نبذه مختصرة من حیاة الشیخ الفیاض

اشارة

کتاب نبذه مختصرة من حیاة الشیخ الفیاض

نویسنده : فیاض، محمد اسحاق

زبان : عربی

ناشر : مؤلف

سایر نویسندگان : نویسنده:فیاض، محمد اسحاق

تعداد صفحات : 58ص

موضوعات مرتبط : فیاض، محمد اسحاق، 1934 - - سرگذشت نامه - زندگی نامه

ص :1

اشارة

نبذه مختصرة من حیاة الشیخ الفیاض

نویسنده : فیاض، محمد اسحاق

ص :2

مقدمة:

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

فیها أمران:

الأول:

إن الدین الإسلامی القویم قد سمح بعملیة الاجتهاد فی کل عصر ولکل فرد شریطة توفر مؤهلاته فیه، بل إن هذه العملیة ضروریة فی الإسلام وهذه الضرورة تنجم من أبدیة الشریعة الإسلامیة التی هی النظام الوحید لحل مشاکل الإنسان الکبری فی مختلف مجالات الحیاة علی أساس أنها تزود الإنسان بطاقات وملکات فاضلة وأخلاق سامیة لمعالجة تلک المشاکل المعقدة وهو یربط بین الدوافع الذاتیة والمیول الطبیعیة والاتجاهات الشخصیة للإنسان وبین مصالح الإنسان

ص:3

الکبری وهی الدین والعدالة الاجتماعیة التی قد أهتم الإسلام بها وهو الوسیلة الوحیدة لحل التناقضات بین الدوافع الذاتیة لمصالح شخصیة وبین الدوافع النوعیة لمصالح عامة وهو یجهز الإنسان بطاقات غریزة الدین ودوافعه وبذلک تصبح المصالح العامة للمجتمع الإنسانی علی وفق المیول الطبیعیة والدوافع الذاتیة وهذا هو معنی حل الدین الإسلامی لمشکلة الإنسان الکبری علی وجه الأرض وهذه الأبدیة للشریعة الإسلامیة وانسجامها مع الحیاة العامة فی کل عصر تستدعی ضرورة حرکة فکریة اجتهادیة ذات طابع إسلامی علی طول الخط لکی تفتح الآفاق الذهنیة وتحمل مشعل الکتاب والسنة فی کل دور وعصر ولولا هذه الحرکة الفکریة الاجتهادیة فی الإسلام فی غیاب دور المعصومین (علیه السلام) وتطورها وتعمقها عصراً بعد عصر بتطور الحیاة وأتساعها وتعمقها بمختلف جوانبها الاجتماعیة والفردیة والمادیة والمعنویة لم تتبلور أصالة المسلمین فی التفکیر والتشریع المتمیز الملائم مع الحیاة فی کل عصر المستمد من الکتاب والسنة علی طول

ص:4

التاریخ فی عصر الغیبة فلو لم تکن هذه الحرکة الفکریة الاجتهادیة مستمرة فی طول التاریخ وفی کل عصر لانطفأ مشعل الکتاب والسنة فی نهایة المطاف وظلت المشاکل الحیاتیة فی المجتمع الإسلامی من الجانب الاجتماعی والفردی فی کل عصر بدون حل صارم ولهذا یتطور علم الفقه ویتسع ویتعمق تدریجیاً تبعاً لتطور الحیاة العامة، وأتساعه دقة وعمقاً فی جمیع المجالات الحیاتیة علی طول الخط یؤکد فی المسلمین اصالتهم الفکریة المتمیزة فی تمام جوانب الحیاة وشخصیتهم التشریعیة المستقلة وعلی هذا الأساس فلا بد فی کل عصر من قیام جماعة لبذل أقصی الجهد للوصول إلی مرتبة الاجتهاد الکاملة وتحمل مصاعبها ومشاقها فإنها مرتبة عظیمة فی الإسلام وامتداد للزعامة الدینیة إلی زمان الغیبة وفی کل عصر إلی یوم القیامة و إلا ظلت المشاکل المتجددة فی کل یوم من المشاکل الاجتماعیة والفردیة بلا حلول ملائمة لها فی أطار الشرع.

ص:5

الثانی:

اشارة

إن المحور الأساسی لعملیة الاجتهاد والاستنباط وموضوعها فی الدین الإسلامی هو علم الأصول والفقه وهما علمان مستمدان من الکتاب والسنة ومترابطان بترابط متبادل فی طول التاریخ. حیث أن علم الأصول قد وضع لممارسة تکوین النظریات العامة وتحدید القواعد المشترکة فی الحدود المسموح بها شرعاً وفقا لشروطها العامة للتفکیر الفقهی التطبیقی وعلم الفقه قد وضع لممارسة طریقة تطبیق تلک النظریات العامة والقواعد المشترکة علی عناصرها الخاصة التی تختلف من مسالة إلی أخری ومن هنا یرتبط علم الفقه بعلم الأصول أرتباطاً وثیقاً منذ ولادته إلی أن ینمو ویتطور ویتسع تبعاً لتطور البحث وأتساعه بظهور مشاکل جدیدة فی الحیاة الیومیة.

ص:6

وتوضیح ذلک إن فهم الحکم الشرعی من نصوص الکتاب والسنة التشریعیة فی کل مسألة ومورد بحاجة إلی عنایة زائدة ودقة کبیرة ومن الطبیعی إن هذا الفهم المسمی بالتفکیر الفقهی لا یمکن بدون التفکیر الأصولی یعنی بدون استخدام القواعد العامة الأصولیة وإن کان الممارس غیر ملتفت إلی طبیعة تلک القواعد وحدودها وأهمیة دورها فی الاستنباط الفقهی. ومن أجل هذا الترابط الوثیق بین الفقه والأصول فکلما اتسعت البحوث الفقهیة وتعمقت بأتساع مشاکل صنوف الحیاة بمختلف جوانبها الفردیة والاجتماعیة والمعنویة والمادیة ووجود عناصر جدیدة فیها اتسعت البحوث الأصولیة والنظریات العامة وتعمقت وتطورت حیث ان اتساع الفقه دقة وعمقا یدفع البحوث الأصولیة والقواعد المشترکة خطوة إلی الأمام فالنتیجة إن توسع البحوث الفقهیة التطبیقیة وتطورها عصراً بعد عصر تبعاً لتطور الحیاة وتوسع مشاکلها فی مختلف مجالاتها یتطلب توسع البحوث الأصولیة وتطورها کذلک بنسبة واحدة.

ص:7

ومن هنا کلما کان الباحث الأصولی أدق وأعمق فی التفکیر الأصولی وتکوین النظریات العامة والقواعد المشترکة المحددة کان أدق وأعمق فی طریقة عملیة تطبیقاتها علی مسائلها وعناصرها الخاصة وفقاً لشروطها المحددة فإن الترابط بین العلمین ذاتا والتفاعل بینهما کذلک فی تمام الأدوار والمراحل یستدعی وجدانا أنه إذا بلغ مستوی التفکیر الأصولی درجة بالغة من الدقة والعمق بلغ مستوی التفکیر الفقهی التطبیقی نفس الدرجة ولا یعقل أن یکون مستوی التفکیر الأصولی بالغاً درجة کبیرة من الدقة والعمق والسعة ویبقی مستوی التفکیر الفقهی التطبیقی دون ذلک المستوی والدرجة وهذا خلاف فرض ارتباط الفقه بالأصول وتولده منه.

وبکلمة إن النظریات العامة الأصولیة کلما کانت موضوعة فی صیغ أکثر عمقاً وصرامة وأکبر دقة وأوسع مجالاً تطلبت فی مجال التطبیق دقة وعمقاً أکبر والتفاتاً أکثر وأوسع وهذا معنی الترابط

ص:8

والتفاعل بین الذهنیة الأصولیة والذهنیة الفقهیة وهاتان الذهنیتان متبادلتان علی مستوی واحد فی تمام أدوارهما ومراحل وجودهما لأن دقة البحث فی تکوین النظریات العامة فی الأصول تنعکس تماما فی الفقه علی صعید التطبیقات، ولا نقصد بذلک إن عملیة تطبیق النظریات العامة علی المسائل والعناصر الخاصة فی الفقه لا تحتاج إلی أی تفکیر وبذل أی جهد ودقة، بداهة إن المجتهد کما أنه بحاجة فی دراسة النظریات العامة فی الأصول وتکوین القواعد المشترکة وفق شروطها العامة إلی التفکیر دقة وعمقاً وبذل الجهد العلمی المتعب خلال سنین متمادیة کذلک أنه بحاجة فی تطبیق تلک النظریات العامة والقواعد المشترکة علی عناصرها الخاصة إلی دراسة جوانب التطبیق وممارستها بدقة وما یرتبط بها من القرائن الخارجیة فی کل مسألة بلحاظ طبیعة تلک المسألة وأرضیة موردها بل نقصد بذلک إن الذهنیة الأصولیة النظریة ترتبط بالذهنیة الفقهیة التطبیقیة علی طول التاریخ وفی تمام المراتب، فإذا بلغت الذهنیة الأصولیة درجة أکبر عمقا

ص:9

وأکثر دقة انعکست تماما علی الذهنیة الفقهیة وتطلبت فی مجال التطبیق دقة أکثر وعمقاً أکبر، هذا ثم إن الهدف من وراء الأمر الأول التنبیه والتذکیر علی النقاط التالیة:

الأولی:

إن الحرکة الفکریة الاجتهادیة وتطورها وتعمقها فی کل عصر بدرجة أکبر سعة وأکثر دقة المستمدة من الکتاب العزیز والسنة النبویة تؤکد بشکل قاطع أصالة المسلمین واستقلالهم فی تشریعاتهم المادیة والمعنویة والاجتماعیة والفردیة والثقافیة والأخلاقیة.

الثانیة:

إن الشریعة الإسلامیة هی الوسیلة الوحیدة لحل مشاکل الإنسان الکبری المعقدة فی مختلف جوانب الحیاة.

الثالثة:

ص:10

إن سد باب هذه الحرکة الفکریة الاجتهادیة العظیمة أو التنقیص من شانها إطفاء لبدیة مشعل الکتاب والسنة أو التنقیص من شأنهما. والهدف من وراء الأمر الثانی التنبیه علی أن ما هو متداول فی بعض الألسنة إن العالم الفلانی أصولی لیس بفقیه أو بالعکس فهو کلام عامی بعید عن الواقع وصادر عمن لا یلتفت إلی طبیعة القواعد الأصولیة وحدودها وأهمیة دورها فی عملیة الاستنباط والاجتهاد الفقهی ومدی تأثیر هذا الارتباط والتفاعل بینهما فی العملیة، لما عرفت الآن من أن الترابط والتفاعل بین العلمین ذاتی فلا یمکن التفکیک بینهما فی جمیع المستویات فالفقیه فی نفس الوقت أصولی قدیر و الأصولی فی نفس الوقت فقیه بارع.

بعد هذه المقدمة نقول :

إن مدرسة النجف الأشرف مدینة أمیر المؤمنین علیه الصلاة السلام باب مدینة علم الرسول (صلی الله علیه واله وسلم) من

ص:11

أعظم وأشهر الجامعات العلمیة والإسلامیة للحرکة الفکریة الاجتهادیة فی الفقه والأصول المستمدین من الکتاب والسنة ومن أهم المعاهد العلمیة الدینیة للطائفة الإمامیة، ومن هذه المدرسة الکبری الشریفة تخرج آلاف الفقهاء العظام والمجتهدین الکبار وأعلام الطائفة والأساتذة من زمن شیخ الطائفة الشیخ الطوسی قدّس سرّه إلی زماننا هذا و هؤلاء الفقهاء العظام طوال عشرة قرون قد قدموا جهوداً کبیرة فی خدمة الدین والمذهب بأقلامهم المبارکة ودروسهم النفیسه ومؤلفاتهم القیمة ونشرهم الثقافة الدینیة فی العالم الإسلامی بل فی العالم ککل رغم الظروف القاسیة والمصاعب التی مرت بهم خلال تلک القرون ولا یزالون یقدمون خدمة کبیرة للدین الإسلامی والمذهب بشجاعة فائقة فی ظل أصعب الظروف وأقساها و مهما کان حجمها حیث إن حجم الهدف أکبر من کل شیء فمن هنا أصبحت الطائفة فی العصر الحاضر ذا شأن عظیم منتشرة فی أقطار العالم ولهم فی کل بلد صوت بینما کانوا قبل تلک القرون یعیشون غالبا فی تقیة

ص:12

وهذا لیس إلا من الجهد المتواصل فی خدمة المذهب لعلمائنا العظام طوال هذه القرون ومن أبرز العلماء والمجتهدین العظام فی القرن الأخیر وأشهرهم وأعلمهم هو سید الطائفة سیدنا وأستاذنا الأعظم آیة الله العظمی السید أبو القاسم الخوئی قدّس سرّه الذی واکب مسیرة العلم وحرکة التطور والنمو الفکری فی هذه المدرسة الکبری وکان قدّس سرّه قد رفع رایتها خفاقة عالیة ورصدها بتالیفاته القیمة وتحقیقاته وتدریسه فی حقول المعرفة کالأصول والفقه والتفسیر والرجال حیث أنه تعمق فیها دقة وسعة ولا سیما فی علمی الأصول والفقه وأحکم قواعدهما النظریة والتطبیقیة وبناهما علی أسس متینة ومجددة ومبان رصینة واکتشف أفاقا جدیدة فی هذین العلمین الشریفین فأبدع فی ذلک، فأحرز مقام القیادة الکبری ونال شرف أستاذ العلماء والمجتهدین فی الحوزات العلمیة والمعاهد الدینیة الکبری، وقد قام الإمام الخوئی قدّس سرّه بإلقاء الدروس العلیا (الخارج) فی الفقه والأصول علی جمع غفیر من الفضلاء ذوی الکفاءة واللیاقة لا یقل عددهم عن أربعمائة أو

ص:13

خمسمائة نفر وقد تمیزت دروسه فی الحوزة العلمیة بالابتکار والتحقیق والتدقیق سعة وعمقا واتسمت أبحاثه بالقوة فی الاستدلال والاحاطة العلمیة بأفکار العلماء وتحلیلها ونقدها بأسلوب بلیغ رائع وبیان ساحر وفصیح ولذلک قد فاق أقرانه ومعاصریه من کبار الأساتذة والعلماء فی الحوزة العلمیة الکبری وتفوق علیهم فی استقطاب أکبر عدد من الطلبة والفضلاء ذوی اللیاقة والکفاءة وکان مجلس درسه قدّس سرّه من أوسع الدروس إقبالا وحضوراً وأکثرها انتشارا وکان بحق القطب الذی تدور حوله الحرکة العلمیة کان کالشمس ترسل أشعتها علی الدوام أکثر من نصف قرن وقد أستحق بذلک عن استحقاق لقب زعیم الحوزة العلمیة الکبری فی النجف الأشرف.

وقد شرع الإمام الخوئی قدّس سرّه فی درس الأصول (الخارج) ولا یتجاوز عمره الشریف عن خمسة وعشرین سنة واستمر فی دراسته سبعة دورات کاملة فی الأصول وشرع فی الدورة الثامنة ولم یتم وفی

ص:14

کل دورة تخرج من مدرسته مئات من العلماء والأساتذة وأعلام الطائفة وقد درس قدّس سرّه خارج الفقه علی ضوء الکتاب والسنة دورة کاملة إلا بعض أبوابه القلیلة، واضافة إلی ذلک فقد درس قدّس سرّه خارج باب الصلاة مرة أخری مستقلة وکذلک باب الطهارة ودرس قدّس سرّه خارج مکاسب الشیخ الأنصاری قدّس سرّه دورتین کاملتین ولم یسبقه فی ذلک غیره من علماء الطائفة طوال عشرة قرون.

وسر هذا النجاح الکبیر والتوفیق العظیم للسید الأستاذ الإمام الخوئی قدّس سرّه یتمثل بالنقاط التالیة:

النقطة الأولی:

مقدرته الفکریة الذاتیة فإن لتلک المقدرة أثراً کبیراً فی تحدید القواعد والنظریات العامة وتکوینها فی الأصول وفق شروطها بصیغة

ص:15

أکثر دقة وعمقاً و شمولاً، وتطبیقها علی عناصرها فی الفقه بدقة أکثر التفاتاً وبعمق أکبر تحقیقاً وبسعة أشمل مجالاً.

النقطة الثانیة:

مقدرته العلمیة الفائقة فی تحلیل المسائل المعقدة والنظریات الصعبة الأصولیة والفقهیة بصیغة أسهل تناولاً وأبلغ تنظیماً وترتیباً، وبفضل هذه المقدرة العلمیة الفائقة ومؤهلاته الفکریة الواسعة الذاتیة وذهنیته الوقادة فی علمی الأصول والفقه أبتکر فیهما آراء ونظریات لم یسبقه إلیها غیره أصلا وقد تقدمت الإشارة إلیها.

ومن هنا قال تلمیذه العبقری الکبیر الشهید السید محمد باقر الصدر قدّس سرّه إن مقام ثبوت السید الأستاذ الإمام الخوئی قدّس سرّه علمیا ونظریاً أقوی وأکبر من مقام إثباته ویظهر ذلک بوضوح لکل طالب فی مقام التباحث مع سماحته قدّس سرّه شریطة أن یکون أهلا لذلک وقال

ص:16

أیضاً تلمیذه الکبیر فی مقالة کتبها حول عمق علاقته بأستاذه الإمام الخوئی قدّس سرّه إن علاقتی هی من أشرف وأطهر وأقدس العلاقات فی حیاتی وهی علاقتی بسیدنا وأستاذنا وسندنا وسنادنا آیة الله العظمی الإمام الخوئی (دام ظله الوارف) هذا الأستاذ الذی أبصرت نور العلم فی حوزته وذقت طعم المعرفة علی یده وإن من أعظم ما ینعم الله به علی الإنسان بعد الإیمان العلم ولأن کنت قد حصلت علی شیء من هذه النعمة فإن فضل ذلک یعود إلیه فلست إلا ثمرة من ثمرات وجوده وفیضه الشریف وولد من أولاده الروحیین.

النقطة الثالثة:

إن دروسه قدّس سرّه کانت تمتاز فی التحقیق والتدقیق وتحلیل المسائل العلمیة الدقیقة والنظریات العامة بشکل یلیق بها وطرحها علی أسس ومبان متینة ورصینة من جهة حسن التقریر وقوة الأداء

ص:17

واستحکام الأدلة بأسلوب رائع وبلیغ وبیان سحری جذاب وفصیح ولون أدبی جمیل وبتنسیق منظم وبارع، وسیطرته قدّس سرّه التامة علی المطالب والنظریات العلمیة بدرجة لا یفلت زمام أمرها عنه مهما کانت معقدة فإن له المقدرة علی تحلیلها وحل مشاکلها وبیانها بأبسط صیغة وهذا إن دل علی شیء فإنه یدل علی سیطرته الکاملة علی المسائل العلمیة مهما کانت معقدة وصعبة، ومجموع ما فی هذه النقاط من المؤهلات والخصوصیات الذاتیة الممیزة المتوفّرة فی الإمام الخوئی قدّس سرّه سبب لنجاحه الکبیر وتفوقه علی سائر أقرانه ومعاصریه من العلماء والأساتذة الکبار فإن تلک المؤهلات والخصوصیات الممیزة جعلت دروسه من أوسع الدروس إقبالاً وأکثرها رونقاً وحضوراً وتفهماً وتفهیماً إذ قلما یوجد شخص یحضر مجلس درسه لا بغرض الاستفادة ومن هنا نقول إن نسبة من یکتب دروسه لا تقل عن تسعین بالمائة بنسبة تقریبیة.

ص:18

ولهذا تخرج من مجلس درسه علی یدیه الکریمتین طوال تاریخ زعامته علی الحوزة المبارکة مئات الأساتذة والمدرسین فی الحوزات العلمیة المنتشرة فی أقطار العالم الإسلامی وعشرات المجتهدین الکبار وتسنم نخبة منهم فی العصر الحاضر سدة المرجعیة فی الحوزات العلمیة الشهیرة فی النجف الاشرف وقم المقدسة ومشهد الرضا المقدس.

ص:19

کمالاته النفسیة وملاکاته الفاضلة

الإمام الخوئی وکمالاته النفسیة

کان السید الأستاذ قدّس سرّه إلی جانب مواهبه العلمیة ومؤهلاته الفکریة الذاتیة یتحلی بملکات فاضلة وصفات حمیدة وکمالات سامیة متمیزة وطاقات نفسیة کبیرة ولذلک کان قدّس سرّهمسیطراً علی نفسه ومیوله الطبعیة المضلله بقوة ملکاته الفاضلة وطاقاته النفسیة الکبیرة فإنها إذا تحققت ترشد الإنسان إلی الاتجاهات الدینیة الصحیحة وتسهل الطریق إلی الله تعالی والإیمان به وتزیل العوائق والموانع وتجعل مخالفة الهوی والمیول الطبعیة والدوافع الذاتیة الشهوانیة سهلا بل تجعلها موافقة لمیوله وغریزته الدینیة التی تصبح طبیعة ثانیة له ولهذا کان قدّس سرّه صادقا فی قوله ووافیا بوعده وطالبا لمرضاة الله تعالی

ص:20

فی أعماله والإخلاص فیها ومخالفاً لهواه ومتواضعا فی خلقه وعشرته ولم یدخل فی نفسه الکریمة شیء من الکبریاء والعجرفة ولم تؤثر فیه الرئاسة والزعامة وإذا حضر بین تلامذته کان کأحدهم طالبا للحق واستسلاما للحقیقة من أی فرد وکان مؤدباً فی سلوکه ویحترم أهل العلم والفضل وینزلهم منازلهم ولا ینتقص أحداً أبداً فما سمعته قدّس سرّه طیلة وجودی معه والتی لم تقل عن خمس وثلاثین سنة تقریبا یتکلم علی أحد بما لا یناسبه مهما کان موقفه تجاهه سلبیا وعدائیا وکل احد إذا ذکره، ذکره بخیر وما رأیت هذه النفسیة الکبیرة الصابرة فی غیره وهذا لیس إلا من جهة أنه جهز نفسه بغریزة الدین والإیمان وزودها بتقوی الله والإخلاص فی العمل والصفات الحمیدة والملکات الفاضلة السامیة والطاقات النفسیة الصابرة وباعتقادی الراسخ إن صفاء نفسه قدّس سرّهوطیب باطنه وخلوص نیته فی أعماله المادیة والمعنویة وإیمانه الراسخ بالله تعالی من جانب والصفات الحمیدة والأخلاق الفاضلة والملکات السامیة والطاقات النفسیة الکبیرة من جانب آخر

ص:21

کان أحدی الوسائل والأسباب التی قد من الله تعالی بها علیه بهذا التوفیق الکبیر الناجح.

ص:22

معاناته من قبل النظام البائد

الإمام الخوئی ومعاناته

وبعد وفاة المرجع الأعلی الإمام الحکیم قدّس سرّه تسنم السید الخوئی قدّس سرّه منصب المرجعیة العلیا فی النجف الاشرف وبدأت معاناته بسبب رموز النظام البائد لأن النظام قد قام بانتهاک الحوزة العلمیة بذرایع مختلفة وتهم متنوعة منذ ولادته یومیا وقد وصلت أدواته القمعیة وانتهاکاته للحوزة العلمیة ذروتها فی حین جعل النظام الإمام الحکیم قدّس سرّه تحت رقابة مشددة فی بیته ومنع الناس عن الوصول إلیه، نعم قد زاره الإمام الخوئی قدّس سرّه فی الأسبوع مرة واحدة، وبعد وفاته زاد النظام فی أدواته القمعیة وانتهاکاته للحوزة العلمیة ومضایقته للسید الخوئی قدّس سرّه وقد وصلت هذه الضغوط والانتهاکات والمضایقات للحوزة بالقتل والتشرید ذروتها أیام الحرب ولهذا لم یبق منها إلا أصولها ورموزها

ص:23

المعنویة وکان هدفهم المشؤم من کل ذلک هدم الحوزة نهائیا ولکنهم لم یصلوا إلی هذا الهدف المشؤم لسببین:

السبب الأول: بعنایته تعالی وتقدس وفضله الکریم وببرکة صاحب هذا المکان المقدس وبرعایة إمام العصر عجل الله تعالی فرجه الشریف.

السبب الثانی: بالصبر والتحمل من السید الأستاذ قدّس سرّه فانه تحمل ما تحمل من المضایقات من قبل النظام بطرق مختلفة وأسباب قمعیة متنوعة تارة بإعدام ثلة من حواشیه وأخری بالضغط علی فضلاء الحوزة بالقتل والحبس والتشرید والتسفیر وهکذا، ومع کل هذه الأسباب القمعیة والمضایقات فانه قدّس سرّه تحمل وصبر کالجبل الراسخ فی سبیل الحفاظ علی کیان هذه الحوزة المبارکة والهدف من وراء کل هذه المضایقات والضغوط أما أن تصدر منه قدّس سرّهکلمة ضد النظام أو لتأییده ومشروعیته فان النظام علی کلا التقدیرین یصل إلی هدفه

ص:24

المشؤم، أما علی الأول فانه ذریعة لهدم الحوزة نهائیاً، وإما علی الثانی فانه تهدیم لمعنویة الحوزة وروحها المتمثلة بالسید الخوئی قدّس سرّه هذا هو دیدن علمائنا العظام فإنهم کانوا یبذلون أنفسهم فی سبیل الحفاظ علی کیان الحوزة ومکانتها الدینیة وهیبتها واستقلالیتها فی کافة شؤونها الاقتصادیة والتعلیمیة والدینیة فی الأوقات التی تعرضت الحوزة من قبل الحکومات والأنظمة الجائرة للانتهاکات والمضایقات لأن الحفاظ علی کیانها حفاظٌ علی کیان المذهب. وبعد سقوط النظام أخذت الحوزة عافیتها ونشاطها یوما بعد یوم إلی أن واجهت ظروفا غیر متوقعة أملنا بالله تعالی کبیر أن تمر هذه الظروف بسلام وتستعید الحوزة نشاطها تدریجیا ومن هنا إن الوظیفة الشرعیة تملی علی العلماء ورجال الحوزة وأساتذتها وطلابها الاهتمام الجاد بالدراسة والتحقیق وبذل أقصی الجهد فیها لکی یحافظ علی مکانة الحوزة العلمیة المبارکة وعطاءها المستمر بشکل أفضل یوما بعد یوم حتی تستعید

ص:25

عافیتها بالکامل و بشکل أکثر ازدهارا وتوسعة تلیق بها وبمکانتها العلمیة وثوابتها الدینیة والإسلامیة.

ص:26

بعض النظریات الابتکاریة للسید الخوئی قدّس سرّه فی الفقه والأصول

المقدمة

مدرسة النجف الأشرف فی طلیعة المدارس التی ازدهرت فیها الحرکة العلمیة واشتهرت بعلمائها ونشاطاتهم الفکریة، وهی مدینة التاریخ والعبقریة، إذ تخرج منها من لدن زمان شیخ الطائفة الشیخ الطوسی قدّس سرّه إلی عصرنا الحاضر آلاف العلماء الأفذاذ وزعماء الفقه الإسلامی وأئمة الأصول والحدیث والتفسیر، وفی مقدمتهم المرجع الدینی الأعلی للعالم الإسلامی وزعیم الطائفة سیدنا الأستاذ الأعظم

ص:27

سماحة آیة الله العظمی السید أبو القاسم الخوئی قدّس سرّه. فإنه (رضوان الله تعالی علیه) کان بحق رجل العلم والتاریخ والفکر، ومثالاً للعدالة والاستقامة بلا منازع. وکان یتمتع بقدسیة کبیرة ونفسیة سامیة مزودة بملکات فاضلة وصفات حمیدة وطاقات ذاتیة قل نظیرها، وکان مخلصا فی عمله محبّراً. مثابراً لا تحرکه العواصف ولا العواطف یمیناً وشمالاً، ولا تزعزعه المشاکل والصعاب مهما کان لونها، ومن صفاء روحه وورعه وتقواه، عدم إشغال باله إلا بمحاسبة نفسه أمام الله تعالی، وعدم اهتمامه بما قیل أو یقال فی حقه، فقد رافقته قرابة خمسة وثلاثین عاماً فما رأیته ولا سمعته قط تجّرأ علی أحد، أو أنتقص من أحد، ولیس هذا إلاّ دلیلاً علی سمّو النفس ورفعتها وتقواها. وأما فی ما یتعلق بأفکاره وآرائه، فإنه قدّس سرّه قد جمع عمق الفکرة إلی سلامة الذوق ودقة النظر والرأی إلی جمال البیان والتعبیر، وکانت لدیه موهبة رائعة و مقدرة علمیة عالیة، ففی عهده قدّس سرّه قد تجلت الحرکة العلمیة النابضة بالأفکار و الآراء وهو قطب رحاها،

ص:28

فکان بعید الغور، عمیق الأثر، یعرف کیف یتصرف فی المسائل العویصة والقواعد المعقدة نظریاً وتطبیقیاً من مختلف الجهات، وکانت مهارته العلمیة ونبوغه الفکری تظهر من خلال عرض المسائل الصعبة الغامضة علیه وکیفیة تلقیه لها، وسرعة انتقاله إلی نکاتها ورموزها ودقائقها، واستیعابه لمختلف نواحیها ومن ثم الإتیان بحل دقیق وجواب متقن رصین وذلک بأسلوب جذاب بلیغ وعرض شائق رفیع وذوق أدبی سلیم حیث کان مسیطراً علی المسائل مهما کان نوعها ودرجتها من التعقید، فکان العلم ینحدر من منبره ویفور من معدنه فوران الماء من منبعه والطیب من مسکه.

وکان له قدّس سرّه الید الطولی فی الجدل والنقاش، وقد أبدی فیه مقدرة عالیة ومهارة فنیة فائقة بجودة إدراکه ودقة استیعابه المسائل من کافة جوانبها المثبتة والنافیة، وکیفیة اقتحامها وردها علی الخصم والخروج عنها، فلذا کلما ردت علیه المسالة ردها بأسلوب آخر،

ص:29

وهذا لا یکشف إلا عن ذهنیته الوقادة وقدرته العلمیة وأنه مجهز بطاقات علمیة غزیرة وذکاء حاد. ومن هنا ینبغی أن یقال فی حقه: إن مقام ثبوته أقوی وأرقی من مقام إثباته، رغم إن علو مقامه إثباتا قد أصبح جلیاً وظاهراً کظهور الشمس فی رائعة النهار. وخیر دلیل ساطع علی ما أقوله مواکبة العلماء والفضلاء علی دروسه ومحاضراته فی الحوزة العلمیة الکبری فی النجف الأشرف، واشتیاقهم لحضور أبحاثه وهضم أفکاره، فقد تخرج علی یده قدّس سرّه جمهرة کبیرة من أعلام الفضل وفطاحل العلم وقادة الفکر ورموز الإبداع الذین بیدهم الیوم زمام الدراسات العلیا فی الفقه والأصول فی الحوزات العلمیة فی أرجاء العالم الإسلامی، حیث تدور أبحاثهم حول أفکاره القیمة وآرائه الدقیقة ونظریاته العمیقة أصولیا وفقهیا نظریا وتطبیقیا (کدوران الأرض حول نفسها) فحسبه فخراً هذا الثمر العظیم والنتاج الجبار.

ص:30

مضافاً إلی أنه لا یمکن لمثله قدّس سرّه أن یقف عند هذا الحد، بل سار إلی الأمام بخطوات حثیثة ودخل میدان الإبداع وفجر ینابیعه، فقد أبدع أفکاراً متألقة ونظریات حدیثة فی الأبحاث الأصولیة والفقهیة. وعلی سبیل المثال أقدم بین أیدیکم مجموعة من إبداعاته وبلورة أفکاره فی هذین المجالین:

ص:31

الأبحاث الأصولیة وموارد الإبداع فیها

المورد الأول: نظریة التعهد ومسألة الوضع

حیث أن مسألة الوضع من أهم المسائل الاجتماعیة فی کل مجتمع عقلائی منذ نشوء الإنسان علی وجه الکرة الأرضیة علی أساس إن الإنسان من بدایة نشوءه کان بحاجة إلی استخدام ظاهرة اللغة فی حیاته کوسیلة للتفاهم مع الآخرین وإبراز مقاصده ونقلها إلیهم. وبما إن حیاة الإنسان قد تطورت وتکاملت وتعمقت عصراًً بعد عصر وتوسعت قرناً بعد آخر من مختلف جهاتها، فبطیعة الحال تتطلب تطور ظاهرة اللغة وتکاملها وتوسعها بما یناسب ذلک لأنهما مترابطان

ص:32

بترابط متبادل. ولما رأی قدّس سرّه إن الوضع علی ضوء تفسیر المشهور لا ینسجم مع مکانة هذه المسألة وأهمیتها لدی العقلاء أبتکر نظریة جدیدة متکاملة کما وکیفاً وهی نظریة التعهّد علی أساس إن هذه النظریة بنفسها نظریة عقلائیة تناسب مکانة هذه المسألة، وتتمیز عن غیرها بما یلی:

الأول: إنها عبارة عن التلازم بین اللفظ الخاص والمعنی المخصوص المحقق للدلالة بقضیة شرطیة یتعهد بها العقلاء فی کل مجتمع علی طول التاریخ، وطرفاها: النطق باللفظ، وقصد إفهام بالمعنی. وعلی أساسه ینفی وجود أی داع آخر للنطق باللفظ سوی قصد الإفهام.

الثانی: إن الدلالة الناتجة من الوضع علی أساس هذه النظریة دلالة تصدیقیة عقلائیة لا تصوریة محضة، لأن اللفظ بعد التعهد المذکور یکشف کشفاً تصدیقیاً عن قصد المتکلم إفهام المعنی، وأما

ص:33

الدلالة التصوریة بین اللفظ والمعنی فهی لا تستند إلی الوضع بالمعنی المذکور، بل هی نتیجة الأنس الذهنی بینهما.

الثالث: إن کل مستعمل یصبح واضعاً حقیقة علی ضوء هذه النظریة، لأن الوضع عبارة عن التعهد والفرض إن کل مستعمل تعهد بأن لا ینطق باللفظ إلا عند إرادة إفهام معنی خاص.

المورد الثانی: نظریة الإبراز ومسألة الإنشاء

حیث إن تفسیر المشهور الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ یکون ناقصاً بنظره قدّس سرّه وغیر تام فابتکر نظریة جدیدة تناسب مکانة المسألة وأهمیتها لدی العقلاء و آثارها الاجتماعیة، وهی نظریة الإبراز، أی: إن الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباری النفسانی بمبرز ما فی الخارج من قولٍ أو فعل، وتتمیز هذه النظریة عن نظریة الإیجاد بأن

ص:34

الأولی مدلول تصدیقی للفظ، والثانیة مدلول تصوری وتترتب علی هذه النظریة آثار مهمة:

الأول: إن مدلول الأوامر والنواهی علی أساس هذه النظریة عبارة عن إبراز الأمر الاعتباری النفسانی، دون الوجوب والحرمة، فإن الحاکم بهما فی مواردهما العقل بملاک صدورهما من المولی بعنوان المولویة إذا لم تکن قرینة علی الترخیص.

الثانی: أمکان الالتزام بالشرط المتأخر علی أساس إن الحکم الشرعی علی ضوء هذه النظریة أمر اعتباری لا واقع موضوعی له ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار وعلیه فلا مانع من اعتباره مشروطاً بشرط متأخر کما یعتبر مشروطاً بشرط مقارن.

الثالث: عدم المضادة بین الأحکام الشرعیة بأنفسها وذواتها، لأنها أمور اعتباریة لا واقع موضوعی لها حتی تتصور المضادة بینها،

ص:35

نعم إن المضادة إنما هی بین مبادیها فی مرحلة الملاک وبین الأحکام فی مرحلة الامتثال، وأما فی مرحلة الجعل فلا مضادة بینها.

الرابع: إن مقتضی هذه النظریة عدم اعتبار کون المبرز لفظاً أو صیغة خاصة، فإن کل ذلک بحاجة إلی عنایة زائدة، و إلا فمقتضی القاعدة کفایة کون المبرز أشارة أو فعلاً، بینما یکون مقتضی نظریة المشهور اعتبار اللفظ، وأما کفایة غیر اللفظ فهی بحاجة إلی دلیل، فإن قام دلیل علی الکفایة کالسیرة أو نحوها فهو، و إلا فلا یکفی.

المورد الثالث: نظریة التحصیص

فی وضع الحروف

فإنه قدّس سرّه بعد انتقاده سائر النظریات فی تلک المسألة واحدة تلو الأخری انتقاداً موضوعیاً، قام بإبداع نظریة التحصیص فیها وهی: إن الحروف موضوعة للدلالة علی إرادة تفهیم تحصیص المفاهیم

ص:36

الاسمیة وتصنیفها کقولنا زید فی الدار فإن کلمة فی موضوعة للدلالة علی تحصیص مفهوم زید بحالة خاصة وهی حالة کونه فی الدار، وتتمیز هذه النظریة عن تلک النظریات فی أن مدلول الحروف علی ضوئها یکون تصدیقیاً لا تصوریاً فحسب وأما علی ضوء سائر النظریات فهو تصوری لا تصدیقی، فمن أجل ذلک تکون هذه النظریة من حلقات نظریة کون حقیقة الوضع التعهد، وترتبط بها ارتباطاً وثیقاً.

المورد الرابع: نظریة عدم جریان الاستصحاب

فی الشبهات الحکمیة

قد بنی قدّس سرّه علی عدم جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة مطلقاً حتی إذا کانت الشبهة جزئیة علی خلاف نظریة المشهور القائلة بجریانه فیها مطلقاً، وقد قام قدّس سرّه بابتکار هذه النظریة بلحاظ التفاتته الکریمة إلی نکتة دقیقه تکون مبررة لها وهی: إن

ص:37

استصحاب بقاء المجعول فیها معارض باستصحاب عدم سعة الجعل فیسقط من جهة المعارضة کاستصحاب بقاء نجاسة الماء المتغیر باحدا أوصاف النجس بعد زوال تغیره بنفسه فإنه معارض باستصحاب عدم سعة جعلها إذ کما نشک فی بقاء المجعول کذلک نشک فی سعة الجعل وضیفه. ومن هنا قد غیرت هذه النظریة مجری تاریخ الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة، فمن أجل ذلک تکون لها آثار کبیرة فی کافة أبواب الفقه.

المورد الخامس: نظریة التعارض

فی الواجبات الضمنیة

إن المشهور بین الأصولیین هو تطبیق قواعد باب المزاحمة علی الواجبات الضمنیة فیما إذا لم یتمکن المکلف من الجمع بین أثنین منهما کما إذا لم یتمکن المصلی من الجمع بین الصلاة قائما وبین رکوع القائم فیدور أمره حینئذٍ بین أن یصلی قائما مع الإیماء بدیلا

ص:38

عن الرکوع أو یصلی جالساً مع الرکوع عن الجلوس وفی مثل ذلک قد قام المشهور بتطبیق مرجحات باب المزاحمة علیهما ولکن السید الأستاذ قدّس سرّه قد ناقش فی هذه، النظریة وأبتکر نظریة أخری وهی نظریة التعارض فیما إذا لم یتمکن المکلف من الجمع بین الواجبین الضمنیین، بنکتة إن الأمر الأول قد سقط جزماً بسقوط متعلقه، وعلیه فإن قام دلیل علی جعل أمر آخر - کما فی باب الصلاة - فإن عین متعلقه فهو، و إلا فهو مردد بین الفاقد لهذا الجزء أو ذاک، فإذن بطبیعة الحال تقع المعارضة بین إطلاق دلیلی الجزئین.

المورد السادس: زیادة فی أقسام

الاستصحاب الکلی

المشهور بین الأصولیین إن استصحاب الکلی علی ثلاثة أقسام ولکنه قدّس سرّه قد زاد علیها قسما آخر ویکون الزائد قسماً رابعاً من أقسام

ص:39

استصحاب الکلی وهذا من ابتکاراته قدّس سرّه، وله آثار علمیة وعملیة فی أبواب الفقه.

المورد السابع: مسألة الشهرة

الفتوائیة

المعروف بین الأصولیین إن الشهرة الفتوائیة إذا کانت فی مسألة علی خلاف روایة معتبرة فی تلک المسألة وکانت الروایة فی متناول أیدیهم تکشف الشهرة عن عدم حجیتها وخروجها عن دلیل الاعتبار، وإذا کانت الشهرة فی المسألة موافقة للروایة الضعیفة وکانت مستندة إلی تلک الروایة فیها تکشف عن حجیة هذه الروایة وصدورها من المعصوم (علیه السلام) وقد جری عملهم علی أساس هذه النظریة فی مقام عملیة الاستنباط والتطبیق فی المسائل الفقهیة علی طول التاریخ.

ص:40

ولکن السید الأستاذ قدّس سرّه علی أساس التفاتته القویة ومقدرته الذاتیة والعلمیة و نبوغه الفکری قد أبتکر نظریة جدیدة فی المسألة أکثر استیعاباً وأدق عمقاً علی ضوء نقطتین: الأولی منع الکبری، والثانیة منع الصغری.

أما الأولی: فلأن الشهرة الفتوائیة فی المسألة التی تصلح أن تکون جابرة لضعف الروایة تارة، وکاسرة لقوة الروایة تارة أخری هی الشهرة الفتوائیة من الفقهاء المتقدمین الذین یکون عصرهم قریباً من عصر أصحاب الأئمة (علیه السلام) وحملة الأحادیث لا من الفقهاء المتأخرین حیث لا قیمة للشهرة الفتوائیة بینهم. ولکن لا طریق لنا إلی إحراز أعراض المتقدمین عن روایة فی المسألة علی الرغم من صحة الروایة، واستنادهم إلی روایة فیها علی الرغم من ضعفها لأن الطریق إلی ذلک منحصر بالرجوع إلی کتبهم بأن یکون لکل واحد منهم کتاب استدلالی فی الفقه وان یکون ذلک الکتاب واصلا إلینا یداً بید

ص:41

وقد تعرّض للمسألة فیه حتی یظهر أنه أعرض فیها عن روایة صحیحة مع وجودها فیها أو أنه أعتمد فی الفتوی فی المسألة بروایة ضعیفة، والمفروض عدم وجود کتاب منهم کذلک، أو أنه کان ولکنه لم یصل إلینا، فإذن لا أصل لهذه النظریة.

وأما الثانیة: فلأن الشهرة الفتوائیة لا تکون حجة بنفسها، وعلیه فأقصی ما تکون الشهرة مؤثرة فی الروایة أنها تکشف ظناً عن صدورها إذا کانت مستندة إلیها وعن عدم صدورها إذا کانت مخالفة لها. ولکن من الواضح عدم إناطة حجیة الإخبار بالظن بالصدور بل هی منوطة بالوثوق النوعی، ولا ینافیه الظن الشخصی بعدم الصدور فمن أجل ذلک تختلف هذه النظریة عن نظریة المشهور اختلافاً جوهریاً، وتترتب علیها آثار مهمة فی مرحلة عملیة التطبیق والاستنباط فی أبواب الفقه.

ص:42

المورد الثامن: مسألة أطلاق الدلیل

قد تبنی السید الأستاذ قدّس سرّه نظریة تؤکد علی ان الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة غیر داخل فی مدلول اللفظ فإن الحاکم به إنما هو العقل ببرکة مقدمات الحکمة بل هو فی نهایة المطاف مدلول لتلک المقدمات هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری إن الإطلاق لیس لفظاً وکلاماً حتی یکون کتاباً أو سنة، بل هو دلالة ناشئة اما عن السکوت فی مقام البیان، أو عن مقدمات الحکمة، وتترتب علی هذه النظریة أمور:

الأول: إن الروایة المخالفة لإطلاق الکتاب لا تکون مشمولة للروایة الدالة علی أن المخالف للکتاب زخرف أو باطل باعتبار إن عنوان المخالف له لا ینطبق علیها، بنکتة ما عرفت من ان الإطلاق

ص:43

لیس مدلولاً للفظ لکی یکون المخالف له مخالفاً للکتاب، بل مخالف لحکم العقل.

الثانی: إن الروایتین المتعارضتین إذا کانت أحداهما موافقة لإطلاق الکتاب والأخری مخالفة له فلا تکونا مشمولتین للروایات الدالة علی ترجیح الروایة الموافقة للکتاب علی الروایة المخالفة له علی أساس ما عرفت من ان اطلاق الکتاب لیس من الکتاب فلا تکون الروایة الموافقة له موافقة للکتاب لکی تکون مشمولة لها.

الثالث: إن التعارض بین الروایتین إذا کان بالإطلاق فلا مجال للرجوع إلی مرجحات باب المعارضة بل لا موضوع له، فإن ما دل من النصوص علی الترجیح بها إنما هو فی مورد کانت المعارضة بین مدلولیهما لفظاً، وأما إذا لم تکن معارضة بینهما کذلک وکانت بین إطلاقیهما فلا تصدق المعارضة بین الروایتین لکی تکون مشمولة لتلک النصوص، فمن أجل ذلک یسقط کلا الإطلاقین معاً من جهة

ص:44

المعارضة فی المسألة فالمرجع هو العام الفوقی إن کان و إلا فالأصل العملی.

المورد التاسع: مسألة الاستصحاب

قد بنی الأصولیون علی أن حجیة الاستصحاب إذا کانت علی أساس الروایات فهو أصل عملی. ولکن السید الأستاذ قدّس سرّه قد أبتکر نظریة تؤکد علی أن الاستصحاب أمارة علی أساس أبراز نکتة وهی إن مفاد أدلة حجیة الاستصحاب التعبد ببقاء الیقین السابق فی ظرف الشک لا التعبد بالعمل بالشک فی ظرفه، وفرق بین التعبیرین، حیث أن الأول تعبیر عرفی عن موقع الاستصحاب کأمارة، والثانی تعبیر عرفی عن موقعه کأصل عملی، وإن شئت قلت إن المجعول فی باب الاستصحاب الیقین التعبدی وهو الطریقیة والکاشفیة التعبدیة فی ظرف الشک لا الجری العلمی، وأما کونه من أضعف الأمارات فإنه

ص:45

بملاک أن التعبیر ببقاء الیقین السابق فی ظرف الشک تعبد عملی لاحکائی.

المورد العاشر: مثبتات الأمارات والأصول

المعروف لدی الأصولیین ان مثبتات الإمارات حجة دون الأصول بلا فرق فی ذلک بین أنواع الإمارات.

ولکن السید الأستاذ قدّس سرّه قد قام بتحلیل هذه المسالة بتقریب ان حجیة مثبتات الإمارات لا یمکن أن تکون جزافاً، فلا محالة تبتنی علی نکتة مبررة لها، وتلک النکتة هی: ان الامارات بما انها ناظرة إلی الواقع وحاکیة عنه، فهی کما تحکی عن مدلولاتها المطابقیة مباشرة تحکی عن مدلولاتها الالتزامیة بالواسطة علی أساس الملازمة بینهما ثبوتاً وإثباتاً. وأما الأصول العملیة فبما أنها لا تنظر إلی الواقع فلا تثبت إلا مدلولاتها المطابقیة فی مقام الظاهر دون لوازمها، وعلی أساس هذه النکتة یظهر أن حجیة مثبتات الأمارات لیست من لوازم أماریتها بل

ص:46

هی من لوازم حکائیتها عن الواقع، وعلیه فلا بد من الفرق بین أنواع الإمارات أیضاً، فان ما یکون من الامارات لسانها لسان الحکایة عن الواقع والنظر إلیه تکون مثبتاتها حجة، وما لا یکون من الامارات کذلک فلا تکون مثبتاتها حجة کالاستصحاب وقاعدتی الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة ونحوها، فإنها وإن کانت من الإمارات إلا أن لسانها لیس لسان الحکایة عن الواقع والإخبار عنه، فإذن حال هذه الإمارات حال الأصول العملیة، فلا فرق بینهما من هذه الناحیة، وعلی هذا فلا تتمیز الأمارات عن الأصول العلمیة بذلک.

المورد الحادی عشر: أصولیة المسألة

قد تبنی قدّس سرّه فی هذه المسألة نظریة تؤکد أن أصولیة المسألة مرهونة بوجود الخلاف وإبداء النظر والرأی فیها، فإذا کانت المسألة مسلمة وواضحة لدی الکل بدرجة لم یکن مجال لإبداء النظر والرأی فیها لم تکن أصولیة، لأن علم الأصول قد وضع لممارسة النظریات

ص:47

العامة وتحدید القواعد المشترکة فی الحدود المسموح بها شرعاً لأعمال النظر والرأی وفقاً لشروطها العامة للتفکیر الفقهی، ومن هنا یکون علم الأصول نظریاً وعلم الفقه تطبیقیا وتکون نسبته إلیه کنسبة المنطق العام إلی سائر العلوم، وعلی أساس ذلک فقد ذکر قدّس سرّه ان مسألة حجیة الظواهر لیست من المسائل الأصولیة وکذا مسألة أصالة الطهارة فی الشبهات الحکمیة، فإن کلتا المسألتین من المسائل المسلمة الواضحة عند الجمیع بدرجة لا مجال لإبداء النظر وأعمال الرأی فیها، فمن أجل ذلک لا ینطبق علیها ضابط المسألة الأصولیة.

المورد الثانی عشر: مسألة مفهوم الوصف

قد بنی قدّس سرّه علی ان القید فی القضیة الوصفیة یدل علی المفهوم لکن لا بمعنی دلالته علی انتفاء سنخ الحکم بانتفائه، بل بمعنی أنه یدل علی أن موضوع الحکم فی القضیة لیس هو الطبیعی علی نحو الإطلاق، بل حصة خاصة منه، علی أساس ظهور القید فی الاحتراز

ص:48

وحمله علی التوضیح بحاجة إلی قرینة، وظهوره فی الاحتراز یقتضی أنه لو لم یدل علی التحصیص لکان لغواً محضاً، فهذا یکون وسطاً بین القول بمفهوم القید والقول بعدمه وتترتب علی ذلک آثار فی المسائل الفقهیة.

ص:49

الأبحاث الفقهیة وموارد الإبداع فیها

المورد الأول:

ما إذا شک المکلف بعد الصلاة فی أنه أغتسل من الجنابة قبلها أو لا. فالمشهور ان وظیفته إجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلی الصلاة الماضیة واستصحاب بقاء الجنابة بالنسبة إلی الصلاة الآتیة. ولکنه قدّس سرّه تنبه هنا علی نکتة أکثر استیعاباً وأدق عمقاً وهی ما إذا أحدث المکلف بعد الصلاة بالأصغر، فإنه حینئذ یعلم أجمالاً أما ببطلان الصلاة السابقة، أو وجوب الوضوء للصلاة الآتیة، کما أنه یعلم أجمالاً اما ببطلان قاعدة الفراغ فی الصلاة المتقدمة أو بطلان استصحاب بقاء الجنابة، إذ لا یمکن جریان کلیهما معاً لاستلزامه المخالفة القطعیة العملیة، وعلی هذا فإن کان فی الوقت، وجب علیه

ص:50

إعادة الصلاة المتقدمة والجمع بین الوضوء والغسل للصلاة الآتیة، وإن کان فی خارج الوقت، فوظیفته بالنسبة إلی الصلاة الآتیة هی الجمع بین الوضوء والغسل، وأما بالنسبة إلی قضاء الصلاة المتقدمة فبما أنه شاک فی أصل وجوبه، باعتبار أن القضاء یکون بأمر جدید فوظیفته الرجوع إلی أصالة البراءة عنه، لأن العلم الإجمالی بوجوب الوضوء للصلاة الآتیة أو وجوب قضاء الصلاة المتقدمة لا یکون منجزا، لعدم توفر شروط التنجیز فیه وهی تعارض الأصول المؤمنة فی أطرافه، وذلک لأن أحد طرفی هذا العلم الإجمالی وهو وجوب الوضوء یکون مورداً لقاعدة الاشتغال، فعندئذ لا مانع من جریان الأصل المؤمن فی الطرف الآخر وهو أصالة البراءة لعدم المعارض له.

المورد الثانی: بدایة الشهر القمری

قد بنی قدّس سرّه علی نظریة تؤکد علی أن للشهر القمری بدایة واحدة بالنسبة إلی الجمیع، ولا یمکن أن یکون حلوله أمراً نسبیاً بأن

ص:51

یکون لکل بلد أو منطقة شهرها القمری الخاص، إذ من الخطأ جداً قیاس ذلک علی نسبیة طلوع الشمس، فإن الأرض بحکم کرویتها وحرکتها حول نفسها، لا محالة تکون أجزاؤها مواجهة للشمس بالتدریج والنسبة، فتطلع علی هذا الجزء من الأرض قبل ذاک الجزء فیکون الطلوع نسبیاً، وأما الشهر القمری فهو یبدأ بخروج القمر من المحاق أی من بین الشمس والأرض، وهذه الظاهرة ظاهرة کونیة محددة تعبر عن موقع جرم القمر من جرمی الشمس والأرض ولا تتأثر هذه الظاهرة بهذا الجزء من الأرض أو ذاک، فلا مجال لافتراض النسبیة هنا، و لا معنی للقول بأن الشهر القمری یبدأ بالنسبة إلی هذا الجزء من الأرض فی لیلة الخمیس - مثلاً - وبالنسبة إلی ذلک الجزء فی لیلة الجمعة، فالنتیجة أنه لا یمکن أن یکون حلول الشهر القمری أمراً نسبیاً یختلف فیه أفق عن أفق لیکون کطلوع الشمس بل هو ظاهرة کونیة محددة، فإن المحاق عبارة عن انطباق القمر بین جرمی الشمس والأرض المحقق لغیبوبته عن کل أهل الأرض، ولکن لا

ص:52

یخفی أن إثبات هذه النظریة بالطریقة المذکورة من أبداع السید الأستاذ قدّس سرّه وأما أصل النظریة فلا، فإن جماعة من الفقهاء قد سبقوه فی هذه النظریة، غایة الأمر أن التزام بعضهم بها مبنی علی الروایات وبعضهم الأخر مبنی علی کون الأرض مسطحة لا کرویة.

المورد الثالث: الضمان نسبی للنقص الوارد

فی المال المتعلق للخمس

ومحله ما إذا أشتری مالاً للتجارة فارتفعت قیمته وجب تخمیس الزیادة، وأما إذا أخر تخمیسها ونقصت قیمته، فالمعروف والمشهور ضمان تمام خمس مقدار النقص.

ولکنه قدّس سرّه قد أبتکر نظریة أخری تکون مبنیة علی نکتة دقیقة وهی: أنه یضمن خمس النقص بالنسبة، بملاک أن النقص یرد علی المال المشترک بین المالک والإمام (علیه السلام)، وعلی هذا فطبیعة الحال

ص:53

یکون النقص نسبیاً، فلو فرضنا أن تسعة أعشار هذا المال للمالک وعشر منه للإمام (علیه السلام)، کان النقص وارداً علی المجموع بالنسبة لا علی خصوص الزیادة، وعلیه فکلما نقص منه یکون تسعة أعشاره علی المالک وعشره علی الإمام (علیه السلام). وبذلک تختلف نظریته قدّس سرّه عن نظریة المشهور اختلافا موضوعیا ً ولها آثار عملیة فی الفقه.

المورد الرابع

إذا ملک شخص مالاً بالهبة أو الحیازة أو الإحیاء، فإن المشهور بین الفقهاء عدم الفرق بینه وبین ما إذا ملکه بالشراء، فإنه لا یجب علیه خمس زیادة القیمة فی کلا الموردین إلا إذا باعه بهذه الزیادة، فإن الزیادة تدخل حینئذ فی أرباح سنة البیع. ولکنه قدّس سرّه فرق بینهما علی أساس نکتة دقیقة، وهی إن ما ملکه بالهبة أو الحیازة قد ملکه بماله من المالیة من دون أن تکون محددة بحد خاص، وعلیه فإذا ازدادت قیمته السوقیة وباعه بهذه الزیادة، فلا یصدق علی الزائد

ص:54

عنوان الزیادة علی رأس ماله، لأن ماله متمثل فی هذه الدار بما لها من المالیة غیر المحددة لکی یجب فیها الخمس، وهذا بخلاف ما إذا ملکه بالشراء، فإن رأس ماله معلوم ومحدد، فإذا باعه بازید منه وجب الخمس فی الزائد علی رأس ماله.

المورد الخامس: مسألة الإرث

المشهور أن أولاد أخ لأبوین أو لأب یقتسمون المال بینهم بالتفاضل إن اختلفوا بالذکورة والأنوثة، ولکنه قدّس سرّه قد أبتکر نظریة جدیدة وهی: أن المال یقسم بینهم بالتساوی وان کانوا مختلفین فی الذکورة والأنوثة، بنکتة أن التقسیم بالتفاضل إنما ورد فی الأولاد والأخوة والأخوات من الأب أو الأبوین، و التعدی إلی أولاد الأخوة والأخوات بحاجة إلی قرینة ولا قرینة لا من الداخل ولا من الخارج، مع أن الحکم یکون علی خلاف القاعدة. فإذن مقتضی القاعدة هو تقسیم حصة الأب بین أولاده بالتساوی، والتفاضل بحاجة إلی دلیل

ص:55

ومؤنة زائدة. ومن هذا القبیل العم والعمة والخال والخالة، فإن المشهور ان القسمة بینهم بالتفاضل إذا کانوا جمیعا لأبوین أو لأب. ولکنه قدّس سرّه قد أفتی بالتساوی بعین النکتة المتقدمة.

والضابط العام لذلک: ان مقتضی القاعدة فی کل مورد ورد الأمر بتقسیم المال بین آحاد جماعة من دون التقیید بخصوصیة زائدة لا کماً ولا کیفاً هو التقسیم بینهم بالتساوی، وأما التقسیم بالتفاضل بأخذ الاعتبارات کالذکورة أو الأنوثة أو غیرهما، فهو بحاجة إلی قرینة ومؤنة زائدة.

وقد خرجنا عن مقتضی هذه القاعدة فی باب الإرث بالنسبة إلی الطبقة الأولی الذین یرثون من المیت مباشرة کالأولاد و الآباء والأمهات، وبالنسبة إلی الأخوة والأخوات والأجداد والجدات من الطبقة الثانیة إذا کانوا جمیعا من الأبوین أو الأب، وذلک للنص من الکتاب والسنة، وأما إذا کانوا من الأم فقط، فالتقسیم بینهم بالتساوی،

ص:56

فإنه مضافاً إلی کونه مقتضی القاعدة أنه منصوص أیضاً. وأما أولاد الأخوة والأخوات لأبوین أو لأب من الطبقة الثانیة، والأعمام والعمات والأخوال والخالات من الطبقة الثالثة فجمیعاً یقسم المال بینهم بالتساوی و إن اختلفوا بالذکورة والأنوثة. ثم إن لهذه النظریة آثاراً هامة وکبیرة فی طبقات الإرث.

8 / صفر / 1427 ه

ص:57

الفهرس:

مقدمه

سر هذا النجاح الکبیر والتوفیق العظیم

کمالاته النفسیة وملاکاته الفاضلة

معاناته من قبل النظام البائد

بعض النظریات الابتکاریة للسید الخوئی فی الفقه والأصول

الأبحاث الأصولیة وموارد الإبداع فیها

الأبحاث الفقهیة وموارد الإبداع فیها

ص:58

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.