شرح التصریف

اشارة

عنوان و نام پدیدآور : شرح التصریف/ مسعود بن عمر القاضی التفتازانی

مشخصات نشر : دیجیتالی،مرکز تحقیقات رایانه ای قائمیه (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) اصفهان،1398.

زبان : عربی.

مشخصات ظاهری : 114 صفحه.

موضوع : زبان عربی -- صرف

توضیح : کتاب «شرح التصریف» ، اثر مسعود بن عمر قاضی تفتازانی، به زبان عربی است که در شرح کتاب «التصریف» عبدالوهاب بن عبادالدین زنجانی نوشته است.بر کتاب «التصریف» زنجانی شروح فراوانی نوشته شده است که یکی از مهم ترین آنها، همین شرحی است که تفتازانی در سن شانزده سالگی به عنوان نخستین اثر خویش تألیف کرده است.شرح مذکور، شرحی مزجی است و شارح علاوه بر مثال های فراوان، از آیات قرآن و اشعار نیز بهره برده است.

این کتاب در ضمن مجموعه «جامع المقدمات» می باشد.

ص :1

مقدمة الشارح

بسم الله الرحمن الرحیم

إنّ أروی زُهَرٍ تخرج فی ریاض الکلام من الاکمام ، وأبهی حُبُر تُحاک ببنان البیان ، وأسنان الأقلام حمداً لله تعالی سبحانه علی تواتر نعمائه الزاهرة الظاهرة وترادف آلائه المتوافرة المتکاثرة ، ثمّ الصلاة علی نبیّه محمّد المبعوث من أشرف جراثیم الأنام ، وعلی آله وأصحابه الأئمة الأعلام وأزمّة الإسلام.

أما بعد ، فیقول الحقیر الفقیر الی الله المسعود بن عمر القاضی التفتازانی بَیَّضَ الله غرّة أحواله واَورَقَ أغصان آماله : لمّا رأیت مختصر التصریف الذی صنّفه الإمام الفاضل العالم الکامل قدوة المحقّقین عزّ  الملّة والدّین عبد الوهّاب بن إبراهیم الزنجانی رحمه الله مختصراً ینطوی علی مباحث شریفة ویحتوی علی قواعد لطیفة سنح لی أن أشرحه شرحاً یذلّل من اللّفظ صعابه ویکشف عن وجوه المعانی نقابه ، ویستکشف مظنون غوامضه. ویستخرج سرّ حلوه وحامضه ، مضیفاً الیه فوائد شریفة وذوائد لطیفة ممّا عثر علیه فکری الفاتر ، ونظری القاصر بعون الله الملک القادر والمرجوّ ممن اطّلع فیه علی عثرة أن یدرأ بالحَسَنة السیئة فإنه أوّل ما أفرغته فی قالب التّرتیب والتّرصیف مختصراً فی هذا المختصر ما قرأته فی علم التصریف ، ومن الله الاستعانة والیه الزّلفی وهو حَسب من

توکّل علیه وکفی ، فها انا اشرع فی المقصود بعون الملک المعبود ، فأقول : لمّا کان من الواجب علی کلّ طالب لشیء أن یتصوّر ذلک الشیء اوّلاً لیکون علی بصیرة فی طلبه وأن یتصوّر غایته لانّه هو السبب الحامل علی الشروع فی طلبه بدأ مصنّف بتعریف التصریف علی وجه یتضمّن فائدته متعرّضاً لمعناه اللغوی إشعاراً بالمناسبة بین المعنیین ، فقال مخاطباً بالخطاب العامّ :

تعریف علم التصریف

[ اعلم أنّ التصریف (1) ] وهو تفعیل من الصرف للمبالغة والتکثیر [ فی اللّغة التّغییر ] تقول صرّفت الشیء ، أی غیّرته (2) یعنی أنّ للتصریف معنیین ، لغوی : وهو (3) ما (4) وضعه (5) له (6) واضع لغة العرب ، واللغة : هی الألفاظ الموضوعة من لغی بالکسر یلغی لغیً اذا لهج بالکلام واصلها لغی أو لغو والهاء عوض عنهما وجمعها لغیً مثل برةً وبریً وقد جاء اللّغات ایضاً ، وصناعی : وهو ما وضعه له أهل هذه الصناعة والیه اشار بقوله [ وفی الصناعة ] بکسر الصّاد ، وهی : العلم الحاصل من التّمرن علی العمل والمراد هاهنا صناعة التصریف أی التصریف فی الإصطلاح (تحویل الاصل الواحد) أی تغییره والاصل ما یبنی علیه شیء ، والمراد هاهنا المصدر [ الی أمثلة ] أی أبنیة وصیغ ، وهی الکلم باعتبار هیئات تعرض لها من الحرکات والسّکنات ، وتقدیم بعض الحروف علی بعض وتأخیره عنه [ مختلفة ] باختلاف الهیئة نحو ضَرَبَ ویَضْرِبُ ونحوهما من مشتقات [ لمعان ] جمع معنیً ، وهو فی الأصل مصدر میمی من العنایة

ص: 2


1- اعلم أنّ طالب کل شیء ینبغی أن یتصوّر أوّلاً ذلک الشّیء بوجه مّا لأنَّ المجهول من جمیع الوجوه لا یمکن طلبه وینبغی أیضاً أن یتصوّر الغرض من مطلوبه لأنه إن لم یتصوّره یکون سعیه عبثاً ، سعدالدین.
2- مرجع الضمیر الشیء.
3- مرجع الضمیر لغویّ.
4- ما بمعنی شیء.
5- مرجع الضمیر الشّیء.
6- مرجع الضمیر للتّصریف.

ثم نقل الی معنی المفعول وهو ما یراد من اللفظ أی التصریف تحویل المصدر الی أمثلة مختلفة لأجل حصول معان [ مقصودة لا تحصل ] تلک المعانی [ إلّا بها ] أی بهذه الأمثلة وفی هذا الکلام تنبیه علی أنّ هذا العلم محتاج إلیه ، مثلاً : الضرب هو الأصل الواحد فتحویله إلی ضَرَبَ ویضربُ وغیرهما لتحصیل المعانی المقصودة من الضّرب الحادث فی الزمان الماضی أو الحال أو غیرهما هو التصریف فی الاصطلاح والمناسبة بینهما ظاهرة.

والمراد بالتصریف هاهنا غیر علم التصریف الذی هو معرفة أحوال الابنیة ، واختار التحویل علی التغییر لما فی التّحویل من معنی النقل ، قال فی المغرب : التّحویل نقل الشیء من موضع إلی موضع آخر ، وقال فی الصحاح : التحویل نقل الشیء من موضع الی موضع آخر ، تقول : حوّلته فتحوّل وحوّل ایضاً یتعدّی بنفسه ولا یتعدّی والاسم منه الحِوَل ، قال الله تعالی : «لَا یَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا» (1) فهو اخصّ من التغییر ، ولا یخفی أنّک تنقل حروف الضّرب إلی ضَرَبَ ویَضْرِبُ وغیرهما ، فیکون التحویل أولی من التغییر ولا یجوز إن یفسّر التصریف لُغة بالتحویل لانّه اخصّ من التصریف ، ثم التعریف یشتمل علی العلل الأربع ، قیل : التحویل هی الصورة ویدلّ بالالتزام علی الفاعل وهو المحوّل والاصل الواحد هی المادّة وحصول المعانی المقصودة هی الغایة ، فإن قلت : المحوّل هو الواضع أم غیره ، قلت : الظاهر انّه کلّ من یصلح لذلک فهو المحوّل ، کما یقال : فی العرف صرفت الکلمة لکنّه فی الحقیقة هو الواضع لانه هو الّذی حوّل الاصل الواحد الی الامثلة ، وإنّما قلنا : إنّه حوّل الاصل الواحد إلی الامثلة أی اشتّق

ص: 3


1- الکهف : ١٠٨.

الأمثلة منه ولم یجعل کلّا من الأمثلة صیغة موضوعة برأسها لأنّ هذا ادخل فی المناسبة واقرب الی الضّبط واختار الاصل الواحد علی المصدر لیصحّ علی المذهبین ، فإنّ الکوفیّین یجعلون المصدر مشتقّاً من الفعل فالاصل الواحد عندهم هو الفعل والعمدة فی استدلالهم أنّ المصدر یعلّ بإعلال الفعل فهو فرع الفعل وأجیب عنه بأنّه لا یلزم من فرعیّته فی الإعلال فرعیّته فی الإشتقاق کما أن ، نحو : تَعِدُ واَعِدُ ونَعِدُ فرع یَعد فی الإعلال مع أنّه لیس بمشتقّ منه ، وتاخّر الفعل عن نفس المصدر فی الإشتقاق لا ینافی کون إعلال المصدر متاخراً عن إعلال الفعل ، فتأمّل.

واعلم : أنّ مرادنا بالمصدر هو المصدر المجرد لأنَّ المزید فیه مشتقّ منه لموافقته إیّاه بحروفه ومعناه ، فإن قلت : نحن نجد بعض الأمثلة مشتقّاً من الفعل ، کالامر واسم الفاعل والمفعول ونحوها ، قلت : مرجع الجمیع الی المصدر فالکلّ مشتقّ منه إمّا بواسطة أو بلا واسطة ، ویجوز أن یقال : اختار المصنّف الاصل الواحد علی المصدر لیکون اعمّ من المصدر وغیره ، فیشتمل علی تحویل الاسم الی المثنّی والمجموع والمصغّر والمنسوب ونحو ذلک ، وهذا اقرب الی الضّبط فإن قلت : لِمَ اختار التصریف علی الصّرف مَعَ أنّه بمعناه ، قلت : لأنّ فی هذا العلم تصرّفات کثیرة فاختیر لفظ یدلّ علی المبالغة والتکثیر فهذا أوان نرجع الی المقصود ، فنقول معلوم أنّ الکلمات ثلاث : اسم وفعل وحرف ، ولمّا کان بحثه عن الفعل وما یشتقّ منه شرع فی بیان تقسیمه الی ماله من الأقسام.

فقال:

أقسام الفعل باعتبار الحروف الأصلیّة

اشارة

[ ثمّ الفعل ] بکسر الفاء : لأنّه اسم لکلمة مخصوصة وأمّا بالفتح فمصدر فَعَل یَفْعَل [ إمّا ثلاثیّ وإمّا رباعیّ ] لأنه لا یخلو من أن یکون حروفه الأصلیة ثلاثة أو اربعة ، فالأوّل الثلاثی ، والثانی الرباعی إذ لم یُبْنَ منه الخماسیّ ولا الثنائی بشهادة التّتبّع والاستقراء وللمحافظة علی

ص: 4

الاعتدال لئلّا یؤدّی الخماسی الی الثّقل ، والثنائی الی الضعف عن قبول ما یتطرّق الیه من التغییرات الکثیرة ، ولم یمنع الخماسی فی الاسم حطّاً لرتبة الفعل عن رتبته ، ولکونه اثقل من الاسم لدلالته علی الحدث والزمان والفاعل ، لا یقال هذا التقسیم تقسیم الشیء الی نفسه والی غیره لانَّ مورد القسمة فعل وکلّ فعل إمّا ثلاثی وإمّا رباعی فمورد القسمة ایضاً أحدهما وایّا ما کان یکون تقسیمه الی الثلاثیّ والرباعیّ تقسیماً للشیء الی نفسه والی غیره لأنّا نقول : الفعل الذی هو مورد القسمة أعمّ من الثلاثی والرباعی ، فانّ المراد به مطلق الفعل من غیر نظر الی کونه علی ثلاثة احرف أو اربعة ، وهکذا جمیع التقسیمات.

وتحقیق ذلک : أنّ مورد القسمة هو مفهوم الفعل لا ما صدق علیه مفهوم الفعل والمحکوم علیه فی قولنا : کل فعل إمّا ثلاثی وامّا رباعی ما  یصدق علیه مفهوم الفعل لا نفس مفهومه فلا یلزم النتیجة [ وکلّ واحد منهما ] أی من الثّلاثی والرباعی [ إمّا مجرّد أو مزید فیه ] لأنّه لا یخلو إمّا أن یکون باقیا علی حروفه الاصلیّة أولا ، فالاوّل المجرّد ، والثانی المزید فیه ، وکلّ واحد منهما أی من هذه الاربعة امّا سالم أو غیر سالم لانّه إن خَلَتْ اُصوله عن حروف العلّة والهمزة والتضعیف فسالم وإلّا فغیر سالم ، فصارت الاقسام ثمانیة ، والامثلة : نَصَرَ ووَعَدَ واَکْرَمَ واوعد ودَحْرَجَ وزَلْزَلَ وتَدَحْرَجَ وتَزَلْزَلَ [ ونعنی ] فی صناعة التصریف [ بالسالم ما سَلمت حروفه الاصلیّة الّتی تقابل بالفاء والعین واللام من حروف العلّة ] وهی الواو والیاء والألف [ والهمزة والتضعیف ] وإنما قیّد الحروف بالاصلیة لیخرج عنه ، نحو : مِسْتُ وظِلْتُ بحذف أحد حرفی التضعیف فإنّه غیر سالم لوجود التضعیف فی الاصل وکذا ، نحو : قُل وبِعْ وامثال ذلک ولیدخل فیه ، نحو : اَکْرَمَ واعشوشب واحمارّ ، فإنّها من السّالم لخلوّ اُصولها

ص: 5

عمّا ذکرنا.

وکذا ما اُبدل عن احد حروفه الصّحیحة حروف العلّة ممّا هو مذکور فی المطوّلات ویسمّی سالماً لسلامته عن التغییرات الکثیرة الجاریة فی غیر السالم ، واشار بقوله : الّتی تقابل الخ الی تفسیر الحروف الاُصول [ لکن ینبغی أن یستثنی الزائد للتضعیف ، نحو : فَرَّح أو للالحاق ، نحو : جَلْبَبَ ] والی انّ المیزان هو الفاء والعین واللام اعنی فعل لانّه أعمّ الافعال معنیً لانّ الکلّ فیه معنی الفعل فهو اَلْیَقُ من جعل لخفّته ولمجییء جعل لمعنیً آخر ، مثل : خَلَقَ وصَیَّرَ ولما فیه من حروف الشّفة والوَسط والحلق ، ثمّ الثلاثی المجرد هو الاصل لتجرّده عن الزّواید ولکونه علی ثلاثة احرف فلهذا قدّمه.

امّا الثلاثی المجرد

وقال [ أمّا الثلاثی المجرّد ] وفی بعض النّسخ : السالم وینافیه التّمثیل بِسَأَلَ یسأَلُ ولا یخلو من ان یکون ماضیه علی وزن فَعَلَ مفتوح العین او فَعِلَ مکسور العین او فَعُلَ مضمومها لانّ الفاء لا یکون الّا مفتوحاً لرفضهم الابتداء بالساکن وکون الفتحة اخفّ واللام مفتوح لما سنذکره والعین لا یکون الّا متحرّکاً لئلّا یلزم التقاء الساکنین فی نحو : ضَرَبْتَ وضَرَبْنَ والحرکات منحصرة فی الفتح والکسر والضّم وامّا ما جاء من نحو : نَ-ِعْمَ وشَ-ِهْ-ِدَ بفتح الفاء وکسرها مع سکون العین فمزال عن الأصل لضرب من الخفّة والاصل فَعِل بکسر العین وفیه اربع لغات کسر الفاء مع سکون العین وکسرها وفتح الفاء مع سکون العین وکسرها وهذه القاعدة جاریة فی کلّ اسم وفعل علی وزن فَعِل مکسور العین وعینه حرف حلق.

[ فإن کان ماضیه علی وزن فَعَلَ مفتوح العین فمضارعُهُ یَفْعُلُ بضمّ العین او یَفْعِلُ بکسرها ، نحو : نَصَرَ ینصُرُ ] مثال لضمّ العین ، یقال : نَصَرَهُ أی اعانَه ونَصَرَ الْغَیْثُ الارضَ أی اعانَها ، قال أبو عبیدة : فی قوله تعالی : «مَن

ص: 6

کَانَ یَظُنُّ أَن لَّن یَنصُرَهُ اللَّ-هُ» (1) أی انْ لنْ یَرْزُقَهُ الله [ وضَرَبَ یَضْرِبُ ] مثال لکسر العین ، یقال : ضربته بالسَّوْطِ أو غیره وضَرَبَ فی الارض أی سارَ وضَرَبَ مثلاً کذا أی بَیَّنَ [ وقد یجیء ] مضارع فعل مفتوح العین [ علی وزن یَفْعَل بفتح العین اذا کان عین فعله أو لامه ] أی لام فِعله [ حرفاً من حروف الحلق ] نحو : سأل یسأل ، وانّما اشترط هذا لیقاوم ثقل حروف الحلق فتحة العین ، فانَّ حروف الحلق اثقل الحروف ولا یشکل ما ذکرناه بمثل : دَخَلَ یَدْخُلُ ونَحِتَ یَنْحِتُ وجاء یجیء وما اشبه ذلک مما عینه أو لامه حرف من حروف الحلق ولا یجیء علی یَفْعَل بالفتح لانّا نقول : انّه لا یجیء علی یَفْعَل بالفتح إلّا اذا وُجد هذا الشّرط فمتی انتفی الشّرط لا یکون علی یَفْعَلُ بالفتح لا انّه اذا وَجَد هذا الشّرط یجب ان یکون علی یفعل بالفتح اذ لا یلزم من وجود الشرط وجود المشروط.

[ وهی ] أی حروف الحلق [ ستّة الهمزة والهاء والعین والحاء ] المهملتان [ والغین والخاء ] المعجمتان [ نحو : سأل یَسْأَلُ ، ومَنَعَ یَمْنَعُ ] قُدّم الهمزة لانّ مخرجها من اقصی الحلق ثمّ الهاء ، لانّ مخرجها اعلی من مخرج الهمزة والبواقی علی هذا الترتیب ، ثمّ استشعر اعتراضاً بأنَّ اَبی یَاْبی جاء علی فَعَلَ یَفْعَلُ بالفتح مع انتفاء الشرط فاجاب عنه بقوله : [ واَبی یَاْبی شاذ ] أی مخالف للقیاس فلا یعتدّ به فلا یرد نقضاً فإن قیل : کیف یکون شاذاً وهو وارد فی افصح الکلام قال الله تعالی : «وَیَأْبَی اللَّ-هُ إِلَّا أَن یُتِمَّ نُورَهُ» (2) قلت : کونه شاذاً لا ینافی وقوعه فی الکلام الفصیح فإنّهم قالوا الشّاذّ علی ثلاثة اقسام : قسم مخالف للقیاس دون الاستعمال ، وقسم مخالف للاستعمال دون القیاس وکلاهما مقبولان ، وقسم مخالف للقیاس والاستعمال وهو مردود ، لا یقال : اِنَّ اَبی یَاْبی لامه حرف الحلق اذ الالف

ص: 7


1- الحج : ١٥.
2- التوبة : ٣٢.

من حروف الحلق فلهذا فتح عینه لانا نقول : لا نسلّم أنّها من حروف الحلق ولئن سلّمنا انّها من حروف الحلق لکن لا یجوز ان یکون الفتح لأجلها للزوم الدّور لانّ وجود الالف موقوف علی الفتح لانّه فی الاصل یاء قلبت الفاً لتحرّکها وانفتاح ما قبلها ، فلو کان الفتح بسببها لزم الدّور لتوقف الفتح علیها وتوقّفها علیه فهو مفتوح العین فی الأصل فلهذا لم یذکر المصنّف الألف من حروف الحلق إذ هی لا تکون هاهنا إلّا منقلبة من الواو أو الیاء وغرضه بیان حروف یفتح العین لاجلها.

وامّا قلی یقلی بالفتح فلغة بنی عامر والفصیح الکسر فی المضارع ، وامّا بقی یبقی فَلُغَة طیّ ، والاصل کسر العین فی الماضی فقلّبوها فتحة واللام الفا تخفیفاً وهذا قیاس مطرّد عندهم ، وأمّا رَکَنَ یَرْکَنُ فمن تداخل اللّغتین أعنی أنّه جاء من باب نَصَرَ یَنْصُرُ وعَلِمَ یَعْلَمُ فأخذ الماضی من الأوّل والمضارع من الثانی [ وان کان ماضیه علی ] وزن [ فَعِل مکسور العین فمضارعه یَفْعَل بفتح العین ، نحو : عَلِمَ یَعْلَمُ إلّا ما شَذَ من نحو : حَسِبَ یَحْسِبُ واخواته ] فإنّها جاءت بکسر العین فیهما وقلّ ذلک فی الصحیح نحو : حَسِبَ یَحْسِبُ ونَعِمَ یَنْعِمُ ، وکثر فی المعتلّ نحو : وَرِثَ یَرِثُ ووَرِعَ یَرِعُ ووَرِمَ یَرِمُ ووَمِقَ یَمِقُ ویَئِسُ ییْئسُ ووَسِعَ یَسِعُ واخواتها ، وأمّا فَضِلَ یَفْضُلُ ونَعِمَ یَنْعُمُ ومَیِتَ یَمُوتُ بکسر العین فی الماضی وضمّها فی المضارع فمن تداخل اللغتین لانّها جاءت من باب عَلِمَ یَعْلَمُ ونَصَرَ یَنْصُرُ فاخذ الماضی من الأوّل والمضارع من الثانی.

[ وان کان ماضیه علی ] وزن [ فَعُلَ مضموم العین فمضارعه علی وزن یفعُل بضمّ العین نحو : حَسُنَ یَحْسُنُ ] واخواته نحو : کَرُمَ یَکْرُمُ لأنّ هذا الباب موضوع للصّفات اللازمة فاختیر للماضی والمضارع حرکة لا تحصل إلّا بانضمام الشّفتین رعایة للتّناسب بین الألفاظ ومعانیها ، ویکون من

ص: 8

أفعال الطّبائع : کالحُسن والکرم والقبح ونحوها ، ولا یکون إلّا لازماً نحو : رَحُبَتْکَ الدار والأصل رَحُبَتْ بک الدار ، فحذف الباء إختصاراً لکثرة الإستعمال [ وأمّا الرّباعی المجرّد فهو فعلل ] بفتح الفاء واللّامین وسکون العین [ کدَحْرَجَ ] فلان الشّیء أی دَوَّره [ دَحْرَجةً ودِحْراجاً ] لانَّ فعل الماضی لا یکون اوّله وآخره الّا مفتوحین ولا یمکن سکون اللّام الاُولی لإلتقاء السّاکنین فی نحو : دَحْرَجْتَ ودحْرَجْنَ فحرّکوها بالفتحة لخفّتها وسکون العین لانّه لیس فی الکلام اربع حرکات متوالیة فی کلمة واحدة ویلحق به نحو : جَوْرَبَ وجَلْبَبَ وبَیْطَرَ وبَیْقَرَ وهَرْوَلَ وشَرْیَفَ ، ودلیل الإلحاق إتّحاد المصدرین.

أمّا الثلاثی المزید فیه

[ وأمّا الثلاثی المزید فیه فهو علی ثلاثة أقسام : ] لأنَّ الزّائد فیه إمّا حرف واحد أو اثنان أو ثلاثة لئلّا یلزم مزیّة الفرع علی الأصل واعلم أنّ الحروف التی تزاد لا یکون إلّا من حروف سأَلتمونیها إلّا فی الإلحاق والتّضعیف فانّه تزاد فیهما أی حرف کان ، القسم [ الاوّل ] من الاقسام الثلاثة [ ما کان ماضیه علی اربعة احرف ] وهو ما یکون الزّائد فیه حرفاً واحداً وهو ثلاثة أبواب : [ کَافْعَل ] بزیادة الهمزة نحو : [ اَکْرَمَ یُکْرِمُ اِکْراماً ] وهو للتّعدیة غالباً نحو : اکرمته ولصیرورة الشیء منسوباً الی ما اشتقّ منه الفعل نحو : اَغَدَّ الْبَعَیر أی صار ذا غدّة ومنه اَصْبَحْنا أی دخلنا فی الصّبح لانّه بمنزلة صِرْنا ذوی صباح ولوجود الشیء علی صفة نحو : اَحمَدْتُه أی وجدتُه محموداً ، وللسّلب نحو : اعجمت الکتاب أی أزلت عجمته ، وللزیادة فی المعنی نحو : شغلته واشغلته ، وللتعریض لِأمرٍ نحو : أباعَ الجاریة أی عرضها للبیع.

واعلم : أنّه قد ینقل الشیء الی أفعل فیصیر لازماً ، وذلک نحو أکبّ واعرض یقال : کبّه أی ألقاه علی وجهه فاکبّ ، وعَرَضَه أی أظهره فأعرض قال الزّوزنی : ولا ثالث لهما فیما سمعنا [ وَفَعَّلَ ] بتکریر العین نحو : [ فَرَّحَ

ص: 9

یُفَرِّحُ تَفْریحاً ] واختلف فی أنَّ الزّائد هو الاُولی أم الثانیة ، فقیل : الاُولی لأنَّ الحکم بزیادة السّاکن أولی من المتحرّک ، ذلک عند الخلیل. وقیل : الثانیة لأنّ الزّیادة بالآخر أولی والوجهان جائزان عند سیبویه. وهو للتّکثیر غالباً فی الفعل نحو : طَوَّفْتُ وجَوَّلْتُ أو فی الفاعل نحو : موّتت الأبال أو فی المفعول نحو : غَلَّقْتُ الأبواب ، ولنسبة المفعول الی اصل الفعل نحو : فسّقته أی نسبته الی الفسق ، وللتّعدیة نحو : فرّحته ، وللسّلب نحو : جلّدت البعیر أی أزلت جلده ، ولغیر ذلک نحو : قدّم بمعنی تقدّم.

[ وفاعَلَ ] بزیادة الألف [ نحو : قاتَل یقاتِلَ مُقاتلة وقِتالاً وقیتالاً ] ومن قال : کَذَّبَ کِذّاباً ، قال : قاتَلَ قیتالاً وروی ما رَیْتُهُ مِرّاءً وقاتلته قتّالاً وتاسیسه علی ان یکون بین اثنین فصاعداً یفعل أحدهما بصاحبه ما فعل الصّاحب به نحو : ضارَبَ زید عمراً ، وقد یکون بمعنی فَعَّل أی للتّکثیر نحو : ضاعفته وضعّفته ، وبمعنی اَفْعَلَ نحو : عافاک الله أی اَعْفاکَ الله ، وبمعنی فعل نحو : واقع بمعنی وَقَعَ ، ودافَعَ بمعنی دَفَعَ ، وسافَرَ بمعنی سَفَرَ [ و ] القسم [ الثانی ] من الاقسام الثلاثة [ ما کان ماضیه علی خمسة احرف ] وهو ما یکون الزّائد فیه حرفین وهو نوعان والمجموع خمسة ابواب [ إمّا اوّله التّاء مثل تَفَعَّلَ ] بزیادة التّاء وتکرار العین نحو : [ تکَسَّر ] یَتَکَسَر [ تکَسّراً ] وهو لمطاوعة فعل نحو : کَسَرْتُه فتَکَسَّرَ ، والمطاوعة حصول الأثر عند تَعلّق الفعل المتعدیّ بمفعوله ، فإنّک اذا قلت : کَسَرْتُهُ فالحاصل له التّکسّر ، وللتّکلّف نحو : تَحَلَّمَ أی تکلّف الحلم ولإتّخاذ الفاعل المفعول أصل الفعل نحو : تَوسَّدْتُهُ أی أخذتُهُ وسادة ، وللدّلالة علی انّ الفاعل جانب الفعل نحو : تَهجَّدَ أی جانب الهجود وللدّلالة علی حوصل أصل الفعل مرّة بعد مرّة نحو : تَجَرَّعْتُهُ أی شربته جرعة بعد جرعة ، وللّطلب نحو : تَکَبَّرَ أی طلب أن یکون کبیراً.

ص: 10

[ وتفاعل ] بزیادة التاء والألف نحو : [ تباعد ] یتباعَدُ [ تباعُداً ] وهو لما یصدر من اثنین فصاعداً فإن کان من فاعل المتعدّی الی مفعولین یکون متعدّیاً الی مفعول واحد نحو : نازعته الحدیث فتنازعناه وعلی هذا القیاس وذلک لأنّ وضع فاعل لنسبة الفعل الی الفاعل المتعلّق بغیره مع أنّ الغیر ایضاً فعل ذلک وتَفاعَلَ وضعه لِنسبة الفعل الی المشترکین فیه من غیر قصد الی ما تعلق به الفعل ولمطاوعة فاعل نحو : باعدته فتَباعَدَ وللتّکلّفُ نحو : تجاهل أی أظهر الجهل من نفسه والحال انّه منتف عنه ، والفرق بین التکلیف فی هذا الباب ، وبینه فی باب تَفَعُّل أنّ المتحلّم یرید وجود الحلم من نفسه بخلاف المتجاهل.

[ وامّا اوّله الهمزة مثل : انفعل ] بزیادة الهمزة والنون نحو : [ اِنْقَطَعَ ینقطِع اِنْقِطاعاً ] وهو لمطاوعة فعل نحو : قطعته فانقطع فلهذا لا یکون الّا لازماً ومجیئه لمطاوعة افعل نحو : أسقفت الباب أی ردَدْتَه فانْسَقَفَ وازعَجْتُه أی ابْعَدْته فَانْزَعَجَ من الشواذ ولا یبنی إلّا ممّا فیه علاج وتاثیر ، فلا یقال : اِنْکَرَمَ وإنْعَدمَ ونحوهما لانّهم لمّا خصّوه بالمطاوعة إلتزموا أن یکون أمره ممّا یظهر أثره وهو علاج تقویة للمعنی الذی ذکر من أنّ المطاوعة هی حصول الأثر.

[ وافتعل ] بزیادة الهمزة والتاء [ نحو : إجْتَمَعَ إجتماعاً ] وهو لمطاوعة فعل نحو : جمعته فاجتمع وللاتّخاذ نحو : اختبر أی أخذ الخبر ولزیادة المبالغة فی المعنی نحو : إکتسب أی بالغ واضطرب فی الکسب ویکون بمعنی فعل نحو : جَدَبَ واجْتَدَبَ وبمعنی تفاعل نحو : اختصموا أی تخاصموا [ وافعلّ ] بزیادة الهمزة واللّام الاُولی أو الثانیة [ نحو : إحمرّ یَحْمَرُّ إحمراراً ] وهو للمبالغة ولا یکون إلا لازماً واختصّ بالألوان والعیوب.

[ و ] القسم [ الثالث ] من الأقسام الثلاثة [ ما کان ماضیه علی ستة

ص: 11

أحرف ] وهو ما کان الزائد فیه علی ثلاثة احرف.

[ مثل استفعل ] بزیادة الهمزة والسّین والتاء نحو : [ استخرج ] یستخرج [ استخراجاً ] وهو لطلب الفعل نحو : استخرجته أی طلبت خروجه ولإصابة الشیء علی صفة نحو استعظمته أی وجدته عظیماً وللتّحوّل نحو : استحجر الطین أی تحوّل الی الحجریّة ویکون بمعنی فعل نحو : قَرَّ فَاسْتَقَرَّ وقیل. إنّه للطّلب کانه یطلب القرار من نفسه.

[ وافعالّ ] بزیادة الهمزة والالف واللّام نحو : [ إحمارّ إحمیراراً ] وحکمه کحکم إحمرّ إلّا أنّ المبالغة فیه زائدة.

[ واِفْعَوْعَل ] بزیادة الهمزة والواو واحدی العینین [ نحو : اعشوشب ] الأرض [ اعشیشاباً ] أی کثر عشبها وهو للمبالغة وفی بعض النّسخ ، [ وافعوّل نحو : اجلوّز اجلوازاً ] وهو بزیادة الهمزة والواوین.

و [ افعنلل ] بزیادة الهمزة والنّون واحدی اللّامین [ نحو : اقْعَنْسَسَ اقعِنْساساً ] أی خلف ورَجَعَ ، قال أبو عمرو : سأَلت الأصمعیّ عنه ، فقال هکذا : فقدّم بطنه وأخّر صدره.

[ وافْعَنْلی ] بزیادة الهمزة والنون والالف [ نحو : اسلنقی اسْلنقاءً ] أی نام علی ظهره ووقع علی القفا والبابان الاخیران من الملحقّات باحرنجم فلا وجه لذکرهما فی سلک ما تقدّم ، وکذا تَفَعَّلَ وتفاعل من الملحقات بتَدَحْرَجَ والمصنّف لم یفرّق بین ذلک.

أمّا الرّباعی المزید فیه

[ وأمّا الرّباعی المزید فیه فامثلته ] أی ابنیته بحکم الاستقراء ثلاثة : [ تفعلل ] بزیادة التاء [ کتدحرج تدحرجاً ] ویلحق به نحو : تَجَلْبَبَ أی لبس الجلبابُ ، وتَجَوْرَبَ أی لبس الجَورَبَ ، وتَفَیْهَقَ أی اکثر فی کلامه ، وتَرَهْوَکَ أی تَبَخْتَرَ فی المشی ، وتَمَسْکَنَ أی أظهر الذّل والمسکنة.

ص: 12

[ وافعنلل ] بزیادة الهمزة والنّون [ کاحْرَنْجَمَ ] أی ازدحم [ احْرِنْجاماً ] ویقال : حَرْجَمْتُ الإبل فاحرنجمت أی رَدَدْتُ بَعْضها الی بَعْض فارتددت ویلحق به نحو : اقعَنْسَسَ واسلَنْقی ولا یجوز الإدغام والإعلال فی الملحق لانّه یجب ان یکون الملحق مثل الملحق به لفظاً ، والفرق بین بابی اقعنسس واحرنجم انّه یجب فی الأوّل تکریر اللّام دون الثانی.

[ وَافْعَلَلَّ ] بزیادة الهمزة واللام وهو بسکون الفاء وفتح العین وفتح اللام الاُولی مُخفّفة والثّانیة مشدّدة [ کاقْشَعَرَّ ] جلده [ اقشعراراً ] أی أخذته قشعریرة.

الفعل المتعدّی و اللّازم

تنبیه [ الفعل إمّا مُتعدّ وهو الفعل الذی یتعدّی ] بنفسه [ من الفاعل ] أی یتجاوز [ الی المفعول به کقولک : ضَرَبْتُ زَیْداً ] فإنّ الفعل الّذی هو الضّرب قد جاوز من الفاعل الی زید فالدّور مدفوع فإنّ المراد بقوله یتعدّی : معناه اللّغوی وانّما قیّد المفعول بقوله به لأنّ المتعدّی وغیره متساویان فی نصب ما عدی المفعول به ، نحو : اجتمع القوم والأمیر فی السّوق یوم الجمعة اجتماعاً تأدیباً لزید ونحو ذلک ، ولا یعترض بنحو : ما ضَرَبْتُ زیداً لانَّ الفعل الّذی هو ضَرَبْتُ قد یتعدّی الی المفعول به فی نحو : ضربت زیداً وأن اُرید به لفظ الفاعل والمفعول به فهذا مدفوع بلا خفاء.

و [ یسمّی ایضاً ] المتعدّی [ واقعاً ] لوقوعه علی المفعول به [ ومجاوزاً ] لمجاوزته الفاعل بخلاف اللّازم و [ إمّا غیر متعدٍّ وهو الفعل الّذی لم یتجاوز الفاعل کقولک : حَسُنَ زَیْدٌ ] فإنّ الفعل الذی هو حَسُنَ لم یتجاوز الفاعل الّذی هو زید بل ثبت فیه و [ یُسَمّی ] غیر المتعدّی ایضاً [ لازماً ] للزومه علی الفاعل وعدم انفکاکه عنه [ وغیر واقع ] لعدم وقوعه علی المفعول به وفعل واحد قد یتعدّی بنفسه فیسمّی متعدّیاً ، وقد یتعدّی

ص: 13

بالحرف فیسمّی لازماً ، وذلک عند تساوی الإستعمالین نحو : شکرته وشکرت له ، ونصحته ونصحت له ، والحقّ أنّه متعدّ واللام زائدة مطّردة لأنّ معناه مع اللام هو المعنی بدونها والمتعدّی واللازم بحسب المعنی وتَعدَّیْتَه أی تعدّی انت الفعل اللازم ، وفی بعض النّسخ وتَعدِیَتُه [ فی الثلاثی المجرّد ] خاصّة بشیئین [ بتضعیف العین ] أی بنقله الی باب التّفعیل [ أو بالهمزة ] أی بنقله الی باب الافعال [ کقولک : فرّحت زیداً ] فانّ قولک : فَرِحَ زید لازم ، فلمّا قلتُ : فرّحته صار متعدّیاً [ واجلسته ] فإنّ قولک : جلس زید لازم ، فلمّا قلتُ : اجلسته صار متعدیّاً [ و ] تعدیته [ بحرف الجرّ فی الکلّ ] أی من الثلاثیّ والرّباعیّ المجرّد والمزید فیه ؛ لانّ حروف الجرّ وضعت لتجرّ معنی الافعال إلی الأسماء [ نحو : ذهبتُ بزید وانْطَلَقْتُ به ] فإنّ قولک : ذَهَبَ وانطَلَقَ لازمان ، فلمّا قلت ذلک صارا متعدّیین.

[ ولا یغیّر شیء من حروف الجرّ معنی الفعل إلّا الباء ] فی بعض المواضع نحو : ذهبت به بخلاف مررت به ، والّذی یغیّر الباء معناه یجب فیه عند المبرّد مصاحبة الفاعل للمفعول به لانَّ الباء التی للتّعدیة عنده بمعنی مَعَ ، وقال سیبویه : الباء فی مثله کالهمزة والتّضعیف ، فمعنی ذهبتُ به اذهبته ، ویجوز المصاحبة وعدمها ، وأمّا فی الهمزة والتّضعیف فلا بدّ فیه من التغییر ولا حصر لتعدیة حروف الجرّ فعلا واحداً بل یجوز أن یجتمع علی فعل واحد حروف کثیرة إلّا اذا کانت بمعنی واحد نحو : مررت بزیدٍ بعمرو فانه لا یجوز بخلاف مررت بزید بالبریّة أی فی البریّة ولا یتعدی کلّ فعل بالهمزة والتّضعیف فإنّ النّقل من المجرد الی بعض الأبواب المتشعّبة موکول الی السّماع ، فلا تقول : انْصَرْتُ زیداً عمرواً ولا ذهّبتُ خالداً ونحو ذلک ، کذا قال بعض المحقّقین. والحقّ أنّه لا بدّ فی الفعل المتعدّی الّذی نبحث عنه ونجعله مقابلاً للّازم من تغییر

ص: 14

الحرف معناه لما مرّ من انّه بحسب المعنی فلا بدّ من معنی التّغییر کما فی ذهبت به بخلاف مررت به ، نعم یصحّ أن یقال : فی کلّ جارّ ومجرور انّ الفعل متعدّ الیه کما یقال : یتعدّی الی الظرف وغیره لکن لا باعتبار هذا التّعدّی الذی نحن فیه علی أنّ فی قوله ولا یغیّر شیء من حروف الجرّ معنی الفعل إلا الباء نظراً.

فصلٌ فی أمثلة تصریف هذه الافعال

هذا فصل فی أمثلة تصریف [ هذه الافعال ] المذکورة من الثّلاثی والرباعی المجرّد والمزید فیه یعنی اذا صرفت هذه الافعال حصلت امثلة کالماضی والمضارع والأمر وغیرها فهذا الفصل فی بیانها وقدّم الماضی لانَّ الزّمان الماضی قبل زمان الحال والمستقبل ولانّه أصل بالنسبة الی المضارع لأنّه یحصل بالزّیادة علی الماضی ولا شکّ فی فرعیّة ما حَصَل بالزّیادة وأصالة ما حَصَلَ هو منه واشتقّ منه فقال : [ امّا الماضی فهو الفعل الّذی دلّ علی معنی ] هذا بمنزلة الجنس لشموله جمیع الافعال وخرج بقوله : [ وُجد ] هذا المعنی [ فی الزمان الماضی ] ما سوی الماضی واراد بالماضی فی قوله : فی الزّمان الماضی اللّغوی وبالأوّل الصّناعی فلا یلزم تعریف الشّیء بنفسه فإن قیل : هذا الحدّ غیر مانع اذ یصدق علی المضارع المجزوم بلم نحو : لَمْ یَضْرب فانّ لم قد نقل معناه الی الماضی وغیر جامع اذ لا یصدق علی نِعْم وبِئْس ولَیْس وعَسی وما اشبه ذلک.

فالجواب عن الأوّل انّ دلالته علی الماضی عارض نشأ من لَمْ والاعتبار لاصل الوضع وعن الثانی أنّه من الجوامد والمراد هاهنا الماضی الّذی هو أحد الامثلة الحاصلة من تصریف هذه الأفعال وان أرید

ص: 15

بالماضی المطلق فالجواب عنه أنّ تجرّدها عن الزّمان الماضی عارض فلا اعتداد به وکذا الکلام فی صیغ العقود نحو : بعتُ وأمثاله ثمّ اعلم انّ الماضی إمّا مبنی للفاعل أو مبنی للمفعول.

الفعل المعلوم و المجهول

فی الفعل الماضی

[ فالمبنی للفاعل منه ] أی من الماضی [ ما ] أی الفعل الماضی الذی [ کان اوّله مفتوحاً ] نحو : نَصَرَ [ أو کان أوّل متحرّک منه مفتوحاً ] نحو : إجْتَمَعَ فإنّ أوّل متحرّک منه من إجتمع هو التّاء لأنّ الفاءَ ساکنة والهمزة غیر متعدّ بها لسقوطها فی الدّرج وهو مفتوح ولو قال : ما کان اوّل متحرّک منه مفتوحاً لاندرج فیه القسمان لأنَّ أوّل متحرّک من نصَرَ هو النّون کالتّاء من إجتَمَعَ وانّما ذکر ذلک لزیادة التّوضیح ولیس أو فی قوله : أو کان ممّا یفسد الحدّ لأنّ المراد بها التّقسیم فی المحدود أی ما کان علی أحد هذین الوجهین وانّما یفسد اذا کان المراد بها الشکّ وإنّما فتح أوّل متحرّک منه ، لرفضهم الإبتداء بالساکن فی نحو : نَصَرَ ، ولئلّا یلزم إلتقاء الساکنین فی مثل : افْتَعَلَ واسْتَفْعَلَ ، وکون الفتح أخفّ الحرکات کما بنی آخر الماضی علی الفتح سواء کان مبنیّاً للفاعل أو مبنیّاً للمفعول إمّا البناء فلانّه الاصل فی الافعال وأمّا الحرکة فلمشابهة الاسم مشابهة ما فی وقوعه موقعه نحو : زیدٌ ضَرَبَ موقع زَیْدٌ ضارِبٌ ، وأمّا الفتح فلخفّته إلّا اذا اعتلّ آخره نحو : غزا ورمی أو اتّصل به الضّمیر المرفوع المتحرّک نحو : ضَرَبْتَ وَضَرَبْنَ أو واو الضّمیر نحو : ضَرَبُوا مثاله أی مثال المبنیّ للفاعل ولم یقتصر بذکر الکلّی لأنّه قد یراد ایضاحه وایصاله الی فهم المبتدی المستفید فیذکر جزئیّ من جزئیّاته ویقال له إنّه مثاله : [ نَصَرَ ] للغایب المفرد [ نَصَرا ] لمثنّاه [ نَصَروا ] لجمعه [ نَصَرَتْ ] للغایبة المفردة [ نَصَرَتا ] لمثناها [ نَصَرْنَ ] لجمعها [ نَصَرْتَ ] للمخاطب الواحد [ نَصَرْتما ] لمثّناه [ نَصَرْتُمْ ] لجمعه [ نَصَرْتِ ] للواحدة المخاطبة

ص: 16

[ نَصَرْتُما ] لمثنّاها [ نَصَرْتُنَّ ] لجمعها [ نَصَرْتُ ] للمتکلّم الواحد [ نَصَرْنا ] له مع غیره.

وزادوا تاءً فی نَصَرَتْ للدّلالة علی التأنیث کما فی الاسم نحو : ناصِرَة واختصّوا المتحرّکة بالإسم والسّاکنة بالفعل تعادلاً بینهما اذا الفعل أثقل کما تقدّم وحرّکوها فی التثنیة لإلتقاء السّاکنین وزادوا ألفاً وواواً علامةً للفاعل فی الإثنین والجماعة وقد یحذف الواو فی النّدرة کقوله : فَلو أنَّ الأطِبّاء کان حَوْلی وکان مع الأطِبّاءِ الشِّفاءُ وزادوا تاءً للمخاطب وتاءً للمخاطبة وتاء للمتکلّم وحرّکوها فی الجمیع خوفاً للّبس بتاء التّأنیث وضمّوها للمتکلّم لانّ الضّمّ أقوی ، والمتکلّم مقدّم فی الرّتبة لأنّه اعرف فأخذه وفتحوها للمخاطب إذ لم یکن الضّمّ للإلتباس بالمتکلّم والفتح راجح لخفّته والمذکّر مقدّم فأخذه فبقیت الکسرة للمخاطبة فَاُعْطِیَتْها لئلّا یلتبس بالمتکلّم والمخاطب ولانّ الیاء یقع ضمیرها فی نحو : اِضْربی والکسرة اُخت الیاء فتناسب إعطاؤها المخاطبة ولم یفرقوا بینهما فی المثنّی لکن زادوا میماً فرقاً بین المخاطبین وبین المغایبین وضمّوا ما قبلها لأنّ المیم شفویّة کالواو فیناسبها الضّمّ ووضعوا للمتکلّم مع غیره ضمیراً آخر وهو «نا» کما فی المنفصلات نحو : نَحْنُ ، فقالوا : فَعَلْنا وفرّقوا بین الجمع المذکّر الغایب ، وبین الجمع المؤنّث الغائبة باختصاص المذکّر بالواو والمؤنّث بالنّون دون العکس لأنّ الواو هنا أقوی من النّون لأنّها من حروف المدّ واللّین وهی بالزّیادة أولی ، والمذکّر مقدّم علی المؤنّث فأخذه ، وکذا فرّقوا بین الجمع المخاطب والمخاطبة باختصاص المذکّر بالمیم لمناسبتها الواو والّتی هی علامة له فی الغیبة واختصاص المؤنّث بالنّون کما فی جمع الغائبة ، وشَدَّدوا النّون لأنّهم قالوا : نَصَرْتُنَّ أصله نَصَرْتُمْنَ ، فادغمت المیم فی النّون ادغاماً واجباً وکذا ضمّوا ما قبل

ص: 17

النّون اعنی التّاء لمناسبة الضّمّ المیم وهذه مناسبات ذکروها بعد الوقوع وإلّا فالحاکم بذلک الواضع لا غیره.

[ وقس علی هذا ] المذکور من تصریف نَصَرَ [ اَفْعَلَ وفاعَلَ وفَعَّلَ وفَعْلَلَ وتَفَعْلَلَ وافْتَعَلَ وانفَعَلَ واستَفْعَلَ وافْعَلَلَّ ] نحو : اِقْشَعَرَّ اقْشَعَرّا اقشعَرّوا الخ [ وافعَوْعَلَ ] نحو : اعشَوْشَبَ الخ [ وکذلک البواقی ] فترکه لانّه لمّا ذکر واحد فالبواقی علی نهجه فلا وجه الی تکثیر الأمثلة اذ لیس الادراک بکثرة النّظائر ، فالفَهِمُ الذّکیّ یُدرک بالنّظیر الواحد ما لا یدرکه البلید بالف شاهد.

[ ولا تعتبر انت ] وفی بعض النسخ ولا تعتبر مبنیّاً للمفعول [ حرکات الألفات ] أی الهمزات وانّما عبّر عنها بها لأنّ الهمزة اذا کانت أوّلاً تکتب علی صورة الألف ویقال لها : الألف ، قال فی الصّحاح : الألف علی ضربین لیّنة ومتحرّکة ، فاللّینة : تسمّی ألفا ، والمتحرّکة : تسمّی همزة [ فی الأوائل ] أی فی أوائل انْفَعَلَ وافْتَعَلَ واسْتَفْعَلَ وما أشبهها ممّا فی أوّله همزة زائدة سوی اَفْعَل ، فانّ همزته للقطع لأنّها لا تسقط فی الدّرج ولهذا فتحت یعنی لا یقال : إنّ اوائل هذه الافعال لیست مفتوحة بل مکسورة فلا یکون مبنیّاً للفاعل [ فانّها ] أی لأنّ هذه الألفات [ زائدة ] لدفع الإبتداء بالسّاکن [ تثبت فی الإبتداء ] للإحتیاج الیها [ وتسقط فی الدّرج ] أی فی حشو الکلام لعدم الإحتیاج الیها نحو : وافتَعَلَ واسْتَفْعَلَ وانفعل بحذف الهمزة باتّصال الواو بالکلمة.

[ والمبنیّ للمفعول منه ] أی من الماضی أراد ان یذکر تعریفاً له باعتبار اللّفظ فذکر علی سبیل الإستطراد وتعریفاً لمطلق الفعل المبنیّ للمفعول باعتبار المعنی فقال : [ وهو ] أی المبنی للمفعول مطلقاً سواء کان من الماضی أو المضارع [ الفعل الّذی لم یسمّ فاعله ] کما تقول :

ص: 18

ضُرِبَ زیدٌ فترفع زیداً لقیامه مقام الفاعل ولا یذکر الفاعل إمّا لتعظیمه فتصونه عن لسانک أو لتحقیره فتصون لسانک عنه أو لعدم العلم به أو لقصد صدور الفعل عن أی فاعل کان ولا غرض فی الفاعل ، کقتل الخارجی ، فإنّ الغرض المهمّ قتله لا قاتله أو لغیر ذلک ممّا تقرّرَ فی علم المعانی وینتقض بالمبنی للفاعل عند من یجوّز حذف الفاعل [ ما کان ] خبر المبتدء أی المبنی للمفعول من الفعل الماضی الّذی کان [ أوّله مضموماً کفُعِلَ وفُعْلِلَ وفُعِّلَ وافعِلَ وفُوعِلَ ] بقلب الألف واواً لإنضمام ما قبلها [ وتُفُعّلَ ] بضم التّاء والفاء ایضاً لانّک لو قلت : تُفَعِّلَ بضمّ التّاء فقط لالتَبس بمضارع فعّل [ و ] کذلک قالوا : فی تفاعل [ تُفوُعِلَ ] بضمّ التّاء والفاء اذ لو اقتصر علی ضَمّ التّاء لالتبس بمضارع فاعَلَ وقلب الألف واواً لانضمام ما قبلها [ أو ] کان [ أوّل متحرّک منه مضموماً نحو : اُفْتُعِلَ ] بِضَمّ التّاء لانّه أوّل متحرّک منه کما ذکرنا فی المبنی للفاعل [ واسْتُفْعِلَ ] بضمّ التّاء.

وکذا قیاس کلّ ما کان أوّله همزة وصل ولم یذکر اِنْفَعَلَ وافعلَّ وافعَوَّلَ وافعالَّ وافعَوعل وافْعَلَلَّ ونحو ذلک لانّها من اللّوازم ، وبناء المفعول منها لا یکاد یوجد [ وهمزة الوصل فی ما ] أوّل متحرّک منه مضموم [ تتَّبع هذا المضموم ] الّذی هو أوّل متحرّک منه [ فی الضّم ] یعنی تکون مضمومة عند الإبتداء کقولک مبتدئاً : اسْتُخْرِجَ المال مثلاً بضمّ الهمزة لمتابعة التّاء [ وما قبل آخره ] أی آخر المبنی للمفعول [ یکون مکسوراً أبداً نحو : نُصِرَ زیدٌ واستُخْرِجَ المال ] وفی نحو : اُفْعُلَّ وَاُفْعُولَّ یقدّر الأصل وهو اُفْعُلِلَ واُفْعُولِلَ وفی نحو : اُفْعُلِلَّ کاُقْشُعِرَّ الأصل اُفْعُلْلِلَ فنقلت کسرة اللام الثانیة الی الأولی. وادغمت الثّانیة فی الثالثة ، فلیتامّل. ولو قال : ما کان أوّل متحرّک منه مضموماً لکان کافیاً کما تقدّم ، والسّر فی الضّم

ص: 19

الاوّل وکسر ماقبل الآخر أنّه لا بدّ من تغییر لیفصل من المبنی للفاعل والأصل فَعَل فغیّروه الی فُعِلَ بضمّ الاوّل وکسر الثانی دون سائر الأوزان لیبعد عن أوزان الإسم ، ولو کسر الأوّل وضمّ الثانی لحصَلَ هذا الغرض لکنّ الخروج من الضمة الی الکسرة أولی من العکس لأنّه طلب الخفّة بعد الثّقل ، ثمّ حمل غیر الثلاثی المجرّد علیه فی ضمّ الأوّل وکسر ما قبل الآخر وما یقال إنّ ضمّ الأوّل عوض عن المرفوع المحذوف فلیس بشیء لأنّ المفعول المرفوع عوض عنه وهو کاف ، وجاء فزْد له بسکون الزّاء والاصل فصْد له أسکن الصّاد وأبدل بالزّاء ، وحکی قطرب : ضِرْب زید بنقل کسرة الرّاء الی الضّاد ، وجاء عصْرَ بسکون ما قبل الآخر وقرء قوله : رِدَّتْ الینا بکسر الرّاء ، وکلّ ذلک ممّا لا یعتدّ به نقضاً وجاء نحو : جُنَّ وسُلَّ وُزکم وحُمَّ وفُئِد ووُعِکَ مبنیّة للمفعول أبداً للعلم بفاعلها فی غالب العادة أنّه هو الله تعالی وعقّب الماضی بالمضارع لأنّ الأمر فرع علیه وکذا اسم الفاعل والمفعول لاشتقاقهما منه فقال : وأمّا الفعل المضارع فهو ما کان أی الفعل الّذی یکون فی أوّله إحدی الزوائد الاربع وهی أی الزوائد الاربع الهمزة والنون والتّاء والیاء یجمعها أی یجمع تلک الزّوائد الأربع قولک : أنیت أو أتین أو نأتی ، وإنّما زادوها فرقاً بینه وبین الماضی ، واختصّوا الزّیادة به لأنّه مؤخّر بالزّمان عن الماضی والأصل عدم الزّیادة فأخذه المقدّم ، ولقائل أن یقول هذا التّعریف شامل لنحو : اَکْرَمَ وتَکَسَّرَ وتباعد فانّ أوّله إحدی الزوائد الاربع ولیس بمضارع ویمکن أن یجاب عنه بأنّا لا نسلّم أنّ أوّله إحدی الزوائد الاربع لأنّا نعنی بها الهمزة الّتی تکون للمتکلّم وحده والنّون الّتی تکون له مع غیره ، وکذا التّاء والیاء کما أشار الیه بقوله : فالهمزة للمتکلّم وحده نحو : اَنَا اَنْصُر والنّون له أی للمتکلّم إذا کان معه غیره مذکّراً کان أو مؤنّثاً نحو :

ص: 20

نحن نَنْصُر ویستعمل فی المتکلّم وحده فی موضع التّعظیم والتّفخیم نحو قوله تعالی : «نَحْنُ نَقُصُّ» (1).

والتّاء للمخاطب مفرداً نحو : اَنْتَ تَنْصُر [ أو مثنّی ] نحو : أنتما تَنصرانِ أو مجموعاً کأنتم تَنْصُرونَ مذکّراً کان المخاطب فی هذه الثلاثة أو مؤنّثاً وللغائبة المفردة نحو : هی تنصر ، ولمثنّاها نحوهما تنصران والیاء للغائب المذکّر مفرداً کان نحو : هو ینصر أو مثنی نحوهما ینصران أو مجموعاً نحوهُمْ یَنْصُرون ، ولجمع المؤنّث الغائبة نحوهُنَّ یَنْصُرْنَ واعترض علیه بانه یستعمل فی الله تعالی نحو : یَفْعَل الله ما یشاء ویحکم ما یرید ، ولیس بغائب ولا مذکّر ولا مؤنّث تعالی الله عن ذلک فالأولی أن یقال : والیاء لما عدا ما ذکرناه واُجیب عنه بأنّ المراد بالغائب اللّفظ ، فاذا قلت : الله تعالی عُلوّاً کبیراً یحکم بکذا فالله لفظ مذکّر غائب لانّه لیس بمتکلّم ولا مخاطب ، وهو المراد بالغائب ، فإن قلت : لِمَ زادوا هذه الحروف دون غیرها ولم اختصّوا کلّاً منها بما اختصّوا قلت : لأنّ الزّیادة مستلزمة للثّقل وهم احتاجوا الی حروف تزاد لنصب العلامة فوجدوا أوْلی الحروف بذلک حروف المدّ واللّین لکثرة دَوَرانها فی کلامهم إمّا بأنفسها أو بِاَبْعاضها أعنی الحرکات الثّلاث فزادوها وقلّبوا الألف همزة لرفضهم الإبتداء بالسّاکن ومخرج الهمزة قریب من مخرجها وأعطوها للمتکلّم لأنّه مقدّم والهمزة أیضاً مخرجها مقدّم علی مخرجها لکونها من أقصی الحلق ، ثمّ قلبوا الواو تاء لأنّه تؤدی زیادتها الی الثّقل لا سیّما فی مثل ووجل بالعطف وقلّبها تاء کثیر فی کلامهم نحو : تُراث وتجاه والاصل وراث ووُجاه فقلبوها هاهنا ایضاً تاءً وأعطوها المخاطب لأنّه مؤخّر عنهما بمعنی أنّ الکلام إنّما ینتهی الیه والواو منتهی مخرج الهمزة والیاء

ص: 21


1- یوسف : ٣ ، والکهف : ٣.

لکونها شفویّة وأتبعوه الغائبة والغائبتین لئلّا یلتبسا بالغائب والغائبین وحینئذٍ وإن التبسا بالمخاطب والمخاطبین لکن هذا أسهل.

ویوجدُ الفرق بین جمع المذکّر وجمع المؤنث فی الغائب بالواو والنّون نحو : یضربونَ ویَضْرِبْنَ ولم یجعل الجمع بالتاء کما فی واحدة والمثنّی بل بالیاء کما هو مناسب للغائب لکون مخرج الیاء متوسّطاً بین مخرج الهمزة والواو وکون ذکر الغائب دائراً بین المتکلّم والمخاطب ولمّا کان فی الماضی فرق بین المتکلّم وحده ومع غیره أرادوا أن یفرّقوا بینهما فی المضارع ایضاً فزادوا النّون لمشابهتها حرف المدّ واللّین من جهة الخفاء والغُنّة ، فإن قلتَ : لِمَ سمّی هذا القسم مضارعاً قلت : لأنّ المضارعة فی اللّغة المشابهة من الضّرع کأنّ کِلا الشّبهین إرتضعا من ضرع واحد فهما أخوان رضاعاً ، وهو مشابه لإسْم الفاعل فی الحرکات والسّکنات ولمطلق الإسم فی وقوعه مشترکاً بین الاستقبال والحال وتخصیصه بالسّین أو سوف أو اللام کما أنَّ رجلاً یحتمل أن یکون زیداً وعمرواً وخالداً وغیرهم ، فإذا عرّفته باللّام وقلت : الرّجل اختصّ بواحد وبهذه المشابهة التّامّة اُعْرِب من بین سائر الافعال.

[ وهذا ] أی المضارع [ یصلح للحال ] والمراد بها أجزاء من طَرَفَی الماضی والمستقبل یعقب بعضها بعضاً من غیر فرط مهلة وتراخ ، والحاکم فی ذلک هو العرف لا غیر [ والإستقبال ] والمراد به ما یترقّب وجوده بعد زمانک الّذی انت فیه [ تقول : یفعل الآن ویسمّی حالاً وحاضراً أو یفعل غداً ویسمّی مستقبلاً ] والمشهور انّ المستقبل بفتح الباء إسم مفعُول والقیاس یقتضی کسرها لیکون اسم فاعل لأنّه یستقبل کما یقال : الماضی ولعلّ وجه الأوّل أنّ الزّمان یستقبل فهو مستقبل اسم مفعول لکنّ الأولی أن یقال : المستقبل بکسر الباء فإنّه الصّحیح وتوجیه الأوّل لا یخلو

ص: 22

من حزازة (1).

قیل : انّ المضارع موضوع للحال والاستعمال فی الاستقبال مجاز وقیل : بالعکس والصحیح أنّه مشترک بینهما لأنّه یطلق علیهما اطلاق کلّ مشترک علی أفراده هذا ولکن تبادر الفهم الی الحال عند الإطلاق من غیر قرینة ینبئ عن کونه أصلاً فی الحال وایضاً من المناسب أن تکون لها صیغة خاصّة کما للماضی والمستقبل.

[ واذا دخلتْ علیه ] أی علی المضارع [ السین أو سوف فقلت : سَیفعل أو سوف یفعل ، اختصّ بزمان الاستقبال ] لأنّهما حرفا استقبال وضعاً وسمّیا حَرفَی تنفیس ، ومعناه تأخیر الفعل فی الزّمان المستقبل وعدم التّضییق فی الحال یقال : نفّسته أی وَسَعْتُه وسَوف اکثر تنفیساً وقد یخفّف بحذف الفاء فیقال : سَوْ ، وقد یقال : سَی بقلب الواو یاءً وقد یحذف الواو فتسکن الفاء الّذی کان متحرّکاً لاجل السّاکنین ، ویقال : سَفْ أفعل وقیل : إنّ السین منقوص من سوف دلالة بتقلیل الحرف علی تقریب الفعل قبل.

[ واذا ادخلت علیه لام الابتداء اختصّ بزمان الحال نحو : قولک لَیَفْعَلُ وفی التنزیل : إنّی لَیَحْزُنُنی ] امّا فی قوله تعالی : «وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی» (2) و «لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَیًّا» (٣) فقد تمحضّت اللّام للتّوکید فیهما مُضْمَحِلّاً عنها معنی الحالیّة لأنّها انّما تفید ذلک اذا دخلت علی المضارع المحتمل لهما لا المستقبل الصّرف وفی قوله : «إِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ» (3) ینزل منزلة الحال اذ لا شکّ فی وقوعه وأمثال ذلک فی کلام الله کثیرة.

ص: 23


1- قوله : لا یخلو من حزازة بفتح الحاء المهملة والزائین المعجمتین ، قال فی المنتهی : حزارة بالفتح سوزش دل از خشم وجز آن.
2- الضحی : ٥ (٣) مریم : ٦٦.
3- النحل : ١٢٤.

وعند البصریّین اللّام للتأکید فقط.

أمّا فی الفعل المضارع

واعلم أنّ المضارع ایضاً امّا مبنیّ للفاعل أو مبنیٌّ للمفعول [ فالمبنیّ للفاعل منه ] أی من الفعل المضارع [ ما ] أی الفعل المضارع الّذی [ کان حرف المضارعة منه مفتوحاً إلّا ما کان ماضیه علی اربعة احرف ] نحو : دَحْرَجَ وأکْرَمَ وفَرَّحَ وقاتَلَ [ فإنَّ حرف المضارعة منه ] أی ممّا کان ماضیه علی اربعة احرف [ یکون مضموماً أبداً نحو : یُدَحْرِجُ یُکْرِمُ ویُفَرِّحُ ویُقاتِلُ] أمّا الفتح فلکونه الاصل لِخفّته وکسر غیر الیاء فیما کان ماضیه مکسور العین لغة غیر الحجازیّین وهم یکسرون الیاء اذا کان بعده یاء اُخری فلا ینطبق التعریف علی ذلک.

وأمّا الضّمّ فیما کان ماضیه علی اربعة احرف فلانّه لو فتح فی یُکرِمُ مثلاً ، ویقال : یَکْرِمْ لم یعلم أنّه مضارع المجرّد أو المزید فیه ، ثمّ حمل علیه کلّ ما کان ماضیه علی اربعة احرف ، فإن قلت : فلِمَ لم یفتح حرف المضارع فی یدحرج ویقاتِلُ ویفرِّح ولا التباس فیها ، ثمّ یحمل یکرم علیها وحمل الاقلّ علی الأکثر أولی قلت : لأنّه لو حمل الاقلّ علی الاکثر لزم الإلتباس ولو فی صورة واحدة بخلاف العکس ، فانّه لا التباس فیه أصلاً فان قلت : لم اختصّ الضّم بهذه الأمثلة الاربعة والفتح بما عداها دون العکس قلت : لانّها اقلّ ممّا عداها والضّم اثقل من الفتح فاختصّ الضّم بالاقلّ والفتح بالاکثر تعادلاً بینهما هذا وقد عرفت جواب ذلک ممّا مرّ ولقائل أن یقول : ولا یدخل فی هذا التّعریف إهراق یُهریقُ واسطاع یُسطیع بضمّ حرف المضارعة ، والاصل اراق واطاع زیدت الهاء والسّین فإنّهما مبنیّان للفاعل ولیس حرف المضارعة منهما مفتوحاً ولیسا ایضاً ممّا کان ماضیه علی اربعة احرف.

ویمکن الجواب عنه بأنّ الهاء والسّین زائدتان علی خلاف القیاس

ص: 24

فکأنّهما علی اربعة احرف تقدیراً أو بانّهما من الشّواذّ ولا یجب أن یدخل فی الحدّ الشّواذ ونحو : خِصِّم وقتّل بالتشدید ، والاصل اختصم واقتتل ادغمت التّاء فیما بعدها وحذفت الهمزة لعدم الاحتیاج فیکون علی خمسة احرف تقدیراً فلهذا یفتح حرف المضارعة ویقال : یخصّم ویقتّل وهاهنا موضع بحث ولمّا ضمّ حرف المضارعة من هذه الاربعة کما فی المبنیّ للمفعول اراد ان یذکر علامة کون هذه الاربعة مبنیّاً للفاعل.

فقال : [ وعلامة بناء هذه الاربعة ] یعنی یکرم ویدحرج ویقاتل ویفرّح [ للفاعل کون الحرف الّتی قبل الآخر منه ] أی آخر کلّ واحد من هذه الاربعة حال کونه مبنیّاً للفاعل [ مکسوراً ابداً ] بخلاف المبنیّ للمفعول فانّه فیه مفتوح أبداً کما سنذکره فی بحثه [ مثاله ] أی مثال المبنیّ للفاعل [ من یَفْعُل ] بضّم العین [ یَنْصُرُ ینصران ینصرون الخ ] وقد یستعمل لفظ الاثنین فی بعض المواضع للواحد کقول الشّاعر : فَإن تَزْجرانی یَابْنَ عُفّانّ فَانْزَجِرُ***وإن تَرْعیانی اَحْمِ عرضاً مُمَنَّعا

وکقوله فقلت لصاحِبی لا تحبِسانا***بِنَزع اُصولِهِ واجْذَرّ شیحاً [ وقس علی هذا ] المذکور من التّصریف [ یَضْرِبُ وَیَعْلَم ویُدَحْرِجُ ویقاتِلُ ویُکْرِمُ ویُفَّرحُ وَیَتَکسَّرُ ویَتَباعدُ ویَنْقَطِعُ ویَجْتَمِعُ ویحمارّ ویستخرجُ ویتدحْرَجُ ویعشوشب ویجلوّز ویَقْعَنسسُ ویسلنقی ویحرنجم ویقشعرّ ] ونحن لا نشتغل بتفصیلها فإنّه لا یخفی علی من له أدْنی تامّل وتمیّز ولو اشکل شیء من نحو : یقشعرّ ویسلنقی یعرف فی المضاعف والنّاقص.

[ والمبنیّ للمفعول منه ] أی من المضارع [ ما ] أی الفعل المضارع الّذی [ کان حرف المضارعة منه مضموماً ] حملاً علی الماضی [ وکان

ص: 25

ما قبل الآخر ] منه [ مفتوحاً ] فإن کان مفتوحاً فی الأصل بقی علیه وإلّا یفتح لیعدّل الضّم بالفتح فی المضارع الّذی هو اثقل من الماضی [ نحو : یُنْصَرُ ویُدَحْرَجُ ویُکْرَم ویُقاتَل ویُفَرَّحُ ویُسْتَخرَجُ ] وتصریفها علی قیاس المبنیّ للفاعل وفی نحو : یُفْعَلُّ ویُفْعالُّ ویُفْعَلَلُّ بتقدیر الأصل وهو یُفَعْلَلُ ویُفْعالَلُ ویُفْعَلُلُ بفتح ما قبل الآخر ولم یذکر المصنّف غیر المتعدی ؛ لانّه قَلَّ ما یوجد منه.

دخول «ما و لا» النافیتان علی الفعل المضارع

[ واعلم : انّه ] الضّمیر للشّان [ تدخل علی الفعل المضارع ما ولا النّافیتان ] للفعل المضارع [ فلا تغیّران صیغته ] أی صیغة فعل المضارع وقد مرّ تفسیر الصّیغة فی صدر الکلام یعنی لا یعملان فیه لفظاً وقد سُمِعَ من العرب الجزم بلاء النّافیة اذا صلح ما قبلها کَیْ نحو : جئته کی لا یَکُنْ له عَلَیَّ حجّة وتقول : [ لا یَنْصُرُ ، لا یَنْصُرانِ لا ینصُرُون الخ ] کما تقدّم فی ینصر بعینه [ وکَذلِکَ ما ینصُرُ ما یَنْصُران ما یَنْصُرونَ الخ ].

دخول الجازم علی الفعل المضارع

واعلم : أنّه [ یدخل ] علی الفعل المضارع الجازم وهو لَمْ ولمّا ولاء فی النّهی واللام فی أمر الغائب واِنْ للشّرط والجزاء والأسماء الّتی تضّمنت معناها والغرض فی هذا الفنّ بیان آخر الفعل عند دخول الجازم علیه [ فیحذف حرکة الواحد ] نحو : لم یَنْصُرْ بسکون الرّاء ویحذف [ نون التّثنیة ] نحو : لم یَنْصُرا [ و ] یحذف [ نون الجمع المذکّر ] نحو : لَم یَنْصُروا ویحذف [ نون الواحدة المخاطبة ] نحو : لَمْ تَنْصُری ؛ لانّ النّون فی هذه الامثلة علامة الرّفع کالضّمّة فی الواحد فکما یحذف حرکة الواحد کذا یحذف النون ، وإنّما جعلت هذه النّون علامة الإعراب کالحرکة لانّه لمّا وجب ان تکون هذه الأفعال معربة والإعراب إنّما یکون فی آخر الکلمة وکان أواخر هذه الأفعال ساکنة وهی الضّمائر لانّها لمّا اتّصلت بالافعال صارت کأجزاء منها ولم یکن إجراء الإعراب علیها فوجب زیادة حرف

ص: 26

الإعراب ولم یمکن زیادة حرف المدّ واللّین فزادوا النّون لعلامة الإعراب لمناسبتها إیّاها کما سبق.

[ ولا یحذف ] الجازم [ نون جماعة المؤنّث ] فلا یقال : لَمْ یَنْصُرْ فی یَنْصُرنَ [ فإنّه ] أی لأنَّ نون جماعة المؤنّث [ ضمیر کالواو فی جمع المذکّر ] وهو فاعل فلا یحذف [ فتثبت علی کلّ حال ] بخلاف النّونات الآخر فإنّها علامات للإعراب وهذه ضمیر الفاعل لا علامة للإعراب لأنّها اذا اتّصلت بالفعل المضارع صار مبنیّاً لانّه إنّما إعرب لمشابهة الإسم ولمّا اتّصل به النّون الّتی لا یتّصل إلّا بالفعل فرجّح جانب الفعلیّة فصارت النّون من الفعل بمنزلة الجزء من الکلمة کما فی بَعلبکّ ، وتعَذّر الإعراب بالحروف والحرکة علی ما لا یخفی ردّ الی ما هو الأصل فی الفعل أعنی البناء وأشار الی الأمثلة بقوله [ تقول : لَمْ یَنْصُرْ لم یَنْصُرا لَمْ یَنْصُروا ] وجاء لم فی الضّرورة غیر جازمة کقول الشاعر :

هجوت زبّان ثُمّ جئت معتذراً***من هجو زبّان کأن لم تهجو ولم تدع

وجاء ایضاً مفصولاً بینها وبین المجزوم کقول الشاعر :

فأضحت مغانیها قفاراً رسومها***کأن لم سوی أهل من الوحش توهل

وجاء حذف المجزوم بعده کقوله :

وَاحْفَظ ودیعَتَکَ الّتی اسْتَوَدعتها***یوم الإغارة اِنْ وَصَلتَ وان لَمْ

دخول الناصب علی الفعل المضارع

[ واعلم : أنّه یدخل ] علی الفعل المضارع [ النّاصب ] وهو اَنْ ولَنْ وکیْ واِذَنْ والأصل اَنْ والبواقی فرع علیه وإنّما عمل النّصب لکونها مُشابها لأنّ المشدّدة وهو ینصب الأسماء فهذا ینصب الافعال [ فتبدّل من الضّمة فتحة ] کما هو مقتضی النّاصب فإنّ النّصب یکون بالفتحة کما أنّ الرّفع یکون بالضّمة والجزم بالسّکون ، فإن قیل : کان من الواجب أن یقول من الرّفع نصباً لأنّه معرب والفتح والضّم إنّما یستعملان فی

ص: 27

المبنیّات فالجواب أنّ الغرض هاهنا بیان الحرکة دون التعرّض للإعراب والبناء والحرکة من حیث هی حرکة هی الضّم والفتح والکسر لا الرّفع والنّصب والجرّ فانّ هذا أمر زائد ، فلیتأمّل.

[ وتسقط النّونات ] لأنّها علامة الرّفع [ سوی نون جماعة المؤنّث ] لما ذکرنا من أنّه ضمیر لا علامة الاعراب وإنّما أسقط النّاصب هذه النونات حملاً له علی الجازم لأنّ الجزم فی الأفعال بمنزلة الجرّ فی الاسماء فکما حمل النّصب علی الجرّ فی الأسماء فی التثنیة والجمع فکذا هاهنا حمل النّصب علی الجزم وحذفت النّونات المحذوفة فی حال الجزم [ فتقول : لن یَنْصُرَ لَنْ یَنْصُرا لن یَنْصُرُوا الخ ].

ومعنی لن نفی الفعل مع التّأکید [ ومن الجوازم لام الأمر ] لانّ المضارع لمّا دخله لام الامر شابه أمر المخاطب وهو مبنیّ ولم یمکن بناء ذلک لوجود حرف المضارعة مع عدم تعذّر الإعراب فاُعرب باعراب یشبه البناء وهو السّکون لأنّه الاصل فی البناء فاللام لکون المشابهة مستفادة منه یعمل عمل الجزم وتکون مکسورة تشبیهاً باللام الجارّة لانّ الجزم بمنزلة الجرّ وفتحها لغة لکن اذا دخل علیها الواو أو الفاء أو ثمّ جاز سکونها قال الله تعالی : «فَلْیَضْحَکُوا قَلِیلًا وَلْیَبْکُوا کَثِیرًا» (1) ، وقال ایضاً : ﴿ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْیُوفُوا﴾ (2) وقرئ بسکون اللام وکسرها.

وقوله : [ فتقول فی أمر الغائب ] اشارة الی انّه لا یؤمر به المخاطب لانّ المخاطب له صیغة مختصّة وقرئ فَلْتَفْرحوا بالتّاء خطاباً وهو شاذّ وجائز فی المجهول نحو : لتُضْرَبْ انت الخ ؛ لأنّ هذا الأمر لیس للفاعل

ص: 28


1- التوبة : ٨٢.
2- الحجّ : ٢٩.

المخاطب لأن الفاعل محذوف فیه وکذا لاَضْرِبْ اَنَا ولِنَضْرِبْ نَحْنُ ونحو ذلک لأنّ الأمر بالصّیغة یختصّ بالمخاطب فلا بدّ من استعمال اللام فی هذه المواضع لأنّها غیر المخاطب فکان الواجب علی المصنّف أن یقول فی أمر غیر المخاطب ویمثّل بالمتکلّم والمخاطب المجهول وفی الحدیث : قُومُوا فلاُصلّ مَعَکم ، وفی التنزیل : ولِنَحْمِلْ خَطایاکُمْ ، واذا کان المأمور جماعة بعضهم حاضر وبعضهم غائب فالقیاس تغلیب الحاضر علی الغائب نحو : إفْعَلا وإفعَلُوا ، ویجوز علی قلّة إدخال اللام فی المضارع المخاطب لتفید التّاء الخطاب واللام الغیبة مع التّنصیص علی کون بعضهم حاضراً ، وبعضهم غائباً کقوله (صلّی الله علیه وآله) : لتأخُذُوا مَصافَّکُمْ (1).

وقد جاء فی الشّذوذ حذفها وجزم الفعل کقوله :

مُحَمَّد تَفْدِ نَفْسَکَ کُلُّ نَفْسٍ***اذا ما خِفْتَ مِنْ أمرٍ تَبالا

أی لتفد نفسک وأجاز الفرّاء : حذفها فی النَّثر کقولک : قُلْ لَهُ یَفْعَل وفی التَّنزیل : «قُل لِّعِبَادِیَ الَّذِینَ آمَنُوا یُقِیمُوا الصَّلَاةَ» (2) والحقّ أنّه جواب الأمر والشّرط لا یلزم أن یکون علّة تامّة للجزاء وإنّما اختصّ هذا الأمر باللّام والمخاطب بغیرها لانّ أمر المخاطب اکثر استعمالاً فکان بالتخفیف أولی وأمثلته : لِیَنْصُرْ لِیَنْصُرا لیَنْصُرُوا لِتَنْصُرْ لِتَنْصُرا لِیَنْصُرْنَ وفی المتکلّم : لِأنْصُرْ لنَنْصُرْ وفی المجهول : لِیُنْصَرْ لِیُنْصَرا لِیُنْصَروا الخ ، وقس علی هذا لِیَضْرِبْ ولِیَعْلَمْ ولِیُدَحْرِجْ وغیرها من نحو : لِیُکْرِمْ ولِیُقاتِل ولِیَتَکَسَّرْ

ص: 29


1- أی مواقفکم فی القتال أمر النبی (صلی الله علیه و آله) بذلک الحاضرین عنده والغائبین عن مجلسه جمیعاً فاتی بالتّاء تنصیصاً علی کون البعض حاضراً وباللّام لکون البعض غائباً ، سعد الله. قوله : لتاخذوا مصافّکم ، المصاف : بفتح المیم وتشدید الفاء جمع المصفّ وهو الموقف فی الحرب ، سعد الله.
2- إبراهیم : ٣١.

ولِیَتَباعَدْ وَلِیَنْقَطِعْ ولِیَجْتَمِعْ ولِیُفَرِّحْ الی آخر الأمثلة علی قیاس المجزوم.

و من الجوازم «لاء» الناهیة

[ ومنها ] أی من الجوازم [ لاء النّاهیة ] وهی الّتی یطلب بها ترک الفعل واسناد النّهی الیها مجاز ؛ لأنَّ النّاهی هو المتکلّم بواسطتها وإنّما عملت الجزم لکونها نظیرة لام الأمر من جهة أنّهما للطّلب أو نقیضها من جهة انَّ لام الأمر لطلب الفعل وهی لطلب ترکه بخلاف لا النّافیة إذ لا طلب فیها أصلاً ، فتقول فی نهی الغائب : لا یَنْصُرْ لا یَنْصُرا لا یَنْصُرُوا الخ ، وفی نهی الحاضر : لا تَنْصُرْ لا تَنْصُرا لا تَنْصُرُوا الخ ، وهکذا قیاس سائر الامثلة من نحو : لا یَضْرِبْ ولا یَعْلَمْ ولا یُدَحْرِجْ الی غیر ذلک کما مرّ فی المجزوم ، وقد جاء فی المتکلّم قلیلاً کلام الامر.

وأمّا الأمر بالصّیغة یسمّی بذلک لأنّ حصوله بالصّیغة المخصوصة دون اللام وهو أمر الحاضر أی المخاطب فهو جار علی لفظ المضارع المجزوم فی حذف الحرکات والنّونات الّتی تحذف فی المضارع المجزوم وکون حرکاته وسکناته مثل حرکات المضارع وسکناته أی لا تخالف صیغة الأمر صیغة المضارع إلّا بأن تحذف حرف المضارعة منه وتعطی آخره حکم المجزوم وإنّما قال : جار علی لفظ المضارع المجزوم لئلّا یتوهّم إنّه ایضاً مجزوم معرب کما هو مذهب الکوفیّین فانّه لیس بمجزوم بل هو مبنیّ اُجری مجری المضارع المجزوم.

امّا البناء فلأنّه الأصل فی الفعل وانّما اُعرب منه فلمشابهة الإسم وهذا لم یشبه الإسم فلم یعرب وأمّا الکوفیّون فعلی أنّه مجزوم واصل اِفْعل لِتَفْعَل فحذفت اللام لکثرة الإستعمال ثمّ حذف حرف المضارعة خوف الإلتباس بالمضارعة لیس بالوجه لأنّ إضمار الجازم ضعیف کاضمار الجارّ وما ذکروه خلاف الاصل فلا یرتکب علیه.

وامّا الإجراء مجری المجزوم فلأنّ الحرکات والنّونات علامة الإعراب

ص: 30

فینافی البناء ، فلهذا لم یحذف نون جماعة المؤنّث واذا أجری علی المضارع المجزوم [ فإن کان ما بعد حرف المضارعة متحرّکاً ] کَتُدَحْرِجُ [ فتسقط ] انت [ منه ] أی من المضارع [ حرف المضارعة ] لیفرّق من المضارع [ وتأتی ] انت [ بصورة الباقی ] بعد حذف حرف المضارعة مجزوماً ، وفی هذا اللّفظ حزازة لأنّ صورة الباقی لیست بمجزومة بل مثل المجزوم فالتّوجیه أن یقال : حذف المضاف وهو أداة التّشبیه تنبیهاً علی المبالغة والأصل مثل المجزوم ، ومثل هذا کثیر فی الکلام أو یقال : المجزوم بمعنی المعامل معاملة المجزوم مجازاً ویجعل مجزوماً مفعول تأتی والباء لغیر التّعدیة أی تأتی مجزوماً یکون بصورة الباقی فیکون من باب القلب ، والمعنی تأتی الباقی بصورة المجزوم ولم یقل مجزومة لأنّه حال من الباقی أو لأنّه وصف الفعل مقدّرا أی حال کونها فعلاً مجزوماً علی أحد التّأویلین ، فإذا حذفت حرف المضارعة وعاملت آخره معاملة المجزوم.

[ فتقول فی الأمر ] الحاضر : [ من تُدَحْرِجُ دَحْرِج دَحْرِجا دَحْرجُوا دَحْرِجی دَحْرِجا دَحْرِجْنَ ] وقد یستعمل لفظ الجمع للواحد فی موضع التعظیم والتّفخیم کقول الشاعر : ألا فَارْحَمونی یا إله محمّد***فإن لم أکن أهلاً فانت لَهُ أهْلٌ [ وهکذا ] تقول : فی کلّ ما یکون بعد حرف المضارعة منه متحرّکاً [ نحو : قاتِلْ وفرِّح وتکسَّرْ وتَباعَدْ وتَدَحْرج ] وإنّما اشتقّ من المضارع لأنّ الماضی لا یؤمر به فلا مناسبة بینهما [ وإن کان ] ما بعد حرف المضارعة [ ساکنا ] کما فی تنصُرُ [ فتحذف منه حرف المضارعة وتأتی بصورة الباقی مجزوماً ] حال کون هذا الباقی [ مزیداً فی أوّله همزة وصل مکسورة ] أمّا زیادتها فلدفع الإبتداء بالسّاکن وأمّا تخصیصها بالزیادة دون

ص: 31

غیرها من الحروف فلانّها أقوی الحروف والإبتداء بالاقوی أولی وأمّا کسرها فلأنّها زیدت ساکنة عند الجمهور لما فیها من تقلیل الزّیادة ثُمَّ لما احتیج الی تحریکها حرّکت بالکسرة کما هو الأصل وظاهر مذهب سیبویه انّها زیدت متحرّکة بالکسرة الّتی هی أعدل الحرکات لأنّا نحتاج الی متحرّک لسکون أوّل الکلمة فزیادتها ساکنة لیست بوجه.

وانّما سمّیت همزة وصل لانّها للتّوصل بها الی النّطق بالسّاکن ویسمّیها الخلیل سلّم اللّسان لذلک أی لدفع الابتداء بالسّاکن فتکون مکسورة فی جمیع الأحوال إلّا فی حال أن یکون عین المضارع منه أی من الباقی أو من المضارع [ مضموماً فتضمّها ] أی تلک الهمزة لمناسبة حرکة العین لأنّها لو کسرت لثقل الخروج من الکسر الی الضّم ولو فتحت لالتبس بالمضارع اذا کان للمتکلّم [ فتقول : اُنْصُرْ اُنْصُرا اُنْصُروا الخ ، وکذا اِعْلَم واِضْرِبْ وانْقَطِعْ واجْتَمِعْ واستَخْرِج ] ثمّ استشعر إعتراضاً بأنَّ أکْرِمْ بفتح الهمزة أمر من تکرِمُ وما بعد حرف المضارعة ساکن وعینه مکسور فلم تزد فی أوّله همزة الوصل مکسورة فأجاب بقوله : [ وفتحوا همزة اَکْرِمْ بناءً علی الأصل المرفوض ] أی الاصل المتروک [ فإنّ أصل تُکْرِمُ تُاَکْرِمُ ] لأنَّ حروف المضارعة هی حروف الماضی مع زیادة حرف المضارعة فحذفوا الهمزة لاجتماع الهمزتین فی نحو : ءُأکْرِمُ ثُمَّ حملوا یُاَکْرِمُ وتُاَکْرِمُ ونُاَکْرِمُ علیه وقد استعمل الأصل المرفوض من قال شعراً :

شیخاً علی کُرْسِیّهِ مُعَمَّما***فإنَّه أهْلٌ لِأنْ یُأکْرَما

فلَمّا رأوا أنّه تزول علّة الحَذْف عند اشتقاق الأمر بحذف حرف المضارعة ردّوها لأنّ همزة الوصل إنّما هی عند الإضطرار فقالوا : من تُاَکْرِمُ اَکْرِمْ کما قالوا : من تُدَحْرِجُ دَحْرِج فلا یکون من القسم الثانی بل من القسم الاوّل ، وقوله بناء نُصب علی المصدریّة لفعل محذوف ، أو فی

ص: 32

موضع الحال أو علی المفعول له وهذا أولی.

قاعدةٌ

[ واعلم انّه ] الضّمیر للشّأن [ اذا اجتمع تاءان فی أوّل مضارع تفعّل وتفاعل وتفعلل ] وذلک حال کونه فعل المخاطب أو المخاطبة مطلقاً أو الغائبة المفردة أو المثنّاة إحداهما حرف المضارعة والثّانیة التّاء الّتی کانت فی أوّل الماضی [ فیجوز اثباتهما ] أی إثبات التّائین لأنّ الإثبات هو الأصل [ نحو : تَتَحَبَّبْ وتَتَدَحْرَجْ وتَتَقاتَل ویجوز حذف إحداهما ] أی إحدی التّائین تخفیفاً لانّه لمّا اجتمع مثلان ولم یمکن الإدغام لرفضهم الابتداء بالساکن حذفوا احدی التائین لیحصل التّخفیف کما تقول انت تَحَبَّبُ وتَقاتَلُ وتَدَحْرَجُ کما ورد [ وفی التّنزیل : «فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّی» (1) ] والأصل تتصدّی أی تتعرّض ، ولو کان ماضیاً لوجَبَ أن یقال تَصَدّیت لأنّه خطاب [ وناراً تَلَظّی ] أی تَتَلهّبَ والأصل تَتَلظّی ، ولو کان فعل الماضی لوجب ان یقال تلظّت لانّه مؤنّث [ وتَنَزَّلُ الملائکة ] والأصل تتنزّل واختلف فی المحذوف ، فذهب البصریّون : الی أنّه هو الثّانیة لأنّ الاُولی حرف المضارعة وحذفها مخلّ ، وقیل : الاُولی لأنّ الثانیة للمطاوعة وحذفها مخلّ ، والوجه هو الأوّل لأنّ رعایة کونه مضارعاً أولی ، ولأنّ الثقل إنّما یحصل عند الثانیة ، وانّما قال مضارع : تفعّل وتفاعل وتَفَعْلل بلفظ المبنیّ للفاعل للتّنبیه علی انّ الحذف لا یجوز فی المبنیّ للمفعول أصلاً لأنّه خلاف الاصل فلا یرتکب إلّا فی الأقوی وهو المبنیّ للفاعل ، ولانّه من هذه الأبواب اکثر استعمالاً من المبنیّ للمفعول فالتّخفیف به أوْلی ، ولانّه لو حذفت التّاء الاُولی المضمومة لالتبس بالمبنیّ للفاعل المحذوف عنه التّاء لأنّ الفارق هو التّاء المضمومة ، ولو حذفت الثّانیة لالتبس بالمبنیّ للمفعول من المضارع فعّل وفاعل وفعلل [ واعلم ] أنّه [ متی کان فاء

ص: 33


1- عبس : ٦.

افتعل صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً قلبت تاؤه ] أی تاء افتعل [ طاءً ] لتعسّر النطق بالتاء بعد هذه الحروف واختیر الطاء لقربها من التّاء مخرجاً والحاصل عندنا یرجع الی السّماع ، وعند العرب الی التّخفیف [ فتقول فی افتعل من الصّلح اصطلح ] والأصل اصتلح [ وفی ] افتعل [ من الضّرب اِضْطَرَب ] والاصل اضْتَرَب ، والاضطراب الحرکة والموج یقال : البحر یَضْطرِبُ أی یموج بعضها بعضاً وفی افتعل [ من الطّرد اطّرد ] والاصل اطْتَرَدَ [ وفی ] افتعل [ من الظّلم اضطلم ] والأصل اظْتَلَمَ.

واعلم : انّ الوجه فی نحو : اصطلح واضطرب عدم الادغام لأنَّ حروف الصّفیر وهی الزّاء المعجمة والسین والصّاد المهملتان لا تدغم فی غیرها وحروف ضوی مشفر بالضّاد والشّین المعجمتین والرّاء المهملة لا تدغم فیما یقاربها وقلیلاً ما جاء اصَّلَحَ واِضّرَبَ بقلب الثّانی الی الأوّل ثمّ الادغام ، وهذا عکس قیاس الإدغام ، وانّما فعلوه رعایة لصفیر الصّاد واستطالة الضّاد ، وضعف اِطَّجَعَ فی اِضْطَجَعَ أی نام علی الجنب ، وقرئ بعض شأنهم ، ونَخْسِفْ بِهِمْ ، ویَغْفِر لَکُمْ ، وذی العَرشِ سبیلاً بالإدغام ، وأمّا فی نحو : اطّرد فلا یجوز إلّا الإدغام لاجتماع المثلین مع عدم المانع من الادغام ، وامّا فی نحو : اِضْطَلَم فثلاثة أوجه : الأوّل : اضطَلَمَ بلا إدغام ، والثّانی : اطّلَمَ بالطّاء المهملة بقلب المعجمة الیها کما هو القیاس ، والثالث : اظَّلَم بالظّاء المعجمة بقلب المهملة الیها ورویت الوجوه الثّلاثة فی قول زهیر :

هو الْجَوادُ الّذی یُعْطیک نائِلَهُ*** عفواً ویُظْلَمُ أحیاناً فَیَظْطَلِمُ

[ وکذلک جمیع متصرّفاته ] أی متصرّفات کلّ واحد منها فإنّها یجری فیها ذلک [ نحو : اِصْطَلَحَ یَصْطَلِحُ فهو مُصطَلِحٌ وذاک مُصْطَلَحٌ ] علیه والأمر [ اِصْطَلِحْ ] والنهی [ لا یَصْطَلِحْ ] وکذلک اضْطَرَبَ یَضْطَرِبُ فهو مُضْطَرِبٌ وذاک مُضْطَرَبٌ ویَطَّرِدُ فهو مُطَّرِدٌ ویظْطَلِمُ فهو مُظْطَلِمٌ ، وکذا باقی الامثلة بأسرها.

ص: 34

[ و ] اعلم : انّه [ متی کان فاء افتعل دالاً أو ذالاً أو زاء ] معجمتین [ قلبت تاؤه ] أی تاء افتعل [ دالاً ] مهملة تخفیفاً [ فتقول فی افتعل من الدّرء ] وهو الدفع [ والذّکر ] وهو خلاف النّسیان [ والزّجر ] وهو المنع والنّهی [ اِدَّرَأَ ] والأصل اِدْتَرَأَ ولا یجوز فیه إلّا الإدغام [ واذّکَرَ ] والاصل اِذْتَکَرَ ، وفیه ثلاثة أوجه : اِذْ ذَکَرَ بلا إدغام ، واذَّکَرَ بالذّال المعجمة بقلب المهملة الیها ، وادَّکَرَ بالدّال المهملة بقلب المعجمة الیها قال الشاعر :

تنحی عَلَی الشَّوْک جِرازاً مِقْضَباً***وَالْهَرْمُ تَذریهِ إدّراءً عَجَباً

وفی التنزیل : «وَادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (1) [ واِزْدَجَرَ ] والأصل اِذْتَجَرَ وفیه وجهان : البیان : وهو اِزْدَجَرَ ، وفی التنزیل : «قَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ» (2) والأصل اُزْتُجِرَ ، والإدغام : بقلب الدّال زاءً نحو : اِزَّجَرَ دون العکس لفوات صفیر الزّاء ، وأما قلب تاء افتعل مع الجیم دالاً کما فی قوله :

فَقُلْتُ لِصاحِبی لا تَحْبِسانا***بِنَزْعِ اُصوله واجْدَزَّ شیحا

والأصل : إجتزّ أی اقتطع فشاذّ لا یقاس علیه غیره ، والقلبان المتقدّمان علی سبیل الوجوب.

الحاق نونی التّأکید الفعل المضارع

[ ویلحق الفعل ] حال کون ذلک الفعل [ غیر الماضی والحال نونان للتّأکید ] ولا تلحقان الماضی والحال لإستدعائهما الطّلب اذا الطّالب إنّما یطلب فی العادة ما هو المراد له فکان ذلک مقتضیاً للتّأکید لأنّ غرضه فی تحصیله والطّلب انّما یتوجّه الی المستقبل الغیر الموجود ، وقیل : لانّ الحاصل فی زمان الماضی لا یحتمل التّأکید ، وامّا الحاصل فی زمان الحال فهو وإن کان محتملاً للتّأکید بأن یخبر المتکلّم بأنّ الحاصل فی الحال متّصف بالمبالغة والتّأکید لکنّه لمّا کان موجوداً وأمکَنَ للمخاطب فی الأغلب الاطّلاع علی ضعفه وقوّته اختصّ نون التّأکید بغیر الموجود

ص: 35


1- یوسف : ٤٥.
2- القمر : ٩.

فهو أولی بالتّأکید أی الإستقبال ولا یتوهّم جواز الحاقهما بالمستقبل الصّرف نحو : سَیَضْرِبَنَّ وسوف یَضْرِبَنْ فانّهما لا تلحقان بالمستقبل الصّرف فی السّعة إلّا بما فیه معنی الطّلب أو ما اشبهه وعلیه جمیع المحقّقین حیث قالوا : ولا تلحقان إلّا مستقبلاً فیه معنی الطّلب کالأمر والنهی والاستفهام والتّمنّی والعَرْض والقَسَم لکونه غالباً علی ما هو المطلوب ویشبه بالقَسَم نحو : إمّا تَفْعَلَنَّ فی أنَّ ما للتّأکید کلام القسم ولانّه لمّا اکّد حرف الشّرط بما کان تأکید الشّرط أولی وقد تلحق بالنّفی تشبیهاً له بالنّهی وهو قلیل ومنه قول الشّاعر :

یَحْسَبُهُ الجاهِلُ ما لم یَعْلَما***شیخاً علی کُرسیّهِ مُعَمَّما

أی ما لم یَعْلَمَنْ قلبت النّون الفاً للوقف ، قال الله تعالی : «لَنَسْفَعًا» (1) أصله لَنَسْفَعَنْ ، فإن قلت : لِمَ الحق بالمستقبل الصّرف فی قوله : رُبَما أوفیْتُ فی عَلَمٍ تَرفَعَنْ ثَوْبیّ شَمالات ؟ قلت : لأنّه مشبّه بالنّفی من حیث انّ ربّما للقلّة والقلّة تناسب النّفی والعدم والنّفی مشبه بالنّهی وهو مع ذلک خلاف الأصل والقیاس لا یعتدّ به.

وقال سیبویه : یجوز فی الضّرورة اَنْتَ تَفْعَلَنْ ، وهاتان النّونان إحداهما [ خفیفة ساکنة ] کقولک : اذْهَبَنْ والاُخری [ ثقیلة مفتوحة ] نحو : اِذْهَبَنَّ وفی بعض النّسخ بالنّصب أی حال کون إحداهما خفیفة ساکنة والاُخری ثقیلة مفتوحة فی جمیع الاحوال [ إلّا فیما ] أی فی الفعل الّذی [ تختصّ ] النّون [ الثقیلة به ] أی بذلک الفعل یعنی من بین النّونین یختصّ الثّقیلة به أی بذلک الفعل أی تتفرّد بلحوق هذا الفعل کما یقال : نَخُصُّکَ بالعبادة أی لا نعبد غیرک ، وبهذا ظهر فساد ما قیل إنّه کان من حقّ العبارة أن یقول إلّا فی الفعل الّذی یختصّ بالثّقیلة أی لا یعمّ

ص: 36


1- العلق : ١٥.

الثقیلة والخفیفة لأنّ الثقیلة لا تختصّ بفعل الاثنین وجماعة النّساء بل یعمّ الجمیع [ وهو ] أی ما یختصّ به [ فعل الاثنین ] وفعل [ جماعة النّساء فهی ] أی النّون الثقیلة [ مکسورة فیه ابداً ] أی فی فعل الاثنین وجماعة النّساء فالضمیر عائد الی الفعل ویجوز أن یکون عائداً الی ما [ فتقول : اِذهبانِّ للاثنین واذهبْنانِّ للنسوة ] بکسر النون فیهما تشبیهاً لها بنون التثنیة لانّها واقعة بعد الالف مثل نون التثنیة.

وامّا ما أجازه یونس والکوفیّون من دخول الخفیفة فی فعل الاثنین وجماعة النساء باقیة علی السکون عند یونس ، ومتحرّکة بالکسر عند بعض وقد حمل علیه قوله تعالی : «وَلَا تَتَّبِعْ سَبِیلَ الْمُفْسِدِینَ» (1) بتخفیف النون فلا یصلح للتّعویل لمخالفة القیاس واستعمال الفصحاءِ ، وهی لیست فی تتّبِعان للتّأکید [ فتدخل ] انت [ الفا بعد نون جمع المؤنث ] کما تقول : اِذْهَبْنانِّ والاصل اِذْهَبْنَنَّ ، فادخلت الفاً بعد نون جمع المؤنّث وقبل النّون الثقیلة [ لتفصل ] تلک الألف [ بین النّونات ] الثلاث نون جمع المؤنث والمدغمة والمدغم فیها واختصّوا الألف لِخفّتها [ ولا تدخلهما ] أی فعل الاثنین وجماعة النساء [ النّون الخفیفة ] لا یقال : اِضْرِبان ولا اضْرِبْنان بالسّکون [ لانّه یلزم ] من دخولهما فیهما [ التقاء السّاکنین علی غیر حدّه ] وهما الالف والنون وحینئذٍ لو حرّکتها لأخرجتها عن وضعها ولانّها لا تقبل الحرکة بدلیل حذفها فی نحو : اِضْرِب القَوْم والاصل اِضْرِبَنْ دون تحریکها کقول الشاعر :

لا تُهینَ الفقیر علّک اَنْ تَر***کَعَ یَوْما والدهر قَدْ رفَعَه

أی لاتهینن والا لوجب ان یقال : لا تهن لأنّه نهی فحذفت النّون لالتقاء الساکنین ولم تتحرّک کما مرّ ولو حذفت الالف من فعل الاثنین لالتبس بفعل

ص: 37


1- الاعراف : ١٤٢.

الواحدة ولو حذفتها من فعل جماعة النساء لادّی الی حذف ما زیدَ لغرض هکذا ذکروه ، ولقائل أن یقول لا نسلم انّه یلزم من دخولها فی فعل جماعة النساء التقاء الساکنین وهو ظاهر ؛ لانّک تقول : اِضْرِبْنَ فلو ادخلتها الخفیفة ، وقلت : اِضْرِبْنَنْ لا یکون من التقاء السّاکنین فی شیء ، وأشار ابن الحاجب الی جوابه : بأنّ الثقیلة هی الأصل ، والخفیفة فرعها واذا دخلت الالف مع الثقیلة فیلزم مع الخفیفة وإن لم یجتمع النّونات لئلّا یلزم مزیّة الفرع علی الاصل ألّا تری انّ یونس اذا ادخلها فی فعل الاثنین وجماعة النساء ادخل الالف ، وقال : اِضْرِبانْ واِضْرِبْنان دون اِضْرِبْنَنْ.

وفیه نظر لأنّ أصالة الثقیلة إنّما هی عند الکوفیّین علی ما نقل مع أنّ الفرع لا یجب أن یجری مجری الأصل فی جمیع الأحکام ، ثمّ المناسبة المعلومة من قوانینهم تقتضی بینهما أصالة الخفیفة لأنّ التّأکید فی الثقیلة اکثر منه فی الخفیفة ، فالمناسب ان یقال : إنّه یعدل من الخفیفة الیها ، ولمّا قال لأنّه یلزم التقاء الساکنین علی غیر حدّه کانّه قیل ما حدّه ، ومتی یجوز فقال : [ فإنّ التقاء الساکنین انّما یجوز ] أی لا یجوز إلّا [ اذا کان الاوّل ] من الساکنین [ حرف مدّ ] وهو الواو والالف والیاء السواکن [ و ] کان [ الثانی ] منهما [ مدغماً فیه ] أی فی حرف آخر [ نحو : دابّة ] فأن الالف والیاء ساکنان ، والالف حرف مدّ ، والباء مدغم فجاز ؛ لانّ اللسان یرتفع عنهما دفعة واحدة من غیر کلفة ، والمدغم فیه متحرّک فیصیر الثانی من الساکنین کلا ساکن فلا یتحقّق إلتقاء الساکنین الخالص السکون ، وکان الأولی أن یقول حرف لین لیدخل فیه نحو : خُوَیْصَّة ودُوَیّبة ؛ لأنّ حرف اللّین أعمّ من حروف المدّ کما سنذکره لکنّ المصنّف لا یفرق بینهما ، وفی عبارته نظر لأنّ لفظة إنّما تفید الحصر کما بیّناه آنفاً وهذا غیر مستقیم علی ما لا یخفی ، فإنّ التقاء الساکنین جائز فی الوقف

ص: 38

مطلقاً لانّه محلّ التخفیف نحو : زید وعمرو وبکر سلّمنا إنّه أراد غیر الوقف لکن یجوز فی غیر الوقف فی الاسم المعرّف باللام الداخلة علیه همزة الإستفهام ، نحو : الحسن عندک بسکون الالف واللام ، وهذا قیاس مطّرد لئلّا یلتبس بالخبر.

وفی التّنزیل : «الآنَ» بسکون اللام والالف ، وفی بعض القراءات من بعد ذلک ، وفی لبعض شأنهم وذی العرش سَبیلاً واللامی ومحیایَ ومَماتی ونحو ذلک فلا وجه للحصر ، ویمکن الجواب عنه بأن کلّ ذلک من الشواذ ومراده غیر الشاذّ ، فإن قلت : فَلِمَ لا یجوز فی عُقبَی الدار ، وفی الدار قالوا : ادّارانا مع انَّ الاوّل حرف مدّ والثانی مدغم ، فقلت : جوازه مشروط بذلک ولا یلزم من وجود الشرط وجود المشروط کما تقدّم فی دَخَلَ یدخل ویحذف من الفعل معهما أی مع إلحاق النونین النون التی فی الامثلة الخمسة ، وهی : یفعلان وتفعلان ویفعلون وتفعلون وتفعلین لما سبق من أنّ النون فی هذه الامثلة علامة الإعراب ، والفعل مع نون التأکید یصیر مبنیّا کما ذکرنا فی نون جماعة النساء.

واعلم : إنّ قوله معهما هذا یوهم منه جواز دخول کلّ من النونین فی الأمثلة الخمسة واثنان منها ، وهما : یفعلان وتفعلان قد تقرّر أنّ الخفیفة لا تدخلهما ، فأجاب بعضهم : بانّه تنبیه علی انّ النون یحذف معهما علی مذهب یونس حیث أجاز دخولها فی یَفعلان وتفعلان وفساده یظهر بأدنی تامّل إذ لا أثر فی الکتاب من مذهب یونس لکن یمکن أن یجاب عنه بأن یقال : إنّ النون فی الامثلة الخمسة یحذف مع النون الثقیلة والخفیفة وهذا انّما یکون عند ثبوت المعیّة ، وأمّا ما لا یثبت معه المعیّة کیفعلان وتفعلان فلا یکون الحذف ثمّة ، وقد تقدّم أنّه لا معیّة بین الخفیفة وفعل الاثنین فلا یکون فیه ذلک فافهم فإنّه لطیف.

ص: 39

[ ویحذف ] مع حذف النون واو یَفْعَلُون وتفعلون أی فعل جماعة الذکور الغائب والمخاطب ویاء تَفْعلین أی فعل المخاطبة الواحدة لانّ التقاء الساکنین وان کان علی حدّه علی ما ذکره المصنّف لکنه ثقلت الکلمة واستطالت وکانت الضمة والکسرة تدلّان علی الواو والیاء فحذفتا هذا مع الثّقیلة وامّا مع الخفیفة فانّ التقاء الساکنین علی غیر حدّه ولم یحذف الالف من یفعَلان وتفعَلان لئلّا یلتبسا بالواحد والقیاس یقتضی أن لا تحذف الواو والیاء ایضاً کما هو مذهب بعضهم اذ کلّ منهما فی هذه الامثلة ضمیر الفاعل والتقاء الساکنین علی حدّه ولکن قد ذکرنا انّه لا یجب ان یحذف بل یجوز وان کان علی حدّه ، وقیل : حدّ التقاء الساکنین أن یکون الاوّل حرف لین والثانی مدغماً ویکونان فی کلمة واحدة فهو هاهنا لیس علی حدّه لانّه فی کلمتین الفعل ونون التأکید لکن اغتفر فی الالف وإن لم یکن علی حدّه لدفع الإلتباس ولکونها أخفّ.

ولعلّه مراد المصنّف ولم یصرّح به إکتفاء بتمثیله بکلمة واحدة أعنی دابّة وکذا فعل جار الله العلامة وهنا موضع تأمّل ففی الامثلة الثلاثة یحذف الواو والیاء إلّا اذا انفتح ما قبلها فانّهما لا یحذفان حینئذٍ لعدم ما یدل علیهما أعنی الضم والکسر بل تحرّک الواو بالضم والیاء بالکسر لدفع التقاء الساکنین [ نحو : لا تخشَونّ ] اصله تَخْشَیُونَ حذفت ضمّة الیاء للثقل ثمَّ الیاء لالتقاء الساکنین ، وقیل : تَخْشَوْن وادخل لاء الناهیة فحذفت النون فقیل : لا تَخْشَوْا فلَمّا الحَقَ نون التأکید التقی الساکنان الواو والنون المدغمة ولم تحذف الواو لعدم ما یدلّ علیه بل حرّک بما یناسبه وهو الضمة لکونها اُخته فقیل : لا تخشونَّ وهی نهی المخاطب لجماعة الذکور.

[ ولا تَخْشَیِنَّ ] اصله تَخْشَیینَ حذفت کسرة الیاء ثمّ الیاء واُدْخِلَ لا وحذفت النون فقیل : لا تَخْشَی فلمّا الحق نون التأکید التقی الساکنان

ص: 40

الیاء والنون فلم یحذف الیاء لما مرّ بل حرّک الیاء بالکسر لکونه مناسباً له وهی نهی المخاطبة.

[ ولَتُبْلَوُنَّ ] أصله لَتُبْلَوونَ فَاَعلّ إعلال تخشون فقیل : لَتُبْلَوْنَ واُدخل نون التأکید وحذفت نون الاعراب وضُمّت الواو کما فی لا تَخْشَوُنَّ وهو فعل جماعة الذکور المخاطبین مبنیّاً للمفعول من البلاء وهو التجربة [ وامّا تَرَیِنَّ ] اصله تَراَیینَ علی وزن تَفْعَلِینَ حذفت همزته کما سیجیء فقیل : تریینَ ثمّ حذفت کسرة الیاء ثمّ الیاء لالتقاء الساکنین ولک ان تقول فی الجمیع قلبت الواو والیاء الفاً لتحرّکهما وانفتاح ما قبلهما ثمّ حذفت الالف وهذا أولی وایّاک أن تظنّ المحذوف واو الضمیر ویاؤه کما ظنّ صاحب الکواشی فی تفسیره ، فإنّه من بعض الظّن بل المحذوف لام الفعل لأنّه أولی بالحذف من ضمیر الفاعل وهو ظاهر وقیل : تَرینَ فادخل علیه إمّا وهی من حروف الشرط فحذفت النون علامة للجزم فالحق نون التأکید وکُسِرَ الیاء ، ولم یحذف لما ذکر فی لا تخشیّن فصار إمّا ترین وقد أخطأَ من قال : حذفت النون لأجل نون التأکید لانّه لا یلحقه قبل دخول إمّا لما تقدّم فی اوّل البحث ، وکذا لا تخشونّ ولا تخشینّ بخلاف لَتُبْلُونّ ، فإنّه لحقه لکونه جواب القسم وعلی هذا الخفیفة نحو : لا تَخْشَوُنْ ولا تَخْشَیِنْ ولم یقلب الواو والیاء من هذه الامثلة الفاً لانّ حرکتهما عارضة لا اعتداد بها وهذا هو السر فی عدم إعادة اللام المحذوفة حیث لم یقل لا تخشاوُن.

وقال المالکی : حذف یاء الضمیر بعد الفتحة لغة طائفة نحو : اِرْضَنَّ فی اِرْضَی ، وکذا لا تَخْشَنَّ فی لا تخشی [ ویفتح مع النونین آخر الفعل إذا کان ] الفعل [ فعل الواحد ] والواحدة الغائبة لانّه أصل لخفّته فالعدول عنه إنّما یکون لغرض [ ویضمّ ] آخر الفعل [ اذا کان ] الفعل [ فعل جماعة

ص: 41

الذکور ] لیدلّ الضمّ علی الواو المحذوفة [ ویکسر آخر ] الفعل [ اذا کان ] الفعل [ فعل الواحدة المخاطبة ] لیدلّ الکسرة علی الیاء المحذوفة وقیل : کان الأولی أن یقول ما قبل النون بدل آخر الفعل لیشمل نحو : لا تخشون ولا تخشین ، فإنّ الواو والیاء فیهما لیسا آخر الفعل بل کلّ واحدة منهما اسم برأسه ؛ لانّ الفعل تخشی وهما ضمیر الفاعل فالجواب انّ هذا الضمیر کجزء من الفعل فکأنّه آخر الفعل وقیل : الغرض بیان آخر الفعل غیر النّاقص لانّ الناقص قد علم حکمه فی لا تخشونّ ولا تخشینّ.

[ فتقول : فی أمر الغائب مؤکّدا بالنون الثّقیلة لیَنْصُرَنَّ ] بالفتح لکونه فعل الواحد [ لِیَنْصُرانِّ لِیَنْصُرُنَّ ] بالضم لکونه فعل جماعة الذکور اصله لینصُرُونّ حذفت الواو لالتقاء الساکنین [ لِتَنْصُرَنَّ ] بالفتح ایضاً لانّه فعل الواحدة الغائبة [ لِتَنْصُرانِّ لِیَنْصُرْنانِّ وبالخفیفة لیَنْصُرَنْ ] بالفتح [ لِیَنْصُرُنْ ] بالضمّ [ لتَنْصُرَنْ ] بالفتح لما علم وترک البواقی لانّ الخفیفة لا تدخلها [ وتقول : فی امر الحاضر مؤکّدا بالنون الثّقیلة اُنْصُرَنَّ اُنْصُرانِّ اُنْصُرُنَّ اُنْصُرِنَّ ] بالکسر لانّه فعل الواحدة المخاطبة [ اُنْصُرانِّ اُنْصُرْنانِّ وبالخفیفة اُنْصُرَنْ اُنْصُرُنْ اُنْصُرِنْ ، وقس علی هذا نظائره ] أی نظائر کلّ واحد من لِیَنْصُرَنَّ واُنْصُرَنَ ... الخ من نحو : اِضربنَّ واعْلَمنَّ ولیَضَّربَنَّ ولیَعْلَمَنَّ وغیر ذلک الی سائر الافعال والامثلة.

الاسم الفاعل و المفعول

[ وامّا اسم الفاعل والمفعول من الثلاثی المجرّد فالاکثر ان یجیء اسم الفاعل منه أی من الثلاثی المجرّد علی وزن فاعل تقول : ناصر ] للواحد [ ناصران ] للاثنین حال الرفع ناصرین حال النّصب والجرّ [ ناصِرُونَ ] لجماعة الذکور فی الرفع وناصرین فی النصب والجرّ وذلک لانّهم لمّا جعلوا اعرابهما بالحروف وکانت الحروف ثلاثة اعنی الواو والیاء والالف جعلوا رفع المثنّی بالالف لخفّتها والمثنّی مقدّم فاخذها

ص: 42

ورفع الجمع بالواو لمناسبة الضمّة ثُمَّ جعلوا جرّ المثنّی والمجموع بالیاء وفتحوا ما قبل الیاء فی المثنّی وکسروه فی الجمع فرقاً بینهما ولمّا رأَوا انّه یفتح فی بعض الصور فی الجمع ایضاً نحو مصطفین فتحوا النّون فی الجمع وکسروه فی المثنّی ثُمّ جعلوا النصب فیهما تابعاً للجرّ [ ناصِرَة ] للواحدة [ ناصِرَتانِ ] للمثنّی [ ناصرات ] لجماعة الاناث [ ونواصِرُ ] ایضاً لها والاکثران [ یجیء اسم المفعول منه علی مفعُول تقول : مَنْصُورٌ مَنْصُورانِ مَنْصُورونَ الی آخره ].

وانّما قال : فالأکثر لأنّهما قد یکونان علی غیر فاعل ومفعول نحو : ضَرَّابٌ وضَروبٌ ومِضْرابٌ وعَلیمٌ ، وحَذِر فی اسم الفاعل ونحو : قَتیلٌ وحَلُوبٌ فی اسم المفعول وهذا الصفة المشبّهة اسم فاعل عند أهل هذه الصناعة [ وتقول : ] رجُلٌ [ ممرورٌ به ] ورجلان [ مَمرورٌ بهما ] ورجال [ ممرورٌ بهم ] وامرأة [ ممرورٌ بها ] وامرأتان [ ممرورٌ بهما ] ونساء [ ممرورٌ بهنّ ] أی لا یبنی اسم المفعول من اللازم إلّا بعد أن تُعَدّیه إذ لیس له مفعول [ فتثنّی ] انت [ وتجمع وتذکر وتؤنث الضمیر فیما ] أی فی اسم المفعول الّذی [ یتعدّی بحرف الجرّ لا اسم المفعول ] فلا تقول ممروران بهما ولا ممرورون بهم ولا ممرورة بها ونحو ذلک ؛ لانّ القائم مقام الفاعل لفظاً اعنی الجارّ والمجرور من حیث هو هو لیس بمؤنّث ولا مثنّی ولا مجموع.

فلا وجه لتأنیث العامل وتثنیته وجمعه وظاهر کلام صاحب الکشّاف انّ مثل هذا الفاعل یجوز ان یقدّم فیقال : زَیْدٌ بِه ممرور لانّه ذکر فی قوله تعالی : «أُولَ-ئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» (1) انّ عنه فاعل مسؤولا قدّم علیه [ وفعیل قد یجیء بمعنی الفاعل کالرحیم بمعنی الراحم ] مع المبالغة [ وبمعنی المفعول کالقتیل بمعنی المقتول ] وامثلتهما فی التثنیة والجمع والتذکیر

ص: 43


1- الاسراء : ٣٦.

والتأنیث کامثلة اسم الفاعل والمفعول إلّا انّه یستوی لفظ المذکّر والمؤنّث فی الفعیل الذی بمعنی المفعول إذا ذکر الموصوف نحو : رجل قتیل ، وامرأة قتیل بخلاف مررت بقتیل فلان وقتیلة فلانة ، فإنّهما لا یستویان لخوف اللبس هذا فی الثلاثی المجرّد.

[ وامّا ما زاد علی الثلاثة ] ثلاثیّاً کان أو رباعیّاً [ فالضابط فیه ] أی فی بناء اسم الفاعل والمفعول منه والمراد بالضابط الأمر الکلّی الذی ینطبق علی جمیع الجزئیّات [ أن تضع فی مضارعه المیم المضمومة موضع حرف المضارعة وتکسر ما قبل آخره ] أی آخر المضارع [ فی الفاعل ] أی فی اسم الفاعل کما فعلت فی أکثر فعله وهو المبنیّ للفاعل [ وتفتح ما ] قبل الآخر [ فی اسم المفعول ] کما فتحت فعله أعنی المبنیّ للمفعول [ نحو : مُکْرِم ] بالکسر اسم الفاعل [ ومُکرَم ] بالفتح اسم المفعول [ ومُدَحْرِجٌ ومُدَحْرَجٌ ومُتَدَحْرِجٌ ومُتَدَحْرَجٌ ومُسْتَخْرِجٌ ومُسْتَخْرَجٌ ].

وکذا قیاس بواقی الأمثلة إلّا ما شذّ من نحو : اسْهَبَ أی اطْنَبَ واکثر فی الکلام فهو مُسْهَبٌ ، واحصن فهو مُحْصَنٌ ، والْفَجَ أی افْلَسَ فهو مُلفَجٌ بفتح ما قبل الآخر فی الثلاثة اسم فاعل ، وکذا اعْشَبَ المکان فهو عاشب ، وأورس فهو وارسٌ ، وایفع الغلام أی ارتفع فهو یافع ، ولا یقال : معشب ولا مورسٌ ولا موفع.

[ وقد یستوی لفظ ] اسم [ الفاعل و ] اسم [ المفعول فی بعض المواضع کمحابّ ومتحابّ ومختار ومعتدّ ومضطرّ ومنصبّ فی الاسم الفاعل [ ومنصبّ فیه ] فی اسم المفعول ومنجاب أی منقطع ومنکشف فی اسم الفاعل [ ومُنجابٌ عَنْه ] فی المفعول فانّ لفظی اسم الفاعل واسم المفعول فی هذه الامثلة مستویان لسکون ما قبل الآخر بالادغام فی

ص: 44

بعض وبالقلب فی بعض والفرق انّما کان بحرکته فلمّا ازال الحرکة استویا [ ویختلف فی التقدیر ] لانّه یقدّر کسر ما قبل الآخر فی اسم الفاعل وفتحه فی الاسم المفعول ، ویفرق فی الآخرین بانّه یلزم مع اسم المفعول ذکر الجارّ والمجرور لکونهما لازمین بخلاف اسم الفاعل لا یقال لا نسلّم استوائهما فی الآخرین لانّا نقول اسم الفاعل والمفعول فیهما لفظاً مُنْصَبٌّ ومُنْجابٌ ، والجارّ والمجرور شرط لا شطر واذ قد فرغنا من السالم فقد حان أن نشرع فی غیره فنقول قد تبیّن من تعریف السالم انّ غیر السالم ثلاثة وهی : المضاعف والمعتلّ والمهموز والمصنف یذکرها فی ثلاثة فصول مقدّماً المضاعف فانّه وان کان ملحقاً بالمعتلات فناسب ان یذکر عقیبها لکن قدّمه لمشابهة السالم فی قلّة التغییر وکون حروفه حروف الصحیح قائلاً : [ فصل المضاعف ]

فصلٌ فی المضاعف

وهو اسم مفعول من ضاعف ، قال الخلیل : التضعیف ان یزاد علی الشیء مثله فیجعل اثنین أو اکثر وکذلک الاضعاف والمضاعفة [ ویقال له ] أی للمضاعف [ الاصمّ ] لتحقّق الشدّة فیه بواسطة الادغام یقال : حَجَرٌ اصمّ أی صلب ، وکان اهل الجاهلیّة یسمّون رجباً بشهر الله الاصمّ ، قال الخلیل : انّما سمّی بذلک لانّه لا یسمع فیه صوت مستغیث ؛ لانّه من الاشهُر الحُرُم ولا یسمع فیه ایضاً حرکة قتال ولا قعقعة سلاح. ولمّا کان المضاعف فی الثلاثی غیره فی الرباعی لم یجمعهما فی تعریف واحد بل ذکر أوّلاً مضاعف الثلاثی.

وقال : [ هو ] أی المضاعف [ من الثلاثی المجرّد ، والمزید فیه ما کان عینه ولامه من جنس واحد ] یعنی إن کان العین یاء کان اللام ایضاً یاء ، وان کان دالّاً کان ایضاً دالّاً وهکذا [ کَرَدَّ ] فی الثلاثی المجرّد [ واَعَدَّ ] الشیء أی هَیَّأه فی المزید فیه فبیّن کون عینهما ولا مهما من

ص: 45

جنس واحد بقوله : [ فإنّ اصلهما رَدَدَ واَعْدَدَ ] فالعین واللام دالان کما تری فاسکنت الاُولی وادغمت فی الثانیة ، فقوله : المضاعف مبتدأ وهو مبتدأ ثان خبره ما کان ، والجملة خبر المبتدأ الاوّل ، وقوله : من الثلاثی حال ، ویقال له : الاصمّ جملة معترضة.

ویجوز أن یکون فصل المضاعف بالاضافة [ وهو ] اعنی المضاعف [ من الرباعی ] مجرّداً کان أو مزیداً فیه [ ما کان فاؤه ولامه الاولی من جنس واحد وکذلک عینه ولامه الثانیة ] ایضاً من جنس واحد [ ویقال له ] أی للمضاعف من الرباعی [ المطابق ایضاً ] بالفتح اسم مفعول من المطابقة أی الموافقة تقول طابقت بین الشیئین اذا جعلتهما علی حدّ واحد وقد طوبق فیه الفاء واللام الاُولی والعین واللام الثانیة نحو : زَلْزَلَ الشیء [ زَلْزَلَةً وزِلْزالاً ] أی حرّکه ویجوز فی مصدره فتح الفاء وکسرها بخلاف الصحیح فانّه بالکسر لا غیر نحو : دَحْرَجَ دحراجاً.

وقوله أیضاً اشارة الی انّه یسمّی الأصمّ أیضاً ، لأنّه وإن لم یکن فیه إدغام لیتحقّق شدّته لکنّه حمل علی الثلاثی ، ولانّ علّة الإدغام اجتماع المثلین فإذا کان مرتین کان ادعی الی الإدغام لکن لم یدغم لمانع وهو وقوع الفاصلة بین المثلین فکان مثل ما امتنع فیه الإدغام من الثلاثی نحو : مَدَدْن ، فإنّه یسمّی بذلک حملاً علی الاصل ولمّا کان هاهنا مظنّة السؤال وهو انّه لم الحق المضاعف بالمعتلات وجعل من غیر السالم مثلها مع انّ حروفه حروف الصحیح اشار الی جوابه بقوله : [ وانّما الحق المضاعف بالمعتلّات لانّ حروف التضعیف یلحقه الإبدال ] وهو أن تجعل حرفاً موضع حرف آخر ، والحروف الّتی تجعلها موضع آخر حروف انصت یَوْمَ جَدّ طأزلّ ، وکلّ واحد منها یبدل من عدّة حروف لا یلیق بیان ذلک هاهنا وذلک الابدال [ کقولهم : املیت بمعنی املَلْت ] یعنی أنّ

ص: 46

اصله امللت قلبت اللام الاخیرة یاء لثقل اجتماع المثلین مع تعذّر الادغام بسکون الثانی ، وامثال ذلک کثیرة فی الکلام نحو : تَقَضَّی البازی أی تقضّض ، وحَسَیْت بالخیر أی حَسَست به ، وتَلَعّیتُ به أی تلعّعت.

وکذا الرباعی نحو : مهمهت أی معمعت ، ودَهْدَیْت أی دَهْدَهْت ، وصَهْصَیْت أی صهصهت وامثال ذلک [ و ] لانّه یلحقه [ الحذف کقولهم : مِ-َسْتُ وظِ-َلْتُ] بفتح الفاء وکسرها [ واحست أی مسست ، وظللت واحسست ] یعنی إنّ اصل مست مَسِسْت بالکسر فحذفت السین الاُولی لتعذّر الإدغام مع اجتماع المثلین والتخفیف مطلوب واختص الاُولی بالحذف لانّها تدغم ، وقیل : حذفت الثانیة لأنّ الثقل إنّما یحصل عندها وأمّا فتح الفاء فلانّه حذفت السین مع حرکتها فبقی الباقی مفتوحة بحالها وامّا الکسر فلانّه نقل حرکة السین الی المیم بعد اسکانها وحذفت السین فقیل : مِسْتُ بکسر المیم ، وکذلک ظلت بلا فرق واصل احَسْت احْسَست نقلت فتحة السین الی الحاء وحذفت احدی السینین فقیل احست ، وانشد الاخفش :

مِسْنَا السماء فَنِلْناها ودامَ لَنا***حَتّی نَری احَداً یَمشی وَشهلانا

وفی التنزیل : فَظَلْتُمْ تَفَکَّهُونَ (1) ، وروی أبو عبیدة قول أبی زبید : خَلا انَّ الْعِتاقَ من المَطایا اَحَسْنَ به فَهُنَّ الَیْهِ شوسٌ وهذا من الشواذ للتخفیف ، قال فی الصحاح : مِسْتُ الشیء بالکسر امَسهُ بالفتح مَسّاً فهذه اللغة الفصیحة.

وحکی ابو عبیدة : مَسْتُ الشیء بالفتح اَمُسُّه بالضم اَمِسّه بالکسر ، ویقال : ظِلْتُ افْعَل کذا بالکسر ظَلُولاً إذا عملته بالنهار دون اللیل ، واحَسْتُ بالخیر واحْسَسْتُ أی ایْقَنْتُ به ، وربّما قالوا : اَحْسَسْتُ بالخیر وحسیت یبدّلون من السین یاء ، قال ابو زبید : حَسَیْنَ به فَهُنَّ الَیْه شُوسٌ ، فلمّا

ص: 47


1- الواقعة : ٦٥.

الحق الابدال والحذف حرف التّضعیف کما یلحقان حرف العلّة کما سنذکره فی بابه الحق المضاعف بالمتعلّات وجعل من غیر السالم مثلها.

وفیه نظر لأنّ الابدال والحذف کما یلحقان المضاعف یلحقان الصحیح ایضاً ، امّا الحذف ففی نحو : تجنّب وتقاتل وتدحرج کما مرّ ، وامّا الإبدال فاکثر من أن یحصی ، ویمکن أن یجاب بانّهما یلحقان المضاعف فی الحروف الاصلیّة کالمعتلّ بخلاف الصحیح ، فانّهما لا یلحقان الحروف الاصلیّة بل الإبدال یلحقهما دون الحذف وقوله کقولهم امْلَیْتُ رمز خفیّ الی ذلک وکان الأولی ان یقول : لأنّ حرف التضعیف یصیر حرف علّة کما فی املیْتَ اَحْسَیت.

[ والمضاعف یلحقه الإدغام ] وهو فی اللغة الاخفاء والادخال یقال : اَدْغَمْتُ اللجام فی فم الفرس أی ادخلت فی فیهِ ، وادغمت الثوب فی الوعاءِ ، والادغام افعال من عبارات الکوفیّین ، والادغام افتعال من عبارات البصریّین ، وقد ظنّ أنّ الادّغام بالتشدید افتعال غیر متعدّ ، وهو سهو لما قال فی الصحاح : یقال أدغمت الحرف وأدغمته علی افتعلته [ وهو ] أی الادغام فی الاصطلاح [ أن تُسکّنَ ] الحرف [ الاوّل ] من المتجانسین [ وتدرج فی الثانی ] أی فی الحرف الثانی نحو : مدّ ، فإنّ اصله مَدَدَ اسکنت الدال الاُولی ، وادرجتها فی الثانیة ، وإنّما سکِّن الاوّل لیتّصل بالثانی إذ لو حرّک لم یتّصل به لحصول الفاصل وهو الحرکة ، والثانی لا یکون إلّا متحرّکا لانّ الساکن کالمیّت لا یظهر نفسه فکیف یظهر غیره.

[ ویسمّی ] الحرف [ الاوّل ] من المتجانسین إذا ادغمته [ مُدْغَما ] اسم مفعول لادغامک ایّاه [ و ] یسمّی الحرف [ الثانی مدغماً فیه ] لادغامک الاوّل فیه والغرض من الادغام التّخفیف ، فإنّ التلفّظ بالمثلین فی غایة الثّقل حسّا لا یقال انّ قوله ان تسکن الأوّل غیر شامل لنحو : مدٌّ

ص: 48

مصدراً لانّ الاوّل ساکن فلا یسکن لأنّا نقول انّه لمّا ذکر انّ المتحرّک یسکن عند ادغامه علم منه أنّ بقاء الساکن بحاله بالطریق الأولی [ وذلک ] أی الإدغام [ واجب فی ] الماضی والمضارع من الثلاثی المجرّد مطلقاً ومن المزید فیه من الابواب الّتی یذکرها ما لم یتّصل بها الضمائر البارزة المرفوعة المتحرّکة ، فأن اتّصلت ففیه تفصیل یذکر فعبّر عمّا ذکرنا بقوله [ نحو : مَدَّ یَمدُّ وأعدَّ یعدُّ وانْقَدَّ ینقدّ واعْتَدّ یَعْتَدّ ] ولمّا کان هاهنا افعال یجب فیها الإدغام مثل المضاعف وإن لم تکن مضاعفا ذکرها استطراداً بین ذلک لکنّه خلطها وکان الأولی أن یمیّزها.

فقال : [ واسْوَدَّ یَسْوَدُّ ] من باب الاِفْعِلال [ واسْوادّ یَسْوادُّ ] من باب الافعیلال ولیسا من باب المضاعف لانّ عینهما ولامهما لیسا من جنس واحد ، فإنّ عینهما الواو ولامهما الدال [ واسْتَعَدَّ یَسْتَعِدُّ ] مضاعف من باب الاستفعال [ واطْمَاَنَّ یَطْمَئنُّ ] أی سکن اطمیناناً وطُمانینَةً لیس من باب المضاعف ، لانّ عینه المیم ولامه النون وهو من باب الافعللال کالإقشعرار [ وتَمادَّ یَتَمادُّ ] مضاعف من باب التّفاعل فیجب فی هذه الصور الإدغام لاجتماع المثلین مع عدم مانع من الإدغام وکذا إذا لحقها تاء التأنیث نحو : مدَّتْ واعَدَّتْ وانْقَدَّتْ الخ.

[ وکذا هذه الافعال ] الّتی یجب فیها الإدغام إذا بنیتها للفاعل یجب فیها الادغام ایضاً [ اذا بنیتها للمفعول ] ماضیاً کان أو مضارعاً [ نحو : مُدُّ ] والاصل مُدِدَ [ ویُمَدُّ ] والاصل یُمْدَدُ وکذا تُمَدُّ واُمَدُّ ونُمَدُّ و [ کذا نظائره ] أی نظائر : مُدَّ یَمُدُّ کَاُعدَّ یُعَدُّ وانْقُدَّ یُنْقَدُّ فیه ، واعْتُدَّ یُعْتَدُّ بِهِ واسْتُعِدَّ یُسْتَعَدُّ وتُمُودَّ یُتَمادُّ بالتقاء الساکنین علی حدّه وکذا البواقی فهذه هی الابواب الّتی یدخل فیها الإدغام وما بقی فبعضه لم یجیء منه المضاعف وبعضه جاء ولکن لیس للإدغام الیه سبیل نحو : مَدَّدَ یُمَدِّدُ فی التفعیل وتَمَدَّدَ

ص: 49

یَتَمَدَّدُ فی التفعل وذلک لانَّ العین وهو الّذی یدغم متحرک ابداً لإدغام حرف آخر فیه فهو لا یدغم فی حرف آخر لامتناع اسکانه. [ وفی نحو : مدٍّ ] أعنی [ مصدراً ] أی وکذلک الإدغام واجب فی کلّ مصدر مضاعف لم یقع بین حرفی التضعیف حرف فاصل ، ویکون الثانی متحرّکا وعقّب نحو : مدّ بقوله مصدراً دفعاً لتوهّم انّه ماضٍ أو أمر.

وکذلک الإدغام واجب [ إذا اتّصل بالفعل ] المضاعف أو ما شاکله ممّا مرّ [ الف ضمیر أو واوه أو یاؤه ] سواء کان ماضیاً أو مضارعاً أو أمراً مجرّداً أو مزیداً فیه مجهولاً أو معلوماً ، ولذا قال بالفعل ولم یقل بهذه الافعال وذلک لانّ ما قبل هذه الضمائر وهو الثانی من المتجانسین یجب ان یکون متحرّکا لئلّا یلزم التقاء الساکنین وحینئذٍ الاوّل ان کان ساکناً یدرج وإلّا یسکن ویدرج فی الثانی فالالف نحو : [ مُدّا ] بفتح المیم أو ضمّه فعل الاثنین من الماضی أو الامر والواو نحو : مدّوا بفتح المیم أو ضمّه فعل جماعة الذکور من الماضی أو الامر والیاء نحو : [ مُدّی ] بضمّ المیم وهو فعل الامر من المؤنّث من تمدّین ، فإن المحقّقین علی انّ هذا الیاء یاء الضمیر کالف یفعلان وواو یفعلون وخالفهم الأخفش.

وقس علی هذا البواقی من المزید فیه والمضارع وغیر ذلک والضابط   انّه یجب فی کلّ فعل اجتمع فیه متجانسان ولم یقع بینهما فاصل   ویکون الثانی متحرّکاً ، وأمّا نحو قولهم : قطط شعره إذا اشتدّت جعودته وضبب البلد اذا اکثر ضبابها بفکّ الإدغام فشاذّ جیء به لبیان الاصل وضننوا فی قوله :

مَهْلاً اعاذِلُ قَدْ جَرَبْتُ من خُلْقی*** إنّی أجُودُ لأَقْوام وانْ ضَنِنُوا

محمول علی الضرورة والشائع الکثیر ضنّوا أی بخلوا والإدغام [ ممتنع فی ] کلّ فعل اتّصل به الضمیر البارز المرفوع المتحرّک کتاء الخطاب

ص: 50

وتاء المتکلّم ونونه فی الماضی ونون جماعة النساء مطلقا ماضیا کان أو غیره مجرداً أو مزیداً فیه مبنیّاً للفاعل أو المفعول لانّ هذه الضمائر تقتضی ان یکون ما قبلها ساکنا وهو الثانی من المتجانسین فلا یمکن الإدغام.

وعبّر عن جمیع ذلک بقوله [نحو : مَدَدْتُ مَدَدْنا ومَدَدن الی مَدَدْتُنَّ] یعنی : مَدَدْتَ مَدَدْتُما مَدَدْتُم مَدَدْتِ مَدَدْتُما مَدَدْتُنَّ [ویَمْدُدْنَ وتَمْدُدْنَ وامْدُدْنَ ولا تَمْدُدنَ] فهذه امثلة نون جماعة النساء.

والإدغام [ جائز إذا دخل الجازم علی فعل الواحد ] أیّ جازم کان فیجوز عدم الإدغام نظراً الی انّ شرط الإدغام تحرّک الحرف الثانی وهو ساکن هنا فلا یدغم ، ویقال : لم یَمْدُدْ وهو لغة الحجازیّین ، قال الشاعر :

ومَنْ یَکُ ذا فَضْلٍ فَیَبْخَل بِفَضْلِهِ*** عَلی قَوْمِهِ یُسْتَغْنَ عَنْهُ ویُذْمَم

فإنّ قوله : ویذمم مجزوم لکونه عطفاً علی قوله : یستغن وهو جواب الشرط اعنی مَنْ یک.

ویجوز الادغام نظراً الی انّ السکون عارض لا اعتداد به فیحرّک الساکن الثانی ویدغم فیه الاوّل فیقال : لَمْ یُمَدّ بضَمِّ الدال او الکسر أو الفتح لما سیاتی وهو لغة بنی تمیم ، والاوّل هو الاقرب الی القیاس وفی التنزیل : «وَلَا تَمْنُن تَسْتَکْثِرُ» (1) ، فإن قلت : إنّ السکون فی مددت ونحوه ایضاً عارض فلم لا یجوز فیه الإدغام ، قلت : لأنّ هذه الضمائر کجزء من الکلمة ویسکن ما قبلها دلالة علی ذلک فلو حرّک لزال ذلک الغرض ؛ ولانّ الإدغام موقوف علی تحرّک الثانی وهو موقوف علی الإدغام لئلّا یتوالی الحرکات الاربع فیلزم الدور.

وفی هذا نظر إذ تحرّک الثانی لا یتوقف علی الإدغام بل علی اسکان الاوّل وهو جزء الإدغام لا نفسه وانّما قال : علی فعل الواحد لأنّ

ص: 51


1- المدثر : ٦.

الادغام واجب فی فعل الاثنین وفعل جماعة الذکور وفعل الواحدة المخاطبة کما مرّ ، وممتنع فی فعل جماعة النساء فالجائز فی فعل الواحد غائباً کان أو مخاطباً أو متکلّماً ، وکذا فی الواحدة الغائبة ولفظ المصنف لا یشعر بذلک إذ لا یندرج فی فعل الواحد الواحدة ولا یصحّ أن یقال : المراد فعل الشخص الواحد مذکّرا کان أم مؤنّثاً ؛ لأنّه یندرج فیه حینئذٍ فعل الواحدة المخاطبة والإدغام فیه واجب لا جائز اللّهمّ إلّا أن یقال : قد علم حکمه من قبل فهو فی حکم المثنّی ولا یخلُو عن تعسّف فهذا المضارع المجزوم لا یخلو من أن یکون مکسور العین أو مفتوحه أو مضمومه [ فإن کان مکسور العین کیَفِرّ ] أی یهرب [ أو مفتوحه کَیَعَضُّ ] الشیء ویعضّ علیه أی یأخذه بالسنّ [ فتقول : لَمْ یَفِرَِّ ولَمْ یَعَضَِّ بکسر اللام وفتحها ] أمّا الکسر فلأنّ الساکن إذا حرّک حرّک بالکسر لما بین الکسر والسکون من التآخّی ولأنّ الجزم قد جعِل عوضاً عن الجرّ عند تعذّر الجرّ أعنی فی الافعال فکذا جعل الکسر عوضاً عن السکون عند تعذّر السکون.

وامّا الفتح فلکونه أخفّ ولک أن تقول الکسر فی نحو : لم یفرّ لمتابعة العین ، وکذا الفتح فی لم یعضّ [ و ] تقول : [ لم یَفْرِرْ ] ولَمْ یَعْضَضْ بفکّ الإدغام ] کما هو لغة الحجازیّین [ وهکذا حکم یقشعرّ ویحمارّ ویحمرّ ] یعنی تقول : لم یَقْشَعرّ ولم یَحْمرّ ولم یحمارّ بکسر اللام وفتحها کما مرّ ولم یَقْشَعْرِرْ ولم یحمرِرْ ولم یحماررْ بفکّ الإدغام وکسر ما قبل الآخر لانّا نقول الأصل فی یحمرّ ویحمارّ ویقشعرّ یَحْمَرِرُ یَحْمارِرُ یقشَعْرِرُ بکسر ما قبل الآخر فی المضارع ، وفی الماضی مفتوحاً حملاً علی الاخوات نحو : اجتمع یجتمع واستخرج یستخرج ، وقولهم : إرْعَوی یَرْعَوی وإحواوی یحواوی یدلّ علیه. و [ إن کان العین منه ] أی من المضارع [ مضموماً فیجوز ] عند

ص: 52

دخول الجازم علیه [ الحرکات الثلاث ] الضم والفتح والکسر [ مع الإدغام ] ویجوز [ فکّه ] أی فکّ الإدغام [ تقول : لم یَمُدَُِّ بحرکات الدال ] الفتح للخفّة والکسر لأنّه الاصل فی حرکة الساکن والضم لاتباع العین [ و ] تقول : [ لم یمدد بفکّ الادغام ] لما تقدّم.

وهکذا حکم الأمر یعنی أمر المخاطب وإلّا فامر الغائب قد دخل تحت المجزوم یعنی یجوز فی أمر المخاطب إذا کان فعل الواحد ما یجوز فی المضارع المجزوم فلا تنس ما تقدّم من انّه یجب الإدغام إذا اتّصل بالفعل الف الضمیر أو واوه أو یاؤه ویمتنع إذا اتّصل به نون جماعة النساء ، فإن کان مکسور العین أو مفتوحه فتقول : فِرَّ وعَضَّ بکسر اللام وفتحها کما تقدّم ، وافررْ واعْضَضْ بفکّ الإدغام وإن کان مضموم العین فتقول : مُدَُِّ بحرکات الدال الضم والفتح والکسر ، وامدُدْ بفکّ الإدغام لما ذکر فی المضارع وقد رویت الحرکات الثلاث فی قول جریر :

ذُمَِّ الْمَنازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوی*** وَالْعَیْشَ بَعْدَ اُولئِکَ الأیّامِ

والاعرف الأفصح الکسر فی هذه الصورة اعنی التقاء الساکنین ومما جاء بفکّ الادغام قوله :

واَعْدِدْ مِنَ الرَّحْمنِ فَضْلاً ونِعْمَةً***عَلَیْکَ إذا ما جاءَ لِلْخَیْرِ طالِبٌ

والمراد جواز الإدغام وفکّه عندنا وإلّا فالإدغام واجب عند بنی تمیم وممتنع عند الحجازیّین ، قالوا : اذا اتّصل بالمجزوم فی حال الإدغام هاء الضمیر لزم وجه واحد نحو : ردَّها بالفتح وردّه بالضم علی الافصح ، وروی ردّه بالکسر وهو ضعیف.

واعلم : انَّ حکم الثلاثی المزید فیه فی جمیع ما ذکر حکم المجرّد ، وإن لم یذکر المصنّف اکتفاء بالاصل فلیعتبره النّاظر إذ لا یخفی شیء منه علی من اطّلع علی ما ذکرناه [ وتقول فی اسم الفاعل : مادّ ] بالإدغام وجوباً لإجتماع

ص: 53

المثلین مع عدم المانع والتقاء الساکنین علی حدّه والاصل مادِدٌ [ مادّانِ مادّوُنَ مادّة مادّتان مادّاة ومَوادُّ ] وتقول فی اسم [ المفعول : مَمْدُودٌ کمنصور ] من غیر ادغام لحصول الفاصل بین حرفی التّضعیف وهو الواو فهو کالصحیح بعینه وأمّا المزید فیه فاسم الفاعل واسم المفعول منه تابع للمضارع ، فإن کان من الابواب المذکورة یجب وإلّا یمتنع ، وأمّا الرباعی المجرّد فلا مجال للادغام فیه اصلاً ، فهذا أوان أن نشمّر الذیل لتحقیق المعتلّ والمهموز مقدّما للمعتلّ لما له من الأقسام والأبحاث لیس للمهموز فکانّه تحرّک نفس السامع فی طلبه لکونه أکثر بحثاً.

فصلٌ فی المعتلّ

اشارة

[ فصل المعتلّ ] و [ هو ] : اسم فاعل من اعتلّ أی مرض ، ویسمّی هذا القسم معتّلاً لما فیه من الإعلال ، وأمّا فی الإصطلاح فهو [ ما کان أحد اُصوله ] أی أحد حروفه الأصلیة [ حرف علّة ] واحترز بالأصلیة عن نحو : اعشوشب وقاتَلَ ویقنهق وامثالها ، ودخل فیه نحو : قُلْ وبِعْ وامثالها ، ولا یتوهّم خروج اللفیف من هذا التعریف فإنّ اثنین من اُصوله حرفا علّة ؛ لأنّه إذا کان اثنان منها حرفی علّة تصدق علیه أنّ احدها حرف علّة ضرورة.

[ وهی ] أی حروف العلّة [ الواو والالف والیاء ] سمّیت بذلک ؛ لأنّ من شأنها أن یقلب بعضها الی بعض ، وحقیقة العلّة تغییر الشیء عن حاله وعند بعضهم أنّ الهمزة من حروف العلّة ، والجمهور علی خلافه إذ لا یجری فیها ما یجری فی الواو والالف والیاء فی کثیر من الابواب وبذلک خرج المهموز عن حدّ المعتلّ.

[ ویسمّی ] حروف العلّة فی اصطلاحهم [ حروف المدّ واللّین ] اطلق المصنف هذا الکلام إلّا انّ فیه تفصیلاً فلا بأس علینا ان نشیر الیه وهو انّ حرف العلّة إن کانت متحرّکة لا تسمّی حرف المدّ واللّین لانتفائهما فیها

ص: 54

وهذا غیر الالف ، وان کانت ساکنة تسمّی حرف اللین لما فیها من اللین لاتّساع مخرجها ، ولانّها تخرج فی لین من غیر خشونة عن اللّسان وحینئذٍ إن کانت حرکات ما قبلها من جنسها بان یکون ما قبل الواو مضموماً والالف مفتوحاً والیاء مکسوراً تسمّی حروف المدّ ایضاً لما فیها من اللین مع الإمتداد نحو : قال ویقول وباع ویَبیعُ ، وإلّا تسمّی حروف اللین لا المدّ لانتفائه فیها هذا فی الواو والیاء ، وامّا الالف فتکون حرف مدّ أبداً وهما تارة یکونان حرفی علّة فقط ، وتارة حرفی لین ایضاً وتارة حرفی مدَّ ایضاً فحروف العلّة اعمّ منهما وحروف اللین اعمّ من حروف المدّ هذا ، ولکنّهم یطلقون علی هذه الحروف حروف المدّ واللّین مطلقاً ، والمصنف جری علی ذلک ونقل عن المصنّف فی تسمیتها حرف المدّ واللین أنّها تخرج فی لین من غیر کلفة علی اللسان وذلک لاتّساع مخرجها ، فإنّ المخرج إذا اتّسع انتشر الصوت وامتدّ ولان ، وإذا ضاق انضغط فیه الصوت وصَلُبَ [ والالف حینئذٍ ] أی حین إذا کان أحد حروف الاُصول من المعتل [ تکون منقلبة عن واو او یاء ] نحو : قال وباع لانّ حروف الاُصول هی حروف الماضی من المجرّد.

وهی من الثلاثی متحرّکة أبدا فی الاصل والالف ساکنة فلا یکون أصلاً وأمّا الرباعی فلأنّ حروفه الاُصول تکون متحرّکة إلّا الثانی فلا یجوز أن یکون الثانی ألفا لالتباسه بفاعَلَ من الثلاثی المزید فیه ولانّه امتنع کونه أصلاً فی الثلاثی فحمل علیه الرباعی واحترز بقوله حینئذٍ عن الالف فی نحو : قاتَلَ واحْمارّ وتباعَدَ ممّا لیس من حروفه الاُصول ، فإنّها لیست منقبلة بل هی زائدة.

واعلم : أنّ الالف فی الافعال کلّها وفی الاسماء المتمکّنة إمّا ان تکون زائدة أو منقلبة بخلاف الاسماء الغیر المتمکّنة والحروف نحو : مَتی ومَهما وبلی وعلی وما اشبه ذلک ، فإنّها فیها اصلیّة ، واعلم انّ المعتلّ جنس تحته انواع مختلفة الحقائق کمعتلّ الفاء والعین واللام وغیر ذلک ، فأشار الی إنحصار

ص: 55

انواعه بقوله :

انواع المعتلّ

اشارة

[ وانواعه سبعة ] لانّ حرف العلّة فیه إمّا أن تکون متعدّدة أولا فإن لم تکن متعدّدة فإمّا أن تکون فاءً أو عیناً أو لاماً ، فهذه ثلاثة اقسام وإن کانت متعدّدة فإمّا أن یکون اثنین أو اکثر ، فالثانی قسم واحد ، والأوّل إمّا أن یفترقا أو یقترنا فإن افترقا فهذا قسم آخر ، وإن اقترنا فامّا ان یکون فاءً وعیناً أو عیناً ولاماً فهذان قسمان آخران فالمجموع سبعة أبواب.

الأول: المعتلّ الفاء

[ الاوّل ] من الانواع السبعة [ المعتلّ الفاء ] باضافة المعتلّ الی الفاء اضافة لفظیة أی الّذی اعتلّ فاؤه وقدّم ما یکون حرف العلّة فیه غیر متعدّدة لکثرة ابحاثه واستعماله ثمّ قدّم معتلّ الفاء لتقدّم الفاء علی العین واللام وهو ما یکون فاؤه فقط حرف علّة [ ویقال له المثال لمماثلته ] أی لمشابهته [ الصحیح فی احتمال الحرکات ] فی الماضی تقول : وَعَدَ وَعَدا وعَدَوا ، کما تقول ، ضَرَبَ ضَرَبا ضَرَبوا بخلاف الاجوف والناقص ، والفاء امّا یکون واواً أو یاءً اذا الالف لیس باصلیّ ولا یمکن ان یکون فاؤه الفا لسکونه وقدّم بحث الواو لانّ له احکاماً لیست للیاء فقال : [ امّا الواو فتحذف من ] الفعل [ المضارع الّذی یکون علی ] وزن [ یفعِل بکسر العین ] لأنّه لمّا وقع بین الیاء والکسرة ثقل کالضمة بین الکسرتین فحذف ثمّ حملت علیه اخواته أعنی التاء والنون والهمزة [ و ] یحذف ایضاً [ من مصدره ] أی مصدر المعتلّ الفاء [ الّذی ] یکون [ علی ] وزن [ فعلة ] بکسر الفاء [ وتسلم ] الواو [ فی سائر تصاریفه ] أی فی سائر تصاریف المعتلّ الفاء من الماضی واسم الفاعل واسم المفعول [ تقول : وَعَدَ ] بسلامة الواو [ ویعد ] بحذفها لما مرّ [ عدَةَ ] بحذفها لانّها علی وزن فِعْلَة والاصل وعدة فنقلت کسرة الواو الی العین لثقلها علیه مع اعتلال فعلها وحذفت الواو فقیل

ص: 56

عِدَة علی وزن عِلَة وقیل الاصل وِعْدُ حذفت الواو کما مرّ ثمّ زیدت التاء عوضاً منها.

واعلم : أنّ مراد المصنّف بقوله ومن مصدره الّذی علی فِعْلة ان یکون ممّا حذفت الواو من مضارعه لانّ مصدر المعتلّ الفاء اذا لم یکن للحالة لیس علی فِعْلة إلّا فیما یکون المضارع منه علی یَفْعِل بکسر العین بحکم الاستقراء والوجْهة اسم المصدر ویجوز ان یکون الضمیر فی مصدره راجعاً الی المضارع المذکور فالمصدر ان لم یکن مکسور الفاء لم یحذف الواو منه لعدم الثقل کما مثّل له واشار الیه بقوله [ ووعْداً ] وان کان مکسور الفاء لکن لم یحذف الفاء من فِعْلِهِ لا یحذف منه ایضاً نحو : الوِصال ممّا هو مصدر واصَل یُواصِلُ [ فهو واعِدٌ ] فی اسم الفاعل [ وذاک مَوْعُودٌ ] فی اسم المفعول بسلامة الواو [ عِدْ ] فی امر المخاطب بحذف الواو فإن قلت کان علیه ذکر حذفها فی الامر ایضاً قلت انّه فرع لمضارعه.

وقد علمت الحذف فی الأصل فکذا فی الفرع فلا حاجة الی ذکره أو نقول انّ الامر لیست فیه واو فیحذف لانّ المضارع هو تَعِدُ بلا واو فحذفت حرف المضارعة واسکنت آخره فقیل : عِدْ وامّا الجحد والامر باللام والنهی والنفی فهی مضارع نحو : لِیَعِدْ ولا یَعِدْ ولا یَعِدُ ولَمْ یَعِدْ [ وکذلک وَمِقَ ] أی احبَّ [ یَمِقُ مِقَةً ] بسلامتها فی الماضی وحذفها فی المضارع والمصدر وهذا من باب : حَسِبَ یَحْسِبُ ، والاصل یَوْمِقُ وِمْقَةً.

واذا کان الحذف بسبب الیاء والکسرة [ فإذا ازیلت کسرة ما بعدها ] أی ما بعد الواو [ اعیدت الواو المحذوفة ] لزوال علّة حذفها [ نحو : لَمْ یُوعَدْ ] فی المبنیّ للمفعول لانّ ما قبل آخره وهو ما بعد الواو مفتوح ابداً وفیه نظر لانّه ینتفض بنحو : یَطَأُ ویَسَعُ ویَضَعُ.

وامثال ذلک کما سیجیء وبنحو قولهم : لَمْ یَلْدَهُ بسکون اللام وفتح الدال

ص: 57

والاصل لم یَلِده نحو : لم یَعِدْهُ والواو محذوفة اسکنت اللام تشبیهاً له بکَتْف ، فإنّ أصله کِتف بکسر التاء ، فاجتمع الساکنان وهما اللام والدال ففتحوا الدال لالتقاء الساکنین اذ لو حرّک الاوّل لزال الغرض فقد زال کسرة ما بعد الواو فی الصورتین ولم تعد قال الشاعر : عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ ولَیْسَ لَهُ أبٌ*** وذی وَلَد لَمْ یَلْدَهُ أبوانِ ویمکن أن یدفع بالعنایة.

[ وتثبت ] عطف علی قوله فتحذف أی الواو تثبت [ فی یَفْعَل بالفتح ] لعدم ما یقتضی حذفها إذ الفتحة خفیفة [ کَوجِلَ ] بالکسر أی خاف [ یَوْجَلُ ] بالفتح ، وفیه أربع لغات : الاُولی : یوجَل وهو الاصل ، والثانیة : یَیْجَلُ بقلب الواو یاء لانّها اخفّ من الواو ، والثالثة : یا جل بقلب الواو الفاً لانّها اخفّ ، والرابعة : یِیْجَل بکسر حرف المضارعة وقلب الواو یاء لسکونها وانکسار ما قبلها لانّهم یرون الواو بعد الیاء ثقیلاً کالضمة بعد الکسرة فقلبوا الفتحة کسرة لینقلب الواو یاء ، ولیست هذه من لغة بنی أسَدْ.

لأنّهم وإن کانوا یکسرون حرف المضارعة إلّا انّه مختص بغیر الیاء فلا یکسرون الیاء ولا یقولون هو یِعْلَمُ لثقل الکسرة علی الیاء واهل هذه اللغة یکسرون جمیع حروف المضارعة یقولون : هو ییجَلُ ، وانْتَ تیجَلُ ، وانا ایجَلُ ، ونحن نیجَلُ کقول الشاعر :

قعیدَکِ الّا تُسْمِعینی مَلامَةً***ولا تَنْکَای قَرْحَ الفُؤادِ فییجعا

بکسر الیاء والاصل یَوْجِعُ [ إیجَلْ ] أمر من تَوْجَل والاصل إوْجَلْ بکسر الهمزة [ قلبت الواو یاء لسکونها وانکسار ما قبلها ] وهذا قیاس مطّرد لتعسّر النطق بالواو المکسور ما قبلها [ فإن الضم ما قبلها ] أی ما قبل الیاء منقلبة عن الواو فی نحو : إیجَلْ [ عادت الواو ] لزوال علّة القلب اعنی کسرة ما قبل الواو [ وتقول : یا زید إیجَل تلفظ بالواو ] لزوال علّة القلب

ص: 58

وهی الکسرة بسقوط الهمزة فی الدّرج [ وتکتب بالیاء ] لأنّ الأصل فی کلّ کلمة أن یکتب بصورة لفظها بتقدیر الابتداء بها والوقف علیها والابتداء فیه بالیاء نحو : إیجل فتکتب بالیاء ولو کتب فی الکتب التعلیمیّة بالواو فلا بأس به لتوضیحه وتفهیمه للمستفیدین.

[ وتثبت ] الواو [ فی یَفْعُل بالضمّ ] ایضاً لإنتفاء مقتضی الحذف [ کَوَجه ] أی صار شریفاً [ یَوْجُهُ اوجُهْ لا تَوْجُهْ ] نحو : حَسُن یَحْسُنُ احْسُنْ لا یَحْسُنْ وکذا بواقی الامثلة ، ثمّ استشعر اعتراضاً علی قوله : وتثبت فی یَفْعَل بالفتح بأنّ یطأ ویسع .. الخ بالفتح ، وقد حذفت الواو فاجاب بقوله : [ وحذفت الواو من یَطَأُ ویَسَعُ ویَضَعُ ویَقَعُ ویَدَعُ ] أی یترک [ لأنّها فی الاصل یَفْعِل بکسر العین ففتح العین ] بعد حذف الواو [ لحرف الحلق ] فیکون الحذف من یفعِل بالکسر لکن یرد علی المصنّف انّه قال : إذا ازیلت کسرة ما بعد الواو اعیدت الواو ، فإن قلت : کسرة العین مع حرف الحلق کثیر فی الکلام فَلِمَ فتحت ، قلت حاصل الکلام : انّه قد وقعت هذه الافعال محذوفة الواو مفتوحة العین فذکروا ذلک التاویل لئلّا یلزم خرق قاعدتهم وإلّا فمن این لهم بهذا وکذا جمیع العلل ، فإنّها مناسبات تذکر بعد الوقوع وإلّا فعلی تقدیر تسلیم ذلک فی یطأ ویضع یشکل فی مثل یَسَعُ ، فإنّ ماضیه وَسِع بکسر العین کَسَلِم فَلِمَ حُکم بأنّه فی الاصل یَفْعِل مکسور العین وهو شاذّ.

[ وحذفت ایضاً من یذر ] مع أنّه لیس مکسور العین ولیس فتحه لاجل حرف الحلق لکن حذفت [ لکونه فی معنی یدع ] فکما حذفت من یدع حذفت من یذر [ وأماتوا ماضی یَدَعُ وَیَذَرُ ] یعنی لم یسمع من العرب وَدَعَ ولا وَذَرَ ، وسمع یَدَعُ وَیَذَرُ فعلم أنّهم أماتوهما أی ترکوا استعمالهما ، قال فی الصّحاح : قولهم دَعْهُ أی اترکه ، واصله ودع یَدَع ، وقد اُمیت ماضیه لا یقال :

ص: 59

ودَعَهُ ، وإنّما یقال : ترکه ولا وادع ، ولکن یقال : تارک وربما جاء فی الضرورة فی الشعر ودع فهو مودوع قال :

لَیْتَ شعری عن خلیلی مَا الّذی*** غاله فی الحبّ حتّی وَدَعَهُ

وقال ایضاً :

إذا مَا اسْتَحَمَّت أرْضُهُ من سَمائِه*** جری وهُوَ مَوْدوُعٌ ووادعُ مُصْدِقٍ

وذره أی دَعَه وهو یذره أی یَدَعه اصله وَذَرَ یَذَرُ اُمیت ماضیه لا یقال : وذر ولا واذر ، ولکن یقال : ترک وهو تارک انتهی کلامه ، وفی جعل مَوْدوعٍ من ضرورة الشعر بحث ؛ لأنّه جاء فی غیر الضرورة ولمّا کان هاهنا مظنّة سؤال ، وهو أنّه اذا لم یکن ماضیهما ولا فاعلهما ولا مصدرهما مستعملة فما الدلیل علی انّ فاؤهما واو فاجاب بقوله : [ وحذف الفاء دلیل علی أنّه ] أی الفاء [ واو ] إذ لو کان یاء لم یحذف کما سیجیء.

[ وامّا الیاء فتثبت علی کلّ حال ] سواء وقعت فی الماضی أو فی المضارع أو فی الأمر أو غیرها ، وسواء ضمّ ما بعده أو فتح أو کسر فإنّها اخفّ من الواو نحو : [ یَمُنَ یَیْمُنُ ] کحَسُنَ یَحْسُنُ من الیمن وهو البرکة یقال : یَمُن الرجل اذا صار مَیْمونا [ ویَسَرَ یَیْسِرُ ] کضرب یَضرِبُ من المَیْسر وهو قمار العرب بالازلام ، وجاء یَسُرَ یَیْسُرُ بالضمّ فیهما ولکن ینبغی أن یقیّد لفظ الکتاب علی الأوّل لأنّ مثال الضم مذکور [ ویَئِسَ یَیْأَسُ ] کعلم یعلم أی قنط ، وقد جاء یَیْئِسُ بالکسر لکن ینبغی أن یقیّد لفظ الکتاب علی الأوّل ، وقد جاء یأَسُ بحذف الیاء ، ویاس بقلب الیاء الفاً تخفیفاً وهما من الشواذ.

[ وتقول فی أفعل من الیاء ] أی ممّا فاؤه یاء [ أیْسَرَ ] فی الماضی [ یوسر ] فی المضارع [ إیساراً ] بقلب الواو یاء ، ولمّا کانت الواو واقعة بین الیاء والکسرة فی یُوسِرُ مثل یوعد ولم تحذف ، أجاب بأنّه لم تحذف من

ص: 60

یوسر مع مقتضی الحذف بقوله : [ ولا یقال یُسِر لأنّ حذف الواو مع حذف الهمزة ] إذ الأصل یُأیْسِرُ کما تقدّم.

[ إجحاف ] أی إضرار [ بالکلمة ] لتأدّیه الی حذف حرفین ثابتین فی الکلمة وهذا فی بعض النسخ ، والحقّ انّه حاشیة اُلحقت بالمتن ، ویمکن الجواب عنه ایضاً بأنّ الواو لیست واقعة بین الیاء والکسرة بل بین الهمزة والکسرة فی الحقیقة ؛ لأنّ المحذوف فی حکم الثابت ، ولانّ الثقل هاهنا منتفٍ لإنضمام ما قبل الواو [ فهو مُوسِرٌ ] فی اسم الفاعل [ تقلب الیاء منهما ] أی من المضارع واسم الفاعل [ واواً ] إذ الأصل یُیْسِرُ ومُیْسِرٌ ؛ لانّه یائیّ وإنّما قلبت [ لسکونها ] أی لسکون الیاء [ وإنضمام ما قبلها ] وذلک قیاس مطّرد لتعسّر النطق بالیاء الساکنة المضموم ما قبلها بشهادة الذوق والوجدان.

[ وتقول فی إفتعل منهما ] أی من الیائی والواویّ [ اتَّعَدَ ] أی قبل الوَعْد هذا فی الواویّ أصله إوْتَعَدَ قلبت الواو تاءً واُدغمت التاء فی التاء إذ الإدغام یدفع الثقل ولم تقلب یاء علی ما هو مقتضاه لأنّها إن قلبت یاءً أو لم تقلب لزم قلبها تاء فی هذه اللغة ، فالاُولی الإکتفاء بإعلال واحد کذا ذکره ابن الحاجب وفیه نظر ؛ لانّه لو قلبت الواو یاءً لا یجوز  قلب الیاء تاءً لیدغم کما فی الیاء المنقلبة عن الهمزة کما سنذکره فی المهموز وفی بعض النسخ.

[ وفی افتعل منهما تقلبان ] أی الواو والیاء [ تاء وتدغمان ] أی التاءان المنقلبتان عنهما [ فی التاء ] أی فی تاء افتعل [ نحو : اتَّعَدَ ] والأوّل أصحّ روایةً ودرایةً [ یتّعد ] أصله یَوْتَعِد فهو [ مُتّعِدٌ ] أصله موتعد قلبت الواو فیهما تاءً وادغمت فی تاء افتعل حملاً لهما علی الماضی [ واتَّسَرَ یَتَّسِرُ ] إتّساراً [ فهو مُتَّسِرٌ ] هذا فی الیائی والاصل ایتَسَرَ یَیْتَسِرُ فهو

ص: 61

مُیْتَسِرٌ قلبت الیاء تاءً واُدغمت لاهتمامهم بالإدغام لأنّه یصیّر حرفین کحرف واحد ولمّا جاء فی افتعل منهما لغة اُخری من غیر إدغام أشار الیها بقوله : [ ویقال ایتَعَدَ ] بقلب الواو یاء لسکونها وانکسار ما قبلها فإن زالت کسرة ما قبلها لم یجز قلب الواو یاء نحو : اوتعد ولهذا حمل جار الله العلّامة قول الشاعر :

قامَتْ بها تَنْشُدُ کُلَّ المنشَدِ***وایتصَلَتْ بِمِثْل ضَوْء الْفرقَدِ

علی أنّ الیاء بدل من التاء فی اتّصلت ، ولم یجعله بدلاً من الواو ولکن یلزم علی أهل هذه اللغة ان یقولوا : واوتَعَد واوتَصَلَ بإثبات الواو إذ لا علّة للقلب اللّهمّ إلّا ان یقال لکراهتهم اجتماع الواوین ، وحینئذٍ یمکن حمل البیت علیه لکن ذلک موقوف علی النقل منهم [ یاتَعِدُ ] بقلب الواو الفاً لأنّه وجب قلبه کما فی الماضی ولم یمکن القلب بالیاء لثقلها فقلبت الفاً لخفّتها [ فهو موتَعِدٌ ] علی الأصل إن کان من یوتعد ، وإن کان من یاتَعِدُ قلبت الالف واواً لانضمام ما قبلها ، وذلک قیاس مطّرد [ وایتسَرَ ] علی الأصل [ یاتَسِرُ ] بقلب الیاء الفاً تخفیفاً لثقل اجتماع الیائین [ فهو موتسر ] بقلب الیاء واواً إن کان من یَیْتَسِرُ علی الأصل وقلب الالف واواً إن کان من یاتَسِرُ [ وهذا مکان مُوتَسَرٌ فیه ] أی فی اسم المفعول کما فی اسم الفاعل وعبّر عنه بهذه العبارة ؛ لأنّ الإیتسار لازم فیجب تعدیته بحرف الجرّ لیبنی منه اسم المفعول فعدّاه بفی وقال : ذلک أی هذا مکان یلعب فیه بالقمار.

[ وحکم وَدَّ یَوَدّ کحکم عَضَّ یَعَضُّ ] یعنی أنَّ المعتل الفاء من المضاعف حکمه کحکم المضاعف من غیر المعتل فی وجوب الإدغام وامتناعه وجوازه وسائر الأحکام من الإعلال [ وتقول ] فی الأمر [ ایدَدْ

ص: 62

کاعْضَضْ ] والأصل إوْدَد ، ویجوز وَدَّ بالفتح والکسر کعضّ وذکر ایدَدْ لما فیه من الإعلال واعلم أنّ المضاعف المعتلّ الفاء الواوی لا یکون مضارعه إلا مفتوح العین لکون ماضیه علی فَعِل مکسور العین نحو : وَدِدَ إذ لم یبن منه مفتوح لانّه لو بنی منه ذلک لکان عین المضارع امّا مضمُوماً أو مکسوراً وکلاهما لا یجوزان أمّا الضم فلأنّه منتفٍ من المثال الواوی قطعاً إلّا ما جاء فی لغة بنی عامر من : وَجُدَ یَجُدُ بالضم وهو ضعیف والصحیح الکسر وأمّا الکسر فلأنّه لو بنی مکسور العین یجب حذف الواو والإدغام لئلّا ینحزم القاعدة وحینئذٍ یلزم تغییران وتغییر الکلمة عن وضعها جدّا.

الثّانی: المعتلّ العین

النوع [ الثانی ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ العین ] وهو ما یکون عین فعله حرف علّة وقدّمه لتقدّم العین علی اللّام [ ویقال له الأجوف ] لخلوّ ما هو کالجوف له من الصحّة [ و ] یقال له [ ذو الثلاثة ] ایضاً [ لکون ماضیه علی ثلاثة أحرف إذا اخبرت ] انت [ عن نفسک ] نحو : قُلْتُ وبِعْتُ لما نذکر ، فإنّه وإن کان جملة لکن یسمّیه أهل التّصریف فعل الماضی للمتکلّم.

[ فالمجرّد ] الثلاثی[ تقلب عینه فی الماضی ] المبنیّ للفاعل [ الفاً سواءٌ کان واواً أو یاءً لتحرّکهما وانفتاح ما قبلهما نحو : صانَ وباعَ ] والأصل صَوَنَ وبَیَعَ قلبت الواو والیاء الفاً لأنّ کلّاً منهما کحرکتین لانّ الحرکات ابعاض هذه الحروف ولمّا کانتا متحرّکتین وکان ما قبلهما مفتوحاً کان ذلک مثل أربع حرکات متوالیة وهو ثقیل فقلبوهما باخفّ الحروف وهو الالف وهذا قیاس مطّرد ، والعلّة حاصلها دفع الثقل وعلمنا به بالاستقراء ونحو : صَیَدَ البعیر وقَوَدَ من الشّواذ تنبیهاً علی الأصل وکذا

ص: 63

مصدرهما نحو : القود وهو القصاص والصَّید یقال : صَیَدَ إذا مال الی جانب خلفه.

فإن قلت : إنّ لَیْسَ أصله لَیِسَ بالکسر فَلِمَ لم یقلب الیاء الفاً قلت : لأنّه لمّا لم یکن من الافعال المتصرّفة الّتی یجیء لها الماضی والمضارع وغیرها ولم یجیء منه إلّا اربعة عشر بناءً للماضی وکان الکسر ثقیلاً نقلوها الی حال لا یکون للافعال المتصرّفة وهو اسکان العین لیکون علی لفظ الحرف نحو : لیت.

[ فإن اتّصل به ] أی بالماضی المجرّد المبنی للفاعل [ ضمیر المتکلّم ] مطلقاً [ أو ] ضمیر [ المخاطب ] مطلقاً أو ضمیر [ جمع المؤنّث الغائبة نقل فعل ] مفتوح العین [ من الواویّ الی فَعُلَ ] مضموم العین ونقل فَعَل مفتوح العین [ من الیائی الی فَعِلَ ] مکسور العین [ دلالة علیهما ] أی لیدلّ الضم علی الواو والکسر علی الیاء لأنّهما تحذفان کما سیقرّر فی الامثلة.

[ ولم یغیّر فَعُل ] بضمّ العین [ ولا فَعِلَ ] بکسر العین [ إذا کانا اصلیّین ] وفی بعض النسخ اذا کانا اصلیین یعنی أنّ نحو : طَوُل بضمّ العین وهَیِبَ وخَوِفَ بکسر العین لم ینقل الی باب آخر لانّک تنقل مفتوح العین الیهما فیلزمک ابقائهما بطریق أولی للدلالة علی الواو والیاء فعلی هذا لا فائدة فی قوله إذا کان اصلیّین لأنّ فعل وفعل منقولین هاهنا کالأصلیّین فلم یغیّرا عن حالهما لأنَّه إن أراد بعدم التغییر عدم النقل الی باب آخر فهما کذلک وإن أراد أنّهما لم یغیّر عن حالهما أصلاً فهو ممنوع لأنّه ینقل الضمة والکسرة ویحذف العین کما أشار الیه بقوله : [ ونقلت الضمة ] من الواو [ والکسرة ] من الیاء [ الی الفاء وحذفت العین أی الیاء ] والواو [ لالتقاء الساکنین ] فکیف یحکم بعدم التّغییر فلا حاجة

ص: 64

الی التّقیید بالأصلی وقیل : احترز عن غیر الاصلیّین لانّهما یُغَیَّران یعنی یرجعان الی أصلهما عند زوال الضمیر المذکور بخلاف الأصلیّین فإنّه لیس لهما أصل آخر ینقلان الیه.

وفساده یظهر بأدنی تأمّل فی سیاق الکلام وغیّر بعضهم هذا اللّفظ الی إذ کانا لیکون للتّعلیل ولیس بشیء وقد سنخ لی أنّ هذا لیس بقید اُحْترز به عن شیء لکنّه لمّا ذکر إنّ فعل الأصلیّ تغیّر أراد أن یبیّن أنّ فَعُلَ وفَعِلَ الأصلیّین لا یغیّران فالتّقیید به لازم لأنّه المقصود دون الإحتراز فلیتأمّل اذا تقرّر ما ذکرنا [ فتقول : صانَ صانا صانوا صانَتْ صانَتا صُنَّ ] والأصل صَوَنَّ نقل فَعَلَ الواویّ الی فَعُلَ مضموم العین لاتّصال ضمیر جمع المؤنّث ونقلت ضمّة الواو الی ما قبله بعد اسکانه تخفیفاً فحذف الواو لالتقاء الساکنین فصار صُنَّ وکذلک بعینه [ صُنْتَ صُنْتُما صُنْتُمْ صُنْتِ صُنْتُما صُنْتُنَّ صُنْتُ صنّا وتقول ] فی الیائی [ باع باعا باعوا باعَتْ باعَتا بِعْنَ بِعْتَ بِعْتُما بِعْتُمْ بِعْتِ بِعْتُما بِعْتُنَّ بِعْتُ بِعْنا ] والأصل بَیَعْنَ وبَیَعْتَ وبَیَعتُما وبَیَعْتُمْ .. الخ.

نقل فعل مفتوح العین یائیّ الی فَعِل مکسور العین ونقلت الکسرة الی الفاء وحذفت الیاء لالتقاء الساکنین ، وانتظم فی هذا السلک امثال ذلک ممّا هو مفتوح العین بخلاف نحو : خافَ وهابَ وطالَ فإنّه لا نقل فیها الی باب آخر تقول : خِفْتَ والاصل خَوِفْتَ وهِبْتَ والاصل هَیِبْتَ وطُلْتَ والاصل طَوُلْتَ فاُعِلّت بنقل حرکة العین ثمّ حذفت ، واعلم أنّ مذهب حدیث النقل هو مذهب الاکثرین ولبعض المتاخّرین هاهنا کلام آخر یطلب من کتبهم.

[ وإذا بنیته ] أی الماضی من المجرّد [ للمفعول کسرت الفا من الجمیع ] أی من مفتوح العین ومضمومه ومکسوره واویّا کان أو یائیاً

ص: 65

[ فقلت صینَ ] فی الواویّ [ واعتلاله بالنقل والقلب ] لانّ اصله صُوِنَ فنقل حرکة الواو الی ما قبله بعد اسکانه ثم قلبت الواو یاء لسکونها وانکسار ما قبلها وانّما لم یذکر حذف حرکة الفاء لانّه لازم لنقل الحرکة الیه فعلم بالالتزام.

[ وبیع ] هذا فی الیائی [ واعتلاله بالنقل ] لانّ اصله بُیِعَ نقلت کسرة الیاء الی ما قبله بعد حذف ضمّته فهذه هی اللغة المشهورة وفیه لغتان ایضاً أخریان احداهما : صُونَ وبُوعَ بالواو بحذف حرکة العین وقلب الیاء واواً لسکونها وانضمام ما قبلها وهذه عکس اللغة الاُولی ، والاُخری الإشمام لدلالته علی أنّ الأصل فی هذا الباب الضمّ وحقیقة الاشمام ان تنحو بکسرة فاء الفعل نحو الضّمّة فتمیل الیاء الساکنة بعدها نحو الواو قلیلاً إذ هی تابعة لحرکة ما قبلها ، وهذا مراد النّحاة والقرّاء لا ضمّ الشفتین فقط مَعَ کسرة الفاء کسراً خالصاً کما فی الوقف ولا الإتیان بضمّة خالصة بعدها یاء ساکنة کما قیل : لأنّه هاهنا حرکة بین حرکتین الضّمّ والکسر بعدها حرف بین الواو والیاء.

[ وتقول فی المضارع : یَصُون ] من الواوی [ ویبیع ] من الیائی [ وإعتلالهما بالنقل ] أی بنقل ضمّة الواو وکسرة الیاء الی ما قبلهما إذ الأصل : یَصُونُ ویَبیع کینصُر ویَضْرِبُ [ ویَخاف ] من الواوی [ ویَهابُ ] من الیائی [ واعتلالهما بالنقل والقلب ] امّا النقل فهو نقل حرکتی الواو والیاء الی ما قبلهما فإنّ الأصل : یَخْوَفُ ویَهْیَبُ کیعلم ، وأمّا القلب فهو قلب الواو والیاء الفاً لتحرّکهما فی الأصل وانفتاح ما قبلهما حملاً للمضارع علی الماضی.

وإنّما مثّل بأربعة أمثلة لأنّه امّا : واویّ أو یائیّ ، والواوی : إمّا مفتوح العین أو مضمومه ، والیائیّ : إمّا مفتوح العین أو مکسوره واعتلال المبنیّ

ص: 66

للمفعول من الجمیع بالنّقل والقلب ، نحو : یُصانُ ویُباعُ ویُخافُ ویُهابُ.

[ ویدخل الجازم ] علی الفعل المضارع [ فیسقط العین ] أی عین الفعل وهو الواو والیاء والالف [ إذا سکن ما بعده ] أی ما بعد العین لالتقاء السّاکنین کما تبیّن فی الأمثلة [ وتثبت ] العین [ إذا تحرّک ] ما بعده بحرکة أصلیّة أو مشابهة لها لعدم علّة الحذف [ وتقول ] عند دخوله فی یصُونُ [ لم یَصُنْ ] بحذف حرکة الواو ثمّ حذف الواو لالتقاء الساکنین [ لم یَصُونا لم یَصُونُوا ] بالإثبات فیهما لتحرّک ما بعده [ لم تَصُنْ ] بالحذف [ لَم تَصُونا ] بالإثبات [ لَمْ یَصُنَّ ] کما تقول یَصُنَّ لانّ الجازم لا عمل له فیه والواو قد حذفت عند اتّصال النون لالتقاء الساکنین [ لم تَصُنْ لَمْ تَصُونا لَمْ تَصُونُوا لَمْ تَصُونی لم تَصُونا لَمْ تَصُنَّ لَمْ اَصُنْ لَمْ نَصُنْ وکذا قیاس ] کلّ ما کان عینه یاء أو الفاً ، نحو : [ لَمْ یَبِعْ ] بالحذف لسکون ما بعده [ لَمْ یَبیعا ] بالإثبات لتحرّکه [ ولَمْ یَخَفْ ] بالحذف [ لم یَخافا ] بالإثبات والضّابط أنّ المحذوف إن کان النون فلا یحذف العین وإلّا یحذف.

[ وقس علیه ] أی علی المضارع الداخل علیه الجازم [ الأمر ] بأن یحذف العین إذا سکن ما بعده [ نحو : صُنْ ] وتثبت إذا تحرّک ما بعده نحو : [ صُونا صُونُوا صُونی صونا ] وأمّا جمع المؤنث [ نحو : صُنَّ ] فقد حذف عینه فی المضارع [ و ] الأمر [ بالتاکید ] أی مع نون التاکید [ صُونَنَّ صُونانِّ صُونُنَّ صونِنَّ صُونانِّ ] بإعادة العین المحذوفة لزوال علّة الحذف لتحرّک ما بعده لما تقدّم من انّه یفتح آخر الفعل ویضمّ ویکسر دفعاً لإلتقاء الساکنین وأمّا جمع المؤنّث ، نحو : [ صُنْنانِّ ] فحذف عینه لازم قطعاً [ و ] نحو : [ بِع ] بحذف الیاء [ بیعا بیعُوا بیعی بیعا ] بالإثبات [ بِعْنَ ] بالحذف کما مرّ ، ونحو : [ خَفْ ] بحذف الألف [ خافا خافوا خافی خافا ]

ص: 67

بالإثبات [ خَفْنَ ] بالحذف کما تقدّم [ وبالتاکید بیعَنّ وخافَنَّ ] کصُوننَّ باعادة العین لزوال علّة الحذف.

وکذا تقول فی الخفیفة : صونَنْ وبیعَنْ وخافَنْ .. الخ ، بلا فرق ولم یعد العین فی ، نحو : صُنِ الشیءَ ، وبِعِ الفَرَس ، وخَفِ القَوْمَ ؛ لأنّ الحرَکات عارضةً لا اعتداد بها فوجودها کعدمها بخلاف الحرکة ، فی نحو : صُونا وصُونُوا وصونی وصُونَنَّ وأمثالها ، فإنّها کالأصلیّة لاتّصال ما بعدها بالکلمة اتّصال الجزء بالکلّ ، أمّا فی نحو : صُونا فلانّ ضمیر الفاعل المتّصل کالجزء ، وأمّا فی نحو : صُوننّ فلانّ نون التاکید مع ضمیر المستتر کالمتّصل.

وتحقیق هذا الکلام : إنّا نشبه ضمیر الفاعل المتصل ونون التاکید مع المستتر بجزءٍ من الکلمة فی امتناع وقوع الفاصل بینهما أصلاً ، فنشبّه الحرکة الواقعة قبلهما بحرکة أصل الکلمة حتّی کان المجموع کلمة واحدة ، ثمّ نستعیر أحکام الحرکة الأصلیّة لهذه الحرکة العارضة فتثبت معها العین مثله مع الحرکة الأصلیّة ، وهذا إنّما یکون إذا لم یکن الحرف الّتی قبل ضمیر الفاعل موضوعة علی السّکون کتاء التّأنیث فی الفعل نحو : دَعَتْ دَعَتا دون دعاتا ، فلیتامّل.

فان قلت : فلم لم یعد المحذوف فی نحو : لا تخشونّ وارضونّ وأمثال ذلک ، ولم یقل : لا تخشاونّ وارضاونّ مع أنّ هاهنا ایضاً نون التاکید کجزء من الکلمة ، قلت : لأنّ کون نون التاکید کجزء من الکلمة إنّما هو مع غیر الضمیر البارز ، والضمیر فی نحو : لا تخشونّ وارْضَوُنَّ بارز ، وهو الواو بخلاف نحو : بیعَنَّ وخافَنَّ ، والسّرّ فی ذلک أنّ الأصل فیه أن یکون کالجزء لأنّه حرف التصق به لفظاً ومعنیً فأشبهت ضمیر الفاعل المتّصل ، وهذا إنّما یتحقّق فی غیر البارز إذ لا فاصل بینهما بخلاف البارز ، فإنّه فاصل بین الفعل والنون فلا یتحقّق الاتّحاد اللّفظی ولا یشبه ضمیر الفاعل المتّصل.

ص: 68

هذا ما اظنّ وهاهنا فائدة لا بدّ من التنبیه علیها ، وهی : إنّ المراد بالمتّصل فی هذا المقام الالف الّذی هو ضمیر الاثنین دون واو الضمیر ویاؤه وإلّا یجب أن لا یجوز فی اُغْزُوا اُغْزُنَّ بدون إعادة اللام لانّه لا یعاد عند المتّصل الّذی هو الواو وکذا فی نحو : إغْزی بالکسر اغْزِنَّ بدون اعادة اللام وهو ظاهر.

[ ومزید الثلاثی لا یعتلّ منه إلّا أربعة أبنیة ] اعلم أنّ زیادة جاءت متعدّیة وغیرها یقال زاد الشیء وزاد غیره وما وقع فی الإصطلاح غیر متعدٍّ لأنّهم یقولون للحرف الزائد دون المزید فالمزید عندهم إن کان مع فی فهو اسم المفعول وإلّا فیحتمل ان یکون اسم المفعول علی تقدیر حذف حرف الجرّ أی المزید فیه ویحتمل أن یکون اسم مکان علی معنی موضع الزیادة فمعنی مزید الثلاثی المزید فیه من الثلاثی أو محلّ الزیادة منه ویحتمل أن یکون الاضافة بمعنی اللام.

فالمراد أنّ الثلاثی المزید فیه المعتلّ العین لا یعتلّ منه إلّا أربعة أبنیة [ وهی ] افعل نحو : [ اجابَ یُجیبُ ] والأصل : اجْوَبَ یُجْوِبُ نقلت حرکة الواو منهما الی ما قبلهما ، وقلبت فی الماضی الفاً لتحرّکها فی الأصل وانفتاح ما قبلها ، وفی المضارع یاء لسکونها وانکسار ما قبلها [ إجابَةً ] أصلها إجْواباً نقلت حرکة الواو وقلبت الفاً کما فی الفعل ثمّ حذفت الألف لالتقاء الساکنین فعوّضَت عنها تاء فی الآخر.

وقد یحذف نحو قوله تعالی : «أَقَامَ الصَّلَاةَ» (1) والمحذوف ألف إفعال لا عین الفعل عند الخلیل وسیبویه والوزن افعلة ، وعین الفعل عند الأخفش والوزن إفالة ، ولکلّ مناسبات تطلّع علیها فی مَصُون ومَبیعٍ ، وکلام صاحب المفتاح وصاحب المفصّل صریح فی أنّ المحذوف العین ، وإنّما فعلوا هذا

ص: 69


1- البقرة : ١٧٧ ، التوبة : ١٨.

الإعلال حملاً له علی المجرّد ولذا لم یعلّوا نحو أعْوَرَ وأسْوَدَ من الألوان والعیوب کما لم یعلّوا ، نحو : إعورّ وإسودّ ؛ لأنّهم یقولُون الأصل فی الألوان والعیوب إفعلّ وإفعالّ بدلیل إختصاصهما بهما والبواقی محذوفات منهما فلا یعلّ کما لا یعلّ الأصل وهذا عکس سائر الابواب ومنهم من لا یلمح الأصل فیعلّ ، ویقول : أعار وأسادَ وهو قلیل ، قال الشاعر :

أعارَتْ عَیْنُهُ ام لم تعارا

ونحو : أغیلت وأخیلت وأغیمت وأطیبت وأحوش وأطولت وأحول من الشواذ جییء بها تنبیهاً علی الأصل وکذا سائر تصاریفها وجاء فی هذه الأفعال الإعلال والأوّل هو الفصیح وعلیه قول إمرئ القیس :

فَمِثْلِکِ حُبْلی قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ*** فَاَلْهَیْتُها عن ذی تمائم مُحْوِلٍ

وروی الأصمعی : مغیل [ و ] إستفعل نحو : [ إستقام یستقیم إسْتِقامَةً ] کأجاب یجیب إجابةً بعینها ، نحو : إستحوز وإستصوب وإستَجْوَبَ وإسْتَنْوَقَ الْجَمَلُ من الشواذ تنبیهاً علی الأصل ، قال أبو زید : هذا الباب کلّه یجوز أن یتکلّم به علی الأصل کذا فی الصّحاح.

[ و ] انفعل نحو : [ إنقادَ یَنْقاد ] والأصل : إنْقَوَدَ یَنْقَوِدُ [ إنْقیاداً ] والاصل إنْقواداً قلبت الواو یاء لإنکسار ما قبلها مع إعلال الفعل ، وکذا کلّ مصدر أعلّ فعله نحو : قامَ یَقُومُ قِیاماً ، والأصل قِواماً ، وقَوْلهم : حال یحول حولاً شاذّ کذا ذکروه وفیه نظر ؛ لانّه اسم مصدر کما مرّ ، ولم ینقل حرکة الواو الی ما قبلها حتّی تقلب الفاً کما فی إقامة ، لانّ ذلک فرع الفعل فی الإعلال ولا نقل فی فعله ولئلّا یلتبس بمصدر أفعل.

[ و ] إفتعل نحو : [ إختار یختار ] والأصل : إخْتَیَرَ یَخْتَیِرُ [ إختیاراً ] علی الأصل لعدم موجب الإعلال وإن کان واویّا تقلب الواو فی المصدر یاء کما ذکرنا فی الانقیاد ، ولم یعلّوا نحو : إجتورُوا وإحتوشوا لانّهما بمعنی

ص: 70

تفاعلوا فحمل علیه.

[ وإذا بنیتها للمفعول ] أی هذه الأربعة [ قلت : اُجیب یُجابُ ] والأصل : اُجْوِبَ یُجْوبُ نقلت حرکة الواو الی ما قبلها وقلبت فی الماضی یاء کما فی یُجیبُ ، وفی المضارع ألفاً کما فی أجاب [ وَاسْتُقیم یُسْتَقامُ ] والأصل : اُستُقْوِمَ یُستَقْوَمُ فنقلت وقلبت الواو یاءً فی الماضی ، وفی المضارع الفاً و [ انقیدَ ] أصله اُنْقُوِدَ نقلت حرکة الواو الی ما قبلها وقلبت یاء کما فی صین [ یُنْقادُ ] أصله یُنْقَوَدُ قلبت الواو الفاً.

[ واختیرَ ] اصله اُخْتُیرَ نقلت کسرة الیاء الی ما قبلها کما فی بیع [ یُخْتارُ ] أصله یُخْتَیِرُ ویجوز فیها الیاء والواو والإشمام کما فی صینَ وبیع لانّهما مثلهما فی ضمّ ما قبل حرف العلّة فی الأصل بخلاف اُجیبَ واسْتُقیمَ ، فانّه ساکن فلا وجه للواو والإشمام والإنقیاد لازم فلا بدّ من تعدیته بحرف الجرّ لیبنی منه المفعول ، نحو : اُنقید له فهو محذوف ، فهذه الأربعة مثل المجرّد فی الإعلال فأجری علیها أحکامه من حذف العین عند إتّصال الضّمیر المرفوعة المتحرّکة وعند دخول الجازم إذا سکن ما بعده ونحو ذلک.

[ والأمر منها ] أی من هذه الأربعة [ أجِبْ ] من تجوب والأصل أجْوِبْ أعلّ إعلال تُجیبُ ، وقس علی ذلک البواقی ، وإن شئت قلت : انّه مشتقّ من تجیبُ بعد الإعلال ، وحذفت العین لسکون ما بعدها کما فی بِعْ ، وأثبت فی [ أجیبا ] کما فی بیعا [ واسْتَقِم إسْتَقیما ، وانْقَدْ إنْقادا ، واخْتَرْ إختارا ] کذلک والضابط ما ذکرنا من أنّه یحذف إذا سکن ما بعده ، ویسکن إذا تحرّک بحرکة أصلیّة أو مشابهة لها نحو : أجیبا وأجیبَنَّ بخلاف نحو : اَجِبِ القوم ، واسْتَقِمِ الْاَمْرَ ، فتذَکّر لما تقدّم إذ لا حاجة الی إعادته فمن لم یستضیء بمصباح ، لم یستضیء بإصباح [ ویصحّ ] أی

ص: 71

لا یعلّ جمیع ما هو غیر هذه الاربعة [ نحو : قَوَّلَ وقاوَلَ وتَقَوَّلَ وتَقاوَلَ وزَیَّنَ وتَزَیَّنَ وسایَرَ وتَسایَرَ واسْوَدَّ واسْوادَّ وابْیَضَّ وابْیاضَّ وکذا ] یصحّ [ سائر تصاریفها ] أی جمیع تصاریف هذه المذکورات من المضارع والامر واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر وغیر ذلک ، فصرّف جمیعها تصریف الصّحیح بعینه لعدم علّة الإعلال ، وکون العین فی هذه الامثلة فی غایة الخفّة لسکون ما قبلها.

فإن قلت : ما قبل العین فی أفعل وإستفعل أیضاً ساکن ، وقد أعلّا حملاً للمجرّد فلم لم یعلّ هذه أیضاً حملاً علیه ، قلت : لأنّه لا مانع من الإعلال فیهما لأنّ ما قبل العین یقبل نقل الحرکة الیه بخلاف هذه لانّه لا یقبله ، أمّا الألف فظاهر ، وأمّا الواو والیاء فلانّه یؤدّی الی الإلتباس فتدبّر.

واعلم : أنّ المبنیّ للمفعول من قاوَلَ قووِلَ ، ومن تَقاوَلَ تُقُوِولَ بلا إدغام لئلّا یلتبس بالمبنیّ للمفعول من قُوِّلَ وتُقوِّل ، وکذا سُویرَ وتُسویرَ بلا قلب الواو یاء لئلّا یلتبس بنحو : زُیِّنَ وتُزُیِّنَ.

[ واسم الفاعل من الثلاثی المجرّد یعتلّ عینه بالهمزة ] سواء کان واویّاً او یائیّاً [ کصائن وبائع ] والأصل : صاون وبایع قلبت الواو والیاء همزة لانّ الهمزة فی هذا المقام اخفّ منهما هکذا قال بعضهم ، والحقّ انّهما قلبتا الفاً کما فی الفعل ، ثمّ قلبت الألف المنقلبة همزة ولم یحذف لإلتقاء السّاکنین إذ الحذف یؤدّی الی الإلتباس ، واختصّ الهمزة لقربها من الالف وإنّما کان الحقّ هذا لأنّ الإعلال فیه إنّما هو لحمله علی الفعل فالمناسب أن یعلّ مثله ، ویشهد بذلک صحّة : عاوِر وصایِد بدون القلب.

ورجّحَ الاوّل لقلّة الإعلال ، ووقع فی المفصّل فی بحث الإبدال : إنّ

ص: 72

الهمزة منقلبة عن الالف المنقلبة ، وفی بحث الإعلال : إنّها منقلبة عن الواو والیاء ، فکأنّه قصّر المسافة فی بحث الإعلال لما علم ذلک من بحث الإبدال ، ولفظ المصنف یصحّ أن یُحمل علی کلّ من الوجهین ، ویکتب الهمزة بصورة الیاء لأنّ الهمزة المتحرّکة الساکن ما قبلها تکتب بحرف حرکتها ، وقد جاء فی الشّواذ حذف هذه الألف دون قلبها همزة ، کقولهم : شاک ، والاصل : شاوک قلبت الواو الفاً وحذفت الالف ووزنه ، قال : ولیس المحذوف الف فاعل ؛ لانّ حروف العلّة کثیراً ما تحذف بخلاف العلامة.

قال صاحب الکشّاف : فی قوله تعالی : «شَفَا جُرُفٍ هَارٍ» (1) وزنه فعل قصّر عن فاعل ، ونظیره شاک فی شاوک وألفه لیست بالف فاعل وإنّما هو عینه وأصله هور وشوک ، وقال فی المفصّل : وربّما یحذف العین فیقال شاک والصواب هذا.

ومنهم من یقلب أی یضع العین موضع اللام ، واللام موضع العین ویقول : شاکِوٌ ، ثمّ یعلّه إعلال قاض ٍوجاءٍ کما یذکر ویقول : الشاکی ووزنه فالع ، فعلی هذا تقول : جاءنی شاک ، ومررت بشاکٍ بالکسر وحذف الیاء فیهما ، ورأیت شاکیا باثبات الیاء لخفّة الفتحة ، وعلی الحذف تقول جاءنی شاک ، ورأیت شاکاً ، ومررت بشاک بالکسر.

[ و ] اسم الفاعل [ من ] الثلاثی [ المزید فیه یعتلّ بما أعتلّ به المضارع کمجیب ] والأصل مُجوِب [ ومُسْتَقیمٌ ] والأصل مُسْتَقْوِمٌ [ ومُنْقادٌ ] والأصل منقود [ ومختار ] والأصل مختیر ، وإن لم یکن من الأبنیة الأربعة لا یعتلّ کما تقدّم [ واسم المفعول من الثلاثی المجرّد یعتلّ بالنقل والحذف : کمصون ومبیع ، والمحذوف واو مفعول عند سیبویه ] لأنّها زائدة والزائد بالحذف أولی ، والأصل : مَصْوُونٌ ومَبْیُوعٌ نقلت حَرَکة

ص: 73


1- التوبة : ١٠٩.

العین الی ما قبلها فحذفت واو المفعول لإلتقاء السّاکنین ، ثم کسر ما قبل الیاء فی مبیع لئلّا ینقلب الیاء واواً فیلتبس بالواویّ فمصون مَفْعُل ومَبیعٌ مَفْعِل.

والمحذوف [ عین الفعل عند أبی الحسن الأخفش ] لانّ العین کثیراً ما یعرض له الحذف فی غیر هذا الموضع فحذفه أولی ، فأصل مبیع مبیُوع نقلت ضمّة الیاء الی ما قبلها وحذفت الیاء ثمّ قلبت الضّمّة کسرة لیقلب الواو یاء لئلّا یلتبس بالواوی.

ومذهب سیبویه أولی لانّ التقاء السّاکنین انّما یحصل عند الثانی فحذفه أولی ولأنّ قلب الضمة الی الکسرة خلاف قیاسهم ولا علّة له ولو قیل العلّة دفع الإلتباس ، فالجواب أنّه لو قیل بما قال سیبویه لدفع الإلتباس عنه أیضاً ، فإن قیل : الواو علامة والعلامة لا تحذف ، قلنا لا نسلّم أنّها علامة بل هی من اشباع الضمّة لرفضهم مفعلاً فی کلامهم إلّا مَکرُماً ومعوناً ، والعلامة إنّما هی المیم یدلّ علی ذلک کونها علامة للمفعول فی المزید فیه من غیر واو ، فإن قیل : إذا اجتمع الزائد مع الأصلیّ فالمحذوف وهو الأصلی کالیاء من غاز مع وجود التّنوین.

وإذا التقی السّاکنان والأوّل حرف مدّ یحذف الأوّل کما فی : قُلْ وبِعْ وخَفْ ، قلنا : کلّ من ذلک إنّما یکون إذا کان الثانی من السّاکنین حرفاً صحیحاً ، وأمّا هاهنا فلیس کذلک بل هما حرفا علّة ، وأمّا قولهم : مَشیبٌ فی الواویّ من الشّوب وهو الخلط ، ومَهُوبٌ فی الیائیّ من الهیبة فمن الشواذّ والقیاس مشوب ومَهیبٌ.

[ وبنو تمیم یثبتون الیاء ] وفی بعض النسخ : یتّممون الیاء دون الواو لانّها أخفّ من الواو [ فیقولون : مَبْیُوعٌ ] کما یقولون : مضروبٌ وذلک القیاس مطّرد عندهم وقال الشاعر :

ص: 74

حتّی تَذَکَّر بیضاتٍ وهَیَّجَه*** یوم رذاذٌ علیه الدّجْنُ مَغْیُومٌ

وقال أیضاً :

قَدْ کانَ قَوْمُکَ یَحْسَبُونَکَ سَیِّداً***واِخالُ اَنَّکَ سَیِّدُ مَعْیُونٌ

ولم یجیء ذلک فی الواویّ قال سیبویه : لأنّ الواوات أثقل من الیاءات ، وروی ثَوْبٌ مَصْوُونٌ ، ومِسْک مَدوُوق أی مبلول ، وضعف قول مَقْوول ، وفرس مقوُود.

واسم المفعول [ من ] الثلاثی [ المزید فیه یعتلّ بالقلب ] أی قلب العین الفاً کما فی المبنیّ للمفعول من المضارع [ إن أعتلّ فعله ] أی فعل إسم المفعولَ وهو المبنیّ للمفعول من المضارع بأن یکون الأبنیة من الأربعة [ کمُجاب ومُسْتَقام ومُنْقادٌ ومختارٌ ] والأصل : مُجْوَبٌ ومُسْتَقْوَمٌ ومُنْقَوَدٌ ومُخْتَیَر ، وإنّما قال هاهنا بالقلب ، وفی إسم الفاعل بما اعتلّ به المضارع لأنّ القلب هاهنا لازم کفعله بخلاف إسم الفاعل ، فإنّه قد یکون فیه وقد لا یکون کمبیع من أباع فإنّه لا قلب فیه.

الثالث: المعتلّ اللّام

النوع [ الثالث ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ اللام ] وهو ما یکون لامه حرف علّة ویقال له الناقص لنقصان آخره من بعض الحرکات [ ویقال له ذو الاربعة ] أیضاً [ لکون ماضیه علی أربعة أحرف إذا اخبرت عن نفسک نحو : غَزَوْتُ ورَمَیْتُ ] فإن قلت : هذه العلّة موجودة فی کلّ ما هو غیر الأجوف من المجرّدات ، قلت : هو فی غیر ذلک علی الأصل بخلاف الناقص ، فإنّ کونه علی ثلاثة أحرف هاهنا أولی منه فی الأجوف لکون حروف العلّة هاهنا فی الآخر الّذی هو محلّ التغییر فلمّا خالف ذلک وبقی علی الاربعة سمّی بذلک.

وایضاً تسمیة الشیء بالشیء لا یقتضی إختصاصه به.

ص: 75

[ فالمجرّد تقلب الواو والیاء منه ] اللّتان هما لام الفعل من الناقص [ الفاً إذا تحرّکتا وانفتح ما قبلهما کغَزی ورمی ] فی الفعل والأصل غَزَوَ ورَمَیَ [ أو عصاً ورَحی ] فی الأسم والأصل : عَصَوٌ ورَحَیٌ قلبتا الفاً وحذفت الألف لإلتقاء السّاکنین بین الألف والتنوین والالف المنقلبة من الیاء تکتب بصورة الیاء فرقاً بینها وبین المنقلبة من الواو وقوله : إذا تحرّکتا احتراز عن نحو : غزوت ورمیت ، وقوله : وانفتح ما قبلهما احتراز عن نحو : الغزو والرمی ، ونحو : لن یَغْزُوَ ، ولن یَرْمِیَ.

وکان علیه أن یقول : إذا تحرّکتا وانفتح ما قبلهما ولم یکن ما بعدهما ما یوجب فتح ما قبله احترازاً عن نحو : غَزَوا ورَمیا وعَصَوان ورَحَیان ویرضیان وارضیا ویغزوان ویرمیان مبنیّین للمفعول ، فإنّ ألف التثنیة یقتضی فتح ما قبلها فلا یقلب اللام فی هذه الأمثلة الفاً لئلّا تزول الفتحة ، ولو قلبتا الفاً وتحذف الالف لأدّی الی الإلتباس ولو فی صورة فتدبّر ، وأمّا نحو : ارضیّن واخشیّن من الواحد المؤکّد بالنون فلم تقلب یائه الفاً لأنّه مثل : ارضیا واخشیا لما مرّ من أنّ النون مع المستتر کألف التثنیة ، والمصنف ترک هذا القید إعتماداً علی الأمثلة علی ما سیأتی.

[ وکذلک الفعل الذی زاد علی ثلاثة أحرف ] تقلب لامه الفاً عند وجود العلّة المذکورة [ وکذلک إسم المفعول ] من المزید فیه فإنّ ما قبل لامه یکون مفتوحاً البتّة ، ثمّ أشار الی أمثلة الفعل وإسم المفعول علی طریق اللّفّ والنّشر بقوله : [ کأعطی ] والأصل : أعطو [ واشتری ] والأصل : اشْتَرَیَ [ واِسْتَقْصی ] والأصل : استقصو قلبت الواو من أعطو واستقصو یاء کما سیجیء.

ثمّ قلبت الیاء من الجمیع الفاً ، وهذا هو السّرّ فی فصل ذلک وما یلیه عمّا قبله بقوله وکذلک فافهم ، فإنّه رمز خفیّ فالواو إنّما ینقلب الفاً

ص: 76

بمرتبتین [ والمُعطی والمُشْتری والمُسْتَقصی ] ایضاً کذلک ولمّا ذکرنا من أنّ الألف فی الجمیع منقلبة عن الیاء یکتبونها بصورة الیاء ومثّل بثلاثة أمثلة لأنّ الزّائد إمّا واحد أو اثنان أو ثلاثة وذکر اسم المفعول مع اللام لیبقی الألف فیتحقّق ما ذکرناه إذ لولا اللام لحذفت الألف بالتقاء السّاکنین بینها وبین التّنوین وکان الأولی فیما تقدّم أن یقول کالعصی والرحی.

[ وکذلک ] تقلبان الفاً ولو کان فی الواو بمرتبتین [ إذ لم یسمّ فاعله ] أی فی المبنیّ للمفعول [ من المضارع ] مجرّدا کان أو مزیداً فیه لأنّ ما قبل لامه مفتوح البتّة [ کقولک : یُعطی ویغزی ] والأصل : یعطو ویغزو قلبت الواو یاء [ ویُرمی ] أصله یُرْمَیُ قلبت الیاء من الجمیع الفاً وکذا یکتب بصورة الیاء ، وإنّما قال من المضارع لأنّ المبنیّ للمفعول من الماضی سنذکر حکمه.

[ وأمّا الماضی فیحذف اللام منه فی مثال فعلوا مطلقاً ] أی إذا اتّصل به واو ضمیر جماعة الذّکور سواء کان ما قبل اللام مفتوحاً أو مضموماً أو مکسوراً ، واواً کان اللام أو یاءً ، مجرّداً کان الفعل أو مزیداً فیه ، لأنّ اللام وما قبله متحرّکان فی هذا المثال البتّة وحرکة اللام الضمّة لاجل الواو : کَنَصَرُوا وضَرَبُوا ، فحرکة ما قبلها إن کانت فتحة تقلب اللام الفاً ویحذف الالف لإلتقاء السّاکنین ، وان کانت ضمّة أو کسرة فتسقطان أو تنقلان کما سنذکره مفصّلا لثقلهما علی اللام فیسقط اللام لإلتقاء السّاکنین ففی الکلّ وجب حذف اللام.

[ و ] یحذف اللام [ فی مثال : فَعَلَتْ وفَعَلَتا ] أی إذا اتّصلت بالماضی تاء التانیث [ إذا انفتح ما قبلها ] أی ما قبل اللام : کَغَزَتْ غَزَتا ، ورَمَتْ رَمَتا ، واَعْطَتْ اَعْطَتا ، واشْتَرَتْ اشْتَرَتا ، واسْتَقْصَتْ اسْتَقْصَتا والأصل : غَزَوَتْ

ص: 77

غَزَوَتا ورَمَیَتْ رَمَیَتا ... الخ قلبت الواو والیاء الفاً لتحرّکهما وانفتاح ما قبلهما ثمّ حذفت الالف لإلتقاء السّاکنین وهو فی فعل الإثنین تقدیریّ لأنّ التاء ساکنة تقدیراً لأنّ المتحرّکة من خواصّ الاسم فعرضت الحرکة هاهنا لأجل ألف التّثنیة فلا عبرة بحرکته ومنهم من لا یلمح هذا ویقول : غزاتا ورماتا ولیس بالوجه.

[ وتثبت ] اللام [ فی غیرها ] أی فی غیر مثال فعلوا مطلقاً وفی مثال : فَعَلَتْ وفَعَلَتا مفتوحی ما قبل اللام وهو ما لا یکون علی هذه الأمثلة أو یکون علی فعلت وفعلتا لکن لا یکون مفتوح ما قبل الآخر نحو : رَضِیَتْ ورَضِیَتا وسَرُوَتْ وسَرُوَتا لعدم موجب الحذف واذا تقرّر هذا فتقول فی فعل مفتوح العین واویّاً [ غَزا غَزَوا غَزَوْا غَزَتْ غَزَتا غَزَوْنَ الخ ] وفیه یائیاً [ رَمی رَمَیا رَمَوْا ... الخ ] وفی فَعِلَ مکسور العین [ رَضِیَ رَضِیا رَضُوا ... الخ ] وهو سواء کان واوّیاً أو یائیّاً لامه یاء لأنّ الواو تقلب یاء لتطرّفها وانکسار ما قبلها کرَضِیَ أصله رَضِوَ بدلیل رضوان وبهذا صرّح فی الصحاح ، والیائی کخَشِیَ ، ولذا لم یذکر المصنّف إلّا مثالاً واحداً.

[ وکذلک ] تقول : [ سَرا ] أی صار سیّداً [ سَرُوَا سَرُوا سَرُوَتْ سَرُوَتا سَرُوْنَ ... الخ ] وإنّما قال وکذلک لانّه لم یذکر جمیع تصاریفه فأشار الی أنّ تصاریفه کالمذکور وذکر مثالاً واحداً لأنّه لا یکون یائیاً [ وانّما فَتَحْتَ ] أنت [ ما قبل واو الضمیر فی غَزَوْا ورَمَوْا ] وهو الزاء والمیم [ وضَمَمْتَ ] ما قبلها [ فی رَضُوا وسَروا ] وهو الضاد والراء [ لأنّ واو الضمیر إذا اتّصلت بالفعل الناقص بعد حذف اللام فإن انفتح ما قبلها ] أی ما قبل واو الضمیر [ أبقی ] ما قبلها [ علی الفتح ] إذ لا منع منها.

[ وإن انضمّ ] ما قبلها [ أو کسر ضمّ ] لمناسبة الواو الضّمّة ففتح فی غزوا ورموا لأنّ ما قبل الواو بعد حذف اللام مفتوح لانّهما مفتوح العین

ص: 78

فابقی الفتحة وضمّ فی سَرُوا لأنّه مضموم العین ، وکذا فی رضوا لأنّه مکسور العین بعد حذف اللام فقلبت الکسرة ضمّة لتبقی الواو وفی هذا الکلام نظر من وجوه : الأوّل : إنّ قوله وإنّ انضمّ أو کسر ضمّ لا یخلو عن حزازة.

فإنّه إن انضمّ فکیف یضمّ فالعبارة الصحیحة أن یقال : إن انفتح أو انضمّ ابقی وان کسر ضمّ. الثانی : إنّ کلامه هذا یدلّ علی أنّه لم ینقل ضمّة الیاء الی الضاد بل حذفت ، ثمّ قلبت الکسرة ضمّة حیث قال : وإن کسر ضمّ وقوله [ والأصل : رَضُوا رَضِیُوا ] یعنی بعد قلب الواو یاءً إذ الأصل رضووا [ نقلت حرکة الیاء الی الضاد وحذفت الیاء لإلتقاء السّاکنین ] وهما الواو والیاء هو صریح فی أنّ الضمة نقلت من الیاء الی ما قبلها فبین الکلامین تباین. والثالث : إنّ قوله بعد حذف اللام ، الظاهر أنّه متعلّق بقوله اتّصل إذ لا یجوز تعلّقه بقوله إن انفتح ؛ لأنّ معمول الشرط لا یتقدّم علیه.

وکذا معمول ما بعد فاء الجزاء ، ولا یصحّ تعلّقه بقوله اتّصل ؛ لأنّ الإتّصال لیس بعد حذف اللام وإلّا لم یبق لحذفها علّة ، فإنّ علة الحذف إجتماع السّاکنین ، وأحدهما الواو فکیف یکون الإتّصال بعد حذفها وهذا ظاهر ، فالتوجیه أن یقال تقدیره : إذا اتّصل إتّصالاً وباقیا بعد حذف اللام.

وهذا التوجیه لو صحّ لاندفع الإعتراض الثانی بأن یقال : المراد بقوله إن انکسر ضمّ أن ینقل ضمّ اللام الیه إذ لا منافاة ، فإنّه إذا نقلت الضمّة الیه صدق أنّه ضمّ ، وکذا الإعتراض الأوّل بأن یقال : إنّه لم یقل وإن ضمّ أبقی تنبیهاً علی أنّ هذا الضمّ لیس هو الضمّ الّذی کان فی الأصل لأنّه أسکن ، ثمّ نقل ضمّ اللام الیه کما ذکر فی رضُوا فنقول أصل : سَرُوا سَرُووا نقلت ضمّة الواو الی ما قبلها فصحّ أنّه ضمّ فاندفع الإعتراضات

ص: 79

الثلاث وهذا موضع تامّل.

[ وأمّا المضارع فتسکن الواو والیاء والألف ] أی اللام [ منه فی الرفع ] نحو : یَغْزُوُ ویَرْمی ویَخْشی ، والاصل : یَغْزُوُ ویَرْمیُ ویَخْشَیُ [ ویحذف فی الجزم ] لأنّها قائمة مقام الإعراب کالحرکة فکما یحذف الحرکة فکذا هذه الحروف وقد شذّ قوله :

هَجَوْتَ زَبّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً***مِنْ هَجْوِ زَبّان لَم تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ

حیث اثبت الواو وقوله :

ألَمْ یَأتیکَ والأنْباءُ تَنْمی*** بِما لاقَتْ لَبُونُ بَنی زِیادٍ

حیث أثبت الیاء وقوله :

وتَضْحَکُ مِنّی شَیْخَةٌ عَبْشَمِیَّةٌ***کَأَنْ لَمْ تَری قَبْلی أسیراً یَمانِیا

حیث أثبت الألف [ وتفتح الواو والیاء فی النّصب ] لخفّة الفتحة [ وتثبت الألف ] فی الواحد بحالها لأنّها لا تقبل الحرکة ولا موجب للحذف وقد جاء إثبات الواو والیاء ساکنین فی النّصب مثلهما فی الرفع کقوله : فما سَوَّدَتْنی عامِرٌ عن وراثَة***أبَی اللهُ اَنْ اَسْمُو بِاُمٍّ ولا أبٍ والقیاس أن أسْمُوَ بالفتح ویحتمل أن یکون أن غیر عاملة تشبیهاً لها بماء المصدریّة کما فی قراءة مجاهدان یتمّ الرضاعة بالرفع.

منه قول الشاعر :

أنْ تَقْرَءانِ علی أسْماءَ وَیحْکُما***مِنّی السّلامَ وَأنْ لا تشعرا أحَداً

حیث أثبت النون فی تقرءان وکلاهما من الشواذ وقوله :

فَالٔیْتُ لها أرْثی لها مِنْ کَلالَةٍ***ولا من حفیً حتّی نُلاقی محمّداً

حیث لم یقل نلاقیَ بالفتح [ ویسقط الجازم والنّاصب النونات سوی نون جمع المؤنّث ] هذا لا طائل تحته إذا تقرّر هذا.

ص: 80

[ فتقول : لم یَغْزُ ] بحذف الواو و [ لم یَغْزُوا ] بحذف النون و [ لم یَرْم ] بحذف الیاء [ لم یَرْمیا ] بحذف النون [ لَم یَرْضَ ] بحذف الألف [ لم یَرْضَیا ] بحذف النون و [ لن یَغْزُوَ ] بفتح الواو و [ لن یَرْمِیَ ] بفتح الیاء و [لن یَرْضی ] باثبات الالف [ وتثبت لام الفعل ] واواً کان أو یاءً [ فی فعل الإثنین ] متحرّکة مفتوحة نحو : یغزوان ویرمیان ویرضیان بقلب الألف یاءً.

أمّا فی یغزوان ویرمیان فلعدم موجب الحذف ، وأمّا فی یرضیان فلأنّ الألف یقتضی فتح ما قبله فلم تقلب الیاء ألفاً إذ لو قلبت وحذف لأدّی الی الإلتباس حال النّصب.

[ وتثبت لام الفعل فی فعل جماعة الإناث ] أیضاً ساکنة نحو : یَغْزُونَ ویَرْمینَ ویرضَیْنَ لعدم مقتضی الحذف ویحذف لام الفعل من فعل جماعة الذّکور مخاطبین کانوا أو غائبین نحو : یغزون ویرمون ویرضون ، والأصل : یغزوون ویرمیون ویرضیون ، فحذفت حرکات اللام ثم اللام ، وإن شئت قل فی یغزون ویرمون نقلت حرکة اللام الی ما قبلها ، وفی یرضون قلبت اللام الفاً ثمّ حذفت.

[ و ] یحذف أیضاً [ من فعل الواحدة المخاطبة ] نحو : تغزین وترمین وترضین ، والأصل : تغزوین وترمیین وترضیین فأعلّت کما مرّ آنفاً ، وقد عرفت فی بحث نون التأکید السر فی أنّ المحذوف لام الفعل دون واو الضمیر ویاؤه إذا تقرّر ذلک ، فتقول فی یفعُل بالضم : [ یَغْزُو یَغْزُوان یَغْزُوُنَ ...

الخ ویستوی فیه ] أی فی مضارع نحو : غَزا [ لفظ جماعة الذّکور والإناث فی الخطاب والغیبة ] جمیعاً أمّا فی الخطاب فلأنّک تقول : انتم تَغْزُونَ وانتنّ تَغْزوُنَ بالتاء الفوقانیّة فیهما ، وأمّا فی الغیبة فلأنّک تقول : هم یَغْزون وهنّ یَغْزون بالیاء التحتانیّة فیهما.

ص: 81

[ لکن التقدیر مختلف فوزن جمع المذکر یفعُونَ ] فی الغیبة ، و [ تَفعُون ] فی الخطاب بحذف اللام فیهما لما ذکرنا من أنّ الأصل : یغزوون وتغزوون حذف اللام دون واو الضمیر.

و [ وزن ] جمع [ المؤنّث یَفْعُلْنَ ] فی الغیبة [ وتَفْعُلْنَ ] فی الخطاب لما تقدّم من انّ اللام تثبت فی فعل جماعة الإناث [ وتقول ] فی یَفْعِلُ بالکسر [ یَرْمی یَرْمِیان یَرْمُونَ ، تَرمی تَرْمِیانِ یَرْمینَ ، تَرمی تَرْمِیان تَرْمُونَ تَرْمینَ تَرْمِیان تَرْمینَ ، أرْمی نَرْمی أصل : یَرْمُونَ یَرْمیون ففعل به ما فعل برَضُوا ] یعنی نقلت ضمّة الیاء الی المیم وحذفت الیاء لإلتقاء السّاکنین وخصّصه بالذکر لأنّه خالف یَغْزُونَ ویَرْمُونَ فی عدم بقاء عینه علی حرکته الأصلیّة فنبّه علی کیفیّة ضمّ العین وانتفاء الکسر.

[ وهکذا ] أی مثل یرمی [ حکم کلّ ما کان قبل لامه مکسوراً ] فی جمیع ما مرّ [ کیهْدی ویَرتَجی ویُناجی ویَنْبَری ] أی یعترض [ ویستدعی ] فأجرِ علیها أحکام یرمی فَصَرّفها تصریفه فإن کنت ذکیّاً کفاک هذا وإلّا فالبلید لا یفیده التّطویل ولو تلیت علیه التّوراة والأنجیل [ ویَرْعوی ] أی یکفّ : یَرْعَوِیان یَرْعَوُونَ تَرْعَوی تَرْعَوِیانِ یَرْعَوینَ تَرْعَوی تَرْعَوِیانِ تَرْعَوُونَ تَرْعَوینَ تَرْعَوِیانِ تَرْعَوینَ اَرْعَوی نَرْعَوی هذا من باب الاِفْعِلال ، والأصل : إرْعَوَ وَیَرْعَوِوُ ولم یدغم للثّقل ولأنّهم إنّما یدغمون بعد إعطاء الکلمة ما تستحقّه من الإعلال کما یشهد به کثیر من اُصولهم ، فلمّا اعلّوا فات إجتماع المثلین ولما یلزم فی المضارع من یرعوّ مضموم الواو وهو مرفوض ولم یَقْلَبوا الواو الاُولی ألفاً بل قلبوا الثانیة یاءً لوقوعها خامسة مَعَ عدم إنضمام ما قبلها ، ثمّ قلبت الیاء الفاً لتحرّکها وانفتاح ما قبلها.

وإنّما یقال فی فعل جماعة الذّکور والواحدة المخاطبة یرعوون وترعوین ، ولم یحذف هذه الواو کما فی یرضون وترضین ؛ لأنّه قد حذفت

ص: 82

لام الفعل إذ الأصل یَرْعَوون وتَرْعَوِوینَ فلو حذفت هذه الواو ایضاً لکان اجحافا بالکلمة والتباساً بالثلاثی المجرّد ولم تقلب هذه الواو یاء مع وقوعها رابعة.

وعدم إنضمام ما قبلها لما سنذکره فی هذا البحث وقیل لئلّا یلزم إجتماع الاعلالین أعنی إعلال حرفین من کلمة واحدة بنوع واحد وهو مرفوض وفیه نظر لأنّه ینتقض بنحو : یَقُونَ وتَقینَ ، ونحو : إیقاء والأصل : إوْقایاً وما أشبه ذلک ممّا قلب أو حذف منه حرفان فافهم ، فإنّ إمتناع إجتماع الاعلالین وإن اشتهر فیما بینهم لکنّه کلام من غیر رویّة اللّهمّ إلّا أن یخصّص علی ما قیل المراد بإجتماع الاعلالین تقاربهما بأن لا یکون بینهما فاصل وحینئذٍ لا یلزم الإنتقاض بما ذکر [ یَعْرَوْری ] یَعْروْرِیانِ یَعْرَوْرُونَ تَعْرَوْری تَعْرَوْرِیانِ یَعْرَوْرینَ تَعْرَوْری تَعْرَوْرِیانِ تَعْرَوْرُونَ تَعْرُوْرینَ تَعْروْرِیانِ تَعْرَوْرینَ أعْرَوْری نَعْرَوْری وهو اِفْعَوْعَلَ مثل اِعْشَوْشَبَ یقال : اِعْرَوْرَیْتُ الفَرَس أی رکبته عُرْیاناً والأصل إعْرَوْرَ وَیَعْرَوْرِ وُقلبت الواو یاء والأصل یَعْرَوْرُونَ یَعْرَوْرِیونَ وأصل تَعْرَوْرینَ تَعْرَوْرِیینَ أعلّ إعلال یرمون وترمین وذلک بعد قلب الواو یاء.

[ وتقول ] فی یفعل بالفتح [ یَرْضی یَرْضَیان یَرْضَوْنَ تَرْضی تَرْضَیانِ یَرْضَیْنَ ] بالیاء دون الألف لأنّ الأصل الیاء والألف منقلبة عنه وهاهنا لیست متحرّکة فلا تقلب [ تَرْضی تَرْضَیانِ تَرْضَوْنَ تَرْضَیْنَ تَرْضَیانِ تَرْضَیْنَ اَرْضی نَرْضی وهکذا قیاس کلّ ما کان قبل لامه مفتوحاً نحو : یَتَمَطّی ] والأصل یَتَمطّو مصدره التمطّی أصله التمطّو ، لأنّه من المطو وهو المدّ قلبت الواو یاء والضمّة کسرة لرفضهم الواو المتطرّفة المضموم ما قبلها [ ویتصابی ] أصله یتصابو فمصدره التصابی أصله التصابو لأنّه من الصّبوة فأعلّ بإعلال المذکور و [ یَتَقَلْسی ] أصله یتقلسو مصدره التقلسی أصله التقلسو کتدحرج.

ص: 83

ولا یخفی علیک تصاریف هذه الأفعال وأحکامها إن أحطت علماً بیرضی فلا أذکر خوف الإعلال [ ولفظ الواحدة المؤنّث فی الخطاب کلفظ الجمع ] أی لفظ جمع المؤنّث فی الخطاب [ فی بابی یَرْمی ویَرْضی ] أی فی کلّ ما کان قبل لامه مکسوراً أو مفتوحاً فإنّه یقال فی الواحدة والجمع تَرْمینَ وتَهْدینَ تَرتَجینَ وتناجین ... الخ وکذا ترضین وتتمطّین وتتصابین وتتقلسین فیهما جمیعاً والتقدیر مختلف.

[ فوزن الواحدة ] من ترمی [ تَفْعینَ ] بکسر العین ومن ترضی [ تَفْعَیْنَ ] بالفتح واللام محذوفة کما تقدّم [ ووزن الجمع ] من ترمی [ تَفْعِلْنَ ] بالکسر [ و ] من ترضی [ تَفْعَلْنَ ] بالفتح بإثبات اللام لأنّها تثبت فی فعل جماعة الأناث وعلی هذا القیاس تفاعین وتفاعِلْن وتَتَفَعّیْنَ وتَتَفَعَّلْنَ الی الآخر.

[ والأمر ] یعنی تقول فی الأمر [ منها ] أی من هذه الثلاثة المذکورة وهی یغزُو ویرمی ویرضی [ اُغْزُ اُغْزُوا اُغْزی اُغْزُوا اُغْزُوْنَ وإرْمِ إرْمِیا إرْمُوا إرْمی إرْمیا إرْمینَ إرْضَ إرْضَیا إرْضوا إرْضی إرْضَیا إرْضَیْنَ ] ولیس فی ذلک بحث.

[ وإذا دخلت علیه نون التأکید ] أی علی نحو : أغز وارم وارض خفیفة کان النون أو ثقیلة [ اُعیدت اللّام المحذوفة فقلت [ اُغْزُوَنَّ ] بإعادة الواو [ واِرْمِیَنَّ ] باعادة الیاء [ واِرْضَیَنَّ ] بإعادة الألف وردّها الی الأصل وهو الیاء ضرورة تحرّکها وذلک لانّ هذه الحروف أعنی الیاء والواو والألف فی الأمثلة الثلاثة بمنزلة الحرکة فی الصحیح وأنت تعید الحرکة ثمّة فکذا هاهنا تعید اللّام ولا یعاد فی فعل جماعة الذکور.

والواحدة المخاطبة أمّا من إرْضَ فلانّ إلتقاء السّاکنین لم یرتفع حقیقة لعروض حرکة الواو والیاء الضمیرین وامّا من أغز وأرم فلأن سبب الحذف باق أعنی التقاء السّاکنین لو اُعیدت اللام ولغة طیّ علی ما

ص: 84

حکی عنهم القرّاء حذف الیاء الّذی هو لام الفعل فی الواحد المذکّر بعد الکسر والفتح نحو : والله لیرمنّ ، وارمنّ یا زید ، وارضنَّ ، ولیخشنّ زید ، ویا زید اخشنّ.

[ واسم الفاعل منها ] أی من هذه الثلاثة المذکورة [ غازٍ ] أصله : غازِوٌ [ غازیان ] أصله : غازوان [ غازُونَ ] أصله : غازوُونَ [ غازیةٌ ] أصله : غازِوَة [ غازیتان ] أصله : غازوتانِ [ غازیاتٌ ] أصله : غازواتٌ [ وغواز ] أصله : غَوازِوُ [ وکذلک رامٍ ] رامیانِ رامُونَ رامِیَةٌ رامِیتان رامِیاتٌ ورَوام [ وراضٍ ] راضیان راضَوَن راضِیَةٌ راضِیَتان راضِیاتٌ ورَواضٍ واصل [ غازٍ غازِوُ ] کناصر کما مرّ [ قلبت الواو یاء لتطرفها وانکسار ما قبلها ].

وذلک قیاس مستمرّ وکذا راضٍ أصله : راضِوٌ جعل راضیٌ وأصل رامٍ رامِیٌ فحذفت ضمّة الیاء من الجمیع استثقالاً فاجتمع ساکنان الیاء والتّنوین فحذفت الیاء لإلتقاء السّاکنین دون التّنوین لانّها حرف علّة والتّنوین حرف صحیح فحذفها اولی فإن زالت التّنوین اُعیدت الیاء نحو : الغازی والرامی والراضی ، وإنّما لم یذکر المصنّف هذا الإعلال لأنّه قد تقدّم فی کلامه مثله أعنی حذف الضمّة ثمّ اللام بخلاف قلب الواو المتطرّفة المکسور ما قبلها یاء [ کما قلبت ] الواو یاء [ فی ] المبنیّ للمفعول من الماضی نحو : [ غُزِیَ ] والأصل : غُزِوَ ، وقبیلة طیّ یقلبون الکسرة من المبنیّ للمفعول من المعتلّ اللام فتحة واللام ألفاً ویقولون : غُزی ورُمی ورُضی ونحو ذلک ، قال قائلهم :

نَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحضیض ونَصْطاد***نُفوساً بُنَتْ علی الْکَرَمِ

والأصل بُنِیَتْ قلبت الکسرة فتحة والیاء الفاً وحذفت الالف لإلتقاء السّاکنین [ ثمّ قالوا : غازِیَة ] بقلب الواو یاءً مع عدم تطرّفها [ لانّ المؤنّث فرع المذکّر ] لکون المؤنّث غالباً علی زیادة لا سیّما فیمن یقول رجل

ص: 85

ورجلة ، وغلام وغلامة ونحو ذلک ، فلمّا قلبوها فی الأصل قلبوها فی الفرع فقالوا : غازیة وراضیة ، وفی التنزیل «فِی عِیشَةٍ رَّاضِیَةٍ» (1).

[ والتاء طارئة ] علی أصل الکلمة ولیست منها فکأن الواو متطرّفة حقیقة فإن قلت : إنّهم یقلبون الواو المکسور ما قبلها یاء طرفا أو غیر طرف فقلبت فی غازیة ، کذلک کما ذکره العلّامة فی المفصّل ، قلت : قول المصنّف أقرب الی الصواب ، لأنّ قلب غیر المتطرّفة بسبب حملها علی الفعل کما فی المصادر أو علی المفرد کما فی المجموع ، فمجرّد کسر ما قبلها لا یقتضی القلب ، فإن قلت : التاء معتبرة بدلیل قولهم : قلنسوة وقمحدوة فلو لم تعتبر التاء لوجوب قلب الواو یاء والضمّة کسرة کما مرّ فی التمطی وحینئذ لا یکون الواو کالمتطرّفة ، قلت الأصل فی : قلنسوة وقَمَحْدُوة وهو المفرد علی التاء والحذف طارٍ بخلاف ما نحن فیه فإنّ الأصل بدون التاء نحو : غازٍ والتاء طارئة ولا یبعد عندی أن یقال فی مثل ذلک قلبت الواو یاء لکونها رابعة معِ عدم إنضمام ما قبلها هذا کلّه ظاهر وإنّما الإشکال فی إعلال نحو : غَوازٍ وَروامٍ ورَواضٍ ولیس علینا إلّا أن نقول : إنّ الأصل غوازی بالتنوین أعلّ بإعلال قاضٍ ولا بحث لنا عن أنّه منصرفَ أو غیره وأنّ تنوینه أیّ تنوین.

واعلم : إنّ هذا الإعلال إنّما هو حال الرفع والجرّ وأمّا حال النصب فتقول : رَاَیْتُ غازیاً ورامیاً وغوازی وروامِی کالصّحیح.

[ وتقول فی المفعول من الواویّ ] أی فی اسم المفعول من الثلاثیّ المجرّد الواویّ [ مغزوّ ] اصله مَغْزُوٌ وادغمت الواو بالواو [ ومن الیائیّ مَرْمِیٌّ بقلب الواو یاء ویکسر ما قبلها ] أی ما قبل الیاء یعنی أنّ أصله مَرْمُویٌ قلبت الواو یاءً واُدغمت الیاء فی الیاء وکسرت ما قبل الیاء

ص: 86


1- الحاقة : ٢١.

لتسلم الیاء وإنّما قلبت الواو یاءً [ لأنّ الواو والیاء إذا اجتمعتا فی کلمة واحدة والاُولی منهما ساکنة ] سواء کانت واواً أو یاءً [ قلبت الواو یاءً واُدغمت الیاء فی الیاء ] وذلک قیاس مطّرد عندهم طلباً للخفّة واشترط سکون الاُولی لتدغم واختیر الیاء لخفّتها وفی کلام المصنّف نظر ، لأنّه ترک شرائط لا بدّ منها وهی : أنّه یجب فی الواو إذا کانت الاُولی أن لا یکون بدلاً لیتحرّز به من نحو : سویر تسویر کما تقدّم ، وإن تکونا فی الکلمة الواحدة أو ما هو فی حکمها کمُسْلمیّ والأصل مسلمویَ لیتحرّز عمّا إذا کانتا فی کلمتین مستقلّتین نحو : یَغْزُوُ یوماً ، ویَقْضی وَطَراً ، وفی بعض النسخ إذا اجتمعتا فی کلمة واحدة وهو الصواب ، وإن لا تکونا فی صیغة افعل نحو : اَیوم ، ولا فی الأعلام نحو : حیاة ، وان لا تکون الیاء إذا کانت الاُولی بدلاً من حرف آخر لیتحرّز من نحو : دیوان أصله : دِوْوان فإنّ الواو لا تقلب فی مثل هذه الصور یاءً ، وایضاً یجب أن لا تکون الیاء للتّصغیر إذا لم تکن الواو طرفاً حتّی لا ینتقض بنحو : اُسَیْود وجُدَیْول فإنّه لا یجب القلب بل یجوز لا یقال : إنّ قوله إذا اجتمعتا مهملة وهی لا یجب أن تصدق کلیّةً لأنّا نقول : قواعد العلوم یجب أن یکون علی وجه تصدق کلیّةً وأمّا قولهم : هذا أمر ممضوّ علیه فشاذّ ، والقیاس ممضیّ لأنّه من الیائی ، ومنهم من یقول : فی الواویّ ایضاً مغزیّ ومعدیّ ومرضیّ بقلب الواوین یاءً لکراهة اجتماع الواوین وعلیه قول الشاعر :

لقد عَلِمَتْ عِرْسی مَلیکَةُ أنَّنی*** أنَا اللَّیْثُ مَعْدِیّاً عَلَیْهِ وَعادیاً

[ والقیاس الواو لکنّ الیاء أیضاً کثیر فصیح وإن کان مخالفاً للقیاس تشبیهاً بنحو : عِتِیّ وجِثِیّ ، وفی مرضیّ أمر آخر وهو اجراؤه مجری فعله الأصلی أعنی رضی فإنّ أصله رضو.

[ وتقول فی فعول من الواویّ عَدُوٌّ ] والأصل عَدو و [ ومن الیائی بَغِیّ ]

ص: 87

وأصله بغوی اجتمعت الواو والیاء وسبقت إحداهما الاُخری بالسّکون قلبت الواو یاءً واُدغمت الیاء فی الیاء وکسر ما قبلها فقیل : بغیّ ، وفی التنزیل : «وَمَا کَانَتْ أُمُّکِ بَغِیًّا» (1) ولم اکُ بَغیّاً أی فاجرة ، وقال ابن جنّی : هو فعیل ولو کان فعولاً لقیل بغوّ کما قیل فلان نهوّ عن المنکر.

کذا ذکر صاحب الکشّاف منه ، وهذا عجیب من مثل الإمام ابن جنّی ، وأظنّ إنّه سهو منه ، لأنّه لو کان فعیلا لوجب أن یقال : بغیة ، لانّ فعیلاً بمعنی الفاعل لا یستوی فیه المذکّر والمؤنّث اللّهمّ إلّا أن یقال شبّه بما هو بمعنی المفعول کما فی قوله تعالی : «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّ-هِ قَرِیبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِینَ» (2) وهو تکلّف ولأنّ قوله لو کان فعولاً لقیل بَغوّ غیر مستقیم بلا خفاء لأنّه یائیّ وأمّا نهوّ فشاذّ والقیاس نهیّ فإن قلت : الواو فی عدوّ رابعة ، وما قبلها غیر مضمومة فَلِمَ لم یقلب یاءً قلت : لأنّ المدّة لا اعتداد بها فکان ما قبلها مضموماً ولأنّ الواو السّاکنة کالضمّة ولأنّ الغرض هو التخفیف وهو یحصل بالإدغام.

وکذا الکلام فی اسم المفعول الواوی نحو : مغزوّ ، فإن قلت : ما السرّ فی جواز مدعیّ ومغزیّ بقلبها یاءً مَعَ الکسرة والإطّراد ولا سیّما فی مرضیّ وامتناع ذلک فی عدوّ ، قلت : السرّ أنّ نحو : مغز وطال فثقل والیاء أخفّ فعدل الیه بخلاف فعول أو أنّه محمول علی فعله فافهم.

[ وتقول فی فعیل من الواویّ صبیّ ] والأصل : صبیو قلبت الواو یاء واُدغمت الیاء فی الیاء وهو من الصّبوة [ ومن الیائی شریّ ] اصله شرییٌ اُدغمت الیاء فی الیاء والفرس الشّریّ هو الّذی یشری فی سیره أی یلج.

[ والثلاثی المزید فیه تقلب واوه یاءً لأنّ کلّ واو وقعت رابعة فصاعداً ولم یکن ما قبلها مضموماً قلبت ] الواو [ یاءً ] تخفیفاً لثقل

ص: 88


1- مریم : ٢٨.
2- الاعراف : ٥٦.

الکلمة بالطول والمزید فیه کذلک لا محالة فتقلب فیه الواو یاءً وقوله : رابعة احتراز من نحو : غزو ، وقوله : فصاعداً لیدخل فیه نحو : اعتدی واسترشی وقوله : ولم یکن ما قبلها مضموماً احتراز من نحو : یغزو [فتقول] اَعْطی یُعْطی أصله : اعطو یعطو [واعْتَدی یعتدی] والأصل : اعتدو یعتدو [واسْتَرْشی یَسْتَرشی] والأصل : استرشو یسترشو ومثّل بثلاثة أمثلة لأنّها إمّا رابعة أو خامسة أو سادسة ، وتقول مع الضمیر : اعطیت واعتدیت واسترشیت وکذلک : تعازینا وتراجینا بقلب الواو یاءً من الجمیع کما ذکرنا فاحفظ هذه الضّابطة.

ولکن اعلم : إنّ المصنّف وغیره اطلقوا الحکم فی هذا القلب علی سبیل الکلّیة ، وقالوا : کلّ واو .. الخ ولی فیه نظر ؛ لأنّ هذا القلب إنّما هو فی لام الفعل فقط لأنّ وقوعه رابعاً أکثر فهو ألیق بالتخفیف بدلیل أنّهم لا یقلبونه من نحو : استقوم ، وفی التنزیل : «اسْتَحْوَذَ» (1) وکذا اعشوشب واجتور وتجاوَرَ وما أشبه ذلک ، وفی نحو : افعلّ وافعالّ لا تقلب اللام الاُولی لأنّ الاخیرة منقلبة لا محالة فلو انقلبت الاُولی أیضاً لوقع الثّقل المهروب عنه لا سیّما فی المضارع بدلیل : ارعوی یَرْعوی واحواوی یحواوی وما أشبه ذلک ، ولانّه ینتقض بنحو : مدعوّ وعدوّ وکانّهم اعتمدوا علی ایراد هذا البحث فی المعتلّ اللام وعلی انّه لا اعتداد بالمدّة أو أنّ المدّة قائمة مقام الضّمّة هذا آخر الکلام فیما یکون حرف العلّة فیه واحداً فلنشرع فیما تعدّد فیه حرف العلّة فنقول.

الرابع: المعتلّ العین و اللّام(اللّفیف المقرون)

[ النوع الرابع ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ العین واللّام ] وهو ما یکون عینه ولامه حرفی علّة وقدّمه لکثرة ابحاثه بالنّسبة الی ما یلیه [ ویقال له : اللّفیف المقرون ].

ص: 89


1- المجادلة : ١٩.

أمّا اللّفیف فلاجتماع حَرفَی العلّة فیه ، ویقال للمجتمعین من قبائل شتّی : لفیف ، وأمّا المقرون فلمقارنة الحرفین وعدم الفاصل بینهما بخلاف ما سیجیء بعده والقسمة تقتضی أن یکون هذا النوع أربعة أقسام لکن لم یجیء ما یکون عینه یاءً ولامه واواً فبقی ثلاثة ولا یکون إلّا من باب : ضَرَبَ یَضْرِبُ ، وعَلَمَ یَعْلمُ ، والتزموا فیما یکون الحرفان فیه واوین کسر العین فی الماضی نحو : قَوِیَ یقوی لیقلب الواو الأخیرة یاءً دفعاً للثقل وانّما جاز فی هذا النوع یفعِل بالکسر حال کون العین واواً لانّ العبرة فی هذا الباب باللام ولذا لا یعلّ العین.

[ فتقول : شوی یشوی شیّاً ، مثل : رَمی یَرمی رَمْیاً ] فجمیع ما عرفته فی رَمی یرمی فَاعرفه هاهنا بعینه ، والأصل : شَوَیَ یَشْوِیُ أعلّ إعلال رَمی یَرْمی وأصل : شیّاً شویاً اجتمعت الواو والیاء وسبقت احداهما بالسّکون فقلبت الواو یاءً واُدغمت الیاء فی الیاء ولا یجوز قلب الواو الفاً لئلّا یلزم حذف إحدی الألفین فیختّل الکلمة فإن قیل : إذا کان الأصل شوی فَلِمَ أعلّ اللام دون العین مع أنّ العلّة موجودة فیهما قلت : لأنّ آخر الکلمة أولی بالتّغییر والتّصرّف فیه فلا یعلّ العین فی صیغة من الصیغ ، لانّه لم یعلّ فی الأصل الّذی هو شوی فلا یقال فی اسم الفاعل شاءٍ بالهمزة بل شاو بالواو ویقال فی اسم المفعول مَشْوِیّ لا مَشْیِیّ.

فالحاصل أنّه یجعل مثل الناقص بعینه لا مثل الأجوف [ و ] تقول [ قویَ یقوی قوّة ] والأصل : قَوِوَ یَقْوَوُ فأعلَّ إعلال رضی یرضی ولم یدغم لأنَّ الإعلال فی مثل هذه الصورة واجب فلا یجوز أن یقال رَضِوَ مثلاً بلا إعلال بخلاف الإدغام فإنّه لا یجب إذ یجوز أن یقال حَییَ بلا إدغام فقدّم الواجب فلم یبق سبب الإدغام ولأنَّ قَوِیَ أخفّ من قوّ بالإدغام واغتفر اجتماع الواوین فی القوّة للادغام فإنّه موجب للخفّة ونظیره الجوّ أو

ص: 90

البوّ ولم یعلّ العین لئلّا یلزم فی المضارع یقای کیخاف بیاء مضمومة وهو مرفوض وقیل لئلّا یلزم اجتماع الإعلالین.

[ ورَوِیَ یَرْوی ریّا ] وأصله رویا ولم تقلب العین من روی ألفا وإن لم یلزم اجتماع إعلالین لئلّا یلزم فی المضارع أن یقال یَرایُ کیخاف بیاء مضمومة وهم رفضوا ذلک ولأنّ فَعِل مکسور العین فرع فَعَل مفتوح العین ولم یقلب فی المفتوح فلم یقلب فی المکسور فقوی یقوی وروی یَرْوی [ مثل رضی یَرْضی رضیاً ] فی جمیع أحکامه بلا مخالفة.

وعلیک أن لا تعلّ العین أصلاً ولمّا لم یکن اسم الفاعل من رَویَ مثل اسم الفاعل من رَضِیَ یَرْضی ومن شَوِیَ یشوی أشار الیه بقوله [ فهو ریّان ، وامرأة ریّا ، مثل عطشان وعطشی ] یعنی لا یقال : راوٍ ولا راویة بل یبنی الصفة المشبهة لأنّ المعنی لا یستقیم إلّا علیها لأنّ صیغة فاعل تدلّ علی الحدوث ، والصفة المشبّهة علی الثبوت والمعنی فی هذا علی الثبوت لا علی الحدوث ، فتأمّل.

وأصل ریّان رَویان فأعلّ إعلال شَیّاً تقول : ریّانٌ ریّانانِ رَواء رَیّا رَیَّیانِ رَواءٌ ایضاً ، وتقول فی التثنیة المؤنّث حال النصب والخفض مضافة الی یاء المتکلّم رَیَّییَّ بخمس یاءات الأوّل منقلبة عن الواو الّتی هی عین الفعل ، والثانی لام الفعل ، الثالث المنقلبة عن الف التّأنیث ، الرابع علامة التثنیة ، الخامس یاء المتکلّم.

[ واَرْوی کاَعطی ] یعنی انّ المزید فیه من هذا النوع مثل الناقص بعینه وقد عرفته فوازن هذا علیه ولا تفرق ولا تعتلّ العین أصلاً فإنّی لو اشتغل بتفصیل ذلک لیطول الکتاب من غیر طائل وتقول فی فَعِل مکسور العین ممّا الحرفان فیه یاءان حَیِیَ کَرَضِیَ بلا إعلال العین لما تقدّم وجاز عدم الإدغام نظراً الی أنّ قیاس ما یدغم فی الماضی أنّ یدغم فی المضارع.

ص: 91

وهاهنا لا یجوز الإدغام فی المضارع لئلّا یلزم ما تقدّم من یحیّ مضموم الیاء وهو مرفوض [ و ] یجوز [ حیّ ] بالإدغام لاجتماع المثلین وهذا هو الکثیر الشائع ، وقال تعالی : «وَیَحْیَی» مَنْ حیّ عن بیّنَةٍ ویجوز فی الحاء الفتح علی الأصل والکسر بنقل حرکة الیاء الیه ، وتقول فی مضارع : حیّ [ یَحْیی ] بلا إدغام لئلّا یلزم الیاء المضمومة وتقلب اللّام الفاً لتحرّکها وانفتاح ما قبلها وتقول : [ حیاةً ] فی المصدر بقلب الیاء الفاً وتکتب بصورة الواو علی لغة من یمیل الألف الی الواو وکذلک الصّلاة والزّکاة والرّبا کذا ذکره صاحب الکشّاف فیه ، والحقّ أنّ امثال ذلک تکتب فی المصحف بالواو اقتداء بنقل عثمان ، وفی غیره بالألف کحیاة لأنّها وإن کانت منقلبة عن الیاء لکن الألف المنقلبة عن الیاء إذا کان ما قبلها یاء تکتب بصورة الألف إلّا فی یحیی وریّی إذا کانا علمین [ فهو حیّ ] فی النعت ولم یقل حایّ لما ذکر فی روی من انّ المعنی علی الثبوت دون الحدوث ولم یجز حَیَیٌ بلا إدغام حملاً علی الفعل لأنّ اسم الفاعل فرع علی الفعل فی الإعلال دون الإدغام وعلی تقدیر حمله علیه فالحمل علی ما هو الأکثر أعنی الإدغام أولی [ وَحَیّا ] فی فعل الاثنین من حیّ بالإدغام [ وحَیِیا ] فیه بلا إدغام [ فهما حَیّان ] فی تثنیة حیّ وحیّوا فی فعل جماعة الذکور من حیّ بالإدغام قال الشاعر : عَیُّوا بِأمْرِهِمْ کما عَیَّت بِبَیْضَتَها الحمامة.

حَیِیُوا [ وحَیّؤوا فهم أحیاء ] فی جمع حیّ [ ویجوز ] فی فعل جماعة الذّکور [ حَیُوا کرَضُوا بالتخفیف ] من حَیِیَ بلا إدغام والأصل حَیِیُوا کرضِیُوا نقلت ضمّة الیاء الی ما قبلها وحذفت لإلتقاء السّاکنین ووزنه فعوا قال الشاعر :

وکُنّا حَسِبْناهم فَوارِسَ کَهْمَسٍ*** حَیُوا بَعْدَ ما ماتوا مِنَ الدهر اَعْصُر

ص: 92

وأمّا عند اتّصال الضّمائر فلا مدخل للإدغام کما تقدّم فی المضاعف ولذا لم یذکره ویجوز عند اتصال تاء التأنیث : حییَت وحیَّت کحِییَ وَحیَّ.

[ والأمر إحْیَ ] من تحیی [ کإرْضَ ] من ترضی فی سائر التصاریف مؤکّداً أو غیره تقول : إحْیَ إحْیَیا إحْیوا إحْیَیْ ساکنة إحْیَیا بعد یاء مفتوحة الی إحْیَیْنَ وبالتّأکید : إحْیَیَنَّ إحْیَیانِ إحْیَوُنَّ والوزن إفْعَوُنَّ إحْیَیِنَّ بکسر الیاء الثانیة والوزن : إفْعَیِنَّ إحْییانِّ إحْیَیْنانِّ.

[ و ] تقول فی افعَلَ [ أحیی یُحیی کأعْطی یُعْطی ] بعینه ولا یدغم حال النّصب أیضاً لا تقول أنْ یحیَّ حَمْلاً علی الأصل قال تعالی : «أَلَیْسَ ذَلِکَ بِقَادِرٍ عَلَی أَن یُحْیِیَ الْمَوْتَی» (1) تقول : احیی یُحْیی اِحْیاءً فهو مُحْیٍ وذاکَ مُحْیاً لَمْ یُحْیِ لِیُحْی أحْی لا تُحْی بحذف اللام وابقاء العین بحاله ولا یُحْیی بإثبات اللام وبالتأکید اَحْیِیَنَّ باعادة اللام کأعْطِیَنَّ [ و ] تقول فی فاعل [ حایا یُحایی مُحایاة ] فهو محایٍ ، وذاک مُحایاً لم تُحایِ لِیُحای حایِ لا یحایِ لا یُحایی کناجی بعینه.

[ و ] فی إستفعل [ اسْتَحْیی یَسْتَحْیی إستِحْیاءً ] فهو مُسْتَحْیٍ وذاک مُسْتَحْیاً لِیَسْتَحْیِ اِسْتَحْیِ لا یَسْتَحْیِ لم یَسْتَحِ لا یَسْتَحیْی کاسترشی بعینه [ ومنهم ] أی من العرب [ من ] یحذف احدی الیاءین و [ یقول : اِسْتَحی یَسْتَحی اِسْتِحاءً ] فهو مُسْتَحٍ وذاک مُسْتَحاً لِیَسْتَحِ لا یَسْتَحِ لم یَسْتَحِ لا یَسْتَحی اِسْتَحِ بکسر الحاء وحذف الیاء الأخیرة علامة للجزم وهذه لغة تمیمیّة والاُولی حجازیّة وهو الأصل الشائع ، قال تعالی : «لَا یَسْتَحْیِی أَن یَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً» (2) ، وقال : «یَسْتَحْیُونَ نِسَاءَکُمْ» (3) ویقولون علی اللغة الثانیة إسْتَحی إسْتَحْیا بحذف العین علی وزن إسْتَفلا اسْتَحوا علی وزن استفوا اسْتَحَتْ إسْتَحَتا علی وزن استَفَتْ إسْتَفْتا إسْتَحینَ علی وزن إستفلن الخ

ص: 93


1- القیامة : ٤٠.
2- البقرة : ٢٦.
3- البقرة : ٤٩.

ویَسْتَحی یَسْتَحیانِ یَسْتَحُونَ علی وزن یستفون تَسْتَحی تَسْتَحِیانِ یَسْتحینَ علی وزن یستفلن ... الخ اِسْتَح اِسْتَحِیا اِسْتَحُوا اِسْتَحی اِسْتَحِیا اِسْتَحینَ وبالتأکید اِسْتَحِیَنَّ باعادة اللام اِسْتَحیانِّ اِسْتَحُنَّ اِسْتَحِنَّ اِسْتَحِیانِّ اسْتَحینانِّ ولمّا تقرّر أنّ هذا النوع لا تعلّ عینه البتّة وهاهنا قد حذفت أشار الی الجواب بقوله.

[ وذلک ] أی الحذف [ لکثرة الاستعمال کما قالوا لا أدر فی لا أدری ] یعنی لیس الحذف للإعلال بل علی سبیل الإعتباط مثل : لا اَدْرِ وأصله لا اَدْری فحذفت الیاء لکثرة استعمالهم هذه الکلمة کذا حکاه الخلیل وسیبویه ، ونظیره حذف النون من یکون حال الجزم نحو : لم یَکُ ، ولم تَکُ ، ولَمْ اَکُ ، ولم نَکُ وهذا کثیر فی الکلام ، قال سیبویه : فی إسْتَحی حذف الیاء لالتقاء السّاکنین لأنّ الیاء الاُولی تقلب الفاً لتحرّکها وانفتاح ما قبلها بعد قلب الثانیة الفاً ، وانّما فعلوا ذلک حیث کثر فی کلامهم ، وقال المازنیّ : لم یحذف الیاء لالتقاء السّاکنین وإلّا لردّوها إذا قالوا هو یَسْتَحی ولقالوا هو یستحیی قلت فیه نظر لأنّه کما نقلت حرکة الیاء من إستحی الی ما قبلها وقلبت ألفاً فکذلک هاهنا نقلت حرکة الیاء من یَسْتَحیی الی ما قبلها وحذفت الیاء لالتقاء السّاکنین والعلّة فیهما کثرة الاستعمال.

وفی کلام سیبویه نظر أیضاً ، لأنّه یوهم أنّ المحذوف اللام والحقّ أنّه العین وإلّا لوجب أن یقال فی المجزوم والأمر لم یستحی واستحی باثبات الیاء لانّ حذف اللام إنّما هو لکونه قائماً مقام الحرکة ولیس العین کذلک فالمحذوف العین وحذف اللام فی المجزوم والأمر مثله فی الناقص لا لکثرة الاستعمال بدلیل اعادتها فی اِسْتَحْیا واستَحینَ فلیتأمّل ، وحینئذٍ لا حاجة الی قلب الیاء الفاً لانّه یحذف قُلِبَ أم لم یقلب بل

ص: 94

نقل حرکته وحذف فالتشبیه بلا اَدْرِ فی الحذف لکثرة الاستعمال لا فی حذف اللام.

الخامس: المعتلّ الفاء واللّام(اللّفیف المفروق)

النوع [ الخامس ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ الفاء واللّام ] وهو الّذی فاؤه ولامه حرفا علّة [ ویقال له : اللّفیف المفروق ] لاجتماع حرفی العلّة فیه مع الفارق بینهما أعنی العین والقسمة تقتضی أن یکون أربعة أقسام ولیس فی الکلام من هذا النّوع ما کان فاؤه ولامه یاءً إلّا یَدَیْتُ بمعنی انعمت فیقال : یدی بیدی والفاء فی غیره واو فقط واللّام لا یکون إلّا یاء لانّه لیس فی کلامهم ما کان فاؤه ولامه واواً إلّا لفظة واو ولم یجیء إلّا من باب : ضَرَبَ یضربُ ، وعَلِمَ یَعْلَمُ ، وحَسِبَ یَحْسِبُ ولم یذکر المصنّف مثال الأخیر وهو : وَلِیَ یَلِی.

[ فتقول ] من باب ضَرَب یَضْرِبُ [ وَقی ] أی حَفِظَ [ وَقِیا وَقوا ] والأصل وَقیوا وَقَتْ وَقَتا وَقَیْنَ وَقَیْتَ وَقَیْتُما وَقَیْتُمْ وَقَیْتِ وَقَیْتُما وَقَیْتُنَّ وَقَیْتُ وَقَیْنا [ کرَمی ] رَمَیا رَمَوْا ... الخ ، والإعلالات کالإعلالات [ یَقی یَقِیانِ یَقُونَ ... الخ ] ولم یقل کَیَرمی لأنّه یخالفه فی حذف الفاء إذ الأصل یَوْقِیُ وأما حکم اللّام منه فکحکم یرمی والأصل فی : یقُون یَقِیُونَ وفی تَقینَ فی فعل الواحدة المخاطبة : تَقْیینَ کتَعْدینَ فحذفت اللّام کما فی یَرْمُونَ وتَرْمینَ والوزن یَعُونَ وتَعینَ ، وأمّا تقین فی الجمع فوزنه تَعِلْنَ والیاء لام الفعل.

[ و ] تقول [ فی الأمر منه قِ ] یا رجل علی وزن عِ فیصیر علی حرف واحد کما تری لانّ الفاء محذوفة وقد حذفت حرف المضارعة ولام الفعل فلم یبق غیر العین وکذا تقول فی سائر المجزومات نحو : لا یَقِ ، ولم یَقِ ولِیَقِ علی وزن لا یَعِ ، ولَمْ یَعِ ولیَعِ.

ص: 95

[ ویلزمه ] أی الأمر لحوق [ الهاء فی الوقف نحو : قه ] لئلّا یلزم الإبتداء بالسّاکن إن أسکنت الحرف الواحد للوقف أو الوقف علی الحرکة إن لم تسکن وکلاهما ممتنع وأمّا حال الوصل فتقول : قِ یا رجل قِیا قوا أصله قیو قی أصله قیی قیا قینَ علی وزن عِلْنَ فهو واقٍ والأصل واقِیٌ وذاک موقِیٌ والأصل مَوْقویٌ فحکم اللام فی الجمیع حکم لام رَمی بلا فرق فقس.

[ وتقول فی التأکید ] بالنون قِیَنَّ باعادة اللّام لما عرفته فی اُغزون [ قِیانِّ قُنَّ ] بضمّ القاف فی فعل جماعة الذکور وحذف الواو لالتقاء السّاکنین ودلالة الضمّة علیها [ قِنّ ] بکسر القاف فی فعل الواحدة المخاطبة وحذف الیاء لالتقاء السّاکنین ودلالة الکسرة علیها [ قِیانِّ قینانِّ ] وبالخفیفة [ قِیَنْ قُنْ قِنْ ].

و [ تقول ] من باب علم یعلم [ وَجِیَ یَوْجی کَرَضِیَ یَرْضی ] فی جمیع الأحکام والتصاریف بلا فرق أصلاً.

[ والأمر ] فیها [ ایجَ کَاِرْضَ ] یقال إیجَ إیجَیا إیجَوْا إیجی إیجَیا إیجَیْنَ وبالتأکید ایجَیَنَّ ... الخ ، وذکر ذلک لفائدة وهی : إنّ الواو تقلب یاءً لسکونها وانکسار ما قبلها فإنّ الأصل إوْجَ ویقال : وَجِیَ الفَرَسُ إذا وجدَ فی حافره وَجَعٌ.

السادس: المعتلّ الفاء والعین

النوع [ السادس ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ الفاء والعین ] وهو ما یکون فاؤه وعینه حرفی علّة والقسمة تقتضی أن یکون أربعة أقسام ولم یجیء منه ما یکون الفاء والعین واوین لکونه فی غایة الثقل فبقی ثلاثة أقسام أشار الی أمثلته بقوله [ کیَیْنَ فی اسم مکان ] مخصوص و [ یوم ووَیْل ] وهو وادٍ فی جهنّم ووَیْل أیضاً کلمة عذاب [ ولا یبنی منه ] أی

ص: 96

من هذا النوع [ فعل ] لأنّ الفعل اثقل من الاسم وهذا النوع أثقل من الأنواع المتقدّمة لما فیه من الابتداء بحرفین ثقیلین ولهذا لم یجیء ممّا هو أثقل أعنی ما یکون فاؤه وعینه واوین اسم ولا فعل.

السابع: المعتلّ الفاء والعین واللّام

النوع [ السابع ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ الفاء والعین واللّام ] وهو ما یکون فاؤه وعینه ولامه حروف علّة والقسمة تقتضی أن یکون تسعة أقسام ولم یجیء فی الکلام من هذا النوع إلّا مثالان.

[ وذلک واو ویاء لإسمی الحرفین ] وهما ووی فانّ الهمزة والیاء والجیم الی الآخر أسماء ومسمّیاتها : آ ب ج الی الآخر ، کالرجل والفرس قال الخلیل لاصحابه : کیف تنطقون بالجیم من جعفر ، فقالوا : جیم. قال : إنّما نطقتم بالاسم فلم تنطقوا بالمسؤول عنه وهو المسمّی وإنّما الجواب عنه ج لأنّه المسمّی ، وترکیب الیاء من الیاءات بالاتّفاق ویجعلون لامه همزة تخفیفاً.

وقال الاخفش : ألف الواو منقلبة من الواو وقیل من الیاء والأوّل أقرب لأنّ الواوی أکثر من الیائی فالحمل علی الأکثر أولی قلبت العین منهما ألفاً دون اللام کراهیّة اجتماع حرفی علّة متحرّکتین فی الأوّل.

فصلٌ فی المهموز

[ فصل ] فی بیان المهموز : وهو الّذی أحد حُروفه الاُصول همزة ، ولفظ المهموز مشعر بذلک وهو ثلاثة أنواع : لأنّ الهمزة إمّا فاء ویسمّی مهموز الفاء ، أو عین ویسمّی مهموز العین ، والأوسط أو لام ویسمّی مهموز اللام والعجز.

[ وحکم المهموز فی تصاریف فعله حکم الصّحیح لأنّ الهمزة حرف صحیح ] بدلیل قبولها الحرکات الثلاث بخلاف حروف العلّة یعنی انّ

ص: 97

تصاریف الفعل المهموز الخالی عن التضعیف وحروف العلّة کتصاریف الصحیح فإنّ لفظ المهمُوز إذا اُطلق یفهم منه الخالی عن التضعیف وحروف العلّة وإلّا فیقال المضاعف المهموز والاجوف المهموز ونحو ذلک.

والأولی أن یقال حکم المهموز فی تصاریف فعله حکم مماثله من غیر المهموز إن کان مضاعفاً فمضاعف وإن کان مثالاً فمثال الی غیر ذلک وإنّما جعل المهموز من غیر السّالم لما فیه من التّغییرات الّتی لیست فی السّالم وأیضاً کثیراً ما تقلب الهمزة حرف علّة [ لکنها ] أی الهمزة [ قد تخفّف إذا وقعت غیر أوّل ] أی غیر مبتدء بها فإنّها تخفّف إذا وقعت فی أوّل الکلمة إن لم تکن مبتدءً بها نحو : وامُرْ بالالف والأصل : وأمُرْ بالهمزة فالمراد بغیر الأوّل أن لا یکون فی أوّل الکلمة بل یتقدّم علیها شیء وإلّا لم تخفّف حینئذٍ لأنّ الإبتداء بحرف شدید مطلوب ألا تری زیادتها عند الوصل.

وأمّا حذف الهمزة من نحو : خُذْ والاصل ءُاْخُذْ فلیس من هذا الباب فإنّ الهمزة الوصل حذفها لازم عند فقد الإحتیاج الیها وإنّما تخفّف [ لأنّها حرف شدید من أقصی الحلق ] فتخفّف رفعاً لشدّتها وتخفیفها یکون بالقلب والحذف وغیرهما واستقصاء ذلک لا یلیق بهذا الکتاب فإنّه باب طویل الذیل ممتدّ السّبیل إذا تقرّر أن حکمه حکم الصّحیح.

[ فتقول : أمَلَ یأمُلُ کَنَصَر یَنْصُرُ ] فی سائر التصاریف والأمر [ أومل بقلب الهمزة ] التی هی فاء الفعل [ واواً ] فإنّ الأصل ءُاْمُلْ بهمزتین الاُولی للوصل والثانیة ألفاً فقلبت الثانیة واواً لسکونها وکون ما قبلها همزة مضمومة وذلک [ لأنّ الهمزتین إذا التقتا ] حال کونهما [ فی کلمة واحدة ثانیتهما ساکنة وجب قلبها ] أی قلب الثانیة السّاکنة بجنس حرکة

ص: 98

ما قبلها أی بحرکة الهمزة الّتی قبلها طلباً للخفّة إذ لا یخفی ثقل ذلک وقوله ثانیتهما ساکنة جملة حالیّة وجاز خلوّها عن الواو لکونها عقیب حال غیر جملة کقوله : واللهُ یُبْقیکَ لَنا سالِماً بُرْداکَ تَبْجیلٌ وَتعظیمٌ ، فإن کانت حرکة ما قبلها فتحة تقلب بحرف الفتحة وهو الالف [ کامَنَ ] أصله أءْمَنَ قلبت الهمزة الثانیة الفاً [ و ] إن کانت ضمّة تقلب بحرف الضمّة وهو الواو نحو [ اُومِنَ ] مجهول أصله ءُاْمِنَ بهمزتین [ و ] إن کانت کسرة تقلب بحرف الکسرة وهی الیاء نحو [ ایماناً ] مصدر أمَنَ والأصل ءِاْماناً.

وإنّما قال : إذا التقتا لأنّ الهمزة السّاکنة الّتی ما قبلها حرف غیر همزة لا یجب قلبها بحرف حرکة ما قبلها بل یجوز نحو : رأس وبؤس ورِئم وقال فی کلمة واحدة لأنّها لو کانَتا فی کلمتین لا یجب ذلک أیضاً بل یجوز نحو : یا فارئ ازر بالهمزة ویجوز بالواو وکذا قیاس الفتح والکسر لأنّ ذلک لم یبلغ مبلغ ما فی کلمة واحدة لجواز انفکاکهما وقال ثانیتهما ساکنة لانّهما لو التقتا فی کلمة واحدة ولم تکن الثانیة ساکنة فلها أحکام اُخر لا تلیق بهذا الکتاب وفیه نظر لأنّه ینتقض بنحو أئِمّة والأصل أءْمِمَة کأحْمِرَة فإنّه لم تقلب الثانیة الفاً کما مرّ فی أمن بل نقلت حرکة المیم الیها وقلبت یاء واُدغمت المیم فی المیم فقیل أیمّة ویمکن الجواب بأنّه شاذّ إذا عرفت هذا فنقول إذا قلبت الثانیة.

[ فإن کانت الهمزة الاُولی ] من الهمزتین المنقلبة ثانیتهما [ واواً أو یاءً همزة وصل تعود ] الهمزة [ الثانیة ] أی تصیر الهمزة المنقلبة واواً أو یاءً همزة خالصة [ عند الوصل ] أی وصل تلک الکلمة بکلمة ما قبلها یعنی عند سقوط همزة الوصل فی الدرج لأنّه یرتفع حینئذٍ التقاء الهمزتین ولا تبقی علّة القلب فتعود المنقلبة.

ص: 99

وقوله : الهمزة الثانیة المراد بها الواو والیاء لکن اُطلق علیهما الهمزة لکونها فی الأصل همزة ولصیرورتهما همزة ، ولأنّ قوله الاُولی یقتضی الثانیة قال فی مقابلته هذا ، ولو قال : تعود الثانیة بمعنی ترجع لکان أخصر وأوضح لکن لمّا أردفه بقوله همزة قلنا إنَّ عاد من الأفعال الناقصة بمعنی صارَ لیکون همزة خبره ولک أن تجعل همزة حالاً.

وهذا أسهل لکن قوله [ إذا انفتح ما قبلها ] أی ما قبل الثانیة بعد حذف همزة الوصل فیه نظر بل هو وهم محض لأنّ الهمزة الثانیة تعود عند سقوط همزة الوصل سواء انفتح ما قبلها أو انضمّ أو انکسر لزوال العلّة اعنی اجتماع الهمزتین مثال ما انفتح ما قبلها قوله تعالی : «إِلَی الْهُدَی ائْتِنَا» (1) الأصل : ایتِنا بالیاء فلّما سقط همزة الوصل عادت الهمزة المنقلبة.

ومثال ما انضمّ ما قبلها قوله تعالی : «وَمِنْهُم مَّن یَقُولُ ائْذَن لِّی» (2) والاصل : ایذَنْ لّی بیاء فلمّا سقط همزة الوصل اُعیدت الثانیة ومثال ما انکسر ما قبلها قوله تعالی : «فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ» (3) والاصل : اوتمن بالواو فعند سقوط الهمزة الاُولی عادت الثانیة ، وکذا فی المنقلبة واواً تقول فی : اومل یا زید اءمُلْ ویا قطام اءْمُلی باعادة الهمزة ولم یجیء ممّا تکون الاُولی همزة الوصل قلب الثانیة الفاً لانّ همزة الوصل لا تکون مفتوحة إلّا فی مواضع متعدّدة معیّنة.

[ وحذفت الهمزة علی غیر قیاس من خُذْ وکُلْ ومُرْ ] یعنی أنّ القیاس یقتضی أن یکون الأمر من تأخذ وتأکل وتأمر ، اُوخُذْ واُوکُلْ واُومُرْ کَاُومُل لکنّهم لمّا اشتقّوا الأمر حذفوا الهمزة الأصلیّة [ لکثرة الاستعمال ] ثمّ حذفت همزة الوصل لعدم الاحتیاج الیها لزوال الابتداء بالسّاکن وهذا حذف غیر قیاسی وفی نظم هذه الثلاثة فی سِلکٍ واحد تسامح لأنّ هذا

ص: 100


1- الانعام : ٧١.
2- التوبة : ٤٩.
3- البقرة : ٢٨٣.

الحذف واجب فی خذ وکُلْ بخلاف مُرْ لانّهما اکثر استعمالاً.

[ وقد یجیء أومر علی الأصل عند الوصل کقوله تعالی : وَأْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلَاةِ ] أصله اُومُرْ حذفت همزة الوصل واُعیدت الثانیة فقیل وامر وهذا افصح من مُرْ لزوال الثقل بحذف همزة الوصل وجاء فی الحدیث : فَمُر برأس التمثال ، ومُرْ بالستر ، ومُرْ براس الکلب [ وأزَرَ ] أی عاوَنَ [ یَأزِرُ وَهَنَاءَ یَهْنِأُ کَضَرَبَ یَضْرِبُ ] بلا فرق والتخفیف علی القیاس المذکور والأمر من تَأْزِرُ إیزِرْ کاضْرِبْ أصله إءْزِرْ قلبت الثانیة یاءً کما فی إیمان وخصّصه بالذکر لما فیه من قلب لیس فی هَنَأَ وأدُبَ یَأْدُبُ کَکَرُمَ یَکْرُمُ والأمر اُودُبْ والأصل اُءدُْبْ قلبت الثانیة واواً ولذا ذکره.

[ وسَألَ یَسْألُ کَمَنَعَ یَمْنَعُ ] والأمر [ اِسْألْ ] کامنع ذکره وإن لم یکن فیه تغییر تفریعاً له علی تَسْأل کتفریع سَلْ علی تسال کما قال ویجوز فی سأل یسأل اِسْأل سال یسال سَلْ بقلب الهمزة الفاً ولیس بقیاس مستمرّ ولمّا فعل ذلک فی الامر استغنی عن همزة الوصل وحذفت الالف لإلتقاء السّاکنین فقیل : سل وفی قراءة السبعة سالَ سائلُ بالالف.

وقیل : هو أجوف واویّ مثل : خاف یخاف ، وقیل : یائیّ مثل : هابَ یَهابُ فإن قلت : لِمَ لم یبقوا همزة الوصل لعدم الاعتداد بحرکة السین لکونها عارضة کما قالوا فی الأمر من : تَجْأرُ وتَرأفُ إجْأرْ وإرْأفْ ، ثمّ نقل حرکة الهمزة الی ما قبلها وحذفوها ، ثمّ أبقوا همزة الوصل فقالوا : إجَر وإرَف لعدم الاعتداد بالحرکة العارضیّة قلت : لأنّ سل أکثر استعمالاً فاحبّوا فیه التّخفیف بحیث یمکن بخلاف ذلک أو قلت : إنّ سل مشتق من تَسال بالالف فحذف حرف المضارعة وأسکن الآخر ثمّ حذف الالف لإلتقاء السّاکنین فبقی سل ولیس کذلک اجر وارف فانّ التخفیف انّما هو فی الأمر دون المضارع.

ص: 101

[ وابَ ] أی رَجَعَ [ یَؤبُ اُب وَساء یَسُوءُ سُوء ، کصانَ یَصُونَ صُنْ ، وجاء یجیء جِئ ، ککالَ یکیلُ کِلْ ] کما تقدّم فی باع یبیع یقال : کالَ الزَّنْد إذا لم یخرجْ ناره [ فهو ساءٍ ] فی اسم الفاعل من ساءٍ [ وجاءٍ ] فیه من جاء وذکر ذلک لأنّه لیس مثل صائن وبائع ، ولأنّ فی إعلاله بحثاً وهو أنّ الأصل ساوءٌ وجایءٌ قلبت الواو والیاء همزة کما فی : صائن وبائع فقیل : ساءِءٌ وجاءِءٌ بهمزتین ، ثمّ قلبت الهمزة الثانیة یاء لإنکسار ما قبلها کما فی أیّمة فقیل : ساءِیٌ وجاءِیٌ ، ثمّ أعلّا إعلال غازٍ ورامٍ فقیل : ساءٍ وجاءٍ علی وزن فاعٍ هذا قول سیبویه ، وقال الخلیل : أصلها ساوِءٌ وجایءٌ نقلت العین الی موضع اللام ، واللام الی موضع العین فقیل ساءِوٌ وجاءِیٌ والوزن فالع ، ثمّ أعلّ إعلال غازٍ ورامٍ فقیل : ساءٍ وجاءٍ والوزن فالٍ.

ورجّح قول الخلیل بقلّة التغییر لما فی قول سیبویه من إعلالین لیسا فیه ، وهما قلب العین همزة ، وقلب اللام یاءً ، وقلب المکانی قد ثبت فی کلامهم کثیراً مع عدم الإحتیاج الیه کشاک وناء یناء والأصل : نائی ینائی وایس یایسٌ والأصل : یئس یَیْأَس ونحو ذلک ، وهاهنا قد احتیج الیه لإجتماع الهمزتین.

وقال ابن حاجب : قول سیبویه أقیس ، وما ذکره الخلیل لا یقوم علیه دلیل وهو جارٍ علی قیاس کلامهم والقلب لیس بقیاس [ واَسا ] أی داوی [ یأسُو کَدعا یَدْعُو وأَتی یَأتی کَرمی یَرْمی ].

والأمر [ إیتِ ] أصله إِئت قلبت الثانیة یاءً کإیمان ، ولذا ذکره [ ومنهم ] أی ومن العرب [ مَنْ ] یحذف الهمزة الثانیة ، ثمّ یستغنی عن همزة الوصل [ ویقول تِ ] یا رجل کقِ ، وفی الوقف قِهْ [ تشبیهاً له بخذ ] کما مرّ [ ووأی ] أی وَعَدَ [ یإی کوقی یقی قِ ].

وأصل یَإی یَوْئِیُ حذفت الواو کَیقی ولا فائدة فی ذکر الأمر فإنّ

ص: 102

المصنّف لا یذکر شیئاً من التصاریف غیر الماضی والمضارع إلّا وفیه أمر زائد لیس فی المشبّه به وأوی یَأوِی أیّاً کَشَوی یَشْوی شَیّاً ، وأصل أیّاً أوْیاً ولا فائدة فی ذکره إذ لیس فیه أمر زائد.

وکان فائدته إنّه قال حکمه فی التصاریف حکم شوی یشوی والمصدر لیس من التصاریف فلم یعلم أنّ مصدره أیضاً کمصدره فی الإعلال فأشار الیه بقوله أیّاً والأمر من تاوی إیوِ کَإشْوِ من تَشْوی والأصل اءْوِ وقلبت الثانیة یاء ولذا ذکره ، ولا یخفی علیک أنّ الیاء فی ایت وایزر وإیو نحو ذلک یصیر همزة عند سقوط همزة الوصل فی الدرج کما تقدّم ومنه قوله تعالی : «فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ» (1) وهُوَ فعل جماعة الذکور وتقول : إیوِ ایوِیا ایوُوا اصله إءْوُوا بهمزتین وواوین فلمّا اتّصل به الفاء سقطت همزة الوصل وعادت الهمزة المنقلبة فصار فَأووا وقس علی هذا.

[ ونأی ] أی بَعُدَ یَنْأی کرعی یرعی وانأَ کِإرْعَ وعلیک بالتدبّر فی هذه الأبحاث ومقایستها بما تقدّم فی المعتلّات وبما مرّ من الإعلالات عند التأکید وغیره ولا اظنّها تخفی علیک إن اَتْقَنْتَ ما تقدّم وإلّا فالإعادة مع تادیتها الی الاطالة لا تفیدک.

[ وهکذا قیاس رأی یرأی ] أی قیاس یری ان یکون کَینْأی ویَرْعی لأنّه من بابهما [ لکنّ العرب قد إجتمعت علی حذف الهمزة ] الّتی هی عین الفعل [ من مضارعه ] أی مضارع رأی والأولی ظاهراً أن یقول علی حذف الهمزة منه لأنّ بحثه انّما هو فی یَری وهو مضارع وإنّما عدل عنه الی ذلک لئلّا یتوهّم أنّ الحذف مخصوص بیری فعلم من عبارته أنّ الحذف جار فی المضارع مطلقاً فافهم [ فقالوا یَری یَریَانِ یَرَوْنَ الخ ] والأصل یَرْأی نقلت حرکة الهمزة الی ما قبلها وحذف الهمزة فقیل یری

ص: 103


1- الکهف : ١٦.

وهذا حذف یستلزم تخفیفاً لأنّه کثر استعمال ذلک لا یقال یَرْأی أصلاً إلّا فی ضرورة الشعر کقوله :

اَلم تَرَ ما لا قَیْتَ والدّهْر اَعْصُر***ومن یَتَمَلَّ العیْشَ یرأی ویَسْمَعُ

والقیاس یری وکقوله :

اُری عینیّی ما لَمْ ترأیاه*** کلانا عالمٌ بالتُّرُّهْاتِ

وقد حذف الشاعر الهمزة من ماضیه ایضاً فقال :

صاحَ هَلْ رَیْتَ أو سَمِعْتَ براعٍ*** رَدّ فی الضرع ما قَری فی الحِلاب

والقیاس رأیت بالهمزة ولم یلزم الحذف فی یَنْأی لأنّه لم یکثر کثرة یری.

[ واتّفق فی خطاب المؤنّث لفظ الواحدة والجمع ] لأنّک تقول تَرَیْن یا امرأة وترین یا نسوة [ لکن وزن ] ترین [ الواحدة تفین ] بحذف العین واللام لأنّ أصله : تَرْأیینَ کتَرْضَیینَ حذفت الهمزة ثمّ قلبت الیاء الفاً وحذف الالف فبقی تَرَیْنَ بحذف العین واللام [ و ] وزن [ الجمع تَفَلْنَ ] لأنّ أصله تَرْأیْنَ کتَرْضَیْنَ حذفت الهمزة لما ذکرنا فَبَقی تَرَیْن بإثبات الفاء واللام والیاء هاهنا لام الفعل وفی الواحدة ضمیر الفاعل.

[ فإذا أمَرْت منه ] أی إذا بَنَیْتَ الأمر من تَری [ فَقُلْت علی الأصل إرْءَ کإرْعَ ] لأنّه من تَرْأی حذفت حرف المضارعة ولام الفعل واُتِیَ بهمزة الوصل مکسورة فقیل إرءَ وتصریفه کتصریف إرْضَ وفی عبارته حزازة لأنّ الجزاء إذا کان ماضیاً بغیر قد لم یجز دخول الفاء فیه فحقّها أن یقول إذا أَمَرْتَ منه قلت کما هو فی بعض النّسخ وکان هذا سهو من الکاتب فحینئذٍ لا بدّ من تقدیر قد لیصحّ [ و ] قلت [ علی ] تقدیر [ الحذف رَ ] من تری بحذف حرف المضارعة واللام والوزن

[ ویلزمه الهاء فی الوقف ] کما ذکره فی قه [ فتقول رَه رَیا رَوا ] أصله رَیُوا [ رَیْ ] أصله رَیی [ رَیا رَینَ ] والرّاء فی الجمیع مفتوحة إذ لا داعی

ص: 104

الی العدول عنه [ وبالتأکید رَیَنَّ ] باعادة اللام المحذوفة کما مرّ فی أغزونّ [ ریانِّ رَوُنَّ ] بضمّ الواو دونَ الحذف کما فی اغزنّ لأنّه لا ضمّة هاهنا تدلّ علیه لأنّ ما قبله مفتوح [ رَیِنّ ] بکسر یاء الضمیر دون الحذف کذلک [ رَیانِّ رَیْنانِّ ] وبالخفیفة رَیَنْ رَوُنْ رَیِنْ [ فهو راءٍ ] فی اسم الفاعل أصله رائی أعلّ إعلال رامٍ [ رائیانِ ] فی التّثنیة [ راءُوْنَ ] فی الجمع أصله رائیُون نقلت ضمّة الیاء الی الهمزة وحذفت الیاء ووزنه فاعون وهو [ کراعٍ راعِیان راعُون وذاک مَرْئیّ کَمرعیّ ] فی اسم المفعول أصله مَرْؤیٌ قلبت الواو یاءً واُدغمت وکسر ما قبلها کما مرّ فی مَرْمیٌّ.

[ وبناء افعل ] منه أی من رَأی [ مخالف لاخواته ایضاً ] یعنی کما کان یری مخالفاً لاخواته من نحو : یَنأی فی التزام حذف الهمزة منه دون الاخوات کذلک بناء باب الافعال مطلقاً سواء کان ماضیاً أو مضارعاً أو أمراً أو غیر ذلک مخالف لاخواته من نحو : أنأی فی التزام حذف الهمزة منه دون الاخوات وذلک لکثرة الاستعمال فتقول : أری فی الماضی أصله أرْی کأعطی نقلت حرکة الهمزة الی الراء وحذفت الهمزة وکذا [ أرَیا أرَوْ أرَتْ أرَتا أرَیْنَ الخ ].

[ یُری ] فی المضارع اصله یُرْئی کیعطی نقلت حرکة الهمزة الی الرّاء وحذفت الهمزة وکذا یُریانِ یُرُونَ والأصل : یرئیونَ فوزنه یفون تری تریان یُرینَ والأصل : یرئین والوزن یفعلن.

[ إرائة ] فی المصدر والأصل إرأیاً علی وزن افعالا قلبت الیاء همزة لوقوعها بعد الالف الزائدة فصار إراءاً نقلت حرکة الهمزة الی الراء وحذفت الهمزة کما فی الفعل وعوّضت التاء عن الهمزة کما عوّضت عن الواو فی إقامة فقیل إرائة.

[ و ] یجوز أن تقول [ إراءً ] بلا تعویض لانّ ذلک لیس مثل إقامة لأنّها

ص: 105

لم تحذف من فعل إقامة بخلاف ذلک فلمّا حذف من اقامة ولم یحذف من فعله التزموا التعویض فی الأکثر وهاهنا حذفت فی المصدر ما حذف فی فعله فلم یحتجّ الی لزوم التّعویض فجوّزوا إراءً کثیراً شائعاً [ و ] تقول [ إرایَةً ] بالیاء أیضاً لأنّها إنّما تقلب همزة إذا وقعت طرفاً ، ومن قلب نظر الی أنّ التاء حکمها حکم کلمة اُخری فکأنّها متطرّفة.

[ فهو مُرٍ ] فی اسم الفاعل أصله مُرئِیٌ حذفت الهمزة کما ذکرو أعلّ إعلال رامٍ فقیل مُرٍ علی وزن مُفٍ [ مُرِیان ] أصله مُرْئیان [ مُرون ] أصله مُرئیون وأرَتْ فی فعل الواحدة المخاطبة أصله أرأیت کأعطیت حذفت الهمزة کما تقدّم وقلبت الیاء الفاً وحذفت فقیل أرَت علی وزن أفَتْ فهی [ مُریة ] فی اسم الفاعل من المؤنّث أصله مرایة [ مریَتان ] أصله مریتان [ مُرِیاتٌ ] أصله مُرئیات.

[ وذاک مُریً ] فی اسم المفعول أصله مُرای حذفت الهمزة کما تقدّم وقلبت الیاء الفاً ثمّ حذفت لالتقاء السّاکنین بینها وبین التنوین فوزنه مفاً وتقول فی اسم الفاعل جاءنی مرٍ ومَرَرْتُ بِمُرٍ بالحذف ورایت مریاً بالاثبات لخفّة الفتحة وهاهنا أعنی فی اسم المفعول تقول جائنی مُریً ورایت مُریً ومررت بمریً بالحذف فی الجمیع لبقاء العلّة اعنی التحرّک وانفتاح ما قبلها.

[ وتقول فی تثنیة اسم المفعول [ مُرَیانِ ] بفتح الراء ولم تقلب الیاء الفاً لانّ الف التثنیة یقتضی فتح ما قبلها البتّة ولو قلبت وحذفت فقلت مران لزم الالتباس عند الاضافة نحو : مرا زید وفی الجمع [ مُرَوْنَ ] بفتح الراء أصله مرئیون حذفت الهمزة کما تقدّم قلبت الیاء الفاً وحذفت [ مُراة ] فی المؤنّث أصله مُریَة قلبت الیاء الفاً [ مراتان ] أصله مرئیتان [ مُرَیاتٌ ] بفتح الراء أصله مرأیات ولم یقلب الیاء الفاً لئلا یلتبس

ص: 106

بالواحدة [ و ] تقول.

[ فی الامر منه اَرِ ] بناءً علی الأصل المرفوض وهو من تأری حذفت حرف المضارعة واللام فبقی [ أرِیا أرُوا ] أصله أرِیُوا نقلت ضمّة الیاء الی ما قبلها [ أری ] أصله أرْیی نقلت کسرة الیاء فحذفت والوزن أفو وأفی [ أرِیا أرینَ ] علی وزن أفِلْنَ فالیاء هو اللّام بخلاف الواحدة فإنّها فیها ضمیر وبالتأکید [ اَریَنَّ ] باعادة اللام کاغْزُوَنَّ [ أریانَّ أرُنَّ ] بحذف الواو لدلالة الضمّة علیها أَرِنَّ بحذف الیاء لدلالة الکسرة علیها [ أریانِّ أرینانِّ وبالنّهی ] أی وفی النّهی [ لا تُرِ لا تُریانِ لا تُروا ] لا تُری لا تُریا لا ترینّ ... الخ [ وَبالتاکید لا یُرِیَنَّ لا یُرِیانِّ لا یُرُنَّ لا تُرِیَنَّ لا تُرِیانِّ لا یُرینانِّ ].

وکل ذلک ظاهر کما عرفت فیما تقدّم من حذف اللام فی لا تَرَ لا تَرَوا لا تری والاثبات فی البواقی والاعادة فی الواحد وحذف واو الضمیر ویاؤه عند التاکید فتامّل. فإنّی ذکرت کثیراً ممّا یستغنی عنه تسهیلاً علی المستفیدین.

واعلم : إنّ ما ترک المصنّف من المجرّد أنّ المنشعبات حکمها أیضاً حکم غیر المهموز إلّا أنّ الهمزة قد تخفّف علی حَسَب المقتضی وفیما ذکرنا ارشاد.

[ وتقول فی افتعل من المهموز الفاء إیتالَ ] أی أصلح [ کاختار وإیتلی ] أی قصر [ کإقتضی ] والأصل ءِأْتالَ وإِئْتَلی قلبت الثانیة یاءً کما فی إیمان وخصّص هذا بالذکر لئلّا یتوهّم أنّه لمّا قلبت الهمزة یاءً صار مثل إیتَسَرَ فیجوز قلب الیاء تاءً وإدغام التاء فی التاء کاتّعد واتّسر فقال : تقول : إیتالَ کاختار ، وإیتَلی کاقتضی من غیر إدغام لا کاتّعد واتّسر بالإدغام لأنّ الیاء هاهنا عارضة غیر مستمرّة ویحذف فی أکثر المواضع أعنی حذف همزة الوصل فی الدرج وقول من قال : إتّزر فی إیتَزَرَ خطأ وامّا إتَّخَذَ فَلَیْسَ

ص: 107

من اخذ بل من تخذ بمعنی اخذ فلذلک ادغم وإلّا لوجب أن یقال : ایتَخَذَ هذا آخر الکلام فی المهموز فلنشرع فی الفصل الّذی به نختم الفصول وهو.

فصلٌ فی اسمی الزمان و المکان

[ فصل فی بناء اسمی الزمان والمکان وهو ] اسم وضع لمکان أو زمان باعتبار وقوع الفعل فیه مطلقاً من غیر تقیید بشخص أو زمان وهو من الألفاظ المشترکة مثلاً : المَجْلِس یصلح لمکان الجلوس وزمانه فنقول فی بناء اسم الزمان والمکان [ من یَفْعِل بکسر العین علی مَفْعِل مکسور العین ] للتوافق [ کالمجلس ] فی السّالم [ والمبیت ] فی غیر السّالم أصله مَبْیِتٌ نقلت کسرة الیاء الی ما قبله.

[ و ] هو [ من یفعل بفتح العین وضمّها علی مفعل بالفتح ] أمّا فی مفتوح العین فللتّوافق وأمّا فی المضموم فلتعذّر الضّمّ لرفضهم مفعلا فی الکلام إلّا مکرما ومعونا ویرجّح الفتح علی الکسر للخفّة [ کالمذهَب ] من یذهب بالفتح [ والمقتل ] من یقتل بالضمّ [ والمشرب ] من یشرب بالفتح لکن من باب علم یعلم [ والمقام ] من یقوم أجوف والأصل مَقْوَم أعلّ إعلال أقام ولمّا کان هاهنا مظنّة اعتراض بأنّا نجد اسماء من یفعل بالفتح والضّمّ علی مفعل بالکسر أشار الی جوابه بقوله [ وشذّ المسجِد والمشرِق والمغرِب والمطلِع والمجزِر ] لمکان نحر الإبل [ والمرفق ] مکان الرّفق [ والمفرِق ] مکان الفرق ومنه مفرق الرّأس [ والمسکن ] مکان السّکون [ والمنسِک ] مکان العبادة [ والمنبت ] مکان النّبات [ والمسقِط ] مکان السّقوط ومنه مسقط الرّأس یعنی أنّ هذه الکلمات کلّها جاءت مکسورة العین علی خلاف القیاس.

[ والقیاس الفتح لأنّ المجزر مفتوح العین والبواقی من مضمومه

ص: 108

[ وحکی الفتح فی بعضها ] أی فتح العین فی بعض هذه الکلمات المذکورة علی ما هو القیاس وهو المسجَد والمسکَن والمطلَع.

[ واُجیز الفتح کلّها ] علی القیاس لکن لم یحک فی الجمیع ، قال ابن السکّیت فی إصلاح المنطق : الفتح فی کلّها جائز ولم یسمع فی الکلّ [ هذا ] أی الّذی ذکرنا إنّما یکون [ إذا کان الفعل صحیح الفاء واللام وأمّا غیره ] أی غیر صحیح الفاء واللام : [ فمن المعتلّ الفاء ] اسم الزمان والمکان [ مکسور ] عینه [ أبدا کالمَوْضِع والمَوْعِد ] لأنّ الکسر هاهنا أسهل بشهادة الوجدان ، قال ابن السکیت وزعم الکسائی : إنّه سمع مَوحَلاً بالفتح ، وسمع الفرّاء موضعاً بالفتح ، قال الشاعر علی ما رواه الکسائی :

فَأصْبَحَ العین رُکُوداً عَلَی*** الأوْشانِ إن یَرْسَخْنَ فی الْمَوْحَلِ

ونحو ذلک شاذّ.

[ ومن المعتلّ اللام ] اسم الزمان والمکان [ مفتوح ] عینه [ أبداً ] سواء کان الفعل مفتوح العین أو مضمومه أو مکسوره واویّاً أو یائیّاً قلبت اللام الفاً [ کالمأوی والمَرْمی ] مثّل بمثالین تنبیهاً علی أنّ الحکم واحد فیما عینه أیضاً حرف علّة وفیما لیس کذلک وروی مأوی الإبل ومأقی العین بالکسر فیهما ولی هاهنا نظر لانّهم یقولون معتلّ الفاء یکسر أبداً ومعتلّ اللام یفتح أبداً فلا یعلم أنّ المعتلّ الفاء واللام کیف حکمه ایفتح أم یکسر وکثیراً ما تردّدت فی ذلک حتّی وجدت فی تصانیف بعض المتاخّرین بانّه مفتوح العین کالنّاقص نحو موقی بفتح القاف.

وفی کلام صاحب المفتاح أیضاً ایماء الی ذلک [ وقد یدخل علی بعضها تاء التأنیث ] إمّا للمبالغة أو لإرادة البقعة وذلک مقصور علی السماع [ کالمظنّة ] للمکان الّذی یظنّ أنّ الشیء فیه [ والمقبرة ] بالفتح

ص: 109

للموضع الّذی یقبر فیه المیّت [ والمشرقة ] للموضع الذی یشرق فیه الشمس [ وشذ المقبُرة والمشرُقة بالضمّ لأنّ القیاس الفتح لکونهما من یفعُل مضموم العین قیل : إنّما یکون شاذاً إذا اُرید به مکان الفعل ولیس کذلک فإنّ المراد هنا المکان المخصوص ، قال ابن الحاجب : وأمّا ما جاء علی مَفْعُل بضمّ العین فاسماء غیر جاریة علی الفعل لکنّها بمنزلة قارورة وشبهها ، وقال بعض المحقّقین : انّ ما جاء علی مفعلة بالضمّ یراد أنّها موضوعة لذلک ومتّخذة له فالمقبرة بالفتح مکان الفعل وبالضمّ البقعة الّتی من شأنها أن یقبر فیها أی الّتی هی المتّخذة لذلک ، وکذلک المشرقة للموضع الّذی یشرق فیه الشمس المهیّأ لذلک فنحو ذلک لم یذهب به مذهب الفعل وجعل خروج صیغَته عن صیغة الجاری علی الفعل دلیلاً عَلی اختلاف معناه ، وکان ینبغی أن ینبّه علی أنّ المظنّة أیضاً شاذّ لأنّها بالکسر.

والقیاس الفتح لأنّها من یظنّ بالضّمّ [ و ] بناء اسمی الزمان والمکان [ ممّا زاد علی الثلاثة ] ثلاثیّاً مزیداً فیه کان أو رباعیّاً مزیداً فیه أو مجرّداً [ کاسم المفعول ] لأنّ لفظ اسم المفعول أخفّ لفتح ما قبل الآخر ولأنّه مفعول فیه فی المعنی فیکون لفظ الموضوع له أقیس [ کالمُدخَل والمُقام ] والمُدحرج والمُنطلق والمُستخرج والمُحْرنجم ، قال الشاعر : مُحْرَنْجَم الجامِل والنوی

ولمّا کان هاهنا موضع بحث یناسب اسم المکان أشار إلیه بقوله.

[ وإذا کثر الشیء بالمکان قیل فیه مَفْعَلة ] بفتح المیم والعین واللام وسکون الفاء مبنیّة [ من الثلاثی المجرّد ] أی إذا کان الاسم مجرّداً یبنی وإن کان مزیداً فیه ردّ الی المجرّد ویبنی [ فیقال : أرْض مَسْبَعَة ] أی کثیرة السبع [ ومَأْسَدَة ] أی کثیرة الاسد [ ومَذْئَبة ] أی کثیرة الذئب من المجرّد

ص: 110

[ ومَبْطَخَة ] ای کثیرة البطّیخ [ ومَقْثأة ] أی کثیرة القثّاء من المزید فیه حذفت احدی الطاءین والیاء من بطّیخ واحدی التاءین والالف من القِثّاء ووجدت فی بعض النسخ مَطْبَخَة بتقدیم الطاء علی الباء وهو سهو لکن توجیهها أن یکون من الطبیخ.

قال فی دیوان الادب : الطّبیخ لغة فی البطّیخ وهی لغة أهل الحجاز ، وفی حدیث عائشة : إنّ رسول الله صلّی الله علیه وآله یأکل الطّبیخ بالرطب. وإن کان غیر الثلاثی سواء کان رباعیّاً مجرّداً کثعلب أو مزیداً فیه کعصفور أو خماسیّاً کذلک کجحمرش وعضرفوط فلا یبنی منه ذلک للثّقل بل یقال کثیر الثعلب والعُصفور الی غیر ذلک وممّا یناسب هذا الموضع اسم الالة فنقول : [ وأمّا اسم الآلة فهو ] أی الآلة [ ما یعالج به الفاعِل المفعول لوصول الأثر الیه أی المفعول مثلاً المِنْحت ما یعالج به النجّار الخشب لوصول الأثر الی الخشب ، وقوله : وهو راجع الی اسم الآلة وان کان مؤنثاً لأنّ ما یعالج ... الخ عبارة عنها وهو مذکّر فیجوز أن یقال الآلة : هی ما وهو ما ولا یجوز ان یکون راجعاً الی اسم الآلة لأنّ التعریف إنّما یصدق علی الآلة لا علی اسمها إلّا علی تقدیر مضاف محذوف أی اسم الآلة اسم ما یعالج به.

ولیس بصحیح أیضاً لأنّه یدخل القدوم وأمثاله ولیس باسم الآلة فی الاصطلاح وقد علم من تعریف الآلة أنّها إنّما تکون للافعال العلاجیّة ولا تکون للافعال اللّازمة إذ لا مفعول لها [ فیجیء ] جواب أمّا إی اسم الآلة فیجیء [ علی ] مثال [ مِحْلَب ] أی علی مِفْعَل [ و ] مثال [ مِکْسَحَة ] أی علی مِفْعَلة بالحاق التاء ویقتصر ذلک علی السماع [ و ] مثال [ مفتاح ]

ص: 111

ای علی مفعال وانّما قال کذلک لئلّا یحتاج الی التمثیل [ ومِصْفاة ] هی ایضاً علی وزن مِکْسَحة لأنّ أصلها مِصْفَوة قلبت الواو الفا لکن ذکرها لئلّا یتوهّم خروجها حیث لم تکن علی وزن مِکْسَحة ظاهراً.

[ وقالوا مِرقاة ] بکسر المیم [ علی هذا ] أی أنّها اسم الآلة کمِصْفاة لأنّه اسم لما یرتقی به أی یصعد وهو السّلّم وإنّما ذکرها لأنّ فیها بحثاً وهو انّها جاءت بفتح المیم وهو لیس من صیغ اسم الآلة ومعناهما واحد فقال : [ ومَن فتح المیم ] وقال المَرقاة [ أراد المکان ] أی مکان الرّقی دون الآلة ، وقال ابن سکیت وقالو : مِطْهَرَة وَمَطْهَرَة ومِرقاة ومِسْقاة ومَسقاة فمن کَسَرها شبّهها بالآلة الّتی یعمل بها ومن فتحها قال هذا موضع یجعل فیه فجعله مخالفاً لاسم الآلة بفتح المیم.

وتحقیق هذا الکلام أنّ المرقاة والمسقاة والمطهرة لها اعتباران : أحدهما : إنّها أمکنة فإنّ السُّلّم مکان الرقی من حیث إنّ الراقی فیه. والآخر : إنّها آلة لأنّ السُّلّم آلة الرقی ، فمن نظر الی الأوّل فتح المیم ، ومن نظر الی الثانی کَسَرها ، فإنّ المکسور والمفتوح إنّما یقالان لشیء واحد لکن النظر مختلف فافهم. ولما قال : إنّ صیغ الآلة هذه المذکورات وقد جاءت اسماء آلات مضمومة المیم والعین فأشار الیها بقوله [ وشذّ مُدهن ] للاناء الّذی جعل فیه الدهن [ ومُسْعُط ] الّذی یجعل فیه السعوط [ ومُدْقّ ] لما یدقّ به [ ومنخل ] لما ینخل به [ ومُکْحُلَة ] للاناء الّذی یجعل فیه الکحل [ ومُحْرُضَة ] للّذی جَعَل فیه الأشنان حال کونها [ مضمومة المیم والعین ].

والقیاس کسر المیم وفتح العین وفیه نظر لأنّها لیست باسم الآلة الّتی یبحث عنه بل هی اسماء موضوعة لآلات مخصوصة فلا وجه للشذوذ

ص: 112

وقال سیبویه : لم یذهبوا بها مذهب الفعل ولکنّها جعلت اسماء لهذه الاوعیة إلّا المنخل والمدقّ فانّهما من اسماء الآلة فیصّح أن یقال إنّهما من الشّواذ [ وجاء مدقّ ومدقّة ] بکسر المیم وفتح العین [ علی القیاس ].

هذا [ تنبیهٌ ] علی کیفیّة بناء المرّة وهی المصدر الّذی قصد به الی الواحد من مرّات الفعل باعتبار حقیقة الفعل لا باعتبار خصوصیّة نوع.

[ المرّة من مصدر الثلاثی المجرّد ] تکون [ علی فَعْلَة بالفتح تقول ضَرَبت ضَرْبَةً ] فی السالم [ وقُمْتُ قَوْمَةً ] فی غیر السّالم أی ضرباً واحداً وقیاماً واحداً ، وقد شذّ علی ذلک أتَیْتُهُ إتْیانَةً ولَقیْتهُ لِقاءَةً والقیاس أتیةً ولقیةً [ و ] المرّة [ فیما زاد ] علی الثلاثة رباعیّاً کان أو ثلاثیّا مزیداً فیه یحصل [ بزیادة الهاء ] هی تاء التانیث الموقوف علیها هاء فی آخر المصدر [ کالإعطاءة والانطلاقة ] والاستخراجة والتدحرجة.

وهذا هو الحکم فی الثلاثی المجرّد والمزید فیه والرباعی کلّها [ إلّا ما فیه تاء التأنیث منهما ] أی من الثلاثی والرباعی فإنّه إن کان فیه تاء التأنیث [ فالوصف بالواحدة ] واجب [ کقولک رحمته رحمة واحدة ودحرجته دحرجة واحدة ] وقاتلْتُهُ مُقاتَلةً واحِدَة واطْمَأنَنْتُهُ طُمَأنینةً واحدة والمصادر الّتی فیه تاء التأنیث قیاسیّ وسماعیّ.

فالقیاسیّ : مصدر فَعْلَلَ وفاعل مطلقاً ومصدر فعّل ناقصاً ومصدر اَفْعَلَ واستَفْعَلَ اجوفین ، والسماعیّ نحو : رَحْمَة ونشدة وکُدْرة وعلیک بالسّماع و یبنی منه أیضاً ما یدلّ علی نوع من أنواع الفعل نحو : ضَرَبْتُ ضِرْبَةً أی نوعاً من الضرب ، وجَلَسْتُ جلْسَةً أی نوعاً من الجلوس فاشار الیه بقوله.

[ والفِعْلة بالکسر ] أی بکسر الفاء [ للنّوع من الفعل تقول هو حَسَن الطعمة والجلسة ] أی حسن النوع من الطعم والجلوس ، قال المصنّف فی شرح الهادی : المراد بالنوع الحالة الّتی کان علیها الفاعل تقول هو حَسَن

ص: 113

الرّکبة اذا کان رکوبه حسناً یعنی ذلک عادة له فی الرّکوب وهو حسن الجلسة یعنی أنّ ذلک لمّا کان موجوداً منه صار حالة له ، ومثله العذرة لحالة وقت الاعتذار ، والقتلة للحالة الّتی قتل علیها ، والمیتة للحالة الّتی مات علیها هذا فی الثلاثی المجرّد الّذی لا تاء فیه.

وامّا غیره،فالنوع منه کالمرّة بلا فرق فی اللفظ والفارق القرائن الخارجة تقول : رحمته رحمة واحدة للمرّة ورحمة لطیفة ونحوها للنوع ، وکذا دحرجة واحدة ودحرجة لطیفة ونحوها ، وانطلاقه واحدة للمرّة وحسنة أو قبیحة أو غیرهما للنوع ، وکذا البواقی ولیکن هذا آخر الکلام ، والحَمدُ لله ربّ العالمین.

هذا تمام الشّرح للتّصریف.

ص: 114

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.