البنوک

اشارة

عنوان و نام پدیدآور: البنوک / سماحة آیة الله العظمی الشیخ محمد اسحاق الفیاض (دام ظله)

مشخصات نشر: دار البذرة / الکلمة الطیبة - النجف الاشرف

مشخصات ظاهری:254ص

موضوع:بانک و بانکداری

الطبعة: الخامسة

یادداشت : 1432 ه - 2011 م

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد 1151 لسنة 2009

ص :1

هویة الکتاب

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:2

اسم الکتاب: البنوک

اسم المؤلف:سماحة آیة الله العظمی الشیخ محمد اسحاق الفیاض (دام ظله)

الناشر: دار البذرة

الطبعة: الخامسة

السنة: 1432 ه - 2011 م

المطبعة: الکلمة الطیبة - النجف الاشرف

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد 1151 لسنة 2009

موضوعات الکتاب

1. معالجة مشکلة المعاملات الربویة فی البنوک والمؤسسات النقدیة، وتحویلها نظریا إلی المعاملات المشروعة فی الإسلام.

2. تطبیق هذه النظریة مرتبطة بالعناصر التالیة:

أ) عملیة التحویل لا تقلل من دور البنوک فی طبیعة الحیاة الاقتصادیة، ونشاطاتها فی الحرکة التجاریة وفوائدها.

ب) عملیة تطبیق وظیفة المسلمین ککل بحکم أعتقادهم بالإسلام ومسؤولیتهم أمام الله تعالی.

ب) عملیة التطبیق تدل علی أصالة المسلمین واستقلالهم فی تشریعاتهم المستمدة من الکتاب والسنة.

3. الخدمات البنکیة التقلیدیة فی مختلف جوانب الحیاة الاقتصادیة للإنسان الاجتماعیة والفردیة، وتخریج هذه الخدمات من الناحیة الشرعیة.

4. الأسهم والسندات: وهی متمثلة فی الأوراق المالیة التی تصدرها الشرکات المساهمة بقیمة اسمیة محددة، وتتغیر أسعارها کسائر السلع، وتخریج أحکام تداولها من الناحیة الشرعیة.

5. التعامل فی الأسواق المالیة (البورصات) وحکمه من وجهة النظر الشرعیة.

********************

ص:3

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی محمد وآله الطیبین الطاهرین

ص:4

ص:5

قبل الدخول فی صلب الموضوع وتفاصیله نقدّم مقدمتین:

ص:6

المقدمه الأولی: اجوبة عن اسألة حول تحدید دائرة موضوع القروض الربویة فی البنوک والمصارف التقلیدیة

اشارة

ص:7

السؤال:

هدف هذه الرسالة:

الحصول علی فتواکم بخصوص عملی (وضعی الخاص) فی المصرف، بعد اطلاعکم علی النقاط المدرجة أدناه.

المقدمة:

أنا علی علم بالحکم الشرعی بخصوص العمل المصرفی، والذی أبنیه علی فتوی السید الخوئی (قدس سره) بحرمة العمل فی البنک، إذا کان له علاقة بالربا. فأنا لست بصدد الحکم الشرعی العام، ولکنی بصدد فتواکم فی وضعی الخاص، فی البیئة الجدیدة للعمل المصرفی، فی ظل الظروف الحالیة التی نعیشها فی المنطقة مع مراعاة:

أ) طبیعة عملی.

ب) البیئة الجدیدة للعمل المصرفی.

ج) بنوک باسماء أخری.

ح) حاجتنا لمصرفیین إسلامیین.

خ) ظروف الحصول علی وظیفه فی المنطقة.

د) علاقة العمل البعید عن الربا.

ذ) أعمال أخری فی البنک.

أ) طبیعة عملی:

تخصصی هو الحساب الآلی، وأعمل حالیا فی قسم نظم المعلومات، وأنا مدیر لبعض من الفنیین والمشغلین لأجهزة وبرامج الحاسب الآلی، وعملی هو إدارة هؤلاء الأفراد لتقدیم خدمات فنیة متعلقة بترکیب وتشغیل هذه الأجهزة لموظفی وعملاء البنک، هذه الأجهزة تشغل برامج تحسب الفائدة وبرامج کثیرة لیس لها علاقة بالفائدة بل بالعکس، فقد أجزم ان معظم الاجهزة لا تستخدم لأغراض ربویة بل تستخدم لبعث الرسائل الالکترونیة أو

ص:8

لطباعتها، أو لتحضیر جداول أو خلافه. مثلی بإمکانه القیام بنفس الأعمال فی شرکة الکهرباء أو فی مستشفی، لا یتغیر إلاّ اسم الشرکة. لیس لی أی علاقة مباشرة بالربا.

ب) البیئة الجدیدة للعمل المصرفی:

مصارفنا فی المنطقة لا تقوم فقط باعمال ربویة، بل تقدم من الخدمات غیر الربویة، وهذه المعاملات غیر الربویة تمثل نسبة من إجمالی عملیات المصارف الیومیة وکذلک اجمالی ارباح المصارف، والتالی أمثلة علی هذه الخدمات:

1. الاعتمادات: لعب دورالوسیط بین تاجرین فی بلدین مختلفین لأستلام البضائع وتسلیم الاموال.

2. الضمانات: اصدار خطاب ضمان لتاجر معین حتی یعرف فی السوق التجاری.

3. الکفالات: اصدار خطاب کفالة لمقاول یضمن البنک حفظ بعض من ماله لصاحب المشروع حال اخلال المقاول بالمواصفات المتفق علیها.

4. الصراف الآلی: یوفر البنک أجهزة آلیة تعمل علی مدار الساعة لصرف النقود. فبامکان المؤمن ان یسحب من حسابه الخاص من أی جهاز فی ای مکان فی العالم بالعملة المحلیة للبلد الذی هو فیه.

5. نقاط البیع: وهی أجهزة آلیة تمکن مستخدمها شراء احتیاجاته من المتجر مثلا والدفع باستخدام بطاقة بلاستیکیة:

6. بیع وشراء الأسهم المحلیة والدولیة.

7. بیع وشراء العملات الأجنبیة.

ویوجد الکثیر من الخدمات الأخری والتی لیس لها أی علاقة مباشرة بالربا ولکن یقتطع البنک مبلغا معینا باتفاق الطرفین، البنک وطالب الخدمة، اذن مصارف الیوم هی شرکات خدمات، تبیع خدماتها لمن یطلبها وکذلک یقوم المصرف باعطاء القروض واخذ الفوائد علیها فینبغی ان یؤخذ بعین الاعتبار هذه الخدمات غیر الربویة. فاذا قلنا بان البنک یقدم ثلاثین خدمة لعملائه، ولیس منها إلا ثلاث تتعلق بالفائدة، الا یحسن بنا ان نغیر مفهومنا للعمل المصرفی.

ص:9

بعبارة اخری ان الصورة الراسخة فی اذهان الناس علی ان البنک لا یتعامل الاّ بالربا لیست صحیحة، بل هناک خدمات کثیره لا تتعلق بالفائدة الربویة، والمصارف الیوم تعمل جاهدة لزیادة الخدمات غیر الربویة وزیادة ایراداتها.

ج) بنوک بأسماء أخری:

یتواجد عندنا فی منطقتنا (وفی العالم أیضا) شرکات تتعامل بالاستثمار، أو بالمتاجرة تقوم بما یقوم به البنک، فما هو حکم العمل بهذه الشرکات؟ بل یوجد شرکات تتعامل ظاهرا فی اعمال غیر مصرفیه مثل شرکات بیع المرطبات أو شرکات النفط، ویکون لها قسم خاص یسمی بالخزینة، وظیفته ادارة اموال الشرکة والحصول علی التمویل المالی لمشاریعها، مثل اصدار سندات ذات فائدة ثابتة للاقتراض من عامة الناس، أو الاستدانة من طرف بنسبة ما واقراض نفس المبلغ لطرف آخر بنسبة اعلی، واخذ الفائدة المتمثلة فی الفارق بین النسبتین، من ضمنها المصاریف الاداریة. فهل العمل فی مثل هذه الشرکات جائز؟

د) حاجتنا لمصرفیین اسلامیین:

مع انی لست مصرفیا بل خبیر حاسب آلی، الاّ انه لا یخفی علی سماحتکم بان القوة الاقتصادیة وللأسف هی التی تسیر حرکة عالمنا الیوم. فالمصارف تمثل البنیة الأساسیة فی الاقتصاد وادارة الأموال، والقائمون علیها ربما یؤثرون علی مسیرتها حسب رغباتهم وتوجهاتهم. وللاسف لا یوجد عندنا نحن المؤمنون الکثیر من العلماء المتخصصین فی علم الاموال والمصارف التجاریة کما یعرفه الغرب أو کما یعرفه العالم ونحن جزء من هذا العالم، فهو علم یتجدد ویتغیر حسب تغیر المعاملات التجاریة. فانتم علی علم بمعاهدة التجارة الدولیة وکل دولة لا تشارک فیها سیضیق علیها الخناق اقتصادیا، والدول الاوربیة وحدت عملتها لمواجهة التحدیات المالیة القادمة والیهود وللاسف هم اساتذة فن ادارة الاموال فتراهم مثلا یستغلون الظروف الاقتصادیة المرتبطة بامور سیاسیة للتحکم فی سیاسات دول أخری وأنا لا أقلل من معرفة فقهائنا فی احکام المعاملات المصرفیة والاتحادات التجاریة ولکن انی لهم معرفتها اذا لم تنقل لهم عن طریق ابنائهم المؤمنین الثقات. فهل

ص:10

ترون سماحتکم الحاجة لأن یکون هناک مؤمنون یعملون فی القطاع المصرفی؟ هؤلاء لیسوا ربویین، بل لا توجد لدیهم حسابات توفیر، وخسروا الکثیر من التطور الوظیفی بسبب عدم رغبتهم بالقیام بأعمال ربویة، وهم ملتزمون بالأحکام الشرعیة ولهم نشاطات فی خدمة المجتمع. وأحد الأمور التالیة قد یکون سببا لعملهم فی المصارف:

1) طلب الرزق.

2) نقل مستجدات التغییر فی الاعمال المصرفیه لسماحتکم.

3) تقدیم الاستشارات المالیة لعموم المؤمنین وتنبیههم لما قد یؤدی بهم إلی الربح أو الخسارة فی المعاملات الدولیة.

4) عدم ترک الفرصة لغیر المسلمین فی التحکم فی ثروات بلادنا بأعطاء توصیات خاطئة للمسؤلیین.

5) الاهتمام بأموال المؤمنین. ومن یوجد الیوم من یحفظ رأسماله فی بیته. بل حتی رواتب الحوزات العلمیة تحفظ بالبنوک، ألیس الأجدر أن یقوم المؤمنون بأدارة أموالهم.

6) قد یکونون هؤلاء هم البذرة فی تکوین المصرف الإسلامی المثالی، والذی نبحث عنه جمیعا، فللأسف یندر فی المنطقة الیوم ما یمکن أن یطلق علیه المصرف الإسلامی المثالی، وأنشاء مثل هذا المصرف یحتاج إلی کفاءات تعرف النظام البنکی العالمی والمعاملات الدولیة.

ه -) ظروف الحصول علی وظیفة فی المنطقة:

صعب مؤخرا-علی مثقفینا الحاصلین علی شهادات جامعیة وفی تخصصات تقنیة مثل علوم الکمبیوتر والهندسة الکهربائیة - الحصول علی وظیفة مناسبة لمؤهلاتهم فی قطاعات معینة، حیث یوجد طلب لمثل هؤلاء فی البنوک. عمل هؤلاء لا یختلف فی البنک عن عملهم فی قطاعات أخری لو حصل لهم. فقد یتخرج الشاب ولا تتوفر له شیء من متطلبات الحیاة والعصر التی أصبحت شبه ملحة، ولا یوجد وظیفة لمدة سنة أو أکثر إلا فی البنک. فماذا یصنع؟ أیجلس عاطلا عن العمل یعوله أباه والذی کان ینتظر طویلا مساعدة ابنه؟ لقد مر ببعض من الملتزمین الکثیر من الضغوط النفسیة

ص:11

والأسریة والاجتماعیة التی دعتهم لکره انفسهم واعتزال الناس واحسوا بانهم عالة علی المجتمع وتاسفوا لزواجهم المبکر وتاسفوا لانجابهم الاطفال فی سن مبکرة لعدم قدرتهم علی اعالتهم؟ فاذا لم یجد مثل هؤلاء غیر البنک للعمل فیه. هل یجلسون عالة فی بیوتهم، أم یعملون فی البنک فی اعمال غیر ربویة مباشرة؟

و) علاقة العمل البعید بالربا:

حسب ما فهمت من فتوی السید الخوئی (قدس سره) بأنه یری حرمة العمل فی البنک ان کان له علاقة بالربا من قریب أو بعید. وعسی ان افهم العلاقة الربویة القریبة مثل مسؤول القروض والذی یحدد الفائدة، أو الکاتب للفائدة، أو من یحصل الفائدة، لکنی لا أفهم العلاقة البعیدة. فهل یوجد علی وجه المعمورة من لا یتعامل مع البنک. فالموظف عندنا یستلم راتبه عن طریق البنک، والمزارع یودع أمواله فی البنک. وکل من له علاقة بالبنک له علاقة بالربا من بعید. الدولة هنا تستثمر أمواله فی بنوک محلیة وخارجیه تتعاطی الربا وتجنی منها الارباح وتصرف من هذه الارباح رواتب الموظفین والاطباء والمهندسین، هؤلاء الموظفون یعلمون بان رواتبهم تصرف من الدولة عن طریق البنوک، لکنهم لا یعلمون جزما ان کانت مصادر رواتبهم ربویه ام لا، فالاموال مختلطة ومشترکة ربویة وغیر ربویة فلیس لهؤلاء الموظفین علاقه بعیدة بالربا؟ وما الفرق بینهم وبین العاملین فی البنک ان کانوا جمیعا (فی الدولة أو فی البنک) یتعاملون مع الات واجهزة؟ هلا وضح سماحتکم هذه العلاقة البعیدة؟

ز) أعمال أخری فی البنک:

یوجد فی البنک عمال متعاقدون عن طریق شرکات اخری لوظائف مختلفه مثل:

مترجم، مزارع، مهندس تلفونات وخلافهم. دوامهم یومیا فی البنک، ولکن تدفع رواتبهم عن طریق شرکتهم بعد اخذها نسبة معینة. قد ینتهی عقد شرکتهم مع البنک فی ایة لحظة. ما هو حکم عمل هؤلاء کمتعاقدین مع البنک؟

ص:12

الخاتمه:

أرغب من سماحتکم افتائی بخصوص عملی فی البنک مع وضع اعتبار لطبیعة عملی الخاصة کخبیر حاسب آلی، وفقا للمفهوم الجدید لتعریف البنک - وهو تقدیمه خدمات أخری غیر ربویة کما مر - فی ضل ظروفنا الخاصة، وظروف ومخاطر الاقتصاد العالمی.

ص:13

الجواب:

1 - ان المحرم شرعا من الخدمات المصرفیة بوجه مطلق وقطعی هو القروض الربویة.

وقد تسأل عن حدود حرمتها فی الشریعة المقدسة بوجه دقیق واضح لا لبس فیه؟

والجواب: ان القروض الربویة محرمة شرعا علی المقرض والمقترض وکاتبها وشاهدها ولا تتجاوز حرمتها عن حدود هؤلاء الاشخاص بعناوینهم الخاصة المحددة علی اساس ان کل حکم یتبع موضوعه فی الخارج ویدور مداره وجوداً وعدماً، وعلی هذا فکل من کان یعمل فی البنوک والمصارف ولا ینطبق علیه احد هذه العناوین الخاصة المحددة فلا یکون عمله محرما وان کان مربوطا بالقرض الربوی بجهة من الجهات بدون ان یکون مصداقا له.

وبکلمة أن کل من یکون شغله فی البنوک والمصارف القروض الربویة، بان یکون عمله الاقراض او الاقتراض او کتابة ذلک وتسجیله فی السجلات فانه محرم.

واما من یکون شغله فیها سائر الخدمات البنکیه التقلیدیة فلا یکون محرما:

1) کبیع الأسهم والسندات المحلیة والدولیة علی تفصیل یأتی.

2) بیع وشراء العملات الأجنبیة.

3) عملیة عقد التأمین.

4) الحوالات الداخلیة والخارجیة.

5) تخزین البضائع المستوردة والمصدرة

6) خصم الأوراق التجاریة.

7) الاعتمادات التی تلعب دور الوسیط بین المصدر والمستورد.

8) الضمانات.

9) الکفالات.

10) الصراف الآلی.

11) بطاقات الائتمان.

12) وغیرها من الخدمات الجاریة فی المصارف والمؤسسات النقدیة فی العالم.

ص:14

والمعیار الکلی لذلک ان کل من عمل فی البنوک والمصارف فان کان عمله القروض الربویة وکتابتها فهو حرام، وإن کان سائر الخدمات البنکیة المشار إلی جلّ منها فهو جائز شرعا.

وأما عمل عملاء البنوک والمصارف فی تلک الخدمات قد ترتبط بالتصرف فی أموالها، منها الفوائد الربویة کنقلها من مکان إلی مکان آخر أو حسابها أو المحافظة علیها وغیر ذلک فهو جائز شریطة أن یکون ذلک مسبوقاً بأذن من الحاکم الشرعی أو وکیله وستأتی الاشارة الی هذه الخدمات البنکیة تفصیلا وتخریجها شرعا.

وبذلک یظهر حکم الوظیفه فی الشرکات الاستثماریة التی تقوم بما یقوم به البنک أیضا، فإن من تکون وظیفته فی هذه الشرکات عملیة الاقراض والاقتراض الربوی أو کتابة ذلک فهی محرمة شرعا والا فلا باس بها.

2 - لا شبهة فی ان البنوک والمصارف النقدیة من اهم واکبر المؤسسات المالیة فی العالم ککل، ولها دور أساسی فی تدعیم الحرکات التجاریة والاقتصادیة وتوسیعها وتطویرها بشکل أکثر عمقا وحرکة بمرور العصور والاوقات، ولکن تاسیس هذه المؤسسات والمصارف وتطویرها وتوسیعها فی کل عصر بما یناسب ذلک العصر وتهیئة الکوادر الفنیة لها والمتخصصین فیها لیس من وظائف علماء المسلمین وفقهائهم، بل هی من وظائف الدولة الإسلامیة ورجال أعمال المسلمین واصحاب الاختصاص فی ادارة الاموال والمصارف التجاریة عالمیا ومحلیا، فان علیهم جمیعا بحکم ایمانهم بالاسلام کعقیدة ومسؤولیتهم أمام الله تعالی التحکم علی ثروات البلاد بتاسیس المصارف والمؤسسات المالیة والشرکات التجاریة الخارجیة والداخلیة وایجاد الشغل للناس المؤمنین والشباب المثقفین وتهیئة الکوادر الفنیة والمتخصصة وتحریک الحیاة الاقتصادیة فی الاسواق الداخلیة والخارجیة والاستفادة من تجارب المتخصصین فی الاقتصاد واستخدامهم فی تشغیل الحیاة الاقتصادیة فی البلاد ودخولهم فی المعاهدات الدولیة والاتفاقیات الاقتصادیة وتحریک الحرکات التجاریة فی البلد لرفع مستوی معیشة الناس وایجاد النشاط فی الاسواق المالیة، وتقدیم التسهیلات بکافة اشکالها من التجاریة والزراعیة والصناعیة وغیرها، وفی ذلک خدمة لأنفسهم وفی نفس الوقت یکون خدمة للناس المؤمنین بل خدمة للدین ایضا، فان أتاحة فرصة العمل امام الشباب المثقفین سد منیع عن انحرافاتهم السلوکیة واللااخلاقیة

ص:15

وأما وظیفة العلماء فهی ارشاد الناس وبیان وظائفهم الشرعیة فی التعامل بهذه المؤسسات والمصارف المالیة وتخریجها من وجهة النظر الاسلامیة، کما هو الحال فی الشرکات التجاریة العالمیة والمحلیة، والصناعات والزراعات وغیرها من المشاریع المالیة فان تاسیسها وتوسیعها وتطویرها لیس من وظیفة العلماء، فان وظیفتهم بیان حدودها فی دائرة الشرع کما وکیفا ووظائف الناس فی التعامل بها من وجهة نظر الشارع، نعم وظیفة العلماء دعوة الحکومة ورجال الاعمال ببذل اقصی الجهد الجاد بکافة الوسائل الممکنة والمتاحة فی دعم الحرکات الاقتصادیة بکافة اشکالها وانواعها وتاسیس المعاهد والکلیات المتخصصة للتقنیات العالیة وارسال المفکرین والمبدعین والمثقفین من الشباب الی الخارج للتزود بالعلوم المعاصرة والتکنلوجیا المتقدمة بمختلف انواعها من الطبیة والهندسیة والاقتصادیة والامنیة والعسکریة وهکذا لأن تخلف بلاد المسلمین فی هذه التقنیات والتکنلوجیات سبب لاضطراباتهم ومشاکلهم الداخلیة والخارجیة ومنشا لایجاد التطرف والارهاب باسم الاسلام مع ان الاسلام برئ منه تماما لان الاسلام دین عدل وسلم ورافة وهو الدین الوحید الذی اهتم بحیاة البشر اهتماما بالغا وشجب القتل واستنکر غایة الاستنکار بقوله تعالی (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَ مَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً) ومن هنا علی قادة المسلمین رص صفوفهم وتوحید کلمتهم واتخاذ موقف موحد تجاه الشرق والغرب والاهتمام الجاد والسعی الحثیث بکافة الطرق والوسائل فی تکوین مجتمع مترقی امن من التطرف والارهاب لان من العوامل المؤثرة فی ایجاد التطرف والارهاب التخلف والفقر فی المجتمع، کما ان التخلف فیه یفتح الابواب امام دخول الاجانب فی البلاد الاسلامیة ونشر افکارهم المضللة وثقافتهم المبتذلة بذرایع مختلفة تارة بذریعة ان الدین الاسلامی یروج التطرف والارهاب رغم انه دین سلم وعدل واخری بذریعة نشر الحریة والدیمقراطیة وثالثة ان المسلمین غیر قادرین علی ازالة التطرف والارهاب عن بلادهم، ومنشأ ذلک کله عدم وحدة الکلمة بین المسلمین وقادتهم السیاسیین هذا من ناحیة ومن ناحیة اخری ان مسؤولیة قادة المسلمین ورؤسائهم السیاسیین امام الله تعالی وامام شعوبهم المسلمة تتطلب منهم بذل اقصی الطاقات فی اتاحة الفرصة للقادة الدینیین لنشر الافکار الاسلامیة وثقافتها الاجتماعیة والعائلیة والفردیة بکافة الوسائل

ص:16

الممکنة والمتاحة والمنع البات عن نشر الافکار المضللة المتطرفة التی تضر بالاسلام والمسلمین ووحدتهم لان الثقافة الاسلامیة تزود الانسان بالملکات الفاضلة والاخلاق السامیة وتجهزه بالایمان الراسخ وتهذب سلوکه فی الخارج وتمنعه من السلوکیات المنحرفة اللاخلاقیة کما ان علیهم السعی الجاد فی تطبیق القوانین الاسلامیة فی بلادها بدل القوانین الوضعیة الشرقیة والغربیة فانهم بذلک یحافظون علی کیان المسلمین واستقلالیاتهم وعزتهم وکرامتهم وشرفهم لان قوة الاسلام وثقافته الانسانیة ترغب الاعداء وتنتشر یوما بعد یوم فی الشرق والغرب رغم المعارضة الشدیدة باسالیب متنوعة وذرایع مختلفه.

وفی الختام ناسف جدا ان قادة المسلمین السیاسیین غالبا من الذین کانوا مهتمین بالکرسی کهدف لا کوسیله ولا یهتمون بمصالح البلاد العامة وشعوبها وتطورها اجتماعیا واقتصادیا وتقنیا بقدر ما کانوا یهتمون بالکرسی.

ندعوا الباری عز وجل التوفیق والعنایة التامة للجمیع ورص الصفوف وتوحید الکلمة ونبذ الفرقة والله هو الموفق والمعین.

3 - وفی ضوء ذلک یجوز تعامل الناس مع البنوک والمؤسسات المالیة فی جمیع اقسامها الخدمیة المشار إلیها آنفا غیر قسم التعامل بالقروض الربویة کما مر، فیجوز ان یکون الشخص محاسبا فی تلک المؤسسات بان تکون وظیفته تشغیل الاجهزة وبرامج الحاسوب الآلی فی العصر الحالی، ولا مانع من تشغیلها لحساب الفوائد الربویة وغیرها من البرامج ولا یکون ذلک محرما فان المحرم فیها کما عرفت انما هو عملیة الاقراض والاقتراض وتسجیل ذلک دون غیرها من الخدمات التی لا تتعلق بها وهی کثیرة جدا بحیث لا تتجاوز نسبة عملیة القرض عن کل الخدمات المتوفرة فی هذه المؤسسات عن 5% بنسبة تقریبیة، ویجوز ان یکون الشخص مفتشا او مراقبا فیها او محافظا او کاتبا فیما عدا کتابة القروض الربویة. وکذلک الحال فی الشرکات المالیة التجاریة والزراعیة الصناعیة وغیرها فی ما عدا المعاملات المحرمة کالتعامل بالربا والخمور ولحوم المیتة والخنزیر ونحو ذلک، فان التوظیف فیها غیر جائز شرعا هذا من ناحیة ومن ناحیة أخری ان القروض الربویة حیث انها من اهم خدمات البنوک والمصارف واکثرها انتشارا فلذلک جعلنا لها فی هذا الکتاب بدائل شرعیة وسوف نشیر الیها، ولکن تطبیق تلک البدائل

ص:17

عملیا عوضا عن المعاملات الربویة المحرمة فی الشریعة المقدسة لیس بایدی العلماء، نعم ان علیهم ارشاد المسلمین ککل الی عملیة التطبیق لان عملیة التطبیق وظیفة المسلمین کافة بحکم اعتقادهم بالاسلام ومسؤولیتهم امام الله تعالی وعدم خروجهم عن دائرة الشریعة الاسلامیة، وان هذه العملیة لا تقلل من دور البنوک والمصارف فی طبیعة الحیاة الاقتصادیة ونشاطاتها فی الحرکات التجاریة وفوائدها وانها تدل علی اصالة المسلمین واستقلالهم فی تشریعاتهم المستمدة من الکتاب والسنة.

4 -- یمکن علاج مشکلة عملیة القرض والإقتراض الربویة المحرمة فی الشریعة الإسلامیة المقدسة فی البنوک والمصارف بما یلی: وهو أن کل من أودع ماله فی تلک البنوک والمصارف فإن کان بعنوان القرض مع الفائدة، فهو ربا ومحرم شرعاً علی المقرض والمقترض، والکاتب والشاهد، وإن کان بعنوان إستثمار البنک إیاه واتجاره به واقعاً کما هو الحال فی سائر الإستثمارات، والإستفادة من ریعه و ربحه فهو حلال شرعاً، وحینئذ فإن حصل التوافق والتراضی بینهما أی بین المودع و البنک بتعیین حصة کل منهما من الربح بالکسور، فهو داخل فی عنوان المضاربة بینهما ولا إشکال فی صحتها.

وأما إذا حصل التوافق والتراضی بینهما بدفع البنک للمودع مقداراً معیناً من المال سواءً أکان ذلک المقدار بمقدار نصف الربح، أوالأقل، أوالأکثر فهو. وإن لم یدخل فی عنوان المضاربة إلاّ أنه لیس من المعاملات المحرمة، بل هو داخل عندئذ تحت عنوان التجارة عن تراض فیکون مشمولاً للمستثنی فی الآیة المبارکة:(لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)، وبذلک تنحل مشکلة عملیة القرض والإقتراض الربویة المحرمة شرعاً فی المصارف المذکورة.

ومن الواضح أن هذه العملیة المحللة لاتتوقف علی مؤونه زائدة سوی تبدیل عنوان القرض بعنوان الإستثمار والإتجارواقعاً، وحقیقة بأن یکون جاداً فی نیته الإستثمار به مع بقائه فی ملکه، هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری، أن کل مسلم ملزم شرعاً بأن یختار هذه العملیة المحللة دون عملیة القرض المحرمة، هذا إضافة إلی أن فائدتها لولم تکن أکثر من فائدة عملیة القرض لم تکن أقل منها جزماً.

ص:18

ومن هنا یظهر حال ما إذا أعطی البنک المال لزبائنه فإن کان بعنوان القرض مع الفائدة فهو حرام، وإن کان بعنوان الإستثمار، والإتجار به فإنه حلال کما مر الآن.

والخلاصة، إن المشکلة الوحیدة فی التعاملات البنکیة، والمصرفیة فی أنحاء العالم من وجهة نظر الدین الإسلامی هی مسألة القرض والإقتراض مع الفائدة، ومع علاج مشکلة هذه المسألة و حلها بالطریقة التی بیّنّاها الآن فلا مشکلة فی أعمال البنوک و المصارف حینئذٍ أصلاً.

****************

ص:19

المقدمة الثانیة: الأموال المودعة فی البنوک والمصارف هل هی ودائع حقیقیة بالمعنی الفقهی أو أنها فی الحقیقة قروض ربویة ؟

اشارة

ص:20

بسم الله الرحمن الرحیم

فائدة دینیة وفائدة دنیویة فی إیداع الأموال فی البنوک الإسلامیة اللاربویة

ص:21

مقدمة:

هل المبالغ التی یودعها أصحابها فی البنوک والمصارف، هی ودائع بالمعنی الفقهی، أو أنها قروض ربویة تملکها البنوک والمصارف علی وجه الضمان بالمثل؟

والجواب: أنه لا بد لنا من ملاحظة مفهوم الودیعة بالمعنی الفقهی وحدوده سعة وضیقاً، فنقول أن الودیعة بالمعنی الفقهی عبارة عن إیداع مال عند الأمین المسمی بالودعی بغایة الحفاظ علیه مع بقاء عینه فی ملک مالکه، وهی بهذا المفهوم المحدد لا تنطبق علی الأموال المودعة لدی البنوک، علی أساس أن البنوک مسموح لها - من قبل أصحاب الأموال - بالتصرف بها ما شاءت وتبدیلها بأعیان أخری، وهذا لا ینسجم مع مفهوم الودیعة بالمعنی الفقهی.

ومن هنا ذکر بعض الأعلام إن الودائع المصرفیة لا یمکن تصویر کونها ودائع حقیقیة، بحیث تخرج فوائدها عن کونها فوائد ربویة علی القرض، وذلک لأن المالک یأذن للبنک بالتصرف فیها، ولا یراد بهذا الأذن السماح للبنک بالتصرف مع بقاء الودیعة فی ملک صاحبها، والالزم حینئذ أن یعود الثمن والربح إلی المالک بقانون المعاوضة لا إلی البنک، بل یراد بالإذن المذکور السماح للبنک بتملک الودیعة علی وجه الضمان بالمثل، وهو معنی القرض، و علیه فتکون الفوائد التی یدفعها البنک إلی المودع فوائد علی القرض. وبکلمة إن إباحة التصرف للبنک فی الأموال المودعة عنده من قبل أصحابها، إنما هی إباحة فی تملک تلک الأموال بضمان مثلها، فإن صاحب المال إذا أذن للأمین وسمح له بالتصرف فیه تصرفا ناقلا، کان معناه الإذن منه بتملک المال علی وجه الضمان بالمثل.

ثم إن تملک البنک للأموال المودعة عنده یکون بأحد الطریقین التالیین:

الأول: إن المودع من البدایة کان یقصد إقراض البنک للودیعة، أی: تملیکها له علی وجه الضمان بالمثل، وهذا المعنی هو المرتکز فی أذهان کل

ص:22

مودع أودع ماله فی البنک، لأن الدافع من ورائه تضمینه بالمثل لا بقاء عینه فی ملکه.

الثانی: إن المودع بما أنه قد أذن للبنک بالتصرف فی الودیعة حتی التصرف الناقل، فلا محالة یکون مرده إلی الإذن و السماح له بالتملک علی وجه الضمان بالمثل لا مجاناً.

الخلاصة:

إن الودائع المصرفیة جمیعا أی: سواء أکانت من الودائع المتحرکة أم الثابتة، فهی لیست بودائع حقیقیة، بل هی قروض ربویة للبنک فیملکها البنک علی وجه الضمان، و إطلاق الودائع علیها إنما هو بالعنایة وبدافع إغراء الناس فی إیداع أموالهم فیه حفظاً لها من التلف وتعویدا لهم علی الإدخار.

نعم، یمکن تصویر أن هذه الودائع، ودائع بالمعنی الفقهی ثبوتاً وباقیة فی ملک أصحابها، وإن الإذن بالتصرف فیها إنما هو مع الإحتفاظ بملکیة المودع للودیعة من طریق ضمان البنک الودائع، لا بالقرض لکی تخرج عن ملک أصحابها، ولا بمعنی النقل من ذمة إلی ذمة، فإنه لا یتصور إلا فی الدین، بل بمعنی تعهد البنک وجعلها فی مسؤولیته مع بقائها علی ملک المودع، وهذا نحو من الضمان المعاملی: فإنه علی نحوین:

أحدهما: مختص بباب الدیون، ویعبر عنه بنقل الدین من ذمة إلی ذمة.

وثانیهما: لا یختص بها، بل یشمل الأعیان الخارجیة أیضاً، وهو التعهد بشیء وجعله فی عهدة الشخص، وفی المقام یقوم البنک بإنشاء التعهد وتعاقده مع المودعین علی ذلک، فإذا قام البنک بذلک تصبح الودائع فی عهدته ومسؤلیته مع بقائها علی ملک المودعین، ونتیجة هذا التعهد همی أن خسارتها علی ذمة البنک لو تلفت.

ولکن هذا التصویر لا ینسجم مع النظام التقلیدی الربوی فی البنوک والمصارف، فإن مقتضی ذلک النظام إن الودائع المتوفرة لدیها جمیعا قروض ربویة، وخارجة عن ملک المودعین وداخلة فی ملک البنوک علی وجه الضمان بالمثل، ولا یمکن أن تکون ودائع حقیقة وبالمعنی الفقهی، إذ لازم کونها ودائع حقیقة أن یعود ثمنها وربحها إلی المودع لا إلی البنک، فإن عوده إلی البنک مع بقاء نفسها فی ملک المودع بحاجة إلی عنایة زائدة، وهی وقوع شرط فی ضمن عقد الضمان أو أی عقد أخر بین البنک والمودع، بأن

ص:23

یشترط البنک فی ضمنه علی المودع أن یکون الثمن ملکاً له بنحو شرط النتیجة، بمعنی أنه ینتقل إلیه فی طول أنتقاله إلی المودع، لا بمعنی أنه ینتقل إلیه إبتداءاً، فإنه باطل ومخالف لقانون المعاوضة، وأیضاً لابد علی هذا من إستثناء المبلغ الذی دفعه البنک إلی المودع بمعنی: أنه یشترط علیه أن یکون مالکاً لما یزید علی المبلغ المذکور.

فالنتیجة: إن إفتراض تطبیق هذا التصویر والنظریة یستدعی تبدیل النظام البنکی التقلیدی بنظام جدید، إذ مع فرض بقاء ذلک النظام فی البنوک لا یمکن تطبیق هذه النظریة.

نعم، تصلح هذه النظریة أن تکون بدیلة عن النظام التقلیدی الربوی فی البنوک والمصارف، وعلی هذا فبإمکاننا تبدیل النظام البنکی التقلیدی ببدائل جدیدة مطابقة للشرع وهی متمثلة فی الصیغ التالیة:

1 - عقد المضاربة.

2 - عقد المشارکة.

3 - عقد المرابحة.

4 - عقد الوکالة.

5 - عقد السلم.

6 - بیع الأوراق النقدیة الشخصیة بمثلها الکلی فی الذمة وغیرها، ویأتی شرح الجمیع فی ضمن البحوث القادمة.

یتلخص من ذلک أن البنوک والمصارف بنظامها التقلیدی الربوی تملک الأموال المودعة عندها علی نحو الضمان.

***************

ص:24

ص:25

البنوک والمؤسسات الحکومیة وکیفیة تملک الأموال المودعة عندها

ص:26

وقد تسأل أن البنک إذا کان حکومیا فیرتبط تملکه للمال بتملک الحکومة، علی أساس أنه فرع من فروعها، والمفروض أن الحکومة لا تملک ولا نقول بتملک الحکومة.

والجواب: إن البنک جهة مالیة ذات شخصیة مستقلة، فیملک المال بنفسه وبأسمه لا بعنوان الوکالة عن غیره أو الولایة علیه، لکی یتوقف نفوذ تصرفه وتملکه علی إثبات الوکالة أو الولایة، وعلی هذا فلا یتوقف تملک البنک للمال علی أی مقدمة، وبکلمة: إن البنک فی نفسه قابل لأن یتملک شیئا، سواء أکان بالتملیک أم بالاستیلاء وبذل الجهد، ولا یکون ذلک مشروطا بشیء، ولا هناک مانع یمنع عنه.

وهذا بخلاف الحکومة فإنها شخصیة آلیة تعمل بعنوان الوکالة عن الملة والرعیة والممثلة لهم، أو بعنوان الولایة علیهم اذا کانت الحکومة شرعیة وهی الحکومة القائمة علی اساس مبدأ المالکیة لله وحده لا شریک له وعلی الأول تتوقف شرعیتها علی الاذن من الملة أو أولیائها والا فلا تکون شرعیة.

والخلاصة أن نفوذ تصرفات الحکومة وتملکها للمال سواء أکان بالتملیک من قبل الغیر، أم بالاستیلاء بسبب الأحیاء، أو الحیازة أو نحوهما یتوقف علی توفر أحد هذین العنصرین فیها: أما الوکالة أو الولایة، وحیث أن شیئا منهما غیر متوفر فی الحکومات الحاضرة فی البلاد الإسلامیة فعلا، فلا تکون تصرفاتها نافذة، سواء أکانت فی المیادین الاقتصادیة کاحیاء الأراضی وانشاء السدود لحیازة المیاه وإستخراج المعادن الطبیعیة من الظاهریة والباطنیة وحیازة الثروات الطبیعیة وإنشاء المعامل والمصانع وغیرهما، أم کانت فی المیادین الإداریة، کإستخدام الأشخاص واستئجارهم فی مختلف مرافق الحکومة، فإن نفوذ تلک التصرفات وضعا وتکلیفا منوط أما بالوکالة عنهم جمیعا أو بالولایة علیهم کذلک، وإلا فلا قیمة لها من وجهة النظر الشرعیة.

نعم إذا کانت الحکومة حکومة إسلامیة شرعیة بأن تکون قائمة علی اساس مبدأ الدین ویکون علی رأسها الولی الفقیه فی زمن الغیبة الجامع للشروط التی منها الأعلمیة، کانت تصرفاتها فی حدود دائرة الشرع، التی قد حددت من قبل الولی الفقیه، علی أساس الخطوط العامة للإسلام المستمدة من الکتاب والسنة نافذة مطلقا، ای: وضعا وتکلیفا.

ص:27

فالنتیجة: ان البنک جهة مالیة مستقلة وملحوظ کالمعنی الاسمی، بینما الحکومة جهة آلیة غیر مستقلة وملحوظة کالمعنی الحرفی، بنکتة أنها تدعی تمثیلها من قبل الشعب، وهی أما بالوکالة أو الولایة، وعلی هذا فلا شبهة فی أن البنوک والمصارف تملک الودائع المودعة عندها علی وجه الضمان بالمثل وهو معنی القرض، ولها حریة التصرف فیها بالاقراض والمنحة وغیرها، ویترتب علی ذلک أن المال المأخوذ من البنک قرضا کان أو منحة لیس من المال المجهول مالکه، بل ملک للآخذ بتملیک البنک أما علی وجه الضمان کما فی القرض أو مجانا کما فی المنحة، ولا یترتب علیه أحکام مجهول المالک، وبکلمة أن ترتیب أحکام مجهول المالک علیه منوط بکون الودائع عنده ودائع حقیقیه وباقیة فی ملک أصحابها، وقد مر أنه لا یمکن تصویر ذلک علی ضوء النظام البنکی التقلیدی فی البنوک والمصارف.

نعم، تکون أموال البنک مختلطة بالحرام من ناحیة أخری، وهی أن الفوائد التی أخذها البنک علی القروض، فإنها باقیة فی ملک أصحابها، وعلیه فتکون أمواله مختلطة بها، وحیث أن نسبة تلک الفوائد إلی روؤس الأموال قلیلة، فتکون نتیجة ذلک أن المال المأخوذ من البنک إن کان قرضا، فإن علم المقترض بوجود الحرام فیه بطل القرض بالنسبة إلیه فحسب، وعلی المقترض حینئذ أن یعامل معه معاملة المجهول مالکه، فإن کان غنیا تصدق به علی الفقراء، وإن کان فقیرا فله أن یقبله صدقة من قبل صاحبه، وإن لم یعلم بوجود الحرام فیه صح القرض فی کله ولا شیء علیه، وإن کان منحة، فإن علم بوجود الحرام فیها تصدق به إن کان غنیا، وإلا قبله صدقة، وإن لم یعلم بوجود الحرام فیه فلا شیء علیه، وهذا یختلف بإختلاف الموارد ولیس لذلک ضابط کلی.

***************

ص:28

النوع الاول:البدائل الشرعیة للمعاملات الربویة التقلیدیة للبنوک والمؤسسات النقدیة

اشارة

ص:29

ص:30

البدائل الشرعیة للمعاملات الربویة

نظرة سریعة ومعمقة فی أحکام البنوک والمصارف علی ضوء التخریجات الفقهیة الإسلامیة:

لا ریب فی أن البنوک والمصارف النقدیة من أهم وأکبر المؤسسات المالیة فی العالم ککل، ولها دور أساسی فی تدعیم الحرکات التجاریة وتصویرها شکلا وعمقا فی الأسواق المالیة کافة، وفی تنمیة الحیاة الاقتصادیة بکل أشکالها من التجاریة والصناعیة والزراعیة والمهنیة و الحرفیة وغیرها، وتقدیم خدمات وتسهیلات لعملائها بکافة الوانها وأشکالها وتطور تلک الخدمات والتسهیلات یوما بعد یوم کل ذلک لتحقیق أهدافها الرئیسیة المادیة، وحیث أن مجموعة من خدماتها الاقتصادیة لا تتفق مع طبیعة الشریعة الإسلامیة واحکامها، فلذلک نحاول بشکل جاد إیجاد البدائل لها التی تتفق مع الشریعة من ناحیة، وتخریج خدماتها فقهیاً من وجهة النظر الشرعیة من ناحیة اخری، هذا من دون أن یقلل من شأنها فی نشاطاتها الاقتصادیة وتنمیتها وحرکاتها التجاریة وتحقیق أهدافها المطلوبة.

ویمکن تقسیم الوظائف والخدمات الاساسیة التی تمارسها البنوک والمصارف إلی نوعین:

النوع الأول:

تقدیم البنوک القروض الربویة لعملائها بمختلف اشکالها وألوانها، وهی من أکبر خدماتها وأکثرها إنتشارا فی العالم الیوم.

النوع الثانی:

تقدیمها خدمات تسهیلیة لعملائها والمستثمرین فی مختلف المیادین الاقتصادیة، والاستثمارات التجاریة أو الصناعیة أو الزراعیة أو الإنشائیة أو غیرها، ومنها الخدمات المصرفیة المساعدة مثل الحوالات والشیکات السیاحیة والمحاسبات الداخلیة أو الخارجیة، وفتح الاعتمادات وإصدار بطاقات الإئتمان وغیرها.

ص:31

وهذه الرسالة وضعت لتقدیم البدائل الشرعیة للنوع الاول من الخدمات التی تمارسها البنوک وهی القروض الربویة التی هی محرمة فی الشریعة المقدسة بالکتاب والسنة ومحذورة فیها المعیقة للقیم والمثل الدینیة.

أما النوع الثانی من الخدمات التی تمارسها البنوک فهی بکافة أنواعها جائزة شرعا وقد تقدمت الإشارة إلی تلک الخدمات بأسمائها الخاصة وعناوینها المخصوصة وستأتی أحکامها تفصیلا فی ضمن البحوث القادمة.

وأما النوع الأول من الخدمات المصرفیة هو تقدیم البنوک القروض الربویة لعملائها بمختلف أشکالها، وحیث أن ذلک محرم شرعا فی الإسلام فلذلک اتجهت أنظار فقهاء الإسلام منذ زمن إلی إیجاد بدائل مطابقة للشرع فی البنوک والمصارف التقلیدیة عن النظام التقلیدی الربوی المخالف للشرع، وبأمکاننا تبدیل هذا النظام التقلیدی الربوی فی البنوک والمصارف فی البلاد الإسلامیة بمجموعة من البدائل الموافقة للشرع بالتخریج الإسلامی وهی کما یلی:

********************

ص:32

البدیل الاول للمعاملات الربویة فی البنوک

اشارة

عقد المضاربة:

وهو أول ما اتجهت إلیه أنظار علماء المسلمین فی بحوثهم عن وجود بدائل للنظام التقلیدی الربوی فی البنوک والمصارف، وقد نقل إن هذه الفکرة قد تلقت نجاحا کبیرا فی بعض البنوک الإسلامیة. ونجاحه یتطلب دراسة عدة نقاط:

الأولی:

إن عقد المضاربة فی المصطلح الفقهی الإسلامی عقد خاص بین المالک وهو رب المال والعامل المستثمر، فإنهما یقومان بإنشاء عقد تجارة یکون رأس مالها من الاول والعمل من الثانی بشروط، ویحددان حصة کل منهما من الربح بنسبة مئویة، وغالبا یکون إنشاء هذا العقد بین المالک والعامل مباشرة، وقد یکون بواسطة ثالث وهو وسیط بینهما، ووکیل عن المالک فی إنشاء هذا العقد بینه وبین العامل، وفی المقام یکون البنک هو الوسیط، فإنه وکیل عن المودع فی تقدیم أمواله للعملاء لعقد المضاربة بینهم وبین المودع بشروط، وتعیین حصة کل منهما من الربح بنسبة مئویة.

الثانیة:

إن نجاح عقد المضاربة - بوصف کونه بدیلا عن النظام التقلیدی الربوی فی تنمیة الحیاة الاقتصادیة و الصناعیة والزراعیة وغیرها - مرتبط بتعزیز عنصر الثقة والامانة بین الأعضاء الثلاثة:

المالک، والعامل، والوسیط، وتذلیل العقبات والعوائق دون تطبیقها، وهو مرتبط بفرض شروط إئتمانیة بین الأعضاء الثلاثة.

ص:33

الأول: أن یکون البنک جاهدا بتوفیر المناخ المناسب لعقود المضاربة مع عملائه، ولا یتجاهل فی تهیئة الفرص المتاحة له لإنشاء تلک العقود وایجادها، ولا یتسامح فی تأخیر أستثمار الأموال المودعة عنده.

الثانی: أن یکون للبنک کامل الحریة فی التصرف فی الودائع بأبرام عقد المضاربة فی الأسواق المالیة داخل البلد وخارجه والبورصات العالمیة مع عملائه بأنواع من المعاملات التجاریة کلا أو بعضا حسب مؤشرات السوق عالمیا أو محلیا إلی التحسن والنمو الاقتصادی العالمی أو المحلی والتحرک فی الاسواق المالیة.

الثالث: مراقبة البنک بدقة لأوضاع السوق فی العرض والطلب وتقلبات الأسعار فیها محلیا وعالمیا، وتحسن أوضاعها فی المستقبل فی انشأ العقود معهم.

الرابع: تجزأة رؤوس اموال المضاربة علی فترات للتأکد من جدیة المضارب وإتقانه فی العمل وأمانته.

الخامس: تعزیز عنصر الثقة والأمانة فی العامل المضارب لدی البنک الممول، وإلا فمن کان یضمنه ضد الخیانة فی التجارة والغش والتزویر والتقصیر والتعدی وإخفاء الأرباح، فإن القوانین وحدها لا تکفی ما لم تتوفر فیه حدود معقولة من الأخلاق والأمانة والوثاقة التی تحافظ علی اموال الغیر کمحافظتها علی أمواله.

السادس: أن تکون للعامل خبرة سابقة فی مجال التجارة والصناعة والاستثمار المهنی والحرفی ووضع الاسواق ومؤشراتها.

السابع: أن یقدم البنک دراسة متکاملة عن مفهوم التجارة وحدوده سعة وضیقا، تصدیرا واستیرادا، ودراسة أوضاع السوق فی العرض والطلب والمؤشرات التی تشیر إلی تحسن أوضاعها، وعلی العامل المضارب أن یتبادل مع البنک ما لدیه من الخبرة فی أوضاع السوق، وأن یخضع لما یملی البنک علیه من الشروط والقیود لکی تکون باستطاعة البنک تقدیر نتائجها والسیطرة علیها للتجنب من المخاطر فیها.

الثامن: أن یلزم البنک المودع بملزم شرعی بإبقاء ودیعته مدة لا تقل عن سنة مثلا تحت تصرفه لکی یتیح له الفرصة لتقدیمها للمضاربة مع رجال الاعمال، لتلعب دورها فی الاستثمار.

ص:34

التاسع: تقیید البنک المحول للعامل فی المضاربة، بأن لا تتجاوز المصارف والأجور عن حد معین ومعقول یتم الإتفاق علیه، وإلا فعلیه ضمان الزائد.

العاشر: یشترط البنک علی العامل تزویده بکافة المعلومات عن سیر دور عملیة المضاربة فی الأسواق المالیة من ساعة تنفیذها إلی ساعة شراء البضائع والمادة، وعن حدود سعرها وقت الشراء والتفاوت بین السعرین وکمیتها إلی إنتهاء مدة عقود المضاربة، وبإمکان البنک المحافظة علی هذه المعلومات والسیطرة علیها بالوسائل الآلیة الحدیثة المتوفرة لدیه من ناحیة، وعلی أوضاع السوق فی هذه المدة صعودا ونزولا إقلیمیا وعالمیا من ناحیة أخری، وللبنک أن یزید فی الشروط إذا رأی مصلحة.

الثالثة:

ان البنک کما أنه وکیل من قبل المودعین فی إنجاز عقود المضاربة، وکیل من قبلهم فی إنشاء الشرکة بین ودائعهم جمیعا بنحو الاشاعة، وبعد ذلک یقوم بعقد المضاربة من مجموع الودائع، وحینئذ فیکون رأس المال فی کل عقد مضاربة مشترکا بین مجموعة من الأطراف، وهذا یعزز ثقة المودعین بنجاح المضاربة وتقلیل مخاطرها، علی أساس ان احتمال الخسران فی تمام هذه العقود غیر محتمل عادة، وبکلمة ان ودیعة کل مودع وإن کانت تظل محتفظة بملکیة صاحبها لها، ولا تنتقل ملکیتها إلی البنک کما هو الحال فی البنوک الربویة، إلا انها لا تبقی منعزلة عن ودائع الآخرین، بل البنک بمقتضی وکالته عن أصحابها ککل یقوم بالاجراء الشرعی، وهو جعل مجموع الودائع ملکا مشاعا لمجموع المودعین، وعلیه فتکون حصة کل مودع من هذا المجموع بنسبة ودیعته، ونتیجة ذلک إن رأس مال کل مضاربة مشترک بین الجمیع بنسبة ودیعته.

الرابعة:

إن الودیعة فی البنوک الربویة مضمونة، علی أساس أن الودائع التی تحصل علیها تلک البنوک لیست فی الحقیقة ودائع بالمعنی الفقهی، وإنما هی قروض، فإذا کانت کذلک فهی مضمونة بمثلها فی الذمة، ولهذا تصبح المبالغ التی یتقاضاها المودعون علیها فوائد علی القرض، وأما فی البنوک اللاربویة

ص:35

فبما أنها ودائع بالمعنی الفقهی وباقیة فی ملک أصحابها، فلا تکون مضمونة من هذه الناحیة، ولکن للبنک ولأجل تعزیز ثقة المودعین بنظامه الإسلامی، أن یقوم بضمان الودیعة بقیمتها الکاملة للمودع فی حالة خسارة رأس مال المشروع، ولا مانع من قیام البنک بذلک، باعتبار أنه یلعب دور الوسیط لا دور العامل لکی یقال بعدم جواز ضمان العامل رأس المال فی عقد المضاربة، ونقصد بهذا الضمان تعهد البنک للمودع بقیمة الودیعة عند وقوع الخسارة علیها فی عقد المضاربة، أو تلفت بدون تفریط من العامل وتقصیره.

وبکلمة: إن الضمان المعاملی یتصور علی نحوین:

أحدهما: نقل الدین من ذمة إلی ذمة وهذا هو المشهور بین الفقهاء والمرتکز فی الأذهان، ومورده الدین خاصة، والآخر التعهد بشیء وجعله فی مسؤولیة الشخص، ومرده فی نهایة المطاف إلی إشتغال ذمته ببدله علی تقدیر التلف من المثل أو القیمة، وهذا معنی آخر للضمان عرفا، وهو یتصور فی الدیون والأعیان معا.

أما فی الأولی: فلیس معناه نقل الدین من ذمة المدین إلی ذمة الضامن ولا ضم ذمة إلی ذمة، فانه باطل شرعا، بل معناه التعهد بأداء الدین مع بقائه فی ذمة المدین، ومن هذا القبیل قبول البنک للشیکات، فأنه لا یقصد به نقل الدین من ذمة المدین إلی ذمته، ولا الضم لأنه باطل، بل یقصد به معنی آخر للضمان وهو تعهده بأداء الدین إلی الدائن خارجا مع بقائه فی ذمة المدین وعدم إنتقاله إلی ذمته، ونتیجة هذا التعهد ان للدائن أن یرجع إلی البنک إذا أمتنع المدین عن الاداء ومطالبته بذلک علی أساس تعهده به.

وأما فی الثانیة فلأن معناه تعهد الشخص بتکفل الخسارة للعین وتدارکها فی حالة وقوعها علیها، لأن مقتضی القاعدة کون تلف المال یعتبر خسارة علی المالک لا علی غیره، ولکن إذا تعهد غیره بتکفل خسارته وتدارکها إذا وقعت، کانت علیه لا علی مالکه، وما نحن فیه من هذا القبیل، فإن البنک یتعهد للمودع بتکفل خسارة ودیعته فی حال وقوعها وبدلها فی حال تلفه من دون تقصیر من العامل، فإذا تعهد البنک الوسیط لذلک فقد عززت ثقة المودع، بأن ودیعته مضمونة ولا ترد الخسارة علیه فی حال تلفها.

هذا نظیر الضمان فی باب الغصب، فإن الغاصب ملزم شرعا بأداء نفس العین المغصوبة إلی مالکها ما دامت موجودة، وبدلها من المثل أو القیمة

ص:36

فی حال تلفها، غایة الأمر أن الضمان فی باب الغصب یکون علی القاعدة، وفی المقام یکون بالجعل والشرط لا علی القاعدة.

الخامسة:

إن نسبة الفوائد التی تتقاضاها البنوک اللاربویة علی استثمار الودائع بعقود المضاربة مع عملائها والمستثمرین علی ضوء الشروط المتقدمة، بدرجة أکبر عن الفوائد التی تتقاضاها البنوک الربویة علی قروض عملائها، ولا سیما إذا کانت الظروف الاقتصادیة العالمیة أو المحلیة فی نمو و تحسن مستمر ومن الطبیعی ان ذلک من العوامل المهمة، فی جلب الناس وأرباب الأعمال لإیداع أموالهم فی البنوک اللاربویة هذا مضافا إلی العامل الدینی النفسی.

وقد یناقش فی ذلک بالفرق بین عقود المضاربة فی البنوک الاسلامیة وبین القروض الربویة فی البنوک التقلیدیة لأن الفائدة علی القروض الربویة فی البنوک التقلیدیة مضمونة ماءة بالماءة بینما الفائدة علی عقود المضاربة فی البنوک الاسلامیة غیر مضمونة ماءة فی الماءة علی أساس انه لایمکن دفع أحتمال الخسارة فی العقود المذکورة نهائیا مهما کانت مؤشرات أوضاع السوق فی صالح تلک العقود لأنها لا تدفع احتمال الخسارة باسباب غیر متوقعة ولهذا السبب لا یرغب الناس ورجال الاعمال بایداع أموالهم فی البنوک الاسلامیة اللاربویة بینما کانوا یرغبون لایداعها فی البنوک التقلیدیة الربویة؟

والجواب: ان بامکان البنک اللاربوی تقلیل احتمال الخسارة فی عقوده الاستثماریة الی حد الصفر بحساب الاحتمالات علی اساس انه لا یقوم بابرام عقد المضاربة بحساب کل عمیل من عملائه بنحو مستقل بماله الخاص بل هو یقوم بعقود تجاریة متعددة فی مختلف أنواع التجارات الاستثماریة براس مال مشترک بین کل کتلة من عملائه لا یقل عددها عن ماءة فرد مثلا وعلی هذا فجمیع اعضاء الکتلة مشترکون فی راس مال کل عقد من هذه العقود التجاریة بنسبة خاصة وفی ضوء ذلک یکون احتمال الخسارة فی جمیع هذه العقود غیر محتمل علی حساب الاحتمالات واما احتمالها فی بعضها دون بعضها الاخر وان کان موجودا الا انه ضعیف علی ضوء المواصفات والشروط التی تقع هذه العقود علیها فاذن اصل الفائدة مضمون ماءة بالماءة

ص:37

بل قد تکون الفائدة اکبر بکثیر من الفائدة علی القروض الربویة فی البنوک التقلیدیة ولا سیما اذا کانت اوضاع السوق فی تحسن ونمو مستمر عالمیا واقلیمیا الی هنا قد تبین ان الفائدة کما انها مضمونة فی البنوک التقلیدیة الربویة کذلک هی مضمونة فی البنوک الاسلامیة اللاربویة بل قد تکون الفائدة فی البنوک الاسلامیة اکبر بمراتب من الفائدة فی البنوک التقلیدیة ولهذا قلنا ان دور البنوک الاسلامیة لا یقل عن دور البنوک التقلیدیة فی نمو الحیاة الاقتصادیة ونشاطاتها الحیویة فی الحرکات التجاریة الاستثماریة فی الاسواق المالیة الدولیة والاقلیمیة هذا کله بالنظر الی العامل المادی، و أما العامل الدینی الاسلامی فهو الاهم لأنه یتطلب جادا من المسلمین ککل بحکم اعتقادهم بالاسلام ومسؤولیتهم امام الله تعالی والحفاظ علی اصالتهم واستقلالهم فی تشریعاتهم المستمدة من الکتاب والسنة ان یقوموا بایداع اموالهم فی البنوک الاسلامیة اللاربویة والابتعاد عن ایداعها فی البنوک التقلیدیة الربویة التی هی محرمة بالکتاب والسنة المعیقة عن القیم والمثل الدینیة والاخلاقیة.

ویمکن تخریج ذلک بعنوان التجارة عن تراض کما إذا عین المودع الفائدة فی کل سنة مثلاً، فإنه عند ئذ وإن لم یکن مضاربة إلاّ أن بطلان المضاربة إنما هو من جهة أنه فاقد لشرط صحتها، وهذا لایمنع من الحکم بصحة هذا الإستثماربعنوان التجارة عن تراض.

و دعوی، أن هذا الإستثمار إذا بطل بعنوان المضاربة انقلب قرضاً لا أنه یدخل فی عنوان التجارة عن تراض.

مدفوعة، بأن بطلانه بعنوان المضاربة لایستلزم کونه قرضاً فإن مفهوم القرض مباین لمفهوم الإستثمار، لأن مفهوم القرض تملیک المال للمقترض بنحو التضمین بالمثل، ومفهوم الإستثمار إعطاء المال للعامل لکی یستثمر به، ویتجر مع کون المال باقیاً فی ملک مالکه، فإذن کیف تنقلب المضاربة إلی القرض إذا بطلت، غایة الأمر یبقی المال حینئذ عند العامل أمانة.

وعلی هذا فإذا رضی المالک باستثمار العامل واتجاره به مشروطاً بأن یدفع له فی رأس کل شهر، أو ستة أشهر، او سنة مبلغاً معیناً من المال ورضی العامل به، فلامانع من الحکم بصحته بعنوان التجارة عن تراض لوضوح أنه نحو من التجارة عن تراض عند العقلاء، فیکون مشمولاً للآیة المبارکة.

ص:38

فالنتیجة، إنه یمکن علاج مشکلة عملیة القروض فی البنوک والمصارف بهذه الطریقة أیضاً، وهی عملیة سهلة بدون أی تعقید فیها، وبإمکان کل فرد أن یقوم بها فراراً عن الربا.

ص:39

ص:40

تقسیم الأرباح بین اصحاب المال والعاملین

ص:41

تقسیم الأرباح:

تقسم الأرباح بین المالک والعامل بمقتضی عقد المضاربة بنسبة مئویة، وأما البنک فحیث أنه لیس طرفا للعقد، فلا یتطلب العقد أشتراکه فی الأرباح، ولکن بما أن قیامه بعملیة المضاربة بین المالک والعامل وانجازها والاشراف علیها إلی نهایتها عمل محترم فمن حقه أن یأخذ عمولة لقاء هذا العمل ویمکن تخریج ذلک فقهیا بوجوه:

الأول: أن یکون ذلک علی أساس عقد الجعالة، فان المودع یطلب من البنک قیامه بعملیة المضاربة لودائعه و انجازها والاشراف علیها لقاء جعل محدد ولا مانع من ذلک، وحینئذ فان کان الجعل من ماله الخارجی المملوک له بالفعل فلا إشکال فیه، وإن کان حصة من الربح فقد یشکل فیه تارة بأنه مجهول وأخری بأنه معدوم فعلا، ولکن کلا الاشکالین لا أثر له فی المقام.

أما الأول فلان کون الجعل مجهول القدر ولا یضر بصحة عقد الجعالة، إذ لا یعتبر فیها کون الجعل معلوم القدر. نعم، یعتبر أن لا یکون أصل وجوده مجهولا، کما یعتبر أن لا یکون من المجهول المطلق کالشیء.

وأما الثانی: فلا یعتبر فی صحة عقد الجعالة أن یکون الجعل موجوداً وقابلا للتملیک حین العقد، لأن المجعول له لا یملک الجعل بنفس عقد الجعالة من الجاعل، وإنما یملک بعد إنجاز العمل المأمور به خارجا، وفی هذا الظرف لا بد ان یکون الجعل قابلا للتملیک من الجاعل وإن لم یکن قابلا له حین العقد، والمفروض فی المقام أن المودع کان یجعل للبنک حصة من الربح إذا انجز المضاربة و واصل الاشراف علیها إلی إنتهاء مدتها، وفی هذا الظرف تکون الحصة من الربح موجودة فی الخارج ومملوکه للجاعل فعلا وقابلة للتملیک کذلک.

وقد تسأل: ان الربح لا یکون مضمونا، فأنه قد یتحقق و قد لا یتحقق، فلا یصح للمودع أن یجعل حصة منه جعلا فی عقد الجعالة؟

والجواب: ان الربح بالنسبة إلی کل مضاربة مستقلة وان کان مشکوکا وغیر مضمون، إلا أنه بالنسبة إلی مجموع عقود المضاربة التی قام البنک بانجازها کان مضمونا عادة وقد تسال هل یمکن جعل حصة من الربح للبنک علی أساس عقد المضاربة أو لا؟

ص:42

والجواب: أنه لا یمکن، لأن عقد المضاربة إنما هو بین المودع والعامل والبنک لیس طرفا له، وإنما هو وسیط بینهما فی إنجازه والأشراف علیه، وحینئذ فمن الطبیعی یکون مفاده اشتراک العامل مع المودع فی الربح بنسبة مئویة دون غیره، کالبنک الذی هو خارج عن طرفی العقد، وافتراض عقد مضاربة جدیدة بینه وبین المودع خلف.

الثانی: أن یکون ذلک علی اساس الاجارة فیستأجر المودع البنک للقیام بعملیة المضاربة لأمواله والاشراف علیها إلی نهایتها لقاء اجرة معینة، ولکن هذا التخریج إنما یتم إذا جعل المودع الأجرة من المال القابل للتملیک حین عقد الاجارة، بأن یکون شیئا خارجیا مملوکا له بالفعل، أو شیئا ثابتا فی ذمته، ولا یتم هذا التخریج إذا جعل الأجرة حصة من الربح لسببین:

الأول: أن الحصة من الربح بنسبة مئویة مجهولة ویعتبر فی صحة الأجارة أن تکون الأجرة فیها معلومة.

الثانی: ان الأجرة لا بد أن تکون قابلة للتملیک من قبل المودع حین العقد، علی أساس أن الأجیر أنما یملک الأجرة بنفس العقد، والمفروض أن الربح غیر موجود حین العقد حتی یملکه المودع للأجیر، فالاجرة لا بد أما أن تکون شیئا ثابتا فی الخارج المملوک للمودع بالفعل، أو شیئا ثابتا فی الذمة، وإلا فلا تصلح أجرة فی عقد الإجارة.

الثالث: أن یکون ذلک علی أساس شرط النتیجة، فیشترط البنک علی المودع فی عقد ما أن یکون مالکا لحصة معینة من الربح إذا ظهر، ولا بأس بهذا الشرط، لأن معناه لیس دخول الحصة من الربح فی ملکه فی ظرف ظهوره ابتداء لکی یقال أنه غیر معقول وخلاف قانون المعاوضة، بل معناه دخولها فی ملکه فی طول دخولها فی ملک المودع بمقتضی الشرط ولا مانع من ذلک.

الرابع: ان یکون ذلک علی أساس شرط الفعل، فیشترط البنک علی المودع أن یعطی مبلغا معینا من الربح أزاء ما قام له من الخدمات، وهی قیامه بعقد المضاربة علی أمواله وانجازها والاشراف علیها.

الخامس: أن یکون ذلک علی أساس أجرة المثل التی یتقاضاها الاجراء للقیام بمثل هذا العمل.

ثم ان من حق البنک أن یطلب من العامل المضارب أیضا عمولة لقاء ما قدمه له من الخدمة، وهی تقدیم الأموال له للمضاربة والاستثمار وإتاحة

ص:43

الفرصة وتوفیر المناخ المناسب لنجاحها، وتقدیم المعلومات له عن أوضاع السوق ومؤشراته، ویمکن تخریج ذلک فقهیا أیضا بأحد الوجوه المتقدمة، وهناک جوانب أخری فی المسألة:

(منها) تعیین الوقت لعقد المضاربة مع عملائه وتحدیده فی کل أسبوع أو شهر مثلا مرة حسب الظروف المالیة والودائع المجمعة عنده، واعلان ذلک لعملائه، وطلب حضورهم فیه بشروط محددة.

(ومنها) تحدید أرباح المضاربات التی تمت بواسطته فی نهایة مدتها ومعرفتها.

(ومنها) کیفیة توزیعها علی نسبة رؤوس الأموال للمضاربة بین أصحابها.

(ومنها) غیر ذلک.

واما تطبیق هذه الجوانب وغیرها عملیا فی الخارج، فهو بید أهل الفن والخبرة فی هذه الأمور، وحینئذ فبأمکان البنک اللاربوی استخدام هیئة فنیة فی تطبیق تلک الجوانب من عقود المضاربة وتقسیم أرباحها بین جمیع المشترکین فی راس مال المضاربة بنسب معینة ویصل لکل منهم من الأرباح بنسبة حصته من رأس المال، کما أن بأمکانه استخدام هیئة فنیة من أهل الخبرة للمراقبة بالوسائل الحدیثة المتوفرة عنده.

هذه فکرة کبرویة سریعة عن عقد المضاربة فی البنوک والمصارف التقلیدیة بدیلا عن القروض الربویة المحرمة شرعا.

*************

ص:44

البدیل الثانی للمعاملات الربویة فی البنوک

عقد الوکالة:

البنک بصفة کونه وکیلا عن المودعین فی التصرف فی أموالهم المودعة عنده حسب ما یراه فیه من المصلحة، فله بدلا عن أن یقرض عمیله من الودائع بفائدة ربویة یقدم إلیه أموالا، ویوکله فی شراء متطلباته الشخصیة أو التجاریة أو الصناعیة أو الزراعیة أو غیرها من قبله، وبعد الشراء والقبض یبیعها وکالة منه علی نفسه بثمن مؤجل یتضمن ربحا لا یقل عن سعر الفائدة فی القرض الربوی.

وتطبیق هذا البدیل فی النظام المصرفی بدیلا عن التعامل الربوی فیه یبتنی علی توفر أمور:

الأول:

عنصر الثقة والأمانة فی العمیل الوکیل فی الشراء، أو هناک طرف ثالث یضمن رأس المال.

الثانی:

إشراف البنک علی عملیة الشراء وإطلاعه علی أوضاع السوق وتقلباته صعودا أو نزولا عالمیا أو أقلیمیا ومؤشرات تحسنه بالنسبة إلی السلع التی أراد العمیل أن یشتریها من الأسواق.

الثالث:

إذا لم تکن له خبرة فی عملیة الشراء أو فی معرفة الأجناس، فعلی البنک أن یرسل معه من أهل الخبرة فی ذلک، و حینئذ فاما أن یکون شراؤه بنظره أو هو یقوم بالشراء لمتطلباته من الأجناس والبضائع من قبل البنک، ثم یبیعها علیه بربح مؤجل.

الرابع:

ص:45

تقیید عمله بزمن معین أو مکان کذلک أو شرکة خاصة لتجنب المخاطر وغیرها مما یراه البنک دخیلا فی تعزیز الثقة والأمانة.

*************

ص:46

البدیل الثالث للمعاملات الربویة فی البنوک

بیع المرابحة:

وهو أن البنک بدلا عن أن یقرض عملاءه بفائدة ربویة لکی یقوموا بشراء حاجیاتهم الشخصیة أو التجاریة، یقوم البنک بنفسه بشراء تلک الحاجیات نقداً ثم یبیعها علیهم بثمن مؤجل یتضمن ربحا، وتطیبق هذه العملیة لا یتطلب أن تکون للبنک مخازن ومستودعات تفی بکافة متطلبات عملائه من المواد الشخصیة والتجاریة أو الإنشائیة أو المهنیة أو الصناعیة أو غیرها، وذلک لأن البنک لا یقوم بشرائها إلا بعد مطالبة العمیل بذلک، وحینئذ فاذا لم یرغب العمیل فی إتمام الشراء من البنک، فله أن یبیع البضاعة إلی طرف ثالث، وإذا خسر فی هذا البیع، فهل الخسارة علی العمیل أولا؟

والجواب: ان الشراء حیث کان بأمره وطلبه کانت الخسارة علی ذمته، وبذلک تتفادی مشکلة تراجع العملاء عن الوفاء بعهودهم مع البنک، فان وعد الشراء منه وان کان غیر ملزم لهم إذا لم یکن شرطا فی ضمن عقد لازم، إلا أن قیام البنک بشراء السلعة والبضاعة لما کان بأمر منهم وطلبهم کان موجبا للضمان، فان الأمر بالعمل الذی له قیمة مالیة فی نفسه، سواء أکان بالأمر الخاص أم العام موجب للضمان، لأنه ملاک الضمان فی باب الجعالة، باعتبار أن الضمان فیه ضمان الغرامة لا ضمان المعاوضة، وعلی هذا فاذا أمر العمیل البنک بشراء السلع والبضائع متعهدا علی نفسه شراءها منه بفائدة نسبیة محددة، وحینئذ فان امتنع عن الشراء لسبب ما و خسر البنک فی ذلک, کان العمیل ضامنا للخسارة بموجب امره, یمکن تخریج الضمان فی المقام فقهیا علی اساس الجعالة بلحاظ ان حقیقة الجعالة تنحل الی جزئین:

أحدهما: الامر بالعمل الذی له قیمة مالیة, و الآخر: تعیین الأجرة بازاء ذلک العمل و تحدیدها, و فی المقام یشکل امر العمیل البنک بشراء السلع الجزء الاول من الجعالة, و تعهده بشرائها منه بربح نسبی یشکل الجزء الثانی منها, فمن أجل ذلک اذا تراجع العمیل عن الشراء منه, ضمن اجرة مثل عمله من ناحیة, و الخسارة علی تقدیر وقوعها من ناحیة أخری, و الاول بموجب عقد الجعلة و الثانی بموجب أمره, وبکلمة ان بامکان البنک بدلا عن تلبیة العملاء بالأقراض الربویة, تلبیتهم بشراء الاغراض الشخصیة و الأجتماعیة من السلع المطلوبة کالسیارات و البیوت السکنیة و الاثاث

ص:47

المنزلی و الادوات الانشائیة و غیرها, فانهم اذا کانوا بحاجة الیها طلبوا من البنک شراءها لنفسه نقدا, ثم یبیعها علیهم بنفس تکلیفها مع اضافة ربح لا یقل عن سعر الفائدة, و بذلک یصلح ان یکون بیع المرابحة بدیلا عن القروض الربویة فی کثیر من الموارد.

البدیل الرابع للمعاملات الربویة فی البنوک

بیع السلم:

و هو عقد بیع یعجل فیه الثمن, و یؤجل فیه تسلیم المبیع الی اجل محدود, و علی هذا فبدلا عن ان یقرض البنک عملاءه بفائدة ربویة لشراء السلع بغایة الاستثمار و الاتجار او لحاجة شخصیة سلما, یقوم البنک بشرائها کذلک, و بعد نهایة المدة و قبض السلع یبیعها علیهم بثمن التکلیف مؤجلا مع اضافة ربح محدد یقوم مقام سعر الفائدة, و من هنا یقوم عقد السلم مقام القرض الربوی کوسیلة لتوفیر التمویل للشرکات التجاریة أو المؤسسات الصناعیة او الزراعیة او الانشائیة عن طریق قیام البنک بشراء منتجات تلک الشرکات و المؤسسات سلما, و دفع الثمن الیها نقدا لتمویلها بدلا عن اقراضها ربویا, فاذا نتجت الشرکات قام اصحابها ببیع منتجاتها لعملائها وکالة عن البنک, و یدفع ثمنها الیه, و بذلک یکون شراء البنک منتجاتها من اصحابها بثمن نقدی سلما, بدیلا عن القروض الربویة.

*************

البدیل الخامس للمعاملات الربویة فی البنوک

الشرکة:

وهی عقد بین شخصین او اکثر, و مقتضاها ان یساهم کل منهم فی مشروع معین تجاری أو صناعی أو زراعی, بتقدیم حصة من المال لاستثمارها بهدف الربح و الفائدة, و الشرکة بدلا عن ان تقترض من البنک بفائدة ربویة، تطلب منه تمویل الشرکة بحصة من المال, و تمثل هذه الحصة

ص:48

مساهمة منه فی المشارکة, فیکون البنک من احد الشرکاء, و علی هذا فیتکون رأس مال الشرکة من مجموع حصة من البنک و العمیل, و تحدد حصة کل من الشرکاء بنسبة مئویة, و تقسم الارباح علیهم بهذه النسبة, و من الطبیعی ان الفائدة التی یحصل علیها البنک من المساهمة و المشارکة فی الشرکات التجاریة او الصناعیة او الزراعیة او غیرها, لا تقل من الفائدة التی یحصل علیها من تقدیم القروض الربویة لعملائه, علی اساس ان البنک لا یقدم علی المشارکة و المساهمة فی الشرکات الاستثماریة اعتباطا, و انما یقدم علیها بعد دراسة حدود نجاحها و معرفة المساهمین فیها, و انهم من ذوی سمعة جیدة فی المجالات التجاریة او الصناعیة او غیرها, و بامکان البنک عندئذ ان یجعل نفس العمیل وکیلا عنه فی ادارة الشرکة, او یجعل شخصا آخر وکیلا عنه فی ادارتها مع العمیل, و فی کلتا الحالتین لا یکون الوکیل مسؤولا و ضامنا للخسارة الآمع التعدی و التفریط.

*************

ص:49

البدیل السادس للمعاملات الربویة فی البنوک

تحویل القرض إلی البیع

وهو ان یقوم البنک بدلا عن ان یقرض مائة دینار مثلا لعملیه بمائة و عشرة دنانیر الی ستة اشهر, یبیع المائة علیه بمائة و عشرة الی ستة اشهر, و لا یکون فی ذلک ربا.

بیان ذلک: ان الاوراق النقدیة المالیة بما انها لا تکون من الذهب و الفضة, و لا انها نائبة عنهما لکی تکون محکومة بحکمهما, و لا من المکیل و الموزون, فلذلک لا تعتبر المساواة بین الثمن و المثمن منها مع انها معتبرة فی بیع الذهب بالذهب و الفضة بالفضة, کما انها معتبرة فی بیع المکیل بالمکیل و الموزون بالموزون, و علی هذا فلا مانع من بیع تلک الاوراق نقدا بازید منها فی الذمة مؤجلا, کما اذا اشتری شخص عشرین دینارا خارجیا مثلا بخمسة وعشرین دینارا کلیا فی الذمة الی ثلاثة أشهر. هذا، و هنا اشکالان:

احدهما:

انه قرض واقعا و لکنه اٍلبس ثوب البیع؛ لان المعتبر فی البیع المغایرة بین الثمن و المثمن و لا مغایرة بینهما فی المقام, علی اساس ان الثمن - و هو الکلی فی الذمة - ینطبق علی المثمن فی الخارج.

والجواب: انه یکفی فی صدق البیع عرفا المغایرة الناشئة من کون المثمن عینا خارجیة و الثمن امرا کلیا فی الذمة, و مجرد کون الثمن منطبقا علی المثمن فی الخارج, لا ینافی المغایرة بینهما الناشئة من کون احدهما کلیا فی الذمة و الاخر عینا خارجیة, و المفروض فی المقام ان الثمن هو الکلی الثابت فی الذمة, لا خصوص الحصة المنطبقة منه علی المثمن فی الخارج, لکی یقال انه لا مغایرة بینهما, و من هنا لا اشکال عرفا فی صدق البیع علی بیع الشیء القیمی الخارجی بجنسه الکلی فی الذمة بزیادة, کبیع فرس معین خارجا بفرسین فی الذمة الی اجل محدد فانه منصوص, و هذا یدل علی ان هذا المقدار من المغایرة یکفی فی صدق البیع.

وبکلمة: ان مفهوم البیع غیر مفهوم القرض؛ فان مفهوم البیع متمثل فی تملیک مال بعوض, و لهذا یعتبر فی صدقه ان یکون العوض غیر

ص:50

المعوض و الثمن غیر المثمن, و مفهوم القرض متمثل فی تملیک مال خارجی علی وجه الضمان بمثله بدون النظر الی المبادلة و المعاوضة بینهما, و مجرد کون مألهما واحدا فی المقام لا یجعل البیع قرضا؛ لان المعیار فی صدق البیع انما هو بانشاء مفهومه عن جد و ان کان قد یفید فائدة القرض, و من هنا یکون الصلح عقدا مستقلا باعتبار ان مفهومه مغایر لمفهوم البیع، ومفهوم القرض، مع انه قد یفید فائدة البیع، و قد یفید فائدة القرض.

ثانیهما:

ان القرض بمقتضی الارتکاز العقلائی تبدیل المال المثلی الخارجی بمثله فی الذمة, فیصدق عنوان القرض عرفا علی کل معاملة تتکفل لهذا التبدیل و لو کان المنشأ فیها عنوان التملیک بعوض, و لا یرید العرف من کلمة القرض الا المعاملة التی تؤدی الی ذلک النحو من التبدیل.

والجواب: الظاهر ان الامر لیس کذلک, لان المرتکز لدی العرف العام, ان صدق عنوان البیع او القرض او غیره من المعاملات منوط بکون المنشأ فیه مفهومه عن جد, فان کان مفهوم البیع کان بیعا و لیس بقرض و لا غیره, و ان کان مفهوم القرض فهو قرض و لیس ببیع و لا غیره, و هکذا.

وبکلمة: ان مفهوم القرض یتوقف علی کون المال المقترض مثلیا خارجیا, فانه اذا کان کذلک و قصد تضمینه بمثله فی الذمة من دون لحاظ کون احدهما ثمنا و الآخر مثمنا فهو قرض, و مفهوم البیع لا یتوقف علی ذلک؛ فانه عبارة عن تملیک عین بعوض و ان لم تکن العین او العوض موجودة فی الخارج, فاذا قصد تملیک مائة دینار خارجی مثلا بمائة و عشرة دنانیر کلیة فی الذمة الی ستة اشهر بجعل احدهما ثمنا و الآخر مثمنا کان بیعا, و لا یصدق علیه عنوان القرض.

یتلخص: انه لا مانع من صحة بیع الاوراق النقدیة الشخصیة بالکلی منها فی الذمة, کبیع الف دینار مثلا نقدا بالف وخمسین دینارا فی الذمة الی أجل معین, و بیع ثمانیة دنانیر مثلا بعشرة فی الذمة الی ثلاثة اشهر و هکذا, فانه لا یصدق علی ذلک عنوان القرض, علی اساس انه لوحظ احدهما ثمنا و الآخر مثمنا و قصد المعاوضة بینهما, و لا یصدق علی هذا الا عنوان البیع, و مفهومه دون مفهوم القرض.

ص:51

وعلی هذا فبامکان کل من البنک و العمیل تحویل القرض فی البنوک إلی البیع, فیخرج بذلک عن النظام التقلیدی الربوی.

ولو سلمنا ان تبدیل القرض بالبیع لا یمکن فی عملة واحدة علی النحو الذی عرفته, باعتبار انه قرض فی الواقع بصورة البیع, الا انه لا مانع منه بین عملتین کالدینار و التومان و الدینار و الدولار و نحوهما, بأن یبیع ثمانین دینارا مثلا بالفی تومان مؤجلا بدلا عن ان بیع الثمانین بمائة دینار کذلک, علی اساس ان احکام بیع الصرف لا تجری علی بیع النقود الورقیة, فلا یجب فیه التقابض فی المجلس, بل یجوز ان یکون الثمن مؤجلا, و حینئذ ففی نهایة الاجل یمکن للبائع ان یتقاضی من المشتری الفی تومان او ما یساوی ذلک من الدنانیر العراقیة و هو مائة دینار من باب وفاء الدین بغیر جنسه, و بذلک تحصل نفس النتیجة المطلوبة لمن یرید ان یقترض من البنک ربویا.

وبکلمة: ان البنک بدلا عن ان یبیع اربعین دینارً مثلاً بخمسین دیناراً مؤجلاً الی ثلاثة اشهر, یبیع الاربعین بالف تومان مؤجلا الی نفس المدة, و لو قیل فی بیع اربعین دینارا بخمسین انه قرض واقعاً و ان البس ثوب البیع صورة, فلا یقال هذا فی بیع اربعین دیناراً بألف تومان، لعدم المماثلة بین الثمن و المثمن فیه, و کذلک العمیل, فانه بدلاً عن یبیع اربعین دیناراً مثلاً من البنک بخمسین دیناراً مؤجلاً, یبیع الاربعین بالف تومان, وفی نهایة المدة یمکن له ان یتقاضی من البنک الف تومان او ما یساوی ذلک من الدنانیر و هو خمسون دیناراً مثلاً.

ودعوی: ان النظر العرفی فی باب النقود انما هو الی مالیتها دون خصوصیاتها, فالمنظور الیه عرفا من بیع اربعین دینارا بالف تومان, هو تبدیل مالیة بمالیة, فاذا کان النظر العرفی الی مالیة الدنانیر و التوامین التی وقعت ثمناً و مثمنأ, فلا تغایر بین الثمن و المثمن حیئنذٍ الا فی کون احدهما امراً خارجیاً و الآخر امراً ذمیّاً, و هذا معنی تبدیل الشیء الی مثله الذی هو معنی القرض.

مدفوعة: بأن المنظور الیه فی باب النقود و ان کان المالیة, الا انه المالیة الخاصة, فإن النظر العرفی الی مالیة الدینار إنما هو فی ضمن الدینار لا مطلقاً, والی مالیة التومان إنما هو فی ضمن التومان و إلی مالیة الدولار إنما هو فی ضمن الدولار و هکذا, و علی هذا ففی بیع الدینار

ص:52

بالتومان یکون النظر العرفی الی تبدیل مالیة الدینار بمالیة التومان, لا الی تبدیل مالیة بمالیة من دون خصوصیة للدینار و التومان, فاذن یکون الثمن مغایراً للمثمن و لا مماثلة بینهما.

وقد یقال: ان هذا البدیل لا یحقق کل فوائد القرض الربوی المحرم شرعاً, و ذلک لان الشخص اذا أخذ عشرین دیناراً مثلاً من البنک مؤجلاً الی شهرین, فان کان اخذها علی اساس القرض الربوی, فان وفی خلال الشهرین فهو, و إلا کان البنک یلزمه بفائدة جدیدة عن التأخیر, و ان کان اخذها علی اساس البیع, لم یجز له الزامه بفائدة جدیدة مقابل التأخیر. و ان شئت قلت: ان تأخر المدین عن السداد فی البنوک التقلیدیة لا یمثل معضلة کبری, طالما ان الضمانات کافیة لسداد قیمة الدین, و کلما تأخر المدین عن السداد و الوفاء اضیفت فوائد التأخیر إلی مدیونیته وتکرار التأخیر یتضاعف الفائدة علی رأس المال, و اما فی البنوک غیر الربویة فلا یجوز الزام المدین بفائدة جدیدة مقابل التأخیر لأنه ربا.

والجواب: ان بامکاننا علاج هذه المعضلة بالتقریب التالی, و هو ان یشترط البنک علی عمیله المشتری فی عقد البیع ان یدفع دیناراً مثلاً عن کل شهر اذا لم یسدد الدین فی موعده, و لا یکون هذا ربا, فانّ الزام البنک المدین انما یکون بحکم الشرط فی ضمن البیع لا فی ضمن القرض حتی یکون ربا. نعم, لو اشترط أن یکون له الدینار فی کل شهر فی مقابل التأجیل والتأخیر لکان من أشتراط الربا. وبکلمة کما أن بأمکان البائع أن یشترط علی المشتری فی ضمن البیع أن یخیط له فی کل شهر ثوبا إلی سنة أو اکثر، أو أن یهب له فی کل شهر دینارا إلی ستة أشهر مثلا، کذلک بأمکانه أن یشترط علیه فی عقد البیع أن یدفع دینارا فی کل شهر یتأخر فیه عن دفع الثمن المقرر من حین حلول موعده، وحیث أن الزام المدین هنا بدفع الدینار یکون بحکم البیع لا بحکم عقد القرض، ولا فی مقابل الأجل، فلا یکون من اشتراط الربا.

وهناک بدائل أخری غیرها إذ بأمکان البنک اللاربوی القیام بکل معاملة مشروعة مع عملائه حسب ما یراه فیها من المصلحة والفائدة للطرفین.

ص:53

الخلاصة:

استعرضنا الآن البدائل التی یمکن تطبیقها عملیا فی البنوک والمصارف بدیلا عن النظام التقلیدی الربوی، ولا یقل دور مجموع هذه البدائل وتطبیقها عملیا فی تنمیة الاقتصاد والحرکة التجاریة أو الصناعیة أو الزراعیة أو غیرها عن دور القروض الربویة فیها، ومن هنا قد ألغی الإسلام بشکل جاد وقاطع النظام الربوی عن الاقتصاد الإسلامی نصا وروحا، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری إن الإسلام بقدر ما یؤکد فی نظامه الاقتصادی علی الجانب المادی نصا وروحا یؤکد علی الجانب المعنوی أیضا، علی أساس إن الإسلام هو الدین الوحید الذی یزود الإنسان بطاقات نفسیة وملکات فاضلة وأخلاق سامیة لمعالجة مشاکل الإنسان الکبری المعقدة فی مختلف مجالات الحیاة الفردیة والعائلیة والإجتماعیة، وهو یرتبط بین الدوافع الذاتیة والمیول الطبیعیة الذاتیة للإنسان والمصالح الکبری، وهی العدالة الإجتماعیة التی قد أهتم الإسلام بإیجادها وإیجاد المجتمع الفاضل، فلذلک یکون الدین الإسلامی هو الوسیلة الوحیدة لحل التناقضات بین الدوافع الذاتیة لمصالح شخصیة وبین المصالح النوعیة، وهو یجهز الإنسان بطاقات غریزة الدین ودوافعه المتمثلة فی الإیمان بالله العظیم، وبذلک تصبح المصالح العامة للمجتمع الإنسانی علی طبق المیول الطبیعیة والدوافع الذاتیة، ومن هنا یکون الإنسان المسلم بحکم غریزة الدین التی أصبحت میولا ذاتیة له یقدم بأقصی درجة الحب والمیل والرغبة علی بذل أعز ما لدیه، وهذا معنی حل الدین الإسلامی مشکلة الإنسان الکبری.

وتطبیق هذه البدائل عملیا مرتبط بعدة عوامل:

الأول: العامل النفسی وهو ان المسلمین - بحکم ضرورة تبعیتهم للدین الإسلامی ومسؤولیتهم أمام الله تعالی - ملزمون بأستخدام هذه البدائل فی طریق التعامل المصرفی بدیلا عن النظام التقلیدی الربوی المحرم بالضرورة من الشرع.

الثانی: إن تطبیق تلک البدائل عملیا المتمثلة فی النظام اللاربوی بدیلا عن النظام التقلیدی الربوی فی البنوک والمصارف، یدل علی أصالة المسلمین الفکریة وشخصیتهم التشریعیة المستقلة المستمدة من الکتاب والسنة

ص:54

من ناحیة، وعلی النظام الإقتصادی الإسلامی فی حدود دائرة الشرع من ناحیة أخری.

الثالث: إن دور هذه البدائل فی الحرکات التجاریة الصناعیة والزراعیة وغیرها لا یقل عن دور القروض الربویة.

ص:55

النوع الثانی: الخدمات البنکیة المصرفیة فی مختلف جوانب الحیاة الاقتصادیة وهی عدة خدمات

1- معالجة الدیون المیتة المتعثرة

ص:56

معالجة الدیون المیتة:

وهی الدیون التی تظل من دون سداد من المدین فی البنک ویمکن علاج هذه المعضلة بأحد وجوه:

الأول:

إن إحتمال بقاء الدیون فی حسبان البنک علی أساس النظام البنکی اللاربوی ضعیف جدا، لما تقدم من أن البنک لا یقدم علی اعمال البدائل فی البنوک والمصارف عوضا عن النظام العملی الربوی فیها، إلا بعد توفر عنصر الثقة والأمانة الکاملة لدیه فی العملاء المستثمرین وخبرویتهم المسبقة فی الأمور التجاریة، وتزویدهم بکافة المعلومات عن أوضاع السوق وتقلباته ومؤشراته والاشراف علیها، ومن الطبیعی ان التأکید علی ذلک کفیل عادة علی عدم ضیاع رأس المال والضمان له.

الثانی:

ان من حق البنک أن یطلب من عمیله التأمین علی المال الذی یقدمه له للإتجار به والمداولة، فإن أتی بالکفیل والمؤمن فهو المطلوب، وإلا فله الإمتناع عن التقدیم، وعلی هذا فبأمکان البنک أن یقوم بنفسه بالتأمین لقاء عمولة معینة، کما أن له أن یطلب منه بضمان من شرکة التأمین، فإذا أمّنت الشرکة وقبلت التأمین، قدم البنک له المبلغ المقرر، وعلیه أن یدفع أجور التأمین، وان کان الشرکة فعلیه أن یدفع أجوره لها، فإذا وقعت خسارة عندئذ فی رؤوس الأموال لسبب أو آخر أو تلفت، فهی علی المؤمن سواء أکان البنک أم الشرکة.

الثالث:

ان للبنک أن یأخذ مبلغا من کل فائدة لأجل التعویض عن الدیون المیتة، فان البنک یقدر علی أساس احصاءات سابقة والظروف المالیة الاقتصادیة،

ص:57

ان نسبة معینة من الدیون تظل دون وفاء، فیعوض عنها بذلک ویمکن تخریج ذلک فقهیا بما یلی:

إن من حق البنک أن یأخذ أجرة علی کتابة الدین وشراء أدوات الکتابة وضبط الحسابات وهکذا، فإن له الامتناع عن ذلک مجانا، کما أن بأمکان الدائن ان یمتنع عن تحمل هذه الاجرة، فیتحملها المدین توصلا إلی أخذ المبلغ.

إلی هنا قد تبین أن بأمکان البنک التخلص من الدیون المیتة والوقوع فی خسارتها بأختیار أحد هذه الوجوه.

*****************

ص:58

2- عقد التأمین وأرکانه وتخریجه الشرعی

ص:59

عقد التأمین یشتمل علی أرکان أربعة:

1 - إیجاب من طالب التأمین.

2 - قبول من المؤمن (الشرکة أو البنک).

3 - المؤمن علیه (النفس أو المال أو غیر ذلک).

4 - مبلغ التأمین.

فالتعاقد بین طالب التأمین والمؤمن وهو الشرکة، أما أن یکون بنحو من الضمان المعاملی، بمعنی أن الشرکة قد انشأت تعهدا بتحمل الخسارة أو تدارکها علی تقدیر وقوعها بشروط، فإذا قبل طالب التأمین ذلک تحقق عقد الضمان بینهما، أو یکون من الهبة المعوضة، بمعنی أن طالب التأمین - وهو العمیل فی المقام - یهب مبلغا محددا فی رأس کل شهر للمؤمن - وهو الشرکة أو البنک - مشروطا، بأن یتحمل الخسارة فی رؤوس الأموال علی تقدیر وقوعها بسبب من الأسباب، فإذا قبل المؤمن المبلغ الموهوب مشروطا بذلک تحقق الهبة المعوضة، أو یکون عقدا مستقلا بین طالب التأمین والشرکة أو البنک، فلا یکون داخلا لا فی الهبة المعوضة ولا فی الضمان العقدی، ولا ینطبق علیه عنوان آخر من عناوین المعاملات الخاصة.

ودعوی أنه علی هذا لا یمکن الحکم بصحته، مدفوعة بأنه وإن لم یکن مشمولا لاطلاق الأدلة الخاصة التی تدل علی صحة المعاملات وامضائها بأسمائها المخصوصة، إلا أنه یکفی فی الحکم بصحته عموم قوله تعالی:(إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فأنه مشمول له، وسیأتی شرح عقد التأمین بصورة أو سع وأشمل فی ضمن البحوث الآتیة.

****************

ص:60

3- تحصیل قیمة الشیکات وکیفیة تخریجه الشرعی

ص:61

تحصیل قیمة الشیکات

یقوم البنک بتحصیل قیمة الشیکات لمصلحة المستفید بالطرق التالیة:

الأول: الشیک الصادر من العمیل المدین لمصلحة دائنه المستفید علی البنک المدین له، وفی هذه الحالة تواجه البنک المدین فی تحصیل قیمة الشیک حوالة واحدة من محرر الشیک لدائنه المستفید، فالدائن المستفید - بموجب هذه الحوالة - یملک قیمة الشیک فی ذمة البنک المحول علیه، وعلی هذا فبأمکان المستفید أن یبیع قیمة الشیک فی ذمة البنک من شخص نقدا، ویکون هذا من بیع الدین بنقد ولا مانع منه شرعا، حتی فیما إذا کان الثمن والمثمن من عملة واحدة لما مر من أنه یکفی فی صدق البیع وجود المغایرة بینهما الناجمة من کون احدهما شخصیاً خارجیا والآخر کلیا فی الذمة، ویرجع المشتری حینئذ إلی البنک ویطلب منه تقیید قیمة الشیک فی حسابه أو تسلیمها إلیه نقدا.

نعم، إذا اشترط البنک المدین علی عملائه الدائنین من الأول فی ضمن عقد ما بعدم الحوالة علیه، فعندئذ کان من حقه ان لا یقبل الحوالة بدون اذنه المسبق کما ان له فی هذا الفرض المطالبة بالعمولة لقاء قبولها. هذا إذا کان البنک مدینا لصاحب الشیک، واما إذا لم یکن مدینا له، فتدخل الحوالة علیه من الحوالة علی البری، وصحة هذه الحوالة مرتبطة بقبولها، فان قبل صحت وأصبح البنک مدینا للدائن المستفید، وإلا بطلت، کما أن له فی هذه الحالة أن لا یقبل الحوالة إلا لقاء عمولة.

الثانی: ان العمیل المدین قد أصدر شیکا لمصلحة دائنه المستفید علی فرع من فروع البنک المدین له، وفی هذه الحالة لا توجد ایضا إلا حوالة واحدة، علی أساس أن للبنک ذمة واحدة فی کافة فروعه فی أنحاء البلاد، مثال ذلک البنک المرکزی فی بغداد أو طهران مثلا، وله فروع فی جمیع أنحاء العراق أو إیران، وتلک الفروع کلها وکلاء للجهة العامة التی تملک البنک، وکل فرع منه فی أی مکان وبلد کان، فهو وکیل لتلک الجهة العامة، وکل مال مودع فی فرع من فروعه، فهو فی الحقیقة دین علی تلک الجهة العامة، فإذا سحب العمیل شیکا علی فرع من فروعه لصالح دائنه فقد حول فی الحقیقة دائنه علیها، فلذلک کانت الحوالة حوالة واحدة لوحدة المدین وهو الجهة العامة، وعلی هذا فإذا کان الفرع المسحوب علیه الشیک فی النجف

ص:62

الأشرف والفرع المطالب بتحصیل قیمة الشیک فی البصرة مثلا، فهل بامکان الفرع فی البصرة أن یطالب عمولة علی تحصیل قیمة الشیک وتسدیدها أو لا؟

والجواب: ان المدین لصاحب الشیک وإن کان نفس البنک من دون فرق بین فرع وفرع منه فی جمیع أنحاء البلاد، فإذا أودع ماله فی فرع منه کان المدین له نفس البنک، إلا أنه غیر ملزم بدفع الدین إلی الدائن المستفید إلا فی المکان الذی وقع عقد القرض فیه. وبکلمة ان البنک هو المدین وکل فرع من فروعه وکیل عنه، ولکنه غیر ملزم بتسدید الدین للدائن فی غیر مکانه، فان کان مکانه النجف الأشرف مثلا کان علیه تسدیده فیه دون مکان آخر کالحلة أو بغداد أو البصرة مثلا، وعلی هذا فإذا کان للعمیل حساب جاری مع فرع النجف ولکنه أصدر شیکا لصالح دائنه علی فرع البصرة، ففی مثل ذلک لا یکون فرع البصرة ملزما - بعنوان أنه وکیل عن البنک - بتحصیل قیمة الشیک وتسدیدها فیها، لأن مکان وقوع القرض هو الأصل فی مکان الوفاء، وعلیه فیکون من حق البنک أن یطالب المستفید بعمولة لقاء قیامه بتسدید الدین فی مکان آخر غیر مکان القرض، وکذلک الحال إذا أصدر العمیل شیکا لدائنه المستفید علی نفس المرکز، فأنه غیر ملزم بتسدید الدین فی غیر مکان عقد الدین، ومن هذا القبیل ما إذا سلم شخص مبلغا فی فرع منه فی مکان کالنجف الأشرف مثلا ویطلب منه الحوالة علی فرعه فی البصرة أو مکان آخر داخل العراق، فانه غیر ملزم بقبول الحوالة مجانا، وبأمکانه فی هذه الحالة أن یطالب لقاء ذلک عمولة.

الثالث: ان العمیل المدین إذا سحب شیکا لصالح دائنه علی بنک آخر لا علی فرع من فروع البنک الأول، وتقدم الدائن المستفید بالشیک إلی البنک الأول لیقوم بتحصیل قیمة الشیک من البنک الثانی وتقییدها فی رصیده، ففی هذه الحالة فقد حول العمیل دائنه علی البنک المسحوب علیه الشیک کبنک التجارة مثلا، وبموجب هذه الحوالة صار البنک المذکور مدینا للمستفید، ولکن المستفید بسبب أو آخر یرجع إلی البنک الأول کبنک الزراعة مثلا، ویطالب منه تحصیل قیمة الشیک، وعلی هذا فان کان بین البنک الأول والبنک الثانی قرار ومعاهدة علی أن بأمکان دائن کل منهما أن یرجع إلی الآخر للوفاء بدینه وتسدیده، کان رجوعه إلی البنک الاول حوالة ثانیة من البنک الثانی فهنا حوالتان:

ص:63

الاولی: حوالة العمیل دائنه المستفید علی البنک الثانی.

الثانیة: حوالة البنک الثانی دائنه علی البنک الأول، ولا فرق فی صحة الحوالة الثانیة بین أن یکون البنک الاول مدینا للبنک الثانی أو لا، لأن صحتها مرتبطة بالمعاهدة بینهما علی ذلک، لا بکون البنک المحول علیه مدینا له، واما إذا لم تکن معاهدة بینهما کذلک، فلا یکون رجوع الدائن المستفید إلی البنک الاول حوالة من البنک الثانی، بل رجوعه إلیه یقوم بتحصیل قیمة الشیک ولو عن طریق إتصاله بالبنک المسحوب علیه بعد التأکد من صحة الشیک، وفی هذه الحالة بأمکان المستفید بدلا عن الرجوع إلی البنک الأول لتحصیل قیمة الشیک أن یقوم ببیع ما ملکه بموجب الحوالة فی ذمة البنک الثانی علی البنک الأول نقدا، ولا مانع من هذا لأنه من بیع الدین بالنقد.

ثم أنه هل یجوز للبنک الأول (المحصل) أن یطالب عمولة من المستفید لقاء قیامه بتحصیل قیمة الشیک من البنک الثانی المسحوب علیه، باعتبار أن ذلک عمل محترم، فیجوز له أخذ الأجرة علیه أو لا؟

والجواب: ان فی ذلک تفصیلا، فانه ان کانت بینهما معاهدة علی ان بامکان دائن کل منهما أن یرجع إلی الآخر لإستیفاء حقه منه، لم یجز للبنک المحصل أن یطالب عمولة لقاء ذلک، علی أساس أنه ملزم بالقیام بهذه الخدمة بموجب المعاهدة بینهما، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون البنک المحصل مدینا للبنک الثانی أو لا، وإن لم تکن معاهدة بینهما کذلک کان من حقه أن یطالب منه عمولة لقاء قیامه بهذا العمل، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون البنک المحصل مدینا للبنک الثانی أو لا، بأعتبار أن رجوعه إلی البنک المحصل لیس بموجب حوالة البنک الثانی علیه، بل من جهة أنه کان یعلم بأنه إذا رجع إلیه وهو یقوم بتحصیل قیمة الشیک من البنک المسحوب علیه، وله حینئذ أن یطالبه بعمولة لقاء هذه الخدمة.

الرابع: إذا کان الشیک مسحوبا من المدین للدائن المستفید علی بنک فی البلد ولکن المستفید یطلب من البنک دفع قیمة الشیک فی خارج البلد بعملة أجنبیة، کما إذا فرض أن المستفید یسافر إلی البلد لسبب أو آخر ویحتاج إلی عملة أجنبیة، مثال ذلک: شخص مریض أراد أن یسافر إلی لندن مثلا للعلاج، وعنده شیک یتضمن مبلغا من المال علی بنک فی داخل البلد، یراجع البنک ویطلب منه تحویل المبلغ بعملة أجنبیة بسعر الصرف فی البلد إلی الخارج کلندن، ففی مثل ذلک یمکن تکییف العملیة بأحد وجوه:

ص:64

الاول / أن یبیع الدائن المستفید ما ملکه بموجب الحوالة علی ذمة البنک من العملة الداخلیة بعملة أجنبیة کالدولار مثلا، وبذلک یصبح البنک مدینا للمستفید بعملة أجنبیة بدیلا عن العملة الداخلیة، ثم یقوم البنک بتزوید الدائن بالحوالة علی خارج البلاد من طریق ممثله ان کان له فرع فیه، وإلا فعلی بنک آخر هناک، ولکن هذا الوجه غیر صحیح شرعا، لأنه من بیع الدین بالدین وهو باطل.

الثانی / ان الدائن یتقدم بالشیک إلی البنک المدین لمحرره ویطالب منه تسلیم قیمة الشیک المسحوب علیه، فإذا تسلم القیمة باعها منه بعملة أجنبیة علی ذمته، وبذلک یصبح البنک مدینا للمستفید بعملة أجنبیة، وحینئذ فان أشترط المستفید علی البنک فی عقد البیع تزویده بالحوالة بتلک العملة الأجنبیة فی الخارج فعلیه ذلک، وعلی هذا فان کان له فرع فیه أصدر خطابا إلیه بتسدید دین دائنه المستفید، وحیث أنه لا ذمة للفرع فی مقابل الأصل، فلا یصبح مدیونا للمستفید، لما مر من ان فروع البنک جمیعا وکلاء له، فلا ذمة لهم فی مقابل الأصل، وان لم یکن له فرع ممثل له فی الخارج فعلیه أن یزوده بالحوالة علی بنک آخر هناک، فإذا احاله علیه أصبح البنک مدینا للمستفید بموجب الحوالة، وعندئذ فإذا سدد دینه فی الخارج قید المبلغ المسدد فی حساب البنک المحول، هذا إذا کان للبنک المحول رصید مالی عنده، وأما إذا لم یکن فهو من الحوالة علی البری فان قبلها صحت واصبح مدینا للمستفید، وإلا بطلت.

نعم له أن یطالب عمولة لقاء قبوله الحوالة ولا مانع شرعا من اخذ العمولة لقاء ذلک لأن المال المأخوذ إنما هو بأزاء قبول الدین لا علی الدین، والممنوع إنما هو الثانی، لأنه ربا دون الأول، وأما إذا لم یشترط المستفید علی البنک الحوالة علی بلد آخر فی ضمن البیع، فلا یجب علی البنک قبول الحوالة منه مجانا، وله أن یتقاضی منه عمولة فی هذا التحویل لقاء قبوله بالدفع فی مکان آخر.

الثالث / ان البنک یقوم بموجب طلب المستفید من الشیک تزویده بالحوالة بعملة أجنبیة فی دولة آخری یرید المستفید أن یسافر إلیها بسبب أو آخر أو یستورد السلع منها أو غیر ذلک، فإذا وافق البنک بتنفیذ طلبه وزوده بالحوالة بها هناک، أصبح المستفید مدینا للبنک بعملة اجنبیة والبنک مدین له بعملة داخلیة، فلذلک لا یسقط الدین بالتهاتر، لعدم التماثل بینهما، ولکن بإمکان کل

ص:65

منهما إسقاط ماله عن ذمة الآخر، غایة الأمر إذا کانت مالیة أحدهما أزید من الآخر طولب بالزائد.

وبکلمة: أنه لا مانع من هذه الحوالة شرعا، سواء أکانت علی فرع له هناک أم کانت علی بنک آخر علی تفصیل قد مر، و یمکن للبنک حینئذ أن یتقاضی عمولة من المستفید لقاء قبوله الحوالة هناک، علی أساس أنه لا یجب علیه تسدید الدین فی غیر المکان الذی وقع فیه عقد القرض ما لم یشترط ذلک فی عقد ما، ویمکن تخریج ذلک فقهیا بأحد وجوه:

الاول: أن ذلک یکون فی باب الجعالة، فان الدائن یقول للبنک: إذا سددت قیمة الشیک بعملة أجنبیة فی خارج البلد فلک کذا مبلغا من المال، وحینئذ فاذا قام البنک بالعملیة وسدد قیمته بها فی الخارج استحق الجعل.

الثانی: أن یکون ذلک بعقد الاجارة، بأن یقوم الدائن المستفید باستئجار البنک علی القیام بهذا العمل، وهو تزویده بالحوالة علی خارج البلد بعملة أجنبیة لقاء أجرة محددة، فإذا قبل ذلک وتحقق العقد بینهما أستحق الأجرة.

الثالث: أن یکون ذلک من باب أجرة المثل التی یتقاضاها الاجراء للقیام بمثل هذا العمل بدون تحدیدها بعقد الجعالة أو الإجارة.

******************

ص:66

4- التحویل الداخلی وکیفیّة تخریجه الفقهی

ص:67

التحویل الداخلی

شخص فی بلد کالنجف الأشرف مثلا مدین لشخص فی بلد آخر کالبصرة وأراد أن یسدد دینه فی بلده المقیم فیه فلذلک طرق:

الأول:

ان الشخص المدین قد أصدر خطابا إلی البنک مباشرة، ویتضمن أمره بدفع مبلغ معین لدائنه المستفید فی بلده المقیم فیه، وحینئذ فان کان للبنک المدین للعمیل الآمر فرع ممثل له فی بلده أتصل به وأمره بدفع قیمة الدین له، وإن لم یکن له فرع فی بلده، فله أن یتصل ببنک آخر هناک ویأمره بدفع قیمة الدین للمستفید، فإذا دفعها له هناک ضمن البنک الآمر ما دفعه من قیمة الدین بموجب أمره بالدفع، وفی هذه الحالة إذا کان للبنک الآمر رصید مالی عند البنک المأمور، جاز للبنک المأمور أن یدفع قیمة الدین من رصید البنک الآمر، علی أساس أن امره للبنک هناک بدفع قیمة الدین للمستفید فی بلده إقامته، یدل علی إذنه وسماحه له بدفعها من رصیده عنده.

الثانی:

إن العمیل المدیون یحیل دائنه المستفید علی البنک ویصبح البنک بموجب هذه الحوالة مدینا للمستفید، علی أساس أن معناها نقل الدین من ذمة إلی ذمة، وحینئذ فإن احال البنک المستفید علی فرعه فی بلده المقیم فیه لم یکن هذا حوالة ثانیة بالمعنی الفقهی، علی أساس ما مر أن الفرع ممثل للبنک ووکیل من قبله ولیس له ذمة أخری لکی یحال علیها من جدید، فإذن یکون فی المقام حوالة واحدة، وان أحال البنک المستفید علی بنک آخر فی بلده کان هذا حوالة ثانیة، فهنا حوالتان:

الأولی / من العمیل المدین للمستفید علی البنک.

الثانیة / من البنک المدین للمستفید علی بنک آخر فی بلده، وعندئذ فان کان البنک الآخر مدینا للبنک المحول وجب علیه قبول الحوالة، وکذلک إذا کانت بینهما معاهدة علی ذلک، وإن لم یکن مدینا له ولا معاهدة بینهما کان هذا حوالة علی البری، فإن قبل صحت، وإلا فلا.

الثالث:

ص:68

ان البنک بوصف کونه مدینا لعمیله، فیحیل العمیل علی بنک آخر، فیصبح البنک الاخر بموجب هذه الحوالة مدینا للعمیل، وحینئذ فإن احال العمیل دائنه فی بلده علی البنک المدین له کان هذا حوالة ثانیة، الأولی من البنک لعمیله الدائن علی بنک آخر، والثانیة من العمیل لدائنه المستفید علی ذلک البنک.

والخلاصة إن هذه العملیة بکل تخریجاتها صحیحة وجائزة شرعا.

وهل یجوز أخذ العمولة علیها أولاً؟

والجواب: إن ذلک یقوم علی أساس مجموعة من الضوابط:

1) إن من حق الدائن أن یطالب المدین بتسدید الدین فی المکان الذی وقع فیه عقد القرض، من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الدائن متمثلا فی الجهة العامة کالبنک أو فی الجهة الخاصة، ولا یسمح شرعا للمدین أن یمتنع عن ذلک إلا إذا تنازل الدائن عن حقه، وعلی هذا فیجوز للدائن أن یتقاضی عمولة لقاء تنازله عن حقه، وقبول الوفاء بالدین فی مکان آخر.

2) إن من حق الدائن أن یطالب المدین بتسدید الدین کما أستدان فان استدان نقدا فمن حقه ان یطالبه بتسدیده نقدا ولا یقبل الحوالة، وإن استدان حوالة فله أن یطالبه بتسدیده کذلک، ولا یقبل تسدیده نقدا، کما أن من حق المدین ان لا یقبل الحوالة إذا استدان نقدا، أو لا یقبل التسدید نقدا إذا أستدان حوالة، ویسوغ لکل منهما أن یتقاضی عمولة لقاء تنازله عن حقه.

3) إن من حق المدین الامتناع عن اداء الدین فی غیر المکان الذی وقع فیه عقد القرض، ولا یحق للدائن أن یطلب منه الوفاء فی غیر مکان العقد، وله ان یتقاضی عمولة لقاء التنازل عن حقه وقبوله الوفاء فی مکان آخر.

وعلی ضوء هذه الضوابط یظهر أنه یسوغ للبنک من الناحیة الشرعیة أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذه العملیة بکافة تخریجاتها.

وأما تخریجها علی الطریق الأول، فلأن العمیل إذا أمر البنک بتسدید قیمة الدین لدائنه المستفید فی بلده المقیم فیه، کان من حق البنک أن یطلب منه عمولة لقاء تسدید دینه فی غیر بلد القرض، إذ لا یجب علیه أن یلعب دور الاتصال بفرعه هناک أو بنک آخر، ویأمره بدفع قیمة الدین تطبیقا لتنفیذ أمر العمیل مجانا، بل له أن لا یقوم بهذا الدور أو الخدمة بدون أجرة وعمولة، علی أساس ان البنک غیر ملزم بتسدید الدین فی أی مکان یقترحه الدائن

ص:69

تطبیقا للضابط الثالث، وعلی هذا فان أراد الدائن من المدین الوفاء بدینه فی مکان آخر غیر مکان القرض، کان من حق المدین أن یتقاضی منه عمولة لقاء التنازل عن حقه.

وأما تخریجها علی الطریق الثانی، فلأن العمیل حیث أنه أحال دائنه علی البنک، فیصبح البنک بموجب هذه الحوالة مدینا لدائنه المستفید ولکن لا یجب علی البنک أن یسدد دینه إلا فی مکان الحوالة وهو مکان الدین، ولا یکون ملزما بدفعه فی بلد الدائن المقیم فیه، وإذا أراد الدائن ذلک، کان من حقه أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذا الدور.

وأما تخریجها علی الطریق الثالث، فلأن البنک المدین لعمیله الآمر بالتحویل غیر ملزم بأن یلعب دور الحوالة، بأن یحیل عمیله علی البنک فی بلد المستفید، لأنه ملزم بالأداء فی مکان الدین لا فی کل مکان أراد الدائن، وعلی هذا فإذا أمر العمیل البنک بالتحویل علی البنک فی بلد المستفید، فمن حق البنک المأمور ان لا یقبل ذلک مجانا وبدون عمولة.

یتحصل من ذلک أنه یجوز للبنک أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذه العملیة بکل تخریجاتها وتکییفاتها الشرعیه.

ص:70

5- التحویل الخارجی وکیفیّة تخریجه الفقهی

ص:71

التحویل الخارجی

شخص فی بلد کالعراق مثلا مدین لشخص فی بلد آخر کالهند، وأراد تسدید دینه والوفاء به فی بلده هناک المقیم فیه فما هو طریقه؟

والجواب: ان لذلک عدة طرق:

الأول:

ان الشخص المدین یصدر خطابا إلی البنک المدین له مباشرة، ویتضمن الخطاب الأمر بدفع قیمة الدین بعملة أجنبیه لدائنه المستفید فی بلده الهند المقیم فیه بواسطة ممثله هناک ان کان، وإلا فبواسطة بنک آخر، فإذا قبل البنک ذلک وقام بالعملیة ولعب دورها فادی إلی وصول الدین للمستفید هناک بأحد الطریقین، أصبح الشخص العمیل مدینا للبنک بعملة أجنبیة، و هو مدین للعمیل بعملة داخلیة، وبما أنه لا مماثلة بین الدینین، فلا یسقطان بالتهاتر.

نعم بأمکان کل منهما إسقاط ما فی ذمة الآخر، إلا إذا کانت قیمة أحدهما أزید من قیمة الآخر فیطالب بالزائد، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری إذا کان للبنک فرع فی بلد المستفید وأمره بدفع دین المستفید هناک بعملة أجنبیة فدفعه، لم یضمن البنک ما دفعه، لما مر من أن فرعه ممثل له ووکیل عنه فدفعه دفع البنک، لا دفع جدید فی مقابل دفعه، وأما إذا لم یکن له فرع فی بلده هناک، فله أن یتصل ببنک آخر فیه ویأمره بدفع دین المستفید هناک، فإذا دفعه ضمن البنک الآمر ما دفعه البنک المأمور بموجب هذا الآمر، فیصبح بذلک مدینا له. هذا إذا لم یکن للبنک الآمر رصید مالی عند البنک المأمور هناک، وإلا فهو یدفعه من رصیده، وحینئذ فلا ضمان.

وهل بأمکان البنک من الناحیة الشرعیة أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذه العملیة أو لا؟

والجواب: نعم فإن بأمکانه ذلک علی أساس أنه غیر ملزم بدفع قیمة الدین بعملة أجنبیة، ولا ببلدة أخری غیر بلدة القرض، کما إن للبنک فی بلد المستفید إذا لم یکن للبنک الآمر رصید مالی عنده، ولا قرار ومعاهدة بینهما علی ذلک، ان یتقاضی عمولة لقاء قبوله الأمر منه وتنفیذه بدفع قیمة الدین للمستفید فی بلده من ماله.

ص:72

الثانی:

ان العمیل المدین للمستفید فی خارج البلد یقوم ببیع ماله فی ذمة البنک من العملة الداخلیة بعد قبضها منه أصالة أو وکالة بالعملة الأجنبیة، فیصبح البنک بذلک مدینا لعمیله بالعملة الأجنبیة، ثم یامر العمیل البنک بالحوالة، فیقوم البنک بموجب أمر عمیله بدور الحوالة، فیحیله علی فرع من فروعه فی الخارج الممثل له، ولکن هذا لا یکون حوالة بالمعنی الفقهی، علی أساس ما مر من أنه لیس للفرع ذمة أخری فی مقابل ذمة الأصل لیحال علیها، وأما إذا لم یکن له فرع فیه، فیحیله علی بنک اخر هناک ویکون هذا حوالة بالمعنی الفقهی، إذ بها ینتقل الدین من ذمة البنک المحول إلی ذمة البنک المحول علیه، فیصبح البنک المحول بموجب هذه الحوالة مدینا للعمیل الآمر، وحینئذ فبأمکان العمیل أن یحیل دائنه المستفید علی البنک المحول علیه، ویکون هذا حوالة ثانیة وبموجبها یصبح البنک المحول علیه مدینا للمستفید وتبرأ ذمة العمیل عنه. هذا إذا کان البنک المحول علیه مدینا للبنک المحول، وإلا فصحة الحوالة مشروطة بالقبول، بأعتبار إنها حوالة علی البری وهل بأمکان البنک من الناحیة الشرعیة أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بالحوالة أو لا؟

والجواب: نعم، فإن له ذلک، علی أساس أنه غیر ملزم بحوالة الدائن فی بلد آخر، وله أن یطلب عمولة لقاء تنازله عن هذا الحق وقبوله الحوالة.

الثالث:

ان العمیل المدین بعد عملیة بیع العملة الداخلیة بالعملة الأجنبیة مع البنک، یطلب منه أن یدفع العملة الأجنبیة للمستفید بواسطة فرع من فروعه فی الخارج أو بنک آخر، فإذا قام البنک بالعملیة وتمت، برأت ذمة العمیل من المستفید وذمة البنک من العمیل، وأشتغلت ذمته، أی: البنک الآمر للبنک المأمور. هذا إذا لم یکن للبنک الآمر رصید مالی عند البنک المأمور، وإلا فهو یدفع من رصیده وحینئذ فلا ضمان، وهل للبنک حینئذ أن یتقاضی عمولة شرعا لقاء قیامه بهذه العملیة أو لا؟

والجواب: نعم، فإن له ذلک: إذ لا یجب علیه تسدید الدین فی بلد آخر غیر بلد القرض، وله حق الأمتناع عن ذلک و عدم القبول بدون عمولة.

ص:73

التحویل إلی غیر الدائن

قد یقوم البنک بتحویل عمیله غیر الدائن علی فرعه فی بلد آخر أو بنک فیه، ولکن هذا لا یکون حوالة بالمعنی الفقهی، بل هو فی الحقیقة اقراض من البنک ذلک العمیل أو التبرع والاهداء له، فلذلک لا یکون المحول له مالکا لقیمة الحوالة ما لم یقبضها نقدا، وهذه الحوالة جائزة شرعا، شریطة أن لا تکون ربویة باعتبار إنها لیست بحوالة، بل هی اقراض.

**************

ص:74

6- خصم الکمبیالات أو تنزیلها وکیفیة تخریجه الشرعی

ص:75

خصم الکمبیالات أو تنزیلها

یراد بالخصم والتنزیل أن یدفع البنک أو غیره قیمة الکمبیالة قبل الموعد المحدد لها مقابل استقطاع مبلغ معین.

ویمکن تخریج ذلک فقهیا بوجوه:

الوجه الأول:

بیع الکمبیاله نقدا بأقل مما تضمنتها من المبلغ.

بیان ذلک: ان الکمبیالة المتداولة فی الأسواق لم تعتبر لها مالیة، وانما هی مجرد وثیقة لإثبات ان المبلغ الذی تضمنته دین فی ذمة موقعها لمن کتبت بأسمه، وهذا بخلاف الأوراق النقدیة، فإن لها قیمة مالیة، علی أساس ان الجهة المصدرة لتلک الأوراق أعتبرتها مالا بدیلا عن الذهب والفضة، لا مجرد انها وثیقة، ومن هنا إذا دفع المشتری الکمبیالة للبائع لم یدفع ثمن البضاعة، ولو ضاعت الکمبیالة أو تلفت عند البائع لم یتلف منه مال ولم تفرغ ذمة المشتری، بینما إذا دفع المشتری له ورقة نقدیة فقد دفع ثمن البضاعة وبرأت ذمته منه وإذا تلفت عنده بعد ذلک وضاعت فقد تلف ماله، وبعد ذلک نقول ان المستفید من الکمبیالة الذی عرضها علی البنک طالبا منه خصمها یبیع الدین الذی تمثله فی ذمة محررها مؤجلا باقل منه نقدا، کما إذا کان الدین مائة دینار مثلا، فباعه المستفید بخمسة وتسعین دیناراً نقدا، فإذا قبل البنک ذلک وأشتری ملک الدین الذی کان المستفید یملکه فی ذمة موقعها لقاء الثمن الذی یدفعه إلیه حالا بموجب هذا البیع، فیکون هذا من بیع الدین نقدا باقل منه.

وقد تسال: هل هذا البیع جائز أو لا؟

والجواب: ان المشهور بین الفقهاء جوازه إذا لم یکن الدین من الذهب والفضة أو المکیل والموزون، وحیث أن الدین الذی تمثله الکمبیالة لیس من الذهب والفضة، فیجوز بیعه باقل منه نقدا، ولکنه لا یخلو عن اشکال، بل لا یبعد عدم جوازه، وذلک للنصوص الخاصة الظاهرة فی عدم جواز ذلک.

منها:

صحیحة محمد بن الفضیل، قال: قلت للرضا (علیه السلام): رجل أشتری دینارا علی رجل، ثم ذهب إلی صاحب الدین، فقال له: ادفع إلی ما لفلان علیک، فقد

ص:76

أشتریته منه، قال: (یدفع إلیه قیمة ما دفع إلی صاحب الدین، وبرئ الذی علیه المال من جمیع ما بقی علیه)(1).

فانها ظاهرة فی ان المدین غیر ملزم بدفع أکثر من المبلغ الذی دفعه المشتری إلی المستفید، وأنه لا یستحق أکثر مما دفعه، ویعتبر الزائد علیها ساقطا عن ذمة المدین رأسا، ولا تشتغل ذمته بأکثر منه. وبکلمة ان المستفاد من الروایة أمور:

الأول: بطلان بیع الدین نقدا بأقل منه.

الثانی: براءة ذمة المدین من الدائن المستفید.

الثالث: اشتغال ذمته للمشتری بمقدار ما دفعه إلی المستفید دون الأکثر.

ودعوی: ان الروایة ساقطة بأعراض المشهور عنها، مدفوعة: بأن سقوط الروایة بأعراض المشهور منوط بتوفر أمرین:

احدهما: ان یکون الاعراض من قدماء الاصحاب الذین یکون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الائمة.

والآخر: ان یکون تعبدیاً، بمعنی انه وصل الیهم من اصحاب الائمة (علیهم السلام) یداً بید وطبقة بعد طبقة، ولکن لیس بامکاننا احراز توفر کلا الامرین معاً، کما حققناه فی علم الاصول، فإذا لا اثر لإعراض المشهور، ولا یکشف عن سقوط الروایة عن الاعتبار.

وقد یقال: انه لم یفرض فی الروایات شراء الدین باقل منه؟

والجواب: ان الروایات ظاهرة فی ذلک عرفا یمناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة، و مع الاغماض عن هذا، فلا شبهة فی اطلاقها و شمولها لصورة شراء الدین نقداً بالأقل منه.

و علی هذا فلیس بامکاننا من الناحیة الشرعیة تخریج عملیة خصم الکمبیالات فقهیاً علی اساس شراء الدین بأقل منه نقدا.

ص:77


1- (1) الوسائل: باب 15 من أبواب الدین والقرض، الحدیث: 3

الوجه الثانی:

یمکن تکییف عملیة خصم الکمبیالات فقهیاً علی اساس اشتراط البنک علی المستفید فی عقد الشراء هبة مبلغ محدد من قیمة الکمبیالة، بان یقول له: اشتری منک الدین الذی تمثلّه الکمبیالة بنفس قیمته بدون ای نقیصة مشروطاً، بان تهب لی من قیمتها مبلغاً محدداً بعد الشراء نقداً، وحینئذٍ فان وفی بالشرط فهو المطلوب، وإلاّ فله فسخ الشراء، و لا بأس بهذا التکییف و التخریج شرعاً.

الوجه الثالث:

ان بامکاننا تکییف هذه العملیة و تخریجها فقهیاً، علی اساس ان المشتری - کالبنک - یشترط علی المستفید فی عقد الشراء عملا، کخیاطة ثوب او کتابة شیء أو قراءة القرآن أو غیر ذلک لقاء شرائه الدین الذی تضمنته الکمبیالة بنفس قیمته من دون ای نقص فیها، فان قبل المستفید الشرط وجب علیه الوفاء به، و إلا کان له فسخ الشراء.

الوجه الرابع:

ان البنک یشتری الدین الذی تضمنته الکمبیالة بما یسا وی قیمته، و لکنه یقتطع من القیمة مبلغاً معیناً، کعمولة لقاء الخدمة أو لقاء تحصیل المبلغ اذا کان یدفع فی مکان آخر، لان العمولة لقاء الخدمة - کاجرة کتابة الدین و تسجیله فی السّجلات و حفظه - جائزة، و لهذا یکون بامکان البنک ان یتقاضاها فی کل قرض یقدمه لقاء تلک الخدمة، و حینئذٍ فیجوز هنا للبنک ان یتقاضی عمولة لقاء تحصیل قیمة الکمبیالة و تسجیلها بعنوان اجرة الکتابة و غیر ذلک.

الکمبیالات الصوریة (المجاملیة)

قد تعارف بین الناس ان یکتب شخص لآخر من دون ان تکون ذمّته مشغولة له ورقة (کمبیالة)، تفید بانه مدیون له بملبغ کذا کمائة دینار مثلاً،

ص:78

فمن اجل ذلک اطلق علیها (کمبیالة مجاملة) وحیث انّها لا تتضمن دیناً فی ذمة محررها، فلا یصح بیعها؛ لانها فی نفسها لا مالیة لها و لا تمثل مالاً، و انما کتبت لتمکین المستفید من خصمها فحسب، وعلی هذا فیمکن تکییف عملیة الخصم فی المقام علی اساس احد أمرین:

الأوّل: القرض.

الثانی: البیع.

اما الأوّل، فلان المستفید قد ینوی القرض من الطرف الثالث کالبنک علی ذمّته، فیستقرض خمسة و تسعین دیناراً مثلاً منه بمائة دینار مؤجلة لمدّة خمسة اشهر مثلاً، و بعد تمامیة عقد القرض یقوم المستفید بتحویل الطرف الثالث علی الموقع للکمبیالة لکی یقبض منه المبلغ عند الاجل، و هذه الحوالة وان کانت علی البری فی الواقع، الا انه بموجب توقیعه للکمبیالة و تعهده کان قد قبلها، و اذا قام بعملیة تسدید المبلغ و سدده، اصبحت ذمة المستفید مشغولة له بنفس المبلغ، و قد ینوی القرض من الطرف الثالث فی ذمة الموقع للکمبیالة بالوکالة، فیستقرض منه خمسة و تسعین دیناراً بمائة دینار علی ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، و بعد تمامیة عقد القرض یستقرض المستفید منه هذا المبلغ و هو خمسة و تسعون دیناراً وکالة بمائة دینار علی ذمتّه مؤجلة, ولکن لا یمکن تکییف هذه العملیة من الناحیة الشرعیة، علی اساس القرض؛ لانه ربوی علی کلا الفرضین.

واما الثانی، فیمکن تخریجه فقهیاً علی اساس صورتین تالیتین:

الاولی: ان المستفید یشتری من الطرف الثالث، کالبنک مثلاً مبلغاً قدره خمسة و تسعون دینارأً بمائة دینار علی ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، وبعد تکمیل عملیة البیع بین الطرفین یقوم المستفید بعملیّة التحویل، فیحول الطرف الثالث علی الموقع للکمبیالة لیتسلم مائة دینار عند الاستحقاق، و لا یمکن للموقع ان لا یقبل هذه الحوالة، فانها و ان کانت حوالة علی البری فی الواقع، إلأ انّه قد قبلها بتوقیعه لها، فاذا قام بتسدید المبلغ الی الطرف الثالث، اصبح المستفید مدینا له بنفس المبلغ وهو مائة دینار، و علی هذا فلا اشکال فی هذه العملیة من الناحیة الشرعیة علی الأظهر.

الثانیة: ان المستفید - بموجب هذه الکمبیالة - وکیل من قبل الموقع فی تنفیذ عملیة الخصم مع الطرف الثالث، و علیه فیقوم المستفید - بموجب هذه الوکالة - ببیع مبلغ قدره مائة دینار مثلاً علی ذمة موکله مؤجلة لمدة خمسة

ص:79

اشهر بمبلغ قدره خمسة وتسعون دیناراً نقداً، و بعد تکمیل هذه المعاملة البیعیة، یکون الموقع مدیناً للطرف الثالث بمائة دینار مؤجلة فی مقابل خمسة و تسعین دیناراً نقداً، و هذا المبلغ حیث انه ملک للموقع، فلا یجوز للمستفید ان یتصرف فیه، و حینئذٍ فعلیه ان یجری معاملة جدیدة مع الموقع وکالة، فیشتری منه المبلغ المذکور و هو خمسة و تسعون دیناراً نقداً بمبلغ قدره مائة دینار فی الذمة مؤجلة لخمسة اشهر، فاذا تم هذا البیع بینهما أصبح المستفید مالکاً للمبلغ نقداً و مدینا للموقع مؤجّلاً، و هذه العملیة لا اشکال فیها شرعاً.

قد یقال - کما قیل -: ان شرعیة کلتا العملیتین مبنیة علی صحة بیع الاوراق النقدیة الشخصیة بالکلی منها فی الذمة، کبیع خمسة و تسعین دیناراً مثلاً نقداً بمائة دینار فی الذمة مؤجلة، و صحته موضع البحث و الاشکال.

والجواب: ما مرّ من أنَ الاظهر صحة ذلک، و مع الاغماض عنه و تسلیم ان هذا قرض واقعاً بلباس البیع، و لکن بامکاننا تخریج ذلک من الناحیة الشرعیة بطریقة اخری، وهی ان للمستفید أن یقوم ببیع عملة اجنبیة علی ذمته مؤجّلة للطرف الثالث، کالبنک مثلاً بعملة داخلیة نقدیة، کما اذا باع الف تومان مثلاً علی ذمته مؤجّلاً للبنک بثمانیة و اربعین دیناراً نقداً، و لا اشکال فی ان هذا بیع واقعاً لمکان التباین بین الثمن و المثمن و عدم انطباق احدهما علی الآخر، ثم ان المستفید یقوم باحالة البنک علی الموقع للکمبیالة بما یساوی قیمة المبیع (ألف تومان) من الدینار العراقی و هو خمسون دیناراً مع التراضی بینهما علی ذلک، و یکشف عن هذا التراضی قبول البنک الکمبیالة بما تضمنته من العملة و قبول الموقع الحوالة بتوقیعه لها.

کما ان بامکان المستفید ان یبیع الف تومان علی ذمة الموقع وکالة عنه للبنک بثمانیة و اربعین دینارا نقداً، و بعد عملیة البیع یقدم المستفید الکمبیالة الی المشتری و هو البنک فی المثال، فاذا قبلها یملک ما یساوی قیمة المبیع فی ذمة الموقع (الف تومان) و هو خمسون دیناراً عراقیاً. ثمّ ان المستفید یجری مع الموقع معاملة جدیدة فیشتری منه المبلغ المذکور و هو ثمانیة و اربعون دیناراً بألف تومان مؤجّلاً.

*************

ص:80

7- تحصیل الشیکات التجاریة وکیفیّة تخریجه الفقهی

ص:81

تحصیل الشیکات التجاریة:

یقوم البنک بتحصیل قیمة الشیکات من المدینین لحساب الدّائنین، فانه قبل حلول موعد استحقاق الشیک بایام اخطر المدین، و یوضح فیه رقم الشیک و تاریخ استحقاقه و ما تضمنه من المبلغ، و بعد الحصول علی قیمته من الدین یدفعها الی المستفید اذا طلب ذلک او یقیدها فی رصیده بعد خصم مصارف التحصیل، و هذه العملیة جائزة شرعاً و لا اشکال فیها.

نعم، لابد من الاقتصار علی تحصیل نفس قیمة الشیک، فلا یجوز تحصیل فوائدها الربویة، و هل بامکان البنک ان یتقاضی عمولة ازاء قیامه بهذه الخدمة أولا؟

والجواب: نعم اذ لا یجب علیه ان یقوم بتلک الخدمة مجاناً.

ومن هذا القبیل الشیکات التی یقدمها المستفید الی البنک و هی غیر محولة علیه ابتداءً، و یطلب منه تحصیل قیمتها عند الاستحقاق و دفعها الیه نقداً، او تقییدها فی رصیده، و یجوز للبنک اخذ عمولة لقاء هذه الخدمة، کاتصاله بالمدین و مطالبته بالوفاء. نعم لو کانت الشیکات محولة علی البنک ابتداءً من عمیله الدائن، لم یجز له أخذ العمولة علی الوفاء بها، لأن البنک یصبح بموجب حوالة محرر الشیک علیه مدینا للمستفید بقیمة الشیک، باعتبار ان للمُحرر رصیداً مالیاً فیه، و التحویل من الدائن علی مدینه نافذ من دون حاجة الی قبول المدین، الا اذا اشترط علی الدائن فی عقد القرض عدم الحوالة علیه، و عملیة الوفاء بالدیّن و ان توقفت علی بذل جهد وانفاق عمل، فلا یستحق المدین علیها عمولة.

یتضح من ذلک ان بامکان البنک ان یأخذ عمولة علی تحصیل الشیکات و الکمبیالات اذا لم تکن محولة علیه ابتداءً، و یمکن تخریج هذه العمولة من الناحیة الشرعیة بوجوه:

الأوّل: ان تکون العمولة من باب اجرة المثل من دون ان تکون بینهما معاقدة علی الأجرة المحدّدة.

ص:82

الثانی: ان تکون العمولة جعالة، بتقریب ان المستفید یجعل جعلا للبنک إذا قام بتحصیل قیمة الشیک والصک من المدین، وبعد التحصیل یستحق البنک العمولة علی المستفید.

الثالث: أن تکون اجارة، فان المستفید یستأجر البنک علی القیام بهذه العملیة والخدمة لقاء أجرة معینة، فتکون الاجارة علی نفس العمل، وعلی هذا فصحة الاجارة منوطة بکون البنک قادرا علی تحصیل الدین وتسلیمه إلی الدائن، وإلا فالاجارة باطلة، لأن الاجیر لا یمکن أن یملک ما لیس من منافعه المملوکة.

وبکلمة: إن قدرة الأجیر علی الفعل معتبرة فی صحة الاجارة لسببین:

الأول: ان القدرة دخیلة فی مالکیة الاجیر للمنفعة التی یملکها للمستأجر فی عقد الاجارة مثلا إذا لم یکن الشخص قادرا علی الخیاطة، فلا یکون مالکا لهذه المنفعة لکی یصح منه تملیکها لغیره.

الثانی: إن القدرة علی التسلیم معتبرة فی صحة الاجارة، بلا فرق بین أن تکون الاجارة علی الاعمال أو علی منافع الاموال، فاذا عجز الاجیر عن العمل المستأجر علیه فقد أخل بشرطیة القدرة علی التسلیم.

وقد تسأل: هل یحکم بصحة الاجارة مع الشک فی قدرة البنک علی تحصیل الدین أولا؟

والجواب: ان الاجارة الواقعة مع الشک فی القدرة تتبع الواقع، فتصح إذا کان البنک قادرا علی تحصیل الدین واقعا، و تبطل اذا کان عاجزا عنه کذلک، وحینئذ فلا یستحق البنک الاجرة بالمطالبة باعتبار ان الاجارة لم تقع علیها وانما وقعت علی تحصیل الدین، فان تسلم الدین واخذه من المدین ودفعه إلی الدائن أو قیده فی رصیده کشف ذلک عن قدرته علی العمل المستأجر علیه، وبالتالی عن صحة الأجارة واستحقاقه الأجرة، وإلا کشف عن عدم قدرته علیه وبالتالی عن بطلان الاجارة وعدم استحقاق الاجرة.

فالنتیجة ان البنک یستحق الاجرة علی ضوء الوجه الأول والثانی بعد العمل المستأجر علیه وهو تحصیل الدین من المدین، وعلی الوجه الثالث بعد تمامیة العقد واکماله اذا کان قادرا علی تحصیل الدین. نعم لو کانت الجعالة

ص:83

أو الاجارة علی المطالبة، فأن البنک یستحق الاجرة علی الجعالة بعد المطالبة والالحاح، سواء أدی إلی تحصیل الدین أم لا، وعلی الاجارة من حین العقد وأن لم یکن قادرا علی تحصیل الدین إذا کان قادرا علی المطالبة.

*******************

ص:84

8- قبول البنک الأوراق التجاریة بتوقیعه علیها الشیکات والکمبیالات

ص:85

قبول البنک الاوراق التجاریة:

وهو علی نحوین:

أحدهما: ان البنک یقبل الورقة التجاریة، بمعنی أنه یتحمل مسؤولیته أمام المستفید من الورقة ویجعلها فی عهدته، والآخر أنه یقبلها ولکنه لا یتحمل أی مسؤولیة أمام المستفید، وانما یؤکد علی وجود رصید مالی له أی: لمحرر الورقة التجاریة باسم الشیک أو الکمبیالة عنده یصلح لأن تخصم منه قیمة تلک الورقة، أما الأول فهو جائز شرعا، وهل هو علی أساس عقد الضمان بمعناه الفقهی المعروف لدی فقهاء الأمامیة وهو نقل دین من ذمة إلی ذمة، لا ضم ذمة إلی ذمة الذی هو باطل، أو علی أساس التعهد بوفاء المدین بدینه؟

والجواب: أنه علی أساس التعهد لا علی أساس عقد الضمان بمعناه المعروف، إذ من الواضح إن البنک لا یقصد بقبوله الورقة التجاریة باسم الکمبیالة أو الشیک نقل الدین من ذمة المدین إلی ذمته، بل یقصد به معنی آخر للضمان، وهو تعهده بوفاء المدین دینه، فالضمان هنا لیس ضمانا لنفس مبلغ الدین بدیلا عن الدین، بل هو ضمان لأدائه مع بقاء الدین فی ذمة المدین الأصلی، ونتیجة ذلک أنه لو تخلف المدین عن الوفاء، فعلی البنک المتعهد الوفاء به، وهذا یعنی إن المستفید من الورقة یرجع إلیه ویأخذ قیمتها منه.

وأما الثانی: وهو قبول البنک الورقة وتوقیعه لها بدون أن یتحمل مسؤولیة الوفاء أمام المستفید، وإنما یقصد به التأکد علی وجود رصید مالی لمحرر الورقة یکفی لخصم قیمتها منه فهو أیضا جائز شرعا ولا مانع منه أصلا، وحیث أن ذمة المحرر قد أکسبت من قبول البنک الورقة وتوقیعه لها أعتبارا وثقة بین الناس، فبامکان البنک أن یاخذ عمولة علی هذا القبول.

***************

ص:86

9- خطابات الضمان (الکفالات) وکیفیّة تخریجها الشرعی

ص:87

الکفالة (خطاب الضمان) ذات أطراف ثلاثة:

1. المکفول: وهو المتعهد والمقاول.

2. المکفول له: وهو المتعهد له المستفید سواء کان جهة حکومیة عامة أو خاصة أم أهلیة کذلک.

3. الکفیل: وهو البنک.

المتعهدون والمقاولون الذین یتولون مشروعا بالمناقصة، کبناء مستشفی أو مصنع أو معمل أو إحداث طرق أو تبلیطها أو مجمع سکنی أو مسجداً, غیر ذلک لجهة حکومیة أو شرکة أهلیة علی المواصفات المعینة وفی فترة زمنیة محددة، فاذا تمت المقاولة والمعاهدة بینهما بمواصفاتها وشروطها وجب علیهم القیام بالعمل وتنفیذ المشروع، وقد تشترط تلک الجهة علی المقاولین فی ضمن عقد المقاولة والمعاهدة أن یدفعوا مبلغا معینا من المال فی حالة عدم انجاز المشروع وعدم اکماله فی موعده المحدد، أو الانسحاب عنه دون الاتمام، ولتعزیز عنصر الثقة والامانة للوفاء بالشرط تطلب الجهة المستفیدة من المقاولین ضمانات وکفالات مالیة لذلک فالمقاولون من أجل تعزیز هذا العنصر یلجأون إلی البنک، ویطلبون منه الضمان والتعهد لتلک الجهة بالمبلغ المذکور، فإذا وافق البنک علی ذلک أصدر خطاب ضمان یتعهد فیه للجهة المستفیدة بالمبلغ المقرر فی حالة تخلف المقاولین عن القیام بتعهداتهم.

وهذا الشرط صحیح شرعا ونافذ ویجب الوفاء به مادام واقعا فی عقد صحیح کعقد الایجار مثلا، ومقتضی صحته ان للجهة المستفیدة حقا شرعیا ان ترجع الی البنک وتطلب منه المبلغ المشروط فی حالة تخلف المقاولین عن القیام بتعهداتهم والامتناع عن دفع المبلغ لها وأما إذا کان تخلف المقاولین من جهة بطلان العقد فلا تستحق الجهة المستفیدة ان تطالب المقاولین بالمبلغ المشروط، لفرض أن الشرط قد بطل ببطلان العقد، وذلک کما إذا کان العقد عقد اجارة وکان مورد الاجارة المنفعة الخارجیة لا المنفعة فی الذمة، ففی مثل ذلک اذا کان الاجیر عاجزا عن ممارسة العمل المستأجر علیه، فمعنی هذا بطلان أصل الاجارة، لانکشاف ذلک کون تلک المنفعة لیست من منافع الاجیر، وحینئذ فیبطل الشرط المفروض فی عقد الاجارة بالتبع، ثم ان هذا

ص:88

الشرط هل یمکن ان یکون بنحو شرط النتیجة، بمعنی: أن الجهة المستفیدة (وهی المکفول والمتعهد له) تشترط علی المقاول أن تکون مالکة کذا مبلغا فی ذمته إذا تخلف عن تعهداته أو لا؟

والجواب: أن شرط النتیجة فی المقام غیر صحیح لأن النتیجة المشترطة - وهی اشتغال ذمة المقاول کذا مبلغا من المال أبتداء - لیست من المضامین المعاملیة المشروعة، وأدلة نفوذ الشرط لا تکون مشرعة لأصل المضمون، وانما هی متکفلة لبیان صلاحیة الشرط لان ینشأ به المضمون المشروع فی نفسه.

والخلاصة: أن الشرط فی المقام لا یمکن أن یکون بنحو شرط النتیجة، بل لا بد أن یکون بنحو شرط الفعل، بأن تشترط الجهة المستفیدة علی المقاول أن یملک لها کذا مبلغا من المال فی حالة تخلفه عن تعهداته، ولا فرق فی صحة هذا الشرط بین أن یکون الفعل المشترط خصوص فعل المقاول أو الاعم منه ومن فعل غیره کالبنک.

وقد تسأل: ما هو المراد من الضمان فی خطابات الضمان؟

والجواب: ان المراد منه التعهد بشیء وجعله فی عهدة الشخص، لا نقل الدین من ذمة إلی ذمة ولا ضم ذمة إلی ذمة، فانه باطل، ومن هنا قلنا:

ان قبول البنک للکمبیالات أنما هو بمعنی تعهده لأداء الدین وجعل نفسه مسؤلة عنه لا بمعنی نقل الدین من ذمة إلی ذمة فالمدین مسؤل ومشغول الذمة بذات المبلغ والضامن کالبنک مسؤل عن أداء ذلک المبلغ أی أنه مسؤل عن خروج المدین عن عهدة مسؤلیته وتفریغ ذمته، وعلیه فلیس لدائن أن یرجع ابتداءا علی الضامن بهذا المعنی، وانما یرجع إلیه اذا أمتنع المدین عن الوفاء فان معنی هذا الامتناع ان ما تعهد به الضامن - وهو اداء المدین الدین - لم یتحقق، فاذن تشتغل ذمته بقیمة الاداء وهی قیمة الدین، بأعتبار أن الاداء فی نفسه لا مالیة له إلا بلحاظ مالیة نفس الدین، وعلی هذا الأساس فمعنی خطاب الضمان هو تعهد البنک بأداء الشرط وجعله فی عهدته کتعهده بأداء الدین علی حد أداء العین المغصوبة الذی هو علی عهدة الغاصب، غایة الأمر أن أداء العین المغصوبة علی عهدة الغاصب أمر قهری، وأما أداء الشرط أو أداء الدین فی عهدة البنک انما هو بسبب أنشائه هذا التعهد أختیارا

ص:89

النافذ بمقتضی الارتکاز العقلائی الممضی شرعا، بل هو مشمول لعموم قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بأعتبار أنه عقد بین اثنین، وکما أن العین المغصوبة اذا تلفت اشتغلت ذمة الغاصب ببدلها من المثل أو القیمة، کذلک أداء الشرط أو أداء الدین، ومعنی تلف أداء الشرط أو الدین: أمتناع المشروط علیه والمدین عن الاداء، فاذن تحولت العهدة الجعلیة إلی اشتغال الذمة بقیمة اداء الشرط أو اداء الدین الذی هو قیمة نفس الشرط والدین وبالتالی بالشرط والدین.

وهناک إشکال، وهو: ان تعهد البنک بأداء الدین وان کان یؤدی الی اشتغال ذمته بالاداء عند امتناع المدین عنه وبالتالی بالدین، علی اساس ان الدین مملوک للدائن إلا ان تعهده بأداء الشرط فی المقام لا یؤدی إلی إشتغال ذمته بالاداء عند امتناع المشروط علیه عنه وبالتالی بنفس الشرط، بأعتبار أن المشترط لا یکون مالکا للشرط فی ذمة المشترط علیه، وفی المقام أن الجهة المستفیدة التی تشترط علی المقاول بنحو شرط الفعل أن یدفع إلیها ألف دینار مثلا إذا تخلف عن تعهداته لا تکون مالکة لألف دینار فی ذمته لأن مفاد الاشتراط فی موارد شرط الفعل هو أن المشروط علیه یلتزم للمشروط له بالفعل کالخیاطة وتملیک مبلغ من المال أو غیر ذلک، لا أنه یلتزم بان الفعل للمشروط له و ملک له، وعلی هذا فلا یمکن أفتراض ان تعهد البنک بالشرط یؤدی الی تملک الجهة المستفیدة للشیء فی ذمته، رغم أنها لا تملک شیئا بسبب الشرط فی ذمة المقاول والمتعهد.

والجواب: ان المشروط له وان کان لا یملک العمل فی ذمة المشروط علیه، إلا أنه لا شبهة فی أن الشرط بما هو شرط حق للمشروط له وله مالیة، ولهذا یبذل بازاء اسقاطه المال، فاذا کانت للشرط مالیة کان یضمن بالتفویت، وعلی هذا فاذا تعهد البنک باداء الشرط من المشروط علیه کان مرجعه إلی ضان قیمته عند تفویته، وتفویته إنما هو بامتناع المشروط علیه عن الاداء والوفاء به، وحیث أن قیمة الاداء إنما هی بلحاظ قیمة الفعل لا فی نفسه، فاذن تشتغل ذمته بقیمة الفعل،

ودعوی:

ص:90

أنه لا معنی للضمان بالتفویت والاتلاف إذا لم یکن المفوت والمتلف مملوکا، والمفروض أن الفعل المشروط لا یکون مملوکا للمشروط له حتی یضمن بالاتلاف والتفویت. مدفوعة بأنه لا موجب لتخصیص الضمان بالتفویت والاتلاف بما إذا کان المفوت والمتلف مملوکا لغیر المفوت والمتلف، بل یکفی فی ذلک کونه مضافا إلی غیره ولو بنحو من الحقیة التی لها مالیة عرفا، لکی یکون مشمولا لدلیل الضمان فی نظر العرف والعقلاء.

ومع الاغماض عن ذلک وتسلیم أنه لا معنی للضمان والاتلاف إذا لم یکن المفوت والمتلف مملوکا، ولکن بأمکاننا أن نقول: أن معنی تعهد البنک باداء الشرط:

ألتزامه به علی تقدیر تخلف المشروط علیه وعدم الاداء، وهذا یعنی أن البنک تعهد أن المقاول إذا لم یف بالشرط ولم یؤد وامتنع عن الاداء فهو یفی به ویؤدیه، فیکون وجوب الوفاء علیه کوجوب الوفاء علی المشروط علیه، بمعنی انه تکلیفی من دون أن تکون ذمته مشغولة بشیء، ولا مانع من صحة هذا التعهد بمقتضی أدلة وجوب الوفاء بالعقود، وبما ذکرناه ظهر أنه لا وجه لمحاولة تطبیق الکفالة بمعناها المعروف لدی الفقهاء، وهو کفالة النفس علی خطابات الضمان للبنک، وکفالاته للمقاولین، ثم الاشکال علی أن هذه الکفالة لا تقتضی الضمان المالی، فان أثرها احضار نفس المکفول فقط لا غیر، وجه الظهور ما مر من أن کفالة البنک إنما هی بمعنی الضمان المالی، لکن لا بمعنی نقل الدین من ذمة إلی ذمة، ولا ضم ذمة إلی ذمة، بل بمعنی التعهد بأداء الدین أو الشرط کما مر، لا بمعنی أحضار نفس المکفول، ثم أن الطرف الثالث کالبنک إذا أصدر خطاب ضمان وتعهد بموجب أمر طالب الضمان للجهة المستفیدة بالمبلغ المقرر فی حالة تخلف المقاول عن تعهداته والتزاماته، فان کان ذلک الخطاب مرتبطا بالعقد الواقع بینها وبین المقاول، أو کان فی ضمن عقد آخر لازم، کان من خطاب الضمان النهائی، فیجب علیه الوفاء به إذا تخلف المقاول عن تعهداته ولم یف بالشرط علیه عند التخلف، وان لم یکن مرتبطا بالعقد اللازم لا بالعقد الواقع بینهما ولا بعقد آخر، فهو من الضمان الابتدائی، فلا یجب الوفاء به، لأنه وعد أبتدائی من الطرف الثالث وغیر ملزم.

ص:91

العمولة علی الکفالة:

للبنک أن یتقاضی عمولة من المقاولین لقاء کفالته للجهة المستفیدة، ویمکن تخریج ذلک من الناحیة الشرعیة بوجوه:

الأول: یمکن أن یکون ذلک من باب أجرة المثل التی یتقاضاها الأجراء للقیام بمثل هذا العمل من دون أی عقد بینهما علی الأجرة.

الثانی: یمکن أن یکون ذلک من باب الجعالة، فإن المقاول جعل للبنک جعلا بأزاء کفالته، ویکون ملزما بدفعه له بعد صدور خطاب الکفالة والضمان من البنک.

الثالث: یمکن أن یکون ذلک من باب المصالحة والتراضی بینهما علی أجرة محددة.

رجوع البنک علی المقاول فیما دفعه عنه:

الظاهر أن بأمکان البنک الرجوع علی المقاول ومطالبته بما دفعه من المبلغ المشروط فی عقد المقاولة للجهة المستفیدة علی أساس أن ذلک إنما یکون بأمر المقاول وطلب منه، وعلیه فاذا قام البنک بالاداء بموجب أمره وطلبه وادّاه فعلیه ضمانه، یتلخص من ذلک أن ذمة المقاول تشتغل للبنک اذا قام البنک وادّی الشرط بموجب أمره.

نعم، إذا کانت کفالته للمقاول بدون أمره وطلبه، فلیس من حقه أن یرجع إلیه ویطالبه بما دفعه عنه.

*******************

ص:92

10- فتح الإعتماد وکیفیة تخریجه الشرعی

ص:93

فتح الإعتماد:

یعرف فتح الاعتماد بأنه عقد وتعهد بین البنک والعمیل، ویضع البنک بموجب هذا العقد والتعهد مبلغا تحت تصرف العمیل فی فترة محددة، وله أن یسحب مبلغ الاعتماد دفعة واحدة أو علی فترات أو بالشکل المتفق علیه فی طول تلک الفترة، وأثره تعهد البنک والتزامه بإیجاد الاعتماد والائتمان للعمیل، وإما العمیل فهو لا یکون ملزما باستعماله، فإذا استخدم العمیل مبلغ الاعتماد فعلا أصبح العقد لازما من الطرفین، وعلی العمیل حینئذ أن یرد المبالغ التی سحبها من الاعتماد ویدفع فوائدها، وأما إذا لم یضطر فی عملیاته التجاریة إلی سحب الأموال الموضوعة تحت تصرفه، فلا یلزم بدفع فائدة عنها، لعدم تحقق عملیة القرض، علی أساس إنها مشروطة بقبض المال المقترض وما لم یتحقق القبض فلا قرض.

والخلاصة: إن فتح الاعتماد یتمثل فی وضع البنک مبلغا من المال المحدد تحت تصرف عمیله فی فترة زمنیة محددة، وله استخدامه فی عملیاته التجاریة دفعة واحدة أو تدریجیا إذا لم یکن هناک شرط، وحیث إن استخدامه للمال اقتراض مع الفائدة فلا یجوز.

وقد تسال: هل یمکن تکییف هذه الفائدة فقهیا بفائدة غیر ربویة أو لا؟

والجواب: قد یقال بإمکان ذلک، بتقریب أن من حق البنک أن یتقاضی عمولة من العمیل لقاء قیامه بعملیة عقد فتح الاعتماد، وهو وضع مقدار من ماله تحت تصرفه متی شاء، علی أساس إن هذه العملیة لیست عملیة الاقتراض التی تتمثل فی دفع المقرض نفس المال إلی المقترض.

نعم، إذا قام العمیل بسحب ذلک المال من البنک کلا أو بعضا تحقق القرض بالنسبة إلی المال المقبوض، وما دام لم یسحب منه فلا قرض.

ویمکن المناقشة فی هذا التقریب بأنه لیس لدی العرف والعقلاء لهذه العملیة مالیة إضافیة وراء مالیة نفس المال الذی وضع تحت یده وتصرفه، بل مالیتها هی مالیة نفس ذلک المال، ولهذا لا تقبل الضمان ولا تصح الجعالة علیها ولا الإجارة، وعلی هذا فاخذ العمولة علیها فی الحقیقة أخذ العمولة علی المال المسحوب والمقترض وهو ربا محرم شرعا، وعلی هذا فلا یمکن هذا التکییف الشرعی.

ص:94

نعم یمکن تحویل هذه الفائدة الربویة إلی فائدة غیر ربویة باشتراط العمیل علی البنک القیام بتلک العملیة فی ضمن إیقاع عقد معه کهبة أو بیع أو صلح مع أخذ نسبة الفائدة فیه بعین الاعتبار.

*************

ص:95

11- فتح الاعتماد المستندی وصوره وشروطه وتکییف تخریجها من وجهة النظر الشرعیة

ص:96

فتح الاعتماد المستندی:

تعریفه: وهو عقد یتعهد البنک بموجبه ویلتزم علی عاتقه أن یدفع ثمن البضاعة نقدا أو یقبل الشیکات عند تسلیم المستندات من المصدر بکامل شروطها المتفق علیها مسبقا.

وذلک بموجب طلب فاتح الاعتماد - وهو المشتری المستورد - من البنک ذلک لصالح المصدر بالخارج مقابل عمولة محددة، فإذا تم الاتفاق علی ذلک أصدر البنک خطاب ضمان وتعهد إلی المصدر، وأصدر خطاب ضمان وتعهد إلی المستورد ویتعهد فیهما بجمیع ما فی الاعتماد المستندی من الشروط، مثال ذلک:

تاجر عراقی إذا أراد استیراد البضائع الأجنبیة من الخارج عن طریق البنوک، یصدر أوامره وتعلیماته إلی احد البنوک المحلیة فی العراق بفتح اعتماد مستندی لصالح المصدر الأجنبی، ویذکر فیه کافة التفاصیل التی یجب أن تظهر فی المستندات التی یطلب من المصدر قبل أن یدفع له الثمن، وحینئذ یقوم البنک فی العراق بالاتصال مع بنک مراسل الذی یعمل کوکیل له فی بلد المصدر، ویرسل إلی البنک المراسل إشعار بفتح اعتماد مستندی لصالح المصدر، فیقوم البنک المراسل بتقدیم الإشعار إلی المصدر ویحتفظ بنسخة منه، وذلک فیما یسمی فی عالم البنوک بخطاب الاعتماد، وإذا تسلم المصدر خطاب الاعتماد من البنک الوکیل کان یطمئن بدفع ثمن البضاعة، ومن ثم یبدأ فی تحضیر البضاعة المباعة واتخاذ إجراءات لتصدیرها بحرا أو برا أو جوا، وعند ذلک یقدم للبنک المراسل مستندات البضاعة المتمثلة فی سند الشحن ووثیقة التأمین وفاتورة الثمن، ویطلب منه تسلیم الثمن المتفق علیه فی عقد البیع و المذکور فی الاعتماد المستندی المفتوح لصالحه، ویقوم البنک فی هذا الوقت بفحص المستندات بدقة کاملة وفقا لشروط الاعتماد المستندی، فإن وجدها سلیمة ومطابقة لجمیع الشروط والمواصفات الواردة فی الاعتماد المستندی قام بدفع الثمن للمصدر.

وبکلمة: إن البنک الوکیل مأمور - بموجب ما تلقاه من التعلیمات من البنک الأصلی فی بلد المستورد - بفحص المستندات بکامل الدقة، ومطابقتها لشروط الاعتماد المستندی قبل دفع قیمة البضاعة، فإن تم کل ذلک حسب الشروط، قام البنک الوکیل یدفع القیمة للمصدر ثم یقوم بإرسال المستندات إلی البنک

ص:97

الأصلی، واثر فتح الاعتماد المستندی تعزیز عنصر الثقة المتبادلة بین المصدرین والمستوردین، فالمصدر البائع قد لا یعرف المستورد المشتری فی البلد الأجنبی وبالعکس، أو یعرفه ولکنه لا یدری مدی قدرته المالیة وثقته، وفی هذه الحالة لا یرغب المصدر التخلی عن المستندات التی تمثل ملکیة البضاعة حتی یکون واثقا ومطمئنا إلی دفع الثمن، ولا المستورد الدفع إلی البائع المصدر ما لم یکن مطمئنا بسلامة المستندات، وهنا یأتی دور البنک بموجب طلب المستورد المشتری منه فتح الاعتماد المستندی لصالح المصدر الأجنبی حتی یمنح کل منهما الثقة المطلوبة بالآخر ویعززها، ویفی برغبات کل من المصدر والمستورد فی البیوع المتبادلة بینهما، ومن هنا قد یطلب المصدر من البنک الوکیل أن یدفع ثمن البضاعة بواسطة کمبیالة مسحوبة علی البنک الأصلی فی بلد المستورد مباشرة، لا علی المستورد الذی قد لا یکون معروفا فی البلد الأجنبی.

ومن ثم قد أصبح فتح الاعتماد المستندی من أهم الوسائل والطرق للتجارات الخارجیة وأکثرها انتشارا فی العالم لتسویة المبادلات الدولیة وغیرها، لما یوفره من ثقة وطمأنینة لأطراف الصفقات التجاریة بعضهم ببعض، ویجوز استخدامه فی البیوع والتجارات الداخلیة أیضا، وإن شئت قلت، إن البنک إذا طلب منه أحد عملائه فتح اعتماد مستندی أصدر خطاب اعتماد إلی المصدر ویتعهد فیه بدفع ثمن البضاعة، شریطة أن یقدم المصدر المستندات التی تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل مطابقة لتمام شروط الاعتماد المستندی ومواصفاته حرفیا، و إلا فان البنک یمتنع عن الدفع، وأصدر خطاب اعتماد إلی المستورد، ویتعهد فیه بعدم دفع الثمن ما لم یستلم المستندات مطابقة لجمیع الشروط والمواصفات الواردة فی عقد الاعتماد، وعلی ضوء هذا الأساس فالبنک بموجب عقد فتح الاعتماد المستندی متعهد لزوما بدفع ثمن البضاعة مطابقة للمواصفات والشروط الواردة فی الاعتماد المستندی، وقد یکون عقد فتح الاعتماد جائزا، ویسمی فی عالم البنوک بالاعتماد القابل للإلغاء أو بالاعتماد غیر المؤبد، ویقتصر دور البنک فی هذا النوع من الاعتماد علی مجرد إخطار المصدر المستفید بأنه قد فتح الاعتماد لحسابه بناء علی طلب الآمر اعتمادا فی حدود مبلغ معین من دون أی التزام أو مسؤولیة من جانب الآمر، وهذا النوع من الاعتماد غیر مرضی فی التبادل التجاری بین المصدر والمستورد إلا فی حالات خاصة، وهی ما إذا

ص:98

کان عنصر الثقة بین البائع والمشتری وطیدا، فان فی مثل هذه الحالة أختار هذا النوع من الاعتماد، علی أساس أنه رخیص وقلیل التکالیف فلا داعی لاختیار الاعتماد غیر القابل للإلغاء والمؤبد.

***************

ص:99

وهنا حالتان أخریان:

الأولی:

إن المعیار فی الاعتماد قد یکون بقبول المستورد المستندات واعتماده علیها دون البنک، وفی هذه الحالة لا یکون البنک ملزما بدفع الثمن بمجرد تسلم المستندات من المصدر ومطابقتها للشروط المتفق علیها مسبقا قبل إرسالها إلی المستورد، بل علیه أن یرسل تلک المستندات إلیه، فإذا وافق علیها ووجدها مطابقة للشروط المسبقة کان علی البنک ان یدفع الثمن إلی المصدر.

الثانیة:

إن المصدر قد یقوم بإرسال المستندات للبضائع بمواصفاتها الخاصة کما وکیفا إلی البنک من دون معاملة مسبقة بینه وبین المشتری فی بلد البنک، وإرسال تعلیمات تتضمن الأمر بعرض المستندات علی المستثمرین ورجال الأعمال وشروطها، وحینئذ فیقوم البنک بعرض تلک المستندات علیهم فی بلد البنک، فإن رغب منهم فی شراء تلک البضائع وقبل المستندات یطلب من البنک فتح الاعتماد، وحینئذ یقوم البنک المستورد بالاتصال مع البنک المراسل فی بلد المصدر ویرسل إلیه أشعارا بالبیع وبفتح الاعتماد لصالحه، ویأمره بإرسال البضائع بطریق البر أو البحر أو الجو، فإذا قام بإرسالها وشحنها دفع البنک المراسل ثمنها إلیه.

وفتح الاعتماد المستندی بتمام أشکاله المشار إلیها وصوره جائز من الناحیة الشرعیة، ولا مانع شرعا من قیام البنک بدور الضمان والتعهد للبائع المصدر بدفع ثمن البضاعة عند تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط، وبدوره للمشتری بعدم دفع الثمن ما لم یتسلم المستندات بکامل شروطها ومواصفاتها، وکما یجوز شرعا للبنک أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذا الدور الذی یوسع مجال المبادلات التجاریة الدولیة، کذلک یسهل المعاملات فی العالم ککل، ویعزز عنصر الثقة والأمانة بین المصدرین والمستوردین، لأنها أجرة علی العمل الحلال، ولمزید من التعرف علی حکم هذه المسألة -

ص:100

فتح الاعتماد المستندی - من الناحیة الشرعیة نذکر فیما یلی عددا من الحالات:

الحالة الأولی:

ما إذا کان للمستورد رصید مالی لدی البنک فی بلده و حینئذ فیقوم البنک بدوره بتکلیف البنک المراسل فی بلد المصدر بدفع قیمة البضاعة بعد تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط الواردة فی الاعتماد المستندی، ثم یقوم البنک الاصیل بخصم القیمة من رصیده المالی بسعر الوقت، ویمکن تخریج ذلک فقهیا بأحد وجوه:

الأول: إن البنک یقوم بدفع ثمن البضاعة للمصدر بواسطة البنک المراسل فی بلده بعملة أجنبیة بموجب تعهده بذلک فی عقد الاعتماد، وحیث إن هذا الدفع کان بامر المستورد، فبطبیعة الحال یضمن تلک العملة ویصبح بذلک مدینا للبنک بعملة أجنبیة، والبنک مدین له بعملة محلیة، وبما إن فتح الاعتماد یتضمن توکیل البنک فی أن یخصم قیمة البضاعة من حسابه الجاری لدیه، فبأمکانه أن یأخذ عملة محلیة من حسابه بدیلا عن العملة الأجنبیة بسعر الوقت، وهذا جائز شرعا، کما یجوز له اخذ العمولة علیه، علی أساس أن الدائن أمر المدین بأداء دینه فی غیر مکانه الطبیعی، وله أن لا یقبل ذلک من دون عمولة.

الثانی: إن المشتری المستورد یقوم بخصم مبلغ من رصیده لدی البنک المساوی لثمن البضاعة، ثم یقوم ببیعه علی البنک بعملة أجنبیة، فإذا باع أصبح مالکا فی ذمة البنک عملة أجنبیة، وبعد ذلک یقوم البنک بدوره بتکلیف البنک المراسل فی بلد المصدر بدفع الثمن إلیه بالعملة الأجنبیة وهذا جائز شرعا لأنه من یبیع عملة محلیة حاضرة بعملة أجنبیة فی الذمة.

نعم، لا یجوز للمستورد أن یبیع ما فی ذمة البنک من العملة المحلیة بعملة أجنبیة فی ذمته لأنه من بیع الدین بالدین وهو غیر جائز، کما أن للبنک أن یأخذ عمولة لقاء تسدید الدین فی غیر مکانه الطبیعی.

الثالث: إن البنک فی بلد المستورد یقوم باحالته علی البنک المراسل فی بلد المصدر الأجنبی، وبموجب هذه الحوالة أصبح ذلک البنک فی بلد المصدر مدینا للمستورد بعملة أجنبیة، وحینئذ فیحیل المستورد دائنه المصدر علی

ص:101

البنک المراسل المدین له، فتکون هنا حوالتان متعاقبتان، وکلتاها من الحوالة علی المدین، وتکون صحتها علی القاعدة، وکما یجوز للبنک أخذ العمولة علی هذه الحوالة، علی أساس أنها تتضمن أداء الدین فی غیر مکانه الطبیعی بموجب طلب الدائن.

الحالة الثانیة:

ما إذا لم یکن للمستورد رصید مالی لدی البنک، ولکن البنک بموجب اعتماده علیه وثقته به قبل طلبه بفتح الاعتماد المستندی، واصدر خطاب ضمان وتعهد للبائع بدفع الثمن الأجنبی له فی بلده من ماله الخاص عند تسلم المستندات بکامل شروطها، وحینئذ فإذا قام البنک بدوره بتکلیف البنک المراسل بدفع الثمن له ضمن المستورد قیمة الثمن بموجب أمره بالدفع، وأصبح مدینا له، وهذه العملیة فی نفسها جائزة شرعا، ویجوز أخذ عمولة علیها کذلک.

نعم إن هذه العملیة تتبع فائدة ربویة فی حالتین:

أحداهما: إن البنک - بموجب نظامه التقلیدی الربوی - یحسب فائدة علی المستورد مقابل الدین فی ذمته.

والأخری: إن البنک إذا أخر دفع الثمن الذی یستحقه المصدر علی المستورد عن وقت الدفع إلی فترة یحسب له فائدة، وحیث إنها فائدة علی تأخیر الدین فهی ربویة، فلا یجوز أخذها.

وهل بامکاننا تکییف هذه الفائدة فی کلتا الحالتین فقهیا إلی فائدة غیر ربویة أو لا؟

والجواب: نعم، فان بامکاننا ذلک.

أما فی الحالة الأولی، فیمکن للبنک أن یضیف هذه الفائدة المجددة إلی عمولة فتح الاعتماد، فأنه حینما قبل فتح الاعتماد بموجب طلب عمیله فی مقابل عمولة یضیف إلیها تلک الفائدة ولا یحسب علی الدین، کما ان بامکانه أن یأخذ الفائدة المذکورة بعنوان أجرة الکتابة والتسجیل وغیرهما مما تتطلبه هذه العملیة من الخدمات، فإذالا ربا فی القرض.

ص:102

وأما فی الحالة الثانیة فیمکن للمصدر ان یشترط فی عقد البیع علی المستورد أن یدفع دینارا مثلا عن کل شهر یسبق تحصیل الثمن، فان المستورد حینئذ یکون ملزما بدفع دینار عن کل شهر یتأخر فیه عن دفع الثمن ولیس ذلک الزاما بالربا المحرم، لأن ذلک الألزام إنما هو بحکم عقد البیع لا بحکم عقد القرض حتی یکون ربا.

نعم، إذا أشترط علیه أن یکون له دینار فی کل شهر یتأخر فیه عن دفع الثمن بنحو شرط النتیجة، لم یجز وإن کان فی عقد البیع، لأن المستورد حینئذ یکون ملزما بدفع الدینار للمصدر، علی أساس أنه مالک له فی مقابل الأجل، وهو من اشتراط الربا، وهذا بخلاف ما إذا کان ذلک بنحو شرط الفعل، فان الزام المستورد به إنما هو بحکم عقد البیع لا بحکم عقد القرض، ولا بحکم کونه عوضا مملوکا فی مقابل الأجل، کما فی شرط النتیجة.

والخلاصة: إن الشرط المدعی فی المقام بما أنه غیر واقع فی عقد القرض لکی یکون قرضا ربویا، ولا هو من أشتراط کون المال فی مقابل الأجل بنحو شرط النتیجة لکی یکون من اشتراط الربا، بل هو واقع فی عقد البیع بنحو شرط الفعل والالزام به بملاک أنه فی عقد البیع.

الحالة الثالثة:

یجوز للبنک أن یتقاضی عمولة علی عملیة الاعتماد المستندی، علی أساس إنها تتطلب قیامه بدور الاتصال مع البنک المراسل فی بلد المصدر، واطلاعه بفتح الاعتماد وتکلیفه بدفع الثمن عندما تسلم مستندات البضاعة مطابقة لجمیع الشروط والمواصفات الواردة فی الاعتماد المستندی.

ویمکن تخریج ذلک فقهیا بأحد وجوه:

الأول: أن یکون ذلک من باب الجعالة، فان المستورد - بموجب طلبه من البنک فتح الاعتماد - یقول له، إن قمت بهذه العملیة ومتطلباتها فلک کذا وکذا مبلغا محددا من المال، وحینئذ فان وافق البنک علی ذلک وقام بدوره بکامل متطلباته، أستحق الجعل المحدد له فی العقد.

ص:103

الثانی: أن یکون ذلک من باب الاجارة، فان المستورد یقوم باستئجار البنک للقیام بعملیة الاعتماد مقابل أجرة معینة، فاذا قبل البنک ذلک ووافق استحق الاجرة.

الثالث: أن یکون ذلک من باب أجرة المثل التی تتقاضاها الاجراء عادة بالقیام بمثل هذا العمل، فانه إذا لم تحدد الاجرة بالعقد لا بعقد الاجارة ولا بالجعالة، فالمتعین أجرة المثل.

الحالة الرابعة:

ان دیون البنوک علی المستثمرین ورجال الاعمال الذین یقومون باستیراد البضائع من الدول الاجنبیة أو تصدیرها إلیها بواسطة الاعتماد المستندی لدیها علی نحوین:

أحدهما:

أن تکون الدیون بموجب عقد القرض الواقع بین المستورد والبنک، فإن المستورد فی هذه الحالة یرجع إلی البنک ویقترض منه مباشرة مبلغا محددا ثم بعد عملیة القرض سلم المبلغ إلی البنک لکی یقوم البنک بدوره بتکلیف البنک المراسل فی بلد المصدر بدفع الثمن إلیه عندما تسلم مستندات ملکیة البضاعة بکاملها.

الثانی:

إن المستورد لا یرجع إلی البنک لا بنفسه ولا بوکیله، بل یتصل به من مکتبه ویطلب منه الاعتماد المستندی ودفع ثمن البضاعة للمصدر فی بلد إقامته عند تسلم المستندات منه، وبذلک یصبح المستورد مدینا للبنک بقیمة ثمن البضاعة، ولا فرق بین الحالتین من هذه الناحیة، وإنما الفرق بینهما من ناحیة أخری، وهی إن سبب الدین فی الحالة الأولی عملیة القرض، وفی الحالة الثانیة الأمر بالاتلاف، علی أساس إن المستورد إذا أمر البنک بدفع دینه للمصدر فی بلده الأجنبی و هو ثمن البضاعة، وقام البنک بدوره وأدی دینه من ماله الخاص، ضمن المستورد قیمة التالف، بأعتبار أنه کان بأمره،

ص:104

ولا مانع من وفاء دین شخص بمال شخص آخر حتی تبرعا، فضلا عما إذا کان بأمر الشخص المدین.

وقد تسال: هل هناک فرق بین الزیادة علی الدین فی الحالة الأولی والزیادة فی الحالة الثانیة أو لا؟

قد یقال بالفرق بینهما، بتقریب ان الزیادة فی الحالة الأولی زیادة علی المال المقترض فی عقد القرض فتکون ربا، وفی الحالة الثانیة لا تکون کذلک، إذ لیس فیها عقد قرض بین المستورد والبنک لکی تکون الزیادة علی المال المقترض فی عقد القرض بل فیها ضمان غرامة للمال التالف بسبب أمره بالاتلاف، ولا یکون هذا الضمان ضمانا قرضیا، بل هو ضمان إتلاف، وعلی هذا فالزیادة المشترطة علی المستورد علی ما دفعه البنک للمصدر من ثمن البضاعة لیست زیادة علی المال المقترض فی عقد القرض لکی تکون ربا، ولا یصدق عنوان القرض علی ضمان الغرامة، فأنه لا یتضمن تملیکا معاملیا لا التملیک علی وجه الضمان بالمثل ولا غیره.

وبکلمة: إن الربا المحرم إنما یکون فی المعاملة کعقد القرض أو البیع، وأما ضمان الغرامة فإنه ضمان ابتداء بموجب الأمر بالاتلاف ولا یتضمن أی تملیک عقدی، فلهذا لا یجری فیه الربا.

ویمکن المناقشة فی ذلک:

أما أولا: فلان المتفاهم العرفی من أدلة حرمة الربا - بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة - هو حرمة الزام الدائن مدینه بالزیادة علی مقدار الدین، سواء أکان الدین حاصلا بالقرض أم بالأمر بالاتلاف، حیث لا یری العرف خصوصیة لعنوان القرض وموضوعیة له إلا کونه سببا للدین واشتغال الذمة، بل إن هذا هو مقتضی إطلاق بعض روایات المسألة ایضا، وعلی هذا فلا فرق بین أن یکون الشخص مدینا بموجب عقد القرض أو بموجب الأمر بالاتلاف، فعلی کلا التقدیرین لا یجوز للدائن أن یلزم مدینه بالزیادة علی مقدار الدین.

ثانیا: لو سلمنا اختصاص الربا المحرم فی عقد القرض لا مطلقا ولا یکون الزام الدائن مدینه بالزیادة فی الحالة الثانیة محرما، إلا ان ذلک بحاجة

ص:105

إلی موجب وسبب یجعل المدین ملزما بدفع الزیادة کاشتراطها فی ضمن عقد، والمفروض أنه لا عقد هنا غیر الأمر بالاتلاف، فإذن لا یکون أشتراطها علیه من الشرط فی ضمن العقد لکی یجب الوفاء به، بل هو من الشرط الابتدائی الذی لا دلیل علی صحته ونفوذه.

نعم، بأمکان البنک أن یقوم فی هذه الحالة بعملیة أشتراط الزیادة فی ضمن عقد الجعالة، علی أساس إن من حق البنک أن لا یقبل تسدید دین المستورد بموجب طلبه للمصدر فی بلد إقامته من دون جعل و عمولة، فإذا وافق علی ذلک وحدد الجعل لقاء قیامه بعملیة التسدید فإذا قام بها أستحق الجعل المحدد بموجب عقد الجعالة وقیمة الدین بقانون ضمان الاتلاف.

والحاصل: إن البنک بعد قیامه بالعملیة المذکورة أستحق أمرین:

أحدهما: قیمة الدین بموجب الأمر بالاتلاف.

والآخر: الجعل بموجب عقد الجعالة.

قد یناقش فی صحة الجعالة فی المقام، بتقریب ان صحتها مبنیة علی أن للعمل المجعول علیه قیمة مالیة لدی العرف والعقلاء، علی أساس إن الجعالة مرکبة من جزئین:

أحدهما: الأمر بالعمل الذی تکون له أجرة المثل فی نفسه وقابل للضمان.

والآخر: تعیین الجعل والأجر بأزاء ذلک العمل.

والجزء الأول من الجعالة: هو ملاک الضمان والضمان فیها من قبیل ضمان الغرامة، لا الضمان المعاوضی.

والجزء الثانی: یحدد قیمة العمل المضمون بضمان الغرامة، حیث إن الأصل فی الضمان هو أجرة المثل ما لم یحصل الاتفاق علی الضمان بغیرها.

وحیث انه لیس لعملیة تسدید الدین مالیة وراء مالیة نفس المال المسدد، فلا یحق للبنک ان یتقاضی عمولة لقاء قیامه بعملیة التسدید زائدة علی قیمة المال المسدد، فأنه إذا لم تکن للعملیة مالیة زائدة علی مالیة نفس المال المسدد، فلا یتحمل المستورد إلا ضمانا واحد، وهو ضمان المال المسدد، ولا

ص:106

یعقل ضمانا آخر وهو ضمان عملیة التسدید فی مقابل الضمان الأول، لعدم الموضوع له وهو المالیة، فمن أجل ذلک لا یعقل الجعالة، لأنها لا تنشیء الضمان وإنما تحدده فی الأجر المعین.

ویمکن الجواب عن هذه المناقشة فی المقام: بأن العمیل المدیون هنا فبما انه یطلب من البنک القیام بتسدید دینه لدائنه فی البلد الأجنبی، فمن الواضح أنه یتطلب بذل جهد وعمل زائد علی مجرد دفع المال إلی الدائن، وحینئذ فیکون من حقه أن یتقاضی عمولة علی ذلک إذا طلب منه القیام به، علی أساس ان لعملیة التسدید عندئذ قیمة مالیة زائدة علی القیمة المالیة للمال المسدد.

والخلاصة:

إن المدین المستورد إذا طلب من البنک القیام بعملیة التسدید للمصدر الدائن فی بلد إقامته، فبما أنه یتطلب بذل جهد وعمل زائد کاتصاله بالبنک المراسل وإصدار خطاب إلیه بدفع دینه فی بلده، فله أن لا یقبل ذلک بدون عمولة، فإذاً لا مانع من عقد الجعالة علیها، بأعتبار انها مضمونة بضمان آخر غیر ضمان المال المسدد، ویحدد الضمان فی الأجر المعین بموجب عقد الجعالة.

نعم، إذا لم تتطلب عملیة تسدید الدین بذل جهد وعمل زائد علی نفس دفع المال إلی الدائن، کما إذا کانت العملیة فی نفس بلد البنک، فلا تصح الجعالة علیها لأنه لا ضمان لها فی مقابل ضمان المال المسدد لکی تقبل الجعالة.

إلی هنا قد وصلنا إلی هذه النتیجة، وهی أن اشترط الزیادة فی کلتا الحالتین المذکورتین من أشتراط الربا، إلا إذا کان ذلک الاشتراط فی عقد الجعالة أو الإجارة.

وقد تسأل: هل بأمکاننا تحویل شرط الزیادة الربویة إلی غیرها أو لا؟

والجواب: نعم، أما فی الحالة الأولی فبأمکاننا هذا التحویل بالطریق التالی:

وهو أن المستورد یقوم بعملیة الاقتراض من البنک مبلغا محددا، وبعد القبض یقدم البنک علی شراء المبلغ منه بعملة أجنبیة فی ذمته، ویضیف إلی المبلغ مقدار الفائدة بدلا عما إذا إشترطها علیه فی عقد القرض، فتحول الفائدة بذلک من الربویة إلی غیرها عن طریق البیع والشراء، ویصبح البنک حینئذ

ص:107

مدینا للمستورد بعملة أجنبیة، ثم یقوم البنک بعملیة التسدید من طریق البنک المراسل فی الخارج، ویجوز للبنک عندئذ ان یتقاضی عمولة لقاء قیامه بالعملیة بتخریجین:

أحدهما: إنها تتطلب بذل عمل زائد، والآخر: إنها تمثل تأدیة الدین فی غیر مکانه الطبیعی.

وأما فی الحالة الثانیة فبأمکاننا تخریج ذلک بالنحو التالی:

وهو ان المستورد یوکل البنک من اقراضه مبلغا معینا من ماله الخاص، ثم یقبضه بالوکالة عنه، وبعد تمامیة عملیة القرض بالقبض والإقباض، یقوم البنک ببیع ذلک المبلغ لنفسه وکالة منه بعملة أجنبیة فی ذمته، ویضیف إلیه مقدار الفائدة، فتحول الفائدة الربویة إلی غیرها من طریق البیع والشراء، کما أن للبنک أن لا یقبل طلب المستورد تسدید دینه للمصدر فی بلد إقامته بدون عمولة علی أساس أنه تسدید الدین فی غیر مکانه، مضافا إلی أنه یتطلب مؤنة زائدة.

قوم البنک فی الحالة الخامسة:

إن الربا المحرم هو اشتراط الفائدة علی المدین بإزاء الدین، سواء أکان الدین بعقد القرض أم کان بضمان الغرامة کما مر.

وأما إذا کانت الفائدة لقاء عمل له مالیة وراء مالیة نفس المال المقترض، فهل یجوز أخذها ولا یکون ربا أو لا؟

والجواب: نعم، یجوز أخذها، علی أساس انها لیست لقاء المال المقترض لکی تکون ربا، بل لقاء عمل له قیمة مالیة زائدة علی القیمة المالیة لنفس المال المقترض، فإذا أفترض إن لعملیة الإقراض مالیة وراء مالیة المال المقترض - کما إذا طلب العمیل من البنک الإقراض فی بلد أجنبی - فان الاقراض فیه بحاجة إلی بذل عمل وجهد زائد علی مجرد دفع المال إلی المقترض وحینئذ فله أن لا یقبل ذلک بدون عمولة.

فالنتیجة: أنه لا یجوز للمقرض بنکا کان أم غیره أخذ فائدة علی المال المقترض، ویجوز له أخذها لقاء عملیة الإقراض إذا تطلبت مؤنة زائدة مضمونة ولا یؤدی إلی الربا نعم إذا لم تتطلب مؤنة زائدة علی مجرد دفع المال إلی المقترض - کما إذا کانت العملیة فی مکان المقرض - فلا مالیة لها

ص:108

زائدة علی مالیة نفس المال المقترض - وحینئذ فلا یجوز أخذ العمولة علیها، لأن أخذها علیها أخذ فائدة علی المال المقترض فیکون ربا، ولهذا لا تصح الجعالة علیها أیضا.

الحالة السادسة:

إن اقتراض المستورد من البنک إذا کان ربویا، فهل یجوز للبنک أن یقوم بعملیة تسدید دینه المستحق علیه للمصدر فی البلد الأجنبی ویتقاضی منه عمولة لقاء ذلک، علی أساس أن العملیة بحاجة إلی مؤنة زائدة أو لا؟

والجواب: أنه جائز بناءاً علی ما هو الصحیح من عدم بطلان عقد القرض الربوی، والباطل إنما هو الربا، أی: الزیادة، وحینئذ فالمقترض مالک لأصل المال المقترض، کما ان المقرض یملک مثله فی ذمة المقترض وإنما لا یملک الزیادة فقط، وعلی هذا فیجوز للبنک أن یقوم بعملیة تسدید دینه من ماله المقترض، وإذا کانت العملیة بحاجة إلی مؤنة زائدة، جاز له أن یأخذ عمولة علیها.

نعم، لو قلنا ببطلان القرض الربوی وعدم کون المقترض مالکا للمال المقترض، فلا یکون البنک حینئذ وکیلا ومخولا من قبله فی تسدید دینه من ماله المقترض لفرض أنه لم ینتقل إلیه بعقد القرض علی أساس بطلانه.

الحالة السابعة:

إن دور البنک فی الاعتماد المستندی بالنسبة إلی البائع المصدر المستفید هو فی الواقع دور ضمان، لا بمعنی نقل دین من ذمة إلی ذمة، ولا ضم ذمة إلی ذمة فإن الثانی باطل، والأول لیس مقصودا منه فی المقام، بل بمعنی: تعهد البنک بدفع ثمن البضاعة الذی یستحقه البائع المصدر علی المشتری المستورد عند تسلم المستندات من البائع مطابقة لجمیع الشروط الواردة فی الاعتماد المستندی، ولا یکون تعهده مشروطا بامتناع المشتری عن الوفاء بالثمن، بل یکون مطلقا، فإن البائع ملزم بتسلیم مستندات البضاعة منها سند الشحن للبنک المراسل، والبنک المراسل ملزم بدفع الثمن إلیه إذا وجد المستندات مطابقة للشروط، وهذا معنی آخر للضمان عند العقلاء یتصور فی الدیون والأعیان الخارجیة معا.

ص:109

وأما دوره بالنسبة إلی المشتری المستورد، فهو فی الواقع أیضا تعهد منه بتسلّم المستندات بکاملها من البائع وفحصها بدقة، فإن کانت مطابقة لتمام المواصفات والشروط المقیدة فی الاعتماد المستندی قام بدفع الثمن إلیه، و إلا فلا.

الحالة الثامنة:

إن المشتری المستورد إذا تقاعس عن الوفاء بالتزاماته وتخلف لسبب أو آخر، وامتنع عن تسلم المستندات التی تمثل نقل البضاعة أو عن الوفاء بالثمن، فللبنک أن یحبس المستندات إلی فترة محددة من تاریخ إخطاره بوصول المستندات المطابقة للشروط، فان لم یدفع الثمن خلال هذه الفترة یقوم البنک ببیع البضاعة فی الأسواق لاستیفاء ما دفعه إلی البائع من الثمن.

ویمکن تخریج ذلک فقهیا بأحد وجهین:

الأول: إن دفع البنک ثمن البضاعة لما کان بأمر المشتری فهو ضامن له بضمان الغرامة وهی ضمان الإتلاف، باعتبار إن الإتلاف کان بأمره، وحیث أنه ممتنع عن الأداء، فللبنک أن یقوم ببیع البضاعة لإستیفاء ما دفعه إلی البائع من الثمن تقاصا.

نعم لو کان بامکان البنک تحصیل الثمن منه بطریق آخر کالرجوع إلی المحاکم والقضاة، لم یجز بیعها لإستیفاء ما دفعه تقاصا، وأما إذا أنحصر الطریق بالتقاص فیجوز.

الثانی: ان جواز بیع البضاعة فی هذه الحالة، إنما هو علی أساس الشرط الضمنی من البنک علی المستورد فی ضمن عقد فتح الاعتماد المستندی، فان المرتکز فیه إن المستورد إذا أمتنع عن الوفاء بالتزاماته ودفع الثمن، فالبنک لا یصبر إلی الأبد، فلا محالة یتحرک ویقوم ببیعها بعد فترة محددة من تاریخ الإخطار بوصول المستندات، وحینئذ فیجوز للغیر الشراء.

****************

ص:110

ص:111

12- الاعتماد الشخصی وتخریجه الفقهی

ص:112

الاعتماد الشخصی:

هو أن العمیل قد یطلب من البنک تزویده بخطاب الاعتماد الشخصی باسمه فی الخارج لدی فرع من فروعه أو مراسله هناک، وحینئذ یقوم البنک بعملیة إصدار خطاب الاعتماد لصالحه بموجب طلبه، ویحدد المبلغ فی ظهر الخطاب، وهل للبنک أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذه الخدمة أو لا؟

والجواب: نعم.

وهل فرق بین أن یکون للعمیل رصید مالی لدی البنک أو لا یکون؟

والجواب: أنه لا فرق بین الحالتین فی جواز أخذ العمولة.

**************

ص:113

أخذ العمولة فی الحالة الأولی:

یمکن تخریج ذلک فقهیا بأحد وجوه:

الأول: أن یکون خطاب الوثیقة بمثابة التوکیل للعمیل الدائن فی استیفاء دینه من حساب البنک فی الخارج بجنس الدین کان أم بغیر جنسه، وحیث أنه لا یجب علی البنک المدین تسدید الدین فی غیر مکانه الطبیعی، فإذا طلب الدائن منه ذلک، فله أن لا یقبل بدون عمولة.

الثانی: أنه لا یجب علی المدین أداء الدین من غیر جنسه، فإذا طلب الدائن منه ذلک، کان من حقه أن لا یقبله من دون عمولة.

الثالث: إن البنک یقوم بشراء عملة محلیة حاضرة من عمیله بعملة أجنبیة فی ذمته بسعر الوقت ویضیف إلیها مقدار حق العمل، وبعد عملیة البیع والشراء یصبح العمیل مالکا للعملة الأجنبیة فی ذمة البنک بدیلا عن العملة المحلیة، وحینئذ فالبنک أما أن یقوم بإحالة العمیل الدائن علی فرع من فروعه هناک أو علی بنک آخر، فإن کان علی الفرع فبما أنه یمثل نفس ذمته، فلا تکون هذه العملیة حوالة بالمعنی الفقهی، بل هی اختلاف فی شکل عملیة الأداء، علی أساس إن الذمة واحدة، وان کان علی بنک آخر هناک فهو حوالة بالمعنی الفقهی، وحینئذ فان کان البنک الآخر مدینا للبنک الأول کانت الحوالة علی المدین، و إلا فعلی البری.

والخلاصة: إن بیع العملة الأجنبیة بالمحلیة جائز شرعا، وحینئذ فیجوز للبنک أن یضیف إلی الثمن حق العمل أو یتقاضاه من العمیل لقاء قیامه بتزویده بخطاب الحوالة فی خارج البلد، فان له أن لا یقبل ذلک بدون عمولة.

أخذ العمولة فی الحالة الثانیة:

یمکن تخریج ذلک فقهیا بما یلی:

إن مرد خطاب الوثیقة من البنک إلی عمیله فی خارج البلد إلی إقراضه، وحیث أن القرض لا یتم إلا بالقبض، فإذا قبض العمیل المبلغ المحدد علی ظهر خطاب الاعتماد أصبح مدیونا للبنک، وعلی هذا فالفائدة التی یتقاضاها البنک من العمیل إن کانت علی القرض فهی فائدة ربویة محرمة وان کانت

ص:114

لقاء قیامه بعملیة الاقراض فی الخارج التی تتطلب جهدا وعملا زائدا علی عملیة الإقراض فی نفس البلد فهی جائزة، وعلی هذا فبامکان البنک أن یتقاضی فائدة فی تلک الحالة لقاء قیامه بهذه العملیة لا لقاء المال المقترض، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری إن العمیل إذا قام بتسدید دین البنک فی مکان القرض، فلیس من حق البنک أن لا یقبل ذلک، وان قام بتسدیده فی بلد آخر لا فی مکان القرض کان من حق البنک أن لا یقبل ذلک مجانا وبدون عمولة.

*****************

ص:115

13- تخزین البضائع وشروطه من وجهة نظر الشریعة

ص:116

تخزین البضائع:

تخزین البنک للبضائع تارة یکون علی حساب المصدر وأخری علی حساب المستورد.

أما الأول /فلأن المصدر إذا قام بتصدیر البضائع المحلیة بواسطة أحد البنوک، فبطبیعة الحال یقوم البنک بعملیة التخزین فی المخازن المخصصة لذلک إلی موعد شحنها، وهذه العملیة جائزة شرعا، ویجوز للبنک أن یأخذ عمولة علیها زائدة علی أجرة المخازن وغیرها من المصارف.

وأما الثانی /فلأن البضائع إذا وصلت إلی الجمارک یتحرک البنک للقیام بتخزینها فی المخازن المخصصة عند تأخر المشتری المستورد عن تسلم البضائع أو أمتناعه عنه لسبب او آخر فإن صلة تلک البضائع قد أنقطعت عن المصدر بتسلم البنک المراسل المستندات منه ودفع الثمن إلیه، فیکون التخزین علی حساب المستورد فقط، وعملیة التخزین جائزة شرعا، ویجوز للبنک ان یأخذ عمولة لقاء قیامه بها.

وقد تسأل: هل یجوز للبنک إذا لم یقم المستورد بتسلم البضائع خلال فترة محددة من تاریخ إخطاره بوصول تلک البضائع مطابقة لتمام المواصفات والشروط الواردة فی الاعتماد المستندی، أن یقوم ببیعها بالمزاد العلنی أو من مستثمر آخر أو لا؟

والجواب: یجوز له ذلک، علی أساس إن تخزین البنک البضائع المستوردة فی مخازن متخصصة إنما هو فی فترة محددة، وبعد إنتهاء تلک الفترة یقوم البنک ببیعها ویعلم التاجر المستورد بهذه الشروط، ومع هذا إذا امتنع عن تسلم البضائع خلال تلک الفترة عامدا وملتفتا، فمعناه أنه راض ببیعها، لأن ذلک شرط فی ضمن العقد الذی یوقع علیه التاجر الحاصل بینه وبین البنک، وأنه من أحد الشروط الواردة فی هذا العقد.

والخلاصة: إن التاجر المستورد إذا لم یستلم البضاعة خلال الفترة المحددة، سواء أکان من جهة إنخفاظ أسعارها فی السوق بشکل لا یفی ثمنها

ص:117

لأجور المخازن ومصارف الجمارک والنقل أم کان بسبب آخر، فیجوز للبنک حینئذ أن یبیعها بموجب الشرط المذکور، وکذلک الحال إذا استورد التاجر البضائع من الدول الأجنبیة مباشرة، وفی کلتا الحالتین یجوز للغیر ان یقوم بشرائها والتصرف فیها فإنها إذا وصلت إلی الجمارک وأخطر التاجر بوصول البضائع، ومع هذا إذا أمتنع عن تسلمها خلال فترة محددة، جاز للجمارک أن تقوم ببیعها - بنفس ذلک الملاک وهو الشرط الضمنی - مباشرة و من دون واسطة البنک.

وأما العمولة التی یأخذها البنک لقاء عملیة التخزین فیمکن تکییفها بأحد وجهین:

الأول: أن یکون ذلک علی أساس الجعالة، بأن یأمر التاجر البنک بالقیام بعملیة التخزین لقاء مبلغ محدد، فإذا قبل البنک ذلک وقام بالعملیة استحق المبلغ المحدد.

الثانی: أن یکون علی أساس الإجارة، بأن یستأجر التاجر البنک علی ممارسة هذه العملیة مقابل أجر معین، فإذا وافق البنک علی ذلک تحقق العقد أستحق الأجر.

**************

ص:118

14- خصم الأوراق التجاریة وکیفیّة تخریجه الفقهی

ص:119

خصم الأوراق التجاریة:

هو لون من ألوان التسلیف المصرفی، إذ المستفید یتقدم بالورقة التجاریة ذات الاجل المحدود قبل حلول موعد وفائها إلی بنک معین بغرض تحصیل قیمتها، فیقوم البنک بدفع قیمتها بعد خصم مبلغ معین بعنوان فائدة القرض من یوم الدفع إلی یوم الوفاء، وإذا کانت هناک خدمة أخری کان للبنک أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بها، کما إذا کانت الورقة تدفع فی مکان آخر غیر المکان الموجود فیه.

وإذا حل الأجل أخطر البنک محرر الشیک بحلول موعد الوفاء وطلب منه قیمته، وفی حالة تخلف المحرر المدین عن دفع قیمة الشیک المستحقة علیه یرجع إلی المستفید من الشیک الذی خصم له البنک الورقة، فإنه المسؤول أمام البنک عن دفع المبلغ علی أساس تعهده بذلک فی عقد القرض، وفی حالة الإتفاق علی تأخر الدفع بعد حلول الاجل، فإن البنک یحتسب فائدة علی مدة التأخیر، علی أساس النظام التقلیدی للفائدة علی القرض، ویتقاضی هذه الفائدة من المحرر المدین للشیک.

تکییف هذه العملیة:

إن خصم الورقة التجاریة وتکییف هذه العملیة یتمثل فی تقدیم قرض من البنک للمستفید من الورقة مع تحویل المستفید البنک الدائن علی محرر الورقة المدیون، ووعلیه فهذا التحویل من الحوالة علی المدین وفی جانب القرض، و وهذا التحویل یتضمن عنصرا آخر وهو تعهد المستفید لدی البنک بوفاء محرر الورقة عند حلول أجلها، ونتیجة ذلک إن المستفید یصبح مالکا للمبلغ المقترض وهو المبلغ الذی خصم البنک به الشیک بحکم القرض، ویصبح محرر ذلک الشیک مدینا للبنک بحکم الحوالة، ویصبح المستفید مسؤولا ومطالبا بتسدید قیمة الشیک إذا تخلف محرره عن الوفاء بها عند حلول الاجل بحکم تعهده به فی حالة التخلف، وبحکم کون المحرر مدینا للبنک یتقاضی البنک منه فوائد علی تأخیر الدین عن موعده المحدد. وعلی أساس هذا التکییف فهنا صورتان ربویتان:

ص:120

الأولی: إن ما یقتطعه البنک من قیمة الشیک مبلغا محدداً لقاء المدة الباقیة من موعد الدفع، ممثل للفائدة التی یتقاضاها علی تقدیم القرض إلی المستفید وهو محرم شرعا لأنه ربا.

الثانیة: إن ما یتقاضاه من الفائدة علی تأخیر دفع الدین عن موعده المحدد ربا محرم، نعم إذا کان تحصیل قیمة الشیک فی مکان آخر فمن حق البنک أن یتقاضی منه عمولة لقاءقبوله قیمته فی ذلک المکان، علی أساس ان البنک بخصم قیمة الشیک قد أصبح دائنا للمستفید الذی خصم له الشیک بعقد القرض، فإذا طلب منه قبول الدین فی غیر مکان القرض، فله أن لا یقبل مجانا ومن دون عمولة.

وهل یمکن تکییف هذه العملیة من الناحیة الشرعیة؟

والجواب: نعم، فإن بإمکان البنک ان ما اقتطعه من قیمة الشیک یعتبره أجرة لما قدمه له من الخدمات کأجرة الکاتب وغیرها من المتطلبات لذلک، بدلا عن ان یعتبره لقاء الأجل الباقی، حیث أن للبنک أن یشترط فی عقد القرض علی المقترض العمیل ان یدفع له أجرة معقولة مقابل تسجیل الدین وحفظه وغیر ذلک من الخدمات.

ولکن بهذا الوجه لا یمکن تکییف العملیة شرعا فی الصورة الثانیة، وذلک لأنه لیس بإمکان البنک فی هذه الصورة أن یأخذ من محرر الشیک بدلا عن الفائدة علی تأخیر دفع الدین مبلغا مماثلا بعنوان الاجرة، بأعتبار إن المحرر أصبح مدینا للبنک بموجب حوالة ضمنیة من المستفید للبنک علیه من دون إنشاء أی عقد بینهما، لکی یشترط البنک فی ضمن ذلک العقد الأجرة علیه.

نعم یمکن تکییفها شرعا فی هذه الصورة بالطریقة التالیة:

وهی إن المستفید من الشیک بعد أقتراض قیمته من البنک بعملیة الخصم، یقوم بتوکیل البنک فی تحصیل قیمة الشیک من محرره عند حلول الأجل لا باحالته علیه، ونتیجة ذلک ان محرر الشیک یظل مدینا للمستفید الذی خصم الشیک لصالحه لا للبنک، وإنما البنک دائن للمستفید ووکیل عنه فی تحصیل قیمة الشیک عند حلول الأجل وحینئذ فللبنک أن یشترط فی إقراضه للمستفید أن یدفع له أجرة معقولة (اجرة المثل) لقاء کتابة الدین وتسجیله وما تتطلبه من النفقات.

ص:121

ثم إن هنا طریقا آخر ذکره الفقهاء، وهو تکییف عملیة خصم الشیک، علی أساس بیع الدین الذی یمثله الشیک بأقل منه حاضرا.

مثلا إذا کان الشیک یمثل خمسة الاف دینار، فالمستفید یقوم ببیعه بأربعة ألاف وتسعمائة دینار حاضرا، وبموجب هذا البیع یملک البنک الدین الذی کان المستفید مالکا له فی ذمة موقع الشیک لقاء الثمن الذی یدفعه إلیه نقدا، فیکون من بیع الدین باقل منه، وحیث إن الدین المباع بأقل منه نقدا، علی أساس عملیة الخصم لیس من النقود الذهبیة أو الفضیة ولا من المکیل أو الموزون، بل هو من النقود الورقیة، فلا مانع من بیعها بأقل منها، لأن أحکام الصرف من التماثل والقبض فی المجلس لا تترتب علیها، هذا وإن کان معروفا ومشهورا بین الاصحاب ولکنه لا یخلو عن أشکال، بل لا یبعد عدم جوازه للنص الخاص الدال علی أن الدائن إذا باع دینه باقل منه، فلا یستحق المشتری من المدین إلا بقدر ما دفع إلی البائع، ویعتبر الزائد ساقطا من ذمة المدین راسا، وسوف نشیر إلی شرح ذلک بأوسع من هذا.

*****************

ص:122

15- القروض والتسلیفات وکیفیّة تخریجها من وجهة النظر الشرعیة

ص:123

القروض والتسلیفات:

تقدیم البنوک القروض والتسلیفات لعملائها بأشکالها المختلفة من طویلة الأجل أو متوسطة الأجل أو قصیرة الأجل:

إذا تقدم العمیل بطلب إلی البنک لمبلغ محدد إلی أجل معین، فإذا تأکد البنک علی ذلک وعزز ثقته به قام بدفع مبلغ له قرضا إلی أجل محدد طویلا کان أم قصیرا، ویتقاضی منه فائدة علی هذا القرض، وتعتبر هذه الفائدة فائدة ربویة محرمة.

وقد تسأل هنا: هل یمکن تخریج هذه الفائدة من الناحیة الشرعیة وتحویلها إلی فائدة غیر ربویة أو لا؟

والجواب: أنه یمکن تخریج ذلک بوجوه:

الأول:

یمکن تحویل القروض والتسلیفات الربویة إلی بدائل مشروعة کالمضاربات ونحوها کما تقدم تفصیل ذلک.

الثانی:

إن بأمکان العمیل أن یقوم بشراء شیء من البنک ویضیف إلی ثمنه مقدار الفائدة، ویشترط القرض علیه بمبلغ معین فی ضمنه.

الثالث:

إن للبنک أن یتقاضی من عملائه أجرة معقولة لقاء قیامه بالخدمات التی تتطلبها تقدیم القروض لهم، کأجرة الکاتب والحارس والمحاسب والعمال الفنیین وغیرهم، وقیمة الدفاتر والسجلات التقلیدیة او التقنیة وغیر ذلک.

وبکلمة: إن من أهم خدمات المصارف والبنوک وأکثرها أنتشارا فی البلاد تقدیم القروض والتسلیفات بأشکالها المختلفة وأحجامها المتعددة لعملائها، ومن الواضح إن قیام البنوک بهذه العملیات یتطلب وجود کاتب وحارس ومحاسب ودفاتر وسجلات وغیرها، وحینئذ فللبنوک بدلا عما

ص:124

یتقاضی عمولة علی هذه القروض، یتقاضی أجرة معقوله منهم لقاء ما تتطلبه تلک العملیات من الخدمات.

******************

ص:125

16- صرف العملات الأجنبیة وکیفیّة تخریجه الشرعی

ص:126

صرف العملات الأجنبیة:

تقوم البنوک بصرف العملات الأجنبیة لرجال الأعمال والمستثمرین من أفراد دول متعددة، علی أساس الدیون التی تتولد بینهم بتصدیر البضاعة إلی الخارج أو أستیرادها منه، فان المستورد للبضاعة من بلده یکون مدینا لقیمتها بعملة تلک البلدة والمصدر من دوله یکون دائنا لقیمتها بعملة منها وحینئذ فالمدین بعملة أجنبیة بدلا عن أن یشتری من سوق الصرف مبلغا من تلک العملة بالمقدار الکافی لتسدید دینه ثم یرسله إلی دائنه فی الخارج، یرجع إلی البنک ویطلب منه القیام بعملیة الصرف وتأدیة الدین علی اساس ان البنوک والمصارف قد تطورت فی عملیات الصرف وتادیة الدیون الخارجیة من طریق إصدار الشیکات والحوالات وغیره من الطرق والوسائل التقنیة الحدیثة بدون نقل أی نقد من بلد إلی بلد آخر، فلذلک أستطاعت السیطرة علی عملیات التأدیة فی داخل البلاد وخارجها، وأتسعت رقعتها بأتساع الأعمال والتبادلات الخارجیة، وتطورت بتطورها، وأصبحت من الوسائل والأدوات الاطمئنانیة، فإذا استورد رجل عراقی بضاعة من دولة أجنبیة بقیمة عشرة آلاف دولار مثلا، أصبح مدینا بالمبلغ من مصدر تلک الدولة، وحینئذ فبأمکانه تسدید دینه من طریق شیک تجاری یأخذه من بنک عراقی علی بنک أجنبی بقیمة الدین من الدولارات، فهنا حوالتان:

الأولی:

حوالة من المستورد دائنه المصدر الأجنبی علی بنک عراقی، وبذلک یصبح المصدر الأجنبی مالکا قیمة البضاعة فی ذمة البنک العراقی.

الثانیة:

حوالة من البنک العراقی دائنه الأجنبی علی بنک خارجی یکون له حساب جار عنده.

وکلتا الحوالتین صحیحة شرعا.

*******************

ص:127

17- بیع العملات الأجنبیة وشراؤها وتخریجه الفقهی

ص:128

بیع العملات الأجنبیة وشراؤها:

تقوم البنوک والمصارف ببیع العملات الأجنبیة وشرائها للتسهیلات المصرفیة المؤثرة فی تطور التجارات الخارجیة لعملائها یوما بعد یوم، وبغرض الحصول علی ربح من تفاوت بین سعر الشراء وسعر البیع أو بداعی توفیر النقود والعملات الاجنبیة عنده، ولهذا تقوم ببیع وشراء العملات الأجنبیة التی یحملها السیاح الأجانب أو السیاح العائدون من الخارج.

نعم، فی العصر الحاضر قد أستطاعت البنوک أن تقلل إلی درجة کبیرة من أهمیة هذه الخدمة علی المستوی العام، بإیجاد بدیل لها أکثر تطورا وهو البطاقات الإئتمانیة وتزوید عملائها بها، فإنها قد أصبحت من أهم الخدمات المصرفیة فی العالم، وتحقق أمانا کبیرا للإنسان علی أمواله فی السفر والحضر، فإن السواح بدلا عن أن یحملوا معهم فی السفر نقودا أو شیکات التی لا تخصم إلا فی البنوک والمصارف، یحملوا البطاقة الإئتمانیة ویستعملونها لتوفیر متطلباتهم متی شاؤوا، کقطع التذاکر للسفر وأجور الفنادق والمطاعم والسیارات والخدمات فی المحطات وغیرها، ویستغنی حاملها من عملیات بیع و شراء العملات الاجنبیة وخصم الشیکات فی البنوک والمصارف، وعملیة بیع وشراء العملات الأجنبیة وتبادل بعضها مع بعضها الآخر جائزة شرعا، سواء أکانت نقدیة أم مؤجلة، کما إذا قام البنک بشراء عملة اجنبیة من البنوک الخارجیة مؤجلة إلی شهر مثلا بثمن حاضر لسبب أو آخر ما لم یکن الثمن أیضا مؤجلا، وإلا فهو محل إشکال بل منع لأنه من بیع الدین بالدین.

****************

ص:129

18- التحویل المصرفی الخارجی وکیفیّة تخریجه الشرعی

ص:130

المصرفی الخارجی:

التحویل المصرفی الخارجی من أهم أسباب التعامل بالتجارات الخارجیة وأسلم الوسائل، فإن المستورد إذا أستورد بضاعة أجنبیة أصبح مدینا لمصدر أجنبی، وفی هذه الحالة یلجأ إلی البنک ویطلب منه الحوالة لصالح المصدر الاجنبی الدائن علی البنک المراسل فی بلده، فإذا قبل البنک الحوالة قام العمیل المدین بدفع قیمة الحوالة إلیه بعملة بلده أما نقدا أو بالخصم من رصیده.

ویمکن تخریج ذلک فقهیاً بأحد وجوه:

الأول:

إن عملیة التحویل المصرفی الخارجی تقوم علی أساس إن البنک یبیع ما یملکه من عملة أجنبیة فی ذمة البنک المراسل فی خارج البلد بما یملکه المستورد من عملة محلیة حاضرة عنده (البنک) فی الداخل.

وبذلک تصبح ذمة البنک المراسل فی الخارج مدینة للمستورد، وحینئذ یقوم المستورد بتحویل دائنه المصدر علی ذلک البنک الأجنبی.

مثال ذلک:

إن البنک فی الداخل مدین للمستورد بعملة محلیة وفی الخارج مالک للعملة الأجنبیة فی ذمة البنک المراسل، وحینئذ فیقوم البنک ببیع ما یملکه من العملة الخارجیة بما یملکه العمیل المستورد من العملة الداخلیة عنده وبموجب هذا البیع یصبح العمیل المستورد مالکا للعملة الأجنبیة فی ذمة البنک الأجنبی مقابل ما ملکه البنک الداخلی من رصیده من العملة الداخلیة، وعندئذ فبأمکان المستورد ان یحیل دائنه المصدر علی ذلک البنک الاجنبی المراسل فتکون هنا عملیتان:

الأولی: بیع الدین.

الثانیة: حوالة الدین.

وکل ذلک جائز شرعا، وهل یجوز للبنک حینئذ أن یاخذ عمولة لقاء قیامه بعملیة بیع عملة اجنبیة بعملة محلیة، والجواب یجوز له ذلک علی أساس ان هذه العملیة بحاجة إلی مؤنة زائدة علی ما تتطلبه طبیعة البیع، وبأمکانه أن یضیف العمولة إلی الثمن فی عملیة البیع.

ص:131

الثانی:

إن البنک یقوم بتسدید دین عمیله المستورد لدائنه الاجنبی بغیر جنسه فی الخارج بواسطة فرعه أو بنک مراسل، و هذا جائز شرعا مع رضا الدائن به، وله ان یتقاضی عمولة لقاء تسدید دینه فی غیر مکانه الطبیعی إذا طلب منه ذلک کما هو المفروض فی المقام.

الثالث:

إن العمیل المدین یحیل دائنه المصدر علی البنک فی الداخل بعملة أجنبیة، وحیث إن البنک لا یکون مدینا له بهذه العملة، وإنما هو مدین له بعملة داخلیة، فیکون هذا من الحوالة علی البری، فإن قبل البنک صحت وإلا فلا.

ویجوز للبنک أن یتقاضی عمولة لقاء قبوله الحوالة.

نعم قد تکون الحوالة المصرفیة مجرد إصدار أمر من البنک إلی البنک المراسل فی الخارج بدفع مبلغ محدد للمصدر، وهذا لیس حوالة بالمعنی الفقهی، فإن المصدر لا یصبح بذلک مالکا لقیمة التحویل فی ذمة البنک المراسل، فإنه إنما یملک المبلغ بالتسلیم والقبض مباشرة أو بالتوکیل، وهذه العملیة جائزة شرعا، وللبنک أن یتقاضی عمولة لقاء قیامه بها إذا طلب منه ذلک.

****************

ص:132

ص:133

19- قبول البنک الودائع من عملائه

اشارة

ص:134

الودائع علی ثلاثة أقسام

الأول: الودائع الثابتة.

وهی رؤوس أموال یقوم عملاء البنک بتقدیمها إلیه فی فترة زمنیة محددة بدافع الأدخار والاستثمار، ولیس من حقهم المطالبة بها فی تلک الفترة المحددة.

الثانی: الودائع المتحرکة.

وهی ودائع تحت الطلب التی یطلق علیها أسم الحساب الجاری، ولمودعها الحق فی أن یسحب أی مبلغ علی ذلک البنک، شریطة أن لا تزید قیمة المبلغ المسحوب عما هو له من الرصید عنده.

نعم قد یسمح البنک له فی أن یسحب مبالغ یعین البنک مقدارها، علی أساس عنصر الثقة بینهما، ویسمی ذلک بالسحب علی المکشوف.

الثالث: ودائع التوفیر.

ولا فرق بین القسم الثانی والثالث، فإن کلیهما تحت الطلب، والمودع متی شاء قادر علی السحب، إلا أن البنک بموجب نظامه التقلیدی ملتزم بتقدیم الفائدة علی ودائع التوفیر ولو بنسبة ضئیلة.

هذا بحسب مصطلحات البنوک والمصارف الربویة.

وأما بالنظر إلی مفهوم الودیعة فی الفقه الإسلامی، فلا یمکن أن تکون الاموال ودیعة عند البنوک حتی تخرج فوائدها عن کونها فوائد ربویة علی القرض، لأن المودعین یسمحون للبنک التصرف فیها بکامل حریته وسلطنته من التصرفات الأعتباریة والخارجیة، ومن الواضح إنه لا یراد بهذا الإذن السماح له بالتصرف مع بقاء الودیعة فی ملک صاحبها، وإلا لزم حینئذ أن یعود الثمن والربح معا إلی المالک بقانون المعاوضة لا إلی البنک بل یراد بالإذن المذکور السماح للبنک بتملک الودیعة علی وجه الضمان بالمثل، وهو معنی القرض، وعلیه فتکون الفوائد التی یدفعها البنک إلی المودعین فوائد علی القرض وهی ربا المحرم شرعا.

ص:135

نعم، قد ذکرنا فی مقدمة الکتاب إن الأموال المودعة لدی البنک وإن أمکن کونها ودیعة بالمعنی الفقهی، إلا إنه مجرد تصور نظریا ولا واقع موضوعی له خارجا، وعلی هذا فتلک الاموال لیست ودیعة فقهیة، بل هی قروض ربویة، والمبالغ التی یتقاضاها المودعون فوائد علی القرض وهی محرمة، وهل بأمکاننا إیجاد بدیل لهذه الفوائد والتخلص من کونها فوائد ربویة أو لا؟

والجواب: نعم، انه ممکن شریطة أن لا یتقید البنک بنظامه التقلیدی الربوی، ویمارس عملیاته علی طبق النظام الإسلامی، إذ حینئذ بأمکانه أن یقوم بهبة مبلغ للمودع مسبقة، ویشترط فی ضمنها الاقراض بمبلغ معین إلی فترة ویلحظ فی الهبة نسبة الفائدة الربویة علی القرض بعین الإعتبار، ولا مانع من ذلک شریطة أن تکون الهبة بینهما واقعیة لا صوریة، وإن کان الدافع من ورائها القرض المماثل، إلا أن ذلک کما لا یجعل الهبة صوریة کذلک لا یجعل القرض ربویا، کما إن بإمکان البنک أن یقوم بعملیة بیع شیء للمودع بثمن أقل مسبقا، وأشتراط قرض مبلغ معین علیه فی مدة محددة، أو یقوم بالمصالحة کذلک.

والخلاصة:

إن بأمکان کل من البنک والمودع إیجاد البدیل الإسلامی للفائدة الربویة والتعامل به بدلا عن التعامل بالفائدة علی القرض التی هی محرمة شرعا.

***************

ص:136

ص:137

20- الشیکات المصرفیة و کیفیّة تخریجها الشرعی

ص:138

الشیکات المصرفیة:

کما قد یسحب العمیل صاحب الحساب الجاری لدی البنک شیکا علیه، کذلک قد یسحب البنک نفسه شیکا لصالح عمیله علی البنک المراسل فی البلد الأجنبی، فیقدم العمیل الشیک إلی البنک المسحوب علیه لتسلم قیمته، وتؤخذ قیمة الشیک من حساب البنک لدی البنک المسحوب علیه، وهنا حالتان:

الأولی: أن لا یکون للعمیل المستفید رصید مالی بالعملة الداخلیة عند البنک الساحب.

الثانیة: ان یکون له رصید مالی کذلک.

ففی الحالة الأولی بما أن الشیک مجرد تسهیل مصرفی للعمیل دون غطاء ورصید مالی، فیمکن تخریج ذلک بأحد وجوه:

الأول:

أن یعتبر الشیک من البنک الساحب أمرا منه للبنک المسحوب علیه باقراض العمیل من رصیده الدائن لدیه، فإذا تمت عملیة القرض أصبح العمیل المستفید مدینا للبنک الساحب.

وهذه العملیة جائزة شرعا، ویجوز أخذ العمولة علیها من الناحیة الشرعیة، علی أساس أحد تخریجین:

الأول // أن للبنک الساحب ان یتقاضی عمولة لقاء قیامه بعملیة اقراض العمیل فی الخارج بواسطة البنک المراسل بعملة أجنبیة، علی أساس ان هذه العملیة بحاجة إلی بذل جهد وعمل زائد علی مجرد دفع المال المقترض إلی المقترض، ولها قیمة مالیة زائدة علی قیمة نفس المال المقترض.

نعم، إذا لم تتوقف عملیة الاقراض علی بذل جهد زائد علی مجرد دفع المال المقترض، فلیست لها قیمة مالیة زائدة علی المال المقترض، ولا یجوز أخذ العمولة علیها.

والخلاصة: إن عملیة الاقراض إذا توقفت علی بذل عمل وجهد زائد کما إذا طلب العمیل الاقراض فی مکان آخر کان من حق المقرض أن یأخذ عمولة لقاء تحمله الجهد الزائد.

ص:139

الثانی:

إن العمیل المستفید بما انه أصبح مدینا للبنک الساحب بعملة أجنبیة، فللبنک الساحب أن یبیعها علیه بعملة داخلیة حاضرة ویضیف إلیها مقدار الفائدة علی القرض، ولا مانع من ذلک، علی أساس ان أحکام الصرف لا تترتب علی الأوراق النقدیة.

الثالث:

إن الشیک الصادر من البنک الساحب یعتبر أمرا للبنک المسحوب علیه باقراض العمیل قیمة الشیک من ماله الخاص بضمان البنک الساحب، وبذلک یصبح العمیل مدینا للبنک المسحوب علیه، وهذه العملیة جائزة شرعا، وإذا طلب من البنک القیام بها کان له أن یأخذ عمولة لقاء ذلک ولا یقبل القیام بها مجانا، حیث لا یجب علیه أن یقوم بإصدار شیک علی بنک أجنبی فی الخارج بإقراض عمیله بعملة أجنبیة مع الضمان والتعهد بالاداء مجانا وبدون عمولة.

نعم، لیس للبنک المسحوب علیه أن یأخذ عمولة لقاء قیامه بعملیة الاقراض، علی أساس ان قیامه بها لا یتوقف علی بذل جهد زائد علی دفع نفس المال إلی الشخص المقترض لأن مالیة الاقتراض فی نظر العرف والعقلاء إنما هی مالیة المال المقترض، ولیس لنفس عمل الاقراض بما هو عمل مالیة زائدة ما لم یتوقف علی بذل جهد وعمل زائد، وعلی هذا فإذا أخذ البنک المسحوب علیه عمولة من العمیل المستفید لقاء قیامه بعملیة الاقراض له، فهی زیادة علی المال المقترض ومحرمة.

ص:140

الرابع:

إن البنک الساحب یبیع ما یملکه فی ذمة البنک المسحوب علیه من عملة أجنبیة بسعر مساو لقیمة الشیک فی ذمة العمیل المستفید بالعملة الداخلیة الحاضرة، ویضیف علی الثمن مقدار الفائدة علی القرض.

وهذا العمل جائز شرعا، ولا بأس بهذه الزیادة ما دامت العملیة عملیة البیع والشراء دون القرض.

وفی الحالة الثانیة: یمکن تخریج الشیک المصرفی من الناحیة الشرعیة بأحد وجوه:

الأول:

إن البنک الساحب یقوم ببیع فی حدود قیمة الشیک من العملة الأجنبیة فی ذمة البنک المراسل بالعملة المحلیة التی یملکها العمیل المستفید فی ذمته وبذلک یصبح المستفید مالکا للعملة الأجنبیة فی ذمة البنک المراسل بدلا عما یملکه البنک الساحب ما یساوی قیمة الشیک من العملة المحلیة من رصید العمیل عنده، وهذه العملیة جائزة شرعا، شریطة أن لا یکون الثمن مؤجلا أیضا فی عقد البیع حتی لا یکون من بیع الدین بالدین، ویجوز للبنک أن یأخذ من العمیل المستفید عمولة لقاء تسدید دینه فی بلد آخر غیر بلد القرض.

الثانی:

إن بأمکان البنک الساحب أن یحیل دائنه المستفید علی البنک المراسل، وحیث إن البنک مدین للمستفید بعملة داخلیة، فلا بد أن تکون هذه الحوالة مسبوقة ضمنا بعقد بیع بین العملیتین لکی یکون البنک مدینا للمستفید بعملة خارجیة، وحینئذ فیتاح له أن یحیل المستفید علی البنک المراسل المدین له بالعملة الاجنبیة حتی یکون من حوالة الدائن علی المدین.

وکل ذلک جائز شرعا، وکذا یجوز للبنک أن یأخذ عمولة من المستفید لقاء قیامه بتسدید دینه فی غیر مکان القرض.

الثالث:

إن للبنک الساحب أن یفوض عمیله الدائن المستفید من الشیک بتسلم قیمة الشیک من البنک المسحوب علیه وفاء لما یملکه فی ذمة البنک الساحب من

ص:141

العملة الداخلیة، ولا مانع من ذلک، لأنه من وفاء الدین بغیر جنسه وهو جائز شرعا برضا الدائن.

ویجوز للبنک أن یأخذ عمولة من العمیل المستفید لقاء دفع دینه فی غیر مکانه بموجب طلبه.

***************

ص:142

21- بطاقات الإئتمان وأنواعها وکیفیّة تخریجها الشرعی

اشارة

ص:143

بطاقات الإئتمان:

إن بطاقة الإئتمان من أهم الخدمات المصرفیة فی العالم فی العصر الحاضر، فإنها تحقق أمانا کبیرا للإنسان علی أمواله من حملها معه فی السفر والحضر، حیث إن فی حملها خطرا علی المال من الضیاع والسرقة، بل علی النفس أضافة إلی متاعب خری، فالإنسان بدلا عن أن یحمل النقود معه لتوفیر متطلباته وحاجیاته فی حال السفر والحضر یحمل معه بطاقة الائتمان ویستعملها فی توفیر حاجیاته من التسویق الیومی وقطع التذاکر للسفر وأجور الفنادق والمطاعم والسیارات والخدمات فی المحطات للقطارات ومحطات البنزین وغیرها والمحلات التجاریة لشراء السلع والبضائع وسحب النقود من البنوک وأجهزة الصرف الآلی إذا دعت الحاجة إلیها ونحوها من الحوائج، کل ذلک شریطة أن لا تتجاوز عن الحد الاعلی للإئتمان الذی توفره له البطاقة.

ص:144

البطاقة الإتمانیة علاقة بین الأطراف الثلاثة

الطرف الأول:

الجهة التی تصدر البطاقة، وهی فی الغالب البنوک والمصارف، وقد تکون جهة أخری کالشرکات العامة أو الخاصة أو المنظمات.

الطرف الثانی:

الجهة التی تحمل البطاقة، وهی عملاء شراء البطاقة.

الطرف الثالث:

الجهة التی تقبل البطاقة، وهی عملاء البیع بالبطاقة.

فحامل البطاقة عندما یرغب شراء سلعة اوخدمة أو الحصول علی نقود أو غیر ذلک، فما علیه إلا ان یبرز تلک البطاقة للطرف الثالث المسمی بالتاجر، فإذا أبرزها له قدم التاجر إلیه ما أراده من السلعة او الخدمة أو النقود او غیر ذلک، ثم یسجل رقم بطاقته وتوقیعه علی قسیمة تبین ثمن السلعة أو الخدمة بعد التاکد من صحة البطاقة وتاریخ إنتهاء صلاحیتها، ثم یقوم التاجر بتقدیم تلک القسیمة إلی الطرف الأول (مصدر البطاقة) مباشرة أو بالواسطة، فیحصل علی المبلغ المدون علیها مطروحا منه رسم یتراوح بین 1 إلی 4 أو أکثر علی إختلاف البطاقات الائتمانیة باختلاف الشرکات التی تصدرها، والجهة المصدرة ملتزمة بدفع المبلغ بمجرد التأکد من دقة البیانات، بقطع النظر عما إذا کان حامل البطافة قد سدد الثمن للبنک أو لا، بأعتبار إن ذمتها قد اشتغلت به بقبولها الحوالة تجاه التاجر ثم یقوم بإرسال فاتورة إلی حامل البطاقة فی کل شهر مرة تتضمن تمام مشتریاته بالبطاقة فی فترة شهر واحد، وتطالبه بدفع ما تضمنته الفاتورة من المبلغ.

****************

ص:145

ص:146

22- أنواع البطاقات الإئتمانیة وأحکامها شرعا

ص:147

أنواع البطاقات الإتمانیة

النوع الأول:

بطاقة الائتمان باسم الخصوم أو المدینة، وهو متمثل فی بطاقة یصدرها البنک مشروطا بأن یکون للعمیل حساب مصرفی عنده أو عند أی بنک آخر، ولا یکون حسابه أقل من الحد الأعلی للإئتمان الذی توفره له البطاقة وهو ما یسمی بالخط الائتمانی، ولا یسمح له بأن ینخفض رصید حسابه المذکور عن ذلک المبلغ، وهذا نوع من الضمان النقدی، وعلی هذا فکلما أستخدم العمیل البطاقة فی شراء حاجیاته وتوفیر متطلباته، یقوم البنک المصدر بالسحب من رصیده مباشرة لتسدید قیمة الفاتورة المرسلة إلیه من التاجر، وهذا النوع من البطاقات متواجد فی کثیر من الدول النامیة.

النوع الثانی:

بطاقة الائتمان العادیة، وهذه البطاقة تمتاز عن النوع الأول فی عدم إشتراط الجهة المصدرة لها، بأن یفتح العمیل حسابا مالیا عندها لا یقل عن الحد الأعلی للإئتمان الذی توفره له البطاقة، فالحصول علیها لا یکون منوطا بوجود مثل ذلک الحساب، وعلی هذا فحامل البطاقة إذا اراد استخدامها لشراء السلع أو الخدمة أو غیرها قام بأبرازها للطرف الثالث وهو بعد التأکد علی صحتها وافق علی تقدیم ما اراد حامل البطاقة واخذ توقیعه علی الفاتورة ورقم البطاقة وهذه الموافقة لیست من جهة ان حامل البطاقة یحصل علی قرض ائتمان مساوی لقیمة السلع والخدمة من الجهة المصدرة اوتماتکیا باعتبار ان صحة القرض منوط بقبض المال المقترض حتی تشتغل ذمته بمثله وهذا الشرط غیر متوفر فی المقام بل من جهة ان الطرف الثالث کان یعلم بأن الجهة المصدرة متعهدة بأداء قیمة السلع أو الخدمات والحاجیات للطرف الثالث ومسؤولة عنه عند وصول الفاتورة إلیها ویحدد الحد الأعلی للتعهد لکل عمیل الحد الأعلی من الائتمان الذی توفره له البطاقة المسمی بخط الائتمان وفی هذه الحالة یلتزم حامل البطاقة طبقا لشروط الاصدار

ص:148

بتسدید کامل مبلغ الفاتورة خلال فترة لا تزید عن ثلاثین یوما من تاریخ إستلامه لها، وفی حالة المماطلة یقوم المصدر بإلغاء عضویة حامل البطاقة وسحبها منه وملاحقته قضائیا لتسدید ما تعلق بذمته من المبلغ المذکور وأشهر أنواع هذه البطاقات أمریکان أکسبریس.

النوع الثالث:

بطاقة الائتمان القرضیة، وتمتاز هذه البطاقة عن النوع السابق فی نقطة، وهی إن الائتمان الذی تخلقه هو عدم الزام حامل البطاقة بدفع المبلغ تماما عند تسلمه للفاتورة الشهریة، والغالب الزامه بدفع نسبة ضئیلة منه، ویظل الباقی فی ذمته، ویقوم شهریا بدفع فوائد التأخیر، وتحسب الفوائد بصفة یومیة علی المبالغ المتبقیة، وأشهر أنواع هذه البطاقة (بطاقة فیزا) وهناک أنواع أخری من البطاقة الائتمانیة التی تستخدم فی جهات خاصة، ولکن حیث أنه لا دخل لها فی حکم البطاقة من وجهة النظر الشرعیة فلا مبرر للدخول فی تفصیلاتها، کما إن إمتیاز بعض أقسام البطاقات عن بعض أقسامها الأخری غیر دخیل فی حکمها کبطاقة فیزا، فإنها علی ثلاثة أقسام:

القسم الأول: بطاقة الفیزا الفضیة.

القسم الثانی: بطاقة الفیزا الذهبیة.

القسم الثالث: بطاقة الفیزا الألکترونیة.

وتمتاز الأولی عن الثانیة فی نقطة، وهی ان الأولی ذات حدود إئتمانیة منخفضة نسبیا، والثانیة ذات حدود إئتمانیة عالیة - فإنها إضافة إلی الخدمات المتوفرة للبطاقة السابقة - أمینا علی الحیاة وخدمات أخری دولیة فریدة، کاولویة الحجز فی مکاتب السفر والفنادق والتأمین الصحی والخدمات القانونیة، وأما الأخیرة فهی تستخدم فی جهة خاصة، وهی أجهزة الصرف الآلی الدولی.

****************

ص:149

23- طبیعة العلاقة بین الأطراف الثلاثة للبطاقة الإئتمانیة وأحکامها من وجهة النظر الشرعیة

ص:150

العلاقة بین الجهة المصدرة للبطاقة وبین حاملها

یمکن تفسیر هذه العلاقة بأحد أمرین:

الأول:

علی أساس الضمان العقد، ونرید به تعهد الجهة المصدرة للبطاقة لأداء دیون حاملها تجاه التاجر الذی یشتری منه حاجیاته بابرازه البطاقة له وجعلته فی مسؤولیتها، لا نقل الدین من ذمة إلی ذمة، بل الدین قد ظل فی ذمة الحامل للبطاقة، والجهة المصدرة جعلت نفسها مسؤولة عن الأداء، فاذا قامت بأدائه وأدتّه أشتغلت ذمة الحامل بنفس المبلغ لتلک الجهة، وبرأت ذمته عن التاجر.

الثانی:

علی أساس تعهد الجهة المصدر للبطاقة لقبول الحوالة من حاملها المدین للتاجر الذی أشتری منه السلع والبضائع بابراز البطاقة له، فإنه بعد الشراء یحیله علی تلک الجهة، وهی ملزمة بقبولها علی أثر تعهدها فی عقد البطاقة وإن لم یکن له رصید مالی عندها، ثم إن الظاهر منهما التفسیر الثانی، وعلیه فالعلاقة بینهما متمثلة فی تعهد الجهة المصدرة بقبول الحوالة من العضو الحامل للبطاقة لثمن المشتریات بها، والإمارة علی الحوالة هی توقیع الحامل علی القسیمة.

وقد تسأل: هل یمکن أن تکون العلاقة بینهما علی أساس الوکالة بأن تکون الجهة المصدرة - وهی البنک - وکیلة عن حامل البطاقة فی أداء دینه تجاه التاجر؟

والجواب: الظاهر أنه لا یمکن أن تکون العلاقة بینهما علی أساس الوکالة فی جمیع أنواع البطاقات الإئتمانیة.

نعم، إن العلاقة بینهما فی النوع الأول من البطاقة الائتمانیة، وهو ما إذا کان لحامل البطاقة رصید مالی عنده لا تبعد أن تکون بنحو الوکالة، بأن

ص:151

یکون البنک وکیلا عنه فی أداء دینه تجاه التاجر من رصیده، وأما فی النوعین الآخرین فهی بعیدة وبحاجة إلی مؤنة زائدة.

وقد تسأل: هل یمکن أن تکون العلاقة بینهما علی أساس عقد القرض، بأن تقوم الجهة المصدرة بأقراض العمیل الحامل للبطاقة بمقدار ما اشتغلت به ذمته تجاه التاجر أوتوماتیکیا، وهذا یعنی: ان العمیل هل یحصل صرف استخدامه للبطاقة علی قرض اوتوماتیکی من الجهة المصدرة؟

والجواب: أنه لا یمکن ان تکون العلاقة بینهما من باب القرض، فان المعتبر فی صحة القرض وتحققه أن یقبض المقترض مبلغ القرض، وهذا لا یوجد فی شیء من صیغ البطاقة الائتمانیة، إلا إذا فرض أن العمیل وکل البنک فی قبض مبلغ القرض منه وکالة، ثم یؤدی دینه کذلک، ولکن هذا مجرد افتراض وخارج عن مرتکزات المتعاملین بها.

والخلاصة:

أن العلاقة بینهما علی اساس التعهد والالتزام من الجهة المصدرة بقبول الحوالة من الحامل فی عقد البطاقة، وهذا المعنی هو المتبادر فی الأذهان والمرتکز فی أعماق نفوسهم، حیث أن العمیل عند ما یبرز بطاقته للتاجر، فأنه بعد التأکد من صحتها یحصل له الیقین بأن الجهة المصدرة متعهدة بأداء ثمن البضائع أو الخدمات ومسؤلة أمامه.

**************

ص:152

2 - العلاقة بین حامل البطاقة والتاجر:

الظاهر ان هذه العلاقة بینهما متمثلة فی عقد الحوالة، فإن العمیل الحامل للبطاقة عندما یشتری سلعة أو خدمة من التاجر باستخدامه البطاقة تشتغل ذمته بقیمتها له، فیکون العمیل حینئذ مدینا والتاجر دائنا، ویقوم العمیل المدین عندئذ لعملیة الحوالة فیحیل التاجر الدائن علی الجهة المصدرة للبطاقة، ویکون توقیعه علی الفاتورة المرسلة إلی تلک الجهة یدل علی الاحالة والتاجر یقبلها فیرسل الفاتورة الی الجهة المصدرة التی تقوم بدفع المبلغ له، ولا فرق فی ذلک بین أن تکون تلک الجهة مدینة لحامل البطاقة أو لا، فإن الحوالة علی الثانی وان کانت حوالة علی البریء، إلا أن أصدارها البطاقة الائتمانیة بمثابة قبولها الحوالة، فعلی کلا التقدیرین فهی ملزمة بقبولها الحوالة، وحینئذ فتصبح بموجب هذه الحوالة مدینة للتاجر بدیلا عن حامل البطاقة.

ویمکن ان نتصور بان العلاقة بینهما متمثلة فی الوکالة، فحامل البطاقة یجعل التاجر وکیلا عنه فی الاقتراض من البنک أی: البنک المصدر للبطاقة باسمه، ثم یقوم بتسدید دین الحامل وکالة عنه لنفسه، ولکن هذا التصور بعید عن أذهان المتعاملین بالبطاقة کما مر.

3 - العلاقة بین التاجر والجهة المصدرة للبطاقة:

هی علاقة المحال والمحال علیه، علی أساس ان حامل البطاقة یحیل التاجر علی تلک الجهة ویترتب علی ذلک کون الجهة المصدرة مدینة للتاجر، وهذا إضافة إلی أن التاجر من عملاء البیع بالبطاقة أو خدمة أخری، فتکون علاقته بالجهة المصدرة علاقة العمیل، ومعنی ذلک:

أنه قبل تمام شروط البطاقة منها أقتطاع الجهة المصدرة من ثمن البضائع عند تسدیده بنسبة مئویة محددة.

قد یقال: - کما قیل - إن الفاتورة التی وقع علیها المشتری أی: حامل البطاقة، هی کمبیالة مستحقة الدفع یقوم التاجر بحسمها لدی البنک المصدر فاذن تکون علاقة التاجر مع البنک المصدر علاقة البیع والشراء، فإن التاجر

ص:153

یقوم ببیع قیمة الفاتورة فی ذمة المشتری للبنک نقدا یأقل منها، فیکون من بیع الدین نقدا بالأقل.

والجواب:

أولا: ان الفاتورة لیست من الأوراق التجاریة کالکمبیالة، بل هی قائمة فیها قیمة الاشیاء المشتریات، وتوقیع المشتری علیها أمارة علی الحوالة لا علی انها کمبیالة، فإذا لا وجود للبیع والشراء.

وثانیا: مع الاغماض عن ذلک وتسلیم انها کمبیالة، ولکن قد مر أن الاظهر بطلان بیع الدین نقدا بالاقل منه، واما اقتطاع البنک من الثمن بنسبة مئویة فهو علی أساس القرار بینه وبین التاجر لقاء ما قدمه البنک المصدر من الخدمة له وقبول التاجر ذلک، ولهذا لا إشکال فیه شرعا.

*****************

ص:154

العمولة علی البطاقات الإئتمانیة وتخریجاتها الفقهیة:

من حق الجهة المصدرة للبطاقات الائتمانیة وتوفیرها للعملاء المستثمرین ورجال الأعمال والسیاح أن تتقاضی عمولة لقاء قیامها بهذه الخدمة القیمة التی هی أمان للإنسان علی ماله ونفسه، ولا یحتاج مع وجودها إلی حمل أی نقود معه، مع أن ما فی حمل النقود من خطر السرقة والضیاع وعوائق و متاعب أخری، وإنها توفر له الراحة والطمئنینة والثقة، وتسهل له الحصول علی ما یرغب إلیه من شراء سلعة أو خدمة او نقود إذ لیس علیه حینئذ إلا إبراز البطاقة للتاجر.

ویمکن تخریج هذه العمولة من الناحیة الشرعیة بأحد وجوه:

الأول:

أن تکون من باب أجرة المثل، علی اساس أن تزوید العمیل بالبطاقة انما کان بامره وطلبه من ناحیة، وعدم تحدید الاجرة فی عقد من ناحیة أخری.

الثانی:

ان تکون من باب الجعالة، بمعنی: إن العمیل یجعل أجرا وجعلا للمصدر لقاء قیامه بهذه الخدمة، بأن یقول له ان زودتنی بالبطاقة الائتمانیة فلک کذا مبلغا من المال فی راس کل شهر، وحینئذ فإذا قام وزوده بالبطاقة استحق الجعل حسب ما عین وحدد.

وبکلمة: ان استحقاق الجعل المحدد فی الجعالة لیس فی الحقیقة إلا بملاک ضمان عمل غیره بأمره به لا علی وجه التبرع، فإذا امرت الخیاط مثلا بان یخیط ثوبک کذا او الکاتب بان یکتب لک الدفتر الفلانی، فاذا خاط أو کتب فعلیک قیمة عمله من الخیاطة او الکتابة، بمعنی: ان ذمتک تشتغل باجرة المثل، وهذا قسم من الضمان الغرامة فی الاعمال علی حد ضمان الغرامة فی الاموال، وفی هذه الحالة بامکانک ان تحول اجرة المثل منذ البدء الی مقدار محدد، فتقول: من خاط ثوبی الفلانی فله دینار، وحینئذ فیکون الضمان بمقدار ما حدد فی هذا الجعل، ویسمی هذا جعالة، فالجعالة فی الحقیقة تنحل إلی جزئین:

أحدهما: الامر الخاص أو العام بالعمل الذی له قیمة.

ص:155

والاخر: تعیین مبلغ معین بازاء ذلک، فالجزء الأول من الجعالة هو ملاک الضمان، أی: ضمان الغرامة لا الضمان المعاوضی.

والجزء الثانی یحدد قیمة العمل المضمون، فاجرة المثل هی الاصل فی الضمان مالم یحصل الاتفاق علی غیرها، وعلی هذا الاساس فان عین العمیل الاجرة للجهة المصدرة لقاء تزویده بالبطاقة ضمن نفس الاجرة المحددة، وإلأ فأجرة المثل.

الثالث:

انها عوض فی المعاقدة بینهما بالتراضی، فانهما یتفقان علی ان تقوم الجهة المصدرة باصدار البطاقة له وتزویده بها مقابل مبلغ محدد بنسبة مئویة فی رأس کل شهر، ولا بأس بهذه المعاقدة بینهما شرعا فانه وان لم ینطبق علیها شیء من العناوین الخاصة للمعاملات، الا أنه یکفی فی صحتها شرعا عموم قوله تعالی:(إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) علی اساس ان عنوان التجارة عن تراض یصدق علیها.

وقیل أنه لا یجوز شرعا استخدام هذه البطاقات، بدعوی: ان المبالغ التی تحصل علیها الجهة المصدرة للبطاقة، کالبنک او الشرکة بطریق الحسم من اثمان البضائع والخدمات عند سداد قیمتها عن اصحابها، ما هی فی الحقیقة الا فائدة یدفعها حامل البطاقة الی الجهة المصدرة وهذه الفائدة تعتبر مقابلا لاقراض الجهة المصدرة المبلغ له بالسداد نیابة عنه الی ان یقوم الحامل بدفع القرض لها، وهذه فائدة ربویة محرمة.

والجواب: ان اقتطاع مصدر البطاقة عن اثمان البضائع والخدمات عند سداد قیمتها بنسبة 2% إلی 4% ثم أخذ هذه النسبة من حامل البطاقة لیس بملاک فائدة علی الدین، لان حامل البطاقة وان اصبح مدینا للجهة المصدرة اذا لم یکن له رصید مالی لدیها عندما قامت الجهة لدفع اثمان البضائع والخدمات للتاجر، سواء أکان قیامها لذلک بالوکالة والنیابة عنه ام بالحوالة علیها، ولکنه مدین بقدر ما دفعته الی التاجر دون الزائد، واما اخذ الزائد فهو لیس بعنوان الفائدة علی الدین، بل من اجل تزویده بالبطاقة وحصوله علیها، حیث انها خدمة کبیرة له.

ص:156

وبکلمة: ان تقدیم البنک او الشرکة البطاقة للعمیل لیس علی وجه التبرع، بل لقاء ما أقتطعه من اثمان السلع والخدمات بنسبة مئویة محددة، والعمیل یأخذها فی مقابل ذلک، وهذا هو المرتکز فی اذهان المتعاملین من بطاقات الائتمان، فاذن ما اقتطعته من الاثمان لیس فائدة علی الدین، هذا اضافة الی ان ذلک لا یتم اذا کان للعمیل رصید مالی لدی المصدر إذ حینئذ لا موضوع للدین هذا من ناحیة، ومن ناحیة اخری إن الظاهر من استخدام العمیل البطاقة لشراء السلع او الخادمات او الحصول علی النقود من الطرف الثالث، هو احالته علی المصدر من باب احالة الدائن علی المدین أو علی من تعهد بقبول الحوالة لا التوکیل والاستنابة فی اداء الدبن عنه.

والحاصل: إن الظاهر والمرتکز فی الذهن ان استخدام العمیل البطاقة فی شراء السلع او الخدمات او غیر ذلک من الطرف الثالث، احالة لذلک الطرف اتوماتیکیا علی الجهة المصدرة فی اخذ اثمان البضائع والخدمات منها بلا فرق فی ذلک بین ان یکون له رصید مالی عندها أو لا باعتبار ان معنی تزویدها العمیل بالبطاقة تعهد منها بتسدید الاثمان وان لم یکن للعمیل رصید مالی لدیها، ونتیجة ذلک ان العمیل اذا استخدم البطاقة لشراء البضائع او الخدمات واشتراها ووقع علی فاتورة المشتریات، فهذه منه حوالة علی تلک الجهة تلقائیا.

والخلاصة:

ان المرتکز من البطاقات الائتمانیة والتعامل بها ان الزیادة انما هی فی مقابل تمتع العمیل بالبطاقة لا فی مقابل الدین.

نعم، هنا اشکال فی خصوص النوع الثانی من البطاقة الائتمانیة والنوع الثالث، اما فی النوع الثانی فلان حاملها ملتزم بدفع ما علیه من اثمان البضائع او الخدمات خلال ثلاثین یوما والا تقوم الجهة المصدرة بالغاء عضویته فی البطاقة الائتمانیة وملاحقته عند اجهزة القضاء والامن لارغامه علی الدفع، وتنص عقود هذا النوع من البطاقات علی ان العضو ملتزم بدفع الفوائد علی المبالغ المتأخرة ابتداء من تاریخ الغاء عضویته، وهذا شرط ربوی.

واما فی النوع الثالث فعقده لا یوجب الزام العمیل بدفع ما علیه من الدیون خلال ثلاثین یوما عند تسلمه الفاتورة الشهریة ولکنه ملزم بدفع فائدة

ص:157

علی التاخیر، وتحسب الفوائد یومیا علی المبالغ المتبقیة علی ذمة العمیل وهذا ربا.

وقد تسال: هل یمکن تخریج ذلک فقهیا من الناحیة الشرعیة أو لا؟

الجواب: یمکن ذلک بأحد وجهین:

الأول:

ان البنک المصدر یجعل العمیل فی عقد البطاقة وکیلا عنه فی شراء السلع او الخدمات علی ذمته، ثم یقوم ببیعها وکالة عنه علی نفسه، ویشترط فی ضمن هذا البیع علی نفسه من قبل البنک وکالة ان یدفع له دینارا فی راس کل شهر یتاخر فیه عن دفع الثمن، ولا مانع من ذلک لانه لیس ربا فان الزامه بدفع الدینار انما هو بحکم البیع لا بحکم عقد القرض ولیس فی مقابل الاجل.

نعم لو شرط ان یکون له دینار فی مقابل التاجیل بنحو شرط النتیجة لم یصح، لانه من اشتراط الربا.

وبکلمة: کما یمکن للبائع ان یشترط علی المشتری ان یهب له دینارا فی کل شهر إلی ستة اشهر مثلا، کذلک له ان یشترط علیه ان یدفع له دینارا فی کل شهر یتأخر فیه عن دفع الثمن، ثم ان هذا التخریج الفقهی مبنی علی ان یشترط العمیل علی البنک فی عقد البطاقة ان یکون وکیلا عنه فی شراء البضائع او الخدمات بالبطاقة علی ذمته، ثم یبیعها علی نفسه وکالة منه، والا فلا تخریج له شرعا.

الثانی:

ان البنک المصدر یتعهد فی ضمن عقد البطاقة ان لا یقبل الحوالة من العمیل اذا لم یکن له رصید مالی عنده الا لقاء عمولة یقتطعها من الفاتورة الشهریة بنسبة مئویة لا مجانا، إذ من حقه ان لا یقبل بدون عمولة اذا کان بریئا، واما اذا کان مدینا للعمیل، فهو ملزم بقبول الحوالة شرعا، ولا یجوز له ان یتقاضی عمولة لقاء عملیة اداء الدین، فانها وظیفة المدین وهو ملزم بها شرعا وان استلزمت مزید جهد وانفاق عمل، واما اذا کان البنک وکیلا عن العمیل فی تسدید دیونه، فله ان لا یقبل الوکالة عنه الا لقاء عمولة محددة، حتی فیما اذا کان له رصید مالی عنده اذ لا یکون ملزما بقبول الوکالة

ص:158

عنه فی اداء دینه لدائنه ولو من ماله عنده مجانا، ولکن هذا الوجه لا یدفع الاشکال عن اشتراط الفوائد علی تاخیر الدیون المتبقیة علی ذمة العمیل، لانه من اشتراط الربا، وانما یدفع الاشکال عن ذلک، علی اساس امکان تبدیل ذلک باخذ تلک الفائدة بعنوان العمولة لقاء قبول الحوالة أو الوکالة، ویمکن تخریج ذلک فقهیا بالنسبة الی خصوص تعامل حامل البطاقة بها فحسب دون مصدرها، فانه یجوز للعمیل الدخول فی عضویة عقود البطاقة واشتراکه فیها وحصوله علیها إذا کان ملتزما بالدفع خلال الفترة المسموح بها، أو کان له رصید مالی عند المصدرلا یقل عن الحد الأعلی من الإئتمان الذی توفره له البطاقة.

واما اذا کان العضو الحامل غیر ملتزم بالدفع خلال الفترة المسموح بها فهل یجوز له الدخول فی عضویة عقد البطاقة فی النوع الثالث من البطاقات الائتمانیة أو لا؟

والجواب: أنه لا مانع من دخوله فیها وحصوله علی البطاقة والتعامل بها، وأما اشتراط المصدر الفائدة علی تأخیر الدین الثابت فی ذمته فهو وان کان شرطا ربویا، إلا أن بأمکان حامل البطاقة عدم الالتزام به، بل وظیفته ذلک وفساده لا یوجب فساد العقد حتی لو قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد، فإن هذا الشرط لیس شرطا للعقد أی: عقد البطاقة الواقع بین المصدر والعمیل، بل هو اشتراط فائدة محددة علی تأخیر الدین علی ذمة العمیل عن الفترة المسموح بها، هذا نظیر من باع داره مثلا من شخص واشترط علیه أن یکون له مبلغ من المال فی مقابل تأجیل الثمن بنحو شرط النتیجة، فان فساد هذا الشرط لا یرتبط بالبیع أصلا، لأنه لا یکون من شؤون البیع ولا من شؤون المبیع ولا الثمن، بل هو شرط بازاء التأجیل والتأخیر للثمن، وحیث أن هذا الشرط فاسد، فلا یکون العمیل ملزما به شرعا نعم هو مجبور بالعمل بهذا الشرط بمعنی انه یفی به بعنوان أنه مجبور لا بعنوان الشرط أو یتبرع به ولو بداعی أن لا تلغی الشرکة المصدرة عضویته فی عقد البطاقة، وفی هذه الحالة فلا شیء علیه.

نتیجة بحوث البطاقات الائتمانیة:

النتائج من وجهة النظر الشرعیة أمور:

ص:159

الأول: أنه یجوز للعمیل ان یدخل فی عضویة عقود البطاقة والحصول علیها بدون فرق فی ذلک بین أنواعها.

الثانی: ان من حق الجهة المصدرة للبطاقة ان تتقاضی عمولة من العمیل لقاء قیامها بعملیة تزویده بالبطاقة، لأنها خدمة، فلا یجب علیها القیام بها مجانا وبدون أجرة.

الثالث: ان الاجرة التی تتقاضاها لا تخلو من ان تکون من باب أجرة المثل، علی اساس ان تزوید العمیل بها إنما هو بأمره وطلبه، وهو یوجب الضمان بها أو من باب الجعالة أو المعاقدة أوالمصالحة علی ما تقدم شرحه.

الرابع: ان الزیادة التی تأخذها الجهة المصدرة من حامل البطاقة لیست فائدة علی الدین کما مر، بل هی أجرة لما قدمته من الخدمة له، فإذا لا ربا.

الخامس: ان الفائدة علی تاخیر الدین عن المدة المقررة وان کانت ربا، الا ان بامکان حامل البطاقة عدم الالتزام بهذا الشرط الباطل، وهذا لا یضر بصحة عقد البطاقة الواقع بینه وبین الجهة المصدرة، وحینئذ فان أجبر علی دفعها فلا شیء علیه، وإلا لم یجز إلا بعنوان الهبة والتبرع.

السادس: یجوز للجهة المصدرة للبطاقة ان تقطع من اثمان البضائع والسلع والخدمات عند تسدیدها للتاجر بنسبة مئویة محددة، علی أساس قبوله والتزامه بشروط البطاقة حیث لا یجب علیه ذلک مجانا کما تقدم.

السابع: ان المتحصل من کل ذلک، أنه لا مانع شرعا من التعامل بالبطاقات بانواعها واستخدامها فی لسفر والحضر فی اقسام المعاملات والخدمات السائغة من الناحیة الشرعیة.

***************

ص:160

24- الأسهم والسندات

ص:161

السهم وتعریفه:

هو أوراق مالیة ذات قیمة إسمیة محددة تکتب علیها، وهی تعادل حصة من رأس المال للشرکة.

الشرکة المساهمة:

هی التی تتکون من رؤوس أموال محددة تقسم إلی أسهم عدیدة، ولهذه الأسهم خصائص ممیزة منها تساوی قیمتها حسب ما یحددها قانون الشرکة، و منها تساوی حقوقها، ومنها أن مسؤولیة کل مساهم بقدر قیمة أسهمه، ومنها قابلیتها للتداول فی الأسواق، ویتم تداولها وفق أنظمة وإجراءات محددة فی الأسواق المالیة (البورصة).

ویترتب علی ملکیة الأسهم حقوق وإلتزامات، منها حق بقاء مالکها فی الشرکة، ومنها حق الأولویة فی الإکتتاب، ومنها حق اقتسام موجودات الشرکة، ومنها حق التدخل فی قرارات الشرکة، ومنها غیر ذلک.

أقسام الشرکة المساهمة:

القسم الأول:

الشرکة المساهمة التی رأس مالها حلال، وتتعامل بالحلال بکل نشاطاتها الإستثماریة، علی أساس أن نظامها التأسیسی ینص علی أنها تتعامل فی حدود دائرة الحلال، وذلک کشرکة الکهرباء المساهمة، وشرکة السمنت والزراعة والمعادن والنفط والصناعة التولیدیة وغیرها، شریطة أن تقتصر تلک الشرکات علی أعمالها الإستثماریة فی حدود دائرتها المحللة، ولا تتعامل بالربا اقراضاً و اقتراضاً ولاغیره من الأعمال المحرمة.

ص:162

القسم الثانی:

الشرکة المساهمة التی یتکون رأس مالها من الحرام، أو مخلوطاً به، و تتعامل علی الحلال والحرام کتولید الخمور و بیعها والربا وغیر ذلک، ولا تتقید بالتعاملات المحللة.

القسم الثالث:

الشرکة المساهمة التی یتکون رأس مالها من الحلال، ولکنها لا تتقید علی أن تتعامل بالحلال لا بالحرام.

المشارکة فی تلک الشرکات من الناحیة الشرعیة:

یجوز المشارکة والمساهمة فی القسم الأول من الشرکات المساهمة باکتتاب اسهمه وشرائها والإستفادة من الأرباح التی تحصل الشرکة علیها.

وما قیل من: إن الأسهم بما أنها جزء من النظام الرأس مالی فلا تتفق جملة وتفصیلاً مع الإسلام غریب جداً، وذلک لأن المراد من النظام الإقتصادی الرأس مالی، هو أن لا یتقید بحدود دائرة الشرع التی یتبناها الإسلام بنصوصه التشریعیة المستمدة من الکتاب والسنة، والمراد من النظام الإقتصادی الإسلامی هو ما یتقید بحدود دائرة الشرع التی یتبناها الإسلام فی جمیع نشاطاته الإقتصادیة إنتاجیة کانت أم تبادلیة، ولایعترف بأی نشاط إقتصادی خارج عن هذه الدائرة، ولهذا قد ألغی الإسلام التعامل بالربا بکل ألوانه عن الإقتصاد الإسلامی نصاً وروحاً، وکذلک التعامل بالخمور وإنتاجها ولحوم المیتة والخنزیر وغیرها.

وعلی هذا فیجوز المشارکة فی شراء أسهم القسم الأول من الشرکات المساهمة.

فإذا اشتری أسهماً منها صار شریکاً فی جزء من رأس مالها تلقائیاً.

وأما المشارکة فی القسم الثانی من الشرکات المساهمة فقد یقال کما قیل أنها لاتجوز علی أساس أن اکتتاب أسهمها وشرائها، والدخول فی عضویتها تلقائیاً والإستفادة من الأرباح والفوائد التی تحصل الشرکة علیها جمیعاً من التعامل، والإنتفاع بالمال الحرام، أو المخلوط به وهو غیر جائز.

ص:163

والجواب: التحقیق فی المقام أن یقال: أنه لامانع من التعامل مع أسهم الشرکات المساهمة کافة بلافرق بین الشرکات التی تتقید بحسب أنظمتها وقراراتها التقلیدیة الصارمة بالمعاملات المشروعة، ولاتتجاوز عن حدودها إلی المعاملات المحذورة فی الشریعة المقدسة، والشرکات التی لاتتقید بذلک بحسب أنظمتها التقلیدیة، وأنها حرة فی تعاملاتها وتبادلاتها بالحلال والحرام، وذلک لأن بطلان المعاملات، کمعاملة بیع الخمور والمیتة ولحم الخنزیر ونحوها، لایساوق عدم جواز التصرف فی أثمانها فإن جواز التصرف فیها منوط برضا المشتری، والمشتری الذی یقدم علی شراء هذه الأعیان المحذورة یرضی بتصرف البائع فیها مطلقاً، وإن کان البیع باطلاً شرعاً. لأنه لایتقید بالشرع، وإلاّ لم یقدم علی شرائها، بل هو مقید بنظام السوق، وفی نظام السوق یجوز التعامل بها.

وحینئذ فإن کان رأس مال الشرکة یتکون من أثمان هذه الأعیان و غیرها، فهو حلال ولا إشکال فیه، وعلی هذا فیجوزشراء أسهم هذه الشرکات بکل أنواعها وأقسامها فإن شراءها وإن کان موجباً لصیرورة المشتری عضواً فیها و شریکاً بدرجة ثانیة تلقائیاً، لأنه فی الحقیقة قد اشتری جزء من رأس المال للشرکة باعتبار أن السهم اسم له ولا موضوعیة له غیر هذا، ولکن لامانع من ذلک إذا کان راس مالها حلالاً کما هو المفروض، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری، إن إیقاع المعاملات فی هذه الشرکات و تداولها، إنما هو من قبل الأعضاء الأصلیین لها الذین هم قاموا بتأسیسها و إنشائها دون الأعضاء الفرعیین، وهم الذین قاموا باکتتاب أسهمها وتبادلها بالبیع والشراء فی الأسواق والبورصات، فإنه لاصلة لهم بتلک المعاملات لا بالأصالة ولا بالوکالة.

هذا إضافة إلی أن حرمة کثیر من المعاملات المحرمة، حرمة وضعیة لاتکلیفیة وقد تقدم أنه لا أثر لها بعد وجود التراضی.

فالنتیجة، فی نهایة المطاف أن التعامل بالسهام بشتی أنواعه وأشکاله فی الأسواق المالیة بالبیع والشراء بکل أشکالها، کالتعامل بسائر السلع فیها کذلک، بلافرق بین أن تکون السهام من الشرکات التی تتقید فی تعاملاتها بالحلال والشرکات التی لاتتقید فیها بالحلال.

ص:164

وأما القسم الثالث من تلک الشرکات فهل تجوز المساهمة والمشارکة فیها أم لا؟

والجواب: قد ظهر مما تقدم أنه یجوز المساهمة والمشارکة فیه.

ودعوی، أن الشرکات فی هذا القسم لاتتقید بحسب قوانینها التقلیدیة الصارمة بالتعامل بالمعاملات المحللة... الخ.

وهذه الدعوی مدفوعة ولا أساس لها ضرورة أنه لامانع من المساهمة والمشارکة فی هذا القسم من الشرکات أیضاً باکتتاب أسهمها وتبادلها بالبیع والشراء فی الأسواق المالیة، فإن اکتتاب الأسهم وإن کان موجباً لجعل المکتتب عضواً و شریکاً فی الشرکة تلقائیاً باعتبار أنه اشتری فی الحقیقة جزءاً من رأس مالها، ولاموضوعیة للسهم غیر کونه إسماً له، ومع ذلک قلنا: أن رأس مالها حلال، وذلک من جهة التراضی الموجود بین جمیع المکتتبین والمستثمرین فی هذه الشرکات کافة من البدایة إلی النهایة، لأن کل واحد منهم یرضی للآخر بالتصرف فی ماله علی ضوء العقود المتداولة بینهم فی الأسواق المالیة البورصات، وإن کانت تلک العقود باطلة من وجهة نظر الشرع.

وعلی هذا الأساس فالمشتری للسهام قد اشتری جزء من رأس مال الشرکة باعتبار ان رأس مالها حلال علی اساس التراضی وان کان تعاملها بالمعاملات المحرمة.

قد یقال کما قیل: أن هذا صحیح إلاّ أن المشتری بشراء السهام، حیث إنه أصبح عضواً فی الشرکة فعندئذ یکون طرفاً للمعاملات الواقعة فیها، منها المعاملات المحرمة المحذورة کبیع الخمر ولحم الخنزیر والمیتة والربا و نحوها.

والجواب: أولاً، أن القائم بإیقاع هذه المعاملات فی الشرکات المذکورة إنما هو الأعضاء الأصلیین الذین هم أسسوا هذه الشرکات وأنشأوها دون الأعضاء الفرعیین، وهم المکتتبون للسهام فإنه لا صلة

لهم بتلک المعاملات لا بالأصالة ولا بالوکالة.

وثانیاً، إن حرمة أکثر هذه المعاملات وضعیة، وهی لاتؤثر فی حرمة التصرف فی أثمان تلک الأعیان المحذورة، لأن حرمة التصرف فیها منوطة بعدم رضاء المشتری بالتصرف فیها فی فرض بطلانها والمفروض أنه راض به مطلقاً وإن کانت تلک المعاملات باطلة من وجهة نظر الشرع، فإن

ص:165

المناط أنما هو ببطلانها من وجهة نظر العقلاء، والمفروض أنها صحیحة من وجهة نظرهم، لأنها من العقود العقلائیة المتعارفة فی تلک الأسواق، وتکون علی طبق أنظمة السوق وهی لاتتقید بالتعامل من طریق الحلال، فإنها کما تتعامل من هذا الطریق تتعامل من طریق الحرام أیضاً، ولکن لا مانع من شراء أسهمها بغرض العضویة والمساهمة فیها والإستفادة من أرباحها التی تحصل علیها فی الاسواق بالبیع والشراء وعلیه فإذا اشتری سهماً منها وان کان قد اشتری جزءاً من رأس مالها فانه حلال بالتراضی بین المساهمین فی هذه الشرکة کافة باعتبار ان جمیع تعاملاتهم فی الاسواق علی اساس انظمة السوق الصارمة لا أنظمة الشرع.

وبکلمة قد تقدم انه یجوز اکتتاب اسهم جمیع الشرکات المساهمة سواء أکانت متقیدة فی تعاملاتها بالحلال أم لا وسواء أکان اکتتابها وشرائها بغرض العضویة والمساهمة أم لا حیث ان المکتتب باکتتابها قد أصبح عضوا لها تلقائیاً وان لم یکن قاصداً لها بل وان کان غافلاً عنها حین الاکتتاب والشراء.

وعندئذٍ یکون شؤیکاً فی جمیع معاملات الشرکة المتداولة فی الاسهم وفوائدها ولو فی فترة قلیلة.

إن الشرکة بموجب قراراتها التقلیدیة وان کانت غیر مقیدة بالمعاملات والإتجارات فی الحدود المسموح بها شرعاً إذ کما أنها تقوم بالمعاملات والإستثمارات فی هذه الحدود کذلک تقوم بها فی الحدود غیر المسموح بها شرعاً کالإتجار بالخمور والمیتة ولحم الخنزیر

والربا، فإن حرمة هذه المعاملات وإن کانت وضعیة فقط ولیست

بتکلیفیة غیر الربا فإن حرمته تکلیفیة ووضعیة معاً إلاّ أنه لا مانع من المساهمة والمشارکة فی هذه المعاملات والاستثمارات والاستفادة من ارباحها وفوائدها علی اساس التراضی الموجود بین المتعاملین فیها وشرعاً عدم تقییدهم بصحتها وعدم بطلانها شرعاً.

***************

ص:166

25- سوق الأوراق المالیة أو سوق تداول الأسهم والسندات

ص:167

نقسم سوق الاوراق المالیة إلی قسمین:

السوق غیر المنظم:

ویطلق علیه السوق غیر الرسمی أو السوق المفتوح أو سوق فوق الحاجز، وکل ذلک تعبیرات عن شیء واحد، وهو السوق غیر الخاضع للنظم، ولا تتوفر فیه کفاءة التداول من حیث عدالة الاسعار، فان لسلوکیات الوسطاء والسماسرة والمستثمرین والمضاربین تاثیر کبیر فی تحدید الاسعار هبوطا وصعودا، وفی عدم الموازنة بین العرض والطلب.

السوق المنظم:

وهو ما یعرف (بالبورصة) حیث انها سوق منظم للأوراق المالیة، ومکان تنعقد فی ردهته صفقات تداول الاسهم والسندات وتبادلها بالبیع والشراء بطریقة منظمة، ویتم فیها تداول الاسهم والسندات المسجلة بها فقط لا مطلقا، ویکون تداولها خاضعا لقوانین واجراءات رسمیة، وفی اوقات محددة، ویتم التداول فیها بواسطة الوسطاء المتخصصین المسجلین لدی ادارة السوق بالتعامل فی هذه الاسواق کالسماسرة ونحوهم، حیث انهم یقومون بتنفیذ اوامر عملائهم بیعا وشراءا، ویکون التداول فیها بشکل علنی وبصورة مسموعة ومقروءة، ویتم التداول فیها بدون ان یکون هناک تماس بین السماسرة والعملاء، وتشرف علی نشاطات السوق هیئة رقابة متخصصة، ومن اجل ان للبورصة هذه المزایا والخصوصیات تکون سوقا مثالیا لبیع وشراء الاسهم والسندات المالیة، وحیث انها تخضع لرقابة شدیدة فتستبعد امکانیة تواجد اتفاقات سریة وحدوث سلوکیات غیر قانونیة، کالتلاعب بالاسعار واستغلال المعلومات.

ثم ان المستثمر یستعین باحد الوسطاء لتحقیق رغبته فی التعامل بالاسهم بافضل الشروط فی وقت مناسب، والوسیط - بحکم عمله وتخصصه والمامه باوامر العرض والطلب المتاحة له فی السوق - یمکنه ان یحقق امال المستثمر بالبیع أو الشراء، ومن هنا کان لکل سوق من اسواق الاوراق المالیة وسطاء (سماسرة) سواء أکان من البورصات ام کان من الاسواق فوق الحاجز والوسیط یتمثل فی الشخص المصرح له الاذن بممارسة تداول

ص:168

الاسهم والسندات لحساب عملائه، وقد یکون الوسیط همزة وصل بین المستثمرین والسماسرة، وقد یمارس مهمة السمسرة احیانا، والمستثمر له حریة اختیار الوسیط وتحدید الشروط والاسعار التی یرغبها لاجراء التداول، ولا یجوز له التعدی عما حدده المستثمر من الشروط والاسعار.

نعم، انه قد یعول الاختیار وتحدید الاسعار للوسیط لثقته فیه، وعلی هذا الاساس فان العملاء الذین یرغبون فی التعامل بالاوراق والاسهم المالیة یتصلون بالوسطاء کالبنک اما بالهاتف او الانرنیت أو الفاکس ویصدرون اوامر البیع وشراء الاسهم الیهم، والبنک بعد التأکد وتحصیل الاطمئنان والوثوق بالمسألة ووجود ارصدة لهم عنده یقبل التوسط، ویبدا بالاتصال بالبورصة للوقوف والاطلاع علی سیر الاسعار، فاذا کانت الاسعار بالنحو المرغوب فیها للعمیل، قام بانجاز شراء الاسهم والاوراق المالیة او البیع من طریق سماسرة او ممثل خاص له.

وبکلمة: ان المستثمر اذا رغب التعامل بالاوراق والاسهم المالیة فی السوق المنظم (البورصة) فبما انه لیس بامکانه ذلک عن طریق مباشر فیلتجئ الی ذلک من طریق الوسطاء (السماسرة) الذین هم مرخصون فی القیام بتنفیذ اوامر عملائهم بیعاً وشراءاً فیه علی ضوء الشروط المحددة.

نعم بامکانه التعامل بالأسهم فی السوق غیر المنظم والمفتوح من طریق مباشر بدون وسیط، کما ان هناک سوقاً آخر یتم فیه تداول الاسهم فی شرکات الاستثمار بطریق مباشر، ولا یتقید بان یکون من طریق الوسطاء.

*****************

ص:169

26- تکییف عملیات تداول الأسهم من الناحیة الشرعیة وأقسامها

ص:170

عملیة تداول اسهم القسم الأول

من الشرکات المساهمة: یمکن تخریج هذه العملیة فقهیا وتطبیقیا علی العقود الشرعیة بما یلی:

الوجه الأول:

ان یتم تداول الاسهم فی السوق المالی او البورصة بین المتعاقدین عاجلا، بان یلتزم کل منهما بتنفیذ العقود بینهما حالا بتسلیم البائع الاسهم المالیة والمشتری ثمنها أو فی مدة لا تتجاوز الیوم. وفی هذه الحالة قد یحتفظ المشتری بها بأمل تحسن وضع السوق وارتفاع الاسعار، فاذا ارتفعت قام ببیعها ویحقق بذلک ربحا، وقد یخسر لانخفاظ الاسعار بسبب قلة الطلب وکثرة العرض، وعلی کل حال فهذا بیع عاجل بکامل الثمن والمثمن.

الوجه الثانی:

ان یتم العقد بین المتعاقدین فی السوق بتسلیم المثمن، وهو الاسهم، بعد شهر مثلا، وتسلم الثمن عاجلا وفی هذه الحالة اذا تم العقد بینهما، فعلی المشتری ان یقوم بتسلیم الثمن الی البائع حالا، وعلی البائع ان یقوم بتسلیم الاسهم عند حلول الاجل، وهذا یکون من بیع السلم ولا اشکال فی صحته.

الوجه الثالث:

ان العقد یتم بینهما فی اسواق البورصة بتسلیم الثمن بعد شهر وتسلیم المثمن عاجلا علی عکس الاول، وعندئذ فیجب علی البائع ان یقوم بتسلیم المثمن وهو الاسهم الی المشتری حالا وعلی المشتری ان یقوم بتسلیم الثمن إلیه عند حلول الموعد، وهذا یکون من عقد النسیئة، ولا ریب فی صحته شرعا.

ص:171

الوجه الرابع:

ان تتم المبادلة بین الثمن والاسهم بتسلیم کل منهما بعد فترة زمنیة محددة، کشهر أو شهرین أو ثلاثة أشهر، وحینئذ فعلی کل من المتعاقدین ان یقوم بالتسلیم والتسلم وتصفیة الحساب فی الموعد المعین المتفق علیه.

وقد تسأل هل یمکن الحکم بصحة هذه المبادلة والمعاقدة علی الرغم من أنه لا یصدق علیها عنوان عقد السلم ولا النسیئة أو لا؟

والجواب: نعم، یمکن الحکم بصحتها، علی أساس أن صحة العقد لا تتوقف علی أن یکون من أحد العقود الخاصة فی الشریعة المقدسة، بل یکفی فی صحته ومشروعیته إنطباق عنوان عام التجارة عن تراض علیه، والمفروض إنطباق هذا العنوان علی المبادلة المذکورة، وبذلک تکون مشمولة لإطلاق قوله تعالی:(لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فإذا لا مانع من الحکم بصحتها.

وبکلمة: إن نصوص إمضاء المعاملات من الکتاب والسنة علی نوعین:

النوع الأول:

ما یدل علی إمضاء المعاملات بعناوینها الخاصة، کالبیع والصلح والإجارة والمضاربة ونحوها.

النوع الثانی:

ما یدل علی الإمضاء بعنوان عام، کعنوان العقود والتجارة عن تراض، وحیث أن ذلک العنوان العام یصدق علی هذه المعاملة، فهی محکومة بالصحة شرعا، لأنها معاملة مستقلة ومشمولة لأطلاق الآیة الشریفة.

وقد تسأل: هل للبائع أو المشتری أن یجعل لنفسه خیار التنازل عن حق الأجل أو لا؟

ونتیجة ذلک: إن المشتری عندما یری مؤشرات لهبوط الاسعار فی السوق، فیتنازل عن حق الأجل، ویطلب من البائع تسلیم الأسهم المالیة المتفق علیها، وحینئذ فإن کانت الأسهم موجودة عنده قام بتسلیمها إلی المشتری،

ص:172

وإلا فیضطر إلی شرائها من السوق بسعر العاجل، والمشتری یقوم ببیعها قبل موعد التصفیة عن طریق وسیط، وأما البائع فعندما یری مؤشرات لإرتفاع الأسعار فی السوق فیتنازل عن حق الأجل ویطلب من المشتری تسلیم الثمن المتفق علیه، فإذا تسلم البائع الثمن قام بشراء الأسهم من السوق بسعر العاجل.

والجواب: أنه لا مانع من جعل کل من البائع والمشتری هذا الخیار لنفسه فی ضمن العقد، فإذا جعل کان متمتعا به، وله أن یقوم بأعماله.

وقد تسأل: هل یجوز لکل من البائع والمشتری ان یجعل لنفسه الخیار فی عدم تنفیذ المعاملة التی تمت بینهما آجلا، وفسخها مقابل مبلغ من المال یتم علیه الاتفاق أو لا؟

والجواب: نعم، یجوز ذلک ولا بأس به.

الوجه الخامس:

یجوز شراء الأسهم معجلة بسعر ومؤجلة بسعر آخر، کما هو الحال فی سائر السلع والبضائع.

الوجه السادس:

إن شراء الأسهم قد یکون بکامل الثمن، بأن یدفع المستثمر تمام قیمة الأسهم المالیة إلی البائع، وهذا النوع من المعاملة قلیل التداول فی الأسواق والبورصات، إذ الغالب فیها التأجیل، فالذی یجری فی أکثر تلک الأسواق، هو ان المستثمر یفتح حسابا مع الوسطاء کالسماسرة، مثل الحساب الجاری فی البنک و یودع فیه الأسهم، والأوراق المالیة لصالحه، ویودع الوسیط ما یحصل للمستثمر من الارباح والفوائد فی حسابه، وحکم هذا النوع اذا کان الشراء بکامل الثمن أو من حسابه الجاری عند الوسطاء هو الصحة.

وقد یکون الشراء بجزء من الثمن، بأن یدفع المشتری جزءاً من الثمن للبائع ویستدین الباقی من السماسرة أو من مصادر أخری لهذا الغرض، والجزء الذی یعین علی المستثمر توفیره من الاول لشراء الاسهم یطلق علیه بالهامش، وتختلف نسبة الهامش من بورصة إلی بورصة أخری بل فی بورصة واحدة تختلف من فترة إلی اخری، بل وقد تمثل النسبة فی بورصة أو فی فترة من بورصة واحدة 60% من قیمة السهام، وقد تمثل 40% من

ص:173

قیمة السهام وهکذا، مثال ذلک مستثمر اشتری مائة سهم کل سهم بمائة دولار مثلا، ودفع للسماسرة ستة الآف دولارا فقط، واقترض منهم أو من مصدر آخر الباقی من الثمن وهو أربعة الآف دولاراً مع الفائدة، وحینئذ یحتفظ السماسرة بالأسهم رهینة علی الدین، فالهامش الابتدائی فی المثال هو 60%، وإذا انخفضت الاسعار واصبحت قیمة کل سهم ثمانین دولارا، صارت قیمة مجموع السهام ثمانیة الاف دولار، ارتفعت نسبة القرض من السماسرة الی مجموع الثمن 50% والهامش 50%، فما هو حکم هذا النوع من الشراء من الناحیة الشرعیة؟

والجواب: ان حکمه الجواز من وجهة النظر الشرعیة، إذ لا مانع من التداول بالأسهم بهذه الطریقة والکیفیة فی أسواق المال والبورصات شرعا، وان کانت الأسهم من أسهم الشرکات التی لاتتقید بتعاملاتها بالحلال کما مر.

نعم یحرم علیه الاقتراض بالفائدة، لأنه ربا ومحرم.

الوجه السابع:

البیع القصیر, ونرید به بیع أسهم فی فترة قصیرة, حیث یتم شراؤها مرة أخری.

بیان ذلک: أن المستثمر عندما یتوقع ویتکهن بسبب أو آخر ارتفاع أسعار الأسهم فی السوق فی وقت لاحق, فیقوم باقتراض عدد من الأسهم من الشرکات أو مثیلاتها فی السوق بواسطة الوسطاء ویحتفظ بها, فإذا ارتفعت أسعارها وتحققت توقعاته قام ببیعها بالسعر السائد فی السوق, ثم یعید شراءها منه عندما انخفضت الأسعار, وبعد ذلک یرجع السهام إلی صاحبها الأصلی تسدیدا للقرض, ویستفید المستثمر من خلال هذه العملیات من الفرق بین سعر البیع وسعر الشراء, والوسیط من أرباح الأسهم للشرکة فی الفترة مابین العملیتین, مضافا إلی ما یحصل علیه مقابل خدماته الاداریه, والمالک المقرض للأسهم من نسبة ربح العملیتین بدون أن یتحمل أی مخاطرة, فلو اتفق انخفاض الأسعار علی خلاف ما تکهن المستقرض, فان المستقرض وحده یتحمل مخاطرة هذا التصرف وخسارته.

ص:174

والخلاصة أن هاهنا عملیتین:

الأولی: عملیة القرض.

الثانیة: عملیة البیع والشراء فی فترة قصیرة.

أما حکم عملیة القرض من الناحیة الشرعیة فعدم الجواز, علی أساس إنها قرض ربوی وهو محرم شرعا.

وأما حکم عملیة البیع من وجهة النظر الشرعیة فهو الجواز والصحة.

ودعوی إن صحة هذه العملیة بیعا وشراء, تقوم علی أساس أن تکون عملیة القرض صحیحة حتی یکون المستثمر مالکا للأسهم المقترضة, وحیث أن العملیة ربویة فلا تصح, وبالتالی لا یکون المستثمر مالکا للأسهم, مدفوعة بان اصل عقد القرض صحیح شرعا, والباطل إنما هو الربا أی: مقدار الزیادة, وعلی هذا فلا مانع من صحة البیع و الشراء، هذا اضافة الی ان التراضی موجود فیها حتی بالنسبة الی الفائدة.

ثم إن السمسار إذا قام بعملیة البیع والشراء بعد قبض السهام من المقرض, فلا إشکال فی الصحة, وإما إذا قام بالعملیة قبل القبض فهل تصح أو لا؟

والجواب: إنها لا تصح, علی أساس إن صحة القرض متوقفة علی القبض, وما لم یقبض السهام وکالة عن المستثمر لم یکن المستثمر مالکا لها, وعندئذ یکون هذا البیع من بیع ما لا یملک وهو باطل إذا لم یکن البیع علی ما تعهد به السمسار فی الذمة, وألا فهو صحیح.

ثم إن التراضی بین المتعاملین فی الأسواق أو البورصات موجود بتصرف کل واحد منهم فی مال الأخر بموجب قوانینها وأنظمتها التأسیسیة وان کانت المعاملات الواقعة بینهم باطلة من وجهة النظرة الشرعیة, والمقام داخل فی هذه الکبری علی تقدیر بطلان البیع.

الوجه الثامن:

البیع الطویل, ونرید به شراء الأسهم بدافع الاحتفاظ بها, بأمل أن یحصل علی الأرباح من الشرکة أو یقوم ببیعها إذا ارتفعت أسعارها, وحکم هذا النوع من البیع من الناحیة الشرعیة الجواز وان کان بغرض المشارکة و

ص:175

المساهمة فی الشرکة علی أساس ما مر من انه لا مانع من المساهمة والمشارکة حتی فی الشرکة التی لاتتقید بتعاملاتها علی الحلال.

الوجه التاسع:

قد تسأل: هل یجوز للبائع أن یقوم ببیع الأسهم التی اشتراها قبل أن یقبضها أو لا؟

و الجواب: نعم یجوز إذا لم یکن المبیع من المکیل أو الموزون, وإما إذا کان منه فلا یجوز إلا برأس ماله.

وقد تسأل أن البائع قد یقوم ببیع الأسهم للعمیل قبل أن یشتریها من الشرکة المصدرة لتسلیم شهر مثلا, ولکنه فی وقت التسلیم والتحویل یقوم بشرائها بغرض تسلیمها إلی المشتری, فما هو حکم هذا البیع من الناحیة الشرعیة؟

والجواب: أن بیع المعدوم بما هو معدوم وان کان غیر عقلائی بل غیر معقول, وإما بیع شیء موجود فی وقت التسلیم والتحویل، ولکنه کان معدوما فی وقت إنشاء العقد فهل هو جائز أو لا؟

الأظهر الجواز، إذ لا مانع من إنشاء ملکیة الأسهم، التی کان یملکها فی وقت متأخر، من الآن فی ذلک الوقت، ثم یقوم بتسلیمها للمشتری، ولا یلزم منه محذور انفکاک زمان المنشأ والمجعول عن زمان الإنشاء والجعل لان المنشأ والمجعول موجوده الاعتباری عین الانشاء والجعل ولا فرق بینهما وان ووجودا الا باعتبار کالایجاد والوجود فی التکوینات واما بوجوده الفعلی فهو یتوقف علی فعلیة وجود موضوعه فی الخارج، ولا یرتبط بالإنشاء فی مرحلة الجعل.

وبکلمة: إن المنشأ - بوجوده الإنشائی - یستحیل أن ینفک عنه، باعتبار انه عین الإنشاء، فلا اثنینیة بینهما، وإما بوجوده الفعلی فلا مانع منه ونقصد بوجوده الفعلی فعلیة فاعلیته ومحرکیته فی الخارج لا فعلیة نفسه إذ یستحیل فعلیته ووجوده فیه والا لکان خارجیا وهذا خلف ومن هنا قلنا فی الاصول ان للحکم مرتبة واحدة وهی مرتبة الجعل واما مرتبة المجعول وهی مرتبة فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه فی الخارج فهی لیست من مراتب الحکم ولا یمکن ان

ص:176

تکون من مراتبه لان الحکم امر اعتباری یوجد فی عالم الاعتبار باعتبار المعتبر ویستحیل ان یوجد فی الخارج والا کان موجودا فیه وهو کما تری ولهذا لا ترتبط مرتبة المجعول بالشارع اصلا.

هذا إضافة إلی إن المتعارف والمرتکز فی مثل ذلک، هو إن البائع یبیع الأسهم التی تعهد بتسلیمها بعد شهر والمشتری یقوم بشراء ما تعهد من الأسهم، وحینئذ فلا إشکال فی صحته.

والخلاصة مضافاً الی ان التراضی موجود بین المتعاملین فی تصرف کل واحد منهما فی مال الاخر مطلقاً وان کانت المعاملة باطلة شرعاً ومن هنا قلنا بجواز المساهمة والمشارکة فی جمیع الشرکات.

بقصد العضویة والاستفادة من أرباحها التی تحصل علیها، وکذلک یجوز شراء أسهمها بدافع التداول والاتجار بها کسلع فی الأسواق المالیة والبورصات من ید الی ید، والاستفادة من فوارق الأسعار التی تطرأ علیها یومیا لسبب أو آخر.

عملیات تداول أسهم القسم الثانی من الشرکات المساهمة:

تقدم أنه قد یقال، کما قیل بعدم جواز المساهمة والمشارکة فی هذا القسم من الشرکات التی یکون رأس مالها حراماً، أ, مخلوطاً بالحرام باکتتاب أسهمها بشرائها بغرض العضویة، علی أساس أن السهم جزء من رأس المال وهو حرام، أو مخلوط به، فلایصح شراؤه، وکذلک لاتصح عملیة تداول أسهمها فی الأسواق بغرض الإستثمار والاتجار بها من ید إلی ید، والإستفادة من فروق أسعارها باعتبار أن کل سهم من أسهمها یمثل جزء من رأس مالها، وحیث إنه حرام، أو مخلوط بالحرام فلایصح التصرف فیه بالبیع، أو الشراء، کما لایصح التعامل علی الحرام.

والجواب عنه: قد تقدم من أنه لامانع من المساهمة والمشارکة فی هذا القسم من الشرکة أیضاً، وشراء أسهمها فی الأسواق والإتجار بها علی تفصیل قد مرّ.

عملیة تداول أسهم القسم الثالث من الشرکات المساهمة

مر أنه یسوغ وضعاً المساهمة والمشارکة فی هذا القسم من الشرکات أیضاً. لأنها و إن کانت لاتتقید بتعاملاتها فی الحدود المسموح بها شرعاً،

ص:177

وتقوم بالأعمال الإستثماریة من طریق الحلال والحرام إلا أنه مع ذلک تجوز المساهمة والمشارکة فیه وذلک لوجود التراضی بین المتعاملین فی السوق فی تصرف کل منهم فی مال الآخرین مطلقاً وان کانت المعاملة باطلة من وجهة نظر الشرع، قد یقال کما قیل، أنا لو قلنا بعدم جواز تداول أسهم الشرکة فی أسواق البورصة بالبیع، والشراء بدافع العضویة والإستفادة من أرباحها فلا مانع من تداول أسهمها بدافع الإتجار بها کسلعة فی السوق والإستفادة من فروق أسعارها التی تعرض علیها یومیاً بدون قصد العضویة فیها.

والجواب: أوّلاً -- ما تقدم من أنه یجوز تداول اسهمها فی الأسواق

المالیة (البورصات) بدافع العضویة و الشراکة.

وثانیاً -- إنه لایتصور الإنفکاک بین شراء الأسهم و عدم صیرورة المشتری عضواً وشریکاً فیها لوضوح أن المشتری للأسهم بصرف الشراء أصبح أحد الأعضاء المساهمین للشرکة تلقائیاً بموجب قوانینها الصارمة، وإن کان غرضه من الشراء بیعها کسلعة للإستفادة من الفروق بین سعر الشراء وسعر البیع لا للعضویة، وقد سبق أنه یجوز المساهمة فیها وإن کانت المعاملات الواقعة فیها من المعاملات المحرمة، إلاّ أنک عرفت أن حرمتها لاتمنع عن جواز المساهمة والمشارکة فیها واکتتاب أسهمها، والإتجار بها بالبیع والشراء فی الأسواق المالیة.

وبکلمة، إن السهم یمثل جزءاً من رأس مال الشرکة، وقد تقدم أن رأس مالها حلال فی مرحلة تأسیسها وإحداثها, وکذلک فی مرحلة إستثماره والإتجار به وجعله سهاماً تباع و تشتری فی الأسواق، وإن کانت الشرکة بمقتضی نظامها التقلیدی تتعامل بالحلال و الحرام، کبیع الخمر ولحم الخنزیر والمیتة والربا، وما شاکل ذلک. إلاّ أن حرمتها لاتضر بحلیة أثمان هذه الأعیان، لأن حلیتها تدور مدار رضا المشتری بالتصرف فیها، والمفروض أن المشتری لهذه الأعیان راض بتصرف البائع فی أثمانها مطلقاً وإن کان بیعها باطلاً شرعاً. وعلی هذا فلامانع من اکتتاب أسهمها والإتجار بها فی الأسواق.

ودعوی: إن قیمة السهم بعد عملیة الإکتتاب فی الشرکة بقیمتها الاسمیة یحددها السوق ولم تبق لتلک القیمة بعد الإکتتاب أیة أهمیة، فإن قیمتها فی السوق قد تصل إلی أضعاف قیمتها الإسمیة المحددة، وقد تصل دونها بل إلی جزء بسیط منها، وهذا یدل علی أن قیمتها لاترتبط برؤوس أموال الشرکة.

ص:178

مدفوعة، بأن ارتفاع قیمة الأسهم وانخفاضها فی الأسواق مرتبط بارتفاع مالیة الشرکة وانخفاضها بشکل مباشر، وذلک لأن الإرتفاع

والإنخفاض فیها مرتبط بعدة عوامل:

الإول -- قوة العرض، أو الطلب.

الثانی -- المرکز المالی للشرکة، فإن کان قویاً ارتفعت أسعار أسهمها، وإلاّ انخفضت.

الثالث: دیون الشرکة کثرةً وقلةً، وعلی هذا فالسهم إذا ارتفعت قیمته فی السوق، فمعنی ذلک أن مالیة الشرکة قد زادت.

وبکلمة، إن مالیة السهم إنما هی بلحاظ أنه یمثل جزء من رأس مال الشرکة، وقد مرّ أنه لیس بحرام.

یتلخص:

إن الشرکة المساهمة إذا کانت تتقید -- بموجب أنظمتها التأسیسیة -- علی أن لاتتعامل إلاّ فی حدود الحلال جاز الدخول فی عضویتها والمساهمة فیها، والإستفادة من أرباحها التی تدر علیها، وکذلک یجوز تداول أسهمها بیعاً وشراء کسلع فی الأسواق والبورصات بغرض الإتجار بها والإستفادة من فوارق أسعارها.

وأما إذا کانت لا تتقید بأن تتعامل بالحلال بموجب قراراتها التقلیدیة التی منحت لها صفة الحریة فی الإستثمار والإتجار من طرق الحلال والحرام معاً، فأیضاً الأمرکذلک. یعنی تجوز المساهمة والمشارکة فیها واکتتاب أسهمها والإتجار بها کسلع فی السوق لما مرّ من أن حرمة المعاملة لاتساوق حرمة أثمانها علی تفصیل قد سبق.

وقد تسأل: إن المستثمر إذا لم یعلم أن ما اشتراه من الأسهم هل هو من أسهم القسم الأول من الشرکة المساهمة، أو من الثانی، أو من الثالث، فماذا یصنع؟

الجواب: أنه لافرق بین هذه الأقسام الثلاثة فی جواز المساهمة والمشارکة فیها واکتتاب أسهمها والإتجار بها.، کما تقدم.

نعم، علی هذا الفرض لوعلم إجمالاً بأن الأسهم التی تباع فی السوق منها أسهم محرمة، فحینئذ إذا لم یکن جمیع أطراف العلم الإجمالی مورد إبتلائه بمعنی: أن ما یکون مورد إبتلائه کان واثقاً و مطمئناً بعدم وجود الحرام فیه، جاز له الشراء والبیع فی ذلک المورد، وإلاّ فلا.

ص:179

وهذا الفرض لایتصور إلاّ إذا علم بأن بعض الأسهم المتداول فی السوق غصب، وهذا فرض نادر.

هذا کله فی الأسهم العادیة، وأما إذا کان بعض أسهم الشرکة عادیة، وبعضها ممتازة، وحینئذ فإن کان إمتیازها فی نسبة الربح التی تحصل علیه الشرکة، بأن یجعل من الربح حصة أصحاب الأسهم الممتازة بنسبة 10% من قیمة السهم، وحصة أصحاب الأسهم العادیة بنسبة 5% من القیمة، فلا بأس بهذا الإمتیاز إذا کان ذلک بالجعل والقرار فی عقد الشرکة بنحو التراضی، وعلی هذا فالأرباح تقسم علی الأعضاء من الصنفین بنسبة متفاوتة، وإن کان امتیازها بأن أصحاب الأسهم الممتازة یحصلون علی نسبة معینة من القیمة الأسمیة لأسهمهم 10% مثلاً من صافی الأرباح، وقبل توزیع أی ربح علی بقیة الأسهم الأخری العادیة، ثم یوزع ما تبقی من الأرباح بعد ذلک إما علی الأسهم العادیة فقط، أو علی کل الأسهم من العادیة والممتازة، ولهذا قد یتفق أن لایبقی من الربح ما یوزع علیهما، ففیه أن ذلک غیر صحیح، حیث إنه علی خلاف مقتضی عقد الشرکة، فإن مقتضاه أن کل عضو من أعضائها شریک فی الربح بنسبة سهمه بنحو الإشاعة، ولایمکن تصحیح ذلک بنحو شرط النتیجة، لأن صحة شرط النتیجة من أصحاب الأسهم الممتازة علی الشرکة متوقفة علی أن تکون الأرباح ملکاً لها ابتداءً لا للمساهمین، ولکن الأمر لیس کذلک، فإن الأرباح تدخل فی ملکهم من البدایة، والشرط المذکور لایقتضی دخول ما یکون ملکاً لهم فی ملکهم فی طول دخوله فی ملک هؤلاء لا ابتداءً، إلاّ إذا کان هذا الشرط منهم علیهم فی عقد الشرکة و هو بعید.

هذا کله فی أحکام الأسهم المالیة فی الشرکات المساهمة المؤسسة فی البلاد الإسلامیة، أو کانت رؤوس أموالها من المسلمین.

إلی هنا قد وصلنا إلی هذه النتیجة، وهی أن الشریعة الإسلامیة المقدسة حیث إنها شریعة أبدیة لکل البشر علی وجه هذه الکرة الأرضیة طول التاریخ وإلی الأبد، فهی تستبطن حلولاً ملائمة لکافة مشاکل الإنسان الکبری فی کل عصر من المشاکل الإجتماعیة والفردیة، والمادیة والمعنویة، وهکذا.

ومن هنا قد قدمنا حلولاً ملائمة للإشتراک فی الشرکات المساهمة بکافة أنواعها وأشکالها واکتتاب أسهمها بکل أقسامها، والإتجار بها فی الأسواق المالیة (البورصات).

ص:180

27- الشرکات المساهمة فی البلاد الأجنبیة غیر الإسلامیة وأقسامها وتخریجها الفقهی

ص:181

المساهمة:

وهی علی أقسام:

1 -- أن تکون الشرکة قائمة علی الإستثمارات المحرمة فقط، کتولید الخمور، وأنواع المسکرات المشروبة والتعامل بالربا.

2 -- أن تکون قائمة علی الإستثمارات المحللة، والمحرمة معاً.

3 -- أن تکون قائمة علی الإستثمارات المحللة فقط، کشرکة الکهرباء المساهمة والنفط والمعادن ونحوها من الشرکات الزراعیة والتصنیعیة والإنشائیة، شریطة إقتصارها علی أعمالها المحددة.

حکم المساهمة من وجهة النظر الإسلامیة

قد ظهر مما تقدم أنه یجوز المشارکة فی جمیع هذه الشرکات المساهمة بکافة الأقسام المذکورة بشراء أسهمها والقیام بالعملیات الإستشاریة فیها لسببین:

الأول -- إن قیام المکتتبین لأسهم هذه الشرکات بالبیع والشراء فی الأسواق انما هو علی أساس قوانین السوق الصارمة وأما رضاء کل واجد منهم بالتصرف فی مال الآخر فهو مبنی علی أن تکون التعاملات والتبادلات علی طبق هذه القوانین، وکونها باطلة بنظر الشرع فلادخل له فی التراضی الموجود بینهم فی هذه التعاملات والتبادلات لانفیاً ولاإثباتاً، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری، قد تقدم أن رأس مال هذه الشرکات بتمام أنواعها و أشکالها حلال ولیس بحرام، ولامخلوطاً به فإن حرمته انما تتصور فی فرض کونه مغصوباً و هذا غیر واقع عادة فی مثل تلک الشرکات.

ولهذا یجوز اکتتاب أسهمها کافة وتبادلها بالبیع والشراء فی السوق والاستفادة من فوارق أسعارها، ولایرد علیه ما قیل من أن جواز اکتتاب أسهم الشرکة مبنی علی إحراز أن رأس مالها حلال.

وأما إذا کان حراماً، أو مخلوطاً به فلایجوز باعتبار أن اکتتاب الأسهم اکتتاب لجزء من رأس المال، وهو حرام، أو مخلوط به.

ص:182

وجه عدم الإیراد ما مر الآن من أن رؤوس أموال الشرکات المساهمة جمیعاً حلال ولاتوجد شرکة عادة یکون رأس مالها حراماً اومغصوباً.

الثانی -- مع الإغماض عن ذلک أن هذه الشرکات المساهمة، حیث إن إنشاءها وتکوینها بأموال غیر المسلمین فیجوز للمسلم المشارکة والمساهمة فیها باکتتاب أسهمها وتبادلها بالبیع والشراء فی السوق، والإستفادة من أرباحها والإستیلاء علی ثرواتها بهذه الطریقة استنقاذاً.

إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بنتیجتین تالیتین:

الأولی -- إن المعاملة الواقعة فی الشرکات المساهمة بعنوان البیع،

أوالمضاربة، أو الإیجارة، أو غیرذلک مع افتراض کون العوضین من المال الحلال فی نفسه کالسهام والسلع ونحوهما ولکنها باطلة من جهة أنها فاقدة لشرط من شروط صحتها فلایمکن الحکم بصحتها بعنوان البیع، أو المضاربة أو غیرها من العناوین الخاصة.

وهل یمکن الحکم بصحتها بعنوان التجارة عن تراض؟

والجواب: نعم، لصدق عنوان التجارة عن تراض علیها لدی العقلاء بدون أن یکون هناک مانع شرعاً عن هذا الصدق، ومعه تکون مشمولة لإطلاق الآیة الکریمة، وهی قوله تعالی:(لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).

ومن هنا قلنا إن العقود الواقعة فی الأسواق المالیة (البورصات) لایمکن تصحیحها بعنوان البیع والشراء لعدم توفر شروط صحتها بهذا العنوان الخاص إلاّ أنه لا شبهة فی صدق عنوان عام علیها، وهوعنوان تجارة عن تراض، ومعه تکون مشمولة لقوله تعالی:(إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).

الثانیة -- إن المعاملات الواقعة فیها بعنوان البیع والشراء مع افتراض کون المبیع من المال المحذور والحرام شرعاً، کالخمر والمیتة ولحم الخنزیر و ما شاکلها، فلایمکن أن تکون مشمولة لإطلاق الآیة المبارکة، لأن بطلانها بعنوان البیع إنما هو من جهة أن المبیع فیه غیر قابل للتملیک، والتملک ولا مالیة له من وجهة نظر الشرع، ولهذا لاتکون هذه المعاملات مشمولة لقوله تعالی:(إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)، فإن الآیة ظاهرة فی الأموال القابلة للإتجار بها بالبیع والشراء فلا تشمل الإتجاربالخمر والمیتة ولحم الخنزیر

ص:183

والربا باعتبار أن الإتجار بها بنظر الشرع لیس إتجاراً بالمال والملک ومشروعاً.

حکم التداول والإتجار بأسهم هذه الشرکات کسلع من وجهة النظر الشرعیة.

قد تبین مما تقدم أنه یصح شراء أسهم هذه الشرکات المساهمة بتمام أقسامها.

ودعوی، أنه لا موضوعیة للسهم بما هو، فإن ما هو المشتری فی الحقیقة انما هو جزء من رأس مال الشرکة، وهو حرام، أو مخلوط بالحرام وعلی کلا التقدیرین لایجوز شرائه وضعاً.

مدفوعة، بأن الأمر و إن کان کذلک، إلاّ أنه لیس بحرام ولا مخلوطاَ به حیث لاتأثیر لحرمة المعاملة فی حرمة ثمنها ولا ملازمة بینهما، فالمعاملات المحرمة المحذورة شرعاً کبیع الخمر والمیتة ولحم الخنزیر والربا، وإن کانت فاسدة بنظر الشرع ولکن الأثمان التی استلم البایع مقابل هذه الأعیان الفاسدة المحذورة من المشتری حلال باعتبار أنه راض بتصرف البایع فی أثمانها، وإن کان بیعها باطلاً شرعاً.

وعلی هذا فحیث إن راس مال الشرکة المساهمة یتکون من أثمان هذه المعاملات المحذورة الباطلة بنظر الشرع وغیرها فهو حلال، فإذا کان حلالاً فلامانع من شراء أسهمها والإتجار بها بالبیع والشراء والإستفادة من فوارق أسعارها.

ومن هنا یظهر أن حال السهام المتبادلة فی الأسواق حال سائر السلع التی تباع وتشری فیها، کالذهب والفضة والنحاس والنفط والحنطة والأرز والتمر وغیر ذلک. فکما أن التعامل بها بالبیع والشراء فی الأسواق بحسب نظامها وقوانینها الصارمة کان صحیحاً، وإن کان

باطلاً بحسب النظام الشرعی، لأن المناط بالصحة إنما هو بحسب قوانین السوق، حیث إن رضا البائع والمشتری أنیط بها لا بالصحة عند الشارع، فإذا کان بیع السهام وشرائها وکذلک سائر السلع فی السوق علی طبق نظامه الصارم فهو صحیح، وهو مناط رضا کل منهما بتصرف الآخر فی ماله وإن کان باطلاً بنظر الشرع بعنوان البیع.

نعم، أنه صحیح بعنوان تجارة عن تراض، کما تقدم.

ص:184

ومع الإغماض عن ذلک أیضاً، فبإمکان الشخص التخلص من ذلک، بجعل الشراء وسیلة للإستیلاء علی الأسهم من هذه الشرکات وأخذها استنقاذاً لا أخذها شراء، فإذا أخذها کذلک، جاز له أن یقوم ببیعها فی الأسواق والإتجار بها والإستفادة من فوارق أسعارها.

ومن هنا یظهر أنه لا فرق بین أسهم القسم الأول والثانی والثالث فی المقام، فیجوز شراء أسهم الجمیع، والتداول بها بیعاً وشراءً فی السوق بغرض الإستفادة من فوارق الأسعار.

نذکر فیما یلی نتائج البحث:

1 -- تجوز المساهمة والمشارکة فی الشرکات التی تتقید بموجب قراراتها التأسیسیة بأن لا تتعامل إلاّ فی حدود دائرة الشرع بغرض الإستفادة من أرباحها التی تحصل علیها کما یجوز شراء أسهمها بدافع التداول والإتجار بها بیعاً وشراء فی السوق کسلع والإستفادة من فوارق الأسعار التی تعرض علیها یومیاُ.

2 -- وکذلک تجوز المساهمة والمشارکة فی الشرکات التی لاتتقید بالتعامل فی حدود شرع الله تعالی، وشراء أسهمها وبیعها فی الأسواق والإستفادة من فوارق أسعارها.

3 -- یجوز تداول الأسهم فی الأسواق مباشرة، أو بواسطة الوسطاء بکل أشکال البیع والشراء من العاجل، أو الآجل، أو السلم.

4 -- یجوز شراء الأسهم من السوق لتسلیم الثمن، أو المثمن بعد فترة زمنیة محددة کشهر، او شهرین، أو أقل، أو أکثر.

5 -- یجوز قیام البائع ببیع الأسهم فی السوق لتسلیمها خلال شهر مع أنها غیر موجودة عنده فعلاً وحین حلول الشهر یقوم بشرائها من الشرکة، أو السوق ویسلمها إلی المشتری، وقد تقدم وجه ذلک.

السندات وأنواعها

1. سندات الدولة تصدرها فی الأسواق لتمویل الإنفاق العام.

2. سندات الهیئات العامة کالبنوک الدولیة، فإنها تصدرها بدافع تمویل مشاریعها.

3. سندات الهیئات الخاصة کالبنوک المحلیة رسمیة کانت أم غیر رسمیة.

ص:185

4. سندات المؤسسات الحکومیة الخاصة التی تصدرها لتمویل مشاریعها والإنفاق علیها.

5. سندات الشرکات التجاریة أو الصناعیة أو الخدمیة أو غیرها.

تعریف السند:

هو صک یمثل جزءاً من المال المحدد فی ذمة الجهة المصدرة ووثیقة علیه.

جدول المفارقة والمشارکة بین السند والسهم

المشارکة:

1. یشترک السند مع السهم فی تساوی القیمة الاسمیة لکل فئة.

2. یشترک فی القابلیة للتداول فی الأسواق المالیة.

3. یشترک فی عدم القابلیة للتجزؤ والتقسیم.

المفارقة:

1. إن السند یعتبر شهادة ووثیقة دین علی الشرکة ولیس جزءاً من راس مالها، بینما یعتبر السهم جزء من رأس مالها.

2. صاحب السند یحصل علی فائدة ربحت الشرکة ام خسرت، بینما صاحب السهم یحصل علی فائدة إذا ربحت الشرکة ویخسر إذا خسرت.

3. صاحب السند لا یشارک أصحاب الشرکة فی إدارتها، باعتبار أنه لیس من أحدهم، بینما کان صاحب السهم یشارکهم فی الإدارة، باعتبار أنه من أحد الشرکاء.

الاتجار بالسند

السند کسائر السلع تتغیر أسعاره بتغیر أوضاع السوق هبوطاً وصعوداً، فإذا رغب رجال الأعمال والمستثمرین علی شرائها بغرض الاستثمار

ص:186

والربح من الفرق بین سعر الشراء وسعر البیع اتصلوا بالوسطاء فی السوق کالبنک أو السماسرة، والوسیط بعد التأکد وجدیة الأمر و وجود أرصدة مالیة لهم عنده، یبدأ بالاتصال بالبورصة للإطلاع علی سیر الأسعار فیها ووضع السوق، فإذا کان الوضع بالنحو المرغوب فیه للعمیل قام بإنجاز البیع والشراء.

وهاهنا مسألتان:

الأولی:

مسالة تداول السندات وتبادلها من وجهة النظر الشرعیة.

الثانیة:

مسألة أخذ الوسیط العمولة علی ذلک من الناحیة الشرعیة.

أما المسالة الأولی فبامکاننا تفسیرها علی أساس أمرین:

الأول:

إن عملیة تبادل السندات وتعاطیها تقوم علی أساس عقد القرض، فان الجهة المصدرة للسند التی تصدره بقیمة اسمیة محددة، نفرضها مائة دولار وتبیعه مؤجلة إلی ستة اشهر مثلا 95 دولارا نقدا، تمارس فی الحقیقة عملیة الاقتراض، أی إنها تقترض 95 دولارا نقدا بمائة دولار مؤجلة، وتدفع إلی المقرض السند علی أساس انه وثیقة دین، وفی نهایة المدة تعتبر ما دفعته من الزیادة (خمسة دولارات) فائدة ربویة علی القرض، وعلی هذا فلا یجوز تداول السندات لأنه فی الواقع تداول قرض ربوی.

الثانی:

ص:187

إن هذه العملیة تقوم علی أساس عقد البیع والشراء بتأجیل المثمن إلی وقت معین، وذلک لأن الجهة المصدرة للسند فی المثال تقوم ببیع مائة دولار مؤجلة إلی ستة اشهر بخمسة وتسعین دولارا نقدا، والمعتبر فی البیع أن یکون الثمن والمثمن مختلفین، والفرض انهما مختلفان فی المقام، فان الثمن عین خارجیة والمثمن أمر کلی فی الذمة، وهذا المقدار من المغایرة یکفی فی صدق البیع.

ودعوی: أن تفسیر هذه العملیة بالبیع تغطیة لفظیة فقط، لأنها فی طبیعتها الواقعیة قرض، فإن ملاک القرض هو أن یملک شخص مالا من شخص وتصبح ذمته مشغولة بمثله، وهذا الملاک تماما ینطبق علی عملیات بیع وشراء السندات.

مدفوعة: بأن مفهوم البیع یختلف عن مفهوم القرض، فإن مفهوم البیع تملیک عین بعوض، ومفهوم القرض تملیک عین علی وجه الضمان بمثلها، وعلی هذا فإن قصدت الجهة المصدرة تملیک ما فی ذمتها من المبلغ بعوض خارجی، فهو بیع وإن کانت النتیجة نتیجة القرض وإن قصدت تملیک شیء بالضمان بمثله فهو قرض.

والخلاصة:

إن عملیة تبادل السندات وتداولها فی الأسواق المالیة أو البورصات لا یبعد أن تکون قائمة علی أساس عملیة البیع و الشراء، بان تقوم الجهة المصدرة للسندات ببیع قیمتها فی الذمة إلی أجل بعین خارجیة، لا علی أساس عملیة القرض، بأن تجعل السند وسیلة لأن تقترض مبلغا علی وجه الضمان بمثله إلی مدة محددة، ویکون السند بمثابة الوثیقة علی القرض، ومع ذلک فالاحتیاط فی المسألة لا یترک.

نعم، إن بامکاننا التخلص عن فکرة - إن هذه العملیة مجرد تغطیة لفظیة عن عملیة القرض - الی فکرة اخری، وهی القیام بعملیة تبادل السندات وتداولها بعملات اجنبیة، فاذا کانت قیمة السند بعملة محلیة کالدینار مثلا تبیعها بعملة أجنبیة کالدولار أو التومان تزید قیمتها علی الدینار بحسب اسعار الصرف بمقدار الفائدة، ولا إشکال فی ان هذه العملیة عملیة بیع واقعا وصورة.

ص:188

واما المسالة الثانیة فان کان قیام الوسیط بدور التوسط فی بیع وشراء السندات المالیة فی الاسواق جائزا شرعا، فمن حقه ان یتقاضی عمولة لقاء قیامه بهذا الدور، لأنها أجرة علی العمل السائغ.

نعم لو کانت هذه العملیة بطبیعتها عملیة اقتراض وان کان بصورة البیع والشراء لم یجز قیام الوسیط بهذه الدور، لأن العملیة حینئذ غیر مسموح بها شرعا، فلا یجوز له ان یتقاضی عمولة علیها، ولا فرق فی ذلک بین أنواع السندات التی یتعامل بها فی الأسواق المالیة أو البورصات.

ثم ان هناک طرقاً أخری للتخلص من مظنة الربا فی تبادل السندات وهی کما یلی:

أما فی السندات الحکومیة:

فبامکان المستثمر حینما یتسلم السند من الجهة الحکومیة أن ینوی تسلمه کوثیقة علی الدین غیر الربوی، ولا ینوی الزیادة کشرط وان علم ان الحکومة ملتزمة بذلک، فإن تسلم الزیادة تسلّم بعنوان المال المجهول مالکه أو مال لا مالک له، وعلی الأول یتصدق بمقدار نصفها او ثلثها للفقراء وعلی الثانی فلا شیء علیه.

وأما سندات الشرکات الأهلیة:

فحیث ان المستثمر یعلم ان صاحب الشرکة متعهد بدفع الزیادة له علی کل حال ومن طیب نفسه بموجب قوانین الشرکة الصارمة عند حلول الأجل، فبأمکانه التخلص من الربا بعدم اشتراطها علیه فی اعماق نفسه، بمعنی ان یکون جادا فی التزامه نفسیا بعدم المطالبة بها اذا لم یدفعها لسبب أو اخر، وحینئذ فاذا دفعها الیه جاز اخذها بملاک انه یرضی بالتصرف فیها واما فی سندات الشرکات المشترکة بین الحکومة والاهلیة فیمکن له التخلص من الربا فیها بنفس الطریقة فی السندات الحکومیة والاهلیة.

سندات المقارضة (المضاربة):

وهی صکوک استثماریة یتمثل کل صک منها جزءاً من رأس مال المضاربة بنحو المشاع، ومن یملک من هذه الصکوک والسندات صکا أو صکین أو أکثر، فهو یملک بقدره من رأس مال المضاربة وشریک فی الربح

ص:189

بعد تحققه بنسبة مئویة منه، وعلی ذلک فیجوز بیع السندات والصکوک فی الاسواق المالیة وشرائها، ولا مانع من ذلک، لأن کل من یملک من راس مال المشروع بنسبة مئویة معینة، فله أن یبیع ما یملکه من النسبة، علی أساس ان الصکوک المقارضة (المضاربة) قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للأکتتاب، وحینئذ فان کان البیع بعد الاکتتاب وقبل المباشرة فی العمل بالمال اعتبر المعاملة نقدا بنقد، باعتبار ان راس ماله لا یزال نقودا، ولا مانع من ذلک، لأن المغایرة بین الثمن والمثمن موجودة، لأن الثمن نقد خارجی معین والمثمن نقد خارجی مشاع، ولا فرق بین ان یکونا متساویین او متفاضلین وان کان بعد المباشرة فی العمل، وحینئذ قد یکون المثمن عینا خارجیة وقد یکون دینا، وقد یکون مرکبا منهما فقط، وقد یکون مرکبا منهما ومن النقد جمیعا، فان البیع وشراء الصکوک فی تمام هذه الصور صحیح ولا بأس به بلا فرق بین أن یکون تکوین راس مال المضاربة من المعاملات المسموح بها شرعاً والمعاملات غیر المسموح بها کذلک علی اساس انَ التراضی بین المتعاملین فی هذه المعاملات المتداولة فی الاسواق فی تصرف کل منهم بتصرف حاحبه فی ماله موجود مطلقاً وان کانت المعاملة باطلة ومن جهة نظر الشرع.

ترضة, وحیییث تقوم علی اساس ان تکون عملیة القرضض ربوی وهو محرم شرعا. لیتین, مضافا الی ما ما یحصل علیه مقابل

ص:190

28- التعامل فی الأسواق المالیة (البورصات) وتخریجه من وجهة النظر الإسلامیة

اشارة

1. النقود الذهبیة والفضیة.

2. النقود الورقیة بمختلف أقسامها.

3. السلع بکافة أنواعها.

4. الطعام بکافة أشکاله.

ص:191

النقود الذهبیة والفضیة

التعامل بالنقود الذهبیة والفضیة فی السوق ان کان ببیع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فالمعتبر فیه امر واحد وهو التماثل بین الثمن والمثمن وعدم زیادة احدهما علی الاخر، واما التقابض بینهما فی مجلس العقد فالاظهر عندی عدم اعتباره، وهذا بلا فرق بین ان یکونا مسکوکین أولا، وان کان ببیع الذهب بالفضة والفضة بالذهب، فالمعتبر فیه أمر واحد وهو التقابض فی المجلس، فلو افترق البائع والمشتری قبل القبض بطل البیع، فلا یجوز حینئذ تصرف کل منهما فی مال الاخر، إلا إذا کان بینهما التراضی علی ذلک، حتی اذا کان البیع باطلا کما هو الحال فی الغالب ولا سیما فی الاسواق المالیة (البورصات)، واما التساوی فی الکمیة فهو غیر معتبر فیه، وان کان ببیع الذهب او الفضة بالنقود الورقیة، فلا یعتبر فیه شیء من الامرین، علی اساس ان احکام الصرف لا تترتب علی النقود الورقیة والخلاصة ان تبادلات النقود الذهبیة والفضیة فی الاسواق المالیة (البورصات) انما هی علی وفق القوانین والنظم السوقیة المتبعة فیها الصارمة کانت موافقة للنظم الشرعیة ام لا ولهذا یجوز تصرف کل من المتعاملین فی مال الاخر علی اساس وجود التراضی بینهم فی ذلک وان کانت المعاملة باطلة شرعاً.

النقود الورقیة

التعامل بالنقود الورقیة ان کان من طریق البیع والشراء النقدی لمختلف العمولات فلا اشکال فیه من الناحیة الشرعیة، وان کان من طریق البیع والشراء سلما او مؤجلا لتسلیم اسبوعین او اشهر مثلا فایضا لا اشکال فی صحته شرعا، لا من ناحیة الربا، باعتبار ان هذا التعامل انما هو علی اساس عملیة البیع والشراء، لا علی اساس عملیة القرض والاقتراض، ولا من ناحیة احکام الصرف، لأن احکام الصرف - کاعتبار التقابض فی المجلس او التماثل بین العوضین - لا تجری علی النقود الورقیة.

ص:192

وقد یتم التعاقد بینهما من طریق التحویلات البریدیة البرقیة والسفاتح (الحوالات) واکثر التعامل فی سوق الورق النقدیة یتم من الخارج، واما تکلفة الارسال فهی علی حسب الاتفاق الواقع بین المتعاقدین، ولا فرق فی الصحة بین ان یکون التعامل بالمباشرة او الحوالة من الخارج، وقد یتم تداول العملات فی البورصة بعقود مؤجلة ثمنا ومثمنا بتسلیم شهر مثلا، وهل تصح هذه العقود من الناحیة الشرعیة أو لا؟

والجواب: نعم، انها تصح کما مر، لا بملاک انها من مصادیق العقود الخاصة لما عرفت من انها لیست من مصادیقها، بل بملاک انها من مصادیق التجارة عن تراض، وعلیه فتکون مشمولة لاطلاق قوله تعالی (لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)، بل لا یبعد کونها مشمولة لاطلاق قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

وهذا اضافة الی وجود التراضی بینهما فی تصرف کل منهما فی مال الآخر حتی ولو کان العقد باطلا بموجب قوانین السوق الصارمة.

*********************

ص:193

السلع

التعامل بانواع السلع الخارجی فی اسواق البورصة وغیرها کالاقمشة والمواد الانشائیة والکهربائیة والتصنیعیة وغیرها، یمکن تکییفه بأحد الأنحاء التالیة:

1. یتم التعامل بکمیة محددة من تلک الانواع باوصافها المعینة وشروطها الخاصة بعقود معجلة ثمنا ومثمنا.

2. یتم التعامل بها بالبیع والشراء بعقود نقدا ثمنا ومؤجلة مثمنا، بأن یتم الاتفاق بین البائع والمشتری بتحویل المبیع بعد عشرة أیام أو أسبوعین أو أکثر.

3. یتم التعامل بها بعقود معجلة مثمناً ومؤجلة ثمناً، ولا إشکال فی صحة هذه العقود بأقسامها الثلاثة.

4. یتم التعامل بها بعقود مؤجلة ثمنا ومثمنا، وقد تقدم ان هذه العقود وان لم تکن مشمولة لادلة الامضاء الخاصة، الا انها مشمولة لاطلاق قوله تعالی: (إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) بل لا یبعد ان تکون مشمولة لاطلاق قوله تعالی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

هذا اضافة الی وجود التراضی بینهما حتی فیما اذا کانت المعاملة باطلة.

وقد تسال انه اذا قام الشخص ببیع سلع فی السوق لتسلیم شهر بدون ان یکون مالکا له حین البیع، ولکنه اذا حل الاجل اشتراه من السوق وسلمه الی المشتری، فهل هذا البیع صحیح أو لا؟

والجواب: ان بیع ما لا یملک وان کان باطلا فی نفسه، ولکن البائع یملک المبیع عند حلول الاجل وقادرا علی تحویله الی المشتری فی وقته، فبالامکان تصحیح ذلک بأحد وجهین:

الأول:

ما تقدم من انه لا مانع من ان یقوم شخص بانشاء ملکیة ما یملکه فی وقت متاخر من الآن، فیکون الانشاء فعلیاً والمنشأ متأخراً، ونقصد بالانشاء الوجود الانشائی وهو بطبیعة الحال یکون فعلیاً، ولا یتصور فیه التعلیق،

ص:194

وبالمنشا الوجود الفعلی له بفعلیة موضوعه، ومن هنا لا محذور فی تاخر المنشا عن الانشاء باعتبار انه یتوقف علی فعلیة موضوعه فی الخارج.

الثانی:

الظاهر ان البائع فی مثل هذه الحالة یبیع ما تعهد علی نفسه، والمشتری یقوم بشراء ما تعهد به لا المعدوم فی الخارج، هذا اضافة الی ان کلا منهما کان یرضی بتصرف الاخر فی ماله حتی اذا کان البیع باطلاً شرعاً کما مر.

الطعام

التعامل بالطعام کالحنطة والشعیر والارز ونحوها، فان کان الحنطة بالحنطة والشعیر بالشعیر والشعیر بالحنطة وهکذا، اعتبر فیه التماثل حتی اذا کان احد العوضین اجود من الآخر، فلا یجوز بیع خمسین کیلو من الحنطة الجیدة بستین کیلوا من الحنطة الردیئة وان کانتا متساویتین فی القیمة، ولا فرق فی ذلک بین ان یکون التعامل بالعقود المعجلة او المؤجلة، وان کان التعامل بها بالنقود الورقیة او الذهبیة أو الفضیة فلا اشکال فیه سواء اکان بالعقد العاجل ام الاجل، بل یجوز ذلک حتی اذا کان کل من الثمن والمثمن مؤجلا، لما مر من ان مثل هذه المعاملة صحیحة فی نفسها بلحاظ انطباق عنوان التجارة عن تراض علیها هذا اضافة الی ان التراضی موجود بینهما.

******************

ص:195

29- سوق الإختیارات أو البیع والشراء بالخیار من وجهة النظر الإسلامیة

ص:196

سوق الاختیار

نرید به حق شراء أو بیع اسهم او سلع فی فترة زمنیة محددة بسعر متفق علیه بین البائع والمشتری سلفا، ویکون من له هذا الحق مخیرا بین أمرین، أما ان یقوم بعملیة صفقة البیع أو الشراء أو لا یقوم بها.

وهذا الاتفاق یکون بین البائع والمشتری علی الأسس التالیة:

الأول:

ان یقوم البائع باعطاء مشتریه حق شراء عدد من اسهمه او سلعه بسعر معین متفق علیه مسبقا یسمی سعر الممارسة خلال فترة زمنیة محددة، کستة أشهر مثلا.

الثانی:

ان المشتری یدفع ثمن حق الخیار فقط الی البائع دون ثمن الاسهم او السلع، باعتبار انه لم یقدم علی شرائها بعد، وانما یاخذ التصمیم علی الشراء او عدمه خلال تلک الفترة، وهی فترة الخیار لسبب او اخر، وثمن حق الخیار لا یقل عن 10% من القیمة السوقیة للسهم او السلعة.

الثالث:

ان یکون الحق للمشتری فی تنفیذ عملیة شراء الاسهم بنفس القیمة السوقیة المتفق علیها خلال فترة الخیار، سواء ارتفعت قیمتها بعد ذلک ام لا،

ص:197

ویلزم علی بائعه ان یقوم ببیع تلک الاسهم والسلع عند طلب المشتری ایاه خلال تلک الفترة، واذا لم یمارس المشتری حقه فی تنفیذ عملیة الشراء الی نهایة الفترة سقط حقه فی ذلک اتوماتیکیا، ویخسر حینئذ قیمة الخیار فقط التی دفعها مقدما.

الرابع:

لا یحق للبائع ان یتصرف فی اسهمه المباع خیارها بموجب هذا الاتفاق خلال فترة الخیار، ویتعین علیه الاحتفاظ باسهمه حتی نهایة الفترة او حتی ممارسة المشتری حقه فی تنفیذ عملیة الشراء خلال المدة، والهدف من وراء ممارسة هذا السلوک الاستثماری، وهو حق الخیار أحد العاملین:

الأول:

ان بعض المستثمرین یلجأ الی ممارسة ذلک السلوک، علی أساس ان رأس ماله قلیل لا یفی بشراء عدد من الأسهم أو السلع، فبدلا عن ان یشتری الف سهم بقیمة خمسین دولارا لسهم واحد بما عنده من المال، یشتری حق الخیار لشراء عشرة الاف سهم فی فترة محددة بثمن لا یقل عن 10% من القیمة السوقیة ویدفع ثمن الخیار فقط، وحینئذ فاذا ارتفعت اسعار الاسهم او السلع قام ببیع حق الخیار من شخص آخر، ویستفید من الفرق بین سعر الشراء وسعر البیع، وهکذا یقوم بالاتجار به والتداول فی الاسواق، ویستفید من الفروق بین الاسعار.

الثانی:

ان المستثمرین اذا توقعوا اتجاه اسعار الاسهم نحو الارتفاع الی حد یسمح بتحقق ربح جید لهم قاموا بممارسة هذه العملیة، مثلا لو توقع المشتری وتکهن ان قیمة الاسهم ترتفع فی المستقبل القریب بنسبة 20% قام بشراء حق الخیار لتلک الأسهم خلال فترة محددة، وحینئذ فان ارتفعت اسعارها بتلک النسبة خلال شهر او شهرین، فانه حتما یمارس حقه فی تنفیذ عملیة الشراء بالسعر المتفق علیه سلفا، ویطلب البائع ببیع اسهمه بذلک السعر له بموجب الاتفاق بینهما وتعهده بذلک، واذا کان هذا العقد ای عقد الخیار بواسطة الوسطاء کما فی البورصات الرئیسیة کلجنة السوق او السماسرة کان الوسیط

ص:198

هو الضامن لوفاء الطرفین بتعهداتهما، ولو انخفضت الاسعار السوقیة بنسبة 20% فإنه حینئذ حتما سیفضل عدم القیام بتنفیذ الصفقة وشراء الأسهم تجنبا من الخسارة بازید من قیمة حق الخیار، ومن ممیزات شراء حق الخیار أنه یعطی للمشتری الأمکانیة التالیة:

1. امکانیة تخفیض نسبة الخسارة عن الحد الاقصی، وهو ما یساوی قیمة الخیار.

2. امکانیة زیادة الربح بنسبة غیر محددة طبقا للحد الذی یصل إلیه ارتفاع الاسعار.

3. امکانیة عدم تجاوز الحد الاقصی للخسارة عما یدفعه مقدما لقاء حق الخیار، هذا کله بالنسبة إلی خیار المشتری.

وأما خیار البائع فهو عندما یتوقع المستثمر اتجاه اسعار الأسهم أو السلع نحو الانخفاض بموجب مؤشرات السوق، یقوم بعرض اسهمه فی السوق للبیع بالخیار علی الاعتبارات التالیة:

الأول: أنه یتکهن انخفاض قیمة الاسهم السوقیة خلال الأشهر القادمة بنسبة 20% من القیمة.

الثانی: انه لا یرغب فی بیع اسهمه باقل من القیمة السوقیة الحالیة وهی خمسون دولارا.

الثالث: انه لو ارتفعت الاسعار السوقیة فهو راغب فی بیعها، وإلا فهو یفضل الاحتفاظ بها.

وعلی ضوء هذه الاعتبارات إذا توقع انخفاض الاسعار السوقیة خلال الاشهر القادمة لجأ إلی شراء حق خیار البیع بثمن لا یقل عن 10% من القیمة السوقیة، فإذا عرض مائة سهم فی الاسواق للبیع بالخیار بقیمة مائة دولار لسهم واحد، فسیدفع إلی المشتری الف دولار مقابل ان یعطیه المشتری حق خیار البیع لمدة ستة أشهر، وحینئذ فان انخفضت الاسعار بنسبة 20% من القیمة السوقیة ووصل سعر سهم واحد ثمانین دولارا، فان البائع سیقوم حتما بممارسة حقه وتنفیذ بیع اسهمه علی المشتری بالقیمة السوقیة المتفق علیها وهی مائة دولار لسهم واحد تفادیا عن بیعها بالسعر المنخفض، ولو حدث ان ارتفعت الاسعار السوقیة علی عکس توقعاته فمن حق البائع الاحتفاظ باسهمه وعدم القیام ببیعها بالقیمة السابقة وهی أقل من القیمة الحالیة.

*******************

ص:199

ص:200

30- تکییف حق خیار الشراء من الناحیة الشرعیة

ص:201

تکییف حق خیار الشراء

یمکن تکییف ذلک شرعا علی اساس أمرین:

الامر الاول:

علی اساس عقد البیع، فان المالک المساهم سواء اکان جهة عامة ام خاصة، بما انه یملک حق بیع اسهمه أو سلعه لکل من اراد شراءها او لمشتری خاص او لمشتری لها بالخیار، فبامکانه ان یعطی هذا الحق لمن اراد شراءها بالخیار بازاء ثمن لا یقل عن نسبة 10% من القیمة السوقیة خلال فترة محددة فاذا اتفقا وتعاهدا علی ان یکون للمشتری هذا الحق خلال تلک الفترة مقابل ما دفعه من الثمن تحقق البیع والمبادلة وتمتع المشتری به، ولیس للبائع حینئذ الامتناع والتخلف عن تعهده و اعطاء الحق للمشتری اذا طلب منه ذلک خلال الفترة.

وبکلمة: ان تمتع العمیل المشتری بحق خیار الشراء باعطاء المالک المساهم انما یکون علی الاسس التالیة:

الاول:

ان یکون ذلک لقاء عمولة لا مجانا، ویحدد العمولة بأن لا تکون اقل من نسبة 10% من القیمة السوقیة للسهم او السلعة.

الثانی:

ص:202

ان تمتعه به یکون فی فترة خاصة محددة کستة اشهر مثلا.

الثالث:

ان علی العمیل فعلا هو دفع ثمن الحق فقط الی المالک دون الاسهم او السلع فان تصمیمه علی شرائها او عدم الشراء انما یتخذ خلال تلک الفترة.

الرابع:

ان المالک متعهد فی ضمن عقد الخیار بتنفیذ بیع الاسهم او السلع اذا طلب منه ذلک خلال المدة، کما انه متعهد بالاحتفاظ بالاسهم او السلع المباع خیارها وعدم التصرف فیها حتی نهایة المدة، وحیث ان هذه العملیات تجری فی اسواق البورصة بواسطة الوسطاء فهم ضامنون لوفاء کل منهما بتعهداته.

فالنتیجة:

انه لا مانع من تکییف ثبوت هذا الحق للعمیل علی اساس عقد البیع.

لأمر الثانی:

یمکن ان یکون ذلک علی اساس تنازل المالک عن حقه لقاء عمولة محددة، فإن قبول المالک، بیع اسهمه او سلعه للعمیل خلال فترة زمنیة محددة وبسعر معین متفق علیه سلفا وتعهده به اذا طلب منه، ذلک تنازل منه عن حقه فان له ان لا یقبل ذلک مجانا، ولا یکون ملزما بقبوله کذلک، وله حینئذ أن یتقاضی عمولة لقائه.

وبکلمة: ان المالک المساهم اذا قبل بیع اسهمه او سلعه من العمیل بالخیار فی فترة معینة وتنازل عن حقه فی تلک الفترة فنتیجته ثبوت هذا الحق للعمیل وتمتعه به خلال الفترة المذکورة، وعندئذ فیجوز شرعا له ان یاخذ عمولة معینة من العمیل لقاء منح هذا الحق.

*********************

ص:203

31- تکییف حق خیار البیع من الناحیة الشرعیة

ص:204

تکییف حق خیار البیع

یمکن تکییف ذلک شرعا ایضا علی اساس امرین:

الأول:

ان یکون علی اساس شراء حق خیار البیع من العمیل، فان البائع بدافع من الدوافع یطلب من العمیل ان یعطی له حق خیار بیع اسهمه او سلعه خلال فترة محدودة وبسعر متفق علیه مقابل عمولة محددة لا تقل عن نسبة 10% من الفیمة السوقیة فاذا قبل العمیل ذلک ووافق علیه تحقق عقد البیع وتمتع البائع بهذا الحق خلال الفترة وبموجب هذا الاتفاق تعهد العمیل بالشراء اذا طلب منه البائع ذلک خلال تلک الفترة ولا یجوز له شرعا التخلف عنه.

الثانی:

ان البائع یدفع للعمیل مبلغاً محدداً لقاء تنازل العمیل عن حقه فان من حقه عدم قبول الشراء مجانا متی ما طلب منه ذلک خلال مدة معینة وله ان یتقاضی منه عمولة لقاء قبوله.

فالنتیجة: انه یجوز شرعا للعمیل ان یاخذ عمولة لقاء قبوله الشراء من البائع اذا طلب منه ذلک خلال فترة محددة.

وقیل: ان عقد الاختیار شراءا وبیعا یکون نوع من القمار، لان ضابط القمار هو ان یکون کل واحد من المتعاقدین اما غانما او غارما، واما البیع الذی احله الله تعالی فیکون کل واحد من المتعاقدین غانما من جهة حصوله علی العوض.

والجواب: أولا: ان قمار لغة وعرفا ماخوذ من المقامرة.

ص:205

وهی الرهن علی اللعب بشیء من الالات.

نعم، اللعب بالالة المخصوصة والورق الخاص قمار وهو محرم شرعا وان لم یکن مع الرهن واما اللعب اذا کان مع الرهن فهو قمار عرفا وان لم یکن بالالات المخصوصة.

ومن هنا یطلق عرفا القمار علی کل لعب یشترط فیه ان یاخذ الغالب من المغلوب شیئا، سواء اکان اللعب بالورق ام کان بغیره ومن الواضح انه لا یصدق علی هذه المعاملة التی یکون کل واحد من المتعاملین فیها اما خاسرا او رابحا، فان غایة ما یمکن ان یقال: ان هذه المعاملة معاملة سفیه وغیر عقلائیة، لا انها قمار ومحرمة شرعا.

وبکلمة: ان القمار الذی الغاه الاسلام عن الشرع نصا وروحا انما هو بمعناه العرفی ولیس له معنی شرعی فی مقابل ذلک، والمفروض انه بمعناه العرفی لا یصدق علی ای معاملة وان افترض ان کلا من المتعامین فیها اما ان یکون غانما او خاسرا لان الماخوذ فی القمار الغلبة والرهان عرفا، وشیء من الامرین غیر ماخوذ فی المعاملات منها عقد الاختیار.

ثانیا:

ان عقد الاختیارات من الناحیة النظریة والتطبیقیة کعقد الاسهم والسندات وغیرها، فلا فرق بینهما من هذه الجهة اما من الناحیة النظریة فلان الدافع من وراء جمیع هذه العقود بدون فرق بین عقد الاختیار وغیره هو ان القیمة الاحتمالیة للربح فیه اکبر من القیمة الاحتمالیة للخسران لوضوح ان المستثمر لا یقدم علی التعامل بعقد الاختیار، الا اذا کان احتمال الربح فیه اکبر من احتمال الخسران کما هو الحال فی غیره.

واما من الناحیة التطبیقیة، فکما ان فی عقد الاسهم او عقد السلع او غیرها قد یخسر البائع ویربح المشتری، وقد یکون الامربالعکس، وقد لا یربح ایا منها ولا یخسر، وکذلک الحال فی عقد الاختیار فلا فرق بینهما فی هذه الناحیة اصلا، فاذن لا یدور امر المتعاملین فیه بین الغانم والخاسر.

والخلاصة:

انه لا شبه فی ان عقد الاختیار من العقود العقلائیة، ولهذا شاع واصبح سوقه من اهم اسواق المال بین المستثمرین ورجال الاعمال.

ص:206

شروط صحة عقد الاختیار

وهی متمثلة فی امرین:

الأول:

ان یکون بیع وشراء الاموال التی هی محل الاختیار وموضوعه کالاسهم او السندات او السلع جائزاً شرعا، والا لم یجز عقد خیارها، وعلیه فاذا افترضنا ان بیع السند غیر جائز فی الشرع، باعتبار انه فی الواقع قرض ربوی وان کان بیعا صورة، فلا یجوز عقد خیاره ایضا.

الثانی:

ان الاسهم التی تباع وثیقة اختیارها لا بد ان تکون من الاسهم الواقعیة الحقیقیة، فلا یصح بیع خیار الاسهم التی لا وجود لها فی الواقع، کما لا یصح بیع نفس تلک الاسهم.

نعم لو تعهد الوسیط من قبل البائع والمشتری فی عقد الخیار بشراء الاسهم عند الطلب صح، ولا یلزم ان یکون مالکا لها حین عقد الخیار، ثم ان التعامل فی عقد الخیار او البنوک المتخصصة بما انه قلیل، فیقع التعامل بها نوعا فی اسواق المال والبورصات وهی الاسواق المنظمة التی تشرف علیها هیئات حکومیة متخصصة، وتکون العقود فیها نمطیة فی کل شیء من الاسهم والسندات والسلع والطعام والعملات والمعادن والاختیارات عدا السعر الذی یخضع لعوامل العرض والطلب، ویسمح فیها للوسطاء المتخصصین المسجلین لدی ادارة السوق فی التعامل لدی هذه الاسواق وهؤلاء الوسطاء یقومون بعقود الاختیارات بین البائع والمشتری وان لم یکن احدهما معروفا عند الاخر ویعبر عنهم بالهیئة الضامنة، ودور هذه الهیئة هو دور الوکیل عن طرفی العقد، فانها تتولی العقد وکالة عن المشتری فی القبول وعن البائع بالایجاب، وضامنة لوفاء کل منهما بتعهداته، وتحسب لهما الربح والخسارة فی المعاملات، ولا یجب علی الهیئة ان تقوم بهذا الدور مجانا بل لها ان تتقاضی عمولة لقاء قیامها به، شریطة ان یتوفر فیه

ص:207

الشرطان المذکوران، والا لم یجز قیامها به فاذا لم یکن جائزا شرعا اعتبر التوسط فیه توسطاً فی امر غیر جائز شرعا وحینئذ فلا یجوز اخذ الاجرة علیهم.

**************

ص:208

32- الأختیار علی العملة الأجنبیة وتخریجه الفقهی

ص:209

الاختیار علی العملة الأجنبیة

نقصد به بطاقة شهادة تصدرها الشرکة تعطی صاحبها الحق فی الحصول علی مبلغ معین من عملة اجنبیة بسعر معین فی فترة محددة کستة اشهر او اکثر، وحیث ان اسعار العملات الاجنبیة تکون فی تقلب هبوطا وصعودا، فقد یحقق ذلک الربح لصالحها.

حکم شراء الأختیار علی العملة الأجنبیة:

الظاهر جواز شرائه لان هذه العملیة عقد بین الشرکة وصاحب البطاقة، فان الشرکة تبیع له عملة اجنبیة بعملة محلیة بسعر معین الی فترة محددة.

ودعوی: أنه لا یجوز فی النقود إلاّ یدا بید، مدفوعة بان ذلک انما هو فی النقود الذهبیة والفضیة، ولا تجری أحکامها علی النقود الورقیة، فان تلک النقود لا تکون نائبة، عنها بل تمثل تعهدا من الدولة المصدرة بصرف قیمتها ذهبا عند الطلب وهذا مجرد التزام من الدولة تکسب بذلک الورقة قیمة مالیة فی المجتمع للوثوق بوفاء الدولة بتعهداتها، لأنها مجرد وثیقة وسند علی اشتغال ذمة الدولة بقیمة الورقة من الذهب أو الفضة، إذ من الواضح ان التعامل بهذه الاوراق بین الناس، انما هو علی اساس ان لها قیمة مالیة فی نفسها، لا انها کالاوراق التجاریة من سندات وکمبیالات، فان استهلاک السند او سقوطه عن الاعتبار لا یعنی تلاشی الدین وسقوطه، کما ان استلامها لا یکون استلاما للدین، وهذا بخلاف الاوراق النقدیة، فان استلامها استلام للدین، واذا تلاشت بعد الاستلام، فلا یحق للدائن ان یرجع الی المدین ثانیا.

فالنتیجة: ان احکام الصرف لا تجری علی النقود الورقیة هذا اضافة الی ما تقدم من التعاملات والتبادلات الواقعیة فی السوق انما وهی علی طبق انظمة خاصة والتراضی بها وان کانت باطلة من وجهة نظر الشرع.

*****************

ص:210

33- العقود المستقبلیة وأحکامها الفقهیة

ص:211

العقود المستقبلیة:

تعقد هذه العقود فی سوق منظمة انشات بدافع التعامل بها، وتسمی سوق تبادل السلع، ومن یحب ان یتعامل فی المستقبلیات یلزم ان یکون عضوا فی هذا السوق، وان العضویة تتکون من منتجی عدة سلع وتاجر بها، ومن مؤسسات السماسرة ومن اراد ان یتعامل فی هذا السوق دون ان یکون عضوا فیها فانما یستطیع عن طریق السماسرة الاعضاء، وعلی المتعامل فیها ان یفتح حسابا عند ادارة السوق کضمان لتصفیة التعامل حسب قواعد ومقررات السوق ولا یزید حسابه عادة علی 10% من قیمة العقد عند التوقیع، والغرض من ذلک تغطیة الخسارة المحتملة فی حال تخلف احد الفریقین عن الوفاء بما التزمه، وبعد فتح الحساب یجوز للعضو ان یبیع ویشتری کمیة معینة من السلع لتسلیم شهر مثلا، وعقود هذا السوق عقود نمطیه بمعنی:

ان کمیات السلع المتعامل بها مقسمة علی وحدات تجاریه کل وحدة منها عبارة عن کمیه خاصة من تلک السلع المعروفه، فلا یقع التعامل فیه بکمیة ادنی من هذه الکمیة، فالوحدة المعتبرة فی القمح هی خمسة الاف کیس، فلا یباع بکمیة ادنی من هذه الکمیة وکذلک انواع السلعة وصفاتها محددة بدقة من حیث جودتها وردائتها ویشار إلی هذه الانواع بارقام الدرجات، الدرجة الاولی والدرجة الثانیة والدرجة الثالثة، وعلی هذا فمن اراد بیع وحدة من قمح الدرجة الاولی مثلا یقدم عرضه الی ادارة السوق، والمشتری یقبل هذا العرض عن طریق الادارة، ولا یحتاج ای منهما الی الالتقاء بالاخر او معرفته، والادارة تتکفل ذلک وتقوم بتسلیم السلعة من قبل البائع والثمن من قبل المشتری عند حلول تاریخ التسلیم.

ثم ان المشتری لا ینتظر وقت التسلیم، وانما یظل هذا العقد من الان الی تاریخ التسلیم محل بیع وشراء فی کل یوم بل عشرات البیوع یومیا، مثلا لو باع زید علی عمرو وحدة من القمح الی اجل محدد، فان عمروا یبیعها بعد ذلک الی خالد وخالد الی بکر وبکر الی حامد وهکذا کل واحد منهم بثمن، ویختلف عن الثمن الاول، والفارق بین سعر المبیع وسعر الشراء هو الربح، وکل من اشتری بسعر اقل وباعه بسعر اکثر، فانه یستحق ان یطلب بفرق السعرین کربح له دون ان یدفع الثمن کمشتری او یسلم المبیع کبائع، ففی

ص:212

المثال المذکور لو اشتری عمرو من زید وحدة القمح لتسلیم ثلاثة اشهر بعشرة الاف دولار مثلا وباعها عمرو من خالد باحد عشر الف دولار، فانه لا یدفع الثمن الی زید ولا یسلم المبیع الی خالد، وانما یستحق الف دولار کالربح الحاصل علی تعامله، وتقوم ادارة السوق بانجاز هذه العملیات المسجلة فی غرفة المقاصة، وتتولی تصفیة جمیع الالتزامات فی آخر النهار کل یوم، واذا جاء وقت التسلیم، یصدر من قبل ادارة السوق اخطار للمشتری الاخیر بحلول تاریخ التسلیم، وباستفساره هل یرغب فی استلام المبیع فی التاریخ المتفق علیه او یرید بیع هذا العقد، فان رغب فی استلام المبیع فان البائع یسلم السلعة المبیعة الی مستودعات معینة، ویسلم وثیقة الادخال الی المستودع، ویحصل فی مقابلها علی الثمن، وان لم یرغب المشتری الاخیر فی استلام السلعة ورغب فی بیع العقد، فانه یبیعه من البائع الاول مرة اخری حینئذ، فان المعاملة تقضی علی اساس دفع فوارق السعر کما هو الحال فی البیوع السابقة التی تم انجازها قبل التاریخ، وحینئذ لا یقع التسلیم والتسلم حتی فی المعاملة الاخیرة.

ومن هنا لا یرید المتعاملون فی هذا السوق النمطی شراء السلع وبیعها بغرض الحصول علی المبیع او الثمن، وانما یریدون الحصول علی الارباح والفوائد التی تتکون من فروق اسعار البیع والشراء، علی اساس ان الکمیة المتداول لها بیعا وشراءً بما انها کبیرة، فالتفاوت الیسیر فی ارتفاع السعر یؤدی الی ربح کبیر، وحیث انهم علی ثقة من خبرویتهم بتقلبات الاسعار، فلذلک یقومون بشراء المستقبلیات علی امل انهم سوف یبیعونها بسعر اکثر، ویتخلص لهم ربح من وراء هذه العملیة بدون ان یخضعوا فی استلام المبیع وتسلیمه.

تخریجات فقهیه للعقود المستقبلیة:

والهدف من هذه التخریجات تحویل هذه العقود الی عقود شرعیه.

نذکر فی ما یلی أهم ما یمکن ان یقال او قیل من المناقشة فی مشروعیة هذه العقود وعدم مطابقتها للشرع.

ص:213

الأول:

ان العقود الجاریة فی هذا السوق النمطی تقوم نوعا علی بیع ما لا یملکه الانسان، فان التاجر المستورد او منتج السلعة یقدم عرضه الی السوق ببیع وحدة او وحدتین من السلع کالقمح او النفط مثلا لتسلیم ثلاثة اشهر من تاریخ البیع بینما هو لا یملک هذه الوحدة او الوحدتین فعلا، فیکون من بیع ما لا یملک. وهو باطل شرعا فاذا بطل هذا البیع بطلت البیوع اللاحقة جمیعا ویمکن علاج هذه المناقشة بوجهین:

1 - ان البائع الذی یبیع کمیة من السلع فی هذه السوق وان کان لا یملکها حین انشاء البیع الا ان ادارة السوق التی تقوم بعملیة البیع لا تقوم ببیع الکمیة المعدومة فانه غیر عقلائی بل تقوم ببیع ما تعهدت لتسلیمه للمشتری خلال ثلاثة اشهر مثلا والمشتری یقوم بشراء ما تعهدت به الادارة وهذا جائز شرعا.

2 - ان ما لا یملک بما هو لا یملک وان کان غیر عقلائی ولکن هل یصح بیعه فی ذلک الوقت المتأخر من الان للمشتری بمعنی انشاء ملکیته له من حین کونه مالکا له.

الجواب: انه لا مانع منه لان الانشاء حفیف المونة حیث انه عبارة عن الاعتبار ولا مانع من اعتبار البایع بقوله بعت، ملکیة ما یملکه فی المستقبل لا انه اعتبر بقوله بعت ملکیته فعلا فانه غیر عقلائی ولا یلزم علی هذا انفکاک الانشاء عن المنشأ لان المنشأ بوجوده الانشائی الاعتباری عین الانشاء ولا فرق بینهما الا بالاعتبار کالایجاد والوجود فی التکوینیات ومن هنا یظهر انه لا تعلیق فی الانشاء لکی یقال انه غیر معقول لان التعلیق یقتضی الاثنینیة ولا اثنینیة هنا وان شئت قلت ان المنشأ وان کان هو الملکیة فی زمن متأخر الا انه بوجوده الانشائی والاعتباری فی عالم الاعتبار والذهن موجود فعلا واما بوجوده الفعلی بفعلیة موضوعه فی الخارج فهو متاخر ولکنه غیر مرتبط بالانشاء والاعتبار ومن هنا قلنا ان للحکم مرتبة واحدة وهی مرتبة الجعل والانشاء واما مرتبة المجعول وهی فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه فی الخارج فهی لیست من مراتب الحکم لانها معلولة لفعلیة موضوعه فیه.

والخلاصة: أنه لا مانع من بیع من لا یملک السلع فعلا ولکنه یملکه فی وقت متاخر بانشاء ملکیته للمشتری فی زمن تملکه له فیکون الانشاء من الان والمنشا بوجوده الفعلی متاخر، وهذا لا مانع منه.

ص:214

هذا اضافة الی انا لو افترضنا ان هذه العقود باطلة شرعا، ولکن بطلانها لا یمنع من تصرف المتعاملین فی السوق لا فی الثمن ولا المثمن ولا فی الربح، علی اساس التراضی الموجود بینهم فی هذا التصرف بموجب قوانین السوق ومقرراته الصارمة.

نعم لو کانت قوانین السوق ومقرراته مبنیة علی طبق الاحکام الشرعیة فعندئذ لو کانت العقود المذکورة باطلة لم یجز تصرفهم فی السوق إذا لم یحرزا الرضا.

الثانی:

ان العقود المستقبلیة بما انها تقوم علی اساس تأجیل الثمن والمثمن معا فلا تدخل فی عقد السلم، لأن المعتبر فیه تعجیل الثمن بکامله ولا فی النسیئة فاذن لا یمکن الحکم بصحتها شرعا.

ویمکن علاج هذه المناقشة:

اولا: بان الحکم بصحة عقد لا یدور مدار کونه داخلا فی احد العقود الخاصة، بل یکفی فی صحته انطباق عنوان التجارة عن تراض علیه، وبذلک یکون مشمولا لقوله تعالی (لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)، وعلی هذا وان لم ینطبق علی تلک العقود عنوان بیع السلم ولا النسیئة الا انه مع ذلک لا مانع من الحکم بصحتها بملاک انها من التجارة عن تراض، بل لا یبعد ان تکون مشمولة لاطلاق قوله تعالی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

ثانیا: لو سلمنا ان العقود المستقبلیة جمیعا باطلة شرعا الا انه مع ذلک لا مانع من التصرف فی السوق علی اساس وجود التراضی بین المتعاملین فیه کما مر.

الثالث: ان البیوع المتلاحقة فی العقود المستقبلیة التی یتداول بها یومیا من ید إلی ید عشرات المرات المرات فی الاسواق المالیة (البورصات) بین الناس وعملاء السوق، حیث انها غالبا تقع قبل حلول الاجل، فهی محکومة بالبطلان بلا فرق بین ان تکون الکمیة المتداولة بها من المکیل والموزون او من غیرهما.

والجواب: ان المشهور بین الفقهاء وان کان بطلان البیع قبل الاجل ولکنه لا یخلو عن اشکال، والاقوی الصحة.

ص:215

الرابع: ان البیوع اللاحقة فی تلک العقود التی یتعامل بها یومیا فی السوق، بما انها بیوع تتم قبل قبض السلعة المبیعة، فلا تجوز وکذلک البیع الأول.

والجواب: ان هذه المناقشة تامة اذا کان المبیع من المکیل او الموزون کالقمح والارز والنفط ونحوها، فانه حینئذ لا یجوز بیعه قبل قبضه الا براس ماله فقط، واما اذا لم یکن المبیع من المکیل او الموزون، فلا مانع من بیعه قبل قبضه، ولا یعتبر فی صحته القبض، فالنتیجة انه یجوز التعامل فی سوق المستقبلیات بالبیع والشراء اذا لم یکن المبیع من المکیل او الموزون، واما اذا کان منه فلا یجوز الا براس ماله، واما التعامل بالنقود الذهبیة والفضیة فیه، فان کان الذهب بالذهب والفضة بالفضة فالمعتبر فیه التماثل والمساواة بینهما، واما التقابض فی المجلس فالاظهر عدم اعتباره کما مر، وان کان الذهب بالفضة او الفضة بالذهب فالمعتبر فیه التقابض فی المجلس دون التماثل والمساواة، وعلیه فلا یصح التعامل بهما کذلک بالعقود المستقبلیة.

ودعوی ان البیوع اللاحقة بیوع صوریة ولیست بواقعیة فانها مجرد وسیلة للاستفادة من فوارق الاسعار فی فترة زمنیة محددة، حیث لا تسلیم ولا تسلم فیها، ومثل هذه البیوع لا تکون مشمولة لادلة الامضاء.

مدفوعة بان تلک البیوع بیوع حقیقیة واقعیة، غایة الامر ان نظر البائع والمشتری الی المبیع والثمن بالمبادلة بینهما تارة یکون بالمعنی الاسمی، واخری بالمعنی الحرفی، والغرض هو الاستفادة من فروق اسعارهما لا التسلیم والتسلم، وقوام البیع انما بانشاء المبادلة بینهما عن جد، وهو موجود لا بالتسلیم والتسلم، فانه لیس من مقوماته.

یتلخص:

ان المستثنی من العقود المستقبلیات فی اسواق البورصة أمران:

أحدهما:

ان المبیع اذا کان من المکیل او الموزون، فبما انه لا یصح بیعه قبل قبضه الا براس ماله، فلذلک لا تصح العقود اللاحقة المترتبة علی العقد الاول ایضا، باعتبار انها جمیعا قبل القبض، ولکن مع هذا یجوز التصرف فی الربح علی اساس التراضی کما مر.

ص:216

الثانی:

ان المبیع اذا کان من الذهب والثمن من الفضة أو بالعکس لم یصح التعامل بهما فی سوق المستقبلیات الا بتراضی کل منهما بالتصرف فی مال الاخر.

******************

ص:217

مجموعة من التساؤلات حول العقود والمعاملات والتبادلات الجاریة فی الاسواق المالیة العالمیة

مجموعة من التساؤلات حول العقود والمعاملات والتبادلات الجاریة فی الاسواق المالیة العالمیة (البورصات) علی ضوء قوانینها وانظمتها الصارمة وتخریجها علی وفق القوانین الاسلامیة

ص:218

ص:219

الربا :

من الناحیة التاریخیة فإن البنوک المرکزیة قد جعلت سعر الفائدة لکی تسیطر علی تضخم الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، ولکی تدافع عن عملتها.

فالسعر فی بریطانیا یسمی (بیس ریث) و (فید فانز) فی أمریکا.

وأما البنوک غیر الحکومیة فإنها تستقرض من البنوک المرکزیة حسب سعر الفائدة المرکزیة، ثم البنوک غیر الحکومیة تقرض المال لعامة الناس وللبنوک الأخری أیضاً، وسعر الفائدة الذی یتم به القرض والاستقراض بین بنک وغیره من البنوک یسمی (لا یبور)، أما نسبة (لا یبور) فتکون حسب فترات مختلفة، فیوجد عندنا (لا یبور) لمدة أسبوع، و (لا یبور) لمدة سنة، و (لا یبور) لمدة شهرین وهکذا.

و (لا یبور) یختلف عند سعر الفائدة الموجود فی البنوک المرکزیة، لأن سعر لایبور یتحرک ویختلف بین یوم وآخر حسب الطلب والعرض، وأما سعر الفائدة من البنوک المرکزیة فیکون معیناً لفترات حسب البنوک المرکزیة، ویعتبر (لا یبور) مؤشراً أفضل من سعر الفائدة فی البنک المرکزی.

و (لا یبور) هو مرجع لأغلب العقود والمشتقات الربویة فی الأسواق المالیة وهذا ما سوف نشرحه فی باب المشتقات.

القروض والودائع:

عندما یعطی القرض لشخص ما فأن هناک ربا مقابله، وهذا الربا یحفظ المقرِض من الخسارة الحتمیة فی المستقبل وذلک للأسباب التالیة، مثلاً:

1 - تضخم الأسعار.

لأن غالباً هناک تضخماً فی الأسعار، فالدولار الیوم یشتری بأکثر من الدولار بعد سنة.

2 - المجازفة.

لأن المستقرض لن یرجع القرض عند الإفلاس، أو ربما یسرق القرض.

3 - الاستثمارات البدیلة.

المقرض یخسر الفرصة فی استثمار ما، فلأجل الخسارة یطلب الأجرة مقابل الخسارة.

ص:220

فالربا جزء أساسی فی الاقتصاد العالمی الیوم، فمن الصعب للمسلمین وخاصة المسلمین فی الغرب أن یبتعدوا من هذه الظاهرة المنتشرة.

ونحتاج لتوضیح الأمور التالیة:

لأشبه فی أن الربا فی البنوک والمصارف التقلیدیة جزء أساسی لاقتصاد العالم والحفاظ علی اعتدال العملة والمنع من التضخم وارتفاع الأسعار وهکذا إلا أن ذلک لیس سبباً وحیداً لتلک النتائج والعوامل بل أن هناک أسباب وعوامل أخری متعینة ومحدودة من قبل الشریعة الإسلامیة وهی أکثر اعتدالاً ودقة وشمولاً بحیث لا توجد فیها جوانب سلبیة أصلاً بینما فی الربا توجد جوانب سلبیة وذکرنا فی مستهل البنوک أن لتلک البدائل والأسباب دوراً کبیراً وأساسیا فی الاقتصاد العالمی الدولی والإقلیمی والمحلی. هذا إضافة إلی أن الجانب السلبی للربا أکثر من الجانب الایجابی لأنه قد یؤدی إلی انهیار الطرف الذی یدفع الربا ولهذا قد ألغی الإسلام الربا فی الاقتصاد الإسلامی نصاً وروحاً لما فیه المفسدة الملزمة العامة.

الودائع المصرفیة :

المتعارف ان البنک یدفع للمودع نسبة ربویة فی کل سنة، وکما هو واضح عندنا یحرم علی المسلم أن یأخذ الربا.

1 - هل یجوز للمسلم کمودع أن یأخذ الربا من بنک صاحبه غیر مسلم؟

ج / لا یجوز أخذ الربا ولو کان من غیر المسلم، نعم أذا لم یشترط الفائدة وأودع ماله فی البنک بعنوان الحفظ، وحینئذ فإذا دفع البنک الفائدة أخذت بعنوان الإستنقاذ فی مفروض السؤال.

2 - ماذا یتضمن هذه النیة؟

ج/ بإمکان المودع التخلص من الربا بعدم اشتراط دفع الزیادة والفائدة فی أعماق نفسه، بمعنی أن یکون جاداً فی التزامه نفسیاً بعدم المطالبة بالزیادة أذا لم یدفعها البنک لسبب أو آخر وهو یعلم أن البنک حسب نظامه العام یدفعها الیه، فإذا دفعها فان کان البنک حکومیاً فی البلاد الإسلامیة یأخذها بعنوان

ص:221

المجهول مالکه بأجازة الحاکم الشرعی أو وکیله ویدفع ثلثه للفقراء ویتصرف فی ثلثیها وإن کان فی البلاد غیر الإسلامیة یأخذها بعنوان الاستنقاذ.

3 - وإذا کان صاحب البنک مسلماً وکان البنک أهلیاً لا حکومیاً ولا مشترکاً بین الأهلی والحکومی فهل یجوز للمودع أخذ الفائدة دون الاشتراط؟

ج/ إذا علم أن صاحب البنک یدفع الفائدة والزیادة بطیب نفسه سواء اشتراط المودع أم لا طالبها منه أم لا جاز استلامها وإلا فلا یجوز، وفی هذا الفرض أذا أراد التخلص من مسألة الربا یدفع المال إلیه بعنوان الاستثمار والاتجار به حتی یستفید من فوائده ویقسم بینهما بالتراضی.

القروض المصرفیة :

فالقروض غالبا تکون ربویة، بحیث یدفع المستقرض الربا للبنک، وواضح أنه یدفع الربا للمسلم.

4 - هل یجوز للمسلم أن یستقرض من بنوک غیر إسلامیة ثم یدفع فائدة علی القرض؟

ج / لا یجوز له ذلک لأنه قرض ربوی، نعم یجوز له أن یستلم المال من البنوک المذکورة بعنوان الاستنقاذ لا بعنوان القرض.

5 - هل تستطیعون أن تشرحوا لنا نیة الاستنقاذ؟

نقصد بالاستنقاذ أن المسلم یری نفسه أهلاً لهذا المال دون غیره ولهذا إذا سلم المال له جاز له أن یستلمه بعنوان الاستنقاذ دون القرض وإن کان من نیة غیر المسلم القرض وأما دفع الفائدة فأن المسلم مجبور بدفعها إلیه.

6 - ما هو الحکم عند أخذ المال من بنوک غیر إسلامیة بنیة الاستنقاذ لا بنیة القرض ثم نستثمر المال فهل یجوز أخذ القرض بنیة الاستنقاذ عندما لا یکون هناک حاجة وضرورة لذلک؟

ج / نعم یجوز لذلک فأنه بعد استلام المال بنیّة الاستنقاذ له أن یتصرف بالمال کیفما شاء وأراد ذلک ولو کان دون الضرورة أو الحاجة.

ص:222

7 - وإذا کان صاحب البنک مسلماً ولا نستطیع أن نأخذ المال استنقاذاً فهل یوجد هناک تخریج؟

ج / نعم یوجد له تخریج وهو أن یستلم المال بعنوان المجهول مالکه بإجازة الحاکم الشرعی أو وکیله.

ص:223

السندات:

السند: هو صک یمثل جزءاً من المال المحدد فی ذمة الجهة المصدرة ووثیقة علیه.

وهی تصدر من قبل الشرکات والحکومات وذلک بغیة الحصول علی التمویل.

والسندات العادیة تنقسم إلی قسمین:

أ - أحیاناً تدفع الجهة المصدرة کل سنة لصاحب السند مبلغاً معیناً، ویسمی ب - (کوبن).

ب - تارة الجهة المصدرة لا یدفع أی مبلغ لصاحب السند.

وسوف نشرح السندین من خلال الجدول التالی:

السند ----- أ ----- ب

النوع ----- دفع سنوی ----- دون "کوبن"

الجهة المصدرة ----- نوکیا ----- نوکیا

العملة ----- دولار ----- دولار

القیمة الأساسیة ----- 100 -----@@100@@

سعر التصدیر ----- 80 -----@@100@@

الاسترداد ----- 5 سنوات ----- 5 سنوات

کوبن ----- 5@@کل سنة ------------

فالمستثمر الذی یشتری السند (أ) ب - (100@@) کل سنة یأخذ (5@@) ربح من شرکة نوکیا، وبعد 5 سنوات یرجع السند (أ) إلی شرکة نوکیا ویأخذ ماله 100@@.

والمستثمر الذی یشتری السند (ب) ب - (80@@) فلا یأخذ أی دفع سنوی من شرکة نوکیا لکن عندما یرجع السند (ب) إلی شرکة نوکیا فسوف تدفع له الشرکة (100@@)

أذا لا یوجد أی فرق فعلی من الجهة الأقتصادیة بین السندین، لأن لدیهما نفس ملامح سعر الفائدة، أی لو وضعنا مبلغاً معینأً فی السند (أ) ونفس المبلغ فی السند (ب) لوجدنا بعد خمس سنوات مجموع المبلغ من الربح نفس الشیء تقریباً فی کلا السندین.

ص:224

8 - هل یجوز لنا أن نشتری النوع الأول من السندات (من الشرکات الأهلیة)؟

ج / نعم یجوز ذلک شریطة أن تکون جادا فی قصد الشراء بأن تدفع مائة دولار للشرکة نقداً بعنوان الثمن فی مقابل مائة دولار فی ذمة الشرکة إلی مدة محدودة بعنوان المبیع ویشترط ضمن هذا العقد علی الشرکة أن تدفع له کل سنة خمس دولارات وهذا جائز ولا بأس بشرط الزیادة فی ضمن عقد البیع. وأما أذا کان دفع المبلغ المذکور بقصد القرض واشتغال ذمه الشرکة به والسند وثیقة القرض لا أنه مبیع فلا یجوز لأنه قرض ربوی ولا فرق فیما ذکرنا بین أن یکون صاحب الشرکة مسلما أو غیر مسلم، نعم بإمکان الشخص التخلص من الربا بعدم اشتراط دفع الزیادة بمعنی أن یکون جاداً فی التزامه نفسیاً بعدم المطالبة فی الزیادة إذا لم تدفعها الشرکة لسبب أو آخر فأن الشرکة تدفع الزیادة بطیب نفسها حسب نظامها العام التقلیدی وأن کانت تعلم أن المقرض لن یطلب بها إذا لم تدفعها، ولا فرق ففی ذلک بین النوع الأول من السند والثانی فأن کلیهما قرض ربوی.

نعم هو نفس الحکم أذا کانت الجهة المصدرة للسند شرکة وکان صاحبها مسلماً.

9 - هل یجوز أن نشتری النوع الثانی من السندات (دون کوبون) مع العلم بأن سعر الشراء مبلغ معین، وسعر البیع بعد خمس سنوات سعر آخر؟

ج / نعم یجوز بعنوان الشراء لابعنوان القرض کما تقدم.

10 - إذا کان السند من جهة حکومیة فهل یجوز الشراء؟

ج/ بإمکان المستثمر التخلص من الربا باختیاره الطریق التالی وهو أنه حینما یستلم السند من الجهة الحکومیة أن ینوی تسلّمه کوثیقة علی الدین غیر الربوی، ولا ینوی الزیادة کشرط وأن علم أن الحکومة ملتزمة بذلک، فأن تسلّم الزیادة حینئذٍ تسلّمها بعنوان المال المجهول مالکه بأجازة الحاکم الشرعی أو وکیله، أو مال لا مالک له، وعلی الأول یتصدق بمقدار نصفها أو ثلثها للفقراء وعلی الثانی فلا شیء علیه.

11 - وأذا کانت الحکومة من الحکومات الإسلامیة فما هو الحکم؟

ص:225

ج / نفس الحکم الذی ظهر من الجواب عن السؤال السابق رقم (10).

12 - کیف نعرف هل هو المال المجهول مالکه أو مال لا مالک له أو علینا أن نختار أی واحد منهما؟

ج / أذا کانت الجهة المصدرة للسند هی الحکومة فی البلاد الإسلامیة فالزیادة التی تدفعها الحکومة للمشتری أی المقرض من المال المجهول مالکه وإذا کانت الحکومة فی البلاد غیر الإسلامیة فالزیادة التی تدفعها من المال الذی لا مالک له هذا أذا لم یکن رأس المال الموجود فی البنک فی البلاد غیر الإسلامیة مشترکاً بین أموال المسلمین وغیرهم، وإلاّ فیترتب علیه حکم مال مجهول المالک.

ص:226

الأسهم :

وهی عبارة عن حصة من الشرکات المتداولة بشکل علنی فی البورصات، والسهم یعطی صاحبه ملکیة حصة الشرکة، ویعطیه حق المشارکة فی ربح الشرکة حسب حصته علی نسبة مئویة من رأس مال الشرکة، ویمکن أن یشارک فی لقاءات واجتماعات الشرکة، وله الحق فی إبداء الرأی والتصویت علی مشروع ما بحسب نوع سهمه، ومن الواضح أن إصدار الأسهم هی الطریقة الرائجة فی حصول الشرکة علی المال، فمعظم الشرکات المشهورة فی العالم لها أسهم فی البورصات العالمیة وقلما نجد هناک شرکات کبیرة لیس عندها أسهم فی البورصات.

14 - عندما نشتری أو نبیع سهماً فی البورصات غالباً یکون الاتفاق فی یوم، وتسلیم الثمن والمثمن فی یوم آخر، هل یجوز هکذا تعامل الأسواق؟

ج / نعم یجوز هذا التعامل أذا وافق علیه الطرفان ورضیا به لأنه داخل فی التجارة عن تراض مشمول للآیة الکریمة وهی قوله تعالی (لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجارة عن تراض) أحیاناً عندما یبیع شخصاً ما سهما هو لا یملکه وذلک مثلاً: زید أتفق مع حسن أن یبیعه سهماً علی مبلغ ما فعند استلام الثمن وتسلیم المثمن - وهو السهم - یذهب زید إلی شخص ثالث ویستقرض منه سهماً فیعطیه لحسن.

فمثلاً: زید لا یملک سهماً أبدا لکن یرید أن یستفید من هبوط أسعار الأسهم فی المستقبل یشتری السهم ثم یرده إلی شخص ثالث عندما یحصل علی الأسهم بشرائها.

15 - هل یجوز لزید ان یبیع سهماً لا یملکه؟

ج/ نعم یجوز مع التراضی ویدخل بذلک فی قوله تعالی (لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجارة عن تراض).

وهذا النحو من المعاملات الرائجة فی الأسواق المالیة (البورصات) داخل فی عنوان التجارة عن تراض. نعم لایصلح بعنوان البیع والشراء.

16 - هل یجوز لزید أن یدفع أجرة للشخص الثالث فی مقابل قرضه لسهم منه؟ وإذا کان المقرض غیر مسلم؟

ص:227

ج / لا یجوز دفع الأجرة فی هذه المسألة لأنه ربا، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون المقرض مسلماً أو غیر مسلم نعم أذا کان المقرض غیر مسلم فیجوز له أن یستلم المال منه لا بنیة القرض بل بنیة الاستنقاذ ویدفع الأجرة بقصد الهدیة أو بعنوان أنه مجبور فی دفعها لا بعنوان الأجر علی القرض.

وأما أذا کان مسلماً فیجوز أن یستلم منه المال لا بنیة القرض بل بنیة أنه راض بالتصرف فیه، وأن کان القرض باطلاً شرعاً ویدفع الأجر بقصد الهدیة أو باعتبار أنه مجبور فی دفعه.

17 - بعض الشرکات عندها عمل رئیسی وهو محرم مثل صناعة الخمور، أو بیع لحوم الخنزیر، هل یجوز أن نشتری أسهماً من هکذا شرکات مع أخذ العلم أننا لا نستطیع أن نغیر عملها بشراء قلة أسهمها؟

ج/ نعم یجوز شراء أسهمها بغرض الاستثمار والاتجار بها فی الأسواق والاستفادة منها بدون أن یکون من جملة صنّاع الخمور وبایعها وبایع المیتة ولحوم الخنزیر، لا بالمباشرة ولا بالتوکیل لأنه وإن اصبح شریکاً فی رأس مال الشرکة قهراً إلا أن الشرکة لیست وکیلاً عنه شرعاً فی المعاملات المذکورة لأن تلک تدار من قبل الأعضاء الأصلیین الذین قاموا بإنشاء هذه الشرکة المساهمة وتوزیع سهامها فی الأسواق المالیة (البورصات) وقیام المکتتبین والزبائن بشرائها وبیعها والتعامل والاتجار بها بأشکالها المختلفة بغرض الاستفادة منها من غیر إلتفات منهم غالباً إلی أن هذه الشرکة تقوم بالمعاملات المحرمة أو المحللة کسائر السلع المتبادلة فیها دون أن یکونوا ملتفتین أو مهتمین بالمتعاملات التی تقوم بها الشرکة أو الصنائع التی تصنع فی مصانعها ومن الطبیعی أن الشرکة لیست وکیلاً عنهم فی المعاملات المتبادلة فیها والمصانع والمعامل التی تدار من قبلها، ومن هنا لا مانع من الدخول فی الشرکات المساهمة بکافة أقسامها وکل مساهم شریک تلقائیاً فی جزء من مالیتها وقیمتها لا فی أعیانها.

18 - إذا اشترینا نسبة کبیرة من شرکة بنسبة 80% حتی نصل إلی القوة الفعلیة لکی نغیر أعضاء المجلس وعمل الشرکة من محرم إلی محلل، فهل یجوز التداول بأسهمها دون تغییر عملها؟

ص:228

ج/ نعم یجوز کما مر شریطة أن لا یکون شریکاً عملاً فی صناعة الخمور وبیعها مباشرة ولا بالتوکیل ولکن علیه أن یغیر عمل الشرکة من محرم إلی محلل ولاسیما أذا کانت الشرکة فی البلاد الإسلامیة إذا کان بإمکانه ذلک وإلا فلا شیء علیه.

معظم الشرکات تدفع حصة الأرباح للمکتتبین وتسمی (العائد الموزع) فأعضاء مجلس الشرکة یجتمعون ویقررون کم سوف یدفعون نسبة من الأرباح للمکتتبین، وهناک بعض الشرکات التی تستثمر معظم إرباحها فی الدراسات البحثیة فتکون حصة الأرباح للمکتتبین قلیلة لأنهم یدفعون جل ً أرباحها للدراسات، وفی المقابل هناک شرکات ربحیة بحته، لا تقوم بدراسات بحثیة فقط تربح وتدفع نسبة کبیرة من الأرباح للمکتتبین.

والشرکات قد تدفع (العائد الموزع) علی المکتتبین نقوداً مالیه أو أسهماً فی شرکتها.

19 - إذا کانت الشرکة غیر إسلامیة وهناک نسبة الربح من الحرام فماذا نفعل بهذه النسبة من (العائد الموزع)؟ هل یجوز تسلمه استنقاذاً؟

ج/ نعم یجوز تسلّمه مطلقاً علی اساس وجود التراضی فی المعاملات الواقعة بین هذه الشرکات وزبائنها وان کانت تلک المعاملات محذورة وباطلة بنظر الشرع، وان کان الاولی والاجدر ان ینوی الاستفادة حین الاستلام.

20 - وإذا کان صاحب الشرکة مسلماً وهناک نسبة الربح من الحرام فهل یجوز تسلم العائد الموزع، أو یجب أن نتصدق بقسم منه؟

ج/ نعم یجوز تسلمه إذ لا علم بنسبة الحرام فی الربح باعتبار أن التراضی فی هذه المعاملات الباطلة بین البائع والمشتری موجود والمشتری یرضی بالتصرف فی ماله وهو الثمن وأن کانت المعاملة باطلة من وجهة نظر الشرع، لأن رضاءه بالتصرف فیه منوط بصحة المعاملات الرائجة فی تلک الأسواق وفق شروطها وأن کانت باطلة من جهة نظر الشرع. وهناک نوعان من الأسهم:

أ - أسهم عادیة (وهی منتشرة کثیرا).

ص:229

ب - أسهم ممتازة.

لکل شرکة ممیزات لأسهمها الممتازة تختلف عن بقیة الشرکات، لکن فی الغالب هناک ثلاث میزات مشترکة فی هذه الشرکات وهی:

أ - الأسهم الممتازة حصتها الربحیة أکبر من الأسهم العادیة.

21 - هل یجوز أن نمتلک الأسهم الممتازة؟

ج/ نعم یجوز.

ب - أصحاب الأسهم الممتازة لا یحق لهم أن یصوتوا فی اجتماعات الشرکة.

22 - هل یجوز شراؤها؟

ج/ نعم یجوز شرائها ولا مانع منها.

ج - عند الإفلاس صاحب الأسهم الممتازة له الحق أکثر من صاحب الأسهم العادیة لاستنقاذ أموال الشرکة الباقیة.

23 - هل یجوز شراؤها؟

ج / نعم یجوز وما ذکر فی السؤال لا دخل له فی جواز شراء أسهمها.

المؤشرات:

المؤشرات وهی عبارة عن سلة تحتوی الأسهم، وینظمها الشرکات وهدفها الرئیسی أن تکون مقیاساً لأداء وانجاز البورصات، أی تراقب حرکة البورصات مثلاً: مؤشر (دواجنز) و (ناسداک) الأمریکیة، ومؤشر (نیکای) الیابانیة.

والمؤشرات هی عبارة عن أرقام کالأسهم فی البورصات، ولکن لا یمکن أن نشتریها ونبیعها کسهم لأنها عبارة عن رقم وهی، - المؤشرات - متداولة کأصل فی العقود المالیة المشتقة، والعقود المستقبلیة، وعقود الخیارات، والتبادلات وسیأتی بیان ذلک.

ص:230

وتنظم المؤشرات حسب المناطق مثلاً مؤشر (نیکای) یحتوی فقط الأسهم فی الیابان أو حسب قطاع الشرکات مثلاً: مؤشر خاص لشرکات صناعة الذهب، مؤشر خاص للشرکات النفطیة، وهی - المؤشرات - تحتوی علی سندات أسهم عملات أجنبیة، وغیرها.

ص:231

المشتقات:

وهی من العقود المالیة وتکون قیمتها متخذة ومشتقة من قیمة أصل آخر ولذلک تسمی مشتقات ونشرح بعضها هنا.

العقود المستقبلیة:

هی عقود تکون بین طرفین لوقت معین وبسعر معین وعلی أصل معین، فإذا أتفق الطرفان علی هکذا عقد فیجب علیهما أن یبیعا أو یشتریا السلعة المعینة فی الوقت المعین وبالسعر المعین، دون أی خیار لهما، فدفع الثمن وتسلیم المثمن تکون فی المستقبل.

وهی أداة مفیدة جداً وتعتبر ضروریة فی بعض الأوقات لأجل الرزق الیومی لبعض الذین لا یرتبطون بالأسواق المالیة مباشرة مثال: بورصة لندن للمعادن عندها عقد مستقبلی علی الذهب وتاریخ إنتهاء العقد یکون فی (20 دیسمبر 2010).

فالذی یرید أن یشتری العقد فیجب علیه أن یدفع (1200) دولار أمریکی لکل أو نصة فی (20 دیسمبر 2010) وهذه عملیة الشراء تکون بغض النظر عن سعر الذهب فی (20 دیسمبر 2010) والمشتری یحصل علی ربح فی حال لو کان السعر فی التاریخ المحدد أکثر من (1200) دولار، وربما یخسر فیما لو کان السعر فی ذلک التاریخ أقل من (1200) دولار، وکذلک یکون بالعکس للبائع بحیث لو خسر المشتری ربح البائع، أما لو ربح المشتری یخسر البائع.

وهناک ثلاث أقسام لتداول هکذا العقود:

الأول: المتحوط (المحمی).

مثلاً صاحب المنجم علیه أن یشتری آلات لاستخراج الذهب، وأن یستأجر عمال لغرض استخراج الذهب ویدفع لهم الرواتب، فصاحب المنجم یقدر الثمن والکلفة لهذه الأمور وتصفیة الذهب لأجل تسلیمه فی الوقت المحدد.

فصاحب المنجم یبیع هذا العقد (عقد مستقبلی) لشخص ما علی سعر معین وهو (1200@@) وفی وقت معین فی (20 دیسمبر 2010) فلو قلنا مثلاً بأنه قدر کلفة الاستخراج ورواتب العمال وشراء الآلات وتصفیة الذهب

ص:232

ب - (1000@@) فأنه سیخسر فیما لو کان قیمة الذهب فی (20 دیسمبر 2010) أقل من (1000@@) فأن هذا الشخص قد أعتمد علی قراره فی استخراج الذهب علی وجود هکذا عقد مستقبلی التی تجعله متمکناً من الربح فهذه العقود تقلل المجازفة - وهی الخسارة - فی تجارته.

الثانی: (المضارب).

المضارب عنده فکرة أن سعر الذهب سوف یرتفع ویظن أن فی (20 دیسمبر 2010) السعر سوف یرتفع إلی أکثر من (1200@@) بحیث یصل إلی (1400@@) فیشتری العقد المستقبلی فیکون قراره متخذاً علی کثرة طلب الناس للمجوهرات، أو علی قلة أنتاج واستخراج الذهب من المناجم، أو علی ارتفاع مؤشرات سوق الذهب فی السنوات السابقة التی تشیر الی استمرار ارتفاع مؤشر الذهب للسنوات القادمة فیکون مدخول الربح للمضارب عکس مدخول الربح لصاحب المنجم، بنسبة إلی العقد.

الثالث: (صانع السوق).

وهو الذی طبیعة عمله أنه یزود السوق بالحاجات مثلاً یشتری هذا الشخص العقد من صاحب المنجم ب - (1200@@) (التسلم فی دیسمبر) ویبیع عقداً (تسلمه فی سبتمبر) ب - (1210@@) ویقلل من تعرضه للخطر بالنسبة لسعر الذهب بشکل عام، فهذا الشخص عنده عقدان فهو ملتزم بالشراء فی تاریخ دیسمبر وبالبیع فی تاریخ سبتمبر ثم یشتری ویبیع عقوداً أخری وکلما یتداول فیحاول أن یربح قلیلاً وأن یقلل المخاطرة.

24 - هل یجوز أن نتداول العقود المستقبلیة بکافة أنواعها؟

ج/ نعم یجوز ولا بأس بتداولها بتمام أنواعها وأقسامها لأنها جمیعاً داخلة فی التجارة عن تراض ومشمول لقوله تعالی (إلا تکون تجارة عن تراض).

ص:233

25 - صاحب المنجم عندما یعقد صفقة بیع ذهب لشخص ما قد لا یکون فی منجمه ذهب کاف، فلذلک یحتاج أن یشتری الذهب من مکان آخر وذلک لآجل تسلیمه حسب المدة المعینة بینه وبین المشتری، وقد یضطر إلی شراء العقد نفسه فهل یجوز له أن یقوم بأجراء هکذا صفقة؟

ج/ یجوز ولا مانع من بیع من لا یملک السلع فعلاً ولکنه یملکه فی وقت متأخر وهو وقت التسلیم، فأنه بعنوان البیع وأن کان محل أشکال بل منع إذ لا معنی لبیع المعدوم، ولکنه صحیح بعنوان التجارة عن تراض ولا شبهة فی صدق هذا العنوان علی هذه المعاملة، هذا من جانب ومن جانب، أخر أنه بإمکان من لا یملک السلع من الحنطة والشعیر والأرز والذهب والفضة والنفط أن یبیعه علی ما فی ذمته فعندئذ یصح هذا البیع.

26 - هذه العقود قد تکون علی ذهب وفضة وغیرها وقد تکون علی الأشیاء التالیة فهل یجوز أن نتداول عقودها المستقبلیة؟

1 - القمح والرز.

یجوز.

2 - النفط؟

یجوز.

3 - العملات الأجنبیة؟

یجوز.

4 - الأسهم؟

یجوز.

5 - مؤشرات؟

یجوز.

6 - (لا یبور)؟

یجوز؟

التسلم مالاً أو مادة:

فی العقود المستقبلیة کما شرحنا ویسمی بعقد (مادی) وهو ان یشتری الشخص شیئاً ویدفع النقود ولکن حقیقة کثیر من العقود المستقبلیة فیها صفة وهی (التسلم مالاً).

ص:234

مثلاً: بالنسبة لصاحب المنجم - فی مثالنا - فهو قد لا یسلم الذهب إلی مشتری العقد فی دیسمبر (1200@@) فهو سیأخذ أو یدفع النقود حسب الفرق بین سعر الذهب فی ذلک الیوم وبین (1200@@) فلو کان سعر الذهب فی 20 دیسمبر (1100@@) فهو سوف یأخذ من المشتری الفرق 1200@@سعر ذلک الیوم وبین (1100@@) والفارق کما هو واضح تکون (100@@).

ومنجمه أنتج ذهباً فهو بإمکانه أن یبیع الذهب فی أسواق الذهب ب - 1100@@سعر ذلک الیوم، ونتیجة ذلک أن هذا الرجل - صاحب المنجم - یأخذ (1200@@) لکل أو نصة، فهو اقتصادیاً أعطی نفس النتیجة.

وکذلک عندما یرتفع سعر الذهب تکون النتیجة نفس الشیء مثلاً: لو کان سعر الذهب فی دیسمبر (1300@@) وکما هو معلوم یجب علی صاحب المنجم أن یسلم الذهب ب - (1200@@) فی دیسمبر فلذلک العقد یستقر السعر الأخیر للعقد علی (100@@) أی: الفرق بین السعر فی السوق فی ذلک الیوم وبین السعر الموافق للعقد وهو (1200@@) فلذلک یجب علی صاحب المنجم ان یدفع (100@@) للمشتری ولکن بامکانه ان یبیع کل أو نصه من الذهب ب - (1300@@) فی السوق والنتیجة الاخیرة هی حصوله علی (1200@@) صافیاً، وهو نفس المبلغ الذی بإمکانه أن یحصله فی العقد (فیزیکال) مادی.

العقود المستقبلیة المالیة وعقود الخیارات المالیة:

وهی عقود منتشرة کثیرا فی الأسواق المالیة وذلک لأنک لا تحتاج إلی تسلیم الأصل فی السوق وهکذا عقود مفیدة للأسباب التالیة:

1 - قد یکون الأصل صعب التسلیم: مثلاً قد یکون لنا عقد مستقبلی لمؤشر ونسلم الأسهم للشرکات المتنوعة وعادة ما تحصل الأخطاء أثناء توزیع الأسهم.

2 - قد یکون المنتج محال التسلیم لأنه غیر موجود کمادة، مثلاً: قد یکون لنا عقد مستقبلی علی درجات الحرارة والمناخ وسیأتی تفصیله.

3 - قد تکون الفوائد الضریبیة علی العقد المالی أفضل من العقد المادی، لأننا نحتاج أحیاناً أصلاً وعلی الأصل تکون ضریبة، فمن خلال عدم وجود الأصل لا تأتی الضریبة لأنه عقد فقط.

4 - العقود المالیة تسمح للمضاربین البسطاء أن یدخلوا فی السوق أیضاً، مثلاً لو أراد شخص أن یتداول علی النفط فی منزلة وعبر الانترنت، فهذا

ص:235

الشخص لا یستطیع أن یسلم برامیل النفط من منزله، ولکن یستطیع أن یتاجر ویضارب من خلال العقود المستقبلیة المالیة.

27 - هل یجوز لنا أن نتداول العقود المستقبلیة المالیة بتمام أشکالها؟

ج / نعم یجوز ذلک بکل أشکالها لأنها داخلة فی قولة تعالی (لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجارة عن تراض) إذ لا شبهة فی صدق عنوان التجارة علیها کما لا شبهة فی أنها عن تراض بین المستثمرین والتجار.

التبادلات:

وهی عقد بین طرفین یتضمن تبادل النقود، وهذه العقود منتشرة فی البنوک والأسواق العالمیة بشکل کبیر لأنها تعطی أثار الفوائد الاقتصادیة عند تملک المنتج غیر المتداول.

فبعض المستثمرین قد یفضلون هکذا عقود وذلک للأسباب الضریبیة وغیرها، وهی مستخدمة لتغییر المجازفة من نوع إلی نوع حاصلاً لکل واحد من المتابعین میزة الآخر.

ونشرح ثلاثة أنواع للتبادلات:

النوع الأول: تبادل الأسهم.

وتکون بین طرفین، مثلاً بائع ومشتری فالمشتری یوافق أن یحصل علی ارتفاع سعر الأسهم من البائع، ویوافق أیضاً أن یدفع الخسائر عند هبوط الأسعار للبائع فلو کانت مدة التبادل سنة واحدة کان الفارق هو الفرق بین السعرین - سعر الیوم وسعر بعد السنة.

والمشتری غالباً یدفع للبائع لأجل هذه الخدمة إما نقداً فی البدایة أو یدفع النقود فی الأخیر أو النقود علی مدار السنة.

مثلاً المستثمر عنده فکرة بأن أسهم شرکة (نوکیا) سوف ترتفع، فیفکر أن یشتری الأسهم کی یستفید من ارتفاع السعر، ولکن القانون الضریبی ینص علی أن یدفع الضریبة لکل فائدة من ارتفاع سعر الأسهم وتسمی (ضریبة لربح الرأس المالی).

ص:236

فالمستثمر لکی یبتعد عن المشاکل الضریبة ولکی یستفید من ارتفاع السعر یقوم بشراء تبادل الأسهم.

وهکذا عقد سوف یعطیه - المستثمر - نفس الفوائد الاقتصادیة لتملک الأسهم دون أن یدفع الضریبة، مثلاً لو کان سعر سهم نوکیا الیوم (10) یورو فهذا السعر یکون مسجلاً فی العقد، وأما لو کان السعر بعد سنة (15 یورو) للسهم الواحد، فالفارق بین السعرین هو (5 یورو) وکما هو معلوم بأن المشتری یستفید من ارتفاع السعر، ویخسر من هبوط السعر.

فلذلک عند ارتفاع السعر إلی (15 یورو) فالبائع یدفع (5 یورو) للمشتری، وبالعکس عند هبوط السعر إلی (7 یورو) فالمشتری یدفع (3 یورو) للبائع، فعند أی ارتفاع للسعر المشتری یستلم الربح، وعند أی هبوط للسعر فالمشتری یدفع الفارق.

28 - هل یجوز أن نتداول هکذا عقود؟

ج/ نعم یجوز مع تراض بینهما - کما هو المفروض - فأن هذا التبادل وأن لم یکن من البیع والشراء بل هو من الشرط المتبادل بینهما وتعهد کل منهما به، وحیث أن هذا الشرط شرط ابتدائی فلا یجب الوفاء به شرعاً ولکنهما ملتزمان به واقعاً حسب نظام السوق الصارم وراضیان به کذلک وأن لم یدخل تحت أی عنوان من عناوین العقود الخاصة ولا مانع منه شرعاً بل لا یبعد صدق عنوان التجارة عن تراض علیه عند العقلاء فإذا صدق کان مشمولاً لاطلاق آیة التجارة عن تراض.

29 - کیف یجوز هذا التداول مع انه لایصدق علیه عنوان البع والشراء ولاسائر عقد من العقود الإسلامیة المعروفة؟

ج/ نعم هذا العقد وأن کان مما لا ینطبق علیه شیء من العناوین الخاصة للعقود الاسلامیة المتعارفة إلا أنه لا توجد فیه معاملة محرمة کالربا أیضا، وحیث إن التراضی فیه موجود بین المتعاملین فهو یکفی فی جواز تصرف کل منهما فی مال الآخر، بل لا یبعد کونه مشمولاً لإطلاق الآیة المبارکة التی اشرت إلیها آنفاًباعتبار أنه نوع من التجارة لدی العقلاء مع التراضی.

ص:237

النوع الثانی: التبادل الربوی.

وهکذا نوع من التبادلات هو الأشهر فی عالم البنوک والمؤسسات المالیة، وهو مرتبط بطرفین فی تبادل النقود الذی یرتبط بشکل الربا وهناک شکلان للربا هما:

الربا المستقر - وهو ثابت ومعروف ولا یتغیر، مثلاً شخص ما یستقرض من البنک (100 دولار) لمدة 5 سنوات، وکل سنة یدفع للبنک (3 دولارات) کفائدة علی القرض وبعد 5 سنوات یرد (100 دولاراً) فنسبة الربا المستقر هی 3%.

الربا غیر المستقر - وهو الذی یتغیر حسب الطلب والعرض کمؤشر (لا یبور)، مثلا شخص ما یستقرض من البنک (100 دولار) لمدة خمس سنوات وکل سنة یدفع (لا یبور) کفائدة علی القرض وبعد 5 سنوات یرد (100 دولار) قد یدفع مثلاً 2% فی السنة الأولی 3% فی السنة الثانیة وهکذا حسب نسبة لا یبور.

والتبادل الربوی عقد بین شخصین.

مثلاً:

تبادل ربوی لمدة 5 سنوات علی (100 دولار).

زید یدفع لحسن 3 دولارات کل سنة (ثابت من البدایة).

حسن یدفع لزید (لا یبور) کل سنة، والمبلغ یتغیر کل سنة فقد یدفعه 3 دولارات فی السنة الأولی 4 دولارات فی الثانیة وهکذا.

30 - التبادل الربوی مبنی علی المؤشر الربوی کلا یبور ولکن لا یوجد هناک ربا لأنه لا یوجد قرض أصلاً فعند عدم القرض، هل تجوز هذه المعاملة؟

ج / نعم یجوز هذا التبادل فأنه وأن لم یصدق علیه لا عنوان البیع والشراء ولا عنوان آخر من عناوین العقود الشرعیة ولکن لا دلیل علی حرمته أیضاً بل لا یبعد دخوله تحت عنوان التجارة عن تراض باعتبار انه نوع من التجارة لدی العقلاء وأن شئت قلت لا یبور مؤثر فی السوق ورقم فقط ولیس بقرض لأن دفعه علی أساس التبادل ومرجع هذا التبادل إلی

ص:238

اشتراط المتعاملین علی الآخر غایة الأمر أحدهما اشترط علی الأخر دفع مبلغ ثابت فی کل سنة وأما الآخر فهو یشترط علی الأول أن یدفع له فی کل سنة لا یبور الذی یختلف باختلاف مؤشرات السوق من سنة الی سنة اخری.

النوع الثالث: التأمین علی التقصیر الائتمانی.

وهو نوع بسیط من أنواع التبادل فی الأسواق المالیة ومنتشر بشکل کبیر وهو نوع من أنواع التأمین من الإفلاس یتضمن دفع سنوی مقابل مبلغ یدفع فیما لو حصل حادث معین، مثال، الطرف (أ) عنده سندات کثیرة وأحدی هذه السندات مصدرة من شرکة (نوکیا) وهذا السند قابل للاسترداد بعد 5 سنوات مقابل (100@@) تدفعه لقاء السند، والشرکة سوف تدفع لک فی کل سنة مبلغاً معیناً مثلاً 5% وبعد 5 سنوات سترجع السند فیدفع الشرکة لک مبلغ (100@@).

فالطرف (أ) یخاف من الحالة الاقتصادیة لشرکة نوکیا معتمداً علی أخبار حصل علیها، فلکی یضمن عدم خسارته عند إفلاس شرکة نوکیا یکتب عقد تامین علی التقصیر الائتمانی فکل سنة یدفع الطرف (أ) 1% للطرف (ب) ولمدة خمس سنوات وفی مقابل هذا یستلم ضمان من الطرف (ب) ینص: علی إن شرکة نوکیا أذا أفلست، فللطرف (أ) حق أن یبیع هذا السند للطرف (ب) ب - (100@@) ونقصد بالإفلاس أی حادث إفلاسی یتفق الطرفان علیه مثلاً، أذا رفضت الشرکة أن تدفع الدفع السنوی (الکوبون).

فالقاعدة عند التبادل تشبه قاعدة الضمان، وفی حال عدم إفلاس شرکة نوکیا یستمر الطرف (أ) بدفع 1% للطرف (ب) طوال خمس سنوات، وبعد انتهاء 5 سنوات ینتهی العقد بینهما. والطرف (ب) ربما یحتمل أن لا تفلس شرکة نوکیا أبداً وهو قد یکون مضارباً بالأسواق.

31 - هل یجوز هکذا تعامل وعقود شرعاً أو لا یجوز؟

ج/ یجوز ولا مانع منه لأن التأمین داخل فی الهبة المعوضة المشروطة فأن الطرف (أ) یدفع للطرف (ب) مبلغاً معیناً کل سنة بعنوان الهبة ویشترط علیه الضمان.

ص:239

عقود الخیارات:

وهی نوع من المشتقات ونقسمها إلی قسمین:

فانیلا (بسیط) وأکزوتیک (مرکب).

ویوجد هناک نوعان للاختیار (فانیلا): حق خیار الشراء ویسمی (c l) وحق خیار البیع ویسمی (put) .

وأما حق خیار الشراء فهو أن یکون لدیک حق شراء أصل معین وبسعر معین، فالذی یشتری حق خیار الشراء فله القدرة علی الشراء ولکن لیس بمجبور علی الشراء ویجب علی بائع حق خیار الشراء أن یبیع الأصل أذا أراد المشتری یمارس حقه.

وأما حق خیار البیع فهو أن یعطی للمشتری حق خیار بیع أصل معین وبسعر معین وفی وقت معین، ولکن لیس بمجبور علی البیع ویجب علی بائع حق خیار البیع أن یبیع الأصل أذا أراد المشتری أن یمارس حقه، والذی یشتری عقود الخیارات یمارس حقه فی البیع أو الشراء حسب العلاقة بین سعر الأصل وسعر الممارسة، وسعر الممارسة سعر معین یستطیع بواسطته المشتری لحق خیار الشراء أن یشتری الأصل والمشتری لحق خیار البیع أن یبیع الأصل بواسطة سعر الممارسة.

فإذا کان سعر الأصل أکبر من سعر الممارسة للذی عنده حق خیار الشراء فسوف یمارس حقه وأما لو کان سعر الأصل أقل من سعر الممارسة فلن یمارس حقه مثال ذلک: أذا کان الأصل سهم شرکة نوکیا وسعر السهم فی السوق (10 یورو) وسعر الممارسة (9 یورو) ونهایة العقد هو الیوم، فماذا سیفعل الذی عنده حق خیار الشراء؟

فحتماً أن کل عاقل یمارس حقه ویشتری ب - (9 یورو) من الذی یبیع حق خیار الشراء.

وماذا عن الذی أشتری حق خیار البیع الذی سعر ممارسته (9 یورو) فماذا سیفعل؟ فهل سیمارس حقه بأن یبیع ب - (9 یورو) من خلال عقد الاختیار مع أنه یستطیع أن یبیع ب - (10 یورو) فی السوق؟، فإن کل عاقل سیبیعه فی السوق ب - (10 یورو) أفضل من أن یبیعه ب - (9 یورو).

ص:240

وسوف نشرح لکم استخدام عقود الخیارات من خلال استخدامنا للمثال عن أسهم نوکیا ونری التداولات من وجهة نظر بعض المشارکین فی نهایة العقد فی سوق عقود الخیارات:

سعر الیوم 2010/8/1 لسهم شرکة نوکیا هو (10 یورو).

وسعر الاختیار هو السعر الذی بواسطته نستطیع بیع وشراء الاختیار.

1 - المستثمر:

یظن المستثمر فی شرکة نوکیا أن سعر السهم فی نوکیا لن یرتفع أکثر من سعر الیوم، وأما لو أرتفع فأنه سوف یکون راضیاً لبیعه بالسعر الأعلی فلذلک یبیع الاختیار الأول کما فی الجدول وهنا نتصور ثلاث نتائج:

أ - فلو أرتفع سعر سهم نوکیا إلی (12) یورو فالمشتری لحق الاختیار یمارس حقه بأن یشتری ب - (11) یورو وسوف یجبر المستثمر علی أن یبیع، فی هذه الحالة، المستثمر سوف یربح (2) یورو وذلک سوف یربح (1) یورو من بیعه للأسهم ب - (11) یورو لأن سعر الیوم (10) یورو ویربح (1 یورو) من سعر الاختیار حینما باعه.

ب - سعر نوکیا یبقی ساکناً ومستقراً فسوف یربح (1 یورو) من سعر الاختیار ولکن لا یترتب علیه الآثار لأن المشتری لن یمارسه حق خیار الشراء.

ج - سعر نوکیا یهبط الی (8 یورو) فعند المستثمر خسارة ب - (1 یورو) لأنه یربح (1 یورو) من سعر الإختیار ویخسر (2 یورو) من الأسهم فالحاصل أنه خسر (1 یورو).

32 - هل یجوز أن نتداول حق خیار البیع والشراء؟

ص:241

ج / نعم یجوز وإن کان لا یصدق علیه عنوان خاص من عناوین العقود الخاصة فی الشریعة الإسلامیة المقدسة إلا أنه لا یصدق علیه عنوان العقد المحرم ایضاً، وعلیه فیحث أنه یصدق علیه عنوان عام وهو عنوان التجارة عن تراض باعتبار أنه نوع من التجارة عن تراض لدی عقلاء فیکون مشمولا لقوله تعالی (لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلا أن تکون تجارة عن تراض).

2 - المضارب:

قد یکون عند المضارب فکرة بأن شرکة نوکیا ستواجه عدة مشاکل منها الإفلاس، فالمضارب لیس عنده أسهماً فی شرکة نوکیا ولا ینوی أن یحصل علی أسهم من شرکة نوکیا فیقرر أن یشتری شیئاً لکی یربح کثیراً عندما تهبط الأسعار هبوطا شدیداً. فحق خیار البیع الذی سعر ممارسته (6 یورو) سعره (0.25 یورو) کما بینا فی الجدول فیشتری ب - (0.25 یورو). وهناک هبوط لأسعار نوکیا لأدنی من (6 یورو) فالمضارب یمارس حقه فی بیع الأسهم ب - (6 یورو) سعر الممارسة فهو لا یملک الأسهم فیذهب إلی السوق ویشتری بأقل من (6 یورو) ویبیع (6 یورو) بممارسه حقه - وهو حق خیار البیع - فیربح حینئذ فالفارق بین السعرین یکون قد ربحه أما لو کان السعر أکثر من (6 یورو) فالمضارب لن یمارس حق خیار البیع.

33 - هل یجوز للمضارب بأن یتداول بهذا الاختیار، والمفروض أنه لا یملک أسهماً وهو یرید أن یستفید من هبوط الأسعار فقط؟

ج/ نعم یجوز بنفس ما مرّ الآن.

قد یبیع المضارب حق خیار الشراء - الاختیار الثالث المبین فی الجدول أعلاه - لکی یربح نصف یورو وهو سعر الاختیار فلو بقی سعر نوکیا أقل من (12 یورو) کما هو یظن، فلن یواجه أی مشکلة، وسوف یربح نصف یورو، ولکن لو ارتفع السعر الی (15 یورو) مثلاً فیجب علیه ان یبیع شیئاً لایملکه ب - (12 یورو) فلذلک یجب علیه أن یشتری من سوق البورصات سهم نوکیا ب - (15 یورو) وسوف یخسر (3 یورو).

34 - هل یجوز له أن یبیع حق خیار الشراء مقابل الأسهم التی لا یملکها؟

ص:242

ج / نعم یجوز له ذلک ولا بأس به لابعنوان البیع والشراء ولکن بعنوان التراضی کما تقدم.

3 - صانع السوق:

وعمله أن یشتری ویبیع - تداول عقود الخیارات - ولا یوجد عنده أفکار حول السوق، فقط یشتری ویبیع لکی یحصل علی الربح، ویقبل طلبات الزبائن ویمکن أن یتداول فی اختیارات ذات قیمة صغیرة، أو فی اختیارات دون أن یملک فی مقابلها سهماً.

35 - هل یجوز أن یقوم بهکذا العمل؟

ج/ نعم یجوز والضابط الکلی: إن کافة أقسام عقود الخیارات حیث أنه لا یصدق علیها لدی العقلاء عنوان العقد المحرم فی الشریعة الإسلامیة المقدسة کالعقد الربوی أو ما شاکلة من جهة، ویصدق علیه عنوان التجارة عن تراض من جهة أخری، فتکون مشمولة لقوله تعالی (إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).

ص:243

عقود الخیارات المرکبة، المشتقات المرکبة التطویرات الحدیثة:

عقود الخیارات المرکبة هی من أصعب العملیات وذلک لصعوبة معرفة أسعارها الحقیقة ولها إیرادات غیر نظامیة، وسنمثل لکم ببعض الأمثلة لبعض عقود الخیارات وهذه الأمثلة تتضمن الصفات المتکررة فی أغلب عقود الخیارات بشکل عام.

ونذکر لکم بعض الأمثلة للمشتقات المرکبة والتطویرات الحدیثة.

1 - عقود الخیارات الثنائیة.

2 - عقود الخیارات الحاجزیة.

3 - الاختیارات القوس قزحیة.

4 - CDO

5 - تبادل الحساسیة.

6 - المشتقات المناخیة.

ص:244

1 - عقود الخیارات الثنائیة

فإیراد عقود الخیارات الثنائیة هما شیئان إذا حدث حادث ما فی فترة العقد فهناک مبلغ معین یدفع من قبل البائع للمشتری وإذا لم یقع أی حادث لم یدفع شیئاً، مثلاً: المضارب بإمکانه أن یشتری اختیار ثنائی لأسهم شرکة نوکیا ب - (1 یورو) وسعر أسهم نوکیا الیوم (10 یورو) وإذا أرتفعت أسعارها إلی (15 یورو) من الیوم إلی نهایة العقد فالمشتری للاختیار سیستلم (8 یورو) من البائع، وإذا لم یرتفع السعر إلی (15 یورو) فلن یستلم شیئاً.

36 - هل یجوز لنا أن نشتری ونبیع عقود الخیارات الثنائیة؟

ج / نعم یجوز ذلک أولاً علی أساس أن التراضی بینهما فی تصرف کل منهما فی مال الآخر موجود سواء أکان العقد صحیحاً أم کان فاسداً شرعاً وکذلک تصرف الثالث فیه بسبب أو آخر. وثانیاً لا یبعد صدق تجارة عن تراض عند العقلاء علی ذلک فاذن یکون مشمولاً لاطلاق الایة المبارکة التی تقدمت الاشارة الیها غیر مرة.

2 - عقود الخیارات الحاجزیة:

فقد یکون هناک اختیار ثنائی مثلما شرحناه آنفاً لکن بزیادة صفة أخری مثلاً المضارب یشتری نفس العقد کالاختیار الثنائی بزیادة شرط وهو أن سهم نوکیا لا یهبط أقل من (7 یورو) أبداً، فالنتائج المتوقعة هی:

1 - سهم نوکیا یرتفع إلی (15 یورو) ولا یهبط سعره إلی (7 یورو) أبداً فالمشتری یستلم (8 یورو).

2 - سهم نوکیا یرتفع سعره إلی (15 یورو) ولکن هبط سعره إلی (6 یورو) قبل ذلک فالمشتری لا یستلم أی شیء.

3 - سهم نوکیا لا یرتفع سعره إلی (15 یورو) طیلة فترة العقد فالمشتری یأخذ (5 یورو).

37 - هل یجوز بیع وشراء عقود الخیارات الحاجزیة؟

نعم یجوز ذلک بنفس ما مرّ فی الجواب عن العقود فی الخیرات الثنائیة.

وهذا الاختیار یکون علی سهمین، والإیراد یعتمد علی انجاز وتأدیة أحد السهمین أو کلیهما.

وتوجد هناک أنواع کثیرة من عقود الخیارات مثلا:

ص:245

3 - عقود الخیارات القوس قزحیة:

اختیار القوس قزح علی أکثر الأسعار ارتفاعاً وإیراده سیکون ارتفاع سعر السهم المرتفع أکثر.

مثلا: عندنا سهمان (أ) و (ب). وکلاهما سعرهما الیوم (10 یورو)، وسعر الممارسة (10 یورو) فالمضار ب یشتری هذا العقد فالنتائج المتوقعة تکون علی الشکل التالی:

1 - السعر الأخیر للسهم (أ) هو (9 یورو)، وسهم (ب) هو (12 یورو). فالمشتری سوف یحصل علی (2 یورو) من البائع.

2 - السعر الأخیر للسهم (أ) هو (15 یورو)، والسهم (ب) هو (9 یورو)، فالمشتری یحصل علی 5 یورو من البائع.

3 - السعر الأخیر للسهم (أ) هو (9 یورو)، والسهم (ب) هو (9 یورو)، فالمشتری لا یحصل علی شیء.

38 - هل یجوز بیع وشراء عقود الخیارات القوس قزحیة؟

ج/ نعم یجوز بنفس ما مرّ فی القسمین الأولین وهما عقود الخیارات الثنائیة وعقود الخیارات الحجوزیة.

4 - CDO

هو صک للقرض کالسند، لکن یختلف عنه بکون CDO یرتبط بإفلاس الشرکات، وغالبا ما تکون متداولة بین المستثمرین والمصارف المصدرة وسنشرحه بمثال واضح مثلاً: مستثمر یشتری CDO مرتبطاً ب - 100 شرکة ب - (100@@) ومدته 5 سنوات وکل سنة یدفع المصرف للمستثمر (10@@) وبعد 5 سنوات سوف یدفع البنک مقابل CDO (100@@) فی حال عدم إفلاس أی شرکة من الشرکات طیلة خمس سنوات فلو أعلنت شرکة ما إفلاسها فالمستثمر سوف یحصل علی (90@@) فقط، وعند إفلاس شرکتین مثلاً فسوف یحصل المستثمر علی (80@@) ولو أفلست عشر شرکات أو أکثر من عشرة فسوف لن یحصل علی أی شیء.

وهذه العقود منتشرة کثیراً لأن بنوک ترید أن تقلل من تعرض الشرکات للإفلاس والمستثمر یرید أن یربح أکثر من السندات العادیة ولکن مخاطر CDO أکثر من السندات.

ص:246

38 - هل یجوز شراء CDO ؟

ج/ نعم یجوز شریطة أن یکون المستثمر قاصدا شراء ما بإزاء الصک من المال فی ذمة البنک أو الشرکة أو البایع مؤجلاً لمدة خمس سنوات نقداً فیکون الثمن مائة دولار نقداً والمثمن مائة دولار فی الذمة مؤجلاً لمدة خمس سنوات مثلاً ویشترط فی ضمن هذا العقد علی الطرف الآخر وهو البایع أن یدفع له کل سنة عشرة دولارات ولا مانع منه شرعاً لأنه شرط الزیادة فی ضمن البیع وهو جائز والصک وثیقة علی المبیع المؤجل وبعد خمس سنوات یسلم الصک ویستلم المثمن وهو مائة دولار. وأما أذا کان المستثمر قاصدا به أی مائة دولار القرض للطرف الأخر لا شراء ما فی ذمته فهو قرض ربوی فلا یجوز إلا أذا لم یشترط الشرط المذکور وهو شرط الزیادة بمعنی أنه ینوی القرض مع نیه عدم الفائدة ویکون جادا فی هذه النیة وملتزماً واقعاً بعدم المطالبة بها إذا لم یدفعها البنک أو الشرکة الفائدة له فیجوز أن یستلم الفائدة بعنوان مجهول المالک بأجازة الحاکم الشرعی أو وکیله ویصرف ثلث الفائدة علی الفقراء ویتصرف فی الباقی أذا کان البنک أو الشرکة حکومیة إسلامیة وأما أذا کانت غیر إسلامیة فیجوز استلامها إذا دفعها بعنوان الاستنقاذ ولا یجب علیه صرف ثلثها للفقراء هذا اضافة الی ان التراضی بینهما موجود مطلقاً ای سواء أکانت المعاملة صحیحة شرعاً أم لا.

5 - تبادل الحساسیة:

حساسیة الأسهم هو میزان لمعرفة کمیة حرکة الأسهم عند ارتفاعها وعند هبوطها.

وهی - أی الحساسیة - مستخدمة عند تسعیر عقود الخیارات فلذلک هناک سوق لهکذا تبادلات وهی مستخدمة من قبل متداول الاختیار لیقلل من أخطار المجازفة، مثلاً الطرف (أ) یرید أن یشتری الحساسیة فی أسهم نوکیا ویظن أن أسهم نوکیا سوف تتحرک - هبوطاً أو صعوداً - أکثر من 2% کل یوم لمدة شهر ویجد طرفاً وهو طرف (ب) وهو بدوره - أی طرف (ب) - یظن أن أسهم نوکیا سوف تتحرک اقل من 2% کل یوم لمدة شهر فیتداولان التبادل ویتفقان أنهما یضربان الناتج - الإیراد - ب - (1000000@@) (ملیون دولار) وسیدفعان وفقاً للناتج ربما نحصل علی هاتین النتیجتین:

1 - أسهم نوکیا تتحرک معدلیاً - هبوطاً أو صعوداً - 5% کل یوم فالطرف (ب) یدفع (30000@@) للطرف (أ) أی 3% وهو الفرق بین 5% و 2% (3% * 1000000@@).

ص:247

2 - أسهم نوکیا تتحرک معدلیاً - هبوط أو صعوداً - 1% کل یوم فالطرف (أ) یدفع (10000@@) للطرف (ب).

40 - هل یجوز أن نشتری ونبیع تبادل الحساسیة؟

ج/ یجوز ذلک لنفس ما مر من التراضی الموجود بینهما فی تصرف کل منهما فی مال الاخر مطلقاً ای سواء اکان العقد صحیحاً شرعاً ام لا، بل لایبعد صدق التجارة من تراض علی هذه التبادلات وحینئذ فتکون مشمولة لاطلاق الایة المبارکة المتقدمة.

6 - المشتقات المناخیة:

وهی من العقود الحدیثة وقد قرأنا تقریرا ُ عنها بتاریخ 1997، وهذه العقود مرتبطة بالمناخ أو الطقس کدرجات الحرارة أو معدلات هبوط الأمطار.

وهذه العقود الحدیثة تبدو عند الناس بأنها طریقة جیدة لحفظ استثمارتهم من المناخ غیر المناسب، فمثلاً: لو کانت هناک شرکتان فی منطقة معینة أحدی الشرکتین تملک مزرعة لزراعة الرز والثانیة شرکة لحدیقة ألعاب للأطفال، فهبوط الأمطار یکون معدله السنوی فی هذه المنطقة (20 سنتمتراً) فإذا هطل أکثر من هذا المعدل فأن مزرعة الأرز سوف ینتج أکثر وإذا لم یهطل بشکل جید أی أقل من المعدل السنوی فیکون ربحها قلیلاً أما حدیقة الألعاب فانها یجذب زبائنه عندما لا یکون هناک أمطار وعند هطول الأمطار فالناس یبقون فی منازلهم ولا یذهبون إلی حدیقة الألعاب.

فلذلک الشرکتان لدیهما تفضیلات معاکسة للآخر فالمزرعة تفضل المطر وحدیقة الألعاب تفضل عدم هطول المطر، فالشرکتان لکی تبتعدان عن مجازفة التقلبات فی الربح فهما یفضلان الربح المستقر ولیس الربح المتقلب فتتداولان تبادل المناخ.

فتتبادل مزرعة الأرز مع حدیقة الألعاب تبادلاً مناخیاً بحیث لکل (1 سنتمتر) أکثر من (20 سنتمتر) من الإمطار یدفع المزرعة لحدیقة الألعاب مبلغاً معیناً ولکل (1 سنتمتر) أقل من (20 سنتمتر) من الإمطار تدفع حدیقة الألعاب مبلغاً معیناً لمزرعة الأرز.

41 - هل یجوز بیع وشراء المشتقات المناخیة؟

ص:248

نعم یجوز ولا مانع من ذلک شرعاً لأن مرجع ذلک إلی تعهد صاحب المزرعة لصاحب حدیقة الألعاب أن یدفع له مبلغاً معیناً أذا کان هبوط الإمطار أکثر من المعدل السنوی ولا مانع من هذا التعهد والشرط شرعاً، غایة الأمر لا یجب الوفاء بهذا التعهد شرعاً باعتبار أنه شرط وتعهد ابتدائی. وأما إذا وفی کل منهما بتعهده بطیب نفسه فهو أمر حسن، هذا مضافاً الی ان التراضی بینهما موجود وان کان العقد باطلاً شرعاً.

ودعوی أن هذا قمار لا اساس لها بل هی غریبة لأن القمار عمل ولعب واللعب القماری حرام، وإما فی المقام فلیس هنا عمل بل تعهد نفسانی لکل منهما بدفع مبلغ عند حدوث حادث فإذا تعهد زید بأن یدفع مبلغاً معیناً لعمر عند حدوث حادث فهل هذا حرام وکذلک العکس!؟ وبذلک یظهر حکم تبادل الحساسیة بالتفضیل فان حکمه نفس حکم المشتقات المناخیة ولا فرق بینهما فیه.

ص:249

البنوک الإسلامیة:

حصلت تطورات عدیدة فی البنوک الإسلامیة خلال العشرین سنة الماضیة وأغلب هذه البنوک تابعة لجماعة العامة - أخواننا أهل السنة - وهذه التطورات حدثت فی بنوک الشرق الأوسط ومالیزیا، وتعتبر هذه البنوک وعقودها إسلامیة عندما یحکم فقهائهم - المختصین فی البنوک والبورصات - بأنها إسلامیة.

وهذه العقود مبنیة علی العقود الإسلامیة المتعارفه کالمضاربة والوکالة وغیرها.

حالیاً فی البنوک الإسلامیة هناک عقود تتضمن عقود إسلامیة معروفة ولکن فی النتیجة تکون نفس النتائج الاقتصادیة للبنوک غیر الإسلامیة مثلاً: العقد التالی یعطینا نفس نتیجة الودیعة الربویة وإلیکم الخطوات التالیة مثلاً:

1 - (زید) یضع (100@@) فی البنک والبنک یقوم بشراء الذهب لزید.

2 - ثم البنک یذهب إلی شخص آخر ویشتری الذهب منه ب - (100@@).

3 - (زید) الآن یبیع الذهب للبنک ب - (100@@) مع زیادة الربح ولکن یتفقان علی أن یکون استلام النقود لبیعها بعد سنة.

4 - البنک یرجع الی شخص آخر - وغالباً فی نفس الیوم - ویبیع الذهب له ب - (100@@)

5 - یتفق البنک وزید أن الربح سوف یکون مرتبطاً ب - (لا یبور) وبعد سنة سوف یحصل (زید) علی 100@@مع الربح أیضاً.

42 - هل تجوز الخطوات من 1 إلی 4 مع العلم أنها خطوات عادیة، ولکن القصد هو أن تصل إلی نفس نتیجة الودیعة الربویة؟

ج / مادام تلک الخطوات - من البیع والشراء - واقعیة وحقیقیة فلا مانع منها، اما اذا کانت صوریة وفی الحقیقة قرض ربوی فلا یجوز.

43 - هل یجوز أن نربط الربح بمؤشر ربوی مثل (لا یبور)؟

ج/ نعم یجوز ولا مانع منه شریطة ان یکون ربح البیع والشراء.

ص:250

العمل فی البنوک:

مسلم یعمل فی قسم القروض فی بنک ما یقرر من زبائنه سوف یستلم قرضاً عند وأحد زبائنه مؤسسه إسلامیة، وهذه المؤسسة تستقرض (1000 دولار) من البنک بشرط أنها سوف تدفع (50 دولار) فائدة علی القرض بعد سنة الشرط مکتوب فی العقد.

44 - هل یجوز للمسلم أن یقرض للمؤسسة الإسلامیة مع أخذ العلم أنه لن یطلب الفائدة من المؤسسة أذا لم تدفعها لسبب أو آخر؟

ج / نعم یجوز أذا کان فی نفسه ملتزماً بانه یقرض بدون الفائدة ولم یطالبها بها والاّ فهو قرض ربوی فلا یجوز.

45 - وإذا لم تدفع المؤسسة الفائدة فشخص آخر من البنک غالباً من قسم آخر سوف یطلب فهل یجوز للمسلم أن یقرض؟

ج / ان معنی ذلک ان هذا القرض من البنک ربوی ویطالب بالفائدة شخص آخر من قبل البنک.

ص:251

الفهرس

موضوعات الکتاب 3

المقدمه الأولی: سؤال عن تحدید دائرة موضوع حرمة القروض الربویة فی البنوک والمصارف 6

الجواب: 12

المقدمة الثانیة: الأموال المودعة فی البنوک والمصارف هل هی ودائع حقیقیة بالمعنی الفقهی أو أنها فی الحقیقة قروض ربویة 18

البنوک والمؤسسات الحکومیة وکیفیة تملک الأموال المودعة عندها 24

البدائل الشرعیة للمعاملات الربویة التقلیدیة للبنوک والمؤسسات النقدیة 27

البدیل الاول للمعاملات الربویة 31

تقسیم الأرباح بین اصحاب المال والعاملین 39

البدیل الثانی للمعاملات الربویة 43

البدیل الثالث للمعاملات الربویة 45

البدیل الرابع للمعاملات الربویة 46

البدیل الخامس للمعاملات الربویة 46

البدیل السادس للمعاملات الربویة 48

النوع الثانی: الخدمات البنکیة المصرفیة فی مختلف جوانب الحیاة الاقتصادیة وهی عدة خدمات 54

معالجة الدیون المیتة المتعثرة 55

عقد التأمین وأرکانه وتخریجه الشرعی 58

تحصیل قیمة الشیکات وکیفیة تخریجه الشرعی 60

التحویل الداخلی وتکییف تخریجه الفقهی 66

التحویل الخارجی وتکییف تخریجه الفقهی 70

خصم الکمبیالات أو تنزیلها وکیفیة تخریجه الشرعی 74

تحصیل الشیکات التجاریة و کیفیة تخریجه الفقهی 80

قبول البنک الأوراق التجاریة بتوقیعه علیها الشیکات والکمبیالات 83

خطابات الضمان (الکفالات) وتکییف تخریجها الشرعی 86

فتح الإعتماد وکیفیة تخریجه الشرعی 92

فتح الاعتماد المستندی وصوره وشروطه وتکییف تخریجها من وجهة النظر الشرعیة 95

ص:252

الاعتماد الشخصی وتخریجه الفقهی 111

تخزین البضائع وشروطه من وجهة نظر الشریعة 115

خصم الأوراق التجاریة وکیفیة تخریجه الفقهی 118

القروض والتسلیفات وکیفیة تخریجها من وجهة النظر الشرعیة 122

صرف العملات الأجنبیة وتکییف تخریجه الشرعی 125

بیع العملات الأجنبیة وشراؤها وتخریجه الفقهی 127

التحویل المصرفی الخارجی وتکییف تخریجه الشرعی 129

قبول البنک الودائع من عملائه 133

الودائع علی ثلاث أقسام 133

الشیکات المصرفیة وکیفیة تخریجها الشرعی 137

بطاقات الإئتمان وأنواعها وتکییف تخریجها الشرعی 142

البطاقة الإتمانیة علاقة بین الأطراف الثلاثة 143

أنواع البطاقات الإئتمانیة وأحکامها شرعا 146

طبیعة العلاقة بین الأطراف الثلاثة للبطاقة الإئتمانیة وأحکامها من وجهة النظر الشرعیة 149

الأسهم والسندات 160

سوق الأوراق المالیة أو سوق تداول الأسهم والسندات 166

تکییف عملیات تداول الأسهم من الناحیة الشرعیة وأقسامها 169

الشرکات المساهمة فی البلاد الأجنبیة غیر الإسلامیة وأقسامها وتخریجها الفقهی 179

التعامل فی الأسواق المالیة (البورصات) وتخریجه من وجهة النظر الإسلامیة 189

النقود الذهبیة والفضیة 190

النقود الورقیة 190

السلع 192

الطعام 193

سوق الإختیارات أو البیع والشراء بالخیار من وجهة النظر الإسلامیة 195

تکییف حق خیار الشراء من الناحیة الشرعیة 200

تکییف حق خیار البیع من الناحیة الشرعیة 203

الأختیار علی العملة الأجنبیة وتخریجه الفقهی 208

ص:253

العقود المستقبلیة وأحکامها الفقهیة 210

مجموعة من التساؤلات حول العقود والمعاملات والتبادلات الجاریة فی الاسواق المالیة العالمیة (البورصات) علی ضوء قوانینها وانضمتها الصارمة وتخریجها علی وفق القوانین الاسلامیة 218

ص:254

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.