خلاصه معرفیه

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، 1340-

عنوان و نام پدیدآور : خلاصه معرفیه/ محمد سند.

مشخصات نشر : قم: سعیدبن جبیر، 1390، = 2011م، = 1432ق.

مشخصات ظاهری : 402ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : آزادی -- جنبه های مذهبی -- اسلام

رده بندی کنگره : BP231/2/ج7الف2 1374

رده بندی دیویی : 297/4832

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام علی أشرف الأنبیاء والمرسلین محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین ، واللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین من الأولین والأخرین إلی قیام یوم الدین .

وبعد ...

إن هذا الکتاب هو عبارة عن عدة حوارات مع سماحة الأستاذ آیة الله الشیخ محمد السند (دام ظله) وقمنا بنفس وترتیب العناوین وتحقیقها ومنهجتها فی کتاب (عوالم الإنسان ومنازله ، العقل العملی وقضایاه) وجعلناه الجزء الثانی من سلسلة الحوارات الفکریة وأسمیناه (خلاصة معرفیة) ، إلا أنه الفارق واضح بینه وبین الجزء الأول ، حیث کان الجزء الأول مختص بنفس عنوانه - عوالم الإنسان والعقل العملی - ، أما هذا الجزء - الثانی - فهو عام وشامل لأغلب العلوم الدینیة من الفقه والکلام والتفسیر

ص:5

والحدیث والأخلاق وتراجم العلماء وغیر ذلک کما سوف یتضح لک إن شاء الله تعالی . وإذا وفقنا الباری تعالی سوف تکون هناک أجزاء أخری إن شاء الله ، نسأل من الله أن یحفظ شیخنا الأستاذ بحق محمد وآل محمد .

وفی الختام نسأل الله (عز وجل) القبول ، إنه نعم المولی ونعم النصیر .

15 شعبان 1432 ه-

ولادة قائم آل محمد (عج)

إبراهیم حسین البغدادی

النجف الأشرف

ص:6

الفصل الأول (العقائد)

التوحید :

المحاور: ورد فی الدعاء : (فسویت السماء منزلاً رضیته لجلالک ووقارک وعزتک وسلطانک ، ثم جعلت فیها کرسیک وعرشک ثم سکنتها ، ثم سکنتها لیس فیهما غیرک ) (1) .

وورد فی قصة المعراج :

(فقال جبرئیل : تقدم یا رسول الله لیس لی أجوز هذا المکان ولو دنوت أنملة لأحترقت )(2).

والسؤال : هل تواجد الله فی السماء غیر تواجده فی الأرض وکیف کان قرب الرسل فی المعراج اقرب إلی الله منه فی الأرض حتی أن جبرائیل لو اقترب احترق کیف نواجه ظاهر هذا الحدیث ؟ .

الشیخ السند : لیس مکان أقرب من مکان إلیه تعالی فهو معکم أینما کنتم ولا یحویه مکان ولا یحده زمان ولا مکان محیط بکل شیء داخل فی الأشیاء لا بممازجة وخارج عنها لا بمزایلة قیوم علیها کل شیء قائم کیانه

ص:7


1- (1) - مصباح المتهجد للطوسی ص429 ، دعاء لیلة السبت .
2- (2) - مناقب آل أبی طالب لأبن شهر آشوب ج1 ص155 .

به تعالی ، لا یداخله التغییر ، وهو الکمال المطلق لا یعتریه نقص ولا یقدّر بالطول والعرض والعمق إذ لیس هو بجسم ولا مادة تعالی عما یصفه المشبهون ، وأما ما فی الدعاء من التعبیر بکون السماء منزلاً لجلاله ووقاره وعزه وسلطانه فهو بمعنی ظهور أسماء الجلال والعزة والقدرة فی السماء إذ هی موطن الملائکة کما فی الحدیث والملائکة علی طبقات من المقربین والکروبین وغیرهم ومن ثم قال تعالی : یا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ(33) فَبِأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِ(34) یُرْسَلُ عَلَیْکُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ(35)1، وقال تعالی حکایة عن کلام الجن : وَ أَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِیداً وَ شُهُباً(8) وَ أَنّا کُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ یَسْتَمِعِ الْآنَ یَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً(9)2.

وفی الحدیث عنهم (علیهم السلام) أن الله تعالی إنما عرج بنبیه إلی سدرة المنتهی ومنها إلی حجب النور ، لا لأن الله تعالی فی موضع دون آخر وإنما لیریه من آیات ربه الکبری کما دلت علی ذلک سورة النجم أیضاً ، إذ آیات العظمة الإلهیة فی السماء أکبر مما فی الأرض ، وإلا فالرؤیة لله تعالی قلبیة ببصیرة القلب والروح لا بالبصر والعین الحسیة تعالی الله عما یصفه المشبهون ، وفی الحدیث : (

وإن الملأ الأعلی یطلبونه کما تطلبونه أنتم )(1).

ص:8


1- (3) - بحار الأنوار ج66 ص292 .

المحاور : أن الله هو الغنی المطلق فلماذا خلق السماوات والأرض ؟ .

الشیخ السند : خلق الله تعالی السماوات والأرض لیس أفتقاراً منه تعالی لما خلق بل العکس هو لغناءه یغنی مخلوقاته بالوجود والکمالیات ، ولعظمة کمالاته تتجلی أفعاله فی صورة المخلوقات لتکون آیات وعلامات لعلوّ إبداعه وغور حکمته ودقة نظمه ، وفاقد الشیء لا یعطیه فالعطاء والإنعام دلیل الغناء بالبداهة العقلیة .

المحاور:

1 - ما اسم الله ؟ .

2- ما خواصه ؟ .

الشیخ السند : 1- أسماء الله تعالی تطلق علی معانی فیستعمل ویراد به الوجود التکوینی الذی هو فعله تعالی وهو علی مراتب ودرجات بحسب السبق واللحوق فی أفعاله تعالی ، فقد یطلق علی فعله الأول فیقال الأسم الأعظم وقد تکون الإشارة إلیه فی قوله تعالی: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی (1) اَلَّذِی خَلَقَ فَسَوّی (2) وَ الَّذِی قَدَّرَ فَهَدی (3) وَ الَّذِی أَخْرَجَ الْمَرْعی (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوی (5)(1)، وقد یطلق علی الأفعال اللاحقة له تعالی ، ویستعمل ویراد به الوجود اللفظی الصوتی أو المکتوب هذا.

ص:9


1- (1) - الأعلی (1 -4).

2- وأما خصوص أسم (الله) فهو علم للذات المستجمعة لجمیع الصفات الکمالیة ، وهو مشتق من الوله وهو الحیرة والهیمان تجاه الذات الإلهیة ، ومنه أشتق الإله أی الشیء الذی إلیه ، أو من ألأه بمعنی الأحتجاب والأرتفاع ، أو من آله بمعنی عبد .

وأما خواصه : فقد روی عن الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) قوله :

(بسم الله الرحمن الرحیم اقرب إلی أسم الله الأعظم من سواد العین إلی بیاضها )(1).

وروی عن زین العابدین (علیه السلام) أنه قال :

(اللهم إنی أسألک باسمک یا الله یا الله یا الله یا الله یا الله الذی لا إله إلا هو رب العرش العظیم ) (2)، أنه الإسم الأعظم .

وروی عن الصادق (علیه السلام) :

(أن کل فعل من شرب واکل ولبس ووضوء وغسل وغیرها لم یبدأ ببسم الله یکون الفعل شرکاً للشیطان فیه )(3).

المحاور: قرأت فی الأربعین حدیثًا للسید الخمینی (رحمه الله تعالی) فی دعائه الأخیر فی خاتمة کتابه ما نصّه : (لا یشترطُ عطاءُ الحقِّ بقابلیّةِ المُعطَی له ) ، وفی تفسیر المیزان ما نصّه : (... بیّن تعالی أن إمساک الجود عمّا أمسک عنه أو الزیادة والنقیصة فی إفاضة رحمته إنما یتَّبِعُ أو یوافق مقدار ما یسعه ظرفه ) (4)، واستشهد بآیتین منها قوله

ص:10


1- (1) - تحف العقول للحرانی ص487 ، بحار الأنوار ج75 ص371 .
2- (2) - الصحیفة السجادیة ، الدعاء الذی فیه الأسم الأعظم .
3- (3) - من لا یحضره الفقیه للصدوق ج3ص352 ، من آداب الطعام .
4- (4) - المیزان للطباطبائی ج15 ص13 .

تعالی: وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21) (1)، وعقّبَ بعدها بقوله ما نصّه : (فهو تعالی إنما یعطی علی قدر ما یستحقه الشیء وعلی ما یعلم من حاله ) ، ألیست الفکرتان متزاحمتان ؟.

الشیخ السند : هناک مذهبان فی القابلیات الذاتیة لماهیات المخلوقات :

الأول : وهو الذی أشار إلیه فی المیزان من القابلیات ذاتیة ذات قدر محدّد والی ذلک قیل الإشارة فی قوله تعالی : إِنّا کُلَّ شَیْ ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ(49) (2)، وقوله تعالی : أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِیَةٌ (3)، وقوله تعالی : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الْأَعْلَی (1) اَلَّذِی خَلَقَ فَسَوّی (2) وَ الَّذِی قَدَّرَ فَهَدی (3)(4)، وقوله تعالی : وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21) (5)، وقوله (صلی الله علیه وآله) :

(الناس معادن کمعادن الذهب والفضة ) (6)، وکذلک أخبار (الطینة) المرویة عنهم (علیهم السلام) واشتهر بین الفلاسفة کأبن سینا : (لم یجعل الله المشمش مشمشاً وإنما أوجده) (7).

وأن الجعل بین الشیء وذاتیاته ممتنع لضرورة التلازم وإنما الخلق یتعلق بإیجاد

الشیء فتنوجد لوازمه بالتبع ضرورة .

ص:11


1- (1) - الحجر (21) .
2- (2) - القمر (49) .
3- (3) - الرعد (17) .
4- (4) - الأعلی (1) .
5- (5) - الحجر (21) .
6- (6) - الکافی ج8 ص177 ، صحیح مسلم للنیسابوری ج8 ص42 .
7- (7) - أوائل المقالات للمفید ص369 .

الثانی : أن تلک القابلیات والماهیات حیث کانت غیر أصیلة فی الحقیقة الخارجیة إلا بتبع الوجود فتلک القابلیات تابعة لمجعولیة الوجود المخلوق فی الممکنات .

والصحیح أن کلا من القولین صواب من جهة دون أخری ، وذلک لأن الماهیات الذوات حیث کانت تبعاً للوجود والفیض الإلهی فلا یتصور تأثیرها فیما هو أصل لها وهی فرع له ، بل هی تنوجد بتبع له ، فمن ثم یصح أن یقال أنه تعالی یعطی الوجود ویعطی القابلیة أیضاً لأنه باعطاءه للوجود أعطی الذات والماهیة بالتبع .

فلکل مرتبة من الوجود الإمکانی حدّ وحدود وماهیة ، نعم مع التحفظ علی الماهیة والقابلیة لا یمکن فرض وجود فیض فوق ذلک الحدّ والقابلیة ، فمع کون رأس الإبرة نفسه رأس الإبرة لا یلج الجمل فی ثقبتها فی سمّ الخیاط نظیر قول السائل للصادق (علیه السلام) :

(هل یقدر ربک أن یجعل الدنیا فی بیضة من غیر أن یصغر الدنیا أو یکبر البیضة ؟ فأجاب (علیه السلام) : إن الله تبارک وتعالی لا ینسب إلی العجز ، والذی سألتنی لا یکون )(1)، أی انه مع التحفظ علی حجم وماهیة البیضة فلا تکون قابلیتها غیر محدودة للعطاء والجود الإلهی ، إذ مع ثبات الماهیة والذات لا یکون العطاء الإلهی إلا بقدر تلک الذات والقابلیة ، وأما مع عدم ثبات وبقاء الماهیة علی حالها وتبدلها من ماهیة إلی أخری ، فلا یکون هناک حداً ولا قدراً خاصاً للفیض بل الماهیة تابعة فبهذا اللحاظ

ص:12


1- (1) - التوحید للصدوق ص130 .

یصح القول بأنه تعالی معطی الکمال والقابلیة معاً .

المحاور: ماذا تعنی الصفات الثبوتیة و الصفات السلبیة ؟ .

الشیخ السند : الصفات الثبوتیة هی کل صفة وجودیة کمالیة یستند تحققها إلی الموصوف ، وفی الباری تسمی أیضاً صفات الجمال مثل الحیاة والعلم والقدرة ، والصفات السلبیة هی کل سلب صفة نقص وعدم وقد تسمی صفات الجلال مثل لیس بجاهل ولیس بظلام للعبید ، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا یؤده حفظهما ، لا یزال ولا یزول ، لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً أحد .

المحاور: تطرح أحیانا بعض الأسئلة فی نفس الإنسان عن من هو خالق الله أو ما هو أصله سبحانه وتعالی فهل یجوز التفکر فی مثل هذه الأسئلة ؟.

الشیخ السند : ورد النهی عن التفکر فی ذات الله وأنه معنی قوله تعالی :

وَ أَنَّ إِلی رَبِّکَ الْمُنْتَهی(42) (1)، وهو إرشاد إلی ما ورد أیضاً من أن کل ما توهمتموه من ذات الله تعالی و صورتموه أو تخیلتموه فی خواطرکم فهو مخلوق لکم مردود علیکم وإرشاد إلی تنزهه سبحانه عن المقدار والصورة والحدّ والشکل والکیفیة والأین وغیر ذلک من لوازم المخلوق والأجسام والمادة ، لأن المراد من النهی لیس هو النهی عن معرفته تعالی بنحو التنزیه وإلا فکیف یؤمر بالإیمان به تعالی وان المراد من العبادة فی

ص:13


1- (1) - النجم (42) .

قوله : وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ(56) (1)هو لیعرفون ، بل تصحیح معرفتنا به تعالی ومن ثم ورد عقب هذا النهی التوصیة بمعرفته بالصفات التنزیهیة والکمالیة بأنه أحد واحد قیوم أزلی عالم قادر ... ثم إنه یفید فی دفع مثل هذه الخواطر التأمل فی الأدلة والبراهین علی التوحید سواء القرآنیة أو الروائیة والمشروحة فی کتب علم الکلام أو الفلسفة أو بعض التفاسیر کالمیزان .

المحاور : نحن لا نثبت الید أو العین لله سبحانه وتعالی لان إثباتها یقتضی التشبیه ولکن ألا یقتضی أیضا إثبات العلم والسمع والبصر لله تعالی التشبیه أیضاً ؟ .

الشیخ السند : إثبات العلم والسمع والبصر لله تعالی لا یقتضی التشبیه لأنه لیس تعریف السمع هو الإدراک للمسموعات بتوسط الآلة العضویة الجارحة ، بل هو مطلق إدراک المسموع وکذلک البصر هو مطلق الإدراک للمبصرات من دون التقیید بالعین الجارحة العضویة ، وکذلک العلم هو مطلق الإدراک والمعرفة من دون التقیید بالأسباب والآلات تعالی شأنه عن الافتقار إلی الآلة والجارحة وهل یخفی علیه شیء والأشیاء إنما هی قائمة فی الوجود به تعالی وهو الذی أنشأها بقدرته .

المحاور: هل ورد هذا الحدیث بما معناه :

(أن الله تعالی ینزل إلی السماء

ص:14


1- (1) - الذاریات (56) .

الدنیا علی حمار أعرج ) (1)تعالی الله عن هذا ؟ .

الشیخ السند : سئل الکاظم (علیه السلام) عن قوم یزعمون أن الله تبارک وتعالی ینزل إلی السماء الدنیا فقال :

(أن الله لا ینزل ولا یحتاج إلی أن ینزل ، إنما منظره فی القرب والبعد سواء ، لم یبعد منه قریب ، ولم یقرب منه بعید ، ولم یحتج إلی شیء بل یحتاج إلیه وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزیز الحکیم أما قول الواصفین : إنه ینزل تبارک وتعالی فإنما یقول ذلک من ینسبه إلی نقص أو زیادة وکل متحرک محتاج إلی من یحرکه أو یتحرک به ، فمن ظن بالله الظنون هلک ، فاحذروا فی صفاته من أن تقفوا له علی حد تحدونه بنقص أو زیادة أو تحریک أو تحرّک ، أو زوال أو استنزال ، أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل وعز عن صفته

الواصفین ونعت الناعتین وتوهم المتوهمین )(2).

المحاور: لماذا خلق الله سبحانه وتعالی الخلق سیما الإنسان ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ (3)، وقد فسرّت العبادة بالمعرفة کما قد نطق القرآن أن جملة کثیرة من المخلوقات مسخرة للإنسان ، فیستنتج أن هدف الخلقة هی معرفته تعالی .

المحاور: سؤال یطرح علیّ دائماً فی نقاشاتی مع المادیین الذین لا یؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالی وهو من خلق الله (عزوجل) أو بعبارة أخری سر

ص:15


1- (1) - شرح مسلم للنووی ج9 ص117.
2- (2) - الکافی للکلینی ج1 ص125 .
3- (3) - الذاریات (56) .

تکوینه .

الرجاء الإجابة الوافیة علی هذا السؤال وبکلمات غیر معقدة حتی یسهل علیّ ترجمتها إلی لغة أخری ؟ .

الشیخ السند : السؤال عن مبدأ الخلقة لو تابعناه فإنه لا یقف عند حدّ ویتتابع السؤال حتی عند المادی القائل بأن المادة الطبیعیة هی أصل کل الموجودات ، فإن السؤال یتکرر علیه کیف وجدت هذه المادة هل وجدت من نفسها لا سیما وإن المادة کما نشاهد منفعلة ، لا تکتسب کمالها من ذاتها بل من غیرها ، فکیف هی أوجدت نفسها ، مضافاً إلی ما نشاهده من هذا النظم الذی یحیّر العقول وإلی یومنا هذا رغم ما توصل إلیه البشر من علم وتقنیة وأجهزة إلا أنهم یقفون حائرین أمام أسرار الخلقة والقوانین المودعة فیها ولم یکتشف العلم البشری إلی یومنا هذا إلا أقل القلیل من ذلک ، فهذا النظم الباهر للعقول والمعجز للبشر لا یجیء من المادة الناقصة عن الکمال لا سیما المادة الطبیعیة البسیطة فی اوائل تکونها .

وعلی ذلک فإننا نواجه هذا السؤال فی کل ما نفرضه أول ومبدأ للخلیقة وحینئذ فإن جعلنا ما هو مبدأ للتکوین والکون هو کتم العدم والفقدان نفسه ، فإن هذا الفرض یحکم العقل والبدیهة بإمتناعه فإن فاقد الشیء لا یعطیه ، فلا محالة و أن یکون رأس سلسلة الوجود حقیقة غنیة بذاتها .

وبعبارة أخری أننا لما نشعر بحقیقة وجودنا وبأیة واقعیة ، فإننا ندرک أن السفسطة

ص:16

النافیة لکل حقیقة مذهب کاذب ، وصدق القضیة الأولی وکذب القضیة الثانیة ، تطابقها مع الواقعیة التی تحیط بحقیقتنا المحدودة ، فتلک الواقعیة الوسیعة ندرک أنها قبل حقیقتنا وبعدها تلک الحقیقة الوسیعة التی تطابق کل شیء له صدق بها ندرک أنها سرمدیة أزلیة حتی أن القائل بالسفسطة عندما یرید أن یتبنی صدق مذهبه فهو مذعن بأن مذهبه صادق بمطابقته للواقع وللحقیقة المطلقة ، ولا یمکنه أن یفرض أن الواقع مقید والا لما کان صدق مذهبه بصدق مطلق ، فالصدق المطلق یبتنی علی تلک الحقیقة الوسیعة السرمدیة والأزلیة .

و هذا البیان لیس خاصاً بالوجود بل کذلک یتکرر فی کل کمال کالعلم والقدرة والحیاة وغیرها فإن سلسلة العلوم لا یمکن أن تخرج من کتم العدم والجهل تلقائیاً ، بل کل علم خاص ومحدود لکی یصدق لابد أن یتطابق مع علم وسیع سرمد ازلی وکذلک القدرة والحیاة وبقیة الکمالات ، فهناک حقیقة أزلیة سرمدیة وکذلک هی علم سرمدی وازلی وهی قدرة أزلیة وحیاة سرمدیة أزلیة وهی ینبوع الکمالات بل هی تحیط بالعدم والمعدومات ، وإلا لکان العدم هو الأصل وقد سبق أمتناعه .

المحاور: فی عبارة (سبحان الله) ، ما معنی کلمة سبحان ؟ .

الشیخ السند : أی أنزه الباری من النقص من التنزیه .

المحاور: هل یمکن رؤیة الله سبحانه وتعالی ؟ .

ص:17

الشیخ السند : رؤیة الله تعالی لیست بالعین الجسمانیة البدنیة لأنها لا یری بها إلا ما یحاذیها من الأجسام وتنزه وجلّ الباری تعالی أن یکون جسماً لأن الجسم محدود محتاج فی أنتقاله إلی غیره ولا یحیط بل یکون محاطاً بغیره والجسم معدن الحاجة والافتقار وجلّ الباری عن ذلک ومن ثم قال تعالی : لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ (1)، فهو لطیف عن کثافة الجسم وغلظته .

بل بالروح المجردة عن المادة والجسم التی تشکل ذات الإنسان ومراتبها کالقلب والسر والخفی والاخفی کما أشار إلی تلک المراتب قوله تعالی : یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفی (2)، یَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْیُنِ وَ ما تُخْفِی الصُّدُورُ (3)، الروح والقلب هو المؤهل للرؤیة کما اشار تعالی إلی بصر القلوب وعماها : فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ (4)، فاثبت تعالی للقلوب بصر وعمیً ، فالإیمان بصر والکفر غطاء وعمی للقلوب ، کما قال تعالی عن رؤیة النبی لیلة المعراج: ما کَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأی فَتُمارُونَهُ عَلی ما یَری (5)، فأثبت لفؤاده (صلی الله علیه وآله) الرؤیة لا لعینه الجسمانیة ، وکما قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی نهج البلاغة :

(لا تراه العیون بمشاهدة العیان ولکن تدرکه القلوب

ص:18


1- (1) - الأنعام (103) .
2- (2) - طه (7) .
3- (3) - غافر (19) .
4- (4) - الحج (46) .
5- (5) - النجم (11 - 12) .

بحقائق الإیمان )(1)، فإدراک القلوب للمعانی والآیات الکونیة والعلمیة مرآة لرؤیة

القلب للأسماء والأنوار الإلهیة .

وعلی ذلک فلا تختص الرؤیة القلبیة بالآخرة بل هی حاصلة فی دار الدنیا أیضاً تبعاً لدرجة الإیمان وقوته حتی قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : ( لو کشف الغطاء ما ازددت یقیناً )(2)، نعم الغالب من المؤمنین یزدادون یقیناً بالموت والذهاب إلی الآخرة وعندما یزداد الیقین الذی هو فعل القلب تشتد رؤیة القلب فی الآخرة للأنوار والآیات الإلهیة .

المحاور: علم الله تعالی مسبب أم لا ؟ .

الشیخ السند : علمه تعالی منزه أن یکون مسبب بل هو سبب لکل شیء من دون لزوم الإکراه والجبر ولا نفی أختیار العبد .

المحاور : هل یعلم الله سبحانه وتعالی أفعالنا قبل صدورها ؟ .

الشیخ السند : یعلم الباری تعالی أفعالنا قبل صدورها . کیف والباری یخلق لنا صورة الرؤیا فی المنام لأحداث قبل وقوعها فنشاهد الحدث قبل ذلک بأیام أو سنین یقع کما رأیناه فی المنام وقد أخبر الباری بجملة أمور مستقبلیة فی دار الدنیا ، ولدار الآخرة قبل وقوعها کما فی غلبة الروم علی کسری وغیر ذلک من ملاحم إنباءات القرآن الکریم .

المحاور: هل الله (عز وجل) خلق الخلق لعبادته أو معرفته ، وإذا کان

ص:19


1- (1) - شرح نهج البلاغة ج2 ص100 .
2- (2) - شرح نهج البلاغة ج13 ص8 .

لمعرفته ، لماذا العبادة ؟ .

الشیخ السند : المعرفة درجات ، وهی لا تحصل بالتعلم والتفکر فقط بل بالعبادة أیضاً ، لإنها ترویض لقوی النفس المؤثرة فی عملیة إدراک النفس فإن کبریاء النفس یحجبها عن إدراک الحقیقة فإنه یخیل لها أن لا حقیقة وراء ذاتها فلا تدرک حدوث نفسها وحاجتها وأفتقارها إلی الحق الازلی السرمدی الغنی المطلق

، فأکبر عامل للکفر هو الکبریاء والأستکبار النفسانی وهو أکبرجهل تبتلی به النفس وبالعبادة تطرد النفس هذا الجهل ، فالإیمان والمعرفة لیست بمجرد المفاهیم والمعانی فإنها لا تورث تسلیماً واذعاناً فی القلب إذا ما کان مبتلی بأمراض کالبطر والغرور واللهو . فالعبادة سلوک علمی لا عملی بحت کما یتخیل فطهارة النفس من أهم عوامل إدراکها للحقائق .

المحاور: هل لکم أن تشرحوا لنا معنی الإرادة التکوینیة والإرادة التشریعیة مع بعض الأمثلة ؟ .

الشیخ السند : الإرادة التکوینیة : هی الإرادة الوجودیة التی تتعلق بالأفعال الکونیة من الخلق والرزق والإماتة والإحیاء وعموم أفعال القضاء والقدر .

وأما الإرادة التشریعیة : فهی التی تتعلق بإنشاء الأحکام الشرعیة والقوانین الأعتباریة .

المحاور: ما هو أعتقاد سماحتکم فی الوجود والماهیة ؟ .

ص:20

الشیخ السند : الواقعیة مهما أختلف فی أصالة الوجود أو الماهیة فإنه یطرد بها السفسطة وإن کانت أدلة أصالة الوجود أقرب .

المحاور : ما هو تقسیمکم الوجودات الذهنیة ؟ .

الشیخ السند : الوجود الذهنی یخضع لتقسیمات عدیدة تارة بلحاظ العلم وأخری بلحاظ المعلوم وثالثة بلحاظ مراتب شدة الوجود .

المحاور : هل یجوز إطلاق لفظ العلة علی الله تبارک وتعالی ؟ .

الشیخ السند : إذا لم یکن الأطلاق علی نحو التسمیة الموقوفة من الوحی بل من باب أصطلاح لفظ معنی وهو الذات المستجمعة للصفات الکمالیة المنزهة عن النقائص الأزلیة السرمدیة الموجدة لما سواها من الذوات ، فهذا مجرد

أصطلاح لغة ولفظ لمعنی متسالم علی صحته فی شأنه تعالی ، نظیر أختلاف اللغات البشریة کالعربیة والفارسیة والهندیة والأنجلیزیة فی ألفاظ التسمیة .

المحاور : هل الأعتقادات أمور عقلیة و هل یجوز التقلید فیها ؟ .

الشیخ السند : المسائل الإعتقادیة منها ما یکون من أصول الإعتقاد فلا یصح فیها التقلید ولا بد من الدلیل القطعی فیها سواء العقلی أو النقلی المرکب من مقدمات عقلیة ، وأما تفاصیل المسائل الإعتقادیة المترامیة أتساعاً فهناک من یری صحة التقلید فیها للعلماء الحاذقین المهرة .

المحاور : هل إثبات التوحید عقلی أم شرعی ؟ .

ص:21

الشیخ السند : إثبات التوحید عقلی وفطری لا تعبد شرعی ، نعم إرشاد الوحی کمنبّه إلی أدراک العقل والفطرة .

المحاور : لماذا صارت کلمة التوحید ( لا اله الا الله ) ؟ .

الشیخ السند : لا إله إلا الله کلمة التوحید لنفی الإلوهیة عن غیر الذات الأزلیة الجامعة لجمیع صفات الکمال ، ولکن هذه الکلمة کما قال الإمام الرضا (علیه السلام) هی : ( لکن بشرطها وشروطها )(1)، وإمامة أهل البیت من شروطها وقبل ذلک الإقرار بالنبوة والمعاد ، فإن أصول الدین کلها أبواب توحید ، فإن المعاد هو توحید فی الغایة : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ (2)، وکذلک النبوة فإن توحید فی التشریع : إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ (3)، والإمامة توحید فی الطاعة والحاکمیة : اَلْوَلایَةُ لِلّهِ الْحَقِّ (4).

المحاور: قال الله تعالی : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (5)، ومشکلتی تبدأ عندما أقول : ( لا إله إلا الله ) أسمع صوت فی داخلی یقول إنه یوجد إله آخر (ولیس مخلوق من مخلوقات الله تعالی ) و هذا الإله الآخر لکنه لا یشارک الله فی ملکه (ای السبع سموات والسبع أراضین ولا فی خلقهما ولا فی التدبیر ولا فی الأمر ) ، بل یکون لکل منهما کونه الخاص به المستقل عن الآخر ولکل منهما

ص:22


1- (1) - صحیفة الرضا (علیه السلام) ص78 .
2- (2) - البقرة (156) .
3- (3) - الأنعام (57) .
4- (4) - الکهف (44) .
5- (5) - الأنبیاء (7) .

مخلوقاته الخاصة به وعندما أقول له لیس لله شبیه و ذلک لقوله تعالی : لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ (1)، یقول لی إن لفظة ( کفواً ) هنا تعنی المساواة فقط ولیس المشابهة علماً بإن المساواة هی غیر المماثلة لأننا إذا قلنا انه لا یوجد إله آخر ( ولیس مخلوق من مخلوقات الله ) یساوی الله فی صفة قدرته علی الخلق مثلاً فإننا لا ننفی نفیاً قاطعاً صفة قدرة الإله الآخر علی الخلق ، بل نقول فقط إنه اقل قدرة من الله فی تلک الصفة أی إذا کانت قدرة الله 100% فمثلا تکون قدرة الإله الآخر 70% أو 80% مثلاً .

فعندما نقول لا یتساویان فی القوه مثلاً فإننا لا ننفی نفیاً قاطعاً وجود القوة فی کلیهما ، بل نقول إن أحدهما أقوی نسبیاً من الآخر . فهل ممکن أن تعنی لفظة الکفء هنا المشابهة والمماثلة ولیس فقط المساواة ؟ .

وهو أیضاً من الوساوس التی تراودنی حول نفس هذا الموضوع وهو : معنی قول الله تعالی : لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ ، هل معنی ذلک إنه لا یوجد مساوی أو مطابق لله تماماً ( إی مئة بالمائة ) فی صفاته وأسماءه فقط ؟ أم هل معناه عدم وجود شبیه لله أو مثیر فی أی صفة من صفاته ولیس بالضرورة المطابقة التامة

( لأننا نعلم إنه إذا حصل تطابق وتساوی مئة بالمائة بین الإلهین فی صفاتهما فلا یحصل بذلک التعدد بینهما بل یکونان إله واحد لأن التعدد لا یحصل بین شیئین متطابقین مائة بالمائة فی صفاتهما بل لابد من وجود اختلاف بینهما لکی یتم التعدد ؟.

ص:23


1- (1) - الأخلاص (4) .

سؤالی یتعلق بقول أمیر المؤمنین سیدنا علی ( علیه السلام ) وهو : ( إن الله واحد بلا عدد )(1)، لأن الواحد یأتی بعده اثنان وثلاثة ... الخ

ما المقصود بعبارة یأتی بعده ؟ هل معناها لا یأتی بعده فی الزمان ؟ أی لا یأتی بعد الله إله آخر یشبهه فی صفاته ؟ أم المقصود من هذا القول إن الله واحد لا ثانی له من جنسه ولا فی نوعه ولا فی صفاته وهو المتفرد بکونه إلهاً أزلاً أبداً ولا یوجد أحد علی الإطلاق یشترک معه فی کونه إلهاً منذ الأزل وإلی الأبد أی إن الله فرید من نوعه ولیس قبله أو معه او بعده أحد یشبهه فی جنسه ونوعه وصفاته ولا فی کونه إلهاً ؟ لأننا إذا قلنا إنه لا یوجد بعد الله أحد یشبهه فی صفاته وفی کونه إلهاً ، فهذا القول یفتح المجال أمام القول وهو قد یکون مع الله الآن ( ولیس بعده ) إله آخر یشبهه فی صفاته ( وبالطبع لیس مخلوق من مخلوقات الله بل إله آخر ) و هذا الإله الآخر لیس بالضرورة إن یشارک الله فی ملکه ، بل یکون لکل من الإلهین ملکهما الخاص وخلقهما الخاص من دون مشارکة .

ما معنی قوله تعالی : لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ (2)؟ أی هل من الممکن إذا قلنا أن یوجد إله آخر (ولیس مخلوق من مخلوقات الله ) یشبه الله فی صفاته فنقول هذا غیر صحیح لأن الله لیس کمثله شیء . أی هل من الممکن إن هذه الآیة یقصد بها إنه لا یوجد مخلوق یشبه الله فی صفاته ولا حتی ممکن أن یوجد إله آخر یشبه الله فی جنسه ونوعه أی إن کلمة شیء تعنی عدم

ص:24


1- (1) - موسوعة العقائد الإسلامیة ج4 ص22 .
2- (2) - الشوری (11) .

وجود شبیه لله مطلقاً لا من مخلوقاته ولا من شیء آخر وقد یقصد بالشیء الآخر إله مثلاً .

الشیخ السند : إن فرض تعدد الآلهة لا ینحصر بإلهین بل یمتد إلی أعداد لا تنحصر بحصر حاصر وعلی أی تقدیر فإن تعدد الإله یستلزم وجود حدود بین هذه الذوات التی تفرض أنها آلهة ، وبالتالی فإن کلاً من هذه الذوات ستکون محدودة وکل محدود فإنه حادث لأن المحدود لا یکون غنیاً بالذات بل لمحدودیته فإنه فقیر لما وراء حدود ذاته ، فإنه لا یستطیع أن یستحصلها لنفسه فکیف یفرض أنه غنی بذاته ، فالغنی الذاتی یعنی اللا محدودیة وعدم أی حدّ والتعدد یعنی الحدّ فمن ثم انه تعالی واحد لا بعدد لأن الواحد بالعدد یعنی إنطواءه تحت حدود معنی طبیعة معینة یشارکه فیها غیره ، فیکون محدود له مماثل وله مساوی وله مشابه لأن التماثل والتساوی والتشابه یعنی تحدد الذات والتحدید فقر للمحدود وهو یناقض الغنی الذاتی الذی لا یفتقر لا فی أصل وجوده ولا فی صفة کمال فتحدید القدرة وتحدید الإحاطة یعنی إفتقار ، فمن ثم لیس له تعالی کفو فی الغنی الذاتی واللا محدودیة لا من المخلوقات ولا فرض إله آخر ، لأن التعدد فی الغنی بالذات یعنی الحدود بین تلک الذوات وهو یعنی المحدودیة والقصور والنقص عن ما وراء الحد والأفتقار لما وراء الحد ، ولا یمکن فرض تعدد فی اللامحدود لأن اللامحدودیة لا تنتهی الی حدّ کی یمکن فرض ثان أو ثالث له فالعد والتعداد والعدد یعنی التحدید وهو یعنی الأفتقار وأما خلق المخلوقات فلا یعنی حدّ للخالق بل هو قادر علیها مهیمن بل یعنی لا محدودیة قدرته.

ص:25

المحاور: تثار هذه الأیام مسائل تمس العقیدة من قبل اعداء الإسلام أمثال الشیوعیین لبث الشکوک فی قلوب المؤمنین مثلاً بعدم وجود الله الخالق فکیف

نرد علی مثل هذه الاسئلة المهمة بإثبات وجود الخالق وأخضاع العقل والقلب له ؟ .

الشیخ السند : قد ثبت أن المادة تکثف للطاقة والطاقة تتبدد وتفنی فعالم المادة والطبیعة یحتاج إلی مدد من ما وراء الطبیعة ، هذا مضافاً إلی أن عالم الروح قد ثبت عند علماء الروح فی الغرب أنها من الأثیر وما وراء الطبیعة وکیف یتصور أن الشعور والعلم مادة والمادة غیر شاعرة ثم إننا لا نجد أنفسنا وأرواحنا أزلیة أبدیة وقادرة علی کل شیء بل عاجزة حادثة مفتقرة إلی قدرة ما وراءنا .

ولک دلیل آخر أنه لابد من واقعیة لا محدودة أزلیة نطابق کل شیء معها ، فمثلاً عندما نقول بعدم وجود خالق و أن عالم المادة المتغیر المفتقر لما یزوده بالوجود والکمال هو الواقع لا غیر فهل هذه القضیة صادقة أو کاذبة نطابقها مع ماذا لابد من فرض واقعیة تحیط بالأشیاء کی نستطیع مطابقة القضایا الصادقة أو الکاذبة معها إذ بدون ذلک لا یتصور الصدق من الکذب وهو السفسطة فهذه القضیة وهی عدم وجود ما وراء الطبیعة لابد من عرضها علی واقعیة أوسع من المادة کی نعرض علیها القضایا کی نستعلم صدقها من کذبها و تلک الواقعیة اللامحدودة التی تعطی الصدق والحق لکل شیء هی منبع کل شیء .

ص:26

الشرک بالله :

المحاور: سمعت حدیثاً عن الإمام الصادق (علیه السلام) : ( قول الرجل : لولا فلان لهلکت ولولا فلان لضاع عیالی جعل لله شریکاً فی ملکه ویدفع عنه ، فقیل له : لو قال : لو لا أن من الله علیّ بفلان لهلکت ، قال : لا بأس بهذا )(1). فهل هذا یشمل الجمیع بما فیهم الرسول وأهل البیت (علیهم السلام) یعنی ألا أستطیع القول بأنه لو لا رسول الله لهلکت وأری أن الواقع کذلک أم أنه لابد أن أقول لو لا أن الله وفق لی رسول الله لهلکت ألیست هنا خصوصیة لهذه الأنفس المقدسة ؟ .

الشیخ السند : روی الکراجکی فی کنز الفوائد عن أبی عبد الله (علیه السلام) : ( إن أبا حنیفة أکل معه فلما رفع الصادق (علیه السلام) یده من أکله قال الحمد لله رب العالمین اللهم هذا منک ومن رسولک فقال أبو حنیفة یا أبا عبد الله (علیه السلام) أجعلت مع الله شریکاً فقال له : ویلک أن الله (عز وجل) یقول فی کتابه : وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (2)، و یقول فی موضع آخر : وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَیُؤْتِینَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ (3)، فقال أبو حنیفة : و الله لکأنی ما قرأتهما قط من کتاب

ص:27


1- (1) - البحار ج9 ص102 .
2- (2) - التوبة (74) .
3- (3) - التوبة (59) .

الله ولا سمعتهما إلا فی هذا الوقت فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : بلی قد قرأتهما وسمعتهما ولکن الله تعالی أنزل فیک وفی اشباهک : أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (1)، وقال الله تعالی : کَلاّ بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ (2))(3). فیظهر من الآیتین اللتین أشار (علیه السلام) إلیهما أن الإسناد إلی الرسول (صلی الله علیه وآله) لا یتضمن محذور الشرک الخفی و ذلک لکونه (صلی الله علیه وآله) خالصاً فی کونه آیة الرحمن وکلمته الکبری أی أنه متمحض فی الدلالة علی صفات الباری تعالی بخلاف غیره من غیر المعصومین (علیهم السلام) من عموم أفراد البشر فإن ذواتهم بمنزلة الحجاب ، وبعبارة أخری حیث أن الرسول (صلی الله علیه وآله) والمعصومین (علیهم السلام) بیّن صلتهم برب العالمین رسمیاً فأفعالهم منتسبة إلیه تعالی بشکل واضح بخلاف غیرهم فإن فعله لا یمثل رسمیاً المشیئة الإلهیة .

المحاور: هل هناک إشکال لو قال الإنسان المسلم : (لولا الله والشخص أو الإمام الفلانی لما تحقق الأمر ) ؟ و هل تکفی النیة فی مقصد الکلام أی إنه قالها وهو ینوی إن هذا الشخص او الإمام لیس بیده التصرف وإنما الأمر کله یرجع الله تعالی وحده ؟.

الشیخ السند : إسناد الفعل والأمر إلی غیر المعصوم وحصر تحققه به مکروه لیس من الأداب الشرعیة بل الصحیح فی الأدب الشرعی أن یقال إن الله تعالی وفق لحصول الأمر علی ید فلان ، وعلی أی تقدیر المسألة

ص:28


1- (1) - محمد (24) .
2- (2) - المطففین (14) .
3- (3) - بحار الأنوار ج10 ص126 .

لا تتعدی الکراهة والشرک الخفی مادام القصد المنطوی فی وجدان کل مسلم أن الله تعالی هو المعطی القدرة و أن مصدر کل شیء منه تعالی بنظام الأختیار ، أما الإسناد إلی المعصوم (علیه السلام) فالأدب الشرعی یقتضی الإسناد أولاً إلی الباری تعالی ثم إلی رسوله (صلی الله علیه وآله) وخلیفته کما فی قوله تعالی : وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (1)، و : وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَیُؤْتِینَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ (2)، ووجه الأدب الشرعی فی ذلک هو کون الرسول وخلفاءه تعالی مظهر مشیئته تعالی .

ص:29


1- (1) - التوبة (74) .
2- (2) - التوبة (59) .

ص:30

العدالة

المحاور: کیف یفسر الشیعة الإمامیة مفهوم (العدل الإلهی) فی ضوء الأبتلاءات وصور المعاناة التی یعانی منها أصحاب الإعاقات الجسدیة (من عمی وعرج وغیرها من العاهات التی ترافقهم منذ الولادة ) ؟.

ماذا تفسرون ذلک فی ضوء عدالة الله المطلقة وکیف تعامل الفقه الشیعی مع هذه المسألة وذکر أهم الرخص التی منحها لهذه الفئة سواء فی العبادات والمعاملات ؟ .

الشیخ السند : الأبتلاء والمعاناة بأشکالها المختلفة لیست إلا أمتحانات لبنی البشر سواء للمبتلی المعاق نفسه أو للآخرین تجاهه ، فإن حِکَم الأمتحانات الإلهیة متعددة لا یحیط بها العقل المحدود البشری ولیس حیاة الإنسان الأبدیة هی دار الدنیا ، بل هی حیاة مؤقتة محدودة جداً ، والحیاة الأبدیة التی لا أنقطاع لها هی حیاة دار الجزاء الأخروی .

ونقطة ثالثة : إن قیمة الإنسان لیست بشکل صورته ولونه بل بنبله الأخلاقیة وشرافة عمله وطیب إعتقاداته ، وفی الحدیث ورد :

(أن النبی

ص:31

موسی (علیه السلام) طلب منه تعالی معرفة ولی من أولیائه فی مدینة ما ؟ فأوحی إلیه تعالی : أن الرجل هو المعوق المکفوف ، وکان معوقاً فی عدة من أعضاء بدنه ، فسأله النبی موسی (علیه السلام) : هل هو راضٍ عن الله تعالی؟ فأجاب الرجل : نعم ، إنه لو لم یکن لدیّ خصوصیة بینی وبین خالقی لما خصصنی بهذا الأبتلاء ) ، فهذا ما أولد لدی الرجل محبة خاصة بینه وبین الباری تعالی .

وأما الأحکام الفقهیة للمعاق فإن ما یضطر ویعجز عنه مرفوع عنه بحسب تفاصیل تذکر فی الکتب والرسائل الفقهیة.

المحاور : هل تتنافی الزلازل وغیرها من الکوارث الطبیعیة مع العدالة الإلهیة ؟ وما هی وجوه إنسجامها مع العدالة ؟ .

الشیخ السند : الزلازل والکوارث الطبیعیة شأنها شأن بقیة التقادیر فی الظواهر الطبیعیة فإنها تندرج فی ضمن برنامج إلهی متکامل فی منظومة موحدة من تقادیر

الأعمار من الموت والحیاة والأرزاق والرخاء والشدة ، ومن الخطاء فرض فرضیة مسبقة أن للإنسان الحق الأصلی والمحوری والخالق یعطف فعله بلحاظ ذلک ، نعم فعل الخالق حیث إنه ینتهج الحکمة والغایة الهادفة فلا محالة یکون البرنامج الإلهی کل ضمن الوصول إلی غایة حکیمة من سعادة الإنسان وتکامله مع فرض حسن إختیار الإنسان فی فعله ، ولکن تفاصیل أبعاد هذه التقدیرات لیس من الضرورة أن تکون ظاهرة لدی البشر .

ص:32

النبوة

عصمة الأنبیاء :

النبی آدم(علیه السلام) :

المحاور: المعروف أن آدم هو لیس أول البشر وان هناک بشر قبله وان هؤلاء البشر کانوا موجودین أثناء نزول آدم وإن زواج أبناء آدم لم یکن من الأخوة بل من ناس آخرین والسؤال هو :

أولاً : هل أن آدم أول البشر ؟ .

الشیخ السند : مقتضی ظاهر القرآن والروایات کون آدم أبو البشر فهو أوّلهم ، نعم قد کان قبله النسناس وبعدهم الجن ، نعم قد ورد فی بعض الروایات أن قبل آدمکم ألف ألف آدم(1)أی دورات بشریة سابقة غیر معاصرة لنا ، کما ورد أن فی هذا الکواکب التی ترونها : (ونوح کنوحکم وإبراهیم کإبراهیمکم) (2) .

ص:33


1- (1) - التوحید للصدوق ص277 .
2- (2) - عمدة القاری للعینی ج15 ص111 .

ثانیاً : عند نزول آدم إلی الأرض هل کان هناک بشر یعیش علیها أم البشر الذین سبقوه لم یکونوا موجودین فی تلک الفترة ( ماذا حل بهم إذا لم یکونوا موجودین ) ؟.

الشیخ السند : قد تقدم أنهم - علی فرض صحة صدور تلک الروایات - غیر معاصرین و أنهم قد مضت دورات نشآتهم وفصل حیاتهم .

ثالثاً : هل تزوج أولاد آدم من أخواتهم ( کل من التوأم الآخر ) أم تزوج الأولاد من بنات أخریات ؟ .

الشیخ السند : الصحیح المعتمد لدی الإمامیة بحسب روایات أهل البیت (علیهم السلام) وهم أدری بما فی البیت ، هو أن الله تعالی أتی لهابیل بحوریة ولقابیل

بجنیة تمثلت وتکشفت کل منهما فتزوجا بهما ثم تناکح ما خرج من بطنهما من أبناء وبنات العم وتکثر النسل .

رابعاً : هل هناک علة فی منع زواج أولاد آدم من أخواتهم لأن القانون الإلهی ثابت ولذلک لم یتزوجوا أخواتهم ؟ .

الشیخ السند : نعم هناک قبح ذاتی فی زواج الأخوات من الأخوان کما هو فی زواج الأبناء من الأمهات وزواج الآباء من البنات وقد استدل الصادق (علیه السلام) علی ذلک بما هو مغروز فی طبیعة بعض الحیوانات النجیبة کالفرس الأصیل ونحوه من الدواب أنه یمتنع من نکاح أمه .

کما ان المجرب المشاهد المنقول لدی أصحاب تلک الأنواع من الدواب أن تلک الدواب تتعرض لإهلاک صاحبها فیما لو ألجأها أو غافلها فی نکاح

ص:34

أمهاتها أو أخواتها .

خامساً : هل هناک خبر معلوم عن العائلة التی تزوج منها أبناء آدم ؟ .

الشیخ السند : قد ظهر مما تقدم .

المحاور : أن هذا الرأی یخالف تماماً ما یقوله أحد کبار خطباء الطائفة فی الوقت الحاضر وهو (الشیخ الدکتور أحمد الوائلی ) (رحمه الله) حیث یقول بما مضمونة :

أولاً : إن هذا کلام الیهود والإسرائیلیات وهو کلام غیر مقبول لعدة أمور :

1 - : أن الجنیة لیست من جنس الإنسان حتی یتزوجها الإنسی .

2 - : الأدلة التی یقول بها أصحاب هذا الرأی غیر ناهضة ولیست لها علاقة لقوله تعالی : وَ اللّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً (1)، أی من نوعکم وجنسکم .

فالجنیة مخلوقة من نار والإنسی مخلوق من طین ، وهاتین الطبیعتین مختلفتین کل عن الآخر حیث أن للإنس خواص تختلف عن خواص الجن .

فهذا الکلام لا یمکن قبوله فی حال من الأحوال .

و یقول الدکتور أیضاً : نحن بدون هذه الکیفیة من الزواج واقعین فی الضیم ، فکیف عندما یکون أحدهم أبن حوریة والأخر أبن جنیة ، وهل

ص:35


1- (1) - النحل (72) .

الله عاجز عن إیجاد حل آخر ؟ ! فکما خلق الله حواء من التراب لآدم (علیه السلام) هل هو عاجز عن خلق آخرین و هذا لزوم مالا یلزم لأن الله قادر علی فعل کل شیء .

کیف لنا أن نوفق بین القولین علی ما بهما من أختلاف جذری وبأیهما یجب أن نأخذ ، علماً بأن کلام الدکتور (رحمه الله) یتفق مع ما جاء به الدین وأقرب للعقل.

الشیخ السند : کلام الدکتور (رحمه الله تعالی) هو القول الثانی لدی بعض علماء الإمامیة وقد اختاره جمع منهم کالعلامة الطباطبائی فی تفسیر المیزان وغیره ، ولکن مشهور علماء الإمامیة هم علی القول الأول تبعاً لجملة من روایات أهل البیت (علیهم السلام) وإن کان بعض الروایات عنهم قد وردت بمفاد القول الثانی من تزوّج الأخوات بالإخوان الذی هو قول وروایات العامة ، لکنها محمولة علی التقیة ، أما الأدلة التی أستند إلیها :

فأما الأول : فلیس کل ما تقول به الیهود مما یوافق الحق والقرآن الکریم هو مرفوض ألیس هم یقولون بنبوة النبی موسی وإبراهیم وإسحاق ویعقوب فهل اللازم رفض ذلک وقد أستشهد القرآن بجملة مما ورد فی التوراة والإنجیل .

وأما الثانی : فکون الجن لیس من جنس الإنسان لا یمنع من حصول النکاح ویشیر إلی ذلک قوله تعالی فی سورة الرحمن : فِیهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ

لَمْ یَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ 1، وقوله تعالی : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِی الْخِیامِ... لَمْ یَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ 2، حیث یظهر منه أن الحور العین مع کونهم من جنس یختلف عن الإنس والجن إلا أنه مجمع مشترک بین الجنسین لإمکان حصول النکاح ، و هذا یعزز إمکان حصوله بین الجنسین فیما بینهما کما هو مقرر مسلم عند من یتعاطی الصلة بالجن من أنهم بإمکانهم التکثف والتجسد والتشکل بأشکال مختلفة کما تشیر إلیه سورة الأنفال حیث تشیر إلی تجسد إبلیس یوم بدر وإغرائه المشرکین بالحرب ووعده إیاهم بالنصر .

ص:36

لَمْ یَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ (1)، وقوله تعالی : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِی الْخِیامِ... لَمْ یَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ (2)، حیث یظهر منه أن الحور العین مع کونهم من جنس یختلف عن الإنس والجن إلا أنه مجمع مشترک بین الجنسین لإمکان حصول النکاح ، و هذا یعزز إمکان حصوله بین الجنسین فیما بینهما کما هو مقرر مسلم عند من یتعاطی الصلة بالجن من أنهم بإمکانهم التکثف والتجسد والتشکل بأشکال مختلفة کما تشیر إلیه سورة الأنفال حیث تشیر إلی تجسد إبلیس یوم بدر وإغرائه المشرکین بالحرب ووعده إیاهم بالنصر .

وأما الثالث وهو قوله تعالی : خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً (3)، فلا تنافی حصول الزوجیة من جنس آخر کما هو الحال فی سورة الرحمن من إثباتها حصول الزوجیة من الحور العین فی دار الآخرة قال تعالی : وَ لَهُمْ فِیها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِیها خالِدُونَ (4)، وقال : کَذلِکَ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِینٍ (5)، فالآیة محمولة علی الغالب الأکثر وإلا فالنبی عیسی مثله مثل آدم خلقه من تراب من دون أن یکون لمریم زوج ، وقال تعالی : وَ شارِکْهُمْ فِی الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ (6)، وقد ورد أن

ص:


1- (1) - الرحمن (56) .
2- (2) - الرحمن (72 - 74) .
3- (3) - الروم (21) .
4- (4) - البقرة (25) .
5- (5) - الدخان (54) .
6- (6) - الأسراء (54) .

من لم یسم عند وطی خلیلته وزوجته شارکه الشیطان فی تکوین نطفة ولده وکان ولده شرک شیطان مما یدل علی نحو مناسبة فی مناکحة الجنسین ، کما هو مفاد للآیة ، وقد یشیر إلیه قوله : وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیعاً یا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَکْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَ قالَ أَوْلِیاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا (1).

هذا مع أن قد أشارت الروایات إلی أن نسل الأنبیاء والأوصیاء طاهر مطهر لم ینسل من حرام وتحریم نکاح الأخوات هو تشریع فی کل الشرایع السماویة کما هو الحال فی تحریم نکاح الأمهات فلم یکن لولد آدم أن ینکحوا أمهم حواء ، و أن هذا التحریم حکم فطری فطر الله علیه الحیوانات فضلاً عن بنی آدم وهناک من الوقائع والحوادث فی الحیوانات المعروفة ما یشهد بوجود هذه الفطرة فی الحیوانات .

المحاور : هل یعتبر ذنب أبینا آدم و نسیانه عندما أراد إعطاء داوود بعض من عمره کما قرأت درس من الله لنبیه ؟ .

الشیخ السند : لا ریب أن ما أستعرضه القرآن من قصص الأنبیاء والمرسلین کلها عبر وعظة وأمثلة للبشر ، ولکن ینبغی التنبه أن عصیان آدم لیس من المعصیة الحقیقیة بل هو من ترک الأولی فإن حسنات الأبرار سیئات المقربین ولا النسیان من النسیان المتعارف بل من حب البقاء مثلا ونحوه .

ص:38


1- (1) الأنعام (128) .

المحاور: کل من فی الجنة من الملائکة وغیرهم معصومون عن المعصیة فما وجه معصیة أبلیس إذا کانت هذه الصفة تنطبق علیه ؟ .

الشیخ السند : الجنة المذکورة فی قصة آدم (علیه السلام) لم تکن جنة أخرویة بل من جنان الدنیا کما جاء فی الروایة عنهم (علیهم السلام) ، وعن الإمام الصادق (علیه السلام) إنها من جنان الدنیا تطلع علیها الشمس و القمر ولو کانت من جنان الآخرة لم یخرج منها آدم أبداً ولم یدخلها إبلیس .

المحاور: کان النهی لآدم (علیه السلام) أرشادیاً وآثار ذلک النهی تکوینیة لاتتغیر مع التوبة کما یظهر و الله العالم ، وقد کان هذا النهی حاضراً لآدم (علیه السلام) عند أکله من تلک الشجرة ، ولا یعتبر عصیانه لهذا النهی أعتراضاً علی ذات الله إلا إنه مرت علینا بعض الاشتباهات فی هذا الموضوع التی نرجو الأجابة علیها . 1 - هل یجوز لنبی الله آدم (علیه السلام) أن لا یفرق بین أن یقول الله سبحانه وتعالی : (هذه الشجرة ) هو خصوص تلک الشجرة المنهی عنها أو عموم جنسها ، وإن صح ذلک ألا یتعارض ذلک مع کون علم المعصوم علم حضوری؟ .

2- کیف یکون ترک الأولی من عاقل فضلاً عن فاضل هذا مع ملاحظة إستحباب أستخارة المؤمن الله عند عدم القدرة علی الترجیح بین أمرین یرید أن یعمل بأحدهما؟.

3- إذا قلنا بإمکانیة إجتهاد المعصوم ألا یتنافی ذلک مع کون علمه

ص:39

حضوری؟.

4- لماذا سعی آدم (علیه السلام) أن یکون ملکا أو یکون من الخالدین مع أن الکمال یتحقق من خلال الإبتلاء والشقاء وقد قال تعالی : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ... (1)، و قوله تعالی : وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِینَ(155) (2)؟.

5- هل یمکن القول أن ترک الأولی هو حکم ظاهری صحیح بالنسبه إلی المقدمات المتوفره إلا أنه یخالف الحکم الواقعی لنقص المقدمات مما یؤدی إلی وضع الشیء فی غیر محله؟

6- الظاهر و الله أعلم أن الشیطان غیر قادر علی إغواء المعصوم کما ذکرت ذلک الآیات الکریمة :...وَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ (39) إِلاّ عِبادَکَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِینَ (40)(3)، إستجابة آدم (علیه السلام) صحیحه مع ملاحظة قوله تعالی : ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَیْهِ وَ هَدی(122)4، حیث أنها قد تشیر إلی ارتفاع شأنه (علیه السلام) بعد هذا الابتلاء والأمتحان ؟ .

7- ما الفرق بین العصمة الأختیاریة والعصمة التکوینیة إن کان هناک فرق؟ .

ص:40


1- (1) - البقرة (214) .
2- (2) - البقرة (155) .
3- (3) - الحجر (39 - 40) .

الشیخ السند : علم المعصوم من العلوم اللدنیة الحضوریة وإن کانت درجات علوم المعصومین مختلفة متفاضلة إلا أنه هناک حد مشترک یتجاوزون ویعصمون فیه عن المعصیة وعن أرتکاب الحرام وعن ترک الواجب والعلم اللازم توفره فی المعصوم هو ما یعصمه عن المعصیة وعن الخطأ أیضاً فی أداء المسؤولیة الملقاة علی عاتقه هذا من جانب ، ومن جانب آخر أن التکامل والارتقاء لا محدود ولا ینتهی إلی حدّ وفوق کل ذی علم علیم لکون الذات الإلهیة لا تنتهی إلی حد وفیض الباری لا ینتهی إلی أمد وعلی ضوء ذلک فالمعصوم مهما بلغ من الکمال فإنه مطالب بالصعود أکثر فأکثر ولا یظن أن الأولی من الأفعال فی مقیاس واحد لکل المعصومین فضلاً عن أن یکون واحداً لکل البشر فالفعل الأولی عند سید الأنبیاء (صلی الله علیه وآله) لا یطیق تحمله بقیة الأنبیاء من أولی العزم ، والفعل الأولی عند الأنبیاء من أولی العزم لا یطیق تحمله بقیة الانبیاء من غیر أولی العزم ، والفعل الأولی عند الانبیاء لا یطیق تحمله سائر الناس غیر المعصومین و هذا هو ما یقال حسنات الأبرار سیئات المقربین ولک هذا المثال فإن التلمیذ الشاطر الذکی فی الصف المدرسی یتوقع منه الأستاذ والمدیر نجاحاً بدرجات عالیة جداً ، فالفعل الأولی منه یختلف عن التلمیذ المتوسط ذکاءاً فالفعل الأولی له هو مستوی هابط عن ما علیه التلمیذ الذکی ، وعلی ضوء ذلک فإن العلم اللدنی الذی یزود به أیّ معصوم یختلف عن المعصوم الآخر بحسب الدرجة والفضل .

ومن جانب ثالث فإن قابلیة المعصومین للتکامل متفاوتة بعد أشتراکهم

ص:41

فی العصمة عن المعصیة والخطأ و تلک الرسل فضلنا بعضهم علی بعض ، وعلی ضوء ذلک فإنه تتفاوت وتختلف درجات التکامل والصعود لدی المعصومین من دون أن یعنی إستناد المعصوم فی دوره الملقی علی مسؤولیته علی الإجتهاد والظن کما یستند المجتهد الفقیه إلی الظن المعتبر بل مستنده العلم اللدنی التسدیدی ، فمع أختلاف درجات العلم اللدنی وأختلاف قابلیاتهم الذاتیة تختلف درجة فضیلة ومقام المعصومین ، ویشیر إلی ذلک قول الخضر (علیه السلام) للنبی موسی (علیه السلام) : إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (1)، فدرجة الإحاطة العلمیة بین المعصومین مختلفة وبذلک تختلف درجة الصبر والصفات العملیة لدیهم وکما مرّ أن الإمتحان الذی یتعرض له المعصومین بحسب أختلاف درجاتهم لیس علی درجة واحدة من الشدة والبلاء والمحنة فضلاً عن أن یساویهم عاقل بشری أو فاضل فی قدرة التحمل وجودة الأختیار ، وإذا أتضح ذلک یتضح أیضاً أن المعصوم بلحاظ درجات تکامله فی أمتداد عمره یتکامل فی مراحل مختلفة وإن کان واجداً لأصل حد العصمة منذ بدأ نشأته کما یشیر إلی ذلک حدیث الإمام الرضا (علیه السلام) فی ذیل القصة .

ثم إن العصمة أصطفائیة ولیست أکتسابیة ولا جبریة ، أی أنها مقام وهبی من الله تعالی یعطی من أول عمر المعصوم علی وفق علمه تعالی الغابر السابق بدرجة طاعة العبد فی طیلة عمره ، فلا تکون أکتسابیة یستحصل ویحصل علیها بعد ما لم تکن بالأکتساب کبقیة الصفات الأکتسابیة ، أما

ص:42


1- (1) - الکهف (67 - 68) .

عدم إغواء الشیطان للمعصومین وعدم وسوسته لهم کما فی إستثناء الآیة فهو بعد الهبوط إلی الأرض وبعد ما وقع فی الجنة الدنیاویة .

النبی یوسف (علیه السلام) :

المحاور: هل یجوز السجود لغیر الله (ای للعباد) من باب الأحترام کما فعله أخوة یوسف وأبواه ؟ .

الشیخ السند : قد أختلفت أقوال المفسرین فی تفسیر سجود أخوة یوسف (علیه السلام) وأبواه له وکذا فی سجود الملائکة لآدم (علیه السلام) ، فقیل إن السجود عندهم یجری مجری التحیة ، وروی عن الصادق (علیه السلام) إنه قرأ وخروا لله ساجدین ، وکذا فی سجود الملائکة لآدم بأنه حیث کان بأمر الله تعالی فکان سجوداً لله تعالی فی الحقیقة وطاعة له ، وقیل أنه سجود لله تعالی و جعل آدم قبلة لسجودهم کما فی جعل بیت موسی وهارون (علیهما السلام) فی مصر قبلة لصلاة بنی اسرائیل ، وعلی أیّة تقدیر فلا یجوز فی شریعة الإسلام السجود لغیره تعالی ، لکن لو فعله شخص لآخر بقصد التحیة والأحترام لکان عاصیاً لا أنه یستحق صفة الکفر أو الردة و ذلک لأن الافعال حکمها إنما هو بحسب المقصود :

(إنما الاعمال بالنیات ) (1)، فبمجرد إتیان هیئة السجود لا یعنی هو القیام العبادة الخاصة المصطلحة ، کی یکون الشخص المزبور عابداً لغیره تعالی ، کما هو الحال فی من ینحنی لتناول شیئاً من الارض فإنه لا یطلق علیه أنه راکع عابد لذلک الشیء .

ص:43


1- (1) - تهذیب الأحکام للطوسی ج1 ص83 .
النبی أدریس (علیه السلام) :

المحاور: أیمکن ان أعرف قصة النبی أدریس (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : قد روی الکلینی فی الکافی عن الباقر (علیه السلام) قال :

(قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) أخبرنی جبرئیل أن ملکاً من ملائکة الله کانت له منزلة عند الله (عز وجل) منزلة عظیمة فغضب علیه ، فأهبط من السماء إلی الأرض فأتی أدریس (علیه السلام) فقال : إن لک من الله منزلة فأشفع لی عند ربک فصلی ثلاث لیال لا یفتر وصام أیامها لا یفطر ، ثم طلب إلی الله (عز وجل) فی السحر فی الملک ، فقال الملک : إنک قد أعطیت سؤلک وقد أطلق لی جناحی وانا أحب أن أکافئک فأطلب إلیّ حاجة فقال : ترینی ملک الموت لعلّی آنس به ، فإنه لیس یهنئنی مع ذکره شیء ، فبسط جناحه ، ثم قال : أرکب فصعد به یطلب ملک الموت فی السماء الدنیا ، فقیل له : أصعد ، فأستقبله بین السماء الرابعة والخامسة فقال الملک : یا ملک الموت ، مالی أراک قاطباً ؟ قال : العجب إنی تحت ظل العرش حیث أمرت أن أقبض روح آدمیّ بین السماء الرابعة والخامسة فسمع ادریس (علیه السلام) فامتعض ، فخرّ من جناح الملک فقبض روحه مکانه وقال الله (عز وجل) : وَ رَفَعْناهُ مَکاناً عَلِیًّا (1))(2).

والمراد من غضب الله تعالی علی الملک لیس بمعنی المعصیة بل هو نظیر أعتراض

الملائکة علی الله تعالی فی جعل آدم خلیفة وندامتهم علی ذلک الأعتراض وأستغفارهم من ذلک مع عدم کونه معصیة بل من باب ترک الأولی والغضب الإلهی بمعنی حرمانه القرب الإلهی .

ص:44


1- (1) - مریم (57) .
2- (2) - الکافی للکلینی ج3 ص257 .
النبی موسی (علیه السلام) :

المحاور: فی سورة الکهف الشریفة وردت قصة النبی موسی (علیه السلام) مع العبد الصالح ، وفیه أمران مستغربان نرجو توضیحهما :

أ - نسیان وصی النبی موسی (علیه السلام) وقیل أنه یوشع بن نون وهو نبی ، ونسبته إلی الشیطان ، وکیف تلتئم هذه النسبة مع : عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِینَ (1)؟ .

ب - قول موسی (علیه السلام) مع الخضر : لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ (2)، وإن کان هذا النسیان لا یقدح بعصمته عن الذنوب وما أشبه ولکنه منفّر ، خصوصاً أنه کان من قریب عهد ؟ .

الشیخ السند : أ - مقتضی سیاق القصة بحسب الآیات والروایات أن العلامة المنصوبة منه تعالی لموسی (علیه السلام) لملاقاة العبد الصالح الخضر هو الأمر الذی حصل فی شأن الحوت کما هو مفاد قوله : ذلِکَ ما کُنّا نَبْغِ (3)، غایة الأمر أن أسناد النسیان إلی الشیطان لیس فی ذلک إثبات تصرف للشیطان فی محیط نفس یوشع ، بل ما هو خارج ذاته وهو ضیاع الحوت أو فراره : اِتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ عَجَباً (4)، ولا مانع من معاوقة الشیطان أفعال

ص:45


1- (1) - الصافات (40) .
2- (2) - الکهف (73) .
3- (3) - الکهف (64) .
4- (4) - الکهف (63) .

الانبیاء کما فی قوله :

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللّهُ آیاتِهِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِینَ لَفِی شِقاقٍ بَعِیدٍ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَیُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ (1)، حیث أن المراد من إلقاء الشیطان ومعاوقته لیس فی محیط نفس الرسل وإلا لما أختصت الفتنة بالذین فی قلوبهم مرض بل لعمت الجمیع ، بل المراد معاوقة الشیطان برامج نهضة الرسل وإلقاء الموانع عن وصولها إلی الغایات التی یتمناها انبیاء الله ورسله ، وکذلک النسیان جعل متعلقه الحوت وهذا المقدار من تصرف الشیطان فیما هو خارج نفوس الانبیاء لا دلیل علی منعه کما هو فی قوله : وَ اذْکُرْ عَبْدَنا أَیُّوبَ إِذْ نادی رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ (2)، أی مس بدنه ، وبعبارة أخری إن الشیطان لا سلطان له علی غوایة الانبیاء والتی تقع فی نفوسهم دون بقیة التصرفات الأخری کبقیة أعدائهم .

ب - وأما ما یتعلق بقول موسی (علیه السلام) فالمفسرین وإن جعلوا متعلق النسیان عهده للخضر بالصبر والمتابعة ولکن الآیة السابقة علیها تفید سیاقا آخر : قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً قالَ لا تُؤاخِذْنِی (3)، ومتعلق

ص:46


1- (1) - الحج (52 - 54) .
2- (2) - ص (41) .
3- (3) - الکهف (72 - 73) .

الصبر هو الذی لم یحط موسی (علیه السلام) به خبراً کما ذکر الخضر ذلک له فی أول اللقاء ، ومع عدم العلم بوجهة الفعل ینتفی التسلیم به ، فالنسیان ههنا لیس منشأه غیاب شیء من الذاکرة والحافظة بسبب قصور فی القوی النفسیة أو حجب الشیطان وتصرفه فی الإدراک ، بل هو راجع إلی عدم العلم وعدم الإحاطة بعلم الخضر الذی یقدم ویأتی بمثل هذه الأفعال ، فالمعنی لا تؤاخذنی بما لم أحط به خبراً ، وإلا فالفعل المزبور بحسب الموازین فی الشریعة الظاهرة للنبی موسی (علیه السلام) یقتضی أن یعترض علی فعل الخضر . والحاصل أن النسیان یستعمل لغةً بمعنی ترک الأهتمام وعدم العنایة لا الزوال لصورة الشیء عن الذاکرة .

الخضر (علیه السلام) :

المحاور: ما کان اسم الخضر (علیه السلام) عندما ظهر فی أیام نبی الله موسی (علیه وعلی رسول الله وآله السلام) ؟ .

الشیخ السند : فی بعض الروایات الواردة أن أسمه تالیا بن ملکان بن عامر بن أرفخشید بن سام بن نوح (علیه السلام) .

المحاور : هل الخضر هو نفسه ما یسمیه النصاری ب- (مار جرجس) ؟ .

الشیخ السند : العمدة فی تطابق الأسماء هو وحدة المسمی ووحدته تتبین من ما جری بینه وبین النبی موسی (علیه السلام) .

المحاور : هل ظهر الخضر (علیه السلام) فی أیام الدعوة الإسلامیة ومتی کان ذلک وکیف؟ .

ص:47

الشیخ السند : نعم قد ظهر کرّات ومرّات فی عهد النبی (صلی الله علیه وآله) والأمیر (علیه السلام) وبقیة الأئمة (علیهم السلام) کما وردت بذلک الروایات .

المحاور : هل العبد الصالح هو بشر أم من الملائکة وهل هو موجود بصورة دائمة ولکنه یظهر فی مناسبات معینة أم کیف یتم ذلک ؟ .

الشیخ السند : بل هو بشر غایة الأمر قد أعطاه الله تعالی قدرة وقوة أن یتصور کیف یشاء کما فی بعض الروایات مما یشمل طیّ الأرض ونحوه . کما هو الحال فی بعض القدرات التی وهبها تعالی لسلیمان وداود (علیهما السلام) .

النبی عیسی (علیه السلام) :

المحاور: هل المسیحیین هم نفسهم النصاری ؟ وماهی نظریة التثلیث ؟ وهل یوجد الیوم من یدین بالمسیحیة الحقیقیة التی لم تحرف ؟ وهل یوجد أنجیل وتوراة فی عصرنا الحاضر صحیح غیر محرف ؟ .

الشیخ السند : المسیحیّون قبل أنحرافهم لم یکونوا نصاری وإنما الذی حرفهم عن دین النبی عیسی (علیه السلام) - والذی هو دین الاسلام ودین جمیع الأنبیاء - ونصّرهم هو بولس وقیل نسطور - والتثلیث هو الأعتقاد بالأقانیم الثلاث أب وأبن وروح القدس والأقنوم بمعنی الأصل والقائلون بذلک قیل هو معظم النصاری وقیل إن مسیحیو الحبشة وغیرها - کما فی کتب التواریخ - لا یقولون بالوهیة عیسی وأن الأناجیل الموجودة - علی ما فیها من التحریف - لا یوجد فیها أیة إشارة إلی التثلیث وأنه قد أعترف بذلک جملة من علمائهم وهو من آیات عظمة القرآن الکریم حیث یقول :

ص:48

لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ یَنْتَهُوا عَمّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (1)، وقال علی لسان عیسی لبنی اسرائیل : یا بَنِی إِسْرائِیلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ إِنَّهُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ وَ ما لِلظّالِمِینَ مِنْ أَنْصارٍ (2).

الإنجیل والتوارة غیر المحرفین یوجدان عند الحجة بن الحسن العسکری (عجل الله فرجه) وکذلک جمیع کتب الأنبیاء (علیهم السلام) ومواریثهم .

المحاور: ما هو ردکم علی مقولات البعض أن عیسی (علیه السلام) لیس بنبی عندما کان فی المهد بل مجرد یحکی عن المستقبل أنه سیصبح نبی و عن أن الشفاعة برنامج یعطیه الله لرسوله کی یشفع من خلاله؟ .

لو أنکر أحد الإشخاص نبوة نبی ولیکن (یحیی (علیه السلام) ) مثلاً هل یعد مسلماً أم کافراً هل یعتبر شیعیاً نأخد منه معالم دیننا أم أنه ماذا ؟ علما بإن العقائدیون یقولون فی کتبهم من أنکر نبی من الأنبیاء یعد کافراً ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : فَأَشارَتْ إِلَیْهِ قالُوا کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا(29) قالَ إِنِّی عَبْدُ اللّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِی نَبِیًّا(30) وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا(31) وَ بَرًّا بِوالِدَتِی وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبّاراً شَقِیًّا(32) وَ السَّلامُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُ وَ یَوْمَ أَمُوتُ وَ یَوْمَ أُبْعَثُ حَیًّا

ص:49


1- (1) - المائدة (73) .
2- (2) - المائدة (72) .

(33) ذلِکَ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِی فِیهِ یَمْتَرُونَ(34) (1)، فإیتاء الکتاب لا یکون إلا بوحی نبوی والتعبیر ب- ( جعلنی نبیاً ) ، هو بالفعل لا مستقبلاً وإلا لکان حق التعبیر هو ( سیجعلنی نبیاً ) ، وکیف یتم إیتاء الکتاب وهو مجموع تشریعات الدین والشریعة ولا یکون ذلک وحیاً نبویاً ولفظ ( آتانی ) ، یفید التحقق بصیغة فعل الماضی ویشیر : (وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ) .

( أوصانی ) فعل ماضی ، ولیس فعل مضارع ولا مستقبل فهذه أصول تشریعیة أمر الله تعالی عیسی وهو فی المهد صبیاً ثم أن الذی یحکی عن المستقبل هو علم بالغیب المستقبلی بتوسط الوحی النبوی فهذه المقولة للبعض متناقضة .

وأما الشفاعة فکونها برنامجاً وسنة إلهیة من خلالها یشفع النبی (صلی الله علیه وآله) لا ینافی موضوعیة دور النبی (صلی الله علیه وآله) فی الشفاعة وإنه لولا دوره وشفاعته لما حصلت النجاة أو ترفیع الدرجات فأنظر إلی قوله تعالی : وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِیماً (2)، فبین تعالی أن أستغفارهم بمفرده لا یحقق التوبة لهم دون ضمیمة شفاعة الرسول والتعبیر فی الآیة جاؤوک ولیس جاؤونی مما یدلل علی لزوم التوجه والتوسل والتشفع بالنبی (صلی الله علیه وآله)الی

ص:50


1- (1) - مریم (31 - 34) .
2- (2) - النساء (76) .

الله تعالی .

ونظیره قوله تعالی : وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (1)، فتراهم یستکبرون عن التوسل والتشفع بالرسول (صلی الله علیه وآله) .

والمنکر لنبوة أحد الانبیاء السابقین ینکر ضرورة من ضرورات الدین فإن کان لشبهة فترفع شبهته وهو علی أیة حال ضالّ لیس علی جادة هدایة الإیمان وإن لم یحکم بکفره للشبهة .

النبی محمد (صلی الله علیه وآله) :

المحاور : إن المصطفی (صلی الله علیه وآله) معصوم من الخطأ فما معنی قوله تعالی : یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَکَ (2)؟ .

الشیخ السند : المصطفی (صلی الله علیه وآله) معصوم من الخطأ قال تعالی : وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی (3)، وقال تعالی : وَ ما هُوَ عَلَی الْغَیْبِ بِضَنِینٍ (4)، وقال تعالی : ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی (5)، وقال تعالی : إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ (6)، وقال تعالی : وَ إِذا

ص:51


1- (1) - المنافقون (5) .
2- (2) - التحریم (1) .
3- (3) - النجم (3 - 4) .
4- (4) - التکویر (24) .
5- (5) - النجم (2) .
6- (6) - القلم (4) .

جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَ إِلی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (1)، وهی دالة علی عصمته فی تدبیر شؤون الحکم السیاسی والإجتماعی وکذا قوله تعالی : وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِیکُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ یُطِیعُکُمْ فِی کَثِیرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لکِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیانَ أُولئِکَ هُمُ الرّاشِدُونَ (2)، وغیرها من الآیات، أما آیة سورة التحریم وغیرها من السور مما یظهر منها عتاب من الله تعالی لنبیه (صلی الله علیه وآله) فلیس من باب التقبیح - والعیاذ بالله - بل هو إرشاد للأکمل فإنه تعالی الإله أکمل من مخلوقه وأعلم ، ومهما بلغ النبی من الکمال فإنه محتاج إلی ربه تعالی فی أزدیاد الکمال والعلم، وهذا سرّ تربوی یکرره القرآن فی بیان التعامل بینه تعالی وبین نبیه وبقیة الأنبیاء کی لا یتوهم البشر الربوبیة فی الانبیاء، بل یدرکوا أنهم مهما بلغوا من الکمال فإنهم محتاجون إلی الله تعالی ویزدادون منه تعالی کمالاً وعلماً کما أشیر إلی هذه الحکمة فی کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) .

النبی والوحی :

المحاور: کیف کان الوحی ینزل علی رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، هل کان جبرئیل (علیه السلام) هو الذی یخبر النبی بالآیات الشریفة ، أی أن الله (عزّ وجلّ) یطلع جبرئیل بالآیة أولاً ومن ثم یقوم بتعلیمها للنبی (صلی الله علیه وآله) ؟ وإذا کان کذلک ، کیف والحال أن النبی (صلی الله علیه وآله) أفضل وأکرم عند الله من جبرئیل (علیه السلام) ؟ .

ص:52


1- (1) - النساء (83) .
2- (2) - الحجرات (7) .

الشیخ السند : بعض أقسام الوحی النازل علی النبی (صلی الله علیه وآله) إشیر إلیها فی قوله تعالی : وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْیاً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولاً فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ ما یَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ (1)، وروی زرارة عن الصادق (علیه السلام) قال :

(قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : جعلت فداک الغشیة التی کانت تصیب رسول الله (صلی الله علیه وآله) إذا نزل علیه الوحی ؟ فقال : ذاک إذا لم یکن بینه وبین الله أحد ، ذاک إذا تجلی الله له ، قال : ثم قال : تلک النبوة یا زرارة وأقبل بتخشع )(2).

وعن هشام ، عن أبی عبدالله (علیه السلام) ، قال :

قال بعض أصحابنا : أصلحک الله ، کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) و یقول : قال جبرئیل (علیه السلام) و هذا جبرئیل یأمرنی ثم یکون فی حال أخری یغمی علیه ؟ قال : فقال : أبو عبدالله (علیه السلام) : إنه إذا کان الوحی من الله إلیه لیس بینهما جبرئیل (علیه السلام) ، أصابه ذلک لثقل الوحی من الله ، وإذا کان بینهما جبرئیل (علیه السلام) لم یصبه ذلک ، فیقول : قال لی جبرئیل ، و هذا جبرئیل یأمرنی )(3).

وفی هاتین الروایتین ذکر القسم الأول من الثلاثة المذکورة فی الآیة والقسم الثالث وأما القسم الثانی فکان فی تکلیمه تعالی للنبی (صلی الله علیه وآله) فی لیلة المعراج کما فی أحادیث المعراج .

وأما الأفضلیة فلا تثبت للوسیط بین طرفین علی الطرف المرسل إلیه إذا لم یکن للوسیط هیمنة وقیمومة وولایة علی المرسل إلیه ، کما هو الحال فی ساعی البرید الخاص بین الملک ووزیره وتستطیع أن تتمثل بحاجة بدن

ص:53


1- (1) - الشوری (51) .
2- (2) - التوحید للصدوق ص115 .
3- (3) - الآمالی للطوسی ص663 .

النبی (صلی الله علیه وآله) للطعام والشرب ونحو ذلک ولکن لا یعنی أفضلیة الطعام علی روح النبی (صلی الله علیه وآله) وذاته النوریة المقدسة ، إذ للإنسان فضلاً عن النبی (صلی الله علیه وآله) درجات من الوجود والحقائق ، وأحتیاج بعض درجات الوجود النازلة کقواه الحسیة الشریفة النازلة لوساطة جبرئیل لا یعنی أحتیاج درجة وجوده النوری الذی هو فوق مقام جبرئیل لا یعنی إحتیاجه فی ذلک المقام إلی وساطة جبرئیل ، ومن ثم لما عرج (صلّی الله علیه وآله) إلی مقامات القرب فدنی فتدلی لم یستطیع جبرئیل (علیه السلام) مسایرته وقال لو أقتربت أنملة لاحترقت .

أغتیال النبی (صلی الله علیه وآله) :

المحاور: قال تعالی : وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ (1)، ما معنی قوله تعالی ( او قتل ) ولماذا وردت ؟ .

الشیخ السند : هذه الآیة الکریمة نزلت فی واقعة احد ، ضمن بقیة الآیات من سورة آل عمران النازلة فی تلک الواقعة حیث قسمت المسلمین الذین شهدوا احد إلی فئة صالحة ، وفئة قد أهمتهم أنفسهم یظنون بالله ظن الجاهلیة ، وفئة قد فرّت من القتال عند انعطاف المشرکین فی الجولة الثانیة وغلبتهم حیث شاع خبر قتل النبی (صلی الله علیه وآله) ففر جماعة من وجوه الصحابة إلی الجبل واجتمعوا حول الصخرة وعرفوا بعد ذلک بجماعة الصخرة کما فی کتب السیر ، وقالوا إنا علی دین الأجداد کی إذا ظفرت بنا قریش نقول لهم

ص:54


1- (1) - آل عمران (144) .

إنا علی دینکم ، فکان ذلک إنقلاب علی الأعقاب إلی الجاهلیة والکفر ، وقد أشیر فی مواضع أخری فی القرآن الکریم إلی محاولات لقتل النبی (صلی الله علیه وآله) منها : قوله تعالی : وَ إِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ (1)، حیث کانت هجرة النبی (صلی الله علیه وآله) ومبیت علی (علیه السلام) علی فراشه فی تلک اللیلة .

ومنها : قوله تعالی : یَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وَ کَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (2)، وهم جماعة العقبة عند رجوع النبی (صلی الله علیه وآله) من غزوة تبوک ، همّوا بإغتیال النبی

(صلی الله علیه وآله) بدحرجة الحجار علی ناقة النبی (صلی الله علیه وآله) فوق عقبة الجبل لتسقط به (صلی الله علیه وآله) فی الوادی ، وکان حذیفة وعمار یعرفون تلک الجماعة المتآمرة وکان بعض أعیان الصحابة یسائل حذیفة حیث اختص بمعرفة المنافقین - عن معرفته بهم کما فی کتاب المنافقین من صحیح مسلم .

وقوله تعالی : إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذلِکَ ظَهِیرٌ (3)، ویظهر من الآیة أن هناک مظاهرة ومناصرة وتعاون وتآزر علی النبی (صلی الله علیه وآله) تستهدف حیاته (علیه السلام) ومن ثمّ هدد سبحانه بذاته المقدسة وجبرئیل وبصالح المؤمنین وبجمیع الملائکة کأعوان مما یکون فی مقام أعداد العدّة لنفیر حرب . وفی

ص:55


1- (1) - الأنفال (30) .
2- (2) - التوبة (74) .
3- (3) - التحریم (4) .

بعض الروایات الصحیحة : ( ما منا إلا مسموم أو مقتول )(1)، حتی النبی (صلی الله علیه وآله) مات بالسمّ .

المحاور : خالد بن الولید سفک دماء کثیرة دون وجه حق .. کقتله فی بنی جذیمة عندما أرسل لهم ، وکقتله من الرجال فی یوم الفتح ثأراً لعمّیه مخالفاً بذلک نهی النبی (صلی الله علیه وآله) عن القتل فی ذلک الیوم ، ومع ذلک فإنّ النبی (صلی الله علیه وآله) لم یقم الحدّ علیه مع أنّه قال (صلی الله علیه وآله) بأنّه یبرأ إلی الله مما فعل خالد فلماذا ؟

وکذلک کان فی عهد أبی بکر حیث رفض أن یقیم الحد علی خالد بعدما قتل من قتل وسبی وسلب فی قبیلة مالک بن نویرة .. ناهیک عن زواجه من زوجته فی نفس الیوم (وبلا عدّة) مع أن عمر طالب بالحد علی خالد ؟ .

الشیخ السند : الموجود فی کتب السیر والتاریخ تعلل خالد بن الولید فی قتل بنی جذیمة - فی بعض النقل 30 رجلاً منهم - أن ذلک أخذاً بحقه ویشیر إلی ما أرتکبته بنو جذیمة من قتل الفاکه بن المغیرة ونسوة من بنی المغیرة فی أیام الجاهلیة ، وتعلّل أیضاً بأنه لم یطمئن من إسلامهم لأنهم لم یلقوا السلاح ، حیث کانوا قد خشوا منه الإقتصاص منهم ، و هذا التعلل الثانی نظیر ما وقع فیه أسامة بن زید عندما قتل من أظهر له الإسلام فی القصة المعروفة ، مع أن بنی جذیمة کانوا قد بنوا المساجد واظهروا الأذان وإقامة الصلاة ، وکان النبی (صلی الله علیه وآله) قد أمر خالداً أن یدعوهم إلی الإسلام ولا

ص:56


1- (1) - بحار الأنوار ج44 ص139 .

یبدأهم بقتال لکنه خالف الأمر واقتصّ منهم ثأر الجاهلیة ، فلما أستخبر النبی (صلی الله علیه وآله) بذلک تبرأ إلی الله تعالی مما قد فعل خالد ، ثم أرسل أمیر المؤمنین (علیه السلام) فودی لهم أی أعطاهم الدیة للقتلی ولکل ما تلف منهم وقال (صلی الله علیه وآله) له (علیه السلام) بأن یجعل کل ما کان فی الجاهلیة تحت قدمیه ، فیظهر من مجموع ذلک أن سبب عدم إقتصاصه (صلی الله علیه وآله) لبنی جذیمة من خالد بن الولید هو عدم فقه خالد بأن کل دم ووتر فی الجاهلیة فهو ساقط بالإسلام و أن الإسلام یجبّ ما قبله وإن کان خالد بن الولید قد عصی أمر النبی (صلی الله علیه وآله) فیما رسمه له من الدعوة إلی الإسلام وقد کذّب عدة من الصحابة تأوّل خالد باسترابته فی إسلام بنی جذیمة ممن کانوا معه بل أکثر الأنصار لم یشارکوا فی قتل الأسری وأمتنعوا من ذلک إلا أن العمدة لسقوط القصاص هو جهالة خالداً بجبّ الإسلام حکم الجاهلیة .

و هذا بخلاف ما فعله خالد بن الولید بمالک بن نویرة فإنه قد رأی صلاته وصلاة قومه وقد صلی خالد وراءه وعرف أن امتناع مالک من أعطاء الزکاة لا لإرتداده بل لإمتناعه من بیعة أبی بکر وبقاءه علی ولایة وبیعة علی بن أبی طالب (علیه السلام) أمیر المؤمنین.

فبین الواقعتین فرق واضح بیّن ، مضافاً إلی تبرأ واستنکار النبی (صلی الله علیه وآله) لما فعله خالد بینما لم یستنکر أبو بکر ما فعله خالد وقد أعطی النبی (صلی الله علیه وآله) الدیة لأهالی القتلی وأسترضاهم علیاً (علیه السلام) حتی رضوا عن النبی (صلی الله علیه وآله) وأعاد حرمتهم ، بینما أبو بکر لم یصلح ما أفسده خالد وعذره فی إستحلال زوجة مالک بن نویرة وهی فی عدة وفاته ولا أعطی الدیة لقبیلته ولا أعاد حرمتهم بل أقرّ

ص:57

خالداً علی قیادة الجیش وفسح المجال له بالعمل کما یشتهی ویهوی وتصبوا إلیه نزوته کما فی موارد أخری بعد الواقعة المزبورة کما هو مذکور فی کتب السیر والمغازی والتاریخ .

المحاور: ما معنی صلاة الله سبحانه وتعالی علی النبی محمد وآله الأطهار (صلوات الله وسلامه علیهم) ؟ .

الشیخ السند : قال صادق آل محمد (صلوات الله علیه) فی تفسیر قوله تعالی : إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً (1)، قال : الصلاة من الله (عز وجل) رحمة ومن الملائکة تزکیة ومن الناس دعاء وأما قوله (عز وجل) : وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً ، فإنه یعنی التسلیم له فیما ورد عنه فصلاته تعالی علی نبیه هی رحمته وإنعامه وأفضاله علیه .

المحاور: أرید أن أسأل عن معنی (البراق) وما هی صفاته ؟ مع إرفاق المصادر والمراجع التی استندتم علیها فی الإجابة ؟ .

الشیخ السند : روی علی بن إبراهیم القمی صاحب التفسیر بسند صحیح عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال :

(جاء جبرئیل ومیکائیل وأسرافیل بالبراق إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فأخذ واحد باللجام ، وواحد بالرکاب ، وسوّی الآخر علیه ثیابه ، فتضعضعت البراق فلطمها جبرئیل (علیه السلام) ثم قال لها : أسکنی یا براق فما رکبک نبی قبله ، ولا یرکبک بعده مثله قال فرقت به (صلی الله علیه وآله) ورفعته أرتفاعاً لیس بالکثیر ومعه جبرئیل (علیه السلام) یریه

ص:58


1- (1) - الأحزاب (56) .

الآیات من السماء و الأرض ... ) (1).

وروی الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال :

(جاء جبرئیل (علیه السلام) إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بدابة دون البغل وفوق الحمار رجلاها أطول من یدیها خطوها مدّ البصر فلما أراد النبی (صلی الله علیه وآله) أن یرکب امتنعت فقال : جبرئیل انه محمد فتواضعت حتی لصقت الأرض قال فرکب فکلما هبطت ارتفعت یداها وقصرت رجلاها وإذا صعدت أرتفعت رجلاها وقصرت یداها فمرّت به فی ظلمة اللیل علی عیر فی أول العیر فنفرت العیر من دفیف البراق )(2).

وروی العیاشی عن أبی جعفر (علیه السلام) قال :

(إن جبرئیل (علیه السلام) أتی بالبراق إلی النبی (صلی الله علیه وآله) وکان أصغر من البغل وأکبر من الحمار مضطرب الأذنین فی حوافره خطوته مد البصر )(3).

وروی الخصیبی فی (الهدایة الکبری) بإسناده عن الصادق (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال لقریش :

(... حتی رکبت علی البراق وقد أتانی به جبرئیل (علیه السلام) وهو دابة أکبر من الحمار وأصغر من البغل وخطوتها مد البصر فلما صرت علیه وصعدت الی السماء .. )(4).

وروی العیاشی عن أبی عبدالله (علیه السلام) فی تشریع الأذان فی المعراج وان جبرئیل أتاه (صلی الله علیه وآله) :

(.. فأیقظه وأمره أن یغتسل به ثم وضع فی محمل له ألف ألف

ص:59


1- (1) - بحار الأنوار ج18 ص319 ، تفسیر القمی ج2 ص3 آیة الأسراء .
2- (2) - الأمالی للصدوق ص534 .
3- (3) - الکافی ج8 ص376 .
4- (4) - الهدایة الکبری للخصیبی ص58 .

لون من نور ثم صعد به حتی أنتهی إلی أبواب السماء )(1).

وفی کتاب صحیفة الإمام الرضا (علیه السلام) ، عنه (علیه السلام) :

(قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) سخّر لی البراق وهی دابة من دوّاب الجنة لیست بالطویل ولا بالقصیر فلو أن الله (عز وجل) أذن لها لجالت الدنیا والآخرة فی جریة واحدة وهی أحسن الدواب لوناً )(2).

وفی روضة الواعظین فی حدیث عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی صفة البراق :

(وجهها کوجه الإنسان وخدها کخد الفرس عرقها من لؤلؤ مسموط وأذناها زبرجدتان خضراوان وعیناها مثل کوکب الزهرة یتوقدان مثل النجمین المضیئین لها شعاع مثل شعاع الشمس منحدر عن نحرها الجمان منظمومة الخلق طویلة الیدین والرجلین لها نفس کنفس الآدمیین تسمع الکلام وتفهمه وهی فوق الحمار ودون البغل)(3).

فتحصل أنها دابة جسمها من مادة لطیفة أخرویة نورانیة ومن ثمّ خواصها فی الحرکة تختلف عن الجسم المادی الثقیل الغلیط الدنیوی ، وإذا کان بعض المواد الفیزیائیة الدنیوی کبعض الطاقات اللطیفة کالنور والقوة الجاذبة بین الأجسام وغیرها تختلف خواصها عن المواد الغلیظة کالتراب والمعادن فکیف بما هو ألطف من النور الحسی الفیزیائی ومن کل طاقات المادة الفیزیائیة الدنیویة وقد ثبت أخیراً عند علماء التجربة من علم الأثیر أن حرکة الروح بالبدن المنامی بسرعة لا تقاس مع حرکات المواد الفیزیائیة

ص:60


1- (1) - تفسیر العیاشی ج1 ص157 .
2- (2) - صحیفة الإمام الرضا (علیه السلام) لمؤسسة الإمام المهدی (عج) ص154 ج95 .
3- (3) - روضة الواعظین للفتال النیسابوری ص108 .

اللطیفة .

المحاور: من صلی بالناس جماعة حین إشتد المرض بالنبی (صلی الله علیه وآله) ؟ وما هی الأحادیث أو الروایات الدالة علی ذلک ؟ .

الشیخ السند : لم یستخلف النبی (صلی الله علیه وآله) أحداً للصلاة جماعة بالناس حینما اشتد مرضه ، إلا أن عائشة أبتدرت الموقف لصالح أبیها فنسبت إلیه طلب صلاة أبی بکر بالناس فقام یصلی بالناس ، فوصل نبأ ذلک إلی مسامع النبی (صلی الله علیه وآله) فطلب من علی (علیه السلام) والفضل بن العباس أن یعیناه علی الحرکة ، فجاء إلی المسجد متکئاً علیهما وأبعد أبا بکر عن المحراب وصلی بالناس جماعة ، ثم أخفی أبا بکر نفسه حیث لم یکن قد أذن له النبی (صلی الله علیه وآله) بالتخلف عن جیش أسامة وقد ولّی أسامة الجیش علی أبی بکر وعمر وبقیة أصحاب السقیفة ، وکل هذا الحدث تجده فی کتاب بحار الأنوار فی أحداث وفاة النبی (صلی الله علیه وآله) نقلها عن العدید من المصادر التاریخیة والروائیة .

المحاور: هل صحیح أن الرسول (صلی الله علیه وآله) ، کان أمیاً ، أی لا یعرف القراءة ولا الکتابة ؟ .

الشیخ السند : قد وصف القرآن الکریم الرسول بالأمی ، وقد فسّر هذا الوصف تارة بأن معناه المنسوب إلی أم القری وهی مکة المکرمة کما جاء فی قوله تعالی : لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُری (1)، وأخری بأنه لم یتعلم القراءة والکتابة من أحد أی لم یکتسب تعلمهما من معلم بشری ، وثالثة بضمیمة

ص:61


1- (1) - الأنعام (92) .

الثانی أنه لم یمارس القراءة والکتابة فی حیاته ، وعلی المعنیین الأخیرین لیس المراد عدم معرفته للقراءة والکتابة ، بل أن معرفته لم تکن کسبیة من تعلیم وتعلم بشری بل کانت لدنیة منه تعالی .

المحاور: هل کان الرسول (صلی الله علیه وآله) یعلم الغیب واذا کان یعلم فما هی خواص ذلک الغیب وما فرقه عن غیب الله وما تفسیر الآیة الکریمة : وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاَسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ (1)، وماذا عن باقی الأئمة (علیهم السلام) لهم ذلک ایضاً وما فرقه عن الرسول ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : وَ لا یُحِیطُونَ بِشَیْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا یَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ(255) (2)، وقال تعالی : عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِهِ أَحَداً (26) إِلاّ مَنِ ارْتَضی (3)، من رسول ، وقال تعالی : وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ(75) (4)، وقال تعالی : فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ (78) لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ(80) (5)، وقال تعالی : وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ ءٍ (6)، وقال تعالی : بَلْ هُوَ آیاتٌ بَیِّناتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ (7)،

ص:62


1- (1) - الأعراف (188) .
2- (2) - البقرة (255) .
3- (3) - الجن (26 - 27) .
4- (4) - النمل (75) .
5- (5) - الواقعة (77 - 80) .
6- (6) - النحل (89) .
7- (7) - العنکبوت (49) .

فهو تعالی یظهر علمه لمن شاء ولمن أرتضی من رسول وللمطهرین أهل آیة التطهیر ویمسس کتابه المحیط بغائبة السماء و الأرض یمسسه المطهرین ویودعه فی صدور الذین أوتوا العلم من هذه الأمة وهم المطهرون .

أما الفوارق بین علم الله تعالی وتعلیمه للرسول فإن علمه تعالی أزلی ذاتی واستعلام وأطلاع النبی (صلی الله علیه وآله) مخلوق للباری ، و أن علمه تعالی محیط وما یعلمه النبی (صلی الله علیه وآله) محاط من قبله تعالی : وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِی عِلْماً ، فإن لله اسما مستأثراً لم یخرج منه إلی غیره کما وردت به الروایات ، وإن الله عالم بذاته المقدسة ولایکتنه مخلوق ذات الباری وغیرها من فوارق صفات الخالق عن صفات المخلوق .

أما الآیة فمورد نزولها کما قیل أن أهل مکة قالوا یا محمد ألا یخبرک ربک بالسعر الرخیص قبل ان یغلو فتشتریه فتربح فیه وبالأرض التی ترید أن تجدب فترتحل منها إلی أرض قد أخصبت فانزل الله هذه الآیة : قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللّهُ وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاَسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (1)، فواضح من سیاق النزول أن أهل مکة کان سؤالهم أقتراحاً مادیاً یرتبط بالمعیشة والرفاه حسب مشتهیات الغرائز للرغد والبطر وعلم الغیب لایستخدم لمثل هذا ولا یوظف فی مثل هذه الأغراض ولیس من هدف أرسال الرسول هو

ص:63


1- (1) - الأعراف (188) .

نعیم المادیات بل الغرض هو هدایة البشر إلی السعادة الأخرویة ونجاتهم من الشقاء الابدی هذا غرض الرسالة فی الدرجة الاولی فالباری تعالی لم یطلع نبیه علی الغیب لکی یستجیب للمقترحات المادیة والمشتهیات الغرائزیة بل لینذر الناس من عذاب الآخرة إن عصوا ویبشرهم بالجنة إن أطاعوا ، فتبین أن الآیة لیست فی سیاق نفی أطلاع الرسول علی تعلیم الله تعالی له من علم الغیب وانما هی فی صدد نفی توظیف علم الغیب للمنافع والمضار المادیة الدنیویة ، ألا تری أن النذارة والبشارة بتفاصیل عالم البرزخ والآخرة وصفات البارئ والقرآن کلها من علم الغیب ، ولکن من علم الغیب الذی یهدف للهدایة والسعادة الاخرویة ویسوق نظام الحیاة الدنیویة للخلاص الأخروی ، لا للخلود فی الدنیا .

ونظیر هذه الآیات بقیة الآیات التی یتوهم أن ظاهرها نفی أطلاع الرسول علی ما علمه البارئ من علم الغیب ولکن المراد منها هو ما ذکرناه فی هذه الآیة .

المحاور: إن أبناء السنة یقولون أن سورة عبس وتولی قد نزلت تعاتب الرسول الأکرم (علیه وعلی اله افضل الصلاة والتسلیم) ، بینما الطائفة الشیعیة تنفی ذلک وتقول إن سبب النزول هو عندما عبس عثمان أبن عفان فی وجه عبدالله أبن مکتوم وکل ما أطلبه منکم هو تزویدی بالمصادر السنیة والشیعیة التی تثبت نزول السورة أو الآیة فی عثمان أبن عفان .

ص:64

الشیخ السند : أما المصادر الشیعیة المتضمنة لنزول الأیة فی عثمان فأکثر التفاسیر الشیعیة کتفسیر (التبیان) للطوسی ، و(مجمع البیان) للطبرسی ، و(البرهان) للسید البحرانی ، و(نور الثقلین) للحویزی ، و(تنزیه الأنبیاء) للسید المرتضی ، وقد أستدلوا مضافاً إلی الروایات عن أهل البیت (علیهم السلام) الذین هم الثقل الثانی الذین أمرنا بالتمسک به فی الحدیث النبوی المتواتر والمطهرون بنص القرآن وهم سفینة نوح ، أستدلوا أیضاً بقوله تعالی : إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ (1)، فکیف یصفه تعالی بذلک وهو یستخف ویستهین بالمؤمن الفقیر لکونه أعمی وکذلک قوله تعالی : فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ (2).

وضمیر المفرد المخاطب قد ورد فی سور عدیدة یراد بها غیره (صلی الله علیه وآله) کما فی سورة القیامة : فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلّی وَ لکِنْ کَذَّبَ وَ تَوَلّی ثُمَّ ذَهَبَ إِلی أَهْلِهِ یَتَمَطّی، أَوْلی لَکَ فَأَوْلی ثُمَّ أَوْلی لَکَ فَأَوْلی (3)، فابتدأ بصورة المفرد الغائب ثم بصورة المفرد المخاطب عدولاً من الغیبة إلی الخطاب فی ضمیر المفرد کما فی سورة عبس وکذلک فی سورة المدثر انه : فَکَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَکْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ یُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِیهِ سَقَرَ وَ ما أَدْراکَ ما سَقَرُ (4)، فإنه تعالی أبتدأ بضمیر المفرد

ص:65


1- (1) - القلم (4) .
2- (2) - آل عمران (159) .
3- (3) - القیامة (31) .
4- (4) - المدثر (19 - 27) .

الغائب فی عبس وبسر ثم فی الأخیر عدل إلی ضمیر المفرد المخاطب مع أن المراد فی هذه الآیات من سورة المدثر هو الولید بن المغیرة المخزومی ، فصرف کون الضمیر مفرد مخاطب لا یدل علی کون المراد به النبی (صلی الله علیه وآله) فی الأستعمال القرآنی .

أما مصادر أهل السنة والجماعة فقد طعن غیر واحد منهم فی الروایات الواردة لدیهم فی کون مورد نزولها النبی (صلی الله علیه وآله) ، ففی فتح القدیر 386 : 5 قال : ( قال ابن کثیر فیه غرابة وقد تکلم فی أسناده ، وفی سنن الترمذی الجزء الخاص بالتفسیر 432 : 1 ، قال : قال أبو عیسی هذا حدیث غریب ، وحکی الآلوسی فی روح المعانی 38 : 30 عن القرطبی ذهابه إلی أن عبد الله بن أم مکتوم مدنی ولم یجتمع بالصنادید المذکورین فی تلک الروایات من أهل مکة ) . هذا مع أن أسانیدها غیر تامة ولا تخلو من طعن .

وذکر القرطبی فی أحکام القرآن 213 : 19 ، قال : قال علماؤنا ما فعله أبن أم مکتوم کان من سوء الأدب لو کان عالما بإن النبی (صلی الله علیه وآله) مشغول بغیره وأنه یرجو إسلامهم ولکن الله تبارک وتعالی عاتبه حتی لا تنکسر قلوب أهل الصفّة ونقل أن أبن أم مکتوم دافع قائده لما أراد أن یکفه عن مشاغلة النبی (صلی الله علیه وآله) ، أی فهو ینقل أن طرفاً ثالثاً کان فی مسرح الواقعة و هذا ما تشیر إلیه روایات أهل البیت (علیهم السلام) أنها نزلت فی عثمان وأبن أم مکتوم وکان أبن أم مکتوم مؤذناً لرسول الله (صلی الله علیه وآله) وکان أعمی فجاء إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وعنده

ص:66

أصحابه وعثمان عنده فقدّمه رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی عثمان فعبس عثمان وجهه وتولّی عنه فأنزل الله : عَبَسَ وَ تَوَلّی (1)، یعنی عثمان : أَنْ جاءَهُ الْأَعْمی وَ ما یُدْرِیکَ لَعَلَّهُ یَزَّکّی (2)، أی یکون طاهراً زکیاً أو یذکر قال یذکّره رسول الله (صلی الله علیه وآله) : فَتَنْفَعَهُ الذِّکْری (3)، ثم خاطب عثمان فقال : أَمّا مَنِ اسْتَغْنی فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّی (4)، قال أنت إذا جاءک غنی تتصدی له وترفعه : وَ ما عَلَیْکَ أَلاّ یَزَّکّی (5)، أی لا تبالی زکیاً کان أو غیر زکی إذا کان غنیاً : وَ أَمّا مَنْ جاءَکَ یَسْعی (6)، یعنی أبن أم مکتوم : وَ هُوَ یَخْشی فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّی (7)، أی تلهو و( تلتفت إلیه ) کما جاء فی تفسیر القمی لعلی بن إبراهیم ، و مما یدلل علی ید الوضع فی الروایات الواردة لدیهم انها نزلت فی النبی (صلی الله علیه وآله) هو أن الآیات تحکی خلقا مستمراً لمن تخاطبه بصیغة الجملة الفعلیة والفعل المضارع الدال علی الأستمرار لا قضیة واحدة فی واقعة ویأبی الخلق النبوی العظیم أن تکون صفته وخلقه المستمر ان یرغب فی التصدی إلی الأغنیاء ویتنفر ویصد ویلهو عن الفقراء فذیل الآیات صریح فی أستمرار هذا الخلق السیء فی المخاطب بالآیات .

ص:67


1- (1) - عبس (1) .
2- (2) - عبس (2 -3) .
3- (3) - عبس (4) .
4- (4) - عبس (5) .
5- (5) - عبس (7) .
6- (6) - عبس (8) .
7- (7) - عبس (9 - 10) .

مع أن روایاتهم تزعم أنه قضیة واحدة فی واقعة لم تتکرر ولم تکن صفة وخلقاً فلا تتوافق مع لسان الآیات ، ولذلک أعترف الآلوسی منهم 39 : 30 ( روح المعانی ) أن ضمیر الغیبة فی عبس دال علی أن من صدر عنه ذلک غیر النبی (صلی الله علیه وآله) لانه لا یصدر عنه (صلی الله علیه وآله) مثله .

وأما دعواهم أن لسان سورة عبس هو نظیر ما ورد فی سورة الکهف و الأنعام من قوله تعالی : وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَیْناکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ (1)، وقوله تعالی : وَ لا تَطْرُدِ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَیْکَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْ ءٍ وَ ما مِنْ حِسابِکَ عَلَیْهِمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَکُونَ مِنَ الظّالِمِینَ (2).

فلسان الآیتین یفترق ببون شاسع مع لسان سورة عبس فإن لسانهما الإنشاء والأمر والنهی لا الأخبار بوقوع الفعل کما فی سورة عبس بل بوقوع أستمرار الفعل والصفة المذمومة ، وبالتالی فإن لسان الإنشاء متعارف فی الأستعمال القرآنی هو من باب إیاک أعنی وأسمعی یا جارة نظیر قوله تعال : وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ (3).

أی أن المراد الجدّی من الخطاب هو عموم الناس تحذیراً وإنذاراً لهم .

ص:68


1- (1) - الکهف (28) .
2- (2) - الأنعام (52) .
3- (3) - الزمر (65) .

المحاور: هل کان النبی (صلی الله علیه وآله) یقول فی الآذان : ( أشهد أن علیاً ولی ألله) ؟ أرجو الإجابة السریعة لأن هناک نقاش عقائدی حول الموضوع ؟ .

الشیخ السند : قد روی فی کتاب (الإصابة فی تمییز الصحابة) فی ترجمة کُدَیْر الضبی أنه کان یذکر الوصی والوصایة بعد الشهادتین فی تشهد الصلاة وقد کان من صحابة الرسول (صلی الله علیه وآله) کما حکی عن العلامة المراغی ، وهو من علماء السنة فی القرن السابع فی کتابه (السلافة فی أمر الخلافة) أن سلمان وأباذر أذّنا وقالا فی الأذان (أشهد ان علیاً ولی الله) فأعترض علیهما الصحابة وشکوهما إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فأجابهم (صلی الله علیه وآله) :

(کذلک ، أو نسیتم قولی یوم غدیر خم : من کنت مولاه فعلی مولاه ؟ فمن نکث فإنما ینکث علی نفسه )(1).

وقد روی العامة فی طرقهم روایات نبویة عدیدة کما رصدها کتاب ملحقات ( أحقاق الحق) للسید المرعشی (قدس سره) تضمنت تلک الروایات إقتران الشهادات الثلاث فی أعمدة العرش والکرسی واللوح والقلم و السماوات ، و تلک الروایات عنه (صلی الله علیه وآله) دالة بالتعریض والإیماء الشدید علی حثه الرسول (صلی الله علیه وآله) علی أمره بقرن الشهادات الثلاث فی سائر الموارد والأذکار العبادیة .

المحاور: ما هو أول شیء فعله الرسول فی المدینة وکیف آخی بین المهاجرین والانصار ؟ .

الشیخ السند : صلّی الرسول (صلی الله علیه وآله) أول دخوله فی موضع قبا لقبیلة بنی عمر وبن عوف وبنی لهم مسجد قبا وأول ما صنع (صلی الله علیه وآله) فی المدینة بناء

ص:69


1- (1) - السلافة فی أمر الخلافة للشیخ عبد الله المراغی ، مستدرک سفینة البحار ج6 ص85 .

مسجده بعد أن شری الارض له .

المحاور : ما هی نصیحتکم لنا عند قرائتنا للسیرة النبویة الشریفة ؟ .

الشیخ السند : من المهم فی قراءة السیرة النبویة هی قراءتها من خلال روایات أهل البیت (علیهم السلام) ای نقرأ کتب السیر مع تلک الروایات کی نلتفت إلی الحلقات المفقودة التی أسقطت فی سلسلة أحداث التاریخ وننتبه إلی التدافع بین مجریاته مع أسقاط تلک الحلقات بخلاف الحال مع الوقوف علیها ونعرف بذلک الکثیر من الإخفاء وتزویر الحقایق فی سیرته (صلی الله علیه وآله) .

النبی (صلی الله علیه وآله) والمسیحیة :

المحاور: رسالة السید المسیح (علیه وعلی محمد وآله السلام) هل کانت ناسخة لما سبقها من الرسالات ؟! وإذا کانت ناسخة لسابقاتها لِمَ لَم یکن الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) معتنقاً للمسیحیة ؟ .

الشیخ السند : النسخ فی الشرائع الإلهیة لیس فی أصول الدین والمعتقدات بل الأصول الکلیة ثابتة نعم تزداد المعارف الإعتقادیة من شریعة لأخری ، لا أن یکون هناک حذف ونسخ فی الاعتقادات .

وأما الفروع فأرکانها أیضاً لیس فیها نسخ ، وإن تغیرت صورة وأجزاء الفعل من شریعة لأخری ، فالنسخ یقع فی تفاصیل الفروع .

هذا من جهة النسخ ، وأما من جهة رسالة المسیح (علیه السلام) فهو وإن کان من أولی العزم ، إلا أن تفسیر العزم فی الرسل محتمل لعدة معانی أحدها أن

ص:70

تکون رسالته عامة کما هو المروی عن أهل البیت (علیهم السلام) ثانیها أن العزم بمعنی شدة العزیمة علی تحمل أعباء الرسالة کما روی ذلک أیضاً فی عیسی (علیه السلام) أنهم عهد الیهم فی محمد والاوصیاء من بعده والمهدی وسیرته فأجمع عزمهم علی الاقرار بذلک ، وقد یستظهر ذلک من قوله تعالی : وَ رَسُولاً إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ (1).

وعلی أیة حال ففی کلمات علماء الطائفة أنه (صلی الله علیه وآله) لم یکن متعبداً بشریعة من قبله لانه لم یکن تابعاً لهم ، بل هم قد أخذ علیهم المواثیق لخاتم الانبیاء کما فی قوله تعالی : وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (2)، وفی الخطبة القاصعة لأمیر المؤمنین ما یوضح ذلک قال (علیه السلام) یصف النبی (صلی الله علیه وآله) :

(ولقد قرن الله به (صلی الله علیه وآله) من لدن أن کان فطیماً أعظم ملک من ملائکته یسلک به طریق المکارم ومحاسن أخلاق العالم لیله ونهاره ، ولقد کنت اتبعه إتباع الفصیل أثر أمه یرفع لی فی کل یوم من أخلاقه علما ویأمرنی بالاقتداء به . ولقد کان یجاور فی کل سنة بحراء فأراه ولا یراه غیری )(3)، وذیله کلامه ظاهر فیما قبل البعثة والإنذار بدین الاسلام.

ص:71


1- (1) - آل عمران (49) .
2- (2) - آل عمران (81) .
3- (3) - نهج البلاغة ج2 ص157 الخطبة القاصعة .
صحابة النبی (صلی الله علیه وآله) :

المحاور: یرد علی لسان بعض العامة أنه یوجد لدینا حدیث مفاده أن الصحابة أرتدوا إلا خمسة منهم سلمان وعمار والمقداد ، فهل هذا ثابت عندنا ؟ .

وإذا کان ثابتاً ما تفسیر هذا الحدیث ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللّهُ الشّاکِرِینَ (1)، و قالت الصدیقة فاطمة (علیه السلام) فی خطبتها الشهیرة وما هی - أی نکث عهود الله ورسوله - بعد وفات النبی (صلی الله علیه وآله) :

(إلا نازلة أنبئکم بها الله فی کتابه حیث قال ... )(2)، وقال تعالی : ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَی اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ یَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِیناً (3)، وقال تعالی : إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً (4)، فالردة ردة عن الإیمان وعن العهد الإلهی والنبوی فی إمامة وخلافة أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) المأخوذ فی أعناق الصحابة ، وإن کان کثیراً من الأنصار وبعض المهاجرین ممن رجع إلی الإلتزام بإمامة أمیر المؤمنین .

ص:72


1- (1) - آل عمران (144) .
2- (2) - عیون أخبار الرضا (علیه السلام) للصدوق ج2 ص198 .
3- (3) - الأحزاب (36) .
4- (4) - الفتح (10) .

المحاور: هل هذا المعتقد صحیح أم لا وهو : ان المسیرة الرسالیة التی قام بها النبی (صلی الله علیه وآله) منع من تحقق أهدافها عمل الأول والثانی والثالث أی استمراریة تحرک سفینة الإسلام کما أراد الله ورسوله ، بحیث لو رفعت الموانع وأعطیت الأمکانیات للمعصومین من بعده لأستطاعوا أن یحققوا ما أراده الله ورسوله من الرسالة الإسلامیة وحرکتها فی المجتمعات الإنسانیة بمعنی أن عمل الثلاث حدّد من قدرة المعصومین و أن أفعالهم السلبیة لا یحده زمان ولا مکان ولا قدرة وکان دور المعصومین فقط هو الحفاظ علی الإسلام من الفناء بقدرات حدثها عمل الثلاث ؟ .

الشیخ السند : لا ریب إن الله تعالی وعد هذا الدین وأهله بعدة وعود تأخر تحققها إلی ظهور المهدی (عجل الله فرجه) ورجعة أئمة أهل البیت (علیهم السلام) فی دولتهم منها : لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (1)، وهو أظهار دین الإسلام علی کافة أرجاء الکرة الأرضیة ولم یتحقق إلی الآن هذا الوعد ، وهیهات أن یتحقق إلا علی ید أهل بیت النبی (صلی الله علیه وآله) ، بهم بدأ الله بنصرة الدین وإقامة دولة الرسول (صلی الله علیه وآله) بسیف علی (علیه السلام) ، وبهم یختم بظهور المهدی (عجل الله فرجه) فینشر دین الإسلام علی کافة الأرض .

ومنها : وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً (2)، أی رغید العیش وهنیئه ، کقوله تعالی : وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا

ص:73


1- (1) - التوبة (33) .
2- (2) - الجن (16) .

عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ (1)، وقال تعالی : وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِیلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (2)، فیعد الله تعالی أن إقامة الکتاب المنزل والإستقامة الصحیحة علی العمل به فی المجتمع یوجب أخراج الأرض کنوزها و السماء خیرها ، و هذا ما سیتحقق فی دولة المهدی (عجل الله فرجه) ، کما روی ذلک الفریقان وغیرها من الوعود الکبری فی القرآن التی لم تتحقق بعد وکل هذا التأخیر بسبب ما قال تعالی : وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللّهُ الشّاکِرِینَ(144) (3)، وقال تعالی إخباراً عما سیقع بعد وفاة النبی : وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یُشْهِدُ اللّهَ عَلی ما فِی قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَ إِذا تَوَلّی سَعی فِی الْأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیها وَ یُهْلِکَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَ إِذا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ(206) (4)وتولّی أی قبض علی ولایة الأمر والحکم .

وکذا فی سورة محمد (صلی الله علیه وآله) انبأ القرآن عن تسلط فئة الذین فی قلوبهم مرض علی مقالید الأمور بعد النبی (صلی الله علیه وآله) : فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ (5).

ص:74


1- (1) - الأعراف (96) .
2- (2) - المائدة (66) .
3- (3) - آل عمران (144) .
4- (4) - البقرة (204 - 206) .
5- (5) - محمد (22) .
الأنبیاء (علیهم السلام) :

المحاور: من المعروف أن قبور بعض الأنبیاء مدفونة عند حجر إسماعیل بن إبراهیم (علیهما السلام) بجوار الکعبة المشرفة ، الرجاء ذکر المصادر التی ذکرت ذلک لأن الکثیر یجهل ذلک ؟

الشیخ السند : کتاب وسائل الشیعة الجزء (13) طبعة مؤسسة آل البیت علیهم السلام ص 355 / ب 30 من أبواب الطواف - کتاب الحج الحدیث السادس والعاشر .

المحاور: لماذا الله تعالی لم یذکر قصص الأنبیاء جمیعاً فی القرآن ؟ .

الشیخ السند : قد سرّد القرآن الکریم قصص أعاظم الأنبیاء (علیهم السلام) کأولی العزم الخمسة وغیرهم کأدم (علیه السلام) وهود و صالح وشعیب ، وبعبارة أخری قد أستعرض القرآن الکریم من قصص الأنبیاء ما یصبّ فی معالجة المحاور الرئیسیة فی أمراض البشریة .

المحاور: هل یحاسب الله النبی والائمة (علیهم السلام) ؟ .

الشیخ السند : هناک جملة من الآیات والروایات الدالة علی أن الحساب عام شامل لهم (صلی الله علیهم وسلم) کما فی قوله تعالی : وَ إِنْ کَذَّبُوکَ فَقُلْ لِی عَمَلِی وَ لَکُمْ عَمَلُکُمْ (1)، وقال تعالی : فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِینَ أُرْسِلَ إِلَیْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِینَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَیْهِمْ بِعِلْمٍ وَ ما کُنّا غائِبِینَ (2)، و :

ص:75


1- (1) - یونس (41) .
2- (2) - الأعراف (6 - 7) .

یَوْمَ یَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَیَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّکَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُیُوبِ... إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ اذْکُرْ نِعْمَتِی عَلَیْکَ وَ عَلی والِدَتِکَ إِذْ...... (1)، وقوله تعالی : وَ إِذْ قالَ اللّهُ یا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَکَ ما یَکُونُ لِی أَنْ أَقُولَ ما لَیْسَ لِی بِحَقٍّ... (2)، وقوله تعالی : قُلْ ما کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِکُمْ (3).

وکما ورد فی الحدیث النبوی فی خطبة حجة الوداع و خطبة المسجد قبل الوفاة حیث قال (صلی الله علیه وآله) : هل بلّغت ؟ قالوا بلی . قال (صلی الله علیه وآله) : اللهم فاشهد .

وقال (صلی الله علیه وآله) :

(إنی مسؤول وإنکم مسؤولون )(4).

لکن النبی (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) یسألون عن دورهم فی هدایة الأمة والبشر والقیادة لهم هذا مع کون النبی (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) هم الأشهاد علی الخلق أجمعین کما نص علی ذلک الکتاب : وَ یَوْمَ نَبْعَثُ فِی کُلِّ أُمَّةٍ شَهِیداً عَلَیْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِکَ شَهِیداً عَلی هؤُلاءِ (5)، یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ارْکَعُوا... وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَ فِی هذا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَ تَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ (6).

ص:76


1- (1) - المائدة (109 - 110) .
2- (2) - المائدة (116) .
3- (3) - الأحقاف (9) .
4- (4) - الکافی ج2 ص606 .
5- (5) - النحل (89) .
6- (6) - الحج (77 - 78) .

فاظهر الکتاب أن هؤلاء الشهداء علی الخلق هم من نسل إبراهیم أبیهم وهم الأمة المسلمة دعوة إبراهیم وإسماعیل فی قولهما : وَ إِذْ یَرْفَعُ إِبْراهِیمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَ إِسْماعِیلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّکَ أَنْتَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ وَ أَرِنا مَناسِکَنا وَ تُبْ عَلَیْنا إِنَّکَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِیمُ رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ (1)، کما قال تعالی : وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ... (2)، وهم أهل البیت الذین شهد القرآن بطهارتهم فی سورة الأحزاب وبأنهم یمسّون ویحیطون بالکتاب المکنون ، کما فی سورة الواقعة الذی هو الکتاب المبین الذی یتسطر فیه کل شیء .

وهم الموازین القسط التی یضعها الرحمن لیوم القیامة کما فی سورة الأنبیاء فیحاسب بها الخلائق ومن ثم کانت الشفاعة له (صلی الله علیه وآله) ومن بعده لأهل بیته (علیهم السلام) ، وهو المقام المحمود الموعود به (صلی الله علیه وآله) فهم (صلوات الله علیهم) الحکام فی یوم الحساب بإذن منه تعالی وأستخلاف منه وهو (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) ولاة وأصحاب حوض الکوثر ، وقد ورد فی روایات الفریقین أن : ( حب علی إیمان وبغضه کفر )(3)، کما هو نص آیة المودة ولذلک ورد أنه (علیه السلام): ( قسیم النار والجنة)(4).

ص:77


1- (1) - البقرة (127 - 129) .
2- (2) - التوبة (105) .
3- (3) - الخصال للصدوق ص496 ، تاریخ دمشق لأبن عساکر ج42 ص298 .
4- (4) - الأمالی للصدوق ص83 .

وهم أصحاب الصراط المستقیم الذین أنعم الله علیهم بالتطهیر وحفظهم عن غضبه وسخطه وعصمهم عن الضلال فی أیة أمر فهم الهداة والهادین لهذه الأمة الذین أشیر إلیهم فی سورة الحمد ، فهم ولاة الصراط یقیمهم الباری یوم المحشر.

ص:78

الإمامة

التوسل بالإئمة (علیهم السلام) :

المحاور : ما هو الدلیل العقائدی للتوسل بالأئمة (علیهم السلام) لشفاء مرض ؟ و هل هناک من أهل السنة من توسل بالصحابة مع ذکر المصادر ؟ .

الشیخ السند : هناک العدید من الأدلة المتکاثرة علی ذلک نذکر منها مقتطفاً مثل قوله تعالی :اِذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا فَأَلْقُوهُ عَلی وَجْهِ أَبِی یَأْتِ بَصِیراً.... فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِیرُ أَلْقاهُ عَلی وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً (1)، وفی ذیل سورة یوسف یقول تعالی : لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ ما کانَ حَدِیثاً یُفْتَری (2). فما ذکره الله تعالی من أستشفاء نبی الله یعقوب بقمیص ابنه نبی الله یوسف ورجوع بصره ببرکة قمیصه لیس حدیثاً یفتری خیالی بل عبرة لاُولی الألباب کی یستنّوا بسنن أنبیاء الله تعالی .

و مثل قوله تعالی : وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا

ص:79


1- (1) - یوسف (93 - 96) .
2- (2) - یوسف (111) .

اَللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِیماً (1).

ومن المعلوم أن مرض الروح وهو الذنوب أعظم من مرض البدن ، فاذا کان شفاعته (صلی الله علیه وآله) فی النجاة الاًبدیة والخلاص الدائم مقبولة ، فکیف لا تکون شفاعته (صلی الله علیه وآله) مقبولة فی النجاة من المرض البدنی الموقت ، وقد أجمع المسلمون فی روایات الفریقین علی شفاعته (صلی الله علیه وآله ) ، و مثل ما روی أصحاب کتب السیر المعروفة لدی الفریقین وکتب الحدیث والتواریخ والتفسیر أنه (صلی الله علیه وآله ) فی غزوة خیبر عندما لم یظفر المسلمون بالیهود وقلاعهم المحصنة وکان (صلی الله علیه وآله) قد أرسل أبا بکر وعمر وعمرو بن العاص کل واحد فی مرة مع الجیش فیرجعون فراراً فی یئس من الظفر بالیهود وفی حالة من الذعر ، فقال (صلی الله علیه وآله) :

(لاًعطین الرایة غداً رجلاً یحبّ الله ورسوله ویحبه الله ورسوله کرار غیر فرار ، یفتح الله علی یدیه ) (2)، فتطاولت الی ذلک أعناق القوم وقالوا من یعطاها وکل واحد تمنی أن یکون هو ، فأصبح (صلی الله علیه وآله) و نادی أین علی ، فقالوا له أنه مریض مصاب بالرمد فی عینیه فقال أتونی به ، فجاؤوا به أرمد العینین فمسح (صلی الله علیه وآله) عینی علی بریق ماء فمه الشریف فبرئ علیّ و أخذ الرآیة وفتح الله تعالی علی یدیه حصون الیهود وقتل مرحباً وکانت أحد مواقفه (علیه السلام )التی بنت صرح الدولة الاسلامیة العظمی .

فنری فی هذا الموقف قد أستشفی علیاً بریق النبی (صلی الله علیه وآله) ، وقد روی أصحاب

ص:80


1- (1) - النساء (64) .
2- (2) - السیرة الحلبیة ج7 ص727 ، تاریخ دمشق لأبن عساکر ج41 ص219 ح : 4774 .

الصحاح الستة أن المسلمین کان یتبرکون بفاضل وضوءه (صلی الله علیه وآله) إلی غیر ذلک من الموارد التی لا تحصی .

الإمام علی (علیه السلام) :

المحاور : لماذا نساوی نحن الشیعة الإمام علی (علیه السلام) بالرسول محمد (صلی الله علیه وآله) ؟ أو لیس الرسول (صلی الله علیه وآله) خیر البشر؟ و ألیس هذا غلو فی الإمام (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : لا تساوی الشیعة بینهما (صلوات الله علیهما وآلهما) فی الفضیلة فإن النبی (صلی الله علیه وآله) سید الخلق والکائنات أجمعین وأشرف البرایا علی الاطلاق قال تعالی : فَکانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی (1)، وقال تعالی :وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (2)، وقال تعالی : فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِکَ عَلی هؤُلاءِ شَهِیداً (3). فلا أدنی منه من رب العزة وجمیع الانبیاء والرسل أخذ تعالی المیثاق علیهم بنصرة النبی محمد (صلی الله علیه وآله) والإیمان به مما یدل علی صدارته علیهم وغیرها من الآٌیات وقد قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) عندما سأله أحد الأحبار

(یا أمیر المؤمنین أفنبی أنت ؟ .

ص:81


1- (1) - النجم (9) .
2- (2) - آل عمران (81) .
3- (3) - النساء (76) .

فقال ویلک إنما أنا عبد من عبید محمد (صلی الله علیه وآله) )(1)، نعم ما تذکره الشیعة هو وحدة سیرة علی (علیه السلام) مع سیرة النبی (صلی الله علیه وآله) وصراطه (علیه السلام ) مع صراطه (صلی الله علیه وآله)، ووحدة نورهما (صلوات الله علیهما وآلهما) قال تعالی : فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ... (2)، فجعل تعالی فی آیة المباهلة نفس علی (علیه السلام) نفس النبی (صلی الله علیه وآله) ، وقال تعالی : أَ فَمَنْ کانَ عَلی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ یَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ (3)، فالذی علی البینة الرسول (صلی الله علیه وآله) والذی یتلوه علی (علیه السلام) فجعله تعالی من نفس النبی (صلی الله علیه وآله) ، کما روی الفریقان فی نزول سورة براءة بعد نزول جبرئیل عن الله تعالی بأمر النبی (صلی الله علیه وآله) بمنع تبلیغ أبی بکر سورة البراءة وقال له : (یا محمد لا یؤدی عنک إلا أنت أو رجل منک ) (4)فلا یبلّغ عن النبی فیما یوحی إلیه من الله تعالی الا هو نفسه (صلی الله علیه وآله) أو رجل من نفس النبی (صلی الله علیه وآله) وهو علی وذریته المطهرون*

المحاور : فی الثامن عشر من شهر ذی الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبویة الشریفة تمت بیعة الغدیر (نسبة إلی المکان و الذی کان یسمی غدیر خم) والذی نصب فیها أمیر المؤمنین الأمام علی بن أبی طالب (صلوات الله علیه و علی أبنائه المعصومین) خلیفة بعد الرسول الأعظم محمد (صلی الله علیه وآله) :

ص:82


1- (1) - الکافی للکلینی ج1 ص90 .
2- (2) - آل عمران (61) .
3- (3) - هود (17) .
4- (4) - الخصال للصدوق ص37 ، عمدة القاری للعینی ج4 ص78 ، مجمع الزوائد للهیثمی ج7 ص29 .

1 - کم کان عُمر الإمام علی بن أبی طالب (سلام الله علیه) ؟ .

الشیخ السند : ثلاثة وثلاثون عاماً .

2- ما هو عدد الذین بایعوا الإمام (علیه السلام) فی بیعة الغدیر ؟ .

الشیخ السند : فی بعض الروایات من الفریقین سبعون ألفا وبعضها مائة وعشرون ألفا وغیرها من الأعداد.

3 - یقال عدد زوجات الإمام علی بن أبی طالب (علیه السلام) (12 عدا السراری) السؤال هنا کم عددهن بالکامل ؟ وما هو أضخم کتاب یبحث فی بیعة غدیر خم ومن هو مؤلف هذا الکتاب و کم عدد أجزائه ؟ .

الشیخ السند : کتاب (الغدیر) للعلامة الامینی وعدد أجزاءه عشرة ولکن هناک کتب فی الغدیر من قبل مؤلفین من أهل السنة من المحدثین فی القرن الثانی والثالث أضخم من ذلک مما قد أحصت جمیع الطرق لهذا الحدیث النبوی .

المحاور: من الضروری البدیهی عند عامة العلویین ولادة الإمام علیّ (علیه السلام ) فی الکعبة المشرفة ، والحدیث المبیّن لتفصیل دخول فاطمة بنت أسد الکعبة وولادة علیّ فیها تصرح ب- : (أنها دخلت الکعبة وبقیت فیها ثلاثة أیام وفی نفس الیوم الثالث خرجت من الکعبة ومعها ولدها علیّ ) (1) ، وبتصریح حدیث المولد ؛ کان یوم خروجها من الکعبة یوم الترویة وبعده عرفة وبعدهما

ص:83


1- (1) - بحار الأنوار ج35 ص8 .

الأضحی .

فیتضح إن ولادة علیّ (علیه السلام) وقعت فی الیوم السادس من شهر ذی حجة الحرام، وأما ما أشتهر بین أوساط عامة العلویة من عدهم یوم المیلاد فی 13 رجب ، فذلک لا تقاوم مثل هذا الحدیث الذی بنی علیه عقیدة کل العلویین فی مولده فی الکعبة ، فإنه لم یلتزم أحد بهذا الحدیث ویترکه ؛ فکأنه ترک عقیدة الولادة فی الکعبة ، لأنه هو الحدیث الخاص لبیان تفصیل ذلک، ولم یعارض مضمونه سایر الأحادیث الشارحة لتفصیل ولادته.

ومن المعلوم أیضاً : أنه لا یجوز الأخذ ببعض الحدیث وترک بعضه ؛ فلا محیص من الإلتزام بمفاده ونتیجته فی تاریخ ولادته .

ومما یصرح أیضا بعدم صحة القول بوقوع الولادة فی 13 رجب هو: الدعاء الذی ورد من الناحیة المقدسة ، وروی الشیخ الطوسی أنه خرج هذا التوقیع من الناحیة المقدسة علی ید الشیخ أبی القاسم حسین بن روح (رضوان الله علیه) ، و أن صاحب الزمان أوصی بهذا الدعاء ، وأمر أن یدعو المؤمنین به فی کل یوم من شهر رجب ، وهو معروف عند عامة العلویین ومسطور فی کتب حدیثهم وأدعیتهم ویلتزمون به: (اللهم إنی أسألک بالمولودین فی رجب محمد بن علی الثانی وابنه محمد بن علی المنتجب وأتقرّب بهما إلیک خیر القرب یا من إلیه المعروف طلب) (1)ونص هذا الدعاء مصرح مؤکد علی أن المولود من الأئمة أو المعصومین (علیهم السلام ) فی شهر رجب ینحصر فی شخصین وهما الإمام الجواد والإمام الهادی (علیهما السلام) ،

ص:84


1- (1) - مفاتیح الجنان ، أدعیة شهر رجب .

بل یفید بصراحة أن الإمام علی (علیه السلام) لم تکن ولادته فی شهر رجب ؛ ولو کانت لکان یذکره صاحب الأمر (علیه السلام) فی هذا الدعاء مع الإمامین المذکورین ، بل کان الإمام علی (علیه السلام) أولی بالذکر.

ولما کانت من روایات تاریخ ولادة الإمام الهادی (علیه السلام) هی : أن ولادته فی 13 رجب، وکان هو یشترک مع جده فی الإسم والکنیة فلعل ذلک أدی إلی وقوع الخلط فی النقل أو التصحیف وأدی إلی نسبتها إلی الأئمة واشتهر بین عامة الناس.

یقول السید العلوی: ولی شاهد آخر یلزم قبل الإستشهاد به أن أشرح مقدمة موضحة له: ( فی دراسة کانت لی سابقا حول أراء العلویین وأتباع أهل البیت (علیهم السلام ) ومبانیهم ؛ تبین لی أنه کان للأئمة الأطهار (علیهم السلام) فی خاصتهم وحملة علومهم صنفان من أصحابهم فصنف کانوا حملة ظاهر علومهم ؛ أمثال زرارة ومحمد بن مسلم ، وصنف آخر ضمن تحملهم لعلومهم الظاهرة ؛ کانوا أیضا حملة أسرارهم وعلومهم الباطنة ، وکان أصحاب الظاهر کثیراً ما ینکرون أصحاب الباطن لعدم تحملهم ما عند حملة العلوم الباطنة ، وکان الأئمة (علیهم السلام) یوصون أصحاب أسرارهم بالکتمان وعدم إفشاء ما لا یحتمله أصحاب الظاهر ، وأیضا یدافعون عنهم أمام أصحاب الظاهر ، واستمر الخطان فی ظل الأئمة ؛ فاستمر خط أصحاب الأسرار فی جنب خط أصحاب الظاهر عبر القرون والعصور ؛ فکما أن ظاهرة مذهب أهل البیت (علیهم السلام) حالیاً هی استمرار خط حملة العلوم الظاهرة ، فکذلک استمر خط حملة علومهم الباطنة ولکنه فی ضمن أصحاب

ص:85

الظاهر ، فهم فی الحقیقة جامع الخطین ، ویتکتمون علومهم الموصولة إلیهم عبر إستمرار خط أصحاب الباطن ، وهم ضمن اعتقادهم وإلتزامهم بکتب الحدیث وکل ما یعتبر من مصادر العلویة وأصحاب الظاهر؛ ولکنه أیضا لدیهم نصوص حدیث وعلوم متوارثة عن طریق أصحاب الأسرار من الأئمة الأطهار ، ولکنه یکتمونها فیما بینهم ولا یبدونها إلا للأوحدی الذی یأتمنونه ، ویروون عن الأئمة (علیهم السلام) أنهم قالوا : إن لنا حدیثاً من حفظه علینا حفظه الله وحفظ علیه دینه ودنیاه ، ومن أذاعاه علینا سلبه الله دینه ودنیاه ، یا معلی إنه من کتم الصعب من حدیثنا جعله الله نوراً بین عینیه ورزقه العز فی الناس ، ومن أذاع الصعب من حدیثنا لم یمت حتی یعضه السلاح أو یموت متحیراً )(1).

وبعد هذه المقدمة أقول : وجدت عندهم أیضا أن ولادة الإمام علی (علیه السلام) فی الکعبة کانت فی السادس من شهر ذی الحجة المبارکة.

فلذلک هذا القول فی تاریخ مولده؛ موافق علی حسب مصادر عامة العلویین وخاصتهم ، وإن أشتهر غیره فی أوساط عامتهم.

وأما حدیث مولده (علیه السلام) فی الکعبة فجاء فی أمهات مصادر الحدیث عند العلویین منها:

آمالی الشیخ الطوسی ج2 ص317 وروی عنه بحار الأنوار - ج35 ص35 ح37 و فی مناقب ابن شهر آشوب ج2 ص174 وروی عنه بحار

ص:86


1- (1) - الغیبة للنعمانی ص45 الباب1 ح : 12 .

الأنوار - ج35 ص18 ح14 .

و فی آمالی الشیخ الصدوق ص114 ح9 وروی عنه بحار الأنوار - ج35 ص8 ح11 . و فی علل الشرایع ص135 ح3 .

و فی معانی الاخبار ص62 ح10 .

و فی روضة الواعظین ص76 .

و فی کشف الیقین ص6 .

و فی کشف الحقّ ص233 .

و فی بشارة المصطفی ص8 .

وفی مدینه المعاجز ج1 ص45 ح1 ، وفی تفسیر البرهان ج3 ص107 ح9 ، وفی حلیة الإبرار ج1 ص229 .

أما نص الحدیث الشارح لتفصیل ولادته فی الکعبة :

الشیخ الطوسی فی کتاب (المجالس) : قال : أخبرنا أبو الحسن محمد ابن أحمد بن شاذان قال : حدثنی أحمد بن محمد بن أیوب قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضی قال: حدثنا عبدالله بن محمد قال: حدثنی أبو حبیبة قال: حدثنی سفیان بن عیینة عن الزهری عن عائشة ، قال محمد بن أحمد بن شاذان: وحدثنی سهل بن أحمد قال: حدثنی أحمد بن عمر الزبیقی قال : حدثنا زکریا بن یحیی قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالک عن العباس بن عبد المطلب: قال ابن شاذان : وحدثنی

ص:87

إبراهیم بن علی بإسناده عن أبی عبدالله جعفر بن محمد (علیهما السلام) عن آبائه (علیهم السلام) قال: ( کان العباس بن عبد المطلب و یزید بن قعنب جالسین ما بین فریق بنی هاشم إلی فریق عبد العزی بإزاء بیت الله الحرام إذ أتت فاطمة (علیها السلام) بنت أسد بن هاشم أم

أمیر المؤمنین (علیه السلام) وکانت حاملة بأمیر المؤمنین (علیه السلام) لتسعة أشهر وکان یوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البیت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت: أی رب إنی مؤمنة بک وبما جاء به من عندک الرسول وبکل نبی من أنبیائک وکل کتاب أنزلته وإنی مصدقة بکلام جدی إبراهیم الخلیل وإنه بنی بیتک العتیق فأسألک بحق هذا البیت ومن بناه وبهذا المولود الذی فی أحشائی الذی یکلمنی ویؤنسنی بحدیثه و أنا موقنة أنه إحدی آیاتک ودلائلک لما یسرت علی ولادتی .

قال العباس بن عبد المطلب و یزید بن قعنب : فلما تکلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأینا البیت قد أنفتح من ظهره ودخلت فاطمة فیه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله ، فرمنا أن نفتح الباب لیصل إلیها بعض نسائنا فلم ینفتح الباب فعلمنا أن ذلک أمر من أمر الله وبقیت فاطمة فی البیت ثلاثة أیام.

قال: وأهل مکة یتحدثون بذلک فی أفواه السکک و تتحدث المخدرات فی خدورهن.

قال: فلما کان بعد ثلاثة أیام انفتح البیت من الموضع الذی کانت

ص:88

دخلت فیه فخرجت فاطمة وعلی (علیه السلام) علی یدیها ثم قالت: معاشر الناس إن الله (عز وجل) أختارنی من خلقه وفضلنی علی المختارات ممن مضی قبلی وقد اختار الله آسیة بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً فی موضع لا یحب الله أن یعبد فیه إلا إضطراراً و أن مریم بنت عمران هانت ویسرت علیها ولادة عیسی فهزت الجذع الیابس من النخلة فی فلاة من الأرض حتی تساقط علیها رطباً جنیاً.

و أن الله أختارنی وفضلنی علیهما وعلی کل من مضی قبلی من نساء العالمین لإنی ولدت فی بیته العتیق وبقیت فیه ثلاثة أیام آکل من ثمار الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج وولدی علی یدی هتف بی هاتف وقال: یا فاطمة سمیه علیاً فأنا العلی الأعلی وإنی خلقته من قدرتی وعز جلالی وقسط عدلی وأشتققت أسمه من أسمی وأدبته بأدبی وفوضت إلیه أمری ووقفته علی غامض علمی وولد فی بیتی وهو أول من یؤذن فوق بیتی ویکسر الأصنام ویرمیها علی وجهها ویعظمنی ویمجدنی ویهللنی وهو الإمام بعد حبیبی ونبیی وخیرتی من خلقی محمد رسولی ووصیه فطوبی لمن أحبه ونصره والویل لمن عصاه وخذله وجحد حقه.

قال: فلما رآه أبو طالب سرّ وقال علی (علیه السلام) : السلام علیک یا أبه ورحمة الله وبرکاته.

قال: ثم دخل رسول الله (صلی الله علیه وآله) فلما دخل أهتز له أمیر المؤمنین (علیه السلام) وضحک فی وجهه وقال : السلام علیک یا رسول الله ورحمة الله وبرکاته.

ص:89

قال : ثم تنحنح بإذن الله تعالی وقال: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (1)، إلی آخر الآیات فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : قد أفلحوا بک وقرأ تمام الآیات إلی قوله : أُولئِکَ هُمُ الْوارِثُونَ اَلَّذِینَ یَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِیها خالِدُونَ (2)، فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أنت و الله أمیرهم تمیرهم من علومک فیمتارون وأنت و الله دلیلهم وبک یهتدون .

ثم قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) لفاطمة : أذهبی إلی عمه حمزة فبشریه به.

فقالت : فإذا خرجت أنا فمن یرویه ؟

قال : أنا أرویه.

فقالت فاطمة : أنت ترویه؟!

قال : نعم .

فوضع رسول الله (صلی الله علیه وآله) لسانه فی فیه فانفجرت منه اثنتا عشرة عیناً فسمی ذلک الیوم یوم الترویة.

فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد أرتفع من علی إلی عنان السماء.

قال : ثم شددته وقمطته بقماط ، فبتر القماط.

قال: فأخذت فاطمة قماطاً جیدا فشددته به ، فبتر القماط ، ثم جعلته

ص:90


1- (1) - المؤمنون (1 -2) .
2- (2) - المؤمنون (10 -11) .

فی قماطین فبترهما ، فجعلته ثلاثة ، فبترها ، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر - لصلابته - فبترها ، فجعلته خمسة أقمطة دیباج لصلابته فبترها کلها ، فجعلته ستة من دیباج وواحد من الادم ، فتمطی فیها فقطعها کلها بإذن الله ، ثم قال بعد ذلک : یا أمه لا تشدی یدی فإنی أحتاج إلی أن أبصبص لربی بإصبعی.

قال : فقال أبو طالب عند ذلک: إنه سیکون له شأن ونبأ.

قال : فلما کان من غد دخل رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی فاطمة فلما بصر علی (علیه السلام) رسول الله (صلی الله علیه وآله) سلم علیه وضحک فی وجهه وأشار إلیه أن خذنی إلیک وأسقنی مما سقیتنی بالأمس.

قال : فأخذه رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقالت فاطمة : عرفه ورب الکعبة.

قال: فلکلام فاطمة سمی ذلک الیوم یوم عرفة، یعنی أن أمیر المؤمنین (علیه السلام ) عرف رسول الله (صلی الله علیه وآله) .

فلما کان الیوم الثالث وکان العاشر من ذی الحجة أذن أبو طالب فی الناس إذناً جامعاً ؛ وقال : هلموا إلی ولیمة إبنی علی.

قال : ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم وأتخذ ولیمة عظیمة.

وقال : معاشر الناس ألا من أراد من طعام علی ولدی فهلموا إلی أن طوفوا بالبیت سبعا وادخلوا وسلموا علی ولدی علی فإن الله شرفه ولفعل

ص:91

أبی طالب شرف یوم النحر )(1). انتهی الحدیث .

ورواه الشیخ محمد بن علی بن شهر آشوب فی کتاب المناقب : قال : فی روایة شعبة عن قتادة عن أنس عن العباس بن عبد المطلب وروایة الحسن بن محبوب عن الصادق (علیه السلام) والحدیث مختصر وساق بعض الحدیث .

راجع مناقب آل أبی طالب ج 2 ص 174 وعنه فی بحار الأنوار ج 35 ص 17 ذیل الحدیث 14 وعنه فی حلیة الإبرار ج 1 ص229 ورواه أیضا ابن بابویه فی أمالیه : ( قال: حدثنا علی بن أحمد بن موسی الدقاق رحمه الله حدثنا محمد بن جعفر الاسدی قال: حدثنا موسی بن عمران عن الحسین بن یزید عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن ثابت ابن دینار عن سعید بن جبیر قال: قال یزید بن قعنب : کنت جالساً مع العباس ابن عبد المطلب وفریق من عبد العزی بإزاء بیت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین (علیه السلام) وساق الحدیث بزیادة ونقصان ) .

راجع أمالی الطوسی ج 2 ص 317 وعنه فی بحار الأنوار ج 35 ص 35 ح 37 وفی تفسیر البرهان ج 3 ص 107 ح 9 وحلیة الإبرار ج 1 ص 226 قال الشیخ محمد بن علی بن شهراشوب فی مناقبه : أجمعت الشیعة علی أنه (علیه السلام ) ولد فی الکعبة . راجع مناقب آل أبی طالب ج2 ص175 وعنه فی بحار الأنوار ج35 ص 19 ذیل الحدیث 14 وفی حلیة الإبرار ج1 ص230 یقول السید العلویّ : وروی العمریّة أیضا فی کتبهم ؛ وقوع

ص:92


1- (1) - الأمالی للطوسی ص78 مجلس یوم الجمعة 42 .

ولادة علیّ فی الکعبة، منها:

ما ذکره ابن المغازلی فی مناقبه : 6 ح3 .

وأبن الصباغ المالکی فی الفصول المهمة : 130.

والکنجی الشافعی فی کفایة الطالب : 405 ب7.

یقول السید العلویّ: ( وهنا أختم کلامی بتهنئة هذا الیوم الشریف الذی هو للمؤمنین عید سعید إلی الحضرة القدسیة والناحیة المقدسة لصاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) و جمیع العلویین ) .

الشیخ السند : القول المشهور فی ولادة أمیر المؤمنین عند الإمامیة هو الثالث عشر من شهر رجب کما روی فی عدة روایات ذکرها المجلسی فی البحار ج35 ،

وأختلاف الروایات فی المولد أمر معتاد حتی فی مولد النبی (صلی الله علیه وآله) فإن الشیعة الإمامیة تروی ولادته فی 17 من ربیع الأول بینما أهل سنة الخلافة یروون أنه 12 من ربیع الأول ، وکذا الحال فی بقیة الأئمة المعصومین (علیهم السلام) ، وأما کون مولد الأمیر (علیه السلام) فی الکعبة فهو القول المعروف المروی عند الفریقین ولا أختصاص له بطائفة دون أخری فکما یروی ذلک الشیعة الإمامیة فی کتبهم ترویه أهل سنة الخلافة والجماعة فی کتبهم وکذا الحال فی کتب التاریخ المعروفة ، ولا توقف لإثبات ولادته (علیه السلام) فی الکعبة المشرفة علی تعیین تاریخ مولده کما یتخیله هذا القائل فإن مصادر مکان تولده لا تنحصر بهذه الروایات کما تخیل بل هناک المصادر الکثیرة الأخری .

ص:93

المحاور: إن من المتواتر عندنا قول رسول الله (صلی الله علیه وآله) للإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) : ( أنا مدینة العلم وعلی بابها ) ، و هذا الحدیث ورد فی مصادر أهل السنة وقد نص علیه السیوطی وابن حجر العسقلانی وغیرهم ؟ .

هل یوجد هذا الحدیث بسند صحیح عندنا فإذا وجد أرجو أن تذکروا المصدر مع السند وترجمة رجال السند ؟ .

الشیخ السند : ذکر المجلسی (قدس سره) فی البحار ج40 ص200 باباً بهذا العنوان وذکر فیه ستة عشر طریقاً لهذا الحدیث وذکر فی مجلدات أخری مثل ج68 ص180 وج81 : 69 وج436 : 31 وفی کتاب الغدیر للعلامة الامینی ج61 : 6 - 82 وج 61 : 6 - 77 .وقد ذکروا أن عدد رواته من طرق العامة یربو علی المائة والستین . وفی الکافی للکلینی ج339 : 2 ذکر طریقاً من الثقات فلاحظه وفی کتاب أحقاق الحق ج594 : 7 وج506 : 5 .

المحاور: کیف نرد علی من یزعم أن الإمام علی (علیه السلام) لیس معصوماً مستشهداً بحرق الإمام للوفد الذی جعلوه إله و یقولون أن الحدیث یقول : ( لا یحرق بالنار إلا رب النار )(1)؟ .

الشیخ السند : لم یحرق علی (علیه السلام) الغالین الذین ألّهوه بالنار حرقاً بل قتلهم بالخنق بدخان النار فأمر (علیه السلام) بحفر حفیرتین و جعل بینهما ثقباً فأشعل النار فی واحدة و جعل الغلاة فی الثانیة وأطبق علیهم کی یرتدعوا عن کفرهم ولکنهم أزدادوا غیاً وقالوا لا یحرق بالنار إلا رب النار مع انه (علیه السلام) لم

ص:94


1- (1) - شرح نهج البلاغة لأبن أبی الحدید ج5 ص6 .

یحرقهم بالنار بل قتلهم بالخنق بدخان النار ، وعصمته لیست هی بالتی یدبّ فیها الشک بخبر أو خبرین أو أخبار متعددة فإنها ثابتة بالکتاب والسنة القطعیة والسیرة القطعیة التی جسدّها فی تاریخ الإسلام من عظمة الإستقامة ونور الهدایة .

ومن الآیات مثل آیة التطهیر وسورة الدهر وآیة الولایة والمودة وغیرها مما تبین فی محله من کتب العقائد دلالتها علی عصمته ، وکذا الأحادیث المتواترة کحدیث الثقلین وحدیث معیته (علیه السلام) مع الحق ومعیّة الحق معه وغیرها .

وواقعة قلع الباب فی خیبر والمبیت فی الفراش وزهده وعدالته فی تقسیم بیت المال علی السویة للعربی والعجمی والقرشی وغیره وللمهاجرین والأنصار وغیرهم سواء خلافاً لسیرة الخلفاء قبله ومعجزاته وأحکامه فی القضاء وغیر ذلک .

المحاور: إذا کان الإمام علی (علیه السلام) یعلم متی سیرحل إلی الرفیق الأعلی فما الفضیلة فی مبیته علی فراش النبی (صلی الله علیه وآله) لیلة الهجرة ؟ .

الشیخ السند : ورد أنه لیس البیان کالعیان ، فإن الله تعالی عندما أخبر النبی موسی (علیه السلام) بضلال قومه من بعد ما ترکهم و أن السامری أضلهم لم ینثار ویتأثر موسی (علیه السلام) ولکنه لما رجع الی قومه وعاین ضلالهم وعکوفهم فی سورة الأعراف وسورة طه علی عبادة العجل وفتنة السامری أشتد غضباً کما وصف کلا الموقفین القرآن الکریم ، وبعبارة أخری الوصف لیس إلا معانی ذهنیة وأما العیان فمباشرة نفسانیة تتحسس فیها

ص:95

الغرائز وتنفعل فإن الخبر أمر ومواجهة الحدث أمر آخر ینثار فیها الجأش وتضطرب فیها القوی والأحاسیس ویدبّ فیها الهلع والجزع إلا من یکون علی مکانة من قوة الإیمان والیقین ، وتمثل ذلک فی نفسک فإنک لو أخبرت بأنک لن تموت مع کل ما یصیبک من جراح من حیوان مفترس کالأسد الضاری ، فإن هذا الاخبار لن یفیدک طمأنینة وعدم إضطراب إلا اذا کنت علی درجة من الیقین ومع ذلک فإن حرارة الجراح وهول الحدث لن یتغیر من حیث الإثارة ، وقد أصیب امیر المؤمنین ببالغ الجراحات وقتئذ و کانوا عازمین علی قتله أیضاً انتقاماً لکنهم أخفقوا بمکیدة ربانیة .

المحاور: من الثابت عند المسلمین أن حدیث : ( لا یحبه إلا مؤمن ولا یبغضه إلا منافق )(1)، فی أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، کیف تفسرون أن الغلاة مع الحکم بکفرهم إلا أنهم محبون للإمام (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : لا بد من التنبیه إلی أن الغلاة علی أقسام وقد أختلف بین العلماء فی عدّ بعض الأقسام من الغلو بسبب الأختلاف فی معانی الغلو ، ولا ریب أنه لیست کل أنواع الغلو سواء المتفق علی کونها من الغلو أو المختلف علیها لیست کلها موجبة للکفر بمعنی الخروج عن الملّة والإسلام ، بل البعض الآخر منها موجب للفسق أو الأبتداع والضلالة سواء المتفق علی کونه غلواً فضلاً عن المختلف فیه أما ضابطة الغلو المتفق علی کونه کذلک ، فهو إثبات کل صفة أو شأن لا یصح أسناده إلا إلی الله

ص:96


1- (1) - الأمالی للصدوق ص252 ، کنز العمال للمتقی الهندی ج14 ص81 ، تاریخ دمشق لأبن عساکر ج12 ص398 .

تعالی ، سواء من ناحیة کیفیة الإسناد او مضمون المسند .

وأما الغلو المختلف فهو اثبات مقامات لهم (علیهم السلام) لا تخرج عن حدّ صفات الممکنات المخلوقات ، ولکنها تعطی الحظوة والحبوة الأوفر من الکرامة لهم من بین المخلوقات سواء الملائکة أو النبیین والمرسلین .

هذا من جانب ومن جانب ثان قد روی عن النبی قوله لعلی (علیه السلام) :

(یهلک فیک إثنان محب غال ومبغض قال )(1)، وکذلک روی عن الوصی (علیه السلام) :

(هلک فیّ إثنان محب غال ومبغض قال )(2)، فحبه (علیه السلام) مع عدم الغلو فی الأعتقاد إیمان کما أن بغضه نفاق ومرض فی القلوب ، قال تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (3)، فالمودة لعترة النبی (صلی الله علیه وآله) فریضة عظیمة عدلت أجراً لکل الرسالة .

ویجب الإلتفات إلی أن الغلو لیس معناه شدة الحب کما یحاول بعض النصاب والمعادین للعترة النبویة تفسیره ، بل الغلو هو ما مرّ تفسیره وإن کان مع ضعف فی المیل والحب ، فشدة الحبّ وضعفه لا ربط له بنحو المعرفة ، فالغلو خطأ فی المعرفة والأعتقاد ، وعلی ذلک فلیس شدة الحب إفراط مع فرض صحة الأعتقاد ، بل شدة الحب حینئذ زیادة إیمان ألا تمعن النظر فی قوله تعالی : وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ (4)، ألا تری إلی مدح علی (علیه السلام) مالک الأشتر:

(رحم الله مالکاً کان لی کما کنت لرسول الله (صلی الله علیه وآله) )(5)،

ص:97


1- (1) - الملل و النحل للشهرستانی ص28 ، ینابیع المودة للقندوزی ج1 ص329 .
2- (2) - البحار ج34 ص307 .
3- (3) - الشوری (23) .
4- (4) - البقرة (165) .
5- (5) - نهج البلاغة لأبن أبی الحدید ج15 ص98 .

وکان مالکاً شدید المحبة للوصی (علیه السلام) متفانی فی موالاته ونصرته ضد اعدائه ، فإذا أستقامت المعرفة والأعتقاد تکون المحبة وشدتها رجحان فی الإیمان ، وإذا أخطأ الأعتقاد کانت المحبة ولو الضعیفة علی غیر السبیل .

ویعزز ذلک ما ورد فی الحدیث النبوی انه لا یؤمن أو لا یکمل إیمان عبد حتی یکون الله ورسوله أحب إلیه من نفسه ومن عشیرته وأمواله ، وهو مضمون قوله تعالی : قُلْ إِنْ کانَ آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ وَ إِخْوانُکُمْ وَ أَزْواجُکُمْ وَ عَشِیرَتُکُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسادَها وَ مَساکِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّی یَأْتِیَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ (1)، فبین قوله تعالی أن حبّ الله تعالی وکذلک حب الرسول (صلی الله علیه وآله) یجب أن یکون أشدّ من حبّ النفس وحب الأموال والأزواج والمساکن والتجارات أی أن حب الله وحب الرسول یجب أن یکون حباً شدیداً یفوق بقیة موارد حب الإنسان حتی لنفسه فالحاصل أن شدّة الحب لیس غلواً مادامت المعرفة والعقیدة صحیحة بل هی قوة إیمان . فالمدار علی صحة المعرفة وصحة العقیدة وعندئذ تکون شدة المحبة رفع درجات فی الإیمان .

کما انه لا بد من التنبیه علی ضابطة وهی أنه کما أن الغلو انحراف فإن الجفاء لعلی (علیه السلام) أیضاً إنحراف فإن من الناس من یثقل علی قلبه أسم علی أمیر المؤمنین أخ النبی (صلی الله علیه وآله) وأبن عمه ، ویستثقل علی سمعه إطراء وذکر

ص:98


1- (1) - التوبة (24) .

مناقب علی (علیه السلام) فإن هذه الکراهة نفاق وشقاق ومحاددة لله ولرسول حیث قال تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (1)، علی وفاطمة وأبناءهما .

کذلک هناک المقصّر فی معرفة فضائل ومناقب علی وأهل بیته ، فتراه یدافع إثبات أو ثبوت الفضائل وینزل معرفته بأمیر المؤمنین إلی الأعتقاد بأنه (علیه السلام) فی رتبة غیره . فالتقصیر عن المعرفة الصحیحة والکاملة تقصیر فی الواجب ، وزیغ عن الطاعة . ویکفی فی الأشارة إلی لزوم ذلک قول النبی : ( أنا مدینة العلم وعلی بابها )(2)فلا بد من معرفة باب مدینة علم الرسول (صلی الله علیه وآله) .

المحاور: کثیراً ما نسمع عن المرأة الفاضلة أم البنین زوجة أمیر المؤمنین (علیه السلام) وأم أبا الفضل العباس (علیه السلام) هل یوجد أحادیث واضحة وصحیحة عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أو أحد الأئمة المعصومین (علیهم السلام) فی مدحها أو الثناء علیها أو ذکرها فی موضع مدح ؟.

الشیخ السند : قد کتب غیر واحد من الأفاضل الأجلاء حول قمر بنی هاشم أبی الفضل العباس (سلام الله علیه) کالسید عبد الرزاق المقرم وکتاب قمر بنی هاشم وکتاب بطل العلقمی للشیخ المظفر وغیرها من الکتب .

ومما أوردوه عن کتاب (عمدة الطالب وسر السلسلة العلویة) لأبی نصر البخاری ص 357 ، أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال لأخیه عقیل :

(أنظر لی

ص:99


1- (1) - الشوری (23) .
2- (2) - مجمع الزوائد للهیثمی ج9 ص114 ، الأستیعاب لأبن عبد البر ، ج3 ص1102 .

امرأة ولدتها الفحول من العرب تلد لی غلاماً ، قال عقیل : تزوج بفاطمة بنت حزام الکلابیة فإنه لیس فی العرب أشجع من أبائها ولا أفرس )(1).

وعن کتاب مجموعة الشهید الأول : (أن عقیلة بنی هاشم لما رجعت من کربلاء الی المدینة زارت أم البنین وعزّتها فی شهادة أبنائها الأربعة وکانت تتردد بعد ذلک لزیارتها )(2).

وقد أورد غیر واحد من المؤرخین قصة زواجه (علیه السلام) بها فلاحظ المناقب لابن شهر آشوب ج 2 / 93 - 117 ، ومطالب السؤول وتاریخ الطبری 6 / 89 ، والکامل لأبن الاثیر 3 / 158 ، وتاریخ أبی الفلاء 1 / 181 .

وقد وردت عدة روایات منها ما قاله أمیر المؤمنین (علیه السلام) لأخیه عقیل :

(أنظر لی إمرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لی غلاماً فارساً ، ولکی أصیب منها ولد یکون شجاعاً وعضداً ینصر ولدی الحسین ویواسیه فی طفّ کربلاء .

فقال له عقیل : تزوج یا أمیر المؤمنین أم البنین الوحیدیة الکلابیة فإنه لیس فی العرب أشجع من أبائها فتزوجها علی (علیه السلام).

وقد روی عنها أنها رأت فی المنام قبل زواجها به (علیه السلام) أن هاتفاً یعتف بها :

بشراک فاطمة بالسادة الغرر ثلاثة أنجم والزاهر القمر

أبوهم سیّد فی الخلق قاطبة بعد الرسول کذا قد جاء فی الخبر

ص:100


1- (1) - معالی السبطین للحائری ج1 : ص430 .
2- (2) - معالی السبطین للحائری ج1 : ص430 .

وأمها ثمامة بنت سهیل بن عامر وکانت ثمامة بمکان من النبل والأدب وأبوها أبو المحل وأسمه حزام بن خالد بن ربیعة بن عامر بن صعصعة بن بکر بن هوازن ، من شجعان العرب وفرسانهم ومعنی الوحیدیة الکلابیة نسبة إلی الوحید بن کعب وکلاب بن ربیعة وأهلها من سادات وأشراف العرب وأبطالهم .

المحاور: هل ورد فی مصادر العامة علی لسان أحد الصحابة أعتراف بولایة علی (علیه السلام) ؟

الشیخ السند : قد ذکر العلامة الأمینی العشرات فی کتابه (الغدیر) عن مصادرهم ممن روی حدیث الغدیر غدیر خم ، کذلک قد روی العلامة اللکهنوی فی کتاب (عبقات الأنوار) عن جملة عدیدة العدید من الروایات النبویة فی ذلک .

کذلک جمع المرحوم السید المرعشی فی الملحقات (إحقاق الحق) العدد الکثیر .

المحاور: معروف أن أمیر المؤمنین (سلام الله علیه) أقبلت علیه الفتن بسبب حرصه علی إقامة حدود الله دون أی تأخیر أو أنتظار لتثبیت حکمه علی العالم الإسلامی .

وسؤالنا هو : لماذا لم ینهی أمیر المؤمنین عن صلاة التراویح وقیام اللیل علی إمام واحد حیث کانتا من بدع الخلیفة الثانی التی مازال یستمر علیها معظم أهل السنة . ولِمَ لمْ یعاقب علیها أمیر المؤمنین (علیه السلام) .

ص:101

الشیخ السند : قد روی أنه (علیه السلام) أمر الحسن (علیه السلام) بأن ینهی الناس عنها فی مسجد الکوفة فتنادی الناس وارمضاناه واعمراه ضیعت سنة عمر ، فأحجم (علیه السلام) عن ذلک کما ذکر ذلک فی خطبة قال فیها : ( ألا إن أخوف

ما أخاف علیکم خلتان : اتباع الهوی وطول الأمل - إلی أن قال - قد عملت الولاة قبلی أعمالاً خالفوا فیها رسول الله (صلی الله علیه وآله) متعمدین لخلافه ناقضین لعهده ، مغیرین لسنته ولو حملت الناس علی ترکها وحولتها إلی مواضعها وإلی ما کانت فی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله) لتفرّق عنی جندی حتی أبقی وحدی أو قلیل من شیعتی - إلی أن قال - و الله لقد أمرت الناس أن لا یجتمعوا فی شهر رمضان إلا فی فریضة وأعلمتهم أن أجتماعهم فی النوافل بدعة ، فتنادی بعض أهل عسکری ممن یقاتل معی : یا أهل الإسلام غیّرت سنة عمر ، ینهانا عن الصلاة فی شهر رمضان تطوعاً ، ولقد خفت أن یثور بی فی ناحیة جانب عسکری )(1).

فهو (علیه السلام) یشیر إلی أن جملة من سنن النبی (صلی الله علیه وآله) بدلّت وغیرّت إلی سنن جاهلیة وبدع ، فکان حاله (علیه السلام) کحال النبی (صلی الله علیه وآله) فی بعثته للجاهلیة الأولی وقد صرح (علیه السلام) فی بعض خطبه بذلک حیث قال :

(ألا أن بلیتکم قد عادت کهیئتها بعث الله نبیه (صلی الله علیه وآله) )(2).

ولا ریب أن الموقف یتطلب فی الإصلاح الحضاری وتقویم الملة والدین عن الأعوجاج الحاصل یتطلب ویستدعی التدریج فی الإصلاح کما کانت منهجیة الرسول (صلی الله علیه وآله) فی تغییر السنن الجاهلیة وبیان وإقامة التشریع السماوی لإن

ص:102


1- (1) - البحار ج34 ص174 ، الأحتجاج ج1 ص393 .
2- (2) - الکافی ج1 ص369 .

القسر الدفعی یتنافی مع طبیعة التربیة والتزکیة للجبلة البشریة .

المحاور: ما مدة خلافة الإمام علی (علیه السلام) وما هی أهم أعماله التی فعلها فی عهده (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : مدة خلافته الظاهریة ما یقرب من الخمس سنین . وأهم أعماله (علیه السلام) هو قتاله علی تأویل القرآن کما قاتل رسول الله (صلی الله علیه وآله) علی تنزیل القرآن ، و هذا یدلل علی مدی خطورة ما قام به (علیه السلام) من قتال أصحاب الجمل المتمثلین فی بعض خواص الصحابة الذین إنحرفوا عن مسیرة الرسول (صلی الله علیه وآله) کطلحة والزبیر وفی أم المؤمنین عائشة التی حاولت أن تستغفل المسلمین من موقعیتها ، فهو (علیه السلام) بیّن بذلک أن الحق هو فی الکتاب والعترة فقتاله للناکثین بیّن کل ذلک کما ان قتاله للقاسطین وهم معاویة وعمرو بن العاص وبقیة قریش الطلقاء فبیّن دورهم فی العداء للدین المستمر وإن أعلنوا الإسلام .

وکذلک قتاله للمارقین وهم الخوارج فبیّن أن من یطلب الحق من القرآن بدون أن یستعین بعترة النبی (صلی الله علیه وآله) فإنه سوف یضلّ الطریق کما حصل للخوارج .

کما أنه (علیه السلام) أبطل سنن الخلفاء الثلاثة قبله مما خالفوا فیها سنن رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقائمة تلک السنن کثیرة یطول المقام بذکرها منها التفرقة فی العطاء من بیت المال .

المحاور: فی معرکة الأحزاب التی هی الخندق ، وعندما برز فارس الجزیرة عمرو بن عبدود العامری لقتال المسلمین وقد کان یعد بألف

ص:103

فارس وقال : من یبارزنی ؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) - معناه - : (من یبارزه أضمن له الجنة)(1)؟ فلم یقم له إلا سید العرب علیاً (علیه السلام) .

لماذا لم یبرز أحد من الصحابة الأبرار أمثال المقداد وأبو دجانة وعمار و سلمان و أبوذر وأبو حذیفة والزبیر وغیرهم من الشجعان ، ومنهم خلص أصحاب أمیر المؤمنین بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله) ؟ أعنی ، لماذا لم یقوموا وقد ضمن لهم رسول الله الجنة ثلاثاً ؟ هل من قلة إیمان أو جبن ، أو هل کانوا فی مؤخرة الجیش أو لم یحضروا ؟ ثم لماذا لم یقاتله رسول الله (صلی الله علیه وآله) أو أنه کسلیمان (علیه السلام) أراد إظهار فضل وصیه علی سائر الخلق ؟ .

الشیخ السند : الظاهر إنه راجع إلی درجة الشجاعة بالألتفات إلی قول النبی (صلی الله علیه وآله) :

(برز الإیمان کله للکفر کله )(2)، وقوله (صلی الله علیه وآله) :

(وان ضربة علی (علیه السلام) أدخلت العز فی بیت کل مؤمن ومسلم والذلّ فی بیت کل مشرک ) .

وقوله (صلی الله علیه وآله) :

(و أن ضربة علیّ یوم الخندق أفضل من عبادة الثقلین )(3)، فکل هذه الأحادیث تدل علی هول وعظمة المنازلة وخطورتها علی مصیر الإسلام ، وقد حکی القرآن زلزلة المؤمنین زلزالاً عظیماً ، وکذلک ما ورد فی کتب السیر من حکایة حذیفة إلی مدی الخوف لدیه ولدی الصحابة حتی بعد قتل عمرو بن عبدود .

ص:104


1- (1) - عیون الأثر لأبن سید الناس ج2 ص41 .
2- (2) - العثمانیة للجاحظ ص324 .
3- (3) - شجرة طوبی للحائری ص287 .

المحاور: ما هو وجه الشبه بین الإمام علی (علیه السلام) وهارون (علیه السلام) أخی موسی (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : وجه الشبه بین أمیر المؤمنین (علیه السلام) والنبی هارون (علیه السلام) من وجوه متعددة :

الأول : کون هارون (علیه السلام) وزیراً لموسی (علیه السلام) فی القیام فی أداء الرسالة

کما فی قول موسی : و اجعل وزیرا من أهلی هارون أخی(1)، وقد آزر الباری تعالی رسوله (صلی الله علیه وآله) بعلی (علیه السلام) فی قوله : قُلْ کَفی بِاللّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ (2)، وقال تعالی : وَ الَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (3)، فالذی جاء بالصدق هو النبی (صلی الله علیه وآله) والذی صدّق به منذ أول الدعوة هو الإمام علی (علیه السلام) وحدیث الدار معروف حیث نزلت فیه آیة : وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ (4)، حیث أعلن فیه النبی (صلی الله علیه وآله) أن علیاً وزیره ونصیره والخلیفة بعده .

وکذلک آیة المباهلة حیث شرّک الباری مع نبیه علیاً (علیه السلام) لتحمل مسؤلیة إقامة الحجة للدین .

الثانی : کون هارون خلیفة لموسی (علیه السلام) : وَ قالَ مُوسی لِأَخِیهِ هارُونَ

ص:105


1- (1) - طه (29 - 30) .
2- (2) - الرعد (43) .
3- (3) - الزمر (33) .
4- (4) - الشعراء (214) .

اُخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ (1)، وفی علی (علیه السلام) : قال تعالی : إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ (2)، التی نزلت فی علی (علیه السلام) فقد تصدق وهو یصلی . وغیرها من الآیات .

الثالث : کون هارون أخ لموسی (علیه السلام) کما مرّ فی الآیات ، وقال تعالی فی الإمام علی (علیه السلام) : فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ (3).

وقد آخی رسول الله (صلی الله علیه وآله) مرتین بین المهاجرین والأنصار وآخی بین نفسه الشریفة وبین علی (علیه السلام) فی المرتین .

الرابع : مواجهة هارون للأنحراف بعد رحیل موسی (علیه السلام) عن بنی إسرائیل لجبل الطور : فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُکُمْ وَ إِلهُ مُوسی فَنَسِیَ، أَ فَلا یَرَوْنَ أَلاّ یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً وَ لا یَمْلِکُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ یا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّکُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِی وَ أَطِیعُوا أَمْرِی قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عاکِفِینَ حَتّی یَرْجِعَ إِلَیْنا مُوسی، قالَ یا هارُونُ ما مَنَعَکَ إِذْ رَأَیْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَیْتَ أَمْرِی قالَ یَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْیَتِی وَ لا بِرَأْسِی إِنِّی خَشِیتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَیْنَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِی (4)،

ص:106


1- (1) - الأعراف (142) .
2- (2) - المائدة (55) .
3- (3) - آل عمران (61) .
4- (4) - طه (88 - 94) .

وقد قال تعالی حول الأوضاع بعد رحیل النبی (صلی الله علیه وآله) قد أنبأ بها قبل وقوعها : وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللّهَ شَیْئاً وَ سَیَجْزِی اللّهُ الشّاکِرِینَ (1)، کما قال تعالی عن بنی اسرائیل : وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسی مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ یَرَوْا أَنَّهُ لا یُکَلِّمُهُمْ وَ لا یَهْدِیهِمْ سَبِیلاً اتَّخَذُوهُ وَ کانُوا ظالِمِینَ... وَ لَمّا رَجَعَ مُوسی إِلی قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَ أَلْقَی الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ (2).

وکذلک تنبأ القرآن فی سور أخری بالأوضاع بعد رحیل الرسول (صلی الله علیه وآله) ففی سورة محمد (صلی الله علیه وآله) نبّأ القرآن بوصول : اَلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (3)، إلی سدة السلطة ومسند القدرة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله) فقال تعالی : وَ یَقُولُ الَّذِینَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْکَمَةٌ وَ ذُکِرَ فِیهَا الْقِتالُ رَأَیْتَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ نَظَرَ الْمَغْشِیِّ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلی لَهُمْ طاعَةٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللّهَ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ، فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ أُولئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللّهُ

ص:107


1- (1) - آل عمران (144) .
2- (2) - الأعراف (148 - 150) .
3- (3) - المائدة (52) .

فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمی أَبْصارَهُمْ (1).

فتنبأ الآیات بطابع الحکم لاولئک الذین سوف یتسنمون القدرة والحکم بانه الإفساد فی التدبیر والعسف فی ادارة الأمور وإقصاء المقربین عند الله ورسوله وإدناء المبعدین عند الله ورسوله فتفتح المناصب لمسلمة الفتح وللطلقاء من قریش . وکذلک قوله تعالی : وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ یُشْهِدُ اللّهَ عَلی ما فِی قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّی سَعی فِی الْأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیها وَ یُهْلِکَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ وَ إِذا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ (2).

فالآیة تنبأ عن صفات من یتقلّد الامور من کونه معسول اللسان ولکنه شدید

اللجاج والمخالفة لرسول الله (صلی الله علیه وآله) وسیکون منه الإفساد فی تدبیر الأمور وهلاک العمران والنسل فی سعیه للتوسع فی قدرته فی رقعة الأرض .

وهذه الآیة ذکرت فی قبال الآیة الاخری المادحة لمبیت علی (علیه السلام) علی فراش النبی (صلی الله علیه وآله) المعروفة بلیلة المبیت : وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (3).

الخامس : أن هارون (علیه السلام) رزق شبر وشبیر ، وعلیاً (علیه السلام) رزق الحسن والحسین (علیهما السلام) سیدا شباب أهل الجنة ریحانتا النبی وسبطا هذه الأمة .

ص:108


1- (1) - محمد (20 - 23) .
2- (2) - البقرة (204 - 206 ) .
3- (3) - البقرة (207) .

المحاور: ماهو تفسیرکم لحدیث لرسول الله (صلی الله علیه وآله) :

(یا علی لا یعرف الله إلا أنا وأنت ولا یعرفنی إلا الله وأنت ولا یعرفک إلا الله و أنا )(1)، نحن نعرف أن معرفة المحدود إلی اللامحدود یساوی صفر فما هو تفسیرکم إلی هذا الحدیث ؟ .

الشیخ السند : لیس مفاد الحدیث هو معرفة النبی (صلی الله علیه وآله) والأمیر (علیه السلام) لله تعالی بنحو تکون معرفتهما له تعالی محیطة بذاته تعالی أو معرفة اکتناه . أی : معرفة له بالکُنه ، والعیاذ بالله تعالی ، بل المراد : المعرفة له بإسمه الأعظم الأعظم الأعظم وبآیاته الکبری فإنه لم یصل إلی ذلک المقام غیرهما (صلوات الله علیهما وآلهما) .

فالمعرفة بالآیات یثبتها القرآن والوحی والعقل ، والمعرفة بالکُنه والأکتناه والأحاطة ینفیها الوحی والعقل .

ولو کانت المعرفة مطلقاً صفر وممتنعة بالباری لما أمکن الإیمان ولا الکفر ولا العلم ولا الیقین .

المحاور: متی تزوج الإمام علی بن أبی طالب (علیه السلام) بعد وفاة السیدة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) ؟ .

الشیخ السند : کان من وصیة السیدة الصدیقة (علیها السلام) لأمیر المؤمنین (علیه السلام) هو التزوج بأبنة أختها إمامة بنت زینب لأنها أعطف علی بنیها وتقوم مقامها فی رعایتهم ، وکان من أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنه سارع فی تنفیذ جمیع

ص:109


1- (1) - مقتل الحسین للسید المقرم ص45 .

وصایاها کالدفن لیلاً وعدم إعلام أحد ممن ظلمها حقها فی تشییعها .

المحاور : لماذا لم یذکر أسم الإمام علی (علیه السلام) وحده أو مع الأئمة فی القرآن ؟ نرجو الإجابة علی هذا السؤال بدقة لأننا نرید الرد علی من یشکک فی إمامة الأئمة ؟ .

الشیخ السند : قد ذکر أمیر المؤمنین ( علیه السلام) بوجوه متعددة فی الکتاب تارة بالنعوت وأخری بصاحب الأفعال المعروفة وثاقة بدرجة معرفیة الأسم الخاص ورابعة بالأسم کاللقب وغیرها من الأنماط .

أما الأول فمن قبیل : أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلاّ أَنْ یُهْدی فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ (1)، فقد کان أعلم الصحابة وأقضاهم وکان الکل محتاجون إلی علمه وکان مستغنیاً عنهم ومثله قوله تعالی : کَفی بِاللّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ (2)، والآیة مکیة لا مدنیة کما شذ بذلک القول بعض المفسرین وسیاق الآیات فی سورة الرعد یکذب هذا القول ویثبت أنه مکیة ولم

یکن من أهل الکتاب من آمن فی مکة فالنعت إشارة إلیه ، وتنبیه علی وجود هذا الوصف فی علی (علیه السلام) وتحفیز لأختباره بوجود هذا الوصف فیه کی یتم الفحص عن البرهان .

وأما النمط الثانی کقوله تعالی : إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ

ص:110


1- (1) - یونس (35) .
2- (2) - الرعد (43) .

یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ (1)، فحصرت الولایة والإمامة بعد الرسول (صلی الله علیه وآله) به ومثله ما فی سورة الدهر وآیة المباهلة .

وأما النمط الثالث کقوله تعالی : وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ (2)، و وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِیًّا (3)، ولفظة (علی) فی الآیتین وإن فسرها جملة من المفسرین بالوصف ولکن هناک من الشواهد ما یعضد أرادة معنی العلمیة ، وعلی سبیل الأشارة فإن الذی یمسه أم الکتاب والکتاب المکنون هو المطهرون أهل آیة التطهیر ، والولد والذریة الصالحة هی لسان مدیح وذکر صدق لصلاح الأب وأهل البیت (علیهم السلام) من ذریة إبراهیم الخلیل (علیه السلام) وقوله تعالی : قالَ هذا صِراطٌ عَلَیَّ مُسْتَقِیمٌ (4)، وقراءتها بالجار والمجرور ضمیر المتکلم لا یستقیم المعنی إلا بالتقدیر ونحوه من التکلف وأما إضافة الصراط إلی أسم العلم (علی) فهو نظیر إضافة الصراط إلی الذین أنعمت علیهم فی سورة الحمد .

ومثله : سَلامٌ عَلی إِلْ یاسِینَ (5)، فإن فتح الهمزة قراءة ثلاثة من القراء المشهورین ویعضد هذه القراءة إن إلیاس لا تضاف إلیه الیاء والنون

ص:111


1- (1) - المائدة (55) .
2- (2) - الزخرف (4) .
3- (3) - مریم (50) .
4- (4) - الحجر (41) .
5- (5) - الصافات (130) .

مع أن قرائتها بالکسر أیضاً دالة فإن (یس) أسم للنبی محمد (صلی الله علیه وآله) و(الإل) بالکسر هو بمعنی الرحم کما فی قوله تعالی : لا یَرْقُبُونَ فِی مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً 1.

وأما النمط الرابع کآیة مودة ذوی القربی والخمس لذوی القربی والفیء لذوی القربی وهم قربی الرسول (صلی الله علیه وآله) .

ص:112

العصمة :

المحاور : فی قصة آدم (علیه السلام) ورد : وَ عَصی آدَمُ رَبَّهُ فَغَوی (1)، وکذلک : فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّیْطانُ (2)*** ، هل عصمة الأنبیاء (علیهم السلام) ترتبط بوجودهم فی الدنیا ولا ترتبط بوجودهم فی غیرها من حیاة، کالحیاة فی الجنة البرزخیة مما یمکن أن تترتب علیه المعاصی ومقدماتها کالوسوسة ثم العصیان إذ لا تکلیف إلا فی الحیاة الدنیا*** نرجو التوضیح وبیان الإشتباه إن وجد ؟ .

الشیخ السند : لا یخفی أن الدین کمعتقدات وسنن روحیة و أن لم یختص بنشأة من النشآت إلا أن الشریعة والتکلیف العملی للبدن والأمر والنهی الإلهی التشریعی مختص بالنشأة الدنیاویة للبشر کما هو مفاد قوله تعالی : قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِیعاً فَإِمّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدیً فَمَنْ تَبِعَ هُدایَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا أُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ (3)، فالتشریع الهادی المنجز ثوابه علی طاعته وعقابه علی مخالفته هو فی الهبوط إلی الأرض والنشأة الدنیاویة، فما کان من نهی منه تعالی فی

ص:113


1- (1) - طه (121) .
2- (2) - الأعراف (20) .
3- (3) - البقرة (38 - 39) .

الجنة قبل الدنیا لم یکن مولویاً تشریعیاً بالمعنی الذی نعهده بل إرشاد وإشفاق نصیحة منه تعالی لآدم وحواء، ویطلق العصیان علی مخالفة الآمر الذی من صنف الارشاد مثل أن الأخ یخالف أخاه الذی ینصحه فیقول له عصیت أمری لا سیما إذا کان الآمر یفوق المأمور فی المنزلة، فلم یکن من آدم (علیه السلام) معصیة حقیقیة بالمعنی الذی یتبادر إلی الذهن من معنی معهود کی یخلّ بعصمته، بل هو ما عبّر عنه علماء الامامیة بترک

الأولی، أی کون الموافقة بنحو الأولویة فی حکم العقل لا اللزوم، وسرّ التعبیر بذلک فی الآیة هو أن المقرّب یتوقع منه ما لا یتوقع من الأباعد ومن هنا قیل حسنات الابرار سیئات المقربین أی أن الفعل الذی یعدّ حسنات الابرار لو أتی به المقرّب علی درجة الکیفیة التی أتی بها الأبرار لعدّه المولی مستهینا به، کما فی مثال الملک یتوقع من وزیره من الإحترام والتعظیم والتبعیة ما لا یتوقع من سائر الرعیّة، لا بمعنی أن النقصان الذی یقع فی فعل الوزیر معصیة بالمعنی المعهود المصطلح فی التکالیف العامة، بل بمعنی ترکه للأولی الذی هو فی شأن الوزیر جفوة فی مقام القرب والمقربین ، فتکون غوایة عن ما هو أکمل فی الدرجات العالیة من الکمال ، وأما وسوسة الشیطان فلیس بمعنی تسلطه علی قلب النبی وعقله ، فإنه قد یؤذی بدن النبی کما فی أیوب أو بعض قواه النفسیة النازلة کما فی موسی : یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعی ، أو علی اتباعه کما فی القاء الشیطان فی أمنیة الأنبیاء أی الکمال فی الخارج المحیطی الذی یتمنی الانبیاء صلاحه، فیکون ما یلقی الشیطان فتنة للأتباع، لکنه لا یتسلط علی مرکز النبوة وهو قلب وعقل النبی اللذین یتلقیان

ص:114

الوحی، وکان الشیطان قد قاسمهما أی قسم بالله تعالی أن نهیه تعالی لم یتعلق بالشجرة المخصوصة، بناءاً علی جعل الإستثناء فی الآیة منقطعاً لا متصلاً، فکان ذلک نحو من الخداع لا التسویل، لا سیما وان الدار لم تکن دار تکلیف*

المحاور: 1- ما معنی کلمة (أفضل) حیث وردت فی بعض الأحادیث والروایات من قبیل أن الإمام الحسن (علیه السلام) أفضل من الإمام الحسین (علیه السلام) کما نسمع ذلک من بعض أصحاب المنابر أو نبی أفضل من نبی ، ویستدلون بذلک من بعض الروایات أن الإمام الحسین (علیه السلام) رأی السیدة زینب (سلام الله علیها) تبکی یوم عاشوراء فأراد أن یطمئنها فقال لها أن الحسن أفضل منی . فما

مدی صحة هذه الروایة , و هل هناک فعلا أفضلیة بین ألائمة إذا کانت هناک أفضلیة فما معنی هذا الحدیث

(الحسن والحسین إمامان قاما أم قعدا )(1).

2- هل توجد هناک درجات فی العصمة ؟ مثلا عصمة الإمام الجواد أکثر أو أقل من عصمة الإمام الصادق (علیهما السلام) ؟ الرجاء التوضیح .

الشیخ السند : قال تعالی : تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ (2)، وقال تعالی : فَاصْبِرْ کَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ

ص:115


1- (1) - بحار الأنوار للمجلسی ج43 ص 291 .
2- (2) - البقرة (253) .

مِنَ الرُّسُلِ (1)، فصرّح تعالی بالتفضیل بین الرسل و أن بعضهم أولی عزم لا کلهم ، وقال تعالی : وَ إِذِ ابْتَلی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً (2)، فبین تعالی أنه آتی إبراهیم الإمامة الإلهیة بعد الإمتحان بکلمات وبعد ذلک أی بعد نبوته ورسالته ومقام الخلّة آتاه الإمامة ، فلم یؤته إیاها فی أوائل عمره ولا منذ صغره ، والتفاضل ههنا معناً فی الکمالات والعلوم اللدنیة ودرجات العصمة وإن کان الکل معصوماً عن الذنب والخطأ والمعصیة إلا أن فی درجات العبادة وتحمّل الشدائد والإحاطة العلمیة تختلف درجاتهم وبالتالی فضیلتهم ، وأما الروایة المشار إلیها فهی مأثورة فی کتب المقاتل والتاریخ إلا أن المعروف لدی الکثیر من علماء الإمامیة فی ترتیب الفضیلة بین المعصومین أن الرتبة الأولی لسید الکائنات النبی الخاتم (صلی الله علیه وآله) ثم لعلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) ثم للزهراء (علیها السلام) ثم للحسنین (علیهما السلام) ثم للحجة (عجل الله فرجه) ثم لباقی الأئمة المعصومین (علیهم السلام) ویشیر إلی ذلک روایات بدء الخلقة لأنوارهم علیهم السلام وکذلک کثیر من الروایات الأخری . مع أنه قد ورد عنهم (علیهم السلام) کثیراً أنهم نور واحد وکذا فی العلم وغیره ولا منافاة لأن جهات الکمالات عدیدة کما تقدم .

وأما التفاوت فی العصمة فحیث إنها تنشأ من العلم ونحوه من الکمالات وقد عرفت اختلاف الدرجات فی العلم اللدنی والکمالات الأخری فلا محالة بأن تختلف درجات العصمة إلا أن هناک اشتراک فی

ص:116


1- (1) - الأحقاف (35) .
2- (2) - البقرة (124) .

العصمة من الذنب والمعصیة والخطاء والزدائل .

المحاور: حقیقة العصمة راجع إلی العلم اللدنی . فما هو المقصود بالعلم اللدنی ؟ .

الشیخ السند : العلم اللدنی المقوّم للعصمة عبارة عن علم حضوری لیس من سنخ الأفکار والمعانی الخطوریة فی القوة المفکرة أو العاقلة بل هو فیض إلهامی علی القلب والروح یعاین به القلب الحقیقة أو أثارها عیاناً ، نعم یلازم هذا الفیض ترجمته فی القوة المفکرة والعاقلة إلی أفکار ومعانی صادقة مطابقة له ، یتأهل بواسطته أیضاً للعلم بإرادات الله تعالی ومشیئاته کما فی قوله تعالی فی طالوت : وَ زادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ (1)، فتأهل طالوت لأن یخبر عن الله تعالی : إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِیکُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ (2)، وکذلک فی الخضر : فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً (3)، فتأهل لان یقول : فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ یَسْتَخْرِجا کَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِی (4).

المحاور: لقد سألنی صدیق لی وهو سنی لماذا تقولون أن أئمة أهل البیت (علیهم السلام) معصومون ؟ و أنا لم أستطع أن أعطه الإجابة الوافیة أرجو منکم أن تتکرموا لی فی الإجابة عن هذا السؤال ؟ .

ص:117


1- (1) - البقرة (247) .
2- (2) - البقرة (249) .
3- (3) - الکهف (65) .
4- (4) - الکهف (82) .

الشیخ السند : إنما أعتقدنا بعصمة ائمة أهل البیت (علیهم السلام) لدلالة الآیات القرانیة والأحادیث النبویة علی ذلک فنموذج نذکر بعضاً منها والبقیة تطلب من الکتب الکلامیة :

1 - منها قوله تعالی : إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (1)، ومفاد الآیة هو أن إرادة الباری تعالی تعلقت بإبعاد الرجس عنهم وتطهیرهم ، ولیست هذه الإرادة تشریعیة أی بمعنی الإرادة التی فی الأوامر الشرعیة والأحکام التشریعیة بل هی نظیر قوله تعالی فی عصمة النبی یوسف (علیه السلام) : کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ (2)، فان متعلق الإرادة فی کل من الآیتین هو إبعاد الرجس عنهم لا إبعادهم عن الرجس ، ای أن التصرف فی الرجس وعدم السماح له بالاقتراب منهم ، مما یدلل علی طهارة ذواتهم وقال تعالی فی سورة الواقعة : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ أَ فَبِهذَا الْحَدِیثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (3)، فأخبر بوجود المطهّرون فی هذه الأمة أمة القرآن الکریم و إنهم الذین ینالون بعلمهم وإدراکهم حقیقة القرآن المکنونة فی الغیب ولا یقتصرون فی علمهم علی التنزیل الذی بین الدفتین ، فهذه الطهارة فی ذواتهم هی التی أهّلتهم لدرک غیب القرآن ، ومن البیّن أن هذه الطهارة هی طهارة من جمیع الذنوب

ص:118


1- (1) - الأحزاب (33) .
2- (2) - یوسف (24) .
3- (3) - الواقعة (75 - 81) .

العملیة ومن الذنوب القلبیة کالشک والریب ، وهذه هی المناسبة لهذا الفضل العظیم من الله تعالی ، وهذه هی العصمة . ومن ثم لم یتأهل إلی هذا الفضل الأبرار وأهل التقوی ، لعدم تکاملهم إلی درجة الطهارة بمرتبة العصمة .

2- وهذه الآیة من سورة الواقعة هی بمفردها دلیل علی عصمتهم فی العلم .

3 - ومنها ما فی سورة الحمد وفاتحة الکتاب حیث اشتملت فی نصفها الأول علی

بیان التوحید والصفات والمعاد والنبوة التشریعیة بحصر العبادة به والإستعانة به ، ثم فی النصف الثانی من السورة تؤکد علی لزوم الأهتداء والأقتداء بصراط مستقیم لثلة من هذه الأمة موصوفین بثلاث صفات الأولی إنهم منعم علیهم بنعمة خاصة إلهیة وتخصیص النعمة بهم یفید إصطفائهم کما فی لسان بقیة الآیات والسور الواردة فی الأنعام علی المصطفین من عباده ، الثانی أنهم غیر مغضوب علیهم قط أی معصومون فی الجانب العملی وإلا لما أستحقوا أن یهتدی بهم ویقتدی بهم ، ولا الضالین فلا یضلّوا أبدا قط ای لهم العصمة من الله تعالی لدنیة فی العلم فلا تنتابهم الضلالة فی مورد وإلا لما أستحقوا أن یدعوا کل المسلمین یومیاً عشر مرات فی کل زمن إلی یوم القیامة أن یقتدوا ویهتدوا بصراطهم المستقیم . فسورة الحمد الفاتحة تؤکد علی وجود ثلة فی هذه الأمة معصومة فی العمل والعلم قد أنعم الله علیها بالأصطفاء والأجتباء ، وقد أشارت آیة التطهیر إلی تخصیص أهل البیت بذلک .

ص:119

4 - ومنها آیة المودة : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (1)، فإن أفتراض مودتهم بهذه الدرجة من الفریضة بحیث تجعل أجراً علی جهد تبلیغ التوحید والمعاد ومعرفة النبوة ، لا یتناسب مع کون هؤلاء الذین أفترضت لهم المودة وهم علی وفاطمة وأبناهما الحسن والحسین کما ورد عنه (صلی الله علیه وآله) فی روایات الفریقین لا آل جعفر ولا آل عقیل ولا آل العباس وغیرهم من القربی مما لا تتناسب هذه الأهمیة من الفریضة الکبری مع کون من لهم المودة المفروضة غیر معصومین یصحّ أن یضلّوا أو أن یزیغوا فی العمل .

5 - ومنها آیة الفیء فی سورة الحشر : ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ (2)، فإن الفیء کما هو مقرر فی الفقه هو غالب الأموال العامة والمنابع المالیة فی دولة وبلاد المسلمین وعامة الأرض وقد خصصت ولایته بالله وبالرسول ولذی القربی فتکررت اللام فی الله والرسول وذی القربی دون الثلاثة الأواخر للدلالة فی اللام علی الاختصاص والولایة ، وعللّ جعل هذه الولایة کی لا تکون الأموال العامة متداولة فی لعبة واستئثار الأغنیاء علی حساب الفقراء ، أی ولایة الله ورسوله وذی القربی علی الأموال العامة هی الکفیلة بإقامة وتحقق العدالة المالیة ، و هذا التعلیل لا یتم الا اذا کان ذووا القربی معصومون فی العلم والعمل ، کما قال

ص:120


1- (1) - الشوری (33) .
2- (2) - الحشر (7) .

یوسف (علیه السلام) لعزیز مصر : قالَ اجْعَلْنِی عَلی خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ (1)، فإن التدبیر العادل فی الأموال العامة لا یتم إلا بالعلم النافذ بالبرامج والقوانین والأحکام الشرعیة الکفیلة بنظام مالی أقتصادی عادل لا یخطأ فی إصابة العدل لکافة أفراد الأمة فی کافة الأزمنة والأحوال المختلفة ومن البین أن التوفر علی مثل هذا لا بد أن یکون بتوسط تسدید إلهی متصل أی یکون العلم لدنیاً من قبله تعالی ، وهو العصمة فی العلم ، کما أن ذلک لا یتم إلا بالإستقامة فی العمل والأمانة البالغة حدّ العصمة فی العمل إذ لولا ذلک لتنازعت الوالی نزعات مختلفة من الهوی أو العصبیة أو غیرها من النزوات . وهذه الآیة من سورة الحشر تنبأ عن ملحمة مستقبلیة وهی من الملاحم القرآنیة الخالدة وهی أن العدالة المالیة لن تقام فی الأمة الإسلامیة بل فی عامة البشر إلا بتولی ذوی القربی وهم علی وولده زمام الأمور و هذا ما قد حصل فإن التفرقة فی عطاء بیت المال وتوزیع مراکز القدرة قد ساد فی العهود التی سبقت خلافة علی (علیه السلام) وکذلک فی ظل عهد بین أمیة وبنی العباس وإلی یومنا هذا .

ونکتفی بهذا القدر من الآیات ولنذکر واحد من الأحادیث النبویة المتواترة فی أهل البیت الدالة علی عصمتهم مما یتفطن به إلی دلالة البقیة منها : حدیث الثقلین :

(إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی )(2)، کما فی عدة من الصحاح عدا البخاری .

ص:121


1- (1) - یوسف (55) .
2- (2) - سنن الترمذی ج5 ص329 ح : 3876 ، المستدرک للحاکم النیسابوری ج3 ص148 .

فإن مقتضی العدلیة والمحاذاة وکون أهل البیت أعدال الکتاب هو أتصافهم بأوصاف الکتاب وإلا لما کان للمعیة المطلقة وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض ، معنی محصل ، وأحد أهم أوصاف الکتاب هو الحجیة الناشئة من لا یأتیه الباطل لا من بین یدیه ولا من خلفه ، أی عصمته العلمیة ، فکذلک هم (علیهم السلام) ولا بد أن یکونوا کذلک فی العمل وإلا لحصل الافتراق ، کما أنه مقتضی عموم التمسک بهم (علیهم السلام) هو العصمة فی العلم والعمل وإلا لما صح التمسک بهم علی نحو العموم .

المحاور: کیف یکون الأوصیاء أو الأنبیاء معصومون منذ الولادة ؟ .

الشیخ السند : و ذلک بتوسط التسدید الإلهی کالتأیید بروح القدس وإیتاءهم الحکم وتطهیر ذواتهم من نزعات الرذیلة ، ونموّهم بدنیّاً بمعدل یفوق نمو سائر الناس کما فی تکلیم من کان فی المهد صبیاً .

المحاور: کما تعلمون حضرتکم إن أبناء العامة یعانون من مسألة عدم التسلیم بعصمة الرسول الاعظم (صلی الله علیه وآله) ، ومن ضمن ما یعتمد علیه بعض المعاندین ویتخوف من تفسیره بعض المغفلین هو سورة عبس ، فإذا أمکن تزویدنا بالأدلة النقلیة عن الظرف والحادث الذی نزلت به السورة بالأضافة إلی الأدلة اللفظیة والمعنویة مع العلم إنه قد قمت بإثبات ذلک والأشارة إلی عصمة الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) ، بما هو منطقی وبدیهی فی بعض الأحیان لکن لعدم کونی عالماً أو مجتهداً فإن البعض یشترط علیّ أن یکون الکلام معززاً وموافقاً لما یقوله عالم دینی، أرجو منکم ذلک بالأضافة إلی

ص:122

تفسیر سور المزمل فبقوله تعالی : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَیْکُمْ (1)، لتبیان أن النبی (صلی الله علیه وآله) لم یخطیء قط ، فلم نسمع أن الله تعالی تاب علی الرسول من معصیة حاشاه (صلی الله علیه وآله) - والعیاذ بالله - ، ولا حتی أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) - والعیاذ بالله - أذنب ذنباً نسبیاً وهو ما یطلق علی إضطراب السر ، بل هو حجة الله تعالی ولا یعرف المعصیة أو الذنب بأی شکل من الأشکال ، فإذا أمکن الأجابة بأکثر ما تستطیعون لما یتوقف علی المسألة من کثیر ؟ .

الشیخ السند : لابد من الإلتفات إلی أن فی آیات القرآن منها ما هو محکم ومنها ما هو متشابه کما قال تعالی : هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتابَ مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِیلِهِ وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ (2)، فهذه قاعدة محکمة مهمة فطریة فإنها جاریة فی العقلیات وأحکام العقل أیضاً فإن البدیهیات العقلیة لا یمکن ترکها والتفریط بها فی مقابل المتشابهات العقلیة فکیف یدع الإنسان العاقل الحکم الیقین لوهمٍ محتمل . وقد قال تعالی : ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی (3)، فنفی الباری تعالی عن النبی (صلی الله علیه وآله) کل ضلالة وکل غوایة ونفی عن منطقه أی صدور عن الهوی ثم قال تعالی إن هو أی ما النبی (صلی الله علیه وآله) الا وحی یوحی أی مجسمة وقالب کله وروح ونور کله الوحی أی لا تجد فی شأن من

ص:123


1- (1) - المزمل (20) .
2- (2) - آل عمران (7) .
3- (3) - النجم (2 - 4) .

شؤون النبی (صلی الله علیه وآله) إلا وحیّانی بهدایة من الوحی وقال تعالی : إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ (1)، مع ان الله تعالی لم یصف الدنیا برمتها بمجموعها : وَ مَا الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ (2)، أو متاع قلیل بینما أعظم من خلق نبیه وکذلک قال تعالی فی وصف النبی) (صلی الله علیه وآله) : لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَؤُفٌ رَحِیمٌ (3)، فها هو تعالی عزّ اسمه یصف نبیه باعظم الصفات وهو : رَؤُفٌ رَحِیمٌ (4)، مع انه تعالی قد تسمی بهذین الوصفین الخاصین . وکذلک یصفه تعالی بانه عزیر علیه مشقة البشر وضلالهم أی یشق علیه وهو حریص علی هدایتهم فکیف یوصف بإنه عبس وتولی أن جاءه الاعمی ولا یهتم بتزکیته وقد قال تعالی فی وصفه أیضاً : وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ (5)، فالذی یکون رحمة للعالمین کیف یتصور منه الملل والعبوس فی وجه العالمین فمع هذه الشواهد القطعیة من عصمة النبی (صلی الله علیه وآله) وعظم خلقه یقطع بأن الضمیر یعود الی غیر النبی (صلی الله علیه وآله) ، وهو شخص من بنی أمیة وهو عثمان حیث کان جالساً مع النبی (صلی الله علیه وآله) وکان یتنفّر من أبن أم مکتوم ویتودد لزعماء قریش الکفار الذین جاءوا فی ذلک المحضر و مثل هذه الضمیر نجده فی سور عدیدة مثل : ذَرْنِی وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِیداً(11)...

ص:124


1- (1) - القلم (4) .
2- (2) - آل عمران (185) .
3- (3) - التوبة (128) .
4- (4) - التوبة (128) .
5- (5) - الأنبیاء (107) .

فَقُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ کَیْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ(22) (1)، التی نزلت فی الولید بن المغیرة ، أما الخطاب بالجمع فی ( فتاب علیکم ) لیس بشامل للنبی (صلی الله علیه وآله) ، لأن صلاة اللیل وقیامه کان واجباً مفروضاً علی النبی (صلی الله علیه وآله) إلی آخر حیاته لم ینسخ بینما فی نسخ لوجوب صلاة اللیل تخفیفاً فیعلم من ذلک أن المخاطب بذلک غیر النبی (صلی الله علیه وآله) ، وکیف یتصور تفریطه فی الواجب وإنما الخطاب إلی من مع النبی (صلی الله علیه وآله) و هذا الأستعمال متعارف فی القرآن الکریم: وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِیکُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ یُطِیعُکُمْ فِی کَثِیرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لکِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیانَ (2)، فسمی تبعیة النبی (صلی الله علیه وآله) إیمان وهو یقتضی عصمة النبی (صلی الله علیه وآله) کی یکون إتباعه إیمان .

المحاور : ما الفرق بین العصمة الأختیاریة والعصمة التکوینیة إن کان هناک فرق؟ .

الشیخ السند : علم المعصوم من العلوم اللدنیة الحضوریة وإن کانت درجات علوم المعصومین مختلفة متفاضلة إلا أنه هناک حد مشترک یتجاوزون ویعصمون فیه عن المعصیة وعن إرتکاب الحرام وعن ترک الواجب والعلم اللازم توفره فی المعصوم هو ما یعصمه عن المعصیة وعن الخطأ فی أداء المسؤولیة الملقاة علی عاتقه هذا من جانب ، ومن جانب آخر أن التکامل والارتقاء لا محدود ولا ینتهی إلی حدّ وفوق کل ذی علم علیم

ص:125


1- (1) - المدثر (11 - 22) .
2- (2) - الحجرات (7) .

لکون الذات الإلهیة لا تنتهی إلی حد وفیض الباری لا ینتهی إلی أمد وعلی ضوء ذلک فالمعصوم مهما بلغ من الکمال فإنه مطالب بالصعود أکثر فأکثر ولا یظن أن الأولی من الأفعال فی مقیاس واحد لکل المعصومین فضلاً عن أن یکون واحداً لکل البشر فالفعل الأولی عند سید الأنبیاء (صلی الله علیه وآله) لا یطیق تحمله بقیة الأنبیاء من أولی العزم ، والفعل الأولی عند الأنبیاء من أولی العزم لا یطیق تحملة بقیة الانبیاء من غیر أولی العزم ، والفعل الأولی عند الانبیاء لا یطیق تحمله سائر الناس غیر المعصومین و هذا هو ما یقال حسنات الأبرار سیئات المقربین ولک هذا المثال فإن التلمیذ الشاطر الذکی فی الصف المدرسی یتوقع منه الأستاذ والمدیر نجاحاً بدرجات عالیة جداً ، فالفعل الأولی منه یختلف عن التلمیذ المتوسط ذکاءاً فالفعل الأولی له هو مستوی هابط عن ما علیه التلمیذ الذکی ، وعلی ضوء ذلک فإن العلم اللدنی الذی یزود به أیّ معصوم یختلف عن المعصوم الآخر بحسب الدرجة والفضل .

ومن جانب ثالث فإن قابلیة المعصومین للتکامل متفاوتة بعد إشتراکهم فی العصمة عن المعصیة والخطأ و تلک الرسل فضلنا بعضهم علی بعض ، وعلی ضوء ذلک فإنه تتفاوت وتختلف درجات التکامل والصعود لدی المعصومین من دون أن یعنی إستناد المعصوم فی دوره الملقی علی مسؤولیته علی الإجتهاد والظن کما یستند المجتهد الفقیه إلی الظن المعتبر بل مستنده العلم اللدنی التسدیدی ، فمع أختلاف درجات العلم اللدنی وإختلاف قابلیاتهم الذاتیة تختلف درجة فضیلة ومقام المعصومین ، ویشیر إلی ذلک قول الخضر (علیه السلام) للنبی موسی (علیه السلام) : إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلی ما

ص:126

لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً1، فدرجة الإحاطة العلمیة بین المعصومین مختلفة وبذلک تختلف درجة الصبر والصفات العملیة لدیهم وکما مرّ أن الإمتحان الذی یتعرض له المعصومین بحسب إختلاف درجاتهم لیس علی درجة واحدة من الشدة والبلاء والمحنة فضلاً عن أن یساویهم عاقل بشری أو فاضل فی قدرة التحمل وجودة الأختیار ، وإذا أتضح ذلک یتضح أیضاً أن المعصوم بلحاظ درجات تکامله فی إمتداد عمره یتکامل فی مراحل مختلفة وإن کان واجداً لأصل حد العصمة منذ بدأ نشأته کما یشیر إلی ذلک حدیث الإمام الرضا (علیه السلام) فی ذیل القصة .

ثم إن العصمة إصطفائیة ولیست إکتسابیة ولا جبریة ، أی أنها مقام وهبی من الله تعالی یعطی من أول عمر المعصوم علی وفق علمه تعالی الغابر السابق بدرجة طاعة العبد فی طیلة عمره ، فلا تکون إکتسابیة تستحصل ویحصل علیها بعد ما لم تکن بالأکتساب کبقیة الصفات الأکتسابیة ، أما عدم إغواء الشیطان للمعصومین وعدم وسوسته لهم کما فی إستثناء الآیة فهو بعد الهبوط إلی الأرض وبعد ما وقع فی الجنة الدنیاویة .

المحاور: أود أن أعرف العصمة بطریقة مبسطة ویسیرة حسب ما جاء عند الأخوة الشیعة نجد أنّ عصمة الانبیاء و الرسول و الأئمة من ارتکاب المعاصی و الذنوب فإذا کانت کذلک ، بماذا نفسر تنازل الحسن بن علی (رضی الله عنه) عن الإمامة وهو علی اعتقاد قول الشیعة أنه الولی والقائم بالأمر أما

ص:127

ترون أن تنازل الولی عن الولایة لشخص فی نظر الشیعة إنحراف عن الإسلام مثل ما نزل علی سیدنا محمد ألا یعتبر هذا معصیة ومناقض العصمة ؟ .

ثانیاً : إن الإمام علی (کرم الله وجهه) ألا یعتبر انه سکت عن حقه فی الإمامة وبالتالی هو قد ارتکب معصیة بأنه لم یقم بالأمر المولی إلیه من الرسول الأکرم وهذه لو صحت فهی معصیة کبیرة و إذا کان الأمر کذالک لماذا قبل علی عطایا أبو بکر وعمر ما دام انه لا یعترف بإمامتهم ؟ .

الشیخ السند : (العصمة) حالة معنوّیة توجد بفضل الله ولطفه تحفظه من المعصیة والخطأ والسهو والنسیان ولولا هذه الحالة فیه لما أمکن کونه حجةً بین الله والعباد ، وکونه أسوة وقدوةً لهم فی جمیع أفعاله وتروکه ، وکما أمر الله سبحانه وتعالی بأمتثال أوامره ونواهیه إطاعةً مطلقةً . والأدلّة من الکتاب والسنّة والعقل علی العصمة وضرورة وجودها فی الأئمة کثیرة .

هذا ، ولا منافاة بین قضیّة الإمام الحسن والإمام علی (علیهما السلام) لمسألة العصمة ، علی إنهما لم یتنازلا عن الإمامة إذ لا معنی للتنازل عنها ، کما أن أمیر المؤمنین لم یقبل شیئاَ من أبی بکر وغیره بعنوان العطیّة ، ولو کانوا صادقین لما صادروا فدکاً. هذه خلاصة الکلام فی العصمة وإن شئتم التفصیل الأکثر

فأرجعوا إلی البحوث المبسوطة فی مظان أخری .

ص:128

نهج البلاغة :

المحاور: نهج البلاغة من المصادر المهمة فی التراث الشیعی وقد شرح متناً وسنداً فی العدید من الکتب . والذی جمعه هو الشریف الرضی ، نبذ من الخطب الواصلة إلیه من أمیر المؤمنین (علیه السلام) .

وهو یتکلم عن نهج البلاغه ... ولکن لا حظت فیه قوله إن الذی جمعه هو الشریف الرضی .. سؤالی : من نقل تلک الروایات إلی الشریف الرضی..؟؟ وأین الأسناد فی الخطب..؟؟ وإذا کان متواتراً أرجو أن تنتقوا خطبة وتذکروا رواتها ومن وثّقهم..؟؟

الشیخ السند : قد أشیر فی العبارة إلی وجود المصادر والشروح العدیدة المبینة لأسانید خطب ومتون نهج البلاغة ولأن السائل غفل عن صدر العبارة وقصر نظره علی ذیلها وقد کتب فی أسانید نهج البلاغة العدید من الکتب وأخیراً طبع فی ایران طبعة لنهج البلاغة مزدانة بمصادر جمیع خطب نهج البلاغة فی الهامش ویذکر لکل خطبة العدید من مصادر الکتب الحدیثة المذکورة فیها أسانید الخطب والکلمات .

ص:129

فمثلاً کتاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) لمالک الأشتر المسمی بعهده لمالک الأشتر والذی أعتمد أخیراً من قبل الأمم المتحدة کمصدر من مصادر التشریع للقانون الدولی هذا العهد یرویه الشیخ الطوسی بعدة طرق صحیحة فی کتبه کالفهرست ومشیخة التهذیبین ، والنجاشی وغیرهما ، فهو واصل لنا بطرق مستفیضة .

ثم إن الشریف الرضی لم یکن یعیش فی صحراء بریة وکتب کتابه هناک بل نشر کتابه فی وسط علمی عظیم من علماء ومراجع الشیعة الإمامیة وعلماء أهل سنة الخلافة والجماعة فی بغداد آنذاک فکان کتابه متداولاً بینهم فی حیاته .

هذا فضلاً عن الخطب والکلمات التی ذکرها آخرون قبل وبعد الشریف الرضی ، کالمفید والصدوق والکلینی والطوسی والراوندی وغیرهم کثیر . فضلاً عن علماء أهل سنة الخلافة والجماعة کالآمدی وأبن أبی الحدید وغیرهم .

ص:130

السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) :

المحاور: ( یا محمد لولاک ما خلقت الأفلاک ولولا علی لما خلقتک ولولا فاطمة لما خلقتکما )(1)ما تفسیر هذا الحدیث ؟ .

الشیخ السند : لیس معنی الحدیث کما قد یتوهم فی بادئ النظر هو أفضلیة علی أو فاطمة (علیهما السلام) ، بل الرسول (صلی الله علیه وآله) أفضل الکائنات وسید البرایا : دَنا فَتَدَلّی فَکانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی (2)، دنواً واقتراباً من العلیّ الأعلی ، وقال علی (علیه السلام) :

(أنا عبد من عبید محمد (صلی الله علیه وآله) ) (3)أی المأمورین بطاعته (صلی الله علیه وآله) ، بل مفاده نظیر ما رواه الفریقین عن النبی (صلی الله علیه وآله) :

(علیّ منّی و أنا من علیّ ) (4)و :

(حسین منّی و أنا من حسین ) (5)وهو یحتمل أوجه من المعانی منها : أن الغرض والغایة من خلق بدن الرسول (صلی الله علیه وآله) فی النشأة الدنیویة

ص:131


1- (1) - مستدرک سفینة البحار للنمازی ج3 ص169 ، مجمع النورین للمرندی ص14 .
2- (2) - النجم (9) .
3- (3) - الکافی ج1 ص90 .
4- (4) - الأمالی للصدوق ص58 ، سنن الترمذی ج5 ص300 ، کنز العمال ج11 ص603 ح : 32913 .
5- (5) - سنن الترمذی ج5 ص324 .

وابتعاثه لا یکتمل إلا بالدور الذی یقوم به علی (علیه السلام ) وفاطمة (علیها السلام) من أعباء إقامة الدین وإیضاح طریق الهدایة ، نظیر قوله تعالی النازل فی أیام غدیر خم یوم تنصیب النبی (صلی الله علیه وآله) علیاً (علیه السلام) إماماً : یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ (1)، فقد جعل تبلیغ الرسالة مرهوناً بنصب علیاً إماماً لیقوم بالدور الذی یلی النبی (صلی الله علیه وآله) ، وکذا قوله تعالی : اَلْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ دِینِکُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً (2)، وهو أیضاً نزل فی یوم غدیر خم فرِضا الرب بالدین مشروط بما أقیم فی ذلک الیوم من إمامة علی (علیه السلام) وولده وکذا إکمال الدین وبسبب ما اقیم من معلم الدین فی ذلک الیوم یئس الکفار من إزالة الدین الإسلامی والقضاء علیه ، لأن القیّم علی الدین وحفظه لن ینقطع بموت النبی (صلی الله علیه وآله) بل باق ما بقیت الدنیا ، ونظیر قوله تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (3)، فجعل الرسالة فی کفة ومودة قربی الرسول (صلی الله علیه وآله) فی کفة معادلة ، وقال تعالی : ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ (4)، و : قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلاً (5)، فکانوا هم السبیل إلیه تعالی والمسلک إلی رضوانه و أن الدور الذی قامت به فاطمة (علیها السلام) من إیضاح محجة الحق وطریق الهدایة فی

ص:132


1- (1) - المائدة (67) .
2- (2) - المائدة (3) .
3- (3) - الشوری (23) .
4- (4) - سبأ (47) .
5- (5) - الفرقان (57) .

وقت عمّت الفتنة المسلمین ولم یکن من قالع لظلمتها ودافع للشبهة إلا موقف الصدیقة الطاهرة (علیها السلام) فقد کان ولا یزال حاسماً وبصیرة لکل المسلمین ولکل الأجیال ، إذ هی التی نزلت

فی حقها آیة التطهیر والدهر وهی ام أبیها ، الإمومة للرسول (صلی الله علیه وآله) وهو مقام لا یقاس به الامومة للمسلمین (ام المؤمنین) ، وهی روح النبی (صلی الله علیه وآله) الذی بین جنبیه ، فکل هذه الآیات والأحادیث النبویة لم تزل حیّة طریّة فی آذان المسلمین .

و هذا المعنی للحدیث حینئذ یقرب من مفاد قوله تعالی : ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ (1)، أی لیعرفون ثم یعبدون و ذلک بوساطة هدایة الرسول والدین الحنیف بإقامة الأئمة (علیهم السلام) له بعده (صلی الله علیه وآله ) .

المحاور: یذکر أکثر الخطباء فی مصیبة الزهراء أنها لطمت علی وجهها فما مدی صحة هذه الروایة ؟ .

وإذا کانت الروایة صحیحة فهل یعنی ذلک کشف وجه الزهراء (علیها السلام) للغاصبین أم کان اللطم من خلف ستار ؟ .

وما هو سند هذه الروایة فی حال ثبوت صحتها ؟ .

الشیخ السند : قد روی الشیخ المفید بسنده إلی عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) قال :

(لما قبض رسول (صلی الله علیه وآله) وجلس أبو بکر مجلسه بعث إلی وکیل فاطمة (صلوات الله علیها) فأخرجه من فدک - إلی أن قال (علیه السلام) بعد أن أستعرض

ص:133


1- (1) - الذاریات (56) .

مخاصمة فاطمة (علیها السلام) لأبی بکر فی فدک وأنها إستنزعت کتابا برد فدک منه - : فخرجت والکتاب معها ، فلقیها عمر فقال : یا بنت محمد ! ما هذا الکتاب الذی معک ؟ فقالت : کتاب کتب لی أبو بکر برد فدک ، فقال : هلمیّه إلیّ ، فأبت أن تدفعه إلیه ، فرفسها برجله - وکانت (علیها السلام) حاملة بأبن أسمه : المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها ، فکأنی أنظر إلی قرط فی أذنها حیث نقفت ثم أخذ الکتاب فخرقه . فمضت ومکثت خمسة وسبعین یوماً مریضة مما ضربها عمر ثم قبضت)(1).

وسند الشیخ المفید إلی عبد الله بن سنان صحیح کما ذکر ذلک تلمیذه الشیخ الطوسی فی التهذیب والفهرست .

وروی الطبرسی فی الأحتجاج فیما أحتج به الحسن (علیه السلام) علی معاویة وأصحابه انه قال لمغیرة بن شعبة : ( أنت ضربت فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله) حتی أدمیتها وألقت ما فی بطنها استذلالاً منک لرسول الله (صلی الله علیه وآله) ومخالفة منک لأمر وانتهاکاً لحرمته )(2). الحدیث

وروی الطبری بسند صحیح عال کلهم من أعیان علماء الامامیة عن محمد بن هارون بن موسی التلعکبری عن أبیه عن محمد بن همام عن أحمد البرقی عن أحمد بن محمد بن عیسی عن عبد الرحمن بن أبی نجران عن ابن سنان عن ابن مسکان عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : ( قبضت فاطمة (علیها السلام) فی جمادی الآخرة یوم الثلاثاء خلون منه سنة إحدی عشر من الهجرة

ص:134


1- (1) - الأختصاص للمفید ص185 .
2- (2) - الأحتجاج للطبرسی ج1 ص414 .

وکان سبب وفاتها أن قنفداً مولی عمر لکزها بنعل السیف بأمره فأسقطت محسناً ومرضت من ذلک مرضاً شدیداً ولم تدع أحداً ممن آذاها یدخل علیها )(1).

وروی سلیم بن قیس الهلالی بروایة أبان بن أبی عیاش - مع أنه من علماء العامة وقضاتها لکنه أحد رواة کتاب سلیم - عن سلمان وعبدالله بن العباس قالا : ( توفی رسول الله (صلی الله علیه وآله) یوم توفی فلم یوضع فی حفرته حتی نکث الناس - إلی أن قالا : - فقال عمر لأبی بکر یا هذا أن الناس أجمعین قد بایعوک ما خلا هذا الرجل وأهل بیته فابعث إلیه فبعث أبن عم لعمر یقال له قنفذ فقال له : یا قنفذ انطلق إلی علی فقل له أجب خلیفة رسول الله ، فبعثا مراراً وأبی علی (علیه السلام) أن یأتیهم فوثب عمر غضبان و نادی خالد بن الولید وقنفذاً فأمرهما أن یحملا حطباً وناراً ثم أقبل حتی انتهی إلی باب علی وفاطمة (صلوات الله علیهما) وفاطمة قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها فی وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله) فأقبل عمر حتی ضرب الباب ثم نادی یا ابن أبی طالب افتح الباب : فقالت : فاطمة : یا عمر مالنا ولک لا تدعنا وما نحن فیه : قال افتحی الباب وإلا أحرقنا علیکم فقالت : یا عمر أما تتقی الله (عز وجل) تدخل علی بیتی وتهجم علیّ داری فأبی أن ینصرف ثم دعا عمر بالنار وأضرمها فی الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة (علیها السلام) وصاحت یا أبتاه یا رسول الله فرفع السیف وهو فی غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت یا أبتاه فوثب علی بن أبی طالب (علیه السلام) فأخذ بتلابیب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ انفه ورقبته وهم بقتله فذکر قول رسول الله (صلی الله علیه وآله) وما أوصاه من الصبر والطاعة

ص:135


1- (1) - دلائل الإمامة للطبری ص134 .

فقال : والذی کرم محمداً بالنبوة یا ابن صهاک لولا کتاب من الله سبق لعلمت انک لا تدخل بیتی فأرسل عمر یستغیث .

فأقبل الناس حتی دخلوا الدار فکاثروه وألقوا فی عنقه حبلا فحالت بینهم وبینه فاطمة عند باب البیت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حین ماتت وان فی عضدها کمثل الدملج من ضربته (لعنه الله) فألجأها إلی عضادة بیتها ودفعها فکسر ضلعها من جنبها فألقت جنیناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتی ماتت (صلی الله علیها) من ذلک شهیدة )(1).

وغیرها من الروایات التی تحکی جانباً من الأحداث التی وقعت علی أهل بیت النبی (صلی الله علیه وآله) وقد نقلت مقتطفات متفرقة عدیدة من مصادر العامة حتی کتاب البخاری ومسلم ذکرا إمتناع علی (علیه السلام) من بیعتهم ومقاطعة فاطمة (علیها السلام) للأثنین وکذا خطبتیها المعروفتین الدالة علی عمق المواجهة والاصطدام ، وإلیک بعض مصادر العامة فضلاً عن تواتر روایات الخاصة فمن ثم لا مجال للتردد فی بعض التفاصیل مع هذا الاحتدام الساخن الذی تنقله مصادر الحدیث والتاریخ والسیر متواتراً ، کما هو الحال فی کل الوقائع التاریخیة ، بل لا یحتمل أن کل ما وقع من تفاصیل تکفلت الروایات نقله ، فکم من أمور وملابسات لم تنقل ولکن یطمئن إلی وقوعها إجمالاً لتلازمها مع ما نقل من أحداث بحسب العادة والطبیعة .

ففی ما نحن فیه طبیعة المواجهة والهجوم علی البیت وإصرار المعتدین

ص:136


1- (1) - البحار ج43 ص198 .

علی أخذ البیعة من علی (علیه السلام) بکل وسیلة وثمن تثبیتاً لخلافتهم الجدیدة الولادة، یقرء بها کثیراً من التفاصیل ، فلاحظ :

1- الإمامة والسیاسة لابن قتیبة ج 1 ص 30 .

2 - العقد الفرید ج 259 | 4

3- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید ج 1 - 2 .

4- تاریخ الطبری ج 198 | 3 .

5- أعلام النساء ج 3 و114 | 4 .

6- مروج الذهب للمسعودی ج 2 .

7- کنز العمال للمتقی الهندی ج 3 .

8- الریاض النضرة ج 1 .

9 - الملل و النحل للشهرستانی ج 56 | 1 .

10- الوافی بالوفیات ج 17 | 6 و 347 | 5 .

11 - تاریخ الیعقوبی ج 2 .

12- تاریخ أبی الفداء ج 156 | 1 - 164 .

13- أنساب الأشراف للبلاذری 586 | 1 .

14- السقیفة والخلافة لعبد الفتاح عبد المقصود .

15 - إثبات الوصیة للمسعودی 123 .

ص:137

16- المختصر فی أخبار البشر لأبو الفداء إسماعیل ج 1 ص 156.

17- مناقب آل أبی طالب 407 | 3 .

18- المعارف لابن قتیبة ص 93 .

19- لسان المیزان 293 | 1 .

20- میزان الاعتدال للذهبی 139 | 1 .

21- فرائد السمطین 36 | 2 .

22- کفایة الطالب ص 413 .

وغیرها من کتب التاریخ والسیر والرجال وکتب مناقب العترة .

المحاور: ورد فی کتاب تاریخ الیعقوبی عند الحدیث عن طلب بعض النسوة من سیدة نساء العالمین حضور غسلها لدی الوفاة جوابها لهن : (أتردن أن تقلن فی ما قلتن فی أمی ، لا حاجة لی فی حضورکن ) (1) ؟.

ماذا قالت النسوة فی أمها ومن کن تلک النسوة ؟ .

الشیخ السند : المعلوم من نساء قریش أنهن قاطعن خدیجة (علیها السلام) لزواجها من النبی (صلی الله علیه وآله) ووقعن بالکلام فیها ولذلک لم یحضرن خدیجة عند ولادتها کما هو المعروف ، بل إن حسدهن لها زاد بعد ذیاع صیت زوجها سید

الرسل وسؤدده علی العرب ، وما یروی عن بعض نساء النبی (صلی الله علیه وآله)

ص:138


1- (1) - تاریخ الیعقوبی ج2 ص95 .

شاهد علی ذلک .

المحاور: ورد فی الخبر ما مضمونه : ( یا أحمد لولاک ما خلقت الأفلاک ولولا علی ما خلقتک ولو لا فاطمة ما خلقتکما )(1)، کیف نوجه هذا الحدیث الشریف فی ما قالته الزهراء (علیها السلام) معاتبة للإمام علی (علیه السلام ) : (یا بن أبی طالب أشتملت شملة الجنین وجلست ) (2)؟ .

الشیخ السند : قد قدمنا شرح الخبر ( لولاک ... ) وملخصه : أن غایة خلقة الإنس والجن هو عبادة الله بقوله : وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ ، کما أن أکثر المخلوقات خلق مسخراً للإنسان وعبادة الله تعالی بدین الإسلام الذی بعث به النبی (صلی الله علیه وآله) ودینه لم یکن یبقی إلا بإمامة علی (علیه السلام) وهدایته وحفظه للأمة عن التقهقر إلی الکفر والضلال ، ولم تکن إمامة علی (علیه السلام) لیدلل علیها بالحجة والبینة فی أیام فتنة السقیفة إلا بموقف الزهراء (علیها السلام) من مواجهة أصحاب السقیفة .

وأما ما قالته (علیها السلام) للإمام فهو من باب : ( إیاک أعنی وأسمعی یا جارة ) کما فی ظاهر صورة عتاب الله لعیسی : أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ (3)مع أن النبی عیسی (علیه السلام) لم یرتکب تقصیراً وإنما هو تعریض بالمحاسبة والعتب علی قومه ، وکما فی کثیر من عتابات الله تعالی للنبی (صلی الله علیه وآله) فی ظاهر خطاب القرآن مع أنه (صلی الله علیه وآله) لیس مقصوداً بالخطاب

بل العتاب

ص:139


1- (1) - البحار ج28 ص146 .
2- (2) - مستدرک سفینة البحار للنمازی ج8 ص243 .
3- (3) - المائدة (116) .

للأمة ولمن معه ولکنه أسلوب من أسالیب الکلام التربویة ، والغرض هو تبیان مظلومیتها وغصب حقها وحرجیة موقف الأمیر (علیه السلام) حیث کان قد أوصی إلیه النبی (صلی الله علیه وآله) بإلتزام الصبر علی غصب الخلافة فی حالة عدم وفاء الأمة بالعهود المأخوذة علیها ، والزهراء کانت حاضرة فی مجلس وصیة النبی (صلی الله علیه وآله) بذلک لعلی (علیه السلام) فلم یکن ذلک مفاجئاً لها کی نتصوره موقفاً انفعالیاً منها (علیها السلام) بل هو نداءً للأجیال وصرخة ضد وجه الظلم والانحراف .

ألیس القرآن یقول : وَ لَمّا رَجَعَ مُوسی إِلی قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَ أَلْقَی الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِینَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ لِأَخِی وَ أَدْخِلْنا فِی رَحْمَتِکَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِینَ (1).

فقد شابهت محنة علی (علیه السلام) محنة هارون (علیه السلام) وخذلان القوم لکل منهما وأستخلاف النبی (صلی الله علیه وآله) لعلی (علیه السلام) وأستخلاف موسی (علیه السلام) لهارون (علیه السلام) کما شابه عتاب موسی (علیه السلام) لهارون لعتاب فاطمة (علیها السلام) لعلی (علیه السلام) فی ظاهر الخطاب مع أن المراد حقیقة هو إبراز النفرة من ضلال القوم وخذلانهم لخلیفة النبی (صلی الله علیه وآله) .

المحاور : روی عن الرسول (صلی الله علیه وآله) قوله :

(من آذی ذمیاً فقد آذانی )(2)، کما روی عنه (صلی الله علیه وآله) :

(فاطمة بضعة منی ، من آذاها فقد آذانی)(3)، فما هو وجه

ص:140


1- (1) - الأعراف (150 - 151) .
2- (2) - شرح نهج البلاغة ج17 ص147 .
3- (3) - بحار الأنوار ج27 ص63 .

الفضیلة والشرف فی الحدیث الثانی ؟ .

الشیخ السند : علی تقدیر صحة الحدیث الأول الفرق واضح بینهما حیث أنه قد أخذ العنوان فی الحدیث الأول الذمی بما هو معاهد أی أن انتهاک العهد معه الذی عقده النبی (صلی الله علیه وآله) وشرعه معهم أنتهاک لذمة وعهد النبی (صلی الله علیه وآله) ، و هذا الأمر ثابت للذمی بهذه الحیثیة لا مطلقاً فلو خفر الذمی الذمة والعهد لما بقی له ذلک من لزوم الوفاء والعهد ، و هذا بخلاف الحدیث الثانی فإنه قد أخذ عنوان فاطمة لذاتها من دون التقیید بحیثیة معینة أو قید خاص مما یدل علی لزوم الحرمة والإحترام لها لذاتها مطلقاً ولیس ذلک إلا لعصمتها وکونها میزانا مستقیماً فی طریق الهدی ، وإلا لما ثبت ذلک لها بما هی هی لذاتها ، و هذا مضافاً الی ورود أحادیث فی نفس المضمون ترتقی فی أذیتها أنها أذیة لله تعالی و أن رضاها رضا الله تعالی وغضبها غضب الله تعالی مما یدلل علی عصمة ذاتها ومن ثم یلازم موقفها موقف الرب تعالی .

المحاور: هل یصح القول بأن أهل البیت (علیهم السلام) یمثلون صفات الله أو صفات الربوبیة علی الأرض وما معنی ذلک لو صح ؟ .

الشیخ السند : قد ورد فی الحدیث النبوی :

(تخلّقوا باخلاق الله )1، کما ورد :

(إن لله تسعة وتسعین أسماً ، فمن أحصاها دخل الجنة )2، أی تخلق

ص:141

بصفات تلک الاسماء المشتقة منها فیتصف بالرحمة فی تعامله مع العباد والرحمة مشتقة من الرحیم ویتصف بالکرم وهی صفة مشتقة من أسم الکریم ویتخلق بالعزة عما فی أید الناس وهو مشتقة من أسم العزیر ویتصف بالعلم المشتقة من أسم العلیم ویتخلق بالحلم المشتق من أسم الحلیم ویعفو عن الناس المشتق من أسم العفو وهکذا بقیة المکارم والفضائل المشتقة من أسماء الله تعالی ، وقد ورد أن أقربکم الی الله أحسنکم خلقاً ، و هذا معنی الإتصاف والتخلق بأخلاق الله تعالی وصفاته من قسم صفات الفعل ، وقد ورد فی قوله تعالی : إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللّهَ یَدُ اللّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ (1)، وفی قوله : وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللّهَ رَمی (2)، فقد أسند فعل النبی إلی فعله تعالی لکون النبی (صلی الله علیه وآله) کما قال تعالی : وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحی (3)، وقد ورد فی الحدیث النبوی :

(وما یتقرب عبدی إلیّ بشیء أحب مما أفترضت علیه ، وإنه لیتقرب إلیّ بالنوافل حتی أحبه فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به وبصره الذی یبصر به ویده التی یبطش بها إن دعانی أحببته ، وإن سألنی أعطیته )(4)، وورد فی قرب الفرائض ان العبد یکون ید الله وعین الله وسمع الله ولیس المراد من ذلک الحلول الباطل ونحوه بل یکون العبد مظهر مشیئات الله تعالی الفعلیة ، وقد ورد نظیر ذلک فی الموت وقبض الأرواح فتارة أسنده الیه تعالی : اَللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ

ص:142


1- (1) - الفتح (10) .
2- (2) - الأنفال (17) .
3- (3) - النجم (3 - 4) .
4- (4) - الکافی ج2 ص 352 .

تَمُتْ فِی مَنامِها (1)، واخری أسنده الی ملک الموت : قُلْ یَتَوَفّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ (2)، وثالثة أسنده إلی الملائکة أعوان ملک الموت : اَلَّذِینَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِکَةُ (3)، ففعل ملک الموت بعد کونه من إقدار الله تعالی وکون الملائکة : عِبادٌ مُکْرَمُونَ لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ (4)، أی أن ارادتهم منطلقة من ارادة الله تعالی صح إسناد فعلهم إلیه تعالی .

فکیف بثلة طهرّهم الله تعالی واذهب عنهم الرجس وأبعد عنهم الدنس وطهرهم تطهیراً: إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (5)، فهم لا یشاؤون الا ما شاء الله تعالی فمن ثم ورد عن النبی (صلی الله علیه وآله):

(إن الله یرضی لرضا فاطمة ویغضب لغضبها)(6).

المحاور : کم کان حمل السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) بأبنها الثانی الإمام الحسین (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : الوارد فی الروایات أن حمل فاطمة (علیها السلام) بالحسین (علیه السلام) هو ستة أشهر .

المحاور : ما هی وثائق دعوی فاطمة (علیها السلام) ؟ .

ص:143


1- (1) - الزمر (42) .
2- (2) - السجدة (11) .
3- (3) - النمل (28 - 32) .
4- (4) - الأنبیاء (26 - 27) .
5- (5) - الأحزاب (33) .
6- (6) - البحار ج43 ص20 باب3 ح8 .

الشیخ السند : أما مخاصمة الزهراء (علیها السلام) أبابکر عندما صادر أرض فدک فسندها (علیها السلام) هو القرآن حیث قال تعالی : وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَ لا رِکابٍ وَ لکِنَّ اللّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ (1)، فنص الکتاب علی أن الفیء من ما لم یوجف علیه بالخیل والحرب فهو لله وللرسول ولذی القربی وأقرب قربی النبی (صلی الله علیه وآله) هی الزهراء (علیها السلام) ، وقد نزل الأمر الإلهی مرتین بعد ذلک لتولیة الزهراء (علیها السلام) هذا الحق والمقام فی قوله تعالی : فَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (2)، وقوله تعالی : وَ آتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ (3)، فأعطی رسول الله (صلی الله علیه وآله) الزهراء فدکاً وکانت تحت یدها فأغتصبها أبابکر .

المحاور : وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ (4)، ما هی أقسام المیراث ؟ وما هو نوع المیراث الوارد فی الآیة ؟ .

الشیخ السند : التوریث فی الآیة مطلق شامل لإرث المقامات المعنویة والإصطفائیة والمادیة من دون تقیید .

المحاور : هل یصح طلب شهود علی فاطمة (علیها السلام) ؟ .

الشیخ السند : بعد شهادة وحکم الله تعالی بکون الفیء تحت

ص:144


1- (1) - الحشر (6 - 7) .
2- (2) - الروم (38) .
3- (3) - الأسراء (26) .
4- (4) - النمل (16) .

ولایة الزهراء (علیها السلام) وشهادته بعصمتها فأی شهادة بعد ذلک ثم إن فدکاً کانت بیدها فالمدعی هو أبوبکر وعلیه أن یأتی بالشهود لنسخ القرآن لو کان ذلک ممکناً .

المحاور : إذا وقع بین شخصین خصام حول قضیة ما ، من هو الطرف الذی یأتی بالشهود شرعا ؟ .

الشیخ السند : الذی یأتی بالشهود هو المدعی وهو أبوبکر لا المنکر وهی فاطمة (علیها السلام) هذا إذا کانت دعوی المدعی محتملة ممکنة قابلة للأثبات وأما فی قصة فدک فلا تسمع دعوی أبوبکر ولا مجال لتوجیه دعواه بعد ما کانت خلاف کتاب الله تعالی .

المحاور : هل یوجد أحد من فرق المسلمین من یتهم فاطمة (علیها السلام) بالکذب ؟ .

الشیخ السند : من یجرأ علی ذلک فینکر نص القرآن بطهارتها ونص النبی (صلی الله علیه وآله) بکونها سیدة نساء أهل الجنة أعظم من مریم وآسیة وخدیجة وبقیة نساء أهل الجنة .

ص:145

ص:146

الإمام الحسن (علیه السلام).... صلح الحسن (علیه السلام) :

المحاور : ما هی أسباب صلح الإمام الحسن (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : أسباب هدنة الإمام الحسن (علیه السلام) تخاذل جیشه وشیوع الخیانة لإنعدام البصیرة الکافیة لدیهم ، فکان اللازم الحفاظ علی المؤمنین وهم الشیعة الذین هم فئة خاصة آنذاک لئلا یستأصلوا عن آخرهم .

الإمام الحسین (علیه السلام) :

المحاور : ما السر فی قراءة رأس الحسین للآیة الشریفة : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً (1)، علی وجه الخصوص دون غیرها من السور ؟ .

الشیخ السند : السر فی قراءة الإمام الحسین (علیه السلام) للآیة : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً ، علی وجه الخصوص دون غیرها، هو أن الآیة الأعجازیة التی کانت لله تعالی فی

ص:147


1- (1) - الکهف (9) .

أصحاب الکهف هو أنهم کانوا مؤمنین موحدین مضطهدین من قبل الملک والسلطان المتغلب فی وقتهم وکان مجتمعهم یتابع ذلک السلطان الغاشم فکانوا منفردین فی طریق الحق والهدایة ، وکان الملک وقومه یستأصلونهم، لو اطلعوا علی دینهم أو سیطروا علیهم ، الا أنه بقدرته تعالی أبقی وحفظ أصحاب الکهف بعدما هلک ذلک السلطان وقومه ونشأ نسل جدید وحضارة اخری ، لیبین تعالی علی أنه قادر علی نصر المستضعفین ویرجعهم إلی الدار الدنیا وتکون العاقبة هی غلبتهم علی القوم الظالمین کما فی قوله تعالی : وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (1)، وقوله تعالی : وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ (2)، وغیرها من الآیات الدالة علی رجوع الصالحین إلی الدار الدنیا وکون العاقبة لهم جزاءاً دنیویاً من الله تعالی قبل جزاء ثواب الاخرة .

المحاور: فی قول لسیدتنا زینب (علیها السلام) حین أستشهد أخیها الإمام الحسین (علیه السلام)

(الیوم مات جدی محمد المصطفی ، وأبی علی المرتضی ، وأمی فاطمة الزهراء .... ) (3)ما هو المقصود من کلامها ؟ .

الشیخ السند : الظاهر کون المراد هو ذهاب أصحاب الکساء الخمسة بذهابه (علیه السلام) ، إذ کان وجوده بقاء لهم فیه کما أن وجوده (علیه السلام) کان

ص:148


1- (1) - القصص (5) .
2- (2) - الأنبیاء (105) .
3- (3) - ینابیع المودة للقندوزی ج3 ص64 .

تجسیداً وروحاً لوجود الاُسرة النبویة ، وکانت (علیها السلام) تأنس به وبنوره (علیه السلام) عند فقدهم .

المحاور : ما الأوجه المحتملة لشق الإمام الحسین أزیاق القاسم بن الحسن ؟ .

الشیخ السند : قیل فی سبب ذلک لتکون ثیابه بهیئة الکفن فیستشهد فیها ، ولا یطمع فی سلبها منه العدو بعد شهادته .

المحاور : أرجو ذکر خمساً من الثورات التی نتجت بعد ثورة الامام الحسین ؟ .

الشیخ السند : ثورة زید الشهید بن الإمام السجاد (علیه السلام) ، وثورة التوابین فی الکوفة ، وثورة المختار ، وثورة یحیی بن زید الشهید ، وثورة صاحب فخ الحسین بن علی من بنی الحسن المجتبی (علیه السلام) .

المحاور : ما هی النتائج المستخلصة من ثورة الامام الحسین ؟ وما هی بواعث الثورة عند الإمام الحسین ؟.

الشیخ السند : حیث أن نتائج ثورة ونهضة الحسین (علیه السلام) هی البواعث لها وقد ذکرها (علیه السلام) فی عدة من خطبه وکلماته الشریفة ، منها :

(إنما خرجت لطلب الأصلاح فیٌ أمة جدی (صلی الله علیه واله) ، أرید أن آمر بالمعروف وانهی عن المنکر)(1)، حیث قد أستبدلت الخلافة الإسلامیة علی ید معاویة بملک الوراثة النسبیة الترابیة ، و هذا إنحراف خطیر فی الدین والأمة الإسلامیة أن یتبدل مسار

ص:149


1- (1) - بحار الأنوار ج44 ص330 .

الزعامة الدینیة والدنیویة . منها ما قاله الرسول (صلی الله علیه واله ) : ( حسین منی و أنا من حسین )(1)، فإن (من) ههنا لیس المراد منها التولد بل أحد معانی الکنایة فیها هو أن دین النبی (صلی الله علیه واله) وشریعته بقاءها

مرهون بالحسین (علیه السلام) و ذلک لأن بنی أمیة معاویة و یزید وآلهما کانوا مصرّین علی محو الشریعة وإزالة الدین بالتدریج حتی لا یبقی رسم ولا أسم منه وکلمات معاویة و یزید فی ذلک معروفة ، وکیف لا و البیت الأموی بزعامة أبو سفیان لم ینثنی عن مجابهة الرسول (صلی الله علیه وآله) ودولته فی المدینة ومن قبل فی مکة ، واستمر إیقاده للحروب ضد الرسول حتی عام الفتح لمکة ومن الواضح أن هذا الموقع القبلی الذیٌ یتمتع به أبو سفیان وبنو امیة لم یتبدد بفتح مکة بل بقی علی حاله وإن کانوا فی الظاهر استسلموا أمام السلطة الاسلامیة للرسول (صلی الله علیه وآله) الجدیدة ، ویتبین ذلک فی قول أبی سفیان لعلی بن أبی طالب (علیه السلام) فی أیام السقیفة یرید اغراءه بمناصرته ضد أصحاب بیعة السقیفة ، (لو شئت لملئتها لک رجالاً وفرساناً ) ، وکذلک إسترضاء أبی بکر لأبی سفیان عندما أعترض علی استخلافه و أن تیم أخمل قریش ذکراً وبطنا أسترضاه بتنصیب یزید بن أبی سفیان علی الشام . ومن ثم الخلیفة الأول والثانی لم یجدا بداً من الإستعانة فی جهاز الحکم وقیادة الجیوش وکسب الغنائم والمناصب - بالحزب القرشی المناوی لبنی هاشم وللأنصار ، وإلی ذلک یشیر الحسین (علیه السلام) :

(وعلی الإسلام السلام إذ قد بلیت الأمة براع مثل یزید ، ولقد سمعت جدی رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول : الخلافة محرمة علی آل أبی سفیان )(2).

ص:150


1- (1) - سنن الترمذی ج5 ص324 ، المستدرک للحاکم النیسابوری ج3 ص422 .
2- (2) - بحار الأنوار ج44 ص326 .

ومنها : سنّ السنة الإلهیة العظیمة وهی مجاهدة الظالمین والطغاة من الحکام فی بلاد المسلمین والثورة علیهم ردعاً للمنکر وإقامة للمعروف فی کافة أشکاله ونظمه وأبوابه ، وإلی ذلک یشیر بقوله (علیه السلام) إستناداً الی قول رسول الله :

(من رأی سلطاناً مستحلاً لحرم الله ، ناکثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنة رسول الله ، یعمل فی عباد الله بالأثم والعدوان ثم لم یغیر بقول ولا فعل ، کان حقاً علی الله أن یدخله مدخله)(1)، أو

(أفضل الجهاد کلمة حق عند سلطان جائر )(2).

ومنها : إستدعاء أهل العراق ومبایعتهم له (علیه السلام) لاقامة الحکم الإلهی العادل الحق .

ومنها : عزم یزید أغتیال الحسین (علیه السلام) بکل طریقة وسبیل وقد أشار (علیه السلام) إلی ذلک فی عدة خطبه .

والخلاصة : أن هناک العدید من الأسباب ودواعی الحکمة فی نهضته (علیه السلام) اجتمعت حتی أن کثیراً من الکتاب والباحثین ینسبون تولد التشیع إلی نتائج ثورة الحسین (علیه السلام) وتعاطف محبی أهل البیت (علیه السلام) لمظلومیته و هذا القول وإن کان تنکراً للحقائق القرآنیة والسنن النبویة الدالة علی أمامة أهل البیت (علیهم السلام) ومذهبهم ، إلا أن ذلک القول یعکس مدی تعریة الإنحراف الذی أصاب المسلمین تکشف کثیر من الحقائق وتزییف الباطل الذی لم یتحقق قبل ثورة الحسین (علیه السلام).

ص:151


1- (1) - بحار الأنوار ج44 ص382 .
2- (2) - عمدة القاری للعینی ج7 ص224 ، التبیان للطوسی ج2 ص422 .

المحاور: کیف نرد علی الذین یقولون أن الإمام الحسین (علیه السلام) قد أخطأ عندما أخذ معه أهل بیته من نساء و أطفال الی کربلاء و هو یعرف المصیر ؟ و هل للإمام الحسین (علیه السلام) الحق فی التصرف فی حیاة أهله ؟ .

الشیخ السند : نظیر هذا الإعتراض یذکر فی مواجهة الصدیقة الزهراء (علیها السلام) عندما أراد جماعة السقیفة إجبار أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) علی بیعتهم فتصدت لهم من وراء الباب وقد کان (علیه السلام) فی البیت ، فیورد المعترضون أنه کیف تسمح الغیرة الأبیّة لمثل أمیر المؤمنین ولسید الشهداء بذلک ، وما الحکمة فی ذلک وهما (علیهما السلام) قد اتفق ذلک منهما بوصیة من رسول الله (صلی الله علیه وآله) کما جاء فی الروایات أنه (صلی الله علیه وآله) أخذ علی علیّ (علیه السلام) الصبر وعلی الحسین (علیه السلام) إن الله شاء أن یراهن سبایا ، فهل الإرادة والمشیئة إلالهیة تتعلق بذلک وکیف وجه الحکمة فیه ، ویستعرض لنا القرآن الکریم الإجابة عن ذلک بأن المجاهدة فی سبیل الله ومقارعة المعسکر الآخر کما تکون بالنفس والمال تکون بالمخاطرة بإهانة العرض لا بنحو الإبتذال والتدنیس کما فی قصة مریم (علیه السلام) ففی سورة آل عمران : إِذْ قالَتِ الْمَلائِکَةُ یا مَرْیَمُ إِنَّ اللّهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَی ابْنُ مَرْیَمَ وَجِیهاً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ (45) وَ یُکَلِّمُ النّاسَ فِی الْمَهْدِ وَ کَهْلاً وَ مِنَ الصّالِحِینَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنّی یَکُونُ لِی وَلَدٌ وَ لَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ قالَ کَذلِکِ اللّهُ یَخْلُقُ ما یَشاءُ إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ(47) (1)، وفی سورة مریم : فَأَرْسَلْنا إِلَیْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا (17) قالَتْ إِنِّی أَعُوذُ

ص:152


1- (1) - آل عمران (45 - 46) .

بِالرَّحْمنِ مِنْکَ إِنْ کُنْتَ تَقِیًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّکِ لِأَهَبَ لَکِ غُلاماً زَکِیًّا (19) قالَتْ أَنّی یَکُونُ لِی غُلامٌ وَ لَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ وَ لَمْ أَکُ بَغِیًّا (20) قالَ کَذلِکِ قالَ رَبُّکِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آیَةً لِلنّاسِ وَ رَحْمَةً مِنّا وَ کانَ أَمْراً مَقْضِیًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَکاناً قَصِیًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلی جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ یا لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هذا وَ کُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِی قَدْ جَعَلَ رَبُّکِ تَحْتَکِ سَرِیًّا (24) وَ هُزِّی إِلَیْکِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً جَنِیًّا (25) فَکُلِی وَ اشْرَبِی وَ قَرِّی عَیْناً فَإِمّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِی إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُکَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا یا مَرْیَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَیْئاً فَرِیًّا (27) یا أُخْتَ هارُونَ ما کانَ أَبُوکِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما کانَتْ أُمُّکِ بَغِیًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَیْهِ قالُوا کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا (29) قالَ إِنِّی عَبْدُ اللّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِی نَبِیًّا (30)(1)، وفی سورة المؤمنون : وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَ أُمَّهُ (2)، فمریم قد تعرضت لوظیفة حمل النبی عیسی (علیه السلام) من غیر أب لتتحقق المعجزة الإلهیة لإثبات نبوة عیسی (علیه السلام) وبعثته بشریعة جدیدة ناسخة لشریعة موسی (علیه السلام) ، مع أن تحقیق المعجزة هذه کان یخاطر بسمعة مریم وعرضها ، إلی درجة مواجهة بنی إسرائیل لها بالقذف والبهتان ولکن کل ذلک لا یعنی ابتذال وتدنیس مریم بل غایة الأمر إهانة عرضها ، فتحمّلت المسؤولیة الإلهیة وأعباء المعجزة والرسالة الجدیدة مع أنها أصعب من الجهاد بالنفس والقتل بالسیف ، للإنسان الغیور وبالنسبة للمرأة العفیفة التی أحصنت فرجها

ص:153


1- (1) - مریم (17 - 30) .
2- (2) - المؤمنون (50) .

ولذلک قالت : یا لَیْتَنِی مِتُّ قَبْلَ هذا وَ کُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا (1)، ولکن جهادها وتحملها أقام الحجة علی کفار بنی إسرائیل فجعلها الله تعالی آیة وحجة تشارک إبنها النبی عیسی (علیه السلام) فی الحجیة ، وهناک واقعة أخری یسردها لنا القرآن وهی واقعة المباهلة : فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ (2).

فههنا فی واقعة المباهلة احتج الله بالزهراء (علیها السلام) علی حقانیة الشریعة المحمدیة ونبوة سید الرسل جنبا إلی جنب الاحتجاج بالأربعة بقیة أصحاب الکساء ، ففی هذه الواقعة قد تحملت الصدیقة الزهراء (علیها السلام) بأمر من الله تعالی انزله فی القرآن ، تحملت المشارکة فی المباهلة أمام ملاء أهل الکتاب ، وهو نمط من المنازلة والمواجهة .

فإذا اتضح بعض الأمثلة المسطورة فی القرآن الکریم من نماذج المجاهدة بالعرض لا بدرجة الإبتذال والتدنیس ، یتضح عدم المجال لمثل هذه الاعتراضات الناشئة من عدم الإحاطة بجهات أحکام الشریعة وعدم الإحاطة بملابسات الأحداث التاریخیة فی صدر الإسلام وقراءة الإحداث بشکل مبتور تخفی فیه الحقیقة کما هی علیه ، ثم الأخذ فی الحکم علی هذه الصورة المقطعة .

ص:154


1- (1) - مریم (23) .
2- (2) - آل عمران (61) .

فإن الحکمة فی کل من فعل الأمیر (علیه السلام) والحسین (علیه السلام) هو لأجل تعریة وفضح الخصم والکشف عن جرأته علی مقدسات الدین وحریم النبی (صلی الله علیه وآله) و أن الخصم لا یتقید بأبجدیة المبادئ الدینیة وکان أستخدام هذا النمط من المواجهة والجهاد فی ظرف اغلقت فیه أیّ فرصة أخری لدحض إجرام الخصم وباطله أمام أنظار وأذهان الناس المفتتنة بأکاذیب الخصم الناسیة لوصایا القرآن والنبی (صلی الله علیه وآله) فی حق العترة المطهرة ولولا موقف الزهراء (علیها السلام) والعقیلة زینب (علیها السلام) لکان الخصم یلتف بدعایته ووسائل إعلامه علی الحقیقة ویغیب علی الناس فی ذلک الوقت فضلاً عن الأجیال اللاحقة یغیب علیها حقیقة الموقف . ولأجل ذلک أوصت (علیها السلام) بإخفاء قبرها وتشیعها لیلاً خفیة لیظلّ ذلک رمزاً یطنّ فی أذن التاریخ علی الحقیقة التی حاولوا اخفاءها .

المحاور: کم عدد الصحابة اللذین إستشهدوا مع الإمام الحسین (علیه السلام) وما هی أسمائهم ، وکم عدد (الصحابة) اللذین قاتلوا الإمام الحسین (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : لفظ الصحابة جری إستعماله فی من لقی النبی (صلی الله علیه وآله) أو روی عنه أو عاشره مدة من الزمن وأما إذا أضیف الشخص إلی أحد من الأئمة من أهل البیت (علیهم السلام) فیقال مثلاً من أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) أو أصحاب الحسن (علیه السلام) وأصحاب الحسین (علیه السلام) ، نعم کان فی أصحاب الإمام الحسین (علیه السلام) بعض صحابة النبی (صلی الله علیه وآله) کحبیب بن مظاهر ومسلمة بن عوسجة وغیرهما أما عدد أصحاب الحسین (علیه السلام) فقد اختلف المؤرخون فی ذلک:

ص:155

الأول : أنهم أثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ذکره المفید فی الإرشاد والطبرسی فی أعلام الوری والفتال فی روضة الواعظین وابن جریر فی تاریخه وابن الأثیر فی الکامل والقرمانی فی أخبار الدول والدینوری فی الأخبار الطوال .

الثانی : إنهم اثنان وثمانون راجلاً کما فی روایة حکاها فی الدمعة الساکبة .

الثالث : ستون راجلاً کما ذکره الدمیری فی حیاة الحیوان فی خلافة یزید .

الرابع : ثلاثة وسبعون راجلاً ذکره الشربینی فی شرح مقامات الحریری .

الخامس : خمسة وأربعون فارساً ونحو مائة راجل ذکره ابن عساکر فی تهذیب تاریخ الشام .

السادس : اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ذکره الخوارزمی فی المقتل .

السابع : احد وستون رجلاً ذکره المسعودی فی إثبات الوصیة وغیرها من الأقوال التی أنهاها العلامة المرحوم السید عبد الرزاق المقرم فی المقتل إلی عشرة .

وأما عدد الذین قاتلوا الحسین (علیه السلام) فذکر أنهم ثلاثین ألفاً وقیل أکثر بکثیر وقد جمع بین الأقوال بعض المحققین بأن الذین کانوا فی أرض المعرکة هو العدد الأول وأما بقیة الأعداد فکانت تمثل طوق عسکری لمنع وصول المدد والنصرة لسید الشهداء (علیه السلام) من الأطراف والنواحی حتی أنه ذکر فی التواریخ أن الطوق العسکری کان یمتد من کربلاء إلی الکوفة .

ص:156

المحاور: أود أن تبینوا الأسباب التی جعلت الناس تتفرق عن مسلم ابن عقیل (علیه السلام) هکذا بین لیلة و ضحاها بعد أن کانوا ألوف حوله حیث یصل الأمر

انه لا یجد من یدله الطریق؟ .

الشیخ السند : لم یکن تفرق الناس عن مسلم بن عقیل (علیه السلام) بین لیلة وضحاها بل أستغرق ذلک مدة بنحو التدریج کما هو مفصل فی کتب التاریخ ، وعمدة السبب لتخاذل الناس عن مسلم هو خیانة وتخاذل أشراف ورؤساء القبائل أی النخبة من أهل الکوفة ، وهو مما یدلل علی مدی تأثیر النخبة فی المجتمع ومساره .

المحاور: ما منزلة حمید بن مسلم خاصة إنه روی واقعة الطف بأسرها ؟ .

الشیخ السند : لا یخفی أن الراوی لواقعة الطف لا ینحصر بحمید بن المسلم ، فإن أهل البیت (علیهم السلام) الذین حملوا أساری من أطفال ونساء فضلاً عن مثل أم کلثوم والعقیلة والإمام زین العابدین (علیه السلام) ، وکذا الأساری من عوائل شهداء الطف فضلاً عن من کان فی جیش عمر بن سعد اللعین ممن أقرّ ونقل لأهل الکوفة ما شاهدوه بأعینهم ، لا سیما و أن جملة منهم کانوا کالمتفرج للمعرکة کاره للقتال ، وکذا أهالی القری المجاورة لنینوی والغاضریات من بنی أسد وغیرهم ، هذا فضلاً عن أن أئمة أهل البیت (علیهم السلام) یخبرون عن الأحداث وما کان وما یکون بعلم لدنی من الله تعالی .

وعلی کل تقدیر فإن حمید بن مسلم لو أفترضناه علی أسوأ التقادیر من أتباع السلطة الأمویة فإن ما یشهد به العدو أحجّ للثبوت فإن الفضل ما

ص:157

شهدت به الأعداء ، وقد یخفی هذا المطلب علی البعض ویساوی المقام مع البحث فی إستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة ، فإن الوثوق بالأخبار والصدور هو المدار وهذه النکتة موجبة لذلک کما لا یخفی .

المحاور: من بقی من ذریة سیدنا الحسین (علیه السلام) بعد فاجعة کربلاء ؟.

الشیخ السند : المعروف لدی أهل التواریخ والنسب وکتب الأصحاب أن ذریة الإمام الحسین (علیه السلام) هی من الإمام زین العابدین (علیه السلام) أبنه أما علی الأکبر فقد أستشهد معه وکذا علی الأصغر أو عبد الله الرضیع وکذلک جعفر بن الحسین فانه توفی فی حیاة أبیه وذکر محمد أیضاً ، وأما البنات فقد ذکر أن له (علیه السلام) زینب وسکینة وفاطمة وعلی کل حال فإن بین المذکور فی الکتب أختلاف فی العدد والأسماء فلاحظ .

المحاور: هلا لی بجواب أکمل به معلوماتی ، حول من إستشکل إننا نفضل الإمام الحسین (علیه السلام) ونعطیه درجة أعلی من الإمام علی (علیهما أفضل الصلاة والسلام) ، ویسأل لماذا نسمی حسینیات ولم نسمی علیات ، ولماذا (اللطم) علی الحسین أظهر وأکثر من (اللطم) علی الإمام علی (علیه السلام) ، وما إلی ذلک من إستشکالات ؟ .

الشیخ السند : سبب کثرة ذکر الشیعة لسید الشهداء (علیه السلام) هو أمر النبی (صلی الله علیه وآله) والائمة (علیهم السلام) بذلک فی الروایات المستفیضة ، بل المتواترة فقد أکّدوا بإقامة العزاء علی مصیبته التی هی من أفجع وأقرح المصائب التی تعتصر الوجدان وتنغّص العیش ، فالبشاعة الشرسة التی انتهک بها حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی سبطه وریحانته من الدنیا وسید شباب أهل الجنة ، فمصیبة

ص:158

الحسین (علیه السلام) مصیبة رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، ومصیبة أمیر المؤمنین وسیدة النساء والحسن المجتبی ففی قتل الحسین وولده وأهل بیته وأصحابه وسبی نساءه انتهکت حرمة القرآن الذی جعل من الحسین (علیه السلام) حجة لحقانیة دین الاسلام وصدق النبوة الی یوم القیامة فی قوله تعالی : فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی

الْکاذِبِینَ (1)، فقد أمر الله تعالی نبیه فی المباهلة بالاحتجاج بالحسین (علیه السلام) وأصحاب الکساء دون الصحابة ودون زوجات النبی (صلی الله علیه وآله) مع أن الإمام الحسین (علیه السلام) حین المباهلة لم یتجاوز بضع سنین من نشأته المبارکة ، فجعل الله تعالی الإمام الحسین (علیه السلام) یتحمل مسؤلیة إقامة الحجة علی حقانیة الدین وصدق النبوة ، وکذلک آیة التطهیر وکذلک سورة هل أتی وغیرها من السور فمثل هذه الشخصیة فی الدین التی یرسم مقامه القرآن الکریم وکلام الله الحکیم ، انتهاک حرمته إنتهاکاً لحرمة الله تعالی ولحرمة القرآن ولحرمة الرسول (صلی الله علیه وآله) حیث قال :

(حسین منی و أنا من حسین )(2)، و :

(إبنای هذان إمامان قاما أو قعدا )(3)، و :

(وسیدا شباب أهل الجنة )(4)، وغیرها من الاحادیث العظیمة النبویة التی توضح موقعیة الحسین

ص:159


1- (1) - آل عمران (61) .
2- (2) - مسند أحمد ج4 ص172 ، سنن الترمذی ج5 ص324 ، المستدرک للحاکم النیسابوری ج3 ص177 .
3- (3) - روضة الواعظین للنیسابوری ص57 ، الأرشاد للمفید ج2 ص30 .
4- (4) - مسند أحمد ج3 ص3 ، مسند أبی سعید الخدری ، سنن أبن ماجة ج1 ص44 ح 118 باب فضائل علی بن أبی طالب (علیه السلام) ، سنن الترمذی ج5 ص321 ح 3856 فضائل الصحابة للنسائی ص20 فضائل الحسن والحسین (علیهما السلام) .

فی الدین .

وسبی نساء الحسین (علیه السلام) هن بنات النبی (صلی الله علیه وآله) ، فتصور - بالله علیک - ممن یدّعون الإنتماء إلی دین النبی کیف یرتکبون العظائم فی حق سید الرسل (صلی الله علیه وآله) ، فذکر مصیبة الحسین ذکر مصیبة النبی وجمیع أهل بیته .

هذا مضافاً إلی أن واقعة کربلاء واستشهاده (علیه السلام) کشفت القناع عن زیغ السقیفة التی أدت الی تسلّط بنی أمیة علی رقاب المسلمین وإلی لعب مثل یزید الفسق والمجون بمقدرات الدین والمسلمین ، فالشعائر الحسینیة نبراس لحق أهل البیت فی الإمامة وأحیاء للتمسک بالثقلین المأمور بهما .

المحاور: من هو حمید إبن مسلم ؟ و هل یجوز لعنه ؟ وعلی أی أساس نأخذ بروایاته ؟ و هل کان من جیش عمر إبن سعد ؟ وما هو سبب حضوره واقعة الطف ؟ .

الشیخ السند : لابد من التنبه إلی النقاط التالیة :

أولاً : لیس مصدر الوثائق لواقعة کربلاء منحصراً فی الراوی حمید بن مسلم ، بل المصادر منتشرة عن الواقعة من کل حدب وصوب فهذا أبن عساکر فی تاریخ دمشق عقد مجلداً من کتابه خاصاً بالإمام الحسین (علیه السلام) نقل طرفاً من وقائع الفاجعة الکبری بأسانید متصلة ونقل بأسانید عدیدة أیضاً مطر السماء دماً وأنه لم یرفع حجر إلاّ ورئی تحته دما . إلی غیر ذلک من

ص:160

مصادر الفریقین ، فهذا الصدوق ینقل فی أمالیه مقتلاً کاملاً بأسانید متصلة إلی أئمة أهل البیت (علیهم السلام) وقد أشتملت کتب الأحادیث عنهم (علیهم السلام) علی لقطات وقصاصات خطیرة فی الواقعة حتی روایات الفروع والأحکام الشرعیة مثل کتاب وسائل الشیعة هذا فضلاً عن کتب التراجم من الفریقین وغیرها مما یطول ذکره فی المقام .

ثانیاً : لم یکن الراوی الوحید للواقعة هو حمید بن مسلم کیف والإمام زین العابدین والباقر (علیهما السلام) والعقیلة وبنات النبی (صلی الله علیه وآله) وعیالات الحسین (علیه السلام) کلهم کانوا بمشهد من الحدث العظیم .

وکذلک هذه الآلاف من جیش بن سعد من أهل الکوفة فضلاً عن أهالی القری والأریاف المجاورة فالحدث والمشهد الجلل قد حضره خلق کثیر تنادوا به علی مسمع التاریخ والأجیال .

ثالثاً : لم یکن کل من حضر فی جیش عمر بن سعد علی موقف متحد فقد کان

بعضهم حتی علی مستوی القیادة ، لفصائل الجیش کاره لقتال سبط الرسول (صلی الله علیه وآله) وریحانته بل فی بعض المواقع من المعرکة کان یخشی عمر بن سعد وقوع الفتنة فی جیشه .

رابعاً : الفضل ما شهدت به الاعداء ، فإن الروایة المتضمنة لأحداث الظلم علی العترة وکذا فضائلهم التی تنقل من لسان المخالف فی هواه لأهل البیت (علیهم السلام) أحجّ علی المخالفین لأهل البیت (علیهم السلام) التارکین لفریضة مودتهم ، لإنتفاء التهمة المزعومة فی منطق نصب العداوة لهم .

ص:161

المحاور : إن قتلة إبی عبدالله الحسین (علیه السلام) هم الشیعة لا بنی أمیة و هذا مما ترکز علیه الیوم الفئات الضالة کالوهابیة والسلفیة وماالقول السدید فی الإجابة عن هذه الشبهة ؟ .

الشیخ السند : فی کثیر من الکلمات أسناد قتل سید الشهداء (علیه السلام) إلی أهل الکوفة و أنهم شیعة أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، و هذا تزویر للحقائق لأن مدینة الکوفة لم یکن الغالب علیها الشیعة إلی أواخر القرن الثالث فضلاً عن عهد أمیر المؤمنین وزمن واقعة الطف ، ولذلک تجد فی کتب التاریخ حین نهضة المختار فی الکوفة للإنتقام لسید الشهداء وماجری فی الطف کان غالب أحیاء الکوفة ممن یوالی بنی أمیة وهواهم من العثمانیة ، فوجد صعوبة کبیرة جداً فی السیطرة علی الکوفة ، ألیس قد نهی أمیر المؤمنین عن صلاة التراویح فی مسجد الکوفة بتوسط أبنه الحسن المجتبی (علیه السلام) فتصایح الناس فی مسجد الکوفة واسنة عمراه ، وقد قال علی (علیه السلام) فی أحد کلماته أنه لو نهی عن ما أبتدعه من کان قبله من الخلفاء من سنن خالفوا فیها سنة الرسول لتفرق عنه جنده ، وهناک الکثیر من الشواهد الدالة علی هذة الحقیقة حتی أن أحد احیاء الکوفة کانت تقطنه قبائل من أهل الشام والغریب من الوهابیة والسلفیة أنهم یذکرون

فی کتبهم أن الکوفة بقیت إلی زمن متأخر علی مذهب سنة خلافة الجماعة ، فکیف یکونون من الشیعة .

المحاور: الموقف العقلی یمکن التشکیک فیه بأسالیب کثیرة فی حین أن الموقف العاطفی المشتعل لا یقبل التردد أمام التشکیک العقلی هناک من یقول أن الأمة کانت تدرک ظلم یزید وآل أمیة ولکنها کانت تحتاج إلی أن

ص:162

ینتقل من المستوی العقلی إلی المستوی العاطفی و هذا هو الذی تکفلت به ثورة الإمام (علیه السلام) کیف تقیمون هذه الرؤیة ؟ .

الشیخ السند : العقل یطلق ویراد به معانی فقد یراد به العقل النظری وهی قوة الإدراک الفکری ، وقد یطلق ویراد به العقل العملی وهو قوة العقل العمّال المحرّک المسیطر علی قوة التحریک فی النفس من قوی الغضب والشهوة ، وقد سئل الکاظم (علیه السلام) عن العقل فقال (علیه السلام) : (ما عبد به الرحمن وأکتسب به الجنان)(1)، وهو ینطبق علی العقل العملی ومصنع الإرادة فی النفس هو العقل العملی ، ولا یکفی لهدایة وکمال وصلاح الإنسان أن یدرک الحق والحقیقة الصادقة بعقله النظری ، دون أن یصدق و یذعن ویسلّم بذلک فیقیم عزمه علی ذلک وبالتالی تنطلق قواه العمّالة علی مقتضی ذلک ، فالعاطفة عبارة عن نحو تفاعل وإنشداد للنفس مع الشیء المدرک ، فتنظیر الحقیقة من دون الإیمان والحرکة علی هدیها ، کالطیران بجناح واحد .

ومن هنا تکمن فضیلة البکاء فی رثاء مصاب سید الشهداء حیث انه یلهب المشاعر النفسیة دفعة تجاه الفضیلة من الغیرة علی الدین والشجاعة والفداء والتضحیة وغیرها من مکارم الصفات التی یلزم تحلی النفس بها .

المحاور: بین وعی النخبة من المفکرین ، والعامة من الجمهور ، أین نجد عاشوراء الحقیقیة ، هناک من یقول أن جمهور الناس بوعیهم الفطری

ص:163


1- (1) - الکافی ج1 ص11 .

یدرکون من واقعة الطف ما هو أعمق وأوسع آفاقاً مما یتلقاه الباحثون والمفکرون من خلال دراستهم وبحثهم ، کیف تنظرون لمثل هذا القول وما هو هذا الذی یدرکه العامة بحسهم الفطری المرهف ولا یدرکه الباحثون بدراساتهم ؟ .

الشیخ السند : حیث أن أهل البیت (علیهم السلام) هم الثقل الثانی و عدل الکتاب الکریم الذی هو الثقل الاول و قد استفیض و تواتر بین الفریقین عن النبی (صلی الله علیه وآله) الأمر بالتمسک بهما ، فأهل البیت والقرآن الکریم وجهان لشیء واحد ، و علی ضوء ذلک فإن سیرة ائمة أهل البیت (علیهم السلام) ومنهم سید الشهداء (علیه السلام) سیرته قرآن متجسد . فکما أن القرآن مهما قام الباحثون المتخصصون من علماء التفسیر وغیرهم من العلوم الأخری بتفسیره فإن ذلک لا یمثل کل آفاق القرآن ولا کل ما فیه من عیون المعرفة والعلم فیظل القرآن یرفد للبشریة علی مختلف طبقاتها وأفهامها نمیراً عذباً کل یغرف منه بحسب سعته وظرفه ، فهکذا سیرة الحسین (علیه السلام) من المدینة الی مکة إلی کربلاء الی یوم العاشر فانها ملیئة بالوقائع والمشاهد التی ینهل منها علماء الفقه والقانون وعلماء الکلام والفلسفة وعلماء الأخلاق والعرفان ، وعلماء الأجتماع والعلوم الانسانیة کل حسب تخصصه وبعده الذی یسیر فیه ، والعامة تحتفظ بهذا التجسد القرآنی الجمعی المجموع بنحو الإدراک الأجمالی الفطری فتنصهر فی أجواء مدرسة سیرته (علیه السلام) لاسیما و أن سید الشهداء کما قال الإمام الرضا (علیه السلام) ما معناه :

(کلنا أبواب هدی و سفن نجاة ولکن باب الحسین أوسع وسفینته فی لجج البحار أسرع ) .

ص:164

المحاور: ما الذی نحتاجه الیوم عن عاشوراء الامام الحسین (علیه السلام) ؟ وما الذی تحتاجه عاشوراء منا ؟.

الشیخ السند : حاجة کل عصر من واقعة الطف هو أن یستلهموا منها ما یجیب علی اسئلتهم المعاشة فی عصرهم من تضارب الأفکار والرؤی وتعدد وجهات النظر ، والذی تحتاجه عاشورا وفی الحقیقة هی الأخری حاجتنا نحن الی عاشوراء أیضاً وهی أن نحییی الواقعة فی وجداننا و مشاعرنا وذاکرتنا و تفکیرنا کی نعیش الجو التربوی الذی یجب أن نتکامل به وفیه ، ولابد فی الشعائر الحسینیة کما فی الروایات المتواترة عنهم (علیهم السلام) أن تکون حماسیة جیاشة و أن تکون مفعمة بالحزن والتفجع والجزع و أن تکون متضمنة للمعانی والمثل التی نشدها سید الشهداء (علیه السلام) من الغیرة والحمیة للدین والنبل والإباء للباطل والنهی عن المنکر وإقامة العدل وغیرها مما جاء فی خطبه وکلماته المأثورة .

ص:165

ص:166

الشعائر الحسینیة :

اشارة

المحاور: أنا لست شیعیة بل أنا سنیّه المذهب ، ولکن أرید أن أتعرف عن عقائد مذهب أهل البیت (علیهم السلام) ، هذا لأنه توجد بعض الأشیاء التی یقوم بها الشیعة و أنا لا أوافق علیها . ولعل ذلک قد یکون یتناسب مع مذهب أهل البیت (علیهم السلام) وتعلیماته . ألا وهی ضرب الصدور فی أیام عاشوراء ، حیث أری أنه ینبغی أن یکون عاشوراء وقت ذکر الله وعدم النزاع والأضرار بالجسم والأنفس ، فلکونی لست شیعیة لا أدری ما هی الأدلة التی تؤید هذا العمل ؟ وأرید أن أتعلّم وأتعرف علی الحق، علماً بأننی سأتزوج بشاب شیعی - إن شاء الله - حیث أحبّه وأحترمه . وأتمنّی أن یتمّ ذلک قریباً علی الرغم من أختلاف العقیدة الموجودة بیننا . مرة أخری أقول بأنکم بذلک ستساعدوننی لأتعلم عن

حیاة إنسان شیعی ؟.

الشیخ السند : أما التعرف علی عقائد الشیعة الإمامیة فبإمکانک قراءة کتب العقائد الشیعیة للتعرف علیها مثل کتب التفسیر للإمامیة فإنها ملیئة بأسس عقائد الشیعة . وأما موسم أیام عاشوراء ففیها قتل الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) ، وأبن السیدة فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله) سبط النبی (صلی الله علیه وآله)

ص:167

وأهل بیته ظلما من قبل یزید بن معاویة بن أبی سفیان الأموی ، وسبیت نساءه وبناته ونساء أهل بیته وهن حفیدات رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، فأنتهکت الدولة الأمویة حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی سبطه وانتهک رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی نساء أهل بیته ، وفوق کل ذلک طافوا برأس الحسین (علیه السلام) وبرؤوس أهل بیته البلدان من کربلاء إلی الکوفة إلی الشام ، أستعراضاً فی هتک حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، ولم یکتفوا بذلک بل طافوا بنساء أهل بیت الرسول (صلی الله علیه وآله) البلدان ، مع إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال :

(أن الحسن والحسین ریحانتای من هذه الدنیا )(1)، وقال (صلی الله علیه وآله) :

(هما سیدا شباب أهل الجنة ) (2)وقال (صلی الله علیه وآله) :

(هما إمامان قاما أو قعدا )(3).

بل إن الله تعالی قد أوصی جمیع المسلمین بقوله تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (4)، فجعل تعالی أجر جمیع تبلیغ دین الله تعالی هو

مودة قربی رسول الله (صلی الله علیه وآله) والمودة لیست مجرد المحبة بل هی شدتها مع إبرازها فکیف بهذه الوصیة الإلهیة والفریضة القرآنیة تخالف وتجحد ، وتنتهک مع انه تعالی قد أعظم من شأنها فجعلها عدل وأجر الدین کله .

وأمرنا بصلة قربی النبی (صلی الله علیه وآله) لا بقطیعتهم بینما قام یزید الأموی بما قام من هذا الجرم الفظیع الشنیع وقال : (لیت أشیاخی ببدر شهدوا وقع ... إلی

ص:168


1- (1) - ینابیع المودة للقندوزی ج3 ص73 .
2- (2) - سنن الترمذی ج5 ص321 ح : 3856 .
3- (3) - البحار ج36 ص289 .
4- (4) - الشوری (23) .

أن یقول : لعبت هاشم بالملک فلا خبر جاء ولا وحی نزل ) (1) .

فهو یصرح بأنه یثأر لأجداده المشرکین الذین قتلوا ببدر وینتقم لهم من أهل بیت رسول الله (صلی الله علیه وآله) بذلک ویزداد یزید عناداً وعتواً فیکفر بتصدیق الوحی والرسالة ، وکیف لا وهو الذی أتی بواقعة الحرّة الفجیعة فی المدینة وأهلها وهتک کل الحرمات فیها فی السنة الثانیة من ملکه وفی السنة الثالثة هدم الکعبة ورجمها بالمنجنیق .

فما تصنعه الشیعة من إقامة الحزن والعزاء هی مواساة لرسول الله (صلی الله علیه وآله) لما جری علی سبطه وحبیبه الحسین وعملاً بوصیة القرآن بمودة قربی الرسول ومقتضی المحبة هی الحزن لمصائب المحبوب وقد قال تعالی فی ما استعرضه من سیرة النبی یعقوب عندما ابتلی بفراق یوسف ابنه : وَ قالَ یا أَسَفی عَلی یُوسُفَ وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ، قالُوا تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتّی تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهالِکِینَ، قالَ إِنَّما أَشْکُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَی اللّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ... قالَ أَبُوهُمْ إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قالُوا تَاللّهِ إِنَّکَ لَفِی ضَلالِکَ الْقَدِیمِ... ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیْکَ وَ ما کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ یَمْکُرُونَ وَ ما أَکْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِینَ وَ ما تَسْئَلُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ...... لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ ما کانَ حَدِیثاً یُفْتَری...

ص:169


1- (1) - تاریخ الطبری ج8 ص178 .

لَقَدْ کانَ فِی یُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آیاتٌ لِلسّائِلِینَ (1). فنری فی هذه السیرة للنبی یعقوب (علیه السلام) التی قصّها لنا القرآن عبرة ولنقتدی بما فیها من توصیات ، إن سیرة النبی یعقوب الحزن علی ما أصاب أبنه یوسف حتی بلغ من حزنه وبثّه أن عمیت عیناه ، وقد عابه أبنائه علی ذلک ، فلم یعبأ باستنکارهم علیه بل استنکر هو علیهم جهلهم برشاد فعله من الحزن علی یوسف ، وقاوم النبی یعقوب أبناءه فی استنکارهم علیه الحزن علی یوسف ورمیهم له بالضلال ، واستنکارهم طول حزنه علی یوسف الذی استمر عقوداً من السنین .

ففی هذه الآیات یوصینا القرآن بالعبرة من فعل النبی یعقوب بإقامة الحزن وبث الشکوی إلی الله تعالی علی فقد أبناء الأنبیاء المصطفین ، وعلی ما جری علیهم من المصائب ، حتی أن النبی یعقوب بلغ به الحزن الشدید أن تسبب ذلک فی عمی عینیه الشریفتین ، ولم یکن یعقوب یعبأ بذلک ولا بما ینکره علیه الآخرون من الحکم بضلاله ، فقد أصرّ علی أن الحزن وبثه الشکوی علی المصاب علی أبناء الأنبیاء المصطفین هو من الرشاد . مع أن یعقوب قال لأولاده : بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ (2)، فلم یکن حزنه وبکائه وبثّه الشکوی إلی الله فی المدة الطویلة الزمنیة حتی عمیت عیناه لم یکن ذلک منافیا للصبر الجمیل.

ص:170


1- (1) - یوسف (84) .
2- (2) - یوسف (83) .

والسرّ فی ذلک مع أن الجزع والحزن الشدید غیر ممدوح فی ما یجری علی الإنسان من مصائب ، کموت عزیز وفقد حبیب ، و ذلک لکونه أعتراضاً علی قضاء الله وقدره وعدم الرضا بتقدیره ، السر فی فعل النبی یعقوب هو کون یوسف لیس

من قبیل بقیة الناس بل کان مجتبی ومصطفی کما فی قول یعقوب له : وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ وَ یُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ عَلی آلِ یَعْقُوبَ کَما أَتَمَّها عَلی أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّکَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (1)، أی إن أهل بیت الأنبیاء وذریّتهم المجتباة المنعم علیهم یستحقون التقدیر والإحترام والمودة لأنهم قدوات البشریة وأعظم الثروات المعنویة التی تهتدی بتوسطها البشریة إلی الصراط المستقیم وقد قال النبی فی الخبر المتواتر الذی رواه الفریقان :

(إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی لن تضلوا ما إن تمسکتم بهما أبداً وأنهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض )(2)، فعترته هم علی وفاطمة والحسن والحسین وقد فرّطت جماعات من المسلمین فیهم وترکوا التمسک بهما معاً ، مع أنه تعالی قد أمر النبی (صلی الله علیه وآله) فی یوم المباهلة بالأحتجاج بعترته ومنهم الحسین (علیه السلام) فقال تعالی : فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَی الْکاذِبِینَ (3)، فجعل الله تعالی الحسین (علیه السلام) ممن یحتج به علی أهل

ص:171


1- (1) - یوسف (6) .
2- (2) - فضائل الصحابة للنسائی ص15 فضائل علی (رض) .
3- (3) - آل عمران (61) .

الکتاب والبشریة إلی یوم القیامة ، فجعل الباری الحسین (علیه السلام) حجته علی البشریة فی صدق نبوة الرسول (صلی الله علیه وآله) ، و هذا نداء من القرآن خالد علی مقام الحسین (علیه السلام) وکذلک ما فی سورة الدهر والإنسان من وصفه من عباد الله الذین یسبقون ویفوقون الإبرار ، فالحزن علی الحسین (علیه السلام) والحزن علی یوسف لیس تبرماً وعدم رضا بتقدیر الله تعالی بل هو مودة لذی القربی وتمسکاً بالثقلین وإستنکاراً للظلم وإبتعاداً من الضلال الذی یسیر علیه یزید وأمثاله من أعداء أولیاء الله تعالی .

هذا وقد أمر الرسول (صلی الله علیه وآله) بعد غزوة احد بالبکاء والندبة علی عمه حمزة ، فکیف بأبنه وریحانته الحسین (علیه السلام).

المحاور: ما هی الأدلة علی حضور أرواح الأئمة (علیهم السلام) فی مجالس العزاء الحسینی ؟ .

هل بإمکان الأئمة (علیهم السلام) الأستکثار من الخیر بعد أستشهادهم کدعائهم لله مثلاً ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (1)، والآیة دالة علی رؤیة الرسول (صلی الله علیه وآله) ورؤیة المؤمنون وهم أهل بیته المطهرون .

لأعمال جمیع الأمة وظاهر الرؤیة هی مشاهدة العمل حین صدوره ،

ص:172


1- (1) - التوبة (105) .

کما هو الحال فی رؤیة الباری تعالی ومن ثم أطلق الله تعالی علی رسوله (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) أنهم شهداء علی الخلق کما فی سورة الحج : مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَ فِی هذا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهِیداً عَلَیْکُمْ وَ تَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ (1)، فهؤلاء الشهداء هم من نسل إبراهیم وهو أبوهم وهم خاصة سید الرسل (صلی الله علیه وآله) والرسول (صلی الله علیه وآله) شاهد علیهم وهم شهداء علی الناس والشاهد هو الذی یشهد العمل أی تکون أعمالنا حاضرة عندهوفی مرمی حیطته .

وأما الأستکثار من الخیر فی عالم البرزخ والآخرة عن طریق الدعاء وغیره فقد وردت بذلک جملة من الآیات کقوله تعالی : یَوْمَ لا یُخْزِی اللّهُ النَّبِیَّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ یَسْعی بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ بِأَیْمانِهِمْ یَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّکَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ (2). و هذا یطلق علیه فی البحوث العقلیة والفلسفة التکامل البرزخی والاخروی .

ص:173


1- (1) - الحج (78) .
2- (2) - التحریم (8) .

ص:174

عاشوراء :

المحاور : من أین جاء صوم یوم عاشوراء ، وما هی نظرة الشارع المقدس عن هذا الموضوع ؟ .

الشیخ السند : ورد فی الروایات أن بنی أمیة أتخذته یوم صوم لفرحها بقتل الحسین (علیه السلام) و أن من کان یوالی أهل البیت (علیهم السلام) فلا یصومن ذلک الیوم ، لأن الصوم یعبر عن حالة شکر فما ورد فی بعض الروایات من الأمر بصومه محمول علی التقیة ، وقد أعترف أبن تیمیة بوضع النصاب المعادین لأهل البیت (علیهم السلام) هذه الروایات.الآمرة بصومه وفضیلة الصوم فیه .

الإمام الرضا (علیه السلام) :

المحاور: أری بعضاً من الأخوة المؤمنین یتوقفون فی أمر المأمون معتقدین تشیعه ، ففی الوقت الذی یثار ضد هذا الرجل إتهامات متعددة کقتل الرضا (علیه السلام) وتدبیره المؤامرة ضد أخوته ، یثار أیضاً طلبه الملح علی الإمام بقبول الخلافة ، وبتأییده لأفکاره (علیه السلام) ، وتقریبه للعلویین ، والضغط علی غیرهم کجلده للمحدث أحمد بن حنبل ، ودفن الإمام بجنب أبوه وما

ص:175

أشبه ذلک ؟ .

ما هو القول الفصل فی شأن هذا الرجل تأریخیاً ؟ .

الشیخ السند : لم یکن تنصیب المأمون للإمام الرضا (علیه السلام) ولیاً للعهد حباً وإیماناً بإمامة الإمام الرضا (علیه السلام) بل سیطرة علی الأوضاع السیاسیة فی کل العالم الإسلامی التی کانت تنقض علی نظام الدولة العباسیة ، ولا سیما إنتشار الشیعة وإشتداد شوکتهم ومن ثم قام هارون والد المأمون بسجن الإمام الکاظم (علیه السلام) المدة الطویلة بعد أن أبلغته عیونه وجواسیسه بتنامی شیعة أهل البیت عدداً وعدّة ، وقد حدثت عدة ثورات من الطالبیین بشکل مکثف منذ أواخر عهد الإمام الصادق (علیه السلام) وعهد الإمام الکاظم (علیه السلام) کثورة ذو النفس الزکیة وغیرها ، فکل المؤشرات کانت تصب فی صالح قوة مکانة الإمام الرضا (علیه السلام) فی العالم الإسلامی ، وکان تدبیر المأمون بمثابة إمتصاصاً لهذا الغلیان لا سیما و أن العباسیین إنما أزالوا الأمویین بشعار الرضا من آل محمد (صلی الله علیه وآله) وإستغلوا عواطف المسلمین بذلک ، نعم کان المأمون من بین خلفاء بنی العباسی علی اضطلاع بعلم الخلاف والکلام ویحیط بأدلة إمامة أهل البیت وحقانیتهم ومیّالاً للإطلاع علی علمهم ، ودفن الإمام بجنب أبیه إمتصاصاً للنقمة بعد أن أقدم علی أغتیال الإمام الرضا (علیه السلام) بالسم . وقد رویت روایات کثیرة عن الإمام الرضا (علیه السلام) تبین حقیقة سیاسات المأمون وأنه فرعون ذلک العصر .

ص:176

الإمام المهدی (علیه السلام) :

المحاور: من یرید أن یقرأ عن علامات ظهور الحجة المنتظر (عجل الله فرجه) فأین یجد ذلک ؟ .

الشیخ السند : کتاب الغیبة للشیخ الطوسی ، وکتاب الغیبة للشیخ النعمانی ، وکتاب إکمال الدین للشیخ الصدوق ، وکتاب البحار للعلامة المجلسی الأجزاء

المختصة بحیاة المهدی (عجل الله فرجه) ، وغیرها کثیر مما کتبه علماء الإمامیة وغیرهم من علماء الفرق الأخری .

المحاور : ورد فی زیارة أم القائم (علیهما السلام) فی (مفاتیح الجنان) : (السلام علیک أیتها المنعوتة فی الإنجیل ، المخطوبة من روح الله الأمین ومن رغب فی وصلتها محمد سید المرسلین والمستودعة أسرار رب العالمین ) ، ما معنی هذه العبارات ولماذا رغب الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) فی وصلتها (علیها السلام) ؟ وما مدی موثوقیة الزیارات والأدعیة الواردة فی کتاب مفاتیح الجنان ؟ .

الشیخ السند : لا یخفی أن نرجس خاتون (علیها السلام) هی من نسل وصی النبی عیسی (علیه السلام) وقد قام النبی (صلی الله علیه وآله) بخطبتها فی عالم البرزخ والأرواح من وصی النبی عیسی (علیه السلام) بتوسط النبی عیسی (علیه السلام) فی قصة یطول سردها وهم أحیاء عند ربهم یرزقون . ذکرها الشیخ الطوسی والنعمانی فی کتابیهما الغیبة ، والشیخ الصدوق فی إکمال الدین وروح الله إشارة الی النبی عیسی (علیه السلام) وأستیداعها أسرار رب العالمین هو حملها للإمام المنتظر الموعود به فی کل الکتب السماویة والذی یظهر الله به الدین کله علی أرجاء تمام الارض ولو کره المشرکون . ولا یخفی أن امهات الائمة (علیهم السلام) کلهن مطهرات مصطفیات

ص:177

لحمل نطفهم (علیهم السلام) .

وأما کتاب مفاتیح الجنان فیکفی فی أعتباره إجمالاً أن مراجع الطائفة یعتمدونه فی أعمالهم المستحبة وزیاراتهم کما هو منقول معروف مضافاً الی أنه یدمن ذکر المصادر التی ینقل منها الأدعیة والزیارات من الکتب الشهیرة القدیمة لدی علماء الإمامیة .

المحاور: یذکر فی بعض الروایات أنه قبل ظهور الحجة (عجل الله فرجه) یظهر شخص یسمی بمحمد بن الحسن ذو النفس الزکیة فما هی صفات هذا

الشخص ؟ .

الشیخ السند : عن الصادق إنه قال (علیه السلام) :

(لیس بین قیام القائم وبین قتل النفس الزکیة إلاّ خمسة عشرة لیلة )(1)، و :

(النفس الزکیة غلام من آل محمد (ای صغیر السن شاب) أسمه محمد بن الحسن یقتل بلا جرم ولا ذنب فإذا قتلوه لم یبق لهم فی السماء عاذر ولا فی الأرض ناصر فعند ذلک یبعث الله قائم آل محمد )(2)، عن عمار بن یاسر :

(تقتل النفس الزکیة وأخوه بمکة ضیعة فینادی مناد من السماء أیها الناس إن أمیرکم فلان و ذلک هو المهدی ... )(3).

وفی روایات عدیدة أنه من علامات الظهور القریبة له ، وفی بعضها أنه یقتل نفس زکیة تظهر فی سبعین من الصالحین .

المحاور: هل أن الأمام المهدی (علیه السلام) متزوج وإن کان نعم فمن من هو

ص:178


1- (1) - کمال الدین للصدوق ص649 وص279 ، الأرشاد للمفید ج2 ص374 .
2- (2) - الغیبة للطوسی ص465 .
3- (3) - الغیبة للطوسی ص464 .

متزوج و هل له أولاد وکم عددهم ؟ .

الشیخ السند : فی بعض الأدعیة التی رواها الشیخ الطوسی والسید أبن طاووس وغیرهم وقد ذکر بعضها الشیخ عباس القمی فی کتابه (مفاتیح الجنان) عن عدة من المصادر الأصلیة من کتب الحدیث وفیها إشارة إلی الدعاء الی أولاده (علیه السلام) ، کما أن السید أبن طاووس ذکر فی کتاب (المهجة) وغیره من کتبه أنه (عجل الله فرجه) یتزوج ، وذکر ذلک أیضاً العلامة الطریحی صاحب (مجمع البحرین) فی کتاب أنه (عجل الله فرجه) متزوج و أن له نسلاً .

والغریب أن کثیراً من أشراف بلاد مصر یدّعون أنهم من نسل الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه) وکثیر منهم من مشاهیر دکاترة مصر ، و یقول بعض علماء النسب أن نسب أولئک الأشراف وإن کان صحیحاً عالیاً إلا أنهم ینتسبون الی عم الحجة (عجل الله فرجه) أخی الإمام الحسن العسکری ( علیه السلام) ، وحصل الأشتباه من جهة نسخة الأسم فی شجرة نسبهم .

المحاور: ما الحکمة الإلهیة فی کون المصلح فی آخر الزمان (منقذ البشریة) إماماً ولیس بنبی ، من البعد العقائدی والبعد الاخلاقی ؟ .

الشیخ السند : قد ختم بالنبی محمد (صلی الله علیه وآله) النبوة والرسالة : ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ وَ لکِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ (1)، وتدلیلاً علی کون شریعته (صلی الله علیه وآله) مهیمنة علی کل الشرایع وکتابه (صلی الله علیه وآله) مهیمناً علی کل الکتب السماویة ، و هذا دلالة علی سؤدده (صلی الله علیه وآله) علی جمیع الانبیاء والمرسلین والمعصومین

ص:179


1- (1) - الأحزاب (40) .

وأشرفیته علیهم کیف لا یکون ذلک وقد قال تعالی : فَکانَ قابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنی (1)وقال : وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ (2)، وَ أَرْسَلْناکَ لِلنّاسِ (3)، إِنَّکَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ (4)، ما وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَ ما قَلی (5)، أَ لَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ (6)، وقال تعالی فی تفضیله علی جمیع الانبیاء والمرسلین : وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (7)، وفی زیارته (صلی الله علیه وآله) : (السلام علی رسول الله أمین الله علی وحیه وعزائم أمره الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهیمن علی ذلک کله ) (8)ثم إنه لیس نهایة المطاف هو بظهور الإمام المهدی (عجل الله فرجه) بل هو أول المطاف لدولة محمد وآل محمد (صلوات الله علیهم) فإن بعد الظهور تستمر دولتهم برجوعهم و آخر مقطع منها برجوع سید الإنبیاء لتعیش البشریة أعظم دولة تشهدها الإنسانیة علی الأرض .

ص:180


1- (1) - النجم (9) .
2- (2) - الأنبیاء (107) .
3- (3) - النساء (79) .
4- (4) - القلم (4) .
5- (5) - الضحی (3) .
6- (6) - الشرح (1) .
7- (7) - آل عمران (81) .
8- (8) - تهذیب الأحکام للطوسی ج6 ص57 .

الشفاعة :

المحاور : نحن نعلم أن الله (عز وجل) لیس له باب مغلوق بل أبوابه مفتوحه للسائلین فما هو الداعی للشفاعة ؟ .

الشیخ السند : أبواب الله تعالی هم الشافعون الذین أذن لهم فی الشفاعة کما قال تعالی : إِنَّ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ (1). فجعلت الآیة الترابط بین الآیات الإلهیة وفتح أبواب السماء للدعاء والإجابة وقد أطلق القرآن علی النبی عیسی وأمه مریم إنهما آیة : وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَ أُمَّهُ آیَةً (2)، فالتکذیب بالحجج الإلهیة تکذیب بالآیات وغلق لأبواب الرحمة والدعاء وقد جعل الباری النبی (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته حجج وآیات أعظم کما فی سورة آل عمران آیة المباهلة وغیرها .

المحاور : کیف تردوا الشبهة القائلة أن الشفاعة فیها لون من الأغراء بالجریمة ؟ .

ص:181


1- (1) - الأعراف (40) .
2- (2) - المؤمنون (50) .

الشیخ السند : الشفاعة لیست إغراء بالذنب کما هو الحال فی سائر موارد الوعد بالثواب وغفران الذنوب کالحج والصدقة والتوبة وغیرها ، بل هی فتح باب الرجاء والأمل فی مقابل الیأس والقنوط من رحمة الله تعالی فمن یضمن أن لا یذنب بعد التوبة ومن یضمن أن یتأهل لأن تناله الشفاعة .

ص:182

غیبة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) و دوره فی عصر الغیبة الکبری(1)

المحاور : تعتبر قضیة غیبة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) جدیدة فی واقع الأمر حیث لم یمارسها أحد الأنبیاء ، فإن الأنبیاء جاءوا وبلغوا ، حاضرین فی أممهم ، الإمام المعصوم انفرد بهذه التجربة ، علی سائر قیادات الأنبیاء و الصالحین و أوصیاء الأنبیاء ، هل لنا أن نتعرف علی حقیقة هذه التجربة ؟ و بمعنی آخر ما معنی الغیبة فی عصرنا هذا ؟ .

الشیخ السند : هذا السؤال یصب فی مصب أن ثمرة و آثار الإمام أی شیء هی ؟ معنی الإمامة و دور الإمام مع فرض الغیبة بأی معنی تفسر ؟ و کیف تظهر آثارها و ثمارها ؟ .

هذا التساؤل فی الواقع ، لیس یقتصر فیه فقط علی الإمام الثانی عشر (عجل الله فرجه الشریف) ، أیضاً قد یثار هذا التساؤل حول إمام منصوص فی القرآن الکریم علی إمامته و إمامة ولده ، ألا وهو النبی إبراهیم (علی نبینا وآله و علیه السلام) ، حیث یقول الباری : وَ إِذِ ابْتَلی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ

ص:183

وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ (1)، فهذا نص قرآنی علی إمامة النبی إبراهیم (علیه السلام) ، و کذلک هناک نصوص قرآنیة علی إمامة یعقوب و إسحاق : وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِیتاءَ الزَّکاةِ وَ کانُوا لَنا عابِدِینَ (2)، فی وصف یعقوب و إسحاق ، فإذا هناک جمع من الحجج الإلهیة المشار إلیها فی القرآن الکریم ، وصفوا بالإمامة مع إنه لم یطالعنا أی مؤرخ تاریخی أو أی کتاب سماوی یشیر إلی تقلد النبی إبراهیم (علیه السلام) أی حکومة رسمیة ظاهریة ، لم یتقلد أی حکومة بالمعنی الدارج للحکومة و إدارة شؤون البشر فی العلن والإعلان الظاهر ، و کذلک أیضاً فی ما ینصه و یشیر إلیه القرآن الکریم من جعل خلیفة فی الأرض یدوم بدوام البشر :

إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً (3)، فالعبارات فی القرآن الکریم من رب العزة ، کل کلمة تحتها بحور من المعانی ، خالق الکلام ، فهو کلام الخالق ، یقول الباری : إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، و لم یقل إنی جاعل فی الأرض نبیاً ، و لم یقل الباری إنی جاعل فی الأرض رسولاً ، بل قال : إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، و لم یقل الباری تعالی إنی جاعل آدم خلیفة ، بل قال : إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، مما یدل علی أن هذه المعادلة الإلهیة عامة و شاملة لکل البشریة ، منذ بدؤها إلی ختمها ، فمقام الخلیفة هو عین

ص:184


1- (1) - أجری هذا الحوار فی لیلة مولد الإمام الحجة (عجل الله فرجه) 15 شعبان 1424 ه- الموافق 13 أکتوبر 2003 مسجد الإمام علی (علیه السلام) فی دبی .
2- (2) - البقرة (124) .
3- (3) - الأنبیاء (73) .

مقام الإمامة ؛ لأن الخلافة عبارة عن أستخلاف و تصرف و تدبیر فی الأمور : ( من یخلفنی فی أهلی ) ، ( من یخلفنی فی بلدی ) ، و ( من یخلفنی فی أرضی و بشری و مخلوقاتی ) ، و إن کان لیس هناک بینون عزلة للباری تعالی ، لیس هناک تجافی من الباری عن التصرف فی الأمور و العیاذ بالله ، و لکن الخلافة لها بمعنی من تظهر فیه الحکمة والمشیئة الإلهیة ویکون مظهر لظهور صفات الإسماء الإلهیة والتمثیل لها ، فالخلافة عنوان من عناوین الإمامة ، بدل أن یقول إنی جاعل فی الأرض إماماً ، نفس التعبیر : إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، خلیفة یعنی مصدر تصرف و تدبیر فی الشؤون .

فأنطبقت أول ما انطبقت هذه المعادلة العامة علی النبی أدم ، و یثار تساؤل ، أن النبی آدم لم یقم دولة مثلاً و هل کان هناک مجتمع فی زمنه ؟ فأی معنی للخلافة إذن بل هذا التساؤل ینجر إلی عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) حیث لم یرتئی جماعة تقدیمه و أرتئی جماعة تقدیمه ، فهل یا تری کما یعتقده أتباع أهل البیت (علیهم السلام) إن إمامة أمیر المؤمنین منصوبة و منصوصة ، الإمامة فی عهد علی (علیه السلام) قبل تسلمه للحکومة الرسمیة لم تکن ؟ لم یکن یدربها و یدیر شؤون الإمامة ؟ و کذلک فی عهد بقیة الأئمة (علیهم السلام) ؟ .

دعنی أوسع دائرة التساؤل : فهذا التساؤل لا ینحصر فی الإمام المهدی علیه السلام ، بل یستشری و یتسع حتی علی من نص القرآن الکریم علی إمامتهم ، نظیر النبی إبراهیم أو آدم و بقیة الأئمة (علیهم السلام) ، حیث لم یطالعنا التاریخ علی تسلمهم و أستنادهم لمقالید القدرة الرسمیة الظاهرة ، فهل من إجابة حینئذ علی ذلک ؟ .

ص:185

نعم .. الإجابة .. قد وسعت طریقة السؤال ؛ لأن نفس المصب فی الواقع , ولکن نبدأ بنقاط حتی تفهم حقیقة الجواب :

النقطة الأولی : قد رکز علیها الأکادیمیون فی أدبیات الأکادیمیة السیاسیة الحدیثة ، و هی أن الحکومة و إدارة شؤون المجتمعات ، هل تنحصر فی اللغة الأکادیمیة الأدبیة السیاسیة القدیمة فی الحکومة الرسمیة ؟ أم أن إدارة المجتمعات ، و إدارة شؤون البشر ، له عدة طرق و قنوات لإدارة الشؤون البشریة و تدبیرها . و بعبارة أخری .. القدرة فی المجتمعات البشریة لها أشکال عدیدة ، فی الأدبیات السیاسیة الأخیرة التی تدرس الآن فی الجامعات الأکادیمیة ، لدیهم أن الحکومة ، لا تنحصر فی الحکومة الرسمیة .. الحکومة یعنی التحکم فی مصیر المجتمعات البشریة وإدارتها وتدبیرها ، الحکومة الرسمیة المعلنة لیست إلا عبارة عن ترکیب

من حکومات حکومة کونفدرالیة أو فیدرالیة ، و إن کانت ملکیة تسمی أو جمهوریة أو اتحادیة ..

فی الواقع کل بلدان العالم تدار بحکومات فیدرالیة أو کونفدرالیة ، و المراد من فیدرالیة و کونفدرالیة - مع تغایر فی المصطلح - أی أن الحکومة الرسمیة فی أی بلاد ، شاسعة کانت تلک البلاد أو محدودة بمدن معینة ، الحکومة فی الواقع قوی إجتماعیة متعددة ، تتوازن و تتناسب بمعادلة معینة و یکون الحکم الرسمی ، الظاهری المعلن ، هو عبارة عن میزان وفاق بین تلک الحکومات المتعددة ..

ص:186

مثلاً فی بلاد شاسعة تری القبلیة لها قدرة و نفوذ ، تری شریحة التجار لهم نفوذ فی ذلک المجتمع .. نزعة المذاهب المعینة ، کل مذهب له نفوذ معین ، شریحة الجامعیین أو النقابات أو المتخصصین لهم نفوذ ، فبالتالی هذا المجتمع الذی نظنه ، مجتمعاً بسیطاً من حیث المعادلات الأجتماعیة و البنیة الأجتماعیة . لا .. نری أنه مجتمع مترکب ومتألف من بنی إجتماعیة عدیدة و دوائر بشریة عدیدة ، تلک الدوائر البشریة مثل الولایات الأمریکیة خمسین أو واحد و خمسین ولایة .. فی الواقع ظاهرة ترکیب القدرات الحکومیة متحققة ولو فی بلد واحد صغیر ، فی البلدان الإسلامیة و غیر الإسلامیة ، ویتألف من ولایات ، لکن لا ببقاع جغرافیة متباعدة . بل ببقاع جغرافیة بشریة ، جیوبشریة کما یعبرون یعنی کل شریحة ، و کل صاحب نفوذ و قدرة ، یتحکم فی شریحة بشریة معینة ، إما من جهة المذهب ، أو من جهة القدرة المالیة ، أو من جهة القدرة الثقافیة ، أو من جهة القدرة القبلیة ، ففی الواقع الحکومة الرسمیة ، لیست إلا أحد قنوات القدرة و إدارة المجتمعات ، و لیس الحکم و الحکومة ینحصر فی قناة الحکومة الرسمیة ..

إذن هذا بدایة للجواب . أن الحکم و الحکومة و التدبیر و القدرة لیس منحصراً فی الحکومة الرسمیة المعلنة ، بل هناک قنوات لأدارة المجتمعات ، سواء کانت

إسلامیة أو بشریة أو مؤمنة بطرق متعددة .. ، مثلاً الآن یعتبرون الحکومة الثقافیة هی التی تسیطر و تقتدر علی الشارع الثقافی فی العقول البشریة ، أو فی عقول بلاد معینة ، الثقافة لها قدرة تحکم قویة فی ذلک الشعب أو فی الساحة البشریة أو الظاهرة البشریة ؛ فالثقافة حکومة من

ص:187

الحکومات ، المنبع و المصدر الثقافی یتحکم فی أنسجة المجتمع ، معالم المجتمع ، سنن المجتمع ، أعراف المجتمع ، نخبة المجتمع ، وجوه المجتمع التی تدیر .. کذلک أیضاً صاحب القدرة الاقتصادیة و المالیة .. و صاحب القدرة الجامعیة و هلم جراً .

فإذاً هناک عدة أسالیب وآلیات من قنوات الحکم ، فلیس الحاکم بحکومة تدیر البشریة ، لیس حصریاً بالذی ینصب رسمیاً . مثلاً الآن فی تحلیل أدبیات السیاسة الأکادیمیة یقولون (لا زال نبی الإسلام حاکم علی المسلمین ، و ذو نفوذ و قدرة ؛ لأن سننه و وصایاه و أوامره و إن لم یکن المسلمین یؤدوها بحق أدائها لکن هذا المقدار من تلون دول عدیدة بشریة تحت منهاج نبی عاش قبل ألف و أربع مائة سنة ، هذا معناه حکومة و نفوذ .. ) من ثم یعبرون أن الأنبیاء ( حکوماتهم لیست حکومات مؤقتة ) .. المفکرین و أصحاب الثقافات حکوماتهم لیست حکومات مؤقتة ، کالحکومات السیاسیة المعلنة رسمیاً .. الآن رأوا أن الحکومات الثقافیة والحکومات الحضاریة أطول عمراً ، وأوسع باعاً ولاتحدد بجغرافیا معینة .. الحکومات الحضاریة التی کان یقودها الأنبیاء أو أصحاب المدارس الفکریة أو المدارس الثقافیة ؛ لأنهم یغزون القلوب و العقول .

إن کانت القدرة السیاسیة قد تتحکم فی الأبدان و فی الجمارک و الأنتقال الجغرافی .. فإن الحکومات الحضاریة تتحکم فی شخصیة الإنسان فی فکره ، فی عقله ، فی مسیره ، فی منهاجه ، فی زواجه ، فی علاقاته ، و فی کثیر من الأمور ..

المحاور : إذن من خلال کلامکم أن المهدی المنتظر (عجل الله فرجه) ، له نفوذ فی

ص:188

حاکمیة الأمة فی زمن الغیبة الکبری ؟ .

الشیخ السند : هو فی الواقع ما نستدرج فی الحدیث إلی الوصول إلیه ، و لکن لا أرید أن استعجل فی النقاط ..

هذه النقطة الأولی وإن لم استوفیها ... أحب أن أسهب فیها أکثر ، ثم انتقل إن شاء الله إلی النقطة الثانیة ، و هی قراءة الجواب من النصوص القرآنیة و النصوص الروائیة .

الآن لا زلنا فی النقطة الأولی ، هی نقطة لغة أدبیة أکادیمیة سیاسیة ، و هی أن إدارة الحکومات وإدارة المجتمعات ، لا تقتصر علی الحکومة المعلنة الرسمیة .. کثیر من خطوات الإمام علی بن أبی طالب (علیه السلام) فی حکومته التی أستغرقت خمس سنوات تقریباً ، إذا أرید قراءتها بلغة السیاسة القدیمة أی الحکومات السیاسیة لا تستطیع أن تفسر خطوات الإمام علی (علیه السلام) السیاسیة ، و حرکات برامجه السیاسیة ، و ربما تری معاویة أدهی و العیاذ بالله من أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) ..

والحال هذه قراءة ضیقة من خلال قراءة لغة الحکومة السیاسیة المؤقتة ، أما إذا أرید معرفة خطوات أمیر المؤمنین أسد الله الغالب (علیه السلام) ، إقرأها من خلال لغة الحکومة الحضاریة .. نعم کحضارة قد بنی علی بن أبی طالب (علیه السلام) حضارة ، ففی هذا الأوان العام قبل الماضی(1)کوفی عنان المسیحی ویقوم بجهد وخدمة وعقد مؤتمر لغدیر خم فی الساحة الدولیة

ص:189


1- (1) - البقرة (30) .

فی منظمة الأمم المتحدة ، وهذه الخدمات لأئمة أهل البیت (علیهم السلام) لیست من أتباع أهل البیت (علیهم السلام) , ولا من أخواننا فی المذاهب الإسلامیة الأخری - ولکن کوفی عنان یصر قبل سنتین أن عهد علی بن أبی طالب (علیه السلام) لمالک الأشتر یجب أن یکون منبعاً ومصدراً تشریعیاً قانونیاً للأمم المتحدة فی تشریعاته فی البنود المختلفة القانونیة أی أحد مصادر التشریع الدولی ، و یطرح للمداولة بین الدول المختلفة من المسیحیة و الوثنیة ولتصوت علی ما فیه من بنود .. من الحاکم الآن ؟ من المخلد فی النفوس البشریة علی أم معاویة ؟ بالتأکید نراه علی (علیه السلام) .

وقد صادقت الأمم المتحدة علی عهد علی ابن أبی طالب (علیه السلام) لمالک الاشتر بل ونهج البلاغة والذی جذب کوفی عنان المسیحی إلی تشریعات علی (علیه السلام) و سنن علی أنه رأی عبارة وضاءة ذهبیة ، تتعطش إلیها البشریة فی یومنا هذا :

(یا مالک الناس إِمَّا أَخٌ لَکَ فِی الدِّینِ ، وَإمّا نَظِیرٌ لَکَ فِی الْخَلْقِ ) ، قال عنان : هذه عبارة ذهبیة یجب أن تسجل و تخط علی کل منظمة حقوقیة فی العالم .

ولم یکتف کوفی عنان المسیحی الذی إشرأبّ إلی هذا الفکر و هذا التقنین العملاق فی البشریة ، بل فی السماوات .. لم یکتف بعهد علی (علیه السلام) لمالک الأشتر ، بل أصر علی عهود أخری له (علیه السلام) وصادق علیها إجتماع الجمعیة العامة للإمم المتحدة بعد دراستها من اللجان المختصة ، و جعلت الآن کلها أحد مصادر التقنین البشری ، لا أقول حصروا التقنین البشری فی نهج البلاغة ، و لکن کثیر من عهود علی إلی ولاته وأمراءه ، والبرنامج

ص:190

و النظام المالی و النظام السیاسی والنظام الأداری والنظام الاقتصادی والنظام القضائی والنظام العسکری الذی یطرحه علی بن أبی طالب (علیه السلام) فی عهوده إلی ولاته جعلت الآن أحد مصادر التقنین .

البشریة الآن فی قمة التمدن و التحضر ، وقد جعلوا هذه الأنظمة والبرامج

نبراساً لهم ، هذا لیس أمراً هیناً ولا شیئاً سهلاً .. البشریة مع هذه الحضارات التی مرت علیها ، الآن تصادق دولیاً علی هدی علی (علیه السلام) ، هذه حکومة لعلی (علیه السلام) فی عقلیة ونفوس البشر !

وما المراد من الحکومة ؟ ألیس المحکمات الدستوریة أو الهیئات الدستوریة التی تحکم البلدان ، هی الهیئات العلیا التی تتحکم فهی سلطة تشریعیة ، فسلطة علی (علیه السلام) التشریعیة لازالت نافذة فی البشر ، فمن الذی یحکم الآن علی أم معاویة ؟ نری علی (علیه السلام) حکمه لازال له سؤدد ، و هذا هو المصطلح الذی وسعوه فی الأکادیمیات و الأدبیات السیاسیة الجامعیة ، أن الحکومة السیاسیة الرسمیة حکومة مؤقتة ، زائلة ، داثرة ، خمسین ، مأة ، مأتین ، أربع مائة ثم تزول .

أما الحکومة الثقافیة فهی لا تعرف حدود زمنیة ، و لا تعرف حدوداً جغرافیة ، و لا تعرف حدوداً من الأعراق الخاصة البشریة ، بل تنتشر فی البشر ، تتجاوز هذه الحدود العرقیة و الجغرافیة و الزمنیة ..

فالأنبیاء والأوصیاء مسیرة حکوماتهم لازالت نافذة .. سنن إبراهیم (علیه السلام)

ص:191

لازالت: مِلَّةَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (1)، وَ مَنْ یَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِیمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (2)، لازالت سنن إبراهیم التی سنها فی البشریة تتحکم فی قطاع واسع فی البشریة ، وعلی ذلک فمن یکون الإمام ؟ من المدبر ؟ إبراهیم لا زال یدیر و یدبر ، و حاکم متنفذ .

ولا زال الأنبیاء و سیدهم نبی الإسلام (صلی الله علیه وآله) حاکم و متنفذ و مطاع فی أوامره .

وعلی ضوء ذلک فلغة الحکومة والإدارة والتدبیر للمجتمعات البشریة ، أبداً لا تنحصر فی الحکومات السیاسیة بل إن أصغرها و أهونها ، وأقصرها عمراً هی الحکومة الرسمیة المعلنة ، أما أوسعها فهی الحکومة العقائدیة ، والحکومة الحضاریة ، الحکومة الثقافیة ، و حکومة البنی المکوّنة للهویة .. فالإمام الصادق (علیه السلام) لا زال یتحکم فی أتباعه ؛ لأنه اختط منهجاً ، مسیرة ثقافیة إختطها ، مسیرة للنخبة فی إتباعه إختطها ، مسیرة للبشریة فی مجالات عدیدة تمدنیة إختطها ، من خلال تلامیذه کجابر بن حیان و غیره .

فتبین أن الحکومة لها أسالیب وأدوار مختلفة ، بل ما ذکروه ووسعوه فی الحکومة زیادة علی ذلک ، وهی الحکومة الخفیة ، فی دول العالم الآن ، الحکومات الرسمیة المعلنة لیست هی مصدر قوة الدولة ، بل مصدر قوة الحکومة فی الأدبیات السیاسیة الجامعیة المعاصرة هی قوی خفیة فیها ،

ص:192


1- (1) - حیث کان هذا الحوار فی سنة 2003 .
2- (2) - البقرة (135) .

تسمی المخابرات C.I.A أو K.J.B أو اسکوتلندیا رأو ما هو أخفی من هذه المؤسسات أکثر و أکثر ، کل ما ازداد الحکومة الخفیة خفاءاً کل ما أزدادت قوته .

فهل الخفاء مصدر قوة ؟!

نعم .. هذا الذی تطرحه الشیعة الإثنا عشریة من الخفاء و الغیبة ، بینما یقول عنهم مناوئیهم أنهم باطنیون ، و یقال عنهم أنهم أسطوریون ، و یقال عنهم أنهم خرافیون ، و یقال عنهم أنهم أغنوصیون .. نظیر هذه الکلمات المتشدقة ، الرنانة ، الجوفاء ، الخاویة الآن البشریة تسجد راکعة إلی هذا المنطق ، و تقول هذا المنهج جبار ! کل ما أزداد الجسم الحاکم خفاءاً ازداد دهاءاً ، وهو الذی یحمی الدول ، وأی دولة بلا جهاز حاکم خفی . هذه الدولة معرضة للتهدید الاقتصادی ، للتهدید الأمنی ، للتهدید الثقافی ، للتهدید المالی ، ولسقوط عملتها .. لیس فی جانب معین ، قنوات معلومات لا فی العسکر و الأمن فقط . بل .. فی

کل الأجهزة ، أمن اقتصادی ، أمن مالی ، وأمن ثقافی ، وفی قباله یوجد تهدید ثقافی فیوجد ، وأمن زراعی فی قباله ویوجد تهدید زراعی .

ففی کل الحقول البشریة عنصر من العناصر الشریانیة فی الإدارة هو الخفاء ، فی إدارة أی حقل ، فی إدارة أی میدان .

هذه الفکرة التی ینادی بها الشیعة ، من ألف ومئتین سنة فی غیبة إمامهم هی الخفاء والسریة ، أنها عنصر قوة ، عنصر مقدرة ..

ص:193

الخفاء لیس عنصر خرافة و إسطورة و ماشابه ذلک من المعانی والعناوین ، بالعکس قد تطور إدراک البشریة للتو أدرکت البشریة إلی علو أفق حقیقة قوتها .

و هذا شکل آخر من أشکال الإدارة و الحکم .. وقد أستعرضنا أربعة أشکال ، و الأسالیب التی مرت فی القدرة والحکم غیر محصورة بها بل هناک أنواع أخری أیضاً کما فی الأدبیات و الأکادیمیات الحدیثة ، بل هناک بعد أسلوب آخر .

المحاور : قبل الانتقال إلی الأسلوب الآخر ، انتم وضحتم إن سر الغیبة و الخفاء یعطی قوة ، و هیمنة أکبر ، نحن الآن نتکلم عن الغیبة ، قد لا نتکلم عن الخفاء ، الخفاء قد یکون موجود ولنا صلات مع القائد ، و لنا صلات مع الإمام .. أما الإمام المهدی (علیه السلام) أسدل علیه ستار التغییب ، الآن عملیة الأتصال به و توجیهه للأمة هل یدخل ضمن دائرة الخفاء أو التغییب ؟ .

الشیخ السند : هذا بالضبط الذی نرید أن نصل إلیه ، أن هناک مفهوماً مغلوطاً عن الغیبة ، أنتشر عبر قرون .. للأسف حتی فی الوسط الداخلی عند الشیعة و الإثنا عشریة ، فضلاً عن الطوائف و المذاهب الإسلامیة الأخری ، بل لا أخفیکم هذا الخبر .. فربما وصل هذا المفهوم إلی کتابات بعض الباحثین الأعلام (رضوان الله علیهم) من معنی الغیبة ..

وهو أن معنی الغیبة یعنی عدم وجود ، هو نائی فی أقاصی الدیار ، مجمد !! .. هذا معنی مغلوط للغیبة متفشی فی الکتب ، متفشی فی الأذهان ، متفشی فی الکلمات و الکتابات ، وربما خفی حتی علی بعض الأعلام والمحققین .

ص:194

والحال أن معنی الغیبة لیس هو المنتشر فی أذهاننا أنه نائی فی أقاصی الدیار ، بعضهم عبر أنه (سلام الله علیه) فی جزیرة خضراء ، وبعضهم فی جزیرة حمراء .. مبتعد بعید ، وبعضهم عبر أنه فی العالم الهرقلیائی ، و تعابیر کثیرة أخری ، یعنی لیس موجود بین أظهرنا .. فالغیبة بمعنی إنعدام و زوال و العیاذ بالله !! و کأنما الإمام المعصوم هذا النور الأکبر مغیب فی أقاصی الجزر و الدیار ، مغلق علیه إلی أن یؤون أوان الظهور .. و الحال أن هذا معنی خاطئ من معانی الغیبة جداً .. لا یعتقده فحول علماء الإمامیة .

معنی الغیبة مقابل الظهور ، لذلک نحن نعتقد بالظهور ، و لا نعتقد أن الغیبة مقابل الوجود ، أو أن الغیبة مقابل المجیء ، فکأن الغیبة معناها الرواح ؟ ثم مقابل الغیبة المجیء ؟ کلا ، فإن الغیبة مقابل الظهور ، والظهور فی مقابل الخفاء ، من باب ظهر الشیء و خفی الشیء .

فبقرینة ما تواتر فی عقیدتنا وروایاتنا ونصوصنا بل نصوص المسلمین ، ظهور بمقابله الخفاء ، لا أن الغیبة بمعنی الزوال و الإنعدام .

وکما تنص علیه النصوص القرآنیة الکثیرة وتنص علیه الروایات التی ستأتی فی نهایة المطاف ، أن الغیبة بمعنی الخفاء ، خفاء هویة و لیس خفاء أصل الوجود .

ومن باب التقریب للذهن ، لنستعرض مثال الأجهزة السریة الأمنیة بل فی باطن الجهاز المخابراتی فی C.I.A هناک جهاز أخفی منه ، و قد عقدوا له دراسات کثیرة . هذا من باب المثال هذه غیبة لکن بأی معنی ؟ بمعنی

ص:195

غیبة هویة ، یعنی أنت لا تشخص هذا الطرف من هو مع وجود وتواجده معک ، و لیس الجهاز

الأمنی والسری لکسب المعلومات فقط کما مر - بل إنما هو جهاز تحکم و قدرة فی المجال الزراعی ، فی المجال الأقتصادی ، فی المجال الثقافی ، فی المجال المالی ، فی المجال العلمی ، فی المجال الأمنی ، فی المجال العسکری ، وفی المجالات العدیدة الأخری .

یجب أن نلتفت وننتبه إلی هذا المعنی ، أن الغیبة فی مقابل الظهور ، یعنی خفاء هویة ، و لیس هو زوال وجود وإنعدام ، فی روایة عن الإمام أمیر المؤمنین (سلام الله علیه) ، و إن کنا لازلنا فی النقطة الأولی ، یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی هذه الروایة :

(حتی إذا غاب المتغیب من ولدی عن عیون الناس ، وماج الناس بفقده .. ) إلی أن یقول :

(حتی إذا بقیت الأمة حیاری وتدلهت وأکثرت فی قولها أن الحجة یعنی الإمام هالکة ، و الإمامة باطلة ، فورب علی أن حجتها یعنی الإمام قائمة ، ماشیة فی طرقها ، داخلة فی دورها وقصورها جوالة فی شرق الأرض وغربها) إذاً لیس مغیباً بمعنی أنه معدوم الوجود ، بل بمعنی خفی الهویة ، (داخلة فی دورها و قصورها ) أی تحکم فی کل البقاع و الأماکن ، (فی شرق الأرض و غربها ) دال علی إحاطة وتواجد وتغلغل فی کل الدیار ، فالمراد من قوله (علیه السلام) ، أنه (عجل الله فرجه) عنده سیطرة نفوذ فی شرق الأرض و غربها مع خفاء هویته ، و عنصر القوة هو فی خفاء الهویة ، ( تسمع الکلام ) یعنی الحجة تسمع الکلام ، یعنی هو یسمع الکلام ، إذاً یسیطر علی کل الأوضاع ، ( وتسلم علی الجماعة ، تَری و لا تُری إلی الوقت و الوعد ) یعنی إلی أن یظهر ، إلی أن تظهر هویته ، وعندنا روایات أنه عندما یظهر الحجة (عجل الله فرجه) یقول الناس إننا کنا نراه ، لکنّا لم نکن

ص:196

نعرفه ، لیس لا بشخصه فقط ، بل لم تکن لنا معرفة أیضاً بالجهاز البشری الذی یدیره بشکل خفی (سلام الله علیه) .

المحاور : الآن هو (سلام الله علیه) یرانا ولا نراه ، وهو خفی یمارس دوره الأمتدادی للإمامة ، الآن واقع الأمة یعیش حالة من الغلیان ، ومعادلات غایة فی الصعوبة فی الواقع ، حالة من الأقتصاد ، حالة من الأجتماع ، متردیة جداً ، و المسلمون یتکالب علیهم من کل صوب ، الآن الخفاء ماذا یعمل فی واقع الأمة فی ظل وجود هذه المعادلات الصعبة ؟ .

الشیخ السند : هذا السؤال الذی طرحته ، أیضاً هو طرحته الملائکة ، والإجابة من رب العزة موجودة : وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً (1)، فی الواقع هذا انتقال للنقطة الثانیة فی الجواب : إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً الترکیز علی (خلیفة) ولیس جاعلاً فی الأرض رسولاً ، و لا نبیاً ، وإن کان یشمل الأنبیاء ، ولکنه مقام یختلف عن مقام النبوة ، ومقام الرسالة ، یعنی مقام القدرة ، وتدبیر الشؤون ، و التصرف فی الأمور البشریة .

أول تعریف ینادی به القرآن للإمام ما هو ؟ هو ما أشیر إلیه فی إعتراض الملائکة : قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (2)، وبعد إخبار البشر بأنه

ص:197


1- (1) - البقرة (130) .
2- (2) - البقرة (30) .

معادلته و سنته الدائمة من بدأ عمر البشریة إلی ختم البشریة ، معادلة و سنة دائمة، هی الیافطة الأولی فی حیاة البشریة: إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، و هی عقیدة أتباع أهل البیت (علیهم السلام) ، (لا تخلو الأرض من حجة ) (1) ، الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق ، (لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها ) (2) ، ولقرآن ینادی : نعم ، سنة الباری الدائمة : إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، والخلیفة عنوان من عناوین الإمامة والتصرف والقدرة والحکم ، وأول تعریف یطالعنا القرآن الکریم لمقام الخلیفة ؟ هو بإعتراض الملائکة ، أن دور الخلیفة ما هو ؟ و هذا هو السؤال الذی طرحته ، دور الخلیفة ما هو فی البشریة والحال أن البشریة إذا ترکت علی غاریها ، ولیس المسلمین فقط ، ولیس المؤمنین فقط ، بل فی نطاق کل البشریة فإن إشکال الملائکة وإعتراضها أوسع من التساؤل الذی طرحته علی ، بل فی نطاق البشریة : أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها ، یعنی دور الخلیفة لا یقتصر علی طائفة خاصة وهی طائفة المؤمنین ، ولا علی دین المسلمین ، دور الخلیفة نطاقه علی کل البشریة ، : أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها یسفک فی جمیع الأودیة - وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ ، البشریة إذا جعلت ، وترکت و أسدی الأمر إلیها علی حالها ، یصبح الفساد فی الأرض من نزوات وغرائز البشریة الشهویة ، والغضبیة وما شابه ذلک ، و حرب عالمیة و یقتلون بعضهم البعض ، بالحرب البیلوجیة وغیرها من وسائل الدمار الشامل .

ص:198


1- (1) - البقرة (30) .
2- (2) - بصائر الدرجات ص506 .

فکیف البشریة تترک علی غاربها ؟ الباری تعالی أورد هذا الاعتراض ؛ لیبین أن أهم تعریف ودور للخلیفة والإمام الذی هو سنة إلهیة دائمة فی الأرض ، أنه یمانع عن الفساد فی الأرض ، و یمانع عن سفک الدماء .

وأی فساد فی الأرض الذی یمانعه الإمام والخلیفة ؟ وأی سفک للدماء ، حروب عالمیة کثیرة جرت لم نر أن الإمام مانعها ، حتی النبی إبراهیم (علیه السلام) الذی جعله الباری تعالی إماماً فی زمنه وقعت حروب عدیدة ، سفک دماء عدیدة جرت فی ظل العمر الشریف للنبی إبراهیم ، مع انه إمام من قبل الله وخلیفة ، و کذلک الفساد فی الأرض کثیر ، فساد صحی ، فساد أخلاقی ، فساد ثقافی ، فساد مالی .. إلی ما شاء الله ! الفساد المالی علی قدم وساق ، والفساد والتبذل الأخلاقی علی قدم وساق، فأین الإمام الدارء لهذا الفساد ؟ وکذلک فی عهد إبراهیم (علیه السلام) وإسحاق ویعقوب الذین جعلوا إئمة یهدون بالأمر نقرأ فی التاریخ هکذا کان الحال ، فأی فساد یمانعه الخلیفة فی التعریف المذکور فی الآیة الشریفة ؟ .

بالدقة لیس المراد به الفساد بصورة مطلقة ، بل المراد منه - کما یذکر الحکماء والفلاسفة الفساد الغالبی ، وسفک الدماء الغالبی ، الذی یستأصل النفس البشری ، لا الفساد الذی هو دون ذلک فالفساد علی درجات وأقسام فتارة یفرض فساد ینتاب ثلاثة أربعاء النظام المدنی البشری .. فی الجانب الصحی ، فی الجانب الخلقی ، فی الجانب الثقافی ، فی الجانب الأمنی ، فساد بنسبة ثلاثة أربعاء النظام المدنی ، یأکل و یهشم ویحرق ثلاثة أرباع النظام المدنی .

ص:199

وتارةً ، أخری دون ذلک .. کالفساد فی الأرض الذی یحرق ربع النظام المدنی البشری ، سفک دماء ربع النظام المدنی البشری ، أو عشر النظام البشری .. أتری أن الملائکة یعترضون علی الباری فی الفساد الذی هو ربع ؟ أو فی سفک الدماء الذی هو ربع أو عشر النظام المدنی البشری فی مقابل الخیر الأکثر ؟ .

من المنطقی أنهم لا یعترضون بهذا الفساد القلیل الأقلی ، لأن فی مقابل القلیل ، خیر کثیر ، وربح کثیر ، ولا یعترض المعترض العاقل ، فضلاً عن الملائکة ، علی الباری بلحاظ الفساد القلیل أو سفک الدماء القلیل ، فلابد أن إعتراضهم علی سفک الدماء الکثیرة ، یعنی ثلاثة أربعاء البشریة تتآکل فی ( الحرق ) .. و

تخصیصهم لیس بخصوص الفئة المؤمنة أو المسلمة أو أتباع الدین السماوی ، بل کل البشریة فی الکرة الأرضیة ، فإعتراضهم علی الفساد الأکثری ، و سفک الدماء الأکثری ، ومعنی ذلک أن الخلیفة والإمام هو دارء ومانع للفساد الأکثری ، فلا یمکن - مثلاً - لمرض السارس أو مرض نقص المناعة المکتسبة ( الإیدز ) ، أو أی شیء یهدد النظام البشری أن یجتاحه ککل ، بل هو یقف و بجهازه الخفی یحول دون أن ینتشر الفساد الصحی أو الفساد الأخلاقی ..

مثال آخر لننظر کم قدرة الیهود فی العالم و کم ترید الثقافة الأمریکیة أن تجعل التبذل الأخلاقی یستشری فی البشریة ، لکن هل استطاعت ؟ .

نری الآن فی قضایا ، الشعوب الأوروبیة مثل قضایا المسلمین تنادی

ص:200

فی صف بفطرتها : فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ (1)، و الفطرة التی هی أکثر مساحة ، دین الإسلام وأحکام الإسلام و تشریعاته هو دین الفطرة ، من الذی یحافظ علیها فی مقابل شر الیهود فی کل العالم ؟ شر الیهود فی المخدرات ، شر الیهود فی الحروب ، شر الیهود فی التبذل الأخلاقی ، من الذی یقف دارءاً عن الفطرة ؟ .

نری قلب الفطرة البشریة لا زال فی شعوب العالم ینبض مع الفطرة ، یأبی الظلم ، یأبی العولمة الظالمة للرأسمالیة ، یأبی النظام الموحد الظالم ، بل یساندون شعوب أخری ، مع إنهم لیس محتاجین (للمساندة) .. سواء فی شعوب الأمریکیتین ، أو فی شعوب آسیا القصوی أو فی شعوب آسیا الوسطی أو فی شعوب أوروبا ، هذه الشعوب العامة الرازحة تحت نیر الإقطاعیین ، نراهم ینبضون بهذه الفطرة التی هی إلی الآن فطرة الله التی فطر الناس علیها ، وأکثر دین الإسلام تشریعاته مطابقة للفطرة .. لا زالت الفطرة الإلهیة ، الودیعة الإلهیة الغالیة الثمینة و التی هی دین الإسلام ، لازالت تنبض فی البشریة ، فمن الذی یحافظ علیها ؟ .

المحاور : هل (توزعون) هذه الفطرة إلی الإمام المهدی (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : المحافظة علیها .. لا ریب أنه بسبب لا صدفة وبعفویة لأننا نشاهد أرقام و علامات أن الحرب العالمیة الأولی لم تأکل کل البشریة ، بل و لا نصف البشریة .. الحرب العالمیة الثانیة کذلک ، والحروب الأخری

ص:201


1- (1) - مستدرک سفینة النجاة ج5 ص278 .

کذلک ، الفساد الصحی کذلک ، الفتن الاقتصادیة کذلک ، الفتن الأخلاقیة کذلک مع أن تطویق ذلک لم یتم من أقطاب الدول المتنازعة ولا من قدرة المستوی العلمی لمراکز البحث البشری .. نراها لا تقوض ثلاثة أرباع النظام المدنی البشری الفطری ، ولا تقوض نصف النظام المدنی ، وبنی النظام المدنی البشری الفطری نراها لا زالت محافظ علیها بشکل غالب ، دعنا الآن من القول أن هؤلاء لیسوا مسلمین مع أن الإسلام ثلثی تشریعاته فطریة ، قبح الظلم و حسن العدل ، هذه من أسس الإسلام ، وکل الأسس البشریة تؤمن بها .. المساواة ، العدل .. و الکثیر من القضایا .

الإمام ، سواء فی عهد النبی إبراهیم (علیه السلام) ، هاهنا یتضح دوره ، وآدم یتضح دوره ، و إن لم یتقلد الحکومة الرسمیة ، و إن لم یتقلد المنصب الرسمی ، لکن لازال یضخ فی البشریة عبر جهازه الخفی ، و هی أقوی أجهزة أی إمام ، سواء النبی إبراهیم أو آدم (علیهما السلام) ، أو أئمتنا المعصومین (علیهم السلام) ، کلهم یحافظون عبر أجهزتهم الخفیة علی نظام هذه الفطرة البشریة ؛ لأنها ودیعة إلهیة غالیة الثمن ، فی کل المجالات .

فإذن الإمام لیس دوره ینحصر فی الأمة الإسلامیة ، فضلاً أن ینحصر فی الطائفة

المؤمنة ، بل الإمام دوره فی کل البشریة ؛ لأنها هذه ودیعة إلهیة ، عبر الدور الخفی ومن هذا الجانب .

فمن ثم نتعرف علی ما یطرح القرآن لنا فی تعریف الإمام :وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً ، یعنی إمام مستخلف ، له

ص:202

قدرة ، إدارة ، شؤون ، حکومة ، لکن لیس من الضروری أن یکون فی واجهة الحکومة الرسمیة ، والحکومة الرسمیة المعلنة من اضعف الحکومات .

المحاور : یعنی هل یمارس هذا الدور من خلال نوابه أو من خلال إیحاءات إلی قلوب البشریة ؟ .

الشیخ السند : فی الواقع قنوات عدیدة هی مذکورة فی روایات الفریقین ، من الشیعة والسنة وحتی النصوص القرآنیة ، وهذه هی النقطة الثالثة التی أرید أن أتوصل إلیها ، و لله الحمد تسلسلت الأفکار متلائمة و متناسبة .

هذه هی النقطة الثالثة ، یطرح القرآن نفسه ، أسالیب للقدرة و التحکم فی القدرات البشریة ، ولأجل قیام الخلیفة والإمام کسنة إلهیة دائمة فی درء الفساد البشری ، فساد صحی ، فساد أمنی ، فساد أخلاقی - کما ذکرنا فی کل مجالات البشریة هو حامیها ، یذکر لنا القرآن الکریم فی سورة الکهف .. مطلع سورة الکهف ومطلع کل سورة فی القرآن الکریم وهذه نکتة تفسیریة لطیفة کما یذکر المفسر الکبیر العلامة الطباطبائی (رحمة الله علیه) ، ونعم ما یقول ، و قد أستفاد ذلک من روایات أهل البیت (علیهم السلام) ، أن مطلع کل سورة یمثل المعنی الأهم فی تمام مجموع تلک السورة ، المعنی العام المنتشر فی تلک السورة .

فی سورة الکهف یطالعنا القرآن الکریم : فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی

ص:203

آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً (1)، یخاطب النبی (صلی الله علیه وآله) ، من باب إیاک أعنی و اسمعی یا جارة ، و هو خطاب للمسلمین ، أن الإنسان قد یکون فی وجل وخوف حول مصیر الدعوة الإسلامیة ، فلا تنتشر ، و لا یصدقون بها فیتعرض إلی أسلوب فی انتشار الدعوة ، کما یتعرض إلی ثلاث أو أربع أسالیب فی سورة الکهف لا بد من ملاحظتها ، و هی سورة الرموز ، و سورة الخفایا .

فتذکر أن أحد أسالیب أنتشار الدعوة الإلهیة هی قصة أصحاب الرقیم ، أصحاب الکهف ، أسلوب دعوتهم و منهاجهم هو تحریک فطری من الله لأصحاب الکهف فإنهم أهتدوا إلی التوحید ونبذوا الشرک ، و هذا المنهج وهو الآن متبع فی الدول و القوی و القدرات ، و یسمی الإیحاءات و الخواطر الجلاء السمعی و الجلاء البصری(2)و الجلاء الفکری والتخاطر و غیره ، وهو متأصل فی ثقافة المسلمین بعنوان الإلهامات ، هذا أسلوب الهدایة الفطریة ، ثم تتعرض السورة إلی أسلوب آخر لنشر الدعوة ، وهو الأسلوب الخفی ، وهو قصة الخضر ، هل یا تری قصة الخضر تذکرها من باب أسطورة أو قصة رومانسیة ؟ والعیاذ بالله ، القرآن منزه عن الخرافات و التخیلات و الأسطورات .. إذاً ماذا یعنی استعراض القرآن الکریم لها فی وسط السورة التی تعنی بشؤون انتشار دعوة الإسلام ، وقد مر مطلع السورة : فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أی

ص:204


1- (1) - الروم (30) .
2- (2) - الکهف (6) .

الدعوة إلی الإسلام - أَسَفاً، تجیب السورة عن هذا التساؤل بتعرضها إلی دور الخضر کمثال ، کنموذج ، الخضر ماذا کان دوره ؟.

کله فی الخفاء، و بشکل شبکة خفیة ، حیث یقول عن النبی موسی (علی نبینا و آله و علیه السلام) : فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا ، مأمور ، مخفی ، و هو تحفة للمهدی (علیه السلام) ، وأنیس للمهدی کما فی الروایات لدینا ، الخضر من ضمن شبکة المهدی والمهدویة ، وله لولبیة خاصة فی هذه الشبکة الخفیة و سیظهر معه .

فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً (1)، ثم یستعرض لنا القرآن الکریم ثلاثة قضایا أمام النبی موسی (علیه السلام) مارسها الخضر مصیریة فی تاریخ البشریة ، قضیة ردع الظلم الاقتصادی ، الذی یؤثر فی اقتصاد عامة البشر ولیس التعرض إلی السفینة بما هی سفینة بل المقصود منها الأمن الاقتصادی البشری .

القصة الثانیة التی یستعرضها لنا القرآن الکریم فی هذا النشاط و الحرکة الخفیة للخضر الذی الفت الباری تعالی موسی (علیه السلام) إلی ما یقوم به الخضر هی قصة الصبی ، فی روایات الفریقین أن هذا الصبی لو قدر له أن یعیش لقطع نسل سبعین نبیاً و هذا یعنی أن الخضر یقوم بحرکات مفصلیة مصیریة خطیرة ، فی الهدایة البشریة ؛ لأنه لو بقی ذلک الصبی والفرد من الناس وکبر سنّه لقطع البشریة وحرم البشریة من سبعین نبی و هذا حرمان

ص:205


1- (1) - ویقال عنه باللغة الآتینیة والأنجلیزیة ( Barsiclogy Telepath. )

عظیم ، فی تمدن البشر و هدایة البشر .

القصة الثالثة عبارة عن أصحاب الجدار و الکنز لهما ، و بعبارة أخری کفالة الأیتام ، وکفالة الفقراء ، والطبقات المحرومة ، هی رمز ، رمز لا بمعنی أسطورة .. رمز بمعنی کنایة و باب لیفتح و یفهم منه مجال واسع .

ویتبین من هذه الممارسات الثلاث التی قام بها الخضر ، أنه یدیر الأمن الأقتصادی ، ویدیر الأمن الثقافی والعقائدی ، ویدیر الأمن الاجتماعی والضمان الاجتماعی و الکفالة الاجتماعیة للبشر أیضاً ، و یقول : وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِی ذلِکَ تَأْوِیلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً (1)، ینزل لنا الباری تعالی سورة بأکملها تتلی إلی یوم القیامة لأجل أسطورة ؟! أو لأجل قصة رومانسیة تدغدغ مشاعرنا؟

فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلی آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً (2)، السؤال الأول المطروح فی صدر السورة کیف تنتشر الدعوة ؟ کیف یحامی عن الدعوة ؟ .

فتطالعنا السورة بقصة الخضر ، لأجل أن یدلل علی أنه أسلوب من أسالیب الباری تعالی لإقامة الدعوة الإلهیة هو بتوسط شبکة بشریة خفیة وهو الذی یشار إلیه فی دعاء رجب : (اللّهُمَّ إنی أساَلُکَ بِمَعانی جَمیعِ ما یدْعُوکَ بِهِ وُلاةُ أمْرِکَ ... إلی أن یقول .. یا دَیْمُومُ یا قَیُّومُ وَعالِمَ کُلِّ مَعْلُوم ، صَلِّ عَلی مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَعَلی عِبادِکَ الْمُنْتَجَبینَ ، وَبَشَرِکَ الْمحْتَجِبینَ ) أن هناک شبکة محتجبة ..

ص:206


1- (1) - الکهف (65) .
2- (2) - الکهف (82) .

ربما یقول قائل : أنتم أتباع أهل البیت (علیهم السلام) تروون .. ولا نقبل روایتکم!

لکن هل لا تقبلون نص القرآن الکریم أم ماذا ؟! .

وماذا تتحدث لنا سورة الکهف ؟ .

تنبئنا أن هناک رجالاً إلهیین لیسوا بأنبیاء ورسل ، لم تعرّف الآیة الکریمة الخضر بأنه نبی .. فوجدا رسولاً ، أو فوجدا نبیاً .. بل تعرف الهویة الشخصیة للخضر بعنوان آخر : فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً (1).

أولاً هو ولی صفی أصطفی من أولیاء الله العظام ؛ لأنه شرف بهذا اللقب : مِنْ عِبادِنا ، وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً ، یعنی لدیه علم لدنی ، و لیس لدیه إنباء و وحی ورسالة .. لدیه علم لدنی (یزق) بتوسط الغیب بقناة مثل الانترنت غیبیة ، کما ذکر ذلک القرآن الکریم فی قصة طالوت : إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَکُمْ طالُوتَ مَلِکاً ، لم یقل بعث لکم نبیاً ، بل قال بعث لکم ملکاً ، یعنی إماماً ، و ما هو تعریف الإمام ؟ : وَ زادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ (2)، علم لدنی ، یبسط له العلم . فصاحب العلم اللدنی له صلاحیة ملک التدبیر والقیادة ، هو عنوان ونمط من الإمامة ، والحجیة ، هذا یقوم بدور خفی .

النموذج الثالث الذی تستعرضه لنا سورة الکهف وهو ما نبهت إلیه ،

ص:207


1- (1) - الکهف (6) .
2- (2) - الکهف (65) .

بیانات روایات أهل البیت (علیهم السلام) فی بیان السور القرآنیة ، لکن لا بلقلقة القرآن بأصوات ، بل بتدبره : أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (1)، وَ لَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّکْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّکِرٍ (2)، هذا بجانب ما رواه المسلمون فی روایاتهم : ( لترکبن سنة من کان قبلکم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولا تخطؤن طریقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتی أن لو کان من قبلکم دخل جحر ضب لدخلتموه )(3).

یعنی کل ما جری فی السنن السابقة سیجری فی هذه الأمة ، والخضر نموذج قرآنی حقیقی ، و لیس خیالیاً و لیس رومانسیاً .. نموذج حقیقی یضربه لنا القرآن الکریم مثلاً فی أدوار الحجج الإلهیة .

النموذج الأخیر ، بحسب الترتیب القرآنی فی السورة له براعة ، وله لفتة لطیفة ، هو ذو القرنین ، و ذوق القرنین أسلوبه الحکومة الرسمیة المؤیدة و المسددة بتأیید إلهی ، و هذا ما سیکون عند ظهور الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) .. ومن ثم قیل أن سورة الکهف هی سورة الحجة والإمامة الإلهیة (عجل الله فرجه) ، سورة المهدی (علیه السلام) ؛ لأنه مثلاً ضربه الله من صدرها إلی نهایتها حول المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف) .

وماذا تعرف الهویة الشخصیة لذی القرنین ؟ .

تقول السورة : وَ یَسْئَلُونَکَ عَنْ ذِی الْقَرْنَیْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَیْکُمْ مِنْهُ

ص:208


1- (1) - البقرة (247) .
2- (2) - محمد (24) .
3- (3) - القمر (17) .

ذِکْراً (1)، هل قال القرآن الکریم أن ذا القرنین نبیاً ؟ أو قال إنه رسولاً ، کلا .

بل قال إنه إمام من الأئمة الإلهین ، هذه البطاقة الشخصیة لذی القرنین : إِنّا مَکَّنّا لَهُ تمکین إلهی - فِی الْأَرْضِ وَ آتَیْناهُ مِنْ کُلِّ شَیْ ءٍ سَبَباً (2)، فتحت له الأسباب مع أنه لیس کل الأسباب التی سوف یؤتاها المهدی (عجل الله فرجه الشریف) ، فی نصوص الفریقین ..

هذا هو الأسلوب الأخیر ، أسلوب الحکومة الرسمیة المؤیدة والمسددة بالأسباب الإلهیة ، فی الحقیقة فی السورة أشارة إلی أن دور الإمام والمعصوم حد أدنی ، وحد أکثر ، إذا التفتنا إلی الفارق بین سورة البقرة و سورة الکهف بإرشادات

روایات أهل البیت (علیهم السلام) وإلا : وَ ما کُنّا لِنَهْتَدِیَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللّهُ (3)، بالقرآن و بالثقل الثانی أهل البیت (علیهم السلام) ، تتضح کل هذه المضامین ، ویستشرف ویرتشف من هذه النکات و المعلومات من روایات أهل البیت (علیهم السلام) فی تفسیر الآیات ، وهی والحمد الله ظاهرة ولکن بتدبر وأمعان نظر فی الآیات الکریمة ، وبین ما تستعرضه سورة البقرة وتستعرضه سورة الکهف ، هناک حد أدنی لدور الخلیفة وهو الإمام کذی القرنین وطالوت والخضر .. دور أدنی ودور أعلی .

والدور الأدنی هو درء الفساد العام ، الفساد الخلقی ، الفساد الزراعی،

ص:209


1- (1) - الأقتصاد للطوسی ص213 ، مجمع الزوائد للهیثمی ج7 ص260 .
2- (2) - الکهف (83) .
3- (3) - الکهف (84) .

الفساد الصحی ، الفساد الأمنی ، الفساد العسکری ، الفساد الثقافی ، الفساد السیاسی .. درء الفساد ؛ لکی لا یستشری فی أکثر البشریة ، ودرء طحن الحروب للبشریة ، نسف النسل البشری یجب أن لا یستأصل ، لا ینقرض ، هذا أدنی دور یقوم به الخلیفة والإمام .

وأعلی دور هو نظیر دور ذی القرنین ، یعنی تفجیر کل الطاقات المعنویة وکنوز الطبیعة ، والکمالات المادیة والروحیة ، و هذا أعلی دور ، ولا یعنی فقد الدور الأتم أن یفقد الدور الأقل ، وبعبارة أخری هو أدنی درجات دور المعصوم ، وهو دور عظیم طبعاً .

هناک فی تعریف السور القرآنیة لدور الخلیفة والإمام وحجة الله فی أرضه ، سواء النبی إبراهیم أو آدم أو إسحاق أو یعقوب .. أو الرسول (صلی الله علیه وآله) لما کان فی ظل الأربعین سنة قبل البعثة ، هل کان له دور فی البشریة ؟ .

صحیح أن بعثة الرسالة فی الأربعین سنة ، لکنه کان نبیاً قبل ذلک ، والنبوة تغایر

مقام الرسالة ، وهو نبی ، أیضاً کان له دور ، فدور الحجج الإلهیة و الخلفاء الإلهیین والإمام ، لدوره اقل درجة ، وسقف أدنی ، و فیه سقف أعلی .. سقف أدنی یکون دارءاً للفساد البشری ، ودارءاً فی مطلق المجالات و مطلق الحقول ، والدور الأقصی أن یفجر کنوز الأرض ، و یفجر الکمالات البشریة ، والمدنیة ، کما تطالعنا بذلک سورة الکف .

والسورة أیضاً بینت ثلاث مراحل من الأدوار والجدید بأن نستعرض بعض الروایات ، التی هی فی نفس خضم هذا المطلب ، وتؤکد علیه :

ص:210

ففی روایة عن الصادق (علیه السلام) : ( و اعلموا أن الأرض لا تخلوا من حجة لله (عز وجل) ، ولکن الله سیعمی خلقه عنها )(1)، یعنی لا یدرکونها ، هم لا یعرفونها ، هم لا یشخصونها ، لا أنه لیس بموجود ، بل ناشط وفاعل ، ومن ثمَّ نعتقد فی مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) أحد أوصاف الحجة البارزة ( یا قائم آل محمد ) ، ولماذا هذا اللقب من بین بقیة الألقاب أختص بها الحجة ؟ لمَّ ؟ حتی فی عهد أمیر المؤمنین وسید الوصیین وأبی الأئمة (علیه السلام) ، وفی عهد الباقر (علیه السلام) کلمة ( قاف ، ألف ، همزة ، میم ) أشتهر بها المهدی (عجل الله فرجه) ، وإن کانوا کلهم (علیهم السلام) قائمون بالأمر کما فی الروایات - ، لکن لمَّ أختص بهذا اللقب هو أکثر ؟ .

ذلک من أجل تنبیهنا فی العقیدة ، أن المهدی (علیه السلام) فی غیبته یقوم بالأمور ، یقوم بالوظائف ، یقوم بما علیه ، و لیس قاعد : وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِینَ عَلَی الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً (2)، لیس بقاعد ، بل هو (قاف ، ألف ، همزة ، میم ) یقوم بالأمور ، نفس المادة ، وهذه من الأعجازات الإلهیة ، قبل ولادة الحجة (عجل الله فرجه) وبعد ولادته ، وإلی الآن نحن نلهج بهذا اللقب ، وهو من أبرز ألقاب الحجة (عجل الله فرجه) ، للدلالة علی أنه ولی الأمر ، لیس فقط هو ولی المؤمنین ، بل هو ولی المسلمین ، بل هو ولی البشریة أجمع و جمعاً .

فمن ثمَّ کل من هو ملقب بهذا اللقب من النبی (صلی الله علیه وآله) ومن الوصیین (علیهم السلام) ، فهو لیس بقاعد فی أی برهة من البره قط ، بل یقوم بالأمور ، ناشط ، فاعل ، و لولاه لساخت الأرض ( تآکلت ) البشریة .. و إلا فإن الشهوات و النزوات

ص:211


1- (1) - الأعراف (43) .
2- (2) - الغیبة للنعمانی ص144 .

الموجودة بین رؤساء الدول النوویة ، بضغطة زر یفنون البشریة ، من الذی یسیطر علیهم ویضبطهم ؟ أو فی أجهزتهم ؟ ویعقل و یفشی العقلنة فی البشر ؟ وروحیة الأداب و الأخلاق فی البشر .

و لو کان زمام أمور العالم علی الیهود لتمنوا أن تأکل البشریة بعضها بعضاً ، ولتنتشر الأمراض البیلوجیة ، ولتنتشر الأمراض الثقافیة والأخلاقیة یسعون فی الأرض فساداً وهؤلاء هم الیهود ، کما أنذرنا القرآن الکریم فی سورة الإسراء وفی سورة الأعراف وفی سور قرآنیة أخری ، والذی یقف حائل أمام هذا الموجود الغریب المخلوق البشری ، هو الحجة (علیه السلام) ، و هذا اللقب من ابرز ألقابه (سلام الله علیه) ، کما تشیر إلیه مضمون هذه الروایة :

(و لکن الله سیعمی خلقها عنها بظلمهم و جورهم و أسرأ فهم علی أنفسهم )(1)، ( ولو خلت الأرض من الحجة لساخت) ولو ساعة واحدة ، وأحد تفسیرات ساخت الأرض ، هو الفساد المنتشر من البشریة بسبب ما عندهم من غرائز جنونیة ، لا تقف إلی حد یفتکون ببعضهم البعض ، کالکلاب المسعورة .

(ولو خلت الأرض ساعة من حجة لله ، لساخت بأهلها ، لکن الحجة یعرف الناس ، ولا یعرفونه ، کما کان یوسف یعرف الناس ، وهم له منکرون )(2)، وقد کان یوسف إلیه ملک مصر ویتحکم فی الأمور وکان بینه و بین أبیه مسیرة ثمانیة عشر یوماً، ومع ذلک کان أمره قد خفی علیهم ، فما تنکر هذه الأمة أن یفعل الله بحجته المهدی ما فعل بیوسف ، و أن یکون صاحبکم المظلوم

ص:212


1- (1) - النساء (95) .
2- (2) - المصدر السابق .

المجحود حقه صاحب هذا الأمر ، أی الذی یحکم فی امور البشریة ، یتردد بینهم فی أسواقهم ، ویمشی فی أسواقهم ، ویطئ فرشهم ، ولا یعرفونه ، إلی أن یأذن الله له أن یعرّفهم کما أذن لیوسف .

المحاور : بالنسبة لهذه المحاورة الجیدة الطیبة ، نحن شغفین للمعلومات الجیدة و المثیرة ، نحاول أن نطرح سؤالاً له صلة بالظهور وله صلة بالغیبة فی واقع الأمر ذکرت مثال ذی القرنین ، وأتصور أن هناک روایة تقول أن ذا القرنین حین خاطب ربه ، سأله کیف أستطیع أن أقیم دولة عالمیة أو أکون حاکماً علی العالم ، المملوء بأختلاف اللغات وأختلاف الجنسیات وأختلاف الثقافات ، والآن نحن نعیش تعدد و اختلاف فی الثقافات والرؤی والجنسیات والمذاهب والمدارس ، بشکل أکبر مما کان علیه فی زمن ذو القرنین .. کیف یستطیع الإمام المهدی (علیه السلام) ، کما یقول الإمام الباقر (علیه السلام) :

(یضع الله یده علی رؤوس العباد فیجمع بها عقولهم ، و تکمل به أحلامهم )(1)، ما هی الطریقة العملیة التی یستطیع أن یجمع کل هذه الشعوب ، تحت رایة واحد وتحت دولة واحدة ؟ .

الشیخ السند : نحن نری الآن فی البشریة ظواهر مثیرة جداً ومدبرة علی صعید

أشکال الدول ، وعلی صعید الثقافة القانونیة ، وعلی الصعید الثقافة السیاسیة ، وعلی صعید الثقافة الفکریة ، کل ذلک کما یتدبره الباحثون الأجتماعیون والباحثون العقائدیون والباحثون فی المجالات

ص:213


1- (1) - المصدر السابق .

المختلفة ، کما یقولون کلها نزوع ونزوح بشری متطابق مع مبادئ المشروع المهدوی .

فی المجال القانونی ، فی المجال الفکری ، فی المجال الثقافی ، فی المجال العقائدی ، البشریة نازحة وملجئة وبشکل معقلن إلی هذه الفکرة .

مثلاً فکرة الأمم المتحدة هی فکرة الحکومة الواحدة ، فکرة القانون الواحد ، فکرة نبذ وتشطیب العرقیات و القومیات .. إلی وحدة بشریة واحدة ، ذات عدالة واحدة ، ذات استواء بالحقوق واحدة ، وذات تعارف واحد ، وفی الحقیقة هذه أحد البنود المهمة فی مشروع الإمام المهدی (عجل الله فرجه) ، والتی یرویها المسلمون عامة .

وإن عقیدة الإمام المهدی أو المهدویة للإمام المهدی (سلام الله علیه) ، هذه العقیدة والنظریة ، هی کقاسم مشترک لوحدة المسلمین ؛ لأنهم رووا أنه سیخرج الله المهدی (عجل الله فرجه) من ذریة فاطمة فهو قاسم مشترک لعقیدة المسلمین ، وهی نعمة البنیة والأساس للوحدة بین المسلمین ، وهی الآن تتجلی وحدة فکریة ، ثقافیة ، بشریة ؛ لأن البشریة تتطلع وتحتاج إلی حکومة موحدة ، وإلی إنسان یرب النظام .

وکذلک فکرة العولمة فی بعدها الموحد الإیجابی وأفکار أخری منتشرة نراها کلها تنسجم مع وحدویة الدولة البشریة وتوحید النظام المدنی البشری ، والنظام التجاری ، والنظام الأقتصادی والثقافی ، والزراعی ، والأمنی ، فنری ظواهر عجیبة فی القانون ، فی الإدارة ، فی المجالات المختلفة

ص:214

للبشریة .. من عولمة ، من نظام العالمی الموحد أو الأمم المتحدة ، نراها ترتقی بالعقلیة البشریة ونفسیتها ،

تراها تصعد إلی السلم المهدوی من حیث لا تشعر .

نحن فی عقیدتنا المهدویة أو عقیدة الإمام المهدی لیس هی مجرد ألفاظ کلمة ( میم ، هاء ، دال ، یاء ) ، أنت علیک من بنود الفکرة ، بنود هذه العقیدة تتجلی فی الفکر البشری ، و الفکر القانونی البشری ، والفکر السیاسی البشری ، وفی الفکر الأداری البشری ، وفی الفکر الاقتصادی البشری ، وفی الفکر التجاری البشری ، والبشریة الآن فی حالة نزوح نحو أصل بنود المشروع المهدوی وعقیدة المهدی بتمام بنودها..

هذا فضلاً عن ما یعتقده المسلمین بنحو مشترک بحمد الله فی روایاتهم أجمعین مع أختلاف بعض التفاصیل حول الإمام المهدی (علیه السلام) وفی الحقیقة الأطروحة المهدویة آخذة أنتشاراً فی البشریة وبحالة أعتقاد ، ونزوح لنفس بنود العقیدة بالإمام المهدی وفکرته .

المحاور : کیف یمکننا أن نجعل أبنائنا و بناتنا لهم ارتباط مع الإمام المهدی (علیه السلام) ، وهم لا یرون شیء من آثار الإمام (عجل الله فرجه) ؟ .

الشیخ السند : هذا السؤال فی الواقع وجه إلی عدة من علماء الإمامیة من ضمنهم المرحوم المرجع السید محمد هادی المیلانی (رحمة الله علیه) - من مراجع النجف وخراسان وکان یؤکد سماحته (رحمة الله علیه) أن الإنسان لأجل الارتباط لا بد علیه کحد أدنی شیء فی الیوم ، یقوم بزیارة مختصرة ولو خمس دقائق

ص:215

یخاطب فیها الحجة (عجل الله فرجه الشریف) .

طبعاً طرق الأرتباط متنوعة متعددة ، وقد ربّی أئمة أهل البیت (علیهم السلام) شیعتهم علیها ، منها دعاء الندبة کل یوم جمعة والترکیز علیه .. مدرسة ثقافیة وتربویة و روحیة ، و کذلک فی المساجد و الحسینیات .

وکذلک قراءة حیاة الإمام (سلام الله علیه) منذ تولده إلی غیبته . وإکثار الإصدارات

للکتب حول الظهور ؛ لأن الأعتقاد بظهوره لدینا بمثابة عبوة ثقافیة عقیدیة .. هذا الأمل والتطلع نستطیع أن نجذب البشریة نحوه ، وکل البشریة أجمع ، نجذبهم إلی فکرة مصلح عالمی ینشر السؤدد و العدالة ، من خلال نشر کتیبات و کراسات .

المفروض أن تتظافر الجهود فی الکتابة حول المهدی (علیه السلام) ، وبشکل کراسات و بشکل نبذ ، عن جوانب متعددة فی شخصیته ودوره ، ویقوم المؤمنین بنشرها ، حتی فی روایات الصحاح عند أهل السنة والجماعة ، وردت روایات کثیرة حول هذا المضمار ، حول المهدی (عجل الله فرجه) ، سواء کتاب البخاری ومسلم أو الموجودة فی سنن النسائی و غیره من الکتب ، فضلاً عن الأصل التی هی روایات مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) .

فالمفروض إن شاء الله أن یقوم المؤمنین کل حسب دوره .

المحاور : هل هناک إرتباط بین مثلث برمودة ومکان اختفاء الإمام المهدی (عجل الله فرجه) ؟ .

الشیخ السند : سواء مثلث برمودا أو جزیرة خضراء أو ما شابه

ص:216

ذلک ، هذه کلها قد تکرس الفکرة الخاطئة من انه منزوی و مجمد ..

لا أرید أن أنفی ظواهر غریبة فی الکرة الأرضیة ، هذا بحث آخر ، الکثیر من البقاع الأرضیة لم تکتشف من البشریة إلی حدّ الآونة الأخیرة ، مع ما توصلت إلیه من فضائیات ومن أقمار صناعیة ، وأجهزة .. قبل خمس سنوات قریة بین الجبال قریبة من بندر عباس ، البشریة لم تکتشفها ، والآن اکتشفوها ، یعیشون فی حالة حضارات سابقة ، أشکالهم و عاداتهم وأعرافهم ، کأنهم یعیشون فی قرون غابرة بشریة ، لا أرید أن أنفی وجود البقاع البشریة الغریبة ولا المراد إنها کلها مکتشفة من قبل البشریة ، بل الخطورة فی ترکیز هذه الفکرة ان الإمام نائی، قاصی فی أقصی الدیار ، هذه فکرة إقصاء وتغییب ، و هذا خطأ ویؤکد علی تخطئته القرآن الکریم ، وکذلک تخطئته أئمة أهل البیت (علیهم السلام) ، بل أنه (سلام الله علیه) حاضر ناشط خفی الهویة ، ولیس معدوم الوجود .

المحاور : قد ورد أن الإمام (عجل الله فرجه) قال :

(من رآنی بعد غیبتی فقد کذب ) (1)، فإن کان الأمر کذلک ، فما رد سماحتکم فی ما ذکر أن بعض الأشخاص قد رؤوه فعلاً ؟.

الشیخ السند : قد عقدت فی هذا البحث أول کتاب طبع لی ، لفتنة خاطئة حدثت عندنا فی البحرین، و لعل المؤمنین سمعوا بها ، من ادعوا النیابة والسفارة و الوساطة بینهم وبین الحجة (عجل الله فرجه) دجلاً ، شباب عمی

ص:217


1- (1) - منتخب الأثر ص483 .

علیهم بعض الأفکار المنحرفة ..

الذی علیه علماء أتباع مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) ، ومراجع الطائفة ، وضرورة مذهب أهل البیت ، أن من یدعی أنه واسطة رسمیة بین الحجة (عجل الله فرجه) والبشر ، فی فترة الغیبة ، من یدعیها کاذب ، سواء سماها وساطة أو نیابة خاصة أو سفیر أو أنی من وإلی الحجة ، بأی أسم وتحت أی عنوان .

إذا یرید أن یطرح نفسه أنه ممثل رسمی ، کما عند الدول سفراء ، ومدیرین أعمال ، و أن ذلک بمثابة أن یطرح لنفسه صفة تنفیذ للحجة (عجل الله فرجه) من و إلی الحجة (عجل الله فرجه) مع البشر ، و هذا دجل وکذب وافتراء .

أما أصل الرؤیة فإن الکثیر من علمائنا الإبرار الکبار ، تشرفوا مثل السید ابن طاووس (رحمة الله علیه) والعلامة بحر العلوم (رحمة الله علیه) ، لکن من دون أن یقعوا فی إنحراف الدجل والعیاذ بالله - ، بأن یدعوا صفة تمثیل رسمی معین ،

خاص بین الحجة وبینهم .. أبداً هذا دجل ، و مقطوع ببطلانه ، و أما أصل مجرد الرؤیة و التشرف ، فإن کثیراً من العلماء ، بل من المؤمنین الصلحاء الأتقیاء ، تشرفوا ، لکن من دون أن یستدعی ذلک ، إعطائهم أی صفة رسمیة ، سواء تحت عنوان السفارة أو النیابة أو عنوان الوساطة أو أی عنوان آخر .. المسألة لیست مسألة عناوین وأسماء ، بقدر ما هی مسألة واقع إدعاء إنه له أرتباط خاص ، رسمی ، هذا دجل ، وباطل ، وأما أصل التشرف لا مانع منه .

المحاور : هل معنی قول الله تعالی : کُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا

اللّهُ 1، أطفأها بالإمام المهدی (عجل الله فرجه) ؟ .

ص:218

اللّهُ (1)، أطفأها بالإمام المهدی (عجل الله فرجه) ؟ .

الشیخ السند : نعم ، بل وردت روایات فی ذیل الآیة تشیر إلی ذلک ؛ لأن الروایة تشیر إلی الیهود ، وهم لازالوا یشعلون الحرب العسکریة والحرب الثقافیة و حرب المخدرات وحرب التبذل الثقافی والأخلاقی البشری ، حروب کثیرة لازالوا یعلونها فساداً فی البشریة .

ویشاهد الکثیر من الباحثین وأصحاب الدراسات أن هؤلاء الیهود عقدة بشریة عجیبة فی الظاهرة البشریة ، أنهم حاقدین علی البشریة ، کما تشیر إلی ذلک بروتوکلات صهیون وما شابه ذلک .

ولا ریب حینئذ أن نری إشارة القرآن الکریم وروایات أهل البیت (علیهم السلام) والأدلة العقلیة أن الإمام صاد لهذه الحروب ، کما کان جده أمیر المؤمنین (علیه السلام) :

(لا ینکفئ حتی یطأ صماخها بأخمصه )(2)، کذلک هو (عجل الله تعالی فرجه) .

ص:


1- (1) - البحار للمجلسی ج52 ص171 .
2- (2) - المائدة (64) .

ص:220

آباء وأمهات الأنبیاء والأئمة (علیهم السلام) :

المحاور : هل کان أبو النبی إبراهیم (علیه السلام) کافراً ؟ .

الشیخ السند : آزر الذی تذکره سورة الأنعام لم یکن والداً لإبراهیم (علیه السلام) وإن أطلق علیه فی حواره معه (یا أبت) والقرینة علی ذلک کما ذکر العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی تفسیره(1):

أولاً : أن إبراهیم (علیه السلام) فی آخر دعائه بمکة قریب أواخر عمره الشریف أی بعدما هاجر إلی الأرض المقدسة وولد له الأولاد وأسکن إسماعیل وهاجر مکة قال : رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَ لِوالِدَیَّ وَ لِلْمُؤْمِنِینَ یَوْمَ یَقُومُ الْحِسابُ (2)، مع أن إبراهیم لما وعد أباه آزر بالمغفرة أی الاستغفار تبرأ منه بعد ذلک لما تبین له إنه عدو لله فلا یعود ویستغفر له فی آخر عمره ، مما یدل علی أن الوالد أخص من الأب فی الاستعمال وهو یغایر آزر .

ثانیاً : قوله تعالی : أَمْ کُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِیهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی قالُوا نَعْبُدُ إِلهَکَ وَ إِلهَ آبائِکَ إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ

ص:221


1- (1) - دلائل الإمامة للطبری ص115 ، شرح نهج البلاغة لأبن أبی الحدید ج16 ص251 .
2- (2) - المیزان للطباطبائی ج7 ص161 .

وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (1)، فأطلق ولد یعقوب علی إسماعیل الأبوة مع أنه عمهم .

وقد ورد فی الحدیث الآباء ثلاثة أب ولّدک وأب علمک وأب زوّجک (2).

المحاور: ما هو الدلیل علی أن أمهات الانبیاء والأئمة (علیهم السلام) موحدات ولم یتلبسن بالشرک مع أن بعض أمهات الأئمة أمهات أولاد وکن فی بلاد الشرک کأم الإمام السجاد (علیه السلام) والآیة الکریمة : وَ تَقَلُّبَکَ فِی السّاجِدِینَ (3)، قد تکون ناظرة للآباء دون الأمهات ؟ .

الشیخ السند : بالنسبة إلی الآیة فعمومها عام شامل للأصلاب والأرحام التی انتقلوا فیها والتقلب أی الانتقال فیها و أنهم کانوا من الساجدین ، مضافاً إلی ما استفیض فی الزیارات والروایات کونهم أنواراً فی الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسهم الجاهلیة بأنجاسها ولم تلبسهم من مدلهمات ثیابها .

وأما کون أمهات الأئمة أمهات أولاد کن فی بلاد الشرک فلا یستلزم کونهن مشرکات حین حملهن بالأئمة (علیهم السلام) ، ولا یخفی أن المراد من طهارة الأرحام هو خصوص النساء والأمهات التی انتقلت نطفهم فیها ، لا آباء الأمهات وجدودهن .

ص:222


1- (1) - ابراهیم (41) .
2- (2) - البقرة (133) .
3- (3) - الغدیر للأمینی ج1 ص369 .

أبو طالب (علیه السلام) :

المحاور: حدث معی مع أحد الموظفین علی أبوطالب (علیه السلام) بتکفیره ، وهم یقولون بیقین أنه کافر مع إن هولاء الأشخاص المتعصبین لا ینفع معهم إلا العقل والأدلة العقیلة والمنطقیة و مصادرهم إذا وجدت عندهم ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : أَ لَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوی وَ وَجَدَکَ ضَالاًّ فَهَدی وَ وَجَدَکَ عائِلاً فَأَغْنی (1)، فجعل الله تعالی إیواء النبی (صلی الله علیه وآله) عند أبی طالب من نعم الله تعالی التی یمتنّ الباری تعالی بها علی النبی (صلی الله علیه وآله) علی حذوا إمتنانه علی الرسول (صلی الله علیه وآله) بهدایة الناس إلی الإیمان برسالة النبی (صلی الله علیه وآله) وعلی حذو إمتنانه تعالی علی إغناء النبی (صلی الله علیه وآله) بمال خدیجة و هذا مما یدلل علی عظیم مدیح القرآن الکریم لأبی طالب ، وأنه قد قام بالمهمة العظیمة الکبری لخدمة الرسالة ، هذا مضافا إلی أشعاره المذکورة فی المصادر التاریخیة وقد ذکرها المجلسی فی البحار وغیرها من الکتب عن تلک المصادر القدیمة ، مضافاً إلی عدم تعقل کون أبی طالب علی دین مشرکی

ص:223


1- (1) - الشعراء (219) .

قریش وهو یحامی مستمیتاً عن دین الرسول (صلی الله علیه وآله) ویتحمل کل هذا العناء والمقاطعة من قریش فی شعب أبی طالب ویفدی النبی (صلی الله علیه وآله) بأبنائه وهو یری أعتناقهم لدین النبی (صلی الله علیه وآله) ومع کل ذلک کیف یتعقل أن یکون علی غیر دین النبی (صلی الله علیه وآله) وهو یقف بصلابة حامیاً عن الدین الحنیف ویکون موته عام حزن للنبی (صلی الله علیه وآله) ، و هل یحزن النبی علی مشرک والعیاذ بالله تعالی و یقول له جبرئیل عن الله تعالی أخرج من مکة فإنه لا ناصر لک فیها فیجعل الباری تعالی المسلمین کلهم فی کفة وأبو طالب فی کفة أخری فی نصرة النبی (صلی الله علیه وآله) هذا مع ما تدل علیه سورة البقرة من ملف الإمامة فی ذریة إبراهیم وأسماعیل و أن فی نسلهما أمة مسلمة بدرجة إسلام إبراهیم وأسماعیل وفی هذه الذریة الإمامة والوصایة إلی أن بعث فی هذه الأمة المسلمة من ذریتها خاتم الأنبیاء وهو من نفس هذه الذریة والأمة المسلمة .

المحاور : آیة تدل علی إیمان أبی طالب (علیه السلام) مع ذکر وجه الدلالة ؟ .

الشیخ السند : أَ لَمْ یَجِدْکَ یَتِیماً فَآوی (1)، فأشار تعالی بإیواء النبی (صلی الله علیه وآله) وهو فی سنین صغره حیث کان یتیماً و جعل تعالی هذا الفعل فعلاً ربانیاً عظیماً وإنه محل رضی إلهی ونعمة إلهیة کبیرة لها خطورتها علی حیاة نبی الإسلام و هذا مدیح إلهی بالغ لفاعل هذا الفعل وهو أبو طالب وإنه کان له دوراً خطیراً علی الدین الإسلامی . وأیضاً قال تعالی : وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ (2)، وهذه الآیة نزلت فی أوائل أیام البعثة وهو

ص:224


1- (1) - الضحی (6 - 8) .
2- (2) - الضحی (6) .

المعروف من حدیث الدار حیث جمع رسول الله (صلی الله علیه وآله) بمعاونة علی (علیه السلام) أربعین رجلاً من بنی هاشم منهم أبو لهب وحمزة وابو طالب والعباس وغیرهم حیث نصّب رسول الله (صلی الله علیه وآله) علیاً وصیاً ووزیراً له وأمر بنی هاشم ان یطیعوا علیاً ، وتکرر هذا الأجتماع ثلاث مرات متتالیة وفی کل مرة یستهزء أبولهب بابی طالب قائلاً : (قد أمرک أن تسمع وتطیع لهذا الغلام ) (1) ، مع أن أبا طالب کان حینذاک سید قریش وزعیماً ومع ذلک لم یعترض أبو طالب علی فعل النبی (صلی الله علیه وآله) ولم یستنکر ولم یستفزه کلام أبو لهب مع مکانته وهو سید قریش و هذا یدل علی قمة إیمان ابو طالب بالرسول (صلی الله علیه وآله) وبوصیه أبنه علیاً بل ملف الإمامة والوصیة فی الأمة المسلمة فی ذریة إبراهیم وأسماعیل دال کما بسطنا الحدیث عنه فی کتب أخری دال بوضوح أن آباء وأجداد النبی (صلی الله علیه وآله) وعلی (علیه السلام) کلهم کانوا أوصیاء یتوارثون الوصایة والإمامة المحدودة عن أسماعیل .

ص:225


1- (1) - نور الثقلین للحویزی ج4 ص66 .

ص:226

أم البنین (علیها السلام) :

المحاور: کثیراً ما نسمع عن المرأة الفاضلة أم البنین زوجة أمیر المؤمنین (علیهما السلام) وأم أبی الفضل العباس (علیهما السلام) .

هل یوجد احادیث واضحة وصحیحة عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أو أحد الأئمة المعصومین (علیهم السلام) فی مدحها أو الثناء علیها أو ذکرها فی موضع

1 - الشعراء (214) .

مدح ؟ .

الشیخ السند : قد وردت عدة روایات منها ما قاله أمیر الؤمنین (علیه السلام) لأخیه عقیل:

(انظر لی امرأه قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لی غلاماً فارساً ، ولکی أصیب منها ولد یکون شجاعاً وعضداً ینصر ولدی الحسین ویواسیه فی طفّ کربلاء).

فقال له عقیل : تزوج یا أمیر المؤمنین بأم البنین الوحیدیة الکلابیة فإنه لیس فی العرب أشجع من أبائها فتزوجها علی (علیه السلام) )(1) .

وقد روی عنها أنها رأت فی المنام قبل زواجها به (علیه السلام) أن هاتفاً یهتف بها :

بشراک فاطمة بالسادة الغرر ثلاثة أنجم والزاهر القمر

أبوهم سیّد فی الخلق قاطبة بعد الرسول کذا قد جاء فی الخبر

ص:227


1- (1) - الانوار العلویة للنقدی ص442 .

وأمها ثمامة بنت سهیل بن عامر وکانت ثمامة بمکان من النبل والأدب وأبوها أبو المحل وأسمه حزام بن خالد بن ربیعة بن عامر بن صعصعة بن بکر بن هوازن ، من شجعان العرب وفرسانهم ومعنی الوحیدیة الکلابیة نسبة إلی الوحید بن کعب وکلاب بن ربیعة وأهلها من سادات وأشراف العرب وأبطالهم .

المحاور: متی توفیت أم البنین (علیها السلام) ؟ .

الشیخ السند : الذی وقفنا علیه أنها کانت بعد شهادة سید الشهداء دون السنة التفصیلیة لوفاتها (علیها السلام) .

ص:228

أولاد الأئمة (علیهم السلام) :

المحاور: من المعلوم أن محمّد بن الحنفیة هو إبن الإمام علی (علیه السلام) . ما هو السبب وراء عدم ذکر إسمه الأساسی وهو (محمد بن علی بن أبی طالب) ؟ .

الشیخ السند : الظاهر أن هذا سبب التداول وشیوع تلقیبه بنسبته إلی قبیلة والدته ، میزاً له عن بقیة أبناء أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، و هذا جاری فی الحسنین (علیهم السلام) حیث ینسبان إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وإلی فاطمة (علیها السلام) وإن کان الأمر فی الحسنین ینطوی علی جهات إلهیة اخری .

وکأن هذا أمر شائع عند العرب فی ابناء الرجل الذی تتعدد زوجاته وله منهن أبناء کثیرون کما هو الحال فی موارد وأمثلة اخری .

المحاور: یستشهد الکثیر من الوهابیة علی أن الإمام علی (علیه السلام) وأئمة أهل البیت (علیهم السلام) ، انما سموا أبناءهم بأبی بکر وعمر وعثمان محبة منهم للخلفاء الثلاث و أن هذا یدل علی أنّ أهل البیت لا یرون أنفسهم أفضل من الخلفاء الثلاث ؟.

1 - هل هناک أحد من أعمام النبی (صلی الله علیه وآله) وسلم أو أحد من بنی هاشم تسمی بتلک الأسماء الثلاث ؟ .

ص:229

2 - کیف یوجه فعل تسمیة الإمام علی لبعض أبنائه بتلک الأسماء الثلاث ؟ .

الشیخ السند : 1 - ورد فی الروایات وفی زیارة الناحیة المقدسة أن علیاً (علیه السلام) سمی أبنه ب- عثمان حبّاً ل- (عثمان بن مظعون) أحد کبار زهاد وتقاة الصحابة الذی توفی فی حیاة الرسول (صلی الله علیه وآله) ودفن فی البقیع ، وأمّا أبی بکر فکنیة ولیس باسم علم وکانت شائعة لدی العرب علی مستوی الأفراد وأسماء القبائل ، وأما عمر فقد کان فی بنی هاشم من تسمی ب- عمرو قبل ذلک ، هذا مع أن هذین الأسمین سماهما بهما الرسول (صلی الله علیه وآله) وإلا فأسمهما الأصلی فی الجاهلیة غیر ذلک .

وبذلک یتضح الجواب عن السؤال (2) ، مع أن هذا التشبث من الوهابیة کتشبث الغریق بالقش ، ألیس من حقائق التاریخ لدی الفریقین أن علی بن أبی

طالب (علیه السلام) بعد قتل عمر یوم الشوری من ستة نفر حیث أشترط عبد الرحمن بن عوف علی علی بن أبی طالب (علیه السلام) لکی یبایعه علی الخلافة ، أشترط علیه إتباع سیرة الشیخین فرفض الامام علی (علیه السلام) سیرة الشیخین و ذلک بمثابة الحکم بالزیغ والبطلان علیها ، وإنه یحکم بالکتاب وسیرة الرسول و ذلک کالتصریح بتباین مسیرتهما مع الکتاب والسنة ، ألم تذکر المصادر التاریخیة لدی الفریقین إمتناع علی (علیه السلام) عن مبایعة أبی بکر إلی أن وصل ضغط أصحاب السقیفة إلی حرق باب فاطمة والهجوم علی البیت

ص:230

النبوی .

وما تلی ذلک من أحداث بین فاطمة وعلی (علیهما السلام) من جهة وبین أصحاب السقیفة من جهة اخری ، ألیس قد خطب علی (علیه السلام) فی الکوفة بالخطبة الشقشقیة والخطبة القاصعة وغیرها من الخطب المسندة التی یضلل فیها عمل أصحاب السقیفة .

المحاور: من هی سکینة بنت الحسین ؟ وممن تزوجت ؟ و هل أنجبت ؟ وما هو دورها فی واقعة الطف ؟ .

وما حقیقة ما ینسب إلیها من مجالسة الشعراء والحدیث معهم ؟ و هل کان لها حظ - فعلاً - من الشعر والأدب حتی تروی عن الشعراء وتحکّم بینهم ؟ .

الشیخ السند : قد حقق العلامة السید عبد الرزاق المقرم فی کتابه السیدة سکینة بن الإمام الشهید (علیه السلام) أن مصعب الزبیری صاحب کتاب (نسب قریش) الذی کان من أشد الناس عداوة لأمیر المؤمنین وولده وقد نسب کل ما کان لسکینة بنت خالد بن مصعب بن الزبیر التی تجتمع مع ابن أبی لبیعة الشاعر والمغنیات یغنین لهم ، فنسب ذلک إلی أبنة الحسین (علیه السلام) ثم تابعه المدائنی ثم زاد علیها الزبیر بن بکار وأبنه وهما من آل الزبیر وهم المعروفون بعدائهم لآل علی (علیه السلام) ، ثم تلقاها المبرد عن هؤلاء الوضاعین ، وعنه أخذها تلمیذه الزجاجی وغیره من دون تمحیص فأضلوا کثیراً من الکتاب والمؤرخین حتی رووها بلا إسناد موهمین أنها من المسلمات إلی غیر

ص:231

ذلک من الکتاب کأبی الفرج الأصفهانی الاموی النزعة والعداوة لآل البیت (علیهم السلام) ، وقد استعرض العلامة المقرم سند تلک الروایات وبیان تراجمهم فی کتب الجرح والتعدیل عند أهل السنة وشهادتهم علیهم بالوضع والعداوة لآهل البیت (علیهم السلام) .

وکیف یتصور فی بنت سید الشهداء التی قال عنها (علیه السلام) : (یا خیرة النسوان)(1)أن ینسب لها تلک الرذائل ومقارفة المحرمات وقال عنها (علیه السلام) :

(وأما سکینة فغالب علیها الإستغراق مع الله )(2). لاحظ إسعاف الراغبین للصبان بهامش نور الأبصار ص 202 .

وکانت (سلام الله علیها) فی کنف الإمام السجاد ثم الإمام الباقر والإمام الصادق (علیهم السلام) بعد الطف ، کما أنه تعرض إلی روایة تزوج مصعب بن الزبیر بها وإنها روایة موضوعة وذکر فی ذلک فصول عدیدة من کتابه وشواهد دامغة فلاحظ الکتاب المزبور .

المحاور : هل طلق عبد الله بن جعفر السیدة زینب (علیها السلام) ، وتزوج أختها سکینة ، و ذلک بعد خروجها للطف مع أخیها ؟ .

المحاور: أرجو منکم تزویدی بمعلومات أو مأثورات عن أبناء الإمام الحسین (علیه السلام) وخصوصاً هاتین الشخصیتین الکریمتین (علی الأکبر والقاسم) أو أی مصدر من المصادر یذکر المستشهدین بین یدی إمامنا (علیه السلام)

ص:232


1- (1) - المناقب لأبن شهر أشوب ج4 ص109 .
2- (2) - الکنی والألقاب ج2 ص465 .

لو تفضلتم ؟ .

الشیخ السند : قد کتب العلامة المرحوم السید عبد الرزاق المقرم فی ذلک فعلیک

بملاحظته وکذلک صاحب کتاب (نور الأبصارفی أنصار الإمام الحسین (علیه السلام) ) للشیخ محمد السماوی ، وقد استعرضت کتب علم الرجال لعلماء الإمامیة تراجم للأصحاب الشهداء .

ص:233

ص:234

القرآن الکریم

اشارة

المحاور: نحن الشیعة الإمامیة نعتقد بأن القرآن کتاب الله الخالد ومعجزة رسول الله (صلی الله علیه وآله) والقرآن معجز علی أصعدة کثیرة (الصعید البنیانی واللغوی والصعید العلمی .... ) فبما أن القرآن عمیق بتلک الدرجة کیف نستطیع نحن الناس العامة أن نقرأ القرآن بتدبر وتفکر وهما لا ینتجان إلا عن العلم؟ أم أن التدبر هو معرفة تفسیر الآیات؟ لو کان التدبر هو الإتعاض بقصص من کان قبلنا التی وردت فی القرآن لو قرأنا قصص القران أو قرأنا قصص غیره المؤثرة؟ کیف لا تکون کثرة قراءتنا لقلقة لسان؟ أقصد کیف التعامل مع القرآن الصحیح الموصل إلی أهداف القرآن التربویة ؟ .

الشیخ السند : قد ورد فی الحدیث عنهم (صلوات الله علیهم) أن القرآن مأدبة الله ، والتدبر والتفکر لیس حکراً علی فئة العلماء من أی تخصص کانوا ، وقد قال تعالی : أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها (1)،

ص:235


1- (1) - محمد (24) .

وقال : کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (1)، وقال : الم ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ هُدیً لِلْمُتَّقِینَ اَلَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ وَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَیْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ أُولئِکَ عَلی هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (2)، نعم للقرآن درجات وبطون الی سبعین بطن وکل یغترف علی قدر طاقته وقابلیته ومؤهلاته العلمیة والعملیة بل ان أعماقه لا یصل إلیها الا المطهرون کما فی سورة الواقعة ، کما إن قوله تعالی فی سورة البقرة منبه علی أن الهدایة القرآنیة هی من نصیب المتقین ذوی المواصفات المتقدمة ، والتدبر والتفکر

وإن کانا یتوقفان علی العلم ودرجاته الا أن العلم الفطری المودع فی کل شخص بشری کفیل فی توفیر القدرة نسبیاً علی فهم أُصول المعارف القرآنیة فی المجالات المختلفة کالعقیدة والفقه والاخلاق والآداب والحکمة والسنن التاریخیة واللطائف المعنویة العرفانیة واُصول القانون وأبوابه المختلفة وغیرها ، نعم تفاصیل تلک المعارف ودقائقها تتطلب الإلمام بعلوم العربیة والأدب وغیرها والأطلاع علی الروایات الواردة التفسیریة وغیر ذلک وبإمکان القاریً للقرآن الاستعانة بالکتب التفسیریة المختلفة المعتمدة والموثوقة وهی تتدرج بالقاریً شیئاً فشیء إلی مستویات أعمق وإن لم یعنی ذلک کونه من أهل التخصص وإبداء النظر ، لکن ذلک لا یمنع فتح باب الفکر والعقل والقلب أمام أنوار هدایات القران فالسیر فی رحاب القران أمر والصیرورة من أهل

ص:236


1- (1) - ص (29) .
2- (2) - البقرة (1 - 5) .

الاختصاص والنظر أمر آخر وتصور الشیء أمر والتصدیق به أمر آخر أما الاتعاض بالقرآن وقصصه وأمثاله وحکمه ووصایاه وتهذیب النفس وصقلها فی جوّ الخطاب القرآنی فمن المعلوم أن ذلک لا یحصل بتلک الدرجة من غیر القرآن ، فان الترکیب الخاص والنظم المناسب سواء للألفاظ أو للمعانی أو للقضایا أو للنتائج أو للرؤی أو للمبادیً أو للعلوم وغیرها الموجود فی الکتاب العزیز هو بدرجة لا تصل إلیها القدرة البشریة فی أی کتاب مؤلف من الأنس أو الجن ، فمن ثم کان ما یفعله القرآن فی القاری له تأثیر من الناحیة العلمیة والعملیة ، هو ما لا یفعله کتاب غیره ولأجل ذلک وصفه المشرکون الذین کانوا یعارضون الدعوة المحمدیة بأنه سحر لما یشاهدونه من جذبات قرآنیة تصنع فی نفوسهم من دون اختیار .

بل أنه من الثابت المقرّر بحسب الآیات والروایات والعلوم المختصة المشتهرة وغیر المشتهرة أن قراءة القرآن لغیر العارف باللغة العربیة ، کأبناء اللغات الاُخری ، له تأثیره الروحی الخاص فضلاً عن الحفظ والأمن النفسی وغیره الذی توجبه قراءة القرآن علی النفس والمال والأهل وغیر ذلک من الخواص ، وإن کان ذلک أقلّ ما یستثمره القاریً ، ولکن لیست القراءة لقلقة مجردة کما قد یتوهم ، و هذا التأثیر نظیر أذکار الصلاة وغیره من الاذکار بالاسماء والصفات الإلهیة ، فالعمدة أن علی القارئ أن یعتنی فی البدایة فی تقویة تدبراته وتأملاته أثناء القراءة للقرآن المجید ، بتوسط معرفة غریب ألفاظ القرآن ثم التدرج فی معرفة التفسیر اللفظی ثم معرفة أسباب النزول ثم معرفة الروایات الواردة عن الثقل الثانی أعدال الکتاب

ص:237

ثم الأطلاع علی بقیة أنواع التفسیر ، کل ذلک بحسب الوسع والتفرغ والقدرة ولو یسیراً فإنه مع طول المدة وتکرر القراءة یصل القاریء إنشاء الله تعالی إلی مدارج محمودة من معرفة المعانی للآیات والسور ، لا سیما مع مراعاة جانب تهذیب النفس والتقوی ، فإن الهاتف والنداء القرآنی یسمعه من صغی قلبه وطهر خلقه وقوی ایمانه ، کما أشارت إلیه الآیات التی مرّت فی صدر الکلام .

المحاور: أ - ما هی الحکمة أو القاعدة المتبعة فی تسمیة السور فی القرآن الکریم ؟.

ب - من الملاحظ فی العدید من السور الواحدة أنها تشتمل علی عدد من المواضیع لا تنسجم مع عنوان السورة ذاتها ، فعلی سبیل المثال فی سورة البقرة بالإضافة إلی قصة البقرة (آیات67-71) نجد هناک عددا من المواضیع الأخر مثل :

1- إبراهیم (علیه السلام) (الآیات : 124-133) .

2- القبلة (الآیات : 142-150) .

3- الحج (الآیات : 196-203) .

4- استخلاف آدم (علیه السلام) : (الآیات : 30-39) .

فکیف یمکن تبریر إدراج هذه المواضیع المختلفة ضمن عنوان البقرة ؟ .

ج - من الذی وضع الأسماء للسور فی القرآن الکریم ؟ .

ص:238

د - هل هناک أسماء موضوعیة للسور فی القرآن الکریم ؟ .

الشیخ السند : أسماء السور هل هی توقیفیة أی موضوعة من الله تعالی أو من نبیه (صلی الله علیه وآله) أو هی موضوعة من المسلمین فی الصدر الأول بحسب ما تعارف واشتهر استعماله لدیهم ، قال الزرکشی الشافعی فی کتابه (البرهان فی علوم القرآن) : (ینبغی البحث عن تعداد الأسامی هل هو توقیفی أو بما یظهر من المناسبات ؟ فإن کان الثانی فلن یعدم الفطن أن یستخرج من کل سورة معانی کثیرة تقتضی أشتقاق أسمائها وهو بعید - ثم قال - خاتمة فی أختصاص کل سورة بما سمیت : ینبغی النظر فی وجه أختصاص کل سورة بما سمیّت به ولا شک أن العرب تراعی فی الکثیر من المسمیات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب یکون فی الشیء ... ویسمون الجملة من الکلام أو القصیدة الطویلة بما هو أشهر فیها وعلی ذلک جرت أسماء سور الکتاب العزیز ... ) (1)إلی آخر کلامه ، ویظهر منه عدم الجزم بتوقیفیة الأسماء لاسیما و أن ما علل به التسمیة یناسب تواضع الإستعمال علیها لمناسبات الإستعمالات اللغویة .

وقال السیوطی فی کتابه : (الإتقان فی علوم القرآن) : ( وقد ثبت أسماء السور بالتوقیف من الأحادیث والآثار ولولا خشیة الإطالة لبینت ذلک و مما یدل لذلک ما أخرجه أبن أبی حاتم عن عکرمة قال : کان المشرکون یقولون سورة البقرة وسورة العنکبوت یستهزئون بها فنزل : إِنّا کَفَیْناکَ

ص:239


1- (1) - الأتقان فی علوم القرآن للسیوطی ص156 .

اَلْمُسْتَهْزِئِینَ (1))(2).

ویظهر من ذیل کلامه من بعض الأقوال أن بعض الأسماء توقیفیة وبعضها موضوعة للمناسبة لاسیما وإن کل سورة من السور لها أسماء متعددة .

وفی الروایات الواردة فی فضائل السور وغیرها عن أئمة أهل البیت (علیهم السلام) تسمیة السور بالأسماء المعروفة لها مما یدل علی إمضاء التسمیة وعل کل تقدیر فهذه الأسماء أسم علم للسور حالیاً وأستحداث أسم لها هو نحو تصرف موقوف علی الإذن الشرعی .

وقد حکی شیخنا عن أستاذه العلامة الطباطبائی تعجبه من تسمیة سورة الأنعام بالأنعام مع أنها من أعظم السور فقد اشتملت علی ما یزید علی الأربعین برهاناً فی التوحید والأولی تسمیتها بالتوحید ونحو ذلک و هذا مؤشر علی أن التسمیة للسور من مسلمی الصدر الأول بحسب تکرر الإستعمال .

وهناک الکثیرون من مفسری أهل السنة والجماعة ممن یقول بتوقیفیة الأسماء ، إلا أن المقدار المعلوم من ذلک هو تعارف هذه التسمیات فی عهده (صلی الله علیه وآله) إجمالاً ، کما أنه من المعلوم اختلاف الصحابة فی التسمیة بحسب ما روی عنهم کما أن المقدار المروی عنه (صلی الله علیه وآله) هو تسمیة مجموعات السور کالطوال والمثانی والمئین والمفصّل والطواسیم والحوامیم ونحو ذلک .

کما أن الصحابة لم یثبتوا فی المصحف أسماء السور بل بإثبات البسملة

ص:240


1- (1) - الحجر (95) .
2- (2) - المصدر السابق .

فی مبدأ کل سورة وهی العلامة لفصل السور عن بعضها البعض فالتسمیة لیست قرآنیة ، کما أنه مما ورد فی لسان روایات أهل البیت (علیهم السلام) یظهر أستعمالهم لتلک الأسماء للسور مما یعطی تقریراً منهم لذلک إجمالاً .

المحاور: إنی رجل من طلبة العلوم الدینیة وکنت توصلت من خلال دراستی للقرآن الکریم ومقارنته بالأحادیث الشریفة وسیر الأنبیاء (علیهم السلام) إلی نتائج فیها شیء فی الأعجاز العددی فی القرآن الکریم و ذلک مثل : قوله تعالی : إِنَّ

مَثَلَ عِیسی عِنْدَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (1). إن اسم عیسی (علیه السلام) قد ورد فی القرآن الکریم خمساً وعشرون مرة ، و أن أسم آدم (علیه السلام) قد ورد ذکره فی القرآن الکریم نفس العدد خمساً وعشرون مرة ، أن عدد الأنبیاء الذین ورد ذکرهم فی القرآن الکریم خمساً وعشرون نبیاً ، إن ولادة عیسی (علیه السلام) توافق خمسة وعشرون من ذی القعدة . ومن قوله تعالی : وَ مِنَ اللَّیْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَیْلاً طَوِیلاً (2)، نجد أشتقاق لفظ (اللیل) متکررة فی القرآن الکریم (92) مرة .

أشتقاق لفظ (سجد) متکرره فی القرآن الکریم (92) ، أشتقاق لفظ (سبح متکررة فی القرآن الکریم (92) ، مرة وما أکثر الروایات :

(... وتفترق الأمة ثلاثة وسبعین فرقه کلها فی النار إلا فرقة )(3)، ورد لفظ

ص:241


1- (1) - آل عمران (59) .
2- (2) - الإنسان (26) .
3- (3) - کشف الخفاء للعجلونی ج1 ص150 ، الأقتصاد للطوسی ص213 .

(فرقة) ومشتقاتها فی القرآن الکریم (72) مرة عن النبی (صلی الله علیه وآله) وأئمة أهل البیت (علیهم السلام) کقولهم :

(إن للقرآن ظهراً وبطناً (1) ،إلی سبعة أبطن أو إلی سبعین بطناً )(2)، الحدیث ( المیزان المجلد : 1 ص : 7 ) ، وقد وردت لفظ ( القرآن ) وأشتقاقها سبعین (70) مرة فی القرآن الکریم ( راجع المعجم الفهرس لألفاظ القرآن الکریم ) (58) لفظ ( القرآن ) و(10) قرآنا و(2) قرآنه ، روی عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی حدیث طویل ... قال المفضل : (یا مولای فما شرائط المتعة قال یا مفضل لها سبعون شرطاً من خالف منها شرطاً ظلم نفسه ) (3) . ورد لفظ

(المتعة) ومشتقاتها سبعون (70) مرة فی القرآن الکریم وهناک عشرات من هذه النماذج سنعرضها لکم لاحقاً وهکذا هل فی مثل هذه الاستنتاجات إشکال شرعی ؟ .

وما أکثر الروایات فی أهل الکساء (علیهم السلام) الخمسة ... لقد ورد لفظ (الکساء) ومشتقاتها فی القرآن الکریم خمس مرات وهو العدد مطابق لعدد أهل الکساء (علیهم السلام) الخمسة : فکسونا ، نکسوها ، واکسوهم ، کسوتهم ، کسوتهم ( راجع المعجم الفهرس لالفاظ القرآن الکریم ) .

وما أکثر الروایات إن بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله) اثنا عشر إماماً أولهم الإمام علی (علیه السلام) وأخرهم الإمام المهدی (عجل الله تعالی فرجه) ... ، فقد وردت لفظ : (إمام) ومشتقاتها فی القرآن الکریم أثنی عشر مرة وهو مطابق لعدد الأئمة المعصومین (علیهم السلام) .

ص:242


1- (1) - عوالی اللئالی للأحسانی ج4 ص107 .
2- (2) - تفسیر فرات الکوفی .
3- (3) - مستدرک الوسائل ج14 ص477 ، البحار ج53 ص30 .

ورد فعل (عصم) ومشتقاته فی القرآن الکریم ثلاثة عشرة مرة وهو مطابق لعدد المعصومین (علیهم السلام) غیر الانبیاء من بعد النبی محمد (صلی الله علیه وآله) الذین عصمهم الله تعالی وطهرهم من الرجس تطهیراً أن النبی محمد (صلی الله علیه وآله) هو أفضل الانبیاء وخاتمهم فهو مثل کل الانبیاء فی العصمة .

و أن السیدة فاطمة الزهراء الصدیقة المعصومة والبرة التقیة سلیلة المصطفی وحلیلة المرتضی وأم أئمة النجباء لم تکن بإمام بل کانت معصومة (علیها السلام) .

والمعصومین من بعد الرسول (صلی الله علیه وآله) :

1- الإمام علی (علیه السلام) .

2 - السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ... (13) الإمام المهدی (عجل الله فرجه) .

وهناک عشرات من هذه النماذج سنعرضها علیکم لاحقاً . هل فی مثل هذه الإستنتاجات إشکال شرعی ؟ و هل هذا دلیل یؤید ویطابق ویناسب أو هو

مصداق وصحة روایات أهل البیت (علیهم السلام) ؟ نرجو من سماحتکم أن یکون الجواب واضح شاف وواف ؟ .

الشیخ السند : الجرد والکشف الإحصائی عن الأعداد للکلمات والمواد فی القرآن الکریم أمر یتناول جانباً من الإهتمام بالقرآن العظیم ، وهو نوع من الدراسات التفسیریة للکتاب المجید ، نعم لبحث الأعداد حساب الأبجد الصغیر والمتوسط والکبیر وعلم الحروف ونحوه من العلوم المتصلة بذلک ، وحجیة تلک العلوم هی بمقدار التنبیه والإیقاظ علی المطالب وکیفیة تناسقها وتناسبها فلا بد فی الحجیة من اندراجها فی الأستدلال البرهانی

ص:243

کرجوعها إلی الأستدلال بالنص القرآنی القطعی أو الظهور الاستعمالی الحجة أو الدلیل العقلی المعتبر .

المحاور: ما هی علاقة القرآن الکریم بأهل البیت (سلام الله علیهم) ؟ وما هی الکتب التی ممکن أستفید منها فی هذا المجال ؟ .

الشیخ السند : العلاقة بین القرآن الکریم وأهل البیت (علیهم السلام) هو إقتران حجیة القرآن وحجیة العترة کما هو مفاد حدیث الثقلین المتواتر أو المستفیض بین الفریقین بل ان مفاده هو معیة حجیة القرآن مع حجیة العترة وإنهما لن یفترقا وإن شرط الهدایة التمسک بهما معاً و هذا المفاد قد نصّت علیه الآیات فی السور العدیدة کما فی آل عمران : هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکِتابَ مِنْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِیلِهِ وَ ما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ (1)، فدلت الآیة علی أن حجیة المتشابه والتأویل سواء لظاهر المحکم أو للمتشابه لا تنفصل عن حجیة الراسخون فی العلم فهم المخاطبون بتأویل القرآن وإن کان ظاهر القرآن المخاطب به هو کل الناس ، کما تدل الآیة علی أن مقولة حسبنا کتاب الله هو زیغ عن الحق وابتغاء للفتنة فتدل علی عدم إفتراق الکتاب عن العترة و الراسخون فی العلم أهل آیة التطهیر ، کما أشارت إلیه سورة الواقعة : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ لا

ص:244


1- (1) - آل عمران (7) .

یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (1)، فقرن القرآن بالمطهرین وأنه لا یصل إلی الکتاب المکنون إلا المطهرون وهو بمثابة الأصل والمنبع للتنزیل . وغیرها من الآیات الناصة علی معیة الثقلین .

وأما الکتب فی هذا المجال فعموم کتب علم الکلام تتطرق لهذه العلاقة وکذلک کتب علم أصول الفقه فی مسألة حجیة ظاهر القرآن .

المحاور: هل صحیح أن هناک فرق بین کلمتی القرآن والکتاب بمعنی أن معنی الکتاب أعم وأکبر من معنی القرآن فقد قیل لنا من قبل أحد المحاضرین أن الکتاب کما ورد فی الآیة الکریمة : الم ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیهِ (2)، بأنه یشتمل علی کل الکتب السماویة بما فیها القرآن العظیم ؟ .

الشیخ السند : القرآن والکتاب کل منهما قد یطلق علی الآیات والسور المتنزلة علی خاتم الانبیاء (صلی الله علیه وآله) وقد یطلق کل منهما علی الوجود التکوینی العلوی الغیبی الجامع لکل صغیرة وکبیرة مما کان أو یکون أو هو کائن ، وقد یفرق فی أستعمال کل منهما وهو الغالب - فیطلق القرآن علی الآیات المتنزلة

والکتاب علی الوجود العلوی والغیبی ولکل من الأمرین أوصاف ونعوت ، فقد قال تعالی : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (3)، فهنا أطلق القرآن علی الوجود الغیبی العلوی وهو الکتاب مثله قوله تعالی : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ

ص:245


1- (1) - الواقعة (75 - 80) .
2- (2) - البقرة (1 -2) .
3- (3) - الواقعة (77 - 80) .

فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (1)، وقال تعالی : حم وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا (2)، فهنا أطلق الکتاب علی الوجود العلوی الغیبی والقرآن علی الوجود المتنزل ، وقال تعالی : هُوَ الَّذِی بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ (3)، فهنا أطلق الکتاب علی الوجود المتنزل أیضاً ومثله قوله تعالی: یا یَحْیی خُذِ الْکِتابَ بِقُوَّةٍ (4)، ومثله : اَلَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ (5).

اما النعوت والأوصاف فقد أطلق نعت الشمولیة والإحاطة علی کل منهما ففی شأن الکتاب العلویّ : یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (6)، : وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرَ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (7)، وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها کُلٌّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (8)، وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (9)، ما فَرَّطْنا فِی الْکِتابِ مِنْ شَیْ ءٍ (10).

ص:246


1- (1) - البروج (21 - 22) .
2- (2) - الزخرف (1 - 3) .
3- (3) - الجمعة (2) .
4- (4) - مریم (12) .
5- (5) - البقرة (101) .
6- (6) - الرعد (39) .
7- (7) - یونس (61) .
8- (8) - هود (6) .
9- (9) - النمل (75) .
10- (10) - الأنعام (38) .

وفی شأن القرآن المنزل : وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ ءٍ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً (1)، وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ (2)، فوصف القرآن بأن فیه تبیان کل شیء وإنه مهیمن ومحیط بکل الکتب السماویة المنزلة السابقة .

وقال تعالی : وَ ما کانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَری مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ الْکِتابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِینَ (3)، فوصف القرآن بإنه تفصیل کل الکتاب ومثله قوله تعالی : ما کانَ حَدِیثاً یُفْتَری وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (4).

المحاور: هل یوجد عندنا من یعمل بدون أن ینتظر جزاء ؟ .

الشیخ السند : نعم هم الأحرار من الأولیاء لا سیما أئمة أهل البیت (علیهم السلام) الذین یعبدونه تعالی حبا له .

المحاور : یقولون الفقهاء أنه إذا وجد دلیلین متعارضین فی القرآن فإن هذان الدلیلان کلاهما یسقطان ، فلا یجوز لأحدهما أن یکون کاذب بحجة أنه عدم وجود تناقض أو تکاذب فی الدلیل ؟ فکیف توضحوا لنا ذلک ؟ .

ص:247


1- (1) - النحل (89) .
2- (2) - المائدة (48) .
3- (3) - یونس (37) .
4- (4) - یوسف (111) .

الشیخ السند : لا یوجد فی الکتاب العزیز تعارض بحسب الواقع لکن قد یتخیل بسبب عدم التعمق فی دلالة الآیات وجود تهافت فی دلالاتها ولکنه یزول بالتدبر ولا سیما بمعرفة الناسخ من المنسوخ والخاص من العام .

المحاور : ما معنی الحدیث النبوی : ( لیس منا من لم یتغنی بالقرآن )(1)، ولماذا لا نشعر بالملل عند الأستمراریة فی قراءة القرآن أو مع کثرة سماعه لنا قیاساً بالکلمات التاریخیة أو الشعریة أو القصصیة ؟ وما هی صفات حامل القرآن ؟ .

الشیخ السند : المراد هو تلاوته بصوت حسن بألحان غیر ألحان أهل الباطل والفسوق ، وأما امتیاز القرآن عن غیره من کلمات البشر فلأنه کلام الخالق ولا ینضب نوره ، ولعل أفضل ما ورد فی صفة حامل القرآن أنه قد ضمّ النبوة بین جنبتیه أی القرآن .

المحاور: مالفرق بین القرآن الکریم والحدیث القدسی ؟ .

الشیخ السند : الفرق أن القرأن الکریم نص اللفظ وتراکیبه وهیئاته هی منه تعالی وبعنوان تنزیل الکتاب المبین ، وأما الحدیث القدسی فهو قد یکون نقل من النبی (صلی الله علیه وآله) بالمعنی ولیس بعنوان تنزیل الکتاب . کما فی قوله تعالی فی الحدیث القدسی مخاطباً العقل :

(وعزتی وجلالی ما خلقت خلقاً هو أحب إلیّ منک ولا أکملک إلا فیمن أحب أما انی إیاک آمر وإیاک أنهی

ص:248


1- (1) - المغنی لأبن قدامة ج12 ص47 .

وأیاک أعاقب وأیاک أثیب )(1).

المحاور: النفی فی القرآن الکریم متی یثبت ومتی یحذف ؟ وما العلة من الحذف فی بعض الآیات القرآنیة ؟ .

الشیخ السند : إن کان المراد من الحذف فی السؤال هو الحذف فی الترکیب الجمل المستعمل فی الاستعمال اللغوی تصیر ( وسئل القریة ) أی أهل القریة ، فضابطته ما قرر فی علم البلاغة فی باب المعانی من الأستعمال المجازی فی الإسناد أو الکلمة وقد عین موارد وضبطت ، نعم هناک نظریة للحکیم ملا صدرا وغیره من بعض المفسرین بنفی المجاز فی الأستعمال القرآنی و أن لهذه الموارد تأویل حقیقی وهذه النظریة یمکن الجمع بینها وبین مذهب مشهور اللغویین بحمل تفسیرها علی التأویل لا الظهور الأولی .

وإن کان المراد من الحذف التحریف فهو منفی بإجماع العلماء وما یشاهد من إختلاف القراءات فهو فی دائرة تختلف عن دائرة التحریف کما حرر فی العلوم القرآنیة ولکن ضابطته وروده فی القرآءات المعتبرة .

المحاور: من منتصف القرن الماضی حتی الیوم ، بدأت الکثیر من المدارس الأدبیة بتسمیة النص النثری الذی یحتوی علی البدیع والبلاغة والصور والمشاعر والعاطفة بالشعر . والقرآن الکریم نص نثری وفی آیات کریمة یقول الله (عز وجل) : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ * وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِیلاً ما

ص:249


1- (1) - تفسیر الرازی ج29 ص 74 ، المختصر لحسن بن سلیمان الحلی ص 279 ح : 274 .

تُؤْمِنُونَ (1)؟ .

هل تصنیف النثر علی أنه شعر یتعارض مع عدم تصنیف الإمامیة للقرآن الکریم أنه من الشعر ؟ و هل هناک مائز یعتمده العلماء فی تصنیف النصوص الشعریة عن النصوص الأخری ؟ .

الشیخ السند : لتعریف الشعر کما هو الحال فی الغناء تارة یلحظ الوزن والهیئة والوقع الصوتی ، وأخری تلحظ المادة والمعانی بما تثیره من تحریک نفسانی وأحاسیس وتسمیتهم للنثر التصویری المخیلی شعراً هو بلحاظ المادة والمعنی الذی یرسمه فی المخیلة ، وعلی کل تقدیر فلا یصدق التعریف علی النثر القرآنی لعدم إعتماد الکتاب الکریم علی التصویر الخیالی لإثارة المخیلة مما لا صلة له بالواقع والحقیقة کما یشیر إلیه قوله تعالی فی ذیل سورة یوسف : لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ ما کانَ حَدِیثاً یُفْتَری وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ هُدیً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (2).

تحریف القرآن :

المحاور: ورد فی (مفاتیح الجنان) علی لسان العلامة المجلسی آیة الکرسی علی التنزیل علی روایة علی أبن إبراهیم و الکلینی هی : (اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما

ص:250


1- (1) - الحاقة (40 - 41) .
2- (2) - یوسف (111) .

وَ ما تَحْتَ الثَّری عالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِیمُ مَنْ ذَا الَّذِی... هُمْ فِیها خالِدُونَ)1.

هل لدی الشیعة آیة کرسی تختلف عن التی یعرفها جمهور المسلمین ؟ .

الشیخ السند : المراد من قراءة التنزیل لآیة الکرسی هو أن الآیات عند نزولها کان أصحاب المصاحف یکتبون معانی التنزیل مع ألفاظ آی التنزیل نظیر ما کان فی مصحف عبد الله بن مسعود ومصحف أبیّ بن کعب کما ورد فی الصحاح الستة حیث کان مصحف عبد الله بن مسعود یدمج ویضم إلی ألفاظ التنزیل تفسیرها ، أی معانی التنزیل ، و هذا منشأ أختلاف کثیر من مصاحف الصحابة ، حیث قام عثمان بن عفان بعد ما ألحّ علیه حذیفة بن الیمان - الذی کان من شیعة علی (علیه السلام) ویخطو بإرشادٍ من علی (علیه السلام) - حیث رجع من القتال فی أرمینیا ورأی أختلاف فی القراءة فأقترح علیه بتوحید المصاحف وإلغاء المصاحف الأخری فأمتنعت حفصة عن إعطاء مصحفها ولکن أخوها بعد وفاتها سلمه لمروان فاُتلف .

وقصة توحید المصاحف معروفة فی کتب السیر وعلوم القرآن والحدیث .

المحاور: هل تم حذف آیات خاصة لآل البیت وعلی رأسهم أمیر المؤمنین (علیهم السلام) من القرآن ؟ .

الشیخ السند : إجماع علماء الإمامیة علی عدم نقص القرآن الکریم وإنما الحذف هو فی تأویل الکتاب الذی کان یکتب فی حاشیة القرآن مما

ص:251

یؤدی إلی تحریف المعنی الذی نزل به آیات القرآن الکریم ، و هذا هو مضمون جلّ الروایات عندنا فی تحریف معنی القرآن وهو المراد من کلمات بعض علماء الإمامیة من التحریف فی التنزیل أی المعنی الذی ینزل علیه ألفاظ الآیات . وعلی آیة تقدیر فان تحریف تأویل معنی الآیات أمر بالغ الخطورة لإنه تعطیل لجملة من آیات الکتاب العزیز .

آیات قرآنیة :

المحاور: ما العلة فی تقدیم السمع علی البصر فی کثیر من الآیات القرآنیة ؟ .

الشیخ السند : قد ذکر لذلک وجوه منها : أهمیة السمع علی البصر لعدم کون کل الموجودات مبصرة فبعضها لطیفة أو مجردة عن المادة فلا تبصر بالحس ولکن تدرک بالمعنی وبالألفاظ الدالة علیها ومن ثم أشاد القرآن بخلق البیان والنطق فی الإنسان أکثر من أیة جارحة أخری .

منها : أن آخر ما ینام فی الإنسان هو السمع وأول ما یستیقظ من جوارحه هو السمع مما یدل علی قوة هذه الجارحة علی البصر ولعله لذلک ورد أن النبی (صلی الله علیه وآله) والأئمة (علیهم السلام) نومهم بنوم العین دون السمع والقلب .

منها : أن نعمة السمع أعظم من نعمة البصر لإرتباط الشدید بالتعقل والإدراک ولذلک یشاهد أن من العمیان علماء بخلاف من یصاب بالصمم فإنه قلّ ما یبلغ درجات فی العلم .

ص:252

ویقال أن الدماغ أسرع وأکثر تعرفاً علی موجات السمع منه علی موجات الابصار .

منها : أن أکبر نعمة فی التفاهم هی الکلام وهو إنما یقتدر علیه بالسمع قبل البصر .

المحاور: قال تعالی : إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً (1):

1 - ما المقصود بالأمانة ؟ .

2 - لماذا رفضت السماوات و الأرض و الجبال حملها , و هل تعتبر معصیة ؟ .

3 - لماذا حملها الإنسان ؟ .

4 - لماذا أطلق الله علی الإنسان ظلوماً جهولاً ؟ .

الشیخ السند : 1 - قد فسرت الإمامة فی الآیة فی روایات أهل البیت (علیهم السلام ) بولایة محمد وآل محمد (صلوات الله علیهم) أو بولایة علی (علیه السلام) وفسرت بالإختیار وبالتکلیف وبالعقل والإیمان والتوحید ونحو ذلک ، وکل هذه المعانی تشیر إلی مرکز واحد وهو قابلیة التکلیف الإلهی وأبرزه أصول الاعتقادات فی الشریعة .

2 - المراد من الإباء والعرض لیس المخالفة للأمر المولوی الإلهی ، بل العجز فی قابلیتها عن تحمل عطاء الأمانة .

ص:253


1- (1) - الأحزاب (72) .

3 - وحملها الإنسان لقابلیته وامتیازه بین المخلوقات بإستعداده للتکامل إلی أعلی علیین وللتسافل إلی أسفل السافلین وقعر جهنم و أنزل الدرکات الدرک الأسفل .

4 - إطلاق الظلوم الجهول علی الإنسان کما تکون عبارة مدح وثناء علی الإنسان تکون عبارة ذم وهجاء للإنسان و ذلک بلحاظین واعتبارین فإن وصل إلی الجنة والکمال العلوی فهو الأول و أن انتهی إلی الجحیم والدرکات فهو الثانی فمن ثم فسر فی الروایات هذا الذیل من الآیة بأبرز مصادیق المعاندین الجاحدین کذم .

وفسر أیضاً بأن الإنسان ظلوم لنفسه یروّضها علی المشقة ویهذبها علی الفضائل جهول لکل شیء غیر الله تعالی ، أی یخلص نیته وتوجهه إلیه تعالی متجاهلاً لکل شیء غیر الله تعالی .

فوصف الظلوم الجهول تابع لتفسیر الأمانة الإلهیة وکیفیة تحملها .

المحاور : قال تعالی : فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ (1)، ما هی حقیقة القلوب ، هل هی المضغة والعضلة الموجودة فی جسم الإنسان أم هی شیء معنوی ، وإذا کانت کذلک فلماذا نسبت إلی الصدور ؟ هل هناک علاقة بین القلب المادی (مضخة الدم) وبین سلوک الإنسان کعلاقته بالخوف والخجل وغیرهما ؟ .

ص:254


1- (1) - الحج (46) .

الشیخ السند : المراد منها هی النفس والروح بلحاظ قواها الإدراکیة المجردة عن البدن فإنها التی توصف بالأبصار والعمی وتعلقها بالصدور بأعتبار تعلق الروح وبنمط معین بالبدن وتعلق کل واحدة من قواها بعضو من البدن .

المحاور : یقول الله تعالی : إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما یَنْفَعُ النّاسَ لآیات (1)، فکیف تکون الفلک من آیات الله وهی من صنع البشر ، وإذا کانت الفلک من آیات الله فلم لا تکون جمیع المخترعات من آیاته (عز وجل) ؟ .

الشیخ السند : المراد هو تأکیده تعالی علی النعم البارزة العظیمة الدالة علی صفاته من لطفه ورحمته وکرمه ولا ریب أن قانون الطبیعة التی أودعها الله تعالی من قانون الکثافة والثقل هو الذی هیأ الطریق لسیر الفلک بسهولة ونعومه علی سطح البحر تفوق السیر فی البر ومن ثم تری أن النقل البحری لا زال بشریاً یعتمد أکثر من النقل البری ولعل المراد بالآیة والفلک یعم الطائر فی بحر الهواء .

المحاور: قال تعالی : فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْری (2)، هل العسر هنا یقصد به أعمال الشر مثل السرقة أو الغیبة ... الخ أم یقصد أنه یمنعه الألطاف والهدایة الإلهیة ؟ .

ص:255


1- (1) - البقرة (164) .
2- (2) - اللیل (10) .

الشیخ السند : قال تعالی : أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنی وَ کَذَّبَ بِالْحُسْنی فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْری (1)، فالتیسیر للعسری ههنا بمعنی التهیأة وفتح أبواب الشر والتهیأة والفتح هما أیضاً بمعنی سلب اللطف والهدایة ، نظیر قوله تعالی : -

فأضلهم الله ، لأن الألطاف عواصم من الشر إذ المخلوق بطبیعة الفقر والأحتیاج والنقص وهو شر إنما النعمة والنعم هی ألطاف وعنایات ربانیة فإذا سلبت عاد الشر جذعاً إلی ذات المخلوق والعسر هنا هی أعمال الشر أیضاً لإنها مستبطنة للشر والعسر الأخروی أو المعیشة الضنکی الضیقة ولیس المقصود من ضنکها وضیقها هو الجانب المالی والمادی بل النفسی من الرضا والطیب والهناءة والسعادة والراحة النفسیة فکم من ثریّ یعیش الجحیم النفسی وکم من فقیر یعیش الراحة والأطمئنان النفسی .

المحاور: 1 - فی تفسیر المیزان للسید الطباطبائی (رضوان الله تعالی علیه) ج4 آیة 200 من سورة آل عمران الفقرة الأولی قوله تعالی : یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا (2)... الخ ، الأوامر مطلقة ، فالصبر یراد به الصبر علی الشدائد والصبر فی طاعة الله والصبر عن معصیته وعلی أی حال هو الصبر من الفرد بقرینة ما یقابله .

ما معنی بقرینة ما یقابله ؟ .

ص:256


1- (1) - اللیل (8 - 10) .
2- (2) - آل عمران (200) .

2- فی المقطع رقم (5) - هل تقبل سنة الإسلام الإجتماعیة الإجراء والبقاء ؟ الفقرة (6) فمجرد عدم أنطباق سنة من السنن علی الوضع الإنسانی الحاضر لیس یکشف عن بطلانه وفساده بل هو من جملة السنن الطبیعیة الجاریة فی العالم لتتمیم کینونة الحوادث الجدیدة إثر الفعل والإنفعال وتنازع العوامل المختلفة .

ماذا قصد السید من الفعل والانفعال ؟ .

3- فقرة (22) من نفس المقطع توضیح ذلک یحتاج الی بیان امور :

أحدها : إن الأمور الخارجیة التی هی أصول عقائد الإنسان العلمیة والعملیة تتبع فی تکونها وأقسام تحولها نظام العلیة والمعلولیة وهو نظام دائم ثابت لا یقبل الأستثناء أطبق علی ذلک المحصلون من أهل العلم والنظر وشهد به القرآن علی ما مر ... الخ ماذا قصد (رضوان الله تعالی علیه) ب- : (الأمور الخارجیة التی هی أصول عقائد الإنسان العلمیة والعملیة ) (1) ؟ وکیف تکون الأمور الخارجیة أصول عقائد الإنسان ، وما هی العقائد العلمیة والعملیة ؟ .

4- ماذا قصد (رضوان الله تعالی علیه) ب- : (أن الأمور الخارجیة تتبع فی تکونها وأقسام تحولها نظام العلیة والمعلولیة ) (2) ، وما هو نظام العلیة ؟ .

ص:257


1- (1) - تفسیر المیزان ج4 ص103 .
2- (2) - المصدر السابق .

5- ماذا قصد (رضوان الله تعالی علیه) بأن نظام العلیة : ( نظام دائم ثابت لا یقبل الأستثناء )(1)؟

6- ماذا قصد (رضوان الله تعالی علیه) بقوله : (أطبق علی ذلک المحصلون من أهل العلم والنظر وشهد به القرآن علی ما مر ) (2) ، وما هو الفرق بین (أهل العلم) وبین (أهل النظر ) تکملة الفقرة السابقة فالجریان الخارجی لا یتخلف عن الدوام والثبات حتی أن الحوادث الأکثریة الوقوع التی هی قیاسیة هی فی أنها أکثریة دائمة ثابتة ، مثلاً النار التی تفعل السخونة غالباً بالقیاس إلی جمیع مواردها (سخونتها الغالبیة) أثر دائم لها وهکذا ، و هذا هو الحق ؟ .

7- ماذا قصد (رضوان الله تعالی علیه) بقوله : ( و هذا هو الحق ) ؟

الشیخ السند : 1 - أی الصفة المقابلة له وبلحاظ متعلقه .

2 - التأثیر والتأثر .

3 - أی المبادئ التی یتکون منها معلوماته البدیهیة فی أحکام العقل النظری والعقل والعملی والأعتقاد هنا بمعنی الأذعان .

4 - أی قوانین الأسباب والمسببات .

5 - أی لا یمکن تخلف قواعده وقوانینه فی نظام الخلقة أبی الله أن یجری الأمور إلا بأسبابها .

ص:258


1- (1) - المصدر السابق .
2- (2) - المصدر السابق .

6 - ( أهل العلم ) : هم أهل العلوم المختلفة ، ( أهل النظر ) هم أهل الأستدلال العقلی والتجریبی .

7 - ای الواقع والحقیقة .

المحاور: ما السورة القرآنیة التی یطلق علیها : (اخت الطویلتین) ؟ .

الشیخ السند : هی السورة الثالثة طولاً فی القرآن الکریم .

المحاور : ما معنی التفسیر السیاسی لآیات الذکر الحکیم ؟ .

الشیخ السند : هو الذی یتناول الآیات المتعرضة للفقه السیاسی .

المحاور : الآیة الکریمة : فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ (1)، ما هو أستدلال العلماء من هذا المقطع ؟ .

الشیخ السند : إشارة إلی قطع العذر وإستنفاذ الحجة والحجج علیهم .

المحاور : الآیة الکریمة : وَ إِلی مَدْیَنَ أَخاهُمْ شُعَیْباً (2)، نعلم من شروحات القرآن أن أهل مدین أناس کفرة ، وشعیب (علیه السلام) نبی مرسل من السماء فکیف یمکن لهذا النبی أن یکون أخ لکفرة ؟ .

الشیخ السند : المراد من قبیلتهم وعشیرتهم کما فی : یا أُخْتَ هارُونَ (3)،

ص:259


1- (1) - الأعراف (185 ) .
2- (2) - هود (84) .
3- (3) - مریم (48) .

و إِلی عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (1).

المحاور : نقرأ فی القرآن الکریم : وَ الَّذِینَ آمَنُوا... (2)، فما هو المقصود من الإیمان فی مثل هذه المقاطع القرآنیة ؟ .

الشیخ السند : الذین آمنوا فی القرآن ورد بمعانی تارة بمعنی من أقرّ بالشهادتین ولو بظاهر اللسان کما فی غالب خطاب التکالیف الشرعیة وأخری بمعنی من آمن بالدین بقلبه کمجموعة واحدة من دون تبعیض کأن یکفر بما أنزل علی النبی (صلی الله علیه وآله) فی شأن علی (علیه السلام) وآله (علیهما السلام) ، کما قوله تعالی : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ (3)، وثالثة خاصة بالمعصومین (علیهم السلام) کما فی آخر سورة الحج .

المحاور: قال الله فی کتابه الحکیم : إِنَّ الْمُبَذِّرِینَ کانُوا إِخْوانَ الشَّیاطِینِ وَ کانَ الشَّیْطانُ لِرَبِّهِ کَفُوراً (4)، هل الشیطان لعنه الله کفر هنا بأنعم الله فقط وجحد بها أم أنه کافر عندما أعترض ولم یسجد لآدم (علیه السلام) عندما أمره الله للسجود إلیه (علیه السلام) ؟ .

الشیخ السند : کفر إبلیس هو عندما أستکبر عن تولی وموالاة خلیفة الله فی الأرض وهو آدم کإمام إلا أن ذلک الکفر یجّر ویستتبع موارد أخری للکفر .

ص:260


1- (1) - الأعراف (65) .
2- (2) - البقرة (9) .
3- (3) - الحجرات (14) .
4- (4) - الأسراء (27) .

البداء والرجعة

المحاور: ما هو البداء والرجعة ؟ و هل عدم معرفتی بهما وبالمعتقدات الأخری یؤثر علیّ وسأحاسب علیه ؟ و هل یجب علیّ دراسة العقیدة ؟.

الشیخ السند : البداء هو المحو والتغییر فی التقدیر والقضاء الإلهی لاعن جهل منه تعالی بخواتم الأمور ومحکمات التدبیر ، بل هو من إطلاق قدرته تعالی المستعلیة علی کافة الأسباب التکوینیة إذ کل الأمور المخلوقة منقادة لمشیئته فلا یحتم ظرف تکوینی علی الله تعالی بل لله المشیة ، و هذا علی خلاف مقولة الیهود التی یستعرضها القرآن الکریم حیث قالوا أن القلم واللوح قد جفّ بما کان ویکون ولا یجری فیه التبدیل فلا یستطیع الباری تغییر المقادیر عما هی علیه : وَ قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشاءُ (1)، فبقدرته تعالی علی تغییر القضاء والقدر یتم الاعتقاد بان الله علی کل شیء قدیر ، وینفتح باب الأمل أمام العبد تجاه ربه تعالی ویتوکل علیه ولا یلتجأ إلا إلیه ویفوض أمره إلیه ، ومن ثم قد ورد عن أهل البیت (علیهم السلام) لم یعبد الله بمثل ما عبد بالإیمان بالبداء ، ولم یبعث الله نبیاً إلا وقد أخذ علیه الإیمان بالبداء ، وقد ورد فی طرق الشیعة والسنة

ص:261


1- (1) - المائدة (64) .

أن الدعاء یحجب القضاء المبرم ، فلیس البداء بمعنی انه یبدو لله تعالی شیئاً لم یکن یعلم به بل هو من إظهار وإبداء الله تعالی لخلقه وأولیائه شیئاً لم یکونوا یعلمون به فیظل الأمر کله بیده تعالی : یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (1).

وأما عقیدة الرجعة فهی رجوع الأموات إلی دار الدنیا قبل یوم القیامة لاسیما أولیاء الله تعالی وأصفیاءه : وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (2)وقد وعد الله تعالی : إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ (3)، وقال تعالی : وَ یَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (4). و هذا الحشر لیس هو الأکبر یوم القیامة المشار إلیه فی قوله تعالی : وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (5)، بل هو حشر الرجعة غیر الشامل لکل البشریة بل لمن محض الإیمان محضاً ومن محض الکفر محضاً ، وقال تعالی : وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً (6). وقال تعالی : وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَیْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُکَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ کانُوا بِآیاتِنا لا یُوقِنُونَ (7)،

ص:262


1- (1) - الرعد (39) .
2- (2) - القصص (5) .
3- (3) - هود (49) .
4- (4) - النمل (83) .
5- (5) - الکهف (47) .
6- (6) - النور (55) .
7- (7) - النمل (82) .

ومن ذلک یعلم أن ما ورد من روایات فی خروج دابة الأرض مع المیسم - تسم المؤمن علی جبینه بالإیمان وتسم الکافر والمنافق علی جبینهما بالکفر - من طریق الفریقین هی من روایات الرجعة وکذلک بعض الآیات التی یحسب إنها من آیات القیامة الکبری لیست هی کذلک بل هی بالتدبر من آیات الرجعة .

وأما ضابطة العقائد التی یحاسب علیها الإنسان ویجب تعلمها علی کل حال والعقائد التی لا یجب تعلمها بل یجب الأعتقاد بها علی تقدیر حصول العلم بها

أی بعد تعلمها یجب الإعتقاد بها ، فهی أن أصول الدین الخمسة وأصول المعارف یجب الإعتقاد بها علی کل مکلف سواء الجاهل والعالم وعلی ذلک فیجب تعلّمها مقدمة للمعرفة والإعتقاد الصحیح بها ، وأما غیرها من العقائد والمعارف فی الشریعة فوجوب الاعتقاد والمعرفة بها مقید ومشروط بحصول العلم بها ولا یجب تحصیل العلم بها ، نعم تحصیل العلم بها کمال وراجح أکید شرعاً بالغ نهایته . والمعرفة أعظم أجراً من العمل بالفروع وان کان العلم یهتف بالعمل .

نعم هناک فرق بین الضروری وما هو من أصول الدین ، فإن الضروری أعم من ذلک والضروری إنما یجب الاعتقاد به باعتبار انه یولّد العلم بالمعرفة والاعتقاد .

ص:263

ص:264

الرجعة :

المحاور : قال الله تعالی : رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَ أَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا (1)، سؤالی هو : هل لهذه الآیة علاقة بالرجعة ؟ حیث إن قوله تعالی : أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ ، ربما یعنی الرجعة . وإذا کان حقاً أن المقصود بها الرجعة لماذا لم یقل تعالی ( أحییتنا ثلاثاً) لأنه بالرجعة یکون هناک ثلاث إحیاءات : الحیاة الدنیا ، الحیاة بعد الرجعة ، الحیاة للبعث ؟ .

الشیخ السند : نعم هذه الآیة بحسب الظاهر وبحسب الروایات مفادها فی الرجعة وموضع الدلالة هو فی تثنیة الموت وتثنیة الحیاة التی بعد الموت فالموتة الأولی هی بعد الحیاة الأولی والموتة الثانیة هی بعد الحیاة الثانیة والحیاة الثالثة حیاة البعث والنشور والحیاة الثانیة حیاة الرجعة ، فبعد کل من الإماتتین إحیائین اثنین لا ثلاث ، والبعدیة مدلول علیها فی الآیة بعطف الإحیاء وتأخیره ذکراً بعد الإماتة وهناک آیات جمة فی القرآن دالة علی الرجعة .

ص:265


1- (1) - غافر (11) .

المحاور: یدعی البعض أن عقیدة الرجعة لدینا نحن (الشیعة الإمامیة) لیست من ضرورات المذهب أو مسلماته ، سواء کانت بخصوص الأئمة (علیهم السلام) أو من بلغوا درجات الإیمان المحضة . وسؤالنا : هل الرجعة ومستلزماتها ترقی لمستوی الضروری أم هی مسلمة فقط ؟ .

وما هی آراء الفقهاء والعلماء العظام المتأخرین والمتقدمین ؟ و هل هما (الفرقتین من الفقهاء) مختلفتان فی تحدید مفهومها وکونها ضروریة أم لا ؟ .

الشیخ السند : المتصفح لکتب التراجم والکتب الکلامیة للقدماء یری أن القول بالرجعة فی مذهب الإمامیة یحاذی أو یفوق القول بالبداء لدیهم ، و أن بین متکلمی العامة والخاصة فی زمن الأئمة (علیهم السلام) قد وقع الجدال المستمر حول الرجعة وقصة مؤمن الطاق مع أبی حنیفة فی ذلک معروفة - وبل أن فی بعض الوقائع یظهر منها أن الرجعة رمز بارز وسمة لإسم التشیع مقرونة به کما فی القصة بین السید الحمیری الشاعر فی عهد الإمام الصادق (علیه السلام) وبین سوار القاضی فی محضر المنصور العباسی .

وأما إلقاء نظرة سریعة علی أقوال علماء الإمامیة فقد قال الشیخ المفید فی أوائل المقالات(1) (وأتفقت الإمامیة علی وجوب الرجعة لکثیر من الأموات إلی الدنیا قبل یوم القیامة وإن کان بینهم فی معنی الرجعة اختلاف ) .

ص:266


1- (1) - أوائل المقالات للمفید ص46 .

وقال فی موضع آخره : (أن الله تعالی یرد قوماً من الأموات فی صورهم التی کانوا علیها فیعز منهم فریقا ویذل ویدیل المحقین من المبطلین والمظلومین منهم من الظالمین و ذلک عند قیام مهدی آل محمد (علیه وعلیهم السلام) - إلی أن یقول - وقد جاء القرآن بصحة ذلک وتظاهرت به الأخبار والأمامیة باجمعها علیه الاشذاذ منهم تأولوا ما ورد فیه مما ذکرنا علی وجه ) (1) ، والاختلاف الذی یشیر إلیه من قلة منهم هو تأویل للأخبار الواردة برجوع الدولة ورجوع الأمر والنهی إلی الأئمة (علیهم السلام) والی شیعتهم وأخذهم بمجاری الأمور دون رجوع أعیان الأشخاص . وبعبارة أخری لا یشیر المفید (رضوان الله علیه) إلی من ینکر استفاضة الأخبار فی الرجعة والآیات القرآنیة وإنما هناک شذاذ یتأولون معناها والحال کذلک إلی عصرنا الحاضر .

وقال الشیخ الحر العاملی صاحب کتاب (وسائل الشیعة) فی کتابه الإیقاظ من الهجعة فی إثبات الرجعة : (ومما یدل علی ثبوت الإجماع اتفاقهم علی روایة أحادیث الرجعة حتی أنه لا یکاد یخلو منها کتاب من کتب الشیعة ، ولا تراهم یضعفون حدیثاً واحداً منها ، ولا یتعرضون لتأویل شیء منها ، فعلم إنهم یعتقدون مضمونها لأنهم یضعفون کل حدیث یخالف اعتقادهم - إلی أن یقول - و مما یدل علی ذلک کثرة المصنفین الذین رووا أحادیث الرجعة فی مصنفات خاصة بها أو شاملة لها ، وقد عرفت من أسماء الکتب التی نقلنا منها ما یزید علی سبعین کتابا قد صنفها عظماء علماء

ص:267


1- (1) - المصدر السابق ص78 .

الامامیة ، کثقة الإسلام الکلینی ، ورئیس المحدثین ابن بابویه ، ورئیس الطائفة ابن جعفر الطوسی ، والسید المرتضی والنجاشی والکشی والعیاشی وعلی بن إبراهیم وسلیم الهلالی والشیخ المفید ، والکراجکی والنعمانی والصفار - إلی أن قال بعد أن عدد ما یقارب من واحد وخمسین إسماً من أعلام الطائفة الامامیة من أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) ومن أصحاب بقیة الأئمة (علیهم السلام) ومن أعلام الغیبة الصغری ومن القرن الرابع والخامس إلی القرن الحادی عشر الذی عاش فیه - قال : وغیرهم فقد صرحوا بصحة الرجعة ونقلوا أحادیثها ) (1) .

ومن ثم ذهب المجلسی صاحب (البحار) المعاصر له إلی أن الرجعة من ضروریات المذهب ، وحکی الشیخ الأحسائی فی شرح الزیارة - علی ما ببالی - عن کتاب الرجعة للسید نعمة الله الجزائری انه قد جمع فی کتابه ستمائة ونیف حدیث فی الرجعة ، وهو غیر مستبعد إذ ما من نص زیارة أو دعاء أو حدیث فی الملاحم والظهور إلا ویشتمل فی الغالب علی الإشارة إلی الرجعة ولو بکلمة وقد جمع الحر أیضاً فی کتابه الإیقاظ أکثر من ستمائة ونیف حدیث فی الرجعة مع أنه لم یورد طوائف من الأحادیث الکثیرة التی أوردها المجلسی فی البحار وغیره من الأعلام .

وقد تعرض العلامة الطباطبائی فی تفسیره (المیزان)(2)، إلی الرجعة

ص:268


1- (1) - الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة للحر العاملی ص71 - 72 .
2- (2) - المیزان للطباطبائی ج2 ص108 - 109 .

ودفع الإشکالات الفلسفیة عنها کما قد ذهب الحکیم الفقیه المیرزا أبو الحسن ألرفیعی القزوینی إلی قیام البرهان العقلی الفلسفی المستقل علی الرجعة وکتب فی ذلک رسالة مستقلة مطبوعة وکذلک المحقق الشاه آبادی ، ومن قبلهم ذهب إلی قیام الدلیل العقلی علی الرجعة السید ابن طاووس .

فیتحصل أن البعض القلیل ممن ینسب إلیه التردد فی الرجعة لیس هو تردد فی ورود الروایات المستفیضة والآیات فیها وإنما هو فی معناها ، کما ذکر ذلک الشیخ المفید.

المحاور : هل یوجد من علماء السنة من یقول بالرجعة أفیدونا بالمصدر ؟ و هل یوجد من علماء الإباضیة من یقول بالمهدی المنتظر أفیدونا بالمصدر أیضاً ؟ .

الشیخ السند : لا یضر بالحق إنکار من أنکره کما لا یزید فی حقیقته کثرة القائل به فالمهم فی البحث الأعتقادی هو إتخاذه من آیات الکتاب وأقوال الرسول والأئمة (علیهم الصلاة والسلام) أما موافقة أحد أو مخالفته لنا فیها ، فلا تستوحشن طریق الحق لقلة سالکیه والرجعة من جملة عقائدنا ، وبها أدلّة من الکتاب وروایات المعصومین ، وهما الثقلان اللّذان ترکهما رسول الله فی الأمة لتتمسک بهما فلا تضل .

ولا یهمّنا أن یقول أحد من علماء سنة الخلافة بالرجعة أو لا یقول ، نعم من المهم - الذی غفل عنه کثیر من الناس - أنّ فی روایات العامة أنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) سأل ربّه أن یحیی له والدیه :

(فأحیاهما فآمنا به ثم أماتهما )(1)،

ص:269


1- (1) - کشف الخفاء للعجلونی ج1 ص61 ، البدایة والنهایة ج2 ص343 .

و هذه هی الرجعة ، وقد روی هذا الحدیث جماعة کبیرة من أئمّة الحدیث من أهل السنّة ، وجعلوه من مناقب النبی ووالدیه ، وذکروه فی کتب فضائله وسیرته وأحواله ، وإن ناقش بعضهم فی سنده ، فراجعوا - من باب المثال - کتاب (شرح المواهب اللدنیة بالمنح المحمدیة) تألیف الشیخ محمد بن عبد الباقی الزبرقانی المالکی ، وهو من أعلام المحققین فی علم الحدیث من أهل السنة والتفصیل له مجال آخر إن شاء الله .

المحاور: هل یجب الإیمان بالرجعة ؟ وما یترتب علی منکرها من حیث رجوع بعض الأئمة الأطهار (علیهم السلام) ؟ .

الشیخ السند : کل مسألة إعتقادیة یقوم الدلیل علیها یجب الإعتقاد بها . وقد قال جمعٌ کبیر من علماء الإمامیة أن أصل مسألة الرجعة من الضروریات للمذهب لکن معنی وتفاصیل الرجعة وحقیقتها قد یلتبس علی جملة من الباحثین وهناک فرق بین أصل المسألة وتفاصیلها .

المحاور: فی الکافی :

(عن الإمام زین العابدین (علیه السلام) قال : سألته بأی حکم تحکمون ؟ قال : حکم آل داود ، فإن أعیانا شیء تلقانا روح القدس ) (1)، إن الله تعالی أعطی أئمة أهل البیت مالم یعطی آل داود ، فقد أمرهم الله أن یحکموا بالظاهر اما أهل البیت فیحکمون بالواقع ؟ .

ما المقصود بحکم الواقع ؟ یفضل أعطاء أمثلة علی ذلک الحکم من تاریخ أهل البیت ؟.

ص:270


1- (1) - الکافی ج1 ص398 .

الشیخ السند : ظاهر کثیر من الروایات أن حکم أهل البیت (علیهم السلام) فی باب القضاء - فصل الخصومات والنزاعات - فی عصر الرجعة أی دولتهم فی آخر الزمان - سیکون علی طبق الواقع أی لا یحکمون علی طبق الظاهر من البینة من المدعی أو الحلف من المنکر بل علی طبق العلم اللدنی الذی آتاهم به الله تعالی وهو لا یخطئ الحقیقة الواقعیة بخلاف البینة والیمین .

فقد یأت القاتل بالبینة علی البریء المتهم کذباً وزوراً ، لکنهم فی دولتهم دولة الرجعة لا یحکمون علی طبق البینة أو الیمین بل علی طبق الحقیقة التی لا یستطیع المبطل الفرار منها .

ص:271

ص:272

البداء :

المحاور : ما هو المقصود ب- (البداء) ؟ .

الشیخ السند : البداء فی اللغة الظهور بعد الخفاء ، ویقصد منه فی السنة الإلهیة ظهور القضاء أو القدر الإلهی بعد أن لم یکن ، ویطلق علی المحو والإثبات :

یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (1)، فیمحو ما یشاء من اللوح ویثبت ما یشاء بالقلم ولیس محوه وإثباته إلا عن علم سابق ، لا کما یبدو عند المخلوقین من جهل بالأمور ، ومن ثمّ ورد فی طرق الفریقین الحثّ علی الدعاء وأنه یحجب القضاء المبرم عن الوقوع وکذلک الحثّ علی الصدقة وأنها تمنع البلاء النازل کما قصه القرآن من حجب العذاب النازل عن قوم یونس بن متی بن النون بعد أن أنذرهم نبیهم بالعذاب و ذلک بسبب دعائهم وتضرعهم وإنابتهم إلیه تعالی ، فمن ثم یظهر أن الاعتقاد بالبداء فی الإرادة الإلهیة یفتح باب الرجاء بالله تعالی ویزیل القنوط : لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ

ص:273


1- (1) - الرعد (39) .

إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ (1)، فی قبال مقالة الیهود بجف القلم بما کان ویکون ولا تغییر : قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشاءُ (2)، فید التصرف والقدرة الإلهیة لیست مقیدة ولا محدودة : کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ (3)وقوله تعالی : فَبِأَیِّ آلاءِ رَبِّکُما تُکَذِّبانِ (4)، یسأله من فی السموات و الأرض فبأی آلاء ربکما تکذبان ، ودعوی ید الله مغلولة تؤدی إلی دعوی الجبر و أن لا إمکان لتغییر الأمور ولا لتبدلها وینفتح باب الیأس والقنوط وینقطع الرجاء ویعتقد بعجز الله تعالی - والعیاذ بالله - عن تغییر الأحوال والأمور .

المحاور: ما هی المؤثرات التی تؤثر علی المشیئة الإلهیة ؟ نحن الشیعة نعتقد

بالبداء و الحقیقة أنه مفهوم حضاری ووجدانی فی خلد الإنسان ، لکن ألا یعنی البداء فوضویة النظام الإلهی ، طبعاً إذا أتفقنا علی أن البداء هو علم الله المتحرک أو أن الله قد یبدو له شیء و علی أساسه یغیر بعض الأشیاء الأخری ، مثلا لو أن الأئمة (علیهم السلام) تسلموا مقالید الحکم فی الدولة العباسیة کمثال فما حاجتنا للمهدی و الأئمة من بعد الإمام الذی یتقلد الحکم لو أفترضنا ذلک الإمام الصادق أو الإمام الرضا (علیهما السلام) ، من هنا نعنی فوضویة النظام الإلهی ضمن عقیدة البداء ؟ .

ص:274


1- (1) - یوسف (87) .
2- (2) - المائدة (64) .
3- (3) - الرحمن (29) .
4- (4) - الرحمن (30) .

الشیخ السند : 1 - قد جاء فی حدیث الکاظم (علیه السلام) فی تعریف العقل :

(أن العقل ما عبد به الرحمن وأکتسب به الجنان )(1)، وهو یشیر (علیه السلام) إلی تعریف العقل العملی أو العقل بدرجة العمّال المسیطر علی باقی قوی النفس الغرائزیة الحیوانیة من الغضب والشهوة وشعبهما وفی نهج البلاغة : ( کم من عقل أسیر تحت هوی أمیر ) ، وقد قوبل العقل مع الجهل ، ولم یجعل فی قبالة العلم وقد ذکر فی الحدیث الأول جنوداً للعقل وجنوداً للجهل وفی بعض الأحادیث أن :

(العقل نور والجهل ظلمة ) ، والعقل یطلق علی معانی فعند الفلاسفة یطلق علی العقل النظری أیضاً وهی قوة إدراک المعانی المجرّدة وقد یطلق عند علماء النفس علی قوة الفکر والتفکر ، وهناک بحث عن معنی تجرد العقل ثم ارتباطه بالقلب والروح .

2 - قد ذکر فی القرآن الکریم وأحادیث النبی (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته أن مما یؤثر علی مشیته تعالی الدعاء فإنه ورد انه یحجب القضاء المبرم ، وکذلک الصدقة ، وکذلک صلة الرحم وعموماً قد ورد فی کل عمل صالح وکل طاعة لله تعالی وبر وخیر أنه یسبب حصول توفیق لهدایة أکثر وتقدیر إلهی أوفق .

3 - هناک مفارقة بین البداء والفوضویة فی التدبیر الإلهی ، فإن الفوضویة تعنی العفویة والإتفاق والصدفة واللاقانون ولیس لذلک مجال فی التدبیر

ص:275


1- (1) - الکافی ج1 کتاب العقل والجهل ح : 3 .

والمشیئة والقضاء والقدر بل قد جعل لکل شیء سبباً إلا أن أنتظام الأشیاء فی منظومة السببیة والمسببیة والعلیة والمعلولیة لا یعنی وصده وغلق باب الأمل والرجاء بالله تعالی ولا فتح باب الیأس والقنوط فانه : لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ (1)، فمن تلک الأسباب والمسببات المجعولة هو الدعاء والصدقة والتوبة والعمل الصالح والإستقامة فإنها تغیّر التقدیر والقضاء إلی الخیر من بعد أن کان سیئاً ، و هذا لا یخرج القدر والقضاء عن قانون الأسباب والمسببات بل هو تحکیم له لأن هذه الأمور الصالحة هی أیضاً مجعولة أسباب فی الجعل والتکوین الإلهی ، فلو لم تؤثر لکان خلفاً للنظام الإلهی کما أن التقدیر والقضاء المبدل السابق کان وفق أسباب حاصلة سابقاً مؤثرة إلا أنها عرض لها أسباب أقوی تأثیراً فنسخت تأثیرها ، کما أن من حکمة البداء هو غلق باب الرجاء المفرط بنحو یؤدی إلی التوانی عن العمل والتواکل والتسویف ونحوه فیتعلق العبد بأعمال صالحة سابقة أو بنسبة إلی آباء صالحین أبرار أو نحو ذلک ویترک العمل الصالح أو قد ینغمس فی العمل الطالح تواکلاً وقد ورد عن الرضا (علیه السلام) :

(... من کان لله مطیعاً فهو لنا ولی ومن کان لله عاصیاً فهو لنا عدو ، وما تنال ولایتنا إلا بالعمل والورع)(2)، فالبداء یحفظ الحالة الوسطیة فی السیر سواء بالنسبة للصالحین أو الطامحین ومن ثم یتساوی الخوف والرجاء وهو ضابطة التکامل والحیویة والانبعاث للصلاح والمضی فی الطریق المستقیم ، کما أن من حکمة

ص:276


1- (1) - یوسف (87) .
2- (2) - الکافی للکلینی ج2 ص75 .

البداء الاعتقاد بقدرة الله تعالی اللامتناهیة فلیس قدرته مغلولة مکبلة بقضاء وقدر معین بل کل یوم هو فی شأن : وَ قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ (1)، ومن ثم تری سید المرسلین (صلی الله علیه وآله) واشرف البشریة والکائنات علی وجل وخوف من ربه تعالی ، وکذا أهل بیته المعصومین (علیهم السلام) ، و هذا میزان الحرکة فی طریق التکامل وعدم الوقوف عند درجة بل مواصلة الاستباق إلی الخیرات ، وکل هذه المنظومة من الأسباب المتداخلة لا تخرج عن إحاطة علم الباری القدیم تعالی شأنه ، وهو معنی جفّ القلم بما کان ویکون إلی یوم القیامة لکن لا بمعنی سلب الاختیار ولا بمعنی عدم البداء وعدم النسخ التکوینی والجمود وغلول ید الرحمن بل ما قبل البداء وبعده وأثناءه وغیر ذلک کلها لا تخرج عن حیطة علم الباری ونظام تدبیره الحکیم ، نعم من لا یطلع علی حقایق الأمور یخیّل إلیه الصدفة والعفویة والاتفاق من دون قانون تکوینی حاکم وهی السنن الإلهیة فی خلقه ، والذی یستغرق فی تدبر السنن الإلهیة من دون إحاطة بها غورا یخیّل إلیه الجمود وسلب الاختیار والیأس من رحمته فلیس من مقصود وراءه تعالی ولا دونه ، إلیه الرجعی والمنتهی .

ص:277


1- (1) - المائدة (64) .

ص:278

القضاء والقدر :

المحاور: للإنسان الحریة فی أن یختار أهدافه ، فلو کان هدفی أن أذهب للصلاة فی المسجد الفلانی فإن الله قد قضی بأن هناک عددا من الطرق التی تؤدی إلی ذلک المسجد ، منها ما یوصل للمسجد فی أسرع وقت وقد یکون أأمن ، ومنها ما هو طویل ومزدحم ویستهلک وقتا طویلا للوصول للمسجد .

فلو قدت سیارتی للمسجد من الطریق الطویل المزدحم (جهلاً منی أو لأی سبب آخر) ، فقد یکون الله قد قدر أننی سأعمل حادثاً مروریا إن لم تکن قیادتی وقائیة . إلا إن هذا القدر ( وقوع الحادث ) قد یکون حتمیاً . وفی هذه الحالة ، فإن العمل بالأسباب أو الدعاء أو الصدقة یکون له أثر مؤکد فی دفع الحادث أو تخفیفه .

الشیخ السند : قاعدة القضاء والقدر بحر مظلم کما ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) وهو بحث متشعّب معقد کثیر الأقوال والنظریات ، إلا أن المعنی أجمالاً یتکون من عدة نقاط :

الأولی : صدور الأفعال من البشر عن قدرة وأختیار .

ص:279

الثانیة : قدرة الباری علی تلک القدرة الموهوبة للبشر وللمخلوق أقدر من قدرة المخلوق فی تلک القدرة الموهوبة .

الثالثة : علم الباری الأزلی بالأمور الکلیة والجزئیة بکافة تفاصیلها ومساراتها وأحوالها المتبدلة عند وقوعها وبعده .

الرابعة : إن علم الباری تعالی لا یسلب قدرة الأختیار عن العبد بل إن علمه متعلق بالفعل الصادر عن العبد إختیار وعن قدرة وتمکن .

الخامسة : قبل حتم القضاء والقدر وإبرامه مع أن الحتم لا یعنی إلجاء العبد علی الفعل وسلب إختیاره وقدرته بحال ثمة لتبدل القضاء والقدر بحسب إختیاره وقدرته هناک مجال لتبدل القضاء والقدر بحسب أختیار العبد کدفع الصدقة والدعاء والتوبة أو صلة الرحم أو إتیان حسنة وقد یکون العکس بقطع الرحم أو إتیان کبیرة أو معصیة معینة فکل هذه الامور قد تبدل مجریات القضاء والقدر وإن کان کل ذلک داخل فی دائرة علمه تعالی وغیر خارج عنها کما هو فی أم

الکتاب : یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ ، لکنه تبدل فی ألواح القضاء والقدر النازل وهو ما یسمی بالبداء الإلهی ولا یعنی ذلک القول بعدم علمه تعالی قبل التبدیل .

ومن أهم أسرار القضاء والقدر والبداء هو بقاء المؤمن والعبد بین الخوف والرجاء وإبتعاده عن القنوط والیأس والأمل والاغترار والتسویف فی العمل .

المحاور: هل هناک قانون یسمی بقانون الأختیار ؟ .

ص:280

الشیخ السند : قاعدة الأختیار فی أفعال البشر تقوم علی وجود القدرة والعلم لدی الانسان بإقدار من الباری تعالی فلا إجبار ولا إلجاء قهری منه تعالی للإنسان علی الفعل بل أفعاله تصدر عن إرادة بشریة وهو المقصود من لاجبر ولا تفویض وهو أن یکون الإنسان مفوضاً بالقدرة علی الفعل من دون أن ینقطع ذلک عن مشیئة وقدرة الباری تعالی .

ص:281

ص:282

عوالم الإنسان

عالم الأرواح :

المحاور : هل أن الذهن جزء منفصل من الجسد ؟ بمعنی هل أن الفکر أو الذهن من خواص الجسد أو من خواص الروح ؟ .

الشیخ السند : الذهن والفکر من قوی الروح وله آلیات بدنیة .

المحاور: هل أن الروح مخلوقة قبل الجسد أم الجسد قبل الروح ؟ ما رأی المذهب ؟ و هل یختلف مع رأی الفلاسفة وعلماء الکلام ؟ و أن کان الجواب هو الجسد ... فماذا یکون الکلام حول عالم الذر ؟.

الشیخ السند : ورد فی الاحادیث الشریفة :

(أن الله تعالی خلق الارواح قبل الأجسام بألفی عام )(1)، وقد ذهب إلی ذلک الفلاسفة الإشراقیین وذهب إلی ذلک الحکیم ملا صدرا ، لکن بتأویل من الملا صدرا وبتفسیر وجود الارواح الجزئیة فی عالم العقول بوجود المعلول فی کمال علته ، وأما عالم الذر فیشیر الیه قوله تعالی : وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی (2).

ص:283


1- (1) - الکافی ج1 ص10 .
2- (2) - الأعراف (172) .

وهو لا یتوقف علی قبلیة أحد القسمین لإنه یمکن أنطباقه علی نشأة الأجساد الحیة بالروح و أن نطف بنی آدم فی صلب ظهر آدم بهندسة وراثة الجینات مثلاً أو غیرها من المحتملات والنظریات البیولوجیة التی لم یحط بها الفلاسفة والبشر بعد بها وإنها لها نحو حیاة حیوانیة تودع فیها الفطرة التوحیدیة .

معرفة النفس :

المحاور: ما هی ملامح أو علامات الرؤیة الشاملة للنفس (أی متی یمکن للإنسان أن یقول أن لدیه رؤیة شاملة حول نفسه) ؟ .

الشیخ السند : قد ورد فی القرآن الکریم : نَسُوا اللّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ (1)، أی أن ذکر الله یذکر بأحوال النفس کما ورد مستفیضاً عن النبی (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) أن :

(من عرف نفسه فقد عرف ربه )(2)، ومعرفة النفس لا تتیسر إلا بتهذیب النفس وتزکیتها وتطهیرها من رذائل الاخلاق الذی هو الجهاد الأکبر کما فی الحدیث النبوی ثم تحلیتها بالعلوم النافعة ، وباب أبواب ریاضة النفس مراقبتها وهو المعبر عنه بالمحاسبة ولکن یقظه برج المراقبة فی الإنسان یطلعه علی کثیر من زوایا وبیوتات قوی النفس ، کما أن کثرة قراءة الکتب الأخلاقیة یطلع الفرد علی کثیر من الأمراض النفسانیة وطریقة علاجها ، ولا سیما مراجعة أحادیث النبی (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) مثل

ص:284


1- (1) - الحشر (19) .
2- (2) - البحار ج2 ص32 باب9 ح22 ، تفسیر الآلوسی ج1 ص148 .

کتاب العشرة فی کتاب الکافی وباب العشرة وجهاد النفس فی کتاب الوسائل للحر العاملی وغیرها من الکتب . هذا بعد تقیّد الفرد بالحلال وتجنب الحرام والمعاصی .

وقالوا إن فی النفس مفاتیح لکنوز کثیرة وطاقات وقدرات خارقة لا تظهر إلا بمخالفة الهوی والشهوة والغضب والرذائل : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها (1).

المحاور : ما هو الحد الادنی للکمال الانسانی ؟ .

الشیخ السند : الحد الادنی للکمال الإنسانی أن یعرف أصول دینه بنحو الإجمال ویلتزم فی عمله بالأحکام الشرعیة فی الفروع وینتهج فی صفاته الآداب الشرعیة .

المحاور : ما هی العلامات التی یتعرف من خلالها الإنسان أنه خطی خطوة نحو الحق (جلّ وعلا) ؟ .

الشیخ السند : من أهم علامات الخطی نحوه تعالی هو أن یعرف الحق والحقایق فی مسائل العقیدة أکثر فأکثر ، وفی جانب العمل یقلع عن السوء ویتلبس بالتقوی أکثر فأکثر .

المحاور: ما الفرق بین الروح والنفس البشریة ؟ .

الشیخ السند : الروح والنفس قد یطلق ویستعمل کل منهما بمعنی

ص:285


1- (1) - الشمس (9 - 10) .

وفی موضع الآخر وفی کثیر من الموارد کما فی الآیات والروایات یستعملان بمعنی متغایر ، فالنفس تطلق علی القوی والغرائز النازلة فی ذات الإنسان بینما الروح تطلق علی القوی العالیة فی ذاته ، کما أن النفس تطلق علی ذات الإنسان ما دامت متعلقة بالبدن بخلاف الروح فأنها أعم من فترة حیاة البدن ومماته ، کما أن الروح تطلق علی الأرواح الکلیة غیر المتعلقة بالمادة والأبدان بخلاف النفس ، وإن کان الفلاسفة قد یمزجون فی الأستعمال فی هذا المقام ، کما أن النفس تبین الجانب التعلقی من ذات الإنسان بالبدن بخلاف الروح فإنها تبین جانب الأستقلال فی تذوّت ذات الإنسان بعیداً عن البدن ، کما أن الروح تطلق علی المخلوق والمبدع من عالم الملکوت وعالم الأمر الذی یعبر عنه عند الفلاسفة بعالم العقل بخلاف النفس فإنها بلحاظ الجانب التعلقی بالبدن والمادة ، وبعبارة أخری أن الروح تبین جانب الهیمنة والسعة فی الذات الملکوتیة بخلاف النفس فإنها تبین جانب الضیق والجزئیة فی الذوات .

المحاور: هل یجوز القول بأن الناس فئتان ، فئة محبوبة من الناس حتی لو لم تعمل خیراً وفئة غیر محبوبة من الناس حتی لو عملت جمیع الأعمال الصالحة ؟ .

الشیخ السند : الإعتقاد الحق من أعظم الأعمال وبقیة الفروع هی دونه فی المرتبة ، والسبب فی ذلک : أن الإعتقاد لا محالة یجنّد صاحب الإعتقاد فی السلوک العملی والسیاسی والأجتماعی فی تیار جماعة الحق والهدی وإن کان الفرد الذی یعتقد الحق قد یکون مرتکباً للمعاصی الفردیة فیما بینه وبین باریه تعالی ولکنه یطیعه فی أحب الأشیاء له .

ص:286

عالم البرزخ :

المحاور : ما العلة لوجود الملکین منکر ونکیر ولم یکن هناک ملک واحد ؟.

الشیخ السند : الملکان منکر ونکیر سمیا فی روایات أخری مبشر وبشیر ولعل تعددهما من قبیل تعدد الملکین الحافظین الرقیبین لصفحة الحسنات وصفحة السیئات ، أو لما فی الروایات أن قلب المؤمن أی روحه بین أصبعین من أصابع الرحمن ، وفی روایات أخری :

(أن لکل قلب أذنین علی أحدهما ملک یهدیه وعلی الآخر شیطان یضله )(1). وفی قوله تعالی : وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها (2)، وقوله تعالی : وَ هَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ (3). فلعل التعدد لما فی الإنسان نفسه من جهتی التعدد الخیر والشر وتعدد نمطی قواه النفسیة ، ولما فی مظاهر الکون أیضاً من آیات الجمال کالجنة وآیات الجلال کالنار و الله سبحانه العالم بحقایق الأمور .

خلق الإنسان :

المحاور: إذا علمنا أن الله تبارک أسمه لا ینتفع بعبادة العباد . فما هی الغایة الحقیقیة من خلق الإنسان غیر قوله تعالی : ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ

ص:287


1- (1) - شرح أصول الکافی للمازندرانی ج1 ص68 .
2- (2) - الشمس (5) .
3- (3) - البلد (10) .

إِلاّ لِیَعْبُدُونِ (1)؟ .

الشیخ السند : إن الباری لا یفعل لغایة یطلبها ویستکمل وینتفع بها إذ هو غنی عن ان یفتقر الی نفسه فکیف یفتقر إلی مخلوقه لکن أفعال الباری تعالی حیث إنها حکیمة علی وفق الحکمة فلها غایات تعود إلی نفع المخلوق نفسه فغایة کمال الجن والإنس هو عبادة الباری تعالی والوصول إلی الخضوع التام والإنقیاد والتسلیم الموجب للقرب الإلهی .

نعم حیث أن من صفات کمال الباری وأسمائه الحسنی الأول والآخر فهو المبدأ وهو المعاد وهو غایة کل شیء فبخلقه تعالی للمخلوقات تظهر وتتجلی أسمائه وآیات عظمته وصفاته ویتبین أنه الحق سبحانه وهو محقق الحقایق مبدأها ومعادها .

المحاور: هل تختلف غایة خلق الله للإنسان لبشر و آخر ولجماعة وأخری والغایة هنا هی لماذا خلقنا المطلوب منا والذی لأجله وجدنا فی هذا العالم إن کانت الغایة واحدة وهی لعبادة الله (وما تحمله من عمق وکمال ) فعند ذلک یقال مثلاً ان الله خلق جماعة یعبدونه فتنطبق علیهم أن غایة خلقهم عبادته لکن الله خلق ایضاً فی المقابل جماعة أخری ، وهو یعلم قبل خلقهم إنهم لم ولن یعبدوه هنا لا یمکن القول بأن غایة خلقهم هی عبادة الله لأن الله یعلم انهم لم ولن یعبدوه (مع أن علمه لیس إجبار لهم ) ، فالله خلق جماعة کافرة وهو یعلم قبل خلقها إنها کافرة فکیف نقول بإنه

ص:288


1- (1) - الذاریات (56) .

جل جلاله خلقهم لغایة واحدة وهی عبادته ، وإنها لا تختلف عن غایة خلقه للمؤمنین ولعباده ؟ فغایة خلقهم لا یمکن إن تکون مماثلة لغایة خلق الجماعة الأولی .

فهل هذا الأمر صحیح و هل فعلاً غایة الخلق تختلف ؟ وما هی هذه الغایات وکیف نعرفها بأنواعها ؟ وإن کان خطأ فکیف یرد علی هذه الشبهة ؟ .

وما غایة خلقنا وما مدی إرتباطها بحدیث الکساء وأحادیث متعددة تفید بأن الکون کله خلق لمحمد وآل محمد ، وإنه لولا محمد وآل محمد (علیهم السلام) لما خلقت الأکوان ولما خلقنا ؟ و هل یمکن القول أن غایة خلق الأئمة (علیهم السلام) والذین خلقوا قبل کل خلق هی نفسها غایة خلق جمیع البشر !؟ و هل العباد أیضاً بأنواع ودرجات إیمانهم غایة خلقهم تختلف ؟ .

الشیخ السند : الغایة من خلق المؤمنین والکافرین واحدة وهی العبادة له تعالی التی فسرت بالمعرفة به تعالی ، وهی أعلی درجات العبادة لأن المعرفة تعنی التسلیم والإنقیاد وهو جوهرة وروح العبادة والطاعة ، غایة الأمر أن الحکمة والغایة فی خلق الکافرین کإبلیس و یزید وفرعون ونمرود هو أبتلاء وإمتحان المؤمنین ، وهذه الغایة متوسطة أی تمهد وتتوسط لتحقیق الغایة النهائیة وهی العبادة لکن التی یتوفق إلیها المؤمنین فخلق الکافرین یصب فی تحقیق عبادة المؤمنین التی لا تتم إلا بالإمتحان والإفتتان .

ص:289

وکذلک الحال فی خلق محمد وآل محمد (صلوات الله علیهم) فإن الغایة هی عبادة محمد وآل محمد (صلی الله علیه وآله) ، أی معرفتهم بالرب تعالی ، لکن عبادة النبی و أهل بیته حیث أنها قمة وأعلی درجات العبادة ، والعبادة الکاملة إنما تتحقق منهم کان خلق الکون کله بما فیه من أرض وسماوات وبشر مؤمنین وکافرین یصب ویسیر فی ذلک الهدف النهائی وهو العبادة الکاملة الکبری .

أمراض روحیة :

المحاور: أنا شاب فی الرابعة والعشرین من العمر و أعانی فی کثیر من الأوقات من لحظات الضعف و أحاول التغلب علی تلک اللحظات ولکنی فی بعض الأحوال أنجر لها و أکثر ما أخاف من أن یتلبسنی ذلک المرض الخبیث الغفلة فما هو الحل ؟ .

الشیخ السند : لا عجب فی طروّ الضعف علی الإنسان فقد خلق الإنسان من الضعف کما فی الکتاب المجید وکذلک الهلع والجزع ونحوها ، إلا أن اللازم علی المؤمن التحلی والتمسک بالصبر والإستقامة بقدر الإستطاعة ، و أن یعاجل نفسه بالتوبة والإنابة کلما حصل له الزلل أو الخطیئة ، ویجب أن لا یقنط من رحمة الله تعالی فإنه لا ییأس من رحمة الله إلا القوم الکافرون ، کما یجب أن لا یغتر بحلم الله وإمهاله فیتمادی فی المعصیة والطغیان ، فإن حالة الخوف من الزلل والرجاء للعفو والمغفرة هی صراط التکامل للطبیعة الإنسانیة ، ومن أکبر الغفلات والزلاّت هو الیأس من رحمة الباری ومغفرته وتصویر الشیطان أن التوبة لا جدوی فیها وأنها مع

ص:290

تکرار الخطیئة بمثابة اللعب والاستهزاء بمقام الباری تعالی ، والحال أن معاودة الخطیئة هی اللعب والاستهزاء ، لا الرجوع والتوبة إلی الباری تعالی مهما بلغت کرّات الخطیئة فاللازم عدم سدّ باب التوبة والإنابة فإنه من أبلغ صفات الأنبیاء أنهم توابون أوّابون و أن لم یکن ذلک منهم عن ارتکاب معصیة ، ثم أنه لابد من الإلتفات إلی أن تکامل المؤمن لا یحصل دفعة بل بالتدریج کما فی وصیة النبی (صلّی الله علیه وآله) :

(یا علی إن الدین متین فأوغل فیه برفق ولا تبغض إلی نفسک عبادة ربک إن المنبت - یعنی المفرط - لا ظهراً أبقی ولا أرضاً قطع فأعمل عمل من یرجوا أن یموت هرماً وأحذر حذر

من یتخوف أن یموت غداً )(1). أی أن طریق التکامل طویل والمسرّع بحدّة لا یبقی دابة البدن وقواه ولا یطوی ذلک الطریق ، فالرفق فی تربیة الإنسان لنفسه أمر ضروری لبلوغ الغایات .

المحاور: کیف یمکن معالجة الوسواس ( حدیث النفس ) ، علما أنی من عشاق الکمال وقد أتعبنی کثیراً رغم محاولتی فی بعض الأحیان التخلص منه ولکن دون جدوی تذکر حتی أنه فی بعض الأحیان أبتسم وأضحک نتیجة حدیث النفس ؟ .

الشیخ السند : مما یفید فی معالجة الوسواس عدة أمور :

منها : الطهارة البدنیة من الحدث کالدوام علی الوضوء والنظافة التامة من إزالة شعر الإبطین والعانة والأوساخ وکذا نظافة المکان .

ص:291


1- (1) - الکافی للکلینی ج2 ص87 ح : 6 .

ومنها : کثرة قراءة المعوذتین .

ومنها : الدوام علی النوافل الیومیة بما فیها صلاة اللیل ونوافل الظهرین .

ومنها : تقویة تمرکز الخاطر ویفید فی ذلک الاشتغال ببعض العلوم کالریاضیات والهندسة ، والمنطق .

ومنها : تقویة الجانب الجدلی لدی القوة العاقلة ویفید فی ذلک علم المنطق وعلم الکلام ولو بنحو الاطلاع الثقافی .

ومنها : تهذیب النفس ویفید فی ذلک کثرة قراءة کتب الأخلاق .

ومنها : ترفیع مستوی المعرفة ویفید فی ذلک کثرة التدبر والتلاوة للقرآن الکریم وقراءة روایات المعصومین (علیهم السلام) فی باب المعارف ، ککتاب أصول الکافی وتوحید الصدوق .

ویذکر فی معالجته أیضاً کثرة التسبیح والحمد والتکبیر والحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم ) .

وأیضاً کتابة سورة الناس علی إناء فی لیلة الرابع عشر من الشهر القمری ثم ضع فیه ماءاً واشرب منه وتوضأ به .

المحاور: یوسوس لی إبلیس اللعین بکیفیة الحیاة الخالدة بعد الموت فکیف أوقف التفکیر فی ذلک و ما هی الإجابة ؟ .

الشیخ السند : الوسوسة فی المعارف والاعتقادات یمکن جعلها

ص:292

ایجابیة ویمکن جعلها سلبیة ، فالنمط الإیجابی أن تکون سبباً للبحث والتتبع أکثر فأکثر فی الأدلة والبحوث العقائدیة والمعرفة الدینیة فإن ذلک سوف یعمق المعرفة ویوسع دائرتها ، وأما النمط السلبی منها فهو المکوث والتوقف فی جو الشک وعدم الفحص وترک التتبع فی الأدلة والکتب ، وبالتالی المشی علی مسلک الشک والبناء علی التشکیک ومن ثم الانتقال إلی مرحلة الرفض والإنکار وإتخاذ عقائد ضالة منحرفة أخری .

المحاور: أنا من طلاب العلوم الدینیة وقد ألتحقت بهذا المجال بعدما أنتهیت من الدراسة الجامعیة وأصبحت مدرسة مع کونی مدرسة وأمتلک الجرأة الکافیة لطرح موضوع أو أی شیء آخر إلا أننی بعدما التحقت بهذه الدروس أحس بإنی قد أفتقدت الجرأة ، وحتی سؤال للأستاذ لا أستطیع ولا أعرف السبب ، هل بإن سؤالی لا یکون فی وجه المولی فأختار الصمت وإذا حاولت وأتغلب علی هذا الأمر ینتابنی نوع من الهزة فی الصوت والنفضة ! أتمنی لو تفیدوننا فی هذه المشکلة ؟ .

الشیخ السند : ورد فی الروایات أن الحیاء حجاب عن العلم أو سدٌ مانع عنه لأنه یصد عن السؤال ، والسؤال طریق العلم لأن (العلوم خزائن مفتاحها

السؤال) ، و مما یورث الجرأة والسؤال الجدیة فی الدراسة وتقویة الحصیلة العلمیة فهی کفیلة بذلک ولو عبر التحضیر وتکرار قراءة الکتاب والمصادر ونحو ذلک .

ص:293

عالم القیامة :

المحاور: ما هی اشراط الساعة ؟ .

الشیخ السند : قد ذکر لها فی الکتاب والسنة عدة أشراط وعلامات منها خروج الدابة التی تکلم الناس وتضرب الناس بالمیسم فتسم المؤمن بالإیمان علی جبینه والمنافق بالنفاق والکافر بالکفر ، وقد ورد فی روایات أهل البیت (علیهم السلام) أن الدابة هی أمیر المؤمنین عندما یخرج فی عصر الرجعة قبل القیامة الکبری ، ومنها خروج یأجوج ومأجوج ، ومنها طلوع الشمس من المغرب ، ومنها : نزول النبی عیسی (علیه السلام) ومنها : أشتعال النار التی تسوق الناس ، ومنها : خروج الدجال .

الکون والقیامة :

المحاور: أن الله (عز وجل) خلق الکون بأسره الذی لا حدود له ولا مقیاس و خلق أهل البیت (علیهم السلام) الذین لهم مقام ومرتبة عند الله من قبل خلق الکون کما فی حدیث الکساء. و خلق العباد إثباتا لربوبیته وجعلهم فی الأرض لیعبدوه ویشکروه علی کل نعمة أنعمها علیهم. فهل هناک أکوان أخری یعیش علیها خلق غیرنا یختبرهم مثلنا ؟.

و هل یوجد یوم قیامة غیر الذی یحصل علینا فی الأرض أو الکون الذی حولنا .

الشیخ السند : قد ورد فی آیات القرآن المجید وأحادیث النبی وآله

ص:294

(صلوات الله علیهم) الإشارة إلی العدید من العوالم فبحسب الآیات الذی وصف القرآن والعرش بالعظیم والکریم والمجید والکرسی والثری والسموات السبع والأرضین والماء والذی عبر عنه فی الروایات أیضاً بالمائیة والهمزة مقلوبة الهاء ، النور ،

الذرّ ، والشیئیة ویعبر عنها فی الروایات بالمشیّة ، البرزخ ، الأصلاب ، الأرحام ، الطین والطینة ، سدرة المنتهی ، الجنة وأقسام الجنات ، النار وأقسامها وعالم الأمر والخلق ، وغیرها من التفاصیل مما هو مذکور فی الآیات والروایات وما هذا الکون المحسوس بأرضه وکواکبه وفضائه ونجومه ومجّراته إلا عالم کون السماء الأولی الدنیا بمقتضی قوله تعالی : وَ لَقَدْ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّیاطِینِ (1). وفی بعض الروایات قبل آدمکم ألف ألف آدم وفی بعض آخر أن فی هذه الکواکب إبراهیم و موسی کموساکم ... وشرح هذه العناوین مبسوط فی علوم المعارف من التفسیر والحدیث والکلام والفلسفة وغیرها .

کل واردها :

المحاور: وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاّ وارِدُها کانَ عَلی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیًّا (2)، هل هذه الآیة تشمل الأنبیاء والأئمة ؟ .

الشیخ السند : عن الرضا (علیه السلام) بعدما سأل هذا السؤال قال (علیه السلام) :

ص:295


1- (1) - الملک (5) .
2- (2) - مریم (71) .

( جزناها وهی خامدة )(1)، والظاهر إرادة النشأة الدنیویة لأنه موطن الإمتحان حیث فیها الغرائز والشهوات والفتن التی رکبت فی خلقة الإنسان وکما ورد فی الحدیث النبوی : ( حفت النار بالشهوات )(2)، أی أن باطن الشهوات والغرائز هی جهنم فی النشأة الأخری ، حیث أن باطن الأعمال یتجسم بصور الأحوال الأخرویة کما دلت علیه الآیات والروایات کما فی قوله تعالی فی آکل مال الیتیم: إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً (3)، ویشیر إلی تلک الحقیقة قوله تعالی : فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ (4)، فالظاهر من الآیة : وَ إِنْ مِنْکُمْ إِلاّ وارِدُها کانَ عَلی رَبِّکَ حَتْماً مَقْضِیًّا ، و الله العالم بحقایق القرآن هو إرادة إمتحان النشأة الدنیویة التی باطنها هی النار وباطن الدنیا هو الصراط علی النار فمن فشل فی الإمتحان سقط فی نار الشهوات وللغضب والمعاصی والنار الحقیقیة ومن نجح فاز وربما مرّ علی الصراط کالبرق ، ومراد الرضا (علیه السلام) من وهی خامدة أی نار شهواتهم وغضبهم (علیهم السلام) خامدة غیر هائجة ومستشیطة کما فی سائر الناس .

الریاضة الشرعیة :

المحاور: ما معنی الریاضة الشرعیة عند المرتاضین وکیف أستطیع ممارستها الرجاء توضیح بعض الریاضات الشرعیة ؟.

ص:296


1- (1) - علم الیقین ج2 ص971 ، منازل الآخرة للقمی ص24 .
2- (2) - شرح أصول الکافی للمازندرانی ج9 ص116 .
3- (3) - النساء (10) .
4- (4) - ق (22) .

الشیخ السند : الریاضة الشرعیة عرّفت فی لسان الکتاب والسنة بالتقوی والتزکیة والورع وهو إتیان الواجبات وترک المحرمات ، وهناک درجة أخری وهی الإلتزام بالمندوبات وترک المکروهات الشرعیة ، وهناک درجة ثالثة وهی التحلی بالصفات الفاضلة وقلع صفات الرذیلة ، وتولی أولیاء الله تعالی وحججه والتبری من أعدائهم ، وعلی کل تقدیر ، فإن الالتزام بالنوافل لاسیما صلاة اللیل والتهجد فی السحر والإستغفار والتعقیبات بعد الفرائض وکذلک نوافل الظهرین التی أطلق علیها صلاة الأوابین ، ودوام التوجه بالقلب فی الصلاة فإن للمصلی من صلاته ما أقبل قلبه کما فی الروایات عن أهل البیت (علیهم السلام) ، ودوام مراقبة النفس والإلتفات إلی کیفیة صدور الإرادة من النفس ، فإن دوام الإلتفات إلی النفس باب عظیم یولد ملکة الهیمنة والقدرة علی ترویض قوی النفس الحیوانیة ، کما أن دوام قراءة الکتب الأخلاقیة وبالأخص الروایات الأخلاقیة یورث البصیرة النافذة لتشخیص أمراض النفس ودواءها ، کما أن الإحاطة الشاملة بالأحکام الشرعیة ضروریة وبالغة الأهمیة إذ بمعرفة الأحکام یتعرف الإنسان علی مواطن رضا الله تعالی عن مواطن غضبه فلا یتخبط عشوائیاً تابعاً هوی النفس وتسویلات الشیطان باسم الریاضة والتهذیب فلا یقع فی فخ وحبائل الإنحراف ، کما أن حسن من یعاشره ویصادقه المرء له بالغ التأثیر فی أخلاقه .

وبالجملة أن جملة العبادات المندوبة أبواب لترویض النفس وکذلک الآداب الدینیة ولکل عبادة وأدب نکهة خاصة تؤثر فی تزکیة النفس .

ص:297

ولا تخفی تأثیر المعرفة بالله تعالی وبأصول الدین المعرفة الوسیعة المبسوطة تأثیرها فی تولید الصفات الحسنة الجمیلة فی النفس الإنسانیة .

التکفیر عن الذنب :

المحاور : هل یبتلی الله الإنسان بمرض لیکفر عن ذنوب مستقبلیة لعلمه تعالی بوقوعها التکفیر عن الذنب ؟ .

الشیخ السند : التکفیر عن الذنب ، إنما یکون بعد وقوعه لا قبله ، نعم قد یکون من ألطاف الله تعالی الخفیة الحیلولة بین العبد وبین وقوعه فی الذنب ، قال تعالی : أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّةً بِغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً (74)... قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْ ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً (76) فَانْطَلَقا حَتّی إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُما فَوَجَدا فِیها جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً (77) قالَ هذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِینَةُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها وَ کانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَةٍ غَصْباً (79) وَ أَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُما طُغْیاناً وَ کُفْراً (1).

الخلود فی النار :

المحاور: هل هناک أدلة قاطعة علی أن الکافر مخلد فی النار ؟ .

ص:298


1- (1) - الکهف (74 - 80) .

الشیخ السند : لا یخفی أن الکافر ینقسم إلی أقسام فمنه القاصر کأطفالهم والبله والسُذّج ونحوهم ومنه المقصر ، والمقصّر منه المعاند والجاحد ومنه اللاأبالی المتسیب ونحوه ومنه الشاک والمرتاب .

فأما القاصر فقد ورد عن أئمة آل محمد (صلوات الله علیهم) انه :

(یمتحن فی الآخرة فإن أطاع الباری نجا وفاز وإن عصی دخل النار )(1).

کما قد ورد فی أحادیثهم (علیهم السلام) أن المخلد فی النار هو المعاند والجاحد کما فی دعاء کمیل لأمیر المؤمنین (علیه السلام) : (فبالیقین أقطع لولا ما حکمت به من تعذیب جاحدیک وقضیت به من إخلاد معاندیک لجعلت النار کلها برداً و سلاماً وما کان لأحد فیها مقراً ولا مقاماً لکنک تقدست أسماؤک أقسمت أن تملأها من الکافرین من الجنة والناس أجمعین و أن تخلد فیها المعاندین ) (2) . و هذا هو ظاهر آیات الوعید بالخلود فإنها فی أصحاب العناد واللجاج والجحود والتعمد والإصرار .

المحاور: ما هی الذنوب الکبیرة التی تستلزم الخلود فی النار ؟ .

الشیخ السند : روی الکلینی بسند صحیح عن السید عبد العظیم بن عبد الله الحسنی ( وهو المدفون بمدینة الری جنوب طهران وله مزار ) قال حدثنی أبو جعفر الثانی (علیه السلام) ، قال سمعت أبی یقول : دخل عمرو بن عبید - من علماء العامة - علی أبی عبد الله (علیه السلام) فلما سلّم وجلس تلا هذه الآیة :

ص:299


1- (1) - کشاف القناع للبهوتی ج6 ص233 .
2- (2) - مفاتیح الجنان ، دعاء کمیل .

وَ الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ (1)، ثم أمسک فقال له أبو عبد الله (علیه السلام) ما أسکتک ؟ قال : أحب أن أعرف الکبائر من کتاب الله (عز وجل) ، فقال : نعم یا عمرو أکبر الکبائر الإشراک بالله ، یقول الله : مَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ (2)، وبعده ألیاس من روح الله لأن الله (عز وجل) یقول : إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ (3)، ثم الأمن من مکر الله لأن الله (عز وجل) یقول : فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (4)، ومنها عقوق الوالدین لأن الله سبحانه جعل العاق جباراً شقیاً ، وقتل النفس التی حرّم الله إلا بالحق لأن الله (عز وجل) یقول : فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها (5)، إلی آخر الآیة وقذف المحصنة لأن الله (عز وجل) یقول : لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (6)، وأکل مال الیتیم لأن الله (عز وجل) یقول : إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَیَصْلَوْنَ سَعِیراً (7)، والفرار من الزحف لان الله (عز وجل) یقول : وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ (8)، وآکل الربا

ص:300


1- (1) - النجم (32) .
2- (2) - المائدة (72) والآیة فی المصحف هکذا ( إنه من یشرک بالله ... ) .
3- (3) - یوسف (87) .
4- (4) - الأعراف (99) .
5- (5) - النساء (93) .
6- (6) - النور (23) .
7- (7) - النساء (76) .
8- (8) - الأنفال (16) .

لأن الله (عز وجل) یقول : اَلَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ (1)، والسحر لأن الله (عز وجل) یقول : وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (2). والزنا لأن الله (عز وجل) یقول : وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً، یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً (3)، والیمین الغموس الفاجرة لأن الله (عز وجل) یقول : إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلاً أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ (4)، والغلول لأن الله (عز وجل) یقول : وَ مَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ (5)، ومنع الزکاة المفروضة لان الله (عز وجل) یقول : فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ (6)، وشهادة الزور وکتمان الشهادة لأن الله (عز وجل) یقول : وَ مَنْ یَکْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (7)، وشرب الخمر لأن الله (عز وجل) نهی عنها کما نهی عن عبادة الأوثان وترک الصلاة متعمداً أو شیئاً مما فرض الله (عز وجل) لأن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال : ومن ترک الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمة الله ورسوله ، ونقض العهد وقطیعة الرحم لأن الله (عز وجل) یقول : لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ (8)، قال :

ص:301


1- (1) - البقرة (277) .
2- (2) - البقرة (102) .
3- (3) - الفرقان (68 - 69) .
4- (4) - آل عمران (77) .
5- (5) - آل عمران (161) .
6- (6) - التوبة (35) .
7- (7) - البقرة (283) .
8- (8) - البقرة (25) .

فخرج عمرو وله صراخ من بکائه وهو یقول هلک من قال برأیه ونازعکم فی الفضل

والعلم )(1).

ورواه الصدوق أیضاً بسنده إلی عبد العظیم بن عبد الله الحسنی ( الفقیه 367 : 3 ، وعیون أخبار الرضا (علیه السلام) 285 : 1 ، وعلل الشرائع 391 : 1) .

سکان الأرض :

المحاور : أنا سمعت أن الأرض قبل خلق البشر کانت مسکونة من قبل الشیاطین ؟ إذاً هل نعتبر الشیاطین هم الدیناصورات ؟!!! و هل هناک روایات أو أدلة بشأن تلک المخلوقات العظیمة التی قال فیها العلم الحدیث أنها موجودة قبل وجود البشر ؟ .

الشیخ السند : ورد فی الروایات أن الأرض کانت مسکونة من الجن و کانوا قد أفسدوا فیها کثیراً فأبعدهم الباری تعالی عن سکناها إلی الهواء والأطراف وقد ورد فی بعض الروایات أیضاً أنها مسکونة من النسناس أیضاً . و فی سورة التکویر إشارة إلی حشر الوحوش فی یوم القیامة .

أبلیس (لعنه الله) :

المحاور : قال إبلیس لله تعالی : قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (2)،

ص:302


1- (1) - الکافی للکلینی ج2 ص217 .
2- (2) - ص (79) .

فکان الجواب : قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ إِلی یَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (1)، فلماذا کان الطلب إلی یوم یبعثون والجواب إلی یوم الوقت المعلوم ، فهل هناک فرق بین التوقیتین؟ .

الشیخ السند : نعم هناک فرق بین یوم یبعثون و یوم الوقت المعلوم ، کما یدل علیه ظاهر الآیة وما ورد من روایات أهل البیت (علیهم السلام) ، فإن یوم البعث هو یوم القیامة ومغایرة اللفظین تقتضی تقدّم یوم الوقت المعلوم علی یوم القیامة لأن ساعة نفخ الصور صعق من فی السماوات ومن فی الأرض ویموت کل کائن ذی روح ، مضافاً الی أن الوقت والزمان هو فی النشأة الدنیویة، فالیوم الذی أُقّت لأبلیس هو یوم موقت لأمر معلوم مشهود حافل بأمر ما، کما یفیده دلالة لفظه المعرّف باللام والموصوف ب- المعلوم، وفی روایات أهل البیت (علیهم السلام) هو فی أیام رجعتهم إلی الدنیا مرة اخری قبل یوم القیامة ، یوم رجوع رسول الله (صلی الله علیه وآله) إلی دار الدنیا فیقتل فیها إبلیس بحربة من النور وهو تأویل آیة : نَکَصَ عَلی عَقِبَیْهِ وَ قالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَری ما لا تَرَوْنَ إِنِّی أَخافُ اللّهَ (2)، وهو قول ابلیس لجنوده عندما یترآی له رسول الله (صلی الله علیه وآله) بحربة من نور یطعنه بها فیقتله وهو تأویل آیة : إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرادُّکَ إِلی مَعادٍ (3)، أی الرجوع للدنیا .

ص:303


1- (1) - ص (80 - 81) .
2- (2) - الأنفال (48) .
3- (3) - القصص (85) .

اللعنة والملعونون :

المحاور : کیف تکون اللعنة رحمة فی حق الملعون فی حدیث المتشبهین والمتشبهات ؟ .

الشیخ السند : اللعنة لیست رحمة - بمعنی الرحمة الخاصة - فی حق الملعون بل نقمة وطرد عن الرحمة الخاصة ، نعم العقاب والجزاء عموماً رحمة فی عموم نظام الخلقة وتکامله ، فلولا النذیر بالعذاب ولولا وجود جهنم ، لما حصل الرادع لدی کثیر من الخلق ولما حصل العدل بالاقتصاص من الظالم للمظلوم وغیر ذلک من الحکم ، بل هو فی حق المعذّب تطهیر وتصفیة فیما کان من الناجین فی مآل الأمر بل المخلّد أیضاً لأن العذاب یطوعه خضوعاً لکن بنحو قهری لا أختیاری .

ص:304

الفقه

اشارة

المحاور : کیف نستفید من معرفة الأحکام الشرعیة المذکورة فی القرآن والمختصة ببنی إسرائیل ؟ مثلا قوله تعالی : وَ عَلَی الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا کُلَّ ذِی ظُفُرٍ (1).

الشیخ السند : هذا وإن کان من إختصاصات المجتهد والفقیه إلا أن ضابطة ذلک اجمالاً هو أن التعبیر تارة یظهر منه تخصیص الحکم بهم عقوبة أو نحو ذلک وتارة یذکر کمضرب مثل لسنة الله تعالی وتشریعه الذی لا یتبدل کقوله تعالی : مِنْ أَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ... (2)، وَ کَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ... (3).

المحاور: ما علة جواز الربا بین الوالد والولد والزوج والزوجة ؟ .

ص:305


1- (1) - الأنعام (146) .
2- (2) - المائدة (32) .
3- (3) - المائدة (45) .

الشیخ السند : یجب أن یعلم أولاً أنا لسنا نصل إلی کل فلسفات أحکام الله تعالی وعلل التشریع وإن دین الله لا یصاب بالعقول فالتعبد ناموس قائم ، غایة الأمر قد یظهر وترد بیانات من الشارع ، ولعل علة عدم التحریم فی الموردین هو کون المال یبقی فی حوزة ودائرة الأسرة لا سیما و أن التکافل لازم بین أعضاء الأسرة فلن یذهب المال بعیداً ولا یعدّ تلفاً .

المحاور : لو کان کل الفقهاء أبواب تنتهی إلی الإسلام فلماذا یقید التقلید بالمجتهد الأعلم الجامع للشرائط ؟ .

الشیخ السند : حصر التقلید بالأعلم الجامع الشرائط للأدلة النقلیة والعقلیة ولکن هذا لا یعنی حسر أدوار بقیة الفقهاء إذ قد یختلف تشخیص الأعلم لدی المکلفین وأهل الخبرة ، مع قیام بقیة الفقهاء بأدوار لم یتصدی إلیها الأعلم سواء

الفتیا من بعض المسائل کما لو أحتاط ، أو غیر الفتیا کالقضاء وغیر ذلک من الإرشاد والتعلیم وتربیة المجتمع فنظام نیابة الفقیه عن أدوار المعصوم لیس حصریاً بواحد هو الأعلم فی الأدلة .

صلاة الجماعة :

المحاور: هناک حدیث حول فضل صلاة الجماعة وهو : (حول ما همَّ به الرسول بإحراق منزل رجل لم یأتِ لصلاة الجماعة ) (1) ، وبمناقشة ذلک مع

ص:306


1- (1) - صحیح البخاری ج1 ص16 .

عدد من المؤمنین أستغربوا الحدیث ومنافاته للغلظة الشدیدة بالحرق و أن هذا لا یصدر من الرسول (صلی الله علیه وآله) وطالبوا منی مصدر الحدیث و أن یکون موثقاً ؟ .

الشیخ السند : هذا الحدیث رواه الشیخ فی کتاب (التهذیب) بسند صحیح وهو صحیح عبد الله بن سنان عن الصادق (علیه السلام) المجلد 3 ص 75 الحدیث 87 ، ورواه الصدوق فی کتاب (الامالی) بطریق آخر ص 392 الحدیث 13 ، وفی کتاب (عقاب الأعمال) ص 276 الحدیث 2 . ورواه فی (الفقیه) مرسلاً المجلد (1) ص 245 الحدیث 1092 وذکرها فی کتاب (الوسائل) المجلد 8 ص 291 - 293 طبعة مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) .

نعم للعلماء تفسیراً لهذه الروایة وهو أن أولئک القوم الذین کانوا یتخلفون عن صلاة الجماعة کانوا من فئة المنافقین ، کالذین بنوا مسجداً ضراراً للتفریق بین المؤمنین وارصاداً لمن حارب الله ورسوله فأمر تعالی بأن لا یقیم النبی (صلی الله علیه وآله) الصلاة فیه ثم أمر بهدمه وإحراقه ، فکانت توطئة المنافقین علی أصعدة متعددة و بغیتهم أن لا تقام أرکان الدین فکان عدم حضورهم صلاة الجماعة

بقصد إیجاد التسیب فی إقامة الصلاة ولئلا یجتمع المسلمون الی خطب النبی (صلی الله علیه وآله) وهدایته وتعالیمه القدسیة فیتم تضعیف موقف الرسول (صلی الله علیه وآله) ، لا سیما و أن إقامة صلاة الجماعة هی فی أول عهد الإسلام وغصنه یانع طریّ لم یستحکم ، فالتهاون مدعاة لزعزعة رکن الصلاة ، والناس لما تتربی علی أرکان الدین . نعم قد ذهب جماعة من الفقهاء إلی الأحتیاط فی لزوم الصلاة جماعة لظهور هذه الروایات .

ص:307

وعلی کل تقدیر فالغلظة لیس مطلقاً مذمومة فقد قال تعالی : یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ (1)، فقد کان (صلی الله علیه وآله) مأموراً بالغلظة مع المنافقین بل قد أمر بذلک مرة أخری فی سورة التحریم ، قال تعالی : قاتِلُوا الَّذِینَ یَلُونَکُمْ مِنَ الْکُفّارِ وَ لْیَجِدُوا فِیکُمْ غِلْظَةً (2)، وقال تعالی : أَشِدّاءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ (3)، نعم الغلظة لها موقعها واللین والرأفة لها موقعها ، لا أفراط ولا تفریط ولکل موازین وموارد فلا یتخلی عن أخلاقیة قوانین الدین الحنیف کما قد تخلی عن أخلاقیة قوانین الجهاد فی کثیر ما سمی بالفتوحات فی ما بعد عهد النبی (صلی الله علیه وآله) ، وکما أستخدم إسلوب الغلظة والشدة ضد المؤمنین فی الحوادث التی وقعت بعد وفاة الرسول (صلی الله علیه وآله) وقد أخبر تعالی عن بعضهم : قَدْ یَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِینَ مِنْکُمْ وَ الْقائِلِینَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا وَ لا یَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِیلاً أَشِحَّةً عَلَیْکُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَیْتَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ کَالَّذِی یُغْشی عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوکُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَی الْخَیْرِ أُولئِکَ لَمْ یُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ کانَ ذلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیراً (4)، بل قد أستخدم هذا الأسلوب الذی أمر الله تعالی بإستخدامه ضد الکفار والمنافقین ضمن حدود ومقررات معینة مذکورة فی القرآن والسنة فی باب الجهاد ، قد أستخدم هذا الأسلوب تجاه بنت النبی (صلی الله علیه وآله) وفلذة کبده وروحه التی بین جنبیه والذی یغضبه ما یغضبها ویرضیه ما یرضیها بل قد

ص:308


1- (1) - التوبة (73) ، التحریم (9) .
2- (2) - التوبة (123) .
3- (3) - الفتح (29) .
4- (4) - الأحزاب (18 - 19) .

أخبر (صلی الله علیه وآله) أن الله یرضی لرضا فاطمة ویغضب لغضبها ، وقد ذکرت هذه الأحادیث أهل السنة والجماعة فی صحاحهم وکتبهم ، وقد قال تعالی : وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ وَ مَنْ یَنْقَلِبْ عَلی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللّهَ شَیْئاً (1).

الجمع بین الصلاتین :

المحاور: ماذا یعنی الجمع بین الصلاتین وماذا یعنی تفریقهما ؟ .

الشیخ السند : الجمع بین الصلاتین هو أن یؤتی بهما فی وقت واحد من دون أن یفصل بینهما بصلاة النافلة الراتبة أو غیرها أو لا یفصل بینهما بالتراخی الزمنی لدخول أول وقت فضیلة الثانیة .

المحاور : بماذا یتحقق أقل التفریق ؟ .

الشیخ السند : قد أفتی جمع من الفقهاء بأن اقل ما یتحقق به التفریق هو إتیان صلاة نافلة بینهما .

المحاور : ما هو الأفضل الجمع أم التفریق ؟ .

الشیخ السند : قد أفتی جمع من الفقهاء بأن الجمع أفضل لمن لا یرید إتیان النوافل الیومیة الراتبة بمعنی أن الإسراع فی الأداء أفضل وخیر البر عاجل بخلاف من یرید إتیان النافلة فانه لا محالة یکون التفریق أفضل وأفتی جمع بأن التفریق مطلقاً أفضل سواء لمن یرید النافلة أو لا یرید إتیانها .

ص:309


1- (1) - آل عمران (144) .

وأفتی الفریقان أن الجمع أفضل لمن یخاف فوات الصلاة الثانیة أو تأخیرها عن وقت فضیلتها والإنشغال عنها .

المحاور : بماذا کان یعمل الرسول (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته ؟ ما هی صفة جمعهما أو تفریقهما للصلاتین ؟.

الشیخ السند : ورد عنهم (علیهم السلام) انه (صلی الله علیه وآله) کان یصلی إذا کان الفیء ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلی الظهر وإذا کان ذراعین صلی العصر ، و هذا القیاس بلحاظ الشاخص الذی هو بقدر قامة الرجل والمراد هو سبعی (2/7) ظل الشاخص للظهر وأربعة أسباع (4/7) ظل الشاخص للعصر أی یحسب من نهایة تناقص ظل الشاخص والمراد به أی جسم کثیف له ظل عند الزوال سواء أنعدم أو لم ینعدم ، فیحسب من نهایة التناقص إلی أن یزداد بمقدار (2/7) مقدار طول الشاخص للظهر و (4/7) للعصر ، ولا یخفی أن هذا المقدار من الفصل یسیر وهو بمقدار إتیان نوافل الظهر قبلها ونوافل العصر قبل العصر .

وأما العشاء فأول وقت فضیلتها هو عند ذهاب الحمرة المغربیة وهو یحصل بعد إتیان المغرب وإتیان نوافلها ، ومن کل ذلک یلزم أن لا یغفل الأخ عن منتهی وقت فضیلة العصر والعشاء فإنه قد ورد عنهم (علیهم السلام) أن المؤخر لها عن وقت فضیلتها هو المضیّع للصلاة وفی بعض الروایات انه الموتور وهو الذی لا یعطی منزلاً فی الجنة بل یکون عالة وکلاّ علی غیره فیها .

ص:310

فمنتهی فضیلة العصر هو بلوغ ظل الشاخص إلی أربعة أسباع ظل الشاخص أو مثله بعد الزوال عند المتقدمین من علماء الإمامیة بل هو الأشهر ، کما أن منتهی فضیلة العشاء هو ثلث اللیل .

الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر :

المحاور: نسب إلی بعض الفقهاء القول بأن مسألة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لیست بالمسألة العقلیة (لا تجب عقلاً) ، وأستدلوا علی ذلک بأنها لو کانت عقلیة لکان من اللازم علی الله (عز وجل) القیام بها أی أنطباقها فی الواقع ، لکن الشبهة هنا هی بأنه سبحانه عادل خلق العباد لا لحاجة له إلی ذلک بل تفضل علیهم ، وحیث أنه (عز وجل) هو العادل الکامل جعل لهم الأختیار وإن کان غیر ذلک لزم الظلم وهو نقص، وعلی هذا تکون مسألة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر مسألة عقلیة واجبة علی المخلوقین ولیست واجبة علی الخالق بمعنی کیف تمت مقارنة أفعال الخالق بأفعال العباد إضافة إن من الأمور التی یقام بها النظام هی مسألة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر .

الشیخ السند : لابد من بیان أمور :

الأول : أن معنی عقلیة مسألة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هو حکم العقل بوجوبها علی الإنسان الفاعل المختار .

الثانی : الواجبات التی یحکم بها العقل والشرع فی أفعال الإنسان لا تعنی إلجاء الباری تعالی تکوینا الإنسان علیها والإ لبطل الامتحان الذی

ص:311

هو سبب فلسفة التکلیف وابتلاء الإنسان .

الثالث : إن أمتحان الباری للجن والإنس لا یعنی أن مسیرة النظام الکونی ونظام الخلقة هی إلی الغایة الباطلة علی خلاف الإرادة الإلهیة : وَ ما خَلَقْنَا

السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ (1)، فهذه الإرادة التکوینیة تتکیّف مع إرادة التشریع فی الشریعة ولا تتصادم الإرادتان ، وهو علی منوال :

(لا جبر ولا تفویض وإنما هو أمر بین أمرین ) (2).

الأیام المستحبة فی الزواج :

المحاور: هناک بعض الأیام والأشهر التی یستحب بها التزویج و هناک أیام وأشهر لا یستحب بها التزویج أرجو ذکر تلک الأیام وأود معرفة هل یوم الجمعة الموافق 15 ربیع الأخر من الأیام المستحب بها التزویج أم لا ؟ .

الشیخ السند : یکره إیقاع العقد للنکاح و القمر فی العقرب أی فی برج العقرب ، وکذلک إیقاعه یوم الأربعاء ، وکذلک إیقاعه فی احد الأیام المنحوسة فی الشهر وهی ( 3 ، 5 ، 13 ، 16 ،21 ، 24 ، 25 ) ، وکذلک إیقاعه فی محاق الشهر وهو اللیلتان أو الثلاث من آخر الشهر .

أما یوم الجمعة 15 ربیع الثانی فالظاهر عدم کون القمر فی العقرب ، ویستحب إیقاع العقد فی اللیل ویکره فی الساعة الحارة من النهار ، کما إن العرس یستحب لیلاً .

ص:312


1- (1) - الحجر (85) .
2- (2) - الکافی ج1 ص160 .

الدعاء والزیارة

اشارة

المحاور: فی هجمة عنیفة علی معتقداتنا وموروثاتنا والتشکیک فیها من قبل السلفیین والنواصب وأخری من قبل بعض من یدعی التشیع ، فالشیعی وخصوصاً فی بلاد الغربة لایستطیع مقاومة ذلک أولاً لعدم توفر المصادر التی یستقی منها معلوماته وثانیاً لضخامة الهجمة التی تواجهه . خصوصاً و أن خطورة الذین یدعون التشیع أکبر من خطورة السلفیین والنواصب . لأن هؤلاء یقومون بین فترة وأخری بزیارات لهذه البلاد ویحاضرون فی الحسینیات والمساجد والمراکز الشیعیة أو یأتی من ینوب عنهم لیقوم بدور التشکیک بکل شیء بلغة شیعیة وبروایات عن أئمة أهل البیت (علیهم السلام) ، ومن أبرز هذه الإشکالات التشکیک بالزیارات والأدعیة لذا نرجو من سماحتکم توضیح فیما إذا کانت روایات کل من :

1- زیارة عاشوراء .

2- زیارة الجامعة الکبیرة .

3- زیارة الناحیة المقدسة .

ص:313

4- زیارة وارث .

5- دعاء التوسل .

6- دعاء السمات .

7- دعاء الندبة .

8- دعاء العهد .

9- دعاء الفرج .

هل ان مسانید هذه الزیارات والأدعیة تصل الی المعصومین ؟ و هل أن فی سندها ضعف ؟ نرجو إن أمکنکم التعرض لکل زیارة ودعاء بشکل منفصل وذکر أسانیدها ، و هل هناک تواتر أم ضعف فی سندها ؟ .

الشیخ السند : قبل الخوض فی الإجابة عن السؤال لابد أن یلتفت الاخوة الی النقاط التالیة :

الاُولی : إن مضامین الزیارات والأًدعیة المدرجة فی السؤال لا یقتصر ورود مضمونها علی تلک الزیارات والأدعیة فهناک العدید من الزیارات الاُخری والأدعیة الاُخری بأسانید اخری قریبة المضمون معناً ولفظاً لقطعات من الاُولی ، کما أن هذه الزیارات والأدعیة قد ورد کثیر من مضامینها فی الروایات الواردة فی المعارف وهی فی کثیر من طوائفها مستفیضة بل بعضها متواتر معنوی أو اجمالی ، وعلی هذا الدغدغة فی أسانید هذه الزیارة أو تلک أو هذا الدعاء و ذلک تنطوی علی عدم إلمام بهذه

ص:314

الحقیقة العلمیة المرتبطة بعلم الحدیث والروایة .

الثانیة : إن الزیارات والأدعیة لیس معلماً عبادیاً بحتا بل هی معلماً علمیا ومعرفیاً هام للدین فهی عبادة علمیة ومن ثم تنطوی هی علی معارف جمّة وتکون بمثابة تربیة علمیة فی ثوب العباب ومن المعلوم أن أفضل العبادات هی عبادة العالم والعبادة العلمیة أی المندمجة مع العلم وهکذا الحال فی هذه الزیارات والاًدعیة ، وبذلک یتبین أن ما وراء التشکیک والمواجهة للزیارات والأدعیّة هو تشکیک ومواجهة للمعارف.

الثالثة : ان هذه الزیارات والأدعیة کفی بها اعتماداً مواظبة أکابر علماء الطائفة الإمامیة علی إتیانها فی القرون المتلاحقة ، و هذا بمجرده کاف للبصیر بحقانیة المذهب وعلماءه فی توثیق هذه الزیارات والأدعیة .

1- أما زیارة عاشوراء فقد رواها الشیخ الطوسی شیخ الطائفة فی کتابه المعتمد لدی الطائفة الإمامیة وعلماءها - مصباح المتهجد(1)- عن محمد بن اسماعیل بن بزیع - الذی هو من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) الاجلاء الفقهاء وعیون أصحابه ، وطریق الشیخ إلی بن بزیع صحیح کما ذکر ذلک فی الفهرست والتهذیب والذی یروی الزیارة عن عدة طرق عن الصادق والباقر (علیهما السلام) ، فقد رواها عن صالح بن عقبة عن أبیه عن الباقر (علیه السلام) ، وعن سیف بن عمیرة عن علقمة بن محمد الحضرمی عن الباقر (علیه السلام) وعن سیف بن عمیرة الذی هو من الثقات الأجلاء عن صفوان

ص:315


1- (1) - مصباح المتهجد للطوسی ص719 .

بن مهران الجمّال والذی هو من الثقات الاجلاء المعروف عن الصادق (علیه السلام) ، وعن محمد بن خالد الطیالسی * فإسناد الشیخ إلیها صحیح .

وقد رواها قبل الشیخ الطوسی، شیخ الطائفة إبن قولویه إستاذ الشیخ المفید فی کتابه المعتمد لدی علماء الامامیة - کامل الزیارات بأسنادین معتبرین عن کل من محمد بن خالد الطیالسی وبن بزیع عن الجماعة المتقدمة فإسناده صحیح کما قد رواها الشیخ محمد بن المشهدی فی کتابه المعروف المزار الکبیر وهو من أعلام الطائفة الإمامیة فی القرن السادس بسنده .

وقد رواها السید ابن طاووس فی کتابه (مصباح الزائر) بإسناده وهو من أعلام القرن السابع .

وقد رواها أیضاً الکفعمی فی کتابه (المصباح) وهو من أعلام القرن العاشر * 2 - أما زیارة الجامعة الکبیرة ، فقد رواها الشیخ الصدوق فی کتابه المشهور (من لا یحضره الفقیه)(1)، و(عیون أخبار الرضا (علیه السلام) )(2)بإسانید فیها المعتبر عن محمد بن اسماعیل البرمکی الثقة الجلیل عن موسی بن عمران النخعی وهو قرابة الحسین بن یزید النوفلی وهو ممن وقع کثیراً فی طریق روایة المعارف عن الأئمة التی اوردها الکلینی فی اصول الکافی ، والصدوق فی

ص:316


1- (1) - من لا یحضره الفقیه ج2 ص370 ح : 1625 .
2- (2) - عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ج2 ص272 .

کتبه کالتوحید واکمال الدین والعیون وغیرها وکلها مما اشتمل علی دقائق واُصول معارف مدرسة أهل البیت فیستفاد من ذلک علو مقام هذا الراوی ، وتوجد لدی رسالة مستقلة فی أحواله وأساتذته وتلامیذه وتوثیقه وجلالته لیس المقام مجالاً لذکرها .

وقد روی الشیخ الطوسی فی کتابه المعتمد (التهذیب)(1)، هذه الزیارة بإسناده الصحیح عن الصدوق أیضاً .

کما قد روی هذه الزیارة الشیخ محمد بن المشهدی فی کتابه المعتمد (المزار الکبیر) بأسناده الصحیح عن الصدوق وهو من أعلام الإمامیة فی القرن السادس .

وقد رواها أیضاً الکفعمی فی( البلد الاًمین) وکذا المجلسی فی (البحار) ، ثم أن مضامین هذه الزیارة قد وردت به الروایات المستفیضة والمتواترة عن أهل البیت (علیهم السلام) الواردة فی فضائلهم ومناقبهم ، وکذلک فی روایات العامة الواردة فی فضائلهم فلاحظ وتدبر .

3- أما زیارة الناحیة المقدسة : فتوجد زیارتان عن الناحیة المقدسة الاُولی المذکور فیها التسلیم علی أسماء الشهداء (رضوان الله تعالی علیهم) وقد رواها المفید فی مزاره والشیخ محمد بن المشهدی الذی هو من أعلام القرن السادس بإسناده عن الشیخ الطوسی باسناده عن وکلاء الناحیة المقدسة فی الغیبة الصغری ، ورواها أیضاً السید ابن طاووس فی (مصباح

ص:317


1- (1) - التهذیب ج6 ص95 ح : 177 .

الزائر) وفی (الاقبال)(1)، بإسناده الی جده الشیخ الطوسی بأسناده إلی الناحیة المقدسة ورواها فی البحار المجلسی .

أما الثانیة وهی المعروفة فقد رواها الشیخ المفید فی مزاره ، والشیخ ابن المشهدی فی المزار الکبیر ، والمجلسی فی بحاره ، والفیض الکاشانی فی کتابه (الصحیفة المهدویة) وهی وان کانت مرسلة الإسناد إلا أنه أعتمدها کل من الشیخ المفید وابن المشهدی .

4 - أما زیارة وارث : فقد رواها الشیخ الطوسی فی (مصباح المتهجد) بسند صحیح عن أبن قضاعة عن أبیه عن جده صفوان بن مهران الجمال عن الصادق (علیه السلام) فالسند صحیح وهناک مصادر اخری اکتفیت بالإشارة إلی أحدها .

5 - أما دعاء التوسل فقد أخرجه العلامة المجلسی عن بعض الکتب وقد وصفها بالمعتبرة وقد روی صاحب ذلک الکتاب الدعاء عن الصدوق قدس سره وقال : ما توسلت لأمر من الأمور إلا ووجدت أثر الاجابة سریعاً ، ثم أن مضمونه یندرج فی عموم قوله تعالی : اُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ (2)، وقوله تعالی : وَ ابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ (3)، وقوله تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (4)، وقال : ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ (5)، وقال : ما

ص:318


1- (1) - الأقبال لأبن طاووس ج3 ص80 ، بحار الأنوار ج98 ص273 - 274 .
2- (2) - غافر (60) .
3- (3) - المائدة (35) .
4- (4) - الشوری (23) .
5- (5) - سبأ (47) .

أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلاً (1)، فبضم هذه الآیات الی بعضها البعض یعلم أنهم (علیهم السلام ) السبیل والمسلک والوسیلة الی رضوانه تعالی بل قد وقفت مؤخراً علی أنه مقارب مضمون روایة و أن غاب عنی مصدرها فی الوقت الراهن .

6 - أما دعاء السمات فقد رواه الشیخ الطوسی شیخ الطائفة الإمامیة فی کتابه المعتمد لدی علماء المذهب (مصباح المتهجد) عن العمری النائب الخاص للحجة (عجل الله تعالی فرجه) ، وذکر السید ابن طاووس فی (جمال الأسبوع) قبل أن یورد الدعاء أن الشیخ روی الدعاء فی مصباحه بروایتین وإسنادین وظاهر کلامه عن نسخة المصباح التی لدیه أن هذا الدعاء معطوف إسناده علی الدعاء السابق وقد رواه الشیخ بسند صحیح عال وهو محتمل بحسب النسخ التی لدینا ، بل إن أبن طاووس کل نسخه مسندة مصححة لقرب عهده بالشیخ الطوسی الذی هو جده (قدس سرهما) ، ومن ثم عبّر الشیخ عباس القمی (قدس سره) فی (مفاتیح الجنان) عن الدعاء انه مروی بإسناد معتبر وهو کذلک لأن أبن طاووس أشار أیضاً إلی وجود أسانید أخری سیشیر إلیها فی کتبه الأخری * وکما قال غیر واحد قد واظب علیه أکثر علماء السلف .

7 - أما دعاء الندبة والعهد والفرج فقد رواها السید ابن طاووس فی (مصباح الزائر) عن بعض الأصحاب ورواه قبله - بما یزید علی القرن -

ص:319


1- (1) - الفرقان (57) .

الشیخ ابن المشهدی فی کتابه (المزار الکبیر) بإسناده عن محمد بن أبی قرة عن محمد بن الحسین البزوفری .

وقد رواه ابن طاووس فی (الإقبال) أیضاً ورواه المجلسی فی (البحار) و(زاد المعاد) والمیرزا النوری فی (تحفة الزائر) والفیض الکاشانی فی (الصحیفة المهدویة) .

المحاور: ما مدی صحة دعاء القدح ؟ .

الشیخ السند : لم ترد به روایة حسب ما تتبعنا فی الکتب المعتبرة .

المحاور: أرید أن أعرف مدی صحة وقوة سند کل من زیارة عاشوراء والزیارة الجامعة وثانیاً کیف نوجه بعض المقاطع مثل : لعن الله بنی أمیة (قاطبة) أما یحتمل خروج صالح منهم ولو بعد حین ، و مثل : وعبیدالله بن زیاد وابن مرجانة ألیس ابن مرجانة هو عبیدالله أم (الواو) من تصحیف النساخ ؟ .

الشیخ السند : قد ذکرنا فی جواب سابق عدد الطرق والأسانید لروایة زیارة عاشوراء وأنها بمجموعها مستفیضة مضافاً إلی أعتبار بعضها ، کما ذکرنا أعتبار طریق الزیارة الجامعة من وجهین من ناحیة صحة الرواة لها إلی موسی بن عمران النخعی الراوی لها عن الإمام الهادی (علیه السلام) ، کما ذکر ذلک الصدوق فی من لا یحضره الفقیه أحد الکتب الأربعة وأنی کتبت رسالة مخطوطة فی شرح حال موسی بن عمران النخعی الذی هو من أرحام النوفلّی الشهیر ، وهو کثیر الروایة فی باب المعارف وقد أستخرجت

ص:320

مشایخه وتلامیذه الراوین عنه وموارد روایاته مما یعطی اعتباره ووثاقته .

أما المراد من (قاطبة) فی اللعن فهو للدلالة علی إن غالبیتهم ممن یستحق اللعن أو للتعمیم لمن یکون هواه معهم فینسب إلیهم بلحاظ أن نهجه هو من نهج بنی أمیة وإلا فإن المؤمن الصالح خارج من اللعن کما أوضح ذلک فی روایة ، کما هو الحال فی خالد بن سعید بن العاص وأخیه حیث کانا من أنصار أمیر المؤمنین فی الإعتراض علی بیعة السقیفة ، أما (الواو) فیمکن أن تکون عاطفة تفسیریة .

المحاور: سؤالنا عن الدعاء السیفی الصغیر أو دعاء القاموس الوارد ذکره فی (مفاتیح الجنان) هل بالإمکان أن تتکرموا علینا بأی معلومات عن هذا الدعاء وما هی فضائله وعن من نقل وغیرها من الاسئلة المتعلقة بالدعاء ؟ .

الشیخ السند : 1 - قال المحدث النوری فی الصحیفة الثانیة العلویة إن لهذا الدعاء - السیفی الصغیر - فی کلمات أرباب الطلسمات والتسخیرات شرح غریب وقد ذکروا له آثاراً عجیبة ولم أرو ما ذکروه لعدم أعتمادی علیه - أی علی ما ذکروه من روایته من طرقهم - ولکن أورد أصل الدعاء تسامحاً فی أدلة السنن وتأسیاً بالعلماء الأعلام .

ویتحصل من کلامه عدم ورود الدعاء فی الکتب المعتبرة المعتمدة إلا

ص:321

أن الأمر فی الدعاء سهل لعموم أمره تعالی : اُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ (1)، نعم حیث أن الدعاء فی مذهب أهل البیت (علیهم السلام) مدرسة لتعلیم المعارف الدینیة والآداب والأحکام الشرعیة کان الراجح التوخی الصحیح من الدعاء والمأثور عن النبی (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) أو المذکور فی القرآن الکریم ، مضافاً إلی أن للأدعیة والأسماء الإلهیة والترکیبات فی الأذکار خواص لا یطلع علیها بتمامها إلا المعصومین (علیهم السلام) ، نعم لا بأس ولا حرج شرعاً فی الإتیان بسائر الأدعیة غیر الواصلة عبر الکتب والمصادر المعتبرة ، من باب قاعدة من بلغه ثواب عمل فعمله رجاء ذلک الثواب کتب له ذلک .

2- ومنه یظهر الحال فی دعاء القاموس .

المحاور : ورد فی زیارة أم القائم (علیهما السلام) فی (مفاتیح الجنان) : (السلام علیک أیتها المنعوتة فی الإنجیل ، المخطوبة من روح الله الأمین ومن رغب فی وصلتها محمد سید المرسلین والمستودعة أسرار رب العالمین ) ، ما معنی هذه العبارات ولماذا رغب الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) فی وصلتها (علیها السلام) ؟ وما مدی موثوقیة الزیارات والأدعیة الواردة فی کتاب مفاتیح الجنان ؟ .

الشیخ السند : لا یخفی أن نرجس خاتون (علیها السلام) هی من نسل وصی النبی عیسی (علیه السلام) وقد قام النبی (صلی الله علیه وآله) بخطبتها فی عالم البرزخ والأرواح من وصی النبی عیسی (علیه السلام) بتوسط النبی عیسی (علیه السلام) فی قصة یطول سردها. ذکرها الشیخ الطوسی والنعمانی فی کتابیهما الغیبة ، والشیخ الصدوق فی

ص:322


1- (1) - غافر (60) .

إکمال الدین وروح الله إشارة الی النبی عیسی (علیه السلام) وإستیداعها أسرار رب العالمین هو حملها للإمام المنتظر الموعود به فی کل الکتب

السماویة والذی یظهر الله به الدین کله علی أرجاء تمام الارض ولو کره المشرکون . ولا یخفی أن امهات الائمة (علیهم السلام) کلهن مطهرات مصطفیات لحمل نطفهم (علیهم السلام) .

وأما کتاب مفاتیح الجنان فیکفی أن مراجع الطائفة یعتمدونه فی أعمالهم المستحبة وزیاراتهم کما هو منقول معروف مضافاً الی أنه یدمن ذکر المصادر التی ینقل منها الأدعیة والزیارات من الکتب الشهیرة القدیمة لدی علماء الإمامیة .

المحاور: إن زیارة الناحیة المقدسة للإمام ابی عبدالله الحسین (روحی فداه) موضوعة لورود مسألة نشر شعورهن أمام الرجال الأجانب وأعداء أهل البیت (علیهم الصلاة والسلام) و هذا أمر لا یصدر من أهل بیت الحسین (علیهم السلام) وماهو أجابتکم ؟ .

الشیخ السند : أولاً : هذه الزیارة وإن لم تکن متصلة السند إلی الناحیة المقدسة إلا أن جملة من مضامینها لیس إلا تصویراً حقیقیاً لهول الفظایع والفجایع التی أرتکبها القوم فی هتک حرمة آل المصطفی (صلوات الله علیهم) ، فالمفروض علی صاحب الأعتراض المزبور بدل أن ینظر بعین واحدة ، فلینظر بعین ثانیة إلی جریمة قتلة سبط النبی (صلی الله علیه وآله) ، فإنهم أخذوا عیالات النبی (صلی الله علیه وآله) وبناته أساری سبایا من بلد إلی بلد یتصفح وجوههن الأعداء ، فهل راعوا حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی ذلک ، و هل یتوقع صاحب الأعتراض ذو الوجدان النابض بالحس الدینی ، أن سبی معسکر الحسین (علیه السلام) والغارة

ص:323

علی خیمه کان بالمشاعر المفعمة بالإنسانیة والإلتزام بالإسلام ، اذا کان من شیمة قتلة الحسین (علیه السلام) أن وطأوا الخیل صدره الشریف بعد أن قتلوه ، فماذا یتوقع هذا المعترض الذی یرید أن یبیّض قتلة ریحانة النبی (صلی الله علیه وآله) من

حیث یبصر أو لا یبصر ، فماذا یتوقع من هؤلاء الجناة الجفاة فی تعاملهم فی سبی حرم الحسین (علیه السلام) هل أبقوا لهم خدر وجلباب أو خمار ، فالمعترض یسند الفعل الی أهل بیت سید الشهداء ، ولا یسند الجریمة إلی معسکر بنی أمیة وأبن زیاد وعمر بن سعد .

ثانیاً : إن معنی نشر الشعر لدی نساء العرب لیس کشف الشعر بل هو هدله بدون فتله جمة أو قصة أو جدایل فلا یکون زینة للمرأة فهدل الشعر وأرساله تحت الخمار والجلباب هیئة للمرأة ذات المصاب .

المحاور: أرجو من سماحتکم التکرم بإعطائی أو إرشادی إلی الأسانید الصحیحة والمعتبرة لزیارة عاشوراء ؟ .

الشیخ السند :

أولاً : ما ذکره الشیخ الطوسی فی کتابه مصباح المتهجد بسنده الصحیح طبق ما ذکره فی المشیخة والفهرست إلی محمد بن اسماعیل بن بزیع وهو من أجلاء وکبار أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) عن صالح بن عقبه عن أبیه عن الباقر (علیه السلام) و صالح بن عقبة بن قیس بن سمعان بن أبی ربیعة ویمکن الوصول إلی وثاقته بعد کونه إمامیاً ، حیث أن النجاشی ذکر أن کتابه رواه عنه جماعة منهم محمد بن إسماعیل بن بزیع ، و هذا مؤشر إلی أعتماد بن بزیع

ص:324

علیه وکذلک یروی عنه یونس بن عبد الرحمن وهو من أصحاب الأجماع الکبار ، وکذلک یروی عنه محمد بن سنان ویروی عنه أحمد بن محمد بن عیس الاشعری بواسطة ، وکذلک محمد بن عیسی وغیرهم من الثقات الأجلاء.

ثانیاً : ما رواه الشیخ أیضاً فی المصباح بنفس السند السابق عن صالح بن عقبة عن علقمة بن محمد الحضرمی عن الباقر (علیه السلام) ، وعلقمة بن محمد الحضرمی أخو أبی بکر الحضرمی عبد الله بن محمد الکوفی ، وقد ذکر بعض

الرجالیین نفاذ بصیرة الأخوین فی الأعتقاد و حسن حالهما بل إن أبا بکر الحضرمی ممن یوثق لکثرة روایة الکبار الأجلاء عنه ومتانة ما یرویه .

ثالثاً : ما رواه الشیخ فی المصباح بنفس السند السابق عن سیف بن عمیرة (الثقة) عن الإمام أبی عبد الله (علیه السلام) .

وروی سیف بن عمیر عن صفوان بن مهران الجمال (الثقة) عن علقمة بن محمد الحضرمی عن الإمام الباقر (علیه السلام) .

رابعاً : ما رواه الشیخ فی المصباح أیضاً بسند صحیح عن محمد بن خالد الخیالی : - الذی حسّن حاله جملة من الرجالیین وقد یوثق علی بعض المبانی کما هو الصحیح - ، عن سیف بن عمیرة (الثقة) عن أبی عبد الله (علیه السلام) .

وروی سیف بن عمیر عن صفوان بن مهران الجمال (الثقة) عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، هذا وقد أورد أبن قولویه فی (کامل الزیارة) الزیادة

ص:325

بطرقه أیضاً المنتهیة إلی الرواة المتقدمین إلا أنه زاد سنداً خامساً .

خامساً : ما أختص به أبن قولویه بأسناده عن محمد بن أسماعیل عن صالح به عقبة عن مالک الجهنی عن الإمام الباقر (علیه السلام) ، و هذا المقدار جملة من الطرق وهناک کتب لم یتم فحصها کمزار المفید وغیره ، ومع ذلک فنری أن الطرق مستفیضة وقلیل من الزیارات التی روت بهذا القدر من تعدد الطرق مع أن فی بعض طبقات الطریق هناک أستفاضة عالیة جداً .

المحاور : ما معنی (الأعراف) الواردة فی دعاء القنوت : ( یا خفی الألطاف ، یا ولی الأعراف .... . ) ؟.

الشیخ السند : علی تقدیر ورود اللفظة فی الدعاء فإنه یحتمل أن یکون بمعنی المجازی أی یاولی الجزاء ویحتمل معنی أهل الجنة والنار أی ولی وصاحب الجنة والنار ویحتمل معناه المقرّین بالذنوب ویحتمل الطیّب والبرکة .

المحاور : ما هی شروط أستجابة الدعاء ؟ .

الشیخ السند : هناک جملة شروط منها الأستغفار من الذنوب وأداء الطاعات وأنقطاع الأمل عن ما سواه تعالی .

المحاور : هل إن الأوامر المقدور علیها تحتاج إلی دعاء ؟ .

الشیخ السند : نعم لأن القدرة منه تعالی ولا تکفی لأنجاز الشیء حتی تتوافق الظروف والأسباب وتنتفی الموانع ولیکون العبد یعیش حالة خضوع لربه تمثل حقیقة واقع العبد .

ص:326

مواعظ وخطب :

المحاور: الرجاء ایضاح المقصود من بعض کلمات الإمام السجاد (علیه السلام) فی :

1 - خطبته مع أهل الکوفة : ( ورب الراقصات )(1)، ما معنی الراقصات ؟.

2 - خطبته (علیه السلام) بعد أن أذن له یزید علیه ألاف اللعنات : (أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن .... ) (2).

ما معنی :

أ - انا ابن من طعن برمحین ؟. ب - انا ابن من هاجر الهجرتین ؟. ت - انا ابن من بایع البیعتین ؟ .

الشیخ السند : 1- الراقصات المراد بهن الإبل یقال للبعیر إذا أسرع رقص وکذا إذا مشی الخبب ، فیکون القسم إشارة إلی نظیر ما فی قوله تعالی : أَ فَلا یَنْظُرُونَ إِلَی الْإِبِلِ کَیْفَ خُلِقَتْ (3)، ویحتمل بعیداً إرادة النجوم لحرکتها إشارة إلی قوله تعالی : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِیمٌ (4).

2- أ - إشارة لوصف جدّه علی بن أبی طالب (علیه السلام) حیث جاهد بین

ص:327


1- (1) - الأحتجاج للطبرسی ج2 ص32 .
2- (2) - البحار للمجلسی ج45 ص138 .
3- (3) - الغاشیة (17) .
4- (4) - الواقعة (75 - 76) .

یدی رسول الله (صلّی الله علیه وآله) بکل ما أوتی من طاقة وجهد ، کما إذا إستفرغ المقاتل جهده بحمل رمحین لصد العدو أو لمجابهة خیل العدو بهما وقد یکون اشارة إلی أنه (علیه السلام ) کان سبب نصر المسلمین فی بدر وأحد أو فی الخندق وحنین أو أنه جاهد مع رسول الله (صلّی الله علیه وآله) قبل الهجرة وبعدها أو أنه (علیه السلام) قاتل المشرکین علی التنزیل وقاتل المنافقین علی التأویل .

2 - ب - الثانی أیضاً اشارة لوصف جده علی بن أبی طالب (علیه السلام) والهجرة الأولی من مکة إلی المدینة والثانیة الظاهر أن المراد بها من المدینة إلی الکوفة حیث استشهد (صلوات الله تعالی علیه).

2 - ت - والبیعتین هما بیعة العقبة لرسول الله (صلّی الله علیه وآله) فی مکة قبل الهجرة وبیعة الرضوان تحت الشجرة بعد الرجوع من صلح الحدیبیّة.

ص:328

مصادر ومؤلفات

المحاور : من المعروف بأن کتب الحدیث الأربعة ( الکافی ، من لا یحضره الفقیه ، التهذیب ، الإستبصار ) هی من الکتب الأساسیة التی یعتمد علیها علماء الشیعة الإمامیة فی البحث عن الروایات و الأحادیث المرویة عن الرسول الأکرم و أهل بیته (علیهم أفضل الصلاة و السلام) ، فإذا اعتبرنا فرضا بأن هذه الکتب الأربعة هی أفضل کتب الحدیث و أنها کتب من الدرجة الأولی ، فهل هناک کتب أحادیث أخری تعتبر أیضاً من الدرجة الأولی أم لا ؟ فإذا کان هناک کتب أخری فأرجو أن تذکروا لی أسماء المؤلفین و تواریخ ولادتهم و وفاتهم؟ .

الشیخ السند : من الکتب الأخری المعتمدة لدی علماء الإمامیة: کتاب (مسائل علی بن جعفر) وهو أبن الإمام الصادق (علیه السلام) أخ الامام الکاظم (علیه السلام) ، وکتاب محاسن البرقی ، لأحمد بن محمد بن خالد البرقی الکوفی من أصحاب العسکریین ، وکتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار من أصحاب العسکری ، وکتاب الإمامة والتبصرة المتوفی فی الغیبة الصغری ، وکتاب تفسیر القمی لعلی بن إبراهیم القمی المتوفی فی الغیبة الصغری، وکتاب تفسیر العیاشی المتوفی فی الغیبة الصغری، وکتاب

ص:329

تفسیر فرات الکوفی المتوفی فی الغیبة الصغری، وکتاب کفایة الأثر فی النصوص علی الأئمة من أعلام القرن الرابع أیضاً وغیرها کثیر لا یسع المقام إستقصاءها .

المحاور : هل یعتبر کتاب نهج البلاغة من مصادر الحدیث عند الإمامیة أم لا ؟ و هل ینسب للشریف الرضی أم للشریف المرتضی ؟.

الشیخ السند : نهج البلاغة من المصادر المهمة فی التراث الشیعی وقد شرح متناً وسنداً فی العدید من الکتب. والذی جمعه هو الشریف الرضی - نبذ من الخطب الواصلة إلیه من أمیر المؤمنین (علیه السلام) .

المحاور : کیف نوفق بین ما قیل أن صحیفة سعد بن عبادة مطابقة لصحیفة عبد

الله بن ابی أوفی بما أن عبدالله کتبها بیده ؟ .

الشیخ السند : لم یظهر مراد السائل من عبارته فإن کان مراده من الصحیفة المصحف، وسبب ترجیح مصحف وقراءة أبی أبن کعب علی بقیة القراءات فی المصاحف ، فذلک لما روی عن الصادق (علیه السلام) :

(أمّا نحن فنقرأ علی قرائة أبی - أی ابن کعب )(1)، وکان أبی بن کعب اقرأ أصحاب النبی (صلی الله علیه وآله) عدا علیاً (علیه السلام) وکان معروفاً بسید القرآء کما فی تهذیب التهذیب للذهبی .

المحاور : الکتب الحدیثیة أمثال الکافی والبحار ولا ریب أنها لعلماء

ص:330


1- (1) - الوسائل ج4 ص821 .

محققین وفطاحل فی مجال الحدیث ، هنا یرد علینا کیف ینقل هؤلاء روایات ضعیفة قد یتبین للذی یطالعها أن الشیعة أو أحد علمائها یتبنی رأی هو لیس من مبتنیات المذهب بینما نری الوسائل قد حرص المؤلف علی التدقیق فی الروایات ؟ .

الشیخ السند : لا بد من الانتباه إلی أن معنی الروایة الضعیفة بلحاظ طریق نقلها ، لیس بمعنی أنها مختلقة ومکذوبة بل أن رواتها ربما لم یوثقوا أو لجهالة حالهم و هذا لا یعنی بالضرورة کونهم غیر عدول فی أنفسهم وإنما نحن نجهل حالهم ، و هذا وإن أوجب عدم إحرازنا وعدم استکشافنا لحجیة الروایة ألا أنه لا یعنی ولا یستلزم کون الروایة مجعولة ومختلقة ، فهذه کتب السنة التی أطلقت جنابک علیها اسم (الصحاح) وهی الستة أو التسعة کالبخاری وکتاب مسلم مملوءّة بالضعاف لأن صحة الکتاب أصطلاح لا یعنی صحة کل روایات الکتاب کما توهمه کثیر من المتأخرین من علماء أهل سنة الخلافة کما رصد قائمة من الضعاف العلامة السید عبد الحسین شرف الدین فی کتاب (المراجعات) ، وذکر مجموعة منهم فی الصحاح العلامة الأمینی فی کتاب (الغدیر) ، وذکر مجموعة أخری من الضعاف فی الصحاح العلامة المحقق الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء فی کتابه (عین المیزان) ، والعلامة المحقق الشیخ محمد حسن المظفر فی کتابه ( دلائل الصدق ) المجلد الأول ، وقد ذکر السید محمد بن عقیل الیمنی فی کتابه ( العتب الجمیل علی أهل الجرح والتعدیل ) أن جملة من علماء أهل السنة من الذین کتبوا فی علم الرجال والحدیث یستوثقون الراوی إذا کان

ص:331

ناصبیاً أی ممن ینصب العداوة لأهل البیت آل محمد (علیهم السلام) بل کلما ازداد عداوة لهم کلما ازداد وثوقاً عندهم وکلما کان محباً لأهل بیت النبوة کان ضعیفاً عندهم وقد أحصی موارد عدیدة اتبعوا فیها هذا المسلک وبنوا تعدیلهم وجرحهم لرجال الروایة عندهم علی ذلک ، فکم من ینصب العداوة لأهل البیت رووا عنه فی صحاحهم واعتمدوا علیه ، وکلما کان للراوی حب وهوی فی آل محمد (صلی الله علیه وآله) اجتنبوا الروایة عنه وجرحوا فیه ، ومسلکهم هذا إتباعاً لقوله تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (1).

ثم من الغریب ظنک أن الکلینی صاحب کتاب (الکافی) وبقیة الکتب المشهورة عند الإمامیة لیست صحاح بمعنی صحة الکتاب لا صحة جمیع الروایات فیه فإن الکلینی مثلاً لا یتوهم إنه لم یحرص علی التدقیق فی الحدیث ، مع أن الکلینی یصرّح فی مقدمة کتابه الکافی أنه أمضی مدة مدیدة من السنین ذکروا أنها تبلغ العشرین عاماً فی تنقیح ما وصل إلیه من الحدیث ، مع أن الکلینی کان معاصراً للنواب الأربعة وفی عصر الغیبة الصغری ، مع أن ما فی کتابه من الروایات الضعیفة لا تعدل شیئاً أمام الروایات المعتبرة فی الکتاب ، ثم أن الروایات الضعیفة لا یودعها المحدث من علماء الإمامیة إلا بعد أن یأمن أنها غیر مختلقة قد أخذها من مصادر موثوقة وإن کان بعض رجال الطریق فیها ممن لم یوثقوا ، بل أن علماء الدرایة من الفریقین لا یستحلون ردّ الروایة الضعیفة - وإن لم تکن حجة

ص:332


1- (1) - الشوری (23) .

بمفردها - وإن کان الراوی موصوفاً بالکذب ، إذ لیس کل ما یخبر به الکاذب یکون بالضرورة کذباً وإن لم یکن حجة فی نفسه ، ألا تری أنک یحصل لدیک الیقین والاطمئنان بخبر مجموعة کبیرة جداً من مجهولی الحال والکذابین ممن لا یعرف بعضهم البعض أی یقطع بعدم تواطئهم علی الکذب وعدم توافقهم علی الخبر ، و هذا معنی تکوّن الخبّر المتواتر والمستفیض من الأخبار الضعاف وقد برهن علی حصول التواتر والاستفاضة بعض العلماء المحققین بنظریة ریاضیة من قاعدة حساب الاحتمالات من جهة العدد الکمی لطرق الخبر ومن جهة ظروف النقل الکیفیة لتلک الطرق للخبر فإنه العامل الکمی والکیفی إذا تصاعد وتضائل احتمال الکذب والصدفة وصل الإحتمال لصدور الخبر إلی درجة الإطمئنان والیقین و هذا الطریق الریاضی طریق فطری عقلی لدی البشر ، ومن ثم حرص المحدثون بعد تنقیح الروایات والحدیث عن المدسوس والمختلق حرصوا علی نقل الروایات المعتبرة والضعیفة معاً ، لکونها مادة لتکون التواتر ، و هل یسوغ طرح الخبر المتواتر والمستفیض وبالتالی هل یسوغ طرح ما هو مادة للخبر المتواتر والمستفیض ، فضلاً عن أن رد الروایة الضعیفة المرویة المسندة لأهل البیت (علیهم السلام) قد تکون صادر عنهم (علیهم السلام) ویکون ردّها رداً علیهم والعیاذ بالله والرد علیهم ردّ علی الرسول (صلی الله علیه وآله) لأنه أمر فی الحدیث المتواتر بین الفریقین بالتمسک بالکتاب والعترة :

(وإنهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض ) (1)، وعدم رد الخبر الضعیف وإن لم یعنی الحجیة کما ذکرت لک ولکن یکون

ص:333


1- (1) - المستدرک للحاکم النیسابوری ج3 ص109 .

مادة لحصول التواتر أو الاستفاضة بنحو الانضمام الکمی والکیفی بالبرهان الریاضی.

المحاور: أود أن تتفضلوا علینا بکرمکم و ذلک من خلال إرشادنا إلی نوعیة الکتب التی تنفع من هو فی سنی وترشدُه إلی دینه الصحیح ونظرا لوجود عدة کتب تنقل الصحیح وغیر الصحیح أرجو أن ترشدونی إلی الکتاب النافع والمؤلف الذی هو من ثقات مذهبنا الجعفری ؟ .

الشیخ السند : المکتبة الشیعیة بحمد الله غنیة بالکتب ککتاب أصول الکافی مجلدان للشیخ الکلینی ، کتاب التوحید للشیخ الصدوق ، فمثلاً فی العقائد کتاب (حق الیقین) للسید عبدالله شبر وکتاب (شرح أعتقادات الصدوق) للشیخ المفید .

وفی علم الأخلاق کتاب (جامع السعادات) للمولی النراقی وفی التفسیر (تفسیر الصافی) للفیض الکاشانی .

المحاور : لقد دار حدیث بینی وبین أحد الأخوان بأنه لا یوجد أی کتاب فی (الأخلاق) حیث أن الأخلاق هی ولیدة الأفکار الراقیة ، وأدعی صدیقی بأنه لا یوجد کتب فی (الفقه) الإسلامی تتحدث عن ألاخلاق فهل هذا صحیح لیس لدینا فی الفقه الجعفری ما یدعی ، علماً بأنی أقول أن الأفکار الراقیة هی ولیدة الأفکار الراقیة ولیس العکس وما هو رأی الفقه الجعفری فی هذا الموضوع ؟ .

الشیخ السند : علم الأخلاق قد کتب فیه کتباً کثیرة جداً مثل

ص:334

کتاب (الأخلاق) للسید عبدالله شبر ، وکتاب (جامع السعادات) للمولی النراقی ، وکتاب (تنبیه الأشراف) للخواجه نصیر الدین الطوسی ، و(معراج السعادة) للمولی مهدی النراقی وغیرها .

وعلم الأخلاق یتمیز عن علم الفقه من حیث الموضوع ومن حیث الحکم ومن

جهة حیثیة البحث فإنه فی علم الأخلاق من جهة حسن وقبح الأفعال والصفات وکیفیة حصولها وزوالها ، وفی الفقه من جهة الإلزام الشرعی وعدمه والتنجیز والتعذیر .

المحاور: هناک أحادیث فی کتب الحدیث الشیعیة یستند علیها النواصب للتنکیل بمذهب أهل البیت (علیهم السلام) ، وإثناء النقاش معهم علی عدم صحة سندها أو متنها یطالبوننا بأن نأتیهم أحد العلماء الشیعة الذین ناقشوا روایات الکتب الشیعة وأبدی رأیه بعدم صحتها. هل هناک أی مؤلفات أهل التحقیق الشیعة فی کتب الحدیث الشیعیة ؟ إذا کان الجواب نعم فلماذا لا توضع علی صفحات ویب الشیعیة ؟ .

الشیخ السند : قد کتب مثلاً العلامة المجلسی الثانی (قدس سره) کتابین فی ذلک أحدهما شرحاً لأسانید ومتون أحادیث کتاب (الکافی) للکلینی سماه ب- (مرآة العقول) والآخر شرح فیه أسانید ومتون أحادیث کتاب (التهذیب) للشیخ الطوسی سماه ب- (مهذب الأخیار) ، وکذلک کتب والده المجلسی الأول (قدس سره) کتاباً شرح فیه أسانید ومتون أحادیث کتاب (من لا یحضره الفقیه) للصدوق سماه ب- (روضة المتقین) وکذلک کتب کتاباً آخر

ص:335

باللغة الفارسیة وقد بیّن فی تلک الکتب الطرق الضعیفة من الصحیحة والأحادیث المعتبرة من الأحادیث المردودة ، وکذلک کتب آخرون کالسید نعمة الله الجزائری وغیره من العلماء المحدثون کتبا شرحوا فیه کتب الحدیث أسانیداً ومتوناً الصحیح منها والضعیف المقبول منها من غیره ککتاب (البحار) أیضاً ، وأما کتب الفقه الاستدلالی لعلماء الامامیة البالغة الآلاف عدداً وکذا کتبهم الکلامیة فهی ملیئة بالتحقیقات فی أسانید الأحادیث ومتونها والتمییز بین المعتبر والمقبول منها من غیره وناهیک بکتب الرجال وکتب شرح المشیخة المکتوبة خصیصاً للتمییز المزبور .

المحاور: کتاب (کشف الغمة) للأربلی فی ای حقل من حقول المعرفة الإسلامیة یبحث ؟.

الشیخ السند : کتاب کشف الغمة للأربلی یبحث حول حیاة الأربعة عشر معصوم النبی وآله (صلوات الله علیهم) ویعتمد فی إثبات فضائلهم ومناقب سیرتهم کثیراً علی طرق أهل السنة والجماعة لیکون أبین حجة للطرف الآخر .

المحاور : لماذا روی مؤلفو الکتب الأربعة کثیراً من الأحادیث الموضوعة مع علمهم بعدم صحتها ووضوح ذلک متناً حتی لغیر المختصین فی العلوم الدینیة ؟ .

الشیخ السند : یجب أن یلتفت الی أن الضعف فی الحدیث علی معنیین فی مصطلح علم الحدیث والدرایة أولها بمعنی وغیر المعتبر غیر الواجد لشرائط

ص:336

الحجیة لعدم توثیق رجال الطریق ونحو ذلک ، مع أن رواة الحدیث قد یکونون فی الواقع ثقات عدول الا أنه مع ابتعاد زمننا عن زمنهم نجهل حالهم سوی بعض إمارات الحسن ، والثانی من معنیی الضعیف هو الموضوع والمدلس والمزوّر والملفق والمکذوب ونحو ذلک ، ولا ریب فی خلو الکتب الاربعة عن الحدیث الضعیف بالمعنی الثانی کما ذکر ذلک أصحاب الکتب الاربعة فی مقدمة کتبهم ولذلک فإن کتبهم صحاح بمعنی صحة الکتاب لا صحة جمیع ما فیه من الروایات وقد حصل الخلط بین صحة الکتاب وصحة روایاته ، وقد حصلت غربلة وتصفیة للاحادیث فی مذهب أهل البیت (علیهم السلام) عدة مرات کما هو مقرر مبین فی علم الرجال ولم ینقطع لدینا تدوین وتمحیص الحدیث کما حصل لدی العامة مدة ما یقارب قرنین من الزمان لمنعهم تدوین الحدیث .

ص:337

ص:338

المتفرقة

العدد سبعة :

المحاور: إن الله خلق سبع سماوات وسبعة أرضین ونطوف علی الکعبة سبع مرات ونسعی بین الصفا والمروة سبع مرات ونرمی سبع جمرات ، السؤال : ما هو السر الإلهی فی العدد سبعه ؟ .

الشیخ السند : قال بعض علماء الریاضیات إن الکون والخلقة الإلهیة کلها قائمة علی الحساب العددی والمعادلات العددیة المقداریة کما أن علوماً عدیدة مرتبطة بالروحانیات کعلم الجفر والتنجیم والحروف وغیرها قائمة علی حساب العدد ، و مثل العدد سبعة ، العدد أثناعشر ، والعدد أربعین .

لیلة القدر :

المحاور: نود سؤالکم عن قول کعب الأحبار عن (لیلة القدر) ؟.

الشیخ السند : دع عنک قول کعب الیهود ، وعلیک باحادیث النبی (صلی الله علیه وآله) وعترته الطاهرة فقد روی أبن بکر عن الصادق (علیه السلام) قال :

(سألته عن اللیالی

ص:339

التی یستحب فیها الغسل فی شهر رمضان فقال لیلة التاسع عشرة ولیلة أحدی وعشرین ولیلة ثلاث وعشرین وقال لیلة ثلاث وعشرون هی لیلة الجهنی وحدیثه أنه قال لرسول الله (صلی الله علیه وآله) أن منزلی نأی عن المدینة فمرنی بلیلة أدخل فیها فأمره بلیلة ثلاث وعشرین )(1).

الأخلاق :

المحاور : هل یجب علی الإنسان التوصل الشخصی للأمور العقائدیة بمعنی أخر التوصل إلی ربوبیة الله والأشیاء من هذا القبیل ؟ .

الشیخ السند : قد اتفق علماء الدین ومراجع الطائفة علی وجوب تعلم الإنسان المکلف الأمور الاعتقادیة من أصول الدین بأدلتها وتحصیل الإستدلال الوافی علی صحتها وإن کان بقدر یسیر ولو عبر الأمور الفطریة .

المحاور : لماذا نجد القرآن الکریم دائماً عندما یتحدث عن التقوی یلحقها مباشرة بلفظ الجلالة (الله) ولم یضیفها إلی الفعل ، مثل : اِتَّقُوا اللّهَ... (2)، ولم یقل أتقوا عذاب الله وکذلک لم یقل أتقوا سخط الله کذلک یقول : اِتَّقُوا رَبَّکُمُ... (3)، ولم یقل أتقوا عذاب ربکم وهکذا ؟ .

الشیخ السند : إذا کان الداعی لطاعة الله تعالی وتقواه هو ذاته الجامعة لجمیع صفات الجمال والکمال لا النار والعقاب ولا الجنة والثواب

ص:340


1- (1) - من لا یحضره الفقیه ج2 ص161 ح : 2031 .
2- (2) - البقرة (278) .
3- (3) - النساء (76) .

یکون ذلک أثبت للخلوص ولرفعة نوعیة العبادة لعبادة الأحرار المحبین .

المحاور : ما هی مفاد التقوی ؟ .

الشیخ السند : للتقوی مراتب بحسب درجات الأولیاء فی الأفعال والصفات والمعرفة والحالات النفسانیة والسرّ النفسانی وغیرها .

آداب الطعام :

المحاور : هل هناک أدلّة من السنة الشریفة علی إستحباب جلوس العائلة علی مائدة الطعام بشکل یومی ؟ .

الشیخ السند : قد روی عنهم (علیهم السلام) خیر الطعام ما تکاثرت علیه الأیدی ملعون من أکل وحده ، ومعناه أنه بعید عن رحمة الله تعالی .

المحاور : ما هی الفائدة الصحیة فی النهی من الأکل فی آنیة الذهب ؟ .

الشیخ السند : لا بد أن ننتبه أولاً أن النواهی الإلهیة والأوامر الشرعیة لیس من الضروری أن نحیط بکل مصالحها وأغراضها ، لکی نتبعها ، بل مع تسلیم المؤمن بربوبیة الخالق فهو الأعلم بمصالح عباده وهو المعبود وله حق الطاعة وقد استفاض عن أئمة أهل البیت (علیهم السلام) أن دین الله لا یصاب بالعقول ، وقد قال تعالی : أَ لا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ (1).

وتطور العلم الحدیث وإن کان یدلل یوماً بعد یوم وقرناً بعد قرن علی

ص:341


1- (1) - الملک (14) .

أعجاز الدین الحنیف والحکم والمصالح الخفیة المودعة فی أحکام الشریعة ، إلا أن ذلک لا یعنی حصر وقصر المصالح علی ما یکتشفه العلم الحدیث ، فکم من امور أکثر لم یکتشفها ، أو تخیل أنه وقف علیها ثم تبین المزید أو غیر ذلک . هذا وقد قیل أنه یؤثر فی الهرمونات البدنیة .

الحجاب :

المحاور: نطلب من سماحتکم رسالة دعوة إلی الحجاب ولکن تکون جامعة من کل نواحیها ؟ .

الشیخ السند : قال تعالی : وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ (1)، وقال تعالی : یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً (2)، والخمار الذی أمرت به الآیة الأولی هو القطعة من الثیاب التی توضع علی الرأس ویجعل طرفیها علی نهایة الذقن فیغطی الرقبة والصدر ، و أما الجلباب الذی أمرت به الآیة الثانیة فهو الرداء الذی یوضع علی الرأس ویغطی المنکبین والورک وهو

ص:342


1- (1) - النور (31) .
2- (2) - الأحزاب (59) .

شبیه بالعباءة التی تستعملها نساء المؤمنین حالیاً ، ولکنه قد یکون أقصر بقلیل ، کما یلبس فی بعض البلدان الإسلامیة کما فی باکستان واندونیسیا وقد یطول کما یلبس فی الشرق الأوسط وعلی أیة حال مضافاً إلی أنه واجب وفرض من الله تعالی فأنه عزّ وعفاف للمرأة إذ التبرج ابتذال للمرأة ، وقال تعالی مخاطباً نساء سید الأنبیاء (صلی الله علیه وآله) :وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی (1). وفی أحادیث المعراج الواردة عن النبی (صلی الله علیه وآله) أنه رأی فی لیلة المعراج أنواع من العذاب الإلهی والتنکیل بالنساء المتبرجات أی اللاتی لا یتحجبن بالحجاب الدینی ، یقشعر منها الجلد ، ولیس قیمة المرأة بعرض شعرها أمام الرجال ، وإنما قیمة المرأة هی بالعلم والأدب والعفة ألا تری کیف مدح الله تعالی فاطمة الزهراء (علیها السلام) فی سورة الدهر وفی سورة الأحزاب فی آیة التطهیر وفی سورة المباهلة ، حیث جعلت فاطمة حجة وبرهان علی حقانیة الدین الإسلامی وهذا مقام رفیع للمرأة وکذلک الحال فی مریم حیث أوحی الله (عز وجل) إلیها وجعلها آیة وطهرها لعفتها ، وکذلک مدح آسیا بنت مزاحم امرأة فرعون فی سورة التحریم وکذلک مدح أم موسی وأوحی الله (عز وجل) إلیها ، فالقیمة للمرأة إنما هو بالفضیلة لا بالرذیلة ، وکیف یقال أن للمرأة قیمة وحقوق بإبتذال جسدها یتلذذ به کل رجل وأی شیء یبقی للزوج العفیف . حینئذ ، ألا تری أن المرأة تعود عجوزاً ذابلة فأین الجمال حینئذ ، لیس إلا بالخلق الحسن والعلم والفضیلة .

ص:343


1- (1) - الأحزاب (33) .

الأم والجنة :

المحاور: هل صحیح إن قول : ( الجنّة تحت أقدام الاُمهات )(1)، لیس حدیثاً للنبی (صلی الله علیه وآله) وما الدلیل ؟ .

الشیخ السند : حسب بعض التتبع المحدود - الظاهر أنه لم یرد فی طرق الحدیث لدینا . نعم ورد التوصیة باحترام الاُم ورعایتها أکثر من أیّ شخص آخر وکفی فی ذلک ما ورد فی الکتاب العزیز والروایات الکثیرة .

التوبة :

المحاور: علی الإنسان المسلم أن یستعد ل-: یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ (2)، وأن یستفید من کل لحظة من حیاته بعمل خیر او عبادی قبل موته وذلک فی سبیل الفوز بالدرجات العلی فی الآخرة وعلیه أن یبتعد عن کل معصیة ستکون سببا لعذاب الیم ... والسؤال : أی حیاة وأی طموح وأی سعادة وبناء لمستقبل یمکن أن یعیشه الإنسان وهاجس الموت بین عینیه .. وصورة العذاب والصراط والمیزان تقفز إلی مخیلته عند کل فعل یأتیه حسناً کان أو سیئاً ؟. وکیف له الأحساس بالطمانینة والخوف من ذنوبه وأعماله السیئة إلتی اقترفها علی أمتداد حیاته یلاحقه .. حتی وأن تاب .. فمن ذا الذی یمکنه التوبة من کل الذنوب ؟ ناهیک وجوب القضاء

ص:344


1- (1) - مستدرک الوسائل ج15 ص181 ح : 17933 ، مسند الشهاب الثاقب لأبن سلامة ج1 ص103 ح : 119.
2- (2) - الشعراء (88) .

لکل العبادات المفروضة منذ سن التکلیف و رد المظالم وغیره عند التوبة ألیس الشعور بحتمیة التغیر والتوبة والقضاء قبل فوات الأوان وعدم أرتکاب أی ذنب لضمان الآخرة یؤدی للشعور بالعجز والشلل ؟؟ لیس یأساً من رحمة الله ولکن الطریق فعلاً شاق بصورة یصعب البدء معها ... وإذا کان الإسلام دین عبادة وحیاة فکیف یمکن أن یحیا الإنسان بصورة طبیعیة إذا تملکه هاجس الموت وضرورة الإسراع قبل فوات الأوان ؟ کیف یمکن حل تلک المعادلة مع ملاحظة أن شخص کهذا قد یقع فعلیاً عرضة للأمراض نفسیة کالقلق المرضی او الکآبة ؟ .

الشیخ السند : لابد من الإلتفات إلی النقاط التالیة :

الأولی : أنه : لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها (1).

الثانیة : قضاء کل العبادات السابقة إنما هو فی صورة عدم إتیانها أو بطلان ما أتی به ، وفی هذا الحال یقضی بالتدریج .

الثالثة : الخوف والرجاء عاملان مربیان وسببان لتکامل الإنسان واللازم فیهما الموازاة فقد ورد عنهم (علیهم السلام) أن الخوف والرجاء لو وزنا فی قلب المؤمن لکانا متساویین لا یزید أحدهما علی الآخر ، وأن الحکمة فی الدعوة والهدایة إلی الله تعالی هو بتساوی الترهیب من النار مع الترغیب فی الجنة وتعادل الإنذار مع البشارة ، فالحالة الصحیة فی الإنسان هو أن لا یزید خوفه علی طمعه وأمله ولا یزید طمعه وأمله علی خوفه لأن طغیان الأول

ص:345


1- (1) - البقره (286) .

یوجب الیأس وطغیان الثانی یوجب التسویف وترک العمل والدلال والبطر ونحوها من الرذائل .

الرابعة : تکرر الإنابة إلیه والتوبة أمر محبوب عنده تعالی فها هو تعالی یصف المتقین فی قوله : وَ سارِعُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ(133)اَلَّذِینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرّاءِ وَ الضَّرّاءِ وَ الْکاظِمِینَ الْغَیْظَ وَ الْعافِینَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ(134)وَ الَّذِینَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَکَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَ لَمْ یُصِرُّوا عَلی ما فَعَلُوا وَ هُمْ یَعْلَمُونَ(135)أُولئِکَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنّاتٌ... (1)، فظاهر سیاق الآیة وصف المتقین أنهم إذا فعلوا فاحشة سارعوا فی التوبة والرجوع إلی الله تعالی والندامة وترکوا الإصرار وترکوا البقاء علی المعصیة والذنب ، فمتارکة الذنوب بعد أقترافها ومعاودة الإستقامة علی الطاعة خلق ممدوح عنده تعالی وهو ، نهج من مناهج التقوی .

الخامسة : اللازم علی الإنسان مطالعة وقراءة کل من آیات الانذار وآیات المغفرة والبشارة وکذلک قراءة روایات الوعید بالعقاب والوعد بالثواب کی یحفظ الموازنة وعدم الاستغراق فی أحداها علی حساب الأخری .

فإنه تعالی کما هو سریع العقاب وسریع الحساب وشدید العقاب هو غفور رحیم حنان منان واسع المغفرة أرحم الراحمین عطوف کریم .

ص:346


1- (1) - آل عمران (133 - 136) .

السادسة : عن النبی (صلی الله علیه وآله) إنه قال :

(یا علی إن الدین متین فأوغل فیه برفق ولا تبغض إلی نفسک عبادة ربک إن المنبت - یعنی المفرط - لا ظهراً أبقی ولا أرضاً قطع ، فأعمل عمل من یرجوا أن یموت هرماً وأحذر حذر من یتخوف أن یموت غداً ) (1).

الأحادیث :

المحاور: هل خطبة البیان والخطبة التطنجیة صحیحتان ؟ .

الشیخ السند : لم إقف علی أسناد للخطبتین ولکن ینبغی التنبیه علی أن غالب فقرات الخطبتین موجودة فی خطب أخری مسندة بنحو مستفیض أو فی روایات عنهم (علیهم السلام) مستفیضة .

المحاور : هل حدیث الخیط الأصفر وحدیث النورانیة المرویان فی البحار صحیحان ؟.

الشیخ السند : الظاهر عدم صحة طریقیهما ولکن مضمون حدیث النورانیة قد ورد فی أحادیث بدء الخلقة وخلق أنوارهم وهی أحادیث مستفیضة .

المحاور: کیف یمککنا التأکد من صحة الحدیث ؟ .

الشیخ السند : طریقة التعرف علی صحة الحدیث هو بمراجعة أهل التخصص فی علم الرجال والحدیث ، فمثلاً کتاب ( مرآة العقول ) للعلامة المجلسی (قدس سره) صاحب کتاب (البحار) ، قد أشار فی کتابه المزبور

ص:347


1- (1) - الکافی للکلینی ج2 ص87 ، باب الصبر ، ح : 6 .

الذی هو شرح لکتاب (أصول وفروع الکافی) للکلینی ، أشار فی ذیل کل حدیث الی درجة أعتبار الحدیث علی رأی المشهور ، وکذلک فی کتابه (ملاذ الأخیار) الذی هو شرح کتاب (التهذیب) للشیخ الطوسی (قدس سره) وکذلک کتب علم الرجال .

ولا بد من الإلتفات إلی أن بین أهل الأختصاص یقع الأختلاف فی رأی فی تصحیح الأحادیث وتضعیفها فلیس من الضروری أتفاقهم .

المحاور : یقول الإمام الصادق (علیه السلام) :

(أثقل إخوانی علیّ من یتکلف لی وأتحفظ منه)(1)، والسوال ما معنی کلمة التکلف الواردة فی الحدیث ؟ .

الشیخ السند : أی تحمل الکلفة والحرج والمشقة .

المحاور : یقول الإمام علی (علیه السلام) :

(اللجوج لا رأی له) (2)، ما معنی کلمة اللجوج فی الحدیث ؟ .

الشیخ السند : العنود المتعصب .

المحاور : إذا تیقنت بصدور روایة قطعیة من المعصوم (علیه السلام) وتعارضت مع فتوی مقلدی ماذا أقدم ؟ .

الشیخ السند : لا بد فی الروایة من فهم الدلالة والجمع بین دلالتها ودلالات بقیة الروایات وهذا یتوقف علی صفة الأجتهاد والفقاهة نعم فی

ص:348


1- (1) - التحفة السنیة للسید عبدالله الجزائری ص328 ، مستدرک الوسائل ج9 ص155 ح : 10536 .
2- (2) - میزان الحکمة ج4 ح : 2770 .

الحقائق الدینیة الضروریة لا مجال للتقلید .

المحاور: فی روایة للإمام المعصوم (علیه السلام) :

(لو لم یبقی من بنی أمیة إلا عجوزاً درداء لبغت دین الله عوجاً )(1)، بینما نجد مشایخنا وساداتنا تروی من علی المنابر بأن عمر بن عبد العزیز کان رجل طیب . ألا تجدوا فی هذا الکلام مفارقة ؟ .

الشیخ السند : هذه الروایة نظیر

(لعن الله بنی أمیة قاطبة ) (2)، وإن کانت شاملة لمن هواه أموی لا خصوص من هو من نسلهم لکنها بیان لإقتضاء هذا النسل العداء للدین وقد نصّ علی ذلک الکتاب العزیز : وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ (3)، فقد روی أهل سنة الجماعة کالسیوطی فی الدر المنثور وغیره أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) رأی بنی أمیة ینزون علی منبره نزو القردة فاساءه ذلک فنزلت الآیة وأن الشجرة الملعونة فی القرآن هم بنو أمیة والفتنة هی مؤامرة السقیفة .

نعم هذا الإقتضاء فی الخبث والعداوة علی الدین بنحو الإقتضاء لا الجبر فمن ثم خرج منهم سعد الخیر الذی هو من بنی أمیة ولکن کان من شیعة أهل البیت(علیهم السلام) ، وکذلک خالد بن سعید بن العاص وأخوه وکان من شیعة علی (علیه السلام) ، وأما عمر بن عبد العزیز فهو حیث رأی أن بنی أمیة قد

ص:349


1- (1) - الخرائج والجرائح للراوندی ج3 ص574 .
2- (2) - زیارة عاشوراء .
3- (3) - الأسراء (60) .

تشوّه وجههم و أنهم کلما نالوا بالسب من علی (علیه السلام) إزداد الناس حباً لعلی (علیه السلام) وکرهاً من بنی أمیة فأراد أن یتفادی هذه الحالة المتردیة لبنی أمیة ، وقد ورد عن الصادق (علیه السلام) :

(عندما سأله رجل عنه - وقد أزال السب واللعن عن أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) - فقال (علیه السلام) : ان ملائکة السماء و الأرض تلعنه کل صبح ومساء لغصبه الخلافة ) .

علم الرجال :

المحاور: الشیخ علی بن أحمد الکوفی من سلالة الإمام الجواد (علیه السلام) وصاحب کتاب (الاستغاثة) فمن هذا الرجل ؟ و هل هو ممن فسدت عقیدتهم بالغلو فی آخر حیاته کما یذکر السید الخوئی (طاب ثراه) فی بیانه ؟ .

الشیخ السند : قال الشیخ الطوسی فی کتاب الفهرست : (علی بن أحمد الکوفی یکنی أبا القاسم کان إمامیاً مستقیم الطریقة وصنف کتباً کثیرة سدیدة منها کتاب الأوصیاء وکتاب الفقه علی ترتیب کتاب المزنی ، ثم خلّط وأظهر مذهب المخمسة وصنف کتباً فی الغلو والتخلیط وله مقالة تنسب إلیه ) (1) .

وقال النجاشی فی رجاله : (کان یقول لله من آل أبی طالب وغلا فی آخر عمره وفسد مذهبه ) (2) ، وقال الغضائری : (المدعی العلویة ) (3) ، مما یشیر إلی عدم تحققهم من نسبته إلی الذریة العلویة ، وکتابه الإستغاثة یعرف أیضاً

ص:350


1- (1) - الفهرست للطوسی ص165 / (389) .
2- (2) - الکنی والألقاب للقمی ج1 ص145 .
3- (3) - المصدر السابق .

بإسم ( بالبدع المحدثة ) أو ( الإغاثة من فی بدع الثلاثة ) ، وصرح صاحب (ریاض العلماء) أن الکتاب المزبور ألفه أیام استقامته و أن ما ألف من کتاب (عیون المعجزات) المنسوب للسید المرتضی أو للشیخ حسین بن عبد الوهاب هو تتمیم لکتابه (تثبیت المعجزات) ، کما أنه ذکر کما أستظهر المیرزا النوری اعتماد الأصحاب علی جلّ کتبه حیث کان مستقیماً محمود الطریقة .

وفی کتاب (عیون المعجزات) صرح بأنه سیّد رضوی ، کما لا یخفی أن جماعة نسبوا الکتاب إلی الشیخ کمال الدین میثم بن علی البحرانی الحکیم الشارح لنهج البلاغة ، و هذا مما یدل علی أعتمادهم علی مضمون الکتاب ، فعلی کل تقدیر أحتفال الأصحاب بالکتاب ظاهر بیّن .

المحاور : من هو رجب البرسی ( صاحب مشارق أنوار الیقین ) ؟ ومتی عاش ؟ وما حقیقة رمیه بالغلو ؟ و هل یتبیّن غلوّه - إنْ کان - فی کتابه المذکور ؟ وما حکم قراءة کتبه إن کان مغالیاً ؟ .

الشیخ السند : قال العلامة المجلسی : (لا أعتماد علی ما تفرد به لأشتمال کتابه علی ما یوهم الخبط والخلط والإرتفاع ) (1) . وقال الشیخ الحر صاحب الوسائل : ( أن فیه إفراط وربما نسب إلی الغلو ورجب البرسی هو الشیخ الحافظ رضی الدین رجب بن محمد بن رجب البرسی الحلّی صاحب کتاب (مشارق الأمان) وکتاب (اللمعة) و(الألفین) ومشارق الأنوار ) .

سکن مدینة الحلة المحروسة وأصله من قریة برس الواقعة بینها وبین

ص:351


1- (1) - بحار الأنوار ج1 ص10 .

الکوفة ووصفه فی (ریاض العلماء) ب- (الفقیه) المحدث الصوفی المعروف ووصفه الحر (بالمحدث الشاعر الأدیب) هذا و أن کان جلّ ما یتوهم منه الغلو له تأویل فلسفی

یستقیم معناه علی الموازین .

المحاور: من هو المنتصر العباسی ؟ وما حقیقة أستشارته أحد الأئمة (علیهم السلام) قتل والده (المتوکل) ؟ و هل کان موالیاً لآل محمد (علیهم السلام) ؟ .

الشیخ السند : المنتصر العباسی هو أبن المتوکل العباسی ، وقد کان للمتوکل غلاماً مخنثاً یأمره المتوکل بالإستهزاء بأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) ، فیأخذ الوسادة ویضعها علی بطنه و یقول شعراً یهجو فیها علیاً (علیه السلام) فغضب المنتصر لذلک وقتل أباه ، وذکر أن المتوکل شتم الزهراء (علیها السلام) کما هو دأب بعض النواصب الکفرة ، فغضب المنتصر لذلک وقتل والده ولا منافاة بین النقلین لإمکان وقوعهما معا ، وعلی کل تقدیر لم یکن ذلک من المنتصر بمثابة ولاءه لأهل البیت (علیهم السلام) بالمعنی الخاص ومن ثم لم یذکر لنا التاریخ فی خلال حکومته التی استمرت أشهر أنه غیرّ سیاسة الدولة العباسیة تجاه الإمام الهادی (علیه السلام) .

المحاور : من هو هارون الرشید ؟ وما حقیقة قیامه اللیل وعبادته وزهده وعلمه وفی نفس الوقت فجوره وخموره وفساده وطغیانه ( کما یذکر الأصفهانی فی الأغانی - علی ما أظن - ) ؟ .

الشیخ السند : ذکر ابن أعثم فی کتاب (الفتوح) أن مغنی هارون العباسی کان إبراهیم الموصلی وضاربه بالعود زلزل وزامره برصوما ،

ص:352

وهارون بن محمد المهدی أخوه موسی الهادی الذی کان - کما فی الفتوح - لا یفتر عن الشرب لیلاً ونهاراً .

المحاور: ما هی قصة عبدالله بن صیاد و هل هو المسیح الدجال وما صحة بعض الأحادیث الواردة فی صحیح البخاری مثلا تفید بأن الرسول الکریم علیه وعلی آله (أفضل الصلاة والسلام) رآه وتحدث معه ؟ .

الشیخ السند : روی فی البحار (ج 52 ص 193) عن کتاب إکمال الدین للصدوق ص 490 ، عن الاصبغ بن نباته أنه قال :

(یا أمیر المؤمنین من الدجال ؟ فقال (علیه السلام) : ألا أن الدجال صائد بن الصید ) . وفی نسخة أخری للروایة :

(صائد بن الصائد )(1).

وروی هذه الروایة الهندی فی کنز العمال عن الأصبغ عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) انه قال (علیه السلام) : ( صافی بن صائد )(2)، نعم فی روایات أهل السنة والجماعة أن أسمه عبدالله بن صیاد وفی روایات أخری لهم انه صائف بن صائد الیهودی وروی الصدوق فی إکمال الدین ص 209 : إن الدجال ولد علی عهد رسول الله (صلی الله علیه وآله) بالمدینة و أن النبی (صلی الله علیه وآله) قد زاره مع جمع من أصحابه .

وقال المجلسی فی البحار : (أختلفت العامة فی إن ابن الصیاد هل هو الدجال أو غیره فذهب جماعة منهم إلی أنه غیره لما روی أنه تاب عن ذلک ومات بالمدینة وکشفوا عن وجهه حتی رآه الناس میتاً ورووا عن أبی سعید الخدری أیضاً ،

ص:353


1- (1) - الخرائج والجرائح للراوندی ج3 ص1135 .
2- (2) - کنز العمال للمتقی الهندی ج14 ص613 ح : 39709 .

وذهب جماعة إلی أنه الدجال ورووه عن ابن عمر وجابر الأنصاری ) (1) .

وقال الصدوق بعد روایته ذلک الخبر إن العامة یصدقون بولادة الدجال والخبر الوارد فیه ویروونه فی الدجال وغیبته وطول بقائه المدة الطویلة وبخروجه فی آخر الزمان ولا یصدقون بحیاة القائم (عجل الله فرجه) وطول بقائه فی الغیبة .

ثم أحتج علیهم الصدوق بما رووه عن النبی (صلی الله علیه وآله) انه قال :

(کل ما کان فی الأمم السالفة یکون فی هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) (2)

،وانه کان فی الأمم السالفة حجج لله تعالی معمّرون ) .

وکیف إنهم یصدقون الأخبار الواردة لدیهم عن وهب بن منبه وکعب الاحبار فی المجالات التی لا یصح منها شیءٌ ولا یصدقون بما یرد عن النبی (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته الأئمة (علیهم السلام) فی القائم وغیبته .

المحاور: ما هی مکانة وحشی قاتل الحمزة (علیه السلام) فی مذهب أهل البیت (سلام الله علیهم) و هل یجوز لعنه ؟ .

الشیخ السند : روی أنه کان یشرب الخمر ومات فی الخمر وأنه لما أسلم قال له النبی (صلی الله علیه وآله) : أوحشی ؟ قال : نعم قال : أخبرنی کیف قتلت عمی ؟ فأخبره فبکی وقال : غیّب وجهک عنی )(3).

ص:354


1- (1) - البحار ج52 ص198 .
2- (2) - کمال الدین للصدوق ص576 باب (254) ذکر المعمرین .
3- (3) - الکامل فی التاریخ ج2 ص25 .

وفی روایة عن الصادق (علیه السلام) فی تفسیر قوله تعالی : وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا یُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ (1)، المرجون لأمر الله قوم کانوا مشرکین قتلوا حمزة وجعفراً وأشباههما من المؤمنین ثم دخلوا بعده فی الإسلام فوحدوا الله وترکوا الشرک ولم یعرفوا الإیمان بقلوبهم فیکونوا مؤمنین فیجب لهم الجنة ولم یکونوا علی جحودهم فیجب لهم النار فهم علی تلک الحالة مرجون لأمر الله أما یعذبهم وأما یتوب علیهم أقول لا یظهر من هذه الروایة عدم سوء عاقبته و أن عاقبته معلقة ، لأن کلامه (علیه السلام) فی صدد التمثیل إذ قاتل جعفر لم یعرف أنه أسلم - حسب الظاهر - .

وقد حکم بعض علماء الرجال من الإمامیة بجهالة حاله .

المحاور: أرجو أن تزودونی ولو بشکل مختصر فی نبذة عن حیاة کل من :

1- محمد بن إسماعیل البخاری.

2- مسلم بن الحجاج النیسابوری .

3- محمد بن عیسی الترمذی .

4- أحمد بن شعیب النسائی .

5- أبی داوود السجستانی .

6- أبن ماجة القزوینی .

7- الحافظ أبی عبد الله محمد بن عبد الله النیسابوری الشهیر بالحاکم .

ص:355


1- (1) - التوبة (106) .

8- مالک بن إنس صاحب موطأ مالک .

9- أبی عبد الله محمد بن أدریس الشافعی .

10- الحافظ سلیمان بن داود .

11- الحافظ أبی محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمی .

12- الحافظ أبی بکر احمد بن الحسین بن علی البیهقی .

13- الحافظ أبی الحسن علی بن عمر الدارقطنی .

14- أبی نعیم احمد بن عبد الله الاصبهانی .

15- شهاب الدین أبی الفضل العسقلانی المعروف بأبن حجر .

16- محمد بن سعد کاتب الواقدی .

17- أبی بکر أحمد بن علی الخطیب البغدادی.

18- أبی جعفر محمد بن جریر الطبری .

19- أبی جعفر الطحاوی .

20 - أحمد بن محمد المصری الحنفی .

21- محمد بن الحسن الشیبانی تلمیذ أبی حنیفة .

22- عز الدین أبی الحسن علی بن محمد المعروف بأبن الأثیر .

23- الحافظ أبی عمر یوسف بن عبد الله المعروف بأبن عبد البر .

ص:356

24- شمس الدین محمد بن أحمد المعروف بالذهبی .

25- محمود بن عمر الزمخشری .

26- محمد الرازی فخر الدین بن العلامة ضیاء الدین المعروف بخطیب الری .

27- جلال الدین عبد الرحمن أبی بکر السیوطی .

28- أبی الحسن علی بن احمد المشتهر بالواحدی .

29- أحمد بن محمد بن إبراهیم الثعلبی .

30- الحافظ أبی عبد الرحمن أحمد بن شعیب النسائی .

31- أبی محمد بن عبد الله بن مسلم المعروف بابن قتیبة .

32- نور الدین علی بن أبی بکر الهیثمی .

33- المتقی الهندی صاحب کتاب کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال .

34- عبد الرؤوف المناوی صاحب کتابی فیض القدیر وکنوز الحقائق .

35- علی بن سلطان محمد القاری صاحب کتاب مرقاة المفاتیح .

36- الشیخ الشبلنجی صاحب کتاب نور الإبصار .

الشیخ السند : قد ذکرت تراجم أصحاب الصحاح عند أهل السنة والجماعة وغیرهم من أصحاب الکتب الحدیثیة أو التفسیریة فی کتب الرجال والتراجم لهم ککتاب (میزان الإعتدال) و(تهذیب التهذیب) و(تاریخ بغداد) و(مهذب الکمال) و(الکامل فی الضعفاء والضعفاء) و(تقریب التهذیب)

ص:357

وغیرها .

کما قد کتب حولهم بعض علماء الإمامیة کالسید عبد الحسین شرف الدین فی کتاب (المراجعات) ، والشیخ محمد حسن المظفر فی کتاب (دلائل الصدق) ، والشیخ محمد حسین کاشف الغطاء فی کتاب (عین المیزان) المطبوع مع (الملحمة

الحسینیة) .

وفی کتاب (سیر فی الصحیحین) وفی کتاب (الإمام الصادق (علیه السلام) والمذاهب الأربعة) وغیرهم ، کما أن عدة من هؤلاء الذین ذکرت یظهر شیء من الوداد بذوی القربی والتمسک بأقوالهم والإقرار بفضائلهم کالنسائی والحاکم النیشابوری والشافعی وبن سعد الواقدی والزمخشری والفخر الرازی والسیوطی والثعلبی وابن قتیبة والشبلنجی وغیرهم حتی أن بعضهم وصف بالتشیع لکثرة استشهاده بأقوال العترة الطاهرة ، علی عکس عدة أخری من هؤلاء ممن یظهر منه النصب کالذهبی والبخاری والهیثمی وغیرهم .

المحاور: (ورقة بن نوفل) هل هو شخصیة حقیقیة فی التاریخ أم انه خیالی ؟ . الشیخ السند : الخیال المنسوج لیس فی شخصیة ورقة بن نوفل بل فی القصة التی یرویها العامة من ألتجاء خاتم الأنبیاء وتثبته من نبوته إلی قول ورقة بن نوفل ، وانه (صلی الله علیه وآله) کان شاکاً من الوحی ونحو ذلک من الأساطیر الباطلة .

المحاور: أستفساری عن مناظرة حصلت بین علماء الشیعة وعلماء

ص:358

السنة فی النجف الأشرف ویروی أنه أورد هذا الحوار علّامة العراق السید عبدالله بن الحسین السویدی العباسی ( مولود 1104 ه- : والمتوفی 1174 ه- ) فی مذکراته عن مؤتمر النجف الذی إنتهی بخضوع مجتهدی الشیعة لإمامة أبی بکر وعمر ؟ .

و هل صحیح أنه اعلن ذلک علی منبر الکوفة فی خطبة الجمعة یوم 26 | شوال | 1156 ه- وقد حضرها نادر شاة (وهو أحد ملوک الشیعة ومعروف عنه البطش والتقتیل) وعلماء السنة والشیعة ؟ .

الشیخ السند : قد کثرت فی الآونة الاخیرة دعاوی الوهابیة وتلفیقاتهم حول الشیعة ومذهب أهل البیت (علیهم السلام) وقد أصدروا کتباً تحمل اسماءً شیعیة تدلیساً وتمویهاً ، ولفقوا فیها من الأراجیف والجواب عن کل ذلک أن حجج

وبراهین مذهب أهل البیت (علیهم السلام) مدوّنة فی کتبهم بل أن من مصادرها کتب ومصادر أهل السنة والجماعة من الاحادیث النبویة فضلاً عن البراهین القرآنیة فها هو البرهان فلیأتوا بمثله و لیترکوا التشبث بالتلفیقات التاریخیة التی لا مصدر ولا أساس لها .

التاریخ :

المحاور: من هو مصعب بن الزبیر ؟ وما حقیقة موقفه من أهل البیت (علیهم السلام) ؟.

الشیخ السند : مصعب بن الزبیر هو ابن الزبیر بن العوام المعروف وآل الزبیر ما انفکوا عن العداء لأهل البیت (علیهم السلام) وکذلک ذراریهم نظیر مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله ابن الزبیر بن العوام کان

ص:359

منحرفاً عن علی (علیه السلام) کما یقول ابن الأثیر فی الکامل ج19 : 7 حوادث سنة 236 وهو صاحب کتاب (نسب قریش) وقال عنه أبن الندیم کان مصعب الزبیری وأبوه عبد الله من شرار الناس متحاملین علی ولد علی (علیه السلام) ، وخبر عبد الله مع یحیی بن عبد الله المحض معروف .

المحاور : کعب الأحبار رجل یهودی أسلم وکان الخلیفة عمر بن الخطاب یعتمد علیه کثیراً ، کما روی عنه أبو هریرة فمن هذا الرجل ؟ وما مدی صحة إسلامه وصحبته للنبی (صلی الله علیه وآله) واستفادته منه ؟ و هل کانت له مقاصد خبیثة حین ادّعی الإسلام ؟ و هل له دور فی دس الأحادیث الموضوعة والإسرائیلیّات ؟ .

الشیخ السند : کعب الأحبار هو کعب بن ماتع الحمیری الیمانی الذی کان یهودیاً فأسلم بعد وفاة النبی (صلی الله علیه وآله) وقدم المدینة من الیمن فی أیام عمر فجالس أصحاب محمد (صلی الله علیه وآله) فکان یحدثهم عن الکتب الإسرائیلیة

ویحفظ عجائب .

توفی بحمص فی أواخر خلافة عثمان کما ذکره الذهبی فی سیرة أعلام النبلاء ج3 ص489 ، قدم إلی المدینة فی خلافة عمر عندما بلغ عمره السبعین ولم یجیء إلیها فی حیاة الرسول (صلی الله علیه وآله) وفی طبقات ابن سعد عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبد الله بن عبد القیس جالس إلی کعب وبینهما سفر من أسفار التوراة وکعب یقرأ .

وفی طبقات أبن سعد أن أبا هریرة قال لکعب إننی جئتک لأطلب

ص:360

عندک العلم واستقی من معینک الغزیر ، وفی زمان معاویة کان کعب فی الشام وقد قربه وأدناه لاسیما و أن کعب تکهن بأن الأمیر بعد عثمان هو معاویة ، وفی الإصابة ج3 ص316 ذکر ابن حجر العسقلانی أن معاویة هو الذی أمر کعباً بأن یقص فی الشام . وقال الشیخ محمود أبو ریة فی کتابه شیخ المضیرة ص93 : أن الأستاذ سعید الأفغانی نشر مقالاً فی مجلة مصریة قال فیه أن وهب بن منبه الصهیونی الأول صححت هذا الرأی بمقال نشر فی العدد 656 من هذه المجلة أثبت فیه بالأدلة القاطعة إن کعب الأحبار هو الصهیونی الأول .

وما کاد هذا المقال ینشر حتی هب فی وجهنا شیوخ الأزهر وأمطرونا وابلاً من طعنهم المعروف وقالوا : کیف تصف (سیدنا کعب) بأنه الصهیونی الأول وهو من کبار التابعین وخیار المسلمین و مما یؤسف له أنهم لا یزالون یذکرون أسمه بالسیادة إلی الیوم .

المحاور : ما قضیّة ارتداد مالک بن نویرة وقبیلته بعد وفاة النبی (صلی الله علیه وآله) ؟ وما قضیّة خالد وتفاصیل تعامله معهم بعدما أرسله أبو بکر لهم ؟ .

الشیخ السند : مالک بن نویرة التمیمی الیربوعی من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقد أستعمله (صلی الله علیه وآله) علی صدقات بنی تمیم کان مختصاً

بالولاء لعلی (علیه السلام) ولم یبایع أبا بکر وأنکر علیه أشد الإنکار وعاتبه بقوله : (أربع علی ضلعک وألزم قعر بیتک واستغفر لذنبک ورّد الحق إلی أهله أما تستحی أن تقوم فی مقام أقام

ص:361

الله ورسوله فیه غیرک وما ترک یوم الغدیر لأحد حجة ولا معذرة ... ) (1) ، فأمر أبو بکر خالد بن الولید بقتله وأسر نسائه وتزوج بزوجته لیلته .

وروی فی مالک أن النبی (صلی الله علیه وآله) قال فیه :

(من أراد أن ینظر إلی رجل من أهل الجنة فلینظر إلی هذا الرجل ، فطلب أبو بکر وعمر الإستغفار منه فقال : لا غفر الله لکما تخلّون رسول الله (صلی الله علیه وآله) وتجیئون عندی تطلبون منی الشفاعة والإستغفار ) (2)، وفی شرح ابن أبی الحدید أنه لما رجع خالد دخل المسجد وعلیه ثیاب قد صدیت من الحدید وفی عمامته ثلاثة أسهم فلما رآه عمر قال أریاءاً یا عدو الله عدوت علی رجل من المسلمین فقتلته ونکحت إمرأته أما و الله أن أمکننی الله منک لأرجمنک ثم تناول الأسهم من عمامته فکسرها وخالد ساکت لا یرد علیه ظنا أن ذلک عن أمر أبی بکر ورأیه فلما دخل علی أبی بکر وحدثه صدقه فیما حکاه وقبل عذره فکان عمر یحرض أبا بکر علی خالد ویشیر علیه أن یقتص منه بدم مالک فقال أبو بکر إیهاً یا عمر ما هو بأوّل من أخطأ فارفع لسانک عنه ) (3) . ولکن أبا بکر لم یضمن ما فعله خالد من القتل والنهب والأسر بعد ما أدعی الخطأ !! وعمر لم یقتص من خالد فی خلافته !!! ولم یبرّ قسمه بل أمّره علی العساکر وجعله والیاً علی المدن .

المحاور : ذکر فی کتاب (هویة الشیعة) للعلامة الوائلی ، أسماء الصحابة و اللذین سماهم رواد التشیع الأوائل ، ولکن مما شد انتباهی أن أحد الصحابة وأسمه خالد بن الولید الأنصاری (ص : 34) من الصحابة المذکورین ؟

ص:362


1- (1) - تعلیقة علی منهج المقال للوحید البهبهانی ص290 ، المستدرک للنمازی ج6 ص338 .
2- (2) - الصراط المستقیم للعاملی ج2 ص280 .
3- (3) - البحار ج30 ص486 ، شرح النهج لأبن أبی الحدید ج1 ص179 .

فمن هو؟ و هل هو خالد بن الولید الذی قتل مالک بن نویرة ؟! .

الشیخ السند : خالد بن الولید الأنصاری یغایر ابن الولید المخزومی القرشی الذی نکح زوجة مالک بن نویرة العشیة التی قتله فیها وأراد عمر قتله ورجمه لذلک ولکن تشفّع له أبو بکر .

المحاور : ما حدث فی حادثة العقبة ؟ .

الشیخ السند : حادثة العقبة کانت عبارة عن مؤامرة تم فیها تدبیر قتل الرسول (صلی الله علیه وآله) فی مسیر رجوعه من غزوة تبوک وکان المخطط بان تقوم الجماعة المتآمرة بدحرجة الحجارة لیلاً تحت ناقة النبی (صلی الله علیه وآله) کی تنفر وتسقط النبی فی أسفل الوادی عند مرورها علی عقبة صعبة فی الطریق الجبلی ، فعلم النبی (صلی الله علیه وآله) بالمؤامرة وأمر حذیفة بن الیمانی وعمار بن یاسر بالتزام ناقته ومراقبة الوضع لأنه تعالی سوف یکشف بالنور فی الفضاء عن تلک الجماعة المتلثمة ، وهکذا خابت المؤامرة ویشیر إلی الواقعة قوله تعالی : یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ، یَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا کَلِمَةَ الْکُفْرِ وَ کَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ یَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (1)، وقال بعض تلامذة العلامة الطباطبائی فی کتاب له تاریخ الإسلام فی نصوص القرآن الکریم أن قوله تعالی فی سورة التحریم : وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِیُّ إِلی بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِیثاً فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَکَ هذا قالَ: نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ

ص:363


1- (1) - التوبة73-74 .

اَلْخَبِیرُ إِنْ تَتُوبا إِلَی اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذلِکَ ظَهِیرٌ عَسی رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ أَنْ یُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَیْراً مِنْکُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَیِّباتٍ وَ أَبْکاراً (1)، یشیر إلی مثل ذلک حیث أن هذا الإستنفار الإلهی کجبهة مواجهة بهذه العدّة الإلهیة ینذر بوجود مصادمة تستهدف استئصال وجود النبی (صلی الله علیه وآله) و أن الإسرار بالحدیث والإفشاء له یدور حول وضع المسلمین فیما بعد حیاة النبی (صلی الله علیه وآله) .

کل ذلک وغیره یعطیه إعطاء التأمل حقه فی سیاق آیات سورة التحریم .

المحاور: کیف رأی الصحابی الجلیل جابر بن عبدالله الأنصاری الإمام الباقر (علیه السلام) وهو کفیف العین ؟ نرجو توضیح الأمر تاریخیاً ومتی کان الصحابی الجلیل کفیفاً ومتی وأین رأی الإمام ؟ .

علما أن هناک من یستدل بالروایة التی قال فیها جابر بن عبدالله الأنصاری للإمام : (یا غلام أقبل فأقبل ثم قلت وأدبر فأدبر ، فقلت شمائل رسول الله (صلی الله علیه وآله) ورب الکعبة ... ) (2) ، و هل هذه الروایة صحیحة ؟ .

علما أن بعض الخطباء أو بعض الکتب تقول أن جابراً کان کفیفاً ؟ .

الشیخ السند : الذی یظهر من الروایات الواردة أنه کان یبصر حین لقی الباقر (علیه السلام) وأبلغه سلام النبی (صلی الله علیه وآله) وأما ما یروی من أن جابر أمر عطیة

ص:364


1- (1) - التحریم (3 - 5) .
2- (2) - البحار ج36 ص251 .

العوفی أن یأخذ بیده ویلمسه قبر الحسین (علیه السلام) بعد استشهاده (علیه السلام) وکان أول زائر للحسین (علیه السلام) فلا تدل علی کونه کفیف البصر إذ لعل ذلک لشدة بکاءه وجزعه بدرجة کان لا یفتح عینیه کما هو المشاهد عند شدة البکاء .

الفرق والأدیان :

المحاور: ما هو الدلیل العقلی علی لزوم التمسک بالدین الإسلامی ورفض بقیه الأدیان ؟ .

الشیخ السند : أما الدلیل العقلی المجرد البحث المحض فهو لا یقضی إلا بضرورة الحاجة إلی الدین الإلهی و أن البشر والعقل المحدود محتاج فی الهدایة إلی الکمالات التامة العدیدة علی کل الأصعدة إلی عنایة رب الخلیقة .

نعم الدلیل العقلی المرکب من مقدمات حسیة أو نقلیة قطعیة قائم علی لزوم التمسک بدین الإسلام وانحصار النجاة به ویمکن تقریبه بعدة صیاغات نشیر إلی کیفیتها بنحو الإشارة والتفصیل فیها لا یخفی علی السائل إنشاء الله تعالی :

الأول : أن الأدلة الدالة علی حقانیة دین الإسلام المبیّنة البینة تثبت حقانیته ، وحیث یثبت ذلک فإن مفاد العدید من الآیات والروایات المتواترة هو حصر النجاة فی الآخرة به دون غیره من الأدیان ، مثل قوله تعالی : وَ مَنْ یَبْتَغِ

غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ 1، وقول النبی (صلی الله علیه وآله) : ( لو کان موسی حیاً ما وسعه إلا إتباعی )2.

ص:365

غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ (1)، وقول النبی (صلی الله علیه وآله) : ( لو کان موسی حیاً ما وسعه إلا إتباعی )(2).

وقد وصف القرآن الکریم بأنه مهیمناً علی الکتب السماویة المتقدمة ومصدّقاً لها وأنه فیه تبیان کل شیء بخلاف التوراة وغیرها فإنه فیها بیان من کل شیء لا کل شیء و أن القرآن ما من غائبة فی السموات و الأرض إلا مستطرة فی کتاب مبین وهو حقیقة القرآن العلویة للقرآن النازل فی لیلة مبارکة کما فی سورة الدخان ، وکذا ما تسقط من حبة فی ظلمات الأرض ولا رطب ولا یابس إلا فی کتاب مبین مما یدل علی سعة وإحاطة شمول القرآن لکل شیء فی کل مکان وزمان وظرف متغیر ، مما یلزمه عقلاً تعینه ککتاب هدایة ورشاد .

وکذلک ما روی عند الفریقین من أن : (حلال محمد (صلی الله علیه وآله) حلال إلی یوم القیامة وحرامه (صلی الله علیه وآله) حرام إلی یوم القیامة ) (3) ، وقوله (صلی الله علیه وآله):

(إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق ) (4)، مما یلزمه عقلاً أن تمام کمال المکارم بهذا الدین ، وغیرها من الشواهد النقلیة القطعیة التی لا تحصی عدداً الدالة علی ذلک الملازمة عقلاً للحصر بعد ثبوت حقانیة الدین کأمر مفروغ عنه فی المرتبة السابقة .

الثانی : وجوه إعجاز القرآن التی تصل إلی ما یذرف علی العشرة

ص:


1- (1) - آل عمران (85) .
2- (2) - کنز العمال للمتقی الهندی ج1 ص200 ح : 1009 .
3- (3) - الوسائل ج30 ص196 .
4- (4) - البحار ج16 ص210 .

مناهج وقد یوصلها البعض إلی الأکثر من ذلک ، منها العلوم والمعارف المختلفة فی القرآن سواء فی المعرفة العامة الکونیة کالتوحید ونحوه أو فی القانون للنظام الاجتماعی والفردی وأصول تلک القوانین أو العلوم المرتبطة بالطبیعة ونحوها أو العلوم الإنسانیة المرتبطة بالأخلاق وعلم النفس والإجتماع والعلوم الروحیة ، وکذلک العلوم الریاضیة والفلکیة وغیرها أقسام للعلوم وإن کان ترکیز القرآن للأصلی فی الدرجة الأولی هو علی کونه کتاب هدایة وفلاح وصلاح للإنسانیة .

وبعبارة أخری أن أحکام ومعارف الدین الإسلامی تنتدب التحدی للبشریة فی وجود أی خلل فیما تعرضه کنظام هدایة ، شریطة أن تدرس معطیات الدین وتحاکم علی أسس وأصول علمیة وتخصصیة وقطعیة .

و هذا الوجه حاصر عقلاً طریق النجاة به دون بقیة الأدیان لتخصصه وتمیزه بذلک دونها ، فضلاً عن مناهج الأعجاز الأخری الملازمة لکمال القرآن المجید الملازم للحصر فیه میزة دون بقیة الکتب السماویة .

الثالث : تغطیة أقوال وسیرة الرسول (صلی الله علیه وآله) والمعصومین (علیهم السلام) لکل مستجدات ومتغیرات الأزمنة شریطة أن تدرس علی الأصول المشار إلیها سابقاً الملازم عقلاً لتعیین هذا الدین للبغاة .

الرابع : الوعد الإلهی بإظهار هذا الدین علی کافة أرجاء الکرة الأرضیة ولم یتحقق هذا الوعد الإلهی علی ید أحد من بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله) بعد أن زویت قیادة النظام الإجتماع السیاسی للمسلمین عن أهل البیت (علیهم السلام) - مما یلزم

ص:367

عقلاً کون هذا الدین هو الأکمل والأمثل للسؤدد کمنهاج للبشریة .

وهناک وجوه عدیدة لا یسع المقام ذکرها هذا ولا بد من الإلتفات إلی أن الأنبیاء والرسل کلهم بعثوا بدین واحد هو الإسلام وإنما أختلفت شرایعهم وأنما أتباع الأنبیاء السابقین حرّفوا دین الإسلام لدی أنبیاءهم إلی الیهودیة والنصرانیة والمجوسیة ونحوها .

المحاور : أرید أن أعرف بإیجاز عن مذهب البهائیین وما موقف الإسلام منها ؟ .

الشیخ السند : البهائیة فرقة تولدت وإنشقت من الفرقة البابیة التی ابتدعها علی محمد الشیرازی الذی أدعی النیابة الخاصة عن الحجة (عجل الله فرجه الشریف) فی بادئ أمره - وهو أمر ضروری البطلان لدی الإمامیة فی الغیبة الکبری - ثم تمادی به الأمر إلی إدعاء النبوة وأنه بعد النبی الخاتم (صلی الله علیه وآله) کما أدعی وأتی بکتاب جدید سماه (البیان) الذی ألّفه بالتلفیق بین آیات قرانیة وزخارف

حشویة أُخری، مشتملة علی الهذیان والغلط فی اللغة العربیة المکسّرة بالعجمة، وکان الباب الشیرازی قد نصب میرزا یحیی النوری خلیفة له مع معاونة أخیه حسین علی النوری، ولقب الأول بالازل والثانی ببهاء، وکانا قد أعتقلا من قبل الدولة فی سلسلة المطاردة لهم بعد فتوی علماء الشیعة فی إیران بکفرهم وخروج الباب وأتباعه عن دین الإسلام، فتوسطت السفارة الروسیة والبریطانیة لإطلاق سراحهما وإخراجهما مع جماعة من البابیة إلی بغداد وقد کان للسفارة البریطانیة أکبر الدعم للفرقة البابیة -

ص:368

ومکثوا هناک عشر سنین وأخذوا شیئاً فشیئاً یبتدعون الأحکام کبقیة الفرق المنحرفة ثم ان السلطات اضطرت إلی إبعادهم إلی جزیرة قبرص وهناک تنازع الأخوان فأنقسمت البابیة إلی الأزلیة والبهائیة ، ثم إنهما أنتقلا إلی فلسطین، و أخذت الحکومة الإسرائیلیة والبریطانیة فی دعم البهائیة ونشر دعوتها بإنشاء مراکز فی ایران واوروبا ، حتی راج لها أتباع، وتصدی علماء الشیعة فی ایران أمامهم بقوة وإستنفار شدید فتوقف المدّ المنتشر للبهائیة، ولکن لازالت إلی یومنا الحاضر الدوائر الغربیة تطالب بفسح المجال لهم ودعمهم بکافة الوسائل الخفیّة* فمجمل مذهبهم إنهم یعتقدون بنبوة کل من الباب الشیرازی والبهاء وبکتاب البیان وشریعة جدیدة مشتملة علی کثیر من الاباحیّات والعقائد المزخرفة، فلا ینتحلون اسم الاسلام فضلاً عن أن یکونوا مسلمین .

المحاور: التقیت مع بعض الاشخاص البهائیین ، وبما أنی شیعی ، أردت معرفة موقفنا تجاه هؤلاء وأرید کذلک التعرف أکثر حول عقائدهم ، وهم یقولون بأنهم لدیهم أدلة فی القرآن الکریم وکذلک أردت معرفة لماذا أصبح الإسلام آخر الأدیان السماویة وأیضاً کیف أصبح النبی محمد (صلی الله علیه وآله) آخر الأنبیاء .

الشیخ السند : أما الموقف الشرعی تجاه البهائیة : فهم معدودون من الکفار ، لأنهم کفروا بالتدین بدین الإسلام وبخلود شریعة النبی محمد (صلّی الله علیه وآله) ویعتقدون بنبوة البهاء ، وإذا کان بعض منهم علی دین الإسلام سابقاً

ص:369

فأعتنق بعد ذلک البهائیة یکون مرتداً ، ومثله من تشهد بالشهادتین ومع ذلک یعتنق البهائیة فإنه مرتد أیضاً . وتترتب علیه الکلام المرتد .

وأما عقائد البهائیة فهم یعتقدون :

1- بنبوة البهاء واسمه حسین علی النوری والذی کان أخوه یحیی (الأزل) قد إدعی النبوة أیضاً وکان البهاء قد قتل أخاه یحیی بالسمّ لیکون رئیساً للطائفة البابیة .

2- یعتقدون بکتاب له یسمی (الإیقان) وهو مشحون بالأغلاط الفاحشة فی اللغة العربیة ، وکذلک الکتاب (المبین) وهما ملیئان بالعجمة .

3- یعتقدون بحلول الألوهیة فی البهاء .

4- یعتقدون بالمهدی النوعی ویعتقدون بأنه لا یجوز لدین ومذهب ان یعمّر أکثر من ألف سنة ، فبعد کل ألف سنة ینسخ الدین والمذهب ویأتی دین ومذهب ونبی جدید . ویستدلون علی ذلک بقوله تعالی فی القرآن الکریم : یُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَی الْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ (1)، فقالوا ان (الأمر) یعنی الدین والمذهب و(التدبیر) هو البحث والإرسال و(العروج) هو النسخ والرفع . و هذا التفسیر للآیة أشبه بالهلوسة فی مفردات اللغة وموازین الأدب المحاوری ، فإن (الأمر) یستعمل فی القرآن الکریم للشیء والشأن التکوینی کقوله تعالی : إِنَّما

ص:370


1- (1) - السجدة (5) .

أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (1)، وکقوله : لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ (2)، وغیرهما من موارد استعماله مثل القمر : 50 و المؤمنون : 27 ، والأعراف : 54 ، وإبراهیم : 32 ، النحل : 12 ، والروم : 25 ، والجاثیة : 12 ، لا بمعنی التشریع والشرع والمنهاج . وکذلک التدبیر فإنه یستعمل فی الخلق والمباشرة للأمور التکوینیة لا فی إنزال وتنزیل الشریعة والدین . کقوله تعالی : شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصّی بِهِ نُوحاً (3)، وقوله : نَزَّلَ عَلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ (4)، مضافاً إلی ذکر السماء و الأرض المرتبط بالخلقة التکوینیة فی الآیة . وکذلک کلمة (العروج) التی هی بمعنی الصعود والارتقاء لا النسخ والتبدیل ثم أن الآیة متضمنة للعدد خمسین ألف سنة وعدد الأنبیاء مائة وأربعة وعشرون الف نبی لا یتطابق مع کلا العددین والفواصل الزمنیة بین نوح وابراهیم و موسی وعیسی والنبی محمد (صلوات الله علیهم) لا یتطابق مع الألف سنة إذ بین نوح (علیه السلام) وإبراهیم (علیه السلام) ما یزید علی (1600) سنة وبینه وبین موسی (علیه السلام) أقل من (500) عام وبینه وبین عیسی ما یزید علی (1500) عام وبینه وبین النبی محمد (صلی الله علیه وآله) دون (600) عام .

5- المعاد عند البهائیة یقول البهاء : ( انتهت قیامة الإسلام بموت علی محمد الباب - مؤسس البابیة التی تولدت منها البهائیة - و بدأت قیامة البیان

ص:371


1- (1) - یس (82) .
2- (2) - الأعراف (54) .
3- (3) - الشوری (13) .
4- (4) - آل عمران (3) .

ودین الباب بظهور من یظهره الله - ویعنی بذلک نفسه - فإذا أمات أنتهت قیامته وقامت قیامة الأقدس ودین البهاء ببعثة النبی الجدید ) کتاب الإیقان ص 71 ، والبدیع ص338 ، والألواح بعد الاقدس ص 81 - 252 ، وإشراقات عبد البهاء ومکاتیبه ص 33 .

وقد ذهل الباب والبهاء عن تفسیر وقائع أهوال القیامة التی ذکرها القرآن الکریم .

ویعترض (الأزلیة) أتباع یحیی النوری المسمی بالأزل وهو أخ حسین علی النوری المسمی بالبهاء وکذلک البابیة أتباع علی محمد الباب الذی أسس البابیة وتولدت منها الأزلیة والبهائیة أن الفاصلة بین القیامات هی کما یقول الباب : ان من یظهره الله یأتی بعد العدد المستغاث (2001) - لما أسسه البابیة والبهائیة من أن کل شریعة تنسخ بعد ألف سنة وبلحاظ الباب والأزل یجب أن تمضی (2001) کی یعلن البهاء عن نفسه ، فیجیب البهاء فی کتاب البدیع ص 113 - وهو نمط من الهلوسة - ( کان المشرکون أنفسهم یرون أن یوم القیامة (50) ألف سنة فانقضت فی ساعة واحدة ، أفتصدقون یا من عمیت بصائرکم ذلک ، وتعترضون أن تنقضی ألفا سنة بوهمکم فی سنین معدودة ؟!! ) .

6 - یقول البهاء فی کتابه الأقدس ص 34 : (لیس لأحد أن یحرک لسانه ویلهج بذکر الله أمام الناس حین یمشی فی الطراقات والشوارع ) و هذا الحکم من البهائیة خلاف لجمیع الشرایع السماویة والأدیان الإلهیة من أن ذکر الله

ص:372

حسن علی کل حال .

و یقول فی ص 41 : (کتب علیکم تجدید أثاث البیت فی کل تسعة عشر عاماً ) و ( أحل للرجل لبس الحریر لقد رفع الله حکم التحدید فی اللباس واللحی ) و ( قد منعتم من إرتقاء المنابر فمن أراد أن یتلو علیکم آیات ربه فلیجلس علی الکرسی ) وبعد تحریم الذکر فی الملاء ووجوب تجدید أثاث البیت وتجویز لبس الحریر وحلق اللحی ، قام بتحریم التقیة وتجویز الإصغاء والإستماع للموسیقی

والغناء وحکم بطهارة المنی (ماء الرجل) بل أن کل شیء طاهر ولا توجد نجاسة وتحلیل الربا وقد جوّزت البابیة لإتباعها نکاح أحد الزوجین من ثالث آخر لغرض الحصول علی الولد وکذلک قالت البابیة بالتفاوت فی المهر بین أهل المدینة وأهل القری . و قالت البهائیة بعدم جواز الزواج بأکثر من اثنتین بل قالوا أن الزواج بالثانیة مشروط بشرط تعجیزی ، وقال البهاء بجواز نکاح الأقارب لاحظ کتاب ( الأقدس ص 30 ) لأنه لم یحرّم إلا مورداً واحداً ، و أن نکاح الأقارب عائد إلی بیت العدل ، و أن الطلاق یحق للمرأة أن تقوم به . وقال البهاء فی کتاب الأقدس ص 81: (من أحرق بیتاً متعمداً فأحرقوه ) وحرّم صلاة الجماعة الا علی المیت والسنة عندهم تسعة أشهر والشهر تسعة عشر یوماً . ویحرم عندهم الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من قبل عموم الناس . وللإطلاع علی تاریخ زعماء البهائیة ودورهم السیاسی والطریقة التی اتخذها الروس فی الإتیان بالباب لاحظ کتاب (البرنس دالکورکی) وکتاب (تاریخ جامع بهائیت) و(کشف الحیل) ... وغیرها حیث أن الباب قبل إعلامه فی إیران فی الفتنة

ص:373

التی أشارها کان قد نصّب میرزا یحیی النوری خلیفة له مع أخیه حسین علی النوری حیث لقب الأول عندهم بالأزل والثانی ببهاء وکانا قد إعتقلاً من قبل الدولة فتوسطت السفارة الروسیة والبریطانیة لإطلاق سراحهما وإخراجهما مع جماعة من البابیة إلی بغداد ومکثوا هناک عشر سنین وأخذوا شیئاً فشیئاً یبتدعون الأحکام ثم أن السلطات اضطرت إلی إبعادهم إلی جزیرة قبرص وهناک تنازع الأخوان فانقسمت البابیة إلی الأزلیة والبهائیة واتخذوا من فلسطین برعایة دولة إسرائیل مقرّاً لهم یحجّون إلیه .

وأما کون دین الإسلام آخر الأدیان والنبی محمد (صلّی الله علیه وآله) خاتم و آخر الأنبیاء فهو :

1- وصف النبی (صلی الله علیه وآله) بالخاتم : قوله تعالی : ما کانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِکُمْ وَ لکِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِیِّینَ (1)، والختم بمعنی النهایة والبهائیة یفسرون ( خاتم ) بمعنی زینة من الآلة التی توضع فی الید فی الإصبع ، مع أن منشأ تسمیة تلک الآلة بالخاتم هو أن الفصّ فی تلک الآلة ینقش فی العادة بنقش یمهر به الرسائل المکتوبة ویختم وینهی به الکلام فیها ، و قالت البهائیة أن نهایة الأنبیاء لا یستلزم نهایة الرسل ، ولم یتفطنوا أن کل رسول لا بد وان یکون نبیاً أولاً.

2 - الوعد باظهار وغلبة الدین علی کل وجه الأرض : وکذا قوله

ص:374


1- (1) - الأحزاب (40) .

تعالی : هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ (1)، وقد کرر القرآن هذه الآیة فی ثلاث سور الصف : 9 ، والفتح : 28 ، والتوبة : 33 .

و هذا الوعد الإلهی بانتشار الدین الإسلامی علی کافة ارجاء الکرة الأرضیة لم یتحقق.

3- عقیدة المهدی (عجل الله فرجه) : وبعقیدة کافة المسلمین أن المهدی من آل محمد (عجل الله فرجه) هو الکافل لتحقیق هذا الوعد الإلهی ومن ثم فضرورة عقیدة المهدی (عجل الله فرجه) هی أحد أدلة خلود هذا الدین التی أنبأ بها النبی محمد (صلّی الله علیه وآله) . وکذا بقیة الآیات المبشرة بظهور المهدی (عجل الله فرجه) کقوله تعالی : وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصّالِحُونَ (2)، وقوله تعالی : وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (3)، والآیة بصیغة الفعل المضارع للدلالة علی الإستمرار فی السنة والإرادة الإلهیة .

4- حصر الدین بالإسلام : وقوله تعالی :وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِی الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِینَ، کَیْفَ یَهْدِی اللّهُ قَوْماً کَفَرُوا بَعْدَ إِیمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ ،

ص:375


1- (1) - التوبة (33) .
2- (2) - الأنبیاء (105) .
3- (3) - القصص (5 -6) .

وقوله تعالی : إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (1)، وقوله تعالی : یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (2).

5- أوصاف القرآن : وقوله تعالی : وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ ءٍ (3)، النحل فلیس من شیء إلی یوم القیامة إلا وحکمه وبیانه فی القرآن الکریم . وقوله تعالی : وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ (4)، فالهیمنة کوصف للقرآن دلالة علی إحاطته وقد وصف القرآن بأوصاف عدیدة دالة علی احاطته بکل نشأة الخلقة : یَمْحُوا اللّهُ ما یَشاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ (5)، و وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَ یَعْلَمُ ما فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ یَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِی ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا یابِسٍ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (6).

وقد وصف القرآن بالکتاب المبین فی سورة الدخان : حم وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ إِنّا کُنّا مُنْذِرِینَ فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إِنَّهُ هُوَ

ص:376


1- (1) - آل عمران (85 - 86) .
2- (2) - آل عمران (19) .
3- (3) - آل عمران (102) .
4- (4) - النمل (89) .
5- (5) - المائدة (48) .
6- (6) - الرعد (39) .

اَلسَّمِیعُ الْعَلِیمُ (1)، وقال تعالی : وَ ما یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرَ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (2)، وقال تعالی : وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ إِلاّ عَلَی اللّهِ رِزْقُها وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها کُلٌّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (3)، مما یدلل علی عدم خروج شیء عن حیطة القرآن الکریم المبین فلیس هو علی نسق ما تقدمه الکتب الإلهیة مؤقتة لظرف زمنی محدد ، وقال تعالی : وَ وُضِعَ الْکِتابُ فَتَرَی الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمّا فِیهِ وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا ما لِهذَا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً إِلاّ أَحْصاها (4)، وقد وصف القرآن بالکتاب المبین: تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (5)، وأیضاً : طسم تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (6)، وقال : وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِی السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (7)، وفی سورة أخری : تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (8)، وقوله تعالی : إِنْ هُوَ إِلاّ ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ (9).

6 - آیات الشهادة : شهادة الرسول علی کل الناس کقوله تعالی : وَ کَذلِکَ جَعَلْناکُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَی النّاسِ وَ یَکُونَ الرَّسُولُ

ص:377


1- (1) - الأنعام (59) .
2- (2) - الدخان (1 -6) .
3- (3) - یونس (61) .
4- (4) - هود (51) .
5- (5) - الکهف (49) .
6- (6) - الشعراء (1 -2) .
7- (7) - النمل (1) .
8- (8) - النحل (75) .
9- (9) - یوسف (104) .

عَلَیْکُمْ شَهِیداً (1)، وفی قراءة أهل البیت (علیهم السلام) (أئمة) بدل (امة) جمع إمام ویشهد لها : وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (2)، وقوله تعالی : فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنا بِکَ عَلی هؤُلاءِ شَهِیداً (3). فالشاهد المطلق العام علی کل الأمم البشریة هو خاتم الأنبیاء (صلی الله علیه وآله) .

7 - خیریة أمته (صلی الله علیه وآله) : أو الأئمة خلفاؤه علی کل الناس کما فی قوله تعالی : کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ (4).

وفی قراءة أهل البیت (علیهم السلام) کنتم خیر أئمة ، جمع إمام . وإلا فکیف تکون الامة الإسلامیة خیر امة وقد قتلت سبطا النبی المختار وأبن عمه علی بن أبی طالب (علیه السلام) .

8 - بقاء الإمامة فی عقب اسماعیل وهو الرسول المختار وآله (صلوات الله علیهم) إلی یوم القیامة بمقتضی عدة من الآیات کقوله تعالی : إِذِ ابْتَلی إِبْراهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ (5)، وقوله : رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ (6)، وقوله تعالی : وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ (7)، أن الإمامة

ص:378


1- (1) - البقرة (143) .
2- (2) - التوبة (105) .
3- (3) - النساء (41) .
4- (4) - آل عمران (110) .
5- (5) - البقرة (124) .
6- (6) - البقرة (128) .
7- (7) - الزخرف (28) .

باقیة فی عقب إبراهیم (علیه السلام) ، وقوله تعالی : أَمْ یَحْسُدُونَ النّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً (1)، والملک العظیم هو الإمامة بقرینة ما تقدم ولیس الملک الظاهری حیث لم یتقلدوا السلطان الظاهری وهناک طوائف من الآیات أخری کثیرة لا یسع المقام ذکرها .

المحاور: أود أن أعرف بماذا تختلف عنا الفرقة الشیخیة ؟ وما عقیدتهم ؟ ومتی ظهرت ؟ وما موقف علمائنا منهم ؟ .

الشیخ السند : 1 - هم من الأثنا عشریة الجعفریة غایة الأمر یختلفون فی أنه تعتقد الشیخیة بالرکن الرابع ومرادهم من ذلک الإعتقاد بالنیابة الخاصة للعالم المرجع الذی یتبعوه ، أی أنه علی أرتباط خاص بالناحیة المقدسة نظیر النواب الاربعة فی الغیبة الصغری ، وقد یطلقون علیه بدل الرکن الرابع عبارة ( المولی ) ، ویرون أن تولیه من أجزاء الإیمان و أن من لم یتولاه ناقص الإیمان ، کما یذهبون إلی أن المعاد والبعث والنشور هو بالجسم اللطیف ویطلقون علیه (الهورقلیائی) ، وقد کتب أحد تلامذة المیرزا الکبیر صاحب فتوی التبغ (التنباکو) المعروف کتاباً فی الفوارق أسماه (هدیة النملة إلی مرجع الملة) ، وذکر فیه موارد عدیدة ، إلا أن کثیراً منها هی فی تفاصیل الاعتقادات التی هی محل بحث ودراسة فی علم الکلام والمعارف ، وعلی

ص:379


1- (1) - النساء (54) .

أیة حال الفارق الأول مجمعة الشیعة الامامیة علی ضرورة أنقطاع النیابة الخاص فی الغیبة الکبری و أن المدع لها مبدع مخالف لضرورة المذهب لدیهم ، هذا ، فإن کان بعضهم ینکر دعوی النیابة الخاصة فی حق من یتبعه من رجال الدین ، فنعم الصواب والوفاق .

2 - قد ظهر مما تقدم .

3 - بدأت فی الظهور منذ عهد الشیخ أحمد الأحسائی حیث اصطدم معه بعض علماء قزوین حول المعاد الجسمانی ، ثم ازدادت الحدّة علی عهد تلمیذه السید کاظم الرشتی ومن بعده من سلسلة تلامذة الشیخ الأحسائی ، وبعض تلامذة السید کاظم الرشتی والذی یسمی علی محمد الشیرازی الذی أدعی البابیة فأسس فرقة البابیة فی إیران ثم أدعی النبوة ثم تحولت إلی البهائیة المعروفة حالیاً ، وعلی أیة حال انقسمت الشیخیة إلی الکرمانیة إتباع الشیخ محمد کریم خان الکرمانی والی الأسکوئیة إتباع الشیخ الاسکونی التبریزی ، ولابد من الإلتفات إلی أن بین الشیخ زین الدین أحمد الاحسائی وبین تلامذته فوارق عدیدة حیث أنه لا یلاحظ هذه الفوارق فی کتب الشیخ الاحسائی ، بل غالبها هی من مبانی تلامذته حتی أنه قیل أن الشیخ علی بن الشیخ الاحسائی الذی کان علی منزلة من الفضیلة وقطن کرمانشاه أنکر کثیراً من الأمور التی نسبها تلامیذ الشیخ الاحسائی إلیه ، ولا یبعد ذلک لمن لاحظ مؤلفات الشیخ الاحسائی ، کما أن المستوی العلمی الذی کان یتمتع به الشیخ الاحسائی لم یکن لدی تلامیذه .

ص:380

4 - قد ظهر الحال مما سبق .

المحاور: أنا أدرس فی أمریکا ، وأجبرت علی عمل بحث حول الفرق الإسلامیة فی الإسلام أرجوا المساعدة بإعطائی بعض المعلومات عن الفرق الإسلامیة فی الإسلام لعدم وجود مصادر لدی والخوف من الخوض فی غیر مجالی ؟ .

الشیخ السند : تنقسم الفرق الإسلامیة بعدة تقسیمات فبلحاظ الأمور العقائدیة هناک العدید من التقسیمات فضلاً عن الأقسام وبلحاظ المذهب الفقهی هناک العدید من الاقسام وبلحاظ المنهج المتبع للمعرفة الدینیة وکیفیة الوصول للمعارف والأحکام هناک عدة تقسیمات وبلحاظ باب الآداب والأخلاق هناک العدید من الاقسام أیضاً ، وقد یکون بلحاظ مجموع ما تقدم .

وأما بعض النماذج من کل لحاظ ففی العقائد الشیعة وأهل سنة الجماعة والمرجئة والقدریة والجبریة والمفوضة ، والعدلیة ، والمجسمة المشبهة والمنزهة .

وفی الفقه المذاهب الأربعة عند أهل سنة الجماعة والمذهب الجعفری الإمامی عند الشیعة والأسماعیلیة ، والأباضیون فی المنهج المتبع للمعرفة الظاهریون والباطنیون ، والأصولیون والإخباریون ، والمجتهدون والمقلدون .

وفی الآداب والاخلاق الصوفیة والمتشرعة وأصحاب الطرائق وأصحاب الشرایع .

ص:381

المحاور: هل الخلاف بین السنة والشیعة خلاف فی العقائد أم فی الفروع ؟.

الشیخ السند : هناک وجود نقاط وفاق بین الطائفتین علی أصل التوحید والنبوة والمعاد والکتاب وجملة من أرکان الدین کالصلاة والزکاة والصوم والحج والجهاد ... إلا أن هناک نقاط أفتراق فی أصول الدین فإن جملة کبیرة من أهل السنة والجماعة قائلون بالتجسیم فی الباری تعالی عن ذلک علواً کبیراً ، کما أنهم لا یقولون بالعصمة المطلقة فی النبی (صلی الله علیه وآله) کما أن الاشاعرة منهم وهم جملة کبیرة منهم قائلون بالجبر فی الأفعال ، کما أنهم لا یقولون بإمامة الأئمة الاثنا عشر من أهل بیت النبی (صلی الله علیه وآله) و إنهم أوصیاء للنبی (صلی الله علیه وآله) ، وغیر ذلک من المسائل الکثیرة العقائدیة التی یخالفهم فیها الشیعة الإمامیة التابعون لآل محمد (صلوات الله علیهم ).

المحاور: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) انه فرقة واحدة من ( 73 ) فرقة تدخل الجنة و باقی الفرق تدخل النار من المسلمین و العیاذ بالله ؟ هل هذا یعنی أن ( 72 ) فرقة فی النار جمیعاً ؟ .

وقد قرأت فی أحد مذکرات أحد الأطباء یعمل فی المستشفی العسکری بالریاض انه شهد علی وفیات کانت خاتمتها حسنة کمن یتوقف قلبها و تنطق بالشهادتین و کرجل من أهل السنة و الجماعة لم یجدو ما یعطرونه به عندما بدءوا یغسلونه بدأت رائحة العود تفوح منه و غیرها من القصص التی أری أنها حقیقة ؟ .

و أرجوا منکم روایة قصص لمحبی اهل البیت کانت خاتمتهم حسنة

ص:382

اذا وجدت .

الشیخ السند : یجب أن یلتفت الأخ الی أن عقیدته یجب أن یعتنقها ویتمسک بها من مصدر وثیق وهو الکتاب والسنة ، لا من القصص والحکایات فعن علی (علیه السلام) ما مضمونه من أخذ ایمانه من الکتاب زالت الجبال ولم یزل أیمانه ومن أخذ أیمانه من الرجال أضلته ، هذا وقد نصّ الکتاب وأفترض محبة ومودة ذوی قربی النبی (صلی الله علیه وآله) وجعلها عدل الرسالة کلها وأجراً له مما یدلل علی أنها من أصول الدین والمعتقدات ، کما أوکل أدارة الأموال العامة فی بلاد المسلمین إلی ذوی قربی النبی (صلی الله علیه وآله) کالخمس والفیء والأنفال مما یدل علی ولایتهم العامة وحاکمیتهم علی المسلمین وغیر ذلک من الأدلة المسطورة فی الکتب العقائدیة .

وأما حسن الخاتمة فلیست هی الرائحة الطیبة بجسد المیت وصرف النطق بالشهادتین مع أنکار المتوفی لکثیر من ضروریات الدین الحنیف ، فقد ورد فی الروایات أن بعض أهل النار من لا خلاق له فی الآخر ولا نصیب یموت موتة براحة من دون شدة فی النزع ، و ذلک لکی یعطیه الله تعالی أجر بعض ما عمل من أعمال حسنة فی الدار الدنیا ومن ثم یرزق البنین والأموال وغیر ذلک کی لا

یکون له نصیب فی الدار الآخرة ، کما ورد أن بعض المؤمنین ممن عمل بالمعاصی یعذب فی الدار الدنیا وربما فی عملیة نزع روحه أیضاً کی لا یبقی علیه شیء من الوزر والعقاب حتی یقدم علی ربه طاهراً من الذنوب . ثم لا بد للأخ أن یلتفت أن أتباع الفرق المختلفة لیسوا علی درجة واحدة فبعضهم المعاند الجاحد للحق ، وبعضهم مستضعف قاصر ،

ص:383

وبعضهم متساهل مقصر وغیر ذلک من الأقسام ، فالمستضعف الفکری القاصر قد یجازی بالتنعیم ویلهی عنه کما فی بعض الروایات ، لکنه یمتحن یوم القیامة علی العقائد الحقة ، ومن ذلک قد یری نفس الظاهرة فی وفیات وأتباع للدیانات الاخری کالنصاری والملل الأخری حتی أرواح موتاهم فی البرزخ التی یدعی تحضیرها فی علم الوسیط الروحی الرائج فی البلدان الغربیة ، فإن جملة غفیرة من المستضعفین فکریا القاصرین یلهی عنهم فی البرزخ کما فی قوله تعالی :وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا یُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ (1).

المحاور: کیف یمکننی اقناع سنی بالتشیع أو بإقتناء مذهب الشیعة وآل البیت (علیهم السلام) ؟ .

الشیخ السند : یمکن أعتماد الآیات القرآنیة الدالة علی إمامة أهل البیت (علیهم السلام) وطهارتهم وعصمتهم وإسناد ولایة الأمر لهم ، وکذلک الأحادیث النبویة التی رواها الفریقان فعلیک بالمراجعة إلی کتب علم الکلام کنهج الحق للعلامة الحلی ، وأحقاق الحق للقاضی نور الله التستری ، والمراجعات للسید عبد الحسین شرف الدین ، والغدیر للعلامة الأمینی ، وغیرها من الکتب فی هذا المضمار .

المحاور: کیف یمکن معرفة الفرقة الناجیة بإذن الله و هل یمکن رؤیة الأئمة الأثنا عشر فی الحیاة الدنیا قبل الممات علی أی شکل ؟ .

ص:384


1- (1) - التوبة (106) .

الشیخ السند : طریق التعرف علی الفرقة الناجیة بإذن الله تعالی هو أن هذا الحدیث النبوی الشریف الذی رواه الفریقان ، دال علی أن التشبث باللسان بالشهادتین و أن أوجب حقن دم والمال والعرض وغیرها من الاحکام الدنیویة ، إلا أن الأحکام الآخرویة وفی طلیعتها النجاة لابد للإنسان من التحلی وتحصیل الإیمان القلبی والأعتقاد الهادی ، ومن ثم العمل الصالح وبالتالی فإن وحدة الهویة الإسلامیة لا تعنی وحدة الهویة الإیمانیة ولیست الوحدة الأولی علی حساب الوحدة الثانیة لا سیما و أن الثانیة أثرها اخروی أبدی وإن کانت الثانیة لا تنفی وجود الأولی لکنها تبرز حدودها المحدودة .

وعلی ذلک فلابد للمسلم من البحث والتنقیب عن طریق النجاة الأخرویة ، أی عن شرایط وأجزاء الإیمان ، وها هی سورة الحمد وهی أعظم سورة فی القرآن یقرأها المسلم کل یوم فی صلواته الخمس عشر مرات علی أقل تقدیر هذه السورة التی جمع فیها القرآن کله کما فی الروایات وتشیر إلیه الآیة : وَ لَقَدْ آتَیْناکَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِی وَ الْقُرْآنَ الْعَظِیمَ (1)، تشیر هذه السورة إلی طریق النجاة فی نصفها الثانی بعدما بینته فی نصفها الأول جملة من أرکان الإیمان من التوحید والصفات الإلهیة والمعاد والنبوة : اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ (6) صِراطَ الَّذِینَ... (2)، أی لابد فی النجاة الأخرویة من تحصیل الهدایة و ذلک بسلوک الصراط المستقیم وهو إتباع ثلة من هذه

ص:385


1- (1) - الحجر (87) .
2- (2) - الفاتحة (6 -7) .

الأمة هداة قادة لها للصراط المستقیم الذی هو صراطهم

ومواصفات هؤلاء الهداة القادة الأئمة علی طول عمر هذه الأمة إلی یوم القیامة هی ثلاث صفات :

الأولی : أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ (1): ( أی إنهم منعم علیهم بنعمة خاصة دون بقیة الأمة ولا نجد فی القرآن من أصطفاه الله تعالی من بین هذه الأمة بنعمة من ألطافه الخاصة سوی أهل بیت النبوة حیث قال تعالی : إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (2)، وقال تعالی : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (3)، وقال تعالی : قُلْ ما سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلاّ عَلَی اللّهِ (4)، فبین تعالی أن مودة ذوی القربی نفعه عائد للأمة ویوضح ذلک قوله تعالی : قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلاً (5)، الفرقان فتوضح الآیة أن مودة ذوی القربی وولایتهم وتولیهم وإتباعهم هو السبیل إلی الله والصراط المستقیم الذی أمرنا بالاهتداء بهم . وکذلک قوله تعالی : ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی (6)، وقال تعالی : وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی (7)، فجعل الفیء وهی الأموال العامة

ص:386


1- (1) - الفاتحة (7) .
2- (2) - الأحزاب (33) .
3- (3) - الشوری (23) .
4- (4) - سبأ (47) .
5- (5) - الفرقان (57) .
6- (6) - الحشر (7) .
7- (7) - الأنفال (41) .

من الموارد الطبیعیة تحت ولایة تدبیرهم وکذلک الخمس فهذه أمثلة من موارد النعم والألطاف التی أصطفاها الباری لأهل البیت وهو بیان للصفة الأولی فی سورة الحمد.

الثانیة : غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ... (1)، أی الذین لا یغضبون الله تعالی قطّ فی أفعالهم وسیرتهم أی معصومون فی العمل وکیف یکون من یعصی هادیاً للأمة وهو صاحب الصراط المستقیم .

الثالثة : وَ لاَ الضّالِّینَ ، أی الذین لا یضلّون أی معصومون فی العلم فعلمهم لدنّی وکیف یکون من یعصی هادیاً للأمة من یقع فی الضلال .

وقد شهد القرآن بطهارة أهل البیت عن الرجس والمعاصی والضلالات کما شهد القرآن بوقوع الصحابة فی المعاصی وإن لحق بعضهم الغفران ، کالفرار من الزحف فی أحد وحنین وعصیان الرسول (صلی الله علیه وآله) فی صلح الحدیبیة قبل أخذ بیعة الشجرة والرضوان منهم وغیرها من المواطن .

أما رؤیاهم (علیهم السلام) فی المنام ونحوه فهی ممکنة لکن لا یعوّل فی الحقایق علی الرؤی بل البراهین والحجج والبینات والرؤیة الحقیقیة هی حقایق الإیمان کما فی نهج البلاغة أن رؤیة الله تعالی القلبیة :

(رأته القلوب بحقایق الإیمان) (2).

المحاور: ما هو الفرق بین المدرسة الأصولیة والمدرسة الأخباریة عند

ص:387


1- (1) - الفاتحة (7) .
2- (2) - الکافی للکلینی ج1 ص97 .

شیعة أهل البیت ؟ ومن هم أبرز أعلام المدرستین ؟ وکیف کان ینظر کل منهما للآخر ؟.

الشیخ السند : الفرق بینهما یتلخص فی جملة من قواعد علم أصول الفقه وعلم الرجال وقواعد فقهیة :

1- کحجیة ظواهر آیات القرآن مع عدم إقترانها بروایات مفسرة کما ذهب إلیه الأصولیة دون الأخباریة .

2- لزوم توفر شرائط الأعتبار فی الروایة وخبر الواحد بینما الأخباریة یبقون علی حجیة کل روایات الکتب الأربعة وبعض آخر من کتب الحدیث .

3- جریان البراءة فی التشبهات التحریمیة فی المسائل الشرعیة الکلیة .

4- حجیة الإجماع .

5- حجیة العقل سعة .

6- حجیة قاعدة الإستصحاب فی المسائل الشرعیة الکلیة .

7- التعمق فی دلالة وفقه الحدیث وتحلیل مفاده .

وغیرها من الفروق الأخری .

وأبرز أعلام الأخباریة فی القدماء یعدّ الکلینی ثقة الاسلام (قدس سره) ، والصدوق وجملة من المحدثین وفی المتأخرین الإمین الأسترابادی والشیخ یوسف آل عصفور البحرانی والسید نعمة الله الجزائری .

وأبرز أعلام الأصولیة فی القدماء أبن أبی عقیل والمفید والمرتضی والطوسی

ص:388

والمحقق الحلی والعلامة الحلی والشهیدین والمحقق الکرکی ، ومن المتأخرین الوحید البهبهانی وتلامیذه والأختلاف مقصور علی تعدد وجهات النظر العلمیة والفتوائیة کأختلاف العلماء والفقهاء من ابناء الطائفة الواحدة فی الفتیا والأنظار العلمیة ، نعم کانت هناک حساسیات لدی العوام من أتباع المدرستین نظیر الحساسیات التی تشاهد بین إتباع ومقلدین فقیهین مثلاً .

المحاور: أنا مواطن من الجزائر أبلغ من العمر 17 سنة أود أن أستفسرک عن الخلاف الذی بینکم وبین السنة وأخذکم بهذا المذهب وأمر الخلافة الذی هو الخلاف الأعظم بین المسلمین رجاءاً إذا کان بإمکانکم تزویدی بکتب ومطبوعات عن مذهبکم ؟ .

الشیخ السند : حقیقة الخلاف بین الشیعة والسنة هو فی إتباع أهل البیت (علیهم السلام) أهل بیت النبی (صلی الله علیه وآله) آل محمد (صلی الله علیه وآله) ، وهم خصوص الأئمة الأثنی عشر أولهم علی بن أبی طالب (علیه السلام) ثم الحسن والحسین سبطا رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، ثم علی بن الحسین زین العابدین ثم محمّد علی الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسی بن جعفر الکاظم ثم علی بن موسی الرضا ثم محمد بن علی الجواد ثم علی بن محمد الهادی ثم الحسن بن علی العسکری ثم المهدی بن الحسن الغائب المنتظر .

وکذلک معهم فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله) حیث تعتقد الشیعة تبعاً لنص القرآن بتطهیرهم : إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ

ص:389

وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً (1)، تطهیرهم من کل الذنوب والمعاصی فهم معصومون من المعصیة والزلل ، وهم ورثة علم النبی (صلی الله علیه وآله) فی قوله تعالی : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ کَرِیمٌ فِی کِتابٍ مَکْنُونٍ لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (2)، فالقرآن الکریم الذی یوصف بعظمة الکرامة هو فی کتاب مکنون أی محفوظ عن أن یصل إلیه البشر کما فی قوله تعالی بل : هُوَ قُرْآنٌ مَجِیدٌ فِی لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (3)، فالقرآن الذی فیه علم کل شیء وأسراره فی اللوح المحفوظ والکتاب المبین والکتاب المکنون ، وهذه الوراثة روحیة ولیست مادیة فتعتقد الشیعة الإمامیة أن أهل البیت (علیهم السلام) ، لهم علم خاص لدنّی من قبله تعالی یتأهلون بواسطته لإمامة الأمة . وقد أمر تعالی بمودتهم وتولیهم : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی (4)، وقال تعالی : ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی (5)، وقال تعالی : وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی (6)، فجعل إدارة الأموال العامة تحت تصرف تدبیرهم وهی الحکومة والخلافة من الله تعالی ورسوله لهم .

وبکلمة إن الفارق بین مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) والمذاهب الإسلامیة

ص:390


1- (1) - الأحزاب (33) .
2- (2) - الواقعة (77 - 79) .
3- (3) - البروج (21 - 22) .
4- (4) - الشوری (23) .
5- (5) - الحشر (7) .
6- (6) - الأنفال (41) .

الأخری هو أن فی مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) تبنی علی عدم أنقطاع الأرتباط البشری بالسماء وإن لم یکن ذلک الأرتباط بعد النبی (صلی الله علیه وآله) بین الإمام والغیب لیس وحیاً نبویاً ولکنه علما لدنیاً غیبیاً کما فی طالوت والخضر فی سورة الکهف وذی القرنین وصاحب سلیمان فی سورة النمل .

وللإطلاع أکثر علی ذلک فیمکن أرتیاد المواقع الأنترنتییة الشیعیة ومن الکتب فی هذا المضمار کتاب (نهج الحق) و(منهاج الکرامة) للعلامة الحلی ، و(إحقاق الحق) للسید نور الدین التستری ، و(المراجعات) للسید شرف الدین ، و(الغدیر) للعلامة الأمینی و(دلائل الصدق) للمظفر وغیرها من عشرات الکتب .

المحاور: أود أن أسأل ، هل المسیحیین هم نفسهم النصاری ؟ وماهی نظریة التثلیث ؟ و هل یوجد الیوم من یدین بالمسیحیة الحقیقیة التی لم تحرف ؟ و هل یوجد أنجیل وتوراة فی عصرنا الحاضر صحیح غیر محرف ؟.

الشیخ السند : المسیحیّون قبل أنحرافهم لم یکونوا نصاری وإنما الذی حرفهم عن دین النبی عیسی (علیه السلام) - والذی هو دین الإسلام ودین جمیع الأنبیاء - ونصّرهم هو بولس وقیل نسطور - والتثلیث هو الأعتقاد بالاقانیم الثلاث أب وأبن وروح القدس والأقنوم بمعنی الأصل والقائلون بذلک قیل هو معظم النصاری وقیل أن مسیحیو الحبشة وغیرها - کما فی کتب التواریخ - لا یقولون بألوهیة عیسی وإن الأناجیل الموجودة - علی ما فیها من التحریف - لا یوجد فیها أیة اشارة الی التثلیث وانه قد

ص:391

اعترف بذلک جملة من علمائهم وهو من آیات عظمة القرآن الکریم حیث یقول : لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ یَنْتَهُوا عَمّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (1)، المائدة وقال علی لسان عیسی لبنی اسرائیل : یا بَنِی إِسْرائِیلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّی وَ رَبَّکُمْ إِنَّهُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ وَ ما لِلظّالِمِینَ مِنْ أَنْصارٍ (2).

الأنجیل والتوارة غیر المحرفین یوجدان عند الحجة بن الحسن العسکری (عجل الله فرجه) وکذلک جمیع کتب الأنبیاء (علیهم السلام) ومواریثهم .

الجن :

المحاور : هل کان للجن رسل خاصین بهم ؟ .

الشیخ السند : ظاهر ما ورد من تعداد عدة الانبیاء والرسل وکذا ظاهر سورة الجن هو عدم وجود الرسل من الجن و أنهم من الإنس ویؤیده الإعتبار العقلی من جهة کمال الإنس علی الجن .

أسماء :

المحاور : هل تسمیة الأشخاص ب- (عبد الحسین) و (عبد الامیر) و (عبد الزهراء) وأمثالها جائز عقائدیاً وما هوحکمها الفقهی ؟.

ص:392


1- (1) - المائدة (73) .
2- (2) - المائدة (72) .

الشیخ السند : التسمیة ب- (عبد الحسین) و (عبد الزهراء) و (عبد الرسول) ونحو ذلک جائزة ، إذ لیس المقصود من العبودیة هو المخلوقیة أو تألیه المعصومین (علیهم السلام) ، بل المراد خضوع الطاعة لهم والخدمة أحتراماً لهم کما أمر بذلک القرآن الکریم : أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ (1)، هذا مع أن العبودیة فی القرآن المجید والفقه علی أقسام منها عبودیة المخلوقیة وهی مضافة لله تعالی خاصة ، ومنها عبودیة للطاعة ومنها عبودیة ملک المنفعة وهو الذی یسمی ملک الرقبة فی کتب الفقه عند جمیع المذاهب الإسلامیة واطلقوا علی ذلک الباب الفقهی أسم کتاب العبید والإماء وبیعهم وشراءهم وهم الکفار الذین یؤسرون ویغنمون ، فیقال هذا عبد فلان وغلام وجاریة فلان ، وأشار إلیه القرآن الکریم : عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْ ءٍ (2)، فالمملوکیة ههنا لیس بمعنی الملک التکوینی للخالق علی مخلوقه ، بل هو الملک الأعتباری التخویلی وهو ملک المنفعة المسمی بملک الرقبة . فلم یستشکل أحد من المسلمین فی قراءة هذه الآیة ونظیرها من الآیات الواردة فی العبید ولا أستشکل أحد من الفقهاء فی کتابة کتاب العبید والإماء ، ولیس إلا لأن أستعمال العبودیة علی معان وأقسام مختلفة لا بمعنی المخلوقیة .

ص:393


1- (1) - النساء (59) .
2- (2) - النحل (75) .

ألعاب :

المحاور : هل لعب الزنجفة حرام بدون مبلغ من المال ؟ .

الشیخ السند : اللعب بآلات القمار حرام وإن کان بدون رهان مالی .

النعمة :

المحاور : ما معنی النعمة ؟ وما هی أقسامها ؟ .

الشیخ السند : النعم منها مادیة دنیویة ومنها معنویة وأعظمها ولایة الله تعالی ورسوله (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) .

الأفضلیة :

المحاور: لماذا الله (عز وجل) أعطی لبعض الناس مؤهلات أفضل من آخرین ؟ و هل فی هذه المسألة ظلم للعباد ؟ .

الشیخ السند : یقال الإفضال من غیر إستحقاق لیس بقبیح ولا بظلم لکن العقوبة بغیر إستحقاق قبیح ، هذا مضافاً إلی أن الإفضال منه تعالی هو لعلمه بأنماط حسن أختیار الأفراد فبحسب حسن أختیار المستقبلی یهیئ لهم ظروف ومؤهلات أکثر مساعدة نظیر مدیر المدرسة إذا فطن بإن بعض تلامیذ المدرسة سیکونون أکثر جدیة وجهد من غیرهم فمن أول السنة الدراسیة یهیئ لهم ظروف خاصة لهم کی یناسب جدیتهم وأستقامتهم .

ص:394

الشر :

المحاور: سمعت من بعض العلماء یقول أن الشر لا وجود له وأنه لم یخلق أصلاً ولکنه وجد بسبب أفعال البشر ( أی أن أنه ناتج عن سوء ما أقترفت ید البشریة ) .

إن لم یکن للشر وجود أصلاً فکیف تستطیع أفعال الإنسان السیئة أن تکون مصدراً لوجوده بفرض القول أن الشر لا یعد شراً فی باطنه - لکن یبقی التساؤل، لم قیل أن أفعال الإنسان الشریرة مصدره ؟ وکیف ذلک ؟ أین الصواب ؟ .

الشیخ السند : الشر أمر عدمی وتسمیة الاشیاء والأفعال بأنها شریرة وشر فهو باعتبار أن توجب إعدام أمور وجودیة أخری مثلاً القاتل فعله وجود وقدرة لکنه بلحاظ إنه یسبب إزهاق وإعدام النفس عن البدن یکون القتل شراً ، فشریة الأشیاء بلحاظ لوازمها العدمیة .

تفسیر :

المحاور: ما هو تفسیر العرش والکرسی عندنا نحن الإمامیة ؟ .

الشیخ السند : قد ورد عنهم (علیهم السلام) أن العرش هو العلم والقدرة والإحاطة والإشراف منه تعلم فالأشیاء کلها له تعالی سواء علماً وقدره وملکا وإحاطة فهو محیط بکل شیء . فالعرش سیطرته وقدرته وعلمه وإحاطته بکل شیء لاحظ أصول الکافی 127 : 1 - 128 ، وعن الإمام الرضا (علیه السلام)

ص:395

العرش أسم علم وقدرة وکذلک الکرسی ورد فی الروایات أنه العلم کما رواه الصدوق فی التوحید .

وقد ورد أن انوار الخمسة أصحاب الکساء خلقت قبل العرش والکرسی .

وعنهم (علیهم السلام) : (لأنهما - أی العرش والکرسی - بابان من أکبر ابواب الغیوب)(1).

و أن الکرسی هو الباب الظاهر من الغیب الذی منه مطلع البدع ومنها الأشیاء کلها والعرش هو الباب الباطن الذی یوجد فیه علم الکیف .

هذا ولا یمتنع أن یکون کل من العرش والکرسی موجودین حیین شاعرین عاقلین هما من مجاری صدور الخلق منه تعالی کما هو حال التقدیر فی اللوح والقلم .

ص:396


1- (1) - التوحید ص322 .

المصادر والمراجع

1- القرآن الکریم .

2- نهج البلاغة .

3- الصحیفة السجادیة .

4 - صحیفة الإمام الرضا .

5 - مصباح المتهجد للشیخ الطوسی .

6- مناقب آل أبی طالب لأبن شهر أشوب .

7- بحار الأنوار للشیخ المجلسی .

8- تحف العقول للحرانی .

9- من لا یحضره الفقیه للشیخ الصدوق .

10- المیزان فی تفسیر القرآن للعلامة الطباطبائی .

11- الکافی للشیخ الکلینی .

12- أوائل المقالات للشیخ المفید .

ص:397

13- التوحید للشیخ الصدوق .

14- شرح صحیح مسلم للنووی .

15- شرح نهج البلاغة لأبن أبی الحدید .

16- موسوعة العقائد الإسلامیة للریشهری .

17- عمدة القاری للعینی .

18 - تهذیب الأحکام للشیخ الطوسی .

19 - الأمالی للشیخ الطوسی .

20 - الأمالی للشیخ الصدوق .

21- الهدایة الکبری للخصیبی .

22 - تفسیر العیاشی .

23- روضة الواعظین للفتال النیسابوری .

24 - السلافة فی أمر الخلافة للشیخ عبدالله المراغی .

25 - مستدرک سفینة البحار للنمازی .

26 - عیون أخبار الرضا للشیخ الصدوق .

27 - الخصال للشیخ الصدوق .

28 - تاریخ دمشق لأبن عساکر .

ص:398

29 - السیرة الحلبیة لأبن دحلان .

30 - مجمع الزوائد للهیثمی .

31 - مفاتیح الجنان للشیخ عباس القمی .

32 - الغیبة للشیخ النعمانی .

33 - کنز العمال للمتقی الهندی .

34 - الملل و النحل للشهرستانی .

35 - ینابیع المودة لقندوزی .

36 - الأستیعاب لأبن عبد البر .

37 - معالم السبطین للحائری .

38 - عیون الأثر لأبن سید الناس .

39 - العثمانیة للجاحظ .

40 - شجرة طوبی للحائری .

41 - مقتل الحسین للمقرم .

42 - سنن الترمذی .

43 - المستدرک للحاکم النیسابوری .

44 - مجمع النورین للمرندی .

ص:399

45 - دلائل الإمامة للطبری .

46 - الأختصاص للشیخ المفید .

47 - تاریخ الیعقوبی .

48 - کشف الغطاء .

49 - نیل الأوطار للشوکانی .

50 - التبیان للطوسی .

51 - مسند أحمد .

52 - الأرشاد للشیخ المفید .

53 - سنن أبن ماجة .

54 - فضائل الصحابة للنسّائی .

55 - کمال الدین للشیخ الصدوق .

56 - الغیبة للشیخ الطوسی .

57 - بصائر الدرجات للشیخ الصفار .

58 - الأقتصاد للشیخ الطوسی .

59 - منتخب الأثر .

60 - الغدیر للشیخ الأمینی .

ص:400

61 - الأنوار العلویة للنقدی .

62 - تفسیر نور الثقلین للحویزی .

63 - الکنی والألقاب للقمی .

64 - الأتقان فی علوم القرآن للسیوطی .

65 - کشف الخفاء للعجلونی .

66 - عوالی اللئالی للأحسانی .

67 - تفسیر فرات الکوفی .

68 - مستدرک الوسائل للنوری .

69 - المغنی لأبن قدامة .

70 - تفسیر الرازی .

71 - المختصر للحلی .

72 - الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة للحر العاملی .

73 - البدایة والنهایة لأبن کثیر .

74 - تفسیر الألوسی .

75 - شرح أصول الکافی للمازندرانی .

76 - علم الیقین للفیض الکاشانی .

ص:401

77 - منازل الآخرة للشیخ القمی .

78 - کشف القناع للبهونی .

79 - صحیح البخاری .

80 - الأقبال لأبن طاووس .

81 - مسند الشهاب الثاقب لأبن سلامة .

82 - التحفة السنیة لعبدالله الجزائری .

83 - میزان الحکمة للریشهری .

84 - الخرائج والجرائح للراوندی .

85 - الکامل فی التاریخ لأبن الأثیر .

86 - تعلیقة علی منهج المقال للوحید البهبهانی .

87 - الصراط المستقیم للعاملی .

ص:402

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.