویة، وهذا لا ربط له بالأفضلیة المطلقة أبداً.

ص: 22

الآثار الدنیویة لزیارة الإمام الحسین علیه السلام

اشارة

ذکرت الروایات الشریفة مجموعة من الآثار التی تتحقق للزائر من خلال زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی هذه الدنیا، منها:

1- تبشّیر الملائکة الزائر بالجنة قبل مماته

عن الصادق علیه السلام حیث سُئل عن زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی لیلة النصف من رمضان، قال: «بخٍ بخٍ، مَن صلی عند قبره لیلة النصف من شهر رمضان... کتبه الله عتیقاً من النار، ولم یمت حتی یری فی منامه ملائکة تبشّره بالجنة، وملائکة یؤمّنونه من النار»((1)).

2- دفع الغرق والهدم والحرق وأکل السبُع عن الزائر

عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال: «مروا شیعتنا بزیارة الحسین بن علی علیه السلام ؛ فإنّ زیارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأکل السبُع»((2)).

3- یکون الزائر فی حفظ الله إلی أن یموت

عن الصادق علیه السلام ، عن رسول الله علیه السلام فی ما یحصل للزائر: «ولم یزل فی حفظ الله وأمنه حتی یفارق الدنیا»((3)).

ص: 23


1- ابن طاووس، علی، إقبال الأعمال: ج1، ص294.([1])
2- الصدوق، محمد، أمالی الشیخ الصدوق: ص206.([2])
3- الکوفی، فرات، تفسیر فرات الکوفی: ص171.([3])
4- یموت الزائر شهیداً

عن الصادق علیه السلام عن رسول الله علیه السلام :«واذا مات مات شهیداً»((1)).

5- البرکة فی مختلف حوائج الدنیا

قال الصادق علیه السلام سائلاً أحد زوّار الحسین علیه السلام : «وما ترون فی زیارته؟

قال: نری فی زیارته البرکة فی أنفسنا وأهالینا وأولادنا وأموالنا ومعایشنا وقضاء حوائجنا. قال أبو عبد الله: أفلا أزیدک من فضله...»((2)).

6- حفظ الزائر وماله وأهله

عن أبی عبد الله علیه السلام عندما سُئل عن ما لأدنی زائر الحسین علیه السلام ؟ فقال: «یا عبد الله أدنی ما یکون له أن الله یحفظه فی نفسه وأهله حتی یرده إلی أهله»((3)).

7- زیادة الرزق وطول العمر

عن الباقر علیه السلام قال: «مروا شیعتنا بزیارة قبر الحسین علیه السلام ؛ فإنّ إتیانه یزید الرزق، ویمدّ فی العمر، ویدفع مدافع السوء»((4)).

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام عند ساعة الموت

1- حضور الملائکة جنازة الزائر والاستغفار له

عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «مَن أتاه تشوّقاً کتب الله له ألف حَجّة... فإن

ص: 24


1- المصدر السابق.([1])
2- ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص304.([2])
3- المصدر السابق: ص255.([3])
4- الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص42.([4])

مات سنته حضرته ملائکة الرحمة، یحضرون غسله وتکفینه والاستغفار له، ویشیعونه إلی قبره بالاستغفار له»((1)).

2- تُشیّع الملائکة زائر الحسین علیه السلام

عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «مَن أتاه تشوّقاً کتب الله له ألف حجّة... فإن مات سنته حضرته ملائکة الرحمة... ویشیّعونه إلی قبره بالاستغفار له»((2)).

3- تسهیل سکرة الموت علی الزائر

قال علیه السلام : «مَن سرّه أن ینظر إلی الله یوم القیامة، وتهون علیه سکرة الموت وهول المطلع، فلیُکثر زیارة قبر الحسین»((3)).

الآثار البرزخیة لزیارة الإمام علیه السلام

1- توسعة القبر

عن الباقر علیه السلام أنّ زائر الحسین علیه السلام «یُفسَح له فی قبره مدّ بصره»((4)).

2- الأمان من ضغطة القبر

عن الباقر علیه السلام أنّ زائر الحسین علیه السلام «یؤمّنه الله من ضغطة القبر»((5)).

ص: 25


1- ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص270.([1])
2- المصدر السابق: ص270.([2])
3- المصدر السابق: ص288.([3])
4- المصدر السابق: ص270.([4])
5- المصدر السابق.([5])
3- الأمان من ترویع منکر ونکیر

عن الباقر علیه السلام أنّ زائر الحسین «یؤمّنه الله من ضغطة القبر ومن منکر ونکیر أنّ یروّعانه»((1)).

الآثار الأُخرویة لزیارة الإمام علیه السلام

اشارة

إنّ لزیارة الإمام الحسین علیه السلام آثاراً عدیدة فی الآخرة غیر مسألة الثواب والأجر، فإنّ لزیارة الإمام علیه السلام آثاراً تتجسّد یوم القیامة، منها:

1- مجاورة الرسول الأعظم علیه السلام وأهل البیت علیهم السلام فی الجنة

ورد عن الصادق علیه السلام أنه قال: «مَن أراد أن یکون فی جوار نبیه علیه السلام وجوار علی وفاطمة‘ فلا یدع زیارة الحسین بن علی‘»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام : «فإذا اغتسلوا ناداهم محمد علیه السلام : یا وفد الله، أبشروا بمرافقتی فی الجنة، ثم ناداهم أمیر المؤمنین علیه السلام : أنا ضامن لقضاء حوائجکم ودفع البلاء عنکم فی الدنیا والآخرة، ثم التقاهم النبی علیه السلام عن أیمانهم وعن شمائلهم حتی ینصرفوا إلی أهالیهم»((3)).

2- زیارة الله فی عرشه

ورد عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «مَن زار قبر أبی عبد الله علیه السلام بشطّ

ص: 26


1- المصدر السابق.([1])
2- المصدر السابق: ص260.([2])
3- الصدوق، محمد، ثواب الأعمال: ص91.([3])

الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه»((1)).

3- العتق من النار

عن الصادق علیه السلام حیث سُئل عن زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی لیلة النصف من رمضان، قال: «بخٍ بخٍ، مَن صلی عند قبره لیلة النصف من شهر رمضان... کتبه الله عتیقاً من النار»((2)).

4- أن یکون من أهل الجنة

عن الباقر علیه السلام : «فمن کان للحسین زوّاراً عرفناه بالحبّ لنا أهل البیت، وکان من أهل الجنة»((3)).

5- شفاعة النبی علیه السلام

عن الصادق علیه السلام قال: «مَن أراد أن یکون فی کرامة الله یوم القیامة وفی شفاعة محمد علیه السلام فلیکن للحسین زائراً»((4)).

6- دخول الجنة قبل الناس

عن الصادق علیه السلام قال: «إن لزوار الحسین بن علی یوم القیامة فضلاً علی

ص: 27


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص148. وقد علّق صاحب البحار علی هذا الحدیث بقوله: «أی عبد الله هناک، أو لاقی الأوصیاء والأنبیاء هناک، فإنّ زیارتهم کزیارة الله، أو یحصل له مرتبة من القرب کمن صعد عرش ملک وزاره». بحار الأنوار: ج101، ص70.
2- ابن طاووس، علی، إقبال الأعمال: ج1، ص 294. ([2])
3- ) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص356.[3])
4- المصدر السابق: ص154.([4])

الناس. قلت: وما فضلهم؟ قال: یدخلون الجنة قبل الناس بأربعین عاماً وسائر الناس فی الحساب والموقف»((1)).

إلی غیر ذلک من الآثار الکثیرة التی نصّت علیها الروایات، وتناقلتها الأخبار المعتبرة عن أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام ، وإذا أضفنا إلی هذه الآثار مجموعة الآثار التی حصلت من خلال التجربة والمواضبة علی الزیارة فسیحتاج الأمر إلی کتابة مجلّدات عن هذا الموضوع بالخصوص؛ لأنّ هناک کرامات وآثاراً عجیبة لزیارة الإمام الحسین علیه السلام تناقلتها بعض الکتب عن تجارب العلماء والصالحین والمؤمنین، من شفاء الأمراض المستعصیة، وقضاء الحوائج المهمة والکبیرة، ودفع البلاء العظیم، والخلاص من الظالم والطاغیة، ونیل المراد کبیره وصغیره، وغیرها من الحوائج.

أنواع زیارات الإمام الحسین علیه السلام

اشارة

ورد فی المأثور زیارات عدیدة للإمام علیه السلام ، ویمکن تنویعها إلی ثلاث أنواع رئیسیة:

1- الزیارات الزمانیة

2- الزیارات المکانیة

3- الزیارات المطلقة من حیث الزمان والمکان

ص: 28


1- المصدر السابق: ص138.([1])

الزیارات الزمانیة للإمام الحسین علیه السلام

اشارة

الزیارات الزمانیة للإمام الحسین علیه السلام عدیدة ومتنوعة فقد جاء التأکید علی زیارته علیه السلام فی أوقات کثیرة:

منها: زیارة عاشوراء

وهی الزیارة المعروفة والمشهورة والتی وردت بروایات متعددة وبأسانید معتبرة، وبأکثر من متن، ولها آثار عجیبة بیّنتها الروایات الکثیرة عن أهل البیت علیهم السلام وبیّنت فضلها، هذا غیر الآثار التی نُقلت عنها بالتواتر، بل وبالتجربة، وقد کُتب عنها العدید من الکتب والمؤلّفات، وهی: «السلام علیک یا أبا عبد الله، السلام علیک یا بن رسول الله، السلام علیک یا بن أمیر المؤمنین...»((1)).

ومنها: زیارة الأربعین

وهی زیارة العشرین من صفر، وقد جاء فی فضلها روایات متعددة، وقد جعلتها بعض الأخبار من علامات الإیمان، قال الشیخ الطوسی: «ویُستحب زیارته علیه السلام فیه وهی زیارة الأربعین، فروی عن أبی محمد العسکری علیه السلام أنّه قال: علامات المؤمنین خمس: صلاة الإحدی والخمسین، وزیارة الأربعین، والتختّم فی الیمین، وتعفیر الجبین، والجهر ببسم الله الرحمن الرحیم».

ص: 29


1- ([1]) اُنظر: الطوسی، محمد، مصباح المتهجّد: ص773، الکفعمی، إبراهیم، المصباح: ص640، العاملی (الشهید الأول)، محمد، المزار: ص 178، وغیرها

ثم قال: «أخبرنا جماعة، عن أبی محمد هارون بن موسی التلعکبری، قال: حدثنا محمد بن علی بن معمر، قال: حدثنی أبو الحسن علی بن محمد بن مسعدة والحسن بن علی بن فضال، عن سعدان بن مسلم، عن صفوان بن مهران، قال: قال لی مولای الصادق صلوات الله علیه: فی زیارة الأربعین تزور عند ارتفاع النهار»((1)).

والنص المأثور کالآتی: «السلام علیکم یا آل الله، السلام علیکم یا صفوة الله...»((2)).

وفی روایة أُخری جاء النص کالآتی: «السلام علی ولی الله وحبیبه، السلام علی خلیل الله ونجیبه، السلام علی صفی الله وابن صفیه، السلام علی الحسین المظلوم الشهید، السلام علی أسیر الکربات وقتیل العبرات. اللهم، إنی أشهد أنه ولیک وابن ولیک وصفیک وابن صفیک، الفائز بکرامتک، أکرمته بالشهادة وحبوته بالسعادة، واجتبیته بطیب الولادة، وجعلته سیّداً من السادة، وقائداً من القادة، وذائداً من الذادة، وأعطیته مواریث الأنبیاء...»((3)).

ومنها: الزیارة فی رجب

نصّت الروایات علی استحباب زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی رجب،

ص: 30


1- الطوسی، محمد، مصباح المتهجّد: ص788.([1])
2- )) الطوسی، محمد، مصباح المتهجّد: ص788. ابن طاووس، علی، مصباح الزائر: ص286. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج101، ص329.
3- ([3])الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص113، مصباح المتهجد: ص788. ابن المشهدی، محمد بن جعفر، المزار: ص514. وغیرها.

وحثّت علی ذلک، وبیّنت الفضل الجزیل فیه، وقد ورد النص للزیارة الرجبیة: «السلام علیک یا بن رسول الله، السلام علیک یا بن خاتم النبیین، السلام علیک یا بن سید المرسلین، السلام علیک یا بن سید الوصیین...»((1)).

ومنها: زیارة النصف من رجب

وجاء نصّها کالآتی: «السلام علیکم یا آل الله، السلام علیکم یا صفوة الله، السلام علیکم یا سادة السادات...»((2)).

ومنها: زیارة النصف من شعبان

عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «إذا کان النصف من شعبان نادی منادٍ من الأُفق الأعلی: ألا زائری قبر الحسین ارجعوا مغفور لکم، وثوابکم علی ربّکم ومحمد نبیکم»((3)). وغیرها من الروایات.

وقد جاء نص الزیارة کالآتی: «الحمد لله العلی العظیم والسلام علیک أُیها العبد الصالح الزکی...»((4)).

ومنها: زیارة لیلة القدر

عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «إذا کان لیلة القدر - وفیها یُفرَق کل أمر

ص: 31


1- ([1]) ابن طاووس، علی، مصباح الزائر: ص291، الإقبال: ج3، ص341. الشهید الأول، المزار: ص142.
2- العاملی، محمد، المزار: ص161. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج101، ص345.([2])
3- الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج4، ص589.([3])
4- الکفعمی، إبراهیم، المصباح: ص661، البلد الأمین: ص284.([4])

حکیم - نادی منادٍ تلک اللیلة من بطان العرش: أنّ الله تعالی قد غفر لمن أتی قبر الحسین علیه السلام فی هذه اللیلة»((1)).

وقد جاء نص الزیارة کالآتی: «السلام علیک یا بن رسول الله، السلام علیک یا بن أمیر المؤمنین، السلام علیک یا بن الصدیقة الطاهرة ...»((2)).

ومنها: زیارة یوم عرفة

عن داوود الرقی، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد وأبا الحسن موسی بن جعفر وأبا الحسن علی بن موسی، وهم یقولون: «مَن أتی قبر الحسین بن علی‘ بعرفة قلبه الله تعالی ثلج الصدر»((3)).

وقد جاء النص کالآتی: «الله أکبر کبیراً، والحمد لله کثیراً، وسبحان الله بُکرة وأصیلا...»((4)).

ومنها: زیارة لیلة عید الفطر وعید الأضحی

عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «مَن زار قبر الحسین علیه السلام لیلة من ثلاث غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قلت: أیّ اللیالی جُعلت فداک؟ قال: لیلة الفطر ولیلة الأضحی ولیلة النصف من شعبان»((5)).

ص: 32


1- الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص49. المفید، محمد بن محمد، المزار: ص54.([1])
2- ابن المشهدی، المزار الکبیر: ص414. ابن طاووس، علی، مصباح الزائر: ص325.([2])
3- الصدوق، محمد، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص580. ثواب الأعمال: ص115.([3])
4- ابن المشهدی، المزار الکبیر: ص462. مصباح الزائر: ص347.([4])
5- الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص49. المزار للمفید: ص45.([5])

وقد جاء النص کالآتی: «السلام علیک یا وارث آدم صفوة الله، السلام علیک یا وارث نوح نبی الله...»((1)).

ومنها: زیارة الأول من رجب

عن جعفر بن محمد سلام الله علیه ، قال: «مَن زار قبر الحسین علیه السلام أول یوم من رجب غفر الله له البتة»((2)).

إلی غیر ذلک من الزیارات الواردة فی أوقات مخصوصة کزیارة لیلة الجمعة ویوم الجمعة وغیرهما.

الزیارات المکانیة

وهی عدیدة أیضاً، فقد ورد استحباب زیارته علیه السلام من أماکن متعددة:

منها: نفس الحضور فی کربلاء وهذا هو المتبادر من إطلاق الزیارة، وکل زیارة شاهد علیه.

ومنها: الزیارة للبعید، حیث أمرت الروایات بأن یصعد الزائر عن بُعد إلی سطح داره ویزور، عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «یا سدیر، وما علیک أن تزور قبر الحسین علیه السلام فی کل جمعة خمس مرات، وفی کل یوم مرة؟ قلت: جُعلت فداک، إن بیننا وبینه فراسخ کثیرة. فقال: تصعد فوق سطحک، ثم تلتفت یمنةً ویسرة، ثم ترفع رأسک إلی السماء، ثم تتحرّی نحو قبر الحسین علیه السلام ، ثم تقول:

ص: 33


1- ابن المشهدی، المزارالکبیر: ص417.([1])
2- ([2]) الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص48.

السلام علیک یا أبا عبد الله، السلام علیک ورحمة الله وبرکاته. یُکتب لک زورة، والزورة حجة وعمرة، قال سدیر: فربما فعلته فی النهار أکثر من عشرین مرة»(1). وغیرها من الروایات.

ومنها: زیارة الإمام الحسین علیه السلام من مرقد الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وهو النص الوارد کالآتی: «السلام علیک یا أبا عبد الله، السلام علیک یا بن رسول الله علیه السلام ، السلام علیک یا بن أمیر المؤمنین، السلام علیک یا بن فاطمة الزهراء سیدة نساء العالمین، السلام علیک یا أبا الأئمة الهادین المهدیین»((2)).

الزیارات المطلقة

وهی کثیرة جداً، حیث جاءت الأخبار المتواترة فی الحثّ علی زیارته والتأکید علیها من دون التقیید بزمان أو مکان خاصین، من قبیل الروایات الدالة علی الثواب الجزیل والفضل العظیم فی زیارته علیه السلام ، وبیان آثار الزیارة العظیمة فی حیاة الزائر وفی دفع الفقر والبلاء عنه، من قبیل ما ورد فی التهذیب عن أبی الحسن علیه السلام قال: «مَن أتی قبر الحسین علیه السلام فی السنة ثلاث مرات أمِنَ من الفقر»((3)).

وفیه وفی کامل الزیارات أیضاً عن داود بن فرقد، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : «ما لمَن زار الحسین علیه السلام فی کل شهر من الثواب؟ قال: له من الثواب

ص: 34


1- ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص480.([1])
2- ([2]) الشهید الأول، المزار: ص45.
3- ([3]) الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص48.

ثواب مائة ألف شهید، ومثل شهداء بدر»((1)).

وعن حسین بن أبی فاختة، قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام : «یا حسین، مَن خرج من منزله یرید زیارة الحسین بن علی بن أبی طالب‘، إن کان ماشیاً کتب الله له بکل خطوة حسنة، وحطّ بها عنه سیئة، وإن کان راکباً کتب الله له بکل حافر حسنة، وحطّ عنه بها سیئة، حتی إذا صار بالحائر کتبه الله من الصالحین، وإذا قضی مناسکه کتبه الله من الفائزین، حتی إذا أراد الانصراف أتاه مَلَک فقال له: أنا رسول الله، ربک یقرئک السلام ویقول لک: استأنف؛ فقد غفر لک ما مضی»((2)).

محل البحث

بعد هذا العرض المجمل لروایات زیارة الإمام الحسین علیه السلام لا بد من بیان محل البحث فی هذا الکتاب، فنقول: لا کلام لنا فی الروایات التی هی نص فی الاستحباب، ولا فی الروایات التی هی ظاهرة فی ذلک، وإنّما الکلام عن خصوص الروایات التی صرّحت بالوجوب أو یستظهر منها ذلک، فکون أنّ هناک زیارات عدیدة للإمام علیه السلام وأنّها مستحبة لا کلام فی ذلک، وإنّما کلامنا عن نوع خاص من الروایات وهی روایات الوجوب.

وبذلک تمّ الکلام عن المقدمة وندخل فیما هو صلب الموضوع.

ص: 35


1- ([1]) الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص52. ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات ص143.
2- (([2] الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص43.

ص: 36

الفصل الأول: الروایات المصرّحة بالوجوب

اشارة

ص: 37

ص: 38

الروایات الدالة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام

اشارة

بعد هذه الإطلالة السریعة علی عظمة زیارة الإمام الحسین علیه السلام بشکل عام، یقع الکلام فیما عقدنا البحث لأجله، وهی الروایات الدالة علی وجوب الزیارة، وهی علی طائفتین: ما کان نصاً فی الوجوب وصریحاً فیه، وما کان ظاهراً فی الوجوب، وسوف نبحث فی صحة تلک الروایات وفی استفادة التواتر من مجموعها. ثم نری هل هناک روایات تعارضها أم لا؟ وعلی فرض وجودها هل هناک سبیل للجمع بینها أم لا؟ وإن لم یمکن الجمع فلمن الترجیح؟ سنجیب فیما یلی عن جمیع هذه التساؤلات، وکذا عن بعض الإشکالات التی تُطرح فی المقام والتی من أهمها إشکال الإعراض عن دلالة هذه الروایات علی الوجوب.

الطائفة الأُولی: الروایات الناصّة علی الوجوب والمصرّحة به

اشارة

الروایات التی یُدّعی فی المقام أنها صریحة فی الوجوب عدیدة، سوف نسلّط الضوء علیها واحدة واحدة، ونبحثها سنداً ودلالة، وسیکون بحثنا الدلالی عن الروایة ومقدار دلالتها علی المدعی بما هی.

وأما مسألة وجود دلالات أُخری لروایات أُخری تعارضها، ووجود بعض الإشکالات علی تلک الدلالة فهذا ما أوکلناه إلی الفصل الثالث، وسیأتی إن شاء الله تعالی.

ص: 39

الروایة الأُولی
اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: حدثنی أبی ومحمد بن الحسن رحمهم الله جمیعاً، عن الحسن بن متیل، عن الحسن بن علی الکوفی، عن علی بن حسان الهاشمی، عن عبد الرحمن بن کثیر مولی أبی جعفر علیه السلام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لو أن أحدکم حج دهره ثم لم یزُر الحسین بن علی‘ لکان تارکاً حقاً من حقوق رسول الله|؛ لأنّ حق الحسین فریضة من الله تعالی واجبة علی کل مسلم»((1)).

ورواه الشیخ الطوسی فی التهذیب، قال: وعنه (أی: محمد بن أحمد بن داود)، عن الحسن بن محمد بن علان، عن حمید بن زیاد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن یزید، عن علی بن الحسن، عن عبد الرحمن بن کثیر، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام :...((2)).

ورواه الشیخ المفید فی المزار((3))، ومحمد بن المشهدی فی المزار بنفس السند((4)).

دلالة الروایة

لقد نصت هذه الروایة علی أن مَن ترک زیارة الحسین علیه السلام فإنه ترک حقاً من

ص: 40


1- (([1] ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص237.
2- ([2]) الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص42.
3- (([3] المفید، محمد، المزار: ص27.
4- (([4] ابن المشهدی، المزار الکبیر: ص341. واُنظر: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة ج14: ص428. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص3.

حقوق رسول الله علیه السلام ، ثم عللت ذلک بأن حق الحسین علیه السلام فریضة من الله تعالی، ثم أکد علیه السلام هذا الفرض بقوله: «واجبة علی کل مسلم» فهذه الروایة صریحة، بل نص فی أن مَن ترک الزیارة فهو تارک لحق من حقوق رسول الله علیه السلام ، وهذا الحق فریضة من الله، وأمر واجب علی کل مسلم، ولا یحق ترکه.

سند الروایة

أن لهذه الروایة سندین - کما تقدم -:

الأول: سند کامل الزیارات، وفیه إشکال من جهتین:

الجهة الأُولی: الکلام فی علی بن حسان الهاشمی، حیث رُمی بالکذب والضعف والغلو والتخلیط، قال الکشی: «قال محمد بن مسعود: سألت علی بن الحسن بن علی بن فضال عن علی بن حسان؟ قال: عن أُیّهما سألت؟ أما الواسطی: فهو ثقة، وأما الذی عندنا: یروی عن عمه عبد الرحمن بن کثیر، فهو کذاب، وهو واقفی أیضاً لم یُدرک أبا الحسن موسی علیه السلام »((1)).

وکذا نصّ النجاشی وابن الغضائری علی ضعفه وغلوّه وتخلیطه((2))، وذکره الشیخ الطوسی مکتفیاً بذکر السند إلی کتابه((3)).

ولولا التنصیص علی کذبه وتخلیطه لأمکن حمل ضعفه علی غلوّه، وستأتی

ص: 41


1- ([1]) الطوسی، محمد، اختیار معرفة الرجال: ص748، رقم851.
2- ([2]) النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص251، رقم: 660. ابن الغضائری، رجال ابن الغضائری: ص77.
3- ([3]) الطوسی، محمد، فهرست الشیخ الطوسی: ص163، رقم427.

الإشارة إلی قیمة التضعیف بالغلو لاحقاً.

الجهة الثانیة: الکلام فی عبد الرحمن بن کثیر، حیث ضعّفه علماء الرجال؛ لأنه یضع الحدیث.

قال النجاشی: «عبد الرحمن بن کثیر الهاشمی مولی عباس بن محمد بن علی بن عبد الله بن العباس، کان ضعیفاً غمز أصحابنا علیه، وقالوا: کان یضع الحدیث»((1)).

عدّه الشیخ الطوسی فی أصحاب الصادق علیه السلام ((2)).

وقال العلامة: «عبد الرحمن بن کثیر الهاشمی، مولی عباس بن محمد بن علی بن عبد الله بن العباس، لیس بشیء، کان ضعیفاً، غمز علیه أصحابنا وقالوا: إنه کان یضع الحدیث»((3)).

نعم؛ لقد ورد اسم عبد الرحمن هذا فی أسانید تفسیر القمی((4))، وبناءً علی رأی السید الخوئی فی توثیق رجال تفسیر القمی حیث قال: «قد عرفت فیما تقدم أن الوثاقة تثبت بإخبار ثقة، فلا یفرق فی ذلک بین أن یشهد الثقة بوثاقة شخص معین بخصوصه، وأن یشهد بوثاقته فی ضمن جماعة؛ فإن العبرة هی بالشهادة بالوثاقة، سواء أکانت الدلالة مطابقیة أم تضمنیة. ولذا نحکم بوثاقة

ص: 42


1- ([1]) النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص234، رقم621.
2- ([2]) الطوسی، محمد، رجال الشیخ: ص237، رقم3230.
3- ([3]) العلامة الحلی، خلاصة الأقوال: ص374.
4- ([4]) القمی، علی بن إبراهیم، تفسیر القمی: ج2، ص131.

جمیع مشایخ علی بن إبراهیم الذین روی عنهم فی تفسیره مع انتهاء السند إلی أحد المعصومین علیهم السلام . فقد قال فی مقدمة تفسیره: (ونحن ذاکرون ومخبرون بما ینتهی إلینا، ورواه مشایخنا وثقاتنا عن الذین فرض الله طاعتهم..)؛ فإنّ فی هذا الکلام دلالة ظاهرة علی أنه لا یروی فی کتابه هذا إلّا عن ثقة»((1))، حینئذ یقع التعارض بین تضعیف النجاشی وتوثیق القمی.

ولکن مع تسلیم هذا المبنی؛ فإن غایته وقوع التعارض بین التوثیق والتضعیف، وأقصی ما یفید التوقف، إذا لم نقل بتقدیم التوثیق الخاص علی العام.

والنتیجة: إن سند کامل الزیارات غیر معتبر من هذه الجهة بسبب علی بن حسان وعبد الرحمن بن کثیر.

السند الثانی

سند التهذیب، وفیه مشاکل کثیرة، ففیه بالإضافة إلی عبد الرحمن بن کثیر المتقدم، مجاهیل، وهم: الحسن بن محمد بن علان، وأحمد بن محمد وهو ابن رباح، ومحمد بن یزید وهو بن المتوکل.

فهذا السند أیضاً لا یمکن الاعتماد علیه، وبذلک تکون الروایة غیر معتبرة من جهة السند.

الروایة الثانیة
اشارة

ما رواه الشیخ المفید فی الإرشاد، قال: «وقد جاءت روایات کثیرة فی

ص: 43


1- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج1، ص49.([1])

فضل زیارته علیه السلام بل فی وجوبها. فروی عن الصادق جعفر بن محمد سلام الله علیه ، أنه قال: زیارة الحسین بن علی علیه السلام واجبة علی کل مَن یقرّ للحسین بالإمامة من الله عز وجل»((1)).

دلالة الروایة

الروایة واضحة الدلالة علی الوجوب، بل هی نص فی ذلک، وأن الزیارة واجبة علی مَن یقر للحسین علیه السلام بالإمامة، فمن کان یؤمن بإمامة الإمام الحسین علیه السلام فإن الزیارة واجبة ومفروضة علیه؛ وهذا یکشف عن الترابط الوثیق بین الزیارة والاعتقاد بالإمامة، وأن الوجوب من الله تعالی، ولیس حکماً خاصاً من أحد المعصومین علیهم السلام ، کی یکون خاضعاً للزمان والمکان، وإلّا لو جاز أن تکون الزیارة غیر واجبة فی زمان ما مطلقاً لجاز عدم وجوب الاعتقاد بإمامة الإمام الحسین علیه السلام ؛ لأنّه متی وجب الاعتقاد وجبت الزیارة فإذا لم تجب لا یجب، وبذلک یظهر الرد علی بعض الفضلاء الذین أفادوا فی بعض دروسهم أنّ زیارة الإمام الحسین علیه السلام واجبة بوجوب یخضع للزمان والمکان وحسب المصلحة التی یُحددها المعصوم علیه السلام ، ولذلک کانت زیارة الإمام الرضا علیه السلام فی بعض الأوقات أفضل من زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، فهذه الروایة تثبت أنّ وجوب الزیارة من الأحکام الإلهیة الثابته التی أمر الله تعالی بها عباده الذین یؤمنون بإمامة الإمام الحسین علیه السلام .

ص: 44


1- ([1]) المفید، محمد، الإرشاد: ج2، ص133، وعنه الحر العاملی، محمد، وسائل الشیعة: ج14، ص445.

وأما مسألة أفضلیة زیارة الإمام الرضا علیه السلام علی زیارة الإمام الحسین علیه السلام - کما فی بعض الروایات - فهذا ما سیأتی بحثه بالتفصیل فی الفصل الثالث إن شاء الله تعالی.

فإن قلت: إنّ نفس تعلیق وجوب الزیارة علی الاعتقاد بإمامة الإمام الحسین علیه السلام زمانی، فالتعلیق زمانی لا نفس الحکم.

قلت: - بالإضافة إلی أن صاحب الدعوی یری أن نفس الحکم زمانی - إن تعلیق وجوب الزیارة علی أمر ما یقتضی عدم دخالة شیء آخر فی تحقق ذلک الحکم، ومنه مسألة الزمان، والروایة ظاهرة فی أن الإمام علیه السلام فی مقام البیان من هذه الجهة.

فإن قلت: إنّ هذه الروایة سندها ضعیف کما سیأتی، فلا تصلح للرد علی مَن ادعی أنّ وجوب الزیارة یخضع للزمان والمکان؟

قلت: بالإضافة إلی اعتماد المفید علیها، أو لا أقل اعتماده علی مضمونها، فإن الروایة التی بعدها بنفس المضمون وهی صحیحة السند.

سند الروایة

الروایة مرسلة، فهی ساقطة عن الاعتبار من هذه الجهة. إلّا أن یقال: إن الشیخ المفید اعتمد علی کثرة الروایات وشهرتها بهذا المضمون؛ لأنّه قال: «وقد جاءت روایات کثیرة فی فضل زیارته علیه السلام بل فی وجوبها»، فعطف قوله: «فی وجوبها» علی قوله: «فی فضلها»، أی: جاءت روایات کثیرة فی وجوبها، ولأجل ذلک صرّح بوجوب الزیارة، مما یکشف عن أن رأی المفید هو الوجوب، ولا

ص: 45

یکون رأیه کذلک إلّا إذا وصل إلیه خبر یفید الاطمئنان. والذی یؤید هذا المعنی هو وجود روایات صحیحة السند بنفس مضمون هذه الروایة.

الروایة الثالثة
اشارة

ما رواه الصدوق فی الفقیه، قال: وروی الحسن بن علی بن فضال، عن أبی أیوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر محمد بن علی‘، قال: «مُروا شیعتنا بزیارة الحسین بن علی‘؛ فإن زیارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأکل السبُع، وزیارته مفترضة علی مَن أقر للحسین علیه السلام بالإمامة من الله عز وجل»((1)).

ورواه أیضاً فی الأمالی، قال: «حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید (رضی الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن أبی عبد الله البرقی، عن الحسن بن علی بن فضال... إلی آخر السند والمتن المتقدمین((2)). ورواه فی المقنعة مرسلاً»((3)).

ورواه أیضاً ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدثنی أبی ومحمد بن الحسن، عن الحسن بن متیل، وقال محمد بن الحسن: وحدثنی محمد بن الحسن الصفار، جمیعاً، عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی، قال: حدثنا الحسن بن علی بن فضال...». إلی آخر السند والمتن المتقدمین((4)).

ص: 46


1- ([1]) الصدوق، محمد، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص582.
2- ([2]) الصدوق، محمد، أمالی الصدوق: ص206.
3- ([3]) المفید، محمد، المقنعة: ص468.
4- ([4]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص236.

وأیضاً رواه فی کامل الزیارات بسند آخر مع اختلاف یسیر فی المتن، قال: «حدثنی أبی رحمه الله وجماعة مشایخی، عن سعد بن عبد الله ومحمد بن یحیی العطار وعبد الله بن جعفر الحمیری جمیعاً، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع، عن أبی أیوب، عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: مُروا شیعتنا بزیارة قبر الحسین علیه السلام ؛ فإن إتیانه یزید فی الرزق ویمد فی العمر ویدفع مدافع السوء، وإتیانه مفترض علی کل مؤمن یُقر للحسین بالإمامة من الله»((1)).

وروی الشیخ المفید فی المزار عن ابن قولویه روایته الأُولی، قال: باب وجوب زیارة الحسین صلوات الله علیه، حدثنی أبو القاسم جعفر بن محمد، قال: حدثنی أبی ومحمد بن الحسن رحمهما الله...((2)).

وروی ما یقرب منه الفتال النیسابوری فی روضة الواعظین مرسلاً((3)). ومحمد بن المشهدی فی المزار، وقال: فضل زیارته علیه السلام وحدّ وجوبها فی الزمان علی الأغنیاء والفقراء((4)).

أقول: وإن تعددت الأسانید، وأُضیف فی المتن، إلّا أن الظاهر أنها روایة واحدة بقرینة الراوی المباشر ومَن روی عنه، وبقرینة نفس المتن.

ص: 47


1- ([1]) المصدر السابق: ص284.
2- ([2]) المفید، محمد، المزار: ص26.
3- ([3]) الفتال النیسابوری، محمد، روضة الواعظین: ص194. واُنظر: الحر العاملی، محمد، الوسائل: ج14: ص444.
4- ([4]) ابن المشهدی، المزار: ص 339.
دلالة الروایة

لقد أمر الإمام الباقر علیه السلام أصحابه بأن یأمروا الشیعة بالزیارة، ومن المعلوم فإن الأمر بمادته وهیئته ظاهر فی الوجوب علی مختلف المبانی، سواء بالوضع أم بحکم العقل أم بالإطلاق.

ولکن هذا لیس هو محل الشاهد فی الروایة، بل الشاهد فی الفقرة الآتیة التی علل بها الإمام علیه السلام ذلک الأمر، وهی قوله: «فإن إتیانه مفترض علی کل مؤمن یُقرّ للحسین علیه السلام بالإمامة من الله عز وجل». فإنها صریحة فی الوجوب، حیث بیّن الإمام الباقر علیه السلام أن الزیارة أمر مفروض علی کل مَن یؤمن بإمامة الإمام الحسین علیه السلام ، ویکون المعنی أوضح عند مراجعة استخدام کلمة الفرض عند الفقهاء، وکذا بمراجعة کلمات اللغویین، حیث أردفوا الفرض بالوجوب((1))، وبسبب ذلک أدرجنا الروایة فی هذا القسم من الروایات. فهذه الروایة صریحة فی الوجوب، ویکون معناها قریباً من معنی الروایة السابقة وخصوصیاتها التی استظهرناها.

سند الروایة

تقدم أن للروایة أکثر من سند، والرواة فی الجمیع من عِلیة الأصحاب ومن الأجلاء الثقاة، الذین علیهم المعتمد والاستناد.

إذن؛ هذه الروایة تامة من حیث السند وصریحة من حیث الدلالة علی

ص: 48


1- ([1]) اُنظر: الزبیدی، محمد، تاج العروس: ج10، ص 118، مادة فرض.

وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وأن هذا أمر إلهی مفترض عل کل مَن یعتقد بإمامة الإمام الحسین علیه السلام .

الروایة الرابعة
اشارة

ما رواه بن قولویه فی کامل الزیارات، قال: حدثنی محمد بن جعفر الرزاز، قال: حدثنی محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عن أبی داود المسترق، عن أُمّ سعید الأحمسیة، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قالت: «قال لی: یا أُمّ سعید، تزورین قبر الحسین؟ قالت: قلت: نعم. فقال لی: زوریه؛ فإن زیارة قبر الحسین واجبة علی الرجال والنساء»((1)).

دلالة الروایة

هذه الروایة صریحة فی الوجوب، فبعد أن أمر الإمام الصادق علیه السلام أُمّ سعید بالزیارة، علل ذلک بکون زیارة الحسین علیه السلام واجبة علی الرجال والنساء، وهذا یکشف عن أهمیة الزیارة، وأنها تفضل الکثیر من الواجبات، وذلک لاختصاص بعض الواجبات بالرجال، وخصوصاً بعض العبادات العامة، وفی المقام یؤکد الإمام علیه السلام وجوب الزیارة علی الرجال والنساء. فالروایة نص فی الوجوب، وهذا واضح.

ص: 49


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص237. الحر العاملی، محمد، وسائل الشیعة: ج14، ص437، ح19547.
سند الروایة

الکلام فی سند هذه الروایة فی أمر واحد، وهو أُمّ سعید الأحمسیة، حیث لم یرد فیها توثیق صریح، وقد عدها الشیخ الطوسی من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ((1)). وقال السید الخوئی: «أُمّ سعید الأحمسیة؛ من أصحاب الصادق علیه السلام ، رجال الشیخ. وعدها البرقی أیضاً من رواة أبی عبد الله علیه السلام من النساء. روت عن أبی عبد الله علیه السلام ، وروی عنها أبو داود المسترق»((2)).

وقال النمازی: «أُمّ سعید الأحمسیة؛ من أصحاب الصادق علیه السلام . روی الحکم بن مسکین وعبد الله بن سنان، عنها، عن الصادق علیه السلام ، وکذا ابن أبی عمیر ویونس بن یعقوب وغیرهما، عنها، عنه علیه السلام ، ومن هذه الروایات تستفاد حُسن عقیدتها وإمامیتها»((3)).

أقول: وروی عنها أیضاً أحمد بن رزق الغمشانی((4))، والحسین الأحمسی((5))، إلّا أنه لم أجد روایة ابن أبی عمیر عنها بالمباشرة.

نعم، روی ابن أبی عمیر عن الحسین الأحمسی، وهو عنها((6))، وهذا یفید التوثیق بناءً علی قاعدة أصحاب الإجماع.

ص: 50


1- ([1]) الطوسی، محمد، رجال الشیخ: ص327، رقم4911
2- ([2]) الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج24، ص202.
3- ([3]) النمازی، علی، مستدرکات علم رجال الحدیث: ج8، ص554.
4- ([4]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص218.
5- ([5]) المصدر السابق: ص296.
6- ([6]) المصدر السابق: ص296.

وقد روی عنها فی الفضائل ما یدل علی حسن عقیدتها، وأن لها منزلة ومقاماً عند أهل البیت علیهم السلام ، من قبیل ما رواه ابن جریر الطبری عن أُمّ سعید الأحمسیة، قالت: «قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جُعلت فداک یا بن رسول الله، اجعل فی یدی علامة من خروج القائم. قالت: قال لی: یا أُمّ سعید، إذا انکسف القمر لیلة البدر من رجب، وخرج رجل من تحته، فذاک عند خروج القائم»((1)).

ومن قبیل ما رواه البرقی فی المحاسن، عن الحسن بن علی بن یقطین، عمن حدثه، قال: «رأیت أُمّ سعید الأحمسیة وهی تأکل رماناً، وقد بسطت ثوباً قدامها تجمع کل ما سقط منها علیه، فقلت: ما هذا الذی تصنعین؟ فقالت: قال مولای جعفر بن محمد علیه السلام : ما من رمانة إلّا وفیها حبة من الجنة، فأنا أُحب ألا یسبقنی أحد إلی تلک الحبة»((2)).

فهذه الروایات وما شابهها قرائن علی حُسن عقیدتها بل ورسوخها، وهذا أمارة علی حُسن حالها وإمکان الاعتماد علیها.

ولکن المناقشة واضحة فی هذا الوجه؛ وذلک لأن الروایة الأُولی لم تثبت عنها لوجود المجاهیل فیها: کأحمد بن زید مثلاً. والروایة الثانیة للإرسال علی الأقل، بالإضافة إلی أنها هی الراویة.

نعم، لقد روی عنها الأجلاء الثقاة کعبد الله بن سنان، ویونس ین یعقوب،

ص: 51


1- ([1]) الطبری، محمد، دلائل الإمامة: ص484.
2- ([2]) البرقی، أحمد، المحاسن: ج2، ص542.

وأحمد بن رزق الغمشانی، والحسین الأحمسی وغیرهم، وقد کانت لها صحبة مع الإمام الصادق علیه السلام ، ومن مجموع روایاتها یُطمئن أنها أهل ومحل للنقل عنها، مضافاً إلی أنها کانت من المعاریف الذین لم یُطعن فیهم، وهذا أمارة علی اعتبارها وإمکان الاعتماد علیها، ومضافاً إلی ما تقدم من روایة بن أبی عمیر بواسطة الحسین الأحمسی، وبذلک یکون سند الروایة معتبراً، ویصح الاعتماد علیه.

إذن؛ فهذه الروایة تامة من جهة السند، ونص من حیث الدلالة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام .

الروایة الخامسة
اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: حدثنی محمد بن جعفر الرزاز الکوفی القرشی، عن خاله محمد بن الحسین بن أبی الخطاب، عمن حدثه، عن علی بن میمون، قال: «سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: لو أن أحدکم حج ألف حجة ثم لم یأتِ قبر الحسین بن علی‘ لکان قد ترک حقاً من حقوق رسول الله|. وسُئل عن ذلک، فقال: حق الحسین علیه السلام مفروض علی کل مسلم»((1)).

دلالة الروایة

لقد بیّن الإمام الصادق علیه السلام أن مَن لم یزر الحسین علیه السلام فإنه یکون بذلک تارکاً حقاً من حقوق رسول الله|، وأن حق الحسین علیه السلام مفروض علی جمیع

ص: 52


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص357، واُنظر: الحر العاملی، محمد، وسائل الشیعة: ج14، ص432.

المسلمین، وقد سبق بیان المراد من الفرض فی الروایة الثالثة، وأنه یُرادف الوجوب معنًی، فهذه الروایة صریحة فی الوجوب.

نعم، قد یقال: إن هذه الروایة تعارض الروایات المتقدمة من حیث سعة الوجوب علی المکلفین؛ لأن تلک الروایات حددت الوجوب بمن یؤمن بإمامة الإمام الحسین علیه السلام ، مع أن هذه الروایة توجب الزیارة علی جمیع المسلمین، فهل نحمل هذه علی الوجوب وتلک علی التأکید؟ أو أن هذه عامة وتلک خاصة؟ أو أن المسلم الحقیقی هو الذی یؤمن بإمامة الحسین علیه السلام ؟ وجوه لا یخلو بعضها من النقاش، ویکفینا القدر المتیقن، وهو الوجوب علی المکلفین فی الجملة، وسیأتی التطرق إلی هذا المعنی فی الأبحاث الدلالیة فی الفصل الثالث إن شاء الله.

سند الروایة

لیست هناک أیُّ مشکلة فی سند الروایة؛ فإن جمیع رواتها ثقات، لولا الإرسال، وذلک لعدم معرفة من روی عنه محمد بن الحسین بن أبی الخطاب.

إذن؛ فهذه الروایة وإن کانت صریحة من جهة الدلالة علی وجوب الزیارة، إلّا أنها غیر معتبرة من جهة السند، للإرسال.

الروایة السادسة
اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: حدثنی أبی، وجماعة من مشایخی، عن أحمد بن إدریس، عن العمرکی بن علی البوفکی عمن حدثه، عن صندل، عن هارون بن خارجة، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «سألته عمن ترک

ص: 53

الزیارة، زیارة قبر الحسین بن علی من غیر علة، قال: هذا رجل من أهل النار»((1)).

دلالة الروایة

لقد أخبر الإمام الصادق علیه السلام بأن مَن ترک زیارة الإمام الحسین علیه السلام فإنه من أهل النار، ومن الواضح جداً أن الشخص لا یکون من أهل النار إلّا إذا ترک واجباً، بل من الواجبات المهمة التی لا مجال لترکها؛ لأنه لیس کل مَن ترک واجباً فإنه من أهل النار، وذلک لأن هناک واجبات یمکن الغضُّ عن ترکها فی الآخرة قبال بعض الأعمال الصالحة، مع أن الإمام هنا أخبر جزماً بأن تارک الزیارة من أهل النار؛ وبذلک تکون الروایة صریحة فی وجوب الزیارة، بل کونها من أهم الواجبات.

سند الروایة

الروایة مرسلة؛ وذلک لأن مَن روی عنه العمرکی غیر معروف، فهی ساقطة عن الاعتبار من هذه الجهة، فالروایة وإن تمت دلالتها علی الوجوب، بل هی صریحة فیه، إلّا أن الإرسال یوهنها.

الروایة السابعة
اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: وحدثنی محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، عن أبیه، عن علی بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد

ص: 54


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص356. واُنظر: الحر العاملی، محمد، وسائل الشیعة: ج14، ص433.

الله بن حماد البصری، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن الحسین، عن الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث طویل، قال: قلت: «جُعلت فداک، ما تقول فیمن ترک زیارته وهو یقدر علی ذلک؟ قال: أقول: إنه قد عقّ رسول الله| وعقّنا واستخف بأمر هو له، ومَن زاره کان الله له من وراء حوائجه، وکفی ما أهمه من أمر دنیاه، وإنه لیجلب الرزق علی العبد، ویخلف علیه ما أنفق، ویغفر له ذنوب خمسین سنة، ویرجع إلی أهله وما علیه وزر ولا خطیئة إلّا وقد مُحیت من صحیفته، فإن هلک فی سفره نزلت الملائکة فغسّلته وفتحت له أبواب الجنة، ویدخل علیه روحها حتی یُنشَر، وإن سَلِم فُتح له الباب الذی ینزل منه الرزق، ویُجعل له بکل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم وذخر ذلک له، فإذا حُشر قیل له: لک بکل درهم عشرة آلاف درهم، وأن الله نظر لک وذخرها لک عنده»((1)).

ورواها بسند آخر، قال: حدثنی محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم... إلی آخر السند والمتن((2)).

ورواها الشیخ الطوسی فی التهذیب، قال: محمد بن أحمد بن داود، عن علی بن حبشی بن قونی، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن إسماعیل السلمی، عن عبد الله بن حماد، عن عبد الله بن عبد الرحمن... إلی آخر السند والمتن((3)).

ص: 55


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص246.
2- ([2]) المصدر السابق: ص553.
3- ([3]) الطوسی، محمد، تهذیب الأحکام: ج6، ص45، واُنظر: الحر العاملی، محمد، وسائل الشیعة: ج14، ص429.
دلالة الروایة

الروایة صریحة الدلالة علی وجوب الزیارة؛ ذلک لأنها عبّرت عمن ترکها بأنه عاقٌّ لرسول الله| وعاقٌّ لأهل البیت علیهم السلام ، ومن الواضح جداً أن العقوق لا یکون إلّا بترک الواجب، بل لسان الروایة لسان التهدید والتوعد، حیث عدّت تارک الزیارة من المستخفین العاقین، فهذه الروایة صریحة فی المطلوب، وهو وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وأنها حق ثابت لا یجوز ترکه أو الاستخفاف به، إلّا لعذر یوجب عدم القدرة علی الزیارة.

سند الروایة

الخلل فی سند هذه الروایة من جهة راوٍ واحد، وهو عبد الله بن عبد الرحمن، فإنه وارد فی سندی ابن قولویه وکذا فی سند الشیخ الطوسی، وهو الأصم کما صرح بذلک ابن قولویه، وبقرینة الراوی والذی یروی عنه یتعین فی سند الشیخ أیضاً، وعبد الرحمن هذا ضعیف.

قال النجاشی: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعی بصری، ضعیف غالٍ لیس بشیء. روی عن مسمع کردین وغیره. له کتاب المزار، سمعت ممن رآه فقال لی: هو تخلیط»((1)).

وقال ابن الغضائری: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعی، أبو محمد. ضعیف، مرتفع القول. له کتاب فی الزیارات، ما یدل علی خبث عظیم،

ص: 56


1- ([1]) النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص217، رقم566.

ومذهب متهافت. وکان من کذابة أهل البصرة»((1)).

وقال العلامة فی الخلاصة: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعی، بصری ضعیف غالٍ، لیس بشیء، وله کتاب فی الزیارات یدل علی خبث عظیم ومذهب متهافت، وکان من کذابة أهل البصرة، وروی عن مسمع کردین وغیره»((2)).

وقال السید الخوئی - بعد أن ذکر کلام النجاشی وابن الغضائری المتقدم -: «أقول: ظاهر کلام النجاشی أنه لیس بشیء. أنه ضعیف فی الحدیث، فلا اعتماد علی روایاته»((3)).

أقول: إن کتاب ابن الغضائری لم تثبت نسبته إلیه، وکلام العلامة یرجع إلی ابن الغضائری کما هو واضح، فلم یبقَ إلّا تضعیف النجاشی، وتضعیفه من جهة الاتهام بالغلو، والاتهام بالغلو قد لا یکفی فی تضعیف الراوی، بل قد ذهب بعض الأجلّة إلی أن مجرّد الاتهام بالغلو أمارة وقرینة علی الاعتبار وحُسن الحال؛ وذلک لأنه لو کان هناک ما یدعو للغمز غیر الغلو لذُکر، فتکون ساحة الراوی مبرأة من کل تهمة أُخری غیر الغلو، وبما أن الغلو صار أمره معلوماً، فیکون أمارة علی اعتبار الراوی.

ولکن مع ذلک، لا یمکن توثیق الأصم وذلک من جهة قول النجاشی:

ص: 57


1- ([1]) ابن الغضائری، أحمد، رجال ابن الغضائری: ص76.
2- ([2]) العلامة الحلی، خلاصة الأقوال: ص372.
3- ([3]) الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج11، ص259.

«لیس بشیء»، کما ذکر السید الخوئی. بالإضافة إلی التخلیط الذی نسبه النجاشی إلیه، خصوصاً وأن التخلیط فی کتاب المزار، ومن المطمئن به أن هذه الروایة من ذلک الکتاب، لوحدة الموضوع.

نعم، قد یقال: إن الموجود فی کتاب المزار هو أحد مضان الاتهام بالغلو فی تلک الأزمنة؛ لأن فیه الفضائل الکثیرة التی کان من الصعب تقبُّلها من بعض روّاد المدرسة القمّیة، فیحمل کلام النجاشی: «لیس بشیء» علی التخلیط فی کتاب المزار، خصوصاً وأن النجاشی لم یرَ کتاب المزار. ولکن لو سلمنا ذلک، تبقی وثاقة الأصم غیر ثابتة؛ لعدم ما یدل علیها.

قال الوحید البهبهانی فی تعلیقته علی منهج المقال: «قوله فی عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ: سمعت ممّن رآه (اه). قال جدّی: یمکن أن یکون حکمه بالضعف لهذا. ویشکل الجزم بذلک بهذا والحال أنّ أکثر أصحابنا رووا عنه ولم نجد فی أخبارنا ما یدل علی الغلوّ والله یعلم، والظاهر أنّ القایل بذلک (غض) کما یُفهم من قوله واعتماده فی بعض الأخبار علیه، انتهی. وما رُوی فی کتاب الأخبار یدلّ علی خلاف الغلوّ، وأنّه ما کان غالیاً، وهی کثیرة. نعم، فی إخباره ما هو بزعم (غض) غلوّ، مثل أنّه روی بالواسطة عن الباقر علیه السلام «نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خیرته إلی أن قال: ونحن الذین بنا یفتح وبنا یختم» (اه) والکلّ تعظیم لهم مثل قوله علیه السلام : بنا تنزل الرحمة وبنا تنزل الغیث. وهی طویلة»((1)).

ص: 58


1- الوحید البهبهانی، تعلیقة علی منهج المقال: ص227.([1])

قال المازندرانی - بعد أن نقل کلام البهبهانی المتقدم -: «أقول: قوله رحمه الله: الظاهر أنّ القائل. إلی آخره هو کذلک، وعبارته عین عبارة (صه) المذکورة إلی قوله: کان من کذّابة البصرة، کما نقله فی النقد، لکن فیه ما ذکرنا مراراً من الخروج من الضعف إلی الجهالة»((1)).

وبذلک یتبیّن عدم الوجه فیما ذکره بعض المحققین((2)) من أنّه من الأجلّاء وممن أجمعت العصابة علیه.

وأما بقیة رجال السند، فهم ثقاة؛ لأن الحسین هو الحسین بن المختار وهو ثقة، وأما الحلبی، فهو إما أحمد أو عبید الله أو محمد، وکلهم ثقاة، وإما یحیی الحلبی ولعله هو الراجح، وهو ثقة ثقة کما صرح النجاشی.

الروایة الثامنة
اشارة

ما جاء فی نوادر علی بن أسباط، عمن رواه، عن أحدهما‘ أنه قال: «یا زرارة، ما فی الأرض مؤمنة إلّا وقد وجب علیها أن تُسعد فاطمة سلام الله علیه فی زیارة الحسین علیه السلام »((3)).

ص: 59


1- ) الحائری، أبو علی، منتهی المقال: ج4، ص205. رقم1745.[1])
2- ([2]) بحر العلوم، محمد مهدی، الفوائد الرجالیة: ج3، ص50، تحقیق: محمد صادق بحر العلوم وحسین بحر العلوم.
3- ([3]) علی بن أسباط، نوادر علی بن أسباط، ضمن کتاب الأُصول الستة عشر: ص123. واُنظر: المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص75. النوری، المیرزا حسین، مستدرک الوسائل: ج10، ص259.
دلالة الروایة

الروایة واضحة الدلالة علی المطلوب؛ حیث بیّن الإمام علیه السلام أنه یجب علی جمیع المؤمنات أن یُسعدن فاطمة‘ بزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، فالروایة نص فی الوجوب، وهو واضح.

سند الروایة

الروایة غیر معتبرة من جهة السند بسبب الإرسال.

خلاصة القول

هذه مجموعة من الروایات التی نصّت علی الوجوب أو هی صریحة فیه، وقد اتضح أن دلالة هذه الروایات تامة، وبعضها تام سنداً أیضاً، وبذلک یتبین أن زیارة الإمام الحسین علیه السلام واجبة من حیث المقتضی، أی: إن الدلیل فی نفسه تام علی الوجوب، وسوف نستعرض الروایات التی تدل علی الوجوب أیضاً بالظهور، وکذا الإشکالات الواردة فی المقام، وهل هناک ما یمنع من العمل بدلالة تلک الروایات علی الوجوب أم لا؟ کل ذلک سنذکره فی أبحاث لاحقة إن شاء الله تعالی.

ص: 60

الفصل الثانی: الروایات التی تدل علی الوجوب بالظهور

اشارة

ص: 61

ص: 62

الروایات الظاهرة فی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام

اشارة

تقدّم الکلام فی الفصل الأول عن وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام من خلال الروایات المصرِّحة بلفظ (الوجوب)، أی: بمادّة الوجوب وما یدل علیه من قبیل کلمة الفرض، وقد ثبت فیما تقدّم أنّ هناک مجموعة من الروایات معتبرة السند وتامّة الدلالة علی المطلوب، والکلام ینعقد فی هذا الفصل حول وجوب الزیارة من خلال الروایات التی ظاهرها الوجوب، وهی التی دلّت علی ذلک من خلال ظهور صیغة الأمر، التی اتّفق العلماء علی دلالتها علی الوجوب - وإن اختلفوا فی بیان کیفیّة ذلک - بنفسها ما لم یمنع من ذلک مانع آخر، أو التی دلّت علی الوجوب من خلال سیاقها أو قرائن أُخری فیها، وسیأتی البحث عن وجود المعارض وعدمه عند ذکر مجموعة من الاعتراضات علی أصل الوجوب وکیفیّة الاستدلال علیه. کما سنعقد بحثاً عن المقدار الذی یُحقق امتثال الواجب - إن ثبت الوجوب - من أنّها مرّة فی العمر، أو حسب الظروف العامّة، أو أنّ هناک وقتاً وعدداً معیّناً لها، جمیع ذلک سوف یأتی بحثه فی الفصل الثالث إن شاء الله تعالی.

الروایة الأُولی

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی، وعلی بن

ص: 63

الحسین، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن أبیه، عن سیف بن عمیرة، عن رجل، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام وهو یزعم أنّه لنا شیعة حتی یموت، فلیس هو لنا بشیعة، وإن کان من أهل الجنة فهو من ضیفان أهل الجنّة»((1)).

دلالة الروایة

تکشف هذه الروایة عن أنّ الفرد لا یکون مؤمناً ومن أتباع الدین الإسلامی الصحیح، إلّا أن یزور الإمام الحسین علیه السلام ، ومَن لم یزره فهو لیس من الشیعة، ومن البیّن أنّه لو لم تکن الزیارة واجبة فلا یترتّب هکذا أثر علی ترکها، وإلّا لو ترتب هکذا أثر علی الأُمور المستحبة لما بقی هناک شیعی إلّا النادر؛ لعدم العمل بکثیر من المستحبات، ولسوف یفرغ الأمر المستحب عن حقیقته؛ لأن المستحبات هی الأُمور المندوبة التی یحقُّ للمکلف ترکها، فإن فعلها فله الثواب، وإن ترکها فلیس علیه عقاب، وأیُّ عقوبة أشد من سلب التشیع والإیمان عن الشخص؟!

فهذه خصوصیّة فی الواجبات، بل لیس فی کل الواجبات وإنّما ما کان مهماً جداً، وذلک لوجود مجموعة من الواجبات التی لا یخرج تارکها من التشیّع، وإنّما یُعدّ مذنباً أو فاسقاً، وهذا یدلّ علی أنّ زیارة الإمام الحسین علیه السلام من أهمّ الواجبات.

ص: 64


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص356. واُنظر: الحر العاملی، محمد، وسائل الشیعة: ج14، ص432.
إشکال وجوابه

وقد یتساءل أحد - أو یعترض علی الکلام المتقدّم -: بأنّ الروایة لم تمنع من دخوله الجنّة حتی مع عدم الزیارة، وهذه قرینة علی الاستحباب.

والجواب عن هذا الاعتراض: أنّه بالإضافة إلی أنّ الروایة جعلته ضیفان أهل الجنّة لا من أهلها، وبالإضافة إلی أنّ بعض المذنبین یدخلون الجنّة ولو بعد ألف عام، فإنّه لا یمنع من دخول غیر الشیعی فی الجنّة تحت ظروف وشروط خاصّة، من قبیل ما ذُکر فی أمر القاصر والمقصّر.

والمتحصّل

إنّ هذه الروایة صریحة فی أنّ تارک الزیارة یخرج عن التشیّع الذی هو الإسلام الصحیح، وهذا ظاهر فی وجوب الزیارة.

سند الروایة

جمیع مَن ورد اسمه فی سند هذه الروایة من الثقات الأجلّاء، إلّا أنّ المشکلة فیه من جهة الإرسال؛ وذلک لأنّ مَن روی عنه سیف بن عمیرة غیر معروف، وهذا یجعل الروایة مرسلة؛ فتکون ساقطة عن الاعتبار من هذه الجهة.

الروایة الثانیة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی الحسن بن عبد الله بن محمد بن عیسی، عن أبیه، عن الحسن بن محبوب، عن عاصم بن حمید

ص: 65

الحنّاط، عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام من شیعتنا کان منتقص الإیمان، منتقص الدین، وإن دخل الجنّة کان دون المؤمنین فی الجنّة»((1)).

ورواها عنه الشیخ المفید فی المزار، قال: «حدَّثنی أبو القاسم...» من دون فقرة: «وإن دخل الجنّة، کان دون المؤمنین فی الجنّة»((2)).

وعنه ابن المشهدی أیضاً فی کتاب المزار((3)).

ورواها الشیخ فی التهذیب بسنده، قال: «وعنه [أی: أبی القاسم جعفر بن محمد] عن محمد بن الحسن بن الولید، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن علیّ بن الحکم، عن أبی المعزا، عن عنبسة بن مصعب، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام حتی یموت کان منتقص الإیمان، منتقص الدین، إن أُدخل الجنّة کان دون المؤمنین فیها»((4)).

دلالة الروایة

یمکن الاستدلال علی المطلوب بإحدی فقرات ثلاث:

الفقرة الأُولی: «کان منتقص الإیمان»

تُبیّن هذه الفقرة أنّ مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام فهو ناقص الإیمان،

ص: 66


1- ([1]) المصدر السابق: ص355. واُنظر: الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص430.
2- ([2]) الشیخ المفید، المزار: ص56.
3- ([3]) اُنظر: ابن المشهدی، محمد، المزا ر: ص353.
4- ([4]) الطوسی، محمد بن الحسن، التهذیب: ج6، ص44.

ونقصان الإیمان لا یکون إلّا بترک الواجب، وإلّا فمَن ترک أمراً مستحباً لا یُسمی ناقص الإیمان؛ فتکون الروایة ظاهرة فی وجوب الزیارة.

مناقشة الاستدلال بالفقرة الأُولی

إنّ للإیمان مراتب ودرجات وکلّ مرتبة دانیة، تُعتبر ناقصة بالنسبة لما فوقها، ومن المعلوم فإنّ مَن یلتزم بالأُمور المستحبّة وخصوصاً المؤکَّدة منها، فإنّ مرتبته الإیمانیة أعلی ممَّن لا یلتزم بذلک، فیکون المراد فی هذه الفقرة من هذا القبیل؛ فنقصان الإیمان لا یلازم ترک الواجب. فهذه الفقرة لا تدلّ علی وجوب الزیارة.

فإن قلت: إنّ الروایة ظاهرة فی نقصان الإیمان الذی هو أقل المراتب؛ لأنّه لا یصدق علی تارک المستحب أنّه ناقص الإیمان، وإنّما لم یصل إلی المرتبة الأعلی بعد أن أحرز أصل الإیمان.

وبعبارة أُخری: إنه یوجد إیمان ناقص وهو بترک بعض الواجبات، وإیمان کامل بالإتیان بجمیع الواجبات، وإیمان أکمل بالإتیان بالمستحبات، فیکون النقصان فی هذه الروایة هو نقصان الإیمان بسبب ترک الواجب.

قلت: بالإضافة إلی أنّه لا شاهد من الروایة علی هذا التفصیل، فإنّ العرف یری أنّ تارک المستحبات یصدق علیه أنّه ناقص الإیمان فی قبال مَن یأتی بالمستحبات.

الفقرة الثانیة: «منتقص الدین»

وهذه الفقرة تعنی أنّ تارک الزیارة ناقص الدین، ونقصان الدین یکون

ص: 67

بترک الواجبات لا المستحبات، فإنّ مَن ترک مستحباً لا یقال له: إنّه ناقص الدین، وبذلک تکون هذه الفقرة ظاهرة فی کون الزیارة واجبة، حتی یصدق علی تارکها أنّه ناقص الدین.

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثانیة

من الواضح أنّ الأوامر الاستحبابیة من الدین، فتارکها یُعتبر تارکاً لأُمور دینیّة، فیکون ناقص الدین من هذه الجهة، فحتی لو قلنا: إنّ الزیارة مستحبة، مع ذلک یعدُّ تارکها ناقص الدین، فهو من قبیل قول الرسول علیه السلام : «مَن تزوج أحرز نصف دینه»((1)

ومن المعلوم فإنّ الزواج أمر مستحب، ومع ذلک عبَّر عنه بأنّه نصف الدین، لا مجرّد أنّه من الدین. فهذه الفقرة لا تدلّ علی الوجوب أیضاً.

الفقرة الثالثة: «وإن دخل الجنّة کان دون المؤمنین فی الجنّة»

یُستفاد من هذه الفقرة أنّ تارک الزیارة وإن أُدخل الجنّة إلّا أنّه فیها دون المؤمنین، فهو خارج عن دائرة الإیمان، وخروجه لا یکون إلّا بترک الواجبات، وإلّا فلا یتصور خروج الإنسان عن دائرة الإیمان بمجرّد ترک المستحب.

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثالثة

یُلاحظ علی الاستدلال بهذه الفقرة ما تقدّم فی نقاش الفقرة الأُولی من أنّ الإیمان علی مراتب ودرجات.

ص: 68


1- ([1]) الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج5، ص329.
جواب المناقشة

إنّ هذه الفقرة بیّنت أنّ تارک الزیارة دون المؤمنین، لا أنّه منهم ویکون فی المرتبة الأدنی لترکه الزیارة، بل هو دون المؤمنین بجمیع مراتبهم للإطلاق، فالروایة أخرجته عن دائرة الإیمان، ومن الواضح أنّ مجرّد ترک المستحب لا یخرج تارکه عن دائرة الإیمان، بل یُخرجه من المراتب العالیة للإیمان، فلا بدّ أن یکون الخروج بسبب ترک واجب ما.

وأمّا کیفیّة دخول تارک الواجبات إلی الجنّة، فقد تقدّم تقریبه فی الروایة السابقة.

ثمّ إنّه یمکن أن یقال: إن هذه الروایة صریحة فی الوجوب؛ وذلک لأنّ کثیراً من الواجبات تُغتفر للعبد المذنب التارک لها، إمّا بالأعمال الصالحة الأُخری التی تُکفِّر عن السیئات، وإمّا بالشفاعة، وإمّا تفضلاً منه تعالی، فلا یکون لها أثر یوم القیامة، مع أنّ الروایة تبیّن لنا أنّ تارک الزیارة نتیجته أنّه حتی لو أُدخل الجنّة فهو دون المؤمنین، وهذا یکشف عن أهمّیة الزیارة وخطورة ترکها لما یترتّب علیها من آثار یوم القیامة، وهذا غیر متصور فی الأُمور المستحبة.

خلاصة الکلام:

أنّ هذه الروایة ومن خلال الفقرة الثالثة ظاهرة فی الوجوب، إن لم نقل: إنها صریحة فیه؛ بناء علی التقریب الأخیر.

ص: 69

سند الروایة

تقدم أن للروایة أکثر من طریق:

طریق ابن قولویه

الکلام فی سند ابن قولویه یقع فی عبد الله بن محمد بن عیسی؛ حیث إنّه لم یرد فیه توثیق صریح.

قال الکشی: «وجدت بخط أبی عبد الله الشاذانی، أنّی سمعت العاصمی یقول: إنّ عبد الله بن محمد بن عیسی الأسدی الملقّب ببنان...»((1)).

وقد اکتفی النجاشی بما ذکره الکشی((2)).

قال التفرشی فی النقد: «بنان بن محمد بن عیسی، اسمه: عبد الله، وبنان لقبه علی ما وجدنا فی النجاشی عند ذکر محمد بن سنان. وکذا ذکره الکشی مع أخیه أحمد بن محمد بن عیسی، ولم أجد فی شأنه شیئاً من جرحٍ ولا تعدیل»((3)).

وقد ذکر التقی المجلسی أنّه من شیوخ الإجازة((4)).

وقال الوحید فی التعلیقة: «یروی عنه محمد بن أحمد بن یحیی، ولم یستثنِ روایته، وفیه إشعار بالاعتماد علیه، بل لا یبعد الحکم بوثاقته أیضاً»((5)).

ص: 70


1- ([1]) الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص 796.
2- ([2]) النجاشی، فهرست مصنفی الشیعة (رجال النجاشی): ص328، فی ترجمة محمد بن سنان.
3- ([3]) التفرشی، نقد الرجال: ج1، ص303، رقم809.
4- ([4]) اُنظر: المجلسی، محمد تقی، روضة المتقین: ج14، ص72.
5- ([5]) الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص100.

هذا، وقد ألّف فیه الکلباسی رسالة ذکر فیها مجموعة من القرائن علی اعتباره، فقال: «بل کونه من مشایخ الإجازة یقتضی صحّة حدیثه أو حُسنه؛ بناءً علی دلالة شیخوخة الإجازة علی العدالة، کما جری علیه جماعة، أو دلالتها علی الحُسن، کما نسبه العلاّمة البهبهانی إلی المشهور... أنّه لا إشکال فی أنّ الظاهر عدالة شیخ الإجازة لو کان مرجعاً للمحدِّثین فی الإجازة والاستجازة؛ حیث إنّ الظاهر أنّ رجوع المحدِّثین إلیه فی الإجازة واشتهاره بینهم بالاستجازة منه کان من جهة اعتمادهم علی عدالته، وإن فُرض کون الکتاب المستجاز لروایته متواتراً عند بعضهم، فکانت الاستجازة من جهة اتّصال السند، فکأنّ فی المستجیزین جماعة من المعتمدین وإن لم نعرفهم بأعیانهم کانت استجازتهم من جهة الاعتماد علی المجیز قطعاً، فالظاهر فی هذه الصورة أنّ الاشتهار بالإجازة کان من جهة الوثاقة، مع أنّه لا أقل من ظهور کون جماعة من المستجیزین معتمدین کانت استجازتهم من جهة الاعتماد، فیتأتّی لنا الظنّ بالوثاقة، وفیه الکفایة... فضلاً عن أنّه قد تکثر روایة محمد بن یحیی، عن عبد الله بن محمد، ولم یذکرها محمد بن الحسن بن الولید فیما استثناه من روایات محمد بن یحیی. وقد ذکر العلاّمة فی آخر الخلاصة ما استثناه محمد بن الحسن [بن] الولید من روایات محمد بن یحیی... وفضلاً عن أنّ ذِکْره فی الأسانید مع أخیه یقتضی مساوقة شأنه لشأن أخیه ولو فی الجملة، فلا أقل من دلالته علی حُسن حاله؛ بناءً علی وثاقة أخیه، کما حررناه فی الأُصول»((1)).

وقد ذکر السید الخوئی بأنّه: «وقع بعنوان: (بنان بن محمد) فی إسناد عدّة

ص: 71


1- ([1]) الکلباسی، محمد بن محمد إبراهیم، الرسائل الرجالیة: ج3، ص291- 295.

من الروایات تبلغ 66 مورداً. فقد روی عن أبیه وابن محبوب، وسعد بن السندی، وصفوان، والعباس غلام لأبی الحسن علیه السلام ، ومحسن بن أحمد، وموسی بن القاسم. وروی عنه محمد بن أحمد بن یحیی، ومحمد بن علی بن محبوب، ومحمد بن یحیی»((1)).

وقال تحت عنوان عبد الله بن محمد بن عیسی: «وقع بهذا العنوان فی إسناد عدّة من الروایات تبلغ أربعاً وأربعین مورداً. فقد روی عن أبیه، وابن أبی عمیر، والحسن بن محبوب، وداود الصرمی، وصفوان بن یحیی، وعلی بن الحکم، وعلی بن مهزیار، وعمرو بن عثمان، ومحمد بن أبی عمیر، ومحمد بن عبد الحمید، والحجال. وروی عنه سعد، وسعد بن عبد الله، وعلی بن إبراهیم، ومحمد بن الحسن الصفّار، ومحمد بن یحیی، والحمیری»((2)).

أقول: یمکن الاعتماد علی عبد الله بن محمد؛ وذلک بالإضافة إلی القرائن العدیدة المتقدِّمة، أنّه یمکن الاستظهار من کثرة روایاته، وکونه من شیوخ الإجازة، أنّه من المعاریف الذین لم یُطعن فیهم، وهذا کافٍ فی اعتباره والاطمئنان بما یرویه. فالسند تامٌّ من هذه الجهة.

طریق الشیخ فی التهذیب

الکلام فی سند روایة التهذیب یقع فی عنبسة بن مصعب:

قال الکشی: «قال حمدویه: عنبسة بن مصعب ناووسی، واقفی علی أبی

ص: 72


1- ([1]) الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج4، ص273، رقم1895.
2- ([2]) المصدر السابق: ج11، ص334، رقم7140.

عبد الله علیه السلام »((1)).

وقد عدّه الشیخ من أصحاب الإمام الباقر علیه السلام ((2))، والصادق علیه السلام ((3)

والکاظم علیه السلام ((4)).

وقد ناقش فی ناووسیته البهبهانی فی التعلیقة، قال: «ولعل نسبته إلی الناووسیة بسبب ما رُوی عنه عن الصادق علیه السلام أنّه قال: مَن جاءکم یُخبرکم أنّه غسّلنی وکفّننی ودفننی فلا تصدّقوه. وإلی هذه الروایة استند الناووسیة، والروایة قابلة للتوجیه: بأنّ هذا الکلام منه علیه السلام کان فی زمانٍ خاص، ومن جهة خاصّة، أو أنّ هذا المجموع لا یتحقق من أحد؛ فإنّ الإمام لا یغسّله إلّا الإمام فتأمّل. ویمکن أنّ یکون عنبسة توهّم من بعض الأحادیث مثل ما رواه الکافی فی باب الإشارة والنصّ علی الصادق علیه السلام عن أبی الصباح أنّ الباقر علیه السلام قال مشیراً إلی الصادق: هذا من الذین قال الله عز وجل: «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَکُمْ أَعْمَالُکُمْ سَلَامٌ عَلَیْکُمْ لَا نَبْتَغِی الْجَاهِلِینَ (55)»((5)) الآیة. وما رواه فیه أیضاً عن جابر الجعفی عن الباقر علیه السلام ، قال: سُئل عن القائم علیه السلام ، فضرب بیده علی أبی عبد الله علیه السلام فقال: هذا - والله - قائم آل محمد علیه السلام . قال عنبسة: فلمّا قُبض علیه السلام دخلت علی الصادق علیه السلام فأخبرته بذلک، فقال: صدق

ص: 73


1- ([1]) الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی): ج2، ص659. وإنما سُمّیت الناووسیة برئیس کان لهم یُقال له: فلان ابن فلان الناووس. المصدر نفسه.
2- ([2]) الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص141، رقم1519.
3- ([3]) المصدر السابق: ص261، رقم3722.
4- ([4]) المصدر السابق: ص340، رقم5069.
5- ([5]) القصص: آیة 55.

جابر. ثمّ قال: لعلکم ترون أن لیس کل إمام هو القائم بعد الإمام الذی کان قبله. فتوهّم من أمثال ما ذکرناه أنّ الصادق علیه السلام قائم آل محمد علیه السلام علی حسب ما أُشیر إلیه فی الفائدة عند ذکر الواقفة وکان سمع أنّ القائم علیه السلام یغیب، وأنّ مَن جاءکم یُخبر أنّه غسّله وکفّنه ودفنه لا یُصدّق، کما سیجیء فی یحیی بن القاسم، فنقل ذلک بالنسبة إلی الصادق علیه السلام بناءً علی زعمه»((1)).

وقال أیضاً: «روی الکلینی والشیخ فی الصحیح، عن ابن أبی عمیر، عن جمیل، عن أحدهما سلام الله علیه : لا یُجبر الرجل إلّا علی نفقة الأبوین والولد. قلت لجمیل: فالمرأة؟ قال: قد رووا أصحابنا، وهو عنبسة بن مصعب، وسورة بن کلیب، عن أحدهما سلام الله علیه ...»((2)).

فقد عدَّ جمیلُ عنبسةَ من أصحابنا، وقد أجاب السید الخوئی قائلاً: «عدُّ جمیلٍ عنبسةَ بن مصعب من أصحابنا لا ینافی ناووسیته؛ فإنّ المراد بأصحابنا هو مطلق الشیعة فی مقابل العامّة، کما یظهر ذلک من إطلاق هذه الکلمة علی الفطحیّة والواقفة وغیرهما من فُرَق الشیعة»((3)).

وقال أیضاً: «احتمل بعضهم أن یکون عنبسة بن مصعب واقفیاً أیضاً، اغتراراً بما تقدَّم عن الکشی، عن حمدویه أنّه ناووسی واقفی علی أبی عبد

ص: 74


1- ([1]) الوحید البهبهانی، محمد باقر، تعلیقة علی منهج المقال: ص272.
2- ([2]) المصدر السابق: ص271.
3- ([3]) الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج14، ص179.

الله علیه السلام ، ولکنّه باطل جزماً، فإنّ القول بالوقف ینافی الناووسیة، کما هو ظاهر، وعبارة الکشی محرَّفة جزماً، والصحیح أنّه ناووسی واقف علی أبی عبد الله علیه السلام »((1)).

وقال أیضاً: «وقع بهذا العنوان فی إسناد کثیر من الروایات، تبلغ واحداً وخمسین مورداً، فقد روی عن أبی جعفر وأبی عبد الله سلام الله علیه ، وعن سماعة. وروی عنه أبو المغراء، وأبو المغراء العجلی، وابن سنان، وابن محبوب، وابن مسکان، وأبان، وأبان بن عثمان، وإبراهیم بن هاشم عن بعض أصحابه، وإسحاق بن عمار، وجعفر بن بشیر، وجمیل، وصفوان، وعاصم، وعاصم بن حمید، وعبد الله بن بکیر، وعبد الله بن مسکان، وعلی بن رئاب، ومالک بن عطیة، ومحمد بن أبی عمیر، ومحمد بن مسعود الطائی، ومنصور بن حازم، ومنصور بن یونس»((2)).

وقد استدلّ بروایته الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان((3)).

وقد وثّق السید العاملی فی المدارک روایته تارةً ((4)

وصححها أُخری((5)).

ولکن قال فی نهایة المرام بعد أن ذکر روایة: «لکن راویها، وهو عنبسة بن

ص: 75


1- ([1]) المصدر السابق: ج14، ص180، رقم9117.
2- ([2]) المصدر السابق: ج14، ص180.
3- ([3]) اُنظر: الأردبیلی، مجمع الفائدة والبرهان: ج2، ص294.
4- ([4]) اُنظر: السید العاملی، مدارک الأحکام: ج1، ص134.
5- ([5]) المصدر السابق: ج1، ص266.

مصعب غیر معلوم الحال، فلا تعویل علی روایته»((1)).

ووصف المحقق السبزواری حدیثه بالصحّة فی الذخیرة((2)

ولکنّه بیّن مقصوده من وصفه بالصحّة؛ حیث قال فی مکان آخر: «وروی عن عبد الله بن مسکان فی الصحیح، وهو ممَّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنه، عن عنبسة بن مصعب، وهو ناووسی غیر موثّق»((3)).

وقال أیضاً: «وعن ابن مسکان فی الصحیح عن عنبسة بن مصعب الضعیف...»((4)).

وقد وصف القمّی روایته فی الغنائم بالصحّة((5)).

وقد وثّقه السید الخوئی واعتبر روایته بناءً علی مبناه القدیم فی توثیق جمیع رجال کامل الزیارات((6)

إلّا أنّه عدل عن ذلک فیما بعد.

وقال النمازی الشاهرودی فی المستدرکات: «وروی الکشی بسنده المعتبر عنه، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: أشکو إلی الله وحدتی وتقلقلی من أهل المدینة حتی تقدموا وأراکم وأُسرّ بکم. فلیت هذه الطاغیة أذن لی فاتّخذت

ص: 76


1- ([1]) العاملی، نهایة المرام: ج1، ص185.
2- ([2]) اُنظر: السبزواری، ذخیرة المعاد: ج1، ص292.
3- ([3]) المصدر السابق: ج1، ص361.
4- ([4]) المصدر السابق: ج1، ص362.
5- ([5]) اُنظر: القمّی، غنائم الأیام: ج3، ص81. واُنظر: القمی، مناهج الأحکام: ص400.
6- ([6]) اُنظر: الخوئی، أبو القاسم، شرح العروة الوثقی (کتاب الصلاة): ج18، ص163.

قصراً فسکنته وأسکنتکم معی وأضمن له أن لا یجیء له من ناحیتنا مکروه أبداً وکمباج 11/159، وجد ج47/185. ورواه فی روضة الکافی ح261 مثله. أقول: یظهر منها أنّه من الشیعة الذین یُسرّ الإمام برؤیته ویُسکنهم معه لو أمکنه؛ فالأظهر أنّه موثّق لما تقدّم؛ ولما ذکره المحدِّث النوری فی تأییده»((1)).

وما نرید قوله فی المقام هو: أمّا بناءً علی قاعدة (أصحاب الإجماع) فوثاقته واضحة؛ لأنّهم قد رووا عنه، وقد بنی علی هذه القاعدة الکثیر من العلماء والفقهاء، وهی من القواعد التامّة والتی قامت الشواهد العدیدة علی اعتبارها.

وأمّا بناءً علی ما یمکن أن یُستفاد من مبنی بعض الأجلّة، من أنّ مجرّد الرمی بالغلو یکشف عن أنّ الراوی حسن السیرة من باقی الجهات، وإلّا لو کان هناک ما یُضعّف به لذُکر، فنطبّق القاعدة فی المقام بأن نقول: إنّ مجرّد الرمی بالناووسیة یکشف عن حُسنه فی باقی الجهات، وإلّا لذُکِرَت، ومن الواضح فإن الرمی بالناووسیة بمفرده لا یضرّ بالاعتماد علیه.

وأمّا بناءً علی النقاش فی کونه من الناووسیة، فإنّه من المعاریف الذین لم یُغمَز علیهم بشیء، وهذا أمارة علی اعتباره وإمکان الاعتماد علیه، بل حتی لو لم نقل بذلک فأیضاً هو من المعاریف الذین لم یُغمَز علیهم، إلّا بما هو لا علاقة له بالوثاقة وصحّة الاعتماد، وهو اتّهامه بالناووسیة.

وعلی کلّ حال، فمِن مجموع ما تقدّم تطمئن النفس بإمکان الاعتماد علیه

ص: 77


1- ([1]) النمازی الشاهرودی، علی، مستدرک سفینة البحار: ج6، ص230.

والعمل بروایاته؛ لذلک نجد مجموعة من الفقهاء اعتمدوا علیه وعملوا بروایاته.

النتیجة: إنّ السند الثانی للروایة یصحّ الاعتماد علیه أیضاً. فهذه الروایة تامّة من حیث السندین، ومن حیث الدلالة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام .

الروایة الثالثة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «وبهذا الإسناد [أی: حدَّثنی جماعة أصحابنا، عن أحمد بن إدریس ومحمد بن یحیی العطار] عن العمرکی بن البوفکی، عمَّن حدَّثه، عن محمد بن الفضیل، عن أبی الناب، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن زیارة قبر الحسین علیه السلام ، قال: نعم، تعدل عمرة، ولا ینبغی أن یتخلّف عنه أکثر من أربع سنین»((1)).

وقال فی موضع آخر: «وبإسناده [أی: العمرکی]، عن محمد بن الفضیل، عن أبی ناب...»((2)).

إلی آخر الروایة.

دلالة الروایة

نصّت هذه الروایة علی أنّه لا ینبغی التخلّف عن زیارة الإمام الحسین علیه السلام أکثر من أربع سنین، وهو ظاهر فی عدم جواز ترک الزیارة أکثر من هذه المدّة،

ص: 78


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر، کامل الزیارات: ص293. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص431.
2- ([2]) المصدر السابق: ص495.

وهذا یعنی أنّ زیارة الإمام واجبة فی کل أربع سنوات مرّة.

دفع توهّم: قد یناقش بعضهم بأنّ لفظ (ینبغی أو لا ینبغی) معناه الاستحباب، أی: الأفضل أن لا تترک الزیارة هذه المدّة، وهو لا یعنی المنع وعدم جواز الترک.

إلّا أنّ هذه المناقشة غیر تامّة؛ لأن اللفظ ظاهر فی عدم جواز الترک لو خُلّی ونفسه، ولا یُحمل علی الاستحباب إلّا إذا کانت هناک قرینة علی ذلک.

فإن قلت: إنّ عدم احتمال وجوب الزیارة فی هذه المدّة یصلح أن یکون قرینة علی عدم إرادة الوجوب من هذا اللفظ.

أقول: إن بحث القرائن سوف یأتی، وسنبحث هناک هل توجد قرائن تُعیّن الاستحباب من تلک الروایات؟ أو لا أقل هل توجد قرائن معارضة للوجوب؟ ثم إن کانت فما هی حدودها؟ وکیف نجمع بینهما؟ أما الآن فالبحث عن أصل الوجوب من دون تفریعات ومعارضات.

سند الروایة

إنّ هذه الروایة مرسلة بکلا سندیها؛ لأنّ مَن روی عنه البوفکی غیر معروف، فالروایة غیر معتبرة من هذه الجهة.

لا یقال: إنّ السند الثانی للروایة متصل؛ لأنّه ورد فیها: بإسناده عن محمد بن الفضیل.

لأنه یقال: إنّه لم یثبت أنّ للعمرکی سنداً إلی محمد بن الفضیل، بالإضافة

ص: 79

إلی أنّ مجموع القرائن والشواهد تدلّ علی أنّ السند هنا هو نفسه فی الروایة الأُولی.

الروایة الرابعة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی (کامل الزیارات)، قال: «وقال العمرکی بإسناده، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : إنّه یصلِّی عند قبر الحسین علیه السلام أربعة آلاف مَلک من طلوع الفجر إلی أن تغیب الشمس، ثمّ یصعدون وینزل مثلهم، فیصلُّون إلی طلوع الفجر، فلا ینبغی للمسلم أنّ یتخلّف عن زیارة قبره أکثر من أربع سنین»((1)).

دلالة الروایة

دلالة هذه الروایة کدلالة الروایة السابقة؛ فهی ظاهرة فی الوجوب بدواً، کما تقدّم بیانه.

سند الروایة

الروایة مرسلة؛ لأنّه لم یُعرف سند البوفکی إلی الإمام علیه السلام ، فهی ساقطة عن الاعتبار من هذه الجهة.

الروایة الخامسة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی (کامل الزیارات)، قال: «حدَّثنی أبی، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عیسی بن عبید، عن محمد بن سنان، عن أبی سعید

ص: 80


1- ([1]) المصدر السابق: ص494.

القمّاط، عن بشّار، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: مَن کان مُعسراً فلم یتهیّأ له حجّة الإسلام فلیأتِ قبر الحسین علیه السلام ولیُعرف عنده، فذلک یجزیه عن حجة الإسلام، أما أنّی لا أقول: یُجزی ذلک عن حجّة الإسلام إلّا للمعسر، فأمّا الموسر إذا کان قد حجّ حجة الإسلام فأراد أن یتنفّل بالحجّ أو العمرة ومنعه من ذلک شغل دنیا أو عائق فأتی قبر الحسین علیه السلام فی یوم عرفة أجزأه ذلک عن أداء الحجّ أو العمرة، وضاعف الله له ذلک أضعافاً مضاعفة. قلت: کم تعدل حجّة؟ وکم تعدل عمرة؟ قال: لا یُحصی ذلک. قال: قلت: مائة؟ قال: ومَن یُحصی ذلک؟ قلت: ألف؟ قال: وأکثر من ذلک. ثمّ قال: وإن تَعدُّوا نعمة الله لا تحصوها، إن الله واسع کریم»((1)).

ورواها الشیخ الطوسی فی التهذیب، قال: «سعد بن عبد الله، عن محمد بن عیسی، عن محمد بن سنان، عن أبی إسماعیل القمّاط، عن بشار، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:...»((2)).

ورواها الشیخ المفید فی المزار، عن ابن قولویه((3)).

ومحمد بن المشهدی فی مزاره((4)).

ص: 81


1- ([1]) المصدر السابق: ص322. واُنظر: الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص461.
2- ([2]) الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج6، ص50.
3- ([3]) الشیخ المفید، محمد، المزار: ص46.
4- ([4]) ابن المشهدی، المزار: ص349.
دلالة الروایة

إنّ إجزاء الزیارة عن الحجّ الواجب بالنسبة للمُعسر تعنی أنّها فی مرتبته، وإلّا فکیف یُجزی الأمر الاستحبابی عن الأمر الوجوبی؟ وإذا کانت فی مرتبته وبنفس ملاکه والمصلحة التی یشتمل علیها فهی واجبة مثله.

إشکال

لازم هذا الکلام أن تُجزی الزیارة عن الحج الواجب حتی للموسر؛ لأنه سوف تکون الزیارة فی مرتبة الحج الواجب، مع أنّ الروایة نصّت علی أنّ الزیارة لا تُجزی عن الحجّ بالنسبة إلیه.

الجواب

إنّ الأصل فی الواجبات عدم إمکان استیفائها بواجب آخر مع إمکان الإتیان بها، إلّا فی الواجبات التخییریة کما لا یخفی؛ وعلیه فعدم إجزاء الزیارة عن الحجّ الواجب بالنسبة للموسر علی طبق القاعدة، وهذا أمر آخر غیر ما نحن فیه، ولا یضرّ بالاستدلال؛ لأنّ استدلالنا کان فی إجزاء الزیارة عن الحجّ الواجب فی الظرف الخاصّ، وما ینوب عن الوجوب فهو فی مرتبته. أو فقل: إنّ المسألة من قبیل الوضوء والتیمم؛ فإنّ التیمم واجب بالنسبة للمضطرّ دون المختار، فالتیمم الذی یُجزی عن الوضوء الواجب واجب مثله.

إشکال آخر

إنّ الزیارة تُجزئ عن الحجّ الواجب فی مسألة الثواب، أی: إنّ ثواب

ص: 82

الزیارة یعدل ثواب الحجّ أو أکثر، فهی تُجزئ عنه من هذه الجهة، وهذا أمر لا ربط له بتساوی الرتبة من جهة الوجوب، حتی یُقال: ما یُجزئ عن الواجب فهو فی مرتبته؛ إذن فهو واجب.

جواب الإشکال بالنقض والحل

أما نقضاً: فبناءً علی ما ذُکر لا بدّ أن تُجزئ الزیارة حتی عن الحجّ الواجب بالنسبة للموسر؛ لأنّ مَن زار یحصل علی الثواب، وقد ورد أنّ ثواب الزیارة یعادل الحجّ بل أکثر بکثیر؛ وعلیه فلا معنی للتفریق بین الموسر والمُعسر من هذه الجهة بالخصوص.

لا یقال: إنّ مَن کان موسراً ووجبت علیه حجّة الإسلام، فإنّه یتعیّن علیه الحجّ، ولا تصل النوبة للزیارة، حتی یُقال: تُجزئ أو لا تُجزئ، فالتفریق من هذه الجهة.

لأنه یُقال: یمکن للموسر أن یزور قبل أدائه حجّة الإسلام فی وقت لا یزاحم حجّة الإسلام، کما فی الأشهُر التی قبل أشهُر الحجّ، فلا معنی للتفریق.

إلا أنّ هذا یرد علیه أنّ المنصوص فی الروایة هو زیارة یوم عرفة، وهو رکن فی الحجّ، فلا یمکن الجمع بینهما.

وأما حلاً: فإنّ الروایة ناظرة إلی الحالة الاستثنائیة التی یمرّ بها الحجّ الواجب، وهی إعسار المکلف، فترید أن تبیّن الروایة أنّ هناک أمراً آخر یجزئ عن هذا الواجب المتعذر، وهو زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وهذا لا ربط له بمسألة الثواب والفضل، بل یفیدنا هذا المعنی تساوی الأمرین فی الوجوب،

ص: 83

فهو یُجزئ عنه من هذه الجهة، وأمّا فی عدم إجزائه للموسر فلِما تقدّم من الأصل فی الواجبات.

إلا أنّ الإنصاف یقتضی القول: إنّ الروایة ناظرة إلی الثواب الذی یفوت علی العبد لفوات الحجّ علیه، فأشارت الروایة إلی تعویض ذلک الفضل الفائت، بل وزیادة علیه بزیارة الإمام الحسین علیه السلام ؛ لأجل ذلک لا یحتمل أحد أنّ المُعسر الذی زار الإمام الحسین علیه السلام لا تجب علیه حجّة الإسلام إذا أصبح موسراً بعد ذلک، فالروایة ناظرة إلی الثواب، والشاهد علی ذلک من نفس الروایة؛ حیث إنّها أشارت فی الذیل إلی مسألة الثواب.

فإن قلت: لو لم تکن الزیارة واجبة، لکان ثواب الأمر المستحب أکثر من الواجب، وهذا ما لا تساعد علیه المرتکزات الأُصولیة فی تحدیدها للأمر الواجب والمستحب، کما هو واضح.

قلت: بالإضافة إلی أنّ هذا لیس بالأمر العزیز بین الواجبات والمستحبات، وله نظائر عدیدة، فإنّ کثرة الثواب لیست علّة تامّة للوجوب، بل ربما یکون أمراً ما أکثر ثواباً من المستحب، إلّا إنّه توجد موانع ومزاحمات أُخری تمنع من تقنینه کواجب شرعی. کما أشار إلی هذا المعنی بعض الفضلاء.

فهذه الروایة - إذن - لا یمکن التمسّک بظهورها فی وجوب الزیارة.

سند الروایة

الکلام عن سند هذه الروایة فی أمرین:

ص: 84

الأول: الکلام فی محمد بن سنان، حیث اختُلف فیه، وقد ألَّفنا فیه رسالة استخلصنا منها اعتباره وإمکان الاعتماد علیه.

فقد قلنا هناک - بعد أن استعرضنا روایات المدح -: وبذلک یتم البحث فی الروایات المادحة، وقد خرجنا بعدة نتائج مهمة:

الأُولی: ثبت صحة الروایة الثامنة وثبت من خلالها أنّ ابن سنان وإن کان غیر مرضی فی فترة من الفترات، إلّا إنّه فی النهایة حاز علی رضا الإمام علیه السلام ، بل وأمر الإمام بتولیه ومتابعته.

الثانیة: مع ثبوت النتیجة المتقدمة یثبت صحة الروایات التی صحت إلی ابن سنان کما فی الروایة الأُولی، وفیها - کما تقدم - المدح العظیم لابن سنان، وفیها الدلالة الواضحة علی ما وقع ویقع من أمر الاختلاف فی ابن سنان، ولا یلزم من ذلک إشکال الدور المتقدم کما هو واضح.

الثالثة: قال بعض الأجلّة - بعد أن ذکر إشکال أنّ هذه الروایات غیر نقیة الأسانید -: «الأخبار المذکورة لا تقصر عن خبر واحد صحیح، فإنها روایات متعددة مشهورة، ذکرها الکشی والمفید والشیخ، واعتمد علیها الشیخان فی مدح محمد بن سنان، ونص المفید علی کونها مشهورة فی النقل، وفی کلام الکشی ما یؤذن بذلک، حیث أجاب عما ورد من الطعن علی الفضل بن شاذان: بأنّ ذلک قد تعقبه الرضا من الإمام علیه السلام کما فی صفوان ومحمد بن سنان»((1)).

ص: 85


1- ([1]) بحر العلوم، مهدی، الفوائد الرجالیة: ج3، ص264.

وقال السید الخوئی: «أقول: المتحصل من الروایات أن محمد بن سنان کان من الموالین وممن یدین الله بموالاة أهل بیت نبیه علیه السلام ، فهو ممدوح، فإن ثبت فیه شیء من المخالفة، فقد زال ذلک وقد رضی عنه المعصوم سلام الله علیه، ولأجل ذلک عدّه الشیخ ممن کان ممدوحاً حَسَن الطریقة»((1)).

الثانی: الکلام فی بشار، والظاهر هو ابن یسار الثقة المعروف، بقرینة إطلاق الاسم.

فهذه الروایة وإن أمکن تتمیم سندها إلّا أنّ دلالتها علی المطلوب لا تخلو من إشکال.

الروایة السادسة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی (کامل الزیارات)، قال: «حدَّثنی جعفر بن محمد بن إبراهیم بن عبید الله الموسوی، عن عبید الله بن نهیک، عن محمد بن أبی عمیر، عن أبی أیوب، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: حقٌّ علی الغنی أن یأتی قبر الحسین علیه السلام فی السنة مرتین، وحقٌّ علی الفقیر أن یأتیه فی السنة مرة»((2)).

ورواها عنه الشیخ المفید فی مزاره، قال: «حدثنی أبو القاسم جعفر بن محمد...»((3)).

ص: 86


1- ([1]) الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج17، ص169.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص490. واُنظر: الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص532.
3- ([3]) الشیخ المفید، المزار: ص28.

وکذا رواها عنه ابن المشهدی بإسناده إلیه((1)).

وما رواه ابن قولویه أیضاً فی (کامل الزیارات)، قال: «حدَّثنی أبی رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن یعقوب بن یزید، عن ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی ناب، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: حقٌّ علی الفقیر أن یأتی قبر الحسین علیه السلام فی السنة مرة، وحقٌّ علی الغنی أن یأتیه فی السنة مرتین»((2)).

وما رواه الشیخ الطوسی فی التهذیب، قال: «وعنه [أی: محمد بن أحمد بن داوود] عن محمد بن الحسین، عن محمد بن یحیی، عن محمد بن أحمد، عن یعقوب بن یزید، عن ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابنا، عن ابن رئاب، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: حقٌّ علی الغنی...»((3)).

دلالة الروایة

جعلت هذه الروایة زیارة الإمام الحسین علیه السلام حقاً فی رقبة الجمیع، إن کان غنیاً ففی السنة مرتین، وإن کان فقیراً ففی السنة مرة، ولو لم تکن الزیارة واجبة لما کانت حقاً علی الآخرین، فالحقّ یعنی الوجوب.

ولا یقال: من غیر المحتمل أن تجب زیارة الإمام الحسین علیه السلام علی الغنی فی السنة مرتین وعلی الفقیر مرة، فإن هذا یرفضه التسالم الفقهی بین العلماء.

ص: 87


1- ([1]) اُنظر: ابن المشهدی، المزار: ص341.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص491.
3- ([3]) الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج6، ص42 - 43.

لأنه یقال: إنّ الکلام فعلاً فی أصل الوجوب وهو لا یض-رّه هذا الإشکال، خصوصاً علی التبعیض فی حجیّة دلالة الروایات، وهو ما علیه العمل بین الأعلام.

ولکن یمکن الإشکال علی دلالة هذه الروایة من جهة أُخری، وهی: أنّ کلمة الحقّ لا تعنی الوجوب، فلربما یکون هناک حقّ، إلّا أنّه لیس واجباً، بل من المستحب الأکید مثلاً، وإلّا فحقّ الإمام علیه السلام أکثر من ذلک بکثیر، وما هذا إلّا الشیء الیسیر، وکم هناک حقوق لأهل البیت علیهم السلام إلّا أنّها لیست واجبة، فمن حقوقهم المسلّمة أنّ یُذکروا ویُزاروا فی کلّ وقت، کما أن لله تعالی حقوقاً کثیرة إلّا أنّه تعالی أوجب بعضاً دون بعض، فهذه الروایة تُثبِت أصلَ الحقّ لا وجوبه، وهذا ینسجم تماماً مع المرّة والمرّتین فی السنة.

فإن قلت: لو کانت هذه الروایة ترید أن تُثبِتُ أصل الحقّ ولیس وجوبه، فلماذا قیّدت الزیارة بالمرّة أو المرّتین فی السنة؟

قلت: یمکن أن یکون ذلک أقل الحقّ الذی علیه التأکید.

ولکن الإنصاف یقتضی القول بالوجوب؛ لأنّ الروایة لم تُبیِّن أصل الحقّ للإمام الحسین علیه السلام ، حتی یقال: إنّ بعض الحقّ واجب وبعضه لیس کذلک. وإنّما الروایة بیّنت أنّ حقه علیه السلام فی رقبة الجمیع، أی: إنه فی عُهدتهم ولا یخرجون عنه إلّا بأدائه، وهذا معنی الوجوب.

ص: 88

سند الروایة

أمّا سند کامل الزیارات الأول فهو سند تامّ ومعتبر؛ فجمیع رجاله ثقات. وأمّا سنده الثانی فلیس فیه إلّا إرسال ابن أبی عُمیر، وقد ثبت فی محلّه أنّ مراسیله کمسانیده، فالسند تامّ أیضاً.

وأمّا سند التهذیب فهو تامّ أیضاً، لأنّ محمد بن أحمد هو محمد بن أحمد بن یحیی الأشعری، الثقة المعروف. ومحمد بن یحیی هو محمد بن یحیی العطار، وهو شیخ القمّیین الثقة المعروف.

فهذه الروایة تامة سنداً ودلالة علی المطلوب.

الروایة السابعة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن علی بن الحکم، عن عامر بن عمیر وسعید الأعرج، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: ائتوا قبر الحسین علیه السلام فی کل سنة مرّة»((1)).

ورواها أیضاً عن أبی العباس، عن الزیّات، عن جعفر بن بشیر، عن حمّاد، عن ابن مسلم، عن عامر بن عمیر وسعید الأعرج، عن أبی عبد الله علیه السلام قال:«...»((2)).

ص: 89


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص490. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص532.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص492. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص532.
دلالة الروایة

الروایة تأمر بإتیان قبر الإمام الحسین علیه السلام ، والأمر ظاهر فی الوجوب بالاتّفاق، فالروایة ظاهرة فی المطلوب.

فان قلت: قد تقدمت الإشارة فی المقدمة إلی روایات کثیرة تفید الاستحباب وهی تصلح للقرینیة علی أنّ المراد بالأمر هنا هو الاستحباب.

قلت: أولاً: الکلام فی نفس الدلالة مع غمض النظر عن القرائن الأُخری، کما قدمنا الإشارة إلی هذا المعنی فیما تقدم.

وثانیاً: إنّ فی الروایة قرینة أُخری تؤید الوجوب وهی قوله: «فی السنة»؛ لأنّه لو کان المقصود من الأمر الاستحباب لما کان هناک وجه لتقییده بالسنة؛ لأنّ استحباب الزیارة مستحب فی أوقات کثیرة ومتعددة، بل حتی فی کل یوم، فضلاً عن کل أسبوع، کما تقدمت الإشارة إلی ذلک فی المقدمة.

سند الروایة

الروایة صحیحة السند؛ فإنّ رجال السند جمیعهم ثقات إلّا عامر بن عمیر، فهو مجهول، وهذا لا یضرّ بصحّة السند؛ لأنّ سعیداً الأعرج رواها معه، وهو ثقة.

الروایة الثامنة

اشارة

ما رواه بن قولویه، قال: «حدَّثنی الحسن بن عبد الله بن محمد بن عیسی، عن أبیه، عن الحسن بن محبوب، عن صباح الحذّاء، عن محمد بن مروان، عن

ص: 90

أبی عبد الله علیه السلام ، قال: سمعته یقول: زوروا قبر الحسین علیه السلام ولو کلّ سنة مرّة. وذکر الحدیث»((1)).

دلالة الروایة

الکلام فی دلالة هذه الروایة کسابقتها من جهة دلالة الأمر علی الوجوب

لا یقال: إنّ قول الإمام علیه السلام : «ولو کلّ سنة مرّة» یدلّ علی الاستحباب.

لأنه یقال: لو دلّت هذه الفقرة علی الاستحباب، فهی تدلّ علی المدّة التی فیها الزیارة، لا أصل الزیارة، وهذه تفصیلات سیأتی بحثها فی الفصل الثالث.

سند الروایة

الکلام فی سند هذه الروایة فی عبد الله بن محمد بن عیسی؛ حیث إنّه لم یرد فیه توثیق صریح، ولکن یمکن أن یُستدلّ علی وثاقته بأُمور:

منها: أنّه واقع فی إسناد کامل الزیارات، فعلی رأی مَن یذهب إلی توثیق کلّ مَن جاء فیه، فسوف یکون ثقة.

ومنها: روایة محمد بن أحمد بن یحیی عنه، ولم یستثن روایته.

ومنها: روایة الأجلّاء عنه، منهم: محمد بن أحمد بن یحیی، ومحمد بن علی بن محبوب، وصفوان، وموسی بن القاسم، ومحمد بن الحسن الصفار، وسعد بن عبد الله، وغیرهم.

ص: 91


1- ([1]) المصدر السابق: ص493. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص534.

ومنها: روایاته عن الأجلّاء ومنهم أصحاب الإجماع وکثرتها.

ومنها: وصف جملة من العلماء لروایاته بالصحیحة((1)).

فجمیع ذلک یُطمئن النفس بالاعتماد علیه والرکون إلی روایته؛ فالروایة معتبرة سنداً.

الروایة التاسعة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی جعفر بن محمد بن عبید الله الموسوی، عن عبید الله بن نهیک، عن ابن أبی عمیر، عن حماد، عن الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن زیارة قبر الحسین علیه السلام ، قال: فی السنة مرّة؛ إنّی أکره الشُّهرة»((2)).

ورواها أیضاً عن محمد بن الحسن، عن الحسین بن الحسن بن أبان، عن الحسین بن سعید، عن ابن أبی عمیر، عن حماد بن عثمان، عن الحلبی، عن أبی عبد الله علیه السلام ((3)).

وروی أیضاً فی الکامل، قال: «حدَّثنی محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن الحسین بن سعید، عن ابن

ص: 92


1- ([1]) اُنظر: البحرانی، الحدائق الناضرة: ج24، ص601. السید الروحانی، فقه الصادق: ج22، ص236.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص491. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص532.
3- ([3]) اُنظر: المصدر السابق: ص491.

أبی عمیر، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن زیارة الحسین علیه السلام . قال: فی السنة مرّة؛ إنّی أخاف الشُّهرة»((1)).

دلالة الروایة

تحدید الإمام علیه السلام للزیارة فی السنة مرّة یظهر منه الوجوب، وإلّا لما حددها الإمام علیه السلام فی السنة مرّة؛ لأن الزیارة المستحبة لیس لها وقت محدّد، فهی مستحبة فی کل وقت.

ولکن یمکن أن یُقال: بقرینة التعلیل فی الروایة وأنّ الإمام یکره الشُّهرة ویخافها، یُفهم منها الاستحباب فی السنة مرّة تجنباً للشهرة تقیّةً؛ فالتقیید بسنة جاء مناسباً للتعلیل، لا مطلقاً.

فإن قلت: إنّ الاستحباب فی زیارة الإمام الحسین علیه السلام أکثر من ذلک، والنصوص کثیرة علی ذلک من قبیل ما دلّ علی زیارته فی کلّ لیلةِ جمعة، وفی لیالی القدر، وفی الخامس عشر من شعبان، وفی عاشوراء، وفی الأربعین، وغیرها الکثیر، فجمیع ذلک یدلّ علی أنّ المراد بالتحدید هو الوجوب.

قلت: إنّ التعلیل بالشُّهرة یفید أنّ الإمام ناظر إلی ظروف خارجیة کان یمرّ بها المجتمع الشیعی آنذاک، والتی کان یتعرّض فیها الشیعة للسجن والقتل والاضطهاد بمجرّد ظهور انتسابهم لأهل البیت علیهم السلام ، فأراد الإمام أن ینبّه

ص: 93


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص492. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص533.

الشیعة علی أنّ زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی السنة مرّة؛ تجنباً لتعریضهم للمخاطر، وحفظاً للمجتمع الشیعی من التفکک علی أیدی حکّام الجور، ویؤکّد هذا المعنی التص-ریحُ بالخوف فی النقل الآخر للروایة.

ولکن الإنصاف یقتضی أن نقول: لو کانت الظروف ظروف تقیة وخطر، وأن الزیارة مستحبة لا واجبة لکان علی الإمام علیه السلام أن یمنع من الزیارة، إلّا أن الإمام علیه السلام مع تلک الظروف الخطرة حدد الزیارة فی کل سنة مرة، وهذا یعنی أن الزیارة لیست فقط واجبة، بل هی واجبة حتی فی فرض التقیة، فإذا لاحظنا أن التقیة توجب ترک الواجبات المسلّمة فی الدین، نستنتج أن الزیارة من أعظم الواجبات، التی لا یجوز ترکها تحت أیّ ظرف کان.

وبعبارة أُخری: إن کانت الروایة ناظرة إلی الحالة الاعتیادیة والظروف الطبیعیة، فلا معنی للتحدید بسنة إلّا إرادة الوجوب، وإن کانت الظروف ظروف تقیة کان علی الإمام علیه السلام أن یمنع من الزیارة، خصوصاً إذا کانت مستحبة، فمع عدم المنع - بل مع الأمر - یکون الوجوب هو الظاهر.

سند الروایة

الروایة صحیحة السند، وجمیع رواتها ثقات أجلّاء، سواء التی بلفظ (أکره) أو التی بلفظ (أخاف).

الروایة العاشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علی بن عبد الله بن المغیرة، عن العباس بن عامر، قال:

ص: 94

قال علی بن أبی حمزة، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال: لا تجفوه، یأتیه الموسر فی کل أربعة أشهُر، والمُعسر لا یُکلِّف الله نفساً إلّا وسعها. قال العباس: لا أدری، قال هذا لعلی أو لأبی ناب»((1)).

دلالة الروایة

الاستدلال بهذه الروایة علی الوجوب مبنی علی استفادة الأمر من الجملة الخبریة، من قبیل قوله: «یُعید الصلاة» أو «یتوضأ» وما شاکل، فإنّ هذه صیغٌ تدلّ علی الأمر، والأمر ظاهر فی الوجوب، فمعنی الروایة: علی الموسر أن یأتیه فی کلّ أربعة أشهُر مرّة، وعلی المُعسر بما یقدر، فهذه الروایة تدلّ علی الوجوب.

مناقشة

إنّ الروایة ناظرة إلی فرض الجفاء، أی: حتی لا یتحقق الجفاء، فلا بدّ من إتیانه فی هذه المدّة، وإلّا مع عدم تحقق الجفاء لا یجب ذلک، فالوجوب هنا مقیَّد لا مطلق. بل المعنی - فی الواقع - هو أنّ الجفاء ممنوع، لا أنّ الزیارة واجبة، وهذا أمر آخر غیر ما نحن بصدد إثباته، وستأتی الإشارة إلی هذا المعنی فی بعض الروایات القادمة.

سند الروایة

الکلام عن سند هذه الروایة فی علی بن أبی حمزة البطائنی، وقد وقع کلام طویل الذیل فیه، وتعددت الآراء حوله، إلّا أنّ المستفاد من البحث عنه أنّه ثقة

ص: 95


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص491. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص533.

یمکن الاعتماد علیه، بدلیل کلام للطوسی وروایة الأجلّاء عنه، خصوصاً أصحاب الإجماع، وقرائن أُخری لا مجال لذکرها، ولکن لا تُقبل روایته مطلقاً، وإنّما فیما إذا کانت الروایة قبل وقفه، وأمّا بعد وقفه فلا یصحّ الاعتماد علیه؛ للتنصیص علی کذبه من قِبَل بعض أرباب علم الرجال، ومن القرائن التی تُحدد أنّ الروایة قبل أو بعد الوقف هی روایة الإمامی الإثنی عشری عنه، وفی المقام قد روی عنه العباس بن عامر، وهو مستقیم العقیدة.

هذا بالإضافة إلی أنّ العباس تردد فی أنّ هذا القول لعلی أو لأبی ناب، فإن کان لعلیّ ففیه ما تقدّم من الکلام، وإن کان لأبی ناب فهو ثقة معتبر. فهذه الروایة معتبرة من حیث السند.

الروایة الحادیة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی رحمه الله، عن عبد الله بن جعفر الحمیری بإسناده، رفعه إلی علی بن میمون الصائغ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: یا علی، بلغنی أنّ قوماً من شیعتنا یمرّ بأحدهم السنة والسنتان لا یزورون الحسین علیه السلام ؟ أما - والله - لحظّهم أخطأوا، وعن ثواب الله زاغوا، وعن جوار محمد علیه السلام تباعدوا. قلت: فی کم الزیارة؟ قال: یا علی، إن قدرت أن تزوره فی کل شهر فافعل. قلت: لا أصلُ إلی ذلک، لأنّی أعمل بیدی ولا أقدر أن أغیب من مکانی یوماً واحداً. قال: أنت فی عذر ومَن کان یعمل بیده، إنّما عنیت مَن لا یعمل بیده ممَّن إن خرج کلّ جمعة هان ذلک علیه، أما إنّه ما له عند الله من عذر، ولا عند رسول الله علیه السلام من عذر یوم القیامة. قلت: فإن

ص: 96

أخرج عنه رجلاً فیجوز ذلک؟ قال: نعم، وخروجه بنفسه أعظم أجراً وخیراً له عند ربه»((1)).

ورواها الشیخ فی التهذیب بسنده باختلاف یسیر فی المتن، قال: «وعنه، عن محمد بن همام، عن علی بن محمد بن رباح، أنّ محمد بن العباس حدَّثه عن الحسن بن علی بن أبی حمزة، عن علی بن میمون الصایغ، قال: «قال لی أبو عبد الله علیه السلام :...»((2)).

وکذا رواها الشیخ المفید فی المزار((3)).

دلالة الروایة

یمکن أن یُقال: إنّ هذه الروایة تدلّ علی الوجوب بدلالة قوله علیه السلام : «إنّ مَن لم یزر الإمام الحسین علیه السلام وهو قادر علی ذلک فإنّه لیس بمعذور أمام الله تعالی». وعدم العذر لا یکون إلّا علی ترک شیء واجب.

ولکن هذا النحو من الاستدلال لا یمکن قبوله؛ لأنّ الروایة فی صدد الکلام عن الثواب العظیم الذی لا یحوزه الشخص إلّا بزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، ومَن لم یزره فقد فاته الخیر الکثیر، وهو غیر معذور فی فوات الخیر علی نفسه، خصوصاً إذا کان هذا الخیر هو مجاورة محمد علیه السلام وأهل بیته

ص: 97


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص492. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص534.
2- ([2]) الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج6، ص45.
3- ([3]) المفید، محمد بن محمد، المزار: ص225.

الکرام علیهم السلام . وبقیة فقرات الروایة کلها واضحة فی الاستحباب والثواب الجزیل، هذا بالإضافة إلی أنّ هذا الذیل الذی استُدل به لم یرد فی روایة التهذیب التی هی معتبرة السند.

سند الروایة

أمّا روایة کامل الزیارات فهی مرسلة.

وأمّا سند التهذیب ففیه أمران:

الأول: الکلام فی الحسن بن علی البطائنی؛ فقد ضُعِّف واتُّهم بالکذب، إلّا أنّ الکلام فیه کالکلام فی أبیه، وقد تقدم الکلام عنه فی الروایة السابقة.

الثانی: الکلام فی علی بن میمون، روی الکشی عنه ما یثبت مدحه، قال: «محمد بن مسعود، قال: حدثنی محمد بن نصیر، قال: حدثنی محمد بن الحسن، عن جعفر بن بشیر، عن علی بن میمون الصائغ، قال: دخلت علیه یعنی أبا عبد الله علیه السلام لیلة، فقلت: إنی أدین الله بولایتک وولایة آبائک وأجدادک علیهم السلام، فادع الله أن یُثبّتنی، فقال: رحمک الله، رحمک الله»((1)).

وهذه الروایة واضحة الدلالة فی مدحه وعلو مرتبته، ولکن أُشکل علیها بأربعة إشکالات((2)):

الإشکال الأول: إن مجرد دعاء الإمام علیه السلام لا یفید قبول روایته.

ص: 98


1- الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال: ص661، رقم 680.([1])
2- ) اُنظر: الشهید الثانی، رسائل الشهید الثانی: ج2، ص1009.[2])

وفیه: إنّ دعاء الإمام علیه السلام لم یکن ابتدائیاً، حتی یُقال: إنّ الإمام یدعو للجمیع، فیکون دعاؤه أعم من المطلوب، وإنّما الإمام علیه السلام أقرّه بهذا الدعاء علی عقیدته الولائیة، وهذا یدل علی عظیم بصیرته وعلو مرتبته.

الإشکال الثانی: إنّ الراوی هو نفسه علی بن میمون، فلا تُقبل شهادته فی حق نفسه.

وفیه: ان الروایة تنص علی أنّه یطلب الثبات علی عقیدة الولاء، وهذا أمر فی ذلک الزمان خلاف التقیة وخلاف المصلحة الشخصیة، فلو کان عنده غایة أُخری لکان علیه إبراز خلاف هذه العقیدة، لا أنّه یطلب الدعاء علی الثبات علیها.

الإشکال الثالث: إنّ سند الروایة غیر تام؛ وذلک لوجود محمد بن الحسن فیها، وفی نسخة أُخری محمد بن إسحاق، وعلی کلا التقدیرین فهما مشترکان بین الثقة وغیره، فلا یمکن الاعتماد علی السند.

أقول: الظاهر هو محمد بن الحسن (الحسین)؛ وذلک لوجود روایات عدیدة یروی فیها محمد بن نصیر عن محمد بن الحسن (الحسین) عن جعفر بن بشیر((1)). فی الوقت الذی لا توجد ولا روایة لمحمد بن نصیر عن محمد بن إسحاق، وکذا لا توجد روایة عن محمد بن إسحاق عن جعفر بن بشیر.

ص: 99


1- ([1]) اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج1، ص350، ج2، ص382، ج3، ص205، اختیار معرفة الرجال: ج2، ص637. وغیرها.

کما أنّ الظاهر اتحاد محمد بن حسن مع محمد بن حسین بقرینة الراوی والمروی عنه، بل فی روایة واحدة تارة یوجد حسن وأُخری حسین((1)). وإذا کان هو ابن الحسین فهو ابن أبی الخطاب الذی یروی عن جعفر بن بشیر((2))، والذی یروی عنه محمد بن یحیی((3))، وإذا کان هو ابن أبی الخطاب فهو الثقة المعروف.

الإشکال الرابع: ما ذُکر من أنّ محمد بن نصیر مشترک بین الثقة وغیره، بل الظاهر هو النمیری الضعیف((4)).

وفیه: إنّه لا یوجد شاهد علی أنّه النمیری، بل الشاهد علی خلاف ذلک؛ لأنّ الظاهر هو محمد بن نصیر الکشی؛ لإنّه روی عنه أبو عمر الکشی((5))، وقد قال الطوسی: «محمد بن نصیر، من أهل کش، ثقة جلیل القدر کثیر العلم، روی عنه أبوعمرو الکشی»((6)).

وبذلک تکون هذه الروایة تامّة دلالة وسنداً علی اعتبار علی بن میمون، ومع تمامیة ذلک فإن روایة التهذیب المتقدمة تکون تامة من حیث السند.

وقال النجاشی: «علی بن میمون الصائغ أبو الحسن، لقبه أبو الأکراد،

ص: 100


1- اُنظر: فی ذلک مجموعة من الروایات فی بصائر الدرجات.([1])
2- ([2]) اُنظر: ابن بابویه، علی، الإمامة والتبصرة: ص 129. ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات، فی روایات عدیدة.
3- اُنظر: الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، فی روایات کثیرة.([3])
4- الخوئی، أبو القاسم، معجم رجال الحدیث: ج18، ص315.([4])
5- ) اُنظر: الطوسی، محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال، فی أماکن متعددة.[5])
6- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص440.([6])

روی عن أبی عبد الله وأبی الحسن سلام الله علیه . له کتاب یرویه عنه جماعة، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا حمید، قال: حدثنی أحمد بن محمد بن زید وخضر بن أبان، قالا: حدثنا عبیس بن هشام، قال: حدثنا علی بن میمون الصائغ»((1)).

قال الطوسی: «علی بن میمون الصائغ. له کتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبی المفضل، عن حمید، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عنه»((2))

ثم إنّ النجاشی قال فی ترجمة الفضل بن عثمان: «المرادی الصائغ الأنباری أبو محمد الأعور، مولی، ثقة ثقة، روی عن أبی عبد الله علیه السلام . وهو ابن أُخت علی بن میمون المعروف بأبی الأکراد»((3)). وکذا ذکر الطوسی فی رجاله((4)).

فقد عُرّف الفضل بن عثمان بخاله علی بن میمون، وهذا یدل علی أنّه کان من المعروفین، بل من الذین یُعرف الثقات بهم، وبما أنّه کان له کتاب فهو من المعاریف الذین إذا لم یُطعن بهم؛ فهو قرینة علی اعتبارهم وإمکان الاعتماد علیهم.

وذکره العلامة فی القسم الأول من الخلاصة((5)).

وهناک قرائن أُخری یمکن ذکرها علی اعتبار علی بن میمون، وفیما ذکرناه الکفایة.

ص: 101


1- النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص272، رقم712.([1])
2- الطوسی، محمد بن الحسن، الفهرست: ص158.([2])
3- النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص308.([3])
4- الطوسی، محمد بن الحسن، رجال الطوسی: ص269.([4])
5- العلامة الحلی، خلاصة الأقوال: ص180، القسم الأول.([5])

الروایة الثانیة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی رحمه الله، عن أحمد بن إدریس ومحمد بن یحیی، عن العمرکی بن علی البوفکی، قال: حدَّثنا یحیی - وکان فی خدمة أبی جعفر الثانی علیه السلام - عن علی، عن صفوان بن مهران الجمّال، عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث طویل، قلت: مَن یأتیه زائراً ثمَّ ینصرف عنه متی یعود إلیه؟ وفی کم یأتی؟ وکم یسع الناس ترکه؟ قال: لا یسع أکثر من شهر، وأمّا بعید الدار ففی کل ثلاث سنین، فما جاز ثلاث سنین فلم یأته فقد عقَّ رسول الله علیه السلام ، وقطع حرمته، إلّا عن علّة»((1)).

دلالة الروایة

تدلّ هذه الروایة علی أنّه لا یسع الناس ترک زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی المدّة المذکورة، أی: لا یجوز لهم ذلک. وهذا یعنی الوجوب فی المدّة المعیّنة، کما أنّ مَن لم یأتِ قبر الإمام الحسین علیه السلام فی المدّة المعیّنة، وهی شهر للقریب وثلاث سنوات للبعید، فإنّه قد عقّ رسول الله علیه السلام ، وعقوق الرسول من أعظم المحرمات، کما أنّ مَن لم یزره فی هذه المدّة فقد قطع رحم رسول الله علیه السلام .

سند الروایة

الکلام عن سند الروایة فی أمرین:

ص: 102


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص494. الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج14، ص535.

الأول: الکلام فی یحیی خادم الإمام الجواد علیه السلام ، حیث لم یرد فیه توثیق، ولکن یمکن اعتباره لأُمور، منها: روایته عن الثقات الأجلّاء، وروایة الثقات عنه. ومنها: خدمته لأبی جعفر الثانی إمامنا الجواد علیه السلام . ومنها: استقامة روایاته ووجود شواهد علیها من روایات أُخری. إلی غیر ذلک من الشواهد التی تؤید اعتباره وإمکان الرکون إلی روایته.

الثانی: الکلام فی علیّ، الذی روی عنه یحیی، فإنّه - وبحسب الراوی والمروی عنه - إمّا علیّ بن الحکم وهو ثقة، وقد أکثر الروایة عن صفوان الجمّال، وإمّا علی بن الحسن.

ثمّ إنّ علیّ بن الحسن هذا أیضاً مشترک - وبحسب الطبقة - بین علی بن الحسن بن رباط، وعلی بن الحسن الطاطری، وعلی بن الحسن بن فضال، والجمیع ثقات؛ فالروایة معتبرة من جهة السند.

وبذلک؛ فإن الروایة تامة سنداً ودلالة علی الوجوب.

الروایة الثالثة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی محمد بن جعفر الرزّاز، عن محمد بن الحسین، عن محمد بن إسماعیل، عن حنان، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : زوروا الحسین علیه السلام ولا تجفوه؛ فإنّه سید شباب أهل الجنّة من الخلق، وسید الشهداء»((1)).

ص: 103


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص216.
دلالة الروایة

إنّ الإمام الصادق علیه السلام یأمر بزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، والأمر ظاهر فی الوجوب، کما ثبت فی محله.

ولکن یمکن أن یُقال: إنّ هذا الأمر لا یدلّ علی الوجوب؛ لأنّه غیر ناظر له أصلاً، وإنّما الإمام علیه السلام کان ناظراً إلی حالة الجفاء، حیث عقّب الأمر بالزیارة بالنهی عن الجفاء، فعدم الجفاء هو العلّة فی الأمر؛ وعلیه فیدور الأمر مداره، فإن کان فالأمر موجود وإلّا فلا، وهذا غیر ما نحن بصدد إثباته من الوجوب النفسی لزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، أی: حتی مع عدم تحقق الجفاء فالزیارة واجبة. وسوف یأتی التطرق لمسألة الجفاء فی الفصل الثالث.

سند الروایة

إنّ سند هذه الروایة تامّ؛ لأن محمد بن الحسین هو محمد بن الحسین بن أبی الخطاب الزیّات، وهو ثقة، جلیل من أصحابنا عظیم القدر.

وأمّا محمد بن إسماعیل، فهو محمد بن إسماعیل بن بزیع، وهو من صالحی هذه الطائفة وثقاتهم.

وأمّا حنان، فهو حنان بن سدیر الثقة المعروف.

الروایة الرابعة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «وبهذا الإسناد [أی: حدَّثنی أبی وعلی بن الحسین وجماعة مشایخی، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن محمد

ص: 104

بن علی، عن عباد أبی سعید العصفری] عن علی بن حارث، عن الفضل بن یحیی، عن أبیه، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: زوروا کربلاء ولا تقطعوه، فإن خیر أولاد الأنبیاء ضمنته، ألا وإنّ الملائکة زارت کربلاء ألف عام من قَبل أن یسکنه جدی الحسین علیه السلام ، وما من لیلة تمضی إلّا وجبرئیل ومیکائیل یزورانه، فاجتهد - یا یحیی - أن لا تُفقَد من ذلک الموطن»((1)).

دلالة الروایة

دلالة هذه الروایة کسابقتها؛ حیث عقّبت الأمر بالزیارة بالنهی عن القطیعة.

سند الروایة

سند هذه الروایة بین مهمَل کعلی بن الحارث، وبین مجهول کالعصفری، وبین مشترک کمحمد بن علی.

الروایة الخامسة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی رحمه الله وعلی بن الحسین، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن موسی بن الفضل، عن حنان، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی زیارة قبر أبی عبد الله الحسین علیه السلام ؟ فإنّه بلغنا عن بعضهم أنّها تعدل حجّة وعمرة. قال: لا تعجب، ما أصاب مَن یقول هذا کله! ولکن زره ولا تجفه؛ فإنّه سیّد الشهداء

ص: 105


1- ([1]) المصدر السابق: ص452 -453.

وسید شباب أهل الجنّة، وشبیه یحیی بن زکریا، وعلیهما بکت السماء والأرض»((1)).

وروی أیضاً عن أبیه «عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن موسی بن الفضل، عن علی بن الحکم، عمَّن حدَّثه، عن حنان بن سدیر، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: قلت له: ما تقول فی زیارة الحسین علیه السلام ؟ فقال: زره ولا تجفه؛ فإنّه سید الشهداء وسید شباب أهل الجنة، وشبیه یحیی بن زکریا، وعلیهما بکت السماء والأرض»((2)).

دلالة الروایة

إنّ دلالة هذه الروایة کسابقتیها، حیث أعقبت الأمر بالزیارة بالنهی عن الجفاء.

سند الروایة

أمّا السند الأول، ففیه موسی بن الفضل وهو مجهول، وأمّا الثانی فبالإضافة إلی جهالة موسی بن الفضل فیه إرسال.

الروایة السادسة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی رحمه الله ومحمد بن عبد الله وعلی بن الحسین ومحمد بن الحسن رحمهم الله جمیعاً، عن عبد الله بن جعفر الحمیری، عن موسی بن عمر، عن حسان البصری، عن معاویة بن

ص: 106


1- ([1]) المصدر السابق: ص184.
2- ([2]) المصدر السابق: ص486.

وهب، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: قال لی: یا معاویة، لا تدع زیارة قبر الحسین علیه السلام لخوف؛ فإنّ مَن ترک زیارته رأی من الحسرة ما یتمنی أنّ قبره کان عنده، أما تحب أن یری الله شخصک وسوادک فیمَن یدعو له رسول الله علیه السلام وعلی وفاطمة والأئمة^»((1)).

ورواها أیضاً عن حکیم بن داود بن حکیم السرّاج، عن سلمة بن الخطاب، عن موسی بن عمر، عن حسان البصری، عن معاویة بن وهب، عن أبی عبد الله علیه السلام ((2)).

دلالة الروایة

الاستدلال بهذه الروایة علی المطلوب من خلال فقرة: «لا تدع زیارة قبر الحسین علیه السلام لخوف»؛ حیث إنّ الإمام ینهی عن ترک الزیارة حتی لخوفٍ، فضلاً عن عدمه، والنهی عن الترک یعنی لزوم الزیارة ووجوبها؛ لأنّه لا معنی للنهی عن المباح.

لا یقال: إنّ الروایة بصدد بیان الفضل الکبیر لزیارة الإمام الحسین علیه السلام وبیان مقدار الخسارة التی یتعرّض لها تارک الزیارة؛ حیث إنّ الروایة عقّبت فقرة الاستدلال بالحسرة الشدیدة لمَن ترک الزیارة، ثمّ أردفتْها بحبّ الشخص أن یُری فی موضع یحب الله تعالی أن یری عبادَه فیه، وهو موطن دعاء الرسول

ص: 107


1- ([1]) المصدر السابق: ص227.
2- ([2]) المصدر السابق: ص243.

الأعظم علیه السلام وأهل البیت علیهم السلام ، فهذا التعقیب قرینة علی أنّ المراد هو بیان درجة الفضل لا بیان الوجوب.

لأنه یُقال: إنّ هذا البیان لمقدار درجة الفضل للزیارة التی تکون فی حالة الخوف، لا ینافی وجوب الزیارة؛ إذ لا مانع من بیان فضل الأمر الواجب، وربما یکون بیان الفضل لدفع توهّم أنّ الزیارة التی عن خوف لا ثواب فیها، فلأجل ذلک بیّن الإمام علیه السلام ذلک المقام لزیارة الإمام الحسین علیه السلام .

نعم، یمکن مناقشة الاستدلال المتقدّم علی الوجوب من وجه آخر، وهو أنّ هذا النهی یُحتمل فیه أنّه النهی بعد توهّم الحظر؛ إذ ربما یتوهم الشخص أنّ الزیارة التی تکون عن خوف منهیّ عنها؛ لأجل ذلک نهی الإمام علیه السلام عن ترکها، والنهی عقیب توهّم الحظر یُفید الجواز.

ویمکن دفع هذه المناقشة، بأن یُقال: إن النهی بعد توهّم الحضر یفید الجواز فی الأُمور الطبیعیة، وأما فی فرض الخوف، فالأمر یختلف؛ لأن الخوف یستدعی التقیة التی بموجبها تخالف الواجبات، فمع هذا الفرض کان المفروض أن تمنع الزیارة، لا أن الإمام ینهی عن ترکها، فهذا یدل علی وجوبها حتی مع الخوف، فتأمل.

سند الروایة

الکلام عن سند الروایة فی أمرین:

الأول: الکلام عن موسی بن عمر، حیث إنّه مشترک بین موسی بن عمر بن یزید، وبین موسی بن عمر بن بزیع، والأول لم یُنصّ علی توثیقه. وأمّا

ص: 108

الثانی، فهو ثقة بالاتّفاق، وقد ذکر الشیخ الطوسی الأولَ مقیَّداً بابن یزید وأطلق الثانی؛ من هنا ذهب بعض الرجالیین إلی القول: بأنّ هذا العنوان (موسی بن عمر) إذا أطلق فهو منصرف إلی ابن بزیع الثقة، إلّا أنّ صاحب القاموس ذهب إلی خلاف ذلک؛ حیث قال فی ترجمة موسی بن عمر بن بزیع: «موسی بن عمر اثنان: هذا، وموسی بن عمر بن یزید الآتی عن النجاشی وفهرست الشیخ، وحیث إنّ الفهرست قیَّد الآتی وأطلق هذا، جعل هذا المنصرف إلیه من الإطلاق. لکن الظاهر العکس، فروی محمد بن علی بن محبوب، عن موسی بن عمر فی زیادات کیفیّة صلاة التهذیب وزیادات مائه، وفی الاستبصار (الماء یقع فیه شیء) ومحمد بن علی بن محبوب راوی الآتی فی الفهرست. وکأن الفقیه والتهذیب أیضاً جعلا هذا المنصرف إلیه»((1)).

أقول: لا یمکن الاطمئنان بالانص-راف لأیّ منهما؛ فلأجل ذلک لا یمکن الاطمئنان بکونه هو ابن بزیع الثقة.

نعم، یمکن أن یُقال: إنّ موسی بن عمر بن یزید وإن لم یرد فیه توثیق، إلّا أنّه من المعاریف الذین لم یرد فیهم ذمٌّ، وهو أمارة علی الاعتبار؛ حیث إنّ موسی هذا عنده أکثر من کتاب وقد روی عن الثقات ورووا عنه، فممَّن رووا عنه: سعد بن عبد الله، وأحمد بن محمد بن یحیی، وسلمة بن الخطاب، وغیرهم. وممَّن روی عنهم: الحسن بن محبوب، وعلی بن أسباط، ومحمد بن سنان، وعلی بن النعمان، وغیرهم؛ وعلیه فلا فرق حینئذٍ بین أن یکون هو ابن بزیع أو ابن یزید.

ص: 109


1- ([1]) التستری، محمد تقی، قاموس الرجال: ج10، ص288- 289.

الثانی: الکلام فی حسّان البصری، قیل: إنّ الصحیح هو غسّان البص-ری، وقد ذُکرت بعض الشواهد علی ذلک((1)).

أقول: کیفما کان، فسواء کان هو حسّان أو غسّان، فإنّ الحکم علیه لا یتغیّر؛ لأنّه مجهول فی العنوانین.

قال الشیخ محیی الدین المامقانی فی استدراکه علی تنقیح المقال: «لیس فی المعاجم ذکر عن حسان، والظاهر خطأ النسخة وأنّ الصحیح غسان بقرینة روایة موسی بن عمر عن غسان البصری وروایة غسان عن معاویة بن وهب البجلی کما هو مذکور فی ترجمتهما...

وعلی کل حال، المعنون لم یذکره أرباب الجرح والتعدیل، فهو مهمل إن کان له وجود»((2)).

الروایة السابعة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «وروی، قال أبو جعفر علیه السلام : الغاضریة هی البقعة التی کلّم الله فیها موسی بن عمران علیه السلام ، وناجی نوحاً فیها، وهی أکرم أرض الله علیه، ولولا ذلک ما استودع الله فیها أولیاءه وأبناء نبیه، فزوروا قبورنا بالغاضریة»((3)).

ص: 110


1- ([1]) اُنظر: ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص227، هامش رقم1، بتحقیق جواد القیومی.
2- المامقانی، تنقیح المقال: ج18، ص241، رقم4850.([2])
3- ([3]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص452.
دلالة الروایة

الاستدلال بهذه الروایة من خلال فقرتها الأخیرة، حیث أمر الإمام علیه السلام بزیارة قبور الغاضریة وهی کربلاء، والأمر ظاهر فی الوجوب.

سند الروایة

الروایة مرسلة، فهی غیر معتبرة من هذه الجهة.

الروایة الثامنة عشرة

اشارة

ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال «وبإسناده عن الأصم [أی: محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، عن أبیه، عن علی بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصری، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم] قال: حدثنا هشام بن سالم، عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث طویل، قال: أتاه رجل فقال له: یا بن رسول الله، هل یُزار والدک؟ قال: فقال: نعم، ویُصلی عنده، ویُصلی خلفه ولا یُتقدم علیه. قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنة إن کان یأتم به. قال: فما لمن ترکه رغبة عنه؟ قال: الحسرة یوم الحسرة. قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: کل یوم بألف شهر. قال: فما للمنفق فی خروجه إلیه والمنقق عنده؟ قال: درهم بألف درهم. قال: فما لمن مات فی سفره إلیه؟ قال: تُشیعه الملائکة وتأتیه بالحنوط والکسوة من الجنة وتُصلی علیه إذا کُفّن، وتُکفِّنه فوق أکفانه، وتفرش له الریحان تحته، وتدفع الأرض حتی تصور من بین یدیه مسیرة ثلاثة أمیال، ومن خلفه مثل ذلک، وعند رأسه مثل ذلک، وعند رجلیه مثل ذلک، ویُفتح له باب من الجنة إلی قبره، ویدخل علیه روحها وریحانها حتی

ص: 111

تقوم الساعة. قلت: فما لمن صلی عنده؟ قال: مَن صلی عنده رکعتین لم یسأل الله تعالی شیئاً إلّا أعطاه إیاه. قلت: فما لمن اغتسل من ماء الفرات ثم أتاه؟ قال: إذا اغتسل من ماء الفرات وهو یریده تساقطت عنه خطایاه کیوم ولدته أُمه. قال: قلت: فما لمن یجهز إلیه ولم یخرج لعلة تصیبه؟ قال: یُعطیه الله بکل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات ویخلف علیه أضعاف ما أنفقه، ویصرف عنه من البلاء مما قد نزل لیصیبه ویدفع عنه ویُحفظ فی ماله. قال: قلت: فما لمن قُتل عنده جار علیه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه یُغفر له بها کل خطیئة وتغسل طینته التی خلق منها الملائکة حتی تخلص کما خلصت الأنبیاء المخلصین، ویذهب عنها ما کان خالطها من أجناس طین أهل الکفر، ویُغسل قلبه ویُشرح صدره ویُملأ إیماناً، فیلقی الله وهو مخلص من کل ما تخالطه الأبدان والقلوب، ویکتب له شفاعة فی أهل بیته وألف من إخوانه، وتولّی الصلاة علیه الملائکة مع جبرئیل وملک الموت، ویؤتی بکفنه وحنوطه من الجنة، ویوسّع قبره علیه، ویوضع له مصابیح فی قبره، ویُفتح له باب من الجنة، وتأتیه الملائکة بالطرف من الجنة، ویُرفع بعد ثمانیة عشر یوماً إلی حظیرة القدس، فلا یزال فیها مع أولیاء الله حتی تُصیبه النفخة التی لا تُبقی شیئاً، فإذا کانت النفخة الثانیة وخرج من قبره کان أول مَن یُصافحه رسول الله علیه السلام وأمیر المؤمنین علیه السلام والأوصیاء، ویبشرونه ویقولون له: ألزمنا. ویقیمونه علی الحوض فیشرب منه ویسقی مَن أحب. قلت: فما لمن حُبس فی إتیانه؟ قال: له بکل یوم یُحبَس ویغتم فرحة إلی یوم القیامة، فإن ضُرب بعد الحبس فی إتیانه کان له بکل ضربة حوراء، وبکل وجع یدخل علی بدنه ألف ألف حسنة، ویُمحی بها عنه ألف

ص: 112

ألف سیئة، ویُرفع له بها ألف ألف درجة، ویکون من محدثی رسول الله علیه السلام حتی یفرغ من الحساب فیصافحه حملة العرش، ویُقال له: سل ما أحببت. ویؤتی بضاربه للحساب، فلا یسأل عن شیء ولا یحتسب بشیء، ویؤخذ بضبعیه حتی ینتهی به إلی مَلک یحبوه ویتحفه بشربة من الحمیم وشربة من الغسلین، ویوضع علی مقال فی النار، فیقال له: ذق بما قدمت یداک فیما أتیت إلی هذا الذی ضربته، وهو وفد الله ووفد رسوله. ویأتی بالمضروب إلی باب جهنم ویقال له: انظر إلی ضاربک وإلی ما قد لقی فهل شفیت صدرک وقد اقتص لک منه؟ فیقول: الحمد لله الذی انتصر لی ولولد رسوله منه»((1)).

دلالة الروایة

الاستدلال فی هذه الروایة من فقرة «قلت: فما لمن قُتل عنده جار علیه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه یُغفر له بها کل خطیئة»؛ فهی ظاهرة فی أن الذی یقتله السلطان فی حال زیارته للإمام الحسین علیه السلام له الثواب الجزیل والعظیم، والروایة مطلقة لحالتی العلم بالخطر قبل الزیارة أو حین الزیارة، فلا یقال: إنّها ظاهرة فی الخطر حین الزیارة لا قبلها، وهذا یدل علی أنّه فعل فعلاً صحیحاً، وبما إنّ الأفعال التی تُعرّض الإنسان للخطر - وخصوصاً خطر الموت - قد نهی الشارع عنها حتی لو کانت واجبة، فیُعلم حینئذ أنّ زیارة

ص: 113


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص239. إنما نقلنا الروایة بتمامها مع أنّ موضع الحاجة جزء منها؛ لما فیها من الإخبارات العجیبة عن ثواب وعاقبة ودرجة زائر الإمام الحسین علیه السلام .

الإمام الحسین علیه السلام أهمّ حتی من کثیر من الواجبات، بل هی من نوع الواجبات التی ترخص النفس من أجلها، وتُعدّ من قبیل الدفاع عن بیضة الإسلام، وبذلک یکون وجوب الزیارة من الواضحات.

الإشکال علی الاستدلال المتقدم

غایة ما یمکن أن یُتمسک به للاستدلال المتقدم هو الإطلاق لحالتی العلم بالخطر قبل وحین الزیارة، وهذا الإطلاق مقید بأدلة التقیة ووجوب حفظ النفس، فتکون الروایة خاصة بالخطر الحادث عند الزیارة، وإذا کان کذلک فلا تدل الروایة علی الوجوب؛ لأنّ غایة ما تدل علیه هو أنّ زائر الحسین علیه السلام إذا تعرّض لخطر الموت فله الثواب العظیم.

فإن قلت: لو کان قصد الروایة هو هذا فهو من المسلمات والواضحات جداً والتی لا تحتاج إلی سؤال وبیان من قِبَل الإمام علیه السلام ، فحمل الروایة علی هذا المعنی تحصیل حاصل وهو مستهجن، فلا تُحمل الروایة علیه بل تبقی علی إطلاقها.

قلت: الروایة لا ترید أن تبیِّن هذا المعنی وإلّا لزم الإشکال، وإنّما الروایة فی مقام بیان درجة ومقام الزائر الذی یُقتل فی أثناء الزیارة؛ لذلک فإن السائل لم یسأل أنّه: هل لمن قُتل ثواب أو لا؟ وإنّما سأل عن مقدار الثواب، فقد قال: «فما لمن قُتل عنده جار علیه سلطان فقتله؟». وعلیه فلیس فی الروایة إطلاق، فلا تدل علی الوجوب.

وبعبارة أُخری: إنّ مورد الروایة هو مقدار الثواب لا أصل الثواب، فلو کانت الروایة تبیِّن أصل الثواب لورد الإشکال المتقدم من أنه أمر مفروغ عنه، وهو

ص: 114

تحصیل حاصل وهو مستهجن، ولکن مع بیان مقدار الثواب فهو أمر جدید.

سند الروایة

سند هذه الروایة هو نفس سند الروایة السابعة من روایات القسم الأول، وهی الروایات الناصة علی الوجوب، وقد قلنا هناک: إنّ المشکلة فی هذا السند من جهة عبد الله بن عبد الرحمن الأصم.

الروایة التاسعة عشرة

اشارة

ما رواه الشیخ الطوسی فی الأمالی «أخبرنا ابن خشیش، عن محمد بن عبد الله، قال: حدثنی علی بن عبد المنعم بن هارون الخدیجی الکبیر من شاطی النیل، قال: حدثنی جدی القاسم بن أحمد بن معمر الأسدی الکوفی، وکان له علم بالسیرة وأیام الناس، قال: بلغ المتوکل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد یجتمعون بأرض نینوی لزیارة قبر الحسین علیه السلام ، فیصیر إلی قبره منهم خلق کثیر، فأنفذ قائداً من قواده، وضم إلیه کتفاً من الجند کثیراً لیشعب قبر الحسین علیه السلام ، ویمنع الناس من زیارته والاجتماع إلی قبره.

فخرج القائد إلی الطف، وعمل بما أُمر، وذلک فی سنة سبع وثلاثین ومائتین، فثار أهل السواد به واجتمعوا علیه وقالوا: لو قُتلنا عن آخرنا لما أمسک مَن بقی منا عن زیارته، ورأوا من الدلائل ما حملهم علی ما صنعوا، فکتب بالأمر إلی الحضرة، فورد کتاب المتوکل إلی القائد بالکفّ عنهم والمسیر إلی الکوفة مُظهراً أن مسیره إلیها فی مصالح أهلها والانکفاء إلی المصر. فمضی الأمر علی ذلک حتی کانت سنة سبع وأربعین، فبلغ المتوکل أیضاً مصیر الناس

ص: 115

من أهل السواد والکوفة إلی کربلاء لزیارة قبر الحسین علیه السلام ، وأنه قد کثر جمعهم کذلک، وصار لهم سوق کبیر، فأنفذ قائداً فی جمع کثیر من الجند، وأمر منادیاً ینادی ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسین. ونبش القبر وحرث أرضه، وانقطع الناس عن الزیارة، وعمل علی تتبع آل أبی طالب علیهم السلام والشیعة (رضی الله عنهم)، فقُتل ولم یتم له ما قدّر»((1)).

دلالة الروایة

تدل هذه الروایة أن زیارة الإمام الحسین علیه السلام أهم من مجموعة کبیرة من الواجبات؛ وذلک لأنّ الواجبات تُترک عند الخطر والخوف علی النفس، وزیارة الإمام علیه السلام لم یترکها الزائرون رغم التهدید والوعید، وهذا یدل علی وجوبها.

فإن قلت: إن ذیل الروایة أشار إلی أنّ الزیارة انقطعت عندما أصرّ المتوکل علی وعیده واتخاذه إجراءات عملیة للمنع، وهذا یکشف عن أن ما أُشیر إلیه فی صدر الروایة هو مجرد التهدید من دون أن یصل إلی مرحلة القتل والخوف علی النفس من الهلاک.

قلت: أولاً: إنّ تهدید مثل المتوکل یکفی لإثبات الخوف علی النفس.

وثانیاً: إنّ المتوکل کان جاداً فی کلا تهدیدیه، وإنما فی الثانی أصرّ علی تنفیذ تهدیده بأبشع الصور؛ مما یکشف عن أن سبب انقطاع الزیارة هو القتل

ص: 116


1- الطوسی، محمد بن الحسن، أمالی الشیخ الطوسی: ص328.([1])

والسجن الفعلی، لا الخوف وترک الزیارة، أی: إنّ الزائرین لم یتمکنوا من الوصول لا أنه امتنعوا مع التمکن.

فإن قلت: قد تقدم منکم فی التعلیق علی بعض الروایات المتقدمة أنّه یمکن أن یکون ملاک المستحب أهم من الواجب، وما نحن فیه من هذا القبیل؛ لذلک لم تترک الزیارة فی هذه الظروف، وإن جاز ترک بعض الواجبات لظروف مماثلة.

قلت: نعم یمکن أن یکون بعض ملاکات المستحبات أهم من الواجب - کماتقدم - إلّا أنّه لا یصل إلی عدم الترک عند الخوف علی النفس.

فإن قلت: هذا فعل عوام الشیعة، وفیهم المندفع والذی لا یُبالی، ولا نُحرز إمضاء المعصوم.

قلت: یکفی فی إحراز الإمضاء عدم النهی، وهو متحقق؛ لأنّه لو کان لوصل؛ لأنّ المسألة من المهمات التی تُعرّض کیان التشیع للخطر لو کانت ممنوعة من قبلهم، فعدم ذلک یدل علی عدم المنع الدال علی الإمضاء، بل الأمر علی العکس، فإنّ الروایات صرّحت بمطلوبیة الزیارة حتی مع الخوف کما تقدمت بعض الروایات فی هذا المعنی، فراجع.

فهذه الروایة یمکن أن یُدّعی ظهورها فی الوجوب.

سند الروایة

الکلام عن سند هذه الروایة فی أُمور:

الأول: الکلام فی ابن خشیش، وهو محمد بن علی بن خشیش بن نصر بن

ص: 117

جعفر بن إبراهیم التمیمی فی بنی فزارة((1)).

روی عنه النجاشی، فهو من شیوخه، قال فی ترجمة بکر بن محمد: «وأخبرنا محمد بن علی بن خشیش التمیمی المقرئ، قال: حدثنا محمد بن علی بن دحیم، قال: حدثنا أبی، قال: حدثنا أحمد بن أحمد، عن بکر بن محمد»((2)). وقد ثبت فی محله أن شیوخ النجاشی کلهم ثقاة.

وقد روی عنه الطوسی فی الأمالی، وقد أکثر عنه((3)). فابن خشیش معتبر.

الثانی: الکلام فی محمد بن عبد الله، ولم یتضح من المقصود به.

الثالث: الکلام فی علی بن عبد المنعم بن هارون، ولم یُذکر شیء عنه إلّا ما قاله النجاشی فی ترجمة علی بن عبد الله بن محمد بن عاصم: «علی بن عبد الله بن محمد بن عاصم بن زید بن عمرو بن عوف بن الحارث بن هالة بن أبی هالة، النباش بن زرارة بن وقدان بن أُسید بن عمرو بن تمیم بن الحسن، المعروف بالخدیجی، وهو الأصغر - ولنا الخدیجی الأکبر علی بن عبد المنعم بن هارون روی عنه - وإنما قیل له: الخدیجی؛ لأنّ أُمّ هالة ابن أبی هالة خدیجة بنت خویلد رضی الله عنها»((4)).

الرابع: الکلام فی القاسم بن أحمد بن معمر، فهو مهمل، لم یذکروه.

ص: 118


1- الطوسی، محمد بن الحسن، أمالی الطوسی: ص309.([1])
2- النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص108، رقم273.([2])
3- اُنظر: الطوسی، محمد الحسن، أمالی الطوسی فی روایات کثیرة.([3])
4- النجاشی، أحمد، رجال النجاشی: ص266، رقم692.([4])

هذا تمام الکلام فی الروایات التی تدلّ بظاهرها علی الوجوب، أو التی ادُّعی فیها ذلک.

الخلاصة

إنّ النتیجة المتحصَّلة من خلال البحث فی القسم الثانی من الروایات هو: أنّه توجد مجموعة من الروایات تامّة دلالةً وسنداً علی المطلوب، من قبیل الروایة الثانیة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والثانیة عشرة؛ وبذلک تکون زیارة الإمام الحسین علیه السلام واجبة بنحو المقتضی فی هذا القسم من الروایات أیضاً، حیث تقدّم أنّ الزیارة واجبة من خلال القسم الأول من الروایات التی مرَّ ذکرها فی الفصل الأول من البحث.

ولکن إلی هنا لا یمکننا أن نخرج بنتیجة نهائیة من البحث ما لم نبحث الموانع والعوارض للحکم بوجوب الزیارة، وهذا ما سنعقد له الفصل الثالث من هذا الکتاب، فهناک سوف نسلّط الضوء علی تلک الموانع لنری هل یمکن دفعها أو لا؟

ص: 119

ص: 120

الفصل الثالث: أبحاث دلالیة

اشارة

ص: 121

ص: 122

تقدم الکلام فی الفصلین السابقین حول الروایات الدالّة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام بقسمیها، وهما: ما دلَّ بالصراحة، وما دلَّ بالظهور. وقد ثبت من خلال البحث فی دلالات وأسانید تلک الروایات أنّ أکثرها له دلالة واضحة وصریحة علی الوجوب، کما أنّ أسانیدها لها من القوة والوثاقة ما یجعل النفس تطمئن بصدورها عن الأئمة المعصومین علیهم السلام .

والآن وصل الکلام بنا إلی اقتطاف الثمرة النهائیة من تلک الأبحاث وهی: هل یمکن أن نحکم بوجوب الزیارة بمجرد ما تقدم من الروایات، أو أنّه تُوجد موانع أُخری فی طریق ذلک الحکم؟((1))

فلا بُدَّ - إذاً - من بحث الإشکالات والعقبات المحتملة التی یمکن أن تمنع القول بالوجوب، والوقوف عندها بشکل علمی دقیق؛ حتی یمکن الاعتماد علی النتائج المستخلصة من الروایات المتقدمة.

ثمّ إن تمَّ دفع تلک الإشکالات - أو لا أقل بناءً علی قول مَن لا یری ورود تلک الإشکالات فی المقام - لا بُدَّ من بحث حدود الوجوب الذی أثبتته الروایات المتقدمة بقسمیها الصریح والظاهر.

ص: 123


1- ([1]) لیس المقصود الحکم الشرعی الذی یُفتی به، فإن الفتوی لها أهلها، وإنّما قصدنا البحث العلمی لا غیر.

بحث التواتر

اشارة

وقبل الدخول فی الإشکالات، من المناسب أن نُشیر إلی مطلب تواتر تلک الأخبار، فهل یمکن أن ندّعی أنّ روایات الوجوب متواترة؛ بحیث تکون غنیة عن البحث السندی، أو لیست کذلک؟

وهذا البحث وإن کان الأنسب أن یُدرج ضمن الأبحاث السندیة وطرق إثبات الصدور، إلّا أنّه باعتبار شموله لجمیع الروایات، وقد قسمناها إلی قسمین مستقلین؛ لذلک ارتأینا إفراد هذا البحث عن کلا القسمین، وإدراجه ضمن هذه الأبحاث فی هذا الفصل من الکتاب.

إنّ التواتر - کما عرّفه علماء الأُصول والمنطق -: هو عبارة عن امتناع التواطئ علی الکذب، وهو علی ثلاثة أنحاء:

1- التواتر اللفظی: وهو أن تتحد ألفاظ الروایات بحیث یکون المنقول أمراً واحداً لفظاً ومعنًی، وهذا لا مجال للقول به فی المقام - کما هو واضح - لعدم إمکان تحقُّق ذلک فیما نقلناه من الروایات.

2- التواتر الإجمالی: وهو القطع بصدور إحدی الروایات لا علی التعیین. ولا مجال للقول به لعدم المحصّل منه؛ لأنّه إمّا أن یرجع إلی التواتر المعنوی أو - لا أقل - لا فائدة منه.

3- التواتر المعنوی: وهو اشتراک الروایات فی معنی واحد، والکلام فی إمکان تحقُّق هذا النوع من التواتر:

قد نُقلت هذه الأخبار عن أربعة من الأئمة علیهم السلام ، وهم: الإمام علی،

ص: 124

والإمام الباقر، والإمام الصادق، والإمام موسی الکاظم علیهم السلام.

وقد روی عنهم هذه الأحادیث مجموعة من الأصحاب یبلغ عددهم (21)، منهم الأجلّاء، من قَبیل: محمد بن مسلم، وصفوان الجمّال، ومحمد بن أبی عمیر، وأبی أیوب الخزاز، وغیرهم.

ثمّ تتکثر الطبقات إلی أن تصل إلی أصحاب الکتب والمؤلفات التی اشتُهرت وعُرفت وذاعت، والتی نقلنا عنها هذه الروایات، وهی عبارة عن: مَن لا یحضره الفقیه، والأمالی، والمقنعة للشیخ الصدوق. وکامل الزیارات لابن قولویه. والتهذیب، والأمالی للشیخ الطوسی. ومسار الشیعة، والمزار، والإرشاد للشیخ المفید. والمزار لمحمد بن المشهدی. وروضة الواعظین للفتال النیسابوری. ونوادر علی بن أسباط ضمن الأُصول الستة عشر، إلی غیر ذلک من المصادر التی أرسلت تلک الروایات إرسال المسلَّمات، أو نقلتها عن مصادر أُخری، إلی أن استمر النقل فی الموسوعات الحدیثیة وغیرها، إلی یومنا هذا.

إشکال وجواب

ربما یُقال: إنّه قد یصعب إحراز التواتر فی طبقة المؤلفین؛ وذلک لإمکان تواطؤهم علی الکذب، حیث إنّ العقل لا یمنع من التواطؤ علی ذلک ما دام الناقلون لهم ثقافة واحدة، وتجمعهم مشترکات عدیدة مشخَّصة.

نعم، إن هذا الکلام وإن کان یبعد فی حق أمثال هؤلاء الأجلّاء، إلّا أنّ شرط تحقق التواتر لا یمکن إحرازه.

ص: 125

ونقول - فی مقام الإجابة عن ذلک -:

أولاً: إن تلک الروایات قد اشتُهرت وذاعت وعُرفت فی زمن أصحاب المؤلفات، بحیث یصعب جداً تحریفها وتزویرها والتلاعب بها، هذا بالإضافة إلی أنّ أزمان المؤلفین تختلف من حیث الوفاة وزمن التألیف؛ الأمر الذی یمنع من حصول الاتفاق فیما بینهم علی الکذب.

نعم، هذا قد یضرُّ بالتواتر من جهة أُخری؛ حیث إنّ اتحاد الطبقة شرط.

ثانیاً: إذا نظرنا إلی مؤلفی تلک الکتب، وعرفنا منزلتهم وتقواهم وورعهم؛ فإنّ النفس تطمئن إلی عدم تواطئهم علی الکذب، وتستبعد ذلک کل الاستبعاد، وهذا ما یُعبَّر عنه بالعامل الکیفی الذی یُسرِّع تحقُّق التواتر، فهو متحقّق هنا بأجلی صوره.

نعم، هذا التواتر بهذه الکیفیة یجزم به العقل الشیعی الإمامی الذی له معرفة خاصّة بأصحاب المؤلفات، لا مطلق العقول، فمَن لا یعرف هؤلاء المؤلفین، ولا یدری عن عقیدتهم وتاریخهم شیئاً، لا یمکن أن یُفرض علیه هکذا تواتر. ویمکن القول: إنّ هذا تواتر خاص لظروف خاصّة.

ومعه یحصل القطع بصدور المعنی المقصود إثباته من قِبَل أهل البیت علیهم السلام .

ولا یخفی أنّه لا بُدَّ من الاقتصار علی المعنی الذی تشترک فیه جمیع الروایات، وهو الوجوب الظاهری لا النصّی؛ لعدم إحراز القطع بالوجوب النصّی کما هو واضح.

وعلی کل حال؛ فمَن یعتقد بحصول التواتر من هذه الروایات، فالنتیجة

ص: 126

واضحة عنده، ومَن لا یعتقد بذلک؛ ففی صحة الأسانید وتمامیة الدلالة الکفایة علی المطلوب.

حدود الوجوب

اشارة

بعد أن ثبت أصل الوجوب من خلال الروایات - بقسمیها - یصل بنا البحث إلی حدود الوجوب الذی تُثبته تلک الروایات؛ حیث إنّها قد تکون مختلفة فی ذلک للوهلة الأُولی؛ لأنّ بعض تلک الروایات نصَّ علی أنّ الزیارة واجبة فی کل سنة مرّة، وبعضها نصَّ علی أنّها فی کل أربع سنوات مرَّة، وبعضها أنّها واجبة علی نحو التکرار، وبعضها مطلقة.

فهنا أنحاء متعددة؛ تبعاً لمعطیات الروایات، أو القرائن الخارجیة أو الداخلیة المحیطة بالروایات، أو المُستنتجة من مجموعها؛ فلا بدَّ - أولاً - من عرض طوائف الروایات، ثمّ بیان وجه الجمع فیما بینها:

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی أصل الوجوب من دون تقییده بزمان أو عدد معین

من قَبیل: ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام - وهو یزعم أنّه لنا شیعة - حتی یموت؛ فلیس هو لنا بشیعة، وإن کان من أهل الجنة، فهو من ضیفان أهل الجنّة»((1)).

ص: 127


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص356. واُنظر: الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص432.

ومن قَبیل: ما روی أیضاً عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «لو أنّ أحدکم حجَّ دهره ثمّ لم یزر الحسین بن علی‘؛ لکان تارکاً حقّاً من حقوق رسول الله|؛ لأنّ حقّ الحسین فریضة من الله تعالی واجبة علی کل مسلم»((1)).

ومن قَبیل: ما روی عن أبی جعفر محمد بن علی سلام الله علیه ، قال: «مُرو شیعتنا بزیارة الحسین بن علی سلام الله علیه ؛ فإنّ زیارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأکل السبُع، وزیارته مُفترضة علی مَن أقرَّ للحسین علیه السلام بالإمامة من الله عز وجل»((2)).

وقد تقدَّم أنّ مجموعة من هذه الروایات صحیحة السند.

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی وجوب تکرار الزیارة

من قَبیل: ما روته أُمُّ سعید، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قالت: «قال لی: یا أُمَّ سعید، تزورین قبر الحسین؟ قالت: قلت: نعم. فقال لی: زوریه؛ فإنّ زیارة قبر الحسین واجبة علی الرجال والنساء»((3)).

إنّ الإمام علیه السلام أمر أُمَّ سعید بالزیارة، وأوجبها علی الجمیع، مع أنّ أُمَّ سعید أجابت بالإیجاب عندما سألها الإمام علیه السلام عن ذلک، فلو لم یکن تکرار الزیارة واجباً لما وجّه علیه السلام الأمر إلیها.

وقد تقدَّم أنّ هذه الروایة تامّةٌ سنداً.

ص: 128


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص237- 238.
2- ([2]) الصدوق، محمد بن علی، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص582.
3- ([3]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص237، واُنظر: الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص437.
الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل أربع سنین مرّة

من قَبیل: ما عن أبی الناب، قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن زیارة قبر الحسین علیه السلام ، قال: نعم، تعدل عمرة، ولا ینبغی أن یُتخلّف عنه أکثر من أربع سنین»((1)).

ومن قَبیل: ما قاله أبو عبد الله علیه السلام : «أنّه یُصلّی عند قبر الحسین علیه السلام أربعة آلاف مَلک من طلوع الفجر إلی أن تغیب الشمس، ثمّ یصعدون وینزل مثلهم، فیُصلّون إلی طلوع الفجر، فلا ینبغی للمسلم أن یتخلّف عن زیارة قبره أکثر من أربع سنین»((2)).

ودلالة الروایة علی المطلوب واضحة، إلا أننا قلنا: إن کلا الروایتین ضعیفة السند.

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل سنة مرَّة

من قَبیل: ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «ائتوا قبر الحسین علیه السلام فی کل سنة مرَّة»((3)).

ومن قَبیل: ما عن الحلبی، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن زیارة قبر

ص: 129


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص293. الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج 14، ص431.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص494.
3- ([3]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص490. الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص532.

الحسین علیه السلام ، قال: «فی السنة مرَّة، إنّی أکره الشُّهرة»((1)).

والروایات فی هذه الطائفة واضحة الدلالة علی المطلوب، وهی صحیحة السند.

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة علی الغنی فی کل سنة مرتین وعلی الفقیر فی کل سنة مرة

من قَبیل: ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «حقٌّ علی الغنی أن یأتی قبر الحسین علیه السلام فی السنة مرَّتین، وحقٌّ علی الفقیر أن یأتیه فی السنة مرَّة»((2)).

والروایة صحیحة السند.

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة للقریب فی کل شهر مرة والبعید کل ثلاث سنوات مرة

من قَبیل: ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث طویل، قلت: «مَن یأتیه زائراً، ثمّ ینصرف عنه، متی یعود إلیه؟ وفی کم یأتی؟ وکم یسع الناس ترکه؟ قال: لا یسع أکثر من شهر. وأمّا بعید الدار، ففی کل ثلاث سنین، فما جاز ثلاث سنین فلم یأته؛ فقد عقَّ رسول الله علیه السلام ، وقطع حرمته، إلّا عن علّة»((3)).

ص: 130


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص491. الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص532.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص490. واُنظر: الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، الوسائل: ج14، ص532.
3- ([3]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص494. الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص535.

والروایة صحیحة السند.

هذه ستّة طوائف دلّت علی الوجوب، إلّا أنّها اختلفت فی تحدید فترة الوجوب التی علی الزائر أن لا یتخطّاها؛ فلا بُدَّ من الجمع بین مدالیل هذه الروایات.

الجمع بین الروایات

إنّ الطوائف المتقدمة من الروایات یمکن تقسیمها إلی قسمین أساسیین:

القسم الأول: الروایات المطلقة التی صبَّت الوجوب علی نفس الزیارة ولم تُقیّد بشیء.

ومن الواضح، فإنّ الروایات المطلقة لا تُعارض الروایات المُقیّدة بتعارض مستقر، بل یمکن الجمع بینهما بحمل المطلق علی المُقیّد، وهو أحد وجوه الجمع العرفی بین الروایات.

القسم الثانی: الروایات المُقیّدة بشیء، وهی علی نوعین أساسیین أیضاً:

النوع الأول: الروایات المُقیَّدة بمجرد التکرار، کما فی الطائفة الثانیة المتقدمة.

النوع الثانی: الروایات المقیَّدة بزمان مُعیَّن، کبقیة الطوائف.

ومن الواضح - أیضاً - أنّ ما دلّ علی وجوب التکرار لا یُعارض ما دلَّ علی وجوب التکرار فی أزمنة مُعیَّنة.

وأمّا ما کان منها مُقیّداً بزمان مُعیَّن، فهی علی أربع طوائف: وهی ما دلَّ

ص: 131

علی الوجوب فی کل أربع سنوات - مع غضّ النظر عن ضعف هذه الطائفة من الروایات - وما دلَّ علی الوجوب فی کل سنة مرَّة، وما دلَّ علی الوجوب لبعید الدار کل ثلاث سنین، ولقریبها کل شهر، وما دلَّ علی الوجوب فی السنة مرَّتین للمُوسر ومرَّة للمُعسر.

فهذه الروایات متعارضة فیما بینها، فإنّ ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل أربع سنوات مرَّة یعارض ما دلَّ علی الوجوب فی کل سنة مرَّة، کما یعارض ما دلَّ علی الوجوب للمُوسر فی السنة مرَّتین وللمُعسر مرَّة، کما أنه یُعارض ما دلَّ علی الوجوب فی کل ثلاث سنوات لبعید الدار وکل شهر للقریب...

وهکذا، فإنّ کل طائفة تُعارض بقیة الطوائف، إمّا بالتباین، وإمّا بالعموم والخصوص من وجه.

وجه للتوفیق بین الروایات

اشارة

إنّ هذه الطوائف المُقیّدة بزمان معین لا یمکن التمسّک بدلالة أحدها، حتی لو لم یکن هناک تعارض فی البین؛ وذلک لأنّ التسالم الفقهی الإمامی قائم علی عدم ثبوت وجوب الزیارة بأیّ نحوٍ من الأنحاء فی هذه الطوائف الأربع.

وعلیه؛ فالتمسک بإحداها لا یُجدی نفعاً، وبتبعه فالتدقیق أکثر فی تعیین إحدی هذه الطوائف أیضاً لا یُجدی نفعاً.

فلا بُدَّ - إذاً - من بیان وجه یمکن قبوله بحیث ینسجم مع هذه الروایات، ولا یکون محطّاً لإعراض المشهور، ولا مخالفاً للتسالم الفقهی، وهذا الوجه یتشکل من

ص: 132

خطوتین بمجموعهما یتضح المقصود من مجموع روایات الوجوب المتعارضة؛ وذلک لأنّ تلک الروایات احتوت علی جهتین، بالإضافة إلی أصل الوجوب:

الجهة الأُولی: تکرار الزیارة؛ فإنّ جمیع تلک الروایات المُقیّدة بزمان مُعیّن تدلُّ علی التکرار.

الجهة الثانیة: تعیین زمان للزیارة الواجبة.

الخطوة الأُولی

إنّ مجموع تلک الروایات دلَّ علی وجوب تکرار الزیارة، وهذا ینسجم تمام الانسجام مع الطائفة الثانیة من روایات الوجوب، ولا یوجد أیّ إشکال فی ذلک، ولا یوجد تسالم فقهی علی خلافه، کما سیأتی بحثه عند التعرُّض لإشکال الإعراض.

الخطوة الثانیة

إنّ هناک روایات عدیدة دلَّت علی حرمة جفاء الإمام الحسین علیه السلام من قَبیل: ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدَّثنی أبی، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علی بن عبد الله بن المغیرة، عن العباس بن عامر، قال: قال علی بن أبی حمزة: عن أبی الحسن علیه السلام ، قال: لا تجفوه، یأتیه المُوسر فی کل أربعة أشهُر، والمُعسر لا یُکلّف الله نفساً إلّا وسعها. قال العباس: لا أدری، قال هذا لعلی، أو لأبی ناب»((1)).

ص: 133


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص491.

وغیرها من الروایات الصحیحة بهذا المضمون، والتی تقدَّم بحثها الدلالی والسندی فی فصل سابق.

فما دلّ علی التقیید بزمان معین، محمول علی القضیة الخارجیة التی یُعیّن فیها الإمام علیه السلام المقدار الذی یجب علی المکلف مراعاته حتی لا یتحقّق منه الجفاء؛ وذلک لأنّ الزیارة کما هی واجبة، فإنّ الجفاء أیضاً محرم، وتحدید الجفاء أمرٌ عرفی، یمکن أن یتغیَّر من زمانٍ إلی آخر، فما دلَّ علی التقیید محمول علی أقل المقدار الذی یتحقّق بترکه الجفاء، فنجد أنّ هذا المقدار تارة یکون بسنة، وأُخری بثلاث سنوات، وثالثة بأربع، وهکذا.

وبذلک یثبت أنّ أصل وجوب الزیارة وتکرارها مما اتفقت علیه جمیع روایات الوجوب، وما اختصت به کل روایة من التقیید بزمانٍ مُعیّن محمولٌ علی القضیة الخارجیة المحددة لمقدار تحقُّق الجفاء الذی بیَّنته روایات الجفاء.

فإن قلت: لماذا لم تحمل وجوب الزیارة علی مسألة الجفاء؛ فتکون الزیارة واجبة فی فرض الجفاء لا مطلقاً؟

قلت: إنّ الحمل علی خلاف ظاهر الروایات لا یُصار إلیه إلّا مع عدم إمکان الأخذ بظاهر الروایة، فبدلاً من أن تُطرح الروایة تُحمل علی معنی مقبول، وأما لو کان ظاهر الروایة لا یواجه أیّ مشکلة، فالأخذ به هو المتعین؛ لذلک عملنا بمثل هذا الظاهر فی المقام، وحملنا ما کان ظاهراً بالتقیید بزمان معین علی فرض الجفاء؛ لأنّ هذا الظاهر یُعارضه التسالم الفقهی والإعراض.

ص: 134

الجفاء النوعی والشخصی

لیس الهدف من هذه الدراسة تسلیط الضوء علی حرمة جفاء الإمام الحسین علیه السلام بشکل تفصیلی، وإنّما ذکرنا ذلک استطراداً، وکأحد وجوه الجمع بین بعض مدالیل الروایات، ولکن لا بأس بالإشارة إلی مطلب مهم لیس عن مبتغانا ببعید، وهو أنّ الجفاء المحرَّم هل هو الجفاء الشخصی أو الجفاء النوعی؟

بمعنی لو أنّ ملایین الناس یذهبون إلی زیارة الإمام الحسین علیه السلام باستمرار، وکان هناک شخص لا یزور، فهل یکون الجفاء متحقّقاً من ذلک الشخص أو لا یکون؟

فإن قلنا: إنّ الجفاء نوعی، فهو غیر متحقّق بحقِّ ذلک الفرد، وأمّا إن کان شخصیاً، فهو متحقّق.

ولا بُدَّ من الرجوع إلی مدلول الروایات لتحدید ذلک؛ فإنّ بعضها یظهر منه الجفاء النوعی، وبعضها یظهر منه الجفاء الشخصی، إلّا أنّ ما صحَّ منها سنداً هو ما دلَّ علی حرمة الجفاء النوعی.

والذی یؤکّد أنّ المقصود هو الجفاء النوعی ما ثبت من وجوب الزیارة مکرراً، فهی کافیة فی التحریک، والمنع من ترک الزیارة، وتکون حرمة الجفاء النوعی مُحفّزاً إضافیاً للزیارة فی حال تحقّقه؛ الأمر الذی لم یتحقّق منذ زمنٍ بعید حتی فی أشدّ الظروف وأقساها.

ص: 135

کیفیة الزیارة

المقصود من کیفیة الزیارة: هو أنّ الزیارة الواجبة والتی تحتاج إلی تکرار؛ بحیث لا یتحقّق الجفاء بفعلها، هل هی عن قرب بحیث یکون الزائر عند القبر الشریف، أو تکفی حتّی الزیارة عن بُعد؟

إنّ المقصود من الزیارة هو الزیارة عن قرب، وعن حضور عند القبر الشریف؛ وذلک لعدّة أُمور:

الأول: إنّ المعنی العرفی المنصرف من الزیارة هو الحضور عند المزار، والتواجد الفعلی فی الحضرة. وهذا المعنی أشار إلیه اللغویون أیضاً کما تقدم فی المقدمة.

الثانی: الروایات التی أمرت بإتیان القبر والحضور عنده:

من قَبیل: ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام - وهو یزعم أنّه لنا شیعة - حتی یموت؛ فلیس هو لنا بشیعة، وإن کان من أهل الجنة فهو مِن ضیفان أهل الجنّة»((1)).

ومن قَبیل: ما رواه أیضاً ابن قولویه فی کامل الزیارات، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: «مَن لم یأتِ قبر الحسین علیه السلام من شیعتنا کان منتقص الإیمان، منتقص الدین، وإن دخل الجنّة کان دون المؤمنین فی الجنّة»((2)).

ومن قَبیل: ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات أیضاً، عن علی بن

ص: 136


1- ([1]) المصدر السابق: ص356.
2- ([2]) المصدر السابق: ص 355.

میمون، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «لو أنّ أحدکم حجَّ ألف حجّة ثمّ لم یأتِ قبر الحسین بن علی‘؛ لکان قد ترک حقّاً من حقوق رسول الله|. وسُئل عن ذلک، فقال: حقُّ الحسین علیه السلام مفروض علی کل مسلم»((1)).

فهذه الروایات جمیعها تدلُّ علی لزوم الحضور عند القبر الشریف، ولا تکفی الزیارة عن بُعد.

الثالث: الروایات التی بیّنت کیفیة زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وشرحت کیفیة ذلک بالغُسل والمشی والدعاء عنده، وکیفیة الدخول والوقوف وتقبیل القبر ومکان الصلاة وما إلی ذلک، وهی روایات کثیرة مذکورة فی محلّها، وهی جمیعاً تدلُّ علی أنّ الزیارة تکون بالحضور عند القبر المقدس.

الرابع: الروایات التی بیّنت کیفیة الزیارة عن بُعد مع عدم إمکان التوصّل إلی القبر الشریف؛ فجعلتها فی فرض مَن تعذّر علیه الحضور، وهی روایات عدیدة أیضاً، وتدلُّ علی المطلوب.

والنتیجة: هی أنّ المقصود من الزیارة هو الحضور عند القبر الشریف.

الإشکالات علی القول بالوجوب

اشارة

هناک مجموعة من الإشکالات التی قد ترد علی القول بالوجوب، وهی

ص: 137


1- ([1]) المصدر السابق: ص357. واُنظر: الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص432.

تُعتبر موانع بحدّ ذاتها؛ بحیث لا یمکن أن یُصار إلی القول بالوجوب ما لم تُحلّ تلک الإشکالات، وهی:

الإشکال الأول: الروایات التی تُعارض الوجوب

هناک مجموعة من الروایات تعارض بظاهرها القول بالوجوب؛ لأنّ الظاهر منها هو استحباب الزیارة، والاستحباب یُنافی الوجوب، وهی علی طوائف:

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی المساواة بین زیارة الإمام الحسین علیه السلام وبین زیارة باقی الأئمة علیهم السلام، أو حتی مع زیارة غیر الأئمة علیهم السلام

من قَبیل: ما رواه ابن قولویه، بسندٍ معتبر، قال: «حدّثنی محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علی الوشاء، عن الرضا علیه السلام ، قال: زیارة قبر أبی مثل زیارة قبر الحسین علیه السلام »((1)).

وما رواه الشیخ الطوسی فی التهذیب، بسندٍ معتبر: «عن الحسن بن علی الوشاء، عن الرضا علیه السلام ، قال: سألته عن زیارة قبر أبی الحسن علیه السلام ، هل هی مثل زیارة قبر الحسین علیه السلام ؟ قال: نعم»((2)).

وما رواه الصدوق فی ثواب الأعمال، بسندٍ صحیح عن الحسن بن علی الوشاء، قال: «قلت للرضا علیه السلام : ما لِمَن أتی قبر أحد الأئمة علیهم السلام؟ قال: له مثل ما

ص: 138


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص499.
2- ([2]) الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج6، ص81.

لِمَن أتی قبر أبی عبد الله علیه السلام »((1)).

وما رواه الصدوق فی ثواب الأعمال، قال: «حدّثنا علی بن أحمد، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم العلوی، قال: حدّثنا محمد بن یحیی العطار، عمَّن دخل علی أبی الحسن علی بن محمد الهادی‘ من أهل الرَّی، قال: دخلت علی أبی الحسن العسکری علیه السلام ، فقال: أین کنت؟ فقلت: زرت الحسین علیه السلام . قال: أما إنّک لو زرت قبر عبد العظیم عندکم؛ لکنت کمَن زار الحسین بن علی‘»((2)). ورواه أیضاً ابن قولویه فی الکامل((3)).

وجه الإشکال: إنّ هذه الروایات جعلت زیارة الإمام الکاظم علیه السلام ، وزیارة بقیة الأئمة علیهم السلام کزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، بل جعلت زیارة السید عبد العظیم الحسنی کزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، مع أنّه من المتسالم علیه أنّ زیارة الإمام الکاظم علیه السلام ، وکذا زیارة بقیة الأئمة علیهم السلام لیست واجبة، فضلاً عن زیارة غیرهم علیهم السلام ؛ وعلیه فما قُرن بها أیضاً غیر واجب؛ فزیارة الإمام الحسین علیه السلام غیر واجبة.

جواب الإشکال: یمکن الإجابة عن هذا الإشکال بأُمور

الأمر الأول: قد تقدّم أنّ زیارة الإمام الحسین علیه السلام لها مراتب متعدّدة، وهی متفاوتة بالفضل، تبدأ من أقلّ الثواب إلی أن تصل إلی حدّ الوجوب والفرض،

ص: 139


1- ([1]) الصدوق، محمد بن علی، ثواب الأعمال: ص98.
2- ([2]) المصدر السابق: ص99.
3- ([3]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص537.

وهذه الروایات قارنت زیارة بقیة الأئمة علیهم السلام بزیارة الإمام الحسین علیه السلام بشکلٍ مطلق، وهو یتحقّق بأحد تلک المراتب لا بجمیعها، أو فقل: إنّ الإطلاق مُقیَّد بما دلَّ علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ؛ وبذلک یتبیَّن الفرق أیضاً بین زیارة السید عبد العظیم وزیارة بقیة الأئمة علیهم السلام ، فمجرَّد المقارنة لا یعنی الوجوب ولا نفیه، ولا یعنی التساوی بالفضل والمرتبة.

الأمر الثانی: إنّ روایة زیارة السید عبد العظیم مرسلة ولا تصلح للإشکال.

الأمر الثالث: لا مانع من القول بالوجوب أیضاً فی زیارة بقیة الأئمة علیهم السلام ، إلّا أنّه لیس بالنحو الذی فی زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، بل بنحوٍ آخر، وهو ما تقتضیه بعض الظروف الخارجیة التی تُحتّم زیارة الأئمة علیهم السلام ؛ لأجل حفظ الدین من الاندراس، وحفظ بَیضة الإسلام من الضیاع؛ ولأجل ذلک کانت المقارنة بین تلک الزیارات وزیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وهذا شبیه ما ذهب إلیه بعض الفُضلاء فی نفس زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، وکذا فی زیارة الإمام الرضا علیه السلام ، ونحن نوافقه فی البعض لا الکل.

وأمّا سبب تفریقنا؛ فلِمَا تقدم من صراحة بعض روایات الوجوب بأنّها ممتدة فی عمود الزمان وبالوجوب النفسی.

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی أنّ مقدار الزیارة بید الزائر متی شاء

من قَبیل ما رواه ابن قولویه بسندٍ معتبر، عن العیص بن القاسم، قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام : هل لزیارة القبر صلاة مفروضة؟ قال: لیس له صلاة

ص: 140

مفروضة. قال: وسألته فی کم یوم یُزار؟ قال: ما شئت»((1)).

وجه الإشکال: إنّه لو کانت الزیارة واجبة لما علّق الإمام علیه السلام ذلک علی مشیئة الزائر، بل لکان علیه علیه السلام أن یُبلغه بأقل ما یسعه ترکه، وخصوصاً أنّ الزائر یسأل عن المقدار المُفترض.

جواب الإشکال: یمکن الجواب عن هذا الإشکال بأحد أمرین:

الأمر الأول: إنّ السؤال کان عن الأیام التی تکون فیها الزیارة، لا عن أصل الزیارة، ولا عن أصل تکرارها، بل السؤال عن تحدید الأیام التی تفترض فیها الزیارة، وهذان الأمران هما ما تقدم إثباته، فما ثبت لیس هو محل السؤال، وما هو محل السؤال لیس ما أثبتناه، بل مورد السؤال هو ما تقدّم، من أنّه یخضع للظروف الخارجیة الوقتیة، فلربما تکون سنة، وربما أربع سنوات، وربما أقل أو أکثر من ذلک، فالمشیئة فی هذه الروایة تکون فی خصوص مورد السؤال، ولا تتعدّی إلی غیره.

الأمر الثانی: إنّ السؤال کان عن الأیام لا عن مطلق الزمن، وهذا لا ینافی الروایات المتقدمة أصلاً؛ لأنّ أقلَّها کان فی السنة مرَّتان، وحتی ما دلَّ علی أنّ قریب الدار یزور فی الشهر مرّة، غیر ناظرة إلی الأیام أیضاً، بالإضافة إلی إمکان تقییدها.

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی أفضلیة زیارة الإمام الرضا علیه السلام

من قَبیل ما رواه الکلینی بسندٍ صحیح، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه،

ص: 141


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص492.

عن علی بن مهزیار، قال: «قلت لأبی جعفر علیه السلام : جُعلت فداک! زیارة الرضا علیه السلام أفضل أم زیارة أبی عبد الله الحسین علیه السلام ؟ فقال: زیارة أبی أفضل؛ وذلک أنّ أبا عبد الله علیه السلام یزوره کل الناس، وأبی لا یزوره إلّا الخواصّ من الشیعة»((1)). ورواه الشیخ الطوسی أیضاً((2))، وکذا رواه ابن قولویه فی الکامل((3)).

ومن قَبیل ما رواه الصدوق فی العیون، قال: وبهذا الإسناد (أی: محمد بن علی ماجیلویه، عن علی بن إبراهیم، عن أبیه) عن عبد العظیم بن عبد الله، قال: «قلت لأبی جعفر علیه السلام : قد تحیّرت بین زیارة قبر أبی عبد الله علیه السلام وبین زیارة أبیک علیه السلام بطوس، فما تری؟ فقال لی: مکانک. ثمّ دخل وخرج، ودموعه تسیل علی خدَّیه، فقال: زوّار قبر أبی عبد الله علیه السلام کثیرون، وزوّار قبر أبی بطوس قلیلون»((4)).

وجه الإشکال: إنّ هذه الروایات وصفت زیارة الإمام الرضا علیه السلام بأنّها أفضل من زیارة الإمام الحسین علیه السلام ؛ فإمّا أن تکون زیارة الإمام الرضا علیه السلام واجبة أیضاً، وهذا لا قائل به، وإما أن یکون المستحب أفضل من الواجب، وهو خلاف ما ثبت فی بعض الأبحاث الأُصولیة من أنّ ملاک الواجب أقوی وأشد من ملاک المستحب، وإمّا أن لا تکون زیارة الإمام الحسین علیه السلام واجبة.

ص: 142


1- ([1]) الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج4، ص584.
2- ([2]) الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج6، ص84.
3- ([3]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص510.
4- ([4]) الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج1، ص287.

والاحتمال الأخیر هو المُتعیّن؛ لبطلان سابقیه.

جواب الإشکال: یُجاب عن هذا الإشکال بأُمور:

الأمر الأول: کون زیارة الإمام الرضا علیه السلام غیر واجبة، هذا أمر بحاجة إلی بحث وتدقیق، ولا أقل من احتمال ذلک جداً، ولو فی بعض الظروف القدیمة، ولأجل ارتباط زیارة الإمام الرضا علیه السلام بکمال الإیمان فی تلک الأزمان، فیمکن أن تکون زیارة الإمام الرضا علیه السلام شابهت - بل ترجّحت علی - زیارة الإمام الحسین علیه السلام من هذه الجهة.

الأمر الثانی: یمکن حمل الأفضلیة علی بعض مراتب الاستحباب فی زیارة الإمام الحسین علیه السلام ؛ وذلک لأنّ الأفضلیة هنا مطلقة، فتُقیَّد بما دلَّ علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ، فالوجوب لیس مطلقاً؛ فلا تنافی أصلاً.

الأمر الثالث: لا یوجد تلازم بین الأفضلیة والوجوب، فلربما یکون أمر ما أفضل من الواجب فی نفسه، إلّا أنّه مستحب، کما تقدمت الإشارة إلی ذلک فی فصل سابق، وستأتی الإشارة إلیه لاحقاً، وقد صرَّح بذلک بعض العلماء فی توجیههم أفضلیة زیارة الإمام الحسین علیه السلام علی الحجّ الواجب، مع قولهم باستحباب الزیارة، فالأمر له نظائر فی الفقه.

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی أفضلیة زوّار الإمام الرضا علیه السلام علی بقیة زوار الأئمة علیه السلام

من قَبیل ما رواه الکلینی فی الکافی، قال: محمد بن یحیی، عن علی بن الحسین النیسابوری، عن إبراهیم بن أحمد، عن عبد الرحمن بن سعید المکی،

ص: 143

عن یحیی بن سلیمان المازنی، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال: «مَن زار قبر ولدی علی... مَن زاره وبات عنده لیلة کان کمَن زار الله فی عرشه. قلت: کمَن زار الله فی عرشه؟! فقال: نعم، إذا کان یوم القیامة کان علی عرش الرحمن أربعة من الأولین، وأربعة من الآخرین، فأمّا الأربعة الذین هم من الأولین: فنوح، وإبراهیم، وموسی، وعیسی علیهم السلام ، وأمّا الأربعة من الآخرین: محمد، وعلی، والحسن، والحسین علیهم السلام ، ثمّ یُمدّ الطعام، فیقعد معنا زوّار قبور الأئمة، إلّا أنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوّار قبر ولدی علیه السلام »((1)).

ورواه الشیخ فی التهذیب((2))، والصدوق فی الأمالی والعیون((3)).

وجه الإشکال: کیف یکون زائر الإمام الرضا علیه السلام أفضل من زائر الإمام الحسین علیه السلام ، مع أنّ زیارة الإمام الحسین علیه السلام واجبة، وزیارة الإمام الرضا علیه السلام مستحبة؟

جواب الإشکال: یُجاب عن هذا الإشکال بما تقدم فی الإشکال السابق، ویُضاف إلیه أیضاً: أنّ أفضلیة الزائر هنا لا تخضع لمجرّد المزار، بل تخضع کذلک إلی نفس الزائر وقابلیاته، وکون الروایة ناظرة إلی مجرّد الزیارة مما لا شاهد علیه، بل یمکن أن یُقال: من غیر المحتمل ذلک.

ص: 144


1- ([1]) الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی: ج4، ص585.
2- ([2]) الطوسی، محمد بن الحسن، تهذیب الأحکام: ج6، ص84.
3- ([3]) الصدوق، محمد بن علی، الأمالی: ص182. الصدوق، محمد بن علی، عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج1، ص290.
الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی أنَّ تارک الزیارة محروم من الفضل

من قَبیل ما رواه ابن قولویه فی الکامل، قال: حدَّثنی محمد بن الحسن بن علی بن مهزیار، عن أبیه، عن جدّه، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدیر، قال: کنت عند أبی جعفر علیه السلام ، فدخل علیه رجل، فسلَّم علیه وجلس، فقال أبو جعفر علیه السلام : «من أیّ البلدان أنت؟ قال: فقال له الرجل: أنا رجل من أهل الکوفة، وأنا لک محبٌّ موال. فقال له أبو جعفر علیه السلام :... ثمّ قال: أتزور قبر الحسین علیه السلام فی کل جمعة؟ قال: لا. قال: ففی کل شهر؟ قال: لا. قال: ففی کل سنة؟ قال: لا. فقال له أبو جعفر علیه السلام : إنّک لمحروم من الخیر»((1)).

ومن قَبیل ما رواه ابن قولویه أیضاً فی الکامل، قال: «حدّثنی أبی رحمه الله، عن الحسین بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن أبی عبد الله المؤمن، عن ابن مسکان، عن سلیمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: عجباً لأقوام یزعمون أنّهم شیعة لنا، ویُقال: إنّ أحدهم یمرُّ به دهره ولا یأتی قبر الحسین علیه السلام ، جفاءً منه، وتهاوناً وعجزاً وکسلاً، أما والله، لو یعلم ما فیه من الفضل ما تهاون ولا کسل. قلت: جُعلت فداک، وما فیه من الفضل؟ قال: فضلٌ وخیرٌ کثیر، أمّا أول ما یُصیبه أن یُغفر ما مضی من ذنوبه، ویُقال له: استأنف العمل»((2)).

وجه الإشکال: إنّ الکلام فی الروایة کان عن الذی لم یکن یزور الإمام الحسین علیه السلام ، ومع ذلک لم یقل الإمام علیه السلام : إنّه تارکٌ لأمر واجب، بل اکتفی

ص: 145


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص487 - 488.
2- ([2]) المصدر السابق: ص488.

بالتنبیه علی أنّه فاته الخیر الکثیر، وهذا التعبیر ینسجم أکثر ما یکون مع الأُمور الاستحبابیة لا الواجبة.

جواب الإشکال: أمّا الجواب عن الروایة الأُولی فبأُمور:

الأمر الأول: لم تُبیِّن هذه الروایة أنّ هذا الشخص تارک لزیارة الإمام الحسین علیه السلام بشکل مطلق، بل غایة ما تُثبته أنّه لم یکن یزُر بانتظام وفی کل سنة مرَّة، وهذا أمر لا یصلح للإشکال به علی مبتغانا.

الأمر الثانی: إنّ فوات الخیر الکثیر کما ینسجم مع الأمر الاستحبابی، کذلک فهو ینسجم مع الأمر الواجب، فمجرد هذا التعبیر لا یُعیّن الاستحباب.

الأمر الثالث: من المحتمل أن یکون هذا الشخص من أصحاب الأعذار الذین یسقط الوجوب عنهم، ومن الطبیعی أنّ مَن لم یزُرْ یفوته الخیر الکثیر، حتی لو کان صاحب عذر.

ولکنّ هذا الاحتمال من المستبعد جداً، بل ممتنع؛ لأنّ الإمام علیه السلام تسلسل فی سؤال هذا الشخص، فلو کان من أصحاب الأعذار لما کان معنی لذلک.

وأمّا الجواب عن الروایة الثانیة - فبالإضافة إلی بعض ما تقدّم فی الجواب عن الروایة الأُولی -: إنّ الإمام علیه السلام قد شکّک فی تشیّع هؤلاء الذین یدّعون التشیّع، ولا یزورون الإمام الحسین علیه السلام ، فهذه الروایة لروایات الوجوب أقرب منها لروایات الاستحباب، وأمّا ما ذکره الإمام علیه السلام من الفضل والثواب؛ فهو لأجل التحفیز، وبیان مقدار الأجر والثواب الجزیل، فکثیر من الواجبات، بل أکثرها - إن لم نقل: جمیعها - قد بیّن فضلها والثواب المترتب علیها.

ص: 146

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی أنّ الزیارة غیر مفروضة ولا واجبة

وهو ما رواه ابن قولویه فی الکامل، بسندٍ معتبر، قال: حدّثنی أبی وعلی بن الحسین وجماعة مشایخی رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله بن أبی خلف، عن أحمد بن محمد بن عیسی، عن محمد بن سنان، عن أبی سعید القمّاط، قال: حدثنی عبد الله بن أبی یعفور، قال: «سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول لرجل من موالیه: یا فلان، أتزور قبر أبی عبد الله الحسین بن علی علیه السلام ؟ قال: نعم، إنّی أزوره بین ثلاث سنین مرة، فقال له - وهو مُصفرّ الوجه -: أما والله الذی لا اله إلّا هو، لو زرته لکان أفضل لک مما أنت فیه. فقال له: جُعلت فداک، أکلُّ هذا الفضل؟ فقال: نعم، والله، لو أنی حدّثتکم بفضل زیارته، وبفضل قبره لترکتم الحج رأساً، وما حجَّ منکم أحد، ویحک! أما تعلم أنّ الله اتّخذ کربلاء حرماً آمناً مبارکاً قبل أن یتّخذ مکة حرماً.

قال ابن أبی یعفور: فقلت له: قد فرض الله علی الناس حج البیت، ولم یذکر زیارة قبر الحسین علیه السلام . فقال: وإن کان کذلک؛ فإنّ هذا شیء جعله الله هکذا، أما سمعت قول أبی أمیر المؤمنین علیه السلام حیث یقول: إنّ باطن القدم أحقُّ بالمسح من ظاهر القدم، ولکنّ الله فرض هذا علی العباد؟! أوَ ما علمت أنّ الموقف لو کان فی الحرم کان أفضل لأجل الحرم، ولکنّ الله صنع ذلک فی غیر الحرم؟!»((1)).

وجه الإشکال: إنّ الإمام علیه السلام یُثبت أفضلیة زیارة الإمام الحسین علیه السلام علی

ص: 147


1- ([1]) المصدر السابق: ص444.

الحج، ومع ذلک یُثبت أنّ الزیارة غیر واجبة، ویوجّه ذلک بأنّ هذه أُمور علمها عند الله تعالی، ولها نظائر فی الشریعة، کما فی مسح ظاهر القدم دون باطنها، مع أنّ مسح الباطن أوْلی، فهذه الروایة تُصرّح بعدم وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام .

الجواب عن الإشکال:

ویُجاب عن هذا الإشکال بأُمور:

الأمر الأول: إنّ هذه الروایة لو سلمت دلالتها علی الاستحباب؛ بسبب المقارنة التی ذکرها الإمام علیه السلام بین الزیارة والحج من جهة، وبین مسح باطن القدم وظاهرها من جهة أُخری، فهی تدلّ علیه بقول مطلق، والإطلاق یمکن تقییده بالروایات التی دلّت علی وجوب الزیارة؛ فیکون المقصود من هذه الروایة هو المقارنة بین الزیارة المستحبة والحج، وبین باطن القدم وظاهره.

الأمر الثانی: إنّ الإمام علیه السلام جعل المقارنة بین زیارة هذا الراوی الذی کان یزور فی کلّ ثلاث سنوات مرة، وهذا المقدار لم یثبت وجوبه، وإن کانت فیه روایة صحیحة، إلّا أنّه قد تقدّم الحمل علی القضیة الخارجیة، والمقدار الواجب هو أصل الزیارة مکرراً، وما عداه فیدخل فی المنع عن الجفاء، فهذه الروایة بموردها لا تضرّ بالاستدلال المتقدم أصلاً.

الأمر الثالث: إنّ غایة ما یدلّ علی الاستحباب فی هذه الروایة هو المقارنة بین الزیارة والحج، وبین مسح القدم وباطنها، وهذا لا یدلّ علی الاستحباب؛ وذلک لأنّ غایة ما تدلّ علیه المقارنة هو السبب فی ذکر أحدهما من قِبَل الله

ص: 148

تعالی دون الآخر، من دون النظر إلی الوجوب وعدمه؛ فإنّ الظاهر من سؤال الراوی هو: لماذا أنّ الحج مذکور فی القرآن دون الزیارة؟ فأجابه الإمام علیه السلام أنّ هذا له نظائر، ولا یدلّ علی أفضلیة المذکور، فغایة المقارنة هو المشابهة فی الذکر وعدم الذکر فی القرآن، لا فی الوجوب وعدمه.

الطائفة السابعة: ما دلّ علی کراهة ترک الزیارة

من قَبیل ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، قال: «حدّثنی أبی ومحمد بن الحسن رحمهما الله، عن الحسین بن الحسن بن أبان، عن الحسین بن سعید، عن القاسم بن محمد الجوهری، عن علی بن أبی حمزة، قال: سألت العبد الصالح عن زیارة قبر الحسین بن علی‘، فقال: ما أُحب لک ترکه. قلت: ما تری فی الصلاة عنده وأنا مقصّر؟ قال: صلِّ فی المسجد الحرام ما شئت تطوّعاً، وفی مسجد الرسول ما شئت تطوّعاً، وعند قبر الحسین علیه السلام ؛ فإنّی أُحبُّ ذلک. قال: وسألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسین علیه السلام تطوّعاً. فقال: نعم»((1)).

وجه الإشکال: إنّ الإمام علیه السلام اکتفی بالجواب عن ترک الزیارة بعدم حُبِّه لذلک، ولم ینهَ عن الترک، أو یأمر بالزیارة، وهذا التعبیر ینسجم مع الاستحباب.

الجواب عن الإشکال: یُجاب عن هذا الإشکال بأمرین:

الأمر الأول: قد بحث الأعلام دلالة قول الإمام علیه السلام : «أُحب، أکره» وأمثالهما، بأنّ هذه الألفاظ هل تدلّ علی اللزوم أو لا تدلّ؟ وقد ذهب جمع

ص: 149


1- ([1]) المصدر السابق: ص426.

منهم إلی أنّ هذه التعابیر تدلّ علی اللزوم لا مجرد الکراهة.

الأمر الثانی: لو تنزلّنا وقلنا: إنّها تدلّ علی مجرّد الکراهة لا اللزوم، فغایته أنّها لو کانت بمفردها فهی تدلّ علی ذلک، أمّا لو کانت هناک قرینة منفصلة علی اللزوم فهو المتعیّن، وفی المقام القرینة متحقّقة، وهی روایات الوجوب المتقدمة.

هذا کلّه مع الغمض عن المناقشة فی السند.

والنتیجة المتحصّلة من بحث الروایات - التی قد یُدَّعی معارضتها لروایات الوجوب - هو أنّه لا یوجد أیُّ تعارض بین الروایات، بل وجوه الجمع فیما بینها عدیدة، کما تقدّم، فلا تصل النوبة إلی بحث المرجّحات؛ لأنّه فرع استقرار التعارض، ولو فرض التعارض فالترجیح مع روایات الوجوب من وجوه، کما لا یخفی علی المدقّق.

الإشکال الثانی: فی معنی لفظ الوجوب

قد یُشکل ویُقال: إنّ الاستدلال فی بعض الروایات المتقدمة علی الوجوب - وهی الروایات التی ادُّعی أنّها نصٌّ فی الوجوب - إنّما تدل علی ذلک لو کان لفظ الوجوب فی صدر الإسلام یحمل نفس المعنی الذی هو علیه فی الأزمان المتأخّرة، مع أنّ الأمر لیس کذلک؛ لأنّ معنی الوجوب فی الصدر الأول لا یحمل أکثر من معنی الثبوت، وهو أعمّ من الوجوب والاستحباب وأصل المشروعیة، ولا یدلّ علی معنی الوجوب الاصطلاحی؛ لأجل ذلک فالروایات لا تدلّ علی الوجوب المصطلح.

ص: 150

جواب الإشکال: یمکن الجواب عن هذا الإشکال بأُمور:

الأمر الأول: إنّ الروایات التی دلّت علی الوجوب کانت علی قسمین، وکان القسم الثانی منها هی الروایات التی دلّت علی الوجوب بظهور الأمر فیه؛ فیکون هذا الإشکال حینئذٍ غریباً عنها، ولا یضرّ بها أصلاً، ودلالة تلک الروایات تکفی لإثبات الوجوب المصطلح، وهو المطلوب.

الأمر الثانی: إنّ نفس القسم الأول من الروایات - وهی الروایات التی نصّت علی الوجوب - یوجد فی بعضها فقط لفظ الوجوب، دون البعض الآخر، فمن تلک الروایات التی نصّت علی الوجوب من دون لفظ الوجوب:

ما رواه الصدوق فی الفقیه، عن أبی جعفر محمد بن علی سلام الله علیه ، قال: «مُروا شیعتنا بزیارة الحسین بن علی‘؛ فإنّ زیارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأکل السبُع، وزیارته مفترضة علی مَن أقرّ للحسین علیه السلام بالإمامة من الله عز وجل»((1)).

ومن قَبیل: ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، عن علی بن میمون، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «لو أن أحدکم حجّ ألف حجّة، ثمّ لم یأتِ قبر الحسین بن علی‘؛ لکان قد ترک حقّاً من حقوق رسول الله|. وسُئل عن ذلک، فقال: حقُّ الحسین علیه السلام مفروض علی کل مسلم»((2)).

ومن قَبیل: ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، عن هارون بن خارجة،

ص: 151


1- ([1]) الصدوق، محمد بن علی، مَن لا یحضره الفقیه: ج2، ص582.
2- ([2]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص357.

عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «سألته عمَّن ترک الزیارة - زیارة قبر الحسین بن علی - من غیر علّة، قال: هذا رجلٌ من أهل النار»((1)).

وهذه الروایات تدلّ صراحةً ونصّاً علی الوجوب، وبها یثبت المطلوب، ویکون هذا الإشکال غریباً عنها أیضاً.

الأمر الثالث: لو سلّمنا أنّ لفظ الوجوب لا یدلّ علی معناه المصطلح فی الأزمنة المتأخرة عن عصر النصّ، إلّا أنّه مع ذلک یمکن أن یدلّ علی الوجوب فیما إذا کانت هناک قرینة فی البین، والقرینة موجودة فی مجموعة من الروایات التی نقلناها:

من قَبیل: ما رواه ابن قولویه فی کامل الزیارات، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: «لو أنّ أحدکم حجّ دهره، ثمّ لم یزُرْ الحسین بن علی‘ لکان تارکاً حقّاً من حقوق رسول الله|؛ لأنّ حقّ الحسین فریضة من الله تعالی واجبة علی کل مسلم»((2)).

ومن قَبیل: ما رواه بن قولویه فی کامل الزیارات، عن أُمّ سعید الأحمسیة، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قالت: «قال لی: یا أُمّ سعید، تزورین قبر الحسین؟ قالت: قلت: نعم. فقال لی: زوریه؛ فإنّ زیارة قبر الحسین واجبة علی الرجال والنساء»((3)).

ص: 152


1- ([1]) المصدر السابق: ص356.
2- ([2]) المصدر السابق: ص237.
3- ([3]) المصدر السابق: ص237. اُنظر: الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص437.

وهذه الروایات فیها قرینة علی أنّ المقصود من الوجوب هو الوجوب الاصطلاحی؛ لأنّ الروایة الأُولی قد قرنت بالفریضة، والثانیة قد قرنت بالأمر، وهکذا الحال فی روایات أُخری.

فلم یبقَ إلّا روایتان، وهما:

ما جاء فی نوادر علی بن أسباط، عمَّن رواه، عن أحدهما‘، أنّه قال: «یا زرارة، ما فی الأرض مؤمنة إلّا وقد وجب علیها أن تُسعِد فاطمة سلام الله علیه فی زیارة الحسین علیه السلام »((1)).

وما رواه الشیخ المفید فی الإرشاد، قال: وقد جاءت روایات کثیرة فی فضل زیارته علیه السلام ، بل فی وجوبها. فروی عن الصادق جعفر بن محمد سلام الله علیه ، أنّه قال: «زیارة الحسین بن علی علیه السلام واجبة علی کل مَن یُقرّ للحسین بالإمامة من الله عز وجل»((2)).

وهاتان الروایتان أیضاً بقرینة بقیة الروایات یکون مدلولهما هو الوجوب الاصطلاحی.

وکما تری، فهما روایتان مرسلتان لیس الاعتماد فی الاستدلال علیهما.

ص: 153


1- ([1]) علی بن أسباط، نوادر علی بن أسباط، ضمن کتاب الأُصول الستّة عشر: ص123. المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص75. النوری، میرزا حسین، مستدرک الوسائل: ج10، ص259.
2- ([2]) المفید، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص133. وعنه: الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص445.

وعلی کلّ حال، حتی لو سلّمنا بأنّ لفظ الوجوب فی عصر النصّ لا یدلّ علی الوجوب المصطلح؛ فهو لا یضرّ ببحثنا شیئاً.

الأمر الرابع: إنّ جملة من العلماء المتقدمین والمتأخرین قد فهموا الوجوب الاصطلاحی من تلک الروایات، واستدلّوا بنصوصها من دون الاعتماد علی قرینة أُخری.

نعم، ربما یُقال: إنّهم فهموا الوجوب من مجموع الروایات، والقرائن العدیدة علی الوجوب، وإن لم یصرّحوا بذلک، فلیس فهمهم للوجوب جاء من حاقّ اللفظ.

الأمر الخامس: قد بحث الأعلام هذا اللفظ، واستنتج الکثیر منهم أنّه مشترک بین الوجوب الذی هو بمعنی الفرض، وبین الوجوب الذی هو بمعنی الاستحباب المؤکّد، إلّا أنّه بحسب إفتاء کثیر من العلماء، فإنّه نجدهم لا یفتون بالاستحباب فی موارد لفظ الوجوب فی الروایات، إلّا مع وجود قرائن أُخری تدلّ علی الاستحباب.

وعلیه؛ فحتی لو سُلّم أنّ لفظ الوجوب یدلُّ علی الأعمّ من الوجوب الاصطلاحی والاستحباب، إلّا أنّه غایة ذلک أنّ العلماء تعاملوا معه بمعنی أنّه لو کانت هناک قرائن علی الاستحباب، فلفظ الوجوب فی الروایة لا ینافی ذلک، وهذا لا یضرّ بمطلبنا شیئاً؛ لأنّه لیس فقط لا توجد قرائن علی الاستحباب فی الروایات، بل القرائن علی الخلاف، فهناک قرائن عدیدة علی الفرض والوجوب الاصطلاحی.

ص: 154

فهذا الإشکال لا یضرّ بالاستدلال المتقدّم علی أیّة حال.

الإشکال الثالث: إشکال الإعراض

اشارة

من الإشکالات المهمة - بل لعله أهمها - التی تُعارض الوجوب، وتمنع من الأخذ بروایاته، هو إشکال إعراض أعلام الطائفة ومتقدمیهم عن الأخذ بهذه الروایات.

حاصل الإشکال

إنّ هذه الروایات بما أنّها کانت فی معرض أعلام الطائفة وعظمائها، وکانت فی متناول أیدیهم؛ حیث تقدّم أنّها مرویّة فی أُمّهات المصادر الشیعیة، ومع ذلک فهم لم یُفتوا بمضمونها؛ فهذا یدلّ علی تحقُّق إعراضهم عنها، وعدم التوجه إلیها والأخذ بمضمونها، مع ورعهم الشدید ودقّتهم العلمیة وعقائدهم الولائیة، مما یکشف عن وجود مشکلة وخلل فی تلک الروایات یمنع من الأخذ بها والإفتاء بمضمونها.

وتعتبر مسألة موهنیة الإعراض للروایات المعرض عنها من المسائل شبه الاتّفاقیة بین العلماء والفقهاء.

جواب الإشکال

یمکن الجواب عن هذا الإشکال بأُمور:

الأمر الأول

إنّ الإعراض الذی یُعتبر حجّة وموهناً للروایة هو الإعراض الذی یکون

ص: 155

من متقدّمی الأصحاب لا متأخریهم، وعندما نرجع إلی کلمات قدماء الأصحاب، فإنّه نجد أکثرهم لم یتعرّض لهذه المسألة، ومجرّد عدم التعرّض لا یدلّ علی الإعراض؛ لأنّه لا یصحّ رفع الید عن مجموعة کبیرة من الروایات لمجرد عدم التّعرض لها، بل حتی یکون الإعراض موهناً للروایات لا بُدَّ من القطع بالإعراض، وهو غیر متحقُّق، وإلّاَ لوجب رفع الید عن کثیر من الواجبات التی استدلّ علیها المتأخرون، ولم یتعرّض لها المتقدمون.

الأمر الثانی

إنّ الإعراض الذی یکون موهناً هو الإعراض الذی لا یُحتمل فیه المدرکیة، وأمّا محتملها فلا اعتبار له، وفی المقام فإنّه یوجد نوعان من الروایات:

النوع الأول: ما دلّ علی الوجوب.

النوع الثانی: ما دلّ علی الاستحباب.

فلربما مَن أفتی بالاستحباب اعتمد علی النوع الثانی من الروایات، فهو لم یُعرض عن روایات الوجوب، وإنّما ترجّحت عنده روایات الاستحباب، والمسألة هنا نظیر البحث فی الإجماع المدرکی؛ حیث قیل هناک: إنّ الإجماع الذی یُعتبر حجّة هو الإجماع الذی لا یحتمل المدرکیة، وإلّاَ فمحتملها یُرجع فیه إلی مدرکه، ویُتعامل معه وفق ذلک.

فإن قلت: إنّ احتمال المدرکیة فی الإعراض فرع تعارض الروایات، حتی یمکن أن یُقال: إنّ عدم عمل الأعلام بإحدی الطائفتین بسبب الطائفة الأُخری، وأمّا مع عدم التعارض، فلا تُحتمل المدرکیة؛ لأنّ الروایات سوف

ص: 156

تکون طائفة واحدة، وعدم القول بدلالتها علی مطلب مُعیَّن مع ظهورها فیه یکون إعراضاً عن ذلک المعنی، وفی مقامنا؛ فإنّه لا یوجد أیُّ تعارض بین روایات الوجوب وروایات الاستحباب، کما تقدّم ذلک فی مرّات عدیدة.

قلت: إنّ أصل التعارض بین إطلاقات الروایات متحقّق فی المقام، نعم نحن ذکرنا وجوهاً للجمع بینها، ربما لا یرتضیها قدماء الأعلام، بل وحتی متأخریهم، ولو سلمنا بذلک فوجوه الجمع المتقدمة، کانت بصالح القول بالوجوب، کما تقدم.

من هنا؛ نحتمل أنّ وجوهاً من التعارض قد استقرّت بنظرهم الشریف؛ وعلیه فاحتمال المدرکیة قائم.

الأمر الثالث

إنّ المتحقق من عظماء العلماء هو خلاف الإعراض؛ لأنّ هناک جملة من الأعلام ذهبوا إلی وجوب الزیارة، فلیس فقط أنّهم لم یتعرضوا للوجوب، بل أفتوا به؛ وبذلک ینتفی إشکال الإعراض من الأساس.

القائلون بالوجوب

اشارة

ومِمَّن قال بالوجوب:

1- ابن قولویه (ت367ه-) فی کامل الزیارات، قال: «إنّ زیارة الحسین علیه السلام فرض وعهد لازم - ولجمیع الأئمة علیهم السلام - علی کل مؤمن ومؤمنة»((1)).

ص: 157


1- ([1]) ابن قولویه، جعفر بن محمد، کامل الزیارات: ص236.

2- الشیخ المفید(ت413ه-) فی الإرشاد، قال: «وقد جاءت روایات کثیرة فی فضل زیارته علیه السلام ، بل فی وجوبها»((1))، وکذا قال فی المزار: «باب وجوب زیارة الحسین صلوات الله علیه»((2)).

3- محمد بن المشهدی(ت610ه-) فی المزار، قال: «فضل زیارته علیه السلام ، وحدّ وجوبها فی الزمان علی الأغنیاء والفقراء»((3)).

4- ابن حاتم العاملی(ت664ه-) فی الدرّ النظیم، قال: «وقد جاءت روایات کثیرة فی فضل زیارته، بل فی وجوبها. قال الصادق علیه السلام : زیارة الحسین علیه السلام واجبة علی کل مَن یُقرّ للحسین بالإمامة من الله عزَّ وجل»((4)).

وقد نقل الإربلی فی کشف الغمّة هذا المعنی عن ابن حاتم العاملی((5)).

5- المجلسی الأول (ت1070ه-) قال فی روضة المتقین: «وأما أخبار ثواب زیارته(صلوات الله وسلامه علیه) فأکثر من أن تُحصی، ولشهرتها لم یُذکر منها إلّا القلیل، بل یظهر من الأخبار الکثیرة وجوب زیارته علیه السلام ، ولهذا قال به جماعة من أصحابنا، بل ذهب طائفة إلی وجوب زیارة کل واحد من الأئمة علیهم السلام ولو مرة فی جمیع العمر؛ لما تقدم فی الصحیح أن لکل إمام عهداً فی

ص: 158


1- ([1]) المفید، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص133.
2- ([2]) المفید، محمد بن محمد، المزار: ص26.
3- ([3]) المشهدی، محمد بن جعفر، المزار: ص339.
4- ([4]) العاملی، یوسف بن حاتم، الدرّ النظیم: ص572.
5- ([5]) اُنظر: الإربلی، علی بن أبی الفتح، کشف الغمّة: ج2، ص251.

عنق أولیائه»((1)).

6- المجلسی الثانی (ت1111ه-)، قال فی بحار الأنوار: «إنّ زیارته صلوات الله علیه واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورد من الذمّ والتأنیب والتوعُّد علی ترکها، وأنّها لا تُترک للخوف»((2)).

وقال أیضاً: «ثمّ اعلم أنّ ظاهر أکثر أخبار هذا الباب - وکثیراً من أخبار الأبواب الآتیة - وجوب زیارته صلوات الله علیه، بل کونها من أعظم الفرایض وآکدها، ولا یبعد القول بوجوبها فی العمر مرّة مع القدرة، وإلیه کان یمیل الوالد العلامة (نوَّر الله ضریحه)، وسیأتی التفصیل فی حدّها للقریب والبعید، ولا یبعد القول به أیضاً، والله یعلم»((3)).

7- الحرّ العاملی (ت1104ه-) فی الوسائل، قال: «باب وجوب زیارة الحسین علیه السلام والأئمة علیهم السلام علی شیعتهم کفایة»((4)).

وقال فی هدایة الأُمّة إلی أحکام الأئمة - بعد أن ذکر مجموعة من روایات الوجوب -: «تجب زیارة الحسین علیه السلام والأئمة علیهم السلام کفایة، لما مر»((5)).

8- السید علی الطباطبائی(ت1231ه-) فی ریاض المسائل، قال: «وتتأکد

ص: 159


1- ([1]) المجلسی، محمد تقی، روضة المتقین فی شرح مَن لا یحضره الفقیه: ج5، ص376.
2- ([2]) المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص1.
3- ([3]) المصدر السابق: ج98، ص10.
4- ([4]) الحرّ العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة: ج14، ص443.
5- ([5]) الحر العاملی، محمد بن الحسن، هدایة الأُمّة إلی أحکام الأئمة: ج5، ص480.

فی الحسین علیه السلام ، بل ورد أنّ زیارته فرض علی کل مؤمن، وأن ترْکَها ترکُ حقَ الله تعالی، وأنّ ترکها عقوق رسول الله علیه السلام ، وانتقاص فی الإیمان والدین، وأنّه حقٌّ علی الغنی زیارته فی السنة مرّتین، والفقیر مرّة»((1)).

9- قال الشیخ حسین آل عصفور فی سداد العباد: «وتجب زیارة الحسین علیه السلام علی الرجال والنساء»((2)).

10- ما نقله آیة الله العظمی الشیخ عبد النبی العراقی عن بعض العلماء، قال: «وربما احتُمل أنّ سبب عدم کتابة مثل هذه الرسالة المستوفیة فی رأی الأصحاب هو قاعدة التسامح فی أدلة السنن. ولکن هذا الاحتمال ممنوع کما هو ظاهر، إضافة إلی أنّ استحبابها أوّل الکلام؛ لإنّ جماعة تقول بوجوب زیارة عاشوراء»((3)).

وقال أیضاً: «ذهب جمع منهم کصاحب الحدائق والمجلسی والشیخ الحر العاملی رضوان الله علیهم إلی الوجوب العینی. وذهب آخرون کالمحدث النوری وغیره إلی الوجوب الکفائی. والمشهور عندهم هو الاستحباب وهو أقوی»((4)).

11- ما نقله عبد النبی العراقی عن الآخوند الخراسانی، حیث قال - بعد

ص: 160


1- ([1]) الطباطبائی، علی، ریاض المسائل: ج7، ص167.
2- ([2]) آل عصفور، حسین، سداد العباد ورشاد العباد: ص404.
3- العراقی، عبد النبی، الکنز الخفی، دراسة فی زیارة عاشوراء: ص40.([3])
4- المصدر السابق.([4])

أن نقل تعارض الأخبار بین الوجوب والاستحباب -: «وقد اختلفت أیضاً الأنظار فی کیفیة الجمع بین الأخبار، فالمرحوم شیخنا الأعظم الآخوند ملّا کاظم حمل الأخبار الدالة علی الوجوب علی الوجوب الاقتضائی، وقال: إنّ غیبة ولی العصر مانعة من فعلیة ذلک الوجوب، ولکن سیرتقی من الوجوب الاقتضائی إلی الوجوب الفعلی بطلوع شمس الولایة من أُفق الغیبة، شأنه فی ذلک شأن کثیر من الواجبات الممنوعة الفعلیة لعلة الغیبة»((1)).

أقول: ومع غض النظر عن المناقشة فی وجه الجمع الذی ذکره الآخوند، فإنّ کلامه یفید أنّ الروایات تدل علی الوجوب، وأنّ الإعراض غیر متحقق وإلّا لما وصل الأمر إلی مرحلة الجمع بین الأخبار؛ لإنّ الجمع فرع الثبوت.

12- ما قاله الشیخ خضر بن شلال فی کتابه أبواب الجنان وبشائر الرضوان: «المعلوم مزید فضل زیارته من ضرورة الدین والمذهب والکتاب العزیز والسنَّة التی تزید علی عدد التواتر، بل قد یُستفاد ما أشرنا إلیه من لزوم ترکها الجفاء وعدم مودة القربی التی قد جعلها الله تعالی فی کتابه العزیز أجر رسالة النبی علیه السلام ، ونحو ذلک الوجوب الذی قد یُستفاد من النصوص المتواترة معنًی بعد إضمام العام إلی الخاص والظاهر إلی الصریح، إلی غیر ذلک من الأخبار المشتملة علی لفظ الفرض والوجوب والأمر والذم والتأنیب والتوعد علی ترکها ولو مع الخوف، ونحو ذلک مما قد لا یشک فی صراحته فی الوجوب الذی ذکر العلامة المجلسی أنّه قد استُفید من أخبار لم یظهر لها معارض سوی

ص: 161


1- المصدر السابق: ص44.([1])

ما ذکره من کون المشهور أنّه سنّة مؤکدة، فالقول بالوجوب علی مَن استطاع إلیه سبیلاً فی العمر مرة - کما قد یظهر من کثیر منهم العلامة المجلسی ووالده - مما لا محیص عنه سیما بعد ملاحظة الاعتبار ولزوم عدمه الجفاء وعدم الاعتناء بأولیائه والبراءة من أعدائه، فلا غرو أن کانت زیارته شعاراً للإمامیة واجبة علی کل مسلم ومسلمة فی العمر مرة علی مَن استطاع إلیه سبیلاً، کالحج الذی قد تواتر أخبار بمزید فضل مندوب زیارة الحسین علی واجبه إلی غیر ذلک من الأخبار الفائقة حدّ الإحصاء المذکورة فی مطولات الأصحاب»((1)).

13- ما ذکره السید المروّج فی منتهی الدرایة، قال: «أمّا النصوص الدالّة علی رجحان الزیارة، بل وجوبها فکثیرة:

منها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: مُروا شیعتنا بزیارة قبر الحسین علیه السلام ، فإنّ إتیانه مفترض علی کل مؤمن یُقرّ للحسین علیه السلام بالإمامة... بل یُستفاد من بعض النصوص وجوب زیارة سائر الأئمة الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین أیضاً» ((2)).

ثمّ قال: «بل یُفهم من هذه الروایة ونظائرها أنّ التمسک بحبل ولایتهم والإیمان بإمامتهم لا یتمُّ إلّا بزیارتهم صلوات الله علیهم، فلا یکون أحد إمامیاً إلّا بالاعتقاد الجنانی بإمامتهم، والإقرار اللسانی بها، والحضور بالبدن العنصری عند قبورهم، فالزیارة هی الجزء الأخیر؛ لسبب اتّصاف المسلم

ص: 162


1- نقلاً عن کتاب نور العین فی المشی إلی زیارة الحسین علیه السلام للاصبهاناتی: ص19.([1])
2- ([2]) المروّج الجزائری، محمد جعفر، منتهی الدرایة: ج6، ص637.

بکونه إمامیاً، وترکها کفقدان سابقیها یُوجب الرفض المُبعد عن رحمته الواسعة - أعاذنا الله تعالی منه -...

فإذن؛ یخرج وجوب الزیارة - الذی قال به جماعة، کالفقیه المقدم أبی القاسم جعفر بن محمد بن قولویه، والمحدّث الکبیر صاحب الوسائل، والعلامة المجلسی، وغیرهم (قدس الله تعالی أسرارهم) - عن الأحکام الفرعیة»((1)).

14- ما قاله السید السیستانی (حفظه الله) - فی جوابه عن سؤال: أیّهما أفضل، زیارة الرسول علیه السلام أم زیارة سید الشهداء أبی عبد الله علیه السلام ؟ -: «رسول الله أفضل الخلق، فزیارته أیضا أفضل الزیارات، إلّا أنّه قد یطرأ عنوان خاص علی بعض الزیارات، یکسبها فضیلة أُخری، بل ربما تبلغ حدّ الوجوب الکفائی، ولعله کان کذلک فی العهود السابقة التی منع فیها الناس عن زیارة سید الشهداء علیه السلام »((2)).

15- ما ذکره الاصطهباناتی فی نور العین، قال - بعد أن ذکر روایات تدل علی الوجوب تحت عنوان: أنّ زیارة الحسین فرض وعهد لازم علی کل مؤمن ومؤمنة -: «إنّ ظاهر أکثر أخبار هذا الباب وکثیر من أخبار الأبواب الآتیة وجوب زیارته سلام الله علیه، بل کونها من أعظم الفرائض وآکدها»((3)).

ص: 163


1- ([1]) المصدر السابق: ج6، ص637- 638.
2- ([2]) السیستانی، علی، استفتاءات: ص408، رقم السؤال1610.
3- الاصطهباناتی، نور العین فی المشی الی زیارة قبر الحسین: ص17.([3])

16- ما قاله الشیخ باقر شریف القرشی تحت عنوان (زیارة الحسین علیه السلام فرض): «صرّحت طائفة من الآحادیث بأنّ زیارة سید الشهداء علیه السلام فرض من الله تعالی ألزم بها عباده». ثم ذکر بعض الروایات الدالة علی هذا المعنی والتی نقلناها فیما تقدم، ثم قال: «إنّ زیارة ریحانة الرسول وسید شباب أهل الجنة فرض من الله تعالی وواجب علی عباده؛ وذلک لعظیم ما قدّمه الإمام علیه السلام من التضحیات التی لم یُقدمها أحد من أولیاء الله تعالی فی سبیل دینه»(1).

نتیجة الأقوال المتقدمة

والنتیجة من هذه الأقوال: إنّ مَن کان من المتقدمین، فهو دلیل علی عدم الإعراض، بل هو إفتاء طبق روایات الوجوب، ومَن کان من العلماء من المتأخرین، فهو یدلّ علی أنّ متأخری علمائنا وعظمائنا یعتقدون أنّ متقدمی العلماء لم یُعرضوا عن هذه الروایات، وإلّاَ لما أفتوا علی طِبقها.

وأمّا ما کان من هذه الأقوال مخالفاً لما استظهرناه فی بعض الجزئیات، فهو لا یضرّ بمطلبنا إلّا بمخالفة الاستظهار، وقد ذکرنا وجهة نظرنا بالتفصیل فی هذا الفصل، وفی فصلین سابقین.

عدم تحقّق الإعراض حتی علی القول بالاستحباب

یمکن القول: إنّ حتی مَن قال بالاستحباب من العلماء فإنه لا یُعتبر معرضاً عن روایات الوجوب؛ لأنّه استدلّ علی فتواه بنفس الروایات التی استُدلّ بها علی الوجوب، وهذا یعنی أنّهم یقبلونها، إلّا أنّهم حملوها علی

ص: 164


1- القرشی، باقر، زیارات الإمام الحسین علیه السلام نصر للإسلام: ص59 - 60.([1])

الاستحباب، والظاهر من کلماتهم أنّ سبب ذلک هو جمعهم بین الروایات، وعلی کلّ حال؛ فهذا یُثبت عدم الإعراض.

قال العلاّمة الحلّی(ت726ه-) فی تذکرة الفقهاء: «تُستحب زیارة الحسین علیه السلام ؛ لقول الباقر علیه السلام : مُروا شیعتنا بزیارة قبر الحسین علیه السلام ...»((1)).

وقال فی منتهی المطلب: «وفی زیارته فضلٌ کثیر، روی الشیخ، عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال: مُروا شیعتنا بزیارة الحسین علیه السلام ؛ فإنّ إتیانه یزید فی الرزق، ویمدّ فی العمر، ویدفع السوء، وإتیانه مفترض علی کل مؤمن یُقرّ بالإمامة من الله... وعن علی بن رباب عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال: حقّ الله تعالی علی الغنی أن یأتی قبر الحسین علیه السلام فی السنة مرّتین، وحقٌّ علی الفقیر أن یأتیه فی السنة مرّة»((2)).

وقال النجفی(1266ه-) فی الجواهر: «وکذا یُستحب زیارة الإمام الشهید أبی عبد الله الحسین علیه السلام بن أمیر المؤمنین علیه السلام ، سید شباب أهل الجنة... بل تأکُّد استحبابها من ضروریات المذهب أو الدین، حتی ورد: أنّ زیارته فرض علی کل مؤمن. وواجبة علی الرجال والنساء. ومَن ترکها ترک حقّ الله تعالی ورسوله. بل ترکُها عقوق رسول الله علیه السلام ، وانتقاص فی الإیمان والدین؛ فإنّ حقّاً علی الغنی زیارته فی السنة مرّتین، والفقیر فی السنة مرّة»((3)).

ص: 165


1- ([1]) الحلّی، الحسن بن یوسف، تذکرة الفقهاء: ج8، ص453، مسألة770.
2- ([2]) الحلّی، الحسن بن یوسف، منتهی المطلب: ج2، ص892.
3- ([3]) الجواهری، محمد حسن، جواهر الکلام: ج20، ص95.

إذاً؛ فالنتیجة من بحث الإعراض: إنّه لا یصلح للإشکال، أو فقل: إنّ إشکال الإعراض غیر وارد؛ لما تقدم من الأجوبة.

نظائر لمسألة وجوب الزیارة فی الفقه
اشارة

هناک مجموعة من المسائل الفقهیة التی تناولها الفقهاء بالبحث والتنقیب، وهی شبیهة شباهة کبیرة بما نحن فیه، من وجود المقتضی علی الوجوب، وعدم وجود المانع، ووجود قول لبعض العلماء المتأخرین بالإثبات، ومع ذلک نجد أن الرأی الفقهی العام علی خلاف تلک المسألة، ونحن نذکر هنا عیّنة واحدة، وهی مسألة وجوب الإقامة فی الصلاة، فسنقایس بین هذه المسألة ومسألة وجوب الزیارة، فنعیّن وجوه الشبه، ثم نبیّن الإشکال علی ما نحن فیه من القول بوجوب الزیارة، ثم نُجیب عن هذا الإشکال.

مقاربة وجوب الزیارة مع وجوب الإقامة فی الصلاة

من المسائل التی وقع فیها الاختلاف والنقاش هی مسألة وجوب الإقامة فی الصلاة، فقد وقع اختلاف فی أنها واجبة أو لا؟ وإذا کانت واجبة فهل تختص بالرجال أو تعم النساء؟ وهل هی مختصة ببعض الفرائض أو تعم جمیع الفرائض الیومیة؟

ونحن فی هذه المقاربة لا نرید أن نتطرّق إلی جمیع حیثیات وتشقیقات المسألة، وإنما نرید أن نُشیر إلی أصل الوجوب وعدمه.

الأدلة علی وجوب الإقامة

ذُکرت مجموعة من الأدلة علی وجوب الإقامة، منها:

ص: 166

موثقة سماعة، قال: «قال أبو عبد الله علیه السلام : لا تُصلِّ الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة، ورخّص فی سائر الصلوات بالإقامة، والأذان أفضل»((1)).

موثقة عمار: «لا صلاة إلّا بأذان وإقامة»((2)).

موثق عمار الأُخری، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال: «إذا قمت إلی الصلاة فریضة فأذّن وأقم، وافصل بین الأذان والإقامة بقعود أو بکلام أو بتسبیح»((3)).

وقد خرج وجوب الأذان عن هذه النصوص بالدلیل الخاص.

صحیحة زرارة الواردة فی قضاء الصلاة، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: «إذا کان علیک قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن، فأذّن لها وأقم ثم صلّها، ثم صلّی ما بعدها بإقامة، إقامة لکل صلاة»((4)).

قال السید الخوئی - بعد أن ذکر هذه الروایة -: «ولم أرَ مَن استدلّ بها فی المقام، مع أنها أوْلی من کل دلیل، وأحسن من جمیع الوجوه المتقدمة؛ فإنّ ظهورها فی الوجوب مما لا مساغ لإنکاره بوجه»((5)).

إذن؛ فإن الدلیل قائم علی وجوب الإقامة فی الصلاة، إلّا أنه مع ذلک لا یمکن الحکم بوجوب الإقامة؛ لأن الدلیل تام بنحو المقتضی فقط، فلا بد من

ص: 167


1- ([1]) الحر العاملی، وسائل الشیعة: ج5، ص387، أبواب الأذان والإقامة: ب6، ح5.
2- ([2]) المصدر السابق: ج5، ص444، أبواب الأذان والإقامة: ج35، ح2.
3- ([3]) المصدر السابق: ج5، ص397، أبواب الأذان والإقامة: ب11، ح4.
4- ([4]) المصدر السابق: ج5، ص446، أبواب الأذان والإقامة: ب37، ح1.
5- ([5]) الخوئی، أبو القاسم، المستند فی شرح العروة الوثقی: ج13، ص238، کتاب الصلاة.

البحث عن وجود المانع أو عدم وجوده، قال السید الخوئی فی بحث الإقامة: «وقد استدل القائل بال مما لا مساغ لإنکاره بووجوب بعدّة أخبار، ادَّعی ظهورها فیه مع سلامتها عن المعارض، فهنا دعویان: إحداهما: وجود المقتضی، والأُخری عدم المانع، ویتوقف الوجوب علی إثبات کلتیهما»((1)).

ثم قال - بعد أن استعرض الأخبار -: «وعلیه فما ذکره غیر واحد من قصور المقتضی وعدم نهوض دلیل لإثبات الوجوب موهون بما سمعته من الوجهین لا سیما الأخیر منهما، فالمقتضی تام، والدعوی الأُولی ثابتة»((2)).

وهذا نظیر ما أکّدنا علیه فی بحثنا فی وجوب الزیارة حیث ذکرنا((3)) أن مجرد ثبوت المقتضی وهی الروایات الناصة علی الوجوب أو الروایات الظاهرة فیه، لا یکفی لإثبات الوجوب ما لم یدفع المانع وهو الدعوی الثانیة فی المقام.

الأدلة علی نفی وجوب الإقامة

قد ذکرت فی المقام مجموعة من الأدلة التی ربما یُتمسک بها لنفی وجوب الإقامة، منها الروایات، ومنها الإجماع المرکب، وقد ناقش السید الخوئی فی جمیعها، ثم قال: «وقد تحصّل لحد الآن أنّ الوجوه المتقدمة المستدل بها لاستحباب الإقامة کلها مخدوشة ومنظور فیها»((4)).

ص: 168


1- ([1]) المصدر السابق: ج13، ص232، کتاب الصلاة.
2- ([2]) المصدر السابق، ج13، ص238، کتاب الصلاة.
3- ([3]) اُنظر: نهایة الفصل الأول ونهایة الفصل الثانی.
4- ([4]) الخوئی، أبو القاسم، المستند فی شرح العروة الوثقی: ج13، ص242، کتاب الصلاة.

وهذا نفس ما ذکرناه فی دفع إشکال الروایات التی تدل علی استحباب زیارة الإمام الحسین علیه السلام مطلقاً، وبعض الوجوه الأُخری التی یُتمسّک بها لذلک.

الأقوال فی وجوب الإقامة

ذهب جماعة من الفقهاء - ومن المتقدمین منهم - إلی وجوب الإقامة فی الجملة، وإن اختلفوا فی بعض التفصیلات، قال السید الخوئی: «وقد ذهب ابن أبی عقیل - کما مرَّ - وجمع إلی وجوبها حتی علی النساء، وخصّه الشیخان والسید وابن الجنید بالرجال، ومال إلیه الوحید البهبهانی، واختاره صاحب الحدائق، واحتاط فیه السید الماتن»((1)).

وهذا نفس ما نقلناه عن قدماء وعظماء الطائفة فی مسألة وجوب الزیارة ومَن تبعهم من علمائنا الأعلام.

إشکال

بعد هذه المقاربة بین مسألتی وجوب الزیارة ووجوب الإقامة، ربما یأتی إلی الذهن وحدة الحکم، أی: إنه إذا کانت الزیارة واجبة فلا بد أن تکون الإقامة کذلک، وإذا کانت الإقامة مستحبة - لأیّ سبب کان - فلا بد أن تکون الزیارة مستحبة، وبما أنه نجد أن الرأی المشهور، بل الذی استقرّ علیه فقاؤنا وعظماء الطائفة - ومنهم السید الخوئی - أن الإقامة مستحبة، فلا بد إذن أن

ص: 169


1- ([1]) المصدر السابق: ج13، ص232، کتاب الصلاة.

تکون الزیارة کذلک؛ لأننا عندما نراجع کلمات الأعلام وخصوصاً مَن تمّم أدلة وجوب الإقامة وناقش فی أدلة الاستحباب، قد استدل علی الاستحباب بشبه قضیة الإعراض، وأنه لو کانت تلک الروایات تدلّ علی وجوب الإقامة لما کان الرأی المشهور علی خلافها، ولا یکفی ما ذُکر من أسماء الأعلام الذین قالوا بوجوب الإقامة لدفع هذا الإشکال، فکذلک فی المقام، فإنّ مَن ذُکر فی المقام - أی: مَن قال بوجوب الزیارة - لا یکفی لدفع إشکال الإعراض.

الجواب

إنّ هناک فرقاً أساسیاً بین الزیارة وبین مسألة الإقامة، وذلک من وجوه، منها:

الأول: إنّ عموم البلوی بالإقامة أکثر منه فی الزیارة وهذا واضح.

الثانی: إنّ الإقامة بالنسبة للفرائض حقیقة واحدة أما واجبة وأما مستحبة مما یجعل التعارض واضحاً فی المقام، وأما الزیارة فهی متعددة وعلی أنواع، والمستحب لا ینافی الواجب منها.

الثالث: لا بد من إلفات النظر إلی أن مَن لم یُشِرْ إلی بحث الوجوب أو الاستحباب فی الزیارة أکثر ممن أشار إلیه، ثم إنّ مَن أشار إلی الوجوب إن لم یکن أکثر ممن أشار إلی الاستحباب فهو لیس بالأقل - أعنی من المتقدمین - وهذا فرق أساسی بین الإقامة والزیارة.

قال السید الخوئی: «الوجه السادس الذی تمسّکنا به فی کثیر من المقامات، والمقام من أحراها وأظهر مصادیقها: وهو أن الإقامة من المسائل العامة البلوی والکثیرة الدوران، بل یُبتلی بها کل مکلف فی کل یوم خمس مرات علی

ص: 170

الأقل، فلو کانت واجبة لاشتُهر وبان وشاع وذاع، بل أصبح من الواضحات التی یعرفها کل أحد، لما عرفت من شدّة الابتلاء وعموم الحاجة، فکیف لم یذهب إلی وجوبها ما عدا نفراً یسیراً من الأصحاب؟! وهاتیک النصوص المستدلّ بها للوجوب بمرأی منهم ومسمع، وهذا خیر دلیل علی أنهم لم یستفیدوا من مجموعها أکثر من الاستحباب غیر أنه فی الإقامة آکد»((1)).

ص: 171


1- ([1]) المصدر السابق: ج13، ص242، کتاب الصلاة.

ص: 172

الخاتمة: نتائج البحث

ص: 173

ص: 174

وفی خاتمة المطاف نُذّکر القارئ العزیز بأهم النتائج من خلال البحث فی فصوله الثلاثة:

إنّ روایات الوجوب علی قسمین:

الأول: الروایات التی نصّت علی الوجوب وصرّحت به، وهی عدیدة، ومنها ما هو صحیح السند، وتام الدلالة.

الثانی: الروایات الظاهرة فی الوجوب، وهی کثیرة، منها ما هو صحیح السند أیضاً، وتام الدلالة.

ثمّ إن من مجموع الروایات یمکن أن یدّعی التواتر فی المقام.

وإنّ المقصود من الزیارة هو الحضور عند قبر الإمام علیه السلام .

وإنّ الواجب من الزیارة هو أصل زیارة الإمام علیه السلام مکرراً، ولا حدود واضحة لمقدار التکرار.

وإنّ ما جاء من تحدید عدد - أو تحدید أوقات الزیارة - فهو محمول علی القضیة الخارجیة التی بموجبها یتحدد الجفاء من عدمه؛ فإنّ الجفاء منهیٌّ عنه أیضاً فی روایات صحیحة.

إنّ جمیع الإشکالات التی ادُّعیَ ورودها فی المقام غیر واردة، سواء إشکال الروایات المعارضة، أو إشکال عدم دلالة لفظ الوجوب علی الوجوب

ص: 175

الاصطلاحی فی صدر الإسلام، أو إشکال الإعراض الذی یُعتبر أهم تلک الإشکالات.

وعلیه؛ فزیارة الإمام الحسین علیه السلام واجبة مکرراً؛ لتمام الأدلّة علی ذلک، وعدم وجود المانع منه.

جمیع هذا حسب البحث العلمی فی النظر القاصر، ولا یُتوهَّم أنّ المقام مقام فتوی، فإن ذلک مقام مختص بأهله، قدس الله أسرار الماضین منهم وحفظ الباقین.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین

ص: 176

فهرست المصادر

1.

اختیار معرفة الرجال (رجال الکشی)، محمد

بن الحسن الطوسی، تصحیح وتعلیق میر داماد الاسترأبادی، تحقیق السید مهدی

الرجالی.

2.

الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد،

محمد بن محمد بن النعمان المفید، تحقیق: مؤسسة آل البیت لتحقیق التراث، الطبعة

الثانیة 1414ه- 1993م، نشر: دار المفید، بیروت - لبنان.

3.

استفتاءات المرجع

الدینی الأعلی السید السیستانی، بتاریخ 1/1/2000م.

4.

إقبال الأعمال، علی بن موسی بن جعفر بن

طاووس، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الطبعة الأُولی 1414ه-، نشر مکتب الإعلام

الإسلامی، قم - إیران.

5.

الأمالی، الشیخ الصدوق، تحقیق قسم

الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة، الطبعة الأُولی 1417ه-، طهران - إیران.

6.

الأمالی، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق

مؤسسة البعثة، الطبعة الأُولی 1414ه-، نشر: دار الثقافة، قم - إیران.

ص: 177

1.

الإمامة والتبصرة، علی بن الحسین بن

بابویه القمی، تحقیق ونشر مدرسة الإمام المهدی، الطبعة الأُولی 1404ه- - 1363ش،

قم - إیران.

2.

بحار الأنوار، العلامة محمد باقر المجلسی،

الطبعة الثانیة 1403 - 1983م، نشر مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان.

3.

بصائر الدرجات الکبری، محمد بن الحسن

الصفار، تصحیح وتعلیق: میرزا حسن کوجه باشی، طبع سنة 1404ه- - 1362ش، نشر:

منشورات الأعلمی، طهران - إیران.

4.

البلد الأمین، إبراهیم بن علی الکفعمی،

سنة الطبع: 1383ش، نشر: مکتبة الصدوق، طهران - إیران.

5.

تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدین

السید مرتضی الحسینی الواسطی الزبیدی، تحقیق: علی شیری، طبع سنة 1414ه- - 1994م،

نشر دار الفکر، بیروت - لبنان.

6.

تذکرة الفقهاء، الحسن بن یوسف بن المطهر

الحلی، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة الأُولی 1414ه-، قم -

إیران.

7.

تعلیقة علی منهج المقال، محمد باقر الوحید

البهبهانی.

8.

تفسیر القمی، علی بن إبراهیم القمی، صحّحه

وعلّق علیه: السید طیب الموسوی الجزائری، الطبعة الثالثة 1404ه-، نشر مؤسسة دار

الکتاب، قم - إیران.

ص: 178

1.

تفسیر فرات الکوفی، فرات بن إبراهیم

الکوفی، تحقیق: محمد کاظم، الطبعة الأُولی، 1410ه- 1990م، نشر: مؤسسة الطبع

والنشر التابعة لوزارة الإرشاد، طهران - إیران.

2.

تنقیح المقال، المامقانی.

3.

التنقیح فی شرح العروة، تقریرات بحث السید

الخوئی، المیرزا علی التبریزی الغروی، الطبعة الثالثة 1410ه-، نشر دار الهادی،

قم - إیران.

4.

تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة، محمد بن

الحسن الطوسی، تحقیق وتعلیق: السید حسن الموسوی الخراسان، الطبعة الثالثة 1364ش،

نشر: دار الکتب الإسلامیة، طهران - إیران.

5.

ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشیخ

الصدوق، تقدیم وتحقیق: السید محمد مهدی الخرسان، الطبعة 1368ش، نشر: منشورات

الشریف الرضی، قم - إیران.

6.

جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، محمد

بن حسن النجفی، تحقیق الشیخ الفوجانی، الطبعة الثالثة 1367ش، نشر دار الکتب

الإسلامیة، طهران - إیران.

7.

الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة،

الشیخ یوسف البحرانی، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی، قم - إیران.

8.

خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال، العلامة الحسن

بن یوسف الحلی، تحقیق: الشیخ جواد القیومی، الطبعة الأُولی 1417ه-، نشر: مؤسسة

نشر الفقاهة، قم - إیران.

ص: 179

1.

الدرّ النظیم، یوسف بن حاتم العاملی، نشر:

مؤسسة النشر الإسلامی، قم - إیران.

2.

دلائل الإمامة، محمد

بن جریر بن رستم الطبری، تحقیق قسم الدراسات الإسلامیة، مؤسسة البعثة، الطبعة

الأُولی 1413ه-، نشر مؤسسة البعثة، طهران - إیران.

3.

ذخیرة المعاد فی شرح

الإرشاد، محمد باقر السبزواری، نشر وتحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم -

إیران.

4.

رجال الطوسی، محمد بن الحسن الطوسی،

تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، الطبعة الأُولی 1415ه-، نشر مؤسسة النشر

الإسلامی، قم - إیران.

5.

الرجال لابن الغضائری، أحمد بن الحسین

الغضائری، تحقیق: السید محمد رضا الحسینی الجلالی، الطبعة الأُولی 1422 ه-

1380ش، نشر دار الحدیث، قم - إیران.

6.

الرسائل الرجالیة، أبو المعالی محمد بن

محمد إبراهیم الکلباسی، تحقیق محمد حسین الدرابقی، الطبعة الأُولی 1422ه-،

1380ش، نشر: دار الحدیث، قم - إیران.

7.

رسائل الشهید الثانی، ضمن سلسلة مؤلفات

الشهید الثانی، الشیخ زین الدین بن علی العاملی (الشهید الثانی)، تحقیق ونشر:

مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة، الطبعة الأُولی 1421هت، 1379ش، قم - إیران.

8.

روضة المتقین فی شرح

مَن لا یحضره الفقیه، محمد تقی المجلسی، علّق علیه السید حسین الموسوی الکرمانی

والشیخ علی بناه الاشتهاردی، نشر: بنیاد فرهنک إسلامی.

9.

روضة الواعظین، محمد بن الفتال

النیسابوری، تقدیم محمد مهدی الخرسان، منشورات الشریف الرضی، قم - إیران.

ص: 180

1.

ریاض المسائل، السید علی الطباطبائی، نشر

وتحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الأُولی: 1412ه-، قم - إیران.

2.

زیارات الإمام الحسین علیه السلام نصر للإسلام، باقر

شریف القرشی، تحقیق مهدی القرشی، الطبعة الثانیة 1433ه-2012م.

3.

عیون أخبار الرضا علیه السلام ، محمد بن علی الصدوق،

صحّحه وعلّق علیه: الشیخ حسین الأعلمی، الطبعة الأُولی، 1404ه- - 1984م، نشر

مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان.

4.

غنائم الأیام فی مسائل الحلال والحرام،

المیرزا أبو القاسم القمی، تحقیق: عباس تبریزیان، الطبعة الأُولی 1417ه-، 1375ش،

نشر: مرکز النشر التابع لمکتب الإعلام الإسلامی، قم - إیران.

5.

فقه الصادق علیه السلام ، السید محمد صادق الحسینی

الروحانی، الطبعة الثالثة 1412ه-، نشر مؤسسة دار الکتاب، قم - إیران.

6.

فهرست أسماء مصنفی الشیعة (رجال النجاشی)،

أحمد بن علی بن أحمد النجاشی، تحقیق: السید موسی الشبیری الزنجانی، الطبعة

الخامسة 1416ه-، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی، قم - إیران.

7.

الفهرست، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق:

الشیخ جواد القیومی، الطبعة الأُولی 1417ه-، نشر: مؤسسة نشر الفقاهة، قم -

إیران.

8.

الفوائد الرجالیة، محمد باقر الوحید

البهبهانی.

ص: 181

1.

قاموس الرجال، الشیخ

محمد تقی التستری، تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الأُولی 1419ه-، قم

- إیران.

2.

الکافی، محمد بن یعقوب

الکلینی، صحّحه وعلّق علیه: علی أکبر الغفاری، الطبعة الثالثة 1363ش، نشر دار

الکتب الإسلامیة، طهران - إیران.

3.

کامل الزیارات، جعفر

بن محمد بن قولویه القمی، تحقیق: جواد القیومی، الطبعة الأُولی 1417ه-، نشر:

مؤسسة نشر الفقاهة.

4.

کشف الغمة فی معرفة

الأئمة، علی بن عیسی بن أبی الفتح الإربلی، تقدیم: الشیخ جعفر السبحانی، الطبعة

الثانیة 1405ه- 1985م، نشر: دار الأضواء، بیروت - لبنان.

5.

الکنز الخفی، دراسة فی

زیارة عاشوراء، الشیخ عبد النبی العراقی، تعریب وتحقیق: وجیه بن المسبح الهجری،

الطبعة الأُولی 1428ه- 2007م، نشر دار الصدیقة الشهیدة، قم - إیران.

6.

لسان العرب، محمد بن مکرم بن منظور

الأفریقی، طبع سنة 1405ه-، نشر: أدب الحوزة، قم - إیران.

7.

مجمع البحرین، فخر الدین الطریحی، تحقیق:

السید أحمد الحسینی، الطبعة الثانیة 1362ش، نشر کتابفروش مرتضوی، طهران - إیران.

8.

مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد

الأذهان، أحمد الأردبیلی، صحّحه وعلّق علیه: آقا مجتبی العراقی والشیخ علی بناه

الاشتهاردی والآقا حسین الیزدی الأصفهانی، نشر مؤسسة النشر الإسلامی، قم -

إیران.

ص: 182

1.

المحاسن، أحمد بن

محمد بن خالد البرقی، صحّحه وعلّق علیه: السید جلال الدین الحسینی، سنة الطبع

1370ه-، 1330ش، نشر دار الکتب الإسلامیة، طهران - إیران.

2.

مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام،

السید محمد بن علی الموسوی العاملی، تحقیق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث،

الطبعة الأُولی 1410ه-، نشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم - إیران.

3.

المزار، محمد بن المشهدی، تحقیق: جواد

القیومی الأصفهانی، الطبعة الأُولی 1419ه-، نشر: القیوم، قم - إیران.

4.

المزار، محمد بن محمد بن النعمان المفید،

تحقیق: السید محمد باقر الأبطحی، الطبعة الثانیة 1414ه- - 1993م، نشر: دار

المفید، بیروت - لبنان.

5.

المزار، محمد بن مکی العاملی (الشهید

الأول) نشر وتحقیق: مدرسة الإمام المهدی، الطبعة الأُولی 1410ه- قم - إیران.

6.

مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل، المیرزا

حسین النوری الطبرسی، تحقیق مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة الأُولی

1408ه- 1987م، بیروت - لبنان.

7.

مستدرک سفینة البحار، الشیخ علی النمازی

الشاهرودی، تحقیق وتصحیح الشیخ حسن بن علی النمازی، طبع سنة 1418ه-، نشر مؤسسة

النشر الإسلامی، قم - إیران.

8.

مستدرکات علم رجال الحدیث، الشیخ علی

النمازی الشاهرودی، الطبعة الأُولی 1412ه-، نشر ابن المؤلف، طهران - إیران.

ص: 183

1.

المصباح (جنة الأمان الواقیة وجنة الإیمان

الباقیة) إبراهیم بن علی الکفعمی، الطبعة الثالثة 1403ه- - 1983م، نشر: مؤسسة

الأعلمی، بیروت - لبنان.

2.

مصباح الزائر، علی بن موسی بن طاووس.

3.

مصباح المتهجّد، الشیخ محمد بن الحسن

الطوسی، الطبعة الأُولی 1411ه-، 1991م، نشر مؤسسة فقه الشیعة، بیروت - لبنان.

4.

معجم رجال الحدیث، السید أبو القاسم

الخوئی، الطبعة الخامسة 1413ه- 1992م.

5.

المفردات فی غریب القرآن، الحسین بن محمد

الراغب الأصفهانی، الطبعة الثانیة 1404ه-، نشر: دفتر نشر الکتاب.

6.

المقنعة، محمد بن محمد بن النعمان المفید،

تحقیق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الثانیة 1410ه-، قم - إیران.

7.

مَن لا یحضره الفقیه، محمد بن علی الصدوق،

تحقیق: علی أکبر غفاری، الطبعة الثانیة، نشر: مؤسسة النشر الإسلامی، قم - إیران.

8.

مناهج الأحکام، المیرزا أبو القاسم القمی،

نشر وتحقیق: مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الأُولی 1420ه-، قم - إیران.

9.

منتهی الدرایة فی توضیح الکفایة، السید

محمد جعفر الجزائری المروج، الطبعة السادسة 1415ه-، نشر: مؤسسة دار الکتاب، قم -

إیران.

ص: 184

1.

منتهی المطلب فی تحقیق المذهب، الحسن بن

یوسف بن المطهر الحلی، نشر وتحقیق: قسم الفقه فی مجمع البحوث الإسلامیة، الطبعة

الأُولی 1412ه-، مشهد - إیران.

2.

منتهی المقال فی أحوال الرجال، أبو علی

الحائری، تحقیق: مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث.

3.

نقد الرجال، مصطفی بن الحسین الحسینی

التفرشی، تحقیق مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة الأُولی 1418ه-، نشر:

مؤسسة آل البیت، قم - إیران.

4.

نهایة المرام، السید

محمد العاملی، تحقیق: آقا مجتبی العراقی، الشیخ علی بناه الاشتهاردی، حسین

الیزدی، الطبعة الأُولی 1413ه-، نشر مؤسسة النشر الإسلامی، قم - إیران.

5.

نوادر علی بن أسباط (ضمن الأُصول الستة

عشر) علی بن أسباط، الطبعة الثانیة 1405ه- 1363ش، نشر: انتشارات شبستری، قم -

إیران.

6.

وسائل الشیعة، الحر العاملی، نشر وتحقیق:

مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، الطبعة الثانیة 1414ه-، قم - إیران.

ص: 185

ص: 186

المحتویات

مقدمة المرکز 7

توطئة 9

ملاحظة وتنویه: 10

المقدمة 13

فی معنی الزیارة 13

المعنی اللغوی 13

المعنی الاصطلاحی 15

الزیارة والبیعة 15

فوائد الزیارة: 18

الفوائد التربویة للزیارة: 18

التخلّق بأخلاق الأولیاء والصالحین: 19

التعرف علی الطرق الصحیحة فی التعامل مع مختلف الأحداث 19

التعرف علی أخلاقیات الباطل والانحراف 20

الفوائد والأبعاد العقائدیة والمعرفیة للزیارة 20

التعرف علی الحق من خلال التعرف علی الأدّلاء علیه 21

التعرف علی طرق إحیاء الحق 21

التعرف علی الباطل وأهل الباطل 21

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام 22

الآثار الدنیویة لزیارة الإمام الحسین علیه السلام 23

1- تبشّیر الملائکة الزائر بالجنة قبل مماته 23

2- دفع الغرق والهدم والحرق وأکل السبُع عن الزائر 23

3- یکون الزائر فی حفظ الله إلی أن یموت 23

4- یموت الزائر شهیداً 24

5- البرکة فی مختلف حوائج الدنیا 24

6- حفظ الزائر وماله وأهله 24

7- زیادة الرزق وطول العمر 24

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام عند ساعة الموت 24

1- حضور الملائکة جنازة الزائر والاستغفار له 24

2- تُشیّع الملائکة زائر الحسین علیه السلام 25

3- تسهیل سکرة الموت علی الزائر 25

الآثار البرزخیة لزیارة الإمام علیه السلام 25

1- توسعة القبر 25

2- الأمان من ضغطة القبر 25

3- الأمان من ترویع منکر ونکیر 26

الآثار الأُخرویة لزیارة الإمام علیه السلام 26

1- مجاورة الرسول الأعظم علیه السلام وأهل البیت علیهم السلام فی الجنة 26

2- زیارة الله فی عرشه 26

3- العتق من النار 27

4- أن یکون من أهل الجنة 27

5- شفاعة النبی علیه السلام 27

6- دخول الجنة قبل الناس 27

أنواع زیارات الإمام الحسین علیه السلام 28

الزیارات الزمانیة للإمام الحسین علیه السلام 29

منها: زیارة عاشوراء 29

ومنها: زیارة الأربعین 29

ومنها: الزیارة فی رجب 30

ومنها: زیارة النصف من رجب 31

ومنها: زیارة النصف من شعبان 31

ومنها: زیارة لیلة القدر 31

ومنها: زیارة یوم عرفة 32

ومنها: زیارة لیلة عید الفطر وعید الأضحی 32

ومنها: زیارة الأول من رجب 33

الزیارات المکانیة 33

الزیارات المطلقة: 34

محل البحث: 35

الفصل الأول

الروایات المصرّحة بالوجوب

الروایات الدالة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام 39

الطائفة الأُولی: الروایات الناصّة علی الوجوب والمصرّحة به 39

الروایة الأُولی: 40

دلالة الروایة: 40

سند الروایة: 41

السند الثانی: 43

الروایة الثانیة: 43

دلالة الروایة: 44

سند الروایة: 45

الروایة الثالثة: 46

دلالة الروایة: 48

سند الروایة: 48

الروایة الرابعة: 49

دلالة الروایة: 49

سند الروایة: 50

الروایة الخامسة: 52

دلالة الروایة: 52

سند الروایة: 53

الروایة السادسة: 53

دلالة الروایة: 54

سند الروایة: 54

الروایة السابعة: 54

دلالة الروایة: 56

سند الروایة: 56

الروایة الثامنة: 59

دلالة الروایة: 60

سند الروایة: 60

خلاصة القول: 60

الفصل الثانی

الروایات التی تدل علی الوجوب بالظهور

الروایات الظاهرة فی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام 63

الروایة الأُولی 63

دلالة الروایة: 64

إشکال وجوابه: 65

والمتحصّل: 65

سند الروایة: 65

الروایة الثانیة: 65

دلالة الروایة: 66

الفقرة الأُولی: «کان منتقص الإیمان» 66

مناقشة الاستدلال بالفقرة الأُولی: 67

الفقرة الثانیة: «منتقص الدین» 67

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثانیة: 68

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثالثة: 68

جواب المناقشة: 69

خلاصة الکلام: 69

سند الروایة: 70

طریق ابن قولویه: 70

طریق الشیخ فی التهذیب: 72

الروایة الثالثة: 78

دلالة الروایة: 78

سند الروایة: 79

الروایة الرابعة: 80

دلالة الروایة: 80

سند الروایة: 80

الروایة الخامسة: 80

دلالة الروایة: 82

إشکال: 82

الجواب: 82

إشکال آخر: 82

جواب الإشکال بالنقض والحل: 83

سند الروایة: 84

الروایة السادسة: 86

دلالة الروایة: 87

سند الروایة: 89

الروایة السابعة: 89

دلالة الروایة: 90

سند الروایة: 90

الروایة الثامنة: 90

دلالة الروایة: 91

سند الروایة: 91

الروایة التاسعة: 92

دلالة الروایة: 93

سند الروایة: 94

الروایة العاشرة: 94

دلالة الروایة: 95

مناقشة: 95

سند الروایة: 95

الروایة الحادیة عشرة: 96

دلالة الروایة: 97

سند الروایة: 98

الروایة الثانیة عشرة: 102

دلالة الروایة: 102

سند الروایة: 102

الروایة الثالثة عشرة: 103

دلالة الروایة: 104

سند الروایة: 104

الروایة الرابعة عشرة: 104

دلالة الروایة: 105

سند الروایة: 105

الروایة الخامسة عشرة: 105

دلالة الروایة: 106

سند الروایة: 106

الروایة السادسة عشرة: 106

دلالة الروایة: 107

سند الروایة: 108

الروایة السابعة عشرة: 110

دلالة الروایة: 111

سند الروایة: 111

الروایة الثامنة عشرة: 111

دلالة الروایة: 113

الإشکال علی الاستدلال المتقدم: 114

سند الروایة: 115

الروایة التاسعة عشرة: 115

دلالة الروایة: 116

سند الروایة: 117

الخلاصة: 119

الفصل الثالث

أبحاث دلالیة

بحث التواتر 124

إشکال وجواب: 125

حدود الوجوب: 127

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی أصل الوجوب من دون تقییده بزمان أو عدد معین 127

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی وجوب تکرار الزیارة 128

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل أربع سنین مرّة 129

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل سنة مرَّة 129

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة علی الغنی فی کل سنة مرتین وعلی الفقیر فی کل سنة مرة 130

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة للقریب فی کل شهر مرة والبعید کل ثلاث سنوات مرة 130

الجمع بین الروایات: 131

وجه للتوفیق بین الروایات: 132

الخطوة الأُولی: 133

الخطوة الثانیة: 133

الجفاء النوعی والشخصی: 135

کیفیة الزیارة: 136

الإشکالات علی القول بالوجوب: 137

الإشکال الأول: الروایات التی تُعارض الوجوب 138

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی المساواة بین زیارة الإمام الحسین علیه السلام وبین زیارة باقی الأئمة علیهم السلام ، أو حتی مع زیارة غیر الأئمة علیهم السلام . 138

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی أنّ مقدار الزیارة بید الزائر متی شاء. 140

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی أفضلیة زیارة الإمام الرضا علیه السلام 141

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی أفضلیة زوّار الإمام الرضا علیه السلام علی بقیة زوار الأئمة علیه السلام 143

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی أنَّ تارک الزیارة محروم من الفضل. 145

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی أنّ الزیارة غیر مفروضة ولا واجبة. 147

الطائفة السابعة: ما دلّ علی کراهة ترک الزیارة. 149

الإشکال الثانی: فی معنی لفظ الوجوب 150

الإشکال الثالث: إشکال الإعراض 155

حاصل الإشکال: 155

جواب الإشکال: 155

الأمر الأول: 155

الأمر الثانی: 156

الأمر الثالث: 157

القائلون بالوجوب: 157

نتیجة الأقوال المتقدمة: 164

عدم تحقّق الإعراض حتی علی القول بالاستحباب 164

نظائر لمسألة وجوب الزیارة فی الفقه 166

مقاربة وجوب الزیارة مع وجوب الإقامة فی الصلاة: 166

الأدلة علی وجوب الإقامة: 166

الأدلة علی نفی وجوب الإقامة: 168

الأقوال فی وجوب الإقامة: 169

إشکال: 169

الجواب: 170

الخاتمة: نتائج البحث 173

فهرست المصادر 177

المحتویات 187

ص: 187

التعرف علی طرق إحیاء الحق. 21

التعرف علی الباطل وأهل الباطل. 21

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام ... 22

الآثار الدنیویة لزیارة الإمام الحسین علیه السلام ... 23

1- تبشّیر الملائکة الزائر بالجنة قبل مماته 23

2- دفع الغرق والهدم والحرق وأکل السبُع عن الزائر. 23

3- یکون الزائر فی حفظ الله إلی أن یموت.. 23

4- یموت الزائر شهیداً 24

5- البرکة فی مختلف حوائج الدنیا 24

6- حفظ الزائر وماله وأهله 24

7- زیادة الرزق وطول العمر. 24

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام عند ساعة الموت.. 24

1- حضور الملائکة جنازة الزائر والاستغفار له 24

2- تُشیّع الملائکة زائر الحسین علیه السلام ... 25

3- تسهیل سکرة الموت علی الزائر. 25

الآثار البرزخیة لزیارة الإمام علیه السلام ... 25

1- توسعة القبر. 25

2- الأمان من ضغطة القبر. 25

3- الأمان من ترویع منکر ونکیر. 26

ص: 188

الآثار الأُخرویة لزیارة الإمام علیه السلام ... 26

1- مجاورة الرسول الأعظم علیه السلام وأهل البیت علیهم السلام فی الجنة 26

2- زیارة الله فی عرشه 26

3- العتق من النار 27

4- أن یکون من أهل الجنة 27

5- شفاعة النبی علیه السلام ... 27

6- دخول الجنة قبل الناس.. 27

أنواع زیارات الإمام الحسین علیه السلام ... 28

الزیارات الزمانیة للإمام الحسین علیه السلام ... 29

منها: زیارة عاشوراء 29

ومنها: زیارة الأربعین.. 29

ومنها: الزیارة فی رجب.. 30

ومنها: زیارة النصف من رجب.. 31

ومنها: زیارة النصف من شعبان. 31

ومنها: زیارة لیلة القدر. 31

ومنها: زیارة یوم عرفة 32

ومنها: زیارة لیلة عید الفطر وعید الأضحی. 32

ومنها: زیارة الأول من رجب.. 33

الزیارات المکانیة 33

ص: 189

الزیارات المطلقة: 34

محل البحث: 35

الفصل الأول

الروایات المصرّحة بالوجوب

الروایات الدالة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ... 39

الطائفة الأُولی: الروایات الناصّة علی الوجوب والمصرّحة به 39

الروایة الأُولی: 40

دلالة الروایة: 40

سند الروایة: 41

السند الثانی: 43

الروایة الثانیة: 43

دلالة الروایة: 44

سند الروایة: 45

الروایة الثالثة: 46

دلالة الروایة: 48

سند الروایة: 48

الروایة الرابعة: 49

دلالة الروایة: 49

سند الروایة: 50

ص: 190

الروایة الخامسة: 52

دلالة الروایة: 52

سند الروایة: 53

الروایة السادسة: 53

دلالة الروایة: 54

سند الروایة: 54

الروایة السابعة: 54

دلالة الروایة: 56

سند الروایة: 56

الروایة الثامنة: 59

دلالة الروایة: 60

سند الروایة: 60

خلاصة القول: 60

الفصل الثانی

الروایات التی تدل علی الوجوب بالظهور

الروایات الظاهرة فی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام ... 63

الروایة الأُولی. 63

دلالة الروایة: 64

إشکال وجوابه: 65

ص: 191

والمتحصّل: 65

سند الروایة: 65

الروایة الثانیة: 65

دلالة الروایة: 66

الفقرة الأُولی: «کان منتقص الإیمان» 66

مناقشة الاستدلال بالفقرة الأُولی: 67

الفقرة الثانیة: «منتقص الدین» 67

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثانیة: 68

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثالثة: 68

جواب المناقشة: 69

خلاصة الکلام: 69

سند الروایة: 70

طریق ابن قولویه: 70

طریق الشیخ فی التهذیب: 72

الروایة الثالثة: 78

دلالة الروایة: 78

سند الروایة: 79

الروایة الرابعة: 80

دلالة الروایة: 80

ص: 192

سند الروایة: 80

الروایة الخامسة: 80

دلالة الروایة: 82

إشکال: 82

الجواب: 82

إشکال آخر: 82

جواب الإشکال بالنقض والحل: 83

سند الروایة: 84

الروایة السادسة: 86

دلالة الروایة: 87

سند الروایة: 89

الروایة السابعة: 89

دلالة الروایة: 90

سند الروایة: 90

الروایة الثامنة: 90

دلالة الروایة: 91

سند الروایة: 91

الروایة التاسعة: 92

دلالة الروایة: 93

ص: 193

سند الروایة: 94

الروایة العاشرة: 94

دلالة الروایة: 95

مناقشة: 95

سند الروایة: 95

الروایة الحادیة عشرة: 96

دلالة الروایة: 97

سند الروایة: 98

الروایة الثانیة عشرة: 102

دلالة الروایة: 102

سند الروایة: 102

الروایة الثالثة عشرة: 103

دلالة الروایة: 104

سند الروایة: 104

الروایة الرابعة عشرة: 104

دلالة الروایة: 105

سند الروایة: 105

الروایة الخامسة عشرة: 105

دلالة الروایة: 106

ص: 194

سند الروایة: 106

الروایة السادسة عشرة: 106

دلالة الروایة: 107

سند الروایة: 108

الروایة السابعة عشرة: 110

دلالة الروایة: 111

سند الروایة: 111

الروایة الثامنة عشرة: 111

دلالة الروایة: 113

الإشکال علی الاستدلال المتقدم: 114

سند الروایة: 115

الروایة التاسعة عشرة: 115

دلالة الروایة: 116

سند الروایة: 117

الخلاصة: 119

الفصل الثالث

أبحاث دلالیة

بحث التواتر 124

إشکال وجواب: 125

ص: 195

حدود الوجوب: 127

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی أصل الوجوب من دون تقییده بزمان أو عدد معین.. 127

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی وجوب تکرار الزیارة 128

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل أربع سنین مرّة 129

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل سنة مرَّة 129

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة علی الغنی فی کل سنة مرتین وعلی الفقیر فی کل سنة مرة 130

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة للقریب فی کل شهر مرة والبعید کل ثلاث سنوات مرة 130

الجمع بین الروایات: 131

وجه للتوفیق بین الروایات: 132

الخطوة الأُولی: 133

الخطوة الثانیة: 133

الجفاء النوعی والشخصی: 135

کیفیة الزیارة: 136

الإشکالات علی القول بالوجوب: 137

الإشکال الأول: الروایات التی تُعارض الوجوب.. 138

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی المساواة بین زیارة الإمام الحسین علیه السلام وبین زیارة باقی الأئمة علیهم السلام ^، أو حتی مع زیارة غیر الأئمة علیهم السلام. 138

ص: 196

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی أنّ مقدار الزیارة بید الزائر متی شاء. 140

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی أفضلیة زیارة الإمام الرضا علیه السلام ... 141

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی أفضلیة زوّار الإمام الرضا علیه السلام علی بقیة زوار الأئمة علیه السلام ... 143

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی أنَّ تارک الزیارة محروم من الفضل. 145

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی أنّ الزیارة غیر مفروضة ولا واجبة. 147

الطائفة السابعة: ما دلّ علی کراهة ترک الزیارة. 149

الإشکال الثانی: فی معنی لفظ الوجوب.. 150

الإشکال الثالث: إشکال الإعراض... 155

حاصل الإشکال: 155

جواب الإشکال: 155

الأمر الأول: 155

الأمر الثانی: 156

الأمر الثالث: 157

القائلون بالوجوب: 157

نتیجة الأقوال المتقدمة: 164

عدم تحقّق الإعراض حتی علی القول بالاستحباب.. 164

نظائر لمسألة وجوب الزیارة فی الفقه 166

مقاربة وجوب الزیارة مع وجوب الإقامة فی الصلاة: 166

الأدلة علی وجوب الإقامة: 166

ص: 197

مقدمة المرکز 7

توطئة 9

ملاحظة وتنویه: 10

المقدمة 13

فی معنی الزیارة 13

المعنی اللغوی 13

المعنی الاصطلاحی 15

الزیارة والبیعة 15

فوائد الزیارة: 18

الفوائد التربویة للزیارة: 18

التخلّق بأخلاق الأولیاء والصالحین: 19

التعرف علی الطرق الصحیحة فی التعامل مع مختلف الأحداث 19

التعرف علی أخلاقیات الباطل والانحراف 20

الفوائد والأبعاد العقائدیة والمعرفیة للزیارة 20

التعرف علی الحق من خلال التعرف علی الأدّلاء علیه 21

التعرف علی طرق إحیاء الحق 21

التعرف علی الباطل وأهل الباطل 21

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام 22

الآثار الدنیویة لزیارة الإمام الحسین علیه السلام 23

1- تبشّیر الملائکة الزائر بالجنة قبل مماته 23

2- دفع الغرق والهدم والحرق وأکل السبُع عن الزائر 23

3- یکون الزائر فی حفظ الله إلی أن یموت 23

4- یموت الزائر شهیداً 24

5- البرکة فی مختلف حوائج الدنیا 24

6- حفظ الزائر وماله وأهله 24

7- زیادة الرزق وطول العمر 24

آثار زیارة الإمام الحسین علیه السلام عند ساعة الموت 24

1- حضور الملائکة جنازة الزائر والاستغفار له 24

2- تُشیّع الملائکة زائر الحسین علیه السلام 25

3- تسهیل سکرة الموت علی الزائر 25

الآثار البرزخیة لزیارة الإمام علیه السلام 25

1- توسعة القبر 25

2- الأمان من ضغطة القبر 25

3- الأمان من ترویع منکر ونکیر 26

الآثار الأُخرویة لزیارة الإمام علیه السلام 26

1- مجاورة الرسول الأعظم علیه السلام وأهل البیت علیهم السلام فی الجنة 26

2- زیارة الله فی عرشه 26

3- العتق من النار 27

4- أن یکون من أهل الجنة 27

5- شفاعة النبی علیه السلام 27

6- دخول الجنة قبل الناس 27

أنواع زیارات الإمام الحسین علیه السلام 28

الزیارات الزمانیة للإمام الحسین علیه السلام 29

منها: زیارة عاشوراء 29

ومنها: زیارة الأربعین 29

ومنها: الزیارة فی رجب 30

ومنها: زیارة النصف من رجب 31

ومنها: زیارة النصف من شعبان 31

ومنها: زیارة لیلة القدر 31

ومنها: زیارة یوم عرفة 32

ومنها: زیارة لیلة عید الفطر وعید الأضحی 32

ومنها: زیارة الأول من رجب 33

الزیارات المکانیة 33

الزیارات المطلقة: 34

محل البحث: 35

الفصل الأول

الروایات المصرّحة بالوجوب

الروایات الدالة علی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام 39

الطائفة الأُولی: الروایات الناصّة علی الوجوب والمصرّحة به 39

الروایة الأُولی: 40

دلالة الروایة: 40

سند الروایة: 41

السند الثانی: 43

الروایة الثانیة: 43

دلالة الروایة: 44

سند الروایة: 45

الروایة الثالثة: 46

دلالة الروایة: 48

سند الروایة: 48

الروایة الرابعة: 49

دلالة الروایة: 49

سند الروایة: 50

الروایة الخامسة: 52

دلالة الروایة: 52

سند الروایة: 53

الروایة السادسة: 53

دلالة الروایة: 54

سند الروایة: 54

الروایة السابعة: 54

دلالة الروایة: 56

سند الروایة: 56

الروایة الثامنة: 59

دلالة الروایة: 60

سند الروایة: 60

خلاصة القول: 60

الفصل الثانی

الروایات التی تدل علی الوجوب بالظهور

الروایات الظاهرة فی وجوب زیارة الإمام الحسین علیه السلام 63

الروایة الأُولی 63

دلالة الروایة: 64

إشکال وجوابه: 65

والمتحصّل: 65

سند الروایة: 65

الروایة الثانیة: 65

دلالة الروایة: 66

الفقرة الأُولی: «کان منتقص الإیمان» 66

مناقشة الاستدلال بالفقرة الأُولی: 67

الفقرة الثانیة: «منتقص الدین» 67

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثانیة: 68

مناقشة الاستدلال بالفقرة الثالثة: 68

جواب المناقشة: 69

خلاصة الکلام: 69

سند الروایة: 70

طریق ابن قولویه: 70

طریق الشیخ فی التهذیب: 72

الروایة الثالثة: 78

دلالة الروایة: 78

سند الروایة: 79

الروایة الرابعة: 80

دلالة الروایة: 80

سند الروایة: 80

الروایة الخامسة: 80

دلالة الروایة: 82

إشکال: 82

الجواب: 82

إشکال آخر: 82

جواب الإشکال بالنقض والحل: 83

سند الروایة: 84

الروایة السادسة: 86

دلالة الروایة: 87

سند الروایة: 89

الروایة السابعة: 89

دلالة الروایة: 90

سند الروایة: 90

الروایة الثامنة: 90

دلالة الروایة: 91

سند الروایة: 91

الروایة التاسعة: 92

دلالة الروایة: 93

سند الروایة: 94

الروایة العاشرة: 94

دلالة الروایة: 95

مناقشة: 95

سند الروایة: 95

الروایة الحادیة عشرة: 96

دلالة الروایة: 97

سند الروایة: 98

الروایة الثانیة عشرة: 102

دلالة الروایة: 102

سند الروایة: 102

الروایة الثالثة عشرة: 103

دلالة الروایة: 104

سند الروایة: 104

الروایة الرابعة عشرة: 104

دلالة الروایة: 105

سند الروایة: 105

الروایة الخامسة عشرة: 105

دلالة الروایة: 106

سند الروایة: 106

الروایة السادسة عشرة: 106

دلالة الروایة: 107

سند الروایة: 108

الروایة السابعة عشرة: 110

دلالة الروایة: 111

سند الروایة: 111

الروایة الثامنة عشرة: 111

دلالة الروایة: 113

الإشکال علی الاستدلال المتقدم: 114

سند الروایة: 115

الروایة التاسعة عشرة: 115

دلالة الروایة: 116

سند الروایة: 117

الخلاصة: 119

الفصل الثالث

أبحاث دلالیة

بحث التواتر 124

إشکال وجواب: 125

حدود الوجوب: 127

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی أصل الوجوب من دون تقییده بزمان أو عدد معین 127

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی وجوب تکرار الزیارة 128

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل أربع سنین مرّة 129

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة فی کل سنة مرَّة 129

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة علی الغنی فی کل سنة مرتین وعلی الفقیر فی کل سنة مرة 130

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی وجوب الزیارة للقریب فی کل شهر مرة والبعید کل ثلاث سنوات مرة 130

الجمع بین الروایات: 131

وجه للتوفیق بین الروایات: 132

الخطوة الأُولی: 133

الخطوة الثانیة: 133

الجفاء النوعی والشخصی: 135

کیفیة الزیارة: 136

الإشکالات علی القول بالوجوب: 137

الإشکال الأول: الروایات التی تُعارض الوجوب 138

الطائفة الأُولی: ما دلَّ علی المساواة بین زیارة الإمام الحسین علیه السلام وبین زیارة باقی الأئمة علیهم السلام ، أو حتی مع زیارة غیر الأئمة علیهم السلام . 138

الطائفة الثانیة: ما دلَّ علی أنّ مقدار الزیارة بید الزائر متی شاء. 140

الطائفة الثالثة: ما دلَّ علی أفضلیة زیارة الإمام الرضا علیه السلام 141

الطائفة الرابعة: ما دلَّ علی أفضلیة زوّار الإمام الرضا علیه السلام علی بقیة زوار الأئمة علیه السلام 143

الطائفة الخامسة: ما دلَّ علی أنَّ تارک الزیارة محروم من الفضل. 145

الطائفة السادسة: ما دلَّ علی أنّ الزیارة غیر مفروضة ولا واجبة. 147

الطائفة السابعة: ما دلّ علی کراهة ترک الزیارة. 149

الإشکال الثانی: فی معنی لفظ الوجوب 150

الإشکال الثالث: إشکال الإعراض 155

حاصل الإشکال: 155

جواب الإشکال: 155

الأمر الأول: 155

الأمر الثانی: 156

الأمر الثالث: 157

القائلون بالوجوب: 157

نتیجة الأقوال المتقدمة: 164

عدم تحقّق الإعراض حتی علی القول بالاستحباب 164

نظائر لمسألة وجوب الزیارة فی الفقه 166

مقاربة وجوب الزیارة مع وجوب الإقامة فی الصلاة: 166

الأدلة علی وجوب الإقامة: 166

الأدلة علی نفی وجوب الإقامة: 168

الأقوال فی وجوب الإقامة: 169

إشکال: 169

الجواب: 170

الخاتمة: نتائج البحث 173

فهرست المصادر 177

المحتویات 187

ص: 198

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.