النیات و الخواطر

اشارة

سرشناسه:سند، محمد، 1962- م.

عنوان و نام پدیدآور:النیات و الخواطر/ بقلم محمد سند .

مشخصات نشر:قم: باقیات، 1431 ق.= 1389.

مشخصات ظاهری:109 ص.

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

یادداشت:عربی.

موضوع : اخلاق

موضوع : نیت

رده بندی کنگره : B1465/ھ9ج5 1392

رده بندی دیویی : 171/2

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

مقدمه

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام علی أفضل الأنبیاء والمرسلین محمد وآله الطیبین الطاهرین واللعنة الدائمة علی أعدائهم من الأولین والأخرین الی قیام یوم الدین .

وبعد .. .

إن هذا الکتاب هو عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها سماحة آیة الله الأستاذ الشیخ محمد السند (دام ظله) عند حج بیت الله الحرام وزیارة النبی والآل ( صلوات الله علیهم ) . وقد بحث سماحته مبحث النیة بشکل دقیق ومفصل بالنسبة إلی أثارها علی الفرد والمجتمع فی کلا الدارین - الدنیا والآخرة - ، لما لها من أهمیة علی نفسیة العبد أتجاه ربه فی کل مجالات الحیاة ، سواء کانت نظریة أو عملیة . ولذلک فإن النیة لها

ص:5

أرتباط بالدعاء ، وبالتبری والتولی ، وبالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، فضلا" عن العبادات الأخری بل لها أرتباط حتی بالتواضع والتوکل وعموم المسیرة الأخلاقیة للإنسان ، بل والمسیرة الأعتقادیة کمعایشة وجدانیة وقلبیة ، فإن دقة الخاطرة والنیة تجعل الروح طاهرة کطهارة ثوب البدن ، أو تکون ملوثة کتلوث الدابة أثناء علفها . فإذا کانت طاهرة فتتقبل بمحبة ووداد للرب تعالی وصرنا مع الله کالمحب والمحبوب والواد والمودود ، وأما إذا کانت ملوثة فتصبح کقابیل من هابیل .

إن أساس الأعمال هی النیة والخاطرة فی الذهن قبل العمل ، ومن ثم تجعل الإنسان إما أن یقیم دائما" فی المقامات العالیة من کمالات النفس ، کما حدث هذا مع أبی الفضل العباس (علیه السلام) فی واقعة الطف ، والتی کانت - واقعة الطف - مجموعة من الخواطر والنوایا الحسنة التی تمثلت بأصحاب الحسین (علیه السلام ) - کالحر- وأهل بیته ، أو نوایا وخواطر سیئة التی تمثلت بحزب بنی أمیة وأشیاعهم المطرودین عن رحمة الله تعالی أبد الأبدین .

هذا ماتجده - عزیزی القاریء - بین طیات هذا البحث من خلال دراسة فلسفة النیة واثارها السلبیة والأیجابیة .

ص:6

وفی الختام : اسأل الله عز وجل أن یحفظ شیخنا الأستاذ وأن لایحرمنا من علومه العذبة ، واسأل القاریء اللبیب الإغماض عن ما فی هذا البحث من الأشتباهات الصادرة غفلة منی .

3 رجب الأصب

وفاة الإمام علی بن محمد الهادی 1431 ه

إبراهیم حسین البغدادی

ص:7

ص:8

الخاطرة والخواطر هی التی تمر علی الإنسان فی صفحة ذهنه ، وإن الإنسان ربما قد یستهین بالخاطرة والنیة مع أنهما لهما بالغ التأثیر علی الإنسان ، ومن الطبیعی أن بحث الخاطرة والنیة بحثها الفقهاء وبحثها المتکلمون ، وبحثها المفسرون ، وبحثها الفلاسفة ، وبحثها کثیر من علماء العلوم الإنسانیة والمعارف .

مع دعاء کمیل :

الآن مثلاً لو نظرنا إلی فقرات دعاء کمیل فإن التعبیر فیها دقیق عن تلک الحالات (اللهم إنی أسألک سؤال مؤمل لرحمتک) أو التعبیر فیها ( اللهم إنی أسألک سؤال خاضع متذلل خاشع ) فالسؤال قد یصدر بتعنت من الإنسان ومن سخط - والعیاذ بالله - علی ربه ، وقد یصدر من حالة خشوع وتذلل ، وقد یصدر السؤال من الیأس من الإنسان أو سوء ظن أو أیاس ، وهذه الحالات التی سنبیّنها أنشاء الله هی حالات نفسیة مرتبطة بالخاطر - خاطر الإنسان - فإن الإنسان لما یسأل السؤال من رعونة أو تعنت حینئذ یکون هذا السؤال - العیاذ بالله - غطرسة ، فبدل من أن یکون الدعاء عبادة سوف یکون فرعونیة علی الله (عز وجل) ، کما فی أبلیس

ص:9

(لعنه الله) حیث عَبَدَ الله (عز وجل) ستة آلاف سنة ، حیث یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی خطبة القاصعة : ( فأعتبروا بما کان من فعل الله بأبلیس إذ أحبط عمله الطویل ، وجهده الجهید ، وکان قد عَبَدَ الله ستة آلاف سنة ، لا یدری أمنْ سنی الدنیا أم سنی الآخرة عن کبر ساعة واحدة ، فمن ذا بعد أبلیس یسلم علی الله بمثل معصیته )(1) .

فإن الکثیر یظن بأن طقوس العبادة هی من لحاظ الشکل البدنی ، کلا فإن طقس العبادة أو شکل العبادة أو حقیقة العبادة لیست بالشکل بالبدنی ، أو باللحاظ البدنی بل بلحاظ الخاطر والحالة النفسیة .

(أسألک سؤال مؤمل) أما سؤال متعنت ، سؤال رعونة أو أعتراض وأستنکار فهذه لا تکون حینئذ حالة داعی وعابد ، إذن الحالة النفسانیة والخاطرة مؤثرة جداً ، ( لأن ترکتنی ناطقاً لأصرخن إلیک صریخ مؤمل لرحمتک ) ، فی قبال صریخ وصراخ واعتراض وبغض ونفرة وإستنکار ،

ص:10


1- (1) - شرح نهج البلاغة ج78 : 13 .

وهذا هو البطر علی رب العزة وجرأة وتهتک وهو فی جهنم إِنَّ ذلِکَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ1

ویوجد فی النار الکثیر من تلک المعادن - والعیاذ بالله - التی تستصرخ الله (عز وجل) ، صراخ أستعلاء علی رب العزة فلو ننظر فی الآیات الکریمة وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ (1) فالأنکسار والخضوع حالات عبودیة ، ونحن کثیراً ما نستسهل ونستصغر ونستهین بحالات هی لب العبودیة وثمرة الطاعة لله (عز وجل) ، فمراقبة مثل هذه الحالات فی النفس والنیة والخاطر مهم جداً .

ما هی الخاطرة:

الخاطرة هی عبارة عن فعّالیة نفسیة وهی ثمرة کبیرة لشجرة النفس ، فإذا کانت خواطر الإنسان خواطر حنظل وخواطر سوء أو معاصی أو غیرها من الخواطر السلبیة ، فسوف تکون هذه الشجرة أی شجرة النفس

ص:11


1- (2) - الأنعام : 42 .

ومعدن النفس وعین النفس لا ترفد ولا تزبد ولا تضخ إلا ما هو مر أو ما هو حنظل .

فإذن الخاطرة نبتة تنبت فی أرض النفس ، ورشحة من رشحات النفس ، فیجب علینا أن نکون دائماً یقظین وملتفتین إلی خواطرنا .

فعن أبی عبدالله (علیه السلام) قال :

أن الله یحشر الناس علی نیاتهم یوم القیامة (1)

وفی روایة أخری أیضا" عن الأمام الصادق علیه السلام - فی حدیث والنیة أفضل من العمل ، ألا وان النیة هی العمل ، ثم تلا قوله تعالی (قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلی شاکِلَتِهِ ) یعنی علی نیته .(2)

وفی اخری : من حسنت نیته زاد الله فی رزقه .

اذن حسن النیة تجلب الرزق وتزیده أیضا .

ص:12


1- (1) - الوسائل ج54 :1 الباب (5) من وجوب النیة فی العبادات الواجبة ، ح : 5 .
2- (2) - الوسائل ج56 : 1 ، الباب (6) باب استحباب نیة الخیر والعزم علیه ، ح :5 .

وعن زید الشحام قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : انی سمعتک تقول : نیة المؤمن خیر من عمله ، فکیف تکون النیة خیرا" من العمل ؟ قال : لأن العمل ربما کان ریاء" للمخلوقین والنیة خالصة لرب العالمین ، فیعطی عزوجل علی النیة مالایعطی علی العمل .(1)

الفرق بین النیة والخاطرة :

إن الفرق بینهما هو أن الخاطرة تأتی صورة فی صفحة النفس - شاشة التلفزیون للنفس - لکن إذا أشتد تعلق الإنسان بالخاطرة شیئاً فشیء تصبح الخاطرة نیة إذا بنی علیها وعزم علیها .

وقد یقول قائل إذا کانت النیة معفواً عنها ولا یؤاخذ علیها الإنسان فلماذا نشدد علی خطورة الخاطرة ؟

نعم هذا الکلام صحیح ولکن أولاً لیست کل نیة مغفورة ولیس کل مغفور عدیم الأثر ، فلدینا فی الروایات أن النیة إذا تابعها الإنسان وبنی

ص:13


1- (1) - المصدر السابق : ح:15 .

علی إعداد الأرضیة للعمل الذی نواه إلی آخر المطاف وإن لم یقع حینئذ فی المعصیة أو الفعل القبیح فهذه النیة یؤاخذ علیها الإنسان .

فعن الإمام الصادق (علیه السلام) :

( إنّ الله یحشر الناس علی نیاتهم یوم القیامة )(1) .

وعنه أیضاً : ( إنما خلد أهل النار فی النار لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو خلدوا فیها أن یعصوا الله أبداً ، وإنما خلد أهل الجنة فی الجنة لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو بقوا فیها أن یطیعوا الله أبداً ، فبالنیات خلد هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالی : قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلی شاکِلَتِهِ قال : علی نیته )(2) .

وغیر ذلک من الروایات ، فإذن لدینا روایات أن النیة یؤاخذ علیها ، وتوجد روایات أن النیة معفو عنها ، والجمع بین هاتین الطائفتین من الروایات کما أستخلصه العلماء أنه إذا تُتابعها وتنجر معها ولو لم تقع أنت فی المعصیة ولکن فی النهایة عایشتها وسایرتها وأنجررت معها وإلیها

ص:14


1- (1) - المحاسن ج409 : 1 ، ح : 929 .
2- (2) - الکافی ج85 : 2 .

هنا تؤاخذ علیها . هذا مع أن مجرد النیة لو أحدثها الأنسان فی نفسه وتشوق إلی فعل المعصیة والقبیح فهی نوع من التمرد والطغیان والجرأة علی الباری تعالی فاذا أنکفأ الإنسان بعد ذلک فسوف یعفی عنه .

آثار النیة المعفو عنها :

إذن لیست کل نیة معفواً عنها ، بل حتی المعفو عنها من قال کل معفو عنه لا أثر وضعی له ، نعم معفو عنها بلحاظ الآخرة فلا تعذب أو تعاقب علیه فی القبر أو ما شابه ذلک . وأما الأثار فی الوضع الدنیوی فیتأثر سلبیا .

فعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال :

( إنما قدّر الله عون العباد علی قدر نیاتهم ، فمن صحت نیته تم عون الله له ، ومن قصرت نیته قصر عنه العون بقدر الذی قصر )(1) . وفی هذه الروایة الشریفة سر أعجازی کبیر وهو أن أبرام المقادیر الآلهیة والقضاء المحتوم یتوقف علی شاکلة نیة الانسان وحجم تلک النیة بحسب حجم همته فان العزائم الآلهیة تأتی علی قدر

ص:15


1- (1) - البحار ج211 : 70 / 34 .

همم الرجال ، وهذا الترابط بین الفعل النفسانی للانسان وهی نیته مع الفعل الآلهی یشیر الیه الحدیث النبوی ایضا" فی قوله صلی الله علیه واله : تفائلوا بالخیر تجدوه .(1) فبصنع الانسان لنیته تصطنع له المقادیر ، فنیة کل أمریء حظه من قدره .

وعن الإمام علی (علیه السلام) قال : ( إن المؤمن لینوی الذنب فیحرم رزقه )

(2) ، وفی روایة أخری : ( عند فساد النیة ترتفع البرکة ) وفی أخری : ( من أساء النیة منع الأمنیة)(3)

فلو نظرنا إلی أول دعاء کمیل لوجدنا أن هناک أقسام من الذنوب ذکرها الإمام علی (علیه السلام) : ( اللهم أغفر لی الذنوب التی تهتک العصم . اللهم أغفر لی الذنوب التی تنزل النقم . اللهم أغفر لی الذنوب التی تغیر النعم . اللهم أغفر لی الذنوب التی تحبس الدعاء ، اللهم أغفر

ص:16


1- (1) - میزان الحکمة ج 8 ،3420 .
2- (2) - الوسائل ج 1 :58 الباب (7) ح :4.
3- (3) - غرر الحکم : 8311 - 8314 .

لی الذنوب التی تنزل البلاء . اللهم أغفر لی الذنوب التی تقطع الرجاء . اللهم أغفر لی کل ذنب أذنبته وکل خطیئة أخطأتها ) .

فنلاحظ أنها تهتک العصم ، تنزل النقم ، تغیر النعم ، تحبس الدعاء ...، فهی آثار أخری غیر الآثار الآخرویة .

فأیضاً هذه النیات المعفو عنها لها تلک الآثار ، تحرمک من الرزق ، تحرمک من توفیق إلی کمال آخر إلی درجة أخری وهکذا .

وبعبارة أخری ، لما یقال معفواً عنه ماذا تعنی ؟ یعنی هو شیء قبیح ، شیء بغیض لله (عز وجل) ، غایة الأمر أن الله یعفو عن عباده . إذن کونه معفو عنه لا یعنی أن لونه أبیض ، بل معفو عنه یعنی کون لونه أسود . إذن لماذا الإنسان یقع فی حضیض السواد والإسوداد . لذا فالنیة لها تأثیر کبیر جداً ، ففی بعض الروایات عن الامام علی علیه السلام : ماأضمر أحد شیئا" الا ظهر فی فلتات لسانه وصفحات وجهه .(1)

وفی روایة أخری أنه قال : أعلم أن لکل ظاهر باطناً علی مثاله , فما طاب ظاهره طاب باطنه , وما خبث ظاهره خبث باطنه , وقد قال

ص:17


1- (1) نهج البلاغة الحکمة 26.

الرسول الصادق (صلی الله علیه وآله وسلم) : ان الله یحب العبد ویبغض عمله , ویحب العمل ویبغض بدنه . (1)

إذن النیة هی نفسها موجودة ، ولکن المشکلة نحن لا نتحسس مع الجوانح بأنها موجودات ،

فالأفعال الجانحیة هی موجودات ولکن نفکر أنها هواءاً هباءاً منثوراً ، والحال أن هذه الفعالیات الروحیة تکاثر تحذیر القرآن الکریم والنبی العظیم (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) بأهمیتها وخطورتها . وفی العصرالعلوم التجریبیة الروحیة کعلوم الروح الغربیة تثبت أن هذه الفعالیات للروح - کالخاطرة والنیة - هی أشد طاقة وکتلة طاقیة من أفعال البدن ، فحرکة الید والرجل واللسان أو ما شابه ذلک هی موجودة فی نشأة أثیریة ذات طاقة مؤثرة .

المحسوس وغیر المحسوس :

لکن المشکلة الکبیرة إذا نوی الإنسان بأعتبار بعده المادی المدهوش به فلا یتحسس إلا ما هو غلیظ ، اما ما هو لطیف لا یتحسسه ولا یقیم له وزناً ، فالطاقة الکهربائیة مثلاً مع أنها بنفسها لا تلحظ ومع أن کل الحیاة المعاصرة ومنها أو أغلبها یعمل علی الطاقة الکهربائیة ، والطاقات

ص:18


1- (1) نهج البلاغة الحکمة 154.

کلها هی أصلاً مدار حرکة الحیاة علیها مع أنها غیر محسوسة . فالمحسوس ما هو إلا قشر متکثف من الطاقة ولیس له دور فاعل فی الحیاة ، وکذا الآن نعاصر فی دار الدنیا القنبلة النوویة وغیرها من الطاقات الساکنة والطاقات غیر الساکنة ، بل هناک أنواع موجودة الآن فی الفضاء وفی الکون هی کلها غیر مرئیة .

إذن الموجودات المهولة فی التأثیر أکثرها أو کلها غیر مشاهدة بالحس . وأن ما یخفی عن الحس فی الواقع هو أشد تأثیراً مما یحس ، لکن المشکلة طبیعة الإنسان أنه یغفل دائماً عن غیر المحسوس ، والحال أن غیر المحسوس هو أکثر تأثیراً فی مصیر الإنسان ومستقبله الدنیوی وکذلک الأخروی أکثر ، ولذا هذه القاعدة الشریفة العظیمة المرویة عن طریق الفریقین : ( إنما الأعمال بالنیات ) ، أی قیمتها هی بالنیات نظیر مایقال شرف المکان بالمکین . فإن تعبیره (صلی الله علیه وآله) - إنما الأعمال بالنیات - لیس تعبیراً فیه إغراق أو تجاوز عن ترسیم الحقیقة ، لأنه (صلی الله علیه وآله) یرید من تعبیره أن یرسم لنا حد الحقیقة أن أصل وعمدة الأعمال قوامها بالنیة ، وکذلک الخاطرة أو الخاطر فله دور تأثیری کبیر فی حیاة ونفسیة الإنسان ، فمثلاً لما نقول نحن أحیاء ما علامة حیاتنا ، ألیس الحرکة والآثار الصادرة من البدن ،

ص:19

والشعور ، والإدراک ؟! فإذا کان شعورنا وإدراکنا محبوس علی هذه المساحة وهی التی فی الواقع حقیقتها البدن وهو لا حیاة ذاتیة له ، کما یقولون حیاته بالروح ، وإذا کانت الروح مشدودة

ومحبوسة علی إدراک البدن وتغفل الروح عن نفسها ، وعن نفس الأفعال التی تأتی بها ، کأنما الروح أماتت نفسها عن الصعید العالی وترکز فقط علی بث الحیاة ، بث الإنتشار ، بث الموجات ، علی الصعید الدانی وتترک بث موج الحیاة علی الصعید العالی وترکز فقط علی : رَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا1

إن هذا التعبیر القرآنی لما یقول : رَضُوا بِالْحَیاةِ الدُّنْیا وَ اطْمَأَنُّوا بِها یعنی فی دار أنت یمکن لک أن لا ترضی بالحیاة الدنیا وتتعایش دوما مع الحیاة العلیا ، التی هی حیاة الآخرة وحیاة الجنان ، وذلک بتوسط الترکیز والإنشداد إلی عالم الروح أو إلی أفعال الروح .

ص:20

الجوانح والجوارح :

فی دعاء کمیل : ( وأشدد علی العزیمة جوانحی ) ، فالجانح إما فعل نفسانی أو قوة نفسانیة ، وجنح إلی الشیء أی مال إلیه ، فالجانح یعنی المیل النفسانی . ولهذا سمیّ بالجانح ، بینما الجوارح سمیت جوارح أی فعل من أفعال البدن ، أو نفس أعضاء البدن تسمی جوارح ، والأفعال التی تصدر منها تسمی أفعال جارحیة ، ف ( أشدد علی العزیمة جوانحی ) یعنی المیل النفسانی إذا صار علی الأمور الصالحة ، یشتد فیصیر عزیمة .

إذن أفعال الروح والنیة والخاطرة هی المیول ، فإذا جعلت لدیک دائماً برج مراقبة ستری العداد أو مؤشرک إلی أی أتجاه یمیل ، وإلی أین روحک منشدة . فإذا کانت میوله منشدة - لا سامح الله - إلی الأفعال القبیحة أو إلی شیءٍ أشد من الأفعال القبیحة ، کمعارف سوء الظن بالله مثلاً هذا فوق الأفعال . فالنیة والخاطر لها تقسیمات ، ففعل السوء سوئه أدنی من سوء خاطر الصفات ، وسوء خاطر الصفات سوئه أقل من سوء خاطر الأعتقادات .

ص:21

سوء الظن:

فإن الفقهاء تقریباً أفتوا بذلک کلهم ، وحتی علماء الأخلاق ، أن سوء الظن بالله من الکبائر . قطعاً أن کل واحد منا مر بسوء ظن بالله : إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّی1

لا یمکن لأحد أن یبرئ نفسه أن النفس لأمارة بالسوء ، ما معنی سوء الظن بالله ؟

یعنی تستاء مما یقدره الله لک ، یعنی تظن بالله السوء کما یقول الله فی القرآن : عَلَیْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ2 ، مع أنه من الکبائر لماذا ؟ لأن خاطر السوء لیس یتعلق بالأفعال الحزینة کأفعال البدن وأفعال النفس ، ولا بالصفات النفسانیة فقط ، بل یتجاوز ویرتقی إلی سوء الأعتقادات ، وقد یجر سوء الظن بالله إلی الکفر بالله ، أنظر إلی خطورة الخاطر ، سیطرة

ص:22

الشیطان علی الإنسان من هذه الجهة ، فإنه یراقب خواطرنا وأفعالنا الإنسانیة ، وهو یعرف کیف یؤجج خواطر السوء فینا ، ونحن لا نلتفت إلی خواطر السوء بل نلتفت دائماً إلی الأبدان ، أی منشدین إلی الحس فلا نلتفت هذا هو الفرق ، قد وضع الشیطان فیها السم بأعتبار أن الإنسان لما یکون متلاحم مع حالاته النفسانیة لا یلتفت لحالته النفسانیة بل یذوب فیها فیلتفت فقط إلی بدنه : إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ.1

فهو یضخ ویزق حینئذ خواطر السوء بسوء الظن بالله عبر الحدیث النفسانی .

وساوس الشیطان :

إن أحد مصادر خواطر السوء هو حدیث الجن یعنی أبلیس ، فإن الجن والشیاطین موجود لطیف لا نسمعه بهذه الأذن اللحمیة ، له طبیعة ذبذباته لطیفة خفیة - ، فالخاطر الذی یأتی مخیلة النفس لیس هو تمثال مرسوم . بل الخاطر الذی یأتی فی صفحة النفس کثیراً ما هو الا

ص:23

عبارة عن ذبذبات لأصوات لطیفة خفیة - تسمعها الروح ، أو بعبارة أخری یسمعها البدن الروحی لا البدن اللحمی ، مثلاً تأثیر السحر لماذا الساحر یستطیع أن یؤثر بین المرء وزوجه ، أو بین المرء وأرحامه وتلهب صراعات ونیران ، ویلهب الکثیر من العداوات والأحقاد ، وأکثر السحر یکون بتوسط تسخیر الجن والشیاطین فماذا یصنعون ؟

یزرقون ویضخون خاطر السوء ، یسمعوک خاطر السوء وأنت تأخذه کبدیهة ، وأنت غافل تأخذه کمسلّمة وحقیقة واقعیة ، وهو کذب فیدخل علیک رحمک أو صدیقک أو زوجتک أو الزوجة یدخل علیها الزوج فینفث الشیطان علیها أو علی قلبها أو علی أذنها معنی معین کأن یذکرها الأساءة التی صدرت من الطرف الأخر أتجاهها ، أو قباحة معینة فیه فیشغل ویوغر صدرها بالکراهیة لاسیما مع الترکیز وتکرار ذلک المعنی ، فأنت لا تحس أن هذا لیس من ذاتک بینما هو موجود آخر یکلمک ، یلقنک ، یزرقک ، وأنت تظن من ذلک أن روحک هی التی تملی علیک هذه الحقائق فی حین هی أکاذیب وزوائف . ولذلک الذین عندهم مراقبة شدیدة للنفس یمکنهم أن لا یؤثر فیهم السحر ، ولا یؤثر فیهم وساوس الشیاطین ، لأنهم متحکمین فی الخاطر بقوة . وقد یأتیک خاطر معین فیقول

ص:24

هذا عمل معک هذا الفعل کی یهینک فیسیء لک الظن بالطرف الأخر ، وأنت تأخذها بأنها مسلّمة ، وهذه خاطرة ولکن هذه الخاطرة تلهب نیران قد تسیل بسببها دماء - لا سامح الله - ولذا الشیطان اللعین والجن یسیطر علی الإنسان من خلال نافذة الخواطر . فإذا کان الإنسان یستطیع أن یروّض نفسه ویکون لدیه برنامج مراقبة للنفس ویلتفت إلی مصدر کل خاطرة تمر فی صفحة النفس ، من أین أتت ؟ ومن أی جهة ، وما طبیعتها سوداء أو بیضاء ، وغیر ذلک فحینئذ لا یکترث بها ، فیکون حلیم ویکون عنده حسن ظن بالآخرین ویکون عنده حسن الظن بالله فالخاطر والنیة إذن أمرهما عصیب جداً .

عبادة إبلیس :

مر علینا سابقاً أن عبادة إبلیس کانت مدتها ستة آلاف سنة ، ولکن ما هی هذه العبادة هل هی طقس بدنی ؟! ، فالعبادة لیست طقس وشکل وهیئة بدنیة ، وإنما العبادة هی : ( أسألک سؤال خاضع متذلل خاشع ) ولیس سؤال معادی وحاقد ومعاند ، قد یسأل الإنسان الله سؤال حاقد ،

ص:25

هذا لا یتقرب إلی الله ، أو سؤال معاند ، أو سؤال متبرم ومتضجر فهذا لیس بسؤال العابد .

وقد یخاف الإنسان الله ، ولکن یخافه سوء ظن ولیس مخافة الموقنین کما فی دعاء کمیل : ( وأجعلنی أخافک مخافة الموقنین ) فإن مخافة الموقنین شیء ومخافة المسیئین الظن شیء آخر ، فالله (عز وجل) لا یحب ولا یرید مخافة المسیئین الظن لأنه فی الخاطر یرتسم له الرب والباری بصورة هی غیر صالحة - والعیاذ بالله - لأن الصورة التی تأتی فی الذهن لله کأنه یصف الباری ، ویرسم جسر سیء بینه وبین باریه یسیء فیه إلی مقام الجلالة .

کما قال تعالی : یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ جاءَتْکُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ کانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیراً1 . فإذا کانت الخاطرة خاطرة سوء فسوف ینجم عنها الکثیر من أبواب المهالک ، وإذا کانت خاطرة حسنة فسوف ینجم عنها الکثیر من المفازات .

ص:26

نفسیة أو خاطرة أبو الفضل العباس (علیه السلام) :

مثلاً نتوقع أن أبا الفضل العباس (علیه السلام) حینما وصل إلی نهر الفرات العلقمی نوی أن یواسی سید الشهداء (علیه السلام) وهو الآن مقدم علی تجرع الموت ، ونحن نعرف أن الإنسان عند الموت ینادی وانفساه ، ولما یری الموت لا یفکر فی غیره : یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِیهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِیهِ 1 ، فإن الإنسان لما یصل الخطر إلی نفسه لا یستطیع أن یکون فداء لغیره ، هذا إذا کان الشخص حریصاً علی نفسه وکانت عزیزة علیه .

أما إذا یسترخصها إلی ما هو أعز منها کالإمام المعصوم أو الباری تعالی فهنا لا تملکه نفسه وإنما هو الذی یملک نفسه - وهذا بحث لا نرید الخوض فیه - فإذا أردنا أن نقرأ واقعة الطف قراءة مشهدالخواطر ومشاهد النوایا وهو یغایر المشهد القتالی العسکری ویغایر المشهد السیاسی فی واقعة عاشوراء . ومن تلک المواقف واللقطات نری أن أبا الفض العباس (علیه السلام) فجأة یظهر لدیه خاطرة من الخواطر المعالی بحیث یتحکم بنفسه بهذه

ص:27

السرعة المدهشة وبدون تریّث وتروی وبدون تلکؤ ، وبدون تتعتع ، وبدون تردد فی خضم هذه المعرکة.

وعندما تری بعض الخطباء (حفظهم الله تعالی) عندما یفصلون ویحللون لک المعانی تظن أنها مسترسلة بالساعات ، کلا بل هی أقل من ثوانی تطوی هذه الأمور ، فکیف دفعة حدثت عنده هذه الخاطرة ؟! .

ذلک نتیجة تربیة مسبقة ، فالخواطر الحسنة تجعله یقیم دائماً فی المقامات العالیة من کمالات النفس لأبی الفضل العباس (علیه السلام) . فإذا لم یکن منشدا" إلی النوایا الجمیلة السامیة لا یصدر منه موقفا" فجأة یحیر الألباب . فطبیعة النفس والأرضیة الروحیة تحتاج إلی لیاقة وتدریب وهما - التدریب واللیاقة - لا یحصلان للإنسان فجأة ، هنا مکمن خطورة النوایا والخواطر ، ومکمن أهمیة النوایا والخواطر ، فإنها تعد الإنسان علی المدی البعید علی مواقع حاسمة قد یتعرض إلیها الإنسان ،

ص:28

ومن هنا عندما یقع الإنسان فی فاحشة ویصرخ ویقول آه ... آه ، قد وقعت فی الفاحشة فقد کنت فی طاعة ولم أتمالک نفسی !! عن خواطر السوء مما یسبب الأنزلاق بسرعة فی الفترات اللاحقة ، أما إذا کنت من مسافة بعیدة جداً ومن خلال راجمات نوریة تهدم خواطر السوء دائماً ، ونفرت منها وأستبقت مهاجمتها فی خواطرک ولم تمل إلیها فسوف تنج من عاقبة السوء .

النفس أشد مخالباً من الزوجة :

وفی الدعاء ( أشدد علی العزیمة جوانحی ) ، فالدعاء عندنا هو أنس نغمی صوتی له نور ، ولکن معانیه خطیرة جداً ، ویبنی برنامجا" عظیما" بلغة علم الأجتماع أو علم النفس .

إذن ( وأشدد علی العزیمة جوانحی ) یعنی من مسافة زمنیة سابقة یجب أن تبرمج هذه الخواطر والنوایا ، بل حتی فی الأعمال الصالحة أیضاً ، لأنه إذا أتیت بعمل صالح سوف تجد نفسک تمانعک وتعاندک وتملکک وتأخذ بأنفاسک ، فهل تظن أن هذه النفس طیعة بیدک ، کلا ... فإن النفس فی الواقع هی أشد مخالباً من الزوجة علی الزوج أو العکس لا فرق ، ویظن

ص:29

الإنسان أن نفسه تمام ذاته ولکن هی لیست ذاته بل ذاته أعلی من النفس ، نعم هی مّرکّب ودابة ، ولکنها تخدع الإنسان وتقول له أنا لیست دابة أنا أنت ولکن تکذب فهی دابة وقوی وغرائز جوهریة خادمة للذات والروح الانسانیة ، ولکنها عبد یرید أن یکون سیداً علیک .

فأحد الأبواب الکبیرة لترویض النفس هو بحث النیة والخواطر ، لأن الخواطر فی الواقع هی فتیل وطاقة بنزین نور ، أو بنزین شر ونار .

فإذا جائتک خاطرة سوء فحاول أن تتجادل معها وإن تفند مبرراتها الموهومة وتشجبها وتبطلها ، بل وتثبت خطأها ولا تحاول أن تقتنع وترضخ لها ، لأن خاطرة السوء کما قلنا هی کلام الشیطان أو کلام النفس ، أو ما وراء کلام النفس والشیطان کبعض المخلوقات الأثیریة التی لا نراها ولا نشاهدها من الشیاطین وغیرها .

ولا تقول هذا تضییع لحیاتی الیومیة أن أشدد خاطری وأشغل روحی بأشیاء ، کلا بل هذه مهمة جداً وهو عامل مربی لنا . فإن سر وجودنا وبعثنا فی حیاتنا الدنیا هی من أجل هذه الحلبة وهی حلبة بحث الخواطر والنوایا ، وهذا أحد معانی الحدیث الشریف : ( إنما الأعمال بالنیات) .

ص:30

النیة الحسنة :

کذلک الحال فی الثوب وبالنسبة الی الخیر ، فأن مطلق النیة الحسنة یثاب علیها الإنسان حتی ولو لم یتابعها ، بل مجرد نواها . وبالتالی صحیفة أعمال الإنسان قد تشتمل علی ما لا یحصیه إلا الله (عز وجل) من الثواب أو الأعمال الحسنة لمجرد أن الإنسان نواها ، ربما الإنسان یستعظم هذا المطلب بأعتبار أن الإنسان بمجرد أن ینوی أعمال حسنة کثیرة تکتب له تلک الأعمال ، فإذاًً یستطیع الإنسان أن یثری صحیفة عمله ویخزن فی صحیفة عمله إلی ما شاء الله من الأعمال وان لم تتأتی له الظروف لأنجاز العمل ، ولعلک تسأل کیف تتوافق هذه مع جدیة النیة .وأن مجرد النیة یکتب له الثواب . بل ربما یتوهم أن فی ذلک دعوی للبطالة أو العطل . اذ بمجرد النیة وان لم یتخذ هذا المنوی عملاً فی الفعل یکتب له الثواب . هذا التساؤل مثار بقوة علی هذا الموضوع وبالتالی قد یکون الأعتماد علی هذه المقولة نوع من المدعاة للعزوف عن العمل . والحال أن الدین الإسلامی یحث علی العمل ویذم البطالة ، فتعالیم القرآن الکریم تدعوا للعمل فلو بالغنا فی النیة وأهمیة النیة ، وخطورة النیة ، کان ذلک مدعاة

ص:31

للکسل والفشل والعطالة والبطالة لا سمح الله . وهذا التساؤل جید ، وفی محله ولکن حقیقة الحال لیست کذلک :

أولاً : لأن النیة الحسنة لیست بمعنی أنک تقرر وتصمم أنک نویت وبذلک تحصل لک نیة الأمر الحسن أو الفعل الحسن ، معنی النیة تعنی أن لک میل وشوق إلی ذلک العمل ومحبة ورضا به ، إلا إذا کان الإنسان فی نفسه لیس صادقا" فیما یتصوره من أحاسیس نفسه . یعنی میله للأمر الحسن ، للفعل الحسن لیس صادقاً ، وإذا لم یکن له میل وأنشداد وأنجذاب نفسانی إلی نفس الأمر الحسن لا یقال له نوی الشیء الحسن ، إذن أمر نیة الأمر الحسن لیس هو سراب وخیال ، ولیس هو أحلام ، بل فیه واقعیة ومصداقیة وصدق وجدیة وهو أن یری الإنسان من نفسه أنه یمیل إلی ذلک الأمر الحسن أما مجرد أنه یتصور ویزعم أنه نوی ولیس عنده میل ولا أنجذاب لذلک الأمر الحسن فهذه لیست نیة ، ومن ثم ورد أن من أحب عمل قوم أو رضی به أشرک معهم فالمحبة والرضا أمران بالغان فی الخطورة ولیسا مجرد حالات جانحیة نفسانیة ینفلت الانسان فیهما داخل میول وتجاذبات نفسه ، بل هما أخطر من العمل لأن قدرة الانسان علی العمل محدودة ، فالمسؤولیة محدودة وأما قدرته علی الرضا

ص:32

والمحبة والمیول فلا حد لها ، فیمکن أن یوقع لدیه مشارکة مع ثواب أو أوزار الاجیال الانسانیة کلها أجمع من مامضی ومن مایأتی الی یوم القیامة إذن النیة الحسنة لها تداعیات وحرکة جوانحیة کما فی الدعاء المأثور : ( اللهم أرزقنا توفیق الطاعة وبُعد المعصیة وعرفان الحرمة وصدق النیة ) فتوجد نیة صادقة ، یعنی حقیقة النیة ووجودها ولدیه میل ورغبة وحرص وشوق علی ذلک الأمر .

وتارة فقط یدعی ویخطر فی باله الشیء الحسن ، هذه لا یقال لها نیة ، إذا صار عنده میل أو شوق ومتوفرة الأسباب لإتیان ذلک العمل ولم یأتی به فلا یکون عنده صدق نیة ، بل عنده زعم نیة ولیس صدق نیة لأنه لو کان لدیه صدق نیة ومیل حسن وأنجذاب وأنشداد إلی هذا المطلب فالمفروض أنه یقدم إذا لم یکن عنده أی مانع من أنجاز العمل ، فلو قال أحدنا : لو کان عندی أموال لفعلت هذه الخیریة المعینة الضخمة ، ثم ربما تتوفر له الأموال ثم تمانعه وتجاذبه نفسه عن أن یقدم . إذن لیس له صدق نیة .

ص:33

هذا ما یدلل علی أن المراد من النیة الحسنة لیس أی قصد فی النفس ولیس أی التفات أو خاطر ، إنما هو أندفاع نفسانی حقیقی نحو ذلک الأمر الحسن بحیث لو توفرت لدیه الآلیات والمعدات لأنجزها وفعلها وحققها فی الخارج فحینئذ هذا عنده صدق نیة . وإلا مجرد القصد لیس صدق نیة ، إذن صحیح النیة أمر سهل ، من جانب وصعب من جانب ، أمر صعب یعنی صدق النیة غیر متوفر فی کل ما یتخیل الإنسان لأنه لدیه نوایا حسنة .

لذلک النیة الحسنة لا تکتب للإنسان بمجرد الألتفات والخاطر لدی الإنسان ، بل إذا کان هذا الخاطر أنجذاب بحیث بعد ذلک إذا توافرت لدیه المعدات لأنجزها ولم یتلکأ ،ولم یتتعتع ، ولم تتجاذبه نزعات مانعة فی نفسه .

عشق الحسین علیه السلام :

وردت روایة عن الإمام الرضا (علیه السلام) - فی حدیث مع أبن شبیب - یا بن شبیب ، إن سرک أن یکون لک من الثواب مثل ما لمن أستشهد مع الحسین

ص:34

فقل متی ما ذکرته : یا لیتنی کنت معهم فأفوز فوزاً عظیماً(1) .

یعنی یحدث التمنی فی نفسه تمنی جدی صادق ، فهناک من التمنی الکاذب أی زعم .کما فی قصة جابر بن عبدالله الأنصاری فی القضیة المعروفة لدیکم فی زیارة الأربعین التی رواها عطیة العوفی حیث قال : خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاری زائراً قبر الحسین (علیه السلام) ، فلما وردنا کربلاء دنا جابر من شاطیء الفرات

فأغتسل ثم أتزر بإزار ، وأرتدی بآخر ، ثم فتح صرة فیها سعد فنشرها علی بدنه ، ثم لم یخط خطوة إلا ذکر الله ، حتی دنا من القبر . قال : ألمسنیه ، فألمسته ، فخر علی القبر مغشیاً علیه ، فرشتت من الماء ، فلما أفاق ، قال : یا حسین ثلاثاً ، ثم قال : حبیب لا یجیب حبیبه(2) .

فالشوق الموجود لدی جابر بن عبدالله الأنصاری ومحبته الشدیدة للحسین (علیه السلام) یعلم منها أنها صدق نیة عنده .

ص:35


1- (1) - الوسائل : ج503 : 14 .
2- (2) - تظلم الزهراء : 344 .

نعم صحیح أن النیة تبنی لک عوالم من الحسنات ، فلربما الإنسان لو کان بمستوی عالی من الهمة متصفحا" الأعمال الحسنة من الأولین إلی الآخرین وینویها لکان له ثواب . ولکن من هو فارس هذا المیدان حتی تکون لدیه القابلیة وتکون لدیه صدق نیة ، یعنی نیة واقعیة ، ومن ذلک یتبین أن النیة هی مخزون طاقة بقدر تلک الأعمال ، أحد العلماء یقول لو أعطیت الجنة بکل جدرانها کاملة الجنان کلها علی أن أمتحن بأمتحان من أمتحانات رسول الله (صلی الله علیه وآله) ما قبلت هذه الصفقة من الله (عز وجل) ، لأن الإنسان تخونه النیة لأنه هل لدیه عزم بهذه القوة وهذه الشدة أو لا ؟ .

إذن نحن نظن من نفسنا أو نتحیل أننا لدینا الأهلیة أو القابلیة لأن ننوی کل أمر حسن ، صحیح یکون عندنا میول یسیرة ، ولکن میول مخزونة مکدسة بحجم تلک الأعمال فهذا غیر معلوم ، ومن ثم فالباب لأیجاد وایقاع النیة الصادقة لیس مفتوحاً لکل أحد . المفروض أن نعلم أنفسنا علی الولوج والدخول فی هذا الباب ولکن لیس کما یظن أنه باب سهل الولوج وسهل الدخول .

ص:36

فصدق النیة وواقعیتها هی النیة أن تکون النیة بحجم العمل ، مولدة لذلک العمل ، وفعلاً لو قدّر الله (عز وجل) أن یتمکن الإنسان فی ذلک الظرف وفی ذلک الموضع ، أفرض - من باب المثال - لو رزقک الله أخوة الإمام الحسین (علیه السلام) هل تقف ما وقفه أبو الفضل العباس ، أو ما وقفه بقیة أخوان الإمام الحسین (علیه السلام)

الذین لم یناصروا الحسین (علیه السلام) هم رزقوا أخوة الإمام الحسین (علیه السلام) لکن تلک النیة أو ذلک التأهل لم یکن عند الکل .

الآن أنت تتصفح التاریخ . وبعض الأحیان الإنسان من قصوره فی القدرة علی نیة الشیء الحسن حتی فی قضاء وجدانه إلی أحداث تاریخیة معنیة یتلکأ فی القضاء ، أقصد قضاء الضمیر ، یعنی کأنما ضمیره یحکم کقاضی یتلکأ الإنسان أن یقضی علی الخطأ بأنه خطأ ، یتحشرج ، یتلکأ ، لماذا هذا التلکؤ ، لأن الإنسان لیس له أهلیة ولاقدرة علی ذلک فضلا" عن أن تتولد لدیه تلک النیة .

ص:37

النیة والأمر بالمعروف :

فمبحث النیة والخاطر والألتفات الذی یذکره الفقهاء فی باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أدنی درجاته القلب ، وهو أنه تنکر المنکر فی قلبک ، وهذا نوع من النهی والأنتهاء عن المنکر ، والمعروف تستحسنه علی الأقل فی قلبک ، وذلک (أضعف الإیمان) حیث لاتتمکن من أبرازه للخارج هذا أقل تقدیر .

هذا المطلب وهو نیة المعروف والنفرة من المنکر فی القلب . الذی یذکره الفقهاء لیس حکمه مستحبا" بل واجب ، إذا کان المعروف واجب فنیته واجبة ، وإذا کان المنکر حرام النفرة منه أیضاً واجبة .

وما مر علینا من أن نیة الحسن یکتب للإنسان الثواب ، وفی النیة السیئة قد یغفر الإنسان ، هذا التفصیل والتقسیم الذی مر علینا بلحاظ الأعمال المستقبلیة ، أما بلحاظ ما مضی من أعمال الأمم أو أعمال الناس ، وبلحاظ ما وقع من أفعال الإنسان لیس مخیرا" فی أن ینوی الأمر الحسن یعنی الواجب حسنة ، وان ینفر ویستنکر من الأمر المنکر بل واجب علیه ، وهذا الموقف بلحاظ طول التاریخ ، وهذا یبین عظمة وخطورة الأمر بالمعروف

ص:38

والنهی عن المنکر بدرجة القلب سواء المستحبة أوالواجبة إذا کانت فی منکر حرام أو معروف واجب . لذلک أنظر القرآن الکریم کیف یستعرض لنا ما حدث فی مسلسلة التاریخ منذ قابیل وهابیل إلی زمان النبی (صلی الله علیه وآله) ، فتری القرآن الکریم یدین ویشجب قابیل کما فی قوله تعالی :

إِنِّی أُرِیدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِی وَ إِثْمِکَ فَتَکُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ وَ ذلِکَ جَزاءُ الظّالِمِینَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِیهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِینَ فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً یَبْحَثُ فِی الْأَرْضِ لِیُرِیَهُ کَیْفَ یُوارِی سَوْأَةَ أَخِیهِ قالَ یا وَیْلَتی أَ عَجَزْتُ أَنْ أَکُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِیَ سَوْأَةَ أَخِی فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِینَ مِنْ أَجْلِ ذلِکَ کَتَبْنا عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَ مَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَیِّناتِ ثُمَّ إِنَّ کَثِیراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِکَ فِی الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 1 .

ویُفصح أو ینادی ویتضامن مع هابیل : إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ 2 ، کذلک مع أصحاب الأخدود القرآن الکریم یتضامن معهم ، ویندد بالقاتلین لهم ، کذلک أصحاب الکهف کذلک الکثیر من الوقائع التاریخیة المهمة القرآن الکریم یستعرضها ، الوقائع التاریخیة المهمة التی فیها ظلامات یدین القرآن الظالم ویتضامن مع المظلوم تعلیماً من القرآن الکریم لقارئ القرآن ، وهذا أمر واجب ولیس أمراً مستحب ، ومعروفة

ص:39

هذه القاعدة الأعتقادیة لدی جمیع المذاهب : (من رضی بعمل قوم أشرک معهم)(1) .

ومن الغریب أن البعض کثیراً ما یستنکر أو یتسائل : لماذا أنتم تنبشون التاریخ ؟ . مثلاً ما وقع فی کربلاء ، أو ما وقع فی صفین ، أو ما وقع فی الجمل ، أو ما وقع فی النهروان ، وغیرها من الوقائع الأخری ، لماذا تنبشون التاریخ ؟ دعوا التاریخ .

کأنما هؤلاء یتناسون القاعدة الفقهیة العقائدیة نفسها : أن إنکار المنکر واجب ولو بالقلب ، والأمر بالمعروف واجب ولو بالقلب ، لیس الإنسان فی خیار أن ینتخب أو لا ینتخب ، یتضامن أو لا یتضامن .

ظالمی آل البیت(علیهم السلام)

مثلاً یقال لنا لماذا أنتم تنددون فی زیارة عاشوراء بالذین ظلموا أهل البیت ، وتثیرون الأحقاد وتثیرون الضغینة وتثیرون الفرقة وما شابه ذلک .

ص:40


1- (1) - الوسائل ج408 :11 ،الباب (5) من أبواب الأمر والنهی

ومن هذا القبیل تسائلات کثیرة . هل قضیة التندید أو الأستنکار أمر خیاری بید الإنسان أو أنه واجب ؟ وهم یروون الروایات حتی فی صحیح البخاری : فلو أن رجلا" أحب حجرا" لحشره الله عزوجل معه الی یوم القیامة (1).

هذا المیل النفسانی - الذی هو بحث النیة وبحث الخاطر - عجیب أمره ، والآن حتی علماء الأثیر فی علوم الروح الجدیدة . عندهم أکبر عامل مغنطة ، وأکبر عامل الأتصالات فی عالم البرزخ بین الأموات قضیة المحبة ، وأکبر عامل نفرة یُباعد بین الأموات فی عالم البرزخ الکراهة .

یعنی المحبة توصلک وتجذبک فی أن تکون فی محل واحد مع أموات آخرین وأرواح أخری ، والکراهة بالعکس تبعدک .

إذن المحبة أو النیة نفسها أو المیل نفسه - الذی قلناه - هذا الفعل قد یستهین المرء به ویستصغره وهو عند الله عظیم جداً ، هذا هو نفسه موقف ، نفس النیة إذن نیة : (من أحب عمل قوم خیراً کان أو شراً کان

ص:41


1- (1) اعلام الدین للدیلمی : 187

کمن عمله)(1) وفی روایة أخری :

(من أحب قوماً حشر معهم ، ومن أحب عمل قوم أشرک فی عملهم) (2)، أی أشرک معهم فی الثواب أو فی العقاب إذا أحب سوء أعمالهم ، ولذلک عندنا روایات متعددة منها ما روی عن الإمام أبی عبدالله (علیه السلام) : لعن الله القدریة لعن الله الحروریة لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة . قلت : جعلت فداک کیف لعنت هؤلاء مرة ولعنت هؤلاء مرتین ؟ فقال : إن هؤلاء زعموا أن الذین قتلونا مؤمنین فثیابهم مُلطخة بدمائنا إلی یوم القیامة أما تسمع لقول الله : اَلَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَیْنا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّی یَأْتِیَنا بِقُرْبانٍ تَأْکُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جاءَکُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِی بِالْبَیِّناتِ إلی قوله : صادِقِینَ قال : فکان بین الذین خوطبوا بهذا القول وبین القائلین خمس مائة عام ، فسماهم الله قاتلین برضاهم صنع أولئک (3). فلربما تقول أصلاً ما شارکنا فی قتله ما قاتلناک ،

ص:42


1- (1) مسند الشهاب لابن سلامة ج1 : 259 ، کنزالعمال : ج 5 341.
2- (2) مستدرک الوسائل ج12 : 108 ، باب تحریم الرضا بالظلم ح 2 .
3- (3) - تفسیر العیاشی ج1 .232

ما أعنا علیک أیها المقتول المظلوم حتی بکلمة ، قال صحیح لکن أنت أحببت عمله .

فالإنسان إذن محاسب ومسؤول لیس علی الکلمة التی یطلقها فقط ، ویکون مسؤولاً عن الکلمة التی تخرج من اللسان ، بل نفس النیة هی کلمة ، نفس النیة هی فعل ونشاط یؤثر حتی علی المجتمع لأن النیة تؤثر علی سلوک الإنسان تلقائیاً . أنت لما یحدث لک موقف بحسب قلبک وبحسب نیتک وبحسب خاطرک هذا - شئت أم أبیت - ینعکس علی سلوکک من حیث لا تشعر ، وبالتالی سلوکک ینعکس علی الأمواج الأجتماعیة ، فأنت ستکون من حیث تشعر أو لا تشعر فی صف معسکر معین ، لونه نفس لون الذی نویته أنت .

فإذن أنت عنصر فاعل ومؤثر حتی فی المسار الأجتماعی من حیث تشعر أو لا تشعر ، بل الإنسان نیته وفعله له تأثیر حتی علی الأموات ، کیف هذا الترابط ؟ بحث له مجال آخر .

فإذن بالنسبة إلی ما وقع من الأفعال الإنسان لیس مخیراً ، بالنسبة لما وقع من أفعال البشر أو من أفعال الإنسان نفسه ، أو بالنسبة لأفعال

ص:43

الآخرین إذا کان خیر واجب فیلزم الإنسان أن ینوه ویمیل إلیه ، وإذا کان فعل حرام یُلزم الإنسان أن ینفر منه ویکرهه .

شواهد قرآنیة :

لقطات کثیرة یذکرها لنا القرآن الکریم ، ویستشهد بها الأئمة (علیهم السلام) مثلاً : القرآن الذی نزل فی زمن النبی (صلی الله علیه وآله) یداین ویحاسب بنی إسرائیل أنکم أنتم الذین قتلتم أنبیاء الله : وَ ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْکَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کانُوا یَکْفُرُونَ بِآیاتِ اللّهِ وَ یَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ الْحَقِّ ذلِکَ بِما عَصَوْا وَ کانُوا یَعْتَدُونَ 1

مع أنهم لم یشارکوا بأیدیهم إذن کیف یخاطبهم القرآن الکریم ؟ یخاطبهم مخاطبة رأی العین کأنما هم أرتکبوا الآن الجریمة ماثلة ومشارکتهم حیة .

ص:44

وواقعاً الإنسان إذا ألتفت الی الخطاب فی الآیات ، یظن أنهم شارکوا مشارکة حیة فی القتل لأنبیاء الله ولنکث عهد الله . مع أن هذه الأمور وقعت فی زمن النبی موسی (علیه السلام) أو بین زمن النبی موسی والنبی عیسی

(علیهما السلام) کیف یخاطب القرآن الموجودین الأحیاء فی زمن النبی محمد (صلی الله علیه وآله) ، فعن الإمام الصادق (علیه السلام) فی قوله تعالی : قَدْ جاءَکُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِی بِالْبَیِّناتِ وَ بِالَّذِی قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ 1 وقد علم أن هؤلاء لم یقتلوا ولکن فقد کان هواؤهم مع الذین قتلوا فسماهم الله قاتلین لمتابعة هوائهم ورضاهم لذلک الفعل(1) .

وفی روایة أخری : فکان بین الذین خوطبوا بهذا القول وبین القائلین خمس مائة عام ، فسماهم الله قاتلین برضاهم بما صنع أولئک(2) .

لأنهم لایخطئون ولا یستنکرون ولا یتبرؤون من أعمال أسلافهم تأخذهم الحمیّة عن تخطیئهم ، معاویة ما فعل یزید ما فعل ، فیقولون هذا

ص:45


1- (2) - تفسیر العیاشی ج232 : 1 .
2- (3) - المصدر السابق .

غیر معلوم ، هذا هو نوع حمایة ، تحامی عنه یعنی تشرک أنت معه ، أنا لم أئتی بالحطب لبیت الزهراء - أعوذ بالله - نعم ولکن أنت تحامیت ، أنا لم أحرف معانی القرآن ، نعم ولکن تحامیت عن الذین حرفوا مسیر الأمة ، أنا أین کنت وفلان أین ، نعم أن بینکم فاصل زمنی لکن من حیث المواقف أن بینکم وفاق ، وفاق وطنی أیضاً ، فی وطن المعصیة طبعاً .

سلوکک النفسانی والقلبی ینعکس علی سلوکک الخارجی والمصیری الآخروی هذا أنت ، هذا الفعل کنیة نستهین بها ونستصغرها وهی عند الله عظیمة لأنها ستنعکس علی سلوکک تلقائیاً وستکون فی صف معسکر ذلک الطرف کمسار أیدلوجی ، کمسار أجتماعی ، کمسار سیاسی وهلم جرا ، شئت أم أبیت ، ستکون فی ذلک الطرف ، لذلک أهل البیت (علیهم السلام) یتشددون فی التولی والتبری ، وکل شیء یرتبط بالتولی والتبری فمنطلقه ولاء فی القلب .

ص:46

شواهد عالمیة :

کما الآن من باب المثال الرئیس الیابانی فی عام (2004-2003) فی أول یوم من أول شهر فی السنة المیلادیة قام بزیارة قبور جنرالات الجیش الیابانی الذین شارکوا فی الحرب العالمیة الأولی ، الصین والکوریة الجنوبیة التی هی حلیفة أمریکیة ، أدانوا فعل الرئیس الیابانی بشکل شدید وخرجت تظاهرات ، لیس فقط أدانة رسمیة من وزارة الخارجیة فقط ، حتی الشعب خرج مظاهرات عارمة وحدثت ضجة شعبیة عدة شهور وسنین ، وتتفاعل الأزمة بینهما بین فترة وأخری وطالبوا الرئیس الیابانی بأن یعتذر من الشعبین الصینی والکوری لزیارته لهؤلاء الجنرالات ، لأن هؤلاء الجنرالات الذین شارکوا فی الحرب العالمیة الأولی شارکوا فی إراقة دماء آلاف الملایین من الشعب الکوری والصینی ، وعندهم مدرسة تدعوا إلی العنصریة الیابانیة وتهدد المنطقة ، فلماذا یتخوف الشعبان الصینی والکوری ؟ یتخوفان لأن هذا الرئیس الیابانی بتضامنه یربی الجیل الناشیء من الیابانیین علی نفس العنصریة والشعوبیة الیابانیة ، یعنی یعود یهدد ویأزم المنطقة مرة ثانیة . أنظر الآن الی فطرة البشر فأنهم نفس التضامن لا یستهینوا به ولا یستصغروه لماذا ؟.

ص:47

لأن هذا التضامن هذا التولی أو عدم التبری باللغة العصریة یسمی التبری ( شجب ، إدانة ، إستنکار ) بالعکس التولی ( تضامن ، تحالف ، تأیید ) إلی ما شئت فسمیه ، فنفس البشر إذن یفلسفون هذه المواقف لأنها تنعکس علی تربیة الجیل ، فالحاضر یحیی أفکار مدارس سابقة ، تبنی هویة المجتمع الحاضر الآن .

فالنیة لایمکن أن نستصغرها ، والالتفات والخاطر لا یستصغر ، فالنیة هیالتی الآن تقوم بصنع بناء ذاتک . نفس رادر النیة توجهه أنت وتتحکم فیه لیصنع هویة بناؤک ویجعلک نازی هتلری أو یجعلک موسولینی أیطالیاً الذی یدعو إلی العنصریة الإیطالیة .

تخوّف الغرب :

لماذا الغرب ، أمریکا وغیرها یخافون من رجوع مثل هذه الثقافات فمثلاً الآن دول العالم لا تسمح بمدیح هتلر وتتحسس من احیاء ذکریات هتلر ببالغ التحسس والرعب والحذر ، ویعتبرون أی ترویج لذکری هتلر جریمة جنائیة دولیة ، وأین خطورة هتلر من شخصیات أخری قلبت مسار البشریة رأسا علی عقب الی الردی ، فهی لیست جریمة وجنایة دولیة

ص:48

فحسب ، ولاحضاریة فحسب بل هی کونیة فی العوالم ، مع أن هتلر عاد تراب ورمیم فی بطن الأرض الا أن مثاله فی القلوب یفجر براکین مزلزلة للوضع البشری ، حیث تجرعت وجرت منه الشعوب الأوربیة عشرات الملایین من القتلی الأبریاء ، فکیف بمن هو أعظم جریمة من هتلر ، وجر علی الأجیال الانسانیة المتاهات والدماء والمعانات فی کل المجالات ، ویجر علیها من الحرمان فی القابل الی ظهور الفرج . لماذا کل هذا التحسس من الأندیة والمنظمات الدولیة ؟ لأنه إذا مدح هتلر یعنی مدح فکره ، وتصبح دعوة تربویة إلی الجیل الحاضر علی نهجه المدمر .

الآن غربیاً أی صحیفة تتعرض إلی هتلر ولا تدینه تعتبر صحیفة إرهابیة تدعوا إلی زعزعة الأمن العالمی إلی هذا المقدار ، نعم تشخیصهم وتقدیرهم لهذا الموقف عین الصحة والصواب . لاحظوا نفس النیة مع أنه لیس بعمل خارجی ، ولکن تداعیاته علی الوضع الدولی ومصیر الأمم کیف یکون !! . إذن لا نستصغر شأن النیة لأنها خطر جداً ، فتشدد أهل البیت (علیهم السلام) فی قضیة التبرؤ من الظالمین ، والتضامن مع المظلومین ، هذا لیس فقط من أجل أن یقول البعض هذه وقائع تاریخیة أکل الدهر علیها وشرب بل هی وقائع تاریخیة بل تاریخ ناخر فی وجدان وهویة الأحیاء ،

ص:49

هو یبنی هویة وشخصیة جیل المستقبل ، وهو الذی یحدد مسار الأحیاء ، یمین شمال جنوب .. فالنیة لیست أمراً سهلاً : (من أحب عمل قوم أشرک فی عملهم) فقط أحب ، وهذه الروایة مرویة فی أغلب مصادر المسلمین حتی فی البخاری ، والعجب مع وجودها فی جل المصادر ویرفضون أن نمحص التاریخ ، ویرفضون أن ننقح الخطأ من الصواب ، فنحن إذا تعامینا وأغمضنا نظرنا وبصرنا کیف نبصر الطریق ، الطریق طریق المستقبل لأنفسنا وهل یمکن للإنسان أن ینتخب طریق للمستقبل من دون أن یعی الماضی . فهویة الإنسان هی تراکم حضارات ، فنحن اذن عبارة عن مجموعة حضارات ، والنموذج الیسیر منها کیف طریقة اللبس وکیف طریقة الأکل وکیف طریقة المحاورة وکیف طریقة الفکر .

هل فجأة أصبحت لدینا هذه التقنیة فی المعیشة ، والتقنیة فی نظام الإخاء ، التقنیة فی نظام التبادل الخلقی ، التقنیة فی التبادل المعاشی هذه نتیجة تکدس تجارب وحضارات ، بعبارة أخری نحن عبارة عن مخزون حضارات من سبقنا ، فإذا أن تحلل نفسک لباسک أکلک شربک عملک طقوسک عاداتک تقالیدک رسومک فهو عبارة عن مخزون بشری کامل ، فإذن هویتک مبتنیة علی الماضی ، وبعبارة أخری هویتک الآن الحاضرة

ص:50

هی ولیدة وبناء موقفک الذی تحدده حول ما مضی ، فالنیة والإلتفات القلبی بناء هویة وشخصیة ، نعم الذی یرید أن یتحایل علی عقول الناس ، ویعمی عقول الناس ویکمکم عقول الناس یقول لهم دع ما مضی ، لا تحدد موقفک ، لا داعی لذلک خذ بالتسامح ، وهذه أقنعة خدیعة جدیدة ، تسامح یعنی أتسامح أن لا أنفر من القبیح ، أتسامح بأن لا أستنکر المنکر السیئ هذا لیس تسامحاً بل تسیب وأنفلات عن التوقی والوقایة وأنغماس فی التلوث ، تلوث یسمونه تسامح وتساهل وینهونک عن التشدد ، طبعاً التساهل فی موضعه صحیح ، والتشدد فی غیر موضعه خطأ ، بل لابد من تحدید ضوابط وأطر لتحدید موارد أختراقهما عن الأخر.

التساهل مع الخطأ فی الواقع هو تشدد فی الرعونة ، أنظر إلی ما یدعو إلیه الغرب - من باب المواقف - لاحظ الثقافة الحدیثة الغربیة الموجودة الآن التی ترید أن تذیب الشخصیة الإسلامیة تقول أنت لا تتشدد ، یعنی حتی فی موقفک لا تتشدد ، لا تستنکر . إذن أنا لا أستنکر بل أتلوث مع الفحشاء ومع الأفعال الساقطة ومع هذه العادات الجدیدة الهدامة للمجتمع ، تساهل کلمة حق یُراد بها باطل . هل یمکن أن تتساهل مع

ص:51

المیکروبات مع القذارات هل یتساهل الإنسان یجبن ویتوقف هذا لیس موضع تساهل .

إذن هذا الموقف والنیة والفکر الکثیر یحاول أن یستصغره دجلاً وتحایلاً ، لکن هو عند الله عظیم جداً ، لأن هذا هو الذی یبنی هویتک وشخصیتک .

التولی والتبری :

ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) التشدید علی أن من تبرأ منه قلبیا" یمرق من الدین ، ففی حدیث ورد عنه (علیه السلام) وهو یخاطب أصحابه : (أما السب فسبونی فإنه لی زکاة ولکم نجاة وأما البراءة فلا تبرؤا منی فإنی ولدت علی الفطرة وسبقت إلی الإیمان والهجرة)(1) ، طبعاً هذا لیس فقط خطاب لأصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، وانما هو خطاب عام لجمیع المؤمنین إلی یوم القیامة . ما المراد من البراءة والسب ؟ .

ص:52


1- (1) - نهج البلاغة ج137 : 1 .

السب یکون باللفظ واللسان تقیة : إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً 1 ، إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ 2 ، ولکن البراءة المقصود منها هی البراءة التی لا تسوغ بحال أبدا" وهی بحسب الإرتکاز القلبی ، وبحسب الأرتکاز القلبی لا یسوغ للإنسان - والعیاذ بالله - أن یوطن إلی نفسه القطیعة لنهج أمیر المؤمنین ، لمسار أمیر المؤمنین ، لمواقف أمیر المؤمنین . ولذا فی دعاء التوجه فی الصلاة نقرأ : (وجهت وجهی علی ملة إبراهیم ودین محمد ومنهاج علی) أو فی بعض التعابیر فی الدعاء : (وهدی علی) فإذن لا یمکن أن نوطن أنفسنا بأننا - أعوذ بالله - نبرأ أو نقاطع مسار ومنهاج أمیر المؤمنین ، فإذن هذا الحدیث الشریف الذی هو قاعدة عقائدیة لشیعة علیٍ إلی یوم القیامة أنه مهما تکالبت علیهم الظروف ولیعطی الخصم بلسانه ما یتقی به علی نفسه والی هذا التفصیل الذی بین اللسان والقلب یشیر قوله تعالی (مَنْ کَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ

ص:53

صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ ) . ولکن فی قرارة قلبه لا یحل له أن یستحلی ویستحل النفرة من أمیر المؤمنین علی أبن أبی طالب (علیه السلام) : (لأنی ولدت علی الفطرة) یعنی الفطرة الکاملة للدین متجسدة فی أمیر المؤمنین فأنت تبرأ من الفطرة الإلهیة والعیاذ بالله .

الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر :

هذا أیضاً معطوف علی نفس هذا المطلب ؛ أنه أیضاً فی باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لیس هناک خیار للإنسان أن یرخص لنفسه قلبیاً أن یستحب المنکر أو یستعذب المنکر أو یستحلی المنکر أو میل إلی المنکر أو ینجذب إلی المنکر . ربما نستصغره ونعتبره هین وهو عند الله عظیم . إقامة الإنسان علی مثل هذه النیة أعظم خطراً وخطباً عند الله من أرتکاب نفس الفعل الخارجی ، لأنه مرت علینا فی الأبحاث السابقة أن خطب الفعل الخارجی لیس له خطب خطیر بقدر النیة .

لذا التجبر علی الباری تعالی والرعونة و التکبر و التمرد صفات بلحاظ الحالة النفسیة ولیست بلحاظ الحالة البدنیة ، أی أن الإنسان مجاهدته مکابدته فی أن یطِوع ، یطیع ، یلین ذاته ذلیل أمام الله تعالی ،

ص:54

کذلک فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، ومر علینا أن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لایختص ولایقتصر علی لحاظ الوضع والعیش الراهن ، وفی هذا الموضوع کثیر من المؤمنین فی غفلة عنه - ربما الکتب الفقهیة یترائی منها هذا الإیحاء وإن کانت غیر مقصودة - فإن هذا لیس بصحیح .

فإن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لیس خاصاً بحیاة الإنسان الراهنة المعاشة بل تستوعب عمر الدنیا من أولها إلی أخرها ، وهذا یدل علی سعة الإنسان فروح الإنسان ذات موجود وسیع جداً . أنت أیها الإنسان لست قَزِماً بقدر حدود وقصر حیاتک البدنیة التی تعیش فیها فی عمرک ، أنت طبیعتک بناها الله وخلقک وجهزک بذات وبوجود وسیع جداً . یعنی حملک مسؤولیة أن تتخذ موقف أتجاه کل أحداث التاریخ ما کان وما سیأتی .

ولعلک تسأل مافلسفة تکلیف وتحمیل الله هذه المسؤولیة للانسان ، أی مسؤولیة باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر القلبی ، ولا تحد هذه المسؤولیة بالقضایا الفردیة بل تشمل القضایا الإجتماعیة ولاتقتصر علی الإجتماع المعاصر والقضایا المعاصرة وإنما تعم کل المجتمعات ،

ص:55

وکل الملل ، وکل النحل فی کل القرون السابقة علینا واللاحقة ، مثلاً : من یمر بمظلوم ویستطیع أن ینصره ولا ینصره یؤاخذ بذلک ، أو حتی لا ینکره بقلبه یؤاخذ بذلک .

فإن الإنسان مجهز بمقام وجودی معین أوطاقة وجودیة معینة غیر محصورة ومنحصر بحیاته البدنیة والزمانیة التی یعیش فیها وبعمر سنینه التی یعیش فیها ، فإذا کان الإنسان کفوء لمثل هذه المنحة الإلهیة یستطیع إذن أن یعیش نفسه بوسع ما جهزه الله من مقام وجودی ، یتضامن مع سلسلة الصالحین من أول تأریخ البشریة إلی آخر تاریخ البشریة ، ویشارکهم فی الموقف .

حمزة وجعفر یشهدان للإنبیاء :

لدینا فی بعض الروایات أن نوحا" وإبراهیم (علیهما السلام) یأتیان إلی سید الإنبیاء فی یوم القیامة فی المحشر ویریدان من النبی أن یشهد لهما بالوفاء فی تبلیغ الرسالة فیبعث النبی (صلی الله علیه وآله) حمزة سید الشهداء وجعفر الطیار لیشهدا لنوح وإبراهیم بالوفاء بالرسالة مع أن حمزة وجعفر لم یکونا فی زمان إبراهیم ولا فی زمان نوح کیف یتحملان مثل هذه

ص:56

المسؤولیة ، ولیس من المحاکم الدنیویة بل فی محاکمة ومداینة أخرویة التی لیس فیها أی عبث ولا لعب وإنما جدیة وواقعیة وحقیقیة وخطیرة ، وحصلا علی هذا المقام لأنهما وصلا الی ما وصلا إلیه من مقامات بحیث یتباهی بهما ، ولأنهما وصلا إلی مقامات من الإیمان والمعرفة والیقین بدور الإنبیاء ، فهما إذن لا یختص شأنهما بزمانهما ، بل أصبح شأنهما یغطی دور یعم الأمم السابقة . ألیس هذا نوع من الأحاطة بالوثائق والسندات الإلهیة فی یوم القیامة وهذا الموقف لاریب أن مستنده حقائق .

کیف تکون حقیقة أحاطة أن حمزة وجعفر الطیار یکون لهما دور فی المداینة والمحاججة بین النبی نوح وقومه وبین النبی إبراهیم وقومه ، هذا أن دل فإنما یدل علی أن حمزة وجعفر الطیار لم یکونا یعیشا زمانهما فقط بل کانا بإیمانهما بکل زمان لهما معرفة لهما مسؤولیة بأتجاه حتی الإزمان والأدوار الأخری .

ففی خطبة للامام علی (علیه السلام) یذکرفیها نعم الله عزوجل علیه وفیها یقول (علیه السلام) : ونحن أصحاب الأعراف أنا وعمی وأخی وأبن عمی ، والله فالق

ص:57

الحبة والنوی لایلج النار لنا محب ولایدخل الجنة لنا مبغض ، لقول الله عزوجل ( وعلی الأعراف رجال یعرفون بسیماهم ) (1).

أن الله أعطی للإنسان مثل هذه القابلیة بتوسط النیة وبحث النیة وعالم الروح ، أعطاه مثل هذه القابلیة والقوة والقدرة حینئذ یرتفع عن مستوی زمانه .

علی (علیه السلام) ونزاع الملائکة :

أمیر المؤمنین الذی هو سید الوصیین ولا مجال للخوض فی هذه الخصوصیات ، ولکن فی روایات الفریقین وردت أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) کان قد قضی فی نزاع بین الملائکة ، الملائکة طبعاً (لا یَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ)2. ولکن بمعنی نظیر(قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ)3 . من باب قد یکون هناک (قالَ یا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ

ص:58


1- (1) - نورالثقلین ج 2 :32.

بِأَسْمائِهِمْ)1 . وآدم کان معلم الملائکة بصفته ماذا ؟ . بصفته خلیفة الله فی الأرض ، اذن الإنسان الکامل یصل الی الهیمنة علی کل عالم وعوالم الملائکة ، فأنظر إلی الإنسان اذا تجاوز ضیق البقعة الأرضیة التی یعیش فیها ، إذا تجاوزها إلی عالم روحه ، روحه وسیعة جداً مجهزة ومؤهلة إلی مقامات کثیرة ، حینئذ یعطی مثل هذه الشؤون ، الشؤون أن یکون معلم للملائکة ، أو أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) کما ورد فی روایات الفریقین کان حکماً بین نزاعات الملائکة کما تشیر الآیة الکریمة : ما کانَ لِی مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلی إِذْ یَخْتَصِمُونَ 2 الملأ الأعلی ملأ الملائکة الأختصام لیس کما مرّ بنا هو النزاع الحیوانی الموجود فی أبناء الکرة الأرضیة ، بل المقصود منه نوع من أختلاف العلم أو قصور فی العلم أو ما شابه ذلک عند الملائکة ، لأن الملائکة أیضاً طبقات ودرجات فی العلم .

ص:59

إذن الإنسان الذی یمکن أن یعیش فی بیئة أفعال روحه ونوایاه ، ومعرفته ، وخواطره ، یتسامی ویتعالی عن العیش فی ضیق الحقبة الزمنیة البدنیة الأرضیة التی یعیش فیها ومن ثم هذه مسؤولیة ثمینة وکریمة من الله أودعها الله (عز وجل) فی الإنسان ، نحن الآن أبناء الأمة الإسلامیة فی زمننا هذا الا أن فی کل زمان ، یجب أن

یکون لک موقف فی باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لا یحد بزمانک الذی تعیش فیه ، الإنسان کلما تتوسع مسؤولیته ولو مسؤولیة التکلیف والتشریع مما یدل علی مقامه أنه کبیر وکلما تتضیق مسؤولیته تدل علی صغره وأنحطاطه ، أما إذا أرتفعت مسؤولیته فإنها تدل علی سعة مقامه ومنصبه الکبیر وشرافته الکبیرة .

إذن بحث الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر القلبی لیس فیه رخصة ولا یحد بزماننا هذا ، بل له خلفیة وأبعاد تدل علی شرافة الإنسان وجوداً ، لا تقل ماذا یعنینی فیما مضی ، لا تقل لا یعنینی ما هو جار فی عالم وعوالم الملائکة أنت تطالب بموقف أتجاهه وتستحسن فعل الحسن من الملائکة وأما الفعل الذی هو ترک الأولی یجب أن لا نستحسنه .

هل لدی الفرد منا مثل هذا المقام والمسؤولیة ؟ نعم وإلا لماذا یحدثنا الله (عز وجل) عن بعض شؤون الملائکة ؟ مما یدل علی أن الإنسان له مثل هذه الأهلیة حتی هذا المقام ، وبإمکان هذا الإنسان أن ینظم هذه البیئة المعقدة

ص:60

المشحونة بالصراعات والتضاد والتناقض والتناحر ینظمها کبیئة ملائکیة نوریة وهی بیئة الأرض من خلال بوابة بحوث النیة والخواطر .

الآن هذه القضیة یشیر إلیها الامام الصادق (علیه السلام) فی حدیث یقول فیه :(ثم النیة یبدو من القلب قدر صفاء المعرفة وتختلف علی حسن أختلاف الاوقات والایمان فی معنی قوته وضعفه وصاحب النیة الخالصة نفسه وهواه معه مقهورتان تحت سلطان تعظیم الله تعالی والحیاء منه وهو من طبعه وشهوته ومنیة نفسه فی تعب والناس منه فی راحة (1) .

فصفاء المعرفة یعنی الصافی من معرفة الإنسان وفکره وصفاته الصافی الثمرة المتولدة لدیه هو النیة الحسنة ، هو یشیر (علیه السلام) إلی أن النیة والخاطر لهما أرتباط حیوی لولبی مع صفات الإنسان ومع أفکار الإنسان ومعرفة الإنسان وهناک تأثیر متقابل بین نوایا الإنسان ، وخواطره ، وصفاته ، وأفکاره ، ومعرفته تأثیر متقابل لا تأثیر من طرف واحد .

ص:61


1- (1) مصباح الشریعة 30

لنأخذ مثل هذه القصة الحادثة فی غزوة الخندق فقد روی أنه عندما برز أمیر المؤمنین (علیه السلام) لعمرو بن عبد ود العامری ... فضربه أمیر المؤمنین (علیه السلام) مسرعاً علی ساقیه فقطعهما جمیعاً ، وأرتفعت بینهما عجاجة فقال

المنافقون : قتل علی بن أبی طالب ، ثم أنکشفت العجاجة فإذا أمیر المؤمنین (علیه السلام) علی صدر عمرو قد أخذ بلحیته یرید أن یذبحه ، فلم یضر به قال الحلبی : فوقع المنافقون فی علی (علیه السلام) ، فرد عنه حذیفة الیمان ، فقال له النبی (صلی الله علیه وآله) : مه یا حذیفة فإن علیاً سیذکر سبب وقفته .

قال الحلبی : فسأله النبی عن سبب وقفته ؟

فقال : قد کان شتم أمی ، وتفل فی وجهی ، فخشیت أن أضربه لحظ نفسی فترکته حتی سکن ما بی ثم قتلته فی الله(1) .

أمیر المؤمنین (علیه السلام) لما جثم علی عمرو بن عبد ود العامری وبصق عمرو بن عبد فی وجه أمیر المؤمنین -- والعیاذ بالله -- أمیر المؤمنین ترک قتله وقام ودار دورة حول عمرو بن عبد ود والمسلمین متعجبین ، لماذا لاینتهز علی

ص:62


1- (1) - مناقب آل أبی طالب ج115 : 2 .

(علیه السلام) الفرصة ویقضی علی الإخطبوط عمرو بن عبد ود ما دام رجلیه کانتا مقطوعتین من الرکبة ، قطعهما أمیر المؤمنین فسقط کالجمل الهائج أو کالجبل عندما ینهدم ، فکیف لم یسارع فی قتله فدار دورة ثم جاء وقتله أمیر المؤمنین .

واضح لدیکم الجواب عن هذا السؤال : لماذا لم یتسارع فی قتله وتریث وأخذ دورة ثم قتله .

قال لأنه حینما بصق فی وجهی أثیرت نفسی فخشیت أن أقتله بداعی وبدافع غضب نفسی فقمت فدرت إلی أن هدأت النفس ، والنفس هی طبیعة تنثار ولیس نفس المعصوم وإن کانت معصومة وطاهرة خالیة من الغرائز ، الغریزة موجودة ولذلک المعصوم له فضیلته ، وله کماله ، وله جدارته ، وله شرفه ، وله فضائله فی السیطرة علیها ومن هذه الجهة أن فیه الغرائز لکن ممسک بها ، متحکم بها ولا یترکها حتی تهیج ، رابط الزمام بیده .

المهم قال (علیه السلام) فقمت ودرت لکی تهدأ النفس فیکون قتلی له صادر لله (عز وجل) ، طبعاً هذا بحث الخلوص . الا أن الکلام الآن فی هذه الصفة أنه

ص:63

(علیه السلام) لم یرد أن یصدر منه الفعل فی حالة کونه غضبان لنفسه ، یعنی قیمة العمل بلحاظ النیة وبذلک أصبحت ضربة علی (علیه السلام) یوم الخندق تعادل عبادة الثقلین من الجن ولانس من الأولین والآخرین من أول الدنیا الی آخرها ، وبعبارة أخری قیمة العمل بلحاظ الصفة التی الإنسان علیها مقیم ، فعندما یصدر منک فعل أنظر إلی حالتک النفسیة ، حالة تذلل وخضوع لله (عز وجل) حین أصدار الفعل بنحو صافی ، عیاره ثقیل .

الصلاة والنیة :

أما لو کانت -- لا سامح الله -- صفاتک النفسیة تبرم ، ضجر ، کسل ، هذا الفعل لا یساوی شیء عند الباری تعالی ، القرآن الکریم یقول : فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ اَلَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ 1 أنت تأتی بالصلاة ولکن الله سبحانه وتعالی یتبرأ من هذه الصلاة التی تأتی بها ، لأنک فی حالة وصفة سهو ، یعنی حالتک الروحیة لیست فی حالة إقبال إلی الله (عز وجل) ، والله (عز وجل) یرید منا المحبة ولا یرید منا الجفوة وأن لا نکون کالخشب -

ص:64

والعیاذ بالله -- ؟ إنشاء الله لا نکون هکذا ، بل یرید الشعور ، وروح ، وحیاة ، نقبل اتجاه الساحة الربوبیة ، لذلک یقول : فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ اَلَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ یتوعد الله (عز وجل) یعنی أن الغرض فی التشریع من الصلاة نجوی ومناجاة فأن الصلاة معراج المؤمن(1) ، أو نجوی المؤمن ، ما معنی نجوی ؟ یعنی شاشة التوجه مرکز التحکم فی النفس یجب أن یکون مقبل علی الله (عز وجل) ، المیل الروحی ، الإقبال الروحی إذا کان علی شیء غیر الله (عز وجل) فی الصلاة ، هذه الصلاة لیست فقط لیس لها قیمة عند الله (عز وجل) ، بل یتوعد الله فیها المصلی بالویل ، فی حدیث الإمام الصادق (علیه السلام) :

( والله إنه لیأتی علی الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة ، فأی شیء أشد من هذا والله إنکم لتعرفون من جیرانکم وأصحابکم من لو کان یصلی لبعضکم ما قبلها منه لإستخفافه بها ، إن الله (عز وجل) لا یقبل إلا الحسن ، فکیف تقبل ما یستخف به ؟! )(2).

ص:65


1- (1) - مستدرک سفینة البحار ج343 : 6 ، تفسیر الآلوسی ج57 : 19 .
2- (2) - الوسائل ج15 : 3 ، ح : 6 .

وجه الإنسان لیس هذا بل هذا وجه البدن ، فان وجه الإنسان قلبه ، إذا کان الإنسان عمدة وجهه وعمدة عینیه ، حتی عینی الإنسان لیست هذه التی فی بدنه ، بل عینیه فی قلبه ، إذا کان فی عینیه وقلبه مدبر متبرم معرض فهذا لیس متوجها الی الله عزوجل .

توجد آیة أخری فی الصلاة التی من صفات المنافقین الذین یقرعهم الله ویتبرم منهم یقول الباری تعالی : وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاّ وَ هُمْ کُسالی 1 ، حالة کسلان یعنی ضجران فتران متبرم ، قد یکون الإنسان فی حالة کسل ؟ کیف أنت إذا جاءک إنسان عزیز فلا تبقی حالة الکسل بل تعید نشاطک وتزید حالة التعبئة .

لو کان عند الإنسان صدیق أو عزیز أو عزیزة ینشد الإنسان إلی العمل بمجرد ما رأی ذلک الإنسان العزیز ، الکسل یجعل الفعل کالعدم . لماذا ؟ لأن علامة الروح والحیاة بث النشاط ، أصلاً قیمة صلاة الإنسان بهذا ، والإنسان الذی یقف متبرم مافائدة صلاته ، أسیر هو أو فی حالة

ص:66

معانات . ما معنی المعانات ؟ کأنما رغماً علیه یجرجر إلی العبادة ، أی حالة من الصلاة هذه ! أی حالة ! أی أقبال ! أی تعامل مع الله (عز وجل) هذا .

ثوب الروح :

لذلک یجب علی المؤمن إذا أراد أن یوصل صلاته ، صیامه ، أعماله ، طوافه ، حجه حتی الحج والطواف الی أحسن وجه ، فلو کان الإنسان فی حالة العمل وهو یأتی بالعمل أمام شخص عزیز علیه لا یأتی به وأخلاقه سیئة ، ولا یرتدی أثواب أخلاقه السیئة ، فان ثوب البدن هی هذه الأثواب المعینة .

أما الصفات النفسانیة فهی أثواب الروح ، إذا کانت أثواب جمیلة تجذب وإذا کانت أثواب قبیحة ینفر منها الناس ، الأخلاق الجمیلة أثواب جمیلة للروح والصفات الرذیلة أثواب قبیحة ، هل یذهب الإنسان إلی محضر شخص کبیر ویفعل فعلا" وفی حالة أخلاق سیئة ؟! ألا یشعر بأن هذا النوع من إساءة الأدب فی ذلک المحضر.

کذلک أعمالنا ، مثلا طواف الحج ، الإنسان یطوف ویحج وکأنه لا یطوف إلا هو أو لا یسعی إلا هو أو لا یحرم إلا هو أو ما کذا إلا هو ..

ص:67

ویقطر سوء خلقی مع -- أفرض -- الأجانب ، أفرض مع بقیة المسلمین من غیر المؤمنین ... هذه أی حالة ، حینئذ هل یکون الإنسان مزدلفا" قریبا" إلی الله (عز وجل) ، فی هذه الحالة یستحیل علی الإنسان أن یقول أنا آتی بهذا العمل فی طبق أقدمه بین یدی الباری متقربا" الیه ، إذن فی الواقع هذه الحالات النفسیة ، وهذه الصفات النفسیة مهمة جدا"، صدور العمل من الإنسان فی هذه الحالات

النفسیة أمر فی غایة التأثیر سلبا" وأیجابا" .

یقول لقمان الحکیم وهو یوصی ولده : (... وأکثر الزاد فإن السفر بعید ، وأخلص العمل فإن الناقد بصیر )(1) .

ومن أحد معانی الخلوص هو أن یصدر العمل من الإنسان وهو فی حالة صفات حسنة فی حالة روحیة حسنة ، لیس کسلانا ، ولاضجران ، ولامتبرم ، ولامتنفر ، ولاساهی غیر مقبل ، وغیرمنشد . هذه کلها حالات نفسیة یؤکد علی تجنبها القرآن الکریم ، أخلص العمل لله فإن الناقد بصیر ، الإخلاص غیر مختص بقضیة الریاء ، کلا بل یعم النقاء من کل الرذائل .

ص:68


1- (1) - الأختصاص : 341 ، بحار الأنوار ج13 .432

هذا أحد ملفات الخلوص ، أحد أوراق الخلوص ، نحن دائماً نحاول أن نتجمل ، لماذا نتجمل ونتأنق ؟ . لأنه یجذب الآخرین ، نظیر العطر مثلاً ، والروح جمالها بالصفات النفسانیة ، وبالصفات الجمیلة عطرها أشد .

أیضاً فی حالة وفودنا علی الله (عز وجل) فی الصلاة أو فی الطواف أو فی السعی أو فی موقفنا بعرفة أو فی أی مکان إذا کنا علی حالة من الطهارة الروحیة فسوف یخلص عملنا من الشوائب .

طهارة الروح :

المطلوب فی مثل هذه الأعمال الطهارة حیث تکون الطهارة نوعا" من المشهیات أو المرغبات فی هذا العمل ، هذا العمل عندما یقدم بین یدی الباری ، یفد به الإنسان علی الباری ، تکون طهارة الروح بلا ریب هی أکثر خواطر الروح ، حالات الروح ، هی أکثر تأثیراً ، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :

( إن الله لا ینظر إلی صورکم وأعمالکم وإنما ینظر إلی قلوبکم )(1) .

ص:69


1- (1) - بحار الأنوار ج248 : 67 .

کما ورد فی أن زی الإنسان وبدنه فی الآخرة یکون علی هیئة أخلاقه ، الآن أبداننا لیست بأختیارنا ، کیفیة أشکالها ،

وکیفیة لونها ، وکیفیة تقاسیمها ، لمحات صورنا ووجوهنا لیست بیدنا ، لکن فی الآخرة بیدنا ، یقول الإمام علی (علیه السلام) :

( کن فی الدنیا ببدنک ، وفی الآخرة بقلبک وعملک )(1) .

ولیس فقط فی الآخرة الآن فی دار الدنیا صورنا التی یراها الله (عز وجل) علی ما هی علیه الصور الروحیة هی فی الواقع بتوسط نفس حالاتنا النفسانیة ، حالات النوایا والخواطر .

المهم فی هذه الروایة الشریفة التییشیر إلیها (علیه السلام) إلی أن النیة محصول الحالات النفسیة وصفات الإنسان وأفکاره ، الإنسان طبعاً له صفات نفسانیة وله حالات ، وله أفکار أو معتقدات .

الحالات النفسانیة لیست ثابتة مثل الصبغ المائی ولا الصبغ الدهنی ، أی لیست راسخة جداً ، هیئة فی النفس ، وشکل فی النفس ، وحالة فی النفس تزول ، یتنازعها وتغلب علیها حالة مضادة وتزول هذه الحالات ،

ص:70


1- (1) - غرر الحکم : 7164 .

الحالات أثبت من الخواطر قلیلاً ومن النیات ، ولکنها أیضاً لیست فی الثبات کثبات الصفات ، الصفات راسخة متجذرة فی أعماق النفس هذه درجات فی أشکال النفس .

هناک تأثیر متقابل بل متجاذب بین النیة وبین هذه الدرجات فی النفس ، النیة والخاطر ، الإقبال والإدبار ، کأحد أفعال النفس ، النیة الصالحة -- مرت علینا أفعال النیة -- وقلنا النیة لیست مجرد زعم قصد ، بل النیة نوع من تولید المحبة والمیل النفسانی ، الجنوح یعنی المیل ، جنح یجنح یمیل ، النیة أکثر من مجرد خاطرة ، الخاطرة أضعف فی حین النیة أقوی ، بعد النیة تأتی الحالة ، الحالة أقوی ، بعد الحالة تأتی الصفات وبعدها الملکة وهکذا .. المقصود أن فی النفس هذه درجات .

إذاً الإنسان کما یقولون التجار من فلس ودرهم یجمع الملایین ، وهکذا الخاطر لا یستصغره الإنسان ، صحیح الخاطر کالفلس - نفترضه - فی متجر النفس ، بورصة النفس ، لکن هذا الخاطر عندما یتراکم یتطور الی نوایا وحالات وصفات وملکات ، عندما تحرص أن تکون خواطرک

ص:71

کلها صحیحة سلیمة ، شیئاً فشیئاً تکون نوایاک حسنة ، النوایا إذا لم نستصغرها ولم نهبطها سواء نیة الصلاة أو نیة غیر الصلاة ، اذ لیس نیة الصلاة فقط یجب أن تکون قربیة صالحة بأن یزدلف ویفد بها الإنسان علی باریه ؟ کلا ، بل حتی النوایا الأخری ، قیامه قعوده ، ذهابه وإیابه .

هذه المباحث هی عمدة رأس مال الإنسان إذا ألتفت إلیها الإنسان بإشراف من أفق أعلی من النفس ، یشرف الإنسان علی نفسه ویسهل علیه أنتهاج طریق المعالی ، والله الموفق لأن نسلک هذه المدارج ، فلا یستهین ولا یستصغر الإنسان بالخواطر ، بالخواطر تتکاثر بالتالی النوایا ، ویستطیع الإنسان أن یولد النوایا ، بالنوایا یولد الحالات ، قد یقال هذه الحالة لا أستطیع أن أزیلها ، ماذا أفعل عندی تبرم ، أقبل علی الصلاة وعندی تبرم ، أقبل فی محضر معین تکون عندی حالة لا أحبذها من نفسی ، حالة إقبال علی نظرة حرام - مثلا" - ، لا أرتکب الحرام ولکن عندی حالة من هذا القبیل ماذا أفعل لنفسی ؟ أنفر من نفسی أنا فی مدینة الرسول أو فی مکة أو فی مدینة علی (علیه السلام) ، لماذا هذه الحالة السلبیة الموجودة عندی ، الإقبال

ص:72

علی الشیء السیء ولو بدرجة میل ، نزوع إلی الشیء الحرام ، هذا صحیح بلحاظ الحال الفعلی طبعاً فی حینها لا یستطیع أن یعالج الموقف .

إذاً کیف یعالج الموقف ، یعالج الموقف من مسافات بعیدة ، نظیر تشبیه تخطیط الشوارع بالنظام الحدیث ، لا بد أن تلتفت إذا ترید أن تنعطف ، أن تحاسب من مسافات بعیدة لکی لا یفوتک الأنعطاف یعنی تحاسب مروریاً بشکل دقیق . هکذا هی النفس ، أنت هذه الحالة إذا کنت لا تریدها من نفسک هذه الصفة ان کنت لا تریدها فی نفسک ، وعندک صدق نیة وجدیة أن تقلع وتعالج هذه الصفة والحالة من نفسک بإصرار مستمر من فترات بعیدة متمادیة دائما بحیثً یکون عندک مراقبة دؤوبة للخاطر ، الخاطر بیدک هو سهل ، النیة أیضاً سهلة بعد الخاطر ، فحاول دائماً أن تصحح الخاطر ، دائماً تصحح النیة ، فبالتالی ستؤثر علی الحالة ، إذا کانت الحالة ظلمانیة سلبیة تنقلب إلی حالة إیجابیة إذا کانت صفة مذمومة تنقلب إلی صفة جیدة ، وبالتالی الصفات والحالات فضلاً عن الدرجة العالیة وهی الملکات ، وهذه مثل بنایة عشرین طابق وهی خراب لا نستطیع فجأة کن فیکون تبدیلها . شیئاً فشیئاً تهدم إلی أن تبنی بنایة جدیدة ، ولابد من التدرج .

ص:73

أفرض إنسان لیست لدیه هذه الحالات السلبیة ، یسمع حالات أولیاء وأصفیاء ویسمع عن حالات وصفات جیدة عندهم ، فتنشأ عنده الرغبة لأتباعهم فی هذه الحالات ویستطیع الإنسان أن یتمثل بهم والبدایة هی تولد من هذه الخواطر والنیات .

من الآن بأمکانک أن تقوم بعملیات یسیرة ثم تسبق الآخرین ویصبح لدیک أستثمار ضخم جداً بخطوات یسیرة سهلة علیک ، بینما إذا تؤخر هذه الخطوات إلی أن یحین الأوان فسوف تکابد أعصابک وتتشنج ، بینما اذا تراقب البورصة وتراقب المهنة التی أنت فیها وکیف تعدلها وبالکاد یکون أستثمار أو ربح .

بینما إذا کنت تستعد من مسافة بعیدة وبخطوات یسیرة تستثمرها جداً سوف تضمن النتیجة والعاقبة الحسنة ، مثلاً لو أشتری إنسان له عقار - کمثال محسوس لکی نلتفت إلی أن هذا لیس فقط فی عالم البدن وعالم العرض وعالم المادة ، هذا فی عالم الروح أکثر وأکثر - عقار تشتریه لک یتضاعف الآن سعره ، بخطوة یسیرة جداً بشیء من التدابیر الجیدة والمعدة

ص:74

والمسبقة ، سیکون مقدار الأستثمار الذی تحصل علیه کبیر ، وفی عالم الروح القضیة أکثر من هذا .

ویشیر الحدیث الشریف إلی کیفیة زرع النیات والخواطر من مسافات بعیدة ومن فترات بعیدة عند الإنسان فی عمره وفی حیاته کیف تثمر ثمار ضخمة جداً . فیقول : أنا عندی هذا الحظ ؟ طبعاً عندک هذا الحظ لأن تدبیرک المسبق أصبح جیدا" بمعیة توفیق الباری تعالی ، نظیر ذلک الذی یصیر عنده جهوزیة تدبیر مسبق مالی صار عنده هذا الحظ ، کذلک الإنسان فی حالاته الروحیة .

العبد والتجری :

ان نیة المعصیة ، نیة المخالفة لله (عز وجل) إذا تابعها الإنسان یؤاخذ علیها ، أما إذا لم یتابعها نوی فقط وأعرض عنها فلا یؤاخذ ، وهذا تفصیل ورد فی الروایات وفی فتوی الفقهاء وهذا البحث مرّ علینا ، لکن هذا التفصیل فی الروایات أو فی آیة أخری لا ینافی ما فی هذه الآیة الکریمة :

ص:75

إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْکُمْ بِهِ اللّهُ 1 وإن کانت هذه المحاسبة قد لا تکون محاسبة عقاب ومثوبة لکن هی فی الواقع لها آثار ، یعنی نفس ما یبدی الإنسان وما یخفیه یؤثر مصیریاً علی مواقفه المستقبلیة وعلی نهجه ومنهاجه المستقبلی أنظرما فی قوله تعالی مع الملائکة : وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ کُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَی الْمَلائِکَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِی بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ قالُوا سُبْحانَکَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّکَ أَنْتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ قالَ یا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ 2 .

یعنی نفس إضمار النیة وإضمار الخاطرة إذا کانت خاطرة سلبیة أو غیر صحیحة وهذا تقریباً موقف أعتقادی من الملائکة مع الله (عز وجل) وإن کان هو من قبیل ترک الأولی ولیس بمعصیة ، لکن نفس إضمار نیة من قبیل عدم حکمة الله - والعیاذ بالله تعالی - أو أضمار التبرم من فعل

ص:76

الله والأعتراض علی فعل الله یجرجر الإنسان إلی مواقف یندم علیها مع الله (عز وجل) .

فالعبد یأتمر بأوامر المعبود بکل ما یأمر به ولا یعترض علیه حتی فی الخاطر والنیة .

إذن الخاطرة لا نستهین بها ، فالخاطرة مهما کانت خاطرة فهی بمثابة هبوب ریاح فی صفحة النفس وهی ستقود الإنسان إلی مواقف فیما بعد یندم علیها . هنا یشیر أمیر المؤمنین إلی أن نزق الخرق أی فجائیة الحدة . نزق : یعنی فجأة ، نزق الخرق هذه فجائیة الحدة والأنفعال حیث یقول الإنسان : لماذا ذهب وقاری وذهبت هیبتی مثلاً فی محفل أو غیره أو فی أسرة أو فی علائق أرحام أو فی علائق أصدقاء أو فی غیرها أنهد منی زمام الأمور ، لِمَ حصل لدیّ نزق یعنی طفرة فجائیة ؟ . یبین السبب فی ذلک أمیر المؤمنین (علیه السلام) : أن الذی یتحکم فی الإنسان ویمانع ویُعَقِم الإنسان عن الفجائیات والطفرات فی الحدة والأنفعال القنوع والقناعة ، فالقنوع حالة خاطرة نفسانیة ، تفکیر نفسانی ، فی مقابل الحرص والطمع .

ص:77

الحرص والطمع :

الإنسان إذا حرص وطمع حینئذ یندفع ویرید أن یتکالب ویکابد ویصر فی الوصول إلی ما یطمح فیه . أما إذا تحرر من الحرص وتحرر من الطمع . نعم الطمع فی الخیرات شیء جید . والطمع فی الخیرات إذا کان بنحو یوجب حدة الإنسان وأنفعاله هذا فلیس بسدید .

فالحرص والطمع هو أساس الحدة والأنفعال وهذا ما بیّنهُ أمیر المؤمنین ، والخاطرة النفسانیة فی صفحة النفس یستطیع الانسان أن یصفیها عن الحرص والطمع ، وسوف لن یحتد ، ولن یشتم ، ولن یسب ، لن یغلط علی أحد ولن یصدر منه خلاف الوقار ، وما هو خلاف الوقار ، الوقار جمال فی سلوک الإنسان ، کیف یحصل علیه الإنسان ؟ . یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : ( بأزِمّة القِنُوع ) والإنسان اذا تحرر من أسر طمع معین ، فسوف لن ینفعل بفوته أو بممانعة آخرین له عن الوصول إلیه ، ولد أو زوجة أو صدیق أو قریب أو بعید أو ما شابه . وذلک إذا قنع وأقتنع الانسان بأنه لن یقدر لی إلا ما کتب الله لی .

ص:78

والقنوع حالة وخاطرة جداً إیجابیة . لکن هذا القنوع لا بد له من خلفیة عقائدیة ، وهل تتوقع من نفسک أن یکون لدیک قنوع بدون خاطرة ونیة ، هذه الخاطرة والنیة التی هی ذات ثمرة وذات إیجابیة وتوجب تحلی الإنسان بلباس الوقار والهیبة والحلم وما شابه ذلک مما هو بعد القناعة . والقناعة کیف تتولد ؟ . تتولدً من خلفیة عقائدیة ، لأن الخواطر النفسانیة أیضاً ولیدة أفکار عقائدیة اذ هناک تلاحم وترابط حلقات وطیدة بین الأفکار العقائدیة ، وتولد الخواطر والأفکار الخلقیة والأخلاقیة ثم بالتالی مع الأعمال .

فالقنوع هو الذی یؤمن ویعتقد أنه وأن أراد الله بعبدٍ خیراً فلن یکون هناک مانع عن إصابة الله العبد بذلک الخیر فأنت إذاً تجزع لماذا ؟ تحرص علی ماذا ؟ تطمع بماذا ؟ تحتد مع الآخرین علی ماذا ؟ وإن کان الله (عز وجل) لن یقدر لک ذلک الخیر فسوف لن یصل الیک ولو تکالب الکل علی إیصال ذلک الخیر لک . إذا کان الإنسان یعیش مثل هذه الحالة النفسیة وهی لیست نفسیة تواکل وبطالة وعطالة ، اذ لابد للإنسان أن یقوم بوظیفته من التدبیر لکن لیس ضمن شره وحرص وطمع ومغالبة ومصارعة مع اعمال الآخرین ، فهو برنامج حیاته هکذا ، وأنت الزوجة

ص:79

برنامج حیاتک کذا أو الأسرة کذا ، أو ما یجری مجری حالة المطاحنة والمصارعة مع الآخرین فی ضمن تعقید الحیاة العصریة الموجودة . هذا الأصطدام یصبح عند الإنسان إذا فقد القناعة . ومتی یفقد القناعة ؟ . إذا کان یتخیل ویظن أن هذه الأسباب الظاهریة هی التی توصل إلی الآمال والغایات لا أن تقدیرات الله وتدابیره هی الموصلة .

التوکل والتواکل :

ففی کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) : ( نَزَقَ الخرق ) یؤدب : ( بإزِمةَ القِنُوع ) لکن القنوع بماذا یحصل ؟ فی روایات أخری - یحصل عند قوة التوکل لدی الإنسان ومعنی التوکل طبعاً مفهوم عقائدی ، والتوکل غیر التواکل ، فهناک فرقٌ بین أن یکون الإنسان عطال بطال کسلان فشلان وبین أن یکون مثابرا" بضمیمة اعتماده علی تقدیر الباری تعالی ، یقول الإمام الصادق (علیه السلام) : ( إن قوماً من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله) لما نزلت : وَ مَنْ یَتَّقِ اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ یَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لا یَحْتَسِبُ 1 أغلقوا الأبواب

ص:80

وأقبلوا علی العبادة وقالوا : قد کفینا فبلغ ذلک النبی (صلی الله علیه وآله) فأرسل إلیهم فقال : ما حملکم علی ما صنعتم ؟ قالوا : یا رسول الله أتکفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا علی العبادة ، فقال : إنه من فعل ذلک لم یستجب له ، علیکم بالطلب(1) .

والتواکل حال یمقته الله (عز وجل) بأ یکون نواما" غیر مجد ، بل یجتهد فی وقار وفی حلم وفی خلق وفی سعة صدر . کیف تتکون عنده سعة صدر مع کونه مجدا" ومجتهدا" فی تدبیر أمور الآخرین ؟ .

تتکون مع صفة التوکل ، وبتوسط خاطرة التوکل ، خاطرة القنوع ، وإلا أی أنفعال أفرض مع أسرتک مع من ترتبط معهم بالعمل بالوظیفة وغیرها ، بالمجتمع وبالأرحام أی أنفعال عندک أنت دقق فیه ستری أنه لتصورک أن الطرف الآخر سیمانعک عن الوصول إلی هدفک وغایتک وبرنامجک ، وهذا تصور لایطابق الحقیقة الواسعة لأن جمیع زوایا الأحداث وجهات الظروف لیست بید الطرف الآخر ، هذا کله مع قیام الشخص العامل بتمام التدبیر وادارة الأمور بذکاء وبمهارة . والجمع بین

ص:81


1- (1) - الکافی ج 5 ، 84 .5.

الأمرین أحد معانی الأختیار وکونه أمرا" بین أمرین بحسب توصیات الدین ، الحدة النزق الأنفعال الطیش هو الذی لا یحبذه الدین ، طبعاً هذه المعانی التی تحصل فی النفس صعبة تمییزها وکیف یمیز الإنسان بین التوکل والتواکل ، کیف یمیز الإنسان بین التدبیر والحد وبین الحدة ؟!، یفکر خطأ الإنسان أنه إذا أراد أن یکون کفوئا" مجدا" مدبرا" أن یحتد هذا التفکیر خطأ ، وأن ینفعل هذا خطأ .

التواضع :

ورد فی الروایات أن الإنسان متی یکون عنده طیش علی الآخرین ، عندما یری أن له مقام یکبر فیه علی الآخرین یطیش الطیش نفسه الخرق ، فالطیش ولید أستعظام الإنسان لنفسه کبر الإنسان لنفسه ، وقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : (القنوع) . یعنی لا تقیم لذاتک فی قرارة نفسک کثیر أستعظام وحق وأستحقاق . مثلا" عندما یقع شجار بینک وبین أبنک تری کأنک خالقه ، ترید أن تربیه تحتد علیه بشکل قاتل . أو مع الزوجة أو مع بنت أو أی واحد من الأسرة ، أو غیره أصغیر منک من أرحامک وما شابه

ص:82

ذلک ، تطیش بحدة .یقول رسول الله(صلی الله علیه واله) :

أجتنبوا الکبر ، فان العبد یتکبر حتی یقول الله عزوجل أکتبوا عبدی من الجبارین (1).

الطیش من الحدة لماذا ؟ لأنک تری أن لک من الحق کأنما تستملک الطرف الآخر ، هذا أستعظام الإنسان لنفسه وذاته ، إذا لم یستعظم الإنسان نفسه وذاته قنع ، قنع یعنی یعلم أنه عندما یذهب إلی دورة المیاه ماذا یخرج منه . فلماذا هذا التعاظم لذات الإنسان نفسه .

یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) : ( عجبت لأبن آدم ، أوله نطفة ، وآخره جیفة ، وهو قائم بینهما وعاء للغائط ثم یتکبر )(2) .

إذن لماذا یستعظم الإنسان نفسه أو کما فی دعاء السجاد : ( اللهم ما نشرت لی من منقبة ) أو : ( السؤدد فی الناس فحططنی فی نفسی بقدرها ) ، لکی یصبح توازن عند الإنسان ، لا یستعظم ذاته فی مقابل الآخرین. فإذن حالة التواضع وخطورة التواضع والتذلل فی النفس هذه عبارة عن مفاد کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام). فی دعاء الصباح (القنوع) الذی یقنع لذاته بالشیء

ص:83


1- (1) - نهج البلاغة : الخطبة (192) .
2- (2) - الوسائل ج1 :344 ح4

الیسیر إذن لا یستعظم لنفسه حقوق ولا یری لنفسه أستحقاقات کثیرة علی الآخرین تفوق الآخرین ولا یصبح عنده أنفعال ینفعل لماذا وکل شیء فیه ملک الباری تعالی ولیس له من نفسه وذاته شیء ؟! .

إحدی الأسر کانت لدیهم بنت متدینة جداً ووالدیها ما کانوا بتلک الحدة من التقید بالمسائل الشرعیة بالدقة جداً ، وکانت البنت تری لنفسها علی الوالدین حق أکثر بأعتبار طابع التدین لدیها أکثر وما شابه ذلک ؛ ففی جلسة ذکرت للبنت أن سر حدتک علی والدیک والعیاذ بالله انک وان کنت فی مسار التدین والدقة والألتزام وما شابه ذلک ولکن ترین لنفسک أستحقاقات أکثر علی والدیک وأن حقوقک أکثر من أستحقاقات والدیک علی نفسک ومن ثم یظهر منک الطیش والحدة علی والدیک ، وفعلاً رجعت إلی قرارة نفسها ووجدت الحالة النفسیة هکذا .

فالإنسان متی یطیش سواء علی والدته أو علی والده أو علی صغیر أو ... لما یری لنفسه أستحقاقات أکثر سیعظّم من نفسه . إذن لا یقنع لنفسه بالحق الدونی أو الأستحقاق الدونی أو ما شابه ذلک یتعاظم لنفسه أمور ،

ص:84

ومن ثم تصدر منه الحدة والأنفعال وذهاب الوقار والطیش وکأنما یرید التوسع فی سلطان نفسه بأعتبار یری لنفسه هذا السلطان .

إذن هذه الأفعال أو هذه الصفات ولیدة الخاطر ونیة مُبیّتة ، لا تظن من نفسک أنک تطیش علی والداک أو علی والدتک أو علی أبنک فجأة . هی نتیجة قناعة ، یوجد تفکیر ونیة وخاطرة مُبیّتة لدیک إذا أصلحت ذلک الخاطر فستنال الحلم ویذهب عنک الحدة والتعصب کما فی نص کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) تأدیب هذه الحالات (بإزمة القنوع) . إذن یتم بقضایا الخواطر والدواء والمرهم والعلاج لکثیر من حالات الإنسان هو بتوسط وتفحص الخاطر . کما أن هناک عملیة أختبار لضغط الدم فکذلک الفحص للنفس ، إذا أردت أن تفحص کثیر من الأمور فی ملفات عقل الإنسان أو فی روح الإنسان أو فی قلب الإنسان هذه الملفات موجودة

ومخزونة فی ملفات الخواطر والأفکار . حینها یصدر منک فعل معین تقول کیف صدر منی هذا الفعل هو فی الواقع العجب لیس من صدور ذلک الفعل ، بل العجیب من عدم إلتفات الإنسان وفحصه عن هذا الملف فی خزانة نفسه الذی أولد هذا الفعل . هذا الملف ماذا به من أفکار ماذا به من خواطر .

ص:85

إذا أستطاع الإنسان أن یفحص الفیروس الموجود فی هذه الخواطر والأفکار المخزونة فی الملفات ؛ فی ذهنه ؛ فی أعماق نفسه وفی قلبه حینئذ یصل الی المعالجة ودوماً هی بالأفکار لحالات النفس ، ودوماً بأن تکسر قناعات النفس الخاطئة إلی

قناعة أخری صائبة تزیل وتبید الإذعان والتمسک والتشدد بفکرة معینة خاطئة تصدم النفس ، مثل الفرس الذی لا یروض یجمح دائماً ویتمرد وتمسکها لتقول لها لا خطأ ، لاتجزمین ولاتتمسکین ولاتتشددین فی هذه القناعة الخاطئة .

هی کالدابة ولایخفی أن النساء أیضاً لهم نفوس کالرجال ؛ فالنفس کالدابة الطائشة ، القناعات هی التی تُسیّر الإنسان والخواطر والأفکار هی التی تولد القناعات ، فبالحوار العقلی مع النفس تکرر الخطاب معها إلی أن تکسر قناعتها الخاطئة ، وإذا أستطعت أن تکسر قناعتها الخاطئة سوف تکبحها وتسیطر علیها وتروضها بیسر .

أنت لما تخاصم واحد آخر تحس أن عنده فکرة خاطئة قناعته بشکل آخر لابد أن تزلزلها باستدلال وببرهان وببیان بلیونة بعذوبة إلی أن یلین من تشدده فی القناعة الخاطئة ، النفس هکذا لابد أن تحادثها وتخاطبها

ص:86

وتراوغها وتأخذ وتعطی معها حتی بالکاد تتنازل عن قناعتها وعن تشددها وإلا هی دائماً متمسکة وتقول : لی وأنی وکذا .. وهلم جری .

قائد الأمل والمنی :

لقطة أخری فی دعاء الصباح أیضاً یشیر فیها (علیه السلام) إلی أن حالات الإنسان وأفعاله ناتجة من الخواطر والقناعات إذا لم یستصلحها الإنسان فهی تتواجد وتتراکم کجبل من الخطایا وقوله (علیه السلام) : وإن أسلمتنی أناتک لقائد الأمل والمنی فمن المقیل عثراتی من کبوات الهوی . أناة الله تعنی حلمه وهو أستدراج وهو أخطر من الحوبة لأن بعض الأحیان یحوب الله (عز وجل) یحوب : ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِما کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ 1 ، المصیبة أداة وعصاة الهیة وهی رحمة إلهیة لأنه تنبه وتربی وتأدب الإنسان شبیه بعصا المعلم فی المدرسة فهی تیقظ الانسان عن التمادی فی الخطأ ، ولکن إذا لم یواجه الإنسان العصا الإلهیة : فَصَبَّ عَلَیْهِمْ رَبُّکَ

ص:87

سَوْطَ عَذابٍ إِنَّ رَبَّکَ لَبِالْمِرْصادِ1 ، وأما إذا لم یکن لله (عز وجل) فی هذا المقام تأدیب للعبد بالحوبة بل کان امهال حینئذ تسلم أناة الله وحلمه . وطول أناته ودعته وامهاله یسلم الإنسان إلی کل خاطرة أمل مردیة مهلکة فی قبالة القنوع والقناعة ، کل خاطرة أمل یتسلسل منها خواطر الإنسان وسیستسلم وسیسلس الأنقیاد لتلک الآمال وتلک الخواطر فلا یتبین الإنسان لنفسه بصیرة فی تلک الخواطر التی هی کلها آمال ... آمال مجوفة سراب بقیعة تأخذ بالإنسان إلی برامج لا تخدم حقیقة مستقبل الإنسان وإنما هی تخدم وتدغدغ الخیال فقط ، یظن الإنسان منها لذة روحیة والحال هی دغدغة خیال لیس إلا دغدغة سراب .

العقوبة الإلهیة :

( وإن أسلمتنی أناتک لقائد الأمل والمنی فمن المقیل عثراتی من کبوات الهوی ) لأن الهوی یتبع الأمل : وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَی النَّفْسَ عَنِ

ص:88

اَلْهَوی فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوی 1 ، أی علی حالة الأمل وً الآمال بلحاظ الأهواء وهی نابعة من خواطر ، هی طاقات محرکة للإنسان قدرات تحکم فی الإنسان غریبة وعجیبة وخطیرة ، بینما إذا واجه الإنسان عصی إلهیة وسوط إلهی فیفیق ویصحی ، أما إذا لم یواجه عصی إلهیة وحوبة إلهیة کما یقال الإنسان سیسترسل وهذه حالة خطرة . مثلا" قد یبتلی بمرض یبتلی بشیء معین وهلم جراً ، لکن لماذا الإنسان یسلم نفسه ویوقعها الی وضعیة یحتاج فیها الی أن یؤدب ( إلهی لا تؤدبنی بعقوبتک ) (1). لِمَ الإنسان یطلب من الله التأدیب بالعقوبة ، الإنسان یمکن أن یؤدب نفسه بطریقة أخری ، ( وأدب اللهم نزق الخرق منی ) الأدب الذی یطلبه أمیر المؤمنین ماذا ؟ هل بالعقوبة ؟ کلا .. قال :

(أدب اللهم نزق الخرق منی بأزمة القنوع ) بإصلاح الخواطر ، یعنی بإصلاح الأفکار بإصلاح النوایا ، هذا التأدیب جید ونافع کثیراً ، ولا بد ندعوا الله (عز وجل) دائما" ونطلب صدق

ص:89


1- (2) - مصباح المتهجد : 82 ، الصحیفة السجادیة ، دعاء السحر .

النیة وإخلاص النیة وحسن السریرة (فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفی)1 ، إذن هذا رأس مال خطیر، المهم أصله فی سریرة نفسه وخاطرته ، هذا طریق سلیم ووقائی لیس فیه مهالک ، سهل عجیب بالأفکار فقط ومجانی لا تحتاج إلی أی مؤونة ولا تحتاج إلی مکابدة بدنیة وجهد نفسانی فی الغرائز .

هذه التی نستسهلها ونحن نستصغرها هی أخطر شیء ، هی قدرة التحکم فی مصیر الإنسان المستقبلی فی العوالم الأخری ( تفکر ساعة خیر من عبادة سبعین سنة )(1) ، أنت حتی لو ترید أن تروض عضلاتک وبدنک علی العبادات وبطنک علی الصوم وبدنک علی الحج وغیره وغیره هو لأجل إصلاح الأفکار ، یعنی الأفکار التی هی تصدر الأعمال .

فالذی لدیه برنامج مهم فاحص فی الکمبیوتر برنامج متفحص یفحص عن الفیروس یفحص عن البرامج ویفحص عن أشیاء أخری إذا صار عند الإنسان برنامج فاحص فی أفکاره وقناعته حینئذ یؤدب بطریقة جداً سلیمة وسالمة .

ص:90


1- (2) - ریاض السالکین ج3 : 588 .

أما إذا یؤدب الإنسان بالعقوبة - الله هو المعین اذا کانت العقوبة أخرویة - یوجد من یؤدب بالعقوبة الأخرویة وینجو من النار فیما بعد أحقاب . الناجین من النار یعنی یتأدبون بها مدة من المکوث المریر فیها ، وبعبارة أخری مرضهم الذی حصل لهم بالأعمال السیئة لایشفون منه الابذلک ویخرجون من النار لکن عولجوا بماذا ؟ أدبوا بماذا ؟ . بالعقوبة الأخرویة - أعوذ بالله - . حتی العقوبة الدنیویة إذا أستطاع الإنسان أن لا یکون برنامج الله معه التأدیب بتوسط العقوبة الدنیویة فهذا الإنسان ذو حظ عظیم ، أدب بماذا ؟ بالأفکار بالخواطر : ( وأدب اللهم نزق الخرق منی بأزمة القنوع ) أما : ( إلهی لا تؤدبنی بعقوبتک ) فالحیوان الذی لیس لدیه تفکیر یروض ویؤدب بالضرب ؛ أما الإنسان المفروض أنه فی القمة ، فالمیزة المهمة الممتاز فیها الإنسان عن بقیة الکائنات هو التفکیر أو عقله . ولذلک فان قدرة التحکم فی الإنسان هی هذه النوایا والخواطر وهو أمر جداً مهم .

ص:91

دقة الخواطر :

أیضاً مقطع آخر یشیر فیه (علیه السلام) فی دعاء الصباح إلی خطورة الخواطر ، أصلاً أکثر دعاء الصباح وأکثر أدعیة الأئمة (علیهم السلام) هی نوع من الفحص ، والتربیة ، وتعبئة الإنسان ، ودق جرس الخطر لدی الإنسان فی الأفکار والقناعات والخواطر لدی الإنسان . أکثر الأدعیة لا تعالج الأعمال بما هی أعمال بل تعالج الخواطر النفسانیة . وتفند الخواطر الخاطئة وقناعة النفس وتعصبها وتبدلها بخواطر صحیحة .

أنظر للکمبیوتر الحاسوب کمثال ، الکمبیوتر طبیعته جهاز علمی لا یسیر مثل بقیة الأجهزة الأخری ، کیف تضع فیه برامج یسیر علیها . ولایتخلف عنها محال ، الکمبیوتر لو کان یدیر صواریخ نوویة ، أو غواصات نوویة ، أو یدیر بارجات حربیة ، ویدیر أقمار صناعیة ، ویدیر مصانع ، ویدیر طائرات فی الطیران هبوط وإقلاع .

الکمبیوتر الحاسوب لایعطیک نشاطا" وفعالیة إلا ببرنامج علمی ، إذن البرنامج العلمی أساس منطلق مهم جداً فی الکمبیوتر ألیس کذلک ، هکذا الإنسان أیضا" .

ص:92

بل أعظم من ذلک ولا یمکن أن تتوقع منه فعل یصدر أو لا یصدر إلا بالبرنامج العلمی ، الذی هو الأفکار والقناعات ، والخواطر التی فی الإنسان ، وهذه المشکلة الشاکلة لدی الإنسان الذی لا یلتفت إلی هذه البرامج العلمیة التی یخزنها فی حافظته . فی عقله الباطن من أفکار وخواطر ، وأکثر الأدعیة تحاول أن تصب فی مداواة ومعالجة هذه البرامج العلمیة ، کما هو الحال فی أن تجعل الکمبیوتر وتصبح فعالیاته نشطة وتجعل فیه برامج ، تصفی أو تنسق البرنامج وتبوب وتعید التشغیل بأستمرار کما أنه عملیة التصفیة واعادة التبویب للملفات بنحو مستمر یصیر الحاسوب أکثر نشاطا" فبنحو متکرر ومستمر تجری له محاسبة وتصنع له الفایلات وطرد فایروسات .. الخ .

الإنسان أخطر وأخطر من أعادة تشغیل الحاسوب وتصفیته ، أصلاً محاسبة الإنسان لنفسه لیس محاسبة أعمال أکثر مما هی محاسبة قناعات وخواطر وأفکار ، وهی ندوة فکریة یعقدها الانسان دائما" مع نفسه ، فی مجالات عدیدة وأکثر مما هی محاسبة قناعات وخواطر مما هی محاکمة ومجابهة ، إذا کان هذا الجهاز فی الإنسان وهو جهاز محاسبة الأفکار ، محاسبة الذاکرة ، محاسبة الخواطر النوایا یحاسبها أی یوزنها ، إذا کان

ص:93

الانسان فاعل بحیویة لترشید نفسه ، أما إذا کان الإنسان متغافل عن ذلک فیجیء لک فی أنترنت المعلومات الفکریة ویدخلون لک ببرامج تحرق الذاکرة کصور الفاحشة وغیر ذلک قضایا تؤدی إلی حرق کل البرامج التی عندک ، الشیاطین والجن هکذا یصنعون فی البرید الألکترونی فی الإنسان ، حتی فی النوم وفی الرؤیا التی یریک إیاها فیها قناعات خاطئة ، ربما یستغیظک ویختزن فیک عداوة علی أخیک أو علی زوجتک أو علی أبنک أو علی رحمک أو علی قریبک أو علی صدیقک حتی فی حلم المنام نعم یخزن فیک معلومات خاطئة ، أنت إذا قمت فی الصباح ولم تشغل برنامج ضد الفیروسات مرة واحدة تحدث لک حالة نفرة من الطرف الآخر ، وقد ذکرنا سابقاً بحث السحر وبحث العزائم وهذه الأمور الغریبة والجن والشیاطین وغیرها کلها فی الواقع ترتبط بالأفکار . فیقول : أنا مسحور أو أنا مضروب بعین ، وأنا محسود أو أنا .. أنا ... ولیکن جهاز التحکم فی نفسک من قبل أرادتک ومراقبة ذاتک للأفکار والحالات ، لا من قبل الآخرین ولا من قبل أی واحد ؟! بل من قبل أفکارک خواطرک نوایاک ، إذا أصبح لدیک قدرة تحکم وقدرة فاحص وبرنامج فحص للأفکار والخواطر لا یستطیع أحد أن یؤثر فیک أو یؤثر علیک .

ص:94

الثوب القبیح :

التعبیر فی دعاء أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی مقطع آخر : ( إلهی أترانی ما أتیتک إلا من حیث الآمال ) ، الإنسان قد یقبل علی الله (عز وجل) لکن بزی قبیح یقبل علی الله (عز وجل) . ما هو الزی القبیح ؟ بدل أن یقبل علی الله (عز وجل) من باب الطاعة والتذلل والوقار للعظمة الإلهیة یقبل علی الله بالتمنی .

مثلاً : عندک ابن أو زوجة أو زوج مع زوجة أو صدیق لصدیق یسیء العمل ومع ذلک یزداد توقعه منک أکثر رغم أسائته . أنت ماذا تقول ؟! تقول هذا بطران بطر عجیب ، هو یسیء المعاملة ویستخف بحقوق المعاملة والأدب وعلاوة علی ذلک یتوقع منی الإحسان ، ألیس هذا بطران ؟! .

أنت تنظر له أنه بطران ، بطران أی مستعظم لنفسه والحال أنه وضیع أو لا یستحق شیء ویتعاظم لنفسه

بان لها استحقاقات أخری ، ومن الخطأ جداً أن یقبل الإنسان علی الله (عز وجل) فقط من حیث الآمال ، یأمل من الله الأشیاء والحال أنه لا یراه الله حیث موطن الطاعة والتذلل . کما فی الحدیث الذی ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) :

(لا تحصل الجنة بالتمنی ) ، إذن

ص:95

الأقبال علی الله لیس بالتمنی . أنظر هذه حالة الأمل مع سوء العمل ، هذه حالة ردیئة جداً وثوب قبیح جداً إذا أردت أن تفد علی الله (عز وجل) به وهذه أیضاً حالة نفسانیة وخاطرة نفسانیة مؤثرة جدا" علی مصیر الإنسان .

إلهی أترانی ما أتیتک إلا من حیث الآمال ) لا من حیث : ( أعوذ بک من سخطک )(1) أو : ( أللهم أغفر لی الکثیر من معاصیک وأقبل منی الیسیر من طاعتک )(2) أو : ( مواضع سخطک ) فالإنسان یراه الله فی مواضع سخطه (عز وجل) ومع ذلک یقول رجائی بالله کبیر ، کیف یکون صادقا" فی ذلک ؟

هذا نوع - والعیاذ بالله - عدم رعایة للوقار مع الله (عز وجل) والأستخفاف بمقام الربوبیة ، هذا کالذی یستغفر من الذنب ویقیم علیه ، وهذا حال - والعیاذ بالله - من لا یراعی الأدب مع الله (عز وجل) ، ویستخف فی المعاملة مع مقام الرب تعالی .

ص:96


1- (1) - الحدائق ج 363.
2- (2) - مصباح المتهجد :130 نافله اللیل .

فالإقبال علی الله (عز وجل) حتی من حیث الخواطر والحالات له شرائط له ألبسة : ( إلهی أترانی ما أتیتک إلا من حیث الآمال أم علقت بأطراف حبالک إلا حین باعدتنی ذنوبی عن دار الوصال ) حین تباعده الذنوب عن دار الوصال مع الله (عز وجل) ، الوصالة ، الوصلیة ، الصلة ، القرب الزلفی ، کلها یعبر عنها بالوصال ، حینما تباعده الذنوب یتعلق الإنسان بالله تعالی ، هذه لیست حالة یقبل العبد فیها علی الله .

العقائد والخواطر :

المعاد وحقائق مجهولة :

یقول النبی (صلی الله علیه وآله) :

( ما قسم الله للعباد شیئاً أفضل من العقل )(1) : وهذا بیان من الوحی أن العالم العقلی أعظم من العالم النفسانی ، واعظم من العالم البدنی ، بل أعظم حتی من الجنة ومن حور العین والقصور والغرفات ، ولذلک نلاحظ من خلال هذا البیان أن هناک جملة من المحققین یقولون أن جزاء العقائد الحقة لیست هی الجنة ، لأنه إذا کانت

ص:97


1- (1) - الکافی ج1 : 12 ،: ج11 .

العقائد الحقة التی ترتبط بالعقل وإدراکاته وبأمور فوق عالم الأجسام وهی أفضل من الجنة الجسمانیة فکیف یکون المفضول جزاء للفاضل ؟!

فالفاضل جزاءهُ فاضل أو ما هو أفضل .

إذن الجزاء فی البرزخ أو الجزاء فی یوم الجزاء من الجنان لیست جزاءات للعقل بل هذه جزاءات الأعمال البدنیة أو الأعمال النفسانیة ولکن بشفاعة وهیمنة العقائد الحقة وأن العقائد الحقة شرط فی هذا الجزاء .

روی أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال : بینا أنا قائم علی الحوض إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم ، فقال لهم : هلمَّ قلت إلی أین ، قال إلی النار والله ، فقلت : وما شأنهم ، قال : إنهم قد أرتدوا علی أدبارهم القهقری ثم إذا زمرة أخری حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم ، فقال لهم : هلمَّ فقلت إلی أین ؟ قال إلی النار والله ، قلت ما

ص:98

شأنهم قال إنهم قد أرتدوا علی أدبارهم ، فلا أراع یخلص منهم إلا مثل همل النعم(1) .

وفی حدیث آخر عنه (صلی الله علیه وآله) :

یرد علی الحوض یوم القیامة رهط من أصحابی فیحلؤون عن الحوض فأقول : یا رب أصحابی ، فیقال إنه لا علم لک بما أحدثوا بعدک إنهم أرتدوا علی أعقابهم القهقری(2)

ومن یبین الإمام الرضا (علیه السلام) سبب هذا الحؤل ، حیث روی أنه سئل الإمام الرضا (علیه السلام) عن قول النبی (صلی الله علیه وآله) : أصحابی کالنجوم بأیهم أقتدیتم ، وعن قوله (علیه السلام) : دعوا لیّ أصحابی ، فقال (علیه السلام) : هذا صحیح یرید من لم یغیر بعده ولم یبدل ، قیل : وکیف یعلم إنهم قد غیروا أو بدلوا ؟ قال : لما یروونه : من أنه (صلی الله علیه وآله) قال : لیذادن برجال من أصحابی یوم القیامة عن حوض کما تذاد غرائب الأبل عن الماء ، فأقول : یا رب أصحابی أصحابی ، فیقال لی : إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک ؟ فیؤخذ بهم ذات

ص:99


1- (1) - البخاری ج7 : 208 . کتاب الرقاق ، عمدة القاریءج 23 : 141 ، ح : 5856 ، کنز العمال ج14 : 417 ، ح : 39124 .
2- (2) - المصدر السابق .

الشمال ، فأقول : بعداً لهم وسحقاً لهم أفتری هذا لمن لم یغیر ولم یبدل(1) . والظریف إن فی بعض تلک الروایات یسأل الراوی الإمام (علیه السلام) أنه کیف وصل هؤلاء الذین بدّلوا وأحدثوا بعد رسول الله (صلی الله علیه واله) إلی قرب الحوض ، فیجیب (علیه السلام) : أن وصولهم إلی قرب الحوض هو بسبب ماکان لهؤلاء من سوابق مع رسول الله ( صلی .....) .

فإن وصولهم إلی الحوض یعنی تجاوز عقبات لعالم یوم القیامة ، وهذه السوابق التی کانت عندهم أحبطها الله بلحاظ جزاء الجنة ولم یحبطها بلحاظ عالم یوم القیامة وقد لا یحبطها حتی بلحاظ عالم البرزخ .

ولذلک ورد فی الروایات کیفیة قبض روح الکافر أو روح المؤمن ، فعن أبی حمزة قال : سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول : إن آیة المؤمن إذا حضره الموت یبیض وجهه أشد من بیاض لونه ، ویرشح جبینه ، ویسیل من عینیه کهیئة الدموع فیکون ذلک خروج نفسه ، وإن الکافر تخرج نفسه سیلاً من شدقه کزبد البعیر ، أو کما تخرج نفس البعیر(2) .

ص:100


1- (1) - عیون أخبار الرضا ج2 : 93 ، ح : 2033 .
2- (2) - البحار ج6 ح317 :ح34 .

أو کما یقول الصادق (علیه السلام) : ... للمؤمن کأطیب طیب یشمه فینعس لطیبه وینقطع التعب والألم عنه ، والکافر کلسع الأفاعی ولدغ العقارب وأشد(1)

الخواطر یوم القیامة :

ولکی یزید الله من ثواب المؤمنین یشدّد علیهم فی الإمتحان ، ففی بعض الروایات أن هناک حالات وخواطر قلبیة تجری علی أهل عرصات القیامة ، فإنه عالم أطول عمراً من الدنیا والبرزخ ولیس هو یوم واحد ، فعن أبن مسعود قال : کنت جالساً عند أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال : إن فی القیامة لخمسین موقفاً کلموقف ألف سنة(2) .

ص:101


1- (1) - المصدر السابق ح : 50 .
2- (2) - البحار ، ج7 : 71 ، ح : 42 .

وکأنما عرصات یوم القیامة أمتحانات الخواطر القلبیة المعرفیة : یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَی النّاسَ سُکاری وَ ما هُمْ بِسُکاری وَ لکِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِیدٌ 1

فهناک أمتحان أصعب ، فالقلب هناک یمیل إما نحو رجاء الله (عز وجل) أو الیأس من رحمة الله ، روی أن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال لجبرائیل (علیه السلام) : کفی بالموت طامة(1)یا جبرائیل ! فقال جبرائیل : ما بعد الموت أطم(2) وأعظم من الموت(3) .

فیوم الخلاص لیس فی البرزخ وینتهی الأمر ، بل توجد أمتحانات شاقة یوم القیامة ، نعم توجد هناک منازل أستراحة ولکن المسافة طویلة ، ربما أنت تصلی صلاة کثیرة ولکن ماذا تفیدک مجرد هذه الصلاة إذا ساء ظنک بالله تعالی فی عرصات یوم القیامة .

ص:102


1- (2) - الطامة : الداهیة تفوق ما سواها
2- (3) - أی أعظم وأفقم .
3- (4) - البحار ج6 ، ح : 302.

ومن ثم قد تسأل سؤال وهو أن العقائد أی جنة جزاؤها ؟ إن جزاءها فوق الجنة یذکر الشیخ الصدوق أن بعض أنواع الجزاء لبعض أهل الجنان هی بحور من أنوار الأسماء الإلهیة یسبحون فیها حیث یقول :

منهم المتنعمون بتقدیس الله وتسبیحه وتکبیره فی جملة ملائکته(1) .

فأحوال القیامة لیست هی جزاء بل هی أمتحانات الخواطر والأحوال القلبیة ولیس أحوالا" نفسانیة یعتمد علی جهاز التحکم فی الأفکار والخواطر القلبیة إذ عنوان الشأن التکوینی وشعار حال یوم القیامة هو ماقاله تعالی (یَوْمَ تُبْلَی السَّرائِرُ )2 ، أی تمتحن سرائر الناس التی هی عبارة عن أحوال نفوسهم بل ماهو أکثر غورا" من حالات النفس وهو مرتبة السر فی القلب (فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفی)3 . فالأبتلاء هو أمتحان ولیس جزاء وإثابة ، ثم لیس السرائر أعمال البدن بل هو شؤون الروح والقلب .

ص:103


1- (1) - الأعتقادات للشیخ الصدوق : 76 .

ففی مجمع البیان : والسرائر أعمال أبن أدم والفرائض التی أوجبت علیه ، وهی سرائر بین الله والعبد و ((تبلی) أی تختبر تلک السرائر یوم القیامة حتی یظهر خیرها من شرها ومؤدیها من مضیعها(1) .

قال تعالی ( أَ فَلا یَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِی الْقُبُورِ *وَ حُصِّلَ ما فِی الصُّدُورِ*إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ یَوْمَئِذٍ لَخَبِیرٌ) 2 . إن هذه الآیات تشیر إلی أن غایة البعث هو تحصیل مافی الصدور أی حالات وخواطر ونیات وما عقد علیه القلب من قناعات ، والیوم أشارة إلی یوم القیامة والذی تقدم إنه أشارة إلی عالم یوم القیامة الذی هو أطول أمدا" من عالم الدنیا ، فعالم النشأة للقیامة أختبار لما فی الصدور ، وأن الأعمال فی دار الدنیا إعداد لأمتحان أکبر وهو ما تحویه الصدور من شؤون ، فأسم الخبیر متحد مع مادة لفظة الأختبار الذی یعن الأمتحان ، وکأن ثمرة أمتحان الدنیا فی الأعمال هو أمتحان عالم الآخر فی الأحوال والمیول النفسیة والأفعال القلبیة .

ص:104


1- (1) نورالثقلین ج5 :552.

فإذا أتتک أهوال یوم القیامة هل یبقی رضاک بالله باق أم یزداد سخطاً - والعیاذ بالله - لأنه الفزع الأکبر بطبیعة الحال : إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها1 ، وهل سیبقی حسن ظننا بالله ؟! وهل سیبقی رضانا النفسانی بالله أم سیتبدل إلی سخط ، وإذا تبدل إلی سخط فهل یدخل الجنة ویکون من أهلها ؟ عقلاً لا یمکن ذلک .

خواطر النبی یونس (علیه السلام) :

فلو لاحظنا موقف یونس (علیه السلام) فکما أن الله عظیم فرسله وأنبیاءه عظام أیضاً یقول تعالی : فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِیمٌ 2 فقد التقمه الحوت وبقی فی بطنها ثلاثة أیام ثم لفظه الحوت وقد ذهب جلده وشعره کما یقول الإمام الرضا (علیه السلام)(1) .

ص:105


1- (3) - البحار ج14: 401 ، ح : 14 .

وهو باق علی إیمانه بالنبوة ، ولم ینفذ صبره ، بل کان یسبح لله (عز وجل) : وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ فَنادی فِی الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظّالِمِینَ 1 ، أنظر إلی هذه الرقة التی هی رقة تعبد العبد إلی رب عظیم ، مع أن الحوت لم تجلس النبی یونس (علیه السلام) علی سریر مخملی وفی بستان من حدیقة الورود ، بل وصل الأمر إلی أن جلده تمزق : وَ أَنْبَتْنا عَلَیْهِ شَجَرَةً مِنْ یَقْطِینٍ 2 ، ومع کل هذا کان یناجی ربه -- کما یقول الإمام الصادق -- الحمد لله ، یا رب من ذا الذی أنعمت علیه وأولیته مثل ما أولیتنی(1) ؟! ، لا کما أستفز أبلیس ، فإنبیاء الله قدموا أمتحانات الفزع الأکبر وهم فی الدنیا ، فیوم القیامة لا بد من إعداد مثل هذا الصبر ، کما حدث للنبی یونس (علیه السلام) حیث یمر فی زلزال نفسی ویقول : لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظّالِمِینَ.

ص:106


1- (3) - البحار ج14 : 403 ، ح : 16 .

عود علی بدء :

بعد ذلک یواصل أمیر المؤمنین (علیه السلام) :

( فبئس المطیة التی أمتطت نفسی من هواها فواهاً لها لما سولت لها ظنونها ومناها ) ، إذن مرکز المعصیة ومرکز السیئة والسلبیة عند الإنسان هو الظنون والمنی أی الخواطر والنیات أی : (فواهاً لها لما سولت لها ظنونها ومناها ) ، فإن الإنسان إذا کان لا یراقب الخواطر والنوایا والأفکار یقع فی الواهیة وبالتالی یحصل لدیه التمرد : ( وتباً لها لجرأتها علی سیدها ومولاها ) ، الجرأة والتمرد والرعونة والفرعنة فی ذات المخلوق کإبلیس . مع الله ، إبلیس لا یلتفت لنفسه وهذا درس لنا وعبرة کم هو الآن صار ضحیة ولکن أیضاً یصیر عبرة لنا نقرأ فی أدعیة الطواف فقرة : ( یا من أستجاب لأبغض خلقه إلیه إذ قال أنظرنی إلی یوم یبعثون )(1) ، یعنی بعبارة أخری الأنکسار إلی الله والتخاضع إلی الله حالة نفسانیة حتی مع تکبل الذات المخلوقة بأردی الصفات أفضل من العدم ، لأن مهما کان سوء قباحة حاله یقول إبلیس ربی أنظرنی ربی ربی نفس هذا یثیر الرحمة الإلهیة ، عندما یقول إبلیس

ص:107


1- (1) جامع احادیث الشیعو ، ج 293:11 ، مناسک الحج ، ادعیه الطواف

نفسه ربی نوع من التخاضع والخضوع هو یتخاضع فی تمرده یطلب من الله بأن یتمرد ، مع إن هذا أیضاً قبیح : قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ یرید أن یغوی بنی آدم ، مع کونه فی تمرده وإن کان قبیحا" ولکن تمرده ممزوج بإنکسار لله ، هذا المقدار من النسبة المئویة من الخضوع هذه الحالة النفسانیة والخواطر أوجبت أن الله (عز وجل) یستجیب لإبلیس ، وهذه الحالة ربما کانت ولیدة صورة السجود السابق فی السماء الذی قام به .

وإن کان فی الروایات لدینا أیضاً أن سر أستجابة الله لإبلیس هو سجوده ، وإن کان سجوده سجود الثعلب وسجود العقرب یعنی باطن سجوده هو طغیان وتتعاظم ذات نفسه لنفسه فیقول من مثلی فیدلل علی الله ، یعنی یتدلع علی الله ؛ الدلال باللغة العامیة یتدلل ، یتدلع یعنی یری نفسه أنه کریم علی طرف أی هو یستحق علی الطرف الأخر ، هذا الدلال أیضاً تعاظم نفسی العابد عندما یتدلل علی ربه فی عبادته فهو تعاظم نفسی یری فی نفسه العظمة أنه یأتی بهذه العبودیة فله الحق علی الله . هذا لیس عبودیة لأنه

ص:108

باطنه کبریاء ولیس عبودیة ، الدلال فی العبادة باطنه کبریاء خفی ، فباطنه نقیض العبودیة باطنه الفرعونیة ، یعنی یتعاظم الذات لدی الإنسان لنفسه .

ومع أن إبلیس کان فی باطن عبادته متمردا" بلحاظ نیته وخاطره ولکن صورة الإنکسار حتی مع الله (عز وجل) شریفة ، أی درجة من درجات الإنکسار لها شرافة ، الشاهد علی أی حال أنه : ( وتباً لها لجرأتها علی سیدها ومولاها ) ، مر بنا أن عمدة العصیان هی النیة ، أصلاً المعصیة سمیت معصیة للتمرد فی النیة والخاطر ، المعصیة لیست فقط لفعل البدن ، فعل البدن وإن کان معصیة فهو هین إلا أن الأعظم قبحا" فی مجموعة المعصیة هو تمرد الخاطر والنیة فی الإنسان عصبیة الإنسان لأن یری لنفسه أنه یستحق هذا الفعل ، فعل الحرام مثلاً ، الفعل الذی یتمرد به علی الله (عز وجل) ، الجرأة فی خطورتها لیس فی العمل البدنی ، الجرأة فی خطورتها فی الخاطر والفکرة ، حینئذ مربط ومربض الفرس فی الإنسان وبرج التحکم فی الخواطر هو النوایا .

وصلی الله علی محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین .

ص:109

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.