مشروع دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة

اشارة

عنوان الکتاب:مشروع دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة

المؤلف: اللجنة العلمیة فی مؤسّسة وارث الأنبیاء

الإخراج الفنی: حسین المالکی

الطبعة: الاُولی

سنة الطبع: 1439ه 2018م

عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

قال تعالی:«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَی عَالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »(التوبة: 105)

ص: 7

ص: 8

مقدّمة المؤسّسة

إنّ نشر المعرفة، وبیان الحقیقة، وإثبات المعلومة الصحیحة، غایاتٌ سامیة وأهدافٌ متعالیة، وهی من أهمّ وظائف النُّخب والشخصیات العلمیة، التی أخذت علی عاتقها تنفیذ هذه الوظیفة المقدّسة.

من هنا؛ قامت الأمانة العامة للعتبة الحسینیة المقدسة بإنشاء المؤسّسات والمراکز العلمیة والتحقیقیة؛ لإثراء الواقع بالمعلومة النقیة؛ لتنشئة مجتمعٍ واعٍ متحضّر، یسیر وفق خطوات وضوابط ومرتکزات واضحة ومطمئنة.

وممّا لا شکّ فیه أنّ القضیة الحسینیة - والنهضة المبارکة القدسیة - تتصدّر أولویات البحث العلمی، وضرورة التنقیب والتتبّع فی الجزئیات المتنوّعة والمتعدّدة، والتی تحتاج إلی الدراسة بشکلٍ تخصّصی علمی، ووفق أسالیب متنوّعة ودقیقة، ولأجل هذه الأهداف والغایات تأسّست مؤسّسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصّصیة فی النهضة الحسینیة، وهی مؤسّسة علمیّة متخصّصة فی دراسة النهضة الحسینیة من جمیع أبعادها: التاریخیة، والفقهیة، والعقائدیة، والسیاسیة، والاجتماعیة، والتربویة، والتبلیغیّة، وغیرها من الجوانب العدیدة المرتبطة بهذه النهضة العظیمة، وکذلک تتکفّل بدراسة سائر ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام).

وانطلاقاً من الإحساس بالمسؤولیة العظیمة الملقاة علی عاتق هذه المؤسّسة المبارکة؛ کونها مختصّة بإحدی أهمّ القضایا الدینیة، بل والإنسانیة، فقد قامت بالعمل علی مجموعة من المشاریع العلمیة التخصّصیة، التی من شأنها أن تُعطی نقلة نوعیة للتراث، والفکر،

ص: 9

والثقافة الحسینیة، ومن تلک المشاریع:

1- قسم التألیف والتحقیق: والعمل فیه جارٍ علی مستویین:

أ- التألیف: والعمل فیه قائم علی تألیف کتبٍ حول الموضوعات الحسینیة المهمّة، التی لم یتمّ تناولها بالبحث والتنقیب، أو التی لم تُعطَ حقّها من ذلک. کما یتمّ استقبال الکتب الحسینیة المؤلَّفة خارج المؤسّسة، ومتابعتها علمیّاً وفنّیاً من قبل اللجنة العلمیة، وبعد إجراء التعدیلات والإصلاحات اللازمة تتمّ طباعتها ونشرها.

ب - التحقیق: والعمل فیه جارٍ علی جمع وتحقیق التراث المکتوب عن الإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة، سواء المقاتل منها، أو التاریخ، أو السیرة، أو غیرها، وسواء التی کانت بکتابٍ مستقل أو ضمن کتاب، تحت عنوان: (الموسوعة الحسینیّة التحقیقیّة). وکذا العمل جارٍ فی هذا القسم علی متابعة المخطوطات الحسینیة التی لم تُطبع إلی الآن؛ لجمعها وتحقیقها، ثمّ طباعتها ونشرها. کما یتم استقبال الکتب التی تم تحقیقها خارج المؤسّسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلک بعد مراجعتها وتقییمها وإدخال التعدیلات الّلازمة علیها وتأیید صلاحیتها للنشر من قبل اللجنة العلمیة فی المؤسّسة.

2 - مجلّة الإصلاح الحسینی: وهی مجلّة فصلیة متخصّصة فی النهضة الحسینیة، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفکر الحسینی، وتسلیط الضوء علی تاریخ النهضة الحسینیة وتراثها، وکذلک إبراز الجوانب الإنسانیة، والاجتماعیة، والفقهیة، والأدبیة، فی تلک النهضة المبارکة.

3 - قسم ردّ الشبهات عن النهضة الحسینیة: ویتمّ فیه جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة، ثمّ فرزها وتبویبها، ثمّ الرد علیها بشکل علمی تحقیقی.

4 - الموسوعة العلمیة من کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام): وهی موسوعة تجمع کلمات الإمام الحسین(علیه السّلام) فی مختلف العلوم وفروع المعرفة، ثمّ تبویبها حسب التخصّصات العلمیة، ووضعها بین یدی ذوی الاختصاص؛ لیستخرجوا نظریات علمیّة ممازجة بین کلمات

ص: 10

الإمام(علیه السّلام) والواقع العلمی.

5 - قسم دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة: وهی موسوعة تشتمل علی کلّ ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة من أحداث، ووقائع، ومفاهیم، ورؤی، وأسماء أعلام وأماکن، وکتب، وغیر ذلک من الأُمور، مرتّبة حسب الحروف الهجائیة، کما هو معمول به فی دوائر المعارف والموسوعات، وعلی شکل مقالات علمیّة رصینة، تُراعی فیها کلّ شروط المقالة العلمیّة، ومکتوبةٌ بلغةٍ عصریة وأُسلوبٍ سلس.

6- قسم الرسائل الجامعیة: والعمل فیه جارٍ علی إحصاء الرسائل الجامعیة التی کُتبتْ حول النهضة الحسینیة، ومتابعتها من قبل لجنة علمیة متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمیة، وتهیئتها للطباعة والنشر، کما یتمّ إعداد موضوعات حسینیّة تصلح لکتابة رسائل وأطاریح جامعیة تکون بمتناول طلّاب الدراسات العلیا.

7 - قسم الترجمة: والعمل فیه جارٍ علی ترجمة التراث الحسینی المکتوب باللغات الأُخری إلی اللغة العربیّة.

8 - قسم الرصد: ویتمّ فیه رصد جمیع القضایا الحسینیّة المطروحة فی الفضائیات، والمواقع الإلکترونیة، والکتب، والمجلات والنشریات، وغیرها؛ ممّا یعطی رؤیة واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضیة الحسینیة بمختلف أبعادها، وهذا بدوره یکون مؤثّراً جدّاً فی رسم السیاسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقیّة الأقسام فیها، وکذا بقیة المؤسّسات والمراکز العلمیة بمختلف المعلومات.

9- قسم المناهج الدراسیة: ویحتوی علی لجنة علمیة فنیة تقوم بعرض القضیة الحسینیة بشکل مناهج دراسیة علی ناشئة الجیل بالکیفیة المتعارفة من إعداد دروس وأسئلة بطرق معاصرة ومناسبة لمختلف المستویات والأعمار؛ لئلا یبقی بعیداً عن الثورة وأهدافها.

10 - قسم الندوات: ویتمّ من خلاله إقامة ندوات علمیّة تخصّصیة فی النهضة الحسینیة، یحضرها الباحثون، والمحقّقون، وذوو الاختصاص.

ص: 11

11- قسم المکتبة الحسینیة التخصّصیة: حیث قامت المؤسّسة بإنشاء مکتبة حسینیّة تخصّصیة تجمع التراث الحسینی المطبوع.

12- قسم الموقع الإلکترونی: قامت المؤسسة بإنشاء موقع إلکترونی یحمل عنوان: الدراسات الحسینیة.((alderasatalhusainia@yahoo.com. مهمته إثراء القراء والمختصین بالشأن العلمی والدینی فی المجال الإلکترونی بنتاجات المؤسسة ونشاطاتها العلمیة.

13 - القسم النسوی: وهو قسم علمی تبلیغی یهتم بالنتاجات والأبحاث الفکریة المتعلقة بالنهضة الحسینیة مع التأکید علی الجانب النسوی فی هذه النهضة العظیمة والدور الزینبی البارز فی هذه الواقعة، وما تلاها من أحداث مصیریة مهمّة. ویتفرّع هذا القسم إلی شعب علمیة موازیة للأقسام العلمیة الأُخری ومنبثقة منها.

وهناک مشاریع أُخری سیتمّ العمل علیها قریباً إن شاء الله تعالی.

اللجنة العلمیة فی مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة

ص: 12

مدخل

اشارة

واجهت مدرسة أهل البیت(علیهم السّلام) علی طول التاریخ أنواعاً من الظلم والقمع والإقصاء والتهمیش، ومحاولات عدیدة لطمس معالمها من قبل الحکّام وأتباعهم من وعّاظ السّلاطین وأعوانهم، وقد کان لثورة الإمام الحسین العظیمة بمبادئها الرفیعة وأهدافها السامیة القسط الأکبر من تلک المحاولات؛ حتی لا تأخذ هذه المدرسة العظیمة دورها الرسالی فی فکر الأُمة ووعیها بما تحمله من مبادئ حقّة، وفکر أصیل، ووعی رصین لما جاءت به الرسالات السماویة من قیم وأخلاق، وما تهدف إلیه من تحریر الإنسان من رواسب الجاهلیة وقیود العبودیة. ولم تمرّ هذه المدرسة بمتنفّسٍ إلّا فی بعض الحقب الزمنیة، مستغلة تلک الحقب لنشر فکرها، وممارسة دورها فی حیاة الناس؛ لأنّ الله سبحانه یأبی إلّا أن یُتمّ نوره، ویحفظ دینه ویظهره ولو کره الکافرون والمشرکون.

وحیث زالت فی زماننا هذا عن أتباع أهل البیت(علیهم السّلام) الظلمة وحصل انفراج فی أوضاعهم الفکریّة والسیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، وانقشعت عن سمائهم غیوم الاستبداد والظلم؛ نتیجة للتطورات التی حصلت علی الساحة العالمیة بشکل عام، والعالم العربی والإسلامی بشکل خاص، کان لزاماً علی أتباع تلک المدرسة الأصیلة اغتنام هذه الفرصة واستثمارها، ومن أوضح أوجه الاستثمار هو دراسة ما لدینا من تراث أهل البیت(علیهم السّلام) وتحقیقه وتحلیله وعرضه للناس بحلل بهیة وصور ناصعة وأسالیب علمیة وطرق حدیثة، مستفیدین مما تیسّر من إمکانات مادیة ومعنویة فی ظلّ هذه الأجواء والظروف المواتیة؛ وبذلک نحیی أمرهم وننشر فکرهم ونعکس نورهم لیستضیء به

ص: 13

الناس، ففی روایة عن أبی بصیر، عن الصادق(علیه السّلام)، قال: «رحم الله عبداً حبّبنا إلی الناس ولم یُبغّضنا إلیهم. أما والله لو یروون محاسن کلامنا لکانوا به أعزّ، وما استطاع أحد أن یتعلق علیهم بشیء...»(1). وفی روایة عن أبی الحسن(علیه السّلام)، قال: «رحم الله عبداً أحیا أمرنا. فقلت له: فکیف یحیی أمرکم؟ قال: یتعلّم علومنا، ویعلمها الناس؛ فإنّ الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتّبعونا»(2).

وانطلاقاً من هذه الرؤیة قام کثیر من الحوزات العلمیة والمراکز البحثیة والمؤسّسات التحقیقیة بالعمل علی إقامة مشاریع علمیة وتحقیقیة فی التراث الإسلامی، وإصدار عدّة کتب ومؤلّفات وإصدارات مختلفة. وفی مقدمة تلک المراکز والجهات العلمیة والثقافیة هی العتبة الحسینیة المبارکة التی کانت لها الید الطولی فی مجال الاهتمام العلمی والبحثی فی تراث أهل البیت(علیهم السّلام) ، والذی تمثّل بأوجه متعددة، کدعم الفعالیات العلمیة والفکریة، وإنشاء المؤسسات، واستقطاب الکوادر والکفاءات، وتهیئة کل مستلزمات الإبداع والتطویر، ونشر وترویج النتاجات العلمیة وإیصالها إلی أبعد نقطة ممکنة.

وفی هذا السیاق یسرّ مؤسسة وارث الانبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، التابعة للعتبة الحسینیة المبارکة أن تقوم بمشروع فکری یختصّ بتراث الإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته الإصلاحیة المبارکة، من خلال تألیف دائرة معارف حسینیة ألفبائیة، تشتمل علی کل ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام) وثورته، من أحداث ووقائع ومفاهیم ورؤی وأسماء أعلام وأماکن وکتب، وغیر ذلک من الأمور، مرتّبة حسب الحروف الهجائیة، کما هو معمول به فی دوائر المعارف والموسوعات، بلغة علمیة رصینة وأُسلوب عصری.

ص: 14


1- الکافی8: 229.
2- معانی الأخبار: 180.

ضرورة المشروع وأهمیته

تبرز أهمیة هذا المشروع فی جهتین:

الأُولی: أهمیة الموسوعات ودوائر المعارف فی حدّ ذاتها - التی هی عبارة عن مؤلفات تجمع معلومات عامّة حول العلوم والمعارف الإنسانیة أو فی موضوع وعلم خاص - فیما یأتی:

1- القدرة علی استیعاب الموضوع من کلّ جوانبه، ما یجعلها مصدراً مهمّاً للمعلومات الأساسیة التی یحتاجها الباحث.

2 - تأمین سهولة الوصول إلی المعلومة؛ لاعتمادها الترتیب الهجائی فی مفاصل الموضوع، ومفرداته ومداخله.

3 - غزارة المعلومات وتنوعها؛ لاعتمادها علی کتّاب متعددین، وفی اختصاصات مختلفة.

4 - العمق والتحقیق؛ کونها ترکّز علی جزئیة معینة، فتحاول بحث کل حیثیاتها وأطرافها، مع خضوع مقالاتها للتحکیم العلمی من قبل هیئة علمیة من ذوی الاختصاص، فتعدّ هذه الدوائر من المصادر المهمّة والرصینة فی مجالها.

5 - مخاطبة جمیع المستویات العلمیة والثقافیة، فیمکن للمتخصصین والباحثین الإفادة منها، کما یمکن ذلک للقراء والمثقفین الذین یبحثون عن معلومة جاهزة مختصرة مبلورة.

6 - المساهمة فی إرشاد الباحث أو القارئ إلی معلومات إضافیة - إن أراد الاستزادة منها فی المجال المبحوث - بواسطة الببلیوغرافیات وقائمة المصادر التی تقدمها فی نهایة مقالاتها.

وأما الجهة الثانیة التی تبرز من خلالها أهمیة هذا المشروع وضرورته، فهی اختصاصه بموضوع التراث الحسینی الثرّ، الذی یعدّ منهج حیاة أمثل للبشریة فی سیرها التکاملی علی طریق الهدایة والصلاح، المتمثّل فی خلفیات ثورة الإمام الحسین(علیه السّلام) وأسبابها وأهدافها وآثارها، وما حملته من مفاهیم إنسانیة وإسلامیة، وأعطته من دروس وعبر، ورسمته من

ص: 15

منهج للحریة والإباء، واشتملت علیه مواقفها وشعاراتها وشعائرها من فقه وفکر وأخلاق سامیة ومفاهیم عظیمة، ومعارف قیّمة أهّلتها لأن تکون السبب فی حفظ الإسلام وضمان بقائه واستمراریته، وأن تصبح مدرسة عظیمة للأجیال ومَعیناً لا ینضب رغم محاولات الحکّام الجائرین وکید الکائدین وظلم الظالمین.

فیتطلّب ذلک منّا إحیاء التراث الحسینی وتجدیده عبر إبرازه للقارئ والمتلقّی بصورة یسهل علیه أخذه والإفادة منه، من خلال الطرق والأسالیب الحدیثة فی العرض والبیان التی منها دوائر المعارف والموسوعات التی ذکرنا خصائصها وممیزاتها آنفاً، ویأتی هذا المشروع لتحقیق هذا الغرض؛ إذ یهدف إلی وضع دائرة معارف شاملة وجامعة لکل ما یتعلق بالحسین(علیه السّلام) ونهضته العظیمة؛ لتکون من أهم وأوسع المصادر فی المجال التاریخی والعلمی والعقدی والفکری، وغیر ذلک من المعارف الحسینیة؛ لتساعد الباحثین والکتّاب والخطباء والمثقفین علی الوصول إلی تلک المعارف، وتختصر لهم الطریق، وتوفّر علیهم الجهد والوقت، وتثری الجانب المعرفی والمعلوماتی عندهم، کما تعکس للعالم أیضاً أصالة فکر أهل البیت(علیهم السّلام) ، وعمقه ومعالجاته الواقعیة لمشکلات الحیاة.

خصائص هذه الموسوعة

رغم المحاولات الجادّة فی هذا النوع من العمل فی مجال التراث الحسینی؛ حیث أُلّفت بعض الموسوعات ودوائر المعارف، کدائرة المعارف الحسینیة للکرباسی، وموسوعة الإمام الحسین(علیه السّلام) لمحمد الری شهری، وتاریخ امام حسین(علیه السّلام) (موسوعة الإمام الحسین(علیه السّلام)) لمجموعة من الباحثین والباحثات، وموسوعة الثورة الحسینیة للسماوی، وموسوعة الإمام الحسین للسید علی عاشور وغیرها، والتی هی جهود عظیمة ونتاجات قیّمة، إلاّ أنَّ هذه الموسوعة تختلف عمّا سبقها من الموسوعات والدراسات الحسینیة من عدّة جهات، أهمّها:

أ - تغطیتها لمساحات کثیرة لم یسبق تغطیتها فی الموسوعات الأُخری حسب استقرائنا،

ص: 16

إذ تشمل کل ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام) وثورته العظیمة من مفاهیم وأحکام وأماکن وأعلام، وغیر ذلک، وتحتوی علی بحوث تاریخیة وجغرافیة وفقهیة وعقدیة وأخلاقیة، وغیر ذلک من العلوم والفنون حسب المدخل أو المصطلح المبحوث، بل قد یتنوع البحث فی المدخل الواحد لتنوع جهات البحث فیه، کالمداخل المرتبطة بالشعائر الحسینیة؛ فإنها تبحث من الجهة الفقهیة، کما أن للبعد الفکری والعقائدی أهمّیة کبیرة فیها.

ب - عدم الخضوع لسلیقة معینة وذوق خاص لکونها تضم بین دفتیها مقالات وأبحاث لمختلف العلماء والباحثین، وفی مختلف الاختصاصات بخلاف الموسوعات التی یتصدّی لتألیفها شخص واحد أو تتم تحت إشراف شخص معین - کما هو الحال فی أغلب الموسوعات فی هذا المجال حسب اطّلاعنا - فإنها تتأثر بطبیعة الحال بطریقته ومنهجه وذوقه الخاص.

ج - اعتمادها الترتیب الألفبائی الذی ذکرنا خصائصه فی حین أنّ أغلب الموسوعات الحسینیة التی صدرت اعتمدت المنهج الموضوعی المحوری.

د - صدورها عن مؤسسة وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، التی تضمّ نخبة من الباحثین والمتخصصین فی هذا المیدان.

تعریف الموسوعة

دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة: موسوعة متخصصة بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة وکل ما یرتبط بها، تعتمد أُسلوب دائرة المعارف، وطریقة المداخل والتسلسل الألفبائی.

اسم الموسوعة

توجد عدة أسماء مقترحة:

أ - (الموسوعة الحسینیة)، أو (موسوعة النهضة الحسینیة) أو (موسوعة الإمام

ص: 17

الحسین(علیه السّلام)).

إلا أنه لم یقع الاختیار علی هذه الأسماء لتفضیل أن یکون الاسم تحت عنوان دائرة المعارف (Encyclopedia)، لأن نظام دائرة المعارف قائم علی الحروف الهجائیة الألفبائیة الذی تقوم علیه هذه الدائرة، بخلاف الموسوعات، فإنها لا تقوم بالضرورة علی هذا النظام، بل هی فی الغالب قائمة علی النظام الموضوعی، وتابعة فی ترتیب المواضیع لذوق الکاتب أو أهمیة الموضوعات أو جهات أُخری.

ب - (دائرة المعارف الحسینیة)، أو (دائرة معارف الإمام الحسین(علیه السّلام))، أو(دائرة معارف النهضة الحسینیة) علی أنْ یضاف لها کلمة (الألفبائیة)، أو غیر ذلک تمییزاً لها عن غیرها.

وقد رجّحت اللجنة العلمیة الاسم الأول، أی: (دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة)؛ لأنه العنوان الأنسب للموسوعة التی یراد إنجازها.

الأهداف

تتمثّل الأهدف من کتابة دائرة المعارف الحسینیّة بما یأتی:

أ- إیصالُ أکبر قدرٍ من المعلومات عن النهضة الحسینیة بأقل ما یمکن من الکلمات، وبأسلوب موسوعی حدیث، یسهّل علی القارئ والباحث الوصول إلی المعلومة بأسرع وقت وأقلّ جهد.

ب - أنْ تکون مرجعاً للباحثین المتخصصین والطبقات المثقفة، توصلهم إلی المعلومات وتهدیهم إلی المصادر.

المخاطب

المخاطب فی دائرة المعارف الحسینیة جمیع طلاب العلم ورواد الفکر من باحثین ومحققین وخطباء وأکادیمیین ومثقفین، وفی جمیع الاختصاصات؛ لأنها تشتمل علی موضوعات متعددة، تاریخیة وعقدیة وفقهیة وأخلاقیة وغیرها، وهو ما یفرض لغة واضحة ورصینة فی الوقت نفسه.

ص: 18

نظام کتابة دائرة المعارف

هناک ثلاثة طرق فی کتابة الموسوعات:

أ- الألفبائیة: وهو ما علیه أکثر دوائر المعارف والموسوعات العامّة والعالمیة کالموسوعة البریطانیة، والموسوعة الإسلامیة الکبری، والموسوعة السیاسیة للکیالی، والموسوعة الفقهیة الکویتیة، وموسوعة الفقه الإسلامی طبقاً لمذهب أهل البیت(علیهم السّلام) ، ودائرة المعارف الشیعیة العامّة، وغیرها؛ فإنها قد اعتمدت فی ترتیب المداخل والمصطلحات النظام الألفبائی.

ب - الألفبائیة المحوریة: بمعنی تقسیم الموضوعات إلی محاور، مع اعتماد التسلسل الألفبائی فی ترتیب المحاور والمداخل فی کل محور، بمعنی أنّ ترتیب المداخل ضمن کل محور یقوم علی أساس التسلسل الألفبائی.

مثال: محور الأعلام:

1- الأصحاب.

2- الأعداء.

3- أهل البیت(علیهم السّلام) .

ویبدأ بالأصحاب، ثمَّ الأعداء ثمَّ الأهل طبقاً للتسلسل الألفبائی. ثم تتبع الطریقة نفسها فی المداخل داخل کل محور.

ج - طریقة المحاور: بمعنی اتّباع الطریقة الموضوعیة بغضِّ النظر عن التسلسل الألفبائی.

وقد قررت اللجنة العلمیة اتباع الطریقة الأولی (الألفبائیّة)؛ نظراً لکونها الطریقة الرائجة والعصریة فی کتابة الموسوعات التی یسهل أخذها والاستفادة منها.

وسوف نرفق قائمة ببعض الأمثلة علی المداخل.

ص: 19

حجم دائرة المعارف

لا یوجد حجم مُعیّن للموسوعات ودوائر المعارف، إلا أنّنا اخترنا الحجم الوزیری، وأن لا یتجاوز عدد صفحات کل مجلد الخمسمائة صفحة تقریباً؛ لأنّه الحجم المتداول فی هذه الأزمنة، والمتناسب مع أکثر الکتب المطبوعة.

زمان إنجاز دائرة المعارف

زمان انجاز دائرة المعارف الحسینیة تابع لمدی توفر الإمکانیات وتذلیل الصعوبات وتعاون الکتّاب وتضافر الجهود، وغیر ذلک مما یؤثر فی سرعة العمل، علی أننا سوف نعمل جاهدین علی إنجازها فی غضون عشر سنوات إن شاء الله تعالی، کما نعمل علی أن لا تتجاوز عدد مجلداتها العشرین مجلداً، ونسعی جاهدین للإحاطة بالمعلومات مع الاختصار بالتعبیر.

ص: 20

المفاصل الرئیسة ومراحل العمل

اشارة

وهنا ینبغی بیان الخطوط العامّة والمفاصل الرئیسة لمراحل العمل وآلیاته؛ لیکون بمثابة البرنامج لکتابة دائرة المعارف الحسینیة:

أولاً: اللجنة العلمیة ومهامها

اللجنة العلمیة: عبارة عن مجموعة من الباحثین وذوی الاختصاص والخبرة تقوم بالإشراف علی کتابة دائرة المعارف من الناحیة العلمیة والفنیّة، ومتابعة جمیع مراحل العمل فیها من خلال إعداد برنامج العمل، ووضع الأُسس والضوابط لکتابة المقالات، وتهیئة المداخل وإعدادها، وبیان ما هو المدخل الأصلی والإجمالی والدلالی منها - التی سیأتی توضیحها لاحقاً - ومراجعة المقالات، لتقویم مدی قوتها وصلاحیتها للنشر، وتسجیل الملحوظات والإشکالات - إن وجدت - لإصلاحها ورفعها من قبل الکاتب أو الهیئة العلمیة، والتواصل مع الکتّاب والباحثین، والإشراف علی الإخراج النهائی، وغیر ذلک.

علماً أنّ هناک لجنة علمیة عُلیا مشرفة علی أعمال مؤسسة وارث الأنبیاء کافّة مکوّنة من عدد من العلماء والفضلاء فی النجف الأشرف وقم المقدّسة.

ص: 21

ثانیاً: المداخل

أ- تعریف المدخل

المدخل (entrance) هو عبارة عن عنوانٍ أو اصطلاحٍ لکل مقالة من مقالات دائرة المعارف، تدور حوله تلک المقالة، ویتم تعیینه من قبل الهیئة العلمیة المشرفة علی دائرة المعارف، ولیس للکاتب حقٌ فی تغییر ذلک إلا بعد الرجوع إلی الهیئة.

ب - أنواع المداخل

اشارة

المداخل علی ثلاثة أنواع:

1- أصلی: وهو المدخل الذی تندرج تحته جمیع المسائل التی ترتبط بالموضوع، ولا یوجد مکان آخر أنسب لذکرها وبحثها منه، ک- (الحسین بن علی (علیهماالسّلام))، فإنه یبحث تحت هذا العنوان کل ما یرتبط بالإمام من ولادته وحسبه ونسبه وإمامته، ویُشار إلی نهضته علی أن یفصل ما یرتبط بالنهضة تحت عنوان: (النهضة أو الثورة الحسینیة)، أو غیر ذلک حسب ما یقرّر فی حینه.

2- إجمالی (فرعی): وهو الذی تندرج تحته بعض الفروع والمسائل التی یناسب شرحها وتفصیلها فی أماکن أخری، فیقتصر علی ذکرها إجمالاً، ثمّ یحال التفصیل إلی تلک المواضع والمداخل الأخری. کمدخل (أنصار الحسین(علیه السّلام)) ؛ إذ تذکر تحته المباحث العامّة المرتبطة بالموضوع، کعددهم وشجاعتهم، وتترک تفاصیل ما یتعلق بکل واحد منهم إلی عنوانه الخاص.

3- دلالی: وهو المدخل الذی یحال مباشرة إلی ما هو مرادف له أو أشهر منه أو غیر ذلک.

مثل: (بطلة کربلاء) حیث یذکر ویحال إلی (زینب بنت علی(علیهماالسّلام))، وبالشکل التقریبی التالی:

بطلة کربلاء→زینب بنت علی(علیهماالسّلام)

ص: 22

ومن الموارد التی یکون فیها المدخل دلالیاً:

1- أن یکون المدخل أقلّ شهرة من غیره، فیحال إلی ما هو أشهر مثل (لوط بن یحیی)، فإنّه یحال إلی (أبو مخنف).

2- أن یکون جزءاً من مدخل آخر، أو شرطاً فیه فقط، ولیس فیه بحث یقتضی إفراده، مثل (إذن الدخول)؛ فإنه یحال إلی (زیارة الحسین(علیه السّلام))؛ لأنه جزء من آداب الزیارة.

3- یحال المدخل الناقص کالکنیة أو اللقب إلی الاسم الکامل مثل (ابن سعد)؛ فإنّه یحال إلی (عمر بن سعد)، و(ابن زیاد) إلی (عبید الله بن زیاد).

وکذا یحال ما هو غیر صحیح إلی ما هو صحیح إن وجد.

تنبیه

لا یصحّ إرجاع المدخل إلی مدخل إرجاعی أیضاً، فعلی سبیل المثال: لا یحال (ابن مرجانة) إلی(ابن زیاد)؛ لأنّ الثانی یحال إلی عبید الله بن زیاد، فلا بدّ من إحالة ابن زیاد، وابن مرجانة إلی عبید الله بن زیاد مباشرة.

ج - خصائص المدخل

أ - أن یکون حاکیاً ومعبّراً عن الموضوع، بحیث یفهم المخاطب موضوع المقالة بمجرّد قراءة العنوان.

ب - أن یکون معروفاً ومتبادراً إلی الأذهان، بحیث یکون مأنوساً لدی المخاطب، وغیر غریب عن ذهنه.

ج - أن یکون مستعملاً ومتداولاً، فتترک المداخل المستعملة فی فترة زمنیة معینة إلّا أنها لم تجد طریقها لتکون مصطلحاً معروفاً، نعم لا بأس فی ذکرها بوصفها مدخلاً دلالیاً، وإحالتها إلی المدخل المتداول المعروف.

د - أن یکون جزئیاً وخاصّاً باستثناء بعض الحالات کما لو کان العنوان الجزئی مخالفاً لطریقة دائرة المعارف، کمدخل (سیف) الذی لا یناسب أن یکون عنواناً؛ لأنّ ذلک

ص: 23

یستلزم اعتبار الأدوات والأسلحة الأُخری فی کربلاء مداخل أیضاً، فلا بد من مدخلٍ کلّی یجمع تلک الوسائل والآلات، ک- (آلات الحرب فی کربلاء).

د - ترتیب المداخل

یکون ترتیب المداخل ترتیباً ألفبائیاً، طبقاً للحروف الهجائیة العربیة. وفی صورة اشتهار المصطلح بلغة أُخری یذکر ذلک اللفظ غیر العربی بین قوسین بعد ذکر المدخل باللغة العربیة، فعلی سبیل المثال: قراءة المصیبة، أو التخلص(الکوریز).

ه- - معاییر المدخل الحسینی

اشارة

تتنوع مداخل ومصطلحات دائرة المعارف الحسینیة لتناولها علوماً ومعارف مختلفة؛ إذ تشمل المجالات الکلامیة والفکریة والثقافیة والتاریخیة والجغرافیة والرجالیة وغیرها؛ من هنا لا بدّ من وضع ضوابط وقواعد یتمّ بموجبها اختیار المداخل، وقد قامت اللجنة العلمیة بوضع ضوابط لا بد من توافر واحد منها أو أکثر فی المصطلح کی یُعدّ من مداخل دائرة المعارف.

وبما أنّ الضوابط تتنوّع بتنوع العلوم والمعارف أیضاً، ارتأت اللجنة وضع ضوابط لکلّ حقل من تلک الحقول، وبیان معاییر المدخلیة فی ذلک المجال، رغم أنّ بعض الضوابط عامّة ومشترکة، کارتباط المدخل والمفردة بالإمام الحسین(علیه السّلام) وثورته المبارکة.

أولاً: المفاهیم
ألف - الضوابط والمعاییر

هناک عدة معاییر للمفاهیم التی تصلح لأن تکون مداخل فی دائرة المعارف الحسینیة هی:

1- التأثیر الخاص فی التعرّف علی أبعاد شخصیة الإمام الحسین(علیه السّلام).

2- التأثیر الواضح فی بیان معالم النهضة الحسینیة وأهدافها.

3- الارتباط المباشر فی تجسید المبادئ الحسینیة علی أرض الواقع.

ص: 24

ومن تلک العناوین التی تنطبق علیها المعاییر المذکورة أو بعضها: الإصلاح، والحریة، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، والإباء، والتضحیة، ونحو ذلک.

ب - المحاور

وتتمثّل مداخل المفاهیم فی المحاور التالیة:

1- العناوین الکلامیة والعقدیة، کشفاعة الإمام الحسین(علیه السّلام)، وإمامته، ومعجزاته وکراماته. وتدخل فی هذا المحور العناوین الفلسفیة والعرفانیة والأخلاقیة.

2- المبادئ والقیم الحسینیة، کالشهادة والإیثار.

3- المفاهیم المنحرفة والمضادّة للمبادئ الإسلامیة والإنسانیة، کالخذلان والتخاذل عن نصرة الحسین(علیه السّلام)، والطغیان.

4- الشعارات الحسینیة، أعمّ من الشعارات التی أُطلقت فی عاشوراء من قبل الإمام الحسین(علیه السّلام) أو أصحابه، کشعار (هیهات منا الذلة) أو التی نشأت بعد ثورة الإمام الحسین(علیه السّلام)، ک- (یا لثارات الحسین)، و(یا منصور أمت).

5- الزیارات والأدعیة المختصّة.

6- خطب الإمام الحسین(علیه السّلام) وکلماته.

ثانیاً: الثقافة والأدب والفن
اشارة

تشتمل دائرة المعارف الحسینیة علی کثیر من المداخل الأدبیة والثقافیة والفنیة؛ لما تقدّم من اشتمالها علی جمیع العلوم والمعارف، ولأجل ضبط المعیار فی مدخلیة کل عنوان فی هذه الدائرة نذکر المعاییر التالیة، ومن ثمّ المحاور:

ألف - الضوابط والمعاییر

1- الأهمیة الثقافیة والفنیة والأدبیة.

2- الشهرة الثقافیة والأدبیة.

3- الدور البارز فی أدبیات وثقافة عاشوراء.

ص: 25

4- الارتباط بالإمام الحسین(علیه السّلام).

ب - المحاور

1- آداب عاشوراء، مثل: مسرحیة الحسین ثائراً والحسین شهیداً.

2- الشعر الحسینی، کالرجز.

3- الآثار والفنون التی لها ارتباط بالإمام الحسین(علیه السّلام)، کالرسوم والبوسترات والنحت الحسینی.

4- الشعائر الحسینیة ورسومها، کالمنبر الحسینی، والمواکب والمسیرات الحسینیة.

5- ظواهر ورسوم حسینیة کالسقایة.

6- الأعمال التمثیلیة، مثل الأفلام والمسرحیات والمسلسلات والمشاهد التمثیلیة، کمسلسل المختار.

7- مواقع الانترنت وبرامج الحاسوب، کموقع یا حسین، ومکتبة سفینة النجاة الإلکترونیة.

ثالثاً: المسائل التاریخیة
اشارة

تشغل الوقائع والأحداث التاریخیة حیّزاً کبیراً مما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام) وثورته. وضوابط المداخل التاریخیة ومحاورها ما یأتی:

ألف - الضوابط والمعاییر

1- الارتباط بالإمام الحسین(علیه السّلام) وثورته المبارکة.

2 - التأثیر البارز والدور المهم فی القضیة الحسینیة.

3- الأهمیة والمکانة الکبیرة فی حوادث کربلاء.

4- الشهرة التاریخیة.

5- الورود فی المصادر.

ب - المحاور

1- خلفیات النهضة الحسینیة ومنطلقاتها، مثل التنبؤات والرؤی التی حصلت

ص: 26

للرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عند ولادة الإمام الحسین(علیه السّلام) وشهادته، والإمام الحسین والأنبیاء(علیهم السّلام) .

2- الحوادث المرتبطة بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته من ولادته حتی شهادته، مثل الهجرة، الامتناع عن البیعة، وصیته لمحمد بن الحنفیة.

3- القضایا المتعلقة بالثورة الحسینیة بعد عاشوراء حتی رجوع السبایا إلی المدینة، کالسبی وحمل الرؤوس.

4- الوقائع المرتبطة بالقضیة الحسینیة من رجوع السبایا إلی یومنا الحاضر، کهدم المرقد الشریف.

5- الثورات والانتفاضات المرتبطة بالنهضة الحسینیة، مثل ثورة المختار وثورة التوابین.

6- الحکومات والإمام الحسین(علیه السّلام)، مثل الدولة البویهیة والدولة الصفویة.

7- الأزمنة والأوقات، مثل لیلة عاشوراء، ویوم عاشوراء، وتاسوعاء.

8- الاصطلاحات العسکریة المتعلقة بالثورة الحسینیة، مثل حامل اللواء.

9- آلات المعرکة ووسائلها، مثل (ذو الجناح)، و(ذو الفقار).

10- القبائل والعشائر والأُسر التی کان لها دور بارز فی واقعة عاشوراء، مثل آل عقیل وبنی أسد.

11- الأنبیاء والملائکة(علیهم السّلام) ، مثل یحیی(علیه السّلام) وفطرس.

رابعاً: الأعلام
اشارة

المقصود من الأعلام: الأعم من الرجال والنساء والأطفال.

ألف - الضوابط والمعاییر

1- الارتباط بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة، أو الثورات التی تعدّ امتداداً لها.

2- الشهرة والاقتران بالنهضة الحسینیة.

3 - الدور الفعّال والتأثیر الإیجابی أو السلبی.

4- الورود فی المصادر والکتب.

ص: 27

ب - المحاور

1- أهل بیت الإمام الحسین(علیه السّلام)، (إخوانه، وأخواته، وزوجاته، وأولاده، وبنو عمومته)، کأبی الفضل العباس وعلی الأکبر(علیهماالسّلام)، ومسلم بن عقیل (رضوان الله علیه)، وزینب(علیهاالسّلام) ولیلی والرباب.

2- أصحاب الإمام الحسین(علیه السّلام) والشخصیات التی لها نحو ارتباط بالنهضة الحسینیة، کجابر بن عبد الله الأنصاری، ومحمد بن الحنفیة، وابن عباس، والطرمّاح.

3- شهداء النهضة الحسینیة، کحبیب بن مظاهر، وزهیر بن القین.

4- رواة حادثة کربلاء، کحمید بن مسلم.

5- الشخصیات التی سجنت أو أُعدمت سواء أکان قبل الثورة المبارکة أو بعدها، وکان ذلک بسبب الارتباط بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته، کمیثم التمار، وسلیمان بن صرد، وعبد الله بن عفیف الأزدی.

6- الحکام والوزراء والقادة وغیرهم من الشخصیات السیاسیة والاجتماعیة التی لها دور إیجابی أو سلبی، کالمتوکل العباسی، وعباس الصفوی.

7- الشعراء، کالسید حیدر الحلی، والسید جعفر الحلی، وابن نصّار.

8- الخطباء، کالشیخ الوائلی.

9- الفنانون، کالمخرج أحمد درویش مخرج فیلم یوم القیامة.

خامساً: الأماکن والمواقع الجغرافیة
ألف - الضوابط والمعاییر

1- المعروفیة والشهرة التاریخیة.

2- الأهمیة والمکانة الجغرافیة أو الاجتماعیة أو الدینیة...

3- کونه محلاً لوقوع الحوادث المرتبطة بالإمام الحسین(علیه السّلام) ونهضته المبارکة، وما یرتبط بها.

4- الانتساب إلی الإمام الحسین(علیه السّلام).

ص: 28

5- الاشتمال علی ما یرتبط بالإمام الحسین(علیه السّلام).

ب - المحاور

1- الدول والمدن، کالدولة الفاطمیة والکوفة.

2- الأماکن والنواحی والنقاط الجغرافیة، مثل نینوی وزرود.

3- المقامات والمزارات والمراقد، کمرقد الإمام الحسین(علیه السّلام) ومرقد السیدة زینب(علیهاالسّلام).

4- المساجد والحسینیات والأوقاف، کمسجد الحنّانة.

سادساً: المصنفات والآثار الحسینیة
اشارة

وتضمّ الکتب الحسینیة القدیمة والحدیثة، ودواوین الشعر، والموسوعات، ودوائر المعارف الحسینیة، والمجلات والدوریات الحسینیة.

ألف - الضوابط والمعاییر

یکفی فی دخول الأثر أو المصنّف الحسینی فی هذا القسم انطباق واحد أو أکثر من المعاییر التالیة علیه:

1- الاختصاص بالقضیة الحسینیة.

2- أن لا یکون مستلاً من تألیف سابق.

3- أن لا یکون تکراراً لأبحاث سابقة.

3- رصانة المحتوی العلمی.

4- التأثیر الواسع فی الأوساط العلمیة.

5- الشهرة والمعروفیة.

6- الحجم، کالتألف من عدّة مجلدات أو أعداد.

7- ندرة الموضوع.

8- القِدَم، کأن یکون من مؤلفات القرون الأربعة الأُولی.

9- کون المؤلف أو الکاتب من المشهورین من غیر المسلمین.

ص: 29

10- کون الأثر من المصادر والمراجع المهمّة.

11- کونه محلّ نقاش وجدل.

12- المعالجة لشبهة أو موضوع مهم.

13- الامتیاز بالإبداع والتحلیل والعمق.

ب - المحاور

1- الکتب الحسینیة.

2- دواوین الشعر الحسینی.

3- الموسوعات ودوائر المعارف الحسینیة.

4- المجلات والدوریات.

5- الأجزاء والأقسام المختصة بالإمام الحسین(علیه السّلام) الموجودة ضمن کتب ومؤلفات أُخری.

ثالثاً: مقالات دائرة المعارف

اشارة

أهم المفاصل فی مقالات دائرة المعارف الحسینیة ما یلی:

أ - لغة المقال

لغة مقالات دائرة المعارف هی اللغة العربیة، وفی صورة کتابة المقالة بلغة أُخری، کالفارسیة أو الإنجلیزیة تُترجم المقالة إلی اللغة العربیة.

ب - منهجیة المقالات وخططها

اشارة

خطة البحث هی: الهیکلیة الکلیة والفهرس الإجمالی للبحثالتی ترسم مفاصله وعناوینه الرئیسة، ثمّ ما یتفرع علیها من عناوین، وهکذا تجمع متفرقاته، وتکون شاملة لکل ما یرتبط به من أقسام وأحکام وفروع وأبحاث، وغیر ذلک بتسلسل علمی ومنطقی وفنی؛ لتکون القالب الذی تصب فیه المعلومات المرتبطة بالموضوع.

وتتکون الخطة من مفصلین رئیسین هما:

ص: 30

1 - التعریف: ویذکر تحته التعریف اللغوی والاصطلاحی. والمراد من التعریف اللغوی: بیان معنی المدخل أو المفردة فی المصادر اللغویة والموسوعات والقوامیس المعروفة. ویقتصر فی التعریف اللغوی علی الترکیب المراد والمقصود بالبحث، ولا یتعرض للمعانی الأُخری المتشعبة عن تلک المادة، والتی لیس لها علاقة بموضوع المقال، وفی صورة تعدّد المعنی المتصل بالمفردة موضوع البحث یرکّز علی المعروف، ویشار إلی المعانی الأُخری أیضاً.

وأمّا الاصطلاحی: فالمراد به اصطلاح أهل الفنّ فی کل مجال، وفی صورة الاستعمال بنفس المعنی اللغوی ینبّه علی ذلک، کأن یقال: (وتستعمل بالمعنی اللغوی نفسه).

2- صلب المقالة: وهو القسم الأکبر والأهم، إذ یشتمل علی جمیع ما یرتبط بالمدخل من أقسام وأحکام ومعلومات، وغیر ذلک.

وهنا یجب مراعاة ما یأتی:

1- کتابة خطّة البحث قبل الشروع فی کتابة المقال بعد مراجعة المصادر والمعطیات التی تتوفّر لدی الکاتب والاعتماد علی معلوماته المسبقة وخلفیته الذهنیة، ثمّ تعرض علی اللجنة العلمیة لتبدی رأیها، وتجری علیها الإصلاحات المطلوبة، أو تسجّل علیها الملحوظات - إن کانت -، ثمّ تعاد إلی الباحث لیشرع بالکتابة علی ضوء الخطّة المصوّبة.

2- فی خطّة البحث ینبغی تفکیک المطالب بالشکل الذی لا یستلزم التداخل والتکرار، وأن تکون عناوینها منظمة منطقیاً، متناسبة مع موضوع البحث وطبیعته، مبرزة للمفاصل الرئیسة وما یتفرع علیها، وینطوی تحتها من عناوین وفروع.

3- أن تکون المقالة مستوعبة لجمیع ما یرتبط بالبحث من مسائل وفروع. نعم ینبغی أن لا تتجاوز الحدود المناسبة.

4 - فی المقالات الموسّعة تُوزّع المطالب تحت عناوین وأقسام مختلفة تکون هی العناوین الکلیة والمفاصل الرئیسة للموضوع، ویحتوی کلّ قسم علی محاور وعناوین فرعیة تشترک

ص: 31

بالموضوع الکلی. وسوف نرفق نماذج من المقالات مع هذا المشروع.

ومن أجل صبّ المقالة فی قالب علمی ممنهج، والإحاطة بأطراف الموضوع والإلمام به، وتجنب الحشو والاستطراد، والحفاظ علی السیاق العام لمقالات الموسوعة. کان من الضروری وضع خطة ومنهجیة موحّدة لمقالات دائرة المعارف الحسینیة تبیّن الخطوط العامة والمفاصل الرئیسة للمقالات، وبما أنّ دائرة المعارف تضمّ بین دفتیها أنواعاً مختلفة من العلوم والمعارف فبطبیعة الحال تختلف وتتنوع خطّة البحث ومنهجیة المقال من عِلم لآخر، وإلیک النماذج العامة لهذه المنهجیة کلاً حسب حقله وقسمه:

أولاً: المفاهیم
اشارة

فی هذا الحقل توجد عدّة فروع، هی:

ألف - الاصطلاحات والعناوین المتعلّقة بالقضایا الکلامیّة

ألف - الاصطلاحات والعناوین المتعلّقة بالقضایا الکلامیّة والعقدیّة، والمبادئ والقیم الحسینیة، والمفاهیم المنحرفة والمضادّة لمبادئ النهضة الحسینیة، والعناوین الأخلاقیة والعرفانیة

الخطة العامة:

1- التعریف اللغوی والاصطلاحی.

2- المفهوم القرآنی أو الروائی.

3- الجذور والسوابق التاریخیة.

4- الجذور والسوابق الفکریة والثقافیة.

5- الارتباط بالقضیة الحسینیة.

6- الآراء والنظریات.

ب - الزیارات والأدعیة

الخطة العامة:

1- الخطوط العامة للمتن.

2- سبب التسمیة أو الأسماء الأُخری إن وجدت.

ص: 32

3- الراوی للمتن أو الرواة.

4- السند.

5- النسخ والنصوص الأُخری.

6- سبب الصدور.

7- المحتوی والمضمون.

8- الأهمیة والمکانة.

9- الارتباط بالقضیة الحسینیة.

10- الآثار العلمیة والعملیة.

11- مشخصات الکتاب والمصدر.

ج - الخُطب

الخُطة العامّة:

1- الخطوط العامّة للمتن.

2- الظروف والأجواء المحیطة بالصدور، مثل الزمان والمکان والحضور والمخاطب، وردود الأفعال.

3- سبب التسمیة والأسماء إن وجدت.

4 - الراوی للمتن أو الرواة.

5 - السند.

6- النسخ والنصوص الأُخری.

7- سبب الصدور.

8- المحتوی والمضمون.

9- الارتباط بالقضیة الحسینیة.

10- الآثار العلمیة والعملیة.

ص: 33

د - الشعارات

الخطة العامّة:

1- التعریف.

2- الأنواع الأُخری المشابهة.

3- الجذور والسوابق التاریخیة.

4- الخلفیات الفکریة والنظریة.

5- المکانة والآثار.

6- الارتباط بالقضیة الحسینیة.

7- الآثار العلمیة والعملیة.

8- المجالات التطبیقیة ومقدار الاستفادة منها.

ثانیاً: المداخل الثقافیة والأدبیة والفنیة
ألف - المصائب الحسینیة

الخطة العامّة:

1- بیان النص.

2- الجذور التاریخیة للأحداث والروایات.

3- بیان اختلاف النصوص والإشارة إلی الصحیح منها.

4- السوابق والسَیر التاریخی.

ب - الشعائر الحسینیة ورسومها

الخطة العامة:

1- مباحث تمهیدیة.

2- السابقة التاریخیة والتطور التاریخی.

3- الخلفیات والمستندات.

4- بیان الصورة الأصیلة والحقیقیة.

ص: 34

5- الجنبة الفقهیة.

6- التفریق بین المسنون والمُبتدع.

7- المصدر ومدی الانتشار.

8- الأنواع المشابهة الأُخری.

ج - آداب الزیارة

الخطة العامة:

1- مباحث تمهیدیة.

2- السابقة التاریخیة والتطور التاریخی.

3- الخلفیات والمستندات.

4- بیان الصورة الأصیلة والحقیقیة.

5- الجنبة الفقهیة.

6- التفریق بین المسنون والمبتدع.

د - الشعر والأدب الحسینی

الخطة العامة:

1- هویة الشاعر.

2- زمنه وظروفه السیاسیة والاجتماعیة.

3- المشخصات العامة للشعر (وزنه ونظمه ولغته و...).

4- المضامین المهمة.

5- موقف الشاعر.

6- المصدر.

ه- - النتاجات الفنیة

الخطة العامة:

1- هویة الفنان.

ص: 35

2- مشخصات العمل الفنی.

3- جذوره ومنشؤه وسوابقه التاریخیة.

4- الارتباط بالقضیة الحسینیة.

5- التأثیر الاجتماعی.

6- المقارنة بینه وبین أعمال أُخری.

ثالثاً: المداخل التاریخیة
ألف - الحوادث المرتبطة بالنهضة الحسینیة

الخطة العامة:

1- مباحث تمهیدیة.

2- زمان الواقعة ومکانها وجزئیاتها.

3- الأشخاص المؤثرون فیها.

4- خلفیات وأسباب حدوثها.

5- الأرضیة والسوابق التاریخیة لها.

6- آثارها ونتائجها.

ب - خلفیات النهضة الحسینیة ومنطلقاتها (التنبؤات والرؤی)

الخطة العامة:

1- مقدّمة.

2- المشخصات (القائل، الخبر، زمانه ومکانه ومحتواه).

3- مصدره وأدلّة وقوعه.

4- آثاره ونتائجه.

ج - الحکومات والقبائل والعشائر والأُسر

الخطة العامة:

1- المعلومات العامة (العرق، والقومیة، والمذهب، والنسب).

ص: 36

2- مناطق السکنی أو السلطة والنفوذ.

3- الأشخاص الذین لهم ارتباط بالقضیة الحسینیة.

4- الارتباط والعلاقة بالمسألة الحسینیة.

د - الثورات والانتفاضات المرتبطة بالنهضة الحسینیة

الخطة العامة:

1- المباحث العامة.

2- الجزئیات أو الحوادث المهمة.

3- القادة والأشخاص المؤثرون.

4- الدوافع والأسباب.

5- الارتباط والعلاقة بالقضیة الحسینیة.

6- الآثار والنتائج.

ه- - الأزمنة والأوقات

الخطة العامة:

1- سبب التسمیة.

2- الخلفیة والسابقة.

3- الحوادث التی وقعت فیها.

4- المکانة والدور التاریخی.

و - الاصطلاحات العسکریة وآلات المعرکة ووسائلها

الخطة العامة:

1- مباحث عامة.

2- السابقة التاریخیة.

3- الارتباط والعلاقة بالقضیة الحسینیة.

ص: 37

رابعاً: الأعلام
ألف - أهل البیت والشهداء والسجناء والأصحاب

الخطة العامة:

1- الهویة الشخصیة (اسمه، ونسبه، ولقبه، وکنیته، وقبیلته و...).

2- مولده ووفاته زماناً ومکاناً.

3- ألقابه وعناوینه.

4- سیرته.

5- کونه من الصحابة أو التابعین.

6- ممیزاته وسماته (الأخلاقیة والسیاسیة والعلمیة).

7 - العلاقة والارتباط بالقضیة الحسینیة.

ب - الرواة المحدثون

الخطة العامة:

1- الهویة الشخصیة (اسمه، ونسبه، ولقبه، وکنیته، وقبیلته و...)

2- مولده ووفاته زماناً ومکاناً.

3- ألقابه وعناوینه.

4- مکانة الراوی (طبقته وثاقته و...).

5- مضامین روایاته وعددها.

6- سیرته.

7- العلاقة والارتباط بالقضیة الحسینیة.

ج - الأشخاص الذین لهم دور وأثر إیجابی أو سلبی فی القضیة الحسینیة

الخطة العامة:

1- الهویة الشخصیة (اسمه، ونسبه، ولقبه، وکنیته، وقبیلته، و...).

2- مولده ووفاته زماناً ومکاناً.

ص: 38

3- ألقابه وعناوینه.

4- سیرته.

د - الفنانون البارزون الذین لدیهم أعمال بارزة ترتبط بالنهضة الحسینیة

الخطة العامّة:

1- الهویة الشخصیة (اسمه، ونسبه، ولقبه، وکنیته، وقبیلته و...).

2- مولده ووفاته زماناً ومکاناً.

3- سبب بعض ألقابه وعناوینه.

4- سیرته.

5- مکانته الفنیة.

6- العلاقة والارتباط بالقضیة الحسینیة.

خامساً: المداخل الجغرافیة
ألف - الدول والمدن والأماکن التی جرت علیها الحوادث الحسینیة

الخطة العامة:

1-سبب التسمیة والأسماء الأُخری إن وُجدت.

2-المعالم الطبیعیة والجغرافیة (الموقع الجغرافی، الطول والعرض، الارتفاع عن سطح البحر، المناخ، عدد السکان، البناء والعمران).

3-السابقة التاریخیة والحوادث المهمة التی وقعت فیها.

4-القبائل والأقوام والأدیان والمذاهب.

5-الوضع الاقتصادی، التعلیمی، الصحی، المواصلات.

6-الآثار التاریخیة.

7-الأهمیة السیاسیة والثقافیة.

8-الارتباط بالمسألة الحسینیة.

ص: 39

ب - الأماکن والنواحی والنقاط الجغرافیة التی مرّ بها الإمام الحسین(علیه السّلام).

1- سبب التسمیة والأسماء الأُخری إن وجدت.

2- المعالم الطبیعیة والجغرافیة سابقاً وحالیاً.

3- السابقة التاریخیة والحوادث المهمة التی وقعت فیها.

4- الأهمیة السیاسیة والثقافیة.

5- الارتباط بالقضیة الحسینیة.

ج - المقامات والمزارات والمراقد المهمّة

الخطة العامة:

1- سبب التسمیة والأسماء الأُخری إن وجدت.

2- المعالم العامة.

3- وضع البناء والتحولات التی جرت علیه.

4- السابقة التاریخیة.

5- التأثیر السیاسی والاجتماعی والثقافی.

6- الوضع الإداری والنشاطات العامة.

د - المساجد والحسینیات والأوقاف المهمّة

الخطة العامة:

1-سبب التسمیة والأسماء الأُخری إن وجدت.

2-المعالم العامة.

3-المؤسس (المؤسسون).

4-السابقة التاریخیة.

5-المکانة والأهمیة السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة.

6-النشاطات الوعظیة والتبلیغیة وغیرها.

7-العلاقة بالمسألة الحسینیة.

ص: 40

سادساً: الکتاب الحسینی

الخطة العامة:

1- هویة الکاتب.

2- خلفیته الفکریة والثقافیة والسیاسیة.

3- أسباب التألیف وظروفه وزمنه ومکانه.

4- المضامین العامة للکتاب.

5- الخصائص العلمیة والفنیة للکتاب.

6- مکانته وتأثیره.

7- آراء العلماء والنُقّاد.

8- شروحه ونسخه وطبعاته.

ج - حجم المقالات وکیفیتها

1- حجم کل مقال یتناسب مع الموضوع المبحوث عنه، علی أن یُراعی فی ذلک الاختصار قدر الإمکان، شریطة أن لا یکون مُخلّا، ویتجنّب التوسّع والاستطراد والتکرار والتوضیحات غیر الضروریة والاستدلالات الضعیفة والآراء الشاذة، ونحو ذلک مما لا ینفع القارئ والباحث، ولا یغنی الفکرة، ولا یناسب مقالات دائرة المعارف والأهداف المتوخّاة منها.

2- یتجنب الإفراط والتفریط فی مقدار المقالة ولغتها. ومن أبرز أمثلة الإفراط: استخدام الاصطلاحات الصعبة وغیر الرائجة والعبارات المضغوطة التی لا یتمکن القارئ من فهمها إلاّ من خلال الاستعانة بالمتخصص. ومن الأشکال البارزة للتفریط: الکتابة بلغةٍ عامیّة وأُسلوب فضفاض لا یحافظ علی لغة العلم، ولا یستسیغه الذوق السلیم، فإن الأُسلوبین مرفوضان فی الکتابة بشکل عام، وفی مقالات دائرة المعارف بصورة خاصة.

ص: 41

3- تکتب المقالة بلغة الحکایة ونقل الآراء والأدلة والمناقشات بعیداً عن القناعات الشخصیة والذوقیة للکاتب، والتعصّب لرأی علی حساب آخر والانتصار له، أو نحو ذلک، بل علی الکاتب إبراز الآراء مع أدلتها وما تستند إلیه، ونقاط القوة والضعف فیها بکل حیادیة وموضوعیة، وترک الحکم للقرّاء والمحققین.

4- یراعی فی هیکلیة المقالة وعناوینها الأصلیة والفرعیة التبویب والترتیب الفنی والمنطقی والذوقی، والانسجام بینها وبین المعنونات ویتجنّب الحشو والتکرار والتداخل.

5- یقتصر علی موضع الشاهد من الآیات والروایات والنصوص الأدبیة والشعر ونحو ذلک، بشرط أن لا یکون مخلاً، أو تکون هناک ضرورة لنقل النص بالکامل أو بعضه.

6- تراعی فی الحوادث والوقائع ونحوها ذکر التواریخ، ویکتفی بالتاریخ الهجری القمری والمیلادی، ویقدم الهجری علی المیلادی، ولا داعی لذکر الیوم والشهر إلاّ مع الضرورة.

7- تکتب الأسماء والمصطلحات الأجنبیة بلغتها الأصلیة بعد کتابتها باللغة العربیة، ویوضع الاسم المکتوب باللغة الأصلیة بین قوسین، علی أن یکتب الحرف الأول منه بالحرف الکبیر (Capital).

8- فی حال حاجة المقالة إلی أُمور تکمیلیة - کالخرائط والجداول والمشجرات ونحو ذلک - ینبغی علی الکاتب القیام بذلک، إلاّ فی صورة عدم تمکّنه من ذلک لأیّ سببٍ کان؛ فحینئذٍ یوکل ذلک إلی الجهات المختصة فی دائرة المعارف، بعد التوصیة وتهیئة المواد من قبل الکاتب قدر الإمکان.

د - أُسلوب الکتابة

أُسلوب الکتابة موسوعی یتناسب مع طبیعة الکتابة فی دائرة المعارف، یتجنّب فیه السّرد والاستطراد والتکرار، وتُراعی فیه طبیعة المُخاطب، ویحافظ فیه علی کامل الدّقة العلمیة، والأمانة فی النقل والتوثیق، والموضوعیّة فی عرض الأفکار، واحترام کافة الآراء،

ص: 42

والابتعاد عن الاستفزاز، ومحاولة الإبداع فی العرض والبیان بما یتناسب مع لغة العصر.

ویُراعی فیه أیضاً ما یأتی:

1- الحفاظ علی الهیکلیة العامّة والمفاصل الکلیة والرئیسة التی تشترک فیها جمیع المقالات الموسوعیة، وعدم الخروج عنها إلی نمط وأُسلوب آخر.

2- الابتعاد عن اللغة الخطابیّة والأدبیّة الفضفاضة، فیجب أن تکون لغة الکتابة رصینة جامعة بین الدقّة العلمیة ووضوح التعبیر.

3- الجمع بین لغة الاختصاص واصطلاحاته وسهولة التعابیر، فإنّ کلا الأمرین مطلوب؛ إذ لا بد من الحفاظ علی لغة العلم مع السعی إلی العرض بأسلوب یتناسب مع لغة العصر ومتطلباته.

4 - الدقة فی ترجمة المقالات المکتوبة بلغة أُخری غیر العربیة، کاللغة الفارسیة أو الإنجلیزیة أو غیرهما، وصیاغتها بالشکل الذی یتناسب مع طریقة الموسوعة.

5 - تجنّب عبارات المدح والثناء، إلاّ من استثنی من الأنبیاء والأئمة وبعض الأصحاب، کما یُتجنب الذم، فعند ذکر بعض الشخصیات الظالمة، یقتصر علی ذکر أفعالهم القبیحة دون توصیفهم بکلماتٍ نابیة.

6- تجنب العبارات العاطفیة، إلاّ مع الضرورة.

7- تشتمل دائرة المعارف الحسینیة علی علوم متعددة واختصاصات متنوّعة، فینبغی الاستفادة من اصطلاحات تلک العلوم رغم التّداخل بین بعض العلوم کعلمی الرجال والدرایة والتاریخ، فلا بدَّ من الالتفات إلی ذلک تجنّباً للبس والإبهام.

رابعاً: التوثیق

یُراعی فی التوثیق الأُمور التالیة:

1- توثّق کل معلومة أو دلیل أو مناقشة، أو ما شابه ذلک من خلال ذکر المصدر.

2- یذکر المصدر فی الحاشیة وعلی الشکل التالی: اسم الکتاب، الجزء، الصفحة، مثل:

ص: 43

تاریخ الطبری2: 124. علی أن تذکر التفاصیل فی فهرست المصادر فی آخر المقال وعلی النحو التالی: اسم الکتاب بشکل کامل، اسم المؤلف ولقبه، المحقق - إن وُجد -، الناشر، مکان النشر، رقم الطبعةوتاریخها.

3- فی حال تعدد اسم المصدر یعتمد فی الحاشیة الاسم المشهور فی حین یذکر فی فهرست المصادر الاسم الأصلی للکتاب، ویوضع الاسم المشهور بین قوسین.

4 - یُتجنب ذکر اسم المصدر فی المتن - قدر الإمکان - بعد البناء علی ذکره فی الحاشیة إلا فی بعض الحالات التی یناسب فنیاً ذکر اسم المصدر.

5- تعتمد المصادر الأصلیة للمعلومات، دون الثانویة، إلاّ فی حالات الضرورة.

6- یُنقل عن المصدر بشکل مباشر دون النقل عن الواسطة، إلاّ فی حالات الضرورة، فإنّه ینقل عن الواسطة مع التنبیه علی ذلک.

7 - تعتمد جمیع المصادر، ویتعامل معها بموضوعیة تامّة، ولا یعنی ذلک الاعتماد علی المصادر من دون ملاحظة الغایات التی من أجلها کُتب الکتاب، وأهداف الکاتب وخلفیته الفکریة والسیاسیة، ککتب بعض المستشرقین، والإسلامیین المتطرفین، فإنها قد تحتوی علی معلومات غیر دقیقة، أو تحلیلات تبتنی علی الخلفیة الفکریة لإصحابها، أو تکون ناشئة عن التعصب الأعمی، فإنه لا بدّ من التعامل مع هکذا مصادر وکتابات بحیطة وحذر. ویهمل المصدر الذی لم یعتمد منها علی الموضوعیة والتحقیق، ولم یتوخَّ الدقة والأمانة، إلاّ إذا أُرید الردّ علیه. کلّ ذلک مع الترکیز علی الأفکار والآراء والابتعاد عن الشخصنة والمهاترات، وتجنّب العبارات النابیة والرکیکة.

8 - ینبغی التنوّع فی المصادر، والاستفادة فی أخذ المعلومات من جمیع الآثار المکتوبة وغیر المکتوبة، کالکتب والمقالات، والرسائل العلمیة، والبحوث الجامعیة، ومواقع الإنترنیت، والآراء المطروحة فی المراکز العلمیة، والمحاضرات المرئیة وغیر المرئیة، والبحوث المیدانیة التوثیقیة، فیما إذا اشتملت علی معلومات مهمة، أو إثارات جدیدة لم

ص: 44

تکن مطروحة فی المصادر الأصلیة أو الثانویة.

9- یعتمد کل مصدر له علاقة بالموضوع بغضّ النظر عن لغته، بشرط توفر الشرائط الموضوعیة والعلمیة.

10- فی صورة تعدد النسخ تعتمد النسخة المحققة والمدققة والمشتملة علی توضیحات علمیة، من هنا؛ لا یکون القِدَم الزمانی وحده ملاکاً لتقدیم النسخة، بل ینبغی أن تلاحظ المزایا المذکورة.

11- یجب مراعاة التسلسل التاریخی، أو الأهمیة من الناحیة العلمیة فی أخذ المعلومات وتوثیقها.

12- فی حال تعدد المصادر وتنوعها، یقتصر علی أهمّها.

13- الأصل فی الاقتباس من المصادر هو النقل بالمضمون مع مراعاة الدقة والأمانة، وعدم النقل بالنص إلاّ فی حالات معینة مثل: الاستشهاد بنصّه، أو شرحه، أو التعلیق علیه، أو نحو ذلک مما یستوجب نقله؛ لأنّ نقل المتون بالنص یؤدّی إلی الإطالة المنافیة لطریقة کتابة الموسوعات والأغراض المتوخّاة منها.

خامساً: المسائل الشکلیة والفنیة

للمسائل الشکلیة والفنیة أهمیة کبیرة فی الکتابة، خصوصاً فی الموسوعات ودوائر المعارف؛ لما لها من دور فی ضبط النص وترتیبه، من هنا لا بدّ من مراعاة ما یلی:

1- الالتزام بنظام دائرة المعارف والطریقة المقررة؛ لأن عدم مراعاة ذلک یؤدی إلی إرباک فی العمل وخلل فی الطریقة؛ مما یستوجب بذل جهود مضاعفة تکون علی حساب الوقت والدقّة.

2- الالتزام بالقواعد المنهجیة المعروفة فی البحوث من مراعاة التنصیص فی الاقتباس، وغیرها من الأُمور.

3- رفعاً للإبهام لا بدّ من مراعاة الحرکات الإعرابیة فی بعض الجُمل والکلمات التی لا

ص: 45

یتّضح معناها إلاّ من خلال تحریکها.

4 - تُستخدم المختصرات المتعارفة، مثل: (م = المیلادی، ه- = الهجری)، کما تسخدم الطریقة المتبعة (الکلیشة) بدل بعض العبارات، مثل: ((صلّی الله علیه و آله وسلّم ) و (علیه السّلام) و(علیهم السّلام) و(قدسّ سرّه) و(رحمه الله) و(عجل الله تعالی فرجه الشریف))، وغیر ذلک من المختصرات المُتّبعة فی الکتابة.

الطریقة العامة فی تقویم النص

تعدّ هذه المرحلة من المراحل المهمّة فی التألیف والتحقیق وإحیاء التراث، وهی تتضمّن تقطیع النصّ وتوزیعه وضبطه وتنقیحه، ورفع الأخطاء الإملائیة والإعرابیة عنه، اعتماداً علی قواعد الکتابة العربیة الحدیثة، والخط المرسوم الحالی والمتداول، وینبغی تمییز الأحادیث والآیات الواردة بعلائم مخصوصة.

ونظراً لما لضبط النص بالشکل من أهمیة کبیرة فی الموارد الخاصة؛ فینبغی الإتیان بالنص مضبوطاً بالشکل فی الموارد المشار إلیها.

قال الشهید الثانی فی آداب الکتابة والکتب وما یتعلّق بها: «إذا صحح الکتاب بالمقابلة، فینبغی أن یضبط مواضع الحاجة، فیعجم المعجم، ویُشکّل المشکّل، ویضبط المشتبه...»(1).

ومن أهمّ أعمال هذه المرحلة: وضع علامات الترقیم فی محلّها لتقسیم أجزاء الجملة، وفصلها وتمییزها عن بعضها، ولتعیین مواضع الوقف فیها.

وتسمّی هذه العلامات ب- (علامات الترقیم، وضوابط القراءة، وعلامات الإملاء، وعلامات الوقف).

علامات الترقیم

أهم علامات الترقیم عشرة، وهی إجمالاً ما یلی:

1 - الفارزة، وتسمّی أیضاً الفاصلة، الشولة، ورسمها (، ): وهی علامة وقف قصیر

ص: 46


1- منیة المرید: ص353.

یسکت عندها القارئ قلیلاً، وتوضع فی المواد التالیة:

أ - بین الجمل التّامة المتعاطفة، مثل: الموت آت، وکل آت قریب.

ب - بین الجمل المتصلة المعنی، مثل: لا تخافوا، لقد وصلتم برّ الأمان.

ج - بین المفردات المعطوفة إذا أفادت تقسیماً أو تنویعاً، مثل: نعمتان مجهولتان: الصّحة، والأمان.

د - بین المنادی وما یلیه من القول، مثل: أیها الطالب، اجتهد فی دروسک.

ه- - بین الشرط وجوابه، مثل: إذا درست بجدّ، نجحت بتفوّق.

و- تأتی بین القسم وجوابه، وبین کلّ جملة وشبه جملة، وبعد حروف الجواب، وبعد «أمّا

بعد» أو «وبعد»، وغیر ذلک من الموارد المتعددة.

2- الفارزة المنقوطة (؛)، وتسمّی الشولة المنقوطة: وهی التی یسکت عندها القارئ سکوتاً متوسّطاً، ویکون أطول من سکوت الفارزة غیر المنقوطة.

وتوضع فی الموارد التالیة:

أ- بین کلّ عبارتین أو أکثر، بینهما ارتباط فی المعنی. مثل: الذبابة حشرة ضارّة؛ تنقل إلینا الکثیر من الأمراض.

ب - بین کل جملتین تکون الثانیة منهما سبباً فی الأُولی. مثل: لقد مدح المدیر علیّاً؛ لأنّه نجح بتفوّق.

ج - بین کل جملتین تکون الأُولی سبباً فی الثانیة، مثل: أدّب المعلم طلّابه؛ فکانوا عوناً لأستاذهم.

3- النقطة (.)، وهی تدلّ علی وقف تامّ، وتوضع فیما یأتی:

أ - فی نهایة الجملة التامّة المعنی المستقلة عمّا بعدها. وهی واضحة.

ب - بین أقوال لا تتصل ولا ترتبط ببعضها فی المعنی. وهی واضحة أیضاً. وغیر ذلک من الموارد.

ص: 47

4 - علامة الاستفهام (؟)، وتوضع فیما یلی:

أ - نهایة الجملة الاستفهامیة:

- هل کتبت درسک؟

- فقهاً تدرس أم أُصولاً؟

- کم لبثت فی زیارتک؟

ب - توضع عقب کلّ ما یُشکّ فی صوابه، وتوضع بین قوسین مستدیرین، مثل: توفّی الخطیب الوائلی (؟) فی مدینة بغداد (؟).

5 - علامة التعجّب (!)، وتوضع:

أ - بعد صیغتی التعجّب، مثل:

- ما أجمل الوفاء!

- أخبث بالحیاة من الهوان!

ب - بعد النداء إذا کان للتعجّب أو الاستغاثة، مثل: یا للماء!، یا ماء!، یا للأطباء المرضی!

ج - بعد صیغة (فَعُلَ) لإنشاء المدح والذم، ولإفادة التعجّب، مثل: حسن أُولئک رفیقاً!، قَبُحَ مفتری الکذب!

د - توضع بعد نهایة کل جملة تدلّ علی الإغراء، مثل: الصدق الصدق!. أو التحذیر، مثل: إیاک والسرقة!. أو الدعاء، مثل: ویلٌ للظالم من المظلوم!. أو الفرح، مثل: وا فرحتاه!. أو الحزن، مثل: واعبّاساه!. وغیرها.

ه- - وتوضع بعد صیغة التعجّب السّماعیة، مثل: لله درّه!، أیُّ بطل علی!، جعلتُ فداک!.

6 - النقطتان الرأسیتان (: )، وهی علامة شرح وتوضیح وتفصیل، وتوضع:

أ - بعد القول ومشتقاته، مثل قال: أجاب:، روی:، قیل:، سأل:.

ص: 48

ب - قبل الکلام الذی یوضح معنی ما قبله، مثل: والمشکلة هی: کیف أبنی داری فی صیف هذه السنة؟.

ج - قبل التمثیل: الفاعل مرفوع، مثل: ضرب الولد الکرة.

د - قبل التعریف، مثل: البخل: هو الإمساک...

7- علامة الحذف (...)، وتسمّی نقط الحذف والإضمار، وهی نقط أُفقیة متتابعة توضع مکان المحذوف من الکلام، وتوضع فیما یأتی:

أ - للدلالة علی اقتصار الکلام، مثل: أمّا القتل... فعقابه عند الله شدید.

ب - للدلالة علی عدم ذکر المستقبح من الکلام، مثل: إنَّ فلاناً أهان فلاناً بالقول، حیث قال له: یا...

ج - توضع مکان الکلام الناقص فی نصّ لم یعثر علیه.

د - توضع فی أسئلة الامتحانات التی یطلب فیها ملء الفراغات.

8 - علامة التنصیص أو التضبیب (« »)، وتوضع فیما یلی:

أ - حصر الجمل والعبارات المنقولة بنصّها وبالحرف، مثل: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «النظافة من الإیمان».

ب - کل ما یراد لفت النظر إلیه، مثل: اقرأ للشهید الصدر «فلسفتنا»، و«اقتصادنا».

9- القوسان المستدیران ()، ویوضعان فی المواضع التی یراد فیها إبراز العبارات للالتفات إلیها، مثل: وقفت لک (ولست بأهل)، فلا تعذّبنی.

10- القوسان المربعان [ ]، ویوضعان فی:

أ - حصر کل ما سقط مما کتب، والسیاق یقتضیه، ولا تستقیم العبارات بدونه.

ب - حصر ما زاد علی النّص الأصلی.

ج - حصر الکلمة غیر الفصیحة.

11- القوسان المزهّران( )، ویوضعان لحصر الآیات القرآنیة.

ص: 49

12- علامة الشرطة ( - ) وتسمّی علامة البدل، وتوضع أوّل الجملة الاعتراضیة وآخرها، وتوضع أیضاً بین العدد والمعدود، وبین العددین المتسلسلین، وبین المبتدأ والخبر إذا وجد کلام طویل بینهما.

یضاف إلی جمیع ما تقدّم أنّ علی مقوّم النص أن یلاحظ الهوامش ویوحّد طریقة العمل فیها، وأن یضبط إملاء الکلمات طبقاً لأحدث قواعد الإملاء فی عصرنا الحاضر.

نسأل الله تبارک وتعالی أن یعیننا علی إنجاز هذا العمل الکبیر خدمةً لدینه القویم والتراث الحسینی العظیم، إنّه خیر ناصرٍ ومعین. وأن یحشرنا مع الحسین(علیه السّلام)، وأنصار الحسین الذین بذلوا مهجهم دون الحسین(علیه السّلام). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین.

ص: 50

ملحق رقم 1

نماذج من کل حرف لمداخل دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة

المد: آ

آداب الزیارة →زیارة الإمام الحسین(علیه السّلام)

آل أبی سفیان

آل أبی طالب

آل أُمیّة ، بنو أُمیّة

آل زیاد

آل عقیل

آل مُراد →مذحج

آل مروان

آل هاشم →بنو هاشم

آلات الحرب

آمنة بنت الحسین→سکینة بنت الحسین(علیه السّلام)

حرف الألف

إبراهیم بن الحسین(علیه السّلام)

ابن سعد → عمر بن سعد

أبو ثمامة الصائدی

أبو مخنف

إحصائیات النهضة الحسینیة

أصحاب الحسین(علیه السّلام)

أُمّ البنین

أنس بن الحارث

أنصارالحسین(علیه السّلام)→أصحاب الحسین(علیه السّلام)

أهداف النهضة الحسینیة

أهل الکوفة

حرف الباء

باب الحوائج→العباس بن علی(علیه السّلام)

باب الساعات

بجدل بن سلیم

بریر بن خضیر

بستان بن عامر

بشر بن حذلم

بطلة کربلاء→زینب بنت علی(علیه السّلام)

البکاء علی الحسین(علیه السّلام)

حرف التاء

تاسوعاء

تائیة دعبل الخزاعی

التباکی→البکاء علی الحسین(علیه السّلام)

التخمیس

تربة الإمام الحسین(علیه السّلام)

التطبیر

التعزیة

التل الزینبی(علیهاالسّلام)

التوابون.

حرف الثاء

ثار الله

الثعلبیة

ثواب زیارة سیّد الشهداء(علیه السّلام)→زیارة الإمام الحسین(علیه السّلام)

ثورة الإمام الحسین(علیه السّلام)

ثابت بن هبیرة

ص: 51

حرف الجیم

جابر بن الحارث السلمانی

جابر بن الحجّاج التیمی

جابر بن عبدالله انصاری

الجامع الأُموی

الجامعة

جعفر بن الحسین(علیه السّلام)

جعفر بن عقیل بن أبی طالب(علیه السّلام)

جواد الإمام الحسین(علیه السّلام)

جون مولی أبی ذر

حرف الحاء

حاتم بن نعمان الباهلی

الحاجز

حامل

لواء الحسین(علیه السّلام)→العباس بن علی(علیه السّلام)

الحائر الحسینی

حباب بن الحارث السلمانی

حبیب بن مظاهر الأسدی

الحرّ بن یزید الریاحی

الحرم الحسینی

حدیث القارورة

حمیدة بنت مسلم

حرف الخاء

خالد بن عبید الله بن زیاد

خامس

أصحاب الکساء→الإمام الحسین بن علی(علیه السّلام)

خربة الشام

خزیمة بن نصر

خطب الإمام الحسین(علیه السّلام)

خطبة الإمام السجاد(علیه السّلام) فی الکوفة

خلف بن مسلم بن عوسجه

خولی

الخیزران

حرف الدال

دار الإمارة

دعبل الخزاعی

دعاء عرفة

دفن شهداء کربلاء

دلهم بنت عمرو

دومة الحسناء

دیوان الحسین بن علی(علیهماالسّلام)

حرف الذال

ذات عرق

الذبح العظیم

ذکر الحسین عند شرب الماء

ذو حسم

حرف الراء

رأس الإمام الحسین(علیه السّلام)

رافع بن عبدالله

راهب قریش

الراهب المسیحی

رائیة أبی تمام الطائی

الرباب بنت امرؤ القیس بن عدی

ربیعة بن خوط بن رئاب

رجعة الإمام الحسین(علیه السّلام)

رسل الإمام الحسین(علیه السّلام)

الری

حرف الزای

زاهر بن عمرو الکندی

زائدة بن مهاجر

زبالة

زبدة الأسرار

زبیدة بنت الحسین(علیه السّلام)

زجر بن بدر

زحر بن قیس الجعفی

زرود

ص: 52

زهیر بن القین البجلی

زیارة الإمام الحسین(علیه السّلام)

زینب بنت علی(علیهاالسّلام)

حرف السین

سالم (مولی عامر بن مسلم)

سالم بن خثیمة الجعفی

السبا: السبی

السجاد(علیه السّلام)→ علی بن الحسین(علیه السّلام)

سرجون

سعد بن الحارث الأنصاری

سفیر

الإمام الحسین(علیه السّلام)→مسلم بن عقیل(علیه السّلام)

سکینة بنت الحسین(علیه السّلام)

السلب

السبّ

سلمان بن مضارب البجلی

سهل بن سعد

حرف الشین

الشام

شاه إسماعیل الصفوی→إسماعیل الصفوی

شاه زنان

شبث بن ربعی

شبیه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )→علی الأکبر(علیه السّلام)

الشبیه

الشجرة الملعونة

الشعر الحسینی

شعراء حسینیون

شعارات الحسین(علیه السّلام)

شمر بن ذی الجوشن

حرف الصاد

صبر الإمام الحسین(علیه السّلام)

صفر

صفوان بن حنظلة

صالح بن وهب

صقعب بن زهیر الأزدی

صلح الإمام الحسن(علیه السّلام)

حرف الضاد

ضباب بن عامر

ضبة بن محمد الأسدی

ضبیان بن عمارة

ضبیعة بن عمرو التیمی

الضحّاک بن عبدالله المشرفی

ضریح الإمام الحسین(علیه السّلام)

حرف الطاء

طارق بن المبارک

الطرماح

طریق الإمام الحسین(علیه السّلام)

طریق السبایا

الطف

الطفل الرضیع

الطفیل بن عامر

طلب الإصلاح→الإصلاح طوعة

حرف الظاء

ظبیان بن عثمان التمیمی

ظهیر بن حسان الأسدی

حرف العین

عابس بن أبی شبیب الشاکری

عاتکه بنت مسلم بن عقیل

عاشورا ء

عاصم بن عبد الله الأزدی

عامر بن جلیدة (خلیدة)

عامر بن حسّان بن شریح الطائی

عامر بن مسلم العبدی

العباس بن علی(علیه السّلام)

عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبی

عبد الله بن زهیر الأزدی

عبد الله بن الحسن(علیه السّلام)

عبد الله بن بقطر (یقطر)

ص: 53

عبد الله بن عقیل بن أبی طالب

عثمان بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)

عذیب الهجانات

عمر بن أبی تمام الصائدی

عین الوردة

حرف الغین

الغاضریة

غالب الباهلی

غربة سید الشهداء(علیه السّلام)

الغلام الترکی

حرف الفاء

فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)

فاطمة الکلابیة→أُمّ البنین(علیهاالسّلام)

الفرات

الفرزدق

فرس الإمام الحسین(علیه السّلام)→جواد الإمام الحسین(علیه السّلام)

فضة النوبیة

فطرس

حرف القاف

قادة جیش الکوفة

القادسیة

قاسط بن زهیر التغلبی

القاسم بن الحسن(علیه السّلام)

القاسم بن حبیب الأزدی

قافلة الحسین(علیه السّلام)

قبّة الدیلم

قبر الإمام الحسین(علیه السّلام)

قصر الإمارة

القطقطانیّة

حرف الکاف

کامل بن حمیر

کربلاء

کردوس بن زهیر التغلبی

کلّ یوم عاشوراء

الکوفة

الکناسة

کنانة بن عتیق التغلبی

حرف اللام

لا یوم کیومک یا أبا عبد الله

لامیه سید رضی

لبس السواد

لسان الحال

اللطم

اللعن والبراءة

لیلة عاشوراء

لیلی بنت أبی مرّة

حرف المیم

المأتم الحسینی

ماربین الألمانی

ماریه بنت سعد

المجالس الحسینیة

محرّم

محمد (الأصغر) بن علی بن أبی طالب

محمد بن الحنفیة

المخیّم

مراحل نهضة عاشوراء

مرقد أبی الفضل العباس(علیه السّلام)

مرقد الإمام الحسین(علیه السّلام)

مرقد الحر بن یزید الریاحی

مرقد السیدة زینب الکبری

المسالح

مسلم بن عقیل(علیه السّلام)

معاویة

مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام) للخوارزمی

منبر الإمام الحسین(علیه السّلام)

المواکب الحسینیة

ص: 54

حرف النون

نافع بن هلال

النخیلة

النساء فی ثورة عاشوراء

النعمان بن بشیر

نهر العلقمی

النواویس

نوح الجن

نینوی

حرف الهاء

هانی بن ثبیت الحضرمی

هانی بن عروة المرادی

هدم قبر الإمام الحسین(علیه السّلام)→مرقد الإمام الحسین(علیه السّلام)

هفهاف بن مهنّد الراسبی

هلال بن نافع

الهودج

هیثم بن الأسود الکندی

هیهات منّا الذلة

حرف الواو

وادی العقیق

الوارث

واضح الترکی

واقعة الحرّة

وداع الإمام الحسین(علیه السّلام)

ورقاء بن عازب

وصیة الإمام الحسین(علیه السّلام)

وهب بن عبد الله الکلبی

حرف الیاء

یا لثارات الحسین(علیه السّلام)

یحیی بن الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهماالسّلام)

یحیی بن هانی

یزید بن ثبیت القیسی

یزید بن الحصین الهمدانی

یزید بن معاویة

یزید بن مغفل

یسار بن صرد الخزاعی

یوم الأربعین

ص: 55

نماذج من مقالات دائرة المعارف الحسینیة

أنس بن الحارث

اسمه ونسبه: من المَلحُوظ شُحّة المعلومات وقلّتها فی المصادر عن أَصحابِ الإمام الحسین(علیه السّلام)، مَعَ أنَّ لبعضهم مکانةً عالیةً فی قَومهم ومُحیطهم الاجتماعی، فلم یَنل کثیرٌ منهم حقّه من الذّکر والتّرجمة فی کُتب السّیر والتّاریخ، ومن هؤلاء (أنس بن الحارث الکاهلی) رُغم أنّهُ من صحابة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والّذین رووا عنه.

وقد وَرد اسم هذا الصّحابی الجلیل باسمین هُما: (أنس) و(مالک)، وقد اختلف فی اسم الأب واللّقب مع کلٍّ من هذین الاسمین، والتّوضیح فیما یلی:

الأوّل: أنس، وَورد بِعدّة أسماء:

أ - أنس بن الحارث الکاهلی(1)، وهو الأکثر شهرةً وتداولاً.

ب - أنس بن الحرث الکاهلی أو الأسدی، ذکره السّماوی فی (إبصار العین)(2).

ج - أنس بن کاهل الأسدی، ورد بهذا الاسم فی زیارتی النّاحیة والرّجبیة(3).

د - أنس بن أبی سحیم، ذکره العلامة المجلسی(4)، وابن نما الحلّی(5).

الثانی: (مالک)، وقد جاءَ تحتَ هذا العُنوان عدّة ألقاب:

أ - مالک بن أنس الباهلی کما جاء فی (الفتوح)(6).

ب - مالک بن أنس المالکی، ذکره بهذا الاسم العلّامة المجلسی(7).

ج - مالک بن أنس الکاهلی، ذُکِر فی الأمالی ومناقب آل أبی طالب والبحار(8).

تحقیق الاسم من حیث التَّعدد والاتحاد: قد یظهر من بعض القرائن رجوعُ هذه الأسماء إلی اسمین، إذْ یُمکن إرجاع ما ذُکِر تحت اسم (أنس) إلی واحد؛ وذلک لعدّة قرائن هی:

1- یُعتَقدُ أنَّ (الحرثَ) هو (الحارث)، وقد وقع التّصحیف؛ لأنَّ بعض النُّسخ والمصنّفات القدیمة لا تکتب الألف بل ترمز إلیها رمزاً.

2 - لا تقاطع بین الکاهلی والأسدی؛ فإنَّ (الأسدی) نسبةً إلی القبیلة الأم، و(کاهل) إحدی بطونها، فَتارةً یُنسَب إلی القبیلة وأُخری

ص: 56


1- الاستیعاب 1: 112. رجال الطوسی: 21. خلاصة الأقوال: 75. التاریخ الکبیر: 116.
2- إبصار العین: 99.
3- إقبال الأعمال3: 78.
4- بحار الأنوار 44: 247.
5- مثیر الأحزان: 8.
6- الفتوح 5: 107.
7- بحار الأنوار45: 25.
8- الأمالی (الشیخ الصدوق): 225. مناقب آل أبی طالب: 251. بحار الأنوار 44: 320.

إلی أَحد بُطونها، وعلیه یکون الاسم الأوّل والثانی واحداً.

3 - أمّا (أنس بن کاهل)، فهو وإنْ کانَ ظاهرُ بعض الأعلام أنّه غیر (أنس بن الحرث)؛ إذ عَدّهما عُنوانیین مُستقلَّین، فذکرَ (أنس بن الحارث) ثمَّ ذکر بعد ذلک (أنس بن کاهل)(1)، إلّا أنَّ بَعضَهُم ذهب إلی أَنّهما واحد؛ فإنَّ الکاهلی أسدی وابن کاهل نسبةً إلی العشیرة(2).

4 - (أبو سحیم)، ویُحتَمل کونه کُنیةً لأحد أَجدادهِ، وقد جاء بها الرّواة.

هذا ما یرتبطُ بأنس. وأمّا (مالک بن أنس)، فیُمکن إرجاع جمَیعُ الألقاب التی لُقِّبَ بها إلی واحد أیضاً؛ وذلک لما یلی:

1- إنّ لقب (المالکی) الّذی ذَکره العلّامة المجلسی، قد احتمل بعضهم تَراجعهُ عنه وتصحیحه، فإنّه بعد ذکره بهذا الاسم واللّقب عقّبه بما ذکره ابن نما من أنّه: (أنس ابن حارث الکاهلی)(3).

2- أنَّ باهل وإنْ کانت تختلف عن کاهل؛ إذ هی مُضریة(4)، وکاهل أَسدیة قحطانیة، ولا یصحُّ الانتساب إلیهما معاً، إلّا أنّه یحتمل وقوع التَّصحیف بینهما، وأنَّ الأقرب هو کاهل.

وعلی هذا یُمکنُ إرجاعُ الجمیع إلی واحدٍ هو: (مالک بن أنس الکاهلی).

فالمُتحصّل مما تقدّم: أنَّ فی البین عُنوانیین هما (أنس بن الحارث الکاهلی) و(مالک ابن أنس الکاهلی)، والمشتَرک بینهما الانتساب إلی کاهل، فالاختلاف یَنحصرُ فی الاسمین. وهنا أیضاً یُمکن إرجاعهما إلی شَخصیةٍ واحدة، وإنْ استقرب البعض أنّهما متغایران، وأنّه قد حصل الخلط للرَجز الصّادر منهما، مع أنّه من المُحتَمل أنْ یکون ما نُسِبَ لأحدهما نُسِبَ إلی الآخر، إلّا أنَّ بعض القرائن تؤیّد اتحادهما، وأَنهما اسمان لشخصیةٍ واحدة، وتلک القرائن ما یلی:

1- اتفاق أغلب المصادر علی أنَّه - بمختلف الأسماء - من صحابة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

2- اتفاق أَغلب المصادر علی أنّه ممن استشهد فی کربلاء مع الإمام الحسین(علیه السّلام).

3- یُنقَل عن جمیع هذه الأسماء حدیث واحد(5) عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یُخبر به عن قَتل الحُسین(علیه السّلام) فی کربلاء، ووجوب نُصرَته، فینسب تارةً إلی أنس بن مالک، وأخری إلی مالک بن أنس.

4- تُنسَب لهما أرجوزةٌ واحدة لا تختلف إلّا فی بعض الکلمات یبعد صُدورها من أشخاصٍ متعددین مع کُلِّ هذا التّطابق.

فالّذی یتّضح من خلال هذه القرائن أنَّ المصادر وإنْ اختلفت فی اسم (أنس بن الحارث)، إلّا أنَّها عَنت شخصاً واحداً، حضرَ واقعة الطّف مع معسکر الإمام الحُسین(علیه السّلام) واستشهد معه فیمن استشهد.

عمره وموطنه: لم یرد فی المصادر تأریخُ ولادته أو شیءٌ عن عمره، ولکن ذکر بعض أنّه شارک فی بدرٍ وحنین(6)، فلا بد أن یکون حینئذ فی العقد الثانی أو مطلع العقد الثالث؛ إذ ذلک هو العمر المناسب للمشارکة فی الحروب علی أقل تقدیر. وعلیه؛ یکونُ فی یوم عاشوراء فی السبعین أو الثمانین من عُمره، وهو الذی یظهر من

ص: 57


1- معجم رجال الحدیث 4: 149.
2- أنصار الحسین(علیه السّلام): 74.
3- أنصار الحسین: 74. بحار الأنوار 45: 25.
4- اللباب فی تهذیب الأنساب 1: 116. معجم قبائل العرب 1: 49.
5- وهو حدیث الإخبار بمقتل الإمام الحسین(علیه السّلام) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).
6- مقتل الحسین(بحر العلوم): 410. ذخیرة الدارین: 375. تنقیح المقال11: 230.

البعض؛ إذ ذکر أنّه شَیخٌ کبیرُ السّن، وذو منزلةٍ اجتماعیةٍ عالیةٍ؛ لکونه صحابیاً(1).

أما مَسکَنهُ فقد عُدَّ من أهل الکوفة(2).

صحبته للنّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وَروایته عَنه:

ذهب المشهور إلی أنّهُ من صحابة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقد ذکرهُ فی الصحابة البغوی، وابن السّکن، وابن شاهین، والدّغولی، وابن برز، والبارودی، وابن مندة(3)، والشّیخ الطُّوسی(4).

ولم یخالف فی ذلک إلّا الذّهبی فی التّجرید، إذْ ذکر أنّه لا صحبةَ له، وحدیثهُ مُرسل، وأجابه ابن حجر بأنّه: کیف یکون حدیثهُ مُرسلاً وقَدْ قالَ سَمِعتُ؟!

وقد روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حدیثاً مشهوراً یُخبِر فیه عن مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام). قال: سمعتُ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: «إنَّ

ابنی هذا - یَعنی الحُسین - یُقتَلُ بأرضٍ یُقالُ لها کربلاء، فمن شَهِد ذلک منکُم فلیَنصُره»(5).

وهی روایةٌ متوافقةٌ مع کثیرٍ من الرّوایات المُتضَمّنةِ لإخبار رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بمقتل الحسین(علیه السّلام)، فقد ذَکرَ أحمد فی مُسنَدهِ، عن أنسٍ بن مالک: «أنَّ ملک المطر استأذن ربه أنْ یأتی النّبی صلی الله علیه [وآله] وسلم، فأذِن له، فقال لام سَلمة: املکی علینا الباب، لا یدخل علینا أحد. قال: وجاء الحسین لیدخل فمنعته، فوثب فدخل، فجعل یقعده علی ظهر النبی صلی الله علیه [وآله] وسلم، وعلی منکبه وعلی عاتقه، قال: فقال الملک للنبی صلی الله علیه [وآله] وسلم: أتحبهُ؟، قال: نعم، قال: أما إنْ أمّتک ستقتله، وإنْ شئتَ أریتک المکان الذی یُقتل فیه؛ فضربَ بیده؛ فجاء بطینةٍ حمراء، فأخذتها أمُ سَلَمة، فصرّتها فی خمارها. قال: قال ثابت: بلغتها أنها کربلاء»(6).

التحاقه بالإمام الحسین(علیه السّلام): روی البلاذری أنّه: حین نَزلَ الإمام الحسین(علیه السّلام) قصر بنی مقاتل، ودعا عبید الله بن الحر الجعفی لنصرته فلم یجبه، خرج الحسین(علیه السّلام) من عنده، وکان الکاهلی قد سمع حدیثهما، فأقبل علی الإمام(علیه السّلام) وقالَ له: «والله ما أخرجنی من الکوفة إلّا ما أخرج هذا [ابن الحر الجعفی] من کراهة قتالک والقتال معک، ولکن الله قَذفَ فی قلبی بنصرتک وشَجّعنی علی المسیر معک، فقال له الحسین(علیه السّلام): اخرج معنا راشداً»(7).

فیما ذکر بعضٌ أنّه جاء إلی الحسین عند نزوله کربلاء، والتقی معه لیلاً، فیمن أدرکته السّعادة(8).

فصحب الحسین(علیه السّلام) إلی کربلاء، وذُکِر أنَّ الإمام الحسین(علیه السّلام) بعث أنساً إلی عمر بن سعد لینصحه ویعظه، و یتمَّ الحجّة علیه، رغم علمه أنَّ القوم لا یرتدعون، فسار الکاهلی الی ابن سعد، و لم یسلّم علیه، فأنکر ابن سعد علیه ذلک، وأنّه لم یخرج من الإسلام ولم ینکر سنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فقال أنس: «کیف عرفت الله وأدّیت حق رسوله، وأنت عاقد العزم علی سفک دم أولاد النبی وأصحابهم، فأطرق عمر....[وقال]: إنّی لأعلم أنَّ قاتلهم فی نار جهنم ولکن لا مناص من أمر الأمیر... فرجع أنس إلی الحسین، وأبلغه ما سمعه من ابن سعد»(9)

شهادته ورثاؤه: روی أهل السّیر أنّ أنساً

ص: 58


1- أنصار الحسین(علیه السّلام): 75.
2- أسد الغابة 1: 123. الإصابة فی معرفة الصحابة 1: 271.
3- الإصابة فی معرفة الصحابة1: 271.
4- رجال الطّوسی: 99.
5- الإصابة فی معرفة الصحابة 1: 271. تاریخ مدینة دمشق 14: 224.
6- مسند أحمد 21: 172. صحیح بن حبّان 15: 142. مسند أبی یعلی 6: 129.
7- أنساب الأشراف 3: 384.
8- وسیلة الدارین: 102.
9- مقتل الحسین(النّسخة المتداولة): 65. فرسان الهیجاء1: 60.

استأذنَ الحُسین(علیه السّلام)، ولما أذن له خرج وهو یرتجز:

قد علمت کاهلنا وذودان

والخندقیون وقیسُ غیلان

بأنّ َ قومی آفة للأقران

یا قوم کونوا کأسودِ خفّان

واستقبلوا القوم بضربٍ الآن

آلُ علی شیعة الرّحمان

وآل حرب شیعة الشّیطان (1)

وذکر بعضٌ عن أبی مخنف أنَّ أنساً بعد أنْ أذن له الحسین(علیه السّلام) بالخروج شدَّ وسطه بالعمامة، ورفع حاجبیه بالعصّابة، فلمّا نظر إلیه الحسین(علیه السّلام) بهذه الهیئة، بکی وقال:

«شکر الله لک یا شیخ»(2).

وقاتل قتالاً شدیداً بالرّغم من کبر سنّه، إلی أنْ قُتِل.

وقَدْ رَثاهُ الکُمیت بن زیدٍ الأسدی إذْ قالَ فیه وفی حبیب:

سوی عصبةٍ فیهم «حبیبٌ» مُعَفَّرٌ

قضی نَحْبَه و«الکاهلیُّ » مُرَمَّلُ(3).

فهنیئاً له إذ کان من بین تلک الکوکبة الخالدة فی سماء الشّهادة، والذین مدحهم غیر واحدٍ من الأئمة(علیهم السّلام) ، وأعلنها المولی أبو عبدالله(علیه السّلام) أنْ لا مثیل لتلک الثلّة المجاهدة التی ضحّت بالغالی والنّفیس فی کربلاء، وورد اسمه فی الزّیارة الناحیة، وسلام الإمام صاحب العصر علیه شاهدٌ علی فضله ومکانته.

وهنیئاً له، إذْ بدأ حیاته بصحبة النّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وختمها بالشّهادة مع سبطه؛ دفاعاً عن شریعة الله وابن رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وَلمْ تُقعده الشّیخوخة عن المُشارکة، وبذا جمعَ کلَّ الشّرف والمکانة فی الدُّنیا، والآخرة(4).

المصادر: إبصار العین فی أنصار الحسین(علیه السّلام)، محمد طاهر السماوی، تحقیق: محمد جعفر الطبسی، مرکز الدراسات الإسلامیة، إیران، ط1، 1419ه-. الاستیعاب فی معرفة الأصحاب، یوسف بن عبد الله (ابن عبد البر)، تحقیق: علی البجاوی، دار الجیل، بیروت، ط1، 1412ه-. أسد الغابة فی معرفة الصحابة، علی بن محمد (ابن الأثیر)، اسماعیلیان، طهران. الإصابة فی تمیز الصحابة، أحمد بن علی بن حجر(العسقلانی)، تحقیق: عادل أحمد عبد الموجود، علی محمد معوض، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1415ه-. إقبال الأعمال، علی بن موسی(ابن طاووس)، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، مکتب الإعلام الإسلامی، إیران، ط1، 1414ه-. الأمالی، محمد بن علی (الشیخ الصدوق)، تحقیق ونشر: مؤسسة البعثة للدراسات، طهران، ط1، 1417ه-. أنساب الأشراف، أحمد بن یحیی بن جابر (البلاذری)، تحقیق: د. محمد حمید الله، دار المعارف، مصر، 1959م. أنصار الحسین(علیه السّلام)، محمد مهدی شمس الدین، الدار الإسلامیة، ط2، 1401ه-. بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسی، مؤسسة الوفاء، بیروت، ط2، 1403ه-.

ص: 59


1- الأمالی(الشیخ الصدوق): 381. مثیر الأحزان: 47.
2- مقتل الحسین(المقرّم): 313. مقتل الحسین(بحر العلوم): 410. ذخیرة الدّارین: 375. العیون العبری: 145. تنقیح المقال11: 230.
3- إبصار العین: 100.
4- الأمالی (الشیخ الصدوق): 381. مثیر الأحزان: 47.

التّاریخ الکبیر، محمد بن إسماعیل البخاری، المکتبة الإسلامیة، ترکیا. تاریخ مدینة دمشق، علی بن الحسن ابن هبة الله (ابن عساکر)، تحقیق: علی شیری، دار الفکر، بیروت، 1415ه-. تنقیح المقال فی علم الرجال، عبد الله المامقانی، تحقیق: محی الدین المامقانی، مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، قم، ط1، 1424ه-. خلاصة الأقوال فی معرفة الرّجال، الحسن بن یوسف(العلّامة الحلّی)، تحقیق: جواد قیّومی، مؤسسة نشر الفقاهة، قم، ط1، 1417ه-. ذخیرة الدّارین فیما یتعلّق بمصائب الحسین وأصحابه، عبد المجید بن محمد رضا الشیرازی، تحقیق: باقر دریاب النجفی، مرکز الدراسات الإسلامیة لممثلیة ولایة الفقیه، قم، ط1، 1421ه-. رجال الطوسی، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، مؤسسة النّشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم، 1415ه-. صحیح بن حبّان بترتیب ابن بلبان، محمد بن حبان التمیمی البستی، تحقیق: شعیب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1414ه-. العیون العبری فی مقتل سید الشهداء، ابراهیم المیانحی، المکتبة الرضویة، ط1. الفتوح، محمد أحمد بن أعثم، تحقیق: علی شیری، دار الأضواء، ط1، 1411ه-. اللباب فی تهذیب الأنساب، علی بن محمد (ابن الأثیر)، دار صادر، بیروت. مثیر الأحزان، محمد بن جعفر بن أبی البقاء(ابن نما)، المطبعة الحیدریة، النجف، 1369 ه-. مسند أبی یعلی الموصلی، أحمد بن علی الموصلی التّمیمی، تحقیق: حسین سلیم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1404 ه-. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، تحقیق: شعیب الأرنؤوط، عادل المرشد، وآخرون، مؤسسة الرّسالة، ط1، 1421ه-. معجم رجال الحدیث، أبو القاسم الخوئی، ط5، 1413ه-. معجم قبائل العرب القدیمة والحدیثة، عمر رضا کحالة، دار العلم للملایین، بیروت، ط8، 1388ه-. مقتل الحسین (واقعة الطف)، تعلیق: الحسین بن تقی بحر العلوم، دار الزهراء، بیروت، ط2، 1427ه-. مقتل الحسین ومصرع أهل بیته وأصحابه فی کربلاء (النسخة المتداولة)، لوط بن یحیی(أبو مخنف)، المکتبة الحیدریة، ط4، 1428ه-. مقتل الحسین(علیه السّلام)، عبد الرزاق المقرّم، مکتبة بصیرتی، قم، ط5، 1394ه-. مناقب آل أبی طالب، محمد بن علی بن شهر آشوب، تحقیق: لجنة من أساتذة النجف، المطبعة الحیدریة، النجف، 1367ه-. وسیلة الدارین فی أنصار الحسین، إبراهیم الموسوی الزنجانی.

محمد باقر الهاشمی

الثّعلبیة

هی قریة(1)، أو مدینةٌ(2) صغیرة فی الجزیرة العربیة، قریبة من الحدود العراقیة(3)، وتسمّی أحیاناً بالثعلبة، وأًخری بالثعیلبی(4)، وتعرف الیوم بالبدع(5)، وهی من الأماکن التی ینزل بها الحجاج قدیماً للاستراحة(6).

الموقع الجغرافی للثعلبیة: تقع الثعلبیة فی الإقلیم الرّابع(7) من الأقالیم السّبعة من جهة

ص: 60


1- عبّر عنها بالقریة یاقوت الحموی فی معجم البلدان 2: 78.
2- نزهة المشتاق 1: 381.
3- الأعلاق النفیسة: 204 - 207.
4- صحیح الأخبار3: 182.
5- درب زبیدة: 177.
6- معجم ما استعجم1: 341. الأعلاق النفیسة204- 207.
7- وهو العراق وبابل. وهو أحد الأقالیم السّبعة التی ذکرها العلماء تقسیماً قدیماً لأجزاء الأرض، وهذه الأقالیم کما یلی: - الإقلیم الأوّل: وهو إقلیم بلاد الهند. - الإقلیم الثانی: هو إقلیم الحجاز. - الإقلیم الثالث: إقلیم مصر. - الإقلیم الرّابع: وهو بابل، وفیه جزیرة العرب، والعراق. وبغداد وسط هذا الإقلیم. - الإقلیم الخامس: وهو بلاد الرّوم والشّام. - الإقلیم السّادس: بلاد التّرک. - الإقلیم السّابع: بلاد الصین. - وهناک آراء أخری فی تقسیم هذه الأقالیم مذکورة فی محلها.

الحجاز(1)،

وقیل: هی من توابع الإقلیم الثالث(2)، کما أنَّ الثعلبیة تقع فی ثلث الطریق من الکوفة إلی مکّة(3)، فهی تبعد عن الکوفة 430 کم، وعن مکّة 970 کم(4). وذکر بعضهم بأنّها فی ثلثی الطّریق من الکوفة إلی مکّة(5).

إلّا أنَّ هناک من احتمل أنْ یکون ذلک من خطأ النسّاخ أو خطأ قائلها(6)، فکأنه أراد أنْ یقول: ثلثی الطّریق من مکّة إلی الکوفة، فقال العکس.

وتأتی الثعلبیة بعد خزیمة من جهة مکّة إلی الکوفة بثلاثة وثلاثین میلاً(7)، وبعد زرود بواحد وثلاثین ونصف المیل.

وتأتی بعد الثعلبیة بطان التی تبعد عنها بمسافة تسعة وعشرین میلاً، وتأتی بعدها الشقوق بثمانیة وخمسون میلاً(8).

وتقع الثعلبیة فی أرض فسیحة منخفضة، تصل إلیها میاه الأمطار من الودیان والمنحدرات، کثیرة البُرک(9).

توجد قرب الثعلبیة وبفاصلة میل واحد عین تسمّی: ضویجعة، مشرفة علی الثعلبیة، وینزل الماء منها إلی الثعلبیة، ویجتمع فی برکة (حمد السّبیل)، وسمّیت بعد ذلک ببرکة الحمد، وینزل الفائض منها فی منطقة رملیّة متصلة بخزیمة(10).

وتوجد فی الثعلبیة آبار عذبة(11) متعددة، کبئر النسبان، والمنصور، وعقبة، والمخالصیة، والمطهریة، وآس، وأبی المحسّر، وبئر محمد بن الرّبیع، وآبار أُخری کثیرة ومتفرقة(12).

والظّاهر أنّه لا کلام بین المؤرخین فی أنَّ الثعلبیة کانت عامرةً بأهلها وأرضها إلی أواسط القرن الثّانی الهجری، فقد نُقل أنَّ الشّاعر الحسین بن مطیر الأسدی المتوفّی سنة 169 ه- کانت له فی الثّعلبیة دارٌ یسکنها، وذلک یعنی أنّها کانت عامرةً إلی ذلک الزّمان(13).

وإنّما الکلام فی ما بعد هذا التّاریخ؛ حیث اختلفت کلمات المؤرخین فی خرابها وعمرانها، فقال جعفر الحداد الکوفی المتوفّی سنة 295ه-: «جئت الثعلبیة وهی خرابٌ»(14).

بینما صرّح المقدسی - من مؤرخی القرن السابع الهجری - بأنَّ الثعلبیة کانت عامرة(15).

وقد یؤیّده کلام منقولٌ عن بعض المؤرخین کابن جبیر، وابن بطوطة فی نفس هذا القرن، حیث قال ابن جبیر: «اجتمع

فی الثعلبیة جمع کثیر فاتخذوها سوقاً»(16).

ص: 61


1- أحسن التقاسیم: 205. تقویم البلدان: 97.
2- نزهة المشتاق 1: 379 - 381، إلّا أنَّ المعروف أنّه لیس فی هذه المنطقة.
3- الأعلاق النفیسة: 175.
4- وهذه المسافة مستفادة من طرق استکشاف المسافة الحدیثة.
5- معجم البلدان للحموی 2: 78.
6- أطلس الحسین(علیه السّلام): 213. نقلاً عن المعجم الجغرافی لحمد الجاسر.
7- وقیل: 23 میلاً، کما فی کتاب المناسک: 297. وقیل اثنین وثلاثین، کما فی کتاب الأعلاق النفیسة.
8- أحسن التّقاسیم: 205 - 207. معجم البلدان3: 97 - 101. کتاب المناسک: 295. واُنظر أیضاً: رحلة ابن جبیر: ص16. کتاب المناسک: 298- 299.
9- أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم: ص207.
10- أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم: 205. تقویم البلدان: 97 - 101. کتاب المناسک: 295.
11- أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم: 107.
12- صحیح الأخبار3: 182.
13- سیر أعلام النّبلاء 7: 181- 182. الأعلام (للزرکلی)2: 260.
14- تاریخ مدینة دمشق66: 117.
15- أحسن التقاسیم: 107.
16- رحلة ابن جبیر: 614.

وقال ابن بطوطة: «ثم رحلنا ونزلنا الثعلبیة، ولها حصن خربٌ بإزائه، ویجتمع من العرب فی الموضع جمعٌ عظیم، فیبیعون الجمال، والغنم والسمن واللبن»(1).

إلّا أنَّ کلام هذین المؤرخین إنّما یمکن اعتباره مؤیداً لما أفاده المقدسی، إذا اعتبرنا اجتماع الناس وإقامة السوق قرینةً دالّة علی عمرانها، أمّا إذا نفینا قرینیّة ذلک، وقلنا بأنَّ اجتماع النّاس، واتخاذ الثعلبیة سوقاً لیس بالضرورة أنْ یکون ملازماً للإقامة والسّکن فیها؛ إذ قد یکون تواجدهم فیها بمقدار البیع والشّراء لما تمتاز به هذه المنطقة من وفرة الماء والعلف فلا یمکن اعتبار کلام هذین المؤرخین مؤیداً لدعوی المقدسی، إلّا إذا فسّرنا العمران بمجرد توفّر الماء والعلف المناسب لاستراحة الوافدین علیها، فحینئذٍ یکون لعمرانها معنی آخر غیر عمرانها بالسکّان والدیار.

وفی مقابل المقدسی، صرّح عبد المؤمن القطیعی الحنبلی - من علماء القرن الثامن الهجری - بأنَّ الثعلبیة خربت بعد أنْ کانت عامرة(2).

بینما أفاد بعض المؤرّخین المعاصرین بانَّ الثعلبیة ما زالت علی حالها من العمران وتسکنها عشیرة شمّر(3)، وهو یتناقض مع ما نقله بعض السیّاح والمسافرین ممّا شاهدوه من خراب فی الثعلبیة موثّقاً بالصور الفوتوغرافیة الکاشفة عن عدم بقاء شیء من العمران فیها، إلّا بئرٌ معطّلة، وسدٌ متداعٍ، وحصنٌ منهار لم یبقَ منه إلّا أساسهُ وحلقه المتّصل بسطح الأرض.

تاریخ نشوء الثعلبیة ومنشأ تسمیتها: ذکر أکثر المؤرّخین أنَّ الثعلبیة لم تکن جدیدة العهد، بل کانت موجودة منذ زمن الجاهلیة(4)، فی حین ذکر البعض أنَّ عبد الملک بن مروان هو الذی أنشأها فی النّصف الثّانی من القرن الأوّل الهجری(5).

إلّا أنَّ هذه النّظریة لا تنسجم مع ما أکدّهُ المختصّون بأوضاع المدن والبلدان من أنَّ نشوءها کان منذ عهد بعید(6).

هذاما یتعلّق بتاریخ نشوئها، أمّا منشأ تسمیتها فقد اختلفوا فیه علی عدّة أقوال:

منها: أنَّ الثعلبیة نسبة إلی ثعلبة بن عمر من الأزد، هاجر معهم ثمّ انفصل عنهم وجاء إلی هذا المکان الذی لم یکن مسکوناً قبله، فحفر بئراً وأحیاها، فعاش بعده نسله وأحفاده، فصارت بذلک مدینة عامرة(7).

ومنها: أنّها نسبة إلی ثعلبة بن مالک بن داودان بن أسد، وهو أوّل من احتفرها(8)، ولذلک نسبت أیضاً لبنی ثعلبة.

ومنها: أنّها نسبة إلی نبیت بن عوص الملقّب ب- ثعلبة من أجداد معد بن عدنان، وإلیه تنسب الثعلبیة(9).

شخصیات الثعلبیة: لم ینسب إلی الثعلبیة من الشخصیات إلّا القلیل، کعبد الأعلی بن عامر الثعیلبی الذی له روایات نقلها عن محمد بن الحنفیة، وسعید بن جبیر وغیرهما، وروی عن عبد الأعلی شریک، وأبو عوانة وغیرهما(10).

ص: 62


1- رحلة ابن بطوطة: 170.
2- مراصد الاطلاع 1: 296.
3- صحیح الأخبار 3: 182.
4- المصدر نفسه 2: 183.
5- کتاب المناسک: 291- 295 .
6- أطلس الحسین(علیه السّلام): 212.
7- معجم البلدان 1 925 - 926.
8- معجم ما استعجم1: 341.
9- تاریخ الطبری: 2: 274.
10- الأنساب1: 505 - 506. الضعفاء والمتروکین: 209.

وذکره العقیلی فی کتاب الضّعفاء(1)، ورغم نسبته إلی الثعلبیة إلّا أنَّ هناک من اعتبره من علماء الکوفة(2).

و لعلَّ کلا النسبتین صحیحتان، إذ من الممکن أنْ یکون أقام فی کلّ من الکوفة والثعلبیة إقامة طویلة جعلته منتسباً إلی کلٍّ منهما علی حدٍّ سواء.

ومن الشخصیات المنسوبة إلی الثعلبیة الحسین بن مطیر شاعر بدیع الکلام، أدرک العهدین الأُموی والعباسی، وبقی حتّی زمان المهدی العباسی، الذی مدحه وأثنی علیه فی شعره، وتوفّی فی سنة 169 ه-(3).

حوادث الثعلبیة: مرّت الثعلبیة بحوادث متعدّدة قبل نزول الحسین(علیه السّلام) بها وبعد نزوله:

منها: أنَّ سعید بن عمر - من قادة حرب القادسیة - نزل بها سنة 54 للهجرة، وأقام فیها ثلاثة أشهر حیث التحق به جمع کثیر، وتحرّک بعدها إلی القادسیة التی فتحت بعد ذلک علی أیدی المسلمین(4).

ومنها: أنَّ أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام) نزل بها عندما کان فی طریقه إلی البصرة لحرب الجمل، وفی هذا المکان وصله خبر مقتل عثمان بن حنیف الذی قتله طلحة والزّبیر بصورة فجیعة(5).

ومنها: مهاجمة الضحاک بن قیس الفهری لها فی ثلاثة آلاف رجل بأمر من معاویة ابن أبی سفیان أثناء حربه مع أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام) فنهب الأموال فی طریقه إلی الثعلبیة وقتل من لقی من الأعراب ممَّن عُرف بولائه لأمیر المؤمنین(علیه السّلام)، حتّی مرَّ بالثعلبیة فأغار علی الحجاج ونهب أمتعتهم(6).

ومنها: نزول زید بن علی بن الحسین(علیه السّلام) بها قبل ذهابه إلی الکوفة وجاءه جماعة من کبار أهل الکوفة، وأخبروه بأنّهم مع أربعین ألف من أهلها یبایعونه وینصرونه بمجرّد دخوله فیها(7).

هذا بالنسبة للحوادث التی مرّت بها الثعلبیة، وأمّا التی سوف تمرّ بها فقد روی أنَّ الحجّة بن الحسن المهدی(علیه السّلام) سوف یمرّ بالثعلبیة بعد ظهوره - فی طریقه من مکّة إلی الکوفة - فیقوم إلیه رجلٌ هناک من نسل أبیه وهو من أشدّ الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه، معترضاً علیه قائلاً: «یا هذا، ما تصنع؟ فوالله، لتجفل النّاس اجفال النعم، أفبعهدٍ من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أم بماذا؟ فیقول المولی الذی ولّی البیعة: والله، لتسکتنّ أو لأضربنّ الذی فیه عیناک، فیقول [له] القائم(علیه السّلام): اسکت یافلان، أی والله، إنَّ معیَّ عهداً من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) هات لی [یا فلان] العیبة أو الزنفلیجة(8)

فیأتیه بها، فیقرؤه العهد من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیقول: جعلنی الله فداک، جدّد لنا بیعة، فیجدّد لهم بیعة»(9).

نزول الإمام الحسین (علیه السّلام) بالثعلبیة: نزل الإمام الحسین(علیه السّلام) بالثعلبیة مع أهل بیته وأصحابه ظهراً(10)، أو مساءا(11)، وقد نقل المؤرِّخون فی نزول الحسین(علیه السّلام) بالثعلبیة روایات ومواقف متعدّدة:

منها: أنَّ الإمام(علیه السّلام) بعد نزوله فیها ترک

ص: 63


1- الضعفاء والمتروکین: 209.
2- معجم البلدان2: 79. الأنساب1: 505 - 506.
3- الأغانی16: 284. سیر أعلام النبلاء 7: 81 - 82. الأعلام (للزرکلی)2: 260.
4- فتوح البلدان: 255.
5- الکامل فی التاریخ 2: 225.
6- تاریخ الطبری5: 135.
7- المصدر السابق7: 167 - 168
8- الزنفلیجة: بکسر الزاء والفاء وفتح اللّام، وعاءٌ تکون أداة الراعی ومتاعه.
9- بحار الأنوار 52: 343.
10- الفتوح 5: 70.
11- تاریخ الطبری 5: 397

أصحابه ووضع رأسه لینام، فأغفی ثمّ انتبه باکیاً، فقال ابنه علی الأکبر: ما یبکیک یا أبه! لا أبکی الله عینیک؟أسه

فقال له: هذه ساعة لا تکذب فیها الرؤیا، فأُعلمک أنّی خفقت برأسی خفقةً فرأیت فارساً علی فرسٍ وقف علیَّ، فقال: یاحسین إنّکم تسرعون والمنایا تسرع بکم إلی الجنّة. فعلمت أنَّ أنفسنا نعیت إلینا.

فقال علی الأکبر(علیه السّلام): أفلسنا علی الحق؟ قال: بلی والذی إلیه مرجع العباد، قال: إذن لا نبالی بالموت. فقال الحسین(علیه السّلام): جزاک الله عنی یا بنی خیر ما جزی ولداً عن والده (1).

والملاحظ:

أولاً: إنَّ هناک مَن روی أنَّ الرؤیا التی رآها أبو عبدالله(علیه السّلام) والکلام الذی جری بینه وبین علی الأکبر(علیه السّلام) کان فی مکانٍ آخر غیر الثعلبیة، وإنْ اختلفوا فی محلّه، فمنهم مَن روی أنّه فی قصر بنی مقاتل(2)، ومنهم مَن روی أنّه بعد خروج الحسین(علیه السّلام) من قصر بنی مقاتل(3)، ومنهم مَن روی أنّه بعد خروجه من بطن العقبة(4)، بعد أنْ أجبره الحرّ علی تغییر مسیره، ومنهم مَن روی أنّه کانت فی عذیب الهجانات(5).

ثانیاً: إنَّ بعض الرّوایات المذکورة فی هذا المجال نقلت هذه الواقعة مع تفاوتٍ یسیر، فلم تتعرّض مثلاً لبکائه بعد أن استیقظ من نومه.

ثالثاً: إنَّ بکاء الحسین(علیه السّلام) لا یتنافی مع عزمه علی الجهاد وشوقه إلی الشّهادة؛ إذ قد تکون للبکاء أسبابه الأُخری، کقلقه علی ما سیلقاه عیاله وأطفاله وأهل بیته من العناء، وهی خصلة عاطفیة ممدوحة فی الإسلام، فقد بکی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی ولده إبراهیم عندما رآه یجود بنفسه قبل موته(6).

ومنها: إنَّ الحسین(علیه السّلام) عندما نزل بالثعلبیة سأله رجلٌ قائلاً: أی ابن رسول الله، إنّی أراک فی قلّة النّاس، فأشار الحسین(علیه السّلام) بسوطٍ فی یده هکذا، فضرب حقیبةً وراءه، فقال: ها إنَّ هذه مملوءة کتباً(7).

ومنها: إنّه لمّا أصبح الحسین (علیه السّلام) فی الیوم الثانی جاءه رجلٌ من أهل الکوفة یُکنّی بأبی هِرّة الأزدی قد أتاه فسلّم علیه، ثم قال: یا بن رسول الله، ما الذی أخرجک عن حرم الله وحرم جدّک محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )؟ فقال الحسین(علیه السّلام): ویحک یا أبا هِرّة! إنَّ بنی أُمیّة أخذوا مالی فصبرت، وشتموا عرضی فصبرت، وطلبوا دمی فهربت، وأیمُ الله لتقتلنی الفئة الباغیة، ولیلبسنّهم الله ذلّاً شاملاً، وسیفاً قاطعاً، ولیسلطنّ علیهم من یذلهم حتّی یکونوا أذلَّ من قوم سبأ، إذْ ملکتهم امرأة منهم، فحکمت فی أموالهم ودمائهم(8).

ومنها: إنّه کان فی الثعلبیة رجلٌ نصرانی مع أُمّه جاء إلی الإمام(علیه السّلام) وأسلم علی یده والتحق برکبه(9)، وکان أحد شهداء کربلاء(10).

و احتمل بعضهم أن لا یکون هذا الرّجل وهب الکلبی؛ لأنَّ موطن وهب هو السّماوة، فمَن نقل قصته هناک کان أقرب إلی

ص: 64


1- اُنظر: اللهوف: ص60 - 62. مقتل الحسین للخوارزمی2: 228. الکامل فی التاریخ: 2: 549. بحار الأنوار 44: 367- 368.
2- الکامل فی التاریخ 4: 51. أعیان الشیعة8: 206 - 207. عوالم الإمام الحسین: 175.
3- الإرشاد: 2: 209. مقتل الحسین للمقرّم: 227.
4- إعلام الوری1: 450.
5- الأمالی (للصدوق): 131.
6- مستدرک الوسائل2: 462.
7- تاریخ مدینة دمشق 14: 214 - 215.
8- اللهوف: 60 - 62. الکامل فی التاریخ2: 549. مقتل الخوارزمی1: 228. الإرشاد: 2: 222.
9- الأمالی (الشیخ الطوسی): ص93.
10- بحار الأنوار 44: 320.

الصّواب(1).

ومنها: إنّه لمّا نزل الحسین(علیه السّلام) فی الثعلبیة وصله خبر شهادة مسلم بن عقیل(2).

إلّا أنَّ السیّد ابن طاووس یری أنَّ خبر شهادة مسلم بن عقیل وهانیء بن عروة وصل إلی الإمام(علیه السّلام) فی زُبالة(3). وهو خبر نادر لم یأخذ به الکثیر، وکذا ما رُوی من أنَّ خبر شهادته وصل فی زرود(4)، فإنَّ هذه الروایة قلَّ مَن رواها(5).

ثم إنَّ الحسین (علیه السّلام) أمر أصحابه فی صباح الیوم الثّانی من نزوله بالثعلبیة بالتزوّد بالماء الکثیر، وتحرّک بعدها إلی زُبالة(6).

المصادر: أحسن التقاسیم، محمد بن أحمد المقدسی، تحقیق: د. محمد مخزوم، دار احیاء التراث العربی، بیروت. الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، محمد بن محمد بن النعمان (الشیخ المفید)، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لتحقیق التراث، دار المفید، بیروت، ط2، 1414ه-. أطلس الحسین(علیه السّلام) أو جواب الأین فی منازل مسیر الحسین، عباس الربیعی، هیئة تراث الشهید الصدر، بغداد، ط1، 1432ه-. الأعلاق النفیسة، أبی علی بن عمر بن رسته، دار احیاء التراث، ط1، 1408ه-. إعلام الوری بأعلام الهدی، الفضل بن الحسن الطبرسی، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، قم، ط1، 1417ه-. الأعلام، خیر الدین بن محمود الزرکلی الدمشقی، دار العلم للملایین، ط15، 2002م. أعیان الشیعة، محسن الأمین، دار التعارف للمطبوعات، بیروت. الأغانی، علی بن الحسین (أبو الفرج الاصفهانی)، دار إحیاء التراث، بیروت. الأمالی، محمد بن الحسن (الشیخ الطوسی)، تحقیق ونشر: مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1414 ه-. الأمالی، محمد بن علی (الشیخ الصدوق)، تحقیق ونشر: مؤسسة البعثة للدراسات، طهران، ط1، 1417ه-. الأنساب، عبد الکریم بن محمد السمعانی، تعلیق: عبد الله عمر البارودی، مرکز الخدمات والأبحاث الثقافیة - دار الجنان، بیروت، ط1، 1408ه-. بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسی، مؤسسة الوفاء، بیروت، ط2، 1403ه-. تاریخ مدینة دمشق، علی بن الحسن (ابن عساکر)، تحقیق: عمرو بن غرامة العمروی، دار الفکر للطباعة، 1415 ه-. تاریخ الأمم والملوک (تاریخ الطبری)، محمد بن جریر الطبری، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار التراث، بیروت، ط2، 1387ه-. تحفة النظار فی غرائب الأمصار وعجائب الأسفار(رحلة ابن بطوطة)، محمد بن عبد الله (ابن بطوطة)، أکادیمیة المملکة المغربیة، الرباط، 1417ه-. توضیح المشتبه، محمد بن عبد الله القیسی، تحقیق: نعیم القرقسوی، مؤسسة الرسالة، بیروت، ط1. رحلة ابن جبیر، محمد بن أحمد الأندلسی، دار ومکتبة الهلال، بیروت. سیر أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان (الذهبی)، تحقیق: حسین الأسد، ط9، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1413ه-. درب زبیدة طریق الحج من الکوفة إلی مکّة المکرمة، د. سعد عبد العزیز الرّاشد، دار الوطن، الریاض، ط1، 1414ه-. صحیح الأخبار عمّا فی بلاد العرب من الآثار، محمد بن عبد الله بن بلهید، ط3، 1418ه-. الضعفاء والمتروکین، أحمد بن علی النسائی، تحقیق: محمود إبراهیم زاید، دار المعرفة، بیروت، ط1، 1406ه-. عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآیات والأخبار والأقوال (الامام الحسین(علیه السّلام))، عبد الله البحرانی الأصفهانی، تحقیق ونشر: مدرسة الإمام المهدی(علیه السّلام)، قم، ط1، 1407ه-. فتوح البلدان، أحمد بن یحیی بن جابر البَلَاذُری، دار ومکتبة الهلال، بیروت، 1988م. الفتوح، محمد أحمد بن أعثم، تحقیق: علی شیری، دار الأضواء،

ص: 65


1- أطلس الحسین(علیه السّلام): 216.
2- تاریخ الطبری5: 397 - 398. الکامل فی التاریخ4: 42. الفوائد الرّجالیة (للسیّد بحر العلوم)4: 30.
3- اللّهوف: 23.
4- تاریخ الطبری 3: 376.
5- وهناک شبهة یذکرها البعض، مفادها: إنّ الذی دفع الحسین إلی التوجّه إلی الکوفة رغم ظهور علائم خذلان الأُمّة له، هو إصرار آل عقیل علی خیار الحرب لیثأروا لدم مسلم بن عقیل، ولولا هذا الموقف لعدل الإمام(علیه السّلام) عن المسیر. للجواب عن هذا اُنظر مدخل: آل عقیل.
6- الإرشاد: 2: 75.

ط1، 1411ه-. الفصول المهمّة فی معرفة الأئمة، علی بن محمد المالکی، تحقیق: سامی الغریری، دار الحدیث، ط1، 1422ه-. الفوائد الرجالیة، محمد مهدی بحر العلوم، تحقیق: محمد صادق بحر العلوم، حسین بحر العلوم، مکتبة الصادق، طهران، 1363ش. الکامل فی التّاریخ، علی بن محمد (ابن الأثیر)، دار صادر، بیروت، 1385 ه-. کتاب المناسک وأماکن طرق الحج ومعالم الجزیرة، إبراهیم بن اسحاق الحربی، تحقیق: حمد الجاسر، دار الیمامة، الریاض، 1389ه-. اللهوف فی قتلی الطفوف، علی بن موسی بن جعفر(ابن طاوس)، أنوار الهدی، قم، ط1، 1417ه-. مراصد الاطلاع علی أسماء الأمکنة والبقاع، عبد المؤمن بن عبد الحق، دار الجیل، بیروت. مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل، میرزا حسین النوری الطبرسی، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، بیروت، لبنان، ط1، 1408ه-. معجم البلدان، یاقوت بن عبد الله الحموی، دار صادر، بیروت، ط2، 1995م. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، عبد الله بن عبد العزیز الأندلسی، عالم الکتب، بیروت. مقتل الحسین(علیه السّلام)، الموفّق بن أحمد (الخوارزمی)، تحقیق: الشیخ محمد السّماوی، انتشارات أنوار الهدی، قم، ط5، 1413ه-. نزهة المشتاق، محمد بن محمد(الشریف الادریسی)، عالم الکتب، بیروت.

جعفر السعدی

حمید بن مسلم

هو حمید بن مسلم الأزدی أو الأسْدی ویلقّب بالکوفی أحیاناً(1)، وهو إما (حَمید) بفتح الحاء مکبّراً، کما هو المعروف فی العصور المتأخِّرة، أو (حُمید) بضمّها مصغّراً، کما صرّح به بعضهم(2)، بینما صرّح البعض الآخر بأنّ کلا اللفظین صحیح(3).

ولم یعرف عن حمید بن مسلم شیءٌ قبل واقعة الطف، وإنّما عُرف فیها حیث شهد المعرکة، وکان أحد رواتها.

ورغم انتمائه إلی معسکر ابن زیاد، إلّا أنّه لم یُنقَل عنه مشارکةً فی قتال، ولا شجٍّ ولا شجار، بل حکی هو عن نفسه مواقف إنسانیة، منها: وقوفه فی وجه الشمر حین هجم علی خیام أبی عبدالله(علیه السّلام) یرید إحراقها، فقال له حمید:

«سبحان الله! هذا لا یصلح لک، أتریدُ أنْ تجمع علی نفسک خصلتین؟! والله، إنَّ فی قتلک الرّجال لما ترضی أمیرک، فقال له الشّمر: مَن أنت؟ فلم یخبره عن اسمه خشیة السّلطان»(4).

ومنها: اعتراضه علی رجال الشّمر حین دخلوا علی الإمام زین العابدین(علیه السّلام) - وهو مسجّی علی فراش المرض - وهمّوا بقتله حیث قالوا: «ألا نقتل هذا؟»، فقال لهم حمید: «سبحان الله! أنقتل الصبیان؟! إنّما هذا صبیّ»، فما زال یمنعهم حتی انصرف الشّمر عن قتله(5).

ومنها: استنکاره علی عمرو بن سعد بن نفیل الأزدی حین أراد قتل القاسم بن الحسن(علیه السّلام) قائلاً: «والله،

لأشدّنَّ علیه»، فقال له حمید: «سبحان الله! وما ترید إلی ذلک؟!، أما یکفیک هؤلاء الذین تراهم احتوشوه؟!»، فقال: «والله،

لأشدّنَّ علیه فما ولّی حتی ضرب رأسه بالسیف، فوقع القاسم(علیه السّلام) لوجهه...»(6).

لکنّه مع ذلک کلّه کان صدیقاً لعمر بن سعد یتردّد إلیه، ویخلو به فی جلساته، وقد سأله حمید بعد حادثة الطف عن حاله. فقال:

ص: 66


1- مستدرکات علم الرجال 3: 389.
2- رسائل الشهید الثانی2: 1097. رجال ابن داوُد: 135. تکملة الرجال1: 374.
3- تنقیح المقال 24: 307
4- البدایة والنهایة: ج8، ص183. تاریخ الطبری 5: 438.
5- تاریخ الطبری5: 454.
6- تاریخ الطبری5: 447. الإرشاد2: 107 - 108.

«لا تسألنی عن حالی، فإنّه ما رجع غائبٌ إلی منزله بشرٍّ ممّا رجعت، قطعتُ القرابة القریبة، وارتکبت الأمر العظیم»(1).

کما أنَّ عمر بن سعد بعثه بعد المعرکة إلی أهله لیبشّرهم بما فتح الله علیه وبعافیته(2)، بل قِیل: إنّه أرسله أیضاً مع خولی بن یزید الأصبحی لحمل رأس الحسین(علیه السّلام) إلی عبید الله بن زیاد(3).

ثم إنَّهُ التحق بنهضة التوّابین بقیادة سلیمان بن صرد الخزاعی للانتقام من قتلة الحسین(علیه السّلام)(4)، إلّا أنّهُ ممّا یؤاخذُ علیه انزعاجهُ من اجتماع الناس حول المختار، إذ قال لسلیمان: «إنَّ المختار - والله - یثبّط الناس عنک، إنّی کنت عنده أوّل ثلاث، فسمعت نفراً من أصحابه یقولون: قد کمل ألفی رجل...»(5). إذْ حمل بعضهم هذا الکلام علی تحریک سلیمان بن صرد علی المختار، وإیقاع الاختلاف بینهما(6).

وکان صدیقاً حمیماً لإبراهیم بن مالک الأشتر إلی حدٍّ کان یتردّد معه إلی المختار ویشارکه جلساته فی کلّ عشیّةٍ حتّی تصوب النجوم(7).

وثاقة حمید بن مسلم: لعلّ التناقض فی شخصیة حمید بن مسلم ومواقفه المتقلّبة، وعدم التزامه بمبدأ یدافع عنه ویثبت علیه، هو الذی دعا بعضهم للتشکیک بروایته وعدم الأخذ بحکایته(8). مع أنّ ما نقله عن نفسه من مواقف نبیلة لم یستقل غیره بنقلها، وإنّما کان هو الواسطة الوحیدة فی نقلها، ومن المحتمل أن یکون قد اختلقها منقبةً لنفسه لیفلت من عقاب المختار وأمثاله.

فی حین عدّهُ بعضهم من رواة الشّیعة، ومن أصحاب الإمام السّجاد(9)، بینما احتمل آخرون وجود اشتراک اسمی بینه وبین الراوی الذی یظهر أنّه إمامی(10)، فلا یصحّ لذلک الاعتماد علی روایة حمید الناقل لروایة الطف؛ لأنّه - باعتقاد بعض - غیر حمید بن مسلم الإمامی الذی ورد اسمه فی رجال الحدیث، بل حتّی هذا الراوی الإمامی عدّه بعضهم من مجاهیل الرواة(11)، ممّا یعنی عدم صحة الاعتماد علی أخباره، سواء أکان الذی هو من رواة الطّف أم هو من أصحاب الإمام السجاد(علیه السّلام).

وفی المقابل هناک مَن ذهب إلی قبول روایاته وإمکان الاعتماد علی أخباره(12)، ویؤیّده بعض مواقفه التی أشرنا إلیها آنفاً، ونوع الأخبار المرویة عنه، التی لم یکن نقلها من مصلحة السّلطة الحاکمة؛ لما تستتبعه من إثارة للمشاعر، وتحریک للعواطف، وما تستلزمه من تداعیات خطیرة تهدّد مستقبل حکومة بنی أُمیّة وتزعزع کیانها، خصوصاً مع تضمّن روایاته خطباً مؤثرة وبلیغة للإمام الحسین(علیه السّلام) وأصحابه (رضوان الله علیهم)، مبتنیةً علی المنطق والصّواب، فإنَّ عدم تردّد حمید بن مسلم فی نقلها کاشف إلی حدٍّ ما عن وثاقته وعدم انحیازه للسلطة الحاکمة.

ومن الواضح أنَّ القیمة الحقیقیة للروایات التاریخیة تکمن فی درجة کاشفیتها بغضِّ النظر عن الانتماء السیاسی أو الاجتماعی للراوی.

ص: 67


1- الأخبار الطوال: 260.
2- البدایة والنهایة8: 190.
3- أنساب الأشراف3: 206.
4- تاریخ الطبری5: 554.
5- المصدر السابق: 584.
6- من قضایا النهضة الحسینیة، فوزی آل سیف2: 92.
7- تاریخ الطبری6: 18، تجارب الأمم2: 146.
8- المصدر السابق 2: 89 - 90.
9- رجال الشیخ الطوسی: 112.
10- تنقیح المقال 24: 354. المجالس الفاخرة فی مصائب العترة الطاهرة: 164، المجلس الخامس.
11- مستدرکات علم الرجال 3: 289.
12- الأخبار الطوال: 260.

ونحن حتی لو اعتقدنا بعدم وثاقة حمید بن مسلم، فإنَّ ذلک لا ینبغی أن یکون مدعاة للتشکیک بجمیع أخبار النهضة الحسینیة - کما ربما یراهُ بعضهم -؛ لأنَّ مجموع الأخبار المنقولة عنه فی تاریخ الطبری لم یتعدَّ العشرة فی المائة من مجموع الروایات المنقولة فی حادثة الطف(1)، بسبب الفترة الزمنیة القصیرة التی تواجد فیها، فهو لم یکن مع الحسین(علیه السّلام) حین تحرّک من المدینة إلی مکّة المکرمة، ومن مکّة إلی کربلاء، ولم یصل کربلاء إلّا حین دخلها مع الشمر فی الیوم التّاسع من المحرّم علی ما هو المعروف(2)، ولم یبقَ فیها إلّا ثلاثة أیّام تقریباً.

کما أنّه لم یکن متواجداً فی حرکة السبایا من کربلاء إلی الکوفة، ومنها إلی الشّام، ومن الشّام إلی الکوفة.

ولم یکن وضعه یسمح له بالاطّلاع علی ما کان یجری داخل مخیّم الحسین(علیه السّلام)؛ لأنّه کان فی المعسکر المقابل، فإنَّ مجموع هذه العوامل أدّت إلی قلّة الأخبار المنقولة عنه، بالقیاس إلی الأخبار الأُخری التی نقلها رواةٌ آخرون منتمون إلی معسکر الحسین(علیه السّلام)، تمکّنوا من الخروج أحیاء من المعرکة، حاملین معهم أخباراً کثیرة عن مآسی الطف وشجونه وأحزانه، کعقبة بن سمعان(3)، والضحّاک بن عبد الله المشرقی(4)، والمقرقع بن ثمامة الأسدی، وغیرهم ممَّن نقل هذه الأخبار، مضافاً إلی أنَّ مصدر الکثیر من أخبار النهضة هو الإمام السجاد(علیه السّلام) الذی کان أکثر الناس حضوراً، وأوسعهم إحاطة بأحداثها، فقد واکبها من حین انطلاقها من المدینة إلی حین رجوع السبایا إلی الشام، ومن ثمّ إلی المدینة(5). بل نقل الصدوق فی أمالیه مقتلاً بأسانید متّصلة بأئمّة أهل البیت(علیهم السّلام) (6).

هذا بالإضافة إلی النساء والأطفال الذین حضروا المعرکة، وبقیت خواطر الطف عالقة فی أذهانهم ینقلونها إلی الآخرین، فتنتقل من جیلٍ إلی جیل.

فکیف یمکن مع ذلک التشکیک فی أخبار النهضة، والتردّد فی صحة المنقول عنها.

روایات حمید بن مسلم: لحمید بن مسلم روایات متعدّدة أشرنا إلی بعضها عند التعرّض لموقفه من النهضة الحسینیة، کروایة اعتراضه علی محاولة الشمر حرق الخیام، وعلی محاولة رجال الشّمر قتل الإمام السجاد(علیه السّلام)، وکذا اعتراضه علی محاولة عمرو بن سعد الأزدی قتل القاسم بن الحسن(علیه السّلام)، بالإضافة إلی إرسال عمر بن سعد له إلی أهله لیبشّرهم بالنصر والعافیة، وغیر ذلک من روایات تقدّم ذکرها.

ویبقی هنا أنْ نشیر إلی سائر روایاته الأُخری حول النهضة، وهی کثیرة:

منها: روایته لما کتبه عبید الله بن زیاد إلی عمر بن سعد یأمره بمنع الماء عن الحسین(علیه السّلام) وأصحابه قبل حادثة الطف بثلاثة أیام(7).

ومنها: حکایته لمنازلة عبد الله بن أبی حصین الأزدی الذی قال: «یا حسین، ألا تنظر إلی الماء کأنّه کبد السّماء، والله، لا تذوق منه قطرة حتی تموت عطشاً»، فدعا علیه الحسین(علیه السّلام) قائلاً: «اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً» فمات

ص: 68


1- من قضایا النهضة الحسینیة2: 83.
2- اُنظر: تاریخ الطبری5: 415 - 416. أو الیوم السابع علی ما نُقل وهو غیر معروف. اُنظر: تاریخ الطبری5: 412.
3- أنساب الأشراف3: 205. تاریخ الطبری 5: 455.
4- تاریخ الطبری5: 444.
5- أنساب الأشراف6: 409. تاریخ الطبری6: 58
6- الأمالی (الشیخ الصدوق): 215 - 233.
7- تاریخ الطبری 5: 412 - 413.

کذلک(1).

ومنها: روایته لکتاب عمر بن سعد إلی ابن زیاد یخبره بقبول الحسین(علیه السّلام) بالرجوع إلی المکان الذی أتی منه أو أی ثغرٍ من ثغور المسلمین، مقترحاً علیه قبول ذلک منه. وکاد ابن زیاد أن یقبل ذلک لولا ممانعة الشمر وتحریضه علی عدم القبول إلّا بالنزول إلی حکمه(2).

ومنها: حکایته لزحف عمر بن سعد نحو معسکر الحسین(علیه السّلام) ووضعه السهم فی کبد قوسه، ورمیه باتجاهه قائلاً: «اشهدوا أنّی أوّل مَن رمی»(3).

ومنها: روایته قول الإمام الحسین(علیه السّلام) بعد مقتل علی الأکبر(علیه السّلام)، حیث قال(علیه السّلام): «قتل الله قوماً قتلوک یا بُنیّ، ما أجرأهم علی الرحمن، وعلی انتهاک حرمة الرّسول، علی الدنیا بعدک العفا»، فجاءت زینب (علیهاالسّلام) فانکتب علیه، فأخذ بیدها وردّها إلی الفسطاط(4).

ومنها: حکایته لبقاء الحسین(علیه السّلام) وحیداً فی المعرکة یقاتل راجلاً وکأنّه فارس، ثمّ مکث طویلاً لم یقدم علی قتله أحد، یتقی بعضهم ببعض، حتی صاح بهم الشمر فحملوا علیه من کلّ جانب، فاحتز سنان بن أنس رأسه الشریف وأعطاه إلی خولی بن یزید(5).

ومنها: روایته لندب عمر بن سعد أصحابه لیدوسوا الحسین(علیه السّلام) بخیولهم فخرج عشرة منهم فداسوه حتّی رضّوا ظهره وصدره(6).

ومنها: حکایته لما کان یفعله ابن زیاد من نکث شفتی الحسین(علیه السّلام) بقضیبٍ له، فقال له زید بن أرقم: «اُعل

بهذا القضیب عن هاتین الشفتین فإنّی رأیت شفتی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی هاتین الشفتین، ثمّ بکی، فقال له بن زیاد: أبکی الله عینک، فوالله، لولا أنّک شیخٌ کبیرٌ قد خرفت وذهب عقلک لضربت عنقک»(7).

ومنها: روایته لخطبة ابن زیاد بعد حادثة الطف الذی تجاسر علی الحسین(علیه السّلام) فیها بکلامٍ بذیء فما أن فرغ من خطبته حتی انبری إلیه عبد الله بن عفیف الأزدی قائلاً: «إنَّ

الکذّاب ابن الکّذاب أنت وأبوک والذی ولّاک وأبوه...» فأمر بن زیاد بقتله(8).

ومنها: حکایته لدخول السبایا علی ابن زیاد وبینهم زینب(علیهاالسّلام)، فشمت بها، فردّته بقولها: «الحمد لله الذی أکرمنا بمحمدٍ(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وطهّرنا تطهیراً، لا کما تقول أنت، إنّما یفتضح الفاسق، ویکذب الفاجر»، ومع ذلک لم ینته ابن زیاد من شماتته حتّی أبکاها(علیهاالسّلام)(9).

ومنها: روایته لوقوف الإمام السجاد(علیه السّلام) أمام ابن زیاد الذی أمر بقتله بعد کلامٍ دار بینهما، فعلقت به زینب(علیهماالسّلام) ومنعته من قتله(10).

وغیر ذلک من روایات رواها حمید بن مسلم حول التوابین وثورة المختار، ترکْنا التعرّض لها مراعاةً للاختصار.

والملاحظ من خلال تتبّعنا لروایاته ما یلی:

ا - إنَّ عمدة روایاته فی النّهضة الحسینیة منقولة عنه فی تاریخ الطبری، إذ روی عنه أکثر من عشرین روایة.

ویأتی بعد الطبری فی عدد الرّوایات کتاب مقاتل الطالبیین، ثمّ الفتوح، ثمّ الأخبار الطوال، وغیر ذلک.

ص: 69


1- المصدر نفسه 5: 412.
2- المصدر نفسه 5: 414 - 415.
3- المصدر نفسه5: 429.
4- المصدر نفسه 5: 447.
5- تاریخ الطبری5: 453.
6- المصدر نفسه 5: 455.
7- المصدر نفسه 5: 456.
8- المصدر نفسه 5: 458 - 459.
9- المصدر نفسه 5: 457.
10- المصدر نفسه 5: 458.

إلّا أنّ کثیراً من الکتب التاریخیة لم تتعرّض لروایاته أصلاً.

2 - إنَّ جمیع ما رواه أبو مخنف عن حمید بن مسلم کان بواسطة رواةٍ آخرین کسلیمان بن بی راشد، والصّعب بن زهیر، والوالبی، والمجالد بن سعید، ویحیی بن أبی عیسی، کما روی عن طریق والده أیضاً روایة واحدة حول التوابین ونهضتهم.

ولم نعثر علی أیّة روایة ینقلها أبو مخنف عن حمید بن مسلم بصورة مباشرة.

3 - إنَّ حمید بن مسلم لم یکن الرّوای الوحید الذی روی عنه أبو مخنف أحداث الطف وما بعدها، بل هناک رواة آخرون روی عنهم أخبار النهضة من دون واسطة حمید بن مسلم، کعقبة بن سمعان، والصّعب بن زهیر، والمجالد بن سعید، وهانی بن ثبیت الحضرمی، وحسّان العبسی، وأبی جناب الکلبی، والضّحاک بن عبدالله المشرقی.

مع وجود روایات أُخری مرسلة نقلها أبو مخنف بصورة مباشرة، من دون واسطة راوٍ معیّن، رغم الفاصلة الزّمنیة الطّویلة التی تفصله عن حادثة الطف، والتی تقتضی وجود واسطة أو وسائط فی النّقل، وتفصیل ذلک موکولٌ إلی محلّه. (اُنظر: مدخل أبی مخنف).

4- رغم اهتمام حمید بن مسلم بنقل أخبار النّهضة الحسینیة وقیامه بدور الصّحفی فیها، إلّا أنّهُ لم یُؤثَر عنه اهتمام بنقل أخبار أُخری لا علاقة لها بالنهضة الحسینیة، إلّا روایة واحدة نقلها عن أمیر المؤمنین علی(علیه السّلام) یلوم فیها أصحابه علی تهاونهم فی مواجهة العدو، وانخداعهم برفع المصاحف فی حرب صفین(1).

وبعض الروایات المرتبطة بثورة التوابین والمختار، کما تقدّمت الإشارةُ إلیها، وهی من آثار النهضة الحسینیة.

مصیر حمید بن مسلم: لم یعرف شیء عن مصیر حمید بن مسلم وما آل إلیه أمره سوی أنّه کان ملاحقاً من قبل المختار الذی حاول رجاله القبض علیه فلم یظفروا به، إذ تمکّن من الفرار منهم، وبقی إلی الفترة التی سیطر فیها عبد الملک بن مروان علی الأوضاع بعد هزیمة آل الزبیر.

وکان آخر ما نقل عنه رثاؤه لعبد الرحمن بن مخنف الأزدی من قادة الحجاج، الذی قتله الخوارج سنة 75 للهجرة(2)، ثمّ انقطع خبره بعد ذلک ولم یُعرف عنه شیء.

المصادر: الأخبار الطوال، أحمد بن داود الدینوری، تحقیق: عبد المنعم عامر، منشورات الرضی، 1989م. الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، محمد بن محمد بن النعمان (الشیخ المفید)، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لتحقیق التراث، دار المفید، بیروت، ط2، 1414ه-. أنساب الأشراف، أحمد بن یحیی البلاذری، تحقیق: سهیل زکّار وریاض الزرکلی، دار الفکر، بیروت، ط1، 1417ه-. البدایة والنّهایة، إسماعیل بن عمر الدمشقی(ابن کثیر)، دار الفکر، بیروت، 1407م. تاریخ الأمم والملوک(تاریخ الطبری)، محمد بن جریر الطبری، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار التراث، بیروت، ط2، 1387ه-. تجارب الأمم، أحمد بن محمد بن مسکویه الرازی، تحقیق: أبو القاسم إمامی، سروش، طهران، ط2، 2000م. تنقیح المقال، عبد الله المامقانی، تحقیق: محی الدین المامقانی، مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) ، ط1، 1427ه-. رجال الشیخ الطوسی، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، مؤسسة النّشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم، ط3، 1427ه-. رسائل الشهید الثانی، تحقیق: رضا المختاری، مرکز النشر التّابع لمکتب الإعلام الإسلامی،

ص: 70


1- تاریخ الطبری5: 56.
2- المصدر نفسه 6: 212 - 213.

ط1، 1422ه-. المجالس الفاخرة فی مآتم العترة الطاهرة، عبد الحسین شرف الدین، تحقیق: محمود البدری، مؤسسة المعارف الإسلامیة. مستدرکات علم رجال الحدیث، علی النمازی الشاهرودی، ط1، 1414ه-. من قضایا النهضة الحسینیة، فوزی آل سیف، ط1، 1423ه-.

جعفر السّعدی

زهیر بن القین

اسمه ونسبه: هو زهیر بن القین بن قیس الأنماری البجلی، والبجلی نسبةً إلی قبیلة بجیلة، وفی الأنساب: زهیر بن القین بن الحرث البجلی(1)، ولعلّ الحرث هو أحد أجداده، واختُلف فی بجیلة فذهب أکثر أهل النسب إلی أنّها وخثعم ابنا أنمار بن نزار بن معد بن عدنان، وقیل: إنّ بجیلة امرأة وهی ابنة صعب بن سعد العشیرة ولدت لأنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث، فنسبوا إلیها وعرفوا بها، وقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: إنّ خثعم وبجیلة هما ابنا أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن النبت بن مالک بن زید بن کهلان بن سبأ(2)، فیکونون من القبائل القحطانیة. ولهم بطون عدّة سکنت الیمن والحجاز، ثمّ افترقوا أیام الفتح علی الآفاق، کالعراق والشام ولم یبقَ فی مواطنهم الأصلیة منهم إلّا القلیل(3).

زهیر بن القین قبل واقعة الطفّ: لم تتوافر معلومات کافیة عن حیاة زهیر بن القین، ونشأته فی المصادر التاریخیة قبل واقعة عاشوراء سوی ما یُذکر من مشارکته فی إحدی الفتوحات الإسلامیة، وهو فتح مدینة (بَلَنْجَر)، وهی مدینة ببلاد الخزر بأرمینیة(4)، فتحها المسلمون فی خلافة عثمان بقیادة سلمان بن ربیعة الباهلی سنة ثمان وعشرین أو تسع وعشرین(5)، وکان فی مقدمة الفاتحین زهیر بن القین، وظلّت هذه الحادثة عالقة فی ذهنه حتی التقی بالحسین(علیه السّلام) ودعاه إلی نصرته فقرّر الالتحاق به، وعاد إلی أهله وأصحابه لیخبرهم بقراره المصیری قائلاً:

«إنّا غزونا البحر، ففتح الله علینا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسی (6): أفَرِحتم بما فتح الله علیکم، وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم. فقال: إذا أدرکتم شباب آل محمد [وفی روایة: سیّد شباب أهل محمد](7)، فکونوا أشدّ فرحاً بقتالکم معهم ممّا أصبتم الیوم من الغنائم»(8).

والمستفاد من هذه الحادثة أنّ زهیراً کان وهو فی مقتبل عمره یسارع إلی المشارکة فی الجهاد فی سبیل الله ونشر الإسلام فی البلاد البعیدة، ما یتطلّب ذلک أیضاً شجاعة وإقداماً

ص: 71


1- أنساب الأشراف 3: 176.
2- الإنباه علی قبائل الرواة: 92 - 93.
3- اُنظر: معجم قبائل العرب 1: 63.
4- اُنظر: معجم البلدان1: 489. تاریخ مدینة دمشق21: 475.
5- الطبقات الکبری6: 131. أُسد الغابة 2: 327.
6- اختلف المؤرِّخون فی سلمان هذا الذی نقل عنه زهیر بن القین، فقد ذکر الطبری فی تاریخه أنّه سلمان ابن ربیعة الباهلی قائد الجیش. اُنظر: تاریخ الطبری 4: 299. فیما ذکر بعضٌ آخر أنّه سلمان الفارسی، کابن الأثیر فی الکامل الذی أشار إلی أنّه کان مع الفاتحین فی تلک الحملة. اُنظر: الکامل فی التاریخ 4: 42. والمفید فی الإرشاد 2: 72 - 73. والحمیری فی الروض المعطار: 94. وأکد ابن سعد فی الطبقات حضوره فی فتح بلنجر، وأنّه قد أصاب مسکاً من هناک. اُنظر: الطبقات الکبری4: 92. ویظهر أنّ القائل هو سلمان الفارسی؛ لأنّه هو المؤهّل لقول مثل هذا الکلام الذی لا یصدر إلّا من مدرسة أهل البیت(علیهم السّلام) وتلامذتها.
7- الکامل فی التاریخ 4: 42.
8- الإرشاد2: 73.

وفروسیة.

وأنّ له مستوی من العلم والمعرفة والإدراک أهّله لوعی هذا الحدیث وإدراک مغزاه حتی ظلّ فی ذاکرته منذ تلک المدّة الطویلة، ولعلّ مواقفه وتصرفاته التی سنشیر إلی بعضها تدعم ذلک بصورة جلیة.

ویظهر أنّ زهیراً کان من سکنة الکوفة قُبیل أحداث عاشوراء، وکان وجهاً من وجوه عشیرته وقومه، وله مکانته المرموقة بین القبائل، وأنّه أدرک عاشوراء وهو کهل إذا التفتنا إلی أنّه قد أدرک خلافة عثمان، وهو رجلٌ قادرٌ علی حمل السلاح والمشارکة فی فتوح البلدان النائیة، فیبدو أنّه کان شاباً فی العقد الثانی من عمره علی أقلّ تقدیر.

زهیر بن القین والهوی العثمانی: من العلامات الفارقة فی مسیرة حیاة الشهید زهیر بن القین اتّهامه بأنه عثمانیّ الهوی، وهو مصطلح سیاسی یعنی فی بعض تفسیراته: میل الشخص إلی عثمان والانحراف عن أهل البیت(علیهم السّلام) ، والاعتقاد بأنّه قُتل مظلوماً، وأنّه یفضّله علی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، وربما یحمّل الإمام(علیه السّلام) تبعات قتله أو الاشتراک ضدّه فی حروبه التی خاضها(1). أو العثمانی هو الذی یغالی فی حبّ عثمان وینتقص علیاً(2).

وربما تطوّر هذا الوصف فأصبح یطلق علی مَن کان أُمویّ الهوی فی قبال مَن یکون علویاً.

وقد وردت تهمة عثمانیة زهیر أو عدم میله لأهل البیت(علیهم السّلام) فی أُمّهات المصادر التاریخیة، فیما رواه عن أبی مخنف فی حدیث طویل جاء فیه: أنّه عندما نادی عمر بن سعد بالزحف علی معسکر الإمام الحسین(علیه السّلام) عصر یوم التاسع من المحرم، فبعث الحسین أخاه العباس لیسألهم عمّا یبغون، فاستقبلهم العباس(علیه السّلام) فی نحوٍ من عشرین فارساً فیهم زهیر بن القین وحبیب بن مظاهر، فقال لهم: ما بدا لکم؟ وما تریدون؟ قالوا: جاء أمر الأمیر بأن نعرض علیکم أن تنزلوا علی حکمه أو ننازلکم. فطلب منهم العباس أن یمهلوه کی یخبر الحسین بذلک، فقفل مسرعاً لیُعلم الإمام، وبقی أصحابه یخاطبون القوم، فقال حبیب بن مظاهر لزهیر بن القین: کلّم القوم إن شئت وإن شئت کلّمتُهم. فقال له زهیر: أنت بدأت بهذا فکن أنت تکلّمهم. فقال حبیب بن مظاهر: «أما والله، لبئس القوم عند الله غداً قوم یقدمون علیه قد قتلوا ذریة نبیه(علیه السّلام) وعترته وأهل بیته (صلّی الله علیه وسلّم)، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدین بالأسحار والذاکرین الله کثیراً، فقال له عزرة بن قیس: إنّک لتزکّی نفسک ما استطعت. فقال له زهیر: یا عزرة، إنّ الله قد زکّاها وهداها، فاتق الله یا عزرة فإنّی لک من الناصحین، أُنشدک الله یا عزرة أن تکون ممَّن یعین الضلال علی قتل النفوس الزکیة، قال: یا زهیر، ما کنت عندنا من شیعة أهل هذا البیت، إنّما کنت عثمانیاً! قال: أفلستَ تستدلّ بموقفی هذا أنّی منهم؟! أما والله، ما کتبت إلیه کتاباً قط، ولا أرسلت إلیه رسولاً قط ولا وعدته نصرتی قط، ولکن الطریق جمعنی بینی وبینه، فلمّا رأیته ذکرت به رسول الله (صلّی الله علیه وسلّم)، ومکانه منه وعرفت ما یقدم علیه من عدوه وحزبکم، فرأیت أن أنصره وأن أکون فی حزبه، وأن أجعل نفسی دون نفسه حفظاً لما ضیّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله(علیه السّلام)»(3).

ونقل الطبری أیضاً فی موضع آخر عن أبی مخنف، عن السدی، عن رجلٍ من بنی فزارة،

ص: 72


1- اُنظر: مع الرکب الحسینی من المدینة إلی المدینة (وقائع الطریق من مکة إلی کربلاء) 3: 212.
2- فتح الباری7: 14.
3- تاریخ الطبری4: 314-315.

قال: کنا مع زهیر بن القین البجلی حین أقبلنا من مکة نسایر الحسین فلم یکن شیء أبغض إلینا من أن نسایره فی منزل.

ثم یتابع الفزاری، فیقول: فإذا سار الحسین تخلف زهیر بن القین، وإذا نزل الحسین تقدّم زهیر حتی نزلنا یومئذٍ فی منزل لم نجد بداً من أن ننازله فیه، فنزل الحسین فی جانب ونزلنا فی جانب فبینا نحن جلوس نتغدی من طعام لنا إذا أقبل رسول الحسین حتی سلّم، ثمّ دخل فقال: یا زهیر بن القین، إنّ أبا عبد الله الحسین بن علی بعثنی إلیک لتأتیه، قال: فطرح کلّ إنسانٍ ما فی یده حتی کأنّنا علی رؤوسنا الطیر.

وهنا تنبری دلهم بنت عمرو زوج زهیر بن القین(1)، لتقول له: أیبعث إلیک ابن رسول الله ثمّ لا تأتیه؟! سبحان الله! لو أتیته فسمعت من کلامه.

ثمّ انصرفت، فأتاه زهیر بن القین فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم وحُمل إلی الحسین، ثمّ قال لامرأته أنت طالق الحقی بأهلک، فإنّی لا أُحبّ أن یُصیبک من سببی إلاّ خیر، ثمّ قال لأصحابه: مَن أحبّ منکم أن یتبعنی وإلّا فإنّه آخر العهد(2).

وأورد القصة أیضاً الشیخ المفید فی الإرشاد(3).

فقد یُستفاد من کراهته للقاء الإمام(علیه السّلام) والاجتماع به عثمانیته، وعدم میله إلی أهل البیت(علیهم السّلام) .

ومن الذین صرحوا بعثمانیة زهیر، البلاذری فی أنساب الأشراف، قال: «قالوا: وکان زهیر بن القین البجلی بمکَّة - وکان عثمانیاً - فانصرف من مکَّة متعجّلاً، فضمّه الطریق وحسیناً، فکان یسایره ولا ینازله...»(4).

ونقل أیضاً قول عزرة بن قیس لزهیر: «کنت عندنا عثمانیاً فما لک؟!»(5).

وقد ذکر الدینوری کراهة زهیر الاجتماع بالحسین، فذکر أنّ الحسین(علیه السّلام) لما وصل إلی زرود نظر إل فسطاطٍ مضروب، فسأل عنه، فقیل له: هو لزهیر بن القین - وکان حاجّاً أقبل من مکة یرید الکوفة - فأرسل إلیه الحسین، أن القنی أکلّمک، فأبی أن یلقاه، وکانت مع زهیر زوجُه، فقالت له: سبحان الله! یبعث إلیک ابن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فلا تجیبه! فقام یمشی إلی الحسین(علیه السّلام). ونقل قصّةً شبیهةً بما أوردها الطبری آنفاً(6).

وممَّن تابعهم علی هذا القول الفتال النیسابوری(7)، وابن الأثیر فی الکامل(8)، وابن نما الحلّی فی مثیر الأحزان(9).

تحلیل الاتهام بالعثمانیة وتحقیقه: یری بعض المحقّقین والباحثین أنّ إلصاق هذه التهمة وراءها نیّات مبیتة هدفها الحط من قدر هؤلاء الأعاظم والشهداء الأماثل فی أعین أتباع أهل

ص: 73


1- وفی بعض المصادر اسمها دیلم بنت عمرو. اُنظر: أنساب الأشراف3: 167. ویبدو أنّها کانت امرأة صالحة موالیة لأهل البیت(علیهم السّلام) . وفی ترجمة الإمام الحسین(علیه السّلام) من طبقات ابن سعد: 81، «وکان زهیر بن القین قد قُتل مع الحسین، فقالت امرأته لغلام له - یُقال له: شجرة -: انطلق فکفّن مولاک، قال: فجئت فرأیت حسیناً ملقی، فقلت: أُکفّن مولای وأدعُ حسیناً! فکفّنت حسیناً، ثمّ رجعت، فقلت ذلک لها، فقالت: أحسنت، وأعطتنی کفناً آخر، وقالت: انطلق فکفّن مولاک. ففعلت».
2- اُنظر: تاریخ الطبری4: 298 - 299.
3- الإرشاد2: 72 - 73.
4- أنساب الأشراف3: 167 - 168.
5- المصدر نفسه 3: 184.
6- الأخبار الطوال1: 364 - 365.
7- روضة الواعظین: 178.
8- الکامل فی التاریخ4: 41 - 42.
9- مثیر الأحزان: 33 .

البیت ومحبّیهم، وقد حاول بعضهم أن یعالج هذه الدعوی بالمناقشة فیما ورد من نصوص وأخبار، من جهة السند والدلالة.

الجهة الأولی: السند: ذهب بعض الباحثین إلی أنّ هذه الروایات ضعیفة من حیث السند؛ فإنّ إحدی روایتی الطبری وهی روایة منازل الطریق ضعیفة بمجهولیة الفزاری فی سندها، وکذلک عدم الاعتماد علی روایة البلاذری؛ لخلوّها من الإسناد، لأنّها مصدّرة بکلمة: (قالوا) فقط(1).

ویمکن أن یُجاب عنه: بأنّ هذا الإشکال مبتنٍ علی إعمال منهج المحدّثین فی التاریخ القائم علی التصحیح السندی وفق قواعد أهل الحدیث، کما هو دیدن بعض المدارس الإسلامیة، ولکن هذا الأمر لا یوافق علیه کثیر من المحقّقین والعلماء؛ لأنّ المنهج التاریخی له أدواته الخاصّة به للوصول إلی الحقیقة التاریخیة أو الاقتراب منها، کاعتماده علی قدرة المؤرّخ علی اقتناص الأدلة والشواهد ومقارنتها وتحلیلها، واعتماد المادة الأکثر اعتباراً من قبیل نقلها وتداولها فی المصادر المتقدّمة، ومن قبل مؤرّخین معتمدین، وملاءمتها للمعطیات التاریخیة الأُخری، وعدم مخالفتها لمسلّمات العقل والنقل، وغیر ذلک من القرائن.

ومن هنا ذهب بعض المحقّقین إلی أنّ اشتراط الصحة الحدیثیة فی قبول الأخبار التاریخیة فیه تعسّف کثیر، والخطر الناجم عنه کبیر؛ لأنّ الروایات التاریخیة التی دوّنها المؤرِّخون لم تُعامل معاملة الأحادیث، بل تمّ التساهل فیها، فإذا رُفض منهجهم فإنّ الحلقات الفارغة فی التاریخ ستشکّل هوّة سحیقة بیننا وبین ماضینا، ممّا یولّد الحیرة والضیاع والانقطاع(2). هذا مع أنّ المستشکِل نفسه لم یلتزم بالمنهج الحدیثی فی کثیر من الأخبار التی بنی علیها رؤیته.

وفیما یتّصل بالإشکال فی روایة البلاذری؛ فیجاب بأنّ کلمة (قالوا) عند البلاذری تشیر إلی مصطلح حدیثی اسمه الإسناد الجمعی، وهو أن یأخذ الکاتب مجموعة من الروایات التاریخیة التی یرویها مجموعة من الرواة، ثمّ یدمج بعضها فی بعض ویسوقها مساقاً واحداً، فمدخول کلمة (قالوا) لا یعنی أنّه خبرٌ لا أصل له.

وذکر بعض الکتّاب أنّ تصدیر البلاذری لبعض الأخبار ب- (قالوا) یظهر منها أنّها مقبولة عند عامّة المؤرخین، والبلاذری یأخذ عن المصادر التی سلسلة إسنادها معروفة، وکثیراً ما یستعمل الإسناد الجمعی لیدلّ علی الاتفاق علی المعلومات الأساسیة، ثمّ یورد إضافات بسیطة(3).

بل ادّعی بعض الباحثین أنّه تتبع روایات البلاذری التی صدّرها بکلمة (قالوا) فی أخبار نهضة الإمام الحسین(علیه السّلام) وقارنها بروایات أبی مخنف عند الطبری، فوجدها هی نفسها إلاّ أنّ البلاذری قد یتدخّل بالاختصار أو حذف بعض المقاطع، وأوعز هذا الصنیع من البلاذری لسببین:

الأوّل: هو علاقة البلاذری بالمتوکّل العباسی کونه أحد ندمائه، فأخفی ذکر أبی مخنف باعتباره أحد الأخباریین الشیعة.

والثانی: هو أنّ البلاذری سلک منهج المحدّثین فی تألیف کتاب الأنساب الذی

ص: 74


1- اُنظر: مع الرکب الحسینی من المدینة إلی المدینة (وقائع الطریق من مکة إلی کربلاء) 3: 210 - 211.
2- اُنظر: دراسات تاریخیة: 27.
3- اُنظر: نشأة علم التاریخ عند العرب: 57 - 58.

یعتمد علی توثیق الروایات الذی لا یتمّ إلّا عن طریق التحدیث والسماع من الراوی نفسه، ویبدو أنّ کتب أبی مخنف لم تصل إلیه إجازةً عن طریق السماع، وإنما تحصّل علیها وجادةً؛ لذا تحرّج من ذکر أبی مخنف بدون إسنادٍ موصلٍ له(1).

وعلی أیّ حال، فروایة البلاذری لیست ضعیفة حتی علی منهج المحدّثین المتشدّد.

الجهة الثانیة: المتن: سُجّل علی متون النصوص الواردة فی هذه القضیة عدّة ملحوظات:

الملحوظة الأُولی: إنّ روایة منازل الطریق التی رواها الطبری عن رجل من بنی فزارة، لا یستقیم مع الحقیقة التاریخیة والجغرافیة؛ لأنّ زهیر بن القین کان عائداً من مکة إلی الکوفة بعد الانتهاء من أداء الحج، والإمام الحسین(علیه السّلام) خرج یوم الثامن من ذی الحجة، فلو فرضنا أنّ زهیراً قد خرج من مکة بعد انتهاء مراسم الحج مباشرةً، فإنّه یکون قد خرج منها یوم الثالث عشر من ذی الحجة، وبهذا یکون الفارق الزمنی بین یوم خروجه ویوم خروج الإمام(علیه السّلام) منها خمسة أیّام علی الأقل، وإذا کان هذا فکیف یصحّ ما فی متن الروایة: «کنّا مع زهیر بن القین البجلی حین أقبلنا من مکة نسایر الحسین»(2)؟!

ویؤید ذلک خبر الأسدیَین - عبدالله بن سلیم الأسدی والمذری بن المشمعل الأسدی(3) - الذی نقله الطبری، قائلاً: «لمّا قضینا حجّنا لم تکن لنا همّة إلّا اللحاق بالحسین فی الطریق لننظر ما یکون من أمره وشأنه، فقبلنا ترقل(4) بنا ناقتانا مسرعین حتی لحقناه بزرود»(5).

ووجه التأیید أن الأسدیَین کذلک أتمّا حجّهما فیکون خروجهما من مکة یوم الثالث عشر من ذی الحجة علی أقلّ تقدیر، ومع أنّهما کانا مسرعین لم یلحقا بالحسین(علیه السّلام) إلّا فی زرود، وذلک لوجود الفارق الزّمنی بین خروجهما وخروج الحسین(علیه السّلام)، ممّا یعنی أنَّ زهیراً لم یکن قد التقی بالحسین(علیه السّلام) قبل زرود حتی یأتی الحدیث عن کراهة اللقاء به.

ویُجاب عنه: بأنّ هذه الملحوظة مبنیة علی المراد من کلام الراوی هو: أننا کنا مع زهیر وکنا نسایر الحسین من مکة، وهذا لا یستقیم مع الفارق الزمنی بین خروج الحسین من مکة یوم الثامن، وخروج زهیر وأصحابه یوم الثالث عشر علی أقلّ تقدیر فی حین أنّ الظاهر من العبارة: أنّنا حینما أقبلنا من مکة بعد إتمام الحج کنا نسایر الحسین، ولیس بالضرورة أنه کان یقصد مسایرته من مکة، بل یصحّ کلامه فیما لو قصد أنّهم کانوا یسایرونه ولو فی بعض الطریق، ومن الممکن أن یلحقوا برکب الإمام لوجود النساء والأطفال الذی یقتضی البطء فی السیر، مضافاً إلی أنّ أن الإمام(علیه السّلام) کان یتحین الفرص لدعوة الناس ومَن یلتقیهم فی الطریق لنصرته والالتحاق به، فیقتضی منه التأنّی فی المسیر، ویدعم ذلک أنّ زهیراً کان یجدّ فی سیره، وأنّه خرج من مکة متعجّلاً(6).

ص: 75


1- اُنظر: مواقف المعارضة فی عهد یزید بن معاویة: 197 - 198.
2- اُنظر: مع الرکب الحسینی من المدینة إلی المدینة (وقائع الطریق من مکة إلی کربلاء)3: 210 - 211.
3- فی الإرشاد 2: 73، عبد الله بن سلیمان والمنذر بن المشمعل.
4- الإرقال: «وهو ضرب من العدو فوق الخبب. یُقال: أرقلت الناقة ترقل إرقالاً، فهی مرقل ومرقال». النهایة فی غریب الحدیث والأثر 2: 253.
5- تاریخ الطبری5: 299.
6- روی البلاذری فی الأنساب 3: 167، «إنّ زهیراً انصرف من مکَّة متعجّلاً».

وأمّا التأیید بخبر الأسدیین فهو معارضٌ بما ورد عنهما أیضاً بأنّهما لحقا بالحسین(علیه السّلام) بمنزل الصفاح وهو منزل قریب من مکة؛ إذ قالا: «أقبلنا حتّی انتهینا إلی الصّفاح، فلقینا الفرزدق بن غالب الشّاعر فواقف حسیناً، فقال له: أعطاک الله سؤلک وأمّلک فیما تحبّ، فقال له الحسین: بیّن لنا نبأ الناس خلفک. فقال له الفرزدق: من الخبیر سألت، قلوب الناس معک، وسیوفهم مع بنی أُمیّة»(1). وهذا لا ینسجم مع کونهما قد أدّیا الحج وفق الخبر الأوّل.

وقد تنبّه أحد المحققین المعاصرین لهذا التّنافی بین خبری لقاء الأسدیین بالإمام الحسین(علیه السّلام)، ووجّهه بأن یکون لقاؤهما به فی الصّفاح قبل وصولهما إلی مکّة قادمین من الکوفة، وبعد أن أتمّا حجّهما لحقا به بزرود(2).

ولکن هذا التوجیه یواجه بعض الإشکالات، منها: أنّ الطبری قد ذکر خبراً عنهما یفید بأنّهما قد خرجا حاجّین من الکوفة، ودخلا مکة یوم الترویة والحسین(علیه السّلام) مازال فی مکة؛ إذ نقلا محاورة بینه وبین عبد الله بن الزبیر بین الحجر والباب، ثمّ ذکرا بأنّ الحسین(علیه السّلام) قد طاف بالبیت، وسعی بین الصفا والمروة، وقصّ من شعره وحلّ من عمرته، ثمّ توجه نحو الکوفة، بینما توجها نحو منی مع الناس(3).

مضافاً إلی أنّ خبر الفرزدق یعنی أنّهما والفرزدق قد جاؤوا من الکوفة وتوافقوا مع الإمام الحسین(علیه السّلام) فی الصّفاح، وهذا لا ینسجم مع قولهما: «أقبلنا... فلقینا الفرزدق...»، الظاهر منه تعاکس وجهتیهما لا أنّهما جاءا من وجهةٍ واحدة، مضافاً إلی أنّ نقلهما کلام الفرزدق بأنَّ «قلوب الناس معک، وسیوفهم مع بنی أُمیّة»، یظهر أنّهما لیسا علی علم بذلک، والحال أنّهما لو کان مجیئهما مقارباً لمجیء الفرزدق من الکوفة؛ لکان هذا الأمر واضحاً عندهما.

هذا مع أنّ سائر المصادر الأُخری التی نقلت خبر زهیر وکراهة اجتماعه بالحسین(علیه السّلام) لیس فیها ذلک الالتباس، وهو: خروج زهیر ومَن معه من مکة یسایرون الحسین(علیه السّلام).

الملحوظة الثانیة: إنَّ النص الثانی الذی استُدلّ به علی عثمانیة زهیر بن القین هو ما رواه الطبری من المحاورة الحاصلة بین عزرة بن قیس وزهیر فی التاسع من المحرّم، بدعوی أن النصّ یکشف لنا أنّ زهیر بن القین لم یکن عثمانیاً فی یوم من الأیّام؛ لأنّ زهیراً أجاب عزرة الذی اتهمه بالعثمانیة فیما مضی قائلاً: «أفلست

تستدلّ بموقفی هذا أنّی منهم؟!» أی من أهل هذا البیت(علیهم السّلام) رأیاً ومیلاً وانتماءً.

ولم یقل له مثلاً: نعم، کنت عثمانیاً - کما تقول - ثمّ هدانی الله فصرت من أتباع أهل هذا البیت وأنصارهم، أو ما شابه ذلک، بل فی قوله المتقدم نفی ضمنی لعثمانیته مطلقاً فی الماضی والحاضر، ثمّ إنّ سکوت عُزرة بعد ذلک عن الردّ کاشفٌ عن تراجعه عن تهمة العثمانیة(4).

ویُجاب عنه: إنّ ما ذکر من معنی قد تحتمله العبارة، ولکنّه لا یبدو أنّه هو المعنی الأقرب، بل غایة ما یظهر من کلام زهیر أنّ فی وجوده الآن مع الإمام الحسین(علیه السّلام)، دلالة واضحة علی أنّه من أهل البیت(علیهم السّلام) ومن شیعتهم، وأمّا أنّه قد نفی أنّه لم یکن عثمانیاً فی یوم من الأیّام، وأن عزرة بسکوته قد تراجع عن هذه التهمة، فهو وإن کان محتملاً إلاّ أنّه لا شاهد علیه، ولا

ص: 76


1- تاریخ الطبری5: 386.
2- وقعة الطفّ: 185، 191.
3- اُنظر: تاریخ الطبری4: 289.
4- اُنظر: المصدر نفسه3: 212.

قرینة واضحة تعضده، مع أنّه قد توجد هناک قرائن حالیة أو مقالیة مفقودة فی البین تدلّ علی خلاف ما فهمه المُلاحِظ.

بالإضافة إلی أنَّ زهیراً نفسه فی ذیل کلامه ینفی أنّ التحاقه بالإمام(علیه السّلام) کان مخططاً له من قبله، وإنّما قد جمعه معه الطریق، فذکر به رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ومنزلته منه فأراد أن ینصره. وأنّ زهیراً أقسم فی کلامه أیضاً أنّه لم یکتب له کتاباً قط، ولا أرسل إلیه کتاباً قط ولا أوعده بنصرٍ قط، فلو کان حال زهیر سابقاً کحاله حین التحق بالحسین(علیه السّلام) وما أبداه من مواقف فذّة فی عاشوراء، ولم یکن عثمانیاً فی یوم من الأیّام لکان من المبادرین لدعوة الإمام ومن المکاتبین له، خصوصاً وأنّه من أهل الکوفة، ومن أشرافها المعروفین، ولالتحق به وهو فی مکة وجاء معه، علماً أن أحداث الکوفة وثورة أهلها کانت قد بدأت من مدّة طویلة، وعدم بیعة الإمام(علیه السّلام) لیزید وخروجه إلی مکة واتصالات أهل الکوفة ومکاتباتهم أمر معروف ومشهور بین الناس.

الملحوظة الثالثة: إنّ التاریخ لم یحدثنا فی إطار سیرة زهیر عن أی واقعة أو حدث أو محاورة أو تصریح من زهیر نفسه تتجلّی فیه هذه العثمانیة التی أُلصقت فیه، مع أنَّ الآخرین ممن عُرفوا بعثمانیتهم کانوا قد عُرفوا بها من خلال آرائهم ومواقفهم واشتراکهم فی حرب أو أکثر ضد أمیر المؤمنین(علیه السّلام)(1).

ویُجاب عنه: بأنّنا أشرنا فیما سبق إلی أنّ التاریخ المکتوب الواصل إلینا قد ظلم الشهید زهیراً ولم یعطِه ما یستحقّ من الذکر، فالتاریخ لم یحدّثنا عن زهیر شیئاً لا خیراً ولا شراً، حتی نستدلّ بعدم ذلک علی أنّه لم یکن عثمانیاً. وکذلک فإنّ مصطلح (العثمانی) لم یکن محرّراً وواضحاً، فلیس کلّ عثمانی الهوی لا بدَّ أن تظهر منه مواقف عدوانیة تجاه أهل البیت(علیهم السّلام) أو یشترک فی حرب ضدّهم؛ فإنّنا نجد بعض الشخصیات وصفت بهذا الوصف ولیس لها تلک المواقف، ومن ذلک ما أخرجه الطبرانی فی الکبیر عن عطاء بن السائب، عن میمون بن مهران، عن شیبان بن مخرم وکان عثمانیاً، قال: «إنّی لمَعَ علی(علیه السّلام) إذ أتی کربلاء، فقال: یقتل فی هذا الموضع شهداء لیس مثلهم شهداء إلاّ شهداء بدر. فقلت: بعض کذباته، وثَمّ رِجْل حمار میت، فقلت لغلامی: خذ رجل هذا الحمار فأوتدها فی مقعده وغیّبها، فضرب الدهر ضربة، فلمّا قتل الحسین بن علی(علیهاالسّلام) انطلقت ومعی أصحاب لی فإذا جثة الحسین بن علی(علیهاالسّلام) علی رجل ذاک الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله»(2). فهذا الشخص وُصف بأنّه عثمانی بینما هو فی جیش أمیر المؤمنین(علیه السّلام).

وقالوا عن أبی بردة بن عوف الأزدی إنّه کان عثمانیاً تخلّف عن أمیر المؤمنین فی حرب الجمل وحضر معه صفین علی ضعف نیّةٍ فی نصرته(3).

وفی الاستیعاب عن أبی عمر، قال: کان عثمان یحبّ زید بن ثابت، وکان زید عثمانیاً، ولم یکن فیمَن شهد شیئاً من مشاهد علیّ مع الأنصار، وکان مع ذلک یفضّل علیاً ویظهر حبّه(4).

وغیر ذلک من الشواهد علی أن مصطلح (عثمانی) غیر واضح الأبعاد.

الملحوظة الرابعة: استعان المُلاحِظ(5)

أیضاً فی نفی التهمة عن زهیر بأنّ ابن أعثم المعاصر

ص: 77


1- اُنظر: المصدر نفسه3: 212.
2- المعجم الکبیر 3: 111.
3- اُنظر: الأمالی (المفید): 129.
4- الاستیعاب2: 540.
5- اُنظر: مع الرکب الحسینی من المدینة إلی المدینة (وقائع الطریق من مکة إلی کربلاء) 3: 212.

للطبری والدینوری والبلاذری یروی قصة هذا اللقاء من دون أی ذکر للعثمانیة أو امتناع زهیر عن اللحاق بالحسین(علیه السّلام)، قائلاً: «ثمّ مضی الحسین(علیه السّلام) فلقیه زهیر بن القین، فدعاه الحسین(علیه السّلام) إلی نصرته فأجابه لذلک، وحمل إلیه فسطاطه، وطلّق امرأته...»(1).

ویُجاب عنه: بأنَّ هذا الاستدلال لا ینهض لإثبات المدّعی؛ فإنَّ المؤرِّخین یعمدون فی بعض الأحیان إلی الإجمال والاختصار فی نقل الخبر، وقد یفصّلون فی أحیان أُخری، حسب طبیعة الخبر الذی یصلهم، واللطیف فی الأمر أنّ البلاذری نفسه الذی ذکر أنّ زهیراً کان عثمانیاً، أورد فی الأنساب فی موضعٍ آخر خبر لقاء زهیر بالحسین من دون الإشارة إلی العثمانیة أو إبائه عن اللقاء، فقال: «وذکروا أنّ زهیر بن القین لقی الحسین وکان حاجّاً، فأقبل معه»(2). وکذلک الطبری، قال: «وذکر أنّ زهیر ابن القین البجلی لقی الحسین وکان حاجّاً فأقبل معه»(3).

الملحوظة الخامسة: استُشهد علی نفی التهمة کذلک بمواقف زهیر وزوجه وأقوالهم بعد عودته من لقاء الحسین(علیه السّلام)؛ فإنّها أقوال ومواقف تنمّ عن أنّهما کانا عارفین بحقّ أهل البیت(علیهم السّلام) ، وأنّ قلبیهما عامران بمودّتهم، کقوله لزوجته: «وقد عزمت علی صحبة الحسین(علیه السّلام) لأفدیه بنفسی، وأقیه بروحی»(4)، وقولها له: «کان الله عوناً ومعیناً خار الله لک، أسالک أن تذکرنی فی القیامة عند جدّ الحسین(علیه السّلام)»(5)، وقوله لها: «فإنّی قد وطنت نفسی علی الموت مع الحسین(علیه السّلام)»(6)، وقول زهیر لأصحابه: «مَن أحب منکم الشهادة فلیقم»(7). وإخباره إیّاهم بحدیث سلمان الفارسی: «إذا

أدرکتم شباب آل محمد فکونوا أشدّ فرحاً بقتالکم معهم ممّا أصبتم الیوم من الغنائم»(8).(9).

ویمکن الجواب بأنّ هذه الأقوال کما تنسجم مع رؤیة مَن یدّعی نفی التهمة عن زهیر وأنّها تکشف عن علویة زهیر وزوجه وموالاتهما لأهل البیت(علیهم السّلام) من أوّل الأمر، کذلک تنسجم تمام الانسجام مع حصول التحوّل والانقلاب الحاصل فی رؤیتهما ومعتقدهما؛ فإنّهما بعد أن زالت عن قلبیهما الغشاوة وأبصرا الحقَّ جلیاً لا یُستغرب أن تبدر منهما هذه الأقوال والمواقف، علی أنّه لا ملازمة بین عثمانیة زهیر - حسب الفرض - وبین عثمانیة زوجته؛ فقد تکون دلهم بنت عمرو امرأة زهیر علویة موالیة وزوجها لم یکن کذلک، وهذا کثیر الحصول فی المجتمع، بل ربما یستدل علی کونها من الموالین لأهل البیت(علیهم السّلام) من قولها لزوجها حین دعاه رسول الحسین(علیه السّلام) فأحجم عن إجابته، فقالت له: «أیبعث إلیک ابن رسول الله ثمّ لا تأتیه؟ سبحان الله! لو أتیته فسمعت من کلامه»(10).

هل خرج زهیر بن القین یتلقی الحسین(علیه السّلام)؟: لم یکتفِ بعض الباحثین بنفی تهمة العثمانیة عن زهیر بل ادّعی وبقوّة أنّه کان علویاً خرج یتلقّی الحسین(علیه السّلام) ویتسقّط أخباره عن درایةٍ وقصد، وألّف فی ذلک کتاباً(11)اعتمد

ص: 78


1- نقله الخوارزمی عن أبی أعثم فی مقتل الحسین(علیه السّلام) 1: 323.
2- أنساب الأشراف 3: 225.
3- تاریخ الطبری 4: 295.
4- اللهوف فی قتلی الطفوف: 44.
5- المصدر السابق.
6- الأخبار الطوال 1: 365.
7- المصدر السابق.
8- الإرشاد 2: 73.
9- اُنظر: مع الرکب الحسینی من المدینة إلی المدینة (وقائع الطریق من مکة إلی کربلاء) 3: 213.
10- تاریخ الطبری4: 298. الأخبار الطوال 1: 364.
11- وهو السید علی جمال أشرف، وکان کتابه تحت عنوان: (زهیر بن القین علوی خرج یتلقّی الحسین(علیه السّلام)).

فیه علی ما سجّله صاحب موسوعة الرکب الحسینی من محلوظات وأدلّة - تقدّم ذکرها - مع بعض الإضافات والأُمور الأُخری، ولکن الشیء المهم الذی أضافه هو نصّ ذکره البکری الأندلسی یدلّ بصراحة علی ما ذکره إذ قال: «قال زهیر بن القین البجلی: غزوت بلنجر، وشهدت فتحها، فسمعت سلمان الفارسی یقول: أفرحتم بفتح الله لکم، فإذا أدرکتم شباب آل محمد، فکونوا أشدّ فرحاً بقتالکم معهم.

فلما سمع زهیر بخروج الحسین بن علی تلقّاه، فکان فی جملته، وقتل معه بکربلاء، وکان الحسین یتمثل فی ذلک الیوم:

لعمرک ما بالموت عارٌ علی الفتی

إذا ما نوی حقّاً وجاهد مسلما

فإن عاش لم یندم وإن مات لم یُلم

کفی بک موتاً أن تذلّ وتظلما»(1).

وقد علّق صاحب الکتاب علی هذا النّص بأنّه تصریحٌ واضحٌ وصریحٌ، وفیه دلالة واضحة علی أنّ زهیراً لم ینسَ فی یومٍ ما بشری سلمان الفارسی، وأنّه خرج قاصداً عامداً میمّماً وجهه نحو سید الشهداء(علیه السّلام) مترقّباً الساعة التی تجمعه فیه(2).

ولکن بالإمکان الإجابة عن هذه الاستدلال بما یأتی:

أوّلاً: إنّ البکری قد تفرّد بهذا الکلام ولم نجد مَن یوافقه فی ذلک، وهو بهذا یخالف أُمّهات المصادر التاریخیة المهمّة، کالطبری، والبلاذری، التی تُثبت عکس ذلک.

ثانیاً: إنّ کتاب البکری لیس من الکتب التاریخیة المتخصّصة فی نقل الأخبار، بل هو لیس من المعاجم العامّة للبلدان، وإنّما هو معجم لغوی خاصّ بتحقیق أسماء المواضع، وقد حدّد البکری غرضه فی مقدمته بأنّه لغوی بحت، یقوم علی الضبط وتصحیح الأسماء أولاً، لا علی جمع الأخبار(3).

ثالثاً: إنّ هذا الخبر مبتلی بالاضطراب والخلط بین أجزائه فیبدو أنّه لا ارتباط بین صدر القصة والأبیات التی تمثّل بها الإمام(علیه السّلام)، ویتّضح ذلک من خلال مراجعة المصادر التاریخیة، فقد ذکرت المصادر التاریخیة صدر الخبر فی سیاق قصة کراهة زهیر اللقاء بالإمام، ثمّ لقاؤه به وتغییر قناعته والتحاقه بالإمام من دون الإشارة إلی الأبیات الشعریة(4)، بینما ذکرت المصادر أنّ الأبیات التی تمثّل بها الإمام(علیه السّلام) إنّما کانت حین التقی الحرّ بن یزید الریاحی بالحسین(علیه السّلام)، ومنعه من الذهاب إلی الکوفة، ثمّ قال الحرّ للإمام فی جملة ما قال له بأنّک لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال له الإمام(علیه السّلام): أفبالموت تخوفنی؟! وسأقول کما قال أخو الأوس لابن عمه، وهو یرید نصرة رسول الله(علیه السّلام)، فخوفه ابن عمه وقال: أین تذهب؟ فإنّک مقتول، فذکر الأبیات(5)، وبهذا یتّضح وجه المناسبة لذکره الأبیات.

وهناک بعض المصادر التی ذکرت مناسبات أُخری لتمثّله بالأبیات لا علاقة لها بقصّة زهیر(6).وعلی هذا فلا یعوّل علی خبر

ص: 79


1- معجم ما استعجم 1: 276.
2- اُنظر: زهیر بن القین علوی خرج یتلقّی الحسین(علیه السّلام): 211.
3- اُنظر: مقدمة محقّق کتاب معجم ما استعجم: 3.
4- تاریخ الطبری4: 299. الکامل فی التاریخ 4: 42.
5- اُنظر: تاریخ الطبری 4: 305. الأمالی (الصدوق): 218 - 219. الإرشاد: 2: 81.
6- کامل الزیارات: 194. مناقب آل أبی طالب 3: 224.

البکری والبناء علیه.

وهناک تشکیکات واستبعادات أُخری أعرضنا عن ذکرها خوف الإطالة؛ إذ لیس غرضنا أن نجهد فی إثبات عثمانیة زهیر بقدر ما نرید أن نقول: إنّ ما کان علیه من توجّه - لو صحّ - لا یعنی بأی حال التقلیل من شأن زهیر بن القین الذی تسنّم ذُری المجد وفاز فوزاً عظیماً فی مقعد صدقٍ عند ملیکٍ مقتدر مع النبیین الشهداء والصدّیقیین.

بل یمکن أن ندّعی بأنّ هذه الانعطافة التاریخیة نحو المجد والعلی هی إحدی دروس النهضة الحسینیة وعبرها، التی یجدر بالأجیال أن تقف عندها وتتمعّن فیها، وفیها أکبر دلیل علی بصیرة زهیر الثاقبة وسریرته النقیة التی أینعت بالإیمان، فأنتجت مواقف بطولیة أذهلت التاریخ، فخشعت صفحاته إجلالاً لها، ففاق بذلک أقرانه حتی الذین عرفوا بولائهم وحبّهم لأهل البیت(علیهم السّلام) .

سرّ التحوّل الفکری والعقدی لزهیر: إذا لم تستطع المحاولات السابقة المذکورة وغیرها أن تبنی فی نفوسنا جداراً بیننا وبین الاعتقاد بعثمانیة زهیر، وظلّ ما نقله لنا التاریخ هو المعتمد، فیمکننا - فیما لو أردنا أن نحلّل هذه القضیة - أن نقول: إنّ هذا التوجه الفکری والعقدی لزهیر بن القین لا یخرج عن فرضین:

الأوّل: هو إن انحراف زهیر عن أهل البیت(علیهم السّلام) کان متجذراً فی وجدانه وولید تراکمات فکریة أو بیئیة أو مجتمعیة، وعلی مدی زمن طویل ولم یکن حالة طارئة، فعلی هذا الفرض للمرء أن یتساءل عن سرّ هذا التحول الکبیر فی المسار الفکری للشهید، هل کان بتأثیر شخصیة الإمام الحسین(علیه السّلام)؟ وهل أطلعه علی أُمور غیّرت مجری تفکیره؟ ولاستجلاء بعض جوانب هذه المسألة نسلّط الضوء علی شاهد قرآنی شبیه إلی حدٍّ بعید بقصة زهیر بن القین فی هذا الفرض، وهی سحرة فرعون الذین حشدهم للانتصار علی نبی الله موسی(علیه السّلام) ومعجزته العصا، وعندما تبین لهم الحق وأنّ هذا لیس من صنع البشر «لم یجدوا بدّاً دون أن یخرّوا علی الأرض سجّداً کأنّهم لا إرادة لهم فی ذلک»(1)، «فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَی »(2). فأُصیب الناس بالدهشة وخیّم علیها الذهول وهم یرون أمامهم شخصاً واحداً ینتصر علی عظماء السحرة، بل یؤمنوا به وبدینه، فیجنّ فرعون ممّا یری وتثور ثائرته، «قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَیُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَی »(3). ما السبب فی هذا التغییر السریع من الکفر إلی الإیمان، وما هو السبب فی هذا التحوّل العمیق؟

إنّه عامل العلم والوعی «قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَکَ عَلَی مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَیِّنَاتِ وَالَّذِی فَطَرَنَا »(4)، إن هؤلاء لمّا کانوا عالمین بفنون السحر وأسراره، وأیقنوا بوضوح تامّ أنّ عمل موسی لم یکن سحراً، بل هو معجزة إلهیة، غیّروا مسیرهم بتلک الشجاعة والحزم(5). وردّوا علی تهدید فرعون بالتعذیب والقتل بکلّ ثقةٍ واطمئنان « فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِی هَذِهِ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا» (6). قال العلّامة الطباطبائی: «هؤلاء المؤمنون وقد أدرکهم الحقّ وغشیهم فأصفاهم

ص: 80


1- تفسیر المیزان14: 180.
2- طه: آیة70.
3- طه: آیة71.
4- طه: آیة 72.
5- اُنظر: الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل10: 39.
6- طه: آیة 72.

وأخلصهم لنفسه، فهم یرون ما یعده فرعون حقیقة من أمتعة الحیاة الدنیا من مالها ومنزلتها سراباً خیالیاً وزینة غارّة باطلة، وأنّهم إذا خیروا بینه وبین ما آمنوا به فقد خیروا بین الحقّ والباطل، والحقیقة والسراب»(1).

فلأجل تحقیق التغییر وإیجاد تحوّل فی مسیرة الأفراد والمجتمعات المنحرفة لا بدّ أوّلاً وقبل کلّ شیء إیجاد الوعی الصحیح فی وجدان أفراد الأُمّة، ووضع مؤشر تفکیرهم فی الاتجاه الصحیح، وهذا ما حصل لزهیر بن القین حین التقی بالإمام الحسین(علیه السّلام)، فیمکن أن یکون الإمام قد شخّص له مواطن خطأه واشتباهه، وبیّن له ما ینتظره من النعیم المقیم فیما إذا التحق بأهل البیت(علیهم السّلام) ونصرهم، فانقشعت بنور کلمات الإمام الظلمات عن وجدان زهیر بن القین، وأشرقت روحه بحبّ آل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فحدث فی نفسه هذا التحول الذی طلق معه الدنیا بکلّ ما فیها وآثر الاستشهاد مع ابن بنت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) غیر آبهٍ بما یصیبه من أذی فی سبیل ذلک، «ولکن مع الالتفات إلی أنّ مثل هذا الانقلاب والتحوّل والاستقامة لیس ممکناً إلاّ فی ظلّ الإمدادات الإلهیة، ومن المسلم أنّ کلّ مَن اختار سلوک طریق الحقّ، شملته هذه العنایات الربّانیة، والإمدادات الإلهیة»(2).

وأمّا الفرض الثانی: فهو أن تکون عثمانیة زهیر ناشئة من شبهة عارضة وقناعة مبنیة علی أُمور وهمیّة، ولم تکن اعتقاداً متأصّلاً فی قرارة نفسه، فمن الممکن أن یکون زهیر من الموالین والمحبّین لأهل البیت(علیه السّلام)، إلاّ أنّه قد عرض له عارض غیّر فیه بعض القناعات، فاعتقد مثلاً أنّ الخلیفة عثمان قُتل مظلوماً، وکان یفترض بالإمام(علیه السّلام) أن یقتصّ من قتلته وما شابه ذلک، ولکن من دون أن یکون مبغضاً لأهل البیت أو محارباً لهم، وهذه العوارض الفکریة والعقدیة طالما تحصل لبعض الموالین فتتشوّش لدیهم الرؤیة، ومن ذلک ما یُنقل عن أبی ثابت مولی أبی ذر فی حرب الجمل - وکان مع أمیر المؤمنین(علیه السّلام) - حین نظر إلی المعسکر الآخر، فخامره الشک فی وقوفه مع علی(علیه السّلام) حین رآی الزبیر وطلحة صاحبی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعائشة زوجه، فما کانت إلّا برهة حتی استیقن سلامة موقفه، وأنَّ علیاً(علیه السّلام) أوّل القوم إسلاماً وأخو الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولا یُقدم علی شبهة، فثبت وقاتل معه، حتی رجع المدینة فاستأذن للدخول علی أُمّ سلمة، فبارکت موقفه وأثنت علیه وذکّرته بحدیث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی علی(علیه السّلام) وأنّه مع القرآن والقرآن معه ولا یفترقان حتی یردا علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الحوض(3).

فیمکن أن تکون حالة زهیر من هذا النوع، ولکن حین جمعه الطریق بالحسین(علیه السّلام) أزال الإمام(علیه السّلام) ما قد علق فی روحه من شکّ وشبهة، فعادت نقیة صافیة مبصرة للحق، فحدث عنده هذا التغیّر لیعلن ولاءه ونصرته للإمام(علیه السّلام).

مکانة زهیر وشجاعته ومواقفه فی کربلاء: إنّنا سواء قلنا: إنّ الشهید زهیر بن القین البجلی کان علوی الهوی ومن أتباع أهل البیت وموالیهم. أم اعتقدنا أنّه کان عثمانیاً، إلاّ أنّ لقاءه التاریخی بالإمام قلب کیانه رأساً علی عقب. فإن التحاقه برکب الحسین(علیه السّلام) یعدّ انعطافة تاریخیة فی حیاة الشهید زهیر نحو المجد والخلود والفوز برضوان الله تعالی.

ویظهر من بعض الدلائل والنصوص التاریخیة أنّ وجود الشهید زهیر فی الرکب

ص: 81


1- تفسیر المیزان 14: 181.
2- الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل10: 39.
3- اُنظر: الجمل: 222 - 223.

الحسینی کان وجوداً ممّیزاً، فرضته شخصیة الشهید المتّزنة وعقله الراجح، وهذا ما نلمسه حین أشار علی الإمام الحسین(علیه السّلام) بمناجزة جیش الحر حین حاصرهم ومنعهم من النزول فی الغاضریة أو نینوی، وقد أیّده الإمام وصوّب رأیه، ولکن الإمام کره أن یبدأهم بقتال حتی یبدؤوا(1)، وهو الأمر الذی تملیه مبادئ النهضة الحسینیة السامیة، وأخلاق أهل البیت(علیهم السّلام) فی الحرب والقتال.

وما یُروی أنّ الإمام الحسین(علیه السّلام) صحب زهیراً ووصلوا إلی کربلاء، فقال له الإمام: «یا زهیر، اعلم أنّ ها هنا مشهدی، ویحمل هذا من جسدی - یعنی رأسه - زحر بن قیس، فیدخل به علی یزید یرجو نواله، فلا یعطیه شیئاً»(2). وهذا یکشف بطبیعة الحال عن المکانة التی یتبوؤها زهیر عند الحسین(علیه السّلام)، والدرجة العالیة التی وصل إلیها حتی استحقّ أن یخصّه الإمام بهذا الحدیث المهم.

لقد أفصحت مواقف زهیر بن القین قبیل عاشوراء وأثنائها عن یقینه الثابت وإیمانه الراسخ، فحینما رأی الحسین(علیه السّلام) تکالب الأعداء وتواتر الجیوش المدجّجة بالسلاح أحلّ أصحابه عن بیعته، وأشار علیهم بأنّ یتخذوا من اللیل جملاً(3)، وأجابه الأصحاب بإجابات متعدّدة رافضین فیها التخلّی عنه، وموطِّنین أنفسهم علی الموت معه والتضحیة دونه، ولکن کانت لکلمات الشهید زهیر وقع مختلف جعل المؤرِّخین یقفون عندها ویتناقلونها، قال: «والله،

لوددتُ أنّی قُتلت ثمّ نشرت، ثمّ قُتلت، حتی أُقتل کذا ألف قتلة، وأنّ الله یدفع بذلک القتل عن نفسک وعن أنفس هؤلاء الفتیة من أهل بیتک»(4). فهو یجد الموت بحدّ السیوف آلاف المرات دفاعاً عن الحسین(علیه السّلام) وأهل بیته أقلّ ما یمکن أن یقدّمه فی هذا السبیل.

وفی کلامٍ له قاله نیابة عن أصحابه عقّب فیه علی کلامٍ للإمام(علیه السّلام) (بذی حسم) حین قال: «نزل من الأمر ما قد ترون... ألا ترون أنّ الحقّ لا یُعمل به، وأنّ الباطل لا یُتناهی عنه، لیرغب المؤمن فی لقاء الله محقّاً، فإنّی لا أری الموت إلّا شهادة ولا الحیاة مع الظالمین إلّا برماً»، فإجاب زهیر بعد أن استأذن أصحابه، فحمد الله وأثنی علیه، ثم قال: «سمعنا

- هداک الله یا بن رسول الله - مقالتک، والله، لو کانت الدنیا لنا باقیة، وکنّا فیها مخلّدین إلّا أنّ فراقها فی نصرک ومواساتک، لآثرنا الخروج معک علی الإقامة فیها»، فدعا له الحسین، ثمّ قال له خیراً(5).

إنّ هذا الإیمان الذی طفحت به نفس زهیر بن القین کان من الطبیعی أن یفیض حباً وشفقةً حتی علی أعدائه ومناوئیه، فبعد أن بان أمامه طریق الحق واضحاً أبلج، راح یقدّم النصح والإرشاد لقومه، ویبالغ فی استمالتهم نحو طریق الهدایة والاستقامة، وحثّ أهل الکوفة علی الوقوف بوجه الظلم، وحذّرهم وقوع السیف بین الأخوة، فحینها لا یبقی رعایة لدمٍ ولا أُخوّة. فلم یسمعوا نداءه وسبّوه، حتی أمره الإمام بالرجوع وشکره لنصحه قومه فقال له: «لئن کان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ فی الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ»(6).

شجاعته ومواقفه: عندما بدأت نذر الحرب فی کربلاء تلوح فی الأُفق وتلبدت

ص: 82


1- اُنظر: الفتوح5: 80 - 81. الإرشاد2: 84. الأخبار الطوال: 252.
2- دلائل الإمامة: 182.
3- الأمالی(الصدوق): 220.
4- تاریخ الطبری 4: 318. الإرشاد: 2: 92.
5- تاریخ الطبری 4: 305.
6- اُنظر: المصدر نفسه 4: 323 - 324.

سماؤها بغیوم المواجهة الحتمیة، فلا مکان حینذاک إلّا لمعادن الرجال الأصیلة، والنفوس التی ألفتها الشجاعة؛ فلذا نسمع اسم زهیر بن

القین کان یتردّد فی أکثر من مناسبة، ونجده فی أکثر من مهمّة، فنراه فی کتیبة العباس التی انتدبها الإمام(علیه السّلام) لاستطلاع أمر الجموع الزاحفة علیهم فی عصر یوم التاسع من المحرم§ُنظر: أنساب الأشراف 3: 184. تاریخ الطبری 4: 315.(1) اُنظر: الإرشاد 2: 95. تاریخ الطبری4: 320.(2) اُنظر: تاریخ الطبری4: 334.(3) اُنظر: مثیر الأحزان: 48.(4) اُنظر: أنساب الأشراف 3: 196. تاریخ الطبری 4: 336.


1- . ویقع علیه اختیار الإمام(علیه السّلام) فی ظهر یوم عاشوراء، وهو ینظم أصحابه ویعدهم لیکون قائداً بارزاً علی رأس میمنة جیش الإمام
2- ؛ لشجاعته ودرایته فی أُمور الحرب والقتال التی خبرها منذ کان شاباً فی الفتوحات الإسلامیة. وأبلی الشهید زهیر بن القین بلاءً حسناً وهو یقارع الشجعان ویناجز الفرسان، مدافعاً عن حرائر النبوة وعقائل الرسالة، فلمّا یهجم شمر اللعین بمرتزقته علی خیم النساء والأطفال ویدخل الرعب فی قلوبهم یحمل علیهم زهیر فی عشرة من أصحابه، فیکشفهم عن البیوت، فیقتل بعضاً ویولّی البعض الآخر هارباً
3- . وفی موقف رسالی بطولی یقدمه لنا زهیر فحین تحضر الصلاة یأمره الإمام هو وسعید بن عبد الله الحنفی لیتقدّما أمامه فیقیانه من السهام والنبال حتی یصلّی بمَن تبقّی من أصحابه صلاة الخوف
4- . وسام الشهادة: ینقل المؤرِّخون أنّ زهیراً کان یقاتل قتالاً شدیداً بین یدی أبی عبد الله(علیه السّلام) وهو یرتجز: أنا زهیر وأنا ابن القین أذودهم بالسیف عن حسین ویقول للحسین(علیه السّلام): أقدم هدیت هادیاً فالیوم تلقی جدّک النبیا وحسناً والمرتضی علیا وذا الجناحین الفتی الکمیا وأسد الله الشهید الحیا فشدّ علیه مهاجر بن أوس التمیمی وکثیر بن عبد الله الشعبی فقتلاه

الحسین أستاد ولی، علی أکبر الغفاری، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم. الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ناصر مکارم الشیرازی، خال من البیانات. الإنباه علی قبائل

الرواة، یوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقیق:

إبراهیم الأبیاری، دار الکتاب العربی، بیروت، ط1، 1405ه-. أنساب الأشراف، أحمد بن یحیی بن جابر (البلاذری)، تحقیق: د. سهیل زکار، الناشر، دار الفکر، بیروت، ط1. تاریخ الأمم والملوک (تاریخ الطبری)، محمد بن جریر الطبری، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط4، 1403ه-.. تاریخ مدینة دمشق وذکر فضلها وتسمیة من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحیها من واردیها وأهلها، علی بن الحسن بن هبة الله (ابن عساکر)، تحقیق: علی شیری، دار الفکر، بیروت، 1415ه-.. الجمل، محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی (المفید)، مکتبة الداودی، قم. دراسات تاریخیة مع تعلیقة فی منهج البحث وتحقیق المخطوطات، أکرم ضیاء العمری، الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنوّرة، المجلس العلمی إحیاء التراث الإسلامی، ط1، 1403ه-. دلائل الإمامة، محمد بن جریر الطبری (الشیعی)، تحقیق ونشر: مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1413ه-.الروض المعطار فی خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحمیری، تحقیق: إحسان عباس، مکتبة لبنان، بیروت، ط2، 1984ه-. روضة الواعظین، محمد بن الفتال النیسابوری، منشورات الشریف الرضی، قم. زهیر بن القین علوی خرج یتلقّی الحسین(علیه السّلام)، علی جمال أشرف، دار الأنصار، قم، ط1، 1429ه-. الطبقات الکبری، محمد بن سعد، دار صادر، بیروت. فتح الباری شرح صحیح البخاری، أحمد بن علی بن حجر العسقلانی، دار المعرفة، بیروت، ط2. الفتوح، أحمد بن أعثم الکوفی، تحقیق: علی شیری، دار الأضواء بیروت، ط1، 1411ه-..کامل الزیارات، جعفر بن محمد بن قولویه القمی، تحقیق: جواد القیومی، مؤسسة نشر الفقاهة، قم، ط1، 1417ه-. الکامل فی التاریخ، علی بن محمد (ابن الأثیر)، دار صادر، بیروت، 1386ه-.. اللهوف فی قتلی الطفوف، علی بن موسی بن جعفر(ابن طاوس)، أنوار الهدی، قم، ط1، 1417ه-. مثیر الأحزان، جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله (ابن نما الحلی)، المطبعة الحیدریة، النجف، 1369ه-. مع الرکب الحسینی من المدینة إلی المدینة (وقائع الطریق من مکة إلی کربلاء)، محمد جواد الطبسی، دار المرتضی، بیروت، ط1، 1433ه-. معجم البلدان، یاقوت بن عبد الله الحموی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1399ه-. المعجم الکبیر، سلیمان بن أحمد الطبرانی، تحقیق وتخریج: حمدی عبد المجید السلفی، ط2، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.معجم قبائل العرب القدیمة والحدیثة، عمر رضا کحاله، دار العلم للملایین، بیروت، ط2، 1388ه-. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، عبد الله بن عبد العزیز البکری الأندلسی، تحقیق وضبط: مصطفی السقا، علم الکتب، بیروت، ط3، 1403ه-. مقتل الحسین(علیه السّلام) للخوارزمی، الموفق بن أحمد المکی أخطب خوارزم، تحقیق، محمد السماوی، أنوار الهدی، قم، ط5، 1431ه-. مناقب آل أبی طالب، محمد بن علی بن شهرآشوب، المکتبة الحیدریة، النجف، 1376ه-.. مواقف المعارضة فی عهد یزید بن معاویة، محمد بن علی الشیبانی، دار طیبة، الریاض، ط2، 1430ه-. المیزان فی تفسیر القرآن، محمد حسین الطباطبائی، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم. نشأة علم التاریخ عند العرب، عبد العزیز الدوری، مرکز زاید للتراث والتاریخ، 1420ه-. النهایة فی غریب الحدیث والأثر، المبارک بن محمد (ابن الأثیر)، تحقیق: حمود محمد الطناحی، طاهر أحمد الزاوی، مؤسسة إسماعیلیان، قم، ط4، 1463ش. وقعة الطفّ لأبی مخنف، تحقیق: محمد هادی الیوسفی الغروی، المجمع العالمی لأهل البیت(علیهم السّلام) ، دار التعارف، بیروت، ط3، 1423ه-.

حاتم البخاتی

لُبس السّواد

أوّلاً: التعریف: اللبس - بالضم -: مصدر قولک لبست الثوب ألبس. واللباس: ما یلبس

ص: 84

ویواری به الجسد(1). وأصل اللبس المداخلة والمخالطة، قال ابن فارس: «اللام والباء والسین أصلٌ صحیح واحد یدلّ علی مخالطة ومداخلة، ومن ذلک لبست الثوب ألبسه، وهو الأصل ومنه تتفرّع الفروع»(2).

والسّواد: لونٌ معروف، وهو ضدّ البیاض(3)، وعلیه یکون المراد من لبس السّواد ارتداء الثیاب السّود.

هذا فی اللغة، وأمّا علمیاً فهو: عبارة عن غیاب الضّوء، وعدم وصوله للعین، فهو لیس لوناً بل غیاب الضّوء(4).

ویمکن تعریفه بأنّه: ذلک الانطباع الذی یترک فی العین عندما لا تأتی أی أشعة ضوئیة باتجاه العین، أی لا تتحفز أی من المستقبلات اللونیة فی العین بفعل الأشعة الضوئیة.

ومن هنا قالوا بأنَّ اللّون الأسود لیس لوناً حقیقیاً فهو غیر موجود فی ألوان الطّیف بل هو یمتصّ جمیع الألوان ولا یعید أیّ لون منها.

وممّا یؤیّد ذلک ما ورد فی بعض النصوص الرّوائیة والأدبیة التی یُستفاد منها أنَّ المتوفّی کأنّه کان بمثابة الضّوء والنّور لأقربائه فی الحیاة، وموته انطفاء ذلک الضّوء فتکون الدنیا مظلمةً بفقده، ومن ذلک خطاب الزّهراء(علیهاالسّلام) لأبیها بعد وفاته ووقوفها علی قبره: «یا

أبتاه، انقطعت بک الدنیا بأنوارها، وزوت زهرتها، وکانت ببهجتک زاهرة، فقد اسودَّ نهارها فصار یحکی... رطبها ویابسها»، وقالت أیضاً: «لو تری المنبر الذی کنت تعلوه علاه الظلام بعد الضیاء»(5). وقول علی(علیه السّلام) فی رثاء فاطمة عند دفنها: «لقد

اسودّت علیَّ الغبراء، وبعدت عنی الخضراء...»(6)، وقول الإمام زین العابدین(علیه السّلام) عندما أراد مواراة أبیه الإمام الحسین(علیه السّلام) حیث وضع خدّه علی منحره الشریف وقال: «طوبی لأرض تضمن جسدک الطّاهر، فإنَّ الدنیا بعدک مظلمة، والآخرة بنورک مشرقة»(7). وغیر ذلک.

ثانیاً: خصائص اللون الأسود ودلالاته: ذکر علماء النّفس والاجتماع أنَّ للّون تأثیراً سیکولوجیاً (psychology) علی النفس، فتحدث أحاسیس ینتج عنها اهتزازات بعضها یحمل سمات الرّاحة، والآخر یحمل صفات الإرهاق والاضطراب، وتنقسم هذه التأثیرات إلی مباشرة کالفرح والحزن، وغیر مباشرة تتغیر حسب الفرد.

فاللون الأصفر - علی سبیل المثال - یبعث علی السّرور، ولعل ما فی قوله تعالی: « إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِینَ » إشارة إلی ذلک، فی حین أنَّ اصفرار الجسم علامةٌ علی عدم الصّحة، واصفرار الزّرع قبل أوان اصفراره علامةٌ علی فساده، واللّون الأحمر یشیر إلی العاطفة الجیّاشة والاندفاع کما یشار به إلی القتال والحروب والدّم؛ حتّی أنَّ بعض القبائل العربیة تجعل اللّون الأحمر شعاراً لها لتخویف أعدائها.

بل ربّما یتعدّی تأثیر اللّون المجال النّفسی فیکون له تأثیرٌ فیسیولوجی (Physiology) کما فی اللّون الأحمر ؛ حیث إنَّ التعرّض له لفترة طویلة یؤدّی إلی زیادةٍ فی ضغط الدّم(8)،

وقد استعمل هذا اللّون فی علاج فقر الدّم

ص: 85


1- العین 7: 262 . الصحاح 3: 973. لسان العرب 6: 202.
2- معجم مقاییس اللغة 5: 230.
3- العین 7: 281. الصحاح 2: 491.
4- معجم مقاییس اللغة 3: 114.
5- بحار الأنوار 43: 174 - 177.
6- المصدر نفسه: 180.
7- مقتل الحسین (المقرّم): 320 .
8- روائع الإعجاز النّفسی فی القرآن الکریم: 134: http: //www.kaheel7.com/Rawaee-nafs.pdf

والأکزیما (Eczema)، وقدیماً کانت الأمهات تُلبس الأطفال المصابین بمرض الحصباء ملابسَ حمراء، ولازالت هذه العادة جاریةً إلی هذا الیوم(1).

ومن خصائص اللّون الأسود أنّه یرمز من جهة للقوّة، ویدل علی احترام النّفس والاعتزاز بها، وفی الوقت نفسه هو لون الاکتئاب والحزن والحداد، فهو اللّون التقلیدی للحداد فی الکثیر من البلدان.

وقد ورد فی بعض الآیات والرّوایات ما یؤید ذلک فقد جاء فی بعضها أنّه سبب لحصول الاختیال وأنّه من لباس الجبّارین، وفی أُخری أنّهُ یورث الهمّ، أو أنّه علامة علی الحزن والاکتئاب، وغیر ذلک من الآثار السلبیة من الناحیتین الصحیة والأخلاقیة، ومن تلک النّصوص:

أ - قوله تعالی: «وَیَوْمَ الْقِیَامَةِ تَرَی الَّذِینَ کَذَبُوا عَلَی اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْوًی لِلْمُتَکَبِّرِینَ »(2).

واسوداد وجوههم حینئذٍ لما أحاط بهم وشاهدوه من غضب الله ونقمته(3)، ولیس المعنی کنائیاً، بل ظاهر الآیة أنَّ وجوههم تسودُّ حقیقةً(4)، فالاسوداد هنا آیة الذلة(5).

ب - قوله تعالی: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ کَظِیمٌ »(6).

أی صار وجهه مسوداً مربداً من الکآبة(7) والغم، وهو کظیم أی مملوءٌ کرباً وغیظاً(8).

وقیل فی تفسیر ذلک علمیاً أنَّ الأبحاث الطبیة والنفسیة قد قررت أنَّ الوجه مرآة النفس؛ لأنَّ شکل الوجه یتوقّف علی الحالة التی تکون علیها العضلات التی تتحرّک داخل الدهن تحت الجلد، وتتوقّف حرکتها علی حالة أفکارنا وانفعالاتنا، فالغیض المکظوم یظهر علی الوجه فیحتقن ویظهر محمرّاً أولاً، واذا اشتد کظم الغیض وطال أمد احتقان الوجه یبدو مسودّاً، وهو ما یشاهد فعلاً(9)).

ج - قوله تعالی: «یَوْمَ تَبْیَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِینَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَکَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمَانِکُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ «وَأَمَّا الَّذِینَ ابْیَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِی رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ »(10).

قال الراغب: «ابیضاض الوجه عبارة عن المسرّة واسودادها عبارة عن المساءة»(11).

إذاً فی هذه الآیات إشارةٌ إلی الحزنِ والکآبة والأذی التی یکون علیها الإنسان فی تلک الحالات، ویضادّه اللّون الأبیض الذی یرمز إلی الطّهارة والاستبشار، ونحو ذلک، سواءً أکان المراد بالاسوداد والابیضاض هو المعنی الکنائی أم الحقیقی أی سواد اللون وبیاضه حقیقةً، ففی الحالین هو یرمز للحزن والغم، وعکسه البیاض.

ولعلّ ما تقدّم من التفسیر العلمی فی الآیة المتقدّمة یؤیّد إرادة المعنی الحقیقی إلّا أنّنا لسنا فی صدد تحقیق ذلک، فإنّ غرضنا هنا یتحقّق فی الحالتین کما هو واضح.

ص: 86


1- معجزة القرآن فی دنیا الألوان: http: //alexandrie.yoov.com/forum.htm
2- الزمر: آیة60.
3- تفسیر القرطبی 15: 273. فتح القدیر 4: 472.
4- تفسیر الثعالبی 5: 98.
5- المیزان فی تفسیر القرآن 17: 284.
6- النحل: 58.
7- تفسیر جوامع الجامع: 2: 332.
8- المیزان فی تفسیر القران: 18: 90.
9- القرآن وإعجازه العلمی (محمد إسماعیل إبراهیم): 167.
10- آل عمران: 106 - 107.
11- المفردات فی غریب القرآن: 246

ومنها الروایات الواردة فی النهی عن النعل السوداء، وتفضیل الصفراء والبیضاء، وهی:

أ - ما روی عن أبی عبدالله(علیه السّلام) أنّه نظر إلی بعض أصحابه وعلیه نعل سوداء فقال: «مالک وللنعل السوداء أما عملت أنها تضر بالبصر وترخی الذکر وهی بأغلی الثمن من غیرها وما لبسها أحد إلا اختال فیها»(1).

ب - روی حنان بن سدیر قال: دخلتُ علی أبی عبدالله(علیه السّلام) وفی رجلی نعل سوداء فقال: «یا حنان، مالک وللسوداء؟ أما علمت أنّ فیها ثلاث خصال: تضعف البصر، وترخی الذکر، وتورث الهم، ومع ذلک من لباس الجبارین»(2).

ج - عن عبیدة بن زرارة قال: رآنی أبو عبد الله(علیه السّلام) وعلیَّ نعل سوداء فقال: «یاعبید، مالک وللنعل السوداء؟ أما علمت أنَّ فیها ثلاث خصال: ترخی الذکر وتضعف البصر، وهی أغلی ثمناً من غیرها وأنَّ الرّجل یلبسها وما یملک إلّا أهله وولده فیبعثه الله جباراً»(3).

د - عن عبد الملک بن بحر صاحب اللؤلؤ قال: «مَن أراد لبس النعل فوقعت له صفراء إلی البیاض لم یعدم مالاً وولداً، ومَن وقعت له سوداء لم یعدم همّاً وغمّاً»(4).

بینما ورد التأکید فی الرّوایات علی النعل البیضاء والصّفراء، وأنّها تزیل الهم وتجلب المال والعمل، وتسرّ الناظر، وغیر ذلک(5).

ومنها: الرّوایات الدالّة علی أنَّ السّواد لباس آل فرعون کقول أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فیما علّم أصحابه: «لا

تلبسوا السواد فإنّه لباس فرعون»(6).

وغیر ذلک ممّا یشیر إلی أنّه لباس تکبّر وتجبر واعتداد بالنفس، کما أنّه لباس حزن وحداد.

ثالثاً: لبس السّواد لدی الأُمم والشّعوب: الظّاهر أنَّ لبس السّواد عند المصیبة من التّقالید المعروفة عند الأُمم والشّعوب قبل الإسلام وبعده؛ فکان الإیرانیون والیابانیون والرومانیون والمصریون والیهود القدماء، وغیرهم یلبسون السّواد حداداً وحزناً علی موتاهم، وإنْ کانت بعض الأُمم تلبس ألواناً أُخری، ولم یکن ذلک عن غیر قصد، بل لکلّ تقلید فی اللباس منشأ وقصد؛ فإنَّ کلَّ أُمّة أو شعب یدّعی أنّ اللون الذی یختاره یرمز إلی شیء؛ فالأصفر یرمز إلی سقوط الجسد؛ لأنَّه لون الورقة عند ذبولها، والأزرق یرمز إلی المسکن السّماوی الذی تصیر إلیه نفس الصّدّیق، والرّمادی إشارة عند البعض إلی أدمة التّراب الذی منه المنشأ وإلیه المصیر، والأبیض عند الصینین إشارة إلی الطّهارة والخلود، والأسود عند الرّومان والیونان إشارة إلی المقر المظلم الذی یصیر إلیه کلّ میّت(7).

ولعلّ الأسود عند العرب والمسلمین یرمز إلی ما تقدّمت الإشارة إلیه من انطفاء شعلة الحیاة، فتکون الدّنیا مظلمة ومسودّة فی عیون الأقرباء، وغیر ذلک.

وقیل: إنَّ المتأخرین من الشّعوب المتمدّنة تکاد أنْ تکون ملابس الحداد عندهم واحدة، ویحسبون اللّون الأسود

ص: 87


1- وسائل الشیعة 5: 67، ب38 من أبواب أحکام الملابس ولو فی غیر الصلاة، ح1.
2- المصدر نغسه: ح2.
3- المصدر نفسه: ح3.
4- المصدر نفسه: ب39، ح1.
5- اُنظر: المصدر نفسه: 68 - 70، ب39- و40من أبواب أحکام الملابس ولو فی غیر الصلاة .
6- مَن لا یحضره الفقیه 1: 251.
7- اُنظر: دائرة المعارف للبستانی: 6: 710 - 713.

ألیق من سائر الألوان(1).

وهناک شواهد کثیرة علی جریان هذه العادة بین مختلف الأقوام، والعرب علی الخصوص، حتّی قیل: إنَّ أوّل من خالف ذلک ولبس البیاض عند الحزن علی المیت هم ملوک الغرب من بنی أُمیّة قصداً لمخالفة بنی العباس فی لباسهم السّواد (2)، وأنّ أهل الأندلس أخذوا ذلک من الأُمویین(3)، وفی ذلک یقول الحسن بن علی بن عبد الغنی الحصری:

إذا کان البیاض لباس حزنٍ

بأندلس فذاک من الصّواب

ألم ترنی لبست بیاض شیبی

لأنّی قد حزنت علی الشّباب(4)

وقیل لراهبٍ علیه مدرعة شعر سوداء: ما الّذی حملک علی لبس السّواد؟ فقال: هو لباس المحزونین وأنا أکبرهم...(5).

وقال بعضهم: لقیت راهباً علیه سواد فقلت له فیه، فقال: ما تلبس العرب إذا مات لهم میّت؟ قلت: السّواد، قال: فأنا فی حداد الذّنوب(6).

ولمّا أصابت قریش من النّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأصحابه یوم أحد سوّد الأنصار الثّیاب کما تصنع العرب فی ثیابها عند المصائب(7).

ومن الشّواهد الواضحة علی ذلک أیضاً تفسیر اللّغویین للحداد بثیاب المأتم السّود(8)، وکذا (السلاب)، فقد رُوی عن الرّسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّه قال لأسماء بنت عمیس بعد مقتل جعفر: «تسلّبی ثلاثاً ثمّ اصنعی ما شئتِ»، أی البسی ثوب الحداد وهو السّلاب، والجمع سلب، وتسلّبت المرأة إذا لبسته، وقِیل: هو ثوبٌ أسود تغطی به المُحدُّ رأسها.

ومنه حدیث بنت أُمّ سلمة «أنّها بکت علی حمزة ثلاثة أیّام وتسلّبت»(9).

وقال ابن منظور: «وفی الحدیث عن أسماء بنت عمیس: أنّها قالت لمّا أُصیب جعفر: أمرنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال: (تسلّبی ثلاثاً ثمّ اصنعی ما شئتِ). تسلبّی أی البسی ثیاب الحداد السّود، وهی السّلاب وتسلّبت المرأة إذا لبسته، وهو ثوب ٌ أسود تغطّی به المحدُّ رأسها»(10).

فهذه کلّها شواهد علی أنَّ الأسود لباس الحزن والحداد عند العرب قبل الإسلام وبعده.

رابعاً: حکم لبس السّواد: وردت عدّة روایات تنهی عن لبس السّواد سواءً فی النعل أم الثیاب، وقد تقدّمت الرّوایات النّاهیة عن النّعل السّوداء والحاثّة علی البیضاء والصفراء مع التّنبیه علی علّة ذلک، والإرشاد إلی الآثار المترتبة علی کلٍّ منها، وأمّا الرّوایات النّاهیة عن الثّیاب السّود فهی مستفیضةٌ:

فمنها: الرّوایات الدّالة علی أنّه لباس فرعون، کالذی رواه الصّدوق قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السّلام) فیما علم أصحابه: لا تلبسوا السّواد فإنّه لباس فرعون(11).

ص: 88


1- المصدر نفسه 6: 712 .
2- الوسائل إلی معرفة الأوائل: 80.
3- المحاضرات والمحاورات: 408.
4- المصدران نفسهما.
5- التّحصین: 15 .
6- ربیع الأبرار ونصوص الأخبار: 3: 747 .
7- أخبار الدّولة العباسیة: 247.
8- الصّحاح: 2: 463.
9- النهایة فی غریب الحدیث 2: 387.
10- لسان العرب 1: 473، وأیضاً: 3: 143. واُنظر للحدیث المذکور: نیل الأوطار7: 97. فتح الباری 9: 429 .
11- مَن لا یحضره الفقیه 1: 251، علل الشرایع 2: 347. الخصال: 615.

ومنها: ما دلَّ علی أنّه لباس أهل النّار، فقد روی الصّدوق - أیضاً - بإسناده عن حذیفة بن منصور أنّه قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السّلام) بالحیرة، فأتاه رسول أبی العباس الخلیفة یدعوه، فدعا بممطرةٍ أحد وجهیه أسود والآخر أبیض فلبسه، ثمّ قال(علیه السّلام): «أما إنّی ألبسه وأنا أعلم أنّه لباس أهل النّار»(1). ورواه

الکلینی عن محمد بن سنان(2)، وقد ذکر الصّدوق أنّه(علیه السّلام) لبسه للتقیة، وأنّه إنّما أخبر حذیفة بن منصور بأنّه لباس أهل النّار؛ لأنّه ائتمنه. وقد دخل إلیه قومٌ من الشّیعة یسألونه عن السّواد ولم یثِق إلیهم فی کتمان السّر فاتقاهم فیه، فقد روی داوود الرقی قال: کانت الشّیعة تسأل أبا عبد الله عن لبس السّواد، قال: فوجدناه قاعداً علیه جبّة سوداء، وقلنسوة سوداء، وخُفّ أسود، مبطّن بسواد، قال: ثمّ فتق ناحیةً منه، وقال: «أما إنّ قطنه أسود وأخرج منه قطناً أسود، ثمّ قال: بیّض قلبک والبس ما شئت»(3).

ومنها: ما دلَّ علی أنّه لباس بنی العبّاس فقد رُوی أنَّ جبرئیل(علیه السّلام) هبط علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی قباء أسود ومنطقة فیها خنجر فقال: یا جبرئیل ما هذا؟ فقال زیّ ولد عمّک العباس یا محمد، ویل لولدک من ولد عمّک العباس(4).

ومن المعلوم أنَّ السّواد أصبح شعاراً لبنی العباس فقد کان شعارهم فی حرکتهم الرّایات السّود ولبس السّواد وربّما علّلوا ذلک بأنّه حزن علی شهداء کربلاء، وغیرهم من شهداء أهل البیت، وبعد ذلک ألزموا أعضاء دولتهم وعامّة النّاس بذلک حتّی عُرفوا ب-(المسوّدة)(5).

وبما أنَّ الفراعنة وبنی العبّاس أعداء الله ورسوله وأهل بیته، فلا ینبغی التشبّه والاقتداء بهم؛ فقد نهینا عن ذلک، وقد ورد عن الصّادق(علیه السّلام) أنّهُ قال: «أنّه أوحی الله إلی نبیٍ من أنبیائه قل للمؤمنین: لا تلبسوا لباس أعدائی، ولا تطعموا مطاعم أعدائی، ولا تسلکوا مسالک أعدائی فتکونون أعدائی کما هم أعدائی»(6). وروی الصّدوق فی (عیون أخبار الرّضا) نحوه، ثمّ قال: «قال مصنّف هذا الکتاب(رحمه الله): لباس الأعداء السّواد، ومطاعم الأعداء النّبیذ المسکر والفقاع، و...»(7).

ومنها: ما دل علی أنّه یکره إلّا فی العمامة والخف والکساء، کالذی رواه الکلینی عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد رفعه، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: «یکره السّواد إلّا فی ثلاثة: الخف، والعمامة، والکساء»(8).

وعنهم، عن أحمد بن أبی عبد الله(علیه السّلام)، عن بعض أصحابه رفعه قال: «کان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یکره السّواد إلّا فی ثلاث: الخف، والعمامة، والکساء»(9).

ففی هذه الروایات دلالة علی کراهة لبس السواد مطلقاً وفی جمیع الحالات، نعم روی محسن بن أحمد، عمَّن ذکره، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: قلت: أُصلّی فی القلنسوة السّوداء؟ فقال: «لاتصلِّ فیها فإنّه لباس أهل النّار»(10). ورواه الصّدوق فی العلل بسندٍ آخر(11)

ص: 89


1- مَن لایحضره الفقیه 1: 252 .
2- الکافی6: 449.
3- علل الشرائع 2: 347 .
4- مَن لا یحضره الفقیه 1: 252، علل الشرائع 2: 348.
5- معانی الأخبار: 28. شرح أُصول الکافی 6: 325.
6- من لا یحضره الفقیه 1: 252، ح770.
7- عیون أخبار الرّضا(علیه السّلام) 2: 26.
8- الکافی 3: 403. التهذیب2: 213، الخصال: 148.
9- الکافی6: 449.واُنظر: علل الشرائع: 347. مَن لا یحضره الفقیه1: 251.
10- الکافی 3: 403 .من لا حضره الفقیه 1: 251.
11- علل الشرائع2: 346.

وروی الکلینی مرسلاً: «لا تصلّی فی ثوبٍ أسود، وأمّا الخف والعمامة والکساء فلا بأس»(1).

وظاهرهما الاختصاص بالصلاة، لکن سوف تعرف لاحقاً تصریح الفقهاء بعموم الکراهة وحمل الروایتین المذکورتین علی تأکّدها فی الصلاة أو علی عدم المنافاة بینهما، وبین روایات العموم.

هذا مضافاً إلی ورود الحث علی الأبیض - کما تقدّمت الإشارة إلی ذلک -، بل روی الجمهور عن النّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنّهُ قال: «البسوا من ثیابکم البیاض؛ فإنّها من خیر ثیابکم، وکفّنوا فیها موتاکم»(2).

ورواه الکلینی عن الإمام الصّادق(علیه السّلام)، قال: «قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): البسوا البیاض فإنّهُ أطیبُ وأطهر، وکفّنوا فیه موتاکم»(3).

فإنَّ تعلیق الحکم بالوصف یشعر بنفیه عن غیره، وأیضاً فإنَّ اختصاص البیاض بذلک لمصلحة راجحة موجودة فیه، فیکون ما یضادّهُ غیر مشارکٍ له فی المصلحة، وأشدُّ الألوان مضادةً له السّواد(4).

فمجمل هذه الروایات تدلّ علی کراهة لبس السواد، واستناداً الیها ولغیرها أفتی الفقهاء بکراهة الصّلاة فی الثیاب السّود عدا العمامة والخفّ والرّداء، بل ظاهر بعضهم وصریح آخرین دعوی الإجماع علیه(5)، وصرّح بعضهم بأفضلیة البیاض مطلقاً حتّی فی المستثنی أی العمامة والکساء والخف، إذ لیس المراد باستثناء الثلاثة من الکراهة کون أسودها مستحبّاً، بل المراد مجرد انتفاء الکراهة فیها(6)، ونفی الکراهة عنها فی النّصوص وعبارات الفقهاء لا یدلُّ علی أزید من ذلک؛ لأنَّ نفی الکراهة أعمّ من الاستحباب والإباحة(7)، وقد ورد التأکید علی البیاض فی عدّة روایات أوردها الکلینی فی کتاب الزینة(8)، بل ذهب بعض الفقهاء إلی تضافر الأخبار بالأمر بلبسها، وکونها خیر الثّیاب وأطهرها وأطیبها(9).

إلّا أنَّ ظاهر أغلب الرّوایات المتقدّمة عموم الکراهة لحال الصّلاة وغیرها، کما نبّه علی ذلک بعض الفقهاء(10) عدا الرّوایتین الأخیرتین الظاهرتین فی الکراهة فی خصوص الصّلاة، فإنَّ مفهومهما عدم کراهة لبسه فی غیرها.

وحینئذٍ مقتضی العمل بالمفهوم والجمع بینهما بحمل المطلق علی المقیّد تکون النتیجة تقیید الروایات المطلقة بهاتین الروایتین، وبالتالی الحکم بالکراهة فی خصوص الصلاة، إلّا أن بعض الفقهاء جمع بین الروایات بتأکید الکراهة حال الصّلاة لضعف العمل بالمفهوم(11)، فی حین ذهب بعضهم إلی عدم الحاجة إلی التأویل والحمل علی شدّة الکراهة ولا لحمل المطلق علی المقید، بل الأولی الاجتناب عن السّواد مطلقاً فی الصّلاة وغیرها؛ نظراً لدلالة الرّوایات علی العموم، نافیاً وجود روایات تدلّ علی کراهة السّواد فی الصّلاة فقط، حاملاً روایة محسن بن أحمد التی ورد فیها السّؤال عن الصّلاة فی القلنسوة علی

ص: 90


1- الکافی 3: 403.
2- سنن أبی داود: 2: 261 . سنن التّرمذی 2: 232 . مسند أحمد 1: 247 و 363 .
3- الکافی 6: 445.
4- المعتبر2: 94. منتهی المطلب4: 243. تذکرة الفقهاء2: 500. ذکری الشّیعة3: 54 .
5- الخلاف 1: 506. مستند الشیعة 4: 374.
6- مسالک الأفهام 1: 168.
7- روض الجنان: 208.
8- الکافی 6: 445.
9- کشف اللثام 5: 296.
10- المصدر نفسه .
11- روض الجنان: 208.

کراهة السّواد فی القلنسوة، ولیس فیها دلالة علی الاختصاص بالصّلاة(1)، وهذا ما صرّح به غیره من الفقهاء مستفیدین ذلک من مقتضی التّعلیل بکونه (لباس أهل النّار)، فإنّه یدل علی کراهة القلنسوة فی غیر الصّلاة أیضاً(2)، بل ذهب ثالث إلی رفض القول بشدّة الکراهة وتأکیدها فی القلنسوة السّوداء لهذا الخبر،ضرورة أنّه بعد تعلیل الکراهة فیه بالعلّة المشترکة بین الجمیع لم یبق حینئذٍ خصوصیة لمورد التّعلیل، سیّما کونه من کلام السّائل، ولعلّه لذا أطلق باقی الفقهاء الحکم بالکراهة(3).

واحتمل المحقّق النجفی أن تکون استفادة الفقهاء من هذه الأخبار الکراهة فی الصّلاة؛ إمّا لدعوی اتحاد الکونین کما فی المغصوب(4)، أو لأنَّ إطلاق الکراهة یقتضی شمول خصوص الصّلاة ولا ینافیه شمول غیرها، إذ لیس المراد اختصاص الصّلاة بذلک من بین الأفراد، بل المراد الکراهة فیها بالخصوص، وإنْ کان غیرها من الأفراد کذلک، مع اعتضاد الکراهة فی الصّلاة بالإجماع المحکی ومرسل الکلینی والمرسل فی القلنسوة، ولا ریب فی ظهور التّعلیل فیه بکونه (لباس أهل النّار) بکراهة الصّلاة فی کلّ ما کان کذلک، وقد ورد فی السّواد أنّه لباس فرعون وأنّه زی بنی العبّاس، وأنّه لباس أهل النّار کما سمعت؛ فتتجه کراهة الصّلاة فیه للتعلیل المذکور(5).

وقد یُستدلّ بالروایات الدّالة علی کراهة لبس السّواد مطلقاً بدعوی أنَّ کراهة لبسه مطلقاً یستلزم کراهته حال الصّلاة، إلّا أنَّ هذا فیه أنَّ المدّعی کراهة الصّلاة فیه من حیث هی لا من حیث کونه لابساً حال الصّلاة لما هو مکروه من حیث هو، فالأصحّ الاستدلال بمفهوم التّعلیل المتقدّم وبالتقریب المتقدّم، ویؤیّده بل یدلّ علیه - لو أُرید بلباس أهل النّار ما یلبسونه ولو فی الدّنیا - ما دلَّ علی أنّه لباس بنی العبّاس، فلا إشکال فی الحکم بکراهته فی الصّلاة، خصوصاً مع ما حُکیَ من دعوی الإجماع علیه(6).

ثمَّ إنَّ حکمهم بالکراهة إمّا مطلقاً - کما هو ظاهر الرّوایات - أو فی الصّلاة خاصّة مع ظهور النّهی فی الروایات بالتحریم، لمخالفة القول بالحرمة للشهرة بل الإجماع علی عدم الحرمة؛ فتثبت بهذه الأخبار الکراهة، هذا مضافاً إلی ما تقدّم وما یأتی من الروایات ممّا یدلّ علی الرّخصة والإباحة.

وأمّا الأخبار الدالّة علی لبس الإمام للسّواد، کالروایة المتقدّمة عن داود الرّقی، فإنّه محمول علی التّقیة أو بیان الرّخصة(7)، فلا ینافی ثبوت الکراهة.

هذا وقد أنکر بعض الفقهاء المتأخّرین الحکم بکراهة السّواد مطلقاً؛ لضعف جمیع تلک الرّوایات من حیث السّند، فلا تصلح للاستدلال، عدا روایة السّکونی عن إسماعیل بن مسلم، عن الصادق(علیه السّلام) قال: «قل للمؤمنین لا تلبسوا لباس أعدائی ولا تطعموا مطاعم أعدائی ولا تسلکوا مسالک أعدائی، فتکونوا أعدائی کما هم أعدائی»(8)، فهی معتبرة من حیث السّند ودالّة علی النهی عن التشبّه بالأعداء فی اللباس والطعام، وعلیه لا بدَّ من الأخذ

ص: 91


1- مجمع الفائدة والبرهان 2: 88.
2- مستند الشّیعة 4: 374.
3- جواهر الکلام 8: 232.
4- فإن عنوان الصلاة هنا اتحد مع عنوان مرجوح مطلقاً، وهو لبس السواد.
5- المصدر نفسه: 231. مصباح الفقیه 10: 451 .
6- مصباح الفقیه 10: 451 .
7- مستند الشّیعة 4: 375 .
8- وسائل الشیعة 4: 385، الباب 19 من أبواب لباس المصلی، ح8 .

بمضمونها، فلا یجوز لبس ما اختصّ به أعداء الدین، کالقبعة التی یختص بها الیهود، إلّا أنّهُ لم یثبت اختصاص لبس السّواد بأعداء الدین، نعم یمکن ثبوت الاختصاص بخصوص اللبادة السّوداء، فإنَّ لبسها من مختصّات علماء الیهود والنّصاری.

وعلیه فالفتوی بالکراهة مبنیّة علی أخبار (مَن بلغ) والمعبّر عنها بقاعدة التّسامح فی أدلّة السنن، وبأحد فهمین وتفسیرین لهما:

الأوّل: أن یکون المراد منها أنَّ الخبر فی غیر الأحکام الإلزامیة مثل الاستحباب والکراهة معتبر وإن کان ضعیف السّند ما لم یحصل العلم بکذبه؛ لعدم اشتراط شیءٍ فی مجیئها ممّا یُعتبر فی حجّیة الأخبار الدّالة علی حکم إلزامی، کالوجوب والحرمة، أو المستلزمة لحکم إلزامی، کالنّجاسة والملکیة والزّوجیة.

الثّانی: إنَّ أصل قیام الخبر المحتمل أنَّه قول المعصوم هو بنفسه من العناوین المرجّحة، فإذا کان ذلک الخبر یتضمّن ثواباً علی عمل فذلک العمل یکون مستحبّاً.

فالفتوی بالکراهة مع ضعف الخبر متوقّفة علی الالتزام بأحد هذین التّفسیرین، فی حین أنَّ الصّحیح هو أنّ المستفاد من أخبار (مَن بلغ) هو أنَّ المکلّف عندما وصلته مطلوبیة عمل ما عن طریق خبرٍ ضعیف، فأتی به انقیاداً ورجاءً، استحقّ الثّواب والتقرّب إلی الله، ومقدار ذلک الثّواب هو نفس ما بلغه فی ذلک الخبر، وعلیه فمَن لم یتیقّن بالحکم لضعف الخبر یأتی بالعمل رجاءً وانقیاداً؛ لعدم علمه بصدوره من الرّسول والإمام وله ذلک الثّواب.

ومع التنزّل والأخذ بأحد التفسیرین الأوّلین فمع ذلک لا یمکن تطبیقها هنا؛ لأنّها (أخبار مَن بلغ) إنّما تدلّ علی الکراهة فی موارد النّهی التکلیفی، ولیس النّهی عن لبس السّواد نهیاً تکلیفیاً، بل هو إرشاد إلی کون الفرد المنهی عنه أقلّ الأفراد ثواباً، فمَن أراد العمل علی طبق الخبر یمتنع من الصّلاة فی الأسود، ولیس ترک الصّلاة فی الثّوب الأسود موجباً لإعطائه الثّواب، وإنْ کانت الصّلاة فی غیره أکثر ثواباً، فترک العمل فیما نحن فیه ولو کان عملاً، إلّا أنّه لم یرد فیه ثواب.

وما قد یُقال بأنَّ عمل المشهور جابر لضعف هذا الخبر، وإنْ کان ضعیف السّند غیر صحیح؛ لاحتمال استنادهم إلی أخبار مَن بلغ، کما یُستفاد ذلک من السیّد العاملی، فإنّه بعد أنْ صرّح بضعف الرّوایات کلّها أثبت الحکم باعتبار أنَّ المقام مقام کراهة وتنزّه؛ إذ قال: «وهذه

الرّوایات کلّها قاصرة من حیث السّند، إلّا أنَّ المقام مقام کراهة وتنزّه، فلا یضرّ فیه ضعف السّند»(1).

وکذا الحال فی الإحرام، فقد أفتوا بکراهته بالأسود(2)؛ لهذه الأخبار أیضاً ولخبر الحسین بن المختار قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السّلام) یُحرِم الرجل فی الثوب الأسود؟ قال: «لا یُحرِم بالثوب الأسود ولا یُکفّن به المیت»(3)، حملاً له علی الکراهة؛ لأصالة الإباحة، ولأنّه ثوب یُصلّی فیه بالإجماع، وکلّ ثوب یُصلّی فیه یجوز فیه الإحرام؛ لما رواه حریز عن الصادق(علیه السّلام) أنّه قال: «کلّ ثوب یُصلّی فیه فلا بأس أن یُحرِم فیه»(4).

والمستخلص من کلّ ما تقدّم سواء ما ذکره علماء النفس وما ذُکر من الناحیة العلمیة، أو ما ورد فی الروایات وکلمات الفقهاء أنّ لبس الثوب الأسود مرجوح؛ إذ غایة ما فی الأمر

ص: 92


1- الأنوار الإلهیة (التبریزی): 63- 66. واُنظر: مدارک الأحکام 3: 202.
2- الحدائق الناضرة 15: 554 . جواهر الکلام 18: 424.
3- تهذیب الأحکام 1: 435.
4- الکافی 4: 339.

أنّنا نحمل الروایات علی الإرشاد إلی آثاره النفسیة أو الاجتماعیة أو العلمیة، خصوصاً مع التأکید علی اللون الأبیض، فمقتضی الاحتیاط اجتناب لبسه فی الحالات الطبیعیة والحیاة العادیة، خصوصاً فی حال الصّلاة.

خامساً: حکم لبس السّواد فی عزاء الأئمّة(علیهم السّلام) والإمام الحُسین(علیه السّلام) علی الخصوص:

اعتاد شیعةُ أهل البیت(علیهم السّلام) - بل وغیرهم - علی لبس الثّیاب السّوداء فی وفیات الأئمة(علیهم السّلام) ، وفی أیّام محرّم وصَفَر حُزناً علی سیّد شباب أهل الجنّة وأهل بیته وأصحابه؛ إظهاراً لحبّهم ومودّتهم المأمور به فی الرّوایات، حیثُ رُویَ عنهم(علیهم السّلام) «أحیوا أمرنا فرحم الله مَن أحیا أمرنا»(1)؛ فإنَّ ارتداء الثّیاب السّود حزناً علیهم إحیاءٌ لأمرهم، وتجدیدٌ لذکرهم، وبیانٌ لمظلومیتهم، وإبقاءٌ لما جری علیهم ماثلاً أمام الأجیال، من هنا أصبح لبس السّواد فی عزاء الأئمّة الأطهار والإمام الحُسین(علیه السّلام) علی الخصوص، من الشّعائر المهمّة لدی الشّیعة.

ومن الرّوایات التی استُدلَّ بها علی مشروعیة بل واستحباب وراجحیة لبسه حُزناً علی الحسین(علیه السّلام) ما رواه ابن قولویه القمّی، بسنده عن هشام بن مسعد، قال: «أخبرنی المشیخة أنَّ الملک الذی جاء إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأخبره بقتل الحسین(علیه السّلام) کان ملک البحار، ذلک أنَّ ملکاً من ملائکة الفردوس نزل علی البحر فنشر أجنحته علیها، ثم صاح صیحة وقال: یا أهل البحار البسوا أثواب الحزن فإنَّ فرخ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مذبوح...»(2).

ومنها ما رواه البرقی بسنده عن عمر بن علی بن الحسین(علیه السّلام)، قال: «لمّا قتل الحسین ابن علی(علیه السّلام) لبسن نساء بنی هاشم السّواد والمسوح وکنَّ لا یشتکین من حرّ ولا برد، وکان علی بن الحسین(علیه السّلام) یعمل لهن الطّعام للمآتم»(3).

ومنها: ما ورد فی بعض الرّوایات من أنّه لما أصبح یزید بن معاویة استدعی حرم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال لهنّ: «أیّما أحبُّ إلیکنّ: المقام عندی أو الرّجوع إلی المدینة ولکم الجائزة السَّنیة؟ قالوا: نحبُّ أوّلاً أنْ ننوح علی الحسین. قال: افعلوا ما بدا لکم. ثمّ أُخلیت لهنّ الحُجر والبیوت فی دمشق، ولم تبقَ هاشمیة ولا قرشیة إلّا ولبست السّواد علی الحسین(علیه السّلام) وندبوه»(4).

ووجه دلالة هذه الروایات علی المشروعیة وعدم الکراهة، بل الاستحباب هو أنّ ذلک کان بحضور الإمام(علیه السّلام) وعلمه، فهو تقریر منه لذلک(5) خصوصاً أنّ الظاهر أنّهنّ کنّ قد لبسنه بعنوان العزاء، فلو لم یکن ذلک من شعائر العزاء المطلوب وآدابه المندرجة فی عموم تعظیم الشعائر لوجب علیه منعهنّ من ذلک حذراً من الإغراء بالجهل، هذا مضافاً إلی أنّ فیهنّ مثل الحوراء زینب التی لا یقصر فعلها عن فعل المعصوم(6). بل هذه الروایة - إضافة إلی دلالتها علی مشروعیة لبس السواد، بل استحبابه علی سیّد الشهداء(علیه السّلام) - تدلّ علی استحباب إقامة المأتم والإطعام(علیه السّلام) لقیام الإمام السجّاد(علیه السّلام) بذلک، وکذا یُستفاد منها أنَّ لبس السواد من شعائر الحزن والعزاء علی المفقود من قدیم الزّمان (7).

والظاهر أنّهُ لا کلام ولا شبهة فی أصل مشروعیته بل راجحیته حزناً علی الحسین(علیه السّلام) علی مستوی الفتوی، إنّما وقع البحث من جهة التّوفیق بینه وبین ما تقدّم من النّهی عن لبس

ص: 93


1- قرب الإسناد: 36.
2- کامل الزّیارات: 143.
3- المحاسن 2: 420.
4- بحار الأنوار 45: 195.
5- إرشاد العباد إلی استحباب لبس السواد: ص28.
6- المصدر نفسه: 28، 29
7- المصدر نفسه: 28.

السّواد والحث علی البیاض؛ إذ قد یُتصور لأوّل وهلة وجود التّنافی بینهما، مضافاً إلی ما قد یُقال من أنَّ لبس السّواد نوعٌ من الجزع وقد نهینا عنه وأُمرنا بالصبر علی المصیبة کما فی قوله تعالی: «الَّذِینَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ *«أُولَئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »(1).

وقول الإمام علی(علیه السّلام) مخاطباً الرّسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بعد وفاته: « لولا أنّک نهیت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا علیک ماءَ الشؤون»، وقد أوصی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ابنته فاطمة(علیهماالسّلام) قائلاً: «إذا أنا متّ فلا تخمشی وجهاً ولا ترخی علیَّ شعراً ولا تنادی بالویل، ولا تقیمی علیَّ نائحة»(2). ومثله ما أوصی الإمام الحسین(علیه السّلام) أُخته الحوراء زینب(علیهماالسّلام) علی ما رواه المفید عن علی بن الحسین(علیه السّلام)، قال: «إنَّ الحسین(علیه السّلام) قال لأُخته زینب(علیهماالسّلام): یا أُختاه، إنّی قد أقسمت علیک فأبرّی قسمی، ولا تشقّی علیَّ جیباً، ولا تخمشی علیَّ وجهاً، ولا تدعی علیَّ بالویل والثّبور إن أنا هلکت»(3). وغیر ذلک.

وعن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: «لمّا فتح رسول الله مکة بایع الرجال، ثمّ جاء النساء یبایعنه، فأنزل الله (عزّ وجلّ): «یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا جَاءَکَ الْمُؤْمِنَاتُ یُبَایِعْنَکَ عَلَی أَنْ لَا یُشْرِکْنَ بِاللَّهِ شَیْئًا وَلَا یَسْرِقْنَ وَلَا یَزْنِینَ وَلَا یَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا یَأْتِینَ بِبُهْتَانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبَایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ » فقالت أُمّ حکیم: ما ذلک المعروف الذی أمرنا الله أن لا نعصیک فیه؟ قال: لا تلطمْنَ خدّاً، ولا تخمشنَ وجهاً، ولا تنتفنَ شعراً، ولا تشققنَ جیباً، ولا تسوّدنَ ثوباً، فبایعهنّ رسول الله علی هذا....»(4).

إنَّ مجموع هذه النّصوص وغیرها قد تشکل منشأ تساؤل عن مدی راجحیة لبس السّواد فی وفیات الأئمّة الأطهار والإمام الحسین(علیه السّلام) علی الخصوص، إلّا أنّه تساؤل سرعان ما یتّضح من النّاحیة العقائدیة والفقهیة والتّاریخیة، وقد تصدّی الفقهاء لذلک وإن تعدّدت وجوه الإجابة وتنوّعت باختلاف منشأ الإشکال والشّبهة وإلیک التّفصیل:

أمّا من جهة کراهة السّواد ودلالة الرّوایات المتقدّمة علیها فبناءً علی ثبوتها - إذ قد عرفت تشکیک بعض الفقهاء فی أصل ذلک - یستثنی منها لبسه علی عزاء سید الشّهداء وغیره من أهل بیت العصمة، للأمر بإظهار شعائر الحزن.

قال المحدّث البحرانی - بعد نقل الرّوایات الدالّة علی الکراهة -: «ثمَّ أقول: لا یبعد استثناء لبس السّواد فی مأتم الحسین(علیه السّلام) من هذه الأخبار لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الحزن»(5)، ثمَّ أیّده بروایة البرقی التی ورد فیها لبس الهاشمیات السّواد والمسوح علی الإمام الحسین(علیه السّلام)، وکان الإمام السّجاد یعمل لهن الطّعام.

ووجه الاستثناء - علی ما بیّنه الشیخ التبریزی(رحمه الله) - هو أنَّ لبس السّواد فی وفیات الأئمة إظهاراً لمودتهم وحبّهم وحزناً علیهم، إحیاء لأمرهم(6).

فهو من مصادیق الحزن المستحب، والشّعائر الحسینیة وأسالیب الإحیاء لیست حقائق شرعیة أو أُمور توقیفیة، بل أُمور عرفیة المدار فیها علی إحیاء ذکرهم وإظهار

ص: 94


1- البقرة: آیة155- 157.
2- الکافی5: 527.
3- تاریخ الطبری 4: 319. الإرشاد 2: 94.
4- وسائل الشیعة 20: 211، ب117، من أبواب مقدمات النکاح وآدابه، ح4.
5- الحدائق النّاضرة 7: 118.
6- اُنظر: الأنوار الإلهیة: 69.

مظلومیتهم، والحفاظ علی فکرهم وأهدافهم السّامیة، وضمان استمراریتها ونقلها إلی الأجیال من خلال العزاء والبکاء وإظهار الحزن ونحو ذلک، شریطة أنْ لا یصدق علیه عنوان محرّم شرعاً کالإساءة إلی الدین والمذهب، والإضرار بالنّفس إضراراً محرّماً، فما بالک بلبس السّواد الّذی هو سیرةٌ متعارفةٌ بین النّاس وعلیه شواهد تاریخیة وروائیة تدلُّ بوضوح علی جوازه بل علی استحبابه کما یدلّ علی أنَّ تلک الرّوایات المتقدّمة الواردة فی کراهة لبس السّواد المراد منها اتخاذه زیّاً فی الحیاة والحالات الطّبیعیة أو احترازاً من التّشبه بالفراعنة وبنی العبّاس وأهل النّار، فهی

لیست کراهة ذاتیة لا تنفک بل ترتفع إذا انطبقت علیه عناوین أُخری مطلوبة ومستحبّة کالحزن علی الأئمّة، وهذا ما أشار إلیه الشّیخ کاشف الغطاء إذ قال معلّقاً علی عدّ السیّد الیزدیّ الثّیاب السّود فی مکروهات اللّباس حال الصّلاة: «إلّا لجهة راجحةٍ کعزاء الأئمّة»(1).

وتلک الروایات والشواهد التاریخیة فهی - مضافاً إلی ما تقدّم من أمر النّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لأسماء بنت عمیس بالتسلب علی جعفر ولبس الهاشمیات السّواد علی الحسین(علیه السّلام) - مایلی:

1- لبس الامام الحسن(علیه السّلام) السواد علی أبیه بعد شهادته(علیه السّلام)، قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج: وکان خرج «الحسن بن علی(علیه السّلام) إلیهم

- إلی الناس بعد شهادة أبیه - وعلیه ثیابٌ سود» (2).

2- وفی إقبال الاعمال نقلاً عن کتاب (النشر والطیّ) بإسناده عن الرضا(علیه السّلام)، أنّه قال - فی حدیث فی فضیلة یوم الغدیر -: وهو یوم تنفیس الکرب ویوم لبس الثیاب ونزع السواد(3).

3- ومثلها روی فی مستدرک الوسائل عن کتاب المحتضر للحسن بن سلیمان الحلّیّ، بإسناده عن أحمد بن إسحاق، عن الإمام العسکریّ(علیه السّلام)، عن آبائه، عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی فضیلة یوم التاسع من ربیع الأوّل، وأسامیه - إلی أن قال - قال(علیه السّلام): «ویوم نزع السواد»(4).

4- رؤیا سکینة بنت الحسین(علیه السّلام) الزهراء(علیهماالسّلام) فی المنام وهی تندب الحسین(علیه السّلام) وعلیها ثیاب سود. علی ما ذکره المحقّق النوری فی المستدرک حیث تقول سکینة: «... فإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهنّ، وزاد فی نورهنّ وبینهنّ امرأة عظیمة الخلقة ناشرة شعرها، وعلیها ثیاب سود، وبیدها قمیص مضمّخ بالدم إلی أن ذکرت أنّها کانت فاطمة الزهراء(علیهماالسّلام)»(5).

5- لبس أهل المدینة السواد بعد مقتل الحسین(علیه السّلام)، ففی مقتل أبی مخنف، عندما أخبر نعمان بن بشیر بقتل الحسین(علیه السّلام)، فلم یبق فی المدینة مُخدّرة إلاّ وبرزت من خدرها، ولبسوا السواد وصاروا یدعون بالویل والثبور(6).

6- وروی فی الدعائم عن جعفر بن محمد(علیه السّلام)، أنّه قال: «لا تلبس - المرأة فی حِدادها علی زوجها - ثیاباً مصبّغة ولا تکتحل ولا تطیّب ولا تزیّن حتّی تنقضی عدّتها، ولا بأس أن تلبس ثوباً مصبوغاً بسواد»(7).

وقد أفتی بمضمونه الشیخ فی المبسوط(8)،

ص: 95


1- العروة الوثقی 2: 358، هامش رقم 2.
2- شرح نهج البلاغة 16: 22
3- إقبال الأعمال 2: 261.
4- وفیه: «ویوم نزع الأسواد». وقد أدرجه المجلسی فی بحاره نقلاً عن کتاب زوائد الفوائد للسید ابن طاووس. مستدرک الوسائل 3: 326 - 327
5- مستدرک الوسائل3: 327. بحار الأنوار: 45: 195.
6- مقتل أبی مخنف: 149 .
7- دعائم الإسلام 2: 291.
8- المبسوط 5: 264.

والمحقّق فی الشرایع فی حداد الزوجة(1)، والعلّامة فی القواعد(2)، وغیرهما.

7- وروی الصفّار فی بصائر الدرجات، عن البزنطیّ، عن أبان بن عثمان، عن عیسی بن عبد الله وثابت، عن حنظلة، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)، قال: خطب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوماً بعد أن صلّی الفجر فی المسجد وعلیه قمیصة سوداء؛ وذکر(علیه السّلام) أنّه توفّی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی ذلک الیوم(3).

وفی سیرة ابن هشام: «کان علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قمیصة سوداء حین اشتدّ به وجعه»(4).

8 - وروی الکلینیّ(5)، وصاحب الدعائم(6) بسنده عن سلیمان بن راشد، عن أبیه، قال: «رأیت علیَّ بن الحسین(علیه السّلام) وعلیه درّاعة سوداء، وطیلسان أزرق».

9- وفی شرح الاخبار عن أبی نعیم، بإسناده عن أُمّ سلمة (رضوان الله علیها)، أنّها لمّا بلغها مقتل الإمام الحسین(علیه السّلام) ضربت قبّة سوداء فی مسجد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ولبست السواد(7).

10- وروی الشیخ فی الغیبة، بسنده إلی کامل بن إبراهیم، أنّه دخل علی أبی محمّد الحسن العسکریّ(علیه السّلام)، فنظر إلی ثیاب بیاض ناعمة. قال: فقلتُ فی نفسی: ولیّ الله وحجّته یلبس الناعم من الثیاب، ویأمرنا نحن بمواساة الإخوان، وینهانا عن لبس مثله؟ فقال(علیه السّلام) متبسّماً: یا کامل، وحَسر عن ذراعیه فإذا مسح أسود خشن علی جلده، فقال: هذا للهِ، وهذا لکم(8).

11- فی کامل الزیارات، بسنده: «أنّ الملک الذی جاء إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأخبره بقتل الحسین بن علی(علیه السّلام) کان ملک البحار، وذلک أنّ ملکاً من ملائکة الفردوس نزل علی البحر فنشر أجنحته علیها، ثمّ صاح صیحةً وقال: یا أهل البحار، البسوا أثواب الحزن، فإنّ فرخ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مذبوح...»(9).

فهذه الأخبار واضحة الدلالة علی مشروعیة لبس السواد، وعدم کراهته فی العزاء، بل وراجحیته علی أئمّة الهدی وسادة الوری، وأنّه لباس الحداد والحزن والعزاء علی الفقید من قدیم الزمان، وهو أمرٌ متعارف ومرسوم إلی یومنا هذا، ولا ردع عنه، بل إقراره والأمر به موجود فی الجملة، هذا مضافاً إلی استحبابه بعنوان إحیاء الشعائر والأمر بها، کما سمعت.

وأمّا المنافاة مع الروایات الناهیة عن الجزع، وعن شق الجیوب، ونحو ذلک، فهی مخصّصة ومقیّدة بما إذا کان ذلک حزناً علی الحسین(علیه السّلام) بشهادة الروایات الأُخری الدالّة علی جواز ذلک، کقول الإمام الصادق(علیه السّلام): «إنَّ البکاء والجزع مکروهٌ للعبد فی کلّ ما جزع، ما خلا البکاء والجزع علی الحسین بن علی(علیه السّلام) فإنّه فیه مأجورٌ»(10).

ویروی الشیخ الطوسی عن الإمام الصّادق(علیه السّلام) أنّه قال: «وقد شققْنَ [الفاطمیات] الجیوب، ولطمنَ الخدود علی الحسین بن علی(علیه السّلام)،

ص: 96


1- شرائع الإسلام 3: 613 .
2- قواعد الأحکام 3: 143.
3- اُنظر: بصائر الدرجات: 324 . بحار الأنوار 22: 464.
4- سیرة ابن هشام 4: 1079.
5- الکافی 6: 449.
6- دعائم الإسلام 2: 161.
7- شرح الاخبار 3: 171 .
8- وسائل الشیعة 5: 21 الباب 8، من أبواب أحکام الملابس ولو فی غیر الصلاة، ح2 . بحار الأنوار50: 253، و52: 50.
9- کامل الزیارات: 143، ح3 . مستدرک الوسائل 3: 327.
10- کامل الزیارات: 201.

وعلی مثله تلطم الخدود وتشقّ الجیوب»(1).

وفی قوله: «علی مثله تُلطم الخدود»

شهادة علی التخصیص، وأنَّ الأمر لیس خاصّاً به، بل علی غیره من الأنبیاء والأوصیاء، فإنّه یجوز ذلک ویکون الجزع مطلوباً، ویؤیّد ذلک ما ورد عن علی(علیه السّلام) مخاطباً رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): «إنَّ الصبر لجمیل إلّا عنک، وإنَّ الجزع یقبح إلّا علیک»(2).

وجزع الإمام الصادق(علیه السّلام) علی ابنه إسماعیل، وآدم(علیه السّلام) علی ابنه هابیل، فإنَّ هذا یدلّ علی أنّه لا قبح فی الجزع علی بعض الأشخاص کالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولا نهیَ عنه.

ثمّ إنَّ للجزع مراتب، فإنَّ الجزع الذی یتضمّن أو یستلزم أمراً محرّماً، کالاعتراض علی الله، أو الشک فی عدله وحکمته، أو الإلقاء بالتهلکة، أو نحو ذلک، فإنَّ ذلک محرّم قطعاً ومطلقاً، سواءً کان علی نبی أو وصی، وقد یکون محرّماً إذا کان الفقید شخصاً عادیاً، کما لو کان مجرد أب أو أخ أو قریب فإنّه جزع وحزن لا یترتّب علیه أثر علی الدین والإنسانیة، بخلاف الجزع والحزن علی الأنبیاء والأوصیاء الذی له فوائد دینیة ودنیویة، وآثار فکریة، وما جاء به من قیم وأخلاق وإنَّ فقد خسارة عظیمة، فإنَّ هذا بحدّ ذاته إدامة له فی الحیاة البشریة ولما جاء به مات من أجله.

فهکذا جزع وحزن مطلوب ومحبوب، ومزید تفصیل ذلک یأتی فی مصطلح (البکاء) فإنّه أنسب.

سادساً: حکم الاتشاح بالسواد: لاتشاح بالسواد هو عبارة عن تغطیة الحسینیات والمساجد والدور بالسواد، ورفع الرایات السود فی أیّام وفیات الأئمّة(علیهم السّلام) ، وأیّام محرم وصفر ذکری شهادة سید شباب أهل الجنة وأهل بیته وأصحابه فی کربلاء؛ من أجل إقامة العزاء وإعلان شعار الحزن.

وقد اتّضح حکمه ممّا تقدّم فی حکم لبس السواد، فإنّه إذا جاز ذلک بل استحبّ حزناً علی الحسین(علیه السّلام) وإحیاءً للشعائر الحسینیة، جاز هذا واستحب لذلک أیضاً، بل لعلّ عدم الإشکال فی الاتشاح أولی من حکم اللبس؛ إذ عرفت أنّ منشأ الإشکال فی اللبس هو ورود الروایات فی النهی عنه فی حین لا توجد روایات تنهی عن الاتشاح، مع احتمال وجود الخصوصیة فی اللبس، إلّا أن یُقال بوحدة الملاک والحکمة فی الأمرین، ککونه شعار الأعداء، أو غیر ذلک، أو منافاته للصبر المأمور به، أو غیر ذلک من العلل المحتملة التی تقدّم ذکرها، أو یُقال: إنّ عدم ورود النهی عن الاتّشاح قد یکون لعدم تعارفه آنذاک. لکن قد عرفت الحال فی ذلک وأنّه علی فرض الکراهة والمرجوحیة فهو مرجوح بالعناوین المتقدم ذکرها.

وعلیه یکون راجحاً - کما فی لبس السواد - بعنوان کونه إحیاءً لأمرهم وتجدیداً لذکرهم(علیهم السّلام) ، وبیاناً لمظلومیتهم، وما جری علیهم، وإحیاءً للشعائر المأمور بها.

من هنا أجاب العلماء عن السؤال عن حکم الاتشاح بالسواد فی مجالس العزاء بأنّه جائزٌ بل راجحٌ یُثاب علیه، بل اعتبر بعضهم أنّ إثارة الشبهة فی مثل هذه الموارد یصدر غالباً من أعداء الدین؛ لتلقّیهم الضربات بسبب إقامة مجالس العزاء التی من شأنها دحر أفکارهم وإفشال مخطّطاتهم، من هنا تکون وظیفة المؤمنین أن یبذلوا وبنیّةٍ خالصة أکبر قدر من الجدّیة فی إقامة عزاء سیّد الشهداء وخامس أهل الکساء(علیه السّلام)؛ کی یتعلّم الناس بفضل هذه المجالس والمظاهر فلسفة ثورة

ص: 97


1- تهذیب الاحکام 8: 325 .
2- تنبیه الغافلین: 42 .

الإمام الحسین(علیه السّلام) وأهدافها المقدّسة(1).

المصادر: أخبار الدّولة العباسیة، مؤلف من القرن الثالث الهجری، تحقیق: د. عبد العزیز الدوری، د. عبد الجبار المطلبی، دار الطلیعة، بیروت. إرشاد العباد إلی استحباب لبس السّواد، علی سید الشهداء والأئمة الأمجاد، جعفر الطباطبائی الحائری، تعلیق: محمد رضا الأعرجی، 1321ه-. الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، محمد بن محمد بن النعمان (الشیخ المفید)، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، دار المفید، ط2، 1414ه-. إقبال الأعمال، علی بن موسی(ابن طاووس)، تحقیق: جواد القیومی الأصفهانی، مکتب الإعلام الإسلامی، ط1، 1415ه-. الأنوار الإلهیة فی المسائل العقائدیة، المیرزا جواد التبریزی، دار الصدّیقة الشهیدة، ط1، 1422ه-. بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسی، مؤسسة الوفاء، بیروت، ط2، 1403ه-. بصائر الدّرجات الکبری فی فضائل آل أحمد، محمد بن الحسن الصفّار، تحقیق: میرزا محسن کوجه باغی، مؤسسة الأعلمی، طهران، 1404ه-. تاریخ الأمم والملوک (تاریخ الطبری)، محمد بن جریر(الطبری)، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط4، 1403ه-.التحصین فی صفات العارفین من العزلة والخمول، أحمد بن محمد (ابن فهد الحلی)، تحقیق ونشر: مدرسة الإمام المهدی(علیه السّلام)، قم، ط2، 1406ه-. تذکرة الفقهاء، الحسن بن یوسف (العلّامة الحلی)، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، قم، ط1، 1404ه-. تنبیه الغافلین عن فضائل الطالبیین، شرف الدین بن سعید، تحقیق: تحسین آل شبیب الموسوی، مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة، ط1، 1420ه-. تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة للشیخ المفید، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق وتعلیق: حسن الموسوی الخرسان، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ط4، 1365ش. الجامع لأحکام القرآن (تفسیر القرطبی)، محمد بن أحمد الأنصاری القرطبی، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1405ه-. جوامع الجامع، الفضل بن الحسن الطبرسی، تحقیق ونشر: مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسین، قم، ط1، 1408ه-. الجواهر الحسان فی تفسیر القرآن (تفسیر الثعالبی)، عبد الرحمن بن محمد الثعالبی المکی، تحقیق: علی محمد معوّض، عادل أحمد عبد الموجود، دار احیاء التراث العربی، بیروت، ط1، 1418ه-. جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، محمد حسن النجفی، تحقیق: عباس القوجانی، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ط3، 1367ش. الحدائق النّاضرة فی أحکام العترة الطاهرة، یوسف البحرانی، تحقیق: محمد تقی الإیروانی، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسین، قم. الخصال، محمد بن علی (الشیخ الصّدوق)، تحقیق: علی أکبر الغفاری، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم، 1403ه-. الخلاف، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق ونشر: مؤسسة النّشر التابعة لجماعة المدرسین، قم، 1407ه-. دائرة المعارف قاموس عام لکل فن ومطلب، بطرس البستانی، دار المعرفة، بیروت. دعائم الإسلام وذکر الحلال والحرام والقضایا والأحکام، النعمان بن محمد المغربی، تحقیق: آصف بن علی أصغر، دار المعارف، مصر، 1383ه-. ذکری الشیعة فی أحکام الشّریعة، محمد بن جمال الدین العاملی(الشهید الأوّل)، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التّراث، قم، ط1، 1419ه-. ربیع الأبرار ونصوص الأخبار، محمود بن عمر الزمخشری، تحقیق: د. سلیم النعیمی، الشریف الرضی، قم، ط1، 1410ه-. روض الجنان فی شرح إرشاد الأذهان، زید الدین العاملی الشامی، مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث. سنن أبی داود، سلیمان بن الأشعث السّجستانی، تحقیق: سعید محمد اللحام، دار الفکر، ط1، 1410ه-. سنن الترمذی، محمد بن عیسی بن سورة، تحقیق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفکر، بیروت، ط2، 1403ه-. سیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) (السیرة النبویة)، عبد الملک بن هشام الحمیری (ابن هشام)، تحقیق: محمد محی الدین عبد الحمید، مکتبة محمد علی صبیح وأولاده، ط1، 1383ه-. شرائع الإسلام فی مسائل الحلال و الحرام، تعلیق: السید صادق الشیرازی، انتشارات استقلال، طهران، ط2، 1409ه-. شرح أُصول الکافی،

ص: 98


1- اُنظر: عزا داری سنّتی شیعیان 7: 12، 16، 21، 22، 30.

محمد صالح المازندرانی، تعلیق: أبو الحسن الشعرانی، صححه: علی عاشور، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ط1، 1421ه-. شرح الأخبار، النعمان بن محمد التمیمی(القاضی المغربی)، تحقیق: محمد حسین الجلالی، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم، ط2، 1414ه-. شرح نهج البلاغة، عبد الحمید بن هبة الله (ابن أبی الحدید)، تحقیق: محمد أبو الفضل ابراهیم، دار إحیاء الکتب، ط2، 1387ه-. الصحاح، اسماعیل بن حماد الجوهری، تحقیق: أحمد عبد الغفور عطّار، دار الملایین، القاهرة، ط1، 1376ه-. عزاداری سنتی شیعیان، حسین معتمدی، ط1، قم، 1377ش. علل الشرائع، محمد بن علی (الشیخ الصدوق)، تحقیق: محمد صادق بحر العلوم، مکتبة الحیدریة، النّجف، 1386ه-. العین، الخلیل بن أحمد الفراهیدی، تحقیق: د. مهدی المخزومی، د. إبراهیم السّامرائی، مؤسسة دار الهجرة، ایران، ط2، 1410ه-. عیون أخبار الرضا(علیه السّلام)، محمد بن علی (ابن بایویه القمی)، تصیح وتعلیق: حسین الأعلمی، مؤسسة

الأعلمی، بیروت، ط1، 1404ه-.فتح الباری شرح صحیح البخاری، شهاب الدین بن حجر العسقلانی، دار المعرفة، بیروت، ط2. العروة الوثقی، محمد کاظم الطباطبائی الیزدی، تعلیق: عدة من الفقهاء العظتم، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم، ط1، 1419ه-. فتح القدیر الجامع بین فنی الروایة والدرایة من علم التفسیر، محمد بن علی الشوکانی، عالم الکتب. القرآن وإعجازه العلمی، اسماعیل ابراهیم، دار الفکر العربی. قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحمیری، تحقیق ونشر: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، قم. قواعد الأحکام، الحسن بن یوسف (العلّامة الحلی)، تحقیق ونشر، مؤسسة النّشر الإسلامی التابع لجامعة المدرسین، قم، ط1، 1413ه-. الکافی، محمد بن یعقوب الکلینی، صححه وعلّق علیه: علی أکبر الغفاری، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ط3، 1376ش. کامل الزّیارات، جعفر بن محمد بن قولویه القمی، تحقیق: جواد القیومی، مؤسسة نشر الفقاهة، ط1، 1417ه-. کشف اللثام عن قواعد الأحکام، محمد بن الحسن الأصفهانی (الفاضل الهندی)، تحقیق ونشر: مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسین، قم، ط1، 1416ه-. لسان العرب، محمد بن مکرم (ابن منظور)، أدب الحوزة، قم، 1405ه-. المبسوط فی فقه الإمامیة، محمد بن الحسن (الشیخ الطوسی)، صححه وعلّق علیه: محمد باقر البهبودی، المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة. المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقی، تصحیح وتعلیق: جلال الدین الحسینی، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ط1، 1370ه-. المحاضرات والمحاورات، جلال الدین السیوطی، تحقیق: د. یحیی الجبوری، دار الغرب الإسلامی، بیروت، ط1، 1424ه-. مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام، محمد بن علی الموسوی العاملی، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، مشهد، ط1، 1410ه-. مسالک الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، زین الدین بن علی العاملی(الشهید الثانی)، تحقیق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامیة، ط1، 1413ه-. مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل، المیرزا حسین النوری الطبرسی، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، ط2، 1408ه-. مستند الشیعة فی أحکام الشریعة، أحمد بن محمد مهدی النراقی، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، مشهد، ط1، 1415ه-. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار صادر، بیروت. مصباح الفقیه، آغا ضیاء الهمدانی، تحقیق: محمد الباقری، نور علی النوری، محمد المیرزائی، دار الفکر، ط1، 1423ه-. معانی الأخبار، محمد بن علی (ابن بابویه القمی)، تصحیح: علی أکبر الغفاری، انتشارات إسلامی وابسته جامعة مدرسین حوزة علمیة قم، 1361ش. المعتبر فی شرح المختصر، جعفر بن الحسن (المحقق الحلی)، تحقیق: عدّة من الأفاضل، مؤسسة سید الشهداء، قم، 1364ش. معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس، تحقیق: عبد السّلام محمد هارون، مکتب الإعلام الإسلامی، 1404ه-. مفردات غریب القرآن، الحسین بن محمد الراغب الأصفهانی، دفتر نشر کتاب، إیران، ط2، 1404ه-. مقتل الحسین ومصرع أهل بیته وأصحابه فی کربلاء، لوط بن یحیی(أبو مخنف)، انتشارات المکتبة الحیدریة، ط4، 1428ه-. مقتل الحسین(علیه السّلام)، عبد الرزاق المقرّم، انتشارات المکتبة الحیدریة، قم، ط1، 1420ه-. من لا یحضره الفقیه، محمد بن علی(ابن بابویه القمی)،

ص: 99

تعلیق: علی أکبر الغفاری، منشورات جماعة المدرسین، قم، ط2. منتهی المطلب فی تحقیق المذهب، الحسن بن یوسف (العلّامة الحلّی)، تحقیق ونشر: مجمع البحوث الإسلامیة، مشهد، ط1، 1415ه-. المیزان فی تفسیر القرآن، محمد حسین الطباطبائی، منشورات جامعة المدرسین، قم. النهایة فی غریب الحدیث والأثر، المبارک بن محمد الجزری (ابن الأثیر)، تحقیق: طاهر أحمد الزاوی، محمود محمد الطناهی، مؤسسة اسماعیلیان، قم، ط4، 1364ش. نیل الأوطار فی أحادیث سید الأخیار، محمد بن علی الشوکانی، دار الجیل، بیروت، 1973م. وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، محمد بن الحسن الحر العاملی، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لإحیاء التراث، قم، ط2، 1414ه-. الوسائل إلی معرفة الأوائل، عبد الرحمن السیوطی، تحقیق: د. إبراهیم العدوی، د. علی محمد عمر، مکتبة الخانجی، القاهرة.

عدنان الساعدی

مقتل أبی مخنف

(مقتل الحسین(علیه السّلام)) لأبی مخنف لوط بن یحیی، من أشهر کتب المقاتل والذی نقل عنه ثلّة کبیرة من العلماء والمؤرّخین المتقدّمین والمتأخرین، واعتمدوا علیه اعتماداً کبیراً.

1- أصل وجوده: لعلّ أقدم مَن نصَّ علی وجود هذا الکتاب ونسبته لأبی مخنف، هو ابن الندیم(1)؛ إذْ ذکره فی عداد کتبه، وذکره النجاشی کذلک فی قائمة مصنّفاته، تحت عنوان: (قتل الحسین(علیه السّلام))، ثمَّ ذکر طریقه إلی کتب أبی مخنف، قال: «أخبرنا أحمد بن علی بن نوح، قال: حدَّثنا عبد الجبار بن شیران الساکن بنهر جطا (خطی)، قال: حدَّثنا محمد بن زکریا ابن دینار الغلابی، قال: حدَّثنا عبد الله بن الضحاک المرادی، قال: حدّثنا هشام بن محمد بن السّائب الکلبی، عن أبی مخنف»(2).

وذکره الشیخ الطوسی أیضاً فی الفهرست، تحت اسم (مقتل الحسین(علیه السّلام))، ثمَّ ذکر طریقه إلی مصنّفات أبی مخنف، قال: «أخبرنا بها أحمد بن عبدون، والحسین بن عبید الله جمیعاً، عن أبی بکر الدوری، عن القاضی أبی بکر أحمد بن کامل، عن محمد بن موسی ابن حماد، عن ابن أبی السری محمد، قال: أخبرنا هشام بن محمد الکلبی، عنه...»(3).

ثمَّ جاء بعده ابن شهر آشوب (ت588ه-) فأکَّد وجود هذا الکتاب ونسبته، فإنّه - بعد التعریف بأبی مخنف - قال: «له کُتُب کثیرة فی السِّیر، کمقتل الحسین(علیه السّلام)»(4).

وممَّن ذکره أیضاً الحموی فی معجم الأُدباء(5).

2- قدمه ومکانته بین المقاتل: ذهب بعض الباحثین إلی أنَّ مقتل أبی مخنف هو أقدم المقاتل الحسینیّة وأسبقها.

قال الشیخ محمد مهدی شمس الدین: «فکُتُب المقتل تصلح أن تکون موضوعاً لدراسة علمیة واسعة وعمیقة، [و] التی بدأت - فیما نحسب - بأبی مخنف، ولم تنتِه بعد»(6).

وقال الشیخ الیوسفی الغروی فی معرض حدیثه عن توثیق حادثة الطف: «وکذلک بقیت هذه الحادثة الألیمة فی سنة (61ه-) أحادیث شجون تتناقلها الألسن، حتّی انبری لها فی أوائل المائة الثانیة للهجرة أبو مِخْنف... فجمعها من أفواه الرواة، وأودعها کتاباً أسماه: (کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام))... فکان أوّل کتاب فی تاریخ هذه

ص: 100


1- الفهرست (لابن الندیم): 105.
2- رجال النجاشی: 320.
3- الفهرست (للطوسی): 129.
4- معالم العلماء: 129.
5- معجم الأُدباء 5: 2253.
6- أنصار الحسین(علیه السّلام): 33.

الحادثة العظمی علی الإطلاق»(1).

ویمکن مناقشة هذا القول بأنَّ أوّل مَن کتب فی المقتل الحسینی هو الأصبغ بن نباتة، کما ذهب إلی ذلک آغا بزرک الطهرانی، قال: «والظاهر أنّه أوّل مَن کتب مقتل الحسین، وکتابه أسبق کتب المقاتل»(2).

وقال الشیخ الطوسی - بعد أنْ ذکر أنَّ من کُتبه عهد أمیر المؤمنین(علیه السّلام) لمالک الأشتر، ووصیّته إلی محمد بن الحنفیة -: «وروی الدوری عنه أیضاً مقتل الحسین بن علی(علیه السّلام)، عن أحمد بن محمد بن سعید، عن أحمد بن یوسف الجعفی، عن محمد بن یزید النخعی، عن أحمد بن الحسین، عن أبی الجارود، عن الأصبغ، وذکر الحدیث بطوله»(3).

مُضافاً إلی أنَّ هناک عدداً من روایات المقاتل التی نقلها أو دوّنها العدید من الرواة، ک- (عمّار الدهنی)، و(جابر بن یزید الجعفی)، وروایة (الفضیل بن الزبیر الأسدی)، ممّا یدلُّ علی أنَّ هناک مقاتل وروایات فی واقعة الطف قبل مقتل أبی مخنف.

والمتحصّل ممّا تقدّم هو: أنَّ کتاب (مقتل الحسین(علیه السّلام)) لأبی مخنف فی مصاف المقاتل القدیمة، ولیس أقدمها، کما اتّضح، وقد حاول أبو مخنف أنْ یتقصّی کافّة الأخبار الواردة فی هذا الشّأن، ویتتبّعها مدةً طویلة من خلال مراجعة مَن حضر تلک الواقعة الخالدة، أو مَن سمع منهم.

3- وصوله: ممّا یُؤسف له أنَّ أغلب کتب ومؤلّفات أبی مخنف قد فُقدت ولم یبقَ منها إلّا النزر الیسیر، وهو ما رواه المؤرِّخون عنه، ومن کتبه التی اندثرت کتاب (مقتل الحسین(علیه السّلام))، فقد أجمع الباحثون علی ضیاعه، وأنّه لم یصلنا منه إلّا ما نقله المؤرِّخون عنه، والمعروف بین المحقّقین أنّ أقدم نصٍّ نقل مرویات هذا المقتل هو کتاب تاریخ الأُمم والملوک للطبری.

فقد ذکر السّماوی فی مقدّمته لمقتل الخوارزمی: «إنَّ المقاتل القدیمة المفصّلة - کمقتل أبی مخنف - لم یبقَ منها شیء إلّا ما نقله الطبری والجزری وأمثالهما فی ضمن کتبهم، فأمّا أعیانها فلم یبقَ منها شیء؛ لأنّ(مقتل أبی مخنف) لم یوجد منذ خمسة أو ستّة قرون، وکذلک أمثاله»(4).

وممَّن أکّد ذلک الدکتور لبیب بیضون؛ فعدّه من أشهر المقاتل التی نقل عنه العلماء، إلّا أنّه فُقد ولا توجد منه نسخة فی الوقت الحاضر(5).

4- المقتل المتداول: یُتداول الیوم کتاب باسم (مقتل الحسین ومصرع أهل بیته وأصحابه فی کربلاء)، یُنسب لأبی مخنف، وهو مثار أخذٍ وردٍّ بین المحقّقین والباحثین، کما سیتّضح لاحقاً.

وقد ذُکر لهذا المقتل عدّة نسخ ومخطوطات فی المکتبات الإسلامیة، وتوجد له عدة طبعات:

أ - نسخ المقتل المتداول ومخطوطاته: لهذا المقتل عدّة نسخ ومخطوطات:

1. المخطوطة الرّوسیة: برقم (B.60H)، عنوانها: (تاریخ مقتل أبی عبدالله الحسین(علیه السّلام))، وآخرها: «هذا

ما انتهی إلینا من مقتله، وکان فراغه فی الیوم الثانی عشر من شهر ذی القعدة علی ید مرقّمه علی بن خلیفة المقری، وعفی الله عنهما، آمین»(6).

ص: 101


1- وقعة الطفّ: 16- 17.
2- الذریعة إلی تصانیف الشّیعة 22: 24.
3- الفهرست: 38.
4- مقتل الحسین(علیه السّلام) (الخوارزمی)، مقدمة التحقیق للشیخ محمد السماوی: 12.
5- موسوعة کربلاء 1: 31.
6- مجلة البلاغ، السّنة السّابعة، جمادی الثانیة (1399ه-)، العدد6، مقال بعنوان: (وقفة عند کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف)، بقلم هادی جبار سلّوم، وعبد الکاظم مجلّی: 51.

2. مخطوطة دار الکتب المصریة برقم (3192) عنوانها: (مقتل الحسین بن علی بن أبی طالب، تألیف أبی مخنف لوط بن یحیی). وقد ذکر تاریخ نسخها فی الصّفحة الأخیرة وهو: سنة (1252ه-)، ولم یُذکر فیها اسم النّاسخ (1).

3. مخطوطة السیّد محمد سعید ثابت بکربلاء، وهی مؤرّخة فی سنة (1263ه-)(2).

4. مخطوطة مکتبة الأسد بدمشق برقم: (عام4303)، أوّلها: (مصرع الحسین(علیه السّلام) وما جری له ولأهل بیته من قتلهم وسفک دمائهم وسبی حریمهم)، وهی مخرومة الأصل ودون تاریخ ومتهرّئة، وفی آخرها فصلٌ لیس فی الکتاب الأصلی، وشرح لزیارة عاشوراء، وتقع المخطوطة فی (71) صفحة، أصابتها الرّطوبة بما لم یؤثر(3).

وطّبع هذا المقتل المتداول عدّة طبعات، منها:

1. طبعة حجریة سنة (1287ه-) ملحقة بالمجلد العاشر من کتاب (بحار الأنوار) للعلّامة المجلسی(4).

2. طبعة بمبئی فی الهند سنة (1326ه-) منضمّاً إلی مثیر الأحزان واللهوف(5).

3. طبعة المطبعة الحیدریة فی النجف الأشرف سنة (1347ه-)(6).

ب - نسبته لأبی مخنف: وقد اختُلف فی نسبة هذا الکتاب المتداول إلی أبی مخنف، وشُکّک فی صحته، ویمکن إجمال الآراء فی ذلک فی ثلاثة:

الرأی الأوّل: نفی نسبة الکتاب إلی أبی مخنف جملةً وتفصیلاً، فقد ذکر الشیّخ القمّی أنَّ «المقتل الذی بأیدینا ویُنسب إلیه [لأبی مخنف] فلیس له، بل ولا لأحد من المؤرّخین المعتمدین، ومَن أراد تصدیق ذلک، فلیقابل ما فی هذا المقتل وما نقله الطبری وغیره عنه حتّی یعلم ذلک»(7).

وقال السیّد شرف الدین: «ولا یخفی أنّ الکتاب المتداول فی مقتله(علیه السّلام)، المنسوب إلی أبی مِخْنف، قد اشتمل علی کثیر من الأحادیث التی لا علم لأبی مِخْنف بها، وإنّما هی مکذوبة علی الرجل، وقد کثرت علیه الکذّابة، وهذا شاهدٌ علی جلالته»(8).

إلی غیر ذلک من الأقوال والنّصوص النّافیة للکتاب.

وقد أورد أصحاب هذا الرّأی علی هذا المقتل العدید من الإیرادات والملحوظات التی تدلّ علی عدم صحة نسبته لأبی مخنف، منها:

1.تضارب بعض الأخبار والحوادث الموجود فی هذا المقتل المتداول، مع ما نقله الطبری عن أبی مخنف، وهو ما حدا بالشیخ القمّی، وغیره من العلماء، کالمحدّث النوری، والسیّد حسن الأمین(9)، إلی نفی الکتاب وردّه.

2. إنَّ أبا مخنف یحدّث فی هذا الکتاب عن أبی المنذر هشام، ومن الواضح أنَّ هشاماً تلمیذ لأبی مخنف، فکیف یحدّث ویروی عنه؟!(10)

3. توجد فی هذا المقتل روایة عن الکلینی المتوفّی سنة (329ه-)، مع أنَّ وفاة أبی مخنف کانت سنة (158ه-)، مضافاً إلی أنَّ الروایة

ص: 102


1- المصدر السابق: 51.
2- المصدر السابق: 51.
3- موسوعة کربلاء1: 31.
4- الذریعة إلی تصانیف الشیعة 22: 27.
5- مرآة الکتب 1: 434.
6- معجم المطبوعات النجفیة: 131.
7- الکنی والألقاب1: 55. نفس المهموم: 12.
8- مؤلِّفو الشیعة فی صدر الإسلام: 42- 43.
9- مستدرکات أعیان الشیعة6: 256.
10- وقعة الطف: 34.

المنقولة غیر موجودة فی الکافی(1).

4. فیه أنَّ یزید بن معاویة أنفذ الکتاب إلی الولید - عامله علی المدینة - یأمره فیه بأخذ البیعة من الحسین(علیه السّلام) لعشرٍ خلون من شعبان(2)، مع أنَّ اتفاق المؤرّخین - ومنهم أبو مخنف بروایة الطبری والمفید - علی أنَّ الحسین(علیه السّلام) دخل مکّة لثلاثٍ خلون من شعبان(3)، فکیف جرت المحادثة المعروفة بین الحسین(علیه السّلام) والولید فی ذلک الوقت.

5. انفراد هذا المقتل بذکر أحداث ووقائع غیر مذکورة فی کتب وروایات المقاتل، بالإضافة إلی مخالفتها روایة أبی مخنف فی أحداث عاشوراء التی نقلها عنه الطبری، ومنها:

أ - انفراده بنقل خبر الحفیرة التی وقع فیها مسلم(علیه السّلام) وأُخِذَ مکتوفاً إلی ابن زیاد(4).

ب - ذکر أنّه لما قتل مسلمٌ وهانئ وانقطع خبرهما، قلق الحسین(علیه السّلام) وأمر أهله بالرحیل إلی المدینة، فخرجوا معه، فأتی قبر النّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وبکی بکاءً شدیداً(5).

وهذا الخبر غریب ولم ینقله أحد من المؤرِّخین، بالإضافة إلی أنّه یمکن التّوفیق بینه وبین ما علیه کتب التاریخ، حیث اتّفقت علی وصول خبر مقتل مسلم وهانیء والإمام(علیه السّلام) فی الثعلبیة علی أشهر الآراء(6)، أو زرود کما عن السید ابن طاووس(7).

ج - ینفرد فی حدیث نزول الحسین(علیه السّلام) کربلاء وینقل أنّ الإمام(علیه السّلام) رکب سبعة أفراس ونزل منها وتوقُّفِها وعدم تقدّمها(8).

د - ینفرد بذکر إبراهیم بن الحسین فی عداد أصحاب الحسین(علیه السّلام)(9).

ه- - یذکر الطّرماح فیمَن استُشهد مع الإمام الحسین(علیه السّلام)، مع أنَّ روایة الطبری عن أبی مخنف تنفی حضوره فی کربلاء(10).

و - ینفرد بحفر الحسین(علیه السّلام) بئراً ولکنّه لم یجد فیها ماءً(11).

وإلی غیر ذلک من الإیرادات التی أوصلها بعض الباحثین إلی عشرین إیراداً(12)، کانفراده بذکر عدد عساکر ابن سعد بثمانین ألفاً، وخطبة زهیر بن القین یوم نزول العساکر فی کربلاء، ویذکر أبیاتاً للحرّ الجعفی وینسبها للحر الریاحی، وکذلک ینسب إلی الإمام الحسین(علیه السّلام) أبیاتاً فی رثاء أصحابه، وإلی غیر ذلک من الموارد.

والمتحصّل من هذا الرأی: التشکیک فی نسبة الکتاب لأبی مخنف.

الرأی الثّانی: وهو صحّة نسبة أصل کتاب المقتل لأبی مخنف، مع الاعتراف بحدوث بعض التغییرات والإضافات فیه، غیر أنّها لا تُوجب رفض الکتاب والأخذ منه، وهو ما یظهر من بعض الباحثین، قالوا: «لا نشکّ فی نسبة الکتاب، ونعتقد أنّه صحیح النسبة، وأنَّ الذی طرأ علیه لا یمس جوهر الأخبار والأشعار التی قد لا نجدها فی غیره من المؤلَّفات»(13)، وقد

ص: 103


1- مقتل الحسین(علیه السّلام) (النسخة المتداولة): 7.
2- المصدر نفسه: 10.
3- وقعة الطف: 35.
4- مقتل الحسین(علیه السّلام) (النسخة المتداولة): 37.
5- المصدر نفسه: 42.
6- تاریخ الطبری 5: 397 - 398. الکامل فی التاریخ 4، 42. الفوائد الرّجالیة (للسیّد بحر العلوم) 4: 30.
7- اللّهوف: 23.
8- مقتل الحسین(علیه السّلام) (النسخة المتداولة): 50.
9- المصدر نفسه: 76.
10- المصدر نفسه: 77.
11- المصدر نفسه: 60.
12- وقعة الطف: 35 - 39.
13- مجلة البلاغ، السنة الثامنة، 1399، العدد1، بحث بعنوان: (مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف)، للباحثین: هادی جبّار سلّوم وعبد الکاظم مجلّی: 12.

ناقشوا فی أدلّة وشواهد الرأی الأوّل، بعدّة مناقشات، منها:

1- إنَّ مخالفة الطبری لا تفقد الأخبار أهمّیتها، ولا یمکن القول: إنَّ تاریخ الطبری هو العمدة فی تصحیح الخبر التّاریخی، خصوصاً مع ما علیه من ملاحظات، کروایته عن سیف بن عمر، وتشویه الأخبار وتحریفها، وعدم روایته لکثیر من أخبار مقتل الحسین(علیه السّلام).

2- إنَّ الطّبری لم یزعم أنّه ینقل عن خطّ هشام الکلبی کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) علی التمام والکمال.

3- إنَّ الطبری لم یروِ عن أبی مخنف الرّوایات الواردة فی وقعة الطف کلّها، وأخبار الحسین(علیه السّلام)، ومن الأمثلة علی ذلک روایة محمد بن جریر بن رستم الطبری الإمامی، بسنده عن أبی مخنف، عن ابن عباس، قال: أتیت الحسین(علیه السّلام) وهو یخرج إلی العراق، فقلت له: یابن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لا تخرج، فقال: «یابن عباس، أما علمت إن منعتی من هناک، فإنَّ مصارع أصحابی هناک»، فقلت له: فأنّی لک هذا؟ قال: «بسرٍّ سرّه لی رسول الله، وعلمٍ أُعطیته»(1).

إلی غیر ذلک من الشواهد التی ساقها أصحاب هذا الرأی ممّا دعاهم للجزم «أنَّ الطبری لم یستوفِ کلّ روایات أبی مخنف التی تتعلّق بأحوال ثورة الحسین(علیه السّلام) وتفاصیلها، وإنّما اقتبس ما أحبّ»(2).

4- أمّا خلو المقتل من الأسانید، فقد تمَّ بفعل النّساخ، إضافةً إلی أنَّ التّسامح فی أسانید الأخبار بحذفها إذا کانت مشهورة - کأسانید أبی مخنف - فلا بأس بذلک، کما فعل ذلک کثیر من أصحاب المقاتل، کالشیخ المفید فی الإرشاد، وصاحب اللهوف، وصاحب مثیر الأحزان، ومناقب آل أبی طالب(3).

5- أمّا روایته عن هشام أو عن الکلینی أو نحو ذلک ممّا حدا بالبعض إلی عدم قبول الکتاب والتشکیک فی نسبته لأبی مخنف، فذلک لحصول کثیر من التصحیف من قبل النسّاخ؛ فکلمة الکلینی تصحیفٌ لکلمة الکلبی، فبدلاً من أن یکتب: روی الکلبی - المقصود به هشام بن محمد الکلبی - کتب: روی الکلینی)(4).

وکذلک ما ورد فی أوّل الکتاب من قوله: «قال أبو مخنف: حدّثنا أبو المنذر هشام، عن محمد بن سائب الکلبی»(5)، فی حین أنّ هشاماً یروی عن أبی مخنف ولیس العکس.

فإنَّ هذه الهفوة نتیجة انتقال النظر بین السّطور، مضافاً لوقوع التصحیف فأبدلت (بن) ب- (عن)، فبعد تصحیح الخطأ الواقع بفعل الانتقال بالنظر بین السطور ورفع التّصحیف حینها یستقیم السّند علی الشکل التالی: «قال أبو المنذر هشام بن محمد بن سائب الکلبی، قال: حدثنا أبو مخنف، قال... »(6).

إلی غیر ذلک من الهفوات التی حدثت نتیجة التصحیف وأخطاء النسّاخ. وهذه الأخطاء لا تقوم حجّة علی نفی نسبة الکتاب إلی أبی مخنف.

ص: 104


1- دلائل الإمامة: 74.
2- مجلة البلاغ، السّنة السّابعة، جمادی الثانیة 1399ه-، العدد 6، مقال بعنوان: (وقفة عند کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف)، بقلم: هادی جبار سلّوم وعبد الکاظم مجلّی: 56.
3- المصدر السابق: 59.
4- المصدر السابق: 58.
5- مقتل الحسین(علیه السّلام) (النسخة المتداولة): 3.
6- مجلة البلاغ، السّنة السّابعة، جمادی الثانیة 1399ه-، العدد 6، مقال بعنوان: (وقفة عند کتاب مقتل الحسین(علیه السّلام) لأبی مخنف)، بقلم هادی جبار سلّوم وعبد الکاظم مجلّی: 62 - 63.

فالمتحصّل: إنَّ الظاهر من أصحاب هذا الرّأی قبول نسبة الکتاب إلی أبی مخنف مع وجود بعض الأخطاء والتّحریفات.

ویمکن أنْ یُلاحظ علی الشّواهد والأدلّة المتقدّمة بما یلی:

1- یمکن الادّعاء بأنَّ مخالفة روایات المقتل المتداول لروایات الطبری تشکّل قرینة قویة علی ضعف نسبة الکتاب إلی أبی مخنف - دون الادّعاء أنّها کافیة لوحدها من دون ضمّها إلی بقیّة القرائن - ؛ لأن تاریخ الطبری من الکتب المتینة لما یتمیّز به المؤلّف من مکانةٍ علمیة مرموقة عند العلماء کافّة، وما یتمتع به الکتاب من ضبطٍ واتقان، کما شهد بذلک کثیر من العلماء، قال عنه الخطیب البغدادی: «کان أحد أئمّة العلماء، یُحکم بقوله، ویُرجع إلی رأیه لمعرفته وفضله، وکان قد جمع من العلوم ما لم یشارکه فیه أحد من أهل عصره... عارفاً بأیّام الناس وأخبارهم»(1).

وقال الذهبی: «وکان من أفراد الدهر علماً،وذکاءً، وکثرة تصانیف. قلَّ أنْ تری العیون مثله»(2).

وقال ابن الأثیر: «أبو جعفر أوثق من نقل التاریخ...»(3).

وما تسجّل علیه من ملحوظات، کروایته عن سیف بن عمر وغیره فإنَّ جمیع الکتب لا تخلو من وجود هفوات وإشکالات، خصوصاً أنَّ الطبری قد خرج من عهدة الروایات التی ذکرها، فقال فی مقدمة کتابه بأنَّ «ما یکن فی کتابی هذا من خبر ذکرناه عن بعض الماضین ممّا یستنکره قارئه، أو یستشنعه سامعه، من أجل أنّه لم یعرف له وجهاً فی الصحّة، ولا معنی فی الحقیقة، فلیعلم أنّه لم یؤتَ فی ذلک من قبلنا، وإنّما أُتی من قبل بعض ناقلیه إلینا، وإنّا إنما أدّینا ذلک علی نحو ما أُدیَ إلینا»(4).

2- إنَّ وجود أخبار عن أبی مخنف تتّصل بواقعة الطف لم یذکرها الطبری من المحتمل أنَّ ذلک إمّا لعدم ورودها فی کتاب المقتل الذی کان عنده - کما سیتّضح لاحقاً - أو أنَّ الطبری أراد حذفها لأسباب، منها ما عاشه من أجواء التقیة والخوف من قبل المتعصّبین والجهلة، سیّما مدة إقامته فی بغداد؛ إذ ناصبه الحنابلة العداء وقد حصل بینهم وبینه خلافات حادّة(5)، حتّی وصلت إلی اتهامه بالتشیّع، مما أدّی به إلی الاعتزال، ومن الأمثلة علی ذلک ما ذکره عن هشام، عن أبی مخنف، قال: وحدثنی یزید بن ظبیان الهمدانی أنّ محمد بن أبی بکر کتب إلی معاویة بن أبی سفیان لما ولی، فذکر مکاتبات جرت بینهما کرهت ذکرها؛ لما فیه ممّا لا یحتمل سماعها العامة(6).

وأمّا ادّعاء تشویه الطبری للأخبار وتحریفه إیّاها - لو حصل - فقد یفهم فی سیاق الظروف والأجواء التی عاشها.

3- فیما یتّصل بالقول بأنَّ الطبری لم یزعم أنّه ینقل عن خط هشام الکلبی کتاب المقتل، فقد یفهم منه أنَّ الطبری لم یکن لدیه کتاب أبی مخنف، وإنّما یروی ذلک روایة، وأنّه لم یذکر الواسطة بینه وبین هشام، فیعد هذا تدلیساً.

یمکن الجواب عنه: بأنَّ عدم ذکر الواسطة والاکتفاء بقوله: «حُدّثت عن هشام»، «ما ذکر هشام»، «قال هشام» ونحو ذلک، لا یعدّ قرینة علی عدم وجود کتابٍ لدی الطبری، بل یُقال: إنّه کان ینقل من الکتاب مباشرة ویعززه(7))

ص: 105


1- تاریخ بغداد 2: 161.
2- سیر أعلام النبلاء 14: 267
3- الکامل فی التاریخ3: 263.
4- تاریخ الطبری 1: 5.
5- البدایة والنّهایة 14: 849.
6- تاریخ الطبری3: 557.
7- التعزیز یُحتمل فی تفسیره أمران: الأوّل: أن تکون الرّوایة موجودةً فی الکتاب الذی عند الطبری، ومع ذلک یسأل عنها تلامذة هشام، فیعزّز ما عنده بما حُدِّث به. الثّانی: أنْ تکون الروایة غیر موجودة فی الکتاب، فیباشر تلامذة هشام بالسؤال فیعزّز الکتاب بمرویاتٍ حُدِّث بها. وعلی کلا الفرضین فإنَّ ذلک لیس فیه ما یدلُّ علی عدم وجود کتابٍ عند الطبری. فتکون عبارة حُدّثتُ عن هشام، وذکر هشام، إمّا بالأخذ منه - عن طریق واسطةٍ لم یذکرها الطبری بینه وبین هشام - تعزیزاً لما هو موجود عنده فی الکتاب، وإمّا بإسناد الکتاب وتعزیزه بمرویاتٍ لم تکن فیه. وأمّا قول أبو مخنف، فإنّها إشارة إلی النقل من کتابه بشکلٍ مباشر.

بذلک.

وممّا یؤیّد وجود کتب أبی مخنف عند الطبری بواسطة هشام أنّه صرح بنقله عن کتب هشام عند ذکره لوقعة الحرة إذ یقول: «هکذا وجدته فی کتابی...»(1)، الأمر الذی یشکّل قرینةً علی وجود کتب أبی مخنف عند الطبری.

ویؤیّد وجود الکتاب عند الطبری - أیضاً - ما نجده من التطابق الکبیر جدّا بین روایاته وروایات الشیخ المفید فی الإرشاد، الذی ینقل عن هشام الکلبی، ممّا یعزز أنَّ الکتاب ذاته کان عند الشیخ المفید أیضاً(2).

4- أمّا ما یتعلّق بالإجابة عن ملحوظة حذف الأسناد فی المقتل المتداول ودعوی أنَّ ذلک من عمل النسّاخ وقیاسه علی ما فعله أصحاب المقاتل، کالشیخ المفید فی الإرشاد، وصاحب اللهوف، ومثیر الأحزان، ومناقب آل أبی طالب، فهذا قیاس مع الفارق، وهو نوع من المغالطة؛ إذ لا یصحّ قیاس عمل النسّاخ الذی لا یتعدّی النسخ بالمطابقة، علی عمل المؤلّف الذی یحقّ له التصرّف وحذف الأسانید لغرضٍ یراه، کالاختصار أو غیره.

5- إنّ عمدة جواب المثبتین لنسبة الکتاب لأبی مخنف وقبول ما فیه هو حصول التصحیف أو التّلاعب من قبل النسّاخ عن قصدٍ أو غیر قصد؛ کما فی روایة أبی مخنف عن هشام الذی هو تلمیذه، وعن الکلینی المتأخِّر عنه، أو نسبة بعض الأشعار التی نجزم بخطئها، أو غیر ذلک ممّا لا یمکن قبوله علی ظاهره، فإنّه إنْ کان مقبولاً إلی حدٍ مّا فی مثل حصول التّصحیف فی کلمة الکلبی التی صُحّفت إلی الکلینی، ولکن لا یمکن قبوله فی سائر الموارد الأُخری، کحصول الخطأ فی نسبة بعض المقطوعات الشعریة، أو الخطأ فی الأسانید، أو تداخل الأخبار وغیرها؛ فإنَّ البناء علی ذلک لا یبقی حجر علی حجر فی مسألة البحث عن المخطوطات، وإثبات نسبة الکتب إلی أصحابها وعدمها، فلکلِّ واحدٍ أنْ یدّعی نسبة کتاب ما، ویجیب عمّا یُشکَل علیه بحصول التّصحیف.

إنَّ التّصحیف له ضوابط وأُسس معیّنة علی أساسها یمکن قبوله أو عدمه.

الرأی الثالث: المیل إلی عدم نفی الکتاب عن أبی مخنف(3)، إلّا أنّه حصل فیه تحویر وتبدیل وحذف بما لا یمکن معه الأخذ عنه دون توقّف(4)، وظاهر عبارة آغا بزرک

ص: 106


1- تاریخ الطبری 4: 374.
2- هناک تطابق کبیر بین مقتل أبی مخنف بروایة الطبری وبین ما نقله الشیخ المفید فی الإرشاد، ولا یوجد اختلاف إلّا فی بعض الکلمات، مثل: نزول الإمام فی الثعلبیة، ووصول خبر مقتل مسلم وهانئ، وخبر الأسدیین، ولقائهم بالأسدی القادم من الکوفة فی زرود. راجع: الإرشاد 2: 74 - 75.
3- مجلة البلاغ، السّنة الثانیة، محرم 1389ه-، العدد9، مقال بعنوان: (أبو مخنف) بقلم: هادی حسین حمود: 98.
4- والفارق بین الرأی الثانی والثالث؛ أنَّ الرأی الثانی یری صحة نسبة الکتاب بشکل کامل لأبی مخنف، وأنّ ما وقع من تحریف إنّما هو بفعل النسّاخ ومع هذا لا یضرّ فی صحة نسبته والأخذ عنه. أمّا الرّأی الثّالث، فإنّه وإنْ کان یری قبول الکتاب فی الجملة، ولیس بشکل کامل، وأنَّ ما حدث فیه من التّصحیف قد أضرّ بالکتاب؛ فلا یمکن الرّکون إلیه وحده.

الطهرانی ذلک؛ إذ قال: «ونسبته

إلیه مشهورة، ولکن الظّاهر أنَّ فیه بعض الموضوعات»(1).

ولعل الشّاهد علی ذلک التشابه الکبیر بینه وبین ما فی الطّبری، خصوصاً ما یتعلّق بالحوادث التّاریخیة، مضافاً إلی أنَّ ما ذُکر من شواهد التّشکیک فی ذلک لا تدلّ مع ملاحظة ذلک التشابه علی أکثر من حصول الوضع والدس أو التصحیف، ولا تنهض دلیلاً علی النفی مباشرةً.

ویذهب أصحاب هذا الرّأی(2) إلی أنَّ المقارنة بین مقتل الحسین لأبی مخنف، وما رواه هو نفسه فی تاریخ الطبری یظهر منه ما یلی:

1- خلو کتاب المقتل من الأسانید، والتی ظهرت فی تاریخ الطبری.

2- اختصار العدید من الرّسائل وتحویر بعضها، مع أنَّ الظاهر أنَّ الرسائل ترد فی الطبری بشکلٍ کامل.

3- أُسلوب الرّسائل فی المقتل أقرب ما تکون إلی لغة العصر الحاضر، علی العکس من ذلک فی تاریخ الطبری فهی فی أُسلوبها قدیمة العهد.

أمّا انفراده ببعض الرّوایات التی لم ترد فی الطبری فلعلّ الطبری حذفها لعدم انسجامها فی اعتقاده أو لعدم سماح الظروف بذلک، کما تقدّم التنبیه علی ذلک.

وکیف کان فمع هذه الملحوظات علی الکتاب والهفوات التی فیه لا یمکن الاعتماد علیه بشکل کامل.

من هنا ینبغی العمل علی تحقیق الکتاب، والمقارنة بین نسخه، وبینها وبین الکتب التّاریخیة الأُُخری، ومن ثمّ الخروج بنتائج یرکن إلیها.

5- نسخة المقتل بروایة الطبری: المعروف بین المحقّقین أنّ أقدم نصٍّ نقل مرویات مقتل أبی مخنف هو کتاب تاریخ الأُمم والملوک للطبری (ت310ه-) وصرّح بذلک بعضٌ، فقال إنَّ: «أقدم نصّ معروف لدینا ممَّن نقل أحادیث هشام الکلبی فی کتابه عن أبی مِخْنَف هو: تاریخ أبی جعفر محمّد بن جریر الطبری (310ه-)، وهو لمْ یُفرِد لها تألیفاً خاصّاً، وإنّما ذکر الوقعة فی أثناء تاریخه لحوادث سنة (60 - 61 ه-)»(3).

وذکر بعضهم: «أنّ من جملة المقاتل التی استندوا إلیها ونقلوا عنها مقتل أبی مخنف المشهور بین الخواصّ والعوام، ونقل مهرة الفنّ عنه فی زبرهم القدیمة، کمحمد بن جریر الطبری فی کتابه تاریخ الأُمم والملوک...»(4).

والملحوظ أنَّ مرویات مقتل أبی مخنف فی الطبری تغطّی أکثر التفاصیل عن الواقعة، إلّا أنّها متناثرة علی حوادث المعرکة وما قبلها وما بعدها، وغیر مراعی فیها التسلسل الزمنی.

ولهذا أُفرِد لها من قبل المحقّقین مصنّفٌ خاصٌّ تحت مسمّی (وقعة الطف) تحقیق الشیخ الیوسفی الغروی، و(مقتل الحسین) تحقیق الشیخ حسن الغفاری.

ویتکوّن مقتل أبی مخنف المستخرَج من تاریخ الطبری - بحسب ما حقّقه الیوسفی الغروی - من (65) حدیثاً مسنداً، رواها أبو مخنف بالمباشرة أو بالواسطة عن (39) راویاً، وقد وضع الیوسفی الغروی ستّ قوائم تفصیلیّة بأسماء الرواة الوسائط بین أبی مخنف

ص: 107


1- الذریعة: 22: 27.
2- مجلة البلاغ، السّنة الثانیة، محرم 1389ه-، العدد9، مقال بعنوان: (أبو مخنف) بقلم: هادی حسین حمود: 98.
3- وقعة الطف: 18.
4- مقتل الحسین(علیه السّلام) (تحقیق: الغفاری): 386.

والأحداث، فکانت القوائم هی فی حدّ ذاتها فهرستاً لأحادیث الکتاب أیضاً(1).

نعم، هناک مَن اعتمد علی الطبری فی کتابه (تاریخ الأُمم والملوک)، کابن الأثیر(ت 630ه-) فی الکامل فی التاریخ، والذهبی (ت748ه-) فی تاریخ الإسلام، وابن کثیر(ت 774ه-) فی البدایة والنهایة، وابن شهر آشوب (ت 588ه-) فی مناقب آل أبی طالب، غیر أنّه یُلحظ أنَّ فی نقلهم اختلافاً یسیراً فی بعض الموارد؛ ولعلّ ذلک لأنَّ لکلّ واحد من هؤلاء طریقه الخاصّ إلی تاریخ الطبری، فاختلفت النّسخ تبعاً لذلک، وإن کانت الاختلافات نادرة جداً.

6- طریق الطبری إلی مقتل أبی مخنف: إنَّ الطبری لم یتّصل بهشام بن محمد، فقد توفّی الأخیر قبل ولادة الطبری بحوالی (18) عاماً، ومع ذلک فإنَّ الطبری - فی أحداث سنتی (60- 61 ه-) - یُسنِد مرویاته إلی هشام من دون أن یذکر الواسطة بینهما، ممّا یعنی انقطاع السند بین الطبری وهشام؛ فقد یُقال: إنَّ مجموع روایات الطبری عن أبی مخنف مرسلة؛ ومن ثمَّ ضعیفة حسب المقاییس الحدیثیة؛ لجهل الواسطة بینهما.

ویمکن الجواب عن ذلک: بأنَّ الطبری یمتلک نسخة من مقتل أبی مخنف، ینقل منها، معزِّزاً ذلک - حسب ما مرّ من معنی التعزیز سابقاً - بمرویات وردت إلیه عن طریق هشام، دون تعیین الواسطة بینه وبین هشام(2)، فهو یعتمد علی مقتل أبی مخنف المدوّن نفسه.

وعلی فرض عدم وجود الکتاب لدیه، أو عدم وجود الرّوایات فیه، وکان قد رواها للتعزیز - کما ذکر - فإنَّ عدم ذکر السند لا یقدح فی روایات الطبری؛ لأنَّ طریقه إلی هشام معروف فهو یروی عن الحارث بن محمد (ت 282ه-)، عن محمد بن سعد صاحب الطبقات (ت230ه-)، عن هشام بن محمد، عن أبی مخنف.

ولیس للطبری طریق إلی هشام غیره(3)، وقد صرَّح الطبری بذلک فی ستّة موارد فی الجزء الأوّل من تاریخه(4)، وبعد أن صار طریقه معروفاً إلی هشام بن محمد، بدأ یُسند إلی هشام بن محمد بقوله مثلاً: «حُدِّثتُ عن هشام» بصیغة المبنی للمجهول.

وبقی أن نذکر أنَّ هناک ممَّن نقل عن أبی مخنف عن غیر طریق الطبری، کالبلاذری (ت279ه-) فی أنساب الأشراف، وابن أعثم الکوفی (ت314ه-) فی الفتوح، والمسعودی (ت345ه-) فی مروج الذهب، وأبی الفرج الأصفهانی (ت356ه-) فی مقاتل الطالبیین، وغیرهم.

ففی هذه الکتب وأمثالها توجد مرویات عن أبی مخنف یمکن إضافتها إلی المقتل المستخرَج من الطبری.

المصادر: الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، محمد بن محمد بن النعمان (الشیخ المفید)، تحقیق: مؤسسة آل البیت(علیهم السّلام) لتحقیق التراث، دار المفید، بیروت، ط2، 1414ه-. أسماء مصنفی الشیعة (رجال النجاشی)، أحمد بن علی النجاشی، تحقیق: موسی شبیری الزنجانی، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم، ط5، 1416ه-. أُصول المقتل الحسینی، عامر الجابری، مؤسسة وراث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة، النجف، ط1، 1436ه-. البدایة والنهایة، إسماعیل بن کثیر الدمشقی، تحقیق: علی شیری،

ص: 108


1- وقعة الطف: 40 - 81.
2- وقعة الطف: 18- 19.
3- أُصول المقتل الحسینی: 185.
4- تاریخ الطبری 1: 120، 127، 152، 160، 206، 209.

دار إحیاء التراث، بیروت، ط1، 1408ه-. تاریخ الأمم والملوک (تاریخ الطبری)، محمد بن جریر(الطبری)، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط4، 1403ه-. تاریخ بغداد، أحمد بن علی (الخطیب البغدادی)، تحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، دار الکتب العلمیة بیروت، ط1، 1417ه-. دلائل الإمامة، محمد بن جریر الطبری (الشیعی)، تحقیق ونشر: مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1413ه-. الذریعة إلی تصانیف الشیعة، آغا برزک الطهرانی، دار الأضواء، بیروت، ط2. سیر أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان (الذهبی)، تحقیق: حسین الأسد، ط9، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1413ه-. الفهرست، محمد بن إسحاق أبو الفرج الندیم، تحقیق: رضا - تجدد، الناشر: المحقق. الفهرست، محمد بن الحسن الطوسی، تحقیق: جواد القیومی، مؤسسة نشر الفقاهة، إیران، ط1، 1417ه-. الفوائد الرجالیة، محمد مهدی بحر العلوم، تحقیق: محمد صادق بحر العلوم، حسین بحر العلوم، مکتبة الصادق، طهران، 1363ش. الکامل فی التّاریخ، علی بن محمد (ابن الأثیر)، دار صادر، بیروت، 1385 ه-. الکنی والألقاب، عباس القمی، تقدیم: محمد هادی الأمینی، مکتبة الصدر، طهران. اللهوف فی قتلی الطفوف، علی بن موسی بن جعفر(ابن طاووس)، أنوار الهدی، قم، ط1، 1417ه-. مجلة البلاغ، السّنة الثانیة، محرم 1389ه-، العدد9. مجلة البلاغ، السّنة السّابعة، جمادی الثانیة 1399ه-، العدد6. مرآة الکتب، علی بن موسی التبریزی، تحقیق: محمد علی الحائری، منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی، ط1، 1414ه-. مستدرکات علم رجال الحدیث، علی النمازی الشاهرودی، ط1، 1412 ه. معالم العلماء فی فهرست کتب الشیعة وأسماء المصنفین منهم قدیماً وحدیثاً، محمد بن علی بن شهر آشوب، مراجعة وتقدیم: محمد صادق آل بحر العلوم، دار الأضواء، بیروت. معجم الأدباء، یاقوت الحموی، دار الفکر، ط3، 1400ه-. معجم المطبوعات النجفیة، محمد هادی الأمینی، مطبعة الآداب، النجف، ط1، 1385ه-. مقتل الحسین للمؤرخ الشهیر لوط بن یحیی، تحقیق: حسن الغفاری، مطبعة العلمیة، قم. مقتل الحسین(علیه السّلام)، الموفّق بن أحمد (الخوارزمی)، تحقیق: الشیخ محمد السّماوی، انتشارات أنوار الهدی، قم، ط5، 1413ه-. موسوعة کربلاء، د. لبیب بیضون، طلیعة النور، قم، ط1، 1427ه-. مؤلفو الشیعة فی صدر الإسلام، عبد الحسین شرف الدین، تقدیم وإشراف: أحمد الحسینی، مکتبة الأندلس بغداد. نفس المهموم، عباس القمّی، دار المرتضی، ط1، 1429ه-. وقعة الطف لأبی مخنف، تحقیق: محمد هادی الیوسفی الغروی، المجمّع العالمی لأهل البیت(علیهم السّلام) ، دار التعارف، بیروت، ط3، 1433ه-.

محمد باقر الهاشمی

ص: 109

دعوة الکتاب

مؤسّسه وارث الأنبیاء للدراسات التخصصیة فی النهضة الحسینیة

السادة العلماء والفضلاء والباحثین والکتاب الکرام

الی المساهمة فی رفد دائرة المعارف الحسینیة ببحوثهم و کتاباتهم فی مختلف المداجل والموضوعات خدمة للتراث الحسینیة والنهضة الحسینیة المبارکة.

اللجنة العلمیة فی دائرة المعارف الحسینیة

ص: 110

المحتویات

مقدّمة المؤسّسة. 9

مدخل. 13

المفاصل الرئیسة ومراحل العمل. 21

نماذج من کل حرف لمداخل دائرة المعارف الحسینیة الألفبائیة. 51

نماذج من مقالات دائرة المعارف الحسینیة. 56

أنس بن الحارث.. 56

اسمه ونسبه:. 56

عمره وموطنه:. 57

صحبته للنّبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وَروایته عَنه:. 58

التحاقه بالإمام الحسین(علیه السّلام):. 58

شهادته ورثاؤه 58

المصادر. 59

الثّعلبیة. 60

الموقع الجغرافی للثعلبیة:. 60

تاریخ نشوء الثعلبیة ومنشأ تسمیتها:. 62

شخصیات الثعلبیة:. 62

حوادث الثعلبیة:. 63

نزول الإمام الحسین (علیه السّلام) بالثعلبیة:. 63

المصادر:. 65

حمید بن مسلم. 66

وثاقة حمید بن مسلم:. 67

روایات حمید بن مسلم:. 68

مصیر حمید بن مسلم:. 70

المصادر. 70

زهیر بن القین.. 71

اسمه ونسبه:. 71

ص: 111

زهیر بن القین قبل واقعة الطفّ:. 71

زهیر بن القین والهوی العثمانی:. 72

تحلیل الاتهام بالعثمانیة وتحقیقه:. 73

الجهة الأولی: السند:. 74

هل خرج زهیر بن القین یتلقی الحسین(علیه السّلام)؟. 78

سرّ التحوّل الفکری والعقدی لزهیر:. 80

مکانة زهیر وشجاعته ومواقفه فی کربلاء:. 81

شجاعته ومواقفه:. 82

وسام الشهادة:. 83

المصادر. 83

لُبس السّواد. 84

أوّلاً: التعریف: اللبس.. 84

ثانیاً: خصائص اللون الأسود ودلالاته:. 85

ثالثاً: لبس السّواد لدی الأُمم والشّعوب:. 87

رابعاً: حکم لبس السّواد:. 88

خامساً: حکم لبس السّواد فی عزاء الأئمّة(علیهم السّلام) والإمام الحُسین(علیه السّلام) علی الخصوص:. 93

سادساً: حکم الاتشاح بالسواد:. 97

المصادر. 98

مقتل أبی مخنف.. 100

1- أصل وجوده:. 100

2- قدمه ومکانته بین المقاتل:. 100

3- وصوله:. 101

4- المقتل المتداول:. 101

5- نسخة المقتل بروایة الطبری:. 107

6- طریق الطبری إلی مقتل أبی مخنف:. 108

المصادر. 108

دعوة للکتابة. 110

المحتویات.. 111

ص: 112

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.